أشهد لخرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى إذا كنا ببعض الطريق سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صوت الحسن والحسين، وهما يبكيان، وهما مع أمهما، فأسرع السير حتى أتاهما، فسمعته يقول: ما شأن ابني؟ فقالت: العطش. قال: فأخلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى شنة يتوضأ بها، فيها ماء، وكان الماء يومئذ إعذاراً، والناس يريدون الماء، فنادى: هل أحد منكم معه ماء؟ فلم يبثق أحد إلا أخلف يده إلى كلاله يبتغي الماء في شنه، فلم يجد أحد منهم قطرة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ناوليني أحدهما، فناولته إياه من تحت الخدر فرأيت بياض ذراعيهما حين ناولته، فأخذه فضمه إلى صدره وهو يصغو ما يسكت، فأدلع له لسانه فجعل يمصه حتى هدأ وسكن، فلم أسمع له بكاء، والآخر يبكي كما هو ما يسكت. فقال: ناوليني الآخر فناولته إياه، ففعل به كذلك فسكتا، فما اسمع لهما صوتاً، ثم قال: سيروا. فصدعنا يميناً وشمالاً عن الظعائن حتى لقيناه على قارعة الطريق. فأنا لا أحب هذين وقد رأيت هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! وعن أنس قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يفرج بين رجلي الحسن، ويقبل ذكره.
وعن أبي هريرة قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حامل الحسن بن علي على عاتقه ولعابه يسيل عليه.
وعنه قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمص لعاب الحسن والحسين كما يمص الرجل التمرة.(7/17)
وعن ابن عباس قال: اتخذ الحسن والحسين عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعل يقول: هي يا حسن، خذ يا حسن، فقالت عائشة: تعين الكبير على الصغير؟ فقال: إن جبريل يقول: خذ يا حسين.
وعن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل على ابنته فاطمة وابناها إلى جانبها، وعلي نائم، فاستسقى الحسن، فأتى ناقة لهم فحلب منها، ثم جاء به فنازعه الحسين أن يشرب قبله حتى بكى، فقال: يشرب أخول ثم تشرب. فقالت فاطمة: كأنه آثر عندك منه؟! قال: ما هو بآثر عندي منه، وإنهما عندي بمنزلة واحدة، وإنك وهما وهذا المضجع معي في مكان واحد يوم القيامة.
وعن ابن مسعود: أنه كان مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذ مر الحسن والحسين وهما صبيان، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هاتوا ابني أعوذهما بما عوذ به إبراهيم ابنيه إسماعيل وإسحاق، فضمهما إلى صدره، وقال: أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، وكل عين لامة.
وكان إبراهيم النخعي يستحب أن يواصل هؤلاء الكلمات بفاتحة الكتاب. وقال منصور: تعوذ بها فإنها تنفع من العين والفزعة ومن الحمى ومن كل وجع.
وعن ابن عمر قال: كان على الحسن والحسين تعويذان فيهما زغب من زغب جناح جبريل.
وعن الحسن بن علي بن أبي طالب قال: رأيت عيسى بن مريم عليه السلام في النوم، فقلت: يا روح الله، إني أريد أن أنقش(7/18)
على خاتمي فما أنقش عليه؟ قال: انقش عليه لا إله إلا الله الحق المبين فإنه يذهب الهم والغم.
وعن محمد بن سيرين قال: نظر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الحسن بن علي فقال: يا بني، اللهم سلمه وسلم منه.
وعن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه لم يكن نبي قبلي إلا وقد أعطي سبعة رفقاء، نجباء، وزراء، وإني أعطيت أربعة عشر: حمزة، وجعفر، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وحسن وحسين، وعبد الله بن مسعود، وأبو ذر، والمقداد، وحذيفة، وعمار، وسلمان.
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يقومن أحد من مجلسه إلا للحسن أو الحسين أو ذريتهما.
وعن علي بن أبي طالب عليه السلام قال:
خطبت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنته فاطمة، قال: فباع علي درعاً له؛ وبعض ما باع من متاعه، فبلغ أربع مئة وثمانين درهماً، قال: وأمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يجعل ثلثيه في الطيب، وثلثه في الثياب، ومج في جرة من ماء وأمرهم أن يغتسلوا به. قال: وأمرها ألا تسبقه برضاع ولدها. قال: فسبقته برضاع الحسين وأما الحسن فإنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صنع في فيه شيئاً لا يدري ما هو. فكان أعلم الرجلين.
وعن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنا وفاطمة والحسن والحسين مجتمعون، هذه فاطمة وهذان الحسن والحسين ومن أحبنا يوم القيامة في الجنة، نأكل ونشرب حتى يفرق بين العباد.
وعن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفاطمة: إني وإياك وهذا، يعنيني، وهذين الحسن والحسين يوم القيامة في مكان واحد.
وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لما استقر أهل الجنة في الجنة، قالت الجنة: يا رب أليس وعدتني أن تزينني بركنين(7/19)
من أركانك؟ قال: ألم أزينك بالحسن والحسين؟ قال: فمات الجنة ميساً كما تميس العروس.
وعن حذيفة بن اليمان أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ألا إن الحسن بن علي قد أعطي من الفضل ما لم يعط أحد من ولد آدم، ما خلا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله.
وعن ابن عباس قال: صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة العصر، فلما كان في الرابعة أقبل الحسن والحسين حتى ركبا على ظهر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما سلم وضعهما بين يديه، وأقبل الحسن فحمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحسن على عاتقه الأيمن والحسين على عاتقه الأيسر، ثم قال: أيها الناس: ألا أخبركم بخير الناس جداً وجدة؟ ألا أخبركم بخير الناس عما وعمة؟ ألا أخبركم بخير الناس خالاً وخالة؟ ألا أخبركم بخير الناس أباً وأماً؟ الحسن والحسين: جدهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجدتهما خديجة بنت خويلد، وأمهما فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبوهما علي بن أبي طالب، وعمهما جعفر بن أبي طالب، وعمتهما أم هانىء بنت أبي طالب، وخالهما القاسم بن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخالاتهما: زينب ورقية وأم كلثوم، بنات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ جدهما في الجنة، وجدتهما في الجنة، وأبوهما في الجنة وأمهما في الجنة، وعمهما في الجنة، وعمتهما في الجنة، وخالهما في الجنة، وخالاتهما في الجنة، وهما في الجنة، ومن أحبهما في الجنة.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن فاطمة وعلياً والحسن والحسين في حظيرة القدس، في قبة بيضاء سقفها عرش الرحمن.(7/20)
وعن زينب بنت أبي رافع قالت: رأيت فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتت بابنيها إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شكواه الذي توفي فيه، فقالت: يا رسول الله، هذان ابناك فورثهما، فقال: أما حسن فإن له هيبتي وسؤددي، وأما حسين فإن له جرأتي وجودي.
وعن سعيد بن أبي سعيد المقبري قال: كنا مع أبي هريرة إذ جاء الحسن بن علي فسلم فرددنا عليه ولم يعلم أبو هريرة فمضى، فقلنا: يا أبا هريرة هذا الحسن بن علي قد سلم علينا، قال: فتبعه فلحقه قال: وعليك السلام يا سيدي، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إنه سيد.
وعن جابر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن ابني هذا سيد يعني الحسن بن علي وليصلحن الله على يديه بين فئتين من المسلمين عظيمتين.
قال سفيان: قوله: بين فئتين من المسلمين يعجبنا جداً.
وعن أبي بكرة قال: بينا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب جاء الحسن حتى صعد المنبر فقال: إن ابني هذا سيد، وإن الله سيصلح به بين فئتين من المسلمين عظيمتين. قال: فنظر إليهم أمثال الجبال في الحديد. قال: أضرب هؤلاء بعضهم ببعض في ملك من ملك الدنيا، لا حاجة لي به.
قال الحسن راوي الحديث عن أبي بكرة: فما أهريق في ولايته محجمة من دم.
وعن عمر بن الخطاب: أنه لما دون الدواوين وفرض العطاء ألحق الحسن والحسين بفريضة أبيهما مع أهل بدر لقرابتهما من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففرض لكل واحد منهما خمسة آلاف درهم.
وعن مدرك أبي زياد قال:
كنا في حيطان ابن عباس، فجاء ابن عباس وحسن وحسين، فطافوا في البستان(7/21)
فنظروا، ثم جاؤوا إلى ساقية فجلسوا على شاطئها، فقال لي حسن: يا مدرك عندك غداء؟ قلت: قد خبزنا. قال: ائت به. قال: فجئته بخبز وشيء من ملح جريش وطاقتي بقل، فأكل ثم قال: يا مدرك ما أطيب هذا! ثم أتي بغدائه، وكان كثير الطعام طيبه، فقال: يا مدرك، اجمع لي غلمان البستان قال: فقدم إليهم فأكلوا، ولم يأكل، فقلت: ألا تأكل؟ فقال: ذاك عندي أشهى من هذا، ثم قاموا فتوضؤوا، ثم قدمت دابة الحسن، فأمسك له ابن عباس بالركاب وسوى عليه، ثم جيء بدابة الحسين فأمسك له ابن عباس بالركاب وسوى عليه.
فلما مضيا قلت: أنت أكبر منهما تمسك لهما وتسوي عليهما؟ فقال: يالكع، أتدري من هذان؟ هذان ابنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أوليس هذا مما أنعم الله علي به أن أمسك لهما وأسوي عليهما؟.
وعن عبد الله بن مصعب قال: كان رجل عندنا قد انقطع في العبادة، فإذا ذكر عبد الله بن الزبير بكى، وإذا ذكر علياً نال منه. قال: فقلت: ثكلتك أمك، لروحة من علي أو غدوة في سبيل الله خير من عمر عبد الله بن الزبير حتى مات، ولقد أخبرني أبي أن عبد الله بن عروة أخبره، قال: رأيت عبد الله بن الزبير قعد إلى الحسن بن علي في غداة من الشتاء باردة. قال: فوالله ما قام حتى تفسخ جبينه عرقاً، فغاظني ذلك، فقمت إليه، فقلت: يا عم، قال: ما تشاء؟ قال: قلت: رأيتك قعدت إلى الحسن بن علي فما قمت حتى تفسخ جبينك عرقاً. قال: يا بن أخي إنه ابن فاطمة، لا والله ما قامت النساء عن مثله.
قال أبو الحسن المدائني: قال معاوية وعنده عمرو بن العاص وجماعة من الأشراف: من أكرم الناس أباً وأماً وجداً وجدة وخالاً وخالة وعماً وعمة؟ فقام النعمان بن العجلان الزرقي، فأخذ بيد الحسن فقال: هذا، أبوه علي، وأمه فاطمة، وجده رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجدته خديجة، وعمه جعفر، وعمته أم هانىء بنت أبي طالب، وخاله القاسم، وخالته زينب. فقال عمرو بن العاص: أحب بني هاشم دعاك إلى ما عملت؟ قال ابن العجلان: يابن العاص أما علمت أنه من التمس رضا مخلوق بسخط(7/22)
الخالق حرمه الله أمنيته وختم له بالشقاء في آخر عمره؟ بنو هاشم أنضر قريش عوداً، وأقعدها سلفاً، وأفضل أحلاماً.
وعن أبي سعيد أن معاوية قال لرجل من أهل المدينة: أخبرني عن الحسن بن علي. قال: يا أمير المؤمنين؛ إذا صلى الغداة جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس، ثم يساند ظهره فلا يبقى في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل، له شرف، إلا أتاه، فيتحدثون حتى إذا ارتفع النهار صلى ركعتين، ثم ينهض فيأتي أمهات المؤمنين فيسلم عليهن، فربما أتحفنه، ثم ينصرف إلى منزله، ثم يروح فيصنع مثل ذلك. فقال: ما نحن معه في شيء.
قال أبو هاشم الجعفي: فاخر يزيد بن معاوية الحسن بن علي، فقال معاوية ليزيد: فاخرت الحسن؟ قال: نعم. قال: لعلك تقول: إن أمك مثل أمه، وأمه فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولعلك تقول: إن جدك مثل جده، وكان جده رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأما أبوك وأبوه فقد تحاكما إلى الله جل وعز فحكم لأبيك على أبيه.
وعن مجالد: أن رجلاً بعث مولاة له إلى الحسن بن علي في حاجة، قالت: فرأيته يتوضأ، فلما فرغ مسح رقبته برقعة فمقته. فرأيت في منامي كأني قئت كبدي وعن محمد بن علي قال: قال الحسن بن علي: إني أستحي من ربي عز وجل أن ألقاه ولم أمش إلى بيته، فمشى عشرين مرة من المدينة على رجليه.
قال عبد الله بن عباس: ما ندمت على شيء فاتني في شبابي إلا أني لم أحج ماشياً. ولقد حج الحسن بن علي(7/23)
خمساً وعشرين حجة ماشياً، وإن النجائب لتقاد معه، ولقد قاسم الله ماله ثلاث مرات حتى إنه يعطي النعل ويمسك النعل.
وفي رواية: وخرج من ماله مرتين.
وعن أم موسى قالت: كان الحسن بن علي إذا أوى إلى فراشه بالليل أتى بلوح فيه سورة الكهف فيقرؤها، قالت فكان يطاف بذلك اللوح معه حيث طاف من نسائه.
قال أبو جعفر: قال علي: قم فاخطب الناس يا حسن، قال: إني أهابك، لن أخطب وأنا أراك، فتغيب عنه حيث يسمع كلامه ولا يراه، فقام الحسن فحمد الله وأثنى عليه، وتكلم ثم نزل، فقال علي: ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.
وعن سعيد بن عبد الرحمن عن أبيه قال:
تفاخر قوم من قريش فذكر كل رجل ما فيهم. فقال معاوية للحسن: يا أبا محمد، ما يمنعك من القول، فما أنت بكليل اللسان؟ قال: يا أمير المؤمنين، ما ذكروا مكرمة ولا فضيلة إلا ولي محضها ولبابها، ثم قال: من الكامل
فيم الكلام وقد سبقت مبرزاً ... سبق الجياد من المدى المتنفس
قال أبو هشام القناد: كنت أحمل المتاع من البصرة إلى الحسن بن علي، وكان يماكسني، فلعلي لا أقوم من عنده حتى يهب عامته، ويقول: إن أبي حدثني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: المغبون لا محمود ولا مأجور.(7/24)
وعن ابن سيرين: أن الحسن بن علي كان يجيز الرجل الواحد بمئة ألف.
وعن سعيد بن عبد العزيز: أن الحسن بن علي سمع إلى جنبه رجلاً يسأل أن يرزقه الله عشرة آلاف، فانصرف فبعث بها إليه.
وعن علي أنه خطب الناس، ثم قال: إن ابن أخيكم الحسن بن علي قد جمع مالاً، وهو يريد أن يقسمه بينكم، فحضر الناس، فقام الحسن فقال: إنما جمعته للفقراء، فقام نصف الناس، ثم كان أول من أخذ منه الأشعث بن قيس.
قال إبراهيم بن إسحاق الحربي، وقد سئل عن حديث عباس البقال، فقال: خرجت إلى الكيس ووزنت لعباس البقال دانقاً إلا فلساً فقال لي: يا أبا إسحاق، حدثني حديثاً في السخاء، فلعل الله عز وجل يشرح صدري فأعمل شيئاً.
قال: فقلت له: نعم: روي عن الحسن بن علي: أنه كان ماراً في بعض حيطان المدينة فرأى أسود، بيده رغيف، يأكل لقمة ويطعم الكلب لقمة، إلى أن شاطره الرغيف، فقال له الحسن: ما حملك على أن شاطرته، فلم يعاينه فيه بشيء؟ قال: استحت عيناي من عينيه أن أعاينه، فقال له: غلام من أنت؟ قال: غلام أبان بن عثمان، فقال: والحائط؟ فقال: لأبان بن عثمان، فقال له الحسن، أقسمت عليك لابرحت حتى أعود إليك.
فمر فاشترى الغلام والحائط، وجاء إلى الغلام فقال: يا غلام قد اشتريتك، فقام قائماً فقال: السمع والطاعة لله ولرسوله ولك يا مولاي، قال: وقد اشتريت الحائط، وأنت لوجه الله والحائط هبة مني إليك، قال: فقال الغلام: يا مولاي، قد وهبت الحائط للذي وهبتني له. قال: فقال عباس البقال: حسن والله يا أبا إسحاق، لأبي إسحاق دانق إلا فلساً، أعطه بدانق ما يريد، قلت: والله لا أخذت إلا بدانق إلا فلساً.(7/25)
حدث رجل من أهل الشام قال: قدمت المدينة فرأيت رجلاً بهرني جماله، فقلت: من هذا؟ قالوا: الحسن بن علي، قال: فحسدت علياً أن يكون له ابن مثله، قال: فأتيته فقلت: أنت ابن أبي طالب؟ قال: إني ابنه فقلن بك وبأبيك وبك وبأبيك، قال: وأرم لا يرد إلي شيئاً، ثم قال: أراد غريباً فلوا استحملتنا حملناك، وإن استرفدتنا رفدناك، وإن استعنت بنا أعناك، قال: فانضرفت عنه وما في الأرض أحد أحب إلي منه.
قال صالح بن سليمان: قدم رجل المدينة وكان يبغض علياً، فقطع به، فلم يكن له زاد ولا راحلة، فشكا ذلك إلى بعض أهل المدينة، فقال له: عليك بحسن بن علي، فقال الرجل: ما لقيت هذا إلا في حسن وأبي حسن، فقيل له: فإنك لا تجد خيراً منه، فأتاه فشكا إليه؛ فأمر له بزاد وراحلة، فقال الرجل: الله أعلم حيث يجعل رسالاته، وقيل للحسن: أتاك رجل يبغضك ويبغض أباك فأمرت له بزاد وراحلة؟! قال: أفلا أشتري عرضي منه بزاد وراحلة؟!.
قال أبو جعفر: جاء رجل إلى الحسين بن علي فاستعان به على حاجة فوجده معتكفاً فقال: لولا اعتكافي لخرجت معك فقضيت حاجتك، ثم خرج من عنده فأتى الحسن بن علي فذكر له حاجته، فخرج معه لحاجته فقال: أما إني قد كرهت أن أعنيك في حاجتي ولقد بدأت بحسين فقال: لولا اعتكافي لخرجت معك، فقال الحسن: لقضاء حاجة أخ لي في الله أحب إلي من اعتكاف شهر.
وعن عي بن الحسين قال: خرج الحسن يطوف بالكعبة فقام إليه رجل فقال: يا أبا محمد، اذهب معي في حاجتي إلى فلان، فترك الطواف وذهب معه، فلما ذهب قام إليه رجل حاسد للرحل الذي ذهب معه، فقال: يا أبا محمد، تركت الطواف وذهبت مع فلان إلى حاجته؟! قال: فقال له حسن: وكيف لا أذهب معه، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من ذهب في حاجة أخية المسلم فقضيت حاجته كتبت له حجة وعمرة، وإن لم تقض كتبت له عمرة.(7/26)
فقد اكتسبت حجة وعمرة، ورجعت إلى طوافي.
وعن أبي هارون قال:
انطلقنا حجاجاً فدخلنا المدينة فقلنا: لو دخلنا على ابن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحسن فسلمنا عليه، فدخلنا عليه فحدثناه بمسيرنا وحالنا، فلما خرجنا من عنده بعث إلى كل رجل منا بأربع مئة، أربع مئة، فقلنا للرسول: إنا أغنياء وليس بنا حاجة فقال: لا تردوا عليه معروفه؛ فرجعنا إليه فأخبرناه بيسارنا وحالنا، فقال: لا تردوا علي معروفي، فلو كنت على غير هذه الحال كان هذا لكم يسيراً، أما إني مزودكم: إن الله يباهي ملائكته بعباده يوم عرفة فيقول: عبادي جاؤوني شعثاً يتعرضون لرحمتي، فأشهدكم أني قد غفرت لمحسنهم وشفعت محسنهم في مسيئهم. وإذا كان يوم الجمعة فمثل ذلك.
قال ابن أبي مليكة: تزوج الحسن بن علي خولة بنة منظور، فبات ليله على سطح أجم، فشدت خمارها برجله، والطرف الآخر بخلخالها، فقام من الليل فقال: ما هذا؟ قالت: خفت أن تقوم من الليل بوسنك فتسقط فأكون أشأم سخلة على العرب، فأحبها، فأقام عندها سبعة أيام، فقال ابن عمر: لم نر أبا محمد منذ أيام، فانطلقوا بنا إليه، فأتوه، فقالت له خولة: احتبسهم حتى نهيىء لهم غداء، قال ابن عمر: فابتدأ الحسن حديثاً ألهانا بالاستماع إعجاباً به حتى جاءنا الطعام.
وقيل: إن التي شدت خمارها برجله هند بنت سهيل بن عمرو.
وكان الحسن أحصن بسبعين امرأة. وكان الحسن قلما تفارقه أربع حرائر، فكان صاحب ضرائر، فكانت عنده ابنة منظور بن سيار الفزاري، وعنده امرأة من بني أسد من آل جهم، فطلقهما، وبعث إلى كل واحدة منهما بعشرة آلاف درهم وزقاق من عسل متعة، وقال لرسوله يسار أبي سعيد بن يسار وهو مولاه: احفظ ما تقولان لك، فقالت الفزارية:(7/27)
بارك الله فيه وجزاه خيراً، وقالت الأسدية: متاع قليل من حبيب مفارق، فرجع فأخبره، فراجع الأسدية وترك الفزارية.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: قال علي: يا أهل الكوفة، لا تزوجوا الحسن بن علي فإنه رجل مطلاق، فقال رجل من همدان: والله لنزوجنه فما رضي أمسك، وما كره طلق.
قال محمد بن سيرين: تزوج الحسن بن علي امرأة فبعث إليها بمئة جارية مع كل جارية ألف درهم.
قال سويد بن غفلة: كانت عائشة الخثعمية عند الحسن بن علي، فلما قتل علي قالت: لتهنك الخلافة. قال: بقتل علي تظهرين الشماتة؟ اذهبي فأنت طالق ثلاثاً، قال فتلفعت بثيابها وقالت: والله ما أردت هذا، وقعدت حتى انقضت عدتها، فبعث إليها ببقية صداقها وبمئة عشرين ألف درهم، فلما جاءها الرسول ورأت المال قالت: متاع قليل من حبيب مفارق، فأخبر الرسول الحسن بن علي فبكى وقال: لولا أني سمعت أبي يحدث عن جدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: من طلق امرأته ثلاثاً لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، لراجعتها.
ولما خطب الحسن بن علي إلى منظور بن سيار بن زبان الفزاري ابنته فقال: والله إني لأنكحك، وإني لأعلم أنك علق طلق ملق غير أنك أكرم العرب بيتاً وأكرمه نسباً.
وكان حسن بن عي مطلاقاً للنساء، وكان لا يفارق امرأة إلا وهي تحبه.
قال أبو رزين: خطبنا الحسن بن علي يوم جمعة فقرأ إبراهيم على المنبر حتى ختمها.
قال ابن سيرين: كان الحسن بن علي لا يدعو إلى طعامه أحداً يقول: هو أهون من أن يدعى إليه أحد.(7/28)
قال جويرية بن أسماء: لما مات الحسن بن علي بكى مروان في جنازته، فقال له حسين: أتبكيه وقد كنت تجرعه ما تجرعه؟! فقال: إني كنت أفعل ذلك إلى أحلم من هذا، وأشار بيده إلى الجبل.
قال عمير بن إسحاق: ما تكلم عندي أحد كان أحب إلي إذا تكلم ألا يسكت من الحسن بن علي، وما سمعت منه كلمة فحش قط إلا مرة، فإنه كان بين حسين بن علي وعمرو بن عثمان بن عفان خصومة في أرض، فعرض حسين أمراً لم يرضه عمرو، فقال الحسن: فليس له عندنا إلا ما رغم أنفه، قال: فهذا أشد كلمة فحش سمعتها منه قط.
قال رزيق بن سوار: كان بين الحسن بن علي وبين مروان كلام، فأقبل مروان فجعل يغلظ له، وحسن ساكت، فامتخط مروان بيمينه، فقال له الحسن: ويحك! أما علمت أن اليمين للوجه والشمال للفرج، أف لك، فسكت مروان.
قال محمد بن يزيد المبرد:
قيل للحسن بن علي: إن أبا ذر يقول: الفقر أحب إلي من الغنى، والسقم أحب إلي من الصحة، فقال: رحم الله أبا ذر، أما أنا فأقول: من اتكل على حسن اختيار الله له لم يتمن أنه في غير الحالة التي اختار الله تعالى له، وهذا حد الوقوف على الرضا بما تصرف به القضاء.
وعن جعيد بن همدان أن الحسن بن علي قال: يا جعيد بن همدان، إن الناس أربعة: فمنهم من له خلاق وليس له خلق، ومنهم من له خلق وليس له خلاق، ومنهم من ليس له خلق ولا خلاق، فذلك أشر الناس، ومنهم من له خلق وخلاق فذلك أفضل الناس.(7/29)
حدث محمد بن كيسان أبو بكر الأصم قال: قال الحسن بن علي ذات يوم لأصحابه: إني أخبركم عن أخ لي، وكان من أعظم الناس في عيني، وكان رأس ما عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه، كان خارجاً من سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يجد ولا يكنز إذا وجد، وكان خارجاً من سلطان فرجه فلا يستخف له عقله ولا رأيه، وكان خارجاً من سلطان الجهلة فلا يمد يداً إلا على ثقة المنفعة، كان لا يسخط ولا يتبرم، كان إذا جاء مع العلماء يكون على أن يسمع أحرص منه على أن يتكلم، كان إذا غلب على الكلام لم يغلب على الصمت، كان أكثر دهره صامتاً فإذا قال بذ القائلين، كان لا يشارك في دعوى ولا يدخل في مراء، ولا يدلي بحجة حتى يرى قاضياً، كان يقول ما يفعل، ويفعل ما لا يقول تفضلاً وتكرماً، كان لا يغفل عن إخوانه ولا يستخص بشيء دونهم، كان لا يلوم فيما يقع العذر في مثله، كان إذا ابتدأه أمران لا يدري أيهما أقرب إلى الحق نظر فيما هو أقرب إلى هواه فخالفه.
وعن الحارث الأعور: أن علياً عليه السلام سأل ابنه الحسن عن أشياء من أمر المروءة فقال: يا بني ما السداد؟ قال: يا أبه، السداد دفع المنكر بالمعروف.
قال: فما الشرف؟ قال: اصطناع العشيرة وحمل الجريرة.
قال: فما المروءة؟ قال: العفاف وإصلاح المرء حاله.
قال: فما الدقة؟ قال: النظر في اليسير ومنع الحقير.
قال: فما اللؤم؟ قال: إحراز المرء نفسه وبذله عرسه من اللؤم.
قال: فما السماحة؟ قال: العدل في اليسر والعسر.
قال: فما الشح؟ قال: أن ترى ما في يديك شرفاً وما أنفقته تلفاً.
قال: فما الإخاء؟ قال: الوفاء في الشدة والرخاء.
قال: فما الجبن؟ قال: الجرأة على الصديق والنكول عن العدو.
قال: فما الغنيمة؟ قال: الرغبة في التقوى والزهادة في الدنيا هي الغنيمة الباردة.
قال: فما الحلم؟ قال: كظم الغيظ وملك النفس.(7/30)
قال: فما الغنى؟ قال: رضاء النفس بما قسم الله عز وجل لها وإن قل، فإنما الغنى غنى النفس.
قال: فما الفقر؟ قال: شره النفس في كل شيء.
قال: فما المنعة؟ قال: شدة البأس ومقارعة أشد الناس.
قال: فما الذل؟ قال: الفزع عند المصدوقة.
قال: فما الجرأة؟ قال: موافقة الأقران.
قال: فما الكلفة؟ قال: كلامك فيما لا يعنيك.
قال: فما المجد؟ قال: أن تعطي في الغرم وأن تعفو عن الجرم.
قال: فما العقل؟ قال: حفظ القلب كل ما استرعيته.
قال: فما الخرق؟ قال: معاداتك لإمامك ورفعك عليه كلامك.
قال: فما لسنا؟ قال: إتيان الجميل وترك القبيح.
قال: فما الحزم؟ قال: طول الأناة والرفق بالولاة، والاحتراس من الناس بسوء الظن هو الحزم.
قال: فما الشرف؟ قال: موافقة الإخوان وحفظ الجيران.
قال: فما السفه؟ قال: اتباع الدناة ومصاحبة الغواة.
قال: فما الغفلة؟ قال: تركك المسجد وطاعتك المفسد.
قال: فما الحرمان؟ قال: تركك حظك وقد عرض عليك.
قال: فما السيد؟ قال: السيد: الأحمق في المال المتهاون في عرضه، يشتم فلا يجيب، المتحزن بأمر عشيرته هو السيد.(7/31)
قال: ثم قال علي عليه السلام: يا بني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا فقر أشد من الجهل، ولا مال أعود من العقل، ولا وحدة أوحش من العجب، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة، ولا عقل كالتدبير، ولا حسب كحسن الخلق، ولا ورع كالكف، ولا عبادة كالتفكر، ولا إيمان كالحياء والصبر، وآفة الحديث الكذب، وآفة العلم النسيان، وآفة الحلم السفه، وآفة العبادة الفترة، وآفة الظرف الصلف، وآفة الشجاعة البغي، وآفة السماحة المن، وآفة الجمال الخيلاء، وآفة الحسب الفخر.
يا بني لا تستخفن برجل تراه أبداً، فإن كان أكبر منك فعد أنه أبوك، وإن كان مثلك فهو أخوك، وإن كان أصغر منك فاحسب أنه ولدك.
قال القاضي أبو الفرج: في هذا الجزء من جوابات الحسن أباه عما ساءله عنه من الحكمة وجزيل الفائدة ما ينتفع به من راعاه وحفظه، ووعاه وعمل به، وأدب نفسه بالعمل عليه، وهذبها بالرجوع إليه، وتتوفر فائدته بالوقوف عنده، وفيما رواه أمير المؤمنين عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مالا غنى كلل لبيب عن حفظه وتأمله والمسعود من هدي لتقبله.
قال المدائني: قال معاوية للحسن بن علي: ما المروءة يا أبا محمد؟ قال: فقه الرجل في دينه، وإصلاح معيشته، وحسن مخالقته.
قال: فما النجدة؟ قال: الذب عن الجار، والإقدام على الكريهة، والصبر على النائبة. قال: فما الجود؟ قال: التبرع بالمعروف والإعطاء قبل السؤال والإطعام في المحل.
قال معاوية يوماً في مجلسه: إذا لم يكن الهاشمي سخياً لم يشبه حسبه، وإذا لم يكن الزبيري شجاعاً لم يشبه حسبه، وإذا لم يكن المخزومي تائهاً لم يشبه حسبه، وإذا لم يكن الأموي حليماً لم يشبه حسبه.(7/32)
فبلغ ذلك الحسن بن علي فقال: والله ما أراد الحق، ولكنه أراد أن يغري بني هاشم بالسخاء فيفنوا أموالهم ويحتاجوا إليه، ويغري آل الزبير بالشجاعة فيفنوا بالقتل، ويغري بني مخزوم بالتيه فيبغضهم الناس، ويغري بني أمية بالحلم فيحبهم الناس.
قال شرحبيل: دعا الحسن بن علي بنيه وبني أخيه فقال: يا بني وبني أخي إنكم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار آخرين، فتعلموا العلم فمن لم يستطع منكم أن يرويه أو يحفظه فليكتبه وليضعه في بيته.
وعن شعبة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الخلافة من بعدي ثلاثون سنة.
قال رجل كان حاضراً في المجلس: قد دخلت من هذه الثلاثين ستة شهور في خلافة معاوية. فقال: من ههنا أتيت! تلك الشهور كانت البيعة للحسن بن علي، بايعه أربعون ألفاً واثنان وأربعون ألفاً.
قال جرير: لما قتل علي بايع أهل الكوفة الحسن بن علي، وأطاعوه وأحبوه أشد من حبهم لأبيه. حدث جماعة من أهل العلم قالوا: بايع أهل العراق بعد علي بن أبي طالب الحسن بن علي ثم قالوا له: سر إلى هؤلاء القوم الذين عصوا الله ورسوله وارتكبوا العظيم، وابتزوا الناس أمورهم، فإنا نرجو أن يمكن الله منهم.
فسار الحسن إلى أهل الشام وجعل على مقدمته قيس بن سعد بن عبادة في اثني عشر ألفاً وكانوا يسمون شرطة الخميس.
وقيل: وجه إلى الشام عبيد الله بن العباس ومعه قيس بن سعد، فسار فيهم قيس حتى نزل مسكن والأنبار وناحيتها، وسار الحسن حتى نزل المدائن.(7/33)
وأقبل معاوية في أهل الشام يريد الحسن حتى نزل جسر منبج.
فبينا الحسن بالمدائن إذ نادى مناد في عسكره: ألا إن قيس بن سعد قد قتل. قال: فشد الناس على حجرة الحسن فانتهبوها حتى انتهبت بسطه وجواريه وأخذوا رداءه من ظهره، وطعنه رجل من بني أسد، يقال له: ابن أقيصر، بخنجر مسموم في إليته، فتحول من مكانه الذي انتهب فيه متاعه فنزل الأبيض قصر كسرى، فقال: عليكم لعنه الله من أهل قرية فقد علمت أنه لا خير فيكم، قتلتم أبي بالأمس، واليوم تفعلون بي هذا!! ثم دعا عمرو بن سلمة الأرحبي فأرسله، وكتب معه إلى معاوية بن أبي سفيان يسأله الصلح، ويسلم له الأمر على أن يسلم له ثلاث خصال: يسلم له بيت المال فيقضي منه دينه ومواعيده التي عليه، ويتحمل منه هو ومن معه من عيال أبيه وولده وأهل بيته، ولا يسب علي وهو يسمع، وأن يحمل إليه خراج فسا ودرا بجرد من أرض فارس كل عام إلى المدينة ما بقي.
فأجابه معاوية إلى ذلك وأعطاه ما سأل.
ويقال: إن الذي أرسله الحسن إلى معاوية هو عبد الله بن الحارث بن نوفل، وأرسل معاوية عبد الله بن عامر بن كريز، وعبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس، فقدما المدائن إلى الحسن فأعطياه ما أراد ووثقا له.
فكتب إليه الحسن أن أقبل، فأقبل من جسر منبج إلى مسكن في خمسة أيام وقد دخل يوم السادس، فسلم إليه الحسن الأمر وبايعه ثم سارا جميعاً حتى قدما الكوفة فنزل الحسن القصر، ونزل معاوية النخيلة، فأتاه الحسن في عسكره غير مرة، ووفى معاوية للحسن ببيت المال، وكان فيه يومئذ سبعة آلاف ألف درهم، فاحتملها الحسن وتجهز بها هو وأهل بيته إلى المدينة، وكف معاوية عن سب علي والحسن يسمع، ودس معاوية إلى أهل البصرة فطردوا وكيل الحسن وقالوا: لا نحمل فيئنا إلى غيرنا يعنون خراج فسا ودرابجرد فأجرى معاوية على الحسن كل سنة ألف ألف درهم، وعاش الحسن بعد ذلك عشر سنين.(7/34)
وروى الزهري في حديث: أن معاوية لم ينفذ للحسن من الشرط الذي شرطه له شيئاً.
وفي رواية: أن الحسن بايع معاوية على أن جعل العهد للحسن من بعده، فكان أصحاب الحسن يقولون: يا عار المؤمنين، فيقول لهم: العار خير من النار.
قال هشام: لما قتل علي بايع الناس الحسن بن علي فوليها سبعة أشهر وأحد عشر يوماً.
وقال غيره: كان صلح معاوية والحسن بن علي ودخول معاوية الكوفة في ربيع الأول سنة إحدى وأربعين.
قال هزان: قيل للحسن بن علي: تركت إمارتك وسلمتها إلى رجل من الطلقاء وقدمت المدينة.
فقال: إني اخترت العار على النار.
وقيل: إن الحسن بن علي لما قدم الكوفة قال له أبو عامر سفيان بن ليلى: السلام عليك يا مذل المؤمنين. فقال: لا تقل ذلك، يا أبا عامر، لست بمذل المؤمنين، ولكني كرهت أن أقتلكم على الملك.
قال أبو بكر بن دريد: قام الحسن بعد موت أبيه، أمير المؤمنين، فقال بعد حمد الله عز وجل: إنا والله ما ثنانا عن أهل الشام شك ولا ندم، وإنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر، فشيبت السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع، وكنتم في مبتدئكم إلى صفين ودينكم أمام دنياكم، فأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم، ألا وإنا لكم كما كنا، ولستم لنا كما كنتم. ألا وقد أصبحتم(7/35)
بين قتيلين: قتيل بصفين تبكون له، وقتيل بالنهروان تطلبون بثأره، فأما الباقي فخاذل، وأما الباكي فثائر. ألا وإن معاوية دعانا إلى أمر ليس فيه عز ولا نصفة، فإن أردتم الموت رددناه عليه، وحاكمناه إلى الله جل وعز بظبا السيوف. وإن أردتم الحياة قبلناها وأخذنا لكم الرضا، فناداه القوم من كل جانب: التقية، التقية، فلما أفردوه أمضى الصلح.
قال أبو جميلة عن الحسن بن علي: أنه بينا هو ساجد إذ وجأه إنسان في وركه؛ فمرض منها شهرين، فلما برأ خطب الناس بعد قتل علي فقال: يا أيها الناس إنما نحن أمراؤكم ضيفانكم، ونحن أهل البيت الذين قال الله عز وجل: أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فكررها حتى ما بقي في المسجد أحد إلا وهو يخن بكاء.
حدث هلال بن خباب عن فلان قال: جمع الحسن بن علي رؤوس أهل العراق في قصر المدائن فقال: يا أهل العراق، لو لم تذهل نفسي عنكم إلا لثلاث لذهلت: مقتلكم أبي، ومطعنكم بطني، واستلابكم ثقلي أو ردائي عن عاتقي، وإنكم قد بايعتموني أن تسالموا من سالمت، وتحاربوا من حاربت، وإني قد بايعت معاوية فاسمعوا له وأطيعوا، ثم قام فدخل القصر وأغلق الباب دونهم.
قال الشعبي: لما صالح الحسن بن علي معاوية، قال له معاوية: قم فتكلم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن أكيس الكيس التقي، وإن أعجز العجز الفجور، ألا وإن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية حق امرىء كان أحق به مني، أو حق لي تركته لمعاوية إرادة إصلاح المسلمين وحقن دمائهم " وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ". ثم استغفر ونزل.(7/36)
قال ابن شهاب: كان عمرو بن العاص حين اجتمعوا بالكوفة كلم معاوية، وأمره أن يأمر الحسن بن علي أن يقوم فيخطب الناس فكره ذلك معاوية، وقال: ما أريد أن يخطب، فقال عمرو: ولكني أريد أن يبدو عيه في الناس فإنه يتكلم في أمور لا يدري ما هي. فلم يزل بمعاوية حتى أطاعه، فخرج معاوية فخطب الناس وأمر رجلاً فنادى الحسن بن علي. قم يا حسن فكلم الناس.
فقام الحسن فتشهد في بديهة أمر لم يتروه فقال: أما بعد، أيها الناس: فإن الله هداكم بأولنا وحقن دماءكم بآخرنا، إن لهذا الأمر مدة والدنيا دول، وإن الله تعالى قال لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون، إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون، وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ".
فلما قالها قال له معاوية: اجلس، ثم جلس، ثم خطب معاوية، ولم يزل ضمراً على عمرو، وقال: هذا عن رأيك.
وعن طحرب العجلي قال: قال الحسن بن علي: لا أقاتل بعد رؤيا رأيتها، رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واضعاً يده على العرش، ورأيت أبا بكر واضعاً يده على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورأيت عمر واضعاً يده على أبي بكر، ورأيت عثمان واضعاً يده على عمر، ورأيت دونهم دماً فقلت: ما هذا؟ فقالوا: دم عثمان يطلب الله به.
قال يوسف بن مازن: عرض للحسن بن علي رجل فقال: يا مسود وجوه المسلمين، فقال: لا تعذلني، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أريهم يلمون على منبره رجلاً فرجلاً، فأنزل الله تعالى " إنا أعطيناك الكوثر "، نهر في الجنة، " إنا أنزلناه في ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر " يملكونه بعدي، يعني بني أمية.(7/37)
قال فضيل بن مرزوق: أتى مالك بن ضمرة الحسن بن علي فقال: السلام عليك يا مسخم وجوه المؤمنين، قال: يا مالك، لا تقل ذلك، إني لما رأيت الناس تركوا ذلك إلا أهله خشيت أن يجتثوا عن وجه الأرض؛ فأردت أن يكون للدين في الأرض ناع، فقال: بأبي أنت وأمي " ذرية بعضها من بعض ".
قال جبير بن نفير الحضرمي: قلت للحسن بن علي: إن الناس يزعمون أنك تريد الخلافة، فقال: كانت جماجم العرب بيدي، يسالمون من سالمت، ويحاربون من حاربت، فتركتها ابتغاء وجه الله ثم أثيرها باتئاس أهل الحجاز؟!.
قال زيد بن أسلم: دخل رجل على الحسن المدينة وفي يده صحيفة، فقال: ما هذه؟ قال: من معاوية يعد فيها ويتوعد، قال: قد كنت على النصف منه، قال: أجل، ولكني خشيت أن يأتي يوم القيامة سبعون ألفاً أو ثمانون ألفاً أو أكثر أو أقل كلهم تنضح أوداجهم دماً، كلهم يستعدي الله فيم هريق دمه.
قال عمران بن عبد الله: رأى الحسن بن علي في منامه أنه مكتوب بين عينيه: " قل هو الله أحد ". ففرح بذلك، قال: فبلغ سعيد بن المسيب فقال: إن كان رأى هذه الرؤيا فقل ما بقي من أجله، قال: فلم يلبث الحسن بعدها إلا أياماً حتى مات.
قال عمير بن إسحاق: دخلت أنا ورجل من قريش على الحسن بن علي، فقام فدخل المخرج ثم خرج، فقال: لقد لفظت طائفة من كبدي أقلبها بهذا العود، ولقد سقيت السم مراراً، وما سقيته(7/38)
مرة هي أشد من هذه، قال: وجعل يقول لذلك الرجل: سلني قبل أن لا تسألني، قال: ما أسألك شيئاً، يعافيك الله.
قال: فخرجنا من عنده ثم عدنا إليه من غد، وقد أخذ في السوق، فجاء حسين حتى قعد عند رأسه فقال: أي أخي من صاحبك؟ قال: تريد قتله؟ قال: نعم. قال: لئن كان صاحبي الذي أظن لله أشد له نقمة، وإن لم يكنه ما أحب أن تقتل بي بريئاً.
قالت أم بكر بنت المسور: لما مات الحسن أقام نساء بني هاشم عليه النوح شهراً.
قال عبد الله بن حسين: كان الحسن بن علي رجلاً كثير نكاح النساء، وكن قلما يحظين عنده، وكان كل امرأة تزوجها إلا أحبته وضنت به، فيقال: إنه كان سقي، ثم أفلت ثم سقي فأفلت، ثم كانت الآخرة توفي فيها. فلما حضرته الوفاة قال الطبيب وهو يختلف إليه: هذا رجل قد قطع السم أمعاءه.
فقال الحسين: يا أبا محمد خبرني من سقاك؟ قال: ولم يا أخي؟ قال: أقتله، والله، قبل أن أدفنك، أولا أقدر عليه؟ أو يكون بأرض أتكلف الشخوص إليه؟ فقال: يا أخي، إنما هذه الدنيا ليال فانية، دعه حتى ألتقي أنا وهو عند الله، فأبى أن يسميه: قال: فقد سمعت بعض من يقول: كان معاوية قد تلطف لبعض خدمه أن يسقيه سماً.
وعن أم موسى: أن جعدة بنت الأشعث بن قيس سقت الحسن السم، فاشتكى منه شكاة، قال: فكان يوضع تحته طست وترفع أخرى نحواً من أربعين يوماً.
قال ابن جعدبة: كانت جعدة بنت الأشعث تحت الحسن بن علي، فدس إليها يزيد أن سمي حسناً، إني زوجك؛ ففعلت.(7/39)
فلما مات الحسن بعثت جعدة إلى يزيد تسأله الوفاء بما وعدها فقال: إنا والله لم نرضك للحسن فنرضاك لأنفسنا، فقال كثير ويرى للنجاشي: من السريع
يا جعد بكيه ولا تسأمي ... بكاء حق ليس بالباطل
لن تستري البيت على مثله ... في الناس من حاف ولا ناعل
أعني الذي أسلمه أهله ... للزمن المستخرج الماحل
كان إذا شبت له ناره ... يرفعها بالنسب الماثل
كيما يراها بائس مرمل ... أو فرد قوم ليس بالآهل
يغلي بني اللحم حتى إذا ... أنضج لم يغل على آكل
قال رقبة بن مصقلة: لما حضر الحسن بن علي قال: أخرجوا فراشي إلى الصحن حتى أنظر في ملكوت السموات، فأخرجوا فراشه، فرفع رأسه، فنظر فقال: اللهم إني أحتسب نفسي عندك، فإنها أعز الأنفس علي، قال: فكان مما صنع الله له أن احتسب نفسه عنده.
وفي رواية: اللهم إني أحتسب نفسي عندك فإني لم أصب بمثلها.
قال عبد الرحمن بن مهدي: لما اشتد بسفيان المرض جزع جزعاً شديداً، فدخل عليه مرحوم بن عبد العزيز، وكان شيخاً عاقلاً فقال: يا أبا عبد الله ما هذا الجزع؟ تقدم على رب عبدته ستين سنة، صمت له، صليت له، حججت له، أرأيتك لو كان لك عند رجل يد، أليس كنت تحب أن تلقاه حتى يكافئك؟ قال: فسري عنه.
قال أبو جعفر: حدث بهذا السندي ونحن مع أبي نعيم، فقال أبو نعيم: لما اشتد المرض بالحسن بن علي بن أبي طالب جزع، قال: فدخل عليه رجل(7/40)
فقال: يا أبا محمد، ما هذا الجزع؟ ما هو إلا أن تفارق روحك جسدك فتقدم على أبويك علي وفاطمة، وعلى جديك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخديجة، وعلى أعمامك: حمزة وجعفر، وعلى أخوالك: القاسم والطيب ومطهر وإبراهيم، وعلى خالاتك: رقية وأم كلثوم وزينب. قال: فسري عنه.
وفي حديث بمعناه: فقال له الحسن: أي أخي إني أدخل في أمر من أمر الله، لم أدخل في مثله، وأرى خلقاً من خلق الله لم ار مثله قط، قال: فبكى الحسين.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: لما أن حضر الحسن بن علي الموت بكى بكاء شديداً، فقال له الحسين: ما يبكيك يا أخي؟ وإنما تقدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى علي وفاطمة وخديجة، وهم ولدوك، وقد أجرى الله لك على لسان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنك سيد شباب أهل الجنة، وقاسمت الله مالك ثلاث مرات، ومشيت إلى بيت الله على قدميك خمس عشرة مرة حاجاً، وإنما أراد أن يطيب نفسه. قال: فوالله ما زاده إلا بكاء وانتحاباً. وقال: يا أخي إني أقدم على أمر عظيم مهول لم أقدم على مثله قط.
قال أبو حازم: لما حضر الحسن، قال للحسين: ادفنوني عند أبي يعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا أن تخافوا الدماء، فإن خفتم الدماء فلا تهريقوا في دماً؛ ادفنوني عند مقابر المسلمين. قال: فلما قبض تسلح الحسين، وجمع مواليه، فقال أبو هريرة: أيدك الله، ووصية أخيك؟ فإن القوم لن يدعوك حتى تكون بينكم دماء. قال: فلم يزل به حتى رجع. قال: ثم دفنوه في بقيع الغرقد. فقال أبو هريرة: أرأيتم لو جيء بابن موسى ليدفن مع أبيه فمنع، أكانوا قد ظلموه؟ قال: فقالوا: نعم. قال: فهذا ابن نبي الله، قد جيء به ليدفن مع أبيه.
وعن محمد بن جعفر عن أبيه قال: سمعت أبا هريرة يقول يوم دفن الحسن بن علي: قاتل الله مروان قال: والله ما كنت لأدع ابن أبي تراب يدفن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد دفن عثمان بالبقيع. فقلت: يا مروان! اتق الله ولا تقل لعلي إلا خيراً، فأشهد لسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول يوم خيبر:(7/41)
لأعطين الراية رجلاً يحبه الله ورسوله، ليس بفرار.
وأشهد لسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في حسن: اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه.
قال مروان: إنك والله قد أكثرت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحديث، فلا أسمع منك ما تقول، فهلم غيرك يعلم ما تقول، قال: قلت: هذا أبو سعيد الخدري. فقال مروان: لقد ضاع حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى لا يرويه إلا أنت وأبو سعيد الخدري. والله ما أبو سعيد الخدري يوم مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا غلام، ولقد جئت أنت من جبال دوس قبل وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاتق الله يا أبا هريرة! قال: قلت: نعم ما أوصيت به وسكت عنه.
وعن أبي رافع وغيره: أن حسن بن علي بن أبي طالب أصابه بطن، فلما عرف بنفسه الموت أرسل إلى عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تأذن له أن يدفن مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيتها، فقالت: نعم بقي موضع قبر واحد قد كنت أحب أن أدفن فيه، وأنا أوثرك به.
فلما سمعت بنو أمية ذلك لبسوا السلاح فاستلأموا، وكان الذي قام بذلك مروان بن الحكم فقال: والله لا يدفن عثمان بن عفان بالبقيع، ويدفن حسن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولبست بنو هاشم السلاح وهموا بالقتال، وبلغ ذلك الحسن بن علي فأرسل إلى بني هاشم فقال لهم رسوله: يقول لكم الحسن: أما إذا بلغ الأمر هذا، فلا حاجة لي به، ادفنوني إلى جنب أمي فاطمة بالبقيع، فدفن إلى جنب فاطمة ابنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال محمد بن الضحاك الحرامي: لما بلغ مروان بن الحكم أنهم قد أجمعوا أن يدفنوا الحسن بن علي مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جاء إلى سعيد بن العاص وهو عامل المدينة، فذكر ذلك له، وقال: ما أنت صانع في أمرهم؟ فقال: لست منهم في شيء، ولست حائلاً بينهم وبين ذلك، قال: فخلني وإياهم. فقال: أنت وذاك. فجمع لهم مروان من كان هناك من بني أمية وحشمهم ومواليهم. وبلغ(7/42)
ذلك حسيناً، فجاء هو ومن معه في السلاح ليدفن حسناً في بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأقبل مروان في أصحابه وهو يقول: من الرجز يا رب هيجا هي خير من دعه أيدفن عثمان بالبقيع ويدفن حسن في بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! والله لا يكون ذلك أبداً وأنا أحمل السيف، فلما صلوا على حسن خشي عبد الله بن جعفر أني يقع في ذلك ملحمة عظيمة، فأخذ بمقدم السرير ثم مضى به نحو البقيع، فقال له حسين: ما تريد؟ قال: عزمت عليك بحقي ألا تكلمني كلمة واحدة، فصار به إلى البقيع، فدفنه هناك، رحمه الله، وانصرف مروان ومن معه.
وبلغ معاوية ما كانوا أرادوا في دفن حسن في بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما أنصفتنا بنو هاشم حين يزعمون أنهم يدفنون حسناً مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد منعوا عثمان أن يدفن إلا في أقصى البقيع، إن يك ظني بمروان صادقاً لا يخلصون إلى ذلك، وجعل يقول: ويهاً مروان أنت لها.
قال الحسن بن محمد بن الحنفية: لما مرض حسن بن علي مرض أربعين ليلة، فلما استعز به وحضرت بنو هاشم، فكانوا لا يفارقونه، يبيتون عنده بالليل، وعلى المدينة سعيد بن العاص فكان سعيد يعوده، فمرة يؤذن له ومرة يحجب عنه، فلما استعز به بعث مروان بن الحكم رسولاً إلى معاوية يخبره بثقل الحسن بن علي.
وكان حسن رجلاً قد سقي وكان مبطوناً، إنما كان تختلف أمعاؤه، فلما حضر، كان عنده إخوته، عهد أن يدفن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إن استطيع ذلك، فإن حيل بينه وبينه وخيف أن يهراق فيه محجمة من دم، دفن مع أمه بالبقيع.(7/43)
وجعل حسن يوعز إلى الحسين: يا أخي إياك أن تسفك الدماء في، فإن الناس سراع إلى الفتنة، فلما توفي الحسن ارتجت المدينة صياحاً، فلا تلقى أحداً إلا باكياً.
وأبرد مروان إلى معاوية يخبره بموت حسن وأنهم يريدون دفنه مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنهم لا يصلون إلى ذلك أبداً وأنا حي.
فانتهى حسين بن علي إلى قبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: احفروا ههنا، فسكت عنه سعيد بن العاص وهو الأمير، فاعتزل ولم يحل بينه وبينه، وصاح مروان في بني أمية ولفها، وتلبسوا السلاح وقال مروان: لا كان هذا أبداً، فقال له حسين: يا بن الزرقاء مالك ولهذا أوال أنت؟ قال: لا كان هذا ولا خلص إليه وأنا حي، فصاح حسين بحلف الفضول؛ فاجتمعت هاشم وتيم وزهرة وأسد وبنو جعونة بن شعوب من بني ليث قد تلبسوا السلاح، وعقد مروان لواء، وعقد حسين بن علي لواء.
فقال الهاشميون: يدفن مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى كانت بينهم المراماة بالنبل وابن جعونة بن شعوب يومئذ شاهر سيفه، فقام في ذلك رجال من قريش: عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، والمسور بن مخرمة بن نوفل، وجعل عبد الله بن جعفر يلح على حسين وهو يقول: يا بن عم ألم تسمع إلى عهد أخيك: إن خفت أن يهراق في محجمة دم فادفني بالبقيع مع أمي؟ أذكرك الله أن تسفك الدماء، وحسين يأبى دفنه إلا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يقول: ويعرض مروان لي ماله ولهذا؟
قال: فقال المسور بن مخرمة: يا أبا عبد الله اسمع مني: قد دعوتنا بحلف الفضول وأجبناك، تعلم أني سمعت أخال يقول قبل أن يموت بيوم: يا بن مخرمة إني قد عهدت إلى أخي أن يدفنني مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن وجد إلى ذلك سبيلاً، فإن خاف أن يهراق في ذلك محجمة من دم فليدفني مع أمي بالبقيع، وتعلم أني أذكرك الله في هذه الدماء، ألا ترى ما ههنا من السلاح والرجال؟ والناس سراع إلى الفتنة.
قال: فجعل الحسين يأبى وجعلت بنو هاشم والحلفاء يلغطون ويقولون: لا يدفن إلا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(7/44)
قال الحسن بن محمد: سمعت أبي يقول: لقد رأيتني يومئذ، وإني لأريد أن أضرب عنق مروان، ما حال بيني وبين ذلك إلا أن أكون أراه مستوجباً لذلك، إلا أني سمعت أخي يقول: إن خفتم أن يهراق في محجمة من دم فادفنوني بالبقيع، فقلت: يا أخي، يا أبا عبد الله، وكنت أرفقهم به، إنا لا ندع قتال هؤلاء القوم جبناً عنهم، ولكنا إنما نتبع وصية أبي محمد، إنه والله لو قال ادفنوني مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمتنا من آخرنا أو ندفنه مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكنه خاف ما قد ترى، فقال: إن خفتم أن يهراق في محجم من دم فادفنوني مع أمي، فإنما نتبع عهده وننفذ أمره.
قال: فأطاع حسين بعد أن ظننت أنه لا يطيع، فاحتملناه حتى وضعناه بالبقيع، وحضر سعيد بن العاص ليصلي عليه فقالت بنو هاشم: لا يصلي عليه أبداً إلا حسين، قال: فاعتزل سعيد بن العاص، فوالله ما نازعنا في الصلاة، وقال: أنتم أحق بميتكم، فإن قدمتموني تقدمت، فقال حسين بن علي: تقدم، فلولا أن الأئمة تقدم ما قدمناك.
قال عباد بن عبد الله بن الزبير: سمعت عائشة تقول يومئذ: هذا الأمر لا يكون أبداً، ببقيع الغرقد ولا يكون لهم رابعاً؟ والله إنه لبيتي أعطانيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حياته، وما دفن فيه عمر وهو خليفة إلا بأمري، وما آثر علي عندنا بحسن.
قال نملة بن أبي نملة: أعظم الناس يومئذ أن يدفن معهم أحد، وقالوا لمروان: أصبت يا أبا عبد الملك لا يكون معهم رابع أبداً.
قال أبو حازم: إني لشاهد يوم مات الحسن بن علي، فرأيت الحسين بن علي يقول لسعيد بن العاص، ويطعن في عنقه، ويقول: تقدم، فلولا أنها سنة ما قدمت، وكان بينهم شيء فقال أبو هريرة: أتنفسون على ابن نبيكم بتربة تدفنونه فيها؟ وقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني.
قالت عائشة بنت سعد: حد نساء بني هاشم على حسن بن علي سنة.(7/45)
قال عمرو بن بعجة: أول ذل دخل على العرب موت الحسن بن علي.
قال مساور مولى سعد بن بكر: رأيت أبا هريرة قائماً على مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم مات الحسن بن علي، ويبكي وينادي بأعلى صوته: يا أيها الناس! مات اليوم حب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فابكوا.
قال سلام أبو المنذر: قال معاوية لابن عباس: مات الحسن بن علي ليبكته بذلك. قال: فقال: لئن كان مات فإنه لا يسد بجسده حفرتك، ولا يزيد موته في عمرك، ولقد أصبنا بمن هو أشد علينا فقداً منه فجبر الله مصيبتنا.
قال ابن السماك: قال الحسين بن علي عند قبر أخيه الحسن يوم مات: رحمك الله أبا محمد، إن كنت لتناصر الحق مظانه، وتؤثر الله عند مداحض الباطل في مواطن التقية بحسن الروية، وتستشف جليل معاظم الدنيا بعين لها حاقرة، وتفيض عيها يداً طاهرة، وتردع بادرة أعدائك بأيسر المؤنة عليك، وأنت ابن سلالة النبوة، ورضيع لبان الحكمة، وإلى روح وريحان وجنة نعيم، أعظم الله لنا ولكم الأجر عليه، ووهب لنا ولكم السلوة وحسن الاتساء عليه.
قال عمر بن علي بن أبي طالب: لما قبض الحسن بن علي، ووقف على قبره أخوه محمد بن علي قال: يرحمك الله أبا محمد، فإن عزت حياتك لقد هدت وفاتك، ولنعم الروح روح تضمنه بدنك، ولنعم البدن بدن تضمنه كفنك، وكيف لا يكون هكذا وأنت سليل الهدى، وحليف أهل التقى، وخامس أصحاب الكساء، غذتك أكف الحق، وربيت في حجر الإسلام، ورضعت ثدي(7/46)
الإيمان، وطبت حياً وميتاً وإن كانت أنفسنا غير طيبة بفراقك، فلا نشك في الخيرة لك، رحمك الله ثم انصرف عن قبره.
قال جهم بن أبي جهم:
لما مات الحسن بن علي عليها السلام، بعث بنو هاشم إلى العوالي صائحاً يصيح في كل قرية من قرى الأنصار بموت حسن، فنزل أهل العوالي ولم يتخلف أحد عنه.
قال ثعلبة بن أبي مالك: شهدنا حسن بن علي يوم مات ودفناه بالبقيع، فلقد رأيت البقيع، ولو طرحت إبرة ما وقعت إلا على إنسان.
قال أبو نجيح: بكى على حسن بن علي بمكة والمدينة سبعاً: النساء والصبيان والرجال.
قال سفيان بن عيينة: سمعت الهذلي يسأل جعفر بن محمد: كم كان لعلي حين قتل؟ قال: قتل وهو ابن ثمان وخمسين سنة ومات لها الحسن، وقتل لها الحسين يعني ولهما هذا السن وهو توفي وهو ابن سبع واربعين، وكان يخضب بالوسمة، وقيل: توفي في سنة تسع وأربعين وهو ابن ست وأربعين سنة، وقيل: توفي في سنة خمسين وولد سنة ثلاث، وكانت ولايته سبعة أشهر وسبعة أيام.
قال الأعمش: أحدث رجل على قبر الحسن فجن، فجعل ينبح كما تنبح الكلاب، ومات فسمع من قبره يعوي ويصيح.(7/47)
الحسن بن علي بن عبد الله
أبو سعيد البرذعي حدث بدمشق عن أحمد بن محمد بن قمير بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم.
الحسن بن علي بن عبد الله الخراساني
قدم دمشق.
وحدث بها عن عبد الله بن داود بسنده عن أنس بن مالك قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، ثم يؤتى بسريرين من نور فينصبان أمام عرش رب العزة، فيجلس على أحدهما الخليل، وعلى الآخر محمد الحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الحسن بن علي بن عبد الصمد
ابن مسعود أبو محمد الكلاعي اللباد المقرىء حدث عن أبي القاسم تمام بن محمد بن عبد الله الرازي بسنده عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله تبارك وتعالى: وشاهد ومشهود قال: الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة.
ولد أبو محمد سنة تسع وسبعين وثلاث مئة، وتوفي في صفر سنة اثنتين وستين وأربع مئة.(7/48)
الحسن بن علي بن عبد الواحد
ابن الموحد بن إسحاق بن إبراهيم بن سلامة أبو محمد السلمي المعروف بابن البري حدث عن أبي محمد بن أبي نصر بسنده إلى علي بن أبي طالب قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الإنسية في غزوة خيبر.
توفي الحسن بن علي بن البري في رمضان سنة اثنتين وثمانين وأربع مئة، وقيل: في صفر سنة ثلاث وثمانين.
الحسن بن علي بن علي بن محمد
ابن جعفر بن القاسم ابن محرز بن جرير بن عبد الله أبو القامس البجلي الجريري يعرف بابن أبي السلاسل حدث عن أحمد بن علي القاضي بسنده إلى المغيرة بن شعبة قال: بعثني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى نجران، فقالوا: رأيت ما يقرؤونك يا أخت هارون وموسى وهارون قبل عيسى بكذا وكذا سنة! قال: فرجعت فذكرت ذلك للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم؟ توفي أبو القاسم البجلي بن أبي السلاسل في رجب سنة أربع وستين وثلاث مئة.
الحسن بن علي بن عمر بن عيسى
أبو محمد الحلبي العبسي الأديب المعروف بابن كوجك حدث عن سعيد بن نفيس المصري بسنده عن أبي خالد عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين.(7/49)
الحسن بن علي بن عمر
ويقال: ابن علي بن عمار أبو محمد التميمي النحوي، المعروف بابن المصحح حدث عن أبي بكر بن محمد بن أحمد بن عثمان السلمي بسنده عن جابر قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر، فهاجت ريح تكاد تدفن الراكب، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بعثت هذه الريح لموت منافق.
قال: فلما قدمنا المدينة إذا هو قد مات في ذلك اليوم عظيم من عظماء المنافقين.
توفي ابن المصحح في رجب سنة أربع وأربعين وأربع مئة، وقيل: في سنة ثلاث وأربعين.
الحسن بن علي بن عياش
حدث عن منبه بن عثمان بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا سها أحدكم في صلاته ولا يدري أزاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس.
الحسن بن علي بن عيسى
أبو عبد الغني الأزدي المعاني من أهل معان منا البلقاء حدث عن عبد الرزاق بن همام بسنده عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي، ما أكرم النساء إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم.
وحدث عنه أيضاً بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا كان يوم عرفة غفر الله للحاج الخالص، فإذا كانت ليلة المزدلفة غفر الله للتجار،(7/50)
فإذا كان يوم منى غفر الله للجمالين، فإذا كان يوم رمي جمرة العقبة غفر الله عز وجل للسؤال، فلا خلق يعني يحضر إلى ذلك الموقف إلا غفر الله له.
كان ضعيفاً.
الحسن بن علي بن محمد
أبو علي وقيل أبو محمد الدمشقي سكن نيسابور، وحدث بها سنة ثمان وثمانين وثلاث مئة.
حدث ببلخ عن أبي بكر محمد بن سليمان بن علي القاضي المالكي بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من تأدم بالخل وكل الله به ملكين يستغفران الله له إلى أن يفرغ من تأدمه.
الحسن بن علي بن محمد
أبو علي القطني الموازيني من قطنا قرية من قرى دمشق.
حدث عن أبي بكر محمد بن حميد بن معيوف بسنده عن أبي رزين أنه قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألا أدلك على ملاك هذا الأمر الذي تصيب به خير الدنيا والآخرة، عليك بمجالسة أهل الذكر، وإذا خلوت فحرك لسانك ما استطعت بذكر الله عز وجل، وأحبب في الله، وأبغض في الله يا أبا رزين، هل شعرت أن الرجل إذا خرج من بيته زائراً أخاه، شيعه سبعون ألف ملك، كلهم يصلون عليه ويقولون: ربنا إنه وصل فيك فصله. فإن استطعت أن تعمل جسدك في ذلك فافعل.(7/51)
الحسن بن علي بن محمد بن أحمد
ابن جعفر أبو علي الوخشي البلخي الحافظ سمع بدمشق وبمصر.
وخش ناحية من نواحي بلخ.
حدث عن أبي سعيد شعيب بن محمد بن إبراهيم الشعبي بسنده عن عائشة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: تختموا بالعقيق فإنه مبارك.
توفي أبو علي الوخشي سنة ست وخمسين وأربع مئة، وقيل: إن هذا التاريخ وهم.
الحسن بن علي بن القاسم
أبو علي القيرواني الخفاف سكن دمشق.
روى عن أبي الحسين عبد الوهاب بن الحسن بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني لأستغفر الله وأتوب إليه مئة مرة في اليوم.
الحسن بن علي بن مصعب بن بدر
أبو بكر اللخمي سمع بدمشق وبمصر، وقيل: اسمه الحسين.
قال: سمعت هشام بن عمار يقول: سمعت أنس بن مالك يقول: لا يفلح كذاب أبداً، ولا يأتي بخير.(7/52)
الحسن بن علي بن موسى بن هارون
وقيل ابن إبراهيم أبو علي النخاس النيسابوري سمع بدمشق وبغيرها.
حدث عن عبد الأعلى بن حماد النرسي بسنده عن عبد الله بن عبد الله بن أبي أمية: أنه رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي في بيت أم سلمة في ثوب واحد متوشحاً به.
وحدث عن هشام بن عمار بسنده عن عائشة: أنها سئلت عن صوم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: كان يصوم شعبان ويتحرى الاثنين والخميس.
وروى عنه أيضاً بسنده إلى أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من أراد أن يلقى الله طاهراً فليتزوج الحرائر.
كان أبو علي صدوقاً صالحاً.
توفي بمصر في شعبان سنة اثنتين وثلاث مئة.
الحسن بن علي بن موسى
ابن الخليل البرقعيدي حدث عن أحمد بن محمد بن أيوب ويعرف بابن مكحول حدث بسنده عن أنس: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن الوصال، قالوا: فإنك تواصل، قال: إن ربي يطعمني ويسقيني، وتنام عيناي ولا ينام قلبي.
وروى عن خيثمة بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أتى الجمعة فليغتسل.(7/53)
الحسن بن علي بن موسى بن الحسين
أبو علي بن السمسار الأديب حدث عن أبي محمد عبد الله بن محمد بن عبد الغفار بن ذكوان بسنده عن عمار بن ياسر قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن حافظي علي ليفخران على جميع الحفظة بكينونتهم مع علي، فذلك أنهما لم يصعدا إلى الله عز وجل بشيء منه يسخط الله عز وجل.
توفي أبو علي السمسار في سنة خمس وثلاثين وأربع مئة، وكان أديباً ثقة.
الحسن بن علي بن وهب
ابن أبي مضر أبو علي الصوفي المقرىء حدث عن أبي بكر محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن يحيى القطان بسنده عن عائشة:
أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ في الوتر: بسبح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، فإذا سلم قال: سبحان الملك القدوس ثلاث مرات يرفع بها صوته.
قال ابن ماكولا: السبعي بضم السين المهملة بعدها باء موحدة هو أبو علي الحسن بنعلي بن وهب، شيخ صالح توفي في جمادى الأولى سنة تسع وخمسين وأربع مئة، وكان قيماً بأمر السبع.(7/54)
الحسن بن علي بن الوتاق بن الصلت
ابن أبان ابن رزيق بن إبراهيم بن عبد الله أبو القاسم النصيبي الحافظ حدث بدمشق سنة أربع وأربعين وثلاث مئة.
روى عن جماعة عن إسحاق الصواف بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
وحدث عن عبد الله بن محمد بن ناجية البغدادي بسنده عن أنس قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون.
الحسن بن يحيى بن زياد بن حيان
أبو علي البجلي الشعراني الطبراني المقرىء الإمام قدم دمشق وحدث بها في سنة خمس وعشرين وثلاث مئة.
روى عن محمد بن خلف بسنده عن ابن مسعود الأنصاري قال: أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل فقال: يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة مما يطيل بنا فلان، فغضب غضباً ما رأيته غضب قط أشد منه ثم قال: يا أيها الناس إن فيكم منفرين، فمن أم الناس فليتجوز فإن فيكم الضعيف وذا الحاجة.(7/55)
الحسن بن علي أبو محمد وقيل
أبو علي الخلال المعروف بالحلواني سمع بدمشق وبمصر وبغيرهما، وروى عنه البخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم.
روى عن عبد الرزاق بسنده عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزمة ويقول: من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.
فتوفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأمر على ذلك، يعني وكان الأمر على ذلك خلافة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر.
وحدث عن يحيى بن آدم بسنده عن أنس بن مالك: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يبدأ إذا أفطر بالتمر.
وكان الحلواني ثقة ثبتاً متقناً.
وذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل: أن أباه لم يحمده.
وسئل الحلواني فقيل له: إن الناس قد اختلفوا في القرآن فما تقول؟ قال: القرآن كلام الله غير مخلوق وما نعرف غير هذا.
الحسن بن علي أبو علي الشيزري
قدم دمشق وحدث بها.
روى عن أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه بسنده عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تحشر ابنتي فاطمة وعيها حلة قد عجنت بماء الحيوان، فينظر الخلائق إليها فيعجبون(7/56)
منها، وتكسى أيضاً ألف حلة من حلل الجنة مكتوب على كل حلة بخط أخضر: أدخلوا ابنة نبيي الجنة على أحسن صورة وأحسن الكرامة وأحسن المنظر، فتزف كما تزف العروس، وتتوج بتاج العز، ويكون معها سبعون ألف جارية حورية عينية في يد كل جارية منديل من إستبرق، وقد زين لها تلك الجواري منذ خلقهن الله.
الحسن بن علي أبو محمد الوراق
أنشد لعبد المحسن الصوري: من الخفيف
وأخ مسه نزولي عليه ... مثلما مسني من الجوع قرح
بت ضيفاً له كما حكم الده ... ر وفي حكمه على الحر قبح
فابتداني يقول وهو من السك ... رة بالهم طافح ليس يصحو:
لم تغربت؟ قلت قال رسول الله ... والقول منه نصح ونجح
سافروا تغنموا فقال وقد قا ... ل تمام الحديث صوموا تصحوا
الحسن بن عمران أبو عبد الله
وقيل أبو علي العسقلاني قرأ القرآن بدمشق.
روى عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال: صليت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان لا يتم التكبير.
وروى عنه أيضاً قال: إنه صلى خلف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمنى وكبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خفض ورفع.(7/57)
الحسن بن أبي العمرطة الكندي المروزي
واسم أبي العمرطة عمير بن يزيد بن عمرو بن شراحيل بن النعمان بن المنذر بن مالك بن الحارث بن معاوية بن الحارث بن معاوية.
ولي إمرة سمرقند في خلافة هشام بن عبد الملك.
حدث عن عمر بن عبد العزيز قال: رأيت عمر بن عبد العزيز قبل أن يستخلف، فكت تعرف الخير في وجهه، فلما استخلف رأيت الموت بين عينيه.
الحسن بن عيسى الدمشقي
روى عن محمد بن فيروز المصري بسنده عن ابن عباس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسجد على كور العمامة.
وحدث عنه أيضاً عن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد أن يزوج إحدى بناته أخذ بعضادتي الباب وقال: إن فلاناً يذكر فلانة.
الحسن بن غالب بن علي بن غالب
ابن منصور بن صعلوك أبو علي التميمي البغدادي المقرىء الحربي المعروف بابن المبارك قدم دمشق حاجاً وحدث بها وبصور وبغداد.
حدث في سنة إحدى وخمسين وأربع مئة عن أبي الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الزهري بسنده عن هشام بن عروة عن أبيه قال: ذكرت لعائشة أن قوماً يقولون: إن الطواف بين الصفا والمروة تطوع. فقالت:(7/58)
يابن أختي، إنما قال الله: " فلا جناح عليه أن يَطوَّف بهما ". ولم يقل: فلا جناح عليه ألا يطوف بهما.
وحدث عن عثمان بن أحمد بن جعفر بن سهل العجلي بسنده عن أنس قال: صليت خلف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبي بكر، وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.
كان يقرىء القرآن. فأقرأ بحروف خرق بها الإجماع، وادعى فيها رواية عن بعض الأئمة المتقدمين وجعل لها أسانيد باطلة مستحيلة، فأنكر أهل العلم عليه ذلك إلى أن استتيب منها.
ولد ابن غالب سنة ست وثلاث مئة، وتوفي في رمضان سنة ثمان وخمسين وأربع مئة.
الحسن بن الفرج الغزي
سمع بدمشق وبمصر روى عن أبي الحسن عمرو بن خالد الحراني بسنده عن جابر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، إن يك ظالماً فاردده عن ظلمه، وإن يك مظلوماً فانصره.
وحدث عن هشام بن عمار بسنده إلى بسر بن أبي أرطاة قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو: اللهم أحسن عاقبتي في الأمور كلها، وأجرني من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.(7/59)
الحسن بن القاسم بن عبد الرحمن دحيم
ابن إبراهيم أبو علي القاضي من دمشق، حدث بمصر عن جماعة.
حدث عن أبي حفص عمر بن مضر العبسي بسنده عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال: يا حسن لا تسأل الإمارة، فإن من سألها وكل إليها، ومن ابتلي بها ولم يسألها أعين عليها.
قال ابن دعلج: قال عمر بن عبد العزيز: إن هذا شيء ما سألت الله عز وجل قط.
حدث الحسن بن القاسم بن دحيم بن اليتيم الدمشقي بمصر عن محمد بن سليمان قال: قدم علينا يحيى بن معين البصرة وكتب عن أبي سلمة أكثر من عشرين ألف حديث، فلما أراد أن يخرج جاء إلى أبي سلمة فقال: يا أبا سلمة: إني أريد أن أذكر لك شيئاً فر تغضب، قال: هات.
قال: حديث همام عن ثابت عن أنس عن أبي بكر الصديق حديث الغار لم يروه أحد من أصحابك، وإنما رواه بهز وحيان وعفان، ولم أجده في صدر كتابك وإنما وجدته على ظهره قال: فتقول ماذا؟ قال: تخلف لي أنك سمعته من همام. قال: ذكرت أنك كتبت عشرين ألفاً، فإن كنت عندك صادقاً فما ينبغي أن تكذبني في حديث، وإن كنت عندك كاذباً في حديث فما ينبغي أن تصدقني فيها، ولا تكتب منها، وزوجتي بسرة بنت أبي عاصم طالق ثلاثاً إن لم أكن سمعته من همام، والله لا كلمتك أبداً.
توفي أبو علي بن دحيم في سنة سبع وعشرين وثلاث مئة، وقد نيف على الثمانيني سنة.
الحسن بن قريش أبو لعي
الحراني المحاملي حدث بدمشق قال: رأيت ماجور الأمير في النوم، فقلت له: ما فعل الله بك، فقال: غفر لي. فقلت: بماذا؟ فقال: بضبطي طرق المسلمين، وطريق الحاج.(7/60)
الحسن بن محمد بن أحمد
ابن هشام بن جبلة بن الحسن بن قانع أبو القاسم السلمي المعروف بابن برغوث حدث عن أبي جعفر محمد بن عبد الله البغدادي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تختموا بالعقيق، فإنه أنجح للأمر، واليمنى أحق بالزينة.
توفي ابن برغوث سنة أربع وعشرين وثلاث مئة.
الحسن بن محمد بن أحمد بن محمد
ابن أحمد بن عبد الرحمن بن يحيى ابن جميع أبو محمد بن أبي الحسين المعروف بالسكن قال الشيخ أبو محمد بن جميع:
وقفت سنة وخمسة أشهر ما شربت الماء، قال: وأكثر أوقاتي في الصيف كله ما أشرب الماء وما أريده، وإنما أشرب في الشتاء من حين إلى حين، ثم إني وصفت ذلك لأبي السري جورجس النصراني المتطبب فقال لي: إن معدتك تشبه الآبار النبع، باردة في الصيف حارة في الشتاء، ثم قال لي: وحق المسيح إني أنصحك: اشرب الماء وإلا خفت على كبدك تخل، ثم ألزمت نفسي بشرب الماء، فكنت أشربه كرهاً حتى تعودت أشرب، ثم إني صرت كثير العلل.
قال المنجى بن سليم الكاتب: قلت لأبي محمد الحسن بن جميع الغساني: أنت سمك حسن والأغلب عليك سكن. فقال: كانت أمي ما يعيش لها ولد، فلما ولدتني أمي سماني أبي حسن، فرأت امرأة في المنام هاتفاً يقول لها: تقول لأم حسن تسميه سكن حتى يسكن.
وزعم أن له سبعة وثمانين سنة، وأن جده عاش سبعة وتسعين سنة، ووالده سبعة وتسعين سنة.
وتوفي في سنة سبع وثلاثين وأربع مئة.(7/61)
الحسن بن محمد بن أحمد بن محمد
ابن القاسم أبو علي بن أبي أسامة الهروي ثم المكي المقرىء قدم دمشق.
وحدث بها في مسجد الجامع سنة خمس وثلاثين وأربع مئة عن القاضي أبي جعفر إبراهيم بن إسماعيل الموسوي بسنده عن عكرمة عن ابن عباس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى ربه عز وجل، فقال رجل: أليس الله تعالى يقول: " لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار " قال عكرمة: ترى السماء كلها؟ قال: لا، قال: فكذلك.
الحسن بن محمد بن أحمد بن الفضل
أبو علي الكرماني السيرجاني نزيل بغداد سمع بدمشق وبغيرها.
حدث عن أبي الحسن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن أبي الحديد بسنده عن مالك بن عبادة الغافقي قال: مر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعبد الله بن مسعود وهو حزين، فقال له: لا تكثر همك ما يقدر يكن، وما ترزق يأتك.(7/62)
الحسن بن محمد بن الأصم
حدث عن القاضي أبو بكر يوسف بن القاسم بسنده عن محارب بن دثار عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ائنسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان.
قال: فقال رجل لمحارب بن دثار: إن هذا الحديث ثبت، قال: وما يمنعه أن يكون ثبتاً وهو عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الحسن بن محمد بن جعفر بن علي
ابن محمد بن جعفر ويقال: ابن محمد بن جعفر بن محمد بن جعفر بن علي أبو محمد بن أبي جعفر بن جبارة الضراب.
حدث عن أبي الحسن خيثمة بن سليمان بسنده عن أنس قال: أصيب منا غلام يوم أحد، فوجد على بطنه صفحة مربوطة من الجوع، فقالت له أمه: هنيئاً لك يا بني الجنة. فقال: ما يدريك؟ لعله قد كان يتكلم بما لا يعنيه ويمنع ما لا يضره.
قال ابن ماكولا: جبارة بكسر الجيم.
الحسن بن محمد بن الحسن
ابن القاسم بن درستويه أبو علي المعدل الإمام حدث عن أبي يحيى زكريا بن أحمد البلخي القاضي بسنده عن ابن عمر قال: وجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً من الأنصار يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(7/63)
دعه، فإن الحياء من الإيمان.
توفي أبو علي الحسن بن محمد في ذي القعدة سنة خمس وتسعين وثلاث مئة.
الحسن بن محمد الصالح بن الحسن
ابن الحسين المتهجد بن عيسى ابن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو محمد الحسيني الزيدي ولي قضاء دمشق.
حدث عن أبي علي الحسين بن داود بن سليمان القرشي النقار بالكوفة، قال: كنت أقرىء الناس القرآن بالكوفة، وكان جماعة القطيعة يجتمعون إلى أسطوانة في الجامع قريبة من الحلقة التي أعلم الناس فيها، فكانوا يقولون: هذا الشيخ يعلم الناس القرآن من كذا وكذا سنة، لا يأجره الله ولا يثيبه، لأنه هذا القرآن قد غير وبدل، ويخوضون في هذا، فكان يألم قلبي ويمنعني من أذيتهم التقية، فطال ذلك علي.
فلما كان عشية يوم خميس، اجتمعوا على العادة وتكلموا كما كانوا يتكلمون، وأكثروا في ذلك، وأسرفوا في القول وانصرفوا.
فرحت عشية ذلك الوقت وأنا مغموم مهموم لكلامهم، فلما أخذت مضجعي ونمت رأيت رسول اله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: إلى الله وإليك المشتكي يا رسول الله، قال: مم؟ فقلت كم قزم يجيئون فيقولون: إني ألقن القرآن من سبعين سنة، لا يأجرني الله عليه، وإن هذا القرآن قد غير وبدل.
فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عقب، فعقبت وابتدأت فقرأت القرآن عليه من الحمد إلى قل أعوذ برب الناس. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هكذا أنزل علي، وهذا أقرأت القرآن.
فانتبهت والفجر قد اعترض، فخررت لله ساجداً، شكراً لله، وحمدته كثيراً، وقمت إلى المسجد، فصليت الفجر وانثنيت فحدثت أصحابي بما رأيته وقلت: قد كان يمنعني من هؤلاء القوم التقية، وبعد هذا فلا تقية، فإذا جاؤوا ورأيتموني قد قمت فقوموا، وما عملت فاعملوا.(7/64)
فلما كان عشية يوم الجمعة، جاؤوا كما كانوا، وخاضوا في حديثي، فلما رأيتهم قد اجتمعوا، أخذت تاسومتي بيدي، وأخذ أصحابي نعالهم، وسرت حتى جزت القوم، ثم عطفت عليهم، فقلت: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: هكذا أنزل إلي، وهكذا علمت الناس، ووقع عليهم الصفع، فلم يزل عليهم حتى غشي عليهم، وانصرفوا بخزي عظيم، ولم يعودوا إلى مثل ذلك.
وسار بحديث أبي علي النقار الركبان إلى سائر الأمصار.
الحسن بن محمد المؤم بن الحسن
ابن علي بن عبيد الله بن الحسين الأصغر بن علي بن الحيين بن علي بن أبي طالب الكوفي سكن دمشق.
قال: كنت بالكوفة وأنا صبي في المسجد الجامع وقد جاء القرامطة بالحجر الأسود.
وكان أهل الكوفة قد رووا عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال: كأني بالأسود الدنداني من أولاد حام قد دلى الحجر الأسود من القنطرة السابعة من مسجدي هذا، يقال له: رخمة، وذكروا اسمه بالخاء رخمة.
قال: فلما دخلوا المسجد قال السيد القرمطي: يا رخمة بالخاء، قم، فقام أسود دنداني من أولاد حام كما ذكر أمير المؤمنين فأعطاه الحجر وقال: اطلع إلى سطح المسجد، ودل الحجر، فأخذه وطلع، فجاء يدليه من القنطرة الأولى، وكأن إنساناً دفعه إلى الثانية، وكان كلما أراد أن يدليه من قنطرة مشى إلى قنطرة أخرى حتى وصل إلى القنطرة السابعة ودلاه منها، فكبر الناس بتولي أمير المؤمنين وبصحيح قوله.(7/65)
الحسن بن محمد بن الحسن
أبو علي الساوي الفقيه الصوفي الأصولي الشافعي حدث بدمشق وسكنها.
حدث عن أبي الفرج عبد الوهاب بن الحسين بن عمر بن برهان الغزالي البغدادي في ربيع الأول سنة ست وثمانين وأربع مئة بسنده عن عمرو بن مرة الجهني قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وأديت الزكاة وصمت رمضان وقمته فممن أنا؟ قال: أنت من الصديقين والشهداء.
ولد أبو علي الساوي في سنة اثنتي عشرة وأربع مئة، وتوفي في سنة ثمان وثمانين وأربع مئة.
الحسن بن محمد بن الحسن
أبو علي الأبهري المالكي قدم دمشق وحدث بها في صفر سنة أربع وثمانين وأربع مئة.
روى عن أبي عبد الله مالك بن أحمد بن علي البانياسي الفراء المالكي بسنده عن شداد بن أوس، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أبو بكر أرأف أمتي وأرحمها، وعمر بن الخطاب خير أمتي وأعدلها، وعثمان بن عفان أحيا أمتي وأكرمها، وعلي بن أبي طالب ألب أمتي وأشجعها، وعبد الله بن مسعود أبر أمتي وآمنها، وأبو ذر أزهد أمتي وأصدقها، وأبو الدرداء أعبد أمتي وأتقاها، ومعاوية بن أبي سفيان أحلم أمتي وأجودها.(7/66)
الحسن بن محمد بن الحسين بن علي
أبو علي ابن أبي الطيب الوراق المعروف والده بطيب حدث في سنة إحدى وعشرين وأربع مئة عن أبي القاسم علي بن يعقوب بن إبراهيم بن أبي العقب بسنده عن هشام بن عامر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما بين خلق آدم إلى أن تقوم الساعة أكبر من فتنة الدجال.
الحسن بن محمد بن داود بن محمد
ابن داود أبو محمد الثقفي الحراني المؤدب حدث عن عبد الله بن محمد الأطروش بسنده عن أبي العشراء عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللبة؟ قال: لو طعنت في فخذها لأجزأك.
توفي أبو محمد الثقفي في رمضان سنة ثلاث وسبعين وثلاث مئة.
الحسن بن محمد بن زياد البيساني
قدم دمشق وحدث بها.
حدث عن يحيى بن هاشم الغساني بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تصلح الصنيعة إلا عند ذي حسب، كما أن الرياضة لا تصلح إلا في نجيب.
وبإسناده عنها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
يا حميراء! إياك والطين فإنه يصفر اللون ويذهب بهاء الوجه.
الحسن بن محمد بن سعيد أبو علي
حدث عن هشام بن عمار بسنده عن أبي صالح أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته فليرجع إلى أهله.(7/67)
الحسن بن محمد بن سليمان بن هشام
أبو علي الشطوي الخزاز ويعرف بابن بنت مطر سمع بدمشق وبغيرها.
حدث عن هشام بن عمار بسنده عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب.
وحدث عن المسيب بن واضح بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمار: تقتلك الفئة الباغية.
الحسن بن محمد بن عبد الله
ابن عبد السلام بن أبي أيوب أبو علي بن أبي عبد الرحمن بن مكحول البيروتي حدث ببيروت سنة عشرين وثلاث مئة عن أبي ذر هارون بن سليمان بن سهيل بن عبد الله بسنده عن ابن عمر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن تلقي السلع حتى تهبط بها الأسواق.
الحسن بن محمد بن عبد الرحمن
أبو منصور الأستوائي قدم دمشق.
وحدث بها سنة تسع وأربعين وأربع مئة عن أبي طالب محمد بن علي بن الفتح بن محمد بن الفتح الخربي العشاري بسنده عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألا أحدثكم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قلنا: بلى يا رسول، قال: صلاح ذات البين، وفساد ذات البين.
يعني هي الحالقة.(7/68)
الحسن بن محمد بن علي
ابن أبي طالب قال الزهري: حدث الحسن وأخوه عبد الله ابنا محمد عن أبيهما، وكان حسن أرضاهما في أنفسنا، أن علياً قال لابن عباس: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن نكاح المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر.
وحدث الحسن بن محمد، وكان من أوثق الناس عند الناس، عن أبيه محمد بن علي عن جده عي بن أبي طالب، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: إذا أحببتم أن تعلموا ما للعبد عند الله، فانظروا ما يتبعه من الثناء.
كانت أم حسن بن محمد جمال بنت قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف. وكنيته أبو محمد.
توفي سنة مئة أو تسع وتسعين. وليس له عقب.
وهو أول من تكل في الإرجاء.
وكان من ظرفاء بني هاشم، وأهل العقل منهم، وكان يقدم على أخيه أبي هاشم في الفضل والهيبة.
وقيل: مات في زمن عبد الملك بن مروان.
وقيل: في زمن عمر بن عبد العزيز.
وقيل: إن الحسن مات سنة خمس وتسعين، وقيل: سنة إحدى ومئة.
حدث هلال بن خباب عن الحسن بن محمد بن الحنفية أنه قال: يا أهل الكوفة اتقوا الله، ولا تقولوا في أبي بكر وعمر ما ليسا له بأهل، إن أبا بكر الصديق كان مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الغار ثاني اثنين، وإن عمر أعز الله بن الدين.(7/69)
وحدث مسعر قال: كان الحسن بن محمد يفسر قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليس منا ليس مثلنا.
قال عبد الواحد: كان الحسن بن محمد بن علي ينزل علينا بمكة، فإذا أنفقنا عليه ثلاثة أيام أبى أن يقبل بعد، وهذا لأنه هاشمي.
وعن سفيان بن عيينة قال: قال الحسن بن محمد: إن أحسن رداء ارتديت به رداء الحلم، هو والله عليك أحسن من بردي حبرة، قال: فإن لم تكن حليماً فتحالم.
قال إبراهيم بن مسلم المدني: قال الحسن بن محمد بن الحنفية: من أحب حبيباً لم يعصه. ثم قال: من الكامل
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ... عار عليك إذا فعلت شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطعته ... إن المحب لمن أحب مطيع
ثم قال: من البسيط
ما ضر من كانت الفردوس منزله ... ما كان في العيش من بؤس وإقتار
تراه يمشي حزيناً جائعاً شعثاً ... إلى المساجد يسعى بين أطمار
حدث سلام بن أبي مطيع عن أيوب قال: أنا أكبر من الإرجاء، إن أول من تكلم في الإرجاء رجل من أهل المدينة يقال له الحسن.
وفي رواية رجل من بني هاشم يقال له الحسن بن محمد.
قال عثمان بن إبراهيم بن حاطب:
أول من تكلم في الإرجاء الأول الحسن بن محمد بن الحنفية، كنت حاضراً يوم تكلم، وكنت في حلقته مع عمي، وكان في الحلقة جحدب وقوم معه، فتكلموا في علي وعثمان وطلحة والزبير فأكثروا، والحسن ساكت، ثم تكلم فقال: قد سمعت مقالتكم، ولم أر شيئاً أمي من أن يرجأ علي وعثمان وطلحة والزبير، فلا يتولوا ولا يتبرأ منهم، ثم قام فقمنا.(7/70)
قال: فقال لي عمي: يا بني ليتخذن هؤلاء هذا الكلام إماماً. قال عثمان: فقال به سبعة رجال، رأسهم جحدب من تيم الرباب، ومنهم حرملة التيمي تيم الرباب أبو علي بن حرملة.
وبلغ أباه محمد بن الحنفية ما قاله، فضربه بعصاً فشجه وقال: لا تولي أباك علياً؟! قال: وكتب الرسالة التي ثبت فيها الإرجاء بعد ذلك.
قال عطاء بن السائب: إن زاذان وميسرة دخلا على الحسن بن محمد بن علي فلاماه على الكتاب الذي وضع في الإرجاء، فقال لزاذان: يا أبا عمر، لوددت أني كنت مت ولم أكتبه.
الحسن بن محمد بن علي بن مصعب
أبو علي الدمشقي حدث عن محمد بن بشر بن يعقوب بسنده عن ابن عمر قال: جاء يهودي إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ادع الله لي فقال: اصح الله جسمك، وأطاب حرثكن وأكثر مالك.
الحسن بن محمد بن علي بن محمد
أبو الوليد البلخي الدربندي الحافظ طاف فأوسع وأكثر فيما سمع، سمع بدمشق وغيرها.
روى عن أبي منصور عبد الله بن عيسى بن إبراهيم بن علي بن سعيد الهمداني بسنده عن أبي هارون العبدي قال: كنا إذا أتينا أبا سعيد قال: مرحباً بوصية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قلنا: وما وصية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: قال لنا: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه سيأتيكم بعدي أقوام يتعلمون منكم، فإذا جاؤوكم فعلموهم وألطفوهم.
توفي أبو الوليد في سمرقند سنة ست وخمسين وأربع مئة.(7/71)
الحسن بن محمد بن مزيد
أبو سعيد الأصبهاني سمع بدمشق وغيرها.
حدث عن هشام بن عمار بسنده عن عبيدة الأملوكي عن رسول اله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: يا أهل القرآن لا توسدوا القرآن، واتلوه حق تلاوته في آناء الليل وآناء النهار وتقنوه " واذكروا ما فيه لعلكم تفلحون ". ولا تستعجلوا ثوابه، فإن له ثواباً.
كان أبو سعيد أول من حمل علم الشافعي إلى أصبهان، توفي قبل الثمانين ومئتين.
الحسن بن محمد بن النعمان
أبو علي الصيداوي حدث عن بكار بن قتيبة بسنده عن شيبة الحجبي عن عمه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثلاث يصفين لك ود أخيك: تسلم عليه إذا لقيته، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب أسمائه إليه.
واسم عم شيبة عثمان بن طلحة الحجي.
الحسن بن محمد بن يزيد بن محمد
ابن عبد الصمد أبو علي مولى بني هاشم حدث عن جده يزيد بن محمد بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي فأتبعته بصري، وإذا هو نور ساطع عمد به إلى الشام، ألا وإن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام.(7/72)
الحسن بن محمود بن أحمد بن محمود
ابن أحمد بن محمود بن محمد أبو القاسم الربعي حدث عن أحمد بن عمير بن يوسف بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان.
وحدث عن أبي الحارث أحمد بن سعيد بسنده عن أم حبيبة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرها أن تنفر من جمع بليل.
الحسن بن المظفر بن الحسن
أبو القاسم الهمداني الشيخ الصالح حدث عن أبي بكر محمد بن عبد الله بن عبدان بسنده إلى الفضيل بن عياض أنه قال: ما من نبي إلا وله نظير في أمته.
الحسن بن المظفر بن الحسن
ابن المظفر بن أحمد بن يزيد أبو علي بن أبي سعد المعروف بابن السبط البغدادي قدم دمشق في تجارة.
حدث هو وغيره عن أبي محمد الجوهري بسنده إلى ثابت قال: صلى بنا أنس بن مالك صلاة فأوجز فيها فقال: هكذا كانت صلاة نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولد أبو علي بن السبط سنة سبع وأربعين وأربع مئة. وتوفي في ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين وخمس مئة.(7/73)
الحسن بن مكي بن الحسن
ابن القاسم بن الحسن أبو محمد الشيزري المقرىء، ويعرف بفردن
روى عن أبي عبد الله الحسين بن عبد الله بن أبي كامل بسنده عن أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله عز وجل حتى يرجع.
الحسن بن منصور بن هاشم
أبو القاسم الحمصي الإمام حدث عن أبي عمرو بن أبي حماد بسنده عن أنس بن مالك: أن رجلاً كان جالساً مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاء ابن له فأخذه فقبله وأجلسه في حجره، ثم جاءت ابنة له فأخذها فأجلسها إلى جنبه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فهلا عدلت بينهما؟.
الحسن بن منير بن محمد بن منير
أبو علي التنوخي روى عن حاجب بن أركين بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال الله تبارك وتعالى: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار.
قال: وكان أهل الجاهلية يقولون: ليس يهلكنا إلا الدهر، الليالي والأيام فيسبون الدهر، فقال الله عز وجل: " ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ".
توفي أبو علي الحسن بن منير في سنة خمس وستين وثلاث مئة.(7/74)
الحسن بن نصر بن الحسن
أبو محمد البزار المعروف بابن المعبي حدث عن أبي القاسم علي بن أحمد بن محمد البسري بسنده عن أبي سعيد أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه لا جناح عليه فيما فوق الكعبين، فلا ينظر الله إلى من جر إزاره بطراً.
توفي بعد سنة ثلاث وثلاثين وخمس مئة ببغداد.
الحسن بن نظيف بن عبد الله
أبو محمد الهلالي الساكني المعروف بجغلان سمع بمصر وبغيرها.
روى عن أبي يعلى عبد الله بن محمد بن حمزة الصيداوي من بني جعفر بسنده عن أبي بكر الصديق قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صلى الغداة يقول: مرحباً بالنهار الجديد، والكاتب الشهيد، اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، وأشهد أن الجنة حق، والنار حق، والقبر حق، وأن الله يبعث من في القبور.
الحسن بن أبي نعيم بن الأصم
أبو علي حدث بصيدا عن بكر بن سهل بسنده عن أبي هريرة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنشد الله رجال أمتي لا يدخلوا الحمام إلا بمئزر، وأنشد الله نساء أمتي ألا يدخلن الحمام.(7/75)
الحسن بن الوليد بن موسى بن سعيد
ابن راشد بن يزيد ابن عبد الله أبو محمد الكلابي المعدل والد عبد الوهاب يعرف بابن الأبرش الدمشقي حدث عن أبي زرعة عبد الرحمن بن عمرو بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.
وحدث عن يوسف بن محمد الجمحي بسنده عن أم هانىء: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهش من كتف ثم صلى ولم يتوضأ.
الحسن بن وهب بن سعيد
أبو علي الكاتب أخو سليمان بن وهب كتب رجل إلى الحسن بن وهب يستمنحه وكان مضيقاً، فكتب إليه الحسن: من البسيط
الجود طبعي ولكن ليس لي مال ... فكيف يحتال من بالرهن يحتال
وشهوتي في العطايا وانبساط يدي ... وليس ما أشتهي يأتي به الحال
فهاك خطي فزرني حيث لي نشب ... وحيث يمكن إحسان وإفضال
كتب الحسن بن وهب إلى أخ له شافعاً لرجل: كتابي هذا بعد أن جمعت له ذهني. فما ظنك بحاجة هذا موقعها مني؟ فإن أحسنت لم أغفل الشكر، وإن أسأت لم أقبل العذر.
أنشد الحسن بن وهب لبعضهم: من الخفيف
ليس يعتاض باذل الوجه في الحا ... جة من بذل وجهه عوضا
كيف يعتاض من أتاك وقد صي ... ير للذل وجهه غرضا؟
مات الحسن بن وهب في آخر أيام المتوكل ورثاه البحتري.(7/76)
الحسن بن هانىء بن صباح
ابن عبد الله بن الجراح ابن هنب ويقال: الحسن بن هانىء بن عبد الأول بن الصباح أبو علي الحكمي المعروف بأبي نواس الشاعر مولى الجراح بن عبد الله الحكمي قدم دمشق وخرج منها إلى مصر، سمع جماعة، وحكى عنه جماعة منهم عمرو بن بحر الجاحظ، ومحمد بن إدريس الشافعي وجماعة سواهم.
روى عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يموتن أحدكم حتى يحسن ظنه بربه، فإن حسن الظن بالله تعالى ثمن الجنة.
حدث عن محمد بن إبراهيم بن كثير الصيرفي قال: دخلنا على أبي نواس الحسن بن هانىء في مرضه الذي مات فيه، فقال له صالح بن علي الهاشمي: يا أبا علي، أنت اليوم في أول يوم من أيام الآخرة، وآخر يوم من أيام الدنيا وبينك وبين الله هنات، فتب إلى الله من عملك، قال: فقال: إياي تخوف بالله؟ ثم قال: أسندوني. حدثني حماد بن سلمة عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن لك نبي شفاعة، وإني اختبأت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة. أفترى لا أكون منهم؟ ولد أبو نواس بالأهواز ونشأ بالبصرة واختلف في طلب الحديث، وقرأ القرآن، وسمع جماعة وكتب الغريب والألفاظ، وحفظ عن أبي عبيدة معمر بن المثنى أيام الناس، ونظر في نحو سيبويه، وسكن بغداد إلى حين وفاته.
وأبو نواس، نونه مضمومة، وواوه مخففة.
قال أبو عبيدة: كان أبو نواس للمحدثين مثل امرىء القيس للمتقدمين.(7/77)
قال إسحاق بن إسماعيل: قال أبو نواس: ما قلت الشعر حتى رويت لستين امرأة من العرب منهن الخنساء وليلى، فما ظنك بالرجال؟ قال ميمون: سألت يعقوب بن السكيت عما يختار لي روايته من أشعار الشعراء، فقال: إذا رويت من الجاهلين لامرىء القيس والأعشى، ومن الإسلاميين لجرير والفرزدق، ومن المحدثين لأبي نواس فحسبك.
قال أبو عمرو الشيباني: لولا أن أبا نواس أفسد شعره بهذه الأقذار لاحتججنا به في كتبنا.
قال أبو عثمان الجاحظ: ما رأيت أحداً كان أعلم باللغة من أبي نواس، ولا أفصح لهجة، مع حلاوة ومجانبة الاستكراه.
وقال الجاحظ: سمعت النظام يقول، وقد أنشد شعراً لأبي نواس في الخمر: هذا الذي جمع له الكلام واختار أحسنه.
قال صدقة بن محمد بن صالح: اجتمع عند المأمون ذات يوم عدة من الشعراء، فقال: أيكم القائل؟: من الطويل
فلما تحساها وقفنا كأننا ... نرى قمراً في الأرض يبلع كوكبا
قالوا: أبو نواس. قال: والقائل: من الطويل
إذا نزلت دون اللهاة من الفتى ... دعا همه عن صدره برحيل(7/78)
قالوا: أبو نواس. قال: والقائل: من المديد
فتمشت في مفاصلهم ... كتمشي البرء في السقم
قالوا: أبو نواس. قال: هو أشعركم إذاً.
قال إبراهيم بن سعيد: كنت واقفاً على رأس المأمون، فقال: بيتا شعر ما سبق قائلهما أحد ولا يلحقه أحد قال: قلت: ما هما يا أمير المؤمنين؟ قال: ما قاله أبو نواس وما قاله شريح، قال: فتبسمت، فقال لي: كأنك تبسمت من أبي نواس ومن شريح؟ قلت: نعم، يا أمير المؤمنين. قال: فخذ ما قاله أبو نواس: من الطويل
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدو في ثياب صديق
قلت: حسن والله يا أمير المؤمنين! فما قال شريح؟ قال: قال: من الطويل
أتهون على الدنيا الملامة أنه ... حريص على استخلاصها من يلومها
قلت: حسن والله يا أمير المؤمنين.
قال: أحسن من ذلك ما سمعته أنا، كنت أسير في موكبي إذ ألجأني الزحام إلى دكان، فيه كهل وعليه أسمال من ثياب، فنظر إلي نظر من قد رحمني مما أنا فيه، فأومأ إلي بيده، وقال: من الطويل
أرى كل مغرور تمنيه نفسه ... إذا ما مضى عام سلامة قابل
قال: قلت: حسن يا أمير المؤمنين.(7/79)
قال كلثوم بن عمرو العتابي لرجل وقد تناظرا في شعر أبي نواس فقال: لو أدرك الخبيث الجاهلية ما فضل عليه أحد.
قال ابن الأعرابي: أشعر الناس أبو نواس في قوله: من الطويل
تغطيت من دهري بظل جناحه ... فعيني ترى دهري وليس يراني
فلو تسأل الأيام، ما اسمي؟ لما درت ... وأين مكاني؟ ما عرفن مكاني
قال مسلمة بن مهدي: لقيت أبا العتاهية فقلت: من أشعر الناس؟ فقال: أجاهلياً أو إسلامياً؟ أو مولداً؟ فقلت: كل، فقال، الذي يقول في المدح: من الطويل
إذا نحن أثنينا عليك بصالح ... فأنت كما نثني وفوق الذي نثني
وإن جرت الألفاظ منا بمدحة ... لغيرك إنساناً فأنت الذي نعني
والذي يقول في الزهد: من الطويل
وما الناس إلا هالك وابن هالك ... وذو نسب في الهالكين عريق
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدو في ثياب صديق
قال مسلمة: ولقيت العتابي فسألته عن ذلك فرد علي مثل ذلك.(7/80)
قال أبو العتاهية: قد قلت عشرين ألف بيت في الزهد وددت أن لي مكانها الأبيات الثلاثة التي قالها أبو نواس: من مجزوء الرمل
يا نواسي توقر ... وتعز وتصبر
إن يكن ساءك دهر ... فلما سرك أكثر
يا كبير الذنب عفو الله ... عن ذنبك أكبر
قال محمد بن مسعر: كنا عند سفيان بن عيينة فتذاكروا شعر أبي نواس، فقال ابن عيينة: أنشدوني له شعراً، فأنشدوه: من المديد
ما هوى إلا له سبب ... يبتدي منه وينشعب
فتنت قلبي محببة ... وجهها بالحسن منتقب
تركت والحسن تأخذه ... تنتقي منه وتنتخب
فاكتست منه طرائفه ... واستزادت بعض ما تهب
فقال ابن عيينة: آمنت بالذي خلقها.
ومن شعر أبي نواس: من السريع
يا منسي المأتم أشجانه ... لما أتته في المعزينا
استقبلتهن بتمثالها ... فقمن يضحكن ويبكينا
حق لهذا الوجه أن يزدهي ... عن حزنه من كان محزونا(7/81)
قال ابن النحوي: لما قدم أبو تمام من العراق، قال له أبي: ما أفدت في سفرتك هذه يا أبا تمام؟ قال: أربع مئة ألف درهم وأربعة أبيات شعر هي أحب إلي من المال، قال: أنشدنيها. قال: أنشدني أبو نواس الحسن بن هانىء لنفسه: من الكامل
إني وما جمعت من صفد ... وحويت من سبد ومن لبد
همم تصرفت الخطوب بها ... فنزعن من بلد إلى بلد
يا ويح من حسمت قناعته ... سيب المطامع عن غد فغد
لو لم تكن لله متهماً ... لم تمس محتاجاً إلى أحد
قال ابن عائشة: غلست يوماً إلى المسجد الجامع لصلاة الغداة، فإذا أنا بأبي نواس يكلم امرأة عند باب المسجد، وكنت أعرفه في مجالس الحديث والآداب، فقلت له: مثلك يقف هذا الموقف لحق أو باطل؟ فاعتذر ثمم كتب إلي: من مجزوء الكامل
إن التي أبصرتها ... سحراً تكلمني، رسول
أدت إلي رسالة ... كادت لها نفسي تسيل
من فاتن العينين يت ... عب خصره ردف ثقيل
متنكب قوس الصبا ... يرمي وليس له رسيل
فلو أن أذنك بيننا ... حتى تسمع ما نقول
لرأيت ما استقبحت من ... أمري لديك هو الجميل
قال محمد بن أبي عمير: سمعت أبا نواس يقول: والله ما فتحت سراويلي بحرام قط.(7/82)
قال ابن عائشة، وهو عبيد الله بن محمد التيمي: خرجت من البصرة أريد ابن المبارك، فدخلت واسط، فقلت، لو دخلت على إسحاق الأزرق، قال: فدخلت عليه وهو يبكي، قال: فسلمت عليه، فقال لي: اجلس، الساعة قام من موضعك إبليس، قلت: من تعني؟ قال: الحسن بن علي. قلت: زدني من الشرح. قال: أبو نواس يكذب علي وعلى أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال: يا جارية! هاتي تلك الرقعة، فجاءت فإذا فيها مكتوب: من المنسرح
يا حسن المقلتين والجيد ... وقاتلي منك بالمواعيد
توعدني الوصل ثم تخلفني ... فوابلائي من خلف موعودي
حدثني الأزرق المحدث عن ... عمرو بن شمر عن ابن مسعود
لا تخلف الوعد غير كافرة ... أو كافر في السعير مصفود
ثم قال إسحاق: والله ما حدثت بهذا قط.
حدث عبد الله بن ذكوان عن بعض إخوانه أو عن نفسه: أنه حج فنزل بمصر في حجرة اكتراها قال: فإني قاعد يوماً إذ نظرت إلى كتابة على الحائط، فتأملت ذلك فإذا هو: من المجتث
قم حي بالراح قوماً ... ماتوا صلاة وصوما
لم يطعموا لذة العي ... ش مذ ثلاثون يوما
وذكرت ذلك لبعض من كنت أجالسه بمصر فقال: ذلك خط الحسن بن هانىء، وهي من قوله، وفي تلك الحجرة كان نازلاً أيام كون بمصر.
ولد أبو نواس في سنة خمس وأربعين ومئة، ومات سنة ست وتسعين ومئة.
وقيل: ولد بالأهواز في سنة ست وثلاثين ومئة، ومات ببغداد سنة خمس وتسعين ومئة، وعمره تسع وخمسون سنة.(7/83)
وكان أبوه من أهل دمشق من الجند من رجال مروان بن محمد، فصار إلى الأهواز، فتزوج امرأة من أهلها يقال لها: جلبان، فولدت له أبا نواس، وأخاه أبا معاذ.
ثم صار أبو نواس إلى البصرة فتأدب في مسجدها، فلزم خلف الأحمر، وصحب يونس بن حبيب الجرمي النحوي.
قال عبد الله بن صالح: حدثني من أثق به: أنه رأى أبا نواس في النوم وهو في نعمة كبيرة، فقال له: أبا نواس؟ قال: نعم قال: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، وأعطاني هذه النعمة، قال: قلت: ومن ماذا وأنت كنت مخلطاً؟ فقال لي: إليك عني، جاء بعض الصالحين إلى المقابر في ليلة من الليالي، فبسط رداءه في المقابر، وصف قدميه وصلى ركعتين لأهل المقابر، قرأ فيهما ألفي مرة: " قل هو الله أحد " وجعل ثوابها لأهل المقابر، فغفر الله لأهل المقابر عن آخرهم، فدخلت أنا في جملتهم.
قال محمد بن نافع: كان أبو نواس لي صديقاً، فوقعت بيني وبينه هجرة في آخر عمره، ثم بلغني وفاته، فتضاعف علي الحزن، فبينا أنا بين النائم واليقظان إذا أنا به، فقلت: أبو نواس؟ قال: لات حين كنية، قلت: الحسن بن هانىء؟ قال: نعم. قلت: ما فعل الله عز وجل بك؟ قال: غفر لي بأبيات قلتها هي تحت ثني الوسادة. فأتيت أهله، فلما أحسوا بي أجهشوا بالبكاء، قلت لهم: هل قال أخي شعراً قبل موته؟ قالوا: لا نعلم. إلا أنه دعا بدواة وقرطاس فكتب شيئاً لا ندري ما هو. قلت: ائذنوا لي أدخل. قال: فدخلت إلى مرقده فإذا ثيابه لم تحرك بعد، فرفعت وسادة فلم أر شيئاً، ثم رفعت أخرى فإذا رقعة فيها مكتوب: من الكامل:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة ... فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن ... فمن الذي يدعو ويرجو المجرم؟(7/84)
أدعوك رب كما أمرت تضرعاً ... فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم؟
مالي إليك وسيلة إلا الرجا ... وجميل عفوك، ثم أني مسلم
الحسن بن هبة الله بن عبد الله
ابن الحسين أبو محمد بن أبي الحسن المزكي والد الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن مصنف أصل هذا التاريخ تاريخ الشام.
حدث عن أبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي بسنده عن حارثة بن وهب قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: تصدقوا فإنه يأتي عليكم زمان يمشي الرجل بصدفته فلا يجد من يقبلها، يقول الرجل: لو جئت بها بالأمس لقبلتها، أما اليوم فلا حاجة لي بها.
ولد أبو محمد سنة ستين وأربع مئة، وتوفي في رمضان سنة تسع عشرة وخمس مئة.
الحسن بن يحيى أبو عبد الملك
وقيل أبو خالد الخشني البلاطي أصله خراساني.
حدث عن ابن ثوبان بسنده عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تنزلون منزلاً يقال له الجابية أو الجويبية، يصيبكم فيه داء مثل غدة الجمل، يستشهد الله به أنفسكم وخياركم ويزكي أبدانكم.
وحدث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام.
كان ضعيفاً.(7/85)
الحسن بن يوسف بن أبي طيبة
أبو علي المصري المديني القاضي حدث عن هشام بن عمار بن نصير الدمشقي بسنده عن أنس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل مكة وعلى رأسه المغفر.
وحدث الحسن بن أبي طيبة القاضي عن هشام بن عمار بسنده عن أنس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتي بلبن قد شيب بماء فشرب، وناول الأعرابي وقال: الأيمن فالأيمن.
وحدث أيضاً عن أحمد بن صالح قال: قال ابن وهب: كنا عند مالك فذكرت السنة، فقال مالك: السنة سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق.
الحسن بن يوسف بن يعقوب
ابن إسحاق بن سعيد ويقال: إسحاق بن إبراهيم بن ساسان أبو سعيد الطرميسي وطرميس قرية من قرى دمشق.
كان يخضب بالحمرة.
حدث عن هشام بن عمار بسنده عن المقدام بن معدي كرب، قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم باسط يده وهو يقول: ما أكل العبد طعاماً أحب إلى الله من كد يده، ومن بات كالاً من عمله بات مغفوراً له.
توفي سنة ثلاث وعشرين وثلاث مئة.(7/86)
الحسن الحضرمي والد هشام
حمصي كان في عسكر عمر بن عبد العزيز.
حكى الحسن قال:
كنا نأكل مع عمر بن عبد العزيز، فكان يأكل من صحفة، ونأكل من أخرى، فقلت له مرة: يا أمير المؤمنين: أنأكل من صحفتك؟ قال: نعم. فلما أكلت قلت: يا أمير المؤمنين، والله لئن كان ما تأكل حلالاً وما تطعمنا حراماً. ما ينبغي لك أن تطعمنا حراماً، قال: فجذب صحفتنا إليه ودفع صحفته إلينا. ثم ما عاد يأكل معنا إلا من صحفة واحدة.
الحسين بن أحمد بن بكار
أبو عبد الله الكندي المصري المقرىء سمع بدمشق.
حدث عن أبي الحسين عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد الكلابي بسنده عن وحشي بن حرب أن رجلاً قال: يا رسول الله، إنا نأكل وما نشبع، قال: فلعلكم تأكلون متفرقين؟ قالوا: نعم. قال: فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله تعالى عليه يبارك لكم فيه.(7/87)
الحسين بن أحمد بن رستم
وقيل ابن أحمد بن علي ويقال: أبو علي، يعرف بابن زنبور الماذرائي الكاتب من كتاب الطولونية.
قدم دمشق صحبة أبي الجيش بن طولون، وحكى عن البحتري وقصده أبا الجيش ومدحه إياه، وحدث، وكان من نبلاء الكتاب.
أحضره المقتدر لمناظرة ابن الفرات، ثم خلع عليه، وقلده خراج مصر سنة ست وثلاث مئة، وأهدى للمقتدر هدية فيها بغلة، ذكر أن معها فلوها، وزرافة، وغلام عظيم السان طويله، يلحق لسانه طرف أنفه، ثم قبض عليه وحمله إلى بغداد وصودر وأخذ حيطة بثلاثة آلاف ألف وست مئة ألف، سنة إحدى عشرة وثلاث مئة.
قيل: إنه مات بدمشق، سنة أربع عشرة، وقيل: سبع عشرة وثلاث مئة.
الحسين بن أحمد بن سلمة بن عبد الله
أبو عبد الله الربعي المالكي القاضي قاضي قضاة ديار بكر سمع بدمشق وبشيراز وبغيرها.
أملى من لفظه سنة تسع وعشرين وأربع مئة قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سليمان بن الريان الهروي ببلاساغون من تركستان، حاضرة الخان، بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا تاب العبد أنسى الله الحفظة ذنوبه، وأنسى ذلك جوارحه ومعالمه من الأرض، حتى يلقى الله وليس عليه شاهد من الله بذنب.(7/88)
وحدث عن أبي بكر يوسف بن القاسم بن يوسف الميانجي بدمشق بسنده عن كميل بن زياد قال: أخذ علي بن أبي طالب عليه السلام بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبان فلما أصحر جلس ثم تنفس ثم قال: يا كميل بن زياد، احفظ عني ما أقول لك: الناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق، العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والعلم يزكو على العمل، والمال تنقصه النفقة، ومحبة العلم دين يدان به، يكسبه الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد موته، وصنيعة المال تزول بزواله، مات خزان الموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة، آه! إن ههنا وأشار بيده إلى صدره علماً لو أصبت له حملة، بل أصبت لقناً غير مأمون عليه، يستعمل آلة الدين بالدنيا، ويستظهر بحجج الله على كتابه، وبنعمه على بلاده، أو مغرى بجمع الأموال والادخار ليسا من وعاة الدين، أقرب شبهاً بهم الأنعام السائمة، وكذلك يموت العلم ويموت حاملوه، بلى، لم والصواب: لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة كيلا تبطل حدد الله وبيناته، أولئك هم الأقلون عدداً، والأعظمون عند الله خطراً، بهم يدفع الله عن حججه حتى يؤدوها إلى نظرائهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة الأمر، فاستلانوا ما استوعر منه الجاهلون، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى، أولئك خلفاء الله في بلاده والدعاة إلى دينه. آه شوقاً إلى رؤيتهم، وأستغفر الله لي ولكم، آمين رب العالمين.
الحسين بن أحمد بن العباس بن محمد
ابن يعقوب ابن إبراهيم بن إلياس بن محمد بن عيسى بن جعفر أبو علي الأمير السلمي النيسابوري قدم دمشق سنة خمس عشرة وأربع مئة حاجاً وحدث بها.
روى عن أبي الحسين أحمد بن محمد بن عمر الخفاف النيسابوري بسنده عن جابر قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد حاجة تباعد حتى لا يكاد يرى.(7/89)
الحسين بن أحمد بن عبد الله
ابن وهب بن علي أبو علي الآمدي المالكي سمع بدمشق.
حدث عن يحيى بن أكثم بسنده عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحياء من الإيمان.
وحدث عن محمد بن عبد الرحمن بن سهم بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لكل دين خلق، وخلق هذا الدين الحياء.
الحسين بن أحمد بن عبد الواحد
ابن محمد بن المعبىء أبو علي الصوري التاجر الوكيل حدث بصور سنة سبع وسبعين وأربع مئة عن أبي الحسن علي بن الحسن بنعلي بن ميمون الربعي بسنده عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من أبغض عمر فقد أبغضني، ومن أحب عمر فقد أحبني، وإن الله باهى بالناس عشية عرفة عامة، وإن الله باهى بعمر خاصة، وأنه لم يبعث نبي قط إلا كان في أمته من يحدث، وإن يكن في أمتي أحد فهو عمر. قيل: يا رسول الله، كيف يحدث؟ قال: تتكلم الملائكة على لسانه.
الحسين بن أحمد بن محمد بن أحمد
ابن أبي ثابت أبو عبد الله الطرائفي حدث عن زكريا بن يحيى بن إياس بسنده عن ابن عمر قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا طاف بالبيت طواف الأول خب ثلاثاً ومشى أربعاً. توفي سنة سبع وخمسين وثلاث مئة.(7/90)
الحسين بن أحمد بن محمد
ابن عبد الرحمن بن أسد ابن عبد الرحيم أبو عبد الله الهروي الحافظ المعروف بالشماخي سمع بدمشق وبغيرها.
حدث عن محمد بن جعفر بن ملاس بسنده عن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: العين وكاء السه، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء.
توفي سنة اثنتين وسبعين وثلاث مئة. كان ليس بحجة.
الحسين بن أحمد بن محمد
ابن أحمد بن المبارك أبو علي البعلبكي حدث عن أبي الحسن بن علي بن إبراهيم البصري الصوفي بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الجبن داء أكل بالجوز فهو شفاء.
وحدث في سنة سبع وثمانين وثلاث مئة عن أبي علي محمد بن هارون بن شعيب بسنده عن عدي بن حاتم الطائي، قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يؤمر بناس من الناس يوم القيامة إلى الجنة حتى إذا دنوا منها واشتموا رائحتها ونظروا إلى قصورها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها، نودوا أن أصرفوهم لا نصيب لهم فيها، قال: فيرجعون بحسرة ما رجع الأولون بمثلها. فيقولون: ربنا لو أدخلتنا النار قبل أن ترينا ما أريتنا من ثوابك، وما أعددت فيها لأوليائك، كان أهو علينا. قال: ذلك أردت منكم يا أشقياء، كنتم إذا خلوتم بارزتموني بالعظائم، وإذا لقيتم الناس لقيتموهم مخبتين، تراؤون الناس بخلاف ما تعطون من قلوبكم، هبتم الناس ولم تهابوني، أجللتم الناس ولم تجلوني، وتركتم للناس ولم تتركول لي، فاليوم أذيقكم العذاب مع ما حرمتكم من الثواب.(7/91)
الحسين بن أحمد بن محمد
ابن سعيد أبو القاسم الشيرازي الصوفي المعروف بالصامت سمع بدمشق.
حدث عن أبي الحسين عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد الكلابي بسنده عن أنس قال: قال لي علي بن أبي طالب قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا علي! إن الله عز وجل أمرني أن أتخذ أبا بكر والداً، وعمر مشيراً، وعثمان سنداً، وأنت يا علي صهراً، أنتم أربعة قد أخذ الله لكم الميثاق في أم الكتاب لا يحبكم إلا مؤمن تقي، ولا يبغضكم إلا منافق شقي، أنتم خلفاء نبوتي وعقد ذمتي، وحجتي على أمتي.
كان أبو القاسم صدوقاً.
الحسين بن أحمد بن مروان القرشي
حدث عن المسيب بن واضح بسنده عن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من اشتاق إلى الجنة سارع في الخيرات، ومن أشفق من النار، لها عن الشهوات، ومن ترقب الموت هانت عليه اللذات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات.
الحسين بن أحمد بن المظفر بن أحمد
ابن سليمان بن المتوكل بن أبي حريصة الهمذاني الفقيه المالكي الشاهد أبو علي حدث عن أبي نصر عبد الوهاب بن عبد الله بن عمير المري بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أتى الجمعة فليغتسل.
توفي أبو علي في المحرم سنة ست وستين وأربع مئة.(7/92)
الحسين بن أحمد بن موسى
ابن الحسين بن علي أبو القاسم بن السمسار المعدل حدث عن أبي عبد الله محمد بن إبراهيم القرشي بسنده عن حذيفة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك.
توفي في ربيع الآخر سنة ست عشرة وأربع مئة.
الحسين بن أحمد بن يحيى
ابن الحسين بن قاسم ابن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب أبو عبد الله الحسني حدث بدمشق سنة سبع وأربعين وثلاث مئة وببغداد.
حدث عن أبيه عن جده الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بكتابه في الرد على من زعم أن بعض القرآن قد ذهب.
وحدث عن أبيه أيضاً بسنده عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا نكاح إلا بولي وشاهدين.
الحسين بن أحمد
أبو عبد الله المصيصي الصوفي الطيان حدث عن أبي بكر أحمد بن سليمان بن زبان الكندي بسنده عن حذيفة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مر بسباطة قوم، فبال قائماً ثم توضأ ومسح على خفيه.
وحدث عن محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري بسنده عن الفضيل بن عياض قال: لقلع الجبال بالإبر أهو من قلع رئاسة قد ثبتت في القلوب.(7/93)
الحسين بن أحمد
أبو علي القاضي الكردي قدم دمشق وحدث بها.
حدث عن القاضي أبي القاسم بن عمر بن محمد الخلال بسنده عن فلان القاضي عن فلان القاضي إلى القاضي شريح عن القاضي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شموا النرجس، فما من أحد منكم إلا وله شعرة بين الصدر والفؤاد من الجنون والجذام والمرض، فما يذهبها إلا شم النرجس، شموه ولو في العام مرة، ولو في الشهر مرة، ولو في السبوع مرة، ولو في اليوم مرة.
أنكر الحافظ هذا الحديث، وأنكر معرفة بعض رواته.
الحسين بن إبراهيم بن جابر
ابن علي أبو علي الفرائضي المعروف بابن أبي الزمزام البزار الشاهد روى بدمشق بجامعها سنة اثنتين وستين وثلاث مئة عن محمد بن المعافى بن أحمد الصيداوي بسنده عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة.
توفي في شوال سنة ثمان وستين وثلاث مئة. وكان ثقة.
الحسين بن إبراهيم بن محمد
ابن كلمون أبو علي الديرعاقولي قدم دمشق حاجاً، وحدث بها في رمضان سنة سبع وأربعين وأربع مئة.
روى عن أبي عبد الله الحسين الموازيني الفقير إلى الله بسنده عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا ألف القلب الإعراض عن الله بالوقيعة في الصالحين.
أنكر الحافظ هذا الحديث، وذكر أن أكثر رواته مجاهيل.(7/94)
الحسين بن إسحاق بن إبراهيم
التستري الدقيقي سمع بدمشق وغيرها.
حدث عن حامد بن يحيى البلخي بسنده عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو أن لابن آدم ملء واديين مالاً لتمنى إليهما الثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب.
وحدث عن داود بن رشيد بسنده عن عبد الله بن مسعود: أنه قرأ في أذن مبتلى فأفاق، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما قرأت في أذنه؟ قال: قرأت " أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً " حتى ختم السورة. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو أن رجلاً موقناً قرأها على جبل لزال.
توفي سنة تسعين ومئتين.
الحسين بن إدريس بن المبارك
ابن الهيثم بن زياد أبو علي الأنصاري مولاهم الهروي أحد مشهوري محدثي هراة سمع بدمشق.
حدث عن هشام بن عمار بسنده عن أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
الحسين بن الأشعث
أبو المجد الكندي الطبراني سكن دمشق. ومن شعره: من الرمل
أقطع الدهر بوعد كاذب ... وأجلي غصصاً ما تنجلي
وأرى الأيام لا تدني الذي ... أرتجي منكم وتدني أجلي(7/95)
الحسين بن جعفر بن محمد
ابن حمدان بن محمد بن المهلب أبو عبد الله العنزي الجرجاني الفقيه الوراق حدث بدمشق وبغيرها.
روى عن أبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحافظ بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إياك وقرين السوء، فإنك به تعرف.
توفي سنة ثمان وتسعين وثلاث مئة.
الحسين بن الحسن بن أحمد
ابن حبيب أبو عبد الله الكرماني أبوه الطرسوسي حدث بدمشق عن أبي عبد الله بن محمد بن يزيد الدرقي الطرسوسي بسنده عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سوداء ولود خير من حسناء لا تلد، وإني مكاثر بكم الأمم.
قدم من طرسوس سنة أربع وخمسين وثلاث مئة.
الحسين بن الحسن بن زيد
ابن محمد بن علي بن محمد ابن علي بن علي بن الحسين بن علي بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب أبو عبد الله الحسيني الجرجاني القصبي قدم دمشق، وحدث بها في شعبان سنة ستين وأربع مئة.
عن أبي عبد الله محمد بن الفضيل بن نظيف بسنده عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر رمضان فقال: لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له.(7/96)
الحسين بن الحسن بن سباع
أبو عبد الله الرملي المؤدب الشاهد إمام جامع دمشق وخطيبها.
حدث عن أبي قتيبة سلم بن الفضل بن سهل البغدادي بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أيها الذين آمنوا إن أحدكم لن يموت حتى يستكمل رزقه، فلا تستبطئوا الرزق وأجملوا في الطلب، وخذوا ما حل ودعوا ما حرم.
توفي في صفر سنة ثمان وعشرين وأربع مئة.
وأقام إمام الجامع قريباً من عشرين سنة لم يؤخذ عليه غلط في التلاوة ولا سهو في الصلاة.
الحسين بن الحسن بن عبد الله
أبو عبد الله المرندي الواعظ قدم دمشق وحدث بها.
روى عن الحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ بسنده عن أنس بن مالك قال: قال أبو جهل: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم، فنزلت: " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ".(7/97)
الحسين بن الحسن بن محمد
أبو القاسم الأسدي المعروف بابن البن روى عن أبي القاسم بن أبي العلاء بسنده عن عائشة: أن صفية بنة حيي حاضت، فذكرت ذلك عائشة للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أحابستنا هي؟ قالت: إنها قد أفاضت ثم حاضت بعد ذلك. قال: تنفر إذاً.
كان متديناً ثم تغيرت حاله وأدمن الخمر، ثم تاب، وكان إذا قرىء عليه الحديث الذي فيه: ما من حافظين رفعا إلى الله ما حفظا، فيرى الله في أول الصحيفة خيراً وفي آخرها خيراً، إلا قال الله لملائكته: اشهدوا أني قد غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة، فرح به ورجا أن يجري أمره كذلك.
ولد في رمضان سنة ست وأربعين وأربع مئة، وتوفي في ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وخمس مئة.
الحسين بن الحسن بن مهاجر
أبو محمد السلمي المهاجري النيسابوري رحل وسمع بدمشق ومصر وغيرها.
روى عن هشام بن عمار بسنده عن حذيفة قال: كان الناس يسألون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد الخير من شر؟ قال: نعم. قلت: فهل بعد الشر من خير؟ قال: نعم. وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله، فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة(7/98)
ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت، وأنت كذلك. قلت: يا رسول الله صفهم لنا. قال: هم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا.
وحدث عن عباس بن الوليد بسنده عن عبد الرحمن بن يزيد بن رافع قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إياكم والحمرة فإنها أحب الزينة إلى الشيطان.
توفي الحسين بن الحسن بن مهاجر سنة ثمان وسبعين ومئتين.
الحسين بن الحسين بن عبد الرحمن
أبو عبد الله الأنطاكي قاضي الثغور ويعرف بابن الصابوني روى عن أبي محمد سعد بن محمد الأزدي بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا ينظر الله إلى مسبل.
توفي الحسين بن الحسين الصابوني في سنة تسع عشرة وثلاث مئة.
الحسين بن حمزة بن الحسين بن جعفر
أبو المعالي ابن الشعيري حدث عن أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان.
وحدث عن أبي السرايا نجيب بن عمار بن أحمد الغنوي بسنده عن الحسن: في قوله: " من جاء بالحسنة فله من خير منها " قال: لا إله إلا الله له منها خير " ومن جاء بالسيئة ": قال: الشرك.
ولد أبو المعالي في سنة خمسين وأربع مئة، وتوفي سنة اثنتين وثلاثين وخمس مئة.(7/99)
الحسين بن خشيش
أبو علي العرجموشي حدث عن سفيان بن عيينة حديثاً منكراً، روى عنه بسنده: أن عمر بن الخطاب العدوي أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يلعن، فقال: فداك أبي وأمي يا رسول الله، من هذا الذي حللت له اللعنة؟ قال: ذاك اللعين إبليس. قال: فداك أبي وأمي، أهل ذلك هو فزده، قال: وهل تدري ما صنع الساعة يا عمر؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه أدخل ذنبه في دبره فأخرج سبع بيضات، فأولدها سبعة أولاد، فأولهم وأكبرهم المذهب، وهو الموكل بفقهاء الناس وعلمائهم، ينسيهم الذكر ويعبثهم بالحصى ويولعهم بكثرة الوضوء.
والثاني: هو الموكل بالنعاس في المساجد، يأتي الرجل فيلقي عليه النعاس فينيمه، فيقال: يا فلان قد نمت، فيقول: لا فيعاد عليه فيحلف يميناً كاذبة أنه لم ينم.
والثالث: اسمه ثوبان، وهو الموكل بالأسواق، وينصب فيها راية، ينقص الكيل والميزان حتى لا يؤتون ما يوفون فيها حتى يغلوا فيها.
والرابع: لغو، وهو الموكل بالويل والعويل وشق الجيوب، ونتف الشعور، ولطم الخدود ونعق الران، وسائر ذلك من الصياح على الميت.
والخامس: مشوان، وهو الموكل بأعجاز النساء وأحللة الرجال حتى يجمع بين الفاجرين على فجورهما.
والسادس: مشوط، وهو الموكل بالهمز واللمز والنميمة والكذب والغش.
والسابع: غرور، وهو الموكل بقتل النفوس التي حرم الله عز وجل، وسفك الدماء، وانتهاك المحارم. يأتي الرجل فيقول: أنت أحوج أم فلان كان أحوج منك؟ اركب كذا وكذا من المحارم، اصنع كذا وكذا، فحسن حاله، فدلاه بغرور. فتلك ذريته التي ذكر الله(7/100)
عز وجل في محكم كتابه: " أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلاً " إلى قوله: " وما كنت متخذ المضلين عضدا ". فتلك ذريته الباقية معه إلى اليوم الذي وقت لهم، لا يموتون ولا ينتهون عن جديد الأرض، لعنة الله عليه وعلى ذريته.
الحسين بن ذكر بن هارون
ابن إسحاق بن إبراهيم بن محمد ويقال: ابن ذكر بن إسحاق بن إبراهيم بن الأصم أبو القاسم البجلي العكاوي سمع بدمشق سنة اثنتين وسبعين وثلاث مئة.
حدث بعكا عن أب بكر أحمد بن عبد الله بن علي الشيباني النحوي بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنكم ملاقو الله حفاة، عراة، غرلاً.
توفي ابن ذكر العكاوي سنة سبع عشرة وأربع مئة.
الحسين بن رافع الغزنوي
قدم دمشق.
وحدث بها عن القاضي أبي بكر أحمد بن الحسن الحيري بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها.(7/101)
الحسين بن سعيد بن المهند بن مسلمة
أبو علي الطائي الشيزري حدث عن أبي بكر يوسف بن القاسم بسنده عن أبي سعيد الخدري عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله عز وجل ثم قرأ: " إن في ذلك لآيات للمتوسمين " يعني المتفرسين.
توفي يوم الخميس سابع عشري رمضان سنة خمس عشرة وأربع مئة.
الحسين بن السميدع بن إبراهيم
أبو بكر البجلي الأنطاكي سمع بدمشق وغيرها.
حدث عن محمد بن المبارك بسنده عن المقدام بن معدي كرب أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما أكل أحد طعاماً أحب إلى الله من عمل يديه.
توفي الحسين بن السميدع في سنة سبع وثمانين ومئتين.
الحسين بن الضحاك بن ياسر
ويقال: ابن الضحاك بن فلان بن ياسر أبو علي المعروف بالخليع الباهلي مولى سلمان بن ربيعة الباهلي.
ويقال: بل هو من باهلة، عربي وليس بمولى، وهو ابن خالة محمد بن حازم الباهلي،(7/102)
ويعرف بحسين الأشقر، بصري المولد والمنشأ، شاعر مدح غير واحد من الخلفاء ونادمهم دهراً طويلاً، وله مع أبي نواس أخبار، وكان شاعراً ماجناً، وبلغ سناً عالية.
قيل: إنه ولد سنة اثنتين وستين ومئة وتوفي سنة خمس ومئتين، وصحب الأمين سنة ثمان وثمانين ومئة ولم يزل مع الخلفاء بعده إلى أيام المستعين.
قال أبو الحسن بن راهويه:
صلى يحيى بن المعلى الكاتب، وكان في مجلس فيه أبو نواس ووالبة بن الحباب وعلي بن الخليل والحسين الخليع، صلاة فقرأ فيها: " قل هو الله أحد " فغلط، فلما سلم، قال أبو نواس: من مجزوء الرجز
أكثر يحيى غلطا ... في قل هو الله أحد
فقال والبة:
قام طويلاً ساكناً ... حتى إذا أعيا سجد
فقال علي بن الخليل:
يزحر في محرابه ... زحير حبلى للولد
فقال الحسين الخليع:
كأنما لسانه ... شد بحبل من مسد
ومن شعر الحسين بن الضحاك: من المنسرح
وابأبي مفحم بغرته ... قلت له إذ خلوت مكتتما(7/103)
تحب بالله من يخصك بالو ... د فما قال لا ولا نعما
ثم تولى بمقلتي خجل ... أراد رد الجواب فاحتشما
فكنت كالمبتغي بحيلته ... برءاً من السقم فابتدا سقما
الحسين بن طاهر
أبو علي بن الصفيفة القطان المقرىء قال أبو علي الحسين بن طاهر: أتاني أبو علي الحسين بن أحمد بن أبي حريصة قبل موته بيومين فأنشدني: من مجزوء الكامل
تنفك تسمع ما حيي ... ت بهالك حتى تكونه
والمرء يأمل أن يعي ... ش مخلداً والموت دونه
الحسين بن أبي عاصم
أبو عبد الله القرشي أنشد الحسين بن أبي عاصم لكشاجم: من المنسرح
ما الذل إلا تحمل المنن ... فكن عزيزاً إن شئت أو فهن
إذا افترقنا على السير فما ال ... علة في عتبنا على الزمن
من صغرت نفسه فهمته ... أبلغ في قصده من المحن
ما كل مستحسن تقابلك ال ... خبرة منه بمخبر حسن(7/104)
وليس كل امرىء تقلده ... يداً على حفظها بمؤتمن
كم بعت شكري على نفاسته ... من الأيادي بأنزر الثمن
الحسين بن عبد الله بن الحسين
ابن عبيد الله بن أحمد ابن عبدان بن أحمد بن زياد بن ورد أزاد بن غند بن شبة ابن أحمد بن عبد الله الأزدي الصفار روى عن أبيه بسنده عن أبي سعيد الخدري: أن أعرابياً سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الهجرة، فقال: ويحك إن شأن الهجرة شديد، فهل لك من إبل؟ قال: نعم. قال: فهل تؤدي صدقتها؟ قال: نعم. قال: فاعمل من وراء البحار فإن الله لن يترك من عملك شيئاً.
توفي سنة ثمان وثمانين وأربع مئة. قال: وأظن مولده سنة أربع مئة.
الحسين بن عبد الله بن شاكر
أبو علي السمرقندي وراق داود بن علي الأصبهاني سمع بدمشق وبغيرها.
حدث عن إبراهيم بن المنذر بسنده عن عبد الرحمن بن القاسم، أن أباه القاسم بن محمد حدثه عن عائشة: أنها نصبت ستراً فيه تصاوير، فدخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليها فنزعه، قالت: فقطعته وسادتين.
فقال له رجل في المجلس يقال له ربيعة بن عطاء مولى بني زهرة: يا عبد الرحمن بن القاسم: أما سمعت أبا محمد يريد القاسم يذكر أن عائشة قالت:(7/105)
فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرتفع عليهما.
فقال عبد الرحمن بن القاسم: لا، قال: بلى، لكني قد سمعت.
توفي في سنة اثنتين وثمانين، وقيل: في سنة ثلاث وثمانين ومئتين.
الحسين بن عبد الله بن ضميرة
ابن أبي ضميرة سعد الحميري قيل: إنه دمشقي، والصحيح أنه مدني سمع منه مالك بن أنس.
حدث أحمد بن حفص السعدي عن أبي مصعب المدني قال: تقدم مالك بن أنس حين أقيمت الصلاة يصل الصفوف، فوجد الحسين بن عبد الله بن ضميرة فقال له مالك: حدثني حديث أبيك عن جدك عن علي في وتر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: نعم.
حدثني أبي عن جدي عن علي: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يوتر بثلاث: يقرأ في الركعة الأولى: بالحمد لله رب العالمين وقل هو الله أحد. وفي الثانية: بالحمد وقال يا أيها الكافرون. وفي الثالثة: بالحمد وقل هو الله أحد وقل أعوذ برب الناس وقل أعوذ برب الفلق.
فقال مالك: الله أكبر، الحمد لله الذي وافق وتري وتر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال أحمد بن حفص: قال أبو مصعب: فما تركته منذ سمعته منه.
وقال أحمد بن حفص: ما تركته منذ سمعته من أبي مصعب.
جرحه يحيى بن معين وغيره وقال: ليس بثقة ولا مأمون.(7/106)
الحسين بن عبد الله بن محمد
ابن إسحاق بن إبراهيم ابن زهر المعروف بابن أبي كامل أبو عبد الله القيسي النصري العدل الأطرابلسي قدم دمشق قديماً، وسمع بها، ثم قدم إليها بعد ذلك.
روى عن خال أبيه أبي الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة القرشي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أذن سنة من نية صادقة لا يطلب عليها أجراً حشر يوم القيامة، فأوقف على باب الجنة فقيل له: اشفع لمن شئت.
توفي سنة أربع عشرة وأربع مئة. وكان ثقة.
الحسين بن عبد الله بن يزيد
ابن الأزرق أبو علي الرقي القطان المالكي المعروف بالجصاص سمع بدمشق وبغيرها.
روى عن هشام بن عمار بسنده عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير: يا أبا عمير، ما فعل النغير؟.
وحدث عن موسى بن مروان الرقي بسنده إلى الحسين بن علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من أدمن الاختلاف إلى المسجد أصاب أخاً مستفاداً في الله، أو علماً مستظرفاً، أو كلمة تدل على الهدى، أو أخرى تصده عن الردى، أو رحمة منتظرة، أو يترك الذنوب حياء أو خشية.
كان الحسين القطان ثقة.(7/107)
الحسين بن عبيد الله بن أحمد
ابن عبدان بن أحمد ابن زياد بن وردأزاد بن غند بن شبة بن أحمد بن عبد الله أبو عبد الله الصفار أخو عقيل روى عن أبي بكر محمد بن أحمد بن يوسف بن يعقوب بن يزيد الطائي الكوفي بسنده عن جرير قال: بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على السمع والطاعة وأن أنصح لكل مسلم.
قال: فكان إذا باع شيئاً أو اشتراه قال: أما إن الذي أخذنا منك أحب إلينا مما أعطيناك.
زاد في رواية: فاختر.
ولد سنة أربع وثلاثين وثلاث مئة.
الحسين بن عبد السلام
أبو عبد الله المصري الشاعر الملقب بالجمل قدم دمشق وافداً على أبي الحسن المدبر.
حدث عن بشر بن بكر بسنده عن ابن شوذب قال: كان قوم يتعلمون الكسل فينامون تحت الكمثري ويقولون: إن سقط في أفواهنا شيء أكلناه، وإلا فلا، قال: فسقط إلى جانب أحدهم كمثراة فقال له الذي يليه: ضعها في فمي، فقال: لو استطعت أن أضعها في فمك وضعتها في فمي.
كان أبو الحسن المدبر إذا مدحه شاعر فلم يرض شعره أمر غلاماً أن يأخذه إلى مسجد الجامع ولا يفارقه أو يصلي مئة ركعة ويطلقه، فقال، فتحامته الشعراء، ثم وافاه الجمل الشاعر المصري، وكان مجيداً، فاستأذنه في النشيد، فقال له: أعرفت الشرط؟ قال:(7/108)
نعم، فأنشده: من الوافر
أردنا في أبي حسن مديحاً ... كما بالمدح تنتجع الولاة
فقلنا أكرم الثقلين طراً ... ومن كفاه دجلة والفرات
فقالوا: يقبل المدحات لكن ... جوائزه عليهن الصلاة
فقلت لهم: وما يغني عيالي ... صلاتي، إنما الشأن الزكاة
فأما إذ أبى إلا صلاتي ... وعاقتني الهموم الشاغلات
فيأمر لي بكسر الصاد منها ... فتضحي لي الصلاة هي الصلات
قال: فاستحسنها الحسن وقال: يا عيار، من أين أخذت هذا؟ قال: من قول أبي تمام حبيب حيث يقول: من الكامل.
هن الحمام فإن كسرت عيافة ... من حائهن فإنهن حمام
قال: أجدت، وأمر لي بجائزة نفيسة من وقته.
توفي في ربيع الآخر سنة ثمان وخمسين ومئتين، وكان شاعراً مفلقا، وكان هجاء، ولد قبل سنة سبعين ومئة، وكان شرهاً على الطعام، دنيء الملبس وسخ الثوب، وكان من أهل الأدب.
الحسين بن عبد الغفار بن محمد
وقيل: ابن عمرو أبو علي الأزدي حدث عن هشام بن عمار بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خمس من سنن المرسلين: قص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة، والختان.(7/109)
وفي رواية: خمس من الفطرة.
وحدث عن موسى بن محمد الرملي بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن للمساكين دولة، قيل: يا رسول الله وما دولتهم؟ قال: إذا كان يوم القيامة قيل لهم: انظروا من أطعمكم في الله لقمة، أو كساكم ثوباً، أو سقاكم شربة، فأدخلوه الجنة.
قال: هذا حديث منكر بهذا الإسناد.
حدث بمصر سنة تسع وتسعين ومئتين، وفي سنة خمس وثلاث مئة.
الحسين بن عبيد الكلابي
كان في صحابة الوليد بن يزيد بن عبد الملك.
قال أبو الحسن المدائني: خرج الوليد يتصيد ومعه الحسين بن عبيد الكلابي، فانفردا عن الناس، وانقطع الناس عنهما، وتعالى النهار، وجاع الوليد، فما لا نحو قرية فوجدا رجلاً فاستطعماه فجاء بخبز شعير وربيثاء وزيت وكراث، فأكلا فقال الحسين بن عبيد: من الخفيف
إن من يطعم الربيثا مع الزي ... ت بخبر الشعير والكراث
لحقيق بلطمة أو بثنتي ... ن لقبح الصنيع أو بثلاث
فقال الوليد: اسكت قبحك الله، فإن الجود بذل المجهود، ألا قلت: من الخفيف
لحقيق ببدرة أو بثنتي ... ن لحسن الصنيع أو بثلاث
فأقاما حتى لحقهما الناس، فأمر للرجل بثلاث بدر.(7/110)
الحسين بن عثمان بن أحمد
ابن عيسى أبو عبد الله اليبرودي حدث عن أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن أبي ثابت بسنده عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا تقبحوا الوجه، فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن.
وحدث عنه أيضاً بسنده عن خزيمة بن ثابت أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن الله لا يستحي من احلق، يقولها ثلاث مرات: لا تأتوا النساء في أعجازهن.
توفي في ربيع الأول سنة إحدى وأربع مئة.
الحسين بن عقيل بن محمد
ابن عبد المنعم بن هاشم بن ريش أبو علي ويقال أبو عبد الله القرشي البزار حدث في مسجد الزلاقة سنة سبع وستين وأربع مئة عن أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان بن أبي نصر بسنده عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يؤذي بهما أحداً، ليجعلهما تحت رجليه أو ليصل فيهما.
توفي سنة إحدى وسبعين وأربع مئة.(7/111)
الحسين بن علي بن جعفر البغدادي
سمع بدمشق.
روى عن أبي علي أحمد بن محمد بن علي الدمشقي بدمشق عن عبد الله بن أحمد بن كيسان قال: سمعت أبا يزيد طيفور البسطامي يقول: رأيت علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في النوم، فقلت: يا أمير المؤمنين علمني كلمة تنفعني فقال: ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء رجاء ثواب الله، فقلت: زدني قال: وأحسن من ذلك تيه الفقراء على الأغنياء ثقة بما عند الله. قلت: زدني ففتح كفيه فإذا مكتوب فيها بماء الذهب: من مخلع البسيط
قد كنت ميتاً فصربت حيّاً ... وعن قليل تكون ميتا
فابن بدار البقاء بيتاً ... واهدم بدار الفناء بيتا
فلم أزل أرددهما في النوم حتى حفظتهما.
الحسين بن علي بن الحسين
ابن محمد المغربي الوزير أبو القاسم بن أبي الحسن وذكر له نسبة إلى آباء أعجام إلى بهرام بن جور بن يزدجرد.
كان مع أبيه بمصر فلما قتل الحاكم أباه هرب من مصر واستجار بحسان بن المفرج بن دغفل بن الجراح الطائي ومدحه، فأجازه وسكن جأشه وأزال خوفه وأقام عنده محترماً، ورحل عنه مكرماً إلى العراق واجتاز بالبلقاء من دمشق، ووزر لقريش أمير بني عقيل، ووزر لابن مروان صاحب ديار بكر، وكان أديباً مترسلاً، شاعراً فاضلاً، ذا معرفة بصناعتي كتابة الإنشاء والحساب.
وحدث عن الوزير أبي الفضل بن الفرات حدث الوزير الحسين بن علي بسنده قال: كان رجل بالمدينة من بني سليم يقال له: جعدة، فكان يتحدث إليه النساء بظاهر المدينة، فيأخذ المرأة فيعقلها ويقول: إن الحصان تثب في العقال. فإذا أرادت أن تثب(7/112)
سقطت وتكشفت. فبلغ ذلك قوماً في بعض المغازي، فكتب رجل منهم إلى عمر رضي الله عنه بهذه الأبيات: من الوافر
ألا أبلغ أبا حفصٍ رسولاً ... فدىً لك من أخي ثقةٍ إزاري
قلائصنا هداك الله، إنّا ... شغلنا عنكم زمن الحصار
لمن قلصٌ تركن معقّلاتٍ ... قفا سلع بمختلف النّجار
يعقّلهنّ جعدة من سليمٍ ... وبئس معقّل الذّود الظّؤار
يعقّلهنّ أبيض شيظميٌّ ... معرٌّ يبتغي سقط العذاري
فلما قرأ عمر الأبيات قال: علي بجعدة من سليم: فأتوه به فكان سعيد يقول: إني لفي الأغيلمة الذين جروا جعدة إلى عمر، فلما رآه قال: أشهد أنك أبيض شيظمي كما وصف، فضربه مئة، ونفاه إلى عمان.
ومن شعر الوزير أبي القاسم المغربي: من الطويل
خف الله واستدفع سطاه وسخطه ... وسله فمهما تسأل الله تعطه
فما تقبض الأيام من نيل حاجةٍ ... بنان فتىً أبدى إلى الله بسطه
وكن بالذي قط خطّ في اللوح راضياً ... فلا مهرب مما قضاه وخطّه
وإن مع الرزق اشتراط التماسه ... وقد يتعدّى إن تعدّيت شرطه
ولو شاء ألقى في فم الطير قوته ... ولكنه أفضى إلى الطير لقطه
إذا ما احتملت العبء فانظر قبيل أن ... تنوء به أنّى تروم محطّه
وأفضل أخلاق الفتى الحلم والحجا ... إذا ما صروف الدهر أنهجن مرطه(7/113)
فما رفع الدهر امرأ عن مخلّه ... بغير التّقى والعلم إلاّ وحطّه
ومن شعره أيضاً: من مجزوء الكامل
إني أبثّك عن حدي ... ثي والحديث له شجون
غيّرت موضع مرقدي ... ليلاً فنافرني السّكون
قل لي: فأول ليلة ... في القبر كيف ترى أكون؟
توفي الوزير أبو القاسم المغربي بميافارقين في رمضان سنة ثمان عشرة وأربع مئة، وحمل إلى الكوفة، ودفن بمشهد علي عليه السلام.
الحسين بن علي بن الحسين
أبو عبد الله السجزي المقرئ المعروف بالخازن سمع بدمشق.
حدث عن أبي عبد الله محمد بن علي بن يحيى بن سلوان المازني المعروف بابن القماح بسنده عن بلال بن سعد عن أبيه قال: قلنا: يا رسول الله، أي أمتك خير؟ قال: أنا وأقراني. قال: ثم ماذا؟ قال: ثم القرن الثاني. قال: ثم ماذا؟ قال: القرن الثالث. قال: ثم ماذا؟ قال: ثم يأتون، قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويحلفون ولا يستحلفون، ويؤتمنون فلا يؤدون.
الحسين بن علي بن الحسين
ابن أحمد بن جعفر بن الفضل أبو علي المصري المعروف بابن أشليها حدث عن أبي القاسم بن أبي العلاء بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة والعنبة.
ولد أبو علي بن أشليها في سنة خمسين وأربع مئة، وتوفي في سنة اثنتين وثلاثين وخمس مئة.(7/114)
الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام
سبط رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وريحانته من الدنيا، وفد على معاوية، وتوجه غازياً إلى القسطنطينية في الجيش الذي كان أميره يزيد بن معاوية.
روت فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين بن علي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما من مسلم ولا مسلمة يصاب بمصيبة، وإن قدم عهدها، فيحدث لها استرجاعاً إلا أحدث الله له عند ذلك وأعطاه ثواب ما وعده عليها يوم أصيب بها.
حدث أبو هشام القناد البصري قال: كنت أحمل المتاع من البصرة إلى الحسين بن علي بن أبي طالب فكان يماكسني فيه، ولعلي لا أقوم من عنده حتى يهب عامته، قلت: يا بن رسول الله أجيئك بالمتاع من البصرة تماكسني فيه فلعلي لا أقوم حتى تهب عامته؟ فقال: إن أبي حدثني، يرفع الحديث إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: المغبون لا محمود ولا مأجور.
وقد روي هذا الحديث عن الحسن بن علي عليه السلام، وتقدم في ترجمته.
قال عبد الله بن بريدة: دخل الحسن والحسين عليهما السلام على معاوية، فأمر لهما في وقته بمئتي ألف درهم وقال: خذاها وأنا ابن هند، ما أعطاها أحد قبلي، ولا يعطيها أحد بعدي. قال: فأما الحسن عليه السلام فكان رجلاً سكيتاً، وأما الحسين عليه السلام فقال: والله ما أعطى أحد قبلك ولا أحد بعدك لرجلين أشرف ولا أفضل منا.
وعن أم الفضل بنت الحارث أنها رأت فيما يرى النائم أن عضواً من أعضاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيتي، فقصصتها على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال:(7/115)
خيراً رأيت، تلد فاطمة غلاماً فترضعينه بلبن قثم.
قالت: فولدت فاطمة عليها السلام غلاماً فسماه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حسيناً، ودفعه إلى أم الفضل، وكانت ترضعه بلبن قثم.
قال أبو بكر بن المبرقي: ولد الحسين بن علي عليهما السلام في ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة.
قال جعفر بن محمد:
كان بين الحسن والحسين طهر واحد، وعلقت فاطمة بالحسين لخمس خلون من ذي القعدة سنة ثلاث من الهجرة، فكان بين ذلك وبين ولاد الحسن خمسون ليلة.
قال قتادة: ولدت فاطمة حسيناً بعد حسن بسنة وعشرة اشهر، فمولده لست سنين وخمسة أشهر ونصف من التاريخ، وقتل يوم الجمعة يوم عاشوراء سنة إحدى وستين وهو ابن أربع وخمسين سنة وستة أشهر ونصف، وقيل ابن تسع وخمسين سنة.
وعن علي بن أبي طالب عليه السلام: أنه سمى ابنه الأكبر حمزة وسمى حسيناً بعمه جعفر قال: فدعاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني أمرت أن أغير اسم ابني هذين فقلت: الله ورسوله أعلم، فسماهما: حسناً وحسيناً.
وعن علي قال: لما ولد الحسن سميته حرباً، فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أروني ابني ما سميتموه؟ قال: قلت: حرباً، قال: بل هو حسن، فلما ولد حسين سماه حرباً، فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أروني ابني ما سميتموه؟ قال: قلت: حرباً، فقال: بل هو حسين، فلما ولد(7/116)
الثالث سميته حرباً، فجاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أروني ابني، ما سميتوه؟ قلت: حرباً قال: بل هو محسن. ثم قال: سميتهم بأسماء ولد هارون: شبر، وشبير، ومشبر.
قال عكرمة: لما ولدت فاطمة الحسن أتت به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسماه: حسناً، فلما ولدت حسيناً أتت به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: هذا أحسن من هذا، فشق له من اسمه وقال: هذا حسين.
وكنية الحسين عليه السلام: أبو عبد الله.
وعن عاصم بن كليب عن أبيه قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكرته لابن عباس فقال: أذكرت حسين بن علي حين رأيته؟ قلت نعم، والله ذكرته بابنه حين رأيته يمشي، قال: إنا كنا نشبهه بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن علي بن أبي طالب قال: كان الحسن بن علي أشبههم برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من شعر رأسه إلى سرته، وكان الحسين بن علي أشبههم برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من لدن قدميه إلى سرته، اقتسما شبهه.
قال أنس بن مالك: كنت عند ابن زياد فجيء برأس الحسين، قال: فجعل يقول بقضيبه في أنفه ويقول: ما رأيت مثل هذا حسناً قلت: أما إنه كان أشبههم برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال محمد بن الضحاك الحزامي: كان وجه الحسن بن علي يشبه وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان جسد الحسين يشبه جسد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال سفيان: قلت لعبيد الله بن أبي يزيد: رأيت حسين بن علي؟ قال: نعم: أسود الرأس واللحية إلا شعرات ههنا في مقدم لحيته، فلا أدري أخضب وترك ذلك المكان شبهاً برسول(7/117)
الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو لم يكن شاب منه غير ذلك. قال: ورأيت حسناً وقد أقيمت الصلاة، وقد شجر بين الإمام وبين بعض الناس فقيل له: اجلس. فقال: قد قامت الصلاة.
وعن أبي رافع: أن فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحسن والحسين فقالت: ابناك وابناي انحلهما، قال: نعم. أما الحسن: فقد نحلته حلمي وهيئتي. وأما الحسين: فقد نحلته نجدتي وجودي. قالت: رضيت يا رسول الله.
قال ابن أبي نعم: كنت جالساً إلى ابن عمر فقال له رجل: ما تقول في دم البعوض يكون في الثوب، أفأصلي فيه؟ قال: ممن أنت؟ قال: من أهل العراق. قال: انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض، وقد قتلوا ابن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا.
وعن أبي أيوب الأنصاري قال: دخلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والحسن والحسين يلعبان بين يديه وفي حجره فقلت: يا رسول الله أتحبهما؟ قال: وكيف لا أحبهما وهما ريحانتاي من الدنيا، أشمهما.
قال الحسين بن علي عليهما السلام: سمعت جدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا تسبوا أبا بكر وعمر فإنهما سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، إلا النبيين والمرسلين، ولا تسبوا الحسن والحسين فإنهما سيدا شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين، ولا تسبوا علياً، فإنه من سب علياً فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله، ومن سب الله عذبه الله.
وعن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني.(7/118)
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما.
وعن حذيفة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أتاني ملك فسلم علي، نزل من السماء، لم ينزل قبلها فبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة.
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة إلا ابني الخالة عيسى ويحيى عليهما السلام.
وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أراد أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسين بن علي.
وعن أم سلمة قالت: في بيتي نزلت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت قالت: فأرسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى فاطمة وعلي والحسن والحسين فقال: هؤلاء أهلي.
وفي رواية: أهل بيتي. قالت: فقلت يا رسول الله، أما أنا من أهل البيت؟ قال: بلى إن شاء الله.
قال شهر بن حوشب: أتيت أم سلمة أعزيها على الحسين فقالت: دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجلس على منامة له، فجاءته فاطمة بشيء فوضعته فقال: ادعي لي حسناً وحسيناً وابن عمك علياً، فلما اجتمعوا عنده قال: اللهم هؤلاء خاصتي وأهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
وعن أم سلمة قالت: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندنا منكساً رأسه، فعملت له فاطمة خزيرة، فجاءت ومعها(7/119)
حسن وحسين، فقال لها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أين زوجك؟ اذهبي فادعيه، فجاءت به فأكلوا، فأخذ كساءً فأداره عليهم، فأمسك طرفه بيده اليسرى ثم رفع يده اليمنى إلى السماء وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. أنا حرب لمن حاربتم، سلم لمن سالمتم، عدو لمن عاداكم.
وعن عمرة بنت أفعى قالت سمعت أم سلمة تقول: نزلت هذه الآية في بيتي: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " وفي البيت سبعة: جبريل وميكائيل، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلي وفاطمة والحسن والحسين قالت: وأنا على باب البيت، فقلت: يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ قال: إنك على خير، إنك من أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما قال: إنك من أهل البيت.
قال يعلى بن مرة: خرجت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدعينا إلى طعام، فإذا الحسين يلعب في الطريق، فأسرع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمام القوم، ثم بسط يديه فجعل الحسين يفر مرة ههنا، ومرة ههنا، يضاحكه حتى أخذه، فجعل إحدى يديه في ذقنه، والأخرى بين رأسه وأذنيه، ثم اعتنقه فقبله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حسين مني وأنا منه، أحب الله من أحبه، الحسن والحسين سبطان من الأسباط.
وعن ابن مسعود قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بيد الحسن والحسين يقول: هذان ابناي فمن أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني.
وعن أنس قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي أهل بيتك أحب إليك؟ قال: الحسن والحسين، قال: وكان يقول لفاطمة: ادعي لي بابني، فيشمهما ويضمهما.
قال زيد بن أرقم: كنت عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالساً، فمرت فاطمة عليها السلام، وهي خارجة من(7/120)
بيتها إلى حجرة نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعها ابناها: الحسن والحسين، وعلي في آثارهم، فنظر إليهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: من أحب هؤلاء فقد أحبني، ومن أبغضهم فقد أبغضني.
قال أبو هريرة: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سوق من أسواق المدينة فانصرف وانصرفت معه فقال: ادع الحسين بن علي، فجاء الحسين بن علي يمشي، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده هكذا فقال الحسين بيده هكذا، فالتزمه فقال: اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه. قال أبو هريرة: فما كان بعد أحد أحب إلي من الحسين بن علي بعدما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قال.
وعن سلمان قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحسن والحسين من أحبهما أحببته، ومن أحببته أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله جنات النعيم، ومن أبغضهما أو بغى عليهما أبغضته، ومن أبغضته أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله نار جهنم، وله عذاب مقيم.
وعن أبي هريرة قال:
كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي، فإذا سجد ركب الحسن والحسين على ظهره، فإذا رفع رأسه أخذهما بيده أخذاً رفيقاً، فوضع أحدهما على فخذه والآخر في حجره، فقلت: يا رسول الله، أذهب بهما إلى أمهما؟ قال: لا: فبرقت برقة، فقال: الحقا بأمكما، فلم يزالا في ضوء تلك البرقة حتى لحقا بأمهما.
وعن شداد بن الهاد قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر وهو حامل حسناً أو حسيناً، فتقدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوضعه، ثم كبر للصلاة فصلى فسجد بين ظهري صلاته سجدة أطالها قال: رفعت رأسي، فإذا الصبي على ظهر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ساجد، فرجعت في سجودي، فلما قضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاة، قال الناس: يا رسول الله، إنك سجدت بين ظهري الصلاة سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يوحى إليك، قال: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته.(7/121)
وعن بريدة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطبنا، فجاء الحسين والحسين وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثم قال: صدق الله ورسوله " إنما أموالكم وأولادكم فتنة " نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما.
وعن عمر قال: رأيت الحسن والحسين على عاتقي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: نعم الفرس تحتكما، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ونعم الفارسان هما.
وعن أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على علي وفاطمة والحسن والحسين فاضطجع معهم، فاستسقى الحسن فقام إلى لقوح فحلبها، فاستسقى الحسين فقال: يا بني استسقى أخوك قبلك نسقيه ثم نسقيك، قالت فاطمة: كأنه أحبهما إليك يا رسول الله، قال: ما هو بأحبهما إلي: إني وأنت وهما وهذا المضطجع في مكان واحد يوم القيامة.
وفي حديث آخر: في مكان واحد في الجنة.
وعن علي قال: قعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موضع الجنائز، وأنا معه، فطلع الحسن والحسين، فاعتركا، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إيها حسن خذ حسيناً، فقال علي: يا رسول الله، أعلى حسين تواليه وهو أكبرهما؟ فقال: هذا جبريل يقول: إيها حسين.
وعن البراء بن عازب قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحسن أو الحسين هذا مني وأنا منه، وهو يحرم عليه ما يحرم علي.(7/122)
وعن أم سلمة قالت: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى صرحة هذا المسجد فقال: ألا لا يحل هذا المسجد لجنب ولا حائض إلا لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلي وفاطمة والحسن والحسين، ألا قد بينت لكم الأسماء أن تضلوا.
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري: قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلي بن أبي طالب: سلام عليك يا أبا الريحانتين من الدنيا، فعن قليل ينهد ركناك، والله خليفتي عليك.
فلما قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: هذا أحد الركنين اللذين قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما ماتت فاطمة قال: هذا الركن الآخر الذي قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وفي حديث آخر: سلام عليك أبا الريحانتين، أوصيك بريحانتي من الدنيا.
وعن عبد الله قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خير رجالكم علي بن أبي طالب وخير شبابكم الحسن والحسين، وخير نسائكم فاطمة بنت محمد.
وعن علي قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين خرج لمباهلة النصارى بي وبفاطمة والحسن والحسين.
وعن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأذني، وإلا فصمتا، وهو يقول: أنا شجرة، وفاطمة حملها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمرتها، والمحبون أهل البيت ورقها من الجنة حقاً حقاً.
وعن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: لا تسألوني قبل أن تشوب الأحاديث الأباطيل. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(7/123)
أنا الشجرة، وفاطمة أصلها، أو فرعها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمرتها، وشيعتنا ورقها، فالشجرة أصلها في عدن والأصل والفرع واللقاح والورق والثمر في الجنة.
وعن علي قال:
شكوت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حسد الناس إياي، فقال: يا علي إن أول أربعة يدخلون الجنة: أنا وأنت والحسن والحسين، وذرارينا خلف ظهورنا، وأزواجنا خلف ذرارينا، قال: قلت: يا رسول الله فأين شيعتنا؟ قال: شيعتكم من ورائكم.
وعن أبي هريرة قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمص لسان الحسين بن علي كما يمص الصبي التمرة.
وعن أنس بن مالك قال: جاءت فاطمة ومعها الحسن والحسين إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المرض الذي قبض فيه، فانكبت عليه فاطمة وألصقت صدرها بصدره وجعلت تبكي، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مه يا فاطمة، ونهاها عن البكاء، فانطلقت إلى البيت، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يستعبر الدموع: اللهم أهل بيتي، وأنا مستودعهم كل مؤمن، ثلاث مرات.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنة مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي حب الله، الحسن والحسين صفوة الله، فاطمة أمة الله، على باغضهم لعنة الله.
أنكر الخطيب هذا الحديث بهذا الإسناد.
وعن فاطمة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أتاها يوماً فقال: أين ابناي؟ يعني حسناً وحسيناً، فقالت: أصبحنا وليس في بيتنا شيء يذوقه ذائق، فقال علي: أذهب بهما فإني أتخوف أن يبكيا عليك، وليس عندك شيء، فذهب إلى فلان اليهودي، فتوجه إليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوجدهما يلعبان في شربة، بين أيديهما فضل من تمر، فقال: يا علي ألا قلبت ابني قبل أن يشتد(7/124)
عليهما الحر؟ فقال علي: أصبحنا وليس في بيتنا شيء، فلو جلست حتى أجمع لفاطمة تمرات، فجلس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلي ينزع لليهودي دلواً بتمرة، حتى اجتمع له شيء من تمر، فجعله في حجرته ثم أقبل، فحمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحدهما، وعلي الآخر حتى قلبهما.
قال يزيد بن أبي زياد: خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بيت عائشة فمر على بيت فاطمة فسمع حسيناً يبكي فقال: ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني.
وعن حبشي بن جادة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله تعالى اصطفى العرب من جميع الناس، واصطفى قريشاً من العرب، واصطفى بني هاشم من قريش، واصطفاني من قريش، واختارني في نفر من أهل بيتي: علي وحمزة وجعفر والحسن والحسين.
وعن عبد الله بن عمر قال: كان على الحسن والحسين تعويذان فيهما من زغب جناح جبريل عليه السلام.
وعن ربيعة السعدي قال: لما اختلف الناس في التفضيل، رحلت راحلتي وأخذت زادي وخرجت حتى دخلت المدينة، فدخلت على حذيفة بن اليمان، فقال لي: من الرجل؟ قلت: من أهل العراق، فقال لي: من أي العراق؟ قال: قلت: رجل من أهل الكوفة. قال: مرحباً بكم يا أهل الكوفة. قال: قلت اختلف الناس علينا في التفضيل، فجئت لأسألك عن ذلك.
فقال لي: على الخبير سقطت. أما إني لا أحدثك إلا بما سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي.
خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأني أنظر إليه، كما أنظر إليك الساعة حامل الحسين بن علي على عاتقه، كأني أنظر إلى كفه الطيبة واضعها على قدمه يلصقها بصدره فقال: يا أيها الناس، لأعرفن ما اختلفتم في الخيار بعدي، هذا الحسين بن علي خير الناس جداً، وخير الناس جدة، جده محمد رسول الله سيد النبيين، وجدته خديجة بنة خويلد سابقة نساء العالمين إلى الإيمان بالله ورسوله، هذا الحسين بن علي خير الناس أباً وخير الناس أماً، أبوه(7/125)
علي بن أبي طالب أخو رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووزيره وابن عمه وسابق رجال العالمين إلى الإيمان بالله ورسوله، وأمه فاطمة بنت محمد سيدة نساء العالمين. هذا الحسين بن علي خير الناس عماً، وخير الناس عمة، عمه جعفر بن أبي طالب المزين بالجناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء، وعمته أم هانئ بنت أبي طالب. هذا الحسين بن علي خير الناس خالاً، وخير الناس خالة. خاله: القاسم بن محمد رسول الله، وخالته زينب بنت محمد رسول الله، ثم وضعه عن عاتقه، فدرج بين يديه وحبا.
ثم قال: يا أيها الناس، هذا الحسين بن علي: جده وجدته في الجنة، وأبوه وأمه في الجنة، وعمه وعمته في الجنة، وخاله وخالته في الجنة، وهو وأخوه في الجنة، إنه لم يؤت أحد من ذرية النبيين ما أوتي الحسين بن علي ما خلا يوسف بن يعقوب.
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن فاطمة أحصنت فرجها، فحرمها الله وذريتها على النار.
وعن مجاهد قال: جاء رجل إلى الحسن والحسين فسألهما فقالا: إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لحاجة مجحفة، أو لحمالة مثقلة، أو دين فادح، فأعطياه، ثم أتى ابن عمر فأعطاه ولم يسأله عن شيء فقال: أتيت ابني عمرك فهما أصغر سناً منك فسألاني وقالا لي، وأنت لم تسألني عن شيءٍ، قال: ابنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنهما كانا يغران العلم غرا.
قال يحيى بن سعيد: أمر عمر حسين بن علي أن يأتيه في بعض الحاجة، فقال حسين، فلقيه عبد الله بن عمر فقال له حسين: من أين جئت؟ قال: قد استأذنت على عمر فلم يؤذن لي؛ فرجع حسين، فلقيه عمر فقال له: ما منعك يا حسين أن تأتيني؟ قال: قد أتيتك، ولكن أخبرني عبد الله بن عمر أنه لم يؤذن له عليك فرجعت، فقال عمر: وأنت عندي مثله؟! وأنت عندي مثله؟! وهل أنبت الشعر على الرأس غيركم؟(7/126)
وعن حسين بن علي قال: صعدت إلى عمر وهو على المنبر، فقلت: انزل عن منبر أبي، واذهب إلى منبر أبيك، فقال: من علمك هذا؟ قلت: ما علمنيه أحد، قال: منبر أبيك والله، منبر أبيك والله، وهل أنبت على رؤوسنا الشعر إلا أنتم، جعلت تأتينا، وجعلت تغشانا.
وعن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي: أن عمر بن الخطاب لما دون الديوان وفرض العطاء، ألحق الحسن والحسين بفريضة أبيهما مع أهل بدر، لقرابتهما برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففرض لكل واحد منهما خمسة آلاف.
حدث جعفر بن محمد عن أبيه قال: قدم على عمر حلل من اليمن فكسا الناس، فراحوا في الحلل وهو بين القبر والمنبر جالس، والناس يأتونه فيسلمون عليه ويدعون، فخرج الحسن والحسين ابنا علي من بيت أمهما فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يتخطيان الناس، وكان بيت فاطمة في جوف المسجد ليس عليهما من تلك الحلل شيء، وعمر قاطبٌ صار بين عينيه، ثم قال: والله ما هناني ما كسوتكم، قالوا: لم يا أمير المؤمنين؟ كسوت رعيتك وأحسنت، قال: من أجل الغلامين، يتخطيان الناس ليس عليهما منها شيء، كبرت عنهما، وصغرا عنها.
ثم كتب إلى صاحب اليمن أن ابعث إلي بحلتين لحسن وحسين وعجل، فبعث إليه بحلتين فكساهما.
قال مسافع بن شيبة: عرض حسين بن علي لمعاوية بالردم، ومعاوية على راحلته فكلمه بكلام شديد، فسكت عنه معاوية، فقال له يزيدك يجترئ عليك هذا، يكلمك بمثل هذا، فقال: دعه، فقد أقتلته، يريد أني كلم بهذا الكلام سواي فلا يحتلمه له.
قال مسافع بن شيبة: حج معاوية، فلما كان عند الردم أخذ حسين بخطامه فأناخ به ثم ساره طويلاً، ثم انصرف، وزجر معاوية راحلته فسار، فقال عمرو بن عثمان: ينبح بك الحسين وتكف عنه(7/127)
وهو ابن أبي طالب؟ فقال معاوية: دعني من علي، فوالله ما فارقني حتى خفت أن يقتلني، ولو قتلني لما أفلحتم، وإن لكم من بني هاشم ليوماً.
وعن علي أنه قال: إن ابني هذا سيخرج من هذا الأمر، وأشبه أهلي بي الحسين.
وعن المسيب بن نجبة قال: قال علي: ألا أحدثكم عن خاصة نفسي وأهل بيتي؟ قلنا: بلى. قال: أما حسن فصاحب جفنة وخوان، وفتى من الفتيان، ولو قد التقت حلقتا البطان لم يغن عنكم في الحرب حثالة عصفور، وأما عبد الله بن جعفر فصاحب لهو وباطل، ولا يغرنكم ابنا عباس، وأما أنا وحسين فإنا منكم وأنتم منا، والله لقد خشيت أن يدال هؤلاء القوم عليكم بصلاحهم في أرضهم، وفسادكم في أرضكم، وبأدائهم الأمانة وخيانتكم، وطواعيتهم إمامهم ومعصيتكم له، واجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم حتى تطول دولتهم، حتى لا يدعوا لله محرماً إلا استحلوه، ولا يبقى بيت مدر، ولا وبر إلا دخله ظلمهم، وحتى يكون أحدكم تابعاً لهم، وحتى تكون نصرة أحدكم منهم كنصرة العبد من سيده: إذا شهد أطاعه، وإذا غاب عنه سبه، وحتى يكون أعظمهم فيها غناء أحسنكم بالله ظنا، وإن أتاكم الله بعافية فاقبلوا، وإن ابتليتم فاصبروا فإن العاقبة للمتقين.
كان الحسن يقول للحسين: أي أخ! والله لوددت أن لي بعض شدة قلبك، فيقول له الحسين: وأنا والله وددت أن لي بعض ما بسط لك من لسانك.
قال مدرك بن عمارة:
رأيت ابن عباس آخذاً بركاب الحسن والحسين فقيل له: أتأخذ بركابهما وأنت أسن منهما؟ فقال: إن هذين ابنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أوليس من سعادتي أن آخذ بركابيهما؟ قال أبو المهزم: كنا مع جنازة امرأة ومعنا أبو هريرة، فجيء بجنازة رجل فجعله بينه وبين المرأة، فصلى عليها، فلما أقبلنا أعيا الحسين فقعد في الطريق، فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه، فقال الحسين: يا أبا هريرة وأنت تفعل هذا؟! قال أبو هريرة: دعني، فوالله لو يعلم الناس منك ما أعلم، لحملوك على رقابهم.(7/128)
حدث جعفر بن محمد عن أبيه: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بايع الحسن والحسين وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر وهم صغار لم يبلغوا، قال: ولم يبايع صغيراً إلا منا.
وحدث عن أبيه أيضاً: أن الحسين بن علي حج ماشياً خمساً وعشرين حجة ونجائبه تقاد معه.
وقد روي ذلك عن الحسن بن علي وتقدم في ترجمته.
وعن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: مر الحسن بمساكين يأكلون في الصفة فقالوا: الغداء، فنزل وقال: إن الله لا يحب المتكبرين، فتغدى ثم قال لهم: قد أجبتكم فأجيبوني، قالوا: نعم، فمضى بهم إلى منزله، فقال للرباب: أخرجي ما كنت تدخرين.
قال أبو الحسن المدائني: جرى بين الحسن بن علي وأخيه الحسين كلام حتى تهاجرا، فلما أتى على الحسن ثلاثة أيام تأثم من هجر أخيه، فأقبل إلى الحسين وهو جالس فأكب على رأسه فقبله، فلما جلس الحسن قال له الحسين: إن الذي منعني من ابتدائك والقيام إليك أنك أحق بالفضل مني، فكرهت أن أنازعك ما أنت أحق به.
قال ابن عون: كتب الحسن إلى الحسين يعيب عليه إعطاء الشعراء، قال: فكتب إليه: إن خير المال ما وقى العرض.
قال الأسود بن قيس العبدي: قيل لمحمد بن بشير الحضرمي: قد أسر ابنك بثغر الري. قال: عند الله أحتسبه ونفسي، ما كنت أحب أن يؤسر، ولا أن أبقى بعده. فسمع قوله الحسين، فقال له: رحمك الله، أنت في حل من بيعتي، فاعمل في فكاك ابنك. قال: أكلتني السباع حياً إن(7/129)
فارقتك. قال: فأعط ابنك هذه الأثواب البرود يستعن بها في فداء أخيه، فأعطاه خمسةً أيام قيمتها ألف دينار.
قال أبو عون: لما خرج الحسين بن علي من المدينة يريد مكة، مر بابن مطيع وهو يحفر بئره فقال له: أين فداك أبي وأمي؟ قال: أردت مكة. قال: وذكر له أنه كتب إليه شيعته بها، فقال له ابن مطيع: إني فداك أبي وأمي، متعنا بنفسك ولا تسر إليهم، فأبى حسين، فقال له ابن مطيع: إن بئري هذه قد رشحتها، وهذا اليوم أوار، ما خرج إلينا في الدلو شيء من ماء، فلو دعوت الله لنا فيها بالبركة، قال: هات من مائها، فأتى من مائها في الدلو، فشرب منه ثم تمضمض ثم رده في البئر فأعذب وأمري.
وعن عكرمة عن ابن عباس: بينما هو يحدث الناس، إذ قام إليه نافع بن الأزرق فقال له: يا بن عباس تفتي الناس في النملة والقملة، صف لي إلهك الذي تعبد، فأطرق ابن عباس إعظاماً لقوله، وكان الحسين بن علي جالساً ناحية، فقال: إلي يا بن الأزرق، قال: لست إياك أسأل.
قال ابن عباس: يا بن الأزرق إنه من أهل بيت النبوة، وهم ورثة العلم، فأقبل نافع نحو الحسين، فقال له الحسين: يا نافع، إن من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في التباس، سائلاً ناكباً عن المنهاج طاعناً بالاعوجاج، ضالاً عن السبيل، قائلاً غير الجميل، يا بن الأزرق: أصف إلهي بما وصف به نفسه، وأعرفه بما عرف به نفسه، لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس، قريب غير ملتصق، بعيد غير منتقص، يوحد ولا يبعض، معروف بالآيات، موصوف بالعلامات، لا إله إلا هو الكبير المتعال.
فبكى ابن الأزرق وقال: يا حسين ما أحسن كلامك! قال له الحسين: بلغني أنك تشهد على أبي وعلى أخي بالكفر وعلي. قال ابن الأزرق: أما والله يا حسين، لئن كان ذلك لقد كنتم منار الإسلام، ونجوم الأحكام.
فقال له الحسين: إني سائلك عن مسألة، قال: سل. فسأله عن هذه الآية: " وأما(7/130)
الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة ". يا بن الأزرق من حفظ في الغلامين؟ قال ابن الأزرق: أبوهما. قال الحسين: فأبوهما خير أم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال ابن الأزرق: قد أنبأ الله تعالى أنكم قوم خصمون.
وعن الحسين بن علي قال:
من أحبنا لله وردنا نحن وهو على نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هكذا، وضم أصبعيه، ومن أحبنا للدنيا، فإن الدنيا تسع البر والفاجر.
قال الذيال بن حرمة: خرج سائل يتخطى أزقة المدينة، حتى أتى باب الحسين بن علي، فقرع الباب وأنشد يقول: من المنسرح
لم يخب اليوم من رجاك ومن ... حرّك من خلف بابك الحلقه
وأنت جودٌ، وأنت معدنه ... أبوك ما كان قاتل الفسقه
قال: وكان الحسين بن علي واقفاً يصلي، فخفف من صلاته وخرج إلى الأعرابي فرأى عليه أثر ضر وفاقة، فرجع ونادى بقنبر فأجابه: لبيك يا بن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: ما تبقى معك من نفقتنا؟ قال: مئتا درهم أمرتني بتفرقتها في أهل بيتك، قال: فهاتها، فقد أتى من هو أحق بها منهم، فأخذها وخرج فدفعها إلى الأعرابي، وأنشأ يقول: من المنسرح
خذها فإني إليك معتذرٌ ... واعلم بأني عليك ذو شفقه
لو كان في سيرنا عصا تمد إذاً ... كانت سمانا عليك مندفقه
لكنّ ريب المنون ذو نكدٍ ... والكفّ منّا قليلة النّفقه(7/131)
قال: فأخذها الأعرابي وولى وهو يقول: من البسيط
مطهّرون، نقيّاتٌ جيوبهم ... تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا
فأنتم أنتم الأعلون، عندكم ... علم الكتاب وما جاءت به السور
من لم يكن علويّاً حين تنسبه ... فماله في جميع الناس مفتخر
ومن شعر سيدنا الحسين بن علي عليه السلام: من السريع
اغن عن المخلوق بالخالق ... تغن عن الكاذب والصادق
واسترزق الرحمن من فضله ... فليس غير الله من رازق
من ظنّ أنّ الناس يغنونه ... فليس بالرحمن بالواثق
أوظنّ أنّ المال من كسبه ... زلّت به النعلان من حالق
ومن شعره أيضاً: من الخفيف.
كلّما زيد صاحب المال مالاً ... زيد في همّه وفي الاشتغال
قد عرفناك يا منغّصة العي ... ش ويا دار كلّ فانٍ وبال
ليس يصفوا لزاهد طلب الزهد ... إذا كان مثقلاً بالعيال
قال إسحاق بن إبراهيم: بلغني أن الحسين بن علي أتى مقابر الشهداء بالبقيع فطاف بها وقال: من الكامل
ناديت سكّان القبور فأسكتوا ... وأجابني عن صمتهم ندب الجثى
قالت: أتدري ما صنعت بساكنيّ ... مزقت ألحمهم وخرّقت الكسا
وحشوت أعينهم تراباً بعدما ... كانت تأذّى باليسير من القذى
أما العظام فإنني فرّقتها ... حتى تباينت المفاصل والشّوى
قطّعت ذا من ذا ومن هذا كذا ... فتركتها رمماً يطول بها البلى(7/132)
ومن شعر الحسين بن علي عليهما السلام: من الطويل
لئن كانت الدنيا تعدّ نفيسةً ... فدار ثواب الله أعلى وأنبل
وإن كانت الأبدان للموت أنشئت ... فقتلٌ، سبيل الله، بالسيف أفضل
وإن كانت الأرزاق شيئاً مقدّراً ... فقلّة سعي المرء في الكسب أجمل
وإن كانت الأموال للتّرك جمّعت ... فما بال متروكٍ به المرء يبخل
وكان الحسين بن علي يوم الجمل على الميسرة.
حدث عبد الله بني يحيى عن أبيه: أنه سافر مع علي بن أبي طالب وكان صاحب مطهرته، فلما حاذوا بنينوى، وهو منطلق إلى صفين، نادى علي: صبراً أبا عبد الله، صبراً أبا عبد الله بشط الفرات، قلت: ومن ذا أبو عبد الله؟ قال: دخلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعيناه تفيضان، فقلت: يا نبي الله أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبريل قبل، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات، وقال: هل لك أن أشمك من تربته؟ قال: قلت: نعم، فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم يسعني أملك عيني أن فاضتا.
قال أبو أمامة: قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنسائه:
لا تبكوا هذا الصبي، يعني حسيناً، قال: فكان يوم أم سلمة، فنزل جبريل فدخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الداخل، وقال لأم سلمة: لا تدعي أحداً يدخل علي، فجاء الحسين، فلما نظر إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في البيت أراد أن يدخل، فأخذته أم سلمة فاحتضنته وجعلت تناغيه وتسكته، فلما اشتد في البكاء خلت عنه، فدخل حتى جلس في حجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال جبريل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أمتك ستقتل ابنك هذا، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يقتلونه وهم مؤمنون بي؟ قال: نعم، يقتلونه، فتناول جبريل تربة فقال: بمكان كذا وكذا.
فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد احتضن حسيناً كاسف البال، مهموماً، فظنت أم سلمة أنه غضب من دخول الصبي عليه، فقالت: يا نبي الله، جعلت لك الفداء، إنك قلت لنا:(7/133)
لا تبكوا هذا الصبي، وأمرتني أن لا أدع أحداً يدخل عليك، فجاء فخليت عنه، فلم يرد عليها.
فخرج إلى أصحابه وهم جلسو فقال لهم: إن أمتي يقتلون هذا، ففي القوم أبو بكر وعمر وكانا أجرأ القوم عليه، فقالا: يا نبي الله، يقتلونه وهم مؤمنون؟ قال: نعم، هذه تربته، فأراهم إياها.
وعن أم سلمة قالت: كان الحسن والحسين يلعبان بين يدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيتي، فنزل جبريل فقال: يا محمد! إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك، وأومأ بيده إلى الحسين، فبكى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضمه إلى صدره، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وديعة عندك هذه التربة، فشمها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: ريح كرب وبلاء، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أم سلمة إذا تحولت هذه التربة دماً فاعلمي أن ابني قد قتل، قال: فجعلتها أم سلمة في قارورة ثم جعلت تنظر إليها كل يوم، يعني، وتقول: إن يوماً تحولين دماً ليوم عظيم.
قالت أم سلمة: دخل الحسين على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففزع، فقالت أم سلمة: مالك يا رسول الله؟ قال: إن جبريل أخبرني أن ابني هذا يقتل، وإنه اشتد غضب الله عل من يقتله.
وفي حديث آخر بالمعنى الأول: وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها، فأراه إياه، فإذا الأرض يقال لها كربلاء.
وفي حديث آخر بالمعنى قال: فضرب بجناحه فأتاني بهذه التربة قالت: وإذا في يده تربة حمراء وهو يبكي ويقول: يا ليت شعري، من يقتلك بعدي؟ وفي حديث آخر: وقيل: اسمها كربلاء، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كرب وبلاء.(7/134)
وعن محمد بن صالح: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أخبره جبريل أن أمته ستقتل حسين بن علي، فقال: يا جبريل أفلا أراجع فيه، قال: لا؛ لأنه أمر قد كتبه الله.
وعن أم سلمة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يقتل الحسين على رأس ستين من مهاجرتي.
قال أبو عبد الله الضبي: دخلنا على ابن هرثم الضبي حين أقبل من صفين، وهو مع علي، وهو جالس على دكان له، وله امرأة يقال لها: جرداء، هي أشد حباً لعلي وأشد لقوله تصديقاً، فجاءت شاة له فبعرت فقال: لقد ذكرني بعر هذه الشاة حديثاً لعلي، قالوا: وما علم علي بهذا؟ قال: أقبلنا مرجعنا من صفين، فنزلنا كربلاء، فصلى بنا علي صلاة الفجر بين شجرات ودوحات حرمل، ثم أخذ كفاً من بعر الغزلان فشمه، ثم قال: أوه أوه، يقتل بهذا الغائط قوم يدخلون الجنة بغير حساب، قال: قالت جرداء: وما تنكر من هذا؟ هو أعلم بما قال منك، نادت بذلك وهي في جوف البيت.
قال عمار الدهني: مر علي على كعب فقال: يخرج من ولد هذا رجل، يقتل في عصابة لا يجف عرق خيولهم حتى يردوا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمر حسن فقالوا: هذا هو يا أبا إسحاق، قال: لا. فمر حسين فقالوا: هذا هو. قال: نعم.
حدث العلاء بن أبي عائشة عن أبيه عن رأس الحالوب قال: كنا نسمع أنه يقتل بكربلاء ابن نبي، فكنت إذا دخلتها ركضت فرسي حتى أجوز عنها، فلما قتل حسين جعلت أسير بعد ذلك على هينتي.
حدث الشعبي عن ابن عمر:
أنه كان بماله، فبلغه أن الحسين بن علي قد توجه إلى العراق، فلحقه على مسيرة ثلاث ليال فقال له: أين تريد؟ فقال: العراق. وإذا معه طوامير كتب، فقال: هذه كتبهم وبيعتهم فقال: لا تأتهم، فأبى، قال: إني محدثك حديثاً: إن جبريل أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخيره(7/135)
بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا، وإنكم بضعة من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والله لا يليها أحد منكم أبداً، وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير، فأبى أن يرجع، قال: فاعتنقه ابن عمر وبكى وقال: أستودعك الله من قتيل.
وعن سعيد بن مثنى: أن عبد الله بن عمر قال: عجل حسين قدره، عجل حسين قدره، والله لو أدركته ما كان ليخرج إلا أن يغلبني، ببني هاشم فتح، وببني هاشم ختم، فإذا رأيت الهاشمي قد ملك فقد ذهب الزمان.
قال أبو سعيد المقبري: والله لرأيت الحسين وإنه ليمشي بين رجلين، يعتمد على هذا مرة وعلى هذا مرة وعلى هذا أخرى حتى دخل مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: من الخفيف
لا ذعرت السّوام في غبش الصب ... ح مغيراً ولا دعيت يزيدا
يوم أعطي مخافة الموت ضيماً ... والمنايا يرصدنني أن أحيدا
قال: فعلمت عند ذلك أن لا يلبث إلا قليلاً حتى يخرج، فما لبث أن خرج حتى لحق بمكة.
جوامع حديث مقتل الحسين عن جماعة رواة
قالوا: لما بايع معاوية بن أبي سفيان الناس بن معاوية، كان حسين بن علي بن أبي طالب ممن لم يبايع له، وكان أهل الكوفة يكتبون إلى حسين، يدعونه إلى الخروج إليهم في خلافة معاوية، كل ذلك يأبى.
فقدم منهم قوم إلى محمد بن الحنفية، وطلبوا إليه أن يخرج معهم فأبى، وجاء إلى الحسين فأخبره بما عرضوا عليه، وقال: إن القوم إنما يريدون أن يأكلوا بنا، ويشيطوا(7/136)
دماءنا، فأقام حسين على ما هو عليه من الهموم، مرة يريد أن يسير إليهم، ومرة يجمع الإقامة.
فجاءه أبو سعيد الخدري فقال: يا أبا عبد الله، إني لكم ناصح، وإني عليكم مشفق، وقد بلغني أنه كاتبك قوم من شيعتكم بالكوفة، يدعونك إلى الخروج إليهم، فلا تخرج فإني سمعت أباك يقول بالكوفة: والله لقد مللتهم وأبغضتهم، وملوني وأبغضوني، وما بلوت منهم وفاء، ومن فاز بهم، فاز بالسهم الأخيب، والله ما لهم ثبات ولا عزم أمر، ولا صبر على السيف.
قال: وقدم المسيب بن نجبة الفزاري وعدة معه إلى الحسين بعد وفاة الحسن، فدعوه إلى خلع معاوية، وقالوا: قد علمنا رأيك ورأي أخيك. فقال: إني أرجو أن يعطي الله أخي على نيته في حبه للكف، وأن يعطيني على نيتي في حبي جهاد الظالمين.
وكتب مروان بن الحكم إلى معاوية: إني لست آمن أن يكون حسين مرصداً للفتنة، وأظن يومكم من حسين طويلاً.
فكتب معاوية إلى الحسين: إن من أعطى الله صفقة يمينه وعهده لجدير بالوفاء، وقد أنبئت أن قوماً من أهل الكوفة قد دعوك إلى الشقاق، وأهل العراق من قد جربت، قد أفسدوا على أبيك وأخيك، فاتق الله واذكر الميثاق، فإنك متى تكدني أكدك.
فكتب إليه الحسين: أتاني كتابك، وأنا بغير الذي بلغك عني جدير، والحسنات لا يهدي لها إلا الله، وما أردت لك محاربة، ولا عليك خلافاً، وما أظن لي عند الله عذراً في ترك جهادك، وما أعلم فتنة أعظم من ولايتك أمر هذه الأمة.
فقال معاوية: إن أثرنا بأبي عبد الله إلا أسداً.
وكتب إليه معاوية أيضاً في بعض ما بلغه عنه: إني لأظن أن في رأسك نزوة فوددت أني أدركها فأغفرها لك.
ولما حضر معاوية دعا يزيد بن معاوية، فأوصاه بما أوصاه به، وقال له: انظر حسين بن علي ابن فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنه أحب الناس إلى الناس فصل رحمه،(7/137)
وارفق به يصلح لك أمره، فإن يك منه شيء فإني أرجو أن يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه.
وتوفي معاوية نصف رجب سنة ستين، وبايع الناس يزيد.
فكتب يزيد مع عبد الله بن عمرو بن أويس العامري عامر بن لؤي إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وهو على المدينة: أن ادع الناس فبايعهم وابدأ بوجوه قريش، وليكن أول من تبدأ به الحسين بن علي فإن أمير المؤمنين، رحمه الله، عهد إلي في أمره للرفق به واستصلاحه.
فبعث الوليد من ساعته نصف الليل إلى الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير فأخبرهما بوفاة معاوية، ودعاهما إلى البيعة ليزيد، فقالا: نصبح وننظر ما يصنع الناس، ووثب الحسين فخرج، وخرج معه ابن الزبير، وهو يقول: هو يزيد الذي نعرف، والله ما حدث له حزم ولا مروءة، وقد كان الوليد أغلظ للحسين، فشتمه الحسين وأخذ بعمامته فنزعها من رأسه، فقال الوليد: إن هجنا بأبي عبد الله إلا أسداً. فقال له مروان أو بعض جلسائه: اقتله، قال: إن ذلك لدم مضنون في بني عبد مناف.
فلما صار الوليد إلى منزله قالت له امرأته أسماء بنة عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: أسببت حسيناً؟ قال: هو بدأ فسبني، قالت: وإن سبك حسين تسبه، وإن سب أباك تسب أباه؟ قال: لا.
وخرج الحسين وعبد الله بن الزبير من ليلتهما إلى مكة، وأصبح الناس، فغدوا على البيعة ليزيد، وطلب الحسين وابن الزبير فلم يوجدا، فقال المسور بن مخرمة: عجل أبو عبد الله، وابن الزبير الآن يلفته ويزجيه إلى العراق ليخلو بمكة.
فقدما مكة، فنزل الحين دار العباس بن عبد المطلب، ولزم ابن الزبير الحجر ولبس المعافري، وجعل يحرض الناس على بني أمية، وكان يغدو ويروح إلى الحسين،(7/138)
ويشير عليه أن يقدم العراق، ويقول: هم شيعتك وشيعة أبيك، فكان عبد الله بن عباس ينهاه عن ذلك، ويقول: لا تفعل.
وقال له عبد الله بن مطيع: إني فداك أبي وأمي، متعنا بنفسك، ولا تسر إلى العراق، فوالله لئن قتلك هؤلاء القوم ليتخذنا خولاً وعبيداً.
ولقيهما عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس بن أبي ربيعة بالأبواء منصرفين من العمرة، فقال لهما ابن عمر: أذكركما الله إلا رجعتما فدخلتما في صالح ما يدخل فيه الناس، وتنظرا، فإن اجتمع الناس عليه لم تشذا، وإن افترق عليه كان الذي تريدان.
وقال ابن عمر لحسين: لا تخرج، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيره الله بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، وإنك بضعة منه، ولا تنالها يعني الدنيا فاعتنقه وبكى وودعه.
فكان ابن عمر يقول: غلبنا حسين بن علي بالخروج، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له ألا يتحرك ما عاش، وأن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس، فإن الجماعة خير.
وقال له ابن عباس: أين تريد يا بن فاطمة؟ قال: العراق وشيعتي، فقال: إني لكاره لوجهك هذا، تخرج إلى قوم قتلوا أباك، وطعنوا أخاك حتى تركهم سخطة وملة لهم، أذكرك الله أن تغرر بنفسك.
وقال أبو سعيد الخدري: غلبني الحسين بن علي على الخروج وقد قلت له: اتق الله في نفسك، والزم بيتك، فلا تخرج على إمامك.
وقال أبو واقد الليثي: بلغني خروج الحسين، فأدركته بملل فناشدته الله ألا يخرج، فإنه يخرج في غير وجه خروج، إنما يقتل نفسه، فقال: لا أرجع.(7/139)
وقال جابر بن عبد الله: كلمت حسيناً فقلت: اتق الله، ولا تضرب الناس بعضهم ببعض، فوالله ما حمدتم ما صنعتم. فعصاني.
وقال سعيد بن المسيب: لو أن حسيناً لم يخرج لكان خيراً له.
وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: قد كان ينبغي لحسين أن يعرف أهل العراق، ولا يخرج إليهم، ولكن شجعه على ذلك ابن الزبير.
وكتب إليه المسور بن مخرمة: إياك أن تغتر بكتب أهل العراق، ويقول لك ابن الزبير: الحق بهم فإنهم ناصروك، إياك أن تبرح الحرم، فإنهم إن كانت لهم بك حاجة، فسيضربون آباط الإبل حتى يوافوك، فتخرج في قوة وعدة. فجزاة خيراً، وقال: أستخير الله في ذلك.
وكتبت إليه عمرة بنت عبد الرحمن تعظم عليه ما يريد أن يصنع، وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة، وتخبره أنه إنما يساق إلى مصرعه. وتقول: أشهد لحدثتني عائشة أنها سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يقتل حسين بأرض بابل.
فلما قرأ كتابها قال: فلا بد لي إذاً من مصرعي. ومضى.
وأتاه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقال: يا بن عم، إن الرحم تظأرني عليك، وما أدري كيف أنا عندك في النصيحة لك، قال: يا أبا بكر: ما أنت ممن تستغش ولايتهم، فقل. قال: قد رأيت ما صنع أهل العراق بأبيك وأخيك، وأنت تريد أن تسير إليهم، وهم عبيد الدنيا، فيقاتلك من قد وعدك أن ينصرك، ويخذلك من أنت أحب إليه ممن ينصرهن فأذكرك الله في نفسك، فقال: جزاك الله يا بن عمر خيراً، فقد اجتهدت، ومهما يقض الله من أمر يكن، فقال أبو بكر إنا لله، عند الله نحتسب أبا عبد الله.
وكتب عبد الله بن جعفر بن أبي طالب إليه كتاباً يحذره أهل الكوفة، ويناشده الله(7/140)
أن يشخص إليهم. فكتب إليه الحسين: إني رأيت رؤيا، ورأيت فيها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمرني بأمر أنا ماضٍ له، ولست بمجبر بها أحداً حتى ألاقي عملي.
وكتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص: إني أسأل الله أن يلهمك رشدك، وأن يصرفك عما يرديك، بلغني أنك قد اعتزمت على الشخوص إلى العراق، فإني أعيذك بالله من الشقاق، فإن كنت خائفاً فأقبل إلي، فلك عندي الأمان، والبر والصلة.
فكتب إليه الحسين: إن كنت أردت بكتابك إلي بري وصلتي، فجزيت خيراً في الدنيا والآخرة، وإنه لم يشاقق من دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين، وخير الأمان أمان الله، ولم يؤمن بالله من لم يخفه في الدنيا، فنسأل الله مخافة في الدنيا توجب لنا أمان الآخرة عنده.
وكتب يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن عباس يخبره بخروج حسين إلى مكة ويحسبه جاءه رجال من أهل هذا المشرق فمنوه الخلافة وعندك منهم خبرة وتجربة، فإن كان فعل فقد قطع واشج القرابة، وأنت كبير أهل بيتك والمنظور إليه، فاكففه عن السعي في الفرقة.
وكتب بهذه الأبيات إليه وإلى من بمكة والمدينة من قريش: من البسيط
يا أيّها الراكب الغادي لطيّته ... على عذافرةٍ في سيرها قحم
أبلغ قريشاً على نأي المزار بها ... بيني وبين حسين الله والرّحم
وموقفٌ بفناء البيت أنشده ... عهد الإله وما توفى به الذّمم
عنّيتم قومكم فخراً بأمّكم ... أمّ لعمري حصان برّة كرم
هي التي لا يداني فضلها أحدٌ ... بنت الرسول، وخير الناس قد علموا
وفضلها لكم فضل وغيركم ... من قومكم لهم في فضلها قسم
إني لأعلم أو ظنا كعالمه ... والظنّ يصدق أحياناً فينتظم(7/141)
أن سوف يترككم ما تدّعون بها ... قتلى تهاداكم العقبان والرّخم
يا قومنا لا تشبّوا الحرب إذ سكنت ... ومسكوا بحبال السّلم واعتصموا
قد غرّت الحرب من قد كان قبلكم ... من القرون وقد بادت بها الأمم
فأنصفوا قومكم لا تهلكوا بذخاً ... فرب ذي بذخٍ زلت به القدم
قال: فكتب إليه عبد الله بن عباس: إني لأرجو ألا يكون خروج الحسين لأمر تكرهه، ولست أدع النصيحة له في كل ما يجمع الله به الألفة ويطفئ به الثائرة.
ودخل عبد الله بن العباس على الحسين، فكلمه ليلاً طويلاً، وقال: أنشدك الله أن تهلك غداً بحال مضيعة، لا تأتي العراق، وإن كنت لا بد فاعلاً فأقم حتى ينقضي الموسم وتلقى الناس، وتعلم على ما يصدرون، ثم ترى رأيك، وذلك في عشر ذي الحجة سنة ستين، فأبى الحسين إلا أن يمضي إلى العراق.
فقال له ابن عباس: والله إني لأظنك ستقتل غداً بين نسائك وبناتك، كما قتل عثمان بين نسائه وبناته، والله إني لأخاف أن تكون الذي يقاد به عثمان، فإنا لله وإنا إليه راجعون. فقال: أبا العباس، إنك شيخ قد كبرت.
فقال ابن عباس: لولا أن يزري ذلك بي أو بك لنشبت يدي في رأسك، ولو أعلم أننا إذا تناصينا أقمت لفعلت، ولكن لا إخال ذلك نافعي.
فقال له الحسين: لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلي أن تستحل بي يعني مكة.
قال: فبكى ابن عباس وقال: أقررت عين ابن الزبير، فذاك الذي سلى بنفسي عنه.
ثم خرج عبد الله بن عباس من عنده وهو مغضب وابن الزبير على الباب، فلما رآه قال: يا بن الزبير قد أتى ما أحببت، قرت عينك؟ هذا أبو عبد الله يخرج ويتركك والحجاز: من الرجز.
يالك من قبّرةٍ بمعمر(7/142)
خلالك الجوّ فبيضي واصفري
ونقّري ما شئت أن تنقّري
وبعث حسين إلى المدينة، فقدم عليه من خف معه من بني عبد المطلب، وهم تسعة عشر رجلاً ونساء وصبيان من إخوانه وبناته ونسائهم، وتبعهم محمد بن الحنفية فأدرك حسيناً بمكة، وأعلمه أن الخروج ليس له برأي يومه هذا، فأبى الحسين أن يقبل؛ فحبس محمد بن علي ولده؛ فلم يبعث معه أحداً منهم حتى وجد حسين في نفسه على محمد، وقال: ترغب بولدك عن موضع أصاب فيه؟ فقال محمد: وما حاجتي أن تصاب ويصابون معك، وإن كانت مصيبتك أعظم عندنا منهم.
وبعث أهل العراق إلى الحسين الرسل والكتب يدعونه إليهم، فخرج متوجهاً إلى العراق في أهل بيته وستين شيخاً من أهل الكوفة يوم الاثنين في عشر ذي الحجة سنة ستين، فكتب مروان إلى عبيد الله بن زياد: أما بعد: فإن الحسين بن علي قد توجه إليك، وهو الحسين بن فاطمة، وفاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتالله ما أحد يسلمه الله أحب إلينا من الحسين، فإياك أن تهيج على نفسك ما لا يسده شيء، ولا تنساه العامة ولا تدع ذكره، والسلام عليك.
وكتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص: أما بعد: فقد توجه إليك الحسين، وفي مثلها تعتق أو تكون عبداً تسترق كما تسترق العبيد.(7/143)
قال لبطة بن الفرزدق: قال الفرزدق: خرجنا حجاجاً، فلما كنا بالصفاح غذ نحن بركب عليهم اليلامق، ومعهم الدرق، فلما دنوت منهم إذا أنا بحسين بن علي، فقلت: أي أبو عبد الله؟؟! قال: يا فرزدق: ما وراءك؟ قال: أنت أحب الناس إلى الناس، والقضاء في السماء، والسيوف مع بني أمية.
قال: ثم دخلنا مكة. فقلت له: لو أتينا عبد الله بن عمرو فسألناه عن حسين وعن مخرجه. فأتينا منزله بمنى، فإذا نحن بصبية له سود مولدين يلعبون، قلنا: أين أبوكم؟ قالوا: في الفسطاط يتوضأ، فلم نلبث أن خرج علينا من فسطاطه، فسألناه عن حسين فقال: أما إنه لا يحيك فيه السلاح، قال: فقلت له: تقول هذا فيه وأنت الذي قاتلته وأباه؟ فسبني؛ فسببته.
ثم خرجنا حتى أتينا ما يقال له: تعشار، فجعل لا يمر بنا أحد إلا سألناه عن حسين، حتى مر بنا ركب فناديناهم: ما فعل حسين بن علي؟ قالوا: قتل. قلت: فعل الله بعبد الله بن عمرو وفعل.
قال سفيان: ذهب الفرزدق إلى غير المعنى، أو قال: الوجه، إنما هو لا يحيك فيه السلاح، لا يضره القتل مع ما قد سبق له.
قال إسماعيل بن علي الخطبي: وكان مسير الحسين بن علي من مكة إلى العراق، بعد أن بايع له من أهل الكوفة اثنا(7/144)
عشر ألفاً على يدي مسلم بن عقيل بن أبي طالب، وكتبوا إليه في القدوم عليهم، فخرج من مكة إلى الكوفة.
وبلغ يزيد خروجه، فكتب إلى عبيد الله بن زياد عامله على العراق يأمره بمحاربته، وحمله إليه، إن ظفر به.
فوجه اللعين عبيد الله بن زياد الجيش إليه مع عمر بن سعد بن أبي وقاص، وعدل الحسين إلى كربلاء. فلقيه عمر بن سعد هناك، فاقتتلوا، فقتل الحسين رضوان الله عليه ورحمته وبركاته، ولعنة الله على قاتليه في يوم عاشوراء سنة إحدى وستين.
قال الضحاك: كتب يزيد إلى ابن زياد واليه على العراق: إنه قد بلغني أن حسيناً قد صار إلى الكوفة وقد ابتلي به زمانك من بين الأزمان، وبلدك من بين البلدان، وابتليت به أنت من بين العمال، وعندها تعتق أو تعود عبداً كما تعتبد العبيد. فقتله ابن زياد وبعث برأسه إليه.
قال الفرزدق: لقيت الحسين بن علي بذات عرق وهو يريد الكوفة فقال لي: ما ترى أهل الكوفة صانعين؟ معي حمل بعير من كتبهم. قلت: لا شيء، يخذلونك، لا تذهب إليهم، فلم يطعني.
قال العريان بن الهيثم: كان أبي يتبدى فينزل قريباً من الموضع الذي كان فيه معركة الحسين، فكنا لا نبدو إلا وجدنا رجلاً من بني أسد هناك، فقال له أبي: أراك ملازماً هذا المكان، قال: بلغني أن حسيناً يقتل ههنا، فأنا أخرج لعلي أصادفه فأقتل معه، فلما قتل الحسين قال أبي: انطلقوا ننظر هل الأسدي فيمن قتل؟ فأتينا المعركة وطوفنا، فإذا الأسدي مقتول.(7/145)
قال أبو خالد الكاهلي:
لما صبحت الخيل الحسين بن علي رفع يديه فقال: اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة، فكم من هم يضعف فيه الفؤاد وتقل فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، فأنزلته بك وشكوته إليك رغبة فيه إليك عمن سواك، ففرجته وكشفته وكفيتنيه، فأنت ولي كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل غاية.
قال محمد بن حسن: لما نزل عمر بن سعد بحسين، وأيقن أنهم قاتلوه، قام في أصحابه خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: قد نزل بنا ما ترون من الأمر، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت، وأدبر معروفها، واستمرت حتى لم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، إلا حشيش علسٌ كالمرعى الوبيل، ألا ترون الحق لا يعمل به، والباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله، وإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برماً.
وعن عبد ربه: أن الحسين لما أرهقه السلاح قال: ألا تقبلون مني ما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبل من المشركين؟ قالوا: وما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبل من المشركين؟ قال: كان إذا جنح أحدهم قبل منه. قالوا: لا. قال: لا تدعوني أرجع. قالوا: لا. قال: فدعوني آتي أمير المؤمنين، فأخذ له رجل السلاح، فقال له: أبشر بالنار. فقال: بل إن شاء الله برحمة ربي عز وجل، وشفاعة نبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فقتل، وجيء برأسه حتى وضعه في طست بين يدي ابن زياد، فنكته بقضيبه وقال: لقد كان غلاماً صبيحاً، ثم قال: أيكم قاتله؟ فقام الرجل فقال: أنا قتلته، فقال: ما قال لك؟ فأعاد الحديث، فاسود وجهه.(7/146)
وقيل: إن الحسين قال حين نزلوا كربلاء: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء، قال: كرب وبلاء.
وبعث عبيد الله بن زياد عمر بن سعد فقاتلهم. فقال الحسين: يا عمر اختر مني ثلاث خصال: إما أن تتركني أرجع كما جئت، فإن أبيت هذه فسيرني إلى يزيد، فأضع يدي في يده فيحكم في ما رأى، فإن أبيت هذه فسيرني إلى الترك فأقاتلهم حتى أموت.
فأرسل إلى ابن زياد بذلك، فهم أن يسيره إلى يزيد فقال له شمر بن جوشن: لا، إلا أن ينزل على حكمك، فأرسل إليه بذلك، فقال الحسين: والله، لا أفعل، وأبطأ عمر عن قتاله، فأرسل إليه ابن زياد شمر بن جوشن، فقال: إن تقدم عمر يقاتل، وإلا فاقتله، وكن أنت مكانه، وكان مع قريب من ثلاثين رجلاً من أهل الكوفة، فقالوا: يعرض عليكم ابن بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث خصال، فلا تقبلون منها شيئاً؟! فتحولوا مع الحسين فقاتلوا.
وعن أبي ليلى قال: قال الحسين بن علي حين أحس بالقتل: ابغوني ثوباً لا يرغب فيه أجعله تحت ثيابي لا أجرد، فقيل له: تبان، فقال: ذلك لباس من ضربت عليه الذلة، فأخذ ثوباً فخرقه فجعله تحت ثيابه، فلما قتل جرد صلوات الله عليه ورضوانه.
وعن شيبان بن مخرم، وكان عثمانياً، قال: إني لمع علي إذ أتى كربلاء، فقال: يقتل في هذا الموضع شهداء، ليس مثلهم شهداء إلا شهداء بدر، فقلت: بعض كذباته، وثم رجل حمار ميت، فقلت لغلامي: خذ رجل هذا الحمار فأوتدها في مقعده وغيبها، فضرب الدهر ضربه، فلما قتل الحسين انطلقت ومعي أصحاب لي، فإذا جثة الحسين بن علي على رجل ذلك الحمار، وإذا أصحابه ربضة حوله.(7/147)
وعن هرثمة بن سلمى قال: خرجنا مع علي في بعض غزوه، فسار حتى انتهى إلى كربلاء، فنزل إلى شجرة فصلى إليها، فأخذ تربة من الأرض فشمها، ثم قال: واهاً لك تربة ليقتلن بك قوم يدخلون الجنة بغير حساب.
قال: فقفلنا من غزاتنا، وقتل علي، ونسيت الحديث.
قال: فكنت في الجيش الذين ساروا إلى الحسين، فلما انتهيت إليه نظرت إلى الشجرة، فذكرت الحديث، فتقدمت على فرس لي، فقلت: أبشرك ابن بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحدثته الحديث، قال: معنا أو علينا؟ قلت: لا معك ولا عليك، تركت عيالاً وتركت، قال: إما لا؛ فول في الأرض، فوالذي نفس حسين بيده، لا يشهد قتلنا اليوم رجل إلا دخل جهنم، فانطلقت هارباً مولياً في الأرض حتى خفي علي مقتله.
وعن مسلم بن رباح مولى علي بن أبي طالب قال:
كنت مع الحسين يوم قتل، فرمي في وجهه بنشابة، فقال لي: يا مسلم أدن يديك من الدم، فأدنيتهما، فلما امتلأتا قال: اسكبه في يدي؛ فسكبته في يده؛ فنفخ بهما إلى السماء، وقال: اللهم اطلب بدم ابن بنت نبيك، قال مسلم: فما وقع منه إلى الأرض قطرة.
حدث العباس بن هشام بن محمد الكوفي عن أبي عن جده، قال: كان رجل من بني أبان بن دارم، يقال له: زرعة، شهد قتل الحسين، فرمى الحسين بسهم فأصاب حنكه فجعل يلتقي الدم، ثم يقول هكذا إلى السماء فيرمي به، وذلك أن الحسين دعاء بماء ليشرب، فلما رماه حال بينه وبين الماء فقال: اللهم ظمه، اللهم ظمه.
قال: فحدثني من شهده، وهو يموت وهو يصيح من الحر في بطنه، والبرد في ظهره، وبين يديه المراوح والثلج، وخلفه الكافور، وهو يقول: اسقوني أهلكني العطش، فيؤتى بالعس العظيم فيه السويق أو الماء واللبن، لو شربه خمسة لكفاهم، قال: فيشربه ثم يعود فيقول: اسقوني أهلكني العطش، قال: فانقد بطنه كانقداد البعير.
وقتل مع الحسين ستة عشر رجلاً من أهل بيته.(7/148)
وعن ابن عباس قال: أوحى الله تعالى إلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أني قد قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً وأنا قاتل بابن ابنتك سبعين ألفاً وسبعين ألفاً.
قال ابن سيرين: لم تبك السماء على أحد بعد يحيى بن زكريا إلا على الحسين بن علي.
وعن خلف بن خليفة عن أبيه قال: لما قتل الحسين اسودت السماء وظهرت الكواكب نهاراً، حتى رأيت الجوزاء عند العصر وسقط التراب الأحمر.
حدث خلاد، وكان ينزل بني جحدر، قال: حدثتني أمي، قالت: كنا زماناً بعد مقتل الحسين، وإن الشمس تطلع محمرة على الحطيان والجدر بالغداة والعشي، قالت: وكانوا لا يرفعون حجراً إلا يوجد تحته دم.
قال عيسى بن الحارث الكندي: لما قتل الحسين مكثنا سبعة أيام، إذا صلينا العصر فنظرنا إلى الشمس على أطراف الحيطان كأنها الملاحف المعصفرة، ونظرنا إلى الكواكب يضرب بعضها بعضاً.
وعن المنذر الثوري قال: جاء رجل يبشر الناس بقتل الحسين، فرأيته أعمى يقاد.
وعن نصرة الأزدية قالت: لما أن قتل الحسين مطرت السماء دماً، فأصبحت وكل شيء لنا ملآن دماً.
وعن أبي قبيل قال: لما قتل الحسين كسفت الشمس كسفة بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا أنها هي.
وعن ابن سيرين قال: لم نكن نرى هذه الحمرة في السماء حتى قتل الحسين بن علي.(7/149)
وعن جعفر بن سالم قال حدثتني خالتي أم سالم قالت: لما قتل الحسين مطرنا مطراً كالدم على البيوت والجدر، قال: وبلغني أنه كان بخراسان والشام والكوفة.
قال بواب عبيد الله بن زياد: لما جيء برأس الحسين فوضع بين يديه رأيت حيطان دار الإمارة تسايل دماً.
وعن أم حيان قالت: يوم قتل الحسين أظلمت علينا ثلاثاً، ولم يمس أحد من زعفرانهم شيئاً فجعله على وجهه إلا احترق، ولم يقلب حجر ببيت المقدس إلا أصبح تحته دم عبيط.
قال محمد بن عمر بن علي: أرسل عبد الملك إلى ابن رأس الجالوت فقال: هل كان في قتل الحسين علامة؟ قال ابن رأس الجالوت: ما كشف يومئذ حجر إلا وجد تحته دم عبيط.
وعن يزيد بن أبي زياد قال: قتل الحسين ولي أربع عشرة سنة، وصار الورس الذي كان في عسكرهم رماداً، واحمرت آفاق السماء، ونحروا ناقة في عسكرهم فكانوا يرون في لحمها النيران.
وعن أبي حميد الطحان قال: كنت في خزاعة، فجاؤوا بشيء من تركة الحسين فقيل لهم: نتجر أو نبيع فنقسم؟ قالوا: اتجروا، قال: فجعل على جفنة، فلما وضعت فارت ناراً.
قال جميل بن مرة: أصابوا إبلا في عسكر الحسين يوم قتل، فنحروها وطبخوها، قال: فصارت مثل العلقم، فما استطاعوا أن يسيغوا منها شيئاً.
حدث شيخ من النخع قال: قال الحجاج: من كان له بلاء فليقم، فقام قوم فذكروا، وقام سنان بن أنس،(7/150)
فقال: أنا قاتل حسين، فقال: بلاء حسن، ورجع إلى منزله فاعتقل لسانه، وذهب عقله، فكان يأكل ويحدث مكانه.
لا تسبوا علياً، يا لهفتا على أسهم رميته بهن يوم الجمل، مع ذلك، لقد قصرن، والحمد لله، عنه.
وعنه أيضاً قال: لا تسبوا أهل البيت، أو أهل بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه كان لنا جار من بلهجيم قدم علينا الكوفة قال: ما ترون إلى هذا الفاسق ابن الفاسق قتله الله، يعني الحسين، فرماه الله بكوبين من السماء فطمس بصره. قال أبو رجاء: فأنا رأيته.
وعن السدي قال: كنا غلمة نبيع البز في رستاق كربلاء، قال: فنزلنا برجل من طيئ، فقرب إلينا العشاء. قال: فتذاكرنا قتلة الحسين، قال: فقلنا: ما بقي أحد ممن شهد قتلة الحسين إلا وقد أماته الله ميتة سوء، أو بقتلة سوء، قال فقال: ما أكذبكم يا أهل الكوفة! تزعمون أنه ما بقي أحد ممن شهد قتل الحسين إلا وقد أماته الله ميتة سوء أو بقتلة سوء، وإنه لممن شهد قتلة الحسين وما بها أكثر مالاً منه. قال: فنزعنا أيدينا عن الطعام، قال: وكان السراج يوقد فذهب ليطفأ، قال: فذهب ليخرج الفتيلة بأصبعه فأخذت النار بأصبعه قال: ومدها إلى فيه فأخذت بلحيته، قال: فحضر أو قال: فأحضر إلى الماء حتى يلقي نفسه، قال: فرأيته تتوقد فيه حتى صار حممةً.
وعن أنس بن مالك قال: لما أتي برأس الحسين إلى عبيد الله بن زياد فجعل ينكت بقضيب على ثناياه وقال: إن كان لحسن الثغر، فقلت: أما والله لأسوءنك، لقد رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبل موضع قضيبك من فيه.(7/151)
وفي حديث آخر عنه: أتي برأس الحسين في طست إلى ابن زياد، فجعل ينكت فاه ويقول: إن كان لصبيحاً، إن كان لقد خضب.
وعن زيد بن أرقم قال: كنت عند عبيد الله بن زياد إذ أتي برأس الحسين بن علي فوضع في طست بين يديه، فأخذ قضيباً فجعل يفتر به عن شفتيه وعن أسنانه فلم أر ثغراً قط كان أحسن منه، كأنه الدر، فلم أتمالك أن رفعت صوتي بالبكاء فقال: ما يبكيك أيها الشيخ؟ قال: يبكيني ما رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمص موضع هذا القضيب ويلثمه، ويقول: اللهم إني أحبه فأحبه.
وعن زيد بن أرقم أنه خرج من عند ابن زياد يومئذ وهو يقول: أما والله لقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول: اللهم إني أستودعكه وصالح المؤمنين، فكيف حفظكم لوديعة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وعن محمد بن خالد قال: قال إبراهيم: لو كنت فيمن قتل الحسين ثم أدخلت الجنة لاستحييت أن أنظر إلى وجه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن علي بن زيد بن جدعان قال: استيقظ ابن عباس من نومه فاسترجع وقال: قتل الحسين والله، فقال له أصحابه: كلا يا بن عباس، كلا، قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه زجاجة من دم فقال: ألا تعلم ما صنعت أمتي من بعدي؟ قتلوا ابني الحسين، وهذا دمه ودم أصحابه، أرفعها إلى الله عز وجل.
قال: فكتب ذلك اليوم الذي قال فيه، وتلك الساعة، فما لبثوا إلا أربعة وعشرين يوماً حتى جاءهم الخبر بالمدينة أنه قتل ذلك اليوم وتلك الساعة.
وعن سلمى قالت: دخلت علي أم سلمة وهي تبكي، فقلت: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، وعلى رأسه ولحيته التراب، فقلت: مالك يا رسول الله؟ قال: شهدت قتل آنفاً.(7/152)
وعن شهر بن حوشب قال: إنا لعند أم سلمة، زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فسمعنا صارخة، فأقبلت حتى انتهت إلى أم سلمة، فقالت: قتل الحسين، قالت: قد فعلوها، ملأ الله بيوتهم أو قبورهم عليهم ناراً، ووقعت مغشياً عليها وقمنا.
قال ابن أبي مليكة: بينما ابن عباس جالس في المسجد الحرام، وهو يتوقع خبر الحسين بن علي، إلى أن أتاه آتٍ فساره بشيء؛ فأظهر الاسترجاع، فقلنا: ما حدث يا أبا العباس؟ قال: مصيبة عظيمة، عند الله نحتسبها، أخبرني مولاي أنه سمع ابن الزبير يقول: قتل الحسين بن علي، فلم نبرح حتى جاءه ابن الزبير فعزاه، ثم انصرف.
فقام ابن عباس فدخل منزله، ودخل عليه الناس يعزونه، فقال: إنه ليعدل عندي مصيبة حسين شماتة ابن الزبير، أترون مشي ابن الزبير إلي يعزيني، إن ذلك منه إلا شماتة.
قال ابن جريج:
كان المسور بن مخرمة بمكة حين جاء نعي حسين بن علي، فلقي ابن الزبير فقال له: قد جاء ما كنت تمنى، موت حسين بن علي، فقال ابن الزبير: يا أبا عبد الرحمن تقول لي هذا؟ فوالله ليته بقي ما بقي بالجماء حجر، والله ما تمنيت ذلك له، قال المسور: أنت أشرت عليه بالخروج إلى غير وجه، قال: نعم، أشرت به عليه ولم أدر أنه يقتل، ولم يكن بيدي أجله، ولقد جئت ابن عباس فعزيته فعرفت أن ذلك يثقل عليه مني، ولو أني تركت تعزيته قال: مثلي تترك لا تعزيني بحسين؟ فما أصنع؟ أخوالي وغرة الصدور علي، وما أدري على أي شيء ذلك، فقال له المسور: ما حاجتك إلى ذكر ما مضى وبثه، دع الأمور وبر أخوالك، فأبوك أحمد عندهم منك.
قالت أم سلمة: سمعت الجن يبكين على الحسين، وقالت أيضاً: سمعت الجن تنوح على الحسين.(7/153)
وقال الواقدي: لم تدرك أم سلمة قتل الحسين، ماتت سنة ثمان وخمسين.
قالت أم سلمة: سمعت الجن تنوح على الحسين يوم قتل ويقلن: من الخفيف
أيها القاتلون ظلماً حسيناً ... أبشروا بالعذاب والتنكيل
كلّ أهل السماء تدعو عليكم ... من نبي ومرسل وقبيل
قد لعنتم على لسان ابن داوو ... د وموسى وصاحب الإنجيل
قال حبيب بن أبي ثابت: قالت أم سلمة: ما سمعت نوح الجن منذ قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا الليلة، وما أرى ابني إلا قد قتل، تعني الحسين، فقالت لجاريتها: اخرجي فسلي، فأخبرت أنه قد قتل، وإذا جنية تنوح: من الوافر
ألا يا عين فاحتفلي بجهد ... ومن يبكي على الشهداء بعدي؟
على رهطٍ تقودهم المنايا ... إلى متجبّرٍ في ملك عبد
قال أبو جناب الكلبي: أتيت كربلاء، فقلت: لرجل من أشراف العرب بها: بلغني أنكم تسمعون نوح الجن. قال: ما تلقى حراً ولا عبداً إلا أخبرك أنه سمع ذلك، قلت: فأخبرني ما سمعت أنت، قال سمعتهم يقولون: من مجزوء الكامل
مسح الرسول جبينه ... فله بريقٌ في الخدود
أبواه من عليا قري ... شٍ، جدّه خير الجدود
قال محمد المصقلي لما قتل الحسين: إنه سمع منادياً ينادي ليلاً، يسمع صوته، ولم ير شخصه: من الكامل
عقرت ثمودٌ ناقةً فاستؤصلوا ... وجرت سوانحهم بغير الأسعد(7/154)
فبنو رسول الله أعظم حرمةً ... وأجلّ من أمّ الفصيل المقصد
عجباً لهم، ولما أتوا لم يمسخوا ... والله يملي للطغاة الجحّد
حدث إمام مسجد بني سليم قال: غزا أشياخ لنا الروم فوجدوا في كنيسة من كنائسهم: من الوافر
أترجو أمةٌ قتلت حسيناً ... شفاعة جدّه يوم الحساب؟
فقالوا: منذ كم وجدتم هذا الكتاب في هذه الكنيسة؟ قالوا: قبل أن يخرج نبيكم بست مئة عام.
وعن أبي قبيل قال: لما قتل الحسين بن علي احتزوا رأسه، وقعدوا في أول مرحلة يشربون النبيذ وينحتون الرأس، فخرج عليهم قلم من حديد فكتب بسطر دم من الوافر
أترجو أمةٌ قتلت حسيناً ... شفاعة جدّه يوم الحساب؟
فهربوا وتركوا الرأس، ثم رجعوا.
قال الأعمش: أحدث رجل من بني أسد على قبر حسين بن علي قال: فأصاب أهل ذلك البيت خبل وجنون وجذام ومرض وفقر.
وعن هشام بن محمد قال: لما أجري الماء على قبر الحسين نضب بعد أربعين يوماً وامحى أثر القبر، فجاء أعرابي من بني أسد، فجعل يأخذ قبضة قبضة ويشمه حتى وقع على قبر الحسين وبكاه وقال: بأبي وأمي ما كان أطيبك وأطيب ترتبك ميتاً، ثم بكى وأنشأ يقول: من الطويل
أرادوا ليخفوا قبره عن عدوّه ... فطيب تراب القبر دلّ على القبر(7/155)
قيل: إن الحسين قتل وهو ابن ثمان وخمسين سنة. وقيل: وهو ابن ست وخمسين سنة.
وقتله سنان بن أبي أنس، وجاء برأسه خولي بن يزيد الأصبحي، جاء به إلى عبيد الله بن زياد.
وقيل: قتل وهو ابن أربع وخمسين سنة وستة أشهر ونصف.
وقيل: ابن خمس وخمسين، وكان في يوم سبت يوم عاشوراء سنة إحدى وستين. وقتل بالطف بكربلاء وعليه جبة خز دكناء، وهو صابغ بالسواد، قتله سنان بن أبي أنس النخعي، وأجهز عليه خولي بن يزيد الأصبحي من حمير وحز رأسه وأتى به عبيد الله بن زياد فقال: من مشطور الرجز
أوقر ركابي فضةً وذهبا ... أنا قتلت الملك المحبّبا
قتلت خير الناس أمّاً وأباً
وقيل: كان قتله سنة ستين، وقيل: سنة اثنتين وستين.
وقال ابن لهيعة: كان قتل الحسين بن علي وقت عقبة بن نافع وحريق الكعبة في سنة واحدة سنة ثنتين أو ثلاث وستين.
قال عامر بن سعد البجلي: لما قتل الحسين بن علي رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فقال: إن رأيت البراء بن عازب فأقرئه مني السلام وأخبره أن قتلة الحسين بن علي في النار، وإن كاد الله أن يسحت أهل الأرض منه بعذاب أليم. قال: فأتيت البراء فأخبرته. فقال: صدق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتصور بي.(7/156)
قال الفضيل بن الزبير: كنت جالساً إلى السدي فأقبل رجل فجلس إليه، رائحته القطران فقال له: يا هذا، أتبيع القطران؟ قال: ما بعته قط. قال: فما هذه الرائحة؟ قال: كنت فيمن شهد عسكر عمر بن سعد، وكنت أبيعهم أوتاد الحديد، فلما جن علي الليل، رقدت فرأيت في نومي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه علي، وعلي يسقي القتلى من أصحاب حسين، فقلت له: اسقني؟ فأبى، فقلت: يا رسول الله: مره يسقني، فقال: ألست ممن عاون علينا؟ فقلت: يا رسول الله، والله ما ضربت بسيف، ولا طعنت برمح، ولا رميت بسهم، ولكني كنت أبيعهم أوتاد الحديد، فقال: يا علي اسقه، فناولني قعباً مملوءاً قطراناً، فشربت منه قطراناً، ولم أزل أبول القطران أياماً، ثم انقطع ذلك البول عني، وبقيت الرائحة في جسمي. فقال له السدي: يا عبد الله، كل من بر العراق، واشرب من ماء الفرات، فما أراك تعاين محمداً أبداً.
وعن أبي النضر الجرمي قال: رأيت رجلاً سمج العمى فسألت عن سبب ذهاب بصره فقال: كنت فيمن حضر عسكر عمر بن سعد، فلما جاء الليل رقدت، فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام بين يديه طست فيها دم، وريشة في الدم، وهو يؤتى بأصحاب عمر بن سعد، فيأخذ الريشة فيخط بها بين أعينهم، فأتي بي، فقلت: يا رسول الله، والله ما ضربت بسيفٍ ولا طعنت برمح ولا رميت بسهم قال: أفلم تكن عدونا؟ وأدخل أصبعيه في الدم، السبابة والوسطى، وأهوى بها إلى عيني، فأصبحت وقد ذهب بصري.
وعن أسد بن القاسم الحلبي قال: رأى جدي صالح بن الشحام بحلب في النوم كلباً أسود، وهو يلهث عطشاً، ولسانه قد خرج على صدره، فقلت: هذا كلب عطشان دعني أسقه ماءً أدخل فيه الجنة، وهممت لأفعل ذلك، فإذا بهاتف يهتف من ورائه وهو يقول: يا صالح لا تسقه، يا صالح لا تسقه، هذا قاتل الحسين بن علي، أعذبه بالعطش إلى يوم القيامة.(7/157)
وقال سليمان بن قتة يرثي الحسين بن علي عليهما السلام: من الطويل
وإنّ قتيل الطّفّ من آل هاشمٍ ... أذلّ رقاباً من قريشٍ فذلّت
فإن تتبعوه عائذ البيت تصبحوا ... كعادٍ تعمّت عن هداها فضلّت
مررت على أبيات آل محمدٍ ... فألفيتها أمثالها حيث حلّت
وكانوا لنا غنماً فعادوا رزيّةً ... لقد عظمت تلك الرّازيا وجلّت
فلا يبعد الله الديار وأهلها ... وإن أصبحت منهم برغمي تخلّت
إذا افتقرت قيسٌ جبرنا فقيرها ... وتقتلنا قيسٌ إذا النّعل زلّت
وعند غنيٍّ قطرةٌ من دمائنا ... سنجزيهم يوماً بها حيث حلّت
ألم تر أنّ الأرض أضحت مريضةً ... لفقد حسين والبلاد اقشعرّت
يريد أنهم لا يرعوون عن قتل قرشي بعد الحسين، وعائذ البيت عبد الله بن الزبير.
الحسين بن علي بن محمد بن مصعب
أبو علي النخعي البغدادي سمع بدمشق وبغيرها.
حدث ببغداد وكان قد غلب عليه البلغم، وهو شيخ كبير، عن العباس بن الوليد الخلال بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فضلت على الناس بأربع: بالسخاء، والشجاعة، وكثرة الجماع، وشدة البطش.
وحدث عن سويد بن سعيد بسنده عن جابر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا يبولن أحدكم في الماء الراكد.(7/158)
الحسين بن علي بن محمد بن عتاب
وقيل: ابن محمد ابن علي بن عتاب أبو علي البزار المقرئ
حدث عن أحمد بن نصر بن شاكر بسنده عن زر بن حبيش قال: كان عبد الله بن مسعود يقول: اللهم وسع علي من الدنيا، وزهدني فيها، ولا تزوها عني وترغبني فيها.
الحسين بن علي بن محمد بن جعفر
أبو عبد الله القاضي الحنفي الفقيه المعروف بالصيمري قدم دمشق حاجاً وحدث بها.
روى عن عبد الله بن محمد بن عبد الله الحلواني بسنده عن طلحة بن عبيد الله قال: تذاكرنا لحم الصيد، يأكله المحرم، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نائم، فارتفعت أصواتنا، فاستيقظ فقال: فيم تتنازعون؟ قلنا: في لحم الصيد فأمرنا بأكله.
وروى عن أبي بكر هلال بن محمد ابن أخي هلال الرأي بسنده عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يدخل الجنة بخيل، ولا خب ولا خائن ولا سيئ الملكة. وإن أول من يقرع باب الجنة المملوك والمملوكة، فاتقوا الله وأحسنوا فيما بينكم وبين الله عز وجل، وفيها بينكم وبين مواليكم.
مات الصيمري في شوال سنة ست وثلاثين وأربع مئة، وكان مولده سنة إحدى وخمسين وثلاث مئة.(7/159)
الحسين بن علي بن محمد بن الحسن
أبو عبد الله البغوي قدم دمشق.
وحدث بها عن طاهر بن العباس المروزي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: العلماء أمناء الله على خلقه.
الحسين بن علي بن محمد
ابن أبي المضاء أبو علي البعلبكي القاضي حدث ببعلبك في رجب سنة ست وأربعين وأربع مئة عن أبي علي الحسين بن أحمد بن المبارك بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أحب الخلائق إلى الله عز وجل شاب حدث السن في صورة حسنة، جعل شبابه وجماله لله وفي طاعة الله، ذلك الذي يباهي به الرحمن ملائكته يقول: هذا عبدي حقاً.
توفي ببعلبك سنة سبع وأربعين وأربع مئة.
الحسين بن علي بن عمر
ابن علي بن داود أبو عبد الله بن أبي الرضا الأنطاكي كان ينوب في القضاء عن الشريف أبي الفضل بن أبي الجن القاضي.
حدث بمنزله بالشاغور ظاهر دمشق عن أبي القاسم تمام بن محمد بن عبد الله الرازي، بسنده عن عبد الله بن حنظلة بن الراهب، قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطوف بالبيت على ناقته لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك.
ولد سنة أربع وتسعين وثلاث مئة، وتوفي في المحرم سنة ثلاث وتسعين وأربع مئة.(7/160)
الحسين بن علي بن محمد بن مسلمة
ابن لجاج أبو علي بن أبي الحسن الأزدي القاضي حدث عن أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني بسنده عن عبد الله بن مسعود. قال: حدثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الصادق الصدوق: أن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه الملك بأربع كلمات: رزقه، وعمله، وأجله، وشقي أو سعيد، فوالذي نفسي بيده، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، ثم يدركه ما سبق له، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، ثم يدركه ما سبق له في الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها.
ولد سنة سبع عشرة وأربع مئة، وتوفي سنة تسعين وأربع مئة بدمشق.
الحسين بن علي بن الهيثم بن محمد
ابن الهيثم بن القاسم أبو عبد الله اللاذقي حدث بجبيل ساحل دمشق عن أبي القاسم المسلم بن عبد الواحد بن عمرو المقرئ بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عند كل ختمة دعوة مستجابة.
الحسين بن علي بن يزيد بن داود
ابن يزيد أبو علي النيسابوري الصائغ الحافظ رحل في طلب الحديث، وسمع بدمشق وصنف.
حدث عن محمد بن عثمان بن أبي سويد بسنده عن عائشة قالت: خيرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان طلاقاً.(7/161)
وحدث أبو علي الحافظ بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها وشاهدي عدل فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر، وإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له.
قال أبو علي النيسابوري: ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم بن الحجاج رحمه الله.
قال أبو عبد الله بن مندة الحافظ: ما رأيت في اختلاف الحديث والإتقان أحفظ من أبي علي الحسين النيسابوري.
توفي أبو علي الحافظ سنة تسع وأربعين وثلاث مئة، وكان واحد عصره في الحفظ والإتقان والورع والرحلة، ذكره بالمشرق كذكره بالمغرب، مقدم في مذاكرة الأئمة وكثرة التصنيف، وكان مولده سنة سبع وسبعين ومئتين.
الحسين بن علي ويقال الحسن الكندي
حدث عن الأوزاعي عن قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: سيكون بعدي خلفاء ومن بعد الخلفاء أمراء، ومن بعد الأمراء ملوك جبابرة، وقيل: ومن بعد الأمراء ملوك، ومن بعد الملوك جبابرة، ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً، كما ملئت جوراً، ثم يؤمر القحطاني، فوالذي بعثني بالحق ما هو بدونه.
الحسين بن علي الصوفي الدمشقي
قال: قال أبو حمزة الصوفي: نظر عبد الوهاب بن أفلح إلى غلام أمرة مرة، فرفع يديه يدعو ويقول: هذا ذنب، أنا تائب إليك منه، وراجع إليك عنه، فعد علي بما لم أزل أعرفه منك قديماً وحديثاً.(7/162)
الحسين بن علي أبو عبد الله
النسوي الفقيه حدث بدمشق سنة أربعين وأربع مئة.
وحدث بمعرة النعمان سنة اثنتين وأربعين وأربع مئة، عن أبي القاسم سعيد الإدريسي بسنده عن معاذ بن جبل قال: قال لي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني لأحبك، فقل: اللهم أعني على شكرك وذكرك وحسن عبادتك. قال الصنابحي: قال لي معاذ بن جبل: وأنا أحبك فقل هذا الدعاء. قال أبو عبد الرحمن: قال لي الصنابحي: وأنا أحبك فقل هذا الدعاء. قال عقبة: قال لي أبو عبد الرحمن: وأنا أحبك فقل هذا الدعاء. قال حيوة: قال لي عقبة: وأنا أحبك فقل. وقال أبو عبدة: قال لي حيوة: وأنا أحبك فقل. قال لي عمر: وقال لي أبو عبدة: وأنا أحبك فقل. قال لي الحسن الجروي: وأنا أحبك فقل. قال لنا أبو بكر القرشي: وأنا أحبكم فقولوا. وقال لنا أحمد بن سلمان: وأنا أحبكم فقولوا. وقال لنا الحسن بن أبي بكر: وأنا أحبكم فقولوا. وقال لنا سعيد الإدريسي: وأنا أحبكم فقولوا. وقال لنا أبو عبد الله النسوي: وأنا أحبكم فقولوا: اللهم أعني على شكرك وذكرك وحسن عبادتك.
الحسين بن عيسى أبو الرضا
الأنصاري الخزرجي العرقي من أهل عرقة من أعمال دمشق.
روى عن يوسف بن بحر بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه، قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي تطوعاً، فسمعته يقول: اللهم إني أعوذ بك من النار.
وروى عن علي بن عبد العزيز بسنده عن ابن عمر قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من جاء الجمعة فليغتسل.(7/163)
الحسين بن الفتح بن نصر بن محمد
ابن عبد الله بن عبد السلام أبو علي النيسابوري. الفقيه الشافعي، يعرف بكمام سمع بدمشق.
حدث في دمشق سنة ثلاث عشرة وثلاثة مئة عن أحمد بن عمير بن يوسف بسنده عن سعد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله كريم يحب الكرماء، جواد يحب الجودة، يحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها.
وحدث عن أبي أحمد الصيرفي بسنده عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تنكح المرأة على عمتها، ولا على خالتها.
توفي في شوال سنة إحدى وخمسين وثلاث مئة بمصر.
الحسين بن الفضل بن حوي أبو القاسم
حدث عن يوسف بن القاسم بسنده عن الأشعث بن قيس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أشكركم لله، أشكركم للناس.
الحسين بن محمد بن أحمد
ابن حيدرة أبو عبد الله قاضي أطرابلس.
حدث عن أبي القاسم عبد الرحمن بن جبير بن الأزرق الصوري بسنده عن جابر قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيما إهاب دبغ فقد طهر.
حدث سنة ثمان وعشرين وثلاث مئة.(7/164)
الحسين بن محمد بن أحمد بن محمد
ابن الحسين بن عيسى بن ماسرجس أبو علي النيسابوري الحافظ الماسرجسي له رحلة إلى الشام ومصر والعراق.
حدث ع جده أبي العباس أحمد بن محمد بسنده عن أبي الجوزاء قال: كنت أخدم ابن عباس تسع سنين، إذ جاءه رجل فسأله عن درهم بدرهمين، فصاح ابن عباس وقال: إن هذا يأمرني أن أطعمه الربا، فقال ناس حوله: إن كنا لنعمل هذا بفتياك، فقال ابن عباس: قد كنت أفتي بذلك حتى حدثني أبو سعيد وابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عنه، فأنا أنهاكم عنه.
توفي في رجب سنة خمس وستين وثلاث مئة وهو ابن ثمان وستين سنة، وكان مولده سنة ثمان وتسعين ومئتين.
الحسين بن محمد بن أحمد
أبو عبد الله بن العين زربي حدث ع أبي بكر أحمد بن علي الحبال الصوفي قال: دخلت على سيف الدولة فقال: من أين المطعم؟ فقلت: لو كان من أين فني، فأعجب بذلك.
مات أبو عبد الله بن العين زربي في شوال سنة اثنتين وتسعين وثلاث مئة.
الحسين بن محمد بن أحمد
أبو عبد الله الأنصاري الحلبي البزاز المعروف بابن المنيقير حدث بدمشق عن أبي عبد الله أحمد بن عطاء الروذباري بسنده عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله تعالى بعثني إلى كل أحمر وأسود ونصرت بالرعب، وأحل لي المغنم، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأعطيت الشفاعة للمذنبين من أمتي يوم القيامة.(7/165)
وحدث عنه أيضاً بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من سأل القضاء وكل إليه، ومن جبر عليه نزل عليه ملكٌ يسدده.
توفي سنة ست وثلاثين وأربع مئة.
الحسين بن محمد بن أحمد
ويقال: ابن عبد الله النيسابوري الشافعي حدث بدمشق.
روى عن عبد الله بن أحمد النسوي بسنده عن عمرو بن ميمون الأودي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لرجل وهو يعظه: اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك.
الحسين بن محمد بن أحمد
ابن الحسين بن أحمد بن طلاب ابن كثير بن حماد بن الفضل أبو نصر القرشي الخطيب مولى عيسى بن طلحة بن عبيد الله حدث عن أبي الحسين بن جميع بسنده عن سهل بن سعد قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الغرر.
كان أبو نصر بن طلاب الخطيب قد كسب في الوكالة كسباً عظيماً قال: لما استوفيت سبعين سنة قلت: أكثر ما أعيش عشر سنين أخرى، فجعلت لكل سنة مئة دينار.
قال: فعاش أكثر من ذلك، وكان له ملك بالشاغور فاحتاج إلى ضمانه فضمنه من بعض المصامدة، فلم يوفه أجر ذلك المكان؛ فتحمل عليه بالرئيس أبي محمد بن الصوفي، فسأله فلم ينفع فيه سؤاله.(7/166)
فقال له أبو محمد: إنه يشكوك إلى الأمير رزين الدولة، فقال المصمودي: دعه يمر إلى الله عز وجل، فقال أبو نصر بن طلاب فقال: والله لاشكوته إلا إلى الذي قال، فتشبث به ابن الصوفي فلم يجبه.
قال: ثم دخلت الأتراك دمشق، ومضت المصامدة ولم يمض ذلك المصمودي، وقال: لا أدع ملكي وأمضي.
قال: فقبض على المصمودي، فقيل لأبي نصر فقال: قد بقي له، ثم صودر وجرى عليه أمر عظيم، فقيل لأبي نصر، فقال: قد بقي له، ثم ضربت عنقه فقيل لأبي نصر، فقال: هذا الذي كنت أنتظر له.
ولد أبو نصر بصيدا سنة تسع وسبعين وثلاث مئة، وتوفي في صفر سنة سبعين وأربع مئة.
الحسين بن محمد بن أحمد
أبو محمد النيسابوري الواعظ سمع بدمشق وبغيرها.
حدث عن أبي الحسن علي بن موسى بن الحسين الدمشقي بسنده عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا تنكح الثيب حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن، وإذنها الصموت.
الحسين بن محمد بن أحمد
ابن جعفر أبو عبد الله ويسمى أيضاً محمد النهربيني المقرئ الفقيه حدث عن أبي القاسم يحيى بن أحمد بن أحمد السبتي بسنده عن جابر بن عبد الله، قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق إلى يوم القيامة، فينزل عيسى بن مريم، فيقول أميرهم: تعال صل لنا فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمير.(7/167)
وحدث عنه أيضاً بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله بعثني ملحمة ورحمة، ولم يبعثني تاجراً ولا زراعاً، وإن شرار الناس يوم القيامة التجار والزراعون إلا من شح على دينه.
توفي في ذي القعدة سنة ثلاثين وخمس مئة.
الحسين بن محمد بن إبراهيم
أبو عبد الله التميمي المعروف بابن البقال حدث عن أبي زرعة عبد الرحمن بن عمرو بسنده عن أبي بردة عن أبيه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن في جهنم وادياً وفي الوادي بئر يقال له: هبهب، حقاً على الله أن يسكنه كل جبار.
وقال الكلابي في تسمية شيوخ محمد بن البقال: أبو عبد الله، وذكره في باب المحمدين، والله أعلم.
مات سنة ثلاثين وثلاث مئة.
الحسين بن محمد بن إبراهيم
ابن الحسين بن عبد الله ابن عبد الرحمن أبو القاسم الحنائي المعدل
حدث عن أبي الحسين عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد الكلابي بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته من سفره فليعجل إلى أهله.
توفي أبو القاسم الحسين بن محمد الحنائي في جمادى الأولى سنة تسع وخمسين وأربع مئة. وذكر أن مولده سنة ست وسبعين وثلاث مئة.(7/168)
الحسين بن محمد بن أسد
أبو القاسم الديبلي حدث سنة أربعين وثلاث مئة بدمشق عن أبي صالح الحسن بن زكريا العلاف بسنده عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باع مدبراً.
غريب صحيح.
الحسين بن محمد بن جمعة
أبو جعفر الأسدي حدث عن سعيد بن منصور بسنده عن أبي أمامة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من تمام عيادة المريض أن يضع يده على جبهته أو يده ويسأله: كيف هو؟ وتمام التحية المصافحة.
وحدث عنه أيضاً بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المدينة ومكة محفوفتان بالملائكة، على كل نقب منهما ملك: لا يدخلهما الدجال ولا الطاعون.
وحدث عنه أيضاً بسنده عن أنس بن مالك قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حاجة فمررت بصبيان فجلست إليهم، فلما استبطأني خرج فمر بالصبيان فسلم عليهم.(7/169)
الحسين بن محمد بن الحسن
ابن عامر بن أحمد أبو طاهر الأنصاري الخزرجي المقرئ المعروف بابن خراشة الآبلي من أهل آبل، إمام المسجد الجامع بدمشق.
حدث عن أبي علي الحسين بن إبراهيم بن جابر الفرائضي بسنده عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مداراة الناس صدقة.
وحدث عن أبي محمد عبد الله بن محمد بن عبد الغفار المعروف بابن ذكوان بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك.
توفي في ربيع الآخر سنة ثمان وعشرين وأربع مئة.
الحسين بن محمد بن سنان
أبو المعمر الموصلي ثم الأطرابلسي المعروف بابن عياش الضرير حدث عن أحمد بن محمد بن أبي الخناجر الأطرابلسي بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يضع تبارك وتعالى الميزان يوم القيامة، فتوزن الحسنات والسيئات، فمن رجحت حسناته على سيئاته مثقال صؤابة دخل الجنة، ومن رجحت سيئاته على حسناته مثقال صؤابة دخل النار. قيل: يا رسول الله، فمن استوت سيئاته وحسناته؟ قال: أولئك أصحاب الأعراف " لم يدخلوها وهم يطمعون ".(7/170)
الحسين بن محمد بن شعيب
أبو علي المعدل حدث بدمشق عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن عمارة العطار بسنده عن الزبير قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما صباح إلا وملك ينادي: سبحوا الملك القدوس.
الحسين بن محمد بن عبد الله
ويقال ابن أحمد أبو محمد الإمام قدم دمشق وحدث بها.
روى عن عبد الله بن أحمد النسري بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله عز وجل لا يستجيب دعاءً من قلبٍ لاهٍ.
كذا رواه مختصراً، وهو بتمامه: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أنه لا يقبل دعاء من قلب لاه، أو قال: غافل.
الحسين بن محمد بن عبد الله
أبو الفضل المصري القاضي المعروف بابن الملحي قدم دمشق وحدث بها سنة ستين وأربع مئة.
روى عن أبي الفضل محمد بن أحمد بن عيسى السعدي بسنده عن بلال قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وإن قيام الليل قربة إلى الله عز وجل، ومنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد.(7/171)
الحسين بن محمد بن عتبة بن مساور
أبو علي المقرئ الوراق حدث عن أبي بكر عبد الله بن محمد بن عبد الله بن هلال البغدادي الحنائي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره من المساجد، إلا المسجد الحرام.
توفي أبو علي في ربيع الأول سنة تسع وأربعين وأربع مئة بدمشق.
الحسين بن محمد بن علي بن عتاب
ويقال: ابن علي ابن محمد بن عتاب أبو علي المقرئ البزار حدث عن أبي بكر أحمد بن بكر الخيزراني بسنده إلى عكرمة بن سليمان قال:
قرأت على إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين فلما بلغت: " والضحى " قال لي: كبر عند خاتمة كل سورة، قلت: كيف أكبر؟ قال: إذا بلغت: " وأما بنعمة ربك فحدث " فقل: الله أكبر، وافتتح: ببسم الله الرحمن الرحيم، ثم كبر عند خاتمة كل سورة، فإني قرأت على عبد الله بن كثير الداري فأمرني بذلك، وذكر أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك، وذكر أنه قرأ على ابن عباس فأمره بذلك، وذكر أنه قرأ على أبي فأمره بذلك، وذكر أنه قرأ على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمره بذلك.(7/172)
الحسين بن محمد بن غويث
ويقال: غوث أبو عبد الله التنوخي رحل وسمع.
روى عن الحسن بن عبد الله البالسي بسنده عن ابن عمر قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا أراد أن يركع رفعهما.
توفي في ذي الحجة سنة سبع عشرة وثلاث مئة، وقيل: سنة ثمان عشرة.
الحسين بن محمد بن فيرة بن حيون
أبو علي الصدفي الأندلسي الحافظ الفقيه من سرقسطة، رحل وسمع بدمشق وبغيرها.
حدث في سنة سبع وثمانين وأربع مئة عن الشيخ أبي المعالي محمد بن عبد السلام بسنده عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المعروف كله صدقة، وإن آخر ما تعلق به أهل الجاهلية من كلام النبوة: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت.
الحسين بن محمد بن الوزير
أبو أحمد بن أبي الحسين الشاهد الشروطي الحافظ كاتب الميانجي حدث بدمشق عن أبي العباس محمد بن جعفر بن محمد بن هشام بن ملاس النميري بسنده عن عائشة قالت: كان لنا ثوب فيه تصاوير فجعلته بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلي، فقالت: كرهه، أو قالت: نهاني عنه، فجعلته وسائد.(7/173)
وحدث عنه أيضاً بسنده عن ابن عباس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد في ص وقال: سجدها داود عليه السلام توبة ونسجدها شكراً.
ومن شعر أبي أحمد: من الوافر.
عصيت الله في سرٍّ وجهرٍ ... ولم آيس من الغفران منه
وما يتحمّل الإنسان ذنباً ... يضيق فسيح عفو الله عنه
توفي أبو أحمد في ربيع الأول سنة أربع مئة.
الحسين بن محمد وقيل ابن أحمد
أبو علي الزاهد الواعظ المعروف بالعطار حدث عن أحمد بن محمد بن سعيد المحلي بسنده إلى سليم بن عيسى قال: غدا علينا يوماً حمزة بن حبيب الزيات المقرئ، وكأن وجهه قد نخل عليه الرماد فقلنا له: يا أستاذ أو يا أبا عمارة، ما الذي نراه بك؟ قال: لا تسألوني قال: فإنا سائلوك. قال: رأيت الليلة كأني في مسجد الكوفة، وكأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس وأمته تعرض عليه، فجئت فإذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس وأبو بكر عن يمينه، وعمر عن يساره، وعثمان بين يديه، وعلي قائم على رأسه، فقال قائل: أين عاصم بن أبي النجود؟ فأتي بشيخ، فوصفه حمزة كأنه يراه ولم يكن لقيه، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا عاصم، قال: لبيك، قال: أنت قارئ أهل الكوفة؟ قال: كذلك يقولون يا رسول الله، قال: فاقرأ سورة النعام، فافتتح فقرأها حتى ختمها.
ثم قال القائل: أين حمزة بن حبيب الزيات؟ فمثل لي كأن مفاصلي قد بترت عن أماكنها، فأتي بي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوقفت بين يديه فقال لي: حمزة؟ فقلت: لبيك، قال لي: أنت قارئ أهل الكوفة؟ فقلت: كذلك يقولون يا رسول الله، قال: اجلس. فجلست، ثم قال: هلم فاتل السورة التي تلاها صاحبك، فافتتحت سورة الأنعام حتى(7/174)
أتيت إلى " ضيقاً حرجاً " فقلت: " حرِجاً " فقال لي: " حَرَجا " فقلت: " حرِجا " فقال لي: " حَرَجا " فقلت: " حرِجا " فقال لي: " حَرَجا " وقطب بين عينيه، فقلت: " حَرَجا ".
ثم قال حمزة: أيها الناس! إني أقرأتكم منذ أربعين سنة " حرِجا "، وإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقرأنيه " حَرَجا "، فاقرؤوها: " حَرَجا ".
توفي الحسين العطار المتعبد بدمشق في صفر سنة أربع وأربع مئة.
الحسين بن المبارك الطبراني
حدث عن إسماعيل بن عياش بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليؤمكم أحسنكم وجهاً، فإنه أحرى أن يكون أحسنكم خلقاً، قال: وقوا بأموالكم عن أعراضكم، وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه.
وقالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خير نساء أمتي أصبحهن وجهاً، وأقلهن مهوراً.
وقال: لا تنفع الصنيعة إلا عند ذي حسب أو دين، كما لا تنفع الرياضة إلا في النجيب.
وحدث عنه بسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون.
وحدث عن بقية بن الوليد بسنده عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال: إن رأس العقل التحبب إلى الناس، وإن من سعادة المرء خفة لحيته.
أنكرت هذه الأحاديث، قالوا: وكان حسين بن المبارك الطبراني حدث بأسانيد ومتون منكرة عن أهل الشام.(7/175)
الحسين بن المتوكل
وهو ابن أبي السري أخو محمد بن أبي السري العسقلاني حدث عن محمد بن شعيب بسنده عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الغدو والرواح إلى المساجد من الجهاد في سبيل الله.
مات سنة أربعين ومئتين، وقيل: إنه كذاب.
الحسين بن مطير بن مكمل
مولى بني أسد بن خزيمة ثم لبني سعد بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد كان جده مكمل عبداً فعتق، ويقال: كوتب.
كان شاعراً محسناً، أدرك الدولتين، وكلامه وزيه يشبه كلام الأعراب وزيهم، وقدم على الوليد بن يزيد، ومن شعره: من الطويل
ليهنك أني لم أطع بك واشياً ... عدواً ولم أصبح لقربك قاليا
وأنّي لم أبخل عليك ولم أجد ... لغيرك إلا بالذي لن أباليا
ولما نزلنا منزلاً طلّه الندى ... أنيقاً وبستاناً من النّور حاليا
أجدّ لنا طيب المكان وحسنه ... منىً فتمنيّنا فكنت الأمانيا
خرج المهدي يوماً يتصيد فلقيه الحسين بن مطير فأنشده: من البسيط
أضحت يمينك من جودٍ مصورةً ... لا بل يمينك منها صورة الجود
من حسن وجهك تضحي الأرض مشرقةً ... ومن بنانك يجري الماء في العود(7/176)
فقال المهدي: كذبت يا فاسق، وهل تركت في شعرك موضعاً لأحد مع قولك في معن بن زائدة: من الطويل
ألمّا بمعن ثم قولا لقبره ... سقتك الغوادي مربعاً ثم مربعا
فيا قبر معنٍ كنت أول حفرةٍ ... من الأرض خطت للمكارم مضجعا
ويا قبر معن كيف واريت جوده ... وقد كان منه البرّ والبحر مترعا
ولكن حويت الجود والجود ميّتٌ ... ولو كان حيّاً ضقت حتى تصدّعا
وما كان إلا الجود صورة وجهه ... فعاش ربيعاً ثم ولّى فودّعا
فلما مضى معنٌ مضى الجود والندى ... وأصبح عرنين المكارم أجدعا
فأطرق الحسين ثم قال: يا أمير المؤمنين، وهل معن إلا حسنة من حسناتك؟ فرضي عنه وأمره له بألفي دينار.
أنشد الشافعي لابن مطير: من الطويل
وليس فتى الفتيان من راح واغتدى ... لشرب صبوحٍ أو لشرب غبوق
ولكن فتى الفتيان من راح واغتدى ... لضرّ عدو أو لنفع صديق
ومن شعره: من الطويل
ونفسك أكرم عن أشاءٍ كثيرةٍ ... فمالك نفسٌ بعدها تستعيرها
ولا تقرب الأمر الحرام فإنه ... حلاوته تفنى ويبقى مريرها
وأنشد ابن الأعرابي للحسين بن مطير الأسدي من أبيات: من الطويل(7/177)
أحبّك يا سلمى على غير ريبةٍ ... ولا بأس في حبٍّ تعفّ سرائره
أحبك حباً لا أعنّف بعده ... محبّاً ولكني إذا ليم عاذره
بنفسي من لا بدّ أنّي ناظره ... ومن أنا في الميسور والعسر ذاكره
ومن قد رماه الناس حتى اتّقاهم ... ببغضي إلا ما تجنّ ضمائره
لقد مات قبلي أول الحبّ فانقضى ... ولو متّ أضحى الحبّ قد مات آخره
ولما تناهى الحبّ في القلب وارداً ... أقام وسدّت بعد عنه مصادره
وأيّ طبيبٍ يبرئ الحبّ بعدما ... تشرّبه بطن الفؤاد وظاهره
ومن شعر الحسين بن مطير: من الطويل
وكنت إذا استودعت سراً طويته ... بحفظٍ إذا ما ضيّع السّرّ ناشره
وإني لأرعى بالمغيبة صاحبي ... حياءً كما أرعاه حين أحاضره
الحسين بن المظفر بن الحسين
ابن جعفر ابن حمدان أبو عبد الله الهمداني حدث عن عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لما عرج بي إلى السماء رأيت في السماء السابعة ثمانين ألفاً من الملائكة على جبل الياقوت يستغفرون الله عز وجل لأبي بكر وعمر، ثم عرج بي إلى السماء الخامسة فرأيت سبعين ألفا من الملائكة على جبل الياقوت يستغفرون الله لمن يستغفر لأبي بكر وعمر.
الحسين بن المظفر بن الحسين
أبو القاسم الهمداني حدث بدمشق.
روى عن أبي الفضل عبد الله بن طاهر بن ماهكة بسنده إلى محمد بن إسحاق المطلبي صاحب المغازي قال: ذكر الزهد عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقال: من البسيط(7/178)
إن المكارم أخلاقٌ مهذّبةٌ ... فالعقل أولها والبرّ ثانيها
فذكر قصيدة عدتها اثنان وسبعون بيتاً.
وأنشد أبو القاسم الحسين بن المظفر لبعضهم: من الوافر
لنعم اليوم يوم السبت حقاً ... لصيدٍ إن أردت بلا امتراء
وفي الأحد البناء لأنّ فيه ... تبدّى الله في خلق السماء
وفي الاثنين إن سافرت فيه ... تعود إذاً بنجحٍ أو ثراء
وإن ترد الحجامة في الثّلاثا ... ففي ساعاته سفك الدماء
وإن شرب امرؤ يوماً دواءً ... فنعم اليوم يوم الأربعاء
وفي يوم الخميس قضاء حاجٍ ... ففيه الله يأذن بالقضاء
ويوم الجمعة التزويج فيه ... ولذات الرجال مع النساء
ذكر أبو القاسم الحسين بن المظفر أنه وجد على نصاب سكين: من البسيط
في الجبن عارٌ وفي الإقدام مكرمةً ... فمن يفرّ فلا ينجو من القدر
وعلى درقة: من مجزوء الرجز
والحرب إن لاقيتها ... فلا يكن منك الفشل
واصبر على أهوالها ... لا موت إلاّ بأجل
الحسين بن نصر بن المعارك
أبو علي البغدادي حدث هو وغيره عن فديك بن سلمان بسنده عن صالح بن بشير بن فديك قال: خرج فديك إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إنهم يزعمون أنه من لم يهاجر هلك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا فديك! أقم الصلاة، وأد الزكاة، واهجر السوء، واسكن من أرض قومك حيث شئت تكن مهاجراً.(7/179)
وحدث عن عبد الرحمن بن زياد بسنده عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه نهى عن الورس والزعفران. قلنا: للمحرم؟ قال: نعم.
توفي في شعبان سنة إحدى وستين ومئتين، وكان ثقة ثبتاً.
الحسين بن الوليد أبو علي
وقيل: أبو عبد الله القرشي مولاهم النيسابوري، يلقب بشمين سمع بالشام.
حدث عن سليمان بن أرقم بسنده عن عثمان بن عفان عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الصبحة تمنع الرزق. يعني نوم الغداة.
وحدث عن شعبة بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: أهدى ملك الروم إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هدايا، وكان فيما أهدى إليه جرة فيها زنجبيل، فأطعم كل إنسان قطعة وأطعمني قطعة.
وحدث عن مالك بن أنس بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كانت له عند أخيه مظلمة في مال أو عرض فليأته، وليستحله منه قبل أن يؤخذ به، وليس ثم دينار ولا درهم، إن كانت له حسنات أخذ من حسناته وإلا أخذ من سيئات صاحبه فوضع عليه.
وحدث عن إبراهيم بن سعد بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تسبوا أصحابي فإنه يجيء في آخر الزمان قوم يسبون أصحابي، فإن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم، ولا تناكحوهم، ولا توارثوهم، ولا تسلموا عليهم، ولا تصلوا عليهم.
روى عنه أحمد بن حنبل، وقال: هو أوثق من بخراسان في زمانه.
وكان يجزل العطية للناس، وكان صاحب مال ويقول: من تعشى عندي فقد أكرمني، ثم إذا خرج يدفع إليهم الصرة.
وكان سخياً جواداً، وكان يغزو الترك في كل ثلاث سنين ويحج في كل خمس سنين.(7/180)
وكان يطعم أصحاب الحديث الفالوذج، ولا يحدث أحداً حتى يأكل من فالوذجته، وكان ثقة.
توفي سنة اثنتين ومئتين، وقيل: سنة ثلاث ومئتين.
الحسين بن هارون بن عيسى
ابن أبي موسى أبو علي الإيادي ويقال: اسمه الحسن
حدث في سنة سبع وخمسين وثلاث مئة عن أبي عثمان سعيد بن عبد العزيز بن مروان الحلبي بسنده عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: المؤمن القوي خير وأفضل وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك ولا تعجز، فإن غلبك أمر فقل: قدر الله وما شاء صنع، وإياك واللو فإن اللو تفتح من عمل الشيطان.
وحدث عن محمد بن عبد الحميد المكتب بسنده عن ابن عمر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ في المغرب: " قل يا أيها الكافرون "، و" قل هو الله أحد ".
حدث في سنة ثمان وخمسين وثلاث مئة.
الحسين بن الهيثم بن ماهان
أبو الربيع الرازي الكسائي سمع بدمشق وبغيرها.
حدث عن خالد يعني ابن عبد السلام بسنده عن عائشة أنها قالت: كانت إحدانا تفطر شهر رمضان من الحيضة فما تقدر أن تقضيه مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى يأتي شعبان.(7/181)
قالت: ما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصوم من شهر أكثر مما يصوم في شعبان، كان يصومه كله إلا قليلاً، بل كان يصومه كله.
وحدث عن زكريا بن يحيى كاتب العمري بسنده عن عائشة أنها قالت: لا تحموا مرضاكم شيئاً، فإني مرضت فحموني حتى الماء؛ فعطشت من الليل؛ فقمت إلى قربة معلقة، فشربت أكثر مما كنت أشرب، فأراني الله العافية.
كان أبو الربيع ثقة.
الحسين بن يحيى بن الحسين
ابن جزلان أبو عبد الله حدث في ذي القعدة سنة أربعين وثلاث مئة عن أبي القاسم يزيد بن محمد بن عبد الصمد بسنده عن عبد الله بن عمر قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا افتتح التكبير في الصلاة رفع يديه حين يكبر حتى يجعلهما دون منكبيه، ثم إذا كبر للركوع فعل مثل ذلك، ثم إذا قال: سمع الله لمن حمده، فعل مثل ذلك وقال: ربنا ولك الحمد، ولا يفعل ذلك حين يسجد ولا حين يرفع رأسه من السجود.
توفي في المحرم سنة إحدى وأربعين وثلاث مئة. كان ثقة.
الحسين
روى عنه ابنه أبو علي محمد بن الحسين قال: سمعت أبي يقول: سمعت الوليد بن مسلم يقول: سمعت الأوزاعي يقول: خرجنا إلى بيت المقدس وقتاً من الأوقات ومعنا رجل يهودي على حمارة له، فرافقنا في الطريق، فكان حسن العشرة يخدمنا ويقضي حوائجنا حتى أتينا بيت المقدس، فغاب عنا وقتاً، ثم رجع إلينا فقال لنا: عزمتم على الرحيل؟ قلنا: نعم، فخرجنا وسار معنا حتى جئنا إلى بحيرة طبرية فنزلنا. قال: فجاء إلى ضفدع ونحن نراه فشد في عنقه خيطاً(7/182)
وجره فإذا قد صار الضفدع خنزيراً صغيراً، فدخل به إلى طبرية، فبلغنا أنه باعه حياً واشترى بثمنه زاداً للسفر وقماشاً في كسائه، ثم جاء إلينا.
قال: فالتفت، فإذا خلفه النصراني الذي اشترى منه الخنزير، والضفدع قد رجعت إلى حالها، قال: فلما بصر به اليهودي ألقى بنفسه في الأرض، فسقط رأسه ناحية، والجسد ناحية، فبعد أن ذهب النصراني جعل يقول لنا: مر، مر؟ فقلنا: نعم قال: فرج الرأس إلى الجسد.
قال الأوزاعي: فقلت والله لا يتبعنا هذا الطريق، فأخذ حمارته وذهب عنا.
الحسين ويقال الحسن بن المصري
من شيوخ الصوفية، دخل دمشق.
حكى عنه الجنيد قال: سمعت الحسن بن المصري يقول: كنت بدمشق، وكان خارجها جبل فوقه رجل، يقال له: عثمان، مع أصحابه يتعبدون، وكان في أسفل الجبل رجل آخر، يقال له: عبد الله، مع أصحابه، وكان يوصف عنه أنه إذا سمع شيئاً من الذكر عدا، فلم يرده شيء، لا نهر ولا ساقية ولا واد.
قال حسن: فبينا أنا عنده ذات يوم، إذ قرأ قارئ، قال: فتهيأ له أصحابه فتبعوه حتى استقبلته نار للأعراق قد أوقدوها، قال: فوقع بعضه على النار، وبعضه على الأرض فحملوه.
قال أبو القاسم جنيد: إيش يقال في رجل وقعت به حالةٌ هي أقوى من النار!؟.
قال أبو القاسم جنيد:
مضيت يوماً إلى حسين بن المصري، ومعي دراهم أريد أن أدفعها إليه، وكان يسكن في براثا، وليس له جار إنما هو في صحراء، وكانت امرأته قد ولدت، واحتاجت إلى(7/183)
ما تحتاج إليه النساء عند الولادة، وكان قد رآها وشق عليه ما يرى من حالها، وجعل يذكر ما نالها من الشدة والأذى وانقطاع الرفق عنها، ووجدتها في تلك العزلة، فأخرجت إليه الدراهم، فقلت له: تشتري لها بعض ما تحتاج إليه، فأبى أن يقبلها مني وقال: لست آخذها ولا أقبلها بوجه ولا سبب، واشتد ذلك عليه فقلت له: لا أحسب يسعك ردها لما أخبرتني به من حال المرأة، فأبى أن يأخذها مني بتة.
فأخذت الدراهم، وكانت في صرة، فرميت بها إلى الحجرة التي فيها المرأة، وقلت: أيتها المرأة خذي هذه الدراهم، فاصرفيها فيما تحتاجين إليه، ثم التفت إليه فقلت له: أنت لم تأخذها كما قلت، وحرام عليك أن تمنعها، فسكت، ولم تكن له حيلة فيما فعلت. فانصرفت عنه.
الحسين البرذعي أحد الصالحين
قال أبو الفرج عبد الوهاب بن علي القرشي: خرجت من دمشق، من أربعين سنة إلى القدس، فصليت فيه ورجعت، ففي رجوعي جئت إلى جب يوسف عليه السلام، قبل الأولى من يوم الخميس، فإذا أنا برجل كهل معه ركوة، فسلمت عليه، وتوضأت أنا وهو من الجب، وصلينا الظهر، فتقدم فصلي بي ثم تقدم فصلي بي العصر، ثم تقدم فصلي بي المغرب، ثم تقدم فصلي بي عشاء الآخرة وأوتر، وكان معي شيء من الطعام فقلت: بسم الله، فأكل منه يسيراً، فقلت له: من يكون الشيخ؟ فقال لي: حسين البرذعي، فقال لي: رأيت؟! إنسان تدركه الجمعة ويخرج ولا يصليها؟ فقلت: يا سيدي نسيت فقال: لا بأس عليك، اخرج.
فخرجنا حتى جئنا إلى جب يوسف، فقال: صل ركعتين، فصليت، ثم قال لي: بسم الله، فخرجنا، فقال: تقرأ علي أو أقرأ عليك؟ فقلت: لا بل أقرأ أنا عليك، فقرأت مئة آية، وغاب القمر، وإذا نحن في ضوء غير ضوء القمر، وإذا نحن نمشي كأننا نمشي على(7/184)
وطاء في أرض مستوية، وهو آخذ بيدي، فكلما جئنا إلى موضع قال لي: صل ركعتين، فعددت أنا صلينا ستين ركعة.
ثم جاء بي إلى حائط فقال: أتدري أين أنت؟ قلت: لا. قال: أنت في داريا، أستودعك الله.
فقلت له: ادع لي يوفقني الله لطاعته، ويلهمني صيام الدهر، وقيام الليل، ويميتني على الإسلام والسنة والجماعة، فدعا لي.
فمن ذلك الوقت ليس علي في الصيام كلفة ولا في قيام الليل، وقال لي: أستودعك الله، فقلت: يا سيدي، ما تجيء معي إلى أهلي؟ قال: لا، قلت: فأصحبك؟ قال: كيف يجوز لك ولك والدان وزوج وأخت؟ ولم أعلمه بهذا!(7/185)
حصن بن عبد الرحمن
ويقال: ابن محصن أبو حذيفة التراغمي من أهل دمشق.
حدث عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من قال علي ما لم أقل فليتبوأ بيتاً في النار، ومن تول غير مواليه فليتبوأ بيتاً في النار.
وحدث أيضاً بسنده إلى عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وعلى المقتتلين أن ينحجزوا الأول فلأول، وإن كانت امرأة.
قال أبو سليمان حمد بن محمد: قوله: ينحجزوا، معناه: يكفوا عن القتل. وتفسيره أن يقتل رجل وله ورثة رجال ونساء، فأيهم عفا وإن كان امرأة سقط القود، وصار دية.
وقوله: الأول فالأول: يريد الأقرب فالأقرب، ويشبه أن يكون معنى المقتتلين ههنا أن يطلب أولياء القتيل القود فيمتنع القتلة، فتنشأ بينهم الحرب والقتال من أجل ذلك، فجعلهم مقتتلين لما ذكرناه.
وقد اختلف في عفو النساء.
فقال أكثر أهل العلم: عفو النساء عن الدم كعفو الرجل.
وقال الأوزاعي وابن شبرمة: ليس للنساء عفو.
وعن الحسن وإبراهيم النخعي: ليس للزوج ولا للمرأة عفو في الدم.(7/186)
حصين بن جعفر الفزاري
من أهل دمشق.
حدث عن عمير بن هانئ العنسي قال: لقيت عبد الله بن عمر فقلت له: من بك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: من ألحد في حرم الله، قلت: أرأيت أهل الشام، ما تقول فيهم؟ قال: ما أنا لهم بحامد. قلت: فأهل مكة والمدينة؟ قال: ما أنا لهم بعاذر، قوم يتغالبون على الدنيا يتهافتون في النار تهافت الذبان في المرق، قال: وأتيته بمعراض من كلام، فقال: أمالك رحل؟ الحق برحلك، إن رأيت وأرأيت من الشيطان.
حصين بن جندب أبو ظبيان
الجنبي الكوفي سمع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وجماعة.
ذكر الواقدي أنه غزا الصائفة مع يزيد بن معاوية في غزوة قسطنطينية سنة خمسين.
روى عن أسامة قال: بعثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سرية، فصبحت الحرقات من جهينة، فأدركت رجلاً فقال: لا إله إلا الله، فطعنته، فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال لا إله إلا الله وقتلته؟ قال: قلت: يا رسول الله إنما قالها فرقاً من السلاح، قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم قالها أم لا؟ فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ.
قال: فقال سعد: وأنا والله لا أقتل مسلماً حتى يقتله ذو البطين، يعني أسامة.
قال: فقال رجل: ألم يقل الله عز وجل: " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون(7/187)
الدين كله الله "؟ فقال سعد: قد قاتلناهم حتى لا تكون فتنة، وأنت وأصحابك تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة.
وحدث ظبيان عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من لا يرحم الناس لا يرحمه الله.
قال خليفة بن خياط في تسمية أهل الكوفة: أبو ظبيان الجنبي اسمه حصين بن جندب بن عمرو بن الحارث بن وحشي بن مالك بن ربيعة بن منبه بن يزيد بن حرب بن علة بن جلد بن مالك بن أدد بن يشجب، ويزيد بن حرب هم جنب.
مات سنة تسعين، وقيل: سنة خمس وثمانين، وقيل: سنة خمس وتسعين، وقيل: سنة ست وتسعين.
حصين بن مالك أبي الحر بن الخشخاش
ابن جناب بن الحارث ابن مجفر ويقال: مجفر، ويقال: حصين بن الحر ويقال: خشخاش بن الحارث ويقال: خشخاش بن مالك بن الحارث ابن أخيف، ولقبه مجفر بن كعب بن العنبر بن عمرو ابن تميم أبو القلوص التميمي العنبري البصري لجده ولأبيه مالك وعميه قيس وعبيد وفادة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو جد عبيد الله بن الحسن قاضي البصرة، وقدم دمشق.
روى حصين بن أبي الحر عن الخشخاش قال: أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعي ابن لي قال: فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يجني عليك ولا تجني عليه.(7/188)
وروى حصين بن أبي الحر: أن أباه مالكاً وعميه قيساً وعبيداً أتوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فشكوا إليه إغارة رجل من بني عمهم على الناس، فكتب لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذا كتاب محمد رسول الله لمالك وقيس وعبيدة بني الخشخاش، إنكم آمنون مسلمون على دمائكم وأموالكم، لا تؤخذون بجريرة غيركم، ولا تجني عليك إلا أيديكم.
وروى حصين بن أبي الحر عن سمرة بن جندب قال: كنت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد دعا حجاماً فهو يحجمه ويشرطه بطرف سكين حديدة، فجاء رجل مسمى من بني فلان نسيت اسمه، فدخل عليه بغير إذن، فقال: لم تدفع ظهرك إلى هذا يفعل به ما أرى؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذا الحجم. قال: قلت: وما الحجم؟ قال: هو خير ما تداوى به الناس.
قال عمرو بن عاصم الكلابي: كان حصين بن أبي الحر عاملاً لعمر بن الخطاب على ميسان، وبقي حتى أدرك الحجاج، فأتى به فهم بقتله، ثم قال: لا تطهروه بالقتل، ولكن اطرحوه في السجن حتى يموت، فحبسه حتى مات.
قال الحصين بن أبي الحر: دخلنا على عمران بن حصين فوافقته يتغدى، فقال: هلم، قلت: إني صائم، فقال عمران: لا تصومن يوماً تجعله عليك حتماً إلا شهر رمضان.(7/189)
حصين بن نمير بن نابل بن لبيد
ابن جعثنة بن الحارث بن سلمة بن شكامة بن شبيب بن السكون بن أشرس بن كندة، وهو ثور بن عفير ابن عدي بن الحارث أبو عبد الرحمن الكندي ثم السكوني من أهل حمص.
كان بدمشق حين عزم معاوية على الخروج إلى صفين وخرج معه، وولي الصائفة ليزيد بن معاوية، وكان أميراً على جند حمص، وكان في الجيش الذي وجهه يزيد إلى أهل المدينة من دمشق لقتال أهل الحرة، واستخلفه مسلم بن عقبة المعروف بمسرف على الجيش، وقاتل ابن الزبير، وكان بالجابية حين عقدت لمروان بن الحكم الخلافة.
حدث يزيد بن الحصين بن نمير السكوني عن أبيه قال: جاء بلال يخطب على أخيه، وكان عمر استعمل بلالاً على الأردن فقال: أنا بلال وهذا أخي، كنا عبدين فأعتقنا الله، وكنا ضالين فهدانا الله، وكنا عائلين فأغنانا الله، فإن تنكحونا فالحمد لله، وإن تردونا فلا إله إلا الله، قال: فأنكحوه، وكانت المرأة عربية من كندة.
لما مرت السكون مع أول كندة مع حصين بن نمير السكوني ومعاوية بن حديج في أربع مئة فاعترضهم عمر، فإذا فيهم فتية دلمٌ سباط مع معاوية بن حديج، فأعرض عنهم، ثم أعرض ثم أعرض، فقيل له: مالك ولهؤلاء؟ فقال: إني عنهم لمتردد، وما مر بي قوم من العرب أكره إلي منهم، ثم أمضاهم فكان بعد يكثر أن يتذكرهم بالكراهية.
وتعجب الناس من رأي عمر حين تعقبوه، بعد ما كان من أمر الفتنة الذي كان،(7/190)
وإذا هم رؤوس تلك الفتنة، فكان منهم من غزا عثمان، وكان منهم رجل يقال له: سودان بن حمران قتل عثمان بن عفان، وإذا منهم رجل حليف يقال له: جلد بن ملجم قتل علي بن أبي طالب، وإذا منهم معاوية بن حديج، فنهض في قوم منهم يتتبع قتلة عثمان يقتلهم، وإذا منهم قوم يهوون قتل عثمان، وكان فيهم حصين، وهو الذي حاصر ابن الزبير بمكة، ورمى الكعبة بالمنجنيق، فسترت بالخشب فاحترقت.
حدث جماعة، دخل حديث بعضهم في حديث بعض، قال: أمر يزيد مسلم بن عقبة وقال: إن حدث بك حدث فحصين بن نمير على الناس، فورد مسلم بن عقبة المدينة، فمنعوه أن يدخلها، فأوقع بهم وأنهبها ثلاثاً، ثم خرج يريد ابن الزبير، فلما كان بالمشلل نزل به الموت، فدعا حصين بن نمير فقال له: يا بردعة الحمار، لولا عهد أمير المؤمنين إلي فيك ما عهدت إليك، اسمع عهدي: لا تمكن قريشاً من أذنك ولا تزدهم على ثلاث: الوقاف ثم الثقاف ثم الانصراف. وأعلم الناس أن الحصين واليهم ومات مكانه، فدفن على ظهر المشلل لسبع بقين من المحرم سنة أربع وستين.
ومضى حصين بن نمير في أصحابه حتى قدم مكة، فنزل بالحجون إلى بئر ميمون، وعسكر هناك، فكان يحاصر ابن الزبير، فكان الحصر أربعة وستين يوماً يتقاتلون فيها أشد القتال، ونصب الحصين المنجنيق على ابن الزبير، فكان الحصر أربعة وستين يوماً يتقاتلون فيها أشد القتال، ونصب الحصين المنجنيق على ابن الزبير وأصحابه، ورمى الكعبة، وقتل من الفريقين بشر كثير، وأصاب المسور فلقة من حجر المنجنيق، فمات ليلة جاء نعي يزيد بن معاوية، وذلك لهلال ربيع الآخر سنة أربع وستين.
فكلم حصين بن نمير ومن معه من أهل الشام عبد الله بن الزبير: إن يدعهم يطوفوا بالبيت وينصرفوا عنه، فشاور في ذلك أصحابه، ثم أذن لهم، فطافوا.(7/191)
وكلم ابن الزبير الحصين بن نمير، وقال له: قد مات يزيد، وأنا أحق الناس بهذا الأمر، لأن عثمان عهد إلي في ذلك عهداً صلى به خلفي طلحة والزبير وعرفته أم المؤمنين فبايعني، وادخل فيما يدخل فيه الناس معي يكن لك ما لهم وعليك ما عليهم.
فقال له الحصين بن نمير: إني والله يا أبا بكر لا أتقرب إليك بغير ما في نفسي، أقدم للشام فإن وجدتهم مجتمعين لك أطعتك وقاتلت من عصاك، وإن وجدتهم مجتمعين على غيرك أطعته وقاتلتك، ولكن سر أنت معي إلى الشام أملكك رقاب العرب.
فقال له ابن الزبير: أو أبعث رسولاً؟ قال: تباً لك سائر اليوم، إن رسولك لا يكون مثلك.
وافترقا، وأمن الناس، ووضعت الحرب أوزارها، وأقام أهل الشام أياماً يبتاعون حوائجهم ويتجهزون، ثم انصرفوا راجعين إلى الشام، فدعا ابن الزبير من يومئذ إلى نفسه.
وفي سنة ست وستين عام الخازر، قتل عبيد الله بن زياد وحصين بن نمير وجرير بن شراحيل الكندي في آخرين، وقيل: في سنة سبع وستين، قتلهم إبراهيم بن الأشتر وبعث برؤوسهم إلى المختار، فبعث بها إلى ابن الزبير، فنصبت بالمدينة ومكة.
وقيل: إن المختار لما بعث برأس ابن زياد وحصين بن نمير مع رؤوس أناس من أشراف أهل الشام قال ابن الزبير: انصبوا رأس كل رجل منهم عند قذافته التي كان يرمينا منها.
قال محمد بن إسماعيل: ثم أحرق مصعب بن الزبير المختار، وأحرق إبراهيم بن الأشتر عبيد الله بن زياد وحصين بن نمير، فقال عبد الملك بن مروان وأتي بجسد ابن الأشتر لمولى لحصين بن نمير: حرقه كما حرق مولاك.(7/192)
حصين بن الوليد
مولى بني يزيد بن معاوية حدث عن الأزهر بن الوليد الحمصي قال: سمعت أم الدرداء ببيت المقدس وهي تحدث عن سير الحجاج بالعراق، فقالت: والله لقد كنت أسمع وأنا أهدي إلى أبي الدرداء: ليكفرن أقوام من هذه الأمة بعد إيمانهم.
كان حصين ثقة.
حضين بن المنذر بن الحارث
ابن وعلة بن المجالد بن اليثربي بن الريان بن الحارث بن مالك بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة ابن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل أبو ساسان وهو لقب وكنيته أبو محمد الرقاشي البصري روى عن عثمان وعلي وغيرهما.
قال حضين بن المنذر: صلى الوليد بن عقبة أربعاً وهو سكران، ثم انفتل فقال: أزيدكم؟ فرفع ذلك إلى عثمان، فقال له علي بن أبي طالب: اضربه الحد. فأمر بضربه، فقال علي للحسن: قم فاضربه. قال: فما أنت وذاك؟. قال: إنك ضعفت ووهنت وعجرت، ثم قال: قم يا عبد الله بن جعفر، فقام عبد الله بن جعفر فجعل يضربه وعلي يعد حتى إذا بلغ أربعين قال: كف أو اكفف.
ثم قال: ضرب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعين، وضرب أبو بكر أربعين، وضرب عمر صدراً من خلافته أربعين، وثمانين، وكل سنةٌ.
قال يونس: وفد الحضين بن المنذر إلى بعض الخلفاء، فكان الآذن أبطأ في الإذن، فسبقه القوم(7/193)
لتباطئه، فقال له الخليفة: مالك يا أبا ساسان تدخل علي في آخر الناس؟ فقال: من الطويل
وكلّ خفيف الشأن يسعى مشمّراً ... إذا فتح البواب بابك إصبعا
ونحن الجلوس الماكثون رزانةً ... وحلماً إلى أن يفتح الباب أجمعا
وقيل: إن الوفادة كانت على معاوية، وإنه كان يؤذن له في أول الوفد فيدخل في آخرهم، فقال له معاوية: مالك يا أبا ساسان؟ إنا نحسن إذنك، فأنشده البيتين.
قال يعقوب: وحضين بن المنذر هو الذي يؤثر عنه أن ختنه على ابنته أو أخته كان إذا دخل عيه تنحى له حضين عن مجلسه ثم قال: مرحباً بمن كفانا المؤونة وستر العورة.
وكان الحضين بخراسان أيام قتيبة بن مسلم، فدخل عليه، وهو عنده، مسعود بن حراش العبسي، والحضين شيخ كبير معتم بعمامة، فقال مسعود لقتيبة: من هذه العجوز المعتمة عند الأمير؟ فقال قتيبة: بخ، هذا حضين بن المنذر، فقال حضين: من هذا أيها الأمير؟ قال: مسعود بن حراش العبسي، فقال حضين: إنا والله ممن لم يمجد قومه في الجاهلية عبد حبشي، يعني عنترة، ولا في الإسلام امرأة بغي، قال: فسكت عنه مسعود بن حراش.
وشهد الحضين صفين مع علي عليه السلام.
وبقي إلى أيام معاوية، فوفد عليه، وكان لا يعطي البواب ولا الحاجب شيئاً؛ فكان لا يأذن له الحاجب إلا آخر الناس، فدخل يوماً فقام حيال معاوية، وأنشد البيتين:
وكل خفيف الشأن.......................................
قال: فأومأ إليه معاوية أن أعطهم شيئاً فإنك لا تعطي أحداً شيئاً.(7/194)
حدث الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري قال: حضين بن المنذر أبو ساسان الرقاشي هو حضين بحاء مهملة مضمومة وضاد معجمة ونون، من سادات ربيعة، وكان صاحب راية أمير المؤمنين يوم صفين، وفيه يقول أمير المؤمنين: من الطويل
لمن رايةٌ سوداء يخفق ظلّها ... إذا قيل: قدّمها، حضين تقدّما
وتتمة الأبيات في رواية أبي جعفر محمد بن مروان أن علياً قالها:
فيوردها في الصف حتى يقيلها ... حياض المنايا تقطر الموت والدما
جزى الله قوماً قاتلوا في لقائهم ... لدى الموت قدماً ما أعزّ وأكرما
وأطيب أخباراً وأكرم شيمةً ... إذا كان أصوات الرجال تغمغما
ربيعة أعني إنهم أهل نجدةٍ ... وبأسٍ إذا لاقوا خميساً عرمرما
قال الحسن: ثم ولاه إصطخر، وكان يبخل، وفيه يقول زياد الأعجم: من الطويل
يسدّ حضينٌ بابه خشية القرى ... بإصطخر والشاة السمين بدرهم
وفيه يقول الضحاك بن هنام: من الطويل
وأنت امرؤٌ منا خلقت لغيرنا ... حياتك لا نفعٌ، وموتك فاجع(7/195)
قال الحافظ: ولا أعرف من سمي حضيناً بالضاد والنون غيره، وغير من ينسب إليه من ولده.
وكان شاعراً فارساً صدوقاً، كان على راية علي عليه السلام يوم صفين، وكان صاحب شرطته، وسماه يعقوب بن سفيان في أمراء يوم الجمل من أصحاب علي.
قال محمد بن داود المازني: قيل لحضين بن المنذر: بأي شيء سدت قومك؟ قال: بحسب لا يطعن فيه، ورأي لا يستغنى عنه، ومن تمام السؤدد أن يكون الرجل ثقيل السمع عظيم الرأس.
قال الشعبي:
قال قتيبة بن مسلم لوكيع بن أبي سود: ما السرور؟ قال: لواء منشور، وجلوس على السرير، والسلام عليك أيها الأمير. فقال للحضين بن المنذر: ما السرور؟ قال: دار قوراء، وامرأة حسناء، وفرس مربوط بالفناء. وقال لرجل من بني قشير: ما السرور؟ قال: الأمن والعافية، قال: صدقت.
قال سليمان بن أبي شيخ: لما فتح قتيبة بن مسلم سمرقند أمر بفرشه ففرشت، فأجلس الناس على مراتبهم، وأمر بقدور الصفر فنصبت، فلم ير الناس مثلها في الكبر، إنما يرقى إليها بالسلالم، والناس منها متعجبون.
وأذن للعامة، فاستأذنه أخوه عبد الله بن مسلم في أن يكلم الحضين بن المنذر الرقاشي على جهة التعبث به، وكان عبد الله بن مسلم يحمق، فنهاه قتيبة عن كلام الحضين وقال: هو باقعة العرب، وداهية الناس ومن لا تطيقه، فخالفه، وأبى إلا كلامه.(7/196)
فقال للحضين: يا أبا ساسان: أمن الباب دخلت؟ فقال له: ما لعمك بصر بتسور الجدران. وفي رواية: وكان ذلك يتسلق على جيرانه، قال: أفرأيت القدور؟ قال: هي أعظم من أن لا ترى. قال: أفتقدر أن رقاش رأت مثلها؟ قال: ولا رأى مثلها عيلان، ولو رأى مثلها لسمي شبعان، ولم يسم عيلان، قال: أفتعرف الذي يقول: سن الطويل
عزلنا وأمّرنا وبكر بن وائلٍ ... تجرّ خصاها تبتغي من تحالف
قال: نعم وأعرف الذي يقول: من الوافر
فخيبة من يخيب على غنيٍّ ... وباهلةٍ ويعصر والرّباب
والذي يقول: من الكامل
إن كنت تهوى أن تنال رغيبةً ... في دار باهلة بن يعصر فارحل
قومٌ قتيبة أمّهم وأبوهم ... لولا قتيبة أصبحوا في مجهل
قال عبد الله بن مسلم: فهو الذي يقول: من الطويل
يسدّ حضين بابه خشية القرى ... بإصطخر والكبش السمين بدرهم
ثم قال عبد الله: يا أبا ساسان، دعنا من هذا، هل تقرأ من القرآن شيئاً؟ قال: إني لأقرأ منه الكثير الطيب: " هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا ". فاغتاظ عبد الله وقال: لقد بلغني أن امرأتك زفت إليك وهي حامل،(7/197)
فقال الحضين: يكون ماذا؟ تلد غلاماً، فيقال: فلان ابن الحضين كما قيل: عبد الله بن مسلم.
فقال قتيبة: اكفف لعنك الله، فأنت عرضت نفسك لهذا.
وفي رواية أخرى:
قتيبة، إن تكفف أخاك تكفّه ... وفي الوصل مطمعٌ، يا بن مسلم
وإلا فإني والذي نسكت له ... رجال قريشٍ والحطيم وزمزم
لئن لجّ عبد الله في بعض ما أرى ... لأرتقين في شتمكم رأس سلّم
أمزحٌ بشيخٍ بعد تسعين حجّةً ... طوتني كأني من بقية جرهم
فما ردّ مزحٌ قطّ خيراً علمته ... وللمزح أهلٌ لست منهم فأحجم
أدرك أبو ساسان خلافة سليمان بن عبد الملك، وسليمان بويع سنة ست وتسعين وقيل: إنه مات في خلافة سليمان.
حطان بن عوف
شهد خطبة عمر بن الخطاب بالجابية.
وحدث: أنه رأى يوماً بلالاً يؤذن بالشام.
حدث سعيد بن عبد العزيز وغيره قالا: لما قبض الله تعالى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجهز أبو بكر الجيوش إلى الشام ترك بلال الأذان، وأجمع المسير معهم، أراد أبو بكر منعه فقال: إن كنت أعتقتني لنفسك أقمت عندك، وإن كنت أعتقتني لله فدعني والجهاد في سبيل الله، فخلى سبيله، وخرج فيمن خرج، فلم يزل مجاهداً حتى فتح الله عليهم الشام.
وقدم عمر بن الخطاب الجابية فسأل المسلمون عمر مسألة بلال بالأذان لهم ليسمعوا تأذينه، ففعل عمر، وأذن بلال يوماً واحداً أو لصلاة واحدة، فما رأى أكثر باكياً من بكاء(7/198)
المسلمين يومئذ بالجابية، أذكرهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما كانوا يسمعون من تأذينه له، وعرفوا من صوته، فلم يزل المسلمون بالشام يقولون: إن تأذينهم هذا الذي هم عليه من تأذين بلال يومئذ.
حظي بن أحمد بن محمد بن القاسم
أبو هانئ السلمي الصوري روى عن أبي الحسن أحمد بن داود بن أبي صالح الحراني بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وجبت محبة الله على من غضب فحلم.
حفاظ بن الحسن بن الحسين
أبو الوفاء الغساني الفزار المعروف بابن نصف الطريق لحفاظ ابن اسمه علي وكنيته أبو الحسن أحد المعدلين، كان بدمشق.
ذكر أن سبب تلقيب جدهم الأعلى بنصف الطريق: أنه خرج مع جبلة بن الأيهم طالباً قسطنطينية للارتداد، ثم تفكر وندم وعاد من نصف الطريق.
وكان حفاظ شيخاً مستوراً، توفي سنة ثمان وثلاثين وخمس مئة.
حفاظ بن سلامة الناسخ
قال حفاظ: أنشدني أبو سعد عالي بن عثمان بن جني قال: أنشدني الرضي لنفسه: من الكامل
لا تحسبيه يخون عهدكم ... ويطيع فيك اللوم والعذلا
لو كنت أنت، وأنت مهجته، ... واشي هواك إليه ما قبلا(7/199)
حفص بن سعيد بن جابر
حدث عن أبي إدريس الخولاني عن أبي أمامة الباهلي أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من أحدث هجاء في الإسلام فاضربوا عنقه.
ثم يقول: هجاء للإسلام.
حفص بن سعيد
روي عن حفص بن سعيد أن قال: وجد في قرية من قرى الغوطة قبر، فأخرج منه رجل، رأسه وجسده مسمر بالمسامير، لا يدري أيش قصته.
قال الراوي: فأخذت منه مسماراً، فجعله وتداً لدابته.
حفص بن سليمان
أبو سلمة الكوفي المعروف بالخلال كان من دعاة بني العباس، كان يقال لأبي سلمة وزير آل محمد، ولأبي مسلم الخراساني أمين آل محمد. أشخص أبو العباس السفاح أبا سلمة، ثم دس عليه أبو مسلم من قتله غيلة.
ذكر حديثاً مطولاً مختصره: أن أبا العباس شخص ومعه جماعة من أهل بيته حتى قدموا الكوفة، فأنزلهم أبو سلمة دار الوليد بن سعيد مولى بني هاشم في بني أود، وكتم أمرهم نحواً من أربعين ليلة من جميع القواد والشيعة، وأراد فيما ذكر تحويل الأمر إلى آل أبي طالب، لما بلغه الخبر عن موت إبراهيم بن محمد.(7/200)
وقال أبو الجهم لأبي سلمة: ما فعل الإمام؟ قال: لم يقدم. فألح عليه يسأله، قال: قد أكثرت السؤال، وليس هذا زمان خروجه، حتى لقي ابن حميد خادماً لأبي العباس، يقال له: سابق الخوارزمي. فسأله عن أصحابه فأخبره أنهم بالكوفة وأن أبا سلمة أمرهم أن يختفوا. فجاء به إلى أبي جهم، فأخبره خبرهم، فسرح أبو الجهم أبا حميد مع سابق حتى عرف منزلهم بالكوفة، ثم رجع.
وجاء رجل فأخبر أبا الجهم بنزول الإمام بني أود، وأنه أرسل، حين قدموا إلى أبي سلمة يسأله مئة دينار فلم يفعل، فمشى أبو الجهم وأبو حميد وإبراهيم إلى موسى بن كعب بمئتي دينار، ومضى أبو الجهم إلى أبي سلمة فسأله عن الإمام فقال: ليس هذا وقت خروجه، واسط لم تفتح بعد.
فرجع أبو الجهم إلى موسى بن كعب فأخبره، فأجمعوا على أن يلقوا الإمام، فمضى موسى بن كعب وأبو الجهم وعبد الحميد بن ربعي وجماعة سماهم إلى الإمام، فبلغ أبا سلمة أنهم ركبوا إلى الكوفة في حاجة لهم، وأتى القوم أبا العباس فدخلوا عليه، فقالوا: أيكم عبد الله بن محمد بن الحارثية؟ فقالوا: هذا، فسلموا عليه بالخلافة، فرجع موسى بن كعب وأبو الجهم وتخلف الآخرون عند الإمام.
فأرسل أبو سلمة إلى أبي الجهم: أين كنت؟ قال: ركبت إلى إمامي، فركب أبو سلمة إليهم، فأرسل أبو الجهم إلى أبي حميد: أن أبا سلمة قد أتاكم فلا يدخلن على الإمام إلا وحده، فلما انتهى إليهم أبو سلمة، منعوه أن يدخل معه أحد، فدخل وحده، فسلم بالخلافة على أبي العباس، وخرج أبو العباس على برذون أبلق يوم الجمعة فصلى بالناس.
فقيل: إن أبا سلمة لما سلم على أبي العباس بالخلافة قال له أبو حميد: على رغم أنفك يا ماص بظر أمه، فقال له أبو العباس: مه.
قال أبو جعفر: لما ظهر أبو العباس أمير المؤمنين، سمرنا ذات ليلة، فذكرنا ما صنع أبو سلمة، فقال رجل منا: ما يدريكم، لعل ما صنع أبو سلمة كان عن رأي أبي مسلم؟ فلم ينطق منا أحد. فقال أبو العباس: لئن كان هذا عن رأي أبي مسلم، إنا بعرض بلاء، إلا أن يدفعه الله عنا، وتفرقنا.(7/201)
قال: فأرسل إلي أبو العباس فقال: ما ترى؟ فقلت: الرأي رأيك، فقال: ليس منا أحد أخص بأبي مسلم منك، فاخرج إليه حتى تعلم ما رأيه، فليس يخفى عليك لو قد لقيته، فإن كان عن أيه احتلنا لأنفسنا، وإن لم يكن عن رأيه طابت أنفسنا، فخرجت على وجل.
فلما قدمت الري، أتاني عامل الري، فأخبرني بكتاب أبي مسلم: أنه بلغني أن عبد الله بن محمد قد توجه إليك، فإذا قدم فأشخصه ساعة يقدم عليك. قال: وأمرني بالرحيل؛ فازددت وجلاً، وخرجت من الري، وأنا حذر خائف، فسرت، فلما كنت بنيسابور أتاني عاملها بكتاب أبي مسلم: إذا قدم عليك عبد الله بن محمد فأشخصه ولا تدعه يقيم، فإن أرضك أرض خوارج ولا آمن عليه. فطابت نفسي وقلت: أراه يعني بأمري، فسرت.
فلما كنت من مرو على فرسخين تلقاني أبو مسلم في الناس، فلما دنا مني مشى إلي حتى قبل يدي، فقلت له: اركب، فركب، فدخلت مرو، فنزلت داراً، فمكثت ثلاثة أيام، لا يسألني عن شيء، ثم قال لي في اليوم الرابع: ما أقدمك؟ فأخبرته. فقال: فعلها أبو سلمة، أكفيكموه، فدعا مرار بن أنس الضبي، فقال: انطلق إلى الكوفة فاقتل أبا سلمة حيث لقيته، وانته في ذلك إلى رأي الإمام. فقدم مرار الكوفة فقتله.
وفي حديث آخر: أن أبا العباس كان قد تنكر لأبي سلمة قبل ارتحاله عن عسكره بالنخيلة، ثم تحول عنه إلى المدينة الهاشمية، فنزل قصر الإمارة بها، وهو متنكر له، قد عرف ذلك منه.
ثم كتب إلى أبي مسلم يعلمه رأي أبي سلمة، وما كان هم به من الغش، وما يتخوف منه.
فكتب أبو مسلم: إن أمير المؤمنين إن كان اطلع على ذلك منه فليقتله. فقال داود بن علي لأبي العباس: لا تفعل يا أمير المؤمنين فيحتج عليك بها أبو مسلم وأهل خراسان الذين معك، وحاله فيهم حاله، ولكن اكتب إلى أبي مسلم فليبعث إليه من يقتله.(7/202)
فكتب إلى أبي مسلم بذلك، فبعث إليه أبو مسلم مرار بن أنس الضبي، فقدم على أبي العباس في المدينة الهاشمية، وأعلمه سبب قدومه، فأمر أبو العباس منادياً ينادي: إن أمير المؤمنين قد رضي عن أبي سلمة، ودعاه وكساه، ثم دخل عليه بعد ذلك ليلة، فلم يزل عنده حتى ذهب عامة الليل، ثم خرج منصرفاً إلى منزله وحده، فعرض له مرار بن أنس ومن معه من أعوانه، فقتلوه، وأغلقت أبواب المدينة، وقالوا: قتل الخوارج أبا سلمة، وأخرج من الغد فصلي عليه، فقال سليمان بن المهاجر البجلي: من الكامل
إنّ الوزير وزير آل محمدٍ ... أودى فمن يشناك كان وزيرا
وقيل: إن أبا سلمة قتل بحمام أعين غيلة سنة اثنتين وثلاثين ومئة. وقيل: قتله مرار سنة ثلاث وثلاثين ومئة.
حفص بن أبي العاص بن بشر
ابن دهمان ويقال: بشر بن عبد الله بن همام بن أبان بن يسار بن مالك بن حطيط بن جشم بن قسي وهو ثقيف الثقفي البصري.
روى عن عمر بن الخطاب. وقيل: إن له صحبة.
قال حميد بن هلال: كان حفص بن أبي العاص يحضر طعام عمر، فكان لا يأكل، فقال له عمر: ما يمنعك من طعامنا؟ قال: إن طعامك خشب غليظ، وإني أرجع إلى طعام لين قد صنع لي فأصيب منه، قال: أتراني أعجز أن آمر بشاة فيلقى عنها شعرها، وآمر بدقيق فينخل في خرقة، ثم آمر به فيخبز خبزاً رقاقاً، وآمر بصاح من زبيب فيقذف في سعن ثم يصب عليه من الماء، فيصبح كأنه دم غزال. فقال: إني لأراك عالماً بطيب العيش. فقال: أجل، والذي نفسي بيده، لولا أن تنتقص حسناتي لشاركتكم في لين عيشكم.(7/203)
حفص بن عبيد الله بن أنس ابن مالك بن النضر الأنصاري روى عن جده أنس، أنه حدثه: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان يجمع بين الصلاتين في السفر، يعني المغرب والعشاء: وفي حديث آخر: فسألت حفصاً متى جمع بينهما؟ قال: حيث يغيب الشفق عند مغيبه. قال حفص: كان أنس يفعل ذلك.
وروى عنه أيضاً أنه قال: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما انصرف أتاه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، إنا نريد أن ننحر جزوراً لنا ونحب أن تحضرها قال: نعم. فانطلق، فانطلقنا معه، فوجدنا الجزور لم ينحر، فنحرت، ثم قطعت ثم طبخ منها، ثم أكلنا قبل أن تغيب الشمس.
وحدث حفص أيضاً قال: قدم أنس بن مالك على عبد الملك وأنا معه، قال: فأقام بالشام شهرين يصلي صلاة المسافر.
وفي رواية: أن أنس بن مالك أقام بالشام شهرين مع عبد الملك، فكان يصلي ركعتين.
حفص بن عمر بن سعيد
ابن أبي عزيز جندب بن النعمان الأزدي من أهل النيبطن، وسكن بزملكا.
حدث أبو نصر ظفر بن محمد بن ظفر بن عمر بن
حفص بن عمر بن سعيد بن أبي عزيز الأزدي، صاحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: سمعت أبي، محمد بن ظفر، يذكر عن أبيه ظفر بن عمر عن أبيه عمر بن حفص عن أبيه حفص بن عمر بن سعيد بن أبي عزيز الأزدي: أنه سأل عبد الملك بن مروان فقال: يا أمير المؤمنين: إن في غوطة دمشق قرية(7/204)
يقال لها: زملكا، ولي فيها بنو عم، وسألوني الإشراف عليهم، وليس لي في الموضع شيء، فقال له عبد الملك: سل هل لنا في تلك القرية شيء؟ فنظروا فإذا فيها ضيعة من صوافي الروم، فأقطعه إياها، وكتب له عبد الملك بن مروان بذلك كتاباً هذا لحنه: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من عبد الله عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين لحفص بن عمر بن سعيد بن أبي عزيز الأزدي: إني أنطيتك بقرية زملكا كذا وكذا فداناً، وأشهد على نفسه أخويه، محمداً وعبد العزيز، وقبيصة بن ذؤيب وروح بن زنباع. قال ظفر بن محمد: فبقيت تلك الضيعة بزملكا في أيدينا إلى الساعة نتوارثها كابراً عن كابر.
حفص بن عمر بن حفص
ابن أبي السائب ويقال: حفص بن عمر بن صالح بن عطاء بن السائب بن أبي السائب المخزومي القرشي العماني. قاضي عمان، أصله من المدينة.
حدث عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي طالب: أي عم، قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله، فقال أبو جهل، وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعرضها، ويعاودانه بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم به: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فأنزل الله عز وجل: " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ". وأنزل الله تعالى في أبي طالب أيضاً: " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ... " الآية(7/205)
وحدث عن الوزاعي عن عبدة بن أبي لبابة قال: إذا رأيت الرجل لجوجاً مماريا معجباً برأيه، فقد تمت خسارته.
حفص بن عمر ويقال ابن عمرو
ابن سويد أبو عمرو العدوي البغدادي وحدث عنه أيضاً عن ثور بن يزيد عن عمرو بن قيس قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوعظنا، فبكى سعد بن أبي وقاص، وقال: يا ليتني مت، يا ليتني لم أخلق، قال: فغضب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى علته حمرة، فقال: يا سعد أعندي تمنى الموت؟ لئن كنت خلقت للنار وخلقت لك، ما النار بالشيء يستعجل إليها، ولئن كنت خلقت للجنة وخلقت لك، لأن يطول عمرك ويحسن عملك خير لك.
وحدث عنه أيضاً عن ثور بن يزيد عن عمرو بن قيس قال: قدمت مع أبي حوارين في العام الذي مات فيه معاوية بن أبي سفيان واستخلف يزيد، فجلست مع أبي في مجلس ما جلست بعدهم إلى مثلهم، فإذا رجل يحدث القوم، قال: فأدخلت رأسي بين أبي وبين الذي يليه، فكان مما وعيت أن قال: إن من أشراط الساعة أن يفتح القول ويخزن الفعل، وترفع الأشرار ويوضع الأخيار، وتقرأ المساءة بين أظهر القوم، ليس لها منهم منكر، فقال قائل: وما المساءة يرحمك الله؟ قال: كل شيء اكتتب من غير كتاب الله. قالوا: أفرأيتك الحديث يبلغنا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: من سمع منكم حديثاً من رجل يأمنه على دمه ودينه، فاستطاع أن يحفظه فليحفظه، وإلا فعليكم كتاب الله، فيه تجزون، وعنه تسألون، وكفى به علماً لمن علمه.
قال: والرجل عبد الله بن عمرو بن العاص.(7/206)
قال عمرو بن واقد: فحدثت بهذا الحديث عبد العزيز بن إسماعيل بن عبيد الله، فقال: حدثني أبي أنه كان معهم في ذلك المجلس.
قال حفص بن عمر الدمشقي:
بلغ إبراهيم بن أدهم وفاة قريب له بخراسان وترك مالاً عظيماً، فقال لصاحب له: اخرج بنا، فخرجا، فأراد الوضوء والغداء وهم على ضفة البحر، فرأى إبراهيم طيراً أعمى واقفاً في ضحضاح البحر، فما لبث أن تحرك الماء، فرأى سرطاناً في فمه طعم، فلما أحس به الطير فتح منقاره، فألقى فيه السرطان الطعم، فقال إبراهيم لصاحبه: تعال انظر، ثم قال: ويحك هذا طير سخر له سرطان في البحر، يأتيه رزقه ونحن نذهب نطلب ميراثاً وقد تخلينا من الدنيا، ارجع بنا، فجلس بالشام ولم يخرج.
وحدث أبو عمرو حفص بن عمر الخطابي البغدادي عن معاوية بن سلام بسنده عن أبي مالك مرفوعاً: إن في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصلاة والصيام، وقام والناس نيام.
حفص بن عمر بن عبد الله
ابن أبي طلحة زيد بن سهل أبو عمرو الأنصاري ابن ابن أخي أنس بن مالك لأمه حدث عن أنس قال: انطلق بي في أربعين رجلاً من الأنصار حتى أتى بنا عبد الملك بن مروان، ففرض لنا، فلما رجع رجعنا، حتى إذا كنا بفج الناقة صلى بنا الظهر ركعتين وسلم، فدخل فسطاطه، فقام القوم يضيفون إلى ركعتينا ركعتين أخريين فقال: قبح الله الوجوه، ما قبلت الرخصة، ولا أصابت السنة: أشهد أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن قوماً يتعمقون في الدين يمرقون من الدين كما تمرق السهم من الرمية.(7/207)
وحدث عنه: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدعو بهذه الدعوات: اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ودعاء لا يسمع، ونفس لا تشبع. قال: ثم يقول: اللهم إني أعوذ بك من هؤلاء الأربع.
وحدث عنه أيضاً قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: النصار كرشي وعيبتي، وأوصي بالأنصار خيراً أن يقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، فقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم.
وحدث عنه قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال جبريل: من صلى عليك له عشر حسنات.
وحدث عنه أيضاً قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنت مع من أحببت.
حفص بن عمر بن عبد الرحمن
ابن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة القرشي الزهري وفد على الوليد بن عبد الملك.
حدث عن جدته سهلة بنت عاصم بن عدي الأنصارية: أنها ولدت يوم خيبر فسماها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سهلة.
وفي حديث آخر عنه أنها قالت: ولدت يوم حنين يوم فتح الله عز وجل حنيناً فسماني سهلة، وقال: سهل الله أمركم، فضرب لي بسهم، وتزوجني عبد الرحمن بن عوف يوم ولدت.(7/208)
حفص بن عمر أبو الوليد مولى قريش
دمشقي سكن مصر، ويعرف بحفص صاحب حديث القطف.
حدث عن عقيل بن خالد بسنده عن عبد الله بن عباس قال: أتى جبريل إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن ربك يقرئك السلام وأرسلني إليك بهذا القطف لتأكله. فأخذه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
توفي سنة سبعين ومئة.
حفص بن غيلان
أبو معيد الرعيني الحميري وقيل: الهمذاني.
حدث عن مكحول عن أنس قال: قيل: يا رسول الله متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: إذا ظهر فيكم ما ظهر في بني إسرائيل قبلكم. قالوا: وما ذلك يا رسول الله؟ قال: إذا ظهر الإدهان في خياركم، والفاحشة في شراركم، وتحول الملك في صغاركم والفقه في رذالكم.
وحدث عنه أيضاً بسنده عن أبي أيوب الأنصاري عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يقول: إن كل صلاة تحط ما بين يديها من خطيئة.
حفص بن مسيرة أبو عمر الصنعاني
نزيل عسقلان، قيل: إنه من صنعاء الشام، وقيل: من صنعاء اليمن.
حدث عن زيد بن أسلم بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني، والله، لله أفرح بتوبة(7/209)
أحدكم من الرجل يجد ضالته بالفلاة، ومن تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً، وإن جاءني يمشي، أتيته أهرول.
وحدث عنه أيضاً بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم. قيل: يا رسول الله، من هم؟ قال: اليهود والنصارى.
قال أبو عمر الصنعاني:
إذا كان يوم القيامة عزلت العلماء، فإذا فرغ الله من الحساب، قال: لم أجعل حكمتي فيكم اليوم إلا لخير أريده فيكم، ادخلوا الجنة بما فيكم.
قال حفص بن ميسرة: رأيت على باب وهب بن منبه مكتوباً: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، وذلك في قول الله عز وجل: " ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله، لا قوة إلا بالله ".
وهب بن منبه كان يسكن صنعاء اليمن.
قال حفص بن ميسرة: قدم بشر بن روح المهلبي أميراً على عسقلان، فقال: من ههنا؟ قيل: أبو عمر الصنعاني، يعني حفص بن ميسرة، فأتاه فخرج إليه فقال: عظني، فقال: أصلح فيما بقي من عمرك يغفر لك ما قد مضى منه، ولا تفسد فيما بقي فتؤخذ فيما قد مضى.
توفي حفص بن ميسرة سنة إحدى وثمانين ومئة.(7/210)
حفص بن الوليد بن سيف
ابن عبد الله بن الحارث بن جبل ابن كليب بن عوف بن عوف بن معاهر بن عمرو بن زيد ابن مالك بن زيد بن الحارث بن عمرو بن محمد بن قيس بن كعب بن سهل بن زيد بن حضرموت أبو بكر الحضرمي المصري أمير مصر من قبل هشام بن عبد الملك، وليها ثلاث مرات.
حدث عن محمد بن مسلم بسنده عن ابن عباس قال: أبصر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شاة ميتة لمولاة لميمونة وكانت من الصدقة فقال: لو نزعوا جلدها فانتفعوا به، قال: إنها ميتة، قال: إنما حرم أكلها.
روى الليث: أن حفص بن الوليد أول ولايته بمصر أمر بقسم مواريث أهل الذمة على قسم مواريث المسلمين، وكانوا قبل حفص يقسمون مواريثهم بقسم أهل دينهم.
وفي سنة ثمان وعشرين ومئة قتل حفص بن الوليد، قتله حوثرة بن سهيل الباهلي بمصر في شوال، وكان ممن خلع مروان بن محمد مع رجاء بن الأشيم الحميري وغيرهم، وقال المسور الخولاني يحذر ابن عم له من مروان: من الطويل
وإنّ أمير المؤمنين مسلّطّ ... على قتل أشراف البلادين فاعلم
فإيّاك لا تجني من الشر غلظةً ... فتؤذى كحفصٍ أو رجاء بن أشيم
فلا خير في الدنيا ولا العيش بعدهم ... وكيف وقد أضحوا بسفح المقطّم؟!(7/211)
حفص الأموي
شاعر من شعراء الدولة الأموية، بقي حتى أدرك دولة بني العباس، ولحق بعبد الله بن علي، واستأمنه فأمنه.
قال إبراهيم بن سفيان الزيادي: كان حفص الأموي هجاء لبني هاشم، وطلبه عبد الله بن علي فلم يقدر عليه، ثم جاءه فقال: عائذ بالأمير منه، قال: ومن أنت؟ قال: حفص الأموي، قال: ألست الهجاء لبني هاشم؟ قال: أنا الذي أقول أعز الله الأمير: من المتقارب
وكانت أمية في ملكها ... تجور وتكثر عدوانها
فلما رأى الله أن قد طغت ... ولم يطق الناس طغيانها
رماها بسفّاح آل الرسول ... فجذّ بكفّيه أعيانها
ولو آمنت قبل وقع العذاب ... لقد قبل الله إيمانها
فقال: اجلس، فجلس، فتغدى بين يديه، ثم دعا خادماً له، فساره بشيء، ففزع حفص فقال: ايها الأمير قد تحرمت بك وبطعامك، وفي أقل من هذا كانت العرب تهب الدماء، فقال: ليس ما ظننت، فجاء الخادم بخمس مئة دينار فقال: خذها ولا تقطعنا وأصلح ما شعبت منا.
قال هشام يوماً لجلسائه وقوامه على خيله: كم أكثر ما ضمت عليه حلبة من الخيل في إسلام أو جاهلية؟ فقيل له: ألف فرس، وقيل: ألفان، فأمر أن يؤذن الناس بحلبة أربعة آلاف فرس، فقيل له: يا أمير المؤمنين يحطم بعضها بعضاً، ولا يتسع لها طريق، فقال: نطلقها ونتوكل على الله، والله الصانع. فجعل الغاية خمسين ومئتي غلوة، والقصب: مئة، والمقوس ستة أسهم، وقاد إليه الناس من كل أوب، ثم برز هشام إلى دهناء الرصافة قبيل الحلبة بأيام، فأصلح(7/212)
طريقاً واسعاً لا يضيق بها، فلما أرسلت يوم الحلبة بين يديه، كان ينظر إليها تدور حتى ترجع، فجعل الناس يتراءونها حتى أقبل الذائد كأنه ريح لا يتعلق به شيء، حتى دخل سابقاً وأخذ القصبة، ثم جاءت الخيل بعد لأيٍ أفذاذاً وأفواجاً، ووثب الرجاز يرتجزون: منهم المادح للذائد، ومنهم المادح لفرسه، ومنهم المادح لخيل قومه، فوثب مولاهم حفص الأموي وقام مرتجزاً يقول: من مشطور الرجز
إنّ الجواد السابق الإمام ... خليفة الله الرضي الهمام
أنجبه السوابق الكرام ... من منجباتٍ ما بهنّ ذام
ومنها:
أطلق وهو يفعٌ غلام ... في حلبةٍ تمّ لها التّمام
من آل فهرٍ وهم السّنام ... فبذّهم سبقاً وما ألاموا
كذلك الذّائد يوم قاموا ... أتى يبذّ الخيل ما يرام
مجلّياً كأنه حسام ... سبّاق غاياتٍ لها ضرام
لا يقبل العفو ولا يضام ... ويل الجياد منه ماذا راموا
سهم تعزّ دونه السهام
فأعطاه هشام يومئذ ثلاثة آلاف درهم، وخلع عليه ثلاث حلل من جيد وشي اليمن، وحمله على فرس له من خيله السوابق، وانصرف معه ينشده هذا الرجز حتى قعد في مجلسه وأخذه بملازمته، فكان أثيراً عنده، وأعطى أصحاب الخيل المقصبة يومئذ عطايا كثيرة.
قال الكلبي: لا نعلم لتلك الحلبة نظيراً في الحلائب.(7/213)
الحكم بن أيوب بن الحكم
ابن أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف ابن ثقيف الثقفي بن عم الحجاج بن يوسف روى عن أبي هريرة: لا صلاة إلا بقراءة.
قال أبو خلدة: أخر الحكم بن أيوب الصلاة، فقام إليه يزيد الضبي فقال: أيها الأمير، إن الشمس لا تطيعك وقد أخرت الصلاة، فقال: خذاه، فأخذ، فلما قضى الصلاة جيء بيزيد، وجاء أنس بن مالك حتى استوى مع الحكم على سريره، وجيء بيزيد فأقبل على أنس فقال: أذكرك الله يا أبا حمزة، إنك قد صليت مع نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورأيت صلاتنا، فأين صلاتنا من صلاة نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال أنس: كان نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كان الحر يبرد بالصلاة، وإذا كان البرد بكر بالصلاة.
قال العلاء بن زياد: لما هزم يزيد بن المهلب أهل البصرة، قال المعلى: فخشيت أن أجلس في حلقة الحسن بن أبي الحسن، فأوجد فيها فأعرف، فأتيت الحسن في منزله، فدخلت عليه فقلت: يا أبا سعيد كيف بهذه الآية من كتاب الله؟ قال: أية آية؟ قال: قول الله عز وجل في هذه الآية " وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان، وأكلهم السحت، لبئس ما كانوا يعملون ". قال: يا عبد الله، إن القوم عرضوا على السيف، فحال السيف دون الكلام، قلت: يا أبا سعيد، فكل يعرف لمتكلم فضلاً؟ قال: لا. قال المعلى: ثم حدث بحديثين:(7/214)
قال: حدثنا أبو سعيد الخدري عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول الحق، إذا رآه أن يذكر تعظيم الله، فإنه لا يقرب من أجل ولا يبعد من رزق.
قال: ثم حدث الحسن بحديث آخر: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليس للمؤمن أن يذل نفسه، قيل: وما إذلاله نفسه؟ قال: قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيق. قيل: يا أبا سعيد، فيزيد الضبي وكلامه في نفسه في الصلاة؟ قال: أما إنه لم يخرج من السجن حتى ندم.
قال المعلى: وأقوم من مجلس الحسن، فأتيت يزيد فقلت: يا أبا مودود: بينما أنا والحسن نتذاكر إذ نصبت أمرك نصباً، فقال: مه، يا أبا الحسن. قال: قلت قد فعلت، قال: فقال: فما قال الحسن؟ قال: أما إنه لم يخرج من السجن حتى ندم على مقالته، قال يزيد: ما ندمت على مقالتي، وايم الله، لقد قمت مقاماً أخاطر فيه بنفسي.
قال يزيد: فأتيت الحسن، فقلت: يا أبا سعيد، غلبنا على كل شيء، نغلب على صلاتنا؟ فقال: يا عبد الله، إنك لم تصنع شيئاً، إنك تعرض نفسك لهم، ثم انتبه، فقال لي مثل مقالته.
قال: فقمت يوم الجمعة في المسجد، والحكم بن أيوب يخطب، فقلت: رحمك الله، الصلاة. قال: فلما قتل ذلك احتوشتني الرجال يتعاورونني، فأخذوا بلحيتي وتلبيبي وجعلوا يجؤون بطني بنعال سيوفهم.
قال: ومضوا بي نحو المقصورة، فما وصلت إليه حتى ظننت أنهم سيقتلونني دونه، قال: ففتح لي باب المقصورة. قال: فدخلت فقمت بين يدي الحكم وهو ساكت، فقال: أمجنون أنت؟ قال: وما كان في صلاة، فقلت: أصلح الله الأمير، هل من كلام أفضل من كتاب الله؟ قال: لا، قلت: أصلح الله الأمير، أرأيت لو أن رجلاً نشر مصحفاً يقرؤه من غدوه إلى الليل، أكان ذلك قاضياً عنه صلاته؟ قال: والله إني لأحسبك مجنوناً.(7/215)
قال: وأنس بن مالك جالس تحت منبره ساكت. فقلت لأنس: يا أبا حمزة، أنشدك الله، فقد خدمت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصحبته، أبمعروف قلت أم بمنكر؟ أبحق قلت أم بباطل؟ قال: فلا والله، ما أجابني بكلمة.
قال له الحكم بن أيوب: يا أنس، قال: يقول: لبيك أصلحك الله، قال: وكان وقت الصلاة قد ذهب، قال: كان بقي من الشمس بقية، فقال: احبسوه.
قال يزيد: فأقسم لك يا أبا الحسن يعني للمعلى: لما لقيت من أصحابي كان أشد علي من مقامي، قال بعضهم: مراءٍ، وقال بعضهم: مجنون.
قال: فكتب الحكم إلى الحجاج: أن رجلاً من بني ضبة قام يوم الجمعة قال: الصلاة، وأنا أخطب، وقد شهد الشهود العدول عندي أنه مجنون.
فكتب إليه الحجاج: إن كانت قد قامت الشهود العدول عندك أنه مجنون فخل سبيله، وإلا فاقطع يديه ورجليه واسمر عينيه واصلبه. فشهدوا عند الحكم أني مجنون فخلى عني.
قال المعلى بن زياد عن يزيد الضبي: مات أخل نا فتبعنا جنازته فصلينا عليه، فلما دفن تنحيت في عصابة فذكرنا الله وذكرنا معادنا، فإنا كذلك، إذ رأينا نواصي الخيل والحراب، فلما رآه أصحابي قاموا وتركوني وحدي. فجاء الحكم حتى وقف علي فقال: ما كنتم تصنعون؟ قلت: أصلح الله الأمير، مات صاحب لنا، فصلينا عليه ودفن، فقعدنا نذكر ربنا عز وجل ونذكر معادنا، ونذكر ما صار إليه، قال: ما منعك أن تفر كما فروا؟ قلت: أصلح الله الأمير، أنا أبرأ من ذلك ساحة، وآمن للأمير من أن أفر. قال: فسكت الحكم.
وقال عبد الملك بن المهلب وكان على شرطته: تدري من هذا؟ قال: من هذا؟ قال: هذا المتكلم يوم الجمعة. قال: فغضب الحكم وقال: أما إنك لجريء، خذاه. قال: فأخذت، فضربني أربع مئة سوط، فما دريت حتى تركني من شدة ما ضربني. قال: وبعثني إلى واسط فكنت في ديماس الحجاج حتى مات الحجاج.(7/216)
وقيل: إن الحكم بن أيوب قتله صالح بن عبد الرحمن الكاتب مع جماعة من آل الحجاج بن يوسف بن أبي عقيل في العذاب على إخراج ما اختزلوه من الأموال بأمر سليمان بن عبد الملك في خلافته.
الحكم بن عبد الله بن خطاف
أبو سلمة العاملي الأزدي قيل: إنه من أهل دمشق.
روى عن الزهري عن أنس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يا أكثم، اغز مع غير قومك يحسن خلقك، وتكرم على رفقائك، يا أكثم، خير الرفقاء أربعة، وخير الطلائع أربعون، وخير السرايا أربع مئة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يؤتى اثنا عشر ألفاً من قلة.
وحدث عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عشر مباحة في الغزو: الطعام، والإدام، والثمار، والشجر، والحبل والزيت، والتراب، والحجر، والعود غير منحوت، والجلد الطري.
الحكم بن عبد الله بن سعد
ابن عبد الله أبو عبد الله الأيلي مولى الحارث بن الحكم حدث عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي الرجال عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثلاث دعوات للمرء المسلم، من دعا بهن استجيب له ما لم يسأل قطيعة رحم، أو مأثم. قالت: قلت: أي ساعة هي يا رسول الله؟ قال: حين يؤذن المؤذن بالصلاة حتى يسكت، وحين يلتقي الصفان حتى يحكم بينهما، وحين ينزل المطر حتى يسكن، قالت: قلت: كيف أقول، يا رسول الله، حين أسمع المؤذن؟ علمني مما علمك الله عز وجل، وأجمل، قال:(7/217)
تقولين كما يقول: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، وكفري من لم يشهد، ثم صلي علي وسلمي، ثم اذكري حاجتك، يا عمرة، إن دعوة المؤمن لا تذهب عن ثلاثة ما لم يسأل قطيعة رحم أو مأثم: إما تعجل له، وإما تكفر عنه، وإما تدخر له.
وحدث الحكم بن عبد الله أنه سمع القاسم يحدث عن عائشة: أنه سألها عن تكبير رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: كان يكبر سبعاً، ثم يقرأ، ثم يكبر خمساً ثم يقرأ.
قال القاسم: فسألت عبد الله بن عمر عن تكبير رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: كان يكبر سبعاً ثم يقرأ، ثم يكبر خمساً ثم يقرأ، أما سألت أمك عائشة؟ فقال: قد فعلت. فقال: فكأنه وجد علي إذ لم أكتف بقولها.
وروى الحكم بن عبد الله أنه سمع أبا الزناد يحدث:
أنه سأل خارجة بن زيد: هل سمعت أباك يحدث عن الرجل يخرج غازياً فتكون الفضلة من ماله؟ هل يجوز أن يبتاع شيئاً يلتمس فيه التجارة؟ قال: نعم. سمعت زيداً يسأل عن ذلك فقال: لا بأس به، قد ابتعنا في غزوة تبوك والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينظر، فباع بعضنا من بعض مما ابتعنا، فلم ينكر علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم ينه عنه.
قال الحكم بن عبد الله: لقيني أنس بن مالك في مسجد قباء بالمدينة، فقال لي: من أين أنت يا حبيب؟ قلت له: ابن عبد الله بن سعد صاحب شرطة المدينة، فمسح برأسي وقال لي: أقرئ أباك السلام، وقل له: لا تقبل الهدايا، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: هدايا السلطان سحت وغلول.
قال يحيى بن معين: الحكم بن عبد الله ليس بثقة ولا مأمون.(7/218)
الحكم بن عبد الرحمن
ابن أبي العصماء الخثعمي ثم الفرعي شهد فتوح الشام، وحضر حصار قيسارية، وهو ممن أدرك عصر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال الحكم: حاصر معاوية قيسارية سبع سنين إلا أشهراً ومقاتلة الروم الذين يرزقون فيها مئة ألف، وسامرتها ثمانون ألفاً، ويهودها مئتا ألف، فدلهم لنطاق على عورةٍ وكان من الرهون، فأدخلهم من قناة يمشي فيها الجمل بالمحمل، وكان ذلك يوم الأحد، فلم يعلموا وهم في الكنيسة إلا بالتكبير على باب الكنيسة، فكانت بوارهم، وبعثوا بفتحها إلى عمر تميم بن ورقاء عريف خثعم، فقام عمر على المنارة فنادى: ألا إن قيسارية فتحت قسراً.
الحكم بن عبدل بن جبلة بن عمرو
ابن ثعلبة بن عقال بن بلال بن سعد بن حبال بن نضر بن غاضرة بن مالك ابن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة الأسدي ثم الغاضري الكوفي شاعر مشهور القول، مجيد، هجاء، ونفاه ابن الزبير من العراق لما نفى عنها عمال بني أمية، وله من عبد الملك موضع، وكان يدخل إليه ويسمر عنده فقال له ليلة: من البسيط
يا ليت شعري وليتٌ ربما نفعت ... هل أبصرنّ بني العوّام قد شملوا
بالذلّ والأسر والتشريد إنهم ... على البريّة حتفٌ حيثما نزلوا
أم هل أراك بأكناف العراق وقد ... ذلت لعزّك أعداءٌ وقد نكلوا(7/219)
فقال عبد الملك بن مروان، ويروى أنه قائل الشعر: من البسيط
إن يمكن الله من قيس ومن جرشٍ ... ومن جذامٍ ويقتل صاحب الحرم
نضرب جماجم أقوامٍ على حنقٍ ... ضرباً ينكّل عنا غابر الأمم
لما قدم عبد الملك بن بشر بن مروان الكوفة قعد ابن عبدل بين السماطين وقال: أصلح الله الأمير، رؤيا رأيتها أحب أن تعبرها قال: قل. فأنشأ يقول: من الكامل
أغفيت قبل الصّبح نوم مسهّدٍ ... في ساعة ما كنت قبل أنامها
فرأيت أنّك جدت لي بوليدةٍ ... مغنوجةٍ حسنٍ عليّ قيامها
وببدرةٍ حملت إليّ وبغلةٍ ... شهباء ناجيةٍ يصلّ لجامها
فسألت ربّك أن يبيحك جنّةً ... يلقاك فيها روحها وسلامها
فقال: كل ما رأيت عندنا إلا البغلة الشهباء فإنها دهماء فارهة، فقال: امرأته طالق إن كان رآها إلا دهماء ولكنه نسي، فأمر أن يحمل إليه كل ما ذكر في شعره.
قال النضر بن شميل: دخل على المأمون بمرو فقال: أنشدني أقنع بيت للعرب فأنشدته لابن عبدل: من المنسرح
إني امرؤٌ لم أزل وذاك من الله ... أديباً أعلّم الأدبا
أقيم بالدار ما اطمأنّت بي الدّا ... ر وإن كنت مازحاً طربا
لا أجتوي خلّة الصديق ولا ... أتبع نفسي شيئاً إذا ذهبا
أطلب ما يطلب الكريم من الرّز ... ق بنفسي وأجمل الطّلبا
وأحلب الثّرّة الصّفيّ ولا ... أجهد أخلاف غيرها حلبا
إني رأيت الفتى الكريم إذا ... رغّبته في صنعيةٍ رغبا
والعبد لا يطلب العلاء ولا ... يعطيك شيئاً إلاّ إذا رهبا(7/220)
مثل الحمار الموقّع السّوء لا ... يحسن مشياً إلاّ إذا ضربا
ولم أجد عروة الخلائق إلاّ ... الدين لما اختبرت والحسبا
قد يرزق الخافض المقيم وما ... شدّ بعنسٍ رحلاً ولا قتبا
ويحرم الرزق ذو المطيّة والرح ... ل ومن لا يزال مغتربا
قال: أحسنت يا نضر، وتروى الضفي بالضاد قال بندار: لا أحب الصفي بالصاد المهملة، لأن الصفي يكون للملك دون السوقة، والضفي أبلغ في المعنى لأنها الغزيرة اللبن.
قال أبو محلم: بلغني أن امرأة موسرة كان لها على الناس ديون كثيرة، فقالت لابن عبدل، وعرضت نفسها عليه أن تزوجه ويقوم لها بدينها، فقام لها ابن عبدل بالدين حتى اقتضاه، فانحدرت إلى أهلها بالبصرة وكتبت إليه: من الوافر
سيخطئك الذي حاولت مني ... وقطعي وصل حبلك من حبالي
كما أخطاك معروف ابن بشرٍ ... وكنت تعدّ ذلك رأس مال
وكان ابن عبدل يأتي ابن بشر فيقول له: أخمسمئة أحب إليك العام أم ألف في قابل؟ فيقول: ألف في قابل، فإذا أتاه من قابل قال له: ألف أحب إليك العام أم ألفان في قابل؟ فيقول: ألفان في قابل، فلم يزل كذلك حتى مات ابن بشر ولم يعطه شيئاً.
قال الحسين بن جعفر المخزومي: بينا امرأة تمشي بالبلاط وأعرابي يتمثل: من الطويل
وأنعظ أحياناً فينقدّ جلده ... فأعذله جهدي وما ينفع العذل
وأزداد نعظاً حين أبصر جارتي ... فأوثقه كيما يثوب له عقل(7/221)
وأوعيته في جوف جاري وجارتي ... مراغمة مني وإن رغم البعل
فقالت له امرأة: شتان ما بينك وبين ابن عبدل حيث يقول: من الطويل
وأعسر أحياناً فتشتدّ عسرتي ... وأدرك ميسور الغنى ومعي عرضي
بئس والله جار المغيبة أنت. قال: إي والله، والتي معها أخوها وزوجها.
وقبل بيت ابن عبدل: من الطويل
وإني لأستغني فما أبطر الغنى ... وأعرض ميسوري لمن يبتغي قرضي
الحكم بن عمر ويقال ابن عمرو
أبو سليمان ويقال أبو عيسى الرعيني الحمصي قيل: إنه دمشقي.
قال الحكم بن عمر: بعثني خالد بن عبد الله القسري وصاحباً لي إلى قتادة بن دعامة الأعمى لنسأله عن ثماني عشرة مسألة من القرآن، فسألناه عن " الأرض وما طحاها " قال: طحوها: سعتها، وهذه من لغة قوم من اليمن.
قال: وسألناه عن: " اقتلوا أنفسكم فتوبوا إلى بارئكم " قال: اقتلوا أنفسكم، وتوفوا إلى بارئكم.
قال: وسألناه عن قوله: " ولا تَيْئَسوا من رُوح الله " قال: لا، ولكن " من رَوْح الله ".(7/222)
قال: وسألناه عن قوله تعالى: " تغرب في عين حامئة " قال: لا، " في عين حمئة ".
قال: وسألناه عن النصارى واليهود والصابئني والمجوس والذين أشركوا قال: هم الزنادقة، وأنتم تدعونهم بالشام المثانية.
وفي حديث آخر: أرسلني خالد بن عبد الله القسري إلى قتادة وهو بالحيرة أسأله عن مسائل، فكان فيما سألت: قلت: أخبرني عن قول الله عز وجل: " إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين والمجوس والذين أشركوا " هم مشركو العرب؟ قال: لا، ولكنهم الزنادقة المثانية الذين يجعلون لله شريكاً في خلقه، قالوا: إن الله يخلق الخير وإن الشيطان يخلق الشر، وليس لله على الشيطان قدرة.
قيل: إن الحكم ضعيف الحديث.
روى خالد بن مرداس عن الحكم أنه قال: شهدت عمر بن عبد العزيز في زمانه وأنا ابن عشرين سنة، وقد هلك عمر بن عبد العزيز منذ اثنتين وسبعين سنة.
الحكم بن المطلب بن عبد الله
ابن المطلب بن حنظب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم بن يقظة ابن مرة القرشي المخزومي من أجواد قريش من أهل المدينة، قدم منبج وسكنها مرابطاً إلى أن مات بها، واجتاز بدمشق.
حدث الحكم عن أبيه عن فهيد بن مطرف الغفاري: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأله سائل: إن عدا علي عادٍ؟ فأمره أن ينهاه ثلاث مرات،(7/223)
قال: فإن أبى؟ فأمره بقتاله. قال: فكيف بنا؟ قال: إن قتلك فأنت في الجنة، وإن قتلته فهو في النار.
وكان الحكم من سادات قريش ووجوهها، وكان ممدحاً، وله يقول ابن هرمة يمدحه: من الكامل
لا عيب فيك يعاب إلا أنّني ... أمسي عليك من المنون شفيقا
إنّ القرابة منك يأمل أهلها ... صلةً ويأمن غلظةً وعقوقا
يجدون وجهك يا بن فرعي مالكٍ ... سهلاً، إذا غلظ الوجوه، طليقا
حدث نوفل بن عمارة:
أن رجلاً من قريش من بني أمية بن عبد شمس، له قدر وخطر، لحقه دين، وكان له مال من نخل وزرع، فخاف أن يباع عليه، فشخص من المدينة يريد الكوفة، يعمد خالد بن عبد الله القسري، وكان والياً لهشام بن عبد الملك على العراق، وكان يبر من قدم عليه من قريش.
فخرج إليه يريده، وأعد له هدايا من طرف المدينة حتى قدم فيد، فأصبح بها، ونظر إلى فسطاط عنده جماعة، فسأل عنه فقيل: الحكم بن المطلب. فلبس نعليه، وخرج حتى دخل عليه، فقام إليه، وتلقاه وأجلسه في صدر فراشه، وسأله عن مخرجه، فأخبره بدينه، وما أراد من إتيان خالد بن عبد الله القسري.
فقال له الحكم: انطلق بنا إلى منزلك، فلو علمت بمقدمك لسبقتك إلى إتيانك، فمضى معه حتى أتى منزله فرأى الهدايا التي أعدل خالد، فتحدث معه ساعة، ثم قال له: إن منزلنا أحضر عدة، وأنت مسافر ونحن مقيمون، فأقسمت عليك إلا قمت معي إلى المنزل وجعلت لنا من هذه الهدايا نصيباً.
فقام معه الرجل فقال: خذ منها ما أحببت، فأمر بها فحملت كلها إلى منزله،(7/224)
وجعل الرجل يستحي أن يمنعه منها شيئاً حتى صار معه إلى المنزل، فدعا بالغداء وأمر بالهدايا ففتحت فأكل منها ومن حضره، ثم أمر ببعضها فرفع إلى خزانته.
وقام ثم أقبل على الرجل فقال: أنا أولى بك من خالد وأقرب إليك رحماً ومنزلاً، وههنا مال الغارمين أنت أولى به، ليس لأحد عليك فيه منة إلا الله، تقضي به دينك، ثم دعا له بثلاثة آلاف دينار فدفعها إليه وقال: قد قرب الله عليك الخطوة، فانصرف إلى أهلك مصاحباً محفوظاً.
فقام الرجل من عنده يدعو له ويشكر، فلم يكن له همة إلا الرجوع إلى أهله، فانطلق الحكم يشيعه، فسار معه شيئاً، ثم قال له: كأني بزوجتك قد قالت لك: أين طرائف العراق، بزها وخزها وعراضاتها؟ أما كان لنا معك نصيب؟ ثم أخرج صرة حملها معه، فيها خمس مئة دينار، فقال: أقسمت عليك إلا جعلت هذه لها عوضاً من هدايا العراق. وودعه وانصرف.
وكان الحكم بن المطلب من أبر الناس بأبيه، وكان أبوه المطلب يحب ابناً له يقال له: الحارث، حباً مفرطاً، وكانت بالمدينة جارية مشهورة بالجمال والفراهة، فاشتراها الحكم بمال كثير، فقال له أهلها: دعها عندنا حتى نصلح من أمرها ثم نزفها إليك بما تستأهل، فتركها عندهم حتى جهزوها، ثم نقلوها كما تزف العروس إلى زوجها.
وتهيأ الحكم بأحسن ثيابه وتطيب، ثم انطلق فبدأ بأبيه ليراه في تلك الهيئة ويدعو له تبركاً بدعاء أبيه، فدخل عليه وعنده الحارث، فأقبل عليه أبوه فقال: إن لي إليك حاجة فما تقول؟ قال: يا أبه، إنما عبدك فمر بما أحببت. قال: تهب جاريتك هذه للحارث أخيك، وتعطيه ثيابك هذه التي عليك، وتطيبه من طيبك، وتدعه يدخل على هذه الجارية، فإني لا أشك أن نفسه قد تاقت إليها.
قال الحارث: لم تكدر على أخي وتفسد قلبه علي؟ وذهب يريد يحلف، فبدر الحكم فقال: هي حرة إن لم تفعل ما أمرك أبي، فإن قرة عينه أحب إلي من هذه الجارية، وخلع ثيابه فألبسه إياها، وطيبه من طيبه، وخلاه فذهب إليها.(7/225)
وجلس المطلب ليلة يتعشى مع إبراهيم بن هشام، ومعهدة من ولده فيهم الحكم والحارث وغيرهما، فجعل المطلب يأخذ الطعام الطيب من بين يدي ابنه الذي لم نسم فيضعه بين يدي حارث، فجزع الفتى وقال: ما رأيت كما تصنع بنا قط، وكما تهيننا، فأمر بغلمانه فأدخلوا، وأمر بابنه ذلك، فجر برجله حتى أخرج من الدار، فقال له الحكم: ما آثرت إلا أحسننا وجهاً، وإنه لأهل للأثرة، فقال له أبوه: لك فلان وفلان حتى وهب له خمسة من رقيقه، فلما خرجوا قال أخو الحكم له: لا جزاك الله خيراً، ما ظننتك إلا ستغضب لي فيخرج بك على مثل حالي. فقال له الحكم: ما أحسنت في قولك، ولا غبطتك بما صرت إليه، فأقول مثل ما قلت.
استعمل بعض ولاة المدينة الحكم على بعض المساعي فلم يرفع شيئاً، فقال له الوالي: أين الإبل والغنم؟ قال: أكلنا لحومها بالخير، قال: فأين الدنانير والدراهم؟ قال: اعتقدنا بها الصنائع في رقاب الرجال، فحبسه، فأتاه وهو في الحبس بعض ولد نهيك بن أساف الأنصاري فمدحه فقال: من الطويل
خليليّ إنّ الجود في السجن فابكيا ... على الجود إذ سدّت علينا مرافقه
نرى عارض المعروف كلّ عشيّةٍ ... وكلّ ضحىً يستنّ في السجن بارقه
إذا صاح كبلاه طغى فيض بحره ... لزوّاره حتى تعوم عرائقه
فأمر له بثلاثة آلاف درهم وهو محبوس.
وكان الحكم بعد حاله هذه قد تخلى من الدنيا ولزم الثغور حتى مات بالشام، وأمه السيدة بنت جابر بن الأسود بن عوف الزهري، ولما صار إلى منبج وتزهد، رئي يحمل زيتاً في يده ولحماً.
حدث رجل من أهل منبج قال: قدم علينا الحكم بن المطلب ولا مال معه فأغنانا كلنا، فقيل له: كيف ذلك؟ قال: علمنا مكارم الأخلاق، فعاد غنينا على فقيرنا فغنينا كلنا.(7/226)
قال العتبي: قيل لنصيب: هرم شعرك، قال: لا، ولكن هرم الجود والمعروف، لقد مدحت الحكم بن المطلب بقصيدة فأعطاني أربع مئة شاة، وأربعمئة دينار، وأربع مئة ناقة.
قال العتبي: وأعطى الحكم كل شيء يملكه، حتى إذا نفد ما عنده، ركب فرسه وأخذ رمحه يريد الغزو، فمات بمنبج.
وفيه يقول ابن هرمة الشاعر: من البسيط
سألا عن الجود والمعروف أين هما؟ ... فقلت: إنهما ماتا مع الحكم
ماتا مع الرجل الموفي بذمّته ... يوم الحفاظ إذا لم يوف بالذّمم
ماذا بمنبج لو تنشر مقابرها ... من التّهدّم بالمعروف والكرم
قال معيوف الحمصي: كنت فيمن حضر الحكم بن المطلب عند موته، فلقي من الموت شدة، فقلت: أو قال رجل ممن حضره وهو في غشية: اللهم هون عليه فإنه كان وكان، يثني عليه قال: فأفاق فقال: من المتكلم؟ فقال المتكلم: أنا. فقال: إن ملك الموت يقول لك: إني بكل سخي رفيق، فكأنما كانت فتيلةً أطفئت.(7/227)
الحكم بن معمر بن قنبر بن جحاش
ابن سلمة بن مسلمة بن ثعلبة بن مالك بن طريف بن محارب أبو منيع الخضري والخضر ولد مالك بن طريف، وإنما سموا الخضر لأن مالكاً كان شديد الأدمة، وكذلك ولده، فسموا الخضر بذلك.
وكان الحكم شاعراً مجيداً، وكان يهاجي الرماح بن ميادة المري، فشكاه بنو مرة إلى والي مكة، فتواعده فهرب إلى الشام، وقدم دمشق، وامتدح أسود بن بلال المحاربي الداراني، ومات بالشام غريقاً في بعض أنهارها، فإنه كان لا يحسن العوم.
وروي عن الأصمعي أنه قال: ختم الشعراء بابن ميادة والحكم الخضري وابن هرمة وطفيل الكناني ومكين العذري.
ومن شعر الحكم يمدح بني العوام بن خويلد: من البسيط
لو يعدل الموت عن قوم لفضلهم ... ما مات من ولد العوّام ديّار
الحكم بن موسى بن أبي زهير
واسمه شيرزاد أبو صالح البغدادي القنطري الزاهد سمع بدمشق وبغيرها.
حدث عن ابن أبي الرجال بسنده عن عائشة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: بيت لا تمر فيه، جياع أهله.
وحدث عن يحيى بن حمزة بسنده: أن أم معقل قالت: يا رسول الله، إن بعيري أعجف وأنا أريد الحج، فما تأمرني؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا كان رمضان فاعتمري، فإن عمرة في رمضان حجة.(7/228)
وحدث عن الوليد بن مسلم بسنده عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أسوأ الناس سرقة الذي يسرق صلاته، قالوا: يا رسول الله، كيف يسرق صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها.
كان أبو صالح ثقة، توفي سنة اثنتين وثلاثين ومئتين، وقيل: سنة خمس وثلاثين ومئتين.
الحكم بن ميمون
ويقال ابن يحيى بن ميمون أبو يحيى الفارسي المعروف بحكم الوادي مولى عبد الملك، ويقال: مولى الوليد من أهل وادي القرى.
كان مع الوليد بن يزيد حين قتل على ما قيل، والأظهر أنه كان معه عمر الوادي، وقدم حكم مع إبراهيم بن المهدي في ولايته دمشق.
خرج حكم الوادي المغني من الوادي مغاضباً لأبيه حتى ورد المدينة، فصحب قوماً إلى الكوفة، فسأل من أسرى من بالكوفة ممن يشرب النبيذ؟ وأسراه أصحاباً؟ فقيل: فلان التاجر البزاز وله ندماء من البزازين، وكان التجار يصيرون في منزل كل واحد كل يوم، فإذا كان يوم الجمعة صاروا إلى منزله، فخرج فجلس في حلقتهم، كل واحد منهم يظن أنه جاء مع بعضهم حتى انصرفوا، فصاروا إلى منزل الرجل وهو معهم.
فلما أخذوا مجالسهم جاءت جارية وأخذت منهم أرديتهم فطوتها، وأتوا بالطعام ثم أتوا بالنبيذ فشربوا، حتى إذا طابت أنفسهم قام حكم الوادي إلى المتوضأ، فأقبل بعضهم على بعض، وقالوا: مع من جاء هذا؟ فكلهم يقول: والله ما أعرفه، فقالوا: طفيلي؟ فقال صاحب المنزل: فلا تكلموه بشيء فإنه سريٌ هنيٌ عاقل.
وسمع الكلام، فلما خرج حيا القوم ثم قال لصاحب المنزل: هل ههنا دف مربع؟ قال: لا، ولكن نطلبه، فأحضر، وعلموا أنه مغن، فلما وقع الدف في يده وحركه كاد أن يتكلم. فكادوا أن يطيروا من الطرب من نقره بالدف، ثم غنى بحلق لم يسمعوا بمثله. فلما(7/229)
سكت قالوا: بأبي أنت يا سيدنا، ما كان ينبغي أن يكون إلا هكذا، فقال: قد سمعت كلامكم وما ذكرتم من تطفيلي، وأي شيء كان عليكم من رجل دخل فيما بين أضعافكم؟ فقالوا: ما كان علينا من ذلك من شيء.
فأقام معهم يوماً، ثم قالوا له: أين تريد؟ قال: باب أمير المؤمنين قالوا: وكم أملك؟ قال: ألف دينار قالوا: فإنا نعطي الله عهداً إن رآك أمير المؤمنين في سفرك هذا فلا عاينك، ولا عاينت بلاداً سوى الكوفة، وهي علينا. فأخرجوا ما بينهم ألف دينار، وأخرجوا كسوة له ولعياله ولأبيه وهدايا من العراق، وأقام عندهم حتى اشتاق إلى أهله فحملوه ورجع إليهم.
قال نوفل بن ميمون: قدم المهدي المدينة، فدخل عليه القراء، فدخل فيهم ابن جندب الهذلي، فوصله في جملتهم، ثم دخل عليه القصاص وهو فيهم: فوصله معهم، ثم دخل عليه الفقهاء وهو معهم فوصله في جملتهم، ثم دخل الشعراء وهو معهم فقال المهدي: تالله ما رأيت كاليوم أجمع، يا بن جندب، أنشدني أبياتك في مسجد الحزاب فأنشده: من البسيط
يا للرّجال ليوم الأربعاء أما ... ينفكّ يحدث لي بعد النّهى طربا
ما إن يزال غزالٌ فيه فتنني ... يهوي إلى مسجد الأحزاب منتقبا
يخبّر الناس أنّ الأجر همّته ... وما أتى طالباً للأجر محتسبا
لو كان يطلب أجراً ما أتى ظهراً ... مضمّخاً بفتيت المسك مختضبا
ثم قال للمهدي: إني قلت بيتين من هذه، فجاءني القصارون فسألوني الزيادة فجعلتها أربعة. فقال له المهدي: ويحك ومن القصارون؟ قال: حكم الوادي وذووه الذين يقصرون الأشعار بالألحان.(7/230)
الحكم بن مينا المدني
ويقال الشامس مولى أبي عامر الراهب الأنصاري حدث عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري قالا: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لينتهين أقوام عن تركهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين.
وفي رواية يقول: على أعواد منبره يوم الجمعة.
وعن الحكم بن مينا قال: إني لأتوضأ على باب المسجد بدمشق مع بلال، ومع أبي جندل بن سهيل، إذ ذكرنا المسح على الخفين فقال بلال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرخص في المسح على الخفين ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوماً وليلة للمقيم.
الحكم بن نافع أبو اليمان البهراني
مولاهم الحمصي روى عن شعيب بن أبي حمزة بسنده عن أنس بن مالك: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي صلاة العصر والشمس مرتفعة حية، فيذهب الذاهب إلى العوالي فيأتيها والشمس مرتفعة، وبعض العوالي من المدينة على أربعة أميال أو ثلاثة.
وبسنده عنه عن أم حبيبة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أرأيت ما تلقى أمتي من بعد، وسفك بعضهم دماء بعض، وكان ذلك سابقاً من الله عز وجل، فسألته أن يوليني شفاعة فيهم يوم القيامة ففعل.
ذكر الحافظ في إسناده اختلافاً بين أبي اليمان وبين شعيب.
مات أبو اليمان بحمص سنة اثنتين وعشرين ومئتين.
وكان يقول: ولدت سنة ثمان وثلاثين ومئة. وقيل: مات سنة إحدى وعشرين.(7/231)
قال أبو اليمان: صرت إلى مالك، فرأيت ثم من الحجاب والفرش شيئاً عجيباً، فقلت: ليس هذا من أخلاق العلماء، فمضيت وتركته، ثم ندمت بعد.
الحكم بن هشام بن عبد الرحمن
أبو محمد الثقفي العقيلي من آل أبي عقيل الثقفي الكوفي سكن دمشق.
حدث عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تخيروا لنطفكم فانكحوا الأكفاء واخطبوا إليهم.
وحدث عن يحيى بن سعيد بن أبان القرشي عن أبي فروة عن أبي خلاد، وكانت له صحبة من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا رأيتم الرجل قد أعطي زهداً في الدنيا وقلة المنطق فاقتربوا منه فإنه يلقى الحكمة.
وحدث عن عبد الملك بن عمير بسنده عن أبي موسى الأشعري قال: سافرنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعرس فعرسنا، فتعار من الليل، فأتيت مضجعه، وجاء رجل آخر من المسلمين فالتقينا عند مضجعه فلم نره، فشق ذلك الأمر علينا، فإذا نحن بهزيز كهزيز الرحى، قال: فأتيناه فلقينا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: ما شأنكم؟ فقال: يا رسول الله، تعاررنا من الليل فأتينا مضجعك، فلم نرك فيه؛ فشق ذلك علينا، فحسبنا أن يكون قد غضتك هامة أو سبع، قال: فقال: أتاني آت من ربي عز وجل فخيرني أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة، فقلنا: يا رسول الله، اجعلنا ممن تشفع له، فقال: أنتم، يعني، ممن أشفع له، قلنا: أفلا نبشر الناس بها؛ يعني، قال: فبشر الناس، وابتدروا الرحال، فلما كثر على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: هي لمن مات لا يشرك بالله شيئاً.(7/232)
الحكم بن يعلى بن عطاء
أبو محمد المحاربي الكوفي المعروف بالدغشي قدم دمشق وحدث بها.
روى عن محمد بن طلحة بسنده عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من بني لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بني له بيت في الجنة.
وحدث عن محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبي خلف عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من ساء خلقه من الرقيق والدواب والصبيان فاقرؤوا في أذنيه " أفغير دين الله يبغون ... " الآية.
وحدث عن مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله قال: سألت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك من أجل أن يطعم معك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك، فنزلت " والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ".
حكيم بن حزام بن خويلد
ابن أسد بن عبد العزى أبو خالد له صحبة، وحدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث.
روى عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: اليد العليا خير من اليد السفلى، وليبدأ أحدكم بمن يعول، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، ومن يستغن يغنه الله، ومن يستعفف يعفه الله. فقلت: ومنك يا رسول الله؟ قال: ومني.(7/233)
قال حكيم: قلت: لا تكون يدي تحت يد رجل من العرب أبداً.
أسلم حكيم يوم الفتح، وشهد مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حنيناً مسلماً، وكان نجا يوم بدر، فكان حكيم إذا حلف بيمين قال: لا والذي نجاني يوم بدر.
وأم حكيم فاختة بنت زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى، ولد قبل الفيل بثلاث عشرة، ومات سنة أربع وخمسين وهو ابن مئة وعشرين، وقيل: هلك سنة ستين.
وكان حكيم من المؤلفة، أعطاه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غنائم حنين مئة بعير، وعاش في الجاهلية ستين وفي الإسلام ستين.
وعن عروة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا حكيم إن الدنيا خضرة حلوة.
قال: فما أخذ من أبي بكر وعمر عثمان ولا معاوية ديواناً ولا غيره حتى مات لعشر سنوات من إمارة معاوية.
قال مصعب بن عثمان: دخلت أم حكيم بن حزام الكعبة مع نسوة من قريش وهي حامل متم بحكيم بن حزام، فضربها المخاض في الكعبة فأتيت بنطع حين أعجلها الولاد، فولدت حكيم بن حزام في الكعبة على النطع، فكان حكيم بن حزام من سادات قريش ووجوهها في الجاهلية والإسلام، وكان حكيم شديد الأدمة خفيف اللحم.
قال حكيم بن حزام: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحب رجل من الناس إلي في الجاهلية، فلما نبئ وخرج إلى المدينة شهد حكيم الموسم وهو كافر، فوجد حلة ذي يزن تباع، فاشتراها ليهديها إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فقدم بها عليه المدينة، فأراده على قبضها هدية فأبى وقال: إنا لا نقبل من المشركين شيئاً، ولكن إن شئت أخذتها منك بالثمن. فأعطيته إياها حين أبى علي الهدية(7/234)
فلبسها، فرأيتها عليه على المنبر، فلم أر شيئاً أحسن منه فيها يومئذ، ثم أعطاها أسامة بن زيد، فرآها حكيم على أسامة فقال: يا أسامة أنت تلبس حلة ذي يزن؟ قال: نعم والله لأنا خير من ذي يزن ولأبي خير من أبيه.
قال حكيم: فانطلقت إلى مكة أعجبهم بقول أسامة.
قال حكيم بن حزام: كنت أعالج البز في الجاهلية، فكنت رجلاً تاجراً أخرج إلى اليمن، وآتي الشام في الرحلتين، فكنت أربح أرباحاً كثيرة، فإذا ربحت عدت على فقراء قومي، ونحن لا نعد شيئاً، نريد بذلك ثراء الأموال والمحبة في العشيرة.
وكنت أحضر الأسواق، وكانت لنا ثلاثة أسواق، وكانت سوق عكاظ تقوم صبح هلال ذي القعدة، فتقوم عشرين يوماً، ويحضره العرب.
وابتعت زيد بن حارثة لعمتي خديجة بنت خويلد فأخذته بست مئة درهم، فلما تزوجها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سألها زيداً، فوهبته له، فأعتقه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وابتعت حلة ذي يزن فكسوتها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما رأيت أحداً أجمل ولا أحسن من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تلك الحلة.
ويقال: إن حكيم بن حزام قدم بالحلة في هدنة الحديبية وهو يريد الشام، فأرسل بالحلة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأبى أن يقبلها، وقال: لا أقبل هدية مشرك، قال حكيم: فجزعت جزعاً شديداً حيث رد هديتي، فبعتها بسوق النبط من أول سائل سامني، فدس رسول الله إليها زيد بن حارثة فاشتراها. فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبسها بعد.
وكانت سوق مجنة تقوم عشرة أيام، حتى إذا رأينا هلال ذي الحجة انصرفنا، فانتهينا إلى سوق ذي المجاز فقام ثمانية أيام. وكل هذه الأسواق ألقى بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المواسم، يستعرض القبائل قبيلة قبيلة يدعوهم إلى الله عز وجل، فلا نرى أحداً يستجيب له، وأسرته أشد القبائل عليه، حتى بعث الله عز وجل قوماً، أراد بهم كرامته،(7/235)
هذا الحي من الأنصار، فبايعوه وصدقوا به وآمنوا به وبذلوا أنفسهم وأموالهم، فجعل الله له دار هجرة وملجأ، وسبق من سبق إليه، فالحمد لله الذي أكرم محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالنبوة.
قال: فحج معاوية فسامني بداري بمكة، فبعتها منه بأربعين ألف دينار، فقال ابن الزبير: ما يدري هذا الشيخ ما باع، لتردن عليه بيعه، فقلت: والله ما ابتعتها إلا بزق من خر، ولقد وصلت الرحم، وحملت الكل، وأعطيت في السبيل.
وكان حكيم بن حزام يشتري الظهر والأداة والزاد ثم لا يجيئه أحد يستحمله في السبيل إلا حمله.
قالوا: فبينا هو يوماً في المسجد، جاء رجل من أهل اليمن يطلب حملاناً يريد الجهاد، فدل على حكيم فجاءه فقال: إني رجل بعيد الشقة، وأردت الجهاد، فدللت عليك لتحمل رحلي وتعينني على ضعفي، قال: اجلس. فلما ارتفعت الشمس ركع ركعات ثم انصرف، وأومأ إلى اليماني فتبعه، قال: فجعل كلما مر بصوفة أو خرقة أو شملة نفضها فأخذها، فقلت: إن من دلني على هذا لعب بي، أي شيء عند هذا من الخير بعدما أرى؟ قال: فدخل داره، فألقى الصوفة مع الصوف والخرقة مع الخرق والشملة مع الشمال، ثم قال لغلام له: هات لي بعيراً ذلولاً، قال: فأتى به ذلولاً، ثم دعا بجهاز فشده على البعير، ودعا بخطام فخطمه. ثم قال: هل من جوالقين؟ فأتي بجوالقين، فأمر لي بدقيق وسويق وعكة من زيت وقال: انظر ملحاً وجرابا من تمر حتى لم يبق شيء مما يحتاج إليه المسافر إلا أعطانيه وكساني، ثم دعا بخمسة دنانير فدفعها إلي وقال: هذه الطريق، وكان هذا فعل حكيم رحمه الله.
وكان معاوية عام حج مر به وهو ابن عشرين ومئة سنة، فأرسل إليه بلقوح يشرب من لبنها، وذلك بعد أن سأله أي الطعام تأكل؟ فقال: أما مضغ فلا مضغ لي، فأرسل إليه بلقوح، وأرسل إليه بصلة، فأبى أن يقبلها وقال: لم آخذ من أحد قط بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً، قد دعاني أبو بكر وعمر إلى حقي فأبيت أن آخذه؛ وذلك أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:(7/236)
الدنيا خضرة حلوة، من أخذها بسخاوة نفس بورك له فيها، ومن أخذها بإشراف نفس لم يبارك له فيها.
فقلت يومئذ: لا أرزأ أحداً بعدك شيئاً.
قال إبراهيم بن حمزة: إن مشركي قريش لم حصروا بني هاشم في الشعب، كان حكيم بن حزام تأتيه العير تحمل الطعام من الشام فيقبلها الشعب، ثم يضرب أعجازها فتدخل عليهم، فيأخذون ما عليها من الحنطة.
وعن ابن عباس قال:
قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة قربة من مكة في غزوة الفتح: إن بمكة لأربعة نفر من قريش أربأ بهم عن الشرك، وأرغب لهم في الإسلام. قيل: ومن هم يا رسول الله؟ قال: عتاب بن أسيد، وجبير بن مطعم، وحكيم بن حزام، وسهيل بن عمرو.
وعن عروة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوم فتح مكة: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن، ومن دخل دار بديل بن ورقاء فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن.
قال حكيم بن حزام: سألت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحنين مئة من الإبل فأعطانيها، ثم سألته مئة فأعطانيها، ثم قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا حكيم بن حزام: إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول.
قال: فكان ابن حزام يقول: والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحداً بعدك شيئاً. فكان عمر بن الخطاب يدعوه إلى عطائه، فيأبى أن يأخذه، فيقول عمر: أيها الناس: أشهدكم على حكيم أني أدعوه إلى عطائه فيأبى أن يأخذه.(7/237)
وفي حديث آخر: أن حكيم بن حزام قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأن يأخذ أحدكم أحبله، ثم يأتي هذا الجبل فيحتطب حزمة من حطب، فيحملها على ظهره، ثم يأتي السوق فيبيعها، ويأكل ثمنها، خير له من أن يأتي رجلاً يسأله. أعطاه أم منعه، ومن سألنا أعطيناه ... الحديث.
وعن الزهري: أن حكيم بن حزام سأل رسول اله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عما يدخل الجنة قال: لا تسأل أحداً شيئاً فكان حكيم لا يسأل خادمه أن يسقيه ماء، ولا يناوله ماءً يتوضأ به.
وعن حكيم بن حزام قال: قلت: يا رسول الله: أرأيت شيئاً كنت أنجبت به في الجاهلية؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أسلمت على صالح ما سلف لك، فقال: يا رسول الله لا أدع شيئاً صنعته في الجاهلية إلا صنعت لله في الإسلام مثله، وكان أعتق في الجاهلية مئة رقبة، وأعتق في الإسلام مثلها مئة رقبة، وساق في الجاهلية مئة بدنة، فساق في الإسلام مئة بدنة.
وعن حكيم بن حزام: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطاه ديناراً فاشترى له به أضحية، فاشترى أضحية بدينار فباعها بدينارين، ثم اشترى أضحية بدينار فجاء بأضحية ودينار، فتصدق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالدينار، ودعا له بالبركة.
قال مصعب بن عثمان: سمعت المشيخة يقولون: لم يدخل دار الندوة للرأي أحد حتى بلغ أربعين سنة، إلا حكيم بن حزام فإنه دخلها للرأي وهو ابن خمس عشرة سنة، وهو أحد النفر الذين حملوا عثمان بن عفان ودفنوه ليلاً.
قال أبو بكر بن سليمان: حج حكيم بن حزام معه مئة بدنة، قد أهداها وجللها الحبرة وكفها عن أعجازها، ووقف مئة وصيف يوم عرفة، في أعناقهم طوقة الفضة قد نقش في رؤوسها: عتقنا الله عن حكيم بن حزام، وأعتقهم وأهدى ألف شاة.(7/238)
قال مصعب بن عبد الله: جاء الإسلام ودار الندوة بيد حكيم بن حزام، فباعها بعد من معاوية بن أبي سفيان بمئة ألف درهم، فقال له عبد الله بن الزبير: بعت مكرمة قريش؟ فقال حكيم: ذهبت المكارم إلا التقوى يا بن أخي، إني اشتريت بها داراً في الجنة، أشهدك أني قد جعلتها في سبيل الله.
وفي حديث آخر بمعناه: فتصدق بالمئة الألف درهم على المساكين.
وكان حكيم بن حزام لا يأكل طعاماً وحده، إذا أتي بطعامه قدره: فإن كان يكفي لاثنين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك قال: ادع من أيتام قريش واحداً أو اثنين على قدر طعامه، فكان له إنسان يخدمه فضجر عليه يوماً، فدخل المسجد الحرام، فجعل يقول للناس: ارتفعوا إلى أبي خالد فتقوض الناس عليه فقال: ما للناس؟ فقيل: دعاهم عليك فلان، فصاح بغلمانه: هاتوا ذلك التمر، فألقيت بينهم جلال البرني، فلما أكلوا قال بعضهم: إدام يا أبا خالد قال: إدامها فيها.
قال حكيم بن حزام: ما أصبحت صباحاً قط، فلم أر أحداً ببابي طالب حاجة إلا عددتها مصيبة أرجو ثوابها من الله عز وجل.
وفي رواية بمعناها: ما أصبحت يوماً وببابي طالب حاجة إلا علمت أنها من منن الله عز وجل علي ... الحديث.
وكان حكيم عالماً بالنسب، ويقال: أخذ النسب عن أبي بكر، وكان أبو بكر أنسب قريش.
قال ابن أبي خيثمة:
دخلت على حكيم بن حزام وهو يموت فأصغيت إليه، فإذا هو يهمهم، وإذا هو يقول: لا إله إلا الله، قد كنت أخشاك فأنا اليوم أرجوك.(7/239)
حكيم بن عياش الكلبي الأعور
شاعر، كان منقطعاً إلى بني أمية، وسكن المزة، وانتقل إلى الكوفة، وله شعر يفتخر فيه باليمن، نقضه عليه الكميت بن زيد، وافتخر بمضر.
حكى نفطويه عن حكيم بن عياش الكلبي وهو الأعور، قال: اجتمع عند عبد الملك وجوه الناس من قريش والعرب. فبينا هم في المجلس، دخل عليه أعرابي، كان عبد الملك يعجب به، فسر به عبد الملك وقال: هذا يوم سرور، وأجلسه إلى جنبه، ودعا بقوس فرمى عنها، وأعطاها من عن يمينه فرمى عنها حتى صارت إلى الأعرابي، فلما نزع فيها ضرط فرمى بها مستحياً، فقال عبد الملك: دهينا في الأعرابي وكنا نطمع في أنسه، وإني لأعلم أنه لا يسلي ما به إلا الطعام، فدعا بالمائدة فقال: تقدم يا أعرابي لتضرط، وإنما أراد لتأكل، فقال: قد فعلت، فقال عبد الملك: إنا لله وإنا إليه راجعون، لقد امتحنا فيه اليوم، والله لأجعلنها مذكورة، يا غلام جئني بعشرة آلاف، فجاء بها فأعطاها الأعرابي، فلما صارت إليه سلا وانبسط ونسي ما كان منه، فقال حكيم بن عياش: من الوافر
ويضرب ضارطٌ من غمز قوسٍ ... فيحبوه الأمير بها بدورا
فيالك ضرطةً جرّت كثيراً ... ويالك ضرطةً أغنت فقيرا
فودّ القوم لو ضرطوا جميعاً ... وكان حباؤهم منها عشيرا
أتقبل ضارطاً ألفاً بألفٍ ... فأضرط أصلح الله الأميرا
فأمر له بعشرة آلاف درهم، وقال: لا تضرط يا حكيم.
جاء رجل إلى عبد الله بن جعفر بن محمد عليهم السلام فقال: يا بن رسول الله، هذا حكيم بن عياش الكلبي ينشد الناس بالكوفة هجاءكم فقال: هل علقت منه بشيء؟ قال: نعم، فأنشده: من الطويل(7/240)
صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة ... ولم نر مهديّاً على الجذع يصلب
وقستم بعثمانٍ عليّاً سفاهةً ... وعثمان خيرٌ من عليٍّ وأطيب
فرفع أبو عبد الله يديه إلى السماء وهما تنتفضان رعدة فقال: اللهم إن كان كاذباً فسلط عليه كلبك، قال: فخرج حكيم من الكوفة فأدلج فافترسه الأسد فأكله، وأتى البشير أبا عبد الله وهو في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخر لله ساجداً وقال: الحمد لله الذي صدقنا وعده.
حكيم بن رزيق بن حكيم الفزاري
مولاهم الأيلي حكيم: بضم الحاء وفتح الكاف.
حدث عن أبيه عن القاسم قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: ما خير رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أمرين إلا اختار أعفاهما وأيسرهما، ما لم يكن من الإثم، فإذا كان إثماً كان أبعدهما منه.
قال حكيم: سمعت عبد الله بن الديلمي يحدث عمر بن عبد العزيز عن أبيه قال: قدمت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: إن عندي أختين، فقال: طلق أيهما شئت، وأمسك الأخرى.
وكان حكيم ثقة.
حماد بن عمر بن يونس بن كليب
أبو عمر المعروف بعجرد ويقال: حماد بن يحيى بن عمرو بن كليب. ويقال: مولى بني سلول. وقيل: مولى بني عقيل من أهل الكوفة، وقيل: من أهل واسط.
وفد على الوليد بن يزيد، وهاجى بشار بن برد وهو فحل المحدثين فانتصف منه، وكان بشار يضج منه.(7/241)
وقدم بغداد في أيام المهدي ويقال: إن أعرابياً مر به وهو غلام يلعب مع الصبيان في يوم شديد البرد وهو عريان، فقال: تعجردت يا غلام، فسمي عجرد، والمتعجرد المتعري، وكان خليعاً ماجناً ظريفاً.
من شعره: من مجزوء الكامل
إني أحبّك فاعلمي ... إن لم تكوني تعلمينا
حباً أقلّ قليله ... كجميع حبّ العالمينا
قال أبو يوسف: كان حماد عجرد صديقاً لرجل أيام شبابه، فلما تنسك ذلك الرجل، وتفقه صار يقع فيه وينتقصه، فكتب إليه حماد: من مجزوء الكامل
إن كان فقهك لا يت ... مّ بغير شتمي وانتقاصي
فاقعد وقم بي حيث شئ ... ت مع الأداني والأقاصي
فلطالما زكّيتني ... وأنا المقيم على المعاصي
أيام تعطيني وتأ ... خذ في أباريق الرّصاص
قال علي بن الجعد:
قدم علينا في أيام المهدي حماد عجرد ومطيع بن إياس ويحيى بن زياد، فنزلوا بالقرب منا، فكانوا لا يطاقون خبثاً ومجانة.
قال عمرو بن شبة: كان مطيع بن إياس وحماد عجرد ويحيى بن حصين ويحيى بن زياد يقولون بالزندقة.
قال الأصمعي: كان حماد يهجو بشاراً فلا يلتفت إلى هجائه حتى قال: من الطويل
له مقلةٌ عمياء وأستٌ بصيرةٌ ... إلى الهنّ من تحت الثياب تشير(7/242)
فغضب بشار وقال: يا غلام اكتب، وكان حماد يؤدب ولد العباس بن محمد بن علي: من مجزوء الخفيف
يا أبا الفضل لا تنم ... وقع الذئب في الغنم
إن حماد عجردٍ ... إن رأى غفلةً هجم
بين فخذيه حربةٌ ... في غلافٍ من الأدم
فإذا غبت ساعةً ... مجمج الميم بالقلم
فقرئت على العباس بن محمد فقال: أخرجوا حماداً من داري، على بشار لعنة الله.
حماد بن مالك بن بسطام بن درهم
أبو مالك الأشجعي الحرستاني من أهل حرستا حدث عن سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس: أن رجلاً أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن أمي أصابها جهد فلم تفطر حتى ماتت، أفأصلي عليها؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذهب فصل عليها، فإن أمك قتلت نفسها.
حدث حماد عن إسماعيل بن عبد الرحمن عن أبيه عبد الرحمن بن عبيد بن نفير: أنه كان في مسجد الكوفة ينتظر ركوع الضحى ويمتنع النهار. قال: فبينا هو جالس إذ أجفل الناس في ناحية المسجد، قال: فأجفلت فيمن أجفل. قال: فإذا أنا برجل جاث على ركبتيه، عليه إزار له وملاءة، وهو يقول: أنا المصعب بن سعد بن أبي وقاص، سمعت أبي يأثره عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يقول: أربع من كن فيه فهو مؤمن، ومن جاء بثلاث فكتم واحدة فقد كفر: شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأنه مبعوث من بعد الموت، وإيمان بالقدر خيره وشره، فمن جاء بثلاث وكتم واحدة فهو كافر.
توفي سنة ثمان وعشرين ومئة.(7/243)
حماد بن أبي ليلى
واسم أبي ليلى ميسرة ويقال: سابور أبو القاسم الكوفي المعروف بالراوية مولى بني بكر بن وائل وفد على يزيد بن عبد الملك وهشام بن عبد الملك والوليد بن يزيد، وكان إخبارياً واسع الرواية.
قال علي بن محمد بن أبي سيف المدائني: ومن أهل الكوفة ثلاثة نفر من بكر بن وائل أئمة: أبو حنيفة في الفقه، وحمزة الزيات في القراءة، وحماد الراوية في الشعر.
قال حماد الراوية: كان انقطاعي إلى يزيد بن عبد الملك، وكان هشام يقليني على ذلك، فلما ولي هشام مكثت سنة لا أخرج، فلما لم أذكر خرجت فصليت الجمعة، وجلست على باب الفيل وهو باب مسجد الكوفة، فإذا شرطيان قد وقفا علي فقالا لي: يا حماد أجب الأمير يوسف بن عمر فقلت: من هذا كنت أحذر، ثم قلت لهما: هل لكما أن تدعاني آتي أهلي فأودعهم وداع من لا يرجع إليهم أبداً ثم أصير معكما؟ قالا: ما إلى ذلك سبيل، فاستبسلت في أيديهم، ودخلت على يوسف بن عمر في الإيوان الأحمر فسلمت عليه فرد علي السلام، فطابت نفسي برده علي السلام، ثم رمى إلي بكتاب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم: من هشام أمير المؤمنين إلى يوسف بن عمر، إذا أتاك كتابي هذا، فابعث إلى حماد الراوية من يأتيك به غير مروع ولا متعتع، وادفع إليه خمس مئة دينار وجملاً مهرياً يسير عليه اثنتي عشرة ليلة إلى دمشق.(7/244)
فأخذت الخمس مئة دينار ونظرت، فإذا جمل مرحول، فوضعت رجلي في الغرز وسرت إحدى عشرة ليلة، فلما كان اليوم الثاني عشر، وافيت باب هشام، واستأذنت فأذن لي، فدخلت عليه في دار قوراء مفروشة بالرخام، بين كل رخامتين قصبة من ذهب، حيطانها على ذلك العمل، وإذا هشام جالس على طنفسة خز حمراء مضمخة بالعبير، فسلمت عليه فاستدناني حتى قبلت رجله وأجلسني، فإذا أنا بجاريتين لم أر مثلهما قبلهما، في أذن كل واحدة منهما حلقة من ذهب، فيها جوهرة تتوقد، فقال لي: يا حماد، كيف أنت؟ وكيف حالك؟ قلت: بخير يا أمير المؤمنين. قال: أتدري لم بعثت إليك؟ قلت: لا. قال: بعثت إليك لبيت خطر ببالي لم أدر من قائله، قلت: وما هو؟ قال: من الخفيف
فدعت بالصّبوح يوماً فجاءت ... قينةٌ في يمينها إبريق
قلت: هذا يقوله عدي بن زيد العبادي في قصيدة له. قال: أنشدنيها، فأنشدته: من الخفيف
بكر العاذلون في وضح الصّب ... ح يقولون ماله لا يفيق
ويلومون فيك يا بنة عبد الله ... والقلب عندكم معلوق
لست أدري إذا أكثروا العذ ... ل عندي، أعدوٌّ يلومني أم صديق
زانها حسنها بفرعٍ عميمٍ ... وأثيثٌ صلت الجبين أنيق
وثنايا مفلجاتٌ عذابٌ ... لا قصارٌ ترى ولا هنّ روق
فدعت بالصّبوح يوماً فجاءت ... قينةٌ في يمينها إبريق(7/245)
الروق: الطوال، ناب أروق وثنية روقاء، والجمع: روق.
فقال: أحسنت والله يا حماد، يا جارية: اسقيه، فسقتني شربة ذهبت بثلث عقلي، ثم قال: أعد، فأعدت، فاستخفه الطرب، حتى نزل عن فرشه، ثم قال للأخرى: اسقيه، فسقتني شربة فذهب ثلثا عقلي، فقلت: إن سقيت الثالثة افتضحت، ثم قال: سل حوائجك كائنة ما كانت، فقلت: إحدى الجاريتين، قال: هما لك بما عليهما من حلي وحلل، ثم قال للأولى: اسقيه، فسقتني شربة سقطت فلم أعقل حتى أصبحت، فإذا أنا بالجاريتين عند رأسي، وإذا خادم يقدم عشرة خدم مع كل واحدة بدرة، فقال: أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول لك: خذ هذه فانتفع بها في شأنك، فأخذتها والجاريتين وانصرفت.
قال حماد الراوية: كان لبيد بن ربيعة يثبت القدر في الجاهلية ومن قوله:
إنّ تقوى ربّنا خير نفل ... وبإذن الله ريثي وعجل
أحمد الله فلا ندّ له ... بيديه الخير ما شاء فعل
من هداه سبل الخير اهتدى ... ناعم البال ومن شاء أضل
ذكر أبو بكر الصولي أن حماد الراوية قرأ والغاديات صبحاً بالغين المعجمة وبالصاد؛ فسعي به إلى عقبة بن سلم.
وفي رواية: وإن بشاراً الأعمى سعي به إلى عقبة بن سلم، أنه يروي جل أشعار العرب، ولا يحسن(7/246)
من القرآن غير أم الكتاب، فامتحنه عقبة بتكليفه القراءة في المصحف فصحف في آيات عدة منها: ومن الشجر ومما تغرسون وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها أباه عذابي أصيب به من أساء هم أحسن أثاثاً وزياً، ليكون لهم عدواً وحرباً، وما يجحد بآياتنا إلا كل جبار كفور، بل الذين كفروا في غرة وشقاق يوم يحمى غليها في نار جهنم، ونتلو أخباركم، صنعة الله ومن أحسن من الله صنعة، فاستعانه الذي من شيعته: بالعين والنون، سلام عليكم لا نتبع الجاهلين: بالعين، فأنا أول العائذين بالنون وبادوا: بالباء ولات حين مناص من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كأسوتهم.
قال حماد بن الزبرقان لحماد الراوية: إن قلت لأبي عطاء السندي أن يقول: جرادة، وشيطان، وزج، فبغلتي وسرجها(7/247)
ولجامها لك، فقال حماد: يا أبا عطاء، كيف علمك بالأدب؟ قال: سلني، قال حماد: من الوافر
وما صفراء تكنى أمّ عوف ... كأن رجيلتيها منجلان؟
قال أبو عطاء: زرادة، فقال: من الوافر
أتعرف مسجداً لبني تميم ... فويق الشال دون بني أبان
قال: ذاك مسجد بني سيطان، قال: من الوافر
فما اسم حديدةٍ في رأس رمحٍ ... دوين الصّدر ليست بالسّنان
قال: زز. قال: فلم يستحق البغل ولا السرج ولا اللجام.
حماد ويقال حامد بن يحيى
حدث عن معروف الخياط أنه قال: رأيت واثلة بن الأسقع صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشرب الفقاع.
حماد أبو الخطاب الدمشقي
حدث عن رزيق بن عبد الله الألهاني عن أنس بن مالك الأنصاري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صلاة الرجل في بيته بصلاة، وصلاته في مسجد القبائل بخمسٍ وعشرين صلاة، وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه بخمس مئة صلاة، وصلاته في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة، وصلاته في مسجدي هذا بخمسين ألف صلاة، وصلاته في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة.(7/248)
حماد مولى بني أمية
حدث عن جناح مولى الوليد عن واثلة بن الأسقع أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: خير شبابكم من تشبه بكهولكم، وشر كهولكم من تشبه بشبابكم.
حمدان بن غارم بن ينار
واسمه أحمد وحمدان لقب، أبو حامد البخاري الزندني من قرية زندنة.
حدث عن محمد بن المتوكل بسنده عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة، من قالها أذهب الله عنه سبعين باباً من الشر أدناها الهم.
حمدان بن محمد الجبيلي
حدث عن أبي الوليد أحمد بن أبي رجاء الحنفي بسنده عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق إن شاء الله إلى سنة فلا حنث عليه.
حمدون بن إسماعيل بن داود النديم
قدم دمشق في صحبة المتوكل.
حدث حمدون بن إسماعيل عن أبيه عن المعتصم عن المأمون عن الرشيد عن المهدي عن المنصور عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا تحتجموا يوم الخميس، فإنه من يحتجم فيه فيناله مكروه فلا يلومن إلا نفسه.
عزى حمدون بن إسماعيل إسحاق بن إبراهيم بعبد الله بن طاهر فقال: من الخفيف
لم تصب أيّها الأمير بعبد الله ... لكن به أصيب الأنام(7/249)
وسيكفيكم البكاء عليه ... أعين المسلمين والإسلام
توفي سنة أربع وخمسين ومئتين.
حمدية الخشاب المصري
قدم دمشق.
قال أبو الحسن علي بن الحسن بن علي بن فهر: اجتمعنا بمصر في منزل أبي عبد الله محمد بن محمد بن حمدون، الرجل الصالح، ومعنا شاب جميل عفيف، يقال له: علي بن حمدية الخشاب، وكان حسن الصوت بالقرآن، فتذاكرنا حب الصحابة وفضائلهم وبعض الروافض وكفرهم، فحدثنا عن أبيه حمدية، أنه أخبره قال: كنت كثير التخليط في شبيبتي، مرتكباً للمعاصي، وكنت مخالطاً لغلام حدث على ريبة، فوجدت عليه يوماً موجدة شديدة لرؤيتي له مع غيري.
فلما خلوت معه حملني الغيظ عليه أن قتلته وقطعت أعضاءه وجعلته في مكتل، ورميت به في النيل.
وكان أبواه قد عرفا صحبته إياي، وكانا لا يمنعانه مني مخافة عليه مني، فلما فقداه سألاني عنه، فقلت لهما: مالي به علم، فقالا: نخشى أنك قتلته، فقال لهما: لم أفعل ولقد ذهب مع غيري، وأنا أجتهد في طلبه حيث أطمع به.
ثم خرجت، فإذا بنفسي لا أستقر في بلد حتى أتيت دمشق.
فبينا أنا ليلة من الليالي ساهراً، إذ سمعت ضرباً شديداً بجانب بيتي حتى قلقت من سماعه، فلما أصبحت نقبت الجدار الذي بيني وبين البيت حتى فتحت فيه مقدار ما أبصر بعيني الواحدة.
فلما جن الليل، وهدأت الأصوات سمعت الحركة والكلام، فتأملت، فإذا شيخ يقول: هاتوا أبا بكر. فقدمت بين يديه صورة رجل فخاطبها فقال: يا أبا بكر، فعلت كذا وصنعت كذا وصنعت كذا، ثم أمر بضرب الصورة حتى عددت مئتي جلدة، ثم قال: ارفعوا عنه. هاتوا عمر، فأتي بصورة أخرى، فضربت مثل ذلك، ثم قال:(7/250)
ارتفعوا عنه، هاتوا عثمان، فأتي بصورة أخرى، فضربت مثل ذلك، ثم قال: ارفعوا عنه. هاتوا علياً، فأتي بصورة أخرى فقال: يا علي من اضطرك أن تصعد منبر الكوفة في جمع الناس، فتقول: ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر، ولو شئت لسميت الثالث؟ ما الذي أردت بهذا؟ ما حملك على هذا؟ ثم أمر بضربها، فضرب أربع مئة جلدة، ضاعف عليه الضرب ثم قال: ارفعوا عنه الضرب.
قال: فقلت في نفسي: حمدية، أليس قد قتلت غلاماً لا ذنب له، وعصيت الله إلى وقتك هذا؟ فلئن يسر لك قتل هذا الشيخ ليتوبن الله عليك من كل ما اكتسبت يداك ثم ترجع إلى أبوي الغلام، فتعطيهما القود من نفسك.
فأصبحت ولم يكن أول عملي إلا شحذ سكيني حتى رضيت، فلما أمسيت إلى قريب من وقت الشيخ في الليل خرجت حتى وقفت على باب الشيخ، فقرعت عليه بابه فقال: من هذا؟ فقلت: أنا جارك في هذا البيت الذي يليك، فلما فتح الباب، قلت له: أنا رجل غريب، وجئت وقتاً فائتاً بغير عدة، وقد أدركني عطش شديد فاسقني، فقال: نعم.
فلما ولى ليأتيني بالماء، اقتحمت عليه الباب فضربته بين كتفيه بالخنجر أنفذته بها، ثم صرعته فذبحته، وخرجت ساعتي تلك من البيت.
فلما أصبحت عزمت على الرجوع إلى مصر لألقى أبوي الغلام، فأقر لهما، فيفعلا بي ما أحبا.
فلما بلغت الشام، ركبت البحر، فنزلت بساحل تنيس، فإذا أنا بأبوي الغلام، فسلمت عليهما، فردا علي السلام، وسألاني عن حالي، فقلت لهما: إني قتلت ابنكما، فاذهبا بي إلى بدر والي تنيس، يأخذ لكما مني القود. فقالا: اذهب معنا إلى البيت، فذهبت معهما فوضعا بين يدي طعاماً فقلت: قد سماه لي فأكلت وأكلا معي، وأظهرا لي الترحيب والإكرام؛ فعجبت لذلك.(7/251)
فقالا لي: بأي عمل نلت عناية سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بك وشفاعته عندنا فيك؟ قلت: فكيف ذلك؟ فقال أبو الغلام: إني لنائم ذات ليلة وهي الليلة التي قتلت فيها الشيخ رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لي: أحب أن تهب لي دم ابنك الذي قتله حمدية، قلت: قد فعلت يا رسول الله، فأيقظتني هذه يعني زوجته وأخبرتني أنها رأت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم، فسألها فيما سألني، ففعلت فعلي، وخرجنا نلتمسك، وقد وهبنا دم ابننا لك، فاذهب راشداً حيث شئت لا سبيل عليك.
قال: فلزم حمدية بعد ذلك الغزو والجهاد، لم يفارقه، ولم يأو تحت سقف بيت حتى لقي الله عز وجل رحمه الله.
حمد بن الحسين بن أحمد ابن دارست
أبو المحاسن الشيرازي قدم دمشق.
وحدث بها سنة ثمان وسبعين وأربع مئة عن أبي طالب عفيف بن عبد الله بن عفيف الإسعردي بسنده عن الزبير عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود.
حمد بن عبد الله بن علي
أبو الفرج المقرئ صاحب الدار الموقوفة بباب البريد المعروفة بدويرة حمد، كان من معدلي الشهود بدمشق، ومن حفاظ القرآن.
حدث أبو الفرج المقرئ قال: قال أستاذي أبو سهل المقرئ بدمشق: إذا حججت فالعق الحجر واسأل ما شئت، قال: فحججت فلعقته وسألت حفظ القرآن، فرزقته.(7/252)
توفي سنة إحدى وأربع مئة. وجد في داره بمحلة باب البريد في الدار المعروفة بالعثماني مذبوحاً، وذبحت معه امرأة عجوز تخدمه وصبي كان قريباً له، ولم يعرف فاعل ذلك.
حمد بن محمد أبو الشكر
الأصبهاني المقرئ حدث عن أبي القاسم علي بن أحمد المدني بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها.
حمران بن أبان بن خالد
ابن عبد عمرو بن عقيل بن عامر بن جندلة بن جذيمة بن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس مناة بن النمر بن قاسط النمري سبي من عين التمر، ويقال: إن اسم أبيه أبي، كان للمسيب بن نجبة، فابتاعه منه عثمان بن عفان أعتقه فهو مولى عثمان، بعثه إلى الكوفة ليسأل عن عاملها فكذبه وأخرجه من جواره فنزل البصرة.
قال أبو صخرة جامع بن شداد: سمعت حمران بن أبان يحدث أبا بردة في مسجد البصرة، وأنا قائم معه، أنه سمع عثمان يحدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من أتم الوضوء كما أمر الله تعالى، فالصلوات الخمس كفارات لما بينهن.
وحدث حمران عن عثمان بن عفان قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ليس لابن آدم فيما سوى ثلاث حق: بيت يكنه، وطعام يقيم صلبه، وثوب يستره.
قال الحسن: قلت لحمران: مالك لا تعمل بهذا الحديث؟ قال: إن الدنيا تقاعد بي.
قال مصعب بن عبد الله الزبيري: محمد بن سيرين من عين التمر من سبي خالد بن الوليد، وكان خالد بن الوليد وجد بها أربعين غلاماً مختنين فأنكرهم فقال: إنا كنا أهل مملكة، ففرقهم في الناس، فكان سيرين منهم، فكاتبه أنس، فعتق في الكتاب. ومنهم حمران بن أبان، وإنما كان ابن أبا، فقال بنوه: ابن أبان.(7/253)
قدم شيخ أعرابي فرأى حمران فقال: من هذا فقالوا: حمران بن أبان. فقال: لقد رأيت هذا، ومال رداؤه عن عاتقه، فابتدره مروان بن الحكم وسعيد بن العاص أيهما يسويه.
وروي أن حمران بن أبان مد رجله؛ فابتدره معاوية وعبد الله بن عامر أيهما يغمزه، وكان الحجاج أغرم حمران مئة ألف، فبلغ ذلك عبد الملك بن مروان؛ فكتب إليه: إن حمران أخو من مضى وعم من بقي، فاردد عليه ما أخذت منه، فدعا بحمران فقال: كم أغرمناك؟ فقال: مئة ألف، فبعث بها إليه على غلمان وقال: هي لك مع الغلمان عشرة، فقسمها حمران بين أصحابه وأعتق الغلمان، وإنما كان أغرمه الحجاج أنه كان ولي لخالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد سابور.
روى الليث بن سعد:
أن عثمان بن عفان اشتكى شكاة خاف فيها؛ فأوصى واستخلف عبد الرحمن بن عوف، وكان عبد الرحمن في الحج، وكان الذي ولى كتابه ووصيته حمران مولى عثمان، فأمره ألا يخبر بذلك أحداً، فعوفي عثمان من مرضه، وقدم عبد الرحمن بن عوف، فلقيه حمران فسأله عن حال عثمان، فأخبره بالذي أصابه من المرض، وأسر إليه الذي كان من استخلافه إياه، فقال عبد الرحمن لحمران: ماذا صنعت؟ مالي بد من أن أخبره، فقال حمران: إذاً والله تهلكني، فقال: والله ما يستعني ترك ذلك لئلا يأمنك على مثلها، ولكن لا أفعل حتى أستأمنه لك.
فقال عبد الرحمن لعثمان: إن لبعض أهلك ذنباً، ليس عليك إثم في العفو عنه، ولست مخبرك حتى تؤمنه. فقال عثمان: فقد فعلت، فأخبره بالذي أسر إليه حمران، فدعا حمران. فقال: إن شئت جلدتك مئة، وإن شئت فاخرج عني، فاختار الخروج فخرج إلى الكوفة.
توفي حمران بعد خمس وسبعين.(7/254)
حمرة بن عبد كلال
وهو ابن اليشرح ابن عبد كلال بن عريب الرعيني قال حمرة بن عبد كلال: سار عمر بن الخطاب إلى الشام بعد مسيره الأول، كان إليها حتى إذا سار فيها بلغه ومن معه أن الطاعون فاشٍ فيها، فقال له أصحابه: ارجع ولا تقحم عليهم، فلو نزلتها لم نر لك الشخوص عنها.
وانصرف راجعاً، وعرس ليلته تلك وأنا أقرب القوم منه، فلما ابتعث ابتعثت معه في إثره فسمعته يقول: ردوني عن الشام بعد أن شارفت عليها لأن الطاعون فيه، ألا وما منصرفي عنه بمؤخر في أجلي، ولا كان قدوميه بمعجل عن أجلي، فلو قدمت المدينة ففرغت من حاجات لا بد لي منها، لقد سرت حتى أحل الشام، ثم أنزل حمص، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ليبعثن الله منها يوم القيامة سبعين ألفاً لا حساب عليهم ولا عذاب عليهم، مبعثهم فيما بين الزيتون وحائطها في البرث الأحمر منها.
وحمرة: بضم الحاء المهملة وسكون الميم وراء مهملة. وشهد فتح مصر.
حمرة بن مالك بن سعد الهمداني
ممن وفد على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وجوه أهل الشام، وممن وجهه أبو بكر الصديق إلى الشام، وشهد صفين مع معاوية، وكان أميراً يومئذ على همدان الأردن، وكان أحد شهوده حين صالح علياً على تحكيم الحكمين.(7/255)
قدم وفد همدان على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عليهم مقطعات الحبرة ملففة بالديباج، وفيهم حمرة بن مالك ذي مشعار فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم الحي همدان، ما أسرعها إلى النصر وأصبرها على الجهد. ومنهم أبدال وفيهم أوتاد الإسلام، فأسلموا، وكتب لهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاباً بمخلاف خارف ويام وشاكر وأهل الهضب وخفاف الرمل من همدان لمن أسلم منهم.
روي أن حمرة بن مالك هاجر من اليمن إلى الشام في أربع مئة عبد، فأعتقهم فانتسبوا جميعاً إلى همدان بالشام، فلذلك كره أهل العراق أن يزوجوا أهل الشام لكثرة دغلهم ومن انتمى إليهم من غيرهم.
حمزة بن أحمد بن حمزة
أبو يعلى القلانسي السبعي الرجل الصالح حدث عن أبي منصور بن رائش بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر، فتخلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأرهقتنا الصلاة قال: فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن نتوضأ، فنادى منادي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثاً: ويل للأعقاب من النار.
توفي حمزة القلانسي سنة خمسين وأربع مئة، وكان عبداً صالحاً، أقام ببيت في الجامع أربعين سنة بلا غطاء ولا وطاء رحمه الله.(7/256)
حمزة بن أحمد بن علي بن معصرة
ويقال: حمزة بن محمد أبو يعلى الأنصاري المتعبد حدث بمسجد أبي صالح بسنده إلى أبي سليمان الداراني قال: ليست أعمال العباد بالتي ترضيه ولا تغضبه، إنما هو رضي عن قوم فاستعملهم بأعمال الرضا، وسخط على قوم فاستعملهم بأعمال الغضب.
حمزة بن أحمد بن فارس
أبو يعلى بن كروس السلمي كان شيخاً حسن السمت، وتاب توبة نصوحاً.
حدث عن نصر بن إبراهيم بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
من قرأ " قل هو الله أحد " مرة بورك عليه، فإن قرأها مرتين بورك عليه وعلى أهله، فإن قرأها ثلاثاً بورك عليه وعلى أهله وعلى جيرانه، وإن قرأها اثنتي عشرة مرة بنى الله له بها اثني عشر قصراً في الجنة، وتقول الحفظة: انطلقوا بنا ننظر إلى قصور أخينا، فإن قرأها مئة مرة كفرت عنه ذنوب خمس وعشرين سنة ما خلا الدماء والأموال، فإن قرأها مئتي مرة كفر عنه ذنوب خمسين سنة ما خلا الدماء والأموال، وإن قرأها ثلاث مئة مرة كتب له أجر أربع مئة شهيد، كل قد عقر جواده وأهريق دمه، وإن قرأها ألف مرة لم يمت حتى يرى مكانه من الجنة أو يرى له.
ولد سنة ثلاث وسبعين وأربع مئة، وتوفي سنة سبع وخمسين وخمس مئة.(7/257)
حمزة بن بيض الحنفي
شاعر مقدم في الشعراء، وفد على سليمان بن عبد الملك وامتدحه قبل الخلافة.
حكى ابن ماكولا نسبه في موضعين أحدهما: حمزة بن بيض بن نمر بن عبد الله بن شمر. والآخر حمزة بن بيض بن يمن بن عبد الله بن شمر.
من شعره في سليمان بن عبد الملك: من المنسرح
لم تدر ما، لا، ولست قائلها ... عمرك، ما عشت آخر الأبد
ولم تؤامر نفسيك ممترياً ... فيها وفي أختها ولم تكد
وهي على أنها أخفّهما ... أثقل حملاً عليك من أحد
لما تعوّدت من نعم، ونعم ... ألذّ في فيك من جنى الشّهد
إلاّ يكن عاجلٌ تعجّله ... بغضاً للا أن تقولها تعد
وما تعد في غد يكن غدك ال ... واجب للسائلين خير غد
ومن شعره في يزيد بن المهلب أو مخلد بن يزيد: من الكامل
ومتى يؤامر نفسه مستخلياً ... في أن يجود لذي الإخاء تقل جد
أو أن يعود له بنفحة نائل ... بعد الكرامة والحياء تقل عد
أو في الزيادة بعد جزل عطائه ... للمستزيد من العفاة تقل زد
أو في الوفود على أسير موثقٍ ... بخلت أقاربه عليه تقل فد
أو في ورود شريعةٍ محفوفةٍ ... بالمشرفيّة والرماح تقل رد
ونعم بفيه ألذّ حين يقولها ... طعماً من العسل المشور بفي الصّدي(7/258)
حمزة بن أسد بن علي بن محمد
أبو يعلى التميمي المعروف بابن القلانسي العميد ولي رئاسة دمشق مرتين، وكان أديباً له نثر ونظم، وصنف تاريخاً للحوادث بعد سنة أربعين وأربع مئة إلى حين وفاته، وكان يكتب له في سماعه أبو العلاء المسلم بن القلانسي، فذكر أنه هو، وأنه كذلك كان يسمى. فمن شعره: من البسيط
يا نفس لا تجزعي من شدّة عظمت ... وأيقني من إله الخلق بالفرج
كم شدّةٍ عرضت ثم انجلت ومضت ... من بعد تأثيرها في المال والمهج
ومن شعره: من الكامل
إياك تقنط عند كل شديدةٍ ... فشدائد الأيام سوف تهون
وانظر أوائل كلّ أمرٍ حادثٍ ... أبداً فما هو كائنٌ سيكون
مات أبو يعلى القلانسي في ربيع الأول سنة خمس وخمسين وخمس مئة.
حمزة بن الحسن بن العباس
ابن الحسن بن أبي الجن الحسين بن علي بن محمد بن علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين بن علي أبو يعلى بن أبي محمد القاضي المعروف بفخر الدولة ولي قضاء دمشق من قبل أبي الحسن علي الملقب بالظاهر بن الحاكم، وولي النقابة بمصر، وجدد بدمشق مساجد ومنابر وقنياً، وأجرى الفوارة التي في جيرون، وذكر أنه وجد في تذكرته صدقة كل سنة سبعة آلاف دينار. وهو الذي أنشأ القيسارية المعروفة بالفخرية.(7/259)
قال الشريف: أبو الغنائم النسابة: أردت المسير إلى دمشق، فودعت الشريف فخر الدولة وكان إذ ذاك بمصر، وقلت وقت توديعي له: من البسيط
أستودع الله مولاي الشريف وما ... يحويه من نعمٍ تبقى ويوليها
وإنني عند توديعي لحضرته ... ودّعت من أجله الدنيا وما فيها
فلما سمع البيتين أقسم علي أن أقيم فأقمت، وأنعم علي، وأنشدني أبياتاً لقس بن ساعدة الإيادي: من الكامل
علم النجوم على العقول وبال ... وطلاب شيءٍ ما ينال ضلال
ماذا طلابك علم شيءٍ أغلقت ... من دونه الأبواب والأقفال
افهم فما أحدٌ بغامض فطنةٍ ... يدري متى الأرزاق والآجال
إلا الذي من فوق سبعٍ عرشه ... فلوجهه الإكرام والإجلال
ولد الشريف فخر الدولة سنة تسع وستين وثلاث مئة، وتوفي سنة أربع وثلاثين وأربع مئة.
حمزة بن الحسن بن المفرج
أبو يعلى الأزدي المقرئ المعروف بابن أبي خيش دلال الكتب، كان أقطع اليد اليمنى، وينسخ باليد اليسرى، خطاً رديئاً.
سئل عن سبب قطع يده، فذكر أنه في صباه كان عند فوارة جيرون، وأن قطاراً من جمال جيء بها لتشرب من الفوارة، فدخل القطار بين عمدها، فسقطت، فوقع على يده حرف رصاصة، فذهبت.
روى عن أبي القاسم بن أبي العلاء بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً، ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه.
توفي أبو يعلى بن أبي خيش سنة أربع وثلاثين وخمس مئة.(7/260)
حمزة بن خراش أبو يعلى
قال أبو يعلى حمزة بن خراش: كان لأبي بضعة عشر ولداً وكنت أصغرهم قال: فمر به عبد الله القشيري فسلم عليه، فرد عليه السلام فقال له: امسح يدك برأس ابني، فمسح يده على رأسي، ودعا لي بالبركة، فقال له أبي: أفد ابني هذا.
فقال القشيري: حدثني أنس بن مالك قال: كنت أصحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسمعته وهو يقول: اللهم أطعمنا من طعام الجنة، قال: فأتي بلحم طير مشوي وضع بين يديه فقال: اللهم ائتنا بمن تحبه ويحبك ويحب نبيك ويحبه نبيك. قال أنس: فخرجت فإذا علي بن أبي طالب بالباب، قال: فاستأذن لي، فلم آذن له، فقعدت فسمعت من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل ذلك، قال أنس: فخرجت فإذا علي بالباب فاستأذنني، فلم آذن له. قال أبو حفص الحدباني أحسبه قال ثلاثاً، فدخل بغير إذني، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما الذي بطأ بك يا علي؟ قال: يا رسول الله، جئت لأدخل فحجبني أنس. قال: يا أنس لم حجبته؟ قال: يا رسول الله لما سمعت الدعوة أحببت أن يجيء رجل من قومي فيكون له، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تضر الرجل محبة قومه ما لم يبغض سواهم.
حمزة بن عبد الله بن الحسين
ابن أبي بكر بن عبد الله أبو القاسم ابن الشام الأطرابلسي الشاهد الفقيه الأديب قدم دمشق وحدث بها وبغيرها روى عن أحمد بن صالح المقرئ بسنده عن عطية بن قيس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيما عبد جاءته موعظة من الله عز وجل في دينه فإنها نعمة من الله عز وجل سيقت إليه، فإن قبلها يشكر، وإلا كانت حجة من الله ليزداد بها إثماً ويزداد الله بها سخطاً.(7/261)
حمزة بن عبد الله بن سليمان
ابن أبي كريمة الصيداوي حدث عن عبيد بن حبان بسنده عن ابن عمر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: إنما مثل القرآن كمثل الإبل المعقلة، إن تعاهدها صاحبها أمسكها، وإن أطلق عنها ذهبت.
حمزة بن عبد الله بن عمر
ابن الخطاب أبو عمارة القرشي العدوي قال حمزة بن عبد الله: سمعت عبد الله بن عمر يقولك قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما يزال الرجل يسأل حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم، وقال: إن الشمس تدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن، فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم فيقول: لست صاحب ذلك، ثم يأتون موسى فيقول كذلك، ثم يأتون محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين اخلق، فيمشي حتى يأخذ بحلقة الجنة، فيومئذ يبعثه الله مقاماً محموداً يحمده أهل الجمع كلهم.
وحدث عن أبيه عبد الله بن عمر قال: كانت تحتي امرأة كنت أحبها، وكان أبي يكرهها، فأمرني بطلاقها فأبيت؛ فذكر ذلك عمر لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا عبد الله طلقها.
وأم حمزة أو ولد.
حمزة بن عبد الله أبو يعلى
حدث عثمان بن دارس المكي قال: كنت جاراً للفضيل بن عياض، فكان يصلي ورده فإذا قضى ذلك قال: اللهم إنك أنعمت على الصالحين وأثنيت عليهم، وأنا عبدك فأنعم علي وأثن علي.(7/262)
حمزة بن عبد الرزاق بن محمد
ابن سعيد أبو الحسن العطار الشاهد روى عن أبي بكر يوسف بن القاسم الميانجي بسنده عن المقدام بن شريح بن هانئ عن أبيه عن جده هانئ قال: قلت: يا رسول الله، مرني بعمل، قال: أطعم الطعام وأفش السلام.
حمزة بن عثمان
أبو الأغر العبيدي الحمصي حدث بدمشق عن أبي الحسين محمد بن عبيد الله بن الفضل الحمصي بسنده عن أنس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من ترك الكذب وهو باطل بني له في ربض الجنة، ومن ترك المراء وهو محق بني له في وسطها، ومن حسن خلقه بني له في أعلاها.
حمزة بن عثمان بن أحمد
أبو يعلى الرزماني الكشمني الصوفي المقرئ سكن دمشق.
روى عن مكي بن عبد السلام بن الحسين بن القاسم المقدسي بسنده عن سالم عن أبيه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يشتمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.
حمزة بن علي بن هبة الله
ابن الحسن بن علي أبو يعلى الثعلبي البزار المعروف بابن الحبوبي روى عن أبي القاسم بن أبي العلاء بسنده عن أنس في دعاء ذكره عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه كان يتعوذ من عذاب القبر.
ولد سنة اثنتين وسبعين وأربع مئة، وتوفي سنة خمس وخمسين وخمس مئة.(7/263)
حمزة بن عمرو بن عويمر
ابن الحارث بن الأعرج بن سعد بن رزاح بن عدي بن سهم بن مازن بن الحارث بن سلامان ابن أسلم بن أفصى أبو صالح ويقال أبو محمد الأسلمي له صحبة.
روى: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه ورهطاً معه سرية إلى رجل من عذرة فقال لهم: إن قدرتم على فلان فاحرقوه بالنار، قال: فانطلقوا حتى إذا تواروا منه ناداهم، وأرسل إليهم في إثرهم فردهم فقال: إن قدرتم عليه فاقتلوه، ولا تعذبوا بالنار؛ فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار.
وعنه أيضاً أنه قال: يا رسول الله، إني رجل أسرد الصوم، أفأصوم في السفر؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن شئت فصم وإن شئت فأفطر.
وفي حديث آخر عنه قال: يا رسول الله إني أجد بي قوة على الصوم في السفر فهل علي جناح؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هي رخصة الله فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح.
قال حمزة بن عمرو: لما كنا بتبوك، وأنفر المنافقون بناقة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العقبة حتى سقط بعض متاع رحله، قال حمزة: فنور لي في أصابعي الخمس فأضاءت حتى جعلت ألقط ما شذ من المتاع: السوط والحبل وأشباه ذلك.(7/264)
قال: وكان حمزة هو الذي بشر كعب بن مالك بتوبته، وما نزل فيه من القرآن، فنزع كعب ثوبين كانا عليه فكساهما إياه، فقال كعب: والله ما كان لي غيرهما.
قال: فاستعرت ثوبين من أبي قتادة.
وفي حديث آخر أنه قال: تفرقنا في سفر مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ليلة ظلماء دحمسة، فأضاءت أصابعي حتى جمعوا عليها ظهورهم وما هلك منهم، وإن أصابعي لتنير.
وعن حمزة بن عمرو أيضاً قال: كان طعام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدور على أصحابه على هذا ليلة، وعلى هذا ليلة، فدار علي، فعملت طعاماً لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم ذهبت به فتحرك النحي فأهريق ما فيه فقلت: على يدي أهريق طعام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجلس. فقلت: لا أستطيع يا رسول الله، فرجعت فإذا النحي يقول: قب، قب فقلت: فضلت فيه فضلة، فاجتذبته فإذا هو قد ملئ إلى يديه، فأوكيته، ثم جئت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرت له ذلك فقال: أما إنك لو تركته لملئ إلى فيه فأوكه.
والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الذي كنى حمزة أبا صالح.
وعن حمزة أيضاً: أنه سئل عن الصوم، قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما أحد من القوم إلا وله شخص في دابة أو بعير غيري يعتقب عليه، قال: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعقبني على(7/265)
راحلته قال: وسماني متعباً، وكان من أحب أسمائي إلي أن أدعى به، قال: وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يا متعب هلم فاركب، فأقول: يا رسول الله، إني أجد بي قوة، قال: فكان مما يدعوني المرة والمرتين والثلاث، قال: ثم ينزل فيحملني.
قال متعب: وكنت أغزو مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابي أصحاب نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيفطر بعضنا ويصوم بعضنا في رمضان وفي غيره، فما يعيب المفطر على الصائم، ولا الصائم على المفطر.
توفي حمزة سنة إحدى وستين وهو ابن إحدى وسبعين. وقيل: ابن ثمانين.
حمزة بن القاسم أبو محمد الشامي
حدث حمزة قال: اجتزت بكنيسة الرها فدخلتها لأشاهد ما كنت أسمعه عنها، فبينا أنا في طوافي إذ قرأت على ركن من أركانها مكتوباً بحمرة: حضر فلان بن فلان وهو يقول: من إقبال ذي الفطنة إذا ركبته المحنة انقطاع الحياة وحضور الوفاة، وأشد العذاب تطاول الأعمار في ظل الإدبار وأنا القائل: من الطويل
ولي همة أدنى منازلها السّها ... ونفسٌ تعالى في المكارم والنهى
وقد كنت ذا حالٍ بمرو قويةٍ ... فبلّغت الأيام بي بيعة الرّها
ولو كنت معروفاً بها لم أقم حياً ... ولكنني أصبحت ذا غربةٍ بها
ومن عادة الأيام إبعاد مصطفى ... وتفريق مجموعٍ وتنغيص مشتهى
قال: فاستحسنت النثر والنظم وحفظتهما.(7/266)
حمزة بن محمد بن أحمد بن سلامة
ابن محمد بن الحسين بن يزيد بن أبي جميل أبو يعلى البزار المعروف بابن أبي الصقر روى عن أبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي بسنده عن ابن عباس قال: كان اسم جويرية برة، فغيره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسماهما جويرية، فمر بها بكراً، فإذا هي في مجلسها تسبح وتذكر الله عز وجل، فانطلق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحاجته، ثم رجع بعدما ارتفع النهار، فقال: يا جويرية ما زلت في مجلسك هذا؟ قالت: نعم، ما زلت في مجلسي هذا. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لقد تكلمت بأربع كلمات أعدتهن ثلاث مرات هن أفضل مما قلت: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضى نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته.
توفي أبو يعلى بن أبي الصقر سنة خمس وثلاثين وخمس مئة.
حمزة بن محمد بن جعفر
أبو يعلى بن الرواس الأنصاري روى عن يعقوب بن عبد الرحمن بسنده عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حبس في تهمة.
وحدث عن عبد العزيز بن محمد بسنده عن أحمد بن حنبل قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: اهتمامك لرزق غدٍ يكتب عليك خطيئة.(7/267)
حمزة بن محمد بن الحسن بن محمد
ابن علي بن محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن عامر بن عبد الله بن الزبير بن العوام أبو القاسم الزبيري البغدادي قدم دمشق سنة ثمان وخمسين وأربع مئة.
حدث عن أبي القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد الله الخرقي بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: قال رجل من أهل الكتاب: إن الله يحمل الخلائق على أصبع والشجر على أصبع، قال: فضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى بدت نواجذه، وأنزل الله عز وجل: " وما قدروا الله حق قدره ".
ولد حمزة الزبيري سنة ثمان وأربع مئة، وتوفي سنة تسع وثمانين وأربع مئة.
حمزة بن محمد بن حمزة
ابن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو يعلى العلوي الزيدي القزويني حدث بدمشق سنة اثنتين وسبعين وثلاث مئة عن أبي بكر محمد بن جعفر بن محمد بن الهيثم الأنباري بسنده عن كعب بن عجرة قال: لما نزلت هذه الآية: " يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ". جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله، هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة؟ قال: قل: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد.(7/268)
حمزة بن محمد بن عبد الله
ابن محمد أبو طالب الجعفري الطوسي الصوفي سمع بدمشق وبغيرها.
حدث عن عبد الوهاب بن الحسن بدمشق بسنده عن أبي هريرة قال: ضحك الله من رجلين، قتل أحدهما صاحبه ثم دخلا الجنة.
وحدث عن أبي القاسم عبد الواحد بن أحمد الهاشمي بسنده عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: طلب الحق غربة.
وروى بسنده عن الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي يقول: من المنسرح
صبراً جميلاً ما أقرب الفرجا ... من راقب الله في الأمور نجا
من صدق الله لم ينله أذىً ... ومن رجاه يكون حيث رجا
توفي أبو طالب سنة ثمان وأربعين وأربع مئة.
حمزة بن محمد بن علي بن العباس
أبو القاسم الكناني الحافظ المصري
روى عن أبي عبد الله محمد بن أحمد العريني بسنده عن عمرو بن معاذ الأنصاري عن جدته حواء قالت: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ردوا السائل ولو بظلف محرق.
وحدث عن أبي الحسن محمد بن عون بسنده عن أبي أمامة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: خير الكفن الحلة، وخير الضحايا الكبش الأقرن.
توفي سنة سبع وخمسين وثلاث مئة.(7/269)
وكان حافظاً ثقة ثبتاً.
وجاءه رجل غريب فقال له: إن عسكر أبي تميم المغاربة قد وصلوا الإسكندرية، فقال حمزة بن محمد: اللهم لا تحيني حتى تريني الرايات الصفر، فمات حمزة رحمه الله، ودخل عسكرهم بعد موته بثلاثة أيام.
قيل: إنه ولد سنة خمس وسبعين ومئتين، ومات ابن اثنتين وثمانين سنة.
حمزة بن هبة الله بن سلامة
ابن أحمد بن محمد بن سباع أبو يعلى القرشي العثماني روى عن علي بن الخضر بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بعثت بجوامع الكلم.
ولد حمزة بن هبة الله سنة ثلاث وثلاثين وأربع مئة، وتوفي سنة إحدى وخمس مئة.
حمزة بن يوسف بن إبراهيم
ابن موسى بن إبراهيم بن محمد ويقال: ابن إبراهيم بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله ابن هشام بن العاص بن وائل أبو القاسم السهمي الجرجاني الحافظ سمع بدمشق.
حدث عن أبي أحمد عبد الله بن عدي الحافظ وغيره بسندهم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كرم المرء دينه، ومروءته عقله، وحسبه خلقه.
وروى أبو القاسم السهمي عن الحسين بن عمر الضراب، قال: أنشدنا سمعان الصيرفي: من مخلع البسيط
أشدّ من فاقة الزمان ... مقام حرٍّ على هوان
فاسترزق الله واستعنه ... فإنّه خير مستعان(7/270)
وإن نبا منزلٌ بحرٍّ ... فمن مكانٍ إلى مكان
توفي سنة ثمان وعشرين وأربع مئة، وقيل: سنة سبع وعشرين.
حميدان بن نصر بن حصين
أبو جعفر البغدادي حدث بدمشق.
روى عن نصر بن بابان بسنده عن عثمان بن عفان: في المحرم يشم الريحان؟ قال: نعم، ويدخل البستان.
توفي حميدان بدمشق سنة ست وستين ومئتين.
حميد بن أبي حميد
واسم أبي حميد تيرويه ويقال تير وفيه اختلاف أبو عبيدة الخزاعي مولى طلحة الطلحات البصري المعروف بحميد الطويل حدث عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في طريق ومعه أناس من أصحابه، فعرضت له امرأة، فقالت: يا رسول الله لي إليك حاجة. فقال: يا أم فلان اجلسي في أدنى نواحي السكك حتى أجلس إليك، ففعلت فجلس إليها حتى قضت حاجتها.
وحدث عنه أيضاً قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصائم بالخيار ما بينه وبين نصف النهار.
وعن حميد قال: صليت خلف عمر بن عبد العزيز، فسلم تسليمة.(7/271)
وفي رواية: فسلم واحدة.
قال الأصمعي: رأيت حميداً ولم يكن بطويل، ولكن كان طويل اليدين.
قال: ولكن كان في جيرانه رجل يقال له: حميد القصير، فقيل حميد الطويل يعرف من الآخر.
قال يحيى بن سعيد: مات حميد الطويل وهو قائم يصلي.
قيل: إنه مات سنة أربعين ومئة.
وقيل: سنة اثنتين وأربعين.
وقيل: سنة ثلاث وأربعين وهو ابن خمس وسبعين سنة.
حميد بن ثور بن عبد الله
ابن عامر بن أبي ربيعة بن نهيك بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن أبو المثنى الهلالي شاعر مشهور إسلامي.
قيل: إنه أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنشده شعراً.
وقيل: إنه أدرك الجاهلية وقال الشعر في زمن عمر بن الخطاب، ووفد على بعض خلفاء بني أمية.
قال الأصمعي: الفصحاء من شعراء العرب في الإسلام أربعة: راعي الإبل النميري، وتميم بن مقبل العجلاني، وابن أحمر الباهلي، وحميد بن ثور الهلالي، وكلهم من قيس عيلان.(7/272)
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو لم يكن لابن آدم إلا الصحة والسلامة لكفاه بهما داءً قاتلاً.
قال الهيثم: فأخذ حميد بن ثور الهلالي فقال: من الطويل
أرى بصري قد رابني بعد صحّةٍ ... وحسبك داءً أن تصحّ وتسلما
ولن يلبث العصران يوماً وليلةً ... إذا اختلفا أن يدركا ما تيمّما
حميد بن حريث بن بحدل الكلبي
من وجوه أهل دمشق وفرسان قحطان، وولي شرطة يزيد بن معاوية.
قال عوانة:
دخل رجل من أهل الشام على عبد الملك فقال له: يا أمير المؤمنين إني قد تزوجت امرأة، وزوجت ابني أمها، ولا غنى بي عن رفدك، فقال له: إن أخبرتني بقرابة ما بين ولديكما فعلت ما تريد. فقال: يا أمير المؤمنين هذا حاجبك حميد بن بحدل، قد قلدته سيفك وحجابك، فسله عنها، فإن أصاب كان حرماني بحجة، وإن أخطأ اتسع العذر لي.
فدعا به، فسأله عن ذلك فقال: يا أمير المؤمنين: إنك لم تقدمني على علم بالأنساب ولا لتصرف في الآداب، وإنما قدمتني لضربي بالسيف وطعني بالرماح: ابن الأب عم ابن الابن، وابن الابن خال ابن الأب، وأنا أسأل أمير المؤمنين أن يصل هذا الرجل بما أمله عنده، فضحك واسترجحه. ووصل الرجل.
قال عوانة: لم يؤيد الملك بمثل كلب، ولم تعل المنابر بمثل قريش، ولم يطلب التراث بمثل تميم،(7/273)
ولم ترع الرعايا بمثل ثقيف، ولم تسد الثغور بمثل قيس، ولم تهيج الفتن بمثل ربيعة، ولم يجب الخراج بمثل اليمن.
حميد بن الحسن بن عبد الله
أبو الحسن الوراق حدث عن إبراهيم بن مروان بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من توضأ فليستنثر، ومن استجمر فليوتر.
حميد بن أبي حميد الدمشقي
حدث عن خالد بن معدان عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أحب آل محمد ولا تكن رافضياً، وارج الأمور إلى الله ولا تكن مرجئاً، واعلم أن ما أصابك فمن الله، ولا تكن قدرياً، واسمع وأطع ولو عبداً حبشياً، ولا تكن خارجياً.
حميد بن زنجويه
واسمه مخلد بن قتيبة بن عبد الله وزنجويه لقب مخلد أبو أحد الأزدي النسائي الحافظ صاحب كتاب الأموال، سمع بدمشق وبمصر وبغيرهما، روى عنه البخاري ومسلم.
روى حميد عن ابي أبي مريم بسنده عن ابن عمر قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ليلة القدر فقال: هي في كل رمضان.
وحدث عن هشام بن عمار بسنده عن أبي أمامة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يقول: تسوكوا فإن السواك مطيبة للفم، مرضاة للرب، ما جاءني صاحبي جبريل عليه السلام إلا أوصاني بالسواك، حتى خشيت أن يفرضه علي وعلى أمتي، ولولا أني أخاف أن أشق على أمتي لفرضته عليهم، وإني لأستاك حتى لقد خشيت أن أحفي مقادم فمي.
توفي سنة إحدى وخمسين ومئتين.(7/274)
حميد بن عقبة بن رومان
أبو سنان الفزاري ويقال القرشي من أهل دمشق.
روى عن أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من زحزح عن طريق المسلمين شيئاً يؤذيهم كتب الله تعالى له بها حسنة، ومن كتب الله له عنده حسنة أوجب له بها الجنة.
حميد بن قيس أبو صفوان
المكي الأعرج مولى بني أسد ابن عبد العزى وقيل: مولى منظور بن زبان الفزاري وهو أخو عمر بن قيس الملقب بسندل روى عنه مالك بن أنس وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة، وفد على عمر بن عبد العزيز.
روى عن مجاهد بسنده عن كعب بن عجرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: لعلك آذاك هوامك؟ قال: فقلت: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك شاة.
وحدث حميد عن مجاهد قال: كنت أطوف مع عبد الله بن عمر فجاءه صائغ فقال: يا أبا عبد الرحمن، إني أصوغ الذهب، ثم أبيع الشيء من ذلك بأكثر من وزنه، فأستفضل في ذلك قدر عمل يدي، فنهاه عبد الله بن عمر عن ذلك، فجعل الصائغ يردد عليه المسألة وعبد الله بن عمر ينهاه حتى انتهى إلى باب المسجد، أو إلى دابته يريد أن يركبها، ثم قال عبد الله بن عمر: الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما، هذا عهد نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلينا، وعهدنا إليكم.
توفي في خلافة أبي العباس، وكانت خلافته سنة اثنتين وثلاثين ومئة.(7/275)
حميد بن محمد بن النضير
أبو الحسن التميمي البعلبكي إمام مسجد بعلبك.
حدث عن عمه إبراهيم بن النضير بسنده عن الحسن: أن أبا موسى الأشعري رأى كأنه يكتب في منامه " ص " فلما انتهى إلى السجدة بدر القلم من يده فسجد، وبدرت الدواة، ولم يبق في البيت شيء إلا سجد، وكل من يسجد معه يقول: اللهم اغفر بها ذنباً واحطط بها وزراً وأعظم بها أجراً.
قال أبو موسى: فغدوت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته فقال: يا أبا موسى سجدة سجدها نبي كانت عندها توبة، فسجدت كما سجد وترقبت كما ترقب.
حميد بن مالك بن مغيث
ابن نصر بن منقذ بن محمد بن منقذ بن نصر بن هاشم أبو الغنائم الكناني المنقذي الملقب بمكين الدولة ولد بشيزر سنة إحدى وتسعين وأربع مئة، ونشأ بها وانتقل إلى دمشق، وفيه شجاعة وعفاف، وله شعر حسن.
قال أبو الغنائم: اشتقت إلى تربة أخي يحيى رحمه الله وأنا بماردين فعملت: من الكامل
بالشام لي جدثٌ وجدت بفقده ... وجداً يكاد القلب منه يذوب
فيه من البأس المهيب صواعقٌ ... تخشى ومن ماء السماح قليب
فارقت حتى حسن صبري بعده ... وهجرت حتى النوم وهو حبيب(7/276)
ومن شعره في الخمر: من الكامل
وسلافةٌ أزرى احمرار شعاعها ... بالورد والوجنات والياقوت
جاءت مع الساقي تنير بكأسها ... فكأنها اللاهوت في النّاسوت
توفي الأمير مكين الدولة في شعبان سنة أربع وستين وخمس مئة.
حميد بن مسلم أبو عبيد الله القرشي
ويقال أبو عبد الله قال حميد.
رأيت واثلة بن الأسقع صاحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى على رجال ونساء، في طاعون أصاب الناس بالشام، فجعل الرجال مما يلي الإمام، والنساء مما يلي القبلة.
وعن حميد بن مسلم أنه سمع بلال بن أبي الدرداء، قال: قال أبو الدرداء: حبك الشيء يعمي ويصم.
حميد بن منبه بن عثمان اللخمي
روى عن أبيه بسنده عن عمر بن عبد العزيز: أنه قال لأبي بردة بن أبي موسى الأشعري: حدثني بحديث ليس بينك وبين أبيك فيه أحد، ولا بين أبيك وبين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه أحد.
فقال: نعم. سمعت أبي يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أمتي أمة مرحومة مقدسة مباركة لا عذاب عليها يوم القيامة، إنما عذابهم بينهم في الدنيا بالفتن.(7/277)
حدث عن أبيه أيضاً بسنده عن أبي مالك الأشعري قال: بعثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سرية، وأمر علينا سعد بن أبي وقاص قال: فسرنا حتى نزلنا منزلاً، فقام رجل فأسرج دابته فقلت له: أين تريد؟ فقال: أريد أتعلف، فقلت له: لا تفعل حتى نسأل صاحبنا، وأتينا أبا موسى الأشعري، فذكرنا ذلك له فقال: لعلك تريد أن ترجع إلى أهلك قال: لا. قال: انظر ما تقول. قال: لا. قال: فامض راشداً.
قال: فانطلق فغاب ثلاثاً، ثم جاء، فقال له أبو موسى: لعلك زرت أهلك قال: لا، قال: انظر ما تقول، قال: نعم، قال أبو موسى: فإنك سرت في النار إلى أهلك، وقعدت في النار، وأقبلت في النار، استقبل.
حميد بن هشام
أبو هشام العنسي الداراني قال حميد: قلت لأبي سليمان عبد الرحمن بن أحمد بن عطية: يا عم لم تشدد علينا؟ وقد قال الله عز وجل في كتابه: " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً، إنه هو الغفور الرحيم " قال: اقرأ، فقرأت: " وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب، ثم لا تنصرون ". قال: اقرأ، فقرأت " واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون. أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله، وإن كنت لمن الساخرين ". " أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين ". فأقمت أياماً ثم قرأ ما يتلو هذا " بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين "، فقلت له: يا عم، قد قال الله تعالى: " بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين " فأنا بحمد الله ونعمته لم أكذب بآيات الله ربي، ولا استكبرت(7/278)
عن عبادته، وما أنا من الكافرين، فمسح يعني رأسي وقال: يا بني اتق الله تعالى وخفه وارجه.
قال حميد بن هشام الداراني: قرأ رجل على أبي سليمان سورة " هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً "، فلما بلغ إلى هذا الموضع " وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً "، قال: فقال أبو سليمان: بما صبروا على ترك الشهوات في الدنيا، وأنشد حميد لبعضهم: من الخفيف
كم قتيلٍ لشهوةٍ وأسيرٍ ... أفّ للمشتهي خلاف الجميل
شهوات الإنسان تورثه الذّلّ ... وتلقيه في البلاء الطويل
حنش بن عبد الله بن عمرو
ابن حنظلة بن نهد بن قنان بن ثعلبة بن عبد الله بن ثامر أبو رشيدين السيئي الصنعاني من صنعاء دمشق؛ صحب علي بن أبي طالب، روى عن ابن عباس ورويفع بن ثابت وجماعة.
قال حنش بن عبد الله: كنا مع فضالة بن عبيد في غزوة، فطارت لي ولأصحابي قلادة فيها ذهب وورق وجوهر، فقال لي أصحابي: اشترها منا نقاربك فيها قال: فقلت: حتى أسأل فضالة بن عبيد فأتيته، فقلت: طارت لي ولأصحابي قلادة فيها ذهب وورق وجوهر، وقد وعدوني أن يقاربوني فيها، فكيف ترى؟(7/279)
قال: انزع ذهبها فاجعله في كفة، واجعل ذهبك في كفة، ثم لا تأخذن إلا مثلاً بمثل، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذن إلا مثلاً بمثل.
وكان حنش إذا فرغ من عشائه وحوائجه وأراد الصلاة من الليل أوقد المصباح، وقرب المصحف، وإناء فيه ماء، فكان إذا وجد النعاس استنشر الماء، وإذا تعايا في آية نظر في المصحف.
وكان حنش إذا جاءه سائل مستطعم لم يزل يصيح بأهله أطعموا السائل، أطعموا السائل حتى يطعم.
قال أبو سعيد بن يونس: حنش بن عبد الله الصنعاني كان مع علي بن أبي طالب بالكوفة، وقدم مصر بعد قتل علي، وغزا المغرب مع رويفع بن ثابت، وغزا الأندلس مع موسى بن نصير، وكان فيمن ثار مع ابن الزبير على عبد الملك بن مروان، فأتي به عبد الملك في وثاق، فعفا عنه، وكان عبد الملك بن مروان حين غزا المغرب مع معاوية بن حديج، نزل عليه بإفريقية سنة خمسين، فحفظ له ذلك، وكان أول من ولي عشور إفريقية في الإسلام.
توفي بإفريقية سنة مئة، وله عقب بمصر، وله بالأندلس آثار.
ويقال: إن جامع مدينة سرقسطة من ثغور الأندلس من بنائه، وإنه أول من اختطه، وقيل: إن قبر حنش بسرقسطة.
قال عبد الله محمد بن المكرم مختصر هذا التاريخ: هذا حنش بن عبد الله هو الراوي عن جدي أبي علي رويفع بن ثابت، وغزا المغرب(7/280)
معه، وروى عنه معه شيبان بن أمية القتباني، وقد ذكرت صلة النسب إلى رويفع بن ثابت في غير موضع من هذا الكتاب والله أعلم.
وحنش الصنعاني من صنعاء الشام.
حنش بن قيس
ويقال ابن علي وحنش لقب واسمه حسين أبو علي الرحبي الصنعاني الهمداني من صنعاء دمشق حدث عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من أعان باطلاً ليدحض باطله حقاً فقد برئ من ذمة الله وذمة رسوله وحدث عن عطاء عن ابن عمر عن ابن مسعود عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس: عن عمرك فيما أفنيت، وعن شبابك فيما أبليت، وعن مالك من أين اكتسبته وفيم أنفقته، وما عملت فيما علمت.
وحسين بن قيس ضعيف الحديث متروك ليس بشيء.
حنظلة بن الربيع بن صيفي
ابن رباح بن الحارث بن معاوية بن مخاشن أبو ربعي التميمي الأسيدي.
كاتب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شهد مع خالد حروبه بالعراق، ثم قدم معه دومة الجندل من كور دمشق، ثم أتى معه إلى سواء، ووجهه خالد بالأخماس إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه.(7/281)
قال حنظلة: لقيني أبو بكر الصديق فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة يا أبا بكر. قال: سبحان الله ما تقول؟ قال: قلت: نافق حنظلة يا أبا بكر، قال: سبحان الله ما تقول؟ فقلت: نافق حنظلة يا أبا بكر قال: ومم ذاك؟ قال: نكون عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيذكرنا بالجنة والنار حتى كأنا رأي عين، أو كأنا نراهما، فإذا خرجنا من عند رسول الله وعافسنا الأزواج والضيعات نسينا كثيراً؛ ففزع أبو بكر رضي الله عنه وقال: إذاً نلقى مثل ذلك.
فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما رآني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كيف أنت يا حنظلة؟ أو ما شأنك يا حنظلة؟ فقلت: نافق حنظلة يا رسول الله، قال: سبحان الله ما تقول؟ قلت: نافق حنظلة يا رسول الله. قال: سبحان الله ما تقول؟ قلت: نافق حنظلة يا رسول الله. قال: ومم ذاك؟ قلت: نكون عندك فتذكرنا بالجنة والنار حتى كأنا رأي عين، أو كأنا نراهما، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيراً.
فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة.
حنظلة الكاتب: كتب للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرة كتاباً، فمسي بذلك.
وكانت الكتابة في العرب قليلاً.
وقيل: إنه سمي الكاتب لأنه كتب للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوحي. وكان بالكوفة، فلما شتم عثمان انتقل إلى قرقيسيا وقال: لا أقيم ببلد يشتم فيه عثمان.
وتوفي بعد علي، وكان معتزلاً للفتنة حتى مات.(7/282)
وهو ابن أخي أكثم بن صيفي، وعاش أكثم مئة وتسعين سنة، وكان أكثم حكيم العرب.
قال قيس بن زهير: انطلقت مع حنظلة بن الربيع إلى مسجد فرات بن حيان، فحضرت الصلاة، فقال لحنظلة: تقدم، فقال حنظلة: أنت أكبر مني، وأقدم هجرة، والمسجد مسجدك، قال فرات: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول فيك شيئاً، لا أتقدمك أبداً. فقال حنظلة: أشهدته يوم أتيته بالطائف فبعثني عيناً؟ قال: نعم، فتقدم حنظلة فصلى بهم.
قال فرات: يا بني عجل، إني إنما قدمت هذا لشيء سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه عيناً إلى الطائف، فأتى فأخبره الخبر، فقال: صدقت، ارجع إلى منزلك فإنك قد سهرت الليلة. فلما ولى قال لنا: ائتموا بمثل هذا وأشباهه.
حنينا أحد صديقي المسيح
قيل: إنه كان بدمشق.
قال وهب بن منبه: كان بولس من رؤساء اليهود وأشدهم بأساً، وأعظمهم شأناً في إنكار ما جاء به المسيح عليه السلام ودفعه، ودفع الناس عنه.
فجمع العساكر وسار إلى المسيح عليه السلام ليقتله ويمنعه عن دخول دمشق، فلقيه بكوكبا فضربه ملك بجناحه، فأعماه، ورأى من دلائل أمره والأحوال التي لم يصل معها إلى ما أراد من مكروهه ما اضطره إلى الإيمان به، والتصديق بما جاء به، فأتى المسيح على ذلك، وسأله أن يفتح عينيه فقال له المسيح: كم تسعى في أذاي وأذى من هو معي، وتفعل وتصنع.
ثم قال له المسيح: امض حتى تدخل دمشق وخذ في السوق الطويل الممدود في وسط(7/283)
المدينة، يعني دمشق، حتى تصير في آخره وتصير إلى حنينا وكان حنينا قد اختفى منه فزعاً في مغارة نحو الباب الشرقي حتى يفتح عينينك.
فأتاه عند الكنيسة المصلبة وهي الكنيسة المنسوبة إليه اليوم، وكان بولس قد أخذ ابن أخيه، وكان قد آمن بالمسيح فحلق وسط رأسه ونادى عليه ورحمه حتى مات، فمن ثم أخذ النصارى حلق وسط رؤوسهم للتأسي بذلك، فيما كان عوقب به، وإنه كالتواضع لا كالعيب لمن آمن بالمسيح عليه السلام.
حوشب بن سيف
أبو هبيرة ويقال أبو روح السكسكي ويقال: المعافري الحمصي روى عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل قال: سيلي عليكم أمراء يعظون على منابرهم الحكمة، فإذا نزلوا أنكرتم أعمالهم، فخذوا أحسن ما تسمعون ودعوا ما أنكرتم من أعمالهم.
وحدث به أنه قال: ينادي منادٍ: أين المفجعون في سبيل الله فلا يقوم إلا المجاهدون.
وعن حوشب: أنه خرج على جنازة من باب دمشق ومعهم خالد بن يزيد، فتنازعوا في الميت من حيث يدخلونه، فقال بعضهم: أدخلوه من عند رجليه، فقال عمير بن عميرة اليحصبي: هذه سنة النعمان بن بشير في هذا الجند ما كنا نعرفها، فسمعه خالد بن يزيد فقال: ليست بسنة النعمان بن بشير، ولكنها سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن لكل شيء باباً يدخل منه، وإن مدخل القبر من نحو الرجلين.
قال: ولا أظن باب دمشق المذكور في هذا الحديث إلا بحمص فإن لها باباً يقال له: باب دمشق. والله أعلم.(7/284)
حوشب بن طخمة ذو ظليم الألهاني
وفي نسبه اختلاف كثير.
أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يره، وراسله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجرير بن عبد الله.
وشهد ذو ظليم اليرموك، وكان أميراً على كردوس، وكان رئيس ألهان في الجاهلية والإسلام، وشهد صفين مع معاوية، وقتل بصفين، وكان على رجالة أهل حمص.
وحدث حوشب قال: لما أن أظهر الله عز وجل محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انتدبت إليه مع الناس في أربعين فارساً مع عبدشر، فقدموا عليه المدينة بكتابي فقال: أيكم محمد؟ قالوا: هذا، قال: ما الذي جئتنا به؟ فإن يك حقاً اتبعناك.
قال: تقيموا الصلاة، وتعطوا الزكاة، وتحقنوا الدماء، وتأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر.
فقال عبدشر: إن هذا لحسن جميل، مد يدك أبايعك.
فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما اسمك؟ قال: عبدشر. قال: بل أنت عبد خير.
وكتب معه الجواب إلى حوشب ذي ظليم فآمن.
قال عبد الرحمن بن جندب: سئل علي عن قتلاه وقتلى معاوية، قال: يؤتى بي وبمعاوية يوم القيامة فنجتمع عند ذي العرش، فأينا فلج فلج أصحابه.(7/285)
وكانت صفين في ربيع الأول، ودومة الجندل في رمضان في سنة واحدة سنة سبع وثلاثين.
قال أبو وائل: رآني عمرو بن شرحبيل، وكان من أفاضل أصحاب عبد الله. قال: رأيت كأني دخلت الجنة فإذا أنا بقباب مضروبة فقلت: لمن هذا؟ فقال: لذي كلاع وحوشب وكانا ممن قتل مع معاوية، قال: قلت: ما فعل عمار وأصحابه؟ قالوا: أمامك، قال: قلت: سبحان الله وقد قتل بعضهم بعضاً، فقال: إنهم لقوا الله فوجدوه واسع المغفرة، قال: قلت: ما فعل أهل النهر؟ قال: لقوا برحاً.
قال يحيى بن أبي طالب: فسمعت يزيد في المجلس ببغداد وكان يقال: إن في المجلس سبعين ألفاً قال: لا تغتروا بهذا الحديث فإن ذا الكلاع وحوشباً أعتقا اثني عشر ألف أهل بيت، وذكر من محاسنهما أشياء.
حوشب الفزاري
من أهل دمشق.
حدث حوشب قال: قال عمرو بن العاص يوم قتل عمار بن ياسر: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يدخل سالبك وقاتلك النار.
وحدث أنه سمع أبا الدرداء على المنبر يخطب، ويقول: إني لخائف يوم يناديني ربي عز وجل فيقول: يا عويمر، فأقول: لبيك، فيقول:(7/286)
كيف عملت فيما علمت؟ فتأتي كل آية في كتاب الله زاجرة وآمرة، فيسألني فريضتها، فتشهد علي الآمرة أني لم أفعل، وتشهد علي الزاجرة أني لم أنته، أفأترك؟
حويطب بن عبد العزى
ابن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر أبو محمد ويقال: أبو الإصبع القرشي العامري له صحبة، أسلم عام الفتح.
قال حويطب: قدمت من عمرتي فقال لي أهلي: أعلمت أن أبا بكر بالموت؟ فأتيته في ثياب سفري فأجده لما به، فقلت: السلام عليك، فقال: وعليك، وعيناه تذرفان، فقلت: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كنت أول من أسلم وثاني اثنين في الغار وصدقت هجرتك، وحسنت نصرتك، ووليت المسلمين فأحسنت صحبتهم، واستعملت خيرهم، قال: وحسن ما فعلت؟ قال: نعم. قال: قال: فإنا لله، والله أشكر له، وأعلم، ولا يمنعني ذلك من أن أستغفر الله، فما خرجت حتى مات.
حدث حويطب بن عبد العزى أن عبد الله بن السعدي أخبره: أنه قدم على عمر بن الخطاب في خلافته فقال له عمر: ألم أخبر أنك تلي من أعمال الناس أعمالاً فإذا أعطيت العمالة رددتها؟ قال: نعم، فقال: وما تريد إلى ذلك؟ قال: إني غني، وأريد أن يكون عملي صدقة على المسلمين، قال: فلا تفعل، فإني قد كنت أردت مثل الذي أردت، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعطيني فأقول: أعطه من هو أفقر إليه مني، فقال: خذه وتصدق به، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مستشرف ولا سائل فخذه، وإلا فلا تتبعه نفسك.
وحويطب هو الذي افتدت أمه يمينه، وكان ممن دفن عثمان بن عفان.
ومات في آخر مان معاوية بن أبي سفيان بالمدينة سنة أربع وخمسين، وهو ابن مئة وعشرين سنة، وأمه زينب بنت علقمة بن غزوان بن يربوع بن الحارث بن منقذ.
حدث عبد الرحمن بن عبد العزيز عن عبد الله بن أبي بكر حزم: أنه سئل عن الرهان التي كانت بين قريش حين سار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى خيبر. فقال: كان حويطب بن عبد العزى يقول: انصرفت من صلح الحديبية وأنا مستيقن أن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيظهر على الخلق، وتأبى حمية الشيطان إلا لزم ديني.
فقدم علينا عباس بن مرداس السلمي، فخبرنا أن محمداً سار إلى خيابر، وأن خيابر قد جمعت الجموع، فمحمد لا يفلت، إلى أن قال عباس: من شاء بايعته لا يفلت محمد، فقلت: أنا أخاطرك. فقال صفوان بن أمية: أنا معك يا عباس، وقال نوفل بن معاوية: أنا معك يا عباس، وضوى إلى نفر من قريش، فتخاطرنا مئة بعير إلى مئة بعير، أقول أنا وحيزي: يظهر محمد، ويقول عباس وحيزه: تظهر غطفان.
فاضطرب الصوت، فقال أبو سفيان بن حرب: نحب، واللات، حيز عباس بن مرداس، فغضب صفوان، وقال: أدركتك المنافية، فأسكت أبو سفيان، وجاءه الخبر بظهور رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخذ حويطب وحيزه الرهن.
حدث المنذر بن جهم قال: قال حويطب بن عبد العزى:
لما دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة عام الفتح، خفت خوفاً شديداً فخرجت من بيتي، وفرقت عيالي في مواضع يأمنون فيها، ثم انتهيت إلى حائط عوف فكنت فيه، فإذا أنا بأبي ذر العفاري وكان بيني وبينه خلة، والخلة أبداً نافعة.
فلما رأيته هربت منه، فقال: أبا محمد؟ قلت: لبيك، قال: مالك؟ قلت: الخوفز قال: لا خوف عليك تعال، أنت آمن بأمان الله، فرجعت إليه، وسلمت عليه فقال لي: اذهب إلى منزلك، قال: فقلت: وهل لي سبيل إلى منزلي؟ والله ما أراني أصل إلى بيتي حياً حتى ألفى فأقتل، أو يدخل علي منزلي فأقتل فإن عيالي لفي مواضع شتى، قال: فاجمع عيالك معك في موضع، وأنا أبلغ معك منزلك، وبلغ معي وجعل ينادي على بابي: إن حويطباً آمن فلا يهيج.
ثم انصرف أبو ذر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره، فقال: أوليس قد آمنا الناس كلهم إلا من أمرت بقتله؟! قال: فاطمأننت ورددت عيالي إلى مواضعهم، وعاد إلي أبو ذر فقال: يا أبا محمد حتى متى وإلى متى؟ قد سبقت في المواطن كلها، وفاتك خير كثير، وبقي خير كثير، فأت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأسلم تسلم، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبر الناس، وأوصل الناس، وأحلم الناس، شرفه شرفك، وعزه عزك.
قال: قلت: فأنا أخرج معك فآتيه، قال: فخرجت معه حتى أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبطحاء، وعنده أبو بكر وعمر، فوقفت على رأسه، وقد سألت أبا ذر كيف يقال إذا سلم عليه؟ قال: قل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله، فقلتها، فقال: وعليك السلام، أحويطب؟. قال: قلت: نعم، أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحمد لله الذي هداك.
قال: وسر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسلامي، واستقرضني مالاً فأقرضته أربعين ألف درهم، وشهدت معه حنيناً، وأعطاني من غنائم مئة بعير.
ثم قدم حويطب بعد ذلك المدينة فنزلها، وله بها دار بالبلاط عند أصحاب المصاحف، وكان ممن أعطى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أصحاب المئين من المؤلفة قلوبهم من قريش وسائر العرب، حويطب بن عبد العزى مئة من الإبل.(7/287)
وعن عبد الله بن عباس: أن إبراهيم عليه السلام أول من نصب أنصاب الحرم يريه جبريل عليه السلام موضعها، ثم جددها إسماعيل، ثم جددها قصي، ثم جددها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال عبيد الله: فلما كان عمر بن الخطاب بعث أربعة نفر من قريش: مخرمة بن نوفل وسعيد بن يربوع وحويطب بن عبد العزى وأزهر بن عبد عوف فنصبوا أنصاب الحرم.
وكان حويطب قد بلغ عشرين ومئة سنة، ستين في الجاهلية وستين في الإسلام.
فلما ولي مروان بن الحكم المدينة في عمله الأول، دخل عليه حويطب يوماً بعد ذلك، فتحدث عنده، فقال له مروان: ما سنك؟ فأخبره، فقال له مروان: تأخر إسلامك، أيها الشيخ، حتى سبقك الأحداث، فقال حويطب: الله المستعان، لقد هممت بالإسلام غير مرة كل ذلك يعوقني أبوك عنه، ويقول: تضع شرفك، وتدع دين آبائك لدين محدث، وتصير تابعاً؟ قال: فأسكت والله مروان، وندم على ما كان قال له.
ثم قال حويطب: أما كان أخبرك عثمان ما كان لقي من أبيك حين أسلم؟ فازداد مروان غماً.
ثم قال حويطب: ما كان في قريش أحد من كبرائها الذين بقوا على دين قومهم إلى أن فتحت مكة، كان أكره لما هو عليه مني، ولكن المقادير. ولقد شهدت بدراً مع المشركين فرأيت عبراً، رأيت الملائكة تقتل، وتأسر بين السماء والأرض، فقلت: هذا رجل ممنوع، ولم أذكر ما رأيت، فانهزمنا راجعين إلى مكة، فأقمنا بمكة، وقريش تسلم رجلاً رجلاً، فلما كان يوم الحديبية حضرت وشهدت الصلح، ومشيت فيه حتى تم، وكل ذلك أريد الإسلام. ويأبى الله إلا ما يريد، فلما كتبنا صلح الحديبية كنت أنا أحد شهوده، وقلت: لا ترى قريش من محمد إلا ما يسوءها، قد رضيت أن دافعته بالراح.
ولما قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عمرة القضية، وخرجت قريش عن مكة، كنت فيمن تخلف بمكة أنا وسهيل بن عمرو، لأن يخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا مضى الوقت وهو ثلاث، فلما انقضت الثلاث، أقبلت أنا وسهيل بن عمرو فقلنا: قد مضى شرطك فاخرج(7/288)
من بلدنا، فصاح: يا بلال، لا تغيب الشمس وأحد من المسلمين بمكة ممن قدم معنا.
وكان حويطب قد باع داره بمكة من معاوية بأربعين ألف دينار، فقيل له: يا أبا محمد، أربعين ألف دينار؟ فقال: وما أربعون ألف دينار، لرجل عنده خمسة من العيال؟.
قال الراوي: هو والله يومئذ يوفر عليهم القوت في كل شهر.
حويت بن أحمد بن أبي حكيم
أبو سليمان القرشي حدث عن أبي الجماهر بسنده عن سمرة بن جندب، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان يدعو: اللهم ضع في أرضنا بركتها وزينتها وسكنها.
وعنه أيضاً، عن أنس بن مالك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأبي بن كعب: إني أمرت أن أقرأ عليك، قال: وسميت لك؟ قال: نعم، قال: وذكرت هناك؟ قال: فجعل يبكي قال: فزعموا أنه قرأ عليه " لم يكن ".
حوي بن علي بن صدقة بن حوي
أبو القاسم السكسكي القاضي حدث عن أبي علي محمد بن محمد بن عبد الحميد الفزاري بسنده عن ابن عمر قال: أهللنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحج مفرداً.
حيان بن حجر الدمشقي
روى عن أبي الغادية المزني، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ستكون فتن شداد، وخير الناس فيها مسلمو أهل البوادي الذين لا يندهون من دماء المسلمين وأموالهم شيئاً.(7/289)
وفي رواية: أسعد الناس من فيها.
حيان بن نافع مولى بني مضر
ابن معاوية حدث حيان قال: بعثني عروة بن محمد السعدي، وكان عاملاً لسليمان بن عبد الملك على اليمن إلى سليمان بخراج وهدايا، فوجدنا سليمان قد مات واستخلف عمر، فأمر عمر أن نهيئ هدايانا كما كنا نهيئها لمن كان قبله، فهيأناها في مجلس عمر الذي كان يجلس فيه، فجعل ينظر ونحن نعرض عليه ما جئنا به، فكان فيما جئنا به عنبرة تزن ست مئة رطل، وجئنا بمسك كثير، فلما فاح المسك وضع كمه على أنفه ثم قال: يا غلام، ارفع هذا، فإنما يستمتع من هذا بريحه.
قال: فرفع.
حيان ويقال حسان بن وبرة
أبو عثمان المري ويقال: النمري، صاحب أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال حيان بن وبرة: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: كلوا هذا المال ما طاب، فإذا عاد رشاً فدعوه، فإن الله سيغنيكم من فضله، ولن تفعلوا حتى يأتيكم الله بإمام عادل ليس من بني أمية.
وفي غيره: بإمام عدل ليس من بني فلان أو قال: من بني فلان.
وعن حسان بن وبرة المزني عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تزال عصابة بدمشق ظاهرين.(7/290)
قال الحافظ: كذا أخرجه البخاري في باب حسان. وأخطأ فيه في ثلاثة مواضع: قوله: حسان، وهو حيان، وقوله: النمري والمزني، وهو المري.
حيان أبو النضر الأسدي
ويقال الجرشي القارئ البلاطي قال حيان: دخلت مع واثلة بن الأسقع على أبي الأسود الجرشي في مرضه الذي مات فيه، فسلم عليه وجلس، قال: فأخذ أبو الأسود يمين واثلة، يمسح بها عينيه ووجهه، لبيعته بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فقال له واثلة: واحدة أسألك عنها، قال: وما هي؟ قال: كيف ظنك بربك؟ قال: فقال أبو الأسود وأشار برأسه، أي حسن.
قال واثلة: أبشر، إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء.
قال مدرك بن أبي سعد: أتينا يونس بن حلبس عائدين له في بيته، وكان عنده شيخ أكبر منه، يقال له: أبو النضر، اسمه حيان القارئ، فقال يونس: يا أبا النضر، الحديث الذي حدثتنا.
فقال أبو النضر: حدثني جنادة بن أبي أمية الأزدي عن عبادة بن الصامت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قال: يا عبادة، اسمع وأطع في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك، وإن أكلوا مالك، وضربوا ظهرك إلا أن تكون معصية بواحاً.(7/291)
حيان مولى أم الدرداء
حدث عن أم الدرداء قالت:
خرج أبو الدرداء يريد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوجد جماعة من العرب يتفاخرون. قال: فأذن لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا أبا الدرداء ما هذا اللجب الذي أسمع؟ قال: قلت: يا رسول الله هذه العرب تتفاخر فيما بينها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا فاخرت ففاخر بقريش، وإذا كاثرت فكاثر بتميم، وإذا حاربت فحارب بقيس، ألا إن وجوهها كنانة، ولسانها أسد، وفرسانها قيس، إن لله عز وجل، يا أبا الدرداء، فرساناً في سمائه يقاتل بهم أعداءه وهم الملائكة، وفرساناً في أرضه يقاتل بهم أعداءه وهم قيس. يا أبا الدرداء، إن آخر من يقاتل عن الإسلام حين لا يبقى إلا ذكره، ومن القرآن إلا رسمه، لرجل من قيس قال: قلت يا رسول الله، من أي قيس؟ قال: من سليم.
حياش ويقال جياش بالجيم
ابن قيس بن الأعور بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عام القشيري فارس أدرك أيام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يره، وشهد يوم اليرموك، وأبلى فيه بلاءً حسناً، يقال: قتل باليرموك فيما تزعم قيس ألف رجل، وقطعت رجله فلم يشعر بها حتى رجع إلى منزله، ثم جعل ينشرها، فقال سوار بن أوفى: من الطويل
ومنّا ابن عتّابٍ وناشر رجله ... ومنا الذي أدّى إلى الحيّ حاجبا
يعني حاجب بن زرارة، والذي أداه: يعني ذا الرقيبة، كان أسر حاجب بن زرارة يوم شعب جبلة.(7/292)
حيدرة بن أحمد بن الحسين
ابن أبو تراب الأنصاري المقرئ المعروف بالخروف حدث عن أبي بكر الخطيب بسنده عن ابن عمر قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتيمم بموضع، يقال له: مربد النعم وهو يرى بيوت المدينة.
توفي سنة ست وخمس مئة.
حيدرة بن الحسين بن مفلح
أبو المكرم المعروف بالمؤيد أمير دمشق من قبل المستنصر، ولي دمشق دفعتين، آخرهما سنة خمس وخمسين وأربع مئة ولقبه معتز الدولة.
روى عن الحسين بن عبد الله بن محمد بن أبي كامل الأطرابلسي بسنده عن علي، عليه السلام، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من نبي إلا وقد أعطي سبعة نجباء رفقاء، وأعطيت أنا أربعة عشر: سبعة من قريش: علي والحسن والحسين وحمزة وجعفر وأبو بكر وعمر، وسبعة من المهاجرين: عبد الله بن مسعود، وسلمان، وأبو ذر وحذيفة وعمار والمقداد وبلال رضي الله عنهم.
حيدرة بن علي بن محمد بن إبراهيم
ابن الحسين أبو المنجى بن أبي تراب القحطاني الأنطاكي عابر الأحلام.
حدث عن أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر، بسنده عن أبي موسى الأشعري، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات: فثنتان فيهما جدال وخصومات ومعاذير، وفي العرضة الثالثة تطاير الصحف في الأكف.(7/293)
وحدث عنه أيضاً بسنده عن علي بن أبي طالب قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى إذا كنا بالسقيا التي كانت لسعد بن أبي وقاص، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ائتوني بوضوء، فلما توضأ قام فاستقبل القبلة ثم كبر ثم قال: اللهم إن إبراهيم كان عبدك وخليلك، دعاك لأهل مكة بالبركة، وأنا محمد عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في مدهم وصاعهم مثلي ما باركت لأهل مكة مع البركة بركتين.
حيويل بن يسار بن حيي بن قرط
ابن سهيل بن المقلد بن معدي كرب بن عريق بن سكسك بن أشرس بن كندة أبو كبشة السكسكي عريف السكاسك.
حدث عنه ابنه يزيد عن أبيه يزيد قال: أتي أبو الدرداء بجارية قد سرقت واعترفت، فقال لها: سرقت؟ فولي: لا، قالت: لا، قال: فقال له أبي: أنت تقول لها قولي: لا؟ قال أبو الدرداء: إنها اعترفت وهي لا تدري ما يصنع بها. قال لها: أسرقت؟ قولي: لا، قال أبو الدرداء: أسرقت؟ قولي: لا، قالت: لا، فخلى سبيلها.
حيي رجل من بني إسرائيل
كان يسكن في جبل الخليل عليه السلام.
حدث عروة بن رويم قال: أصاب بني إسرائيل قحط، فأتوا رجلاً بجبل الخليل يقال له: حيي، فأتوا منزله فوجدوا امرأته متبذلة، فسالوها عنه، فأخبرتهم أنه آجر نفسه يعتمل بحرث.
فأتوه في عمله فكلموه فلم يكلمهم، فجلسوا ينتظرونه حتى فرغ من عمله، فلما فرغ(7/294)
احتزم حزمة من حطب، فجعلها على ظهره، وجعل غفارة معه فوق الحطب، وخلع نعليه ثم مشى ومشوا معه، فلما خرج إلى الجادة لبس نعليه حتى أتى منزله، فإذا امرأته قد تهيأت بغير هيئتها، فقربت إليه الطعام فأكل، ولم يعرض عليهم.
فلما فرغ قال: حاجتكم؟ قالوا: إنا قد رأينا، فأخبرنا. قال: وما الذي رأيتم؟ قالوا: أتينا امرأتك فوجدناها متبذلة، قال: هكذا ينبغي للمغيبة إذا غاب زوجها، ثم أتيناك في عملك فكلمناك فلم تكلمنا، قال: إني كنت أجرت نفسي فكرهت أن أشتغل بكلامكم عن عملي، قال: ثم أخذت جرزة من حطب، فجعلت الحطب على جلدك، وجعلت الغفارة فوق الحطب، قال: إني كنت استعرت الغفارة فكنت أخرق جلدي أحب إلي من أن أخرق أمانتي، قال: ثم نزعت نعليك، قال: إني كرهت أن أحمل تراب حرث إلى حرث، فلما أن صرت إلى الجادة لبستهما، قال: ثن أتيت منزلك فوجدنا امرأتك قد تهيأت بغي هيئتها. قال: هكذا ينبغي للمرأة إذا حضر زوجها، قال: ثم قربت إليك طعاماً فأكلت ولم تعرض علينا، قال: إنه لم يكن فيه ما يكفيني وإياكم، فكرهت أن أعرض عليكم وليس في نفسي.
قالوا: أنت صاحبنا، أصابنا قحوط، فصعد فوق أجار، ثم خط حوله خطاً من رماد ثم قال: أي ذلك أحب إليك؟ الوابل الشديد أو مطر بين المطرين؟ قالوا: الوابل الشديد، قال: فدعا الله، فمطروا حتى خافوا على بيوتهم، فقالوا: مطر بين المطرين، قال: فمطروا مطراً بين المطرين.(7/295)
أسماء النساء على حرف الحاء
حبابة بالتخفيف وهو لقب
واسمها العالية، وتكنى أم داود مولاة يزيد بن عبد الملك، شبب بها وضاح اليمن بالحجاز، قبل أن تصير إلى يزيد، وهي من مولدات المدينة.
كانت لرجل يعرف بابن مينا، ويقال: لآل لاحق المكيين، أخذت الغناء عن ابن سريج ومعبد وغيرهما، وكانت أحسن أهل عصرها وجهاً وغناءً، وأحلاهم منظراً وشمائل وأشكلهم.
قال أبو الحسن الدارقطني: حبابة قينة، كانت لسليمان بن عبد الملك بن مروان.
قالوا: ووهم في ذلك، وإنما كانت ليزيد بن عبد الملك، وهي التي ردته بعد النسك إلى الفتك، وكانت شاعرة متأدبة، ولها فيه مرتبة، ولها مع الأحوص أخبار.
وقال ابن ماكولا: حبابة بفتح الحاء المهملة وتخفيف الباء التي تليها المعجمة بواحدة.
حدث سلام الجمحي قال: بلغني أن مسلمة بن عبد الملك قال ليزيد بن عبد الملك: يا أمير المؤمنين: ببابك وفود الناس، ويقف ببابك أشراف العرب، فلا تجلس لهم، وأنت قريب عهد بعمر بن عبد العزيز، وقد أقبلت على هؤلاء الإماء؟! قال: إني لأرجو ألا تعاتبني على هذا بعد اليوم.(7/296)
فلما خرج مسلمة من عنده استلقى على فراشه، وجاءت حبابة جاريته فلم يكلمها، فقالت: ما دهاك؟ فأخبرها بما قال مسلمة، وقال: تنحي عني حتى أفرغ للناس، قالت: فأمتعني منك يوماً واحداً، ثم اصنع ما بدا لك، قال: نعم، فقالت لمعبد: كيف الحيلة؟ قال: يقول الأحوص أبياتاً، وتغني فيها! قالت: نعم، فقال الأحوص: من الطويل
ألا لا تلمه اليوم أن يتبلّدا ... فقد غلب المحزون أن يتجلّدا
إذا كنت عزهاةً عن اللهو والصّبا ... فكن حجراً من يابس الصخر جلمدا
فما العيش إلا ما تحبّ وتشتهي ... وإن لام فيه ذو الشنان وفنّدا
فغنى به معبد وقال: مررت البارحة بدير نصارى، وهم يقرؤون بصوت شجٍ فحاكيته في هذا الصوت، فلما غنته حبابة قال: فعل الله بمسلمة، صدقت، والله لا أطعتهم أبداً.
وقيل: إن يزيد قال لجاريته حبابة وكان عاشقاً لها شديد الوجد بها، فقال لها يوماً: إني قد وليت فلاناً الخادم ما حوته يدي شهراً لأخلو أنا وأنت فلا يشغلنا أحد.
فقالت: إن كنت وليته فقد عزلته أنا، فغضب لذلك وخرج من المجلس الذي كان فيه.
فلما أضحى النهار ولم يرها ضاق صدره، وقل صبره، فدعا بعض خدمه وقال: اذهب فانظر ما الذي تصنع حبابة؟ فمضى الخادم ثم رجع فقال: رأيتها مؤتزرة بإزار خلوقي مرتدية برداء أصفر، وهي تلعب بلعبها.(7/297)
فقال: احتل في أن تجيز علي، فذهب الخادم فلاعبها، ثم استل لعبة من لعبها وعدا بين يديها فتبعته تعدو وراءه، فمرت على يزيد، فلما بصر بها، قام إليها فاعتنقها وقال لها: فإني قد وليته، قال: فولي الخادم وعزل وهو لا يدري.
ثم إنه خلا معها أياماً وتشاغل عن النظر في أمور الناس، فدخل عليه مسلمة وعذله على ذلك، فأخذت العود وغنته:
ألا لا تلمه اليوم أن يتبلدا
قال أبو إسحاق: غنت جارية بين يدي يزيد بن عبد الملك: من الطويل.
وإني لأهواها وأهوى لقاءها ... كما يشتهي الصادي الشراب المبرّدا
فراسلتها سلامة فغنت: من الطويل
علاقة حبٍّ كان في سنن الصبا ... فأبلى وما يزداد إلا تجلّدا
فغنت حبابة: من الطويل
كريم قريشٍ حين ينسب والذي ... أقر له بالفضل كهلاً وأمردا
فراسلتها سلامة فغنت: من الطويل
تردّى بمجدٍ من أبيه وجدّه ... وقد أورثا بنيان مجدٍ مشيّدا
فطرب يزيد، وشق حلة كانت عليه حتى سقطت في الأرض، ثم قال: أحسنتما أفتأذنان لي أن أطير؟ قالت له حبابة: على من تدع الأمة؟ قال: عليك.
قال يزيد بن عبد الملك لحبابة ذات يوم: أتعرفين أحداً هو أطرب مني؟ قالت: نعم مولاي الذي باعني، فأمر بإشخاصه،(7/298)
فأشخص إليه مقيداً، فأدخل وحبابة وسلامة تغنيان، فغنته سلامة لحن الغريض: من المتقارب
تشطّ غداً دار جيراننا
فطرب وتحرك في قيوده.
ثم غنته حبابة لحن ابن سريج المجرد في هذا الشعر، فوثب وجعل يحجل في قيده، ويقول: هذا وأبيكما ما لا تعذلاني به حتى دنا من الشمعة فوضع لحيته عليها فأحرقت، وجعل يصيح: الحريق يا أولاد الزنا، فضحك يزيد وقال: هذا والله أطرب الناس حقاً، ووصله وسرحه إلى بلده.
قال أبو أويس: قال يزيد بن عبد الملك: ما تقر عيني بما وليت من أمر الدنيا حتى أشتري سلامة جارية مصعب بن زهير الزهري وحبابة جارية لاحق، فأرسل فاشتريتا له، فلما اجتمعتا عنده قال: أنا الآن كما قيل: من الطويل
فألقت عصاها واستقرّ بها النّوى ... كما قرّ عيناً بالإياب المسافر
وعن الزبير بن بكار قال: قال يزيد بن عبد الملك: زعموا أنه لا يصفو لأحد عيش يوماً واحداً، فإني أريد ألا تخبروني غداً بشيء، فإني أريد أن أتخلى نظري ولذتي، فلعلها تدوم لي، فلما كان من غد جلس مع حبابة فأكلا وشربا وطربا، وكان بين يدي حبابة رمان، فأكلت منه فشرقت بحبة فماتت، فمكث ثلاثاً لا يدفنها، ثم غسلت بعد ثلاث وأخرجت، فمر يزيد في جنازتها.(7/299)
وقيل: إن يزيد بن عبد الملك نزل مكاناً بالأردن يقال له، بيت راس ومعه حبابة، فتوفيت، فمكث ثلاثاً لا يدفنها حتى أنتنت يشمها ويرشفها، فكلمه قراباته في ذلك، وعابوا عليه ما يصنع، وقالوا: قد صارت جيفة بين يديك، حتى أذن لهم في غسلها ودفنها، فحملوها في نطع، وخرج معهم حتى أجنها في حفرتها، فلما فرغوا قال: إنا والله كما قال كثير بن أبي جمعة: من الطويل
فإن تسل عنك النفس أو تدع الصّبا ... فباليأس تسلو عنك لا بالتّجلّد
وكلّ حبيبٍ زارني فهو قائلٌ ... من أجلك هذا هالك اليوم أو غد
فما مكث بعدها إلا خمس عشرة حتى دفن.
دخل يزيد بن عبد الملك يوماً بعد موت حبابة إلى خزانتها ومقاصيرها، فطاف فيها ومعه جارية من جواريها، فتمثلت الجارية من الطويل
كفى حزناً بالواله الصّبّ أن يرى ... منازل من يهوى معطّلةً قفرا
فصاح صيحة وخر مغشياً عليه، فلم يفق إلى أن مضى من الليل هويٌ فلم يزل بقية ليله باكياً ومن غده، فلما كان اليوم الثاني وقد انفرد في بيت يبكي عليها، جاؤوا إليه فوجدوه ميتاً.
توفيت حبابة في رجب سنة خمس ومئة، ولم يلبث بعدها يزيد إلا أربعين يوماً حتى هلك.(7/300)
حبة بنت الفضل
من النسوة الفصيحات، قدمت دمشق مستأمنة لزوجها عبد الله بن فضالة.
قال عبيد الله بن عبد الله بن فضالة الزهراني: نادى منادي الحجاج بن يوسف يوم رسقيا داذ، أمن الناس كلهم إلا أربعة: عبد الله بن الجارود، وعبد الله بن فضالة، وعكرمة بن ربعي، وعبيد الله بن زياد بن ظبيان.
قال: فأتي برأس عبد الله بن الجارود فلم يصدق فرحاً به وقال: عمموه لي أعرفه فإني لم أره قط إلا معتماً، فعمم له فعرفه.
وأما عبيد الله بن زياد فإنه انطلق إلى عمان، فأصابه الفالج بها فمات.
وأما عكرمة بن ربعي فإنه لحقته خيل الحجاج في بعض سكك المربد، فعطف عليهم فقتل منهم نيفاً وعشرين رجلاً ثم قتلوه.
وأما عبد الله بن فضالة فإنه أتى خراسان، فلم يزل بها حتى ولي المهلب خراسان، وأمر بأخذه حيث أصابه، وقيل له: أكن ذلك ولا تبده فيحذر، ويحترز، واحرص على أسره دون قتله، فبعث المهلب ابنه حبيباً أمامه، وسار من سوق الأهواز إلى مرو على بغلة شهباء في سبع عشرة ليلة، فأخذه غاراً بمرو وهو لا يشعر.
ثم كتب إلى الحجاج يعلمه ذلك، فجاء المغيرة بن المهلب إلى منزل حبة بنة الفضل امرأة عبد الله بن فضالة، وهي ابنة عم عبد الله، فأرسل إليها أن حبيباً قد أخذ عبد الله، وقد كتب إلى الحجاج يعلمه ذلك، فإن كان عندك خير فشأنك، وعولي على المال ما بدا لك، فأرسلت إليه: لا، ولا كرامة، تقتلونه وآخذ منكم المال؟! هذا ما لا يكون.
فتحولت إلى منزل أخيها لأمها خولي بن مالك الراسبي، وأرسلت إلى بني سعد، فاشتري لها باب عظيم، فألقته على الخندق ليلاً، ثم جازت عليه فغشي عليها، فلما أفاقت قالت: إني لم أكن أتعب، فمتى أصابني هذا فشدوني وثاقاً ثم سيروا بي،(7/301)
فخرجت مع خادمها ودليلها، لا يعلم بها أحد حتى دخلت دمشق على عبد الملك بن مروان، فأتت أم أيوب بنت عمرو بن عثمان بن عفان، وكانت أمها زينب بنت كعب بن حلحلة الخزاعي.
قالت: يا أم أيوب قصدتك لأمر بهظني وغم كظني، وأعلمتها الخبر، وقصت عليها القصة، فقالت أم أيوب: قد كنت أسمع أمير المؤمنين يكثر ذكر صاحبك، ويظهر التلظي عليه، قالت: وأين رحلتي إليك؟ قالت: سأدخلك مدخلاً وأجلسك مجلساً إن شفعت ففيه، وإن رددت فلا تنصبي، فلا شفاعة لك بعده، فأجلستها في مجلسها الذي كانت تجلس فيه لدخول عبد الملك ليلاً مغتراً.
فلما دنا أخذت بجانب ثوبه، ثم قالت: هذا مكان العائذ بك يا أمير المؤمنين، ففزع عبد الملك وأنكر الكلام.
فقالت أم أيوب: ما يفزعك يا أمير المؤمنين من كرامة ساقها الله إليك؟ فقال: عذت معاذاً، فمن أنت؟ قالت: تؤمن، يا أمير المؤمنين، من جئتك فيه. من كان من خلق الله، ممن تعرف أو لا تعرف، ممن عظم ذنبه لديك أو صغر شامياً أو عراقياً أو غير ذلك. من الآفاق؟ قال: نعم هو آمن.
قالت: بأمان الله ثم بأمانك يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، فمن هو أيتها المرأة؟ قالت: عبد الله بن فضالة، قال: أرسلي ثوبي أنبئك عنه.
قالت: أغدراً يا بني مروان؟ قال: لا، أرسلي ثوبي أحدثك ببلائي عنده وهو آمن لك ولمعاذك.(7/302)
قالت: فحدثني يا أمير المؤمنين ببلائك عنده.
قال: ألم تعلمي أني وليته السوس وجنديسابور وأقطعته كذا ووهبت له كذا ونوهت بذكره ورفعت من قدره؟ قالت: بلى والله يا أمير المؤمنين، أفلا أحدثك ببلائه عندك؟ قال: بلى.
قالت: أتعلم أن داره هدمت ثلاث مرار بسببك لا يستر من السماء بشيء؟ قال: نعم.
قالت: أفتعلم يا أمير المؤمنين أنك كتبت إلى وجوه أهل البصرة وأشرافها، وكتبت إليه، فلم يكن منهم أحد أجابك ولا أطاعك غيره؟ قال: نعم.
قالت: أفتعلم أنه كان قبل زلته سيفاً لك على أعدائك وسلماً وبساطاً لأوليائك؟ قال: نعم حسبك، قد أجبت وأبلغت.
قالت: أفيذهب يوم من أيامه بصالح أيامه وطاعته وحسن بلائه؟ قال: لا، هو آمن.
قالت: يا أمير المؤمنين إنها الدماء، وإنه الحجاج وإن رآه قتله.
قال: كلا.
قالت: فالكتاب يا أمير المؤمنين مع البريد.
قال: فكتب لها كتاباً مؤكداً: إياك وإياه، أحسن جائزته ورفده وخل سبيله، ثم وجه به مع البريد، ثم أقبل عليها فقال: ما أنت منه؟ قالت: امرأته، وابنة عمه.
قال: فضحك وقال: أين نشأت؟ قالت: في حجر أبيه.(7/303)
قال: فوالله لأنت أعرب وأفصح لساناً، فهل معه غيرك؟ قالت: نعم، ابنة عبيد بن كلاب وكذا كذا جارية.
قال: فأنا أوليك طلاقها وعتق جواريه قالت: بل تهنئه نساءه كما هنأته دمه.
فأقبل على أم أيوب فقال: يا أم أيوب، لا نساء إلا بنات العم، ثم قال: أقيمي عند أم أيوب حتى يأتيك الكتاب بمحبتك إن شاء الله.
وقدم الكتاب، وقد قدم به على الحجاج من خراسان، فأقامه للناس في سراويل، وقد كان نزع ثيابه قبل ذلك وعرضه على الناس في الحديد ليعرفوه.
فلما أمسى دعا به الحجاج، فقال له عبد الله: أتأذن في الكلام؟ قال: لا كلام سائر اليوم.
قال: فكساه وحمله وأجازه وخلى سبيله، فانصرف إلى أهله فسألهم عن حبة، فأخبر بأمرها، وقيل: ما ندري أين توجهت، ثم بلغه ما صنعت، فكتب إليها: إنك قد صنعت بنا ما لم تصنعه أنثى، فأعلميني بمقدمك أتلقاك ويتلقاك الناس معي، فلم تعلمه حتى قدمت ليلاً وهو عند ابنة عبيد بن كلاب، فقالت: لا والله لا يؤذن بي الليلة، فلما أصبح أخبر بمكانها فأتاها.
حسينة ماشطة عبد الملك بن مروان
قال ابن شهاب: حججت مع سليمان بن عبد الملك، فلما كان يوم النحر أراد أن يفيض، فأرسل إلى عمر بن عبد العزيز وإلى سالم بن عبد الله وإلى أبي بكر بن حزم، وهو أمير على المدينة يومئذ، فقال: إني أريد أن أفيض فأخبروني ما بلغكم عن الطيب اليوم؟ أتطيب الآن قبل أن أفيض؟(7/304)
فقال سالم: أخبرني أبي عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال في خطبته يوم عرفة: إذا رميتم الجمرة غداً، إن شاء الله، بسبع حصيات، وذبح من كان عنده ذبح أو نحر، فقد حل له ما حرم عليه إلا الطيب والنساء حتى يطوف بالبيت.
قال أبو بكر بن حزم: أخبرتني عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، خالتي، أن عائشة قالت: طيبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة لحرمه قبل أن يحرم، وطيبته بمنى قبل أن يفيض يوم النحر.
فقال سليمان بن عبد الملك حين رأى اختلافهم: ادعوا لي حسينة مرجلة عبد الملك بن مروان، فسألها: ما صنع عبد الملك هذا اليوم؟ قالت: لم يمس طيباً. فقال: يا غلام أرسل حرسنا مع سالم يقلبه إلى منزله، وأبى أن يمس الطيب.
وقيل: إن اسمها سلافة. وقيل: إن اسمها حبيبة.
وزاد في ترجمة سلافة: وروي حديث عائشة عن القاسم، قال القاسم: فعجبت أني أخبره عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويسأل سلافة.
حميدة بنت عمر بن عبد الرحمن
ابن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة الزهرية ذكر أبو الفرج الأصبهاني في كتابه قال: خرجت امرأة من بني زهرة في حي فرآها رجل من بني عبد شمس من أهل الشام(7/305)
فأعجبته، فسأل فنسبت له، فخطبها إلى أهلها فزوجوه بكرهٍ منها، فخرج بها إلى الشام، فخرجت مخرجاً فسمعت متمثلاً يقول: من الطويل
ألا ليت شعري هل تغيّر بعدنا ... جبوب المصلّى أم كعهدي القرائن
وهل آدرٌ حول البلاط عوامرٌ ... من الحي أم هل بالمدينة ساكن
إذا برقت نحو الحجاز سحابةٌ ... دعا الشوق مني برقها المتيامن
فلم أتركنها رغبةً عن بلادها ... ولكنه ما قدّر الله كائن
قال: فتنفست فوقعت ميتة.
قال أيوب: فحدثت بهذا الحديث عبد العزيز بن أبي ثابت الأعرج، فقال: أتعرفها؟ قلت: لا، قال: فهي والله عمتي حميدة بنت عمر بن عبد الرحمن بن عوف، وهذا الشعر لأبي قطيفة عمرو بن الوليد، قاله لما سيره ابن الزبير مع بني أمية إلى الشام.
حميدة بنت النعمان بن بشير
أم محمد الأنصارية سكنت دمشق. ويقال: حميدة بالضم.
قيل: إنها التي تزوجها الحارث بن خالد المخزومي، ويقال: خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد فقالت في ذلك: من المتقارب
نكحت المدينيّ إذ جاءني ... فيالك من نكحةٍ غاليه(7/306)
كهول دمشق وفتيانها ... أحبّ إلينا من الجاليه
وقيل: هذا الشعر لأختها عمرة.
قال محمد بن سعد: فولد النعمان بن بشير: الوليد ويحيى وبشيرا وأم محمد، وهي حميدة تزوجها روح بن زنباع الجذامي، وعمرة تزوجها المختار بن أبي عبيد الثقفي، وهي التي قتلها مصعب بن الزبير.
أنشد سعيد بن عبد العزيز لحميدة بنت النعمان بن بشير تبكي أباها: من مجزوء الكامل
ليت ابن مزنة وابنه ... كانا لحتفك واقيه
وبنو أمية كلّهم ... لم تبق منهم باقيه
وأنشد أبو مسهر لها: من مجزوء الكامل
جاء البريد برأسه ... يا للحلوم الغاويه
يستفتحون بقتله ... دارت عليهم ثانيه
فلأبكينّ مسرّةً ... ولأبكينّ علانيه
ولأبكينّك ما حيي ... ت مع الكلاب العاويه
قال أبو مسهر: في جوف الليل.
قال المدائني:
أشرفت امرأة روح بن زنباع تنظر إلى وفدٍ من جذام قدموا عليها، فزجرها روح، فقالت: والله إني لأبغض الحلال من جذام فكيف تخافني على الحرام منهم؟! وكانت امرأته بنت النعمان بن بشير.
وقيل: إنها تزوجت روح بن زنباع فلم يؤدم بينهما، فقال لها روح في بعض ما يتنازعان فيه: اللهم إن بقيت بعدي فابتلها ببعل يلطم وجهها، ويملأ قيئاً حجرها.(7/307)
فتزوجها بعده الفيض بن محمد بن الحكم، وكان شاباً جميلاً يصيب من الشراب، فأحبته، فلطمها يوماً وقاء في حجرها، فقالت: رحم الله أبا زرعة فقد أجيب في، وقالت للفيض: من البسيط
سمّيت فيضاً وما شيءٌ تفيض به ... إلاّ بخزيك بين الباب والدار
فتلك دعوة روح الخير أعرفها ... سقى الإله صداه الأوطف السّاري
وقالت: من الوافر
ألا يا فيض كنت أراك فيضاً ... فلا فيضاً وجدت ولا فراتا
وقالت: من البسيط
وليس فيضٌ بفيّاض العطاء لنا ... لكنّ فيضاً لنا بالقيء فيّاض
ليث اللّيوث علينا باسلٌ شرسٌ ... وفي الحروب هيوب الصدر جيّاض
فولدت من الفيض ابنة، فتزوجها الحجاج بن يوسف، وكان عند الحجاج قبلها أم أبان بنت النعمان بن بشير فقالت حميدة: من مشطور الرجز
إذا تذكّرت نكاح الحجّاج ... فاضت له العين بدمٍ ثجّاج
لو كان نعمان قتيل الأعلاج ... مستوي الشّخص صحيح الأوداج
أو كنت منها بمكان النّسّاج ... وكنت أرجو بعض ما يرجو الرّاج
أن تنكحيه ملكاً أو ذا تاج ... ما نلت ما نلت بختل الدّرّاج(7/308)
فقدمت حميدة زائرة لابنتها، فقال لها الحجاج: يا حميدة إني قد كنت أحتمل مزاحك مدّةً، فأما اليوم فإني بالعراق وهم قوم سوء فإياك، فقالت: سأكف حتى أرحل.
حميدة حاضنة ولد عمر بن عبد العزيز
حدثت: أن عمر بن عبد العزيز كان ينهى بناته أن ينمن مستلقيات، وقال: لا يزال الشيطان مطلاً على إحداكن إذا كانت مستلقية يطمع فيها.
ويقال: حميدة: بالضم.
حواء أم البشر
قيل: إنها كانت تسكن بيت لهيا، وكان آدم يسكن في بيت أبيات.
عن مجاهد: في قوله عز وجل: " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة " قال: آدم، " وخلق منها زوجها "، قال: حواء خلقت من ضلعه.
قال: نام آدم فخلقت حواء من قصراه، فاستيقظ فرآها، فقال: من أنت؟ فقالت: آثا، يعني امرأة بالسريانية، وفي رواية أخرى: بالنبطية.
قال ابن عباس: سميت المرأة مرأة لأنها خلقت من المرء، وسميت حواء: لأنها أم كل حي.(7/309)
وكان آدم وحشياً في الجنة لا يطمئن إلى أحد حتى خلقت حواء منه، وهو نائم، فلما أن استيقظ، وهي جالسة إلى جنبه، فقال: من أنت؟ فقالت: أنا زوجتك لتسكن إلي، قال: نعم، فسكن إليها.
قال عطاء: لما سجدت الملائكة لآدم نفر إبليس نفرة ثم ولى مدبرا، وهو يلتفت أحياناً هل عصى أحد ربه غيره إلا إبليس، فعصمهم الله، ثم قال الله لآدم: قم يا آدم فسلم عليهم، قال: فقام فسلم عليهم وردوا عليه، ثم عرض الأسماء على الملائكة وهو سرح الجنة، فقال الله لملائكته: زعمتم أنكم أعلم منه، أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين، قالوا: سبحانك إن العلم منك ولك، ولا علم لنا إلا ما علمتنا، وذلك قوله عز وجل: " وفوق كل ذي علم عليم " قال: والعلم يرجع من رجل إلى رجل، ويأثره رجل عن رجل حتى يجيء العلم إلى الله ولا يأثره عن أحد فإنه هو العليم، علم ما هم إليه صائرون.
قال: فلما أقروا بذلك قال: يا آدم أنبئهم بأسمائهم، فقال آدم: هذه ناقة، جمل، بقرة، نعجة، شاة، فرس، وهو من خلق ربي، فكل شيء سمى آدم فهو اسمه إلى يوم القيامة، وجعل يدعو كل شيء باسمه حتى يمر بين يديه، حتى بقي الحمار وهو آخر شيء مر عليه، فخالف الحمار من وراء ظهره، فدعاة آدم: أقبل يا حمار، فعلمت الملائكة، أنه هو أكرم على الله وأعلم منهم.
ثم قال له ربه: يا آدم، ادخل الجنة تحيا وتكرم، قال: فدخل الجنة، فنهاه عن الشجرة قبل أن تخلق حواء، فكان آدم لا يستأنس إلى خلق في الجنة، ولا يسكن إليه، ولم يكن في الجنة شيء يشبهه، فألقى الله عليه النوم وهو أول يوم كان، قال: فانتزعت من ضلعه الصغرى من جانبه الأيسر فخلقت حواء منه، فلما استيقظ آدم فجلس فنظر إلى حواء تشبهه من أحسن البشر. ولكل امرأة فضل على الرجل بضلع.
وكان الله علم آدم اسم كل شيء، فجاءته الملائكة فهنؤوه، وسلموا عليه، فقالوا: يا آدم ما هذه؟ قال: هذه امرأة. قيل له: فما اسمها؟ قال: حواء. فقيل له: لم سميتها حواء؟(7/310)
قال: لأنها خلقت من حي، فنفخ بينهما من روح الله عز وجل، فما كان من شيء يتراحم له الناس فهو من فضل رحمتهما.
قال وهب بن منبه: لما أسكن الله آدم وزوجه حواء الجنة، نهاه عن الشجرة، وكانت الشجرة متشعباً غصونها بعضه في بعض، وكان لها ثمر تأكله الملائكة لخلدهم، وهي الثمرة التي نهى الله آدم عنها وزوجته.
فلما أراد إبليس أن يستزلهما، دخل في جوف الحية، وكانت لها أربع قوائم كأنها بختيةٌ من أحسن دابة خلقها الله، فلما دخلت الحية الجنة خرج من جوفها إبليس، فأخذ من الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته، فجاء بها إلى حواء، فقال: انظري إلى هذه الشجرة ما أطيب ريحها! وأطيب طعمها! وأحسن لونها! فأخذتها حواء فأكلت منها، ثم ذهبت بها إلى آدم، فقالت: انظر إلى هذه الشجرة، ما أطيب طعمها، وما أحسن لونها! فأكل منها آدم، فبدت لهما سوءاتهما، فدخل آدم في جوف الشجرة، فناداه ربه: يا آدم أين أنت؟ قال: أنا هذا يا رب. قال: ألا تخرج؟ قال: أستحي منك يا رب. قال: ملعونة الأرض التي منها خلقت، لعنة تتحول ثمارها شوكاً.
قال: ولم يكن في الجنة ولا في الأرض شجرة كان أفضل من الطلح والسدر.
ثم قال: يا حواء، أنت التي غررت عبدي، فإنك لا تحملين حملاً إلا حملته كرهاً، فإذا أردت أن تضعي ما في بطنك أشرفت على الموت.
وقال للحية: أنت التي دخل الملعون في جوفك حتى غر عبدي، ملعونة أنت لعنة تتحول قوائمك في بطنك فلا يكون لك رزق إلا التراب، وأنت عدوة بني آدم وهم أعداؤك حيثما لقيت أحداً منهم أخذت بعقبه، وحيث لقيك شدخ رأسك.
قيل لوهب: وهل كانت الملائكة تأكل؟ قال: يفعل الله ما يشاء.(7/311)
قال الكلبي: ذكر لنا أن آدم لما سكن الجنة حذر أكل الشجرة. فيقال، والله أعلم: إنها شجرة يقال لها: شجرة العلم.
وقال مجاهد: الشجرة التي أمر الله آدم أن لا يأكل منها: تينة.
وقال ابن عباس: عنب.
وقال غيره: حنطة شجرة البر، والحنطة هي السنبلة.
قالوا: وكان آدم وحواء في جوار الله، وفي داره ليس لهما رب غيره، ولا رقيب دونه، يأكلان منها رغداً، ويسكنان منها حيث شاءا وأحبا.
فأتاهما الشيطان في صورة غير صورته، فقام عند باب الجنة فنادى حواء: يا حواء، فأجابته هي وآدم فقال: ما أمركما به ربكما، وما نهاكما عنه؟ قالا: أمرنا أن نأكل من شجر الفردوس كله غير هذه الشجرة التي في وسط الفردوس كيلا نموت.
قال إبليس: فإن الله قد علم أنكما لستما تموتان، ولكن علم أنكما حين تأكلان من هذه الشجرة فتكونان ملكين يعلمان الخير والشر فحسدكما على ذلك، وإني أقسم لكما، يا آدم وحواء، إني لكما لمن الناصحين، إنها شجرة الخلد، من أكل منها لم يمت، وأيكما أكل قبل صاحبه، كان هو المسلط على صاحبه.
فابتدرا الشجرة، فسبقته حواء وأعجبها حسن الشجرة وثمرها، فأكلت وأطعمت آدم، فلما ذاقا الشجرة سلبا ثيابهما، وبدت عوراتهما، فأبصر كل واحد منهما ما ووري من صاحبه من عوراتهما، فاستحييا، فقعدا يخصفان عليهما من ورق الجنة ليواريا سوءاتهما.(7/312)
ثم ناداهما ربهما فقال: يا آدم، فقال: يا رب، أنذا عريان، قال له: ومم ذلك؟ إنك عريان من أجل أنك أكلت من الشجرة التي نهيت أن تأكل منها، يا آدم، حرام على الأرض أن تطعمك شيئاً إلا برشح الجبين أيام حياتك، حتى ترجع إلى الأرض التي أخذت منها، فاعتل آدم بحواء فقال: هي أطعمتني وأكلت، قال: اهبطوا منها جميعاً.
وقال عطاء:
إن الله تعالى كان أمر آدم ألا يأكل من تلك الشجرة، ولم تعرف حواء تلك الشجرة، فجاء إبليس إلى سرح الجنة فعرض نفسه عليهم، فأبى أحد منهم أن يقبله، فجاء إلى الحية فتنفس الصعداء، فقالت الحية: يا إبليس، مالك؟ وذلك أن إبليس كان قبل ذلك أحسن ملائكة أهل سماء الدنيا وجهاً وأشدهم عبادة وأعلمهم.
فقال الله: اهبط منها واخرج منها، يعني من صورة الملائكة إلى صورة الأبالسة، فتحول إبليس عن صورته، فسمي إبليس لأنه أبلس فصار ملعوناً، فصار ذقنه مما يلي جبينه، وجبينه مما يلي ذقنه، ومنخراه مما يلي عينيه، وجفون عينيه شقهما مما يلي رأسه، وتحول أصابعه مما يلي زنديه وأصابع رجليه مما يلي عقبيه وصار شعره ناتئاً في رأسه منكوشاً كأنه أجمة.
قال: فلما رأته الحية رقت له، وتنفس الصعداء إبليس، فقالت له: ما بك يا إبليس؟ فقال لها: ليس على نفسي احزن، لقد نزل بي ما ترين، ولكن أحزن عليك أن ينزل بك من هذا مثل الذي نزل بي، فقالت الحية: ما أنا بآمنة منه، فقال لها: هل لك، ويلك، أن تحمليني بين شدقيك فتدخليني الجنة، فإن الخزان لا يدعونني أن أدخلها ظاهراً، وإذا كنت بين شدقيك لم يروني، وأنا أغويه حتى أخرجه من الجنة.
فقالت: نعم، ففغرت فاها فاحتملته بين شدقيها ثم دخلت الجنة، فجاءت الحية إلى حواء، فقالت لها: وإبليس يقول لها على لسان الحية، يا حواء، ما نهاكما ربكما في الجنة؟ قالت: شجرة أمرنا ألا نقربها. قال: فأين تلك الشجرة؟ قالت: إنما علم بذلك آدم،(7/313)
فقال إبليس بلسان الحية: قد ترين سعة الجنة، وأنا لك ناصحة، فلعلك فيما تجولين في الجنة وليس معك آدم فتنتهين إلى تلك الشجرة، فتأكلين فتخرجين من الجنة، ويبقى آدم، أفلا تسألين آدم أن يخبرك: أي شجرة نهانا ربنا عنها؟ فقال لها: ويلك مالك وذاك؟ إن ربي أمرني ألا أعلمها أحداً، فقالت: فلعلي أفارقك في بعض ما أجول في الجنة، فآكل منها، فأخرج منها وتبقى أنت فيها، فرق لها، وخاف عليها، فانطلق بها إلى الشجرة، فقال: هذه.
فانصرف عنها إبليس، فجاءت الحية إليها فقال لها إبليس على لسان الحية: أخبرك آدم عن الشجرة؟ قالت: نعم، فقال: أي شجرة هي؟ قالت هذه التي في وسط الجنة، ثم سكت عنها إبليس حتى نسيت.
ثم جاء وهو في الحية إلى آدم فقال: يا آدم، أخبرك ربك أن في الجنة شجرة من أكل منها خلد في الجنة، وصار ملكاً يعلم كل شيء؟ قال: لا، قال: فيسرك أن أريك؟ قال: نعم، فانطلق به إلى الشجرة التي نهي عنها، فعجب فقال: إن ربي نهاني عنها، وقال: لا تخبر أحداً بهذه الشجرة، ولم أخبر بها أحداً غيرك يا حواء، فمن أين علم هذا؟ فقال عند ذلك: يا آدم، وحلف له: إني لكما لمن الناصحين، هذه شجرة الخلد وملك لا يبلى، فلما أن حلف قال آدم لحواء: فأنا أدع أكل هذه الشجرة، فقالت حواء: أما ترى إلى يمينه بالله إنه لنا لمن الناصحين؟ وذلك أنهما لم يريا أحداً يحلف بالله، ولا علما أن أحداً يحلف بالله كاذباً، قال: فابتدرت حواء فأكلت ثم ناولت آدم فأكل منها، فبدت سوءاتهما.
قال وهب بن منبه: كان لباس آدم وحواء النور، لا يرى هذا عورة هذا، ولا هذا عورة هذا، وهو قول الله عز وجل: " ينزع عنهما لباسهما ".(7/314)
قال ابن عباس: كان لباس آدم وحواء كالظفر، فلما أكلا الشجرة لم يبق منه شيء إلا مثل الظفر، " وطققا يخصفان عليهما من ورق الجنة "، قال: ورق التين.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لولا بنو إسرائيل لم يختر اللحم، ولم يخبث الطعام، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر.
وعن أبي صالح: في قوله عز وجل: " اهبطوا منها جميعاً " قال: آدم وحواء والحية وإبليس.
وفي حديث قال: اهبطوا الأرض فلدوا للموت وابنوا للخراب.
وعن ابن عباس قال: إن آدم لما أكل من الشجرة التي نهي عنها قال الله له: يا آدم: ما حملك على ما صنعت؟ قال: فاعتل آدم، فقال آدم: رب زينته لي حواء، قال: فإني أعاقبها ألا تحمل إلا كرهاً، ولا تضع إلا كرهاً، ودميتها في الشهر مرتين، فرنت عند ذلك حواء، قال: فقيل: عليك الرنة وعلى بناتك.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فضلت على آدم بخصلتين: كان شيطاني كافراً فأعانني الله عليه فأسلم، وكن، أزواجي، عوناً لي، وكان شيطان آدم كافراً، وكانت زوجته عوناً له على خطيئته.(7/315)
حدث عبد الرحمن بن زيد: أن آدم عليه السلام ذكر محمداً رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن أفضل به علي ابني، صاحب البعير، لأن زوجته كانت عوناً له على دينه وكانت زوجتي عوناً لي على الخطيئة.
قال سعيد بن المسيب: سمعت عمر بن الخطاب، وامرأة تسأله عن الحيض. فقال لها: أي ويحك، أشهد لسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: أخبرني جبري حبي عليه السلام: أن الله بعثه إلى أمنا حواء حين دميت، فنادت ربها: جاء مني دم لا أعرفه، فناداها: لأدمينك وذريتك ولأجعلنه لكن كفارة وطهوراً.
وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هبط آدم وحواء عليهما السلام عريانين جميعاً، عليهما ورق الجنة، قال: فأصابه الحر حتى جعل يبكي، فيقول لها: يا حواء قد آذاني الحر، قال: فجاءه جبريل بقطن وأمرها أن تغزل وعلمها، وأمر آدم بالحياكة وعلمه، وأمر ينسج.
وقال: كان آدم لم يجامع امرأة في الجنة حتى هبط منها للخطيئة التي أصابهما أكلهما الشجرة، قال: وكان كل منهما ينام على حدة، ينام أحدهما في البطحاء، والآخر من ناحية أخرى، حتى أتاه جبريل فأمره أن يأتي أهله وعلمه كيف يأتيها، فلما أتاها جاء جبريل فقال: كيف وجدت امرأتك؟ قال: صالحة.
وفي حديث آخر: أنه لما فرغ قالت له حواء: يا آدم، ما أطيب هذا، زدنا منه.
وقيل: إن آدم ولد له في الجنة هابيل وقابيل وأختاهما.
وقيل: إنه لم يولد لآدم في الجنة حتى خرج من الجنة. والله أعلم.(7/316)
وعن سلمان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن آدم هبط بالهند ومعه السندان والكلبتين والمطرقة، وأهبطت حواء بجدة.
وعن ابن عباس قال: أهبط آدم بالهند وحواء بجدة، فجاء في طلبها حتى أتى جمعاً فازدلفت إليه حواء، فلذلك سميت المزدلفة، واجتمعا بجمع فلذلك سميت جمعاً.
وعن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: إن الله لما خلق الدنيا لم يخلق فيها ذهباً ولا فضة.
قال: فلما أن أهبط آدم وحواء أنزل معهما ذهباً وفضة، فسلكه ينابيع في الأرض منفعة لأولادهما من بعدهما.
قال: وذلك جعله صداق آدم لحواء، فلا ينبغي لأحد أن يتزوج إلا بصداق.
وعن أبي صالح: في قوله " لئن آتيتنا صالحاً " قال: أشفقا أن يكون بهيمة، قال: لئن آتيتنا بشراً سوياً.
وعن سمرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن حواء لما حملت كان لا يعيش لها ولد، فقال لها الشيطان: سميه عبد الحارث فإنه يعيش، فسموه فكان ذلك من وحي الشيطان وأمره، فحملت حملاً خفيفاً تقول: خفيف، لم يستبن! فمرت به لما استبان حملها.
وعن ابن عباس: أن حواء لما حملت جاءها إبليس فقال: إني أخرجتكما من الجنة، لئن لم تطيعيني لأجعلن لولدك قرنين لولدك قرنين يشقان بطنك أو لأخرجنه ميتاً، فقضى الله أن خرج ميتاً، فلما حملت الثاني جاءها فقال لها مثل مقالته الأولى، فقضى أن الولد خرج ميتاً، فلما حملت(7/317)
الثالث جاءها فقال لها مثل مقالته الأولى، قالت: وما الذي تريد أن نطيعك فيه؟ فقال: سمياه عبد الحارث، ففعلت، فقال الله عز وجل: " جعلا له شركاء فيما أتاهما ".
وقال عكرمة: لم يخص بها آدم ولكنها عامة لجميع الناس.
قال رجل لسعيد بن جبير: يا أبا عبد الله: أشرك آدم؟ قال: معاذ الله، أن نقول أشرك آدم، إنما ذكر الله في كتابه " فلما آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما " لأن حواء لما حملت فأثقلت أتاها إبليس فقال لها: أرأيت هذا الذي في بطنك؟ من أين يخرج؟ أمن فيك أم من منخرك؟ أم من أذنيك؟ أرأيت إن خرج صحيحاً سوياً لم يضرك أتطيعانني في اسمه؟ قالت: نعم. فلما ولدت قال: سمياه عبد الحارث، فسمياه عبد الحارث.
قيل: إن حواء ولدت لآدم أربعين ولداً في عشرين بطناً، فكانت تلد غلاماً وجارية.
قيل: إن آدم لما مات ابنه قال: يا حواء مات ابنك، وما الموت؟ قال: لا يأكل، ولا يشرب ولا يقوم ولا يمشي ولا يتكلم أبداً، قال: فصاحت حواء فقال آدم: عليك الرنة وعلى بناتك، وأنا وبني منها براء.
حولا بنت بهلول المتعبدة
أخت مؤمنة، كانت صوفية، شهدت عند محمد بن يحيى بن حمزة، وكان قاضياً على دمشق، وكان لا يجيز شهادة إلا من امتحنه بخلق القرآن، يعني أيام ابن أبي داؤد، فقال للحولا: ما تقولين في القرآن؟ فنشرت كفيها وفرقت بين أصابعها وأشارت بهما على وجهه وقالت: سخام على وجهك، ثم ولت وخرجت.(7/318)
قيل: لم تر أن تشهد عنده بعدما سمعت من امتحانه إياها في القرآن.
حية ويقال فاختة
ولقبها: حية ويقال: حبة بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس أم هاشم القرشية العبشمية، زوج يزيد بن معاوية وأم ابنه خالد، وكان زوجها يزيد يكنيها بأم خالد، فابنها خالد.
حدث القاسم الشامي: أن مولاة له يقال لها أم هاشم أجلسته في الستر بدواة وقلم، وأرسلت إلى أبي أمامة فسألته عن حديث حدثه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الوضوء، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من قام إلى الوضوء فغسل يديه خرجت الخطايا من يديه، فإذا مضمض خرجت الخطايا من فيه، فإذا استنثر خرجت من أنفه كذلك حتى يغسل القدمين، فإن خرج إلى صلاة مفروضة كانت كحجة مبرورة، وإن خرج إلى صلاة تطوع كانت كعمرة مبرورة.
وفي أم خالد يقول يزيد بن معاوية: من البسيط
وما نحن يوم استعبرت أمّ خالدٍ ... بمرضى ذوي داءٍ ولا بصحاح
كان عبيد الله بن رباح ندماناً ليزيد بن معاوية، فسكر ذات ليلة وطرب، وبعث إلى زوجته أم خالد لتأتيه، وكانت من أجمل الناس وأحبهم إليه، فأبت، فأقسم عليها فأتته في جواريها فقال لها يزيد: أقسمت عليك لما قمت فسقيتني، فبكت وقالت: ألمثلي يقال هذا؟ فلما رأى يزيد بكاءها وكراهتها لذلك، أذن لها في الانصراف وقال في ذلك: من الطويل.
وما نحن يوم استعبرت أمّ خالدٍ ... بمرضى ذوي داءٍ ولا بصحاح(7/319)
وقامت لتسقي الشّرب حمراً عيونهم ... مخضّبة الأطراف ذات وشاح
لها عكنٌ بيضٌ كأن غضونها ... إذا شفّ عنها السابريّ قداح
قال مصعب بن عبد الله الزبيري: خرج يزيد بن معاوية إلى بعض غزواته، فارتاح إلى امرأته أم هاشم، وهي أم خالد بن يزيد بن معاوية، وهي من ولد شيبة بن ربيعة فقال: من الطويل
إذا سرت ليلاً أو بغيت جمامةً ... دعتني دواعي الحبّ من أمّ خالد
إذا نحن هجّرنا وأنت أمامنا ... فلا بدّ من سير إلى الحيّ قاصد
أسماء الرجال على(7/320)
حرف الخاء المعجمة
خارجة بن زيد بن ثابت
ابن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي النجاري المدني الفقيه قال خارجة بن زيد بن ثابت: إنه سمع زيد بن ثابت يقول: فقدت آية من سورة الأحزاب حين نسخت المصحف قد كنت أسمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرؤها، فالتمستها فوجدتها عند خزيمة بن ثابت: " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه " وألحقتها في سورتها في المصحف.
وعن خارجة بن زيد عن عمه يزيد بن ثابت قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى البقيع فرأى قبراً حديثاً فقال: ما هذا القبر؟ قالوا: فلانة مولاة فلان. ماتت ظهراً وأنت قائل، فكرهنا أن نوقظك، قال: فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصفنا خلفه وكبر عليها أربعاً ثم قال: لايموتن أحد ما دمت بين أظهركم إلا آذنتموني. قال: وأظنه قال: فإن صلاتي له رحمة.
قال مصعب بن عبد الله: كان خارجة بن زيد بن ثابت وطلحة بن عبد الله بن عوف في زمانهما يستفتيان وينتهي الناس إلى قولهما، ويقسمان المواريث بين أهلها من الدور والنخل والأموال، ويكتبان الوثائق للناس.(7/321)
قال خارجة بن زيد: رأيت في المنام كأني بنيت سبعين درجة، فلما فرغت منها تهورت، وهذه السنة لي سبعون سنة قد أكملتها، فمات فيها.
توفي خارجة بن زيد سنة تسع وتسعين، وقيل: سنة مئة في خلافة عمر بن عبد العزيز.
قال رجاء بن حيوة: يا أمير المؤمنين، قدم قادم الساعة فأخبرنا أن خارجة بن زيد مات، فاسترجع عمر وصفق بإحدى يديه على الأخرى وقال: ثلمة والله في الإسلام.
وكانت كنية خارجة أبا زيد، وأمه جميلة بنت سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهر بن مالك بن امرئ القيس بن ثعلبة.
خارجة بن مصعب بن خارجة
أبو الحجاج الضبعي الخراساني السرخسي
رحل وسمع بدمشق وبمصر وبغيرهما.
حدث عن عباد بن كثير بسنده عن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: تنزل المعونة من السماء على قدر المؤنة، وينزل الصبر على قدر المصيبة.
قال خارجة: قدمت على الزهري وهو صاحب شرط لبعض بني مروان قال: فرأيته ركب وفي يده حربة وبين يديه الناس وفي أيديهم الكافر كوبات، قال: قلت: قبح الله ذا من عالم، قال: فانصرفت ولم أسمع منه، ثم ندمت، فقدمت على يونس، فسمعت منه عن الزهري.
وكان خارجة يرمى بالإرجاء، وكان ضعيفاً ليس بشيء.
توفي سنة ثمان وستين ومئة وهو ابن ثمان وتسعين سنة.(7/322)
خالد بن أسيد بن أبي العيص
ابن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي له صحبة.
قيل: إنه هو الذي تنسب إليه رحبة خالد بدمشق.
وأمه أروى بنت أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس.
وأسلم خالد بن أسيد يوم فتح مكة، وكان فيه تيه شديد.
قال مصعب بن عبد الله: زعموا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نظر إلى خالد بن أسيد يتقاذف في مشيته فقال: اللهم زده فخراً.
ومات خالد بمكة.
وفي رواية: اللهم زده تيهاً.
قال: فإن ذلك لفي ولده إلى اليوم.
وأسيد: السين مكسورة، والياء ساكنة.
وقيل: إن خالد بن أسيد فقد يوم اليمامة.
خالد بن برمك أبو العباس
وزير أبي العباس السفاح بعد أبي سلمة حفص بن الخلال.
حدث خالد بن برمك: سمعت عبد الحميد بن يحيى كاتب بني أمية يروي بسنده عن زيد بن ثابت، كاتب الوحي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا كتبت فبين السين في " بسم الله الرحمن الرحيم ".(7/323)
قال محمد بن منصور: لم يكن لخالد بن برمك أخ إلا بنى له داراً على قدر كفايته وأوقف على أولادهم من ماله، وما كان لأحدهم ولد إلا من جارية هو وهبها له.
قال أبو بكر محمد بن خلف بن المرزبان: هجا أبو سماعة المعيطي خالد بن برمك وكان إليه محسناً، ولي يحيى الوزارة دخل إليه أبو سماعة فيمن دخل من المهنئين فقال له: أنشدني الأبيات التي قلتها. قال: ما هي؟ قال قولك: من الخفيف.
زرت يحيى وخالداً مخلصاً لله ... ديني فاستصغرا بعض شاني
فلو أني ألحدت في الله يوماً ... ولو أني عبدت ما يعبدان
ما استخفّا فيما أظنّ بشأني ... ولأصبحت منهما بمكان
إنّ شكلي وشكل من جحد الله ... وآياته لمختلفان
قال أبو سماعة: ما أعرف هذا الشعر ولا من قاله. قال له يحيى: ما تملك صدقة إن كنت تعرف من قالها؟ فحلف، فقال يحيى: وامرأتك طالق؟ فحلف.
فأقبل يحيى على الغساني ومنصور بن زياد ومن كان حاضراً في المجلس فقال: ما أحسبنا إلا وقد احتجنا أن نجدد لأبي سماعة منزلاً وآلة وخرثياً ومتاعاً، يا غلام: ادفع له عشرة آلاف درهم وتختاً فيه عشرة أثواب فدفع إليه.
فلما خرج تلقاه أصحابه يهنئونه ويسألونه عن أمره فقال: ما عسيت أن أقول إلا أنه ابن الزانية، أبى إلا كرماً.
فبلغت يحيى كلمته من ساعته، فأمر برده، فحضر فقال له: يا أبا سماعة لم تعرف(7/324)
من هجانا، لم تعرف من شتمنا؟ قال له أبو سماعة: ما عرفته أيها الوزير، حسدت وكذب علي، فنظر إليه يحيى ملياً ثم أنشأ يقول: من الوافر
إذا ما المرء لم يخدش بظفرٍ ... ولم يوجد له إن عضّ ناب
رجا فيه الغميزة من بغاها ... وذلّل من مراتبه الصّعاب
قال أبو سماعة: كلا أيها الوزير، ولكنه كما قال:
لن يبلغ المجد أقوامٌ وإن شرفوا ... حتى يذلّوا وإن عزّوا لأقوام
ويشتموا فترى الألوان مسفرةً ... لا صفح ذلٍّ ولكن صفح أحلام
فتبسم يحيى وقال: إنا قد عذرناك، وعلمنا أنك لم تدع مساوئ شيمك، ولؤم طبعك، فلا أعدمك الله ما جبلك عليه من مذموم أخلاقك، ثم تمثل: من الوافر.
متى لم تتّسع أخلاق قومٍ ... يضق بهم الفسيح من البلاد
إذا ما المرء لم يوجد لبيباً ... فليس اللّبّ عن قدم الولاد
ثم قال: هو والله كما قال عمر بن الخطاب: المؤمن لا يشفى غيظه.
ثم إن أبا سماعة هجا بعد ذلك سليمان بن أبي جعفر، وكان إليه محسناً، فأمر به الرشيد فحلق رأسه ولحيته.
مات خالد بن برمك سنة خمس ومئة، ومولده سنة تسعين، وهو ابن خمس وسبعين سنة.(7/325)
خالد بن ثابت بن ظاعن
ابن العجلان بن عبد الله بن صبح بن والبة بن نصر بن صعصعة بن ثعلبة بن كنانة بن عمرو ابن القين بن فهم الفهمي تابعي من أهل الشام.
كان عمر بن الخطاب بعثه إلى بيت المقدس في جيش، وعمر بن الخطاب بالجابية، فقاتلهم فأعطوه أن يكون لهم ما أحاط به حصنها على شيء يؤدونه، ويكون للمسلمين ما كان خارجاً منها. فقال خالد: قد بايعناكم على هذا إن رضي به أمير المؤمنين.
وكتب إلى عمر يخبره بالذي صنع الله له.
فكتب إليه: أن قف على حالك حتى أقدم عليك، فوقف خالد على قتالهم، وقدم عمر مكانه، ففتحوا له بيت المقدس على ما بايعه عليه خالد بن ثابت. قال: فبيت المقدس يسمى فتح عمر بن الخطاب.
وعن خالد بن ثابت: أن كعب الأحبار أوصاه وتقدم إليه عند خروجه مع عمرو بن العاص إلى مصر ألا يقرب المكس، ونهاه عن ذلك.
خالد بن خلي
أبو القاسم الكلاعي الحمصي قاضي حمص، استقدمه المأمون إلى دمشق فولاه قضاء حمص، وكان قد وقع اختياره على أربعة من الشيوخ بحمص: منهم يحيى بن صالح الوحاظي، وأبو اليمان الحكم بن نافع، وعلي بن عياش، وخالد بن خلي، فأشخصوا إلى دمشق، فأدخلوا على المأمون رجلاً رجلاً، فأول من دخل عليه أبو اليمان الحكم بن نافع، فسأله يحيى بن أكثم وحادثه، ثم قال له: يا حكم، ما تقول في يحيى بن صالح؟ قال: فقال له: أورد علينا من هذه الأهواء شيئاً لا نعرفه. قال: فما تقول في علي بن عياش؟ قال: قلت: رجل صالح، لا يصلح للقضاء. قال: فما تقول في خالد بن خلي؟ فقال: أنا أقرأته القرآن. فأمر به فأخرج.(7/326)
ثم أدخل يحيى بن صالح وحادثه ثم قال له: يا يحيى، ما تقول في الحكم بن نافع؟ قال: شيخ من شيوخنا، مؤدب أولادنا، قال: فما تقول في علي بن عياش؟ فقال: رجل صالح لا يصلح للقضاء. قال: فما تقول في خالد بن خلي قال: عني أخذ العلم وكتب الفقه. قال: فأمر به فأخرج.
ثم دعي علي بن عياش، فدخل عليهن فساءله وحادثه ساعة ثم قال له: يا علي، ما تقول في الحكم بن نافع؟ قال: فقلت له: شيخ صالح يقرأ القرآن، قال: فما تقول في يحيى بن صالح؟ قال: أحد الفقهاء. قال: فما تقول في خالد بن خلي؟ قال: رجل من أهل العلم، ثم أخذ يبكي، فكثر بكاؤه، ثم أمر به فأخرج.
ثم دخل عليه خالد بن خلي: فساءله وحادثه ساعة ثم قال له: ما تقول في الحكم بن نافع؟ فقال: شيخنا وعالمنا ومن قرأنا عليه القرآن وحفظنا به.
قال: فما تقول في يحيى بن صالح؟ قال: فقلت: أحد فقهائنا ومن أخذنا عنه العلم والفقه.
قال: فما تقول في علي بن عياش؟ قال: رجل من الأبدال، إذا نزلت بنا نازلة سألناه فدعا الله فكشفها، فإذا أصابنا القحط واحتبس عنا المطر سألناه، فدعا الله فأسقانا الغيث.
قال: ثم عمد يحيى بن أكثم إلى ستر رقيق بينه وبين المأمون، رفعه فقال له المأمون: يا يحيى، هذا يصلح للقضاء فوله. قال فأمر بالخلع فخلعت عليه، وولاه القضاء.
وعن ابن عباس: أنه تمارى والحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى، فمر بهما أبي بن كعب، فدعاه ابن عباس فقال: إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل السبيل إلى لقيه، هل سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر شأنه؟ فقال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر شأنه يقول: بينما موسى في ملأ من بني إسرائيل إذ جاءه رجل فقال: تعلم أحداً أعلم منك؟ قال موسى: لا، فأوحى الله إلى موسى، بل عبدنا خضر، فسأل السبيل إلى لقيه، فجعل الله له(7/327)
الحوت آية، وقيل له: إذا فقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه، فكان موسى يتبع أثر الحوت في البحر، فقال فتى موسى لموسى " أرأيت إذا أوينا إلى الصخرة، فإني نسيت الحوت، وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره " قال موسى " ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصاً " فوجدا خضراً، فكان من شأنهما، ما قص الله في كتابه.
خالد بن دهقان القرشي مولاهم
من أهل دمشق.
روى عن عبد الله بن زكريا قال: سمعت أم الدرداء تقول: سمعت أبا الدرداء يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركاً، أو مؤمن قتل مؤمناً متعمداً.
قال خالد بن دهقان: قال هانئ بن كلثوم: سمعت محمود بن ربيعة يحدث عن عبادة بن الصامت أنه قال: سمعته يحدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: من قتل مؤمناً ثم اغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً.
قال خالد: فسألت يحيى بن يحيى عن اغتبط بقتله قال: هم الذين يقتلون في الفتنة، فيقتل أحدهم فيرى أنه على هدى، لا يستغفر الله منه أبداً.
كان خالد بن دهقان ثقة.(7/328)
خالد بن رباح
قيل: إن كنيته أبو رويحة، وهو أخو بلال بن رباح مؤذن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، له صحبة، سكن داريا.
عن أم وبرة بنت الحارث قالت: جئنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم فتح مكة، وهو نازل بالأبطح، وقد ضربت عليه قبة حمراء، فبايعناه واشترط علينا، قالت: فنحن كذلك، إذ أقبل سهيل بن عمرو أحد بني عامر بن لؤي كأنه جمل أورق، فلقيه خالد بن رباح أخو بلال بن رباح، وذلك بعد ما طلعت الشمس، فقال: ما منعك أن تعجل الغدو على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا النفاق، والذي بعثه بالحق، لولا شيء لضربت بهذا السيف فلحتك، وكان رجلاً أعلم.
فانطلق سهيل إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ألا ترى ما يقول لي هذا العبيد؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دعه، فعسى أن يكون خيراً منك، فالتمسه فلا تحده. وكانت هذه أشد عليه من الأولى.
روى عمر بن ميمون عن أبيه: أن أخاً لبلال كان ينتمي في العرب فيزعم أنه منهم، فخطب امرأة من العرب فقالوا: إن حضر بلال زوجناك قال: فحضر بلال فقال: أنا بلال بن رباح، وهذا أخي، وهو امرؤ سوء، سيئ الخلق، فإن شئتم أن تزوجوه فزوجوه، وإن شئتم أن تدعوا فدعوا، فقالوا: من تكن أخاه نزوجه، فزوجوه.
قال آدم بن علي: سمعت أخا بلال مؤذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: الناس ثلاث أثلاث، فسالم وغانم وشاجب. فالسالم: الساكت، والغانم: الذي يأمر بالخير وينهى عن المنكر، والشاجب: الناطق بالخنا والمعين على الظلم.(7/329)
قال أبو عبيد: هكذا في الحديث، والشاجب الآثم الهالك، وهو يرجع إلى هذا.
قال أبو مليكة: قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه مكة، فكان يتوضأ بأجياد، فذهب يوماً إلى حاجته، فلقي طحبل بن رباح أخا بلال بن رباح فقال: من أنت؟ فقال: أنا طحبل بن رباح قال: لا بل أنت خالد بن رباح.
رباح: براء مفتوحة وباء واحدة.
واستعمله عمر على الأردن.
وقيل: إن أبا رويحة أخو بلال في الإسلام، آخي بينهما سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لم يكن أخاه في النسب.
قال عبد الجبار بن عبد الله بن محمد الخولاني: وقد قيل: إن الذي بحلب قبر خالد بن رباح أخي بلال، والله أعلم.
خالد بن ربيعة بن مزيز
ابن حارثة بن ناضرة بن عمرو بن سعد بن علي بن رهم بن رباح بن يشكر بن عدوان الجدلي قيل: إن له صحبة، وشهد فتح مدينة العذراء، وشهد فتح دمشق.
روى معبد بن خالد الجدلي قال: دخلت مسجداً فإذا فيه شيخ يتفلى، فسلمت عليه فرد، وجلست إليه فقلت: من أنت يا عم؟ قال: من أنت يا بن أخي؟ فقلت: أنا معبد بن خالد الجدلي، فقال: مرحباً بك، قد عرفت أباك وكان معي بدمشق، وإني وأبوك لأول فارسين في المسلمين وقفا على باب عذراء، مدينة بالشام.(7/330)
فقلت: من أنت؟ قال: أنا أبو شريحة الغفاري صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فقلت: حدثني عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يحشر رجلان من مزينة هما آخر الناس محشراً، يقبلان من جبل حتى يأتيا معالم الناس، فيجدان الأرض وحوشاً حتى يأتيا المدينة، فإذا جاءا قالا: أين الناس؟ فلا يريان أحداً، فيقول: أحدهما لصاحبه: الناس في دورهم، قال: فيدخلان الدور فإذا ليس فيها أحد، وإذا على الفرش الثعالب والسنانير فيقولان: أين الناس؟ فيقول أحدهما لصاحبه: الناس في المسجد فيأتيان المسجد فلا يجدان فيه أحداً، فيقولان: أين الناس؟ فيقول أحدهما: أراهم في السوق، شغلتهم الأسواق؛ فيخرجان حتى يأتيا السوق فلا يجدان فيها أحداً، فينطلقان حتى يأتيا المدينة، فإذا عليها ملكان، فيأخذان بأرجلهما إلى أرض المحشر، فهما آخر الناس حشراً.
خالد بن روح بن السري
ابن أبي حجير أبو عبد الرحمن الثقفي الدمشقي
روى عن أبي النضر إسحاق بن إبراهيم بسنده عن عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي بعد العتمة إحدى عشرة ركعة، يسلم من كل ثنتين ويوتر بواحدة، فإذا سكت المؤذن من الأولى ركع ركعتي الفجر، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للصلاة.
وحدث عن إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني بسنده عن عائشة قالت: لو رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من النساء ما نرى لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل: توفي خالد بن أبي حجير بدمشق سنة ثمانين ومئتين.(7/331)
خالد بن الريان المحاربي مولاهم
ولي الحرس لعبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك وسليمان بن عبد الملك.
كان عمر بن عبد العزيز ينهى سليمان عن قتل الحرورية ويقول: ضمنهم الحبوس حتى يحدثوا توبة، فأتي سليمان بحروري مستقتل، فقال له سليمان: إيه. قال: إيه نزع لحييك يا فاسق ابن الفاسق. قال سليمان: علي بعمر بن عبد العزيز، فلما أتى عمر عاود سليمان الحروري فقال له: ما تقول؟ قال: وماذا يا فاسق ابن الفاسق؟ قال سليمان لعمر: يا أبا حفص، ماذا ترى عليه؟ قال: فسكت عنه. فقال: عزمت عليك لتخبرني ماذا ترى عليه؟ قال: أرى عليه أن تشتمه كما شتمك. قال سليمان: ليس إلا؟ فأمر به، فضربت عنقه، وقام سليمان، وخرج عمر.
فتبعه خالد بن الريان صاحب حرس سليمان بن عبد الملك. فقال: يا أبا حفص، تقول لأمير المؤمنين: ما أرى عليه إلا أن تشتمه كما شتمك؟ والله، لقد كنت متوقعاً أن يأمرني بضرب عنقك، قال: لو أمرك لفعلت؟ قال: إي والله لو أمرني لفعلت.
فلما أفضت الخلافة إلى عمر جاء خالد بن الريان فقام مقام صاحب الحرس، وكان قبل ذلك على حرس الوليد وعبد الملك، فنظر إليه عمر فقال: يا خالد ضع هذا السيف عنك، اللهم إني قد وضعت لك خالد بن الريان، اللهم لا ترفعه أبداً.
ثم نظر عمر في وجوه الحرس فدعا عمرو بن المهاجر الأنصاري فقال: والله إنك لتعلم يا عمرو أنه ما بيني وبينك قرابة إلا قرابة الإسلام، ولكني قد سمعتك تكثر تلاوة القرآن، ورأيتك تصلي في موضع تظن أن لا يراك أحد، فرأيتك تحسن الصلاة، خذ هذا السيف قد وليتك حرسي.
وكان خالد بن الريان سيافاً يقوم على رؤوس الخلفاء، فلما استخلف عمر عزله وقال: إني أذكر بأوه وهيبته، اللهم إني أضعه لك فلا ترفعه أبداً.(7/332)
قال نوفل بن الفرات: ما رأيت شريفاً خمل ذكره حتى لا يذكر مثله، إن كان الناس ليقولون: ما فعل خالد أحي أو قد مات؟ وفي رواية أخرى: أن خالد بن الريان لما قدم على عمر بن عبد العزيز حين استخلف قال لما رآه من بعيد: أترون هذا المقبل؟ والله إن كنت لأسير في موكب الوليد وسليمان ولي من قرابته ما لي، فيلقي دابتي في الوحل ويركب الجدد، فعرفت النفس أنه لغيري أشد احتقاراً، اللهم إني أريد أن أضعه لك اليوم فلا ترفعه.
فلما دنا فسلم، قال: إنك قد قضيت من هذا السيف وطراً، فتفرغ لنفسك، وانصرف إلى أهلك، وخذ يا غلام سيفه.
قال: أنشدك الله، يا أمير المؤمنين، وإن هذا لم يكن رجائي، قال: أو خوفك. فعزله، فلم يزل بشرٍ حتى مات.
خالد بن زياد بن جرو
أبو عبد الرحمن الأزدي الترمذي حدث عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بركعة.
وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا ينبغي لامرئ ذي وصية يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة.(7/333)
خالد بن زياد
حدث عن زهير بن محمد المكي عن نافع عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ثلاثة لا ينبغي لأحد أن يردهن: اللبن والدهن والوسادة.
خالد بن زيد بن كليب
ابن ثعلبة بن عبد عمرو بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار بن ثعلبة بن الخزرج أبو أيوب الأنصاري الخزرجي مضيف سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصاحبه.
روى أبو أيوب الأنصاري عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.
وعن أبي أيوب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له:
اكتم الخطبة، ثم توضأ فأحسن وضوءك، ثم صل ما كتب الله لك، ثم احمد ربك ومجده، ثم قل: اللهم تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، فإن رأيت لي في فلانة تسميها باسمها خيراً في ديني ودنياي وآخرتي فاقدرها لي، وإن كان غيرها خيراً لي منها في ديني ودنياي وآخرتي فامض لي أو قال: اقدرها لي.
شهد أبو أيوب مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدراً والعقبة الثانية وبايع، وأحداً والخندق والمشاهد كلها، وقدم دمشق في إمارة معاوية، ومات بأرض الروم سنة خمسين.
وقيل: توفي بالقسطنطينية عام غزا يزيد بن معاوية، سنة ثنتين وخمسين، وقبره بأصل سور المدينة.(7/334)
وجاءه يزيد فسأله: ما حاجتك؟ قال: تعمق حفرتي وتعبي قبري ما استطعت.
قال محمد بن سيرين في اسم النجار: وهو تيم الله بن ثعلبة، قال: إنما سمي النجار لأنه اختتن بقدوم، وقيل: لأنه نجر وجه رجل بقدوم.
وآخى سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أبي أيوب ومصعب بن عمير، ونزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أبي أيوب حين رحل من قباءٍ إلى المدينة.
وقدم مصر لغزو البحر سنة ست وأربعين، وحضر مع علي بن أبي طالب عليه السلام حرب الخوارج بالنهروان، وورد المدائن في صحبته، وعاش بعد ذلك زماناً طويلاً حتى مات ببلاد الروم غازياً في خلافة معاوية.
حدث عبد الله بن عمر قال: قال أهل المدينة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادخل المدينة راشداً مهدياً، قال: فدخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فخرج الناس فجعلوا ينظرون إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كلما مر على قوم قالوا: يا رسول الله ههنا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دعوها، فإنها مأمورة، يعني ناقته، حتى بركت على باب أبي أيوب الأنصاري.
قال أبو أيوب: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزل في بيتنا الأسفل، وكنت في الغرفة، فأهريق ماء في الغرفة، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا نتتبع الماء شفقاً أن يخلص إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنزلت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا مشفق، فقلت: يا رسول الله لا ينبغي أن أكون فوقك، انتقل إلى الغرفة. فأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمتاعه فنقل، ومتاعه قليل، فقلت: يا رسول الله، كنت ترسل إلي بالطعام فأنظر، فإذا رأيت أثر أصابعك وضعت يدي فيه، حتى كان هذا الطعام الذي أرسلت به إلي، فنظرت فيه فلم أر فيه أثر أصابعك. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(7/335)
أجل إن فيه بصلاً، وكرهت أن آكله من أجل الملك الذي يأتيني، وأما أنتم فكلوه.
قال عبادة بن الصامت: خلوت برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: أي أصحابك أحب إليك حتى أحب من تحب كما تحب؟ قال: اكتم علي يا عبادة حياتي، فقلت: نعم، فقال: أبو بكر، ثم عمر ثم علي ثم سكت، فقلت: ثم من يا نبي الله؟ قال: من عسى أن يكون بعد هؤلاء إلا الزبير وطلحة وسعد وأبو عبيدة ومعاذ وأبو طلحة وأبو أيوب وأنت يا عبادة وأبي بن كعب وأبو الدرداء وابن مسعود وابن عوف وابن عفان، ثم هؤلاء الرهط من الموالي: سلمان وصهيب وبلال وسالم مولى أبي حذيفة، هؤلاء خاصتي، وكل أصحابي علي كريم حبيب إلي وإن كان عبداً حبشياً.
قال: قلت: لم يذكر حمزة ولا جعفر؟ قال عبادة: إنهما كانا أصيبا يوم سألت عن هذا، إنما كان بأخرة، أو كما قال.
وعن ابن عباس قال: لما أراد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يخرج من خيبر قال القوم: الآن نعلم: أسرية صفية أم امرأة؟ فإن كانت امرأة فإنه سيحجبها وإلا فهي سرية، فلما خرج أمر بستر فستر دونها؛ فعرف الناس أنها امرأة، فلما أرادت أن تركب أدنى فخذه منها لتركب عليها، فأتت ووضعت ركبتها على فخذه، ثم حملها.
فلما كان الليل نزل فدخل الفسطاط، ودخلت معه، وجاء أبو أيوب فبات عند الفسطاط معه السيف واضع رأسه على الفسطاط.
فلما أصبح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمع الحركة فقال: من هذا؟ فقال: أبو أيوب، فقال: ما شأنك؟ قال: يا رسول الله، جارية شابة حديثة عهد بعرس، وقد صنعت بزوجها ما صنعت فلم آمنها، قلت: إن تحركت كنت قريباً منك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رحمك الله أبا أيوب، مرتين.
وعن سعيد بن المسيب: أن أبا أيوب أخذ عن لحية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً، فقال: لا يصيبك السوء يا أبا أيوب.(7/336)
وعن أم أيوب أنها قالت لأبي أيوب: ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة؟ قال: بلى، وذلك الكذب، أفكنت يا أم أيوب فاعلة ذلك؟ قالت: لا والله، قال: فعائشة والله خير منك.
فلما نزل القرآن وذكر أهل الإفك قال الله عز وجل: " لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً، وقالوا: هذا إفك مبين " يعني أبا أيوب حين قال لأم أيوب، ويقال: إنما قالها: أبي بن كعب.
وعن علي بن مدرك قال: رأيت أبا أيوب ينزع خفيه فقيل له: فقال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح، ولكن حبب إلي الوضوء.
وعن ابن سيرين: أن أبا أيوب كان يصلي بعد العصر ركعتين، فنهاه زيد بن ثابت فقال: إن الله لا يعذبني على أن أصلي، ولكن يعذبني أن لا أصلي، فقال: إني آمرك بهذا، وأنا أعلم أنك خير مني، ما عليك بأس أن تصلي ركعتين بعد العصر، ولكن أخاف أن يراك من لا يعلم فيصلي في الساعة التي حرم فيها الصلاة.
وعن عاصم قال: أم أبو عبيدة بن الجراح قوماً وقال غيره: أو أبو أيوب مرة فلما انصرف قال: ما زال الشيطان بي آنفاً حتى أريت أن لي فضلاً على من خلفي، لا أؤم أبداً.
قال محمد بن كعب القرظي: كان أبو أيوب يخالف مروان، فقال له مروان: ما يحملك على هذا؟ قال: إني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي الصلوات فإن وافقته وافقناك، وإن خالفته خالفناك.
وعن أبي أيوب الأنصاري قال: غزونا حتى انتهينا إلى المدينة مدينة قسطنطينية فإذا قاص يقول: من(7/337)
عمل عملاً من أول النهار عرض على معارفه إذا أمسى من أهل الآخرة، ومن عمل عملاً من آخر النهار عرض على معارفه إذا أصبح من أهل الآخرة، فقال له أبو أيوب: انظر ما تقول، قال: والله إن ذلك لكذلك، فقال: اللهم لا تفضحني عند عبادة بن الصامت ولا عند سعد بن عبادة فيما عملت بعدهما، قال القاص: والله ما كتب الله ولايته لعبد إلا ستر عليه عورته وأثنى عليه بأحسن عمله.
قال أبو زبيد: دخلت أنا ونوف البكالي ورجل آخر على أبي أيوب الأنصاري وقد شكا، فقال نوف: اللهم عافه واشفه، قال: لا تقولوا هذا، وقولوا: اللهم، إن كان أجله عاجلاً فاغفر له وارحمه، وإن كان آجلاً فعافه واشفه وآجره.
وعن أبي أيوب الأنصاري قال: من أراد أن يكثر علمه وأن يعظم حلمه فليجالس غير عشيرته.
قال شعبة: قلت للحكم بن عتيبة: شهد أبو أيوب مع علي بصفين؟ قال: لا، ولكن شهد معه قتال أهل النهر.
وعن أبي صادف قال: قدم أبو أيوب الأنصاري العراق، فأهدت له الأزد جزراً، فبعثوا بها معي فدخلت فسلمت عليه وقلت له: يا أبا أيوب قد كرمك الله بصحبة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونزوله عليك، فمالي أراك تستقبل الناس تقاتلهم، تستقبل هؤلاء مرة وهؤلاء مرة؟، فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهد إلينا أن نقاتل مع علي الناكثين فقد قاتلناهم، وعهد إلينا أن نقاتل معه القاسطين فهذا وجهنا إليهم، يعني معاوية وأصحابه، وعهد إلينا أن نقاتل مع علي المارقين فلم أرهم بعد.
وعن حبيب بن أبي ثابت: أن أبا أيوب أتى معاوية فشكا إليه أن عليه ديناً، فلم ير منه ما يحب، ورأى كراهيته.(7/338)
فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إنكم سترون أثرة قال: فأي شيء قال لكم؟ قال: قال: اصبروا، قال: فاصبروا. قال، فقال: والله لا أسألك شيئاً أبداً.
وقدم البصرة فنزل على ابن عباس ففرغ له بيته، فقال: لأصنعن بك كما صنعت برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: كم عليك من الدين؟ قال: عشرون ألفاً. قال: فأعطاه أربعين ألفاً وعشرين مملوكاً، وقال: لك ما في البيت كله.
قال أسلم أبو عمران مولى لكندة: كنا بمدينة الروم، فأخرجوا إلينا جمعاً عظيماً من الروم، وخرج إليهم مثله أو أكثر، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم، فصاح به الناس وقالوا: سبحان الله، يلقي بيده إلى التهلكة.
فقام أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أيها الناس إنكم تأولون هذه الآية على هذا التأويل، وإنما نزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار، إنما لما أعز الله الإسلام وكثر ناصريه، قلنا بعضنا لبعض سراً من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أموالنا قد ضاعت، وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصريه، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله عز وجل على نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرد علينا ما قلنا " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين " فكانت التهلكة الإقامة في أموالنا وإصلاحها وتركنا الغزو.
قال: وما زال أبو أيوب شاخصاً في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم.
قال أبو ظبيان: غزا أبو أيوب الروم فمرض، فلما حضر قال: إذا أنا مت فاحملوني فإذا صاففتم العدو فادفنوني تحت أقدامكم.(7/339)
وسأحدثكم حديثاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لولا حالي هذه ما حدثتكموه، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة.
وفي حديث آخر مختصراً: أن أبا أيوب لما حضره الموت دعا أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والناس، ومعهم عمرو بن العاص، فقال: إذ أنا قبضت فلتركب الخيل بالسلاح والرجال، ثم سيروا حتى تلقوا العدو فيردوكم حتى لا تجدوا متقدماً، فإذا فعلتم ذلك، فاحفروا لي قبراً ثم ادفنوني ثم سووه، فلتطأ الخيل والرجال عليه حتى يستوي فلا يعرف مكانه، فإذا رجعتم فأخبروا الناس أن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبرني أنه: لا يدخل النار أحد يقول لا إله إلا الله.
توفي أبو أيوب بالقسطنطينية سنة خمس وخمسين في غزاة يزيد بن معاوية للقسطنطينية.
وقيل: في سنة ثنتين وخمسين، وقيل: سنة خمسين.
قال أبو عمران: لم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية.
ويقال: إن الروم يتعاهدون قبره ويرمونه ويستسقون به إذا قحطوا.
ولما توفي دفن مع سور المدينة وبني عليه، فلما أصبحوا أشرف عليهم الروم فقالوا: يا معشر العرب، قد كان لكم الليلة شأن فقالوا: مات رجل من أكابر أصحاب نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووالله، لئن نبش لا ضرب بناقوس في بلاد العرب، فكان الروم إذا أمحلوا كشفوا عن قبره فأمطروا.(7/340)
قال أبو سعيد المعيطي وغيره: إن أهل القسطنطينية قالوا ليزيد ومن معه: ما هذا؟ ننبشه غداً. قال يزيد: هذا صاحب نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أوصى بهذا لئلا يكون أحد من المجاهدين ومن مات في سبيل الله أقرب إليكم منه، لئن فعلتم لأنزلن كل حبيش بأرض العرب، ولأهدمن كل كنيسة.
قالوا: إنما أردنا أن نعرف مكانه منكم، لنكرمنه لصحبته ومكانه.
قال: فبنوا عليه قبة بيضاء، وأسرجوا عليه قنديلاً.
قال: أبو سعيد: وأنا دخلت عليه القبة في سنة مئة ورأيت قنديلها، فعرفت أنه لم يزل يسرج حتى نزلنا بهم.
خالد بن سالم
كان في صحابة عمر بن عبد العزيز، وبعثه إلى البصرة ينظر في أمر فارس.
كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة: بلغني أن عمالك بفارس يخرصون الثمار على أهلها، ثم يقومونها بسعرٍ دون سعر الناس الذي يتبايعون به، فيأخذونه ورقاً على قيمتهم التي قوموا، وأن طوائف من الأكراد يأخذون العشر من الطريق، ولو علمت أنك أمرت بشيء من ذلك أو رضيته بعد علمك به ما ناظرتك إن شاء الله بما تكره، وقد بعثت بشر بن صفوان وعبد الله بن عجلان وخالد بن سالم ينظرون في ذلك، فإن وجدوه حقاً ردوا إلى الناس الثمن الذي أخذ منهم، وأخذوا بسعر ما باع أهل الأرض غلتهم، ولا يدعون شيئاً مما بلغني إلا نظروا فيه؛ فلا تعرض لهم.(7/341)
خالد بن سالم
حدث عن مالك بن أنس قال: كنا عند مالك بن أنس، فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الله، خطب إلي قدريٌ، أفأزوجه؟ فقال مالك: ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم.
خالد بن سعيد بن العاص
ابن أمية الأموي له صحبة، وهو قديم الإسلام، استعمله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على صنعاء اليمن، ووجهه أبو بكر الصديق أميراً على جيش في فتح الشام، فواقع الروم بمرج الصفر، فقيل: إنه قتل به، وقيل: لم يقتل به، وبقي حتى شهد اليرموك.
حدث خالد بن سعيد بن العاص:
وكان من مهاجرة الحبشة هو وأخوه عمرو، فلما قدموا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلقاهم حين دنوا منه، وذلك بعد بدر بعام، فحزنوا ألا يكونوا شهدوا بدراً.
قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وما تحزنون؟ إن للناس هجرة واحدة ولكم هجرتان، هاجرتم حين خرجتم إلى صاحب الحبشة، ثم جئتم من عند صاحب الحبشة مهاجرين إلي.
حدثت أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص قالت: لما كان قبيل مبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بينا خالد بن سعيد ذات ليلة نائم، قال: رأيت كأنه غشيت مكة ظلمة حتى لا يبصر امرؤ كفه، فبينا هو كذلك. إذ خرج نور ثم علا في السماء فأضاء في البيت ثم أضاءت مكة كلها، ثم إلى نجد ثم إلى يثرب، فأضاءها حتى إني لأنظر إلى البسر في النخل.(7/342)
قال: فاستيقظت فقصصتها على أخي عمرو بن سعيد وكان جزل الرأي فقال: يا أخي، إن هذا الأمر يكون في بني عبد المطلب، ألا ترى أنه خرج من حفيرة أبيهم؟ قال خالد: فإنه لمما هداني الله به إلى الإسلام.
قالت أم خالد: فأول من أسلم أبي، وذلك أنه ذكر رؤياه لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا خالد، أنا والله ذلك النور، وأنا رسول الله، فقص عليه ما بعثه الله به، فأسلم خالد وأسلم عمرو بعده.
وفي حديث آخر بمعناه: وسمعت قائلاً يقول في الضوء: سبحانه سبحانه تمت الكلمة، وهلك ابن مارد بهضبة الحصا بين أذرح والأكمة، سعدت هذه الأمة، جاء نبي الأميين، وبلغ الكتاب أجله، كذبته هذه القرية، تعذب مرتين، تتوب في الثالثة، ثلاث بقيت، ثنتان بالمشرق وواحدة بالمغرب.
فقصها خالد بن سعيد على أخيه عمرو بن سعيد فقال: لقد رأيت عجباً وإني لأرى هذا أمراً يكون في بني عبد المطلب إذ رأيت النور خرج من زمزم.
قال محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان: كان إسلام خالد بن سعيد بن العاص قديماً، وكان أول إخوته، أسلم وكان بدء إسلامه أنه رأى في النوم أنه أوقف على شفر النار، فذكر من سعتها ما الله به أعلم، ويرى في النوم كأن أباه يدفعه فيها، ويرى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخذاً بحقويه لا يقع، ففزع من نومه فقال: أحلف بالله إن هذه لرؤيا.(7/343)
فلقي أبا بكر بن أبي قحافة فذكر ذلك له، فقال أبو بكر: أريد به خير، هذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاتبعه، فإنك ستتبعه وتدخل معه في الإسلام الذي يحجزك من أن تقع فيها، وأبوك واقع فيها.
فلقي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بأجياد فقال: يا محمد إلام تدعو؟ قال: أدعو إلى الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وخلع ما أنت عليه من عبادة حجر لا يسمع ولا يبصر، ولا يضر ولا ينفع، ولا يدري من عبده ممن لم يعبده.
قال خالد: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، فسر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسلامه. وتغيب خالد وعلم أبوه بإسلامه، فأرسل في طلبه من بقي من ولده ممن لم يسلم ورافعاً مولاه، فوجدوه فأتوا به إلى أبيه أبي أحيحة، فأنبه وبكته وضربه بمقرعة في يده حتى كسرها على رأسه ثم قال: أتبعت محمداً وأنت ترى خلافه قومه، وما جاء به من عيب آلهتهم وعيب من مضى من آبائهم؟ فقال خالد: قد صدق، والله، واتبعته؛ فغضب أبو أحيحة، ونال من ابنه وشتمه ثم قال: اذهب يالكع حيث شئت، فوالله لأمنعنك القوت.
فقال خالد: إن منعتني فإن الله يرزقني ما أعيش به.
فأخرجه وقال لبنيه: لا يكلمه أحد منكم إلا صنعت به ما صنعت به.
فانصرف خالد إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان يلزمه ويكون معه.
قالت أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص: كان أبي خامساً في الإسلام، قلت: فمن تقدمه؟ قالت: ابن أبي طالب وابن أبي قحافة وزيد بن حارثة وسعد بن أبي وقاص، وأسلم أبي قبل الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة، وهاجر في المرة الثانية، فأقام بها بضع عشرة سنة وولدت أنا بها، وقدم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر سنة سبع، فكلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسلمين، فأسهموا لنا، ثم رجعنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة وأقمنا، وخرج أبي مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عمرة القضية، وغزا معه إلى(7/344)
الفتح هو وعمي، تعني عمراً، وخرجا معه إلى تبوك، وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبي عاملاً على صدقات اليمن فتوفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي باليمن.
وعن خالد بن سعيد مختصراً: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه في رهط من قريش إلى ملك الحبشة، فقدموا عليه ومع خالد امرأة له، قال: فولدت له جارية وتحركت وتكلمت هناك.
ثم إن خالداً أقبل هو وأصحابه وقد فرغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وقعة بدر، فأقبل يمشي ومعه ابنته.
قال: ثم إن خالداً قال لابنته: اذهبي إلى عمك، اذهبي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسلمي عليه، فذهبت الجويرية حتى أتته من خلفه، فأكبت عليه وعليها قميص أصفر، فأشارت به إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تريه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سنه سنه، يعني بالحبشية: أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي.
وكان خالد وأخوه عمرو ممن قدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السفينتين، وتوفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخالد عامله على اليمن، ووهب له عمرو بن معد يكرب الصمصامة، وقال حين وهبها له: من الوافر
خليلي لم أهبه عن قلاةٍ ... ولكنّ التّواهب للكرام
خليلي لم أخنه ولم يخنّي ... كذلك ما خلالي أو بذامي
حبوت به كريماً من قريش ... فسرّ به وصين عن اللئام
وعن أم خالد بنت خالد قالت: أبي أول من كتب " بسم الله الرحمن الرحيم ".(7/345)
مر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقبر أبي أحيحة، فقال أبو بكر: هذا قبر أبي أحيحة الفاسق، فقال خالد بن سعيد: والله ما يسرني أنه في أعلى عليين وأنه مثل أبي قحافة، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تسبوا الموتى فتغضبوا الأحياء.
قالت أم خالد بنت خالد بن سعيد: قدم أبي من اليمن إلى المدينة بعد أن بويع لأبي بكر فقال لعلي وعثمان: أرضيتم بني عبد مناف أن يلي هذا الأمر عليكم غيركم؟ فنقلها عمر إلى أبي بكر فلم يحملها أبو بكر على خالد، وحملها عمر عليه، وأقام خالد ثلاثة أشهر لم يبايع أبا بكر.
ثم مر عليه أبو بكر بعد ذلك مظهراً وهو في داره فسلم، فقال له خالد: أتحب أن أبايعك؟ فقال أبو بكر: أحب أن تدخل في صالح ما دخل فيه المسلمون، فقال: موعدك العشية أبايعك. فجاء وأبو بكر على المنبر، فبايعه، وكان رأي أبي بكر فيه حسناً، وكان معظماً له.
فلما بعث أبو بكر الجنود على الشام عقد له على المسلمين، وجاء باللواء إلى بيته، فكلم عمر أبا بكر فقال: تولي خالداً وهو القائل ما قال؟ فلم يزل به حتى أرسل أبا أروى الدوسي فقال: إن خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لك: اردد إلينا لواءنا، فأخرجه فدفعه إليه وقال: والله ما سرتنا ولايتكم ولا ساءنا عزلكم وإن المليم لغيرك.
فما شعرت إلا بأبي بكر داخلاً على أبي يتعذر إليه ويعزم عليه ألا يذكر عمر بحرف، فوالله ما زال أبي يترحم على عمر حتى مات.
ولما قتل الرومي خالد بن سعيد قلب ترسه وأسلم واستأمن فقال: من الرجل الذي قتلنا، فإني رأيت له نوراً ساطعاً في السماء؟ وقال خالد بن سعيد وهو يقاتل تلك الأعلاج من الروم:
هل فارسٌ كره النّزال يعيرني ... رمحاً إذا نزلوا بمرج الصّفّر
وقالوا: إن خالداً استشهد يوم مرج الصفر.(7/346)
وقيل: قتل يوم أجنادين، وكانت وقعة أجنادين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة.
وقيل: إنه قتل وهو ابن خمسين أو أكثر، وكان وسيماً جميلاً.
وعن محمد بن إسحاق مختصراً: أن خالد بن سعيد لما بلغه قول أبي بكر ونزعه، لبس ثيابه وتهيأ بأحسن هيئة ثم أقبل نحو أبي بكر وعنده المهاجرون والأنصار أجمع ما كانوا عنده، فقال لأبي بكر: أما أنت فقد وليتني أمر المسلمين وأنت غير متهم لي، ورأيك في حسن حتى خوفت أمراً، والله لأن أخر من رأس حالق وتخطفني الطير بين السماء والأرض، أحب إلي من أن يكون مني، والله ما أنا في الإمارة براغب، ولا أنا على البقاء في الدنيا بحريص، وإني لأشهدكم أني وإخوتي ومن خرجنا في وجهنا به من عون أو قوة في سبيل الله، نقاتل المشركين أبداً حتى يهلكوا أو نموت، لا نريد به سلطاناً ولا عرضاً من الدنيا، فقال له الناس خيراً، ودعوا له.
وقال أبو بكر: أعطاني الله في نفسي الذي أحب لك ولإخوتك، والله إني لأرجو أن تكون من نصحاء الله في عباده وإقامة كتابه واتباع سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فخرج هو وإخوته وغلمانه ومن اتبعه، وكان أول من عسكر.
ولما تهيأ الناس للخروج وانضمت المتطوعة إلى من أحبت نزل خالد بن سعيد تحت لواء أبي عبيدة يسير معه، فقال له بعض الناس: لو كنت خرجت مع ابن عمك يزيد بن أبي سفيان، فقال: ابن عمي أحب إلي من هذا لقرابته، وهذا أحب إلي من ابن عمي في دينه وقرابته، هذا كان أخي على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووليي وناصري قبل اليوم على ابن عمي، فأنا به أشد استئناساً، وإليه أشد طمأنينة.(7/347)
فلما أراد أن يغدو سائراً إلى الشام لبس سلاحه، وأمر إخوته فلبسوا أسلحتهم: عمرو والحكم، وغلمته ومواليه، ثم أقبلوا من العسكر إلى أبي بكر الصديق، فصلوا معه الغداة في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قام إليه خالد وإخوته، وحمد خالد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أبا بكر، إن الله قد أكرمنا وإياك والمسلمين طراً بهذا الدين، فأحق من أقام السنة وأمات البدعة وعدل في السيرة الوالي على الرعية، كل امرئ من هذا الدين محقوق بالإحسان إلى إخوانه، ومعدلة الوالي أعم نفعاً، فاتق الله يا أبا بكر فيما ولاك الله من أمره، وارحم الأرملة واليتيم، وأعن الضعيف والمظلوم، ولا يكن رجل من المسلمين إذا رضيت عنه آثر في الحق عندك منه إذا سخطت عليه، ولا تغضب ما قدرت عليه، فإن الغضب يجر الجور، ولا تحقد وأنت تستطيع، فإن حقدك على المسلم يجعله لك عدواً، فإن اطلع على ذلك منك عاداك، فإذا عادت الرعية الراعي كان ذلك مما يكون إلى هلاكهم داعياً، ولن للمحسن، واشتد على المريب، ولا تأخذك في الله لومة لائم.
ثم قال: هلم يدك يا أبا بكر أودعك، فإني لا أدري هل تلقاني أبداً في الدنيا أم لا؟ فإن قضى الله لنا الالتقاء فنسأل الله لنا عفوه وغفرانه، وإن كانت هي الفرقة التي ليس بعدها لقاء فعرفنا الله وإياك وجه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جنات النعيم. ثم أخذ أبو بكر بيده فبكى وبكى المسلمون، وظنوا أنه يريد الشهادة.
ثم إن أبا بكر قال له: انتظرني حتى أمشي معك، قال: ما أريد أن تفعل، قال: لكني أنا أريد ذلك، ومن أراد من المسلمين، وقام الناس معه مشيعاً، فما زال يمشي معه حتى كثر من يشيع خالداً.
فلما خرج من المدينة قال له أبو بكر: قد أنصت لك إذ أوصيتني برشدي، ووعيت وصيتك، فأنا موصيك فاسمع وصيتي: إنك امرؤ قد جعل الله لك شرفاً وسابقة في هذا الدين، وفضيلة عظيمة في الإسلام، والناس ناظرون إليك ومستمعون منك، وقد خرجت في هذا الوجه، وأنا أرجو أن يكون خروجك بنية صادقة، فثبت العالم، وعلم الجاهل، وعاتب السفيه المترف، وانصح لعامة المسلمين، واحضض الوالي على الجند بنصحك ومشورتك بما يحق لله وللمسلمين، واعمل لله(7/348)
كأنك تراه، واعدد نفسك في الموتى، واعلم أنا عما قليل ميتون ثم مقبورون ثم مبعوثون ثم مسؤولون، جعلنا الله وإياك لأنعمه من الشاكرين ولعقابه من الخائفين، ثم أخذ بيده فودعه، ثم أخذ بأيدي إخوته فودعهم واحداً واحداً، وودعهم المسلمون.
ثم دعوا بإبلهم فركبوها، وكانوا يمشون مع أبي بكر، ثم قيدت خيلهم معهم بهيئة حسنة.
فلما أدبروا قال أبو بكر: اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، واحطط أوزارهم، وأعظم أجرهم. ومضوا إلى العسكر الأعظم.
خالد بن سعيد أبو سعيد الكلبي
من أهل القريتين.
حدث عن عبد الله بن الوليد العذري بسنده عن أسماء بنة أبي بكر قالت: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ثوب الحائض فقلت: أرأيت إحدانا يا رسول الله إذا أصاب ثوبها دم الحيضة كيف تفعل به؟ فقال: إذا أصاب ثوب إحداكن دم الحيضة، فلتحته ثم لتقرصه ثم لتنضح بقيته ثم لتصلي فيه.
خالد بن سلمة بن العاص بن هشام
ابن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم أبو سلمة ويقال: أبو الهيثم القرشي المخزومي الكوفي الفأفاء وفد على هشام بن عبد الملك.
روى عن سعيد بن المسيب عن سعد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها.(7/349)
وحدث عن البتي عن عروة عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر الله عز وجل على كل أحيانه.
قال محمد بن سعد: إن خالد بن سلمة هرب من الكوفة لما ظهرت دعوة بني العباس إلى واسط، فقتل مع ابن هبيرة، يقولون: إن أبا جعفر قطع لسانه ثم قتله، وله عقب بالكوفة.
قال جرير:
كان خالد بن سلمة الفأفاء رأساً في المرجئة، وكان يبغض علياً.
قال العباس بن محمد الدوري، أنشدنا يحيى بن معين: من المتقارب
وجاءت قريشٌ قريش البطاح ... هم الأول الأول الدّاخله
يقودهم الفيل والزّندبيل ... وذو الضّرس والشّفة المائله
قال يحيى: الفيل والزندبيل: عبد الملك وأبان ابنا بشر بن مروان قتلا مع ابن هبيرة الأصغر، وذو الضرس والشفة خالد بن سلمة المخزومي.
قال بيهس بن حبيب: لما كان يوم الاثنين لثلاث عشرة بقيت من ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين ومئة بعث أبو جعفر بخازم بن خزيمة فقتل ابن هبيرة، وطلب خالد بن سلمة فلم يقدر عليه، فنادى مناديهم أن خالد بن سلمة آمن، فخرج بعدما قتل القوم يوماً، فقتلوه أيضاً يعني يوم الثلاثاء.(7/350)
خالد بن صفوان بن عبد الرحمن
ابن عمرو بن الأهتم وهو سنان بن سمي بن سنان أبو صفوان التميمي المنقري الأهتمي البصري أحد فصحاء العرب، وفد على عمر بن عبد العزيز وهشام بن عبد الملك، وسمي الأهتم لأنه ضرب بقوس على فيه فهتمت أسنانه.
قال الفضيل: بلغني أن خالد بن صفوان دخل على عمر، فقال له عمر بن عبد العزيز: عظني يا خالد، فقال: إن الله عز وجل لم يرض أحداً أن يكون فوقك، فلا ترض أن يكون أحد أولى بالشكر منك.
قال: فبكى عمر حتى غشي عليه، ثم أفاق فقال: هيه يا خالد، لم يرض أن يكون أحد فوقي، فوالله لأخافنه خوفاً، ولأحذرنه حذراً، ولأرجونه رجاء، ولأحبنه محبة، ولأشكرنه شكراً، ولأحمدنه حمداً، يكون ذلك كله أشد مجهودي وغاية طاقتي، ولأجتهدن في العدل والنصفة والزهد في فاني الدنيا لزوالها، والرغبة في بقاء الآخرة لدوامها حتى ألقى الله عز وجل، فلعلي أنجو مع الناجين وأفوز مع الفائزين، وبكى حتى غشي عليه، قال: فتركته مغشياً عليه وانصرفت.
قال خالد بن صفوان: أوفدني يوسف بن عمر إلى هشام بن عبد الملك في وفد العراق، فقدمت عليه، وقد خرج متبدياً بقرابته وأهله وحشمه وغاشيته من جلسائه، فنزل في أرض قاع صحصح(7/351)
متنايف أفيح في عام قد بكر وسميه وتتابع وليه، وأخذت الأرض فيه زينتها من اختلاف ألوان نبتها من نور ربيع مونق فهو في أحسن منظر وأحسن مختبر وأحسن مستمطر بصعيد، كأن ترابه قطع الكافور حتى لو أن قطعة ألقيت فيه لم تترب، وقد ضرب له سرادق من حبرة كان صنعه له يوسف بن عمر باليمن، فيه أربعة أفرشة من خزٍ أحمر، مثلها مرافقها، وعليه دراعة من خز أحمر، مثلها عمامتها، وقد أخذ الناس مجالسهم.
فأخرجت رأسي من ناحية السماط فنظر إلي مثل المستنطق لي. فقلت: أتم الله عليك يا أمير المؤمنين نعمه وسوغكها بشكره، وجعل ما قلدك من هذا الأمر رشداً، وعاقبة ما تؤول إليه حمداً أخلصه لك بالتقى وكثره لديك بالنماء، لا كدر عليك منه ما صفا، ولا خالط مسروره الردى، فقد أصبحت للمسلمين ثقة وملجأ، إليك يفزعون في مظالمهم، وإليك يلجؤون في أمورهم، وما أجد يا أمير المؤمنين، جعلني الله فداك، شيئاً هو أبلغ في قضاء حقك وتوقير مجلسك لما من الله به علي من مجالستك، والنظر إلى وجهك من أن أذكرك نعمة الله عندك، فأنبهك على شكرها، وما أجد في ذلك شيئاً هو أبلغ من حديث من تقدم قبلك من الملوك، فإن أذن لي أمير المؤمنين أخبرته.
وكان متكئاً فاستوى قاعداً فقال: هات يا بن الأهتم. فقلت: يا أمير المؤمنين إن ملكاً من الملوك قبلك خرج في عام مثل عامنا إلى الخورنق والسدير في عام قد بكر(7/352)
وسميه وتتابع وليه، وأخذت الأرض فيه زينتها من اختلاف ألوان نبتها من نور ربيع مونق، فهو في أحسن منظر وأحسن مختبر وأحسن مستمطر، بصعيد كأن ترابه قطع الكافور، حتى لو أن مضغة ألقيت فيه لم تترب، وكان قد أعطي فتاء السن مع الكثرة والغلبة والنماء، فنظر فأبعد النظر، فقال لمن حوله: هل رأيتم مثلما أنا فيه؟ هل أعطي أحد مثلما أعطيت؟ وعنده رجل من بقايا حملة الحجة والمضي على أدب الحق ومنهاجه، فقال له: أيها الملك! إنك قد سألت عن أمر أفتأذن في الجواب؟ قال: نعم، قال: أرأيتك هذا الذي قد أعجبت به؟ أهو شيء لم تزل فيه أم هو شيء صار إليك ميراثاً عن غيرك، وهو زائل عنك وصائر إلى غيرك كما صار إليك؟ قال: فكذلك هو.
قال: أفلا أراك إنما أعجبت بشيء يسيرٍ تكون فيه قليلاً وتغيب عنه طويلاً، وتكون غداً بحسابه مرتهناً؟ قال: ويحك، فأين المهرب؟ وأين المطلب؟ قال: إما أن تقيم في ملكك فتعمل فيه بطاعة ربك على ما ساءك وسرك، ومضك وأرمضك، وإما أن تضع تاجك وتضع أطمارك وتلبس أمساحك وتعبد ربك في هذا الجبل حتى يأتيك أجلك.
قال: فإذا كان السحر فاقرع علي بابي، فإن اخترت ما أنا فيه كنت وزيراً لا يعصى، وإن اخترت خلوات الأرض وقفر البلاد كنت رفيقاً لا يخالف.
فلما كان السحر قرع عليه بابه فإذا هو قد وضع تاجه، ووضع أطماره ولبس أمساحه وتهيأ للسياحة، فلزما الجبل حتى أتتهما آجالهما، وذلك حيث يقول أخو بني تميم عدي بن زيد العبادي المرئي: من الخفيف
أيها الشّامت المعيّر بالدّه ... ر أأنت المبرّأ الموفور؟(7/353)
أم لديك العهد الوثيق من الأيّام ... بل أنت جاهلٌ مغرور
من رأيت المنون خلّدن أم من ... ذا عليه من أن يضام خفير؟
أين كسرى كسرى الملوك أبوسا ... سان أم أين قبله سابور؟
وبنو الأصفر الكرام ملوك ال ... روم لم يبق منهم مذكور
وأخو الحضر إذ بناه وإذ دج ... لة تجبى إليه والخابور
شاده مرمراً وخلّله كل ... ساً فللطّير في ذراه وكور
لم يهبه ريب المنون فباد ال ... ملك عنه فبابه مهجور
وتأمّل ربّ الخورنق إذ ... أشرف يوماً وللهدى تفكير
سرّه حاله وكثرة ما يم ... لك والبحر معرضاً والسّدير
فارعوى قلبه وقال وما غب ... طة حيٍّ إلى الممات يصير
ثم بعد الفلاح والملك والآ ... مّة وارتهم هناك القبور
ثمّ أضحوا كأنّهم ورقٌ جف ... ف فألوت به الصّبا والدّبور
قال: فبكى هشام حتى أخضل لحيته وبل عمامته، وأمر بنزع أبنيته وبنقلان قرابته وأهله وحشمه وغاشيته من جلسائه ولزوم قصره.
قال: فاجتمعت الموالي والحشم على خالد بن صفوان فقالوا: ما أردت إلى أمير(7/354)
المؤمنين؟ نغصت عليه لذته وأفسدت عليه باديته. فقال لهم: إليكم عني، فإني عاهدت الله عز وجل عهداً ألا أخلو بملك إلا ذكرته الله عز وجل.
قال الهيثم بن عدي: خرج هشام بن عبد الملك ومعه مسلمة أخوه إلى مصانع قد هيئت له وزينت بألوان النبت، وتوافى إليه بها وفود أهل مكة والمدينة، وأهل الكوفة والبصرة، فدخلوا عليه وقد بسط له في مجالس مشرفة مطلعة على ما شق له من الأنهار المحفة بالزيتون وسائر الأشجار، فقال: يا أهل مكة، أفيكم مثل هذه المصانع؟ قالوا: لا، غير أن فينا بيت الله المستقبل، ثم التفت إلى أهل المدينة، فقال: أفيكم مثل هذه المصانع؟ قالوا: لا، غير أن فينا قبر نبينا المرسل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم التفت إلى أهل الكوفة فقال: أفيكم مثل هذه المصانع؟ قال: فقالوا: لا، غير أن فينا تلاوة كتاب الله تعالى المنزل، ثم التفت إلى أهل البصرة، فقال: أفيكم مثل هذه المصانع؟ قال: فقام إليه خالد بن صفوان فقال: أصلح الله أمير المؤمنين، إن هؤلاء قد أقروا على أنفسهم، ولو كان من له لسان وبيان لأجاب عنهم.
فقال له هشام: أفعندك في بلدك غير ما قالوا؟ قال: نعم، أصف بلادي وقد رأيت بلادك فتقيسها، فقال: هات.
فقال: يغدو قانصانا، فيجيء هذا بالشبوط والشيم، ويجيء هذا بالظبي والظليم، ونحن أكثر الناس ساجاً وعاجاً وخزاً وديباجاً وخريدة مغناجا وبرذونا هملاجاً،(7/355)
ونحن أكثر الناس قنداً ونقداً، ونحن أوسع الناس برية وأربقهم بحرية، وأكثرهم ذرية، وأبعدهم سرية، بيوتنا ذهب، ونهرنا عجب أوله رطب وآخره عنب وأوسطه قصب.
فأما نهرنا العجب فإن الماء يقبل وله عباب، ونحن نيام على فرشنا، حتى يدخل أرضنا فيغسل نبتها ويعلو متنها، فنبلغ منه حاجتنا ونحن نيام، لا ننافس فيه من قلة، ولا نمنع منه لذلة، يأتينا عند حاجتنا إليه، ويذهب عنا عند رينا وغنانا عنه، النخل عندنا في منابته كالزيتون عندكم في مأركه، فذاك في أوانه كهذا في إبانه، ذاك في أفنانه كهذا في أغصانه، يخرج أسقاطاً عظاماً وأوساطاً، ثم ينفلق عن قضبان الفضة منظومة بالزبرجد الأخضر، ثم يصير أصفر وأحمر، ثم يصير عسلاً في شنة من سحاء، ليست بقربة ولا إناء، حولها المذاب، ودونها الحراب، لا يقربها الذباب، مرفوعة عن التراب، من الراسخات في الوحل، الملحقات بالفحل، المطعمات في المحل.
وأما بيوتنا الذهب، فإن لنا عليهم خرجاً في السنين والشهور، نأخذه في أوقاته، ويدفع الله عنه آفاته وننفقه في مرضاته.
قال: فقال هشام: وأنى لكم هذا يا بن صفوان؟ ولم تسبقوا إليه ولم تنافسوا عليه؟ فقال: ورثناه عن الآباء ونعمره للأبناء، فيدفع لنا عنه رب السماء، فمثلنا فيه كما قال أوس بن مغراء: من الوافر
فمهما كان من خيرٍ فإنّا ... ورثناه أوائل أوّلينا(7/356)
ونحن مورّثوه كما ورثنا ... عن الآباء إن متنا بنينا
فقال له هشام: لله درك، يا بن صفوان، لقد أوتيت لساناً وعلماً وبياناً. فأكرمه وأحسن جائزته وقدمه على أصحابه.
وعن الحسن: في قوله عز وجل: " قد جعل ربك تحتك سريا " فقال: كان والله سرياً يعني عيسى عليه السلام.
فقال له خالد بن صفوان: يا أبا سعيد: إن العرب تسمي الجدول السري، فقال: صدقت.
قال الأصمعي: قدم أمية بن عبد الله بن أسيد منهزماً من أبي فديك فقال الناس: كيف ندعو لمنهزم؟ فقام خالد بن صفوان فقال: بارك الله لك أيها الأمير في قدومك، والحمد لله الذي نظر لنا عليك ولم ينظر لك علينا، فقد تعرضت للشهادة جهدك، فعلم الله حاجتنا إليك، فآثرنا بك عليك، ولك عند الله ما تحب. فعلم الناس أنه لا يتعذر عليه أن يتكلم في شيء.
قال الهيثم بن عدي: كان أبو العباس يعجبه السمر، ومنازعة الرجال، فحضره ذات ليلة في سمره إبراهيم بن مخرمة الكندي وناس من بني الحارث بن كعب، وهم أخواله، وخالد بن صفوان، فخاضوا في الحديث، وتذاكروا مضر واليمن.
فقال إبراهيم: يا أمير المؤمنين، إن اليمن هم العرب الذين دانت لهم الدنيا، وكانت لهم القرى، ولم يزالوا ملوكاً أرباباً، ورثوا ذلك كابراً عن كابر، أولاً عن آخر، منهم النعمانيات(7/357)
والمنذريات والقابوسيات والتبابعة، ومنهم من حمت لحمه الدبر ومنهم غسيل الملائكة ومنهم من اهتز لموته العرش، ومنهم مكلم الذئب، ومنهم الذي كان يأخذ كل سفينة غصباً، وليس شيء له خطر إلا وإليهم ينسب من فرس رائع، أو سيف قاطع، أو درع حصينة، أو حلة مصونة، أو درة مكنونة، إن سئلوا أعطوا، وإن سيموا أبوا، وإن نزل بهم ضيف قروا، لا يبلغهم مكاثر، ولا ينالهم مفاخر، هم العرب العاربة وغيرهم المتعربة.
قال أبو العباس: ما أظن التميمي يرضى بقولك، ثم قال: ما تقول يا خالد؟ قال: إن أذنت لي في الكلام، وأمنتني من الموجدة تكلمت، قال: قد أذنت لك فتكلم ولا تهب أحداً، فقال: أخطأ يا أمير المؤمنين المتقحم بغير علم، ونطق بغير صواب، فكيف يكون ما قال والقوم ليست لهم ألسن فصيحة، ولا لغة صحيحة، ولا حجة نزل بها كتاب، ولا جاءت بها سنة، وهم منا على منزلتين، إن جاروا عن قصدنا أكلوا، وإن جازوا حكمنا قتلوا، يفخرون علينا بالنعمانيات والمنذريات وغير ذلك مما سيأتي عليه، ونفخر عليهم بخير الأنام، وأكرم الكرام محمد عليه السلام، ولله علينا المنة وعليهم، لقد كانوا أتباعه، فبه عزوا وله(7/358)
أكرموا، فمنا النبي المصطفى، ومنا الخليفة المرتضى، ولنا البيت المعمور، والمشعر وزمزم والمقام والمنبر والركن والحطيم والمشاعر والحجابة، والبطحاء مع ما لا يخفى من المآثر، ولا يدرك من المفاخر، وليس يعدل بنا عادل، ولا يبلغ فضلنا قول قائل، ومنا الصديق والفاروق والرضى وأسد الله سيد الشهداء وذو الجناحين وسيف الله، عرفوا الدين وأتاهم اليقين، فمن زاحمنا زاحمناه ومن عادان اصطلمناه.
ثم التفت فقال: أعالم أنت بلغة قومك؟ قال: نعم، قال: فما اسم العين؟ قال: الحجمة. قال: فما اسم السن؟ قال: الميدن. قال: فما اسم الأذن؟ قال: الصنارة. قال: فما اسم الأصابع: قال: الشناتر. قال: فما اسم اللحية؟ قال: الزب. قال: فما اسم الذئب؟ قال: الكتع. قال: فقال له: أفمؤمن أنت بكتاب الله؟ قال: نعم. قال: فإن الله عز وجل يقول: " إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون " وقال: " بلسان عربي مبين " وقال: " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ".
فنحن العرب والقرآن بلساننا نزل، أفلم تر أن الله عز وجل قال: " العين بالعين "، ولم يقل: الحجمة بالحجمة. وقال: " السن بالسن " ولم يقل: الميدن بالميدن. وقال: " والأذن بالأذن ". ولم يقل: الصنارة بالصنارة. وقال: " يجعلون أصابعهم في آذانهم " ولم يقل: شناترهم في صناراتهم. وقال: " لا تأخذ بلحيتي(7/359)
ولا برأسي " ولم يقل: لا تأخذ بزبي. وقال: " فأكله الذئب " ولم يقل: فأكله الكتع.
ثم قال: أسألك عن أربع، إن أنت أقررت بهن قهرت، وإن جحدتهن كفرت. قال: وما هن؟ قال: الرسول منا أو منكم؟ قال: منكم. قال: فالقرآن نزل علينا أو عليكم؟ قال: عليكم. قال: فالبيت الحرام لنا أو لكم؟ قال: لكم. قال: فالخلافة فينا أو فيكم؟ قال: فيكم. قال خالد: فما كان بعد هذه الأربع فلكم.
قال خالد بن صفوان: ليس شيء أحسن من المعروف إلا ثوابه، وليس كل من أمكنه أن يصنعه تكون له فيه نية، وليس كل من يكون له فيه نية يؤذن له فيه، فإذا اجتمعت النية والإمكان والإذن فقد تمت السعادة.
قال خالد بن صفوان: من تزوج امرأة فليتزوجها عزيزة في قومها، ذليلة في نفسها، أدبها الغنى وأذلها الفقر، حصان من جارها، متحننة على زوجها.
قيل لخالد بن صفوان: أي إخوانك أحب إليك؟ قال: الذي يغفر زللي ويقبل عللي، ويسد خللي.
قال: وأوصى حكيم ولده فقال: عليك بصحبة من إذا صاحبته زانك، وإن احتجت إليه مانك، وإن استعنت به أعانك، وإن خدمته صانك.
قال: وثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواضع: الحليم عند الغضب، والصديق عند النائبة، والشجاع عند اللقاء.(7/360)
قال خالد بن صفوان: من صحب السلطان بالصحة والنصيحة كان أكثر عدواً ممن صحبه بالغش والخيانة، لأنه يجتمع على الناصح عدو الوالي وصديقه بالعداوة والحسد، فصديق الوالي ينافسه في منزلته، وعدو الوالي يعاديه لنصيحته.
قال خالد بن صفوان: إن جعلك الوالي أخاً فاجعله سيداً، ولا يحدثن لك الاستئناس به غفلة ولا تهاوناً.
قال خالد بن صفوان: إن سأل الوالي رجلاً غيرك فلا تكن أنت المجيب، فإن ذلك خفة بالسائل والمسؤول.
وقال خالد بن صفوان: خير ما يدخر الآباء للأبناء اصطناع الأيادي عند ذوي الأحساب.
وقال خالد بن صفوان: إذا رأيت محدثاً يحدث حديثاً قد سمعته، أو يخبر خبراً قد علمته، فلا تشاركه فيه حرصاً على أن تعلم من حضرك أنك قد علمته، فإن ذلك خفة وسوء أدب.
وقال: ابذل لصديقك مالك، ولمعرفتك بشرك وتحيتك، وللعامة رفدك وحسن محضرك، ولعدوك عدلك، واضنن بدينك وعرضك عن كل أحد وقال خالد بن صفوان: استصغر الكبير في طلب المنفعة، واستعظم الصغير في ركوب المضرة.
وقال: لولا أن المروءة تشتد مؤنتها، ويثقل حملها، ما ترك اللئام للكرام منها مبيت ليلة، فلما ثقل حملها، واشتدت مؤنتها حاد عنها اللئام واحتملها الكرام.(7/361)
قال خالد بن صفوان: بت ليلة أتمنى ليلتي كلها، حتى كبست البحر الأخضر بالذهب الأحمر، ثم نظرت وإذا يكفيني من ذلك رغيفان وكوزان وطمران.
قيل لخالد بن صفوان: مالك لا تنفق؟ فإن مالك عرض. فقال: الدهر أعرض منه، فقيل: كأنك تأمل أن تعيش الدهر كله، فقال: ولا أخاف أن أموت في أوله.
وقال خالد: أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، وأنقص الناس عقلاً من ظلم من هو دونه.
قال يونس النحوي: أتينا خالد بن صفوان نعزيه عن ابنه ربعي ونحن متفجعون له، فانتهينا إليه وهو يقول: من الطويل
يهوّن ما ألقى من الوجد أنني ... أجاوره في داره اليوم أو غدا
كان خالد بن صفوان إذا أخذ فإئزته قال للدراهم: أما والله لأطيلن ضجعتك ولأديمن صرعتك.
قال:
وأتى خالد بن صفوان رجلٌ يسألة، فأعطاه درهماً، فقال له: سبحان الله!! أسألك فتعطيني درهماً، فقال له خالد: يا أحمق، أما تعلم أن الدرهم عشر العشرة والعشرة عشر المئة والمئة عشر الألف والألف عشر العشرة آلاف؟ ألا ترى كيف ارتفع الدرهم إلى دية المسلم؟ والله ما تطيب نفسي بدرهم أنفقه إلا درهماً قرعت به باب الجنة، أو درهماً أشتري به موزاً آكله.
قال خالد بن صفوان لرجل: إن أباك كان دميماً، وكان عاقلاً، وإن أمك كانت جميلة وكانت رعناء، فجمعت دمامة أبيك إلى حماقة أمك، فيا جامع شرف أبويه.(7/362)
وقال خالد بن صفوان: لا تطلبوا الحوائج في غير حينها، ولا تطلبوها إلى غير أهلها، ولا تطلبوا ما لستم له بأهل فتكونوا للمنع أهلاً.
وقال: فوت الحاجة خير من طلبها إلى غير أهلها، وأشد من المصيبة سوء الخلف منها، وأنشد لامرأة من ولد حسان بن ثابت في مثله: من الطويل
سل الخير أهل الخير قدماً ولا تسل ... فتىً ذاق طعم العيش منذ قريب
خالد بن أبي الصلت البصري
عامل عمر بن عبد العزيز.
قال خالد: كنت عند عمر بن عبد العزيز في خلافته وعنده عراك بن مالك، فقال عمر: ما استقبلت القبلة ولا استدبرتها ببول ولا غائط منذ كذا وكذا.
فقال عراك: حدثتني عائشة أم المؤمنين: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما بلغه قول الناس في ذلك أمر بمقعدته فاستقبل بها القبلة.
وفي حديث آخر بمعناه عن عائشة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بخلائه أن يستقبل به القبلة لما بلغه أن الناس يكرهون ذلك.
خالد بن عبد الله بن الحسين
الأموي مولى عثمان بن عفان من أهل دمشق.
حدث عن أبي هريرة قال: ما رأيت أحداً بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر أن يقول: أستغفر الله وأتوب إليه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(7/363)
خالد بن عبد الله بن خالد
ابن أسيد بن أبي العيص بن أمية كان مع مصعب بن الزبير بالعراق، ثم لحق بعبد الملك وشهد معه قتال مصعب، وولاه البصرة، ثم عزله وضم البصرة إلى أخيه بشر بن مروان، وكان خالد معه، وأحضره عند وفاته بمشق، واستوثق منه بالبيعة للوليد.
حدث ابن شهاب عن عروة وعمرة، أن عائشة قالت: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيبعث بالهدي مقلداً، وهو معتمر بالمدينة، ثم لا يجتنب شيئاً حتى ينحر هديه.
فلما بلغ الناس قول عائشة أخذوا بفتياها وتركوا فتيا ابن عباس.
قال ابن شهاب: ثم كتب خالد بن عبد الله بن أسيد إلى عبد الله بن زاذان مولى عثمان بن عفان يأمره ألا يترك عالماً بالمدينة إلا سأله عن ذلك، فأتى ابن زاذان بكتاب خالد، فحدثه هذا الحديث كله، فانطلق حتى سأل عروة بن الزبير، وعمرة بنت عبد الرحمن، فأخبراه عن عائشة مثل الذي أخبر به عنها، فكتب بذلك إلى خالد بن عبد الله.
قال ابن شهاب: ثم لقيت خالد بن عبد الله قبل أن يحج الوليد بعام، فدخلت عليه داره التي ابتاع من أبي خراش فقال لي خالد: قد بلغني كتاب ابن زاذان في الحديث الذي حدثته، وعن الأحاديث التي حدثتها عائشة، وقد كنا التبسنا في ذلك، فقد تبين لنا اليوم أمر ذلك فلا نشك في شيء.
قال الأصمعي: قدم الراعي على خالد بن عبد الله بن أسيد ومعه ابن له، فمات ابنه بالمدينة، فلما(7/364)
دخل على خالد سأله عنه فقال: مات بعد أن زوجته وأصدقت عنه، فأمر له بدية ابنه وصداقه. فقال الراعي: من الطويل
وديت ابن راعي الإبل إذ حان يومه ... وشقّ له قبراً بأرضك لاحد
وقد كان مات الجود حتى نشرته ... وأذكيت نار الجود والجود خامد
فلا حملت أنثى ولا آب آيبٌ ... ولا بلّ ذو سقمٍ إذا مات خالد
قوله: وديت ابن راعي الإبل: أراد أديت ديته، يقال: وديت القتيل إذا أديت ديته إلى أهله، ووديت عن الرجل إذا تحملت عنه دية لزمته، وأديت عنه من مالك دية جنايته، وهذا مما عايا به الكسائي محمد بن الحسن فلم يعرف الفرق بينهما. وأنشر الله الميت فنشر، ونشره فهو منشور لغة. وبل الرجل من مرضه وأبل واستبل إذا برأ وصح.
قال أبان بن عثمان:
لما ثقل عبد الملك بن مروان، أرسل إلى خالد بن يزيد بن معاوية وخالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد وقال: أتدريان لم بعثت إليكما؟ قالا: نعم، ترينا ما أصبحت فيه من العافية، قال: لا، ولكنه كان من بيعة الوليد وسليمان ما قد علمتما، فإن أردتما أن أقيلكما أقلتكما، قالا: لا، وكيف تقيلنا وقد جعلت لهما في رقابنا مثل هذه السواري؟! فقال أخيراً: أما والله، لو قلتما غير هذا لقدمتكا أمامي.
خالد بن عبد الله المطرف
ابن عمرو بن عثمان بن عفان من نبلاء قريش ووجوهها، من أهل المدينة، وفد على يزيد بن عبد الملك، وهو أخو محمد بن عبد الله الديباج.(7/365)
ولما وفد على يزيد بن عبد الملك، خطب إليه يزيد أخته، فقال: إن عبد الله بن عمرو بن عثمان أبي، قد سن لنسائه عشرين ألف دينار، فإن أعطيتنيها وإلا لم أزوجك. فقال له يزيد: أو ما ترانا أكفاء إلا بالمال؟! قل: بلى والله، إنكم لبنو عمنا، قال: إني لأظنك لو خطب إليك رجل من قريش لزوجته بأقل مما ذكرت من المال. قال: إي لعمري، لأنها تكون عنده مالكة مملكة، وهي عندكم مملوكة مقهورة، وأبى أن يزوجه.
فأمر أن يحمل على بعير ثم ينخس به إلى المدينة.
وكتب إلى الضحاك بن قيس الفهري وهو عامله على المدينة: أن وكل بخالد من يأخذ بيده في كل يوم، وينطلق به إلى شيبة بن نصاح المقرئ، ليقرأ عليه القرآن فإنه من الجاهلين.
فأتي به شيبة فقيل له: يقول لك أمير المؤمنين: علمه القرآن فإنه من الجاهلين، فقال شيبة حين قرأ عليه: ما رأيت أحداً قط أقرأ للقرآن منه، وإن الذي جهله لأجهل منه.
ثم كتب يزيد إلى عامله: بلغني أن خالداً يجيء ويذهب في سكك المدينة، فمر بعض من معك أن يبطش به، فضربوه حتى مرض ومات، وله عقب بالمدينة.
وقيل: إن يزيد أمر أن يختلف به إلى الكتاب مع الصبيان يعلم القرآن، فزعموا أنه مات كمداً.
خالد بن عبد الله بن الفرج
أبو هاشم العبسي مولاهم ويعرف بخالد سبلان، بسين مفتوحة وباء موحدة، ولقب بذلك لعظم لحيته.
شهد مع معاوية صفين.(7/366)
حدث عن كهيل بن حرملة النمري عن أبي هريرة: أنه أقبل حتى نزل بدمشق على آل أبي كلثم الدوسي، فتذاكروا الصلاة الوسطى فقال: اختلفنا فيها كما اختلفتم ونحن بفناء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفينا الرجل الصالح أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، فقال: أنا أعلم لكم ذلك. فأتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان جريئاً عليه، فاستأذن فدخل عليه ثم خرج فأخبر أنها صلاة العصر.
وعن مكحول: في قوله تعالى: " يبدل الله سيئاتهم حسنات " قال: يجعل مكان السيئات حسنات، قال: فقال خالد سبلان: يخرجهم من السيئات إلى الحسنات.
قال: فرأيت مكحولاً غضب حتى جعل يرتعد.
خالد بن عبد الله بن يزيد
ابن أسد بن كرز بن عامر بن عبقري أبو الهيثم البجلي القسري أمير مكة للوليد وسليمان، وأمير العراقين لهشام بن عبد الملك، وهو من أهل دمشق.
حدث سيار أبو الحكم: أنه شهد خالد بن عبد الله القسري وهو يخطب على المنبر وهو يقول: حدثني أبي عن جدي أنه قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أسد أتحب الجنة؟ قال: قلت: نعم، قال: فأحب لأخيك المسلم ما تحب لنفسك.
وحدث خالد بن عبد الله عن جده أسد بن كرز أنه سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: المريض تحات خطاياه كما تحات ورق الشجر.
قال: فيه وهم قوله: عن جده، وإنما يروي عن أبيه عن جده.(7/367)
ووهم أيضاً في قوله: جده أسد، وجده يزيد بن أسد.
وكان خالد بن عبد الله بواسط، ثم قتل بالكوفة قريباً من سنة مئة وعشرين.
هو الذي قال يوم الأضحى: إني مضحٍ بالجعد بن درهم؛ زعم أن الله لم يكلم موسى تكليما، ولم يتخذ إبراهيم خليلاً، ثم نزل فذبحه.
قال ابن ماكولا: قسر: بفتح القاف وسكون السين المهملة هو قسر بن عبقر قبيل من بجيلة، ينسب إليها يزيد بن أسد صاحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن ولده خالد بن عبد الله القسري.
قال المدائني: أول ما عرف به سؤدد خالد بن عبد الله القسري، أنه مر في سوق دمشق وهو غلام، فأوطأ فرسه صبياً، فوقف عليه، فلما رآه لا يتحرك أمر غلامه فحمله، ثم أتى به إلى مجلس قوم فقال: إن حدث بهذا الغلام حدث فأنا صاحبه، أوطأته فرسي ولم أعلم.
قال خالد بن عبد الله القسري قبل إمرة العراق:
لقد رأيتني وأنا أصبح، فألبس ألين ثيابي، وأركب فره دوابي، ثم آتي صديقي فأسلم عليه أريد بذلك أن أثبت مروءتي في نفسي وأزرع مودتي في صدور إخواني، وأفعل ذلك بعدوي أرد عاديته عني، وأسل غمر صدره علي.
وجمعت العراق لخالد بن عبد الله في سنة ست ومئة وعزل سنة عشرين ومئة.
حدث أبو المليح وهو الحسن بن عمر الرقي قال: سمعت خالد القسري على المنبر يقول: قد اجتمع من فيئكم هذا ألف ألف لم يظلم فيها مسلم ولا معاهد.
خطب خالد بن عبد الله القسري يوماً فانغلق عليه كلامه وأرتج عليه بيانه، فسكت سكتة، ثم قال: يا أيها الناس، إن هذا الكلام يجيء أحياناً ويعزب أحياناً، فيتسبب عند(7/368)
مجيئه سببه، ويتعذر عند عزوبه مطلبه، وقد يرد إلى السليط بيانه وينيب إلى الحصر كلامه، وسيعود إلينا ما تحبون ونعود لكم كما تريدون.
وخطب خالد القسري بواسط فقال: إن أكرم الناس من أعطى ما لا يرجوه، وأعظم الناس عفواً من عفا عن قدرة، وأوصل الناس من وصل عن قطيعة.
وخطب خالد القسري بواسط فقال: يا أيها الناس، تنافسوا في المكارم، وسارعوا في المغانم، واشتروا الحمد بالجود، ولا تكتسبوا بالمطل ذماً، ولا تعتدوا بمعروف لم تعجلوه، ومهما يكن لأحد منكم نعمةٌ عند أحد لم يبلغ شكرها، فالله أحسن له جزاءً وأجزل عطاء، واعلموا أن حوائج الناس إليكم نعم فلا تملوها فتحور نقماً، فإن أفضل المال ما أكسب أجراً وأورث ذكراً، ولو رأيتم المعروف رأيتموه رجلاً حسناً جميلاً، يسر الناظرين، ويفوق العالمين، ولو رأيتم البخل رأيتموه رجلاً مشوهاً قبيحاً تنفر منه القلوب وتغض دونه الأبصار، إنه من جاد ساد، ومن بخل رذل وأكرم الناس من أعطى من لا يرجوه، ومن عفا عن قدرة، وأوصل الناس من وصل من قطعه، ومن لم يطب حرثه لم يزك نبته، والفروع عند مغارسها تنمو، وبأصولها تسمو.
قال أبو بكر بن عياش: رأيت خالداً حين أتي بالمغيرة وأصحابه، وقد وضع له سرير في المسجد، فجلس عليه، ثم أمر برجل من أصحابه فضربت عنقه، ثم قال للمغيرة بن سعد أحيه، وكان المغيرة يريهم أنه يحيي الموتى: فقال: والله، أصلحك الله، ما أحيي الموتى قال: لتحيينه أو لأضربن عنقك، قال: لا والله ما أقدر على ذلك، ثم أمر بطن قصب، فأضرموا فيه ناراً، ثم قال للمغيرة: اعتنقه فأبى، فعدا رجل من أصحاب(7/369)
المغيرة فاعتنقه، قال أبو بكر: فرأيت النار تأكله وهو يشير بالسبابة، فقال خالد: هذا والله أحق بالرئاسة منك، ثم قتله وقتل أصحابه.
أتي خالد بن عبد الله القسري برجل تنبأ بالكوفة فقيل له: ما علامة نبوتك؟ قال: قد أنزل علي قرآن. قيل: ما هو؟ قال: إنا أعطيناك الجماهر، فصل لربك ولا تجاهر، ولا تطع كل كافر وفاجر، فأمر به فصلب، فقال الشاعر: إنا أعطيناك العمود، فصل لربك على عود، وأنا ضامن لك ألا تعود.
قال الأصمعي: حرم خالد بن عبد الله القسري الغناء، فأتاه حنين بن بلوع في أصحاب المظالم ملتحفاً على عود، فقال: أصلح الله الأمير، شيخ كبير ذو عيال، كانت له صناعة حلت بينه وبينها، قال: وما ذاك؟ فأخرج عوده وغنى: من الخفيف
أيّها الشّامت المعيّر بالشّي ... ب أقلّنّ بالشباب افتخارا
قد لبست الشباب قبلك حيناً ... فوجدت الشباب ثوباً معارا
فبكى خالد وقال: صدق والله، وإن الشباب لثوب معار، عد إلى ما كنت عليه ولا تجالس شاباً ولا معربداً.
قال الوليد بن نوح مولى لأم حبيبة بنت أبي سفيان: سمعت خالد بن عبد الله القسري على المنبر يقول: إني لأطعم كل يوم ستة وثلاثين ألفاً من الأعراب من تمر وسويق.
قال الأصمعي: قال أعرابي لخالد القسري: أصلح الله الأمير: لم أصن وجهي عن مسألتك، فصن وجهك عن ردي، وضعني من معروفك حيث وضعتك من رجائي. فأمر له بما سأل.(7/370)
ودخل إليه أعرابي ومعه جراب فقال: أصلح الله الأمير، تأمر لي بملء جرابي دقيقاً، فقال خالد: أملؤه دراهم، فخرج على الناس فقيل: ما صنعت في حاجتك؟ قال: سألت الأمير ما أشتهي، فأمر لي بما يشتهي.
قال عبد الملك مولى خالد بن عبد الله القسري:
إني لأسير بين يدي خالد في يوم شديد البرد في بعض نواحي الكوفة؛ ومعه يومئذٍ وجوه الناس وكبراؤهم، إذ قام إليه رجل فقال: حاجة، أصلح الله الأمير. فوقف وكان كريماً، فقال: وما هي؟ قال: تأمر رجلاً فيضرب عنقي. قال: لم؟ قطعت طريقاً؟ قال: لا، قال: فأخفت سبيلاً؟ قال: لا، قال: فنزعت يداً من طاعة؟ قال: لا. قال: فعلام أضرب عنقك؟ قال: الفقر والحاجة، أصلح الله الأمير. قال: تمنه. قال: ثلاثين ألفاً. فالتفت خالد إلى أصحابه فقال: هل علمتم تاجراً ربح الغداة ما ربحت؟ نويت له مئة ألف فتمنى علي ثلاثين ألفاً فربحت سبعين ألفاً، ارجعوا بنا فلا حاجة لنا بربح أكثر من هذا.
فرجع من موكبه وأمر له بثلاثين ألفاً.
قال أبو تمام، حبيب بن أوس الطائي: حدثني بعض القسريين قال: كان خالد بن عبد الله يكثر الجلوس ثم يدعو بالبدر ويقول: إنما هذه الأموال ودائع لا بد من تفريقها، فقال ذلك مرة وقد وفد عليه أسد بن عبد الله من خراسان، فقام فقال: هذه أيها الأمير، إن الودائع إنما تجمع لا تفرق، قال: ويحك إنها ودائع للمكارم، وأيدينا وكلاؤها، فإذا أتانا المملق فأغنيناه، والظمآن فأرويناه، فقد أدينا فيها الأمانة.
قال ابن عياش الهمداني: بينا أنا يوماً على باب أبي جعفر ننتظر الإذن إذ خرج الربيع بن يونس، فقال: يقول لكم أمير المؤمنين بمن تشبهونني من خلفاء بني أمية؟ فسكت أصحابي، فقلت للربيع: أنا أعلم من يشبه أمير المؤمنين من خلفائهم، فقال: من؟ قلت: لا أقول لك ولا أقول إلا لأمير المؤمنين.
فدخل ثم رجع فقال: يقول لك أمير المؤمنين: ليس بك الجواب وإنما تريد الدخول للكدية.(7/371)
قال: وكان في كمي تلك الساعة رقعة لآل خالد بن عبد الله القسري أتقمن بها وقتاً أوصلها إليه فيه فقلت: أبقى الله أمير المؤمنين ما بنا عنه غنى في كل حال، ولكن لا أجيب عن الذي سأل عنه غيره.
فقال الربيع: إن أمير المؤمنين يعلم أنك سأال، كثير الحوائج تبرمه بالمسائل والرقاع، فقلت: إن أذن أبقاه الله دخلت، وإلا فأنا بموضعي، ودخل ثم رجع فقال: ادخل.
فدخلت، فسلمت، ودعوت له، فقال: ويحك يا بن عياش، ما أكثر حوائجك ورقاعك ومساءلتك واحتيالك للدخول حتى تنغص علينا مجلسك وحديثك. فقلت: لا أعدمناك الله يا أمير المؤمنين. قال: بمن تشبهني من خلفاء بني أمية؟ فقلت: لعبد الملك بن مروان. قال: وكيف ذلك؟ قلت: لأن أول اسمه عين وأول اسمك عين، وأول اسم أبيه ميم وأول اسم أبيك ميم. قلت: وأخذ حقه بالسيف، جاهد دونه محتسباً، وأخذت حقك بالسيف، جاهدت دونه حتى أظهر الله حجتك. قال: هيه. قلت: وقتل ثلاثة من الجبابرة أسماؤهم على العين، وقتلت ثلاثة من الجبابرة أسماؤهم على العين.
قال: من قتل؟ قلت: عبد الله بن الزبير، وعمرو بن سعيد، وعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث. قال: فأنا من قتلت؟ قال: قتلت: عبد الرحمن بن مسلم، أعني أبا مسلم، قال: هيه. قلت: وقتلت عبد الجبار بن عبد الرحمن، قال: هيه. قال: وأدركني ذهني فقلت: وسقط البيت على عبد الله بن علي فقتله. قال: فالبيت سقط على عبد الله بن علي فأنا ما ذنبي؟ قال: قلت: ما ذكرتك أنت، وإنما أخبرت أن البيت سقط على ذاك فقتله. قال: فسكت، وكأني آنست منه لينا فقلت: إي والله، وهذا الآخر أيضاً حائطه مائل، إن لم تدعموه بشيء خفت أن يسقط عليه البيت فيقتله، أعني عيسى بن موسى.
قال: وإذا عيسى عنده محبوس ذلك اليوم في بيت قد اعتقله، يريغه على خلع نفسه من العهد ليجعل الخلافة بعده للمهدي، فامتنع عيسى، فاعتقله في بيت من القصر ولا علم(7/372)
لي، فلما قلت: حائطه مائل، تبسم حتى كاد يغلبه الضحك، واستتر مني بكفه، وتغافل كأنه لم يفهم ما قلت، فتخشخشت الرقعة في كمي، فقلت: استقري، فليس هذا يومك، فقد تبرم أمير المؤمنين بكثرة سؤالنا ورقاعنا.
فقال المنصور: دعها أنت مكانها ولا تحركها، فإنها ليست تتحرك، فأخرجتها فقلت: أو ينظر أمير المؤمنين فيها بما أراه الله؟ أتدري لمن هي يا أمير المؤمنين؟ هي لآل خالد بن عبد الله القسري أضحوا عالة يسألون الفلق، ويتكففون الطرق. فقال: ألم أقل: إنك تحتال للكدية وسؤال الحوائج؟ ثم تبسم وأخذها، وقال: لأحدثنك عن خالد القسري حديثاً تأكل به الخبز:
إني لما تزوجت أم موسى بنت منصور بن عبد الله بن يزيد كان مهرها ثلاثين ألف درهم؛ ففدحني، فقلت: آتي الكوفة فإن لنا بها شيعة، فلما كنت بقرية من السواد، أنا ومولى لي على حمارين ضعيفين مررنا بشيخ في مستشرف على باب دار، فسلمنا عليه، فما حفل بنا، فقال مولاي: أين تمضي بنا؟ بت في هذه القرية.
قال: فعدلنا فإذا نحن بدار واسعة ظنناها فندقاً فنزلنا نحط رحالنا، فسأل بعض من في تلك الدار مولاي عن اسمي ونسبي ومن أين جئت وأين أريد، فأخبره، وقعدنا متحيرين في حفاية بنا، إذا رسول قد جاء برقعة بزة يسألني المصير إليه، ويقول: أبي عليل، وأحببت أن أقضي من حديثك أرباً.
فهممت بالقيام فقال مولاي: إلى أين تقوم؟ إلى رجل لم يرنا أهلاً لرد السلام؟ فقمت على حيالٍ فسلمت عليه، فاستحيا واعتذر بالعلة من الرسالة إلي، وسألني عن مخرجي، وما لقيت من سفري، فهممت أن أشرح له خبري، فاستحييت وقلت: يكون ذلك في مجلس آخر. فمد يده إلى الدواة فكتب رقعة وختمها وقال لمولاي: الق وكيلي بها.(7/373)
فأخذ المولى الرقعة، وقمت ولم أحفل بالرقعة، وأتينا بما نحتاج إليه من زاد وعلف، واحتقرنا أمر الرقعة، فإذا وكيله قد غدا علينا فقال: ألا توصلون إلينا رقعتكم، وتقبضون مالكم؟ فقلت لمولاي: هات تلك الرقعة، وقلت للوكيل: وما مالنا؟ كم هو؟ قال: قد أمر لك بمئة ألف درهم وهو مستقل لها، فلم أصدق.
وفك الرقعة فقرأها وقال للمولى: تعال اقبض مالك، فقلت: حميرنا مضعفة، احمل لنا منها ثلاثين ألف درهم وندخل الكوفة فنقبض منك الباقي هناك، فقال: وأين تريدون إذا صدرتم عن الكوفة؟ قلنا: الشام: قال: أي الشام؟ قلت: الحميمة، فأحضر المال وقال: يأمركم أبو الهيثم أن تلقوا وكيله في قرية كذا بالشام بهذه الرقعة الأخرى. وقبض الرقعة الأولى فخرقها، وسلم إلينا الثلاثين الف درهم.
فقلت للوكيل: ومن هذا الشيخ؟ قال: هذا الأمير خالد بن عبد الله القسري، هو ههنا يشرب اللبن من علة به.
قال: فدخلنا الكوفة، وكانت الثلاثون ألف درهم أكبر همنا، وما حدثنا أنفسنا بشيء بعدها، ولم نعبأ بالرقعة الثانية، فقضينا حوائجنا بالكوفة، وتجهزنا، وخرجنا نريد الشام.
فلما كنا بقرب القرية التي قال لنا وكيله: القوا الوكيل الآخر بها، قال لي المولى: لم لا تلقى وكيل الشيخ بهذه الرقعة التي معنا، فلعله أمر لنا بتتمة المئة ألف درهم؟ ومضى فدفع الرقعة إلى وكيله؛ فوافانا ببر كثير وهدايا وبز وطرف، وزودنا من ذلك وقال: إن رأيتم أن تحسنوا وتقبضوا المال مني ههنا فإني مشغول عن حمله معكم، ولكني أوجه معكم من يخفركم فافعلوا. قلنا: وكم مالنا؟ قال: أمرني أن أدفع إليكم مئة ألف درهم وأحملها معكم إلى منازلكم. فأحضرها ووكل بنا قوماً خفرونا حتى رجعنا إلى أهلنا.
يا بن عياش: فما جزاء ولد من هذا فعله؟ فقلت: أمير المؤمنين أعلى عيناً بكل جميل، ومثله عفا عن السوءى وكافأ بالحسنى، ثم قرأ الرقعة، ووقع فيها برد ضياعهم وأموالهم عليهم، وكان ذلك شيئاً كثيراً، وأمر بتعجيله.(7/374)
قال: فرد عليهم مال جليل القدر ورباع ومستغلات.
وكان سبب سخطه على محمد بن خالد القسري، أنه حين ولاه المدينة تقدم إليه في أخذ محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن بن حسن حتى ينفذهما إليه موثقين أو يقتلهما، فقصر محمد بن خالد حتى عزل، وخرجا عليه، فحقد ذلك عليه أبو جعفر؛ فعزله واستصفى أموالهم.
قال خالد بن سليمان بن مهاجر: سقط خاتم للرائقة جارية خالد بن عبد الله القسري اشتراه لها بعشرين ألف درهم في بلاعة الدار؛ فاغتمت وقالت: يا مولاي جئني بمن يخرجه، فقال لها: نخلفه عليه ولا يعود في يدك، وقد صار في ذلك الموضع، ويدك أعز علي من ذلك. ثم قال: من الطويل
أرائق لا تأسي على خاتمٍ هوى ... فللأرض من حظّ الكرام نصيب
فاشترى لها بدله فصاً بخمسة آلاف دينار.
قال المبرد: وجلس خالد بن عبد الله القسري ذات يوم للعرض، فأتي بشاب قد أخذ في دار قوم، وادعوا عليه السرق، فسأله عما حكي عنه، فأقر به، فأمر خالد بقطع يده، فإذا جارية قد أتته لم ير أحسن منها وجهاً، فدفعت إلى خالد رقعة كان فيها: من الطويل
أخالد قد أوطأت والله عشوةً ... وما العاشق المسكين فينا بسارق
أقرّ بما لم يجنه غير أنّه ... رأى القطع أولى من فضيحة عاشق
قال: فسأله خالد عن أبيها، فأحضره وزوجها من الرجل الشاب، ودفع مهرها من عنده عشرة آلاف درهم.(7/375)
قال الأصمعي: دخل أعرابي على خالد القسري فقال: أصلح الله الأمير، إني قد امتدحتك ببيتين ولست أنشدكهما إلا بعشرة آلاف وخادم، فقال له خالد: قل، فأنشأ يقول: من الطويل
لزمت، نعم، حتى كأنك لم تكن ... سمعت من الأشياء شيئاً سوى نعم
وأنكرت، لا، حتى كأنك لم تكن ... سمعت بها في سالف الدهر والأمم
فقال خالد بن عبد الله: يا غلام عشرة آلاف وخادماً يحملها.
قال: ودخل عليه أعرابي، فقال: إني قد قلت فيك شعراً، وأنشأ يقول. من الطويل
أخالد إني لم أزرك لحاجةٍ ... سوى أنني عافٍ وأنت جواد
أخالد إنّ الأجر والحمد حاجتي ... فأيّهما تأتي فأنت عماد
فقال له خالد: سل يا أعرابي. قال: قد جعلت المسألة إلي؟ قال: نعم. قال: مئة ألف درهم. قال: أكثرت يا أعرابي. قال: أفأحطك، أصلح الله الأمير؟ قال: نعم. قال: قد حططتك تسعين ألف درهم. قال له خالد: يا أعرابي، ما أدري من أي أمريك أعجب؟! فقال له: أصلح الله الأمير، إنك لما جعلت المسألة إلي سألتك على قدرك، وما تستحقه في نفسك، فلما سألتني أن أحط حططتك على قدري وما أستأهله في نفسي. فقال له خالد: والله يا أعرابي لا تغلبني، يا غلام: مئة ألف، فدفعها إليه.
قال يونس بن حبيب النحوي: دخل أعراب على خالد بن عبد الله فأنشدوه، وفيهم رجل ساكت لا ينطق، ثم قال(7/376)
لخالد: ما يمنعني من إنشادك إلا قلة ما قلت فيك من الشعر، فأمره أن يكتب رقعته فكتب: من الطويل
تعرّضت لي بالجود حتى نعشتني ... وأعطيتني حتى حسبتك تلعب
فأنت النّدى، وابن الندى، وأخو الندى ... حليف الندى، ما للندى عنك مذهب
فأمر له بخمسين ألف درهم.
وقام آخر فقال: أصلحك الله: قد قلت فيك بيتين ولست أنشدهما حتى تعطيني قيمتهما، قال: وكم قيمتهما؟ قال: عشرون ألفاً، فأمر له بها ثم أنشده: من الكامل
قد كان آدم قبل حين وفاته ... أوصاك وهو يجود بالحوباء
ببنيه أن ترعاهم فرعيتهم ... فكفيت آدم عيلة الأبناء
فأمر له بعشرين ألف أخرى، وجلده خمسين جلدة، وأمر أن ينادى عليه: هذا جزاء من لا يحسن قيمة الشعر.
دخل أعرابي على خالد القسري فأنشده: من الوافر
كتبت، نعم، ببابك فهي تدعو ... إليك الناس مسفرة النّقاب
وقلت للا: عليك بباب غيري ... فإنك لن تري أبداً ببابي
فأعطاه لكل بيت خمسين ألفاً.
قال عمر بن الهيثم: بينما خالد بظهر الكوفة متنزهاً، إذ حضر أعرابي فقال: يا أعرابي أين تريد؟ قال: هذه القرية، يعني الكوفة قال: وماذا تحاول بها؟ قال: قصدت خالد بن عبد الله متعرضاً لمعروفه، قال: فهل تعرفه؟ قال: لا. قال: فهل بينك وبينه قرابة؟(7/377)
قال: لا. ولكن لما بلغني من بذلك المعروف، وقد قلت فيه شعراً أتقرب به إليه. قال خالد: فأنشدني ما قلت، فأنشأ يقول: من الطويل
إليك ابن كرز الخير أقبلت راغباً ... لتجبر مني ما وهى وتبدّدا
إلى الماجد البهلول ذي الحلم والندى ... وأكرم خلق الله فرعاً ومحتدا
إذا ما أناسٌ قصّروا بفعالهم ... نهضت، فلم تلقى هنالك مقعدا
فيالك بحراً يغمر الناس موجه ... إذا يسأل المعروف جاش وأزبدا
بلوت ابن عبد الله في كلّ موطنٍ ... فألفيت خير الناس نفساً وأمجدا
فلو كان في الدنيا من الناس خالدٌ ... لجودٍ بمعروفٍ لكنت مخلّدا
فلا تحرمنّي منك ما قد رجوته ... فيصبح وجهي كالح اللون أربدا
فحفظ خالد الشعر وقال له: انطلق صنع الله لك.
فلما كان من غد دخل الناس إلى خالد، واستوى السماطان بين يديه، تقدم الأعرابي وهو يقول: إليك ابن كرز الخير أقبلت راغباً
فأشار إليه خالد بيده أن اسكت. ثم أنشد خالد بقية الشعر وقال له: يا أعرابي قد قيل هذا الشعر قبل قولك، فتحير الأعرابي، وورد عليه ما أدهشه، وقال: يا الله ما رأيت كاليوم سبباً لخيبة وحرمان، فانصرف، وأتبعه خالد رسوله ليسمع ما يقول، فسمعه الرسول ينشد: من الطويل
ألا في سبيل الله ما كنت أرتجي ... لديه وما لاقيت من نكد الجهد
دخلت على بحرٍ يجود بماله ... ويعطي كثير المال في طلب الحمد
فخالفني الجدّ المشوم لشقوتي ... وقاربني نحسي وفارقني سعدي
فلو كان لي رزقٌ لديه لنلته ... ولكنه أمرٌ من الواحد الفرد(7/378)
فقال له الرسول: أجب الأمير، فلما انتهى إلى خالد قال له: كيف قلت؟ فأنشده، ثم استعاده فأعاده ثلاثاً إعجاباً منه به، ثم أمر له بعشرة آلاف درهم.
قال: قوله: فلم تلقى ضرورة وجاء به على الأصل كقول الشاعر:
ألم يأتيك والأنباء تنمي
قال الأصمعي: ذكروا أن خالد بن عبد الله القسري لما أحكم جسر دجلة واستقام له نهر المبارك، أنشأ عطايا كثيرة، وأذن للناس إذناً عاماً، فدخلت عليه أعرابية قسرية فأنشأت تقول: من مشطور الرجز
إليك يا بن السادة المواجد ... يعمد في الحاجات كلّ عامد
فالناس بين صادرٍ ووارد ... مثل حجيج البيت نحو خالد
وأنت يا خالد خير والد ... أصبحت عبد الله بالمحامد
مجدك قبل الشّمّخ الرواكد ... ليس طريف الملك مثل التالد
قال: فقال لها خالد: حاجتك كائنة ما كانت.
فقالت: أصلح الله الأمير، أناخ علينا الدهر بجرانه، وعضنا بنابه، فما ترك لنا صافناً ولا ماهنا، فكنت المنتجع وإليك المفزع.
فقال لها خالد: هذه حاجة لك دوننا.
فقالت له: والله لئن كان لي نفعها إن لك لأجرها وذخرها مع أن أهل الجود لو لم يجدوا من يقبل العطاء لم يوصفوا بالسخاء.
قال لها خالد: أحسنت، فهل لك من زوج؟ فقالت: لا، وما كنت لأتزوج دعياً(7/379)
وإن كان موسراً غنياً، وما كنت أشتري عاراً يتقى بمال يفنى، وإني بجزيل مال الأمير لغنية، فأمر لها بعشرة آلاف درهم.
قال الحافظ: في أثناء تفسير قوله: الصافن والماهن: قال: وقال بعض اللغويين: عضنا الدهر، إنما يقال فيه: عظنا بالظاء والمعروف فيه الضاد.
خرج خالد القسري يتصيد، فإذا هو بأعرابي على أتان له هزيلة، ومعه عجوز له، فقال له خالد: ممن الرجل؟ قال: من أهل المآثر والحسب. قال: فأنت إذاً من مضر. فمن أيها؟ قال: من الطاعنين للخيول والمعانقين في النزول. قال: فأنت إذاً من قيس عيلان. قمن أيها؟ قال: من المانعين عن الجار، والطالبين للثأر. قال: أنت إذاً من بني عامر بن صعصعة، فمن أيها؟ قال: من أهل السيادة والرئاسة. قال: أنت إذاً من جعفر بن كلاب فما أقدمك؟ قال: تتابع السنين، وقلة رفد الرافدين. قال: فمن قصدت؟ قال: أميركم، هذا الذي رفعته إمرته وحطته أسرته.
قال: فأنا خالد وأنا معطيك غناك. قال: كلا، والله لا أقبل لك رفداً بعد أن أسمعتك قذعاً، ورجع منصرفاً.
فقال خالد: بمثل صبر هذا الشيخ نال آباؤه الشرف.
قال الهيثم بن عدي: كان خالد يقول: لا يحتجب الوالي إلا لثلاث خصال: إما رجل عيي فهو يكره أن يطلع الناس على عيه، وإما رجل مشتمل على سوء فهو يكره أن يعرف الناس ذلك، وإما رجل بخيل يكره أن يسال.
كتب خالد بن عبد الله القسري إلى أبان بن الوليد البجلي وكان قد ولاه المبارك: أما بعد فإن بالرعية من الحاجة إلى ولاتها مثل الذي بالولاة من الحاجة إلى رعيتها، وإنما هم من الوالي بمنزلة جسده من رأسه، وهو منهم بمنزلة رأسه من جسده، فأحسن إلى(7/380)
رعيتك بالرفق بهم، وإلى نفسك بالإحسان إليها، ولا يكونن هم إلى صلاحهم أسرع منك إليه، ولا عن فسادهم أدفع منك عنه، ولا يحملك فضل القدرة على شدة السطوة بمن قل ذنبه ورجوت مراجعته، ولا تطلب منهم إلا مثل الذي تبذل لهم، واتق الله تعالى في العدل عليهم والإحسان إليهم، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، اصرم فيما علمت، واكتب إلينا فيما جهلت يأتك أمرنا في ذلك، إن شاء الله، والسلام.
قال يحيى بن معين: كان خالد القسري والياً لبني أمية، وكان رجل سوء، وكان يقع في علي بن أبي طالب.
قال الفضل بن الزبير: سمعت خالداً القسري وذكر علياً، فذكر كلاماً لا يخل ذكره.
حكى الأصمعي: أن خالداً القسري ذم بئر زمزم فقال: إن زمزم لا تنزح ولا تذم، بلى والله إنها تنزح وتذم، ولكن هذا، أمير المؤمنين، قد ساق لكم قناة بمكة، وكان ذلك في أيام هشام بن عبد الملك.
قال أبو عصام النبيل: ساق خالد ماء إلى مكة، فنصب طستاً إلى جانب زمزم، ثم خطب فقال: قد جئتكم بماء العادية لا يشبه أم الخنافس. يعني زمزم.
قال عمرو بن قيس: لما أخذ خالدٌ سعيد بن جبير وطلق بن حبيب خطب فقال: كأنكم أنكرتم ما صنعت، والله لو كتب إلي أمير المؤمنين لنقضتها حجراً حجراً، يعني الكعبة.
قال شبيب بن شيبة: ولي خالد العراق بضع عشرة سنة من قبل هشام بن عبد الملك.
قال: وكان سبب عزله أن امرأة أتت خالداً فقالت: إن غلامك فلاناً توثب علي، وهو(7/381)
مجوسي، فأكرهني على الفجور وغصبني نفسي. فقال: كيف وجدت قلفته؟ فكتب بذلك حسان النبطي إلى هشام بن عبد الملك، فعزله وولى يوسف بن عمر العراق.
قال أبو سفيان الحميري وغيره: أراد الوليد بن يزيد الحج وهو خليفة، فاتعد فتية من وجوه اليمن أن يفتكوا به في طريقه، وسألوا خالداً القسري أن يكون معهم، فأبى، قالوا: فاكتم علينا، قال: نعم.
فأتى خالد فقال: يا أمير المؤمنين دع الحج عامك هذا، فإني خائف عليك، قال: ومن الذين تخافهم علي، سمهم لي. قال: قد نصحتك ولن أسميهم لك، قال: إذاً أبعث بك إلى عدوك يوسف بن عمر، قال: وإن فعلت، فبعث به إلى يوسف بن عمر، فعذبه حتى قتله، ولم يسم له القوم.
وقتل خالد سنة ست وعشرين ومئة وهو ابن نحو ستين سنة.
قال محمد بن جرير: عذب خالد، ثم وضع على صدره المضرسة، فقتل من الليل، ودفن بناحية الحيرة في عباءته التي كان فيها، وأقبل عامر بن سهلة الأشعري، فعقر فرسه على قبره، فضربه يوسف سبع مئة سوط.
قال أبو عبيدة: لما قتل خالد القسري لم يرثه أحد من العرب على كثرة اياديه عندهم إلا أبو الشغب العبسي فقال: من الطويل
ألا إنّ خير الناس حيّاً وهالكاً ... أسير ثقيفٍ عندهم في السّلاسل
لعمري لقد أعمرتم السّجن خالداً ... وأوطأتموه وطأة المتثاقل
فإن تسجنوا القسريّ لا تسجنوا اسمه ... ولا تسجنوا معروفه في القبائل(7/382)
خالد بن عبد الرحمن بن يزيد
ابن تميم السلمي حدث عن أبيه بسنده عن أبي هريرة: أن رجلاً من المسلمين أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله إني قد زنيت، فأعرض عنه حتى أتاه أربعاً، كل ذلك يعرض عنه، فلما سأله أربعاً شهد على نفسه أربع شهادات. دعاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أبك جنون؟ قال: لا، قال: قد أحصنت؟ قال: نعم، قال: اذهبوا به فارجموه.
خالد بن عبد الرحمن بن يزيد
ابن جابر حدث عن أبيه بسنده عن أم حبيبة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من حافظ على أربع ركعات قبل صلاة الهجير وأربع بعدها حرم على جهنم.
قال الحافظ: قوله: ابن جابر وهم، وإنما هو ابن تميم الذي تقدم ذكره. والله أعلم.
خالد بن عبد الرحمن
حدث خالد قال: كنا في عسكر سليمان بن عبد الملك، فسمع غناء من الليل، فأرسل إليهم بكرة، فجيء بهم فقال: إن الفرس ليصهل فتستودق له الرمكة، وإن الفحل ليخطر فتضبع له الناقة، وإن التيس لينب فتستحرم له العنز، وإن الرجل ليتغنى فتشتاق إليه المرأة.(7/383)
ثم قال: اخصوهم. فقال عمر بن عبد العزيز: هذا مثلةٌ ولا يحل؛ فخلى سبيلهم.
خالد بن عبد الرحمن
أبو الهيثم الخراساني من أهل مرو الروذ.
حدث عن سنان بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يدعو الله بشيء إلا استجاب له.
وحدث عن إبراهيم بن عثمان بسنده عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن من الأنبياء من يسمع الصوت فيكون بذلك نبياً، وكان منهم من يرى في المنام فيكون بذلك نبياً نذيراً، وكان منهم من يبث في أذنه وقلبه فيكون بذلك نبياً، وإن جبريل يأتيني فيكلمني كما يأتي أحدكم صاحبه فيكلمه.
وحدث عن مالك بن مغول بسنده عن ابن مسعود قال:
خطبنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسند ظهره إلى قبة أدمٍ فقال: ألا لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، اللهم هل بلغت؟ اللهم اشهد. فقال: أتحبون أنكم ربع أهل الجنة؟ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: أتحبون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قالوا: نعم، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة، ما مثلكم فيمن سواكم إلا كالشعرة السوداء في الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود.
خالد بن عبد الملك بن الحارث ابن الحكم بن أبي العاص ويقال: ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي.
ولي إمرة الشام لهشام بن عبد الملك.(7/384)
قال الزبير بن بكار: فولد عبد الملك بن الحارث: إسحاق وأبان وإسماعيل وروحاً وخالداً المعروف بابن مطرة.
ولي لهشام بن عبد الملك المدينة سبع سنين، فأقحطوا، فكان يقال: سنيات خالد، وكان أهل البادية قد جلوا إلى الشام.
قال أبو بكر بن عياش: ثم حج بالناس خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم سنة أربع عشرة ومئة.
قال خالد بن القاسم: استعمل هشام بن عبد الملك خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم على المدينة، فكان يؤذي علي بن أبي طالب على المنبر، فسمعته يوماً على منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: والله لقد استعمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علياً وهو يعلم أنه كذا وكذا، ولكن فاطمة كلمته فيه، فبرك داود بن قيس الفراء على ركبتيه فقال: كذبت كذبت حتى خفضه الناس.
قال صالح بن محمد: نمت وخالد بن عبد الملك يخطب يومئذ، ففزعت وقد رأيت في المنام كأن القبر انفرج، وكأن رجلاً يخرج منه يقول: كذبت كذبت، فلما قامت الصلاة وصلينا، سألت ما كان، فأخبرت بالذين تكلم به خالد بن عبد الملك.
خالد بن عتاب بن ورقاء بن الحارث
ابن عمرو بن همام بن رياح بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة ابن تميم أبو سليمان التميمي الرياحي اليربوعي كان أميراً على الري من قبل الحجاج، فخافه فهرب إلى دمشق، واستجار(7/385)
بعبد الملك بن مروان فأجاره، وكانت أمه أم ولد، فكتب إليه الحجاج يلخن أمه ويقول: يا بن أمتنا اللخناء، أنت الذي هربت عن أبيك حتى قتل.
وقد كان حلف ألا يسب أحد أمه إلا أجابه كائناً من كان؛ فكتب إليه خالد: كتبت تلخنني وتزعم أنني فررت عن أبي حتى قتل: ولعمري لقد فررت عنه، ولكن بعد ما قتل، وحين لم أجد لي مقاتلاً، ولكن أخبرني عنك يا بن اللخناء المستفرمة بعجم زبيب الطائف حين فررت أنت وأبوك يوم الحرة على جمل ثقال، أيكما كان أمام صاحبه؟ فقرأ الحجاج الكتاب وقال: صدق: من مشطور الرجز
أنا الذي فررت يوم الحرّه ... ثم ثبتّ كرة بفرّه
والشيخ لا يفرّ إلا مرّه
ثم طلبه فهرب إلى الشام، وسلم بيت المال لم يأخذ منه شيئاً. فكتب الحجاج إلى عبد الملك بما كان منه.
وقدم خالد الشام، فسأل عن وزير عبد الملك، فقيل له: روح بن زنباع، فأتاه حين طلعت الشمس فقال: إني جئتك مستجيراً. فقال: قد أجرتك إلا أن تكون خالداً، قال: فأنا خالد، فتغير وقال: أنشدك الله إلا خرجت عني، فإني لا آمن عبد الملك، فقال: أنظرني تغرب الشمس، فجعل روح يراعيها حتى خرج خالد، فأتى زفر بن الحارث(7/386)
الكلابي فقال: إني جئتك مستجيراً. قال: قد أجرتك. قال: إني خالد بن عتاب. قال: وإن كنت خالداً.
فلما أصبح دعا ابنين له فتهادى بينهما وقد أسن، فدخل على عبد الملك وقد أذن للناس، فلما رآه دعا له بكرسي فوضع عند رأسه، فجلس ثم قال: يا أمير المؤمنين إني قد أجرت عليك رجلاً فأجره قال: قد أجرته إلا أن يكون خالداً. قال: فهو خالد. قال: لا، ولا كرامة.
فقال زفر لابنيه: أنهضاني، فلما ولى قال: يا عبد الملك، والله لو كنت تعلم أن يدي تطيق حمل القناة ورأس الجواد لأجرت من أجرت.
فضحك، وقال: يا أبا الهذيل قد أجرناه فلا أريبه، وأرسل إلى خالد بألفي درهم، فأخذها، ودفع إلى رسوله أربعة آلاف.
قال أبو عبيدة: خطب عتاب بن ورقاء الرياحي على المنبر فقال: أقول كما قال الله عز وجل في كتابه: من الخفيف
ليس شيءٌ على المنون بباقي ... غير وجه المسبّح الخلاّق
فقيل له: أيها الأمير هذا قول عدي بن زيد، فقال: فنعم، والله، ما قال عدي بن زيد.
وأتي عتاب بن ورقاء بامرأة من الخوارج فقال لها: يا عدوة الله، ما حملك على الخروج علينا؟ أما سمعت الله يقول؟: من الخفيف
كتب القتل والقتال علينا ... وعلى المحصنات جرّ الذّيول
فقالت: جهلك بكتاب الله حملني على الخروج عليك وعلى أئمتك، يا عدو الله.(7/387)
خالد بن أبي عثمان بن عبد الله
ابن خالد بن أسيد ابن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس أبو أمية القرشي الأموي البصري وفد على الوليد بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز.
روى خالد بن أبي عثمان عن أيوب بن عبد الله بن يسار عن عمرو بن أبي عقرب، قال: سمعت عتاب بن أسيد وهو مسند ظهره إلى الكعبة يقول: ما أصبت من عملي الذي استعملني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا ثوبين معقدين كسوتهما مولاي كيسان.
قال خالد بن أبي عثمان: صليت خلف عمر بن عبد العزيز فسلم واحدة.
وقال خالد بن أبي عثمان: ولدت أنا وعمر بن عبد العزيز في شهر، وكان ابن عمه قاضي البصرة.
وقال خالد بن أبي عثمان: شهدت عروة بن الزبير قطع رجله وكواها، وكان قطعه إياها بدمشق، وكانت وقعت في رجله الأكلة. فأرسل الوليد إلى الأطباء فقالوا: هذه الأكلة، وإن لم يقطعها ارتفعت فقطعها.
خالد بن عمير بن الحباب بن جعدة
ابن إياس بن حزابة بن محارب بن هلال السلمي الذكواني ممن غزا القسطنطينية مع مسلمة بن عبد الملك، وكان فارساً شاعراً.
قال خالد بن عمير: كنا مع مسلمة بن عبد الملك في غزوة القسطنطينية، فخرج إلينا رجل(7/388)
من الروم، ودعا إلى المبارزة فخرجت إليه، فاقتتلنا فسقط كل واحد منا عن فرسه، فأخذته أسيراً فأتيت به مسلمة، فساءله وكان رجلاً جسيماً جميلاً، فأراد أن يبعث به إلى هشام بن عبد الملك، وهو يومئذ بحران، فقلت: إن رأيت أن توليني الوفادة به إليه، قال: إنك لأحق الناس بذلك، فبعث به معي، فكلمناه وسألناه، فجعل لا يكلمنا حتى انتهينا إلى موضع فقال: ما يقال لهذا الموضع؟ قال: فإذا هو فصيح اللسان، قلنا: هذا الجريش وتل مجزى فقال: من الوافر
ثوى بين الجريش وتلّ مجزى ... فوارس من نمارة غير ميل
فلا جزعين إن ضرّاء نابت ... ولا فرحين بالخير القليل
ثم سكت، فكلمناه، وقلنا له: من أنت؟ فلم يرد علينا شيئاً، فلما انتهينا إلى الرها قال: دعوني فلأصل في بيعتها، قلنا: دونك، فصلى. وكل ذلك لا يكلمنا.
فلما انتهينا إلى حران قال: أي مدينة هذه؟ قلنا: هذه مدينة حران، قال: أما إنها أول مدينة بنيت بعد بابل، ثم سكت. فأقبلنا عليه فقلنا: كلمنا، ما حالك؟ فأبى أن يكلمنا، فلما دخلنا حران قال: دعوني أستحم في حمامها، فاطلى ثم خرج كأنه برطيل فضة بياضاً وعظماً.
قال: فأدخلته على هشام، وأخبرته كيف كان أمره وما جعل يسألنا عنه، فقال له هشام: ممن أنت؟ قال: أنا رجل من إياد ثم أحد بني حذافة. فقال: ويحك! أراك رجلاً عربياً إلى جمال وفصاحة، فأسلم تحقن دمك ونسني عطاءك، قال: إن لي بالروم أولاداً، قال: ونفك ولدك، قال: ما كنت لأرجع عن ديني، فأقبل به هشام وأدبر، فأبى فقال: دونك فاضرب عنقه، قال: فضربت عنقه.(7/389)
خالد بن غفران
من أفاضل التابعين، كان بدمشق.
حدث أبو الحسين علي بن محمد الأديب بإسناد له: أن رأس الحسين بن علي عليهما السلام لما صلب بالشام أخفى خالد بن غفران شخصه عن أصحابه، وطلبوه شهراً حتى وجدوه، فسألوه عن عزلته، فقال: أما ترون ما نزل بنا؟ ثم أنشا يقول: من الكامل
جاؤوا برأسك يا بنت بنت محمدٍ ... متزمّلاً بدمائه تزميلا
وكأنما بك يا بن بنت محمد ... قتلوا جهاراً عامدين رسولا
قتلوك عطشاناً ولم يترقّبوا ... في قتلك التنزيل والتأويلا
ويكبّرون بأن قتلت وإنما ... قتلوا بك التكبير والتهليلا
خالد بن كيسان
ولي غزو البحر في أيام بن أمية.
قال الواقدي: سنة تسعين، فيها أسرت الروم خالد بن كيسان صاحب البحر، فذهبت به إلى مدينة الكفر القسطنطينية، فأهداه صاحبها إلى الوليد بن عبد الملك، وهو عام غزا مسلمة، ففتح الله على يديه.
خالد بن اللجلاج أبو إبراهيم العامري
ويقال: مولى بني زهرة، من أهل دمشق، ولأبيه اللجلاج صحبة.
حدث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: مر بنا خالد بن اللجلاج فقال له مكحول: يا أبا إبراهيم، حدثنا حديث عبد الرحمن بن عائش.(7/390)
فقال خالد: سمعت عبد الرحمن بن عائش الحضرمي يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: رأيت ربي الليلة في أحسن صورة فقال لي: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت: لا أعلم. فوضع كفه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي؛ فعلمت ما في السموات والأرض ثم تلا: " وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين ".
ثم قال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قلت: في الكفارات يا رب.
قال: وما هن؟ قلت: المشي على الأقدام إلى الجمعات، والجلوس في المساجد خلف الصلوات، وإبلاغ الوضوء أماكنه في المكاره، من يفعل ذلك يعش بخير ويمت بخير، ويكن من خطيئته كيوم ولدته أمه، ومن الدرجات إطعام الطعام وبذل السلام وأن تقوم بالليل والناس نيام.
ثم قال: قل يا محمد، واشفع تشفع، وسل تعطه. قال: قلت: إني أسألك الطيبات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وتتوب علي، وإن أردت بقوم فتنة فتوفني وأنا غير مفتون.
ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تعلموهن، فوالذي نفسي بيده إنهن لحق.
كان خالد بن اللجلاج يلي الشرط بدمشق.
وقال أبو الحسن بن سميع: خالد بن اللجلاج كان على بناء مسجد دمشق.
وكان خالد ذا سنٍ وصلاح، جريء اللسان على الملوك والغلظة عليهم.(7/391)
خالد بن محمد بن خالد بن يحيى
ابن محمد بن يحيى بن حمزة أبو القاسم الحضرمي من أهل بيت لهيا.
روى عن جده لمه أبي عبد الله أحمد بن يحيى بسنده عن ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يقوم من مجلس إلا دعا: اللهم ارزقني من خشيتك ما يحول بيني وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تدخلني به جنتك، ومن التقوى ما تهون به علي مصائب الدنيا، وأمتعني بسمعي وبصري وقوتي ما أحييتني، واجعلهم الوارث مني، واجعل ثأري على من ظلمني، وانصرني على من عاداني، ولا تجعل مصيبتي في ديني، ولا تجعل الدنيا أكبر همي، ولا مبلغ علمي، ولا تسلط علي من لا يرحمني.
خالد بن محمد الثقفي
حدث عن بلال بن أبي الدرداء عن أبيه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: حبك الشيء يعمي ويصم.
خالد بن معدان بن أبي كرب
أبو عبد الله الكلاعي الحمصي كان يتولى شرطة يزيد بن معاوية حدث عن المقدام بن معدي كرب، أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة، وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة، وما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة.(7/392)
وحدث عنه أيضاً قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: للشهيد عند الله خصال: يغفر له أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلى حلة الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار؛ الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويشفع في سبعين إنساناً من أهل بيته.
وحدث عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: عليك بالسمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك، ولا تنازع الأمر أهله.
قال خالد بن معدان: أدركت سبعين رجلاً من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكان خالد إذا قعد لم يقدر أحدٌ يذكر الدنيا عنده هيبة له.
قال بحير بن سعد: ما رأيت أحداً كان أكرم للعلم من خالد بن معدان، كان علمه في مصفح، وكان إذا عظمت حلقته قام كراهية الشهرة. وكان خالد إذا أمر الناس بالغزو كان فسطاطه أول فسطاط يضرب بدابق.
وقال خالد: والله لو كان الموت في مكان موضوعاً لكنت أول من يسبق إليه.
قال خالد بن معدان: ما أحدث الله لي نعمة قط إلا أحدثت له بها شكراً، حتى إن الرجل يسلم علي أو يوسع لي في المجلس فأومئ للسجود لله شكراً.
وقال خالد بن معدان: تعلموا اليقين كما تعلموا القرآن حتى تعرفوه فإني أتعلمه.
حدثت عبدة بنت خالد عن أبيها قالت: قلما كان خالد يأوي إلى فراش مقيله إلا وهو يذكر فيه شوقه إلى رسول(7/393)
الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإلى أصحابه من المهاجرين والأنصار، ثم يسميهم، ويقول: هم أصلي وفصلي وإليهم يحن قلبي، طال شوقي إليهم، فعجل ربي قبضي إليك حتى يغلبه النوم وهو في بعض ذلك.
وحدثت عن أبيها أيضاً أنه قال:
إن الذين يسخرون من الناس في الدنيا يقال لهم يوم القيامة: ادخلوا الجنة، فإذا أتوا أبوابها ودنوا منها يقال لهم: سخر بكم كما كنتم تسخرون بالناس.
قال خالد: من التمس المحامد في مخالفة الله رد الله تلك المحامد عليه ذماً، ومن اجترأ على الملاوم في موافقة الحق رد الله تلك الملاوم عليه حمداً.
وقال خالد: ما من آدمي إلا وله أربعة أعين: عينان في رأسه يبصر بهما أمر الدنيا، وعينان في قلبه، فإذا أراد الله بعبد خيراً فتح عينيه اللتين في قلبه فأبصر بهما ما وعد بالغيب. فأمن الغيب بالغيب.
ومات خالد بن معدان وهو صائم سنة ثلاث ومئة، وقيل: سنة أربع ومئة، وأجمعوا على أنه مات سنة ثلاث في خلافة يزيد بن عبد الملك.
قال سلمة: كان خالد يسبح في اليوم أربعين ألف تسبيحة سوى ما يقرأ من القرآن، فلما مات ووضع على سريره ليغسل جعل بأصبعه كذا يحركها، يعني بالتسبيح.
حدث معاوية بن يحيى: أن شيخاً من أهل حمص خرج يريد المسجد وهو يرى أنه قد أصبح، فإذا عليه ليل، فلما صار تحت القبة سمع صوت حرس الليل على البلاط، فإذا فوارس قد لقي بعضهم بعضاً، قال بعضهم لبعض: من أين قدمتم؟ قالوا: أولم تكونوا معنا؟ قالوا: لا، قالوا:(7/394)
قدمنا من جنازة البديل خالد بن معدان، قالوا: وقد مات؟! ما علمنا بموته، قالوا: فمن استخلفتم بعده؟ قالوا: أرطاة بن المنذر.
فلما أصبح الشيخ حدث أصحابه فقالوا: ما علمنا بموت خالد بن معدان، فلما كان نصف النهار قدم البريد من انطرطوس يخبر بموته.
وقيل في موته: سنة خمس، وقيل: سنة ثمان ومئة، وقيل: سنة ست ومئة، والله أعلم.
خالد بن المعمر بن سلمان
ابن الحارث بن شجاع بن الحارث بن سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة الذهلي شهد صفين مع علي، ثم غدر بالحسن بن علي ولحق بمعاوية.
قال العسكري: معمر مخفف كثير، ومعمر بالتشديد هو الذي يشكل.
ومنهم خالد بن المعمر السدوسي رأس بكر بن وائل في خلافة عمر، وهو الذي غدر بالحسن بن علي وبايع معاوية، فقال الشاعر وهو الأعور الشني: من الطويل
معاوي أمّر خالد بن معمّرٍ ... معاوي لولا خالدٌ لم تؤمّر
قدم خالد على معاوية فسأله مداجاة على علي، وكان معاوية قد وصله وولاه أرمينية، فوصل إلى نصيبين، فيقال: إنه احتيل له شربة فمات، فقبره بنصيبين.
وكان من أصحاب علي يوم الجمل على الذهليين خالد بن المعمر.
قال أبو عبيدة: لما قتل علي بن أبي طالب أراد معاوية الناس على بيعة يزيد، فتثاقلت ربيعة،(7/395)
ولحقت بعبد القيس بالبحرين، واجتمعت بكر بن وائل إلى خالد بن المعمر، فلما تثاقلت ربيعة تثاقلت العرب أيضاً، فضاق معاوية بذلك ذرعاً، فبعث إلى خالد، فقدم عليه، فلما دخل إليه رحب به وقال: كيف ما نحن فيه؟ قال: أرى ملكاً طريفاً وبغضاً تليداً. فقال معاوية: قل ما بدا لك فقد عفونا عنك، ولكن ما بال ربيعة أول الناس في حربنا وآخرهم في سلمنا؟ قال له خالد: إنما أتيتك مستأمنا ولم آتك مخاصماً، وإن ربيعة إن تدخل في طاعتك تنفعك، وإن تدخل كرها تكن قلوبها عليك وأبدانها لك، فأعط الأمان عامتهم، شاهدهم وغائبهم، وأن ينزلوا حيث شاؤوا، فقال: أفعل، فانصرف خالد إلى قومه بذلك.
ثم إن معاوية بدا له فبعث إلى خالد فدعاه، فلما دخل إليه قال: كيف حبك لعلي؟ قال: اعفني يا أمير المؤمنين مما أكره، فأبى أن يعفيه فقال: أحبه والله على حلمه إذا غضب، ووفائه إذا عقد، وصدقه إذا أكد، وعدله إذا حكم.
ثم انصرف ولحق بقومه، وكتب إلى معاوية: من الطويل
معاوي لا تجهل علينا فإننا ... يدٌ لك في اليوم العصيب معاويا
متى تدع فينا دعوةً ربعيّةً ... يجبك رجالٌ يخضبون العواليا
أجابوا علياً إذ دعاهم لنصرةٍ ... وجرّوا بصفّينٍ عليك الدّواهيا
فإن تصطنعنا يا بن حربٍ لمثلها ... نكن خير من تدعو إذا كنت داعيا
ألم ترني أهديت بكر بن وائل ... إليك، وكانوا بالعراق أفاعيا
إذا نهشت قال السليم لأهله ... رويداً فإني لا أرى لي راقيا
فأضحوا وقد أهدوا ثمار قلوبهم ... إليك، وأفراق الذنوب كما هيا
ودع عنك شيخاً قد مضى لسبيله ... على أي حاليه مصيباً وخاطيا
فإنك لا تسطيع ردّ الذي مضى ... ولا دافعاً شيئاً إذا كان جائيا
وكنت امرأً تهوى العراق وأهله ... إذ أنت حجازيٌّ فأصبحت شاميا(7/396)
وكتب الأعور الشني إلى معاوية: من الطويل
أتاك بسلم الحيّ بكر بن وائلٍ ... وأنت منوطٌ كالسّقاء الموكّر
معاوي أكرم خالد بن معمّرٍ ... فإنك لولا خالدٌ لم تؤمّر
فخادعته بالله حتى خدعته ... ولم يك خبّاً خالد بن المعمرّ
فلم تجزه والله يجزي بسعيه ... وتسديده ملكي سريرٍ ومنبر
فدعاهما معاوية فوصلهما؛ فقال الشني: من الطويل
معاوي إني شاكرٌ لك نعمةً ... رددت بها ريشي عليّ معاويه
وكم من مقامٍ غائظٍ لك قمته ... وداهيةٍ أسعرتها بعد داهيه
فموتّها حتى كأن لم أقم بها ... عليك وأوتادي بصفّين باقيه
فأبلغتني ربعي وكانت مقاتلي ... بكفّيك لو لم تكفف السهم باديه
فقال معاوية: من الطويل
لقد رضي الشنّيّ من بعد عتبه ... بأيسر ما يرضى به صاحب الكتب
قال مضارب العجلي: التقى رجلان من بكر بن وائل: أحدهما من شيبان والآخر من بني ذهل. فقال الشيباني: أنا أفضل منك. فقال الذهلي: بل أنا أفضل منك. فتحاكما إلى رجل من همدان فقال: لست مفضلاً أحداً منكما على صاحبه، ولكن اسمعا ما أقول لكما: من أيكما كان علباء بن الهيثم الذي قتل يوم الجمل وهو سيد ربيعة؟ وكان يأخذ في الإسلام ألفين وخمس مئة.
قال الذهلي: كان مني.
قال: فمن أيكما كان حسان بن محدوج الذي قتل يوم الجمل وهو سيد ربيعة وكندة فنزع عنه الأشعث بن قيس؟.(7/397)
قال الذهلي: كان مني.
قال: فمن أيكما كان خالد بن المعمر الذي بايعته ربيعة بصفين على الموت حتى اعتقد لأهل الوبر منها ولأهل المدر ونجى الله به أهل اليمامة؟ قال الذهلي: كان مني.
قال: فمن أيكما كان حضين بن المنذر صاحب الراية السوداء؟: من الطويل
لمن رايةٌ سوداء يخفق ظلّها ... إذا قيل: قدّمها، حضين، تقدّما
قال الذهلي: كان مني.
خالد بن المهاجر بن خالد
ابن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي قدم دمشق بعد وفاة عمه عبد الرحمن بن خالد، فقتل ابن أثال الطبيب، لأنه كان متهماً بقتل عمه، ثم لحق بالحجاز فسكنه.
حدث خالد بن المهاجر قال: رخص ابن عباس في متعة النساء، فقال له ابن أبي عمرة الأنصاري: ما هذا يا بن عباس؟ فقال ابن عباس: فعلت مع إمام المتقين، فقال ابن أبي عمرة: اللهم غفراً، إنما كانت المتعة رخصة كالضرورة إلى الميتة والدم ولحم الخنزير، ثم أحكم الله الدين بعد.(7/398)
وحدث خالد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ابن آدم، عندك ما يكفيك وأنت تطلب ما يطغيك، بان آدم، لا بقليل تقنع ولا من كثير تشبع. ابن آدم، إذا أصبحت معافىً في جسدك آمناً في سربك، عندك قوت يومك فعلى الدنيا العفاء.
قال خالد بن المهاجر: قال عمر بن الخطاب: من تزوج بنت عشر تسر الناظرين، ومن تزوج بنت عشرين لذة للمعانقين، وبنت ثلاثين تسمن وتلين، ومن تزوج ابنة أربعين ذات بنات وبنين، ومن تزوج ابنة خمسين عجوز في الغابرين.
كان خالد بن المهاجر مع عبد الله بن الزبير، وكان اتهم معاوية بن أبي سفيان أن يكون دس إلى عمه عبد الرحمن بن خالد متطبباً يقال له: ابن أثال، فسقاه في دواء شربة؛ فمات فيها، فاعترض لابن أثال فقتله، ثم لم يزل مخالفاً لبني أمية.
وكان شاعراً، وهو الذي يقول في قتل الحسين بن علي عليهما السلام: من الكامل
أبني أمية هل علمتم أنني ... أحصيت ما بالطّفّ من قبر
صبّ الإله عليكم غضباً ... أثناء جيش الفتح أو بدر
وقال أيضاً حين خالف ابن الزبير يزيد بن معاوية، ويصف له الحرب: من الطويل
ألا ليتني إن استحلّت محارمٌ ... بمكة قامت قبل ذاك قيامتي
وإن قتل العوّاذ بالبيت أصبحت ... تنادي على قبرٍ من الهام هامتي
وإن يقتلوا فيها وإن كنت محرماً ... وجدّك أشدد فوق رأسي عمامتي
فنوا عصبةً لله بالدين قوّموا ... عصا الدين والإسلام حتى استقامت(7/399)
وذكر الواقدي: أن خالداً قتل ابن أثال بدمشق، وأن معاوية ضربه مئتين أسواطاً، وحبسه، وأغرمه ديتين ألفي دينار، فألقى ألفاً في بيت المال، وأعطى ورثة ابن أثال ألفاً، ولم يخرج خالد من الحبس حتى مات معاوية. والله أعلم.
/(7/400)
خالد بن الوليد بن المغيرة ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم أبو سليمان المخزومي وقيل: أبو وهب، والمحفوظ أبو سليمان سيف الله، وصاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أسلم في الهدنة طوعاً، واستعمله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض مغازيه؛ وروى عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستعمله أبو بكر على قتال مسيلمة ومن ارتد من الأعراب بنجد، ثم وجهه إلى العراق، ثم وجهه إلى الشام، وأمره على أمراء الشام؛ وهو أحد الأمراء الذين ولوا فتح دمشق.
حدث عبد الله بن عباس أن خالد بن الوليد الذي كان يقال له سيف الله، أخبره: أنه دخل مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ميمونة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي خالته وخالة ابن عباس فوجد عندها ضباً محنوذاً، قدمت به أختها حفيدة بنت الحارث من نجد، فقدمت الضب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان قلما يقدم يده لطعام حتى يحدث به ويسمي له فأهوى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده إلى الضب، فقالت امرأة من النسوة الحضور: أخبرن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قدمتن له، قلن: هو الضب يا رسول الله، فرفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده؛ قال خالد: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه. قال خالد: فاجتررته فأكلته، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينظر ولم ينه.(8/5)
وعن خالد بن الوليد قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن لحوم الخيل والبغال والحمير.
وفي رواية: حضرت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر يقول: حرام أكل لحوم الحمر الأهلية والخيل والبغال.
قالوا: وكل ذي ناب من السباع أو مخلب من الطير.
قال الواقدي: الثبت عندنا أن خالد لم يشهد خيبر، وأسلم قبل الفتح، هو وعمر بن العاص وعثمان بن طلحة بن أبي طلحة أول يوم من صفر سنة ثمان.
قال مصعب: هاجر خالد بعد الحديبية هو وعمر بن العاص وعثمان بن طلحة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رآهم: رمتكم مكة بأفلاذ كبدها، ولم يزل يوليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخيل، ويكون في مقدمته في مهاجرة العرب، وشهد فتح مكة، ودخل في مهاجرة العرب في مقدمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة، ودخل الزبير بن العوام في مقدمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المهاجرين والأنصار من أعلى مكة.
وكان خالد مباركاً ميمون النقبية، وأمه عصماء، وهي لبابة الصغرى بنت الحارث بن حزن بجير بن الهزم بن روبية بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة بن قيس عيلان، وهي أخت أم الفضل بنت الحارث أم بني العباس بن عبد المطلب.
مات خالد بحمص سنة إحدى وعشرين، وأوصى إلى عمر بن الخطاب؛ ودفن في قرية على ميل من حمص.(8/6)
وقيل: إنه أسلم يوم الأحزاب. وجاء في الحديث أنه شهد خيبر وكانت في أول سنة سبع. وقال مالك بن أنس: سنة ست. وقيل: إنه مات بالمدينة.
وكان خالد بن الوليد يشبه عمر في خلقه وصفته؛ فكلم علقمة بن علاثة عمر بن الخطاب في السحر وهو يظنه خالد بن الوليد لشبهه به.
قال محمد بن حفص التيمي: لما كانت الهدنة بين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين قريش، ووضعت الحرب، خرج عمرو بن العاص إلى النجاشي يكيد أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكانت له منه ناحية فقال له: يا عمرو، تكلمني في رجل يأتيه الناموس كما كان يأتي موسى بن عمران! قال: قلت: وكذلك هو أيها الملك؟ قال: فأنا أبايعك له على الإسلام. ثم قدم مكة، فلقي خالد بن الوليد فقال له: ما رأيك؟ قال: قد استقام المنسم، والرجل نبي؛ قال: فأنا أريده، قال: وأنا معك؛ قال له عثمان بن طلحة: وأنا معك. فقدموا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة.
قال أبان بن عثمان: فقال عمرو بن العاص: فكنت أسن منهما، فقدمتهما لأستدبر أمرهما، فبايعا على أن لهما ما تقدم من ذنوبهما، فأضمرت على أن أبايعه على أن لي ما تقدم وما تأخر، فلما أخذت بيده وبايعته على ما تقدم نسيت ما تأخر.
قال خالد بن الوليد: لما أراد الله بي من الخير ما أراد قذف في قلبي حب الإسلام، وحضرني رشدي وقلت: قد شهدت هذه المواطن كلها على محمد، فليس موطن أشهده إلا وأنصرف، وإني أرى في نفسي أني موضع في غير شيء، وأن محمداً سيظهر؛ فلما خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الحديبية خرجت في خيل المشركين فلقيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه بعسفان، فقمت بإزائه،(8/7)
وتعرضت له، فصلى بأصحابه الظهر آمناً منا، فهممت أن نغير عليه، ثم لم يعزم لنا، وكانت فيه خيرة، فاطلع على ما في أنفسنا من الهموم به، فصلى بأصحابه العصر صلاة الخوف، فوقع ذلك مني موقعاً وقلت: الرجل ممنوع، وافترقنا وعدل عن سنن خيلنا، وأخذت ذات اليمين، فلما صالح قريشاً بالحديبية، ودافعته قريش بالراح قلت في نفسي: أي شيء بقي؟ أين المذهب؟ إلى النجاشي؟ فقد اتبع محمداً، وأصحابه آمنون عنده! فأخرج إلى هرقل فأخرج من ديني إلى نصرانية أو يهودية، فأقيم مع عجم تابعاً؟! أو أقيم في داري، فمن بقي؟ فأنا على ذلك إذ دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عمرة القضية، وتغيبت فلم أشهد دخوله، وكان أخي الوليد بن الوليد قد دخل مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عمرة القضية، فطلبني فلم يجدني، فكتب إلي كتاباً فإذا فيه: " بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فإني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام، وعقلك عقلك! ومثل الإسلام جهله أحد! وقد سألني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أين خالد؟ فقلت: يأتي الله به، فقال: ما مثل خالد جهل الإسلام، ولو كان جعل نكايته وجده مع المسلمين على المشركين لكان خيراً له، ولقدمناه على غيره. فاستدرك يا أخي ما فاتك منه، فقد فاتتك مواطن صالحة.
قال: فلما جاءني كتابه نشطت للخروج، وزادني رغبة في الإسلام وسرني مقالة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: خالد: وأرى في النوم كأني في بلاد ضيقه جديبة، فخرجت إلى بلد أخضر واسع فقلت: إن هذه لرؤيا. فلما قدمت المدينة قلت: لأذكرنها لأبي بكر، قال: فذكرتها: فقال: هو مخرجك الذي هداك الله للإسلام، والضيق الذي كنت فيه: الشرك، فلما أجمعت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلت: من أصاحب إلى محمد؟ فلقيت صفوان بن أمية فقلت: يا أبا وهب! أما ترى ما نحن فيه؟ إنما نحن أكلة رأس، وقد ظهر محمد على العرب والعجم، فلو قدمنا على محمد فاتبعناه، فإن شرف محمد لنا شرف! فأبى أشد الإباء فقال: لو لم يبق غيري من قريش ما اتبعته أبداً، فافترقنا وقلت: هذا رجل(8/8)
موتور يطلب وترا، قتل أبوه وأخوه ببدر؛ قال: فلقيت عكرمة بن أبي جهل فقلت له مثلما قلت لصفوان، فقال لي مثل ما قال صفوان، قلت: فاطو ما ذكرت لك، قال: لا أذكره؛ وخرجت إلى منزلي، فأمرت براحلتي تخرج إلي إلى أن ألقى عثمان بن طلحة، فقلت: إن هذا لي لصديق، ولو ذكرت له ما أريد؛ ثم ذكرت له ما أريد؛ ثم ذكرت من قتل من آبائه، فكرهت أذكره؛ ثم قلت: وما علي وأنا راحل من ساعتي، فذكرت له ما صار الأمر إليه وقلت: إنما نحن بمنزلة ثعلب في جحر، لو صب عليه ذنوب من ماء خرج. قال: وقلت له نحواً مما قلت لصاحبيه، فأسرع الإجابة وقال: لقد غدوت اليوم وأنا أريد أن أغدو، وهذه راحلتي بفخ مناخه، فا تعدت أنا وهو بيأجج، إن سبقني أقام، وإن سبقته أقمت عليه: قال: فأدلجنا سحرة، فلم يطلع الفجر حتى التقينا بيأجج، فغدونا حتى انتهينا إلى الهدة، فنجد عمرو بن العاص بها، فقال: مرحباً بالقوم، قلنا: وبك، قال: أين مسيركم؟ قلنا: ما أخرجك؟ قال: فما الذي أخرجكم؟ قلنا: الدخول في الإسلام وابتاع محمد، قال: وذاك الذي أقدمني. قال: فاصطحبنا جميعاً حتى قدمنا المدينة، فأنخنا بظاهر الحرة ركابنا، وأخبر بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسر بنا. فلبست من صالح ثيابي ثم عمدت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلقيني أخي فقال: أسرع فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أخبر بك فسر بقدومك، وهو ينتظركم؛ فأسرعت المشي، فما زال يتبسم إلي حتى وقفت عليه، فسلمت عليه بالنبوة، فرد علي السلام بوجه طلق، فقلت: إني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحمد لله الذي هداك، قد كنت أرى لك عقلاً، ورجوت أن لا يسلمك إلا إلى خير. قلت: يا رسول الله؛ قد رأيت ما كنت أشهد من تلك المواطن عليك معانداً عن الحق، فادع الله يغفرها لي؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإسلام يجب ما كان قبله. قلت: يا رسول الله؛ على ذلك، فقال: اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صد عن سبيلك. قال خالد: وتقدم عمرو وعثمان فبايعا رسول(8/9)
الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان قدومنا في صفر سنة ثمان. فوالله ما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أسلمت يعدل بي أحداً من أصحابه فيما حزبه.
وعن أبي العالية الرياحي أن خالد بن الوليد قال: يا رسول الله؛ إن كائداً من الجن يكيدني، قال: قل: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر ما يعرج في السماء، وما ينزل منها، ومن شر كل طارق، إلا طارقاً يطرق بخير؛ يا رحمن. قال: ففعلت، فأذهبه الله تبارك وتعالى عني.
قال ابن إسحاق وسار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى دخل مكة، وبعث إلى خالد بن الوليد: أن لا تقتلن أحداً، وأتاه الرسول فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمرك بقتل من لقيت، فقتل، وأرسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قريش: مه! أغلبتم؟ فقالوا: غلبنا والله، فقال: سأقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم قالوا: وصلتك رحم. وبعث إلى خالد: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: أتاني رسولك فأمرني بذلك، فقال للرسول: ما حملك على ذلك؟ فقال: يا رسول الله؛ أرأيت إن كنت أمرتني أن آمره أن لا يقتل أحداً، فذهب وهمي إلى أن أقول له: اقتل من لقيت، لشيء أراده الله. فكف عنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن سعيد بن عمرو الهذلي قال: قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة يوم الجمعة لعشر ليال بقين من رمضان، فبث السرايا في كل وجه، وأمرهم أن يغيروا على من لم يكن على الإسلام؛ فخرج هشام بن العاص على مئتين قبل يلملم، وخرج خالد بن سعيد بن العاص في ثلاث مئة قبل عرنة، وبعث خالد بن الوليد إلى العزى يهدمها؛ فخرج خالد في ثلاثين فارساً من أصحابه حتى انتهى إليها فهدمها، ثم رجع إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: هدمت؟ قال: نعم يا رسول الله، فقال(8/10)
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل رأيت شيئاً؟ فقال: لا، فقال: فإنك لم تهدمها، فارجع إليها فاهدمها. فرجع خالد وهو متغيظ، فلما انتهى إليها جرد سيفه، فخرجت إليه امرأة سوداء عريانة، ناشرة الرأس، فجعل السادن يصيح بها، قال خالد: وأخذني اقشعرار في ظهري، فجعل يصيح:
أعزي شدي شدة لا تكذبي ... أعزي فالقي للقناع وشمري
أعزي إن لم تقتلي اليوم خالداً ... فبوئي بذنب عاجل فتنصري
وأقبل خالد بالسيف إليها وهو يقول:
يا عز كفرانك لا سبحانك ... إني وجدت الله قد أهانك
قال: فضربها بالسيف فجزلها باثنتين، ثم رجع إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره، فقال: نعم تلك العزى قد أيست أن تعبد ببلادكم أبداً. ثم قال خالد: أي رسول الله، الحمد لله الذي أكرمنا بك، وأنقذنا من الهلكة؛ولقد كنت أرى أبي يأتي إلى العزى، نحيره مئة من الإبل والغنم، فيذبحها للعزى ويقيم عندها ثلاثًا ثم ينصرف إلينا مسروراً، فنظرت إلى ما مات عليه أبي، وذلك الرأي الذي كان يعاش في فضله، كيف خدع حتى صار يذبح لحجر لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع! فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن هذا الأمر إلى الله، فمن يسره للهدى تيسر، ومن يسر للضلالة كان فيها.(8/11)
وكان هدمها لخمس ليال بقين من رمضان سنة ثمان؛ وكان سادنها أفلح بن النضر من بني سليم، فلما حضرته الوفاة دخل عليه وهو حزين فقال له أبو لهب: مالي أراك حزيناً؟ قال: أخاف أن تضيع العزى من بعدي، قال أبو لهب: فلا تحزن، فأنا أقوم عليها بعدك؛ فجعل كل من لقي قال: إن تظهر العزى كنت قد اتخذت يداً عندها بقيامي عليها، وإن يظهر محمد على العزى ولا أراه يظهر فابن أخي. فأنزل الله عز وجل: " تبت يدا أبي لهب وتب ". ويقال: إنه قال هذا في اللات.
وعن ابن عمر قال: بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالد بن الوليد أحسبه قال: إلى بني جذيمة فدعاهم إلى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا، وجعل خالد بهم قتلا وأسراً، قال: ثم دفع إلى كل رجل منا أسيراً، حتى إذا أصبح يوماً أمرنا فقال: ليقتل كل رجل منكم أسيره. قال ابن عمر: فقلت: والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره؛ قال: فقدمنا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكر له ما صنع خالد، قال: فرفع يديه فقال: إني أبرأ إليك مما صنع خالد. مرتين أو ثلاثاً.
وروى إياس بن سلمة عن أبيه قال:
لما قدم خالد على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعني بعدما صنع ببني جذيمة ما صنع عاب عبد الرحمن بن عوف على خالد ما صنع، قال: يا خالد، أخذت بأمر الجاهلية، قتلتهم بعمك الفاكه! قاتلك الله، قال: وأعانه عمر بن الخطاب على خالد، فقال خالد: أخذتهم بقتل أبيك، فقال عبد الرحمن: كذبت والله، لقد قتلت قاتل أبي بيدي، وأشهدت على قتله عثمان بن عفان، ثم التفت إلى عثمان فقال: أنشدك الله، هل علمت أني قتلت قاتل أبي؟ فقال عثمان: اللهم نعم، ثم قال عبد الرحمن: ويحك يا خالد، ولو لم أقتل قاتل أبي كنت تقتل قوماً مسلمين بأبي في الجاهلية؟ قال خالد: ومن أخبرك أنهم أسلموا؟ فقال: أهل السرية كلهم يخبرونا أنك وجدتهم قد بنوا المساجد وأقروا بالإسلام ثم حملتهم على السيف، قال: جاءني رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أغير عليهم فأغرت بأمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال عبد الرحمن: كذبت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وغالظ عبد الرحمن، وأعرض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن(8/12)
خالد، وغضب عليه، وبلغه ما صنع بعبد الرحمن؛ فقال: يا خالد! ذروا لي أصحابي، متى ينكأ أنف المرء ينكأ المرء، ولو كان أحد ذهباً تنفقه قيراطاً قيراطاً في سبيل الله لم تدرك غدوةً أو روحةً من غدوات أو روحات عبد الرحمن.
قال عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث: أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالد بن الوليد أن يغير على بني كنانة إلا أن يسمع أذاناً، أو يعلم إسلاماً، فخرج حتى انتهى إلى بني جذييمة، فامتنعوا أشد الامتناع، وقاموا وتلبسوا السلاح، فانتظر بهم صلاة العصر والمغرب والعشاء، لا يسمع أذاناً، ثم حمل عليهم، فقتل من قتل، وأسر من أسر؛ فادعوا بعد الإسلام. قال عبد الملك: وما عتب عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك، ولقد كان المقدم حتى مات، ولقد خرج معه بعد ذلك إلى حنين على مقدمته وإلى تبوك، وبعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أكيدر دومة الجندل، فسبى من سبى، ثم صالحهم، ولقد بعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بلحارث بن كعب إلى نجران أميراً وداعياً إلى الله، ولقد خرج مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجة الوداع، فلما حلق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأسه أعطاه ناصيته، فكانت في مقدم قلنسوته، فكان لا يلقى أحداً إلا هزمه الله تعالى. ولقد قاتل يوم اليرموك فوقعت قلنسوته، فجعل يقول: القلنسوة القلنسوة، فقيل له بعد ذلك: يا أبا سليمان، عجباً لطلبك القلنسوة وأنت في حومة القتال!؟ فقال: إن فيها ناصية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم ألق بها أحداً إلا ولى. ولقد توفي خالد يوم توفي وهو مجاهد في سبيل الله عزوجل، وقبره بحمص، فأخبرني من غسله وحضره ونظر إلى ما تحت ثيابه، ما فيه مصح، ما بين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم؛ ولقد كان عمر بن الخطاب الذي بينه وبينه ليس بذلك، ثم يذكره بعد فيترحم عليه ويتندم على ما كان صنع في أمره ويقول: سيف من سيوف الله تعالى. فلقد نزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين هبط من لفت في حجته ومعه(8/13)
رجل فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من هذا؟ فقال الرجل: فلان، قال: بئس عبد الله فلان. ثم طلع آخر فقال: من الرجل؟ فقال: فلان، فقال: بئس عبد الله فلان. ثم طلع خالد بن الوليد، فقال: من هذا؟ قال: خالد بن الوليد، قال: نعم عبد الله خالد بن الوليد.
وعن أبي قتادة الأنصاري فارس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيشه فقال: عليكم زيد بن حارثة، فإن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة. فوثب جعفر فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ما كنت أرهب أن تستعمل علي زيداً قال: امضه، فإنك لا تدري في أي ذلك خير. فلبثوا ما شاء الله، ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قعد على المنبر، وأمر أن ينادى: الصلاة جامعة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثاب خبر وناب خبر، ألا أخبركم عن جيشكم هذا الغازي؟ انطلقوا فلقوا العدو، فأصيب زيد شهيداً استغفروا له. فاستغفر له الناس. ثم أخذ اللواء جعفر بن أبي طالب، فشد على القوم حتى قتل شهيداً، فاستغفروا له. فاستغفر له الناس. ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة، فثبت قدميه حتى قتل شهيداً، أشهد له بالشهادة، فاستغفروا له. فاستغفر له الناس. ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد، ولم يكن من الأمراء، هو أمر نفسه. ثم رفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضبعيه فقال: اللهم هذا سيف من سيوفك فانتقم به. فسمي خالد سيف الله، ثم قال: انفروا وأمدوا إخوانكم، ولا يتخلفن أحد. فنفر الناس في حر شديد مشاةً وركباناً.
حدث وحشي بن حرب: أن أبا بكر عقد لخالد بن الوليد على قتال أهل الردة فقال: أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: نعم عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد، سيف من سيوف الله سله الله على الكفار والمنافقين.
وعن عروة: أن أبا بكر بعث خالد بن الوليد إلى بني سليم حين ارتدوا عن الإسلام، فقتل وحرق(8/14)
بالنار، فكلم عمر أبا بكر فقال: بعثت رجلاً يعذب بعذاب الله! انزعه، فقال أبو بكر: لا أشيم سيفاً سله الله على الكفار غدوة حتى يكون الله الذي يشيمه.
وفي رواية أخرى: ثم مضى، ثم أمره فمضى من وجهه ذلك إلى مسيلمة.
قيل لعمر بن الخطاب لو عهدت يا أمير المؤمنين، قال: لو أدركت أبا عبيدة بن الجراح ثم وليته، ثم قدمت على ربي فقال لي: لم استخلفته على أمة محمد؟ قلت: سمعت عبدك وخليلك يقول: لكل أمة أمين، وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح. ولو أدركت خالد بن الوليد ثم وليته، ثم قدمت على ربي فقال لي: من استخلفت على أمة محمد؟ لقلت: سمعت عبدك وخليلك يقول: لخالد سيف من سيوف الله، سله الله على المشركين.
عن ابن أبي أوفى قال: شكا عبد الرحمن بن عوف خالد بن الوليد إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا خالد! لم تؤذين رجلاً من أهل بدر؟ لو أنفقت مثل أحد ذهباً لم تدرك عمله. فقال: يا رسول الله؛ يقعون في فأرد عليهم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تؤذوا خالداً، فإنه سيف من سيوف الله، صبه الله على الكفار.
قال أبو عثمان النهدي: لما قدم خالد بن الوليد من غزوة مؤتة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما غضب الله عليك ولا رسوله، ولكنك سيف من سيوف الله.
قال أبو هريرة: أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصدقة، فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد وعباس بن عبد المطلب، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما نقم ابن جميل، إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله ورسوله؛(8/15)
وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً، قد كان احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله؛ والعباس بن عبد المطلب عم رسول الله فهي له ومثلها معها.
قال قيس بن أبي حازم: سمعت خالد بن الوليد يقول: لقد اندق في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة لي يمانية.
قال خالد بن الوليد: ما ليلة يهدى إلي فيها عروس أنا لها محب، أو أبشر فيها بغلام أحب إلي من ليلة شديدة الجليد في سرية من المهاجرين أصبح بها العدو.
وقال خالد بن الوليد: ما أدري من أي يومي أفر: يوم أراد الله عز وجل أن يهدي لي فيه شهادة، أو من يوم أراد الله أن يهدي لي فيه كرامة.
أم خالد الناس بالحيرة، فقرأ من سور شتى، ثم التفت إلى الناس حين انصرف فقال: شغلني عن تعلم القرآن الجهاد.
نزل خالد بن الوليد الحيرة على بني أم المرازبة، فقالوا: احذر السم لا يسقيكه الأعاجم؛ فقال: ائتوني به، فأتي منه بشيء، فأخذه بيده ثم اقتحفه وقال: بسم الله، فلم يضره شيئاً.
أتي خالد بن الوليد برجل معه زق خمر فقال: اللهم اجعله عسلاً، فصار عسلاً.
أخبر خالد بن الوليد أن في عسكره من يشرب الخمر، فركب فرسه، فإذا رجل على(8/16)
منسج فرسه زق فيه خمر، فقال له خالد: ما هذا؟ قال: خل، قال: اللهم اجعله خلاً؛ فلما رجع إلى أصحابه قال: قد جئتكم بخمر لم يشرب العرب مثلها، ففتحوها فإذا خل. قال: هذه والله دعوة خالد بن الوليد.
قال قيس بن أبي حازم: طلق خالد بن الوليد امرأته، فقالوا: لم طلقتها؟ قال: لم تصبها منذ كانت عندي مصيبة ولا بلاء ولا مرض، فرابني ذلك منها.
قال معروف بن خربوذ: من انتهى إليه الشرف من قريش ووصله الإسلام عشرة نفر من عشر بطون: من هاشم، وأمية، ونوفل، وأسد وعبد الدار، وتيم، ومخزوم، وعدي، وسهم، وجمح. قال: فكانت القبة والأعنة إلى خالد بن الوليد، فأما الأعنة، فإنه كان يكون على خيول قريش في الجاهلية في الحروب، وأما القبة، فإنهم كانوا يضربونها ثم يجمعون إليها ما يجهزون به الجيش.
قال أبو قتادة: عهد أبو بكر إلى خالد وأمرائه الذين وجه إلى الردة: إذا أتيتم داراً أن يقيموا، فإن سمعوا أذاناً أو رأوا مصلياً أمسكوا حتى يسألوهم عن الذي نقموا ومنعوا له الصدقة؛ فإن لم يسمعوا أذاناً ولم يروا مصلياً شنوا الغارة، فقتلوا وحرقوا. وكنت مع خالد حين فرغ من قتال أهل الردة طليحة وغطفان وهوازن وسليم ثم سار إلى بلاد بني تميم، فقدمنا خالد أمامه، فانتهينا إلى أهل بيت منهم حين طفلت الشمس للغروب فثاروا إلينا فقالوا: من أنتم؟ قلنا: عباد الله المسلمون، قالوا: ونحن عباد الله المسلمون، وقد كان خالد بث سراياه، فلم يسمعوا أذاناً، وقاتلهم قوم بالعوصة من ناحية الهزال، فجاؤوا بمالك بن نويرة في أسارى من قومه، فأمر خالد بأخذ أسلحتهم، ثم أصبح فأمر بقتلهم.(8/17)
قدم أبو قتادة على أبي بكر، فأخبره بقتل مالك وأصحابه، فجزع من ذلك جزعاً شديداً، فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد، فقدم عليه، فقال أبو بكر: هل يزيد على أن يكون تأول فأخطأ، ورد أبو بكر خالداً وودى مالك بن نويرة، ورد السبي والمال، وقال متمم بن نويرة يرثي أخاه مالكاً من قصيدة:
فعشنا بخير في الحياة وقبلنا ... أصاب المنايا رهط كسرى وتبعا
وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل: لن يتصدعا
فلما تفرقا كأني ومالكاً ... لطول افتراق لم نبت ليلةً معا
ولما نزل خالد البطاح بث السرايا، فأتي بمالك، فاختلف فيهم الناس، وكان في السرية التي أصابتهم أبو قتادة، فكان أبو قتادة فيمن شهد ألا سبيل على مالك ولا على أصحابه، وشهد الأعراب أنهم لم يؤذنوا ولم يصلوا، وجاءت أم تميم كاشفةً وجهها حتى أكبت على مالك وكانت أجمل الناس فقال لها: إليك عني فقد والله قتلتني. فأمر بضرب أعناقهم، فقام إليه أبو قتادة، فناشده فيه وفيهم، ونهاه عنه وعنهم، فلم يلتفت إليه، وركب أبو قتادة فرسه، فلحق بأبي بكر، وحلف: لا يسير في جيش وهو تحت لواء خالد. فأخبره الخبر وقال: ترك قولي وأخذ بشهادة الأعراب الذين فتنتهم الغنائم؛ فقال عمر؛ إن في سيف خالد رهقاً وإن يكن هذا حقاً فعليك أن تقيده، فسكت عنه أبو بكر.
قال القاسم بن محمد: وألح عمر على أبي بكر في أمر خالد، وكتب إليه بالقدوم للذي ذكروا أنه أتى، لينظروا في ذلك، وأمره أن يخلف على الجيش رجلاً، فخلف عليهم خالد ابن فلان المخزومي؛ فقدم ولا يشك الناس في أنه معزول وأنه معاقب، وجعل عمر يقول: عدا عدو الله على امرىء مسلم فقتله، ونزا على امرأته.(8/18)
ومن حديث آخر: أن خالد بن الوليد مضى، فأوقع بأهل الردة من بني تميم وغيرهم بالبطاح، وقتل مالك بن نويرة، ثم أوقع بأهل بزاخة وحرقهم بالنار، وذلك أنه بلغه عنهم مقالة سيئة، شتموا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وثبتوا على ردتهم؛ ثم مضى إلى اليمامة فقاتل بها مسيلمة وبني حنيفة حتى قتل مسيلمة، وصالح خالد أهل اليمامة على الصفراء والبيضاء، والحلقة والكراع، ونصف السبي؛ وكتب إلى أبي بكر أني لم أصالحهم حتى قتل من كنت أقوى به، وحتى عجف الكراع، ونهك الخف، ونهك المسلمون بالقتل والجراح. وقدم خالد بن الوليد المدينة من اليمامة ومعه سبعة عشر رجلاً من وفد بني حنيفة، فيهم مجاعة بن مرارة وإخوته. فلما دخل خالد بن الوليد المدينة دخل المسجد وعليه قباء، عليه صدأ الحديد، متقلدا السيف، معتماً في عمامته أسهم، فمر بعمر فلم يكلمه ودخل على أبي بكر، فرأى منه كل ما يحب، وخرج مسروراً، فعرف عمر أن أبا بكر قد أرضاه، فأمسك عن كلامه. وإنما كان عمر وجد عليه فيما صنع بمالك بن نويرة؛ من قتله إياه، وتزوج امرأته، وما كان في نفسه قبل ذلك من أمر بني جذيمة.
قال عروة: لما فرغ خالد بن الوليد من اليمامة جاءه كتاب من أبي بكر الصديق رضي الله عنه يأمره بالمسير إلى الشام فيمد أهل الإسلام؛ فمضى خالد على وجهه، فسلك عين التمر، فمر بدومة الجندل، فأغار عليهم فقتل بها رجالاً وهزمهم الله، وسبى بنت الجودي ومضى حتى قدم الشام، وبها يومئذ أبو عبيدة بن الجراح على جند، ويزيد بن(8/19)
أبي سفيان على جند، عمرو بن العاص على جند، فقدم عليهم خالد بأجنادين، فهزم الله عدوه.
وعن ابن عباس قال: قال عمر: أما والله، لئن صير الله هذا الأمر إلي لأعزلن المثنى بن حارثة عن العراق، وخالد بن الوليد عن الشام، حتى يعلما أنما نصر الله دينه، ليس إياهما نصر.
قال جويرية بن أسماء: لما استفتح خالد بن الوليد دمشق نظر إلى راكب قال: وكان خالد من أمد الرجال بصراً قال: فنظر إلى راكب على الثنية، قال: بالعشي عشية استفتح دمشق قال: فقال: كأني بهذا الراكب قد قدم، فجاء بموت أبي بكر وخلافة عمر وعزلي. قال: فجاء الراكب فانساب في الناس. قال: وكان ذكر شيئاً لا أحفظه، قال: فأتاه أبو عبيدة بكتاب، فقال له خالد: متى أتاك هذا الكتاب؟ قال: عشية استفتحت دمشق، قال: فما منعك أن تأتينا به؟ قال: كان فتح فتحه الله على يديك، فكرهت أن أنغصكه.
وعن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطاب لأبي بكر الصديق: اكتب إلى خالد بن الوليد أن لا يعطي شاة ولا بعيراً إلا بأمرك؛ قال: فكتب أبو بكر بذلك. قال: فكتب إليه خالد بن الوليد: إما أن تدعني وعملي، وإلا فشأنك بعملك؛ فأشار عمر بعزله، فقال أبو بكر: من يجزي عني جزاة خالد؟ قال عمر: أنا، قال: فأنت، فتجهز عمر حتى أنيخت الظهر في الدار، وحضر الخروج، فمشى أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أبي بكر فقالوا: ما شأنك، تخرج عمر من المدينة وأنت إليه محتاج، وعزلت خالداً وقد كفاك؟! قال: فما أصنع؟ قالوا: تعزم على عمر فيجلس، وتكتب إلى خالد فيقيم على عمله؛ ففعل. فلما ولي عمر كتب إلى خالد ألا تعطي شاةً ولا بعيراً إلا بأمري، قال: فكتب إليه خالد بمثل ما كتب إلى أبي بكر، فقال(8/20)
عمر: ما صدقت الله إن كنت أشرت على أبي بكر بأمر فلم أنفذه، فعزله. وكان يدعوه إلى أن يستعمله فيأبى، إلا أن يخليه يعمل ما شاء، فيأبى عمر.
وعن ناشرة بن سمي اليزني قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول يوم الجابية. فذكر الحديث وقال فيه: إني أعتذر إليكم من خالد بن الوليد، أني أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين، فأعطاه ذا البأس والشرف، وذا اللسان، فنزعته وأمرت أبا عبيدة بن الجراح؛ فقال أبو عمرو بن حفص بن المغيرة: ما أعذرت يا عمر بن الخطاب، لقد نزعت عاملاً استعمله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأغمدت سيفاً سله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووضعت لواءً نصبه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولقد قطعت الرحم، وحسدت ابن العم، فقال عمر بن الخطاب: إنك قريب القرابة، حديث السن، مغضب في ابن عمك.
وبلغ عمر أن خالداً دخل الحمام، فتدلك بعد النورة بنحيز عصفر معجون بخمر، فكتب إليه: بلغني أنك تدلكت بخمر، وإن الله تعالى قد حرم ظاهر الخمر وباطنها، وحرم ظاهر الإثم وباطنه، وقد حرم مس الخمر إلا أن تغسل، كما حرم شربها، فلا تمسوها أجسادكم، فإنها نجس، وإن فعلتم فلا تعودوا. فكتب إليه خالد: إنا قتلناها فعادت غسولاً غير خمر. فكتب إليه عمر: إني لأظن آل المغيرة فقد ابتلوا بالجفاء، فلا أماتكم الله عليه. فانتهى لذلك، وقال خالد:
سهل أبا حفص فإن لديننا ... شرائع لا يشقى بهن المسهل
أنجست في الخمر الغسول ولا يرى ... من الخمر تثقيف المحيل المحلل
وهل يشبهن طعم الغسول وذوقه ... حميا الخمور والخمور تسلسل؟!
ولما قفل خالد وبلغ الناس ما أصابت تلك الصائفة، انتجعه رجال، فانتجع خالداً رجال من أهل الآفاق؛ وكان الأشعث انتجع خالداً بقنسرين، فأجازه بعشرة آلاف، وكان عمر لا يخفى عليه شيء في عمله، يكتب إليه من العراق بخروج من خرج منها(8/21)
ومن الشام بجائزة من أجيز فيها؛ فدعا البريد، وكتب معه إلى أبي عبيدة أن يقيم خالداً ويعقله بعمامته، وينتزع عنه قلنسوته، حتى يعلمكم من أين أجاز الأشعث: أمن مال الله عز وجل، أم من ماله، أو من إصابة أصابها؟ فإن زعم أنه أصابها فقد أقر بخيانة، وإن زعم أنها من ماله فقد أسرف، واعزله على كل حال، واضمم إليك عمله. فكتب أبو عبيدة إلى خالد، فقدم عليه، ثم جمع الناس وجلس لهم على المنبر، فقام البريد فقال: يا خالد، أمن مالك أجزت بعشرة آلاف أم من إصابة؟ فلم يجبه، حتى أكثر عليه وأبو عبيدة ساكت لا يقول شيئاً، فقام بلال إليه فقال: إن أمير المؤمنين أمر فيك بكذا وكذا، ثم تناول عمامته فنقضها، لا يمنعه سمعاً وطاعة، ثم وضع قلنسوته ثم أقامه فعقله بعمامته وقال: ما تقول، أمن مالك أو من إصابة؟ قال: لا، بل من مالي؛ فأطلقه أعاد قلنسوته، ثم عممه بيده وقال: نسمع ونطيع لولاتنا، ونفخم ونخدم موالينا، وأقام خالد منخزلاً لا يدري أمعزول هو أو غير معزول؟! وجعل أبو عبيدة يكرمه ويزيده تفخيماً، ولا يخبره، حتى إذا طال على عمر أن يقدم ظن الذي قد كان، فكتب إليه بالإقبال، فأتى خالد أبا عبيدة فقال: رحمك اله، ما أردت إلى الذي صنعت، تكتمني أمراً كنت أحب أن أعلمه قبل اليوم! قال أبو عبيدة: فإني والله ما كنت لأروعك، ما وجدت من ذلك بداً، وقد علمت أن ذلك يروعك. قال: فرجع خالد إلى قنسرين، فخطب أهل عمله وودعهم، وتحمل ثم أقبل إلى حمص، فخطبهم وودعهم، ثم خرج نحو المدينة حتى قدم على عمر، فشكاه وقال: لقد شكوتك إلى المسلمين، وتالله إنك غير مجمل يا عمر، فقال عمر: من أين هذا الثراء؟ قال: من الأنفال والسهمان، ما زاد على الستين ألفاً فلك، فقوم عروضه، فخرجت عليه عشرون ألفاً فأدخلها بيت المال ثم قال: يا خالد، والله إنك علي لكريم، وإنك إلي لحبيب، ولن تعاتبني بعد اليوم على شيء. قال الشعبي: اصطرع عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وهما غلامان وكان خالد ابن خال عمر فكر خالد ساق عمر فعولجت وجبرت وكان ذلك سبب العداوة بينهما.(8/22)
وقال صالح بن كيسان: إن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي عبيدة في كلام بلغه عن خالد بن الوليد: أن سل خالداً، فإن أكذب نفسه فهو أمير ما يليه، وإن ثبت على قوله فانزع عمامته، وقاسمه ماله نصفين، وقم على الجند قبلك. فكتم أبو عبيدة الكتاب، ولم يقرئه خالداً، حباً وتكرماً، حتى فتح الله عليهم دمشق في رجب سنة أربع عشرة، ثم إن بلالاً مؤذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأبي عبيدة: ماذا كتب به إليك عمر في خالد بن الوليد؟ قال: أمرني أن أنصه في كلام بلغه عنه، فإن أكذب نفسه فهو أمير على ما يليه، وإن ثبت على قوله نزعت عمامته، وقاسمته ماله نصفين. فقال بلال: فامض لما أمرك به أمير المؤمنين؛ فقال خالد: أمهلوني حتى أستشير؛ وكانت له أخت لا يكاد يعصيها، فاستشارها فقالت له: والله لا يحبك عمر بن الخطاب أبداً، وما يريد إلا أن تكذب نفسك، ثم يعزلك، فقبل رأسها وقال: صدقت: فثبت على قوله، فنزع أبو عبيدة عمامته، فلم يبق إلا نعلاه، فقال بلال: لا تصلح هذه إلا بهذه، قال خالد: فوالله لا أعطيها أمير المؤمنين، لي واحدة ولكم واحدة.
وكتب عمر في الأمصار: إني لم أعزل خالداً عن سخطة ولا جناية، ولكن الناس فتنوا به، فخشيت أن يوكلوا إليه ويبتلوا، فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع، وأن لا يكونوا بعرض فتنة.
ولما قدم خالد على عمر تمثل بقول الشاعر:
صنعت فلم يصنع كصنعك صانع ... وما يصنع الأقوام فالله أصنع
فأغرمه شيئاً ثم عوضه منه. وكتب فيه إلى الناس بهذا الكتاب ليعذره عندهم وليبصرهم.
قال نافع: لما قدم خالد بن الوليد من الشام، قدم وفي عمامته أسهم ملطخة بالدم قد جعلها في عمامته، فاستقبله عمر لما دخل المسجد فنزعها من عمامته وقال: أتدخل مسجد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعك أسهم فيها دم؟؟ وقد جاهدت وقاتلت وقد جاهد المسلمون قبلك وقاتلوا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟(8/23)
وقيل: إن خالد بن الوليد دخل على عمر وعلى خالد قميص حرير فقال له عمر: ما هذا يا خالد؟ قال: وما بأسه يا أمير المؤمنين؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ أليس قد لبسه ابن عوف قال: وأنت مثل ابن عوف، ولك مثل ما لابن عوف عزمت على من في البيت إلا أخذ كل واحد منهم طائفة مما يليه.
قال: فمزقوه حتى لم يبق منه شيء.
ولما حضرت خالد بن الوليد الوفاة قال: لقد طلبت القتل في مظانه، فلم يقدرلي إلا أن أموت على فراشي، ومامن عملي شيء أرجى عندي بعد لا إله إلا الله من ليلة بتها وأنا متترس، والسماء تهلني، ننتظر الصبح حتى نغير على الكفار، ثم قال: إذا أنا مت فانظروا في سلاحي وفرسي فاجعلوه عدة في سبيل الله عز وجل. فلما توفي خرج عمر على جنازته فذكر قوله: ما على نساء آل الوليد أن يسفحن على خالد من دموعهن ما لم يكن نقعاً أو لقلقة.
النقع: مد الصوت بالنحيب. واللقلقلة: حركة اللسان، نحو الولولة.
وفي حديث آخر: فلما أخرج بجنازته رأى عمر امرأة محتزمة تبكيه وتقول:
أنت خير من ألف ألف من النا ... س إذا ما كبت وجوه الرجال
أشجاع فأنت أشجع من لي ... ث عرين جهم أبي أشبال
أجواد فأنت أجود من سي ... ل رئاس يسيل بين الجبال(8/24)
فقال عمر: من هذه؟ فقيل: أمه، فقال: أمه والإله ثلاثاً هل قامت النساء عن مثل خالد؟؟ قال محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان: لم يزل خالد بن الوليد مع أبي عبيدة حتى توفي أبو عبيدة، واستخلف عياض بن غنم الفهري، فلم يزل خالد معه حتى مات عياض بن غنم، فاعتزل خالد إلى ثغر حمص، فكان فيه، وحبس خيلاً وسلاحاً فلم يزل مرابطاً بحمص حتى نزل به، فدخل عليه أبو الدرداء عائداً له، فقال خالد بن الوليد: إن خيلي هذه التي حبست في الثغر وسلاحي، هو على ما جعلته عليه، عدة في سبيل الله، وقوة يغزى عليها، ويعلف من مالي، وداري بالمدينة صدقة حبس لا تباع ولا تورث، وقد كنت أشهدت عليها عمر بن الخطاب ليالي قدم الجابية وهو كان أمرني بها، ونعم العون هو على الإسلام، والله يا أبا الدرداء، لئن مات عمر لترين أموراً تنكرها، قال أبو الدرداء: وأنا والله أرى ذلك؛ قال خالد: قد كنت وجدت عليه في نفسي في أمور لما تدبرتها في مرضي هذا عرفت أن عمر كان يريد الله بكل ما فعل: كنت وجدت عليه في نفسي حيث بعث إلي من يقاسمني مالي حتى أخذ فرد نعل وأخذت فرد نعل، فرأيته فعل ذلك بغيري من أهل السابقة ومن شهد بدراً، وكان يغلظ علي، وكانت غلظته على غيري نحواً من غلظته علي، وكنت أدل عليه بقرابة، فرأيته لا يبالي قريباً، ولا لوم لائم في غير الله؛ فذاك الذي أذهب ما كنت أجد عليه، وكان يكبر غلي عنده، وما كان ذلك مني إلا على النظير، كنت في حرب ومكايدة، وكنت شاهداً وكان غائباً، فكنت أعطي على ذلك، فخالفه ذلك من أمري، وقد جعلت وصيتي وتركتي وإنفاذ عهدي إلى عمر بن الخطاب. قال: فقدم بالوصية على عمر، فقبلها وترحم عليه، وأنفذ ما فيها. وتزوج عمر بعد امرأته.
قال موسى بن طلحة: خرجت مع أبي طلحة بن عبيد الله إلى مكة مع عمر بن الخطاب، فلما كنا بعرق الظبية أقبل راكب من المدينة حتى أهوى إلى ناحية عمر، فما قلنا أناخ حتى إذا بعمر أقبل(8/25)
يصيح: يا أبا محمد، يا طلحة؟! فقال أبي: مالك يا أمير المؤمنين؟ قال: هلك أبو سليمان، هلك خالد بن الوليد، رحمه الله؛ فقال له أبي طلحة:
لا أعرفنك بعد الموت تندبني ... وفي حياتي ما زودتني زادي
قال أبو الزناد: إن خالد بن الوليد لما حضرته الوفاة بكى وقال: لقيت كذا وكذا زحفاَ، وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح، وهاأنا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء.
قال ثعلبة بن أبي مالك: رأيت ابن الخطاب بقباء ومعه نفر من المهاجرين والأنصار، فإذا أناس من أهل الشام يصلون في مسجد قباء فقال: من القوم؟ قالوا: من اليمن، قال: أي مدائن الشام نزلتم؟ قالوا: حمص، قال: هل كان من مغربة خبر؟ قالوا: موت خالد بن الوليد يوم رحلنا من حمص؛ قال: فاسترجع عمر مراراً ونكس، وأكثر الترحم عليه وقال: كان والله سداداً لنحور العدو، ميمون النقيبة، فقال له علي بن أبي طالب: فلم عزلته؟ قال: عزلته لبذله الأموال لأهل الشرف وذوي اللسان، قال علي: فكنت تعزله عن التبذير في المال وتتركه على جنده، قال: لم يكن يرضى، قال: فهلا بلوته.
قال شيخ من بني غفار: سمعت عمر بن الخطاب بعد أن مات خالد بن الوليد يقول: قد ثلم في الإسلام ثلمة لا ترتق، فقلت: يا أمير المؤمنين، لم يكن رأيك فيه في حياته على هذا! قال: ندمت على ما كان مني إليه.(8/26)
قال نافع: لما مات خالد بن الوليد لم يوجد له إلا فرسيه وغلامه وسلاحه، فقال عمر: رحم الله أبا سليمان إن كنا لنظنه على غير هذا.
قال يزيد بن الأصم: لما توفي خالد بكت عليه أمه، فقال لها عمر: يا أم خالد؛ أخالداً وأجره ترزئين جميعاً! عزمت عليك ألا تبيتي حتى تسود يداك من الخضاب.
قال عبد الله بن عكرمة عجباً لقول الناس: إن عمر بن الخطاب نهى عن النوح! لقد بكى على خالد بن الوليد بالمدينة ومعه نساء بني المغيرة سبعاً يشققن الجيوب، ويضربن الوجوه؛ وأطعموا الطعام تلك الأيام حتى مضت، ما ينهاهن عمر.
وقيل لعمر: أرسل إليهن فانههن لا يبلغك عنهن شيء تكره، فقال عمر: ما عليهن أن يهرقن دموعهن على أبي سليمان، ما لم يكن نقعاً أو لقلقة.
قال أبان بن عثمان: لم تبق امرأة من بني المغيرة إلا وضعت لمتها على قبر خالد يقول: حلقت رأسها.
قال عمر لما مات خالد بن الوليد: رحم الله أبا سليمان، لقد كنا نظن به أموراً ما كانت.
توفي خالد بحمص سنة إحدى وعشرين. وقيل: مات بالمدينة.(8/27)
خالد بن هشام الجعفري
من فصحاء أهل الجاهلية. وفد على الحارث بن أبي شمر الغساني، صاحب الجولان.
حدث العباس بن جابر السلمي قال: استوقف خالد بن هشام الجعفري الحارث بن أبي شمر الغساني، فأخذ بطرف ردائه وقال: الأمل ذمام لا يعترضه لديك تكذيب، ولي همة لا تصاحبني على شكر غيرك، ولا حمل صنيعة لسواك، وما أريق وجه سائلك، ولا اسودت مطالب آملك، وأنت نعمة دهر يطلب بها ماء الحياة. ثم أنشده:
أراك مزيل النازلات إذا غدت ... علينا بحمل المثقل المتفادح
قال: حاجتك؟ قال: ديات حملها رجائي وأملي، وقصر عنها وجدي ومالي. فأمر له بمئة ناقة وألف شاة؛ ثم قال لأخيه: لا نزال في نعم ما طرقتنا مضر بحاجاتها.
خالد بن هشام بن إسماعيل بن هشام
ابن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي وفد على الوليد بن عبد الملك.
حدث محمد بن محمد بن هشام قال: سابق الوليد بن عبد الملك بين الخيل، فجاء فرس لخالد بن هشام بن إسماعيل سابقاً، فقال الوليد: لمن هذا الفرس؟ فقال خالد: هذا فرس أمير المؤمنين الذي أهديت له البارحة، فقال: وصل الله رحمك، قد قبلنا هديتك وسوغناك سبقك، وعوضناك منه ألف دينار. وكان الوليد يجزع إذا سبق.
قال مخلد بن صالح: أتى مروان بخال لهشام بن عبد الملك يقال له خالد بن هشام المخزومي - وكان بادناً كثير اللحم فأدني إليه وهو يلهث فقال: أي فاسق، أما كان لك في خمر المدينة وقيانها(8/28)
ما يكفيك عن الخروج تقاتلني؟ قال: يا أمير المؤمنين، أكرهني يعني سليمان بن هشام فأنشدك الله والرحم - قال: وتكذب أيضاً! كيف أكرهك وقد خرجت بالقيان والزقاق والبرابط معك في عسكره. فقتله. وكان هذا في سنة سبع أو ثمان وعشرين ومئة
خالد بن يزيد بن بشر بن يزيد
ابن بشر الكلبي كان أبوه على شرط عمر بن عبد العزيز.
حدث خالد بن يزيد عن أبيه قال: أصاب المسلمون في غزوهم الصائفة غلاماً من أبناء الروم صغيراً، فبعث أهله في فدائه؛ فشاور فيه عمر، فاختلفوا عليه، فقال: ما عليكم أن نفديه صغيراً، ولعل الله أن يمكن منه كبيراً. ففدوه بمال عظيم، ثم أخذ أسيراً في خلافة هشام فقتل.
خالد بن يزيد بن خالد
ابن عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز أبو الهيثم القسري وجده خالد أمير العراق، من أهل دمشق.
حدث خالد بن يزيد عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن جرير: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدعو: " اللهم إني أعوذ بك من دعاء لا يسمع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشبع ".
وحدث خالد عن مجالد بن سعيد عن الشعبي عن مسروق قال: سأل رجل عبد الله بن مسعود: هل حدثكم نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعدة الخلفاء من بعده؟ قال:(8/29)
نعم، وما سألني عنها أحد قبلك، قال: إن عدة الخلفاء بعدي عدة نقباء موسى عليه السلام.
وحدث خالد عن محمد بن سوقة عن سعيد بن جبير عن عائشة رضي الله عنها قالت: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أكل الضب.
وحدث خالد عن محمد بن عمر عن أبي المليح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من ترك الجمعة ثلاثاً من غير علة طبع الله على قلبه ".
قسر: بفتح القاف وسكون السين، هو قسر بن عبقر، قبيلة من بجيلة.
وفرق ابن أبي حاتم بين خالد بن يزيد البجلي وخالد بن يزيد القسري. قالوا: وهذا وهم فإنهما واحد بلا شك. قالوا: وخالد بن يزيد القسري لا يتابع على حديثه.
خالد بن يزيد بن صالح بن صبيح
ابن الخشخاش بن معاوية بن سفيان أبو هاشم المري الدمشقي والد عراك بن خالد حدث خالد بن يزيد بن صبيح عن يونس بن ميسرة بسنده عن أبي الدرداء عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " فرغ الله إلى كل عبد من خمس: من أجله وعمله ورزقه وأثره ومضجعه؛ لا يتعداهن ".(8/30)
وفي رواية: من أجله ورزقه وأثره ومضجعه، وشقي أو سعيد.
وحدث عنه أيضاً بسنده عن عبادة بن الصامت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما من عبد يسجد لله سجدة إلا كتب الله له بها حسنة، وحط عنه بها خطيئة ".
وصبيح: بضم الصاد غير معجمة وفتح الباء.
وقال أبو زرعة كلاماً يقتضي أن خالد بن يزيد توفي سنة ست وستين ومئة.
خالد بن يزيد بن صفوان بن يزيد
أبو الهيثم القرشي حدث عن ضمرة بن ربيعة عن رجاء بن جميل عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: " لا تجوز شهادة المنبوذ، لعل أمه مملوكة.
خالد بن يزيد بن عبد الرحمن
ابن أبي مالك واسمه هانئ أبو هاشم الهمداني أخو عبد الرحمن بن يزيد حدث خالد عن أبيه عن سالم بن عبد الله بن عمر ونافع مولى عبد الله بن عمر أن عبد الله بن عمر حدثهم أنه انبعث في سرية بعثها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فنفلنا، فأصبت بعيراً.(8/31)
وبه، قال: كان سالم بن عبد الله ونافع يقولان: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفل بعد ذلك الثلث والربع.
وحدث خالد بن يزيد عن أبيه عن خالد بن معدان عن أبي أمامة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما من عبد يدخل الجنة إلا يجلس عند رأسه وعند رجليه ثنتان من الحور العين تغنيانه بأحسن صوت سمعت الجن والإنس، وليس بمزامير الشيطان، ولكن بتحميد الله وتقديسه ".
وبه، قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل يجامع أهل الجنة؟ قال: نعم، دحاماً دحاماً؛ ولكن لامني ولامنية.
ولد خالد بن أبي مالك سنة خمس ومئة. وثقه قوم وضعفه آخرون.
قال يحيى بن معين: بالعراق كتاب ينبغي أن يدفن، وبالشام كتاب ينبغي أن يدفن؛ فأما الذي بالعراق فكتاب التفسير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس. وأما الذي بالشام فكتاب الديات لخالد بن يزيد بن أبي مالك، لم يرض أن يكذب على أبيه حتى كذب على أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال أحمد بن أبي الحواري: وكنت قد سمعت من خالد بن يزيد كتاب الديات، فأعطيته لابن عبدوس العطار، فقطعه وأعطى الناس فيه حوائج. توفي خالد سنة خمس وثمانين ومئة.(8/32)
خالد بن يزيد بن معاوية
ابن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية أبو هاشم الأموي
حدث خالد بن يزيد عن دحية بن خليفى الكلبي حين بعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى هرقل، فلما رجع أعطاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبطية، قال: اجعل صديعها قميصاً، وأعط صاحبتك صديعاً تختمر به. فلما ولى دعاه، قال: مرها تجعل تحته شيئاً لئلا يصف. وفي حديث آخر: لئلا يصفها.
وعن علي بن خالد أن أبا أمامة الباهلي مر على خالد بن يزيد بن معاوية فسأله عن ألين كلمة سمعها من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ألا كلكم يدخل الجنة إلا من شرد على الله عز وجل شراد البعير على أهله ".
قال الزبير بن بكار: فولد يزيد بن معاوية: معاوية وخالداً وأبا سفيان، وأمهم أم هاشم بنت هاشم بن عتبة بن ربيعة؛ وكان خالد بن يزيد يوصف بالعلم، ويقول الشعر، ويقال: إنه هو الذي وضع ذكر السفياني وكثره، وأراد أن يكون للناس فيهم مطمع حين غلبه مروان بن الحكم على الملك وتزوج أمه أم هاشم، وكانت أمه تكنى به، ولها يقول أبوه يزيد:
ما نحن يوم استعبرت أم خالد ... بمرضى ذوي داء ولابصحاح
وقدم خالد مصر مع مروان بن الحكم.
قال خالد بن يزيد: كنت معنياً بالكتب، وما أنا من العلماء ولا من الجهال.(8/33)
قال سعيد بن عبد العزيز: كان خالد بن أمية إذا لم يجد أحداً يحدثه حدث جواريه، ثم يقول: إني لأعلم أنكن لستن بأهل. يريد بذاك الحفظ.
وعن ابن شهاب أن خالد بن يزيد كان يصوم الأعياد كلها: السبت والأحد والجمعة.
قال خالد بن يزيد القرشي: كانت لي حاجة بالجزيرة، فاتخذتها طريقاً مستخفياً، قال: فبينا أنا أسير بين أظهرهم فإذا أنا بشمامة ورهبان وكان رجلاً لبيباً لسناً ذا رأي فقلت لهم: ما جمعكم هاهنا؟ قالوا: إن شيخاً سياحاً نلقاه في كل يوم مرة في مكانك هذا، فنعرض عليه ديننا وننتهي فيه إلى رأيه؛ قال: وكنت رجلاً معنياً بالحديث، فقلت: لو دنوت من هذا فلعلي أسمع منه شيئاً أنتفع به، منه، فلما نظر إلي قال لي: ما أنت من هؤلاء، قلت: أجل، قال: من أمة محمد أنت؟ قلت: نعم، قال: من علمائهم أو من جهالهم؟ قال: قلت لست من علمائهم ولا من جهالهم؛ قال: ألستم تزعمون في كتابكم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يبولون ولا يتغوطون؟ قال: قلت: نعم، نقول ذلك وهو كذلك، قال: فإن لهذا مثلاُ في الدنيا، فما هو؟ قال: مثل هذا الصبي في بطن أمه يأتيه رزق الرحمن بكرةً وعشياً لا يبول ولا يتغوط، قال: فتربد وجهه وقال لي: ألم تزعم أنك لست من علمائهم؟! قال: قلت بلى، ما أنا من علمائهم ولا من جهالهم، قال: ألستم تزعمون أن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا ينقص مما في الجنة شيء؟ قال: نقول ذلك وهو كذلك، قال: فإن لهذا مثلاً في الدنيا؛ فما هو؟ قال: فقلت: مثل هذا مثل رجل آتاه الله علماً وحكمة، وعلمه كتابه، فلو اجتمع جميع من خلق الله فتعلموا منه ما نقص من علمه شيء، قال: فتربد وجهه فقال: ألم تزعم أنك لست من علمائهم! قال: قلت: أجل، ما أنا من علمائهم ولا من جهالهم، فقال لي: ألستم تقولون في صلاتكم: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؟ قال: قلت: بلى، قال: فلهي عني، ثم أقبل على(8/34)
أصحابه وقال: ما بسط لأحد من الأمم ما بسط لهؤلاء من الخير، إن أحد هؤلاء إذا قال في صلاته: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين لم يبق عبد صالح في السماوات والأرض إلا كتب له بها عشر حسنات، ثم قال لي: ألستم تستغفرون للمؤمنين والمؤمنات؟ قلت: بلى، فقال لأصحابه: إن أحد هؤلاء إذا استغفر للمؤمنين والمؤمنات لم يبق عبد لله مؤمن في السماوات من الملائكة، ولا في الأرض من المؤمنين، ولا من كان في عهد آدم، أو من هو كائن إلى يوم القيامة إلا كتب الله له بها عشر حسنات. قال: ثم أقبل علي فقال: إن لهذا مثلاً في الدنيا، فما هو؟ قلت: كمثل رجل مر بملأ، كثيراً كانوا أو قليلاً، فسلم عليهم، فردوا عليه أو دعا لهم فدعوا له، قال: فتربد وجهه، قال: ألم تزعم أنك لست من علمائهم! قال: قلت: أجل، ما أنا من علمائهم ولا من جهالهم، فقال لي: ما رأيت من أمة محمد من هو أعلم منك، فسلني عما بدا لك، قال: فقلت: كيف أسأل من يزعم أن لله ولداً؟ قال: فشق مدرعته حتى أبدى عن بطنه، ثم رفع يديه فقال: لا غفر الله لمن قالها، منها فررنا واتخذنا الصوامع، فقال لي: إني سائلك عن شيء فهل أنت مخبري؟ قال: قلت: نعم، قال: أخبرني، هل بلغ ابن القرن فيكن أن يقوم إليه الناشئ أو الطفل فيشتمه أو يتعرض لضربه فلا يغير ذلك عليه؟ قال: قلت: نعم، قال: ذلك حين رق دينكم واستحسنتم دنياكم، وأثرها من أثرها منكم. فقال رجل من القوم: وابن كم القرن؟ قال: أما أنا قلت ابن ستين سنة، وأما هو فقال ابن سبعين سنة؛ فقال رجل من جلسائه: يا أبا هاشم، ما كان سرنا أن يكون أحد لقيه من هذه الأمة غيرك.
وفي حديث آخر بمعناه، في آخره قال: هيهات! هلكت هذه الأمة ولن تقوم الساعة على دين أرق من هذا الدين. قال: وأرجو أن يكون كذب إن شاء الله.
قال بعض العلماء: ثلاثة أبيات من قريش توالت خمسةً خمسةً في الشرف، كل رجل منهم من أشرف أهل زمانه: خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب؛ وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة، وعمرو بن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف.(8/35)
أتى رجل خالد بن يزيد فقال: إني قد قلت فيك بيتين، ولست أنشدهما إلا بحكمي، قال: قل، فقال:
سألت الندى والجود حران أنتما ... فقالا جميعاً: إننا لعبيد
فقلت: ومن مولاكما؟ فتطاولا ... علي وقالا: خالد بن يزيد
فقال له: سل، قال: مئة ألف درهم، فأمر له بها.
قال المدائني: كان بين خالد بن يزيد بن معاوية وبين عبد الملك بن مروان كلام، فجعل عبد الملك يتهدده، فقال له خالد: أتهددني ويد الله فوقك مانعة، وتمنعني وعطاء الله دونك مبذول!؟.
قال الأصمعي: قيل لخالد بن يزيد بن معاوية: ما أقرب شيء؟ قال: الأجل، قيل: فما أبعد شيء؟ قال: الأمل، قيل: فما أرجى شيء؟ قال: العمل، قيل: فما أوحش شيء؟ قال: الموت، قيل: فما آنس شيء؟ قال: الصاحب المؤاتي.
كان خالد بن يزيد يقول: إذا كان الرجل ممارياً، لجوجاً، معجباً برأيه، فقد تمت خسارته.
حدث سعيد بن عبد الله أن الحجاج بن يوسف سأل خالد بن يزيد عن الدنيا؟ قال: ميراث، قال: فالأيام؟ قال: دول، قال: فالدهر؟ قال: أطباق، والموت بكل سبيله، فليحذر العزيز الذل، والغني الفقر، فكم من عزيز قد ذل، وكم من غني قد افتقر.(8/36)
قال العتبي: لزم خالد بن يزيد بيته، فقيل له: كيف تركت مجالسة الناس وقد عرفت فضلها ولزمت بيتك؟! فقال: وهل بقي إلا حاسد على نعمة، أو شامت بنكبة! روي أن خالد بن يزيد كان عند عبد الملك بن مروان، فذكروا الماء، فقال خالد بن يزيد: منه من السماء، ومنه ماء يستقيه الغيم من البحر، فيعذبه الرعد والبرق؛ فأما ما يكون من البحر فلا يكون له نبات، وأما النبات فما كان من ماء السماء، وقال: إن شئت أعذبت ماء البحر. قال: فأمر بقلال من ماء، ثم وصف كيف يصنع به حتى يعذب.
توفي خالد بن يزيد سنة تسعين، وشهده الوليد بن عبد الملك وهو يومئذ خليفة، فصلى عليه وقال: لتلق بنو أمية الأردية على خالد، فلن يتحسروا على مثله.
خالد بن يزيد بن أبي خالد
أبو هاشم ويقال: أبو محمود السلمي والد محمود حدث عن محمد بن راشد بسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ومن قتل متعمداً رفع إلى أولياء القتيل، فإن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا أخذوا الدية، وهي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وثلاثون خلفة، وكذلك عقل العمد، وما صالحوا عليه فهو لهم، وذلك تشديد العقل. قال: الصواب أربعون خلفةً.(8/37)
وبه عن الحسن أن علياً كان يخطب بالكوفة، فقام إليه ابن الكواء فقال: يا أمير المؤمنين! إنها قد فشت أحاديث، قال علي: وقد فعلوها؟ إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ستكون فتن. فقيل: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله عز وجل مرتين فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم، وفصل ما بينكم، وهو العروة الوثقى، وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: إنا سمعنا قرآناً عجبا، من قال به صدق، ومن قال به حق، ومن حكم به هدي إلى صراط مستقيم. قال: ثم أمسك علي رضي الله عنه وجلس ".
خثيم بن ثابت أبو عامر الحكمي
حدث عن أبي خالد السنجاري عن عمر بن عبد العزيز عن تميم الداري عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لقي الله بخمس فله الجنة، ومن أتى الله بخمس لم تحجبه عن الجنة، والجمعة واجبة إلا على خمس، والوضوء الواجب من خمس، والأشربة من خمس؛ وحق الرجال على النساء خمس، ونهي النساء عن خمس: فأما من لقي الله عز وجل بخمس فله الجنة: الصلاة، والزكاة، وحج البيت، وصيام شهر رمضان، وطاعة ولاة الأمر ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وأما من أتى الله بخمس لم تحجبه عن الجنة؛ فالنصح لله، والنصح لكتاب الله، والنصح لرسول الله، والنصح لولاة الأمر، والنصح لعامة المسلمين، وأما الجمعة واجبة إلا على خمس: المرأة، والمريض، والمملوك، والمسافر، والصغير. وأما الوضوء الواجب من خمس: من الريح، والغائط، والبول، والقيء، والدم القاطر. وأما الأشربة من خمس: من العسل، والزبيب، والتمر، والبر، والشعير. وأما حق الرجل على النساء خمس: لا تحنث له قسماً، ولا تعتزل له مضجعاً، ولا تعطر إلا له، ولا تخرج إلا بإذنه، ولا تدخل عليه من يكرهه وإنما نهي النساء عن خمس: عن اتخاذ الكمام، ولبس النعال، وجلوس في المجالس، وخطر بالقضيب، ولبس الأزر والأردية بغير درع ".(8/38)
خراش بن بحدل الكلبي
شاعر فارس.
قال الرياشي: وقف خراش بن بحدل على عبد الملك بن مروان بعد أن ملك فقال:
أعبد المليك ما شكرت بلادنا ... فكل في رخاء العيش ما أنت آكل
فجابية الجولان لولا ابن بحدل ... لكنت وما يسمع لقيلك قائل
وكنت إذا دارت عليك عظيمة ... تضاءلت، إن الخاشع المتضائل
فلما علوت الناس في رأس شاهق ... من المجد لا يسطيعك المتطاول
قلبت لنا ظهر العداوة معلناً ... كأنك مما يحدث الدهر جاهل
فقال عبد الملك: أراك احتجت إلى المال. قال: أجل. قال: فأيه أحب إليك؟ قال: الإبل، قال: يا أبا الزعيزعة! أعطه مئة برعاتها؛ ثم التفت إليه فقال: لا تعد فتنكرني.
خريم بن عمرو بن الحارث بن خارجة
ابن سنان بن أبي حارثة بن مرة المري، المعروف بخريم الناعم قال أبان بن عثمان البجلي: أتي الحجاج بأسرى من الروم أو من الترك، فأمر بقتلهم، فقال له رجل منهم: أيها الأمير، أطلب إليك حاجة ليس عليك فيها مؤونة، قال: ما هي؟ قال: تأمر رجلاً من أصحابك شريفاً بقتلي، فإني رجل شريف؛ فسأل عنه الحجاج أصحابه، فقالوا: كذلك هو، وأمر خريماً المري بقتله وكان دميماً أسود أفطس فلما أقبل نحوه صرخ العلج، فقال الحجاج: سلوه: ماله؟ قال: طلبت إليك أن تأمر رجلاً شريفاً بقتلي فأمرت هذا الخنفساء! فقال الحجاج: إنه لجاهل بما تبتغي غطفان يوم أضلت. أراد الحجاج قول زهير بن أبي سلمى:(8/39)
إن الرزية لارزية مثلها ... ما تبتغي غطفان يوم أضلت
وكان سنان كبر فضل بنخل، فلم يوجد؛ ففي ذلك قال زهير هذا الشعر.
قالت أم سنان بن أبي حارثة: إذا أنا مت فشقوا بطني، فإن فيه سيد غطفان. قال: فماتت، فشقوا بطنها، فاستخرجوا سناناً، فعاش وساد، حتى كان له مال وتبع.
قال محمد بن يزيد: قيل لخريم: ما النعمة؟ قال: الأمن، فلا لذة لخائف؛ والغنى، فلا لذة لفقير؛ والعافية، فلا لذة لسقيم، قالوا: زد. قال: ما أجد مزيداً.
قال الأصمعي: وبلغني أن الحجاج سأل خريماً الناعم: ما النعمة؟ قال: الأمن، فإني رأيت الخائف لا ينتفع بعيش، قال: زدني. قال: الصحة، فإني رأيت السقيم لا ينتفع بعيش؛ قال: زدني. قال: الشباب، فإن الشيخ لا ينتفع بعيش؛ قال: زدني. قال: ما أجد مزيداً.
خريم بن فاتك بن الأخرم
أبو أيمن، ويقال أبو يحيى الأسدي صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
سكن دمشق؛ وهو أخو سبرة بن فاتك، وأبو أيمن بن خريم.
قيل: إنه شهد بدراً.
حدث شمر بن عطية عن خريم بن فاتك الأسدي أنه أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا خريم، لولا خلتان فيك لكنت أنت الرجل. قال: ما هما(8/40)
بأبي أنت وأمي؟ تكفيني واحدة. قال: توفر شعرك، وتسبل إزارك. قال: لا جرم، فانطلق، فجز شعره، ورفع إزاره.
حدث معرور بن سويد عن خريم بن فاتك أنه أقبل وعليه حلة وقد رجل شعره وقد تخلق، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ويح أم خريم لو أقل الخلوق، ونقص من الشعر، وشمر الإزار. فنظر إليه القوم، فعرف أنه قد تكلم في أمره بشيء، فسأل بعض القوم؟ فأخبره، فغسل الخلوق وشمر الإزار، وحلق الرأس.
قال أبو سعيد: كان خريم على قسم الدور بدمشق حين فتحت؛ وقيل، إن أخاه سبرة هو الذي قسم الدور.
قال محمد بن سعد: الفاتك جد جده، وهو خريم بن الأخرم بن شداد بن عمرو بن الفاتك، وهو القليب بن عمرو بن أسد بن خزيمة.
قال البخاري: خريم بن فاتك شهد بدراً مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وله صحبة ورواية عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن أبي هريرة قال: قال خريم بن فاتك لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين، ألا أخبرك كيف كان بدء إسلامي؟ قال: بلى، قال: بينا أنا في طلب نعم لي أنا منها على أثر، إذ جنني الليل بأبرق العزاف، فناديت بأعلى صوتي: أعوذ بعزيز هذا الوادي من سفهاء قومه، فإذا هاتف يهتف:
ويحك عذ بالله ذي الجلال ... والمجد والنعماء والإفضال(8/41)
واقتر آيات من الأنفال ... ووحد الله ولا تبال
قال: فذعرت ذعراً شديداً. فلما رجعت إلى نفسي قلت:
يا أيها الهاتف ما تقول؟ ... أرشد عندك أم تضليل؟
بين لنا هديت ما الحويل؟ قال:
إن رسول الله ذو الخيرات ... بيثرب يدعو إلى النجاة
يأمر بالصوم وبالصلاة ... ويزع الناس عن الهنات
قال: فانبعثت راحلتي فقلت:
أرشدني رشداً هديت ... لا جعت ولا عريت
ولا برحت سيداً مقيت ... ولا تؤثرني على الخير الذي أتيت
قال: فاتبعني، وهو يقول:
صاحبك الله وسلم نفسكا ... وبلغ الأهل وأدى رحلكا
آمن به أفلح ربي حقكا ... وانصر عن ربي فقد أخبرتكا
قال: فدخلت المدينة، ودخلت يوم جمعة، فاطلعت في المسجد، فخرج إلي أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال: ادخل رحمك الله، فإنه قد بلغنا من إسلامك، قلت: لا أحسن الطهور، فعلمني، فدخلت المسجد، فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المنبر يخطب كأنه البدر وهو يقول: ما من مسلم توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى صلاة يحفظها ويعقلها، إلا دخل(8/42)
الجنة. فقال لي عمر بن الخطاب: لتأتين على هذا ببينة أو لأنكلن بك. فشهد لي شيخ قريش عثمان بن عفان فأجاز شهادته.
وفي حديث آخر بمعناه:
هذا رسول الله ذو الخيرات ... جاء بياسين وحاميمات
وسور بعد مفصلات ... يأمر بالصلاة والزكاة
ويزجر الأقوام عن هنات ... قد كن في الأيام منكرات
قال: قلت له: من أنت؟ قال: أنا ملك بن مالك الجني، بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على جن نجد. قال: قلت: أما لو كان من يؤدي إبلي هذه إلى أهلي لأتيته حتى أسلم. قال: فأنا أؤديها. قال: فركبت بعيراً منها ثم قدمت، فإذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المنبر، فلما رآني قال: ما فعل الرجل الذي ضمن لك أن يؤدي إبلك؟ أما أنه قد أداها سالمة؛ قال: قلت: رحمه الله. قال: أجل فرحمه الله.
وعن يحيى بن أبي كثير قال: إن خريم بن فاتك الأسدي أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إني لأحب الجمال، حتى إني لأحبه في شراك نعلي وجلاد سوطي؛ وإن قومي يزعمون أنه من الكبر؟ قال: ليس الكبر أن يحب أحدكم الجمال، ولكن الكبر أن يسفه الحق ويغمص الناس.
روى الشعبي: أن عبد الملك بن مروان قال لأيمن بن خريم: تقاتل ناساً من المسلمين، فقال: إن أبي وعمي شهدا الحديبية، وإنهما عهدا إلي أن لا أقاتل مسلماً. وقال أبياتاً:
ولست بقاتل رجلاً يصلي ... على سلطان آخر من قريش
له سلطانه وعلي إثمي ... معاذ الله من جهل وطيش
أأقتل مسلماً في غير شيء ... فليس بنافعي ما عشت عيشي
روى الأوزاعي عن يحيى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم الفتى خريم بن فاتك، لو قص من شعره، وشمر من إزاره. فكان خريم يقول:(8/43)
لا يجاوز شعري أذني أو شحمة أذني، ولا يجاوز إزاري عضلة ساقي؛ وكان حسن الساقين؛ وكان يدخل على معاوية. قال: فدخل عليه فقال: ما رأيت كاليوم ساقين أحسن لو أنهما لامرأة. قال: في مثل عجيزتك يا أمير المؤمنين.
قال أيوب: نبئت أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى على رجل قد قطعت يده في سرقة وهو في فسطاط فقال: من آوى هذا العبد المصاب؟ فقالوا: فاتك أو خريم بن فاتك، فقال: اللهم بارك على آل فاتك كما آوى هذا العبد المصاب.
قال خريم بن فاتك: قال لي كعب: إن أشد أحياء العرب على الدجال لقومك.
خزرج بن عبد الله أبو محمد الخزرجي
حدث عن أبي القاسم بن أبي العقب بسندهعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في وتره يعني في الثلاث ركعات بقل هو الله أحد والمعوذتين.
خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة
ابن ساعدة بن عامر بن عيان. ويقال عنان بن عامر بن خطمة واسمه عبد الله بن جشم بن مالك بن أوس بن حارثة بن ثعلبة ابن عمرو بن عامر أبو عمارة الأنصاري الخطمي صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو ذو الشهادتين. شهد مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحداً وما بعدها، وشهد غزوة الفتح؛ وكان يحمل راية بني خطمة.
عن خزيمة بن ثابت قال: جعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوماً وليلة؛ ثم قال: وايم الله، لو مضى السائل أي استزاده لجعلها خمساً.(8/44)
وفي حديث آخر بمعناه: إذا أدخلهما وهما طاهرتان. قال: ومن غرائب حديثه ما حدث أنهم كانوا عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسجد وهو مسند ظهره إلى بعض حجرات نسائه؛ فدخل رجل من أهل العالية فجلس يسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فشم منه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ريحاً تأذى هو واًصحابه، فقال: من أكل من هذه الشجرة فلا يؤذينا بها.
وحدث عمارة بن خزيمة عن أبيه قال: حضرت مؤتة، فبارزت رجلاً يومئذ فأصبته، وعليه بيضة له، فيها ياقوتة، فلم يكن همي إلا الياقوتة، فأخذتها، فلما انكشفنا وانهزمنا رجعت بها إلى المدينة، فأتيت بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنفلنيها، فبعتها زمن عمر بن الخطاب بمئة دينار، فاشتريت حديقة نخل بني خطمة.
وكان خزيمة بن ثابت وعمير بن عدي يكسران أصنام بني خطمة. وكانت راية بني خطمة مع خزيمة بن ثابت في غزوة الفتح.
وشهد خزيمة بن ثابت صفين مع علي بن أبي طالب، وقتل يومئذ سنة سبع وثلاثين. وله عقب؛ وجعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهادته بشهادة رجلين.
وأمه كبشة بنت أوس بن عدي بن أمية بن عامر بن ثعلبة؛ وفي نسبه اختلاف؛ وقيل: حنظلة بدل خطمة، والصواب خطمة بغير شك.
قال زيد بن ثابت: لما كتبنا المصاحف فقدت آية كنت أسمعها من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوجدتها عند خزيمة بن ثابت " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه " إلى " تبديلا " وكان خزيمة يدعى ذا الشهادتين.(8/45)
قال يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: أراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يجمع القرآن، فقام في الناس فقال: من كان تلقى من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً من القرآن فليأتنا به. وكانوا كتبوا ذلك في الصحف والألواح والعسب، وكان لا يقبل من أحد شيئاً حتى يشهد شهيدان؛ فقتل وهو يجمع ذلك؛ فقام عثمان بن عفان فقال: من كان عنده من كتاب الله عز وجل شيء فليأتنا به، وكان لا يقبل من ذلك شيئاً حتى يشهد عليه شهيدان؛ فجاء خزيمة بن ثابت فقال: إني قد رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما. قال: وما هما؟ قال: تلقيت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم " إلى آخر السورة. قال عثمان: وأنا أشهد أنهما من عند الله فأين تريد أن تجعلهما؟ قال: اختم بهما آخر ما نزل من القرآن؛ فختمت بهما براءة.
حدث عبد الله بن علي بن السائب: أنه لقي عمر بن أحيحة بن الجلاح، فسأله: هل سمعت في إتيان المرأة في دبرها شيئاً؟ قال: أشهد لسمعت خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهادته شهادة رجلين، أن رجلاً أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني آتي امرأتي من دبرها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم؟ فقالها مرتين أو ثلاثاً، ثم فطن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أمن دبرها في قبلها؟ فنعم، فأما في دبرها فإن الله ينهاكم أن تأتوا النساء في أدبارهن.
وعن خزيمة بن ثابت أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشترى فرساً من سواء بن قيس المحاربي فجحد، فشهد له خزيمة بن ثابت، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما حملك على الشهادة ولم تكن معنا حاضراً؟ قال: صدقتك بما جئت به، وعلمت أنك لا تقول إلا حقاً؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من شهد له خزيمة أو شهد عليه فحسبه.(8/46)
حدث عمارة بن خزيمة عن عمه وهو من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابتاع فرساً من أعرابي، فاستتبعه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليقضيه ثمن فرسه، فأسرع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبطأ الأعرابي؛ فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس، لا يشعرون أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابتاعه، حتى زاد بعضهم الأعرابي في السوم على ثمن الفرس الذي ابتاعه به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنادى الأعرابي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن كنت مبتاعاً هذا الفرس فابتعه وإلا بعته؛ فقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين سمع نداء الأعرابي فقال: أو ليس قد ابتعته منك؟! قال الأعرابي: لا والله ما بعتك، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بلى قد ابتعته منك. فطفق الناس يلوذون بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأعرابي وهما يتراجعان؛ فطفق الأعرابي يقول: هلم شهيداً يشهد أني بايعتك، فمن جاء من المسلمين قال للأعرابي: ويلك! إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن ليقول إلا حقاً، حتى جاء خزيمة فاستمع لمراجعة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومراجعة الأعرابي، وطفق الأعرابي يقول: هلم شهيداً يشهد أني بايعتك، فقال خزيمة: أنا أشهد أنك قد بايعته، فأقبل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على خزيمة فقال: بم تشهد؟ فقال: بتصديقك يا رسول الله؛ فجعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهادة خزيمة شهادة رجلين.
وعن أنس بن مالك قال: افتخر الحيان من الأنصار الأوس والخزرج، فقالت الأوس: منا غسيل الملائكة حنظلة بن الراهب، ومنا من اهتز له عرش الرحمن سعد بن معاذ، ومنا من حمته الدبر عاصم بن ثاب بن أبي الأفلح، ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت؛ فقال الخزرجيون: منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يجمعه غيرهم: زيد بن ثابت، وأبو زيد، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل.
قال عمارة بن خزيمة: شهد خزيمة بن ثابت الجمل وهو لا يسل سيفاً، وشهد صفين وقال: أنا لا أقتل أحداً حتى يقتل عمار، فأنظر من يقتله، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: تقتله الفئة الباغية.(8/47)
قال: فلما قتل عمار بن ياسر قال خزيمة: قد بانت لي الضلالة؛ ثم اقترب فقاتل حتى قتل. وكان الذي قتل عمار بن ياسر أبو غادية المزني، طعنه برمح فسقط، وكان يومئذ يقاتل في محفة، فقتل يومئذ وهو ابن أربع وتسعين سنة. فلما وقع أكب عليه رجل آخر فاحتز رأسه؛ فأقبلا يختصمان فيه، كلاهما يقول: أنا قتلته، فقال عمرو بن العاص: والله، إن تختصمان إلا في النار؛ فسمعها منه معاوية؛ فلما انصرف الرجلان قال معاوية لعمرو بن العاص: ما رأيت مثلما صنعت! قوم بذلوا أنفسهم دوننا تقول لهما إنكما تختصمان في النار؟! فقال عمرو: وهو والله ذاك، والله إنك لتعلمه، ولوددت أني مت قبل هذا بعشرين سنة.
وقيل: إن ذا الشهادتين مات في زمن عثمان بن عفان.
خزيمة بن حكيم السلمي البهزي
قيل: إن له صحبة، وإنه خرج مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بصرى في تجارة.
قال الزهري: قدم خزيمة بن حكيم السلمي ثم البهزي على خديجة ابنة خويلد، وكان إذا قدم عليها أصابته بخير، ثم انصرف إلى بلاده. وإنه قدم عليها مرة فوجهته مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومع غلام لها يقال له ميسرة إلى بصرى، وبصرى من أرض الشام؛ فأحب خزيمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حباً شديداً، حتى اطمأن إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له خزيمة: يا محمد؛ إني أرى فيك أشياء ما أراها في أحد من الناس، وإنك لصريح في ميلادك، أمين في أنفس قومك، وإني أرى عليك من الناس محبة، وإني لأظنك الذي يخرج بتهامة. فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فإني محمد رسول الله. قال: أشهد إنك لصادق، وإني قد آمنت بك، فلما انصرفوا من الشام رجع خزيمة إلى بلاده، وقال: يا رسول الله إذا سمعت بخروجك أتيتك. فأبطأ على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ حتى إذا كان يوم فتح مكة أقبل خزيمة حتى وقف على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له رسول الله لما نظر إليه: مرحباً بالمهاجر الأول. قال خزيمة: أما والله(8/48)
يا رسول الله، لقد أتيتك عدد أصابعي هذه، فما نهنهني عنك إلا أن أكون مجداً في إعلانك، غير منكر لرسالتك، ولا مخالف لدعوتك، آمنت بالقرآن، وكفرت بالأوثان، لكن أصابتنا سنوات شداد تركت المخ راراً والمطي هاراً، غاضت لها الدرة ونقصت لها الثرة، وعاد لها اليراع مجرنثماً " والذيخ محرنجما " والفريش مستحلكاً والعضاه مستهلكاً، أيبست بارض الوديس، واجتاحت بها جميم اليبيس، وأفنت أصول الوشيج، حتى آل السلامى، وأخلف الخزامى، وأينعت العنمة وسقطت البرمة، وتفطر اللحاء، وتبحبح الجدا، فحمل الراعي العجالة، واكتفى من حملها بالقيلة؛ وأتيتك يا رسول الله غير مبدل لقولي، ولا ناكث لبيعتي. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله يعرض على عبده في كل يوم نصيحة، فإن هو قبلها سعد، وإن تركها شقي؛ فإن الله باسط يده لمسيء النهار ليتوب. قال: فإن تاب تاب الله عليه؛ وإن الحق ثقيل كثقله يوم القيامة، وإن الباطل خفيف كخفته يوم القيامة؛ وإن الجنة محظور عليها بالمكاره، وإن النار محظور عليها بالشهوات، انعم صباحاً تربت يداك.
قال خزيمة: يا رسول الله؛ أخبرني عن ظلمة الليل وضوء النهار، وحر الماء في الشتاء وبرده في الصيف، ومخرج السحاب، وعن قرار ماء الرجل، وماء المرأة، وعن موضع النفس من الجسد، وما شراب المولود في بطن أمه وعن مخرج الجراد، وعن البلد الأمين؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أما ظلمة الليل وضوء النهار، فإن الله عز وجل خلق خلقاً من غثاء الماء، باطنه أسود وظاهره أبيض، وطرفه بالمشرق وطرفه بالمغرب تمده الملائكة، فإذا أشرق الصبح طردت الملائكة الظلمة حتى تجعلها في المغرب، وتنسلخ الجلبات، وإذا أظلم الليل طردت الملائكة الضوء حتى تحله في طرف الهواء؛ فهما كذلك يتراوحان لا يبليان ولا ينفدان.(8/49)
وأما إسخان الماء في الشتاء وبرده في الصيف فإن الشمس إذا سقطت تحت الأرض سارت حتى تطلع من مكانها؛ فإذا طال الليل في الشتاء كثر لبثها في الأرض، فيسخن الماء لذلك؛ فإذا كان الصيف مرت مسرعةً لا تلبث تحت الأرض لقصر الليل، فثبت الماء على حاله بارداً.
وأما السحاب فينشق من طرف الخافقين بين السماء والأرض، فيظل عليه الغبار مكففاً من المزاد المكفوف، حوله الملائكة صفوف، تخرقه الجنوب والصبا، وتلحمه الشمال والدبور.
وأما قرار ماء الرجل، فإنه يخرج ماؤه من الإحليل وهو عروق تجري من ظهره حتى يستقر قراره في البيضة اليسرى، وأما ماء المرأة فإن ماءها في التربية يتغلغل، لا يزال يدنو حتى يذوق عسيلتها.
وأما موضع النفس، ففي القلب، والقلب معلق بالنياط، والنياط يسقي العروق، فإذا هلك القلب انقطع العرق.
وأما شراب المولود في بطن أمه فإنه يكون نطفةً أربعين ليلة، ثم علقةً أربعين ليلة، ومشيجاً أربعين ليلة، وغبيساً أربعين ليلة، ثم مضغةً أربعين ليلة، ثم العظم حنيكاً أربعين ليلة، ثم جنيناً، فعند ذلك يستهل وينفخ فيه الروح. فإذا أراد الله جل اسمه أن يخرجه تاماً أخرجه، وإن أراد أن يؤخره في الرحم تسعة أشهر فأمره نافذ، وقوله صادق، تجتلب عليه عروق الرحم؛ ومنها يكون الولد.
وأما مخرج الجراد فإنه نترة حوت في البحر، يقال له الإبزار، وفيه يهلك.
وأما البلد الأمين فبلد مكة، مهاجر الغيث والرعد والبرق، لا يدخلها الدجال؛ وإن خروجه إذا منع الحياء وفشا الزنى، ونقض العهد.
ولخزيمة في مقدمه على سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شعر.(8/50)
قوله: تركت المخ راراً: لا شيء فيه، ويقال: ذائب مثل الماء. والمطي هاراً: أي هالكا ". وغاضت الدرة: أي ذهبت الألبان، ونقصت لها الثرة: أي السعة. وعاد لها اليراع مجرنثماً: اليراع ضعيف، واجرنثم الرجل: إذا سقط. والذيخ محرنجماً: الذيخ: ولد الضبع، ويقال إنه السمين من الغنم وكل شيء، محرنجما: كالحاً. والفريش مستحلكاً: أي مسوداً، والفريش من قوله عز وجل: " حمولةً وفرشاً " وهو صغار الإبل. والعضاه: الشجر الملتف من طلح ودوح، وما كان ملتفاً. أيبست بارض الوديس: يقال: ودست الأرض إذا رمت بما فيها. والجميم والعميم: متقاربان، من النبت، إلا أن الجميم ما اجتم فصار كالجمة، والعميم ما اعتم فصار كالعمة، إلا أن العميم أطول من الجميم. وأفنت أصول الوشيج: والوشيج: الشجر الملتف بعضه ببعض. وحتى آل السلامى: أي حتى رجع، والسلامى عرق في الأخمص وهو في الرجل. والعنمة: العنبة. والبرمة: من الأراك. بضت الحنمة: أي سالت؛ والحنمة: الحوض الذي لم يبق فيه من الماء إلا قليل. تبحبح: توسط الحبوة، والحبوة: مساقط القوم الذين يحلون فيها، وهي المحامي. والعجالة: التي تحمل من زاد الراعي واكتفى من حملها بالقيلة، وهي الشربة الواحدة.
خزيمة الأسدي
من أصحاب معاوية شاعر له أبيات أجاب بها أبا الطفيل عامر بن واثلة الليثي.
حدث ابن جذيم الناجي قال: لما استقام لمعاوية أمره لم يكن شيء أحب إليه من لقاء أبي الطفيل(8/51)
عامر بن واثلة، فلم يزل يكاتبه ويلطف له حتى أتاه، فلما قدم عليه جعل يسائله عن أمر الجاهلية؛ ودخل عليه عمرو بن العاص وهو معه، فقال لهم معاوية: أما تعرفون هذا؟ هو فارس صفين وشاعرها، خليل أبي الحسن؛ ثم قال: يا أبا الطفيل، ما بلغ من حبك لعلي؟ قال: حب أم موسى لموسى، قال: فما بلغ من بكائك عليه؟ قال: بكاء العجوز الثكلى والشيخ الرقوب وإلى الله أشكو التقصير؛ قال معاوية: لكن أصحابي هؤلاء لو كانوا يسألون عني ما قالوا في ما قلت في صاحبك؛ قالوا: إذاً والله لا تقول الباطل، قال لهم معاوية: لا والله ولا الحق تقولون؛ ثم قال: هو الذي يقول: إلى رجب السبعين تعترفونني ثم قال له: يا أبا الطفيل أنشدها، فأنشد:
إلى رجب السبعين تعترفونني ... مع السيف في جلواء جم عديدها
زحوف كركن الطود فيها معاشر ... كغلب السباع نمرها وأسودها
كهول وشبان وسادات معشر ... على الخيل فرسان قليل صدودها
كأن شعاع الشمس تحت لوائها ... إذا طلعت أعشى العيون حديدها
يمورون مور الريح إما ذهلتم ... وزلت بأكفال الرحال لبودها
شعارهم سيما النبي وراية ... بها انتقم الرحمن ممن يكيدها
تخطفهم آباؤكم عند ذكركم ... كخطف ضواري الطير طيراً تصيدها
فقال معاوية لجلسائه: أعرفتموه؟ قالوا: نعم، فهذا أفحش شاعر وألأم جليس، قال معاوية: يا أبا الطفيل! أتعرفهم؟ فقال: ما أعرفهم بخير ولا أبعدهم من شر؛ قال: فقام خزيمة الأسدي فأجابه فقال:
إلى رجب أو غرة الشهر بعده ... تصبحكم حمر المنايا وسودها
ثمانون ألفاً دين عثمان دينهم ... كتائب فيها جبرئيل يقودها
فمن عاش منكم عاش عبداً ومن يمت ... ففي النار سقياه هناك صديدها(8/52)
خشنام بن إسماعيل بن منيب
أبو بكر النيسابوري ابن أخت أبي النضر سمع بالشام حدث عن جعفر بن محمد الثعلبي بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة ".
خشنام بن بشر بن العنبر
أبو محمد النيسابوري سمع بدمشق ومصر. وكنية العنبر: أبو معروف حدث عن إبراهيم بن المنذر بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله قرأ طه ويس قبل أن يخلق آدم بألفي عام، فلما سمعت الملائكة القرآن قالوا: طوبى لأمة ينزل عليها هذا، وطوبى لأجواف تحمل هذا، وطوبى لألسن تتكلم بهذا ".
قال خشنام بن أبي معروف: كنت في حداثة سني أمتنع عن التزويج تزهداً، ووالدتي تلح علي في ذلك، فقلت: كل امرأة أتزوجها فهي طالق ثلاثاً، ثم احتجت إلى التزويج بعد ذلك، وفي قلبي منه شهيه، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فقصصت عليه القصة فقال لي: تزوج فإنه لا طلاق قبل نكاح.
كان خشنام ثقة، صاحب أصول. توفي سنة إحدى وتسعين ومئتين.(8/53)
خصيف بن عبد الرحمن ويقال ابن يزيد
أبو عون الجزري الحراني الخضرمي مولى بني أمية أخو خصاف وكان توأماً وخصيف أكبرهما حدث خصيف عن عكرمة وسعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: إنما نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحرير المصمت.
وحدث خصيف عن مجاهد، عن عائشة قالت: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن لبس القسي، وعن الشرب في آنية الذهب والفضة، وعن الميثرة الحمراء، وعن لبس الحرير والذهب، فقالت عائشة: يا رسول الله، شيء ذفيف يربط به المسك؟ قال: لا، اجعليه فضة وصفريه بشيء من زعفران.
وعن خصيف عن أنس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من قال صبيحة الجمعة قبل صلاة الغداة: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه؛ ثلاث مرات، إلا غفر الله له ولو كانت يعني ذنوبه مثل زبد البحر ".
وبه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما من عبد يبسط كفه في دبر صلاته ثم يقول: اللهم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، إله جبريل وميكائيل وإسرافيل، أسألك أن تستجيب دعوتي فإني مضطر،(8/54)
وتصمني فإني مبتلى، وتنالني برحمتك فإني مذنب، وتنفي عني الفقر فإني مستمسك؛ إلا كان حقاً على الله أن لا يرد يديه خائبتين.
قال خصيف: كنت مع مجاهد، فرأيت أنس بن مالك، فأردت أن آتيه، فمنعني مجاهد فقال: لا تذهب إليه فإنه يرخص في الطلاء. قال: فلم ألقه ولم آته. قال عتاب: فقلت لخصيف: ما أحوجك إلى أن تضرب كما يضرب الصبي بالدرة! تدع أنس بن مالك صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتقيم على كلام مجاهد؟! قال الأوزاعي: خرج مكحول وعطاء الخراساني يريدان هشام بن عبد الملك يطلبان صلته، فأتيا الباب، فلم يؤذن لهما، فقال عطاء لمكحول: ادخل بنا المسجد حتى يؤذن لنا، فدخلا، فإذا علماء القوم حلق حلق، وإذا بخصيف الجزري أعظمهم حلقةً وهو أصغرهم سناً، فجلسا إليه، فقال له مكحول: حدثنا يرحمك الله، فأومى بوجهه إلى ناحية أخرى فقال: حدثنا رحمك الله فهذا عطاء الخراساني وأنا مكحول الدمشقي، فالتفت إليهما فقال: كان العلماء لا يعرفون، فإذا عرفوا فقدوا فإذا فقدوا طلبوا، فإذا طلبوا هربوا. قال عطاء لمكحول: عظة والله! فركبا رواحلهما ولم يدخلا على هشام.
وفي حديث آخر بمعناه: فبلغ ذلك هشاماً، فبعث بالجائزة في طلبهم.
قال الواقدي: كان خصيف وخصاف ومخصف وعبد الكريم الجزري موالي معاوية، وكانوا من الخضارمة؛ وكان خصاف أفضلهم وأعبدهم. ومات خصيف سنة سبع وثلاثين ومئة.(8/55)
الخضرمي: بكسر الخاء المعجمة وسكون الضاد المعجمة، فهم عدد يكونون بأرض الجزيرة، وقيل: أصلهم من قرية من قرى اليمامة يقال لها: خضرمة.
قال خصيف: قال لي مجاهد: أنا أحبك يا أبا عون في الله عز وجل؛ وكان امرأً من صالحي الناس.
قال خصيف: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام فعرضت عليه تشهد ابن مسعود فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم السنة سنة عبد الله، نعم السنة سنة عبد الله. يقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فقل: اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار.
قال جعفر بن برقان: نبشت ابنة لخصيف بن عبد الرحمن، فأخذ نباشها، فبعث مروان بن محمد إلى خصيف قبل أن يعلم أن ابنته نبشت، فسأله؟ فأخبره خصيف أن عمر بن عبد العزيز قطعه، وأن مروان لم يقطعه؛ فقال مروان بن محمد: أنا أخالفهما جميعاً، فأمر به فصلب على قبرها.
قال جرير: كان خصيف متمكناً في الإرجاء. وكان خصيف ضعيفاً لا يحتج بحديثه.
وعن عبد السلام بن حرب: أن خصيفاً قال عند الموت: ليجىء ملك الموت إذا شاء، اللهم إنك لتعلم أني أحبك وأحب رسولك.
توفي خصيف سنة اثنتين وثلاثين، وقيل: سنة ست وثلاثين بالعراق، وقيل سنة سبع وثلاثين في أول خلافة أبي جعفر، وقيل: سنة ثمان وثلاثين، وقيل: سنة تسع وثلاثين ومئة.(8/56)
خصيب بن عبد الله بن محمد
ابن الحسين بن الخصيب بن الصقر بن حبيب أبو الحسن بن أبي بكر الخصيبي سمع بدمشق وبغيرها حدث عن موسى بن عبد الرحمن الإمام بسنده عن سعد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خياركم من تعلم القرآن وعلمه. وأخذ بيدي وأجلسني في مكاني هذا ".
وحدث في سنة ثنتي عشرة وأربع مئة عن أبيه أبي بكر عبد الله بن محمد بسنده عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الناس كشجرة ذات جنى، ويوشك أن يعودوا كشجرة ذات شوك، إن ناقدتهم ناقدوك، وإن تركتهم لم يتركوك، وإن هربت منهم طلبوك. قال: يا رسول الله، وكيف المخرج من ذلك؟ قال: تقرضهم عرضك ليوم فقرك ".
توفي القاضي أبو الحسن الخصيب سنة ست عشرة وأربع مئة.
الخضر عليه السلام
يقال: إنه ابن آدم عليه السلام لصلبه وهو صاحب موسى عليه السلام وقيل: إن اسمه المعمر بن مالك بن عبد الله بن نصر بن الأزد؛ وقيل: الخضر من ولد العيص بن إسحاق بن إبراهيم؛ وقيل: اسمه إيليا بن ملكان ابن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح. وقيل: هو خضرون بن عميائل بن اليقر بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم.(8/57)
قال ابن عباس: الخضر بن آدم لصلبه، ونسئ له في أجله حتى يكذب الدجال. وقيل: إنما سمي الخضر لأنه إذا صلى في مكان اخضر ما حوله.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لم يسم خضراً إلا لأنه جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تهتز خضراء. الفروة: الحشيش الأبيض وما أشبهه.
وقيل: إنما سمي الخضر خضراً لحسنه وإشراق وجهه.
وذكر ابن إسحاق قال: قال أصحابنا: إن آدم عليه السلام لما حضره الموت جمع بنيه وقال: يا بني إن الله منزل على أهل الأرض عذاباً فليكن جسدي معكم في المغارة، حتى إذا هبطتم فابعثوا بي وادفنوني بأرض الشام؛ فكان جسده معهم، فلما بعث الله تعالى نوحاً ضم ذلك الجسد، وأرسل الله الطوفان على الأرض؛ فغرقت الأرض زماناً، فجاء نوح حتى نزل ببابل، وأوصى بنيه الثلاثة وهم: سام ويافث وحام أن يذهبوا بجسده إلى الغار الذي أمرهم أن يدفنوه فيه، فقالوا: الآرض وحشة لا أنيس بها ولا نهتدي الطريق، ولكن نكف حتى يأمن الناس ويكثروا وتأنس البلاد وتجف؛ فقال لهم نوح: إن آدم قد دعا الله أن يطيل عمر الذي يدفنه إلى يوم القيامة. فلم يزل جسد آدم حتى كان الخضر هو الذي تولى دفنه، وأنجز الله له ما وعده، فهو يحيا إلى ما شاء الله له أن يحيا.
وقيل: إن أم الخضر رومية وأبوه فارسي.
تقدم الوليد بن عبد الملك إلى القوام ليلة من الليالي فقال: إني أريد أن أصلي الليلة في المسجد، فلا تتركوا فيه أحداً؛ ثم إنه أتى إلى باب الساعات، فاستفتح الباب، ففتح له فدخل، فإذا برجل ما بين باب الساعات وباب الخضراء الذي يلي المقصورة قائماً يصلي،(8/58)
وهو أقرب إلى باب الخضراء منه إلى باب الساعات، فقال للقوام: ألم آمركم أن لا تتركوا أحداً يصلي الليلة في المسجد؟ فقال له بعضهم: يا أمير المؤمنين، هذا الخضر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي في المسجد كل ليلة.
وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس وكنا عنده فقال القوم: إن نوفاً الشامي يزعم أن الذي ذهب يطلب العلم ليس بموسى بني إسرائيل، قال: وكان ابن عباس متكئاً، فاستوى جالساً فقال: كذلك يا سعيد بن جبير؟ قلت: أنا سمعته يقول ذلك؛ قال ابن عباس: كذب نوف، حدثني أبي بن كعب أنه سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " رحمة الله علينا وعلى موسى، لولا أنه عجل واستحيا، وأخذته دمامة من صاحبه فقال له: " إن سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبني " لرأى من صاحبه عجبا ". قال: وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ذكر نبياً من الأنبياء بدأ بنفسه فقال: رحمة الله علينا وعلى صالح، رحمة الله علينا وعلى أخي عاد. ثم قال: إن موسى عليه السلام بينا هو يخطب قومه ذات يوم إذ قال لهم: ما في الأرض أحد أعلم مني؛ فأوحى الله عز وجل إليه: إن في الأرض من هو أعلم منك، وآية ذلك أن تزود حوتاً مالحاً، فإذا فقدته فهو حيث تفقده؛ فتزود حوتاً مالحاً، فانطلق هو وفتاه، حتى إذا بلغا المكان الذي أمروا به، فلما انتهوا إلى الصخرة انطلق موسى يطلب، ووضع فتاه الحوت على الصخرة، فاضطرب " فاتخذ سبيله في البحر سربا " قال فتاه: إذا جاء نبي الله حدثته، فأنساه الشيطان؛ فانطلقا، فأصابهما ما يصيب المسافر من النصب والكلال، ولم يكن يصيبه ما يصيب المسافر من النصب والكلال حتى جاوزا ما أمر به، فقال موسى لفتاه: " آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا " قال له فتاه: يا نبي الله " أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت " أن أحدثك " وما أنسانيه إلا الشيطان " " فاتخذ سبيله في البحر سربا " " قال ذلك ما كنا نبغي " فرجعا " على آثارهما قصصا " يقصان الأثر حتى انتهيا إلى الصخرة، فأطاف بها، فإذا هو مسجى بثوب، فسلم، فرفع رأسه، فقال له: من أنت؟ قال: أنا موسى، قال: من موسى؟ قال: موسى بني إسرائيل، قال: فما لك؟ قال: أخبرت أن عندك علماً فأردت أن أصحبك " قال إنك لن تستطيع معي صبراً، قال ستجدني إن شاء(8/59)
الله صابراً ولا أعصي لك أمرا " قال: " وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا " قال: قد أمرت أن أفعله، ستجدني إن شاء الله صابراً " قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا، فانطلقا، حتى إذا ركبا في السفينة " فخرج من كان فيها وتخلف ليخرقها، فقال له موسى: تخرقها " لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً فانطلقا " حتى أتوا على غلمان يلعبون على ساحل البحر وفيهم غلام ليس في الغلمان أحسن ولا أنظف منه، فأخذه فقتله، فنفر موسى عند ذلك وقال: " أقتلت نفساً زكيةً بغير نفس لقد جئت شيئاً نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا " قال: فأخذته دمامة من صاحبه واستحيا فقال: " إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى أتيا أهل قرية " لئام، وقد أصاب موسى جهد شديد، فلم " يضيفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض فأقامه " قال له موسى مما نزل به من الجهد: " لو شئت لتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك " فأخذ موسى بطرف ثوبه فقال: حدثني، فقال: " أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر وكان ورائهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا " فإذا مر عليها فرآها منخرقة تركها ورقعها أهلها بقطعة خشب فانتفعوا بها. وأما الغلام فإنه كان طبع يوم طبع كافراً، وكان قد ألقي عليه محبةً من أبويه، ولو عصياه شيئاً لأرهقهما طغياناً وكفرا " فأراد ربك أن يبدلهما خيراً منه زكاةً وأقرب رحما " فوقع أبوه على أمه فتلقت فولدت خيراً منه زكاةً وأقرب رحما " وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما " إلى قوله: " ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ".
وفي حديث آخر بمعناه. وفي قراءة أبي بن كعب: " يأخذ كل سفينة صالحة غصبا " وفي آخره قال: فجاء طائر هذه الحمرة، فبلغ فجعل يغمس منقاره في البحر فقال له: يا موسى، ما يقول هذا الطائر؟ قال: لا أدري، قال: هذا يقول: ما علمكما الذي تعلمان في علم الله إلا كما أنقص به بمنقاري من جميع ما في هذا البحر.
وفي حديث آخر عن ابن عباس مختصراً قال: سأل موسى عليه السلام ربه فقال: أي رب! أي عبادك أحب إليك؟ قال: الذي(8/60)
يذكرني ولا ينساني، قال: يا رب! فأي عبادك أعلم؟ قال: الذي يبتغي علم الناس إلى علمه، عسى أن يصيب كلمة تهديه إلى هدى، أو ترده عن ردى؛ قال: رب! فأي عبادك أقضى؟ قال: الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى، قال: ومن ذلك يا رب؟ قال ذاك الخضر، قال: وأين أطلبه؟ قال: على الساحل عند الصخرة التي ينفلت عندها الحوت.. الحديث..
وفي حديث آخر بمعناه: وكان فتى موسى يوشع بن نون كما يقال. والله أعلم وعن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال أخي موسى: يا رب ذكر كلمة فأتاه الخضر وهو فتى طيب الريح، حسن بياض الثياب، مشمرها فقال: السلام عليك ورحمة الله يا موسى بن عمران، إن ربك يقرأ عليك السلام، قال موسى: هو السلام وإليه السلام، والحمد لله رب العالمين الذي لا أحصي نعمه ولا أقدر على أداء شكره إلا بمعونته، ثم قال موسى: أريد أن توصيني بوصية ينفعني الله بها بعدك؟ قال الخضر: يا طالب العلم، إن القائل أقل ملالةً من المستمع، فلا تمل جلساءك إذا حادثتهم، واعلم أن قلبك وعاء، فانظر ماذا تحشو به وعاءك؛ واعزف عن الدنيا وانبذها وراءك فإنها ليست لك بدار، ولا لك فيها محل قرار، وإنما جعلت بلغةً للعباد، والتزود منها للمعاد، ورض نفسك على الصبر تخلص من الإثم؛ يا موسى، تفرغ للعلم إن كنت تريده، فإنما العلم لمن تفرغ له، ولا تكن مكثاراً بالمنطق مهذاراً، فإن كثرة المنطق تشين العلماء، وتبدي مساوىء السخفاء، ولكن عليك بالاقتصاد، فإن ذلك من التوفيق والسداد؛ وأعرض عن الجهال وباطلهم، واحلم عن السفهاء، فإن ذلك فعل الحكماء وزين العلماء إذا شتمك الجاهل فاسكت عنه حلماً، وجانبه حزماً، فإن ما بقي من جهله عليك وسبه إياك أكثر وأعظم؛ يا بن عمران، ولا ترى أنك أوتيت من العلم إلا قليلا، فإن الاندلاث والتعسف من الاقتحام والتكلف؛ يا بن عمران، لا تفتحن باباً لا تدري ما غلقه، ولا تغلقن باباً لا تدري ما فتحه؛ يا بن عمران، من لا تنتهي من الدنيا(8/61)
نهمته، ولا تنقضي منها رغبته، كيف يكون عابدا؟ ومن يحقر حاله ويتهم الله فيما قضى له، كيف يكون زاهداً؟ هل يكف عن الشهوات من غلب عليه هواه، أو ينفعه طلب العلم، والجهل قد حواه!؟ لأن سعيه إلى آخرته وهو مقبل على دنياه؛ يا موسى، تعلم ما تعلمت لتعمل به، ولا تعلمه لتحدث به، فيكون عليك بواره ولغيرك نوره؛ يا موسى بن عمران؛ اجعل الزهد والتقوى لباسك، والعلم والذكر كلامك، واستكثر من الحسنات فإنك مصيب السيئات، وزعزع بالخوف قلبك، فإن ذلك رضى ربك، واعمل خبراً فإنك لابد عامل سوءاً؛ قد وعظت إن حفظت. قال: فتولى الخضر، وبقي موسى حزيناً مكروباً يبكي.
وعن ابن عباس قال: الكنز الذي مر به الخضر لوح من ذهب، فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، عجب لمن يعرف الموت كيف يفرح! وعجب لمن يعرف النار كيف يضحك! وعجب لمن يعرف الدنيا وتحولها بأهلها كيف يطمئن إليها! وعجب لمن يؤمن بالقضاء والقدر كيف ينصب في طلب الرزق! وعجب لمن يؤمن بالحساب كيف يعمل الخطايا!.
وعن أبي عبد الله الملطي قال: لما أراد موسى أن يفارق الخضر على نبينا وعليهما الصلاة والسلام قال له موسى: أوصني، قال: كن نفاعاً ولا تكن ضراراً؛ كن بشاشاً ولا تكن غضبان؛ ارجع عن اللجاجة ولا تمش في غير حاجة، ولا تعير امرأ بخطيئة، وابك على خطيئتك يا بن عمران.
وعن يوسف بن أسباط قال: بلغني أن موسى قال للخضر: ادع لي، فقال له الخضر: يسر الله عليك طاعته.
وعن أبي أمامة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأصحابه: ألا أحدثكم عن الخضر؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: بينما هو ذات يوم يمشي في سوق بني إسرائيل، أبصره رجل مكاتب، فقال: تصدق علي بارك الله فيك، فقال الخضر: آمنت بالله من أمر يكون. ما عندي شيء أعطيكه، قال المسكين: أسألك بوجه الله لما تصدقت علي، فإني نظرت السيماء في وجهك، ورجوت البركة عندك؛ فقال الخضر: آمنت بالله، ما عندي شيء أعطيكه إلا أن تأخذني فتبيعني، فقال المسكين: وهل يستقيم هذا؟!(8/62)
قال: نعم، الحق أقول لك، لقد سألتني بأمر عظيم، أما إني لا أخيبك بوجه ربي؛ قال: فقدمه إلى السوق، فباعه بأربع مئة درهم؛ فمكث عند المشتري زماناً لا يستعمله في شيء، فقال له: إنك إنما ابتعتني التماس خير عندي، فأوصني بعمل؟ قال: أكره أن أشق عليك، إنك شيخ كبير ضعيف، قال: ليس يشق علي، قال: فانقل هذه الحجارة وكان لا ينقلها دون ستة نفر في يوم فخرج الرجل لبعض حاجته ثم انصرف وقد نقل الحجارة في ساعة، فقال: أحسنت وأجملت، وأطقت ما لم أراك تطيقه، ثم عرض للرجل سفر فقال: إني أحسبك أميناً، فاخلفني في أهلي خلافة حسنة، قال: فأوصني بعمل، قال: إني أكره أن أشق عليك، قال: ليس تشق علي، قال: فاضرب من اللبن لبيتي حتى أقدم عليك؛ فمضى الرجل لسفره، فرجع الرجل وقد شيد بناءه، فقال: أسألك بوجه الله ماسببك وما أمرك؟ قال: سألتني بوجه الله، والسؤال بوجه الله أوقعني في العبودية، سأخبرك من أنا، أنا الخضر الذي سمعت به. سألني مسكين صدقةً، فلم يكن عندي شيء أعطيه، فسألني بوجه الله، فأمكنته من رقبتي فباعني، وأخبرك أنه من سئل بوجه الله فرد سائله وهو يقدر، وقف يوم القيامة جلدةً لا لحم له ولا عظم يتقعقع، فقال الرجل: آمنت بالله شققت عليك يا نبي الله ولم أعلم. قال: لا بأس أحسنت وأبقيت، فقال الرجل: بأبي وأمي، احكم في أهلي ومالي بما أراك الله، أو أخيرك فأخلي سبيلك؟ فقال: أحب إلي أن تخلي سبيلي، فأعبد ربي تعالى؛ فخلى سبيله. فقال الخضر: الحمد لله الذي أوقعني في العبودية ثم نجاني منها.
وعن السدي قال: كان ملك وكان له ابن يقال له الخضر، وإلياس أخوه أو كما قال فقال إلياس للملك: إنك قد كبرت، وابنك الخضر ليس يدخل في ملكك، فلو زوجته لكي يكون ولده ملكاً بعدك؛ فقال له: يا بني تزوج، فقال: لا أريد، قال: لا بد لك، قال: فزوجني، فزوجه امرأةً بكراً؛ فقال لها الخضر: إنه لا حاجة لي في النساء، فإن شئت عبدت الله معي وأنت في طعام الملك ونفقته، وإن شئت طلقتك؟ قالت: بل أعبد الله معك، قال: فلا تظهري سري، فإنك إن حفظت سري حفظك الله، وإن أظهرت عليه أهلكك الله؛ فكانت معه سنة لم تلد، فدعاها الملك فقال: أنت شابة وابني شاب فأين الولد وأنت من نساء ولد؟! فقالت: إنما الولد بأمر الله، ودعا الخضر فقال له: أين الولد يا بني؟ قال:(8/63)
الولد بأمر الله؛ فقيل للملك: فلعل هذه المرأة عقيم لا تلد، فزوجه امرأةً قد ولدت؛ فقال للخضر: طلق هذه، قال: تفرق بيني وبينها وقد اغتبطت بها! فقال: لا بد، فطلقها، ثم زوجه ثيباً قد ولدت، فقال لها الخضر كما قال للأولى، فقالت: بل أكون معك، فلما كان الحول دعاها فقال: إنك ثيب قد ولدت قبل ابني، فأين ولدك؟ فقالت؟ هل يكون الولد إلا من بعل، وبعلي مشتغل بالعبادة، لا حاجة له في النساء؛ فغضب الملك وقال: اطلبوه، فهرب؛ فطلبه ثلاثة، فأصابه اثنان منهم، فطلب إليهما أن يطلقاه، فأبيا، وجاء الثالث فقال: لا تذهبا به، ولعله يضربه وهو ولده؛ فأطلقاه ثم جاؤوا إلى الملك، فأخبره الاثنان أنهما أخذاه، وأن الثالث أخذه منهما؛ فحبس الثالث، ثم فكر الملك فدعا الاثنين فقال: أنتما خوفتما ابني حتى هرب، فذهب فأمر بهما فقتلا؛ ودعا بالمرأة فقال لها: أنت هربت ابني وأفشيت سره، ولو كتمت عليه لأقام عندي، فقتلها، وأطلق المرأة الأولى والرجل، فذهبت المرأة فاتخذت عريشاً على باب المدينة، فكانت تحتطب وتبيعه وتتقوت بثمنه؛ فخرج رجل من المدينة فقير، فقال: بسم الله، فقالت المرأة: وأنت تعرف الله؟ قال: أنا صاحب الخضر، قالت: وأنا امرأة الخضر، فتزوجها فولدت له، وكانت ماشطة ابنة فرعون.
فروي عن ابن عباس أنها بينا هي تمشط ابنة فرعون سقط المشط من يدها فقالت: سبحان ربي، فقالت ابنة فرعون: أبي؟ قالت: لا، ربي ورب أبيك، فقالت: أخبر أبي؟ قالت: نعم؛ فأخبرته، فدعا بها وقال: ارجعي، فأبت، فدعا ببقرة من نحاس، وأخذ بعض ولدها فرمى به في البقرة وهي تغلي ثم قال: ترجعين؟ قالت: لا، فأخذ الولد الآخر حتى ألقى أولادها أجمعين ثم قال لها: ترجعين؟ قالت: لا، فأمر بها، قالت: إن لي حاجة، فقال: وما هي؟ قالت: إذا ألقيتني في البقرة تأمر بالبقرة أن تحمل ثم تكفأ في بيتي الذي على باب المدينة، وتنحي البقرة وتهدم البيت علينا حتى يكون قبورنا؛ فقال: نعم إن لك علينا حقاً. قال: ففعل بها ذلك.(8/64)
قال ابن عباس: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مررت ليلة أسري بي فشممت رائحة طيبة، فقلت: يا جبريل! ما هذا؟ فقال: هذا ريح ماشطة فرعون وولدها.
وعن أنس بن مالك قال: كان رسول لله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ من الليل إلى الليل، فخرجت معه ذات ليلة في بعض طرق المدينة ومعي الطهور، فسمعت صوت رجل يدعو: اللهم أعني على ما ينجيني مما خوفتني، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو دعا بالتي تليها. قال: وفق الله على لسان الداعي الذي كان في نفس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: اللهم ارزقني شوق الصادقين إلى ما شوقتهم إليه. فقال: دع الطهور يا أنس، جمعتا له ورب الكعبة؛ ائت هذا الداعي فقل له: ادع لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فليعنه الله على ما بعثه، وادع لأمته أن يأخذوا ما آتاهم نبيهم. قال: من أرسلك؟ قال: ولم يكن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لي أخبره من أرسلني قال: فقلت وما عليك؟ قال: لست أدعو حتى تخبرني من أرسلك، فقلت: وما عليك؟ قال: لست أدعو حتى تخبرني من أرسلك، قال: فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله، إنه أبى حتى أخبره من أرسلني، قال: قل له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأتيت فقلت له: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسلني، قال: مرحباً برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبرسوله، أنا أحق أن آتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فائت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقل له: أنا أخوك الخضر، وإن الله فضلك على النبيين كما فضل رمضان على سائر الشهور، وفضل أمتك على سائر الأمم، كما فضل الجمعة على سائر الأيام. قال: فلما وليت سمعته يقول: اللهم اجعلني من هذه الأمة المرحومة المرشدة المتاب عليها.
قال محمد بن المنكدر: بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصلي على جنازة، فإذا بهاتف يهتف من خلف: لا تسبقنا بالصلاة رحمك الله؛ فانتظره حتى لحق بالصف، فكبر عمر وكبر معه الرجل، فقال الهاتف: إن تعذبه فبكثير عصاك، وإن تغفر له فهو فقير إلى رحمتك، قال: فنظر عمر وأصحابه إلى الرجل، فلما دفن الميت وسوى الرجل عليه من تراب القبر قال: طوبى لك يا صاحب القبر إن لم تكن عريفاً أو جابياً أو خازناً أو كاتباً أو شرطياً، فقال عمر: خذوا لي الرجل نسأله عن صلاته وكلامه هذا عمن هو؟ قال: فتوارى عنهم، فنظروا فإذا أثر قدمه ذراع، فقال عمر: هذا والله الخضر الذي حدثنا عنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(8/65)
روى محمد بن يحيى قال: بينما علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يطوف بالكعبة إذا هو برجل متلعق بأستار الكعبة وهو يقول: يا من لا يشغله سمع عن سمع، ويا من لا يغلطه السائلون، يا من لا يتبرم بإلحاح الملحين، أذقني برد عفوك وحلاوة رحمتك؛ قال: فقال له علي: يا عبد الله، أعد دعاءك هذا، قال: وقد سمعته؟ قال: نعم؛ قال: فادع به في دبر كل صلاة، فو الذي نفس الخضر بيده، لو كان عليك من الذنوب عدد نجوم السماء ومطرها وحصباء الأرض وترابها، لغفر لك أسرع من طرفة عين.
وفي حديث آخر بمعناه: وكان هو الخضر.
وعن عطاء عن ابن عباس قال: ولا أعلمه إلا مرفوعاً إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يلتقي الخضر وإلياس كل عام في الموسم، فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه، ويتفرقان عن هؤلاء الكلمات: بسم الله، ما شاء الله، لا يسوق الخير إلا الله، ما شاء الله، لا يصرف السوء إلا الله، ما شاء الله، ما كان من نعمة فمن الله، ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا بالله ". قال: وقال ابن عباس: من قالهن حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات آمنه الله من الحرق والغرق والشرق وأحسبه قال: من الشيطان والسلطان، ومن الحية والعقرب.
وعن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يجتمع كل يوم عرفة بعرفات: جبريل وميكائيل وإسرافيل والخضر، فيقول جبريل: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله؛ فيرد عليه ميكائيل: ما شاء الله، كل نعمة من الله؛ فيرد عليه إسرافيل: ما شاء الله، الخير كله بيد الله؛ فيرد عليه الخضر: ما شاء الله، لا يصرف السوء إلا الله. ثم يتفرقون عن هذه الكلمات، فلا يجتمعون إلى قابل في ذلك اليوم. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فما من أحد يقول هذه الأربع مقالات حين يستيقظ من نومه، إلا وكل الله به أربعة من الملائكة يحفظونه؛ صاحب مقالة جبريل من بين يديه،(8/66)
وصاحب مقالة ميكائيل عن يمينه، وصاحب مقالة إسرافيل عن يساره، وصاحب مقالة الخضر من خلفه إلى أن تغرب الشمس، من كل آفة وعاهة وعدو وظالم وحاسد. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وما من أحد يقولها في يوم عرفة مئة مرة من قبل غروب الشمس إلا ناداه الله تعالى من فوق عرشه: أي عبدي قد أرضيتني وقد رضيت عنك، فسلني ما شئت، فبعزتي حلفت لأعطينك.
وعن ابن أبي رواد قال: إلياس والخضر يصومان شهر رمضان في بيت المقدس، ويحجان في كل سنة، ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى مثلها من قابل.
قال أبو إسحاق المرستاني: رأيت الخضر عليه السلام، فعلمني عشر كلمات وأحصاها بيده: اللهم إني أسألك الإقبال عليك، والإصغاء إليك، والبصيرة في أمرك، والنفاذ في طاعتك، والمواظبة على إرادتك، والمبادرة في خدمتك، وحسن الأدب في معاملتك، والتسليم، والتفويض إليك.
وكان الجنيد لأبي إسحاق المرستاني مؤاخياً، واسمه إبراهيم بن أحمد.
قال الحجاج بن فرافصة: كان رجلان يتبايعان عند عبد الله بن عمر، فكان أحدهما يكثرالحلف، فمر عليهم رجل فقام عليهما، فقال للذي يكثر الحلف: يا عبد الله اتق الله ولا تكثر الحلف فإنه لا يزيد في رزقك إن حلفت، ولا ينقص من رزقك إن لم تحلف؛ قال: امض لما يعنيك. قال: إن ذا مما يعنيني؛ فلما أخذ ينصرف عنهما قال: اعلم أنه من آية الإيمان أن توثر الصدق حين يضرك، على الكذب حيث ينفعك، وأن لا يكون في قولك فضل على عملك، واحذر الكذب في حديث غيرك؛ ثم انصرف. فقال عبد الله بن عمر لأحد الرجلين: الحقه فاستكتبه هؤلاء الكلمات، فقام، فأدركه فقال: أكتبني هؤلاء الكلمات رحمك الله؛ قال: ما يقدره الله من أمر يكن؛ قال: فأعادهن علي حتى حفظتهن؛ ثم مشى معه حتى إذا وضع رجله في باب المسجد فقده. قال: فكأنهم كانوا يرون أنه الخضر أو إلياس.(8/67)
قال محمد بن جامع: بلغنا أن الخضر عليه السلام قال: بينما هو يساير رجلاً إذ جلسا للغداء، فإذا بينهما شاةً مشويةً لم يروا من وضعها، مما يلي الخضر قد شوي، ومما يليق الرفيق نياً لم يشو، فقال له الخضر: إنك زعمت أنك لا تنال رزقك إلا بالنصب والعناء فيه، فقم فاعن به واشوه، فأما أنا فقد كفيته، لأني زعمت أنه من يتوكل على الله كفاه، فقد كفيته.
قال كرز بن وبرة: أتاني أخ لي من أهل الشام فقال لي: يا كرز، اقبل مني هذه الهدية، فإن إبراهيم التيمي حدثني قال: كنت جالساً في فناء الكعبة أسبح وأهلل، فجاءني رجل فسلم علي وجلس عن يميني، فلم أر رجلاً أحسن منه وجهاً ولا أطيب منه ريحاً، فقلت له: من أنت رحمك الله؟ فقال: أنا أخوك الخضر، جئتك لأسلم عليك وأعرفك أن من قرأ عند طلوع الشمس وانبساطها " الحمد " سبع مرات، و" قل أعوذ برب الناس " سبع مرات، و" قل أعوذ برب الفلق " سبع مرات و" قل هو الله أحد " سبع مرات، و" قل يا أيها الكافرون " سبع مرات، وآية الكرسي سبع مرات؛ وقال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، سبع مرات؛ وصلى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبع مرات؛ واستغفر لنفسه ولوالديه ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات سبع مرات، حاز من الأجر ما لا يصفه الواصفون. فقلت للخضر: علمني شيئاً إن عملته رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منامي؛ فقال: أفعل إن شاء الله: إذا أنت صليت المغرب فواصل الصلاة إلى عشاء الآخرة، ولا تكلم أحداً، وسلم من كل ركعتين، واقرأ في كل ركعة ما تيسر من القرآن، فإذا انصرفت إلى منزلك فصل فيه ركعتين خفيفتين، ثم ارفع يديك إلى ربك وقل: يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا إله الأولين والآخرين، يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، يا رب يا رب يا رب، يا ألله يا ألله يا ألله؛ صل على محمد وعلى آل محمد. وافعل ذلك، وأنت مستقبل القبلة، ونم على شقك الأيمن حتى تغرق في نومك، وأنت تصلي على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: ففعلت ذلك، فذهب عني النوم من شدة الفرح، فأصبحت على تلك الحال حتى صليت الضحى؛ ثم وضعت رأسي، فذهب بي النوم؛ فأتاني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخذ بيدي وأجلسني، فقلت له: يا رسول الله، إن الخضر عليه السلام أخبرني بكذا وكذا؛ فقال:(8/68)
صدق الخضر قالها ثلاثاً وكل ما يحكيه الخضر حق؛ وهو عالم أهل الأرض، ورأس الأبدال؛ وهو من جنود الله في الأرض.
قال سفيان بن عيينة: رأيت رجل في الطواف، حسن الوجه، حسن الثياب، منيفاً على الناس. قال: فقلت في نفسي: ينبغي أن يكون عند هذا علم؛ قال: فأتيته فقلت: تعلمنا شيئاً أو أشياء؟ قال: فلم يكلمني حتى فرغ من طوافه؛ قال: فأتى المقام، فصلى خلفه ركعتين، حفف منهما، ثم قال: أتدرون ماذا قال ربكم؟ قال: قلنا: وماذا قال ربنا؟ قال: أنا الملك الذي لا أزول، فهلموا إلي أجعلكم ملوكاً لا تزولون؛ ثم قال: أتدرون ماذا قال ربكم؟ قال: قلنا: ماذا قال ربنا؟ قال: أنا الملك الحي الذي لا أموت، فهلموا إلي أجعلكم أحياء لا تموتون؛ ثم قال: أتدرون ماذا قال ربكم؟ قال: قلنا: ماذا قال ربنا؟ قال: أنا الذي إذا أردت أمراً أقول له كن فيكون؛ يعني فهلموا إلي أجعلكم إذا أردتم أمراً قلتم له كن فيكون. قال ابن عيينة: فذكرته لسفيان الثوري فقال: أما أنا فعندي أنه كان ذلك الخضر عليه السلام. ولكن لم يعقله.
قال عمرو بن قيس الملائي: بينا أنا أطوف بالكعبة إذا أنا برجل بارز من الناس وهو يقول: من أتى الجمعة فصلى قبل الإمام، وصلى مع الإمام، كتب من الفائزين؛ ومن أتى الجمعة فصلى مع الإمام، وصلى بعد الإمام كتب من العابدين؛ ومن أتى الجمعة، فلم يصل قبل الإمام، ولا بعد الإمام، كتب من الغابرين، ثم ذهب فلم أره؛ فخرجت من الصفا أطلبه بأبطح مكة، فاحتبست عن أصحابي، فسألوني فأخبرتهم، قالوا: الخضر؟! قلت: الخضر صلى الله على نبينا وعليه السلام.
قال رياح بن عبيدة: رأيت رجلاً يماشي عمر بن عبد العزيز، معتمدا على يديه؛ فقلت في نفسي: إن هذا الرجل جاف. فلما انصرف من الصلاة قلت: من الرجل الذي كان معتمداً على يدك آنفاً؟(8/69)
قال: وهل رأيته يا رياح؟ قلت: نعم، قال: ما أحسبك إلا رجلاً صالحاً، ذاك أخي الخضر، بشرني أني سألي وأعدل.
قال أبو الحسن النهاوندي الزاهد في ديار المغرب: لقي رجلاً خضراً النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم فقال له: أفضل الأعمال اتباع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والصلاة عليه، قال الخضر: وأفضل الصلوات عليه: ما كان عند نشر حديثه وإملائه، يذكر باللسان، ويكتب في الكتاب؛ ويرغب فيه شديداً، ويفرح به كثيراً، وإذا اجتمعوا لذلك حضرت ذلك المجلس معهم.
قال عبد الله الملطي: كان سعيد الأدم يصلي في اليوم والليلة ألفاً ومئتي ركعة؛ وكان قطوباً عبوساً، فاتصل به عن أبي عمرو إدريس الخولاني وكان رجلاً صالحاً، حسن الخلق، ولم يكن له اجتهاد مثل سعيد الأدم في الاجتهاد والعبادة وكان الخضر يزور إدريس الخولاني؛ فجاء إليه سعيد فسأله واستشفع بذلك الخضر ليكون له صديقاً؛ قال: فقال له إدريس لما زاره: إن سعيد الأدم سألني مسألتك لتكون له صديقاً؛ وأنا أسألك أن تكون له صديقاً، وتلقاه فتسلم عليه. قال: فلقيه وهو داخل من باب البرادع، فأخذ يده بكلتا يديه وقال له: مرحباً يا أبا عثمان، كيف أنت؟ وكيف حالك؟ قال: فقال له سعيد: ما بقي إلا أن تدخل في حلقي. قال: فالتفت فلم يره؛ فعلم أنه الخضر. فكان غرضه أن صلى الغداة، وخرج سعيد يريد إلى إدريس وكان سعيد يدخل مع النجم، ويخرج مع النجم؛ فصلى الغداة وخرج إلى إدريس، فوجد الخضر قد سبقه إليه، فقال له: يا أبا عمرو، كان من حالي مع سعيد كذا وكذا، ووالله لا رآني بعدها أبداً. إن حدثت أن جبلاً زال عن موضعه فصدق، وإن حدثت عن رجل أنه زال عن خلقه فلا تصدق.
قال أبو سعيد الخدري: حدثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً طويلاً عن الدجال، فقال فيما يحدثنا: " يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة؛ فيخرج إليه يومئذ رجل هو من خير الناس أو(8/70)
من خيرهم فيقول: أشهد أنك أنت الدجال الذي حدثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحديثه؛ فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته، أتشكون في الأمر؟ فيقولون: لا، فيقتله ثم يحييه؛ فيقول حين يحيا: والله، ما كنت أشد بصيرة فيك حتى الآن!. قال: فيريد قتله الثانية ولا يسلط عليه. قال معمر: بلغني أنه يجعل على حلقه صفيحة نحاس، وبلغني أنه الخضر الذي يقتله الدجال ثم يحييه.
الخضر بن الحسين بن عبد الله
ابن الحسين بن عبيد الله بن أحمد بن عبدان بن أحمد بن زياد بن وردازاذ بن عبد ابن شبة بن أحمد بن عبد الله، أبو القاسم بن أبي عبد الله الأزدي الصفار حدث عن أبي القاسم بن أبي العلاء بسنده عن أبي موسى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كان يوم القيامة، أعطى الله تبارك وتعالى الرجل من أمة محمد اليهودي والنصراني فيقول: افد بهذا نفسك ".
ولد يوم السبت لست بقين من شوال، سنة خمس وستين وأربع مئة؛ وتوفي في سنة ثلاث وأربعين وخمس مئة. قال: وكان شيخاً سليم الصدر.
الخضر بن زكريا بن إسماعيل
أبو القاسم الصائغ حدث عن محمد بن يوسف بن بشر الهروي بسنده عن حذيفة قال: إن أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانوا يسألون عن الخير، وكنت أسأل عن الشر مخافة أن(8/71)
أدركه؛ فأنكر القوم قولي. قال: قلت: قد أرى الذي في وجوهكم: أما القرآن، فقد كان الله أتاني منه علماً؛ وإني بينما أنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم قلت: يا رسول الله؛ أرأيت هذا الخير الذي أعطاناه الله، هل بعده من شر، كما كان قبله شر؟ قال: نعم. قلت: فما العصمة منه؟ قال: السيف. قلت: وهل للسيف من بقية؟ قال: هدنة على دخن. قلت: يا رسول الله ما بعد الهدنة؟ قال: دعاة الضلالة، فإن لقيت لله يومئذ خليفةً في الأرض فالزمه، وإن أخذ مالك وضرب ظهرك؛ وإلا فاهرب في الأرض، خذ هربك حتى يدركك الموت وأنت عاض على أصل شجرة. قلت: فما بعد دعاة الضلالة؟ قال: الدجال. قلت: فما بعد الدجال؟ قال: عيسى بن مريم. قلت: فما بعد عيسى بن مريم عليهما السلام؟ قال: ما لو أن رجلاً أنتج فرساً، لم يركب ظهرها حتى تقوم الساعة.
الخضر بن شبل بن الحسين
ابن عبد الواحد أبو البركات بن أبي طاهر الحارثي، الفقيه الشافعي، المعروف بابن عبد كتب كثيراً من الحديث والفقه؛ ودرس الفقه في سنة ثمان عشرة وخمس مئة؛ وأفتى، وكان سديد الفتوى، واسع المحفوظ، ثبتاً في روايته، نزه النفس، ذا مروءة ظاهرة. ووقف عليه نور الدين مدرسته التي تلي باب الفرج؛ وولي الخطابة بجامع دمشق.
حدث عن أبي طاهر محمد بن الحسين بسنده عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحياء والإيمان في قرن واحد، فإذا سلب أحدهما أتبعه الآخر ".
ولد في شعبان سنة ست وثمانين وأربع مئة.(8/72)
الخضر بن عبد الله
ويقال ابن عبيد الله بن الحسين بن علي بن كامل، أبو القاسم المري السمسار
حدث عن أبي طالب عقيل بن عبيد الله بن عبدان الصفار بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا هم العبد بسيئة قال الله للملائكة: إن لم يعملها فلا تكتبوها، وإن عملها فاكتبوها سيئة؛ وإن العبد إذا هم بالحسنة فلم يعملها قال الله: اكتبوها حسنةً، وإن عملها قال الله تعالى: اكتبوها عشر حسنات إلى سبع مئة ".
وعنه أيضاً بسنده عن مالك بن أنس قال: كان عمر بن عبد العزيز إذا دخل منزله خدم نفسه، حتى إن كانت المائدة مغطاة كشفها وقدمها إليه؛ يريد بذلك أن يصيب من خدمة نفسه.
توفي سنة أربع وستين وأربع مئة.
الخضر بن عبد الرحمن بن علي
أبو الفضائل السلمي، المعروف بابن الدواتي حدث عن أبي محمد الحسن بن علي بن الحسين الثعلبي بسنده عن أنس قال: سمع عبد الله بن سلام بقدوم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: أخبرني بهن جبريل آنفاً. قال: جبريل؟! قال: نعم. قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة!. قال: فقرأ هذه الآية: " من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله " أما أول أشراط الساعة: فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب؛ وأما أول طعام أهل الجنة: فزيادة كبد الحوت؛ وإذا سبق ماء الرجل ماء(8/73)
المرأة نزع الولد، فإذا سبق ماء المرأة نزعت. قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله. يا رسول الله، إن اليهود قوم بهت، وأنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني يبهتوني؛ فجاءت اليهود فقال: أي رجل عبد الله بن سلام فيكم؟ قالوا خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، قال: أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك؛ فخرج عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله؛ قالوا: شرنا وابن شرنا. فقال: هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله.
توفي أبو الفضائل سنة خمسين وخمس مئة.
الخضر بن عبد الواحد
أبو القاسم البزار حدث عن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عطية بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما نفعني مال قط، ما نفعني مال أبو بكر. قال: فبكى أبو بكر ثم قال: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله "!؟.
الخضر بن عبد الوهاب بن يحيى
ابن جعفر بن منصور بن سوار، أبو القاسم الحراني نزيل الموصل حدث عن خيثمة بن سليمان.
حدث الحافظ مصنف التاريخ عن أبي الحسن علي بن أحمد بن الحسن الموحد، قال: أخبرنا القاضي أبو المظفر هناد بن إبراهيم بن نصر النسفي أخبرنا أبو الفتح أحمد بن عبيد الله بن ودعان الفقيه بالموصل، أخبرنا الخضر بن عبد الوهاب بن يحيى الحراني، حدثنا خيثمة بن سليمان، حدثنا(8/74)
محمد بن عوف الطائي بحمص، حدثنا عثمان بن سعيد، حدثنا محمد بن مهاجر عن الزبيدي عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: رحم الله لبيداً إذ يقول:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب
فقالت عائشة: كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال عروة: رحم الله عائشة، كيف لو أدركت زماننا هذا؟ قال الزهري؟ رحم الله عروة، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال الزبيدي؟ رحم الله الزهري، كيف لو أدرك زماننا هذا؟. قال ابن مهاجر: رحم الله الزبيدي، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال ابن عوف: رحم الله ابن مهاجر، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال خيثمة: رحم الله ابن عوف، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال الخضر: رحم الله خيثمة، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال ابن ودعان: رحم الله الخضر، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال هناد: رحم الله ابن ودعان، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال أبو الحسن: رحم الله هناداً. كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال الحافظ: كذا وقع في هذه الرواية، وقد سقط منه قول عثمان بن سعيد.
ورواه من طريق آخر بمثله: والترحم متصل إليه. رحمه الله.
الخضر بن عبدان بن أحمد
ابن عبدان بن أحمد بن زياد بن وردازاد بن عبد بن شبة بن أحمد بن عبد الله أبو القاسم الأزدي الصفار المعدل
حدث عن أبي بكر يوسف بن القاسم بن يوسف الميانجي بدمشق سنة ثمان وستين وثلاث مئة بسنده عن أبي هريرة قال: سمعت أبا القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب، فقال رجل: يا رسول الله ادع الله(8/75)
أن يجعلني منهم، فدعا له، ثم قال آخر: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: سبقك بها عكاشة.
توفي الخضر بن عبدان سنة ست وثلاثين وأربع مئة. وقيل: سنة سبع وثلاثين.
الخضر بن علي بن الخضر
ابن أبي هشام أبو القاسم السمسار، ويسمى أيضاً الحسين حدث عن أبي محمد عبيد الله بن الحسن بن حمزة بن أبي فخر البعلبكي العطار في شوال سنة خمس وثمانين وأربع مئة بسنده عن سالم عن أبيه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبا بكر، وعمر، وعثمان، كانوا يمشون أمام الجنازة. قال الشافعي رحمه الله: والحجة فيه؛ من مشي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أثبت من أن يحتاج معها إلى غيرها؛ وإن في اجتماع أئمة الهدى بعده الحجة.
ولد سنة خمس وسبعين وأربع مئة، ومات سنة حمس وستين وخمس مئة. وكان يترفض؛ وأصله من موالي بني أمية.
الخضر بن علي بن محمد
أبو القاسم الأنطاكي البزاز قدم دمشق. وحدث بها عن أبي بكر محمد بن القاسم بن الأنباري بسنده عن جابر قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما أمعر حاج قط ". قال ابن الأنباري: معناه، ما افتقر حاج قط؛ وأصله من قولهم: مكان معر: إذا ذهب نباته.(8/76)
قال: وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حسن الملكة يمن، وسوء الخلق شؤم، وطاعة المرأة ندامة، والصدقة تدفع القضاء السوء.
الخضر بن محمد بن غوث المدعو بغويث
أبو بكر التنوخي أخو الحسين بن محمد سكن عكا.
حدث عن بحر بن نصر بن سابق أبي عبد الله بسنده عن زيد بن أسلم قال: أتى ابن عمر رجل فقال: بم أهل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: بالحج. فلما كان العام القابل أتاه فقال: بم أهل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: أما أتيتني عام أول؟ قال: بلى، ولكن أنس بن مالك يقول: قرن. قال: إن أنس بن مالك كان يتولج على النساء وهن مكشفات الرؤوس يعني لصغره وأنا تحت ناقة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصيبني لعابها، سمعته يلبي بالحج.
توفي الخضر بن غوث في سنة خمس وعشرين وثلاث مئة.
الخضر بن منصور بن علي
أبو القاسم الضرير المقرئ المعروف بالحبال حدث في سنة تسع وخمسين وأربع مئة بسنده عن عروة بن الزبير أن رجلاً قال: سألت عائشة عن الرجل يقبل امرأته، أيعيد الوضوء؟ فقالت: قد كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبل بعض نسائه ثم لا يعيد الوضوء. قال: فقلت لها: لأن كان ذلك ما كان إلا منك قال: فسكتت. توفي سنة تسع وخمسين وأربع مئة. وكان يحفظ القرآن.(8/77)
الخضر بن يونس بن عبد الله
أبو القاسم حدث عن تمام بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله الرازي بسنده عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: رخص رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمتمتع إذا لم يجد الهدي ولم يصم حتى فاته أيام العشر، فإنه يصوم أيام التشريق مكانها.
خضير ويقال حضير بن ربيعة السلمي
كان خضير خاصاً بمعاوية؛ وله دار في دمشق.
حدث عمير بن هانئ قال: قال جنادة بن أبي أمية: حدثني عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عليك السمع والطاعة، في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك؛ ولا تنازع الأمر أهله، إلا أن يأمروك بأمر عندك تأويله من الكتاب ".
قال عمير: فحدثني خضير السلمي أنه سمع من عبادة بن الصامت يحدث به عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال خضير: أفرأيت إن أنا أطعته؟ قال: تؤخذ بقوائمك فتلقى في النار، وليجئن هو فلينقذك.
قال عمير بن هانئ: حدثني خضير الشامي قال: سمعت كعب الأحبار يخبر أنه سيكون في هذه الأمة نساء يلبسن خمراً كأجنحة اليعاسيب، يدخل من ألبسهن النار.
خضير: بالخاء والضاد المعجمتين والراء.(8/78)
الخطاب بن سعد الخير بن عثمان
ابن يحيى بن مسلمة بن عبد الله بن قرط أبو القاسم الأزدي سكن دمشق.
حدث عن محمد بن رجاء السختياني بسنده عن أبي الحمراء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رأيت ليلة أسري بي مثبتاً على ساق العرش: إني أنا الله لا إله غيري، خلقت جنة عدن بيدي، محمد صفوتي من خلقي، أيدته بعلي، نصرته بعلي ".
وحدث عن هشام بن عمار بسنده عن أبي أمامة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من غدا إلى مسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيراً أو يعلمه؛ كان له كأجر حاج تاماً حجه ".
الخطاب بن واثلة
ويقال الخطاب بن بنت واثلة حدث واثلة بن الخطاب عن أبيه عن جده واثلة بن الأسقع قال: حضر رمضان ونحن في أهل الصفة، فصمنا، فكنا إذا أفطرنا أتى كل رجل منا رجل من أهل السعة، فانطلق به فعشاه؛ فأتت علينا ليلةً لم يأتنا أحد، وأصبحنا صياماً؛ ثم أتت علينا القابلة، فلم يأتنا أحد؛ فانطلقنا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبرناه بالذي كان من أمرنا؛ فأرسل إلى كل امرأة من نسائه يسألها: هل عندها شيء؟ فما بقيت منهن امرأة إلا أرسلت تقسم ما أمسى في بيتها ما يأكل ذو كبد. قال لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فاسمعوا لدعاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك، فإنها بيدك، لا يملكها أحد غيرك. فلم يكن إلا ومستأذن يستأذن، فإذا بشاة مصلية ورغيف؛ فأمر بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوضعت بين أيدينا، فأكلنا حتى شبعنا؛ فقال لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما سألنا الله من فضله ورحمته، فهذا فضله، وقد ذخر لنا عنده رحمته.(8/79)
خفيف بن عبد الله
أبو علي الدينوري الغازي سمع بدمشق.
حدث عن هشام بن عمار بسنده عن عبد الله بنم حوالة أنه قال: يا رسول الله اكتب لي بلداً أكون فيه، فلو أعلم أنك تبقى لم أختر على قربك، قال: عليك بالشام ثلاثاً. فلما رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كراهيته للشام قال: هل تدرون ما يقول الله عز وجل؟ يقول: يا شام يا شام، يدي عليك يا شام، أنت صفوتي من بلادي، أدخل فيك خيرتي من عبادي، أنت سيف نقمتي وسوط عذابي، أنت الأندر وإليك المحشر. ورأيت ليلة أسري بي عموداً أبيض، كأنه لؤلؤ تحمله الملائكة؛ قلت: ما تحملون؟ قالوا: عمود الإسلام، أمرنا أن نضعه بالشام؛ وبينا أنا نائم رأيت كتاباً اختلس من تحت وسادتي، فظننت أن الله تخلى من أهل الأرض، فأتبعت بصري، فإذا هو نور ساطع بين يدي حتى وضع بالشام؛ فمن أبى أن يلحق بالشام فليلحق بيمنه، وليسق من غدره، فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله.
خلف بن تميم بن مالك أبي عتاب
أبو عبد الرحمن التميمي الدارمي ويقال البجلي، ويقال المخزومي مولى آل جعدة بن هبيرة. كوفي نزل المصيصة وطاف بالشام.
حدث خلف بن تميم عن زائدة بسنده عن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتمثل بالشعر:
ويأتيك بالأخبار من لم تزود(8/80)
وحدث أيضاً عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر بن عباد بن يوسف بن أبي بردة أن أبا موسى قال: إنه قد كان فيكم أمانان: قوله عز وجل: " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " أحسبه قال: أما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد مضى لسبيله، وأما الاستغفار فهو كائن فيكم إلى يوم القيامة.
وحدث عن عبد الله بن سري عن محمد بن المنكد عن جابر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا لعنت آخر هذه الأمة أولها، فمن كان عنده علم فليظهره، فإن كاتم العلم يومئذ ككاتم ما أنزل على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
قال خلف بن تميم: رأيت إبراهيم بن أدهم بجبيل وسألته: مذ كم قدمت الشام؟ فقال: مذ أربع وعشرين سنة، فقلت: هنيئاً لك، مرابط ومجاهد، فقال: والله ما قدمت مرابطاً ولا مجاهداً، وإنما قدمت الشام لأشبع من خبز الحلال، تراني أحمل هذا الحطب من الجبل فأبيعه فلا يراني أحد إلا قال: فلاح أو حمال.
كان خلف بن تميم ثقة، صدوقاً، عالماً، أحد النساك والمجاهدين، صحب إبراهيم بن أدهم.
خلف بن سعيد بن خلف اللخمي المغربي
حدث عن أبي الحسن علي بن الحسين الأزدي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله تعالى إذا أنزل عاهة من السماء على أهل الأرض صرفت عن عمار المساجد ".(8/81)
خلف بن سليمان البخاري
سمع بدمشق وبغيرها.
حدث عن هشام بن عمار بسنده عن سليمان قال:
كنت جالساً مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عصابة من أصحابه، فجاءته عصابة فقالوا: يا رسول الله، إنا كنا قريب عهد بجاهلية، نصيب من الآثام والزنى، فأذن لنا في الجلوس في البيوت، نصوم ونقوم حتى يدركنا الموت. فسر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى عرف البشر في وجهه، فقال: إنكم ستجندون أجناداً، ويكون لك مذمة وخراج وأرض، يمنحها الله لكم؛ فيها مدائن وقصور؛ فمن أدركه ذلك منكم، فاستطاع أن يحبس نفسه في مدينة من تلك المدائن، أو قصر من تلك القصور حتى يدركه الموت فليفعل.
خلف بن القاسم بن سليمان
أبو سعيد القيرواني المغربي قدم دمشق طالب علم.
حدث عن أبي بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل المهندس وغيره بسنده عن محمد بن رمح قال: حججت مع أبي وأنا صبي لم أبلغ الحلم فنمت في مسجد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الروضة، بين القبر والمنبر، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد خرج من القبر وهو متوكئ على أبي بكر وعمر؛ فقمت فسلمت عليهم فردوا علي السلام، فقلت: يا رسول الله؛ أين أنت ذاهب؟ قال: أقيم لمالك الصراط المستقيم. فانتبهت، وأتيت أنا وأبي، فوجدت الناس مجتمعين على مالك وقد أخرج لهم الموطأ وكان أول خروج الموطأ.(8/82)
خلف بن القاسم بن سهل بن محمد
ابن يونس بن الأسود أبو القاسم المعروف بابن الدباغ الأزدي القرطبي الحافظ سمع بدمشق وبغيرها، ويقال له أيضاً ابن سهلون. كان محدثاً مكثراً حافظاً.
حدث عن أحمد بن يحيى بن زكريا بن الشامة بسنده عن فطيس الشيباني قال: سمعت مالكاً يقول في قول الله عز وجل: " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " قال: يكتب عليه حتى الأنين في مرضه. ولد سنة خمس وعشرين، وتوفي سنة ثلاث وتسعين وثلاث مئة.
خلف بن محمد بن علي بن حمدون
أبو محمد الواسطي الحافظ حدث عن أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي بسنده عن جابر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرب لبناً، فمضمض وقال: إن له دسماً.
خلف بن محمد بن القاسم
ابن عبد السلام بن محرز أبو القاسم العنبسي الداراني كان قاضي داريا.
حدث عن أبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم الأذرعي بسنده عن ابن عمر قال: " أخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببعض جسدي وقال: يا عبد الله، كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، واعدد نفسك في الموتى.(8/83)
وحدث بداريا سنة ثمان وأربع مئة عن أبي يعقوب الأذرعي أيضاً بسنده عن معاذ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يا معاذ أتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن ".
توفي سنة تسع وأربع مئة.
خلف بن مسعود أبو القاسم
ويقال: أبو سعيد الأنصاري الأندلسي المقرئ روى أحمد بن علي المروزي بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رجل: يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله قال: ثم من؟ قال: ثم رجل معتزل في شعب من الشعاب، يعبد ربه ويريح الناس من شره.
خليد بن دعلج أبو حلبس
ويقال أبو عبيد. ويقال أبو عمرو، ويقال أبو عمر السدوسي البصري سكن الموصل ثم قدم الشام فسكن بيت المقدس. حدث بدمشق.
روى عن قتادة بسنده عن ابن مسعود قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني لأرجو أن من أمتي شطر أهل الجنة ثم تلا: " ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ". " ضعفه يحيى بن معين وغيره.
قال مرزوق الموصلي: قال لي خليد بن دعلج: دع من الكلام مالك منه بد؛ فعسى إن فعلت ذلك تسلم؛ ولا أراك. توفي خليد سنة ست وستين ومئة.(8/84)
خليد بن عتبة بن حماد
وهو خليد بن أبي خليد الحكمي.
حدث عن أبيه قال: قبلت يد مالك بن أنس، فقال لي: يا أبا خليد؛ على العلم لا بأس به.
الخليل بن أحمد بن محمد
ابن الخليل بن موسى بن عبد الله بن عاصم بن جنك بجيم مفتوحة ونون ساكنة أبو سعيد السجزي، القاضي الحنفي سمع بدمشق وبنيسابور وبغيرهما. وقيل: إن اسمه محمد، وخليل لقب.
حدث عن أبي العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم الثقفي السراج بسنده عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ".
وحدث عن أبي الحسن أحمد بن عمير بن يوسف بن جوصا بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله: " من أكل درهماً رباً فهو مثل ثلاث وثلاثين زنية.
وحدث عن أبي الحسن عبد الله بن محمد الفقيه بمرو بسنده إلى أبي وهب محمد بن مزاحم قال: أول بركة العلم إعارة الكتب. توفي الخليل بن أحمد بسمرقند، وهو قاض بها سنة ثلاث وسبعين وثلاث مئة.
الخليل بن عبد الرزاق بن الحسين
ابن أبي الخليل أبو علي الثقفي حدث بدمشق في جامعها عن عبد العزيز بن أحمد بن محمد التميمي بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلم الله موسى ببيت لحم.(8/85)
الخليل بن عبد القهار
أبو جعفر الصيداوي روى عن هشام بن خالد بسنده عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " حين خلق الله عز وجل جنة عدن خلق فيها ما لاعين رأت ولا خطر على قلب بشر، ثم قال لها: تكلمي، فقالت: قد أفلح المؤمنون ".
كان الخليل رجلاً أديباً من أهل المروءات، ما رئي في حمام قط، ولا في سوق، إلا أن يكون في جنازة، ولا رئي في ميضأة قط. وكان فصيحاً.
الخليل بن منصور بن محمد
أبو سعيد البستي قدم دمشق.
حدث عن أبي عبد الله محمد بن حاتم الشروطي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس شيء أكرم على الله من الدعاء ".
الخليل بن موسى الباهلي البصري
سكن دمشق.
حدث عن ابن عون بسنده عن أنس بن مالك قال: كنت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ مر على حجرة، فرأى فيها قوماً جلوساً يتحدثون؛ فدخل الحجرة وأرخى الستر؛ فجئت أبا طلحة، فقال: لئن كان كما تقول لينزلن الله عز وجل قرآناً؛ فأنزل الله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي " الآية.
وحدث خليل بن موسى عن عبيد الله بن أبي حميد عن أبي المليح عن أبيه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اعتمروا تزدادوا حلماً ".(8/86)
الخليل بن هبة الله بن محمد
ابن الحسن بن أحمد بن الخليل أبو بكر التميمي البزاز حدث عن عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد بسنده عن سفيان بن أسيد الحضرمي أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " كبرت خيانةً أن تحدث أخاك حديثاً هو لك به مصدق، وأنت له به كاذب ".
وحدث عن أبي علي الحسن بن محمد بن الحسن بن القاسم بن درستويه بسنده عن الحسن أن رجلاً مر على رجل يكلم امرأة، فرأى ما لم يملك نفسه؛ فجاء بعصا فضربه حتى سالت الدماء، فشكا الرجل ما لقي إلى عمر بن الخطاب؛ فأرسل عمر إلى الرجل، فسأله؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إني رأيته يكلم امرأة، فرأيت منه ما لم أملك نفسي؛ فتكلم عمر ثم قال: وأينا كان يفعل هذا؟! ثم قال للرجل: اذهب، عين من عيون الله أصابتك.
وحدث في سنة اثنتين وأربعين وأربع مئة، عن أبي علي الحسن بن محمد بسنده عن أم قيس ابنة محصن الأسدية أخت عكاشة قالت: دخلت بابني على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد أعلقت عليه من العذرة فقال: علام تدغرن أولادكن بهذا العلاق؟ عليكم بهذا العود الهندي، فإن فيه سبعة أشفية، يسعط به من العذرة، ويلد به من ذات الجنب.(8/87)
توفي أبو بكر الخليل في سنة اثنتين وأربعين وأربع مئة.
خمار بن أحمد بن طولون
المعروف بخمارويه أبو الجيش الأمير بن الأمير، ولي إمرة دمشق ومصر والثغور بعد أبيه أحمد بن طولون. وكان جواداً ممدحاً.
روي عن أحمد بن خاقان أن المستعين بالله وهب أحمد بن طولون جاريةً اسمها مياس، فولدت منه بسامره أبا الجيش خمارويه بن أحمد في المحرم سنة خمسين ومئتين. مدة ولايته على مصر اثنتا عشرة سنة وثمانية عشر يوماً.
قال أحمد بن يوسف: اجتمع الحسن بن مهاجر وأحمد بن محمد الواسطي الغد من يوم مات أحمد بن طولون على أخذ البيعة لآبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون، فبدؤوا بالعباس بن أحمد بن طولون قبل سائر الناس، لأنه أخوه وأكبر منه سناً؛ فوجهوا إليه عدة من خواص خدم أبيه، يستحضرونه لرأي رأوه. فلما وافى العباس قامت الجماعة إليه وصدروه، وأبو الجيش قاعد في صدر مجلس أبيه؛ فعزاه الواسطي وبكى وبكى الجماعة، ثم أحضر المصحف وقال الواسطي للعباس: تبايع أخاك، فقال العباس: أبو الجيش، فديته ابني، وليس يسومني هذا، ومن المحال أن يكون أحد أشفق عليه مني؛ فقال الواسطي: ما أصلحتك هذه المحبة، أبو الجيش أميرك وسيدك، ومن استحق بحسن طاعته لك التقديم عليك. فلم يبايع العباس، فقام طبارجي وسعد الأيسر، فأخذا سيفه ومنطقته وعدلا به إلى حجرة من(8/88)
الميدان، فلم يخرج منها إلا ميتاً. وبايع الناس كلهم لأبي الجيش، وأعطاهم البيعة، وأخرج مالاً عظيماً ففرقه على الأولياء وسائر الناس.
وصحت البيعة لأبي الجيش يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ذي القعدة سنة سبعين ومئتين.
قال أبو علي الحسين بن أحمد المادرائي: كان أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون يتنزه في مرج عذراء بدمشق، وكان أبو زنبور عامل أبي الجيش. قال: فغنى له المعزفاني في الليل صوتاً أبدل فيه كلمةً؛ والصوت:
قد قلت لما هاج قلبي الذكرى ... وأعرضت وسط السماء الشعرى
كأنها ياقوتة في مذرى ... ما أطيب العيش بسر من را
فجعله المعزفاني: ما أطيب الليل بمرج عذرا فأمر له أبو الجيش بمئة ألف دينار؛ قال أبو زنبور: فقلت: أيها الأمير، تعطي مغنياً في بدل كلمة ألف دينار وتضايق المعتضد!؟ قال: فقال لي: فكيف أعمل وقد أمرت وليس أرجع؟ فقلت له: تجعلها مئة ألف درهم، وما بقي له تقسطها في سنين يعني المائة ألف دينار حتى تصير إليه.
قال أبو محمد: حدثني أبي قال: كنت مع أبي الجيش وهو في الصيد على نهر ثورا بدمشق، فانحدر من الجبل أعرابي(8/89)
عليه كساء، فجاء حتى أخذ بشكيمة لجامه وهو منفرد، على يده بازي، فنفر البازي، فصاح عليه الغلمان، فقال: دعوه؛ فقال له: أيها الملك قف واسمع، فقال: قل، فقال:
إن السنان وحد السيف لو نطقا ... لحدثا عنك بين الناس بالعجب
أفنيت مالك تعطيه وتنهبه ... يا آفة الفضة البيضاء والذهب
فالتفت أبو الجيش إلى الخادم الذي معه الخريطة فقال: فرغها؛ قال: وكان رسم الخريطة خمس مئة دينار، ففرغها في كسائه؛ فقال له: أيها الملك، زدني، قال: فالتفت إلى الغلمان فقال لهم: اطرحوا سيوفكم ومناطقكم عليه، قال: فطرحوا، قال فقال له: أيها الملك، أثقلتني! فقال: أعطوه بغلاُ يحمله عليه، قال: فلما انصرف أمرني أن أعطي كل من طرح سيفه ومنطقته عليه سيفاً ومنطقة ذهب. قال: فصنعناها لهم ودفعناها إليهم.
قال محمد بن يوسف الطولوني: أراني فرهيوه كاتب ابن مهاجر ثبت ما حمل إلى الحضرة للمعتمد، وفرق في جماعة لأربع سنين أولهن سنة اثنتين وستين ومئتين وآخرهن سنة ست وستين ومئتين مما نفدت به سفاتج، ولم يظهر تفريقه، فكان في جملته ألفا ألف دينار ومئتا ألف دينار، يعني من جهة أحمد بن طولون. قال: فقلت له: أيما كان أوسع نفقةً أحمد أو أبو الجيش؟ قال: كان أبو الجيش أوسع صدراً، وأكثر نفقةً، وأحمد كان يجد في نفقته، وأبو الجيش يهزل فيها.
قال إبراهيم بن محمد بن صالح الدمشقي: كان أبو الجيش كثير اللواط بالخدم، معجبا به، مجترئاً في ذلك؛ وبلغ من أمره في اللواط بهم أنه دخل مع خدم له الحمام، فأراد من واحد منهم الفاحشة، فامتنع الخادم واستحيا من الخدم الذين معه في الحمام، فأمر أبو الجيش أن يدخل في دبر الخادم يد كرنيب غليظ مدور ففعل ذلك به، فما زال الخادم يضطرب ويصيح في الحمام حتى مات. فبغضه(8/90)
سائر الخدم وتبرموا به، واستقبحوا ما كان يفعله بهم، وأنفوا من ذلك؛ فاستفتوا العلماء في حد اللوطي؟ فقالوا: حده القتل. فتواطأ على قتله بعد الفتيا جماعة من خدمه فقتلوه ليلة الأحد، لليلتين بقيتا إلى عيد ذي الحجة، سنة اثنتين وثمانين ومئتين في قصره بدير المران خارج مدينة دمشق؛ وهربوا على طريق البرية على أن يوافوا بغداد. فخرج خلفهم طغج بن جف، فأخذهم وأدخلهم إلى دمشق مشهورين، وذهب بهم إلى طريق دير المران طريق القصر، فضرب أعناقهم وصلبهم بالقرب من قصر أبي الجيش.
وقيل في قتله: إنه كان اتهم خادماً من خواص خدمه بجارية له، فهدده أن يقتله؛ فاستغوى الخادم جماعةً من الخدم الخاصة وحضهم على قتله في ليلتهم. وشرب خمارويه ذلك اليوم شرباً كثيراً، فاحتملوه وأدخلوه بيت مرقده وذبحوه في الليل ذبحاً. فأصبح أهل الدار، فلم يروا حركته ولا رأوه يقوم في وقته؛ ففتشوا عن أمره، فأصابوه مذبوحاً؛ فجاؤوا بجيش ابنه، فوقفوه عليه، وقرر الخدم فأقروا بذلك، فضرب أعناقهم وصلبهم، ودعا الجند والموالي إلى بيعته، فبايعوه، وانصرف من دمشق إلى مصر.
وقال أحمد بن الخير: إن أبا الجيش حمل في تابوت من دمشق إلى مصر ودفن إلى جانب قبر أبيه أحمد بن طولون.
حدث عبد الوهاب بن الحسن عن أبيه قال: لحقنا غلاء في بعض السنين، قال: فخرجت إلى حمص أشتري لأهلي قوتاً، فأتيت حمص فنزلت بها، ودخلت جامعها، فإذا رجل مؤذن قد عرفني، وأضافني عنده في المئذنة، وكانت ليلة مقمرة، فلما كان وقت السحر الأول قام يؤذن، فانتبهت فقمت، فأشرفت من المئذنة، فإذا بكلب قد أقبل إلى كلب عند المئذنة، فقام إليه فقال له: من أين جئت؟ قال: من دمشق الساعة. قال له: وما رأيت فيها؟ قال: الساعة قتل أبو الجيش بن طولون، قال: ومن قتله؟ قال: بعض غلمانه؛ فقلت للمؤذن: ألا تسمع ما أسمع؟ قال نعم! فورخت ذلك اليوم ثم سرت إلى دمشق، فوجدت الخبر صحيحا وأنه قتل في تلك الساعة التي حدث بها الكلب.(8/91)
وقيل: إن أبا الجيش دفن بحوران قريباً من قبر أبي عبيد البسري، وإنه رئي بعد ذلك في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي ورحمني، فقيل له: بماذا؟ قال: عادت علي بركة مجاورة قبر أبي عبيد البسري.
خوبلد بن خالد بن محرث بن أسد
ابن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر أبو ذؤيب الهذلي شاعر مجيد مخضرم، أدرك الجاهلية؛ وقدم المدينة عند وفاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأسلم وحسن إسلامه؛ وغزا الروم في خلافة عمر بن الخطاب؛ ومات ببلاد الروم. وكان أشعر هذيل، وكان هذيل أشعر أحياء العرب.
حدث أبو ذؤيب الشاعر قال: بلغنا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليل، وقع ذلك إلينا عن رجل من الحي قدم مغتماً، فأوجس أهل الحي خيفةً وأشعرنا حزناً؛ فبت بليلة باتت النجوم طويلة الإباء، لا ينجاب ديجورها، ولا يطلع نورها؛ فظلت أقاسي طولها وأقارن غولها، حتى إذا كان دوين السفر وقرب السحر خفت، فهتف الهاتف وهو يقول:
خطب أجل أناخ بالإسلام ... بين النخيل ومعقد الآطام
قبض النبي محمد فعيوننا ... تذري الدموع عليه بالتسجام(8/92)
قال أبو ذؤيب: فوثبت من نومي فزعاً؛ فنظرت إلى السماء، فلم أر إلا سعد الذابح، فتفائلت به ذبحاً يقع في العرب، وعلمت أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد قبض، أو هو ميت. فركبت ناقتي وسرت؛ فلما أصبحت طلبت شيئاً أزجره، فعن لي شيهم يعني القنفذ قد قبض على صل يعني الحية فهو يلتوي عليه والشيهم يقضمه حتى أكله، فزجرت ذلك وقلت: تلوي الصل انفتال الناس عن الحق على القائم بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ثم أولت أكل الشيهم إياه غلبة القائم على الأمر؛ فحثثت ناقتي حتى إذا كنت بالعالية زجرت الطائر، فأخبرني بوفاته؛ ونعب غراب سانح فنطق بمثل ذلك؛ فتعوذت من شر ما عن لي في طريقي، وقدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج إذا أهلوا بالإحرام، فقلت: مه؟ فقيل: قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فجئت إلى المسجد فوجدته خالياً، فأتيت بيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأصبته مرتجاً وقد خلا به أهله، فقلت: أين الناس؟ فقيل لي: هم في سقيفة بني ساعدة، صاروا إلى الأنصار، فجئت إلى السقيفة فأصبت أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بن الجراح وسالماً وجماعةً من قريش. ورأيت الأنصار فيهم سعد بن عبادة، ومعهم شعراؤهم حسان بن ثابت وكعب وملأ منهم، فأويت إلى قريش؛ وتكلمت الأنصار فأطالوا الخطب وأكثروا الصواب، وتكلم أبو بكر، فلله من رجل! لا يطيل الكلام، ويعلم مواضع فصل الخصام. والله لتكلم بكلام لا يسمعه سامع إلا انقاذ له، ومال إليه؛ ثم تكلم بعده عمر بدون كلامه، ومد يده فبايعه؛ ورجع أبو بكر، ورجعت معه.
قال أبو ذؤيب: فشهدت الصلاة على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهدت دفنه؛ ولقد بايع الناس من أبي بكر رجلاً خل قداماها ولم يركب ذناباها. ورثى أبو ذؤيب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأبيات.(8/93)
أنشد أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب لآبي ذؤيب الهذلي يرثي بنين له ماتوا:
وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع
فالعين بعدهم كأن حداقها ... سملت بشوك فهي عور تدمع
وتجلدي للشامتين أريهم ... أني لريب الدهر لا أتضعضع
حتى كأني للحوادث مروة ... بصفا المشرق كل يوم تقرع
والنفس راغبة إذا رغبتها ... وإذا ترد إلى قليل تقنع
المشرق: نحو مسجد الخيف. والمرو: الحجارة قال الأصمعي: أبرع بيت قالته العرب بيت أبو ذؤيب:
النفس راغبة إذا رغبتها ... وإذا ترد إلى قليل تقنع
وأحسن ما قيل في الاستعفاف:
من يسأل الناس يحرموه ... وسائل الله لا يخيب
وأحسن ما قيل في حفظ المال قول المتلمس:
قليل المال تصلحه فيبقى ... ولا يبقى الكثير مع الفساد
وأحسن ما قيل في الكبر:
أرى بصري قد رابني بعد صحة ... وحسبك داء أن تصح وتسلما(8/94)
وأحسن مرثية قول أوس بن حجر الكندي:
أيتها النفس أجملي جزعا ... إن الذي تحذرين قد وقعا
خرج أبو ذؤيب مع ابنه وابن أخ له يقال له أبو عبيد حتى قدموا على عمر بن الخطاب فقال له: أي العمل أفضل يا أمير المؤمنين؟ قال: إيمان بالله ورسوله؛ قال: قد فعلت فأيه أفضل بعده؟ قال: الجهاد في سبيل الله؛ قال: ذلك كان عملي، فلا أرجو جنة ولا أخاف ناراً؛ ثم خرج فغزا الروم مع المسلمين. فلما قفلوا أخذه الموت، فأراد ابنه وابن أخيه أن يتخلفا عليه جميعاً، فمنعهما صاحب الساقة وقال: ليتخلف عليه أحدكما وليعلم أنه مقتول. فاتكلا بينهما من يتخلف عليه، فقال لهما أبو ذؤيب: اقترعا، فطارت القرعة لأبي عبيد، فتخلف عليه ومضى ابنه مع الناس. فكان ابن أخيه يحدث قال: قال لي أبو ذؤيب: يا أبا عبيد احفر ذلك الجرف برمحك، ثم اعضد من الشجر بسيفك، واجررني إلى هذا النهر، فإنك لا تفرغ حتى أفرغ، فاغسلني وكفني بكفني، ثم اجعلني في حفرتك، وانثل علي الجرف برمحك، وألق علي الغصون والحجارة؛ ثم اتبع الناس فإن لهم رهجة تراها في الأفق إذا أمسيت كأنها جهامة. قال: فما أخطأ مما قال شيئاً، ولولا نعته لم أهتد لأثر الجيش. وقال وهو يجود بنفسه:
أبا عبيد وقع الكتاب ... واقترب الموعود والحساب
وعند رحلي جمل نجاب ... أحمر في حاركه انصباب
ثم مضيت حتى لحقت الناس. فكان يقال: إن أهل الإسلام أبعدوا الأثرة في بلاد الروم؛ فما كان وراء قبر أبي ذؤيب قبر يعلم للمسلمين. وقيل: إنه مات بغزوة إفريقية.(8/95)
خويلد بن نفيل بن عمرو بن كلاب
الكلابي شاعر وفد على الحارث بن أبي شمر الغساني متظلماً.
كان الحارث بن أبي شمر الغساني إذا أعجبته امرأة من قيس بعث إليها فاغتصبها نفسها؛ فبعث إلى الزاهرية بنت خويلد بن نفيل بن عمرو بن كلاب، فاغتصبها، فأتاه أبوها فقال في ذلك:
يا أيها الملك المخوف أما ترى ... ليلاً وصبحاً كيف يختلفان
هل تستطيع الشمس أن تأتي بها ... ليلاً وهل لك بالمليك يدان
واعلم وأيقن أن ملكك زائل ... واعلم بأن كما تدين تدان
فقال الحارث: من هذا؟ قالوا: الكلابي المغتصب ابنته! فتذمم وخاف العقوبة، فردها وأعطاه ثلاث مئة بعير.
خلاد بن محمد بن هانئ بن واقد
أبو يزيد الأسدي الخناصري من أهل خناصرة.
روى عن أبيه محمد بن هانئ بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أفضل الهدية أو أفضل العطية الكلمة من كلام الحكمة يسمعها العبد، ثم يتعلمها ثم يعلمها أخاه، خير له من عبادة سنة على نيتها ".
وعنه أيضاً بسنده عن معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من احتكر طعاماً على أمتي أربعين يوماً وتصدق به لم يقبل منه "(8/96)
خيار بن أوفى
ويقال ابن أبي أوفى النهدي شاعر مجيد.
قال عيسى بن يزيد: دخل خيار بن أوفى النهدي على معاوية فقال: ما صنع بك الدهر؟ قال: ضعضع قناتي، وشتت سراتي، وجرأ علي عداتي. قال: فأنشدني ما قلت في الخمر والنهي عنها؟ فقال:
أنهد بن زيد ليس في الخمر رفعة ... فلا تقربوها إنني غير فاعل
فإني وجدت الخمر شيناً ولم يزل ... أخو الخمر حلالاً شرار المنازل
فكم قد رأينا من فتىً ذي جهالة ... صحا بعد أزمان وطول تجاهل
ومن سيد قد قنعته خزاية ... فعاد ذليلاً ضحكة في المحافل
فلله أقوام تمادوا بشربها ... فأضحوا وهم أحدوثة في القوافل
فقال معاوية: صدقت والله، لكم من سيد أدمنها فتركته ضحكة وأحدوثةً، ومن ذي رغبة فيها قد صحا عنها فصار سيد قومه وعزهم، والله ما وضع شيء قط الرجل كما وضعه الشراب، والله لهي الداء العياء؛ وما رأيت كذي عقل شربها أو رأى من شربها فعاد لشربها وقد علم ما فيها من العار والشنار؛ وإنها لهي الداعية إلى كل سوأة، والحاملة على كل بلية، والمحسنة لكل قبيح، وما هي بأكرومة، وما يريد الله بها خيراً؛ وإنها لتورث الفقر والفاقة، وتحمل على العظيمة، وتزري بالكريم.(8/97)
خيار بن رياح بن عبيدة البصري
كان في صحابة عمر بن عبد العزيز.
قال الخيار: كنت في مجلس فجاءنا عمر بن عبد العزيز قال: وذلك قبل أن يستخلف فقعد ولم يسلم، قال: فذكر، فقام فسلم ثم قعد.
روي أن عبد الله بن عمر بن عبد العزيز أتى إلى أبيه وهو خليفة يستكسي أباه فقال: يا أبه اكسني، فقال: اذهب إلى الخيار بن رياح البصري، فإن عنده ثياباً فخذ منها ما بدا لك. قال: فذهب إلى الخيار بن رياح فقال: إني استكسيت أبي فأرسلني إليك وقال: إن لي عند الخيار ثياباً، فقال: صدق أمير المؤمنين؛ فأخرج إليه ثياباً سنبلانيةً أو قطرية، فقال: هذا مالأمير المؤمنين عندي فخذ منها ما بدا لك. قال عبد الله بن عمر: ما هذا من ثيابي ولا من ثياب قومي فقال: هذا مالأمير المؤمنين عندي. فرجع عبد الله بن عمر إلى أبيه عمر بن عبد العزيز فقال: يا أبتاه، استكسيتك فأرسلتني إلى الخيار بن رياح، فأخرج لي ثياباً ليست من ثيابي ولا من ثياب قومي، قال: فذاك ما لنا عند الرجل؛ فانصرف عبد الله بن عمر، حتى إذا كاد أن يخرج ناداه فقال: هل لك أن أسلفك من عطائك مئة درهم؟ قال: نعم يا أبتاه؛ فأسلفه مئة درهم. فلما خرج عطاؤه حوسب بها فأخذت منه.(8/98)
خيثمة بن سليمان بن حيدرة
ويقال خيثمة بن سليمان ابن الحر بن حيدرة بن سليمان أبو الحسن القرشي الأطرابلسي ففي نسبه اختلاف. أحد الثقات المكثرين الرحالين في طلب الحديث. سمع بالشام واليمن وبغداد والكوفة وواسط.
حدث أبو الحسن خيثمة في المسجد الجامع بدمشق سنة ثلاث وأربعين وثلاث مئة عن يحيى بن أبي طالب بسنده عن عبد الله بن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن رجلاً في الجاهلية جعل يفتخر وعليه حلة قد لبسها، فأمر الله الأرض فأخذته، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ".
قال خيثمة: كنت في البحر وقصدت جبلة، أسمع من يوسف بن بحر؛ وخرجت منها أريد أنطاكية لأسمع من يوسف بن سعيد بن المسلم، فلقينا مركب من مراكب العدو، فقاتلناهم، وكنت ممن قاتل، فسلم المركب قوم من مقدمه؛ فأخذوني فضربوني ضرباً وجيعاً، وكتبوا أسماء الأسرى، فقالوا لي: اسمك؟ قلت: خيثمة. قالوا: ابن من؟ قلت: ابن حيدرة، فقالوا: اكتب حمار ابن حمار. قال: فلما ضربوني سكرت ونمت، فرأيت في النوم كأني في الآخرة، وكأني أنظر إلى الجنة، وعلى بابها من الحور العين جماعة يتلاعبن، فقالت إحداهن لي: يا شقي، أيش فاتك، فقالت الأخرى: أيش فاته؟ قالت: لو كان قتل مع أصحابه كان في الجنة مع الحور العين؛ فقالت لها الأخرى: يا فلانة؛ لأن يرزقه الله الشهادة في عز من الإسلام وذل من الشرك خير من أن يرزقه شهادة في ذل الإسلام وعز من الشرك. ثم انتبهت وجعلت في الأسرى، فرأيت في بعض الليالي في منامي كأن قائلاً يقول لي: اقرأ " براءة مكن الله ورسوله " فقرأتها إلى(8/99)
أن بلغت " فسيحوا في الأرض أربعة أشهر " وقال: وانتبهت، فعددت من ليلة الرؤيا أربعة أشهر ففك الله أسري.
ولد خيثمة سنة سبع وعشرين ومئتين، وقيل: سنة سبع عشرة. وتوفي سنة ثلاث وأربعين وثلاث مئة.
خيران بن العلاء
أبو بكر الكلبي الكيساني الأصم من أهل دمشق.
حدث عن الأوزاعي عن مكحول قال: سمعت واثلة بن الأسقع الليثي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أول من يلحقني من أهلي أنت يا فاطمة، وأول من يلحقني من أزواجي زينب، وهي أطولهن كفاً. قال: وكانت زينب من أعمد الناس لقبال أو شسع، أو قربة أو إداوة، وتفتل وتحمل وتعطي في سبيل الله. فلذلك قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أطولكن كفاً.
وحدث عن زهير بن محمد عن ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تكثروا الكلام عند مجامعة النساء، فإن منه يكون الخرس والفأفاء ".
وحدث خيران الكلبي أيضاً عن الأوزاعي عن سليمان بن حبيب عن ابن عمر قال: لو أدخلت إصبعي في الخمر ما أحببت أن تتبعني.
وفي موضع آخر قال: قال عمر بن عبد العزيز.(8/100)
خير بن عرفة بن عبد الله
ابن كامل أبو طاهر المصري مولى الأنصار سمع بدمشق وغيرها.
حدث عن أبي أيوب سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي بسنده عن أبي الدرداء عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " قال الله تعالى: ابن آدم؛ لا تعجزني من أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره ".
وحدث عن عروة بن مروان بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة.
وحدث أيضاً عن حيوة بن شريح الحمصي بسنده عن أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " قال الله عز وجل: إني والجن والإنس في نبإ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر غيري ".
توفي خير بن عرفة سنة ثلاث وثمانين ومئتين. وكان قد أسن.(8/101)
أسماء النساء على حرف الخاء المعجمة
خديجة بنت علي بن إبراهيم
ابن يوسف الشقيقي البصرية أخت أبي الحسن محمد بن علي. حدثت بدمشق.
روت عن أبيها بسنده عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اطلبوا الخير عند صباح الوجوه ". وأنشد خيثمة:
أنت شرط النبي إذ قال يوماً ... اطلبوا الخير من صباح الوجوه
خصيلة بنت واثلة بن الأسقع
كانت تسكن بيت المقدس.
حدثت خصيلة قالت: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن من الكبائر أن تقول للرجل علي ما لم أقل ".
وعن خصيلة بنت واثلة قالت: دعاني أبي واثلة يوماً فقال: يا خصيلة، ادني مني، فدنوت منه، فقال: أدني مني يدك اليمنى؛ فثنى إصبعي الخنصر، ثم قال لي: عليك بالصبر؛ ثم ثنى التي تليها(8/102)
ثم قال: عليك بالصبر؛ ثم ثنى التي تليها ثم قال: عليك بالصبر؛ حتى ثنى الخمس ثم قال: أدني مني يدك الأخرى؛ ففعل مثل ذلك، ثم جمع يدي جميعاً وقال: يا خصيلة، فعلت بك كما فعل بي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقلت لك كما قال لي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
خيرة بنت أبي حدرد أم الدرداء الكبرى
الأسلمية زوج أبي الدرداء لها صحبة. وروت عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حدثت أم الدرداء انها سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من شرب الخمر لم يرض الله عنه أربعين صباحاً، فإن مات مات كافراً ".
وحدثت أم الدرداء أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقيها يوماً فقال: من أين جئت يا أم الدرداء؟ فقالت: من الحمام، فقال لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما من امرأة تنزع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله ".
وفي حديث آخر بمعناه: إلا هتكت كل ستر بينها وبين الرحمن عز وجل.
قال ميمون بن مهران: سألت أم الدرداء: أهل سمعت من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً؟ قالت: نعم، سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أول ما يوضع في الميزان الخلق الحسن.
قال الحافظ: هذا الحديث وهم، فإن أم الدرداء الكبرى توفيت في حياة أبي الدرداء؛ وميمون بن مهران ولد عام الجماعة سنة أربعين؛ وإنما يروى عن أم الدرداء الصغرى، ولم تسمع من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً؛ وهذا الحديث محفوظ عن أم الدرداء عن أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أسماء الرجال على(8/103)
حرف الدال المهملة
دارا بن منصور بن دارا بن العلاء
ابن أحمد بن علي بن عبد الرحمن بن علي بن عيسى بن يزدجرد بن شهريار، أبو الفتح الفارسي ورد دمشق صحبة نور الدين رحمه الله، وكان يكتب له بالعربي والعجمي، وكان جده دارا كاتباً للسلطان أبي الفتح ملك شاه؛ ثم ترك الكتابة وانقطع في منزله، وقال يصف حاله:
قالت أميمة إذ رأت من عطلتي ... ما استكثرته وحق ذا من شاني:
أنبا بك الديوان أم بك نبوة ... عنه فتقعد خارج الديوان؟
إذ أنت من شهد اليراعة أنه ... في حلبتيها فارس الفرسان
أو كنت من أفنى ثميلة عمره ... وشبابه في خدمة السلطان
ولكم مقام قمت فيه ومجلس ... رفعت فيه إلى أعز مكان
وكتابة سيرت من إيرادها ... ما سيرته البرد في البلدان
فلم اطرحت ولم جفتك عصابة ... لهم بحقك أصدق العرفان؟
فأجبتها إن الأحاجي لم تزل ... مقدورةً لرجال كل زمان
إن لم أنل فيهم كفاء فضيلتي ... فالفضل ينطق لي بكل لسان
ولو أن نفسي طاوعتني لم أكن ... في نيل أسباب الغنى بالواني
ولربما لحق الجواهر بذلة ... من بعد ما رصعن في التيجان(8/104)
داود بن إيشا بن عوبد بن باعز
ابن سلمون بن نحشون بن عونبارب بن إرم بن حصرون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ويقال: داود بن زكريا بن بشوى نبي الله وخليفته في أرضه، من أهل بيت المقدس. روي أنه جاء إلى ناحية دمشق، وقتل جالوت عند قصر أم حكيم بقرب مرج الصفر.
حدث سعيد بن عبد العزيز، قال: في قول الله عز وجل: " إن الله مبتليكم بنهر، فمن شرب منه فليس مني، ومن لم يطعمه فإنه مني " قال: هو النهر الذي عند قنطرة أم حكيم بنت الحارث بن هشام. وقال سعيد بن عبد العزيز: وقيل: غسل يحيى لعيسى عليهما السلام.
كان سبب ما أراد الله عز وجل من الخير والكرامة بداود انه كان داود مع أربعة إخوة له، وكان أبوهم شيخاً كبيراً، فخرج إخوة داود مع طالوت وتخلف أبوهم، وأمسك داود يرعى غنماً له، وقد تقارب الناس للقتال، ودنا بعضهم من بعض؛ وكان داود رجلاً قصيراً، أزرق، أزعر قليل شعر الرأس طاهر القلب؛ فبينما هو في غنمه يرعاها إذ أتاه نداء: يا داود، انت قاتل جالوت فما تصنع هاهنا؟! استودع غنمك ربك عز وجل والحق بإخوتك، فإن طالوت قد جعل لمن يقتل جالوت نصف ماله، ويزوجه ابنته. قال: فاستودع غنمه ربه، وخرج حتى أتاه؛ فقال له: ما جاء بك؟ قال: جئت ألحق بإخوتي فأنظر ما حالهم وكره أن يخبر أباه ما سمع، وقيل إن أباه اتخذ لإخوته زاداً فقال له:(8/105)
يا بني، انطلق إلى إخوتك بما لهم يتقوون به على عدوهم، فادفعه إليهم وانظر ما حالهم، وعجل الاتصراف إلي وإلى ضيعتك.
وروي عن جماعة علماء أن داود خرج ومعه زاد لإخوته، ومعه عصاه ومخلاته ومرجمته، وهي القذافة، وهي المقلاع الذي يرمي به السباع عن غنمه. قال: فبينا هو يمشي إذ ناداه حجر فقال: يا داود، احملني أقتل لك جالوت. قال: من أنت؟ قال: أنا حجر إبراهيم الذي قتل بي كذا وكذا، أنا أقتل جالوت بإذن الله. قال: فحمله، فجعله في مخلاته ثم مضى؛ فناداه حجر آخر فقال: يا داود، احملني؛ قال: من أنت؟ قال: أنا حجر إسحاق الذي قتل بي كذا وكذا، أنا أقتل جالوت بإذن الله. قال: فحمله وجعله في مخلاته ثم مضى؛ فإذا هو بحجر آخر فقال: يا داود، احملني معك؛ قال: من أنت؟ قال: أنا حجر يعقوب، أنا أقتل جالوت بإذن الله عز وجل؛ فقال له داود: كيف تقتله؟ قال: أستعين بالريح، فتلقي بيضته، وأصيب جبهته فأنفذها منه فأقتله؛ فحمله وجهله في مخلاته.
قال وهب بن منبه: لما تقدم داود أدخل يده في مخلاته فإذا تلك الحجارة الثلاثة صارت حجراً واحداً. قال: فأخرجه فوضعه في مقلاعه؛ فأوحى الله إلى الملائكة أن أعينوا عبدي داود وانصروه. قال: فتقدم داود وكبر؛ قال: فأجابه الخلق غير الثقلين؛ الملائكة وحملة العرش فمن دونهم؛ فسمع جالوت وجنده شيئاً ظنوا أن الله عز وجل قد حشر عليهم أهل الدنيا؛ وهبت ريح وأظلمت عليهم، وألقت بيضة جالوت، وقذف داود الحجر في مقلاعه، ثم أرسله، فصار الحجر ثلاثة، فأصاب أحدهم جبهة جالوت، فنفذ هامته فألقاه قتيلاً، وذهب الحجر الآخر فأصاب ميمنة جند جالوت فهزمهم، والثالث أصاب الميسرة فهزمهم؛ وظنوا أن الجبال قد خرت عليهم، فولوا مدبرين، وقتل بعضهم بعضاً؛ ومنح الله عز وجل بني إسرائيل أكتافهم حتى أبادهم. وانصرف طالوت ببني إسرائيل مظفراً، قد نصرهم الله عز وجل على عدوهم. فزوج ابنته من داود عليه السلام، وقاسمه نصف ماله.
روي عن عبدة بن حزن النصري قال: تفاخرعند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحاب الإبل وأصحاب الغنم، فقال أصحاب الإبل: وما(8/106)
أنتم يا رعاة الشاء، هل تحيون شيئاً أو تصيدونه؟! ما هي إلا شويهات أحدكم، يرعاها ثم يروحها.. حتى أصمتوهم. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بعث داود وهو راعي غنم، وبعث موسى وهو راعي غنم، وبعثت أنا وأنا أرعى غنم أهلي بأجياد. فغلبهم أصحاب الغنم.
وفي حديث آخر بمعناه: تفاخر رعاء الإبل ورعاء الغنم عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بعث موسى راعي غنم، وبعثت أنا راعي غنم بأجياد. فغلبهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنزلت الصحف على إبراهيم في ليلتين من رمضان، وأنزل الزبور على داود في ست، وأنزلت التوراة على موسى لثمان عشرة من رمضان، وأنزل الفرقان على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأربع وعشرين من رمضان.
وعن مجاهد قال: قلت لابن عباس: أسجد في ص؟ فتلا هذه الآية: " ومن ذريته داود وسليمان " إلى قوله: " أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده "؟ قال: كان داود ممن أمر نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقتدي به.
وعن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " حقاً لم يكن لقمان نبياً، ولكن كان عبداً صمصامةً، كثير التفكير، حسن الظن؛ أحب الله فأحبه، وضمن عليه بالحكمة. كان نائماً نصف النهار إذ جاءه نداء: يا لقمان، هل لك أن يجعلك الله خليفةً في الأرض فتحكم بين الناس بالحق؟ فانتبه، فأجاب الصوت فقال: إن يخيرني ربي قبلت، فإني أعلم إن فعل ذلك بي أعانني وعلمني وعصمني، وإن خيرني ربي قبلت العافية ولم أقبل البلاء. فقالت الملائكة بصوت لا يراهم: لم يا لقمان؟ قال: لأن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها، يغشاه الظلم من كل مكان، ينجو ويعان(8/107)
وبالحري أن ينجو؛ وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة؛ ومن يكن في الدنيا ذليلاً حرم أن يكون شريفاً؛ ومن يختر الدنيا على الآخرة تفتنه الدنيا ولا يصيب ملك الآخرة. قال: فعجبت الملائكة من حسن منطقه. فنام نومةً، فغط بالحكمة غطاً، فانتبه فتكلم بها. ثم نودي داود بعده فقبلها ولم يشترط شرط لقمان؛ فهوى في الخطيئة غير مرة، وكل ذلك يصفح الله ويتجاوز ويغفر له. وكان لقمان يؤازره بالحكمة وعلمه؛ فقال له داود: طوبى لك يا لقمان. أوتيت الحكمة وصرفت عنك البلية. وأوتي داود الخلافة وابتلي بالرزية أو الفتنة ".
وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان داود يقول: اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، والعمل الذي يبلغني حبك؛ اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي وأهلي، ومن الماء البارد. قال: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ذكر داود وحدث عنه قال: كان أعبد البشر.
وعن أنس بن مالك أن رجلاُ قال للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا خير الناس. قال: ذاك إبراهيم. قال: يا أعبد الناس. قال: ذاك داود.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قلت: يا رسول الله، إني رجل أسرد الصوم، أفأصوم الدهر؟ قال: لا، قلت: أفأصوم يومين وأفطر يوماً؟ قال: لا. قال: فجعلت أناقصه حتى قال لي: صم صوم داود، فإنه كان يصوم يوماً ويفطر يوماً.
وعنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " خير الصيام صيام داود، كان يصوم نصف الدهر؛ وخير الصلاة صلاة داود، كان يرقد نصف الليل الأول، ويصلي آخر الليل، حتى إذا بقي سدس الليل رقده ".
وعن عبد الله بن عمرو قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عبد الله بن عمرو، إنك تصوم الدهر، وتقوم الليل، إنك إذا فعلت ذلك هجمت(8/108)
له العين ونفهت له النفس. لا صام من صام الأبد؛ صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله. فقلت: إني أطيق أكثر من ذلك، فقال: صم صوم داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، ولا يفر إذا لاقى ".
وفي حديث آخر بمعناه: فإنه أعدل الصيام عند الله عز وجل.
وقال: هذا هو الصحيح في صومه.
وقد روي عن علي قال: كان داود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم يصوم يوماً ويفطر يومين: يوماً لقضائه ويوماً لنسائه.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خفف على داود القرآن؛ فكان يأمر بدابته فتسرج، فكان يقرأ القرآن من قبل أن تسرج دابته؛ وكان لا يأكل إلا من عمل يده.
قال سفيان: سألت الأعمش عن قوله " وألنا له الحديد "؟ قال: مثل الخيوط.
وعن ابن أبي نجيح: في قوله: " وقدر في السرد "؟ قال: لا يدق المسمار فيسلس في الحلقة، ولا يجله فيفصمها، واجعله قدراً.(8/109)
وعن قتادة: " وعلمناه صنعة لبوس لكم " قال: كانت صفائح، وأول من سردها وحلقها داود.
قال وهب بن منبه: أقام داود عليه السلام صدراً من زمانه على عبادة ربه، ورحمته للمساكين، وكان قل يوم إلا وهو يخرج متنكراً لا يعرف، فإذا لقي القدام ساءلهم عن مقدمهم ثم يقول: أرأيتم داود النبي كيف حاله هو لأمته، ومن هو بين ظهريه، وهل ينقمون من أمره شيئاً؟ فيقولون: لا، هو خير خلق الله عز وجل لنفسه ولأمته؛ حتى بعث الله ملكاً في صورة رجل قادم، فلقيه داود، فسأله كما كان يسأل غيره؟ فقال: هو خير الناس لنفسه وأمته، إلا أن فيه خصلةً لو لم تكن فيه، كان كاملاً!. قال: ما هي؟ قال: يأكل ويطعم عياله من مال المسلمين؛ فعند ذلك نصب داود إلى ربه عز وجل في الدعاء أن يعلمه عملاً بيده يستغني به ويغني عياله، فألان الله عز وجل له الحديد وعلمه صنعة الدروع؛ فعمل الدرع وهو أول من عملها. فقال الله عز وجل: " أن اعمل سابغات وقدر في السرد " يعني المسامير في الحلق. قال: وكان يعمل الدرع، فإذا ارتفع من عملة درع باعها، فتصدق بثلثها، واشترى بثلثها ما يكفيه وعياله، وأمسك الثلث يتصدق به يوماً بيوم إلى أن يعمل غيرها. وقال: إن الله عز وجل أعطى داود شيئاً لم يعطه غيره، من حسن الصوت من خلقه؛ إنه كان إذا قرأ الزبور يسمع الوحش إليه حتى تؤخذ بأعناقها وما تنفر. وما صنعت الشياطين المزامير والبرابط والصنوج إلا على أصناف صوته. وكان شديد الاجتهاد، وكان إذا افتتح الزبور بالقراءة كأنما ينفخ في المزامير. وكان قد أعطي سبعين مزموراً في حلقه.
وعن عروة قال: كان داود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم يخطب الناس وهو نبي، وهو يعمل قفةً من خوص، ويقول لبعض من يليه: اذهب فبعها.(8/110)
وعن أبي الزاهرية قال: كان داود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعمل القفاف فيبيعها ويأكل ثمنها. وكان موسعاً عليه.
وعن الزهري: " أوبي معه " قال: سبحي معه.
قال ثابت: كان داود نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد جزأ ساعات الليل والنهار على أهله، ولم تكن تأتي ساعة من ساعات الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي، فعمهم الله في هذه الآية: " اعملوا آل داود شكراً، وقليل من عبادي الشكور ".
قال مسعر: لما قيل لهم: " اعملوا آل داود شكراً " لم يأت على القوم ساعة إلا ومنهم مصل.
وقال ابن شهاب: في قوله عز وجل: " اعملوا آل داود شكراً " قال: قولوا: الحمد لله.
قال ثابت البناتي: كان داود عليه السلام يطيل الصلاة، ثم يركع ثم يرفع رأسه، ثم يقول: إليك رفعت رأسي يا عامر السماء نظر العبيد إلى أربابها، يا ساكن السماء.
قال وهيب بن الورد: كان داود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد جعل الليل عليه وعلى أهل بيته دولاً، لا تمر ساعةً من ليل إلا وفي بيته لله ساجد وذاكر، فلما كان نوبة داود قام يصلي لنوبته، فكأنه دخل قلبه مما هو وأهل بيته من العبادة؛ فاطلع الله على قلبه وعجبه مما هو فيه وأهل بيته من العبادة، وكان بين يديه نهر، فأنطق الله ضفدعاً من ذاك النهر فنادته فقالت: يا داود، ما يعجبك مما أنت فيه وأهل بيتك من العبادة؟ فوا لذي أكرمك بالنبوة، إني لقائمة لله على رجل ما استراحت أوداجي من تسبيحه منذ خلقني الله إلى هذه الساعة، فما(8/111)
الذي يعجبك مما أنت فيه وأهل بيتك؟ قال: فتصاغر إلى داود ما هو فيه وأهل بيته من العبادة.
وعن سفيان: في قوله تعالى: " واذكر عبدنا داود ذا الأيد " ذا القوة في أمر الله، والنصرة في أمر الله والبصيرة.
قال صدقة بن يسار: كان داود في محرابه، فأبصر دودةً صغيرة، قال: ففكر في خلقها وقال: ما يعبأ الله عز وجل بخلق هذهّ قال: فأنطقها الله عز وجل فقالت: يا داود، أتعجبك نفسك؟ لأنا على قدر ما آتاني الله عز وجل أذكر لله وأشكر له منك على ما آتاك الله. قال الله عز وجل " وإن من شيء إلا يسبح بحمده ".
قال أنس بن مالك: إن داود نبي الله صلى الله على نبينا وعليه وسلم ظن في نفسه أن أحداً لم يمدح خالقه أفضل ما مدحه، وأن ملكاً نزل وهو قاعد في المحراب والبركة إلى جنبه، فقال: يا داود، افهم إلى ما تصوت الضفادع؛ فأنصت داود، فإذا الضفدع تمدحه بمدحة لم يمدحه بها داود؛ فقال له الملك: كيف ترى يا داود؟ فهمت ما قالت؟ قال: نعم، قال: ماذا قالت؟ قال: قالت سبحانك وبحمدك، منتهى علمك يا رب. قال داود: لا، والذي جعلني نبيه إني لم أمدحه بهذا. وعن المغيرة بن عتيبة قال: قال داود: هل بات أحد من خلقك الليلة أطول ذكراً لك مني؟! فأوحى الله إليه: نعم، الضفدع؛ وأنزل الله عليه " اعملوا آل داود شكراً، وقليل من عبادي الشكور ".(8/112)
قال: يا رب، كيف أطيق شكرك وأنت الذي تنعم علي؟! ثم قال: يا رب، كيف أطيق شكرك وأنت الذي تنعم علي ثم ترزقني على النعمة الشكر، ثم تزيدني نعمةً بعد نعمة؟! فالنعمة منك يا رب، والشكر منك، فكيف أطيق شكرك؟ قال: الآن عرفتني يا داود حق معرفتي.
وعن ثابت وغيره قال: أمسى داود عليه السلام صائماً، فلما كان عند إفطاره، أتي بشربة لبن، فقال: من أين لكم هذا اللبن؟ قالوا: من شاتنا، قال: ومن أين ثمنها؟ قالوا: يا نبي الله، من أين يسأل؛ قال: إنا معاشر الرسل أمرنا أن نأكل من الطيبات ونعمل صالحاً.
وعن سعيد المقبري، عن أبيه قال: قال داود: يا رب! قد أنعمت علي كثيراً، فدلني على أن أشكرك كثيراً؛ قال: اذكرني كثيراً، فإذا ذكرتني فقد شكرتني، وإذا نسيتني فقد كفرتني.
وعن أبي الجلد قال: قرأت في مسلة داود عليه السلام أنه قال: أي رب، كيف لي أن أشكرك وأنا لا أصل إلى شكرك إلا بنعمتك؟ قال: فأتاه الوحي أن يا داود، أليس تعلم أن الذي بك من النعم مني؟ قال: بلى يا رب. قال: فإني أرضى بذلك منك شكراً.
وعن سعيد بن عبد العزيز التنوخي أن داود عليه السلام كان يقول: سبحان مستخرج الشكر بالعطاء، ومستخرج الدعاء بالبلاء.
وعن الحسن قال: قال داود: إلهي، لو أن لكل شعرة مني لسانين يسبحانك الليل والنهار ما قضيا نعمةً من نعمك.
قال أبو المنذر: قال داود عليه السلام لما أصاب الذنب وتاب الله عليه: اللهم، ألهمني شكراً يرضيك(8/113)
عني؛ قال: فألهم داود أن قل: الحمد لله رب العالمين كما ينبغي لكرم وجهك وعز جلالك. فجعل يقولها، فنودي من السماء: يا داود، أتعبت الكتبة.
وعن عبد الله بن عامر قال: أعطي داود صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حسن الصوت ما لم يعط أحد قط حتى إن كان الطير والوحش لتعكف حوله عتى تموت عطشاً وجوعاً، وإن الآنهار لتقف.
قال وهب بن منبه: كان داود إذا قرأ القرآن لم يسمعه شيء إلا حجل كهيئة الرقص.
قال ابن عائشة: كان لداود صوت يطرب المحموم، ويسلي الثكلى، وتصغي له الوحش، حتى تؤخذ بأعناقها وما تشعر.
وعن وهب بن منبه: إن بدئ ما صنعت المزامير والبرابط والصنوج، على صوت داود؛ كان يقرأ الزبور بصوت لم تسمع الآذان بمثله قط، فتعكف الجن والإنس والطير والدواب على صوته حتى يهلك بعضها جوعاً؛ فخرج إبليس مذعوراً لما رأى من استئناس الناس والدواب بصوت داود بالزبور، فدعى عفاريته فقال: ما هذا الذي هدأكم فيمن أنتم بين ظهريه؟؟؟! قالوا: مرنا بما أحببت، قال: فإنه لا يصرفهم عنه إلا ما يشبه ما يسمعون منه؛ فعند ذلك احتفروا المزامير والبرابط، واتخذوا الصنوج على أصناف صوته. فلما سمع ذاك غواة الناس والجن انصرفوا إليهم، وانصرفت الدواب والطير أيضاً، وقام داود في بني إسرائيل يحكم فيهم بأمر الله، نبياً حكيماً عابداً مجتهداً. وكان أشد الأنبياء اجتهاداً وأكثرهم بكاءً حتى عرض له من فتنة تلك المرأة ما عرض، وكان له محراب يتوحد فيه لتلاوة الزبور، ولصلاته إذا صلى؛ وكان أسفل منه بستان لرجل من بني إسرائيل يقال له أوريا بن صورى، وكانت امرأته سابع بنت حنانا التي أصاب داود عليه السلام منها ما أصاب.(8/114)
قال مالك: كان داود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أخذ في قراءة الزبور تفنقت العذارى.
قال ابن جريج: سألت عطاء عن القراءة على الغناء؟ قال: وما بذلك بأس، سمعت عبيد بن عمير يقول: كان داود نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأخذ المعزفة فيضرب بها ويقرأ عليها، يرد عليه صوته يريد بذلك يبكي ويبكي.
قال أبو موسى الأشعري: داود أول من قال: أما بعد. وهو " فصل الخطاب "
وعن قتادة: في قوله: " وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب " قال: البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه.
وعن شريح: الأيمان والشهود.
وعن أبي عبد الرحمن السلمي: أن داود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم أمر بالقضاء، فقطع به، فأوحى الله عز وجل إليه أن استحلفهم باسمي وسلهم بالبينات. قال: فذاك " فصل الخطاب " وعن ابن عباس: أن رجلاً من بني إسرائيل استعدى على رجل من عظمائهم عند داود فقال: إن هذا غصبني بقراً لي، فسأل داود الرجل عن ذلك، فجحده، فسأل الآخر البينة، فلم يكن له بينة، فقال لهما داود: قوما حتى أنظر في أمركما، فقاما من عنده. فأوحى الله عز وجل إلى داود في منامه أن يقتل الرجل الذي استعدي عليه؛ فقال: هذه رؤيا، ولست أعجل حتى أتثبت، فأوحى الله إليه في منامه أن يقتله، فلم يفعل؛ فأوحى الله إليه في الثالثة أن(8/115)
يفعل أو تأتيه العقوبة. فأرسل داود إليه، فقال له: إن الله أوحى إلي أن أقتلك، فقال الرجل: تقتلني بغير بينة؟! قال داود: نعم، والله لأنفذن أمر الله فيك، فلما عرف الرجل أنه قاتله قال: لا تعجل علي أخبرك، إني والله ما أخذت بهذا الذنب، ولكني كنت اغتلت أبا هذا فقتلته، فبذلك أخذت؛ فأمر به داود فقتل. فاشتدت هيبة بني إسرائيل لداود عند ذلك، وشدد به ملكه؛ وهو قوله: " وشددنا ملكه ".
وعن وهب بن منبه قال: لما كثر الشر في بني إسرائيل وشهادات الزورأعطى الله داود سلسلةً لفصل الخطاب؛ وكانت سلسلةً من ذهب، معلقةً من السماء إلى الأرض بحيال الصخرة إلى بيت المقدس؛ فإذا تشاجر اثنان في شيء قال لهما داود: اذهبا إلى السلسلة؛ فكان أولاهما بالعدل ينالها وإن كان قصيراً. قال: فاستودع رجل رجلاً لؤلؤةً لها خطر، ثم ابتغاها منه، فقال له: رددتها عليك؛ فاستعدى عليه، فانطلق المستعدى عليه فثقف عصاً فجعل فيها اللؤلؤة ثم قبض على العصا وغدا معه إلى داود؛ فقال داود: اذهبا إلى السلسلة، فذهبا، فجاء صاحب اللؤلؤة فقال: اللهم إن كنت تعلم أني استودعت هذا لؤلؤة فلم يردها علي، فأسألك أن أنالها؛ فنال السلسلة. وقال الآخر: كما أنت حتى أدعو أنا أيضاً، أمسك عصاي هذه، فدفعها إليه، فقال: اللهم إن كنت تعلم أني دفعت إليه لؤلؤته فأسألك أن أنالها، فنالها. فقال داود: ما هذا!؟ ينالها الظلوم والمظلوم؟! فأوحى الله إلى داود: أن اللؤلؤة في العصا؛ فارتفعت السلسلة.
وعن وهب: أن داود أراد أن يعلم عدة بني إسرائيل كم هي؟ فبعث لذلك نقباء وعرفاء، وأمرهم أن يدفعوا إليه ما بلغ عددهم؛ فعتب الله عليه ذلك وقال: قد علمت أني وعدت إبراهيم أن أبارك فيه وفي ذريته حتى أجعلهم كعدد نجوم السماء، وأجعلهم لا يحصى عددهم، فأردت أن تعلم عددها! قلت إنه لا يحصى عددهم، فاختاروا بين أن أبتليكم بالجوع ثلاث سنين، أو أسلط عليهم العدو ثلاثةأشهر، أو الموت ثلاثة أيام. فشاور داود بني إسرائيل، فقالوا: ما لنا بالجوع ثلاث سنين صبر، ولا بالعدو ثلاثة أشهر؛ فإن كان لابد، فالموت بيده لا بيد(8/116)
غيره. فذكر وهب أنه مات منهم في ساعة من نهار ألوف كثيرة، لا يدرى ما عددهم. فلما رأى ذلك داود شق عليه ما بلغه من كثرة الموت، فتبتل إلى الله ودعاه فقال: أي رب، أنا آكل الحماض، وبنو إسرائيل يضرسون! أنا طلبت ذلك وأمرت به بني إسرائيل؛ فما كان من شيء فبي واعف عن بني إسرائيل. فاستجاب الله له، ورفع عنهم الموت. فرأى داود الملائكة سالين سيوفهم ثم يغمدونها وهم يرفعون في سلم من ذهب، من الصخرة إلى السماء، فقال داود: هذا مكان ينبغي أن نبني لله فيه مسجداً ونكرمه. فأسس داود قواعده وأراد أن يأخذ في بنائه، فأوحى الله إليه: إن هذا بيت مقدس، وإنك صبغت يديك بالدماء، ولست ببانيه، ولكن ابناً لك املكه بعدك اسمه سليمان وأسلمه من الدنيا. فلما ملك سليمان بناه وشرفه.
قال عباد بن شيبة: بلغني أن داود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلا يوماً فقال: يا رب؛ هجرني الناس فيك، وهجرتهم لك؛ فأوحى الله إلى نبيه عليه السلام: ألا أدلك على شيء يستوي فيه وجوه الناس إليك؟ أن تخالط الناس بأخلاقهم، وتحتجز الإيمان فيما بيني وبينك.
وعن كعب قال: كان داود نبي الله صلى الله على نبينا وعليه وسلم يقول هؤلاء الكلمات ثلاثاً حين يصبح وحين يمسي: اللهم، خلصني من كلمصيبة نزلت الليلة من السماء إلى الأرض، اللهم اجعل لي سهماً في كل حسنة نزلت الليلة من السماء إلى الأرض.
وعن سعيد قال: كان من دعاء داود: اللهم، لا تكثر علي فأطغى، ولا تقل لي فأنسى؛ فإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى؛ اللهم، رزق يوم بيوم، فإذا رأيتني أجور مجالس الذاكرين إلى مجالس المتكبرين فاكسر رجلي، فإنها نعمة منك تمن بها علي.
وعن وهب قال: كان من تحميد داود: الحمد لله عدد قطر المطر، وورق الشجر، وتسبيح الملائكة، وعهدد ما يكون في البر والبحر؛ والحمد لله عدد أنفاس الخلق ولفظهم وطرفهم وظلالهم، وعدد ما عن أيمانهم وعن شمائلهم، وعدد ما قهره ملكه، ووسعه حفظه، وأحاطت به(8/117)
قدرته، وأحصاه علمه؛ والحمد لله عدد ما تجري به الرياح، ويحمله السحاب، وعدد ما يختلف به الليل والنهار، وتسير به الشمس والقمر والنجوم؛ والحمد لله عدد كل شيء أدركه بصره، ونفذ فيه علمه؛ والحمد لله الذي حلم في الذنوب عن عقوبتي حتى كان لا ذنب لي؛ ولم يؤاخذني، لم يظلمني سيدي، والحمد لله الذي أردوه أيام حياتي، وهو ذخري في آخرتي؛ ولو رجوت غيره لا يقطع رجائي والحمد لله الذي تمسي أبواب الملوك مغلقةً دوني وبابه مفتوح لكل ما شئت من حاجتي بغير شفيع فيقضيها لي؛ والحمد لله الذي أخلو به في حاجتي، وأضع عنده سري في أي ساعة شئت؛ والحمد لله الذي يتحبب إلي وهو غني عني.
وعن أبي الجلد قال: قرأت في دعاء داود عليه السلام: إلهي إذا ذكرت ذنوبي ضاقت علي الأرض برحبها، فإذا ذكرت رحمتك وسعت علي؛ إلهي أن أذوق مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة أهون علي من أن أذوق مرارة الآخرة بحلاوة الدنيا.
وعن مالك بن دينار قال: بلغنا أن داود نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول في دعائه: اللهم، اجعل حبك أحب إلي من سمعي وبصري، ومن الماء البارد.
وعن كعب أنه حلف بالذي فلق البحر لموسى عليه السلام إنا لنجد في التوراة أن داود نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا انصرف من صلاته قال: اللهم، أصلح ديني الذي جعلته لي عصمةً، وأصلح لي دنياي التي جعلت فيها معاشي؛ اللهم، أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بعفوك من نقمتك، وأعوذ بك منك؛ اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد وقال كعب: إن صهيباً صاحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدث أن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقولهن عند انصرافه من صلاته.(8/118)
وعن مكحول قال: كان من دعاء داود عليه السلام: يا رازق النعاب في عشه؛ وذاك أن الغراب إذا فقص عن فراخه فقص عنها بيضاً، فإذا رآها كذلك نفر عنها، فتفتح أفواهها، فيرسل الله عليها ذباباً يدخل في أفواهها، فيكون ذلك غذاءها حتى تسود، فإذا اسودت انقطع الذباب عنها، وعاد الغراب إليها فغذاها.
وعن سعيد بن أبي سعيد قال: كان من دعاء داود عليه السلام: اللهم، إني أعوذ بك من جار السوء، ومن زوج يشيبني قبل المشيب، ومن ولد يكون علي وباء، ومن مال يكون علي عذاباً، ومن خليل ماكر، عيناه ترياني وقلبه يرعاني، إذا رأى حسنة دفنها، وإذا رأى سيئةً أذاعها.
وعن عباس العمي قال: بلغني أن داود النبي صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم كان يقول في دعائه: سبحانك اللهم أنت ربي، تعاليت فوق عرشك، وجعلت حسبتك على من في السموات والأرض، فأقرب خلقك منك منزلةً أشدهم لك خشية؛ وما علم من لم يخشك، أو ما حكمة من لم يطع أمرك؟ وعن صهيب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: اللهم، إنك لست بإله استحدثناه، ولا رب استبدعناه، ولا كان لنا قبلك من إله نلجأ إليه ونذرك؛ ولا أعانك على خلقك أحد فنشك فيك، تباركت وتعاليت. قال: هكذا كان داود عليه السلام يقوله.
وعن علي الأزدي قال: كان داود عليه السلام يقول: إني أعوذ بك من غنىً يطغي، وفقر ينسي، وهوىً يردي، وعمل يخزي.
وعن عبد الكريم بن رشيد: أن داود عليه السلام قال: أي رب، أين ألقاك؟ قال: تلقاني عند المنكسرة قلوبهم.(8/119)
وفي حديث آخر بمعناه: عند المنكسرة قلوبهم من مخافتي.
وعن وهب قال: كان داود عليه السلام يقول في مناجاته: طوبى لمن أرضاك في دار الفناء، لترضيه في دار البقاء؛ طوبى لمن ذكر ساعة موته، فعمل في ساعة حياته.
زاد غيره: إلهي، ما أحلى ذكرك في أفواه المخلصين، في بيوت الصادقين الذين يؤمنون بوعدك، ويعلمون أن مرجعهم إلى أمرك يوم تقتص للمظلومين. إلهي، اجعلني ممن أزمر لك أيام الحياة، وأعظمك في مجلس الشيوخ.
قال زهير: أزمر لك: أنوح لك.
وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قاتل: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أوحى الله تعالى إلى داود: يا داود، إن العبد ليأتي بالحسنة يوم القيامة فأحكمه بها في الجنة. قال داود: يا رب، ومن هذا العبد الذي يأتيك بالحسنة يوم القيامة فتحكمه بها في الجنة؟ قال: عبد مؤمن سعى في حاجة أخيه المسلم، أحب قضاءها، قضيت على يديه أو لم تقض.
وعن كعب بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أوحى الله عز وجل إلى داود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا داود، ما من عبد يعتصم بي دون خلقي، أعرف ذلك من نيته، فتكيده السماوات بمن فيها إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً؛ وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني، أعرف ذلك من نيته، إلا قطعت أسباب السماء بين يديه، وأرسخت الهوى من تحت قدميه؛ وما من عبد يطيعني إلا وأنا معطيه قبل أن يسألني، وغافر له قبل أن يستغفرني.(8/120)
وعن صالح المري قال: أوحى الله عز وجل إلى داود: يا داود، اسمع مني، الحق أقول لك: إنه من ذكر ذنوبه في الخلاء، فاستحيا عند ذكرها، سترتها عن الحفظة وغفرتها له؛ يا داود، اسمع مني، الحق أقول لك: إنه من عمل من الذنوب حشو الأرض من شرقها إلى غربها، ثم ندم عليها حلب شاة سترتها عن الحفظة وغفرتها له؛ يا داود، اسمع مني، الحق أقول لك: إنه من عمل حسنةً واحدةً أدخله جنتي. قال له داود: وما تلك الحسنة؟ قال: يكشف عن مكروب كرباً ولو بشق تمرة.
قال أبوسليمان الداراني: شهدت مع أبي الأشهب جنازةً بعبادان، فسمعته يقول: أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام: يا داود، حذر وأنذر أصحابك أكل الشهوات، فإن القلوب المتعلقة بشهوات الدنيا، عقولها محجوبة عني.
قال أبو جعفر البصري: أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام: تزعم أنك تحبني، فأخرج حب الدنيا من قلبك، فإن حبي وحبها لا يجتمعان في قلب واحد.
قال أبو الحسين البصري: أوحى الله تبارك وتعالى إلى داود عليه السلام: تزعم أنك تحبني وتدعي عشقي، وتسيء بي الظن صباحاً ومساءً. أما كانت لك عبرة أن شققت سبع أرضين، فأريتك ذرة في فيها برة لم أنسها؛ أما إني لولا أني أحفظ منك خصالاً لحرقتك بالنيران.
وعن صالح المري قال: قال داود عليه السلام: يا رب، دلني على عمل يدخلني الجنة. قال: آثر هواي على هواك.
وعن شداد أبي عمار قال: قال داود عليه السلام: يا رب، دلني على عمل يدخلني الجنة. قال: اعمل بعمل الأبرار، ولا تبسم في وجوه الفجار.(8/121)
وعن أبي الخلد قال: أوحى الله إلى داود عليه السلام: إن عبدي المؤمن إذا لقيني وهو مستحي من معاصي، غفرتها له، ونسيها حفظته.
وعن مجاهد قال: أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام: يا داود، اتق الله، لا يأخذك على ذنب لا ينظر إليك فيه أبداً، فتلقاه حين تلقاه ولا حجة لك.
وعن أبي الأشهب قال: أوحى الله إلى داود: إن أهون ما أصنع بالعبد من عبيدي إذا آثر شهوةً من شهواته علي أن أحرمه طاعتي.
قال بشر: أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام، يا داود، إنما خلقت الشهوات واللذات لضعفاء عبادي؛ فأما الأبطال، فما لهم وللشهوات واللذات؛ يا داود، لا تعلقن قلبك منها بشيء، فأدنى ما أعاقبك به أن أنسخ حلاوة حبي من قلبك.
وعن أبي علي قال: أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام: أنين المذنبين أحب إلي من صراخ الصديقين.
وعن أبي مطيع معاوية بن يحيى قال: أوحى الله تبارك وتعالى إلى داود: أن اتخذ نعلين من حديد، وعصاً من حديد؛ واطلب العلم حتى تنكسر العصا وتنخرق النعلان.
وفي رواية: قل لطالب العلم يتخذ عصاً من حديد بمثله.
وعن أبي عمران المصري قال: أوحى الله تبارك وتعالى إلى داود عليه السلام: يا داود، لا تجعلن بيني وبينك عالماً(8/122)
أسكنت قلبه حب الدنيا؛ أولئك القطاع على عبادي؛ إن أدنى ما أعاقبهم أن أنزع حلاوة مناجاتي من أصول قلوبهم.
وفي حديث آخر بمثله: لا تجعل بيني وبينك عالماً مفتوناً فيصدك بسكره عن طريق محبتي.
وعن عبد العزيز بن عمر قال: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: يا داود، إذا رأيت لي طالباً فكن له خادماً؛ يا داود، اصبر على المؤونة تأتك المعونة.
وعن أبي عبد الله الجدلي قال: قال الله عز وجل: يا داود، أحبني وأحب من يحبني، وحببني إلى الناس؛ قال: رب، أحبك وأحب من يحبك، فكيف أحببك إلى الناس؟! قال: تذكرهم آلائي فلا يذكرون مني إلا حسناً.
وعن شميط بن عجلان قال: بلغنا أن الله أوحى إلى داود فقال: يا داود ألا ترى إلى المنافق يخادعني وأنا أخدعه! يستحيي ويوقرني بلسانه وقلبه مني بعيد؛ يا داود، قل للملأ من بني إسرائيل: لا يدعوني والخطايا في أرقابهم، ليلقوها ثم يدعوني فأستجيب لهم.
قال وهب بن منبه: قرأت في مزامير داود صلى الله على نبينا وعليه وسلم: يا داود، هل تدري من أغفر له من عبادي؟ الذي إذا أذنب ذنباً ارتعدت لذلك مفاصله وأعضاؤه، فذاك الذي آمر ملائكتي أن لا تكتب عليه ذاك الذنب.
سأل رجل وهب بن منبه في مسجد الحرام، فقال: حدثني رحمك الله عن زبور داود؟ قال: وجدت في آخره ثلاثين سطراً: يا داود، اسمع مني والحق أقول: من لقيني وهو يحبني أدخلته جنتي؛ يا داود، اسمع مني والحق أقول: من لقيني وهو يخاف عذابي لم(8/123)
أعذبه؛ يا داود، اسمع مني والحق أقول: من لقيني وهو مستحي من معاصي أنسيت حفظته ذنوبه؛ يا داود، اسمع مني والحق أقول: لو أن عبداً من عبادي عمل حشو الدنيا ذنوباً، ثم ندم حلب شاة فاستغفرني مرةً واحدةً، فعلمت من قلبه أنه لا يريد أن يعود إليها ألقيتها عنه أسرع من هبط المطر إلى الأرض؛ يا داود، اسمع مني والحق أقول: لو أن عبداً من عبادي أتاني بحسنة واحدة حكمته في جنتي قال داود عليه السلام: إلهي، من أجل ذلك لا يحل لمن عرفك أن يقطع رجاءه منك يا داود، إنما يكفي أوليائي اليسير من العمل كما يكفي الطعام من الملح؛ هل تدري يا داود متى أتولاهم؟ إذا طهروا قلوبهم من الشرك، ونزعوا من قلوبهم الشك؛ علموا أن لي جنةً وناراً، وأنا أحيي وأميت، وأبعث من في القبور، ولم أتخذ صاحبةً ولا ولدا؛ فإن توفيتهم بيسير من العمل وهو يوقنون بذلك جعلته عظيماً. هل تدري يا داود من أسرع الناس مراً على الصراط؟ الذين يرضون بحكمي وألسنتهم رطبةً من ذكري؛ هل تدري يا داود أي المؤمنين أحب إلي؟ الذي إذا قال لا إله إلا الله اقشعر جلده؛ إني أكره له الموت كما يكره الوالد لولده ولا بد له منه. أني أريد أن أسره في دار سوى هذه، فإن نعيمها فيها بلاء، ورخاءها فيها شدة؛ فيها عدو لا يألونهم فيها خبالاً. من أجل ذلك عجلت أوليائي إلى الجنة، لولا ذلم ما مات آدم وولده حتى ينفخ في الصور. يا داود، ما تقول في نفسك؟ تقول قطعت عنهم عبادتهم، أما تعلم ما أثيب عبدي المؤمن على عثرة يعثرها؟ فكيف إذا ذاق الموت وهو من اعظم المصيبات، وهو بين أطباق التراب؛ إنما أحبسه طول ما أحبسه لأعظم له الأجر، وأجزي عمله أحسن ما كان يعمل إلى يوم القيامة؛ من أجل ذلك سميت نفسي أرحم الراحمين.
وعن ابن عباس قال: أوحى الله إلى داود: يا داود، قل للظلمة لا يذكروني، فإن حقاً علي أن من ذكرني أذكره، وإن ذكري إياهم أن ألعنهم.
وعن وهب بن منبه وزيد بن رفيع، قال: رأى داود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم منجلاً من نار يهوي من السماء إلى الأرض فقال: إلهي وسيدي؛ ما هذا؟ قال: هذه لعنتي أدخلها بيت كل ظلام.(8/124)
وعن أبي ذر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن داود عليه السلام قال: إلهي، ما حق عبادك إذا هم زاروك وفي رواية: إذا هم زاروك في بيتك فإن لكل زائر على المزور حقاً؟ قال: يا داود، فإن لهم علي أن أعافيهم في دنياهم، وأغفر لهم إذا لقيتهم.
قال أبو الجلد: قرأت في مسألة داود ربه: إلهي، ما جزاء من بكى من خشيتك حتى تسيل دموعه على وجهه؟ قال: جزاؤه أن أحرم وجهه على لفح النار، وأن أؤمنه يوم الفزع.
وعن فضالة بن عبيد: أن داود سأل ربه أن يخبره بأحب الأعمال إليه؟ فقال: عشر إذا فعلتهن يا داود: لا تذكرن أحداً من خلقي إلا بخير، ولا تغتابن أحداً من خلقي، ولا تحسدن أحداً من خلقي. قال داود: يا رب، هؤلاء الثلاث لا أستطيع، فأمسك عن السبع، ولكن يا رب، اخبرني بأحبابك من خلقك أحبهم لك؟ قال: ذو سلطان يرحم الناس، ويحكم للناس كما يحكم لنفسه؛ ورجل آتاه الله عز وجل مالاً فهو ينفق منه ابتغاء وجه الله، وفي طاعة الله، ورجل يفني شبابه وقوته في طاعة الله؛ ورجل كان قلبه معلقاً في المساجد من حبه إياها؛ ورجل لقي امرأة حسناء، فأمكنته من نفسها فتركها من خشية الله؛ ورجل حيث كان يعلم أن الله معه، نقية قلوبهم، طيب كسبهم، يتحابون بحلالي، أذكر بهم ويذكرون بذكري؛ ورجل فاضت عيناه من خشية الله عز وجل.
وعن وهب بن منبه قال: قال داود عليه السلام: أي رب، أي عبادك أحب إليك؟ قال: مؤمن حسن الصورة؛ قال: فأي عبادك أغضب إليك؟ قال: كافر حسن الصورة، شكر هذا وكفر هذا.
قال أبو محمد الهروي: مكتوب في زبور داود عليه السلام: من بلغ السبعين اشتكى من غير علة وعن عبد الله بن مسعود، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن داود عليه الصلاة والسلام قال: إلهي؛ ما جزاء من شيع ميتاً إلى قبره(8/125)
ابتغاء مرضاتك؟ قال: جزاؤه أشيعه ملائكتي فتصلي على روحه في الأرواح. قال: اللهم، فما جزاء منن يعزي حزيناً ابتغاء مرضاتك؟ قال: أن ألبسه لباس التقوى وأستره به من النار فأدخله الجنة. قال: اللهم، ما جزاء من عال يتيماً أو أرملةً ابتغاء مرضاتك؟ قال: جزاؤه أن أظله يوم لا ظل إلا ظلي. قال: اللهم، فما جزاء من سالت دموعه على وجنتيه من مخافتك؟ قال: أن أقي وجهه لفح جهنم، وأؤمنه يوم الفزع الأكبر ".
وعن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن داود عليه السلام قال فيما خاطب ربه عز وجل: يا رب، أي عبادك أحب إليك أحبه بحبك؟ قال: يا داود، أحب عبادي إلي نقي القلب، نقي الكفين، لا يأتي إلى أحد سوءاً، ولا يمشي بالنميمة، تزول الجبال ولا يزول، أحبني وأحب من يحبني وحببني إلى عبادي؛ قال: يا رب، إنك لتعلم أني أحبك وأحب من يحبك، فكيف أحببك إلى عبادك؟ قال: ذكرهم بآلائي، وبلائي ونعمائي؛ يا داود، إنه ليس من عبد يعين مظلوماً، أو يمشي معه في مظلمته إلا أثبت قدميه يوم تزول الأقدام ".
وعن أسلم قال: مكتوب في حكمة آل داود: العافية الملك الخفي.
وعن أبي أيوب القرشي مولى بني هاشم قال: قال داود عليه السلام: رب، أخبرني ما أدنى نعمتك علي؟ فأوحى إليه: يا داود، تنفس، فتنفس؛ فقال: هذا أدنى نعمتي عليك.
وعن وهب بن منبه قال: إن في حكمة آل داود: حق على العاقل أن لا يغفل عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه؛ وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يقضي فيها إلى إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه، ويصدقونه عن نفسه؛ وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويحمد، فإن هذه الساعة عون على هذه الساعات وإجمام للقلوب. وحق على العاقل أن يعرف زمانه، ويحفظ لسانه، ويقبل على شأنه. وحق على العاقل أن لا يظعن إلا في إحدى ثلاث: زاد لمعاده؛ ومرمة لمعاشه؛ ولذة في غير محرم.(8/126)
وعن مالك بن دينار قال: قال داود عليه السلام لبنيه: معشر الأبناء؛ تعالوا حتى أعلمكم خشية الله: أيما عبد منكم أحب أن يحبني ويرى الأيام الصالحة فليحفظ عينيه أن ينظر إلى السوء، ولسانه أن ينطق بالإفك، عين الله إلى الصديقين وهو يسمع لهم.
قال عبد الله بن حبيب: قال داود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم: رب كلام ندمت عليه، وما ندمت على صمت قط.
وعن أبي الدرداء عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " قال داود عليه السلام: يا زارع السيئات، انت تحصد شوكها وحسكها ".
وعن عبد الرحمن بن أبزى قال: كان داود عليه السلام يقول: كن لليتيم كالأب الرحيم، واعلم أنك كما تزرع كذلك تحصد؛ وإن الخطيب الأحمق في نادي القوم كالمغني عند الميت؛ ولا تعد أخاك ثم لا تنجز له، فتورث بينكما العداوة. وإن المرأة السوء عند الرجل كالشيخ الكبير على ظهره الحمل الثقيل، والمرأة الصالحة عند الرجل كالملك الشاب على رأسه التاج المخوض بالذهب. وسل الله عز وجل صاحباً إن ذكرت أعانك. ما أقبح الفقر بعد الغنى! وأقبح من ذلك الكفر بعد التقى.
وفي رواية: وأقبح من ذلك الضلالة بعد الهدى.
وفي رواية: ونعوذ بالله من صاحب إذا ذكرت لم يعنك، وإذا نسيت لم يذكرك.
سئل داود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي شيء أحلى، وأي شيء أبرد، وأي شيء أحسن، وأي شيء أقبح، وأي شيء أعون، وأي شيء أعدى؟ فقال: أحلى شيء روح الله بين عباده، وأبرد(8/127)
شيء عفو الله عن العباد وعفو العباد بعضهم عن بعض، وأحسن شيء السكينة مع الإيمان، وأقبح شيء الكفر بعد إيمان، وأعون شيء ذكر الله، وأعدى شيء زوج سوء وعشيرة سوء.
وعن ابن المبارك قال: قال داود لابنه: يا بني، أستدل على تقوى الرجل بثلاثة أشياء: بحسن توكله على الله فيما نابه؛ وبحسن رضاه فيما آتاه؛ وبحسن صبره فيما فاته.
وعن عروة قال: مكتوب في الحكمة: يا داود، إياك وشدة الغضب، فإن شدة الغضب مفسدةً لفؤاد الحكيم.
وعن خالد بن أبي عمران: أن داود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم كان يقول: لا تفشين إلى امرأة سراً، ولا تطرقن أهلك ليلاً، ولا تأمنن ذا سلطان وإن كنت ذا قرابة.
وعن عبيد بن عمير قال: بلغني أن داود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم كان يقول: اللهم لا تجعل لي أهل سوء فأكون رجل سوء.
قال سعيد الحاني قرية بالجزيرة: بينا داود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم على باب منزله جالساً، ومعه جليس من بني إسرائيل يحدثه؛ إذ مر به رجل، فأسمعه واستطال عليه، فغضب له جليسه، فقال داود: دعه، فإني قد علمت من أين أتيت؛ إني قد أحدثت فيما بيني وبين ربي، فهو سلط هذا علي، فدعني حتى أدخل فأتنصل إلى ربي من الحدث الذي كان مني، حتى يعود هذا فيقبل أسفل قدمي. قال: فدخل داود، فتوضأ وصلى ركعتين وتنصل إلى ربه من الحدث الذي كان منه، وعاد إلى جليسه، وعاد الرجل من حاجته نادماً، فانكب فقبل أسفل قدم داود. قال: يا نبي الله، اغفر لي، قال: اذهب فإني قد علمت من أين أتيت.
وعن عبد الرحمن بن أبزى قال: كان داود يقول: انظر ما تكره أن يذكر منك في نادي القوم، فلا تفعله إذا خلوت.(8/128)
قال يحيى بن أبي كثير: قال داود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابنه سليمان: يا بني، أتدري ما جهد البلاء؟ قال: لا، قال: شراء الخبز من السوق، والانتقال من منزل إلى منزل.
وعن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " قال داود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم: إدخالك يدك في فم التنين إلى أن تبلغ المرفق فيقضمها خير لك من أن تسأل من لم يكن له شيء ثم كان.
قال الكلبي: لما قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة كان في الطعام قلة، وكان يتزوج النساء، قال: فقالت اليهود: إن هذا الذي يزعم أنه نبي ليس يشبع من الطعام وهو يتزوج، فليس له هم إلا النساء! لو كان نبياً لاشتغل بنبوته عن النساء. فأنزل الله عز وجل: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً " قال: تزوج داود مئة امرأة، وتزوج سليمان سبع مئة امرأة وثلاث مئة سرية؛ فذلك قوله: " وآتيناهم ملكاً عظيماً ".
وفي حديث آخر: وكان أشدهم في ذلك حيي بن أخطب، فأكذبهم الله، وأخبرهم بفضل الله وسعته على نبيه صلوات الله عليه وبركاته فقال: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله " يعني بالناس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً " ما آتى الله سليمان بن داود، كان له ألف امرأة، سبع مئة مهيرة، وثلاث مئة سرية؛ وكانت لداود مئة امرأة، منهن أمرأة أوريا أم سليمان بن داود التي تزوجها بعد الفتنة؛ فهذا أكثر مما لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن ابن عباس قال: ما أصاب داود ما أصابه بعد القدر إلا من عجب عجب به من نفسه، وذلك أنه قال:(8/129)
يا رب، ما من ساعة من ليل أو نهار إلا وعابد من آل داود يعبدك، يصلي لك أو يسبح أو يكبر.. وذكر أشياء، فكره الله تعالى ذلك فقال الله: يا داود، إن ذلك لم يكن إلا بي، فلولا عوني ما قويت عليه؛ وجلالي لأكلنك إلى نفسك يوماً؛ قال: يا رب، فأخبرني به. فأصابته الفتنة ذلك اليوم.
قال بعض المشايخ: رب نظرة لآن يلقى فيها الرجل للأسد فتأكله، خير له؛ وهل لقي داود ما لقي إلا في نظرة.
وعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنه ورد عليه وفد عبد القيس، وفيهم غلام وضيء الوجه، فأقعده وراء ظهره وقال: إنما أتي أخي داود عليه السلام من النظر.
وعن الحسن قال: قال داود: يا رب، ابتليت من كان قبلي فأثنيت عليهم بصبرهم، ولم تبتلني ببلاء تثني علي من بعدي؛ فأوحى الله إليه: يا داود، اخترت البلاء على العافية، فخذ حذرك، فإني أبتليك في شهرك هذا؛ وكان في رجب يوم الاثنين بعد العصر في ثلاث عشرة مضين من الشهر. قال: فلما كان ذلك اليوم دخل المحراب واستعد للبلاء؛ فبينا هو في محرابه منكب على الزبور يقرؤها إذ دخل طائر من الكوة فوقع بين يديه، جسده من ذهب، وجناحاه من ديباج، مكلل بالدر، ومنقاره زبرجد، وقوائمه فيروزج؛ فدنا منه ثم طار فوقع بين يديه، فنظر إليه يحسب أنه من طير الجنة؛ فجهل يتعجب من حسنه وله ابن صغير فقال: لو أخذت هذا الطير فنظر إليه ابني؛ فأهوى يريد أن يتناول الطير، فتباعد الطير منه، ويطعمه أحياناً ثم يفر، حتى كأنه يريد أن يضع يده عليه فيتباعد منه أيضاً؛ فما زال كذلك يدنو ويتباعد حتى قام من مجلسه وطبق الزبور ونسي البلاء؛ فطلبه في زوايا البيت، فوقع في الكوة، وطلبه في الكوة فرمى بنفسه في بستان أوريا، وكان في أصل المحراب حوض يغتسل فيه حيض بني إسرائيل، فاطلع داود فإذا بامرأة تغتسل؛ فأبصرت ظله، فنشرت شعرها فجللت جسدها كله، فزاده ذلك إعجاباً، فرجع مكانه وفي نفسه منها ما في نفسه، فبعث إليها لينظر من هي، وابنة من هي؟(8/130)
فرجع إليه الرسول فقال: هي سابع بنت حنانا، وزوجها أوريا بن صورى، وهو في البلقاء مع ابن أخت داود وهو على الجيش محاصرين قلعة؛ فكتب داود إلى ابن أخته كتاباً: إذا جاءك كتابي هذا فمر أوريا بن صورى فليحمل التابوت، وليتقدم أمام الجيش، فإما أن يفتح الحصن، وإما أن يقتل وكان من فر منهم صار لعيناً وكان في سنتهم أن يتقدم أمام التابوت من كل سبط في كل عام رجل، يكون ذلك نوائب بينهم، وكان الذي يتقدم لا يرجع حتى يقتل أو يفتح الله عليه فدعا صاحب الجيش أوريا فقرأ عليه الكتاب؛ فقال أوريا: سمع وطاعة، فحمل التابوت فتقدم أمام أصحابه، فخرجت إليه المقاتلة، فقاتلهم وكان من فرسان بني إسرائيل فقتل المقاتلة وفتح الحصن. فبعث صاحب الجيش إلى داود بالفتح؛ فكتب إليه أن قدمه في قلعة أخرى كانت أحصن وأشد شوكةً من الأولى؛ فقرأ عليه الكتاب؛ فقال: سمع وطاعة؛ فحمل التابوت وسار إلى الحصن، وتقدم أمام أصحابه، فخرجت المقاتلة فقتلهم وفتح الحصن؛ فبعث صاحب الجيش بالفتح إلى داود؛ فكتب إليه الثالثة أن قدمه؛ فلما ورد الكتاب عليه قرأه عليه قال: قد علمت ما يريد، فحمل التابوت وسار أمام أصحابه، فخرجت إليه المقاتلة، فكان أول قتيل، فكتب ابن أخت داود بذلك إلى داود، فلما انقضت عدة المرأة أرسل إليها يخطبها، فتزوجها.
وفي حديث آخر عن ابن عباس بمعناه: فلما انقضت عدتها خطبها، فاشترطت عليه إن ولدت جعله خليفته من بعده، وأشهدت على ذلك خمسين رجلاً من بني إسرائيل، وكتبت عليه كتاباً؛ فما شعر بنفسه حتى ولد سليمان بن داود عليه السلام، وتسور عليه الملكان في المحراب، وخر داود ساجداً.
وفي حديث آخر عن أنس بن مالك، يرفعه إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فقتل زوج المرأة، ونزل الملكان على داود يقصان عليه قصته؛ ففطن داود، فسجد فمكث أربعين ليلةً ساجداً حتى نبت الزرع من دموعه على رأسه، وأكلت الأرض جبينه؛ يقول في سجوده من كلمات: زل داود زلةً أبعد ما بين المشرق والمغرب، رب؛ إن لم ترحم(8/131)
ضعف داود وتغفر ذنبه جعلت ذنبه حديثاً في الخلوف من بعده؛ فجاءه جبريل من بعد أربعين ليلة، فقال له: يا داود؛ قد غفر الله لك الهم الذي هممت، قال داود: قد علمت أن الله قادر على أن يغفر لي الهم الذي هممت به، وقد علمت أن الله عدل لا يميل، فكيف بفلان إذا جاء يوم القيامة فقال: يا رب دمي الذي عند داود؟ فقال جبريل: ما سألت ربي عن ذلك، ولئن شئت لأفعلن، قال: نعم؛ فعرج جبريل، فسجد داود، فمكث ما شاء الله ثم نزل، فقال قد سألت الله عز وجل يا داود عن الذي أرسلتني إليه فقال: قل لداود إن الله يجمعكما يوم القيامة فيقول: هب لي دمك الذي عند داود، فيقول: هو لك يا رب، فيقول: فإن لك في الجنة ما اشتهيت وما شئت عوضاً.
قال ثابت: كان داود نبي الله صلى الله على نبينا وعليه وسلم يذكر ذنوبه، فيخاف الله عز وجل منها خوفاً تنفرج أعضاؤه من مواضعها، ثم يذكر عائدة الله تبارك وتعالى ورأفته على أهل الذنوب فيرجع كل عضو إلى مكانه.
قال أبو سليمان: ما عمل داود عليه السلام عملاً قط كان أنفع له من خطيئته؛ ما زال منها خائفاً هارباً حتى لحق بربه.
قال صفوان بن محرز: كان داود ينادي في جوف الليل: أوه من عذاب الله، أوه من قبل أن لا تنفع أوه.
قال وهب بن منبه: لما أصاب داود الخطيئة اعتزل، ثم بكى حتى رعش وحتى خدت الدموع في خده: وفي رواية: اعتزل النساء ولزم العبادة حتى سقط، ثم بكى حتى خدت الدموع وجهه.(8/132)
وفي حيث عن مجاهد: أن داود عليه السلام مكث أربعين يوما ساجداً لايرفع رأسه حتى نبت المرعى من دموع عينيه حتى غطى رأسه؛ فنودي: يا داود، أجائع فتطعم، أم ظمآن فتسقى، أم عار فتكسى؟ قال: فأجيب ففي غير ما طلب، فنحب نحبة هاج العود فاحترق من حر جوفه؛ ثم أنزل الله التوبة والمغفرة؛ فقال: رب اجعل خطيئتي في كفي؛ فكان لايبسط كفه لطعام ولا لشراب ولا لشيء سوى ذلك إلا رآهاقابلته؛ قال: فإن كان ليؤتى بالقدح ثلثاه ماء، فإذا تناوله أبصر خطيئته، فما يضعه على شفتيه حتى يفيض من دموعه.
قال ابن سابط: لو عدل بكاء داود ببكاء الخلق لكان بكاء داود أكثر منه، ولوعدل بكاء آدم ببكاء داود وببكاء الخلق لكان بكاء آدم أكثر منه.
قال ثابت: اتخذ داود عليه السلام سبع حشايا من شعر، ثم حشاهن بالرماد، ثم بكى حتى أنقذهن بدموع عينيه.
وعن الحسن قال: لما أصاب داود الخطيئة حر ساجدا أربعين ليلة، فقيل له: يا داود، ارفع رأسك فقد غفرت لك، قال: يا رب، أنت حكم عدل، لاتظلم، وقد قتلت الرجل؛ قال: أستوهبك، فيهبك لي، وأثيبه الجنة.
وقال وهب بن منبه: ما رفع رأسه حتى قال له الملك: أول أمرك ذنب، وآخره معصية، ارفع رأسك، فرفع رأسه، فمكث حياته لايشرب ماء إلا مزجه بدموعه، ولا يأكل طعاما إلا بله بدموعه، ولا يضطجع على فراش إلا غراه بدموعه حتى انهزم؛ فكان لا يدفئه لحاف.
وكان داود بعد الخطيئة لا يجالس إلا الخاطئين، ثم يقول: تعالوا إلى داود الخاطئ؛ ولا يشرب شراباً إلا مزجه بدموع عينيه؛ وكان يجعل له خبز الشعير اليابس في قصعة، فلا يزال يبكي عليه حتى يبتل بدموع عينيه؛ وكان يذر عليه الملح والرماد ويأكل ويقول: هذا(8/133)
أكل الخاطئين. وكان داود قبل الخطيئة يقوم نصف الليل ويصوم نصف الدهر؛ فلما كان من خطيئته ما كان صام الدهر كله، وقام الليل كله.
وكان داود يدعو على الخاطئين قبل أن يصيب الذنب. فلما أصاب الذنب قال: يا رب اغفر للخاطئين لعلك تغفر لي معهم.
قال عطاء الخراساني: قيل لداود: ياداود، أرفع رأسك، فذهب ليرفع فإذا هو قد نشب بالأرض، فأتاه جبريل عليه السلام فاقتلعه عن وجه الأرض كما يقتلع عن الشجرة صمغها. وقيل: إنه لزق موضع مساجده على الأرض من فروة وجهه ما شاء الله. قال ابن ابن لهيعة: فكان يقول في سجوده: سبحانك، هذا شاربي دموعي، وهذا طعامي رماد بين يدي.
قال وهب بن منبه: إن داود لما تاب الله عليه قال: يارب اغفر لي، قال: نعم، قال: فكيف لي أن لا أنسى خطيئتي، فأستغفر منها لي وللخاطئين إلى يوم ألقاك؟ قال: فوشم الله خطيئته في يده اليمنى. فما رفع فيها طعاما ولا شراباً إلا بكى إذا رآها، وما قام خطيباً في الناس إلا بسط يده وراحته فاستقبل بها الناس ليروا وشم خطيئته.
وعن مجاهد أوسعيد بن المسيب قال: يبعث داود عليه السلام، وذكر خطيئته ووجله منها في قلبه، منقوشى في كفه، فإذا رأى أهاويل الموقف لم يجد منه مبعوداً ولا محرزاً إلا برحمة الله وقربه، فيشير إليه أن هاهنا، وأشار بيمينه إلى جنبه، فذلك قول الله تعالى: " وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب " قال وهب: أوحى الله إلى داود، يا داود، ارفع رأسك فقد غفرت لك، غير أنه ليس لك عندي ذلك الود الذي كان.(8/134)
قال ثابت البناني: قال داود: يارب كيف بأوريا بن حنان؟ فال: أستوهبك منه، فيهبك لي، وأرضيه من عندي، فال: يارب، الآن علمت أن قد غفرت لي.
وعن ابن غمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كان الناس يعودون داود ويظنون به مرضاً، وما كان به مرض إلا شدة الخوف والحياء من اله عز وجل.
وعن ثابت قال: كان داود عليه السلام إذا ذكر عقاب الله تخلعت أوصاله، لايشدها إلا أسر، وإذا ذكر رحة الله تراجعت.
وقال يزيد الرقاشي: كان لداود جاريتان فقد أعدهما، فكان إذا جاءه الخوف سقط واضطرب، فقعدتا على صدره ورجليه مخافة أن تغرق أعضاؤه وممفاصله فيموت.
قال خالد بن دريك: لقي داود لقمان فقال داود: كيف أصبحت يالقمان؟ قال: أصبحت في يد غيري؛ ففكر فيها داود فصعق.
وعن عثمان بن أبي العاتكة أن داود كان يقول: سبحان خالق النور، إلهي، إذا ذكرت خطيئتي ضاقت علي الأرض برحبها؛ واذا ذكرت رحمتك ارتد إلي روحي، سبحان خالق النور، إلهي، خرجت أسأل أطباء عبادتك أن يداؤوا لي خطيئتي فكلهم عليك يدلني، سبحان خالق النور، إلهي ويل لم أخطأ خطيئة حصادها عذابك إن لم تغفرها له.(8/135)
قال مالك بن دينار وغيره: لما أصاب داود الخطيئة أكثر من الدعاء فلم يستجب له، فلما راى انه لايستجاب له أخذ في ننحو من النياحة؛ فرحم فغفر له.
وعن يزيد قال: كان داود إذا أراد أن يعظ الناس خرج بهم إلى الصحراء. قال: فخرج بهم ذات يوم في ثلاثين ألفاً من الناس، فوعظهم، فمات منهم عشرون ألفاً، ورجع في عشرة آلاف من الناس مرضى.
وعن وهب بن منبه أن داود عليه السلام لما تاب الله عز وجلعليه، بكى على خطيئته ثلاثين سنة لايرقأ دمعه ليلاً ولا نهاراً، وكان أصاب الخطيئة وهو ابن سبعين سنة، فقسم الدهر بعد الخطيئة على أربعة أيام: فكان يوم للقضاء بين بني إسرائيل؛ ويوم لنسائه؛ ويوم يسيح في الفيافي والجبال الساحل؛ ويوم يخلو في دار له فيها أربعة آلاف محراب؛ فيجتمع إليه الرهبان، فينوح معهم على نفسه، ويساعدونه على ذلك. فإذا كان يوم سياحته، يخرج إلى الفيافي فيرفع صوته بالمزامير، فيبكي ويبكي معه الشجر والرمال والطير والوحوش، حتى يسيل من دموعه منل الأنهار، ثم يجيء إلى الجبال والحجارة والطير والدواب حتى يسيل أودية من مكانهم، ثم يجيء إلى الساحل، فيرفع صوته بالمزامير، فيبكي ويبكي معه الحيتان ودواب البحر والسباع وطير السماء، فإذا أمسى رجع؛ فإذا كان يوم نوحه على نفسه نادى مناديه: إن اليوم يوم نوح داود على نفسه فليحضر من يساعده. قال: فيدخل الدار التي فيها المحاريب، فيبسط له ثلاثة فرش من مسوح، حشوها ليف، فيجلس عليها ويجيء الرهبان أربعة آلاف راهب عليهم البرانس وفي أيديهم العصي، فيجلسون في تلك المحاريب، ثم يرفع داود صوته بالبكاء والنوح على نفسه، ويرفع الرهبان معه أصواتهم، ولا يزال يبكي حتى تغرق الفرش من دموعه، ويقع داود فيها مثل الفرخ يضطرب، فيجيء ابنه سليمان فيحمله، فيأخذ داود من تلك الدموع بكفيه ثم يمسح بها وجهه ويقول: يارب اغفر ماترى. فلو عدل بكاء داود بجميع بكاء أهل الدنيا لعدله.(8/136)
قال يحيى بن أبى كثير: بلغنا أنه كان إذا كان يوم نوح داود صلى الله على نبيناً وعليه وسلم مكث قبل ذلك سبعاً لا يأكل الطعام ولايشرب الشراب ولا يقرب النساء. فإذا كان قبل ذلك بيوم أخرج له منبر إلى البرية، وأمر سليمان منادياً يستقري البلاد وما حولها من الغياض والآكام والجبال والبراري والديارات والصوامع والبيع؛ فينادي فيهم: ألا من أحب أن يستمع نوح داود فليأت. قال: فتأتي الوحش من البراري والآكام، وتأتي السباغ من الغياض، وتأتي الهوام من الجبال، وتأتي الطير من الأوكار، وتأتي الرهبان من الصوامع والديارات، وتأتي العذارى من خدورها؛ ويجتمع الناس لذلك اليوم، ويأتي داود عليه السلام حتى يرقى على المنبر ويحيط به بنو إسرائيل، وكل صنف على حزبه، فيحيطون به يصغون إليه. قال: وسليمان قائم على رأسه، فيأخذ في الثناء على ربه، فيضجون بالبكاء والصراخ، ثم يأخذ في ذكر الجنة والنار فيموت طائفة من الناس، وطائفة من السباع، وطائفة من الهوام، وطائفة الوحش، وطائفة من الرهبان والعذارى المتعبدات؛ ثم يأخذ في ذكر الموت وأهوال القيامة، ثم يأخذ في النياحة على نفسه، فيموت طائفة من هؤلاء وطائفة من هؤلاء ومن كل صنف طائفة.
فاذا رأى سليمان ماقد كان من الموت في كل فرقة منهم نادى: يا أبتاه، قد مزقت المستمعين كل ممزق، وماتت طوائف من بني إسرائيل، ومن الوحوش والهوام والسباع والرهبان! قال: فيقطع النياحة ويأخذ في البكاء. قال: فبينا هو كذلك إذ ناداه بعض عباد بني إسرائيل: ياداود، عجلت بطلب الجزاء على ربك، فخر داود عند ذلك مغشياً عليه، قال: فلما نظر إليه سليمان وما أصابه أتى بسرير فحمله عليه ثم أمر منادياً فنادى: من كان له مع داود حميم أو قريب فلتأت بسرير فلتحمله، فإن الذين كانوا مع داود قد قتلهم ذكر الجنة والنار، قال: فإن كانت المرأة لتأتي بالسرير، فتقف على أبيها أو على أخيها أو على ابنها وهو ميت، فتنادي: وابأبي، أما من قتله ذكر النار؟ وابأبي، أما من قتله ذكر الجنة؟ وابأبي، أما من قتله ذكر الخوف من الله عز وجل؟ قال: وحتى إن الوحش تجتمع على من مات منهم فتحمله، والسباع والهوام، ويتفرقون. فإذا أفاق داود من غشيته نادى سليمان: مافعلت عباد بني إسرائيل؟ مافعل فلان وفلانة؟ فيعدد نفراً من بني إسرائيل، فيقول سليمان: يا أبتاه، موتوا عن آخرهم؛ فيقوم داود فيضع(8/137)
يده على رأسه ثم يدخل بيت عباته، ويغلق عليه بابه ثم ينادي: أغضبان أنت على داود، إله داود؟ أم كيف قصرت به أن يموت خوفاً منك، أوفرقاً من نارك أو سوقاً إلى جنتك ولقائك إله داود؟ فلا يزال كذلك سبعاً ينادي: إله داود، قال: فيأتي سليمان فيقف على باب بيته فينادي، يا أبتاه، أتأذن لي في الدخول عليك؟ فيأذن له، فيدخل معه بقرص شعير، فيقول؛ يا أبتاه، تقو به على ما تريد. قال: فيأكل ذلك القرص ماشاء الله، ثم يخرج إلى بني إسرائيل فيكون بينهم.
قال الفضيل بن عياض: سأل داود ربه أن يلقي في قلبه الخوف، فدخله فلم يحتمله عقله، فطاش عقله حتى ما كان يعقل صلاةً ولا شيئاً، ولا ينتفع بشيء؛ فقيل له: أتحب أن يدعك كما أنت أن يردك إلى ما كنت عليه؟ قال: ردوني، فرد عليه عقله.
قال أبو عبد الله الجدلي: ما رفع داود رأسه إلى السماء بعد الخطيئة حتى مات.
قال كعب: توفي ابن لداود، فحزن عليه حزناً شديداً، فقيل له: ما كان يعدله عندك؟ قال: ملء الأرض ذهباً؛ فقيل له: فإن لك من الأجر مثل ذلك.
وعن الحسن وغيره قال: لما نزلت آية " الذين " قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أول من جحد آدم، إن الله لما خلقه مسح ظهره فأخرج منه ما هو ذارئ، فجعل يعرضهم عليه، فرأى فيهم رجلاً يزهر، فقال: أي رب، أي بني هذا؟ قال: ابنك داود، قال: أي رب، وكم عمره؟ قال: ستون سنة، قال: أي رب، زد في عمره، قال: لا، إلا أن تزيده من عمرك(8/138)
قال: وكان عمر آدم ألف سنة فوهب له من عمره أربعين سنة؛ فكتب الله عليه كتاباً وأشهد عليه الملائكة. فلما احتضر آدم أتته الملائكة لتقبضه، فقال: إنه قد بقي من عمري أربعون سنة! قال: قد وهبتها لابنك داود؛ قال: ما فعلت، فأنزل الله الكتاب وشهدت عليه الملائكة، وشهد به عليه، وأكمل الله لآدم ألف سنة، وأكمل لداود مئة سنة.
وفي حديث مرفوع عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمعناه قال: فجحد فجحدت ذريته، وخطئ فخطئت ذريته، ونسي فنسيت ذريته؛ فرأى فيهم القوي والضعيف، والغني والفقير، والصحيح والمبتلى. قال: يا رب، ألا سويت بينهم. قال: أردت أشكر.
وعن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الله عز وجل خلق آدم من تراب، ثم جعله طيناً، ثم تركه؛ حتى إذا كان حمأ مسنوناً خلقه وصوره ثم تركه؛ حتى إذا كان صلصالاً كالفخار قال: فكان إبليس يمر به فيقول: لقد خلقت لأمر عظيم. ثم نفخ الله فيه روحه؛ فكان أول ما جرى فيه الروح بصره وخياشيمه، فعطس فلقاه الله حمد ربه، فقال الرب: رحمك ربك، ثم قال الله: يا آدم، اذهب إلى أولئك النفر فقل لهم، فانظر ماذا يقولون؟ فجاء فسلم عليهم، فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله؛ فجاء إلى ربه فقال: ماذا قالوا لك؟ وهو أعلم ما قالوا له قال: يا رب، لما سلمت عليهم قالوا: وعليك السلام ورحمة الله، فقال: يا آدم، هذا تحيتك وتحية ذريتك، قال: يا رب، وما ذريتي؟ قال: اختر يدي يا آدم، قال: اخترت يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين؛ فبسط الله كفيه، فإذا كل ما هو كائن من ذريته في كف الرحمن؛ فإذا رجال منهم على أفواههم النور وإذا رجل تعجب آدم من نوره فقال: يا رب، من هذا؟ قال: هذا ابنك داود. وساق بقية الحديث في عمره إلى آخره وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كان داود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه غيرة شديدة، فكان إذا خرج أغلقت الأبواب فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع. قال: فخرج ذات يوم، وغلقت الدار؛ فأقبلت امرأته تطلع إلى الدار، وإذا رجل قائم وسط الدار، فقالت لمن في البيت: من أين دخل هذا الرجل والدار(8/139)
مغلقة؟ والله لنفتضحن بداود؛ فجاء داود، فإذا الرجل قائم وسط الدار، فقال لد داود: من أنت؟ قال: الذي لا أهاب الملوك، ولا يمتنع مني الحجاب؛ فقال داود: أنت والله إذاً ملك الموت، مرحباً بأمر الله، فزمل داود مكانه حتى قبضت نفسه، حتى فرغ من شأنه، فطلعت عليه الشمس، فقال سليمان للطير: أظلي على داود، فأظلت عليه الطير حتى أظلمت عليهم الأرض، فقال سليمان: اقبضي جناحاً جناحاً. قال أبو هريرة: يرينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف فعلت الطير، وقبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده، وغلبت عليه يومئذ المضرحية.
وروي أن ملك الموت أتى داود عليه السلام وهو يصعد في محرابه أو ينزل. قال: فقال: جئت لأقبض نفسك، فقال: دعني حتى أنزل أو أرتقي، قال: ما إلى ذلك سبيل، نفدت الأيام والشهور والسنون والآثار والأرزاق، فما أنت بمؤثر عنده أثراً. قال: فسجد داود على مرقاة من ذلك الدرج؛ فقبض نفسه على تلك الحال.
وقيل: مات داود يوم السبت فجأةً. وقيل: يوم الأربعاء.
وقيل: إن إبراهيم خليل الله مات فجأةً، ومات داود فجأةً، ومات سليمان بن داود فجأة، والصالحون؛ وهو تخفيف على المؤمن وتشديد على الكافر.
قال وهب بن منبه: إن الناس حضروا جنازة داود عليه السلام، فجلسوا في الشمس في يوم صائف قال: وكان شيع جنازته يومئذ أربعون ألف راهب عليهم البرانس، سوى غيرهم من الناس؛ ولم يمت في بني إسرائيل بعد موسى وهارون نبي كانت بنو إسرائيل أشد جزعاً عليه منهم على داود. قال: فأذلقهم الحر، فنادوا سليمان أن يعجل عليهم لما أصابهم(8/140)
من الحر؛ فخرج سليمان، فنادى الطير، فأجابت، فأمرها فأظلت الناس. قال: فتراص بعضها إلى بعض من كل وجه حتى استمسكت الريح، فكاد الناس أن يهلكوا غماً، فصاحوا إلى سليمان عليه السلام من الغم، فخرج سليمان فنادى الطير: أن أظلي الناس من ناحية الشمس وتنحي عن ناحية الريح؛ ففعلت، فكان الناس في ظل تهب عليهم الريح. فكان ذلك من أول ما رأوا من ملك سليمان.
وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لقد قبض الله داود عليه السلام من بين أصحابه، ما فتنوا ولا بدلوا. ولقد مكث أصحاب المسيح على سنته وهديه مئتي سنة.
وعن عبيد بن عمير قال: لا يأمن داود يوم القيامة، يقول: رب، ذنبي ذنبي، فقال له: ادنه ثلاث مرات حتى يبلغ مكاناً الله به أعلم؛ فكأنه يأمن فيه؛ فذلك قوله: " وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ".
وعن مالك بن دينار في قوله عز وجل " وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب " قال: يقيم الله داود عند ساق العرش فيقول: يا داود، مجدني بذلك الصوت الحسن الرخيم، فيقول: إلهي، وكيف أمجدك به وقد سلبتنيه في دار الدنيا؟ فيقول: فإني راده عليكاليوم؛ فيرده عليه، فيرفع داود صوته، فيستفرغ صوت داود نعيم أهل الجنة.
وفي رواية: فيرفع داود صوته بالزبور، فيستفرغ نعيم أهل الجنة.
والرخيم من الأصوات: الشجي.
وعن أحمد بن يونس عن ابن شهاب عن خالد بن دينار النيلي عن حماد بن جعفر عن ابن عمر قال: ألا أخبركم بأسفل أهل الجنة؟ قالوا: بلى، فقال: رجل يدخل من باب الجنة، فتتلقاه غلمانه، فيقولون له: مرحباً بك يا سيدنا قد آن لك أن تؤوب. قال:(8/141)
فتمد له الزرابي أربعين سنة، ثم ينظر عن يمينه وعن شماله فيرى الجنان، فيقول: لمن ما هاهنا؟ فيقال: لك. حتى إذا انتهى رفعت له ياقوتة حمراء، أو زمردة خضراء، لها سبعون شعباً، في كل شعب سبعون غرفة، في كل غرفة سبعون باباً؛ فيقال له: اقرأ وارق؛ قال: فيرتقي حتى إذا انتهى إلى سرير ملكه اتكأ عليه سعة ميل في يمل، وله عنه فضول، يسعى عليها بسبعين ألف صحفة من ذهب، ليس ليس فيها صحفة فيها من لون صاحبتها، فيجد لذة آخرها كما يجد لذة أولها؛ ثم يسعى عليه بألوان الأشربة، فيشرب منها ما اشتهى؛ ثم يقول الغلمان: ذروه وأزواجه. قال: فيتنحى من الغلمان، فإذا من الحور العين قاعدة على سرير ملكها، فيرى مخ ساقها من صفاء اللحم والدم، فيقول لها: من أنت؟ فتقول: أنا من الحور العين اللائي خبئن لك، فينظر إليها أربعين سنةً لا يرفع بصره عنها، ثم يرفع بصره إلى الغرفة فوقه فإذا أخرى أجمل منها، فيقول: ما آن لنا أن يكون لنا منك نصيب؟ فيرتقي إليها فينظر إليها أربعين سنةً لا يصرف بصره عنها. حتى إذا بلغ النعيم منهم كل مبلغ ظنوا أن لا نعين أفضل منه تجلى لهم الرب تبارك وتعالى، فنظروا إلى وجه الرحمن عز وجل، فنسوا كل نعيم عاشوه حين نظروا إلى وجه الرحمن عز وجل، فيقول: يا أهل الجنة، هللوني؛ فيتجاوبون بالتهليل؛ فيقول: يا داود، قم فمجدني كما كنت تمجدني في الدنيا. فيمجد داود ربه عز وجل.
قال أحمد بن يونس: قلت لابن شهاب: حديث خالد بن دينار في ذكر الجنة، رفعه؟ قال: نعم.
وعن عكرمة أن داود يقوم على أطول سرر في الجنة ينادي بصوته الذي أعطاه الله: لا إله إلا الله.
داود بن أحمد بن عطية العنسي
أخو أبي سليمان الداراني الزاهد. دمشقي. واسم أبي سليمان: عبد الرحمن بن أحمد بن عطية.
قال أبو سليمان الداراني: ما وجدنا شيئاً أعجل ثواباً من بر القرابة. كنت ربما نويت أن أخرج إلى أخ لي(8/142)
بالعراق، فآخذ ثواب ذلك قبل أن أكتري، وقيل أن أتجهز؛ وأي شيء صلتي له؟ ليس عندي شيء أعطيه، ولكن أرجو إذا رأوني وصلوه. وكان له أخ ببغداد اسمه داود.
وكان لداود كلام مثل كلام أخيه أبي سليمان في الرياضات والمعاملات.
قال أحمد بن أبي الحوارى: قلت لداود بن أحمد الداراني: ما تقول في القلب يسمع الصوت الحسن، هورفيه؟ قال: كل قلب يؤثر فيه الصوت الحسن فهو ضعيف، يداوى كما تداوى النفس المريضة.
داود بن الأسود
ويقال ابن أبي الأسود الجهني دمشقي. ممن سعى في بيعة يزيد بن الوليد الناقص.
حدث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا صلى تطوعاً فشق عليه طول القيام ركع ثم سجد سجدتين، ثم قعد فقرأ قاعداً ما بدا له؛ وإذا أراد أن يركع قام فقرأ، ثم ركع وسجد؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
داود بن أيوب بن سليمان
ابن عبد الأحد ويقال: عبد الواحد بن أبي حجر، أبو بشر، ويقال: أبو سليمان بن أبي سليمان الأيلي روى بأيلة سنة سبعين عن أبيه بسنده عن زيد بن خالد الجهني أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من توضأ فأحسن الوضوا، ثم صلى ركعتين لا يسهو فيهما غفر الله له ما تقدم من ذنبه.(8/143)
داود بن الحسين بن عقيل بن سعيد
أبو سليمان النيسابوري البيهقي الخسروجردي سمع بالشام وبغيرها حدث بخسروجرد سنة ثلاث وتسعين ومئتين.
حدث عن أبي زكريا يحيى بن عبد الرحمن التميمي النيسابوري بسنده عن نافع، عن عبد الله: أنه وجد برداً شديداً وهو في سفر؛ فأمر المؤذن ومن معه بأن يصلوا في رحالهم، فإني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر بذلك إذا كان مثل هذا.
ولد داود بن الحسين سنة مئتين، ومات بخسروجرد سنة ثلاث وتسعين ومئتين.
داود بن دينار أبي هند بن غدافر
أبو بكر ويقال: أبو محمد، ويقال اسم أبي هند: طهمان القشيري مولاهم البصري قدم دمشق وحدث بها.
روى عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تنكح المرأة على خالتها أو على عمتها، وأن تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ بما في صحفتها، فإن الله عز وجل رازقها.
قال داود بن أبي هند: قدمت دمشق فسألوني عن أولاد المشركين، فحدثتهم عن الحسن، عن أبي هلاريرة أنه قال: كل مولود يولد على الفطرة. وحدثتهم عن الشعبي، عن علقمة، أن ابني مليكة قالا: يا رسول الله إن أمنا وأدت موءودة في الجاهلية، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الوائدة والموءودة في النار إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فتسلم.(8/144)
قال داود بن أبي هند: أتيت الشام، فلقيني غيلان، فقال: يا داود إني أريد أن أسلك عن مسائل، قلت: سلني عن خمسين مسألة وأسألك عن مسألتين، قال: سل يا داود، قلت: أخبرني: ما أفضل ما أعطي ابن آدم؟ قال: العقل، قلت: فأخبرني عن العق، هو شيء مباح للناس، من شاء أخذه، ومن شاء تركه، أو هو مقسوم بينهم؟ قال: فمضى ولم يجبني.
توفي داود سنة تسع وثلاثين ومئة. وكان ثقة؛ وكان من أهل سرخس، وبها ولده. وقيل: مات في طريق مكة.
أرسل ابن هبيرة إلى داود بن أبي هند وإلى حميد الطويل وإلى ابن شبرمة وابن أبي ليلى؛ فكانوا يحضرونه فيسألهم عن الشيء؛ فيبتدر ابن شبرمة وابن أبي ليلى الجواب، ويسكت هذان؛ قال ابن هبيرة: ما بالكما تسكتان؟ قال داود لهذين: أخبراني عما تجيبان فيه، أشيئاً سمعتما فيه شيئاً، أم برأيكما؟ فقالا: بل برأينا؛ قال داود: ما بال الرأي يبادر إليه، أو يسارع إليه؟!.؟؟؟؟؟؟ قال ابن جريج: ما رأيت مثل داود بن أبي هند، إن كان ليفرع العلم فرعاً.
وكان داود بن أبي هند خياطاًن رجلاً صالحاً، ثقةً، حسن الإسناد.
فال حماد بن زيد: قلت لداود بن أبي هند: يا أبا بكر؛ ما تقول في القدر؟ فقال: أقول كما قال مطرف بن عبد الله؛ لم توكلوا إلى القدر، وإلى القدر تصيرون.
قال ابن أبي عدي: أقبل علينا داود بن أبي هند فقال: يا فتيان، أخبركم لعل بعضكم أن ينتفع به: كنت وأنا غلام أختلف إلى السوق، فإذا انقلبت إلى البيت جعلت على نفسي أن أذكر الله(8/145)
إلى مكان كذا وكذا؛ فإذا بلغت ذلك المكان جعلت على نفسي أن أذكر الله إلى مكان كذا وكذا حتى آتي المنزل.
قال ابن أبي عدي: صام داود أربعين سنةً لا يعلم به أهله. وكان خزازاً يحمل معه غداءه من عندهم فيتصدق به في الطريق، ويرجع عشاءً فيفطر معهم.
قال داود بن أبي هند: جالست الفقهاء، فوجدت ديني عندهم، وجالست أصحاب المواعظ فوجدت الرقة قلبي بهم، وجالست كبار الناس فوجدت المروءة فيهم، وجالست شرار الناس فوجدت أحدهم يطلق امرأته على شيء لا يساوي شعيرة.
قال داود بن أبي هند: مرضت مرضاً شديداً حتى ظننت أنه الموت. فكان باب بيتي قبالة باب حجرتي، وكان باب حجرتي قبالة باب داري، قال: فنظرت إلى رجل قد أقبل ضخم الهامة ضخم المناكب، كأنه من هؤلاء الذين يقال لهم: الزط، قال: فلما رأيته شبهته بهؤلاء الذين يعملون الرب؟ فاسترجعت وقلت: يقبضني وأنا كافر. قال: وسمعت أنه يقبض أنفس الكفار ملك أسود. قال: فبينا أنا كذلك إذ سمعت سقف البيت ينتقض، ثم انفرج حتى رأيت السماء. قال: ثم نزل علي رجل عليه ثياب بياض، ثم أتبعه آخر فصارا اثنين، فصاحا بالأسود، فأدبر وجعل ينظر إلي من بعيد. قال: وهم يزجرانه، قال داود: فقال صاحب الرأس لصاحب الرجلين: المس، فلمس بين أصابعي ثم قال له: كثر النقل بهما إلى الصلوات، ثم قال صاحب الرجلين لصاحب الرأس: المس، فلمس لهواتي ثم قال: رطبة بذكر الله عز وجل. قال: ثم قال أحدهما لصاحبه: لم يأن له بعد. قال: ثم انفرج السقف فخرجا؛ ثم عاد السقف كما كان.
توفي داود بن أبي هند سنة تسع وثلاثين. وقيل: سنة سبع وثلاثين ومئة، في طريق مكة؛ وهو ابن خمس وسبعين سنة.(8/146)
داود بن رشيد أبو الفضل الخوارزمي
سمع بدمشق.
حدث عن الوليد بن مسلم بسنده عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أعتق رقبة أعتق الله بكل إرب منها إرباً منه من النار، حتى باليد اليد، وبالرجل الرجل، وبالفرج الفرج. فقال له علي بن حسين: يا سعيد سمعت هذا من أبي هريرة؟ قال: نعم. قال الغلام له، أقرب غلمانه: ادع لي قبطياً. فلما قام بين يديه قال: اذهب فأنت حر لوجه الله ".
وحدث داود بن رشيد عن شعيب بن إسحاق بسنده عن عبد الله بن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها، فإنها تطلع بقرني شيطان ".
وحدث عن سلمة بن بشر بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم ".
توفي داود بن رشيد يوم الجمعة لسبع خلون من شعبان سنة تسع وثلاثين ومئتين. وكان قد كف بصره. وكان يحيى بن معين يوثقه. وكان صدوقاً.
قال داود بن رشيد: قمت ليلةً أصلي. فأخذني البرد لما أنا فيه من العري، فأخذني النوم؛ فرأيت فيما يرى النائم كأن قائلاً يقول لي: يا داود، أنمناهم وأقمناك، فتبكي علينا. قال إبراهيم الحربي: فأرى داود ما نام بعدها.
وكان داود بن رشيد يقول: قالت حكماء الهند: لا ظفر مع بغي، ولا صحة مع نهم، ولا ثناء مع كبر، ولا صداقة مع خب، ولا شرف مع سوء أدب، ولا بر مع شح، ولا اجتناب محرم مع حرص، ولا محبة مع هزء، ولا ولاية حكم مع عدم فقه، ولا عذر مع إصرار، ولا سلم قلب مع(8/147)
الغيبة، ولا راحة مع جسد، ولا سؤدد مع انتقام، ولا رئاسة مع عرارة نفس وعجب، ولا صواب مع ترك المشاورة، ولا ثبات ملك مع تهاون وجهالة وزراء.
داود بن الزبرقان أبو عمرو
الرقاشي البصري روى عن مطر الوراق بسنده عن عبد الرحمن بن سمرة القرشي بأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يا عبد الرحمن، لا تسل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها؛ وإذا حلفت على يمين، فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير، وكفر عن يمينك.
وحدث عن زيد بن أسلم بسنده عن رافع بن خديج قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أسفروا بالفجر فإنها مسفرة.
ضعفه يحيى بن معين وقال: ليس بشيء.
داود بن سلم
يقال إنه مولى بني تميم بن مرة. ثم لآل أبي بكر الصديق، ويقال لآل طلحة شاعر من أهل المدينة قدم على حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية ومدحه؛ وله مدائح مستحسنة. ومن شعره في قثم بن العباس:
نجوت من حل ومن رحلة ... يا ناق إن قربتني من قثم
إنك إن بلغتنيه غداً ... عاش لنا اليسر ومات العدم
في باعه طول وفي وجهه ... نور وفي العرنين منه شمم
لم يدر ما لا وبلى قد درى ... فعافها واعتاض منها نعم(8/148)
ومن شعره فيه:
كم صارخ بك من راج وصارخة ... يدعوك يا قثم الخيرات يا قثم
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم
يكاد يعلقه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
إذا رأته قريش قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
هذا الذي لم يضع للملك حرمته ... إن الكريم الذي تحظى به الحرم
داود بن علي بن عبد الله
ابن عباس بن عبد المطلب، أبو سليمان الهاشمي ولي إمرة الكوفة في زمن ابن أخيه أبي العباس السفاح؛ ثم ولاه المدينة والموسم ومكة واليمن. قدم دمشق غير مرة. وقيل إنه كان قدرياً.
حدث داود بن علي عن أبيه عن عبد الله بن عباس قال: بعثني العباس إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتيته ممسياً وهو في بيت خالتي ميمونة. قال: فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي من الليل، فلما صلى الركعتين قبل الفجر قال: اللهم إني أسألك رحمةً من عندك تهدي بها قلبي، وتجمع بها شملي، وتلم بها شعثي، وترد بها ألفتي، وتصلح بها ديني، وتحفظ بها غائبي، وترفع بها شاهدي، وتزكي بها عملي، وتبيض بها وجهي، وتلهمني بها رشدي، وتعصمني بها من كل سوء. اللهم أعطني إيماناً صادقاً، ويقيناً ليس بعده كفر، ورحمة أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة؛ اللهم، إني أسألك الفوز عند القضاء، ونزل الشهداء، وعيش السعداء، ومرافقة الأنبياء، والنصر على الأعداء؛ اللهم أنزل بها حاجتي، وإن قصر رأيي وضعف عملي وافتقرت إلى(8/149)
رحمتك، فأسألك يا قاضي الأمور، ويلا شافي الصدور، كما تجير بين البحور أن تجيرني من عذاب السعير، ومن دعوة الثبور، ومن فتنة القبور، اللهم ما قصر عنه رأيي وضعف عنه عملي، ولم تبلغه نيتي أو أمنيتي من خير وعدته أحداً من عبادك، أو خير أنت معطيه أحداً من خلقك؛ فإني أرغب إليك فيه. وأسألك يا رب العالمين. اللهم اجعلنا هادين مهديين، غير ضالين ولا مضلين، حرباً لأعدائك، سلماً لأوليائك، نحب بحبك الناس، ونعادي بعداوتك من خالفك من خلقك. اللهم هذا الدعاء وعليك الاستجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم ذا الحبل الشديد والأمر الرشيد، أسألك الأمن يوم الوعيد، والجنة يوم الخلود، مر المقربين الشهود، والركع السجود، الموفين بالعهود، إنك رحيم ودود، وأنت تفعل ما تريد. سبحان الذي تعطف العز وقال به. سبحان الذي لبس المجد وتكرم به. سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له. سبحان ذي الفضل والنعم. سبحان ذي القدرة والكرم. سبحان الذي أحصى كل شيء بعلمه. اللهم اجعل لي نوراً في قلبي، ونوراً في قبري، ونوراً في سمعي، ونوراً في بصري، ونوراً في شعري، ونوراً في بشري، ونوراً في لحمي، ونوراً في دمي، ونوراً في عظامي، ونوراً من بين يدي، ونوراً من خلفي، ونوراً عن يميني، ونوراً عن شمالي، ونوراً من فوقي، ونوراً من تحتي؛ اللهم زدني نوراً، وأعطني نوراً، واجعل لي نوراً ".
وعنه قال: أردت أن أعرف صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الليل، فسألته عن ليلته؟ فقيل: لميمونة الهلالية؛ فأتيتها فقلت: إني تنحيت عن الشيخ، ففرشت لي في جانب الحجرة. فلما صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأصحابه صلاة العشاء الآخرة دخل إلى منزله، فحس حسي، فقال: يا ميمونة، من ضيفك؟ قالت: ابن عمك يا رسول الله عبد بن عباس. قال: فأوى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى فراشه. فلما كان في جوف الليل خرج إلى الحجرة، فقلب في أفق السماء وجهه ثم قال: نامت العيون،(8/150)
وغارت النجوم، والله حي قيوم، ثم رجع إلى فراشه. فلما كان ثلث الليل الآخر خرج إلى الحجرة، فقلب في أفق السماء وجهه وقال: نامت العيون، وغارت النجوم، والله حي قيوم، ثم عمد إلى قربة في ناحية الحجرة، فحل شناقها، ثم توضأ فأسبغ وضوءه، ثم قام إلى مصلاه، فكبر وقام حتى قلت: لن يركع، ثم ركع فقلت: لن يرفع صلبه، ثم رفع صلبه، ثم سجد فقلت: لن يرفع رأسه، ثم جلس فقلت: لن يعود، ثم سجد فقلت: لن يقوم، ثم قام فصلى ثمان ركعات، كل ركعة دون التي قبلها، يفصل في كل ثنتين بالتسليم. وصلى ثلاثاً أوتر بهن بعد الاثنتين، وقام في الواحدة الأولى. فلما ركع الركعة الأخيرة، فاعتدل قائماً من ركوعه، قنت فقال: اللهم إني أسألك رحمةً من عندك تهدي بها قلبي، وتجمع بها أمري.. الدعاء إلى آخره بمعنى الدعاء الأول، ثم سجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فكان فراغه من وتره وقت ركعتي الفجر؛ فركع في منزله، ثم خرج فصلى بأصحابه صلاة الصبح.
وعنه أيضاً قال: أكل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحماً ثم صلى ولم يتوضأ.
قال محمد بن أبي رزين الخزاعي: سمعت داود بن علي حين بويع لبني العباس، وهو مسند ظهره إلى الكعبة فقال: شكراً شكرا، إنا والله ما خرجنا لنحتفر فيكم نهراً، ولا لنبني قصراً؛ ظن عدو الله أن لن نقدر عليه؛ أمهل الله له في طغيانه وأرخى له من زمامه، حتى عثر في فضل خطامه؛ فالآن أخذ القوس باربها، وعاد النبال إلى النزعة، وعاد الملك في نصابه، في أهل بيت نبيكم، أهل الرأفة والرحمة. والله إن كنا لنشهد لكم ونحن على فرشنا، أمن الأسود والأبيض. لكم ذمة الله وذمة رسوله وذمة العباس، ها ورب هذه البنية لا نهيج أحداً. ثم نزل.
قال جرير: سمعت سالم بن أبي حفصة يطوف بالبيت وهو يقول: لبيك مهلك بني أمية، فأجاره داود بن علي بألف دينار.(8/151)
مات داود بن علي سنة ثلاث وثلاثين ومئة، وهو وال على المدينة، وهو ابن اثنتين وخمسين سنة. وإنما أدرك من دولتهم ثمانية أشهر.
داود بن عمر بن حفص
حدث بدمشق عن عمرو بن عثمان الحمصي بسنده عن أبي أمامة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان. وإن أفاضلكم أحاسنكم أخلاقاً؛ وإن من الإيمان حسن الخلق ".
داود بن عمرو الأودي الدمشقي
عامل واسط حدث عن بسر بن عبيد الله الحضرمي بسنده عن عوف بن مالك الأشجعي أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بالمسح على الخفين في غزوة تبوك ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوم وليلة للمقيم.
وحدث عن عبد الله بن أبي زكريا عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آيائكم، فأحسنوا أسماءكم ".
داود بن عيسى بن علي
ابن عبد الله بن عباس الهاشمي حدث عن أبيه عن علي بن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن قول لا حول ولا قوة إلا بالله تدفع عن قائلها تسعاً وتسعين باباً، أدناها الهم ".
وبه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن صدقة السر تطفئ غضب الرب، وإن صلة الرحم تزيد في العمر؛ وإن صنائع المعروف تقي مصارع السوء؛ وإن قول لا إله إلا الله تدفع عن قائلها تسعةً وتسعين باباً من البلاء، أدناها الهم.(8/152)
وحدث داود عن أبيه عن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس أنه قال: دخلت يوماً على عمر بن عبد العزيز وعنده شيخ من النصارى، فقال له عمر بن عبد العزيز: من تجدون الخليفة بعد سليمان بن عبد الملك؟ قال له النصراني: أنت، فأقبل عمر بن عبد العزيز علي فقال: دمي في ثيابك يا أبا عبد الله. قال محمد بن علي: فلما كان بعد ذلك جعلت ذلك النصراني من بالي، فرأيته يوماً في الطريق، فأمرت غلامي أن يحبسه لي، فذهبت إلى منزلي وسألته عمال يكون بعد خلفاء بني أمية واحداً واحداً، وتجاوز عن مروان بن محمد. قلت له: ثم من؟ قال: ثم ابنك ابن الحارثية. قال داود بن عيسى: فأخبرتني مولاةً لنا هي أثبت للحديث مني أنه قال: هو الآن حمل.
داود بن عيسى النخعي
من أهل الكوفة، سكن دمشق.
حدث عن ميسرة بسنده عن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما دعا عبد بهؤلاء الكلمات لمريض إلا شفاه الله، إلا مريض حضر أجله، قوله: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك. سبع مرات.
وحدث عن عاصم بن عبيد الله عن سالم بن عبد الله عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من اشترى شاةً لدرتها حلبها ثلاثة أيام، فهو بالخيار: إن شاء أمسك، وإلا رد صاعاً من تمر.
داود بن فراهيج مولى سفيان
تبن زياد. من بني قيس بن الحارث بن فهر، المديني روى عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ".(8/153)
وبه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الضيافة ثلاثة أيام، فما كان بعد ذلك فهو صدقة ".
وبه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلا المساجد الحرام ".
وعن داود بن فراهيج قال أبو غسان: قدمنا معه الشام، ومعنا رجل من بني وعلة السبئي كان صاحب علم وحكم فقال له داود: أنت رجل شريف، الق هذا الرجل وتعرض له يعني الوليد بن يزيد فبالحري أن ترد علينا خيراً أو تجر منفعة، مع حظ مثلك من الخلفاء؛ فقال: إنه مقتول؛ فقال داود: مه، لا تقل ذلك، قال: نعم لتمام أربعين ليلةً من هذا اليوم، وهو انقضاء خلافة العرب إلى قيام صاحب الوادي من آل أبي سفيان، ثم تعود إلى الشام سنتهم حتى يكونوا أصحاب الأعماق. فقال داود بن فراهيج: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: صاحب الأعماق الذي يهزم الله العدو على يديه نصر، فقال: إنما سمي نصراً لنصر الله إياه، فأما اسمه فسعيد.
وثقه قوم، وضعفه آخرون.
داود بن محمد المعيوفي الحجوري
من قرية عين ثرما من غوطة دمشق.
حدث عن أبي عمرو المخزومي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " القرآن أفضل من كل شيء دون الله، ومن قرأ القرآن فقد وقر الله، ومن استخف بحق القرآن استخف بحق الله، وحرمة القرآن في التوراة وقار الله، وحملة القرآن(8/154)
المخصوصون برحمة الله، ومن والاهم فقد والى الله؛ يدفع عن مستمع القرآن بلاء الدنيا، ويدفع عن قارئ القرآن بلاء الآخرة. ثم قال: يا حملة القرآن، إن أهل السماء يدعونكم. وذكر الحديث.
داود بن مروان بن الحكم
ابن أبي العاص بن أمية القرشي الأموي أدرك عصر الصحابة وداره بدمشق.
حدث عطاء قال: أراد داود بن مروان أن يجيز بين يدي أبي سعيد وهو يصلي وعليه حلة له، ومروان أمير المدينة فرده، فكأنه أبى، فلهده في صدره؛ فذهب الفتى إلى أبيه فأخبره، فدعا مروان أبا سعيد وهو يظن أنما لهده من أجل حلته قال: فذكر ذلك له، فقال: نعم، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اردده، فإن أبى فجاهده.
داود بن نفيع ويقال ابن نافع العبسي
من أهل دمشق، وهو عم إبراهيم بن أبي شيبان.
قال داود بن نافع: عدت عبيد الله بن أبي المهاجر وابن أبي زكريا، قال: فقال له بعض القوم: أبشر يا أبا الوليد؛ فقال: ما استعفيت الله من شكوى أسابتني منذ عقلت، ولا لقيت أحداً إلا بالذي في نفسي.(8/155)
داود بن الوسيم بن أيوب
ابن سليمان أبو سليمان البوشنجي سمع بدمشق.
حدث عن عبد الرحمن بن الحسن الدمشقي بسنده عن بعز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ويل للذي يحدث ويذب فيضحك القوم، ويل له، ويل له، مرتين ".
وحدث عن أبي عبد الله أحمد بن عبد الواحد الدمشقي بسنده عن معاذ عن أنس عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أكل طعاماً فقال: الحمد لله الذي رزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن لبس ثوباً فقال: الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه ".
داود بن يزيد بن معاوية
قال ابن عائشة: كتب ملك الروم إلى عبد الملك بن مروان: إنك أحدثت في القراطيس ما لم يكن؛ ولئن لم تنته عن ذلك لأشتمن نبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل ما يعمل في مملكتي. فأهم ذلك عبد الملك فدخل عليه داود بن يزيد بن معاوية، فرآه مهموماً بما ورد عليه؛ فقال له: اضرب دنانير ودراهم أنقص من دنانيره، وأثبت فيها اسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليستغنى بها عما يضرب عنده. ففعل؛ وكان ذلك في سنة سبعين.
ولا يؤخذ شيء مؤرخ بما قبل السبعين من الدنانير والدراهم العربية.
شك فيه الحافظ؛ قال: والصواب خالد بن يزيد.(8/156)
دثار بن الحارث النهدي الكوفي
وفد على عمر بن عبد العزيز.
حدث عن سليمان بن صرد قال: قال علي عليه السلام يوم الجمل: ليتني مت قبل هذا بعشرين سنة. قال ابن عمار: أراه قال: سنة.
قال عمر بن ذر: قدمنا على عمر بن عبد العزيز خمسة: موسى بن أبي كثير، ودثار النهدي، ويزيد الفقير، والصلت بن بهرام، وعمر بن ذر؛ فقال: إن كان أمركم واحداً فليتكلم متكلمكم؛ فتكلم موسى بن أبي كثير وكان أخوف ما يتخوف عليه أن يكون عرض بشيء من أمر القدر قال: فعرض له عمر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: لو أراد الله أن لا يعصى لم يخلق إبليس وهو رأس الخطيئة، وإن في ذلك لعلماً من كتاب الله عز وجل، علمه من علمه، وجهله من جهله؛ ثم تلا هذه الآية: " فإنكم وما تعبدون، ما أنتم عليه بفاتنين، إلا من هو صال الجحيم " ثم قال: لو أن الله عز وجل حمل خلقه من حقه على قدر عظمته لم يطق ذلك أرض ولا سماء، ولا ماء ولا جبل، ولكنه رضي من عباده بالتخفيف.
دحمان الجمال
قدم الشام، واستقدمه بعد ذلك الوليد بن يزيد.
قال أبو محمد العامري: كان دحمان جمالاً يكري إلى المواضع ويتجر، وكان له مروءة؛ فبينا هو ذات يوم قد أكرى جماله وأخذ ماله، إذ سمع رنةً! فقام واتبع الصوت، فإذا جارية قد خرجت(8/157)
تبكي، فقال لها: أمملوكة أنت؟ قالت: نعم؛ قال: لمن؟ قالت: لامرأة من قريش ونسبتها له فقال لها: أتبيعك؟ قالت: نعم. ودخلت على مولاتها فقالت: هذا إنسان يشتريني؛ قالت: ائذني له، فدخل فساومها بها حتى استقر الأمر بينهما على مئتي دينار، فاشتراها ونقدها الثمن، وانصؤف بالجارية.
قال دحمان: فأقامت عندي مدة أطارحها ويطارحها معبد وغيره من المغنين؛ ثم خرجت بها بعد ذلك إلى الشام وقد حدقت، فكنت لا أزال أنزل ناحية وأعتزل بالجارية في محمل، وأطرح على المحمل أعبيةً وأجلس أنا وهي تحت ظلها، ثم أخرج شيئاً آكله؛ وتتغنى حتى نرحل. فلم نزل كذلك حتى قربنا من الشام؛ فبينا أنا ذات يوم نازل وأنا ألقي عليها لحني:
فإني لآتي البيت ما إن أحبه ... وأكثر هجر البيت وهو حبيب
وأغضي على أشياء منكم تسوءني ... وأدعى إلى ما سركم فأجبيب
ورددته عليها حتى حفظته واندفعت تغنيه، وإذا براكب قد أقبل، فسلم علينا وقال: أتأذنون لي أن أنزل تحت ظلكم ساعة؟ قلنا: نعم، فنزل، وعرضت عليه الطعام فأجاب، واستعاد الصوت مراراً، ثم قال للجارية: أتروين لدحمان شيئاً من غنائه؟ قالت: نعم، قال: فغنيني صوتاً؛ فغنته أصواتاً من صنعتي، وغمزتها ألا تعرفيه أني دحمان؛ فطرب وامتلأ سروراً، حتى قرب وقت الرحيل، فأقبل علي وقال: أتبيعني هذه الجارية؟ قلت: نعم، قال: بكم؟ قلت كالعابث " بعشرة آلاف دينار. قال: قد أخذتها، فهلم دواةً وقرطاساً فجئته بذلك، فكتب فيه: ادفع إلى حامل هذا الكتاب ساعة تقرأه عشرة آلف دينار وتسلم منه الجارية، واستعلم مكانه وعرفنيه، واستوص به خيراً. وختم الكتاب ودفعه إلي وقال: إذا دخلت المدينة، فسل عن فلان فاقبض منه المال وسلم(8/158)
إليه الجارية. ثم ركب. فلما أصبحنا، دخلنا المدينة، فحططت رحلي وقلت للجارية: البسي ثيابك وقومي معي وأنا لا أطمع في ذلك، ولا أظن الرجل إلا عابثاً فقامت معي، فخرجت بها وسألت عن الرجل فدللت عليه، وإذا هو وكيل الوليد بن يزيد، فأوصلت إليه الكتاب. فلما قرأه وثب قائماً وقبله وقال: السمع والطاعة لأمير المؤمنين. ثم دعا بعشرة آلاف دينار، فسلمت إلي وأنا لا أصدق أنها لي؛ فقال لي: أقم حتى أعلم أمير المؤمنين خبرك، فقلت له: حيث كنت فأنا ضيفك، وقد كان أمر لي بمنزل وكان بخيلاً قال: وخرجت، فصادفت كراً فقضيت حوائجي في يومي وغدي ورحلت. وذكرني صاحبي بعد أيام، فسأل عني وطلبني، فعرف برحيلي فأمسك، ولم يذكرني إلا بعد شهر؛ فقال لها وقد غنته صوتاً من صنعتي: لمن هذا؟ قالت: لدحمان، قال: وددت أني رأيته وسمعت غناءه، فقالت: قد رأيته والله وسمعت غناءه. قال: لا والله، ما رأيته قط ولا سمعته. قالت: بلى، والله قد رأيته وسمعت غناءه؛ فغضب وقال: أنا أحلف أني لم أره ولم أسمعه وأنت تعارضيني وتكذبيني؛ قالت: إن الرجل الذي اشتريتني منه دحمان، قال: ويحك! فهلا أعلمتني؟ قالت: نهاني عن ذلك، قال: وإنه لهو، والله لأجشمنه السفر، ثم كتب إلى عامل المدينة يحمل إليه. فحمل ولم يزل أثيراً عنده.
دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة
ابن زيد بن امرئ القيس بن الخرج بن عامر بن بكر بن عامر الأكبر بن بكر بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة الكلبي له صحبة، وهو الذي كان جبريل عليه السلام يأتي سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صورته. وبعثه سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكتابه إلى قيصر، فأوصله إلى عظيم بصرى؛ وشهد(8/159)
اليرموك، وكان أميراً على كردوس؛ وسكن دمشق بعد ذلك، وكان منزله بالمزة.
حدث دحية قال: قلت: يا رسول الله، ألا أحمل لك حماراً على فرس فينتج لك بغلاً؟ قال: إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون.
وعن منصور الكلبي أن دحية بن خليفة خرج من قريته بدمشق المزة إلى قدر قرية عقبة من الفسطاط، وذلك ثلاثة أميال، في رمضان، ثم إنه أفطر وأفطر معه أناس، وكره آخرون أن يفطروا؛ فلما رجع إلى قريته قال: والله لقد رأيت اليوم أمراً ما كنت أظن أني أراه؛ إن قوماً رغبوا عن هدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه يقول ذلك للذين صاموا ثم قال عند ذلك: اللهم اقبضني إليك.
وعن دحية بن خليفة أنه قال: أتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقباطي، فأعطاني منها قبطية فقال: اصدعها صدعين فاقطع أحدهما قميصاً، وأعط الآخر امرأتك تختمر به. فلما أدبر قال: وأمر امرأتك تجعل تحته ثوباً لا يصفها.
أسلم دحية قديماً قبل بدر، ولم يشهدها. وكان يشبه بجبريل. وشهد مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المشاهد بعد بدر. وبقي إلى زمن معاوية بن أبي سفيان.
وكان سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه إلى قيصر؛ وفيه نزلت: " وإذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضوا إليها ".(8/160)
قال ابن ماكولا: خزج، بخاء معجمة مفتوحة، وزاي ساكنة، وجيم؛ واسمه زيد، وإنما سمي الخزج لعظم لحمه؛ وفي كتاب ابن سعيد: دحية، بفتح الدال.
وعن دحية الكلبي قال: قدمت من الشام فأهديت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاكهة يابسة من فستق ولوز وكعك، فوضعته بين يديه فقال: اللهم، ائتني بأحب أهلي إليك أو قال: إلي يأكل معي من هذا. فطلع العباس، فقال: ادن يا عم، فإني سألت الله أن يأتيني بأحب أهلي إلي أو إليه يأكل معي من هذا فأتيت. قال: فجلس فأكل.
وعن دحية الكلبي قال: أهديت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جبة صوف وخفين، فلبسهما حتى تخرقا، ولم يسل عنهما ذكيتا أم لا.
قال خليفة بن خياط: في سنة خمس بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دحية بن خليفة إلى قيصر، في الهدنة.
قال دحية الكلبي: بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معي بكتاب إلى قيصر، فقمت بالباب فقلت: أنا رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففزعوا لذلك، فدخل عليه الآذن فقال: هذا رجل بالباب يزعم أنه رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فأذن لي، فدخلت عليه، فأعطيته الكتاب فقرئ عليه: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى قيصر صاحب الروم، فإذا ابن أخ له أحمر أزرق سبط الشعر، قد نخر ثم قال: لم لم يكتب: إلى ملك الروم ولم يبدأ بك؟! لا تقرأ كتابه اليوم. فقال لهم: اخرجوا؛ فدعا الأسقف، وكانوا يصدون عن رأيه ويقبلون قوله. فلما قرئ عليه الكتاب(8/161)
قال: هو والله رسول الله الذي بشرنا به موسى وعيسى، هو والله رسول الله الذي بشرنا به موسى وعيسى، هو والله رسول الله الذي بشرنا به موسى وعيسى؛ قال: فأي شيء ترى؟ قال: أرى أن تتبعه. قال قيصر: وأنا أعلم ما تقول، ولكن لا أستطيع أن أتبعه، يذهب ملكي ويقتلني الروم.
وفي حديث آخر عنه قال: وجهني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ملك الروم بكتابه وهو دمشق؛ فناولته كتاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقبل خاتمه ووضعه تحت شيء كان عليه قاعداً، ثم نادى؛ فاجتمع البطارقة وقومه، فقام على وسائد بنيت له وكذلك كانت فارس والروم لم يكن لها منابر ثم خطب أصحابه فقال: هذا كتاب النبي الذي بشرنا به المسيح من ولد إسماعيل بن إبراهيم؛ قال: فنخروا نخرةً، فأومى بيده أن اسكتوا، ثم قال: إنما جربتكم كيف نصرتكم للنصرانية. قال: فبعث إلي من الغد سراً، فأدخلني بيتاً عظيماً فيه ثلاث مئة وثلاث عشرة صورة، فإذا هي صور الأنبياء المرسلين. قال: انظر أين صاحبك من هؤلاء؟ قال: فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنه ينطق، قلت: هذا، قال: صدقت؛ فقال: صورة من هذا عن يمينه؟ قلت: رجل من قومه يقال له أبو بكر الصديق قال: فمن ذا عن يساره؟ قلت: رجل من قومه يقال له عمر بن الخطاب؛ قال: أما إنه نجد في الكتاب أن بصاحبيه هذين يتمم الله هذا الدين. فلما قدمت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبرته فقال: صدق، بأبي بكر وعمر يتمم الله هذا الدين بعدي ويفتح.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واضعاً يده على معرفة فرس دحية الكلبي وهو يكلمه، قالت: قلت: يا رسول الله؛ رأيتك واضعاً يدك على معرفة فرس دحية الكلبي وأنت تكلمه، قال: أو رأيتيه؟ قالت: نعم، قال: ذاك جبريل، وهو يقرئك السلام. قالت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، جزاه الله من صاحب ودخيل حيراً، فنعم الصاحب ونعم الدخيل.(8/162)
قال: الدخيل: الضيف.
وفي حديث آخر بمعناه قال: ذاك جبريل، أمرني أن أمضي إلى بني قريظة.
وعن أبي هريرة قال: قدم دحية الكلبي المدينة وكان جميلاً فخرج ناس يوم الجمعة من المسجد والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب يسألون عن السعر، وخرج جوار من جواري المدينة يضربن بدفوفهن، فأنزل الله عز وجل: " وإذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً ".
قال رجل لعوانة بن الحكم: أجمل الناس جرير بن عبد الله؛ قال له عوانة: أجمل الناس من نزل جبريل على صورته يعني دحية الكلبي.
وفي حديث ابن عباس أنه قال: كان دحية إذا قدم لم تبق معصر إلا خرجت تنظر إليه لجماله. وإذا خرج المعاصر وهن يحجبن ويمنعن من الخروج كان النساء أحرى بالخروج.
وأما ما روي أن دحية الكلبي أسلم في زمن أبي بكر رضي الله عنه فإنه منكر؛ ولو لم يكن دحية مسلماً في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يبعثه سريةً وحده، ولا كان جبريل عليه السلام يتشبه في صورته. والله أعلم.
دحيم بن عبد الجبار بن دحيم
ابن محمد بن دحيم، أبو الحسن الغنسي الداراني حدث عن أبي الحسن علي بن بكر بسنده أن أبا بكر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، عصموا مني دماءهم وأموالهم ".(8/163)
دراج بن سمعان
ويقال اسمه عبد الرحمن، ودراج لقب، أبو السمح المصري حدث عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الجنة مئة درجة، فلو أن الناس كلهم في درجة واحدة لوسعتهم ".
وحدث عن عبد الله بن الحارث بن جزء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن في النار لحيات مثل أعناق البخت، تلسع أحدهم اللسعة يجد حموتها أربعين خريفاً؛ وإن في النار لعقارب أمثال البغال الموكفة، تلسع أحدهم اللسعة يجد حموتها أربعين خريفاً ".
وحدث عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أصدق الرؤيا بالأسحار ".
وعنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الشتاء ربيع المؤمن ".
وعنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون ".
قال أبو السمح: كنت بالشام أطلب العلم، فآواني الليل إلى رفيقة طبخوا قدراً لهم، فتعشيت معهم، فقاموا إلى صلاة من غير وضوء؛ فأنكرت ذلك عليهم وقلت: أكلتم طعاماً قد مسته النار لا تتوضؤون منه؟! فقال رجل منهم: ترى من ترى هاهنا، ليس منهم رجل إلا وقد بايع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا يتوضؤون مما مست النار.(8/164)
قال أبو السمح: أدركت زماناً إذا سمعنا بالرجل قد جمع القرآن حججنا إليه فنظرنا إليه.
وثقه قوم، وضعفه الأكثرون. توفي في سنة ست وعشرين ومئة. وكان يقص بمصر.
درباس بن حبيب بن درباس
ابن لاحق بن معد بن ذهل، ويقال: درواس بن حبيب بن درواس وفد على هشام بن عبد الملك.
حدث الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء المقرئ قال: سمعت عاصم بن الحدثان يحدث أن البادية قحطت زمن هشام بن عبد الملك، فقدمت وفود العرب من القبائل؛ فجلس هشام لرؤسائهم، فدخلوا عليه وفيهم درباس بن حبيب وله أربع عشرة سنة، عليه شملتان، له ذؤابة، فأحجم القوم وهابوا هشاماً، فوقعت عين هشام على درباس فاستصغره فقال لحاجبه: ما يشاء أحد يصل إلي إلا قد وصل حتى الصبيان! فعلم درباس أنه يريده، فقال يا أمير المؤمنين، إن دخولي لم يضرك ولا أنقصك ولكنه شرفني، وإن هؤلاء قدموا لأمر فأحجموا دونه؛ وإن الكلام لنشر، وإن السكوت طي لا يعرف إلا بنشره؛ قال: فانشر لا أبالك وأعجبه كلامه. فقال: إنه أصابتنا سنون ثلاث، فسنة أكلت اللحم، وسنة أذابت الشحم، وسنة أنقت العظم؛ وفي أيديكم فضول أموال، فإن كانت لله عز وجل ففرقوها على عباد الله، وإن كانت لهم فعلام تحبسونها عنهم؟ وإن كانت لكم فتصدقوا بها، فإن الله عز وجل يجزي المتصدقين، ولا يضيع أجر المحسنين، يا أمير المؤمنين، أشهد(8/165)
بالله لقد سمعت أبي حبيب بن درباس بن لاحق يحدث عن أبيه عن جده لاحق بن معد بن ذهل انه وفد إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسمعه يقول: " كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، وإن الوالي من الرعية كالروح من الجسد، لا حياة له إلا بها. فاحفظ ما استرعاك الله عز وجل من رعيته. فقال هشام: سمعاً لمن فهم عن الله وذكر به؛ ثم قال هشام: ما ترك الغلام في واحدة عذراً. ثم أمر أن يقسم في أهل البوادي ثلاث مئة ألف، وأمر لدرباس بمئة ألف درهم، فقال: يا أمير المؤمنين، ارددها إلى جائزة المسلمين فإني أخاف أن تعجز عن بلوغ كفايتهم؛ قال: فما لك حاجة؟ قال: تقوى الله عز وجل، والعمل بطاعته؛ قال: ثم ماذا؟ قال: مالي حاجة في خاصة نفسي دون عامة المسلمين.
وفي حديث آخر بمعناه أنه أمر له بمئة ألف درهم، فقال: يا أمير المؤمنين، ألكل رجل منها مثلها؟ قال: لا، قال: لا حاجة لي فيها، تبعث علي صدقة. فلما صار إلى منزله بعث إليه بالمئة ألف درهم، ففرق درواس في تسعة أبطن من العرب حوله عشرة آلاف عشرة آلاف، وأخذ لنفسه عشرة آلاف. فقال هشام: إن الصنيعة عند درواس لتضعف على سائر الصنائع.
درباج بن أحمد بن محمد بن المرجى
أبو الحسن السلمي الشاهد الدمشقي روى بدمشق عن أحمد بن محمد بن سليمان الدمشقي بسنده عن أبي شجرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الإسلام ثلاث مئة وستون شريعة. من أتى الله عز وجل بخصلة منها دخل الجنة.(8/166)
وحدث عن أبي الحسن بن أبي الحديد بسنده عن أنس بن مالك قال: ما صليت خلف إمام قط أخف ولا أتم من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
توفي درباج في سنة خمس مئة. وقيل: في سنة ست وتسعين وأربع مئة.
درع بن عبد الله أبو الخير الزهيري
حدث عن أبي القاسم علي بن عبد الله المقرئ بسنده عن عروة بن الزبير أن رجلاً قال: سألت عائشة عن الرجل يقبل امرأته، أيعيد الوضوء؟ فقالت: قد كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبل بعض نسائه ثم لا يعيد الوضوء. قال: فقلت لها: لأن كان ذلك ما كان إلا منك؟ قال: فسكتت.
دريد بن الصمة بن بكر
ابن علقمة بن خزاعة بن غزية بن جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن ابن منصور وفيه خلاف أبو قرة الجشمي واسم الصمة معاوية. وفد على الحارث بن أبي شمر، المعروف بابن جفنة الغساني. خطب دريد بن الصمة الخنساء ابنة عمرو بن الشريد فلم تجبه فقال فيها من أبيات:
كفاك الله يابنة آل عمرو ... من الفتيان أمثالي ونفسي
أتزعم أنني شيخ كبير ... وهل أنبأتها أني ابن أمس
كانت له أيام وغارات، وكان من فرسان قيس المعدودين؛ أحضره مالك بن عوف النصري يوم حنين معه فقتل طافراً.(8/167)
حدث المدائني قال: قال دريد بن الصمة: كفى بالمروءة صاحباً، ومن كانت له مروءة فليظهرها، وقومه أعلم به.
روى هشام بن محمد الكلبي: أن دريد بن الصمة خطب الخنساء بنت عمرو إلى أخويها صخر ومعاوية، فوافقها وهي تهنأ إبلاً لها، فاستأمرها أخواها فيه؟ فقالت: أترونني تاركةً بني عمي كأنهم عوالي الرماح، ومرتثةً شيخ بني جشم؟! قال: فانصرف دريد وهو يقول:
ما إن رأيت ولا سمعت به ... كاليوم هاني أينق صهب
متبذلاُ تبدو محاسنه ... يضع الهناء مواضع النقب
قالوا: وعاش دريد بن الصمة نحواً من مئتي سنة حتى سقط حاجباه على عينيه. وأدرك الإسلام ولم يسلم؛ وقتل يوم حنين، وإنما خرجت به هوازن تتيمن به.
وإنه لما كبر أراد أهله أن يحبسوه، وقالوا: إنا حابسوك ومانعوك من الكلام منع الناس، وقد خشينا أن تخلط فيروي ذلك الناس علينا ويرون منك علينا عاراً فقال: أو قد خشيتم ذلك مني؟ قالوا: نعم، قال: فانحروا جزوراً واصنعوا طعاماً واجمعوا لي قومي حتى أحدث إليهم عمداً؛ فنحروا جزوراً وعملوا طعاماً، ولبس ثياباً حساناً وجلس لقومه؛ حتى إذا فرغوا من طعامهم قال: اسمعوا مني، فإني أرى أمري بعد اليوم صائراً لغيري، قد زعم أهلي أنهم قد خافوا علي الوهم، وأنا اليوم خبير بصير، إن النصيحة لا تهجم على فضيحة. أما أول ما أنهاكم عنه فأنهاكم عن محاربة الملوك، فإنهم كالسيل بالليل، لا تدري كيف تأتيه ولا من أين يأتيك؛ وإذا دنا منكم الملوك وادياً فاقطعوا بينكم وبينه واديين؛ وإن أجدبتم فلا ترعوا حمى الملوك وإن أذنوا لكم، فإن من يرعاه غانماً لم يرجع سالماً؛ ولا تحقرن شراً، فإن قليله كثير؛ واستكثروا من الخير، فإن زهيده كثير. اجعلوا(8/168)
السلام محياة بينكم وبين الناس. ومن خرق ستركم فارقعوه، ومن حاربكم فلا تغفلوه، وروا منه ما يرى منكم، واجعلوا عليه حدكم كله؛ ومن ترككم فاتركوه؛ ومن أسدى إليكم خيراً فلأأضعفوه له، وإلا فلا تعجزوا أن تكونوا مثله. وعلى كل إنسان منكم بالأقرب إليه، يكفي كل إنسان ما يليه؛ إذا التقيتم على حسب فلا تواكلوا فيه؛ وما أظهرتم من خير فاجعلوه كبيراً ولا يرى رفدكم صغيراً. ولا تنافسوا السؤدد، وليكن لكم سيد، فإنه لا بد لكل قوم من شريف. ومن كانت له مروءة فليظهرها، ثم قومه أعلم، وحسبه بالمروءة صاحباً. ووسعوا الخير وإن قل، وادفنوا الشر يمت. ولا تنكحوا دنيئاً من غيركم، فإنه عار عليكم. ولا يحتشمن شريف أن يرفع وضيعه بأياماه. وإياكم والفاحشة في النساء، فإنها عار أبد، وعقوبة غد. وعليكم بصلة الرحم فإنها تعظم الفضل، وتزين النسل؛ وأسلموا ذا الجريرة بجريرته؛ ومن أبى الحق فأعلقوه إياه؛ وإذا عنيتم بأمر فتعاونوا عليه تبلغوا، ولا تحضروا ناديكم السفيه؛ ولا تلحوا بالباطل فيلج بكم.
وفي ذكر قصة اجتماع هوازن لحرب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالوا: وحضرها دريد بن الصمة، وهو يومئذ ابن ستين ومئة سنة، شيخ كبير ليس فيه شيء إلا التيمن به ومعرفته بالحرب، وكان شيخاً مجرباً، وقد ذهب بصره يومئذ؛ وجماع الناس ثقيف وغيرها من هوازن إلى مالك بن عوف النصري. فلما أجمع مالك المسير بالناس إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر الناس فجاؤوا معهم بأموالهم ونسائهم وأبنائهم حنى نزلوا بأوطاس، واجتمع الناس به، فعسكروا وأقاموا به، وجعلت الأمداد تأتيهم من كل ناحية؛ ودريد بن الصمة يومئذ في شجار يقاد به على بعير، فمكث على بعيره، فلما نزل الشيخ لمس الأرض بيده فقال: بأي واد أنتم؟ قالوا: بأوطاس، قال: نعم مجال الخيل، لا حزن ضرس،(8/169)
ولا سهل دهس؛ مالي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير، وثغاء الشاء، وخوار البقر، وبكاء الصغير؟! قالوا: ساق مالك مع الناس أبناءهم وأموالهم ونساءهم. قال: يا معشر هوازن، أمعكم من بني كلاب بن ربيعة أحد؟ قالوا: لا، قال: فمعكم من بني كعب بن بيعة أحد؟ قالوا: لا، قال: فمعك من بني هلال بن عامر أحد؟ قالوا: لا، قال دريد: لو كان خيراً ما سبقتموهم إليه، ولو كان ذكراً وشرفاً ما تخلفوا عنه، فأطيعوني يا معشر هوازن، وارجعوا وافعلوا ما فعل هؤلاء، فأبوا عليه؛ قال: فمن شهدها منكم؟ قالوا: عمرو بن عامر، وعوف بن عامر؛ قال: ذانك الجذعان من عامر، لا يضران ولا ينفعان، ثم قال: أين مالك؟ قالوا: هذا مالك، فقال: يا مالك، إنك تقاتل رجلاً كريماً، وقد أصبحت رئيس قومك، فإن هذا اليوم كائن له ما بعده من الأيام، يا مالك، مالي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وخوار البقر وبكاء الصغير ويعار الشاة؟ قال مالك: سقت مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم. قال دريد: ولم؟ قال مالك: أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله وولده ونساءه حتى يقاتلوا عنهم. قال: فأنقض بيده ثم قال: راعي ضأن! ماله وللحرب، وهل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك؛ ثم قال: ما فعلت كعب وكلاب؟ قالوا: لم يشهدها منهم أحد، قال: غاب الجد والحد، ولو كان يوم رفعة وعلاء لم تغب عنه كعب ولا كلاب. يا مالك، إنك لم تصنع بتقديم بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئاً، فإذ صنعت ما صنعت فلا تعصني في هذه الخطة: ارفعهم إلى ممتنع بلادهم، وعليا قومهم وعزهم، ثم الق القوم على متون الخيل، فإن كان لك لحق بك من وراءك وكان أهلك لا فوت عليهم، وإن كانت عليك ألقاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك. فغضب مالك من قوله وقال: والله لا أفعل ولا أغير أمراً صنعته، إنك قد كبرت وكبر علمك، وحدث بعدك من هو أبصر بالحرب منك. قال دريد: يا معشر هوازن، والله ما هذا لكم برأي، هذا فاضحكم في عوراتكم، وممكن منكم عدوكم، ولاحق بحصن ثقيف وتارككم، فانصرفوا واتركوه. قال: فسل مالك سيفه ثم نكسه ثم قال: يا معشر هوازن، لتطيعني أو لأتكئن على السيف حتى يخرج من ظهري. وكره مالك أن يكون لدريد فيها ذكر أو رأي. فمشى بعضهم إلى بعض فقالوا: والله لئن عصينا مالكاً وهو ساب ليقتلن نفسه، ونبقى مع دريد، شيخ كبير، لا قتال فيه ابن ستين ومئة سنة. فأجمعوا رأيهم مع مالك. فلما رأى دريد أنهم قد خالفوه قال: هذا يوم لم أشهده ولم أغب عنه:
يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها وأضع
أقود وطفاء الزمع ... كأنها شاة صدع
وكان دريد قد ذكر بالفروسية والشجاعة ولم يكن له عشرون سنة، وكان سيد بني جشم وأوسطهم نسباً، ولكن السن أدركته حتى فني فناءً.
قالوا: وقال مالك للناس: إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم، ثم شدوا شدة رجل واحد.
قالوا: فبعث سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيلاً تتبع من سلك نخلة ولم تتبع من سلك الثنايا؛ ويدرك ربيعة بن رفيع بن وهبان بن ثعلبة، فأدرك ربيعة دريد بن الصمة، فأخذ بخطام جمله وهو يظن أنه امرأة وذلك أنه كان في شجار له فإذا هو رجل، فأناخ به وهو شيخ كبير ابن ستين ومئة سنة، فإذا هو دريد ولا يعرفه الغلام فقال له(8/171)
دريد: ما تريد؟ قال: أقتلك، قال: وما تريد إلى المرعس الكبير الفاني الأدرد؟ قال الفتى: ما أريد إلى غيره ممن هو على مثل دينه، قال له دريد: من أنت؟ قال: أنا ربيعة بن رفيع السلمي. قال: فضربه بسيفه فلم يغن شيئاً. قال دريد: بئس ما سلحتك أمك، خذ سيفي من وراء الرحل في لاشجار فاضرب به، وارفع عن العظام واخفض عن الدماغ، فإني كنت كذلك أقتل الرجال؛ ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة، فرب يوم قد منعت فيه نساءك.
زعمت بنو سليم أن ربيعة لما ضربه تكشف للموت عجانه وبطون فخذيه مثل القراطيس من ركوب الخيل فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه فقالت: والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثاً في غداة واحدة، وجز ناصية أبيك. قال الفتى: لم أشعر. د وقالت عمرة ابنة دريد في قتل ربيعة دريداً من أبيات:
جزى عنا الإله بني سليم ... وأعقبهم بما فعلوا عقاق
وأسقانا إذا سرنا إليهم ... دماء خيارهم عند التلاقي
فرب عظيمة دافعت عنهم ... وقد بلغت نفوسهم التراقي
ورب كريمة أعتقت منهم ... وأخرى قد فككت من الوثاق
دعبل بن علي بن رزين بن عثمان
أبو علي الخزاعي الشاعر المشهور. وفي نسبه اختلاف، له شعر رائق. يقال: أصله من الكوفة، ويقال: من قرقيسياء، وأكثر مقامه ببغداد، وسافر إلى غيرها، وقدم دمشق ومصر.(8/172)
ويقال إن اسمه محمد وكنيته أبو جعفر، ودعبل لقب؛ ويقال: الدعبل، البعير المسن، ويقال: الشيء القديم.
حدث عن مالك بن أنس وسفيان الثوري وغيرهم.
روى عن مالك بن أنس عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم الإدام الخل ".
وحدث عنه بسنده عن أبي هريرة قال: لم يزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتختم في يمينه حتى قبضه الله عز وجل إليه.
وحدث عن شعبة بن الحجاج بسنده عن البراء بن عازب عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قول الله عز وجل: " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة " قال: في القبر إذا سئل المؤمن.
قال أحمد بن أبي داود: خرج دعبل بن علي إلى خراسان، فنادم عبد الله بن طاهر، فأعجب به، فكان في كل يوم ينادمه فيه، يأمر له بعشرة آلاف درهم، وكان ينادمه في الشهر خمسة عشر يوماً، وابن طاهر يصله في كل شهر بمئة ألف وخمسين ألف درهم. فلما كثرت صلاته له توارى عنه دعبل يوم منادمته في بعض الخانات، وطلبه فلم يقدر عليه، فشق ذلك عليه. فلما كان من الغد كتب:
هجرتك لم أهجرك من كفر نعمة ... وهل ترتجى فيك الزيادة بالكفر
ولكنني لما أتيتك زائراً ... فأفرطت في بري عجزت عن الشكر
فملآن لا آتيك إلا معذراً ... أزورك في الشهرين يوماً وفي الشهر
فإن زدت في بري تزيدت جفوةً ... ولم نلتقي حتى القيامة والحشر(8/173)
وقد حدثني أمير المؤمنين المأمون عن أمير المؤمنين الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن جده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من لا يشكر الناس لا يشكر الله عز وجل، ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير. فوصله بثلاث مئة ألف درهم ".
قدم دعبل مصر هارباً من المعتصم لهجو هجاه به، وخرج منها إلى المغرب إلى الأغلب. وكان خبيث اللسان، قبيح الهجاء. وروي عنه أحاديث مسندة عن مالك بن أنس وعن غيره، وكلها باطلة من وضع ابن أخيه إسماعيل بن علي. وقيل: كان اسمه الحسن، وقيل عبد الرحمن، وكان أطروشاً، وكان في قفاه سلعة.
استنشد المأمون يوماً عبد الله بن طاهر بن الحسين من شعر دعبل بن علي قوله:
سقياً ورعياً لأيام الصبابات ... أيام أرفل في أثواب لذاتي
أيام غصني رطيب من لدونته ... أصبو إلى غير كناتي وجاراتي
دع عنك ذكر زمان فات مطلبه ... واقذف برجلك عن متن الجهالات
واقصد بكل مديح أنت قائله ... نحو الهداة بني بيت الكرامات
فلما أتى على القصيدة قال المأمون: لله دره، ما أغوصه وأنصفه وأوصفه! ثم قال: إنه وجد والله مقالاً فقال، ونال من بعيد ذكرهم ما من غيرهم لا ينال.
قال أبو طالب الدعبلي: أنشدنا علي بن الجهم وليست له وجعل يعيدها ويستحسنها:
لما رأت شيباً يلوح بمفرقي ... صدت صدود مفارق متجمل
فظللت أطلب وصلها بتذلل ... والشيب يغمزها بأن لا تفعلي(8/174)
قال أبو طالب: ومن أحسن ما قيل في هذا قول جدي دعبل بن علي:
أين الشباب وأيةً سلكا ... لا أين يطلب ضل بل هلكا
لا تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى
لا تأخذي بظلامتي أحداً ... طرفي وقلبي في دمي اشتركا
قال أبو هفان: أنشدني دعبل لنفسه:
وداعك مثل وداع الحياة ... وفقدك مثل افتقاد الديم
عليك السلام فكم من وفاء ... أفارق منك وكم من كرم
فقلت له: أحسنت، غير أنك سرقت البيت الأول من الربعيين. النصف الأول من القطامي:
ما للكواعب ودعن الحياة وإن ... ودعتني واتخذن الشيب ميعادي
والنصف الثاني من ابن بجرة حيث يقول:
عليك سلام الله وقفاً فإنني ... أرى الموت وقاعاً بكل شريف
فقال لي: بل الطائي سرق هذا البيت بأسره من ابن بجرة في قصيدته المعروفة بالمسروقة، رثى بها محمد بن حميد الطوسي، وأولها:
كذا فليجل الخطب أو يفدح الأمر ... وليس لعين لم يفض ماؤها عذر(8/175)
إلى قوله:
عليك سلام الله وقفاً فإنني ... رأيت الكريم الحر ليس له عمر
قال دعبل: بينا أنا جالس على باب داري بالكرخ إذ مرت بي غصن جارية ابن الأحدب، وكانت شاعرة مغنية، يبلغني خبرها ولم أكن شاهدتها، فرأيت وجهاً جميلاً وقداً حسناً، وقواماً وشكلاً، وهي تخطر في مشيتها وتنظر في أعطافها فقلت لها:
دموع عيني بها انبساط ... ونوم عيني به انقباض
فقالت مسرعةً:
ذاك قليل لمن دهته ... بلحظها الأعين المراض
فقلت:
فهل لمولاي عطف قلب ... أم للذي في الحشا انقراض
فقالت:
إن كنت تهوى الوداد منا ... فالود في ديننا قراض
فما دخل في أذني كلام أحلى من كلامها، ولا رأت عيني أنضر وجهاً منهال. فعدلت بها عن ذلك الروي فقلت:
أترى الزمان يسرنا بتلاق ... ويضم مشتاقاً إلى مشتاق
فقالت:
ما للزمان يقال فيه فإنما ... أنت الزمان فسرنا بتلاق(8/176)
قال دعبل لإبراهيم بن العباس: أريد أن أصحبك إلى خراسان، فقال له إبراهيم: حبذا أنت صاحباً مصحوباً إن كنا على شريطة بشار، قال: وما شريطة بشار؟ قال: قوله:
أخ خير من آخيت أحمل ثقله ... ويحمل عني حين يفدحني ثقلي
أخ إن نبا دهر به كنت دونه ... وإن كان كون كان لي ثقة مثلي
أخ ماله لي لست أرهب بخله ... ومالي له لا يرهب الدهر من بخلي
قال: ذلك لك، ومزية. فاصطحبا.
أنشد أبو العباس المبرد لدعبل:
أخ لك عاداه الزمان فأصبحت ... مذممة فيما لديه العواقب
متى ما تحذره التجارب صاحباً ... من الناس تردده إليك التجارب
كان علي بن القاسم الخوافي مدح أبا عمرو احمد بن نصر، وتردد إليه بعد أن مدحه، ولم يخرج الجواب كما أحبه، فكتب إليه رقعةً يقول فيها: قال علي بن الجهم في مثل ما نحن فيه:
يا من يوقع لا في قصتي أبداً ... ماذا يضرك لو وقعت لي نعماء
وقع نعم ثم لا تنوي الوفاء بها ... إن كنت من قوله باللفظ محتشما
أو لا قوقع عسى كيما تعللني ... فإن قولك لا يبكي العيون دما
وكتب في رقعته: ومن أحسن ما يذكر لعبد الله بن طاهر:
افعل الخير ما استطعت وإن كا ... ن قليلاً فلن تحيط بكله
ومتى تفعل الكثير من الخير إذا كنت تاركاً لأقله؟
وكتب في رقعته: إن دعبل بن علي كتب إلى عبد الله بن طاهر:(8/177)
ماذا أقول إذا انصرفت وقيل لي: ... ماذا أخذت من الجواد المفضل؟
إن قلت أعطاني كذبت وإن أقل ... ضن الجواد بما له لم يجمل
فاحتل لنفسك كيف شئت فإنني ... لا بد مخبرهم وإن لم أسأل
وفد دعبل إلى عبد الله بن طاهر، فلما وصل إليه قام تلقاء وجهه وأنشد:
أتيت مستشفعاً بلا سبب ... إليك إلا بحرمة الأدب
فاقض ذمامي فإنني رجل ... غير ملح عليك في الطلب
فدخل عبد الله ووجه إليه بستين ألف درهم، ورقعة فيها مكتوب:
أعجلتنا فأتاك أول برنا ... قلاً ولو أخرته لم يقلل
فخذ القليل وكن كمن لم يقبل ... ونكون نحن كأننا لم نفعل
ومن شعر دعبل:
هدايا الناس بعضهم لبعض ... تولد في قلوبهم الوصالا
وتزرع في الضمير هوىً ووداً ... وتكسوهم إذا حضروا جمالا
ومن شعر دعبل:
أهملته حين لم آملك مقادته ... ثم انقبضت بودي عنه وانقبضا
فقلت للنفس عديه منىً نزحت ... به النوى، أو من القرن الذي انقرضا
فما بكيت عليه حين فارقني ... ولا وجدت له بين الحشا مضضا(8/178)
ومن شعره:
كيف احتيالي لبسط الضيف من حصر ... عند الطعام فقد ضاقت به حيلي
أخاف يزداد قولي: كل، فأحشمه ... والكف يحمله مني على البخل
حدث ضبي وهو أحمد بن عبد الله راوية العتابي وكان سميراً لعبد الله بن طاهر أن عبد الله بن طاهرن بينا هو معه ذات ليلة إذ تذاكرا الأدب وأهله، فذكرا دعبل بن علي، فقال عبد الله بن طاهر: يا ضبي، أريد أن أوعز إليك بشيء تستره علي أيام حياتي، فقلت: أنا عبدك وأنا في موضع تهمة؟! قال: لا، ولكن أطيب لنفسي أن توثق لي بالإيمان، فقلت: أصلحك الله، إن كنت عندك في هذه الحال فلا حاجة بك إلى إفشاء سرك إلي، واستعفيته، فلم يعفني، فقلت: يرى الأمير رأيه، فأكد اليمين علي بالبيعة والطلاق ثم قال: أشعرت أني أظن دعبلاً مدخول النسب وأمسك؟ فقلت: أفي هذا أخذت علي الأيمان؟ قال: إي والله، قلت: ولم؟ قال: لأني في نفسي حاجة، ودعبل رجل قد حمل جذعه على عنقه ولايجد من يصلبه عليه، فأتخوف إن بلغه أن يلقي علي من الخزي ما يبقى على الدهر، وقصاراي إن ظفرت به وأسلمته اليمن وما أراها تسلمه لأنه لسانها وشاعرها والذاب عنها، والمحامي دونها أن أضربه مئة سوط، وأثقله حديداً وأصيره في مطبق باب الشام، وليس في ذلك عوضاً مما سار من الهجاء في وفي عقبي من بعدي، قلت: أتراه يفعل ذلك ويقدم عليك؟ قال: يا عاجز، أهون ما لم يكن عليه، أتراه أقدم على سيدي هارون ومولاي المأمون وعلى أبي، ولم يكن يقدم علي؟! قلت: إذا كان الأمر على ما وصفت فقد وفق الأمير فيما أخذ علي قال: وكان دعبل لي صديقاً فقلت: هذا قد عرفته، ولكن من أين قلت إنه مدخول النسب؟ فوالله لعلمته في البيت الرفيع من خزاعة، وما أعلم فيها بيتاً أكرم من بيته إلا بيت أهبان مكلم الذئب وهم بنو عمه دنيةً، قال: ويحك! كان دعبل غلاماً خاملاً أيام ترعرع، لا يؤبه له، وكان خله لا يدرك بقله، وكان بينه وبين مسلم بن الوليد إزار لا يملكان غيره شيئاً، فإذا أراد دعبل الخروج جلس مسلم بن الوليد في البيت عارياً، وإذا أراد الخروج فعل دعبل مثل ذلك؛ وكانا إذا(8/179)
اجتمعا لدعوة يتلاصقان بطرح هذا شيئاً منه عليه، والآخر الباقي. وكانا يعبثان بالشعر إلى أن قال دعبل:
أين الشباب وأيةً سلكا ... لا، أين يطلب ضل بل هلكا
لا تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى
قصر الغواية عن هوى قمر ... وجد السبيل إليه مشتركا
وعداً بأخرى عز مطلبها ... صباً يطامن دونها الحسكا
يا ليت شعري كيف نومكما ... يا صاحبي إذا دمي سفكا
لاتأخذا بظلامتي أحداً ... قلبي وطرفي في دمي اشتركا
إلى آخرها. فغني به هارون الرشيد، فاستحسنه واستجاد قوله: ضحك المشيب برأسه فبكى
فقال للمغني: لمن هذا الشعر؟ قال: لبعض أحداث خزاعة ممن لا يؤبه له. قال: من هو؟ قال: دعبل بن علي، قال: يا غلام، أحضرني عشرة آلاف درهم وحلةً من حللي ومركباً من مراكبي خاصة، فأحضر ذلك، فقال: ادع لي فلاناً، فقال: اذهب بهذا إلى دعبل، وأجاز المغني بجائزة عظيمة؛ وتقدم إلى الرجل الذي بعثه إلى دعبل أن يعرض عليه المصير إلى هارون، فإن صار وإلا أعفاه، فأتاه الرسول وأشار عليه بالمصيرإليه، فانطلق دعبل معه، فلما مثل بين يديه سلم، فرد عليه هارون السلام ورحب به وقربه حتى سكن روعه، واستنشده الشعر فأنشده، وأعجب به وأقام عنده يمتدحه. وأجرى عليه الرشيد أجزل جراية وأسناها، وكان الرشيد أول من ضراه على قول الشعر؛ فما كان إلا بعد ما غيب الرشيد في حفرته إذ أنشأ يمتدح آل سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويهجو آل الرشيد، فمن ذلك قوله:
وليس حي من الأحياء نعرفه ... من ذي يمان ولا بكر ولا مضر(8/180)
إلا وهم شركاء في دمائهم ... كما تشارك أيسار على جزر
قتل وأسر وتحريق ومنهبة ... فعل الغزاة بأهل الروم والخزر
أرى أمية معذورين إن قتلوا ... ولا أرى لبني العباس من عذر
أبناء حرب ومروان وأسرتهم ... بنو معيط ولاة الحقد والوغر
قوم قتلتم على الإسلام أولهم ... حتى إذا استمكنوا جازوا على الكفر
أربع بطوس على القبر الزكي به ... إن كنت تربع من دين على وطر
قبران في طوس: خير الناس كلهم ... وقبر شرهم، هذا من العبر
ماينفع النجس من قرب الزكي ولا ... على الزكي بقرب النجس من ضرر
هيهات كل امرئ رهن بما كسبت ... يداه حقا فخذ ما شئت أو فذر
القبران اللذان بطوس: قبر هارون والآخر قبر الرضا علي بن موسى.
فوالله ما كافأه، هذه واحدة ياضبي وأما الثانية فإنه لما استخلف المأمون جعل يطلب دعبلاً إلى أن كان من أمره مع إبراهيم بن شكلة، وخروجه مع أهل العراق يطلب الخلافة، فأرسل إليه دعبل يقول من أبيات:
أنى يكون وليس ذاك بكائن ... يرث الخلافة فاسق عن فاسق
نفر ابن شكلة بالعراق وأهلها ... فهفا إليه كل أطلس مائق
إن كان إبراهيم مضطلعا بها ... فلتصلحن من بعده لمخارق
فضحك المأمون وقال: قد غفرنا لدعبل كل ماهجانا به بهذا البيت؛ وكتب إلى أبي(8/181)
طاهر أن يطلب دعبلاً حيث كان ويؤمنه، فكتب إليه وحمله وأجازه، وأشار إليه بالمصير إلى المأمون، فتحمل دعبل إلى المأمون.
وثبت المأمون في الخلافة، وضرب الدنانير باسمه؛ وأقبل يجمع الآثار في فضائل آل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتناهى إليه قول دعبل:
مدارس آيات خلت من تلاوة ... ومنزل وحي مقفر العرصات
لآل رسول الله بالخيف من منى ... وبالركن والتعريف والجمرات
فما زالت تتردد في صدر المأمون حتى قدم عليه دعبل، فقال: أنشدني ولابأس عليك ولك الأمان من كل شيء فيها، فإني أعرفها وقد رويتها، إلا أني أحب أن أسمعها من فيك، فأنشده حتى صار إلى هذا الموضع:
ألم تراني مذ ثلاثين حجةً ... أروح وأغدو دائم الحسرات
أرى فيئهم في غيرهم متقسماً ... وأيديهم من فيئهم صفرات
وآل رسول الله نحف جسومها ... وآل زياد غلظ القصرات
بنات زياد في القصور مصونةً ... وبنت رسول الله في الفلوات
إذا وتروا مدوا إلى واتريهم ... أكفاً عن الأوتار منقبضات
فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد ... تقطع قلبي إثرهم حسرات
قال: فبكى المأمون حتى اخضلت لحيته، وجرت دموعه على نحره، وكان دعبل أول داخل إليه وخارج من عنده. فلم نشعر إلا وقد عتب على المأمون وأرسل إليه بشعر يقول فيه:
ويسومني المأمون خطة ظالم ... أو ما رأى بالأمس رأس محمد؟
يوفي على هام الخلائق مثلما ... توفي الجبال على رؤوس القردد
لا تحسبن جهلي كحلم أبي فما ... حلم المشايخ مثل جهل الأمرد(8/182)
إني من القوم الذين سيوفهم ... قتلت أخاك وشرفتك بمقعد
شادوا بذكرك بعد طول خموله ... واستنقذوك من الحضيض الأبعد
فلما سمع هذا المأمون قال: كذب علي، متى كنت خاملاً؟! وإني لخليفة وابن خليفة وأخو خليفة، ومتى كنت خاملاً فيرفعني دعبل؟! فوالله ما كافأه ولا كافأ أبي ما أسدى إليه. وذلك أنه لما توفي أنشأ يقول:
وأبقى طاهر فينا خلالاً ... عجائب تستخف بها الحلوم
ثلاثة إخوة لأب وأم ... تمايز عن ثلاثتهم أروم
فبعضهم يقول قريش قومي ... وتدفعه الموالي والصميم
وبعض في خزاعة منتماه ... ولاء غير مجهول قديم
وبعضهم يهش لآل كسرى ... ويزعم أنه علج لئيم
لقد كثرت مناسبهم علينا ... فكلهم على حال زنيم
فهذه الثالثة يا ضبي. وأما الرابعة: فإنه لما استخلف المعتصم دخل عليه دعبل ذات يوم، فأنشده قصيدة، فقال: أحسنت يا دعبل، فاسألني ما أحببت، قال: مئة بدرة، قال: نعم، على أن تمهلني مئة سنة ويضمن لي أجل معها؛ قال: قد أمهلتك ما شئت. وخرج مغضباً، فلقي خصياً قد كان عوده أن يدخل مدائحه إلى أمير المؤمنين ويجعل له سهماً من الجائزة، فقال: ويحك! إني كنت عند أمير المؤمنين وأغفلت حاجةً لي أن أذكرها له، فأذكرها في أبيات وتدخلها له؟ قال: نعم، ولي نصف الجائزة؟ فماكسه ساعةً ثم أجابه فأخذ رقعةً فكتب فيها:
بغداد دار الملوك كانت ... حتى دهاها الذي دهاها
ما غاب عنها سرور ملك ... أعاره بلدةً سواها
ما سر من را بسر من را ... بل هي بؤس لمن يراها(8/183)
عجل ربي لها خراباً ... برغم أنف الذي ابتناها
وختمها ودفعها إلى الخصي، فأدخلها إلى المعتصم. فلما رآها قال: من صاحب هذه الرقعة؟ قال: دعبل، وقد جعل لي نصف الجائزة؛ فطلب، فكأن الأرض انطوت عليه ولم يعرف له خبر، فقال المعتصم: أخرجوا الخصي فأجيزوه بألف سوط، فإنه زعم أن له نصف الجائزة، وقد أردنا أن نجيز دعبلاً بألفي سوط. قال: ثم لم يلبث أن كتب إليه من قم بهذه الأبيات:
ملوك بني العباس في الكتب سبعة ... ولم تأتنا في ثامن منهم الكتب
كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة ... غداة ثووا فيه وثامنهم كلب
وإني لأزهي كلبهم عنك رغبةً ... لأنك ذو ذنب وليس له ذنب
كأنك إذ ملكتنا لشقائنا ... عجوز عليها التاج والعقد والإتب
فقد ضاع أمر الناس حتى يسوسهم ... وصيف وأشناس وقد عظم الخطب
وإني لأرجو أن ترى من مغيبها ... مطالع شمس قد يغص بها الشرب
وهمك تركي عليه مهانةً ... فأنت له أم وأنت له أب
وأما الخامسة: فإن ابن أبي داود كان يعطيه الجزيل من ماله، ويقسم له على أهل عمله، فعتب عليه، فقال فيه:
أبا عبد الإله أصخ لقولي ... وبعض القول يصحبه السداد
نرى طسماً تعود بها الليالي ... إلى الدنيا كما رجعت إياد(8/184)
قبائل جذ أصلهم فبادوا ... وأودى ذكرهم زمناً فعادوا
وكانوا غرزوا في الرمل بيضاً ... فأمسكه كما غرز الجراد
فلما أن سقوا درجوا ودبوا ... وزادوا حين جادهم العهاد
هم بيض الرماد يشق عنهم ... وبعض البيض يشبهه الرماد
غداً يأتيك إخوتهم جديس ... وجرهم قصراً وتعود عاد
فتعجز عنهم الأمصار ضيقاً ... وتمتلئ المنازل والبلاد
فلم أر مثلهم بادوا فعادوا ... ولم أر مثلهم قلوا فزادوا
توغل فيهم سفل وخوز ... وأوباش فهم لهم مداد
وأنباط السواد قد استحالوا ... بها عرباً فقد خرب السواد
فلو شاء الإمام أقام سوقاً ... فباعهم كما بيع السماد
وقال فيه وقد تزوج في بني عجل:
أيا للناس من خبر طريف ... تفرد ذكره في الخافقين:
أعجل أنكحوا ابن أبي داود ... ولم يتأملوا فيه اثنتين
أرادوا نقد عاجلة فباعوا ... رخيصاً عاجلاً نقداً بدين
بضاعة خاسر بارت عليه ... فباعك بالنواة التمرتين
ولو غلطوا بواحدة لقلنا ... يكون الوهم بين الغافلين
ولكن شفع واحدة بأخرى ... يدل على فساد المنصبين
لحى الله المعاش بفرج أنثى ... ولو زوجتها من ذي رعين(8/185)
ولما أن أفاد طريف مال ... وأصبح رافلاً في الحلتين
تكنى وانتمى لأبي داود ... وقد كان اسمه ابن الفاعلين
فردوه غلى فرج أبيه ... وزرياب فألأم والدين
وقال في الحسن بن وهب وكان على برد الآفاق:
ألا بلغا عني الإمام رسالةً ... رسالة تاء عن جنابيه شاحط
بأن ابن وهب حين يشحج شاحج ... يمر على القرطاس أقلام غالط
وهؤلاء أهل قم، كانوا يعطونه الكثير من أموالهم ويمنعون الخلفاء منه فكافأهم بأن قال فيهم:
تلاشى أهل قم فاضمحلوا ... تحل المخزيات بحيث حلوا
وكانوا شيدوا في الفقر مجداً ... فلما جاءت الأموال ملوا
قال: وهذا علي بن عيسى الأشعري قد دل بعض شعره على أنه أخذ منه ألوفاً وذلك في قوله له:
فلا تفسدن خمسين ألفاً وهبتها ... وعشرة أحوال وحق تناسب
وشكراً تهاداه الرجال تهادياً ... إلى كل مصر بين جاء وذاهب
بلا زلة كانت وإن تك زلة ... فإن عليك العفو ضربة لازب
فما كان بين هذا القول وبين أن هجاه إلا أياماً قلائل حتى قال فيه:
كنت من أرفض خلق الله إذ كنت صبياً
وتواليت أبا بك ... ر وأرجأت الوليا(8/186)
وتجنبت علياً ... إذ تسميت عليا
قال: وهذه خزاعة هجاهم، وهي قبيلته، فقال فيهم:
أخزاع غيركم الكرام فأقصروا ... وضعوا أكفكم على الأفواه
الراتقين ولات حين مراتق ... والفاتقين شرائع الأستاه
فدعوا الفخار فلستم من أهله ... يوم الفخار ففخركم بشياه
قال: وهذا المطلب بن عبد الله الخزاعي كان يعطيه الجزيل، فقال يمدحه:
إن كاثرونا جئنا بأسرته ... أو واحدونا جئنا بمطلب
أبعد مصر وبعد مطلب ... نرجو الغنى، إن ذامن العجب
وقال فيه يهجوه:
شعارك في الحرب يوم الوغى ... بفرسانك الأول الأول
فأنت إذا اقتتلوا آخر ... وأنت إذا أدبروا أول
فمنك الرؤوس غداة اللقا ... وممن يحاربك المقصل
فذلك دأبكما أويموت ... من القوم بينكما الأعجل
قال: وهذا الحسن بن رجاء، وابنا هشام، ودينار بن عبد الله بن يحيى بن أكثم،(8/187)
وكانوا ينزلون المخرم ببغداد، فقال يهجوهم كلهم:
ألا فاشتروا مني ملوك المخرم ... أبع حسناً وابني هشام بدرهم
وأعط رجاءً بعد ذاك زيادةً ... وأغلط بدينار بغير تندم
فإن رد من عيب علي جميعهم ... فليس يرد العيب يحيى بن أكثم
وقال في يحيى بن أكثم يهجوه:
رفع الكلب فاتضع ... ليس في الكلب مصطنع
بلغ الغاية التي ... دونها كل مرتفع
إنما قصر كل شي ... ء إذا طار أن يقع
قل ليحيى بن أكثم ... إن ما خفت قد وقع
لعن الله نخوةً ... كان من بعدها ضرع
قال: وهؤلاء بنو أهبان مكلم الذئب، وهم بنو عمه دنيةً قال فيهم:
تهتم علينا بأن الذئب كلمكم ... فقد لعمري أبوكم كلم الذيبا
فكيف لو كلم الليث الهصور إذاً ... جعلتم الناس مأكولاً ومشروبا
هذا السنيدي لا يسوى إتاوته ... يكلم الفيل تصعيداً وتصويبا
فاذهب إليك فإني لا أرى أبداً ... بباب دارك طلاباً ومطلوبا
قال: وهذا الهيثم بن عثمان الغنوي دل شعره على أنه كان محسناً إليه إذ يقول فيه:(8/188)
يا هيثماً يابن عثمان الذي افتخرت ... به المكارم والأيام تفتخر
أضحت ربيعة والأحياء من يمن ... تيهاً بنجدته لا وحدها مضر
وقال فيه يهجوه:
سألت أبي وكان أبي عليماً ... بساكنة الجزيرة والسواد
فقلت: أهيثم من حي قيس ... فقال: نعم كأحمد من دواد
فإن يك هيثم من حي قيس ... فأحمد غير شك من إياد
وقال في أخيه رزين بن علي الخزاعي يهجوه:
مهدت له ودي صغيراً ونصرتي ... وقاسمته مالي وبوأته حجري
وقد كان يكفيه من العيش كله ... رجاء ويأس يرجعان إلى فقري
وفيه عيوب ليس يحصى عدادها ... فأصغرها عيباً يجل عن الفكر
ولو أنني أبديت للناس بعضها ... لأصبح من بصق الأحبة في بحر
فدونك عرضي فاهج حياً فإن أمت ... فأقسم إلا ما خريت على قبري
وقال في امرأته يهجوها:
يا ركبتي خزز وساق نعامة ... وزبيل كناس ورأس بعير
يا من أشبهها بحمى نافض ... قطاعة للظهر ذات زئير
صدغاك قد شمطا ونحرك يابس ... والصدر منك كجؤجؤ الطنبور(8/189)
يا من معانقها يبيت كأنه ... في محبس قمل وفي ساجور
قبلتها فوجدت طعم لثاتها ... فوق اللثام كلسعة الزنبور
وله في امرأته هجاء قبيح، وله في جاريته غزال يهجوها:
رأيت غزالاً وقد أقبلت ... فأبدت لعيني عن مبصقه
قصيرة الخلق دحداحة ... تدحرج في المشي كالبندقه
كأن ذراعاً على كفها ... إذا حسرت ذنب الملعقة
تخطط حاجبها بالمداد ... وتربط في عجزها مرفقه
وأنف على وجهها ملصق ... قصير المناخر كالفستقه
وثديان ثدي كبلوطة ... وآخر كالقربة المفهقه
وصدر نحيف كثير العظام ... تقعقع من فوقه المخنقه
ثم قال عبد الله بن طاهر لضبي: فعلى من بقي هذا؟ فقال ضبي: ما أحسبه إلا كما قلت، فعجبت من حفظه لهذه الأشياء. قال: فلقيت دعبلاً فخفت أن أذكر له شيئاً فضحكت، فقال لي: ويلك! قد تحاماني الناس وأنا عندك موضع مطنزة وسخرية! قلت: لا، ولكني إنما ضحكت استبشاراً بالنظر إليك؛ قال: ثم لقيته من بعد فضحكت فقال لي: ويلك! أنت على ذاك الذي عهدت، فالتفت إلى غلامه نفنف فقال: خذ برجله(8/190)
ابن كذا وكذا؛ قال: قلت: يا أبا علي، إن هجرتني وصلتك، وإن فصلتني وددتك، وإن جفوتني زرتك، ولا سبيل إلى إخبارك بهذا الذي أنا فيه. فلما توفي عبد الله بن طاهر لقيت دعبلاً يوماً بكرخ بغداد فضحكت، فقال: ليس لضحكك هذا آخر يا ابن الفاعلة؟! قال: فقلت له: امض بنا فقد فرج الله عني وعنك، فذهبت به إلى منزلي، فطعمنا وأخبرته الخبر على جهته، فقال: ويلي على ابن العوراء الفاعلة! والله لو أعلمتني قبل وفاته لأعلمتك كيف كانت تكون حاله؛ قال: قلت: هو أبصر منك وأعرف بك إذ أخذ علي في أمرك ما أخذ. ثم أمسك متعجباً.
قال دعبل: أدخلت على المعتصم فقال لي: يا عدو الله، أنت الذي تقول في بني العباس أنهم في الكتب سبعة؟ وأمر بضرب عنقي، وما كان في المجلس إلا من كان عدواً لي؛ وأشدهم علي ابن شكلة، فقام قائماً فقال: يا أمير المؤمنين، أنا الذي قلت هذا ونميته إلى دعبل؛ فقال له: وما أردت بهذا؟ قال: لما تعلم بيني وبينه من العداوة، فأردت أن أشيط بدمه. قال: فقال: أطلقوه. فلما كان بعد مدة قال لابن شكلة: سألتك بالله أنت الذي قلته؟ فقال: لا والله يا أمير المؤمنين، وما نظرة انظر أبغض إلي من دعبل. قال: فما الذي أردت بهذا؟ قال: علم أن ماله في المجلس عدو أعدى مني، فنظر إلي بعين العداوة، ونظرت إليه بعين الرحمة. قال: فجزاه خيراً.
قال إسحاق بن محمد بن أبان: كنت قاعداً مع دعبل بن علي بالبصرة، وعلى رأسه غلام اسمه نفنف، فمر به أعرابي يرفل في ثياب خز، فقال لغلامه: ادع هذا الأعرابي إلينا، فأومى إليه فجاء، فقال له دعبل: ممن الرجل؟ فقال: رجل من بني كلاب. قال: من أي بني كلاب؟ قال: من ولد أبي بكر، قال: أتعرف الذي يقول فيه:
ونبئت كلباً من كلاب يسبني ... ومحض كلاب يقطع الصلوات
فإن أنا لم أعلم كلاباً بأنها ... كلاب وأني باسل النقمات(8/191)
فكان إذاً من قيس غيلان والدي ... وكانت إذاً أمي من الحبطات
يعني بني تميم، وهم أعدى الناس لليمن. وهذا الشعر لدعبل في عمرو بن عاصم الكلابي. فقال له الأعرابي: ممن أنت؟ فكره أن يقول له من خزاعة فيهجوه فقال: أنا أنتمي إلى القوم الذين يقول فيهم الشاعر:
أناس علي الخير منهم وجعفر ... وحمزة والسجاد ذو الثفنات
إذا افتخروا يوماً أتوا بمحمد ... وجبريل والقرآن والسورات
وهذا الشعر أيضاً له. قال: فوثب الأعرابي وهو يقول: محمد وجبريل والقرآن والسورات! ما إلى هؤلاء مرتقى!.
قال الأزرقي: بلغ دعبلاً أن أبا تمام هجاه لما قال قصيدته التي رد فيها على الكميت وهي:
أفيقي من ملامك يا ظعينا ... كفاك الشيب مر الأربعينا
فقال أبو تمام:
نقضنا للحطيئة ألف بيت ... كذاك الحي يغلب ألف ميت
كذلك دعبل يرجو سفاهاً ... وحمقاً أن ينال مدى الكميت
إذا ما الحي ناقض حثو رمس ... فذلكم ابن فاعلة بزيت(8/192)
فقال دعبل:
يا عجباً من شاعر مفلق ... آباؤه في طيئ تنمي
أنبئته يشتم من جهله ... أمي وما أصبح من همي
فقلت لكن حبذا أمه ... طاهرة زاكيةً علمي
كذبت والله على أمه ... ككذبه أيضاً على أمي
ورويت هذه الأبيات لغير دعبل في أبي تمام.
قدم صديق لدعبل من الحج، فوعده أن يهدي له نعلاً فأبطأت عليه فكتب إليه:
وعدت النعل ثم صدفت عنها ... كأنك تبتغي شتماً وقذفا
فإن لم تهد لي نعلاً فكنها ... إذا أعجمت بعد النون حرفا
قال عون بن محمد: لما هجا دعبل المطلب بن عبد الله الخزاعي فقال:
اضرب ندى طلحة الطلحات متئداً ... ببخل مطلب فينا وكن حكما
تخرج خزاعة من لؤم ومن كرم ... فلا تعد لها لؤماً ولا كرما
فدعاه المطلب وقال: والله لأقتلنك لهجائك لي، فقال له: فأشبعني إذاً ولا تقتلني جائعاً، فقال: قبحك الله هذا أهجى من الأول. ثم وصله، فحلف أن يمدحه ما عاش فقال فيه:
سألت الندى لا عدمت الندى ... وقد كان منا زماناً عزب
فقلت له: طال عهد اللقا ... فهل غبت بالله أم لم تغب(8/193)
فقال: بلى لم أزل غائباً ... ولكن قدمت مع المطلب
قال: وفي هذا الخبر ما دل على دهاء دعبل ولطف حيلته، وأنبأ عن ذكاء المطلب ودقة فطنته.
وقد روي مثل هذا عن معن بن زائدة وأتي بجماعة قد عاثوا في عمله، فأمر بقتلهم، فقال أحدهم: أعيذك بالله أن تقتلنا عطاشاً، فأمر بإحضار ماء يسقونهم، فلما شربوا قال: أيها الأمير لا تقتل أضيافك، فقال: أولى لك. وأمر بتخليتهم.
ولد دعبل بن علي سنة ثمان وأربعين ومئة، ومات سنة ست وأربعين ومئتين بالطيب. فعاش سبعاً وتسعين سنة وشهوراً. واسيمه عبد الرحمن، وإنما لقبته دايته لدعابة كانت فيه، فأرادت ذعبلاً، فقلبت الذال دالاً.
وقيل: إن المعتصم قتله في سنة عشرين ومئتين لهجائه له؛ وكان قد استجار بقبر الرشيد بطوس، فلم يجره. والصحيح ما تقدم.
وقيل قي سبب وفاته: إنه هجا مالك بن طوق التغلبي، فبعث إليه رجلاً ضمن له عشرة آلاف درهم، وأعطاه سماً؛ فلم يزل يطلبه حتى وجده قد نزل في قرية بنواحي السوس، فاغتاله في وقت من الأوقات بعد صلاة العتمة؛ فضرب ظهر قدمه بعكاز لها زج مسموم، فمات من غد، ودفن بتلك القرية، وقيل: بل حمل إلى السوس فدفن بها.(8/194)
دعلج بن أحمد بن دعلج
ابن عبد الرحمن أبو محمد السجستاني الفقيه، الثقة، نزيل بغداد. سمع بدمشق وبالري وبالعراق.
روى عن موسى بن هارون بسنده عن علقمة بن وائل عن أبيه قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ركع فرج أصابعه، وإذا سجد ضم أصابعه الخمس.
كان دعلج من ذوي اليسار والبر والإفضال. وله صدقات جارية ووقوف محبسة على أهل الحديث ببغداد، ومكة، وسجستان. وكان جاور بمكة زماناً، ثم سكن بغداد واستوطن بها. وكان ثقةً، ثبتاً. قبل الحكام شهادته وأثبتوا عدالته. وجمع له المسند، وحديث شعبة، ومالك، وغير ذلك. وبعث بكتابه المسند إلى أبي العباس بن عقدة لينظر فيه، وجعل في الأجزاء بين كل ورقتين ديناراً. وكان أبو الحسن الدارقطني هو الناظر في أصوله واملصنف له كتبه.
قال الدارقطني: صنفت لدعلج المسند الكبير، فكان إذا شك في حديث ضرب عليه، ولم أر في مشايخنا أثبت منه.
قال علي بن عمر: كان أبو محمد قليل الهزء، سمعت أن معز الدولة استرجع من غلامه خاشتكين، وأشهد عليه العدول وهو من وراء الستر، فشهدوا، فلما شهد الناس قالوا لدعلج: اشهد، قال: أين المشهود عليه؟ لعله مقيد لعله مكره، أبرزوه لي حتى أراه وكان خلف الستر فقال معز الدولة: ما كان فيهم مسلم غيره.
قال أبو ذر: وسمعت أن أول مال أخذه معز الدولة من المواريث مال دعلج، خلف ثلاث مئة ألف مثقال ذهباً، فقال معز الدولة: مردغوا ما أريده، فقالوا: إنه كثير. فأخذه.(8/195)
حدث بعضهم قال: حضرت المسجد الجامع بمدينة المنصور يوم جمعة، فرأيت رجلاً بين يدي في الصف، حسن الوقار، ظاهر الخشوع، دائم الصلاة، لم يزل يتنفل مذ دخل المسجد إلى قرب قيام الصلاة، قال: ثم جلس، فعلتني هيبته، وداخلتني محبته، ثم أقيمت الصلاة، فلم يصل مع الناس الجمعة، فكبر علي ذلك من أمره، وتعجبت من حاله، وغاظني فعله! فلما قضيت الصلاة تقدمت إليه وقلت له: ما رأيت أعجب من أمرك، أطلت النافلة وأحسنتها وتركت الفريضة وضيعتها!؟ فقال: يا هذا إن لي عذراً، وبي علة منعتني من الصلاة، قلت: وما هي؟ قال: علي دين اختفيت في منزلي مدةً بسببه، ثم حضرت اليوم الجامع للصلاة، فقبل أن تقام، التفت فرأيت صاحبي الذي له الدين علي، ورآني، فمن خوفه أحدثت في ثيابي، فهذا خبري، فأسألك بالله إلا سترت علي وكتمت أمري، فقلت: ومن الذي له عليك الدين؟ قال: دعلج بن أحمد. قال: وكان إلى جانبه صاحب لدعلج قد صلى وهو لايعرفه، فسمع هذا القول ومضى في الوقت إلى دعلج، فذكر له القصة، فقال دعلج: امض إلى الرجل واحمله إلى الحمام، واطرح عليه خلعةً من ثيابي، وأجلسه في منزلي حتى أنصرف من الجامع؛ ففعل ذلك؛ فلما انصرف دعلج إلى منزله أحضر الطعام وأكل هو والرجل، ثم أخرج حسابه فنظر فيه، وإذا له عليه خمسة آلاف درهم، فقال له: انظر، لا يكون عليك في الحساب غلط، أو نسي لك نقده؛ فقال الرجل: لا، فضرب دعلج على حسابه وكتب تحته علامة الوفاء؛ ثم أحضر الميزان ووزن خمسة آلاف درهم وقال: أما الحساب الأول فقد حللناك منه، وأسألك أن تقبل هذه الخمسة آلاف درهم، وتجعلنا في حل من الروعة التي دخلت قلبك برؤيتك إيانا في المسجد الجامع. أو كما قال.
قال أبو الحسين أحمد بن الحسين الواعظ: أودع أبو عبد الله بن أبي موسى الهاشمي عشرة آلاف دينار ليتيم، فضاقت يده واممتدت إليها، فأنفقها، فلما بلغ الغلام مبلغ الرجال، أمر السلطان بفك الحجر عنه وتسليم ماله إليه، وتقدم إلى ابن أبي موسى بحمل المال ليسلم للغلام. قال ابن أبي موسى: فضاقت(8/196)
علي الأرض، وتحيرت في أمري، فبكرت وركبت بغلتي وقصدت الكرخ لا أعلم أين أتوجه، فانتهت بي البغلة إلى درب السلولي، ووقفت على باب مسجد دعلج بن أحمد، فدخلت المسجد فصليت خلفه صلاة الفجر، فلما سلم انفتل إلي ورحب بي، وقام وقمت معه، ودخل إلى داره، فجلسنا وجاءته جاريته بمائدة لطيفة وعليها هريسة فقال: يأكل الشريف، فأكلت وأنا لا أحصل أمري، فلما رأى تقصيري قال: أراك منقبضاً فما الخبر؟ فقصصت عليه القصة، فقال: كل فإن حاجتك تقضى، ثم أحضر حلواء فأكلنا، فلما رفع الطعام قال: يا جارية؛ افتحي ذلك الباب، فإذا خزانة مملوءة زبلاً مجلدة، فأخرج إلي بعضها وفتحها إلى أن أخرج النقد الذي كانت الدنانير منه، واستدعى الغلام والتخت والطيار، فوزن عشرة آلاف دينار، وبذرها وقال: يأخذ الشريف هذه، فقلت: يثبتها الشيخ علي، فقال: أفعل، وقمت وقد كاد عقلي يطير فرحاً. وعدت إلى داري، وانحدرت إلى دار السلطان بقلب قوي، فقلت: ما أظن إلا أنه قد استشعر في أني قد أكلت مال اليتيم، فأحضر قاضي القضاة، والشهود، والنقباء، وولاة العهود، وأحضر الغلام وفك حجره، وسلم المال إليه، وعظم الشكر لي والثناء علي.
فلما عدت إلى منزلي استدعاني أحد الأمراء من أولاد الخليفة وكان عظيم الحال فقال: قد رغبت في معاملتك وتضمينك أملاكي ببادوريا ونهر الملك. فضمنت ذلك بما تقرر بيني وبينه من المال، وجاءت السنة ووفيته، وحصل في يدي من الربح ماله قدر كبير. وكان ضماني لهذه الضياع ثلاث سنين، فلما مضت حسبت حسابي وقد تحصل في يدي ثلاثون ألف دينار، فعزلت عوض العشرة آلاف دينار التي أخذتها من دعلج وحملتها إليه، وصليت معه الغداة؛ فلما انفتل من صلاته ورآني نهض معي إلى داره، وقدم المائدة والهريسة، فأكلت بجأش ثابت وقلب طيب؛ ثم قال لي: خبرك وحالك؟ فقلت: بتفضل الله وفضلك قد أفدت بما فعلت معي ثلاثين ألف دينار، وهذه منها عشرة آلاف(8/197)
دينار عوض الدنانير التي أخذتها منك، فقال: يا سبحان الله! والله ما خرجت الدنانير عن يدي ونويت آخذ عوضها، حل بها الصبيان؛ فقلت له: أيها الشيخ! أيش أصل هذا المال حتى تهب لي عشرة آلاف دينار؟ فقال: نشأت وحفظت القرآن، وسمعت الحديث، وكنت أتبزز، فوافاني رجل من تجار البحر، فقال لي: أنت دعلج بن أحمد؟ فقلت: نعم، فقال: قد رغبت في تسليم مالي إليك لتتجر به، فما سهل الله من فائدة كانت بيننا، وما كان من جائحة كانت في أصل مالي؛ وسلم إلي بارنامجات بألف ألف درهم، وقال لي: ابسط يدك، ولا تعلم موضعاً ينفق فيه هذا المتاع إلا حملته إليه. واستبنت فيه الكفاءة، ولم يزل يتردد إلي سنة بعد سنة، يحمل إلي مثل هذا، والبضاعة تنمي. فلما كان في آخر سنة اجتمعنا فيها قال لي: أنا كثير الأسفار في البحر، فإن قضى الله علي بما قضاه على خلقه فهذا المال لك على أن تتصدق منه وتبني المساجد وتفعل الخير. فأنا أفعل مثل هذا، وقد ثمر الله المال في يدي، فاطو هذا الحديث أيام حياتي.
توفي دعلج في سنة إحدى وخمسين وثلاث مئة، وقيل سنة ثلاث وخمسين وثلاث مئة وهو ابن أربع أو خمس وتسعين سنة ببغداد. وكان السلطان بها لا يتعرض للتركات، ثم لم يصبروا عن أموال دعلج إذ لم يكن في الدنيا على ما يقال أيسر منه من التجار، فقبضوا على أمواله إلا الأوقاف.
دغفل بن حنظلة بن زيد بن عبده
ابن عبد الله بن ربيعة بن عمرو بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفضى ابن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة السدوسي، الذهلي، الشيباني، النسابة يقال: إن له صحبة، ويقال: لا صحبة له. استقدمه معاوية، فقدم عليه، وأمره أن يعلم ابنه يزيد.(8/198)
روى الحسن بن دغفل أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توفي وهو ابن خمس وستين سنة.
وحدث الحسن بن دغفل قال: كان على النصارى صوم شهر رمضان، فمرض ملك منهم فقال: لئن شفاه الله ليزيدن عشرة أيام؛ ثم كان ملك بعده، فأكل لحماً فوجع فاه، فقال: لئن شفاه الله ليزيدن سبعة أيام؛ ثم كان ملك بعده فقال: ما ندع هذه الثلاثة أيام أن نتمها ونجعل صومها في الربيع. ففعل، فكانت خمسين يوماً.
وقد روى ذلك مرفوعاً إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال عبد الله بن بريدة: أرسل معاوية إلى دغفل، فسأله عن أنساب العرب، وعن النجوم، والعربية، وعن أنساب قريش، فأخبره، فإذارجل عالم، فقال: من أين حفظت هذا يا دغفل؟ قال: بلسان سؤول وقلب عقول؛ وإن آفة العلم النسيان. قال: فأمره أن يذهب إلى يزيد فيعلمه العربية، وأنساب قريش، وأنساب العرب. وفي رواية: والنجوم.
وقيل: قال معاوية لدغفل: بم ضبطت ما أرى؟ قال: بمفاوضة العلماء، قال: وما مفاوضة العلماء؟ قال: كنت إذا لقيت عالماً أخذت ما عنده، وأعطيته ما عندي.
قال ابن عباس: حدثني علي بن أبي طالب من فيه قال: لما أمر الله تعالى رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعرض نفسه على قبائل العرب، خرج وأنا معه وأبو بكر، فدفعنا إلى مجلس من مجالس العرب؛ فتقدم أبو بكر وكان مقدماً في كل خير، وكان نسابة فسلم وقال: ممن القوم؟ قالوا: من ربيعة، قال: وأي ربيعة أنتم؟ أمن هامها أم من لهازمها؟ فقالوا: بل من الهامة العظمى، فقال أبو بكر؟ وأي هامتها(8/199)
العظمى أنتم؟ قالوا: من ذهل الأكبر، قال: منكم عوف الذي قال: لا حر بوادي عوف؟ قالوا: لا، قال: منكم جساس بن مرة، حامي الذمار ومانع الجار؟ قالوا: لا، قال: فمنكم بسطام بن قيس أبو اللواء ومنتهى الأحياء؟ قالوا: لا، قال: فمنكم الحوفزان قاتل الملوك وسالبها أنفسها؟ قالوا: لا، قال: فمنكم المزدلف صاحب العمامة الفردة سمي صاحب العمامة الفردة لأنه كان إذا ركب لم يعتم معه غيره قالوا: لا، قال: فمنكم أخوال الملوك من كندة؟ قالوا: لا، قال: فمنكم أصهار الملوك من لخم؟ قالوا: لا، قالأبو بكر: فلستم ذهل الأكبر، أنتم ذهل الأصغر. قال: فقام إليه غلام من بني شيبان، يقال له دغفل حين بقل وجهه فقال:
إن على سائلنا أن نسأله ... والعبء لا تعرفه أو تحمله
يا هذا! إنك سألتنا فأخبرناك ولم نكتمك شيئاً، فممن الرجل؟ قال أبو بكر الصديق: أنا من قريش، فقال الفتى: بخ بخ! أهل الشرف والرئاسة! من أي القرشيين أنت؟ قال: من ولد تيم بن مرة، فقال الفتى: أمكنت والله الرامي من سواء الثغرة، امنكم قصي الذي جمع القبائل من فهر فكان يدعى في قريش مجمعاً؟ قال: لا، قال: منكم هاشم الذي هشم الثريد لقومه:
ورجال مكة مسنتون عجاف؟(8/200)
قال: لا، قال: فمنكم شيبة الحمد عبد المطلب، مطعم طير السماء، الذي كان وجهه القمر يضيء في الليلة الداجية الظلماء؟ قال: لا، قال: فمن أهل الإفاضة بالناس أنت؟ قال: لا، قال: فمن أهل الرفادة أنت؟ قال: لا. واجتذب أبو بكر زمام الناقة راجعاً إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال الغلام:
صادف درء السيل درءاً يدفعه ... يهيضه حيناً وحيناً يصدعه
أما والله لو ثبت لأخبرتك من قريش. قال: فتبسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال علي: فقلت: يا أبا بكر! لقد وقعت من الأعرابي على باقعة، قال: أجل أبا حسن، ما من طامة إلا وفوقها طامة، والبلاء موكل بالمنطق.
قال: ثم رجعنا إلى مجلس آخر، عليهم السكينة والوقار، فتقدم أبو بكر، فسلم فقال: ممن القوم؟ قالوا: من بني شيبان بن ثعلبة، فالتفت أبو بكر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: بأبي وأمي! هؤلاء غرر الناس وفيهم مفروق بن عمرو، وهانئ بن قبيصة، والمثنى بن حارثة، والنعمان بن شريك؛ وكان مفروق قد غلبهم جمالاً ولساناً، وكانت له غديرتان تسقطان على تربيته، وكان أدنى القوم مجلساً؛ فقال أبو بكر: كيف العدد فيكم؟ فقال مفروق: إنا لنزيد على ألف، ولن يغلب ألف من قلة؛ فقال أبو بكر: وكيف المنعة فيكم؟ فقال مفروق: علينا الجهد، ولكل قوم جد؛ فقال أبو بكر: كيف الحرب بينكم وبين عدوكم؟ فقال مفروق: إنا لأشد ما نكون غضباً حين نلقى، وإنا لأشد ما نكون لقاء حين نغضب، وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد، والسلاح على اللقاح، والنصر من عند الله، يديلنا مرةً ويديل علينا أخرى، لعلك أخا قريش ... فقال أبو بكر: قد بلغكم أنه رسول الله، ألا هو ذا، فقال مفروق: بلغنا أنه يذكر ذلك، فإلام(8/201)
يدعو يا أخا قريش؟ فتقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجلس، وقام أبو بكر يظله بثوبه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وإلى أن تؤووني وتنصروني، فإن قريشاً قد ظاهرت على أمر الله وكذبت رسله، واستغنت بالباطل عن الحق، والله هو الغني الحميد، فقال مفروق بن عمرو: إلام تدعونا يا أخا قريش، فوالله ما سمعت كلاماً أحسن من هذا؟ فتلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم " إلى قوله " فتفرق بكم عن سبيله، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون " فقال مفروق: وإلام تدعو يا أخا قريش، فوالله ما هذا من كلام أهل الأرض؟ قال: فتلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون ". فقال مفروق بن عمرو: دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك. وكأنه أحب أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة فقال: وهذا هانئ شيخنا وصاحب ديننا، فقال هانئ: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش! وإني أرى إن تركنا ديننا واتبعناك على دينك بمجلس جلسته لينا ليس له أول ولا آخر، إنه زلل في الرأي وقلة نظر في العاقبة، وإنما تكون الزلة مع العجلة؛ ومن ورائنا قوم نكره أن نعقد عليهم عقداً، ولكن ترجع ونرجع، وتنظر وننظر. وكأنه أحب أن يشركه المثنى بن حارثة، فقال: وهذا المثنى بن حارثة شيخنا وصاحب حربنا، فقال المثنى بن حارثة: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش والجواب فيه جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا ومتابعتك على دينك، وإنا إنما نزلنا بين ضرتين: اليمامة والشأمة. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما هاتان الضرتان؟ فقال: انهار كسرى ومياه العرب، فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور، وعذره غير مقبول؛ وأما ما كان مما يلي مياه العرب فذنب صاحبه مغفور، وعذره مقبول؛ وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا: أن لا نحدث جدثاً، ولا نؤوي محدثاً؛ وإني أرى أن هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا قرشي مما يكره الملوك، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق، وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع(8/202)
جوانبه، أرأيتم إن لم يلبثوا إلا قليلاً حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم، ويفرشكم نساءهم، أتسبحون الله وتقدسونه؟ فقال النعمان بن شريك: اللهم ولك ذلك. قال: فتلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ". ثم نهض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قابضاً على يدي أبي بكر وهو يقول: يا أبا بكر! أية أخلاق في الجاهلية! ما أشرفها! بها يدفع الله عز وجل، ناس بعضهم من بعض، وبها يتحاجزون فيما بينهم.
قال: فدفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج، فما نهضنا حتى بايعوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فلقد رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد سر بما كان من أبي بكر ومعرفته بأنسابهم.
مر نفر من الأنصار بدغفل النسابة بعدما ذهب بصره، فسلموا عليه، فقال: من أنتم؟ قالوا: أشراف أهل اليمن، قال: من أهل ملكها القديم وشرفها الصميم، كندة! قالوا: لا، قال: فمن الطوال قصباً والممحضين نسباً بني عبد المدان؟ قالوا: لا، قال: فمن أقودها للزحوف، وأخرقها للصفوف، وأضربها بالسيوف، بني زبيد رهط عمرو بن معد يكرب؟ قالوا: لا، قال: فمن أحضرها قراءً، وأطنبها فناءً، وأصدقها لقاءً، طيئ؟ قالوا: لا، قال: فمن الغارسين النخل، والمطعمين في المحل، والقائلين بالعدل، الأنصار؟ قالوا: نعم.
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: جاء قوم من بني سعد بن زيد مناة تميم إلى دغفل النسابة، فسلموا عليه وهو مول ظهره للشمس في مشرقة له، فرد عليهم من غير أن يلتفت إليهم، ثم قال لهم: من القوم؟ قالوا: نحن سادة مضر، قال: أنتم إذاً قريش الحرم، أهل العز والقدم، والفضل والكرم، والرأي في البهم، قالوا: لسنا منهم، قال: لا؟ قالوا: لا؛ قال: فأنتم إذاً هوازن، أجرؤها فوارس، وأجملها مجالس؛ قالوا: لسنا بهم، قال: لا؟ قالوا: لا؛ قال: فأنتم إذاً سليم، فوارس عظاظها، ومناع أعراضها، قالوا: لسنا بهم، قال: لا؟(8/203)
قالوا: لا؛ قال: فأنتم إذاً غطفان، أعظمها أحلاماً، وأسرعها إقداماً، قالوا: لسنا منهم، قال: لا؟ قالوا: لا؛ قال: فأنتم إذاً بنو حنظلة، أكرمها جدوداً، وأسهلها خدوداً، وألينها جلوداً، قالوا: لسنا بهم، قال: لا؟ قالوا: لا. قال: أفلا أراكم إلا من ربعات مضر وأنتم تأبون إلا أن تترقوا في الغلاصم منهم، اذهبوا لا كثر الله بكم من قلة ولا أعز بكم من ذلة.
قال الأصمعي: النسابون أربعة: دغفل، وأبو ضمضم، وصبح، والكيس النمري.
قيل للنساب البكري: قد نسبت كل شيء حتى نسبت الذر! قال: الذر ثلاثة أبطن: الذر، وفازر، وعقفان.
قال رؤبة بن العجاج: دخلت على النسابة البكري، فقال: من أنت؟ قلت: رؤبة بنت العجاج، قال: قصرت وعرفت، لعلك كأقوام يأتوني إن حدثتهم لم يعوا عني، وإن سكت عنهم لم يسألوني، قال: قلت: أرجو أن لا أكون كذلك، فقال لي: فما أعداء المروءة؟ قلت: تخبرني، قال: بنو عم السوء، إن رأوا حسناً دفنوه، وإن رأوا سيئاً أذاعوه. ثم قال: إن للعلم آفةً وهجنةً ونكداً؛ فآفته الكذب، ونكده النسيان، وهجنته نشره عند غير أهله.(8/204)
قال دغفل العلامة: في العلم خصال: إن له آفة، وله هجنة، وله نكد: فآفته أن تخزنه، فلا تحدث به ولا تنشره؛ وهجنته أن تحدثه من لا يعيه ولا يعمل به؛ ونكده أن تكذب فيه.
قيل: إن دغفلاً غرق في يوم دولاب من فارس في قتال الخوارج.
دكين بن سعيد الدارمي التميمي
ويقال: ابن سعد بن زيد مناة بن تميم الدارمي الراجز من أهل البصرة. وفد على عمر بن عبد العزيز.
قال سعيد بن عمرو بن جعدة: لما ولي عمر بن عبد العزيز المدينة كان ينقطع إليه رجل من بني دارم، سيقال له دكين بن سعيد، يسامره بالليل مع أبي عون وسالم، فقال له ليلةً: إني لأرى لك هيئة ما الدنيا عنك بمنقطعة حتى تلي ولاية أجشم من هذه، قال: وما علمك؟ قال: ما هي إلا فراسة، فما عليك إن كان ذلك؟ قال: إن كان ذلك أحسنت إليك، قال: هات يدك، فأعطاه يده. فلما ولي عمر الخلافة انقطع إليه دكين. فاستأذن فقال له البواب: إنه عنك في شغل، إنه في رد المظالم، فأعد أبياتاً لخروج عمر إلى الصلاة، ثم ناداه نداء الأعرابي:
يا عمر الخيرات ذا المكارم ... وعمر الدسائع العظائم
إني امرؤ من قطن بن دارم ... أنشد حق المسلم المسالم
بيع يمين بالإخاء الدائم ... إذ تنتجي والله غير نائم
وتنحن في ظلمة ليل عاتم ... عند أبي عون وعند سالم(8/205)
قال: فعرف عمر القضية، فدخل على أمهات أولاده، فما زال يجمع له من عندهن العشرة والعشرين حتى جمع له ثلاث مئة؛ وكانت من عمر عطية.
ومن شعر دكين:
رب أمر تشرق النفس به ... جاءها من خلل الباب الفرج
ودياجي مطبق إظلامها ... مزق الصبح دجاها فبلج
لا تكن من وشك روح آيساً ... فكأن قد فرجت تلك الرتج
بينما المرء كثيب موجع ... جاءه الله بفتح فبهج
قلما أدمن قرعاً قارع ... غلق الأبواب إلا سيلج
وروى بسنده عن محمد بن الحسين أنه أنشد لدكين الراجز:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكل رداء يرتديه جميل
وإن هو لم يدنس من اللؤم نفسه ... فليس إلى حسن الثناء سبيل
قال أبو عبيدة: ابتنى رجل من بني مخزوم، وكان ينزل ضاحية بني تميم فوافى دكين الراجز، فقال للبواب إني ألاع إلى السخن فأدخلني، فأبى البواب أن يدخله؛ فوقف دكين على دكان وقد انصرف بعض القوم وأنشأ يقول:
اجتمع الناس وقالوا عرس ... إذا قصاع كالأكف خمس
زبحلحات قد جمعن ملس ... ففقئت عين وفاظت نفس(8/206)
قال أحمد بن عبيد: ألاع: أتوقد حرصاً عليه، ويحترق فؤادي طلباً له. والزبحلحات: التي تحرك ويذهب ويجاء بها لا تقر في موضع واحد.
قال: وجرى بين الأصمعي وأبي عبيدة في هذا البيت: وفاظت نفس تشاجر ومنازعة؛ فقال الأصمعي: العرب لا تقول فاظت نفسه ولا فاضت نفسه، إنما يقولون: فاظ الرجل إذا مات؛ قال: وكان يرويه: وطن الضرس.
قال أبو عبيدة: كذب الأصمعي، ما هو إلا فاضت نفس.
وقال الكسائي والفراء ومن نقل عنهما: يقال: فاضت نفس، وفاظت نفس، وفاض الميت نفسه، وأفاضه الله نفسه.
دويد بن نافع
ويقال: دويد أبو عيسى أخو مسلمة بن نافع مولى سعيد بن عبد الملك بن مرولان. من أهل دمشق، ويقال: من أهل حمص.
حدث عن الزهري قال: قال سعيد بن المسيب: إن أبا قتادة أخبره أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال الله عز وجل: " إني فرضت على أمتك خمس صلوات، وعقدت عندي عهداً أنه من حافظ عليهن لوقتهن أدخلته الجنة في عهدي، ومن لم يحافظ عليهن فلا عهد له عندي ".(8/207)
دهثم بن خلف بن الفضل
أبو سعيد القرشي الرملي سمع بدمشق وبغيرها.
حدث عن سوار بن عمارة بسنده عن شهر بن حوشب قال: أتيت أبا أمامة وهو في مسجد حمص، فقلت: يا أبا أمامة، حدثت بشيء عنك أنك حدثت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات في دبر صلاة الغداة، كتب له بكل واحدة منها عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات؛ وكانت له خيراً من عشر محررين يوم القيامة؛ ومن قالها في دبر صلاة العصر كان له مثل ذلك. فقلت له: أنت سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم، غير مرة، ولا مرتين ولا ثلاث ولا أربع ولا خمس، حتى ضم أصابعه.
وحدث عن رواد بن الجراح بسنده عن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاة الرجل متقلداً سيفه يعني تفضل على صلاة غير متقلد سبع مئة ضعف ". قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الله عز وجل يباهي بالمتقلد سيفه في سبيل الله عز وجل ملائكته وهم يصلون ما دام متقلده.(8/208)
أسماء النساء على حرف الدال المهملة
درداء بنت أبي الدرداء عويمر
ابن قيس الأنصارية سمعت أباها.
حدثت بنت أبي الدرداء، عن أبي الدرداء قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله، لا تدرون تنجون أم لا تنجون!.
لما هلكت درداء صلوا عليها؛ قالت أم الدرداء: يا درداء اذهبي إلى ربك حتى أذهب أنا إلى ربي. فذهب بتلك إلى المقبرة، ودخلت أم الدرداء إلى المسجد.
وهلكت درداء تحت صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية الجمحي.
خطب يزيد بن معاوية إلى أبي الدرداء ابنته الدرداء، فرده وأنكحها غيره، فقيل لأبي الدرداء: أتركت يزيد وتنكح فلاناً؟! فقال أبو الدرداء: ما ظنكم بابنة أبي الدرداء إذا قام على رأسها الخصيان، ونظرت في بيوت يلتمع منها بصرها، أين دينها يومئذ؟!.
أسماء الرجال على(8/209)
حرف الذال المعجمة
ذكوان بن إسماعيل بن يحيى
البعلبكي القاضي حدث عن أبي سليم إسماعيل بن حصن بسنده عن عبد الرحمن بن سمرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها. وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير، وكفر عن يمينك.
ذكي بن عبد الله
أبو الحسين المشرقي
حدث بدمشق عن أبي بكر محمد بن عبيد الله بن أبي المغيث بسنده عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " كل مسكر خمر ".
ذواد العقيلي الجزري
حدث محمد بن علي بن عبد الله بن عباس فقال: دخل سعد بن أبي وقاص على معاوية فقال: السلام عليك أيها الملك، فقال معاوية: فهلا غير ذلك، أنتم المؤمنون وأنا أميركم، فقال سعد: نعم، إن كنا أمرناك، فقال معاوية: لا يبلغني أن أحداً يقول: إن سعداً ليس من قريش إلا فعلت به وفعلت. فقال محمد بن علي: لعمري إن سعداً لموسط من قريش، ثابت النسب.(8/210)
ذؤالة بن محمد
حدث عن أبيه عن جده بسنده عن جابر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن يبيت حتى يقرأ بهاتين السورتين: آلم تنزيل، وتبارك.
وفي حديث آخر: آلم تنزيل السجدة، وتبارك الذي بيده الملك.
ذو الفقار بن محمد بن معبد
ابن الحسين بن الحسين بن أحمد المعروف بحميدان أبو الصمصام الحسني العلوي المروزي الضرير الواعظ قدم دمشق قبل العشرين وخمس مئة، ووعظ بها، وأظهر الميل إلى الروافض، وتعصب له جماعة منهم؛ وكان يروي الحديث على كرسيه بإسناده عن نظام الملك. وخرج عن دمشق بعد حدوث فتنة جرت. وسكن الموصل وحدث بها.؟؟ روى عن أبي عبد الله مالك بن أحمد بن إبراهيم البانياسي بسنده عن أبي برزة قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: علمني شيئاً لعل الله أن ينفعني به، قال: انظر ما يؤذي الناس فنحه عن الطريق.
ذكر أنه ولد سنة خمس وخمسين وأربع مئة.(8/211)
ذو القرنين واسمه الإسكندر ابن فيلبس
وذكر نسبه أسماء يونانسية.
وقيل: اسم ذي القرنين صعب بن عبد الله، ونسبه إلى سبأ بن قحطان.
وفي كتاب أبي سلمة بن عبد الرحمن: إن الضحاك بن معد ولد رجلين: عبد الله بن الضحاك وهو ذو القرنين، وعباد بن الضحاك.
وقال بعض الفرس: إنه الإسكندر بن دارا بن بهمن الملك، والفرس تسميه الإسكندر.
قال أبو عبيدة: والثبت أن ذا القرنين الإسكندر كان من الروم، وإنه فيلووس بن مصريم بن هرمس بن هوديس. وفيه اختلاف.
قال هشام بن الكلبي: ومن بني يونان بن يافث بن نوح النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم رومي بن لنطي بن يونان بن يافث بن نوح. ومنهم ذو القرنين، وهو هرمس، ويقال هو ديس بن فيطون بن رومي بن لنطي بن كسلوجين بن يونان بن يافث بن نوح، وغيرهم.
وقيل: إن ذا القرنين كان ابن رجل من حمير حميرياً، وكان قد وفد إلى الروم، فأقام فيهم، وكان يسمى أبوه الفيلسوف لعقله وأدبه؛ فتزوج في الروم امرأةً من غسان وكانت على دين الروم فولدت ذا القرنين، فسماه أبوه الإسكندر. فهو الإسكندر بن(8/212)
الفيلسوف بن حمير، وأمه رومية غسانية، ولذلك يقول تبع الحميري لما فخر بأجداده في قصيدة يقولها يفخر بذي القرنين إلى أجداده:
قد كان ذو القرنين جدي مسلماً ... ملكاً تدين له الملوك وتحشد
بلغ المشارق والمغارب يبتغي ... أسباب أمر من حكيم مرشد
فرأى مغيب الشمس عند غروبها ... في عين ذي خلب وثأط حرمد
من بعده بلقيس كانت عمتي ... ملكتهم حتى أتاها المزهد
وليس كل الناس يعلم أنه من حمير، ولا يعرف أباه، وإنما نسبته الروم إلى أمه، كان أبوه مات وهو صغير، وخلفه في حجر أمه. ولذلك جهل العلماء ونسبوه إلى أمه. ولقد كان أبوه من أهل الملك والمروءة، ولذلك سمي الفيلسوف.
وقال قتادة: الإسكندر هو ذو القرنين، وأبوه قيصر وهو أول القياصرة، كان من ولد سام بن نوح عليهما السلام.
قال حبيب بن حماز: كنت عند علي بن أبي طالب وسأله رجل عن ذي القرنين قال: كيف بلغ المشرق والمغرب؟ فقال: سخر له السحاب ومدت له الأسباب، وبسط له في النور؛ قال: أزيدك؟ قال: فسكت الرجل، وسكت علي عليه السلام.
قال سيف بن وهب: دخلت شعب ابن عامر على أبي الطفيل عامر بن واثلة، قال: فإذا شيخ كبير قد وقع حاجبه على عينيه، قال: فقلت له: أحب أن تحدثني بحديث سمعته من علي ليس(8/213)
بينك وبينه أحد؛ قال: أحدثك به إن شاء الله، وتجدني له حافظاً: أقبل علي يتخطى رقاب الناس بالكوفة، حتى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس، سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله ما بين لوحي المصحف آية تخفى علي، فيم أنزلت ولا أين نزلت، ولا ما عنى بها؛ والله لا تلقون أحداً يحدثكم ذلك بعدي حتى تلقوا نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فقام رجل يتخطى رقاب الناس، فنادى: يا أمير المؤمنين، قال: فقال علي: ما أراك بمسترشد، أو ما أنت مسترشد، قال: يا أمير المؤمنين؛ حدثني عن قول الله عز وجل: " والذاريات ذرواً "؟ قال: الرياح، ويلك، قال: " فالحاملات وقراً "؟ قال: السحاب ويلك، قال: " فالجاريات يسراً "؟ قال: السفن ويلك، قال: " فالمدبرات أمراً "؟ قال: الملائكة ويلك، قال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن قول الله عز وجل: " والبيت المعمور، والسقف المرفوع "؟ قال: ويلك بيت في ست سماوات، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة، وهو الضراح، وهو حذاء الكعبة من السماء؛ قال: يا أمير المؤمنين؛ حدثني عن قول الله عز وجل: " ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار، جهنم "؟ قال: ويلك ظلمة قريش، قال: يا أمير المؤمنين! حدثني عن قول الله عز وجل: " قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا "؟ قال: ويلك منهم أهل حروراء، قال: يا أمير المؤمنين، حدثني عن ذي القرنين، أنبياً كان أو رسولاً؟ قال: لم يكن نبياً ولا رسولاً ولكنه عبد ناصح الله عز وجل، فناصحه الله عز وجل وأحب الله فأحبه الله، وإنه دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فهلك، فغبر(8/214)
زماناً، ثم بعثه الله عز وجل فدعاهم إلى الله عز وجل، فضربوه على قرنه الآخر، فهلك فذلك قرناه.
وفي حديث آخر: ولا نعلم أحداً من الناس كان له قرنان.
وقال ابن شهاب: إنما سمي ذو القرنين أنه بلغ قرن الشمس من مغربها وقرن الشمس من مطلعها فسمي ذا القرنين.
قال معاوية: ملك الأرض أربعة: سليمان بن داود النبي صلى الله عليهما وعلى نبينا وسلم؛ وذو القرنين؛ ورجل من أهل حلوان؛ ورجل آخر؛ فقيل له: الخضر؟. قال: لا.
وقال سفيان الثوري: بلغني أنه ملك الأرض كلها أربعة، مؤمنان وكافران: سليمان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وذو القرنين؛ ونمرود؛ وبختنصر.
وفي حديث آخر: نمرود بن كوش بن حام بن نوح؛ وبختنصر.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا أدري أتبع كان لعيناً أم لا؛ ولا أدري الحدود كفارات لأهلها أم لا؛ ولا أدري ذو القرنين نبياً كان أم لا ".
وعن عبد الله بن عمرو قال: ذو القرنين نبي.
وعن سعيد بن مسعود، عن رجلين من كندة من قومه قالا: استطلنا يومنا فانطلقنا إلى عقبة بن عامر الجهني، فوجدناه في ظل داره جالساً،(8/215)
فقلنا له: إنا استطلنا يومنا فجئنا نتحدث عندك، فقال: وأنا استطلت يومي فخرجت إلى هذا الموضع؛ قال: ثم أقبل علينا وقال: كنت أخدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرجت ذات يوم، فإذا برجال من أهل الكتاب بالباب معهم مصاحف، فقالوا: من يستأذن لنا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فدخلت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته فقال: مالي ولهم، يسألوني عما لا أدري! إنما أنا عبد، لا أعلم إلا ما علمني ربي عز وجل ثم قال: ابغني وضوءاً، فأتيته بوضوء، فتوضأ ثم خرج إلى المسجد، فصلى ركعتين ثم انصرف، فقال لي وأنا أرى السرور والبشر في وجهه فقال: أدخل القوم علي، ومن كان من أصحابي فأدخله أيضاً. قال: فأذنت لهم، فدخلوا، فقال لهم: إن شئتم أخبرتكم عما جئتم تسألوني عنه من قبل أن تكلموا، وإن شئتم فتكلموا قبل أن أقول. قالوا: بل أخبرنا، قال: جئتم تسألوني عن ذي القرنين؛ إن أول أمره أنه كان غلاماً من الروم، أعطي ملكاً، فسار حتى أتى ساحل أرض مصر، فابتنى مدينةً يقال لها الإسكندرية، فلما فرغ من بنائها بعث الله تعالى ملكاً، ففرع به فاستعلى بين السماء والأرض ثم قال: انظر ما تحتك، فقال: أرى مدينتين ثم استعلى به ثانيةً، ثم قال: انظر ما تحتك، فنظر فقال: أرى مدينتين قد أحاطت بهما، ثم استعلى به وقال: انظر ما تحتك، فنظر فقال: ليس أرى شيئاً؛ فقال: المدينتان هو البحر المستدير وقد جعل الله تعالى له مسلكاً يسلك به، فعلم الجاهل وثبت العالم. قال: ثم جوزه فابتنى السد جبلين زلقين، لا يستقر عليهما شيء أصلاً. فلما فرغ منهما سار في الأرض، فأتى على أمة أو على قوم وجوههم كوجوه الكلاب، فلما قطعهم أتى على قوم قصار، فلما قطعهم أتى على قوم من الحيات، تلتقم الحية منهم الصخرة العظيمة، ثم أتى على الغرانيق. وقرأ هذه الآية: " وآتيناه من كل شيء سبباً فأتبع سبباً ". فقالوا: هكذا نجده في كتابنا.
وعن ابن عباس قال: كان ذو القرنين ملكاً صالحاً، رضي الله عز وجل عمله وأثنى عليه في كتابه، وكان منصوراً، وكان الخضر وزيره.(8/216)
قال مقاتل: كلن يفتح المدائن ويجمع الكنوز، فمنن اتبعه على دينه وشايعه عليه وإلا قتله.
وعن عبد الله بن عبيد بن عميرة أن ذا القرنين حج ماشياً فسمع به إبراهيم فتلقاه.
وروي أن إبراهيم خليل الرحمن كان جالساً بمكان، فسمع صوتاً فقال: ما هذا الصوت؟ قال: قيل له: هذا ذو القرنين قد أقبل في جنوده، فقال لرجل عنده: ائت ذا القرنين فأقرئه السلام، فأتاه فقال: إن إبراهيم يقرئك السلام. قال: ومن إبراهيم؟ قال: خليل الرحمن. قال: وإنه لها هنا؟ قال: نعم. قال: فنزل، قال: فقيل لبه: إن بينك وبينه هنيهةً. قال: ما كنت لأركب في بلد فيه إبراهيم. قال: فمشى إليه. قال: فسلم عليه فأوصاه إبراهيم، فأوحى الله إلى ذي القرنين: إن الله قد سخر لك السحاب، فاختر أيها شئت، إن شئت صعابها وإن شئت ذللها؛ فاختار ذلولها وفي رواية: هو الذي لا برق فيه ولا رعد فكان إذا انتهى من مكان من بر أو بحر لا يستطيع أن يتقدم احتملته السحاب فقذفته وراء ذلك حيث ما شاء.
وعن الحسن: أن ذا القرنين كان إذا انتهى إلى الأرض، أو كورة، ففتحها أمر أصحابه الذين معه أن يقيموا بها، وأخرج هؤلاء معه إلى الأرض التي تليهم؛ فبذلك كان يقوى الناس على السير معه، فكان ذو القرنين إذا سار يكون أمامه على مقدمته ست مئة ألف، وعلى ساقته مئة ألف، وهو في ألف ألف، لا ينقصون، كلما هرم رجل جعل مكانه غيره، وإذا مات رجل جعل مكانه غيره؛ فهذه العدة معه. فكان الله عز وجل ألهمه الرشد، ولقنه الحكمة والصواب، وأعطاه القوة والظفر والنصر.
قال سعيد بن جبير: سار ذو القرنين من مطلع الشمس إلى مغربها اثنتي عشرة سنة.
قال عبد الله بن جعفر الرقي: وشى واش برجل إلى الإسكندر، فقال له: أتحب أن نقبل منك ما قلت فيه على أنا نقبل منه ما قال فيك؟ فقال: لا، فقال له: فكف عن الشر يكف الشر عنك.
قال(8/217)
ليث بن أبي سليم: مر ذو القرنين في مسيره على ملك منبطح على وجهه، آخذ بأصل جبل، فقال له ذو القرنين: يا عبد الله، أمعذب أم مأمور؟ قال: بل مأمور، قال: فما هذا؟ قال: الجبال كلها محدقة بهذا الجبل، فأنا ممسك بأصله، فمن أنت؟ قال: أنا ذو القرنين، قال: ألكم خلقت الجنة والنار؟ قال: نعم، قال: لقد خلقتم لأمر عظيم.
حدث قتادة عن الحسن: أن ذا القرنين لما سد الردم على يأجوج ومأجوج سار يريد اوراء المشرق والمغرب، فسار حتى بلغ ظلمةً عجز أصحابه عن المسير، وأعطى الله ذا القرنين تلك القوة والجلادة حتى سار ثمانية عشر يوماً وحده، لا يقف على سهل ولا جبل، ولا حجر ولا شجر؛ ولا يأكل ولا يشرب ولا ينام ولا يركب، إذ سمع صوتاً من مسيرة يوم وليلة مثل الرعد القاصف، ورأى ضوءاً مثل البرق الخاطف، وقائل يقول: سبحان ربي من منتهى الدهر، سبحان ربي من منتهى قدمي من الأرض السابعة، سبحان من بلغ رأسي السماء، سبحان من بلغ يدي أقصى العالم. فلما دنا منه إذا هو بملك قابض على طرفي جبل قاف؛ وهو جبل من زمردة خضراء. فلما نظر إليه الملك ظن أنه ملك بعثه الله، يأمره أن يزيل الدنيا، فقال له: آدمي أم ملك؟ قال: لا بل آدمي، قال: من أين أقبلت؟ قال: جاوزت المشرق والمغرب وأنا أسير منذ ثمانية عشر يوماً في ظلمة على أرض ملساء، قال الملك: لم تمش على الأرض، وإنما مشيت ساعةً من النهار، وإنما مشيت على البحر السابع فشك ذو القرنين أن يكون قد مشى على الماء، فانغمس في الماء إلى ركبتيه فقال له الملك: ابن آدم، شككت أنك مشيت على الماء فاستيقن، فاستوى على الماء. قيل: يا أبا سعيد من سماه ذا القرنين؟ قال: ذلك الملك، فقال له: يا ذا القرنين! فقال له ذو القرنين: لعلك سببتني أو لقبتني، إن اسمي غير هذا، قال: ما سببتك ولا لقبتك، ولكنك جاوزت قرن المشرق والمغرب، فهذا اسمك واسم من يعمل كعملك، قال: فما لي أراك قابضاً على هذا الجبل؟ قال: إن الله جعل هذا الجبل وتد هذه الأرض، والجبال من دونه أوتاداً،(8/218)
وكانت الأرض لا تستقر حتى وضع الله هذا الجبل، وأنبت الجبال من هذا كنبات الشجر من عروقها، وبعثني أن أمسك هذا الجبل أن لا تزول الدنيا، قال: فما خلف هذا الجبل؟ قال: سبعون حجاباً من نار، وسبعون حجاباً من دخان، وسبعون حجاباً من ثلج، وسبعون حجاباً من ظلمة، غلظ كل حجاب مسيرة خمس مئة عام، ومن خلف هؤلاء حملة الكرسي، أرجلهم من تحت الثرى السابعة، ولقد جاوزت رؤوسهم فوق سبع سماوات، ولولا هذه الحجب احترقت أنا وهذا الجبل من نورهم؛ قال: فما خلف أولئك؟ قال: من الحجب بعد ذلك، وخلف تلك الحجب حملة العرش قد مرقت أرجلهم أرضين السابعة، وجاوزت رؤوسهم فوق السماء السابعة، كما بين سبع سماوات إلى سبع أرضين، ولولا تلك الحجب لاحترقت حملة الكرسي من نور حملة العرش، ولهم قرون غلظ كل قرن كل ملك ما بين الخافقين، قال: فما خلف أولئك؟ قال: أرض ملساء، ضوؤها من نورها، ونورها من ضوئها مسيرة الشمس أربعين يوماً، يكون مثل الدنيا عامرها، وعامرها أربعون ضعفاً، ليس فيه موضع شبر إلا وملك ساجد لم يرفع رأسه منذ خلقه الله، ولا يرفعه إلى يوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة رفعوا رؤوسهم فقالوا: ربنا لم نعبدك حق عبادتك. قال: فما خلف أولئك؟ قال: ملائكة يضعفون عليهم أربعون ضعفاً، لكل ملك منهم أربعون رأساً، في كل رأس أربعون وجهاً، في كل وجه أربعون فماً، في كل فم أربعون لساناً، في كل لسان أربعون لغةً تسبح الله وتقدسه بكل لغة أربعين نوعاً، قال: فملا خلف أولئك؟ قال: ملائكة يضعفون على هؤلاء أربعين ضعفاً، طول كل منهم ما بين سبع سماوات إلى سبع أرضين، ليس في جسده موضع ظفر ابن آدم إلا فيه لسان ناطق يحمد الله ويقدسه. قال: فما خلف أولئك؟ قال: ملك قد أحاط بجميع ما ذكرت لك، لو أذن الله له لجمع جميع ما ذكرت لك، وما في سبع سماوات وسبع أرضين ما خلا العرش والكرسي؛ لالتقمهم بلقمة واحدة. قال: فما خلف ذلك؟ قال: انقطع علمي وعلم كل عالم وكل ملك، ليس وراء ذلك إلا الله عز وجل وبهاؤه وسلطانه. فانصرف ذو القرنين إلى أصحابه؛ فقال الحسن: إنما حمل ذا القرنين على أن يأتي المشرق والمغرب أنه وجد في بعض تلك الكتب أن رجلا من ولدر سام بن نوح يشرب من عين في البحر وهي من الجنة فيعطى الخلد. قال: فطلب تلك العين.(8/219)
قال إسحاق: بلغني أن الخضر كان وزيره وكان معه يسايره، وكان يقال: كان ابن خالته، فبينما هو يسير معه في البحر إذ تخلف عنه الخضر، فهجم على تلك العين فشرب منها وتوضأ، فلما رجع إلى ذي القرنين أخبره، فقال له: إني أردت أمراً وفزت به أنت! فارجع عني. فحسده ورده. واغتم لذلك ذو القرنين حين فاته ما أراد؛ فقال له العلماء والحساب: لا تحزن، فإنا نرى لك أيها الملك مدةً طويلة، وإنك لا تموتإلا على أرض من حديد وسماء من خشب؛ فانصرف راجعاً يريد الروم، ويدفن كنوز كل أرض بها، ويكتب ذكر ذلك، ومبلغ ما دفن وموضعه، فيحمله معه في كتاب، حتى بلغ بابل، فرعف وهو في المسير فسقط عن دابته، فبسط له درع، وكانت الدرع إذ ذاك مثل الصفائح والجواشن، وإنما استحدث هذه الدروع داود عليه السلام، فنام على ذلك الدرع، فآذته الشمس، فدعوا له ترساً فأظلوه به، فنظر فإذا هو على حديد مضطجع، وفوقه خشب، فقال: هذه أرض من حديد وسماء من خشب، فدعا كاتبه واستعان بعلماء بابل فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، من الإسكندر بن قيصر رفيق أهل الأرض ببدنه قليلاً، ورفيق أهل السماء بروحه الطويل، إلى أمه روقية ذات الصفاء التي تمتع بثمرة قلبها في دار القرب، فهي مجاورته عما قليل في دار البعد، يا روقية يا ذات الصفاء، هل رأيت معطياً لا يأخذ ما أعطى؟ ولا معيراً لا يأخذ عاريته؟ ولا مستودعاً لا يأخذ وديعته؟ يا روقية، إن كان أحد بالبكاء حقيقاً فلتبك السماء على شمسها كيف يعلوها الطمس والكسوف، وعلى قمرها كيف يعلوه السواد، وعلى كواكبها كيف تنهار وتناثر، ولتبك الأرض على خضرتها ونباتها، والشجر على ثمارها، وأوراقها كيف تتحات وتصير هشيماً، ولتبك البحار على حيتانها؛ يا أمتاه، هل رأيت نعيماً لا يزول، أو حياً دائماً، فهما مقرونان بالفناء؛ يا أمتاه، لا يبغتنك موتي فإنك كنت مستيقنةً بأني أموت، وأنا لم يبغتني الموت لأني كنت مستيقنا أني من الذين يموتون. يا أمتاه، اعتبري ولا تحزني، فكوني في مصيبتي كما كنت تحبين أن أكون في الرجال؛ يا أمتاه، أقرأ عليك السلام إلى يوم اللقاء. قال: فمات، وكان فيمن ملك الضحاك بن الأهيون بعده.
وحدث أبو جعفر عن أبيه أنه سئل عن ذي القرنين فقال: كان ذو القرنين عبداً من عباد الله صالحاً، وكان من(8/220)
الله بمنزل ضخم، وكان قد ملك ما بين المشرق والمغرب، وكان له خليل من الملائكة يقال له زيافيل، وكان يأتي ذا القرنين يزوره، فبينما هما ذات يوم يتحدثان إذ قال له ذو القرنين: حدثني كيف عبادتكم في السماء؟ فبكى ثم قال: يا ذا القرنين، وما عبادتكم عند عبادتنا، إن في السماء لملائكةً، قيام لا يجلسون أبداً، ومنهم سجود لا يرفع رأسه أبداً، وراكع لا يستوي قائماً أبداً، أو رافع وجهه لا يطرف شاخصاً أبداً، يقولون: سبحان الملك القدوس، رب الملائكة والروح، رب، ما عبدناك حق عبادتك. فبكى ذو القرنين بكاءً شديداً ثم قال: يا زيافيل، إني أحب أن أعمر حتى أبلغ عبادة ربي حق طاعته، قال: وتحب ذلك يا ذا القرنين؟ قال: نعم، قال زيافيل: فإن لله عيناً تسمى عين الحياة، من شرب منها شربةً لم يمت أبداً حتى يكون هو الذي يسأل ربه الموت؛ قال ذو القرنين: فهل تعلمون أنتم موضع تلك العين؟ قال زيافيل: لا، غير أنا نتحدث في السماء أن لله في الأرض ظلمةً لم يطأها إنس ولا جان، فنحن نظن أن العين في تلك الظلمة.
فجمع ذو القرنين علماء أهل الأرض، وأهل دراسة الكتب، وآثار النبوة فقال: أخبروني هل وجدتم في كتاب الله وفيما عندكم من أحاديث الأنبياء والعلماء قبلكم أن الله وضع في الأرض عيناً سماها عين الحياة؟ قالوا: لا، قال ذو القرنين: فهل وجدتم فيها أن الله وضع في الأرض ظلمةً لم يطأها إنس ولا جان؟ قالوا: لا، قال عالم منهم: أيها الملك، لم تسأل عن هذا؟ قال: فأخبره بما قال له زيافيل، فقال له: أيها الملك، إني قرأت قصة آدم، فوجدت فيها أن الله وضع في الأرض ظلمةً لم يطأها إنس ولاجان، قال ذو القرنين: فأين وجدتها من الأرض؟ قال: وجدتها عند قرن الشمس. فبعث ذو القرنين فحشر الفقهاء والأشراف والملوك والناس، ثم سار يطلب مطلع الشمس، فسار إلى أن بلغ طرف الظلمة اثنتي عشرة سنة. فأما الظلمة فليست بليل، وهي ظلمة تفور مثل الدخان فعسكر ثم جمع علماء أهل عسكره فقال لهم: إني أريد أن أسلك هذه الظلمة، فقالوا: أيها الملك، قد كان قبلك من الأنبياء والملوك لم يطلبوا هذه الظلمة؛ ولا تطلبها فإنا نخاف أن ينبعق عليك أمر تكرهه، ويكون فيه فساد أهل الأرض. قال ذو القرنين: لا بد من(8/221)
أن أسلكها؛ فخرت العلماء سجوداً، ثم قالوا: أيها الملك؛ كف عن هذه ولا تطلبها، فإنا لو كنا نعلم أنك إذا طلبتها ظفرت بما تريد ولم يسخط الله علينا لكان، ولكنا نخاف العيب من الله، وأن ينبعق علينا منها أمر يكون فيه فساد أهل الأرض ومن عليها، فقال ذو القرنين: إنه لا بد من أن أسلكها، قالوا: فشأنك. قال: فأخبروني، أي الدواب أبصر؟ قالوا: البكارة، فأرسل فجمع له ألف فرس أنثى بكارة، وانتخب من عسكره ستة آلاف رجل من أهل العقل والعلم؛ فدفع إلى كل رجل فرساً، وعقد للخضر على مقدمته في ألفي رجل، وبقي هو في أربعة آلاف، وقال لمن بقي من الناس في العسكر: لا تبرحوا من عسكركم اثنتي عشرة سنة، فإن نحن رجعنا إليكم، وإلا فارجعوا إلى بلدكم، فقال الخضر: أيها الملك، إنما نسلك ظلمة لا ندري كم مسيرتها ولا بعضنا بعضاً، فكيف تصنع بالضلل إذا أضللنا؟ فدفع ذو القرنين خرزةً حمراء فقال: إذا أصابكم الضلل فاطرح هذه الخرزة إلى الأرض، فإذا صاحت فليرجع أهل الضلال؛ فسار الخضر بين يدي ذي القرنين، يرتحل الخضر وينزل ذو القرنين؛ وقد عرف الخضر ما يطلب ذو القرنين، وذو القرنين يكتمه ذلك.
فبينما الخضر يسير إذ عارضه واد، فظن أن العين في ذلك الوادي. فلما رأى شفير الوادي قال لأصحابه: قفوا ولا يبرحن رجل منكم من موضعه، ورمى الخضر بالخرزة فإذا هي على حافة العين، فنزع الخضر ثيابه، فإذا ماء أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من الشهد، فشرب منه وتوضأ واغتسل، ثم خرج فلبس ثيابه، ثم رمى بالخرزة نحو صاحبه، فوقعت الخرزة فصاحت، فرجع الخضر إلى صوت الخرزة وإلى أصحابه، فركب فقال لأصحابه: سيورا بسم الله، ومر ذو القرنين فأخطأ الوادي، فسلكوا تلك الظلمة أربعين يوماً، ثم خرجوا إلى ضوء ليس بضوء شمس ولا قمر، أرض حمراء خشاشة، وإذا في تلك الأرض قصر مبني، طوله فرسخ في فرسخ، مبوب ليس له أبواب، فنزل ذو القرنين بعسكره، ثم خرج وحده حتى نزل القصر، فإذا حديدة قد وضع طرفها على حافتي القصر من هاهنا وهاهنا، وإذا طائر أسود كأنه الخطاف مزموماً بأنفه إلى الحديدة، معلق بين السماء والأرض، فلما سمع الطائر خشخشة ذي القرنين قال: من ذا؟ قال: ذو القرنين، قال الطائر: أما كفاك ما وراءك حتى وصلت إلي يا ذا القرنين؟ حدثني، قال: سل عم(8/222)
شئت، قال: هل كثر بناء الجص والآجر؟ قال: نعم، قال: فانتفض انتفاضة ثم انتفخ حتى بلغ ثلث الحديدة، ثم قال: يا ذا القرنين! أخبرني، قال: سل، قال: هل كثرت شهادات الزور في الأرض؟ قال: نعم، قال: فانتفض الطائر ثم انتفخ حتى ملأ ثلثي الحديدة، ثم قال: يا ذا القرنين أخبرني، هل كثرت المعازف في الأرض؟ قال: نعم، فانتفض الطائر ثم انتفخ حتى ملأ الحديدة، وسد ما بين جداري القصر؛ ففرق ذو القرينن فرقاً شديداً، فقال الطائر: يا ذا القرنين، لاتخف حدثني، قال: سل، قال: هل ترك الناس شهادة أن لا إله إلا الله بعد؟ قال: لا، قال: فانتفض الطائر ثلثاً ثم قال: حدثني، قال: سل، قال: هل ترك الناس صلاة المكتوبة بعد؟ قال: لا، قال: فانتفض الطائر ثلثاً ثم قال: حدثني، قال: سل، قال: ترك الناس الغسل من الجنابة بعد؟ قال: لا، قال: فعاد الطائر كما كان.
ثم قال: يا ذا القرنين، اسلك الدرجة إلى أعلى القصر؛ فسلكها ذو القرنين وهو خائف حتى استوى على صدر الدرجة، إذا سطح ممدود، وإذا عليه رجل نائم أو شبيه بالرجل، شاب عليه ثياب بياض، رافع وجهه إلى السماء، واضع يده على فيه. فلما سمع حس ذي القرنين، قال: من هذا؟ قال: أنا ذو القرنين فمن أنت؟ قال: أنا صاحب الصور، قال: فما لي أراك واضعاً يدك على فيك، رافعاً وجهك إلى السماء؟ قال: إن الساعة قد اقتربت، فأنا أنتظر من ربي أن يأمرني أن أنفخ فأنفخ؛ ثم أخذ صاحب الصور من بين يديه شيئاً كأنه حجر فقال: خذ هذا يا ذا القرنين، فإن شبع هذا الحجر شبعت، وإن جاع جعت. فأخذ ذو القرنين الحجر ثم رجع إلى أصحابه، فحدثهم بالطائر وما قال له وما رد عليه، وما قال له صاحب الصور وما رد عليه. فجمع ذو القرنين أهل عسكره ثم قال: أخبروني عن هذا الحجر ما أمره؟ فأخذ العلماء كفتي الميزان فوضعوا الحجر في إحدى الكفتين، ثم أخذوا حجراً مثله فوضعوه في الكفة الأخرى، فإذا الحجر الذي جاء به ذو القرنين يميل بجميع ما وضع معه، حتى وضعوا معه ألف حجر، فقال العلماء: أيها الملك، انقطع علمنا دون هذا، أسحر هذا أم علم؟ ما ندري ما هذا! والخضر ينظر ما يصنعون وهو ساكت؛ فقال ذو القرنين للخضر: هل عندك علم من هذا؟ قال: نعم، فأخذ الميزان بيده، وأخذ الحجر الذي جاء به ذو القرنين فوضعه في إحدى الكفتين، ثم أخذ حجراً من تلك الحجارة مثله فوضعه في الكفة الأخرى، ثم أخذ كفاً من تراب فوضعه مع الحجر الذي(8/223)
جاء به ذو القرنين فاستوى، فخر العلماء سجداً وقالوا: سبحان الله، إن هذا العلم ما نبلغه، فقال ذو القرنين للخضر: فأخبرنا ما هذا؟ فقال الخضر: أيها الملك، إن سلطان الله قاهر لخلقه، وأمره نافذ فيهم، وإن الله ابتلى خلقه بعضهم ببعض، فابتلى العالم بالعالم، والجاهل بالجاهل، وابتلى العالم بالجاهل، والجاهل بالعالم؛ وإن الله ابتلاني بك، وابتلاك بي؛ فقال له ذو القرنين: حسبك، قد أبلغت فأخبرني. قال: أيها الملك، هذا مثل ضربه صاحب الصور، إن الله سيب لك البلاد، فأوطأك منها ما لم يوطئ أحداً، فلم تشبع، وأبت نفسك إلا شرهاً حتى بلغت من سلطان الله ما لم يبلغه أحد، ولم يطلبه إنس ولا جان؛ فهذا مثل ضربه لك صاحب الصور، فإن ابن آدم لن يشبع أبداً دون أن يحثى التراب. فبكى ذو القرنين ثم قال: صدقت يا خضر في ضرب هذا المثل، لا جرم لا أطلب أثراً في البلاد بعد مسيري هذا حتى أموت. ثم ارتحل ذو القرنين راجعاً، حتى إذا كان في وسط الظلمة لقي الوادي الذي كان فيه الزبرجد، فقال الذين معه: أيها الملك، ما هذا تحتك وسمعوا خشخشةً تحتهم؟ فقال ذو القرنين: خذوا فإنه من أخذ ندم ومن ترك ندم؛ فأخذ الرجل منهم الشيء بعد الشيء، وترك عامتهم فلم يأخذوا شيئاً. فلما خرجوا إذا هو زبرجد، فندم الآخذ والتارك. ثم رجع ذو القرنين إلى دومة الجندل، وكان منزله بها، فقام بها حتى مات.
قال أبو جعفر: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يرحم الله أخي ذا القرنين لو ظفر بالزبرجد في مبدئه ما ترك منه شيئاً حتى يخرجه إلى الناس، لأنه كان راغباً في الدنيا، ولكنه ظفر به وهو زاهد في الدنيا، لا حاجة له فيها ".
قال وهب بن منبه: لما بلغ ذو القرنين مطلع الشمس قال له ملكها: يا ذا القرنين، صف لي الناس، قال: إن محادثتك من لا يعقل بمنزلة رجل يغني الموت، ومحادثة من لا يعقل بمنزلة رجل يبل الصخر حتى يبتل، ويطبخ الحديد يلتمس إدامه، ومحادثتك من لا يعقل بمنزلة من يضع الموائد لأهل القبور؛ ونقل الحجارة أيسر من محادثتك من لا يعقل.(8/224)
وعن وهب بن منبه: أن ذا القرنين قال لبعض الأمم: ما بال كلمتكم واحدة وطريقتكم مستقيمة؟ قالوا: من قبل أنا لا نتخادع ولا يغتاب بعضنا بعضاً.
وعنه أيضاً: أن ذا القرنين أتى مغرب الشمس، فرأى قوماً لا يعملون عملاً، وإذا منازلهم ليس لها أبواب، وليس لهم حكام ولا قضاة؛ فاجتمعوا إليه فقال لهم: قد رأيت منكم عجباً، قالوا: وما رأيت من العجب؟ فقال: أرى قبوركم على باب منازلكم، قالوا: كي لا ننسى الموت، قال: فما لي أرى بيادركم واحدة؟! قالوا: لنتقاسم بالسوية، فنعطي من زرع ومن لم يزرع؛ قال: فما لي أرى بيوتكم ليس لها أبواب؟! قالوا: ليس فينا متهم، قال: فما لي أرى الحيات والعقارب تدور فيما بينكم ولا تضركم؟! قالوا: نزع الله من قلوبنا الغش والحناث، فنزع منها السموم؟ قال: فما لي لا أرى فيكم حكاماً؟! قالوا: ليس فينا من يظلم صاحبه، قال: فما لي أراكم أطول الناس أعماراً؟! فقالوا: وصلنا أرحامنا فطول الله عز وجل أعمارنا.
وعن شعيب بن سليمان قال: أتى ذو القرنين مغيب الشمس، وأتى ملكاً من الملائكة كأنه يترجح في أرجوحة من خوف الله عز وجل؛ فهاله ذلك فقال له: علمني علماً لعلي أزداد إيماناً، فقال: إنك لا تطيق ذلك، فقال: لعل الله عز وجل أن يطوقني لذلك، فقال له الملك: لا تغتم لغد، واعمل في اليوم لغد، فإذا آتاك الله من الدنيا سلطاناً فلا تفرح به، وإن صرف عنك فلا تأس عليه، وكن حسن الظن به، وضع يدك على قلبك، فما أحببت أن تصنع بنفسك فاصنعه بأخيك، ولا تغضب فإن السلطان أقدر ما يكون على ابن آدم حين يغضب؛ فرد الغضب بالكظم، وسكنه بالتؤدة؛ وإياك والعجلة، فإنك إذا عجلت أخطأت؛ وكن سهلاً ليناً للقريب والبعيد؛ ولا تكن جباراً عنيداً.
وعن عبد الرحمن بن عبد الله الخزاعي: أن ذا القرنين كان فيما مكن الله عز وجل له، فيما سار من مطلع الشمس إلى مغربها إلى(8/225)
السد، وكان إذا نصر على أمة أخذ منها جيشاً، فسار بهم إلى امة غيرهم، فإذا فتح الله عز وجل له، وزاد ذلك الجيش أخذ من الآخرين الذين يفتح له عليهم حتى يبلغ مكانه الذي يريد، وأتى على أمة من الأمم ليس في أيديهم شيء مما يستمتع به الناس من دنياهم؛ قد احتفروا قبوراً، فإذا أصبحوا تعاهدوا تلك القبور، فنكسوها وصلوا عندها، ورعوا البقل كما ترعى البهائم، وقد قيض لهم في ذلك معاش من نبات الأرض، فأرسل ذو القرنين إلى ملكهم، فقيل له: أجب الملك ذا القرنين، فقال: مالي إليه من حاجة فأقبل إليه ذو القرنين فقال له: إني أرسلت إليك لتأتيني فأبيت، فها أنا ذا قد جئتك؛ فقال له: لو كانت لي إليك حاجة لأتيتك، فقال له ذو القرنين: مالي أراكم على الحال التي رأيت، لم أر عليها أحداً من الأمم التي رأيت؟! قال: وما ذلك؟ قال: ليس لكم دنيا ولا شيء، أفلا اتخذتم الذهب والفضة فاستمتعتم بها؟ فقال: إنما كرهناها لأن أحدكم لا يعطى منها شيئاً إلا تاقت نفسه ودعته إلى أفضل منه؛ فقال: فما بالكم قد حفرتم قبوراً، فإذا أصبحتم تعاهدتموها فكنستموها وصليتم عندها؟! قالوا: أردنا إذا نحن نظرنا إليها تأملنا الدنيا، منعتنا قبورنا من الأمل. قال: وأراكم لا طعام لكم إلا البقل من نبات الأرض، أفلا اتخذتم البهائم من الأنعام فاحتلبتموها وركبتموها واستمتعتم بها؟ فقال: كرهنا أن نجعل بطوننا قبوراً لشيء من خلق ربنا عز وجل، ورأينا أن في نبات الأرض بلاغاً، وإنما يكفي ابن آدم أدنى العيش من الطعام، وإن ما جاوز الحنك لم نجد له طعماً كائناً ما كان من الطعام.
ثم بسط ملك تلك الأمة يده خلف ذي القرنين، فتناول جمجمةً وقال: يا ذا القرنين! أتدري من هذا؟ قال: لا، ومن هو؟ قال: ملك من ملوك الأرض، أعطاه الله عز وجل سلطاناً على أهل الأرض، فغشم وظلم وعتا، فلما رأى الله ذلك منه حسمه بالموت فصار كالحجر الملقى، قد أحصى الله عز وجل عليه عمله حتى يجيء به في آخرته. ثم يتناول جمجمةً أخرى بالية، فقال: يا ذا القرنين! أتدري من هذا؟ قال: لا، ومن هو؟ قال: هذا ملك ملكه الله بعده، قد كان يرى ما يصنع الذي قبله بالناس من الظلم والغشم والجبر، فتواضع وتخشع لله عز وجل، وعمل بالعدل في أهل مملكته، فصار كما قد ترى، قد أحصى الله عز وجل عليه عمله حتى يجزيه في آخرته. ثم أهوى إلى جمجمة ذي(8/226)
القرنين فقال: وهذه الجمجمة، كأن قد كانت كهاتين، فانظر يا ذا القرنين ما أنت صانع؛ فقال ذو القرنين: هل لك في صحبتي فأتخذك أخاً ووزيراً وشريكاً فيما آتاني الله عز وجل من هذا الملك؟ فقال له: ما أصلح أنا وأنت في مكان، ولا أن نكون جميعاً، فقال له ذو القرنين: ولم؟ فقال: من أجل أن الناس كلهم لك عدو ولي صديق، قال: وعم ذلك؟ قال: يعادونك لما في يديك من الملك والمال والدنيا، ولا أجد أحداً يعاديني لرفضي الملك، ولما عندي من الحاجة وقلة الشيء. فانصرف عنه ذو القرنين.
وفي حديث قال: مر الإسكندر بمدينة قد ملكها أملاك سبعة وبادوا، فقال: هل بقي من نسل الأملاك الذين ملكوا هذه أحد؟ قالوا: نعم رجل يكون في المقابر، فدعا به قال: ما دعاك إلى لزوم المقابر؟! قال: أردت أن أعزل عظام الملوك من عظام عبيدهم، فوجدت عظامهم وعظام عبيدهم سواء، فقال له: فهل لك أن تتبعني فأورثك شرف آبائك إن كانت لك همة؟ قال: إن همتي لعظيمة إن كانت بغيتي عندك، قال: وما بغيتك؟ قال: حياة لا موت فيها، وشباب لا هرم معه، وغنىً لا فقر فيه، وسرور بغير مكروه؛ قال: لا؛ قال: فامض لشأنك ودعني أطلب ذلك ممن هو عنده عز وجل ويملكه. قال الإسكندر: هذا أحكم من رأيت.
قال سليمان الأشج صاحب كعب الأحبار: كان ذو القرنين ملكاً صالحاً، وكان طوافاً في الأرض، فبينا هو يطوف يوماً إذ وقف على جبل الهند، فقال له الخضر وكان صاحب لوائه الأعظم: مالك أيها الملك قد فزعت ووقفت؟! فقال: ومالي لا أفزع وأقف، وهذا أثر الآدميين، وموضع قدمين وكفين، وهذه الأشجار ما رأيت في طوافي أطول منها، يسيل منها ماء أحمر! إن لها لشأناً! قال: وكان الخضر قد قرأ كل كتاب فقال للملك: أما ترى الورقة المعلقة في الشجرة الكبرى؟ قال: بلى، قال: هي تخبرك بنبإ هذا المكان؛ قال: فرأى كتاباً فيه: " بسم الله الرحمن الرحيم. من آدم أبي البشر عليه السلام إلى ذريته أوصيكم ذريتي، بني وبناتي بتقوى الله، وأحذركم كيد عدوي وعدوكم إبليس اللعين، الذي(8/227)
يلين كلامه ويجوز أمنيته، أنزلني من الفردوس الأعلى إلى البرية، فألقيت في موضعي هذا لا يلتفت إلي مئتي سنة بخطيئة واحدة عملتها وهذا أثري، وهذه الأشجار نبتت من دموعي، وعلي في هذا الموضع أنزلت التوبة، فتوبوا إلى ربكم قبل أن تندموا، وقدموا قبل أن تقدموا، وبادروا قبل أن يبادر بكم والسلام.
قال: فنزل ذو القرنين فمسح جلوس آدم عليه السلام فإذا هو مئة وثمانون ميلاً، وعد الأشجار التي نبتت من دموع آدم عليه السلام فإذا هي سبع مئة شجرة. قال: فلما قتل هابيل قابيل جفت الأشجار وسال منها الماء الأحمر، فقال ذو القرنين للخضر: ارجع بنا، فوالله لا طلبت الدنيا بعدها ابداً.
وحدث قتادة عن الحسن: أن ذا القرنين كان يتفقد أمور ملوكه وعماله بنفسه، وكان لا يطلع على أحد منهم خيانةً إلا أنكر ذلك عليه، وكان لا يقبل ذلك حتى يطلع هو عليه نفسه. قال: فبينا هو يسير متنكراً في بعض المدائن، قال: فجلس إلى قاض من قضاتهم أياماً، لا يختلف إليه أحد في خصوم، فلما أن طال ذلك بذي القرنين ولم يطلع على شيء من أمر ذلك القاضي، وهم بالانصراف، إذا هو برجلين قد اختصما إليه، فادعى أحدهما فقال: أيها القاضي، إني اشتريت من هذا داراً عمرتها ووجدت فيها كنزاً، وإني دعوته إلى أخذه فأبى علي، فقال له القاضي: ما تقول؟ قال: ما دفنت ولا علمت به وليس هو لي ولا أقبضه منه، قال المدعي: أيها القاضي، مر من يقبضه فيضعه حيث أحببت، فقال القاضي: تفر من الشر وتدخلني فيه؟ ما أنصفتني، وما أظن هذا في قضاء الملك، فقال القاضي: هل لكما في أمر أنصف مما دعوتماني إليه؟ قالا: نعم، قال للمدعي: ألك ابن؟ قال: نعم، وقال للآخر: ألك أمة؟ قال: نعم، قال: اذهبا فزوج ابنتك من ابن هذا وجهزوهما من هذا المال، وادفعوا فضل ما بقي إليهما يعيشان به، فتكونا قد صليتما بخيره وشره. فعجب ذو القرنين حين سمع ذلك، ثم قال للقاضي: ما ظننت أن في الأرض أحداً يفعل مثل هذا، أو قاض يقضي بمثل هذا! فقال القاضي وهو لا يعرفه: فهل أحد يفعل غير هذا؟ قال ذو القرنين: نعم، قال القاضي: فهل تمطرون في بلادكم؟ فعجب ذو القرنين من ذلك فقال: بمثل هذا قامت السماوات والأرض.(8/228)
وعن الشافعي قال: جلس الإسكندر يوماً فلم يأته طالب حاجة. فلما قام عن مجلسه قال: هذا يوم لا أعده من عمري.
قيل للإسكندر: مالنا نرى تجليلك أستاذك أكثر من تجليلك لوالدك؟ فقال: لأن والدي سبب حياتي الفانية، وأستاذي سبب حياتي الباقية.
قال أبو سعيد النيسابوري الواعظ: كتب الإسكندر على باب مدينة الإسكندرية: أجل قريب بيد غيرك، وسوق حثيث من الليل والنهار، وإذا انتهت المدة حيل بينك وبين العدة، فأكرم أجلك بحسن صحبة سائقيك، وإذا بسط لك الأمل فاقبض نفسك عنه بالأجل، فهو المورد وإليه الموعد.
قال سفيان: بلغنا أن أول من صافح ذو القرنين.
وعن كعب الأحبار: أن ذا القرنين لما حضرته الوفاة كتب إلى أمه يأمرها أن تصنع طعاماً، ثم تخرج عليه نساء أهل المدينة، فإذا وضع الطعام بين أيديهن، فاعزمي عليهن أن لا تأكل منه امرأة ثكلى؛ ففعلت ذلك، فلم تمد امرأة يدها إليه؛ فقال: سبحان الله، كلكن ثكلى؟ قلن: إي والله، ما منا امرأةإلا أثكلت.
قيل: إن ذا القرنين عاش ثلاثة آلاف سنة؛ وذلك أنه ولد بالروم حين نزل شام الروم، فكان هو من القرن الأول.
وقيل: إن ذا القرنين مات وله ست وثلاثون سنة، وقيل: اثنتان وثلاثون سنة. وكان ملك الإسكندر ست عشرة سنة.(8/229)
ذو القرنين بن ناصر الدولة
أبي محمد بن عبد الله بن حمدان، أبو المطاع التغلبي المعروف بوجيه الدولة، الشاعر كان أديباً فاضلاً، سائساً مدبراً؛ وليس إمرة دمشق بعد لؤلؤ البشراوي في سنة إحدى وأربع مئة.
فمن شعره:
لو كنت ساعة بيننا ما بيننا ... وشهدت حين نكرر التوديعا
أيقنت أن من الدموع محدثاً ... وعلمت أن من الحديث دموعا
ومن شعره:
ومفارق ودعت عند فراقه ... ودعت صبري عنه في توديعه
ورأيت منه مثل لؤلؤ عقده ... من ثغره وحديثه ودموعه
ومن شعره:
أفدي الذي زرته بالسيف مشتملاً ... ولحظ عينيه أمضى من مضاربه
فما خلعت نجادي للعناق له ... حتى لبست نجاداً من ذوائبه
فبات أسعدنا في نيل بغيته ... من كان في الحب أشقانا بصاحبه
ومن شعره:
يا من أقام على الصد ... د لغير جرم كان منا
أخطر بقلبك عند ذك ... رك كيف نحن وكيف كنا
لم يغن عني صاحب ... إلا وعنه كنت أغنى(8/230)
وإذا أساء فلست أح ... مل في الضمير عليه ضغنا
يفنى الذي وقع التنا ... زع بيننا فيه ونفنى
وزاد في رواية:
إن التقاطع والعقو ... ق هما أزالا الملك عنا
وأظن أن لن يتركا ... في الأرض مؤتلفين منا
ومن شعره:
بأبي من هويته فافترقنا ... وقضى الله بعد ذاك اجتماعا
وافترقنا حولاً فلما التقينا ... كان تسليمه علي وداعا
توفي وجيه الدولة في سنة ثمان وعشرين وأربع مئة.
ذو الكفل قيل اسمه شبر
ويقال بشر بن أيوب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويقال: إن ذا الكفل هو إلياس، ويقال يوشع، ويقال: اليسع. وتنبأه الله بعد أبيه أيوب.
قال الخليل بن أحمد: خمسة من الأنبياء ذو اسمين: محمد وأحمد نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وعيسى والمسيح عليه السلام؛ وإسرائيل ويعقوب عليه السلام؛ ويونس وذو النون عليه السلام؛ وإلياس وذو الكفل عليه السلام.
وقيل: إن ذا الكفل كان اليسع بن حطوب الذي كان مع إلياس، ليس اليسع(8/231)
الذي ذكره الله عز وجل في القرآن: " واليسع وذا الكفل ". ويقال: كان غيرهما. والله أعلم. ولكنه كان قبل داود عليه السلام؛ وذلك أن ملكاً جباراً يقال له كنعان، وكان من العماليق؛ ويقال: بل كان من بني إسرائيل، وكان لا يطاق في زمانه لظلمه وطغيانه، وكان ذو الكفل يعبد الله جل وعز سراً منه، ويكتم إيمانه، وهو في مملكته؛ فقيل للملك إن في مملكتك رجلاً يفسد عليك أمرك، ويدعو الناس إلى غير عبادتك؛ فبعث إليه ليقتله، فأتى به، فلما دخل عليه قال له الملك: ما هذا الذي بلغني عنك أنك تعبد غيري؟ فقال له ذو الكفل: اسمع مني ولا تعجل، وتفهم ولا تغضب، فإن الغضب عدو النفس، يحول بينها وبين الحق، ويدعوها إلى هواها، وينبغي لمن قدر أن لا يغضب فإنه قادر على ما يريد، قال: تكلم، قال: فبدأ ذو الكفل فافتتح الكلام بذكر الله عز وجل والحمد لله ثم قال: تزعم أنك إله، فإله من تملك، أو إله جميع الخلق؟ فإن كنت إله من تملك، فإن لك شريكاً فيما لا تملك؛ وإن كنت إله الخلق فمن إلهك؟ فقال له: ويحك! فمن إلهي؟ قال: إله السماء والأرض وهو خالقهما وهذه الشمس والقمر والنجوم، فاتق الله واحذر عقوبته، فإن أنت عبدته ووحدته رجوت لك ثوابه، والخلود في جواره؛ قال له الملك: اختر ثم أخبرني، من عبد إلهك ما جزاؤه؟ قال: الجنة إذا مات، قال: فما الجنة؟ قال: دار خلقها الله بيده فجعلها مسكناً لأوليائه يبعثهم يوم القيامة شباباً مرداً أبناء ثلاث وثلاثين سنة، فيدخلهم الجنة في نعيم وخلود، شباباً لا يهرمون، مقيمين لا يظعنون، أحياء لا يموتون، ونعيم وسرور وبهجة؛ قال: فما جزاء من لم يعبده وعصاه؟ قال: النار، مقرونين مع الشياطين، مغلغلين بالأصفاد، لا يموتون أبداً، في عذاب مقيم، وهوان طويل، تضربهم الزبانية بمقامع الحديد، طعامهم الزقوم والضريع، وشرابهم الحميم؛ قال: فرق الملك وبكى لما كان قد سبق له فقال: إن أنا آمنت بالله فمالي؟ قال: الجنة، قال: فمن لي بذلك؟ قال: أنا لك الكفيل على الله عز وجل، وأكتب لك على الله كتاباً، فإذا أتيته تقاضيته ما في كتابك وفى لك، فإنه قادر ماهر، يوفيك ويزيدك. ففكر الملك في ذلك، وأراد الله به الخير فقال له: اكتب لي على الله كتاباً؛ فكتب: "(8/232)
بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب كتبه فلان الكفيل على الله لكنعان الملك، ثقةً منه بالله أن لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ولكنعان على الله بكفالة فلان إن تاب ورجع، وعبد الله أن يدخله الجنة، ويثويه منها حيث يشاء، وإن له على الله ما لأوليائه، وأن يجيره من عذابه، فإنه رحيم بالمؤمنين، واسع الرحمة، سبقت رحمته غضبه ".
ثم ختم على الكتاب ودفعه إليه، ثم قال له الملك: أرشدني كيف أصنع؟ قال: قم فاغتسل والبس ثياباً جدداً، ففعل؛ ثم أمره أن يتشهد بشهادة الحق وأن يتبرأ من الشرك، ففعل؛ ثم قال: كيف أعبد ربي؟ فعلمه الشرائع والصلاة؛ ثم قال له: يا ذا الكفل، استر هذا الأمر ولا تظهره حتى ألحق بالنساك. قال: فخلع الملك وخرج سراً فلحق بالنساك، فجعل يسيح في الأرض. وفقده أهل مملكته وطلبوه؛ فلما لم يقدروا عليه قال: اطلبوا ذا الكفل فإنه هو الذي غر إلهنا؛ قال: فذهب قوم في طلب الملك، وتوارى ذو الكفل؛ فقدروا على الملك على مسيرة شهر من بلادهم، فلما نظروا إليه قائماً يصلي خروا له سجداً، فانصرف إليهم فقال: اسجدوا لله عز وجل ولا تسجدوا لأحد من الخلق، فإني آمنت برب السماوات والأرض والشمس والقمر. فوعظهم وخوفهم. قال: فعرض له وجع وحضره الموت فقال لأصحابه: لا تبرحوا فإن هذا آخر عهدي بالدنيا، فإذا مت فادفنوني؛ وأخرج كتابه فقرأه عليهم حتى حفظوه وعلموا ما فيه، وقال لهم: هذا كتاب كتب لي على ربي أستوفي منه ما فيه، فادفنوا هذا الكتاب معي. قال: فمات، فجهزوه ووضعوا الكتاب على صدره ودفنوه. فبعث الله عز وجل ملكاً فجاء به إلى ذي الكفل فقال: يا ذا الكفل، إن ربك قد وفى لكنعان بكفالتك، وهذا الكتاب الذي كتبته له، وإن الله يقول: إني هكذا أفعل بأهل طاعتي. فلما أن جاءه الملك بالكتاب ظهر للناس، أخذوه فقالوا: أنت غررت ملكنا وخدعته؛ فقال لهم: لم أغره ولم أخدعه، ولكن دعوته إلى الله وتكفلت له بالجنة، وقد مات ملككم اليوم في ساعة كذا وكذا، ودفنه أصحابكم، وهذا الكتاب الذي كنت كتبته له على الله الوفاء، وقد أوفاه الله حقه، وهذا الكتاب تصديق لما أقول لكم، فانتظروا حتى يرجع أصحابكم؛ فحسبوه حتى قدم أصحابهم، فسألوهم فقصوا عليهم القصة؛ فقالوا لهم: تعرفون الكتاب الذي دفنتموه معه؟ قالوا: نعم، فأخرجوا الكتاب فقرأوه،(8/233)
فقالوا: هذا الكتاب الذي كان معه، ودفناه في يوم كذا وكذا، فنظروا وحسبوا فإذا ذو الكفل كان قد قرأ عليهم الكتاب وأعلمهم بموت الملك في اليوم الذي مات فيه؛ فآمنوا به واتبعوه، فبلغ من آمن به مئة ألف وأربعة وعشرين ألفاً؛ وتكفل لهم مثل الذي تكفل لملكهم على الله. فسماه الله ذو الكفل.
قال أبو نضرة: كان نبي في بني إسرائيل، فأرسل إليهم أن اجتمعوا عندي، فاجتمعوا عنده فقال: إني لا أحسبني إلا قد احتضر أجلي، فالتمسوا لي رجلاً يصوم النهار ويقوم الليل، ويقضي بين بني إسرائيل ولا يغضب، فلما سمع ذلك المشيخة سكتوا، وقام غلام من بني إسرائيل فقال: أنا لك بهذا؛ فقال: ألا أراك غلاماً فاجلس. قال: ثم أرسل إليهم أن اجتمعوا إلي، فاجتمعوا، فقال لهم مثل ذلك، فسكت المشيخة وقام الغلام فقال: أنا لهذا؛ فقال: ألا أراك غلاماً فاجلس. قال: فأرسل إليهم أن اجتمعوا إلي، فقال لهم مثل ذلك، فسكت المشيخة وقام الغلام فقال: أنا لك بهذا، قال: تصوم النهار وتقوم الليل وتقضي بين بني إسرائيل ولا تغضب؟ قال: نعم، قال: قد وليتك أمر بني إسرائيل بعدي. قال: ومات نبيهم. قال: فجعل ذو الكفل يصوم النهار ويقوم الليل، ويقضي بين بني إسرائيل، فإذا انتصف النهار قام فأوى إلى بيته، فقال: ثم يخرج ويقضي بينهم. قال: قال إبليس لعنه الله لجنوده: احتالوا أن تغضبوه، فأرادوا بكل شيء، فجعلوا لا يقدرون على أن يغضبوه: فلما رأى ذلك إبليس قال: أنا صاحبه فجاءه في صورة شيخ كبير، يمشي على عصاً له حتى قعد حيث يراه، فجعل ذو الكفل ينظر إليه ويرق له، ويحسب أنه لا يستطيع الزحام، فلما كانت الساعة التي يقوم فيها للقائلة، قام حتى قعد بين يديه فقال: شيخ كبير مظلوم، ظلمني بنو فلان، قال له ذو الكفل: فهلا قمت إلي قبل هذه الساعة؟! قال: شيخ كبير لم أستطع الزحام؛ قال: فأخذه بخدعته حتى مضت ساعته، فالتفت ذو الكفل فإذا ساعته التي يقيل فيها قد مضت، فقال: يا شيخ! منعتني من القائلة؛ قال: إني شيخ كبير ملهوف، قال: فكتب معه، قال: فأخذ الكتاب فرمى به؛ ثم تحينه من الغد، فأتاه في الساعة التي أتاه فيها، فقعد حياله، فجعل ذو الكفل ينظر(8/234)
إليه ولا يقوم إليه، حتى كانت الساعة التي يقوم فيها للقائلة، فقام فقعد بين يديه فقال: قد أخبرتك أن القوم لا يلتفتون إلى كتابك، طردوني ولم يجيبوني، فأخذه بخدعته حتى ذهبت ساعته، فالتفت فإذا ساعته قد ذهبت، فقال: يا شيخ! منعتني أمس واليوم من القائلة، وأنا أنام هذه السويعة! قال: شيخ كبير، مظلوم ضعيف، قال: فكتب معه وشدد عليهم، فقال: إنهم لا يلتفتون إلى كتابك، قال: بلى قال: وكل ذلك يريد أن يغضبه قال: فكتب معه وتشدد على القوم. قال: فانطلق فمزق الكتاب وخمش وجهه، ومزق ثيابه، ثم تحين الساعة التي أتاه فيها، فقعد بحياله، فجعل ذو الكفل ينظر إليه وماله هم غيره، حتى إذا كانت الساعة التي يقوم فيها قام فقعد بين يديه، قال فقال: هذا ما لقيت منك! ضربوني ومزقوا علي ثيابي وقد أخبرتك أنهم لا يجيبونك، وأخذه بخدعته حتى مضت ساعته، فالتفت ذو الكفل فإذا ساعته قد ذهبت فقال: أول من أمس، وأمس واليوم! اللهم إنما أنا بشر، لا أستطيع ألا أغضب، قال: فرفع يده، فطرف لإبليس، فساخ الخبيث فذهب. فسماه الله ذا الكفل لأنه كفل بشيء فوفى به.
وعن ابن عمر قال: لقد سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين حتى عد سبع مرار، ولكن قد سمعته أكثر من ذلك، قال: كان الكفل منبني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله، فأتته امرأة فأعطاها ستين ديناراً على أن يطأها؛ فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرعدت وبكت، فقال: ما يبكيك، أكرهتك؟ قالت: لا، ولكن هذا عمل لم أعمله قط، وإنما حملني عليه الحاجة؛ قال: فتفعلين هذا ولم تفعليه قط! قال: ثم نزل فقال: اذهبي والدنانير لك؛ ثم قال: والله لا يعصي الله الكفل أبداً. فمات من ليلته، فأصبح مكتوباً على بابه: قد غفر الله للكفل.
قيل: إن ذا الكفل كان عمره خمساً وسبعين سنة.
قال وهب بن منبه: كانت قبل إلياس وقبل داود أحداث وأمور في بني إسرائيل وأنبياء منهم اليسع صاحب إلياس وذو الكفل؛ وكان عيلون مستخلفاً خلافة نبوة، ولم تكن له نبوة، غير أن بني(8/235)
إسرائيل كانوا يسمون خليفة النبي نبياً؛ وكان فيهم من جمع التوراة يسمونهم أنبياء؛ ومنهم من كان نبياً في منامه؛ وكان اشموئيل بعده. وكان ذو الكفل يكتب الكفالات على الله بالوفاء لمن آمن به. فكان من شأنه أنهم كانوا ثلاثة إخوة، عباد تآخوا في الله حين عظمت الأحداث في بني إسرائيل، فخرجوا عنهم واعتزلوهم وتعبدوا في موضع لا يعرفون، حتى إذا اشتد البلاء في بني إسرائيل وكادوا أن يتفانوا، وضيعت فيهم الأحكام والسنن والشرائع؛ فلما أن خاف القوم الهلاك طلبوا الثلاثة ليملكوا أحدهم على أنفسهم ليقيم فيهم الحدود والأحكام ويجمع ألفتهم. قال: فقدروا عليهم، فخيروهم بين القتل وبين أن يكون أحدهم عليهم؛ فاختاروا القتل، وكان أصغرهم أعبدهم وأشدهم اجتهاداً؛ فقال اثنان منهم للثالث وهو أصغرهم سناً: أنت أحدثنا سناً وأقوانا، فهل لك أن تحتسب بنفسك عليهم فتقيم لهم أحكامهم وشرائعهم؟ فقال: أفعل بشرط أن لا تقرباني ولا تنظرا إلي ولا أنظر إليكما حتى يبلغكما أني عدلت عن الحق؛ فقالا: نعم.
فمضى مع القوم، فتوجوه وأقعدوه على سرير الملك. فأقام فيهم الحق وأحيا فيهم السنن، وحسنت حال بني إسرائيل، واغتبطوا به؛ فجاءه الشيطان من قبل النساء، فلم يزل حتى واقع النساء؛ ثم أتاه من قبل الشراب، فلم يزل به حتى خالط الناس في الشراب؛ ولم يزل به حتى ركب المعاصي وضيع الحدود، وانتهك المحارم، وخالط الدماء. فبلغ أخويه، فجاءا حتى دخلا عليه، فأمر بهما فحبسهما، فلما أمسى دعا بهما، فقالا له: أي عدو الله! غررتنا بدينك، وطلبت الدنيا بعمل الآخرة! فقال لهما: فدعاني عنكما، فقد ارتكبت ما بلغكما وأنا غير مقصر، وقد أصبت الدنيا، وعلمت علماً يقيناً أن لا آخرة لي، فدعاني أتمتع من دنياني؛ فقال له أحدهما يقال له عايوذا وكان أخاه في الله عز وجل: أفلا خير من ذلك؟ قال: وما ذاك؟ قال: ترجع وتتوب إلى الله، وأتكفل لك بالمغفرة والرحمة والجنة، قال: أتفعل؟ قال: نعم، قال: اكتب لي على ربك كتاباً بالوفاء، فكتب له؛ ثم خلع الملك وعاد إلى ما كان، ولحق بالعباد، وقال لهما: لا تصحباني. وكان عباد بني إسرائيل حين عظمت الأحداث فيهم اعتزلوهم ولحقوا بالجبال والسواحل، يعبدون الله؛ فلحق هذا بشعب العباد، فانتهى إلى رجل قائم يصلي إلى جنب شجرة جرداء ليس عليها ورق، كثيرة الشوك فقام إلى جنبه يصلي؛ وكانت تلك الشجرة تحمل كل عشية رمانةً عند إفطار العابد، فهي رزقه إلى مثلها من القابلة؛ فلما أمسى قال في(8/236)
نفسه: إني أطوي ليلتي هذه، وأجعل رزقي لضيفي هذا. قال: فحملت الشجرة رمانتين، فدفع إحداهما إلى الفتى وأكل الأخرى، فقال له الفتى: هل أمامك من العباد أحد؟ قال: امض أمامك، فلما أصبح مضى حتى انتهى إلى رجل قائم يصلي على صخرة، عليه برنس له من مسوح، فقام إلى جنبه يصلي، وكان له كل ليلة إناء من ماء، عليه رغيف، وهو رزقه، فلما أمسى جعل في فنسه أن يجعل رزقه لضيفه ويمسك هو، فأتاه الله بإناءين على كل واحد منهما رغيف، فأطعم أحدهما الفتى وأكل الآخر وشربا؛ فلما أصبح الفتى قال له: هل في الوادي من هو أعبد عندك؟ قال: امض أمامك؛ فمضى فانتهى إلى رجل قائم على تل، بغير حذاء ولا قلنسوة، في يوم شديد الحر، عليه إزار من مسوح، وجبة من مسوح، قائم يصلي، فقام إلى جنبه؛ وكانت وعلة سخرها الله عز وجل، تجيء كل ليلة من الجبل، فتقوم بين يديه، وتفرج بين رجليها وضرعها، تدر لبناً؛ وعنده قعبة له، فيحلب من الوعلة ملء قعبته، فذلك طعامه وشرابه، فقال في نفسه: أجعل رزقي لضيفي هذا وأمسك عن نفسي؛ فلما جاءت الوعلة حتى وقفت، فقام العابد إليها فحلبها وسقى الفتى وهي واقفة وضرعها يدر لبناً وهي تومئ إلى العابد أن احتلب؛ قال: فاحتلب حتى ملأ قعبته وانصرفت الوعلة. فلما أصبح قال له الفتى: هل في الوادي من هو اعبد منك؟ قال: امض أمامك، قال فمضى حتى انتهى إلى شيخ في أعلى الجبل، قائم يعبد الله عز وجل منذ مئة وثمانين سنة، اعتزل الناس، طعامه عشب الأرض وله عين تجري، إذا أمسى جرت تلك العين بما يكفيه لشرابه ووضوئه، وتعشب الأرض حول عينه وهو على صخرة كقدر ما يغنيه، فلما أمسى جعل في نفسه أن يجعل رزقه لضيفه ويمسك عن نفسه؛ فلما أمسى فجر الله عينيه، وأعشب الأرض حولهما؛ فقال للفتى: هذا طعامي وهذا شرابي، وهذا رزق ساقه الله إليك على قدر رزقي، ولا يكلف الله نفساً إلا طاقتها، وليس عندنا إلا ما ترى، قد رضينا من الدنيا بهذا وهذا من الله عز وجل، أن رزقنا القناعة والرضى؛ فقال الفتى: قد رضيت بهذا ولا أريد به بدلاً؛ فأقام معه يتعبد حتى أدركه الموت، فقال(8/237)
للشيخ: قد صحبتك فأحسنت صحبتي، ورزقني الله بصحبتك الخير والفضل، ولي عندك حاجة؛ قال: وما هي؟ قال: أن تحفر لي وتدفني، ثم أخرج الكتاب فدفعه إليه وقال: ضع هذا الكتاب بين كفني وصدري؛ فقال له الشيخ: فكيف لي بأن أحفر لك؟ قال: قل أنت نعم إن شاء الله، فإن الله سيهيئ ذلك لك. فقال الشيخ: نعم؛ فمات الفتى فقام الشيخ ليحفر له لما وعده فلم يصل، إنما هو يحفر بيده حتى تقطعت أنامله إذ بعث الله أسداً، له مخاليب من حديد، فحفر له قبراً. فلما أن رأى العابد ذلك اشتد سروره بذلك، فدفن الفتى وأهال عليه، ووضع الكتاب بين صدره وكفنه؛ فبعث الله إليه ملكاً فأخذ الكتاب وكتب: إن الله عز وجل قد وفى له بشرطك، وتمت كفالتك ونفذ كتابك. فجاء بالكتاب حتى دفعه إلى عايوذا
وهو الذي كان كتب له الكفالة؛ وكان بعد ذلك يكتب الكفالات على نفسه لله عز وجل، فسمي ذا الكفل. والله أعلم أي ذلك كان مما قالوا. والذي كان كتب له الكفالة؛ وكان بعد ذلك يكتب الكفالات على نفسه لله عز وجل، فسمي ذا الكفل. والله أعلم أي ذلك كان مما قالوا.
ذو الكلاع وهو أسميفع بن باكورا
ويقال سميفع بن حوشب بن عمرو بن يعفر بن يزيد وهو ذو الكلاع الأكبر ابن النعمان، أبو شرحبيل، ويقال: أبو شراحيل الحميري الأحاظي ابن عم كعب الأحبار. أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يره، وراسله بجرير البجلي. شهد وقعة اليرموك، وفتح دمشق، وصفين مع معاوية، وقتل يومئذ؛ وكان على أهل حمص وهم الميمنة. ويقال: إن معاوية أنزله حين قدم دمشق بدار المدنيين.
واختلف في يعفر، فقيل: يعفر، بضم الياء والفاء؛ وقيل: يعفر، بضم الياء وكسر الفاء؛ وقيل: يعفر، بفتح الياء وضم الفاء، مثل يشكر. وكله مأخوذ من العفر والعفر، وهما التراب.(8/238)
قال جرير: كنت باليمن فلقيت رجلين من أهل اليمن: ذا الكلاع، وذا عمرو؛ فجعلت أحدثهم عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأقبلا معي، حتى إذا كنا في بعض الطريق رفع لنا ركب من قبل المدينة، فسألناهم؟ فقالوا: قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستخلف أبو بكر، والناس صالحون؛ قال: فقالا: أخبر صاحبك أنا قد جئنا وسنعود إن شاء الله. فرجعت فأخبرت أبا بكر بحديثهما، قال: ألا جئت بهم؟ فلما كان بعده قال لي ذو عمرو: يا جرير، إن بك كرامة وإني مخبرك خبراً، إنكم معشر العرب لن تزالوا بخبر ما كنتم إذا هلك أمير أمرتم آخر، فإذا كان السيف كانوا ملوكاً، يغضبون غضب الملوك، ويرضون رضى الملوك.
وعن جرير، قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ذي الكلاع وذي عمرو؛ فأما ذو الكلاع فقال: ادخل على أم شرحبيل، والله ما دخل أحد بعد أبي شرحبيل قبلك؛ وأسلما. وأما ذو عمرو فقال: يا جرير، هل شعرت أن من بادئ كرامة الله جل وعز للعبد أن يحسن صورته؛ وكان أمر لي بدجاجة وقال: لولا أن أمنعك دجاجتك لأنبأتك أن الرجل الذي جئت من عنده إن كان نبياً فقد مات اليوم؛ فأهويت إلى قائم سيفي لأضربه به، ثم كففت. فلما كنت ببعض الطريق لقيتني وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن جماعة من الرواة: دخل حديث بعضهم في حديث بعض، قالوا: وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جرير بن عبد الله البجلي إلى ذي الكلاع بن ناكور بن حبيب بن مالك بن حسان بن تبع، وإلى ذي عمرو، يدعوهما إلى الإسلام؛ فأسلما، وأسلمت ضريبة بنت أبرهة بن الصباح امرأة ذي الكلاع. وتوفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجرير عندهم، فأخبره ذو عمرو بوفاته، فرجع جرير إلى المدينة.(8/239)
وعن ذي الكلاع الحميري قال: سمعت عمر يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنما يبعث المقتتلون على النيات ".
وعن ذي الكلاع: كان كعب يقص في إمارة معاوية، فقال عوف بن مالك لذي الكلاع: يا أبا شراحيل، أرأيت ابن عمك، أبأمر الأمير يقص؟ فإني سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: القصاص ثلاثة: أمير، أو مأمور، أو محتال. فمكث كعب سنةً لا يقص، حتى أرسل إليه معاوية، فأمره أن يقص.
ويقال: أبو شراحيل قدم الشام.
حدث بعضهم قال: بعثني أهلي بهدية إلى ذي الكلاع في الجاهلية، فأتيت على بابه حولاً لا أصل إليه، ثم إنه أشرف ذات يوم من القصر، فلم يبق أحد حول القصر إلا خر له ساجداً؛ قال: فأمر بهديتي فقبلت. ثم رأيته بعد في الإسلام وقد اشترى لحماً بدرهم، فسمطه على فرسه وهو يقول:
أف للدنيا إذا كانت كذا ... أنا منها كل يوم في أذى
ولقد كنت إذا ما قيل: من ... أنعم الناس معاشاً؟ قيل: ذا
ثم بدلت بعيشي شقوةً ... حبذا هذا شقاءً حبذا
وعن أنس بن مالك قال: أتيت أهل اليمن، فبدأت بهم حياً حياً أقرأ عليهم كتاب أبي بكر، حتى إذا فرغت قلت: الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله أما بعد، فإني رسول خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورسول المؤمنين، ألا وإني تركتهم معسكرين، ليس يثقلهم عن الشخوص إلى عدوهم إلا انتظاركم، فاحتملوا إلى إخوانكم بالنصر، رحمة الله عليكم أيها المسلمون. فكل من أقرأ عليه ذلك الكتاب ويسمع مني هذا القول يرد أحسن الرد ويقول:(8/240)
نحن سائرون إلى إخواننا؛ حتى انتهينا إلى ذي الكلاع، فلما قرأنا عليه الكتاب وقلت هذا القول، دعا بفرسه وسلاحه، ثم نهض في قومه وأمر بالمعسكر، فما برحنا حتى عسكر وقام فيهم فقال لهم: أيها الناس؛ إن من رحمة الله عليكم ونعمته فيكم أن بعث فيكم نبياً، أنزل عليه الكتاب، وأحسن عنه البلاغ، فعلمكم ما يرشدكم، ونهاكم عما يفسدكم حتى علمكم ما لم تكونوا تعلمون، ورغبكم فيما لم تكونوا ترغبون فيه من الخير؛ وقد دعاكم إخوانكم الصالحون إلى جهاد المشركين، واكتساب الأجر العظيم؛ فلينفر من أراد النفر معي. قال: فنفر معه بعدة من الناس، وأقبل إلى أبي بكر. قال: ورجعنا نحن فسبقناه بأيام، فوجدنا أبا بكر بالمدينة، ووجدنا ذلك العسكر على حاله، وأبو عبيدة يصلي بأهل العسكر؛ فلما قدمت حمير معها أولادها ونساؤها، فقال لهم أبو بكر: عباد الله؛ ألم نكن نتحدث فنقول: إذا مرت حمير معها نساؤها وأولادها نصر الله المسلمين، وخذل المشركين. أبشروا أيها الناس فقد جاءكم النصر.
قال أبو صالح: كان يدخل مكة رجال متعممون من جمالهم، مخافة أن يفتتن بهم، منهم عمرو الطهوي، وأغيفر اليربوعي، وسبيع الطهوي، وحنظلة بن مرثد من بني قيس بن ثعلبة، والزبرقان بن بدر، وعمرو بن حممة، وأبو خيثمة بن رافع، وزيد الخيل بن مهلهل الطائي، وقيس بن سلمة بن شراحيل الجعفي، وذو الكلاع الحميري، وامرؤ القيس بن حجر الكندي، وجرير بن عبد الله البجلي.
حدث إسماعيل بن عبد الله: أن ذا الكلاع رأى أن ملكاً نزل من السماء، فقام إليه رجل من أهل العراق وقال: إن الله بعث إلينا رسولاً، فعمل فينا بكتاب الله حتى قبضه الله، ثم استخلف أبو بكر، فعمل بمثل ذلك حتى قبضه الله، ثم استخلف عمر، فعمل بمثل ذلك حتى قبضه الله، ثم استخلف عثمان، فعمل بغير ذلك، وأنكرنا عليه فقتلناه. ثم قمت عليه فقلت مثلما قال، حتى(8/241)
انتهيت إلى عثمان فقلت غير ما قال؛ وألقى حصىً بيضاء وحصىً سوداء، فلقطت الحصى البيض ولقط الحصى السود؛ فقلت: اقض بيننا، فقال: قد فعلت. أو قال: لم أفعل.
قال أبو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى: ذو الكلاع الأصغر اسمه سميفع بن باكورا، مخضرم له مع عمر بن الخطاب أخبار، وبقي إلى أيام معاوية. ولما بلغ كثرة شرب الناس الخمر بالشام وإقامة الحدود عليهم أمر أن يطبخ كل عصير بالشام حتى يذهب ثلثاه؛ فقال ذو الكلاع:
صبرت ولم أجزع وقد مات إخوتي ... ولست عن الصهباء يوماً بصابر
رماها أمير المؤمنين بحتفها ... فخلانها يبكون عند المعاصر
فلا تجلدوني واجلدوها فإنها ... هي العيش للباقي ومن في المقابر
ولما ظهر أمر معاوية بالشام، وبايعوه على أمره، دعا علي رجلاً، فأمره أن يتجهز وأن يسير إلى دمشق، وأمره إذا دخل دمشق أناخ راحلته يعني ويقول لهم: تركت علياً قد نهد إليكم فذكره، وقال: فخرج معاوية حتى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس؛ إن علياً قد نهد إليكم في أهل العراق، فما الرأي؟ فقام ذو الكلاع الحميري فقال: عليك الرأي وعلينا أم فعال. وهي بالحميرية تعني: الفعال.
وعن زامل بن عمرو الحبراني قال: طلب معاوية إلى ذي الكلاع أن يخطب الناس ويحرضهم خطراً(8/242)
فقال: الحمد لله كثيراً نامياً جزيلاً، واضحاً منيراً، بكرةً وأصيلاً، أحمده على قتال علي ومن معه من أهل العراق فقعد على فرسه وكان من أعظم أصحاب معاوية وأستعينه وأومن به وأتوكل عليه، وكفى بالله وكيلا، ثم إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالفرقان إماماً، وبالهدى ودين الحق حين ظهرت المعاصي، ودرست الطاعة، وامتلأت الأرض جوراً وضلالةً، واضطرمت الدنيا كلها نيرانا وفتنةً، وورك عدو الله إبليس على أن يكون قد عبد في أكنافها، واستولى على جميع اهلها؛ فكان الذي أطفأ نيرانها، ونزع أوتادها، وأوهن به قوى إبليس، وأيأسه مما كان قد طمع من ظفره بهم؛ محمد بن عبد الله، فأظهره على الدين كله ولو كره المشركون، صلى الله على محمد والسلام عليه ورحمة الله وبركاته؛ وقد كان مما قضى الله أن ضم بيننا وبين أهل ديننا بصفين، وإنا لنعلم أن منهم قوماً قد كانت لهم مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سابقة ذات شأن وخطر عظيم؛ ولكني قلبت هذا الأمر ظهراً وبطناً، فلم أر أن يسعنا أن نهدر دم ابن عفان، صهر نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومجهز جيش العسرة، واللاحق في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيتاً، وباني سقاية المسلمين؛ وبايع له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده اليمنى على اليسرى، واختصه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكريمتيه: أم كلثوم ورقية، ابنتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فإن كان أذنب ذنباً فقد أذنب من هو خير منه، قال الله عز من قائل لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " وقتل موسى عليه السلام نفساً ثم استغفر الله فغفر له، وقد أذنب نوح عليه السلام، ثم استغفر الله فغفر له، وقد أذنب أبوكم آدم عليه السلام، ثم استغفر الله فغفر له؛ فلم يعر أحد من الذنوب؛ وإنا لنعلم أنه قد كانت لابن أبي طالب سابقة حسنة مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فإن لم يكن مالأ على قتل عثمان فقد خذله، وإنه لأخوه في دينه، وابن عمه وسلفه وابن عمه؛ وقد أقبلوا من عراقهم حتى نزلوا شامكم وبلادكم وبيضتكم، وإنما عامتهم بين قاتل وخاذل؛ فاستعينوا بالله واصبروا فقد ابتليتم. أيتها الأمة؛ والله لقد رأيت في منامي في ليلتي هذه، لكأنا وأهل العراق قد اعتورنا مصحفاً نضربه بأسيافنا، ونحن في(8/243)
ذلك ننادي: ويحكم! الله الله! مع أنا والله ما نحن بمفارقي العرصة حتى نموت. عليكم بتقوى الله، ولتكن النيات لله عز وجل، فإني سمعت عمر بن الخطاب يقول: إنما يبعث المقتتلون على النيات. أفرغ الله علينا الصبر، وأعز لنا ولكم النصر، وكان لنا ولكم ولياً وناصراً، وحافظاً في كل أمر، وأستغفر الله لي ولكم.
وعن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، وذكر أهل صفين فقال: كانوا عرباً يعرف بعضهم بعضاً في الجاهلية، والتقوا في الإسلام معهم تلك الحمية ونية الإسلام، فتصابروا واستحيوا من الفرار، وكانوا إذا تحاجزوا دخل هؤلاء في عسكر هؤلاء، وهؤلاء في عسكر هؤلاء، فيستخرجون قتلاهم فيدفنونهم؛ فلما أصبحوا يوماً، وذلك يوم الثلاثاء خرج الناس إلى مصافهم، فقال أبو نوح الحميري: وكنت في خيل علي، فبينا أنا واقف إذ نادى رجل من أهل الشام: من دلني على أبي نوح الحميري؟ قال أبو نوح: فقلت: أيهم تريد؟ فقال: الكلاعي، فقلت: قد وجدته، فمن أنت؟ قال: أنا ذو الكلاع فسر إلي، قال أبو نوح: فقلت معاذ الله أن أسير إليك إلا في كتيبة، فقال: سر، فلك ذمة الله وذمة رسوله وذمة ذي الكلاع حتى ترجع، فإنما أريد أن أسألك عن أمر فيكم؛ فسار إليه أبو نوح وسار إليه ذو الكلاع حتى التقيا، فقال له ذو الكلاع: إنما دعوتك أحدثك حديثاً حدثناه عمرو بن العاص في إمارة عمر؛ فقال أبو نوح: وما هو؟ فقال ذو الكلاع: حدثنا عمرو بن العاص أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يلتقي أهل الشام وأهل العراق، في إحدى الكتيبتين الحق أو قال: الهدى ومعها عمار بن ياسر، فقال أبو نوح: نعم والله، إن عماراً لمعنا وفينا؛ فقال: أجاد هو على قتالنا؟ فقال أبو نوح: نعم ورب الكعبة لهو أجد على قتالكم مني، ولوددت أنكم خلق واحد فذبحته.
وعن الحارث بن حصيرة: أن ابن ذي الكلاع أرسل إلى الأشعث بن قيس رسولاً فقال له: إن ابن عمك ابن ذي(8/244)
الكلاع يقرأ عليك السلام ويقول لك: إن ذا الكلاع قد أصيب وهو في الميسرة، أفتأذن لنا فيه؟ فقال له الأشعث: أقرئه السلام وقل له: إني أخاف أن يتهمني أمير المؤمنين، فاطلبوا ذلك إلى سعيد بن قيس الهمداني فإنه في الميمنة، فذهب إلى معاوية فأخبره وذلك بينهم يتراسلون في اليوم والأيام فقال معاوية: ما عسيت أن أصنع. وقد كانوا منعوا أهل الشام أن يدخلوا عسكر علي، وخافوا أن يفسدوا أهل العسكر. فقال معاوية لأصحابه: لأنا أشد فرحاً بقتل ذي الكلاع مني بفتح مصر لو افتتحتها، لأن ذي الكلاع كان يعرض له في أشياء كان يأمر بها؛ فخرج ابن ذي الكلاع إلى سعيد بن قيس، فاستأذنه في أبيه فأذن له فيه؛ فقال سعيد بن قيس لابن ذي الكلاع حين قال له إنهم يمنعوني من دخول عسكرهم: كذبت، لم يمنعوك! إن أمير المؤمنين لا ينال من دخل عسكره لهذا الأمر، ولا يمنع أحداً من ذلك فادخل. فدخل من قبل الميمنة فلم يجده، فأتى الميسرة فوجده قد ربط برجله طنب من أطناب فسطاط، فسلم عليهم ومعه عبد له أسود فقال لهم: أتأذنون في طنب من أطناب فسطاطكم؟ فقالوا: نعم، ثم قالوا له: معذرةً إلى ربنا وإليكم، أما إنه لولا بغيه علينا ما صنعنا ما ترون، فنزل عليه وقد انتفخ وكان عظيماً جسيماً فلم يستطيعا احتماله، فقال ابنه: هل من فتىً معوان؟ فخرج إليه الخندق، رجل من أصحاب علي، فقال: تنحوا، فقال ابن ذي الكلاع: ومن يحمله؟ قال: يحمله الذي قتله، فاحتمله الخندق حتى رمى به على ظهر بغل، ثم شداه بالحبال وانطلقا إلى عسكرهم.
قتل ذو الكلاع يوم صفين مع معاوية، وكانت صفر سنة سبع وثلاثين.
وعن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال: رأيت في المنام قباباً في رياض، فقلت: لمن هذه؟ قالوا: لعمار بن ياسر وأصاحبه، ورأيت قباباً في رياض، فقلت: لمن هذه؟ فقالوا: لذي الكلاع وأصحابه، فقلت: كيف وقد قتل بعضهم بعضاً؟! قال: إنهم وجدوا الله واسع المغفرة.
وفي حديث آخر بمعناه: قلت: فما فعل أهل النهر؟ قال: لقوا برحاً.(8/245)
ذو النون بن إبراهيم
ويقال ابن أحمد اسمه ثوبان ويقال: اسمه الفيض أبو الفيض ويقال: أبو الفياض الإخميمي الصري الزاهد قدم الشام للسياحة، وطاف جبل لبنان، ودخل دمشق.
حدث عن الليث بن سعد بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما الصبر عند الصدمة الأولى، واتقوا النالر ولو بشق تمرة.
كان ذو النون حكيماً، فصيحاً، عالماً. وأصلة من النوبة، وكان من قرية من قرى مصر يقال لها إخميم. ونزل مصر، وكان رجلاً ننحيفاً تعلوه صفرة، ليس بأبيض اللحية، وكان رئيس القوم، والمرجوع إليه، والمقبول على جميع الألسنة، وأول من عبر عن علوم المنازلات. ودخل بغداد، ونزل سر من رأى.
حمل إلى المتوكل على البريد، استحضره من مصر، فدخل عليه ووعظه. وكان أهل مصر يسمونه الزنديق، فلما مات أظلت الطير جنازته فاحترموا بعد ذلك قبره. ولما مرض ذو النون مرضه الذي مات فيه قيل له: ما تشتهي؟ قال: أن اعرفه قبل موتي بلح؟ ة، ولما مات وجد على قبره مكتوب: مات ذو النون حبيب الله من الشوق، بقتيل الله.
قال أبو عبد الله الهاشمي: دخل ذو النون المصري مسجد دمشق، فاجتمع مع سيد حمدويه، فدعانا بعض أبناء الدنيا إلى داره، فلما أكلنا قال صاحب الدار: هاهنا سماع فيكم، من يرغب؟ فقال ذو(8/246)
النون: فهلاً قبل الطعام؛ أما علمت أن المقدحة إذا ابتلت لم تور.
وعن أيوب بن إبراهيم مؤذن ذي النون قال: كان أصحاب المطالب أتوا ذا النون، وخرج معهم إلى فقط وهو شاب؛ فاحتفروا قبراً فوجدوا فيه أشياء، ووجدوا لوحاً فيه اسم الله الأعظم، فأخذه ذو النون وسلم إليهم ماوجدوا.
قال يوسف بن الحسين: حضرت مجلس ذي النون يوماً وفيه سالم المغربي، فقالا له: يا أبا الفيض، ما كان سبب توبتك؟ قال: عجب لاتطيقه، فقال: سألتك بمعبودك إلا أخبرتني؟ فقال ذو النون: أردت الخروج من مصر إلى بعض القرى. فلما كنت في الصحاري نمت، ففتحت عيني وإذا أنا بطير يقال له القبرة، أعمى معلق بمكان ذكره، فسقط غلى الأرض، فانشقت الأرض فخرج منها سكرجتان، إحداهما ذهب والأخرى فضة، في إحداهما سمسم وفي الأخرى ماء. فجعل يأكل من هذا ويشرب من هذا. فقلت: حسبي قدت تبت، ولزمت الباب إلى أن قبلني.
قال علي بن حاتم الثماني بمصر: سمعت ذا النون يقول: القرآن كلام الله، غير مخلوق.
قال يوسف بن الحسين: سمعت ذا النون المصري يقول وقد سئل عن التوحيد فقال: أن تعلم أن قدرة الله في الأشياء بلا مزاج، وسنعته للأشياء بلا علاج، وعلة كل شيء صنعه، ولا علة لصنعه؛ وليس في السماوات العلى ولا في الأرضين السفلى مدبر غير الله؛ وكل ما تصور في وهمك فالله بخلاف ذلك.
قال عمر بن صدقة الحمال: كنت مع ذي النون يإخميم، فسمع صوت لهو ودقاف وأكبار، فقال: ما هذا؟(8/247)
فقيل: عرس لبعض أهل المدينة؛ وسمع إلى جانبه بكاءً وصياحاً وولولةً فقال: ما هذا؟ فقالوا: فلان مات، فقال لي: يا عمر بن صدقة، أعطي هؤلاء فما شكروا، وابتلي هؤلاء فما صبروا، ولله علي إن بت في هذه المدينة. فخرج من ساعته من إخميم إلى الفسطاط.
قال أحمد بن جعفر السمسار: سمعت ذا النون يقول: دخلت إخميم الصعيد، فدخلت في بعض البراري، فسمعت صوتاً ولم أر شخصاًَ وهو يقول: يا أبا الفيض، أقبل علي، فاتبعت الصوت، فإذا أنا بوجه قد خرج من موضعه، فقال لي: أنت ذو النون المصري؟ فقلت: نعم، فقال لي: أنت زاهد أهل زمانك؟ قلت: يا عبد الله، كذا يقال؛ فقال لي: يا أبا الفيض، أليس يقولون: إن الدنيا ليس تسوى عند الله جناح بعوضة؟ فازهدوا في الآخرة خير لكم؛ فقلت له: وكيف نزهد في الآخرة؟ قال: تزهدون في جنتها ونارها، وترغبون في النظر إلى الله جلت عظمته. ثم أمسك عني ورجعت.
قال يوسف بن الحسين الرازي: سمعت ذا النون المصري يقول: وجدت صخرة ببيت المقدس، عليها أسطر مكتوب، فجئت من يترجمها فإذا عليها مكتوب: كل عاص مستوحش؛ وكل مطيع مستأنس؛ وكل خائف هارب؛ وكل راج طالب؛ وكل قانع غني؛ وكل محب ذليل. ففكرت في هذه الأحرف، فإذا هي أصول لكل ما استعبد الله عز وجل به الخلق.
حدث أحمد بن رجاء بمكة قال: سمعت ذا الكفل المصري وهو أخو ذي النون يقول: دخل غلام لذي النون إلى بغداد، فسمع قوالاً يقول، فصاح غلام لذي النون صيحةً فخر ميتا؛ فاتصل الخبر بذي النون، فدخل إلى بغداد فقال: علي بالقوال، واسترده الأبيات، فصاح ذو النون صيحةً فمات القوال. ثم خرج ذو النون وهو يقول: النفس بالنفس والجروح قصاص.(8/248)
قال عبد الرحمن بن بكر: سمعت ذا النون المصري يقول: من ذكر الله ذكراً على الحقيقة، نسي في جنب ذكره كل شيء، وحفظ الله عليه كل شيء، وكان له عوضاً عن كل شيء.
قال يوسف بن الحسين: قيل لذي النون: بم عرفت ربك؟ فقال: عرفت ربي بربي، ولولا ربي ما عرفت ربي.
قال محمد بن الحسين الجوهري: سمعت ذا النون يقول وقد جاءه رجل فقال: ادع الله لي، فقال: إن كنت قد أيدت في علم الغيب بصدق التوحيد فكم من دعوة مجابة قد سبقت لك، وإلا فإن النداء لا ينقذ الغرقى.
قال أبو محمد نعمان بن موسى الجيزي: رأيت ذا النون المصري وقد تقاتل اثنان، أحدهما من أولياء السلطان؛ فعدا الذي من الرعية عليه فكسر ثنيته، فتعلق الجندي بالرجل فقال: بيني وبينك الأمير، فجاوزا بذي النون، فقال لهم الناس: اصعدوا إلى الشيخ، فصعدوا، فعرفوه ما جرى، فأخذ السن فبلها بريقه وردها إلى فم الرجل في الموضع الذي كانت فيه، وحرك شفتيه، فتعلقت بإذن الله، فبقي الرجل يقيس فاه، فلم يجد الأسنان إلا سواء.
قال أحمد بن محمد السلمي: دخلت على ذي النون المصري يوماً فرأيت بين يديه طستاً من ذهب، وحوله الند والعنبر يسجر، فقال لي: أنت ممن يدخل على الملوك في حال بسطهم؟ ثم أعطاني درهماً أنفقت منه إلى بلخ.
قال يوسف بن الحسين: سمعت ذا النون يقول: قال الله تعالى: " من كان لي مطيعاً كنت له ولياً، فليثق بي وليحلم علي؛ فوعزتي لو سألني زوال الدنيا لأزلتها له.(8/249)
قال محمد بن يعقوب الفرجي: رأيت ليلةً ذا النون التف في عباءة ورمى بنفسه طويلاً، ثم كشف عن وجهه العباءة، ونظر إلى السماء فقال: اللهم إنك تعلم أن كثرة استغفاري مع منامي على الذنوب لؤم؛ ثم غطى رأسه طويلاً، ثم كشف عن وجهه ونظر إلى السماء وقال: اللهم إنك تعلم أني أعلم أن تركي الاستغفار مع علمي بسعة رحمتك عجز.
قال يوسف بن الحسين: سئل ذو النون عن الاستغفار فقال: يا أخي الاستغفار اسم جامع لمعان كثيرة؛ أولهن الندم على ما مضى؛ والثاني العزم على ترك الرجوع إلى الذنوب؛ والثالث أداء كل فرض ضيعته فيما بينك وبين الله عز وجل؛ والرابع أداء المظالم إلى المخلوقين في أموالهم وأعراضهم أو مصالحتهم عليها؛ والخامس إذابة كل لحم ودم نبت من الحرام؛ والسادس إذاقة البدن ألم الطاعات كما ذاق حلاوة المعصية.
قال يوسف بن الحسين الرازي: سمعت ذا النون المصري يقول: أنا أسير قدرتك فاجعلني طليق رحمتك.
قال إسحاق بن إبراهيم السرخسي: سمعت ذا النون يقول وفي يده الغل، وفي رجليه القيد، وهو يساق إلى المطبق، والناس يبكون حوله وهو يقول: هذا من مواهب الله ومن عاطاياه، وكل فعل له حسن طيب؛ ثم أنشد:
لك من قلبي المكان المصون ... كل لوم علي فيك يهون
لك غرم بأن أكون قتيلاً ... فيك والصبر عنك مالا يكون
قال عمرو السراج: قلت لذي النون: كيف كان خلاصك من المتوكل وقد أمر بقتلك؟ قال: لما أوصلني الغلام إلى الستر رفعه ثم قال: ادخل، فإذا المتوكل في غلالة مكشوف الرأس،(8/250)
وعبيد الله قائم على رأسه، متكئ على السيف؛ وعرفت في وجوه القوم الشر، ففتح لي باب فقلت في نفسي: يا من ليس في السماوات قطرات، ولا في البحار قطرات، ولا في ذيل الرياح دلجات، ولا في الأرض خبيئات، ولا في قلوب الخلائق خطرات، ولا في أعضائهم حركات، ولا في عيونهم لحظات إلا وهي ساهرات، وعليك دالات وبربوبيتك معترفات، وفي قدرتك متحيرات؛ فبالقدرة التي تحير بها من في الأرضين ومن في السماوات إلا صليت على محمد وعلى آل محمد وأخذت قلبه عني. قال: فقام المتوكل يخطو حتى اعتنقني ثم قال: أتعبناك يا أبا الفيض، إن تشأ أن تقيم عندنا فأقم، وإن تشأ أن تنصرف فانصرف. فاخترت الانصراف.
قال يوسف بن الحسين: سئل ذو النون المصري عن معنى قوله عز وجل: " هل جزاء الإحسان إلا الإحسان "؟ قال: معناه: هل جزاء من أحسنت إليه إلا أن أحفظ إحساني عليه، فيكون إحساناً إلى إحسان.
وكان ذو النون يقول: ثلاثة من أعلام اليقين: النظر إلى الله في كل شيء؛ والرجوع إليه في كل شيء؛ والاستعانة به في كل حال.
قال أبو الحسين المهلبي: قال ذو النون: علامة السعادة للعبد ثلاث: متى زيد في عمره نقص من حرصه؛ ومتى ما زيد في ماله زاد هو في سخائه وبذله؛ ومتى ما زيد في قدره زاد في تواضعه. وعلامة الشقاء ثلاث: متى ما زيد في عمره زيد في حرصه؛ ومتى ما زيد في ماله زيد في بخله؛ ومتى ما زيد في قدره زيد في تجبره وكبره.
وكان يقول: من وثق بالمقادير لم يغتم. وقال: من عرف الله رضي بالله وسر بما قضى الله.
وقال ذو النون: ما أعز الله عبداً بعز هو أعز له من أن يدله على ذل نفسه، وما أذل الله عبداً بذل هو أذل له من أن يحجبه عن ذل نفسه.(8/251)
قال رجل لذي النون: الدنيا لمن؟ قال: لمن تركها، قال الآخرة؟ قال: لمن طلبها. وكان ذو النون يقول: من علامة المحب لله ترك كل ما يشغله عن الله، حتى يكون الشغل بالله وحده؛ ثم قال: من علامة المحبين لله أن لا يأتوا بسواه ولا يستوحشوا معه، ثم قال: إذا سكن حب الله القلب أنس بالله، لأن الله أجل في قلوب العارفين من أن يحبوا سواه.
قيل لذي النون: متى يأنس العبد بربه؟ قال: إذا خافه أنس به، أما علمتم أنه من واصل الذنوب نحي عن باب المحبوب. وكان يقول: ما رجع من رجع إلا من الطريق، ولو وصلوا إليه ما رجعوا. فازهد في الدنيا تر العجب.
كان ذو النون يقول: ثلاثة مفقودة، وثلاثة موجودة: العلم موجود، والعمل بالعلم مفقود؛ والعمل موجود، والإخلاص فيه مفقود؛ والحب موجود، والصدق فيه مفقود.
قال ذو النون: علامة أهل الجنة خمس: وجه حسن؛ وخلق حسن؛ وقلب رحيم؛ ولسان لطيف؛ واجتناب المحارم.
وكان يقول: ليس العجب ممن ابتلي فصبر، وإنما العجب ممن ابتلي فرضي. وكان ذو النون يقول: الناس كلهم موتى إلا العلماء، والعلماء كلهم نيام إلا العاملون، والعاملون كلهم مغترون إلا المخلصون، والمخلصون على خطر عظيم؛ قال الله عز وجل: " ليسأل الصادقين عن صدقهم ".
وكان يقول: ترك الرياء للرياء أقبح من كل رياء. وقال: أمت نفسك أيام حياتك لتحيا بين الأموات بعد وفاتك. وقال: الخوف رقيب العمل، والرجاء شفيع المحن.
سئل ذو النون عن التوبة فقال: توبة العوام من الذنوب؛ وتوبة الخواص من الغفلة.(8/252)
قال عبد الباري: سألت ذا النون رحمه الله فقلت: لم صير الموقف بالمشعر الحرام ولم يصير بالحرم؟ فقال لي: الكعبة بيت الله، والحرم حجابه، والموقف بابها؛ فلما قصده الوافدون أوقفهم بالباب يتضرعون، فلما أذن لهم بالدخول أوقفهم بالحجاب الثاني وهو المزدلفة؛ فلما نظر إلى طول تضرعهم له أمرهم بتقريب قربانهم، حتى إذا قربوا قربانهم وقضوا تفثهم وتطهروا من الذنوب التي كانت لهم حجاباً دونه أمرهم بالزيارة على طهارة. قلت: يا أبا الفيض، فلم كره الصوم أيام التشريق؟ فقال: القوم في ضيافة الله، فلا ينبغي للرجل أن يصوم عند من ضاف به. قلت: فما بال القوم يتعلقون بأستار الكعبة؟ فقال: مثل ذلك كمثل رجل له على رجل دين، فهو يتعلق بثوبه ويخضع له رجاء أن يهب له ذلك الدين.
قال يوسف بن الحسين الرازي: سمعت ذا النون يقول: كنت في الطواف فإذا أنا بجاريتين قد أقبلتا فتعلقت إحداهما بأستار الكعبة، فإذا هي تقول:
أما لفتاة حرد الهجر بينها ... وبين الذي تهواه يا رب من وصل
حججت ولم أحجج لسوء عملته ... ولكن لتعذيبي على قاطع الحبل
ذهبت بعقلي في هواه صغيرةً ... فقد كبرت سني فرد به عقلي
وإلا فساو الحب بيني وبينه ... فإنك يا مولاي توصف بالعدل
قال: فصحت بها وقلت: ويحك! أمثل هذا الشعر يقال لله عز وجل؟! فقالت: إليك عني يا ذا النون، فلو أطلعك الخبير على الضمير لرحمت من عذلت؛ ثم وثبت الأخرى فقالت: يا ذا النون؛ لأقولن أعجب من هذا، ثم أنشأت تقول:
صبرت وكان الصبر خير مغبة ... وهل جزع يجدي علي فأجزع؟
صبرت على ما لو تحمل بعضه ... جبال شرورى أصبحت تتصدع
ملكت دموع العين ثم رددتها ... إلى ناظري فالعين في القلب تدمع
فقلت: مماذا يا جارية؟ فقالت: من مصيبة نالتني، لم تصب أحداً قط؛ قلت: وما هي؟ قالت: كان لي شبلان يلعبان أمامي، وكان أبوهما ضحى بكبش، فقال أحدهما(8/253)
لأخيه: يا أخيه، أريك كيف ضحى أبونا بكبشه؟ فنام أحدهما، فأخذ الآخر الشفرة فنحره، وهرب القاتل؛ فدخل أبوهما، فقلت: إن ابنك قتل أخاه وهرب؛ فخرج في طلبه، فوجده قد افترسه السبع، فرجع الأب فمات في الطريق ظمأً وجوعاً، وكان له طفل صغير، وكنت أطبخ قدراً، فغفلت عنه فسقط القدر عليه فمات حرقاً. قال ذو النون: فلم أسمع بشيء أعجب من ذلك.
قيل لذي النون عند النزع: أوصنا، فقال: لا تشغلوني فإني متعجب من محاسن لطفه.
توفي ذو النون سنة خمس وأربعين ومئتين. وقيل: مات بالجيزة وحمل في مركب وعدي به إلى الفسطاط خوفاً عليه من زحمة الناس على الجسر. ودفن في مقابر أهل المعافر سنة ست وأربعين ومئتين. وقيل: سنة ثمان وأربعين ومئتين.
قال أبو بكر بن زبان: وقفت في حمام الغلة بمصر وقد جاؤوا بنعش ذي النون، فرأيت طيوراً خضراً تزقزق عليه إلى أن وصل إلى قبره، فلما دفن غابت.
ذو النون بن علي بن أحمد
ابن الحسن بن صدقة أبو الكرم السلمي الصوفي حدث بوادي ينبع عن أبي الحسن بن أبي القاسم البرزي بسنده عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قرأ القرآن فحفظه واستظهره أدخله الله عز وجل الجنة، وشفعه في عشرة من أهل بيته، كلهم قد وجبت له النار ".
وفي حديث آخر: وأحل حلاله وحرم حرامه.(8/254)
ذيال بن محمد بن ذيال بن عامر
السلمي الجوبري من أهل قرية جوبر حدث عن أحمد بن عبد الرحيم بن محمد بن علي السلمي بسنده عن أنس بن مالك: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل مكة وعلى رأسه المغفر.
وفي حديث غيره: فلما وضعه عن رأسه قيل: هذا ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال: اقتلوه.
وحدث عن أحمد بن عبد الرحيم أيضاً بسنده عن فاطمة بنت قيس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حديث الجساسة.
أسماء الرجال على(8/255)
حرف الراء
راشد بن داود أبو المهلب
ويقال: أبو داود اليرسمي الصنعاني، صنعاء دمشق حدث عن يعلى بن شداد بن أوس عن أبيه قال: إني لمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيت ونفر من أصحابه فقال: انظروا هل فيكم من غيركم؟ وهو يعني أهل الكتابين، فنظر بعضهم إلى بعض فقالوا: لا، قال: أجف الباب فأغلق الباب ثم قال: ارفعوا أيديكم وقولوا: لا إله إلا الله، ورفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده ورفعنا أيدينا فقلنا: لا إله إلا الله فقال: أبشروا. ثم قال: ضعوا أيديكم. فوضعنا أيدينا، ثم قال: أبشروا فقد غفر لكم. إني بها بعثت وبها أمرت، وعليها وعدت، وعليها أدخل الجنة.
وفي حديث آخر بمعناه قال: ثم وضع نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده ثم قال: الحمد لله، اللهم إنك بعثتني بهذه الكلمة وأمرتني بها، ووعدتني عليه الجنة، إنك لا تخلف الميعاد. ثم قال: أبشروا فإن الله قد غفر لكم.
قال الدارقطني: راشد ضعيف، لا يعتبر به.(8/256)
راشد بن سعد المقراني الحبراني الحمصي
حدث عن عبد الرحمن بن قتادة السلمي وكان من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " خلق الله آدم عليه السلام، ثم أخذ الخلق من ظهره فقال: هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وهؤلاء في النار ولا أبالي ". قال قائل: يا رسول الله: فعلى ماذا نعمل؟ قال: على مواقع القدر.
وحدث أيضاً عن المقدام بن معد يكرب الكندي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من ترك ديناً أو ضيعة فإلي، ومن ترك مالاً فلورثته؛ وأنا مولى من لا مولى له، أفك عانيه، وأرث ماله ".
قال صفوان بن عمرو السكسكي: ذهبت عين راشد بن سعد يوم صفين.
كان راشد ثقة من أهل حمص؛ مات سنة ثمان ومئة. وقيل سنة ثلاث عشرة ومئة. قالوا: وهذا القول وهم.(8/257)
راشد بن سعيد بن راشد
أبو بكر القرشي الرملي سمع بدمشق.
حدث عن الوليد بن مسلم بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المشاؤون إلى المساجد في الظلم، أولئك الخواضون في رحمة الله ".
راشد بن أبي سكنة
ويقال: سكنة، أبو عبد الملك العبدري، مولاهم سكن مصر، وسمع بدمشق.
حدث راشد أنه سمع معاوية على المنبر يقول: إنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ".
قال راشد: عرضت القرآن على أبي الدرداء وواثلة بن الأسقع، صاحبي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يردا علي شيئاً. وكان يقرأ: " يقضي الحق وهو خير الفاصلين ".
توفي راشد بن أبي سكنة سنة تسع عشرة ومئة.
وسكنة: بتسكين الكاف، وقيل سكنة بتحريك الحروف كلها. قالوا: وهو وهم، والصواب بتسكين الكاف. كان هو وإخوته قراء، فقهاء، وكانوا يخلفون في الجامع العتيق الأمراء والقضاة، إذا غابوا صلوا هم للناس. وولي راشد خراج مصر.(8/258)
رافع بن عمرو بن عويمر
ابن زيد بن رواحة بن زبينة بن عدي المزني صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهد الجابية مع عمر بن الخطاب.
حدث رافع بن عمرو قال: إني يوم حجة الوداع خماسي أو سداسي، وأخذ أبي بيدي حتى انتهى إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو على بغلة شهباء؛ يخطب الناس وعلي يعبر عنه. لم يزد عليه.
قال رافع بن عمرو: إني يوم حجة الوداع خماسي أو سداسي، فأخذ أبي بيدي، حتى انتهى إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بغلة شهباء يخطب الناس: فتخللت حتى أقوم عند ركاب البغلة، فأضرب بيدي كلتيهما على ركبتيه، فمسحت الساق حتى بلغت القدم، ثم أدخلت يدي بين الركاب والقدم؛ فإنه ليخيل إلي الساعة أني أجد برد قدميه على كفي.
قال رافع بن عمرو: سمعت العباس بالجابية يقول لعمر: أربع من عمل بهن استوجب العدل: الأمانة في المال؛ والتسوية في القسم؛ والوفاء بالعهد؛ والخروج من العيوب؛ فكف نفسك وأهلك.(8/259)
رافع بن عمرو وهو رافع
ابن أبي رافع ويقال: رافع بن عميرة بن جابر بن حارثة بن عمرو، وهو الحدرجان بن مخضب أبو الحسن السنبسي الوائلي الطائي
له صحبة، وهو الذي دل بخالد بن الوليد من العراق إلى الشام.
قال رافع بن عمرو: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيشاً، وأمر عليهم عمرو بن العاص وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فقال: دلونا على رجل دليل يختصر الأرض ويأخذ غير الطريق؛ فقيل له: ما نعلم أحداً يفعل ذلك غير رافع بن عمرو؛ فدلوا علي فكنت دليلهم.
كان رافع لصاً في الجاهلية، وكان يعمد إلى بيض النعام، فيجعل فيه الماء فيخبأه في المفاوز. فلما أسلم كان دليلاً بالمسلمين.
قال رافع بن عمرو الطائي: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرو بن العاص على جيش السلاسل، وبعث معه في ذلك الجيش أبا بكر وعمر وسراة أصحابه رضي الله عنهم؛ فانطلقوا حتى أتوا جبل طيئ، فقال عمرو بن العاص: انظروا رجلاً دليلاً يجتنب بنا الطريق، فيأخذ بنا المفاوز؛ فقالوا: ما نعلمه إلا رافع بن عمرو، فإنه كان ربيلاً في الجاهلية والربيل: اللص الذي يغدو على القوم وحده فيسرق قال رافع: فلما قضينا غزاتنا انتهينا إلى المكان الذي خرجنا منه؛ فتوسمت أبا بكر رضي الله عنه، فأتيته فقلت: يا صاحب الخلال؛ توسمتك من بين أصحابك يعني فأوصني فقال: أما تحفظ أصابعك الخمس؟ قلت: نعم، قال: تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله؛ وتقيم الصلاة الخمس؛ وتؤدي زكاة مال إن كان لك؛ وتحج البيت؛ وتصوم شهر رمضان؛ هل حفظت؟ قلت: نعم، قال: لا تأمرن(8/260)
على اثنين، فقلت: وهل الإمارة إلا فيكم أهل المدر؟! قال: لعلها أن تفشو حتى تبلغ من هو دونك، إن الله عز وجل لما بعث نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل الناس في الإسلام، فمنهم من دخل لله فهداه الله، ومنهم من أكرهه السيف؛ فكلهم عواذ الله وجيران الله؛ إن الرجل إذا كان أميراً فتظالم الناس، فلم يأخذ لبعض من بعض انتقم الله منه؛ إن الرجل منكم لتؤخذ شاة جاره، فيظل ناتئاً عضله غضباً لجاره، والله من وراء جاره. قال رافع: فمكثت سنةً، ثم إن أبا بكر استخلف، فركبت، ما ركبت إلا إليه فقلت له: أنا رافع، لقيتك يوم كذا وكذا، فنهيتني عن الإمارة ثم ركبت أعظم من ذلك أمر أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! قال: نعم، فمن لم يقم فيها كتاب الله فعليه بهلة الله عز وجل.
وكان يقال لرافع: رافع الخير.
وهو الذي قطع ما بين الكوفة ودمشق في خمس ليال. وقال فيه الشاعر:
لله در رافع أنى اهتدى ... فوز من قراقر إلى سوى
خمساً إذا ما سارها الجبس بكى قال ابن إسحاق: رافع بن عميرة الطائي فيما تزعم طيئ الذي كلمه الذئب وهو في ضأن له يرعاها. دعاه الذئب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمره باللحوق به. وأنشدت طيئ شعراً زعموا أن رافع بن عميرة قاله في ذلك.(8/261)
قال الهيثم بن عدي وغيره: لما مات أبو بكر الصديق رضي الله عنه أمر عمر بن الخطاب خالداً بالمسير إلى الشام والياً من ساعته. فأخذ على السماوة حتى انتهى إلى قراقر؛ وبين قراقر وبين سوى خمس ليال في مفازة، فلم يعرف الطريق؛ فدل على رافع بن عميرة الطائي وكان دليلاً بصيراً فقال لخالد: خلف هذه الأثقال، واسلك هذه المفازة وحدك إن كنت فاعلاً، فكره خالد أن يخلف أحداً؛ فقال له رافع: والله إن الراكب المنفرد ليخافها على نفسه، وما يسلكها إلا مغرر؛ فكيف أنت بمن معك! فقال: لا بد وأحب خالد أن يوافي المفازة ويأتي القوم بغتة فقال له الطائي: إن كنت لا بد من ذلك، فابغ لي عشرين جزوراً سماناً عظاماً، ففعل، فظمأهن ثم سقاهن حتى روين، ثم قطع مشافرهن، وشرط شيئاً من ألسنتهن، وكعمهن لئلا تجتر، لأن الإبل إذا اجترت تغير الماء في أجوافهن، وإذا لم تجتر بقي الماء صافياً في بطونهن. ففعل خالد ذلك، وتزودوا من الماء ما يكفي الراكب. وسار خالد. فكلما نزل منزلاً نحر من تلك الجزر أربعاً، ثم أخذ ما في بطونها من الماء، فيسقيه الخيل، وشرب الناس ما معهم؛ فلما سار إلى آخر المفازة انقطع ذلك عنهم، وجهد الناس، وعطشت دوابهم، فقال خالد الطائي: ويحك! ما عندك؟ فقال: أدركت الري إن شاء الله، انظروا، هل تجدون عوسجةً على الطريق؟ فوجدوها، فقال: احتفروا في أصلها، فاحتفروا، فوجدوا عيناً غزيرة، فشربوا منها وتوضؤوا وتزودوا فقال رافع: ما وردت هذا الماء قط، إلا مرةً واحدةً وأنا غلام. فقال الزاجر:
لله در رافع أنى اهتدى ... فوز من قراقر إلى سوى
أرض إذا سار بها الجبس بكى ... ما سارها قبلك من إنس أرى
فخرج خالد من المفازة في بعض الليل، فأشرف على البشر على قوم يشربون، وبين أيديهم جفنةً فيها خمر، وقد ذهب بعض الليل، وأحدهم يتغنى:(8/262)
ألا عللاني قبل جيش أبي بكر ... لعل منايانا قريب ولا تدري
ألا عللاني بالزجاج وكررا ... علي كميت اللون صافيةً تجري
أظن خيول المسلمين وخالداً ... سيطرقكم قبل الصباح من البشر
فهل لكم في السير قبل قتاله ... وقبل خروج المعصرات من الخدر
فما هو إلا أن فرغ من قوله، شد عليه رجل من المسلمين فضرب عنقه، فإذا رأسه في الجفنة؛ ثم أقبل خالد على البشر، فقتل منهم وأصاب من أموالهم؛ وبقي خالد متعجباً والمسلمون من قوله في وقته، وإعجال منيته! كأنه ألقي ذلك على لسانه! قال ابن أبي عائشة: جاءني أبو الحسن المدائني، فتحدث بحديث خالد بن الوليد، وقول الشاعر في دلالة رافع:
خمساً إذا ما سارها الجبس بكى
فقال: الجيش فقلت: لو كان الجيش لكان بكوا وعلمت أن علمه من الصحف.
قال أبو أحمد: الجبس هو كما قال؛ وأما قوله: لو كان الجيش لكان بكوا فهو وهم، ويجوز أن يقال: الجيش بكى ويحمل على اللفظ.
قال عمرو بن حيان الطائي: كان رافع بن عميرة السنبسي يغدي أهل ثلاثة مساجد، ويسقيهم القرطمة يعني الحيس وما له إلا قميص هو للبيت وللجمع. وكان رافع تابعياً من كبار التابعين.(8/263)
توفي رافع زمن الحجاج بن يوسف. وحكي عن الهيثم خلاف ذلك، أنه مات في زمن المغيرة بن شعبة في آخر ولاية عمر بن الخطاب. وهو الصحيح في سنة ثلاث وعشرين.
رافع بن مكيث
ابن عمرو بن جراد بن يربوع بن طحيل بن عدي بن الربعة بن رشدان بن قيس بن جهينة، الجهني له صحبة، وشهد مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحديبية، والفتح، وكان معه أحد ألوية جهينة؛ واستعمله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على صدقاتهم - وشهد غزوة دومة الجندل في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع عبد الرحمن بن عوف، وأرسله إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالفتح؛ وشهد الجابية مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وكان أميراً على ربع أسلم، وغفار، ومزينة، وجهينة، وأشجع.
حدث رافع بن مكيث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " حسن الملكة نماء، وسوء الملكة شؤم ".
وعنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " حسن الخلق نماء، وسوء الخلق شؤم، والبر زيادة في العمر، والصدقة تمنع ميتة السوء ".
شهد رافع بن مكيث الحديبية، وبايع تحت الشجرة بيعة الرضوان؛ وكان مع زيد بن حارثة في السرية، وجهه بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى حسمى في جمادى الآخرة سنة ست. وبعثه زيد بن حارثة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيراً على ناقة من إبل القوم، فأخذها منه(8/264)
علي بن أبي طالب عليه السلام في الطريق فردها على القوم، وذلك حين بعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليرد عليهم ما أخذ منهم، لأنهم كانوا قد قدموا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلموا، وكتب لهم كتاباً. وكان رافع أيضاً مع كرز بن جابر الفهري حين بعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سرية إلى العرنيين الذين أغاروا على لقاح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذي الجدر. وكان مع عبد الرحمن بن عوف في سريته إلى دومة الجندل. ومكيث: بفتح الميم وكسر الكاف وسكون الياء، بعدها ثاء معجمة. وبعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على صدقات جهينة. وكانت له دار بالمدينة. ولجهينة مسجد بالمدينة.
رافع بن نصر أبو الحسن
البغدادي الفقيه الزاهد الحمال كان من أهل العلم بالأصول، حسن الاعتقاد، قدم دمشق وانقطع بمكة. ومن شعره:
كد كد العبد إن أح ... ببت أن تحسب حرا
واقطع الآمال عن فض ... ل بني آدم طرا
لا تقل ذا مكسب يز ... ري، ففضل الناس أزرى
أنت ما استغنيت عن مث ... لك أعلى الناس قدرا
قال أبو محمد هياج بن عبيد الحطيني: كان لرافع الحمال في الزهد قدم. وقال: إنما تفقه أبو إسحاق الشيرازي وأبو يعلى بن الفراء بمعاونة رافع لهما، لأنه كان يحمل وينفق عليهما.
توفي رافع بمكة سنة سبع وأربعين وأربع مئة.(8/265)
رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان
ابن حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب أبو بكر القرشي العامري قاضي المدينة.
حدث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دم عفراء أحب إلى الله من دم سوداوين ".
وحدث عن جدته أنها سمعت أباها يقول: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر الله عز وجل، ولا يؤمن بالله من لا يؤمن بي، ولا يؤمن بي من لا يحب الأنصار ".
أبو جدته هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل.
ذكر سعيد بن كثير بن عفير أن رباح بن أبي بكر بن عبد الرحمن قتل مع بني أمية بنهر أبي بطرس في سنة اثنتين وثلاثين ومئة.
رباح بن قصير اللخمي
يقال: له صحبة، وكان يسكن مصر، وقدم على معاوية. حدث موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما ولد لك؟ فقال: يا رسول الله، وما عسى أن يولد لي، إما غلام وإما جارية! قال: ومن يشبه؟ قال: يا رسول الله، يشبه أمه وأباه. قال: فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندها:(8/266)
مه! لا تقل كذا، إن النطفة إذا استقرت يعني في الرحمن أحضرها الله عز وجل كل نسب بينها ويبن آدم، أما قرأت هذه الآية: " في أي صورة ما شاء ركبك " فيما بينك وبين آدم.
وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنه ستفتح مصر بعدي، فانتجعوا خيرها ولا تتخذوها داراً، فإنه يساق إليها أقل الناس أعماراً ". قال: وهذا حديث منكر جداً.
قال أبو نصر بن ماكولا: رباح بفتح الراء والباء الموحدة من أزدة، ثم من بني القشب، من أهل بركوت، من شرقية مصر؛ أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأسلم زمن أبي بكر، ولا رواية له.
رباح بن الوليد
ويقال: الوليد بن رباح بن يزيد بن نمران الذماري روى عن إبراهيم بن أبي عبلة عن أبي يزيد عن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أول ما خلق الله عز وجل القلم، فقال: اكتب، قال: يا رب! ما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء ".(8/267)
وعن الوليد بن رباح قال: سمعت نمران يذكر عن أم الدرداء قالت: سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض، فتغلق أبوابها يعني دونها ثم تأخذ يميناً وشمالاً، فإذا لم تجد مساغاً رجعت إلى قائلها ".
ربعي بن حراش بن جحش
ابن عمرو بن عبد الله بن بجاد بن عبد بن مالك بن غالب بن قطيعة ابن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان الغطفاني ثم العبسي الكوفي قدم الشام.
حدث ربعي قال: سمعت علياً عليه السلام يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تكذبوا علي، فإنه من يكذب علي يلج النار ".
وحدث ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن حوضي لأبعد من أيلة وعدن، والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد النجوم، ولهوا أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، والذي نفسي بيده، إني لأذود عنه الرجل كما يذود الرجل الغريبة من الإبل، قال: قيل يا رسول الله، وهل تعرفنا يومئذ؟ قال: نعم، تردونه غراً محجلين من آثار الوضوء؛ وليست لأحد غيركم ".
قال ربعي بن حراش: خطبنا عمر بن الخطاب بالجابية فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطبنا في مثل هذا اليوم فقال: أوصيكم بأصحابي خيراً، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب،(8/268)
حتى إن الرجل ليقول ما لا يعلم، ويشهد على الشهادة ما استشهد عليها؛ فمن أراد بحبحة الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد؛ ألا لا يخلون أحدكم بامرأة، فإن الشيطان ثالثهما. من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن.
حراش: بحاء مهملة مكسورة، وراء مفتوحة، وشين معجمة.
حدث ربعي أنه انطلق إلى حذيفة يزوره وكانت أخته تحت حذيفة فخرج من خرج من أولئك إلى عثمان، فقال لي حذيفة: ما فعل قومك يا ربعي هل خرج منهم أحد؟ فأسمي له نفراً، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من خرج من الجماعة، واستذل الإمارة، لقي الله ولا وجه له عنده.
قال محمد بن علي السلمي: رأيت ربعي بن حراش ومر بعشار ومعه مال، فأخذه فوضعه على قربوس السرج، ثم غطاه ومر.
قال الأصمعي: أتى رجل الحجاج بن يوسف فقال: إن ربعي بن حراش زعموا لا يكذب، وقد قدم ابناه عاصيين، فابعث إليه فاسأله فإنه سيكذب؛ فبعث إليه الحجاج، فقال: ما فعل ابناك يا ربعي؟ قال: هما في البيت والله المستعان، فقال له الحجاج: هما لك. وأعجبه صدقه.
ويقال: إنه لم يكذب كذبةً قط.
قال الحارث الغنوي: آلى ربيع بن حراش ألا تفتر أسنانه ضاحكاً حتى يعلم أين مصيره؛ فما ضحك إلا بعد موته. وآلى أخوه ربعي بعده ألا يضحك حتى يعلم أفي الجنة هو أو في النار. قال الحارث الغنوي: فلقد أخبرني غاسله، أنه لم يزل متبسماً على سريره ونحن نغسله حتى فرغنا منه.(8/269)
توفي ربعي زمن الحجاج، بعد الجماجم، سنة إحدى وثمانين، وقيل: سنة اثنتين وثمانين. وقيل توفي زمن عمر بن عبد العزيز. وكتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى حراش بن جحش فخرق كتابه. وكان بنو حراش إخوة ثلاثة: ربعي، وربيع، ومسعود، وكان ربيع أكثرهم صلاةً وصياماً في اليوم الحار، وأعظمهم صدقةً؛ وفيه جاء الحديث: إني لقيت ربي فتلقاني بروح وريحان، ورب غير غضبان، ووجدت الأمر دون حيث يذهبون. وأما ربعي بن حراش فهو أكثرهم حديثاً وأشهرهم، وكان من التابعين، وكان ممن لا يكذب. وكان ربعي أعور.
قال ابن نمير وغيره: توفي ربعي سنة إحدى ومئة.
وقال يحيى بن معين: مات سنة أرع ومئة. والله أعلم.
ربيعة بن أمية بن خلف
ابن وهب بن حذافة بن جمح، الجمحي القرشي أدرك سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأسلم، ثم شرب الخمر في خلافة عمر، فهرب خوفاً من إقامة الحد إلى الشام، ثم لحق بالروم فتنصر.
حدث عروة بن الزبير أن خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت: إن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة مولدة، فحملت منه، فخرج عمر بن الخطاب يجر رداءه فزعاً، فقال: هذه المتعة، ولو كنت تقدمت فيها لرجمته.
وعن عروة أيضاً أن ربيعة بن أمية بن خلف تزوج مولدةً من مولدات المدينة، بشهادة امرأتين إحداهما خولة بنت حكيم وكانت خولة امرأةً صالحة فلم يفجأهم إلا والمولدة قد حملت؛(8/270)
فذكرت ذلك خولة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقام عمر يجر صنفة ردائه من الغضب، حتى صعد المنبر فقال: إنه بلغني أن ربيعة بن أمية بن خلف، تزوج مولدةً من مولدات المدينة بشهادة امرأتين؛ وإني لو كنت قدمت في مثل هذا لرجمته.
وعن عبد الرحمن بن عوف أنه حرس ليلةً مع عمر بن الخطاب بالمدينة، فبينما هم يمشون، شب لهم سراج في بيت، فانطلقوا يؤمونه، حتى إذا دنوا منه إذا باب مجاف على قوم، لهم فيه أصوات مرتفعة ولغط، فقال عمر وأخذ بيد عبد الرحمن: أتدري بيت من هذا؟ قال: لا، قال: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف، وهم الآن شرب، فما ترى؟ فقال عبد الرحمن: أرى أن قد أتينا ما نهانا الله عنه، نهانا الله فقال: " ولا تجسسوا " فقد تجسسنا. فانصرف عنهم عمر وتركهم.
وعن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان من أعبر الناس للرؤيا، فأتاه ربيعة بن أمية بن خلف فقال: إني رأيت في المنام كأني في أرض معشبة مخصبة إذ خرجت منها إلى أرض مجدبة كالحة، ورأيتك في جامعة من حديد عند سرير ابن أبي الحشر، فقال أبو بكر: أما ما رأيت لنفسك، فإن صدقت رؤياك فستخرج من الإيمان إلى الكفر؛ وأما ما رأيت لي فإن ذلك دينه جمعه الله لي في أشد الأشياء، السرير، وذلك إلى يوم الحشر. قال: فشرب ربيعة الخمر في زمان عمر بن الخطاب، فهرب منها إلى(8/271)
الشام، وهرب منها إلى قيصر، فتنصر ومات عنده نصرانياً.
وعن ابن المسيب أن عمر غرب ربيعة بن أمية بن خلف في الخمر إلى خيبر، فلحق بهرقل فتنصر، فقال عمر: لا أغرب بعده أحداً أبداً.
ربيعة ولقبه مسكين بن أنيف
ابن شريح بن عمرو بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم الدارمي وفي نسبه خلاف.
شاعر شجاع من أهل العراق، وفد على معاوية وعلى ابنه يزيد، وحضر لبيد بن عطارد حين لطمه غلام عمرو بن الزبير. ولقب بمسكين لقوله:
أنا مسكين لمن أنكرني ... ولمن يعرفني جد نطق
لا أبيع الناس عرضي إنني ... لو أبيع الناس عرضي لنفق
قال أيوب بن أبي أيوب السعيدي: قدم مسكين الدارمي على معاوية، فسأله أن يفرض له، فأبى عليه وكان لا يفرض إلا لليمن فخرج مسكين وهو يقول:
أخاك أخاك إن من لا أخا له ... كساع إلى الهيجا بغير سلاح
وإن ابن عم المرء فاعلم جناحه ... وهل ينهض البازي بغير جناح
وما طالب الحاجات إلا مغرر ... وما نال شيئاً طالب كنجاح
ولم يزل معاوية كذلك حتى عزت اليمن وكثرت، وضعفت عدنان، فبلغ معاوية أن رجلاً من اليمن قال يوماً: لهممت أن لا أحل حبوتي حتى أخرج كل نزاري(8/272)
بالشام. ففرض معاوية من وقته لأربعة آلاف رجل من قيس سوى خندف، فقدم على تفيئة ذلك عطارد بن حاجب على معاوية فقال له: ما فعل الفتى الدارمي، الصبيح الوجه الفصيح اللسان؟ يعني مسكيناً فقال: صالح يا أمير المؤمنين، قال: أعلمه أني فرضت له، فله شرف العطاء وهو في بلاده، فإن شاء أن يقيم بها أو عندنا فليفعل، فإن عطاءه سيأتيه، وبشره بأن قد فرضت لأربعة آلاف من قومه من خندف. وكان معاوية بعد ذلك يغزي اليمن في البحر، ويغزي تميماً في البر، فقال شاعر اليمن ويقال إن النجاشي قالها:
ألا أيها القوم الذين تجمعوا ... بعكا، أناس أنتم أم أباعر
أنترك قيساً آمنين بدارهم ... ونركب ظهر البحر والبحر زاخر
فوالله ما أدري وإني لسائل ... أهمدان تحمي ضيمنا أم يحابر
أم الشرف الأعلى من أولاد حمير ... بنو مالك أن تستمر المرائر
أأوصى أبوهم بينهم أن تواصلوا ... وأوصى أبوكم بينكم أن تدابروا؟!
فرجع القوم جميعاً عن وجوههم، وبلغ معاوية ما كلن، فدعا بهم فسكن منهم فقال: أنا أغزيكم في البحر لأنه أرفق من الجبل، وأقل مؤونة، وأنا أعاقب بينكم في البر والبحر. ففعل ذلك.
حدث منيع بن العلاء السعدي، أن مسكين كان فيمن قاتل المختار فلما هزم الناس لحق بأذربيجان محمد بن عمير بن عطارد، وقال من أبيات يعني عمر بن سعد بن أبي وقاص:
لهف نفسي على شهاب قريش ... حين يؤتى برأسه المختار(8/273)
قال ابن الكلبي: لما نزل بعبد الله بن شداد الموت دعا ابناً له فأوصاه؛ فكان فيما أوصاه أن قال: يا بني عليك بصحبة الأخيار، وصدق الحديث، وإياك وصحبة الأشرار، فإنها شنار وعار؛ وكن كما قال مسكين الدارمي:
اصحب الأخيار وارغب فيهم ... رب من صحبته مثل الجرب
واصدق الناس إذا حدثتهم ... ودع الكذب فمن شاء كذب
رب مهزول سمين عرضه ... وسمين الجسم مهزول الحسب
قال وهب بن منبه، الأحمق إذا تكلم فضحه حمقه. وذكر حكاية، وأنشد لمسكين الدارمي في ذلك:
اتق الأحمق أن تصحبه ... إنما الأحمق كالثوب الخلق
كلما رقعت منه جانباً ... حركته الريح وهناً فانخرق
أو كصدع في زجاج فاحش ... هل ترى صدع زجاج يتفق
وإذا جالسته في مجلس ... أفسد المجلس منه بالخرق
وإذا نهنهته كي يرعوي ... زاد جهلاً وتمادى في الحمق
قال أحمد بن مروان المالكي: ولمسكين الدارمي:
وإذا الفاحش لاقى فاحشاً ... فهنا كم وافق الشن الطبقا
إنما الفحش ومن يعنى به ... كغراب الشر ما شاء نعق
أو حمار السوء إن أشبعته ... رمح الناس وإن جاع نهق(8/274)
أو غلام السوء إن جوعته ... سرق الجار وإن يشبع فسق
أو كغيري رفعت من ذيلها ... ثم أرخته ضراراً فانمزق
أيها السائل عما قد مضى ... هل جديد مثل ملبوس خلق؟
ومن شعر مسكين الدارمي:
ولست إذا ما سرني الدهر ضاحكاً ... ولا خاشعاً ما عشت من حادث الدهر
ولا جاعلاً عرضي لمالي وقايةً ... ولكن أفي عرضي فيحرزه وفري
أعف لدى عسري وأبدي تجملاً ... ولا خير فيمن لا يعف لدى العسر
فإني لأستحيي إذا كنت معسراً ... صديقي وإخواني بأن يعلموا فقري
وأقطع إخواني وما حال عهدهم ... حياءً وإعراضاً وما بي من كبر
فإن يك عاراً ما أتيت فربما ... أتى المرء يوم السوء من حيث لا يدري
ومن يفتقر يعلم مكان صديقه ... ومن يحي لا يعدم بلاءً من الدهر
فإن يك ألجاني الزمان إليكم ... فبئس المؤاتي في الصنيعة والذخر
لما مات زياد بالكوفة سنة ثلاث وخمسين، رثاه المسكين الدارمي فقال:
رأيت زيادة الإسلام ولت ... جهاراً حين ودعنا زياد
وقال:
صلى الإله على قبر وساكنه ... دون الثوية يجري فوقه المور
أبا المغبرة والدنيا مغيرة ... إن امرأ غرت الدنيا لمغرور(8/275)
فقال الفرزدق لمسكين:
أمسكين أبكى الله عينيك إنما ... جرى في ضلال دمعها إذ تحدرا
بكيت امرأً من أهل ميسان كافراً ... ككسرى على عدانه أو كقيصرا
أقول لهم لما أتاني نعيه ... به لا بظبي بالصريمة أعفرا
فقال له مسكين:
ألا أيها المرء الذي لست قائماً ... ولا قاعداً في القوم إلا انبرى ليا
فجئني بعم مثل عمي أو أب ... كمثل أبي أو خال صدق كخاليا
ومن شعر مسكين الدارمي:
ناري ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي تنزل القدر
فقالت امرأته: صدقت، لأن القدر له، وأنت لا قدر لك.
وروي هذا البيت لحاتم الطائي، أنشده أبو جعفر العدوي:
ناري ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي تنزل القدر
ما ضر جاراً لي أجاوره ... أن لا يكون لبابه ستر
أغضي إذا ما جارتي برزت ... حتى يواري جارتي الخدر(8/276)
ربيعة بن الحارث بن عبيد
ويقال: ابن عبد الله بن الحارث أبو زياد الجبلاني الحمصي القاضي قدم دمشق وحدث بها وبحمص.
روى عن جعفر بن عبد الله السالمي بسنده عن ابن عباس قال: سدل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناصيته ما شاء الله، ثم فرق فرق أهل الكتاب.
ربيعة بن دراج بن العنبس
ابن وهبان بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص القرشي الجمحي رأى أبا بكر الصديق، وحدث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
حدث ربيعة بن دراج أن علي بن أبي طالب سبح بعد العصر ركعتين في طريق مكة، فرآه عمر فتغيظ عليه وقال: أما علمت أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان ينهى عنهما؟ وقد قيل: إن ربيعة قتل على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض مغازيه. كذا قال محمد بن يحيى.
وقال محمد بن عمر الواقدي في ذكر من أسر ببدر من المشركين: ربيعة بن دراج بن العنبس، وكان لا مال له، فأخذ منه شيء وأرسل.(8/277)
ربيعة بن ربيعة مولى لقريش
من أهل دمشق.
روى عن نافع بن كيسان عن أبيه قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ينزل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء، شرقي دمشق ".
ربيعة بن عامر القرشي العامري
من بني عامر بن لؤي. شهد الفتوح.
روى ربيعة بن عامر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ألظوا بياذا الجلال والإكرام ".
عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: ثم دعا يعني أبا بكر يزيد بن أبي سفيان فعقد له يعني على الجيش الذي وجهه إلى الشام ودعا ربيعة بن عامر، من بني عامر بن لؤي فعقد له ثم قال: أنت مع يزيد بن أبي سفيان، لا تعصه ولا تخالفه؛ وقال ليزيد: إن رأيت أن توليه ميمنتك فافعل، فإنه من فرسان العرب وصلحاء قومه، وأرجو أن يكون من عباد الله الصالحين. قال يزيد: لقد زاد إلي حباً بحسن ظنك به ورجائك فيه. ثم خرج.(8/278)
ربيعة بن عباد
ويقال عباد الديلي الحجازي رأى سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسوق ذي المجاز. وشهد اليرموك في خلافة عمر، واجتاز بدمشق.
قال ربيعة بن عباد الديلي: رأيت أبا لهب لعنه الله بعكاظ وهو وراء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلوذ منه، فقال: إن هذا قد سفه مآثر آبائكم فاحذروه. قال: وهو أحول، من أجمل الناس، وله غديرتان.
وعن ربيعة بن عباد الدؤلي قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطوف على الناس في منازلهم، قبل أن يهاجر إلى المدينة يقول: يا أيها الناس إن الله يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً. قال: ووراءه رجل يقول: يا أيها الناس إن هذا يأمركم أن تتركوا دين آبائكم. فسألت: من هذا الرجل؟ فقيل: أبو لهب.
وعن ربيعة بن عباد الديلي قال: أما ما أسمعكم تقولون: إن قريشاً كانت تنال من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن أكثر ما رأيت أن منزله كان بين منزل أبي لهب وعقبة بن أبي معيط، فكان ينقلب إلى بيته، فيجد الأرجام(8/279)
والدماء والأرواث قد نضدت على بابه، فينحي ذلك بسية قوسه ويقول: بئس الجوار هذا يا معشر قريش.
وغزا ربيعة بن عباد إفريقية مع عبد الله بن سعد بن أبي سرح سنة سبع وعشرين، وتوفي بالمدينة في خلافة الوليد بن عبد الملك سنة ست وثمانين.
وعباد: بكسر العين، وباء موحدة، ودال غير معجمة. وأتى ابن منده بما لا يعرف فيه وهو عباد، بالفتح والتخفيف. ولا يصح عباد، بالتشديد.
ربيعة بن عطاء بن يعقوب المدني
مولى ابن سباع روى ربيعة بن عطاء قال: سمعت عمر بن عبد العزيز وهو خليفة يكره قتل الأسرى، يسترقون أو يعتقون.
ربيعة بن عمرو أبو الغاز الجرشي
ويقال: ابن الغاز وابن عمرو أصح قيل: له صحبة، وقيل: ليس له صحبة. سكن دمشق.
حدث ربيعة الجرشي قاضي الأرباع في زمن معاوية بن أبي سفيان قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي القرآن أفضل؟ قال: سورة التي تذكر فيها البقرة. قيل: فأي القرآن أفضل؟ قال: آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة أنزلت من تحت العرش.(8/280)
وعن ربيعة الجرشي قال: سألت عائشة: ما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام يصلي يقول: أو بم كان يفتتح؟ قالت: كان يكبر عشراً، ويحمد الله عشراً، ويهلل عشراً، ويسبح عشراً، ويستغفر عشراً، ويقول: اللهم إني أعوذ بك من الضيق يوم الحساب. عشراً. وسألتها: كيف كان يوتر من أول الليل أو من آخره؟ قالت: كل ذلك كان يفعل مرةً من أول الليل، ومرة من آخره؛ فقلت: الحمد لله الذي جعل في الدين سعة؛ قلت: كيف كان يقرأ القرآن؟ قالت: كل ذلك كان يفعل، مرة يجهر، ومرة يخافت؛ قلت: الحمد لله الذي جعل في الدين سعة؛ قلت: كيف كان يصوم؟ قالت: كان يصوم شعبان كله ويصله برمضان، ويتحرى صوم الاثنين والخميس.
نزل ربيعة بن عمرو الشام؛ وكان ثقة. قتل يوم مرج راهط في ذي الحجة سنة أربع وستين، وكان فقيه الناس في زمن معاوية.
قال عطية بن قيس: خرج معاوية في ليلة ذات برد وثلج إلى صلاة الصبح، فخيل إليه أنه لم يشهد الصلاة إلا من خرج معه؛ قال: فانصرف وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون! أهل دمشق لم يجب دعوة الحق منهم أحد! أفأمنوا أن يرسل الله عليهم عذاباً من السماء، أو يسلط عليهم عدواً؟ فقال قائل: قد رأينا ربيعة الجرشي، في رجال من جلسائه، مستترين بالعمد من البرد؛ فأرسل إليهم فدعاهم فقال: مرحباً وأهلاً بالذين أجابوا دعوة الحق إذ لم يجبها أهل دمشق، أفأمنوا أن يرسل الله عليهم عذاباً من السماء أو يسلط عليهم عدوهم؟ ثم قال: ائتوهم بطعام وابدؤوهم بسمن وتمر، فإنه مدفأة.
وعن ربيعة الجرشي قال: لو كان الصبر من الرجال كان كريماً.(8/281)
وعن ربيعة أنه كان يقول في قصصه: إن الله جعل الخير من أحدكم كشراك نعله، وجعل الشر منه مد بصره.
قال بشير بن كعب العدوي: سمعت ربيعة الجرشي زمن معاوية يقول: يجمع الله الخلائق يوم القيامة بصعيد واحد، فيكونون ما شاء الله أن يكونوا، فينادي مناد: سيعلم أهل الجمع لمن العز اليوم والكرم، ليقم الذين " تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً " الآية؛ فيقومون وفيهم قلة، ثم يلبث ما شاء الله أن يلبث، ثم يعود فينادي: سيعلم أهل الجمع لمن العز اليوم والكرم، ليقم الحمادون لله على كل حال، قال: فيقومون وهم أكثر من الأولين.
قال السيباني: لما رفعت الفتنة قال الناس: ننظر إلى هؤلاء النفر، فما صنعوا اقتدينا بهم: يزيد بن الأسود الجرشي، وابن نمران، وربيعة بن عمرو. فلحق يزيد بن الأسود بالساحل، وكان ربيعة بن عمرو مع الضحاك بن قيس الفهري فقتل، وكان ابن نمران مع مروان فسلم.
وقيل: كانت راهط سنة خمس وستين.(8/282)
ربيعة بن الغاز بن ربيعة
ابن عمرو الجرشي أخو هشام
كانت له بدمشق دار في زقاق العجم؛ وانتقل إلى صيدا، وأعقب بها.
حدث ربيعة الجرشي عن خارجة بن جزء العذري قال: سمعت رجلاً يوم تبوك يقول: يا رسول الله؛ أيباضع أهل الجنة؟ قال: يعطى الرجل منهم من القوة في اليوم الواحد أفضل من سبعين منكم.
وعن ربيعة بن الغاز قال: انصرف عمر بن عبد العزيز من صلاة، فرأى رجالاً يصلي بعضهم خلف بعض، فقال: لقد تقاطرتم كما تقاطر الإبل.
قال ابن ماكولا: الغاز بالزاي.
وقال الدارقطني: غاز هو ربيعة بن الغاز.
ربيعة بن فروخ أبي عبد الرحمن
أبو عثمان المديني الفقيه المعروف بربيعة الرأي مولى بني تيم من قريش استقدمه الوليد بن يزيد ليستفتيه في الطلاق قبل النكاح، مع جماعة من فقهاء المدينة، وأمره بالمقام عنده ليعلم ولده عثمان بن الوليد.(8/283)
حدث ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، وليس بالأبيض الأبهق، ولا بالآدم، وليس بالجعد القطط ولا بالسبط؛ بعثه الله على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشر سنين، وتوفاه الله. وقال هشام: وقبضه على رأس ستين سنة، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرةً بيضاء.
قال أبو بكر بن عياش: قلت لربيعة الرأي: أسمعت من أنس شيئاً؟ قال: حديثاً واحداً، سمعته يقول: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يخضب، إنما كان شمطاته في هذا المكان عشرين شمطة، لو أشاء عددتها.
وحدث ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد عن عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: كان في بريرة ثلاث سنن، فكانت إحدى السنن الثلاث أنها اعتقت فخيرت في زوجها، وقال: الولاء لمن أعتق. ودخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والبرمة تفور بلحم، فقرب إليه خبز وأدم من أدم البيت، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألم أر برمةً فيها لحم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، ولكن ذلك لحم تصدق به على بريرة، وأنت لا تأكل الصدقة؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هو عليها صدقة، وهو لنا هدية.
كان الوليد أرسل إلى يزيد بن أسلم، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، ومحمد بن المنكدر، وأبي الزناد، يستفتيهم في شيء؛ فكانوا يجمعون بين الظهر والعصر إذا زالت الشمس.
قال معمر: كتب الوليد بن يزيد إلى أمراء الأمصار أن يكتبوا إليه بالطلاق قبل النكاح، وكان(8/284)
قد ابتلي بذلك؛ فحضر إليه جماعة فأخبروه عن العلماء أن لا طلاق قبل النكاح. ثم قال سماك من عنده: إنما النكاح عقدة تعقد، والطلاق يحلها، فكيف تحل عقدة قبل أن تعقد؟! فأعجب الوليد من قوله، وأخذ به، وكتب إلى عامله على اليمن أن يستعمله على القضاء، وحبس الوليد ربيعة، وضم إليه ابنه عثمان وجعله قائماً بأمره.
كان ربيعة الرأي صاحب الفتيا بالمدينة، وكان يجلس إليه وجوه الناس بالمدينة، وكان يحصى في مجلسه أربعون معتماً. وعنه أخذ مالك بن أنس، وكان عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة يجلس إلى ربيعة يأخذ عنه، فحكي عنه انه قال لربيعة في مرضه الذي مات فيه: يا أبا عثمان! إنا قد تعلمنا منك، وربما جاءنا من يستفتينا في الشيء لم نسمع فيه شيئاً، فترى أن رأينا له خير من رأيه لنفسه فنفتيه؟ فقال ربيعة: أجلسوني، فجلس ثم قال: ويحك يا عبد العزيز! لأن تموت جاهلاً خير لك من أن تقول في شيء بغير علم، لا، لا، لا؛ ثلاث مرات.
توفي ربيعة بالمدينة سنة ست وثلاثين ومئة في خلافة أبي العباس.
كان ربيعة يقول لابن شهاب: إن حالي ليس يشبه حالك، أنا أقول برأي، من شاء أخذه، وأنت تحدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيحفظ، لا ينبغي لأحد يعلم أن عنده شيئاً من العلم يضيع نفسه.
روي عن مشيخة أهل المدينة، أن فروخاً أبا عبد الرحمن أبو ربيعة خرج في البعوث إلى خراسان أيام بني أمية غازياً، وربيعة حمل في بطن أمه، وخلف عند زوجته أم ربيعة ثلاثين ألف دينار؛ فقدم المدينة بعد سبع وعشرين سنة وهو راكب فرساً، في يده رمح، فنزل عن فرسه، ثم دفع الباب برمحه، فخرج ربيعة فقال له: يا عدو الله! أتهجم على منزلي؟ فقال: لا، وقال فروخ: يا عدو الله! أنت رجل دخلت على حرمتي! فتواثبا، وتلبب كل واحد منهما بصاحبه حتى اجتمع الجيران، فبلغ مالك بن أنس والمشيخة، فأتوا يعينون ربيعة، فجعل ربيعة يقول: والله لا فارقتك إلا عند السلطان، وجعل فروخ يقول: والله لا فارقتك إلا بالسلطان وأنت مع امرأتي، وكثر الضجيج. فلما بصروا بمالك سكت الناس كلهم، فقال مالك: أيها الشيخ! لك سعة في غير هذه الدار،(8/285)
فقال الشيخ: هذه داري وأنا فروخ مولى بني فلان، فسمعت امرأته كلامه فخرجت فقالت: هذا زوجي وهذا ابني الذي خلفته وأنا حامل به، فاعتنقا جميعاً وبكيا. فدخل فروخ المنزل وقال: هذا ابني؟! قالت: نعم، قال: فأخرجي المال الذي لي عندك، وهذه معي أربعة آلاف دينار، فقالت: المال قد دفنته وأنا أخرجه بعد أيام. فخرج ربيعة إلى المسجد، وجلس في حلقته، وأتاه مالك بن أنس، والحسن بن زيد، وابن أبي علي اللهبي، والمساحقي، وأشراف أهل المدينة، وأحدق الناس به. فقالت امرأته: اخرج صل في مسجد الرسول، فخرج فصلى، فنظر إلى حلقة وافرة، فأتاه، فوقف عليه، ففرجوا له قليلاً، ونكس ربيعة رأسه يوهمه أنه لم يره، وعليه طويلة، فشك فيه أبو عبد الرحمن فقال: من هذا الرجل؟ فقالوا: هذا ربيعة بن أبي عبد الرحمن، فقال أبو عبد الرحمن: لقد رفع الله ابني؛ فرجع إلى منزله فقال لوالدته: لقد رأيت ولدك في حالة ما رأيت أحداً من أهل العلم والفقه عليها، فقالت أمه: فأيما أحب إليك، ثلاثون ألف دينار أو هذا الذي هو فيه من الجاه؟ قال: لا والله، ألا هذا، قالت: فإني قد أنفقت المال كله عليه، قال: فواالله ما ضيعته.
قال ابن زيد: مكث ربيعة بن أبي عبد الرحمن دهراً طويلاً عابداً، يصلي الليل والنهار، صاحب عبادة؛ ثم نزع عن ذلك إلى أن جالس القوم، فجالس القاسم فنطق بلب وعقل، قال: فكان القاسم إذا سئل عن شيء قال: سلوا هذا لربيعة قال: فإن كان شيء في كتاب الله أخبرهم به القاسم أو في سنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإلا قال: سلوا هذا لربيعة أو سالم. قال: وصار ربيعة إلى فقه وفضل وعفاف، وما كان بالمدينة رجل واحد كان أسخى نفساً بما في يده لصديق أو لابن صديق، أو لباغ يبتغيه منه،(8/286)
كان يستصحبه القوم فيأبى صحبة أحد إلا أحداً لا يتزود معه، ولم يكن في يده ما يحمل ذلك.
قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: كان الأمر إلى سعيد بن المسيب، فلما مات سعيد أفضى الأمر إلى القاسم وسالم. فلما مات القاسم وسالم كان الأمر صار إلى ربيعة.
قال مالك: فحدثني ربيعة قال: قال لي ابن خلدة وكان نعم القاضي: يا ربيعة، أراك تفتي الناس، فإذا جاءك الرجل يسألك فلا تكن همتك أن تخرجه مما وقع فيه، ولتكن همتك أن تتخلص مما سألك عنه.
قال عبيد الله بن عمر: كان يحيى بن سعيد يحدثنا، فإذا طلع ربيعة قطع يحيى حديثه إجلالاً لربيعة وإعظاماً له، وليس ربيعة بأسن منه؛ وكان كل واحد منهما مجلاً لصاحبه.
وكان ربيعة يقول له وهو يمازحه في الشيء من الفتيا، يسمع ذلك يحيى بن سعيد: هذا خير لك مما تحوز من الدنيا.
قال يحيى بن سعيد: ما رأيت أحداً أسد عقلاً من ربيعة.
قال الليث: وكان صاحب معضلات أهل المدينة، ورئيسهم في الفتيا.
قال سوار بن عبد الله العنبري: ما رأيت أحداً قط مثل ربيعة الرأي! قيل: ولا الحسن؟ قال: ولا الحسن، ولا ابن سيرين.(8/287)
قال مالك: قدم ابن شهاب المدينة، فأخذ بيد ربيعة ودخلا إلى بيت الديوان، فما خرجا إلى العصر، خرج ابن شهاب وهو يقول: ما ظننت بالمدينة مثل ربيعة؛ وخرج ربيعة وهو يقول: ما ظننت أن أحداً بلغ من العلم ما يلغ ابن شهاب.
كان القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق يقول: ما يسرني أن أمي ولدت لي أخاً ممن ترون من أهل المدينة إلا ربيعة الرأي.
قال يونس بن يزيد: شهدت أبا حنيفة في مجلس ربيعة، فكان مجهود أبي حنيفة أن يفهم ما يقول ربيعة.
قال عبد العزيز بن أبي سلمة: لما جئت العراق جاءني أهل العراق فقالوا: حدثنا عن ربيعة الرأي، قال: فقلت: يا أهل العراق، تقولون: ربيعة الرأي، لا والله، ما رأيت أحداً أحوط لسنة منه.
وعن سفيان بن عيينة قال: تقنع ربيعة بن أبي عبد الرحمن، فجعل يبكي، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: شهوة خفية، ورياء حاضر، والناس عند علمائهم كالغلمان في حجور أمهاتهم، إذا نهوا انتهوا، وإذا أمروا ائتمروا.
وعن أنس بن عياض: أن غيلان وقف على ربيعة فقال: يا ربيعة، أنت الذي يزعم أن الله يحب أن يعصى؟ فقال: ويلك يا غيلان! أفأنت الذي يزعم أن الله يعصى قسراً؟ قال: ووقف ربيعة على قوم وهو يتذاكرون القدر فقال: لئن كنتم صادقين وأعوذ بالله أن تكونوا صادقين، لما في أيديكم أعظم مما في يدي ربكم، إن كان الخير والشر بأيديكم.
قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: المروءة ست خصال، ثلاث في الحضر وثلاث في السفر؛ فأما الثلاث التي في الحضر:(8/288)
فتلاوة القرآن؛ وعمارة مساجد الله؛ واتخاذ الإخوان في الله؛ وأما الثلاث التي في السفر: فبذل الزاد؛ وحسن الخلق؛ وكثرة المزاح في غير معصية.
قال بكر بن عبد الله بن الشرود الصنعاني: أتينا مالك بن أنس، فجعل يحدثنا عن ربيعة الرأي ابن أبي عبد الرحمن، فكنا نستزيده من حديث ربيعة، فقال لنا ذات يوم: ما تصنعون بربيعة؟ هو نائم في ذاك الطاق، قال: فأتينا ربيعة فأنبهناه فقلنا له: أنت ربيعة بن أبي عبد الرحمن؟ قال: بلى، قلنا: ربيعة بن فروخ؟ قال: بلى، قلنا: ربيعة الرأي؟ قال: بلى، قلنا: هذا الذي يحدث عنك مالك بن أنس؟ قال: بلى، قلنا له: كيف حظي بك مالك ولم تحظ أنت بنفسك؟ فقال: أما علمتم أن مثقالاً من دولة خير من حمل علم؟ وعن مالك: أن إياس بن معاوية قال لربيعة: إن البناء إذا بني على غير أس، لم يكد أن يعتدل. يريد بذلك المفتي الذي يتكلم على غير أصل يبني عليه كلامه.
قال الشافعي: وقف أعرابي على ربيعة بن أبي عبد الرحمن، فجعل يسجع في كلامه، ثم نظر إلى الأعرابي فقال: يا أعرابي، ما تعدون البلاغة فيكم؟ قال: خلاف ما كنت فيه منذ اليوم.
قال الأصمعي: ما هبت عالماً قط ما هبت مالكاً حتى لحن، فذهبت هيبته من قلبي، وذلك أني سمعته يقول: مطرنا مطراً وأي مطر. فقلت له في ذلك فقال: كيف لو قد رأيت ربيعة بن أبي عبد الرحمن، كنا إذا قلنا له: كيف أصبحت؟ يقول: بخيراً بخيراً. وإذا مالك قد جعل بنفسه قدوةً يقتدي به في اللحن.
قال الليث بن سعد: كنت عند ربيعة بن أبي عبد الرحمن وعلي جبة تارجية فقلت له: يا أبا عثمان، لو(8/289)
أصلحت من لسانك، فقال: يا أبا الحارث، لأن ألحن كذا وكذا لحنة أحب إلي من أن ألبس مثل جبتك هذه.
قال كثير بن الوليد: قال رجل للزهري: يا أبا بكر، تركت دار الهجرة ولزمت شعباً! فأراه قال: أفسدها العبدان: ربيعة وأبو الزناد.
وروى سفيان بسنده حديثاً عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلاً مستقيماً حتى نشأ فيهم أبناء سبايا الأمم، فقالوا بالرأي، فضلوا وأضلوا. قال سفيان: فنظرنا، فإذا أول من تكلم بالرأي بالمدينة ربيعة بن أبي عبد الرحمن. وذكر آخر بالكوفة، وبالبصرة البتي. فوجدناهم من أبناء سبايا الأمم.
قال سفيان بن عيينة: كنا إذا رأينا رجلاً من طلبة الحديث يغشى أحد ثلاثة ضحكنا منه، لأنهم كانوا لا يتقنون الحديث ولا يحفظونه: ربيعة بن أبي عبد الرحمن، ومحمد بن أبي بكر بن حزم، وجعفر بن محمد.
وجلد ربيعة وحلق رأسه ولحيته، فنبتت لحيته مختلفة، شق أطول من الآخر، فقيل له: يا أبا عثمان؛ لو سويته، قال: لا، حتى ألتقي معهم بين يدي الله.
قال إبراهيم بن المنذر: كان سبب جلد ربيعة سعاية أبي الزناد، سعى به فولي بعد فلان التيمي، فأرسل إلى أبي الزناد، فأدخله بيتاً وسد باب البيت ليقتله جوعاً وعطشاً، فبلغ ذلك ربيعة، فجاء إلى الوالي فكلمه وأنكر ما فعل، فقال: وهل فعلت به هذا إلا لما كان منه إليك؟ دعه يموت، فأبى عليه حتى أخرجه وقال: سأحاكمه إلى الله عز وجل. هذا أو نحوه.(8/290)
قال مطرف بن عبد الله: سمعت مالك بن أنس يقول: ذهبت حلاوة الفقه منذ مات ربيعة بن أبي عبد الرحمن.
توفي ربيعة بن أبي عبد الرحمن سنة اثنتين وثلاثين ومئة. وقيل: سنة ثلاثين، والأكثر أنه توفي سنة ست وثلاثين ومئة.
ربيعة بن فضالة
قال ربيعة بن فضالة: سمعت الجراح بن عبد الله الحكمي يقول: مثل الذي يطلب الرواية والعلم قبل أن يتعلم القرآن مثل التاجر الذي لا يصح له ربح حتى يحرز رأس المال.
ربيعة بن لقيط بن حارثة
ابن عميرة التجيبي القردمي المصري شهد صفين مع معاوية، وخرج معه إلى العراق عام الجماعة.
حدث ربيعة بن لقيط عن عبد الله بن حوالة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من نجا من ثلاث فقد نجا ثلاث مرات: موتي، والدجال؛ وقتل خليفة مصطبر بالحق، معطيه ".
حدث ربيعة بن لقيط: أنه كان مع عمرو بن العاص عام الجماعة وهم راجعون من مسكن، ومطروا دماً عبيطاً، فظن الناس أنها هي، وماج الناس بعضهم في بعض، فقام عمرو بن العاص، فأثنى على الله بما هو له أهل ثم قال: يا أيها الناس، أصلحوا ما بينكم وبين الله، ولا يضركم لو اصطدم هذان الجبلان.(8/291)
ربيعة ويقال النعمان بن نجوان
ابن معاوية، المعروف بأعشى بني تغلب أحد بني معاوية بن جشم بن بكر من أهل الجزيرة. نصراني شاعر.
حدث أبو عمرو الشيباني قال: كان الوليد بن عبد الملك محسناً إلى أعشى تغلب فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة وفد إليه ومدحه، فلم يعطه شيئاً وقال: ما أرى للشعراء في بيت المال حقاً، ولو كان لهم فيه حق لما كان لك، لأنك امرؤ نصراني. فانصرف الأعشى وهو يقول:
لعمري لقد عاش الوليد حياته ... إمام هدىً لا مستزاد ولا نزر
كأن بني مروان بعد وفاته ... جلاميد لا تندى وإن بلها القطر
ربيعة بن يزيد أبو شعيب
الإيادي القصير سكن دمشق.
روى عن واثلة بن الأسقع قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " تزعمون أني من آخركم وفاةً، ألا إني من أولكم وفاةً، وتتبعوني أفناداً، ويهلك بعضكم بعضاً. وفي رواية: يضرب بعضكم رقاب بعض.
وروى ربيعة بن يزيد عن عبد الله بن الديلمي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من شرب من الخمر شربةً لم تقبل له توبة أربعين صباحاً؛ فإن تاب تاب الله عليه(8/292)
ثلاثاً أو أربعاً. قال الأوزاعي: ما أدري، في الثالثة أو في الرابعة: فإن عاد كان حقاً على الله أن يسقيه من ردغة الخبال يوم القيامة. قال الأوزاعي: ردغة الخبال: صديد أهل النار.
قال ربيعة بن يزيد: ما أذن المؤذن لصلاة الظهر منذ أربعين سنةً إلا وأنا في المسجد، إلا أن أكون مريضاً أو مسافراً.
كان مكحول يقول: ربما أردت أن أدعو ربيعة بن يزيد وكان فيمن شهد عليه فأذكر تهجيره إلى المسجد فأكف عنه.
ربيعة بن يزيد قتلته البربر بالمغرب سنة ثلاث وعشرين ومئة. وكان في البعث الذي طلع المغرب مع كلثوم بن عياض القشيري.
ربيعة الشعوذي
قال ربيعة: ركبت البريد إلى عمر بن عبد العزيز، فانقطع في بعض أرض الشام، فركبت السخرة حتى أتيته وهو بخناصرة، فقال: ما فعل جناح المسلمين؟ قال: قلت: وما جناح المسلمين يا أمير المؤمنين؟ قال: البريد. قال: قلت: انقطع في أرض كذا وكذا، قال: فعلى أي شيء أتيتنا؟ قال: قلت: على السخرة تسخرت دواب النبط، قال: تسخرون في سلطاني! قال: فأمر بي فضربت أربعين سوطاً. رحمه الله.
الربيع بن ثعلب أبو الفضل
مروزي الأصل، سكن بغداد، وقرأ القرآن بدمشق.
روى الربيع بن ثعلب عن ابن علية بسنده عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن أناس أو كما قال تصيبهم النار بذنوبهم أو قال: بخطاياهم تميتهم النار، حتى إذا صاروا فحماً أذن في(8/293)
الشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر، فبثوا على أنهار الجنة، فيقال: يا أهل الجنة، أفيضوا عليهم، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل. فقال رجل من القوم حينئذ: كأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد كان بالبادية.
وروى الربيع بن ثعلب عن يحيى بن عقبة بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تطرحوا الدر في أفواه الكلاب ". يعني الفقه.
كان الربيع بن ثعلب ثقةً، من أهل الصغد. ولد بمرو، وسكن بغداد، ولم يزل بها حتى توفي سنة ثمان وثلاثين ومئتين، بعد الفطر بيوم. وكان رجلاً صالحاً صدوقاً ورعاً.
الربيع بن حظيان
ويقال: جظيان بالجيم. بصري الأصل، سكن دمشق، وولاه المنصور دار الضرب بدمشق حدث الربيع عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه خرج إلينا فقال: " إنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة " وحدث عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على الخفين والعمامة.
ذكره العسكري حظيان بالجيم، ولم يتابعه أحد عليه؛ وهو تصحيف من العسكري مصنف التصحيف.(8/294)
الربيع بن ربيعة بن مسعود
ابن مازن بن ذئب بن عدي بن مازن بن الآزد ويقال: الربيع بن مسعود وأمه رويمة بنت سعد بن الحارث الحجوري. ويقال: ربيعة بن ربيعة بن مسعود بن عدي بن الذئب بن حارثة بن عدي بن عمرو بن مازن بن الأزد، المعروف بسطيح الكاهن الغساني، المذكور. كان يسكن الجابية.
حدث جماعة من المشايخ قالوا: وكان من بعده يعنون لقمان بن عاد سطيح ولد في زمن سيل العرم، وعاش إلى ملك ذي نواس، وذلك نحوا ثلاثين قرناً. وكان مسكنه البحرين. وزعمت عبد القيس أنه منهم، وتزعم الأزد أنه منهم. وأكثر المحدثين يقولون: هو من الأزد، ولا ندري ممن هو، غير أن ولده يقولون: إنهم من الأزد.
أنشد أبو سهل الرازي لسطيح الكاهن:
عليكم بتقوى الله في السر والجهر ... ولا تلبسوا صدق الأمانة بالعذر
وكونوا لجار الجنب حصناً وجنةً ... إذا ما عرته النائبات من الدهر
قال ابن الكلبي: كان أول من قال: برح الخفاء، أن رجلاً من كندة يقال له صداد بن أسماء، وأسماء أمه، وهي امرأة من بني الحارث بن كعب، وكانت تحت صداد امرأة من قومه كندية، وامرأة من بني الحارث بن كعب؛ وكان له من ابنة عمه أربعة رجال، ولم يكن له من الحارثية ولد؛ فوقع على جارية سوداء فأحبلها، فلما تبين حملها خاف امرأته، فأنكر ذلك في العلانية وأقر به في السر، وسماه ثعلبة، وأشهد امرأته الحارثية وأخاً له أن ثعلبة(8/295)
ابنه. فلما مات صداد أخبرت السوداء ابنها أنه من صداد، فخرج الغلام حتى أتى ملكاً من ملوك اليمن، فذكر له أمره، وأتاه بعمه وامرأة أبيه فشهدا، فقالت الكندية: إنما شهدا للعداوة؛ فبعث الملك إلى سطيح الكاهن، وخبأ له ديناراً بين قدمه ونعله - فلما دخل إليه قال له: إني قد خبأت لك شيئا فأخبرني به، فقال سطيح: أحلف بالبلد المحرم والحجر الأضم، والليل إذا أظلم، والنهار إذا ابتسم، وكل فصيح وأعجم، لقد خبأت ديناراً بين نعل وقدم. قال: فأخبرني مع من هو؟ قال: أحلف بالشهر الحرام، وبالله محيي العظام، وبما خلق من النسام، إنه لتحت قدم الملك الهمام. قال: فأخبرني لم أرسلت إليك؟ قال: أرسلت إلي تسألني عن ابن السوداء ومن أبوه من الآباء، وقد برح الخفاء، وأبوه صداد بن أسماء، لا شك فيه ولا مراء، فألحقه الملك بأبيه وورثه. قال الملك: يا سطيح؛ ألا تخبرني عن علمك هذا؟ قال: إن علمي ليس مني، ولا بحزم ولا بظني، ولكن أخذته من أخ لي جني، قد سمع الوحي بطور سني. قال الملك: أرأيت أخاك هذا الجني، أهو معك لا يفارقك؟ قال: إنه ليزول حيث أزول، فلا أنطق إلا بما يقول. قال له الملك: فهل من خبر تخبرنا به؟ قال: نعم، عندي خبر طريف: شهرككم هذا خريف، والقمر فيه كسيف، ويأتي غداً سحاب كثيف، فيملأ البر والريف. فكان كما قال.
وأخبار سطيح كثيرة، والمشهور من أمر سطيح أنه كان كاهناً، وقد أخبر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعن نعته ومبعثه.
وروي أنه عاش سبع مئة سنة، وأدرك الإسلام ولم يسلم. وروي انه هلك عندما ولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وأخبر بذلك ابن أخته عبد المسيح بن حيان بن بقيلة. وقد أوفده إليه كسرى أنوشروان، لارتياعه من أمور ظهرت عند مولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمره أن يسأل خاله سطيحاً عنها ويستعلم منه تأويلها. وذكر عبد المسيح أنه أنبأه بذلك، ونعى غليه نفسه، ثم قضى مكانه.
قال الحافظ ابن عساكر: وروي لنا من بعض الطرق، بإسناد الله به أعلم، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن سطيح فقال: نبي ضيعه قومه، وهو مشهور عند العرب، يذكرون سجعه وكهانته، ويضربون المثل بعلمه وصدقه فيما يخبر به.
وقد قال الأعشى يذكر زرقاء اليمامة لما أخبرت أهل اليمامة برؤيتها ما رأت من مكان(8/296)
بعيد، لم يعلم آدمي أدرك مرئياً من مثل مداه، فلم يصدقوها، فأتاهم العدو الذي أنذرتهم به، فاستباحهم وخرب ديارهم:
ما نظرت ذات أشفار كنظرتها ... حقاً كما صدق الذئبي إذ سجعا
قالت أرى رجلاً في كفه كتف ... أو يخصف النعل، لهفي أيةً صنعا
فكذبوها بما قالت فصبحهم ... ذو آل حسان يزجي الموت والشرعا
فاستنزلوا أهل جو من منازلهم ... واستخفضوا شاخص البنيان فاتضعا
قوله: الذئبي، يعني سطيحاً، لأنه من ولد ذئب بن حجن. وبسطيح الذئبي كان يعرف.
روي عن ابن عباس أن رجلاً أتاه فقال: بلغنا أنك تذكر سطيحاً، تزعم أن الله لم يخلق من ولد آدم شيئاً يشبهه؟ قال: نعم، إن الله تبارك وتعالى خلق سطيحاً الغساني لحماً على وضم والوضم: شرائح من جرائد النخل وكان يحمل على وضمه، فيؤتى به حيث يشاء، ولم يكن فيه عظم ولا عصب، إلا الجمجمة والعنق والكفين، وكان يطوى من رجليه إلى ترقوته كما يطوى الثوب، ولم يكن فيه شيء يتحرك إلا لسانه. فلما أراد الخروج إلى مكة حمل على وضمه، فأتي به مكة، فخرج إليه أربعة نفر من قريش: عبد شمس وعبد مناف ابنا قصي، والأحوص بن فهر، وعقيل بن أبي وقاص، فانتموا إلى غير نسبهم، فقالوا: نحن أناس من جمح، أتيناك لنزورك لما بلغنا قدومك، ورأينا أن إتياننا إياك حق واجب لك علينا. وأهدى له عقيل صفيحةً هنديةً، وصعدةً ردينيةً، فوضعتا على باب البيت الحرام لينظروا هل يراهما سطيح أم لا؟، فقال: يا عقيل؛ ناولني يدك، فناوله يده فقال: والعالم الخفية، والغافر الخطية، والذمة الوفية، والكعبة المبنية، إنك للجائي بالهدية، الصفيحة الهندية، والصعيدة الردينية. قالوا: صدقت يا سطيح، فقال:(8/297)
والآت بالفرح، وقوس قزح، فالسابق القرح، واللطيم المنبطح، والنخل والرطب والبلح، إن الغراب حيث ما طار سنح، وأخبر أن القوم ليسوا من جمح، وأن نسبهم في قريش ذي البطح. قالوا: صدقت يا سطيح، نحن أهل البلد، أتيناك لنزورك لما بلغنا من علمك، فأخبرنا عما يكون في زماننا، وما يكون من بعده، إن يكن عندك في ذلك علم؛ فقال: الآن صدقتم، خذوا مني ومن إلهام الله إياي: أنتم الآن يا معشر العرب في زمان الهرم، سواء بصائركم وبصيرة العجم، لا علم عندكم ولا فهم، وينشأ من عقبكم دهم، يطلبون أنواع العلم، يكسرون الصنم، يبلغون الردم، يقتلون العجم، يطلبون الغنم. قالوا: يا سطيح، ممن يكون أولئك؟ قال لهم: والبيت ذي الأركان، والأمن والسلطان، لينشأن من عقبكم ولدان، يكسرون الأوثان، ويتركون عبادة الشيطان، يوحدون الرحمن، ويسنون دين الديان، يشرفون البنيان، ويسبقون العميان. قالوا: يا سطيح، فمن نسل من يكون أولئك؟ قال: وأشرف الأشراف والمحصي الأشراف، والمزعزع الأحقاف، والمضعف الأضعاف، لينشأن آلاف، من عبد شمس ومناف، يكون فيهم اختلاف. قالوا: يا سوءتاه يا سطيح مما تخبر به من العلم بأمرهم! ومن أي بلد يخرج؟ قال: والباقي الأبد، والبالغ الأمد، ليخرجن من ذي البلد، نبي مهتد، يهدي إلى الرشد، يرفض يغوث والفند، يبرأ من عبادة الضدد، يعبد رباً انفرد، ثم يتوفاه الله محمودا، ومن الأرض مفقودا، وفي السماء مشهودا؛ ثم يلي أمره الصديق إذا قضى صدق، وفي رد الحقوق لا خرق ولا نزق ثم يلي أمره الحنيف مجرب غطريف، ويترك قول الرجل الضعيف يعني عمر قد أضاف المضيف، وأحكم(8/298)
التحنيف؛ ثم يلي أمره دارع لأمره مجرب، فيجتمع له جموع وعصب، فيقتلونه نقمة عليه وغضبا، فيؤخذ الشيخ فيذبح إربا، فيقوم له رجال خطبا؛ ثم يلي أمره الناصر معاوية، يخلط الرأي برأي ماكر، يظهر في الأرض العساكر؛ ثم يلي أمره من بعده ابنه، يأخذ جمعه، ويقل حمده، ويأخذ المال، فيأكل وحده، ويكثر المال لعقبه من بعده؛ ثم يلي من بعده ملوك، لا شك أن الدم فيهم مسفوك. ثم يلي أمره من بعده الصعلوك، يطؤهم كوطأة الدرنوك؛ ثم يلي عضوض، أبو جعفر، يقصي الخلق، ويدني مضر، يفتتح الأرض افتتاحاً منكرا؛ ثم يلي قصير القامة بظهره علامة، يموت موت السلامة، المهدي؛ ثم يلي بلبل ماكر، يترك الملك مخلى بائر؛ ثم يلي أخوه، بسنته سائر، يختص بالأموال والمنابر؛ ثم يلي أمره من بعده أهوج، صاحب دنيا ونعيم، مخلج، تثاوره معاشره وذووه، ينهضون إليه ويخلعونه، يأخذون الملك ويقتلونه؛ ثم يلي أمره من بعده السابع، فيترك الملك مخلى ضائع، تثوره في ملكه مسورة جائع. عند ذلك يطمع في الملك كل عريان، فيلي أمر الناس اللهفان، يوطئ نزاراً جمع قحطان، إذا التقى بدمشق جمعان، بين بيسان ولبنان، يصنف اليمن يومئذ صنفين، صنف مسورة وصنف مخذول، لا ترى إلا خباً مخلولا، ولواء محلولا، وأسيراً مغلولا، بين الفرات والجبول. عند ذلك تخرب المنابر، وتسلب الأموال، وتسقط الحوامل، وتظهر الزلازل، وتطلب الخلافة وائل، فعند ذلك تغضب نزار، وتدني العبيد والأشرار، وتقصي النساك والأخيار، يجزع الناس وتغلوا الأسعار، وفي صفر الأصفار، يقتل كل
جبار، ممن تشرف إلى خنادق وأنهار، ذات أشغال وأشجار، يعمد لهم(8/299)
الأغيار، يهزمهم أول النهار، يظهر لأمره الأخيار، فلا ينفعهم نوم ولا قرار، حتى يدخل مصراً من الأمصار، فيدركه القضاء والأوزار؛ ثم تجيء الرماة، تزحف مشاة، لقتال الكماة، وأسر الحماة، ومهل الغواة، هنالك تدر: أعلى المياه. ثم يبور الدين، وتقلب الأمور، ويكفر الزبور، وتقطع الجسور، ولا يفلت إلا من كان من جزائر البحور. ثم يثور الجنوب، وتظهر الأعاريب، ليس فيهم معين على أهل الفسوق، والأعاريب في زمان عصيب، لو كان للقوم حيا، وما تغني المنى. قالوا: ثم ماذا يا سطيح؟ قال: ثم يظهر رجل من اليمن، أبيض كالشطن، يخرج بين صنعاء وعدن، يسمى حسين أو حسن، يذهب الله على رأسه الفتن.، ممن تشرف إلى خنادق وأنهار، ذات أشغال وأشجار، يعمد لهم الأغيار، يهزمهم أول النهار، يظهر لأمره الأخيار، فلا ينفعهم نوم ولا قرار، حتى يدخل مصراً من الأمصار، فيدركه القضاء والأوزار؛ ثم تجيء الرماة، تزحف مشاة، لقتال الكماة، وأسر الحماة، ومهل الغواة، هنالك تدر: أعلى المياه. ثم يبور الدين، وتقلب الأمور، ويكفر الزبور، وتقطع الجسور، ولا يفلت إلا من كان من جزائر البحور. ثم يثور الجنوب، وتظهر الأعاريب، ليس فيهم معين على أهل الفسوق، والأعاريب في زمان عصيب، لو كان للقوم حيا، وما تغني المنى. قالوا: ثم ماذا يا سطيح؟ قال: ثم يظهر رجل من اليمن، أبيض كالشطن، يخرج بين صنعاء وعدن، يسمى حسين أو حسن، يذهب الله على رأسه الفتن.
حدث مخزوم بن هانئ المخزومي عن أبيه وأتت له خمسون ومئة قال: لما كان ليلة ولد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتجس إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نيران فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغاضت بحيرة ساوه، ورأى الموبذان إبلاً صعابا، تقود خيلاً عرابا، قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها. فلما أصبح كسرى أفزعه ذلك، فصبر عليه تشجعاً، ثم رأى أنه لا يدخر عن مرازبته، فجمعهم ولبس تاجه، وجلس على سريره، ثم بعث إليهم فلما اجتمعوا عنده قال: أتدرون فيم بعثت إليكم؟ قالوا: لا إلا أن يخبرنا الملك، فبينا هم كذلك إذ ورد عليهم كتاب بخمود النيران، فازداد غماً إلى غمه، ثم أخبرهم ما رأى وما هاله، فقال الموبذان: وأنا أصلح الله الملك قد رأيت في هذه الليلة رؤيا، ثم قص عليه رؤياه في الإبل، فقال: أي شيء يكون هذا يا موبذان؟ قال: حدث يكون في ناحية العرب وكان أعلمهم في أنفسهم فكتب عند ذلك: من كسرى ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر، أما بعد، فوجه إلي برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه.(8/300)
فوجه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيان بن بقيلة الغساني. فلما ورد عليه قال له: ألك علم بما أريد أن أسألك عنه؟ قال: ليخبرني الملك أو ليسألني عما أحب، فإن كان عندي منه علم، وإلا أخبرته بمن يعلمه. فأخبره بالذي وجه إليه فيه، قال: علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام يقال له سطيح، قال: فأته، اسأله عما سألتك عنه، ثم أنبئني بتفسيره. فخرج عبد المسيح حتى انتهى إلى سطيح، وقد أشفى على الضريح، فسلم عليه وكلمه فلم يرد عليه جواباً، فأنشأ يقول:
أصم أم يسمع غطريف اليمن ... أم فاز فازلم به شأو العنن؟
يا فاصل الخطة أعيت من ومن ... أتاك شيخ الحي من آل سنن
وأمه من آل ذئب بن حجن ... أزرق بهم الناب صرار الأذن
أبيض فضفاض الرداء والبدن ... رسول قيل العجم يسري للوسن
لا يرهب الرعد ولا ريب الزمن ... تجوب بي الأرض علنداة شجن
ترفع بس وجناً وتهوي بي وجن ... حتى أتى عاري الجآجي والقطن
تلفه في الريح بوغاء الدمن ... كأنما حثحت من جفني ثكن(8/301)
فلما سمع سطيح شعره رفع رأسه يقول: عبد المسيح، على جمل مشيح، إلى سطيح، وقد أوفى على الضريح، بعثك ملك بني ساسان، لارتجاس الإيوان، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان، رأى إبلاً صعابا، تقود خيلاً عرابا، قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها؛ يا عبد المسيح، إذا كثرت التلاوة، وظهر صاحب الهراوة، وفاض وادي السماوة وغاضت بحيرة ساوه، وخمدت نار فارس، فليس الشام لسطيح شاما، يملك منهم ملوك وملكات، على عدد الشرفات، وكل ما هو آت آت. ثم قضى سطيح مكانه، ونهض عبد المسيح إلى راحلته وهو يقول:
شمر فإنك ماضي الهم شمير ... لا يفزعنك تفريق وتغيير
إن يمس ملك بني ساسان أفرطهم ... فإن ذا الدهر أطوار دهارير
فربما ربما أضحوا بمنزلة ... تهاب صوتهم الأسد المهاصير
منهم أخو الصرح بهرام وإخواته ... والهرمزان وسابور وسابور
والناس أولاد علات فمن علموا ... أن قد أقل فمحقور ومهجور
والخير والشر مقرونان في قرن ... فالخير متبع والشر محذور
فلما قدم عبد المسيح على كسرى أخبره بما قال له سطيح، فقال كسرى: إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكاً كانت أمور وأمور. فملك منهم عشرة في أربع سنين وملك الباقون إلى خلافة عثمان.
يقال: إن سطيحاً ولد في أيام سيل العرم، وتوفي في العام الذي ولد فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وإنه عاش خمس مئة سنة، وقيل: ثلاث مئة سنة.(8/302)
الربيع بن سبرة بن معبد
ويقال: ابن عوسجة بن حرملة بن سبرة بن خديج بن مالك بن ذهل بن ثعلبة ابن رفاعة بن نصر بن سعد ومعبد أصح من عوسجة الجهني ولأبيه صحبة، وقدم على عمر بن عبد العزيز وهو خليفة.
حدث الربيع بن سبرة عن أبيه أنه قال: أذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمتعة، فانطلقت أنا ورجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو أكبر مني سناً إلى امرأة من بني عامر كأنها بكرة عيطاء، فعرضنا عليها أنفسنا، فقالت: ما تعطياني؟ فقلت: ردائي، وقال صاحبي: ردائي وكان رداء صاحبي أجود من ردائي، وكنت أشب منه، فإذا نظرت إلى رداء صاحبي أعجبها، وإذا نظرت إلي أعجبتها ثم قالت: أنت ورداؤك تكفيني. فكث معها ثلاثة أيام. ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من كان عنده شيء من هذه النساء اللاتي يستمتع بهن فليخل سبيلها.
وحدث عن أبيه أيضاً سبرة بن عوسجة قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن متعة النساء عام خيبر.
وعن الربيع بن سبرة الجهني قال: لما غزا عمر، وأراد الخروج إلى الشام خرجت معه، فلما أردنا أن ندلج نظرت فإذا القمر بالدبران، فأردت أن أذكر ذلك لعمر، فعرفت أنه يكره ذكر النجوم، فقلت له: يا أبا حفص، انظر إلى القمر، ما أحسن استواءه الليلة! فنظر، فإذا هو بالدبران، قال: قد عرفت ما تريد يا بن سبرة، تقول: إن القمر بالدبران، والله ما نخرج لشمس ولا لقمر، ولكن نخرج بالله الواحد القهار.
وفي رواية الربيع عن عمر شك؛ ولعل الربيع رواه عن أبيه عن عمر.
وقد قيل: إن الربيع روى عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(8/303)
حدث سهل بن عبد العزيز بن الربيع قال: حدثني أبي عن أبيه قال: قلت لعمر بن عبد العزيز حين وقع الطاعون في عسكره وهو خليفة، فهلك أخوه سهل بن عبد العزيز، ثم هلك مزاحم مولاه، ثم هلك عبد الملك ابنه في ليال قلائل وعنده ناس من صحابته: ما رأيت يا أمير المؤمنين مثل مصيبتك، ما أصيب بها رجل قط في أيام متتابعة! ما رأيت مثل أخيك أخاً، ولا مثل مولاك مولى، ولا مثل ابنك ابناً! قال: فسكت ساعةً حتى قال لي رجل جالس معي على الوسادة: بئس ما قلت! ثم قال: كيف قلت يا ربيع؟ فأعدت ذلك عليه فقال: لا والذي قضى عليهم بالموت، ما أحب أن ما كان من ذلك لم يكن.
الربيع بن سلمان بن محمد
ابن سعدون أبو الزهر العليمي حدث بدمشق عن عبد العزيز الكتاني بسنده عن معاوية بن أبي سفيان قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنه لم يبق من الدنيا إلا بلاء وفتنة.
الربيع بن عمرو بن الربيع
أبو القاسم الكلبي الحمصي الدمشقي
حدث عن أبي علي محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري بسنده عن عبد الله بن عمر قال: أقبل قوم من اليهود، فأتوا علياً رضي الله عنه فقالوا: يا أبا الحسن صف لنا ابن عمك يعنون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال علي: لم يكن حبيبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالطويل الذاهب ولا القصير المتردد، كان فوق الربعة، أبيض اللون، مشرب الحمرة، جعد ليس بالقطط، يفرق شعريه إلى أذنيه؛ وكان حبيبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلت الجبين، واضح الخدين، أدعج(8/304)
العينين، مقرون الحاجبين، سبط الأشفار، أقنى الأنف، دقيق المسربة، براق الثنايا، كث اللحية، كأن عنقه إبريق فضة، كأن الذهب يجري في تراقيه؛ كان لحبيبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شعرات من لبته إلى سرته كأنهن قضيب مسك أسود، لم يكن في جسده ولا صدره شعرات غيرهن، بين كتفيه كدارة القمر، مكتوب بالنور سطرين: السطر الأعلى " لا إله إلا الله " وفي السطر الأسفل " محمد رسول الله "؛ وكان حبيبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شثن الكف والقدم، إذا مشى كأنما يتقلع من صخر، وإذا انحدر كأنما ينحدر من صبب، وإذا التفت بمجامع يديه، وإذا قام غمر الناس، وإذا قعد علا الناس، وإذا تكلم نصت له الناس، وإذا خطب بكى الناس. وكان حبيبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرحم الناس؛ كان لليتيم كالأب الرحيم، وكان للأرملة كالزوج الكريم. وكان محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسمع الناس قلباً، وأبذله كفاً، وأصبحه وجهاً، وأطيبه ريحاً، وأكرمه حسباً؛ لم يكن مثله في الأولين والآخرين؛ كان لباسه العباء، وطعامه خبز الشعير، ووساده الأدم حشوه ليف النخل، سريره أم غيلان مرمل بالشريط؛ كان لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمامتان، إحداهما تدعى السحاب، والأخرى العقاب، وكان سفه ذا الفقار، ودابته الغبراء، وناقته الغضباء، وبغلته دلدل، وحماه يعفور، وفرسه بحر، شاته بركة، قضيبه الممشوق، لواؤه الحمد، إدامه اللين، قدره الدباء. يا أهل الكتاب، وكان حبيبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعقل البعير، ويعلف الناضح، ويحلب الشاة، ويرقع الثوب، ويخصف النعل.(8/305)
الربيع بن عون بن خارجة
ابن حذافة بن غانم بن عامر بن عبد الله بن عبيد بن عويج العدوي المصري وفي نسبه خلاف.
حدث عن سعيد بن المسيب قال: سألت سعيد بن المسيب عن الرجل يكره على اليمين، فقال: لا حنث عليه.
الربيع بن محمد بن عيسى
أبو الفضل الكندي اللاذقي حدث بدمشق وغيرها.
روى عن موسى بن محمد بن عطاء بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أراد الله بأهل بيت خيراً فقههم في الدين، ووقر صغيرهم كبيرهم، ورزقهم الرفق في معيشتهم، والقصد في نفقاتهم، وبصرهم عيوبهم فيتوبوا منها، وإذا أراد الله بهم غير ذلك تركهم هملاً.
وحدث الربيع بن محمد اللاذقي باللاذقية عن إسماعيل بن أبي أويس بسنده عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن في الجنة لعمداً من ياقوت، عليها غرف من زبرجد لها أبواب مفتحة، تضيء كما يضيء الكوكب الدري. قلنا: يا رسول الله، من ساكنها؟ قال: المتحابون في الله عز وجل.(8/306)
الربيع بن نافع أبو توبة الحلبي
سكن طرسوس، وكان سمع بدمشق.
روى عن الهيثم بن حميد بسنده عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما في الأرض من نفس تموت ولها عند الله خير تحب أن ترجع إليهم ولها الدنيا إلا الشهيد، فإنه يحب أن يرجع فيقتل مرةً أخرى ".
وحدث عن محمد بن الفرات بسنده عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا معشر المسلمين، احذروا البغي، فإنه ليس من عقوبة هي أحضر من عقوبة بغي، وصلوا أرحامكم، فإنه ليس من ثواب هو أعجل من صلة رحم، وإياكم واليمين الفاجرة، فإنها تدع الديار بلاقع من أهلها، وإياكم وعقوق الوالدين، فإن ريح الجنة توجد من مسيرة ألف عام، وما يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم، ولا شيخ زان، ولا جار إزاره خيلاء، إنما الكبرياء لله عز وجل رب العالمين؛ والكذب كله إثم، إلا ما نفعت به مسلماً أو دفعت عن دين الله، وإن في الجنة لسوقاً لا يباع فيه ولا يشترى، إلا الصور من الرجال والنساء، يتوافون على مقدار كل يوم من أيام الدنيا، يمر بهم أهل الجنة، فمن اشتهى صورة دخلت فيه من رجل أو امرأة، فكان هو تلك الصورة.
مات أبو توبة سنة إحدى وأربعين ومئتين، وكان ثقة.(8/307)
الربيع بن يحيى
من دمشق.
حدث عن أبي عبد رب الوضوء عبد الرحمن بن نافع أنه سمع يونس بن ميسرة بن حلبس يقول: ثلاثة يحبهم الله: من كان عفوه قريباً ممن أساء إليه، فذلك الذي تقوم به الدنيا، ومن كره سوءاً يأتيه إلى أحد أو صاحبه، فذلك قمن أن يستحي الله منه؛ ومن كان بمنزلة رفيعة في الدنيا فتواضع لي، فذلك يعرف عظمتي ويخاف مقتي.
الربيع بن يونس بن محمد
ابن كيسان، أبو الفضل، حاجب المنصور كان مع المنصور لما خرج إلى الشام لزيارة بيت المقدس.
حدث الربيع عن أبي جعفر المنصور أمير المؤمنين عن أبيه عن جده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اليمين الفاجرة تعقم الرحم ".
وبه قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا جاء الشتاء دخل البيت ليلة الجمعة، وإذا جاء الصيف خرج ليلة الجمعة، وإذا لبس ثوباً جديداً حمد الله وصلى ركعتين، وكسا الخلق.
حدث الربيع قال: لما استوت الخلافة لأبي جعفر المنصور قال لي: يا ربيع، ابعث إلى جعفر بن محمد من يأتيني به، قال: فتنحيت من بين يديه وقلت: أي بلية تريد أن تفعل؟ وأوهمته أن أفعل؛ ثم أتيته بعد ساعة فقال لي: ألم أقل لك أن تبعث إلى جعفر بن محمد من يأتيني به؟(8/308)
والله لأقتلنه. فلم أجد بداً من ذلك، فدخلت إليه فقلت: يا أبا عبد الله، أجب أمير المؤمنين، فقام مسرعاً. فلما دنونا إلى الباب قام يحرك شفتيه ثم دخل فسلم، فلم يرد عليه، ووقف فلم يجلسه، ثم رفع رأسه إليه فقال: يا جعفر، أنت ألبت علينا وكثرت وغدرت؟! وحدثني أبي عن أبيه عن جده، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ينصب لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة. فقال جعفر بن محمد: حدثني أبي عن أبيه عن جده عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انه قال: ينادي مناد يوم القيامة من بطنان العرش: ألا فليقم من كان أجره على الله، فلا يقوم إلا من عفا عن أخيه. فما زال يقول حتى سكن ما به ولان له، فقال: اجلس أبا عبد الله، ارتفع أبا عبد الله؛ ثم دعا بمدهن فيه غالية، فعلقه بيده والغالية تقطر من بين أنامل أمير المؤمنين المنصور، ثم قال: انصرف أبا عبد الله في حفظ الله. وقال لي: يا ربيع أتبع أبا عبد الله جائزته.
قال الربيع: فخرجت إليه فقلت: أبا عبد الله، أنت تعلم محبتي لك، قال: نعم يا ربيع، أنت منا، حدثني أبي عن أبيه، عن جده، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: مولى القوم منهم، وأنت منا. قلت: يا أبا عبد الله، شهدت ما لم تشهد، وسمعت ما لم تسمع، وقد دخلت فرأيتك تحرك شفتيك عند الدخول عليه بدعاء، فهو شيء تقوله أو تأثره عن آبائك الطيبين؟ قال: لا، بل حدثني أبي عن أبيه، عن جده، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا حزبه أمر دعا بهذا الدعاء وكان يقال: إنه دعاء الفرج: " اللهم احرسني بعينك التي لا تنام، واكنفني بركنك الذي لا يرام، وارحمني بقدرتك علي، لا أهلك وأنت رجائي، فكم من نعمة أنعمت بها علي قل لك عندها شكري، وكم من بلية ابتليتني قل لك بها صبري؛ فيا من قل له عند نعمه شكري فلم يحرمني، ويا من قل عند بليته صبري فلم يخذلني، ويا من رأى علي الخطايا فلم يفضحني، أسألك أن تصلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت وباركت ورحمت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم أعني على ديني بدنيا، وعلى آخرتي بتقوى، واحفظني فيما غبت عنه، ولا تكلني إلى نفسي(8/309)
فيما حضرت، يا من لا تضره الذنوب، ولا ينقصه المعروف، هب لي ما لايضرك، واغفر لي ما لا ينقصك؛ اللهم إني أسألك فرجاً قريباً، وصبراً جميلاً، وأسألك العافية من كل بلية، وأسألك دوام عافيتك، وأسألك الغنى عن الناس، وأسألك السلامة من كل شيء. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال الربيع: كتبته من جعفر برقعة، وهاهو ذا في جيبي، قال موسى بن سهل: كتبته من الربيع وهاهو ذا في جيبي إلى الحافظ ابن عساكر قال: وكتبته عن الفقيه أبي الحسن علي بن المسلم، وهاهو ذا في جيبي.
كانت للربيع جارية يقال لها أمة العزيز، فائقة الجمال، ناهدة الثديين، حسنة القوام، فأهداها إلى المهدي، فلما رأى جمالها وهيئتها قال: هذه لموسى أصلح، فوهبها لموسى، فكانت أحب الخلق إليه، وولدت له بنيه الأكابر. ثم إن بعض أعداء الربيع قال لموسى: إنه سمع الربيع يقول: ما وضعت بيني وبين الأرض مثل أمة العزيز. فغار موسى من ذلك غيرةً شديدة وحلف ليقتلن الربيع. فلما استخلف دعا الربيع في بعض الأيام، فتغدى معه وأكرمه، وناوله كأساً فيها شراب عسل قال الربيع: فعلمت أن نفسي فيها وأني إن رددت يده ضرب عنقي، مع ما قد علمت أن في قلبه علي من دخولي على أمه، وما بلغه عني ولم يسمع عذراً فشربتها. وانصرف الربيع إلى منزله، فجمع ولده وقال لهم: إني ميت في يومي هذا أو من غد، فقال له الفضل: ولم تقول هذا؟ قال: إن موسى سقاني شربة سم، فأنا أجد عملها في بدني، ثم أوصى بما أراد ومات في يومه أو من غده، ثم تزوج الرشيد أمة العزيز بعد موت الهادي فأولدها علي بن الرشيد.(8/310)
وقيل: إن موسى قال: أريد قتل الربيع وما أدري كيف أفعل به؟ فقال له سعيد بن سلم: تأمر رجلاً باتخاذ سكين مسموم وتأمره بقتله، ثم تقتل ذلك الرجل؛ قال: هذا الرأي. فأمر رجلاً فجلس له في الطريق وأمره بذلك، فخرج بعض حلفاء الربيع فقال له: إنك قد أمر فيك بكذا وكذا فخذ في غير ذلك الطريق، فدخل منزله فتمارض، فمرض بعد ذلك ثمانية أيام، فمات موت نفسه.
وكانت وفاته في سنة تسع وستين ومئة. وقيل: في أول سنة سبعين ومئة.
رجاء بن أشيم بن كميش
أبو الأشيم الحميري المصري ذكر أبو عبد الرحمن النسائي بسنده عن أبي الأشيم رجاء بن أبي عطاء بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أطعم أخاه من الخبز حتى يشبعه، وسقاه من الماء حتى يرويه بعده الله من النار سبع حدائق، كل حديق مسيرة سبع مئة عام ".
قال: المحفوظ سبع خنادق.
قال: لم يذكر ابن يونس رجاء بن أبي عطاء هذا. قال: وأراهما واحداً، ويكون أبو عطاء كنية الأشيم رجاء.
ذكر أبو عمر محمد بن يوسف الكندي: أن الحوثرة بن سهيل البابلي أمير مصر من قبل مروان بن محمد قتل رجاء بن الأشيم يوم الثلاثاء لثنتي عشرة ليلةً بقيت من المحرم، سنة ثمان وعشرين ومئة.(8/311)
رجاء بن حيوة بن جنزل
ويقال: جرول، ويقال: جندل بن الأحنف بن السمط بن امرئ القيس بن عمرو بن معاوية بن الحارث الأكبر بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة وهو ثور بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد أبو المقدام ويقال: أبو نصر الكندي الأردني ويقال: الفلسطيني الفقيه.
ولجده جرول بن الأحنف صحبة على ما يقال.
روى عن أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم؛ من يتحر الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه. ثلاث من كن فيه لم يسكن الدرجات العلى ولا أقول لكم الجنة: من تكهن، أو استقسم، أو رده من سفر تطير.
قال أبو مسهر: كان رجاء بن حيوة من أهل الأردن، من مدينة يقال لها بيسان، ثم انتقل إلى فلسطين.
روي عن مسلمة بن عبد الملك أنه قال: إن في كندة لثلاثة نفر إن الله لينزل بهم الغيث وينصرهم على الأعداء: رجاء بن حيوة؛ وعبادة بن نسي؛ وعدي بن عدي.
قال موسى بن يسار: كان رجاء بن حيوة، وعدي بن عدي، ومكحول في المسجد، فسأل رجل مكحولاً عن مسألة، فقال مكحول: سلوا شيخنا وسيدنا رجاء بن حيوة.(8/312)
قال مكحول: ما زلت مضطلعاً على من ناوأني حتى عاونهم علي رجاء بن حيوة؛ وذلك أنه سيد أهل الشام في أنفسهم.
قال مطر: ما لقيت شامياً أفقه من رجاء بن حيوة، إلا أنه إذا حركته وجدته شامياً؛ وربما جرى الشيء فيقول: فعل عبد الملك بن مروان رحمة الله عليه.
قال مطر: ما نعلم أحداً جازت شهادته وحده إلا رجاء بن حيوة يعني أنه صدق على عهد عمر بن عبد العزيز وحده.
قال رجاء بن حيوة وكان من عقلاء الرجال: من لم يؤاخ من الإخوان إلا من لا عيب فيه قل صديقه؛ ومن لم يرض من صديقه إلا بإخلاصه له دام سخطه؛ ومن عاتب إخوانه على كل ذنب كثر عدوه.
قال الوليد بن عبيد: ما رأيت أحسن اعتدالاً في الصلاة من رجاء بن حيوة.
قال ابن عون: ما أدركت من الإسلام أحداً أعظم رجاءً لأهل الإسلام من القاسم بن محمد ومحمد بن سيرين ورجاء بن حيوة.
وقال: ما لقيت أكف من ثلاثة: رجاء بن حيوة بالشام؛ والقاسم بن محمد بالحجاز؛ وابن سيرين بالعراق. يقول: لم يجاوزوا ما علموا، ولم يتكلفوا أن يقولوا برأيهم.
وقال: كان إبراهيم النخعي، والحسن، والشعبي، يأتون بالحديث على المعاني؛ وكان القاسم بن محمد، ومحمد بن سيرين، ورجاء بن حيوة يعيدون الحديث على حروفه.(8/313)
كان يزيد بن عبد الملك يجري على رجاء بن حيوة ثلاثين ديناراً في كل شهر، فلما ولي هشام قال: ما كان هذا برأي. فقطعها عنه. فرأى هشام أباه في المنام فعاتبه في ذلك، فأجرى عليه ما كان قطع.
قال رجاء بن حيوة: كنت واقفاً على باب سليمان بن عبد الملك، فأتاني آت لم أره قبل ولا بعد فقال: يا رجاء، إنك قد بليت بهذا وبلي بك، وفي دنوك منه الوتغ، يا رجاء، فعليك بالمعروف، وعون الضعيف؛ يا رجاء، إنه من رفع حاجةً لضعيف إلى سلطان لا يقدر على رفعها ثبت الله قدمه على الصراط يوم تزول فيه الأقدام.
قدم يزيد بن عبد الملك إلى بيت المقدس فأراد رجاء بن حيوة على أن يصحبه، فأبى واستعفاه، فقال له عقبة بن وساج: إن الله ينفع بمكانك، قال: إن أولئك الذين تريد قد ذهبوا، فقال له عقبة: إن هؤلاء قوماً قلما باعدهم رجل بعد مقاربة إلا ركبوه، قال: إني لأرجو أن يكفينيهم الله الذي أدعهم له.
قال أسيد بن عبد الرحمن: رأيت مكحولاً يسلم على رجاء بن حيوة بدابق وهو راجل ورجاء راكب، فلم يرد عليه رجاء السلام؛ كأنه كره خلاف السنة أن يسلم الماشي على الراكب.
قال رجاء بن حيوة لعدي بن عدي وللنعمان بن المنذر يوماً وهو يعظهما: انظرا الأمر الذي تحبان أن تلقيا الله عليه فخذا فيه من الساعة، وانظرا الأمر الذي تكرهان أن تلقيا الله عليه فدعاه من الساعة؛ أستودعكما الله.
وعن رجاء بن حيوة قال: يقال: ما أحسن الإسلام ويزينه الإيمان! وما أحسن الإيمان ويزينه التقوى! وما أحسن التقوى ويزينه العلم! وما أحسن العلم ويزينه الحلم! وما أحسن الحلم ويزينه الرفق.(8/314)
قال إبراهيم بن أبي عبلة: كنا نجلس إلى عطاء الخراساني، فكان يدعو بعد الصبح بدعوات، قال: فغاب فتكلم رجل من المؤذنين، فأنكر رجاء بن حيوة صوته، فقال له رجاء: من هذا؟ قال: أنا يا أبا المقدام، فقال: اسكت فإنا نكره أن نسمع الخير إلا من أهله.
قال رجاء بن حيوة لعمر بن عبد العزيز يعزيه عن ابنه: أكان ابنك يا أمير المؤمنين يخلق؟ قال: لا، قال: أفكان يرزق؟ قال: لا، قال: فما جزعك على مخلوق مرزوق، الله خير لك منه، وثواب الله خير لك منه.
وعن رجاء بن حيوة أنه رأى في المنام أن قل، قال: وما أقول؟ فقيل له: اللهم إني أسألك السبق إلى رضوانك والمسارعة فيه بالقول والعمل والسر والعلانية، وأعوذ بك من سخطك ومنازل سخطك، وما قرب من سخطك من قول وعمل في السر والعلانية.
قال رجاء بن حيوة: ما أكثر عبد ذكر الموت إلا ترك القدح والحسد. وقيل: البذخ والحسد.
قال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: كنا مع رجاء بن حيوة، فتذاكرنا شكر النعم، فقال: ما أحد يقوم بشكر نعمة. وخلفنا رجل على رأسه كساء، فكشف الكساء عن رأسه فقال: ولا أمير المؤمنين؟ قلنا: وما ذكر أمير المؤمنين هاهنا! إنما أمير المؤمنين رجل من الناس. فغفلنا عنه، فالتفت رجاء فلم يره، فقال: أتيتم من صاحب الكساء، ولكن إن دعيتم فاستحلفتم فاحلفوا. فما علمنا إلا وهو بحرسي قد أقبل فقال: أجيبوا أمير المؤمنين، فأتينا باب هشام، فأذن لرجاء من بيننا. فلما دخل عليه قال: هيه يا رجاء! يذكر أمير المؤمنين فلا تحتج له؟! قال: فقلت: وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: ذكرتم شكر النعم فقلتم: ما أحد يقوم بشكر نعمة، قيل لكم: ولا أمير المؤمنين؟ فقلتم: أمير المؤمنين رجل من الناس! فقلت: لم يكن ذلك، قال: آلله؟ قلت: آلله. قال رجاء: فأمر بذلك الساعي فضرب سبعين سوطاً، وخرجت وهو متلوث في دمه، فقال: هذا وأنت رجاء بن حيوة؟! قلت: سبعون في(8/315)
ظهرك خير من دم مؤمن. قال ابن جابر: فكان رجاء بن حيوة بعد ذلك إذا جلس في مجلس التفت فقال: احذروا صاحب الكساء.
نظر رجاء بن حيوة إلى رجل ينعس بعد الصبح فقال: انتبه لا يظن الظان أن ذا عن سهر.
توفي رجاء سنة اثنتي عشرة ومئة.
رجاء بن أبي سلمة
أبو المقدام الفلسطيني أصله من البصرة، ثم سكن الرملة.
حدث أبو المقدام عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: لا نفل بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يرد قوي المسلمين على ضعيفهم.
وحدث رجاء بن أبي سلمة قال: سمعت سليمان بن موسى وعمرو بن شعيب يذكران النفل في المسجد، فقال عمرو: لا نفل بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له سليمان: شغلك أكل الزبيب بالطائف، حدثنا مكحول عن زياد بن جارية، عن حبيب بن مسلمة الفهري، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفل في البدأة الربع بعد الخمس وفي الرجعة الثلث بعد الخمس. قال ضمرة: لأن الناس في الرجعة أضعف.
وحدث رجاء بن أبي سلمة عن سليمان بن موسى قال: مر مالك بن عبد الله الخثعمي وهو على الناس بالصائفة بأرض الروم، قال: ورجل يقود دابته فقال له: اركب فإني أرى دابتك ظهيرة. قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(8/316)
يقول: ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله إلا حرم الله عليهما النار. قال: فنزل مالك ونزل الناس يمشون، فما رئي يوم كان أكثر ماشياً منه. ولد رجاء بن ابي سلمة احدى وتسعين ومات سنة احدى وستين ومئة وكان ثقة.
رجاء بن سهل أبو نصر الصاغاني
سمع بدمشق وسكن بغداد.
حدث عن وهب بن وهب أبي البختري القاضي بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: أول سورة تعلمتها من القرآن طه، فكنت إذا قلت: " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى " إلا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا شقيت يا عائش.
رجاء بن عبد الرحيم أبو المضاء
القرشي الهروي له رحلة إلى الشام والعراق.
حدث عن عبد الرحمن بن عمرو الباهلي بسنده عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها من كنز الجنة، ومن أكثر منه نظر الله إليه، ومن نظر الله إليه فقد أصاب خير الدنيا والآخرة ".
وحدث عن القعنبي بسنده عن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن من الشعر حكمة ".(8/317)
رجاء بن عبد الواحد بن يوسف
أبو الفتح الأصفهاني، المعروف بالرازي قدم دمشق وحدث بها.
روى عن أبي بكر محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عمر بسنده عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا دعي أحدكم فليجب، فإن شاء طعم وإن شاء لم يطعم ".
وحدث عن أبي المنصور العطار بسنده عن ابن عباس قال: أنشدنا أبو بكر الصديق لنفسه:
إذا أردت شريف الناس كلهم ... فانظر إلى ملك في زي مسكين
ذاك الذي حسنت في الناس رأفته ... وذاك يصلح للدنيا وللدين
رجاء بن مرجى بن رافع
أبو محمد المروزي، ويقال: السمرقندي الحافظ قدم دمشق وحدث بها.
روى عن يزيد بن أبي حكيم بسنده عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من باع عبداً وله مال فماله للبائع، ومن باع نخلاً قد أبرت، فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع ".
وحدث رجاء بن المرجى عن النضر بن شميل بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن نبياً من الأنبياء قال تحت شجرة، فلدغته نملة، فأمر ببيوتهن فحرق، فأوحى الله إليه: ألا نملة واحدة ".(8/318)
وحدث رجاء بن أبي رجاء المروزي الحافظ عن النضر بن شميل بسنده عن حذيفة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى سباطة قوم فبال قائماً، ثم توضأ ومسح على خفيه.
توفي رجاء بن مرجى سنة تسع وأربعين ومئتين. وكان ثقةً، ثبتاً، إماماً في علم الحديث وحفظه والمعرفة به.
رحيم بن سعيد بن مالك
أبو سعيد الضرير المعبر رحيم: بحاء مهملة.
حدث عن حاجب بن أركين والحسن بن احمد البغدادي بسندهما عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وعدني ربي يدخل الجنة سبعين ألفاً، مع كل ألف سبعون ألفاً، وثلاث حثيات من حثيات ربنا. ثم تلا: قبضته السماوات والأرض ".
قال الحضرمي: قال لنا يوماً في سنة تسع وستين وثلاث مئة: لي مئة سنة وسبع سنين. وعاش بعد ذلك شيئاً يسيراً.(8/319)
رزاح النهدي شاعر
قال عبد الرحمن المدائني وغيره: كان الحارث بن مارية الغساني الجفني مكرماً لزهير بن جناب الكلبي، ينادمه ويخدمه، فقدم على الملك رجلان من بني نهد بن زيد يقال لهما: حزن وسهل ابنا رزاح، وكان عندهما حديث من أحاديث العرب، فاجتباهما الملك ونزلا منه المكان الأثير؛ فحسدهما زهير بن جناب وقال: أيها الملك، هما عين لذي القرنين عليك يعني المنذر الأكبر جد النعمان بن المنذر بن المنذر، وهما يكتبان إليه بعورتك وخلل ما يريان منك. قال: كلا. فلم يزل به زهير حتى أوغر صدره، وكان إذا ركب بعث إليهما ببعيرين يركبان معه، فبعث إليهما بناقة واحدة، فعرفا الشر، فلم يركب أحدهما وتوقف، فقال الآخر:
فإلا تجللها يعالوك فوقها ... وكيف توقى ظهر ما أنت راكبه
فركبها مع أخيه ومضى بهما فقتللا. ثم بحث عن أمرهما بعد ذلك، فوجده باطلاً، فشتم زهيراً وطرده، فانصرف إلى بلاد قومه، وقدم رزاح أبو الغلامين إلى الملك، وكان شيخاً مجرباً عالماً، فأكرمه الملك وأعطاه دية ابنه. وبلغ زهيراً مكانه، فدعا ابناً له يقال له عامر، وكان من فتيان العرب لساناً وبياناً، فقال له: إن رزاحاً قد قدم على الملك، فالحق به واحتل في أن تكفينيه، وقال له: اتهمني عند الملك ونل مني. وأثر به آثاراً. فخرج الغلام حتى قدم الشام، فتلطف الدخول على الملك حتى وصل إليه، فأعجبه ما رأى منه، فقال له: من أنت؟ قال: أنا عامر بن زهير بن جناب، قال: فلا حياك الله ولا حيا أباك الغادر الكذوب الساعي! فقال الغلام: إلا حياه الله، أنظر أيها الملك ما صنع بظهري وأراه آثار الضرب فقبل ذلك منه وأدخله في ندمائه؛ فبينا هو يوماً يحدثه إذ(8/320)
قال: أيها الملك، ما زال أبي مسيئاً إلي، ولست أدع أن أقول الحق، وقد والله نصحك أبي، ثم أنشأ يقول:
فيا لك نصحة لما نذقها ... أراها نصحةً ذهبت ضلالا
ثم تركه أياماً وقال له: أيها الملك، ما تقول في حية قطعت ذنبها وبقي رأسها؟ قال: يطلب فأطفه، قال: فانظر بين يديك، قال: ذاك أبوك وصنيعه بالرجلين ما صنع، قال: أبيت اللعن! فوالله ما قدم رزاح إلا ليثأر بهما، فقال: وما آية ذلك؟ قال: اسقه الخمر ثم ابعث عليه عيناً يأتك بخبره، فلما انتشى صرفه إلى قبته ومعه بنت له، وبعث عليه عيوناً، فلما دخل قبته قامت ابنته تسانده فقال:
دعيني من سنادك إن حزنا ... وسهلاً ليس بعدهما رقود
ألا تسلين عن شبليك ماذا ... أضارهما إذا اهترش الأسود
فإني لو ثأرت المرء حزناً ... وسهلاً قد بدا لك ما أريد
فرجع القوم إلى الملك واخبروه ما سمعوا، فأمر بقتل النهدي ورد زهيراً إلى موضعه.
رزام أبو قيس ويقال أبو الغصن
ويقال أبو القصر، ويقال أبو القسر الكاتب، مولى خالد القسري
قال رزام: بعث بي المنصور إلى جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام، فلما أقبلت به إليه والمنصور بالحيرة وعلونا النجف، نزل جعفر بن محمد عن راحلته، فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة، فصلى ركعتين ثم رفع يديه؛ قال رزام، فدنوت منه فإذا هو يقول: اللهم بك أستفتح، وبك أستنجح، وبمحمد عبدك ورسولك أتوسل؛ اللهم سهل حزونته، وذلل(8/321)
في صعوبته، وأعطني من الخير أكثر مما أرجو، واصرف عني من الشر أكثر مما أخاف. ثم ركب راحلته، فلما وقف بباب المنصور وأعلم بمكانه فتحت الأبواب ورفعت الستور، فلما قرب من المنصور قام إليه فتلقاه وأخذ بيده، وما شاه حتى انتهي به إلى مجلسه، فأجلسه فيه ثم أقبل عليه يسأله عن حاله، وجعل جعفر يدعو له، ثم قال: قد عرفت ما كان مني في أمر هذين الرجلين يعني محمداً وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن وترى كأن بهما وقد استخفا بحقي، وأخاف أن يشقا العصا، وأن يلقيا بين أهل هذا البيت شراً لا يصلح أبداً، فأخبرني عنهما؛ فقال له جعفر: والله لقد نهيتما فلم يقبلا، فتركتهما كراهية أن أطلع على أمرهما، وما زلت حاطباً في حبلك، مواظباً على طاعتك؛ قال: صدقت، ولكنك تعلم أنني أعلم أن أمرهما لن يخفى عنك، ولن تفارقني إلا أن تخبرني به، فقال له: يا أمير المؤمنين، أفتأذن لي أن أتلو آية من كتاب الله عليك فيها منتهى عملي وعلمي؟ قال: هات على اسم الله، فقال جعفر: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم: " لئن أخرجوا لا يخرجون معهم، ولئن قوتلوا لا ينصرونهم، ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون ". قال: فخر أبو جعفر ساجداً ثم رفع رأسه، فقبل بين عينيه وقال: حسبك، ثم لم يسأله بعد ذلك عن شيء حتى كان من أمر إبراهيم ومحمد ما كان.
قال رزام مولى خالد بن عبد الله: قال لي إسماعيل بن عبد الله: إنك لرجل لولا أنك تحب السماع، قال: فقلت: أما والله لو سمعتها وهي تقول:
ما ضر جيراننا إذا انتجعوا ... لو أنهم قبل بينهم ربعوا
ما عبت ذلك علي.
قال رزام: وسمعت جعفر بن محمد بعد وفاة أبيه وإسماعيل يقول: تعاهدوا جواري إسماعيل حتى يغنين لا ينفلت ما في أيديهن.(8/322)
رزيق القرشي المدني
مولى علي بن أبي طالب قال هشام بن حسان: وفد رزيق مولى علي بن أبي طالب على عمر بن عبد العزيز، وكان قد حفظ القرآن والفرائض، فقال: يا أمير المؤمنين؛ إني رجل من أهل المدينة، وقد حفظت القرآن والفرائض، وليس لي ديوان، فقال له عمر: من أي الناس أنت؟ قال: رجل من موالي بني هاشم، فقال: مولى من؟ فقال: رجل من المسلمين، فقال له عمر: أسألك من أنت وتكتمني! فقال: أنا مولى علي بن أبي طالب وكان بنو أمية لا يذكر علي بين أيديهم فبكى عمر حتى وقع دموعه على الأرض وقال: أنا مولى علي؛ حدثني سعيد بن المسيب عن سعد، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى.
وفي حديث آخر أنه قال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه. ثم أمر له بجائزة.
وروي أن اسم هذا المولى عمرو بن المورق؛ وروي أن اسمه يزيد بن عمرو بن مورق. والله أعلم.
رزيق ويقال زريق بن حيان
أبو المقدام الفزاري، مولاهم من دمشق. وكان أحد الكتاب بدمشق. وولاه الوليد وسليمان وعمر مكس مصر يعني عشور أموال التجار - وقيل: إن اسمه سعيد، ورزيق أشبه بالألقاب.
حدث رزيق مولى بني فزارة عن مسلم بن قرظة وكان ابن عم عوف بن مالك الأشجعي قال: سمعت عوف بن مالك الأشجعي يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم؛ وشرار أئمتكم(8/323)
الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم. قال: قلنا يا رسول الله، أو لا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة؛ ألا ومن ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا تنزعوا يداً من طاعة.
هكذا روي بتقديم الراء. ورواه هشام بن عمار بسنده عن زريق مولى بني فزارة، وقيده بتقديم الزاي.
توفي زريق سنة خمس ومئة. وأهل العراق يقولون: رزيق، وأهل المدينة زريق؛ وأولئك أعلم به.
وقيل: توفي رزيق بن حيان الفزاري بنيقية بأرض الروم في إمارة يزيد بن عبد الملك من سهم أصابه، وهو ابن ثمانين سنة.
رستم أبو يزيد
حدث رستم عن مكحول في قوله عز وجل: " ومن الناس من يشتري لهو الحديث " قال: الجواري الضاربات.
رشأ بن نظيف بن ما شاء الله
أبو الحسن المقرئ أصله من المعرة، وسكن دمشق.
حدث عن أبي الحسين عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد الكلابي بسنده عن أبي قرصافة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اللهم لا تخزنا يوم القيامة، ولا تفضحنا يوم اللقاء ".
توفي الشيخ أبو الحسن رشأ في المحرم سنة أربع وأربعين وأربع مئة.(8/324)
رشيق بن عبد الله أبو الحسن
المصيصي مولى رزق الله بن الحسن قدم دمشق.
وحدث بها عن إبراهيم بن عبد الله بن أيوب المخرمي ببغداد بسنده عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يكره أن يقعد الرجل مكان أخيه أو يقيمه، وقال: تفسحوا.
رضوان بن إسحاق أبو زفر
القرشي الشامي من أهل دمشق.
حدث عن جبير بن العلاء بسنده عن الحصين بن يزيد الكلبي قال: ما رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضاحكاً، ما كان إلا متبسماً. وربما شد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بطنه حجراً من الجوع.
رفدة بن قضاعة الغساني مولاهم
من أهل دمشق.
روى عن الأوزاعي عن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي عن أبيه عن جده قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع يديه مع كل تكبيرة في الصلاة المكتوبة.
وقد وقع في هذا الحديث إنكار، وفي سنده طعن.
حدث رفدة بن قضاعة أنه سمع ثابت بن عجلان يقول: إن الله عز وجل ليريد أهل الأرض بعذاب، فإذا سمع الصبيان يتعلمون الحكمة صرفه عنهم.(8/325)
رفيع بن مهران
أبو العالية الرياحي البصري مولى امرأة من بني رياح، ثم من بني تميم، أعتقته سائبه. أدرك عصر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأسلم بعد سنين من وفاته.
حدث أبو العالية الرياحي عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدعو عند الكرب: لا إله إلا الله العليم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش الكريم، لا إله إلا الله رب السماوات السبع ورب العرش العظيم.
قال أبو العالية: كنا بالشام مع أبي ذر، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أول رجل يغير سنتي رجل من بني فلان، فقال يزيد: أنا هو؟ قال: لا.
قال أبو العالية: شهدت عمر بن عبد العزيز ليلةً فقلت له: يا أمير المؤمنين، ما يبقي منك تعب النهار مع سهر الليل؟! قال: لا تفعل يا أبا العالية، فإن لقاء الرجال للرجال تلقيح لألبابها.
قالوا: هذا وهم، وأبو العالية لم يبق إلى خلافة عمر، والحكاية محفوظة لميمون بن مهران.
كان أبو العالية تابعياً ثقة، من كبار التابعين. مات أبو العالية سنة ثلاث وتسعين.
قال قتادة: سمعت أبا العالية وكان أدرك علياً قال: قال علي: القضاة ثلاثة.
كان أبو العالية مخضرماً، أدرك الجاهلية والإسلام؛ وقيل: إنه كان حميلاً، والحميل الذي ولد بأرض العدو، وكان يتكلم بالفارسية.(8/326)
حدث أبو خلدة عن أبي العالية قال: ما تركت من ذهب أو فضة أو مال، فثلثه في سبيل الله، وثلثه في أهل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وثلثه في فقراء المسلمين، وأعطوا حق امرأتي. قال أبو خلدة: فقلت له: يسعك هذا، فأين مواليك؟ فقال: سأحدثك حديثي، إني كنت مملوكاً لأعرابية مذكرة، فاستقبلتني يوم جمعة فقالت: أين تنطلق يا لكع؟ قلت: انطلق إلى المسجد، قالت: أي المساجد؟ قلت: المسجد الجامع، قالت: انطلق يا لكع. قال: فذهبت أتبعها حتى دخلت المسجد، فوافقنا الأمير على المنبر، فقبضت على يدي فقالت: اللهم اذخره عندك ذخيرة، اشهدوا يا أهل المسجد، إنه سائبة لله، ليس لأحد عليه سبيل إلا سبيل معروف. قال: فتركتني وذهبت. قال: فما تراءينا بعد.
قال أبو العالية: والسائبة يضع نفسه حيث شاء.
وحدث عنه أيضاً قال: كنا عبيداً مملوكين، منا من يؤدي الضرائب، ومنا من يخدم أهله، فكنا نختم كل ليلة، فشق ذلك علينا، فجعلنا نختم كل ليلتين مرة، فشق علينا، فجعلنا نختم كل ثلاث ليال مرة فشق علينا، حتى شكا بعضنا إلى بعض؛ فلقينا أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعلمونا أن نختم كل جمعة أو قال: كل سبع فصلينا ونمنا ولم يشق علينا.
وعن عاصم الأحول عن أبي العالية في قوله: " اهدنا الصراط المستقيم " قال: هو رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصاحباه. قال: فذكرنا ذلك للحسن، فقال: صدق أبو العالية ونصح.
وعنه قال: قال لنا أبو العالية وهو يعلمنا: تعلموا الإسلام، فإذا علمتموه فلا ترغبوا عنه، وعليكم بالصراط المستقيم فإنه الإسلام، لا تحرفوا الصراط يميناً وشمالاً، وعليكم بسنة نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والذي كان عليه أصحابه من قبل أن يقتلوا صاحبهم، ومن قبل أن يفعلوا ما فعلوا، فإنا قد قرأنا القرآن من قبل أن يقتلوا صاحبهم، ومن قبل أن يفعلوا الذي فعلوا بخمس عشرة سنة.
قال عاصم: فحدثت به الحسن فقال: صدق ونصح.(8/327)
وفي حديث بمعناه: وإياكم وهذه الأهواء فإنها توقع بينكم العداوة والبغضاء، وعليكم بالأمر الأول الذي كانوا عليه قبل أن يتفرقوا، فإنا قد قرأنا القرآن قبل أن يقتل صاحبهم يعني عثمان بخمس عشرة سنة.
العالية: تعلمت الكتاب والقرآن، فما شعر بي أهلي، ولا رئي في ثوبي مداد قط.
قال شعيب بن الحبحاب: كان أبو العالية إذا قرأ عنده رجل لم يقل: ليس كما تقرأ؛ ويقول: أما أنا فأقرأ كذا وكذا. فذكرت ذلك لإبراهيم فقال: أظن صاحبك سمع انه من كفر بحرف منه فقد كفر به كله.
قال أبو العالية: كنا نسمع الرواية بالبصرة عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما رضينا حتى رحلنا إليهم فسمعناها من أفواههم.
قال أبو العالية: إن كنت لأسمع بالرجل يذكر بالعلم فآتيه ولا أسأله عن شيء حتى أنظر إلى صلاته، فإن كان يحسن، وإلا قلت: إذ كنت جاهلاً فأنت بغيره أجهل وأجهل، فأذهب فلا أسأله عن شيء.
قال أبو العالية: سألت ابن عباس عن شيء فقال: يا أبا العالية، أتريد أن تكون مفتياً؟! فقلت: لا، ولكن لا آمن أن تذهبوا ونبقى. فقال: صدق أبو العالية.
قال أو العالية: كنت آتي ابن عباس، وقريش حوله، فيأخذ بيدي فيجلسني معه على السرير، فتغامزت قريش، ففطن بهم ابن عباس فقال: هكذا العلم يزيد الشريف شرفاً، ويجلس المملوك على الأسرة. قال: ثم أنشد محمد بن الحارث في إثره:(8/328)
رأيت رفيع الناس من كان عالماً ... وإن لم يكن في قسومه بحسيب
إذا حل أرضاً عاش فيها بعلمه ... وما عالم في بلدة بغريب
قال أبو العالية: كان ابن العباس يعلمنا اللحن يعني الإعراب لأن به يجتنب اللحن.
قال مهاجر مولى ثقيف: كان أبو العالية جاراً لي، وكان يقول لي: سلني واكتب مني قبل أن تلتمس العلم عند غيري فلا تجده.
وكان أبو العالية يقول: ما أدري أي النعمتين علي أفضل: نعمة أن هداني الله عز وجل للإسلام؛ ونعمة إذ لم يجعلني حرورياً؛ فقد أنعم الله علي نعمتين لا أدري أيتهما أفضل: أن هداني للإسلام، ثم لم يجعلني حرورياً.
وقال أبو العالية: نعمتان عظيمتان أعتد لنا، لا أدري أيتهما أفضل: إذ أنقذني من الشرك أو إذ عافاني من أن أكون من أهل هذه البدع.
وقال أبو العالية: آيتان ما أشدهما على الذين يجادلون في القرآن " ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا " " إن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد ".
قال شعيب بن الحبحاب: حابيت أبا العالية في ثوب، فأبى أن يشتريه مني، قال: أول ما جرى بيني وبينه أنه جاء إلى السوق، فطلب ثوباً بضاعة كانت عنده، فأتاني، فأخرجت له ثوباً صالحاً وأخذت(8/329)
الدراهم، قال: فذهب فأراه فقالوا: هذا خير من دراهمك؛ قال: فجاء فقال: رد علينا دراهمنا بارك الله فيك، فرددت عليه الدراهم وأخذت الثوب.
قال حماد بن سلمة: أراد أبو العالية سفراً، فسمع رجلاً يقول: يا متوكل؛ فأقام.
حكى أبو عبد الله بن خفيف، عن أبي العالية قال: وقع في رجله الإكلة فقالوا تحتاج تقطع، فأبى عليهم، فارتفع إلى ساقه، فقيل له: إن لم تقطعه ارتفع إلى فخذك ومت فتكون قاتل نفسك، فقال: إن كان ولابد فأحضروا لي قارئاً، فإذا رأيتموني قد احمر لوني وحددت بصري فافعلوا ما بدا لكم. فأحضر له قارئ فقرأ، فحدد بصره واحمر لونه، فقاموا فوضعوا على رجله المنشار فقطعوه وهو على حاله؛ فلما أفاق سألوه: هل ألمت؟ فقال: شغلني برد محبة الله عن حرارة سكينه؛ ثم أخذ رجله فقال: إن سألني الله يوم القيامة: هل مشيت بها منذ أربعين سنةً في شيء لم أرضه؟ لقلت: لا، وأنا صادق.
وعن أبي العالية قال: سيأتي على الناس زمان تخرب صدورهم من القرآن وتبلى كما تبلى ثيابهم، ولا يجدون له حلاوة ولا لذاذة، إن قصروا عما أمروا به قالوا: إن الله غفور رحيم، وإن عملوا ما نهوا عنه قالوا: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك " أمرهم كله طمع ليس معه خوف، لبسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب، أفضلهم في أنفسهم الماهن.
قال أبو العالية: لما كان زمن علي ومعاوية وإني لشاب، القتال أحب إلي من الطعام الطيب، فتجهزت بجهاز حسن حتى أتيتهم، فإذا صفان ما يرى طرفاهما، إذا كبر هؤلاء كبر هؤلاء، وإذا هلل هؤلاء هلل هؤلاء؛ قال: فراجعت نفسي فقلت: أي الفريقين أنزله كافراً، وأي الفريقين أنزله مؤمناً، أو من أكرهني على هذا؟ فما أمسيت حتى رجعت وتركتهم.(8/330)
وفي رواية: فتلوت " ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم " قال: فرجعت وتركتهم.
قال أبو خلدة سمعت أبا العالية يقول: حدثوا القوم ما حملوا، قال: قلت: ما معنى ما حملوا؟ قال: ما نشطوا. وكان أبو العالية إذا جلس إليه أكثر من أربعة قام.
دفع أنس بن مالك إلى أبي العالية تفاحةً كانت في يده، فجعل يقلبها ويقول: تفاحة مستها كف مستها كف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال أبو العالية: ما مسست ذكري منذ ستين سنة أو سبعين سنةً بيميني.
قال مغيرة: أول من أذن وراء نهر بلخ أبو العالية، لما قطعوا النهر تغفل الناس فأذن.
قال عاصم بن الأحول: سمعت أبا العالية يقول: أنتم أكثر صياماً وصلاةً ممن كان قبلكم، ولكن الكذب قد جرى على ألسنتكم.
وعن ثابت قال: قال رفيع أبو العالية: إني لأرجو أن لا يهلك عبد بين نعمتين: نعمة يحمد الله عليها؛ وذنب يستغفر الله منه.
وكان أبو العالية إذا دخل عليه أصحابه يرحب بهم ثم يقرأ: " وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة " الآية.
وعن أبي العالية قال: إن الله تعالى قضى على نفسه أن من آمن به هداه، وتصديق ذلك في كتابه: " ومن يؤمن بالله يهد قلبه " ومن توكل عليه كفاه، وتصديق ذلك في كتاب الله: " ومن(8/331)
يتوكل على الله فهو حسبه " ومن أقرضه جازاه، وتصديق ذلك في كتاب الله " من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له " ومن استجاره من عذابه أجاره، وتصديق ذلك في كتاب الله " واعتصموا بحبل الله جميعاً " والاعتصام الثقة بالله، ومن دعاه أجابه، وتصديق ذلك في كتاب الله " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان ".
قال عاصم: قال لي ابن سيرين: لا تحدثني عن أبي العالية والحسن، فإنهما كانا لا يباليان عمن أخذا يعني لسلامتهما وحسن ظنهما بالناس.
قال أبو خلدة: كان كفن أبي العالية عند بكر بن عبد الله قميصاً مكفوفاً مزروراً، وكان يلبسه كل ليلة أربع وعشرين، ومن الغد من رمضان، ثم يرده.
توفي أبو العالية سنة تسعين، وقيل سنة ثلاث وتسعين، وقيل: سنة ست ومئة، وقيل: سنة إحدى عشرة ومئة، وقيل: سنة اثنتين ومئة.
ركن بن عبد الله بن سعد
أبو عبد الله ربيب مكحول حدث عن مكحول عن أبي أمامة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ذراري المسلمين يوم القيامة تحت العرش، شافع ومشفع، من لم يبلغ اثنتي عشرة سنة، ومن بلغ ثلاث عشرة سنة فعليه وله.
وبه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ".(8/332)
وبه قال: قلت: يا رسول الله، الرجل يتوضأ للصلاة ثم يقبل أهله ويلاعبها، ينقض ذلك وضوءه؟ قال: لا ".
وحدث ركن عن مكحول الشامي عن معاذ بن جبل أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما بعثه إلى اليمن مشى معه أكثر من ميل يوصيه، فقال: يا معاذ، أوصيك بتقوى الله العظيم، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وترك الخيانة، وخفض الجناح، ولين الكلام، ورحمة اليتيم، والتفقه في الدين، والجزع من الحساب، وحب الآخرة. يا معاذ، ولا تفسدن أرضاً، ولا تشتمن مسلماً، ولا تصدق كاذباً، ولا تكذب صادقاً، ولا تبغض إماماً عادلاً. يا معاذ، أوصيك بذكر الله عز وجل يعني عند كل حجر وشجر وأن تحدث لكل ذنب توبة، السر بالسر، والعلانية بالعلانية. يا معاذ، إني أحب لك ما أحب لنفسي، وأكره لك ما أكره لها. يا معاذ، إني لو أعلم أنا نلتقي إلى يوم القيامة لأقصرت لك من الوصية، يا معاذ، إن أحبكم إلي من لقيني يوم القيامة على مثل الحالة التي فارقني عليها وكتب له في عهده أن لا طلاق لامرئ فيما لا يملك، ولا عتق فيما لا يملك، ولا نذر في معصية، ولا في قطيعة رحم، ولا فيما لا يملك ابن آدم؛ وعلى أن يأخذ من كل حالم ديناراً أو عدله معافر؛ وعلى أن لا تمس القرآن إلا طاهراً؛ وأنك إذا أتيت اليمن يسألك نصاراها عن مفتاح الجنة فقل مفتاح الجنة لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
قوله: معافر يريد ثياباً معافرية.
وقيل: كان ركن ابن امرأة مكحول، وكان يقول: حدثني بعد أمي مكحول. وكان ركن متروك الحديث، ليس بشيء.(8/333)
رواد بن الجراح أبو عصام العسقلاني
حدث عن مالك بن أنس بسنده عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " السفر قطعة من العذاب، يمنع الرجل نومه وطعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته من سفره فليعجل إلى أهله ".
وحدث بسنده عن واثلة بن الأسقع عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أعطيت السبع الطوال مكان التوراة، والمثاني مكان الإنجيل، وفضلت بالمفصل ".
حدث رواد بن الجراح عن سفيان عن منصور عن ربعي عن حذيفة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خيركم في المئتين كل خفيف الحاذ. قيل: يا رسول الله وما الخفيف الحاذ؟ قال: الذي لا أهل له ولا ولد. قال موسى: قال أبي: قال العباس: فتكلم الناس في هذا الحديث، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام فقلت: يا رسول الله، حدثنا رواد بن الجراح، حدثنا سفيان، حدثنا منصور، حدثنا ربعي عن حذيفة، عنك أنك قلت: خيركم في المئتين كل خفيف الحاذ، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صدق رواد بن الجراح، وصدق سفيان، وصدق منصور، وصدق ربعي، وصدق حذيفة؛ أنا قلت: خيركم في المئتين كل خفيف الحاذ.
رؤبة بن العجاج
واسمه عبد الله بن رؤبة بن لبيد بن صخر بن كثيف بن عميرة ابن حني بن ربيعة بن سعد بن مالك بن زيد مناة بن تميم أبو الجحاف، ويقال: أبو العجاج التميمي الراجز المشهور، مخضرم، وفي نسبه اختلاف.
حدث رؤبة بن العجاج عن أبيه قال: سألت أبا هريرة فقلت: يا أبا هريرة؛ ما تقول في هذا:(8/334)
طاف الخيالان فهاجا سقما ... خيال تكنى وخيال تكتما
قامت تريك رهبةً أن تصرما ... ساقاً بخنداةً وكعباً أدرما؟
فقال أبو هريرة: كان يحدى بنحو هذا أو مثل هذا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا يعيبه. البخنداة: الصموت التي يعض عليها الخلخال.
قال الأصمعي: إن أعرابياً لقي رؤبة بن العجاج فقال: ما اسمك؟ قال: رؤبة مهموزة فقال الأعرابي: والله لولا أنك همزت نفسك لنخستك.
دخل رؤبة بن العجاج على سليمان بن عبد الملك وقد جلس الصحابة وهيأ الجوائز فقال:
خرجت بين قمر وشمس ... بين ابن مروان وعبد شمس
يا خير نفس خرجت من نفس فقال له عمر بن عبد العزيز وهو جالس إلى جنب سليمان: كذبت! ذاك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال رؤبة بن العجاج: كنا في عسكر سليمان بن عبد الملك، وأتي بأسرى من أسرى الروم، فظهر الناس فجلسوا على مراتبهم، وأمر بالأسرى فأحضروا، فدفع إلى كل رجل أسيراً ليضرب عنقه، فكان أول من دفع إليه أسير عبد الله بن حسن بن حسن، فضرب عنق أسيره، ثم فعل ذلك بالناس على قدر مراتبهم، فلم يبق إلا الشعراء، فدفع إلى جرير أسيراً ليضرب عنقه، ودست إليه بنو عبس سيفاً هذاماً، لا يليق شيئاً، فضرب عنق أسيره،(8/335)
فكأنما قد به عنصلة، ودفع إلى الفرزدق أسيراً، ودست إليه بنو عبس سيفاً كليلاً، فضرب عنق أسيره فلم يحصص منه شعرة، فضحك سليمان والناس، وألقى السيف وعلم أنه قد كيد. وقال جرير:
بسيف أبي رعوان سيف مجاشع ... ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم
ضربت به عند الإمام فأرعشت ... يداك وقالوا: محدث غير صارم
فقال الفرزدق:
لا نقتل الأسرى ولكن نفكهم ... إذا أثقل الأعناق حمل العمائم
وهل ضربة الرومي جاعلة لكم ... غنىً عن كليب أو أباً مثل دارم؟
قال رؤبة بن العجاج: أتيت النسابة البكري فقال لي: من أنت؟ قلت: ابن العجاج، قال: قصرت وعرفت، لعلك كأقوام يأتوني، إن سكت عنهم لم يسألوني، وإن حدثتهم لم يعوا عني؟ قلت: أرجو أن لا أكون كذلك، قال: فما أعداء المروءة؟ قلت: تخبرني، قال: بنو عم السوء، إن رأوا صالحاً دفنوه، وإن رأوا شراً أذاعوه، قال: ثم قال: إن للعلم آفةً ونكداً وهجنةً، فآفته نسيانه، ونكده الكذب فيه، وهجنته نشره في غير أهله. قال: ثم وضع يده على صدره فقال: ترون تابوتي هذا، ما جعلت فيه شيئاً قط إلا أداه إلي.
دخل رؤبة بن العجاج على سليمان بن علي بالشبكة، فقال له سليمان: ما عندك للنساء يا أبا الجحاف؟ فقال: أجده يمثد ولا يشتد، وأرده فيرتد، وأستعين عليه أحياناً باليد، ثم أورده فأقضب، فشكا سليمان نحواً من ذلك، فقال رؤبة: بأبي أنت، ليس ذلك عن السن، إنما ذلك لطول الرغاث.(8/336)
يريد لكثرة ما تمصك النساء. وقوله: أورد فأقضب: هو من الإقضاب، يقال: قضبت الإبل فهي قاضبة: إذا وردت فلم تشرب، وأقضب الرجل: إذا لم تشرب إبله. ضرب ذلك مثلاً لنفسه، يريد إذا باشر لم يقدر على النكاح.
مات رؤبة في أيام المنصور سنة خمس وأربعين ومئة.
روح بن جناح أبو سعد
ويقال أبو سعيد أخو مروان بن جناح مولى الوليد بن عبد الملك.
حدث عن عبد الملك بن حسين النخعي بسنده عن أبي سعيد الخدري أنه قال: أصبنا سبي أوطاس وهو سبي حنين فأردنا أن نتمتع بهن، وقد كان بأيدي الناس منهم سبايا، فسألنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك، فسكت ثم قال: استبرئوهن بحيضة.
حدث روح بن جناح عن مجاهد قال: بينا نحن جلوس أصحاب ابن عباس: عطاء وطاوس وعكرمة إذ جاء رجل وابن عباس قائم يصلي، فقال: هل من مفت؟ فقلنا: سل، فقال: إني كلما بلت تبعه الماء الدافق، فقلنا: الذي يكون منه الولد؟ قال: نعم، فقلنا: عليك الغسل، فولى الرجل وهو يرجع، وعجل ابن عباس في صلاته، فلما سلم قال: يا عكرمة، علي بالرجل، فأتاه به، ثم أقبل علينا فقال: أرأيتم ما أفتيتم به هذا الرجل عن كتاب الله؟ قلنا: لا، قال: فعن سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قلنا: ولا، قال: فعن أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قلنا: ولا، فقال ابن عباس: فعن من؟ قلنا: عن رأينا، فقال: كذلك يقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد. ثم أقبل على الرجل فقال: أرأيت إذا كان منك هل تجد شهوة في قلبك؟ قال: لا، قال: فهل تجد خدراً في جسدك؟ قال: لا، فقال: إنما هذا أبرده، يجزئك منه الوضوء.(8/337)
روح بن حاتم بن قبيصة
ابن المهلب، أبو خلف، ويقال أبو حاتم الأزدي كان من وجوه دولة المنصور، قدم معه دمشق، وولاه إفريقية؛ وولي روح البصرة والكوفة للمهدي.
قال روح بن حاتم: بينا أنا واقف على باب بعض ولاة البصرة إذ أقبل خالد بن صفوان على بغلة له فقال لي: يا روح، ما هجرت ولا ظهرت على باب أحد من الولاة إلا وأنا أراك عليه، أكل هذا حباً للدنيا وحرصاً عليها؟ قال: فأجللته أن أجيبه ثم قلت: إنما هذا مثل العم، ولعله أراد الجواب مني فقلت: والله يا عم لحسبك برؤيتك إياي عليها طلباً منك لها، فضحك ثم قال: لئن قلت ذاك يابن أخ لقد ذهب رونق الوجوه، وخمار القلب، وحسام الصلب، وسناء البصر، ومدى الصوت، وماء الشباب، واقترب عهاد العلل، والله ما أتت علينا ساعة من أعمارنا إلا ونحن نؤثر الدنيا على ما سواها، ثم لا تزداد لنا إلا تخلياً وعنا إلا تولياً؛ ثم ضرب دابته وذهب.
قال روح بن حاتم: ما كنت أظن أن أحداً أشد عصبيةً مني، فبينا أنا أطوف حول البيت إذا أنا برجل يدعو يقول: اللهم اغفر لي ولأبي، فقلت: يا هذا، لو قلت: اللهم اغفر لي ولوالدي! قال: إن أمي من بني تميم، فأنا أحب أن لا يغفر الله لها.
بعث روح بن حاتم إلى كاتب له ثلاثين ألف درهم وكتب إليه: قد بعثت بها إليك، ولا أقللها تكبراً ولا أكثرها تمنناُ، ولا أطلب عليها ثناءً ولا أقطع بها عنك رجاءً.
كان أبو دلامة الشاعر في جيش والأمير فيه روح بن حاتم، فواقف روح العدو يوماً، فخرج رجل من العدو يدعو للبراز، فالتفت روح كالمعاتب إلى أبي دلامة فقال: اخرج إلى هذا الرجل، فسكت أبو دلامة قليلاً، ثم أنشأ يقول:
إني أعوذ بروح أن يقدمني ... إلى القتال فتشقى بي بنو أسد(8/338)
إن الدنو إلى الأعداء أعرفه ... مما يفرق بين الروح والجسد
إن المهلب حب الموت ورثكم ... ولم أرث نجدةً في الموت عن أحد
فضحك روح، وخرج إلى الرجل فقتله وانصرف.
وفي سنة أربع وسبعين ومئة أو خمس وسبعين توفي روح بن حاتم.
روح بن حبيب التغلبي
أدرك عصر سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وروى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: بينا أنا عند أبي بكر إذ أتي بغراب، فلما رآه بجناحين حمد الله ثم قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما صيد مصيد إلا بنقص من تسبيح، إلا أنبت الله نابه، وإلا وكل ملكاً يحصي تسبيحها حتى تأتي به يوم القيامة؛ ولا عضد من شجرة وشيجة يعني شجرة تقطع إلا بنقص في تسبيح، ولا دخل على امرئ مكروه إلا بذنب، وما عفا الله عنه أكثر. يا غراب أو غريبة، اعبد الله. ثم خلى سبيله.
روح بن زنباع بن سلامة
ابن حداد بن حديدة بن أمية بن امرئ القيس بن جمانة بن وائل بن مالك بن زيد مناة ابن أفصى بن سعد بن إياس بن أفصى بن حرام بن جذام وهو عمرو بن عدي ابن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد ابن كهلان بن سبأ، أبو زرعة ويقال: أبو زنباع الجذامي الفلسطيني لأبيه زنباع صحبة، أرسل عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحدث عن أبيه وغيره؛ وكان له اختصاص بعبد الملك بن مروان لا يكاد يغيب عنه؛ ودخل دمشق غير مرة. وأمره يزيد بن معاوية على جند فلسطين. وشهد مرج راهط مع مروان.(8/339)
حدث روح بن زنباع أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الإيمان يمان حتى جبال جذام، وبارك الله في جذام. قال بكر: فقال له مسعود: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحبهم.
وعن شرحبيل بن مسلم قال: زار روح بن زنباع تميماً الداري فوجده ينقي شعيراً لفرسه، وحوله أهله، فقال: أما كان في هؤلاء من يكفيك؟ قال تميم: بلى، ولكني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما من امرئ مسلم ينقي لفرسه شعيراً ثم يعلقه عليه إلا كتب له بكل حبة حسنةً.
وعن روح بن زنباع الجذامي أنه أتى تميماً أبا رقية في رهط، فوافاه على باب داره بين يديه غربال فيه شعير ينقيه لفرسه، فقال روح: أبا رقية! لو كفاك بعض أعوانك، فقال: لا، إني أريد الخير لنفسي، إني سمعت من أم المؤمنين يعني عائشة تقول: خرجت فإذا أنا برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح بردائه عن ظهر فرسه. قالت: فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله، أبثوبك تمسح عن فرسك؟! قال: نعم يا عائشة، وما يدريك لعل ربي أمرني بذلك، مع أني لقد بت وإن الملائكة لتعاتبني في حس الخيل ومسحها. فقلت له: يا نبي الله، فولنيه فأكون أنا التي ألي القيام عليه، فقال: إني لا أفعل، لقد أخبرني خليلي جبريل عليه السلام أن ربي عز وجل يكتب لي بكل حبة أوافيه بها حسنة، وأن ربي يحط عني بكل حبة يوافيه بها حسنة، ويحط عنه بكل حبة سيئة.
قال شعبة بن الحجاج: لما هم معاوية بن أبي سفيان بقتل روح بن زنباع قال: لا تشمت بي عدواً أنت وقمته، ولا تسؤ في صديقاً أنت سررته، ولا تهدم مني ركناً أنت بنيته، فصفح عنه وأطلقه.(8/340)
قال أبو معشر: لما مات معاوية بن يزيد بايع أهل الشام كلهم لابن الزبير إلا أهل الأردن. فلما رأى ذلك رؤوس بني أمية وناس من أهل الشام من أشرافهم وفيهم روح بن زنباع الجذامي، قال بعضهم لبعض: إن الملك كان فينا أهل الشام، فينتقل ذلك إلى الحجاز! لا نرضى بذلك.
كتب عبد الملك إلى روح بن زنباع: كيف تقول إذا تخوفنا الصواعق؟ قال: تقولون: اللهم، إنا نستعينك ونستغفرك، ونؤمن بك ونتوب إليك. ثلاثاً.
وأرسل عبد الملك إلى روح بن زنباع: كيف تقول إذا قحطت السماء؟ قال: تقولون: اللهم، الذنب الذي حبست عنا به المطر، فإنا نستغفرك منه فاغفر لنا واسقنا الغيث. ثلاث مرات.
دخل روح بن زنباع على عبد الملك وعنده الوليد ابنه، وكان روح ذا مكانة عند عبد الملك، فقال يا أمير المؤمنين أعدني على الوليد، فقال: مالك وله؟ قال: شكوت إليه عبيده في ضيعتي الفلانية التي تجاور ضيعته الفلانية فلم يشكني، فقال الوليد: أسرعت خيلك يا أبا زرعة! قال: نعم، مرتين يا بن أخي، مرة بصفين، ومرة بمرج راهط، وقام مغضباً؛ فقال عبد الملك للوليد: اركب إليه وهب له الضيعة بما فيها من عبيدها وأكرتها. فلم يسمعه روح حتى قيل له: الوليد بالباب، فخرج إليه، فاعتذر ووهب له الضيعة وما فيها ورجع إلى عبد الملك فأخبره بذلك.
قال الوليد بن أبي عون: كان روح بن زنباع إذا دخل الحمام فخرج منه أعتق رقبة.
حدث الشافعي قال: قال هشام بن عبد الملك لما مات روح بن زنباع، قال لبعض الناس: كيف كان روح؟ ثم قال: قال روح: والله ما أردت باباً من أبواب الخير إلا تيسر لي، ولا أردت باباً من أبواب الشر إلا لم يتيسر لي.
مات روح بن زنباع سنة أربع وثمانين.(8/341)
روح بن الهيثم الغساني
حدث عن محمد بن عمر القرشي قال: لما هدم الوليد بن عبد الملك الكنيسة التي في مغارب المسجد، وجد في أساسه حجراً مكتوباً بالعبرانية، فأتوا الوليد بن عبد الملك فقالوا: وجدنا في أساس الحائط حجراً فيه كتاب لا ندري بأي لسان! فجمع أهل الكتب فلم يجد أحداً يقرؤه، فقال له رجل من اليهود: ابعث إلى وهب بن منبه اليماني، فإنه يقرأ كل كتاب؛ فأرسل إليه، فقام إلى الحجر فقرأه، ثم بكى بكاءً شديداً، ثم دخل على الوليد بن عبد الملك فقال: ويحك يا وهب! لقد بكيت من شيء عظيم، فقال: لقد رأيت في هذا الحجر عظةً لمن اتعظ، وعبرةً لمن اعتبر؛ قال: وما رأيت؟ قال: رأيت: يا بن آدم، لو رأيت يسير ما بقي من أجلك لزهدت في طول ما ترجو به من أملك، وإنما يكفي ندمك إن زلت قدمك، وأسلمك أهلك وجسمك، وفارقك الحبيب، وودعك القريب، فلا أنت إلى أهلك بعائد، ولا في عملك بزائد؛ فاحتل ليوم القيامة، قبل الحسرة والندامة.
رومان مؤدب ولد عبد الملك ابن مروان
قال رومان: كتب إلي عبد الملك بكلمات يأمرني أن أحدثهن ولده، فقال: مرهم بإحراز ما أقبل قبل إدباره؛ والتعزي عن المدبر بعد تعذيره؛ وكتمان ما في النفس دون الخلصان؛ ومؤازرة الثقة من الإخوان؛ وتوقع انتقاض الإخوان؛ وقلة التعجب من غدر الخلان.(8/342)
رياح بن عبيدة الباهلي مولاهم
كان في صحابة عمر بن عبد العزيز بالمدينة، ثم خرج إلى الشام فكان معه.
حدث رياح بن عبيدة عن أسيد بن عبد الرحمن أخي عبد الحميد وهو ابن سودة عن عبد الله بن عمر قال: لبست ثوباً جديداً، فأتيت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو قاعد عند حجرة حفصة، في ليلة مظلمة، فسمع قعقعة الثوب فقال: من هذا؟ قلت: عبد الله بن عمر، قال: ارفع ثوبك قلت: يا رسول الله، إنه مرتفع، قال: ارفع ثوبك فإن الذي تجرونه خيلاء، لا ينظر الله إليه. وكان إزاري تلك الليلة إلى نصف الساق.
وعن رياح بن عبيدة أن أبان بن عثمان حدث عمر بن عبد العزيز أن عمر بن الخطاب كان لا يورث الحملاء.
وعن رياح بن عبيدة في قوله عز وجل: " سابقوا إلى مغفرة من ربكم " قال: التكبيرة الأولى والصف الأول.
قال رياح بن عبيدة: كنت قاعداً عند عمر بن عبد العزيز، فذكر الحجاج فشتمته ووقعت فيه، فقال عمر: مهلاً يا رياح، إنه بلغني أن الرجل يظلم يالمظلمة فلا يزال المظلوم يشتم الظالم ويتنقصه حتى يستوفي حقه، ويكون للظالم الفضل عليه.(8/343)
رياح بن عثمان بن حيان
ابن معبد بن شداد بن نعمان بن رياح بن أسعد بن ربيعة بن عامر بن مالك ابن يربوع بت غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض ابن ريث بن غطفان المري ولي إمرة دمشق لصالح بن علي الهاشمي أمير الشام ومصر من قبل المنصور. ثم ولي إمرة المدينة للمنصور.
حدث رياح بن عثمان وكان على المدينة قال: ما قدم علينا بريد لعمر بن عبد العزيز بالشام إلا بإحياء سنة أو قسم مال أو أمر فيه خير.
أتي عمر بن عبد العزيز بغلمة من أولاد المهالية لم يبلغوا الحنث، وعنده رجاء بن حيوة الكندي، ورياح بن عثمان المري، فقال عمر: يا رياح، ما تقول في هؤلاء الغلمة؟ قال: أقول ما قال نوح: " رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفارا " قال: فلم يوافقه ما قال، والتفت إلى رجاء بن حيوة فقال: ما تقول في هؤلاء الغلمة يا رجاء؟ قال: وما سبيلك على هؤلاء الغلمة، لم يبلغوا الحنث، ولم تجب عليهم الأحكام. فأخذ بقول رجاء وخلى سبيلهم. فلما خرج رجاء ورياح من عند عمر قال رياح: يا رجاء بن حيوة، إن لله رجالاً خلقهم للشر وهو منهم، وخلق رجالاً للخير وأنت منهم.
قال موسى بن عبد العزيز: لما أراد أبو جعفر عزل محمد بن خالد بن عبد الله القسري عن المدينة ركب ذات يوم. فلما خرج من بيته استقبله يزيد بن أسيد السلمي، فدعاه فسايره ثم قال: أما تدلني على فتىً من قيس مقل أغنيه وأشرفه وأمكنه من سيد اليمن يلعب به؟ يعني ابن القسري(8/344)
قال: بلى، قد وجدته يا أمير المؤمنين، قال: من هو؟ قال: رياح بن عثمان المري، قال: فلا تذكرن هذا لأحد. ثم انصرف فأمر بنجائب وكسوة ورحال، فهيئت للمسير. فلما انصرف من صلاة العتمة دعا برياح، فذكر له ما يلاقي من غش زياد وابن القسري في ابني عبد الله، وولاه المدينة، وأمره بالمسير من سلعته قبل أن يصل إلى منزله، وأمره بالجد في طلبهما؛ فخرج مسرعاً حتى قدمها في رمضان سنة أربع وأربعين ومئة.
وفي حديث: أن رياحاً لما دخل دار مروان وعبد الله يعني ابن حسن بن حسن محبوس في قبة الدار التي على الطريق إلى المقصورة، حبسه فيها زياد بن عبيد الله، قال لأبي البختري: خذ بيدي ندخل على هذا الشيخ، فأقبل متكئاً علي حتى وقف على عبد الله بن حسن، فقال: أيها الشيخ، إن أمير المؤمنين والله ما استعملني لرحم قريبة، ولا ليد سلفت إليه، والله لا لعبت بي كما لعبت بزياد وابن القسري، والله لأزهقن نفسك أو لتأتيني بابنيك محمد وإبراهيم. قال: فرفع إليه رأسه وقال: نعم، أما والله إنك لأزيرق قيس، المذبوح فيها كما تذبح الشاة. قال أبو البختري: فانصرف رياح آخذاً بيدي أجد برد يده، وإن رجليه لتخطان مما كلمه. قال: قلت: إن هذا ما اطلع على الغيب، قال: إيهاً ويلك! فوالله ما قال إلا ما سمع، قال: فذبح والله ذبح الشاة.
قال الحارث بن إسحاق: ذبح إبراهيم بن مصعب المعروف بابن خضير رياحاً ولم يجهز عليه، فجعل بضرب برأسه الجدار حتى مات، وقتل معه أخاه عباس بن عثمان وكان مستقيم الطريقة، فعاب الناس ذلك عليه. ثم مضى إلى ابن القسري وهو محبوس فنذر به، فردم بابي الدار دونه فعالج البابين، فاجتمع من في الحبس فشدوهما ولم يقدر عليهم، فرجع إلى محمد فقاتل بين يديه حتى قتل.(8/345)
رياح بن الفرج الدمشقي
حدث عن زيد بن يحيى بن عبيد بسنده عن أم الدرداء أن أبا الدرداء كان إذا رأى الميت قد مات على حال صالحة قال: هنيئاً له، ليتني بدلك. فقالت له أم الدرداء: لم تقول ذلك؟ فقال: هل تعلمين يا حمقاء أن الرجل يصبح مؤمناً ويمسي منافقاً؟ فقالت: وكيف؟ قال: يسلب إيمانه ولا يشعر، لأنا لهذا الموت أغبط مني لهذا بالبقاء في الصلاة والصيام.
ريان بن عبد الله أبو راشد
الأسود الخادم، مولى سليمان بن جابر روى عن عمارة بن وثيمة بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الأعمال أيها أفضل؟ قال: إقامة الصلاة، وبر الوالدين، والجهاد في سبيل الله.
ريان بن عبد الله
حدث ريان بن عبد الله بصيدا عن أبي محمد أحمد بن محمد بن الحجاج المرعشي بسنده عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: يا أحمد، إن أهل الطاعة ليس بالطاعة سعدوا، ولكن بالسعادة أطاعوا، وإن أهل المعاصي ليس بالمعاصي شقوا، ولكن بالشقوة عصوا.(8/346)
أسماء النساء على حرف الراء
رابعة بنت إسماعيل
من المتعبدات. كانت زوج أحمد بن أبي الحواري، وكانت هي خطبت أحمد، فكره ذلك لما كان فيه من العبادة، وقال لها: ليس لي همة في النساء لشغلي بحالي، فقالت: إني لأشغل بحالي منك، وما لي شهوة، ولكني ورثت مالاً جزيلاً من زوجي فأردت أن أنفقه على إخوانك وأعرف بك الصالحين فتكون لي طريقاً إلى الله. فقال: حتى أستأذن أستاذي، قال: فرجعت إلى أبي سليمان وكان ينهاني عن التزويج ويقول: ما تزوج أحد من أصحابنا إلا تغير. فلما سمع كلامها قال: تزوج بها فإنها ولية لله، هذا كلام الصديقين. قال: فتزوجها. قال: وتزوجت عليها ثلاث نسوة، فكانت تطعمني الطيبات وتطيبني وتقول: اذهب بنشاطك وقوتك إلى أزواجك. وكانت تشبه في أهل الشام برابعة العدوية في أهل البصرة.
قال سري السقطي: أتيت دمشق فسألت عن أحمد بن أبي الحواري فأرشدوني إليه في المسجد، فقلت: يا أحمد، عظني وأوجز، فقال: ما أحسن، قلت: فأرشدوني إلى من يحسن، قال: صر إلى المنزل فإن أهلي تحسن يعني زوجته فمضيت في طريقي فلقيت راهباً كبيراً يتبعه راهب صغير، فقلت للصغير: لم تتبع هذا؟ قال: هو(8/347)
طبيبي يسقيني الدواء، فردد عليه من كلامه شيئاً لا أعقله؛ فجئت إلى منزل أحمد بن أبي الحواري فقرعت الباب، فكلمتني امرأة من وراء حجاب فقلت: إني أتيت أحمد فقلت: عظني فقال: ما أحسن، فقلت: أرشدني إلى من يحسن، فقال: صر إلى المنزل فإن أهلي هي تحسن، فمضيت في طريقي فإذا براهب كبير يتبعه راهب صغير، فقلت للصغير: لم تتبع هذا؟ قال: هو طبيبي يسقيني الدواء، فورد علي من كلامه شيء لا أعقله. فقالت: يا ليت شعري! أي الدواءين يسقيه دواء الإفاقة أم دواء الراحة؟ قلت: رحمك الله، وما دواء الإفاقة وما دواء الراحة؟ قالت: أما دواء الإفاقة فالكف عن محارم الله، وأما دواء الراحة فالرضى عن الله في جميع الأمور كلها. ثم كلمتني بكلمة لا تخرج من رأسي أبداً، قلت: وما هي رحمك الله؟ قال: قالت: أما علمت أن العبد إذا أخلص بعمله لله عز وجل، أطلعه الجليل على مساوئ عمله، فاشتغل بها عن جميع خلقه. قلت: بسي.
قالت رابعة: قالت لي راهبة: إن أردت أن يطهر قلبك ويزكو بدنك فأريدي الله بصومك وصلاتك، ولا تريدي بهما قضاء الحوائج منه.
قال أحمد: فحدثت به أبا سليمان فقال لي: ما هذا كلام راهبة ولا كلامها، هذا كلام الأنبياء.
قال أحمد بن أبي الحواري: لقيت راهباً بالأردن فقلت: ما اسمك؟ قال: يوسف، قلت: إلى أين؟ قال: إلى ذاك الدير، قلت: ما تقول في الزهد؟ قال: وما الزهد؟! إذا وقع في يميني شيء أخرجته بشمالي في الوقت، قلت: ما تحبس لنفسك شيئاً؟ قال: لا، إذا جاع أو عطش سبح فشبع وروي، ومضى وتركني؛ فالتفت فإذا أنا بامرأة تقول: يا فتى، ما كان فيما جاء به محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كفاية حتى تسأل الراهب؟ فسألت عنها، فإذا هي رابعة امرأة أحمد بن أبي الحواري.
قال أحمد بن أبي الحواري: جئت إلى البيت وأنا متفكر فقالت لي امرأتي رابعة: لم تتفكر؟ قال: قلت: رأيت شيخاً راهباً ووراءه غلام حدث ذاهب، فقلت للغلام: لم تتبع هذا؟ قال: يسقيني الدواء، فقالت لي رابعة: فماذا قلت له؟ قال: قلت: ما قلت له شيئاً، قالت: فألا قلت له: دواء الخوف أو دواء المحبة؟(8/348)
قال أحمد بن أبي الحواري: جلست آكل، وجعلت رابعة تذكرني، قلت لها: دعينا تهنينا بطعامنا، قالت: ليس أنت ولا أنا ممن يتنغص عليه الطعام عند ذكر الآخرة.
وقال أحمد: سمعت رابعة تقول: ما رأيت ثلجاُ قط إلا ذكرت تطاير الصحف، ولا رأيت جراداً قط إلا ذكرت الحشر، ولا سمعت أذاناً قط إلا ذكرت منادي القيامة.
قال: وقلت لنفسي: كوني في الدنيا بمنزلة المطر الواقع حتى يأتيك قضاؤه.
قال أحمد: قلت لرابعة وهي امرأتي وقامت بالليل: قد رأينا أبا سليمان وتعبدنا معه، ما رأيت من يقوم في أول الليل! فقالت: سبحان الله! مثلك يتكلم بمثل هذا! إنما أقوم إذا نوديت.
قال أحمد بن الحواري: كان لرابعة أحوال شتى، فمرة غلب عليها الحب، ومرة غلب عليها الأنس، ومرة غلب عليها الخوف؛ فسمعتها في حال الحب تقول:
حبيب ليس يعدله حبيب ... ولا لسواه في قلبي نصيب
حبيب غاب عن بصري وشخصي ... وفي قلبي حبيب لا يغيب
وسمعتها في حال الأنس تقول:
ولقد جعلتك في الفؤاد محدثي ... وأبحت جسمي من أراد جلوسي
فالجسم مني للجليس مؤانس ... وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي(8/349)
وسمعتها في حال الخوف تقول:
زادي قليل ما أراه مبلغي ... فللزاد أبكي أم لبعد مسافتي
أتحرقني بالنار يا غاية المنى ... فأين رجائي فيك أين مخافتي؟
قال أبو دجانة: كانت رابعة إذا غلب عليها الحب تقول:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ... هذا محال في الفعال بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته ... إن المحب لمن أحب مطيع
رباب بنت امرئ القيس
ابن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم بن هبل بن عبد الله بن كنانة الكلبية زوج الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأم ابنته سكينة، كانت فيمن قدم به من آل الحسين دمشق بعد قتله على يزيد؛ وذكرها الحسين رضي الله عنه في شعر له.
قال عوف بن خارجة: إني عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته إذ أقبل رجل أصعر يتخطى رقاب الناس حتى قام بين يدي عمر، فحياه تحية الخلافة، فقال عمر: ما أنت؟ فقال: امرؤ نصراني، وأنا امرؤ القيس بن عدي الكلبي، فلم يعرفه عمر، فقال له رجل من القوم: هذا صاحب بكر بن وائل الذي أغار عليهم في الجاهلية يوم فلج، فما تريد؟ قال: أريد الإسلام، فعرض عليه، فقبله ثم دعا له برمح، فعقد له على من أسلم من قضاعة. قال: فأدبر الشيخ واللواء يهتز على رأسه. قال عوف بن خارجة: ما رأيت رجلاً لم يصل سجدةً(8/350)
أمر على جماعة من المسلمين قبله. قال: ونهض علي بن أبي طالب ومعه أبناء الحسن والحسين رضي الله عنهم من المجلس حتى أدركه، فأخذ برأسه فقال: أنا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصهره، وهذان ابناي من ابنته، وقد رغبنا في صهرك فأنكحنا، قال: قد أنكحتك يا علي المحياة بنت امرئ القيس، وأنكحتك يا حسن سلمى بنت امرئ القيس، وأنكحتك يا حسين الرباب بنت امرئ القيس.
وهي التي يقول فيها الحسين رضي الله عنه:
لعمرك إنني لأحب داراً ... تحل بها سكينة والرباب
أحبهما وأبذل بعد مالي ... وليس للائمي فيها عتاب
ولست لهم وإن عتبوا مطيعاً ... حياتي أو يغيبني التراب
وهي التي أقامت على قبر الحسين رضي الله عنه حولاً ثم قالت:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر
وسكينة اسمها آمنه أو أميمة، وإنما سكينة لقب لقبتها أمها الرباب بنت امرئ القيس.
ولما توفي الحسين خطبت الرباب وألح عليها فقالت: ما كنت لأتخذ حمواً بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم تزوج، وعاشت بعده سنةً لم يظلها سقف بيت حتى بليت وماتت كمداً. وكانت من أجمل النساء وأعقلهن.
وقيل: إنها ماتت في زمن الحسين.(8/351)
رحمة بنت أفراييم بن يوسف
ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. ويقال: رحمة بنت ميشا بن يوسف بن يعقوب زوج أيوب عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام. كانت مع زوجها أيوب بأرض البثنية.
لما شط إبليس على أيوب لم يسلط على زوجه ولا على عينيه ولا قلبه ولا لسانه، فكان قلبه للشكر، ولسانه للذكر، وعيناه ينظر بهما إلى السماء. فلما أصابه الجدري جاءت امرأته حتى جلست بين يديه وكانت امرأته رحمة بنت ميشا بن يوسف، وكانت أم ميشا ازليخا امرأة يوسف، وكان قبل يوسف امرأة فوطرقير العزيز الذي كان اشترى يوسف فلما جاءت امرأته إليه فجلست، وجاء إبليس فجلس معها إلى أيوب، فقالت رحمة: يا أيوب، قد هلك الولد وهي تبكي، فجثا إبليس كأنه حاضن ولده، ينوح على ولده وعلى أيوب، يقول: يا أيوب، قد صبرنا على ذهاب المال فكيف بالولد، وكيف لو رأيت حين رضخوا بالحجارة، وكيف تفلقت الهام منهم، وكيف سال الدماغ من مناخرهم، وكيف رضت عظامهم، وكيف تناثرت أحداقهم؛ يا أيوب، فكيف بالصبر بعد هؤلاء على ما نرى بك من هذا البلاء؟ قال: فالتفت إليهما فقال: أما الولد فالله كان أرحم بهم مني ومنك أيتها المرأة يعني امرأته وأما المال، فكان عارية أعارنيه ربي توسعت فيه ما دام عندي، ثم قبضه، فله الحمد؛ وأما أنت يا أيها المتكلف، فما بكاؤك ونوحك؟! اذهب عني، فإني قد رضيت بقضاء ربي وسلمت لأمره. ثم قال لامرأته: يا هذه، دعيني عنك من جزعك، والزمي الصبر، قالت: يا سيدي، أصبر معك في الضيق والبلاء والشدة، كما صبرت في الرخاء والنعيم.
وكذلك كان السلف من آبائنا، إذا ابتلوا صبروا. قال: فانصرف إبليس خائباً(8/352)
منكسراً؛ قال: وتساقط جلد أيوب وتناثر لحمه، وجرى الدود بين الجلد والعظم، وانقطع عنه ما كان فيه من نعيم الدنيا، فكانت امرأته تتصدق الكسرة واللقمة فتطعمه إياه، وتطحن للناس بيدها وتأخذ بأجرها طعاماً؛ فلم تزل على ذلك لا يغيرها عن حالها لأيوب من طول البلاء.
فجعل إبليس يجمع المردة من أصحابه، ويطوف المشارق والمغارب يطلب المكيدة لأيوب، لا يقدر على شيء يعلم أنه يصل إلى مكايدته إلا أتاه، حتى أعياه ذلك؛ فأتاه من قبل النصيحة والطب، فجعل يختلف إليه في صورة رجل مسافر يعرض عليه أنواع المعاصي بسبب الطب، فلا يجيبه أيوب إلى شيء، فانطلق الخبيث إلى ثلاثة إخوة لأيوب كانوا مصافين له، يحبونه في الله، فقال لهم: هل تعلمون ما نزل بأخيكم أيوب؟ قالوا: لا، فقص عليهم قصة أيوب، فقال لهم: أرى لكم أن تنطلقوا إليه بطعام، فإن امرأته تتصدق، واحملوا إليه خمراً فإن شفاءه فيها؛ فانطلقوا حتى إذا دنوا منه ولم تستطع دوابهم أن تدنو منه لنتن ريحه، وما قد تغير من لونه، ولم يبق من أيوب غير العينين ينظر بهما إلى السماء.
وعن ابن عباس: أن إبليس حين أيس من أيوب جمع المردة فقال: ويلكم! أين مكركم وكيدكم الذي كنتم تضلون به بني آدم؟ قالوا: يا سيدنا، قد اضمحل ذلك كله، إنما بقيت واحدة، أن تأتيه من قبل امرأته، فلعل هي أن تخدعه وهو يرق لها فتظفر بحاجتك منه. فانطلق إبليس فجلس لها على طريقها فقال لها: يا رحمة، أين المال؟ أين البنيان؟ أين النعيم؟ أين السعة؟ أين الخدم؟ أين الولد؟ فبكى معها وبكت، فقال لها: ما تستطيعين أن تكلميه أن يشرب شربةً من خمر، فإن فيها شفاءه، ثم يتوب؟ قال: وسوس إليها وجرى منها مجراه من ابن آدم؛ فانطلقت محمارةً وجنتاها، يرعد كل مفصل منها حتى جلست بين يدي أيوب فقالت: يا أيوب، أين المال؟ أين السعة؟ أين الولد؟ أين الخدم؟ ألا تنظر إلى ما صرنا إليه، إنما هي شربة ثم تتوب، فنظر إليها فقال: لعن الله من وسوس إليك! ومن علمك هذا؟ لله علي إن عوفيت لأجلدنك مئة جلدة عقوبةً(8/353)
لك بما فعلت. فلما أن رأت ندمت وذهب عنها الخبيث، فوقعت على أيوب تلحسه وتقول: يا سيدي؛ هذا مكان العائذ من غضبك، فلم تزل به حتى رضي عنها وعذرها.
وعن ابن عباس قال: قالت امرأة أيوب لأيوب: إنك رجل مجاب الدعوة، فادع الله أن يشفيك، فقال: كنا في النعماء سبع سنين، فدعينا نكون في البلاء سبعين سنة، فمكث في ذلك البلاء سبع سنين.
وعن ابن عباس أن أيوب اشتهى إداماً من سمن أو لحم أو جبن أو لبن، فلم تصب امرأته حتى باعت قرناً من شعرها، فعند ذلك نادى أيوب ربه، وذلك أن امرأته أتته بشهوته، فلما رأى ذلك قال لها: من أين لك هذا؟ فكشفت عن رأسها فقالت: بعت قرناً من شعري، فقال عند ذلك: إلهي؛ ابتليتني بذهاب المال والولد، ثم البلاء في جسدي، ثم صيرتني أن أعيش من شعر حليلتي، فارض عني، وإن كان هذا رضىً لك فزدني وأنت أرحم الراحمين، قد ترى ما نزل بي. فذلك قوله: " وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " يقول الله " فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر ".
قال ابن عباس: جاءه جبريل عليه السلام فقال: السلام عليك يا أيوب، رب العزة يقرئك السلام ويقول: " اركض برجلك " اليمين، قال: فضرب بها الأرض، فتناثر كل دود عليه من قرنه إلى قدميه، ونبعت عين من تحت رجله اليمنى، ثم قال: اركض برجلك اليسرى، قال: فضرب بها الأرض فتناثر ما كان بقي من الدود، ونبعت عين من تحت قدمه اليسرى، فقال جبريل: ثم فادخل هذه العين " هذا مغتسل " فاغتسل فيه، فاغتسل فيها فخرج منها صحيحاً سليماً نشيطاً على حسنه وجماله وشبابه؛ واشرب من الأخرى وهي اليمنى " بارد وشراب " قال: فشرب منها، فخرج كل شيء كان في(8/354)
بطنه، وجرت النضرة في بشره وشعره. قال: وكسي ورد الله عليه أمواله وخدمه ومثلهم معهم، وصارت منازله وجنانه وخدمه على ما كان، وفسح الله له فيها مثلهم. يقول الله تعالى " ومثلهم معهم " قال: وجلس جبريل معه يحدثه إذ جاءته امرأته فرأت منازلها ومجالسها وأنكرت المكان الذي تركت فيه أيوب وكانت تركته على زبل يتمرغ في الرماد فصكت وجهها ودعت بالويل وقالت: من رأى المبتلى؟ فقال أيوب: أما تعرفينه لو رأيته؟ فقالت: أما في حال صحته وشبابه كأنه أشبه الناس بك، قال جبريل: فهو هو، قال أيوب: قد من الله علي ورد علي مالي وخدمي وأهلي ومثلهم معهم. قالت: فأين الولد؟ وكان له ثلاثة عشر ولداً فأوحى الله إليه عند مقالتها أين الولد، قال: يا أيوب إن شئت بعثتهم لك وإن شئت أقررتك في الجنة، وأعطيتك بدلهم في الدنيا مثلهم، فقالا جميعاً أيوب وامرأته: يا رب، دعهم في الجنة وأعطنا غيرهم، قال: قد فعلت.
قال ابن عباس: فمن زعم أن أولاده نشروا وبعثوا فقد كذب. وقال جبريل: إن الله يأمرك أن تأخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث، وذلك أنه أمره أن يأخذ ضغثاً فيه مئة ساق من عيدان القت، فيضرب به امرأته لليمين التي حلف عليها. قال ابن عباس: ولا يجوز ذلك لأحد بعد أيوب إلا الأنبياء. قال: وبعث الله سبحانه فأمطر عليه في داره بعد صلاة العصر حتى توارت بالحجاب جراد الذهب.
وفي حديث عكرمة قال: أتى إبليس فقيل له: هذا أيوب قد خلينا بينك وبينه فأت فيه بما قدرت عليه من شيء إلا اثنتين، قال إبليس: وأي شيء هاتين الثنتين التي منعتنيها. قال: قال له الرسول: يقول لك ربك: ليس لك أن تخرج نفسه ثم تعيدها، وليس لك على امرأته(8/355)
سلطان. قال: وعلم الله بما يلقى أيوب مما لم يعلم إبليس، فجعل امرأته عوناً له. قال إبليس: فنعم. قال: وكان أيوب هو بنى المصلى الذي كانوا يصلون فيه، وكان منزله فيه، وكان ذا ماشية ورقيق، وكان إمامهم، قال: فأقبل على ماشيته فأفناها، قال: فلا يرى من أيوب شيئاً يحبه، قال: ثم أقبل على رقيقه فأفناهم، فلا يرى شيئاً يحبه، قال: ثم أقبل على ولده فأفناهم فلا يرى شيئاً يحبه، قال: فأقبل على أيوب في بدنه فابتلاه بلاءً شديداً.
فلما اشتد بأيوب البلاء، وذهبت ماشيته ورقيقه ولده، فلم يبق إلا هو وامرأته قال لها: يا هذه، انظري إلى ما آمرك به فاصنعيه، قالت: وما هو؟ قال: احمليني فألقيني في القرية، قالت: يا أيوب، ألا تتقي الله، قد نزل بك ما ترى وأنا امرأة ضعيفة تأمرني ن أخرج من منزلنا الذي هو منزلنا؟! قال: نعم، أطيعيني فإني أخاف أن أكون قد شققت على أهل هذا المصلى؛ فاحتملته فألقته في القرية. قال: فاشتد ريحه، فدعاها فقال: يا هذه، لا أحسبني إلا قد شققت على أهل هذه القرية، يمرون فيجدون ريحي فتؤذيهم، قالت: يا أيوب، اتق الله، أنا امرأة ضعيفة، ليس معي غيري، قالت: فأين أذهب بك؟ نرى أن نكون مع الناس؛ قال: نعم، انظري إلى هذه الكساحة الخارجة من القرية، فاحمليني فألقيني عليها ولا تؤذي أهل القرية، فلا أحسبني إلا قد شققت عليهم فأطيعيني، فاحتملته فألقته على الكساحة. قال: وألح عليه إبليس لا يرى منه شيئاً يحب، لا يراه إلا صابراً. قال: فلا أدري ما قال لامرأته يوماً، فجاء منها شيء، فآلى ليجلدنها مئة جلدة إن برئ.
قال: واشتد به البلاء، فقالت له امرأته: والله إني لأعلم أن الله لم يفعل بك هذا من هوانك عليه، هو ربك، ولكنه أراد أن يبتليك كما ابتلى أباك إبراهيم، لينظر أتصبر وتشكر؟ قال: فتريدين ماذا؟ قالت: ادع الله، فوالله ليكشفن عنك ذا البلاء، قال: فكم مضى من عمري؟ قالت: كذا وكذا، قال: فقد كنت في تلك النعمة والرفاهية والخير، فما ابتلاني بعد ذلك، قال: فجزعت وقالت: يا أيوب! فإنك تريد أن تصبر على قدر ذلك!(8/356)
فأصبحت يوماً وقد اشتد بأيوب البلاء حتى ما يقدر على المنطق، وذهل عنه أهل المصلى فقالوا: هذا المبتلى سبع سنين على الكساحة وسبعة أشهر وسبعة أيام، وقد أغفلنا لا نتعاهده، انطلقوا بنا نتعاهده ونسلم عليه ونسأله أله حاجة؟ فأقبلوا بجماعتهم، وغدت امرأته حتى تقضي ما تطلب له، وبقي وحده، وانتهوا إليه فلم يستطيعوا يدنون منه ساعةً ولا يسمعونه، قالوا: فكيف نصنع، نرجع؟ فقال بعضهم: أغفلناه هذه السنوات، فلما جئناه ورأيناه ورآنا ننصرف ولا نكلمه؟! فقال بعضهم: نضع ثيابنا على أنفنا وندنو منه فنكلمه، ثم ننصرف عنه، ونعر ض عليه الحاجة؛ قال: فأخذوا على أنفهم ودنوا منه حيث يسمعونه الكلام، فلما رأوه عاينوا عظيماً لم يروه قبل ذلك في أحد، حتى رأوا الدواب تخترق فيه، فقال رجل: يا أيوب، لو علم الله فيك خيراً لم يبتلك بما نرى، وانصرفوا عنه راجعين. قال: فعرض لربه بالدعاء فقال: " أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " قال: ونزل عليه جبريل، فخرق له الأرض بجناحيه، فنبعت له عينان، فقال: يا أيوب، اشرب من هذه واغتسل في هذه؛ قال: فشرب واغتسل، فإذا أيوب أحسن ما كان صورةً وأتمه، ونهض عنه جبريل. قال: ففكر أيوب في بلاء امرأته عنده وحسن صنيعها إليه وصبرها عليه، قال: لا أبرح حتى تجيء؛ قال: فقعد في فيء شيء، وأقبلت امرأته من حاجتها ولم تره، فانطلقت والهةً إلى القرية تسعى ثم عادت والهةً لا تعقل، ومرت بأيوب فقالت: يا عبد الله، هل رأيت ذاك المبتلى الملقى على الكساحة؟ قال: يقول لها أيوب: وماذا تخشين عليه؟ قالت: صدقت، ولكن أخشى أن يكون كلب أو سبع اجتره، قال: فما تمالك أيوب أن بكى وقال: هل تعرفينه لو رأيته؟ فنظرت إليه فقالت: والله إنك لأشبه خلق الله به إذ كان صحيحاً، قال: فأنا أيوب، قالت: أنت أيوب! قال: أنا أيوب، ألم أخبرك أن الله أراد أن يتم نعمته علي، قال: فرجع إلى محرابه.
وحكى وهب بن منبه قال: قال إبليس لامرأة أيوب: بم أصابكم ما أصابكم؟ قالت: بقدر الله، قال: وهذا أيضاً! فاتبعيني، فأراها جميع ما ذهب منهم في واد، فقال: اسجدي لي وأرد(8/357)
عليكم، فقالت: إن لي زوجاً أستأمره، فأخبرت أيوب فقال: أما آن لك أن تعلمي، ذاك الشيطان، لئن برئت لأضربنك مئة جلدة.
وعن ابن المسيب: أنه بلغه أن أيوب على نبينا وعليه الصلاة والسلام كان حلف ليجلدن امرأةً له في أن جاءته بزيادة على ما كانت تأتي به من الخبز الذي كانت تعمل عليه، فخشي أن تكون قد قارفت شيئاً من الخيانة. فلما رحمه الله وكشف عنه الضر، وعلم براءة امرأته مما اتهمها به، قال الله: " خذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث " فأخذ ضغثاً من ثمام، وهو مئة، فضرب به كما أمره.
رملة بنت الزبير بن العوام
ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، القرشية الأسدية تزوجها خالد بن يزيد بن معاوية، ونقلها إلى دمشق، وله فيها أشعار. وكانت جزلةً عاقلةً.
وعن جويرية بن أسماء قال: نشزت سكينة على زوجها عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام، وأمه رملة بنت الزبير بن العوام، فدخلت رملة بنت الزبير وهي عند خالد بن يزيد بن معاوية على عبد الملك فقالت: يا أمير المؤمنين، لولا أن تذر أمورنا ما كانت لنا رغبة فيمن لا يرغب فينا، سكينة نشزت على ابني، فقال: يا رملة، إنها سكينة، قالت: وإن كانت سكينة، فوالله لقد ولدنا خيرهم وأنكحنا خيرهم، فقال: يا رملة غرني منك عروة، قالت: ما غرك، ولكن نصح لك، إنك قتلت مصعباً أخي، فلم يأمني عليك.(8/358)
وعن عمر بن عبد العزيز قال: حج خالد بن يزيد بن معاوية سنة قتل الحجاج عبد الله بن الزبير، فخطب رملة بنت الزبير، فبلغ ذلك الحجاج، فأرسل إليه حاجبه وقال له: قل لخالد: ما كنت أراك تخطب إلى آل الزبير حتى تشاورني، ولا كنت أراك تخطب إليهم وليسوا لك بأكفاء، وقد قارعوا أباك على الخلافة ورموه بكل قبيح. فأبلغه الرسالة، فنظر إليه خالد طويلاً ثم قال: لو كانت الرسل تعاقب لقطعتك آراباً ثم طرحتك على باب صاحبك! قل له: ما كنت أظن أن الأمور بلغت بك أن أشاورك في مناكحة قريش؛ وأما قولك: أن ليسوا بأكفاء، فقاتلك الله يا حجاج، يكون العوام كفؤاً لعبد المطلب بزوجه صفية، ويتزوج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خديجة بنت خويلد ولا تراهم أكفاء لآل أبي سفيان! وأما قولك: قارعوا أباك على الخلافة ورموه بكل قبيح، فهي قريش يقارع بعضها بعضاً، حتى إذا أقر الله الحق مقره، عادت إلى أحلامها وفضلها. فرجع إليه، فأعلمه ذلك. وتزوج خالد رملة بنت الزبير أخت مصعب لأمه. أمهما الرباب الكلبية.
وفي رملة يقول خالد:
تخيرتها من سر نبع كريمةً ... موسطةً فيهم زبيريةً قلبا
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: حج عبد الملك بن مروان، وحج معه خالد بن يزيد، وكان من رجالات قريش المعدودين وعلمائهم، وكان عظيم القدر عند عبد الملك، فبينا هو يطوف بالبيت إذ بصر برملة بنت الزبير بن العوام فعشقها عشقاً حديداً، ووقعت بقلبه وقوعاً متمكناً، فلما أراد عبد الملك القفول هم خالد بالتخلف عنه، فوقع بقلب عبد الملك تهمة، فسأله عن أمره؟ فقال: يا أمير المؤمنين، رملة بنت الزبير رأيتها تطوف بالبيت فأذهلت عقلي، والله ما أبديت إليك ما بي حتى عيل صبري، ولقد عرضت النوم على عيني فلم تقبله، والسلو على(8/359)
قلبي فامتنع؛ فأطال عبد الملك التعجب من ذلك وقال: ما كنت أقول إن الهوى يستأسر مثلك! فقال: إني اشد تعجباً من تعجبك مني، ولقد كنت أقول: إن الهوى لا يتمكن إلا من صنفين من الناس: الشعراء والأعراب؛ فأما الشعراء فإنهم ألزموا قلوبهم الفكر في النساء والغزل، فمال طبعهم إلى النساء فضعفت قلوبهم عن دفع الهوى، فاستسلموا إليه منقادين وأما الأعراب فإن أحدهم يخلو بامرأته، فلا يكون الغالب عليه غير حبه لها، ولا يشغله شيء عنها، فضعفوا عن دفع الهوى فتمكن منهم. وجملة أمري، فما رأيت نظرةً حالت بيني وبين الحرم، وحسنت عندي ركوب الإثم مثل نظري في هذه؛ فتبسم عبد الملك وقال: أو كل هذا قد بلغ بك؟ فقال: والله ما عرفتني هذه البلية قبل وقتي هذا. فوجه عبد الملك إلى آل الزبير يخطب رملة على خالد، فذكروا لها ذلك فقالت: لا والله أو يطلق نساءه، فطلق امرأتين كانتا عنده، إحداهما من قريش، والأخرى من الأزد، وكانتا كريمتين عنده. وظعن بها إلى الشام وفيها يقول:
أليس يزيد السوق في كل ليلة ... وفي كل يوم من حبيبتنا قربا
خليلي ما من ساعة تذكرانها ... من الدهر إلا فرجت عني الكربا
أحب بني العوام طراً لحبها ... ومن أجلها أحببت أخوالها كلبا
تجول خلاخيل النساء ولا أرى ... لرملة خلخالاً يجول ولا قلبا
وقال فيها:
نظرت إليها فاستحلت بها دمي ... وكان دمي غال فأرخصه الحب
وغاليت في حبي لها فرأت دمي ... حلالاً فمن هاذاك داخلها العجب
وقيل: إن خالداً تزوج رملة وهو بالشام وهي بالمدينة، وكتب إليها فوافته بمكة، فأرادها أن يدخل بها قبل أن تحل فأبت عليه، فألح عليها، فرحلت في جوف الليل متوجهةً إلى المدينة، فبلغ ذلك خالداً فطلبها ومعه عبيد الراعي النميري، فأدركها في المنصف بعد يوم وليلة، فحلف لها أن لا يقربها حتى تحل، وقال في ذلك:(8/360)
أحن إلى بيت الزبير وقد علت ... بي العيس خرقاً من تهامة أو نقبا
إذا نزلت ماءً تحبب أهله ... إلينا وإن كانت مسابقةً حربا
وإن نزلت ماءً وكان قليبها ... مليحاً وجدنا شربه بارداً عذبا
فإن تسلمي أسلم وإن تتنصري ... تخط رجال بين أعينهم صلبا
قيل: إن عبد الملك ذكر له هذا البيت فقال خالد: على قائله لعنة الله يا أمير المؤمنين. يعني:
فإن تسلمي أسلم وإن تتنصري
رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب
ابن أمية بن عبد شمس، أم حبيبة، أم المؤمنين زوج سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قدمت دمشق زائرةً لأخيها معاوية، وقيل: قبرها بها. والصحيح أنها ماتت بالمدينة.
حدثت أم حبيبة قالت: كنا نفعله على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تعني نصلي الصبح بمنىً يوم النحر.
وعن أم حبيبة قالت: دخل علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت له: هل لك في أختي ابنة أبي سفيان؟ قال: فأفعل ماذا؟ فقلت: تنكحها، فقال أختك؟ قلت: نعم، قال: أتحبين ذلك؟ قلت: نعم، لست لك بمخلية، وأحب من شركني في خير أختي، قال: فإنها لا تحل لي. قالت: فوالله لقد أنبئت أنك تخطب درة ابنة أبي سلمى، قال: ابنة أبي سلمة؟ قالت: نعم، قال: فوالله لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأباها ثويبة، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن.(8/361)
وحدثت أم حبيبة عن زينب بنت جحش قالت: استيقظ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محمراً وجهه وهو يقول: لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا، وحلق، قالت: قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث.
كانت أم حبيبة قبل أن يتزوجها سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحت عبيد الله بن جحش الأسدي، أسد خزيمة. وكان خرج بها من مكة مهاجراً إلى أرض الحبشة، فافتتن عبيد الله وتنصر بها، ومات على النصرانية، وأبت أم حبيبة أن تتنصر، فأتم الله لها الإسلام والهجرة حتى قدمت المدينة، فخطبها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فزوجها إياه عثمان بن عفان؛ ويقال: تزوجها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي بأرض الحبشة، زوجها إياه النجاشي، وأمهرها أربعة آلاف درهم، وجهزها من عنده؛ وبعث بها إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع شرحبيل بن حسنة، وما بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليها بشيء.
قالوا: تزوجها في سنة ست، ودخل بها في سنة سبع من الهجرة.
وتوفيت أم حبيبة سنة أربع وأربعين. وقيل: سنة اثنتين وأربعين.
وقيل: إن الذي ولي عقدة النكاح ابن عمها خالد بن سعيد بن العاص.
وقد قيل إن النجاشي أصدقها أربع مئة دينار، وأولم عليها عثمان بن عفان لحماً وثريداً، وبعث إليها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرحبيل بن حسنة فجاء بها.
وعن أم حبيبة قالت: رأيت في النوم كأن عبيد الله بن جحش زوجي بأسوإ صورة وأشوهه، ففزعت فقلت: والله تغيرت والله حاله، فإذا هو يقول حيث أصبح: يا أم حبيب، إني نظرت في الدين فلم أر ديناً خيراً من النصرانية، وكنت قد دنتها، ثم دخلت في دين محمد، ثم قد رجعت إلى النصرانية، فقلت: والله ما خير لك، وأخبرته بالرؤيا التي رأت له، فلم يحفل بها وأكب على الخمر حتى مات؛ فأرى في النوم كأن آتياً يقول: يا أم المؤمنين، ففزعت، فأولتها أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتزوجني، قالت: فما هو إلا انقضت عدتي، فما شعرت إلا برسول النجاشي على بابي يستأذن، فإذا جارية له يقال لها أبرهة، كانت تقوم على ثيابه(8/362)
ودهنه، فدخلت علي فقالت: إن الملك يقول لك: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إلي أن أزوجكه، فقلت: بشرك الله بخير، قالت: يقول لك الملك: وكلي من يزوجك، فأرسلت إلى خالد بن سعيد بن العاص فوكلته، وأعطت أبرهة سوارين من فضة وخدمتين كانت في رجليها وخواتيم فضة كانت في أصابع رجليها، سروراً بما بشرتها، فلما كان العشي أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب ومن هناك من المسلمين، فحضروا، فخطب النجاشي فقال: الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأنه الذي بشر به عيسى بن مريم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أما بعد: فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إلي أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان، فأجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد أصدقتها أربع مئة دينار، ثم سكب الدنانير بين يدي القوم، فتكلم خالد بن سعيد فقال: الحمد لله أحمده وأستعينه وأستنصره، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون؛ أما بعد: فقد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وزوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان، فبارك الله لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ودفع الدنانير إلى خالد بن سعيد بن العاص فقبضها، ثم أرادوا أن يقوموا فقال: اجلسوا فإن سنة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج؛ فدعا بطعام، فأكلوا ثم تفرقوا.
قالت أم حبيبة: فلما وصل إلي المال أرسلت إلى أبرهة التي بشرتني، فقلت لها: إني كنت أعطيتك ما أعطيتك يومئذ ولا مال بيدي، فهذه الخمسون مثقالاً فخذيها فاستعيني بها، فأبت وأخرجت حقاً فيه كل ما كنت أعطيتها فردته علي وقالت: عزم علي الملك أن لا أرزأك شيئاً، وأنا التي أقوم على ثيابه ودهنه، وقد اتبعت دين محمد وأسلمت لله، وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بكل ما عندهن من العطر؛ قالت: فلما كان من الغد جاءتني بعود وورس وعنبر وزباد كثير، فقدمت بذلك كله على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان يراه علي وعندي(8/363)
فلا ينكره. ثم قالت أبرهة: فحاجتي إليك أن تقرئي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مني السلام وتعلميه أني قد اتبعت دينه. قالت: ثم لطفت بي وكانت التي جهزتني، وكانت كلما دخلت علي تقول: لا تنسي حاجتي إليك. قالت: فلما قدمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبرته كيف كانت الخطبة وما فعلت بي أبرهة، فتبسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأقرأته منها السلام فقال: وعليها السلام ورحمة الله وبركاته.
ولما بلغ أبا سفيان بن حرب نكاح النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنته قال: ذاك الفحل لا يقرع أنفه.
ولما قدمت أم حبيبة أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلالاً فأخذ بخطام بعيرها، فأنزلها المنزل الذي أمره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا فيه كناسة، فقالت لمولاة لها أو مولاة لأبيها: إن شئت كفيتني السقي وكنست، وإن شئت استقيت وكنست؛ قال: فكنست البيت ثم بسطت فيه بساط شعر، ثم بسطت عليه شيئاً ثم انتبذت، ثم أذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالدخول على أهله. فلما دخل عليها فوجد ريح الطيب، قال: إنهن قرشيات بطاحيات، قرويات، ليس بأعرابيات ولا بدويات.
وعن ابن عباس قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه، فقال للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا نبي الله، ثلاث أعطنيهن، قال: نعم، قال: عندي أحسن العرب وأجملهن أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها، قال: نعم، قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك، قال: نعم. قال: وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، قال: نعم. قال أبو زميل: ولولا أنه طلب ذلك من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أعطاه ذلك، لأنه لم يكن يسأل شيئاً إلا قال: نعم.
وهذا الحديث في قصة أم حبيبة قد أجمع أهل المغازي على خلافه، فإنهم لم يختلفوا في أن تزويج أم حبيبة كان قبل رجوع جعفر بن أبي طالب وأصحابه من أرض الحبشة، وإنما رجعوا من خيبر؛ فتزويج أم حبيبة كان قبله، وإسلام أبي سفيان زمن فتح مكة بعد نكاحها بسنتين أو ثلاث، فكيف يصح أن يكون تزويجها بمسألته؟ وفيه اختلاف.(8/364)
وعن ابن عباس: في هذه الآية " عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودةً " قال: فكانت المودة التي جعل الله بينهم تزويج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم حبيبة بنت أبي سفيان، فصارت أم المؤمنين، وصار معاوية خال المؤمنين.
وعن ابن عباس: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت " قال: نزلت في أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصة. قال عكرمة: ومن شاء باهلته أنها نزلت في نساء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن هشام قال: أقبل أبو سفيان حتى قدم المدينة، فدخل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا محمد، إني كنت غائباً في صلح الحديبية، فاشدد العهد، وزدنا في المدة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ولذلك قدمت يا أبا سفيان؟ قال: نعم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل كان قبلكم حدث؟ قال: معاذ الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فنحن على مدتنا وصلحنا يوم الحديبية، لا نغير ولا نبدل. ثم قام من عنده فدخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طوته دونه فقال: أرغبت بهذا الفراش عني أو بي عنه؟ قالت: بل هو فراش رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنت امرؤ نجس مشرك، فقال: يا بنية! لقد أصابك بعدي شر، قالت: هداني الله للإسلام، وأنت يا أبه سيد قريش وكبيرها، كيف يسقط عنك دخول في الإسلام وأنت تعبد حجراً لا يسمع ولا يبصر، قال: يا عجباه! وهذا منك أيضاً! أأترك ما كان يعبد آبائي وأتبع دين محمد؟ ثم قام من عندها. وذكر الحديث.
قال حميد بن هلال: لما حصر عثمان تته أم المؤمنين، فجاء رجل فاطلع في خدرها فجعل ينعتها للناس،(8/365)
فقالت: ماله قطع الله يده وأبدى عورته؟! قال: فدخل عليه داخل، فضربه بالسيف، فاتقى بيمينه فقطع، فانطلق هارباً آخذاً إزاره بفيه أو بشماله بادياً عورته.
أم المؤمنين هذه هي أم حبيبة، لأنها كانت معنيةً بأمر عثمان.
وعن عائشة قالت: دعتني أم حبيبة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند موتها فقالت: قد كان يكون بيننا ما يكون بين الضرائر، يغفر الله لي ولك ما كان من ذلك، فقلت: غفر الله لك ذلك كله، وتجاوز، وحللك من ذلك، فقالت: سررتني سرك الله. وأرسلت إلى أم سلمة فقالت لها مثل ذلك. وتوفيت سنة أربع وأربعين في خلافة معاوية بن أبي سفيان.
قال حسن بن علي: هدمت منزلي في دار علي بن أبي طالب، فحفرنا في ناحية منه، فأخرجنا حجراً فإذا فيه مكتوب: هذا قبر رملة بنت صخر. فأعدناه في مكانه.
رملة بنت معاوية بن بي سفيان
صخر بن حرب زوج عمرو بن عثمان بن عفان.
وعن الضحاك: أن عمرو بن عثمان اشتكى، فكان العواد يدخلون عليه، فيخرجون ويتخلف مروان بن الحكم عنده فيطيل، فأنكرت رملة بنت معاوية ذلك، فخرقت كوةً فاستمعت على مروان، فإذا هو يقول لعمرو: ما أخذ هؤلاء الخلافة إلا باسم أبيك، فما يمنعك أن تنهض بحقك، فلنحن أكثر منهم رجالاً، منا فلان ومنهم فلان، ومنا فلان ومنهم فلان، حتى عدد رجالاً، ثم قال: ومنا فلان وهو فضل، وفلان فضل، حتى عدد فضول رجال بني أبي العاص على بني حرب. فلما برأ عمرو تجهز للحج وتجهزت رملة في جهازه. فلما خرج عمرو إلى الحج خرجت رملة إلى أبيها، فقدمت عليه الشام، فقال لها معاوية: واسوأتاه! وما للحرة تطلق، أطلقك عمرو؟ فأخبرته الخبر. قالت: فما زال يعد فضل(8/366)
رجال بني أبي العاص على بني حرب حتى ابني عثمان وخالداً ابني عمرو، فتمنيت أنهما ماتا. فكتب معاوية إلى مروان:
أواضع رجل فوق أخرى تعدنا ... عديد الحصى ما إن تزال تكاثر
وأمكم تزجي تؤاماً لبعلها ... وأم أخيكم نزرة الولد عاقر
اشهد يا مروان أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا بلغ ولد الحكم ثلاثين رجلاً اتخذوا مال الله دولاً، ودين الله دخلاً، وعباد الله خولاً. قال: فكتب إليه مروان: أما بعد يا معاوية، فإني أبو عشرة، وأخو عشرة، وعم عشرة، والسلام.
كتبت رملة بنت معاوية إلى أبيها، وكانت عند عمرو بن عثمان بن عفان، تشكو آل أبي العاص وأنهم يتكثرون علي، حتى وددت أن ابني كان منبوذاً في البحر، فكتب إليها: أنا أشقى من أن تكوني رجلاً. قال: وعزل مروان عن المدينة.
لما حضرت معاوية الوفاة جعلوا يديرونه في القصر فقال: هل بلغنا الخضراء؟ فصرخت ابنته رملة، فقال: ما أصرخك؟ قالت: نحن ندور بك في الخضراء، تقول هل بلغت الخضراء بعد! فقال: إن عزب عقل أبيك فطالما وقر.
ولما حضرته الوفاة احتوشه بناته، فضرب بيده، فسقطت يده في حجر رملة ابنته فقال: من هذا؟ قالت رملة: أنا يا أبتاه، قال حولي أباك فإنك تحولينه حولاً قلباً، ثم قال:
لا يبعدن ربيعة بن مكدم ... وسقى الغوادي قبره بذنوب
فكانت آخر كلامه.(8/367)
رواحة بنت أبي عمرو
عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي، البيروتية روت عن أبيها بسنده عن أبي أمامة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لرجل: " قل: اللهم إني أسألك نفساً بك مطمئنةً، تؤمن بلقائك، وترضى بقضائك وتقنع بعطائك ".
ريا حاضنة يزيد بن معاوية
امرأة شاعرة. عاشت إلى أن أدركت دولة بني العباس، وحكت أن أمها أدركت سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حدث حمزة بن يزيد الحضرمي قال: رأيت امرأةً من أجمل النساء وأعقلهن، يقال لها ريا، كان بنو أمية يكرمونها، وكان هشام يكرمها، وكانت إذا جاءت إلى هشام تجيء راكبة، فكل من رآها من بني أمية أكرمها، ويقولون: ريا حاضنة يزيد بن معاوية، وكانوا يقولون: قد بلغت من السن مئة سنة، وحسن وجهها وجمالها باق بنضارته؛ فلما كان من الأمر الذي كان استترت في بعض منازل أهلنا، فسمعتها وهي تقول وتعيب بني أمية مداراةً لنا.
قالت: دخل بعض بني أمية على يزيد فقال: أبشر يا أمير المؤمنين فقد أمكنك الله من عدو الله وعدوك يعني الحسين بن علي فقد قتل ووجه برأسه إليك؛ فلم يلبث إلا أياماً حتى جيء برأس الحسين فوضع بين يدي يزيد في طشت، فأمر الغلام، فرفع الثوب الذي كان عليه، فحين رآه خمر وجهه بكمه كأنه يشم منه رائحة وقال: الحمد لله الذي كفانا المؤنة بغير مؤنة " كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله " قالت ريا:(8/368)
فدنوت منه فنظرت إليه وبه ردع من حناء، قال حمزة: فقلت لها: أقرع ثناياه بالقضيب كما يقولون؟ قالت: إي والذي ذهب بنفسه وهو قادر على أن يغفر له، لقد رأيته يقرع ثناياه بقضيب في يده ويقول أبياتاً من شعر ابن الزبعرى، ولقد جاء رجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: قد أمكنك الله من عدو الله وابن عدو أبيك، فاقتل هذا الغلام ينقطع هذا النسل، فإنك لا تدري ما يخب وهم أحياء آخر من ينازع فيه يعني علي بن حسين بن علي لقد رأيت ما لقي أبوك من أبيه، وما كفيت أنت منه، وقد رأيت ما صنع مسلم بن عقيل؛ فاقطع أصل هذا البيت، فإنك إن قتلت هذا الغلام انقطع نسل الحسين خاصة وإلا فالقوم ما بقي منهم أحد طالبك بهم، وهم قوم ذوو مكر، والناس إليهم مائلون، وخاصة غوغاء أهل العراق، يقولون: ابن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ابن علي وفاطمة، اقتله فليس هو بأكرم من صاحب هذا الرأس. فقال: لا قمت ولا قعدت، فإنك ضعيف مهين، بل أدعهم كلما طلع منهم طالع أخذته سيوف آل أبي سفيان. قال: إني قد سميت الرجل الذي من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن لا أسميه أبداً ولا أذكره.
قال حمزة: فسألتها من هي؟ فقالت: كانت أمي امرأةً من كلب، وكان أبي رجلاً من موالي بني أمية وقالت لي: ماتت أمي يوم ماتت ولها مئة سنة وعشر سنين، وذكرت أن أمها عجيبة عاشت تسعين سنة وأنها أدركت زمن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسمعت وهي امرأة أم أولاد.
قال حمزة بن يزيد: قد رأيت ريا بعد ذلك مقتولةً مطروحةً على درج جيرون مكشوفة الفرج في فرجها قصبة مغروزة.
قال حمزة: وحدثني بعض أهلنا: أنه رأى رأس الحسين رضي اله عنه مصلوباً بدمشق ثلاثة أيام، فحدثت ريا أن الرأس مكث في خزائن السلاح حتى ولي سليمان بن عبد الملك، فبعث إليه فجاء به وقد قحل،(8/369)
وبقي عظم أبيض، فجعل في سفط، وطيبه وجعل عليه ثوباً ودفنه في مقابر المسلمين. فلما ولي عمر بن عبد العزيز بعث إلى خازن بيت السلاح: وجه إلي رأس الحسين بن علي، فكتب إليه الخازن: إن سليمان أخذه وجعله في سفط وصلى عليه ودفنه. فصح ذلك عنده، فلما رحلت المسودة سألوا عن موضع الرأس فنبشوه وأخذوه. والله أعلم ما صنع به.
قال حمزة: ما رأيت في النساء أجود من ريا، قلت: كيف علمت أنه شعر ابن الزبعرى؟ قال: أنشدتني مئة بيت من قولها ترثي به يزيد. وذهبت في عهد عبد الله بن طاهر.
أسماء الرجال على(8/370)
حرف الزاي
زاذان أبو عمرو
ويقال أبو عبد الله الكندي، مولاهم قال زاذان: سألت ابن عمر قلنا: حدثنا ما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النبيذ، فقال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحنتم وهو الجر ونهى عن الدباء وهو القرع ونهى عن النقير وهو الجذع ينقر ونهى عن المزفت وهو المقير.
وروى عن جرير قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللحد لنا والشق لغيرنا ".
وعن زاذان قال: قدم علينا عمر بن الخطاب بالجابية على بعير مقتب بقتب عليه عباء قطوانية، وبيده عنزة فقال: أيها الناس، فثاب الناس إليه، فقال لهم: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول، ثم بكى، ثم قال: سمعت حبيبي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم بكى. قال: أيها الناس، عليكم بأصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثلاثة قرون؛ ثم يجيء قوم لا خير فيهم، يشهدون ولا يستشهدون، ويحلفون ولا يستحلفون، من سره أن ينزل(8/371)
بحبوحة الجنة فعليه بالجماعة، ألا إن الواحد شيطان، وهو من الاثنين أبعد، ألا ومن ساءته سيئته، وسرته حسنته فهو مؤمن.
وعن ابن عمر قال: قال عليرضي الله عنه: يا أبا عمر، تدري على كم افترقت اليهود؟ قال: قلت: الله أعلم. قال: على واحدة وسبعين فرقة، كلها في الهاوية إلا واحدة في الناجية. تدري على كم افترقت النصارى؟ قال: قلت: الله أعلم. قال: على اثنتين وسبعين فرقة، كلها في الهاوية إلا واحدة في الناجية. تدري على كم افترقت هذه الأمة؟ قال: قلت: الله أعلم. قال: على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في الهاوية إلا واحدة في الناجية. قال: وتفترق في اثنتا عشرة فرقة. قال: قلت: وأنت تفترق فيك؟ قال: نعم يا أبا عمر، وتفترق في اثنتا عشرة فرقة، كلها في الهاوية إلا واحدة في الناجية، وإنك من تلك الواحدة وتلك الواحدة.
قال زاذان: دخلت على عبد الله بن مسعود، فوجدت أصحاب الخز واليمنية قد سبقوني إلى المجالس، فناديت: يا عبد الله، من أجل أني رجل أعجمي أقصيتني وأدنيت هؤلاء؟ قال: ادن، فدنوت منه حتى ما كان بيني وبينه جليس، فسمعته يقول: يؤخذ بيد العبد والأمة يوم القيامة فينصبان على رؤوس الأولين والآخرين، ثم ينادي مناد: هذا فلان بن فلان فمن كان له قبله حق فليأت إلى حقه، فتفرح المرأة أن يدور لها الحق على أبيها أو ابنها أو على أخيها وزوجها، ثم قرأ عبد الله: " فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون " فيقول الرب تبارك وتعالى للعبد: آت هؤلاء حقوقهم، فيقول: يا رب، من أين أؤتيهم؟ فيقول الملائكة: خذوا من أعماله الصالحة فأعطوا كل إنسان بقدر ماله، فإن يكن ولياً لله عز وجل، فضلت له مثقال حبة من خردل ضاعفها الله له حتى يدخل الجنة؛ ثم قرأ عبد الله: " إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من(8/372)
لدنه أجراً عظيماً " وإن كان عبداً شقياً قالت الملائكة: يا ربنا، فنيت حسناته وبقي طالبون كثير، فيقول: خذوا من أعمالهم السيئة فأضيفوها إلى عمله السيئ، ثم صكوا له صكاً إلى النار.
قال زاذان يوماً: إني جائع، فسقط عليه من الروزنة رغيف مثل الرحا.
كان زاذان يبيع الثياب، فكان إذا نشر الثوب ناول شر الطرفين وساوم سومة واحدة.
توفي زاذان بالكوفة أيام الحجاج بن يوسف، وذلك سنة اثنتين وثمانين.
زامل بن عمرو السكسكي
الحبراني الحميري الحمصي. أمير دمشق وحمص من قبل مروان بن محمد.
حدث زامل بن عمرو أن مخبراً أخبره عن أبي الدرداء قال: أقبلت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً حتى وقف على أصحاب اللحم فقال: لا تخلطوا ميتاً بمذبوح، والناس قرب عهد بجاهلية سبعاً احفظوهن مني: لا تحتكروا، ولا تناجشوا، ولا تلقوا الركبان، ولا يبغ حاضر لباد، ولا يبع رجل على بيع أخيه حتى يذر، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفئ إناءها ولتنكح، فإن لها ما كتب الله لها.(8/373)
زبان بن عبد العزيز بن مروان
ابن الحكم أخو عبد العزيز حدث عن عمر بن عبد العزيز عن عائشة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنه كان يوتر بثلاث، يسلم في الركعتين سلاماً يسمعنا ثم يقوم فيصلي ركعة ".
وبه قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي، يفرق بين الشفع والوتر وأنا في البيت أسمع تسليمه.
وحدث زبان بن عبد العزيز عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبان بن عثمان بن عفان عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من خرج مخرجاً فقال حين يخرج: بسم الله، آمنت بالله، واعتصمت بالله، وتوكلت على الله، عصم من شر مخرجه ذلك ".
وحدث زبان أن عمر بن عبد العزيز قال: ما طار ذباب إلا بقدر.
قال أبو سعيد بن يونس: زبان بن عبد العزيز يكنى أبا إبراهيم، كان سيد بني عبد العزيز وفارسهم؛ حضر الوقعة مع مروان بن محمد ليلة بوصير، فتقطر به فرسه، فسقط عند حائط العجوز، فانكسرت فخذه وأدركته المسودة، فقتلوه ولم يعرفوه، في آخر ليلة من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومئة.(8/374)
الزبير بن الأروح التميمي
عراقي من التابعين، وفد على يزيد بن معاوية.
حدث يحيى بن أبي حية الكلبي قال: ثم إن عبيد الله بن زياد لما قتل مسلماً وهانئاً بعث برؤوسهما مع هانئ بن أبي حية الوادعي والزبير بن الأروح التميمي إلى يزيد بن معاوية وأمر كاتبه بن نافع أن يكتب إلى يزيد بن معاوية بما كان من أمر مسلم وهانئ، فكتب كتاباً أطال فيه وكان أول من أطال في الكتب فلما نظر فيه عبيد الله بن زياد تكرهه وقال: ما هذا التطويل؟ اكتب: أما بعد. فالحمد لله الذي أخذ لأمير المؤمنين بحقه، وكفاه مؤنة عدوه، أخبر أمير المؤمنين أكرمه الله أن مسلم بن عقيل لجأ إلى دار هانئ بن عروة المرادي وأني جعلت عليهما العيون ودسست إليهما الرجال، وكدتهما حتى استخرجتهما وأمكن الله منهما، فقدمتهما فضربت أعناقهما، وقد بعثت إليك برؤوسهما مع هانئ بن أبي حية والزبير بن الأروح، وهما من أهل السمع والطاعة والنصيحة، فليسألهما أمير المؤمنين عما أحب من أمر، فإن عندهما علماً وصدقاً وورعاً. والسلام.
فكتب إليه يزيد بن معاوية: أما بعد. فإنك لم تعد أن كنت كما أحب، عملت عمل الحازم، وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش، وقد أغنيت وكفيت، وصدقت ظني بك ورأيي فيك؛ وقد دعوت رسوليك فسألتهما وناجيتهما، فوجدتهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرت، فاستوص بهما خيراً. وإنه قد بلغني أن الحسين قد توجه نحو العراق، فضع المناظر والمسالح، واحترس واحبس على الظنة، وخذ على التهمة، غير أن لا تقتل إلا من قاتلك، واكتب إلي في كل ما يحدث من خير إن شاء الله، والسلام عليك.
/(8/375)
الزبير بن جعفر بن محمد ابن هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، أبو عبد الله المعتز بالله ابن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد بن المهدي بن المنصور.
قدم دمشق مع أبيه المتوكل، وبويع بالخلافة بعد المستعين.
واختلف في اسمه، فقيل: محمد، وقيل: أحمد، وقيل: الزبير. ولد سنة اثنتين وثلاثين، وقيل: سنة ثلاث وثلاثين ومئتين بسر من رأى.
كان المتوكل على الله بايع لابنه المعتز بالله بالعهد والخلافة بعد محمد المنتصر بالله، وللمؤيد بالله إبراهيم بن المتوكل بالعهد بعد المعتز بالله، وكان المؤيد محبوساً مع المعتز، فأخرج بخروجه، فلما بويع المعتز بالله بالعهد والخلافة، وانتصب للأمر والنهي والتدبير، وجه أخاه أبا أحمد بن المتوكل إلى بغداد لحرب المستعين، فصار أبو أحمد بالجيش إلى بغداد، وأخذ محمد بن عبد الله بن طاهرٍ في الاستعداد للحرب ببغداد، وبني سور بغداد، وحفر خندقها، ونزل أبو أحمد على بغداد، فحصر المستعين بالله ومن معه، ونصب لهم الحرب، وتجرد من ببغداد للقتال، ونصب المجانيق والعرادات حول سور بغداد، ودام القتال بينهم سنةً، وعظمت الفتنة، وكثر القتل، وغلت الأسعار ببغداد. وداهن محمد بن عبد الله بن طاهر في نصرة المستعين، ومال إلى المعتز، وكاتب سراً، فضعف أمر المستعين، ووقف أهل بغداد على مداهنة ابن طاهر، فصبحوا به، وكاشفوه، وانتقل المستعين من دار محمد بن(9/5)
عبد الله إلى الرصافة فنزلها، وسعى في الصلح على خلع المستعين وتسليم الأمر للمعتز، وسعى فيه رجال من الوجوه، ووقعت فيه شرائط مؤكدة فخلع المستعين بالله نفسه ببغداد في الرصافة في المحرم سنة اثنتين وخمسين ومئتين، وسلم الأمر للمعتز بالله، وبايع له، وأشهد على نفسه، فكانت خلافه المستعين ثلاث سنين وتسعة أشهر. وأخذ المستعين بعد خلعه إلى واسط موكلاً به، فخرج من مدينة السلام بعد خلعه بثمانية أيام، وأقام بواسط تسعة أشهر في التوكل به، ثم حمل إلى سر من رأى، فقتل بقادسية سر من رأى في أول شوال، وقيل: آخر رمضان سنة اثنين وخمسين ومئتين، وله إحدى وثلاثون سنة وكسر.
وكان المستعين بوجهه أثر جدري، في لسانه لثغةٌ على السين يميل بها إلى الثاء.
ولما أنزل المعتز بالله من لؤلؤة، وبويع له ركب إلى أمه، وهي في القصر المعروف بالهاروني، فلما دخل عليها، وسألته عن خبره قال لها: قد كنت كالمريض المدنف، وأنا الآن كالذي وقع في النزع، يعني أنه بويع له بسر من رأى والمستعين خليفةٌ مجتمعٌ عليه في الشرق والغرب.
وأم المعتز أم ولد يقال لها: قبيحة رومية أدركت خلافته.
وقتل يوم الجمعة مستهل شعبان سنة خمس وخمسين ومئتين، وهو ابن ثلاث وعشرين سنة وثلاثة أشهر وعشرين يوماً. فكانت خلافته من يوم بويع له ببغداد، واجتمع الناس عليه إلى يوم خلع بسر من رأى وقبض عليه صالحٌ بن وصيف فحبسه ثلاث سنين وستة أشهر وثلاثة وعشرين يوماً، وحبس خمسة أيام، ثم قتل يوم الجمعة بعد العصر مستهل شعبان.(9/6)
حدث جماعة، قالوا: لما حذق المعتز القرآن دعا المتوكل شفيعاً الخادم بحضرة الفتح بن خاقان، فقال: إني قد عزمت على تحذيق أبي عبد الله في يوم كذا ببركوارا، فأخرج من خزانة الجوهر جوهراً بقيمة مئة ألف دينار في عشر صواني فضة للنثار على من يقرب من القواد مثل محمد بن عبد الله ووصيف، وبغا، وجعفر الخياط ورجاء الحصاري ونحو هؤلاء من قادة العسكر، وأخرج مئة ألف دينار عدداً للنثار على القواد الذين دون هؤلاء في الرواق الذين بين يدي الأبواب، وأخرج ألف ألف درهم بيضاً صحاحاً للنثار على من في الصحن من خلفاء القواد والنقباء. قال شفيع: فوجهت إلى أحمد بن حباب الجوهري، فأقام معنا حتى صنفنا في عشر صوانٍ من الجوهر الأبيض والأحمر والأخضر والأزرق بقيمة مئة ألف دينار، ووزن كل صينية ثلاثة آلاف درهم، وقال شفيع لإبن حباب اجعل في صينية من هذه الصواني جوهراً تكون قيمته خمسة آلاف دينار وانتقصه من باقي الصواني، حتى تكون في كل واحدة تسعة آلاف وخمس مئة دينار، فإن أمير المؤمنين أمرني أن أدفع هذه الصينية إلى محمد بن عمران مؤدب الأمير أبي عبد الله إذا فرغ من خطبته، ففعل ذلك. وشدوا كل صينية في منديل، وختمت بخاتم شفيعٍ، وتقدم شفيع إلى من كان معه من الخدم أن ينثروا العين في الرواق والورق في الصحن، ووعز إلى الناس من الأكابر، ووجوه الموالي والشاكرية بحضور بركوار في يوم سمي لهم: ليشهدوا خطبة الأمير المعتز، وكتب إلى محمد بن عبد الله، وهو بمدينة السلام بالقدوم إلى سر من رأى لحضور الحذاق. قال: فتوافى الناس إلى بركوار قبل ذلك بثلاثة أيام، وضربت المضارب، وانحدر المتوكل غداة ذلك اليوم، ومعه قبيجة من اختصت من حرم المتوكل ومن حشمها إلى بركوارا، وجلس المتوكل في الإيوان على منصته، وأخرج منبر أبنوسٍ مضبب بالذهب مرصع بالجوهر، مقانصه عاجٌ، وقيل: عود هندي، فنصب تجاه المنصة وسط الإيوان، ثم أمر بإدخال محمد بن عمران المؤدب، فدخل، فسلم على أمير المؤمنين بالخلافة، ودعا له، فجعل أمير المؤمنين يستدنيه حتى جلس بين يدي المنبر، وخرج المعتز من باب في حنية الإيوان حتى(9/7)
صعد المنبر، فسلم على أمير المؤمنين وعلى من حضره، ثم خطب، فلما فرغ من خطبته دفعت الصينية إلى محمد بن عمران، ونثر شفيعٌ صواني الجوهر على من في الإيوان، ونثر الخدم الذين كانوا في الرواق والصحن ما كان معهم من العين والورق، وأقام المتوكل ببركوار أياماً، في يوم منها دعته قبيجة فيقال: إنه لم ير يوم مثله سروراً وحسناً وكثرة نفقةٍ، وإن الشمع كله كان عنبراً إلا الشمعة التي في الصحن، فإنه كان وزنها ألف مناً، فكادت تحرق القصر، ووجد من حرها من كان في الجانب الغربي من دجلة.
وقد كان أمر المتوكل أن يصاغ له سريران: أحدهما ذهبٌ والآخر فضة، وبفرش السرير الفضة ببساط حب، وبردعة حب، ووسادتي حب، ومخدتي حب، ومسند حب منظوم على ديباج أسود، وكان طول السرير تسعة أذرع.
قال: فأخرج من خزانة الجوهر حب عمل له ذلك، فكان أرفع قيمة الحبة ديناراً وأقل القيمة درهماً، فاتخذ ذلك. وأمر بفرش السرير الذهب بمثل فرش السرير الفضة منقوشاً بأنواع الجوهر الأحمر والأخضر والأصفر والأنواع، ففرشا فقعد عليهما هو وقبيجة، ثم وهبهما لها.
قال علي بن حرب الطائي: دخلت على المعتز بالله فما رأيت خليفة كان أحسن وجهاً منه، فلما رأيته سجدت. فقال: يا شيخ! تسجد لأحد من دون الله!؟ قلت: حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل بسنده عن أبي بكرة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا رأى ما يفرح به، أو بشر بما يسره سجد شكراً لله عز وجل.
قال أبو العيناء: دخل ابن السكيت على المعتز، وكان يؤدبه وله عشر سنين، فقال: بأي شيء تحب أن أبتدىء الأمير من العلوم؟ فقال: بالانصراف. قال: أنا أخف نهوضاً منك. فوثب فعثر بسراويله، فالتفت فقال: من الطويل:(9/8)
يموت الفتى من عثرة بلسانه ... وليس يموت المرء من عثرة الرجل
فخبر بها المتوكل، فأمر لابن السكيت بخمسين ألف درهم. قال أبو العيناء: وإنما فعل ذلك المتوكل ليستر عوار ابنه في سوء أدبه على معلمه.
قال أحمد بن بديل الكوفي القاضي: بعث إلي المعتز رسولاً بعد رسول، فلبست كمتي، ولبست نعل طاق، فأتيت بابه، فقال الحاجب: يا شيخ نعليك. فلم ألتفت إليه. ودخلت الباب الثاني، فقال الحاجب: نعليك. فلم ألتفت إليه، فدخلت إلى الباب الثالث، فقال: يا شيخ نعليك! فقلت: أبالوادي المقدس أنا، فأخلع نعلي!؟ فدخلت بنعلي، فرفع مجلسي، وجلست على مصلاة، فقال: أتعبناك أبا جعفر. فقلت: أتعبتني وأذعرتني، فكيف بك إذا سئلت عني؟ فقال: ما أردنا إلا الخير، أردنا نسمع العلم. فقلت: وتسمع العلم أيضاً؟ ألا جئتني؟ فإن العلم يؤتى ولا يأتي. قال: تعبت أبا جعفرٍ؟ فقلت له: خلبتني بحسن أدبك، اكتب.
قال: فأخذ الكاتب القرطاس والدواة، فقلت له: أتكتب حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قرطاس بمداد؟ قال: فبم نكتب؟ قلت: في رق بحبرٍ. فجاؤوا رقٍّ وحبرٍ، فأخذ الكاتب يريد أن يكتب، فقلت: اكتب بخطك، فأومى إلي أنه لا يكتب، فأمليت عليه حديثين أسخن الله بهما عينيه.
فسأله ابن البنا أو ابن النعمان: أي حديثين؟ فقال: قلت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من استرعي رعيةً فلم يحطها بالنصيحة حرم الله عليه الجنة ".
والثاني: " ما من أمير عشرة إلا يوتى به يوم القيامة مغلولاً ".
قال عمر بن محمد بن عبد الملك، قعد المعتز، ويونس بن بغا بين يديه، والجلساء، والمغنون حضورٌ، وقد أعد الخلع والجوائز، إذ دخل بغا فقال: يا سيدي والدة عبدك يونس في الموت، وهي تحب أن تراه، فأذن له. فخرج، وفتر المعتز بعده، ونعس، وقام(9/9)
الجلساء إلى أن صليت المغرب، وعاد المعتز إلى مجلسه، ودخل يونس، وبين يديه الشموع، فلما رآه المعتز عاد المجلس أحسن ما كان، فقال المعتز: مجزوء المتقارب:
تغيب فلا أفرح ... فليتك لا تبرح
وإن شئت عذبتني ... بأنك لا تسمح
فأصبحت ما بين ذين ... ولي كبد تقرح
على ذاك يا سيدي ... دنوك لي أصلح
ثم قالوا: غنوا فيه، فغنو فيه، فجعلوا يفكرون، فقال المعتز لابن فضل الطنبوري: وتلك ألحان الطنبور أملح وأخف، فغن لنا. فغنى فيه لحناً، فقال: دنانير الخريطة وهي مئة دينار فيها مئتان مكتوب على كل دينار: ضرب هذا الدينار بالحسنى لخريطة أمير المؤمنين ثم دعا بالخلع والجوائز لسائر الناس، فكان ذلك المجلس من أحسن المجالس.
ومن شعر عريب في المعتز وأمه قبيجة قولها: مجزوء الرمل:
اسلمي يا دار دار ال ... عز للمعتز دارا
ثم كوني لولي ال ... عهد خلداً وقرارا
أبداً معمورةً ما ... طرد الليل النهارا
ويكون اله للدي ... ن وللإسلام جارا
وولياً ونصيراً ... حيثما حل وسارا
يا أمير المؤمنين اخ ... تارك الله اختيارا
وولاة العهد للدي ... ن صغاراً وكبارا
فدم الدهر لنا ما ... طلع النجم وغارا
الزبير بن سليم
حدث عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب بسنده عن أبي موسى الأشعري عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ينزل الله عز وجل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا، فيغفر لكل مسلمٍ، إلا لمشركٍ أو مشاحنٍ.(9/10)
الزبير بن عبد الله الكلابي
والد العلاء بن الزبير. أدرك عصر سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حكى عنه العلاء ابنه قال: رأيت غلبة فارس الروم، ثم رأيت غلبة الروم فارس، ثم رأيت غلبة المسلمين فارس والروم، وظهورهم على الشام والعراق، كل ذلك في خمس عشرة سنة.
الزبير بن العوام بن خويلد
ابن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، أبو عبد الله الأسدي
ابن عمة سيدنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحواريه، وأحد العشرة الذين شهد لهم سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالجنة. شهد بدراً، وأحداً، وغيرهما من المشاهد، وشهد اليرموك، وشهد الجابية مع عمر بن الخطاب، وهو من أهل الشورى، وأمه صفية بنت عبد المطلب.
حدثت سلامة مولاة عائشة بنت عبد الله بن الزبير، وكانت سلامة امرأة صدقٍ، قالت: أرسلتني عائشة بنت عامر إلى هشام بن عروة تقول له: ما لأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدثون عنه، ولا يحدث عنه الزبير؟ فقال هشام: أخبرني أبي قال: أخبرني عبد الله بن الزبير قال: عناني ذلك فسألت أبي عنه، فقال: يا بني، كانت عندي أمك، وعند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالتك عائشة، وبيني وبينه من القرابة والرحم ما قد علمت، وعمي أم حبيبة بنت أسد جدته، وعمته أمي، وأمه آمنة بنت وهبٍ بن عبد مناف، وجدتي هالة بنت أهيب بن عبد مناف، وزوجته خديجة بنت خويلد عمتي، ولقد نلت من صحابته أفضل ما نال أحدٌ، ولكني سمعته يقول:(9/11)
من قال علي ما لم أقل تبوأ مقعده من النار.
فلا أحب أن أحدث عنه.
حدث هشام بن عروة عن أبيه قال: كان الزبير قاعداً، ورجلٌ يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عامة مجلسه. قال: فسكت الزبير حتى انقضت مقالته. قال: فقال الزبير: ما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً من هذا! قال: والله يا عبد الله، إنك لحاضر المجلس يومئذٍ. قال: صدقت، إنما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن تجيء: قال رجلٌ من أهل الكتاب. فجعل يذكر عنه، فجئت وهو يذكر ذلك، فذاك الذي يمنعني من الحديث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال أبو سليمان الخطابي: لم يخف الزبير على نفسه من الحديث أن يكذب فيه عمداً، ولكنه خاف أن يزل، أو يخطىء: فيكون ما يجري فيه من الغلط كذباً إذ لم يتبين أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد قاله.
قال: وفيه من العلم أنه لا يجوز الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالشك، وغالب الظن، حتى يتيقن سماعة.
حدث عمر بن عبد الله بن عروة بن الزبير قال: سمعت عبد الله يقول: قدمت مع الزبير من الشام من غزوة اليرموك، فكنت أراه يصلي على راحلته حيثما توجهت.
وعن عبد الله بن الزبير قال: كنت مع الزبير عام اليرموك، فلما تعبأ الناس للقتال لبس الزبير لأمته، ثم جلس على فرسه، ثم قال لموليين له: احبسا عبد الله في الرحل معكما، فإنه غلام صغير، ثم وجه فدخل في الناس، فلما اقتتلوا نظرت إلى ناس وقوفٍ على تلٍّ لا يقاتلون مع الناس، فأخذت فرساً للزبير، خلفه في الرحل، فركبته، ثم ذهبت إلى أولئك، فوقفت معهم، فقلت: أنظر ما يصنع الناس، فإذا أبو سفيان بن حرب في مشيخةٍ من قريش من مهاجرة(9/12)
الفتح وقوفاً لا يقاتلون. فلما رأوني غلاماً حدثاً فلم يتقوني، فجعلوا إذا مال المسلمون وركبتهم الروم يقولون: إنه أمة بني الأصفر، قال: وإذا مال الروم وركبهم المسلمون قالوا: يا ويح بني الأصفر، فجعلت أعجب من قولهم.
فلما هزم الله الروم، ورجع الزبير، جعلت أخبره خبرهم، قال: فجعل يضحك ويقول: قاتلهم الله، أبوا إلا ضغناً، وماذا لهم في أن يظهر علينا الروم، لنحن خيرٌ لهم منهم. ثم إن الله أنزل نصره، وهزمت الروم وجموع هرقل التي جمعت، وأصيب من الروم وأهل أرمينية والمستعربة سبعون ألفاً، وقتل الله القيفلان.
فلما انهزمت الروم بعث أبو عبيدة عياض بن غنم في طلبهم، فسلك الأعماق حتى بلغ ملطية، فصالحه أهلها على الجزية، ثم انصرف. فلما سمع هرقل بذلك بعث إلى مقاتليها ومن فيها، فساقهم إليه، وأمر بملطية فحرقت.
قال موسى بن طلحة: كان علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله عذار عام واحدٍ، يعني: ولدوا في عام واحدٍ.
حدث أبو الأسود قال: أسلم الزبير بن العوام وهو ابن ثماني سنين، وهاجر وهو ابن ثماني عشرة، وكان عم الزبير يعلق الزبير في حصير ويدخن عليه بالنار، ويقول: ارجع إلى الكفر. فيقول الزبير: لا أكفر أبداً.
وعن عروة قال:
أسلم الزبير وهو ابن ثماني سنين، قال: ونفخت نفخةٌ من الشيطان أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بأعلى مكة، فخرج الزبير وهو غلام ابن اثنتي عشرة سنة، ومعه السيف، فمن رآه ممن لا يعرفه قال: الغلام معه السيف، حتى أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(9/13)
مالك يا زبير؟ قال: أخبرت أنك أخذت. قال: فكنت صانعاً ماذا؟ قال: كنت أضرب من أخذك. قال: فدعا له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولسيفه، وكان أول سيفٍ سل في سبيل الله تعالى.
كان الزبير بن العوام طويلاً، تخط رجلاه الأرض إذا ركب الدابة، أشعر، ربما أخذت بشعر كتفيه، متوذف الخلقة.
حدث عروة: أن صفية كانت تضرب الزبير ضرباً شديداً، وهو يتيم، فقيل لها: قتلته خلعت فؤاده، أهلكت هذا الغلام. قالت:
إنما أضربه لكي يلب ... ويجر الجيش ذا الجلب
قال: وكسر يد غلام ذات يوم، فجيء بالغلام إلى صفية، فقيل لها ذلك، فقالت صفية: من الرجز
كيف وجدت زبراً ... أأقطا حسبته أم تمرا
أم مشمعلاً صقرا
وعن ابن عباس: أن علي بن أبي طالب قال له: ما كان معنا إلا فرسان: فرسٌ للزبير، وفرس للمقداد بن الأسود. يعني به يوم بدرٍ.
وعن عبد الله بن الزبير: أن الزبير كانت عليه ملاءةً صفراء يوم بدرٍ، فاعتم بها، فنزلت الملائكة معتمين بعمائم صفر.(9/14)
وفي حديث آخر بمعناه: فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نزلت الملائكة اليوم على سماء أبي عبد الله. وجاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليه عمامة صفراء.
وعن عروة قال: قالت عائشة: يا بن أختي، كان أبواك تعني الزبير وأبا بكر من " الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح ". قالت: لما انصرف المشركون من أحدٍ، وأصاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه ما أصابهم، خاف أن يرجعوا، فقال: من ينتدب لهؤلاء في آثارهم حتى يعلموا أن بنا قوة؟ قال: فانتدب أبو بكر والزبير في سبعين، فخرجوا في آثار القوم، فسمعوا بهم، فانصرفوا. قالت: " فانقلبوا بنعمةٍ من الله وفضلٍ ". قال: لم يلقوا عدواً.
وعن داود بن خالدٍ وغيره: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى يوم أحد رجلاً يقتل المسلمين قتلاً عنيفاً، فقال: قم إليه يا زبير. فرقى إليه الزبير حتى إذا علا فوقه اقتحم عليه فاعتنقه، فأقبلا يتحدران حتى وقعا على الأرض، ووقع الزبير على صدره فقتله، فتلقاه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقبله، وقال: فداك عمٌّ وخالٌ.
وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوم الخندق: من رجلٌ يأتينا بخير بني قريظة؟ فقال الزبير: أنا. فذهب، ثم قالها الثانية، فقال الزبير: أنا. فذهب، ثم قالها الثالثة، فقال الزبير: أنا فذهب، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لكل نبي حواري، والزبير حواري وابن عمتي.
وفي حديث بمعناه: فقيل للزبير: يا أبا عبد الله، هل قالها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأحدٍ غيرك؟ فقال: لا والله ما علمت قالها لأحدٍ غيري.
وعن زر بن حبيش قال: جاء ابن جرموزٍ قاتل الزبير يستأذن على علي رضي الله عنه، فقال علي: ليدخل النار، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لكل نبي حواريٌّ وحواري الزبير.(9/15)
وعنه قال: استأذن ابن جرموزٍ على علي، وأنا عنده، فقال علي: بشر قاتل ابن صفية بالنار، ثم قال علي: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لكل نبي ٍ حواريٌ، وحواري الزبير.
وقتل الزبير يوم الجمل، وقد تنحى عن القتال، فتبعه ابن جرموز فقتله.
وعن هشام بن عروة: أن غلاماً مر بابن عمر، فسئل: من هو؟ فقال: أنا ابن حواري رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال ابن عمر: إن كنت من ولد الزبير، وإلا فلا. قال: فسئل: هل كان أحدٌ يقال له حواريٌّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير الزبير؟ فقال: لا أعلمه.
والحواري: الناصر، وقيل: الحواري: الخالص من كل شيء.
وعن الزبير قال: والله لقد جمع لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ارم فداك أبي وأمي.
حدث مصعب قال:
كان ابن الزبير يحدث أنه كان في فارع، أطم حسان بن ثابت، مع النساء يوم الخندق، ومعهم عمر بن أبي سلمة، فقال ابن الزبير: ومعنا حسان بن ثابت ضارباً وتداً في ناحية الأطم، فإذا حمل أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المشركين انحاز عن الوتد حتى كأنه يقاتل قرناً، يتشبه بهم، كأنه يرى أنه يجاهد حين جبن عن القتال، قال: وإني لأظلم ابن أبي سلمة يومئذ، وهو أكبر مني بسنتين، فأقول له: تحملني على عنقك حتى أنظر، فإني أحملك إذا نزلت، قال: فإذا حملني ثم سألني أن يركب قلت له: هذه المرة،. قال: وإني لأنظر إلى أبي معلماً بصفرةٍ، فأخبرتها أبي بعد، فقال: وأين أنت حينئذٍ؟ قلت: على عنق ابن أبي سلمة يحملني. فقال: أما والذي نفسي بيده إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حينئذٍ ليجمع لي أبويه.
فقال ابن الزبير: فجاء يهودي يرتقي إلى الحصن، فقالت صفية لحسان: عندك(9/16)
يا حسان، فقال: لو كنت مقاتلاً كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقالت صفية له: أعطني السيف، فأعطاها، فلما ارتقى اليهودي ضربته حتى قتلته، ثم احتزت رأسه، فأعطته حسان، وقالت: طوح به، فإن الرجل أشد رمية من المرأة، تريد أن ترعب أصحابه.
قال ابن أبي الزناد: ضرب الزبير بن العوام يوم الخندق عثمان بن عبد الله بن المغيرة بالسيف على مغفره، فقطعه إلى القربوس، فقالوا: ما أجود سيفك. فغضب الزبير: يريد أن العمل ليده لا لسيفه.
قال ابن واقد في خيبر: قالوا: وبرز أسير، وكان رجلا أيداً، وكان إلى القصر، فجعل يصيح: من يبارز؟ فبرز له محمد بن مسلمة، فاختلفا ضرباتٍ، ثم قتله محمد بن مسلمة، ثم برز ياسر، وكان من أشدائهم، وكانت معه حربةٌ يحوش بها المسلمين حوشاً، فبرز له علي بن أبي طالب، فقال الزبير: أقسمت عليك إلا خليت بيني وبينه، ففعل علي، وأقبل ياسر بحربته يسوق بها الناس، فبرز له الزبير، فقالت صفية: يا رسول الله، واحدي، ابني يقتل يا رسول الله. فقال: بل ابنك يقتله. قال فاقتتلا قال: فقتله الزبير، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فداك عمٌ وخالٌ. وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لكل نبيٍّ حواريٌّ، وحواري الزبير وابن عمتي، فلما قتل مرحب وياسر قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبشروا قد ترحبت خيبر وتيسرت.
وعن الزبير عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه أعطاه يوم فتح مكة لواء سعد بن عبادة، فدخل الزبير مكة بلواءين.
عن سعيد بن المسيب قال: لما انهزم المشركون يوم حنينٍ، خرج مالك بن عوف عند الهزيمة حتى وقف على فوارس(9/17)
من قومه على ثنيةٍ، فقال لأصحابه: قفوا حتى يمر ضعفاء الناس، ويحلق آخركم بكم.
قال: فبينا هم كذلك طلعت عليها خيلٌ، فقال مالك بن عوف: ماذا ترون؟ قالوا: نرى قوماً واضعين الرماح بين آذان الخيل، طوال، بوادهم عليها. فقال: هذه بنو سليم، اثبتوا فلا بأس عليكم منهم، فلما أتوا أسفل الثنية سلكوا بطن الوادي ذات اليسار.
قال: ثم طلعت خيلٌ أخرى تتبعها، فقال لأصحابه: ما ترون؟ قالوا: نرى أقواماً جاعلين الرماح على أكفال الخيل. قال: هذه الأوس والخزرج، اثبتوا: فلا بأس عليكم منهم. فلما انتهوا إلى أسفل الثنية سلكوا طريق بني سليم.
ثم طلع فارسٌ واحدٌ، فقال لأصحابه: ماذا ترون؟ قالوا: نرى فارساً طويل النجاد، هول الفخذ، واضع الرمح. قال: هذا الزبير بن العوام، وأحلف بالله ليخالطنكم، فاثبتوا. قال: فلما انتهى إلى أسفل الثنية أبصر القوم، فعمد إليهم، فلم يزل يطاعنهم حتى أزالوا عنها.
وعن أسماء بنت أبي بكرٍ قالت: عندي للزبير ساعدان من ديباج، كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطاها إياه يقاتل فيهما.
وعن عروة قال: أعطى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزبير بن العوام يلمق حريرٍ محشواً بالقز، يقاتل فيه.
وعن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: أسهم الزبير سهمين لفرسه، وسهماً لنفسه، ولأمه سهم في ذي القربى، فكان يأخذ أربعة أسهم.
كان سفيان يقول: هؤلاء الثلاثة بجدة أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، والزبير بن العوام.(9/18)
وعن عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال:
جاء رجل إلى علي بن أبي طالب، وهو في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: يا أبا الحسن، من أشجع الناس؟ فقال له: ذاك الذي يغضب غضب النمر، ويثب وثوب الأسد، وأشار إلى الزبير، فقام إلى الزبير ولا يشعر بما قال علي، فقال له: يا أبا عبد الله، من أشجع الناس؟ قال: الذي كسر وجبر، أراد بقوله: كسر وجبر أن القرن إذا كسر وجبر كان أشد منه في أوله.
قال علي بن زيد: أخبرني من رأى الزبير بن العوام وفي صدره أمثال العيون من الطعن والرمي.
قال حفص بن خالد: حدثني شيخ قدم علينا من الموصل، قال: صحبت الزبير بن العوام في بعض أسفاره، فأصابته جنايةٌ بأرضٍ قفرٍ، فقال: استرني. فسترته، فحانت مني التفاتةٌ، فرأيته مخذعاً بالسيوف، فقلت: والله لقد رأيت بك آثاراً ما رأيتها بأحدٍ قط! فقال: وقد رأيت ذلك؟ قلت: نعم. فقال: أما والله ما منها جراحةٌ إلا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي سبيل الله.
قال هشام بن عروة: كان في الزبير ثلاث ضربات بالسيف: إحداهن في عاتقه، إن كانت لأدخل أصابعي فيها، ضرب ثنتين يوم بدرٍ، وواحدة يوم اليرموك.
قال عروة: قال عبد الملك بن مروان حين قتل عبد الله بن الزبير: يا عروة، هل تعرف سيف الزبير؟ قال: قلت: نعم. قال: فما فيه؟ قال: قلت: فيه فلةٌ فلها يوم بدر. قال: صدقت، فاستله، فرآها فيه فقال: من الطويل:
بهن فلولٌ من قراع الكتائب(9/19)
ثم أغمدة، ثم رده علي. قال هشام: فأقمناه بيننا بثلاثة آلاف، فأخذه بعضنا، ولوددت أني كنت أخذته.
وعن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان على جبل حراء، فتحرك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسكن حراء، فما عليك إلا نبيٌّ، أو صديقٌ، أو شهيدٌ، وكان عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص.
قال عبد الرحمن بن الأخنس: شهدت المغيرة بن شعبة يخطب بالكوفة، فذكر علياً فنال منه، فقال سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: أشهد أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أنا في الجنة، وأبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، ولو شئت أن أسمي العاشر، قال: ثم سمي نفسه.
وفي حديث آخر بمعناه: ثم قال: لمشهد رجلٍ منهم مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغبر فيه وجهه خيرٌ من عمل أحدكم، ولو عمر عمر نوح.
وعن عقبة بن علقمة اليشكري قال: سمعت علياً يوم الجمل يقول: سمعت من في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: طلحة الزبير جاراي في الجنة.
وعن الزبير بن العوام قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم إنك باركت لأمتي في أصحابي، فلا تسلبهم البركة، وباركت لأصحابي في أبي بكرٍ فلا تسلبه البركة، اللهم واجمعهم عليه، ولا تعسر أمره، فإنه لم يزل يؤثر أمرك على أمره، اللهم وأعن عمر بن الخطاب، وصبر عثمان بن عفان، ووفق علياً، واغفر لطلحة، وثبت الزبير، وسلم سعداً، وفقه عبد الرحمن، وألحق بي السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان.(9/20)
وعن الزبير قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حاجة في يوم باردٍ، فجئت ومعه بعض نسائه في لحافٍ، فأدخلني في لحافه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن عمرو بن ميمون قال: قال عمر بن الخطاب: إنهم يقولون: استخلف علينا. فإن حدث بي حدثٌ فالأمر في هؤلاء الستة الذين فارقهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنهم راضٍ: علي بن أبي طالب، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف.
وعن سالم بن عبد الله بن عمر قال: لما طعن عمر وأمر بالشورى دخلت عليه حفصة ابنته، فقالت له: يا أبه إن الناس يزعمون أن هؤلاء الستة ليسوا برضىً. قال: أسندوني، أسندوني. فلما أسند قال: ما عسى أن يقولوا في علي بن أبي طالب؟ سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يا علي يدك في يدي، تدخل معي يوم القيامة حيث أدخل.
ما عسى أن يقولوا في عثمان بن عفان؟ سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يوم يموت عثمانٌ تصلي عليه ملائكة السماء. قال: قلت: يا رسول الله، عثمان خاصةً أم الناس عامةً؟ قال: عثمان خاصة.
ما عسى أن يقولوا في طلحة بن عبيد الله؟ سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة قرية، وقد سقط رحله، فقال: من يسوي رحلي، وهو في الجنة؟ فبدر طلحة بن عبيد الله، فسواه، حتى ركب، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا طلحة هذا جبريل يقرئك السلام ويقول: أنا معك في أهوال القيامة حتى أنجيك منها.
ما عسى أن يقولوا في الزبير بن العوام؟ رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد نام، فجلس الزبير يذب عن وجهه حتى استيقظ، فقال له: يا أبا عبد الله، لم تزل؟ قال: لم أزل بأبي أنت(9/21)
وأمي. قال: هذا جبريل يقرئك السلام ويقول: أنا معك يوم القيامة حتى أذب عن وجهك شرر جهنم.
ما عسى أن يقولوا في سعد بن أبي وقاص؟ سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدرٍ، وقد أوتر قوسه أربع عشرة مرةً فيدفعها إليه، ويقول: ارم فداك أبي وأمي.
ما عسى أن يقولوا في عبد الرحمن بن عوف؟ رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في منزل فاطمة والحسن والحسين يبكيان جوعاً، ويتضوران، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من يصلنا بشيءٍ؟ فطلع عبد الرحمن بن عوف بصفحة فيها حيسٌ ورغيفان بينهما إهالة، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كفاك الله أمر دنياك، فأما آخرتك فأنا لها ضامنٌ.
وعن عروة عن مروان بن الحكم أنه حدثه: أن عثمان بن عفان اشتكى عام الرعاف حتى قعد عن الحج، قال: فدخل عليه رجلان فقال أحدهما: استخلف يا أمير المؤمنين. فقال عثمان: أوَقالوه؟ قال: نعم. قال: من؟ فسكت وجلس، قال: ثم دخل الآخر، فقال: استخلف يا أمير المؤمنين. فقال: أوَقالوه؟ قال: نعم. قال: من؟ فسكت، قال: فقال عثمان: فلعلهم قالوا: الزبير بن العوام؟ قالوا: نعم. فقال عثمان: والذي نفسي بيده إنه لخيرهم ما علمت، وإن كان لأحبهم إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال عروة: أخبر به مروان ولا إخاله يهتم لنا.
وعن عروة قال: أوصى إلى الزبير عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن مسعود، والمقداد بن الأسود، ومطيع بن الأسود. وقال لمطيع: لا أقبل وصيتك، فقال له مطيع: أنشدك الله والرحم، والله ما أتبع في ذلك إلا رأي عمر بن الخطاب، إني سمعت عمر يقول: لو تركت تركةً، أو عهدت عهداً إلى أحد لعهدت إلى الزبير بن العوام، إنه ركن من أركان الدين.
وعن هشام بن عروة قال: أوصت عائشة، وحكيم بن حزام إلى عبد الله بن الزبير. وأوصى إلى الزبير سبعةً من(9/22)
أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم عثمان، والمقداد، وعبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود، فكان يحفظ عليهم أموالهم، وينفق على أبنائهم من ماله.
وعن هشام بن عروة قال: أوصى عثمان بن عفان إلى الزبير بن العوام بصدقته حتى يدرك ابنه عمرو بن عثمان، وأوصى إليه عبد الرحمن بن عوف، وأوصى إليه مطيع بن الأسود، وأوصى إليه أبو العاص بن الربيع ببنيته أمامة من ابنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فزوجها علي بن أبي طالب، وأوصى إليه عبد الله بن مسعود، وأوصى إليه المقداد بن عمرو.
وعن أبي رجاء قال: شهدت الزبير يوماً، وأتاه رجلٌ فقال: ما شأنكم يا أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! أراكم أخف الناس صلاةً؟ قال: نبادر الوسواس.
كان الزبير يقول: أيكم استطاع أن يكون له خبية من عمل صالح فليفعل.
وعن سعيد بن عبد العزيز قال: كان للزبير ألف غلامٍ يؤدون إليه الخراج، فكان لا يدخل بيته منها شيئاً، يتصدق به كله.
وعن جويرية قال: باع الزبير داراً له بست مئة ألفٍ، فقيل له: يا أبا عبد الله، غبنت! قال: كلا، والله لتعلمن أني لم أغبن، هي في سبيل الله.
وعن ميمون بن مهران قال: كانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط تحت الزبير بن العوام، وكان فيه شدة على النساء، فكانت له كارهة، وكانت تسأله الطلاق، فيأبى عليها، فضربها الطلق وهو لا يعلم، فألحت عليه حتى طلقها واحدةً، وهو يتوضأ للصلاة، ثم خرج فتبعه إنسان من أهله، فأخبره أنها قد وضعت، فقال: خدعتني خدعها الله، فأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكر ذلك له، فقال: سبق فيها كتاب الله، اخطبها. قال: لا ترجع إلي.(9/23)
وعن علي رضي الله عنه قال: ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ ابنه عبد الله فقلبه.
وعن هشام: أن الزبير لما قتل عمر بن الخطاب محا نفسه من الديوان، وأن عبد الله بن الزبير لما قتل عثمان محا نفسه من الديوان
وحدث جماعةً من الرواة دخل حديث بعضهم في حديث الآخرين قال: لما دنا علي وأصحابه من طلحة والزبير، ودنت الصفوف بعضاً من بعض خرج عليٌّ وهو على بغلة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنادى: ادعوا لي الزبير بن العوام. فدعي له الزبير، فأقبل حتى اختلفت أعناق دوابهما، فقال علي: يا زبير، نشدتك بالله أتذكر يوم مر بك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مكان كذا وكذا، فقال: يا زبير أتحب علياً؟ قلت: ألا أحب ابن خالي وابن عمتي، وعلى ديني؟ فقال: يا علي أتحبه؟ قلت: يا رسول الله، ألا أحب ابن عمتي وعلى ديني؟ فقال: يا زبير أما والله لتقاتلنه أنت، وأنت ظالمٌ له؟ قال: بلى والله لقد أنسيته منذ سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم ذكرته الآن، والله لا أقاتلك.
فرجع الزبير على دابته يشق الصفوف، فعرض له ابنه عبد الله بن الزبير: وقال: مالك؟ قال: ذكرني عليٌّ حديثاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سمعته يقول: لتقاتلنه وأنت ظالم له، فلا أقاتله. قال: وللقتال جئت؟ إنما جئت لتصلح بين الناس، ويصلح الله هذا الأمر. قال: قد حلفت ألا أقاتله. قال: فأعتق غلامك جرجس، وقف حتى تصلح بين الناس. فأعتق غلامه، ووقف، فلما اختلف أمر الناس ذهب على فرسه.
روت عجوزٌ من عبد القيس كانت تداوي الجرحى مع علي بن أبي طالب عليه السلام، قالت: إني ذات يوم شاهدة يوم الجمل إذ جاء راكبٌ على فرس ينادي: ألا فيكم عمار؟ فقال عمار: هذا رسول طلحة والزبير أرسلا ينظران، فيكم أنا. فقال عمار: نعم أنا عمار. فنزل الرجل فقال: احسر لي عن رأسك. فحسر عمار عن رأسه، قال: فلمس الرجل أذن عمارٍ وقال: كانت لعمار زنمةٌ في أذنه. فلمسها، ثم ركب راجعاً.(9/24)
فأخبر الزبير بذلك، فرجع الزبير حتى أتى وادي السباع، فأتاه ابن جرموز فقتله، فبلغ ذلك علياً، فقال: أما والله ما رجع جبناً، ولكنه رجع تائباً.
وفي حديث آخر: فنادى عليٌّ بن أبي طالب الزبير: وهو بين الصفين قال: تعالى حتى أكلمك. فأتاه حتى اختلفت أعناق دابتيهما، فقال له: يا زبير، أنشدك الله أخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمشي وأنت معه، فضرب كتفك، ثم قال لك: كأنك قد قاتلت هذا؟ قال: اللهم نعم. قال: فأين جئت وقد سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: لا أقاتلك.
فرجع فسار ليلتين من البصرة، فمر على ماء لبني مجاشعٍ، فعرفه رجل من تميم يقال له: ابن جرموز، فقتله، وجاء بسيفه إلى علي، فقال: هذا سيف الزبير، وقد قتلته، فقال عليٌّ: بشر قاتل ابن صفية بالنار.
وعن عبد العزيز السلمي قال: لما انصرف الزبير يوم الجمل جعل يقول: من الكامل
ولقد علمت لو أن علمي نافعي ... أن الحياة من الممات قريب
ثم لم ينشب أن قتله ابن جرموز.
ومن حديث آخر: أن ابن جرموز أخذ رأس الزبير وسيفه، وأتى بهما علياً، فأخذه علي، وقال: سيف والله، طالما جلي به عن وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكرب، ولكن الحين ومصارع السوء. ودفن الزبير رحمة الله بوادي السباع، وجلس علي يبكي عليه وهو وأصحابه.
وعن النعمان بن بشير قال: كنا مع علي بن أبي طالب في مسجد الكوفة، وهو مجتنح لشقه، فخضنا في ذكر(9/25)
عثمان وطلحة والزبير، فاجتنح لشقه الأيمن، فقال: فيم خضتم؟ فقلنا: خضنا في عثمان وطلحة والزبير، وحسبنا أنك نائمٌ. فقال علي: " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ". فأنا وعثمان وطلحة والزبير. ثم قال: وأنا من شيعة عثمان وطلحة والزبير، ثم قال: " ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ إخواناً على سررٍ متقابلين ". قال: ذلك عثمان، وطلحة، والزبير، وأنا من شيعة عثمان، وطلحة، والزبير، رضي الله عنهم أجمعين.
وعن الحسن قال: لما ظفر عليٌّ بالجمل دخل الدار والناس معه، قال علي: إني لأعلم قائد فتنةٍ دخل الجنة، وأتباعه إلى النار. فقال الأحنف: من هو يا أمير المؤمنين؟ قال: الزبير.
قال أبو نضرة: لما أتي علي بقتل الزبير وبخاتمه وبسيفه بكى عليه، وبكى بنوه، وقال: نغص علينا قتل الزبير ما نحن فيه. ومما قيل في قتل الزبير قول عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، وكانت تحته: من الكامل
غدر ابن جرموز بفارس بهمةٍ ... يوم اللقاء وكان غير معرد
يا عمرو لو نبهته لوجدته ... لا طائشاً رعش الجنان ولا اليد
شلت يمينك إن قتلت لمسلماً ... حلت عليك عقوبة المتعمد(9/26)
حدث هشام عن أبيه عن الزبير: أنه أوصى بالثلث، وأنه لم يدع ديناراً ولا درهماً، قال: وترك من العروض قيمة خمسين ألفاً.
قال عبد الله بن الزبير: قال لي أبي يوم الجمل: يا بني، انظر ديني وهو ألف ألفٍ ومئتا ألف.
وعن ابن الزبير قال: ترك عليه الزبير من الدين ألف ألف درهم، فقال له رجل: ترك أبوك ألف ألف درهم، وكان على ما كان عليه من الفضل؟ فقال: إنها لم تكن ديناً عليه، ولكنها كانت مواعيد عليه، فكتب مواعيده كما كتب دينه.
وعن هشام بن عروة قال: قيم ميراث الزبير على أربعين ألف ألف.
وعن عروة: أن الزبير ترك من العروض خمسين ألف ألف درهم، ومن العين خمسين ألف ألف درهم.
وكان الزبير يضرب له في المغنم بأربعة أسهم: سهمٍ له. وسهمين لفرسه، وسهمٍ لذي القربى.
قال عروة: كان للزبير بمصر خططٌ وبالاسكندرية خطط، وبالكوفة خطط، وبالبصرة دور، وكانت له غلات تقدم عليه من أعراض المدينة، وكانت عاتكة بنة زيد أخت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل تحت الزبير بن العوام، فلما قتل الزبير كتبت إلى عبد الله بن الزبير بعد حين: قد علمت حبس نفسي بعد أبيك، فإن كانلي عندك شيء فابعث به. فبعث إليها بألفي ألف، ربع ثمن مال الزبير، وكان نساؤه أربعاً مات عنهن، وهن أسماء بنة أبي(9/27)
بكرامٌ عبد الله بن الزبير، وعاتكة بنت زيد، وابنة خالد بن سعيد، وأم مصعب الكلبية.
قتل الزبير بن العوام في سنة ست وثلاثين، وهو ابن أربعٍ وستين سنة، وقيل: اثنتين وستين، وقيل: إحدى وستين سنة.
قال الزهري: التقوا يوم الجمل، فولى الزبير منهزماً، فأدركه ابن جرموز فقتله، ورمي طلحة، وهو معتزلٌ في بعض الصفوف، بسهم غرب، فقطع من رجله عرق النسا، فتنبج حتى نزف طلحة، فمات، وملك على العراق كله، وذلك على ستة أشهر من مقتل عثمان رضي الله عنهم.
قال سفيان: جاء ابن جرموز إلى مصعب فقال: أقدني بالزبير. قال: فكتب إلى عبد الله بن الزبير، فكتب إليه: أنا أقتل ابن جرموز بالزبير؟ خل عنه، ولا بشسع نعله.
كتب مصعب إلى عبد الله: إني قد أخذت قاتل الزبير.
فكتب إليه عبد الله: لا تخفف عنه، دعه يلق الله بدم الزبير. فتركه، فأسف، فخرج إلى الصياقلة، فنظر إلى سيف، فأعجبه، فاشتراه، ثم حكم في عرض الناس فقتل.
وقيل: إن مصعباً قذفه في سجن، وكتب إلى عبد الله يذكر له أمره، فكتب إليه عبد الله أن بئس ما صنعت، أظننت أني أقتل أعرابياً من بني تميم بالزبير؟ خل سبيله، فخلاه. حتى إذا كان ببعض السواد لحق بقصر من قصوره عليه رخٌّ، ثم أمر إنساناً أن(9/28)
يطرحه عليه، فطرحه عليه، فقتله، وكان قد كره الحياة لما كان يهول عليه، ويرى في منامه، وذلك دعاه إلى ما فعل.
قال يعقوب بن سليمان الهاشمي: حدثني شيخٌ من موالينا قال: كنت يوماً مع قوم، فتذاكرنا أمر عليٍّ وطلحة والزبير، فكأني نلت من الزبير، فلما كان في الليل رأيت في منامي كأني انتهيت إلى صحراء واسعة، فيها خلقٌ كثير عراة، رؤوسهم رؤوس الكلاب، وأجسادهم أجساد الناس مقطعي الأيدي والأرجل من خلاف، فيهم رجلٌ مقطوع اليدين والرجلين، فلم أر منظراً أوحش منه، فامتلأت رعباً وفزعاً، وقلت: من هؤلاء؟ قيل: هؤلاء الذين يشتمون أصحاب محمدٍ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قلت: ما بال هذا من بينهم مقطوع اليدين والرجلين؟ قيل: هذا أغلالهم في شتم عليٍّ رضي الله عنه. قال: فبينا أنا كذلك إذ رفع لي بابٌ فدخلته، فإذا درجةٌ، فصعدتها إلى موضع واسعٍ، وإذا رجلٌ جالسٌ حواليه جماعةٌ، فقيل لي: هذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدنوت منه، فأخذت بيده، فجذب يده من يدي، وغمز يدي غمزة شديدةً، وقال: تعود؟ فذكرت ما كنت قلت في الزبير، فقلت: لا والله يا رسول الله لا أعود إلى شيءٍ من ذلك. قال: فالتفت صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى رجل خلفه فقال: يا زبير، قد ذكر أنه لا يعود، فأقله. قال: قد أقلته يا رسول الله، قال: فأخذت يده فجعلت أقبلها، وأبكي، وأضعها على صدري. قال: فانتبهت، وإنه ليخيل إلي أني أجد بردها في ظهري.
الزبير بن كثير بن الصلت
الكندي المدني وجهه أبو بكتابه إلى معاوية بن أبي سفيان. كان أهل المدينة إذا نسبوا رجلاً إلى الإقبال قالوا: لقي ليلة كثير بن الصلت.
قال أبو مسكين:
فسألت شيخانهم عن ذلك فقالوا: أمر معاوية رجلاً من آل أبي بكر أن يبتني له منزلاً بالمدينة، ينزله إذا اجتاز إلى مكة، ففعل، وأقبل معاوية والبكري يسايره، إذ نظر من القبة إلى منزل كثير بن الصلت الكندي أحد بني وليعة، وهم أخوال علي بن عبد الله بن(9/29)
العباس، فقال معاوية للبكري، أمنزلي هذا؟ فقال: ليس به يا أمير المؤمنين، ومنزلك قريبٌ، ولو قد صرت إلى قرار المصلى لقد رأيته، وهذا منزل كثير بن الصلت. فقال معاوية: إن منزل كثيرٍ لهنيء، أفتراه بائعه؟ ونظر إلى كثير في موكبه على بعيرٍ له، فبعث إليه، فدعاه، وسايره، وسأله عن رأيه في المنزل، فقال: لست أقدر على بيعه يا أمير المؤمنين. قال: أوليس لك؟ قال: بلى، ولكن قدمنا هذا الحرم ونحن ننسب إلى آبائنا ونعرف بأحسابنا، فاستولى على ذلك هذا المنزل، وصرنا نعرف به، وفيه بعد سبعون مختمرة، ليس يحول بين الناس وبين معرفة حالهن إلا حائطه، ولو خرجن منه كشف منهن ما لا نقدر على احتماله. فقال: إني أيمنك، وأنيخ بعيرك فأصب على هامته وسنامه حتى أواريهما. فقال: يا أمير المؤمنين، إني لا أجد إلى ذلك سبيلاً لما أعلمتك، وكانت له نفسٌ شديدة.
فقضى معاوية حجه، وفيه عنه إعراضٌ، وقد كان أسلفه مئتي ألف درهم في غرم له فلما نفذ معاوية أوصى مروان بن الحكم بقبض المال منه، وقال: إن استأجلك فأجله أجلاً قصيراً، فإن وافاك بالمال، وإلا فبع ربعه وملكه حتى تستوفي ذلك منه. وكان الذي بين مروان وكثير قبيحاً.
فلما نفذ معاوية أرسل مروان إلى كثير، فأعلمه ما أمر به فيه، فاستأجله شهراً فقبل، وقال: في شهر ما كفى.
ورجع كثير إلى منزله، وقد ضاقت به الأرض، فدعا ابنه الزبير، وكان به يكنى، وقال: يا بني، إنا لسنا نجد لنا خيراً من أمير المؤمنين، وإن كان قد أمر فينا بما أمر، فكتب له ووجهه، وعظم الحق.
فلما كان في آخر يوم في الأجل، ولم يأته عن ابنه خبرٌ، علم أن مروان سيهجم عليه بما يكره، فأتى سعيد بن العاص، فقال له: ما جاء بك؟ قال: الشر، قال: لا شر(9/30)
عليك، فأخبره بخبره، فقال له سعيد: إن أحببت أن أتولى المال ودفعه، واكتتاب البراءة لك بذلك فعلت، وإن شئت حمل إليك. فجزاه خيراً، وانصرف.
حتى إذا كان ببعض الطريق ذكر قيس بن سعد بن عبادة، فقال: قيس سيد هذا الحرم من ذي يمنٍ، وقد ابتليت بما علم، فلو أتيته، وأسندت أمري إليه لكان لي عون صدقٍ. فجاء إلى قيس، فقال له: ما جاء بك؟ قال: الشر. قال: لا شر عليك. فأخبره خبره، فقال له قيس: أمسيت عن حاجتك وهي مصبحتك غداً إلى منزلك، وإن أحببت ولينا حملها عنك إلى مروان.
فانصرف كثير حتى إذا أخذ بحلقة باب داره ذكر عبد الله بن جعفر ذي الجناحين، فقال: ما فيهم أحد أشد إكراماً لي منه، وإن بلغه ما صنعت، وما صنع الرجلان لم أستقله منه أبداً، فدخل إليه، وهو يتعشى وبين يديه شمعةٌ عظيمة، فسمع وطء كثير، وكان جسيماً، فلما دخل عليه قال: يا أبا الزبير، العشاء. قال: قد أصبت منه ما كفى، قال: ما جاء بك؟ قال: الشر. قال: لا شر عليك، فأخبره الخبر، فالتفت إلى هانىءٍ وكيله قال: ما عندك؟ قال: مئة ألف. قال: ما جاء من شيء نصفه إلا تم بإذن الله، ثم نظر في وجوه جلسائه، ومعه رجل من بني الأرقط من ولد علي، فضحك وقال: هي عندي. قال: من أين لك؟ قال: من فضول صلاتك أجمعها، لأفتكك بها مما أنت فيه.
فانصرف كثير إلى منزله، فبات آمناً وأمن نساؤه وحرمه.
فلما كان في السحر ضرب عليه الباب، فإذا ابنه الزبير قد قدم بكتاب معاوية إلى مروان ألا يعرض له، وكتب براءةً له، فأصبح غادياً إلى مروان، فدفع كتبه إليه، وانصرف إلى سعيد بن العاص، فإذا البدر على ظهر الطريق، فلما نظر إليه قال: أحوجنا أبا الزبير إلى الغدو. قال: ما لذلك جئت، ولكني أتيتك لأسرك، وأشكرك، وأقرك مالك. هذا كتاب أمير المؤمنين. فقرأه، وقال: أتراني راجعاً في شيءٍ أمرت لك به؟ لا يكون هذا أبداً. ارجع وحمل معه المال.
فأتى قيس بن سعد فإذا المال مجموعٌ، فأخبره خبره، فقال: أفأرده يا أبا الزبير في مالي، وقد أمرت لك به؟! والله لا يكون هذا! احملها يا غلام معه.(9/31)
ثم أتى عبد الله بن جعفر، فأخبره خبره، فقال: ما كنت أرجع في شيء أمرت لك به. فقال كثير: أما ما كان من عندك قبضته، وأما ما استقرضته فلا أريده. فقال عبد الله: أنا على قضاء الديون أقوى منك على اكتساب المال، ولك خروقٌ فارقعها به فانصرف بها، فصار مثلاً في المدينة.
الزبير أو أبو الزبير بن المنذر
ابن عمر كاتب الوليد بن يزيد.
قال الزبير: أرسل إلي الوليد صبيحة اليوم الذي أتته فيه الخلافة، فأتيته، فقال لي: ما أتت علي ليلةً أطول من هذه، عرضت لي أمور، وحدثت نفسي فيها بأمور، وهذا الرجل قد أولع بي، فاركب بنا نتنفس.
فركب وسرت معه، فسار ميلين، ووقف على تل فجعل يشكو هشاماً، إذ نظر إلى رهجٍ قد أقبل، وسمع قعقعة البريد فتعوذ بالله من شر هشام، وقال: هذا البريد قد أقبل بموت فجيىءٍ أو بملك عاجل، لا يسوؤك الله أيها الأمير، بل يسرك ويبقيك.
إذ بدا رجلان على البريد مقبلان أحدهما مولى لأبي سفيان بن حربٍ، فلما قربا أتيا الوليد فنزلا يعدوان، فسلما عليه بالخلافة، فوجم، فجعلا يكرران عليه التسليم بالخلافة، فقال: ويحكما! ما الخبر..؟ أمات هشام؟! قالا: نعم. قال: مرحباً بكما، ما معكما؟ قالا: كتاب مولاك سالم بن عبد الرحمن. فقرأ الكتاب، وانصرفنا.
وسأل عن عياض بن مسلم كاتبه الذي كان هشام ضربه وحبسه، فقالا: يا أمير المؤمنين، لم يزل محبوساً حتى نزل بهشامٍ أمر الله، فلما صار إلى حال لا ترجى الحياة لمثله معها أرسل عياضٌ إلى الخزان: احتفظوا بما في أيديكم، فلا يصلن أحدٌ إلى شيء. وأفاق هشام إفاقةً، فطلب شيئاً، فمنعه، فقال: أرانا كنا خزاناً للوليد. وقضى من ساعته، فخرج عياض(9/32)
من السجن ساعة قضى هشام، فختم الأبواب، والخزائن، وأمر بهشام فأنزل عن فراشه، ومنعهم أن يكفنوه من الخزائن، فكفنه غالبٌ مولى هشام، ولم يجدوا قمقماً حتى استعاروه.
زحر بن قيس الجعفي الكوفي
أدرك علياً، وشهد معه صفين، ووفد على يزيد بن معاوية.
حدث زحر بن قيس قال: بعثني علي على أربع مئة من أهل العراق، وأمرنا أن ننزل المدائن رابطةً، قال: فإنا لجلوس عند غروب الشمس على الطريق إذ جاءنا رجلٌ قد أعرق دابته فقلنا: من أين أقبلت؟ قال: من الكوفة. قلنا: متى خرجت؟ قال: اليوم. قلنا: فما الخبر؟ قال: خرج أمير المؤمنين إلى الصلاة صلاة الفرج فابتدره ابن بجرة وابن ملجم، فضربه أحدهما ضربةً إن الرجل ليعيش مما هو أشد منها، ويموت مما هو أهون منها قال: ثم ذهب. قال عبد الله بن وهب السبائي، ورفع يده إلى السماء: الله أكبر الله أكبر. قال: قلت له: ما شأنك؟ قال: لو أخبرنا هذا أنه نظر إلى دماغه قد خرج عرفت أن أمير المؤمنين لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه.
قال: ثم والله ما مكث إلا تلك الليلة حتى جاءنا كتاب الحسن بن علي: من عبد الله حسن أمير المؤمنين إلى زحر بن قيس، أما بعد فخذ البيعة ممن قبلك. قال: فقلنا: أين ما قلت؟ قال: ما كنت أراه يموت.
قال أبو مخنف: ثم إن عبيد الله بن زياد نصب رأس الحسين في الكوفة، فجعل يدار به، ثم دعا(9/33)