وحدث عن عبد الحميد بن بكار البيوتي بسنده عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أول ما يحاسب به العبد صلاته، فإن كانت كاملةً، وإلا زيد عليها من تطوعه ثم سائر الأعمال على مثل ذلك.
أحمد بن بشر بن عبد الوهاب
ابن بشر أبو طاهر ويقال: أبو طالب ويقال: أبو طالوت من أهل دمشق.
حدث وحدث عنه.
حدث عن سليمان بن عبد الرحمن ابن بنت شرحبيل بسنده عن النواس بن سمعان الكلابي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر يأجوج ومأجوج فقال: يستوقد المسلمون من جعابهم ونشابهم وقسيهم سبع سنين.
وحدث عن أبي شاهر محمد بن جابر بن وهب بن شاهر بن أمية العنزي بسنده عن عبادة بن الأشيب قال: وفدت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلمت، وكتب لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاباً فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من نبي الله لعبادة بن الأشيب العنزي: إني أمرتك على قومك وحاشيتهم ممن يجري عليه عملك ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة. فمن سمع بكتابي هذا ممن جرى عليه عملك وعمل بني أبيك فلم يطيعوا فليس لهم من الله معين.
قال: فجئت إلى قومي فأسلموا.(3/29)
من اسم أبيه على حرف التاء
أحمد بن تبوك بن خالد بن يزيد
ابن عبد الله بن يزيد بن تميم بن حجر أبو الميمون السلمي مولى نصر بن الحجاج بن علاط حدث عن هشام بن محمد بن السائب بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن في حديث الأولين عجباً: حدثني حاضني أبو كبشة عن مشيخة خزاعة أنهم أرادوا دفن سلول بن أبي حبشية، وكان سيداً معظماً شريفاً، فأتوا مقبرتهم فحفروا له، فوقعوا على باب مغلق ففتحوه، فإذا فيه سرير وعليه رجل عليه حلل عدة وعند رأسه كتاب فيه: أنا أبو شمر ذو النون، مأوى المساكين، ومستعاذ الغارمين، ورأس مثابة المستصرخين. أخذني الموت غصباً، وأورثني بقوته أرضاً، وقد أعيا الملوك الجبابرة والأبالجة والقساورة.
قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وكان ذو النون سيف بن ذي يزن.(3/30)
من اسم أبيه على حرف الثاء
أحمد بن ثابت بن عتاب
ويقال غياث وعراب أبو يحيى الرازي الناهكي الحافظ المعروف بفرخويه حدث بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو جيء بالسماوات والأرض وما فيهن وما تحتهن فوضعن في كفة الميزان ووضعت شهادة أن لا إله إلا الله في كفته الأخرى رجحت بهن.
وحدث عن العلاء بن هلال الرقي بسنده عن عائشة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قلم أظافره يوم الجمعة وقي من السؤال مثلها.
قال أبو العباس الطهراني: كانوا لا يشكون أن فرخويه كذاب.
أحمد بن ثعلبة العاملي
قال أحمد بن ثعلبة: سمعت بشر بن السكن يقول: حدثنا يعلى بن عبيد قال: مما وجد في الكتب: أيحسب من إذا جنه الليل انجدل أن أجعله كمن هو ساجدٌ بالليل وقائم؟ وحدث أحمد بن ثعلبة قال: سئل وكيع بن الجراح عن قتال العدو مع الإمام الجائر قال: إن كان جائراً وهو(3/31)
يعمل في الغزو بما يحق عليه فقاتل معه. وإن كان يرتشي منهم ويهادنهم فقاتل على حيالك.
وحدث قال: وقال أبو معاوية الأسود: في قول الله عز وجل " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً " قال: لا تجزع من ذلها ولا تنافس في عزها.
قال أحمد بن ثعلبة العاملي: سمعت سلماً الخواص يقول: كنت أقرأ القرآن فلا أجد له حلاوة فقلت لنفسي: اقرئيه كأنك سمعته من جبريل حين يخبر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فازدادت الحلاوة. قال: ثم قلت لها: اقرئيه كأنك سمعته منه حين تكلم به، فجاءت الحلاوة كلها.(3/32)
من اسم أبيه على حرف الجيم
أحمد بن الجحاف أبو بكر الأزدي النشوي
سمع بدمشق وغيرها.
حدث عن أبي الدحداح بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يجد الشهيد مس القبر إلا كما يجد أحدكم مس القرصة.
كذا روي في هذا السند. والمحفوظ: مس القتل لا القبر.
وذكره الحافظ على هذا النص من طريق آخر.
أحمد بن جعفر بن أحمد بن حمكان
أبو العباس القصوري الكيلي قدم دمشق وحدث بها.
حدث عن أبي بكر محمد بن عيسى بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المدينة قبة الإسلام ودار الإيمان وأرض الهجرة ومثوى الحلال والحرام.
أحمد بن جعفر بن الحسن
أبو بكر البلدي الواعظ حدث بدمشق عن جماعة.
روي عن أبي يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا نودي بالصلاة فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء.(3/33)
توفي سنة ثلاث وثمانين وثلاث مئة. ودفن بباب الصغير.
أحمد بن جعفر بن حمدان
أبو الحسن الطرسوسي حدث بصيدا من ساحل دمشق.
روى عن أبي محمد عبد الله بن جابر بن عبد الله البزاز بسنده عن أبي جحيفة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا آكل وأنا متكىء.
وورد في حديث آخر: أما أنا فلا آكل متكئاً.
أحمد بن جعفر المتوكل بن محمد المعتصم
ابن الرشيد هارون بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب أبو العباس الهاشمي الملقب بالمعتمد على الله بويع له بالخلافة يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ست وخمسين ومئتين.
وكان قدم دمشق مع أبيه جعفر المتوكل.
ولي الخلافة بعد المهتدي بالله.
وكان مولده بسر من رأى سنة تسع وعشرين ومئتين في يوم الثلاثاء لثمان بقين من المحرم.
وأمه أم ولد يقال لها فتيان. رومية لم تدرك خلافته.(3/34)
وبويع له بسر من رأى في يوم الثلاثاء المذكور.
وبويع له ببغداد يوم الأربعاء الغد من يوم بيعته بسر من رأى.
وكانت خلافته ثلاثاً وعشرين سنة ويومين.
وتوفي فجأة ببغداد يوم الأحد لثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب سنة تسع وسبعين ومئتين، وحمل إلى سر من رأى فدفن بها وله من السن خمسون سنة وستة أشهر وستة وعشرون يوماً.
وكان مربوعاً، أسمر، نحيف الجسم، حسن العينين، مدور الوجه، على جبهته أثر جدري. فلما ولي الخلافة عبل وكثر لحمه واتسع الشيب في رأسه ولحيته.
وقيل: مات المعتمد يوم الأربعاء لإحدى عشرة بقين من رجب سنة سبع وسبعين ومئتين. وقيل: توفي في صفر سنة ثمان وسبعين ومئتين. وبويع أبو العباس المعتضد بالله أحمد بن أبي أحمد الموفق بالله.
أحمد بن جعفر بن محمد بن علي
أبو الحسن البغدادي الصيدلاني قدم دمشق وحدث بها سنة أربع وأربعين وثلاث مئة عن أبي شعيب عبد الله بن الحسن الحراني بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من يأخذ عني هؤلاء الكلمات أو يعلمهن أو يعمل بهن؟ قال: قلت: أنا يا رسول الله. قال: فأخذ بيدي فعقد خمساً. قال: اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلماً، ولا تكثر من الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب.
توفي في ربيع الأول سنة اثنتين وستين وثلاث مئة.(3/35)
أحمد بن جعفر أبو العباس الفرغاني
المعروف بغياث حدث عن جماعة بدمشق.
روى عن منصور بن إسماعيل المصري الفقيه قال: سمعت محمد بن عبيد الله بن الحكم يقول: كنت جالساً عند الشافعي فأقبل المزني فقال الشافعي: لو ناظر هذا الغلام الشيطان قطعه.
أحمد بن جعفر أبو جعفر الهلالي الزاهد
من أهل أعمال سرخد.
ذكر أبو أحمد عبد الله بن بكر الطبراني نزيل الأكواخ ببانياس قال: أحمد بن جعفر الهلالي كان يقيم بالمحرس يعني محرس الحوارنة بعكا وقتاً، وببلده وقتاً.
وذكر أبو عبد الله القفاف قال: قال لي أحمد الهلالي: أريد أمر مع الناس إلى البلد، والإلف يجترني فقلت: ماذا؟ الإلف؟! فقال: إلف الخلوة. وقال: إنما آوي في القرية في بيتٍ داخل بيت. فإذا مللت خرجت في الغلس إلى المغار ورحت مع العتمة. فإذا كانت لي حاجةٌ خارج الدار تسورت فيها من الحائط حتى لا يلقاني أحد في باب الدار ولا أمر في زقاق فيلقاني أحد. فهذا دأب نفسي في القرية.
قال أحمد الهلالي: قدمت إلى هنا، يعني عكا وما أدري ما الهوى ثم علمته. قلت له: ما الهوى؟ فقال: حب الكلام، وحب الجلوس مع الناس، وحب الشبع، وحب النوم، وحب اللباس.(3/36)
قال أبو عبد الله: ولم أر قط أشد تيقظاً وانتباهاً من أحمد الهلالي، وإذا كلم إنساناً يكاد لا يسمعه، وإذا تنحنح كأنه مطلوب، ولم أسمع له قط صوتاً مرتفعاً.
قال: وقال لي أحمد الهلالي: ربما جاءني الفكر فأستوحي منه، فإذا ذهب عني بلت ما يشبه الدم، ويخرج مني من أسفل شيء شديد الحرارة وتجري منخراي بمثل الدم.
وقال: لا يكاد يجيء الفكر في الضوء ونعم المعين عليه الخلوة في الظلام، فقلت له: أيما أحب إليك: الفكر أو الصلاة؟ قال: أجلس أتفكر أحب إلي من الصلاة بقلب مذبذب قلت: فما تطيق أن تجمع بين الفكر والصلاة، فقال: من لي بهذا وإني مجتهد فيه.
وقال أحمد: السريع
علامة الخائف في قلبه ... بأنه أصفر منحوف
ليس كمن كانت له جثةٌ ... كأنه للذبح معلوف
أحمد بن جواد بن قطن بن كثير
ابن سويد بن جعفر التميمي النيسابوري الكبيري رحل إلى الشام والعراق وسمع جماعة حدث عن محمد بن خالد بسنده عن عمران بن حصين أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فرض الجد مع ابنه وأبيه السدس.
وكان عمران لا يفرض له مع ابنه إلا السدس.
وكان كثير الحديث والرحلة. وتوفي سنة ستين ومئتين.(3/37)
من اسم أبيه على حرف الحاء
أحمد بن حبيب بن عبد الملك
ابن حبيب أخو أبي علي حدث عن أبي علي بشر بن موسى بن صالح بسنده عن عمر بن الخطاب أنه قال لأصحابه: تمنوا، فقال بعضهم: أتمنى لو أن لي هذه الدار مملوءة ذهباً أنفقه في سبيل الله، ثم قال: تمنوا، فقال رجل: أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤاً وزبرجداً وجوهراً فأنفقه في سبيل الله وأتصدق به. فقال عمر تمنوا: فقالوا: ما ندري ما نتمنى يا أمير المؤمنين، فقال عمر: أنا أتمنى لو أنها مملوءة رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة وحذيفة بن اليمان - أحسب أنه قال: أستعين بهم على أمور المسلمين.
وحدث بسنده عن الحسن البصري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من اتخذ مغفراً ليجاهد به في سبيل الله غفر الله له. ومن اتخذ بيضة بيض الله وجهه يوم القيامة، ومن اتخذ درعاً كان له ستراً من النار يوم القيامة.
أحمد بن حجيل بن يونس
أبو عبد الله الغوثي حدث عن إسماعيل بن عبد الكريم بن معقل بن منبه الصنعاني عن عبد الصمد بن معقل قال: سمعت عمي وهب بن منبه يقول: أتى جبريل النبي يوسف عليه السلام بالبشرى وهو في السجن قال: هل تعرفني أيها الصديق؟ قال: أرى صورة طاهرة وروحاً طيباً لا يشبه أرواح الخطائين، قال: فإني رسول رب العالمين وأنا الروح الأمين. قال: فما أدخلك مدخل المذنبين وأنت أطيب الطيبين ورأس المقربين وأمين رب العالمين؟ قال: ألم تعلم يا يوسف أن الله يطهر البيوت بطهر النبيين، وأن الأرض التي يدخلونها أطهر الأرضين، وأن الله تعالى قد طهر بك السجن وما حوله، يا طهر الطاهرين ويابن المتطهرين، وإنما يتطهر بفضل(3/38)
طهرك وطهر آبائك الصالحين المخلصين. قال: كيف تسميني بأسماء الصديقين وتعدني مع المخلصين وقد أدخلت مدخل المذنبين وسميت بالضالين المفسدين؟ قال: لم يغير قلبك الحزن، ولم يدنس حريتك الرق، ولم تطع سيدك في معصية ربك، ولذلك سماك الله بأسماء الصديقين وعدك مع المخلصين وألحقك بآبائك الصالحين. قال هل لك علم بيعقوب أيها الروح الأمين؟ قال: نعم وهب الله له الصبر الجميل، وابتلاه بالحزن عليك فهو كظيم. قال: فماذا قدر حزنه؟ قال: سبعون ثكلى. قال: فماذا له من الأجر يا جبريل؟ قال: قدر أجر مئة شهيد.
أحمد بن حسن بن أحمد بن خميس
ابن أحمد بن الحسين بن موسى، أبو بكر السلماني القاضي قدم دمشق سنة ثمانٍ وعشرين وأربع مئة حاجاً. وحدث عن جماعة.
حدث عن أبي علي الحسن بن أحمد بن يوسف اللحياني بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كل مسكرٍ حرامٌ.
أحمد بن الحسن بن أحمد بن عثمان
ابن سعيد بن القاسم أبو بكر ويقال: أبو العباس - الغساني المعروف بابن الطيان الدمشقي حدث عن جماعة. وحدث عنه جماعة.
حدث في سلخ صفر سنة ثلاث وثلاثين وأربع مئة عن أبي عبد الله أحمد بن عطاء الروذباري بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قرأ يس في ليلةٍ ابتغاء وجه الله عز وجل غفر له.
وحدث بسنده عن عبد الله بن الزبير قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من جعل يس أمام حاجةٍ قضيت له.(3/39)
أحمد بن الحسن بن أحمد
أبو العباس الشاهد، المعروف بابن الوراق حدث عن أبي القاسم علي بن يعقوب بن أبي العقب بسنده عن سالم عن ابيه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسلم تسليمتين.
مات يوم الاثنين الثالث عشر من صفر سنة أربع عشرة وأربع مئة.
أحمد بن الحسن بن جنيدب
أبو الحسن الترمذي الحافظ رحال، طوف الشام ومصر والعراق واجتاز بدمشق.
سمع بمصر وبالشام وبالعراق.
وروى عنه البخاري في صحيحه وأبو عيسى الترمذي في جامعه وجماعة.
حدث عن أحمد بن محمد بن حنبل بسنده عن بريدة قال: غزا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ست عشرة غزوة.
وحدث عن موسى بن إسماعيل بسنده عن موسى بن أنس بن مالك قال: خطب الأشعري - يعني أبا موسى - إلى أنس رضي الله عنهما بعض بناته فقال: أخطب إليك، وقد عرفت أن النساء يباعدن بين القريب ويقربن بين البعيد.
وحدث بنيسابور وكان أحد أوعية الحديث. ورد نيسابور سنة إحدى وأربعين ومئتين. وحدث في ميدان الحسين، ثم حج وانصرف إلى نيسابور وأقام بها سنة يحدث فكتب عنه كافة المشايخ وسألوه عن علل الحديث والجرح والتعديل.
أحمد بن الحسن بن الحسين بن أحمد
أبو نصر الحافظ الشيرازي المعروف باللباد قدم دمشق سنة أربع وأربعين وأربع مئة. وسمع وأسمع وسكن مصر. وكان ينتقي على شيوخها.(3/40)
حدث بمكة في المسجد الحرام عن أبي بكر محمد بن عبد الله بن أحمد بن ريذة الضبي الأصبهاني بأصبهان بسنده عن جابر بن عبد الله قال: جاء رجلٌ إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إن أبي أخذ مالي، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للرجل: فأتني بأبيك، فنزل جبريل عليه السلام على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول لك إذا جاءك الشيخ فسله عن شيء قاله في نفسه ما سمعته أذناه. فلما جاء الشيخ قال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما بال ابنك يشكوك أتريد أن تأخذ ماله؟ فقال: سله يا رسول الله هل أنفقه إلا على إحدى عماته أو خالاته أو على نفسي؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إيه دعنا من هذا، أخبرني عن شيء قلته في نفسك ما سمعته أذناك؟ فقال الشيخ: يا رسول الله، ما يزال الله تعالى يزيدنا بك يقيناً لقد قلت في نفسي شيئاً ما سمعته أذناي، فقال: قل وأنا أستمع. قال: قلت: الطويل
غذوتك مولوداً ومنتك يافعاً ... تعل بما أحني عليك وتنهل
إذا ليلةً ضاقتك بالسقم لم أبت ... لسقمك إلا ساهراً أتململ
كأني أنا المطروق دونك بالذي ... طرقت به دوني فعيناني تهمل
تخاف الردى نفسي عليك وإنها ... لتعلم أن الموت وقتٌ مؤجل
فلما بلغت السن والغاية التي ... إليها مدى ما فيك كنت أؤمل
جعلت جزائي غلظةً وفظاظةً ... كأنك أنت المنعم المتفضل
فليتك إذ لم ترع حق أبوتي ... فعلت كما الجار المجاور يفعل
قال: فحينئذ أخذ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتلابيب ابنه وقال: " أنت ومالك لأبيك ".
حدث الفقيه سليم أن أبا نصر اللباد الشيرازي قدم صور وجاءه وأراد أن يخرج للفقيه فوائد فلم يفعل وقرىء عليه حديث: نهى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن اختناث الأسقية، فقال: اجتناب الأسقية، فجعل كلما قيل له في ذلك يدفع ويقول: الصواب اجتناب، أو كما قال.(3/41)
قال أبو محمد عبد الرحمن بن صابر: سألت الشريف أبا القاسم عن قدوم أبي نصر الشيرازي دمشق فقال: سنة أربع وأربعين وأربع مئة، وفيها خرج منها. وسألته عن حاله فقال: ما كان إلا ثقة.
أحمد بن الحسن بن روزبه
أبو بكر البصري الفارسي حدث بدمشق.
روى عن عبد الله بن محمد بن أسماء بن عبد الله بن مخارق الضبعي بسنده عن مالك بن أنس: قال: وذكر زيد بن أسلم عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب لربيس بن جبير: ترى غبي عني قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لك: كيف بك إذا رقص بك بعيرك نحو الشام يوماً ثم يوماً ثم يوماً؟!
أحمد بن الحسن بن زريق
أبو محمد الحراني حدث بدمشق.
روى عن النفيلي بسنده عن عائشة قالت: أهدى النجاشي إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حليةً فيها خاتم من ذهب فصه حبشي، فدعا أمامة بنت أبي العاص بن أمية من ابنته زينب فقال: تحلي بهذا يا مية.
زريق بتقديم الزاي على الراء. حدث بدمشق سنة تسع وستين.(3/42)
أحمد بن الحسن بن علي بن زرعة
أبو الفرج الصوري الكاتب سكن دمشق. وتولى الاستسقاء مدة ثم عزل عنه. كتب عنه الحافظ ابن عساكر قال: وكان حسن الاعتقاد ووقف بعض أملاكه على وجوه البر.
حدث بسنده عن جابر بن عبد الله قال: جعل رجل لغلامه العتق من بعده فباعه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم دفع إليه ثمنه وقال: أنت لثمنه أحوج والله عنه غني.
وسئل أبو الفرج عن مولده فقال: ليلة الأحد ثالث شهر رمضان سنة سبع وأربعين وأربع مئة بصور. وتوفي ليلة الأحد الثاني من شهر ربيع الأول سنة ثمان وعشرين وخمس مئة. ودفن في مقبرة باب الصغير.
قال الحافظ ابن عساكر: شهدت دفنه والصلاة عليه.
أحمد بن الحسن بن هارون بن سليمان
ابن يحيى بن سليمان بن أبي سليمان أبو بكر المعروف بالصباحي البغدادي الغزال مولى أبي موسى الأشعري حدث عن جماعة بمصر ودمشق. وحدث عنه جماعة.
حدث بسنده عن عروة بن مضرس الطائي قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله، أخلقت وأنصبت وفعلت وفعلت. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أدرك جمعاً فوقف مع الإمام حتى يفيض فقد أدرك، ومن لم يدرك ذلك فلا حج له.
كان كوفي الأصل، وجده يحيى كان زوج حمادة بنت حماد بن أبي سليمان الفقيه وهي(3/43)
بنت عمه. وهو بغدادي حافظ. قدم مصر وحدث بها وخرج منها، فأصيب سنة اثنتي عشرة وثلاث مئة.
أحمد بن الحسن أبو بكر الأحنف
البغدادي الصوفي قدم دمشق وحكى عن الجنيد وأبي بكر الشبلي وغيرهما.
قال: سمعت أبا جعفر الصفار الواعظ ببغداد يقول: مررت براهب سائح فقلت له: بمعبودك إلا وقفت، فوقف فقلت له: ما معك طعام ولا شراب؟ فقال: لا، أنا رجل قد دفعت بتقربي أوقاتي وقتاً بعد وقت، فلا أحب يمر عني وقت لا أدري من أنا فيه، فقلت: ما هذا الذي معك؟ قال: حصىً قلت: إيش تعمل به؟ قال: هذا حصى أسود وحصى أبيض، فإذا عملت حسنة طرحت من الحصى الأبيض على الحصى الأسود وإن عملت سيئة طرحت من الحصى الأسود في الأبيض، فإذا كان عند إفطاري عددت السواد والبياض، فإن زاد السواد على البياض فليس فيها إفطار إلى مثلها، وإن كان البياض زائداً على السواد فطرت. قال: فلطمته، فقال: ويحك، لم تلطمني؟ وأنت ممن يرى القصاص، وأما أنا فمذهبي لو لطمت هذا الخد لأدرت لك هذا الخد، فقلت: أنت كافر تقول: دفعت إلى تقربي أوقاتي، وتقول: لا أحب أن يمضي لي وقت لا أدري من أنا فيه. قال: تقول لي يا كافر فأنت مؤمن حقاً؟ فقلت: نعم. فقال: أتأمنه أن يجعلك أنا ويجعلني أنت. قال: فخصمني.
وقال: سمعت أبا جعفر الصفار أيضاً ببغداد يقول: صحت براهب: يا راهب. فناداني: لا تشغلني. فقلت: بمعبودك عرفني ايش شغلك؟ فقال: كتب إلي بعض إخواني أنه قرأ في بعض الكتب أن الأرض الواسعة لتضيق على البعوضة بسخط الله، فقد أعملت فكري في الأرض وسعتها والبعوضة وصغرها فكيف ضاقت عليها بسخط الله، فلا تشغلني.(3/44)
أحمد بن الحسين بن أحمد بن طلاب
ابن كثير بن حماد بن الفضل مولى عيسى بن طلحة بن عبيد الله، ويقال: مولى يحيى بن طلحة، أبو الجهم المشغراني أصله من بيت لهيا، تعلم بها ثم انتقل إلى مشغرى، قرية على سفح جبل لبنان فصار بها إمامهم وخطيبهم، وكان كثيراً ما يجيء إلى دمشق ويحدث. روى عن جماعة. وروى عنه جماعة. وكان ثقة.
حدث عن هشام بن عمار بسنده عن الحارث بن هشام قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني بأمرٍ أعتصم به قال: املك هذا، وأشار إلى لسانه.
قال عبد الرحمن: فرأيته يسيراً فيما يظنني فلم أر شيئاً أشد منه. توفي ليلة السبت بعد صلاة المغرب ودفن يوم السبت لإحدى عشرة خلت من ذي الحجة سنة تسع عشرة وثلاث مئة. سقط عن دابته فمات من وقته. وقيل كان يوم الأضحى، ودفن في مقبرة باب الصغير.
أحمد بن الحسين بن أحمد بن علي
ابن محمد العقيقي بن جعفر بن عبد الله بن الحسين الأصغر بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب، أبو القاسم الحسيني العقيقي كان من وجوه الأشراف بدمشق، ومدحه أبو الفرج محمد بن أحمد الغساني الوأواء. وهو صاحب الدار والحمام بنواحي باب البريد.
قال محمد بن المكرم: هذه الدار التي كانت تعرف بدار العقيقي هي الآن تربة ومدرسة للملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري دفن بها هو وولده السعيد وبنيت تربة ومدرسة.(3/45)
قال الشريف أبو القاسم العقيقي: سمعت في قول الله عز وجل في قصة يوسف وخطابه لإخوته " إنه من يتق ويصبر " قال: يتقي الله في جميع أموره، ويصبر على العزوبة كما صبر يوسف عن زليخا وعزوبته في تلك السنين كلها.
مات الشريف العقيقي المذكور بدمشق يوم الثلاثاء لأربع خلون من جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين وثلاث مئة، بين الظهر والعصر، وأغلقت المدينة يوم الأربعاء وأخرجت جنازته ضحوة نهار إلى المصلى وحضر بكجور وأصحابه، ومشى الأشراف خلف سريره ودفن خارج باب الصغير.
أحمد بن الحسين بن أحمد
أبو الحسين البغدادي المعروف بابن السماك الواعظ سمع بدمشق وبصور وبمكة.
روى عن جعفر بن محمد بن نصير الخواص الخلدي الشيخ الصالح أسنده عن جعفر بن سليمان قال: سمعت مالكاً يقول: قرأت في التوراة أن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته من القلوب كما يزل المطر على الصفا.
قال أبو الحسين بن السماك: سمعت أبا بكر الرقي بدمشق يقول: سمعت أبا بكر الزقاق يقول: بني، أمرنا هذا - يعني التصوف - على أربع: لا نأكل إلا عن فاقة، ولا ننام إلا عن غلبة، ولا نسكت إلا عن خيفة، ولا نتكلم إلا عن وجدٍ.
قال: وسمعته يقول: كل أحد ينتسب إلى نسب إلا الفقراء فإنهم ينتسبون إلى الله عز وجل، وكل حسب ونسب ينقطع إلا حسبهم ونسبهم، فإن نسبهم الصدق وحسبهم الفقر.(3/46)
وفي رواية: وحسبهم الصبر بدل الفقر.
وكان لأبي الحسين بن السماك في جامع المنصور وفي جامع المهدي مجلس وعظٍ، يتكلم فيه على طريقة أهل التصوف.
قال الحافظ ابن عساكر: كتبت عنه شيئاً يسيراً، وحدثنا عن أبي عمرو بن السماك حديثاً مظلم الإسناد ومنكر المتن، فذكرت روايته عن ابن السماك لأبي القاسم عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي، فقال: لم يدرك أبا عمرو بن السماك، هو أصغر من ذلك، لكنه وجد جزءاً فيه سماع أبي الحسين بن أبي عمرو بن السماك من أبيه، وكان لأبي عمرو بن السماك ابن يسمى محمداً ويكنى أبا الحسين فوثب على ذلك السماع، وادعاه لنفسه. قال الصيرفي: ولم يدرك الخالدي أيضاً ولا عرف بطلب العلم، إنما كان يبيع السمك في السوق إلى أن صار رجلاً كبيراً، ثم سافر وصحب الصوفية بعد ذلك.
قال: وقال لي أبو الفتح محمد بن أحمد المصري: لم أكتب ببغداد عمن أطلق عليه الكذب من المشايخ غير أربعة: أحدهم أبو الحسين بن السماك.
قال: ابن ماكولا وأما سماك - بفتح السين وتشديد الميم وآخره كاف فهو أبو الحسين أحمد بن الحسين بن أحمد، ابن السماك الواعظ، كان جوالاً كثير الأسفار. حدث عن جماعة، ولم أرهم يرتضونه.
ومات في يوم الأربعاء الرابع من ذي الحجة سنة أربع وعشرين وأربع مئة، ودفن من الغد في مقبرة باب حرب بعد أن صلي عليه في جامع المدينة. وكان يذكر أنه ولد في مستهل المحرم من سنة ثلاثين وثلاث مئة.(3/47)
أحمد بن الحسين بن أحمد بن القاسم
ابن أحمد بن إبراهيم بن عمر، أبو الفضل الثغري الصوري المعروف بابن أخت الكاملي قدم دمشق عند افتتاح الفرنج صور، خذلهم الله.
وحدث عن جماعة. وكان تيقظ ما في الحديث. وكان أحول. واستملى على الفقيه نصر بن إبراهيم بصور، فجاء في الإملاء حديثٌ عن عاصم الأحول فلقيته الجماعة بعاصم.
روى بسنده عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن جده قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى البقيع فقال: يا معشر التجار، حتى إذا اشرأبوا قال: إن التجار يحشرون يوم القيامة فجاراً إلا من اتقى وبر وصدق.
قال الحافظ: سألت أبا الفضل الكاملي عن مولده فقال: في يوم الخميس التاسع من صفر سنة تسع وخمسين وأربع مئة. وتوفي ليلة الثلاثاء الرابع عشر من رجب سنة ثماني عشرة وخمس مئة. ودفن بباب الصغير.
أحمد بن الحسين بن الحسن
ابن عبد الصمد أبو الطيب الجعفي الشاعر المعروف بالمتنبي من أهل الكوفة. قدم دمشق ومدح بها.
قال أبو بكر الخطيب: بلغني أنه ولد بالكوفة سنة ثلاث وثلاث مئة، ونشأ بالشام، وأكثر المقام بالبادية، وطلب الأدب وعلم العربية، ونظر في أيام الناس، وتعاطى قول الشعر من حداثته حتى بلغ فيه الغاية التي فاق أهل عصره، وعلا شعراء وقته. واتصل بالأمير أبي الحسن بن حمدان المعروف بسيف الدولة وانقطع إليه وأكثر مديحه. ثم مضى إلى مصر فمدح بها كافوراً الخادم، وأقام هناك مدة. ثم ورد العراق ودخل بغداد، وجالس بها أهل الأدب، وقرىء عليه ديوانه.(3/48)
قال أبو أحمد عبيد الله بن محمد بن أبي مسلم الفرضي قال:
لما ورد المتنبي بغداد سكن في ربض حميد. قال: فمضيت إلى الموضع الذي نزل فيه لأسمع منه شيئاً من شعره، فلم أصادفه، فجلست أنتظره وابطأ علي، فانصرفت من غير أن ألقاه، ولم أعد إليه بعد ذلك.
وقد كان القاضي أبو الحسين محمد بن أحمد بن القاسم المحاملي سمع منه ديوانه ورواه عنه.
قال أبو الحسن محمد بن يحيى العلوي الزيدي: كان المتنبي وهو صبي نزل في جواري بالكوفة، وكان يعرف أبوه بعيدان السقا يستقي لنا ولأهل المحلة ونشأ هو محباً للعلم والأدب وصحب الأعراب في البادية، فجاءنا بعد سنين بدوياً قحاً. وقد كان تعلم الكتابة والقراءة، فلزم أهل العلم والأدب. وأكثر ملازمة الوراقين وكان علمه من دفاترهم.
حدث وراق كان يجلس إليه قال: ما رأيت أحفظ من هذا الفتى ابن عيدان قط. كان عندي اليوم فأحضر رجل كتاباً من كتب الأصمعي يكون نحو ثلاثين ورقة ليبيعه، فأخذ ينظر فيه طويلاً فقال له الرجل: يا هذا، أريد بيعه وقد قطعتني عن ذلك، فإن كنت تريد حفظه فهذا إن شاء الله يكون بعد شهر، فقال له ابن عيدان: فإن كنت قد حفظته في هذه المدة فما لي عليك؟ قال: أهب لك الكتاب. قال: فأقبل يتلوه إلى آخره، ثم استلبه فجعله في كمه، وقام فعلق به صاحبه وطالبه بالثمن، فقال: ما إلى ذلك سبيل قد وهبته لي. قال: فمنعناه منه وقلنا له: أنت شرطت على نفسك هذا للغلام فتركه عليه.
وكان عيدان والد المتنبي يذكر أنه من جعفي، وكانت جدة المتنبي همدانية صحيحة النسب لا شك فيها. وكانت صالحة من صلحاء النساء الكوفيات.(3/49)
قال التنوخي: قال أبي: فاتفق مجيء المتنبي بعد سنين إلى الأهواز منصرفاً من فارس وسألته عن نسبه، فما اعترف لي به. وقال: أنا رجل أخيط القبائل وأطوي البوادي وحدي، ومتى انتسبت لم آمن أن يأخذني بعض العرب بطائلة بينها وبين القبيلة التي انتسبت إليها، وما دمت غير منتسب إلى أحد فأنا أسلم على جميعهم ويخافون لساني.
قال: واجتمعت بعد موت المتنبي بسنين مع القاضي أبي الحسن بن أم شيبان الهاشمي الكوفي، وجرى ذكر المتنبي فقال: كنت أعرف أباه بالكوفة شيخاً يسمى عيدان يستقي على بعير له، وكان جعفياً صحيح النسب.
قال: وقد كان المتنبي لما خرج إلى كلب وأقام فيهم ادعى أنه علوي حسني، ثم ادعى بعد ذلك النبوة، ثم عاد يدعي أنه علوي إلى أن شهد عليه بالشام بالكذب في الدعوتين وحبس دهراً طويلاً وأشرف على القتل، ثم استتيب وأشهد عليه بالتوبة وأطلق.
قال أبو علي بي أبي حامد: سمعت خلقاً بحلب يحكون، وأبو الطيب بها إذ ذاك، أنه تنبأ في بادية السماوة ونواحيها إلى أن خرج إليه لؤلؤ أمير حمص من قبل الإخشيدية فقاتله وأسره وشرد من كان اجتمع إليه من كلب وكلاب وغيرهما من قبائل العرب، وحبسه طويلاً فاعتل وكاد أن يتلف، فسئل في أمره فاستتابه وكتب عليه وثيقة أشهد عليه فيها ببطلان ما ادعاه ورجوعه إلى الإسلام. وأطلقه.
وكان قد تلا على البوادي كلاماً ذكر أنه قرآن أنزل عليه، وكانوا يحكون له سوراً كثيرة منها: والنجم السيار، والفلك الدوار، والليل والنهار، إن الكافر لفي أخطار، امض على سننك، واقف أثر من كان قبلك من المرسلين، فإن الله قامع بك زيغ من ألحد في دينه وضل عن سبيله. وهي طويلة.(3/50)
قال: وكان المتنبي إذا شوغب في مجلس سيف الدولة ونحن إذ ذاك بحلب نذكر هذا القرآن وأمثاله فينكره ويجحده.
قال: وقال له ابن خالويه النحوي يوماً في مجلس سيف الدولة: لولا أن الآخر جاهل لما رضي أن يدعى بالمتنبي لأن متنبي معناه كاذب، ومن رضي أن يدعى بالكذب فهو جاهل، فقال له: أنا لست أرضى أن أدعى بهذا وإنما يدعوني به من يريد الغض مني، ولست أقدر على الامتناع.
قال أبو علي بن أبي حامد: قال لي أبي: ونحن بحلب، وقد سمع قوماً يحكون عن المتنبي هذه السورة، فقال: لولا جهله!! أين قوله: امض على سننك.. إلى آخر الكلام، من قوله تعالى " فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين، إنا كفيناك المستهزئين " إلى آخر القصة، وهل تتقارب الفصاحة أو يشتبه الكلامان؟! وعيدان: بكسر العين وبالياء المعجمة باثنتين من تحتها هو والد أبي الطيب المتنبي، وكان يعرف بعيدان السقاء.
ولما هرب المتنبي الشاعر من مصر، وصار إلى الكوفة، وقام بها وصار إلى ابن العميد فمدحه، فقيل إنه صار إليه منه ثلاثون ألف دينار. وقال له: تمضي إلى عضد الدولة فمضى من عنده إليه، فمدحه ووصله بثلاثين ألف دينار، وفارقه على أن يمضي إلى الكوفة يحمل عياله ويجيء معهم إليه، وسار حتى وصل إلى النعمانية بإزاء قرية تقرب منها يقال لها بنورا، فوجد أثر خيل هناك، فتنسم خبرها، فإذا خيل قد كمنت له فصادفته لأنه قصدها، فطعن طعنة نكس عن فرسه، فلما سقط إلى الأرض نزلوا فاحتزوا رأسه ذبحاً، وأخذوا ما كان معه من المال وغيره، وكان مذهبه أن يحمل ماله معه أين توجه، وقتل ابنه معه وغلام من جملة خمسة غلمة كانوا معه، وإن الغلام المقتول قاتل حتى قتل.(3/51)
وكان قتل المتنبي يوم الاثنين لخمس بقين من شهر رمضان سنة أربع وخمسين وثلاث مئة.
وحدث أنه لما نزل المنزل الذي رحل منه فقتل جاءه قوم خفراء فطلبوا منه خمسين درهماً ليسيروا معه فمنعه الشح والكبر، وتقدموه فكان من أمره ما كان.
أحمد بن الحسين بن الحسن بن علي
أبو بكر الأنصاري البروجردي الصوفي قدم دمشق سنة إحدى عشرة وأربع مئة، وحدث بها.
روى عن أبي يعلى حمزة بن جعفر العلوي بسنده عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه.
أحمد بن الحسين بن حيدرة أبو الحسين
المعروف بابن خراسان الأطرابلسي شاعر مشهور.
وصل دمشق لما وصل إليها بنو علوش وأقام بها أشهراً وتزوج بعد.
رجل صافي الأخلاق من الرفق، مخلوق من أحسن الخلق، تشهد كرائم أخلاقه بطيب أعراقه، ريان من الفضل، يهتز في الأريحية اهتزاز النصل.
شاعر مطبوع مترسل. أقام أيام مقامه بدمشق يتنقل في الحدائق ويقطع أوقاته بالشرب، ولا يدخل للحمام. ومن شعره: الطويل
دعوني لقاً في الحرب أطفو وأرسب ... ولا تنسبوني فالقواضب تنسب(3/52)
وإن جهلت جهال قومي فضائلي ... فقد عرفت فضلي معد ويعرب
ولا تعتبوني إذ خرجت مغاضباً ... فمن بعض ما في ساحل الشام يغضب
وكيف التذاذي ماء دجلة معرقاً ... وأمواه لبنانٍ ألذ وأعذب
فما لي وللأيام لا در درها ... تشرق بي طوراً وطوراً تغرب
مات أبو الحسين ابن خراسان سنة ست وتسعين وأربع مئة بطرابلس، وكان سبب وفاته ضربٌ ناله من فخر الملك بن عمار لهجاءٍ قاله فيه وفي أخيه.
أحمد بن الحسين بن داناج أبو العباس
الزاهد الاصطخري سكن مصر. وسمع جماعة.
حدث في خمس وثلاثين وثلاث مئة إملاء بسنده عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في الشونير: عليكم بهذه الحبة السوداء فإن فيها شفاء من كل شيء إلا السام، يريد الموت.
كان فارساً ممتعاً بإحدى عينيه رجلاً صالحاً زاهداً. كتب الحديث بمصر. وكان كتب عن أهل بلده والغرباء. وكتب عنه قبيل وفاته، وأملى عليهم في المسجد الجامع العتيق.
توفي بمصر يوم الاثنين يوم عشرين من شهر ربيع الأول سنة ست وثلاثين وثلاث مئة.
أحمد بن الحسين بن علي بن إبراهيم
أبو العباس مولى بني هاشم يعرف بزبيدة من أهل باب كيسان.
حدث بدمشق عن أبي عبيد الله بن أخي ابن وهب عن عبد الله - يعني ابن عمرو - قال: رأيت رسول الله يسبح ويعقد بيده.(3/53)
وروى عن سليمان بن عبد الرحمن ابن بنت شرحبيل بسنده عن أبي هريرة قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المرأة تحتلم هل عليها غسل؟ فقال نعم. إذا وجدت الماء فلتغتسل.
أحمد بن الحسين بن علي بن إبراهيم
ابن الحكم بن عبد الله أبو زرعة الحافظ الرازي قدم دمشق سنة تسع وأربعين وثلاث مئة وسمع بها وبنيسابور وببلخ وببغداد وبمصر وبتنيس. وروى عنه جماعة.
روى عن أبي حامد أحمد بن محمد بن بلال بنيسابور بسنده عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أقل ساكني الجنة النساء.
وروى أيضاً عن أبي الحسين بن الجنيد الرازي بدمشق بسنده عن نافع عن ابن عمر قال:
أتى سعد بن أبي وقاص إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: بأبي وأمي يا رسول الله، علمت أن لكل شيء ثمرة، وثمرة الصلاة الدعاء، وأحب أن تعلمني يا رسول الله. قال: يا سعد، تريد أن تتعلم الدعاء؟ قال: ببركتك يا رسول الله، قال: تعلم ما يصلح الدعاء قبل تعليمك الدعاء. قال: وما يصلح الدعاء يا رسول الله؟ قال: مطعمك يا سعد، من أحب أن تستجاب دعوته فليطب مطعمه، يا سعد، لحم نبت على السحت النار أولى به، يا سعد من لم يبال من أين يأتيه رزقه كان حقيقاً على الله ألا يبالي من أيما باب من أبواب جهنم أدخله.
وحدث بسنده عن البيهقي قال: وقف أعرابي على مجلس قومٍ في المسجد فقال: أيها الناس، والله ما نتخذ السؤال صناعةً، ولا نعد الاختذاء بضاعةً، وإنها لأصعب علينا من وقع ظبى السيوف، وأمر من تجرع كاسات الحتوف. ولكن منع الاضطرار الاختيار، وإنا كنا في عيش رقيق(3/54)
الحواشي فطواه الدهر بعد السعة، وأفضى بنا بعد العلاء إلى الضعة، حتى لقد لبسنا أيدينا من القر، وأفنينا سرابيلنا من الضر، ولم نر داراً أعز من الدنيا، ولا طالباً أغشم من الموت، ومن عصف عليه الليل والنهار أردياه، ومن وكل به الموت أفناه، فرحم الله من أعطى من سعة، أو وافى من كفاف، أو آثر من خصاصة. فلم يبق في المسجد أحد إلا إعطاه.
وسئل أبو زرعة عن مولده فقال: لست أحقه، ولكني خرجت إلى العراق أول دفعةٍ لطلب الحديث سنة اربع وعشرين وثلاث مئة وكان لي إذ ذاك أربع عشرة سنة أو نحوها. ووجد في كتاب أبي القاسم بن الثلاج بخطه: فقد أبو زرعة أحمد بن الحسين الرازي في طريق مكة سنة خمس وسبعين وثلاث مئة.
أحمد بن الحسين بن علي بن مهدي
ابن علي بن جابر أبو الحسين الأطرابلسي المعروف بابن الشماع سكن عسقلان. وقدم دمشق وحدث بها.
روى بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من جمع القرآن متعه الله بعقله حتى يموت.
توفي أبو الحسين بن الشماع بعسقلان في صفر أو ربيع سنة اثنتين وثمانين وأربع مئة.
أحمد بن الحسين بن مهران
أبو بكر الأصبهاني المقرىء سكن نيسابور. وهو من القراء المشهورين بخراسان. له تصانيف في القراءات. إمام عصره في القراءات، وأعبد القراء. وكان مجاب الدعوة.
روى بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: نحرنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة.
مرض أبو بكر بن مهران في العشر الأواخر من رمضان ثم اشتد به المرض في شوال.(3/55)
وتوفي يوم الأربعاء السابع والعشرين من شوال سنة إحدى وثمانين وثلاث مئة، وهو يوم مات ابن ست وثمانين سنة. وتوفي ذلك اليوم أبو الحسن العامري صاحب الفلاسفة.
قال عمر بن أحمد الزاهد: سمعت الثقة من أصحابنا يذكر أنه رأى أبا بكر بن الحسين بن مهران في المنام في الليلة التي دفن فيها، قال: فقلت: أيها الأستاذ، ما فعل الله بك؟ فقال: إن الله عز وجل أقام أبا الحسن العامري بحذائي وقال لي: هذا فداؤك من النار.
أحمد بن الحسين أبو الحسين
ابن التمار المؤذن مؤذن جامع دمشق.
حدث عن سليمان بن عبد الرحمن بسنده عن أبي هريرة قال: أوصاني خليلي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا أنام إلا على وتر وصلاة الضحى وصوم ثلاثة أيام من كل شهر.
أحمد بن الحسين أبو الحسن البغدادي البزي
يعرف بالبسطامي روى بسنده عن ابي ذر البعلبكي عن مشايخه عن عائشة قالت: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لعلي: حسبك، ما لمحبك حسرةٌ عند موته، ولا وحشةٌ في قبره، ولا فزعٌ يوم القيامة.
قال: أبو ذر شيخ مجهول.(3/56)
أحمد بن حفص بن عمر بن صالح
ابن عطاء بن السائب بن أبي السائب المخزومي البلقاوي روى بسنده أن أبا هريرة قال: أتى رجلٌ من أسلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو في المسجد، فناداه فقال: يا رسول الله، إن الآخر زنى، يريد نفسه، فأعرض عنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله، فأعرض عنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتنحى له فأعرض عنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتنحى عنه الرابعة فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: بك جنون؟ قال: لا يا رسول الله، فقال: اذهبوا به فارجموه، وكان قد أحصن.
أحمد بن حفص بن المغيرة
ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة أبو عمرو - ويقال: اسمه: عبد الحميد له صحبة. وهو الذي طلق فاطمة بنت قيس. شهد خطبة عمر بالجابية وعارضه في عزل خالد بن الوليد بن المغيرة. وروى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مدح خالد. وكانت تحته فاطمة بنت قيس فطلقها، فأتت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: لا نفقة لك. وفاطمة بنت قيس هي أخت الضحاك بن قيس الفهري. طلقها أبو عمرو وهو غائب بالشام.
أحمد بن الحكم أبو حزية
ويقال أبو حرب البلقاوي من أهل البلقاء عمل دمشق.
حدث عن عبد الله بن إدريس، قال: وهو أحد المجهولين - قال: وفد على مولاي ملك البجة رجل من أهل الشام يستميحه، يقال له عبد الرحمن ابن هرمز الأعرج، فقدم إليه طعاماً على مائدة فتحركت القصعة على المائدة فأسندها الملك برغيف. فقال له عبد الرحمن بن هرمز: حدثني أبو هريرة قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:(3/57)
إذا خرجتم في حج أو عمرة فتمتعوا كيلا تتكلوا، وأكرموا الخبز فإن الله سخر له بركات السماء والأرض، ولا تسندوا القصعة بالخبز فإنه ما أهانه قوم إلا ابتلاهم الله بالجوع.
أبو حزية بالحاء المهملة والزاي.
أحمد بن حمدون بن إسماعيل بن داود
أبو عبد الله الكاتب شاعر في غاية الظرف والملاحة والأدب.
قدم دمشق في صحبة المتوكل وامتدحه البحتري.
وذكره أبو عبد الله محمد بن داود بن الجراح في كتاب الورقة في أسماء الشعراء، وأنشد له في أحمد بن محمد بن ثوابة. وكان ابن حمدون يلقبه لبابة، وكان ابن ثوابة قد دعا أبا القاسم عبيد الله بن سليمان بن وهب فترك لموسى بن بغا رغيفاً من بيت ابن ثوابة، فمات موسى من غد ذلك اليوم فقال شعراً.
قال أبو عبد الله بن حمدون: كنت مع المتوكل لما خرج إلى دمشق، فركب يوماً إلى رصافة هشام بن عبد الملك يدور في قصوره وقصور ولده، ثم خرج فدخل إلى دير هناك قديم من بناء الروم حسن البناء بين مزارع وأنهار، فدخل، فبينا هو يدور إذ بصر برقعةٍ قد ألصقت في صدره فأمر بأن تقلع وتنزل فقلعت فإذا فيها مكتوب: من الطويل
أيا منزلاً بالدير أصبح خالياً ... تلاعب فيه شمال ودبور
كأنك لم يسكنك بيضٌ أوانسٌ ... ولم يتبختر في فنائك حور
وأبناء أملاكٍ عباشم سادةٌ ... صغيرهم عند الأنام كبير
إذا لبسوا أدراعهم فعنابس ... وإن لبسوا تيجانهم فبدور
على أنهم يوم اللقاء ضراغمٌ ... وأنهم يوم النوال بحور
ولم يشهدوا الصهريج والخيل حوله ... لديه فساطيطٌ لهم وخدور(3/58)
وحولك راياتٌ لهم وعساكرٌ ... وخيلٌ لها بعد الصهيل شخير
ليالي هشام بالرصافة قاطنٌ ... وفيك ابنه يا دير وهو أمير
إذ العيش غضٌّ والخلافة لدنةٌ ... وأنت طريرٌ والزمان غرير
وروضك مرتاضٌ ونورك نير ... وعيش بني مروان فيك نضير
بلى فسقاك الغيث صوب غمامةٍ ... عليك لها بعد الرواح بكور
تذكرت قومي خالياً فبكيتهم ... بشجوٍ ومثلي بالبكاء جدير
فعزيت نفسي وهي نفسٌ إذا جرى ... لها ذكر قومي أنةٌ وزفير
لعل زماناً جار يوماً عليهم ... لهم بالذي تهوى النفوس تدور
فيفرح محزونٌ وينعم يائسٌ ... ويطلق من ضيق الوثاق أسير
رويدك إن اليوم يتبعه غدٌ ... وإن صروف الدائرات تدور
فلما قرأها المتوكل ارتاع وتطير وقال: أعوذ بالله من سوء أقداره، ثم دعا بالديراني فقال: من كتب هذه الرقعة؟ قال: لا أدري والله، وأنا منذ نزل أمير المؤمنين هذا الموضع لا أملك من أمر الدير شيئاً، يدخله الجند والشاكرية ويخرجون وغاية قدرتي أني متولد في فلاتي، فهم بضرب عنقه وخراب الدير فكلمه الجلساء وقالوا: ليس هذا ممن يتهم بالانحراف عنك والميل إلى بني أمية. إنه ليس من أهل هذه الملة. ولم يزل الفتح بن خاقان يشفع إليه حتى أمسك عنه. ثم بان بعد ذلك أن الذي كتب الأبيات رجل من ولد روح بن زنباع الجذامي، وكانت أمه من موالي هشام.
مات أحمد بن حمدون يوم الثلاثاء النصف من شعبان سنة أربع وستين ومئتين.
أحمد بن حمزة بن محمد بن حمزة بن خزيمة
أبو إسماعيل الهروي الحداد الصوفي، المعروف بعمويه شيخ الصوفية بهراة قدم دمشق، وسمع بها وأطرابلس وغيرها وصور ونهاوند ونيسابور.(3/59)
حدث عن أبي الحسين عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد الكلابي بسنده عن عائشة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن من الشعر حكمة.
سافر الكثير، ولقي المشايخ وطاف بالبلاد.
توفي بهراة في غرة رجب سنة إحدى وأربعين وأربع مئة. وكان مولده سنة تسع وأربعين وثلاث مئة.
أحمد بن حميد بن سعيد بن خالد
ابن حميد بن صهيب بن طليب بن بخيت بن علقمة بن الصبر أبو الحسن الأزدي، المعروف بابن أبي العجائز، وهو جده سعيد حدث عن جماعة.
وروى عن علي بن غالب بن سلام بسنده عن سمرة أن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من توضأ فبها ونعمت، ومن اغتسل فذلك أفضل. يعني يوم الجمعة.(3/60)
من اسم أبيه على حرف الخاء
أحمد بن خالد أبو العباس الدامغاني
نزيل نيسابور.
سمع بدمشق والحجاز ومصر والعراق وغيرها.
حدث عن هشام بن عمار بسنده عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عليكم بهذا العلم قبل أن يقبض، وقبل أن يرفع - ثم جمع بين إصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام هكذا ثم قال: العالم والمتعلم في الخير شريكان، ولا خير في سائر الناس بعد.
قال أبو زكريا: فالعالم والمتعلم في الأجر سيان، كما أن الداعي والمؤمن في الدعاء شريكان.
وحدث أيضاً عن داود بن رشيد بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سافروا تصحوا وتغنموا.
قال الحاكم أبو عبد الله الحافظ: أحمد بن خالد شيخ مفيد، كثير الرحلة، سكن نيسابور، وتوفي بها.
وقال غيره: توفي سنة ثمان وثمانين ومئتين.
أحمد بن خالد رجل من أهل دمشق
قال أحمد بن خالد: إن محمد بن صالح بن بيهس قال لبني حنظلة وجماعة من وجوه أهل المزة بحضرة عبد الله بن طاهر: سترتم أبا العميطر ومسلمة المرواني خلافاً على أمير المؤمنين؟ فقالوا له: نحن لم نسترهم حتى خلعوا أنفسهم مما تسموا به.(3/61)
أحمد بن الخضر بن بكر بن حماد
ابن الخاضب أبو بكر الإمام حدث عن أبي عمر بن كودك بسنده عن زياد بن أبي زياد قال: سمعت أنس بن مالك يقول: ما رأيت أحداً أشبه صلاة برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذا الفتى يعني: عمر بن عبد العزيز، وهو على المدينة.
أحمد بن خلف
حدث عن أحمد بن أبي الحواري بسنده عن علقمة بن الحارث قال: قدمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا سابع سبعة من قومي، فسلمنا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرد علينا، وكلمناه فأعجبه كلامنا، فقال: ما أنتم؟ قلنا: مؤمنون، قال: لكل قول حقيقة، فما حقيقة إيمانكم؟ قلنا: خمس عشرة خصلة، خمس أمرتنا بها رسلك، وخمس أمرتنا بها، وخمس تخلقنا بها في الجاهلية، ونحن عليها إلى الآن، إلا أن تنهانا يا رسول الله. قال: وما الخمس التي أمرتكم بها؟ قالوا: أمرتنا أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالقدر خيره وشره. قال: وما الخمس التي أمرتكم بها رسلي. قلنا: أمرتنا رسلك أن نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك عبده ورسوله، ونقيم الصلاة المكتوبة، ونؤتي الزكاة المفروضة، ونصوم شهر رمضان، ونحج البيت إن استطعنا إليه السبيل.
قال: وما الخصال التي تخلقتم بها في الجاهلية؟ قلنا: الشكر عند الرخاء، والصبر عند البلاء، والصدق في مواطن اللقاء، والرضا بمر القضاء، وترك الشماتة إذا حلت بالأعداء.
فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فقهاء، أدباء، كادوا يكونون أنبياء من خصال ما أشرفها، وتبسم إلينا ثم قال: وأنا أوصيكم بخمس خصال. لتكمل لكم خصال الخير: لا تجمعوا ما لا تأكلون، ولا تبنوا ما لا تسكنون، ولا تتنافسوا فيما غداً عنه تزولون، واتقوا الله الذي يعني أنتم إليه راجعون وعليه تقدمون، وارغبوا فيما إليه تصيرون وفيه تخلدون.(3/62)
أحمد بن خلف الدمشقي نزيل بخارى
حدث عن أبيه قال: سمعت الربيع يقول: قال الشافعي: الشرب في الخزف لا تطيب به نفسي، أخاف أن يكون طرحوا في التراب النجاسة والنار لا تطهره عندي، والشرب في الصفر والنحاس ربما ظهر في الماء رائحته فأفسده، والشرب في الرصاص يضر الجوف، والشرب في الفضة حرام، فلا شيء أصلح من الشرب في الزجاج.
قال الربيع: وكان الشافعي أكثر شربه في كوز زجاج أو قدح زجاج.
أحمد بن خليد بن يزيد
أبو عبد الله الكندي الحلبي سمع بدمشق وبحلب وبالثغور وبالحجاز وبحمص وبالعراق.
حدث عن عبد الله بن يزيد بن راشد الدمشقي بسنده عن جابر أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا طلاق لمن لا يملك، ولا عتاق لمن لا يملك.
وحدث عن أبي نعيم الفضل بن دكين بسنده عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع زوجها أو ابنها أو ذي رحم.
وقيل: أو ذي محرم.
وحدث بسنده عن أبي كبشة الأنماري قال: خرجت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة من مغازيه، فنزل منزلاً فأتيناه فيه فرفع يديه وقال: الإيمان يمانٍ والحكمة ها هنا، إلى لخم وجذام.
وحدث بحلب سنة ثمان وسبعين ومئتين عن يوسف بن يونس الأفطس بسنده عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا كان يوم القيامة دعا الله عبداً من عبيده فيوقفه بين يديه فيسأله عن جاهه كما يسأله عن ماله.(3/63)
أحمد بن الخير الأنطرطوسي الإمام
من عمل طرابلس، إمام جامع انطرطوس حدث بها عن أبي ثوبان مزداد بن جميل بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صلوا العشاء قبل أن يكسل الكبير وينام الصغير.(3/64)
من اسم أبيه على حرف الدال المهملة
أحمد بن داود
من العبّاد حدث أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول لأحمد بن داود: يابن داود، إن الناس كلهم قد عملوا على الرجاء، فإن استطعت أنت وحدك تعمل على الخوف فاعمل.
حدث أحمد بن داود قال: بينما سليمان بن داود يمشي مع أبيه، وهو غلام، إذ سمع صوت الرعد، فخر ولصق بفخذ أبيه داود فقال له: يا بني هذا صوت مقدمات رحمته، فكيف لو سمعت صوت مقدمات غضبه؟
أحمد بن داود بن أبي نصر
ويقال: ابن نصر ويقال: ابن نصير - أبو بكر الحنظلي القومسي السمناني سمع بدمشق وغيرها.
حدث عن محمد بن حميد الرازي بسنده عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يأتي على الناس زمان يخير الرجل بين العجز والفجور، فمن أدرك ذلك فليختر العجز على الفجور.
وحدث عن مسروق بن المرزبان بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أعجز الناس من عجز بالدعاء، وإن أبخل الناس من بخل بالسلام.(3/65)
وحدث عن هشام بن عمار بسنده عن أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قول الله عز وجل " كل يومٍ هو في شأنٍ " قال: من شأنه أن يغفر ذنباً ويفرج كرباً ويرفع قوماً ويضع آخرين.
توفي سنة خمس وتسعين ومئتين.
أحمد بن أبي داود القاضي
وهو أحمد بن أبي داود - اسم أبي داود: فرج - وقيل: دعمي - بن جرير بن مالك بن عبد الله بن عباد بن سلام بن مالك بن عبد هند بن لخم بن مالك بن قنص بن منعة بن برجان بن دوس بن الدئل بن أمية بن حذاقة بن زهر بن إياد بن نزار بن معد بن عدنان.
قدم دمشق في صحبة المعتصم مجتازاً إلى مصر. حماها الله تعالى.
قال المأمون لأحمد بن أبي داود: ما اسم أبيك؟ قال: هو اسمه. يعني الكنية. والصحيح أن اسمه كنيته. ولي ابن أبي داود قضاء القضاة للمعتصم ثم للواثق، وكان موصوفاً بالجود والسخاء وحسن الخلق ووفور الأدب، غير أنه أعلن بمذهب الجهمية، وحمل السلطان على امتحان الناس بخلق القرآن.
قال ابن النطاح: أحمد بن أبي داود بن قبيلة يقال لهم بنو زهر إخوة قوم يعرفون بحذاق.(3/66)
قال الصولي: وذكر أبو تمام الطائي هذا في خطابه لابن أبي داود فقال: من الكامل
فالغيث من زهرٍ سحابة رأفةٍ ... والركن من شيبان طود حديد
لأن ابن أبي داود كان غضب عليه فشفع فيه خالد بن يزيد الشيباني فلتلك قال:
والركن من شيبان ...
وحكى الصولي عن أبي العيناء عنه أنه قال: ولدت سنة ستين ومئة بالبصرة.
قال أبو الهذيل: دخلت على ابن أبي داود وابن أبي حفصة ينشده: من الوافر
فقل للفاخرين على نزارٍ ... ومنها خندفٌ وبنو إياد
رسول الله والخلفاء منا ... ومنا أحمد بن أبي داود
فقال لي أبو عبد الله: كيف تسمع يا أبا الهذيل؟ فقلت: هذا يضع الهناء مواضع النقب.
قال أبو هفان: لما قال مروان بن أبي الجنوب في ابن أبي داود:
رسول الله والخلفاء منا ... ومنا أحمد بن أبي داود
قلت: أنقض عليه:
فقل للفاخرين على نزارٍ ... وهم في الأرض سادات العباد
رسول الله والخلفاء منا ... ونبرأ من دعي بني إياد
وما منا إيادٌ إذ أقرت ... بدعوة أحمد بن أبي داود
وقال ابن أبي داود: ما بلغ مني أحد ما بلغ هذا الغلام المهزمي، لولا أني أكره أن أنبه(3/67)
عليه لعاقبته عقاباً لم يعاقب أحدٌ مثله، جاء إلى منقبة كانت لي فنقضها عروة بعروة.
قال يعقوب بن أبي إسحاق الصائغ: لما وجه المأمون بأبي إسحاق المعتصم إلى مصر وعقد له من باب الأنبار إلى أقصى الغرب قال ليحيى بن أكثم: ينبغي أن ترتاد لي رجلاً لبيباً، له علم وأمانة، أنفذه مع أبي إسحاق، وأوليه المظالم في أعماله، وأتقدم إليه سراً بمكاتبتي سراً بأخباره وما يجري عليه أموره، وبما يظهر ويبطن، وما يرى من أمور قواده وخاصته، وكيف تدبيره لي الأموال وغيرها، فإني لست أثق بأحد ممن يتولى البريد، وما أحب أن أجشمه بتقليد صاحب البريد عليه، فقال: يا أمير المؤمنين، عندي رجل من أصحابه أثق بعقله ورأيه وصدقه، فقال: جئني به في يوم كذا.
فصار يحيى بأحمد بن أبي داود إلى المأمون فكلمه فوجده فهماً راجحاً فقال له: أريد إنفاذك مع أخي أبي إسحاق وأريد أن تكتب بأخباره سراً وتفتقد أحواله وأموره وتدبيره وخبر خاصته وخلواته، وتنفذ كتبك بذلك إلى يحيى بن أكثم مع ثقاتك، فقال له أحمد: أبلغ لك في ذلك فوق ما قدرته عندي، فجمع المأمون بين أحمد بن أبي داود وبين المعتصم وقال: قد اخترت لك هذا الرجل، فضمه إليك، فأخذه المعتصم. فلما بلغوا الأنبار وافت كتب البريد بموافاة المعتصم بالأنبار، فقال المأمون ليحيى: ترى ما كان من بغداد إلى الأنبار خبر يكتب به صاحبك إليك؟ فقال يحيى: لعله يا أمير المؤمنين لم يحدث خبر تجب المكاتبة به. وكتب يحيى إلى أحمد يعنفه ويخبره إنكار أمير المؤمنين تأخر كتبه، فوقف أحمد على الكتاب واحتفظ به ولم يجب عنه، وشخص المعتصم حتى وافى الرحبة، ولم يكتب أحمد بحرف واحد من أخبار المعتصم، وكتب أصحاب البريد بموافاة المعتصم للرحبة وأخبار عسكره، فتضاعف إنكار المأمون على يحيى، وكتب يحيى إلى أحمد وأغلظ له المخاطبة وأسمعه المكروه، فورد الكتاب على أحمد فقرأه واحتفظ به.
وسار المعتصم من الرحبة حتى وافى الرقة فتضاعف إنكار المأمون على يحيى وقال له: يا سخين العين، هذا مقدار رأيك وعقلك اللئيم إلا أن تكون غررتني متعمداً. فكتب إلى أحمد كتاباً يشتمل على كل إيعاد وإرهاب وتحذير وتخويف وخاطبه بأفحش مخاطبة فورد الكتاب على أحمد فقرأه واحتفظ به.(3/68)
وأمر المأمون عمرو بن مسعدة أن يكتب إلى المعتصم يأمره بالبعثة بأحمد بن أبي داود مشدودة يده إلى عنقه مثقلاً بالحديد محمولاً على غير وطاء، فورد الكتاب على المعتصم.
ودخل أحمد بن أبي داود إليه وهم بالرقة ما جاوزوها، فرأى المعتصم كئيباً، مغموماً، فقال: أيها الأمير، أراك مفكراً، وأرى لونك حائلاً. فقال: نعم، الكتاب ورد علي من أجلك، ونبذ إليه بالكتاب، فقرأه أحمد، فقال له المعتصم: تعرف لك ذنباً يوجب ما كتب به أمير المؤمنين؟ قال: ما اقترفت ذنباً، إلا أن أمير المؤمنين لا يستحل هذا مني إلا بحجة، فما الذي عند الأمير فيما كتب به إليه؟ فقال: أمر أمير المؤمنين لا يخالف، لكني أعفيك من الغل والحديد وأحملك على حال لا توهنك، وأوجهك مع غلام من غلماني أتقدم إليه بترفيهك وأن لا يعسفك فشكره وقال: إن رأيت أن تأذن لي في المصير إلى منزلي ومعي من يراعيني إلى أن أعود فافعل. فقال له: امض ووجه معه خادماً، فصار أحمد إلى منزله واستخرج الكتب الثلاثة ورجع إلى المعتصم فأقرأه إياها، وقال: إنما بعثت لأكتب بأخبارك وأتفقد أحوالك، وأكاتب يحيى بذلك ليقرأه على أمير المؤمنين، فخالفت ذلك لما رجوته من الحظوة عندك ولما أملته منك، فاستشاط المعتصم غضباًن وكاد يخرج من ثيابه غيظاً، وتكلم في يحيى بكل مكروه، وتوعده بكل بلاء وقال لأحمد: يا هذا، لقد رعيت لنا رعايةً لم يتقدمها إحساننا إليك، وحفظت علينا ما نرجو أن يتسع لمكافأتك عليه، ومعاذ الله أن أسلمك أو تنالك يد ولي قدرة على منعها منك، أو أوثر خاصة أو حميماً عليك ما امتد بي عمر، فكن معي فأمرك نافذ في كل ما ينفذ فيه أمري، ولم يجب المأمون على كتابه، ولم يزل معه إلى أن ولي الخلافة وإلى أن ولي الواثق وإلى أيام المتوكل، فأوقع به.
نقلته مختصراً.
قال أبو نصر بن ماكولا: داود: بضم الدال المهملة وفتح الواو المخففة: أحمد بن أبي داود قاضي المعتصم والواثق،(3/69)
كان موصوفاً بجودة الرأي والكرم، وهو الذي امتحن العلماء بالقول في القرآن، وبدعوتهم إلى خلق القرآن.
كان يقال: أكرم من كان في دولة بني العباس البرامكة ثم ابن أبي داود، لولا ما وضع نفسه من محبة المحنة لاجتمعت الألسن عليه ولم يضف إلى كرمه كرم أحدٍ.
وكان شاعراً مجيداً فصيحاً بليغاً.
قال أبو العيناء: ما رأيت رئيساً أفصح ولا أنطق من ابن أبي داود.
حدث حريز بن أحمد بن أبي داود أبو مالك قال: كان أبي إذا صلى رفع يده إلى السماء وخاطب ربه وأنشأ يقول: من الكامل
ما أنت بالسبب الضعيف وإنما ... نجح الأمور بقوة الأسباب
فاليوم حاجتنا إليك وإنما ... يدعى الطبيب لساعة الأوصاب
قال محمد بن بوكرد: لم يكن لقاضي القضاة أحمد بن أبي داود أخ من الإخوان إلا بنى له داراً على قدر كفايته، ثم وقف على ولد الإخوان ما يغنيهم أبداً، ولم يكن لأحد من إخوانه ولد إلا من جاريةٍ هو وهبها له.
دخل أبو تمام الطائي على أحمد بن أبي داود فقال له: أحسبك عاتباً يا أبا تمام؟ قال: إنما يعتب على واحدٍ، وأنت الناس جميعاً فكيف يعتب عليك؟ فقال من أين هذه يا أبا تمام؟ قال: من قول الحاذق - يعني: أبا نواس - للفضل بن الربيع: من السريع
وليس لله بمستنكرٍ ... أن يجمع العالم في واحد
قال علي الرازي: رأيت أبا تمام عند ابن أبي داود، ومعه رجل ينشد عنه: من الوافر(3/70)
لقد أنست مساوىء كل دهرٍ ... محاسن أحمد بن أبي داود
وما سافرت في الآفاق إلا ... ومن جدواك راحلتي وزادي
يقيم الظن عندك والأماني ... وإن قلقت ركابي في البلاد
فقال ابن أبي داود: هذا المعنى تفردت به أو أخذته؟ قال: هو لي وقد ألمحت فيه بقول أبي نواس: من الطويل
وإن جرت الألفاظ يوماً بمدحةٍ ... لغيرك إنساناً فأنت الذي نعني
قال مسبح بن حاتم: لقيني قاضي القضاة أحمد بن أبي داود فقال بعد أن سلم علي: ما يمنعك أن تسألني؟ فقلت له: إذا سألتك فقد أعطيتك ثمن ما أعطيتني. فقال لي: صدقت. وأنفذ إلي خمسة آلاف درهم.
قال أبو خليفة الفضل بن الحباب:
كان في جوارنا رجل حذاء فاحتاج في أمر له أن يتظلم إلى الواثق، فأخبرنا أنه رفع قصته إليه فأمر برده إلى ابن أبي داود مع جماعة من المتظلمين قال: فحضرت إليه ينظر في أمور الناس، وتشوقت لينظر في أمري فأومأ إلي بالانتظار، فانتظرت حتى لم يبق أحدٌ فقال لي: أتعرفني؟ قلت: ولا أنكر القاضي. قال: ولكني أعرفك، مضيت يوماً في الخلاء فانقطعت نعلي وأعطيتني شسعاً لها، فقلت لك: إني أجيئك بثواب ذلك، فتكرهت قولي، وقلت: وما مقدار ما فعلت، امض في حفظ الله، والله لأصلحن زمانك كما أصلحت نعلي ثم وقع لي في ظلامتي ووهب لي خمس مئة درهم، وقال: زرني في كل وقت. قال: فرأيناه بمتسع الحال بعد أن رأيناه مضيقاً.
حدث أبو مالك حريز بن أحمد بن أبي داود قال: قال الواثق يوماً لأبي تضجراً بكثرة حوائجه: يا أحمد، قد اختلت بيوت الأموال بطلباتك، اللائذين بك والمتوسلين إليك فقال: يا أمير المؤمنين، نتائج شكرها متصلة بك، وذخائر أجرها مكتوبة لك، وما لي من ذلك إلا عشق اتصال الألسن بحلو المدح فيك. فقال: يا أبا عبد الله،، والله لا منعناك ما يزيد في عشقك، ويقوي من همتك، فتناولنا بما أحببت.(3/71)
قال الحارث بن أسامة: أمر الواثق لعشرة من بني هاشم بعشرة آلاف درهم على يد ابن أبي داود، فدفعها إليهم فكلمه نظراؤهم ففرق فيهم عشرة آلاف درهم لعشرة مثل أولئك من عنده على أنها من عند الواثق، فبلغه ذلك فقال له: يا أبا عبد الله، مالنا أكثر من مالك فلم تغرم وتضيف ذلك إلينا؟ فقال: والله، يا أمير المؤمنين لو أمكنني أن أجعل ثواب حسناتي لك وأجهد في عمل غيرها لفعلت، وكيف أبخل بمالٍ أنت ملكتنيه على أهلك الذين يكثرون الشكر، ويتضاعف بهم الأجر؟ قال: فوصله بمئة ألف درهم ففرق جميعها في بني هاشم.
قال محمد بن عمرو الرومي: ما رأيت قط أجمع رأياً من ابن أبي داود، ولا أحضر حجةً، قال له الواثق: يا عبد الله، رفعت إلي رقة وفيها كذبٌ كبيرٌ، قال: ليس بعجبٍ أن أحسد على منزلتي من أمير المؤمنين، فيكذب علي قال: زعموا فيها أنك وليت القضاء رجلاً ضريراً. قال: قد كان ذاك، وأمرته أن يستخلف، وكنت عازماً على عزله حين أصيب ببصره، فبلغني أنه عمي من بكائه على أمير المؤمنين المعتصم، فحفظت ذلك له.
قال: وفيها أنك أعطيت شاعراً ألف دينار - يعني أبا تمام - قال: ما كان ذلك ولكن أعطيته دونها، وقد أثاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كعب بن زهير الشاعر، وقال في آخر: اقطع عني لسانه. وهذا شاعر طائيٌّ مداحٌ لأمير المؤمنين مصيب محسن لو لم أرع له إلا قوله للمعتصم صلوات الله عليه في أمير المؤمنين أعزه الله: من الكامل
واشدد بهارون الخلافة إنه ... سكنٌ لوحشتها ودار قرار
ولقد علمت بأن ذلك معصمٌ ... ما كنت تتركه بغير سوار
قال: فوصل أبا تمام بخمس مئة دينار.
قال أبو بكر محمد بن يحيى الصولي: قال أبو تمام حبيب بن أوس: من الوافر(3/72)
أيسلبني ثراء المال ربي ... وأطلب ذاك من كفٍّ جماد
زعمت إذاً بأن الجود أمسى ... له ربٌّ سوى ابن أبي داود
قال ابن الأعرابي: سأل رجلٌ قاضي القضاة أحمد بن أبي داود أن يحمله على عير فقال: يا غلام، أعطه عيراً وبغلاً وبرذوناً وفرساً وجارية ثم قال: أما والله لو عرفت مركوباً غير هذا لأعطيتك.
قال أبو العيناء: ما رأيت في الدنيا أحداً أحرص على أدب من ابن أبي داود، ولا أقوم على أدب منه، وذلك أني ما خرجت من عنده يوماً قط فقال: يا غلام خذ بيده، بل كان يقول: يا غلام اخرج معه، فكنت أنتقد هذه الكلمة عليه، فلا يخل بها ولا أسمعها من غيره.
قال عون بن محمد الكندي:
عهدي بالكرخ ببغداد وإن رجلاً لو قال: ابن أبي داود مسلم قتل في مكانه، ثم وقع الحريق في الكرخ وهو الذي ما كان مثله قط، فكلم ابن أبي داود المعتصم في الناس وقال: يا أمير المؤمنين، رعيتك في بلد آبائك ودار ملكهم نزل بهم هذا الأمر فاعطف عليهم بشيء يفرق فيهم يمسك أرماقهم ويبنون به ما انهدم عليهم، ويصلحون به أحوالهم، فلم يزل ينازله حتى أطلق له خمسة آلاف ألف درهم فقال: يا أمير المؤمنين، إن فرقها عليهم غيري خفت ألا تقسم بالسوية فائذن لي في تولي أمرها ليكون الأجر أكبر والثناء أوفر. قال: ذلك إليك، فقسمها على مقادير الناس وما ذهب منهم نهاية ما يقدر عليه من الاحتياط واحتاج إلى زيادة فازدادها من المعتصم. وغرم من ماله في ذلك غرماً كبيراً، فكانت هذه من فضائله التي لم يكن لأحد مثلها.
قال عون: فلعهدي بالكرخ بعد ذلك وإن إنساناً لو قال: زر ابن أبي داود وسخ لقتل.
حدث علي بن الحسين الاسكافي قال: اعتل أحمد بن أبي داود فعاده المعتصم فقام فتلقاه وقال له: قد شفاني الله بالنظر إلى أمير المؤمنين، فدعا له بالعافية وقال له: إني نذرت إن عافاك الله أن أتصدق بعشرة آلاف(3/73)
دينار فقال له: يا أمير المؤمنين، اجعلها لأهل الحرمين فقد لقوا من غلاء الأسعار عنتاً، فقال: نويت أن أتصدق بها ها هنا، وأنا أطلق لأهل لأهل الحرمين مثلها، ثم نهض فقال له: أمتع الله الإسلام وأهله ببقائك يا أمير المؤمنين، فإنك كما قال النمري لأبيك الرشيد: من البسيط
إن المكارم والمعروف أوديةٌ ... أحلك الله منها حيث تجتمع
من لم يكن بأمين الله معتصماً ... فليس بالصلوات الخمس ينتفع
فقيل للمعتصم في ذلك لأنه عاده وليس يعود إخوته وأخلاء أهله فقال المعتصم: كيف لا أعود رجلاً ما وقعت عيني عليه قط إلا ساق إلي أجراً، أو أوجب لي شكراًن أو أفادني فائدة تنفعني في ديني ودنياي، وما سألني حاجة لنفسه قط.
قال محمد بن عبد الملك الزيات: كان رجلٌ من ولد عمر بن الخطاب لا يلقى أحمد بن أبي داود في محفلٍ ولا وحده إلا لعنه ودعا عليه، وابن أبي داود لا يرد عليه شيئاً. قال: فعرضت لذلك الرجل حاجة إلى المعتصم فسألني أن أرفع له قصته إليه، فمطلته واتقيت ابن أبي داود، فلما ألح علي عزمت على أن أوصل قصته، وتذممت من مطلبي. فدخلت ذات يوم على المعتصم وقصته معي واغتنمت غيبة ابن أبي داود فرفعت قصته إليه، فهو يقرأها إذ دخل ابن أبي داود والقصة في يد المعتصم، فلما قرأها دفعها إلى ابن أبي داود، فلما نظر إليها، واسم الرجل في أولها قال: يا أمير المؤمنين، عمر بن الخطاب، يا أمير المؤمنين، عمر بن الخطاب، ينبغي أن يقضى لولده كل حاجة له، فوقع له أمير المؤمنين بقضاء الحاجة.
قال محمد بن عبد الملك: فخرجت والرجل جالس فدفعت إليه القصة وقلت له: تشكر لأبي عبد الله القاضي فهو الذي اعتنق قصتك وسأل أمير المؤمنين في قضاء حاجتك. قال: فوقف حتى خرج ابن أبي داود، فجعل يدعو له ويتشكر له فقال له: اذهب عافاك الله فإني إنما فعلت ذلك لعمر بن الخطاب لا لك.
قال إسحاق بن إبراهيم: كنت عند الواثق يوماً، وهو بالنجف، فدخل ابن أبي داود، فقعد معنا نتحدث ولم(3/74)
يك خرج الواثق بعد، فقال لي أحمد بن أبي داود: يا إسحاق قلت: لبيك، قال: أعجبني هذان البيتان، قلت: أنشدني فما أعجبك من شيء ففيه السرور، فأنشدني: من الطويل
ولي نظرةٌ لو كان يحبل ناظرٌ ... بنظرته أنثى لقد حبلت مني
فإن ولدت ما بين تسعة أشهرٍ ... إلى نظري أنثى فإن ابنها ابني
فقلت: قد أجاد، ولكني أنشدك بيتين أرجو أن يعجباك قال: هات، فأنشدته من الطويل
ولما رمت بالطرف غيري ظننتها ... كما أثرت بالطرف توثر بالقلب
وإني بها في كل حالٍ لواثقٌ ... ولكن سوء الظن من شدة الحب
قال: أحسنت يا إسحاق وخرج الواثق فقال: فيم أنتم! فحدثه ابن أبي داود وأنشده، فأمر له بعشرة آلاف درهم وأمر لابن أبي داود بثلاثين ألفاً، فلما رجعت إلى منزلي أصبت في منزلي أربعين ألفاً فقلت: ما هذا؟ فقيل وجه إليك أبو عبد الله بهذا.
قال الحسن بن خضر:
كان ابن أبي داود مألفاً لأهل الأدب من أي بلد كانوا، وكان قد ضم إليه جماعة يعولهم ويمونهم. فلما مات اجتمع ببابه جماعة منهم فقالوا: يدفن من كان على ساقة الكرم وتاريخ الأدب ولا نتكلم فيه؟ إن هذا لوهنٌ وتقصيرٌ، فلما طلع سريره قام ثلاثة نفر فقال أحدهم: من البسيط
اليوم مات نظام الفهم واللسن ... ومات من كان يستعدى على الزمن
وأظلمت سبل الآداب إذ حجبت ... شمس المعارف في غيمٍ من الكفن
وتقدم الثاني فقال: من الكامل
ترك المنابر والسري تواضعاً ... وله منابر لو يشا وسرير
ولغيره يجبى الخراج وإنما ... تجبى إليه محامدٌ وأجور
وقام الثالث فقال: من الطويل
وليس نسيم المسك ريح حنوطه ... ولكنه ذاك الثناء المخلف(3/75)
وليس صرير النعش ما تسمعونه ... ولكنها أصلاب قومٍ تقصف
قال الحسن بن ثواب: سألت أحمد بن حنبل عمن يقول القرآن مخلوق قال: كافر. قلت فابن أبي داود؟ قال: كافر بالله العظيم. قلت: بماذا كفر؟ قال: بكتاب الله تعالى. قال الله تعالى: " ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم " فالقرآن من علم الله، فمن زعم أن علم الله مخلوق فهو كافر بالله العظيم.
قال علي بن الموفق: ناظرت قوماً أيام المحنة. قال: فنالوني بما أكره، فعدت إلى منزلي وأنا مغموم بذلك، فقدمت إلي امرأتي عشاء، فقلت لها: لست آكل، فرفعته، ونمت فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم داخل المسجد وفي المسجد حلقتان يعني: إحداهما فيها أحمد بن حنبل وأصحابه، والأخرى فيها ابن أبي داود وأصحابه، فوقف بين الحلقتين وأشار بيده فقال: " فإن يكفر بها هؤلاء " وأشار إلى حلقة ابن أبي داود " فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين " وأشار إلى الحلقة التي فيها أحمد بن حنبل.
قال محمد بن يحيى الصولي: كان المتوكل يوجب لأحمد بن أبي داود ويستحيي أن ينكبه، وإن كان يكره مذهبه، لما كان يقوم به من أمره أيام الواثق وعقد الأمر له والقيام به من بين الناس، فلما فلج أحمد ابن أبي داود في جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين ومئتين أول ما ولي المتوكل الخلافة ولى المتوكل ابنه محمد بن أحمد أبا الوليد القضاء ومظالم العسكر مكان أبيه، ثم عزله عنها يوم الأربعاء لعشر بقين من صفر سنة أربعين ومئتين، ووكل بضياعه وضياع أبيه ثم صولح على ألف ألف دينار، وأشهد على ابن أبي داود وابنه بشراء ضياعهم وحدرهم إلى بغداد، وولى يحيى بن أكثر ما كان إلى ابن أبي داود.
وهجاهما علي بن الجهم وغيره.(3/76)
قال محمد بن الواثق الذي يقال له المهتدي بالله:
كان أبي إذا أراد أن يقتل رجلاً أحضرنا ذلك المجلس، فأتي بشيخ محصوب مقيد، فقال أبي: ائذنوا لأبي عبد الله وأصحابه - يعني ابن أبي داود - قال: فأدخل الشيخ في مصلاه. قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال له: لا سلم الله عليك. فقال: يا أمير المؤمنين، بئس ما أدبك مؤدبك. قال الله تعالى: " وإذا حييتم بتحيةٍ فحيوا بأحسن منها أو ردوها " والله ما حييتني بها ولا أحسن منها. فقال ابن أبي داود: يا أمير المؤمنين، الرجل متكلم، فقال له: كلمه. فقال: يا شيخ ما تقول في القرآن؟ قال الشيخ: لم تنصفني - يعني ولي السؤال - فقال له: سل، فقال له الشيخ: ما تقول في القرآن؟ فقال: مخلوق، فقال: هذا شيء علمه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والخلفاء الراشدون أم شيء لم يعلموه؟ فقال: شيء لم يعلموه فقال: سبحان الله شيء لم يعلمه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا الخلفاء الراشدون علمته أنت؟!. قال: فخجل، وقال: أقلني. قال: والمسألة بحالها قال: نعم، قال: ما تقول في القرآن؟ فقال: مخلوق، فقال: هذا شيء علمه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعثمان وعلي والخلفاء الراشدون أم لم يعلموه؟. فقال: علموه ولم يدعوا الناس إليه قال: أفلا وسعك ما وسعهم. قال: ثم قام أبي فدخل مجلس الخلوة واستلقى على قفاه، ووضع إحدى رجليه على الأخرى وهو يقول: هذا شيء لم يعلمه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا الخلفاء الراشدون علمته أنت، سبحان الله شيء علمه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والخلفاء الراشدون ولم يدعوا الناس إليه، أفلا وسعك ما وسعهم؟ ثم دعا عماراً الحاجب فأمر أن يرفع عنه القيود ويعطيه أربع مئة دينار، ويأذن له في الرجوع، وسقط من عينه ابن أبي داود ولم يمتحن بعد ذلك أحداً.
ومما قيل في ابن أبي داود: من الوافر
إلى كم تجعل الأعراب طراً ... ذوي الأرحام منك بكل واد
تضم على لصوصهم جناحاً ... لتثبت دعوة لك في إياد
فأقسم أن رحمك في إيادٍ ... كرحم بني أمية من زياد(3/77)
قال عبد العزيز بن يحيى المكي: دخلت على أحمد بن أبي داود، وهو مفلوج، فقلت: إني لم آتك عائداً، ولكني جئت لأحمد الله على أن سجنك في جلدك.
قال أبو يوسف يعقوب بن موسى بن الفيرزان ابن أخي معروف الكرخي قال: رأيت في المنام كأني وأخاً لي نمر على نهر عيسى على الشط، وطرف عمامتي بيد أخي هذا، فبينا نحن نمشي إذ امرأة تقول لصديقي هذا: ما تدري ما حدث الليلة؟ أهلك الله ابن أبي داود. فقلت أنا لها: وما كان سبب هلاكه؟ قالت: أغضب الله عليه فغضب عليه من فوق سبع سماوات.
قال يوماً سفيان بن وكيع لأصحابه: تدرون ما رأيت الليلة؟ وكانت الليلة التي رأوا فيها النار ببغداد وغيرها، قال: رأيت كأن جهنم زفرت فخرج منها اللهب، أو نحو هذا الكلام. فقلت: ما هذا؟ قال: أعدت لابن أبي داود.
قال المغيرة بن محمد المهلبي: مات أبو الوليد محمد بن أحمد بن أبي داود - وهو وأبوه منكوبان - في ذي الحجة سنة تسع وثلاثين ومئتين، ومات أبوه في المحرم سنة أربعين ومئتين يوم السبت لتسع بقين منه فكان بينه وبين ابنه شهر أو نحوه، ودفن في داره ببغداد وصلى عليه ابنه العباس.(3/78)
من اسم أبيه على حرف الذال
أحمد بن ذكوان إمام مسجد دمشق
قال: أخطأ فيه بعض النقلة، وذكر أنه روى عن عراك بن خالد.
حدث عن عراك بن خالد بن يزيد بن صبيح المري بسنده عن عكرمة قال: لما عزي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بابنته رقية امرأة عثمان بن عفان قال: الحمد لله، دفن البنات من المكرمات.
قال: هكذا روي. والحديث محفوظ عن عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان المقرىء إمام جامع دمشق، وهو مذكور في ترجمته.(3/79)
من اسم أبيه على حرف الراء
أحمد بن ربيعة بن سليمان
ابن خالد بن عبد الرحمن بن زبر والد القاضي أبي محمد حدث عن جماعة، وروى عنه ولده أبو محمد عبد الله بن أحمد القاضي.
حدث أحمد بن ربيعة بسنده قال:
كان أبو جعفر المنصور قد استعمل على معونة البصرة عقبة بن سلم الهنائي، فذكر من إقدامه على دماء المسلمين وأموالهم وتجبره وعتوه على الله عز وجل أمراً منكراً فظيعاً، وكان على القضاء يومئذ سوار بن عبد الله، قال: فقدم رجل من التجار في البحر بجوهرة نفيسة فبلغ خبرها عقبة بن سلم فأخذ الجوهرة منه وسجنه، فجاءت زوجة له إلى سوار بن عبد الله فقالت له: أنا بالله ثم بالقاضي فقال: وما شأنك؟. قالت: إن زوجي قدم من البحر ومعه جوهرة نفيسة، فبلغ الأمر عقبة بن سلم فخبرها فاغتصبه إياها وحبسه في السجن، قال: فبعث إليه سوار رسولاً يذكر له ما تظلمت منه المرأة إليه ويقول: إن كان ذلك حقاً فأطلق الرجل واردد عليه جوهرته، فزجره عقبة وشتم سواراً شتماً قبيحاً، فرجع الرسول فأخبر سواراً بذلك، فوجه سوار لجماعة من أمنائه بمثل تلك الرسالة ليسمعوا ما يرد الجواب فأتوه فأدوا الرسالة فرد عليهم من الشتم لهم ولسوار أمراً قبيحاً، فأتوه فأخبروه بذلك، فأرسل إليه سوار: والله لئن لم تطلق الرجل وترد عليه جوهرته لآتينك في ثياب بياض ماشياً ولأدمرن عليك بغير سلاح ولا رجال، ولأقتلنك قتلة يتحدث بها الناس. فلما سمع جلساؤه رسالة سوار قالوا له: أيها الأمير، إنه والله ما يقول شيئاً إلا يفعله، وهو سوار قاضي أمير المؤمنين، وقبائل مضر وتميم وبلعنبر كلها مستجيبة له، وأنت رجل من أهل اليمن ليس بالنصرة من عشيرتك كثير، فأجبه إلى ما أمر(3/80)
به، فوجه عقبة بالرجل وبالجوهرة. ووجه معه رجالاً يشهدون عليه بقبض الرجل والجوهرة. فلما صاروا إليه صاح بهم: يا أعداء الله بماذا تشهدون علي: تطلق الرجل وترد عليه جوهرته؟! قال: فانصرفوا مرعوبين.
توفي أحمد بن ربيعة يوم السبت السادس والعشرين من رمضان سنة ست وثمانين ومئتين.
أحمد بن روح بن زياد بن أيوب
أبو الطيب البغدادي الشعراني حدث عن جماعة منهم محمد بن حرب النشائي وغيره روى عن محمد بن حرب النشائي بسنده عن عائشة وحفصة رضي الله عنهما قالتا: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد لغير زوجها فوق ثلاث.
وروى عن العباس بن الوليد بن مزيد بسنده عن عرزب الكندي أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إنه سيحدث بعدي أشياء فأحبها إلي أن تلزموا ما أحدث عمر.
قدم أحمد بن روح أصبهان قبل التسعين ومئتين.
أحمد بن ريحان بن عبد الله
أبو الطيب البغدادي حدث بصيدا عن جماعة.
روى عن عباس الدوري بسنده عن أبي أوفى أنه تبع جنازة، فكان يسأل قائده إن كان أمامها برده حتى يؤخره. فلما وصلت إلى المقابر قام، فصلى، فكبر ثلاث تكبيرات ثم كبر الرابعة، ثم صبر حتى سبحنا به طويلاً فخفنا يكبر الخامسة، فلما انفتل سلم فقال: أظننتم أني أكبر الخامسة. إنما فعلت كما فعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حدث أحمد بن ريحان بالرملة وصيدا ونزل بالشام.(3/81)
من اسم أبيه على حرف الزاي
أحمد بن زكريا بن يحيى بن يعقوب
أبو الحسن المقدسي قدم دمشق مجتازاً إلى الكوفة. روى عن جماعة.
حدث عن إسماعيل بن حمدويه الببكندي بسنده عن تبهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ويلٌ للذي يحدث فيكذب ليضحك به، ويل له ويل له.
وحدث عن أبي عبد الرحمن أحمد بن شيبان بسنده عن أبي موسى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة. وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة.
المعروف أن كنية أحمد بن شيبان: أبو عبد المؤمن.(3/82)
من اسم أبيه على حرف السين
أحمد بن سالم المري
ويقال أحمر بالراء شاعر قدم على عبد الملك بن مروان وامتدحه.
قال عمر بن شبة: قدم أحمد بن سالم المري على عبد الملك بن مروان فقال له: كيف قلت: من الطويل
مقل رأى الإقلال عاراً ...
فأنشده: من الطويل
مقل رأى الإقلال عاراً فلم يزل ... يجوب بلاد الله حتى تمولا
إذا جاب أرضاً ينتويها رمت به ... مهامة أخرى عيسه فتغلغلا
فلما أفاد المال جاد بفضله ... لمن جاءه يرجو جداه مؤملا
فأعطى جزيلاً من أراد عطاءه ... وذو البخل مذمومٌ يرى البخل أفضلا
قال: حاجتك؟ قال: أنت أعلى بالجميل عيناً فأمر له بعشرة آلاف درهم وأحلقه بالسرف يعني من العطاء.
قال علي بن بكر: يقال: أربعة آلاف هو سرف العطاء. فخرج وهو يقول: من الطويل
بكف ابن مروانٍ حييت وناشني ... لأهلي من دهرٍ كثير العجائب
في قصيدة، فراح بها عليه فقال: أكنت أعددت هذا؟ قال: لا. قال: أتكيل القول، فقل ولا تكثر. فإنه من أكثر هذر، وقليلٌ كافٍ خيرٌ من كثيرٍ شافٍ وأمر له بأربعة آلاف.(3/83)
وقال: إياك وأعراض الناس، فإن لك لساناً لا يدعك حتى يلقيك تحت كلكل هزبرٍ أبي شبلين يصمعك صمعةً لا بقية لك بعدها. فخرج إلى العراق فأتى الكوفة فأتى الحجاج بقصيدة يقول فيها من الطويل
ثقيفٌ بقايا من ثمودٍ ومالها ... أبٌ ثابتٌ في قيس عيلان ينسب
وأنت دعيٌّ يابن يوسف فيهم ... زنيمٌ إذا ما حصلوا يتذبذب
فطلبه الحجاج فهرب فأدرك بهيت فأتي به الحجاج فأمر به، فأحرق ثم ذري في اليم، وتمثل بقول هشام بن قبيصة النميري قالها لابن محلاة الطائي وقتل بمرج راهط أبيات منها:
بما أجرمت كفاك لاقيت ما ترى ... فلا يبعد الرحمن غيرك هالكا
أحمد بن سباع أحد المتعبدين
من إخوان أبي سليمان(3/84)
حدث أحمد بن أبي الحواري قال: قال أبو سليمان: وجاءنا زبد بعسل فجعله يلعقه العوام منا ولا يأكل منه شيئاً، ونأكل نحن منه، قال: فقلت له: تطعمنا الشهوات؟ وتنهانا عنها، قال: إني أعرف أنكم تشتهونها، فأنا أحب أن أطعمكم شهوتكم، ولو جاءني من يعرف - يعني أهل الزهد - لم أزدهم عن الملح والخبز. قلت له: تطعمنا الزبد بالعسل ولا تأكله؟ قال: إني أخافه، إن الزبد بالعسل إسراف ثم رأيته بعد ذلك في بيت ابن سباع وقد جاءه بسكرجة فيها زبد وعسل ورغيف درمك فأكل منه. فقلت له: يا أستاذ، لم لا تأكله في بيتك وتأكله ها هنا! قال: من أكل ليسر به أخاه لم يضره أكله، إن عامل الله لا يخيب على كل حال، إنما يضره أكله لشهوة نفسه.
قال: وسمعت أبا سليمان يقول: لو أن الدنيا كلها في لقمة ثم جاءني أخي لأحببت أن أضعها في فيه.
حدث أحمد بن أبي الحواري قال: قلت لأبي سليمان: إن عباداً وأحمد بن سباع قد ذهبوا إلى الثغر!! فقال لي: إن الأباق عبيد السوء، والله والله ما فروا إلا منه فكيف يطلبونه في الثغور.
أحمد بن سعد بن إبراهيم بن سعد
ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، أبو إبراهيم الزهري سمع بدمشق وبمصر وبالعراق. وروى عنه جماعة. وكان يعد من الأبدال وسكن بغداد وخرج إلى الثغر.
حدث عن يحيى بن عبد الله بن بكير بسنده عن معاذ بن أنس عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الذكر يفضل على الصدقة في سبيل الله.
وحدث عن أبي أيوب سليمان بن عبد الرحمن بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليس فيما دون خمس أواقٍ صدقة وليس فيما دون خمس ذودٍ صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسقٍ صدقة.
حدث أبو إبراهيم الزهري قال: كنت جائياً من المصيصة فمررت باللكام، فأحببت أن أراهم - يعني المتعبدين - هناك، فقصدتهم ووافقت صلاة الظهر، قال: وأحسبه رأى فيهم إنساناً عرفني فقلت له: هل فيكم رجل تدلوني عليه، فقالوا: هذا الشيخ الذي يصلي بنا، فحضرت معهم صلاة الظهر والعصر، فقال له ذلك الرجل: هذا من ولد عبد الرحمن بن عوف، وجده أبو أمه سعد بن معاذ، قال: فبش بي وسلم علي كأنه، مذ كان، يعرفني. قال: فقلت له أنا بالحنبلية: من أين تأكل؟ فقال لي: أنتم مقيم عندنا؟ قلت: أما الليلة فأنا عندكم، قال: ثم مضيت، فجعل يحدثني ويؤانسني حتى جاء إلى كهف جبل، فقعدت، ودخل فأخرج قعباً يسع رطلاً ونصفاً قد أتى عليه الدهور، ثم وضعه وقعد يحدثني حتى إذا كادت الشمس أن تغرب اجتمعت حواليه ظباء فاعتقل منها ظبية، فحلبها حتى ملأ القدح، ثم(3/85)
أرسلها، فلما سقط القرص حساه ثم قال: ما هو غير ما ترى، ربما احتجت إلى الشيء من هذا، فيجتمع حولي هذه الظباء فآخذ حاجتي وأرسلها.
وكان أحمد بن سعد معروفاً بالخير والصلاح والعفاف إلى أن مات. وكان مذكوراً بالعلم والفضل موصوفاً بالزهد، من أهل بيت كلهم علماء ومحدثون.
توفي يوم السبت ودفن يوم الأحد لخمس خلون من المحرم سنة ثلاث وسبعين وقد بلغ خمساً وسبعين سنة، وكان ميلاده سنة ثمان وتسعين، ودفن في مقبرة التبانين.
أحمد بن سعد بن الحسن بن النضر
أبو العباس الشيحي المعدل حدث عن جماعة حدث عن أبي الطيب عبد المنعم بن غلبون المصري قال: قال الحسن بن خالويه: كنت عند سيف الدولة وعنده ابن بنت حامد فناظرني على خلق القرآن. فلما كان تلك الليلة نمت فأتاني آتٍ فقال: لم لم تحتج عليه بأول القصص " طسم، تلك آيات الكتاب المبين، نتلو عليك " والتلاوة لا تكون إلا بالكلام؟ سكن بغداد وحدث بها. وله كتاب مصنف في الزوال وعلم مواقيت الصلاة. وكان ثقة صالحاً ديناً حسن المذهب. وشهد عند القضاة وعدل. ثم ترك الشهاد تزهداً.
ومات في ذي القعدة سنة ست وأربع مئة ودفن بباب حرب.
أحمد بن سعيد بن سعد
أبو الحسين البغدادي المعروف بالذهبي وكيل دعلج قدم دمشق في سنة سبع وستين وثلاث مئة. وحدث بها وببغداد وبمصر.(3/86)
حدث عن أبي مزاحم، يعني موسى بن عبيد الله الخاقاني بسنده عن أنس قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبي بالحج والعمرة، وإن ركبتي لتصيب ركبته.
توفي أبو الحسين أحمد بن سعيد الدعلجي صاحب دعلج في طريق مكة بقرب مدينة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودفن هناك في المحرم سنة سبعين وثلاث مئة.
أحمد بن سعيد بن عبد الله
أبو الحسن المؤدب الدمشقي من أهل دمشق، سكن بغداد، وحدث عن جماعة حدث عن أبي الوليد هشام بن عمار بن نصير بن ميسرة بن أبان السلمي الدمشقي بسنده عن سلمان بن عامر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: الغلام مرتهن بعقيقته، فأهريقوا عنه دماً، وأميطوا عنه الأذى.
قال: وسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: الصدقة على المسكين صدقةٌ، وعلى ذي الرحم ثنتان: صلةٌ وصدقةٌ وحدث عنه أيضاً بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من فارق جماعة المسلمين قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، ومن مات وليس عليه إمام فميتة الجاهلية. ومن مات تحت راية عصبية يدعو إلى عصبية وينصر عصبية فقتلة جاهلية.
كان أحمد بن سعيد مؤدباً لعبد الله بن المعتز بالله وكان صادقاً.
مات في يوم الخميس لثلاث عشرة بقيت من رجب سنة ست وثلاث مئة بالجانب الغربي من بغداد، ولم يغير شيبه.
أحمد بن سعيد بن محمد بن الفرج
وقيل أحمد بن محمد بن سعيد أبو الحارث المعروف بابن أم سعيد رحل وروى عن جماعة، وروى عنه جماعة.(3/87)
حدث عن عبد الله بن محمد بن أيوب المخرمي بسنده عن النعمان بن بشير عن أبيه قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رحم الله عبداً سمع مقالتي فحفظها، فرب حامل فقهٍ غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمور ولزوم جماعة المسلمين.
توفي أبو الحارث أحمد بن سعيد يوم الثلاثاء بعد العصر لسبع بقين من شعبان سنة عشرين وثلاث مئة. وقيل: كانت وفاته في رمضان من السنة. وكان شيخاً جليلاً من أهل دمشق.
أحمد بن سعيد أبو بكر الطائي الكاتب
مصري، سكن دمشق.
حدث عن أبي العباس بن قهيدة قال: قال لي عمرو بن الحسن: رأيت إبليس في النوم، وهو راكب كركدن، يقوده بأفعى، فقال: يا عمرو بن الحسن سلني حاجتك، فدفعت إليه رقعة كانت معي، فوقع فيها: من السريع
ألم تر القاضي وأصحابه ... ما يفعل الله بأهل القرى
بلى ولكن ليس من شغله ... إلا إذا استعلى أذل الورى
فليت أني مت فيمن مضى ... ولم أعش حتى أرى ما أرى
وكل ذي خفضٍ وذي نعمةٍ ... لابد أن يعلو عليه الثرى
ثم قال لي: يا عمرو بن الحسن، لا تحسدن أحداً، فإن الحسد صيرني إلى ما ترى، وغش ابني آدم ينفق عندهم. وضرب كركدنه ومضى. لعنه الله.
قال الحافظ: وقد وقعت لي هذه الحكاية من وجهٍ آخر إلا أنه قيل فيها: عمرو بن محمد، وحكي معناها عن عمرو بن محمد قاضي البصرة.
قال أبو سليمان بن زبر:
اجتمعت أنا وعشرة، منهم أبو بكر الطائي، نقرأ فضائل علي بن أبي طالب في جامع(3/88)
دمشق، فوثب إلينا نحو المئة من أهل الجامع يريدون ضربنا. وأخذ واحد منهم يلحقني، فجاء بعض الشيوخ إلي، وكان قاضياً، في الوقت، فخلصوني من أيديهم، وعلقوا أبا بكر الطائي فضربوه، وعملوا على أنهم يسوقونه إلى الشرطة في الخضراء، فقال لهم أبو بكر: يا سادة إنما كنا في فضائل علي، وأنا أخرج لكم غداً فضائل معاوية أمير المؤمنين. واسمعوا هذه الأبيات التي قلتها وأنشأ يقول بديهاً: من السريع
حب عليٍّ كله ضرب ... يرجف من خيفته القلب
فمذهبي حب إمام الهدى ... يزيد والدين هو النصب
من غير هذا قال فهو امرؤ ... مخالفٌ ليس له لب
والناس من ينقد لأهوائهم ... يسلم وإلا فالقفا نهب
فخلوه وانصرفوا.
قال أبو سليمان: فقال لي الطائي: والله، لاسكنت دمشق، ورحل منها إلى حمص.
قال أبو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى المرزباني: رأيت أحمد بن سعيد الطائي شيخاً كبيراً في مجلس أبي الحسن الأخفش سنة ثلاث عشرة وثلاث مئة.
وله شعر منه قوله: من المديد
كيف تحوي دقة الفكر ... من حكته صورة القمر
رق حتى خلته ملكاً ... خارجاً عن جملة البشر
فعيون الوهم تجرحه ... بخفي اللحظ والنظر
أحمد بن أبي السفر
ويقال ابن أبي العسر قال أحمد بن أبي السفر: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: من أكل كراث بقل المائدة لم تقربه الملائكة سبعة أيام. ومن أكل الثوم لم تقربه الملائكة أربعين يوماً.(3/89)
وقال أحمد بن أبي العسر: سمعت أبا سليمان يقول: من أكل كراث بقل المائدة لم تقربه الملائكة ثلاثة أيام، ومن أكل البصلة لم تقربه الملائكة سبعة أيامٍ. ومن أكل الثوم لم تقربه الملائكة أربعين يوماً.
أحمد بن سلمة بن الضحاك
دمشقي. وقيل مصري.
حدث عن جماعة.
روى عن محمد بن ميمون بن كامل الزيات بسنده عن أبي أمامة الباهلي وواثلة بن الأسقع قالا: سمعنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: خلق الله ريحاً قبل الأرواح بألفي عام يقال لها الأزيب، مغلق عليها أبواب الجنة، تخرج من شقوق تلك الأبواب ريح وهي الجنوب، ما هبت قط إلا هب معها وادٍ يسيل، يرى أو لم ير.
وحدث عنه أيضاً بسنده عن أبي أمامة الباهلي وجماعة من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالوا: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا عرج بعمل ابن آدم قال الله: انظروا في عمله، وهو أعلم بذلك منهم، فإن كان أصبح فسبح أول النهار وعمل خيراً فخذوا آخر النهار بأوله وألغوا ما بين ذلك.
قال: وكان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولون: من أحسن أو من أراد الله يحسن عمله طرفي النهار يغفر له ما بينهما.
أحمد بن سلمة بن كامل بن إبراهيم
أبو العباس المري حدث عن القاضي أبي بكر يوسف بن القاسم الميانجي بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من طلب محامد الناس بمعاصي الله عاد حامده له ذاماً.(3/90)
أحمد بن سلمة الأنصاري أبو موسى
من أهل دمشق.
حدث عن الأوزاعي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خير يومٍ طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة.
وذكر في هذا الحديث اختلافاً.
أحمد بن سليمان بن أيوب
ابن داود بن عبد الله بن حذلم أبو الحسن الأسدي القاضي كان يذهب مذهب الأوزاعي في الفقه.
روى عن جماعة. وروى عنه جماعة.
وولي قضاء دمشق نيابة عن الحسين بن عيسى بن هزوان، وكان ابن هزوان من قبل أبي طاهر محمد بن أحمد قاضي دمشق، ثم وليه بعد ذلك نيابة عن أبي الطاهر محمد بن أحمد الذهلي.
وكان حذلم نصرانياً من أهل الشبعاء فأسلم على يدي الحسن بن عمران السلمي الحراني صاحب خراج دمشق.
حدث أحمد بن سليمان عن بكار بن قتيبة بسنده عن ابن سيرين قال: قلت لأنس بن مالك: هل كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خضب؟ قال: إنه لم يكن رأى من الشيب إلا ولكن خضب أبو بكر وعمر بالحناء والكتم.(3/91)
وحذلم بفتح الحاء وسكون الذال المعجمة وبعدها لام مفتوحة.
وكان أحمد بن سليمان آخر من كانت له حلقة في جامع دمشق يدرس فيها مذهب الأوزاعي. وكان شيخاً جليلاً من معدلي دمشق، وكان على قضاء دمشق. ومات في ربيع الأول سنة سبع وأربعين وثلاث مئة، وهو ابن تسع وثمانين سنة، وكان ثقة مأموناً نبيلاً. وذكر أنه رأى مولده بخط أبيه سنة سبع أو تسع وخمسين ومئتين.
قال أبو القاسم تمام بن محمد الرازي الحافظ: كان القاضي أبو الحسن أحمد بن سليمان ابن حذلم له مجلس في الجمعة يملي فيه في داره، فحضرنا مجلسه، فقال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم وعن يمينه أبو بكر وعمر، وعن يساره عثمان وعلي رضي الله عنهم في داري، فجئت فجلست بين يديه وقال لي: يا أبا الحسن، قد اشتقنا إليك فما اشتقت إلينا؟ قال: فلم تمض له جمعة حتى توفي رحمه الله في النصف من شوال سنة سبع وأربعين وثلاث مئة.
أحمد بن سليمان بن زبان بن الحباب
ويقال: أحمد بن سليمان بن إسحاق بن زياد بن يحيى أبو بكر الكندي المعروف بابن أبي هريرة من ولد عبد الرحمن بن الأشعث بن قيس. قرأ القرآن. وروى عن جماعة. وروى عنه جماعة.
حدث بدمشق سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مئة عن هشام بن عمار بسنده عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعن المخنثين وقال: أخرجوهم من بيوتكم.
سئل عن مولده فقال: ولدت سنة خمس وعشرين ومئتين بدمشق.
وتوفي في أول جمادى الآخر سنة سبع وثلاثين وثلاث مئة وقيل: توفي سنة ثمان وثلاثين ومئتين.(3/92)
وزبان بالزاي والنون أولها التي بعدها باء مشددة معجمة بواحدة.
وكان أحمد بن سليمان يعرف بالعابد لزهده وورعه.
أحمد بن سليمان أبو بكر الزنبقي الصوري
سكن عرقة. حدث عن جماعة.
روى عن مروان بن جعفر بن سعد بن سمرة، عن سمرة بن جندب بسم الله الرحمن الرحيم. من سمرة إلى بنيه سلام عليكم. فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد. فإني أوصيكم أن تتقوا الله، وتقيموا الصلاة، وتؤتوا الزكاة، وتجتنبوا الخبائث التي حرم الله، وتسمعوا وتطيعوا لله ولرسوله وكتبه وللخليفة الذي يقوم على أمر الله وجميع المسلمين.
أما بعد. فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأمرنا أن نصلي أي ساعة شئنا من الليل والنهار، غير أنه أمرنا أن نجتنب طلوع الشمس وغروبها وقال: إن الشيطان يغيب معها حين تغيب، ويطلع معها حين تطلع، وأمرنا أن نحافظ على الصلوات كلهن، وأوصانا بالصلاة الوسطى ونبأنا أنها صلاة العصر، وكان يأمرنا أن يحيي بعضنا بعضاً، وأن يسلم بعضنا على بعض إذا التقينا، ونهانا أن نواصل في شهر الصوم ويكرهه، وليست بالعزيمة، ونهانا أن نتلاعن بلعنة الله وغضبه أو بالنار ونهانا أن نستب.
وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن كان أحدكم يساب صاحبه لا محالة لا يفترى عليه ويسب والديه ولا يسب قومه، ولكن إن كان يعلم ذلك فليقل إنك بخيل، وليقل: إنك جبان وليقل إنك كذوب أو ليقل إنك نؤوم وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمرنا أن نقرأ القرآن كما أقرئناه. وقال: إنه نزل عىل ثلاثة أحرف فلا تختلفوا فيه ولا تحاجوا فيه فإنه مبارك كله فاقرؤوه كالذي أقرئتموه. وكان يأمرنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن شغل أحدنا عن الصلاة أو نسيها حتى يذهب حينها الذي يصلى فيه أن نصليها مع التي تليها من الصلاة المكتوبة. وأمرنا إذا أدركتنا الصلاة ونحن ثلاثة أو أكثر من ذلك أن يقوم لنا رجل منا يكون لنا إماماً وإن كنا اثنين أن نصف معاً. وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(3/93)
إذا قمتم إلى الصلاة فلا تسبقوا قارئكم بالسجود والركوع والقيام، وليكن هو يسبق، فإنكم تدركون ما سبقكم به في ذلك إذا كان هو يرفع رأسه في السجود والركوع والقيام قبلكم، فتدركون ما فاتكم حينئذ، فإذا كان التسليم في وسط الصلاة أو حين انقضائها فابدؤوا قبل التسليم فقولوا: التحيات والطيبات، الصلوات والسلام والملك لله، ثم سلموا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم سلموا على قارئكم وعلى أنفسكم.
وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا نفث أحدكم وهو في الصلاة فلا ينفث قدام وجهه ولا عن يمينه، ولينفثها تحت قدمه، ويدلكها بالأرض. وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهى الرجل أن يتبتل وأن يحرم ولوج بيوت المؤمنين، وكان ينهى النساء أن يضطجعن بعضهن مع بعض إلا وبينهن ثياب وكان ينهى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يضطجع الرجل مع صاحبه إلا وبينهما ثوب. وكان يقول: من كتم على حال فهو مثله. ومن جامع المشرك وسكن معه مثله وكان يقول: إن المؤمن يأكل في معىً واحد وإن الكافر يأكل في سبعة أمعاء. وكان يقول: أيكم ما صنع طعاماً قدر ما يأكل رجلان فإنه يكفي ثلاثة، أو صنع لثلاثة فإنه يكفي أربعة، ولأربعة فإنه يكفي خمسة وكنحو ذلك من العدد. وكان يقول: إذا تبايع الرجلان فإن أحدهما يبيعه بالخيار حتى يفارق صاحبه، أو يخير كل واحد منهما صاحبه فيختار كل واحد منهما هواه من البيع.
وكان يقول: من ضل له مال اشتري فعرفه فجاء عليه ببينة فإن ماله يؤدى إليه، وإن الذي كان ابتاعه يتبع ثمنه عند بيعه الذي ابتاع منه. وكان يأمرنا أن نشهد الجمعة ولا نغيب عنها فإذا انتدب المؤمنون بندبة يوم الجمعة وقاموا يكتنون فإن أحدهم هو أحق بمقعده إذا رجع إليه.
وكان يقول: إذا نعس أحدكم في الجمعة فليتحول عن مقعده في مكان آخر.
وكان يأمرنا بالمساجد أن نصنعها في ديارنا ونصلح صنعتها ونطهرها.
وأتاه رجل من الأعراب يستفتيه في الذي يحل له والذي يحرم عليه، وفي نسكه من ماشيته في عترة وفرعة من نتيج إبله وغنمه فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تحل لك الطيبات(3/94)
وتحرم عليك الخبائث إلا أن تفتقر إلى طعام لأخيك فتأكل منه حتى تستغني عنه فقال الرجل الأعرابي: ما يغني الذي أكل ذلك إذا بلغته، ما غناي الذي يغنيني عنه؟ فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا كنت ترجو نتاجاً فتبلغ إليه بلحوم ماشيتك أو كنت ترجو ميرة تلقاك؟ فتبلغ إليها بلحوم ماشيتك، وإذا كنت لا ترجو من ذلك شيئاً فأطعم أهلك مما بدا لك حتى تستغني عنه. قال الرجل الأعرابي: ما غناي الذي يغنيني عنه؟ فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا أرويت أهلك غبوقاً من اللبن فاجتنب ما حرم عليك من الطعام، أما مالك فإنه ميسور كله ليس فيه حرام غير أن في نتاجك من إبلك فرعاً وفي نتاجك من غنمك فرعاً تعدوه ماشيتك حتى تستغني عن لبانه، ثم إن شئت أطعمته أهلك وإن شئت تصدقت بلحمه، وأمره من الغنم من كل سائمة عتيرة. وإنه كان يأمرنا برقيق الرجل أو المرأة الذي هو تلاده وهو عمله ولا يريد عتقهم، فكان يأمرنا أن لا نخرج عنهم من الصدقة شيئاً. وكان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الرقيق الذي يعد للبيع.
وكان يقول: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً.
قال أبو نصر بن ماكولا: أحمد بن سليمان الزنبقي بفتح الزاي وسكون النون، وفتح الباء المعجمة بواحدة، من أهل عرقة بلد يقارب طرابلس الشام.
حدث أحم بن سليمان الزنبيق بعرقة عن ظالم بن أبي ظالم الحمصي قال: شهدت جنازة المسيب بن واضح بجبلة فلقناه، فسمعناه في جوف القبر يقول: لا إله إلا الله.
أحمد بن سليمان البغدادي
حدث بدمشق عن محمد بن محمد المصري، وكان مصاباً.
قال حدثنا زنبغش قال: حدثنا مخلق مثبو قال: حدثنا وائل بن إبليس لعنه الله قال: قال لأبيه إبليس لعنه الله: يا أبه، هل رحمت أحداً قط؟ قال: نعم،(3/95)
النازل في بيت امرأته لأنها إن شاءت أدخلته وإن شاءت أخرجته.
أحمد بن سليمان أبو الفتح
الشاعر المعروف بالفخري هو الذي عناه ابن هندي بقصيدته.
كتب أبو الفتح أحمد بن سليمان الشاعر إلى عبد المحسن الصوري: من الوافر
أعبد المحسن الصوري لم قد ... جثمت جثوم منهاضٍ كسير
فإن قلت: العيالة أقعدتني ... على مضضٍ وعاقت عن مسيري
فهذا البحر يحمل هضب رضوى ... ويستثني بركنٍ من ثبير
وإن حاولت سير البر يوماً ... فلست بمثقلٍ ظهر البعير
إذا استحلى أخوك قلاك ظلماً ... فمثل أخيك موجود النظير
فما كل البرية من تراه ... ولا كل البلاد بلاد صور
فأجابه عبد المحسن من الوافر
جزاك الله عن ذا النصح خيراً ... ولكن جاء في الزمن الأخير
وقد حدت لي السبعون حداً ... نهى عما أمرت من الأمور
ومذ صارت نفوس الناس حولي ... قصاراً عذت بالأمل القصير
ولو يك في البرية من يرجى ... غنينا عن مشاورة المشير
أحمد بن سهل بن بحر
أبو العباس النيسابوري حدث بدمشق عن جماعة.
روى بإسناده عن ابن زغبة بسنده عن عبد الله بن عمر قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوتر على رتاحلته.
ورواه الحافط عالياً من طريق آخر عن عبد تالله بن عمر أنه قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي على راحلته في سفرٍ حيث ما توجهت.(3/96)
زاد السدي: قال عبد الله بن دينار: وكان ابن عمر يفعل ذلك.
قال أبو عبد الله الحافظ: أحمد بن سهل مجود، في الشاميين، ليس في مشايخنا من أقرانه أكثر سماعاً بالشام منه.
وتوفي سنة اثنتين وثمانين ومئتين.
أحمد بن سهل بن حماد الرافقي
من دمشق حدث بسنده عن عثمان بن عبد الرحمن بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن الله لا يقبض العلم من قلوب الناس فينزعه منهم، ولكن يقبض العلماء بعلمهم حتى لا يبقى في الأرض عالم، فعند ذلك يتخذ الناس رؤوساً جهالاً فيسألون فيفتون بغير علم فيضلون ويضلون.
قيل في نسبه: الرافقي، وقيل: الدمشقي، فلعله رافقي سكن دمشق، أو دمشق سكن الرافقة فإنه قد روى عن دمشقي وحراني. والله أعلم.
أحمد بن سلامة بن يحيى
أبو الحسين الأبار الإمام إمام مسجد عين الحمى.
حدث بسنده عن علي أنه قال: نهاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أقول نهاكم، عن تختم الذهب وعن لبس القسي وعن لبس المفدم والمعصفر وعن القراءة راكعاً.(3/97)
مات أبو الحسين الأبار ودفن يوم الثلاثاء السادس من شوال سنة ست وثلاثين وخمس مئة. ودفن في مقبرة باب الفراديس. وذكر أنه ولد سنة ثلاث وسبعين وأربع مئة.
أحمد بن سيار بن أيوب
ابن عبد الرحمن أبو الحسين المروزي إمام من أئمة أهل مرو. جمع العلم والأدب والزهد والورع، وكانت له رحلة واسعة سمع فيها بدمشق. سمع بدمشق وبمصر وببلده وببغداد وروى عنه جماعة.
حدث أحمد بن سيار عن عبد الله بن عثمان بسنده عن أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بلالاً أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة.
وحدث عن هشام بن عمار بن نصر الدمشقي بسنده عن الحارث بن هشام أنه قال لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أخبرني بأمر أعتصم بالله أو قال: به، قال: املك عليك هذا، وأشار إلى لسانه.
قال عبد الرحمن بن الحارث: فرأيت ذلك يسيراً، فلما أفطنني له إذا لا شيء أشد منه.
أحمد بن سيار بالياء معجمة بنقطتين من تحتها والراء. ثقة في الحديث. وكانت أمه من موليات المأمون، ومات في ربيع الأول سنة ثمان وستين ومئتين، وكان ابن سبعين سنة وثلاثة أشهر.
وكان من حفاظ الحديث. وقيل: كانت وفاته في ربيع الآخر من السنة.(3/98)
من اسم أبيه على حرف الشين
أحمد بن شبويه بن أحمد بن ثابت
ابن عثمان بن مسعود بن يزيد بن الأكبر بن كعب بن مالك بن الحارث بن قرط بن مازن بن سنان بن ثعلبة بن حارثة ابن عمرو بن عامر أبو الحسن الخزاعي الماخزاني قرية من قرى مرو يقال لها ماخزان، ويقال: هو مولى لبديل بن ورقاء الخزاعي، وشبويه لقب.
كان يسكن طرسوس، وقدم دمشق وهو ثقة حدث عن النضر بن شميل بسنده عن جابر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: العمرى لمن وهبت له.
حدث ثابت بن أحمد بن شنويه المروزي قال: كان يخيل لي أن لأبي أحمد بن شبويه فضيلة على أحمد بن حنبل، للجهاد وفكاك الأسرى ولزوم الثغور، فسألت أخي عبد الله بن أحمد: أيهما كان أرجح في نفسك؟ فقال: أبو عبد الله أحمد بن حنبل فلم أقنع بقوله، وأبيت إلا العجب بأبي فأريت بعد سنة في منامي كأن شيخاً حوله الناس يسمعون منه ويسألونه فقعدت إليه، فلما قام تبعته،(3/99)
فقلت: يا عبد الله، أخبرني: أحمد بن محمد بن حنبل وأحمد بن شبويه أيهما عندك أعلى وأفضل؟ فقال: سبحان الله! أحمد بن حنبل ابتلي فصبر وأحمد بن شبويه عوفي، المبتلى الصابر كالمعافى؟ هيهات، ما أبعد ما بينهما.
مات أحمد بن شبويه بطرسوس سنة ثلاثين أو تسع وعشرين ومئتين وهو ابن ستين سنة.
أحمد بن شعبي بن علي بن سنان
ابن بحر أبو عبد الرحمن النسائي القاضي الحافظ أحد الأئمة والأعلام، صنف السنن وغيرها.
قدم دمشق قديماً، وسمع بها وروى عن جماعة، وروى عنه جماعة.
حدث بمصر عن هشام بن عمار بسنده عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال: كنت آتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوضوئه وبحاجته، فقال: سلني. قلت: مرافقتك في الجنة. قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذلك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود.
وحدث أبو عبد الرحمن النسائي في شعبان سنة ثمانين ومئة بدمشق عن أبي عبد الله محمد بن رافع بسنده عن عبد الله بن مسعود يرفع الحديث إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها.
قال محمد بن موسى بن يعقوب بن المأمون: سمعت أبا بكر بن الإمام الدمياطي يقول لأبي عبد الرحمن النسائي: ولدت في سنة أربع عشرة - يعني ومئتين - ففي أي سنة ولدت يا أبا عبد الرحمن؟ فقال: أشبه أن يكون في سنة خمس عشرة يعني ومئتين، لأن رحلتي الأولى إلى قتيبة كانت في سنة ثلاثين ومئتين، أقمت عنده سنة وشهرين.(3/100)
قال أبو بكر محمد بن موسى بن يعقوب بن المأمون: كنت يوماً في دهليز الدار التي كان أبو عبد الرحمن يسكنها في زقاق القناديل، ومعي جماعة ننتظره لينزل ويمضي إلى الجامع ليقرأ علينا حديث الزهري، فقال بعض من حضر: ما أظن أبا عبد الرحمن إلا يشرب النبيذ، للنضرة التي في وجهه والدم الظاهر مع السن، وقال آخرون: ليت شعرنا، ما يقول في إتيان النساء في أدبارهن؟ فقلت: أنا أسأله عن الأمرين وأخبركم. فلما ركب مشيت إلى جانب حماره، وقلت له: تمارى بعض من حضر في مذهبك في النبيذ، فقال: مذهبي أنه حرام بحديث أم سلمة عن عائشة: كل شراب أسكر فهو حرام، فلا يحل لأحد أن يشرب منه قليلاً ولا كثيراً قلت: فما الصحيح من الحديث في إتيان النساء في أدبارهن؟ فقال: لا يصح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إباحته ولا تحريمه شيء، ولكن محمد بن كعب القرظي حدث عن جذل عن بن عباس اسق حرثك من حيث شئت، فلا ينبغي لأحد أن يتجاوز قوله.
قال: وكان أبو عبد الرحمن يؤثر لباس البرود النوبية الخضر، ويقول: هذا عوض عن النظر إلى الخضرة من النبات فيما يراد لقوة البصر. وكان يكثر الجماع، مع صوم يوم وإفطار يوم، وكان له أربع زوجات يقسم لهن، ولا يخلو مع ذلك من جارية أو اثنتين، يشتري الواحدة بالمئة ونحوها، ويقسم لها كما يقسم للحرائر. وكان قوته في كل يوم رطل خبز جيد لا يأكل غيره، كان صائماً أم مفطراً، وكان يكثر أكل الديوك الكبار، تشترى له وتسمن ثم تذبح فيأكلها، ويذكر أن ذلك ينفعه في باب الجماع.
وسمعت قوماً ينكرون عليه كتاب الخصائص لعلي رضي الله عنه وتركه لتصنيف فضائل أبي بكر وعمر وعثمان، فلم يكن في ذلك الوقت صنفها فحكيت له ما سمعت فقال: دخلنا إلى دمشق والمنحرف عن علي بها كثير فصنفت كتاب الخصائص رجاء أن يهديهم الله، ثم صنف بعد ذلك فضائل أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقرأها على الناس. وقيل له، وأنا حاضر: ألا تخرج فضائل معاوية؟ فقال: أي شيء أخرج؟ اللهم لا تشبع بطنه؟ وسكت، وسكت السائل.
قال بعض أهل العلم: وهذه أفضل فضيلة لمعاوية لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: اللهم إنا أنا بشر، أغضب كما يغضب البشر، فمن لعنته أو سببته فاجعل ذلك له زكاةً ورحمةً.(3/101)
قال أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي الصوفي: سالت أبا الحسن علي بن عمر الدارقطني الحافظ فقلت: إذا حدث محمد بن إسحاق بن خزيمة وأحمد بن شعيب النسائي حديثاً من تقدم منهما؟ قال: النسائي لأنه أسند، على أني لا أقدم على النسائي أحداً، وإن كان ابن خزيمة إماماً ثبتاً معدوم النظير.
قال علي بن عمر الحافظ غير مرة: أبو عبد الرحمن مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره.
قال محمد بن طاهر: سألت الإمام أبا القاسم سعد بن علي الزنجاني بمكة عن حال رجل من الرواة فوثقه. فقلت: إن أبا عبد الرحمن النسائي ضعفه، فقال: يا بني، إن لأبي عبد الرحمن في الرجال شرطاً أشد من شرط البخاري ومسلم.
قال أبو الحسين محمد بن مظفر الحافظ:
سمعت مشايخنا بمصر يعرفون لأبي عبد الرحمن النسائي بالتقدم والإمامة ويصفون من اجتهاده في العبادة بالليل والنهار ولمواظبته على الحج والجهاد. وأنه خرج إلى الفداء مع والي مصر، فوصف من شهامته وإقامته السنن المأثورة في فداء المسلمين واحترازه عن مجالسة السلطان الذي خرج معه والانبساط بالمأكول والمشروب في رحلته، وأنه لم يزل ذلك دأبه إلى أن استشهد رضي الله عنه بدمشق من جهة الخوارج.
كان ابن الحداد كثير الحديث، ولم يحدث عن أحد غير أبي عبد الرحمن النسائي فقط، وقال: رضيت به حجة بيني وبين الله.
خرج أبو عبد الرحمن من مصر في آخر عمره إلى دمشق، فسئل بها عن معاوية بن أبي سفيان وما روي من فضائله. فقال: معاوية لا يرضى رأساً برأس حتى يفضل، فما زالوا يدفعون في حضنيه حتى أخرج من المسجد، ثم حمل إلى مكة وتوفي بها سنة ثلاث وثلاث مئة وهو مقتول.(3/102)
قال: وهذه الحكاية لا تدل على سوء اعتقاد أبي عبد الرحمن في معاوية بن أبي سفيان، وإنما تدل على الكف عن ذكره بكل حال. فقد روي عن أبي عبد الرحمن النسائي أنه سئل عن معاوية بن أبي سفيان صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إنما الإسلام كدار لها باب، فباب الإسلام الصحابة، فمن آذى الصحابة إنما أراد الإسلام كمن نقر الباب إنما يريد دخول الباب. قال: فمن أراد معاوية فإنما أراد الصحابة.
خرج النسائي من مصر في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاث مئة، وتوفي بفلسطين يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من صفر سنة ثلاث وثلاث مئة. وقيل مات بالرملة ودفن ببيت المقدس.(3/103)
من اسم أبيه على حرف الصاد
أحمد بن صاعد بن موسى الصوري الزاهد
له كلام في الزهد والمواعظ.
قال محمد بن الحسن الجوهري: دخلت على أحمد بن صاعد الصوري وهو جالس وحده في مسجده فقلت: ما لي أراك وحدك فقال: من الطويل
قنعت بعلم الله ذخري وواجدي ... بمكنون أسرارٍ تضمنها صدري
فلو حاز ستر السر بيني وبينه ... عن القلب والأحشاء ما علما سري
قال أبو عمرو عثمان بن سليمان ابن أخت علي بن داود القنطري: دخلت مسجد دمشق فرأيت فيه ابن صاعد، فسألته عن مسألة، فأجابني، ثم سألته عن أخرى فأجابني، ثم قال لي: يا غلام، إنما يغني الله بك إذا غنيت بنفسك: إني كنت ها هنا وافد قوم فرأيت أربعة نفر يتكلمون في شيء من العلم لا أفهمه، فالتفت إلي أحدهم فقال: من الخفيف
شغلتك الذنوب عن فهم علمٍ ... نافعٍ للقلوب يجلو صداها
ثم أمسك والتفت إلي الثاني فقال:
إن داء الذنوب داءٌ عيي ... فإلى الله أشتكي ضر داها
ثم أمسك والتفت إلي الثالث فقال:
فاستقل توبةً لعلك تنجو ... وازجر النفس يا أخي عن هواها(3/104)
ثم التفت إلي الرابع فقال:
واقر مصر السلام منا وزوراً ... قبر ذي النون تنجون من رداها
أحمد بن صافي أبو بكر التنيسي
ابن رحيم البزاز قدم دمشق. وحدث بها عن جماعة.
روى عن عثمان بن محمد الذهبي بسنده عن محمد الاسقاطي قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم فقلت: يا رسول الله، إن عبد الله بن داود حدثنا عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود عنك بحديث الصادق المصدوق فهو عنك يا رسول الله. فذكر الحديث، قال: رحم لله كل من حدث به إلى يوم القيامة.
رواه الحافظ بسنده إلى أبي عبد الله الاسقاطي من طريق أخرى قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام فقلت: يا رسول الله، بلغنا عنك حديث الأعمش عن زيد بن وهب بن عبد الله بن مسعود في القدر. فقال: نعم، أنا قلت رحم الله الأعمش، ورحم الله زيد بن وهب، ورحم الله عبد الله بن مسعود، ورحم الله من حدث بهذا الحديث.
أحمد بن صالح أبو جعفر المصري
الحافظ المعروف بابن الطبري روى عن جماعة، وروى عنه جماعة. قدم دمشق.
حدث عن ابن وهب بسنده عن ابن عباس: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف في حجة الوداع على بعيره يستلم الركن بمحجن.
وروى أحمد بن صالح عن عنبسة عن يونس قال:
سألت أبا الزناد عن بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه وما يذكر في ذلك فقال: كان عروة بن الزبير يحدث عن سهل بن أبي حثمة عن زيد بن ثابت قال: كان الناس يتبايعون(3/105)
الثمار فإذا جذ الناس وحضر تقاضيهم، قال: قال المبتاع إنه أصاب الثمر الدمان، وأصابه قشام، وأصابه مراض، عاهات يحتجون بها. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فأما لا تتبايعوا الثمار حتى يبدو صلاحه. كالمشورة يشير بها لكثرة خصومتهم.
وروى أحمد بن صالح عن إبراهيم بن الحجاج بسنده عن ابن عباس قال: لما زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاطمة من علي عليهما السلام قالت فاطمة: يا رسول الله، زوجتني من رجل فقير ليس له شيء، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أما ترضين أن الله اختار لك من أهل الأرض رجلين أحدهما أبوك والآخر زوجك؟.
قال أبو زرعة: ذاكرت أحمد بن صالح مقدمة دمشق سنة سبع عشرة ومئتين قال: وسألني أحمد بن حنبل قديماً: من بمصر؟ قلت: بها أحمد بن صالح، فسر بذكره وذكر خيراً ودعا له.
قال صالح بن محمد بن حبيب: قال أحمد بن صالح المصري: كان عند ابن وهب مئة ألف حديث. كتبت عنه خمسين ألف حديث، ولم يكن بمصر أحد يحسن الحديث والحفظ غير أحمد بن صالح. كان يعقل الحديث ويحسن أن يأخذ. وكان رجلاً جامعاً يعرف الفقه والحديث والنحو، ويتكلم في حديث الثوري وشعبة وأهل العراق. وكان قدم العراق، وكتب عن عفان وهؤلاء. وكان يذاكر بحديث الزهري ويحفظه.
وقال أحمد: كتبت عن ابن زبالة مئة ألف حديث، ثم تبين لي أنه كان يضع الحديث فتركت حديثه.
قال يعقوب بن سفيان الفسوي: كتبت عن ألف شيخ وكسرٍ كلهم ثقات، ما أحد منهم أتخذه عند الله عز وجل حجة إلا رجلين أحمد بن صالح بمصر وأحمد بن حنبل بالعراق.(3/106)
قال أحمد بن عبد الله العجلي: أحمد بن صالح ثقة صاحب سنة.
قال محمد بن مسلم بن واره: أحمد بن صالح بمصر، وأحمد بن حنبل ببغداد، وابن نمير بالكوفة، والنفيلي بحران. هؤلاء أركان الدين.
قال أحمد بن شعيب النسائي: أحمد بن صالح مقرىء ليس بثقة ولا مأمون، تركه محمد بن يحيى، ورماه يحيى بن معين بالكذب وقال: أحمد بن صالح كذاب يتفلسف.
قال مسلمة بن القاسم الأندلسي: الناس مجمعون على ثقة أحمد بن صالح لعلمه وخيره وفضله. وإن أحمد بن حنبل وغيره كتبوا عنه ووثقوه، وكان سبب تضعيف النسائي له أن أحمد بن صالح رحمه الله كان لا يحدث أحداً حتى يشهد عنده رجلان من المسلمين أنه من أهل الخير والعدالة، فكان يحدثه ويبذل له علمه، وكان يذهب في ذلك مذهب زائدة بن قدامة، فأتى النسائي ليسمع منه فدخل بلا إذن ولم يأته برجلين يشهدان له بالعدالة. فلما رآه في مجلسه أنكره وأمر بإخراجه، فضعفه النسائي لهذا.
وقال الخطيب: ليس الأمر على ما ذكر النسائي. وكان يقال: آفة أحمد بن صالح الكبر وشراسة الخلق. ونال النسائي منه جفاء في مجلسه، فذلك السبب الذي أفسد الحال بينهما.
قال بندار: كتبت إلى أحمد بن صالح خمسين ألف حديث أي: إجازة، وسألته أن يجيز لي أو يكتب إلي بحديث مخرمة بن بكير فلم يكن عنده من المروءة ما يكتب بذلك إلي.
قال الخطيب: ترى أن هذا الذي قاله بندار في أحمد بن صالح في تركه مكاتبته مع مسألته إياه ذلك(3/107)
إنما حمله عليه سوء الخلق. ولقد بلغني أنه كان لا يحدث إلا ذا لحية، ولا يترك أمرد يحضر مجلسه. فلما حمل أبو داود السجستاني ابنه إليه ليسمع منه وكان إذ ذاك أمرد أنكر أحمد بن صالح على أبي داود إحضاره ابنه المجلس، فقال له أبو داود: هو وإن كان أمرد أحفظ من أصحاب اللحى فامتحنه بما أردت، فسأله عن أشياء أجابه ابن أبي داود عن جميعها، فحدثه حينئذ ولم يحدث أمرد غيره.
ولد أحمد بمصر سنة سبعين ومئة. وتوفي بمصر يوم الاثنين لثلاث خلون من ذي القعدة سنة ثمان وأربعين ومئتين.
أحمد بن صالح المكي الطحان السواق
حدث بمكة عن سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي بسنده عن جبير بن مطعم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كل عرفة موقف وارتفعوا عن عرفات، والمزدلفة كلها موقف وارتفعوا عن نظر محسر، وكل فجاج منى منحر، وكل أيام التشريق منحر.
سئل أبو زرعة عن أحمد بن صالح المكي، فقال: هو صدوق، ولكن يحدث عن المجهولين، ويحدث عن الضعفاء.
قال أبو محمد:
روى عن المؤمل بن إسماعيل الثوري أحاديث منكرة في الفتن تدل على توهين أمره.
أحمد بن صالح بن عمر بن إسحاق
أبو بكر البغدادي المقرىء البزاز صاحب أبي بكر بن مجاهد حدث بأطرابلس وحمص وقرأ القرآن. وكان ثقة ضابطاً مشهوراً.
حدث بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن مثل الولد البر بوالديه كمثل بلدة طيبة يزكو نباتها، يفرح حاصدها. يا طوبى لمن ضرب له هذا المثل.(3/108)
قال أبو بكر الخطيب: أحمد بن صالح انتقل إلى الشام، ونزل أطرابلس وحدث بها وبالرملة. وكان حياً إلى سنة تسع وأربعين وثلاث مئة.
أحمد بن صالح بن محمد بن صالح
ابن المثنى بن ثعلبة بن عمر بن منصور بن حرب، أبو العلاء الأثط المؤدب التميمي الفارسي الجرجاني سكن صور، وحدث بدمشق.
حدث بصور عن محمد بن حميد بسنده عن الركين بن الربيع عن أبيه قال: سمعت علياً يقول: استأذن عمار على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا عنده فقال مرحباً بالطيب المطيب.
وحدث عنه أيضاً بسنده عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتختم في يمينه.(3/109)
من اسم أبيه على حرف الضاد المعجمة
أحمد بن الضحاك بن مازن
أبو عبد الله الأسدي القردي، مولى أيمن بن خريم إمام جامع دمشق.
حدث عن خالد بن عمرو بن عبيد الله بن سعيد بن العاص بسنده عن سلمة بن نبيط عن أبيه قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب يوم النحر على جمل له أحمر.
ومات في يوم السبت لليلة من ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين ومئتين.
أحمد بن ضياء وقيل أحمد
ابن زياد بن ضياء بن خلاج بن كثير، أبو الحسن البجلي المسرابي حدث بمسرابا عن أبي الجماهر بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من حدث حديثاً فعطس عنده فهو على حق خلاج: بالخاء والجيم.(3/110)
من اسم أبيه على حرف الطاء المهملة
أحمد بن طاهر بن عبد الله
ابن يزيد أبو علي النيسابوري من الرحالة في طلب الحديث. سمع بدمشق وغيرها.
قال أحمد بن طاهر: أنشدني مكحول البيروتي قال: أنشدني أبو الحسن الرهاوي: من البسيط
إني وإن كان جمع المال يعجبني ... ما يعدل المال عندي صحة الجسد
في المال عزٌّ وفي الأولاد مكرمةٌ ... والسقم ينسيك ذكر المال والولد
توفي أحمد بن طاهر ليلة الاثنين السابع من ذي القعدة سنة ستين وثلاث مئة.
أحمد بن طاهر الدمشقي
حكى عن عبد الله بن خبيق الأنطاكي الزاهد قال: سألت يوسف بن أسباط: هل مع حذيفة المرعشي علم؟ فقال: معه العلم الأكبر؛ خوف الله عز وجل.
المعتضد أحمد بن طلحة أبي أحمد الموفق
ويقال اسم أبي أحمد محمد بن المتوكل جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد هارون بن المهدي محمد بن المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم أبو العباس المعتضد بالله بويع بالخلافة بعد عمه المعتمد على الله في رجب سنة تسع وسبعين ومئتين. وكان قدم دمشق، وهو ولي عهدٍ لمحاربة أبي الجيش بن أحمد بن طولون يوم السبت لليلتين خلتا من شعبان سنة إحدى وسبعين ومئتين.
وأمه أم ولد يقال لها نحلة، ويقال: ضرار.(3/111)
حدث المعتضد بالله عن أبيه أبي أحمد الموفق قال:
كان أمير المؤمنين السفاح يعجبه السمر، وكان يطول عليه السهر، وتعجبه الفصاحة ومنازعة الرجال، فسمر عنده ذات ليلة أناس من اليمن وأناس من مضر، فيهم خالد بن صفوان التميمي وإبراهيم بن محمد الكندي، فمال بهم الحديث، فقال إبراهيم: يا أمير المؤمنين، إن أخوالك هم الناس، وهم العرب الأول، والذين دانت لهم الدنيا، كانت لهم اليد العليا. توارثوا الرياسة، يلبس آخرهم سرابيل أولهم، بيت المجد ومآثر الحمد لهم، منهم النعمانان والمنذران والقابوسان، ومنهم عياض صاحب البحر، ومنهم الجلندى، ومنهم ملوك التيجان، وحماة الفرسان، أصحاب السيوف القاطعة والدروع الحصينة، إن حل ضيف أكرموه، وإن سئلوا أنعموا، فمن ذا مثلهم يا أمير المؤمنين إذا عدت المآثر، وفخر مفاخر، ونافر منافر؟ فهم العرب العاربة، وسائر العرب المتعربة. فتغير وجه السفاح وقال: ما أظن خالداً يرضى بما تقول يا خالد؟ فقال: إن أذن لي أمير المؤمنين، وأمنت الموجدة تكلمت. قال: تكلم ولا تهب أحداً. فتكلم خالد فقال: خاب المتكلم، وأخطأ المتحكم، وقد قال بغير علم، ونظر بغير صواب. إذ فخر على مضر، ومنهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والخلفاء من أهل بيته، وهل أهل اليمن - أصلح الله أمير المؤمنين - إلا دابغ جلد أو حائك برد أو سائس فهد، أو قائد قرد؟! دل عليهم الهدهد، وغرقهم الجرذ، وملكتهم أم ولد، وهم يا أمير المؤمنين ما لهم ألسنة فصيحة، ولا لغة صحيحة، ولا حجة تدل على كتاب الله عز وجل، ولا يعرف بها صواب. إن جاوزوا قصدنا أكلوا، وإن أبوا حكمنا عنفوا. ثم التفت إلى الكندي فقال: أتفخر علي بالدرع الحصينة والفرس الراتع والسيف القاطع والدرة المكنونة ولا تفخر بخير الأنام محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! فبه أدرك من ذكرت وفخر من فخرت، فأكرم به إذ كانوا أتباعه وأشياعه وبه ذكروا وافتخروا، فمنا النبي المصطفى وسيف الله عمه العباس المجتبى، ومنا علي الرضى، وأسد الله(3/112)
حمزة، ومنا خير المسلمين وديان الدين وسيد أولاد المهاجرين وأبو الخلفاء الأربعين، ومن فقهه الله في الدين، وتلقن القرار من الأمين، ولنا السؤدد والعلياء وزمزم ومنى، ولنا البيت المعمور والسقف المرفوع والتسر المحبور، ولنا البيت الأعظم والسقاية والشرف، ولنا زمزم وبطحاؤها وصحراؤها ومنابتها وكل فناء لها، ولنا غياضها ومنابرها وأعلامها وحطيمها وعرفاتها وحرمها ومواقفها. فهل يعدلنا عادل أو يبلغ فخرنا مفاخر، وفينا كعبة الله؟ فمن زاحمنا زاحمناه، ومن فاخرنا فاخرناه.
ثم التفت إلى الكندي فقال: كيف علمك بلغة قومك؟ قال: إني بها لجد عالم.
قال: أخبرني عن الشناتر؟ قال: الأصابع.
قال: فأخبرني عن الصنارة؟ قال: الأذن.
قال: فأخبرني عن الجحمتين؟ قال: العينان.
قال: فأخبرني عن المبزم؟ قال: السن.
قال: أخبرني عن الكتع؟ قال: الذئب.
قال: أتؤمن أنت بكتاب الله عز وجل؟ قال: نعم.
قال: إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه " بلسان عربي مبين " " العين بالعين " ولم يقل: الجحمة بالجحمة، وقال جل ثناؤه " جعلوا أصابعهم في آذانهم " ولم يقل: جعلوا شناترهم في صناراتهم. وقال " السن بالسن " ولم يقل: المبزم بالمبزم. وقال " فأكله الذئب " ولم يقل: فأكله الكتع. ولكني أسألك عن أربع خصال إن أقررت بها قهرت وإن أنكرتها قتلت، قال: وما هي؟ قال: أسألك عن نبي الله المصطفى أمنا أم منكم؟ قال: بل منكم.(3/113)
قال: فأخبرني عن كتابه المنزل عليكم أو عليكم؟ قال: بل عليكم.
قال: فأخبرني عن خلافة الله عز وجل أفينا أم فيكم؟ قال: بل فيكم.
قال: فأخبرني عن بيت الله عز وجل المستقبل، لنا أم لكم؟ قال: بل لكم قال: فأي شيء يعادل هذه الخصال؟ فقال أمير المؤمنين: ما فرغت من كلامك حتى ظننت أن سريري قد عرج به إلى السماء، ما لك يا كندي ورجال مضر. وأمر له بألف درهم وقال له: الحق بأهلك.
قال عبد الله بن الحسين بن سعد:
في سنة إحدى وسبعين ومئتين وجه الموفق ابنه أحمد المعتضد لحرب أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون فخرج من بغداد مع العساكر، واتصل الخبر بأبي الجيش فوجه من مصر عسكراً كبيراً زهاء خمسين ألف رجل من البربر وسائر الناس، فالتقوا بحمص فهزمهم أحمد المعتضد، ولما التقوا جعل أحمد على ميمنته ذا السيفين إسحاق بن كنداجين وعلى ميسرته محمد بن أبي الساج، فانهزم المصريون وهربوا إلى مصر ودخل أحمد المعتضد دمشق.
قال أحمد بن حميد بن أبي العجائز: دخل أبو العباس أحمد المعتضد دمشق قبل أن ولي الخلافة، دخلها من باب الفراديس، فلما بلغ إلى باب البريد التفت فنظر إلى مسجد الجامع، وقف وعن دابته فقال: أي شيء هذا؟ فقيل: هذا مسجد الجامع. قال: وايش هذه الزيادة التي قدامه؟ فقالوا: هذه تسمى الزيادة، فيها التجار، ويدخل منها إلى مسجد الجامع ولكل باب للمسجد زيادة مثل هذا تشبه الدهاليز، بناء مبني بقناطر وأروقة فاستحسنها وقال: ما في الدنيا مسجد جامع عني به ما عني بهذا المسجد. ثم سار ونزل الراهب على باب دمشق أياماً ثم خرج منها إلى حرب أبي الجيش عند طواحين الرملة. وواقعه في سنة إحدى وسبعين.(3/114)
قال أبو بكر بن أبي الدنيا: استخلف أبو العباس المعتضد بالله أحمد بن محمد في اليوم الذي مات فيه المعتمد على الله. وله إذ ذاك سبع وثلاثون سنة.
قال محمد بن أحمد بن البراء: ولي المتعضد بالله لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب سنة تسع وسبعين ومئتين. وولد بسر من رأى في ذي القعدة سنة اثنتين وأربعين ومئتين.
قال القاضي أبو عمرو محمد بن يوسف: قدم خادم من وجوه خدم المعتضد بالله إلى أبي في حكم، فجاء فارتفع في المجلس فأمره الحاجب بموازاة خصمه، فلم يفعل إدلالاً بعظم محله من الدولة، فصاح أبي عليه وقال: قفاه أتؤمر بموازاة خصمك فتمتنع يا غلام عمرو بن أبي عمرو النخاس الساعة لأتقدم إليه ببيع هذا العبد وحمل ثمنه إلى أمير المؤمنين ثم قال لحاجبه: خذ بيده وسو بينه وبين خصمه فأخذ كرهاً وأجلس مع خصمه، فلما انقضى الحكم انصرف الخادم فحدث المعتضد بالله، وبكى بين يديه، فصاح عليه المعتضد وقال: لو باعك لاخترت بيعه وما رددتك إلى ملكي أبداً، وليس خصوصك بي يزيل مرتبة الحكم فإنه عمود السلطان وقوام الأديان.
قال إسماعيل بن إسحاق القاضي: دخلت على المعتضد، وعلى رأسه أحداثٌ رومٌ صباح الوجوه، فنظرت إليهم، فرآني المتعضد وأنا أتأملهم. فلما أردت القيام أشار إلي فمكثت ساعة، فلما خلا قال لي: أيها القاضي، والله ما حللت سراويلي على حرام قط.
روى التنوخي قال: لما خرج المعتضد إلى قتال وصيف الخادم إلى طرسوس وأخذه عاد إلى أنطاكية، فنزل خارجها، وطاف البلد بجيشه، وكنت صبياً إذ ذاك في المكتب. قال: فخرجت مع جملة الناس، فرأيته وعليه قباء أصفر فسمعت رجلاً يقول: يا قوم، الخليفة بقباء أصفر بلا سواد قال: فقال له أحد الجيش: هذا كان عليه وهو جالس في داره ببغداد، فجاءه الخبر بعصيان وصيف فخرج في الحال عن داره إلى باب الشماسية فعسكر به وحلف ألا(3/115)
يغير هذا القباء أو يفرغ من أمر وصيف، وأقام بباب الشماسية أياماً حتى لحقه الجيش ثم خرج فهو عليه إلى الآن ما غيره.
قال إسماعيل بن إسحاق القاضي: دخلت على المعتضد فدفع إلي كتاباً. نظرت فيه فكأنه قد جمع له الرخص من زلل العلماء وما احتج به كل منهم لنفسه، فقلت له: يا أمير المؤمنين، مصنف هذا الكتاب زنديق، فقال: لم تصح هذه الأحاديث؟ قلت: الأحاديث على ما رويت، ولكن من أباح المسكر لم يبح المتعة، ومن أباح المتعة لم يبح الغناء والمسكر وما من عالم إلا وله زلة، ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه، فأمر المعتضد فأحرق ذلك الكتاب.
حدث صافي الحرمي قال:
مشيت يوماً بين يدي المعتضد وهو يريد دور الحرم، فلما بلغ إلى باب شغب، أم المقتدر، وقف يسمع ويتطلع من خلال الستر وإذا هو بالمقتدر، وله إذ ذاك خمس سنين أو نحوها وهو جالس وحواليه مقدار عشر وصائف من أقرانه في السن، وبين يديه طبق فضة فيه عنقود عنب في وقت فيه العنب عزيز جداً، والصبي يأكل عنبة واحدة ثم يطعم الجماعة عنبة عنبة على الدور، حتى إذا بلغ الدور إليه أكل عنبة واحدة مثل ما أكلوا حتى فني العنقود، والمعتضد يتميز غيظاً. قال: فرجع ولم يدخل الدار، ورأيته مغموماً فقلت: يا مولاي، ما سبب ما فعلته وما قد بان عليك؟ فقال: يا صافي، والله لولا النار والعار لقتلت هذا الصبي اليوم، فإن في قتله صلاحاً للأمة. فقلت: يا مولاي، حاشاه، أي شيء عمل؟ أعيذك بالله يا مولاي، العن إبليس، فقال: ويحك أنا أبصر بما أقول، أنا رجل قد سست الأمور وأصلحت الدنيا بعد فساد شديد، ولابد من موتي، وأعلم أن الناس بعدي لا يختارون غير ولدي، وسيجلسون ابني علياً يعني المكتفي، وما أظن عمره يطول للعلة التي به، يعني الخنازير، فيتلف عن قرب، ولا يرى الناس إخراجها عن ولدي، ولا يجدون بعده أكبر من جعفر فيجلسونه وهو صبي وله من الطبع في السخاء هذا الذي قد رأيت من أنه أطعم الصبيان مثل ما أكل، وساوى بينه وبينهم في شيء عزيز في العالم، والشح على مثله في طباع الصبيان، فتحتوي عليه النساء لقرب عهده بهن، فيقسم ما جمعته من الأموال كما قسم العنب، ويبذر ارتفاع الدنيا؟ ويخربها، فتضيع الثغور(3/116)
وتنتشر الأمور ويخرج الخراج، وتحدث الأسباب التي يكون فيها زوال الملك عن بني العباس أصلاً. فقلت: يا مولاي، بل يبقيك الله تعالى حتى ينشأ في حياة منك ويصير كهلاً في أيامك، ويتأدب بآدابك، ولا يكون هذا الذي ظننت. فقال: احفظ عني ما أقوله فإنه كما قلت. قال: ومكث يومه مهموماًن وضرب الدهر ضربه.
ومات المعتضد، وولي المكتفي فلم يطل عمره، ومات وولي المقتدر فكانت الصورة كما قاله المعتضد بعينه. فكنت كلما وقفت على رأس المقتدر وهو يشرب ورأيته قد دعا بالأموال فأخرجت إليه، وحللت البدر وجعل يفرقها على الجواري والنساء ويلعب بها ويمحقها ويهبها ذكرت مولاي المعتضد وبكيت.
قال صافي: وكنت يوماً واقفاً على رأس المعتضد فقال: هاتم فلاناً الطيبي، يعني خادماً يلي خزانة الطيب، فأحضر فقال: كم عندك من الغالية؟ فقال: نيف وثلاثون جباً صينياً مما عمله عدة من الخلفاء. قال: فأيها أطيب؟ قال: ما عمله الواثق. قال: أحضرنيه فأحضره جباً عظيماً يحمله عدة، ففتح فإذا بغالية قد ابيضت من التعشيب وجمدت من العتق في نهاية الذكاء، فأعجبت المعتضد وأهوى بيده إلى حوالي عنق الجب، فأخذ من لطاخته شيئاً يسيراً من غير أن يشعب رأس الجب، وجعله في لحيته وقال: ما تسمح نفسي بتطريق التشعيب على هذا الجب، شيلوه. فرفع، ومضت الأيام ف جلس المكتفي يوماً، وهو خليفة، وأنا قائم على رأسه فطلب غالية فاستدعى الخادم وسأله عن الغوالي فأخبره بمثل ما كان أخبر به أباه، فاستدعى غالية الواثق فجاءه بالجب بعينه ففتح فاستطابه، وقال: أخرجوا منه قليلاً، فأخرج منه مقدار ثلاثين أو أربعين مثقالاً، فاستعمل منه في الحال ما أراد، ودعا بعتيدة له فجعل الباقي فيها ليستعمله على الطعام، وأمر بالجب فختم بحضرته ورفع.
ومضت الأيام وولي المقتدر الخلافة، وجلس مع الجواري يوماً وكنت على رأسه، فأراد أن يتطيب فدعا الخادم وسأله فأخبره بمثل ما أخبر به أباه وأخاه، فقال: هات الغوالي كلها، فأحضر الجباب كلها، فجعل يخرج من كل جب مئة مثقال وأقل وأكثر فيشمه(3/117)
ويفرقه على من بحضرته حتى انتهى إلى جب الواثق فاستطابه فقال: هاتم عتيدة حتى يخرج منه إليها ما يستعمل، فجاؤوه بعتيدة فكانت عتيدة المكتفي بعينها. ورأى الجب ناقصاً والعتيدة فيها قدح الغالية ما استعمل منه كثير شيء فقال: ما السبب في هذا؟ فأخبرته بالسبب على حاله، فأخذ يعجب من بخل الرجلين، ويضع منهما بذلك، ثم قال: فرقوا الجب بأسره على الجواري، فما زال يخرج منه أرطالاً أرطالاً وأنا أتمزق غيظاً، وأذكر حديث العنب وكلام مولاي المعتضد إلى أن مضى قريب من نصف الجب، فقلت له: يا مولاي، إن هذه الغالية أطيب الغالي وأعتقها وما لا يعتاض منه فلو تركت ما بقي منها لنفسك، وفرقت من غيرها كان أولى. قال: - وخرت دموعي لما ذكرته من كلام المعتضد - فاستحيا مني، فرفعت الجب فما مضت إلا سنون من خلافته حتى فنيت تلك الغوالي واحتاج إلى أن عجن غالية بمال عظيم.
قال أبو محمد عبد الله بن حمدون: قال لي المعتضد ليلة وقد قدم له عشاء: لقمني، قال: وكان الذي قدم فراريج ودراريج، فلقمته من صدر فروج فقال: لا، لقمني من فخذه، فلقمته لقماً، ثم قال: هات من الدراريج فلقمته من أفخاذها فقال: ويلك هو ذا تتنادر علي؟! هات من صدورها، فقلت: يا مولاي، ركبت القياس فضحك، فقلت: إلى كم أضحكك ولا تضحكني؟ قال: شل المطرح وخذ ما تحته. قال: فشلته فإذا دينار واحد، فقلت: آخذ هذا؟ فقال: نعم، فقلت: يالله هو ذا تتنادر أنت الساعة علي! خليفةً يجيز نديمه بدينار؟ فقال: ويلك لا أجد لك في بيت المال حقاً أكثر من هذا، ولا تسمح نفسي أن أعطيك من مالي شيئاً، ولكن هو ذا أحتال لك بحيلة تأخذ فيها خمسة آلاف دينار، فقبلت يده، فقال: إذا كان غداً وجاءني القاسم - يعني ابن عبيد الله - فهو ذا أسارك - حتى تقع عيني عليه - سراراً طويلاً التفت فيه إليه كالمغضب، وانظر أنت إليه في خلال ذلك كالمخالس لي نظر المترثي له، فإذا انقطع السرار فيخرج ولا يبرح الدهليز أو تخرج، فإذا خرجت خاطبك بجميل وأخذك إلى دعوته، وسألك عن حالك، فاشك الفقر والخلة وقلة حظك مني وثقل ظهرك بالدين والعيال، وخذ ما يعطيك، واطلب كل ما تقع عينك عليه، فإنه لا يمنعك حتى تستوفي الخمسة آلاف دينار، فإذا أخذتها فسيسألك عما جرى بيننا فاصدقه، وإياك أن تكذبه وعرفه أن ذلك حيلة مني عليه حتى وصل إليك هذا، وليكن(3/118)
إخبارك له بعد امتناع شديد وأحلاف منه لك بالطلاق والعتاق أن يصدقه، وبعد أن يخرج من داره كل ما يعطيك.
فلما كان من غد حضر القاسم فحين رآه بدأ يسارني وجرت القصة على ما واضعني عليه، فخرجت فإذا القاسم في الدهليز ينتظرني فقال: يا أبا محمد، ما هذا الجفاء لا تجيئني ولا تزورني ولا تسألني حاجة؟! فاعتذرت إليه باتصال الخدمة علي، فقال: ما تقنعني إلا أن تزورني اليوم وتتفرج، فقلت: أنا خادم الوزير، فأخذني إلى طياره وجعل يسألني عن حالي وأخباري فأشكو إليه الخلة والإضاقة والدين والبنات وجفاء الخليفة وإمساكه يده، فيتوجع ويقول: يا هذا ما لي لك ولن يضيق عليك ما يتسع علي، ولو عرفتني لعاونتك على إزالة هذا كله عنك فشكرته. وبلغنا داره فصعد ولم ينظر في شيء وقال: هذا يوم أحتاج أن أختص فيه بالسرور بأبي محمد فلا يقطعني أحد عنه. وأمر كتابه بالتشاغل بالأعمال وخلا بي في دار الخلوة، وجعل يجاذبني وينشطني، وقدمت الفاكهة فجعل يلقمني بيده وجاء الطعام، فكان هذا سبيله، فلما جلس للشرب وقع لي بثلاثة آلاف دينار فأخذتها للوقت وأحضرني ثياباً وطيباً ومركوباً فأخذت ذلك، وكان بين يدي صينية فضة فيها مغسل فضة وخرداذي بلور وكوز وقدح بلور فأمر بحمله إلى طياري، وأقبلت كلما رأيت شيئاً حسناً له قيمة وافرة طلبته. وحمل إلي فرشاً نفيساً وقال: هذا للبنات. فلما تقوض المجلس خلا بي وقال: يا أبا محمد، أنت عالم بحقوق أبي عليك، ومودتي لك، فقلت: أنا خادم الوزير، فقال: أريد أن أسألك عن شيء، وتحلف لي أنك تصدقني عنه، فقلت: السمع والطاعة، فأحلفني بالله وبالطلاق والعتاق على الصدق، ثم قال: بأي شيء سارك الخليفة اليوم، في أمري؟ فصدقته عن كل ما جرى حرفاً بحرف، فقال: فرجت عني، ولكون هذا هكذا مع سلامة نيته لي انهل علي فشكرته وودعته وانصرفت. فلما كان من الغد باكرت المعتضد فقال: هات حديثك فسقته عليه فقال: احفظ الدنانير ولا يقع لك أني أعمل مثلها معك بسرعة.
قال محمد بن يحيى الصولي: كان مع المعتضد أعرابي فصيح يقال له: شعلة بن شهاب اليشكري، وكان يأنس به،(3/119)
فأرسله إلى محمد بن عيسى بن شيخ وكان عارفاً به ليرغبه في الطاعة ويحذره العصيان ويرفق به. قال شعلة: فصرت إليه فخاطبته أقرب خطاب، فلم يجيبني فوجهت إلى عمته أم الشريف، فصرت إليها فقالت: يا أبا شهاب، كيف خلفت أمير المؤمنين؟ فقلت: خلفته أماراً بالمعروف، فعالاً للخير، متعززاً على الباطل، متذللاً للحق، لا تأخذه في الله لومة لائم. فقالت لي: أهل ذلك هو ومستحقه وكيف لا يكون كذلك وهو ظل الله الممدود على بلاده، وخليفته المؤتمن على عباده، أعز به دينه، وأحيا به سنته، وثبت به شرائعه، ثم قالت: يا أبا شهاب، فكيف رأيت صاحبنا؟ قلت: رأيت حدثاً معجباً قد استحوذ عليه السفهاء، واستبد بآرائهم، وأنصت لأقوالهم، يزخرفون له الكذب، ويوردونه الندم، فقالت: هل لك أن ترجع إليه بكتابي قبل لقاء أمير المؤمنين، فلعلك تحل عقد السفهاء؟ قلت: أجل، فكتبت إليه كتاباً حسناً لطيفاً أجزلت فيه الموعظة، وأخلصت فيه النصيحة، بهذه الأبيات: من البسيط
اقبل نصيحة أمٍّ قلبها وجلٌ ... عليك خوفاً وإشفاقاً وقل سددا
واستعمل الفكر في قولٍ فإنك إن ... فكرت ألفيت في قولي لك الرشدا
ولا تثق برجالٍ في قلوبهم ... ضغائن تبعث الشنآن والحسدا
مثل النعاج خمولاً في بيوتهم ... حتى إذا أمنوا ألفيتهم أسدا
وداو داءك والأدواء ممكنةٌ ... وإذ طبيبك قد ألقى عليك يدا
أعط الخليفة ما يرضيه منك ولا ... تمنعه مالاً ولا أهلاً ولا ولدا
واردد أخا يشكرٍ رداً يكون له ... ردءاً من السوء لا تشمت به أحدا
قال: فأخذت الكتاب وصرت به إلى محمد بن أحمد بن عيسى. فلما نظر فيه رمى به إلي ثم قال: يا أخا يشكر، ما بآراء النساء تتم الأمور ولا بعقولهن يساس الملك، ارجع إلى صاحبك فرجعت إلى أمير المؤمنين فأخبرته الخبر على حقه وصدقه فقال: وأين كتاب أم الشريف فدفعته إليه فقرأه وأعجبه شعرها، ثم قال: والله إني لأرجو أن أشفعها في كثير من القوم. فلما كان من فتح آمد ما كان أرسل إلي المعتضد فقال: يا شعلة هل عندك علم من أم الشريف؟ قلت: لا، والله، قال: فامض مع هذا الخادم فإنك ستجدها في جملة نسائها. قال: فمضيت، فلما بصرت بي من بعيد سفرت عن وجهها(3/120)
وأنشدت: من مجزوء الكامل
ريب الزمان وصرفه ... وعناده كشف القناعا
وأذ بعد العز منا الصعب ... والبطل الشجاعا
ولكم نصحت فما أطع ... ت وكم حرصت بأن أطاعا
فأبى بنا المقدار إلا ... أن نقسم أو نباعا
يا ليت شعري هل نرى ... يوماً لفرقتنا اجتماعا
قال: ثم بكت حتى علا صوتها، وضربت بيدها على الأخرى وقالت: يا أبا شهاب، إنا لله وإنا إليه راجعون، كأني والله كنت أرى ما أرى فقلت لها: إن أمير المؤمنين وجه بي إليك، وما ذاك إلا لجميل رأيه فيك، فقالت لي: فهل لك أن توصل لي رقعة إليه؟ قلت: هل لي فدفعت إلي رقعة فيها: من الكامل
قل للخليفة والإمام المرتضى ... وابن الخلائف من قريش الأبطح
علم الهدى ومناره وسراجه ... مفتاح كل عظيمةٍ لم تفتح
بك أصلح الله البلاد وأهلها ... بعد الفساد وطالما لم تصلح
قد زحزحت بك هضبة العرب التي ... لولاك بعد الله لم تتزحزح
أعطاك ربك ما تحب فأعطه ... ما قد يحب وجد بعفوٍ واصفح
يا بهجة الدنيا وبدر ملوكها ... هب ظالمي ومفسدي لمصلح
فصرت بالرقعة إلى المعتضد، فلما قرأها ضحك وقال: لقد نصحت لو قبل منها وأمر أن يحمل إليها خمسون ألف درهم وخمسون تختاً من الثياب، وأمر أن يحمل مثل ذلك إلى محمد بن أحمد بن عيسى.
قال وصيف خادم المعتضد: سمعت المعتضد بالله ينشد عند موته وقد أخذ بكظمه يقول: من الطويل
تمتع من الدنيا فإنك لا تبقى ... وخذ صفوها ما إن صفت ودع الرنقا
ولا تأمنن الدهر إني أمنته ... فلم يبق لي حالاً ولم يرع لي حقا(3/121)
قتلت صناديد الرجال ولم أدع ... عدواً ولم أمهل على ظنةٍ خلقا
وأخليت دار الملك من كل نازعٍ ... فشردتهم غرباً وشردتهم شرقا
فلما بلغت النجم عزاً ورفعةً ... وصارت رقاب الخلق أجمع لي رقا
رماني الردى سهماً فأخمد جمرتي ... فهأنذا في حفرتي عاجلاً ألقى
ولم يغن عني ما جمعت ولم أجد ... لذي ملك الأحياء في حينها رفقا
فأفسدت دنياي وديني سفاهةً ... فمن ذا الذي مني بمصرعه أشقى
فيا ليت شعري بعد موتي ما ألقى ... إلى نعمةٍ لله أم ناره ألقى
ولي المعتضد الخلافة لعشر بقين من رجب سنة تسع وسبعين ومئتين. وتوفي لثمان بقين من ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومئتين. فكانت خلافته تسع سنين وتسعة أشهر ويومين. وله من السن خمس وأربعون وعشرة أشهر وأيام.
وكان أسمر نحيف الجسم معتدل الخلق، قد وخطه الشيب، في مقدم لحيته طول.
قال صافي الحرمي: لما مات المعتضد بالله كفنته في ثوبين قوهي، قيمتها ستة عشر قيراطاً.
وأم المعتضد أم ولد يقال لها ضرار، وقيل خفير، ماتت قبل خلافته بيسير، ومولده سنة ثلاث وأربعين ومئتين.
ولما مات بويع ابنه محمد المكتفي بالله بن المعتضد بالله.
أحمد بن طولون أبو العباس الأمير
ولد بسامراء، وولي إمرة دمشق والثغور والعواصم ومصر مدة.
حدث الحافظ ابن عساكر بسنده عن بعض مشايخ المصريين
أن أحمد المعروف بابن طولون، ذكروا أن طولون تبناه، وأنه لم يكن ابنه وأنه كان ظاهر النجابة من صغره. وكان له بأهل الحاجات عناية. وكان أبداً يسأله فيهم، فيعجب(3/122)
بذلك منه، ويزداد بصيرة فيه، وأنه دخل إليه يوماً، فقال له: ما لك؟ فقال: بالباب قوم ضعفاء، لو كتبت لهم بشيء. فقال: امض إلى موضع كذا لطاقة في بعض مقاصير القصر، فهنالك قرطاس تأتيني به حتى أكتب لهم بما رغبت فيه، فنهض إلى ذلك الموضع فوجد في طريقه في بعض تلك المقاصير حظية من حظايا الأمير، وقد خلا بها بعض الخدم، فسكت، وأخذ حاجته وانصرف إليه، فكتب له وخرج، وخشيت الحظية أن يسبقها بالقول، فأقبلت إلى الأمير من فورها، فأخبرته أن أحمد قد راودها عن نفسها، وذكرت له المكان الذي وجدها فيه، فوقع في نفسه صدقها من أجل إرساله إياه إلى ذلك الموضع، والرؤساء يفقدون عقولهم عند أقل شيء يسمعونه في الرئاسة أو في الحرم، وقلما يثبتون عندهما. فلما انصرف أحمد كتب له كتاباً إلى أحد خدمه يأمره فيه بقتل حامل الكتاب دون مشاورة، وأرسل أحمد به فخرج أحمد مسرعاً بالكتاب.
ورأته الحظية في بعض مجالسها فاستدعته، فأخبرها أنه مشغول بحاجة وأنه كلفه إياها الأمير، وأراها الكتاب، وهو لا يدري ما فيه. فقالت: لا عليك، أنا أرسل به، واقعد أنت فإني أحتاج إليك، واستدعت ذلك الخادم، فأرسلته بالكتاب إلى المأمور بحمله إليه، وشغلت هي أحمد بكتاب شيء بين يديها، وإنما شغلته ليزيد حنق السيد عليه، ونهض ذلك الخادم بالكتاب فامتثل فيه الأمر وأرسل بالرأس إليه، فلما رآه سأل عن أحمد، فاستدعاه وقال: أخبرني بالصدق، ما الذي رأيت في طريقك إلى الموضع الذي أرسلتك إليه غير القرطاس. فقال: ما رأيت شيئاً. فقال: والله إن لم تخبرني لأقتلنك. فأخبره. وسمعت الحظية بقتل الخادم، فجرت إلى مولاها مرنبة ذليلة تطلب العفو، وهي تظن أن الأمر قد صح عند مولاها فقال لها: أخبريني بالحق، فبرأت أحمد، وتبين له صحة الأمر، فأمر بقتلها، وحظي أحمد عنده، حتى ولاه الأمر بعده.
حدث أبو عيسى محمد بن أحمد بن القاسم اللؤلؤي أن طولون رجل من طغرغز، وأن نوح بن أسد عامل بخارى أهداه إلى المأمون في جملة رقيق حمله إليه في سنة مئتين، وولد له ابنه أحمد سنة عشرين ومئتين. ومات طولون(3/123)
سنة أربعين ومئتين. ونشأ أحمد ابنه على مذهب جميل وطريقة مستقيمة، وطلب العلم وحفظ القرآن، وكان من أدرس الناس للقرآن، ورزق حسن الصوت، ودخل إلى مصر في الأربعاء لسبع بقين من رمضان سنة أربع وخمسين ومئتين.
قال: وخلف أحمد بن طولون عشرة ألف ألف دينار. وقيل إنه خلف ثلاثة وثلاثين ولداً، فيهم ذكور سبعة عشر. وأطبقت جريدته من الموالي على سبعة آلاف رجل. ومن الغلمان على أربعة وعشرين ألف غلام، ومن الخيل المروانية على سبعة آلاف رأس، ومن الجمال ألف وسبع مئة جمل، ومن بغال القباب والثقل ست مئة بغل، ومن المراكب الحربية مئة مركب، ومن الدواب لركابه مئة وثلاثين دابة. وكان خراج مصر في تلك السنة مع ما انضاف إليه من صاع الأمراء بحضرة السلطان أربعة آلاف ألف وثلاث مئة ألف دينار.
وأنفق على الجامع في بنائه ونفقته مئة وعشرين ألف دينار، وعلى البيمارستان ومشتغله ستين ألف دينار، وعلى الميدان مئة وخمسين ألف، وعلى من ناب بالثغور ثمانين ألف دينار، وكان قائم صدقته في كل شهر ألف دينار.
وراتب مطبخه وعلوفته كل يوم ألف دينار، وما يجريه على جماعة من المستخدمين وأبناء السبيل سوى ما كان يجريه السلطان خمس مئة دينار، وما يحمل لصدقات الثغور في كل شهر خمس مئة دينار، وما يقيمه من الأنزال والوظائف في كل شهر ألفي دينار.
وحكي أن الجيش فرق كسوة أحمد في حاشيته. قال الحاكي: فلحقني منها نصيب، فما خلا ثوب منها من الرفاء ووجدت في بعضها رقعة.
وكان أحمد بن طولون يقول: ينبغي للرئيس أن يجعل اقتصاده على نفسه وسماحته على من يشمله وقاصديه، فإنه يملكهم ملكاً لا يزول عن قلوبهم ولا تشذ معه سرائرهم.(3/124)
وحدث أبو العباس أحمد بن خاقان، وكان ترباً لأحمد بن طولون قال:
كان طولون تركياً من جيش يقال لهم طغرغز، وكان نوح بن أسد صاحب خراسان وجهه إلى الرشيد هارون سنة تسعين ومئة. وولد أحمد في سنة أربع عشرة ومئتين من جارية تسمى هاشم، وتوفي طولون سنة ثلاثين ومئتين ولأحمد ست عشر سنة ونشأ نشوءاً حسناً في العفة والتصون والدماثة وسماع الحديث حتى انتشر له حسن الذكر، وتصور في قلوب الناس بأفضل صورة، حتى صار في عداد من يوثق به ويؤتمن على السر والفروج والمال. وكان شديد الإزراء على الأتراك وأولادهم فيم يرتكبونه، غير راض بما يفعلونه إلى أن قال يوماً: إلى كم نقيم يا أخي على هذا الإيم لا نطأ موطئاً إلا كتب علينا فيه خطيئة. والصواب أن نسأل الوزير عبيد الله بن يحيى أن يكتب لنا بأرزاقنا إلى الثغر، ونقيم في ثواب، ففعلنا ذلك. فلما صرنا إلى طرسوس سر بما رأى من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأقبل على الترهب وذكر بعد هذا أنه عاد إلى العراق فزاد محله عند الأتراك فاختاره بابكباد لخلافته على مصر، فخرج إليها. وذكر غير هذا.
ثم إنه غلب على دمشق بعد وفاة ايماجور أميرها.
قال أبو الحارث إسماعيل بن إبراهيم المري: كان أول دخول أحمد بن طولون دمشق لما سار من مصر إليها في سنة أربع وستين ومئتين، بعد موت والٍ كان به يقال له: أماجور، وأخذ له مال عظيم، وخرج عن دمشق إلى أنطاكية وحاصر بها سيما وأصحابه حتى ظفر به وقتله وأخذ له مالاً عظيماً وفتحها عنوة. وصار إلى طرسوس ثم رجع إلى دمشق في هذه السنة في آخرها، وخرج منها حتى بلغ الرقة في طلب غلام له هرب منه يقال له لؤلؤ خرج إلى أبي أحمد الموفق في الأمان. ثم رجع ابن طولون إلى دمشق فاعتل بها وخرج في علته إلى مصر فتوفي بمصر في ذي القعدة سنة سبعين ومئتين.(3/125)
قال أحمد بن محمد بن أبي العجائز وغيره من مشايخ دمشق: لما دخل أحمد بن طولون دمشق وقع فيها حريق عند كنيسة مريم فركب إليه أحمد بن طولون ومعه أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو وأبو عبد الله أحمد بن محمد الواسطي كاتبه ينظرون إلى الحريق، فالتفت أحمد بن طولون إلى أبي زرعة، فقال: ما يسمى هذا الموضع؟ فقال له أبو زرعة: يقال له كنيسة مريم. فقال أبو عبد الله: وكان لمريم كنيسة؟ فقال أبو زرعة: إنها ليست مريم بنت عمران أم عيسى وإنما بنى النصارى هذه الكنيسة فسموها باسمها. فقال أحمد بن طولون لأبي عبد الله الواسطي: ما أنت والاعتراض على الشيخ. ثم أمر بسبعين ألف دينار تخرج من ماله وتعطى كل من احترق له شيء ويقبل قوله ولا يستحلف عليه. فأعطوا وفضل من المال أربعة عشر ألف دينار، وكان يجري ذلك على يد أبي عبد الله الواسطي فراجع أبو عبد الله بن طولون فيما بقي من المال، فأمر أن يفرق على أصحاب الحريق على قدر شهامتهم ولا يرد إلى بيت المال منه شيء.
وذكر ابن أبي مطر القاضي في كتابه قال: توفي بكار بن قتيبة يوم الأربعاء بعد صلاة العصر لست خلون من ذي الحجة سنة سبعين ومئتين. ومات ابن طولون قبله بشهر وأربعة أيام.
قال محم بن علي المادرائي: كنت أجتاز تربة أحمد بن طولون فأرى شيخاً عند قبره يقرأن ملازماً القبر، ثم إني لم أره مدة ثم رأيته بعد ذلك، فقلت له: ألست الذي كنت أراك عند قبر أحمد بن طولون وأنت تقرأ عليه فقال: بلى، كان ولينا رئاسة في هذا البلد وكان له علينا بعض العدل إن لم يكن الكل، فأحببت أن أقرأ عنده وأصله بالقرآن. قال: قلت له: لم انقطعت عنه؟ فقال لي: رأيته في النوم وهو يقول لي: أحب ألا تقرأ عندي، فكأني أقول له: لأي سبب؟ فقال: ما تمر بي آية إلا قرعت بها، وقيل لي: ما سمعت هذه؟!(3/126)
من اسم أبيه على حرف العين المهملة
أحمد بن عاصم أبو عبد الله الأنطاكي
الزاهد صاحب المواعظ سكن دمشق، وروى عن جماعة.
حدث أحمد بن عاصم عن مخلد بن حسين عن هشام بن حسان قال: مررت بالحسن في السحر، وهو جالس، قال: قلت: يا أبا سعيد، مثلك يجلس في هذا الوقت؟ قال: إني توضأت فأردتها أن تقوم فتصلي فأبت علي وأرادتني على أن تنام فأبيت عليها.
قال أحمد بن عاصم: كتب أخ ليونس بن عبيد الله: أما بعد، يا أخي فاكتب إلي كيف أنت، وكيف حالك؟ فكتب إليه:
بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، يا أخي فإنك كتبت إلي تسألني أكتب إليك كيف أنا، وكيف حالي، وأعلمك يا أخي أن نفسي قد ذلت بصيام اليوم البعيد الطرفين، الشديد الحر ولم تذل لي بترك الكلام فيما لا يعنيني.
قال أحمد بن عاصم: التقى فضيل بن عياض وسفيان الثوري فتذاكرا، فقال سفيان لفضيل: يا أبا علي، إني لأرجو ألا نكون جلسنا مجلساً قط أعظم علينا بركة من هذا المجلس! فقال الفضيل: لكني أخاف ألا نكون جلسنا مجلساً قط أضر علينا منه. قال: ولمه يا أبا علي؟! قال: ألست تخلصت إلى أحسن حديثك فحدثتني به وتخلصت أنا إلى أحسن حديثي فحدثتك به؟ فترتبت لي وترتبت لك؟ قال: فبكى سفيان بكاء أشد من البكاء الأول ثم قال: أحييتني أحياك الله.(3/127)
وكنية أحمد بن عاصم، أبو علي، ويقال: أبو عبد الله، من متقدمي مشايخ الثغور، وكان أبو سليمان الداراني يسميه جاسوب القلوب لحدة فراسته. وكان من أقران بشر بن الحارث، والسري، والحارث المحاسبي.
قال أحمد بن عاصم: إذا طلبت صلاح قلبك فاستعن له بحفظ لسانك.
وقال: إذا جالستم أهل الصدق فجالسوهم بالصدق، فإنهم جواسيس القلوب، يدخلون في قلوبكم ويخرجون منها من حيث لا تحتسبون.
روي عن أحمد بن عاصم أنه كان يقول: هذه غنيمة باردة، أصلح ما بقي من عمرك يغفر لك ما مضى.
وكان يقول: يسير اليقين يخرج كل الشك من القلب، ويسير الشك يخرج اليقين كله من القلب.
قال أحمد بن أبي الحواري: قال لي أحمد بن عاصم: يا أبا الحسن، أحب ألا أموت حتى أعرف مولاي لا معرفة الإقرار به ولكن المعرفة التي إذا عرفته استحييت.
قال أحمد بن عاصم: هممت بترك المخالطة والعزم على السكوت. وكتبت إلى الهيثم بن جميل أشاوره في ذلك، فكتب إلي: إن أبا سلمة حماد بن سلمة هم بذلك ولزم بيته، فترك إتيان السوق، فقال الناس: أبو سلمة لزم بيته، فنزل السوق فخرج حماد وجعل يقف على الشيء يساوم به لا يريد شراءه، ويقف على القوم يسلم عليهم ليدرأ تلك المقالة عن نفسه، فكسرني عن ذلك.
قال أحمد بن عاصم: قلة الخوف من قلة الحزن في القلب، وإذا قل الحزن في القلب خرب القلب كما أن البيت إذا لم يسكن خرب.(3/128)
قال أبو عبد الله الأنطاكي: إن أقل اليقين إذا وصل إلى القلب يملأ القلب نوراً، وينفي عنه كل ريب ويمتلىء القلب به شكراً ومن الله خوفاً.
وكان يقول: من كان بالله أعرف كان له أخوف.
وقال: كل نفس مسؤولة فمرتهنة أو مخلصة، وفكاك الرهون بعد قضاء الديون، فإذا علقت الرهون أكدت الديون، وإذا أكدت الديون استحقوا السجون.
وقال: الخير كله في حرفين قلت: وما هما؟ قال: تزوى عنك الدنيا ويمن عليك بالقنوع، ويصرف عنك وجوه الناس ويمن عليك بالرضا.
قال أحمد بن عاصم: فرائضت القلب: اطراح الدنيا، وطرح ما يكره الله، وطهارة الضمير، وتصحيح العزم، وصيانة العقول، ورعاية النعم في المعاملة، والفهم عن الله فيما يقع التدبير.
وقال: أنفع العقل ما عرفك نعم الله عليك، وأعانك على شكرها، وقام بخلاف الهوى.
سئل أحمد بن عاصم. ما علامة الرجاء في العبد؟ قال: أن يكون إذا أحاط به الإحسان ألهم الشكر راجياً لتمام النعمة من الله تعالى عليه في الدنيا وتمام عفوه في الآخرة.
وقال: خير صاحب لك في دنياك الهم، يقطعك عن الدنيا ويوصلك إلى الآخرة.
قال أحمد بن عاصم الحكيم: الناس ثلاث طبقات: فمطبوع غالب. هؤلاء أهل الإيمان والإتقان فإذا غفلوا ذكروا فرجعوا من غير أن يذكروا، وذلك قوله تعالى: " إن الذين اتقوا إذا مسهم طائفٌ من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون " فهؤلاء الطبقة العليا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والطبقة الثانية مطبوع مغلوب، فإذا بصروا، أبصروا، فرجعوا بقوة الطباع إلى محجة العقلاء، والطبقة الثالثة مطبوغ مغلوب غير ذي طباع ولا سبيل لك أن ترده بمواعظك وأدبك إلى محجة الفضلاء.(3/129)
قال أحمد بن عاصم: من الطويل
هممت ولم أعزم ولو كنت صادقاً ... عزمت ولكن الفطام شديد
ولو كان لي عقلٌ وإيقان موقنٍ ... لما كنت عن قصد الطريق أحيد
ولا كان في شك اليقين مطامعي ... ولكن عن الأقدار كيف أحيد؟
أحمد بن عامر بن عبد الواحد
ابن العباس الربعي البرقعيدي سمع بدمشق وبغيرها.
حدث عن أحمد بن عبد الواحد بن عبود بسنده عن ابن عباس في قوله " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " قال: العلماء.
وحدث أيضاً عن محمد بن عبد الرحمن الجعفي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالمٌ لم ينفعه علمه.
توفي بعد سنة ثلاث مئة.
أحمد بن عامر بن محمد بن يعقوب
ابن عبد الملك أبو الحسن الطائي حفيد محمود بن خالد روى عن جماعة.
حدث عن محمد بن إسحاق ويعرف بابن الحريص بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قضى لأخيه حاجة كان كمن خدم الله عمره.
روى أحمد عن عامر بسنده عن الشافعي قال: كنت أناظر محمد بن الحسن فكان له في قلبي وزن لأدبه وفصاحته، حتى ناظرته في(3/130)
صلاة الكسوف، فقام إلى غرفة له توهمت أنه يريد تهيئة الصلاة فسمعته وهو يقول بينه وبين نفسه: يحتج علي بصبي وامرأة، يعني ابن عباس وعائشة. قال الشافعي: فذهب ما كان له في قلبي من وزن.
كان من أهل بيت علم، كان فيه جماعة محدثون من قبل أبيه وأمه.
مات في المحرم سنة ست وعشرين وثلاث مئة.
أحمد بن عامر بن معمر بن حماد
أبو العباس الأزدي حدث رجل بدمشق بسنده عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أيما رجل باع سلعة فوجدها بعينها عند رجل قد أفلس ولم يكن قبض من ثمنها شيئاً فهي له، وإن كان قد قبض من ثمنها شيئاً فهو أسوة الغرماء.
أحمد بن العباس بن الربيع
أبو بكر البغدادي الحافظ يعرف بابن الفقاعي حدث بدمشق.
روى عن هبيرة بن محمد الطيب بسنده عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضرب وغرب، وأن أبا بكر ضرب وغرب.
أحمد بن العباس بن محمد
ابن الحسين بن عمرو بن نوح بن عمرو بن حوي بن نافع بن زرعة بن محصن ابن حبيب بن ثور بن خداش بن سكسك بن أشرس بن كندة أبو العباس الكندي المياهي وقيل في نسبه: أحمد بن الفضل بن حوي.
قال: وأظن أن كنية أبيه: أبو الفضل فأسقط منه أبا.(3/131)
حدث عن يوسف بن القاسم الميانجي بسنده عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحياء من الإيمان.
أحمد بن العباس بن الوليد بن مزيد
أبو العباس العذري البيروتي حدث عن محمد بن سليمان الأسدي، لوين، بسنده عن حذيفة قال: كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جنازة. فلما بلغ القبر قعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حافة القبر أو على شفته، فجعل ينظر فيه فقال: يضغط المؤمن في هذا ضغطة تزول منها حمائله ويملأ على الكافر ناراً.
قال أبو جعفر - يعني لويناً -: الحمائل: ما تقع عليه حمائل السيف.
أحمد بن عبد الله بن أحمد
ابن ذكوان أبو عبيدة المقرىء قرأ القرآن وقرىء عليه.
حدث عن أبيه بسنده عن ابن عباس قال: لما عزي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بابنته رقية امرأة عثمان بن عفان قال: الحمد لله، دفن البنات من المكرمات.
مات أبو عبيدة بدمشق في سنة اثنتين وعشرين وثلاث مئة.
أحمد بن عبد الله بن أحمد
أبو منصور الفرغاني نزيل مصر، سمع بدمشق.
حدث عن أبي علي الحسن بن حبيب بن عبد الملك الدمشقي إمام مسجد باب الجابية بدمشق بسنده عن ابن عباس قال: توفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا ابن عشر سنين، وقد قرأت محكم القرآن يعني المفصل.(3/132)
أحمد بن عبد الله بن بندار
أبو الحسن الشيرازي حدث ببعلبك في ذي القعدة سنة تسع عشرة وأربع مئة في المسجد المعروف بالقصر، قراءة عليه، وهو ينظر في أصله عن أبي القاسم محمود بن محمد بن عيسى الأصفهاني بشبام اليمن بسنده عن محمد بن علي الحنفي قال: قال المعلى مولى الصادق: سألت سيد جعفر بن محمد الصادق: فقلت: بأبي وأمي، إن العامة يزعمون أن الاختلاج غير صحيح قال: يا معلى هو صحيح. وذكر كتاب الاختلاج في مقدار ورقتين.
أحمد بن عبد الله بن حمدون
ابن نصير بن إبراهيم أبو الحسن، الرملي، المعروف بالجبريني قدم دمشق، وحدث بها عن جماعة.
حدث عن أبي محمد عبد الله بن أبان بن شدد بعسقلان بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لله تسعةٌ وتسعون اسماً، مئة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة، إنه وتر يحب الوتر.
وحدث عن أبي محمد بن الحسن بن فيل بسنده عن أبي علي الحسن بن علي عن الوزير بن القاسم قال: دخلت الحمام فرأيت عمرو بن هاشم البيروتي في الوزن فقلت له تدخل الحمام؟ قال: دخلت الحمام فرأيت الأوزاعي في الوزن فقلت له: تدخل الحمام؟ فقال: رأيت الزهري جالساً في الوزن فقلت: تدخل الحمام؟ فقال: رأيت أنس بن مالك في الوزن فقلت له: تدخل الحمام؟ فقال: دخلت الحمام فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالساً في(3/133)
الوزن وعليه مئزر، فهبت أن أكلمه، فقال: يا أنس، إنما حرم الدخول إلى الحمام إلا بمئزر.
أحمد بن عبد الله بن حميد
ابن رزيق ويقال: أحمد بن عبد الله بن رزين بن حميد - أبو الحسن المخزومي البغدادي نزيل مصر، من ولد عمرو بن حريث سمع بدمشق وبغيرها جماعة.
روى بإسناده عن أبي العباس محمد بن جعفر بن هشام بن ملاس النميري بدمشق بسنده عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الشهر تسع وعشرون ليلة.
وحدث عن أبي بكر أحمد بن سليمان بن زبان الكندي بدمشق بسنده عن جويرية بنت الحارث أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل عليها فقال لها: هل من طعام؟ قالت: لا إلا عظماً أعطيته مولاة لنا من الصدقة. قال: قربيه، فقد بلغت محلها.
انتقل عن بغداد إلى مصر، وأقام بها إلى أن مات في سنة نيف وتسعين وثلاث مئة، وقيل: في سنة إحدى وتسعين وثلاث مئة، يوم الثلاثاء لثمان بقين من ربيع الأول وقيل يوم الاثنين لسبع خلون منه.
وكان ثقة مأموناً.
أحمد بن عبد الله بن سليمان
أبو علي العبدي حدث عن جماعة.
روى عن عمر بن محمد بن الحسن النجاري بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لكل نبي حرم، وحرمي المدينة، اللهم إني أحرمها كما حرم إبراهيم مكة لا يؤوى فيها(3/134)
محدث ولا يختلى خلاها، ولا يعضد شوكها، ولا تؤخذ لقطتها إلا لمنشد.
أحمد بن عبد الله بن عبد الله
ابن عمرو بن عبد الله بن صفوان، أبو بكر ابن أبي دجانة النصري الشاهد حدث عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بسنده عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من شرب في إناء من ذهب أو فضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم.
ولد في رجب سنة ثمانين ومئتين، وتوفي يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة مضت من رمضان سنة ست وخمسين وثلاث مئة.
وكان ثقة مأموناً.
أحمد بن عبد الله بن عبد الرزاق
ابن عمر بن مسلم أبو الحسن الدمشقي المقرىء روى عن جماعة.
الشيخ الصالح الثقة.
حدث عن أبي الجماهير بسنده عن سمرة بن جندب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدعو: اللهم ضع في أرضنا بركتها وزينتها وسكنها.(3/135)
أحمد بن عبد الله بن عراك
ابن الركين بن العلاء بن فطانة، أبو بكر الدهستاني حدث بدمشق وغيرها روى عن أبي نصر أحمد بن عبد الباقي بن الحسن بن طوق بن سلام بن المختار بن سليم الربعي الخيراني بالموصل بسنده عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من جاء إلى الجمعة فليغتسل.
وروى عن أحمد بن عبد الباقي بن الحسن الربعي بسنده عن عبد الله بن قيس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جنتان من ذهب وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما. وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنات عدن.
أحمد بن عبد الله بن علي
ابن طاوس بن موسى بن العباس بن طاوس، أبو الركاب المقرىء البغدادي سمع ببغداد، وقرأ القرآن بروايات كثيرة، وانتقل إلى دمشق في شعبان سنة إحدى وخمسين وأربع مئة، فاستوطنها إلى أن مات بها. وصنف في القراءات. وأقرأ القرآن بروايات. وكان ثقة خيراً مداوماً لتلاوة القرآن ماهراً فيها.
حدث بدمشق عن أبي طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان بسنده عن أسامة بن زيد قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر.
ختم القرآن في سنة ثلاث وعشرين وأربع مئة وعمره عشر سنين أو أقل.
وتوفي في يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة بدمشق(3/136)
أحمد بن عبد الله بن عمر
ابن حفص ويقال جعفر أبو علي المالكي البغدادي سكن حلب، وقدم دمشق، وحدث بها.
حدث عن أبي شعيب عبد الله بن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: المعدة حوض البدن، والعروق إليها واردة، فإذا صحت المعدة صدرت العروق بالصحة، وإذا سقمت المعدة صدرت العروق بالسقم.
أحمد بن عبد الله بن عمر الدمشقي
حدث عن عبد الله بن ثابت البغدادي بسنده عن محمد بن أبي كبشة قال: سمعت هاتفاً في البحر ليلاً يقول: لا إله إلا الله، كذب المريسي على الله. قال: ثم هتف ثانية فقال: لا إله إلا الله، على ثمامة والمريسي لعنة الله. قال: وكان معنا في المركب رجل من أصحاب المريسي فخر ميتاً.
أحمد بن عبد الله بن عمرو الدمشقي
حدث عن أبي الحسن محمد بن محمد بن النفاخ بن بدر الباهلي بمصر بسنده عن عبد الله بن أبي أوفى أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا سخب فيه ولا نصب.(3/137)
أحمد بن عبد الله بن الفرج
ابن عبد الله أبو بكر القرشي، المعروف بابن البرامي، مولى بني أمية روى عن جماعة.
روى سنة أربعين وثلاث مئة عن أبي بكر محمد بن أحمد بن إبراهيم المعافري الرملي بسنده عن أنس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشى في الرمل في شدة الحر فأحرق قدميه، فقال: لولا رمل بين غزة وعسقلان لعنت الرمل.
كان أبو بكر أحمد بن عبد الله مولى الوليد بن عبد الملك بن مروان، وكان كهلاً يكتب الحديث، يعرف بابن البرامي. مات سنة ست وأربعين وثلاث مئة.
أحمد بن عبد الله بن محمد
ابن عبد الله بن محمد بن بشر بن مغفل بن حسان بن عبد الله بن مغفل، أبو محمد المزني المغفلي الهروي من أعيان أهل خراسان. رحل وسمع بدمشق وبهراة وبالعراق وبمصر جماعة. وروى عنه جماعة.
حدث عن محمد بن سهل العطار بسنده عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيته عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك.
وحدث ببخارى إملاء عن عبد الله بن محمد بن ناجية بسنده عن أبي موسى الأشعري قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا في النصف من شعبان فيغفر لكل مسلم إلا مشرك أو مشاحن.
قال الحاكم: سمعت أبا محمد المزني يقول: حديث النزول وقد ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وجوه صحيحة. وورد في التنزيل(3/138)
ما يصدقه وهو قوله عز وجل: " وجاء ربك والملك صفاً صفا " والنزول والمجيء صفتان منفيتان من صفات الله عز وجل من طريق الحركة والانتقال من حال إلى حال، بل هما صفتان من صفات الله عز وجل بلا تشبيه، جل الله عما تقول المعطلة بصفاته والمشبهة بها علواً كبيراً.
وكان أبو محمد
أحمد بن عبد الله المزني إمام أهل العلم والوجوه وأولياء السلطان بخراسان في عصره بلا مدافعة. وكان مجاوراً بمكة، فورد الكتاب من مصر بأن يحج أبو محمد بالناس، ويخطب بعرفات ومنى وتلك المشاعر. قال: فصلى بنا بعرفات، وأتم الصلاة، فصاح الناس وعجوا، فصعد المنبر: فقال: أيها الناس، أنا مقيم وأنتم على سفر، ولذلك أتممت.
توفي أبو محمد غدوة يوم الثلاثاء السابع عشر من رمضان سنة ست وخمسين وثلاث مئة. وحمل بعد الظهر تابوته إلى السهلة، فوضع على باب السلطان - يعني ببخارى - وحمل الوزير أبو علي البلعمي تابوته أحد شقيه على عاتقه بعد الصلاة، وقدم ابنه للصلاة عليه، وقدمت البغال وحملوا جثته الطيبة إلى وطنه الذي قتله حبه، بهراة ودفن بها.
قال أبو نصر بشر بن أبي محمد المزني في مأتم أبيه: إن آخر كلمة تكلم بها أبوه أن قبض على لحيته بيده اليسرى ورفع يده اليمنى إلى السماء فقال: ارحم شيبة شيخ جاءك بتوفيقك على الفطرة.
أحمد بن عبد الله
ويقال عبد الله بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب. كما زعم
وهو صاحب الحال، أخو علي بن عبد الله القرمطي، بايعته القرامطة بعد قتل(3/139)
أخيه بنواحي دمشق، وتسمى بالمهدي واقتيد بالشام فبعث إليه المكتفي عسكراً في المحرم سنة إحدى وتسعين ومئتين، فقتل من أصحابه خلق كثير، ومضى هو في نفر من أصحابه يريد الكوفة فأخذ بقرب قرية تعرف بالدالية من سقي الفرات، وحمل إلى بغداد وأشهر، وطيف به على بعير، ثم بنيت له دكة فقتل عليها هو وأصحابه الذين أخذوا معه يوم الاثنين لسبع بقين من ربيع الأول سنة إحدى وتسعين ومئتين.
قال أبو محمد إسماعيل بن علي بن إسماعيل الخطبي قال: قام مقامه - يعني مقام صاحب الجبل - أخ له في وجهه خال يعرف به يقال له صاحب الخال. فأسرف في سوء الفعل وقبح السيرة وكثرة القتل حتى تجاوز ما فعله أخوه وتضاعف قبح فعله على فعله وقتل الأطفال ونابذ الإسلام وأهله، ولم يتعلق منه بشيء. فخرج المكتفي بالله إلى الرقة وسير إليه الجيوش فكانت له وقائع، وزادت أيامه على أيام أخيه في المدة والبلاء حتى هزم وهرب وظفر به في موضع يقال له الدالية بناحية الرحبة، فأخذ أسيراً وأخذ معه ابن عم له يقال له: المدثر، وكان قد رشحه للأمر بعده، وذلك في المحرم سنة إحدى وتسعين. وانصرف المكتفي بالله إلى بغداد وهو معه فركب المكتفي ركوباً ظاهراً في الجيش والتعبئة وهو بين يديه على الفيل وجماعة من أصحابه على الجمال مشهرين بالبرانس، وذلك يوم الاثنين غرة ربيع الأول سنة إحدى وتسعين. ثم بنيت له دكة في المصلى، وحمل إليها هو وجماعة أصحابه فقتلوا عليها جميعاً في ربيع الآخر بعد أن ضرب بالسياط، وكوي جبينه بالنار وقطعت منه الأربعة ثم قتل ونودي في الناس فخرجوا مخرجاً عظيماً للنظر إليه. وصلب بعد ذلك في رحبة الجسر.
وقيل إنه وأخاه من قرية من قرى الكوفة يقال لها الصوان، وهما، فيما ذكر، ابنا زكرويه بن مهرويه القرمطي الذي خرج في طريق مكة في آخر سنة ثلاث وتسعين ومئتين، وتلقى الحاج في المحرم من سنة أربع وتسعين فقتلهم قتلاً ذريعاً لم يسمع قبل بمثله واستباح القوافل وأخذ شمسة البيت الحرام، وقبل ذلك دخل الكوفة يوم الأضحى بغتة(3/140)
وأخرج منها ثم لقيه جيش السلطان بظاهر الكوفة بعد دخوله إليها وخروجه عنها فهزمهم، وأخذ ما كان معهم من السلاح والعدة فقوي بها، وعظم أمره في النفوس وأجلبت معه كلب وأسد وكان يدعى السيد.
ثم سير إليه السلطان جيشاً عظيماً فلقوه بذي قار بين البصرة والكوفة في العراض، فهزم وأسر جريحاً ثم مات. وكان أخذه أسيراً يوم الأحد لثمان بقين من ربيع الأول سنة أربع وتسعين بعد أن أسر فقدم به إلى بغداد مشهوراً في ربيع الأول وشهرت الشمسة بين يديه ليعلم الناس أنها قد استرجعت وطيف به ببغداد، وقيل إنه خرج يطلب بثأر ابنه المقتول على الدكة.
ومن شعره في الفخر: من مجزوء الكامل
سبقت يدي يده بضر ... بة هاشمي المحتد
وأنا ابن أحمد لم أقل ... كذباً ولم أتزيد
من خوف بأسي قال بد ... رٌ ليتني لم أولد
يعني بدر الحمامي الطولوني أمير دمشق.
أحمد بن عبد الله بن مرزوق
أبو العباس الأصبهاني الدستجردي قدم دمشق، وحدث بها سنة سبع وأربعين وخمس مئة.
قال الحافظ: كان يروي كتاب الترغيب والترهيب، فجلست معه لما شرع في التحديث به حرصاً مني على معارضة نسختي مرة ثانية، فكان إذا أخطأ في قراءته رددت عليه، فيشق عليه. ولقد جاء في نسخته حديث من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة،(3/141)
فسقط منه ذكر سهيل عن أبيه، فرددت عليه، فأراد أن يماري فيه، فقلت: هذا لا يخفى على الصبيان، ولم أعد للحضور معه.
حدث أبو العباس الأصبهاني عن أبي بكر محمد بن أبي القاسم الفضل بن محمد الفراتي وغيره بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الرجل ليكون من أهل الصلاة والزكاة والحج والعمرة والجهاد حتى ذكر سهام الخير وما يجزى يوم القيامة إلا بقدر عقله.
أحمد بن عبد الله أبي الحواري
ابن ميمون بن عياش بن الحارث، أبو الحسن التغلبي الغطفاني الزاهد أحد الثقات. أصله من الكوفة وسكن دمشق.
روى عن جماعة وأعيان، وروى عنه جماعة وأعيان.
روى عن حفص بن غياث بسنده عن أبي موسى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إذا مرض العبد أو سافر أمر أن يكتب له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم، وفي رواية أخرى: كتب له مثل أجره وهو صحيح.
أبو الحسن أحمد بن أبي الحواري من قدماء مشايخ الشام، من أهل دمشق تكلم في علوم المحبة والمعاملات، وصحب أبا سليمان الداراني، وأخذ طريقة الزهد من أبيه أبي الحواري. واسم أبي الحواري ميمون، ويقال عبد الله بن ميمون. ولأحمد ابن يقال له عبد الله، وكان من الزهاد أيضاً.
وكان الجنيد يقول: أحمد بن أبي الحواري ريحانة الشام.
قال يحيى بن معين - وذكر أحمد بن أبي الحواري - فقال: أهل الشام به يمطرون.(3/142)
قال يوسف بن الحسين: طلب أحمد بن أبي الحواري العلم ثلاثين سنة، فلما بلغ منه الغاية حمل كتبه كلها إلى البحر فغرقها، وقال: يا علم، لم أفعل بك هذا تهاوناً بك ولا استخفافاً بحقك، ولكني كنت أطلبك لأهتدي بك إلى ربي، فلما اهتديت بك إلى ربي استغنيت عنك.
قال يوسف بن الحسين: كان بين أبي سليمان وأحمد بن الحواري عقد لا يخالفه في شيء يأمره به، فجاءه يوماً وهو يتكلم في مجلسه فقال: إن التنور قد سجر فما تأمر؟ فلم يجبه، فقال مرتين ثلاثة، فقال أبو سليمان اذهب فاقعد فيه، كان ضاق به قلبه. وتغافل أبو سليمان ساعة، ثم ذكر فقال: اطلبوا أحمد فإنه في التنور لأنه على عقد ألا يخالفني، فنظروا فإذا هو في التنور لم تحترق منه شعرة.
قال محمد بن الفيض: سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول لرجلين وأنا ثالثهما، وسألاه عن شيء فقال: والله لولا ما قد جرى أو مضى من السنة وسار في الناس من تقدمة أبي بكر وعمر وعثمان ما قدمنا على عليٍّ أحداً. يعني لسابقته وفضله وقدمته.
قال ابن الفيض: أدركت من شيوخنا من شيوخ دمشق ممن يربع بعلي بن أبي طالب، وذكر قوماً فيهم أحمد بن أبي الحواري.
قال عيسى بن عبد الله: سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول: لو خيرني مخير بين أن يسجر لي تنور فأرمي بنفسي فيه، فأحترق به ولا أبعث، وبين أن أبعث ولا أحاسب ويؤمر بي إلى الجنة، لظننت أني سأموت من الفرح بالتنور من قبل أن أصير إليه، قال: قلت: أنى ومع البعث إلى الجنة فقال لنا: فأين الوقوف بين يدي الله عز وجل والتوبيخ.
وكان أحمد بن أبي الحواري كريم الأخلاق، وكان من كرم أخلاقه أنه كان لا يزن كسراً ولا يأخذ كسراً، وإذا كان له درهم وكسر أخذ الدرهم ولم يأخذ الكسر، وإذا كان عليه وزن درهم ونصف وزن درهمين.(3/143)
قال: وأحسن ما سمع منه: جاءه مولود، ولم يكن له شيء من الدنيا، فقال لتلميذ له قد جاءنا البارحة مولود، خذ لنا وزنة دقيق بنسيئة فقال تلميذه: والله إن هذه لمسبة على علماء الشام وعقلائها إذ لا يفتقدون هذا الشيخ، يجيئه مولود فلا يملك ثمن وزنة دقيق.
قال: وكان بعض التجار قد وجه متاعاً إلى مصر، فنوى إن سلمه الله في ذهابه ومجيئه أن لأحمد مئتي درهم صحاحاً. فلما جاء المولود جاء المتاع، فدفع التاجر المئتي درهم إلى غلام له وقال: ادفعها إلى أحمد، وقل له: إن سيدي نذر إن سلم الله متاعه فلك فيه مئتا درهم، وقد سلمه الله عز وجل، فقال تلميذه: الحمد لله قد فرج عن الشيخ، فالدراهم بين يديه، حتى جاءه رجل فقال: يا أحمد البارحة جاءني مولود، عندك من الدنيا شيء؟ فرفع رأسه إلى السماء وقال: يا مولاي، هكذا بالعجلة ودفع المئتي الدرهم إليه، ثم قال لتلميذه: قم ويحك جئنا بالدقيق.
قال أحمد بن أبي الحواري: قلت لأبي سليمان: صليت صلاة في خلوة فوجدت لها لذة، قال: وأي شيء ألذك فيها؟ قلت: حيث لم يرني أحد، فقال: إنك لضعيف حيث خطر بقلبك فكر الخلق.
قال محمد بن عوف: رأيت أحمد بن أبي الحواري عندنا بانطرسوس، فلما أن صلى العتمة قام يصلي على الحائط، فاستفتح ب " الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين ". ثم رجعت فنمت ليلتي جمعاء، فلما كان السحر قبل انشقاق الفجر مررت بأحم بن أبي الحواري، وهو يقرأ " إياك نعبد وإياك نستعين " فلم يزل يرددها من العتمة إلى الصبح.
قال عبد الله بن أحمد بن أبي الحواري: كنا نسمع بكاء أبي بالليل حتى نقول قد مات، ثم نسمع ضحكه حتى نقول قد جن.(3/144)
قال الحسن بن حبيب: سمعت أبي يقول:
خرجت مع أحمد بن أبي الحواري إلى رباط بيروت، فلم تزل الهدايا تجيئه من أول النهار إلى نصف النهار، ثم أقامني ففرقها إلى أن غابت الشمس، وقال لي: كن كذا يا حبيب لا تزد على الله ولا تدخر عنه، فلما كان في الليل خرجت معه إلى سور البلد، فسمع الحارس يقول: قل لزين الحنان: رد السلام، فصاح وسقط، وقال: قل لكل قلب يلحق حيث يشاء.
قال أحمد بن أبي الحواري: دخلت على بعض المتعبدين أعوده، فقلت: كيف تجدك؟ فقال: بحال شريفة، أسير كريم في حبس جواد مع أعوان صدق، والله لو لم يكن مما ترون لي عوض إلا ما أودع في قلبه من محبته لكنت حقيقاً على أن أدوم على الرضى عنه، وما الدنيا وما غاية البلاء فيها؟ هل هو إلا ما ترون بي من هذه العلة؟ وأوشك لئن استبد بي الأمر قليلاً لترحلني إلى سيدي، ولنعمت علةٌ رحلت بمحب إلى محبوب قد أضر به طول التخلف عنه.
قال أحمد بن أبي الحواري: لا دليل على الله سواه، وإنما العلم يطلب لآداب الخدمة.
قال أحمد بن أبي الحواري: صحبت أبا سليمان طول ما صحبته فما انتفعت بكلمة أقوى علي وأهدى لرشدي وأدل على الطريق من هذه الكلمة: قلت له في ابتداء أمري: أوصني فقال: أمستوصٍ أنت؟ قلت: إن شاء الله، قال: خالف نفسك في كل مراد لها فإنها الأمارة بالسوء، وإياك أن تحقر أحداً من المسلمين، واجعل طاعة الله دثاراً والخوف منه شعاراً، والإخلاص زاداً، والصدق جنة، واقبل مني هذه الكلمة الواحدة ولا تفارقها ولا تغفل عنها: إن منا استحى من الله عز وجل في كل أوقاته وأحواله وأفعاله بلغه إلى مقام الأولياء من عباده. قال: فجعلت هذه الكلمة أمامي، ففي كل وقت أذكرها وأطالب نفسي بها.
قال أحمد بن أبي الحواري: علامة حب الله حب طاعة الله. وقيل: حب ذكر الله، فإذا أحب الله العبد أحبه،(3/145)
فلا يستطيع العبد أن يحب الله حتى يكون الابتداء من الله بالحب له، وذلك حين عرف منه الاجتهاد في مرضاته.
وقال أحمد: أفضل البكاء بكاء العبد على ما فاته من أوقاته على غير الموافقة، أو بكاء على ما سبق له من المخالفة.
قال حبيب بن عبد الملك: كنت عند أحمد بن أبي الحواري جالساً، فقال له رجل: يا أبا الحسن، أثابنا الله وإياك على الإسلام والسنة، فقال له أحمد: يا ذا الرجل، إنه من لم يكن مسيئاً فما هو مسلم، فقال له: يا أبا الحسن، فما السنة عندك؟ قال: أن يسلم أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منك وتسلم منهم.
قال أحمد: ما ابتلى الله عبداً بشيء أشد من الغفلة والقسوة.
وقال: من عمل بلا اتباع سنة فباطلٌ عمله.
وقال: من نظر إلى الدنيا نظر إرادة وحب لها أخرج الله نور اليقين والزهد من قلبه.
وقال: من عرف الدنيا زهد فيها، ومن عرف الآخرة رغب فيها، ومن عرف الله آثر رضاه.
ورد كتاب المأمون على إسحاق بن يحيى بن معاذ، وهو يومئذ والي دمشق بمحنة أحمد بن أبي الحواري وعبد الله بن ذكوان بالقول بخلق القرآن، وكانا على المسجد وكان ابن أبي دواد يعرفهما، فورد الكتاب على إسحاق، ولهما منه منزلة، فخفف عنهما في المحنة فأجاب عبد الله بن ذكوان وأبى أحمد بن أبي الحواري أن يجيب فحبس، ثم وجه إلى امرأته وصبيانه ليأتوه ويبكوا عليه ليرجع عن رأيه، وقيل له: ما في القرآن من الجبل والشجر مخلوق. وكان إسحاق مائلاً إليه فأجاب على هذا وكتب إسحاق بإجابتهما.(3/146)
ومات أحمد بن أبي الحواري سنة ست وأربعين ومئتين في جمادى الآخرة. وقيل سنة خمس وأربعين ومئتين. وقيل سنة ثلاثين ومئتين، وهو وهم. وعمره اثنتان وثمانون سنة. ومولده سنة أربع وستين ومئة.
أحمد بن عبد الله بن نصر
ابن بجير بن عبد الله بن صالح بن أسامة، أبو العباس، والد القاضي أبي الطاهر الذهلي سمع بدمشق وبغيرها.
حدث عن ربيعة بن الحارث الجبلاني بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني قد ثقلت، فلا تبادروني بالركوع والسجود، فإني مهما أسقكم به إذا ركعت تدركوني إذا رفعت، ومهما أسبقكم إذا سجدت تدركوني إذا رفعت.
مات ابن بجير القاضي سنة اثنتين وعشرين وثلاث مئة يوم الثلاثاء سلخ ربيع الآخر.
أحمد بن عبد الله بن نصر
بن هلال أبو الفضل السلمي حدث عن أبي عبد الرحمن المؤمل بن إهاب بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
من قال أخاه أقال الله عثرته يوم القيامة.
وروى أيضاً عن أبي عامر موسى بن عامر بسنده عن أنس عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة، ليس نقب من أنقابها إلا عليه الملائكة صافين تحرسها فينزل بالسبخة، فترجف المدينة ثلاث رجفات، يخرج إليه منها كل كافر ومنافق.(3/147)
وحدث عن جعفر بن محمد بن حماد بسنده عن علي بن رباح أن أعمى كان له قائد بصير فغفل البصير، فوقعا في بئر، فمات البصير وسلم الأعمى، فجعل عمر ديته على عاقلة الأعمى. قال: فسمعته يقول في الحج: من الرجز
يا أيها الناس لقيت منكرا
هل يعقل الأعمى الصحيح المبصرا
خرا معاً كلاهما تكسرا
مات أبو الفضل أحمد بن هلال في جمادى الأولى سنة أربع وثلاثين وثلاث مئة.
أحمد بن عبيد الله بن الحسن
ابن شقير أبو العلاء البغدادي النحوي حدث عن أبي بكر محمد بن هارون بن المجدر ببغداد بسنده عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه قضى في الجنين بغرة عبدٍ أو أمة أو بفرس أو بغل.
أحمد بن عبيد الله بن فضال
أبو الفتح الحلبي الموازيني الشاعر، المعروف بالماهر.
قرىء عليه في صفر سنة اثنتين وخمسين وأربع مئة يمدح أبا نصر صدقة بن يوسف: من الكامل
لو سرت حين ملكت سيرة منصفٍ ... لسننت وحدك سنةً لم تعرف
من صح قبلك في الهوى ميثاقه ... حتى تصح؟! ومن وفى حت تفي؟!(3/148)
عرف الهوى في الخلق مذ خلق الهوى ... بمذلة الأقوى وعز الأضعف
فلألبسن حملت أو لم أحتمل ... فيك السقام عطفت أو لم تعطف
حتى يعاين كل لاحٍ عاذلٍ ... مني لجاجة كل صبٍّ مدنف
يا من توقد في الحشا لصدوده ... نارٌ بغير وصاله ما تنطفي
وهي طويلة.
مات أبو الفتح أحمد بن عبيد الله الماهر في صفر بدمشق سنة اثنتين وخمسين وأربع مئة. ودفن في داره، ثم نقل إلى باب الصغير.
أحمد بن عبيد الله الدمشقي
روى عن الوليد بن مسلم بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أنعم الله على عبد نعمة فأسبغها عليه، ثم وجه إليه من يطلب المعروف عنده فزبرهم إلا وقد تعرض لزوال تلك النعمة.
أحمد بن عبد الباقي بن الحسن
أبو الحسين القيسي النجاد حدث عن أبي عبد الله محمد بن علي بن الخضر بن سعيد السلمي بسنده عن عبد الله قال: نهانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن النذر، وقال: إنه لا يرد من القدر شيئاً، وإنما يستخرج به، يعني: من البخيل.
خرج أبو الحسين قاصداً للحج في رجب سنة ثلاث وعشرين وخمس مئة فسقط عن البعير قبل وصوله إلى الرحبة، فتوفي ودفن في الرحبة.(3/149)
أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد
أبو بكر العلوي الزيدي المروزي الواعظ الشافعي قدم دمشق وأملى بها الحديث، وعقد بها مجالس الوعظ وروى عن جماعة.
حدث عن الشيخ السديد أبي منصور محمد بن علي بن محمد التاجر بسنده عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: عرض علي الأنبياء، فإذا موسى عليه السلام رجل ضربٌ من الرجال كأنه من رجال شنوءة ورأيت عيسى بن مريم عليه السلام، فإذا أقرب من رأيت به شبهاً عروة بن مسعود، ورأيت إبراهيم فإذا أقرب من رأيت به شبهاً صاحبكم، يعني نفسه. ورأيت جبريل فإذا أقرب من رأيت به شبهاً دحية.
أخرج أبو بكر العلوي من دمشق في ذي الحجة سنة سبع وأربعين وخمس مئة، وسار إلى ناحية ديار الملك مسعود بن سليمان، فانقطع خبره عنا بعد ذلك. وكان غير مرضي الطريقة.
أحمد بن عبد الرحمن بن بكار
ابن عبد الملك بن الوليد بن بسر بن أبي أرطأة أبو الوليد القرشي العامري البسري من أهل دمشق، سكن بغداد وحدث.
روى عن الوليد بن مسلم القرشي بسنده عن أبي أمامة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: تسوكوا فإن السواك مطيبة للفم، مرضاة للرب عز وجل، وما جاءني جبريل عليه السلام إلا وصاني بالسواك حتى لقد خشيت أن يفرضه علي وعلى أمتي. ولولا أن أشق على أمتي لفرضته عليهم، فإني لأستاك حتى خشيت أن أحفي مقاديم فمي.
مات أبو الوليد القرشي يوم الثلاثاء لثلاث بقين من رمضان سنة ثمان وأربعين ومئتين. وقيل سنة ست وأربعين ومئتين.(3/150)
قال: وهو وهم. والصواب الأول.
وكان صدوقاً وذكر الباغندي عن إسماعيل بن عبد الله السكري أنه كان سيىء الحال، وأنه لم يسمع من الوليد بن مسلم شيئاً. قال: وكنت أعرفه شبه قاض، وإنما كان محللاً يحلل النساء للرجال، ويعطى الشيء فيطلق.
قال الخطيب: وليس حاله على ما ذكر الباغندي عن هذا الشيخ، بل كان من أهل الصدق، وقد حدث عنه من الأئمة أبو عبد الرحمن النسائي وحسبك به، وذكره في جملة شيوخه الذين بين أحوالهم.
أحمد بن عبد الرحمن بن الحسن
أبو الحسين الطرائفي حدث عن تمام بن محمد بسنده عن أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل يوم الفتح مكة وعليه مغفر. فلما وضعه قيل: يا رسول الله، هذا المنافق متعلق بأستار الكعبة، فأمر به فقتل صبراً.
توفي أبو الحسين أحمد الطرائفي يوم الأربعاء السابع من رجب سنة سبع وخمسين وأربع مئة. سمع الكثير من الشيوخ، وكتب واستورق، ولم يحدث من أول عمره، ولم تطل مدته، وكان مغفلاً، وكان مقتراً على نفسه، وجمع مالاً كثيراً. وكان شحيحاً على نفسه.
وذكر أنه قال لزوج بنت أخيه في علته التي مات فيها، وقد حمله إلى عنده: أطعمني شواء فلي عشرون سنة أشتهيه.
وحكي عنه أنه كان له نطع يقعد عليه، فإذا جلس كشف عن مقعدته وجلس على النطع لئلا يتخرق الثوب الذي يكون عليه.
سئل أبو القاسم علي بن إبراهيم النسيب عن الطرائفي فقال: ما كان إلا ثقة.(3/151)
أحمد بن عبد الرحمن بن أبي الحصين
أبو بكر الأنطرطوسي حدث بدمشق عن كثير بن عبيد الإمام بسنده عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسجد على كور العمامة.
أحمد بن عبد الرحمن بن عثمان
ابن القاسم بن معروف بن حبيب بن أبان بن إسماعيل، أبو علي بن أبي نصر التميمي المعدل روى عن جماعة. وروى عنه جماعة.
حدث عن القاضي أبي بكر يوسف بن القاسم الميانجي بسنده عن أبي مسعود عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله عز وجل.
توفي أبو علي أحمد بن عبد الرحمن في السابع والعشرين من شعبان سنة إحدى وأربعين وأربع مئة.
وكان ثقة مأموناً، صاحب أصول حسنة.
وكانت له جنازة عظيمة.
أحمد بن عبد الرحمن بن علي
ابن عبد الملك بن بدد بن الهيثم أبو عصمة اللخمي القاضي حدث بطرابلس قال: أنشدني قاضي القضاة أبو محمد عبيد الله بن أحمد بن معروف لنفسه ببغداد، والبيت الأخير مضمن: من البسيط
أشتاقكم اشتياق الأرض وابلها ... والأم واحدها والغائب الوطنا
أتيت أطلب أسباب السلو فما ... ظفرت إلا ببيتٍ شفني وعنى
أستودع الله قوماً ما ذكرتهم ... إلا تحدر من عيني ما خزنا(3/152)
قال الخطيب: أنشدني الصوري الأبيات التي ضمن ابن معروف منها هذا البيت وهي:
يا صاحبي سلا الأطلال والدمنا ... متى يعود إلى عسفان من ظعنا
إن الليالي التي كنا نسر بها ... أبدى تذكرها في مهجتي حزنا
أستودع الله قوماً ما ذكرتهم ... إلا تحدر من عيني ما خزنا
كان الزمان بنا غراً فما برحت ... أيدي الحوادث حتى فطنته بنا
أحمد بن عبد الرحمن بن قابوس
ابن محمد بن خلف بن قابوس أبو النمر الأطرابلسي الأديب حدث بصور سنة ثلاث عشرة وأربع مئة وباطرابلس عن جماعة. وروى عنه جماعة.
حدث عن القاضي يوسف بن القاسم الميانجي بسنده عن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته.
وحدث عن أبي محمد الحسن بن أحمد بن إبراهيم النحوي بسنده عن أبي جحيفة قال: قال عبد الله: ذهب صفو الدنيا فلم يبق منها إلا الكدر، فالموت تحفة كل مسلم.
حدث أبو النمر بإسناده عن مسعر قال: لم يقل لبيد في الإسلام إلا هذين البيتين: من الطويل
نجدد أحزاناً لدى كل هالكٍ ... ونسرع نسياناً ولم يأتنا أمن
فإنا ولا كفران لله ربنا ... لكالبدن لا تدري متى يومها البدن
عاصر أبو النمر بطرابلس أبا عبد الله الحسين بن خالويه، وكان يدرس العربية واللغة، وتوفي بها، وخلف ولداً شخص إلى العراق وتقدم هناك.
قال أبو النمر: أنشدني الحسين بن خالويه قال: أنشدنا محمد بن أبي هاشم لمحمد بن خازم: مجزوء الكامل
الله أحمد شاكراً ... فبلاؤه حسنٌ جميل(3/153)
أصبحت مستوراً معا ... فى بين أنعمه أجول
خلواً من الأحزان خف ... الظهر يقنعني القليل
حراً فلا مننٌ لمخ ... لوق علي ولا سبيل
لم يشقني حرصٌ ولا ... طمعٌ ولا أملٌ طويل
سيان عندي ذو الغنى ال ... متلاف والرجل البخيل
ونفيت باليأس المنى ... عني فطاب لي المقيل
والناس كلهم لمن ... خفت مؤونته خليل
أحمد بن عبد الرحمن بن محمد
ابن الجارود بن هارون أبو بكر الرقي الحافظ، نزيل عسكر مكرم ذكر أنه سمع بدمشق وبحمص جماعة. وروى عنه جماعة.
حدث بعسكر مكرم عن هشام بن عمار بسنده عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب.
وحدث أيضاً بعسكر مكرم في ذي القعدة سنة خمس وعشرين وثلاث مئة عن هشام بن عمار أيضاً بسنده عن جابر بن عبد الله قال: قرأ علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سورة الرحمن حتى ختمها، ثم قال: ما لي أراكم سكوتاً، للجن كانوا أحسن منكم رداً، ما قرأت هذه الآية من مرة " فبأي آلاء ربكما تكذبان " إلا قالوا: ولا بشيء من نعمائك يا ربنا نكذب. فلك الحمد.
وحدث أيضاً في عسكر مكرم سنة ستة وخمسين بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة.(3/154)
وحدث أيضاً عن محمد بن عبد الملك الدقيقي وغيره بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يقول الله عز وجل: يابن آدم أنا بدك اللازم فاعمل لبدك، كل الناس لهم بد، وليس لك مني بد.
حدث أحمد بن عبد الرحمن قال: سمعت أبا إبراهيم المزني يقول: كنا جلوساً عند الشافعي إذ أقبل رجل من أصحاب الحديث، وكان عندنا ممن لا يقام له، فقام إليه الشافعي وأجلسه بجنبه وأنشد: من المتقارب
ولما تبدى لنا مقبلاً ... حللنا الحبا وابتدرنا القياما
فلا تنكرن قيامي له ... فإن الكريم يجل الكراما
ذكر أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي في كتاب تكملة الكامل في معرفة الضعفاء قال: أحمد بن عبد الرحمن بن الجارود الرقي يضع الحديث، ويركبه على الأسانيد المعروفة.
وقال أبو بكر الخطيب: هو كذاب.
أحمد بن عبد الرحمن بن واقد
التنوخي البيروتي حدث ببيروت عن بكر بن سهل بن إسماعيل الدمياطي بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: طعام السخي دواء، وطعام الشحيح داء. وفي رواية: طعام السخي شفاء.
أحمد بن عبد الرحمن بن يحيى
المعروف بابن ثرثار حدث عن عبد القدوس بن عبد السلام بن عبد القدوس بن حبيب الدمشقي عن أبيه عن جده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الاقتصاد في النفقة نصف العيش، والتودد إلى الناس نصف العقل، وحسن السؤال نصف العلم.(3/155)
أحمد بن عبد الرزاق
قال الحسن بن حبيب: حدثني أبي قال: دعانا محمد بن عباس الهيتي، وكان من الصالحين، وعنده جماعة منهم أحمد بن عبد الرزاق، فقدم إلينا خبيصٌ، فأخذ أحمد اللقمة من القصعة فناولني إياها وقال لي: اجعلها أنت بيدك في فمي، ففعلت؛ فقال: أتدري لم فعلت هذا، إنه يروى في الحديث: من لقم أخاه المسلم لقمة حلاوة وقاه الله مرارة يوم القيامة. وأحببت أن تلقمني إياها حتى يوقيك الله مرارة يوم القيامة.
أحمد بن عبد الصمد بن محمد
ابن غانم بن الحسن أبو الحسين بن أبي الفتح التميمي البزاز حدث سنة ستين وأربع مئة عن أبي الحسن رشأ بن نظيف بن ماشاء الله بسنده عن الأصمعي قال:
لما قتل أهل الحرة هتف هاتف بمكة على أبي قبيس مساء تلك الليلة، وابن الزبير جالسٌ يسمع: من مجزوء الكامل
قتل الخيار بنو الخيا ... ر ذوو المهابة والسماح
والصائمون القائمو ... ن القانتون أولو الصلاح
المهتدون المتقو ... ن السابقون إلى الفلاح
ماذا بواقم والبقي ... ع من الجحاجحة الصباح
وبقاع يثرب ويحهن ... من النوادب والصياح
فقال ابن الزبير لأصحابه: يا هؤلاء، قد قتل أصحابكم فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ذكر ابن ابنة أبو المعالي عبد الصمد بن الحسين بن أحمد الأمين أنه توفي في حدود سنة سبعين وأربع مئة.(3/156)
أحمد بن عبد العزيز بن محمد
ابن حبيب أبو الطيب المقدسي الفقيه الواعظ إمام جامع الرافقة سمع جماعة. وله ديوان شعر حسن أسمع بعضه بالرافقة.
قدم دمشق غير مرة، وكان شيخاً مستوراً معيلاً مقلاً.
حدث بالرافقة عن أبي عبد الله الحسين بن علي الطبري بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فإذا سئلوا أفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا.
ومن شعره من قصيدة: من الطويل
ينال الفتى بالجود ما لاتناله ... سيوفٌ تقد السابري حداد
وبالرأي إصلاح الأمور وكم بدا ... لتاركه بين الأنام فساد
تأن إذا لم يتضح لك مطلبٌ ... فإن التأني في الأمور رشاد
وسرك فاحفظطه وكن كاتماً له ... فإن ظهور السر حين يعاد
ولم أر كالدنيا لمن كان قادراً ... يساق إليه خيرها ويزاد
مات أبو الطيب بعد سنة تسع وعشرين وخمس مئة.
أحمد بن عبد العزيز أبو عمرو
حدث عن الوليد بن مسلم بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال في محرم بحجه أصاب امرأته وهي محرمة: يقضيان حجهما وعليهما الحج من قابل من حيث كانا أحرما ويفترقان حتى يتما حجهما.
قال عطاء: وعليهما بدنة أطاعته أو استكرهها فإنما عليهما بدنة واحدة.(3/157)
وحدث عنه أيضاً عن عطاء قال: الحائض والجنب لا ينقضان عقاصاً ولا ضفيرة، ولا تمر حائض في المسجد إلا مضطرة.
أحمد بن عبد القاهر بن الخيبري
اللخمي الدمشقي حدث بدمشق سنة تسع وسبعين ومئتين عن منبه بن عثمان بسنده عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أشرف الإيمان أن يأمنك الناس، وأشرف الإسلام أن يسلم الناس من لسانك ويدك، وأشرف الهجرة أن تهجر السيئات، وأشرف الجهاد أن تقتل ويعقر فرسك.
الخيبري: أوله خاء معجمة مفتوحة بعدها ياء معجمة باثنتين من تحتها وباء معجمة بواحدة.
أحمد بن عبد الملك بن علي
ابن أحمد بن عبد الصمد بن بكر أبو صالح النيسابوري المؤذن الحافظ سمع بدمشق وببغداد وبخراسان. وروى عنه جماعة. وكان ثقة خياراً.
حدث عن أبي نعيم عبد الملك بن الحسن الأزهري بسنده عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لكل نبي دعوة فأريد أن أختبىء دعوتي إن شاء الله شفاعة لأمتي يوم القيامة.
أنشد أبو صالح المؤذن بسنده لمهدي بن سابق: من البسيط
يا رب ساعٍ له في سعيه أملٌ ... يفنى ولم يقض من تأميله وطرا
ما ذاق طعم الغنى من لا قنوع له ... ولن ترى قانعاً ما عاش مفتقرا
العرف من يأته يحمد مغبته ... ما ضاع عرفٌ ولو أوليته حجرا
قال أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر: أحمد بن عبد الملك أبو صالح المؤذن الأمين المتقن المحدث الصوفي نسيج وحده في طريقته وجمعه وإفادته، ما رأينا مثله، حفظ القرآن، وجمع الأحاديث، وسمع الكثير،(3/158)
وصنف الأبواب والمشايخ، وسعى في الحراب وصحب مشايخ الصوفية، وأذن سنين حسبةً ولد سنة ثمان وثمانين وثلاث مئة. وتوفي يوم الاثنين التاسع من رمضان سنة سبعين وأربع مئة. وكان قد سأل الله بمكة أن لا يقبضه إلا في شهر رمضان فكان إذا دخل شهر رجب تفرغ للعبادة إلى أن يخرج شهر رمضان.
أحمد بن عبد الملك بن مروان
أبو بكر البيروتي
حدث ببيروت عن أبي خالد يزيد بن عبد الله بن موهب بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر في فيح جهنم.
حدث ببيروت سنة إحدى وثمانين ومائتين.
أحمد بن عبد المنعم بن أحمد
ابن بندار بن إبراهمي أبو الفضل بن أبي الفتح المعروف بالقائد ابن الكريدي سمع جماعة، وروى عنه جماعة.
وذكر أبو محمد بن صابر أنه ثقة، وأنه سأله عن مولده فقال: ولدت في شعبان سنة ثمان عشرة وأربع مئة.
حدث عن أبي بكر محمد بن الجرمي بن الحسين المقرىء بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تعلموا النجوم، إنه شعبة من السحر، ونهى عنه أشد نهيٍ.
كذا روي في هذا الموضع، وإنما هو عن أبي هريرة.
توفي أبو الفضل أحمد يوم الاثنين الرابع عشر من جمادى الأولى سنة تسع وتسعين وأربع مئة(3/159)
أحمد بن عبد الواحد بن أحمد
أبو بكر البجلي المكي من ولد جرير بن عبد الله قدم دمشق.
روى عن جماعة. وروى عنه جماعة.
حدث عن محمد بن المظفر الحافظ بسنده عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أتى امرأة من نسائه غمض عينيه وقنع رأسه وقال للتي تكون تحته: عليك بالسكينة والوقار.
أحمد بن عبد الواحد بن محمد
ابن أحمد بن عثمان بن الحكم بن الوليد بن سليمان، أبو الحسن بن أبي الحديد السلمي العدل حدث عن جماعة. وحدث عنه جماعة. وكان ثقة متفقداً لأحوال طلبة العلم والغرباء.
حدث بسنده عن جده بسنده عن أبي هريرة وزيد بن خالد وشبل أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن الأمة تزني قبل أن تحيض فقال: إن زنت فلجلدها ثم إن زنت فليجلدها فقال في الثالثة أو في الرابعة: إن زنت فليبعها ولو بضفير من شعر.
ولد أحمد بن أبي الحديد في ليلة الاثنين بعد الأذان ليلة أربع عشرة من شعبان سنة ست وثمانين وثلاث مئة.
وتوفي ليلة الخميس الثالث من ربيع الأول سنة تسع وستين وأربع مئة. وكان ثقة عدلاً رضىً.(3/160)
أحمد بن عبد الواحد بن الموحد
ابن البري أبو الحسين السلمي الشاهد سمع بدمشق وبمصر.
حدث أن بعض الأشراف من بيت إسماعيل العلوي خاف والياً كان ظالماً بدمشق، وأنه لما اشتد خوفه هرب إلى بيت جده أبي الفرج الموحد بن البري، وأنه ابتنى له بيتاً في سطح داره تفرد به فيه بنفسه، وأنه أقام في ذلك البيت نحواً من سنتين ينحدر من بيته في كل ليلة جمعة لزيارة الشيخ، وأنه لما كان في بعض الليالي استأذن عليه ليلاً فانحدر إليه وقال له: إني رأيت في منامي في هذه الساعة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن يمينه أبو بكر وعمر، وخلفه أو قدامه الحسن والحسين وبين يديه نعش أو سرير وعليه ميت، فسلمت عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أعلم أنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لي: امض إلى ابن البري وقل له: تغسل ابني، قال: فلما كمل تفسير المنام على الشيخ وإذا الصوائح على باب الدرب ينعون ولداً للشريف أو أخاه، فلما حدثوه بموته قال له: قم كما أمرك جدي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فغسله، فأخذ الشريف بيد الشيخ ومضيا إلى دار الشريف وغسله، وأخرجت جنازته إلى مقبرة دير البقر، وركب الوالي في الجنازة، فلما انصرف الناس أنفذ الوالي إلى الشيخ فقال: قل للشريف ينصرف إلى داره فما خفي علينا أنه كان عندك هذه المدة، فودعهالشيخ بعد أن أوصله إلى داره وانصرف.
أحمد بن عبد الواحد بن واقد
أبو عبد الله التميمي المعروف بابن عبود روى عن جماعة، وروى عنه جماعة.
حدث عن محمد بن كثير بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا تنكح الثيب حتى تستأمر. قيل: وما إذنها؟ قال: سكوتها، أو قال صموتها.(3/161)
أحمد بن عبود بباء معجمة بواحدة.
كان أحمد المذكور ثقة.
توفي ليلة الجمعة لليلتين خلتا من شوال سنة أربع وخمسين ومائتين.
أحمد بن عبد الواحد بن يزيد
أبو عبد الله العقيلي الجوبري من قرية جوبر، دمشقي.
حدث عن عبد الوهاب بن عبد الرحيم الأشجعي بسنده عن عبد الرحمن بن أبزى أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ في أول ركعة من وتره ب " سبح اسم ربك الأعلى " وفي الثانية ب " قل يا أيها الكافرون "، وفي الثالثة ب " قل هو الله أحد ".
توفي سلخ شوال سنة خمس وثلاث مئة.
أحمد بن عبد الوهاب بن عوف
ابن إسماعيل أبو الحسين المزني حدث عن القاضي أبي بكر يوسف بن القاسم بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو لم يبق من الدنيا إلا ليلةٌ لملك رجلٌ من أهل بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(3/162)
أحمد بن عبد الوهاب بن محمد
ابن الحسين بن أحمد بن عبد الغني أبو بكر اللهبي، مولى بني أبي لهب، ويعرف بابن أخي محمود الكاتب، ويعرف بابن أبي صدام، ويعرف بالصابوني حدث، وحدث عنه.
حدث عن محمد بن العباس بن الدرفس بسنده عن أبي مرثد الغنوي أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها.
توفي يوم الأحد النصف من ربيع الآخر سنة تسع وستين وثلاث مئة.
أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة
أبو عبد الله الجبلي المعروف بالحوطي سمع، وأسمع.
حدث عن أبي المغيرة بسنده إلى عوف بن مالك وخالد بن الوليد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يخمس السلب.
وحدث عن العباس بن عثمان الدمشقي بسنده عن أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استبرأ صفية بحيضة.
حدث في جبلة سنة تسع وسبعين ومئتين.
أحمد بن عبيد بن أحمد بن عبيد
ابن سعيد أبو بكر الصفار الرعيني الحمصي سمع بدمشق وغيرها وأسمع.
حدث بتنيس سنة سبع وأربعين وثلاث مئة عن الحسن بن سعيد بن مسروق عن عبد الله القرشي الحداد بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانك.(3/163)
أحمد بن عتاب أبو العباس الزفتي
حدث بدمشق عن محمود بن خالد السلمي بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أربعون حسنة أعلاهن منحة العنز، لا يعمل العبد خصلة منها جاء ثوابها وتصديق موعودها إلى أدخله الله الجنة.
ذكر الحافظ اختلافاً في رجاله.
أحمد بن عتبة بن مكين
أبو العباس السلامي الجوبري المطرز الأطروش الأحمر سمع، وأسمع.
حدث عن أبي سعيد محمد بن أحمد بن فياض بسنده عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة: أن أبا سعيد صنع طعاماً فدعا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه فقال: كلوا، فقال رجل منهم: أنا صائم فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تكلف لك أخوك وصنع طعاماً فأفطر وصم يوماً غيره إن أحببت.
توفي في رمضان سنة اثنتين وثمانين وثلاث مئة.
وكان ثقة نبيلاً مأموناً.
أحمد بن عثمان بن إبراهيم
أبو بكر البغدادي الغلفي حدث بدمشق روى عن ابن أبي الدنيا بسنده عن أم سليم قالت: لم ير لفاطمة رضوان الله عليها دم في حيض ولا نفاس.(3/164)
أحمد بن عثمان بن سعيد
ابن أبي يحيى أبو بكر بن أبي سعيد وقيل: ابن أبي سعد، الأحول، يعرف بكرنيب سمع بدمشق وبغيرها.
حدث عن إبراهيم بن الحجاج بسنده عن أبي هريرة قال: قلت: يا رسول الله، في غزوة حنين والخيل تمزع بنا في أدبار القوم، أكان سيرنا هذا في الكتاب السابق؟ قال: نعم، وقلت: يا رسول الله، إني شاب وليس لي طول أتزوج به النساء أو أنكح به النساء وأنا أخاف العنت فسكت عني ثم قلت له الثانية فسكت عني ثم قلت له الثالثة فأقبل علي بوجهه ثم قال: يا أبا هريرة، أو يا أبا هر جف القلم بما أنت لاق، فاختص على ذاك أو دع.
وكان أحمد ثقة حافظاً.
ومات سنة ثلاث وسبعين ومئتين.
أحمد بن عثمان بن عبد الرحمن
أبو عبد الرحمن النسوي سمع جماعة، وأسمع آخرين.
حدث عن هشام بن عمار بسنده عن أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: " كل يومٍ هو في شأن " قال: من شأنه أن يغفر ذنباً، ويفرج كرباً، ويرفع قوماً، ويضع آخرين.
وكان أحمد بن عثمان صدوقاً ثقة.
وحدث بجرجان سنة إحدى وسبعين ومئتين.(3/165)
أحمد بن عثمان بن الفضل
ويقال ابن أبي الفضل بن بكر أبو بكر الربعي البغدادي المقرىء المعروف بغلام السباك قرأ القرآن العظيم وأقرأه.
حدث أحمد غلام السباك المقرىء قال: ثقل علي سمعي وكان أبو الفتح بن المقرىء يقرأ علي، وكان جميل الوجه، فكنت أصرف بصري إلى فمه ولسانه مراعاة لقراءته، وكان الناس يقفون ينظرون إليه لجماله، فاتهمت فيه فساءني ذلك، فسألت الله عز وجل أن يرد علي سمعي فرده علي.
سكن غلام السباك دمشق، وأقرأ بها القرآن. ومات سنة خمس وأربعين وثلاث مئة.
أحمد بن عثمان بن عمرو
ابن بيان بن فروخ أبو الحسين البغدادي المقرىء العطشي البزاز المعروف بالأدمي سمع، وأسمع.
حدث عن محمد بن عيسى بن حيان المدائني بسنده عن خلاد بن السائب عن أبيه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أتاني جبريل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال.
وحدث ببغداد عن عباس بن محمد الدوري بسنده عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من نيح عليه يعذب.
وحدث عن أبي سعيد محمد بن يحيى البغدادي المعروف بحامل كفنه عن عبيد بن محمد الوراق قال: كان بالرملة رجل يقال له عمار، وكان - يقولون - إنه من الأبدال فاشتكى بطنه، فذهبت أعوده وقد بلغني عنه رؤيا رآها. فقلت له: رؤيا حكوها عنك!! فقال لي: نعم، رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم فقلت: يا رسول الله، ادع لي بالمغفرة، فدعا لي. ثم رأيت الخضر بعد ذلك، فقلت له: ما تقول في القرآن؟ فقال: كلام الله ليس بمخلوق.(3/166)
فقلت: فما تقول في النبيذ؟ فقال: انه الناس عنه، فقلت: هؤلاء أنهاهم فليس ينتهون، قال: من قبل فقد قبل ومن لم يقبل فدعه، قلت: فما تقول في بشر بن الحارث؟ قال: مات بشر يوم مات وما على ظهر الأرض أتقى لله منه. قلت: فأحمد بن حنبل؟ فقال لي: صديق. قلت له: فالحسين الكرابيسي فغلظ في أمره. فقلت: فما تقول في أمي؟ فقال: تمرض وتعيش سبعة أيام ثم تموت. فكان كما قال.
وكان أحمد بن عثمان ثقة حسن الحديث ينزل بسوق العطش بالجانب الشرقي.
وتوفي في ربيع الأول سنة تسع وأربعين وثلاث مئة. وقيل يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من ربيع الآخر من السنة، وهو يوم النيروز المعتضدي، ومولده سنة خمس وخمسين ومئتين.
أحمد بن عثمان بن البقال
أبو سعيد البغدادي الفقيه حدث بدمشق، وأسمع بها.
روى عن عبد الله بن محمد البغوي بسنده عن حذيفة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
وروى عن يحيى بن محمد بن صاعد بسنده أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال: أينقص إذا يبس؟ قالوا: نعم، قال: فلا إذاً.
حدث في سنة اثنتين وستين وثلاث مئة.(3/167)
أحمد بن عطاء بن أحمد
ابن محمد بن عطاء أبو عبد الله الروذباري الصوفي سكن صور وحدث عن جماعة، وحدث عنه جماعة.
حدث إملاء بصور بسنده عن عبد الله بن عمر قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الولاء وعن هبته.
قال أحمد بن عطاء: من خرج إلى العلم يريد العلم لم ينفعه العلم، ومن خرج إلى العلم يريد العمل بالعلم نفعه قليل العلم.
وقال الخطيب: سمعت أبا عبد الله الروذباري يقول: العلم موقوف على العمل به، والعمل موقوف على الإخلاص، والإخلاص لله يورث الفهم عن الله عز وجل.
قال أحمد بن عطاء: كان في استقصاء في أمر الطهارة، فضاق صدري ليلة من كثرة ما صببت من الماء ولم يسكن قلبي فقلت: يا رب عفوك، فسمعت هاتفاً يقول: العفو في العلم فزال عني ذلك.
دخل أبو عبد الله الروذباري دار بعض أصحابه، فوجده غائباً، وباب بيته مقفل، فقال: صوفي وله باب بيت مغلق، اكسروا القفل، فكسروا، فأمر بجميع ما وجدوا في الدار والبيت وأنفذه إلى السوق وباعوه وأصلحوا وقتاً من الثمن، وقعدوا في الدار، فدخل صاحب المنزل ولم يمكنه أن يقول شيئاً، فدخلت امرأته بعدهم الدار وعليها كساء، فدخلت بيتاً ورمت بالكساء وقالت: يا أصحابنا، هذا أيضاً من جملة المتاع فبيعوها. فقال الزوج لها: لم تكلفت هذا باختيارك؟ فقالت: اسكت، مثل الشيخ يباسطنا ويحكم علينا ويبقى لنا شيء ندخره عنه؟!(3/168)
سئل أحمدبن عطاء عن معنى قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله خلق آدم على صورته، فقال: إن الله جل ثناؤه خلق الخلق مرتبة بعد مرتبة، ونقله من حال إلى حال، كما قال تعالى: " ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طينٍ ثم جعلناه نطفةً في قرارٍ مكين " إلى قوله: " فتبارك الله أحسن الخالقين ". وخلق آدم بل نقلات من حال إلى حال، وإنما خلق صورته كما هي، ثم نفخ فيه من روحه فلأجله قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله تعالى خلق آدم على صورته.
قال أحمد بن عطاء:
كلمني جمل في طريق مكة: رأيت الجمال والمحامل عليها وقد مدت أعناقها في الليل فقلت: سبحان من يحمل عنها ما هي فيه، فالتفت إلي جملٌ فقال: قل جل الله. فقلت: جل الله.
قال أحمد بن عطاء: كنت راكباً جملاً فغاصت رجلا الجمل في الرمل، فقلت: جل الله، فقال الجمل: جل الله.
كان أبو عبد الله الروذباري إذا دعا أصحابه إلى دعوة في دور السوقة ومن ليس من أهل التصوف لا يخبر الفقراء، وكان يطعمهم شيئاً، فإذا فرغوا أخبرهم ومضى بهم، فكانوا قد أكلوا في الوقت، ولا يمكنهم أن يمدوا أيديهم إلى طعام الدعوة إلا بالتعذر. وإنما كان يفعل ذلك لئلا تسوء ظنون الناس بهذه الطائفة فيأثمون بسببهم.
وقيل: كان أبو عبد الله يمشي على إثر الفقراء يوماًن وكذا كانت عادته أن يمشي على إثرهم، وكانوا يمضون إلى دعوةٍ فقال إنسان: يقال هؤلاء المستحلون، وبسط لسانه فيهم، وقال: إن واحداً منهم استقرض مني مئة درهم ولم يرده، ولست أدري أين أطلبه، فلما دخلوا دار الدعوة قال أبو عبد الله لصاحب الدار، وكان من محبي هذه الطائفة: آتني بمئة درهم إن أردت سكون قلبي، فأتاه بها في الوقت، فقال لبعض أصحابه: احمل هذه المئة إلى البقال الفلاني وقل له: هذه المئة التي استقرض منك بعض أصحابنا، وقد وقع له في(3/169)
التأخير عذر، وقد بعثه الآن فاقبل عذره، فمضى الرجل وفعل. فلما رجعوا من الدعوة اجتازوا بحانوت البقال فأخذ البقال في مدحهم ويقول: هؤلاء السادة الثقات الأمناء الصلحاء، وما في هذا الباب.
وقال أبو عبد الله الروذباري: أقبح من كل قبيح صوفي شحيح.
أنشد أبو عبد الله أحمد بن عطاء الروذباري: من الطويل
إذ أنت صاحبت الرجال فكن فتىً ... كأنك مملوكٌ لكل رفيق
وكن مثل طعم الماء عذباً وبارداً ... على الكبد الحرى لكل صديق
أحمد بن عطاء الروذباري ابن أخت أبي علي الروذباري، يرجع إلى أنواع من العلوم، منها علم القرآن وعلم الشريعة وعلم الحقيقة وإلى أخلاق في التجريد يختص بها، يربي على أقرانه من تعظيم للفقر وأهله ورياضة للفقراء ومراتبهم، وهو أوحد مشايخ وقته في بابه وطريقته. توفي في ذي الحجة سنة تسع وستين وثلاث مئ بصور وكان نشأ ببغداد وأقام بها دهراً طويلاً، وانتقل عنها فنزل صور من بلاد ساحل الشام. وفيما روى أحاديث وهم فيها وغلط غلطاً فاحشاً. قال الصوري: ولا أظنه ممن كان يتعمد الكذب، لكنه شبه عليه.
قال أبو عبد الله الصوري: توفي أبو عبد الله الروذباري في قرية يقال لها منواث من عمل عكا، وحمل إلى صور فدفن بها، وكانت وفاته فجأة. وقيل إنه وقع من سطح.(3/170)
أحمد بن عقيل بن محمد بن علي
ابن أحمد بن رافع أبو الفتح بن أبي الفضل العبسي الفارسي المعروف بابن أبي الحوافر أصله من بعلبك.
سمع، وأسمع. وكان شيخاً خيراً كثير التلاوة للقرآن صحيح السماع، حسن الاعتقاد.
حدث عن أبيه بسنده عن عروة بن الزبير أن رجلاً قال: سألت عائشة عن الرجل يقبل امرأته أيعيد الوضوء فقالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبل بعض نسائه لا يعيد الوضوء. قال: فقلت لها: فإن كان ذلك ما كان إلا منك قال: فسكتت.
توفي أبو الفتح أحمد بن عقيل ليلة الخميس التاسع أو الثامن وعشرين من ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وخمس مئة.
أحمد بن علي بن أحمد بن عمر
ابن موسى أبو الحسن البصري قدم دمشق وسمع، وأسمع.
حدث عن جده أحمد بن عمر بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رجل: يا رسول الله، كما افترض الله علي من صلاة؟ قال: خمس صلوات. قال: هل علي قبلهن أو بعدهن شيء؟ قال: افترض الله على عباده صلوات خمساً، قال: فحلف الرجل بالله لا يزيد عليهن ولا ينقص، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن صدق دخل الجنة.
أحمد بن علي بن أحمد
أبو العباس البصري حدث بدمشق.
وروى عن أبي طلحة عبد الجبار بن محمد الطلحي بسنده عن موسى بن طلحة بن عبيد الله قال: دخلت مع أبي طلحة بن عبيد الله بعض المجالس فأوسعوا له من كل ناحية، فجلس في(3/171)
أدناها ثم قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن التواضع لله تبارك وتعالى، الرضا بالدون من شرف المجالس.
أحمد بن علي بن أحمد
ابن صالح بن الحسن ويقال ابن علي بن منصور، أبو الحسين الطائي المعروف بابن الزيات
سمع الكثير، وكتب الحديث وحدث بشيء يسير. وكان خيراً ثقةً.
روى عنه غيث بن علي قال: أنشدني أحمد بن علي الطائي بمسجد القدم ظاهر دمشق: من الطويل
كفى حزناً أني مقيم ببلدةٍ ... أخلاي عنها نازحون بعيد
أقلب طرفي في البلاد فلا أرى ... وجوه أخلائي الذين أريد
توفي يوم الأربعاء سادس عشر ربيع الآخر سنة ثلاث وتسعين وأربع مئة بدمشق، وقال: إن مولده لستة أيام بقين من سنة ثلاث وأربعين وأربع مئة.
أحمد بن علي بن إبراهيم
أبو الحسين الأنصاري سمع، وأسمع.
حدث عن أبي محمد بن الرواس بسنده عن عبد الله بن عمر قال: صليت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة العيد بلا أذان ولا إقامة، ثم صليت مع أبي بكر فصلى بلا أذان لا إقامة، ثم صليت مع عمر فصلى بلا أذان ولا إقامة، ثم صليت مع عثمان فصلى بلا أذان ولا إقامة.(3/172)
أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد
ابن مهدي أبو بكر بن أبي الحسن الخطيب البغدادي الفقيه الحافظ أحد الأئمة المشهورين، والمصنفين المكثرين، والحفاظ المبرزين، ومن ختم به ديوان المحدثين. سمع جماعة ببغداد والبصرة والكوفة ونيسابور وأصبهان والري ودينور. قدم دمشق سنة خمس وأربعين وأربع مئة حاجاً وسمع بها وحج وعاد، فسكن دمشق وحدث بها بعامة مصنفاته.
حدث عن أبي عمر عبد الواحد بن محمد بن مهدي البزاز بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعتكف العشر الأوسط من شهر رمضان. فاعتكف عاماً حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج فيها من صبيحتها من اعتكافه فقال: من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، فقد رأيت هذه الليل ثم أنسيتها، وقد رأيتني أسجد من صبيحتها في ماء وطين، فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر، قال أبو سعيد: فأمطرت السماء من تلك الليلة، وكان المسجد على عريش فوكف فأبصرت عينان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انصرف علينا وعلى جبهته أثر الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين.
كان أبو بكر الخطيب يذكر أنه لما حج شرب من ماء زمزم ثلاث شربات وسأل الله عز وجل ثلاث حاجات أخذاً بقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماء زمزم لما شرب له: فالحاجة الأولى أن يحدث بتاريخ بغداد ببغداد، والثانية أن يملي الحديث بجامع المنصور، والثالثة أن يدفن إذا مات عند قبر بشر الحافي. فلما عاد إلى بغداد حدث بالتاريخ بها، ووقع إليه جزءٌ من سماع الخليفة القائم بأمر الله فحمل الجزء ومضى إلى باب حجرة الخليفة وسأل أن يؤذن له في قراءة الجزء فقال الخليفة: هذا رجل كبير في الحديث وليس له إلى السماع مني حاجة، ولعل له حاجة أراد أن يتوصل إليها بذلك فسلوه ما حاجته؟ فسئل، فقال: حاجتي أن يؤذن لي أن أملي بجامع المنصور، فتقدم الخليفة إلى نقيب النقباء بأن يؤذن له في ذلك، فحضر النقيب وأملى الخطيب في جامع المنصور، ولما مات أرادوا دفنه عند قبر بشرٍ، وكان الموضع الذي إلى جانب قبر بشرٍ قد حفر فيه أبو بكر أحمد بن علي الطريثيثي قبراً لنفسه،(3/173)
وكان يمضي إلى ذلك الموضع، ويختم فيه القرآن ويدعو. ومضى على ذلك عدة سنين. فلما مات الخطيب سألوه أن يدفنوه فامتنع. وقال: هذا قبر حفرته وفتحت فيه عدة فتحات لا أمكن أحداً من الدفن فيه. فقيل له: يا شيخ، لو كان بشر الحافي في الأحياء ودخلت أنت والخطيب عليه أيكما كان يقعد إلى جانبه أنت أو الخطيب؟ قال: لا بل الخطيب فقال: كذا ينبغي أن يكون في حالة الممات فإنه أحق به منك، فطاب قلبه ورضي بأن يدفن الخطيب في ذلك الموضع فدفن فيه.
قال أبو نصر علي بن هبة الله بن علي بن جعفر الحافظ: إن أبا بكر أحمد بن علي كان آخر الأعيان ممن شاهدناه معرفةً وإتقاناً وحفظاً، وضبطاً لحديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتفنناً في علله وأسانيده، وخبرةً برواته وناقليه، وعلماً بصحيحه وغريبه وفرده ومنكره وسقيمه ومطروحه. ولم يكن للبغداديين بعد أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني رحمه الله من يجري مجراه ولا قام بعده منهم بهذا الشأن سواه.
قال أبو الفرج الأسفراييني: كان الشيخ أبو بكر الحافظ معنا في طريق الحج فكان يختم كل يوم ختم إلى قرب الغياب قراءةً بترتيل، ثم يجتمع الناس وهو راكب يقولون: حدثنا، فيحدثهم. أو كما قال.
قال أبو بكر الخطيب:
كتب معي أبو بكر البرقاني إلى أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني الحافظ كتاباً يقول في فصل منه: وقد نفذ إلى ما عندك عمداً متعمداً أخونا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت أيده الله وسلمه ليقتبس من علومك ويستفيد من حديثك، وهو بحمد الله ممن له في هذا البيان سابقة حسنة وقدم ثابت وفهمٌ به حسن، وقد رحل فيه وفي طلبه، وحصل له منه ما لم يحصل لكثير من أمثاله الطالبين له، وسيظهر لك منه عند الاجتماع من ذلك مع التورع والتحفظ وصحة التحصيل ما يحسن لديك موقعه، ويجمل عندك منزلته، وأنا أرجو إذا صحت لديك منه هذه الصفة أن يلين له جانبك وأن تتوفر، وتحتمل منه ما عساه يورده من تثقيل في الاستكثار أو زيادة في الاصطبار، فقدماً حمل السلف من الخلف ما ربما ثقل، وتوفروا على المستحق منهم بالتخصيص والتقديم والتفضيل ما لم ينله الكل منهم.(3/174)
قال أبو القاسم علي بن إبراهيم الحسيني: أنشدني الحافظ أبو بكر أحمد الخطيب لنفسه في جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسين وأربع مئة: من البسيط
لا تغبطن أخا الدنيا لزخرفها ... ولا للذ وقتٍ عجلت فرحا
فالدهر أسرع شيءٍ في تقلبه ... وفعله بينٌ للخلق قد وضحا
كم شاربٍ عسلاً فيه منيته ... وكم تقلد سيفاً من به ذبحا
قال أبو القاسم مكي بن عبد السلام المقدسي: كنت نائماً في منزل الشيخ أبي الحسن بن الزعفراني ببغداد ليلة الأحد ثاني عشر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وأربع مئة، فرأيت في المنام عند السحر كأنا اجتمعنا عند الشيخ أبي بكر الخطيب في منزله بباب المراتب لقراءة التاريخ على العادة، فكأن الشيخ الخطيب جالس والشيخ أبو الفتح نصر بن إبراهيم عن يمينه وعن يمين الفقيه نصر رجل جالس لم أعرفه فسألت عنه فقلت: من هذا الرجل الذي لم تجر عادته بالحضور معنا؟ فقيل لي هذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاء ليسمع التاريخ، فقلت في نفسي: هذه جلالة الشيخ أبي بكر إذ يحضر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مجلسه، وقلت في نفسي: وهذا أيضاً ردٌّ لقول من يعيب التاريخ ويذكر أن فيه تحاملاً على أقوامٍ، وشغلني التفكير في هذا عن النهوض إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسؤاله عن أشياء كنت قد قلت في نفسي أسأله عنها، فانتبهت في الحال ولم أكلمه.
مرض الخطيب رحمه الله في نصف رمضان واشتد الحال في غرة ذي الحجة وأوصى إلى أبي الفضل بن خيرون، ووقف كتبه على يده، وفرق جميع ماله في وجوه البر وعلى أهل العلم والحديث. وتوفي يوم الاثنين السابع من ذي الحجة سنة ثلاث وستين وأربع مئة وأخرج الغد يوم الثلاثاء طلوع الشمس وعبروا به من الجانب الشرقي على الجسر إلى الجانب الغربي وحضر عليه خلق كثير، وتقدم الشريف القاضي أبو الحسين بن المهتدي بالله وكبر عليه أربعاً وحمل إلى باب حرب فصلى عليه ثانياً أبو سعد بن أبي عمامة ودفن إلى جانب قبر بشر بن الحارث الحافي بالقرب من قبر أحمد بن حنبل.
قال ابن خيرون: وتصدق بجميع ماله وهو مئتا دينار، فرق ذلك على أصحاب الحديث والفقهاء(3/175)
والفقراء في مرضه، ووصى أن يتصدق بجميع ما يخلفه من ثياب وغيرها، وأوقف جميع كتبه على المسلمين، وأخرجت جنازته من حجرة تلي المدرسة النظامية، وكان بين يدي الجنازة جماعة ينادون: هذا الذي كان يذب عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا كان ينفي الكذب عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الذي كان يحفظ حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكان مولده سنة إحدى وتسعين وثلاث مئة وذكر هو أنه ولد يوم الخميس لستٍ بقين من جمادى الآخرة من سنة اثنتين وتسعين وثلاث مئة. رحمه الله وكان أحد من حمل جنازته الفقيه إبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، وكان يذهب إلى مذهب أبي الحسن الأشعري.
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسين النهرمنهالي المصري الفقيه الصالح رحمه الله: رأيت الشيخ أبا بكر الخطيب رحمه الله في المنام وعليه ثياب بيض حسان وعمامة بيضاء حسنة، وهو فرحان يبتسم فلا أدري قلت له ما فعل الله بك أو هو بدأني فقال لي: غفر الله لي أو رحمني وكل من يجيء به، فوقع له أنه يعني بالتوحيد، الله يرحمه أو يغفر له فأبشروا، وحدثني في هذا المعنى بأسماء لا أتحققها الآن. وانتبهت فرحاناً بذلك فرحاً شديداً، وذلك بعد وفاته رحمه الله بأيام.
أحمد بن علي بن جعفر بن محمد
أبو بكر الحلبي الوراق المعروف بالواصلي مؤدب أبي محمد بن أبي نصر. سكن دمشق وحدث، وحدث عنه.
قال الحافظ: اشتكت عيني فشكوت إلى أبي الحسن علي بن المسلم الفقيه فقال: انظر في(3/176)
المصحف، فإن عيني اشتكت فشكوت إلى أبي محمد عبد العزيز بن أحمد فقال: انظر في المصحف، فإن عيني اشتكت فشكوت إلى أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان فقال: انظر في المصحف، فإن عيني اشتكت فشكوت إلى أبي أحمد بن علي المؤدب الواصلي الحلبي فقال: انظر في المصحف، فإن عيني اشتكت فشكوت إلى أبي بكر أحمد بن عبد الله بن الفرج القرشي يعرف بابن البرامي فقال: انظر في المصحف، فإن عيني اشتكت فشكوت إلى أبي القاسم عيسى بن موسى بن الوليد الطائي فقال: انظر في المصحف، فإن عيني اشتكت فشكوت إلى يوسف بن موسى القطان فقال: انظر في المصحف، فإن عيني اشتكت فشكوت إلى جرير بن عبد الحميد. فقال: انظر في المصحف فإن عيني اشتكت فشكوت إلى مغيرة فقال: انظر في المصحف، فإن عيني اشتكت فشكوت إلى إبراهيم فقال: انظر في المصحف، فإن عيني اشتكت فشكوت إلى علقمة فقال: انظر في المصحف، فإن عيني اشتكت فشكوت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: انظر في المصحف، فإني عيني اشتكت فشكوت إلى جبريل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: انظر في المصحف.
أحمد بن علي بن الحسن بن محمد
ابن شاهمرد أبو عمرو الصيرفي الفقيه المصري المعروف بابن خميرة ويقال ابن خميرويه سمع، وأسمع، وحدث بدمشق.
روى عن علي بن عبد الحميد الفراوي بسنده عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو أن ابن آدم يفر من رزقه كما يفر من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت.
وحدث عن أحمد بن الوليد الفحام بسنده عن أبي بردة عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا نكاح إلا بولي وشهود.
قدم دمشق سنة اثنتين وعشرين وثلاث مئة.(3/177)
أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان
أبو حامد المقرىء التاجر، المعروف بالحسنوي النيسابوري سمع بدمشق وبالرملة وبمصر وببلخ وباليمن، وروى عنه جماعة.
حدث عن أبي جعفر أحمد بن الفضل الصائغ بسنده عن علقمة قال: سمعت عمر بن الخطاب على المنبر يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما الأعمال بالنيات وإنما لامرىء ما نوى.
سأل أبو زرعة محمد بن يوسف الجرجاني المعروف بالكشي عن أحمد بن علي بن الحسن المقرىء الحسنوي حدث بجرجان فقال: هو كذاب.
كان أبو حامد أحمد المجتهد يوسع العبادة بالليل والنهار، ومن البكائين من الخشية، وسمع من جماعة، ولو اقتصر على سماعاته الصحيحة كان أولى به، غير أنه لم يقتصر عليها، وحدث عن جماعة من أئمة المسلمين لم يسمع منهم.
ذكر أبو حامد أن مولده سنة ثمان وأربعين ومئتين.
قال أبو عبد الله الحافظ: قصدت أبا حامد الحسنوي في نصف المحرم سنة ثمان وثلاثين وثلاث مئة فسألته عن سنه فقال: أنا اليوم ابن ست وثمانين سنة. قلت: في أي سنة دخلت الشام؟ قال: في سنة ست وستين ومائتين قلت: ابن كم كنت؟ قال: ابن اثنتي عشرة سنة.
قال الخطيب: ويغلب على ظني أنه عاش بعد سنة أربعين وثلاث مئة.(3/178)
أحمد بن علي بن الحسن أبو بكر الأطرابلسي
يعرف بابن أبي السنديان حدث عن عبد الرزاق بن محمد بسنده عن جابر بن عبد الله قال: لما نزلت " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم " قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أعوذ بوجهك ومد بها صوته " أو من تحت أرجلكم " قال: أعوذ بوجهك " أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعضٍ " قال: هذا أهون وهذا أيسر.
وحدث بأطرابلس عن خشيمة بن سليمان بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يذهب مذمة الرضاع العبد والأمة.
أحمد بن علي بن الحسن أبو منصور الأسداباذي المقرىء
قدم دمشق وحدث بها.
روى عن أبي القاسم عبيد الله بن أحمد بن علي المقرىء المعروف بابن الصيدلاني بسندع عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا صاعي تمرٍ بصاع، ولا صاعي حنطةٍ بصاعٍ، ولا درهمين بدرهم.
توفي أبو منصور الأسداباذي سنة اثنتين وستين وأربع مئة. وكان شيخاً كذاباً يدعي ما لم يسمع، ويدعي سناً، ويخلق شيوخاًن ولد بالكرخ سنة ست وستين وثلاث مئة.(3/179)
أحمد بن علي بن الحسن
ابن أبي الفضل أبو نصر بن الكفرطابي المقرىء حدث عن أبي بكر عبد الله بن محمد بن عبد الله بن هلال الحنائي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: والذي نفسي بيده ليجيئني الفقير متعلقاً بجاره الغني يقول: يا رب، سل هذا لم أغلق بابه دوني ومنعني من فضله؟ وروى أيضاً بسنده إلى همام بن الحارث قال: كنا مع حذيفة فمر رجل فقالوا: إن هذا يبلغ الأمراء الحديث، فقال حذيفة: أشهد أو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يدخل الجنة قتات.
توفي أبو نصر يوم الأحد الخامس والعشرين من جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسين وأربع مئة. وقيل: سنة اثنتين وخمسين.
أحمد بن علي بن الحسين
أبو العباس الطبري الغازي قدم في شهور سنة ثلاث وأربعين وأربع مئة.
حدث عن أبي عبد الله عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن النضر المروزي الغازي بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصوم جنة.(3/180)
أحمد بن علي بن سعيد بن إبراهيم
أبو بكر الأموي القاضي تولى القضاء بدمشق نيابة عن أبي زرعة. وكان يلي القضاء قبل ذلك بحمص وحدث بدمشق، وروى عنه جماعة.
حدث عن يحيى بن أيوب بسنده عن أنس: أن رجلاً اطلع في بعض حجر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمشقص أو مشاقص ثم مشى نحوه قال: فكأني أنظر إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتختل له ليطعنه.
وحدث عن الهيثم بن خارجة بسنده عن أنس بن مالك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: المسح على الخفين للمسافر ثلاث وللمقيم يوم وليلة.
توفي سنة اثنتين وتسعين ومائتين في يوم الخميس لخمس عشرة ليلة خلت من ذي الحجة، وكان قد بلغ التسعين سنة أو دونها. وكان من أنفس الأمويين.
وصلى عليه أبو حفص عمر بن الحسن القاضي بدمشق وكبر عليه خمساً، فسئل القاضي عن تكبيره خمساً فقال: لفضل العلم.
أحمد بن علي بن عبد الله
ابن محمد بن مهران أبو جعفر الكوفي روى عن أبي عبيد الله أحمد بن الحسن السكوني بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه.(3/181)
أحمد بن علي بن عبد الله
ابن سعيد بن أحمد أبو الخير الكلفي الحمصي الحافظ حدث بدمشق عن جماعة، وروى عنه جماعة.
روى عن محمد بن أحمد الكندي بسنده عن أبي هرير قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإحصان إحصانان: إحصان عفافٍ وإحصان نكاح.
وحدث عن أبي المعمر أحمد بن العباس الكاتب عن أبي عبد الله صالح بن عبيد البغدادي أن ثلاثة نفر خرجوا من بغداد فجمعتهم طريق البصرة، فقعدوا في بعض الطريق يتحدثون فقال أحدهم: ايش أجود ما يجتنبه الإنسان في الدنيا؟ فقال بعضهم: المزاح، وقال الآخر: التيه والصلف، وقال الآخر: الاستخفاف بالناس، فقال أحدهم: ليخبرنا كل واحد بما لحقه فقال صاحب المزاح: أنا أخبركم بخبري وبكى، كنت رجلاً بزازاً في الكرخ، وكان لي دكان فيها غلمان وأجراء وأنا بخير من الله عز وجل فخرجت إلى دكاني يوماً، فقعدت فيها، فلم أشعر إلا بمخنث قد عبر بي فحملني البطر والغرة بالله على المجون فقلت: كيف أصبحت يا أختي؟ فأجابني بجواب مسكت، فأسقط في يدي وخجلت وضحك كل من سمعه، فشاع ذلك في البلد حتىتحدث به النساء على مغازلهن والصبيان في المكاتب، وكنت لا أعبر بشارع إلا قالوا: هذا التاجر وصاحوا خلفي: كيف باتت أختك؟ فلم أطق الكلام، وخرجت على وجهي، وتركت كل ما أملكه، وكان ذلك بسبب مزاحي، وهأنا معكم نادم وما تنفعني الندامة.
وقال صاحب التيه والصلف: أخبركم خبري: إني كنت أتقصف، وكان علي من الله نعم ما أخذتها بشكر، وكان لي ندماء أفضل عليهم، فخرجت يوماً وهم حولي، فرأيت على الطريق أعمى يفسر المنامات فقلت لأصحابي: تعالوا بنا حتى نسخر من هذا الأعمى، فسلمت عليه فرد السلام فقلت: يا عمي، إني رأيت رؤيا أريد أفسرها عليك فقال: سل عما بدا لك، فقلت: رأيت كأني آك سمكاً طرياً، فلما شبعت منه جعلت كأني أدخله في دبري فصفق الأعمى بيده، وقال كلاماً قبيحاً، فشاع ذلك في الناس وتحدث به، فكنت لا أعبر في طريق إلا قالوا لي ذلك الكلام، فلم أطق الكلام وخرجت على وجهي، وكان(3/182)
سبب ذلك التيه والصلف وتركت كل ما أملكه وهأنا معكم.
فقال صاحب الاستخفاف بالناس: إني كنت حاجباً لشداد والي الجسرين؟ وكان إذا أراد أن يأكل أمرني بأخذ بابه وألا يدخل إليه أحد، فلم أشعر يوماً إلا وقد جاءني رجل يريد أن يدخل إليه فمنعته استخفافاً به، ولما تقدم إلي صاحبي، فقال: ما هذا! أنا أبو العالية وصاحبك تقدم إلي أن أجيئه في هذا الوقت فرددته فقال: ما أبرح، فحملني استخفافي به أن ضربته بعصاً كانت في يدي فولى عني وأنشأ يقول: من السريع
مدحت شداداً فقال ائتني ... بالله في المنزل يا راوية
فجئت أسعى وإذا بابه ... قد سد والحاجب في زاوية
فقال: من أنت الذي جئته ... وقت الغدا؟ قلت: أبو العالية
فقام نحوي بعصا ضخمةٍ ... وكاد أن يكسر أضلاعيه
فطرت مرعوباً وناديته ... أم الذي يحجبه زانيه
فسمع غلمانه، وردوا عليه، فأمر بضرب عنقي، فخرجت مرعوباً وتركت كل ما أملكه وكان ذلك سبب استخفافي بالرجل وعجبي بنفسي، وهأنا معكم ولو كنت رفقت لم يصيبني هذا. وكل ما نحن بقضاء الله عز وجل. فقدم القوم وصاروا إلى البصرة فتفرقوا وأغناهم الله عز وجل.
أحمد بن علي بن عبيد الله
ابن علي أبو نصرٍ السلمي الدينوري الصوفي المقرىء سمع بدمشق ومكة وبمصر وبغيرها، وروى عنه جماعة.
حدث ببيت المقدس عن أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم المعروف بابن أبي نصر الدمشقي بسنده عن النعمان بن بشير عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يقرأ في العيدين ب " سبح اسم ربك الأعلى " و" هل أتاك حديث الغاشية ".(3/183)
وحدث عن أبي الحسن علي بن عبد الله بن الحسن بن جهضم بسنده عن عمرو بن دينار قال: كان من بني إسرائيل رجل قائم على ساحل البحر، فرأى رجلاً وهو ينادي بأعلى صوته: ألا من رآني فلا يظلم أحداً. قال: فدنون منه وقلت له: يا عبد الله ما قصتك وما الذي بك؟ فقال: ادن مني أخبرك: كنت رجلاً شرطياً فجئت إلى هذا الساحل فرأيت رجلاً صياداً قد اصطاد سمكة، فسألته أن يهبها لي فأبى، فسألته أن يبيعنيها فأبى، فضربت رأسه بسوط كان معي، وأخذت منه السمكة وحملتها إلى منزلي، وقد ضربت علي إصبعي التي علقت بها السمكة فأصلحوها، وقدمت إلي فضربت علي إصبعي حتى صحت وبكيت، وكان لي جار معالج فأتيته وقلت: إصبعي، فقال هو أكلة إن أنت رميت بها وإلا هلكت قال: فرميتها. قال: فوقع الضربان في كفي قال: فجئت إليه فعرفته، وأنا أصيح فقال: إن أنت رميت بها وإلا هلكت، فرميت بها، فوقع الضربان في عضدي، فخرجت من منزلي هارباً على وجهي أصيح وأبكي، فبينا أنا أسيح في البلاد رفعت لي شجرة دوحاء فأويت إلى ظلها فنعست، وأتاني آتٍ فقال لي: لم تقطع أعضاءك وترميها؟ رد الحق إلى أهله وانج. قال: فانتبهت فعلمت أن ذلك من قبل الله عز وجل، فأتيت الصياد فوجدته قبل يخرج شبكته، فانتظرته حتى أخرجها وإذا بها سمكة كبيرة فدنوت منه وقلت: يا عبد الله، إني مملوكك فأعتقني فقال: ما أعرفك، فقلت: أنا الشرطي الذي ضربت رأسك وأخذت سمكتك، وأريته يدي. فلما رآني على تلك الحالة رق لي وقال: أنت في حلٍ، فأقبل الدود يتناثر من يدي ويسقط على الأرض، فهاله ذلك وانصرف، فاستوقفته وأخذته إلى منزلي ودعوت بابني وقلت له: احفر في هذه الزاوية، فأخرج منها جرة فيها ثلاثون ألف درهم، فقلت: اعدد منها عشرة آلاف درهم خذها فاستعن بها، ثم قلت: خذ منها عشرة آلاف أخرى اجعلها في فقراء جيرانك وقراباتك فقام لينصرف فقلت: أخبرني دعوت علي؟ قال: أنا أخبرك: لما أخذت السمكة مني وضربت رأسي رفعت رأسي إلى السماء وبكيت وقلت: يا رب خلقتني وخلقته وجعلته قوياً وجعلتني ضعيفاً ثم سلطته علي، فلا أنت منعته من ظلمي ولا أنت جعلتني قوياً فأمتنع من ظلمه،(3/184)
فأسألك بالذي خلقته قوياً وجعلتني ضعيفاً أن تجعله عبرةً لخلقك. فبكيت وقلت: لقد سمع الله عز وجل دعاءك وجعلني عبرةً.
أحمد بن علي بن الفرج
أبو بكر الحلبي الحبال الصوفي سمع، وأسمع.
حدث عن عبد الله بن محمد البغوي بسنده عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كل مسكرٍ حرامٌ وكل مسكرٍ خمرٌ.
وحدث عن الريان المعروف بالمدلل بسنده عن سفيان الثوري قال:
إن الرجل ليحدثني بالحديث قد سمعته أنا قبل أن تلده أمه، فيحملني حسن الأدب أن أسمعه منه.
أحمد بن علي بن الفضل بن طاهر
ابن الحسين بن جعفر بن الفضل بن جعفر بن موسى بن الفرات، أبو الفضل سمع أباه وجماعة.
حدث عن أبي محمد بن أبي نصر بسنده عن أبي هريرة قال: راح عثمان حاجاً ومعه علي بن أبي طالب وأدخلت على محمد بن جعفر امرأته فبات معها حتى أصبح، ثم غدا فلحق الناس بملكٍ، فرآه عثمان رضي الله عنه، وعليه ردع العصفر وريحه طيبه فانتهره وأفف به وقال: أتلبس المعصفر وقد نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه؟ فقال له علي: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم ينهك ولا إياه إنما نهاني.
كان أبو الفضل أحمد بن علي من أهل الأدب والفضل، إلا أنه كان يتهم برقة الدين وكان له شعر وهو واقف خزانة الكتب التي في الجامع في حلقة الشيخ أبي الحسن ابن الشهرزوري.(3/185)
وسئل عن مولده فقال: في العشر الأول من ذي الحجة سنة إحدى عشرة وأربع مئة بدمشق. وهو رافضي، وسئل عن نسبه فانتهى إلى ابن الفرات الوزير وليس هو من ولده.
ثقة في روايته.
وتوفي أبو الفضل يوم السبت ثاني عشر صفر سنة أربع وتسعين وأربع مئة، بدمشق
أحمد بن علي بن محمد بن بطة
أبو بكر البغدادي الأديب قدم دمشق وحدث بها.
قال الحافظ ابن عساكر: قال لي أخي أبو الحسين هبة الله بن الحسن الفقيه: أخرج إلي أبو محمد هبة الله بن أحمد بن الأكفاني الأول من أخبار أبي بكر محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية بن حنتم بن الحسن بن حمامي بن جرو بن واسع بن سلمة بن حاضر الأزدي إملاء أبي بكر أحمد بن علي بن محمد بن بطة البغدادي بدمشق في جمادى الآخرة سنة ثلاث وخمسين وثلاث مئة عن ابن دريد بخط ابن شرام، وفيه بلاغاته عليه.
قال: ومن شعر ابن بطة، وقد روى قول ميمون بن مهران: من رضي من صلة الإخوان بلا شيء فليؤاخ أهل القبور - فنظمه ابن بطة: من الطويل
إذا كنت ترضى من أخٍ ذي مودة ... إخاءً بلا شيء فآخ المقابرا
فلا خيرها يرجى ولا الشر يتقى ... ولا حاسدٌ منها يظل محاذرا
ومن شعره: من الكامل
لا تصنعن إلى اللئام صنيعةً ... فيضيع ما تأتي من الإحسان
وضع الصنائع في الكرام فشكرها ... باقٍ عليك بقية الأزمان
ومن شعره: من مخلع البسيط
ما شدة الحرص وهو قوت ... وكل ما بعده يفوت
لا تجهد النفس في ارتيادٍ ... فقصرنا أننا نموت(3/186)
أحمد بن علي بن مسلم أبو العباس
الأبار الخيوطي النخشبي ثم البغدادي سمع بدمشق وبغيرها، وروى عنه جماعة.
حدث عن محمد بن المنهال الضرير بسنده عن ثوبان عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من فارق الروح الجسد وهو بريء من ثلاث دخل الجنة: الكبر، والغلول، والدين.
قال أبو العباس أحمد بن علي الأبار: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام فبايعته على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال الأبار: فذكرت ذلك لأبي بكر المطوعي فقال: لو رأيت هذا المنام ما باليت أن أقتل.
قال أبو بكر الخطيب: أحمد بن علي بن مسلم، سكن بغداد، وحدث بها. وكان ثقة حافظاً متقناً حسن المذهب. توفي يوم الأربعاء نصف شعبان سنة تسعين ومئتين.
أحمد بن علي بن يزيد
أبو جعفر العكبري السوادي ويعرف بخسرو سمع، وأسمع.
حدث عن سليمان بن عبد الرحمن بسنده عن ابن مسعود قال: ينادي منادٍ عند حضرة كل صلاة. يا بني آدم، قوموا(3/187)
فأطفئوا ما أوقدتم على أنفسكم، فينادي ملك عند صلاة الصبح فيقول: يا بني آدم، قوموا فأطفئوا ما أوقدتم على أنفسكم، فيتطهرون ويصلون فيغفر لهم، ثم ينادي عند صلاة الأولى: يا بني آدم، قوموا فأطفئوا ما أوقدتم على أنفسكم، فيتطهرون ويصلون فيغفر لهم ما بينهما، فإذا صلى العصر مثل ذلك فينامون ولا ذنب لهم، ثم يصبحون: فمدلج في خير ومدلج في شر.
وحدث بسنده عن سعيد بن عبد العزيز أن رفيقاً لحبيب بن مسلمة ضاق يوماً في شيء، فقال له حبيب: إن استطعت أن تغير خلقك بأحسن منه فافعل، وإلا فسيسعك من أخلاقنا ما ضاق عنا من خلقك.
أحمد بن علي بن يحيى بن العباس
أبو منصور الأديب الأسداباذي
قدم دمشق حاجاً سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة، وحدث بها وببغداد، وروى عنه أبو بكر الخطيب وغيره.
حدث عن عبيد الله بن أحمد بن علي بسنده عن ابن عمر قال: كانت امرأة تأتي قوماً تستعير منهم الحلي ثم تمسكه. قال: فرفع ذلك إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: لتتب هذه المرأة إلى الله وإلى رسوله، وترد على الناس متاعهم. قم يا فلان فاقطع يدها.
كان أحمد بن علي يحرف في كلامه، ويذكر شيئاً يدل على تخليطه وقلة تحصيله. ولد بالكرخ سنة ست وستين وثلاث مئة، وخرج من بغداد سنة أربع وأربعين واربع مئة. وكان بتبريز حياً في سنة خمسين وأربع مئة. وتوفي سنة إحدى وستين وأربع مئة.
أحمد بن علي بن يوسف
أبو بكر الخراز المري حدث عن مروان بن محمد الطاطري الأسدي بسنده عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة أن يقال: ألم أصح جسمك وأروك من الماء البارد؟ الخراز أوله خاء معجمة وآخره زاي.(3/188)
أحمد بن علي أظنه أبا عمر الصوفي الدمشقي
حدث قال: سمعت ابن يزدانيار يقول: الملائكة حراس السماء، وأصحاب الحديث حراس السنة، والصوفية حراس الله.
وقال: سمعت سمنون يقول: إذا بسط الخليل غداً بساط المجد دخل ذنوب الأولين والآخرين في حواشيه، وإذا بدت ذرة من غير الجود ألحقت المسيء بالمحسن.
وقال: سألت سمنون عن أول مقام يستحق به العبد أن يقال له عارف. فقال: هو أن يكون واقفاً بعلمه على همه، يعرف كل هم يخطر على قلبه.
أحمد بن علي أبو الحسين الموصلي الجوهري
المقرىء الأديب حدث بأطرابلس في ربيع الأول سنة ست وعشرين وأربع مئة بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قلت: يا رسول الله، أنصره مظلوماً فكيف أنصره ظالماً؟ قال: تمنعه من الظلم، فذلك نصرك إياه.
أحمد بن عمار بن نصير الشامي
أخو هشام روى عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليس للدين دواء إلا القضاء والوفاء والحمد.
قال أبو بكر الخطيب: أحمد بن عمار بن نصير الشامي: شيخ مجهول. وهذا حديث منكر.
وذكر أبو الحسن الدارقطني أن أحمد هذا أخو هشام بن عمار وقال: هو متروك الحديث.(3/189)
أحمد بن عمار أبو بكر الأسدي
رجل من المتعبدين.
قال أحمد بن عمار: خرجنا مع المعلم في جنازة ومعه جماعة من أصحابه فرأى في طريقه كلاباً مجتمعة، بعضها يلعب مع بعض، ويتمرغ عليه، ويلحسه، فالتفت إلى أصحابه فقال: انظروا إلى هذه الكلاب ما أحسن أخلاق بعضها مع بعضٍ. قال: ثم عدنا من الجنازة وقد طرحت جيفة، وتلك الكلاب مجتمعة عليها وهي تتهارش، بعضها على بعض فيخطف هذا من هذا ويهر عليه وهي تتقاتل على تلك الجيفة، فالتفت المعلم إلى أصحابه فقال لهم: قد رأيتم يا أصحابنا متى لم تكن بينكم الدنيا فأنتم إخوان، ومتى ما وقعت الدنيا بينكم تهارشتم عليها تهارش الكلاب على الجيفة.
قال أحمد بن عمار الأسدي - وكان مسكنه في قرية قريبة من قرية أبي عبيد البسري - قال: قال أبو عبيد البسري: النفاق حيث السريرة، فاتق الله عز وجل أن يرى أنك تخشى الله عز وجل وقلبك فاجر.
كان ابن عمار ينصرف إلى منزله فيجد أهله قد ناموا وتركوا له في نويعيرة ما يأكله، فكان إذا وافى ثرد خبزه في قصعةٍ وصب عليه ما يكون في النويعيرة. فأصلحوا في بعض الأيام دجاجة وتركوا له في النويعيرة جزة منها، وكانوا قد عجنوا، وبقي فضلة ماء العجين في نويعيرة أخرى فوافى ليلاً وقد ناموا فثرد الخبز على عادته واتفق أنه أخذ النويعيرة التي فيها ماء العجين فصبه على الخبز وأكل. فلما أصبحوا وجدوا سهمه من الدجاجة على حاله فذكروا له ذلك فقال: ما أكلت إلا الذي كان في قسمي.(3/190)
أحمد بن أبي عمران
أبو الفضل الهروي الصوفي سمع بدمشق، وحدث بها.
روى بمكة عن دعلج بن أحمد بسنده عن أنس قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، أمن العصبية أن يعين الرجل قومه على الحق قال: لا.
وحدث عن أبي العباس محمد بن أحمد بن محبوب بسنده عن جابر قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صلى الظهر رفع يديه إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع.
وحدث عن الزاهد إسماعيل بن أحمد بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا هجرة بين المسلمين فوق ثلاثة أيام أو ثلاث ليال.
وحدث بدمشق عن محمد بن إبراهيم الأصبهاني بسنده عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر.
وحدث بمكة قال: سمعت محمد بن داود يقول: سمعت أبا بكر الرقاق يقول: كنت ماراً في تيه بني إسرائيل فخطر بخاطري أن علم الحقيقة مباين للشريعة، فهتف بي هاتف من تحت شجرة: يا أبا بكر، كل حقيقة لا تتبعها شريعة فهي كفر.
أنشد أبو الفضل أحمد الهروي بمكة سنة خمس وتسعين قال: أنشدنا خيثمة بن سليمان قال: أنشدنا هلال بن العلاء: من البسيط
اقبل معاذير من يأتيك معتذراً ... إن بر عندك فيما قال أو فجرا
فقد أطاعك من أرضاك ظاهره ... وقد أجلك من يعصيك مستترا
كان أبو الفضل الصوفي رحمه الله حياً سنة سبع وتسعين وثلاث مئة.(3/191)
أحمد بن عمر بن أبان بن الوليد
ابن شداد أبو جعفر الفارسي من أهل صور. روى عن جماعة، وروى عنه جماعة.
حدث عن أبي حفص عمر بن الوليد الصوري بسنده عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: التقى موسى وآدم. قال: فقال موسى لآدم: أنت أبو الناس الذين أغويتهم وأخرجتهم من الجنة. قال: فقال آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه وألقى عليك محبة منه، فذكر هذا ونحوه مما فضله الله به قال موسى: نعم، قال آدم: فلم تلومني على عملٍ قد كتبه الله علي أن أعمله قبل أن أخلق. قال: فحج آدم موسى.
أحمد بن عمر بن الأشعث
ويقال ابن أبي الأشعث أبو بكر السمرقندي سكن دمشق مدة، وكان يكتب بها المصاحف، ويقرىء القرآن، وسمع بها وحدث.
قال أبو الحسن بن قبيس: كان أبو بكر السمرقندي يكتب المصاحف من حفظه، فكان إذا فرغ من الوجه كتب الوجه الآخر إلى أن يجف، ثم يكتب الوجه الذي بينهما، فلا يكاد أن يزيد ولا ينقص فقلت له: لعله كان يكتب في مقدار واحد فلا يختلف عليه فقال: بل كان يكتب في قطع كبير وصغير.
وكان لجماعة من أهل دمشق فيه رأي حسن، فسمعت أبا الحسن بن قبيس يذكر أنه خرج مع جماعة إلى ظاهر البلد في فرجة فقدموه يصلي بهم وكان مزاحاً. فلما سجد بهم تركهم في الصلاة وصعد في شجرة، فلما طال عليهم انتظاره رفعوا رؤوسهم فلم يجدوه في مصلاه وإذا به في الشجرة يصيح صياح السنانير، فسقط من أعينهم، فخرج إلى(3/192)
بغداد، وترك أولاده بدمشق، واتصل في بغداد بعفيف القائمي الخادم، فكان يكرمه وأنزله في موضع من داره. فكان إذا جاءه الفراش بالطعام يذكر أولاده بدمشق ويبكي، فحكى الفراش ذلك لعفيف فقال: سله عن سبب بكائه، فسأله، فقال: إن لي بدمشق أولاداً في ضيق فإذا جاءني شيء من الطعام تذكرتهم فأخبره الفراش بذلك، فقال: سله أين يسكنون من دمشق؟ وبمن يعرفون فسأله فأخبره، فأخبر عفيفاً بذلك فبعث إليهم من حملهم من دمشق إلى بغداد. فما أحس بهم أبو بكر حتى قدم عليه ابنه أبو محمد وقد خلف أمه وإخوته عبد الواحد وإسماعيل بالرحبة، ثم قدموا بعد ذلك بغداد فلم يزالوا في ضيافة عفيف حتى مات.
توفي أبو بكر السمرقندي في يوم الأحد السادس عشر من رمضان سنة تسع وثمانين وأربع مئة ببغداد.
أحمد بن عمر بن العباس بن الوليد
ابن سليمان بن الوليد المعروف بابن الجليد حدث عن مروان يعني ابن محمد بسنده عن المقدام بن معدي كرب أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يحشر الناس ما بين السقط إلى الشيخ الفاني.
مات يوم الأربعاء لعشر بقين من رجب سنة أربع وخمسين ومئتين.
أحمد بن عمر بن عطية
أبو الحسين الصقلي المقرىء المؤدب كان يؤدب في مسجد رحبة البصل.
روى عن أبي الحسن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أبي الحديد السلمي بسنده عن ابن عباس قال:
جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه يسأله، فجعل عمر ينظر إلى رأسه مرة وإلى رجليه أخرى هل يرى عليه من البؤس شيئاً، فقال له عمر: هل لك من مال؟ قال: نعم،(3/193)
أربعون من الإبل. قال ابن عباس: صدق الله ورسوله، لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثاًن ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب، فقال عمر: ما هذا؟ فقال: هكذا اقرأنيها أبي بن كعب قال: فاكتتبها؟ قال: نعم. فاكتتبها.
ولد أبو الحسين الصقلي يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين وأربع مئة بدمشق. وكان ثقة ولم يكن الحديث من شأنه. وتوفي يوم الجمعة رابع عشر ربيع الآخر سنة خمس وخمس مئة بدمشق.
أحمد بن عمر بن محمد
ابن خرشيذ قوله أبو علي الأصبهاني قدم دمشق سنة أربع وثمانين وثلاث مئة وحدث بها وبمصر.
روى بسنده عن أبي رزين عن أبي هريرة قال: رأيته يضرب جبهته ويقول: يا أهل العراق، تزعمون أني أكذب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيكون لكم المهنى وعلي الإثم؟ أشهد لسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمش في الأخرى حتى يصلحها، وإن ولغ الكلب في إناء أحدكم فلا يتوضأ فيه حتى يغسله سبع مرات.
سكن أبو علي بغداد، وحدث بها، وانتقل إلى مصر، فنزلها وأقام بها حتى مات.
قال العتيقي: سمعت منه ببغداد في سنة اثنتين وتسعين وثلاث مئة، ثم سمعت منه بعد ذلك بمكة وبمصر، وكان يحضر في كل سنة مكة في موسم الحاج إلى أن توفي بمصر في سنة أربع وتسعين وثلاث مئة في يوم الثلاثاء ثاني عشر جمادى الأولى. وكان ثقة حسن الأصول.(3/194)
أحمد بن عمر بن موسى بن زنجويه
أبو العباس البغدادي المخرمي القطان سمع بدمشق وبغيرها.
روى عن هشام بن عمار بسنده عن معاوية أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا شربوا الخمر فاجلدوهم، ثم إذا شربوا فاجلدوهم، ثم إذا شربوا فاجلدوهم، ثم إذا شربوا فاقتلوهم.
وحدث عن عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم بسنده عن زيد بن ثابت.
أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخص في بيع العرايا ولم يرخص في غير ذلك.
توفي أبو العباس أحمد بن زنجويه في ذي القعدة سنة أربع وثلاث مئة، وكان ثقة.
أحمد بن عمرو بن أحمد بن معاذ
أبو الحسن العبسي الداراني حدث عن أبيه عمرو بسنده عن جابر بن عبد الله أن الله عز وجل أنزل صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزل التوراة على موسى لست ليالٍ خلون من رمضان، وأنزل الإنجيل على عيسى لثمان عشرة ليلة خلت من رمضان، وأنزل القرآن على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليهم لأربعٍ وعشرين ليلة خلت من شهر رمضان.(3/195)
أحمد بن عمرو بن إسماعيل
ابن عمر أبو جعفر الفارسي المقعد الوراق قدم دمشق وروى عن جماعة.
حدث عن أبي خيثمة مصعب بن سعيد بسنده عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قتل دون ماله فهو شهيد.
كان أبو جعفر الفارسي الوراق ثقة.
أحمد بن عمرو بن جابر
أبو بكر الطحان الحافظ نزيل الرملة. سمع بدمشق وبغيرها.
حدث بسنده عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إذا بدلت الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار فأين الناس يومئذٍ؟ قال: على الصراط.
وحدث أيضاً عن علي بن عثمان وإبراهيم بن إسحاق بسندهما عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يجاء بالموت كأنه كبش أملح فينادي مناد: يا أهل الجنة، هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون وكلهم قد رآه فيقولون نعم هذا الموت ثم يؤخذ فيذبح فيقال: يا أهل الجنة، خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، وذلك قوله عز وجل " وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلةٍ " قال: أهل الدنيا في غفلة.
مات أبو بكر أحمد بن عمرو بن جابر سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مئة.(3/196)
أحمد بن عمرو بن الضحاك أبي عاصم
النبيل بن مخلد بن مسلم بن رافع بن رفيع، أبو بكر الشيباني الفقيه القاضي محدث ابن محدث ابن محدث من ذهل بن شيبان، أصله من البصرة وسكن أصبهان وولي قضاءها، وكان مصنفاً في الحديث، مكثراً منه، رحل فيه إلى دمشق وغيرها. وسمع وأسمع.
حدث عن هشام بن عمار بسنده عن عبد الله بن حوالة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إن الله عز وجل قد تكفل لي بالشام وأهله.
كان أحمد بن عمرو صدوقاً.
قال: صحبت أبا تراب زماناً فكان يقول لي: كم تشقى، لا يجيء منك إلا قاضٍ، وكان بعد ذلك لما ولي القضاء إذا سئل عن مسألة في التصوف يقول: القضاء والدنية والكلام في علوم الصوفية محال.
قال الحكيم: ذكر عند ليل الديلمي أن أبا بكر بن أبي عاصم ناصبي قال: فبعث غلاماً له معه سيف ومخلاة وقال: ائتني برأسه فجاء الغلام وأبو بكر يروي الحديث، فقال: أمرني أن أحمل إليه رأسك قال: فنام على قفاه ووضع الكتاب في يده على وجهه فقال: افعل ما شئت فلحقه آخر فقال: أمرك الأمير ألا تقتله قال: فقام أبو بكر ورجع إلى الحديث الذي قطعه، فتعجب الناس منه وتحير الرسول في أمره.
وسمعته يقول: كان أبو بكر بن أبي عاصم ماراً في السوق مع أبي العباس بن شريح فقال أبو بكر لأبي العباس: لو لم يكن في ترك الدنيا إلا إسقاط الكلف وراحة القلب لكفى.(3/197)
قال أبو عبد الله محمد بن أحمد الكسائي المقرىء: قال: كنت جالساً عند أبي بكر بن أبي عاصم وعنده قوم فقال رجل: أيها القاضي، بلغنا أن ثلاثة نفر كانوا بالبادية يقلبون الرمل فقال أحدهم: اللهم إنك قادر على أن تطعمنا خبيصاً على لون هذا الرمل فإذا هم بأعرابي بيده طبق فسلم عليهم ووضع بين أيديهم طبقاً عليه خبيص حار فقال ابن أبي عاصم: قد كان ذاك. قال أبو عبد الله: وكان الثلاثة، عثمان بن صخر الزاهد أستاذ أبي تراب، وأبو تراب، وأحمد بن عمرو بن أبي عاصم وكان هو الذي دعا.
كان أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل يقول: لا أحب أن يحضر مجلسي مبتدع ولا طعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء، ولا منحرف عن الشافعي ولا عن أصحاب الحديث.
كان أحمد بن عمرو بن أبي عاصم فقيهاً ظاهري المذهب، ولي القضاء بأصبهان ثلاث عشرة سنة بعد وفاة صالح بن أحمد. وتوفي أحمد بن عمرو بن أبي عاصم بأصبهان في ربيع الآخر سنة سبع وثمانين ومئتين.
قال أبو عبد الله الكسائي: رأيت ابن أبي عاصم فيما يرى النائم كأنه جالس في المسجد الجامع عند الباب، وهو يصلي من قعود، فدنوت منه فسلمت عليه فرد علي فقلت: أنت أحمد بن عمرو؟ قال: نعم، قلت: ما فعل الله بك؟ قال: يؤنسني ربي، قلت: يؤنسك ربك؟؟! قال: نعم فشهقت شهقة فانتبهت.
أحمد بن عمير بن يوسف
ابن موسى بن جوصا أبو الحسن الحافظ مولى بني هاشم ويقال: مولى محمد بن صالح بن بيهس الكلابي. شيخ الشام في وقته. رحل وصنف وذاكر وروى.(3/198)
حدث عن أيوب بن علي بن الهيصم الكناني بسنده عن أبي قرصافة أنه سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ابنو المساجد، وأخرجوا القمامة منها، فمن بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة. فقال رجل: يا رسول الله، وهذه المساجد التي تبنى في الطرق؟ قال: وهذه المساجد التي تبنى في الطرق. قال: وإخراج القمامة منها مهور حور العين.
وحدث عن هشام بن عبد الملك أبي التقي بسنده عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة.
سئل الدارقطني عن أحمد بن عمير بن جوصا فقال: تفرد بأحاديث ولم يكن بالقوي.
وقال دعلج بن أحمد: دخلت دمشق وكتب لي عن ابن جوصا جزء، ولست أحدث عنه فإني رأيت في داره جرو كلب صيني فقلت: روي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه نهى عن اقتناء الكلب وهذا قد اقتنى كلباً.
توفي أبو الحسن أحمد بن عمير يوم الأربعاء لثلاث بقين من جمادى الأولى سنة عشرين وثلاث مئة.
أحمد بن العلاء بن هلال بن عمر
أبو عبد الرحمن الرقي القاضي، أخو هلال بن العلاء قدم دمشق في أيام أحمد بن طولون، وكان ممن خلع الموفق بن المتوكل بن المعتصم بها في سنة تسع وستين ومئتين.
حدث عن عبد الله بن جعفر بسنده عن عائشة رضي الله عنها فيما قال لها يعني: أهل الإفك فبرأها الله مما قالوا قالت:
كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد أن يخرج في سفر أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معه، فقالت عائشة: فأقرع بيننا في غزاة غزاها فخرج سهمي فخرجت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ما أنزل الله الحجاب، فأنا أحمل في هودجي فأنزل فيه، حتى إذا فرغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غزوته تلك ودنوا من المدينة نودي بالرحيل، فخرجت حتى أذنوا(3/199)
بالرحيل فتبرزت لحاجتي حتى جاوزت الجيش. فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع، فخرجت في التماسه، فحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين يرحلون لي، واحتملوا هودجي فحملوه على بعيري الذي كنت أركب عليه وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك لم يهبلهن اللحم، إنما تأكل إحدانا العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه، وكنت جاريةً حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش، وجئت مبادرةً وليس بها منهم داع ولا مجيب فتيممت منزلي الذي كنت فيه وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي.
فبينما أنا كذلك في منزلي إذ غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي من وراء الجيش فادلج فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرف حين رآني وقد كان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حتى أناخ راحلته فوطىء على يديها، وانطلق بالراحلة يقود بها حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة، وقد هلك من أهل الإفك من هلك.
وكان الذي تولى كبر الإفك عبد الله بن أبي فاشتكيت حين قدمت المدينة شهراً، والناس يفيضون في قول أهل الإفك لا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللطف الذي كنت أراه منه حين أشتكي، إنما يدخل فيقول: كيف تيكم؟ ثم ينصرف فذاك الذي يريبني منه، ولا أشعر بشيء حتى خرجت بعدما نقهت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن عبد المطلب بن عبد مناف وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر وابنها مسطح بن أثاثة بن المطلب، فأقبلت أنا وأم مسطح حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطح، فقلت: بئس ما قلت تسبين رجلاً قد شهد بدراً! قالت: أو لم تسمعي ما قال؟ قالت: فقلت: في ماذا؟ قالت: فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضاً على مرضي.(3/200)
فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: كيف تيكم؟ فقلت: أتأذن لي فآتي أبوي؟ وحينئذٍ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما قالت: فأذن لي من الغد فجئت أبوي فقلت لأمي: يا أمه ماذا يتحدث الناس به؟! قالت: يا بنية هوني عليك، فوالله لقلما كانت امرأة وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا كثرن عليها قالت: سبحان الله، ولقد تحدث الناس بهذا؟! فمكثت تلك الليلة أبكي حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم. قالت: ثم أصبحت أبكي فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسامة بن زيد وعلياً حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، فأما أسامة فأشار على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما يعلم من براءة أهله وبالذي في نفسه من الود لهم فقال: يا رسول الله، ما نعلم إلا خيراً. وأما علي فقال: يا رسول الله، لم يضيق الله عليك النساء والنساء سواها كثير وإن تسأل الجارية تصدقك فدعا بريرة فقال: يا بريرة، رأيت شيئاً يريبك قالت: لا والذي بعثك بالحق، ما رأيت عليها أمراً قط أغمصه عليها أكثر من أنها حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله. فقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستعذر من عبد الله بن أبي فقال: من يعذرني من رجل قد بلغ في أهلي أذاه، فوالله ما علمت إلا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً وما كان يدخل على أهلي إلا معي. فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله، أنا أعذرك منه إن كان من إخواننا الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا ما أمرتنا. فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وقد كان قبل ذلك رجلاً صالحاً ولكن استحملته الحمية فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال: - يعني - لسعد بن عبادة، كذبت، لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، وتبادر الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائم على المنبر، فلم يزل يسكتهم حتى سكتوا.
فمكثت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وبت ليلتي لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، فأصبح أبواي عندي وقد لبثت ليلتي ويومي لا يرقأ لي دمع وهما يظنان أن البكاء فالق كبدي. فبينما هما جالسان وأنا أبكي إذ استأذنت امرأة من الأنصار علي فأذنت لها، فجلست تبكي معي.
فبينما نحن كذلك إذ دخل علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجلس فلم يجلس قبل ذلك منذ قيل(3/201)
ما قيل. ولقد لبث شهراً لا يوحى إليه شيء، فتشهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم جلس جلسته، فقال: أما بعد يا عائشة، فإنه قد بلغني كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله ثم توبي إليه، فإن العبد إذا أذنب ثم تاب إلى الله تاب الله عليه. فلما قضى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي: أجب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما قال، فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت لأمي: أجيبي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وإني جارية حديثة السن لم أقرأ كثيراً من القرآن، فقلت: والله لقد علمت أنكم قد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم فصدقتم به، وإن قلت إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني. والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف " فصبرٌ جميل والله المستعان على ما تصفون " قالت: ثم تحولت فاضطجعت على فراشي وأنا حينئذٍ أعلم أني بريئة.
وما كنت أظن أن الله ينزل في شأني وحياً يتلى، لشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمرٍ، ولكني أرجو أن يري الله نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم رؤيا يبرئني الله بها، فوالله ما رام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر عليه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القرآن الذي أنزل عليه، فسري عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يضحك فكانت أول كلمة تكلم بها أن قال: يا عائشة، أما بعد فقد برأك الله، فقالت أمي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقول إليه ولا أحمد إلا الله عز وجل وأنزل الله تعالى: " إن الذين جاؤوا بالإفك عصبةٌ منكم " إلى آخر الآيات العشر كلها. فلما أنزل الله هذا كله في براءتي قال أبو بكر - وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره -: والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً بعد الذي قاله لعائشة فأنزل الله تعالى: " ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن تؤتوا أولي القربى " الآية، فقال أبو(3/202)
بكر: والله، إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: لا أنزعها منه أبداً. وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأل زينب بنت جحش فقال: يا زينب، ماذا علمت ورأيت؟ فقالت له زينب: ما علمت ولا رأيت إلا خيراً. أحمي سمعي وبصري. قالت: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعصمها الله بالورع فطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها فهلكت فيمن هلك من أهل الإفك.
ولد أحمد بن العلاء سنة اثنتين وتسعين ومئة، وتوفي بالرقة في سنة ست وسبعين ومئتين وهو على القضاء. وقيل: مات وهو قاضي ديار مصر سنة أربع وسبعين ومئتين.
أحمد بن عيسى بن علي بن ماهان
أبو جعفر الرازي المعروف بالجوال سمع بدمشق.
حدث عن عبد الرحمن بن مسلم بسنده عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار.
وحدث عن هشام بن عمار بسنده عن عرفجة الثقفي قال: كان علي بن أبي طالب يأمر الناس بقيام شهر رمضان ويجعل للرجال إماماً وللنساء إماماً. قال عرفجة: أنا إمام النساء.
أحمد بن عيسى بن يوسف أبو جعفر
سمع بدمشق هشام بن عمار.
حدث ببيت المقدس عن هشام بن عمار بسنده عن البراء بن عازب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقيه فأخذ بيده قلت: يا رسول الله، ما كنت أحسب هذه المصافحة إلا من أخلاق الأعاجم وسنتهم قال: لا، إن المسلمين إذا التقيا فتصافحا لم يتتاركا حتى يغفر لهما.(3/203)
أحمد بن عيسى أبو سعيد الخراز
الخراز خاء معجمة وراء وزاي الصوفي البغدادي حدث عن عبد الله بن إبراهيم الغفاري بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سوء الخلق شؤم وشراركم أسوؤكم خلقاً.
قال أبو عبد الرحمن السلمي: أحمد بن عيسى الخراز إمام القوم في كل فن من علومهم. بغدادي الأصل له في مبادىء أمره عجائب وكرامات مشهورة، ظهرت بركته عليه وعلى من صحبه، وهو أحسن القوم كلاماً خلا الجنيد فإنه الإمام. وقيل: إن أول من تكلم في علم الفناء والبقاء أبو سعيد الخراز.
قال أبو سعيد: كل باطن يخالفه ظاهر فهو باطل.
وقال: صحبت الصوفية ما صحبت، فما وقع بيني وبينهم خلف. قالوا: لم؟ قال: لأني كنت معهم على نفسي.
قال أبو بكر الطرسوسي: أبو سعيد الخراز قمر الصوفية.
قال إبراهيم بن شيبان: قال الجنيد: لو طالبنا الله بحقيقة ما عليه أبو سعيد الخراز لهلكنا. قال علي بن عمر الدينوري: فقلت لإبراهيم: وإيش كان حاله؟ فقال: أقام كذا وكذا سنة يخرز. ما فاته الحق بين الخرزتين.
سئل أبو سعيد الخراز: هل يصير العارف إلى حال يجفو عليه البكاء؟ فقال: نعم، وإنما البكاء في أوقات سيرهم إلى الله، فإذا نزلوا بحقائق القرب وذاقوا طعم الوصول من بره زال عنهم ذلك.(3/204)
قال المرتعش: الخلق كلهم عيالٌ على أبي سعيد الخراز إذا تكلم هو في شيء من الحقائق.
كان الجلاء بمكة يقول:
بلغني أن أبا سعيد الخراز كان مقيماً بمكة، وكان من أفقه الصوفية، وكان له ابنان مات أحدهما قبله فرآه في المنام فقال له: يا بني، أوصني فقال: يا أبه، لا تعامل الله على الحمق قال: يا بني، زدني. قال: لا تخالف الله فيما يريد. قال: يا بني، زدني. قال: لا تطيق. قال: قل. قال: لا تجعل بينك وبين الله قميصاً. قال: فما لبس القميص ثلاثين سنة، فقيل لإبراهيم الخواص ذلك فقال: أحجب ما كان من ربه في ذلك الوقت.
قال أبو سعيد الخراز: الاشتغال بوقت ماضٍ تضييع وقت ثانٍ.
قال أبو الفضل العباس: وذكر تلميذةً لأبي سعيد الخراز قالت: كنت أسأله مسألة والإزار بيني وبينه مشدود، فأستقري حلاوة كلامه، فنظرت في ثقب من الإزار فرأيت شفته. فلما وقعت عيني عليه سكت وقال: جري ها هنا حدث فأخبريني ما هو فعرفته أني نظرت إليه فقال: أما علمت أن نظرك إلي معصية، وهذا العلم لا يحتمل التخليط، فلذلك حرمت هذا العلم.
قال أبو سعيد الخراز: من ظن أنه ببذل المجهود يصل فمتعن، ومن ظن أنه بغير بذل المجهود يصل فمتمن.
حدث أبو القاسم بن مردان ببغداد قال: كان عندنا بنهاوند فتى يصحبني، وكنت أنا أصحب أبا سعيد الخراز، فكنت إذا رجعت حدثت ذلك الفتى ما أسمع من أبي سعيد، فقال لي ذات يوم: إن سهل الله لك الخروج خرجت معك حتى أرى هذا الشيخ الذي تحدثني عنه فخرجت، وخرج معي، ووصلنا إلى مكة، فقال لي: ليس نطوف حتى نلقى أبا سعيد، فقصدناه وسلمنا عليه فقال: للشاب مسألة ولم يحدثني أنه يريد أن يسأل عن شيء، فقال له الشيخ: سل فقال: ما حقيقة التوكل؟ فقال الشيخ: ألا تأخذ الحجة من حمولا، وكان الشاب قد أخذ(3/205)
حجة من حمولا وهو رئيس نهاوند وما علمت به أنا، فورد على الشاب أمر عظيم وخجل. فلما رأى الشيخ ما جاء به عطف عليه وقال: ارجع إلى سؤالك. ثم قال أبو سعيد: كنت أراعي شيئاً من هذا الأمر في حداثتي فسلكت بادية الموصل فبينا أنا سائر إذ سمعت حساً من ورائي فحفظت قلبي عن الالتفات فإذا الحس قد دنا مني، وإذا سبعان قد صعدا على كتفي فلحسا خدي، فلم أنظر إليهما حيث صعدا ولا حيث نزلا.
قال أبو سعدي الخراز: كنت في بعض أسفاري وكان يظهر لي كل ثلاثة أيام شيء، فكنت آكله وأشتغل، فمضى ثلاثة أيام وقتاً من الأوقات ولم يظهر شيء، فضعفت وجلست فهتف بي هاتف: أيما أحب إليك: سبب أو قوة؟ فقلت: القوة، فقمت من وقتي ومشيت اثني عشر يوماً لم أذق شيئاً ولم أضعف.
قال أبو سعيد الخراز: رأيت إبليس في النوم وهو يمر عني ناحية، فقلت: تعال، فقال إيش أعمل بكم، أنتم طرحتم عن نفوسكم ما أخادع به الناس. قلت: وما هي؟ قال: صحبة الأحداث.
وقال: رأيت إبليس في النوم ومعي عصا فرفعته حتى أضربه فقال لي قائل: هذا لا يفزع من العصا. قلت له: من أي شيء يفزع؟ قال: من نورٍ يكون في القلب.
كان أبو سعيد الخراز يقول: ليس في طبع المؤمن قول لا، وذلك أنه إذا نظر إلى ما بينه وبين ربه من أحكام الكرم استحيا أن يقول: لا.
جاء أبو سعيد الخراز إلى رجل من أبناء الدنيا فقال: جئتك من عنده وأنا أعرف به منك، وأنت تشهد لي بذلك، فلا تردني إليه.
كان أحمد بن عيسى يقول:
إذا صدق المريد في بدايته أيده الله بالتوفيق، وجعل له واعظاً من نفسه. كما روي في الحديث، وذلك أني أصبت ميراثاً فكنت آخذ منه القوت وأتقلل منه شيئاً موزوناً كل يوم(3/206)
معلوماً، ولزمت العزلة مع ذلك، فكأني خوطبت في سري ثم سمعت قائلاً يقول: إذا أنت أكلت الطعام في كل ليلة فبماذا تفضل على سائر الناس؟ ولكن اجعله في كل ليلتين أكلة، فلزمت ذلك وقتاً وصعب علي جداً لا من طريق نفسي وامتناعها علي، ولكن لعلمي بأن الطي منزلة عالية وهبة من الله جزيلة رفيعة لا يعطيها إلا من عرف قدرها، فرغبت إلى الله تعالى فيها فسألته إدامتها لي والتفضل بها علي، فوهبها لي بمنه وفضله. فكنت آكل ذلك القوت الذي كنت آكله في ليلةٍ واحدة أتناوله في ليلتين، وكنت الليلة التي أطويها يأتيني شخص جميل حسن البشرة نظيف الثياب بجامٍ أبيض فيه عسل فيقول لي: كل، فألعقه وأصبح شبعان - وهذا في المنام - ثم فني القوت الذي ادخرته فكنت أجيء بعض الطرقات إذا اختلط الظلام إلى موضع أصحاب البقل وأتقمم منه ما سقط منهم، وبقيت على ذلك أيضاً وقتاً كبيراً، ثم كنت أخيط القميص في القرية لقوم مساكين وأكتفي بأجرته أياماً، فبينا أنا يوماً مار أريد القرية في طلب الخياطة رأيت مسجداً في وسط مقبرة وفيه سدرة كبيرة وفيها نبق أخضر مباح، فقلت في نفسي: هذا المباح ها هنا وأنت تريد معاشرة الناس ومعاملتهم، فلزمت المقابر أتقلل من ذلك النبق وآخذ منه دوين البلغة حتى فني النبق ولم يبق منه شيء، ثم بقيت بعد ذلك سنين وقوتي العظام، ثم مكثت بعد العظام وقوتي الطين اليابس والرطب من الأنهار، فكنت أحياناً لا أفرق بين الطين الرطب إذا أخذته من النهر وبين الخبيص من طيبه عندي، وما وجدت لاختلاف هذه الأحوال ضيقاً من عقل ولا ضعفاً من بدن وكنت عند البقل أضعف إذا تناولته.
قال أبو بكر الكتاني: تكلم أبو سعيد أحمد بن عيسى بمكة في مسألة علم، فأنكروا عليه فوجه إليه الأمير: قم واخرج من مكة، فتناول نعله وقام ليخرج، فقلنا له: اجلس يا أبا سعيد حتى ندخل على الأمير ونخاطبه بما صلح، ونعرفه مكانك، فقال: معاذ الله، اسكتوا، فلو قال غير هذا اتهمت حالي فيما بيني وبين الله عز وجل هذا ضد، من أين يقبلني إلا لقلة في، وخرج.
قال أبو سعيد: أقل ما يلزم المسافر في سفره أربعة أشياء: يحتاج إلى علم يسوسه، وذكر يؤنسه، وورع يحجزه، ونفس تحمله. فغذا كان هكذا لم يبال أكان بين الأحياء أم بين الأموات.(3/207)
وقال: الرضا قبل القضاء تفويض، والرضا مع القضاء تسليم.
وكان أبو سعيد الخراز يقول: هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ هل جزاء من انقطع عن نفسه إلا التعلق بربه، وهل جزاء من انقطع عن أنس المخلوقين إلا الأنس برب العالمين، وهل جزاء من صبر علينا إلا الوصول إلينا، ومن وصل إلينا هل يجمل به أن يختار علينا، وهل جزاء التعب في الدنيا والنصب فيها إلا الراحة في الآخرة، وهل جزاء من صبر على البلوى إلا التقرب إلى المولى، وهل جزاء من سلم قلبه إلينا أن نجعل توليته إلى غيرنا، وهل جزاء من بعد عن الخلق إلا التقرب إلى الحق.
كان أبو سعيد الخراز يقول في معنى هذا الحديث جبلت القلوب على حب من أحسن إليها فقال: واعجباً ممن لم ير محسناً غير الله كيف لا يميل بكليته إليه.
قالت فاطمة بنت أحمد السامرية: سمعت أخي أبا سعيد الخراز وسئل عن قوله تعالى: " ولله خزائن السموات والأرض " قال: خزائنه في السماء العبر وفي الأرض القلوب، لأن الله تعالى جعل قلب المؤمن نبت خزائنه ثم أرسل رياحاً فهبت فكسته من الكفر والشرك والنفاق والغش والخيانة، ثم أنشأ سحابة فأمطرت ثم أنبتت فيه شجرة فأثمرت الرضا والمحبة والشكر والصفوة والإخلاص والطاعة فهو قوله تعالى: " أصلها ثابت ".
قال سعيد بن أبي سعيد الخراز: طلبت من أبي دانق فضة فقال لي: يا بني، اصبر، فلو أراد أبوك يركب الملوك إلى بيته ما تأبوا عليه.
قال أحمد بن عيسى الخراز: كنت في البادية فنالني جوع شديد فغلبتني نفسي أن اسأل الله عز وجل طعاماً(3/208)
فقلت: ليس هذا من فعال المتوكلين، فطالبتني نفسي أن أسأل الله صبراً. فلما هممت بذلك سمعت هاتفاً يقول: من الوافر
ويزعم أنه منا قريبٌ ... وأنا لا نضيع من أتانا
ويسألنا القرى جهداً وصبراً ... كأنا لا نراه ولا يرانا
قال أبو سعيد: فأخذني الاستقلال من ساعتي وقمت ومشيت.
توفي أبو سعيد سنة سبع وسبعين ومئتين. وقيل: سنة سبع وأربعين ومئتين. وهو باطل. والأول أصح. وقيل: سنة ست وثمانين ومئتين.
أحمد بن عيسى أبو جعفر القمي
نزيل بيروت حدث عن أبي عبد الرحمن النسائي بسنده عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله عز وجل ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر أيسر منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه. فاتقوا النار ولو بشق تمرة، وفي حديث آخر وزاد فيه: ولو بكلمة طيبة.(3/209)
من اسم أبيه على حرف الغين المعجمة
أحمد ويقال محمد بن الغمر
ويقال ابن أبي الغمر الدمشقي قال أحمد بن أبي الغمر: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: من أمن أن يستثقل ثقل.
وقال أحمد بن أبي الغمر: قال مسلمة لجلسائه: أي بيت في الشعر أحكم؟ قالوا: الذي يقول: من الطويل
صبا ما صباحت علا الشيب رأسه ... فلما علاه قال للباطل ابعد
قال: فقال مسلمة: إيه والله، ما وعظني شعر قط ما وعظني شعر ابن حطان حين يقول: من الطويل
أفي كل عامٍ مرضةٌ ثم نقهةٌ ... وننعى ولا ننعى متى ذا إلى متى
فيوشك يومٌ أو توافق ليلةٌ ... يسوقان حتفاً راح نحوك أو غدا
قال: فقال له رجل من جلسائه: إني والله ما سمعت بأحدٍ أجل الموت ثم أفناه قبله حيث يقول: من البسيط
لم يعجز الموت شيءٌ دون خالقه ... والموت فإن إذا ما ناله الأجل
وكل كربٍ أمام الموت متضعٌ ... للموت والموت فيما بعده جلل
قال: فقال عبد الأعلى: من البسيط
من كان حين تصيب الشمس جبهته ... أو الغبار يخاف الشمس والشعثا
ويألف الظل كي تبقى بشاشته ... فسوف يسكن يوماً راغماً جدثا
في قعر مقفرةٍ غبراء مظلمةٍ ... يطيل تحت الثرى في جوفها اللبثا(3/210)
قال أحمد بن غمر الدمشقي في قوله عز وجل " لا فارض ولا بكر عوان " قال: الفارض: الكبيرة المسنة التي ليس فيها ركوب، والبكر: هي الصغيرة وأنشدنا: من الطويل
وأنت الذي أعطيت ضيفك فارضاً ... تساق إليه ما تقوم على رجل
ولم تعطه بكراً، فيرضى، سمينة ... فكيف يجازي بالمودة والفضل
وغمر بالغين المعجمة.
أحمد بن الغمر بن أبي حماد أبو عمر
ويقال: أبو عمرو الحمصي حدث بأنطرسوس من عمل دمشق عن جماعة.
حدث عن عيسى بن سليمان بسنده عن علي قال: ألا أخبركم بخير الناس بعد نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أبو بكر وعمر ثم الناس مستوون.
وحدث عن يحيى بن يزيد الخواص بسنده عن عمر بن الخطاب عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يصيح صائحٌ يوم القيامة: أين الذين أكرموا الفقراء والمساكين في الدنيا؟ ادخلوا الجنة لا خوفٌ عليكم ولا أنتم تحزنون. ويصيح صائح: اين الذين عادوا المرضى والفقراء والمساكين في الدنيا؟ فيجلسون على منابر من نور يحدثون الله عز وجل في الحساب.
حدث أحمد بن الغمر الحمصي بحمص عن سعيد بن نصير بسنده عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مر رجل ممن كان قبلكم بجمجمة، فوقف عليها، وجعل يفكر فقال: يا رب، أنت أنت وأنا أنا، أنت العواد بالمغفرة وأنا العواد بالذنوب، فقيل له، ارفع رأسك فأنت العواد بالذنوب وأنا العواد بالمغفرة قال: فغفر له.(3/211)
من اسم أبيه على حرف الفاء
أحمد بن الفرات بن خالد
أبو مسعود الضبي الرازي الحافظ أحد الأئمة الثقات والحفاظ الأثبات. سمع بدمشق وغيرها حدث عن محمد بن عبد الله بن جعفر بسنده عن أبي بن كعب قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بهم فقرأ بسورة من الطول، ثم ركع خمس ركعات، وسجد سجدتين، ثم قام الثانية فقرأ بسورة من الطول ثم ركع خمس ركعات، ثم سجد سجدتين وجلس كما هو مستقبل القبلة حتى انجلى كسوفها.
وحدث عن يعلى بن عبيد بسنده عن جابر بن عبد الله
أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل على عائشة وعندها صبي يسيل منخراه دماً فقال: ما هذا؟ قالوا: به العذرة فقال: ويلكن لا تقتلن أولادكن، أيما امرأة أصاب ولدها العذرة أو وجع في رأسه فلتأخذ قسطاً هندياً فلتحله بماء ثم تسعطه به. قال: فأمرت عائشة فصنعت ذلك به فبرأ.
قال أحمد بن دلويه، وكان من خيار الناس: دخلت على أحمد بن حنبل فقال لي: من فيكم؟ قلت: محمد بن النعمان، فلم يعرفه، فذكرت له أقواماً فلم يعرفهم فقال: أفيكم أبو مسعود؟ قلت: نعم. قال: ما أعرف اليوم أسود الرأس أعرف بمسندات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منه.
كان أبو مسعود يقول: كتبت عن ألف وسبعمائة وخمسين رجلاً، أدخلت في تصنيفي ثلاث مئة وعشرين(3/212)
وعطلت سائر ذلك، وكتبت ألف ألف حديث وخمس مئة ألف حديث فأخذت من ذلك ثلاث مئة ألف في التفاسير والأحكام والفوائد وغيره.
أقام أبو مسعود بأصبهان يحدث بها خمساً وأربعين سنة، وتوفي في شعبان سنة ثمان وخمسين ومئتين. وكان قد سافر الكثير وجمع في الرحلة بين البصرة والكوفة والحجاز واليمن والشام ومصر والجزيرة، ولقي علماء عصره، وورد بغداد في حياة أبي عبد الله أحمد بن حنبل، وذاكر حفاظها بحضرته، وكان أحمد يقدمه ويكرمه، واستوطن أصبهان إلى آخر عمره، وكانت بها وفاته وروى عنه كافة أهلها علمه.
أحمد بن الفرج بن سليمان
أبو عتبة الكندي الحمصي المعروف بالحجازي المؤذن مؤذن جامع حمص قدم دمشق حاجاً.
حدث عن بقية بن الوليد بسنده عن أنس بن مالك قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: عليكم بالباءة، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء.
ولد سنة تسع وثلاثين ومئتين، ومات مستهل ذي القعدة سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة.
قال: وهذا وهم، والصحيح أنه مات بحمص سنة إحدى وسبعين ومئتين.
قال محمد بن عوف: والحجازي كذاب. كتبه التي عنده لضمرة وابن أبي فديك من كتب أحمد بن النضر وقعت إليه وليس عنده في حديث بقية بن الوليد الزبيدي أصل، هو فيها أكذب خلق الله، إنما هي أحاديث وقعت إليه في ظهر قرطاس كتاب صاحب حديثٍ في أولها مكتوب: حدثنا يزيد بن عبد ربه حدثنا بقية.(3/213)
قال: ورأيته عند بئر أبي عبيدة في سوق الرستن وهو يشرب مع فتيان ومردان وهو يتقيأ الخمر، وأنا في كوة مشرف عليه في بيت كان لي فيه تجارة سنة تسع عشرة ومئتين، وكأني أراه وهو يتقيؤها وهي تسيل على لحيته، وكان أيام أبي الهرماس يسمونه الغداف، وكان له ترس فيه أربعة مسامير كبار إذا أخذوا رجلاً يريدون قتله صاحوا به أين الغداف فيجيء قائماً يضربه بها أربع ضربات حتى يقتله، قد قتل غير واحد بترسه ذاك. وما رأيته عند أبي المغيرة قط وإنما كان يتفتى في ذلك الزمان. وحدث عن عقبة بن علقمة. بلغني أن عنده كتاباً وقع إليه فيه مسائل ليست من حديثه فوقفه عليها فتى من أصحاب الحديث وقال: اتق الله يا شيخ.
قال أبو هشام: وكان أبو عتبة جارنا وكان يخضب بالحمرة، وكان مؤذن مسجد الجامع، وكان عمي وأصحابنا يقولون: إنه كذاب فلم نسمع منه شيئاً.
أحمد بن فضالة بن الصقر
ابن فضالة بن سالم بن جميل بن عمرو بن ثوابة بن الأخنس بن مالك بن النعمان بن مالك بن النعمان بن امرىء القيس اللخمي حدث عن أبيه بسنده عن مغيث بن سمي الأوزاعي أن عمر بن الخطاب أرسل إلى كعب فقال: يا كعب، كيف تجد نعتي؟ قال: أجد نعتك قرن حديد. قال: وما قرن حديد؟ قال: لا تخاف في الله لومة لائم؟ قال: ثم مه؟ قال: ثم يكون خليفة من بعدك تقتله أمته ظالمين له. قال: ثم مه؟ قال: ثم يقع البلاء بعد.(3/214)
أحمد بن الفضل بن عبيد الله
أبو جعفر الصائغ أصله مروزي، سكن عسقلان. سمع بدمشق وبديار مصر وبالشام جماعة.
حدث عن سليمان بن عبد الرحمن بسنده عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الرهن لا يغلق. قال سعيد: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: له غنمه وعليه غرمه.
أحمد بن الفيض بن محمد الغساني
أظنه أخا محمد إن لم يكن محمد بن الفيض وسماه الراوي عنه أحمد لأن أحمد ومحمد عند بعض الناس سواء.
حدث عن عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم بسنده
أن أبا هريرة ومروان كانا مع جنازة، فجلسا قبل أن توضع، فجاء أبو سعيد الخدري فأخذ بيد مروان فقال: قم فوالله لقد علم هذا - لأبي هريرة - أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كان في جنازة لم يجلس حتى توضع. قال أبو هريرة: صدق.(3/215)
من اسم أبيه على حرف القاف
أحمد بن القاسم بن عبيد الله
ابن مهدي أبو الفرج البغدادي ابن الخشاب الحافظ سكن طرسوس وحدث بدمشق عن جماعة.
حدث عن محمد بن الربيع بن سليمان بسنده عن حميد الطويل قال: كنا إذا أتينا أنس بن مالك قال لجاريته: قدمي لأصحابنا ولو كسراً، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن مكارم الأخلاق من أعمال الجنة.
قال عيسى بن علي الوزير: كتب إلي أحمد بن القاسم الخشاب لخمس وعشرين ليلة خلت من جمادى الآخرة سنة ثلاث وستين وثلاث مئة كتاباً قال فيه: ولقد سمعت أبا جعفر أحمد بن سلامة الطحاوي يقول: سمعت أبا عبد الله محمد بن أبي عمران يقول: قال هلال الرأي: أوثق المودات ما كان في الله عز وجل.
أحمد بن القاسم بن عبد الوهاب
ابن أبان بن خلف أبو الحسين الجمحي، أخو جمح بن القاسم المؤذن حدث عن أبي عبد الله الحسين بن محمد بن الضحاك المصري قال: سمعت أبا إبراهيم المزني يقول: قال الشافعي: رأيت بالمدينة أربع عجائب: جدةً ابنة إحدى وعشرين سنة، ورأيت رجلاً فسه القاضي في مدين نوى، ورأيت شيخاً كبيراً يدور على بيوت القيان راجلاً يعلمهم الغناء، فإذا حضرت الصلاة صلى قاعداً، ورأيت رجلاً يكتب بالشمال أسرع مما يكتب باليمين.(3/216)
أحمد بن القاسم بن عطية
أبو بكر الرازي البزاز الحافظ سمع بدمشق وغيرها.
حدث عن محمد بن عبد الرحمن بن سهم الأنطاكي بسنده عن عبد الله بن عمرو عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: رضى الرب في رضى الوالد، وسخطه في سخط الوالد.
وحدث عن أبي مروان هشام بن خالد الأزرق بسنده عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن أول شيء خلقه الله القلم، ثم خلق النون وهي الدواة، ثم قال: اكتب ما هو كائن من عمل أو أثر أو رزق أو أجل فكتب ما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة، ثم ختم على القلم فلم ينطق، ولا ينطق إلى يوم القيامة.
وحدث عن عبيد الله بن عمر القواريري قال: قال ابن عيينة: من طلب الحديث فقد بايع الله عز وجل.
أحمد بن القاسم بن معروف أبي نصر
ابن حبيب بن أبان أبو بكر التميمي ولد بسامراء وقدم مع أبيه دمشق فسكناها.
حدث عن أبي زرعة عبد الرحمن بن عمرو النصري بسنده عن أبي الدرداء عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فرغ الله إلى كل عبدٍ من خلقه من خمس: من أجله، وعمله، وأثره، ومضجعه، ورزقه.
توفي أبو بكر أحمد بن القاسم يوم الأحد لثلاث خلون من شعبان سنة ثمان وأربعين وثلاث مئة. وكان ثقة مأموناً.
أحمد بن القاسم بن يوسف بن فارس
ابن سوار أبو عبد الله الميانجي القاضي، أخو يوسف بن القاسم روى عن جماعة.
حدث عن عبد الرحمن بن أبي حاتم بسنده عن أبي رزين قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مثل المؤمن مثل النحلة لا تأكل إلا طيباً، ولا تضع إلا طيباً.(3/217)
من اسم أبيه على حرف الكاف
أحمد بن كثير أحد الصالحين
قال أحمد بن كثير:
صعدت إلى موضع الدم في جبل قاسيون، فسألت الله عز وجل الحج فحججت، وسألته الجهاد فجاهدت، وسألته الرباط فرابطت، وسألته الصلاة في بيت المقدس فصليت، وسألته أن يغنيني عن البيع والشراء فرزقت ذلك كله. ولقد رأيت في المنام كأني في ذلك الموضع قائما أصلي فإذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر وهابيل بن آدم فقلت له: اسألك بحق الواحد الصمد وبحق أبيك آدم وبحق هذا النبي: هذا دمك؟ قال: إي والواحد الصمد، إن هذا دمي جعله الله آيةً للناس، وإني دعوة الله رب أبي وأمي حواء ومحمد النبي المصطفى، اجعل دمي مستغاثاً لكل نبيٍّ وصديقٍ ومؤمنٍ دعا فيه فتجيبه، وسألك فتعطيه فاستجاب الله لي وجعله طاهراً آمناً وجعل هذا الجبل آمناً ومغنياً. ثم وكل الله عز وجل به ملكاً وجعل معه من الملائكة بعدد النجوم يحفظون من أتاه لا يريد إلا الصلاة فيه، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام: قد فعل الله ذلك كرماً وإحساناً وإني آتيه كل خميس وصاحباي وهابيل فنصلي فيه.
وفي رواية أخرى: زيادة في أجره، فقلت: يا رسول الله، ادع الله لي أن أكون مستجاب الدعوة، وعلمني دعاءً لكل ملمةٍ وحاجة فقال لي: افتح فاك ففتحه، فتفل فيه ثم قال: رزقت فالزم، رزقت فالزم.
أحمد بن كعب بن خريم
أبو جعفر المري كان يسكن بالراهب: محلةٍ خارج باب الجابية قبلي المصلى ومسجد فلوس من شرقيه. روى عن أبيه أبي حارثة كعب بن خريم وغيره.(3/218)
حدث عن أبيه بسنده عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن الله قد أعطى كل ذي حقٍ حقه، ألا لا وصية لوارثٍ، والولد للفراش وللعاهر الحجر.
مات أحمد بن كعب بدمشق يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر سنة اثنتين وسبعين ومئتين.
أحمد بن كيغلغ أبو العباس
ولي إمرة دمشق غير مرة في أيام المقتدر، أول ذلك سنة اثنتين وثلاث مئة وقدم تكين الخاصة والياً لها في المحرم سنة ثلاث وثلاث مئة. ووليها مرة أخرى في المحرم سنة اثنتي عشرة وثلاث مئة، وعزل عنها سنة ثلاث عشرة. وكان قبل ذلك قد ولي غزو الصائفة، فغزا بلاد الروم من طرسوس في أول المحرم سنة أربع وتسعين ومئتين، فأخذ من العدو أربعة آلاف رأس سبي ودواب ومواشي كثيرة، وأمتعة، وصار إليه أحد البطارقة بالأمان. وولي إمرة مصر من قبل المقتدر مستهل جمادى الأولى سنة إحدى عشرة، ثم صرف عن مصر في ذي القعدة سنة إحدى عشرة وثلاث مئة، ثم ولي مصر من قبل القاهر بالله في شوال سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة وجرت بينه وبين تكين الخاصة حروب ثم خلص الأمر لأحمد بن كيغلغ إلى أن قدم محمد بن طغج بن جف الأخشيذ أميراً على مصر من قبل الراضي بالله سنة ثلاث وعشرين وثلاث مئة فسلم إليه مصر.
وكان أديباً شاعراً فمن شعره: مجزوء الرمل
لا يكن للكأس في كف ... ك يوم الغيث لبث
أوما تعلم أن ال ... غيم ساقٍ مستحث
ومن شعره أيضاً: مجزوء الوافر
بدت من خلل الحجب ... كمثل اللؤلؤ الرطب
وأدمى خدها لحظي ... وأدمى لحظها قلبي
ومات أخوه إبراهيم بن كيغلغ مستهل ذي القعدة سنة ثمان وثلاث مئة.(3/219)
من اسم أبيه على حرف اللام
أحمد بن لبيب بن عبد المنعم
أبو قابوس ويقال: أبو الفتح البزاز المعدل روى عن جماعة.
حدث عن أبي يحيى زكريا بن أحمد بن موسى البلخي بسنده عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من شرب الخمر لم تقبل صلاته أربعين ليلة، فإن تاب تاب الله عليه. قالها ثلاثاً. فإن عاد كان حقاً على الله أن يسقيه من نهر الخبال، قيل: وما نهر الخبال؟ قال: صديد أهل النار.(3/220)
من اسم أبيه على حرف الميم
أحمد بن محمد بن أحمد
ابن أبي كلثم سلامة بن بشر بن بديل أبو بكر العذري حدث في سنة ثمانٍ وثلاثين وثلاث مئة عن أبيه عن جده بسنده عن أنس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ما طلعت الشمس في يوم قط أفضل من يوم الجمعة، ولا أحب إلى الله عز وجل منه.
أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد
أبو بكر بن الكوفي الكندي المصيصي ثم الصيداوي حدث عن جماعة.
روى عن أبي عمرو سلامة بن سعيد بن زياد بسنده عن تميم بن أوس الداري قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
كفارة كل مجلس بقول: سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك لا إله إلا أنت وحدك.
حدث في صفر سنة تسع وخمسين وثلاث مئة بصيدا.
أحمد بن محمد بن أحمد بن الربيع
ابن يزيد بن معيوف أبو الحسن الهمداني من أهل عين ثرماء.
حدث عن محمد بن عبيد بن فياض بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن. اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين.(3/221)
أحمد بن محمد بن أحمد
ابن عبد الرحمن بن يحيى بن جميع أبو بكر الغساني الصيداوي العابد والد أبي الحسين حدث عن محمد بن عبدان بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى باليمين مع الشاهد.
كان الشيخ أبو بكر أحمد بن جميع رحمه الله يقوم الليل كله، فإذا صلى الفجر نام الضحى، فإذا صلى الظهر يصلي إلى العصر، فإذا صلى العصر قام إلى قبل صلاة المغرب، فإذا صلى العشاء قام إلى الفجر. وكانت هذه عادته.
فجاءه رجل ذات يوم يزوره بعد العصر فغفل، فتحدث معه وترك عادة النوم. فلما انصرف سألته عنه؟ فقال: هذا عريف الأبدال يزورني في السنة مرة. فلم، يعني، أزل أرصد إلى مثل ذلك الوقت حتى جاء الرجل فوقفت حتى فرغ من حديثه، ثم سأله الشيخ أين تريد؟ فقال: أزور أبا محمد الضرير في مغارٍ عند قال طلحة بن أبي السن: فسألته أن يأخذني معه فقال: بسم الله. فمضيت معه فخرجنا حتى صرنا عند قناطر الماء فأذن المؤذن عشاء المغرب قال: ثم أخذ بيدي وقال: قل بسم الله. قال: فمشينا دون العشر خطا فغذا نحن عند المغار مسيرة إلى بعد الظهر قال: فسلمنا على الشيخ فصلينا عنده، وتحدث معه. فلما ذهب نحو ثلث الليل قال لي: تحب تجلس ها هنا أو ترجع إلى بيتك فقلت: أرجع، فأخذ بيدي وسمى بسم الله، ومشينا نحو العشر خطا فإذا نحن على باب صيدا، فتكلم بشيء فانفتح الباب، ودخلت ثم عاد الباب.
حدث طلحة بن أبي السن أن أبا الفتح ابن الشيخ حبسه في القلعة وأن زوجة طلحة اشتكت إلى عمها أبي بكر أحمد بن جميع حاله فقال لها: نعم، العصر يكون عندك إن شاء الله فقالت له: أنت لم تسأل في بابه كيف يخلونه فقال: اسكتي فانصرفت. قال طلحة: فكنت جالساً في القلعة إذ انفلق القيد من رجلي وإذا قائل يقول: أين طلحة بن أبي السن؟ فقلت: ها أنا فقال: اخرج لا بأس عليك، وإن كانت لك حاجة قضيت. فانصرفت إلى بيتي قبل العصر أو(3/222)
العصر. فلما صلى الشيخ العصر جاء إلى بيتي يتوكأ على عكازه فاختبأت داخل البيت فقال: أين هو؟ فقالت المرأة: أليس كنت عندك، وما سألت فيه ولا مضيت إلى أحد، فقال: تخرج أو أجيء أخرجك، فخرجت وبست رأسه.
وذكر السكن أن جده أبا بكر عاش سبعاً وتسعين سنة، ووالده سبعاً وتسعين سنة، وجد جده سبعاً وتسعين سنة. قال: ومات جدي سنة إحدى وسبعين وثلاث مئة في شعبان.
وقال السكن: صام جدي وله اثنتا عشرة سنة إلى أن توفي.
أحمد بن محمد بن أحمد بن سلمة
أبو بكر بن أبي العباس الغساني، المعروف بابن شرام النحوي حدث عن أبي بكر محمد بن جعفر بن محمد بن سهل السامري بسنده عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الصحة والفراغ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس.
قال محمد بن جعفر: وأنشدونا لمحمود الوراق: من الطويل
إذا كان شكري نعمة الله نعمةً ... علي له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله ... وإن طالت الأيام واتصل العمر
قال عبد الله محمد بن المكرم مختصر هذا التاريخ: أذكرني هاذان البيتان ببيتين لي عملتهما في الصبا كنت أعتقد أني سبقت لمعناهما: من الكامل
كيف السبيل لشكر أنعمك التي ... كثرت فعجزٌ عدها أن تحصرا
ومتى أقوم بشكر نعمى شكرها ... نعمٌ يحق لمثلها أن تشكرا
نقل من كتاب عتيق أن أبا بكر بن شرام توفي في يوم الثلاثاء لعشرٍ خلون من شعبان سنة سبع وثمانين وثلاث مئة.(3/223)
أحمد بن محمد بن أحمد بن سليمان
أبو زكريا النيسابوري الصوفي، المعروف بابن الصائغ قدم دمشق، وحدث بها.
روى عن أبي عمرو أحمد بن محمد بن أبي منصور العمركي السرخسي بسنده عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجة الوداع يقول:
لا يزال أمر هذه الأمة عالياً على من ناوأها حتى يملك اثنا عشر خليفة، ثم قال كلمة خفيفة لم أسمعها. قال: فسألت أبي وهو أقرب إليه مني ما قال؟ قال: كلهم من قريش.
قدم دمشق مع حاج خراسان سنة خمس عشرة وأربع مئة.
توفي ليلة الجمعة لعشرٍ بقين من رمضان.
أحمد بن محمد بن أحمد ابن عبد الله بن حفص بن الخليل أبو سعد الهروي الماليني الصوفي
الحافظ طاوس الفقراء سمع بدمشق.
حدث، ونعم الشيخ كان، عن محمد بن أحمد بن يعقوب المفيد بسنده عن أنس بن مالك قال: حدثني ابني عني أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يجعل فص الخاتم من غيره.
وحدث عن أبي حمد الحسن بن عبد الله بن سعيد النحوي بسنده عن أنس بن مالك، حدثت الحجاج بحديث العرنيين قال: فلما كانت الجمعة قام يخطب فقال: تزعمون أني شديد العقوبة وهذا أنس حدثني عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قطع أيدي رجال وأرجلهم وسمل أعينهم. قال أنس: فوددت أني مت قبل أن أحدثه.
وكان أبو سعد الهروي الماليني الصوفي أحد الرحالين في طلب الحديث والمكثرين منه. كتب ببلاد خراسان، وما وراء النهر، وببلاد فارس، وجرجان، والري، وأصبهان،(3/224)
والبصرة، وبغداد، والكوفة، والشامات، ومصر. ولقي عامة الشيوخ والحفاظ الذين عاصرهم، وحدث عن جماعة. قدم بغداد عدة مرات آخرها سنة تسع وأربع مئة وخرج إلى مكة ومضى إلى مصر فأقام بها حتى مات بها يوم الثلاثاء سابع عشر شوال سنة اثنتي عشرة وأربع مئة. وكان ثقة، صدوقاً، متقناً، خيراً، صالحاً، فاضلاً.
أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب
أبو بكر الخوارزمي المعروف بالبرقاني الحافظ الفقيه قدم دمشق وسمع بها وبمصر وكان قد سمع ببلده وسمع بخراسان وببغداد. وروى عنه جماعة أعيان.
حدث ببغداد عن أبي العباس محمد بن أحمد النيسابوري بسنده عن عائشة أن الحارث بن هشام سأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف يأتيك الوحي؟ قال: كل ذلك: يأتي الملك أحياناً في مثل صلصلة الجرس فيفصم عني وقد وعيت عنه. قال: وهو أشده علي، ويتمثل لي الملك أحياناً رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول.
كان أبو بكر الخوارزمي البرقاني ثقة، ورعاًن متثبتاً، فهماً لم نر في المشايخ أثبت منه، حافظاً للقرآن، عارفاً بالفقه، له حظ من علم العربية كثير الحديث حسن الفهم له والبصيرة فيه، وكان حريصاً على العلم منصرف الهمة إليه.
وكان البرقاني يقول: ولدت في آخر سنة ست وثلاثين وثلاث مئة.
وقال أبو بكر البرقاني: دخلت أسفرايين ومعي ثلاثة دنانير ودرهم واحد، فضاعت الدنانير مني، وبقي معي الدرهم حسب، فدفعته إلى بقال وكنت آخذ منه في كل يوم رغيفين، وآخذ من بشر بن أحمد جزءاً من حديثه وأدخل مسجد الجامع فأكتبه، وأنصرف بالعشي، وقد فرغت منه، فكتبت في مدة شهر ثلاثين جزءاًز ثم نفد ما كان لي عند البقال فخرجت عن البلد.(3/225)
سكن البرقاني بغداد ومات بها في يوم الأربعاء أول رجب سنة خمس وعشرين وأربع مئة.
قال محمد بن علي الصوري: دخلت على البرقاني قبل وفاته بأربعة أيام أعوده. فقال لي: هذا اليوم السادس والعشرون من جمادى الآخرة، وقد سألت الله عز وجل أن يؤخر وفاتي حتى يهل رجب، فقد روي أن لله فيه عتقاء من النار عسى أن أكون منهم. قال الصوري: وكان هذا القول يوم السبت فتوفي صبيحة يوم الأربعاء مستهل رجب ودفن يوم الخميس. رحمه الله.
أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد
ابن منصور أبو الحسن البغدادي الجهني، المعروف بالعتيقي قدم دمشق غير مرة، وسمع بها وببغداد جماعة، وروى عنه جماعة.
حدث سنة سبع وثلاثين وأربع مئة عن علي بن محمد الرزاز بسنده عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من قال: الحمد لله الذي تواضع كل شيء لعظمته، والحمد لله الذي ذل كل شيء لعزته، والحمد لله الذي خضع كل شيء لملكه، والحمد لله الذي استسلم كل شيء لقدرته، فقالها يطلب بها ما عنده كتب الله له بها ألف ألف حسنة، ورفع له بها ألف ألف درجة، ووكل بها سبعين ألف ملك يستغفرون له إلى يوم القيامة.
وحدث أيضاً في المسجد الجامع بدمشق سنة ثلاثين وأربع مئة عن الحسن بن جعفر بن الوضاح السمسار بسنده عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهدى مرة غنماً.
ولد أبو الحسن العتيقي ببغداد وهو روياني الأصل، وكان صدوقاً. سئل عن(3/226)
مولده فقال: صبيحة يوم الخميس التاسع عشر من المحرم سنة سبع وستين وثلاث مئة. قلت: فالعتيقي نسبه إلى إيش؟ فقال: بعض أجدادي كان يسمى عتيقاً فنسبنا إليه.
وكان ثقة متقناً يفهم ما عنده، وكان الخطيب ربما دلسه وروى عنه وهو في الحياة، يقول: أخبرني أحمد بن أبي جعفر العتيقي لسكناه في قطيعة بغداد. وتوفي ببغداد في صفر سنة إحدى وأربعين وأربع مئة في يوم الثلاثاء الحادي عشر من صفر وقيل سنة أربعين.
والصحيح الأول.
أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي بن أحمد أبو الفضل المعروف بالفراتي
رئيس نيسابور وهو من أهل أستوا ناحية من نواحي نيسابور. قدم دمشق حاجاً وحدث بها.
روى في سنة أربعين وأربع مئة عن جده أبي عمرو الفراتي بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفس محمد بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه.
وحدث عن أبي الحارث محمد بن عبد الرحيم بن الحسن بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أكرم ذا شيبة فكأنما أكرم نوحاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قومه؛ ومن أكرم نوحاً في قومه فكأنما أكرم الله عز وجل.
كان أبو الفضل الفراتي شيخاً جليلاً مشهوراً، قلد رئاسة نيسابور، ثم خرج إلى الحج، ودخل الشام ومصر وبغداد ثم عاد إلى نيسابور، وعقد له مجلس الإملاء، وكان حسن العشرة راغباً في صحبة الصوفية. توفي في شعبان سنة ست وأربعين وأربع مئة في الطريق بين اسفرايين واستوا، ونقل تابوته إلى أستوا في شعبان.(3/227)
أحمد بن محمد بن أحمد أبو الحسين الكناني الفلسطيني
حدث بدمشق.
روى عن محمد بن أحمد بن القاسم الغازي الأصبهاني بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حق المسلم على المسلم ست قالوا: وما هي يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: إذا لقيه سلم عليه، وإذا دعاه أجابه، وإذا استنصح فانصح له، وإذا مات فاصحبه. توفي في المحرم سنة أربع وستين وأربع مئة.
أحمد بن محمد بن أحمد ابن جعفر أبو العباس الأكار النهربيني
، أخو أبي عبد الله المقرىء من سواد بغداد، كان فلاحاً يسكن قرية الحديثة من قرى الغوطة.
حدث عن أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي ببغداد بسنده عن عبد الله بن عمر قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الولاء وعن هبته.
مات أبو العباس بقرية الحديثة في سنة سبع وعشرين وخمس مئة.(3/228)
أحمد بن محمد بن أحمد
ابن محمد بن إبراهيم أبو طاهر بن أبي أحمد الأصبهاني السلفي الحافظ قدم دمشق طالب حديث سنة تسع وخمس مئة، فاقام بها مدة، وكتب بها عن جماعة، وسمع ببلده، وببغداد، وبالري، وبالبصرة، وبالكوفة، وبهمذان، وبغيرها. وخرج إلى مصر وسمع بها وبالإسكندرية، واستوطن الإسكندرية وتزوج بها امرأة ذات يسار فسلمت إليه مالها، فحصلت له ثروة بعد فقر وتصوف، وصارت له بالإسكندرية وجاهة، وبنى له أبو منصور علي بن إسحاق المعروف بابن السلار الملقب بالعادل أمير مصر مدرسة بالإسكندرية، ووقف عليها وقفاً.
حدث عن أبي الخطاب نصر بن أحمد بن عبد الله القارىء بسنده عن حذيفة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن رجلاً مات، فدخل الجنة، فقيل له: ما كنت تعمل - فإما ذكر وإما ذكر - فقال: إني كنت أبايع الناس وكنت أنظر المعسر وأتجوز في السكة أو في النقد، فغفر له، فقال ابن مسعود: أنا سمعته من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أنشد أبو طاهر لنفسه: من الطويل
أنأمن إلمام المنية بغتةً ... وأمن الفتى جهلٌ وقد خبر الدهرا
وليس يحابي الدهر في دورانه ... أراذال أهليه ولا السادة الزهرا
وكيف وقد مات النبي وصحبه ... وأزواجه طرا وفاطمة الزهرا
توفي الحافظ أبو طاهر بالإسكندرية يوم الجمعة نصف ربيع الآخر سنة ست وسبعين وخمس مئة. رحمه الله.(3/229)
أحمد بن محمد بن إبراهيم
ابن حكيم بن أسيد أبو عمرو المديني الأصبهاني المعروف بابن ممك من أهل مدينة جي حدث عن أبي علي أحمد بن محمد بن يزيد بن مسلم المعروف بابن أبي الخناجر بأطرابلس بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع.
توفي في جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مئة. وكان أديباً، فاضلاً، حسن المعرفة بالحديث.
أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم
ابن أيسباط بن عبد الله بن إبراهيم بن بديح مولى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب أبو بكر الدينوري الحافظ المعروف بابن السني حافظ مذكور، ومصنف مشهور، سمع بدمشق، والبصرة، والكوفة، وبغداد ومصر.
روى عن أبي محمد بن صاعد بسنده عن أبي هريرة أو أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ بعبادة الله عز وجل، ورجل كان قلبه معلقاً بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا، ورجل ذكر الله عز وجل خالياً، ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لم تعلم شماله ما صنعت يمينه.(3/230)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن إسحاق السني: كان أبي يكتب الأحاديث، فوضع القلم في أنبوبة المحبرة، ورفع يديه يدعو الله عز وجل، فمات. وسئل عن وفاته فقال: في آخر سنة أربع وستين وثلاث مئة.
أحمد بن محمد بن أسد بن يوسف
ابن معن بن زيد بن مزيد أبو الحسن الكلبي الملاعقي شيخ صالح حدث عن خيثمة بن سليمان بسنده عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أكرموا الشهود، فإن الله يستخرج بهم الحقوق ويدفع بهم الظلم.
وحدث عن معاوية بن دينويه الواعظ بسنده عن مسلم بن النضر قال: قرأت على حجر بالفسطاط مكتوب من البسيط
الأرض تعجب منا حيث نعمرها ... ويكثر الضحك من آمالنا الأجل
نبني وقد نفدت أيام مدتنا ... وليس ندري متى ندعى فنرتحل
أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يحيى
ابن يزيد بن دينار أبو الدحداح التميمي روى عن جماعة، وكان يسكن بدمشق روى عن عبد الوهاب بن عبد الرحيم بن عبد الوهاب الأشجعي بسنده عن جابر بن عبد الله قال: كانت يهود تقول: من أتى امرأته في قبلها من دبرها كان الولد أحول فأنزل الله عز وجل " نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ".
توفي في سنة ثمان وعشرين وثلاث مئة.(3/231)
أحمد بن محمد بن بشر بن يوسف
ابن إبراهيم بن حميد بن نافع، أبو الميمون القرشي مولى عثمان بن عفان المعروف بابن مامويه روى عن محمد بن سليمان المنقري بسنده عن ابن عباس أن جارية بكراً زوجها أبوها وهي كارهة فأتت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
توفي في رجب سنة ثمان وعشرين وثلاث مئة.
أحمد بن محمد بن بكار بن بلال العاملي
حدث عن أبيه بسنده عن أبي ذر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله تعالى يقول: يا عبادي، كلكم مذنب إلا من عافيت فاستغفروني أغفر لكم.
أحمد بن محمد بن بكار أبو العباس القرشي
قدم دمشق، وحدث بها.
روى عن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن صالح بن عبد الرحمن الصفار بسنده عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن ظلم من أرض شيئاً طوقه من سبع أرضين.
أحمد بن محمد بن بكر
روى عن أبي أيوب سليمان بن عبد الرحمن بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه.(3/232)
أحمد بن محمد بن بكر بن خالد
ابن يزيد أبو العباس النيسابوري الوراق، مولى بني سليم، المعروف بالقصير سمع بدمشق.
حدث عن يزيد بن مهران أبي خالد الخباز بسنده عن عائشة قالت: أول مولود ولد في الإسلام عبد الله بن الزبير قالت: فجئنا به إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليحنكه فقال: اطلبوا لي تمرة فطلبنا له تمرة فوالله ما وجدناها.
توفي لأيامٍ خلت من ربيع الأول سنة أربع وثمانين ومئتين.
أحمد بن محمد بن بكر الرملي
أبو بكر القاضي الباروذي الفقيه قاضي دمشق.
قال: دخلت العراق فكتبت كتب أهل العراق، وكتب أهل الحجاز، فمن كثرة اختلافهما لم أدر بأيهما آخذ، فعبرت من باب الطاق وأنا أريد الكرخ وقطيعة الربيع فحضرت صلاة المغرب، فدخلت المسجد. فلما أن قلت: الله أكبر، تفكرت في قول أهل العراق: من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة، وفي قول أهل الحجاز: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب. قال: فمن كثرة اختلافهما تركت الجماعة، وخرجت فأصابني غم وبت بغم. فلما كان في جوف الليل قمت وتوضأت وصليت ركعتين وقلت: اللهم اهدني إلى ما تحب وترضى، ثم أويت إلى فراشي، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يرى النائم دخل من باب بني(3/233)
شيبة، فأسند ظهره إلى الكعبة، ورأيت الشافعي وأحمد بن حنبل على يمين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبتسم إليهما ورأيت بشراً المريسي على يسار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكلح الوجه. فقلت: يا رسول الله، من كثرة اختلاف هاذين الرجلين لاأدري بأيهما آخذ، فأومأ إلى الشافعي وأحمد بن حنبل وقال: " أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة " ثم أومأ إلى بشر المريسي وقال: " فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين ".
قال أبو بكر: والله لقد رأيت هذه الرؤيا وتصدقت من الغد بألف درهم، وعلمت أن الحق مع الشيخين لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإيمان يمان والحكمة يمانية، ولقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تعلموا من قريش ولا تعلموها. فوجدنا الشافعي قرشياً مطلبياً. فحق على أهل الإسلام أن يتبعوه في مقالته. وبالله التوفيق.
أحمد بن محمد بن جعفر
أبو جعفر المنكدري حدث بصيدا عن محمد بن إسماعيل الأيلي بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الأزد أزد الله، يريد الناس أن يضعوهم ويأبى الله عز وجل إلا أن يرفعهم، وليأتين على الناس زمان يقول الرجل: يا ليت أني كنت أزدياً ويا ليت أمي كانت أزدية.
أحمد بن محمد بن حوري
أبو الفرج العكبري حدث عن إبراهيم بن عبد الله بن مهران الرملي بسنده عن أنس بن مالك قال: والله الذي لا إله غلا هو لسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب.(3/234)
أحمد بن محمد بن الحاج بن يحيى
أبو العباس الإشبيلي الشاه سكن مصر، وسمع بدمشق وبغيرها.
حدث عن أبي القاسم علي بن يعقوب بن إبراهيم بن شاكر بسنده عن البراء بن عازب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في العشاء بالتين والزيتون، فما سمعت أحداً أحسن منه أو قال: أقرأ منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
توفي أبو العباس أحمد الإشبيلي ثالث عشر صفر سنة خمس عشرة وأربع مئة بالفسطاط.
أحمد بن محمد بن الحجاج
ابن رشدين بن سعد بن مفلح بن هلالة، أبو جعفر المهدي المصري من أهل بيت حديث، سمع بدمشق وبغيرها.
حدث عن يحيى بن سليمان بن يحيى بن سعيد بن مسلم بسنده عن أسامة بن شريك قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مسجد منى فإذا أناس من الأعراب قالوا: يا رسول الله، ما خير ما أوتي المرء المسلم؟ قال: الخلق الحسن.
توفي أبو جعفر أحمد بن محمد بن الحجاج ليلة الأربعاء، ودفن يوم عاشوراء سنة اثنتين وتسعين ومئتين.(3/235)
أحمد بن محمد بن الحسن بن السكن
ابن عمير بن سيار أبو الحسن القرشي العامري البغدادي الحافظ قدم دمشق، وحدث بها.
حدث عن محمد بن موسى الخرشي بسنده عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن جده عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ما من مسلم يفجأه مبتلىً فيقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به إلا عافاه الله من ذاك البلاء كائناً ما كان، أبداً ما عاش.
وحدث عن إبراهيم بن عبد الله الهروي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من بدأ أخاه بالسلام كتب الله له عشر حسنات، ومن دعا له بظهر الغيب كتب له عشر حسنات.
قال أنس: إن كانت الشجرة لتفرق بيننا في السفر فنتلاقى بالسلام.
وحدث عن صالح بن عبد الكبير المسمعي بسنده عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لمقام أحدكم ساعةً في سبيل الله خيرٌ من عبادة غيره سبعين عاماً لا يعصي الله فيها طرفة عين.
قدم أحمد بن محمد بن السكن البغدادي أصبهان سنة أربع وثلاث مئة. وكان ليناً.(3/236)
أحمد بن محمد بن الحسن بن مرار
أبو بكر الضبي المعروف بالصنوبري الحلبي شاعر محسن. قدم دمشق، وله أشعار في وصفها ووصف متنزهاتها.
سئل ما السبب الذي من أجله نسب جده إلى الصنوبر حتى صار معروفاً به فقال: كان جدي الحسن بن مرار صاحب بيت حكمة من بيوت حكم المأمون فجرت له بين يديه مناظرة فاستحسن كلامه وحدة مزاجه فقال له: إنك لصنوبري الشكل يريد بذلك الذكاء وحدة المزاج.
فمن شعره: من الوافر
دخول النار للمهجور خيرٌ ... من الهجر الذي هو يتقيه
لأن دخوله في النار أدنى ... عذاباً من دخول النار فيه
ومن شعره: من السريع
شمسٌ غدا يشرب شمساً غدت ... حدها في النور من حده
تغيب في فيه ولكنها ... من بعد ذا تطلع في خده
ومن شعره من ابيات: من البسيط
ما الدهر إلا الربيع المستنير إذا ... جاء الربيع أتاك النور والنور
فالأرض ياقوتةٌ والجو لؤلؤةٌ ... والنبت فيروزجٌ والماء بلور
ما يعدم النبت كأساً من سحائبه ... فالنبت ضربان سكرانٌ ومخمور
فيه لنا الورد منضودٌ مورده ... بين المجالس والمنثور منثور
من شم ريح تحيات الربيع يقل ... لا المسك مسكٌ ولا الكافور كافور(3/237)
ومن شعره: من البسيط
تقول لي وكلانا عند فرقتنا ... ضدان أدمعنا در وياقوت
أقم بأرضك هذا العام قلت لها ... كيف المقام وما في منزلي قوت
ولا بأرضك حرٌّ يستجار به ... إلا لئيمٌ ومذمومٌ وممقوت
فاستعبرت ثم قالت فالإياب متى؟ ... فقلت ما قدر الرحمن موقوت
ومن شعره: من مجزوء الخفيف
علليني بموعدٍ ... وامطلي ما حييت به
ودعيني أفوز من ... ك بنجوى تطلبه
فعسى يعثر الزما ... ن ببختي فينتبه
أحمد بن محمد بن الحسن بن مالك
أبو العباس الجرجاني قدم الشام حدث عن أبي بكر أحمد بن صالح بن عمر المقرىء البغدادي بسنده عن أبي بردة قال: كنت جالساً عند عبيد الله بن زياد - زد في روايته - فأتي برؤوس من رؤوس الخوارج، فجعلت كلما أتي برأس أقول: إلى النار إلى النار، فعيرني عبد الله بن يزيد الأنصاري وقال: يا ابن أخي، وما تدري ما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: جعل عذاب هذه الأمة في دنياها؟.
أحمد بن محمد بن الحسين
أبو بكر السحيمي قاضي همذان سمع بدمشق.
حدث عن يحيى بن عثمان بن صالح السهمي بسنده عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من ذهب منكم إلى الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره. شرقوا أو غربوا.
كان صدوقاً واسع العلم.(3/238)
أحمد بن محمد بن الحسين أبو العباس
حدث عن محمد بن عبد الكريم بن محمد الطواوسي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يؤمن عبدٌ حتى يؤمن بالقدر خيره وشره حلوه ومره، وقبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده على لحيته وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، وقبض أنس بيده على لحيته وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره. قال: وقبض شهاب بيده على لحيته وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره. وقبض سعيد بيده على لحيته وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره. وقبض الكيساني بيده على لحيته وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره.
وقال الطواوسي: وقبض الطحاوي بيده على لحيته وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره.
وقال أبو العباس: وقبض الطواوسي بيده على لحيته وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره.
قال أبو الحسين: وقبض أبو العباس بيده على لحيته وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره.
قال عبد العزيز: وأخذ أبو الحسين عبد الوهاب بن جعفر بيده على لحيته وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره.
قال الفقيه: وأخذ عبد العزيز بيده على لحيته وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره. وقبض أبو الحسن علي بن المسلم بيده على لحيته وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره وأخذ الحافظ بيده على لحيته وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره.(3/239)
أحمد بن محمد بن الحسين أبو حامد
حدث عن أبي بكر محمد بن الحسن بن أبي الذيال الأصبهاني بسنده عن أبي هريرة قال: لما مات أبو طالب ضرب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما أسرع ما وجدت فقدك يا عم.
أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال
ابن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، أبو عبد الله الشيباني الإمام أصله من مرو، ومولده ببغداد ومنشؤه بها. أحد الأعلام من أئمة الإسلام.
حدث عن أبيه بسنده عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أخنع اسم عند الله عز وجل يوم القيامة رجل تسمى ملك الأملاك.
قال عبد الله: قال أبي: سألت أبا عمرو الشيباني عن أخنع اسم عند الله فقال: أوضع اسم عند الله عز وجل.
وأحمد بن حنبل من بني مازن بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار أخي مضر بن نزار.
وكان في ربيعة رجلان لم يكن في زمانهما مثلهما: لم يكن في زمان قتادة مثل قتادة، ولم يكن في زمان أحمد بن حنبل مثله. وهما جميعاً سدوسيان.
قال الخطيب: وقول من قال: إن أحمد من بني ذهل بن شيبان، غلط، إنما كان من بني شيبان بن ذهل بن ثعلبة، وذهل بن ثعلبة هذا هو عم ذهل بن شيبان. قال: حدثني من أثق به من(3/240)
العلماء بالنسب قال: مازن بن ذهل بن ثعلبة الحصن، هو ابن عكابة بن صعب بن علي، ثم ساق النسب إلى ربيعة بن نزار، فإذا قيل الشيباني لم يفد المطلق من هذا إلا ولد شيبان بن ثعلبة الحصن، وإذا قلت الذهلي لم يفد مطلق هذا إلا ولد ذهل بن ثعلبة الحصن فينبغي أن يقال أحمد بن حنبل الذهلي. على الإطلاق.
كان أحمد إماماً في النقل وعلماً في الزهد والورع، وكان أعلم الناس بمذاهب الصحابة والتابعين. أصله مروزي، وقدمت به أمه بغداد ونو حمل وولدته بها.
قال يحيى بن معين: ما رأيت خيراً من أحمد بن حنبل قط، ما افتخر علينا قط بالعربية ولا ذكرها.
وقال: ما سمعت أحمد بن حنبل يقول: أنا من العرب قط.
قال محمد بن الفضل: وضع أحمد بن حنبل عندي نفقته، فكان يجيء في كل يوم فيأخذ منه حاجته، فقلت له يوماً: يا أبا عبد الله بلغني أنك من العرب فقال: يا أبا النعمان، نحن قوم مساكين، فلم يزل يدافعني حتى خرج ولم يقل لي شيئاً.
ولد أحمد بن حنبل في سنة أربع وستين ومئة في ربيع الأول، وطلب الحديث في سنة تسع وسبعين وهو ابن ست عشرة.
ومات في رجب يوم الجمعة سنة إحدى وأربعين ومئتين وسنه سبع وسبعون سنة وكان رجلاً حسن الوجه، ربعة من الرجال، يخضب بالحناء خضاباً ليس بالقاني، في لحيته شعرات سود، وكانت ثيابه غلاظاً إلا أنها بيض، وكان يعتم وعليه إزار.
وقيل: كان شيخاً مخضوباً طوالاً أسمر شديد السمرة. رحمه الله.
وجده حنبل بن هلال ولي سرخس، وكان من أبناء الدعوة.
كان أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ثقة، ثبتاً، صدوقاً، كثير الحديث، وقد كان(3/241)
امتحن، وضرب بالسياط. أمر بضربه أبو إسحاق أمير المؤمنين على أن يقول القرآن مخلوق فأبى أن يقول، وقد كان حبس قبل ذلك قفثبت على قوله ولم يجبهم إلى شيء، ثم دعي ليخرج إلى الخليفة المتوكل ثم أعطي مالاً فأبى أن يقبل ذلك المال.
قال أبو بكر الخطيب: أحمد بن محمد بن حنبل إمام المحدثين، الناصر للدين، والمناضل عن السنة، والصابر في المحنة، نشأ ببغداد، ورحل إلى الكوفة، والبصرة، ومكة، والمدينة، واليمن، والشام والجزيرة.
قال أحمد: حججت خمس حجج منها ثلاث راجلاً أنفقت في إحدى هذه الحجج ثلاثين درهماً. قال: وخرجت إلى الكوفة فكنت في بيت تحت رأسي لبنة.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: ما لك لم ترحل إلى جرير بن عبد الحميد كما رحل أصحابك لعلك كرهته؟ فقال: والله، يا بني، ما كرهته وبودي أني رحلت إليه إنه كان إماماً في الرواية. قلت: فما كان السبب؟ فقال: لو كان معي ثلاثون درهماً لرحلت، فقلت: ثلاثون درهماً؟! فقال: لقد حججت في أقل من ثلاثين.
قال حرملة: سمعت الشافعي يقول: خرجت من العراق فما خلفت بالعراق رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أتقى من أحمد بن حنبل.
قال البيهقي:
إنما قال هذا إمامنا أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي عن تجربة ومعرفة منه بحال أبي عبد الله. رحمهم الله.
قال أبو إبراهيم المزني: قال الشافعي: لما دخلت على هارون الرشيد قلت له بعد المخاطبة: إني خلفت اليمن ضائعة تحتاج إلى(3/242)
حاكم قال: فانظر رجلاً ممن يجلس إليك حتى نوليه قضاءها، فلما رجع الشافعي إلى مجلسه ورأى أحمد بن حنبل من أمثلهم أقبل عليه فقال: إني كلمت أمير المؤمنين أن يولي قاضياً باليمن وإنه أمرني أن أختار رجلاً ممن يختلف إلي، وإني قد اخترتك، فتهيأ حتى أدخلك على أمير المؤمنين يوليك قضاء اليمن، فأقبل عليه أحمد بن حنبل وقال: إنما جئت إليك أقتبس منك العلم تأمرني أن أدخل لهم في القضء ووبخه، فاستحيا الشافعي.
قال عبد الله بن أحمد بن شبويه: سمعت قتيبة يقول: لولا الثوري لمات الورع، ولولا أحمد بن حنبل لأحدثوا في الدين. قلت لقتيبة: تضم أحمد بن حنبل إلى أحد التابعين فقال: إلى كبار التابعين.
وقال قتيبة: لو أدرك أحمد بن حنبل عصر الثوري ومالك والأوزاعي والليث بن سعد لكان هو المقدم.
وقال قتيبة: أحمد بن حنبل إمام الدنيا.
وقال قتيبة بن سعيد: لا يضم إلى أحمد بن حنبل أحد، ولولا أحمد لمات الورع، ما أعظم منة أحمد بن حنبل على جميع المسلمين.
وقال: حق كل مسلم أن يستغفر له.
وكان قتيبة يقول: يموت أحمد بن حنبل فتظهر البدع، ومات الشافعي فماتت السنن، ومات سفيان الثوري فمات الورع.
قال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي: أحمد بن حنبل حجة بين الله وبين عبيده في أرضه.(3/243)
قال إسحاق بن راهويه: قال لي أحمد بن حنبل: تعال حتى أريك رجلاً لم تر مثله، فذهب بي إلى الشافعي.
قال إسحاق: وما رأى الشافعي مثل أحمد بن حنبل.
قال إسحاق: ولولا أحمد بن حنبل وبذل نفسه لما بذلها له لذهب الإسلام.
قال علي بن المديني: إن الله أعز هذا الدين برجلين ليس لهما ثالث: أبو بكر الصديق يوم الردة وأحمد بن حنبل يوم المحنة.
قال الميموني: قال لي علي بن المديني: يا ميموني، ما قام أحد في الإسلام ما قام به أحمد بن حنبل، فتعجبت من هذا عجباً شديداً، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه قد قام في الردة وأمر الإسلام ما قام به. قال الميموني: فأتيت أبا عبيد القاسم بن سلام فتعجبت إليه من قول علي! فقال لي أبو عبيد مجيباً: إذاً يخصمك، قلت: بأي شيء يا أبا عبيد؟ وذكرت له أمر أبي بكر قال: إن أبا بكر رضي اعنه وجد أنصاراً وأعواناً وإن أحمد بن حنبل لم يجد ناصراً. وأقبل أبو عبيد يطري أبا عبد الله، ويقول: لست أعلم في الإسلام مثله.
قال أحمد بن القاسم بن مساور: كنا عند يحيى بن معين وعنده مصعب الزبيري فذكر رجلٌ أحمد بن حنبل فأطراه وزاد، فقال له رجل: " يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم "، فقال يحيى بن معين: كأن مدح أبي عبد الله غلو في الدين!! ذكر أبي عبد الله من محاسن الذكر، وصاح يحيى بالرجل.(3/244)
قال الحارث بن العباس: قلت لأبي مسهر: هل تعرف أحداً يحفظ على هذه الأمة دينها؟ قال: لا أعلمه إلا شاب في ناحية المشرق. يعني أحمد بن حنبل.
وقال الهيثم بن جميل: أحب هذا الفتى - يعني: أحمد بن حنبل - إن عاش سيكون حجة على زمانه.
سئل بشر بن الحارث عن أحمد بن حنبل بعد المحنة قال: ابن حنبل أدخل الكير فخرج ذهبه أحمر.
كان سعيد يقول: قلت لبشر بن الحارث: ألا صنعت كما صنع أحمد بن حنبل؟ فقال: تريد مني مرتبة النبيين؟ لا يقوى بدني على هذا. حفظ الله أحمد من بين يديه ومن خلفه ومن فوقه ومن أسفل منه وعن يمينه وعن شماله.
قال علي بن شعيب: كان أحمد بن حنبل الذي قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كائن في أمتي ما كان في بني إسرائيل، حتى إن المنشار ليوضع على فرق رأسه، ما يصرفه ذلك عن دينه. ولولا أحمد بن حنبل قام بهذا الشأن لكان عاراً علينا إلى يوم القيامة أن قوماً سبكوا فلم يخرج منهم أحد.
قال إبراهيم بن منه السمرقندي: سألت أبا محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن أحمد بن حنبل قلت: هو إمام؟ قال: إي والله، وكما يكون الإمام. إن أحمد بن حنبل أخذ بقلوب الناس، إن أحمد صبر على الفقر سبعين سنة.
وقال إسماعيل بن خليل: لو كان أحمد في بني إسرائيل لكان آية. وفي رواية: لكان عجباً.
قال حجاج بن الشاعر:
ما رأت عيناي روحاً في جسد أفضل من أحمد بن حنبل. رحمه الله.(3/245)
قال أبو عمير بن النحاس عيسى بن محمد بن عيسى وذكر عنده أحمد بن حنبل فقال: رحمه الله. عن الدنيا ما كان أصبره، وبالماضين ما كان أشبهه، وبالصالحين ما كان ألحقه. عرضت له الدنيا فأباها، والبدع فنفاها.
قال أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني: كانت مجالسة أحمد بن حنبل مجالسة الآخرة، لا يذكر فيها شيء من أمر الدنيا. ما رأيت أحمد بن حنبل ذكر الدنيا قط.
وقال أبو داود: لقيت مئتين من مشايخ العلم فما رأيت مثل أحمد بن حنبل، لم يكن يخوض في شيء مما يخوض فيه الناس من أمر الدنيا، فإذا ذكر العلم تكلم.
كان أبو زرعة يقول: ما رأت عيني مثل أحمد بن حنبل فقيل له: في العلم؟ فقال: في العلم، والزهد، والفقه، والمعرفة، وكل خير. ما رأيت عيني مثله.
قال أبو حاتم: إذا رأيتم الرجل يحب أحمد بن حنبل فأعلموا أنه صاحب سنة.
وقال أبو جعفر محمد بن هارون: إذا رأيت الرجل يقع في أحمد بن حنبل فاعلم أنه مبتدع.
قال إسحاق بن إبراهيم: كنت ألتقي بالعراق مع يحيى بن معين وخلف وأصحابنا وكنا نتذاكر بالحديث من طريقين وثلاثة، ثم يقول يحيى بن معين: وطريق كذا وطريق كذا، فأقول لهم: أليس قد صح بإجماع؟ فيقولون: نعم، فأقول: ما تفسيره؟ ما مراده، ما فقهه فيبقون كلهم إلا أحمد بن حنبل فإنه يتكلم بكلام له قوي.
قال أبو زرعة الرازي: كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألف حديث فقيل له: وما يدريك؟ قال: ذاكرته فأخذت عليه الأبواب.(3/246)
حدث عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه وذكر الشافعي رحمهم الله عنده فقال: ما استفاد منا أكثر مما استفدناه منه. قال عبد الله: كل شيء في كتاب الشافعي: أخبرنا الثقة، فهو عن أبي.
قال أحمد بن حنبل رحمه الله: ضللت الطريق في حجة، وكنت ماشياً فجعلت أقول: يا عباد الله، دلوني على الطريق. قال: فلم أزل أقول ذلك حتى وقفت على الطريق، أو كما قال.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: كنت جالساً عند أبي رحمه الله يوماً فنظر إلى رجلي وهما لينتان ليس فيهما شقاق فقال لي: ما هذه الرجلان لم لا تمشي حافياً حتى تصير رجلاك خشنتين؟ قال: وخرج إلى طرسوس ماشياً على قدميه.
قال عبد الله: وكان أبي أصبر الناس على الوحدة لم يره أحد إلا في مسجد، أو حضور جنازة، أو عيادة مريض. وكان يكره المشي في الأسواق.
قال علي بن محمد بن بدر: صليت الجمعة فإذا أحمد بن حنبل بقربٍ مني، فقام سائل يسأل، فأعطاه أحمد قطعة. فلما فرغوا من الصلاة قام رجل إلى ذلك السائل فقال: أعطني تلك القطعة فأبى قال: أعطني وأعطيك درهماًن فلم يفعل فما زال يزيده حتى بلغ خمسين درهماً، فقال: لا أفعل فإني لأرجو من بركة هذه القطعة ما ترجوه أنت.
قال علي بن أبي فزارة: حدثتني أمي وأفلجت واقعدت من رجليها دهراً فقالت لي يوماً: يا بني لو أتيت أحمد بن حنبل فسألته أن يدعو الله لي. قال: فعبرت إلى أحمد فدققت عليه الباب وكان في الدهليز فقال: من هذا؟ قلت له: يا أبا عبد الله رجل من إخوانك، قال: وما حاجتك؟ قلت: إن إمي مريضة قد أقعدت من رجليها وهي تسألك أن تدعو الله لها قال: فجعل يقول: يا هذا فمن يدعو لنا نحن؟ يا هذا من يدعو لنا نحن؟ قال ذلك مراراً، فكأني استحييت فمضيت، وقلت: سلام عليكم،(3/247)
فخرجت عجوز من منزله فقالت: إني قد رأيته يحرك شفتيه بشيء، وأرجو أن يكون يدعو الله لك. قال: فرجعت إلى أمي فدققت الباب فقالت: من هذا؟ فقلت: أنا علي، فقامت إلي ففتحت الباب فقلت: لا إله إلا الله إيش القصة؟ فقالت: لا أدري إلا أني قد قمت على رجلي، فتعجبت من ذلك، وحمدت الله عز وجل. قال: وذلك مسافة الطريق.
قال عبد الله بن أحمد: كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاث مئة ركعة. فلما مرض من تلك الأسواط أضعفته، فكان يصلي في كل يوم وليلة مئة وخمسين ركعة، وقد كان قرب من الثمانين. وكان يقرأ في كل يوم سبعاً يختم في كل سبعة أيام، وكانت له ختمة في كل سبع ليال سوى صلاة النهار، وكان ساعة يصلي العشاء الآخرة ينام نومةً خفيفة، ثم يقوم إلى الصباح، يصلي ويدعو.
قال عبد الله بن أحمد:
مكث أبي بالعسكر عند الخليفة ستة عشر يوماً وما ذاق شيئاً إلا مقدار ربع سويق. كل ليلة كان يشرب شربة ماء، وفي كل ثلاث ليال يستف حفنة من السويق، فرجع إلى البيت ولم ترجع إليه نفسه إلا بعد ستة أشهر. ورأيت موقيه قد دخلا في حدقتيه.
قال سليمان بن داود: حضرت أحمد بن حنبل باليمن وقد رهن سطلاً عند فامي، فجاء ليفتكه فأخرج إليه سطلين وقال: خذ أيهما سطلك؟ قال: لا أدري فلم يأخذه وترك الفكاك عليه. قال سليمان: فقلت للفامي أخرجت سطلين إلى رجل من أهل الورع والسطول تتشابه حتى شك فيه؟ فقال: والله إنه لسطله بعينه. قال: فسمعت أحمد بن حنبل يقول له: أنت في حلٍ منه ومن الفكاك.
قال حمدان بن سنان الواسطي: قدم علينا أحمد بن حنبل ومعه جماعة قال: فنفدت نفقاتهم. قال: فبررتهم فأخذوا، وجاءني أحمد بن حنبل بفروة فقال: قل لمن يبيع هذه فيجيئني بثمنها فأتسع به. قال:(3/248)
فأخذت صرة دراهم فمضيت بها إليه فردها. قال: فقالت امرأتي: هذا رجل صالح لعله لم يرضها فأضعفها، قال: فأضعفتها فلم يقبل، فأخذ الفروة مني وخرج.
قال أحمد بن محمد القشيري: ذكروا أنه أتى على أحمد بن حنبل ثلاثة أيام ما كان طعم فيها، فبعث إلى صديق له فاستقرض شيئاً من الدقيق، فعرفوا في البيت شدة حاجته إلى الطعام فخبزوا بالعجلة. فلما وضع بين يديه قال: كيف عملتم، خبزتم بسرعة؟ فقيل له: كان التنور في دار صالح ابنه مسجراً وخبزنا بالعجلة، فقال: ارفعوا ولم يأكل وأمر بسد بابه إلى دار صالح.
قال علي بن الجهم بن بدر: كان لنا جار، فأخرج إلينا كتاباً فقال: أتعرفون هذا الخط؟ قلنا: نعم، هذا خط أحمد بن حنبل، فقلنا له: كيف كتب ذلك؟ قال: كنا بمكة مقيمين عند سفيان بن عيينة ففقدنا أحمد بن حنبل أياماً لم نره، ثم جئنا إليه لنسأل عنه، فقال لنا أهل الدار التي هو فيها: هو في ذلك البيت، فجئنا إليه والباب مردود عليه، وإذا عليه خلقان، فقلنا له، يا أبا عبد الله، ما خبرك لم نرك منذ أيام؟! فقال: سرقت ثيابي، فقلت له: معي دنانير فإن شئت خذ قرضاً، وإن شئت صلة. فأبى أن يفعل، فقلت: تكتب لي بأجرة؟ قال: نعم. فأخرجت ديناراً فأبى أن يأخذه، وقال لي: اشتر لي ثوباً واقطعه بنصفين، فأومأ أنه يأتزر بنصف، ويرتدي النصف الآخر، وقال: جئني ببقيته، ففعلت وجئت بورق، فكتب لي. فهذا خطه رحمه الله.
قال رجاء بن السندي: قلت لأحمد بن حنبل وقد عقد شراك نعله شبه التصليب: يا أبا عبد الله، إن هذا يكره! قال: فدعا بسكين فقطعه، وما قال لي كيف ولا لم؟! وسئل أحمد بن حنبل عن التوكل. فقال: قطع الاستشراف بالإياس من الخلق. قيل له: فما الحجة فيه؟ قال: قول إبراهيم عليه السلام لما وضع في المنجنيق ثم(3/249)
طرح في النار، اعترض له جبريل عليه السلام فقال: هل من حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، قال: فسل من لك إليه الحاجة. فقال: أحب الأمرين إلي أحبهما إليه.
وقال أحمد بن حنبل: إن لكل شيء كرماً، وكرم القلوب الرضا عن الله عز وجل.
كان أبو إبراهيم المزني يقول: أحمد بن حنبل أبو بكر يوم الردة، وعمر يوم السقيفة، وعثمان يوم الدار، وعلي يوم صفين.
قال الربيع: إن الشافعي خرج إلى مصر وأنا معه فقال لي: يا ربيع، خذ كتابي هذا وامض به، وسلمه إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل، وائتني بالجواب. قال الربيع: فدخلت بغداد، ومعي الكتاب، فلقيت أحمد بن حنبل صلاة الصبح، فصليت معه الفجر. فلما انفتل من المحراب سلمت إليه الكتاب وقلت له: هذا كتاب أخيك الشافعي من مصر، فقال أحمد: نظرت فيه؟ قلت: لا، فكسر أبو عبد الله الختم، وقرأ الكتاب، فتغرغرت عيناه بالدموع فقلت: إيش فيه يا أبا عبد الله؟! قال: يذكر أنه رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم فقال له: اكتب إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل واقرأ عليه مني السلام وقل: إنك ستمتحن وتدعى إلى خلق القرآن فلا تجبهم، فسيرفع الله لك علماً إلى يوم القيامة. قال الربيع: فقلت: البشارة، فخلع أحد قميصيه الذي يلي جلده ودفعه إلي فأخذته، وخرجت إلى مصر، وأخذت جواب الكتاب، فسلمته إلى الشافعي، فقال لي الشافعي: يا ربيع، إيش الذي دفع إليك؟ قلت: القميص الذي يلي جلده. قال الشافعي: ليس نفجعك به ولكن بله وادفع إلي الماء لأتبرك به. وفي رواية: حتى أشركك فيه.
قال أبو جعفر الأنصاري:
لما حمل أحمد بن حنبل يراد به المأمون، اجتزت فعبرت الفرات إليه، فإذا هو في الخان، فسلمت عليه فقال: يا أبا جعفر تعنيت! فقلت: ليس هذا عناء. قال: فقلت له: يا هذا أنت اليوم رأس والناس يقتدون بك، فوالله إن أجبت إلى خلق(3/250)
القرآن ليجيبن بإجابتك خلق من خلق الله، وإن أنت لم تجب ليمتنعن خلق من الناس كثير. ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك، فإنك تموت، ولابد من الموت، فاتق الله ولا تجبهم إلى شيء، فجعل أحمد يبكي وهو يقول: ما شاء الله، ما شاء الله. قال: ثم قال لي أحمد: يا أبا جعفر، أعد علي ما قلت. قال: فأعدت عليه. قال: فجعل يقول ما شاء الله، ما شاء الله.
قال أبو بكر الشهرزوري: رأيت أبا ذر بسهرورد، وقد قدم مع واليها وكان مقطعاً بالبرص. يعني: وكان ممن ضرب أحمد بن حنبل بين يدي المعتصم. قال: دعينا في تلك الليلة ونحن خمسون ومئة جلاد فلما أمرنا بضربه كنا نغدو حتى نضربه، ثم نمر، ثم يجيء الآخر على أثره، ثم يضرب.
قال أبو بكر النجاحي: لما كان في تلك الغداة التي ضرب فيها أحمد بن حنبل زلزلنا ونحن بعبادان.
قال محمد الحنفي: كنت في الدار وقت أدخل أحمد بن حنبل وعشرة من العلماء. فلما أن مد أحمد ليضرب بالسوط دنا منه رجل وقال له: يا أبا عبد الله، أنا رسول خالد الحدد من الحبس، يقول لك: اثبت على ما أنت عليه، وإياك أن تجزع من الضرب، واصبر فإني قد ضربت ألف حد في الشيطان، وأنت تضرب في الله عز وجل.
قال سلمة بن شبيب: كنا عند أحمد بن حنبل إذ جاءه شيخ معه عكازه فسلم وجلس فقال: من منكم أحمد؟ قال أحمد: أنا، ما حاجتك؟ قال ضربت إليك من أربع مئة فرسخ، أريت الخضر عليه السلام في المنام قال لي: قم فصر إلى أحمد بن حنبل وسل عنه وقل له: إن ساكن العرش والملائكة راضون عنك بما صبرت نفسك.
حدث أبو بكر المروزي بطرسوس قال: رأيت أحمد بن حنبل في المنام، وعليه ثوبان مصقولان، وعلى رأسه تاج له ثمانية(3/251)
أركان، في كل ركن منه ياقوتة تضيء، وكذا في رجليه نعل من لؤلؤ رطب شراكها من زبرجد أخضر، فقلت: يا أحمد، بماذا نلت ذا من ربك؟ قال: بقولي: القرآن كلام الله وليس بمخلوق.
قال هلال بن العلاء الرقي: من الله على هذه الأمة بأربعة في زمانهم: بأحمد بن حنبل ثبت في المحنة، ولولا ذلك لكفر الناس، وبالشافعي تفقه بحديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبيحيى بن معين نفى الكذب عن حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبأبي عبيد القاسم بن سلام فسر الغريب من حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولولا ذلك لاقتحم الناس في الخطاء.
قال صالح بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي يوماً: إن فضلاً الأنماطي جاء إليه رجل فقال: اجعلني في حلٍ قال: لا جعلت أحداً في حل أبداً، قال: فتبسم، فلما مضت أيام قال: يا بني، مررت بهذه الآية " فمن عفا وأصلح فأجره على الله " فنظرت في تفسيرها فإذا هو إذا كان يوم القيامة قام منادٍ فنادى: لا يقوم إلا من كان أجره على الله فلا يقوم إلا من عفا، فجعلت الميت في حلٍ من ضربه إياي، ثم جعل يقول: وما على رجل ألا يعذب الله أحداً بسببه.
قال أبو عيسى عبد الرحم بن زاذان: كنت في المدينة بباب خراسان وقد صلينا، ونحن قعود، وأحمد بن حنبل حاضر، فسمعته وهو يقول: اللهم من كان على هوىً أو على رأيٍ وهو يظن أنه على الحق فرده إلى الحق حتى لا يضل من هذه الأمة أحد، اللهم لا تشغل قلوبنا بما تكفلت لنا به، ولا تجعلنا في رزقك خولاً لغيرك، ولا تمنعنا خير ما عندك بشر ما عندنا، ولا ترانا حيث نهيتنا ولا تفقدنا من حيث أمرتنا، أعزنا ولا تذلنا، أعزنا بالطاعة، ولا تذلنا بالمعاصي. وجاء إليه رجلٌ فقال له شيئاً لم أفهمه، فقال له: اصبر، فإن النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً.(3/252)
قال أبو حاتم الرازي: قلت لأحمد بن حنبل: كيف نجوت من سيف الواثق؟ وعصا المعتصم؟ فقال لي: يا أبا حاتم، لو وضع الصدق على جرح برأ.
كان أحمد بن إبراهيم يقول: من سمعتموه يذكر أحمد بن حنبل بسوء فاتهموه على الإسلام.
قال أبو الحسن الطرخاباذي: أحمد بن حنبل محنة به يعرف المسلم من الزنديق.
قال سفيان بن وكيع: أحمد بن حنبل محنة، من عاب أحمد فهو فاسق.
قال محمد بن فضيل البلخي:
كنت أتناول أحمد بن حنبل. قال: فوجدت في لساني ألماً، فاغتممت، ثم وضعت رأسي فنمت، فأتاني آت فقال: هذا الذي وجدت في لسانك بتناولك الرجل الصالح. قال: فانتبهت فجعلت أستغفر الله وأقول: لا أعود إلى شيء من هذا. قال: فذهب ذلك الألم.
قال صالح بن أحمد: حضرت أبي الوفاة فجلست عنده وبيدي الخرقة لأشد بها لحييه، فجعل يعرق ثم يفيق، ويفتح عينيه ويقول بيده هكذا. لا، بعد، لا، بعد. ثلاث مرات، فقلت له: يا أبه، إيش هذا الذي قد لهجت به في هذا الوقت؟ قال: يا بني، ما تدري! قلت: لا. قال: إبليس لعنه الله قائماً بحذائي عاضاً على أنامله يقول لي: يا أحمد، فتني، فأقول: لا، حتى أموت.
قال عبد الله بن أحمد: لما مرض أبي، واشتد مرضه ما أن، فقيل له في ذلك، فقال: بلغني عن طاوس أنه(3/253)
قال: أنين المريض شكوى لله. قال عبد الله: فما أن حتى مات. قال: فلما كان قريب موته بيوم أخرج من جيبه صريرة فيها مقدار درهمين فضة فقال: كفروا عني كفارة يمين واحدة، فإني أظن أني حنثت في دهري في يمين واحدة.
قال بيان بن حمد بن أبي خالد القصباني: حضرت الصلاة على جنازة أحمد بن حنبل يوم الجمعة سنة إحدى وأربعين ومئتين، وكان الإمام عليه محمد بن عبد الله بن طاهر، فأخرجت جنازة أحمد فوضعت في صحراء أبي قيراط وكان الناس خلفه إلى عمارة سوق الرقيق. فلما انقضت الصلاة قال محمد بن عبد الله بن طاهر: انظروا كم صلى عليه ورائي قال: فنظرا، فكانوا ثمان مئة ألف رجل وستين ألف امرأة، ونظروا من صلى في مسجد الرصافة للعصر فكانوا نيفاً وعشرين ألف رجل.
قال مجمع بن مسلم: كان لنا جار قتل بقزوين. فلما كان الليلة التي مات فيها أحمد بن حنبل خرج إلينا أخوه في صبيحتها فقال: إني رأيت رؤيا عجيبة: رأيت أخي الليلة في أحسن صورة راكباً على فرس. فقلت له: يا أخي، ألي قد قتلت فما حاجتك؟ قال: إن الله عز وجل أمر الشهداء وأهل السماوات أن يحضروا جنازة أحمد بن حنبل، فكنت فيمن أمر بالحضور فأرخنا تلك الليلة فإذا أحمد بن حنبل مات فيها.
قال إبراهيم بن جعفر المروزي: رأيت أحمد بن حنبل في المنام يمشي مشيةً يختال فيها، فقلت: ما هذه المشية يا أبا عبد الله؟ فقال: هذه مشية الخدام في دار السلام.
قال فتح بن الحجاج: سمعت في ذلك الأمر محمد بن عبد الله بن طاهر أن الأمير بعث عشرين رجلاً فحرروا كم صلى على أحمد بن حنبل؛ قال: فحرروا فبلغ ألف ألف وثمانين ألفاً سوى من كان في السفن في الماء.
وقال في رواية أخرى: ألف ألف وثلاث مئة ألف سوى من كان في السفن.(3/254)
قال الوركاني جار أحمد بن حنبل: وأسلم يوم مات أحمد بن حنبل عشرون ألفاً من اليهود والنصارى والمجوس. وقال: يوم مات أحمد بن حنبل وقع المأتم والنوح في أربعة أصناف من الناس: المسلمين واليهود والنصارى والمجوس.
قال أبو يوسف بن تحتان وكان من خيار المسلمين قال: لما مات أحمد بن حنبل رأى رجل في منامه كأن على كل قبر قنديلاً، فقال: ما هذا؟ فقيل له: أما علمت أنه نور لأهل القبور، قبورهم بنزول هذا الرجل بين أظهرهم، قد كان فيهم من يعذب فرحم.
قال أبو عبد الله محمد بن خزيمة الاسكندراني:
لما مات أحمد بن حنبل اغتممت غماً شديداًن فبت من ليلتي، فرأيته في المنام وهو يتبختر في مشيته، فقلت له: يا أبا عبد الله، أي مشية هذه؟ فقال: هذه مشية الخدام في دار السلام. فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، وتوجني وألبسني نعلين من ذهب، وقال لي: يا أحمد، هذا بقولك القرآن كلامي، ثم قال لي: يا أحمد، ادعني بتلك الدعوات التي بلغتك عن سفيان الثوري التي كنت تدعو بهن في دار الدنيا. قال: قلت: يا رب كل شيء بقدرتك على كل شيء. لا تسألني عن شيء، اغفر لي كل شيء، فقال لي: يا أحمد، هذه الجنة، قم ادخل إليها، فدخلت. فإذا أنا بسفيان الثوري وله جناحان أخضران يطير بهما من نخلة إلى نخلة وهو يقول: الحمد لله الذي أورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين. قال: فقلت: ما فعل عبد الوهاب الوراق؟ قال: تركته في بحرٍ من نور يزار به إلى الملك الغفور. قال: فقلت: ما فعل بشر؟ فقال لي: بخ بخ ومن مثل بشر؟ تركته بين يدي الجليل وبين يديه مائدة من الطعام، والجليل مقبل عليه، وهو يقول: كل يا من لم تأكل واشرب يا من لم تشرب وانعم يا من لم تنعم. أو كما قال.(3/255)
قال بلال الخواص: كنت في تيه بني إسرائيل فإذا رجل يماشيني، فتعجبت، ثم ألهمت أنه الخضر عليه السلام، فقلت له: بحق الحق من أنت؟ فقال: أنا أخوك الخضر. قلت: أريد أن أسألك. قال: سل، قلت: ما تقول في الشافعي؟ فقال لي: هو من الأوتاد. قلت: فما تقول في أحمد بن حنبل؟ فقال رجل صديق. قلت: فما تقول في بشر بن الحارث؟ فقال: رجل لم يخلف بعده مثله. فقلت له: بأي وسيلة رأيتك؟ قال: ببرك أمك.
قال عبد الله بن حنين: قدم علينا رجل من أهل العراق يقال: إنه من أفاضلهم، فقال لي يوماً: رأيت رؤيا وقد احتجت أن تدلني على رجل حسن العبارة يعبر. قال: قل. فقال لي: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنه في فضاءٍ من الأرض وعنده نفر، فقلت لبعضهم: من هذا؟ فقال لي: هذا محمد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقلت: وما تصنعون ها هنا؟ قال: ننتظر أمته أن يوافوه. فقلت في منامي: لأقعدن حتى أنظر ما يكون حال في أمته، فبينا أنا كذلك إذ اجتمع الناس وإذا مع كل رجل منهم قناة فظننت أنه يريد أن يبعث بعثاً. قال: فنظر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأى قناة أطول من تلك القناة كلها. فقال: من صاحب القناة؟ قالوا: أحمد بن حنبل، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ائتوني به، قال: فجيء به، والقناة في يده فأخذها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهزها ثم ناوله إياها وقال له: اذهب فأنت أمير القوم، ثم قال للناس اتبعوه فإنه أميركم، واسمعوا له، وأطيعوا. قال عبد الله بن حنين: فقلت له: هذه رؤيا لا تحتاج إلى عبارة.
قال صدقة المقابري: كان في نفسي على أحمد بن حنبل. قال: فرأيت في النوم كأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمشي في طريق، وهو آخذ بيد أحمد بن حنبل وهما يمشيان على تؤدة ورفق، وأنا خلفهما أجهد نفسي أن ألحق بهما فما أقدر. فلما استيقظت ذهب ما كان في نفسي، ثم رأيت بعد كأني في الموسم وكأن الناس مجتمعون فنادى منادٍ: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فنادى منادٍ:(3/256)
يؤمكم أحمد بن حنبل، فإذا أحمد بن حنبل فصلى بهم، وكنت إذا سئلت عن شيء قلت: عليكم بالإمام، يعني: أحمد بن حنبل.
قال أحمد بن نصر: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منامي فقلت له: يا رسول الله، بمن تأمرنا أن نقتدي من أمتك في عصرنا، ونركن إلى قوله ونعتقد مذهبه؟ فقال لي: عليكم بمحمد بن إدريس فإنه مني، وإن الله قد رضي عنه وعن جميع أصحابه ومن يصحبه ويعتقد مذهبه إلى يوم القيامة. قلت له: وبمن؟ قال: بأحمد بن حنبل، فنعم الفقيه الورع الزاهد.
قال أحمد بن محمد الكندي: رأيت أحمد بن حنبل في المنام. قال: فقلت: يا أبا عبد الله، ما صنع الله بك؟ قال: غفر لي، ثم قال: يا أحمد، ضربت في!! قال: نعم يا رب. قال: يا أحمد، هذا وجهي فانظر إليه، فقد أبحتك النظر إليه.
أحمد بن محمد بن حمدان
أبو العباس بن أبي صليعة الصيداوي إمام مسجد عرق بصيدا.
حدث عن أبي نصر محمد بن أحمد بن الليث الرافعي القاضي بصيدا بسنده عن يحيى بن سعيد قال:
خرجت مع سعيد بن المسيب في ليلة ظلماء مطيرة ومعي سراج أو شمعة، فقال سعيد: ما هذا؟ قلت: نستضيء به حتى ندخل منزلنا. فقال: لا حاجة لنا في هذا، نور الله أفضل من هذا. سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: بشر المشائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة. قال مالك بن أنس: هم عندنا شهداء العتمة.(3/257)
أحمد بن محمد بن رميح بن وكيع
ابن رجاء أبو سعيد النخعي النسوي الحافظ رجل مشهور بخراسان، وله رحلة إلى العراق، والشام، ومصر.
حدث عن محمد بن عبد السلام البيروتي بسنده عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: السفر قطعة من العذاب.
وحدث عن محمد بن الحسن بن قتيبة بسنده عن علي بن أبي طالب قال: تزاوروا، وأكثروا مذاكرة الحديث. فإن لم تفعلوا يندرس الحديث.
وكان أحمد النسوي ثقة في الحديث.
قال أبو عبد الله الحافظ: أحمد بن محمد بن رميح الحافظ الثقة المأمون ولادته بالشرمقان، ومنشؤه بمرو، ومستقره كان باليمن عند السادة الصعدية. وكذلك يقال له: الزيدي، ثم انتقل منها إلى العراق، وانصرف إلى خراسان، فأقام بنيسابور ثلاث سنين، ثم انتقل إلى العراق ثانياً، وقبله الناس وأكثروا السماع منه، ثم استدعي إلى صعدة فأدركته المنية في البادية، فتوفي بالجحفة سنة سبع وخمسين وثلاث مئة قيل في فصفر منها سمع بنيسابور، وبمرو، وبما وراء النهر وببلخ، وبهراة، وبالري وببغداد، وبالبصرة، وبالأهواز، وبالجزيرة، وبالكوفة، وبمكة، وبمصر، وبالشام، وصنف وجمع، وذاكر. وكان معدوداً في حفاظ الحديث. وضعفه أبو زرعة.(3/258)
قال الخطيب: والأمر عندنا بخلاف قول أبي زرعة، فإن ابن رميح كان ثقة ثبتاً لم يختلف شيوخنا الذين لقوه في ذلك.
أحمد بن محمد بن روح أبو يحيى
أحد شيوخ الصوفية حدث عن ذي النون بن إبراهيم الإخميمي.
قال ذو النون: لو أن الخلق عرفوا ذل أهل المعرفة في أنفسهم عند أنفسهم لحثوا التراب في وجوههم. قال: فذكرت ذلك لطاهر، فقال: سقى الله أبا الفيض خيراً لكني أقول: لو أبدى الله نور قلوب أهل المعرفة للزاهدين والعابدين لاحترقوا، واضمحلوا، وتلاشوا حتى كأنهم لم يكونوا. قال: فذكرت ذلك لابن أبي الحواري فقال: أما ذو النون فقال ذلك في وقت ذكره لنفسه، وأما طاهر فقال ذلك في وقت ذكره لربه عز وجل. وقد أصابا جميعاً.
أحمد بن محمد بن الزبير
وقيل أحمد بن محمد بن شقير بن الزبير - أبو علي الأطرابلسي، المعروف بابن شقير حدث عن مؤمل بن إسماعيل بسنده عن أبي ذر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم.
وحدث عن زيد بن يحيى بن عبيد بسنده عن أم حبيبة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من ركع قبل الظهر أربعاً وبعدها أربعاً حرم الله بدنه على النار.(3/259)
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: أحمد بن محمد بن الزبير كتبنا عنه وهو صدوق.
أحمد بن محمد بن زكريا
أبو العباس النسوي الصوفي جاور بمكة، وكان شيخ الحرم، وسمع بدمشق وبغيرها.
حدث عن أبي صالح خلف بن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن نصر بن عبد الرحمن المعروف بالخيام بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أترعوا الطسوس وخالفوا المجوس.
وحدث عن عبد الله بن محمد بن اسفنديار قال: سمعت الحسن بن علويه قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: إلهي، ذنوبي لها غاية وليس لكرمك غاية، فكيف يدفع ماله الغاية وهو من صفتي ما لا غاية له وهي صفتك؟ توفي أبو العباس النسوي بعينونة سنة ست وتسعين وثلاث مئة. وقيل: سنة ثمان وتسعين.
وعينونة منزل بالحجاز بين مكة ومصر. وكان ثقة. وسعى به بعض البغداديين إلى أبي المعالي بن سيف الدولة وقال: إنه ناصبي يبغض علي بن أبي طالب، فعرض على سب الصحابة فأبى، فأمر به أن يحمل إلى جسر منبج ويغرق في الفرات فعطف الله بقلوب الموكلين عليه حتى خرقوا الرقعة التي كانت معهم إلى والي منبج، وخلصه الله من أيديهم.(3/260)
أحمد بن محمد بن زياد بن بشر
ابن درهم أبو سعيد بن الأعرابي البصري نزيل مكة سمع بدمشق، وبالرملة، وبمصر.
حدث بمكة في سنة سبع وثلاثين وثلاث مئة عن الزعفراني بسنده عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع الولاء وعن هبته.
وحدث بسنده عن أبي قصي إسماعيل بن محمد العذري بدمشق عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أتى الجمعة فليغتسل.
كان أبو سعيد بن الأعرابي بصري الأصل، سكن مكة، ومات بها. وكان شيخ الحرم في وقته، صحب الجنيد وغيره، وصنف كتباً من شرف الفقر وغيره. وكتب الحديث الكثير ورواه. وكان يتفقه، ويميل إلى مذهب الحديث والظاهر.
قال ابن الأعرابي: أخسر الخاسرين من أبدى للناس صالح أعماله وبارز بالقبيح من هو أقرب غليه من حبل الوريد.
وكان ثقة. أثنى عليه كل من لقيه من أصحابه.
حدث ابن الأعرابي في سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مئة في مسجده بمكة أن الله عز وجل جعل نعمته سبباً لمعرفته، وتوفيقه سبباً لطاعته، وعصمته سبباً لاجتناب معصيته، ورحمته سبباً للتوبة، والتوبة سبباً لمغفرته والدنو منه.
وسئل أبو سعيد هذا عن أخلاق الفقراء فقال: أخلاق الفقراء السكون عند الفقر، والاضطراب عند الوجود، والأنس بالهموم، والوحشة عند الأفراح.
مات أبو سعيد بن الأعرابي سنة إحدى وأربعين وثلاث مئة أو سنة أربعين.(3/261)
أحمد بن محمد بن سعيد
ابن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن سعيد بن أبي مريم، أبو بكر القرشي الوراق وراق بن جوصا المعروف بابن فطيس صاحب الخط المشهور. مولى جويرية بنت أبي سفيان.
حدث عن أبي الحسن أحمد بن أبي رجاء نصر بن شاكر بسنده عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من علم عبداً آية من كتاب الله فهو مولاه، لا ينبغي له أن يخذله ولا يتبرأ منه، فإن فعل فقد فصم عروةً من عرى الإسلام.
توفي في شوال سنة خمسين وثلاث مئة. وكان ثقة مأموناً. ومولده سنة اثنتين وسبعين ومئتين.
أحمد بن محمد بن سعيد أبي عثمان
ابن إسماعيل بن سعيد بن منصور، أبو سعيد النيسابوري حدث بدمشق، وبصور.
حدث عن حامد بن محمد بن شعيب بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة: النبي في الجنة، والصديق في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا الله، ونساؤكم من أهل الجنة الودود الولود العود على زوجها التي إذا غضب جاءت حتى تضع يدها في يد زوجها ثم تقول: لا أذوق غمضاً حتى ترضى.
كان جمع الحديث، وصنف في الأبواب والشيوخ، وأدركته الشهادة بطرسوس. خرج من نيسابور سابع رمضان سنة اثنتين وخمسين وثلاث مئة. وتوفي بطرسوس نصف شعبان سنة ثلاث وخمسين وثلاث مئة. وهو ابن خمس وستين سنة.(3/262)
أحمد بن محمد بن سعيد بن فورجة
أبو طاهر الهروي الصوفي حدث بدمشق عن عبد الوهاب بن محمد الخطابي الهروي بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها.
أحمد بن محمد بن سعيد بن محمد
ابن الحسن بن حسكة بن عامر بن هشام بن عامر، أبو نصر القيسي الطريثيثي الصوفي سمع بمصر وبدمشق، وبيت المقدس.
حدث في جمادى الأولى سنة خمس وأربعين وأربع مئة عن أبي الحسن علي بن منير بن أحمد بن الحسن بن علي بن منير الخلال بسنده عن عبد الله بن عمر قال: كان من دعاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، ومن تحويل عاقبتك، ومن فجأة نقمتك، ومن جميع سخطك وغضبك.
توفي أبو نصر الطريثيثي يوم الثلاثاء تاسع رجب سنة سبع وثمانين وأربع مئة بدمشق. كانت امرأة قد جنت فرآها أبو نصر على باب الجامع مكشوفة الرأس فأمرها أن تغطي رأسها فضربته بسكين فمات بعد أيام.
أحمد بن محمد بن سليمان
أبو الحسن البغدادي العلاف المعروف بابن الفأفاء سمع بدمشق وبغيرها.
حدث سنة أربع وثمانين ومئتين عن طالوت بن عباد الصيرفي بسنده عن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أول الآيات طلوع الشمس من مغربها.
مات نصف المحرم سنة خمس وثمانين ومئتين.(3/263)
أحمد بن محمد بن سهل
أبو بكر البغدادي ويعرف ببكير حدث بدمشق.
روى عن أبي مسلم إبراهيم بن عبد الله البصري بسنده عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ويل للذي يحدث ليضحك به قومه فيكذب، ويل له، ويل له.
أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة
ابن عبد الملك بن سلمة بن سليم، أبو جعفر الأزدي الحجري المصري الطحاوي الفقيه الحنفي وطحا قرية من قرى مصر. خرج إلى الشام سنة ثمان وستين ومئتين.
حدث عن يونس بسنده عن عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها قالت: رأيت رجلاً يوم الخندق على صورة دحية بن خليفة الكلبي على دابة يناجي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليه عمامة قد سدلها خلفه فسألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ذلك جبريل أمرني أن أخرج إلى بني قريظة.
ولد أبو جعفر الأزدي سنة تسع وثلاثين ومئتين ليلة الأحد لعشر ليال خلون من ربيع الأول وقيل سنة ثمان وثلاثين. وتوفي ليلة الخميس مستهل ذي القعدة سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة بمصر. وكان ثقة، ثبتاً، فقيهاً، عاقلاً، لم يخلف مثله.
كان من أصحاب أبي حنيفة، وإليه انتهت رئاستهم. وكان شافعياً يقرأ على أبي إبراهيم المزني فقال له يوماً: والله، لا جاء منك شيء، فغضب أبو جعفر من ذلك، وانتقل إلى أبي جعفر بن أبي عمران. فلما صنف مختصره قال: رحم الله أبا إبراهيم، لو كان حياً لكفر عن يمينه.(3/264)
أحمد بن محمد بن سلامة
ابن عبد الله أبو الحسين الستيتي الأديب ذكر أنه من ولد ستيتة مولاة يزيد بن معاوية، ويعرف بابن الطحان.
حدث بداره في دمشق عن أبي الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة القرشي الاطرابلسي بسنده عن أنس بن مالك قال: قالت أم حبيبة: يا رسول الله، المرأة منا يكون لها زوجان في الدنيا ثم تموت فتدخل الجنة هي وزوجاها فلأيهما تكون للأول أو للآخر؟ قال: يا أم حبيبة تكون لأحسنهما خلقاً كان معها في الدنيا. يا أم حبيبة، ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة.
توفي يوم الاثنين السابع والعشرين من صفر سنة سبع عشرة وأربع مئة. وذكر أنه رأى بخط أبيه أن مولده يوم الثلاثاء لخمس خلون من شوال سنة ثمان وعشرين وثلاث مئة.
سمع السيفيات من شعر المتنبي منه. وكان يتهم بالتشيع فحلف لنا أنه بريء من ذلك وأنه من موالي يزيد، فكيف يتشيع وقد زار قبر يزيد.
أحمد بن محمد بن الصلت بن المغلس
أبو العباس الحماني ويقال: أحمد بن الصلت ويقال: أحمد بن عطية ابن أخي جبارة بن مغلس البغدادي أصله من الكوفة.
حدث عن أبي نعيم الفضل بن دكين بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة إلا ابني الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا عليهم السلام.
قال الخطيب: أحمد بن الصلت كان ينزل الشرقية ببغداد حدث عن جماعة أحاديث أكثرها باطلة هو وضعها.(3/265)
وقال الخطيب: لا أبعد أن تكون هذه الحكاية موضوعة، وحال أحمد بن الصلت أظهر من أن يقع فيها الريبة أو يدخل عليها الشبهة.
وقال أبو أحمد بن عدي: أحمد بن الصلت رأيته في سنة سبع وتسعين ومئتين يحدث عن قدماء الشيوخ قد ماتوا قبل أن يولد بدهر، وما رأيت في الكذابين أقل حياء منه.
مات أحمد بن الصلت في المحرم سنة اثنتين وثلاث مئة.
قال الخطيب: وهذا غلط، والصواب أنه مات في شوال سنة ثمان وثلاث مئة.
أحمد بن محمد بن عاصم الرازي
حدث عن هشام بن عمار بسنده عن أبي ذر قال: قلت يا رسول الله، الصلاة في مسجدك هذا أفضل أم في بيت المقدس، فقال: صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه. ولنعم المصلي هو، أرض المحشر والمنشر.
أحمد بن محمد بن عامر بن المعمر
ابن حماد أبو العباس الأزدي، ويعرف بابن رشاش حدث عن هشام بن عمار بسنده عن جابر بن عبد الله قال: قرأ علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سورة الرحمن حتى ختمها ثم قال: مالي أراكم سكوتاً، للجن كانوا أحسن منكم رداً، ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة " فبأي آلاء ربكما تكذبان " إلا قالوا: ولا بشيء من نعمك، ربنا، نكذب فلك الحمد.(3/266)
وحدث عنه أيضاً بسنده عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أيما رجل باع سلعة فوجدها بعينها عند رجل قد أفلس ولم يكن قبض من ثمنها شيئاً فهي له، وإن كان قد قبض من ثمنها فهو أسوة الغرماء.
أحمد بن محمد بن عبد الله ابن صدقة أبو بكر الحافظ البغدادي
حدث عن صالح بن محمد بن يحيى القطعي بسنده عن عائشة
أنها اشترت نمرقة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: فألقيتها. قالت: ثم كأني رأيت الغضب في وجهه، فقالت عائشة: أعوذ بالله من سخط الله وسخط رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما هذا يا عائشة؟ قالت: اتخذتها إذا دخل عليك أو جاءك وافد فقال: إن أصحاب هذه الصور يعذبون عذاباً لا يعذبه أحد من العالمين. يقال لهم: أحيوا ما خلقتم.
كان أبو بكر الحافظ ثقة، وكان من الحذق والضبط على نهاية ترضي بين أهل الحديث. توفي في المحرم سنة ثلاث وتسعين ومئتين.
أحمد بن محمد بن عبد الله أبو عبد الله الطبرستاني
قدم دمشق وحدث.
روى عن أبي عبد الله محمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس الرازي بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نبات الشعر في الأنف أمان من الجذام.
أحمد بن محمد بن عبد الله ابن عبد السلام أبو علي بن مكحول البيروتي
حدث عن إسحاق بن إبراهيم بن نبيط بن شريط بالحيرة عن أبيه إبراهيم عن أبيه نبيط بن شريط قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار.(3/267)
وحدث أيضاً عنه بسنده قال: مر عمر على عثمان بن عفان فسلم عليه، فلم يرد السلام، فجاء عمر إلى أبي بكر الصديق فقال: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا أخبرك بمصيبة نزلت بنا من بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! قال: وما هي؟! قال: مررت على عثمان فسلمت فلم يرد علي السلام فقال أبو بكر: أو كان ذلك؟ قال: نعم. فأخذ بيده وجاء إلى عثمان فسلما عليه، فرد عليهما السلام، فقال ابو بكر: جاءك عمر فسلم عليك فلم ترد عليه. فقال: والله يا خليفة رسول الله ما رأيته، قال: وفي أي شيء كان فكرتك؟ قال: كنت مفكراً في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فارقنا ولم نسأله كيف الخلاص والمخلص من النار؟ فقال أبو بكر: والله لقد سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرني، فقال عثمان: ففرج عنا. قال أبو بكر: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تمسكوا بالعروة الوثقى: قول لا إله إلا الله.
أحمد بن محمد بن عبد الله أبو الحسين بن المخ الصيداوي
حدث عن أبي الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن جميع بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو تعلمون ما في الصف المقدم لكانت قرعة.
أحمد بن عبد الله بن خاك أبو طالب الزنجاني الصوفي
حدث عن أبي الفرج عبد الوهاب بن الحسين بن عمر بن برهان الغزال بسنده عن عطاء أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: اسمحوا يسمح لكم.
وحدث عنه أيضاً بسنده عن علي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا تكذبوا علي فإنه من كذب علي ولج النار.(3/268)
أحمد بن محمد بن عبيد الله أبو الحسن بن المدبر الكاتب
الذي تولى المساحة بدمشق وغيرها في أيام المتوكل سنة إحدى وأربعين ومئتين. أصله من سامراء. ولاه المتوكل خراج جندي دمشق والأردن.
كان كاتباً أديباً شاعراً. وكان إذا مدحه شاعر ولم يرض شعره قال لغلامه نجح: امض به إلى المسجد الجامع فلا تفارقه حتى يصلي مئة ركعة ثم خله فتحاماه الشعراء إلا المفرد الجيد فجاءه الجمل الشاعر واستأذنه في النشيد فقال: قد عرفت الشرط؟ قال: نعم. قال: فهات إذاً فأنشده: من الوافر
أردنا في أبي حسنٍ مديحاً ... كما بالمدح تنتجع الولاة
فقلنا أكرم الثقلين طراً ... ومن كفاه دجلة والفرات
وقالوا يقبل المدحات لكن ... جوائزه عليهن الصلاة
فقلت لهم: وما يغني عيالي ... صلاتي إنما الشأن الزكاة
فيأمر لي بكسر الصاد منها ... فتصبح لي الصلاة هي الصلات
فضحك وقال: من أين لك هذا؟ قال: من قول أبي تمام من الكامل
هن الحمام فإن كسرت عيافةً ... من حائهن فإنهن حمام
فاستظرفه ووصله.
والجمل هذا مصري واسمه الحسين بن عبد السلام، ويكنى أبا عبد الله.
كان أحمد بن طولون أشخص أحمد بن محمد بن مدبر إلى مصر في سنة خمس وستين ومئتين وحبسه في أضيق مجلس حتى مات. وورد الخبر بموته في سنة سبعين. وقيل: إحدى وسبعين ومئتين.
أحمد بن محمد بن عبيد الله أبو بكر الدمشقي
حدث عن طاهر بن علي بسنده عن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كيف تهلك أمةٌ أنا أولها وعيسى في آخرها والمهدي من أهل بيتي في وسطها؟.(3/269)
أحمد بن محمد بن عبيد الله أبو بكر البلخي
قدم دمشق، وحدث بها.
روى عن أبي الحسن محمد بن محمد بن كردان بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الورع سيد العمل، من لم يكن له ورع يرده عن معصية الله إذا خلا بها لم يعبأ الله بسائر عمله شيئاً، وذلك مخافة الله في السر والعلانية، والاقتصاد في الفقر والغنى، والصدق عند الرضا والسخط. ألا وإن المؤمن حاكم على نفسه، يرضى للناس ما يرضى لنفسه، المؤمن حسن الخلق، وأحب الخلق إلى الله عز وجل أحسنهم خلقاً، ينال بحسن الخلق درجة الصائم القائم. وهو راقد على فراشه. لأنه قد رفع لقلبه علم فهو يشاهد مشاهدة القيامة، يعد نفسه ضيفاً في بيته، وروحه عارية في بدنه، ليس بالمؤمن حقاً حمله على نفسه، الناس منه في عفاء، وهو من نفسه في عناء، رحيم في طاعة الله، بخيل على دينه، خير مطواع، وأول ما فات ابن آدم من دينه الحياء، خاشع القلب لله، متواضع، قد برىء من الكبر، قائم على قدميه، ينظر إلى الليل والنهار، يعلم أنهما في هدم عمره، لا يركن إلى الدنيا ركون الجاهل.
قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا جرم أنه إذا خلف الدنيا خلف الهموم والأحزان. ولا حزن على المؤمن بعد الموت. بلى فرحته وسروه مقيم بعد الموت.
أنكر الحافظ هذا الحديث بمرة.
أحمد بن محمد بن عبد الرحمن أبو عمر الطرسوسي
المعروف بابن الجل حدث عن عبد الرحمن بن عبد الحميد بن إسحاق بن فضالة الدمشقي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: استحيوا فإن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن.(3/270)
أحمد بن محمد بن عبد الرحمن أبو عبد الله الخولاني الكناني
حدث عن أبيه عن جده عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شربوا شيبكم الحناء، فهو أنضر لوجوهكم، وأنقى لثوبكم وأطهر لقلوبكم، وأكثر لجماعكم، وأثبت لحجتكم إذا سئلتم في قبوركم. الحناء سيد ريحان الجنة والنائم المختضب بالحناء كالمتشحط بدمه في سبيل الله عز وجل، الحسنة بعشر أمثالها والدرهم بسبع مئة والله يضاعف لمن يشاء.
قال الحافظ: هذا حديث منكر.
أحمد بن محمد بن عبد الرحمن أبي زرعة
ابن عمرو بن عبد الله أبو الطيب النصري حدث سنة خمس وأربعين وثلاث مئة عن عبد الله بن ثابت البغدادي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من سره أن يسلم فليلزم الصمت.
أحمد بن محمد بن عبد الرحمن أبو بكر القرشي الصائغ
حدث عن أبي الفرج صدقة بن المظفر بن علي بن محمد الأنصاري بسنده عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحياء خيرٌ كله.(3/271)
أحمد بن محمد بن عبد الكريم
ابن يزيد بن سعيد أبو طلحة الفزاري البصري المعروف بالوساوسي حدث عن زياد بن يحيى الحساني بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما أنا رحمة مهداة.
سئل الدارقطني عن أبي طلحة فقال: تكلموا فيه، وسئل عنه أبو بكر البرقاني فقال: ثقة، مات سنة اثنتين وعشرين وثلاث مئة في المحرم.
أحمد بن محمد بن عبدوس أبو بكر
النسوي الحافظ الفقيه نزيل مرو الشاهجان. رحل وسمع بدمشق وبغيرها.
حدث عن أبي القاسم بكير بن الحسن بن عبد الله بن سلمة بن دينار الرازي بسنده عن العرباض بن سارية أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يستغفر للصف المقدم ثلاثاً وللثاني مرة.
أحمد بن محمد بن عبيدة بن زياد ابن عبد الخالق
أبو بكر النيسابوري المعروف بالشعراني رحال يحدث عن أحمد بن حفص بسنده عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن حائط الجنة لبنة من ذهب، ولبنة من فضة. وإنه كان يقول: إن مجامرهم اللؤلؤ، وأمشاطهم الذهب.(3/272)
أحمد بن محمد بن عبيد السلمي
حدث بجونية من طرابلس.
حدث عن إسماعيل بن حفص بن حسان القرشي بسنده عن جابر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الشفعة في كل شرك في ربع أو حائط لا يصلح له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فيأخذ أو يدع.
أحمد بن محمد بن عثمان بن الغمطريق
أبو عمرو الثقفي حدث عن الوليد بن مسلم بسنده عن أبي قتادة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا أتى أحدكم الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه، وإذا أتى الخلاء فلا يستنجي بيمينه، وإذا شرب فلا يتنفس في الإناء مرة.
وحدث أيضاً عنه بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يقول الله عز وجل: أنا الرحمن، وأنا خلقت الرحم، فاشتققت لها من اسمي. فمن وصلها وصلته، ومن قطعها بتته.
كان ثقة. وتوفي بدمشق في شوال سنة إحدى وستين ومئتين.
أحمد بن محمد بن عجل
ابن أبي دلف القاسم بن عيسى أبو نصر العجلي، المعروف بابن لجيم من أهل الكرخ من ولد أبي دلف العجلي من أهل الأدب والمعرفة.
حدث عن أبي الحسين علان بن أحمد الكرخي بسنده عن الفضل بن الربيع قال: حججت مع هارون الرشيد أمير المؤمنين فمررنا بالكوفة في طاق المحامل، فإذا بهلول(3/273)
المجنون قاعد يهذي، فقلت له: اسكت فقد أقبل أمير المؤمنين، فسكت، فلما جاء الهودج قال: يا أمير المؤمنين، حدثني أيمن بن نائل، حدثنا قدامة بن عبد الله العامري قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمنى على جمل وتحته رحل رث، فلم يكن ثم طرد ولا ضرب ولا إليك إليك، فقلت: يا أمير المؤمنين، إنه بهلول المجنون. قال: قد عرفته وبلغني كلامه، قل يا بهلول. فقال يا أمير المؤمنين، هب أنك ملكت العباد طراً ودان لك العباد فكان ماذا؟ أليس مصيرك إلى قبر يحثو ترابك هذا وهذا، فقال: أجدت يا بهلول أفغيره؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. من رزقه الله جمالاً ومالاً فعف في جماله وواسى في ماله كتب في ديوان الأبرار، قال: فظن أنه يريد شيئاً، فقال: فإنا قد أمرنا أن نقضي دينك، قال: لا تفعل يا أمير المؤمنين، لا تقض ديناً بدين، اردد الحق إلى أهله، واقض دين نفسك من نفسك، فإن نفسك هذه نفس واحدة، وإن هلكت والله ما انجبرت عليها، قال: فإنا قد أمرنا أن نجري عليك، قال: لا تفعل يا أمير المؤمنين، لا يعطيك وينساني. أجرى علي الذي أجرى عليك لا حاجة لي في إجرائك، ومضى.
هكذا قال: والصواب من الوافر
هب أنك قد ملكت الأرض طراً ... ودان لك العباد فكان ماذا؟
أليس تصير في قبرٍ ويحوي ... تراثك بعد، هذا ثم هذا؟
مات أبو نصر في شوال سنة أربع مئة.
أحمد بن محمد بن علي بن الحسن
أبو علي الخزاعي المعروف بابن الزفتي حدث عن أبي سعيد محمد بن أحمد بن عبيد بن فياض بسنده عن عبد الرحمن بن أبي بكرة أن أبا بكرة كتب إلى أبيه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا يقضي الحاكم في شيء وهو غضبان.
توفي أبو علي ابن الزفتي يوم الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة ست وستين وثلاث مئة.(3/274)
أحمد بن محمد بن علي بن الحكم
أبو بكر النرسي حدث عن عبد الرحمن بن إسماعيل الكوفي بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال: الإشراك بالله، قال: وماذا؟ قال: ثم عقوق الوالدين، قال: ثم ماذا؟ قال: اليمين الغموس، قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: الذي يقتطع مال امرىء مسلم بيمين هو فيها كاذب.
كان أبو بكر النرسي حياً في سنة ست وستين وثلاث مئة.
أحمد بن محمد بن علي بن هارون
أبو العباس البرذعي الحافظ حدث عن أبي بكر محمد بن عمر بن الحكم القبلي بسنده عن مالك بن دينار قال: دخلت على الحجاج فقال لي: ألا أحدثك بحديثٍ حسنٍ عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلت: بلى حدثني. قال: حدثني أبو بردة عن أبيه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من كانت له إلى الله حاجةٌ فليدع بها دبر كل صلاةٍ مفروضة.
قال أبو العباس أحمد بن البرذعي: رأيت أبا الدرداء في النوم فقلت له: حدثني حديثاً حدثك به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس بينك وبينه أحد فقال لي: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أفضل ما يعمله العبد الذي يتخلق به مع الفقراء.
أحمد بن محمد بن علي بن مزاحم
أبو عمرو المزاحمي الصوري حدث في منزله سنة ست وستين وثلاث مئة عن أبي الأزهر جماهر بن محمد الزملكاني بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الأرواح جنودٌ مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.(3/275)
أحمد بن محمد بن علي بن سلمان
ابن إبراهيم بن عبد العزيز أبو طاهر التميمي الكتاني الصوفي، والد عبد العزيز الحافظ حدث عن القاضي أبو بكر يوسف بن القاسم الميانجي بسنده عن عائشة قالت: كنت أفتل قلائد الغنم لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيبعثه ويمكث حلالاً.
كان أبو طاهر والد عبد العزيز الحافظ قد امتنع من أكل اللحم بالأرز خشية أن يبتلع عظماً في الأرز فيقتله، فلما خرج عبد العزيز إلى بغداد واشتاقه أبوه فخرج إلى بغداد زائراً له فصادفه يوماً وقد طبخ لحماً بأرز فقدمه بين يديه فقال: قد عرفت عادتي في هذا، فقال: كل فلا يكون إلا الخير فأكل فابتلع عظماً فمات ببغداد.
توفي في ذي القعدة سنة سبع عشرة وأربع مئة.
أحمد بن محمد بن علي بن صدقة
أبو عبد الله التغلبي الكاتب الشاعر، المعروف بابن الخياط ختم به ديوان الشعر بدمشق، كان شاعراً مكثراً مجيداً محسناً حفظه لأشعار المتقدمين وأخبارهم. فمن شعره: من الكامل
لم يبق عندي ما يباع بحبةٍ ... وكفاك شاهد منظري عن مخبري
إلا بقية ماء وجهٍ صنتها ... عن أن تساع وأين أين المشتري
ذكر أنه ولد في سنة خمسين وأربع مئة، وتوفي في سنة سبع عشرة وخمس مئة.
أحمد بن محمد بن عمارة بن أحمد
ابن أبي الخطاب يحيى بن عمرو أبي عمارة بن راشد، أبو الحارث الليثي الكناني مولاهم حدث عن أبي سهل سعيد بن الحسن الأصبهاني بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عرض علي أول ثلاثة يدخلون الجنة، وأول ثلاثة يدخلون النار: فأما أول ثلاثة(3/276)
يدخلون الجنة فالشهيد، وعبدٌ مملوك أدى حق الله ونصح لمواليه، وعفيف متعفف، وأما أول ثلاثة يدخلون النار فذو ثروة من مال لا يؤدي فيه حق الله عز وجل، وفقير فخور، وإمام جائر - أو قال: مسلط.
توفي الحارث يوم الخميس لثمان وعشرين ليلة خلت من ربيع الآخر سنة اثنتين وستين وثلاث مئة.
أحمد بن محمد بن عمار بن نصير
ابن أبان بن ميسرة أبو جعفر السلمي ابن أخي هشام بن عمار حدث عن سليمان بن عبد الرحمن بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبغض الحلال إلى الله عز وجل الطلاق.
مات أحمد بن محمد سنة ثمانٍ وسبعين ومئتين.
أحمد بن محمد بن عمر بن يونس
ابن القاسم أبو سهل الحنفي اليمامي قدم دمشق مجتازاً إلى مصر، وحدث بها، وبمصر، وببغداد، وبأصبهان.
روى عن بكر بن الحجاج بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن في الجنة شجرةً أصلها في منزل رجل من بني هاشم لا أسميه لكم وفرعها في السماء سماها الله عز وجل: خيرة، فإذا قال الرجل لأخيه: جزاك الله خيراً فإنما يعني تلك الشجرة.
ومن غرائبه ما رواه عن عمر بن يزيد بن الفتح بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المصلي بين المغرب والعشاء كالمتشحط بدمه في سبيل الله عز وجل.
قيل عنه إنه كذاب.(3/277)
أحمد بن محمد بن عمر
ابن عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير بن محرز أبو بكر القرشي التيمي المنكدري المدني حدث عن العباس بن الوليد بن مزيد العذري بسنده عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من كان وصلةً لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في منفعة برٍ أو تيسير عسير أعين على إجازة الصراط يوم دحض الأقدام.
وحدث بسنده عن عبد الله بن عمر قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا ركع وإذا أراد السجود رفعهما ولم يكن يرفع بين السجدتين.
ولد أبو بكر بالمدينة. ونشأ بالحرمين، ورحل إلى مصر، والشام وغيرها. وتوفي بمرو سنة أربع وأربعين وثلاث مئة.
أحمد بن محمد بن عمر أبو منصور
القزويني المقرىء المعروف بابن المجدر حدث بدمشق في صفر سنة اثنتين وأربعين عن أبي طالب يحيى بن علي بن الطيب الدسكري بسنده عن بشير بن كعب عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحياء خير كله.
قال بشير: إن فيه ضعفاً وإن فيه عجزاً فقال: أحدثك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتجيئني بالمعاريض؟! لا حدثتك بحديث ما عرفتك.
توفي أبو منصور يوم الثلاثاء لأربعٍ بقين من ربيع الأول سنة تسع وأربعين وأربع مئة.(3/278)
أحمد بن محمد بن عمرو
أبو الفرج الفزاري حدث عن أبي بكر أحمد بن عبد الله النصري بسنده عن عبد الله بن مسعود أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: المؤمن يألف، ولا خير فيمن لايألف ولا يؤلف.
أحمد بن محمد بن عوف
أبو الحسن المعدل حدث بدمشق عن أبي الطيب أحمد بن إبراهيم بن عبد الوهاب بن بشير ويعرف بابن عبادل بسنده عن أبي هريرة قال: أتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجنازة ليصلي عليها فقال الناس: نعم الرجل: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجبت، ثم أتي بجنازةٍ أخرى فقال: الناس: بئس الرجل. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجبت. قال: فقال أبي بن كعب: يا رسول الله، ما قولك وجبت؟ قال: لتكونوا شهداء على الناس.
أحمد بن محمد بن عيسى
أبو بكر البغدادي نزيل حمص. صنف تاريخ الحمصيين.
حدث بحمص عن الحسن بن عرفة بسنده عن أبي كبشة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: خيركم خيركم لأهله.
أحمد بن محمد بن عيسى بن الجراح
أبو العباس بن النحاس الربعي المصري الحافظ حدث عن أبي بكر محمد بن زبان بن حبيب التجيبي بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من سأله جاره أن يغرز خشبةً في جداره فلا يمنعه، ثم قال: مالي أراكم عنها معرضين، والله لأرمين بها بين أكتافكم.
قال الليث بن سعد: هذا أول ما عندنا لمالك وآخره.(3/279)
وحدث أيضاً عن عبد الله بن محمد البغوي بإسناده عن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين.
وحدث أيضاً عن محمد بن بدر بن النفاج بسنده عن ابن عباس أن محرماً وقصت به ناقته فأمرهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يغسلوه، ويكفنوه في ثوبيه، ولا يغطوا رأسه فإنه يبثع يوم القيامة ملبياً.
استوطن أبو العباس المصري نيسابور سنة إحدى وعشرين إلى أن توفي بها يوم السبت سلخ ذي القعدة سنة ست وسبعين وثلاث مئة. وذكر أن عمره خمس وثمانون سنة.
أحمد بن محمد بن الفتح
ويقال ابن أبي الفتح بن خاقان أبو العباس بن النجاد العابد إمام جامع دمشق أحد الصالحين المعروفين.
حدث أبو علي أحمد بن عمر بن الدلال إمام جامع دمشق قال: سمع ناس بأبي العباس أحمد بن محمد بن النجاد رحمه الله وفضله، وما خصه الله به من العلم والورع، فسافروا من بلد بعيد إليه بنية الزيارة له. فلما وصلوا إلى باب داره سمعوا أنين الشيخ من وراء الباب لوجعٍ كان به ظاهر، أنكروا عليه أنينه لفضله. فلما دخلوا عليه ابتدأهم فقال: آه اسمٌ من أسماء الله يستروح إليه الأعلاء فزاد في أنفسهم أضعاف ما كان عندهم.
توفي يوم الأحد لإحدى وعشرين ليلة خلت من شعبان سنة ستين وثلاث مئة.(3/280)
أحمد بن محمد بن فراس بن الهيثم
أبو عبد الله الخطيب الفراسي ابن أخت سليمان بن حرب البصري حدث الحافظ بسنده عن أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري لفظاً في يوم أضحى بين الصلاة والخطبة عن عدة مشايخ في كل شيخ يقول: حدثنا في يوم عيد فطر أو أضحى بين الصلاة والخطبة إلى أحمد بن محمد ابن أخت سليمان بن حرب بسنده إلى ابن عباس كلهم يقول في يوم عيد فطر أو أضحى بين الصلاة والخطبة قال: شهدت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يوم عيد فطر أو أضحى. فلما فرغ من الصلاة قال: يا أيها الناس، قد أصبتم خيراً، فمن أحب أن ينصرف فلينصرف، ومن أحب أن يقيم حتى يشهد الخطبة فليقم.
أحمد بن محمد بن فضالة دمشقي شاعر
من شعره في عمرو بنحوي السكسكي: من السريع
قد علمت سكسك في حربها ... بأنه يضرب بالسيف
ويطعن القرن غداة الوغى ... ويحضر الجفنة للضيف
ويملأ الأعساس من قارصٍ ... عل بماء المزن في الصيف
ويؤمن الخائف حتى يرى ... كأنه من ساكني الخيف
غنيت عمرو بن حوي ولم ... أبغ سوى القصد بلا حيف(3/281)
أحمد بن محمد بن فضالة بن غيلان
ابن الحسين أبو علي الهمذاني الحاسدي الحمصي الصفار، المعروف بالسوسي
حدث بدمشق في رجب سنة ثمان وثلاثين وثلاث مئة مجتازاً إلى مصر عن بحر بن نصر بن سابق الخولاني بسنده عن ابن عمر قال: إن كنا لنعد لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المجلس أكثر من مائة مرة أن يقول: أستغفر الله وأتوب إليه.
توفي بمصر في رمضان سنة تسع وثلاثين وثلاث مئة.
أحمد بن محمد بن الفضل بن سعيد
ابن موسى أبو الحسن السجستاني نزل دمشق، وحدث بها روى عن علي بن خشرم بسنده عن ابن عمر قال: كان الأذان على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثنى مثنى والإقامة واحدة واحدة، غير أنه إذا قال: قد قامت الصلاة ثنى بها، فإذا سمعناها توضأنا وخرجنا إلى الصلاة.
توفي في جمادى الأولى سنة أربع عشرة وثلاث مئة.
أحمد بن محمد بن القاسم أبو العباس
الجرمي إمام المسجد الحرام حدث بسنده عن أبي القاسم الفضل بن جعفر بن محمد التميمي بسنده عن جرير بن عبد الله قال: قالرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من لا يرحم لا يرحمه الله.
وفي رواية: من لا يرحم الناس لا يرحمه الله.(3/282)
أحمد بن محمد بن القاسم بن مرزوق
أبو الحسن المعدل الأنماطي المصري روى بسنده عن الزبير بن العوام قال: كنا نحمل لحم الصيد صفيقاً وكنا نتزود ونحن محرمون مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وحدث بسنده عن الأصمعي قال: كان رجل من بني تميم يقال له حنظلة، وكان له ابن يقال له مرة، وكان يكثر الخلاف عليه، فكان أبوه ربما قاتله. فقال له ذات يوم: إنك لمر، فقال لأبيه أعجبتني حلاوتك يا حنظلة. قال: اسكت فأنت والله خبيث كاسمك. قال: أخبث مني والله من أسماني. قال: فوالله يا بني لقد تشاءمت بك يوم ولدت. قال: ما ورثته عن كلالة. قال: ما أظنك من الناس. قال: من أشبه أباه فما ظلم والشوك لا يجتنى منه العنب. قال: لا بل أشبهت أمك عليها لعنة الله. قال: والله ما كانت بأردأ من زوجها. قال: ما أحوجك إلى أدب جيد! قال: أحوج مني إليه من أدبني. قال: لقد كنت حريصاً على صلاحك دهري. قال: فوالله يا أبه ما أتيت من عجز، ولكن الله سبحانه أعطاك على قدر نيتك. قال: لقد ساءت حالك منذ تركت الدعاء لك، وأقبلت على الدعاء عليك. قال: مادح نفسه يقرئك السلام. قال: دعني من هذا فوالله لأستقبلن من أمرك ما كنت له مضيعاً، قال: إذاً والله ولا يبرد في بيتك إلا الريح. قال: والله ما جرأك على هذا أحد غيري. قال: فلم إذاً نفسك ولا تلمني. قال: ويحك ما تستحي مني! قال: ما أحسن الحياء في مواضعه. قال: والله لقد اجتمعت فيك خلال رديئة قال: فضل رداءتك يا أبه. قال: أبوك الشيطان الرجيم قال: قل لنفسك ما شئت. قال: لقد دفنت أخاك ساعة ولدت، قال: أعجبني كثرة أعمامي يا مبارك. قال: والله إنك لمغيظي بجوابك. قال: من تكلم أجيب، ومن سكت سلم. قال: ويلك قم عني. قال: إن أعفيتني من معاتبتك قمت. قال: ما يزداد كلامك إلا غلظاً. قال: والله ما يقصر عن الجواب إلا أحمق. قال: اخسأ ويلك يا كلب. قال: الكلب لا يلد إلا كلب. قال: ليس شيء أحسن من السكوت عك. قال: إذاً لا تدعك كثرة فضولك. قال: قم فوالله ما أراك تصلح أبداً. قال: فقام وهو يقول: وكيف يصلح من أنت أبوه.
مات أبو الحسن أحمد ليلة الجمعة سابع ذي القعدة سنة ثمان عشرة وأربع مئة.
أحمد بن محمد بن محمد
ابن عبد الله بن إسماعيل أبو حامد النيسابوري الخيري الكرابيسي القاضي المحتسب قدم دمشق حاجاً.
حدث عن أبي عمرو بن مطر بسنده عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان.
وحدث أيضاً عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن رجاء بسنده عن أبي موسى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا نكاح إلا بولي.
أحمد بن محمد بن متويه
أبو جعفر المروروذي المعروف بكاكوا حدث بنيسابور في شعبان سنة أربع وستين وأربع مئة عن أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أحمد السراج الحلبي بسنده عن سمرة بن جندب قال: ما قام فينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقاماً إلا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة.(3/283)
أحمد بن محمد بن مخلد أبو حامدٍ الهروي
قدم دمشق سنة سبع وخمسين ومئتين.
روى عن أبي الوليد - يعني: الطيالسي - عن جابر بن عبد الله قال: أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دين كا على أبي، فدققت الباب، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا، فقال: أنا أنا، مرتين، كأنه كرهها.
أحمد بن محمد بن المسلم بن الحسن
أبو القاسم الهاشمي حدث سنة ست وعشرين وخمس مئة بمسجد سوق الأحد عن أبي القاسم علي بن محمد بن يحيى السلمي السميساطي بقراءة أبي بكر الخطيب عليه بسنده عن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا يمنع أحدكم أخاه مرفقاً يضعه على جداره.
توفي أبو القاسم في المحرم سنة أربع وثلاثين وخمس مئة.
أحمد بن محمد بن موسى بن داود بن عبد الرحمن أبو علي النوفلي المكي العطار
حدث بدمشق سنة ثمان وخمسين ومئتين عن يوسف بن علي بسنده عن صهيب قال: صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن يوحى إليه. وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحب صهيباً حب الوالدة ولدها.
أحمد بن محمد بن موسى ابن أبي عطاء عبد الرحمن بن سعد أبو بكر القرشي
- مولى عثمان بن عفان - المقرىء، المعروف بابن صريرة حدث عن وريزة بن محمد بن وريزة بسنده عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال: سأل رجل عن حلية السيوف فقال: قد حلى أبو بكر الصديق سيفه. فقال له:(3/284)
جعلني الله فداك تقول الصديق؟ قال: نعم الصديق في الدنيا والآخرة فمن لم يقل ذلك فلا صدق الله قوله في الدنيا ولا في الآخرة.
مات سنة خمس وعشرين وثلاث مئة.
أحمد بن محمد بن أبي موسى أبو بكر الأنطاكي الفقيه
حدث عن يعقوب بن كعب الحلبي بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة.
وحدث عن محمد بن زنبور المكي بسنده عن أم سلمة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يدعو بهؤلاء الكلمات: اللهم أنت الأول لا شيء قبلك، وأنت الآخر فلا شيء بعدك، أعوذ بك من شر كل دابة، أنت آخذ بناصيتها بيدك، وأعوذ بك من الإثم والكسل، ومن عذاب النار وعذاب القبر، ومن فتنة العدو ومن فتنة الفقر، وأعوذ بك من المأثم والمغرم، اللهم نق قلبي من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. وذكر الحديث بطوله.
أحمد بن محمد بن المؤمل أبو بكر الصوري
حدث عن عبد الواحد بن شعيب الجبلي بجبلة بسنده عنه أبي موسى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: احتج آدم وموسى فقال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته عملت الخطيئة التي أخرجتك من الجنة. قال آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته، وأنزل عليك التوارة، وكلمك تكليماً. فبكم خطيئتي سبقت خلقي؟ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحج آدم موسى.
حدث في سنة تسع وتسعين ومئتين.(3/285)
أحمد بن محمد بن نفيس
أبو الحسن الملطي الإمام الشاهد حدث عن أبي علي الحسن بن حبيب بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من جمع القرآن متعه الله تبارك وتعالى بعقله حتى يموت.
توفي يوم الجمعة لثلاث خلون من ذي الحجة سنة أربع وأربع مئة.
أحمد بن محمد بن الوليد بن سعد
أبو بكر المري المقرىء حدث عن هشام بن عمار بسنده عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع يديه حذو منكبيه حين يفتتح الصلاة، وحين يركع، وحين يسجد، وحين يقوم من السجدتين.
وحدث أيضاً عن محمود بن خالد بسنده عن نافع قال: كنت ردف ابن عمر إذ مر براعٍ يزمر فضرب وجه الناقة وصرفها عن الطريق، ووضع إصبعيه في أذنيه وهو يقول: أتسمع، أتسمع حتى انقطع الصوت. فقلت: لا أسمع فردها إلى الطريق وقال: هكذا رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل.
وحدث أيضاً عن محمود بن خالد بسده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ومن قتل متعمداً دفع إلى أولياء القتيل، فإن شاؤوا قتلوه، وإن شاؤوا أخذوا الدية وهي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وثلاثون خلفة وذلك عقل العمد ما صالحوا عليه فهو لهم وذلك تشديد العقل.
قال: كذا وقع والصواب: أربعون خلفة.
توفي أبو بكر المقرىء في سنة سبع وتسعين ومئتين(3/286)
أحمد بن محمد بن هارون أبو الحسن الزوزني
من أهل خراسان قدم دمشق حاجاً.
حدث عن أبي بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن جعده والعباس بن حمزة النيسابوري بسنده عن علي بن موسى الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أخبرني به جبريل عن الله تبارك وتعالى لا إله إلا الله حصني. من دخل حصني أمن عذابي.
ضعفه الحافظ من هذه الطريق، وذكره من طريق آخر عالياً على الصواب بمعناه.
أحمد بن محمد بن هاشم بن سعيد البعلبكي
حدث عن أبيه بسنده عن أبي أمامة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من مشى إلى صلاة مكتوبة وهو متطهر فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن مشى إلى تسبيح الضحى فإن له كأجر المعتمر، وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين.
أحمد بن محمد بن هبة الله بن علي بن فارس أبو الحسين بن أبي الفضل الأنصاري الأكفاني
المعدل حدث عن أبي الحسن علي بن موسى بن الحسن بن السمسار بسنده عن أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبلها وهو صائم. قالت: وكنت أغتسل أنا ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إناء واحد من الجنابة.
توفي أبو الحسين في ربيع الأول سنة إحدى وسبعين وأربع مئة.(3/287)
أحمد بن محمد بن يحيى بن المبارك
ابن المغيرة أبو جعفر العدوي النحوي، المعروف أبوه باليزيدي كان من ندماء المأمون، وقدم معه دمشق، وتوجه منها غازياً للروم.
قال أبو جعفر: دخلت يوماً على المأمون بقارا وهو يريد الغزو فأنشدته مديحاً فيه أوله: من الكامل
يا قصر ذا النخلات من بارا ... إني حننت إليك من قارا
أبصرت أشجاراً على نهرٍ ... فذكرت أنهاراً وأشجارا
لله أيام نعمت بها ... بالقفص أحياناً وفي بارا
إذ لا أزال أزور غانيةً ... ألهو بها وأزور خمارا
لا أستجيب لمن دعا لهدىً ... وأجيب شطاراً ودعارا
أعصي النصيح وكل عاذلةٍ ... وأطيع أوتاراً ومزمارا
فغضب المأمون وقال: أنا في وجه عدو وأحض الناس على الغزو وأنت تذكرهم نزهة بغداد، فقلت: الشي بتمامه، ثم قلت:
فصحوت بالمأمون من سكري ... ورأيت خير الأمر ما اختارا
ورأيت طاعته مؤديةً ... للفرض إعلاناً وإسرارا
فخلعت ثوب الهزل من عنقي ... ورضيت دار الخلد لي دارا
وظللت معتصماً بطاعته ... وجواره وكفى به جارا(3/288)
إن حل أرضاً فهي لي وطنٌ ... وأسير عنها حيثما سارا
فقال له يحيى بن أكثم: ما أحسن ما قال يا أمير المؤمنين، أخبر أنه كان في سكر وخسار فترك ذلك وارعوى وآثر طاعة خليفته وعلم أن الرشيد فيها فسكن وأمسك.
كان أبو جعفر العدوي أديباً، عالماً بالنحو، شاعراً، مدح المأمون والمعتصم وغيرهما. ومات قبل سنة ستين ومائة بمدة طويلة.
أحمد بن محمد بن حمزة بن واقد
أبو عبد الله الحضرمي من أهل بيت لهيا.
روى عن أبي الجماهر محمد بن عثمان بسنده عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب.
وروى عن أبيه بسنده عن أبي هريرة قال: أتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة أسري به بايلياء بقدحين من خمر ولبن، فنظر فيهما ثم أخذ اللبن فقال له جبريل: هديت الفطرة، لو أخذت الخمر لغوت أمتك.
وحدث عن أبيه بسنده عن المقدام بن معدي كرب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الله يوصيكم بأمهاتكم إن الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب.
توفي سنة تسع وثمانين ومئتين.
أحمد بن محمد بن يزيد بن مسلم
ابن أبي الخناجر أبو علي الأنصاري الطرابلسي حدث عن يحيى بن أبي بكير الكرماني بسنده عن جابر بن سمرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث وإني لأعرفه الآن.(3/289)
قال ابن أبي الخناجر: كنت في مجلس يزيد بن هارون بواسط فجاء أمير المؤمنين، فوقف علينا في المجلس، وفي المجلس ألوف فالتفت إلى الصحابة فقال: هذا الملك.
توفي ابن أبي الخناجر في جمادى الآخرة سنة أربع وسبعين ومئتين.
أحمد بن محمد بن يعقوب
ابن عبد الله أبو الحسين البغدادي يعرف بابن توتو حدث عن عمر بن يوسف بسنده عن سري السقطي قال: قلت لديراني مرة: ما لكم تعجبكم الخضرة؟ قال: إن القلوب إذا غاصت في بحار الفكر عشيت الأبصار، فإذا نظرت إلى الخضرة عاد إليها نسيم الحياة.
أحمد بن محمد بن أبي يعقوب
ابن هارون الرشيد أبو الحسن الرشيدي الهاشمي حدث عن أبي العباس محمد بن الحسن بن إسماعيل بن عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس قال: سمعت جدي إسماعيل بن عبد الصمد بن علي قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: للمملوك على مولاه ثلاث خصالٍ: لا يعجله عن صلاته، ولا يقيمه عن طعامه، ويبيعه إذا استباعه.
كذا قال. وقد سقط: عن جده.
وحدث بأنطاكية وقدمها سنة ثلاث عشرة وثلاث مئة عن أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة بسنده عن ابن عباس " ستدعون إلى قومٍ أولي بأسٍ شديدٍ " قال: هوازن، وثقيف.(3/290)
أحمد بن محمد بن يوسف أبو العباس
المعروف بابن مردة المؤدب المقرىء الأصبهاني حدث عن عبد الوهاب بن الحسن الكلابي بسنده عن عائشة قالت: كان فراش رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أدم حشوه ليف.
وحدث عنه أيضاً بسنده عن عمه حكم بن معاوية قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا شؤم، وقد يكون اليمن في الفرس والمرأة والدار.
أحمد بن محمد بن يونس بن عمير
أبو جعفر الصوفي الأباوردي المعروف بالإسكاف حدث عن أبي محمد عبد الرحمن بن عمر بن محمد بسنده عن بشر بن سحيم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وأيام التشريق أيام أكل وشرب.
أحمد بن محمد بن التمار
حدث عن سليمان بن عبد الرحمن بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن العربية كلام أهل الجنة، والعربية كلام أهل السماء، وكلامهم إذا وقفوا بين يدي الله عز وجل في الموقف.
أحمد بن محمد العذري الدمشقي
حدث عن إبراهيم بن الحوراني بسنده عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الناس كأسنان المشط، وإنما يتفاضلون بالعافية ولا خير في صحبة من لا يرى لك من الحق مثل الذي ترى له.(3/291)
قال الحافظ: هذا هو أحمد بن محمد بن سلامة، وقد تقدم ذكره في كتابه.
أحمد بن محمد ويقال محمد بن أحمد
أبو عبد الله الواسطي الكاتب كان كاتب أحمد بن طولون. فلما استولى أبو الجيش خمارويه بن طولون على الإمرة وقعت بينهما وحشة، فكتب أبو عبد الله الواسطي إلى أبي العباس المعتضد أشعاراً يحرضه على قتال أبي الجيش.
قال أحمد بن يوسف اجتمع الحسن بن مهاجر وأحمد بن محمد الواسطي للغد من يوم مات أحمد بن طولون على أخذ البيعة لأبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون فبدؤوا بالعباس بن أحمد بن طولون قبل سائر الناس لأنه أخوه وأكبر منه سناً، فوجهوا إليه عدة من خواص خدم أبيه يستحضرونه لرأي رأوه. فلما وافى العباس قامت الجماعة إليه وصدوره، وأبو الجيش داخل قاعد في صدر مجلس أبيه، فعزاه الواسطي وبكت الجماعة، ثم أحضر المصحف وقال الواسطي للعباس: تبايع أخاك؟ فقال العباس: أبو الجيش فديته ابني وليس يسومني هذا، ومن المحال أن يكون أحدٌ أشفق عليه مني، فقال الواسطي: ما أصلحتك هذه المحنة، أبو الجيش أميرك وسيدك ومن استحق بحسن طاعته لك التقديم عليك. فلم يبايع العباس فقام طبارجي وسعد الأيسر فأخذا سيفه ومنطقته وعدلا به إلى حجرةٍ من الميدان فلم يخرج منها إلا ميتاً. وبايع الناس كلهم لأبي الجيش، وأعطاهم البيعة وأخرج مالاً عظيماً ففرقه على الأولياء وسائر الناس وصحت البيعة لأبي الجيش يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ذي القعدة سنة سبعين ومئتين.(3/292)
وكتب أبو عبد الله أحمد بن محمد الواسطي الكاتب إلى أبي العباس أحمد بن الموفق بالله يستحثه على حرب أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون، والخروج إليه قبل وقعة الطواحين بأيام: من البسيط
يا أيها الملك المرهوب جانبه ... شمر ذيول السرى فالأمر قد قربا
كم ذا الجلوس ولم يجلس عدوكم ... عن النهوض لقد أصبحتم عجبا
لا تبعدن عن التفريط معتكفاً ... واشدد فقد قال جل الناس قد رهبا
ليس المريد لما أصبحت تطلبه ... إلا المشمر عن ساقٍ وإن لغبا
طال انتظاري لقرب منك آمله ... وما أرى منك ما أصبحت مرتقبا
ولو علمت يقين العلم من خبري ... وما نهضت له في الله محتسبا
لسرت نحو امرىءٍ قد جد مجتهدا ... حتى يكون لما يبغونه سببا
أجاد مروان في بيتٍ أراد به ... عين الصواب وما أخطا وما كذبا
إذ قال حين رأى الدنيا تميد بهم ... بعد الهدو وصار الحبل منقضبا
إني أرى فتناً تغلي مراجلها ... فالملك بعد أبي ليلى لمن غلبا
وذكر الحافظ ابن عساكر أنه يعيد ذكره في ترجمة محمد بن أحمد
أحمد بن محمد أبو القاسم المؤذن
حدث عن جعفر بن محمد بن الرواس بسنده عن ثوبان مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: سددوا وقاربوا، وخير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الصلاة والوضوء إلا مؤمن.(3/293)
أحمد بن محمد أظنه ابن علي الدمشقي
حدث عن أحمد بن محمد التميمي بسنده عن يحيى بن معاذ قال: لا تعذب نفسك بترك الحلال فتجرك إلى الحرام.
قال أحمد بن محمد الدمشقي سمعت أبا عمير يقول: سمعت أبا العباس ثعلب يقول: سمعت أعرابياً يقول: سئل الأحنف بن قيس أنت أحلم أو معاوية؟ فقال: معاوية يحلم عن مقدرة، وإن أنا سفهت على إنسان ضربني.
أحمد بن محبوب بن سليمان
أبو الحسن البغدادي ثم الرملي الفقيه يعرف بغلام أبي الأديان حدث أحمد بن محبوب بسنده عن أبي أمامة الباهلي قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من علم عبداً آيةً من كتاب الله فهو مولاه، لا ينبغي له أن يخذله ولا يستأثر عليه، فإن هو فعل فصم عروة من عرى الإسلام.
وحدث عن عبد الله بن محمد بن نصر الرملي بسنده عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه.
مات أحمد بن محبوب بمدينة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنة سبع وخمسين وثلاث مئة.
أحمد بن محمود بن الأشعث
ويقال ابن محبوب بن الأشعث أبو علي المعدل المتولي لعمارة المسجد الجامع بدمشق من قبل القضاة حدث عن أبي الحارث أحمد بن سعيد بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من مسلم يبتلى ببلاء في جسده إلا كتب الله له كل عمل صالح كان يعمله في صحته ومرضه.
قرىء لأبي علي أحمد بن محمود بن الأشعث القيم بجامع دمشق أميناً من قبل القاضي على(3/294)
حجر في المأذنة الغربية كتاب باليونانية ففسره بالعربية فإذا عليه مكتوب: لما كان العالم محدثاً والحدث داخل عليه وجب أن يكون له محدثٌ، وكانت الضرورة تقود إلى التعبد لمحدثه، لا كما ذكر ذو اللحيين وذو السنين وأشباههما. فلما دعت الضرورة إلى عبادة هذا الخالق بالحقيقة تجرد لإنشاء البيت، وتولى النفقة عليه محب الخير تقرباً منه إلى منشىء العالم ومبتدئه وإيثاراً لما عنده وذلك في سنة ألفين وثلاث مئة لأصحاب الاسطوان. فليذكر كل من دخل هذا البيت للصلاة فيه العاني به.
نسخ من أبي علي بن الأشعث من نخسة بخطه سنة خمس وستين وثلاث مئة.
أحمد بن محمود بن صبيح بن مقاتل
أبو الحسن الهروي قدم دمشق سنة تسع وسبعين ومئتين.
حدث عن الحسن بن علي الحلواني بسنده عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خير شبابكم من تشبه بكهولكم، وشر كهولكم من تشبه بشبابكم.
مات سنة إحدى وثلاث مئة.
أحمد بن محمود الدمشقي
حدث عن الوليد بن مسلم قال: سألت مالك بن أنس عن حديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أكل وهو صائم وهو ناسٍ فليتم صومه، فإنما هو رزق ساقه الله إليه.
فقال مالك: الحديث صحيح ولكن عنى به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النافلة لا الفريضة، أما سمعت إلى قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت وصوم رمضان. فكل من ترك شيئاً من هذا ناسياً فعليه القضاء، وإنما الحديث في التطوع لا في الفريضة.
قال الوليد: فذكرت ذلك للأوزاعي فقال: صدق مالك.(3/295)
أحمد بن محمود أبو بكر الرسعني
حدث عن أبي عمير عدي بن أحمد عبد الباقي الأذني بسنده عن ابن عباس قال: سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: اقتلوا الفاعل والمفعول به.
أحمد بن مردك بن زنجلة
أبو عبد الله ويقال أبو جعفر الرازي حدث عن أيوب بن عروة الكوفي بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا نكاح إلا بولي وشاهدين.
توفي في مصر في جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين ومئتين
أحمد بن مسعود المقدسي قيل إنه دمشقي
حدث عن عمرو بن أبي سلمة بسنده عن جابر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من أبلى خيراً فلم يجد إلا الثناء فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره، ومن تحلى بباطل فهو كلابس ثوبي زور.
وحدث أيضاً بسنده عن ابن عمر أن رجلاً أتاه فقال: بم أهل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أهل بالحج، فانصرف عنه، ثم جاءه من العام المقبل فقال: بم أهل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ألم تأتني عام أول؟ قال: بلى، ولكن أنس بن مالك زعم أنه قرن، فقال ابن عمر: إن أنساً كان يتولج على النساء مكشفات الرؤوس وإني كنت تحت ناقة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسني لعابها أسمعه يلبي بالحج.
حدث أحمد بن مسعود الخياط ببيت المقدس سنة أربع وسبعين ومئتين.(3/296)
أحمد بن مسلمة بن جبلة بن مسلمة
ابن أوفى بن خارجة بن حمزة بن النعمان صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو العباس العذري حدث عن أحمد بن عبد الله الدمشقي بسنده عن السليط بن سبيع وكان من بني عامر قال: كنت تاجراً، وكان أكثر تجارتي في البحر، فركبت من ذلك إلى بلاد الصين فأتيت على راهب من رهبان الصين كان على دين عيسى بن مريم وكان مؤمناً فناديته: يا راهب، فأشرف من صومعته فقال: ما تشاء؟ قلت: من تعبد؟ قال: الذي هو خلقني وخلقك، قلت: يا راهب فعظيمٌ هو؟ قال: نعم يا فتى، عظيم في المنزلة، قد حوت عظمته كل شيء، لم يحلل بنفسه في الأشياء فيقال منها، ولم يعتزل فيقال ناءٍ عنها. قلت: يا راهب، فأين الله من محل قلوب العارفين؟ قال: يا فتى، إن قلوب العارفين لا تعزب عن الله بعد إذ علم أنها إليه مشتاقة. قلت: يا راهب، فما الذي قطع بالخلق عن الله؟ قال: حب الدنيا، لأنها أصل المعاصي ومنها تفجرت، ولم تصل بهم إلى إبطال تركها قلة معرفة. ولتركها ثلاث منازل: فأولها منزلة ترك الحرام من القول والفعل والعزائم، والرضا بما جل من ذلك أو دق حتى تطيع الله فيمن عصاه فيك، وتعتزل الصديق والعدو فعند ذلك تتفجر ينابيع الحكمة من قلبك، وتدع الهوى بنور الإيمان عليك.
والمنزلة الثانية: ترك الفضول من القول والمقال والمنال حتى ترحم من ظلمك، وتصل من قطعك، وتعطي من حرمك، فعند ذلك تقاد بحلاوة طاعة الله عز وجل وبعزم الإرادة، وترتبط بحبل الطاعة.
والمنزلة الثالثة: ترك العلو والرئاسة، واختيار التواضع والذلة، حتى تصير مثل مملوك لسيده، وبامراج النظر تطلعت النفس إلى فضول الشهوات فأظلم القلب فلم ير جميلاً فيرغب فيه، ولا قبيحاً فيأنف منه، وبضبط النظر ذلت النفس عن فضول الشهوات فانفتح القلب فأبصر جميلاً يرغب فيه، وانكشف العقل فأبصر.(3/297)
قلت: يا راهب، فأيما العقل؟ قال: أوله المعرفة، وفرعه العلم، وثمرته السنة. قلت: يا راهب، متى يجد العبد حلاوة الإيمان والأنس بالله؟ قال: إذا صفا الود، وجادت المعاملة. قلت: يا راهب، متى يصفو الود؟ قال: إذا اجتمعت الهموم فصارت في الطاعة. قلت: يا راهب، متى تخلص المعاملة؟ قال: إذا اجتمعت الهموم فصارت واحدة.
قلت: يا راهب، عظني وأوجز. قال: لا يراك الله حيث يكره. قلت: زدني من الشرح لأفهم. قال: كل حلالاً،، وارقد حيث شئت. قلت: يا راهب، لقد تحليت بالوحدة! قال: يا فتى، لو ذقت طعم الوحدة لاستوحشت إليها من نفسك، الوحدة رأس العبادة. ومؤنسها الفكرة. قلت: يا راهب، فما أشد ما يصيبك في صومعتك من هذه الوحدة؟ قال: يا فتى، ليس في الوحدة شدة. الوحدة أنس المريدين قلت: يا راهب، ما أشد ذلك عليك؟ قال: تواتر الرياح العواصف في الليل الشاتي. قلت: تخاف أن تسقط فتموت؟ فتبسم تبسماً لم يفتح فاه ولكن أشرق وجهه وقال: يا فتى هل العيش إلا في السقوط، وما أشبهه من أسباب الموت! قلت: فلم يشتد ذلك عليك إن كان ذلك؟ قال: يا فتى، أما والله، إذا اشتدت علي الريح وعصفت ذكرت عند ذلك عصوف الخلق في الموقف مقبلين ومدبرين لا يدرون ما يراد بهم، حتى يحكم الله بين عباده، وهو خير الحاكمين. فصاح صيحة أفزعتني من شدتها: يا طول موقفاه! قلت: يا راهب بم يقطع الطريق إلى الآخرة؟ قال: بالسهر الدائم، والظمأ في الهواجر. قلت: يا راهب فأين طريق الراحة؟ قال: في خلاف الهوى. قلت: يا راهب، متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال: عند أول قدم يضعها في الجنة. قلت: يا راهب، لقد تخليت من الدنيا، وتعلقت في هذه الصومعة؟ قال: يا فتى، إنه من مشى على الأرض عثر، ففرت فرار الأكياس من فخ الدنيا، وخفت اللصوص على رحلي، فتعلقت في هذه الصومعة، وتحصنت بمن في السماء من فتنة من في الأرض، لأنهم سراقون للعقول، فتخوفت أن يسرقوا عقلي، وذلك أن القلب إذا صافى صديقه ضاقت به الأرض، وإذا أنا تفكرت في الدنيا تفكرت في الآخرة وقرب الأجل، فأحببت الرحيل إلى رب لم يزل. قلت: يا راهب، فمن أين تأكل؟ قال: من زرعٍ لم أتول بذاره، من بيدر اللطيف الخبير، ثم قال: يا فتى، إن الذي خلق الرحا هو يأتيها بالطحين، ثم أشار بيده إلى رحا ضرسه. قلت: يا راهب،(3/298)
كيف حالك في هذه الدنيا؟ قال: كيف حال من يريد سفراً بعيداً بلا أهبة ولا زاد، ويسكن قبراً بلا مؤنس، ويقف بين يدي حكم عدل؟.
ثم أرخى عينيه فبكى. قلت: يا راهب، ما يبكيك؟ قال: يا بني حقاً أقول لك، ذكرت يوماً مضى من أجلي لم يحسن فيه عملي، أبكاني قلة الزاد وبعد المعاد، وعقبة هبوط إلى جنةٍ أو إلى نارٍ قلت: يا راهب فلو تحولت من هذه الصومعة وخالطتنا، فإن عندنا رهباناً يخالطونا ويعاشرونا. قال: هيهات، يا فتى، كم من متعبدٍ لله بلسانه معانه له بقلبه، يقاد إلى عذاب السعير، ذلك زاهد في الظاهر، راغب في الباطن، حسن القول، خبيث المعاملة، مشارك لأبناء الدنيا لا أو يفر من جوار إبليس. قلت: أستغفر الله قال: يا فتى، سرعة اللسان بالاستغفار من غير بلوغ توبة الكذابين، ولو علم اللسان مما يستغفر الله لجف في الحنك. يا فتى، إن الدنيا منذ ساكنها الموت لم تقر بها عين كلما تزوجت الدنيا بزوج طلقها الموت، فالدنيا من الموت طالقة لم تقض عدتها بعد فمثلها مثل الحية لينٌ مسها والسم في جوفها، يحذرها رجال ذوو عقول، ويهوي إليها الصبيان لقلة عقولهم وتضرعهم بمرارة عيشهم وكدر صفوها. يا فتى، كم من طالب للدناي لا ينال حاجته، ولم يبلغ أمله، ولم يدركها، ومدرك لها إدراكاً فيه مرارة عيشها وكدر صفوها.
واعلم يا فتى أن شدة الحساب ومعاينة الأهوال مع الحمل الثقيل سيثقل اليوم على المسرفين بما عملوا ومرحوا في الأرض بغير ما أمروا. يا فتى، اجتناب المحارم رأس العبادة وسيعلم المتقون بما صبروا على سجع الطريق والظمأ في الهواجر والقيام على الأقدام في ظلم الدجى وإجاعة الأكباد وعري الأجساد، وذلك أن الله عدل في قضائه سابق في مقاله، لا يضيع أجر المحسين قلت: يا راهب، إني لأريد لنفسي شيئاً من المطعم والمشرب فلا يكفيني حتى تتوق نفسي إلى أكثر من ذلك. قال: يا فتى، إن نواصي العباد في يد الله عز وجل وقبضته فلا يجوزون من ذلك إلى غيره، قد قسم أرزاقهم وفرغ من آجالهم، تدبير(3/299)
الله عز وجل له في مطعمه ومشربه أحرى أن لا يجريه تدبيره لنفسه. قلت: اوه، ضربت فأوجعت وشددت فأوثقت. قال: بل أطعمت فأشبعت، ووعظت فنفعت. قلت: يا راهب، بم يستعان على الزهد في الدنيا؟ قال: بتقصير الأمل، وذكر الموت، والمداومة على العمل. قلت: يا راهب، فمتى ترحل الدنيا عن القلب، وتسكن الحكمة الصدر؟
فصاح صيحة خر مغشياً عليه، ومكث ساعة كذلك، ثم أفاق من غشيته فقال لي: كيف قلت؟ قال: فأعدت عليه القول. فقال: لا والله، لا ترحل الدنيا عن القلب وأنت نمكب على القراريط والفلوس تتلذذ بالنظر إلى كثرتها، وتستعين بكسب الحرام على جمعها، وأنت تحب النظر إلى هؤلاء وأشار بيده إلى الخلائق، ثم قال: لا أوترد موارد السباع الضارية المنقطعة عن الخلائق في الكهوف وأطراف الجبال الشواهق الصم الصلاب. يقول عيسى بن مريم: لا ينال العبد منال الصديقين ودرجة المقربين، ويعرف في الملكوت الأعلى حتى يترك امرأته أرملة عن غير طلاق، وصبيانه يتامى من غير موت، ويأوي إلى مرابض الكلاب، فعند ذلك يعرف في الملكوت الأعلى وينال الدرجة الخامسة من درجات العارفين. وأما قولك متى تسكن الحكمة الصدر؟ حتى يراك الله وقد أعتقت رقبتك من أن تكون مملوكاً لامرأتك وأجيراً لولدك. قلت: يا راهب، فما أول قيادة القلب إلى الزهد في الدنيا والرضا بالقسم؟ قال: بإماتة الحرص وبذبح حنجرة المطعم، فإن كثرة المطعم تميت القلب كما يموت البدن. قلت: يا راهب، فأكون معك وأقيم عليك؟! قال: وما أصنع بك؟ وأي أنس لي فيك؟ ومعي عاطي الأرزاق، وقابض الأرواح يسوق إلي رزقي في وقته، ولم يكلفني حمله ولا يقدر على ذلك أحد غيره. ثم قال لي: يا فتى، طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد لم يره، كما لا يجوز فيكم الشريف كذا لا يجوز كلامكم إلا بنور الإخلاص، كم من صلاة قد زخرفتموها بآية من كتاب الله كما تزخرف الفضة البيضاء بالسوداء للناظرين إليها حتى ينظروا بنور الإخلاص لا فساد لها، عند إصلاح الضمائر تكفير الكبائر ثم قال: يا فتى، إن العبد إذا أضمر على ترك الآثام أتاه القنوع. ثم قال: يا فتى، ربما استطربني الفرح من مجلسي إلى الصلاة، ولربما رأيت القلب(3/300)
يضحك ضحكاً وأهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم. يا فتى، همة العاقل النجاة والهرب، وهمة الأحمق اللهو والطرب. ثم قال: يا فتى، إذا أضمر العبد على الزهد في الدنيا تعلق قلبه في الملكوت الأعلى، نظر إلى الدنيا بعين القلة فنظره إلى ما فيها عبرة وسكوته عن القول مغنم وذلك عندما ينال الدرجة السادسة. قلت: يا راهب. فما أول الدرجات التي يقطع فيها المريدون وهي باب الإرادة؟ قال: رد المظالم إلى أهلها، وخفة الظهر من التبعات، فإن العبد لا تقضى له حاجة وعليه مظلمة ولا تبعة. قلت: يا راهب، ما أفضل الدرجات؟ قال: الصبر على البلاء، والشكر على الرخاء، وليس فوق الرضا درجة وهي درجة المقربين. ثم عاد بالكلام على نفسه فأقبل يعاتبها وهو يقول: ويحك يا نفس، ما إن أراك في تقلبك ومثواك أثبت إلا الفرار من الحق والموت يقفوك، فأين تقرين ممن أنت له عاصية وهو إليك محسن؟! ثم قال: إلهي وسيدي أنت الذي سترت عيوبي وأظهرت محاسني حتى كأني لم أزل أعمل بطاعتك. إلهي أنا الذي أرضيت عبادك بسخطك، فلم تكلني إليهم وأمددتني بقوتك، إليه وسيدي إليك انقطع المريدون في ظلم الدجى وباكروا الدلج في ظلم الأسحار يرجون رحمتك وسعة مغفرتك. اللهم أسكني في درجة المقربين واحشرني في زمرة العارفين، فإنك أود الأجودين وأكرم الأكرمين يا مالك يوم الدين.
أحمد بن مطرف أبو الحسن السبتي القاضي
حدث عن جعفر بن محمد بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء.
وحدث عن أبي جعفر أحمد بن صالح الوراق الرازي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن لله عموداً من نور بين يديه، فإذا قال العبد لا إله إلا الله اهتز ذلك العمود فيقول الله عز وجل اسكن فيقول: كيف أسكن ولم تغفر لقائلها. قال: فيقول: إني قد غفرت له فيسكن عند ذلك.(3/301)
وحدث عن علي بن الحسين بن الجنيد قال: سمعت سهلاً الخياط يقول: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: لولا أن السنة جرت بأبي بكر ما قدمنا على عمر أحداً.
سمع منه في سنة سبع وعشرين وثلاث مئة.
أحمد بن معاوية بن وديع المذحجي
قال أحمد بن وديع: قال أبو سليمان: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الخلائق فإنما يريد الشنعة.
وقال: قال أبو معاوية يعني الأسود:
إخواني كلهم خير مني. قيل له: يا أبا معاوية، وكيف ذلك؟ قال: كلهم يرى لي الفضل على نفسه ومن فضلني على نفسه فهو خير مني.
وحدث عن الوليد بن مسلم قال: كانت امرأة من التابعين تقول: اللهم اقبل بما أدبر من قلبي، وافتح ما أقفل منه حتى تجعله هنيئاً مريئاً بالذكر لك.
وحدث عن أبي معاوية الأسود قال: القرآن وحشي، إذا تحدث وقرىء نفر القرآن.
أحمد بن المعلى بن يزيد
أبو بكر الأسدي ختن دحيم، قاضي دمشق نيابةً عن أبي زرعة محمد بن عثمان القاضي حدث عن هشام بن عمار بسنده عن عبادة بن الصامت أن رجلاً سأله عن هذه الآية " لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة " فقال(3/302)
عبادة بن الصامت: لقد سالتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له، وهو كلام يكلم به ربك عز وجل عبده.
توفي أحمد بن المعلى بدمشق في رمضان سنة ست وثمانين ومئتين.
أحمد بن مكي بن عبد الوهاب ابن أبي الكراديس أبو العباس
حدث عن القاضي أبي بكر بن يوسف بن القاسم الميانجي بسنده عن البراء أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوصى رجلاً فقال: إذا أخذت مضجعك فقل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وألجأت ظهري إليك، وفوضت أمري إليك رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت. فإن مات مات على الفطرة.
أحمد بن منصور بن سيار بن معارك أبو بكر البغدادي
المعروف بالرمادي محدث مشهور.
حدث عن عثمان بن عمر بسنده عن عثمان بن حنيف أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ادع الله لي يعافيني فقال له: إن شئت أخرت ذلك، وإن شئت دعوت قال: ادع، فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه، ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بمحمد نبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبي الهدى والرحمة، يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه ليقضي لي اللهم شفعه في.
وحدث عن أبي إسحاق إبراهيم الطالقاني سنة خمس وستين ومئتين وفيها مات بسنده عن عوف بن مالك قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أتاه الفيء قسمه من يومه، فيعطي الآهل حظين، ويعطي العزب حظاً.(3/303)
وحدث عن يزيد يعني ابن هارون بسنده عن عبد الله بن سرخس قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سافر قال: اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في النفس والأهل والمال.
قال محمد بن مخلد: كان الرمادي إذا اشتكى شيئاً قال: هاتوا أصحاب الحديث فإذا حضروا عنده قال: اقرؤوا علي الحديث.
أحمد بن منصور بن محمد أبو العباس الشيرازي
الحافظ حدث عن أحمد بن جعفر بن سليمان القزاز الفسوي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من لم يأنف من ثلاث فهو مؤمن حقاً: خدمة العيال، والجلوس مع الفقراء، والأكل مع خادمه. هذه الأفعال من علامة المؤمنين الذين وصفهم الله في كتابه " أولئك هم المؤمنون حقاً ".
توفي أحمد بن منصور في شعبان سنة اثنتين وثمانين وثلاث مئة وهو ابن ثمانٍ وستين سنة.
أحمد بن منصور بن محمد بن عبد الله بن محمد أبو العباس الغساني الفقيه المالكي
المعروف بابن قبيس من أهل داريا حدث عن أبي محمد بن أبي نصر بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يتبع الدجال سبعون ألفاً من يهود أصبهان عليهم الطيالسة.(3/304)
أنشد أبو العباس بن قبيس بسنده عن أبي بكر محمد بن سهل قال: أنشدني بعض أصحابنا: من المنسرح
أعتقني سوء ما صنعت من الر ... ق فيا بردها على كبدي
فصرت عبداً للسوء فيك وما ... أحسن سوءٌ قبلي إلى أحد
توفي أبو العباس أحمد بن منصور ليلة الجمعة الحادي والعشرين من شعبان سنة ثمان وستين وأربع مئة. وفي ذلك الشهر بعينه نزلت الأتراك على دمشق.
أحمد بن منير بن أحمد بن مفلح أبو الحسين الأطرابلسي الشاعر الرفاء
كان أبوه منير منشداً ينشد أشعار العوني في أسواق أطرابلس، ويغني، ونشأ أبو الحسين وحفظ القرآن، وتعلم اللغة والأدب، وقال الشعر، وقدم دمشق فسكنها، وكان رافضياً يعتنق مذهب الإمامية، وكان هجاء خبيث اللسان، يكثر الفحش في شعره، ويستعمل فيه الألفاظ العامية. فلما كثر الهجو منه سجنه بوري بن طغتكين أمير دمشق مدةً، وعزم على قطع لسانه، فاستوهبه يوسف بن فيروز فوهبه له وأمر بنفيه من دمشق. فلما ولي ابنه إسماعيل بن بوري عاد إلى دمشق ثم تغير عليه إسماعيل لشيء بلغه عنه فطلبه، وأراد صلبه، فهرب واختفى في مسجد الوزير أياماًن ثم خرج عن دمشق، ولحق بالبلاد الشمالية ينتقل من حماه إلى شيرز إلى حلب، ثم قدم دمشق آخر قدمة صحبة الملك العادل لما حاصر دمشق الحصر الثاني. فلما استقر الصلح دخل البلد ورجع مع العسكر إلى حلب. فمات بها في جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمس مئة. وكان مولده سنة ثلاث وسبعين وأربع مئة بطرابلس فمن شعره: من الكامل
أخلى فصد عن الحميم وما اختلى ... ورأى الحمام يغصه فتوسلا
ما كان واديه بأول مرتعٍ ... ذعرت طلاوته طلاه فأجفلا(3/305)
وإذا الكريم رأى الخمول نزيله ... في منزلٍ فالحزم أن يترحلا
كالبدر لما أن تضاءل نوره ... طلب الكمال فحازه متنقلا
ساهمت عيسك مر عيشك قاعداً ... أفلا فليت بهن ناصية الفلا
فارق ترق كالسيف سل فبان في ... متنيه ما أخفى القراب وأخملا
لا ترض عن دنياك ما أرضاك من ... دنسٍ وكن طيفاً حلا ثم انجلا
وصل الهجير بهجر قومٍ كلما ... أمطرتهم عسلاً جنوا لك حنظلا
من غادرٍ خبثت مغارس وده ... فإذا محضت له الوفاء تأولا
أو حلف دهرٍ كيف مال بوجهه ... أمسى كذلك مدبراً أو مقبلا
لله علمي بالزمان وأهله ... دنت الفضيلة عندهم أن تكملا
طبعوا على لؤم الطباع فخيرهم ... إن قلت قال وإن سكت تقولا
قال الخطيب السديد أبو محمد عبد القاهر بن عبد العزيز خطيب حماه: رأيت أبا الحسين بن منير الشاعر في النوم بعد موته، وأنا على قرنة بستان مرتفعة، فسألته عن حاله وقلت له: اصعد إلى عندي فقال: ما أقدر من رائحتي فقلت تشرب الخمر؟ فقال: شر من الخمر يا خطيب فقلت: ما هو؟ فقال: تدري ما جرى علي من هذه القصائد التي قلتها في مثالب الناس؟ فقلت له: ما جرى عليك منها؟ فقال: لساني قد طال وثخن وصار مد البصر، وكلما قرأت قصيدة منها قد صارت كلاباً يتعلق في لساني، وأبصرته حافياً عليه ثياب رثة إلى غاية، وسمعت قارئاً يقرأ من فوقه " لهم من فوقهم ظلل من النار " الآية ثم انتبهت مرعوباً.(3/306)
أحمد بن موسى بن الحسين بن علي
أبو بكر بن السمسار أخو أبي العباس وأبي الحسن حدث عن أبي بكر محمد بن خريم بن عبد الملك بن مروان بسنده عن أمر كرز الخزاعية قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة.
أحمد بن موسى الهاشمي مولاهم
حدث بدمشق عن عبيد بن آدم بن أبي إياس بسنده عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن المتحابين في الله في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله، على منابر من نور يفزع الناس ولا يفزعون، إذا أراد الله بأهل الأرض عذاباً ذكرهم فصرف العذاب عنهم بفضل منزلتهم منه.
أحمد بن المؤمل الدمشقي
قال أحمد بن المؤمل: حفر حفيرة بدمشق فاستخرج منها حجر فيه مكتوب منقوش: من الوافر
أيضمن لي فتى ترك المعاصي ... وأرهنه الكفالة بالخلاص
أطاع الله قومٌ فاستراحوا ... ولم يتجرعوا غصص المعاصي(3/307)
أحمد بن مهدي بن رستم
أبو جعفر الأصبهاني المدني أحد الثقات الأثبات.
حدث عن أبي اليمان الحكم بن نافع بسنده عن أنس بن مالك
أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركب فرساً فصرع عنه فخمش شقه الأيمن قال أنس: فصلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ صلاة من الصلوات وهو قاعد، فصلينا وراءه قعوداً فقال حين سلم: إنما الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون.
وحدث عن سعيد بن الحكم بن أبي مريم المصري بسنده عن عائشة قالت: كنت أطيب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند حله وإحرامه بأطيب ما أقدر عليه.
قال أحمد بن مهدي: أردت أن أكتب كتاب الأموال لأبي عبيد فخرجت لأشتري ماء الذهب فلقيت أبا عبيد فقلت: يا أبا عبيد، رحمك الله أريد أن أكتب الأموال بماء الذهب فقال: اكتبه بالحبر فإنه أبقى.
توفي أبو جعفر أحمد بن رستم في شوال سنة اثنتين وسبعين ومئتين: وقيل في رمضان. وكان ظاهر الثروة، صاحب ضياع، لم يحدث في وقته من الأصبهانيين أوثق منه، وأكثر حديثاً. صاحب الكتب والأصول الصحاح، أنفق عليها نحواً من ثلاث مئة ألف درهم، لم يعرف له فراش منذ أربعين سنة، صاحب صلاة واجتهاد. وتوفي أحمد بن مهدي سنة اثنتين وسبعين ومئتين في شوال.(3/308)
من اسم أبيه على حرف النون
أحمد بن نصر بن زياد
أبو عبد الله القرشي النيسابوري المقرىء الزاهد الفقيه رحل إلى الشام.
حدث بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن رجلاً ممن قبلكم مات وليس معه شيء من كتاب الله عز وجل إلا تبارك. فلما وضع في حفرته أتاه الملك فثارت السورة في وجهه فقال لها: إنك من كتاب الله، وإني أكره مساءتك، وإني لا أملك لك ولا له ولا لنفسي ضراً ولا نفعاً فإن أردت هذا به فانطلقي إلى الرب تبارك وتعالى فاشفقي له، فتنطلق إلى الرب تبارك وتعالى فتقول: أي رب، إن فلاناً عمد إلي من بين كتابك فتعلمني وتلاني، أفتحرقه أنت بالنار وتعذبه وأنا في جوفه فإن كنت فاعلاً ذاك به فامحني من كتابك، فيقول: ألا أراك غضبت؟ فتقول: وحق لي أن أغضب. قال: فيقول: اذهبي فقد وهبته لك، وشفعتك فيه. قال: فتجيء فتضع فاها على فيه، فتقول مرحباً بهذا الفم فربما تلاني ومرحباً بهذا الصدر فربما وعاني، ومرحباً بهاتين القدمين فربما قامتا بي وتؤنسه في قبره مخافة الوحشة عليه.
فلما حدث بهذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يبق صغير ولا كبير ولا حر ولا عبد بالمدينة إلا تعلمها وسماها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المنجية.
قال أحمد بن نصر المقرىء: سألت أبا مسهر الدمشقي قلت: من يقول الإيمان قول؟ قال: مرجىء ومبتدع. قلت: فالإيمان قول وعمل؟ قال: نعم. قلت: ويزيد وينقص؟ قال: نعم، كان الأوزاعي يقول: ما من شيء يزيد إلا وينقص.(3/309)
كان أبو عبد الله أحمد بن نصر ثقة، صاحب سنة محباً لأهل الخير. توفي في ذي القعدة سنة خمس وأربعين ومئتين.
أحمد بن نصر بن شاكر بن عمار
وهو أحمد بن أبي رجاء أبو الحسن المقرىء المؤدب حدث عن إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني بسنده عن معدان بن طلحة اليعمري قال: لقيت ثوبان فقلت: حدثني حديثاً ينفعني الله به، فسكت ثم عدت لمثلها فسكت، فقلت له مثلها، فقال: عليك بالسجود، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه بها خطيئة. ثم لقيت أبا الدرداء فسألته فقال لي مثل ذلك.
توفي في المحرم سنة اثنتين وتسعين ومئتين.
أحمد بن نصر بن طالب أبو طالب
البغدادي الحافظ حدث عن سليمان بن عبد الحميد أبو أيوب البهراني بسنده عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الله أول شيء خلقه القلم، وأخذه بيده اليمنى وكلتا يديه يمين، فكتب ما يكون فيها من عمل معمول بر أو فجور، رطب أو يابس فأحصاه عنده في الذكر، ثم قال اقرؤوا إن شئتم " هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون " فهل النسخ إلا من شيء قد فرغ منه.
توفي أبو طالب أحمد بن نصر الحافظ في رمضان، وقيل شوال سنة ثلاث وعشرين وثلاث مئة. وكان ثقة ثبتاً.(3/310)
أحمد بن نصر بن محمد أبو الحسن
ابن أبي الليث المصري الحافظ
حدث عن أبي علي محمد بن هارون الأنصاري بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من عبد يخطو خطوةً إلا سئل عنها ماذا أراد بها.
أنشد أحمد بن أبي الليث المصري قال: أنشدني محمد بن جعفر النحوي بطبرستان قال: أنشدنا أبو العير لنفسه: من المديد
ليس لي مالٌ سوى كرمي ... فيه لي أمنٌ من العدم
لا أقول الله يظلمني ... كيف أشكو غير متهم
قنعت نفسي بما رزقت ... وتمطت في العلا هممي
ولبست الصبر سابعةً ... هي من قرني إلى قدمي
وإذا ما الدهر عاتبني ... لم يجدني كافر النعم
جاء نعيه في رمضان سنة ست وثمانين وثلاث مئة.
أحمد بن نصر بن محمد أبو منصور الدينوري
حدث بدمشق عن أبي القاسم علي بن أحمد بن علي بن راشد العجلي بسنده عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خيركم في المئين المؤمن الخفيف الحاذ: قيل: وما الخفيف الحاذ؟ قال: الذي لا أهل له ولا ولد.(3/311)
أحمد بن النضر بن بحر أبو جعفر العسكري
حدث عن هشام بن عمار بسنده عن عائشة قالت: ذبح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمن تمتع من نسائه بقرةً.
وحدث عن سعيد بن حفص النفيلي بسنده عن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: اللهم بارك لأمتي في سحورها، تسحروا ولو بشربة من ماء، ولو بتمرة، ولو بحبات زبيب، فإن الملائكة تصلي عليكم.
توفي أحمد بن النضر في ذي الحجة سنة تسعين ومئتين. وكان من ثقات الناس وأكثرهم كتاباً.
أحمد بن نظيف بن عبد الله
أبو بكر الخفاف حدث عن أحمد بن عمير بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء.
أحمد بن نمير الثقفي
حدث عن أبيه عن ابن أسباط أن هذا كتاب يحيى بن حمزة القاضي، كان بدمشق لبنك نصارى مدينة دمشق أنهم رفعوا إلى الأمير محمد بن إبراهيم أصلحه الله قصة، وذكروا أنهم شجر بينهم وبين رئيسهم في دينهم وجماعتهم من أهل القرى وعتاقة العرب والغرباء اختلاف وفرقة، وأنهم غلبوهم على كنائسهم وسألوه النصفة لهم منهم، والوفاء لهم بما في عهدهم، وكتابه الذي كتبه لهم خالد بن الوليد عند فتح مدينتهم فأمرني الأمير محمد بن إبراهيم بعد اجتماعهم عنده وتناصبهم الخصومة بين يديه بالنظر في أمرهم، وحملهم على ما يرى من الحق والعدل، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فدعوتهم بحججهم فأتوني بكتاب خالد بن الوليد لهم فيه:(3/312)
بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى خالد بن الوليد أهل دمشق يوم فتحها أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم لا تهدم ولا تسكن، لهم على ذلك ذمة الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين ألايعرض لهم أحد إلا بخير إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية. شهد هذا الكتاب يوم كتب عمرو بن العاص وعياض بن غنم ويزيد بن أبي سفيان وأبو عبيدة بن الجارح ومعمر بن عتاب وشرحبيل بن حسنة وعمير بن سعد ويزيد ابن نبيشة وعبد الله بن الحارث وقضاعي بن عامر. وكتب في شهر ربيع الآخر من سنة خمس عشرة.
قال يحيى بن حمزة: فنظرت في كتابهم، فوجدته خاصة لهم، وفحصت عن أمرهم فوجدت فتحها بعد حصار، ووجدت ما وراء حائطها لدفع الخيل ومراكز للرماح، ونظرت في جزيتهم فوجدتها وظيفة عليهم خاصة دون غيرهم، ووجدت أهلها عند فتحها رجلين: رجلاً رومياً قتلته الحرب أو نفته، فمساكنهم وكنائسهم قسمة بين المسلمين معروفة ليس تخفى، ورجلاً من أهلها حقن دمه هذا العهد، فمساكنهم وكنائسهم مع دمائهم لهم لم تسكن، ولم تقسم معروفة ليست تخفى. فقضيت لهم بكنائسهم حين وجدتهم أهل هذا العهد وأبناء البلد بنكاً تلادا، ووجدت من نازعهم لفيفاً طرآء، وذلك لو أنهم أسلموا بعد فتحها كان لهم صرفها مساجد ومساكن، فلهم في آخر الدهر ما لهم في أوله، وأثبت في الأصول قبل وأشهدت الله عليه وصالح المؤمنين وفاء بهذا العهد الذي عهده لهم السابقون الأخيار. فإن يكن بينهم خاصة في ذلك اختلاف نظر لهم، وقضيت لمن نازعهم بما كان لهم فيها من حلية أو آنية أو كسوة أو عرصة أضافوا ذلك إليها، يدفع ذلك إليهم بأعيانه إن قدروا عليه وسهل قبضه أو قيمة عدل يوم ينظر فيه. شهد على ذلك.(3/313)
أحمد بن نهيك كاتب عبد الله بن طاهر
قدم معه دمشق.
حدث أحمد بن أبي طاهر أن عبد الله بن طاهر لما خرج إلى المغرب كان معه كاتبه أحمد بن نهيك. فلم نزل دمشق أهديت إلى أحمد بن نهيك هدايا كثيرة في طريقه وبدمشق، وكان يثبت كل ما يهدى إليه في قرطاس، ويدفعه إلى خازن له. فلما نزل عبد الله بن طاهر دمشق أمر أحمد بن نهيك أن يغدو عليه بعمل كان أمره أن يعمله، فأمر خازنه أن يخرج إليه قرطاساً فيه العمل الذي أمر بإخراجه، ويضعه في المحراب لئلا ينساه في السحر عند ركوبه، فغلط الخازن فأخرج إليه القرطاس الذي فيه ثبت ما أهدي إليه فوضعه في المحراب. فلما صلى أحمد بن نهيك الفجر أخذ القرطاس من المحراب ووضعه في حقه. فلما دخل على عبد الله بن طاهر سأله عما يقدم إليه من إخراجه العمل الذي أمره به فأخرج الدرج ودفعه إليه فقرأه عبد الله من أوله إلى آخره، وتأمله ثم أدرجه ودفعه إلى أحمد بن نهيك وقال له: ليس هذا الذي أردت. فلما نظر أحمد بن نهيك فيه أسقط في يده. فلما انصرف إلى مضربه وجه إليه عبد الله بن طاهر يعلمه أني قد وقعت على ما في القرطاس فوجدته سبعين ألف دينار واعلم أنه قد لزمتك مؤونة عظيمة غليظة في خروجك ومعك زوار وغيرهم، وإنك محتاج إلى برهم وليس مقدار ما صار إليك يفي بمؤونتك وقد وجهت إليك بمئة ألف دينار لتصرفها في الوجوه التي ذكرتها.(3/314)
من اسم أبيه على حرف الواو
أحمد بن الوليد بن هشام القرشي
مولى بني أمية ويعرف بالقبيطي روى عن هشام بن عمار وغيره بسنده عن عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في معاوية: اللهم اجعله هادياً مهدياً.(3/315)
من اسم أبيه على حرف الهاء
أحمد بن هارون بن جعفر
أبو العباس الدلاء البغدادي روى عن أبي جعفر محمد بن عبد الحميد الفرغاني بسنده عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من عزى مصاباً فله مثل أجره.
أحمد بن هارون بن روح
أبو بكر البردعي البرديجي الحافظ من أهل برديج من أعمال بردعة من بلاد أرمينية.
روى عن حسين بن علي بن الأسود بسنده عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كفارة أحداثنا فقال: شهادة أن لا إله إلا الله. وفي رواية: عن كفارة احدانا.
توفي ببغداد في رمضان سنة إحدى وثلاث مئة. وكان ثقة فاضلاً فهماً حافظاً من حفاظ الحديث المذكورين بالحفظ والفقه، ولم يغير شيبه.
أحمد بن هشام بن عبد الله
ابن كثير القارىء أبو الحسن الأسدي، مولى بني أسد من قريش البزار من أهل باب الصغير حدث عن محمد بن مصفر بسنده عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أسرف عبدٌ على نفسه حتى إذا حضرته الوفاة قال لأهله: إذا أنا مت فاحرقوني ثم(3/316)
اسحقوني ثم اذروني في الريح في البحر، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من خلقه. ففعل ذلك به أهله. فقال الله عز وجل لكل شيء أخذ منه شيئاً أد ما أخذت منه فإذا هو قائم. قال الله عز وجل: ما حملك على ما صنعت؟ قال: خشيتك. فغفر الله له.
أحمد بن همام بن عبد الغفار
ابن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، أبو حدرد المخزومي حدث عن محمد بن سعيد بن الفضل بسنده عن أبي الدرداء قال: - لا أعلمه إلا رفعه - قال: من قال في امرىء مسلم ما ليس فيه ليؤذيه حبسه الله في ردغة الخبال يوم القيامة حتى يقضي بين الناس.(3/317)
من اسم أبيه على حرف الياء
أحمد بن يحيى بن جابر بن داود
أبو الحسن ويقال: أبو جعفر - ويقال: أبو بكر البغدادي البلاذري الكاتب. صاحب التاريخ سمع جماعة، وروى عنه جماعة.
قال حمد بن يحيى البلاذري: قال لي محمود الوراق: قل من الشعر ما يبقى لك ذكره، ويزول عنك إثمه فقلت: من الخفيف
استعدي يا نفس للموت واسعي ... لنجاة فالحازم المستعد
قد تبينت أنه ليس للح ... ي خلودٌ ولا من الموت بد
إنما أنت مستعيرةٌ ما سو ... ف تردين والعواري ترد
أنت تسهين والحوادث لا تس ... هو وتلهين والمنايا تجد
أي ملكٍ في الأرض أو أي حظٍ ... لامرىءٍ حظه من الأرض لحد
لا ترجبي البقاء في معدن المو ... ت ودارٌ حتوفها لك ورد
كيف يهوى امرؤٌ لذاذة أيا ... مٍ عليه الأنفاس فيها تعد
كان البلاذري أديباً راوية، وله كتب جياد، ومدح المأمون وجالس المتوكل وتوفي في أيام المعتمد. ووسوس في آخر عمره.
أحمد بن يحيى بن سهل بن السري
أبو الحسين الطائي المنبجي الشاهد المقرىء النحوي حدث عن أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن مروان بسنده عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تقتلوا الضفادع فإن نقيقها تسبيح.(3/318)
وحدث أيضاً عن أبي الحسن نظيف بن عبد الله المقرىء بسنده عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يتطير، وكان إذا بعث غلاماً سأل عن اسمه، فإن أعجبه اسمه فرح لذلك ورئي في وجهه، وإن كره اسمه رئي كراهية ذلك في وجهه، وإذا دخل القرية سأل عن اسمها، فإن أعجبه اسمها فرح بها ورئي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمها رئي كراهية ذلك في وجهه.
توفي سنة خمس عشرة وأربع مئة. وكان ثقة.
أحمد بن يحيى بن صالح بن بيهس
ابن زميل بن عمرو بن هبيرة بن زفر بن عامر بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب حدث أحمد بن يحيى بن صالح عن أبيه قال: قال عبد الله بن طاهر لأخي محمد بن صالح بن بيهس: إنك لتعدد ما قمت به لأمير المؤمنين كأنك طاهر بن الحسين! فقال له محمد بن صالح: إن طاهر بن الحسين حارب عن دولة أمير المؤمنين بمال أمير المؤمنين ورجاله، وأنا حاربت عن دولة أمير المؤمنين بمالي وعشيرتي. فقال له عبد الله بن طاهر: أنشدني شعرك الذي كتبت به إلى المأمون لما وجهت برأس القاسم بن أبي العميطر فأنشده: مجزوء الرمل
أبلغا اليوم على البع ... د أمير المؤمنينا
أنني أهلكت بالشا ... م أمير المجرمينا
وقتلت ابن عظيم ال ... مارقين المعتدينا
قاسماً لما غدا يس ... تحلب الحرب الزبونا
وعلى معتمرٍ كر ... رت مرداةً طحونا
لم تدع بالشام كبشاً ... من كباش العبشمينا
ظالماً إلا سقينا ... هـ بها كأس المنونا
ليت شعري أأتي المأ ... مون أنا قد عنينا(3/319)
بالذي صار إليه ... في أمور المسلمينا
وكفيناه ببيضٍ ... مرهفاتٍ من يلينا
أحمد بن يحيى من أهل حجر الذهب
مقعد.
حدث بسنده عن جابر قال: أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبر عبد الله بن أبي بعد ما دفن وأمر به فأخرج، فوضعه على ركبتيه، أو فخذيه، فنفث عليه من ريقه، وألبسه قميصه.
أحمد بن يحيى أبو بكر السنبلاني الأصبهاني
من أهل سنبلان، محلة بأصبهان.
قدم دمشق.
حدث عن هارون بن سعيد، أبو عبد الرحمن الراعي الأصبهاني، وكان من خيار الناس بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من صلى علي في كتابه لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام اسمي في ذلك الكتاب.
قال أبو بكر السنبلاني: فأنا رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة جمعة في آخر الليل فقلت له: يروى عنك أنك قلت: من صلى علي في كتابه لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام اسمي في ذلك الكتاب، فأومأ برأسه مرتين أو ثلاثاً. أي: نعم.
أحمد بن يحيى الأنطاكي
حدث عن هشام بن عمار بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله عز وجل أحب لكم ثلاثاً، وكره لكم ثلاثاً: أحب لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تنضموا لمن ولاه الله أمركم، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً. وكره لكم: قيل(3/320)
وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال.
أحمد بن يحيى أبو عبد الله
ابن الجلاء أحد مشايخ الصوفية الكبار صحب أباه وذا النون المصري وأبا تراب النخشبي وغيرهم. وكان عالماً ورعاً. وكان أصله بغدادياً، وأقام بالرملة وبدمشق، وكان من جلة المشايخ وأئمة القوم.
سئل أبو عبد الله: ما معنى الصوفي؟ فقال: ليس يعرف من شرط العلم، ومعناه مجرد من الأسباب كأن الله معه بكل مكان فلا يمنعه الحق من علم كل مكان فسمي صوفي.
كان ابن الجلاء يقول:
يحتاج العبد أن يكون له شيء يعرف به كل شيء.
وكان يقول: من استوى عنده المدح والذم فهو زاهد، ومن حافظ على الفرائض في أول مواقيتها فهو عابد، ومن رأى الأفعال كلها من الله فهو موحد.
قال ابن الجلاء: قلت لأبي وأمي: أحب أن تهباني لله عز وجل. فقالا: قد وهبناك لله، فغبت عنهم مدة، فلما رجعت كانت ليلة مطيرة فدققت الباب فقال أبي: من ذا؟ قلت: ولدك أحمد، قال: قد كان لنا ولد فوهبناه لله عز وجل ونحن من العرب لا نسترجع شيئاً وهبناه ولم يفتح الباب.
قال أبو الخير: كنت جالساً ذات يوم في موضعي هذا على باب المسجد فرفعت رأسي، فرأيت رجلاً في الهواء وبيده ركوة، فأومأ إلي فقالت له: انزل فأبى، ومر في الهواء فسئل الشيخ أبو الخير: عرفت الرجل؟ فقال: نعم، قيل له: من كان، فقال: أبو عبد الله بن الجلاء.(3/321)
سئل ابو بكر محمد بن داود عن أبي عبد الله بن الجلاء: أكان يجلو المرايا والسيوف؟ قال: لا، ولكن كان إذا تكلم على قلوب المؤمنين جلاها.
قال أبو عبد الله بن الجلاء: ما جلا أبي شيئاً قط، ولكنه كان يعظ الناس فيقع في قلوبهم فسمي جلاء القلوب.
كان يقال: في الدنيا ثلاثة من أئمة الصوفية لا رابع لهم: أبو عثمان بنيسابور، والجنيد ببغداد، وأبو عبد الله بن الجلاء بالشام.
قال الفرغاني: ما رأيت في عمري إلا رجلاً ونصف رجل، فقيل له: من الرجل؟ قال أبو أمية الماحوزي، والنصف رجل أبو عبد الله بن الجلاء، فقيل له: لم جعلت ذاك رجلاً وهذا نصفاً؟ قال: أبو أمية يأكل شيئاً ليس للمخلوقين فيه صنع، وأبو عبد الله بن الجلاء يأكل من رحل أبي عبد الله العطار.
قال أبو عمر محمد بن سليمان بن أبي داود اللباد: حضرت مجلس أبي عبد الله بن الجلاء فحدثنا أن هارون الرشيد دخل إلى بيت الله الحرام، ومعه رجل من بني شيبة، فأقام معه طويلاً، فقال له هارون: يا شيبي، قد دخلت معي هذا البيت فهل لك من حاجة؟ فقال له: يا أمير المؤمنين، إني لأستحي من الله أن أسأل في بيته غيره. قال: فأعجب هارون هذا الكلام. فلما خرج هارون من البيت أمر له بسبع بدر فقال الحسن بن حبيب لابن الجلاء يا حبيبي، أمر له بسبع بدر؟! فأعادها عليه مراراً، فقال له ابن الجلاء: كم ترددها! إذا رأيت أحداً يعظم أمر الدنيا مقته قلبي.
سئل أبو عبد الله بن الجلاء عن المحبة فقال: ما لي وللمحبة، إني أريد أن أتعلم التوبة.
قال أبو عمر الدمشقي: خرجنا مع أبي عبد الله بن الجلاء إلى مكة فمكثنا أياماً لم نجد ما نأكل. قال: فوقعنا(3/322)
إلى حي في البرية، فإذا بأعرابية وعندها شاة فقلنا لها: بكم هذه الشاة؟ فقالت: بخمسين درهماً. فقلنا لها: أحسني فقالت بخمسة دراهم فقلنا لها: تهزئين؟ فقالت: لا، والله، ولكن سألتموني الإحسان فلو أمكنني لم آخذ شيئاً. فقال أبو عبد الله بن الجلاء: إيش الذي معكم؟ قلنا: ست مئة درهم فقال: أعطوها، واتركوا الشاة عليها فما سافرنا سفرة أطيب منها.
قال أبو عبد الله بن الجلاء: كنت بمكة مجاوراً مع ذي النون فجعنا أياماً كثيرة لم يفتح لنا بشيء. فلما كان ذات يوم قام ذو النون قبل صلاة الظهر ليصعد إلى الجبل ليتوضأ للصلاة وأنا خلفه، فرأيت قشور الموز مطروحاً في الوادي وهو طري، فقلت في نفسي آخذ منه كفاً أو كفين أتركه في كمي ولا يراني الشيخ حتى إذا صرنا في الجبل ومضى الشيخ يتمسح أكلته. قال: فأخذته وتركته في كمي وعيني إلى الشيخ لئلا يراني. فلما صرنا في الجبل، وانقطعنا عن الناس التفت إلي وقال: اطرح ما في كمك يا شره، فطرحته وأنا خجل، وتمسحنا للصلاة، ورجعنا إلى المسجد وصلينا الظهر والعصر والمغرب وعشاء الآخرة. فلما كان بعد ساعة إذا إنسان قد جاء ومعه طعام عليه مكبة، فوقف ينظر إلى ذي النون، فقال له ذو النون: مر فدعه قدام ذاك، وأومأ إلي بيده، فتركه بين يدي، فانتظرت الشيخ ليأكل فلم أره يقوم من مكانه، ثم نظر إلي وقال: كل، فقلت: آكل وحدي، فقال: نعم، أنت طلبت، نحن ما طلبنا شيئاً، يأكل الطعام من طلبه، فأقبلت آكل وأنا خجل مما جرى. أو كما قال.
كان أبو عبد الله بن الجلاء جالساً في المسجد وحوله جماعة، فرأى بعض من حضر على لحيته قشرة تين فنحاها منه فأراها له، فصاح وقال: تأخذ من لحيتي وتطرح في المسجد! ثم أخذها في يده، وقام إلى باب المسجد فرماها وعاد فجلس.
قال ابن الجلاء: الزهد هو النظر إلى الدنيا بعين الزوال لتصغر في عينك، فيسهل عليك الإعراض عنها.
سئل أبو عبد الله بن الجلاء - وقيل له: هؤلاء الذين يدخلون البادية بلا زاد ولا عدة يزعمون أنهم متوكلة فيموتون! قال: هذا فعل رجال الحق فإن ماتوا فالدية على القاتل.(3/323)
سئل ابن الجلاء عن الفقر، فسكت حتى خلا، ثم ذهب ورجع عن قريب وقال: كان عندي أربعة دوانيق فاستحييت من الله أن أتكلم في الفقر فذهبت فأخرجتها ثم قعد وتكلم في الفقر.
وكان ابن الجلاء يقول: لولا شرف التواضع لكان حكم الفقير أن يتبختر.
وكان يقول: آلة الفقير صيانة فقره، وحفظ سره، وأداء فرضه.
وقال ابن الجلاء: لا تضيعن حق أخيك اتكالاً على ما بينك وبينه من المودة والصداقة، فإن الله تعالى فرض لكل مؤمن حقوقاً لا يضيعها إلا من لم يراع حقوق الله عليه.
وقال: الدنيا أوسع رقعة وأكثر رحمة من أن يجفوك واحد، ولا يرغب فيك آخر، وأنشد: من البسيط
تلقى بكل بلادٍ إن حللت بها ... أهلاً بأهلٍ وإخواناً بإخوان
كان أبو عبد الله الجلاء يقول: لو أن رجلاً عصى الله بين يدي معصية أنظر إليه، ثم غاب فلا يجوز فيما بيني وبين الله عز وجل أن أعتقد فيه ذاك الذي رأيته بعيني، لأنه يمكن أنه قد تاب ورجع إلى الله عز وجل حين غاب عني.
لما مات ابن الجلاء نظروا إليه وهو يضحك، فقال الطبيب: إنه حي، ثم نظر إلى مجسه فقال: إنه ميت، ثم كشف عن وجهه فقال: لا أدري هو ميت أم حي. وكان في داخل جلده عرق على شكل: الله.
وقيل: هذا كان لوالده لا له.
توفي أبو عبد الله بن الجلاء يوم السبت ثاني عشر رجب سنة ست وثلاث مئة.(3/324)
أحمد بن أبي خالد يزيد
ابن عبد الرحمن الكاتب أبو العباس الأحول، مولى عاصم بن الوليد بن عتبة بن ربيعة أصله من الأردن.
وترقت به الحال إلى أن استوزره المأمون بعد الفضل بن سهل، وكان أبو خالد كاتباً لأبي عبيد الله وزير المهدي.
حدث أسد بن سالم صاحب ديوان السواد أن أحمد بن أبي خالد قال لثمامة بن أشرس: كل أحد في الدار له مغنى غيرك فإنه لا مغنى لك في دار أمير المؤمنين فقال له ثمامة: إن مغناي في الدار والحاجة إليه بينة. قال: وما الذي تصلح له؟ قال: أشاور في مثلك. هل تصلح لمن معك أو لا تصلح؟ قال: فأفحم فما رد عليه جواباً.
قال الصولي: وكان ثمامة لما قتل الفضل بن سهل قد بعث إليه المأمون في الليل فعرض عليه الوزارة وألح عليه فيها، وقال له المأمون: أريدك لكذا وكذا، فقال: إني لا أقوم بذلك يا أمير المؤمنين، وإني لأضن بموضعي وحالي أن تزول، ولم أر أحداً يعرض للخدمة والوزارة إلا لم يكد تسلم حاله، ولا تدوم منزلته، فأعفاه منها، وقال له: فأشر علي برجل يصلح لما عرفتك، فقال: أحمد بن أبي خالد الأحول يقوم بالخدمة، إلى أن ينظر أمير المؤمنين من يصلح، فدعاه المأمون، وأمره بلزوم الخدمة. فلما تمكن له الأمر واستوثقت له الحال تذمم المأمون من تنحيته عن الأمر.
قال أبو العباس أحمد بن أبي خالد: كنت يوماً عند المأمون أكلمه في بعض الأمر فحضرتني عطسة فرددتها، وفهم المأمون ذلك، وقال: يا أحمد، لم فعلت هذا؟ أما علمت أنه ربما قتل ولسنا نحمل أحداً على هذه الخطيئة، فدعوت له وقلت: يا أمير المؤمنين ما سمعت كلمةٌ لملك أشرف من هذه. قال: بلى، كلمة هشام حين أراد الأبرش الكلبي أن يسوي عليه ثوبه فقال له هشام: إنا لا نتخذ الإخوان خولاً.(3/325)
ومن كلام أحمد بن أبي خالد: لا يعدن شجاعاً من لم يكن جواداًن فإن من لم يقدر على نفسه بالبذل لم يقدم على عدوه بالقتل.
وذكر عن بعض أهل العلم أنه قال: كان الناس يقولون: إن الشجاع لا يكون بخيلاً، وإن الشجاعة والبخل لا يجتمعان. وذلك أن من جاد بنفسه كان بماله أجود، حتى نشأ عبد الله بن الزبير فكان من الشجاعة بحيث لا يدانيه كبير أحد وكان من البخل على مثل هذا الحد، وعلى قول من أنكر اجتماع الشجاعة والبخل قوله من البسيط
يجود بالنفس إن ضن الجبان بها ... والجود بالنفس أقصى غاية الجود
قال أحمد بن أبي داود: لما مات أحمد بن أبي خالد وزير المأمون في آخر سنة اثنتي عشرة ومئتين صلى عليه المأمون، ووقف على قبره، فلما دلي في قبره قال: رحمك الله، أنت والله كما قال الشاعر: من الطويل
أخو الجد إن جد الرجال وشمروا ... وذو باطلٍ إن كان في القوم باطل
وقيل: مات في ذي القعدة سنة إحدى عشرة ومئتين.
أحمد بن يعقوب بن عبد الجبار
ابن بغاطر بن مصعب بن سعيد بن مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، أبو بكر القرشي الأموي الجرجاني حدث أحمد بن يعقوب بسنده عن الزهري أنه كان عن عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين، فأراد أن يقوم فأجلسه، ثم قدمت المائدة. فلما فرغوا من الأكل قدموا البطيخ، فقال الزهري: يا أمير المؤمنين، روينا عن بعض عمات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: البطيخ قبل الطعام يغسل البطن غسلاً، ويذهب الداء أصلاً، فقال له عبد الملك لو أخبرتني يابن شهاب قبل هذا لفعلنا كذلك. ثم دعا بصاحب الخزانة فساره في أذنه، فذهب ثم رجع ومعه مئة ألف درهم فأمره فوضعها بين يدي الزهري.(3/326)
وحدث أحمد بن يعقوب بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا أردت أن يذكرك الله عنده فأكثري من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
قال أحمد بن يعقوب: دخلت مع خالي بغداد سنة ثلاثٍ وثلاث مئة، وبغداد تغلي بالعلماء والأدباء والشعراء وأصحاب الحديث وأهل الأخبار، والمجالس عامرة وأهلها متوافرون، فأردت أن أطوف المجالس كلها، وأخبر أخبارها، فقيل لي: إن ههنا شيخاً يقال له أبو العبرطن أملح الناس، فرحلنا ولم ندخل عليه وفي القلب منه ما فيه. فلما توفي خالي وعدت إلى بغداد سألت عن أبي العبرطن فقيل: يعيش، وله مجلس، فعمدت إلى الكاغد والمحبرة، وقصدت الشيخ، فإذا الدار مملوءة من أولاد الملوك والأغنياء وأولاد الهاشميين بأيديهم الأقلام يكتبون، وإذا مستملٍ قائم في صحن الدار، وإذا شيخ في صدر الدار ذو جمال وهيئة قد وضع في رأس طاق خف مقلوب، واشتمل بفرو أسود قد جعل الجلد مما يلي بدنه، فجلست في أخريات القوم، وأخرجت الكاغد وانتظرت ما يذكر من الإسناد، فلما فرغوا قال الشيخ: حدثنا الأول عن الثاني عن الثالث أن الزنج والزط كلهم سود. وحدثني خرباق عن يناق قال: مطر الربيع ماء كله. وحدثني دريد عن رشيد قال: الضرير يمشي رويداً.
قال أبو بكر: فبقيت أتعجب من أمر الشيخ، فطلبت منه خلوة في أيام أعود إليه كل يوم فلا أصل إليه حتى كانت الليلة التي يخرج فيها الناس إلى الغدير اجتزت بباب داره، فإذا الدار ليس فيها أحد فدخلت، فإذا الشيخ وحده جالس في صدر الدار، فدنوت منه، وسلمت عليه فرحب بي، وأدناني، وجعل يسائلني، فرأيت منه من جميل المحيا والعقل والأدب والظرافة واللباقة ما تحيرت، فقال لي: هل لك من حاجة؟ قلت: نعم، قال: وما هي؟ قلت: قد تحيرت في أمر الشيخ وما هو مدفوع إليه. مما لا يليق بعقله وحسن أدبه وبيانه وفصاحته، فتنفس تنفساً شديداً ثم قال: إن السلطان أرادني على عمل لم أكن(3/327)
أطيقه وحبسني في المطبق أيام حياته. فلما ولي ابنه عرض علي ما عرض علي أبوه فأبيت، فحبسني وردني إلى أسوأ ما كنت فيه، وذهب من يدي ما كنت أملكه، واخترت سلامة الدين، ولم أتعرض لشيء من الدنيا بشيء من ديني، وصنت العلم عما لا يليق به، فلم أجد وجهاً لخلاصي فتحامقت ونجوت بها. وها أنذا في رغد من العيش.
أحمد بن يوسف بن خالد بن سالم بن زاوية أبو الحسن السلمي النيسابوري
المعروف بحمدان أحد الثقات الأثبات.
حدث بسنده عن عمير بن هانىء أنه سمع معاوية وهو على المنبر يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لايضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس.
وحدث بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رفعت إلي السدرة فإذا أربعة أنهار: نهران ظاهران ونهران باطنان، فأما الظاهران فالنيل والفرات، وأما الباطنان فنهران في الجنة. وأتيت بثلاثة أقداح: قدح فيه لبن، وقدح فيه عسل، وقدح فيه خمر، فأخذت الذي فيه اللبن فقيل لي: أصبت الفطرة أنت وأمتك.
مات أحمد بن يوسف السلمي سنة أربع وستين ومئتين. وقيل: سنة ثلاث وستين ومئتين.
أحمد بن يوسف بن خالد أبو عبد الله التغلبي صاحب أبي عبيد
حدث عن هشام بن عمار بسنده عن علي رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكل الربا، وموكله وكاتبه، والواشمة والمستوشمة، والمستحل والمستحل له ومانع الصدقة.(3/328)
وفي رواية غيره: لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه.
توفي أحمد بن يوسف في جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين ومئتين. وقيل: في رجب.
أحمد بن يوسف بن عبد الله
أبو نصر الشعراني العرقي الأديب حدث بأطرابلس في ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وثلاث مئة بسنده عن أبي هريرة قال: سمعت أبا القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: عجب ربنا تبارك وتعالى من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل.
أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح
أبو جعفر الكاتب أصله من الكوفة. ولي ديوان الرسائل للمأمون. يقال: إنه من بني عجل، وكان له أخ يقال له القاسم بن يوسف كان شاعراً كاتباً، وهما وأولادهما جميعاً أهل أدب وطلب للشعر والبلاغة.
قال أحمد بن يوسف الكاتب: رآني عبد الحميد بن يحيى أكتب خطاً رديئاً، فقال لي: إن أردت أن يجود خطك فأطل جلفتك وأسمنها، وحرف قطتك وأيمنها ثم قال: من الطويل
إذا جرح الكتاب كان قسيهم ... دوايا وأقلام الدوي لهم نبلا
والجلفة: فتحة رأس القلم.
قال رجل لأحمد بن يوسف كاتب المأمون: والله ما أدري أيك أحسن: أما وليه من خلقك أم ما وليته من أخلاقك؟(3/329)
ومن شعر أحمد بن يوسف: من البسيط
يزين الشعر أفواهاً إذا نطقت ... بالشعر يوماً وقد يزري بأفواه
قد يرزق المرء لا من حسن حيلته ... ويصرف الرزق عن ذي الحيلة الداهي
ما مسني من غنى يوماً ولا عدمٍ ... إلا وقولي عليه: الحمد لله
ومن شعر أحمد بن يوسف أيضاً: من الطويل
إذا قلت في شيء نعم فأتمه ... فإن نعم دين على الحر واجب
وإلا فقل: لا، واسترح وأرح بها ... لئلا يقول الناس إنك كاذب
ومن شعره في إفشاء السر: من الطويل
إذا المرء أفشى سره بلسانه ... ولام عليه غيره فهو أحمق
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه ... فصدر الذي استودعته السر أضيق
كان لأحمد بن يوسف جاريةٌ مغنيةٌ شاعرةٌ يقال لها: نسيم، وكان لها من قلبه مكان، فقالت وقد غضب عليها: من الطويل
غضبت بلا جرمٍ علي تجرماً ... وأنت الذي تجفو وتهفو وتغدر
سطوت بعز الملك في نفس خاضعٍ ... ولولا خضوع الرق ما كنت أصبر
فإن تتأمل ما فعلت تقم به ال ... معاذير أو تظلم فإنك تقدر
فرضي عنها، واعتذر إليها، وقالت ترثيه: من البسيط
نفسي فداؤك لو بالناس كلهم ... ما بي عليك تمنوا أنهم ماتوا
وللورى موتةٌ في الدهر واحدةٌ ... ولي من الهم والأحزان موتات
ومن شعره: مجزوء الكامل
قلبي يحبك يا منى ... قلبي ويبغض من يحبك
لأكون فرداً في هوا ... ك فليت شعري كيف قلبك
كان أحمد بن يوسف من أفاضل كتاب المأمون، وأذكاهم، وأفطنهم، وأجمعهم(3/330)
للمجالس، وكان جيد الكلام، فصيح اللسان، حسن اللفظ، مليح الخط. يقول الشعر في الغزل، والمديح، والهجاء.
أشرف أحمد بن يوسف وهو في الموت على بستان له على شاطىء دجلة فجعل يتأمله؛ ويتأمل دجلة، ثم تنفس وقال متمثلاً: من البسيط
ما أطيب العيش لولا موت صاحبه ... ففيه ما شئت من عيبٍ لعائبه
فما أنزلوه حتى مات.
ومات في سنة ثلاث عشرة. وقيل: أربع عشرة ومئتين.
وهو في سخطةٍ من المأمون.
أحمد بن يونس بن المسيب بن زهير
ابن عمرو بن حميل بن الأعرج بن عاصم بن ربيعة بن مسعود بن منقذ بن كوز بن كعب بن بجالة بن ذهل بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر، أبو العباس الضبي كوفي الأصل سكن بغداد، وانتقل إلى أصبهان وسمع بدمشق.
حدث عن محاضر بن الموزع بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: كان بين خالد بن الوليد وبين أبي بكر كلام. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تسبوا أحداً من أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه.
توفي سنة ثمان وستين ومئتين، وكتب أهل بغداد بأمانته وعدالته، وكان محله الصدق.
قال أحمد بن يونس الضبي: قدمني أبي إلى الفضيل بن عياض فمسح رأسي فسمعته يقول: اللهم حسن خلقه وخلقه.(3/331)
من اسمه أبان
أبان بن سعيد أبي أحيحة بن العاص
ابن أمية بن عبد شمس أبو الوليد الأموي له صحبة واستعمله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بعض سراياه، ثم ولاه البحرين، وقدم الشام مجاهداً فقتل يوم أجنادين. وقيل: يوم اليرموك. وقيل: مات سنة تسع وعشرين.
لما توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث أبو بكر أبان بن سعيد بن العاص إلى اليمن، فكلمه فيروز في دم داذويه فقال: إن قيساً قتل عمي غدراً على عدائه، وقد كان دخل في الإسلام، وشرك في قتل الكذاب، فأرسل أبان يعلى بن أمية إلى قيس فقال: اذهب فل له. أجب أبان بن سعيد فإن تردد فاضربه بسيفك، فقدم عليه يعلى، فقال: أجب الأمير أبان، فقال له قيس: أنت ابن عمي فأخبرني لم أرسل إلي؟ فقال له: إن ابن الديلمي كلمه فيك أنك قتلت عمه رجلاً مسلماً على عدائك، قال قيس: ما كان مسلماً لا هو ولا أنا، وكنت طالب ذحل قد قتل أبي وقتل عمي عبيدة وقتل أخي الأسود، فأقبل مع يعلى، فقال أبان لقيس: أقتلت رجلاً قد دخل في الإسلام، وشرك في قتل الكذاب؟ قال: قدرت أيها الأمير، فاسمع مني: أما الإسلام فلم يسلم لا هو ولا أنا، وكنت رجلاً طالب ذحل. وأما الإسلام فتقبل مني وأبايعك عليه، وأما يميني فهذه هي لك بكل حدث يحدثه كل إنسان من مذحج. قال: قد قبلنا منك، فأمر أبان المؤذن أن ينادي بالصلاة وصلى أبان بالناس صلاة خفيفة، ثم خطب فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد وضع كل دم كان في الجاهلية فمن أحدث في الإسلام حدثاً أخذناه به ثم جلس، فقال: يابن الديلمي، تعال خاصم صاحبك واختصما فقال أبان: هذا دم قد وضعه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا نتكلم فيه، وقال أبان لقيس: الحق بأمير المؤمنين يعني عمرو أنا أكتب لك أني قضيت بينكما، فكتب إلى عمر أن فيروز وقيساً اختصما عندي في دم داذويه فأقام قيس عندي البينة أنه كان في الجاهلية فقضيت بينهما.(3/332)
قال سعيد بن العاص: لما قتل أبي يوم بدر كنت في حجر عمي أبان بن سعيد، وكان ولي صدق، وإنه خرج تاجراً إلى الشام فمكث هنالك سنة، ثم قدم علينا، وكان شديد السب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شديد الحرد عليه، فلما بلغني قدومه خرجت حتى جئته، فكان أول ما سأل عنه أن قال: ما فعل محمد؟ فقال عمي عبد الله بن سعيد: هو والله أعز ما كان قط، وأعلاه أمراً، والله فاعلٌ به وفاعل، فسكت ولم يسبه كما كان يفعل، وقام القوم فمكث ليالي، ثم أرسل إلى سراة بني أمية وقد صنع لهم طعاماً. فلما أكلوا قال: ما فعل رسول الله محمد؟ قالوا: فعل الله به وفعل، وقد أكثرت من السؤال عنه فما شأنك؟ فقال: شأني والله أني ما أرى شراً دخلتم إلا دخلت فيه، ولا شراً وخيراً تركتموه إلا تركته ولم أره خيراً، تعلمون أني كنت بقرية يقال لها بامردى وكان بها راهب لم ير له وجه مذ أربعين سنة.
فبينا أنا ذات ليلة هنالك إذا النصارى يطيبون المصانع والكنائس ويصنعون الأطعمة ويلبسون الثياب فأنكرت ذلك منهم فقلت: ما شأنكم؟ قالوا: هذا راهب يقال له: بكا، لم ينزل إلى الأرض ولم ير فيها منذ أربعين سنة، وهو نازل اليوم، فيمكث أربعين ليلة يأتي المصانع والكنائس وينزل على الناس. فلما كان الغد نزل فخرجوا، واجتمعوا، وخرجت فنظرت إليه فإذا شيخ كبير، فخرجوا وخرج معهم يطوف فيهم، فمكث أياماً، وإني قلت لصاحب منزلي: اذهب معي إلى هذا الراهب، فإني أريد أن أسأله عن شيء فخرج معي حتى دخلنا عليه فقلت: لي إليك حاجة فاخلني فقام من عنده فقلت: إني رجل من قريش، وإن رجلاً منا خرج فينا يزعم أن الله عز وجل أرسله مثلما أرسل موسى وعيسى، فقال: ممن هو؟ فقلت: من قريش، قال: وأين بلدكم؟ قلت: تهامة ثم مكة قال: لعلكم تجار العرب أهل بيتهم، قلت: نعم، قال: ما اسم صاحبك؟ قلت: محمد، قال: ألا أصفه لك ثم أخبرك عنه؟ قلت: بلى، قال: مذ كم خرج فيكم؟ قلت: منذ عشرين سنة أو دون ذلك بقليل، قال: فهو يومئذٍ ابن أربعين سنة! قلت: أجل،(3/333)
قال: وهو رجل سبط الرأس، حسن الوجه، قصد الطول شئن اليدين، في عينه حمرة، لا يقاتل ببلده ما كان فيه، فإذا خرج منه قاتل فظفر، وظهر عليه، يكثر أصحابه، ويقل عدوه، قلت: والله ما أخطأت من صفته ولا أمره واحدةً، فأخبرني عنه، قال: ما اسمك؟ قلت: أبان، قال: كيف أنت أصدقته أم كذبته؟ قلت: بل كذبته، فرفع يده فضرب ظهري بكفٍ لينة واحدة ثم قال: أيخط بيده؟ قلت: لا، قال: هو والله نبي هذه الأمة، والله ليظهرن عليكم، ثم ليظهرن على العرب، ثم ليظهرن على الأرض، لو قد خرج. فخرج مكانه، فدخل صومعته، وتشبث الناس به وما أدخله صومعته غير حديثي، فقال: اقرأ على الرجل الصالح السلام، يا قوم ما ترون؟ قالوا: والله ما كنا نحسب أن تتكلم بهذا أبداً ولا تذكره.
قال سعيد: وبلغنا مكانه وسيره يريد باقي غزوة الحديبية. فلما رجع تبعه عمي فأسلم.
كان خالد بن سعيد وعمرو بن سعيد قد أسلما وهاجرا إلى أرض الحبشة، وأقام غيرهما من ولد أبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية على ما هم عليه، ولم يسلموا حتى كان نفير بدر، فلم يتخلف منهم أحد، خرجوا جميعاً في النفير إلى بدر، فقتل العاص بن سعيد على كفره، قتله علي بن أبي طالب، رضي الله عنه وعبيدة بن سعيد قتله الزبير بن العوام، وأفلت أبان بن سعيد فجعل خالد وعمرو يكتبان إلى أبان بن سعيد ويقولان: نذكرك الله أن تموت على ما مات عليه أبوك وعلى ما قتل عليه أخواك، فيغضب من ذلك ويقول: لا أفارق دين آبائي أبداً. وكان أبو أحيحة قد مات بمال له بالظريبة نحو الطائف وهو كافر، فأنشأ أبان بن سعيد يقول: من الطويل
ألا ليت ميتاً بالظريبة شاهدٌ ... لما يفتري في الدين عمرٌو وخالد
أطاعا بنا أمر النساء فأصبحا ... يعينان من أعدائنا من نكابد(3/334)
فأجابه خالد بن سعيد: من الطويل
أخي ما أخي لا شاتم أنا عرضه ... ولا هو عن سوء المقالة مقصر
يقول إذا اشتدت عليه أموره ... ألا ليت ميتاً بالظريبة ينشر
فدع عنك ميتاً قد مضى لسبيله ... وأقبل على الحي الذي هو أفقر
قال: فأقام أبان بن سعيد على ما كان عليه بمكة على دين الشرك حتى قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحديبية، وبعث عثمان بن عفان إلى أهل مكة، فتلقاه أبان بن سعيد فأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وانصرف عثمان إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكانت هدنة الحديبية، فأقبل خالد وعمرو ابنا سعيد بن العاص من أرض الحبشة في السفينتين، وكانا آخر من خرج منها ومع خالد وعمرو أهلهما وأولادهما فلما كانا بالشعيبة أرسلا إلى أخيهما أبان بن سعيد وهو بمكة رسولاً وكتبا إليه يدعوانه إلى الله وحده وإلى الإسلام فأجابهما، وخرج في إثرهما حتى وافاهما بالمدينة مسلماً، ثم خرجوا جميعاً حتى قدموا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر سنة سبع من الهجرة.
فلما صدر الناس من الحج سنة تسع بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبان بن سعيد إلى البحرين عاملاً عليها، فسأله أبان أن يحالف عبد القيس فأذن له في ذلك وقال: يا رسول الله، اعهد إلي عهداً في صدقاتهم وجزيتهم وما تجروا به فأمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يأخذ من المسلمين ربع العشر مما تجروا به، ومن كل حالم من يهودي أو نصراني أو مجوسي ديناراً الذكر والأنثى، وكتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مجوسي هجر يعرض عليهم الإسلام فإن أبوا عرض عليهم الجزية بأن لا تنكح نساؤهم ولا تؤكل ذبائحهم وكتب لهم صدقات الإبل والبقر والغنم على فرضها وسنتها كتاباً منشوراً مختوماً في أسفله.
قال الحسن: لما قدم أبان بن سعيد بن العاص على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا أبان، كيف تركت(3/335)
أهل مكة؟ قال: تركتهم وقد جهدوا يعني المطر وتركت الإذخر وقد أعذق وتركت الثماد وقد حاص قال: فاغرورقت عينا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: أنا أنصحكم ثم أبان بعدي.
قال الحسن: وكان أبان يقرأ هذا الحرف " وقالوا أإذا ضللنا في الأرض " أي نتنا.
حدث عنبسة بن سعيد بن العاص أنه سمع أبا هريرة يحدث سعيد بن العاص أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث أبان بن سعيد بن العاص على سرية من المدينة قبل نجد، فقدم أبان وأصحابه على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر وإن حزمهم الليف، فقال أبان: اقسم لنا يا رسول الله، فقال أبو هريرة: لا تقسم لهم يا رسول الله، فقال له أبان: أنت هذا يا وبر كلاماً نحو هذا، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجلس يا أبان، ولم يقسم لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
لما جاء عثمان بن عفان مكة عام الحديبية برسالة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قريش قالت له قريش: شمر إزارك، فقال له أبان بن سعيد: من المنسرح
أسبل وأقبل ولا تخف أحداً ... بنو سعيد أعزة الحرم
فقال عثمان: إن التشمير من أخلاقنا.
قال أبو بكر بن عبد الله بن أبي جهم: خرج أبان بن سعيد بن العاص بلواء معقود أبيض وراية سوداء، يحمل لواءه رافع مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما أشرف على البحرين تلقته عبد القيس حتى قدم على المنذر بن ساوى بالبحرين. قال جعفر بن محمود بن محمد: استقبله المنذر بن ساوى على ليلة من منزله معه ثلاث مئة من قومه، فاعتنقا ورحب به وسأل عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخفى المسألة فأخبره(3/336)
أبان بذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أياه، وأنه قد شفعه في قومه، وأقام أبان بن سعيد بالبحرين يأخذ صدقات المسلمين وجزية معاهديهم، وكتب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخبره بما اجتمع عنده من المال فبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين فحمل ذلك المال.
قال عيسى بن طلحة: لما توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وارتدت العرب ارتد أهل هجر عن الإسلام فقال أبان بن سعيد لعبد القيس أبلغوني مأمني قالوا: بل أقم فلنجاهد معك في سبيل الله، فإن الله معز دينه ومظهره على ما سواه وعبد القيس لم ترجع عن الإسلام قال: بل أبلغوني مأمني فأشهد أمر أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فليس مثلي يغيب عنهم، فأحيا بحياتهم وأموت بموتهم، فقالوا، لا نفعل، أنت أعز الناس وهذا عليك وعلينا فيه مقالة، يقول قائل: فر من القتال.
قال أبو بكر بن عبد الله بن أبي جهم: ومشى إليه الجارود العبدي فقال: أنشدك الله أن تخرج من بين أظهرنا فإن دارنا منيعة ونحن سامعون مطيعون ولو كنت اليوم بالمدينة لوجهك أبو بكر إلينا لمحالفتك إيانا، فلا تفعل فإنك إن قدمت على أبي بكر لامك وفيل رأيك، وقال: تخرج من عند قوم أهل سمع وطاعة ثم رجعك إلينا قال: إذاً لا أرجع أبداً ولا أعمل لأحد بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما أبى عليهم إلا كلمة واحدة قال أبان: إن معي مالاً قد اجتمع قالوا: احمله فحمل مئة ألف درهم وخرج معه ثلاث مئة من عبد القيس خفراً حتى قدم المدينة على أبي بكر فلامه أبو بكر، وقال: ألا تثبت مع قوم لم يرتدوا ولم يبدلوا. قال أبان: هم على ذلك ما أرغبهم في الإسلام وأحسن نياتهم، ولكن لا أعمل لأحد بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع:
قال عمر بن الخطاب لأبان بن سعيد حين قدم المدينة: ما كان حقك أن تقدم، وتترك عملك بغير إذن إمامك ثم على هذه الحال، ولكنك أمنته فقال: أبان: إني والله، ما كنت لأعمل لأحد بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولو كنت عاملاً لأحد بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كنت عاملاً لأبي بكر في فضله وسابقته وقديم إسلامه، ولكن لا أعمل بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشاور(3/337)
أبو بكر أصحابه فيمن يبعث إلى البحرين فقال له عثمان بن عفان: ابعث رجلاً قد بعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم فقدم عليهم بإسلامهم وطاعتهم، وقد عرفوه وعرفهم، وعرف بلادهم يعني: العلاء بن الحضرمي فأبى ذلك عمر عليه وقال: أكره أبان بن سعيد فإنه رجل قد حالفهم فأبى أبو بكر أن يكرهه، وقال: لا أفعل، لا أكره رجلاً يقول: لا أعمل لأحد بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأجمع أبو بكر بعثة العلاء بن الحضرمي إلى البحرين.
ولما استعمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبان بن سعيد على البحرين قالوا: يا رسول الله، أوصه بنا. قال: فوصاه بهم. وقال أبان بن سعيد: يا رسول الله، أوصهم بي فأوصاهم به، قال خالد: فهم يعدون هذا حلفاً بيننا وبينهم.
وأبان بن سعيد روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الناس معادن.
استشهد يوم أجنادين. ويقال يوم مرج الصفر. واليومان جميعاً سنة ثلاث عشرة في خلافة أبي بكر. ويقال: يوم اليرموك سنة خمس عشرة في خلافة عمر بن الخطاب.
وقيل مات سنة سبع وعشرين. وهو وهم وتوفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبان بن سعيد عامل على البحرين لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أبان بن صالح بن عمير بن عبيد
أبو بكر القرشي مولاهم أصله من العرب وأصابه سباء.
حدث عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بخروا بيوتكم باللبان والمر والصعتر.(3/338)
وحدث أبان عن نافع قال: خرجت مع طاوس إلى ابن رافع فسألته عن كرى الأرض، فحدثنا عن أبيه قال: كنا نعطي الأرض على النصف وما على الربيع، فنهانا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك. فلما انصرف ضرب طاوس على يدي وقال: إن كان للأرض فاكرها.
دخل أبان بن صالح على عمر بن عبد العزيز فقال له: أفي ديوان أنت؟ قال: قد كنت أكره ذلك مع غيرك فأما معك فلا أبالي قال: ففرض له.
وكان أبان بن صالح ثقة.
قال محمد بن سعد: في الطبقة الثالثة من أهل الكوفة أبان بن صالح بن عمير بن عبيد يقولون: إن أبا عبيد من سبي خزاعة الذين أغار عليهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بني المصطلق، فوقع إلى أسيد بن أبي العيص بن أمية، فصار بعد إلى عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية فأعتقه.
وقتل صالح بن عمير بالري بيتتهم الأزارقة فقتلوا في عسكرهم زمن الحجاج.
وولد أبان بن صالح سنة ستين. ومات بعسقلان سنة بضع عشرة ومئة وهو ابن خمس وستين سنة.
وحدث أبان عن الحسن بن مسلم بن نياق عن صفية بنت شيبة قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب عام الفتح يقول: إن الله حرم مكة.(3/339)
أبان بن عثمان بن عفان
ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، أبو سعيد القرشي الأموي أمه أم عمرو بنت خندف بن عمرو الدوسي حدث نبيه بن وهب أخو بني عبد الدار أن عمر بن عبيد الله أرسل إلى أبان بن عثمان، وأبان يومئذ أمير الحاج وهما محرمان: إني قد أردت أن أنكح طلحة بن عمر ابنة شيبة بن جبير، وأردت أن تحضر ذلك، فأنكر ذلك عليه أبان وقال: سمعت عثمان بن عفان يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا ينكح المحرم ولا يخطب ولا ينكح.
حدث أبان بن عثمان قال: سمعت عثمان بن عفان يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قال إذا أصبح أو أمسى ثلاث مرات: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم لم يصبه شيء. فأصبح أبان قد ضربه الفالج فنظر إليه بعض جلسائه فقال: والله ما كذبت ولا كذبت ولا زلت أقولها ثلاثين سنة حتى كانت هذه الليلة فأنسيتها وكان ذلك القضاء والقدر.
توفي أبان بن عثمان بالمدينة في خلافة يزيد بن عبد الملك. وكان ثقة، وكان به صمم، ووضح كثير وأصابه الفالج قبل أن يموت بسنة وكان يخضب مواضع الوضح في يده ولا يخضبه في وجهه وكان أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم يتعلم القضاء من أبان بن عثمان. وكان أبان بن عثمان قد علم أشياء من القضاء من أبيه عثمان بن عفان.
قال عمرو بن شعيب: ما رأيت أحداً أعلم بحديثٍ ولا فقهٍ من أبان بن عثمان. وكان من كبار التابعين.
حج عثمان بن أبان على الناس سنة ست وسبعين، وحج عليهم سنة سبع وسبعين، وحج عليهم سنة تسع وسبعين، وحج عليهم سنة ثمانين، وحج سنة اثنتين وثمانين، وحج على الناس سنة ثلاث وثمانين، ونزع عن المدينة في جمادى الآخرة.(3/340)
قال المدائني: حج معاوية بن أبي سفيان فأوصى مروان بن الحكم أبان بن عثمان بن عفان، ثم قدم فسأل أبان عن مروان فقال: أساء إذني، وباعد مجلسي، فقال معاوية: تقول ذلك في وجهه قال: نعم، فلما أخذ معاوية مجلسه وعنده مروان قال لأبان: كيف رأيت أبا عبد الملك؟ قال: قرب مجلسي وأحسن إذني. فلما قام مروان قال: ألم تقل في مروان غير هذا؟! قال: بلى، ولكن ميزت بين حلمك وجهله فرأيت أن أعلى حلمك أحب إلي من أن أتعرض لجهله. فسر بذلك معاوية، وجزاه خيراً ولم يزل يشكر قوله.
أبان بن علي الدمشقي
قال أبان بن علي: قال صالح بن خليفة قال: سمعت سفيان الثوري يقول: إن فجار القراء اتخذوا سلماً إلى الدنيا فقالوا: ندخل على الأمراء، نفرج عن المكروب، ونكلم في محبوس.
أبان بن مروان بن الحكم
ابن أبي العاص بن أمية القرشي الأموي أخو عبد الملك كان أميراً على البلقاء، وكان له ابن اسمه عبد العزيز، أعقب جماعة أولاد. له ذكر، وإليه تنسب أرض أبان التي بحذاء الداودية شام الأرزة من إقليم بيت لهيا.
قال الزبير بن بكار في تسمية ولد مروان قال: أمهم أم أبان بنت عثمان، وهي التي شبب بها عبد الرحمن بن الحكم فقال: من الطويل
واكبدا من غير جوعٍ ولا ظما ... وواكبدا من حب أم أبان(3/341)
أبان بن الوليد بن عقبة
ابن أبي معيط أبو يحيى القرشي قال أبان: قدم عبد الله بن عباس على معاوية وأنا حاضر، فأجازه، فأحسن جائزته ثم قال: يا أبا العباس، هل يكون لكم دولة؟ قال: اعفني يا أمير المؤمنين، قال: لتخبرني قال: نعم، قال: فمن أنصاركم؟ قال: أهل خراسان ولبني أمية من بني هاشم نطحات.
وفي سنة ست وسبعين غزا محمد بن مروان الصائفة، وخرجت فيه الروم إلى الأعماق في جمادى الأولى، فلقيهم أبان بن الوليد بن عقبة ودينار بن دينار فهزمهم الله.(3/342)
ذكر من اسمه إبراهيم
إبراهيم الخليل عليه السلام
إبراهيم بن آزر وهو تارخ بن ناحور بن شاروغ بن ارغو بن فالع بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلح بن خنوخ، وهو إدريس بن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم. خليل الرحمن، يكنى أبا الضيفان. قيل: إن أمه كانت تخبؤه في كهف في جبل بقرية برزة في الموضع الذي يعرف بمقام إبراهيم إلى اليوم.
روي عن ابن عباس أنه ولد إبراهيم بغوطة دمشق في برزة في جبل قاسيون. قال: والصحيح أن إبراهيم ولد بكوثى من إقليم بابل من العراق، وإنما نسب إليه هذا المقام لأنه صلى فيه إذ جاء مغيثاً للوط النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال الكلبي: أول نبي إدريس ثم إبراهيم.
وروي عن مجاهد أنه قال: آزر صنم ليس بأبيه. والصحيح ما تقدم. وهو إبراهيم بن آزر في القرآن، وفي التوراة إبراهيم بن تارخ، وبعضهم يقول. آزر بن تارخ.
وعن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك: لا تعصني؟ فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك فيقول إبراهيم: يا رب إنك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون، فاي خزي أخزى من أبي الأبعد، فيقول الله: إني حرمت الجنة(3/343)
على الكافرين، ثم يقال: يا إبراهيم، ما تحت رجليك؟ فينظر فإذا هو بذبح متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار.
وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
ليأخذن رجل بيد أبيه يوم القيامة فتقتطعه النار، يريد أن يدخله الجنة. قال: فينادى أن الجنة لا يدخلها مشرك، ألا إن الله قد حرم الجنة على كل مشرك. قال: فيقول: أي رب، أبي. قال: فيحول في صورة قبيحة وريح منتنة. قال: فيتركه.
قال: فكان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرون أنه إبراهيم، ولم يزدهم إبراهيم على هذا.
قال أبو حذيفة إسحاق بن بشر القرشي: وكان من قصة إبراهيم ونمروذ، أن نمروذ لما أحكم أمر ملكه، وساس أمر الناس وأذعن له الناس أخبر أنه يولد في مملكته مولود ينازعك في ملكك، ويكون سلب ملكك على يديه. قال: فدعا خيار قومه ستة رهط، فلم يترك في الرئاسة والعظم أحداً إلا اختار منهم أفضلهم، وكان سادسهم آزر أبو إبراهيم صلى الله على نبينا وعليه وسلم، ثم ولى كل رجل منهم خصلة من الخصال التي كان أسس أمر ملكه عليها، وضمنها إياه، وارتهن بها رقبته إن هي ضاعت أو فسدت أو تغيرت، وقال لأولئك الرهط: أنتم خيار قومي وعظماؤهم، ولم أزل منذ سست أمر ملكي أعدكم وأختاركم، ولم يزدد في ذلك رأيي إلا قوة وفضلاً على من سواكم، وقد دعاني إلى أن أستعين بكم وأشاوركم، وإني سست أمر الملك والناس على سبع خصال، وقد وليت كل واحد منكم خصلة من تلك الخصال، نفسه بها مرتهنة عندي إن هو لم يحكمها أو يحكم أمر أهلها، فانطلقوا، فاقترعوا عليهن، فما صار لكل رجل منكم في قرعته فهو واليها وولي أهلها، وأنا له عليها وعلى أهلها عون.
إني سست أمر الملك ووطنت الناس على أنه لا نعبد إلا إلهي، وعلى أنه لا سنة إلا سنتي، وعلى أنه لا أحد أولى بنفسه وماله مني، وعلى أنه لا أحد أخوف فيهم ولا أطوع عندهم مني، وعلى أنهم يد واحدة على عدوهم، وعلى أنهم خولي وعبيدي أحكم فيهم برأيي، وعلى أنه قد بلغني أنه يولد في هذا الزمان مولود فيكاثرني ويخلعني، ويرغب عن ملتي، ويقهرني، فأنا سابقكم في هذه الخصلة، وأنا وأنتم وجميع أهل مملكتي كنفس واحدة في طلبه وهلاكه ومحاربته، فمن ظفر به فله على ما احتكم، فانطلقوا فاقترعوا ثم(3/344)
أعلموني ماذا صار في قرعة كل رجل منكم لكي أعرفه باسمه، وأعرف ما صار إليه. فلما اقترعوا لطف الله لما أراد من كرامة خليله وإظهاره، فصار في قرعة أبيه الآلهة التي يعبدها الناس فلا يعبد أحد من الناس صنماً لا الملك ولا غيره إلا صنماً عليه طابع آزر أبي إبراهيم، فأحكم ذلك، وقوي عليه، وصار أمينهم في أنفسهم على ذلك، لا يعدلون به ولا يتهمونه ولا يرون منه خلفاً إن هو هلك، وكان ذلك لطفاً من الله بخليله إبراهيم. فلما حملت به أمه وكانت تسمى أميلة قالت لأبيه آزر: وددت أني لو وضعت ما في بطني، فكان غلاماً فحملته أنا وأنت حتى نضعه بين يدي الملك، وهو يرى فنتولى ذبحه أنا وأنت، فإن الملك أهل ذلك منا لإحسانه إلينا وائتمانه لنا، ومتى يرك تفعل ذلك قدامه تزدد عنده رفعة وقربة ومنزلة، وكان ذلك من أم إبراهيم مكيدة وحيلة خدعت بها زوجها، لما قام في نفسها من كتمان إبراهيم إذا هي ولدته فصدقها آزر وأمنها، وظن الأمر على ما قالت. فلما حضر شهرها الذي تلد فيه قالت لزوجها: إني قد أشفقت من حملي هذا إشفاقاً لم أشفقه من حمل قبله وقد خشيت أن تكون فيه منيتي، ووطنت نفسي على الموت ولست أدري متى يبغتني، وأنا أرغب إليك بحق صحبتي إياك وتعظيمي لحقك أن تنطلق إلى الإله الأعظم الذي يعبده الملك وعظماء قومه، فتشفع لي بالسلامة والخلاص، وتعتكف عليه حتى يبلغك أني قد سلمت وتخلصت، فإن الرسل تجري فيما بيني وبينك، فإذا بلغتك السلامة رجعت إلى أهلك، وهم سالمون، وأنت محمود. قال لها آزر: لقد طلبت أمراً جميلاً واجباً لك حقه علي، وإنه فيما بيني وبينك وحق خدمتك وصحبتك يسير، وكانت أم إبراهيم تريد حين تلده وزوجها غائب أن تحفر له نفقاً تحت الأرض تغيبه فيه، فإذا رجع زوجها من عكافته أخبرته أنه قد مات، ودفن. وكانت عنده أمينة مصدقة لا يتهمها، ولا يكذبها. فانطلق الرجل حيث أمرته فاعتكف أربعين ليلة، وولد إبراهيم عليه السلام ساعة قفا أبوه، وكتمته أمه وتمكنت في أربعين ليلة من الذي أرادت من حاجتها كلها لطفاً من الله لإبراهيم، ونجاة مما أريد به حتى إذا فرغت مما أرادت، وانصرف إليها زوجها فأخبرته أنها ولدت غلاماً به عاهة شديدة ومات، واستحت أن تطلع الناس على ما به، وقبرته فصدقها زوجها، وجعلت تختلف إلى إبراهيم فتدخل إليه بالعشية، وكان جل ما يعيش به اللبن لأنه كان لا يكون مولود ذكر إلا ذبح، فسقته الألبان حولين كاملين، توجره إياه، فعاش بذلك عيشاً حسناً، وصلح عليه جسمه. فلما بلغ الفطام فصلته من ذلك اللبن، وكان إبراهيم سريع الشباب، فلما كان(3/345)
ابن ثلاثة عشرة سنة وهو في السرب أخرجته أمه، فلم يشعر به أبوه حتى نظر إليه فقال لامرأته: من هذا الغلام الذي أخطأه الذبح وكيف خفي مكان هذا الغلام على الطلب والحفظة حتى بلغ مبلغه هذا؟ فلما هم أن يبطش به قالت له امرأته: على رسلك حتى أخبرك خبر هذا الغلام، اعلم أنه ابنك الذي ولد ليالي كنت معتكفاً فكتمته عنك في نفق تحت الأرض حتى بلغ هذا المبلغ، فقال لها زوجها وما الذي حملك على أن خنتني، وخنت نفسك، وخنت الملك، وأنزلت بنا من البلاء ما لا قبل لنا به بعد العافية والكرامة ورفع المنزلة على جميع قومنا؟ قالت: لا يهمنك هذا فعندي المخرج من ذلك وأنا ضامنة لك أن تزداد به عند الملك كرامة ورفعة وأمانة ونصيحة، وإنما فعلت هذا الذي فعلت نظراً لي ولك ولابنك ولعامة الناس ما أضمرت في نفسي يوم كتمت هذا الغلام وقلت: أكتمه حتى يكون رجلاً، فإن كان هو عدو الملك وبغيته التي يطلب قدناه حتى نضعه في يده، وقلنا له: دونك عدوك قد أمكنك الله منه، وقطع عنك الهم والحزن، فارحم الناس في أولادهم فقد أفنيت خولك وأهل مملكتك وإن لم يكن هو بغية الملك وعدوه فلم أذبح ابني باطلاً
مع ما قد ذبح من الولدان. قال لها أبوه: ما أظنك إلا قد أصبت الرأي، فكيف لنا أن نعلم أهو عدو الملك أو غيره؟ قالت: تحبسه وتكتمه وتعرض عليه دين الملك وملته، فإن هو أجابك إلى ذلك كان رجلاً من الناس ليس عليه قتل، وإن عصانا، ولم يدخل في ملتنا علمنا علمه فأسلمناه للقتل، فلما قالت له هذا رضي به، وألقى الله في نفسه الرحمة والمحبة لإبراهيم. وكان لا يعدل به أحداً من ولده، وإذا ذكر أنه يصير للقتل يشتد وجده عليه. ما قد ذبح من الولدان. قال لها أبوه: ما أظنك إلا قد أصبت الرأي، فكيف لنا أن نعلم أهو عدو الملك أو غيره؟ قالت: تحبسه وتكتمه وتعرض عليه دين الملك وملته، فإن هو أجابك إلى ذلك كان رجلاً من الناس ليس عليه قتل، وإن عصانا، ولم يدخل في ملتنا علمنا علمه فأسلمناه للقتل، فلما قالت له هذا رضي به، وألقى الله في نفسه الرحمة والمحبة لإبراهيم. وكان لا يعدل به أحداً من ولده، وإذا ذكر أنه يصير للقتل يشتد وجده عليه.
وكانت أم إبراهيم واثقة بأنه إن كان هو عدو القوم فليس أحد من أهل الأرض يطيقه ولا يقتله، ورأت أنه متى ما ينصر عليهم يكن في ذلك نجاتها ونجاة من كان من إبراهيم بسبيل، فشجعها ما كانت ترجو لإبراهيم من نصرة الله له على خلاف نمروذ ومعصيته، وذلك أوثق الأمر في نفسها، وكان نمروذ يخبر الناس قبل أن يولد إبراهيم أنه سيأتي نبي يغلبه ويظهر عليه، ويرغب عن دينه ويخلع دينه وسلطانه فذلك الذي شد لأم إبراهيم رأيها فيما ارتكبت من خلاف نمروذ وأهل ملته. وكان أبوه من شدة ما يجده من الرحمة يكتمه جهده، ويوصي بذلك أمه ويقول لها: ارفقي بابنك، ولا تعرضيه لشيء من(3/346)
أمر الملك يومه هذا، فإنه غلام حدث السن لم يجتمع له رأيه ولا عقله بعد، فإذا بلغ السن واحتنك فحينئذ نفتشه وذلك منه تربص رجاء أن يحدث حادث يكون فيه لإبراهيم عافية أو مخرج لما يجد أبوه من الرحمة والمحبة والزينة التي زينه الله بها في عينه. ثم خلع إبراهيم ذلك كله ونابذهم في الله على سواء ولم يراقب شيئاً ولم يأخذه في الله هوادة ولم يخف في الله لومة لائم.
وحدث الكلبي قال: كان أبو إبراهيم من أهل حران فأصابته سنة فأتى هرمزجرد ومعه امرأته أم إبراهيم واسمها يونا بنت كرينا بن كوثى من بني أرفخشذ بن سام بن نوح. وقيل: اسمها ايبونا من ولد افرايم بن أرغو بن فالع بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح وولد إبراهيم بهرمزجرد. ولما بلغ إبراهيم وخالف قومه ودعاهم إلى عبادة الله بلغ ذلك الملك نمروذ فحبسه في السجن سبع سنين ثم بنى له الحير بحصى وأوقده بالحطب الجزل، وألقى إبراهيم فيه فقال: حسبي الله ونعم الوكيل. فخرج منها سليماً لم يكلم.
وعن قتادة في قوله تعالى " وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض " قال: خشي إبراهيم من جبار من الجبابرة فجعل الله تبارك وتعالى له رزقاً في أصابعه، فكان إذا مص أصابعه وجد فيها رزقاً. فلما خرج أراه الله تبارك وتعالى ملكوت السموات والأرض، فكان ملكوت السموات الشمس والقمر والنجوم، وملكوت الأرض الجبال والشجر والبحار.
وقال محمد بن عمر الواقدي: يقول الله عز وجل " وقروناً بين ذلك كثيراً " فكان بين نوح وآدم عشرة قرون، وبين إبراهيم ونوح عشرة قرون. فولد إبراهيم خليل الرحمن على رأس ألفي سنة من خلق آدم.
قال أيوب بن عتبة قاضي اليمامة: كان بين آدم ونوح عشرة آباء وذلك ألف سنة، وكان بين نوح وإبراهيم عشرة آباء(3/347)
وذلك ألف سنة، وكان بين إبراهيم وموسى سبعة آباء ولم يسم السنين، وكان بين موسى وعيسى ألف وخمس مئة سنة، وكان بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وعليهم جميعاً ست مئة سنة. وهي الفترة.
وكان إبراهيم يكنى أبا الضيفان، وكان لقصره أربعة أبواب لكيلا يفوته أحد.
قال مجاهد: كنت جالساً عند ابن عباس فذكروا الدجال، فقال: ما يقولون؟ قال: يقولون إنه مكتوب بين عينيه ك ف ر قال: لم أسمع، ولكنه قال: يعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أما إبراهيم فانظروا إلى صاحبكم، وأما موسى فرجل آدم جعد على جمل أحمر مخطوم بخلبة، كأني أنظر إليه قد انحدر في الوادي يلبي.
وفي حديث آخر عن أبي هريرة وأما عيسى فرجل أحمر بين القصير والطويل، سبط الشعر كثير خيلان الوجه، كأنه خرج من ديماس يعني الحمام، تخال رأسه يقطر ماء، وأشبه من رأيت به عروة بن مسعود.
قال يعقوب بن محمد بن طحلا: كنا نبيع البز فيمر بنا إسحاق بن يسار مولى قيس بن مخرمة فيقول لنا: الزموا تجارتكم فإن أباكم إبراهيم عليه السلام كان بزازاً.
وعن ابن عباس في قوله عز وجل " وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض " يعني به الشمس والقمر والنجوم. لما رأى كوكباً " قال: هذا ربي " حتى غاب، فلما غاب " قال لا أحب الآفلين. فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي " حتى غاب، فلما غاب " قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغةً قال هذا ربي، هذا أكبر " حتى غابت " قال يا قوم إني بريءٌ مما تشركون. إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض " الآية.(3/348)
قال أبو سعيد الخدري: قال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن داود سأل ربه فقال: يا رب، إنه يقال: رب إبراهيم وإسحاق ويعقوب فاجعلني رابعهم، حتى يقال: رب داود فقال: يا داود إنك لن تبلغ ذلك، وإن إبراهيم لم يعدل بي شيئاً قط إلا آثرني عليه إذ يقول: إنكم وما تعبدون " أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين " يا داود، وأما إسحاق فإنه جاد بنفسه لي في الذبح، وأما يعقوب فإني ابتليته ثمانين سنة فلم يسىء بي الظن ساعة قط. فلن تبلغ ذلك يا داود.
حدث زيد بن أسلم أن إبراهيم النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم فيما بلغه مر على ناس يمتارون طعاماً، فانطلق معهم حتى قدم على ملك من الملوك يقال له نمروذ. كلما مر عليه رجل منهم يقول له نمروذ: من ربك؟ فيقول، أنت ويسجد له ويأمر له بالطعام، حتى مر عليه إبراهيم فقال له: من ربك؟ فقال: الذي يحيي ويميت " قال: أنا أحيي وأميت " إن شئت أحييك وإن شئت أمتك " قال إبراهيم: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب، فبهت الذي كفر " وأمرهم ألا يعطوه شيئاً، فانطلق، وانطلق أصحابه الذين كانوا معه قد أعطوا الطعام غيره، حتى إذا كان قريباً من أهله قال: والله، إن دخلت على أهلي وليس معي شيء ليهلكن بي وليموتن، فانطلق إلى كثيب أعفر فملأ منه غرارتيه، ثم انطلق حتى دخل على أهله فقال لهم: انظروا ألا تمسوا من هاتين الغرارتين شيئاً، ثم أمر امرأته أن تفلي رأسه فطفقت امرأته تفلي رأسه حتى رقد، فقالت امرأته: والله ما عندي شيء أصنعه لإبراهيم ولقد قدم نصباً، ولأسرقن من الغرارتين فلأصنعن حريرة، ففتحت الغرارتين فإذا هو أجود طعام ودقيق رئي قط، فصنعت له حريرة. فلما استيقظ قربته إليه فقال لها: من أين هذا؟ قالت: سرقته من الغرارة. فضحك.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لم يكذب إبراهيم عليه السلام قط إلا ثلاث مرات: قوله في آلهتهم فلعه كبيرهم هذا، وحين دعوه إلى أن يحج إلى آلهتهم فقال: إني سقيم، وقوله: إن سارة أختي.(3/349)
وعن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قول إبراهيم " والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين " في كذباته الثلاث قوله: إني سقيم، وقوله: بل فعله كبيرهم هذا، وقوله: إن سارة أختي. ما منها كلمة إلا ما حل بها عن دين الله.
وعن أبي هريرة من حديث قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خرج إبراهيم يسير في أرض جبار من الجبابرة ومعه سارة وكانت من أجمل النساء، فبلغ ذلك الجبار أن في عملك رجلاً معه امرأة ما رأى الراؤون أجمل منها، فأرسل إليه فأتاه فسأله عن المرأة التي معك قال: أختي. قال: فابعث بها إلي فبعث معه رسولاً فأتاها فقال: إن هذا الجبار سألني عنك فأخبرته أنك أختي وأنت أختي في الإسلام، وسألني أن أرسلك إليه فاذهبي إليه، فإن الله سيمنعه منك. قال: فذهبت إليه مع رسوله، ولما أدخلها عليه وثب إليها فحبس عنها، فقال لها: ادعي إلهك الذي تعبدين أن يطلقني ولا أعود فيما تكرهين، فدعت الله فأطلقه، ففعل ذلك ثلاثاً، ثم قال للذي جاء بها: أخرجها عني فإنك لم تأتني بأنسية إنما أتيتني بشيطانة، فأخدمها هاجر، فرجعت إلى إبراهيم فاستوهبها منها فوهبتها له. قال محمد بن سيرين: فهي أمكم يا بني ماء السماء يعني: العرب.
وروي عن سلمان قال: جوع لإبراهيم أسدان ثم أرسلا عليه، فجعلا يلحسانه ويسجدان له.
حدث أبو الأحوص عن عبد الله قال:
خرج قوم إبراهيم إلى عيد لهم، فمروا عليه فقالوا: يا إبراهيم ألا تخرج معنا قال " إني سقيم " وقد كان قال قبل ذلك " وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين " فسمعه إنسان منهم. فلما خرجوا إلى عيدهم انطلق إلى أهله فأخذ طعاماً، ثم انطلقوا إلى آلهتهم فقربه إليهم " فقال: ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون فراغ عليهم ضرباً(3/350)
باليمين " فكسرها إلا كبيراً لهم ثم ربط في يده الذي كسر به آلهتهم فلما رجع القوم من عيدهم دخلوا فإذا هم بآلهتهم قد كسرت، وإذا كبيرهم في يده الفأس الذي كسر به الأصنام " فقالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين " فقال الذين سمعوا إبراهيم بالأمس يقول: " وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين " " قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم " إلى قوله ما لكم لا تنطقون، فجاهرهم إبراهيم عند ذلك فقال: " أتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم " إلى قوله " إن كنتم فاعلين " قال: فجمعوا له الحطب، ثم طرحوه وسطه، ثم أشعلوا النار عليه، فقال الله " يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم " قال أبو إسحاق: فسمعت سليمان بن صرد يقول: لما جاؤوا ينظرون إليه إذا النار لم تصبه شيئاً قال أبو لوط عند ذلك وهو عمه: أنا صرفتها عنه، فأرسل الله عتقاً منها فأحرقته فتركته حممةً.
قال مقاتل وسعيد: أول من اتخذ المنجنيق نمروذ، وذلك أن إبليس جاءهم لما لم يستطيعوا أن يدنوا من النار قال: أنا أدلكم، فاتخذوا لهم المنجنيق وجيء بإبراهيم فخلعوا ثيابه، وشدوا قماطه، فوضع في المنجنيق، فبكت السموات والأرض والجبال والشمس والقمر والعرش والكرسي والسحاب والريح والملائكة كل يقول: يا رب إبراهيم، عبدك بالنار يحرق فأذن لنا في نصرته، فقالت النار، وبكت: يا رب، سخرتني لبني آدم وعبدك يحرق بي، فأوحى الله إليهم: إن عبدي إياي عبد، وفي حبي أوذي، إن دعاني أجبته، وإن استنصركم فانصروه، فلما رمي استقبله جبريل بين المنجنيق والنار فقال: السلام عليك يا إبراهيم، أنا جبريل ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، حاجتي إلى الله ربي، فلما أن قذف سبقه(3/351)
إسرافيل فسلط على قماطه وقال الله " يا نار كوني برداً وسلاماً " فلو لم يخلط بالسلام لكز فيها برداً ودخل جبريل وأنبت الله حوله روضة خضراء وبسط له بساط من درنوك الجنة، وأتي بقميص من حلل جنة عدن فألبس وأجري عليه الرزق غدوة وعشياً، إسرافيل عن يمينه وجبريل عن يساره حتى رأى الملك الرؤيا، ورأى الناس فأكثروا القول فيه.
قال سفيان: لما وضع إبراهيم في المنجنيق جاءه جبريل عليه السلام فقال: ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا، ليس لي حاجة إلا إلى الله فأوحى الله إلى النار لئن نلت من إبراهيم أكثر من حل وثاقه لأعذبنك عذاباً لا أعذبه أحداً من خلقي.
قال معتمر بن سليمان: قالت السموات: يا رب، خليلك يلقى في النار فيك، قال: قد أرى، وإن استغاثك فأغيثيه. فقال: حسبي الله ونعم الوكيل، قال: فمر به جبريل فقال: يا إبراهيم، ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا.
قال بكر بن عبد الله المزني: لما أرادوا أن يلقوا إبراهيم في النار ضجت عامة الخليقة إلى ربها فقالوا: يا رب، خليلك يلقى في النار ائذن لنا فنطفىء عنه، فقال جل وعز: خليلي! ليس لي خليل غيره في الأرض، وأنا إلهه ليس له غيري، فإن استعان بكم فأعينوه وإلا فدعوه. قال: وجاء ملك القطر فقال: يا رب خليلك يلقى في النار فأذن لي فأطفىء عنه بقطرة واحدة، فقال عز وجل: هو خليلي ليس لي في الأرض خليل غيره، وأنا إلهه ليس له إله غيري فإن استغاث بك فأغثه، وإلا فدعه. قال: فلما ألقي في النار قال الله تعالى " يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم " قال: فبردت النار يومئذٍ على أهل الشرق والغرب فلم ينضج بها كراع.(3/352)
وقال عكرمة:
إن نار الدنيا كلها خمدت لم ينتفع بها أحد من أهلها. ولما أخرج الله إبراهيم من النار زاده الله في حسنه وجماله سبعين ضعفاً. ولما ألقي في النار قالت أمه: لقد كان ابني يقول: إن له رباً يمنعه، وأراه يلقى في النار فما ينفعه، وإني مطلعة على هذه النار أنظر إلى ابني ما فعل. قال عكرمة: فعملت لها سلماً ثم اطلعت على السلم حتى إذا هي أشرفت أبصرت إبراهيم في وسط النار، فنادته أمه: يا إبراهيم. فلما رآها قال لها: يا أمه، ألا ترين ما صنع الله بي؟ قالت: يا بني، لولا أني أخاف النار لمشيت إليك قال: يا أمه انزلي وتعالي فقالت: يا بني فادع إلهك أن يجعل لي طريقاً فدعا ربه فجعل لها طريقاً ثم نزلت فقالت: إني أخاف، فقال: يا أمه لا تخافي هل تجدين من حر النار شيئاً قالت: لا. فسارت إليه حتى إذا دنت منه ضمت إبراهيم عليه السلام إلى صدرها، وجعلت تقبله فقال لها: يا أمه، فارجعي مما أنت عليه، فالتفتت لترجع فإذا بالنار على ممرها، فقالت: أسألك بحق إلهك إلا دعوت ربك أن يبعد النار من طريقي فدعا ربه فمرت حتى إذا كانت على رأس الحائط، وأرادت أن تنزل نادت: يا إبراهيم ابني عليك السلام. فذهبت.
وروي عن علي بن أبي طالب قال: كانت البغال تتناسل، وكانت أسرع الدواب في نقل الحطب لتحرق إبراهيم فدعا عليها، فقطع الله أرحامها ونسلها. وكانت الضفادع مساكنها النفقان فجعلت تطفىء النار على إبراهيم فدعا لها فأنزلها الماء، وكانت الأوزاغ تنفخ عليه النار وكانت أحسن الدواب فلعنها فصارت ملعونة. فمن قتل منها شيئاً أجر.
روى نافع أن امرأة دخلت على عائشة رضي الله عنها، فإذا رمح منصوب فقالت: ما هذا الرمح؟ قالت: نقتل به الأوزاغ، ثم حدثت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن إبراهيم لما ألقي في النار جعلت الدواب كلها تطفىء عنه إلا الوزغ فإنه جعل ينفخها عليه.
قال اسم المرأة التي دخلت على عائشة سائبة.(3/353)
وعن أنس بن مالك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أما قوله " إني سقيم " فمطعون، وأما قوله " اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيراً " قال: لما ألقي إبراهيم في النار أتاه جبريل عليه السلام ومعه طنفسة من طنافس الجنة، وقميص من قمص الجنة، فألبسه القميص وأقعده على الطنفسة، وقعد يحدثه. قال: فرأى أبو إبراهيم سبع ليال كأن إبراهيم قد خرج من الحائط قال: فأتى نمروذ الجبار فقالت له: ائذن لي في عظام إبراهيم أدفنها. قال: فركب نمروذ الجبار ومعه أهل مملكته. قال: فأتى الحائط فنقبه. قال: فخرج جبريل في وجوههم فولوا هاربين. قال: وتبلبلوا عند ذلك. قال: فمن ذلك اليوم سميت الأرض بابل. قال: وكانت الألسن كلها بالسريانية. قال: فتفرقوا فصارت اثنتين وسبعين لغة. قال: فلم يعرف الرجل كلام صاحبه.
وفي حديث آخر: فنقب الحائط فإذا إبراهيم في روضة تهتز، وثيابه تندى على طنفسة من طنافس الجنة، عليه قميص من قمص الجنة. قال كعب: ما أحرقت النار من إبراهيم غير وثاقه.
قال ابن عباس: لما ألقي إبراهيم عليه السلام في النار قال: حسبي الله ونعم الوكيل. قال: وكذلك قال محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إن الناس قد جمعوالكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ".
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لما ألقي إبراهيم في النار قال: اللهم إنك في السماء واحد وأنا في الأرض عبدك. وقيل: أعبدك.
قال المنهال بن عمرو: أخبرت أن إبراهيم لما ألقي في النار كان فيها ما أدري إما خمسين وإما أربعين يوماً.(3/354)
قال: ما كنت أياماً قط وليالي قط أطيب عيشاً مني إذ كنت فيها. ووددت أن عيشي كله مثل عيشي إذ كنت فيها.
قال أبو يعقوب النهرجوري: التوكل على كمال الحقيقة وقع لإبراهيم خليل الرحمن في تلك الحال التي قال لجبريل عليه السلام، أما إليك فلا. لأنه غابت نفسه بالله، فلم ير مع الله غير الله. فكان ذهابه بالله من الله إلى الله بلا واسطة، وهو من عليات التوحيد وإظهار القدرة لنبيه أو لخليله إبراهيم عليه السلام.
قال ابن عباس:
لما هرب إبراهيم من كوثى وخرج من النار ولسانه يومئذٍ سرياني. فلما عبر الفرات من حران غير الله لسانه. فقيل عبراني حيث عبر الفرات، وبعث نمروذ في إثره وقال: لا تدعوا أحداً يتكلم بالسريانية إلا جئتموني به، فلقوا إبراهيم فتكلم بالعبرانية فتركوه ولم يعرفوا لغته.
قال أبو رجاء قلت للحسن: " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال: فابتلاه بالكوكب فرضي عنه، وابتلاه بالشمس فرضي عنه، وابتلاه بالنار فرضي عنه، وابتلاه بابنه فرضي عنه، وابتلاه بالهجرة، وابتلاه بالختان.
وفي حديث آخر: فأثنى عليه فأتمهن قال: يقول: فعلهن.
قال ابن عباس: لم يبتل أحد بهذا الدين فأقامه إلا إبراهيم. ابتلاه الله بكلماته فأتمهن فأداهن " قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين " وقال أبو صالح مولى أم هانىء: في قوله عز وجل " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن " قال: منهن إني(3/355)
جاعلك للناس إماماً، ومنهن آيات النسك " وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت ".
وكان الحسن يقول: ابتلاه بما مر فصبر عليه، ابتلاه بالكوكب والشمس والقمر فأحسن في ذلك، وعرف أن ربه دائم لا يزول، فوجه وجهه للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما كان من المشركين، ابتلاه بالهجرة فخرج عن قومه وبلاده حتى لحق بالشام مهاجراً إلى الله، ثم ابتلاه بالنار قبل الهجرة فصبر على ذلك، وابتلاه الله بذبح ابنه، والختان، فصبر على ذلك كله.
وقال قتادة: في قوله تعالى " قال لا ينال عهدي الظالمين " قال: هذا عبد الله يوم القيامة، لا ينال عهده ظالماً، وأما في الدنيا فقد نالوا عهده فوارثوا به المسلمين وعازوهم وناكحوهم، فإذا كان يوم القيامة قضى الله عهده وكرامته على أوليائه.
وقال قتادة: " إني جاعلك للناس إماماً " قال: يهتدي بهداك وسنتك.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اختتن إبراهيم بعد ما مرت عليه ثمانون سنة، واختتن بالقدوم.
قال ابن مشكان: قال عبد الرزاق: القدوم اسم القرية وفي رواية يحيى بن سعيد، قال: قلت ليحيى: ما القدوم؟ قال: الفأس.(3/356)
روى موسى بن علي عن أبيه قال: أمر إبراهيم فاختتن بقدوم، فاشتد عليه، فأوحى الله إليه: عجلت قبل أن نأمرك بآلته قال: يا رب كرهت أن أؤخر أمرك.
وعن أبي هريرة قال: أول من اختتن إبراهيم خليل الرحمن، اختتن وهو ابن عشرين ومائة سنة، ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة.
قال سعيد: كان إبراهيم أول من اختتن، وأول من رأى الشيب فقال: يا رب ما هذا الشيب؟ قال: الوقار، قال: رب زدني وقاراً، وكان أول من أضاف الضيف، وأول من جز شاربه، وأول من قص أظفاره، وأول من استحد.
وعن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ربط إبراهيم عليه السلام غرلته وجمعها إليه فحد قدومه وضرب قدومه بعود معه فندرت بين يديه بلا ألم ولا دم.
وختن إسماعيل عليه السلام وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وختن إسحاق وهو ابن سبعة أيام.
وعن نبيط بن شريط عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أول من أضاف الضيف إبراهيم، وأول من لبس السراويل إبراهيم، وأول من اختتن إبراهيم بالقدوم وهو ابن عشرين ومائة سنة.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنزلت الصحف على إبراهيم في ليلتين من شهر رمضان، وأنزل الزبور على داود في ست رمضان، وأنزلت التوراة على موسى لثمان عشرة من رمضان، وأنزل القرآن على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأربع وعشرين من رمضان.
وفي حديث واثلة بن الأسقع وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان.(3/357)
روي عن أبي هريرة أنه قال لكعب الأحبار: إن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لكل نبيٍّ دعوةٌ يدعو بها، وأنا أريد إن شاء الله أن أخبىء دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة.
قال كعب لأبي هريرة:
أنت سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم. قال كعب لأبي هريرة: بأبي وأمي ألا أخبرك عن إسحاق بن إبراهيم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال أبو هريرة:: بلى. قال كعب: لما رأى إبراهيم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذبحاً قال الشيطان: والله لئن لم أفتن عبده هذا آل إبراهيم لا أفتن منهم أحداً أبداً، فتمثل الشيطان لهم رجلاً يعرفونه، فأقبل حتى إذا خرج إبراهيم بإسحاق ليذبحه، دخل على سارة امرأة إبراهيم فقال لها: أين أصبح إبراهيم غادياً بإسحاق؟ قالت سارة: غدا به ليقضي حاجته. قال الشيطان: لا والله ما لذلك غدا به. قالت سارة: فلم غدا به؟ قال: غدا به ليذبحه. قالت سارة: وليس في ذلك شيء لم يكن ليذبح ابنه، قال الشيطان: بلى والله. قالت سارة: فلم يذبحه؟ قال: زعم أن ربه أمره بذلك، قالت سارة: فقد أحسن أن يطيع ربه إن كان أمره بذلك، فخرج الشيطان من عند سارة حتى إدرك إسحاق وهو يمشي على إثر أبيه، قال له: أين أصبح أبوك غادياً بك؟ قال غدا بي لبعض حاجته. قال الشيطان: لا والله ما غدا بك لبعض حاجته، ولكنه غدا بك ليذبحك. قال إسحاق: ما كان ليذبحني، قال: بلى، قال لم؟ قال: زعم أن ربه أمره بذلك، قال إسحاق: فوالله إن أمره بذلك ليطيعنه، فتركه الشيطان وأسرع إلى إبراهيم فقال: أين أصبحت غادياً بابنك؟ قال: غدوت به لبعض حاجتي، قال: أما والله ما غدوت به إلا لتذبحه. قال: لم أذبحه؟ قال: زعمت أن ربك أمرك بذلك. قال: فوالله لئن كان أمرني به ربي لأفعلن. قال: فلما أخذ إبراهيم إسحاق ليذبحه وسلم إسحاق أعفاه الله وفداه بذبح عظيم. قال إبراهيم لإسحاق: قم أي بني فإن الله قد أعفاك، وأوحى الله إلى إسحاق: إني أعطيتك دعوة أستجيب لك فيها. قال إسحاق: اللهم فإني أدعوك أن تستجيب لي: أيما عبد لقيك من الأولين والآخرين لا يشرك بك شيئاً فأدخله الجنة.(3/358)
وذهب جماعة أن الذي أمر إبراهيم عليه السلام بذبحه إسماعيل. وسياق القرآن يدل عليه ويدل عليه قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنا ابن الذبيحين.
وعن ابن عباس قال: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال: رب قد فرغت. فقال: أذن في الناس بالحج، قال: رب وما يبلغ صوتي؟ قال: أذن وعلي البلاغ. قال: رب، كيف أقول؟ قال: يا أيها الناس كتب عليكم الحج، حج البيت العتيق، فسمعه من بين السماء والأرض. ألا ترى أنهم يجيئون من أقصى الأرض يلبون؟.
وعن ابن عباس قال: أن جبريل عليه السلام ذهب بإبراهيم إلى جمرة العقبة فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حصيات، فساخ، ثم أتى به الجمرة الوسطى فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات، فساخ، ثم أتى به الجمرة القصوى فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات فساخ. فلما أراد إبراهيم أن يذبح إسحاق قال لأبيه: يا أبه، أوثقني لا أضطرب، فينضح عليك دمي إذا ذبحتني، فشده فلما أخذ الشفرة فأراد أن يذبحه نودي أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا.
وعن علي بن أبي طلحة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الله تبارك وتعالى حين أوحى إلى إبراهيم أن أذن في الناس بالحج فقام على الحجر. فمنهم من قال: ارتفع حتى بلغ الهواء، فقال: يا أيها الناس إن الله يأمركم بالحج، فأجابه من كان مخلوقاً في الأرض يومئذٍ، ومن كان في أرحام النساء، ومن كان في أصلاب الرجال، ومن كان في البحور، فقالوا: لبيك اللهم، لبيك. فمن أبى اليوم فهو ممن أبى يومئذٍ وممن أجاب يومئذٍ.
وفي حديث مجاهد فقالوا: لبيك اللهم لبيك، وكان هذا أول التلبية.(3/359)
وعن عبد الله بن عمرو قال: لما أفاض جبريل عليه السلام بإبراهيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى منى فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، ثم غدا من منى إلى عرفات فصلى بها الصلاتين، ثم وقف حتى غابت الشمس، ثم أتى به المزدلفة، فنزل بها، فبات، ثم صلى بها يعني الصبح كأعجل ما يصلي أحد من المسلمين، ثم وقف به كأبطأ ما يصلي أحد من المسلمين، ثم دفع إلى منى فرمى، وذبح، وحلق، ثم أوحى الله عز وجل إلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين " وفي رواية أخرى: ثم أفاض حتى أتى به الجمرة فرماها، ثم ذبح وحلق، ثم أتى به البيت فطاف به. قال: ثم رجع إلى منى، فأقام بها تلك الأيام، ثم أوحى الله إلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً ".
وعن مجاهد
أن إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام حجا ماشيين.
وعن معاذ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله " وإبراهيم الذي وفى " قال: كان عليه السلام يقول إذا أصبح وإذا أمسى " فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون، وله الحمد في السموات والأرض وعشياً وحين تظهرون، يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون " قال محمد بن واسع: من قال حين يصبح ثلاث مرات " سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون " إلى قوله " وكذلك تخرجون " لم يفته خيرٌ كان قبله من الليل. ولم يدركه يومئذٍ شر. ومن(3/360)
قال حين يمسي لم يفته خير كان قبله، ولم يدركه ليلته شر. وكان إبراهيم خليل الرحمن يقولها ثلاث مرات إذا أصبح وثلاث مرات إذا أمسى.
وعن أبي أمامة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر هذه الآية " وإبراهيم الذي وفى " قال: هل تدرون ما وفى؟ وفى عمل يومه بأربع ركعات الضحى.
وفي رواية أخرى: وفى عمل يومه أربع ركعات من أول النهار.
قال مكي: وهي عندنا صلاة الضحى.
وعن الحسن " وإبراهيم الذي وفى " قال: وفى الله فرائضه.
وعن مجاهد قال: بلغ وأدى.
وعن عمرو بن أوس قال: كان الرجل يؤخذ بذنب غيره حتى جاء إبراهيم فقال الله عز وجل " وإبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى " وعن ابن عباس قال: إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة، واصطفى موسى بالكلام، واصطفى محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالرؤية.
وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا جبريل، لم اتخذ الله إبراهيم خليلاً؟ قال: لإطعامه الطعام، يا محمد.(3/361)
وعن زيد بن أسلم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الله عز وجل بعث حبيبي جبريل عليه السلام إلى إبراهيم، فقال له: يا إبراهيم، إني لم أتخذك خليلاً على أنك أعبد عبادي لي، ولكني اطلعت على قلوب الآدميين فلم أجد قلباً أسخى من قلبك فلذلك اتخذتك خليلاً.
وعن وهب بن منبه قال: قرأت في بعض الكتب التي أنزلت من السماء أن الله قال لإبراهيم عليه السلام: أتدري لم اتخذتك خليلاً؟ قال: لا يا رب. قال: لذل مقامك بين يدي في الصلاة.
وقال وهب: لما اتخذ الله إبراهيم خليلاً كان يسمع خفقان قلبه من بعد خوفاً من الله عز وجل.
وعن وهيب بن الورد قال: بلغنا أن الضيف لما جاؤوا إلى إبراهيم عليه السلام قرب إليهم العجل. قال " فلما رأى أيديهم لا تصل إليه " قال: لم لا تأكلون؟ قالوا: إنا لا نأكل طعاماً إلا بثمنه. قال: فقال لهم: أو ليس معكم ثمنه؟ قالوا: وأنى لنا بثمنه؟ قال: تسموا الله تبارك وتعالى إذا أكلتم، وتحمدونه إذا فرغتم، فقالوا: سبحان الله لو كان ينبغي لله أن يتخذ من خلقة خليلاً لاتخذك يا إبراهيم خليلاً. قال: فاتخذ الله إبراهيم خليلاً.
وعن ابن عباس قال: لما اتخذ الله إبراهيم خليلاً وتنبأه، وله يومئذٍ مئة عبد أعتقهم وأسلموا، فكانوا يقاتلون معه بالعصي. قال: فهم أول موالٍ قاتلوا مع مولاهم.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لما أراد الله أن يتخذ إبراهيم خليلاً قال ذلك للملائكة. قال: فقال ملك الموت: أنا الذي أبشره، فإني أنا الذي أقبض روحه. قال: فولاه الله ذلك.(3/362)
وعن أنس بن مالك قال: قال رجل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا خير البشر، قال: ذاك إبراهيم عليه السلام. وفي رواية: يا خير البرية.
وعن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن لكل نبي ولاة من النبيين، وإن وليي منهم أبي وخليل ربي عز وجل إبراهيم، ثم قرأ " إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ".
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن.
وعن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أوحى الله تعالى إلى إبراهيم: يا خليلي، أحسن خلقك ولو مع الكفار تدخل مداخل الأبرار، فإن رحمتي وسعت من حسن خلقه: أن أظله في ظل عرشي، وأن أسقيه من حظيرة قدسي، وأن أدنيه من جواري يوم لا يجاورني من عصاني.
وعن عائشة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كان إبراهيم من أغير الناس، وإنه من غيرته جعل لإسحاق مشربة فوق بيته تفتح إلى غير بيته الذي هو فيه.
وعن عبد الله بن عمرو قال سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: صام نوح الدهر إلا يوم الفطر والأضحى، وصام داود نصف الدهر، وصام إبراهيم ثلاثة أيام من كل شهر. صام الدهر، وأفطر الدهر.
وعن سلمان قال: لما أن أري إبراهيم ملكوت السماوات فرأى رجلاً على فاحشة فدعا عليه فأهلك، ثم(3/363)
رأى آخر على فاحشة فدعا عليه فأهلك، ثم رأى آخر فأراد أن يدعو عليه فقال الله تبارك وتعالى: أنزلوا عبدي لا يهلك عبادي.
وعن قسامة بن زهر أن إبراهيم خليل الرحمن حدث نفسه أنه أرحم الخلق، فرفع حتى أشرف على أهل الأرض. فلما رآهم وما يصنعون قال: دمر عليهم، فقال له ربه: أنا أرحم الراحمين، لعلهم يتوبون ويرجعون.
وعن عطاء قال: لما رفع إبراهيم في ملكوت السموات رأى رجلاً يزني فدعا عليه فهلك، ثم رفع فرأى رجلاً يزني فدعا عليه فهلك، ثم رفع فرأى رجلاً يزني فدعا عليه فقيل: على رسلك يا إبراهيم، إنك عبد يستجاب لك، وإني من عبدي على ثلاث: إما أن يتوب فأتوب عليه، وإما أن أخرج منه ذرية طيبة تعبدني، وإما أن يتمادى فيما هو فيه، فإن جهنم من ورائه.
قال زيد بن علي: " فلما جن عليه الليل رأى كوكباً " قال: الزهرة.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال " رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي " ويرحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد. ولو لبثت في السجن طول لبث يوسف لأجبت الداعي.
وعن ابن عباس في قوله " قال بلى ولكن ليطمئن قلبي " قال: اعلم أنك تجيبني إذا دعوتك، وتعطيني إذا سألتك.
وقال القاضي إسماعيل: كان يعلم بقلبه أن الله يحيي الموتى، ولكن أحب أن يرى معاينةً.(3/364)
وعن سعيد بن جبير " ولكن ليطمئن قلبي " قال: ليزداد إيماناً.
وقال في مكان آخر " ليطمئن قلبي " قال: بالخلة.
وعن ابن المبارك في قوله " ولكن ليطمئن قلبي " قال: بالخلة. يقول أعلم أنك اتخذتني خليلاً.
وعن مجاهد " فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك " قال: الغراب والديك والحمامة والطاووس.
وعن ابن عباس: في قوله تعالى: " فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك " قال: قطع أجنحتها أربعاً: ربعاً ها هنا، وربعاً ها هنا، وربعاً ها هنا، وربعاً ها هنا، " ثم ادعهن يأتينك سعياً " قال: هذا مثل، كذلك يحيي الله الموتى مثل هذا.
وقال مجاهد " فصرهن إليك " قال: يقول: انتف ريشهن ولحومهن ومزقهن تمزيقا.
وعن عطاء قال: يقول: شققهن ثم اخلطهن.
وعن أبي الجوزاء " فصرهن إليك " أي فعلمهن حتى يجئنك، ثم أمر بذبحها حين أجبنه. قال: فذبحهن، ثم نتفهن، وقطعهن. قال: فخلط دماءهن بعضها ببعض، وريشهن ولحومهن خلطه كله. قال: ثم قيل له: اجعل على أربعة أجبل، على كل جبل منهن جزءاً " ثم ادعهن يأتينك سعياً " قال: ففعل، ثم دعاهن. قال: فجعل الدم يذهب إلى الدم والريشة إلى الريشة واللحم إلى اللحم وكل شيء مكانه حتى أجبنه. فقال: أعلم أن الله على كل شيء قدير.(3/365)
وعن الحسن في قوله " إن إبراهيم كان أمة قانتاً " قال: الأمة: الذي يؤخذ عنه العلم.
وقال ابن عمر: الأمة: الذي يعلم الناس دينهم.
وعن عبد الله بن شداد قال: قال رجل: يا رسول الله، ما الأواه؟ قال: الأواه: الخاشع الدعاء المتضرع ثم قرأ " إن إبراهيم لأواه حليم ".
وقال ابن عباس: الأواه: الموقن.
وقال عبد الله: الأواه: الرحيم.
وعن كعب في قوله تعالى وتقدس " إن إبراهيم لحليم أواه منيب " قال: كان يتأوه، يقول: اوه، إذا ذكر النار اوه اوه.
وعن أبي ميسرة: الأواه: المسبح.
وعن الحسن " إن إبراهيم لحليمٌ أواهٌ منيب " قال: كان إذا قال قال لله، وإذا عمل عمل لله. وإذا نوى نوى لله.(3/366)
وعن مجاهد في قوله تعالى " واجعل لي لسان صدق في الآخرين " قال: ما أراد إلا الثناء الحسن. قال: فليس من أمة إلا وهي توده.
وقال سفيان في قوله " وتركنا عليه في الآخرين " قال: الثناء.
وعن عكرمة في قوله تعالى " وآتيناه أجره في الدنيا " قال: هو لسان الصدق الذي جعله الله له. قال: والأمم كلها تتولى إبراهيم، اليهود والنصارى والناس أجمعون، ويشهدون له بالعدل، وذلك لسان الصدق، وهو الأجر الذي آتاه في الدنيا.
وعن أبي هريرة
في قوله تعالى " زيتونة لا شرقية ولا غربية " قال: قلب إبراهيم عليه السلام، لا يهودي ولا نصراني.
وعن قتادة في قوله تعالى " وجعلها كلمة باقية في عقبه " قال: التوحيد والإخلاص، لا يزال في ذريته من توحيد الله عز وجل.
قال علي بن أبي طالب: كان الرجل يبلغ الهرم ولم يشب، وكان الرجل يأتي القوم وفيهم الرجل وولده فيقول: أيكم أبوكم، لا يعرف الأب من الابن، فقال إبراهيم: رب اجعل لي شيئاً أعرف به فأصبح رأسه ولحيته أبيضين.(3/367)
قال أبو أمامة: بينما إبراهيم ذات يوم يصلي صلاة الضحى إذ نظر إلى كف خارجةٍ من السماء بين اصبعين من أصابعها شعرة بيضاء، فلم تزل تدنو حتى دنت من رأس إبراهيم فألقت الشعرة البيضاء في رأسه، ثم قالت: اشعل وقاراً. قال محمد: اشعل: خذ فاشتعل رأسه منها شيباً، فأوحى الله إلى إبراهيم أن يتطهر فتوضأ، ثم أوحى إليه أن يتطهر فاغتسل، ثم أوحى إليه أن يتطهر فاختتن قال: فكان إبراهيم من شاب واختتن.
قال سلمان: سأل إبراهيم عليه السلام ربه خيراً، فأصبح ثلثا رأسه أبيض. فقال: ما هذا؟ فقيل له: عبرة في الدنيا ونور في الآخرة وعن كعب قال: قال إبراهيم عليه السلام: يا إلهي إنه ليحزنني ألا أرى في الأرض أحداً يعبدك غيري، فبعث الله ملائكته يتعبدون معه، أو نحو ذلك.
قال أبو هريرة: كان إبراهيم خليل الله يزور ابنه إسماعيل على البراق، وهي دابة جبريل عليه السلام تضع حافرها حيث ينتهي طرفها، وهي الدابة التي ركب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة أسري به.
وعن عطاء قال: كان إبراهيم خليل الرحمن إذا أراد أن يتغدى طلب من يتغدى معه ميلاً في ميل.
وقال عطاء: أحب الطعام إلى الله ما كثرت فيه الأيدي.
قال عبيد بن عمير: كان إبراهيم عليه السلام يضيف الناس، فخرج يوماً يلتمس إنساناً يضيفه، فلم يجد(3/368)
أحداً فرجع إلى داره فوجد فيها رجلاً نائماً، فقال: يا عبد الله! من أدخلك داري بغير إذني؟ قال: دخلتها بإذن ربها. قال: ومن أنت؟ قال: أنا ملك الموت، أرسلني ربي إلى عبد من عباده أبشره بأن الله قد اتخذه خليلاً. قال: ومن هو؟ فوالله لئن أخبرتني به ثم كان بأقصى البلاد لآتينه، ثم لا أبرح له خادماً حتى يفرق بيننا الموت، قال: ذاك العبد أنت هو. قال: أنا؟ قال: نعم أنت. قال: فيم اتخذني ربي عز وجل خليلاً؟ قال: إنك تعطي الناس ولا تسألهم.
قال سعيد بن المسيب: أول من أضاف الضيف إبراهيم خليل الرحمن.
قال مجاهد: " ضيف إبراهيم المكرمين " خدمته إياهم بنفسه.
قال وهب بن منبه: كان في صحف إبراهيم أو فيما أنزل الله على إبراهيم: أيها الملك المبتلى، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولا لتبني البنيان، ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم، فإني لا أردها ولو كانت من كافرٍ.
سمع جبريل عليه السلام إبراهيم عليه السلام وهو يقول: يا كريم العفو، فقال له جبريل: وتدري ما كريم العفو؟ قال: لا، يا جبريل، قال: أن يعفو عن السيئة ويكتبها حسنة.
قال داود بن هلال: مكتوب في صحف إبراهيم: يا دنيا ما أهونك على الأبرار الذين تصنعت لهم وتزينت لهم، إني قذفت في قلوبهم بغضك والصدود عنك، وما خلقت خلقاً أهون علي منك، شأنك صغير وإلى الفناء تصيرين، قضيت عليك يوم خلقتك ألا تدومي لأحد، ولا يدوم لك أحد، وإن بخل بك صاحبك وشح عليك. طوبى للأبرار(3/369)
الذين أطلعوني من قلوبهم على الرضا من ضميرهم وعلى الصدق والاستقامة، طوبى لهم ما لهم عندي من الجزاء إذا وفدوا إلي من قبورهم، النور يسعى أمامهم، والملائكة حافين بهم حتى أبلغهم بها ما يرجون من رحمتي.
وكان إبراهيم خليل الرحمن لا يرفع طرفه إلى السماء إلا اختلاساً ويقول: اللهم نعم عيشي في الدنيا بطول الحزن فيها.
قال أنس بن مالك:
جاء رجل إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما لي إن شهدت إن لا إله إلا الله وكبرته وحمدته وسبحته؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن إبراهيم سأل ربه فقال: يا رب، ما جزاء من هللك مخلصاً من قلبه؟ قال: يا إبراهيم، جزاؤه أن يكون كيوم ولدته أمه من الذنوب، قال: يا رب، فما جزاء من كبرك، قال: عظم مقامه. قال: يا رب، ما جزاء من حمدك؟ قال: الحمد مفتاح الشكر وخاتمته شكر، والحمد يعرج به إلى رب العالمين. قال: يا رب، فما جزاء من سبحك؟ قال: لا يعلم تأويل التسبيح إلا رب العالمين.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنكم محشورون حفاة عراة، غرلاً. ثم قال " كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين " ألا وإن أول من يكسى إبراهيم عليه السلام يوم القيامة، ألا وإن أناساً من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: أصحابي أصحابي. قال: فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول كما قال العبد الصالح عيسى " وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم " إلى قوله " العزيز الحكيم ".
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أول ما يكسى يوم القيامة إبراهيم خليل الرحمن قبطيتين ثم يكسى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حلة حبرة وهو عن يمين العرش.(3/370)
وعن حيدة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يحشر الناس يوم القيامة حفاة غرلاً، فأول الناس يكسى إبراهيم خليل الرحمن فيقول الله تعالى: اكسوا إبراهيم خليلي ليعلم الناس اليوم فضله عليهم، فيكسى حلة، ثم يكسى الناس على منازلهم.
وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أول من يلبس من حلل الجنة أنا وإبراهيم والنبيون.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن في الجنة قصراً من لؤلؤ ليس فيه صدع ولا وهن أعده الله لخليله إبراهيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزلاً.
وعن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل البيت يوم فتح مكة، فرأى تماثيل إبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام فقال: ما لهم قاتلهم الله؟ ما كان إبراهيم ولا إسماعيل عليهم السلام يستقسمان بالأزلام.
وعن عتبة بن عبدٍ الثمالي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو أقسمت لبررت. لا يدخل الجنة قبل سابق أمتي إلا بضعة عشر رجلاً منهم إبراهيم وإسماعيل ويعقوب والأسباط اثنا عشر وموسى وعيسى بن مريم بنت عمران عليهم السلام.
قال عبد الله بن عبد الرحمن مولى سالم: أرسلني سالم إلى محمد بن كعب القرظي أحب أن تلقاني عند زاوية القبر فالتقيا، فقال له سالم: " الباقيات الصالحات " فقال له محمد بن كعب: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله. فقال له سالم: متى زدت فيها لا حول ولا قوة إلا بالله؟ قال: ما زلت أقولها فراجعه مرتين أو ثلاثاً كل ذلك يقول:(3/371)
ما زلت أقولها. قال: فأبيت؟ فإن أبا أيوب الأنصاري حدثني قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لما أسري بي مررت بإبراهيم عليه السلام فقال لجبريل: من هذا معك؟ قال محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فرحب بي وسلم علي وقال: مر أمتك يكثروا من غراس الجنة فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة. قال: قلت: وما غراس الجنة؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رأيت إبراهيم عليه السلام ليلة أسري بي، فقال: يا محمد، أقرىء أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان، وغراسها قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وعن سعيد بن جبير قال:
كان الله يبعث ملك الموت إلى الأنبياء عياناً، فبعثه إلى إبراهيم عليه السلام ليقبضه فدخل دار إبراهيم في صورة شاب جميل، وكان إبراهيم رجلاً غيوراً، فلما دخل عليه حملته الغيرة على أن قال له: يا عبد الله من أدخلك داري؟ قال: أدخلنيها ربها، فعرف إبراهيم أن هذا لأمر حدث، قال: يا إبراهيم، وإني أمرت بقبض روحك، قال: فأمهلني يا ملك الموت حتى يدخل إسحاق، فأمهله، فلما دخل إسحاق قام إليه فاعتنق كل واحد منهما صاحبه، فرق لهما ملك الموت، فرجع إلى ربه، فقال: يا رب، رأيت خليلك فزع من الموت قال: يا ملك الموت فأت خليلي في منامه فاقبضه، قال: فأتاه في منامه فقبضه.
قال محمد بن المنكدر: دخل إبراهيم عليه الصلاة والسلام داره وكان رجلاً غيوراً فإذا هو برجل شاب طيب الريح، قال: ما أدخلك داري؟ قال: أذن لي ربها. قال: فإن كان ربها أذن لك فهو أحق بها قال: أعرض عني يا إبراهيم، قال: فحال في صورة أسود له أنياب مختلفة وعيناه تذرفان، وله ريح منتنة وهيئةٌ الله بها أعلم، قال: يا إبراهيم أنا ملك الموت وهذه ملائكة الرحمة عن يميني وملائكة العذاب عن شماله، فإذا توفيت النفس المؤمنة جئتها في هذه الهيئة الحسنة والريح الطيبة التي رأيتني فيها ورفعتها إلى ملائكة الرحمة، وإذا توفيت النفس الكافرة جئتها في هذه الصورة وهذه الريح فرفعتها إلى ملائكة العذاب.(3/372)
وعن كعب قال: كان إبراهيم عليه السلام يقري الضيف، ويرحم المساكين وابن السبيل، قال: فأبطأت عليه الأضياف حتى استراب ذلك، فخرج إبراهيم إلى الطريق فطلب ضيفاً فمر به ملك الموت في صورة رجل، فسلم على إبراهيم فرد إبراهيم عيه السلام ثم سأله إبراهيم: من أنت؟ قال: ابن السبيل؟ قال: إنما قعدت ها هنا لمثلك، انطلق، فانطلق به إلى منزله، فرآه إسحاق فعرفه، فبكى إسحاق، فلما رأت سارة إسحاق يبكي بكت لبكائه. قال: ثم صعد ملك الموت، فلما أفاقوا غضب إبراهيم عليه السلام وقال: بكيتم في وجه ضيفي حتى ذهب؟! قال إسحاق: لا تلمني يا أبه، فإني رأيت ملك الموت معك ولا أرى أجلك يا أبه إلا قد حضر فارعه في أهلك قال: فأمره بالوصية، وكان لإبراهيم بيت يتعبد فيه لا يدخله غيره، فإذا خرج أغلقه. قال: فجاء إبراهيم ففتح بيته الذي يتعبد فيه، فإذا هو برجل قاعد فقال له: من أنت؟ من أدخلك؟ قال: بإذن رب البيت دخلت، قال: رب البيت أحق به. قال: ثم تنحى إبراهيم إلى ناحية البيت فصلى كما كان يصنع، فصعد ملك الموت. وقيل له: ما رأيت؟ قال: يا رب جئتك من عند عبدٍ ليس لك في الأرض بعده خير، قيل له: ما رأيت؟ قال: ما ترك خلقاً من خلقك إلا وقد دعا له في دينه أو في معيشته، ثم مكث إبراهيم ما شاء الله، ثم فتح باب بيته الذي يتعبد فيه، فإذا هو برجل قاعد فقال له إبراهيم: من أنت؟ قال: أنا ملك الموت، قال إبراهيم: إن كنت صادقاً فأرني منك آية أعرف أنك ملك الموت، قال له ملك الموت: أعرض بوجهك يا إبراهيم فأعرض إبراهيم بوجهه ثم قال: أقبل فانظر، فأقبل إبراهيم بوجهه فأراه الصورة التي يقبض فيها أرواح المؤمنين. فرأى من النور والبهاء شيئاً لا يعلمه إلا الله. ثم قال: أعرض بوجهك يا إبراهيم، فأعرض ثم قال: أقبل وانظر. فأراه الصورة التي يقبض فيها الكفار والفجار قال: فرعب إبراهيم رعباً حتى أرعدت فرائصه وألصق بطنه بالأرض، وكادت نفسه تخرج. قال: فقال إبراهيم: أعرف أعرف، فانظر الذي أمرت فامض له. قال: فصعد ملك الموت فقيل له: تلطف - يعني في قبض روح إبراهيم - فأتاه وهو في عنب له في صورة شيخ كبير لم يبق منه شيء، فنظر إبراهيم فرآه فرحمه، فأخذ مكتلاً فقطف(3/373)
فيه من عنب، ثم جاء به فوضعه بين يديه فقال: كل فجعل ملك الموت يريه أنه يأكل وجعل يمضغه ويمجه على لحيته وعلى صدره قال: فعجب إبراهيم وقال: ما أبقت السن منك شيئاً فكم أتى لك؟ قال: فحسب قال: أتى لي كذا وكذا. مثل إبراهيم، فقال إبراهيم: قد بلغت أنا هذا فإنما أنتظر أن أكون مثل هذا، اللهم اقبضني إليك قال: فطابت نفس إبراهيم عن نفسه وقبض ملك الموت روحه في تلك الحال.
وفي حديث آخر عن ابن عمر قال:
لما دخل ملك الموت على إبراهيم يقبض روحه، فسلم عليه فرد عليه السلام، قال: من أنت؟ قال: أنا ملك الموت قد أمرت بك فبكى إبراهيم عليه السلام حتى سمع بكاءه إسحاق فدخل عليه فقال: يا خليل الله ما يبكيك؟! قال: هذا ملك الموت يريد أن يقبض روحي قال: فبكى إسحاق حتى علا بكاؤه بكاء إبراهيم عليهما السلام، فانصرف ملك الموت إلى الله عز وجل فقال: يا رب، إن عبدك إبراهيم جزع من الموت جزعاً شديداً، فقال: يا جبريل، خذ ريحانة من الجنة فانطلق بها مع ملك الموت إلى إبراهيم وحيه بها، وقل له: الخليل إذا طال به العهد من خليله اشتاق إليه وأنت خليل أما تشتاق إلى خليلك؟ فأتاه، وبلغه رسالة ربه، ودفع إليه الريحانة فقال: نعم، يا رب، قد اشتقت إلى لقائك، فشم الريحانة فقبض بها.
وعاش إبراهيم مئة وخمساً وتسعين سنة. وقيل: مات وهو ابن مئتي سنة.
وعن عبد الله بن أبي فراس قال: جسد إبراهيم في مغارة بين الصخرة ومسجد إبراهيم ورجلاه ها هنا، ورأسه عند الصخرة أو رأسه ها هنا، ورجلاه عند الصخرة.
قال أبو السكن الهجري: مات خليل الله فجأة ومات داود فجأة. ومات سليمان بن داود فجأة، والصالحون. وهو تخفيف على المؤمن وتشديد على الكافر.(3/374)
وعن عبد الله بن أبي مليكة قال: لما قدم إبراهيم على ربه قال له: يا إبراهيم، كيف وجدت الموت؟ قال: يا رب، وجدت نفسي كأنها تنزع بالسلا. قال: كيف وقد هونا عليك الموت يا إبراهيم؟ قال وهب بن منبه: أصيب على قبر إبراهيم الخليل مكتوب خلفه في حجر: من مجزوء الرجز
ألهى جهولاً أمله ... يموت من جا أجله
ومن دنا من حتفه ... لم تغن عنه حيله
وكيف يبقى آخرٌ ... قد مات عنه أوله
وزاد فيه بعض أهل العلم
والمرء لا يصحبه ... في القبر إلا عمله
والله أعلم.
/(3/375)
إبراهيم بن أحمد بن الحسن أبو إسحاق القرميسيني، المقري الصوفي.
سمع بدمشق وصور وعسقلان وبيت المقدس وتنيس وخراسان والعراق.
حدّث عن أبي العباس أحمد بن زنجويه القطّان، بسنده عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً من الناس، ولكن يقبض العلماء؛ فإذا لم يبق عالم اتخذ النّاس رؤوساً جهّالاً، فسئلوا فافتوا بغير علم فضلوا وأضلوا.
وحدّث عن أحمد بن بشر بن حبيب التميمي الصوريّ، بسنده عن أبي هريرة، قال: قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطيباً، فأمر أن يخرج على كل صغير وكبير، وحرّ وعبد، وذكر وأنثى، صاعاً من تمر، صدقة الفطر.
قال أبو بكر الخطيب: إبراهيم بن أحمد بن الحسن، أبو إسحاق المقري القرميسيني، رحل وطوّف في البلاد شرقاً وغرباً، وكتب بخراسان والعراق والشام ومصر، وكان ثقة صالحاً، استوطن الموصل، وورد بغداد، وحدّث بها.(4/9)
ومات بالموصل في سنة ثمان وخمسين وثلاث مئة.
إبراهيم بن أحمد بن الحسن بن علي
ابن الحسن بن حسنون أبو الحسين الأردنّي الشاهد سمع وأسمع.
حدث عن أبي هارون العبدي، أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول للشباب: مرحباً بوصية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال مخلد: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يوصي بالشباب.
إبراهيم بن أحمد بن شعر الدّجاج
إبراهيم بن أحمد بن كلوسدان أبو إسحاق
الآملي الطبّري سمع بدمشق.
روي عن أحمد بن عمير بن جوصا بدمشق، بسنده عن موسى بن طريف، قال: قال سفيان الثوري لإبراهيم بن أدهم: هذا العلم الذي قد جمعناه، أريد أن أضعه عندك؛ قال: بلغني حديثّ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أعمل به، ثم أنظر فيما عرضت عليّ؛ قال: وما هو؟ قال: بلغني أن رجلاً أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله دلّني على عمل يحبّني الله تعالى ويحبني الناس عليه، قال: لقد قصّرت وأوجزت، اجتنب محارم الله عزّ وجلّ، واجتنب ما في أيدي النّاس؛ فإنك إن اجتنبت ما في أيدي النّاس أحبّوك.(4/10)
إبراهيم بن أحمد بن اللّيث أبو المظفر
الأزدي الكاتب كاتب الأمير وهسوذان بن محمد بن مملان الرّوادي الكرديّ قدم دمشق سنة اثنتين وثلاثين وأربعمئة؛ وله رسالة يذكر فيها ما رآه في طريقه، ومن لقي من العلماء والأدباء، ويصف فيها حسن جامع دمشق؛ كتب بها إلى بعض الكتّاب بأصبهان.
وكان إبراهيم من أهل الفضل، ورسالته تدل على فضله؛ فممّا ذكر فيها أبياتاً للقنوع المعرّي وكان قد لقيه بالمعرّة وذكر أنه رضي من دنياه بسد الجوع، ولبس المرقوع، ولهذا لقّب بالقنوع؛ ومن شعره المليح المطبوع: من الوافر.
أرى الإدلال داعية الدّلال ... فما لي قد جزعت لذاك مالي
نعم أشفقت من ملقي ولكن ... أبى لي حسن صبري أن أبالي
تصدّى المصدود وكان قدماً ... على حال اتصالي من وصالي
وقال سلوت متهماً غرامي ... ولست وإن سلا عنّي بسالي
نويت عتابه أنّى التقينا ... ولكنّي بدا لي إذ بدا لي
قال أبو بكر يحيى بن إبراهيم السّلماسي: أنشدني جماعة من شيوخنا للأستاذ أبي المظفّر هذا: من الوافر:
نقشنا ودّ إخوان الصفاء ... بأقلام الهباء على الهواء
فكلهم ذئاب في ثياب ... حياتهم وفاة للوفاء
حكى الأستاذ الجليل السعيد أبو المظفر إبراهيم بن أحمد بن اللّيث، قال: لما حضرت وافداً على السلطان، حضرني الشيخ أبو بكر القهستاني، فرأيت فاضلاً ملء ثوبه، مليح الشمائل، عطر الأخلاق، خفيف الروح؛ وامتدت أوقات الأنس(4/11)
بيننا، فجاءني كتابه ذات يوم ينوشني، ويرغب في أن يحضر متنزهاً كان له، فأجبت ثم استبطأت غلامه، فكتبت إليه هذا البيت: من الطويل
أفي الحق يا مولاي أني أنوش ... وغيري يروي في ذراكم وأعطش
فجاءني جوابه مع فتىً من غلمانه حدث كان يهواه، وهو: من الطويل:
أسيدنا حتى متى وإلى متى ... وماذا الوفا كم بالمنى نتنعش
وعدت فأنجز ما وعدت فقد مضى ... بياض نهار ليله كان يعطش
فديتك إن الخلف في الوعد وحشة ... ولكنه في مثل وعدك أوحش
وسألني بأيمان الأصدقاء أن أركب في جوابها، فركبت؛ فإذا هو في باغ فيه تين ورمان، ومجالس ما رأيت مثلها نظافة؛ وطال تعاشرنا حتى انتصف الليل، ولم يزل ينشدنا من مليح أشعاره، ومليح قطعه.
اسم أبي بكر: علي بن أحمد بن الحسن، أديب فاضل.
أنشد إبراهيم بن أحمد بن الليث الكاتب لنفسه: من الرجز
لا تغترر بالمهل ... وبعد خطو الأجل
واعمل على أن يخلد ال ... ذكر بحسن العمل
وأنشد لنفسه: من الوافر
عليّ من الترسل ثوب عز ... وليس عليّ من شعري شعار(4/12)
إبراهيم بن أحمد بن محمد بن المولّد
أبو إسحاق الرّقّي الصّوفيّ الواعظ حدّث بدمشق والرّقّة.
حدّث عن الحسين بن عبد الله القطّان، بسنده عن عبد الرحمن بن سمرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يا عبد الرحمن لا تسال الإمارة.
وحدّث عن أحمد بن عبد الله الناقد المصري، بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كن ورعاً تكن أعبد الناس.
قال أبو محمد عبد الله بن يحيى الصوفي: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن أحمد بن المولد، يقول: السياحة بالنفس: الآداب الظواهر، علماً وشرعاً وخلقاً؛ والسياحة بالقلب: الآداب البواطن، حالاً ووجداً وكشفاً.
قال أبو نعيم: سمعت عمر بن واضح، يقول: سمعت إبراهيم بن المولد، يقول: عجبت لمن عرف الطّريق إلى ربّه كيف يعيش مع غيره، وهو تعالى يقول: وأنيبوا إلى ربّكم وأسلموا له.
وكان يقول: من قال بالله أفناه عنه، ومن قال منه أبقاه له.
قال أبو عبد الرحمن السلمي:(4/13)
إبراهيم بن أحمد بن المولد، أبو إسحاق، من كبار مشايخ الرقة وفتيانهم، صحب أبا عبد الله بن الجلاء الدمشقي، وإبراهيم بن داود القصّار الرّقي، وكان من أفتى المشايخ وأحسنهم سيرة.
أنشد إبراهيم بن المولد: من الخفيف
لك مني على البعاد نصيب ... لم ينله على الدنو حبيب
وعلى الطّرف من سواك حجاب ... وعلى القلب من هواك رقيب
زين في ناظري هواك وقلبي ... والهوى فيه زائغ ومشوب
كيف يغني قرب الطبيب عليلاً ... أنت أسقمته وأنت الطبيب
قال عبد الرحمن بن عمر بن نصر: سمعت إبراهيم بن المولّد يقول في مجلس مواعظه هذه الأبيات: من البسيط
سجن لسان الفتى من الكرم ... ولن ترى صامتاً أخاندم
الصمت أمن من كل نازلة ... من ناله نال أفضل القسم
ما نزلت بالرجال نازلة ... أعظم ضراً من لفظة بفم
عثرات هذا اللسان مهلكه ... ليست لدينا كعثرة القدم
احذر لسانك يلقيك في تلف ... فربّ قول أذلّ ذا كرم
قال الحسن بن القاسم بن اليسع: توفي إبراهيم بن المولّد سنة اثنتين وأربعين وثلاثمئة؛ رأيت فيما يرى النائم أخي أبا إسحاق، فقلت له: أوصني؛ فقال: عليك بالقلة والذلة حتى تلقى ربك.
إبراهيم بن أحمد بن محمد بن رجاء
أبو إسحاق النيسابوري الأبزاري الوراق رحل وسمع وأسمع.(4/14)
حدث عن الحسن بن سفيان، بسنده عن انس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
وحدث عن أبي قريش محمد بن جمعة القهستاني، بسنده عن أبي هريرة؛ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الأرض كلها مسجد وطهور.
وحدث عن أبي القاسم عامر بن خريم الدمشقي، بسنده عن ابن عمر، قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الندم توبة.
وعن أبي عثمان سعيد بن عبد العزيز الحلبي بدمشق، بسنده عن بلال بن سعد، قال: أدركتهم يسيرون بين الأعراض، ويضحك بعضهم إلى بعض، فإذا كان الليل كانوا رهابين يصلون.
وقال أبو عبد الله الحافظ، عنه: وكان من المسلمين الذين سلم الناس من يده ولسانه، طلب الحديث على كبر السن، فسمع بنيسابور، وخرج إلى نسا، وكتب بالعراق والجزيرة والشام، وجمع الحديث الكثير، وعمر حتى احتاج الناس إليه، وأدى ما عنده على القبول.
توفي أبو إسحاق الأبزاري يوم الإثنين الخامس من رجب، سنة أربع وستين وثلاثمئة، وهو ابن ست أو سبع وتسعين سنة، وشهدت جنازته.
سمعت أبا علي الحافظ يقول لأبي إسحاق: أنت بهز بن أسد، لثبته وإتقانه.
وسمعت أبا علي غير مرة يمازح أبا إسحاق، فيقول: ترون هذا الشيخ ما اغتسل من حلال قطّ! فيقول: ولا من حرام يا أبا علي؛ وذلك أن أبا إسحاق لم يتزوج قط.
عقدنا له مجالس الإملاء في دار السنة سنة اثنتين وستين وثلاثمئة، وكان يحضر الحلق.(4/15)
إبراهيم بن أحمد بن محمد
ابن عبد الله بن إسحاق الأنصاري الميموني القاضي سمع بدمشق والبصرة ومكة والجزيرة والقيروان والإسكندرية والرملة وغبرها. وروي عنه.
حدّث عن أبي بكر عمر بن جعفر بن إبراهيم المزني الكوفي، بسنده عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
" إن الله جل وعلا خلق يوم خلق السموات والأرض مئة رحمة، قسم منها رحمةً واحدةً بين الخلائق، بها معاطف الوالدة على ولدها، وبها يشرب الطير الماء، وبها تتراحم الخلائق؛ فإذا كان يوم القيامة قسمها بينهم وزادها تسعاً وتسعين رحمةً. " قال أبو بكر الخطيب: إبراهيم بن أحمد بن محمد الهنيدي غير ثقة.
إبراهيم بن أحمد بن محمد بن موسى
أبو اليسر الأنصاري الخزرجي الموصلي المعروف بابن الجوزيّ قدم دمشق حاجاً.
روى عن بشران بن عبد الملك بن مروان، بسنده عن أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أما يخاف الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار. "
إبراهيم بن أحمد بن يدغباش الحجري
كان أبوه أحمد أمير دمشق من قبل أحمد بن طولون.
سمع وأسمع.(4/16)
روي عن أبي علي الحسين بن موسى بن بشر العكّي، بسنده عن أبي هريرة، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الذي يسجد قبل الإمام ويرفع رأسه قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطان. "
إبراهيم بن أحمد أبو إسحاق السّلمي
حدّث عن داود بن محمد الحجوري من أهل عين ثرما.
إبراهيم بن أحمد أبو إسحاق المادرانيّ الكاتب
من كتّاب أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون، كان معه بدمشق حين قتل فخرج إبراهيم من دمشق إلى بغداد في أحد عشر يوماً فأخبر المعتضد بقتل خمارويه.
مات يوم الخميس لعشر خلون من شوال سنة ثلاث عشرة وثلاثمئة.
إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن جابر أبو إسحاق التّميمي
، ويقال: العجلّي، الزّاهد.
أصله من بلخ، وسكن الشام، ودخل دمشق.
سمع وأسمع.
حدث عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، قال:
دخلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلي جالساً، فقلت: يا رسول الله إنك تصلّي(4/17)
جالساً فما شأنك؟ قال: " الجوع يا أبا هريرة؛ " قال: فبكيت، قال: فقال: " لا تبك فإن شدة يوم القيامة لا تصيب الجائع إذا احتسب في دار الدنيا. " وحدّث عن أبي إسحاق الهمداني عن عمارة بن غزية الأنصاري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الفتنة تجيء، فتنسف الجبال نسفاً، وينجو العالم منها بعلمه. " قال خالد بن يزيد بن سفيان: إن إبراهيم بن أدهم كان قاعداً في مشرقة بدمشق، إذ مر رجل على بغله، فقال له: يا أبا إسحاق إن لي إليك حاجة أحبّ أن تقضيها؛ فقال إبراهيم: إن أمكنني قضيتها، وإلا أخبرتك بعذري: فقال له: إن برد الشام شديد وأنا أريد أن أبدّل ثوبيك هذين بثوبين جديدين؛ فقال إبراهيم: إن كنت غنياً قبلنا منك، وإن كنت فقيراً لم أقبل منك؛ فقال الرجل: أنا والله كثير المال، كثير الضّياع؛ فقال له إبراهيم: أين أراك تغدو وتروح على بغلتك؟ قال: أعطي هذا وآخذ من هذا؛ فقال له إبراهيم: قم، فإنك فقير تبتغي الزيادة بجهدك!.
قال قتيبة بن رجاء: إبراهيم بن أدهم بلخي.
وقال يحيى بن معين: وسألت عن إبراهيم بن أدهم، فقالوا: رجل من العرب، من بني عجل، كان كبير الشأن في باب الورع، يحكى عنه أنه قال: أطب مطعمك، ولا عليك ألا تقوم بالليل، ولا تصوم بالنهار؛ وكان عامّة دعائه: اللهم انقلني من ذلّ معصيتك إلى عزّ طاعتك.
قال الفضل بن موسى: حجّ أدهم أبو إبراهيم بأم إبراهيم، وكانت به حبلى، فولدت إبراهيم بمكة، فجعلت تطوف بن على الحلق في المسجد، وتقول: ادعوا لابني أن يجعله الله رجلاً صالحاً.(4/18)
قال إبراهيم بن بشار الطويل:
سألت إبراهيم بن أدهم، قلت: يا أبا إسحاق كيف كان أوائل أمرك حتى صرت إلى ما صرت إليه؟ قال: غير هذا أولى بك من هذا؛ قلت: هو كما تقول رحمك الله، لعل الله ينفعنا به يوماً؛ ثم سألته الثانية، قال: لا، ويحك اشتغل بالله؛ فقلت الثالثة: إن رأيت رحمك الله، لعل الله ينفعني به يوماً. قال: كان أبي من ملوك خراسان، وكان من المياسير، وكان قد حبّب إليّ الصيد، فبينا أنا راكب فرسي، وكلبي معي، فأثرت ثعلباً أو أرنباً شك إبراهيم فحّركت فرسي، فأسمع نداءً من ورائي: يا إبراهيم ليس لهذا خلقت، ولا بهذا أمرت! فوقفت أنظر يمنة ويسرة فلم أر أحداً، قلت: لعن الله إبليس، ثم حركت فرسي، فأسمع نداء أجهر من الأول: يا إبراهيم ليس لهذا خلقت، ولا بهذا أمرت! فوقفت مستمعاً أنظر يمنة ويسرة، فلم أجد أحداً، فقلت: لعن الله إبليس، ثم حركت فرسي، فأسمع من قربوس سرجه: يا إبراهيم بن أدهم، والله ما لهذا خلقت ولا بهذا أمرت، فوقفت، فقلت: هيهات هيهاتّ جاءني النّذير من رب العالمين، والله لا عصيت ربي بعد يومي هذا ما عصمني ربي؛ فوجهت إلى أهلي فجانبت فرسي، وجئت إلى بعض رعاة أبي، وأخذت منه جبّة وكساءً، وألقيت ثيابي إليه، فلم تزل أرض ترفعني وأرض تضعني حتى صرت إلى بلاد العراق، فعملت بها أياماً فلم يصف لي شيء من الحلال، فسألت بعض المشايخ عن الحلال، فقال: إن أردت الحلال فعليك ببلاد الشام، فصرت إلى مدينة يقال لها المنصورة وهي المصيصة فعلمت بها أيّاماً، فلم يصف لي شيء من الحلال، فسألت بعض المشايخ عن الحلال، فقال لي: إذا أردت الحلال فعليك بطرسوس، فإن بها المباحات والعمل الكثير؛ فبينما أنا كذلك قاعد على باب المر جاءني رجل فاكتراني أنظر إليه بستانه، فتوجهت معه، فمكثت في البستان أياّماً كثيرة،(4/19)
فإذا أنا بخادم قد أقبل ومعه أصحاب له ولو علمت أن البستان لخادم ما نظرته فقعد في مجلسه هو وأصحابه، فقال: يا ناطور يا ناطور؛ فأجبته، فقال: اذهب فأتنا بخير رمان تقدر عليه وأطيبه، فأتيته؛ فاخذ الخادم رمانّة وكسرها فوجدها حامضة، فقال: يا ناطور، أنت مذ كذا وكذا في بستاننا تأكل من فاكهتنا ورماننا ما تعرف الحلو من الحامض؟ قلت: والله ما أكلت من فاكهتكم شيئاً، ولا أعرف الحلو من الحامض! قال: فغمز الخادم أصحابه وقال: ما تعجبون من كلام هذا! وقال لي: تراك لو كنت إبراهيم بن أدهم زدت على هذا؟ فلما كان من الغد حدّث الناس في المسجد بالصّفة، وما كان، فجاء الناس عنقاً إلى البستان، فلّما رأيت كثرة الناس اختفيت والنّاس داخلون، وأنا هارب منهم! فهذا أوائل أمري.
قال عبد الله بن الفرج: حدثني إبراهيم بن أدهم بابتدائه كيف كان، قال: كنت يوماً في مجلس لي له منظرة إلى الطريق، فإذا أنا بشيخ عليه أطمار، وكان يوماً حاراً، فجلس في ظل القصر ليستريح، فقلت للخادم: اخرج إلى هذا الشيخ فأقره منّي السلام، وسله أن تدخله إلينا فقد أخذ بمجامع قلبي؛ فخرج إليه فقام معه ودخل عليّ وسلّم فرددت عليه السّلام، فاستبشرت بدخوله وأجلسته إلى جانبي، وعرضت عليه الطّعام، فأبى أن يأكل، فقلت له: من أين أقبلت؟ فقال: من وراء النهر؛ قلت: أين تريد؟ قال: أريد الحج إن شاء الله قال: وكان ذلك أول يوم من العشر أو الثاني فقلت: في هذا الوقت؟ فقال: بل يفعل الله ما يشاء، فقلت: فالصّحبة، فقال: إن أحببت ذلك. حتى إذا كان الليل، قال لي: قم، فلبست ما يصلح للسّفر، وأخذ بيدي، وخرجنا من بلخ، فمررنا بقرية بنا، فلقيني رجل من الفلاحين فأوصيته ببعض ما أحتاج إليه، فقدم إلينا خبزاً وبيضاً وسألنا أن نأكل، فأكلنا، وجاءنا بماء فشربنا، ثم قال لي: بسم الله قم، فأخذ بيدي، فجعلنا نسير وأنا أنظر إلى الأرض(4/20)
تجذب من تحتنا كأنها الموج، فمررنا بمدينة بعد مدينة، يقول: هذه مدينة كذا، هذه مدينة كذا، هذه الكوفة؛ ثم قال لي: الموعد هنا في مكانك هذا في هذا الوقت يعني من الليل حتى إذا كان الوقت إذا به قد أقبل، فأخذ بيدي وقال: بسم الله.
قال: فجعل يقول: هذا منزل كذا، هذا منزل كذا، وهذا منزل كذا، وهذه فيد، وهذه المدينة، وأنا أنظر إلى الأرض تجذب من تحتنا كأنها الموج، فصرنا إلى قبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فزرناه ثم فارقني، وقال: الموعد في الوقت، في الليل، في المصلى.
حتى إذا كان الوقت خرجت فإذا به في المصلى، فاخذ بيدي ففعل كفعله في الأولى والثانية حتى أتينا مكة في الليل، ففارقني، فقبضت عليه فقلت: الصّحبة؛ فقال: إني أريد الشام، فقلت: أنا معك؛ فقال لي: إذا انقضى الحجّ فالموعد هنا عند زمزم.
حتى إذا انقضى الحجّ إذا به عند زمزم، فاخذ بيدي، فطفنا بالبيت، ثم خرجنا من مكة؛ ففعل كفعله الأول والثاني والثالث فإذا نحن ببيت المقدس؛ فلما دخل المسجد قال لي: عليك السّلام، أنا على المقام إن شاء الله ها هنا، ثم فارقني، فما رأيته بعد ذلك، ولا عرّفني اسمه.
قال إبراهيم: فرجعت إلي بلدي فجعلت أسير سير الضعفاء منزلاً بعد منزل حتى رجعت إلى بلخ، وكان ذلك أول أمري.
حدّث أحمد بن عبد الله صاحب لإبراهيم بن أدهم، قال: كان إبراهيم من أهل النعم بخراسان، فبينما هو مشرف ذات يوم من قصره إذ نظر إلى رجل بيده رغيف يأكل في فناء قصره، فاعتبر، وجعل ينظر إليه حتى أكل الرّغيف، ثم شرب ماءً، ثم نام في فناء القصر؛ فألهم الله عز وجل إبراهيم بن أدهم الفكر فيه، فوكل به بعض غلمانه، وقال له: إذا قام هذا من نومه جئني به؛ فلّما قام الرّجل من نومه قال له الغلام: صاحب هذا القصر يريد أن يكلمك، فدخل إليه مع الغلام، فلّما نظر إليه إبراهيم قال له: أيّها الرجل، أكلت الرّغيف وأنت جائع؟(4/21)
قال: نعم، قال: فشبعت؟ قال: نعم؛ قال إبراهيم: وشربت الماء تلك الشربة ورويت؟ قال: نعم؛ قال إبراهيم: ونمت طيباً لا هم ولا شغل؟ قال: نعم؛ قال إبراهيم: فقلت في نفسي: فما أصنع أنا بالدنيا، والنفس تقنع بما رأيت؟!.
فخرج إبراهيم سائحاً إلى الله عز وجلّ على وجهه، فلقيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الرّيح، فقال له: يا غلام! من أين؟ وإلى أين؟ قال إبراهيم: من الدّنيا إلى الآخرة؛ فقال له: يا غلام أنت جائع؟ قال: نعم؛ فقام الشيخ فصلّى ركعتين وسلّم فإذا عن يمينه طعام وعن شماله ماء؛ فقال لي: كل، فأكلت بقدر شبعي، وشربت بقدر ريّي، فقال لي الشيخ: اعقل وافهم، لا تحزن ولا تستعجل، فإن العجلة من الشيطان، وإياك والتمرد على الله فإنّ العبد إذا تمرّد على الله أورث الله قلبه الظلمة والضلالة مع حرمان الرّزق، ولا يبالي الله تعالى في أي واد هلك؛ إن الله عزّ وجلّ إذا أراد بعبد خيراً جعل في قلبه سراجاً يفرق بين الحق والباطل، والناس فيهما متشابهون؛ يا غلام إنّي معلمك اسم الله الأكبر أو قال: الأعظم فإذا أنت جعت فادع الله عز وجلّ به حتى يشبعك، وإذا عطشت فادع الله عز وجل به حتى يرويك؛ وإذا جالست الأخيار فكن لهم أرضاً يطوؤك، فإن الله تعالى يغضب لغضبهم ويرضى لرضاهم؛ يا غلام خذ كذا حتى آخذ كذا، قال: لا أبرح؛ فقال الشيخ: اللهم احجبني عنه واحجبه عني؛ فلم أدر أين ذهب.
فأخذت في طريقي ذلك، وذكرت الاسم الذي علمني فلقيني رجل حسن الوجه، طيب الريح، حسن الثياب، فأخذ بحجزتي، وقال لي: ما حاجتك؟ ومن لقيت في سفرك هذا؟ قلت: شيخاً من صفته كذا وكذا، وعليه كذا وكذا، فبكى؛ فقلت: أقسمت عليك بالله من ذلك الشيخ؟ قال: ذاك إلياس عليه السلام، أرسله الله عزّ وجل إليك ليعلمك أمر دينك؛ فقلت: وأنت يرحمك الله، من أنت؟ قال: أنا الخضر؛ عليهما السلام.
قال سفيان الثوري: إن إبراهيم بن أدهم كان يشبه إبراهيم خليل الرحمن، ولو كان في أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكان رجلاً فاضلاً.(4/22)
قال معاوية بن حفص: إنما سمع إبراهيم بن أدهم عن منصور حديثاً، فاخذ به فساد أهل زمانه؛ قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: حدّثنا منصور عن ربّعي بن خراش، قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله دلّني على عمل يحببني الله عزّ وجل به ويحببني النّاس، قال: " إذا أردت أن يحبك الله فأبغض الدنيا، وإذا أردت أن يحبك الناس فما كان عندك من فضولها فانبذه إليهم. " فساد أهل زمانه.
قيل لإبراهيم بن أدهم: ألّا تحدّث؟ فقد كان أصحابك يحدّثون، فقال: كان همي هدي العلماء وآدابهم.
قال محمد بن مكتوم: مرّ إبراهيم بن أدهم بسفيان الثوري، وهو قاعد مع أصحابه، فقال سفيان لإبراهيم: تعال حتى أقرأ عليك علمي، قال: إني مشغول بثلاث، ومضى.
قال سفيان لأصحابه: ألا سألتموه ما هذه الثلاث! ثم قام سفيان ومعه أصحابه حتى لحق إبراهيم، فقال له: إنك قلت: إني مشغول بثلاث عن طلب العلم، فما هذه الثلاث؟.
قال: إني مشغول بالشكر لما أنعم عليّ، والاستغفار لما سلف من ذنوبي، والاستعداد للموت؛ قال سفيان: ثلاث وأي ثلاث!.
قال أبو عثمان الأسود: كنت رفيق إبراهيم بن أدهم أربع عشرة سنةً، فحججت فلقيت عبد العزيز بن أبي داود بمكة، فقال لي: ما فعل أخوك وأخونا إبراهيم بن أدهم؟ قال: فقلت: بالشام في كوضع كذا وكذا، قال: فقال: أمّا إنّ عهدي به يركب بين يديه ثلاثون شاكريّاً، ولكنه أحب أن يتبحبح في الجنّة.
قال شقيق البلخي: لقيت إبراهيم بن أدهم في بلاد الشام، فقلت: يا إبراهيم، تركت خراسان؟ فقال:(4/23)
ما تهنيت بالعيش إلا في بلاد الشام، أفر بديني من شاهق إلى شاهق، ومن جبل إلى جبل، فمن رآني يقول: موسوس، ومن رآني يقول: حمّال.
ثم قال: يا شقيق، لم ينبل عندنا من نبل بالحجّ ولا بالجهاد، وإنما نبل عندنا من نبل من كان يعقل ما يدخل جوفه يعني الرّغيف من حله.
ثم قال: يا شقيق، ماذا أنعم الله على الفقراء! لا يسألهم يوم القيامة عن زكاة ولا عن حجّ ولا عن جهاد ولا عن صلة رحم، إنما يسأل عن هذا هؤلاء المساكين، يعني: الأغنياء.
حدث المتوكل بن حسين العابد قال: قال إبراهيم بن أدهم: الزهد ثلاثة أصناف؛ فزهد فرض، وزهد فضل، وزهد سلامة؛ فالزهد الفرض: الزهد في الحرام؛ والزهد الفضل: الزهد في الحلال؛ والزهد السّلامة: الزهد في الشبهات.
قال حذيفة المرعشي: قدم شقيق البلخي مكة، وإبراهيم بن أدهم بمكة، فاجتمع الناس فقالوا: نجمع بينها، فجمعوا بينهما في المسجد الحرام، فقال إبراهيم بن أدهم لشقيق: يا شقيق، علام أصلتم أصولكم؟ فقال شقيق: إنّا أصّلنا على أنّا إذا رزقنا أكلنا، وإذا منعنا صبرنا؛ فقال إبراهيم بن أدهم: هكذا كلاب بلخ، إذا رزقت أكلت، وإذا منعت صبرت. فقال شقيق: علام أصّلتم أصولكم يا أبا إسحاق؟ فقال: أصّلنا أصولنا على انّا إذا رزقنا آثرنا، وإذا منعنا حمدنا وشكرنا.
قال: فقام شقيق وجلس بين يديه، وقال: يا أبا إسحاق، أنت أستاذنا.
قال بقية بن الوليد: صحبت إبراهيم بن أدهم إلى المصيصة، فبينا أنا معه، إذا رجل يقول: من يدلني على إبراهيم بن ادهم، قال: فأشرت بإصبعي إليه، فتقدم إليه فقال: السلام عليك ورحمة الله، قال: وعليك السلام، من أنت؟ قال: أخبرك أن أباك توفي، وخلّف مالاً عظيماً، وأنا عبدك فلان، وهذه البغلة لك، ومعي عشرة آلاف درهم تنفقها على نفسك، وترحل إلى بلخ، والمال مستودع عند القاضي.(4/24)
قال: فسكت ساعة ثم قال: إن كنت صادقاً فيما تقول، فأنت حر، والبغلة لك، والمال تنفقه على نفسك.
ثم التفت إليّ، فقال: هل لك في الصّحبة؟ قلت: نعم؛ فارتحلنا حتى بلغنا حلوان، فلا والله لا طعم ولا شرب، وكان في يوم مثلج، فقال: يا بقّية، لعلك جائع؟ قلت: نعم؛ ادخل هذه الغيضة، وخذ منها ما شئت؛ قال: فمضيت، فقلت في نفسي: يوم مثلج، من أين لي! قال: ودخلت فإذا أنا بشجرة خوخ، فملأت جرابي وجئت؛ فقال: ما الذي في جرابك؟ قلت: خوخ؛ فقال: يا قليل اليقين، هل يكون هذا! لعلك تفكرت في شيء آخر؟ ولو أزددت يقيناً لأكلت رطباً كما أكلت مريم بنت عمران في وسط الشتاء؛ ثم قال: هل لك في الصّحبة؟ قلت: بلى.
قال: فمشينا، ولا والله لا عليه حذاء ولا خفّ، حتى بلغنا إلى بلخ، فدخل إلى القاضي وسلّم عليه، وقال: بلغني أن أبي توفي، واستودع عندك مالاً: قال: أما أدهم فنعم، وأمّا أنّا فلا أعرفك؛ فأراد أن يقوم، قال: فقال القوم: هذا إبراهيم بن أدهم؛ فقال: مكانك، فقد صحّ لي انك ابنه. قال: فأخرج المال؛ قال: لا يمكن إخراجه؛ قال: دلّني على بعضه، قال: فدلّه على بعضه، فصلى ركعتين وتبسم، فقال القاضي: بلغني أنك زاهد، قال: وما الذي رأيت من رغبتي، قال: فرحك وتبسّمك، قال: أما فرحي وتبسّمي من صنع الله إياي، هذا كان حبيساً عن سبيل الله، وأعانني الله حتى جئت في إطلاقه، جعلتها كلّها في سبيل الله؛ ونفض ثوبه وخرج.
قال: فقلت له: يا أبا إسحاق لم نطعم مذ شهران! قال: هل لك في الطعام؟ قلت: نعم. فصلى ركعتين، فإذا حوله دنانير، فحملت ديناراً ومضينا.(4/25)
حدث أبو شعيب قال:
سألت إبراهيم بن أدهم أن أصحبه إلى مكة، فقال لي: على شريطة، على أنك لا تنظر إلاّ لله وبالله، فشرطت له ذلك على نفسي، فخرجت معه.
فبينا نحن في الطواف فإذا أنا بغلام قد افتتن الناس به لحسنه وجماله، فجعل إبراهيم يديم النظر إليه، فلما أطال ذلك قلت: يا أبا إسحاق، أليس شرطت على ألاّ تنظر: إلاّ لله وبالله؟ قال: بلى، فإني أراك تديم النظّر إلى هذا الغلام! فقال: هذا ابني وولدي، وهؤلاء غلماني وخدمي الذين معه، ولولا شيء لقّبلته، ولكن انطلق فسلّم عليه منّي، وعانقه عنّي.
قال: فمضيت إليه وسلّمت عليه من والده وعانقته، فجاء إلى والده فسلّم عليه ثم صرفه مع الخدم، فقال: أرجع النّظر، أيش يراد بك، فأنشأ يقول: من الوافر
هجرت الخلق طرّاً في هواكا ... وأيتمتها العيال لكي أراكا
ولو قطعتني في الحبّ إرباً ... لما خن الفؤاد إلى سواكا
قال أبو إسحاق الفزاري: كان إبراهيم بن أدهم يطيل السكوت، فإذا تكلّم ربّما انبسط، فأطال ذات يوم السكوت، فقلت له: لم؟ ألا تكلمت؟ فقال: الكلام على أربعة وجوه؛ فمن الكلام كلام ترجو منفعته وتخشى عاقبته، فالفضل في هذا السّلامة منه: ومن الكلام كلام لا ترجو منفعته ولا تخشى عاقبته، فأقل مالك في تركه خفّة المؤونة على يديك ولسانك؛ ومنه كلام لا ترجو منفعته وتخشى عاقبته، وهذا هو الدّاء العضال؛ ومن الكلام كلام ترجو منفعته وتأمن عاقبته، فهذا كلام يحب عليك نشره.
فإذا هو قد أسقط ثلاثة أرباع الكلام.
قال سليمان الموصلي: قلت لإبراهيم بن أدهم: لقد أسرع إليك الشيّب في رأسك! قال: ما شيّب رأسي إلاّ الرفقاء.(4/26)
قال شقيق بن إبراهيم البلخي: أوصى إبراهيم بن أدهم، قال: عليك بالنّاس، وإياك من النّاس، ولا بدّ من النّاس، فإنّ النّاس هم النّاس، ولسي الناس بالنّاس، ذهب النّاس وبقي النسناس، وما أراهم بالنّاس وإنّما غمسوا في ماء النّاس.
قال إبراهيم: أما قولي: عليك بالنّاس، مجالسة العلماء؛ وأمّا قولي: إياّك من النّاس، مجالسة السفهاء؛ وأمّا قولي: لا بدّ من النّاس، الصّلوات الخمس والجمعة والحج والجهاد اتباع الجنائز والشراء والبيع ونحوه: وأما قولي: النًاس هم الناس، الفقهاء والحكماء؛ وأمّا قولي: ليس النّاس بالنّاس، أهل الأهواء والبدع؛ وأما قولي: ذهب الناس؛ ذهب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه؛ وأمّا قولي: بقي النسناس، يعني من يروي عنهم عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه: وأمّا قولي: وما أراهم بالنّاس إنّما هم غمسوا في ماء النّاس، نحن وأمثالنا.
قال حذيفة بن قتادة المرعشي: رأى الأوزاعيّ إبراهيم بن أدهم ببيروت، وعلى عنقه حزمة حطب، فقال له: يا أبا إسحاق، أيّ شيء هذا؟ إخوانك يكفونك، فقال: دعني من هذا يا أبا عمرو، فإنه بلغني أنه من وقف موقف مذلّة في طلب الحلال وجبت له الجنّة.
قال طالوت: قال إبراهيم بن أدهم: ما صدق الله عبد أحبّ الشهرة.
قال عبد الله بن الفرج القنطري العابد: اطلعت على إبراهيم بن أدهم في بستان بالشام، وهو مستلق، وإذا حيّة في فمها طاقة نرجس، فما زالت تذبّ عنه حتى انتبه!.
حدّث عبد الجبّار بن كثير، قال: قيل لإبراهيم بن أدهم: هذا السبّع قد ظهر لنا، قال: أرونيه، فلّما رآه قال: يا قسورة، إن كنت أمرت فينا بشيء فامض لما أمرت به، وإلاّ فعودك على بدئك؛ فولّى السبّع هارباً، قال: أحسبه يضرب بذنبه.(4/27)
قال: فتعجبنا كيف فهم السبّع كلام إبراهيم بن أدهم، قال: فأقبل علينا إبراهيم، قال: قولوا: اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واكنفنا بكنفك الذي لا يرام، وارحمنا بقدرتك علينا، ولا نهلك وأنت رجاؤنا.
قال خلف: فما زلت أقولها منذ سمعتها فما عرض لي لصّ ولا غيره.
عن أبي عبد الرحمن المقرئ، قال: كان عندنا إبراهيم بن أدهم على بعض جبال مكة يحدث أصحابه، فقال: لو أن وليّاً من أولياء الله قال للجبل: زل، لزال؛ قال: فتحرك الجبل من تحته؛ قال: فضرب برجله، ثم قال: اسكن، فإنما ضربتك مثلاً لأصحابي.
حدّث موسى بن ظريف، قال:
ركب إبراهيم بن أدهم البحر، فأخذتهم ريح عاصف، وأشرفوا على الهلكة، فلفّ إبراهيم رأسه في عباءة ونام!، فقالوا له: ما ترى ما نحن فيه من الشدّة؟ فقال: ليس ذا شدّة!، فقالوا ما الشدةّ؟ قال: الحاجة إلى النّاس؛ ثم قال: اللهم أريتنا قدرتك فأرنا عفوك؛ فصار البحر كأنه قدح زيت.
قال شقيق البلخي: لقيت إبراهيم بن أدهم بمكة في سوق الليل عند مولد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو جالس ناحية من الطريق يبكي، فعدلت إليه، وجلست عنده، وقلت: أيش هذا البكاء يا أبا إسحاق؟ فقال: خير، فعاودته مرةً واثنتين وثلاثة، فلّما أكثرت عليه، قال لي: يا شقيق، إن أنا أخبرتك تحدّث به، ولا تستر عليّ! فقلت: يا أخي قل ما شئت، فقال: اشتهت نفسي منذ ثلاثين سنة سكباجاً، وأنا أمنعها جهدي، فلما كان البارحة كنت جالساً وقد غلبني النّعاس إذا أنا بفتىً شاب بيده قدح أخضر يعلو منه بخار، وروائحه سكباج، قال: فاجتمعت نهمتي فقرّب مني، ووضع القدح بين يدي، وقال:(4/28)
يا إبراهيم، كل: فقلت: ما آكل شيئاً قد تركته لله عزّ وجلّ؛ قال: ولا إن أطعمك الله تأكل؟ فما كان لي جواب إلاّ بكيت، فقال لي: كل، يرحمك الله، فقلت له: إنّا قد أمرنا أن لا نطرح في وعائنا إلاّ من حيث نعلم، فقال: كل، عافاك الله، فغنما أعطيت وقيل لي: يا خضر، اذهب بهذا وأطعم نفس إبراهيم بن أدهم، فقد رحمها الله من طول صبرها على ما يحمّلها من منعها، إعلم يا إبراهيم أني سمعت الملائكة يقولون: من أعطي فلم يأخذ طلب فلم يعط، فقلت: إن كان كذلك، فها أنا بين يديك لا أحلّ العقد مع الله عزّ وجلّ؛ ثم التفتّ فإذا بفتىًّ آخر ناوله شيئاً، وقال: يا خضر لقّمه أنت، فلم يزل يلقّمني حتى شبعت، فانتبهت وحلاوته في فمي.
قال شقيق: فقلت: أرني كفّك، فأخذت بكفّي كفّه وقبّلتها، وقلت: يا من يطعم الجياع الشهوات إذا صححوا المنع، يا من يقدح في الضمير اليقين، يا من يشفي قلوبهم من محبته، أقرى لشقيق عندك ذاك، ثم رفعت يدّ إبراهيم إلى السماء، وقلت: بقدر هذا الكفّ وبقدر صاحبه، وبالجود الذي وجد منك جد على عبدك الفقير إلى فضلك وإحسانك ورحمتك، وإن لم يستحقّ ذاك؛ فقال: وقام إبراهيم ومشى حتى دخلنا المسجد الحرام.
حدّث إبراهيم اليماني، قال: خرجت مع إبراهيم بن ادهم من صور يريد قيساريّة، فلّما كان بعض الطريق، مررنا بمواضع كثيرة الحطب، فقال: إن شئتم بتنافي هذا الموضع، فأوقدنا من هذا الحطب؛ فقلت: ذلك إليك يا أبا إسحاق، قال: فأخرجنا زنداً كان معنا فقد حنا وأوقدنا تلك النار، فوقع منها جمر كبار، قال: فقلنا: لو كان لنا لحم نشويه على هذه النّار، قال: فقال إبراهيم: ما أقدر الله أن يرزقكم، ثم قام فتمسّح للصلاة، فاستقبل القبلة، فبينا نحن كذلك إذ سمعنا جلبة شديدة مقبلة نحونا، فابتدرنا إلى البحر، فدخل كلّ إنسان منّا في الماء إلى حيث أمكنه؛ ثم خرج ثور وحش يكرّه أسد، فلّما صار عند(4/29)
النار طرحه فانصرف إبراهيم بن أدهم، فقال: يا أبا الحارث، تنح عنه، فلن يقدّر لك رزق، فتنحّى، ودعانا فأخرجنا سكيناً كان معنا فذبحناه واشتوينا منه بقيّة ليلتنا.
سئل حذيفة المرعشي وقد خدم إبراهيم بن أدهم وصحبه فقيل له: ما أعجب ما رأيت منه؟ فقال: بقينا في طريق مكة أيّاماً لم نجد طعاماً، ثم دخلنا الكوفة، فأوينا إلى مسجد خراب فنظر إلى إبراهيم وقال: يا حذيفة أرى بك الجوع فقلت: ما رأى الشّيخ؛ فقال: عليّ بداوة وقرطاس، فجئت به، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم؛ أنت المقصود إليه بكل حال، والمشار إليه بكل معنى: من الكامل
أنا حامد أنا شاكر أنا ذاكر ... أنا جائع أنا نائع أنا عاري
هي ستّة فأنا الضّمين لنصفها ... فكن الضّمين لنصفها يا باري
مدحي لغيرك وهج نار خضتها ... فأجر فديتك من دخول النّار
قال: ثم دفع الرّفعة إليّ وقال: اخرج ولا تعلّق قلبك بغير الله، وادفع الرّقعة إلى أوّل من بلقاك. قال: فخرجت، فأوّل من لقيني كان رجل على بغلة، فأخذها وبكى، وقال: ما فعل صاحب هذه الرقّعة؟ فقلت: هو في المسجد الفلانّي، فدفع إليّ صرة فيها ستمئة دينار؛ ثم لقيت رجلاً آخر فقلت: من صاحب هذه البغلة؟ فقال: نصرانيّ؛ فجئت إلى إبراهيم فأخبرته بالقصّة، فقال: لا تمسّها، فإنه يجيء السّاعة؛ فلما كان بعد ساعة وافى النصرانيّ، وأكب على رأس إبراهيم بن أدهم وأسلم.
قال إبراهيم اليماني: قلت لإبراهيم بن أدهم: يا أبا إسحاق إنّ لي مودة وحرمة، ولي حاجة، قال: وما هي؟ قلت: تعلّمني اسم الله المخزون، قال لي: هو في العشر الأوّل من الحديد، لست أزيدك على هذا.
قال إبراهيم بن بشار: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: ما لنا نشكو فقرنا إلى مثلنا، ولا نطلب كشفه من(4/30)
ربّنا عزّ وجلّ، ثكلت عبداً أمه أحبّ الدّنيا ونسي ما في خزائن مولاه.
قال أبو عتبة الخوّاص: سمعت إبراهيم بن أدهم قال لرجل: ما آن لك أن تتوب؟ قال: حتى يشاء الله عزّ وجلّ؛ فقال له إبراهيم: وأين حزن الممنوع؟.
قال محمد بن أبي الرّجاء القرشي: قال إبراهيم بن أدهم: إنك إذا أدمنت النّظر في مرآة التّوبة بان لك قبيح شين المعصية.
قال العبّاس بن الوليد: بلغني أن إبراهيم بن ادهم دخل على أبي جعفر، فقال: ما عملك؟ قال: من الطويل
نرقّع دنيانا بتمزيق ديننا ... فلا ديننا يبقى ولا ما نزقّع
فقال: اخرج عني، فخرج وهو يقول: من مجزوء الخفيف
اتخذ الله صاحبا ... ودع النّاس جانبا
حدّث إبراهيم بن بشّار الخراسانيّ، قال: كثيراً ما كنت أسمع إبراهيم بن أدهم يقول: من الطويل
لما توعد الدّنيا به من شرورها ... يكون بكاء الطّفل ساعة يوضع
وإلاّ فما يبكيه منها وإنّها ... لأروع مما كان فيه وأوسع
إذا أبصر الدّنيا استهل كأنّما ... يرى ما سيلقى من أذاها ويسمع
قال إبراهيم بن بشار: سئل إبراهيم بن أدهم: بم يتّم الورع؟ قال: بتسوية كلّ الخلق في قلبك، والاشتغال عن عيوبهم بذنبك، وعليك باللّفظ الجميل، في قلب ذليل، لربّ جليل، فكن في ذنبك، وتب إلى ربّك، يثبت الورع في قلبك، واقطع الطمع.(4/31)
وعن شعيب بن حرب عن إبراهيم بن أدهم، قال: لا تجعل بينك وبين الله عليك منعماً، واعدد نعمةً عليك من غيره مغرماً.
وعن خلف بن تميم، قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: من البسيط
أرى أناساً بأدنى الدّين قد قنعوا ... ولا أراهم رضوا في العيس بالدّون
فاستعن بالله عن دنيا الملوك كما ... استغنى الملوك بدنياهم عن الدّين
كتب عمرو بن المنهال المقدسيّ إلى إبراهيم بن أدهم بالرّملة: أن عظني بموعظة أحفظها عنك، قال: فكتب إليه: أما بعد، فإن الحزن على الدّنيا طويل، والموت من الإنسان قريب، وللنقص في كل وقت نصيب، وللبلاء في جسمه دبيب، فبادر بالعمل قبل أن ينادي بالرحيل، واجتهد بالعمل في دار الممرّ قبل أن ترتحل إلى دار المقرّ.
حدّث أبو عبد الله الجوزجاني رفيق إبراهيم بن ادهم، قال: غزا إبراهيم بن أدهم في البحر مع أصحابه، فقدم أصحابنا فأخبروني عن إبراهيم بن أدهم، عن اللّيلة التي مات فيها، اختلف خمسةً أو ستةً وعشرين مرّةً إلى الخلاء، كل ذلك يجددّ الوضوء للصلاة، فلّما شعر بالموت قال: أو تروا لي قوسي، وقبض على قوسه، فقبض الله روحه والقوس في يده، قال: فدفنّاه في بعض الجزائر في بلاد الروم.
وقال الربيع بن نافع: مات إبراهيم بن أدهم سنة اثنتين وستّين ودفن على ساحل البحر.
إبراهيم بن إسماعيل بن أحمد
ابن عبد المؤمن بن إسماعيل بن مشكان بن حرزاد البيروتيّ روى عن أبيه، بسنده عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أسلم على شيء فهو له ".(4/32)
إبراهيم بن إسماعيل بن جعفر بن محمد
ابن عبيد الله بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو جعفر الحسينيّ الموسويّ المكيّ القاضي الخطيب قدم دمشق وحدّث بها وبمكة.
سمع الحديث وأسمعه.
روي عن محمد بن الحسين الآجري، بسنده عن بعض أصحاب ذي النون، قال: قال عبد الباري أخو ذي النون:
يا أبا الفيض لم صير الموقف بعرفات والمشعر الحرام ولم يصير بالحرم؟ قال: لأن الكعبة بيت الله عزّ وجلّ والحرم حجابه، والمشعر بابه، فلّما قصده الوافدون أوقفهم بالباب الأول يتضرّعون، حتى لمّا أذن لهم بالدخول أوقفهم بالباب الثاني، وهو المزدلفة، فلّما أن نظر إلى تضرّعهم أمرهم بتقريب قربانهم ويقضون تفثهم ويتطهرون من الذّنوب التي كانت تحجبهم عنه: أمرهم بالّزيارة على طهارة.
قال عبد الباري: فلم كره لهم الصّيام أيّام التشريق؟ فقال: إنّ القوم زوّار الله، وهم في ضيافة الله، ولا ينبغي للضيف للذّيف أن يصوم عند من أضافه إلاّ بإذنه.
فقال: يا أبا الفيض، فما معنى التعلّق بأستار الكعبة؟ فقال: مثله مثل رجل بينه وبين صاحبه جناية، فهو يتعلّق به ويستخذي له رجاء أن يهب له جرمه.
قال الحاكم أبو عبد الله: جاءنا نعي القاضي الشريف أبي جعفر الموسائي الحسينيّ قاضي الحرمين في شهر رمضان سنة تسع وتسعين وثلاثمئة.(4/33)
إبراهيم بن إسماعيل بن محمد بن أحمد
ابن عبد الله أبو سعد الهرويّ الحافظ قدم دمشق وحدّث.
روي عن احمد بن محمد بن بطّة الأصبهانيّ، بسنده عن أبي موسى الأشعريّ، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الساعة التي ترجى فيها، يوم الجمعة، عند نزول الإمام ".
وروي عن محمد بن أحمد بن عمارة العطّار، بسنده عن أنس، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: " عرضت عليّ أجور أمتّي حتى القذاة يخرجها الرّجل من المسجد، وعرضت عليّ ذنوب أمتي فلم أر أعظم من آية أو سورة أوتيها رجلّ ثم نسيّها ".
إبراهيم بن إسماعيل أبو إسحاق
العنبريّ الطوسيّ مصنف وله مسند.
سمع بدمشق والحجاز والعراق ومصر وخراسان، وروي عنه الحديث.
روي عن دحيم بسنده عن أبيّ هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن حوضي أبعد من أيلة إلى عدن، لهو أشدّ بياضاً من الثّلج وأحلى من العسل، ولآنيته أكثر من عدد نجوم السّماء، وإنّي لأصدّ عنه كما يصد الرّجل إبل الرّجل عن حوضه "؛ قالوا: يا رسول الله، أتعرفنا؟ قال: " نعم، لكم سيماء لأحد من الأمم تردون عليّ غرّاً محجّلين من أثر الوضوء ".(4/34)
قال أبو النضر الفقيه: كتبت مسند إبراهيم العنبري بخطي مئتين وبضعة عشرة جزءاً.
إبراهيم بن إسماعيل
روي عن هشام بن عمار، بسنده عن أبي هريرة، قال: أوصاني خليلي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث ونهاني عن ثلاث؛ أوصاني أن لا أنام إلاّ على وتر، وأن أصوم ثلاثة أيّام من كل شهر يعني البيض وأن لا أدع ركعتي الضّحى؛ ونهاني أن أنقر الصّلاة كنقير الدّيك، وأن ألتفت التفات الثعلب، وأن أقعي إقعاء القرد.
إبراهيم بن إسحاق بن أحمد
أبو إسحاق المقرئ إمام مسجد الفرس بصور.
إبراهيم بن إسحاق بن بشر بن موسى
ابن صالح بن شيخ بن عميرة بن حبّان بن سراقة بن يزيد بن حميري ابن عتبة بن جذيمة بن الصّيداء بن عمرو بن قعين ابن الحارث بن ثعلبة بن ذودان بن أسد بن خزيمة ابن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان أبو إسحاق الأسديّ البغدادي سكن دمشق وحدّث بها عن جده.(4/35)
إبراهيم بن إسحاق بن أبي الدّرداء
أبو إسحاق الأنصاريّ الصّرفنديّ من أهل حمص الصّرفنده: من الساحل.
سمع وأسمع.
روي عن جعفر بن عبد الواحد، بسنده عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " العباس عمّي ووصيّي ووارثي ".
ذكر أبو الفرج غيث بن علي أنه حدّث بصور في رمضان سنة سبع وعشرين وثلاثمئة.
إبراهيم بن أيّوب الحورانيّ الزّاهد
سمع وأسمع.
روي عن الوليد بن مسلم، بسنده عن أبي هند البجليّ وكان من السّلف قال: تذاكرو الهجرة عند معاوية، وهو على سريره مغمض العينين، فقال بعضهم: انقطعت الهجرة، وقال بعضهم: لا؛ فانتبه لهم معاوية فقال: ما كنتم تذكرون؟ فأخبروه، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التّوبة " ثلاث مرات.
فقال ابن شمعون: مراده، ولا تنقطع التّوبة حتى تطلع الشّمس من قبل المغرب.
قال أبو بكر الخطيب: إبراهيم بن أيوب الشاميّ كان من عباد الله الصاّلحين.(4/36)
قال عمرو بن دحيم: مات
إبراهيم بن أيوب الحورانيّ لليلتين بقيتا من شهر ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين ومئتين، يوم الأحد.
إبراهيم بن أيّوب
حكى عن الأوزاعي أنه قال في كتاب له: اتقوا الله معشر المسلمين، واقبلوا نصح النّاصحين، وعظة الواعظين، واعلموا أن هذا العلم دين، فانظروا ما تصنعون، وعن من تأخذون، وبمن تقتدون، ومن على دينكم تأمنون؛ فإن أهل البدع كلّهم مبطلون، أفّاكون، آثمون، لا يرعوون، ولا ينظرون، ولا يتّقون، ولا مع ذلك يؤمنون على تحريف ما تسمعون، ويقولون ما لا يعلمون في سرد ما يذكرون وتسديد ما يفترون؛ والله محيط بما يعلمون. فكونوا لهم حذرين، منهم هار بين، رافضين، مجانبين؛ وإنّ علماءكم الأوّلون، ومن صلح من الآخرين كذلك كانوا يفعلون ويأمرون؛ واحذروا أن تكونوا على الله مظاهرين، ولدينه هادمين، ولعراه ناقضين موهنين، بتوقير المبتدعين والمحدثين؛ فإنه قد جاء في توقيرهم ما تعلمون، وأيّ توقير لهم أو تعظيم اشدّ من أن تأخذوا منهم الدّين، وتكونوا بهم مقتدين، ولهم مصدّقين موادعين، مؤالفين، معينين لهم بما يصنعون، على استهواء من يستهوون، وتأليف من يتالّفون من ضعفاء المسلمين، لرأيهم الذي يرون، ودينهم الذي يدينون؛ وكفى بذلك مشاركةً لهم فيما يفعلون.
إبراهيم بن بحر
حدّث عن أحمد بن أبي الحواريّ، قال: جاء رجل من بني هاشم إلى عبد الله بن المبارك ليسمع منه، فأبى أن يحدّثه؛ فقال الهاشمي لغلامه: يا غلام، قم؛ أبو عبد الرحمن لا يرى أن يحدّثنا.
فلّما قام الهاشميّ ليركب جاء ابن المبارك ليمسك بركابه، قال: يا أبا عبد الرحمن لا ترى أن تحدّثني، وترى أن تمسك بركابي! فقال له ابن المبارك: رأيت أن أذلّ لك بدني ولا أذلّ لك حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(4/37)
إبراهيم بن بسّام
من أهل خراسان، وفد على هشام بن عبد الملك.
إبراهيم بن بشّار بن محمد
أبو إسحاق الخراسانيّ الصّوفي مولى معقل بن يّسار صاحب إبراهيم بن أدهم.
روى عن جماعة، وروى عنه جماعة.
حدّث إبراهيم بن بشار الصوّفي الخراساني خادم إبراهيم بن أدهم قال: وقف رجل صوفيّ على إبراهيم بن أدهم فقال: يا أبا إسحاق، لم حجبت القلوب عن الله عزّ وجلّ؟ قال: لأنها أحبّت ما أبغض الله، أحبّت الدّنيا، ومالت إلى دار الغرور واللهو واللّعب، وترك العمل لدار فيها حياة الأبد، في نعيم لا يزول ولا ينفذ، خالداً مخلداً، في ملك سرمد، لا نفاذ له ولا انقطاع.
وقال: قلت لإبراهيم بن أدهم: أمرّ اليوم أعمل في الطّين، فقال: يا بن بشّار، إنّك طالب ومطلوب، يطلبك من لا تفوته، وتطلب ما قد لقيته، كأنك بما غاب عنك قد كشف لك، وما أنت فيه قد نقلت عنه، يا بن بشّار كأنك لم تر حريصاً محروماً، ولا ذا فاقة مرزوقاً!، ثم قال: ما لك حيلة؟ قلت: لي عند البقّال دانق؛ فقال: عزّ عليّ، تملك دانقاً وتطلب العمل!.
وقال: خرجت أنا وإبراهيم بن أدهم وأبو يوسف الغاسوليّ وأبو عبد الله السّنجاريّ نريد الإسكندرية، فمررنا بنهر يقال له: الأردنّ، فقعدنا نستريح، وكان مع أبي يوسف كسيرات يابسات، فألقاها بين أيدينا، فأكلناها وحمدنا الله تعالى؛ فقمت أسعى أتناول ماءً لإبراهيم، فبادر إبراهيم فدخل النّهر حتى بلغ الماء إلى ركبيته، فقال بكفّيه فملأهما، ثم قال: بسم الله، وشرب الماء؛ ثم قال: الحمد لله، ثم خرج من النّهر، فمدّ رجليه ثم قال:(4/38)
يا أبا يوسف لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النّعيم والسّرور لجالدونا بالسّيوف أيّام الحياة على ما نحن فيه من لذيذ العيش وقلّة التّعب. فقلت: يا أبا إسحاق، طلب القوم الرّاحة والنّعيم، فأخطاوا الطريق المستقيم؛ فتبسّم، ثم قال: من أين لك هذا الكلام!.
وقال: مضيت مع إبراهيم بن أدهم في مدينة يقال لها: أطرابلس، ومعي رغيفان مالنا شيء غيرهما، وإذا سائل يسال، فقال لي: ادفع إليه ما معك!، فلبثت، فقال: ما لك؟ أعطه؛ فأعطيته وأنا متعجب من فعله، فقال: يا أبا إسحاق إنك تلقى غداً ما لم تلقه قط، واعلم أنك تلقى ما أسلفت، ولا تلقى ما خلّفت، تعّهد لنفسك، فإنك لا تدري متى يفجأك أمر ربك. قال: فأبكاني بكلامه وهوّن عليّ الدّنيا؛ قال: فلّما نظر إليّ أبكي، قال: هكذا فكن.
إبراهيم بن بكر أبو الأصبغ البجليّ
أخو بشر بن بكر من أهل دمشق، حدّث بمصر عن جماعة.
حدّث عن أبي زرعة بن إبراهيم القرشي، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري، قال:
بلغني عن أبي أمامة حديث في الوضوء، قال: فقلت: لا أنزل عن بغلتي هذه حتى آتي حمص، فاسأل أبا أمامة عن هذا الحديث؛ فأتيت حمص، فسألت عنه فدلّوني عليه في مزرعة له، فأتيت مزرعته، فسألت عنه، فقيل: هو ذاك في رحبة المسجد(4/39)
شيخ كبير عليه قباء فهو أبو أمامة الباهليّ؛ قال: فخرجت حتى أتيت المسجد فإذا هو في رحبة المسجد شيخ كبير وعليه قباء فرو قد ألقاه على ظهره يتفلى في الشّمس.
قال: فسلّمت عليه، قال: قلت: أنت أبو أمامة الباهليّ صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم يا بن أخي، فما تشاء؟ قلت: حديث بلغنا أنك تحدّث به عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الوضوء: قال: نعم يا بن أخي، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من توضأ فغسل كفّيه ثلاثاً أذهب الله كلّ خطيئة أخطأها بهما، ومن مضمض واستنشق أذهب الله كل خطيئة أخطأها بلسانه وشفتيه، ومن توضأ فأبلغ الوضوء أماكنه، ثم قام إلى الصّلاة مقبلاً عليها فقد خرج من خطيئته مثلما ولدته أمّه " فقلت: أنت سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: يا بن أخي لم أسمعه مرّة أو مرّتين أو ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً أو ستاً أو سبعاً، لم أبال ألاّ أذكره، ولكن والله لا أدري كم سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال أبو سعيد ابن يونس: توفي قريباً من سنة ست وسبعين ومئة. وفي نسخة أخرى: توفي في سنة عشر ومئتين.
إبراهيم بن بكر بن يزيد بن معاوية
ابن أبي سفيان صخر بن حرب بن أميّة كان يسكن عذراء من إقليم خولان من قرى دمشق، وكانت لجدّه؛ وأمّه أمّ ولد.
إبراهيم بن بنان الجوهريّ
سمع وأسمع.
روى عن هشام بن عمار، بسنده عن جابر بن عبد الله، قال:(4/40)
قرأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سورة الرّحمن من أوّلها إلى خاتمتها، فلّما فرغ قال: " مالي أراكم سكوتاً! الجنّ كانوا أحسن منكم ردّاً، ما قرأت عليهم آية فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان إلاّ قالوا: ولا بشيء من نعماء ربّنا نكذّب، فلك الحمد ".
وروى عن محمد بن عبد الرحمن الجعفي، بسنده عن أبي سعيد الخدريّ، قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أيقظ الرّجل أهله من اللّيل فتوضّئا وصلّيا كتبا من الذّاكرين الله كثيراً والذّاكرات ".
إبراهيم بن تميم أبو إسحاق الكاتب
مولى شرحبيل بن حسنة ولي خراج مصر، وقدم دمشق على المأمون.
قال إسماعيل بن إسحاق بن إبراهيم بن تميم: كان إبراهيم يعاني الزّرع لنفسه في حداثته، وزرع بالصّعيد وبأسافل الأرض، وكان يقول: ما طلبت ولاية الخراج حتى عرفت عقد الصّعيد وعقد أسفل الأرض، وعرفت فضله وجبيته على مرّ السنين.
قال ابن يونس: كان كاتباً في ديوان الخراج ثم تناهت به الأمور إلى أن ولي خراج مصر.
توفي سنة سبع عشرة ومئتين.
إبراهيم بن جبلة بن عرمة الكنديّ
كان من أصحاب عبد الملك بن مروان، وعمّر حتى صار من صحابة أبي جعفر المنصور.(4/41)
إبراهيم بن جدار العذريّ
روى عن ثابت بن ثوبان العّبسي، قال: سمعت مكحولاً يقول: ويحك يا غيلان، ركبت بهذه الأمة مضمار الحروريّة غير أنك لا تخرج عليهم بالسّيف.
قال الوليد بن مسلم: سمعت الأوزاعي يقول: ما أصيب أهل دمشق بأعظم من مصيبتهم بإبراهيم بن جدار العذريّ، وأبي مرثد الغنويّ، وبالمطعم بن المقدام الصّنعاني.
وقال مروان بن محمد: وكان في زمانه أعبد أهل الشّام.
وقال عبد الملك بن بزيع: جاءه رجل فأسمعه ما يكره، فقال له إبراهيم: قد سمع الله كلامك، غفر لك القبيح وكافأك بالحسن.
إبراهيم بن جعفر أبو محمود
الكتاميّ المغربيّ العابد قدم دمشق يوم الثلاثاء لاثنتين وعشرين ليلة خلت من شهر رمضان سنة ثلاث وستين وثلاثمئة أميراً على جيوش المصريين.
وكانت بين أبي محمود وبين أهل دمشق في مدة ولايته حروب كثيرة وفتن متواصلة.
هلك بدمشق في صفر سنة سبعين وثلاثمئة، وكان ضعيف العقل سّيئ التدبير
إبراهيم بن أبي جمعة
كاتب إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك(4/42)
إبراهيم بن حاتم بن مهدي
أبو إسحاق التستريّ البلّوطي الزّاهد سكن الشام وحدّث بدمشق وأطرابلس عن جماعة.
روى عن محمد بم جعفر، بسنده عن عبيد الله بن عمر، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" ما هلكت أمّة قطّ إلاّ بالشرك بالله، وما كان بدء شركها إلاّ التكذيب بالقدر ".
وحدّث بسنده عن الحسن، قال: من كذّب بالقدر فقد كذّب بالحقّ؛ إن الله تبارك وتعالى قدّر خلقاً وقدّر أجلاً، وقدّر بلاءً وقدّر مصيبةً وقدّر معافاةً، فمن كذّب بالقدر فقد كذّب بالقرآن.
وروى عن إبراهيم بن جعفر، بسنده عن حذيفة، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من قل طعمه صحّ بدنه وصفا قلبه، ومن كثر طعامه سقم بدنه وقسا قلبه ".
حدّث أبو الحسين زيد بن عبد الله بن محمد البلّوطي، قال: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن حاتم البلّوطي، يقول: لقيت ثلاثة آلاف شيخ أو ثلاثمئة أبو الحسين البلّوطي يشك قلت: يا أستاذ، لقيت الخضر؟ فقال: يا بنيّ، من لم يلق الخضر لا يقول إنه وصل بعد إلى شيء.
قال الشيخ أبو إسحاق: وعرضت أصول السّنّة على أبي العبّاس الخضر عليه السلام.
قال أبو إسحاق: وكنت أدخل إلى بعض الشيوخ في بلدنا، وكنت صبيّاً، وكنت أتنكّر حتى يدخلوني معهم، فسمعت كلّ رجل منهم يقول للشيخ: طويت ثلاثة أيّام؛ ويقول آخر: طويت عشرة؛ ويقول آخر: طويت عشرين يوماً؛ فقلت: مالي لأنازل ما ينازل هؤلاء! فطويت ستين يوماً، وحضرت معهم، وقلت للشيخ: طويت ستين يوماً، فأخذني وقبّل ما بين عينيّ.
قال لنا الشيخ أبو إسحاق: طويت سبعين يوماً، ولو كان هذا شاع عنّي ما أخبرتكم، ولولا أنّي قد قرب أجلي ما حدّثتكم.(4/43)
وقال أبو الحسين: ذكر عن أبي إسحاق أن رجلين من أهل الخولان تحالفا: لقد رآه أحدهما في الحجّ يوم عرفة، ورآه الآخر بالأكواخ يصلّي العيد؛ وحلفا بالطّلاق على ذلك، وارتفعا إليه، فقال لهما: صدقتما، ولا تعلما أحداً.
إبراهيم بن أبي حرّة الحرّاني
ويقال: النّصيبي رأى ابن عمر، وحدّث عن جماعة، وروي عنه الحديث، وقدم دمشق وحدّث بها مجتازاً إلى مكة مع الزّهري.
روى عن سعيد بن جبير، أظنّه عن ابن عباس، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: " لا تقربوه طيباً " يعني المحرم إذا مات.
وقال: رأيت ابن عمر مسح فكأنّي أنظر اثر أصابعه على خفّيه.
قال أبو زكريا يحيى بن معين: إبراهيم بن أبي حرّة الحرّاني، جزريّ، وكان من الفقهاء الذين شهدوا الموسم مع ابن هشام بن عبد الملك.
وقال ابن أبي حاتم: وسمعت أبي يقول: إبراهيم بن أبي حرّة، هو ثقة لا بأس بحديثه.
إبراهيم بن الحسن بن سهل
حاجب المتوكل قدم معه دمشق سنة ثلاث وأربعين ومئتين.
مات بسرّمن رأى في شعبان سنة أربع وأربعين ومئتين.(4/44)
إبراهيم بن الحسن بن محمد
ابن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن طلحة بن عبد الله بن عبد الله بن سليمان بن أبي كريمة أبو البركات الفارسيّ الإصطخريّ الأصل، الصّيداويّ سمع بدمشق، وحدّث بصيدا.
روي عن محمد بن عبد الرحمن بن طلحة المعدّل الصّيداوي، بسنده عن ابن عبّاس، أنّه قال: أصابت نبّي الله خصاصة، فبلغ ذلك عليّاً، فخرج يلتمس عملاً يصيب فيه شيئاً ليبعث به للنّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتى بستاناً لرجل من اليهود، فاستقى له سبعة عشر دلواً، كل دلو بتمرة. فخيّره اليهودي على تمره، وأخذ سبع عشرة عجوة، كلّ دلو بتمرة، فجاء بها إلى النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: من أين لك هذا يا أبا الحسن؟ قال: بلغني ما بك من الخصاصة يا نبيّ الله، فخرجت ألتمس عملاً لأصيب لك طعاماً، قال: حملك على هذا حبّ الله ورسوله؟ قال: نعم يا نبيّ الله، قال النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من عبد يحبّ الله ورسوله إلاّ الفقر أسرع إليه من جرية السيّل على وجهه، ومن أحبّ الله ورسوله فليعدّ للبلاء تجفافاً ولهما يعني الصبر ".
إبراهيم بن الحسن بن يوسف بن يعقوب
أبو إسحاق المصريّ قدم دمشق طالب علم وحدّث بها عن بعض شيوخه، وكان كهلاً.(4/45)
إبراهيم بن الحسين بن علي
ويقال ابن سني أبو إسحاق الهمذانيّ الكسائيّ، المعروف بابن ديزيل، ويعرف بسيفنّة ويعرف بدابّة عفّان لكثرة ملازمته إيّاه وهو أحد الثّقات الأثبات الرّحّالين في طلب الرّوايات.
سمع بدمشق والحجاز عن جماعة، وروى عنه جماعة.
روى عن إسحاق بن محمد الفروي، بسنده عن عائشة، قالت: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم لا يجتنب شيئاً مما يجتنبه المحرم.
قال ابن أبي حاتم: سمعت إبراهيم يقول: كنت بالمدينة، ووافى محمد بن عبد الجبار سندول، وأفدته عن إسماعيل بن أويس وكان إسماعيل يكرمه فلّما دخل عليه أجلسه معه على السرير، وقمت أنا عند الباب، فجعل محمد بن عبد الجبار يسأل إسماعيل، فبصر بي، فقال: هذا من عمل ذاك المكدي، أخرجوه. قال: فأخرجت، ثم خرجت مع محمد بن عبد الجبار إلى مكة، فجعلت أذاكره في الطريق، فتعجب وقال: من أين لك هذا؟! قلت: هذا سماع المكدين.
قال محمد بن إبراهيم الدّامغانيّ: كنّا في مجلس إبراهيم بن الحسين بن ديزيل الهمذانيّ، وكان يلقّب بسيفنّة، فتقدم إليه بعض الغرباء يسأله في أحاديث، فامتنع عليه فيها إبراهيم؛ فقال: إن حدّثتني بهذه الأحاديث وإلاّ هجوتك؛ فقال إبراهيم: وكيف تهجوني؟ قال: أقول: من السريع
وقائل حالك في دنّه ... فقلت ذا من فعل سيفنّه
قال: فتبسم إبراهيم وأجابه في تلك الأحاديث.(4/46)
قال الدّامغاني: إنما لقب إبراهيم بسيفنّة لكثرة كتابته الحديث، وسيفنّة طائر بمصر لا يقع على شجرة إلاّ أكل ورقها حتى لا يبقي فيها شيئاً، وكذلك إبراهيم إذا وقع إلى محدّث لا يفارقه حتى يكتب جميع حديثه.
قال أبو عبد الله الحاكم عنه: ثقة مأمون.
مات يوم الأحد آخر يوم من شعبان سنة إحدى وثمانين ومئتين.
إبراهيم بن الحسين أحد الزهّاد
حكى عن دينار وحكى عنه أحمد بن أبي الحواري. قال: دخل عليّ رجل وأنا بالفراديس، في بيت، فقال لي: عد، إن المسيء قد عفي عنه، أليس قد فاته ثواب المحسنين؟. قال فحدثت به ديناراً فبكى، وقال: على مثل هذا فليبك.
إبراهيم بن الحسين الدمشقي
حدّث عن شعيب بن أحمد البغدادي، بسنده عن عائشة، قالت: دخل عليّ رسول الله صلى الله علي وسلم فقال لي: " يا عائشة اغسلي هذين الثوبين "، قالت: فقلت: بأبي وأمّي يا رسول الله بالأمس غسلتهما، قال: " أما علمت أن الثّوب يتّسخ، فإذا اتّسخ انقطع تسبيحه ".
قال الخطيب: روى شعيب حديثاً منكراً، ثم ساق الذي سقناه.(4/47)
إبراهيم بن الحسين
أبو إسحاق الغزنوي قدم دمشق وحدّث بها.
روى عن أبي بكر أحمد بن الحسن الجيري، بسنده عن سالم عن أبيه، قال: رأيت النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعمر يمشون أمام الجنازة.
إبراهيم بن حمزة بن نصر
ابن عبد العزيز بن محمد أبو طاهر بن الجرجرائيّ المقرئ المعدّل قرأ القرآن بعدّة روايات، وسمع، وحدّث.
حدّث عن أبي بكر الخطيب، بسنده عن عائشة، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما كبيرة بكبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة بصغيرة مع الإصرار ".
سئل أبو طاهر عن مولده، فقال: في سنة إحدى وأربعين وأربعمئة بدمشق.
توفي في ليلة الإثنين السادس عشر من شهر ربيع الأول، ودفن يوم الإثنين سنة تسع وخمسمئة في مقابر باب الصغير بعد أن صلّى عليه الفقيه أبو الحسن علي بن المسلم.
صحيح السمّاع، خلّف اثنين عليّاً ويحيى.
إبراهيم بن حيّان أبو إسحاق الجبيليّ
من ساحل دمشق، من أهل جبيل.(4/48)
إبراهيم بن أبي حوشب النّصري
إبراهيم بن الخضر بن زكريّا بن إسماعيل
أبو محمد بن أبي القاسم الصائغ سمع واسمع.
وكان أبوه أبو القاسم من أهل العلم، سمع الأشراف كابن المنذر.
حدّث عن عبد الوهاب بن الحسن، بسنده عن أبيّ الدّرداء، قال: رأى النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يمشي أمام أبي بكر، فقال: " أتمشي أمام من هو خير منك! إن أبا بكر خير من طلعت عليه الشمس وغربت ".
توفي يوم عاشوراء في المحرم من سنة خمس وعشرين وأربعمئة.
كتب الكثير، وحدّث بشيء يسير، كان فيه تساهل في الحديث.
ذكر أبو بكر الحداد أنه ثقة، وذكر الأهوازي أنه دفن بباب توما.
إبراهيم بن زرعة بن إبراهيم القرشيّ
إبراهيم بن سعد بن شراخ المعافريّ المصريّ
وفد على عمر بن عبد العزيز، وحكى عنه.
إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن
ابن عوف الزّهري وفد على هشام بن عبد الملك.
مات سنة ثلاث وثمانين ومئة، وهو ابن خمس وسبعين سنة.(4/49)
إبراهيم بن سعد الخير بن عثمان
ابن يحيى بن مسلمة بن عبد الله بن قرط الأزديّ
إبراهيم بن سعد الحسنيّ الزّاهد
بغدادي اجتاز بدمشق أو بساحلها.
قال أبو الحارث الأولاسي: خرجت من الحصن أريد البحر، فقال لي بعض إخواننا: لا تبرح، فإني قد هيأت لك عجّة حتى تتغدّى، فجلست وأكلت معه، ونزلت إلى السّاحل، فإذا إبراهيم بن سعد العلويّ قائم يصلّي، فقلت في نفسي: يريد أن يقول لي: امش بنا على الماء، ولئن قال لأمشينّ معه؛ فما استتم ذلك الخاطر حتى سلّم من صلاته، وقال لي: يا أبا الحارث، هيه، عزمت، بسم الله، امش على ما خطر في نفسك، فقلت: بسم الله؛ فمشى على الماء، وذهبت لأمشي خلفه فغاصت رجلي في الماء، فالتفت إليّ وقال: يا أبا الحارث، أخذت العجّة برجلك، فذهب وتركني.
وقال أبو الحارث الأولاسي: خرجت من مكة في غير أيام الموسم أريد الشّام، فإذا أنا بثلاثة نفر على جبل، فإذا هم يتذاكرون الدّنيا، فلّما فرغوا أخذوا يعاهدون الله أن لا يمسّوا ذهباً ولا فضّة، فقلت: وأنا أيضاً معكم، فقالوا: إن شئت، ثم قاموا، فقال أحدهم: أمّا أنا فصائر إلى بلد كذا وكذا، وقال الآخر: أمّ أنا فصائر إلى بلد كذا وكذا، وبقيت أنا وآخر، فقال لي: أين تريد؟ فقلت: أريد الشام، فقال: وأنا أريد الشام؛ فكان إبراهيم بن سعد العلويّ، فوّدّع بعضاً وافترقنا، فمكثت حيناً أنتظر أن يأتيني كفايتي، فما شعرت يوماً وأنا بالأولاس، فخرجت أريد البحر، فصرت بين الأشجار، إلاّ برجل صافّ قدميه يصلّي؛ فاضطرب قلبي لمّا رأيته، وعلاني له هيبة، فلّما حسّ بي سلّم والتفت إليّ، فإذا هو إبراهيم بن سعد، فعرفته بعد ساعة، فقال لي: هاه،(4/50)
فوبّخني، وقال: اذهب فغيّب عني شخصك ثلاثة أيّام ولا تطعم شيئاً ثم ائتني، فعلت ذلك، فجئته بعد ثلاثة وهو قائم يصلّي، فلّما حسّ بي وجز في صلاته ثم أخذ بيدي فأوقفني على البحر وحرّك شفتيه، فقلت في نفسي: يريد أن يمشي بي على الماء، ولئن فعل لأمشينّ، فما لبثت إلاّ يسيراً، فإذا أنا برفّ من الحيتان مدّ البصر قد أقبلت إلينا رافعةً رؤوسها فاتحةً أفواهها، فلّما رأيته قلت في نفسي: أين أبو بشر الصيّاد إنسان كان بالأولاس هذه السّاعة؟ فإذا الحيتان قد تفرّقت كأنما طرح في وسطها حجر، فالتفت إليّ وقال: فعلتها! فقلت: إنّما قلت كذا وكذا، فقال لي: مرّ، لست مطلوباً بهذا الأمر، ولكن عليك بهذه الرّمال والجبال، فوار شخصك ما أمكنك، وتقلل من الدّنيا حتى يأتيك أمر الله فإني أراك بهذا مطالباً، ثم غاب عنّي، فلم أره حتى مات؛ وكانت كتبه تصل إليّ.
فلّما مات كنت قاعداً يوماً فتحرّك قلبي للخروج من باب البحر، ولم يكن لي حاجة، فقلت: لا أكره القلب فيعمى، فخرجت، فلّما صرت في المسجد الذي على الباب إذا أنا بأسود، قام إليّ فقال: أنت أبو الحارث؟ فقلت: نعم، فقال: آجرك الله في أخيك إبراهيم بن سعد، وكان اسمه ناصح، مولى لإبراهيم بن سعد، فذكر أن إبراهيم أوصاه أن يوصل إليّ هذه الرّسالة، فإذا فيها مكتوب:
بسم الله الرّحمن الرّحيم، يا أخي إذا نزل بك أمر من أمر فقر أو سقم أو أذىً فاستعن بالله واستعمل عن الله الرّضى، فإنّ الله مطلع عليك، يعلم ضميرك، وما أنت عليه، ولا بدّ لك من أن ينفذ فيك حكمه، فإن رضيت فلك الثّواب الجزيل، والأمن من الهول الشديد؛ وأنت في رضاك وسخطك لست تقدر أن تتعدّى المقدور، ولا تزداد في الرّزق المقسوم والأمر المكتوم والأجل المعلوم؛ ففي أيّ هذه تريد أن تحتال في نقضها بهمّتك، وبأيّ قدرة تريد أن تدفعها عنك عند حلولها، أن تجتليها من قبل أوانها! كلاّ والله لا بدّ لأمر الله أن ينفذ فيك طوعاً منك أو كرهاً فإن لم تجد إلى الرّضا سبيلاً فعليك بالتّجمّل، ولا تشك ممّن ليس بأهل أن يشكى، وهو من أهل الشكر والثناء القديم، ما أوفى من نعمته علينا، فما أعطى وعافى أكثر مّما زوى وأبلى، وهو مع ذلك أعرف بموضع الخير لنا منّا، وإذا اضطرّتك الأمور وقلّ صبرك، فالجأ إليه بهمّتك، واشك إليه بثّك(4/51)
وليكن طبعك فيه، واحذر أن تستبطئه أو تسيء به ظناً، فإن لكل شيء سبباً، ولكل سبب أجل، ولكل همّ في الله ولله فرج عاجل أو آجل، ومن علم أنه بعين الله استحيا أن يراه الله يؤمّل سواه، ومن أيقن ينظر الله أسقط الاختيار لنفسه في الأمور، ومن علم أن الله الضّارّ النّافع أسقط مخاوف المخلوقين عن قلبه، وراقب الله في قربه، وطلب الأشياء من معادنها، فاحذر أن تعلّق قلبك بمخلوق خوفاً أو رجاءً، أو تفشي إلى أحد اليوم سرّك، أو تشكو إليه بثّك، أو تعتمد على إخائه، أو تستريح إليه استراحة يكون فيها موضع شكوى بثّ، فإن غنيّهم فقير في غناه، وفقيرهم ذليل في فقره، وعالمهم جاهل في علمه، فاجر في فعله، إلاّ القليل ممّن عصم الله.
قال أبو الحارث الأولاسي: قلت لإبراهيم بن سعد، ما كان مبتدأ أمرك؟ قال: كنت من الغلويّة، وفي نخوتهم وتكبّرهم، والتّزيّن بالشّرف والتّعظيم به على النّاس، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يرى النّائم، فقال لي: أنت شريف؟ فقلت: نعم يا رسول الله، أنا من أولادك؛ فقال: لم لا تتواضع في شرفك حتى تكون شريفاً؟ فالشّرف بالله يكون حقيقته الشرف والتواضع لعباده، وقضاء حوائجهم تكون المروءة، وصحبة الفقراء تزيل عنك هذا الكبر، وتدلّك على منهاج الحقّ، وإيّاك والرذكون إلى الدنيا ومحبّتها، وصحبة أهلها، وتشرّف بالفقر تكن شريفاً. قال: فانتبهت، وقد زال عنّي ما كنت أجده من التكبّر ورؤية الشرف وأنفقت كلّ ما كنت أملكه، وصحبت الفقراء، وقصدتهم في أماكنهم، وتتبّعتهم في كلّ أمورهم؛ فتلك رؤيا كانت سبب أمري. وقال: كان أحبّ شيء إليّ لبس الثّياب الفاخرة، فالآن إذا لبست ثوباً جديداً وقلّ ما ألبسه إلاّ وجدت نفسي ذلاًّ إلى أن يتّسخ أو يتخرّق، كل هذا ببركة موعظة النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
إبراهيم بن سعيد أبو إسحاق الجوهريّ البغداديّ
قدم دمشق وحدّث ببغداد والمصّيصة عن جماعة.(4/52)
روى عنه مسلم في صحيحه والتّرمذي والنسائي وغيرهم.
حدّث عن أبي أسامة حمّاد بن أسامة، بسنده عن أبي موسى، قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيّ المسلمين أفضل؟ قال: " من سلم الناس من لسانه ويده ".
قال أبو بكر الخطيب: وكان ثقةً مكثراً ثبتاً، صنّف المسند وانتقل عن بغداد فسكن عين زربة مرابطاً بها إلى أن مات.
قال عبد الله بن جعفر بن خاقان المروزيّ السّلمي: سألت إبراهيم بن سعيد الجوهريّ عن حديث لأبي بكر الصّديق فقال لجاريته: أخرجي إليّ الثالث والعشرين من مسند أبي بكر، فقلت له: لا يصحّ لأبي بكر خمسون حديثاً، من أين ثلاثة وعشرون جزءاً؟ فقال: كلّ حديث لم يكن عندي من مئة وجه فأنا فيه يتيم!.
قال الخطيب: وكان لسعيد والد إبراهيم اتّساع من الدنّيا وإفضال على العلماء، فلذلك تمكّن ابنه من السّماع، وقدر على الإكثار عن الشيوخ، وصفّ الجوهريّ ببغداد إليه ينسب.
وقال إبراهيم الهروي: حجّ سعيد الجوهريّ فحمل معه أربعمئة رجل من الزوّار سوى حشمه حجّ بهم!.
حدّث عمر بن عثمان، قال: سمعت إبراهيم بن سعيد الجوهريّ يقول: دخلت على أحمد بن حنبل أسلّم عليه، فمددت يدي إليه فصافحني، فلّما أن خرجت قال: ما أحسن أدب هذا الفتى، لو انكبّ علينا كنّا نحتاج أن نقوم.
مات سنة ثلاث وخمسين ومئتين.
روى عن يحيى بن حسان، بسنده عن جابر بن عبد الله، قال:
لمّا نزلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الآية " ولتعزّروه: قال لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما ذاك؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: لتنصروه.(4/53)
إبراهيم بن سعيد الإسكندرانيّ المعروف بالسّديد
قدم دمشق.
قال أبو عبد الله بن الملحي: السّديد، إبراهيم بن سعيد، شيخ جليل القدر، واسع الأدب، مشهور بالفضل، من بيت كبير، كلّهم صحبوا بني حمدان بمصر، واستغنوا من فضلهم؛ وكان هذا السّديد نزل عند صاعد بن الحسن بن صاعد بزقاق العجم، وكان صاعد قد عمل شخص حديد ينفخ النّار ساعات، فأراد السّديد اعتباره فلم ينصبه كما يجب فأطفأ النّار، فقال صاعداً بديهاً: من الكامل
نار تيّممها السّديد فزدّها ... برداً وكانت قبل وهي جحيم
وكأنّما المنفاخ آية ربّه ... وكأنّ إبراهيم إبراهيم
قال: وأنشدنا السّديد: من الطويل
أبى فرعها لي أن أرى مثل لونه ... سواها فمبيضّ عداها كمسودّي
بقلبي منها مثل ما بجفونها ... فذا مرض يحيي وذا مرض يودي
وضدّان في حبّيط قلبي ومقلتي ... فهذا له مخف وهذا له مبدي
قال: وأنشدنا: من البسيط
في ابن توفيق من ليث العرين ومن ... هدير ساقية الطّوسيّ أشباه
فيه من الثّور قرناه وجثّته ... ومن أبي القيل نتن لازم فاه
قال: وقال لي يوماً: لم يبق من الولد إلاّ بنت صغيرة قد سمّتها على كفؤ لها، وأفردت ما يصلح شأنها وهو مودع عند صديق لي بالإسكندريّة، فقال له صاعد: وكم مقداره؟ فقال: هو ثلاثون ألف دينار عيناً، ثم سار لإتمام ما عرفناه.(4/54)
إبراهيم بن سليمان بن داود
أبو إسحاق بن أبي داود الأسديّ، المعروف بالبرلّسي.
سمع بدمشق من جماعة، وروي عنه، وكان أحد الحفاظ المجّودين الثقات الأثبات.
روى عن حجّاج بن إبراهيم، عن حيان، عن محمد بن أبي رافع، عن أخيه، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا طنّت أذن أحدكم فليذكرني وليصلّ عليّ، وليقل: اللهم اذكر بخير من ذكرني ".
قال أبو سعيد ابن يونس: إبراهيم بن سليمان بن داود، أسديّ، أسد خزيمة، يكنى أبا إسحاق، يعرف بابن داود البرلّسي، لأنه كان لزم البرلّس بساجور من نواحي مصر، مولده بصور، وأبوه أبو داود كوفي: وكان ثقة من حفّاظ الحديث، توفي بمصر ليلة الخميس لستّ وعشرين ليلة خلت من شعبان سنة اثنتين وسبعين ومئتين.
إبراهيم بن سليمان بن عبد الملك
ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس الأمويّ له عقب.
وقد بلغني أنه لمّا أفضت الخلافة إلى بني العبّاس، اختفت رجال بني أميّة؛ وكان فيمن اختفى إبراهيم بن سليمان بن عبد الملك، حتى أخذ له دواد بن علي من أبي العبّاس الأمان.
وكان إبراهيم رجلاً عالماً، فقال له أبو العبّاس ذات مرّة: حدّثني عمّا مرّ بك في اختفائك، قال: نعم، كنت مختفياً بالحيرة في منزل شارع على طريق الصّحراء، فبينما أنا على ظهر بيت ذات يوم إذا نظرت إلى أعلام سود قد خرجت من الكوفة تريد الحيرة،(4/55)
فوقع في نفسي وفي روعي أنها تريدني، فخرجت من الدّار مستنكراً حتى دخلت الكوفة، ولا أعرف بها أحداً أختفي عنده فبقيت متلدداً، فإذا أنا بباب كبير ورحبة واسعة، فدخلت الرّحبة فجلست فيها، وإذا برجل وسيم، حسن الهيئة، على فرس قد دخل الرّحبة ومعه جماعة من غلمانه وأتباعه، فقال لي: من أنت؟ وما حاجتك؟ فقلت: رجل مختف يخاف على دمه قد استجار بمنزلك؛ قال: فأدخلني منزله ثم صيّرني في حجرة تلي حرمه، فمكثت عنده في عزّ، كلّ ما أحبّ من مطعم ومشرب وملبس، لا يسألني عن شيء من حالي، ويركب كلّ يوم ركبةً؛ فقلت له يوماً: أراك تدمن الرّكوب، ففيم ذلك؟ فقال لي: إن إبراهيم بن سليمان بن عبد الملك قتل أبي صبراً، وقد بلغني أنه مختف، فأنا أطلبه لأدرك منه ثأري؛ فكثر تعجّبي من إدبارنا إذ ساقني القدر إلى الاختفاء في شمل من يطلب دمي، فكرهت الحياة، فسألت الرجل عن اسمه واسم أبيه فخبّرني بهما، فعرفت أنّي قتلت أباه، فقلت له: يا هذا، قد وجب عليّ حقك، ومن حقك أن أقرّب عليك الخطوة؛ قال: وما ذاك؟ قلت: أنا إبراهيم بن سليمان قاتل أبيك فخذ بثأرك! قال: أحسب أنك رجل قد مللت الاختفاء فأحببت الموت؛ قلت: بل الحق، يوم كذا، بسبب كذا؛ فلّما عرف أنّي صادق اربدّ وجهه، واحمّرت عيناه، وأطرق مليّاً، ثم رفع رأسه إليّ وقال: أمّا أنت فستلقى أبي فيأخذ منك حقّه، وأمّا أنا فغير مخفر ذمّتي، فلست آمن عليك، وأعطاني ألف دينار، فلم أقبلها، وخرجت من عنده، فهذا أكرم رجل رأيته.
إبراهيم بن سليمان بن هشام
ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأمويّ قتله مروان بن محمد بحمص، لمّا خلعه أبوه وأهل حمص.(4/56)
إبراهيم بن سليمان الأفطس
من أهل دمشق.
روى عن الوليد بن عبد الرحمن الحرشيّ، أنه حدّثهم عن جبير بن نفير، عن النّواس بن سمعان، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " يأتي القرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدّنيا، تقدمهم البقرة وآل عمران " قال نواس: وضرب لهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثة أمثال ما نسيتهنّ بعد قال: " تأتيان كأنّهما عبابتان بينهما شرف، أو كأنّهما غمامتان سوداوتان، أو كأنّهما ظلّة من طير صوافّ تجادلان عن صاحبهما ".
قال أبو زرعة الدّمشقي: قلت لعبد الرحمن بن إبراهيم: ما القول في إبراهيم بن سليمان الأفطس؟ فقال: ثقة ثبت.
إبراهيم بن سليم بن أيوب بن سليم
أبو سعد بن أبي الفتح الرّازيّ سمع بصور ومكة وبغداد ومصر، وروى الحديث.
روى عن أبيه، بسنده عن أسامة بن شريك، قال: شهدت النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل: ما خير ما أعطي العبد؟ قال: خلق حسن.
توفي يوم الثلاثاء السادس والعشرين من ذي الحجّة سنة إحدى وتسعين وأربعمئة بدمشق.
إبراهيم بن سويد الأرمني
حدّث بيروت عن أحمد بن حنبل، وسمع بدمشق.(4/57)
روى عن هشام بن عمّار، بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله، أقطع ".
قال: قلت لأحمد بن حنبل: من الخلفاء؟ قال: أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ.
قلت: فمعاوية؟ قال: لم يكن أحد أحقّ بالخلافة في زمان عليّ من عليّ، رضي الله عنهم، ورحم معاوية.
إبراهيم بن سيّار أبو إسحاق البغدادي
الصّوفيّ كان يسكن المصّيصة، وقدم دمشق، وحدّث بها.
سمع وأسمع.
روى عن سفيان بن عيينة، بسنده عن زينب بنت جحش، قالت: استيقظ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو محمرّ وجهه، فقال: " لا إله إلاّ الله، ويل للعرب من شرّ قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا وحلّق حلقة " قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصّالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث.
إبراهيم بن شكر بن محمد بن علي
أبو إسحاق العثمانيّ، الخاميّ، المالكيّ، الواعظ مصريّ سكن دمشق.
روى عن الشريف أبي القاسم علي بن محمد بن علي الزّيدي، بسنده عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء ".(4/58)
قال ابن الأكفاني: وقدم دمشق سنة ثمان وخمسين وأربعمئة، وذكر أنه من ولد عثمان.
وقال: وفيها يعني سنة سبع وستين وأربعمئة توفي أبو إسحاق إبراهيم بن شكر العثماني رحمه الله في ليلة الأحد، ودفن يوم الأحد الثاني من ذي الحجّة باب الصغير.
إبراهيم بن شمر أبي عبلة
ابن يقظان بن المرتحل أبو إسماعيل، ويقال: أبو سعيد، ويقال: أبو إسحاق، ويقال: أبو العبّاس الفلسطينيّ الرمليّ، ويقال: الدّمشقيّ روى عن ابن عمر وأبي أمامة وأنس بن مالك وواثلة بن الأسقع وغيرهم.
وروى عنه مالك واللّيث والأوزاعي وغيرهم.
وكان يوجهه الوليد بن عبد الملك من دمشق إلى بين المقدس فيقسم فيهم العطاء، ودخل على عمر بن عبد العزيز في مسجد داره.
روى عن أنس بن مالك، قال: دخل عينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يكن فينا أشمط غير أبي بكر، فكان يغلّفها بالحنّاء والكتم.
قال عنه أبو حاتم: هو صدوق ثقة.
قال إبراهيم: رأيت من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن عمر وعبد الله بن أم حرام وواثلة بن الأسقع وغيرهم يلبسون البرانس، ويقصّون شواربهم ولا يحفون حتى الجلدة، ولكن يكشفون الشّفة، ويصفّرون بالورس، ويخضبون بالحنّاء والكتم.(4/59)
وقال الدارّ قطني عنه: الطّرقات إليه ليست تصفو، وهو بنفسه ثقة لا يخالف الثّقات إذا روى عن ثقة.
قال إبراهيم: قدم الوليد بن عبد الملك فأمرني فتكلّمت، قال: فلقيني عمر بن عبد العزيز، فقال: يا إبراهيم لقد وعظت موعظةً وقعت من القلوب.
وقال: دخلت على عمر بن عبد العزيز وهو بمسجد داره، وكنت له ناصحاً وكان مني مستمعاً، فقال: يا إبراهيم بلغني أن موسى، قال: المعنى ما الذي يخلّصني من عقابك، ويبلغني رضوانك، وينجيني من سخطك؟ قال: الاستغفار باللّسان، والنّدم بالقلب، والتّرك بالجوارح.
وقال: دخلنا على عمر بن عبد العزيز يوم العيد، والنّاس يسلّمون عليه، ويقولون: تقبّل الله منّا ومنك يا أمير المؤمنين، فردّ عليهم، ولا ينكر عليهم.
وقال: بعث إلي هشام بن عبد الملك فقال: يا إبراهيم إنّا قد عرفناك صغيراً واختبرناك كبيراً، ورضينا بسيرتك وبحالك، وقد رأيت أن تختلط بنفسي وخاصّتي، وأشركك في عملي، وقد ولّيتك خراج مصر.
قال: فقلت: أمّا الذي عليه رأيك يا أمير المؤمنين فالله يجزيك ويثيبك، وكفى به مجازياً ومثيباً؛ وأمّا الذي أنا عليه فمالي بالخراج بصر، ومالي عليه قوّة.
قال: فغضب حتى اختلج وجهه وكان في عينيه الحول فنظر، قال: فنظر إليّ نظراً منكراً، ثم قال: لتلينّ طائعاً أو لتلينّ كارهاً. قال: فأمسكت عن الكلام، حتى رأيت غضبه قد انكسر، وسورته قد طفئت، فقلت: يا أمير المؤمنين، أتكلّم؟ قال: نعم؛ قلت: إنّ الله سبحانه وبحمده قال في كتابه: " إنّا عرضنا الأمانة على السّموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها " الآية. فوالله يا أمير المؤمنين ما غضب عليهنّ إذ أبين، ولا أكرههنّ إذ كرهن، وما أنا بحقيق أن تغضب عليّ إذ أبيت،(4/60)
ولا تكرهني إذ كرهت؛ قال: فضحك حتى بدت نواجذه؛ ثم قال: يا إبراهيم قد أبيت إلاّ فقهاً! قد رضينا عنك وأعفيناك.
قال ضمرة بن ربيعة: ما رأيت لذة العيش إلاّ في خصلتين: أكل الموز بالعسل في ظلّ صخرة بيت المقدس، وحديث ابن أبي عبلة، فلم أر أفصح منه.
قال إبراهيم: مرض أهلي فكانت أم الدّرداء تصنع لي الطعام، فلّما برؤوا قالت: إنّما كنا نصنع إذ كان أهلك مرضى، فأمّا إذا برؤوا فلا.
قال: وقلت للعلاء بن زياد بن مطر العدويّ: إنّي أجد وسوسة في قلبي، فقال: ما أحبّ لو أنك متّ عام أوّل، إنك العام خير منك عام أوّل.
وقال: من حمل شاذّ العلماء حمل شراً كبيراً.
وقال لمن جاء من الثغر: وقد جئتم من الجهاد الأصغر، فما فعلتم في الجهاد الأكبر؟ قالوا: يا أبا إسماعيل فما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد القلب.
ومن شعره: من الكامل
لسانك ما بخلت به مصون ... فلا تهمله ليس له قيود
وسكّن بالصّمات خبئ صدر ... كما يخبا الزّبرجد والفريد
فإنك لن تردّ الدّهر قولاً ... نطقت به وأندية قعود
كما لم ترتجع مسقاة ماء ... ولم يرتدّ في الرّحم الوليد
قال ضمرة: مات ابن أبي عبلة سنة اثنتين وخمسين ومئة.
إبراهيم بن شيبان بن محمد بن شيبان
أبو طاهر النّفيليّ المرتب بالمدرسة النّظاميّة ببغداد، من أهل دمشق.
ذكر لي أنه ولد ببانياس في جمادى الأولى سنة أربع وأربعين وأربعمئة، وكتبت عنه شيئاً يسيراً.(4/61)
روى عن الشريف أبي نصر محمد بن محمد بن علي الزّينبي الهاشميّ، بسنده عن جبير بن مطعم. عن أبيه، قال: سمعت النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في المغرب بالطّور.
مات رابع جمادى الأولى من سنة تسع وثلاثين وخمسمئة ببغداد.
إبراهيم بن شيبان القرميسيني
من مشايخ الصّوفيّة سمع وأسمع، واجتاز في سياحته بمعان من البلقاء، من أعمال دمشق.
روى عن علي بن الحسن بن أبي العنبر، بسنده عن العبّاس، قال: نظر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى حنظلة الرّاهب، وحمزة بن عبد المطّلب تغسلهما الملائكة.
قال: خرجت مع أبي عبد الله المغربي على طريق تبوك، فلّما أشرفنا على معان، وكان له بمعان شيخ يقال له: أبو الحسن المعاني، فنزل عليه وما كنت رأيته قبل، ولكن سمعت باسمه، فوقع في خاطري إذا دخلت إلى معان قلت له: يصلح لنا عدساً بخل، فالتفت إلينا الشيخ، وقال لي: احفظ خاطرك، فقلت له: ليس إلاّ خير، فاخذ الرّكوة من يدي، فجعلت أتقلّب على الرّمضاء، وأقول: لا أعود؛ فلمّا رضي عنّي ردّ الرّكوة إليّ.
فلّما دخلنا إلى معان، قال الشيخ أبو الحسن المعاني وما رآني قط: قد عاد خاطرك على الجماعة، كل، ما عندنا عدس بخلّ.
قال أبو عبد الرحمن السّلمي: إبراهيم بن شيبان، أبو إسحاق، من جملة مشايخ الجبل، نزل قرميسين، ومات بها، وقبره بها ظاهر يتبرك بحضوره، صحب أبا عبد الله المغربي وإبراهيم الخوّاص وغيرهما من المشايخ، وهو من جملة المشايخ وأورعهم وأحسنهم حالاً.(4/62)
وسئل ابن المبارك عنه فقال: إبراهيم حجة الله على الفقراء والمساكين والمعاملات.
وقال الإمام القشيري: سمعت إبراهيم بن شيبان يقول: من أراد أن يتعطّل ويتبطّل فليلزم الرّخص.
وقال: علم الفناء والبقاء يدور على إخلاص الوحدانية وصحة العبوديّة، وما كان هذا فهو المغاليط والزّندقة.
وقال: الخلق محلّ الآفات، وأكثر منهم آفة من يأنس بهم أو يسكن إليهم.
وسئل عن الورع، قال: الورع أن تسلم مما يختلج منه صدرك من الشّبهات، ويسلم المسلمون من شرّ أعضائك ظاهراً وباطناً.
قال الحسن بن إبراهيم القرميسينيّ: دخلت على إبراهيم بن شيبان، فقال: لم جئتني؟ قلت: لأخدمك، قال: أستأذنت والديك؟ قلت: نعم، وأذنا لي.
فدخل عليه قوم من السّوقة، وقوم من الفقراء، فقال لي: قم واخدمهم، فنظرت في البيت إلى سفرتين إحداهما جديدة والأخرى خلقة، فقدّمت الجديدة إلى الفقراء، والخلقة إلى السّوقة، وحملت الطّعام النّظيف إلى الفقراء، وغيره إلى السّوقة، فنظر إليّ واستبشر، وقال: من علمك هذا؟ قلت: حسن نيّتي فيك، فقال لي: بارك الله عليك.
فما حلفت بعد ذلك بارّاً ولا حانثاً، وما عققت والديّ، ولا عقّني أحدّ من أولادي.
مات سنة ثلاثين وثلاثمئة.
إبراهيم بن صالح بن علي
ابن عبد الله بن عبّاس بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف، الهاشمي أمير دمشق من قبل المهدي، وولي مصر من قبل المهدي أيضاً، وولي الجزيرة لموسى الهادي.(4/63)
قال إسحاق بن سليمان: توفي أمير المؤمنين المهدي سنة تسع وستين ومئة، وأميره على كور دمشق والأردن إبراهيم بن صالح، فتوفي المهدي، وولّي الهادي والأمير على كور دمشق والأردن وقبرس إبراهيم بن صالح، فأقّره الهادي على أعماله، فلم يزل عليها حتى مات، وولّي هارون الرّشيد الخلافة سنة سبعين ومئة، والأمير على كور دمشق والأردن وقبرس إبراهيم بن صالح، فعزله وولاّه محمد بن إبراهيم، فلم يزل والياً على كور دمشق إلى سنة اثنتين وسبعين، ثم ولّى هارون إبراهيم بن صالح، فلم يزل والياً عليها إلى سنة خمس وسبعين ومئة.
قال محمد بن أبي الحواري: دخل عبّاد بن عباد على إبراهيم بن صالح، وهو على فلسطين، وعليه قلنسيان، وهو حافي، فقال: عظني. فقال: بم أعظك أصلحك الله؟ بلغني أن أعمال الأحياء تعرض على أقاربهم من الموتى، فانظر ماذا يعرض على رسول الله صلى اله عليه وسلم من عملك؛ قال: فبكى إبراهيم حتى سالت دموعه على لحيته.
قال داود الرطّال وكان مولى لإبراهيم بن صالح بن علي: لمّا احتضر إبراهيم بن صالح، قلت له: يا مولاي قل: لا إله إلاّ الله، قال: فعلتها ياداود؟!.
قال ابن يونس: توفي يوم الخميس لليلتين خلتا من شعبان سنة ست وسبعين ومئة.
إبراهيم بن صالح أبو إسحاق العقيليّ
شاعر من أهل دمشق، فمما قرأته من شعره بخط بعض أهل الأّدب: من السريع
فديت من خدّشني عابثاً ... فصار في الوجنة كالنّقش
خدّش خدّي ولدمعي به ... من حبّه خدش على خدش
فقلت لمّا لم أجد حيلة ... وعيل صبري ووهى بطشي:(4/64)
إن كان يا مولاي قد فاتني ... أخذك في دنياي بالأرش
فليس في الحشر لدى عرضنا ... يغفل عن ظلمك ذو العرش
ها أنا يا مكتوم في حبكم ... كالشّنّ مطروح على الفرش
وعن قليل غير شكّ ترى ... عبدك محمولاً على النّعش
إبراهيم بن الصّباح الحميري
إبراهيم بن طّاهر بن بركات بن إبراهيم
ابن علي بن محمد بن أحمد بن العبّاس بن هاشم أبو إسحاق الفرشيّ، المعروف بالخشوعيّ الرّفّاء الصّوّاف سمع من جماعة.
كتبت عنه وكان ثقة خيّراً.
روى عن أبي القاسم علي بن محمد بن علي المصّيصيّ، بسنده عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مطل الغنيّ ظلم، وإذا أحلت على مليء فاتبعه، ولاتبع بيعتين في بيعة ".
توفي الخشوعي ليلة الجمعة ودفن يوم الجمعة الثاني والعشرين من شعبان سنة أربع وثلاثين وخمسمئة، وشهدت دفنه باب الفراديس.
إبراهيم بن طلحة بن عمرو
ابن مرّة الجهنيّ روى عن أبيه، روى عنه ابنه سعيد.(4/65)
إبراهيم بن عبّاد التميميّ المصريّ
روى عن هشام بن عمّار، بسنده عن ابن عباس، أنه قرأ على عثمان.
إبراهيم بن العبّاس بن الحسن بن العبّاس
ابن الحسن بن الحسين بن علي بن محمد بن علي بن إسماعيل بن جعفر الصّادق ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو الحسين الشّريف القاضي.
ولي القضاء بدمشق والخطابة في أيّام أبي تميم معدّ، الملقّب بالمستنصر، نيابةً عن قاضي قضاته أبي محمد القاسم بن عبد العزيز بن محمد بن النعمان، بعد عمّه أبى تراب المحسن بن محمد بن العبّاس، ثم عزل بأبي الحسين يحيى بن زيد الزّيدي، ثم أعيد إلى القضاء.
روى عن الحسين بن عبد الله الأطرابلسي. بسنده عن ابن عبّاس، قال: كان رسول الله يعوّذ الحسن والحسين عليهما السّلام، يقول: " أعيذكما بكلمات الله التّامّة من كلّ شيطان وهامّة، ومن كلّ عين لامّة " ويقول: " هكذا كان إبراهيم يعوّذ ابنيه إسماعيل وإسحاق صلى الله عليهم أجمعين ".
ذكر ابنه أن مولده في محرم سنة أربع وتسعين وثلاثمئة.
وقال ابن الأكفاني: توفي يوم السبت التاسع والعشرين من شعبان سنة أربع وخمسين وأربعمئة ضحوة نهار، ودفن في باب الصغير.
إبراهيم بن عبد الله بن إبراهيم
ابن عبيد بن زياد بن مهران بن البختريّ أبو إسحاق البغداديّ الثلاّج قدم دمشق وحدّث بها وببغداد.(4/66)
روى عن عبد الله بن محمد البغويّ، بسنده عن عليّ بن أبي طالب، قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يحجزه عن قراءة القرآن شيء ليست الجنابة.
ولد في سنة إحدى وثمانين ومئتين، وتوفي في رحبة مالك بن طوق ودفن بها في سنة خمس وستين وثلاثمئة.
إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد
أبو إسحاق الختّلي سمع بدمشق وغيرها، وأسمع.
روى عن أحمد بن عبد الله بن يونس، بسنده عن سهل بن سعد السّاعدي، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يحبّ معالي الأمور ويكره سفسافها ".
وروى عن فضيل بن عبد الوهاب، بسنده عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: إن رجلاً حضرته الوفاة، فقيل له: قل: لا إله إلاّ الله، فلم يستطع أن يقولها، وهو يتكلّم؛ فأتاه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: قلها فلم يقلها، وقال: قلبي يعقل ولا أستطيع، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لم؟ قال: عقوقي لوالدتي! قال: وحيّة هي؟ قال: نعم، فدعاها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال: ارضي عن ابنك فقالت: الّهم إني أشهدك وأشهد رسولك أني قد رضيت عنه، فقالها.
أنشد إبراهيم بن الجنيد قال: أنشدني أبو الوليد رباح بن الوليد: من الرجز
المرء دنياه له غرّاره ... والنّفس بالسّوء له أمّاره
يا ربّ حلو غبّه مراره(4/67)
قال الخطيب: الختلي، صاحب كتب الزّهد والرّقائق، بغدادي سكن سرّ من رأى وحدّث بها، وعنده عن يحيى بن معين سؤالات كثيرة الفائدة تدلّ على فهمه، وكان ثقة.
إبراهيم بن عبد الله بن الحارث
ابن سراقة وفد مع أبيه على معاوية بن أبي سفيان.
إبراهيم بن عبد الله بن الحسن أبو إسحاق الورّاق، ورّاق الوزير
سمع وأسمع.
روى عن أحمد بن المعلّى، بسنده عن أبي عبد الله الأشعري، قال: نظر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى رجل يصلّي لا يتم ركوعه، وينقر في سجوده، فأمره أن يتمّ ركوعه.
وحدّث عن محمد بن يزيد بن عبد الصّمد، بسنده عن الحسن، في قوله تعالى: " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها " قال: " لا تصلها رياءً ولا تدعها حياءً ".
إبراهيم بن عبد الله بن الحسن أبو الحسين هو إبراهيم بن أحمد بن الحسن بن حسنون الأدرنيّ
، وقد تقدم.(4/68)
إبراهيم بن عبد الله بن حصن
ابن أحمد بن حزم أبو إسحاق الغافقي، الأندلسيّ المحتسب: محتسب دمشق سمع الحديث الكثير ببغداد ودمشق والرملة وغيرها، وروي عنه.
حدّث عن أبي بكر محمد بن إسحاق الصفّار، بسنده عن سعيد بن كثير، قال: قدم إبراهيم بن سعد العراق سنة أربع وثمانين ومئة، فأكرمه الرّشيد، وأظهر برّه، وسئل عن الغناء فأفتاهم بتحليله؛ وأتاه بعض أصحاب الحديث ليسمع من أحاديث الزّهريّ فسمعه يتغنّى، فقال: لقد كنت حريصاً على أن أسمع منك، فأمّا الآن فلا أسمع منك حديثاً أبداً؛ فقال: إذاً لا أفقد إلاّ شخصك، وعليّ وعليّ إن حدّثت ببغداد ما أقمت حديثاً، حتى أغنّي قبله!.
وشاعت هذه عنه ببغداد فبلغت الرّشيد، فدعا به، فسأله عن حديث المخزوميّة التي قطعها النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سرقة الحليّ، فدعا بعود. فقال الرشيد: أعود المجمر؟ فقال: لا، ولكن عود الطّرب، فتبسم، ففهمها إبراهيم، فقال: لعلّك يا أمير المؤمنين بلغك حديث السّفيه الذي آذاني بالأمس، وألجأني أن حلفت، قال: نعم؛ فدعا له الرشيد بعود فغنّى: من البسيط
يا أمّ طلحة إن البين قد أفدا ... قلّ الثّواء لئن كان الرّحيل غداً
فقال الرّشيد: منكان من فقهائكم يكره السّماع؟ قال: من ربطه الله! قال: فهل بلغك عن مالك في هذا شيء؟ قال: إي والله، أخبرني أبي أنّهم اجتمعوا في مدعاة كانت لبني يربوع وهم يومئذ اجلّة، ومالك أقلّهم فقهاً وقدراً، ومعهم معازف وعيدان، يغنّون ويلعبون، ومع مالك دفّ مربّع، وهو يغنيّيهم: من الهزج
سليمى أجمعت بينا ... فأين لقاؤها أينا(4/69)
وقد قالت لأتراب ... لها زهر تلاقينا
تعالين فقد طاب ... لنا العيش تعالينا
فضحك الرّشيد، ووصله بمال عظيم.
وفي هذه السنة مات إبراهيم بن سعد، وهو ابن خمس وسبعين سنة، يكنى أبا إسحق.
وقال عبد المنعم بن علي بن النحوي: وفي يوم الإثنين لثمان خلون من جمادى الأولى سنة خمس وسبعين، عزل الأنصاريّ عن حسبة دمشق، ووليها أبو إسحاق الأندلسيّ الفقيه.
فسمعت أبا محمد بن الأكفاني يحكي عن شيوخه، أن أبا إسحاق كان صارماً في الحسية، وأنه كان بدمشق رجل يقلي القطايف، فكان المحتسب يريد أن يؤدّيه، فإذا رآه القطايفي قد أقبل، قال: بحقّ مولانا امض عنّي، فيمضي عنه؛ فغافله يوماً وأتاه من خلفه، وقال: وحقّ مولانا لا بدّ أن تنزل، فأمر بإنزاله وتأديبه، فلّما ضرب بالدرّة قال: هذه في قفا عثمانّ، قال المحتسب: أنت لا تعرف أسماء الصحّابة، والله لأصفعنّك بعدد أهل بدر ثلاثمئة وبضعة عشر رجلاً، فصفعه بعدد أهل بدر، وتركه؛ فمات بعد أيّام من ألم الصّفع، وبلغ الخبر إلى مصر فأتاه كتاب الملّقب بالحاكم يشكره على ما صنع، وقال: هذا جزاء من ينتقص السّلف الصّالح.
قال ابن الأكفاني: مات في يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة خلون من ذي الحجّة سنة أربع وأربعمئة، وكان قد كتب الكثير، وسافر ولم يحدّث، وكان مالكيّاً يذهب إلى الاعتزال.
إبراهيم بن عبد الله بن سليمان
ابن يوسف العبديّ حدّث بأطرابلس عن أبيه.(4/70)
إبراهيم بن عبد الله بن صفوان
أبو إسحاق النّصريّ الحدّاد، عمّ أبي زرعة الحافظ روى عن جماعة، وسمع منه.
روى عن ضمرة بن ربيعة عن جاء بن أبي سلمة، عن سليمان بن موسى، قال: قال عمرو بن شعيب: لا نفل بعد النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: قلت: أيهات، أشغلك أكل الزّبيب بالطّائف! سمعت مكحولاً وهو يقول: جلت الشام والعراق ومصر أسأل عن النّفل، فلم أصب أحداً يخبرني، حتى صرت إلى دمشق، إذا رجل في غربيّ المسجد يقال له: زيد بن حارثة التميميّ، وهو يقول: حدثني حبيب بن مسلمة الفهريّ، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفّل في البدأة الرّبع بعد الخمس، وفي الرّجعة الثّلث بعد الرّبع.
إبراهيم بن عبد الله بن العلاء
ابن زبر الدّمشقي أبو إسحاق قال عنه النّسائي: ليس بثقة.
وقال ابن ماكولا: زبر: بفتح الزّاي وسكون الباء: إبراهيم بن عبد الله بن العلاء بن زبر، يروي عن أبيه، روى عنه أبو حاتم الرّازي.(4/71)
إبراهيم بن عبد الله المسجديّ
قال: وجد على حجر في جيرون مكتوب: ساكن دمشق لا تتحبّر فيقصمك الله، عامل دقيق لا يفلح، نعمةً ومعصية لا يجتمعان.
إبراهيم بن عبد الله بن محمد
ابن علي بن مروان أبو إسحاق الشّاهد روى عن أبي عليّ الحسين بن إبراهيم بن جابر، بسنده عن جابر، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أعتق عبداً وله فيه شرك وله وفاء فهو حرّ، ويضمن نصيب شركائه بقيمة عدل بما أساء مشاركتهم، وليس على العبد شيء ".
إبراهيم بن عبد الحميد أبو إسحاق الجرشيّ
سمع وأسمع.
روى عن أبي عبد الملك الزديّ، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " شوبوا شيبكم بالحنّاء، فإنه أسرى لوجوهكم، وأطيب لأفواهكم، وأكثر لجماعكم، الحنّاء سيد ريحان أهل الجنّة، الحنّاء يفصل ما بين الكفر والإيمان ".
وروى عن زياد البصري عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " طالب العلم تبسط له الملائكة أجنحتها رضاءً بما يطلب ".
قال ابن أبي حاتم عن أبي زرعة: يشبه أن يكون حمصياً ما به بأس.(4/72)
إبراهيم بن عبد الرحمن دحيم بن إبراهيم
ابن ميمون روى عن جماعة، وروى عنه جماعة.
حدّث عن إبراهيم بن عبد الله بن خالد المصّيصي، بسنده عن أنس بن مالك، قال: سألوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أجفوه في المسألة، فقام مغضباً خطيباً، فقال: " لا تسألوني عن شيء في مقامي هذا إلاّ حدثتكم " فقام رجل كان إذا لا حي دعي إلى غير أبيه، فقال: من أبي؟ قال: أبوك حذافة واشتّد غضبه، قال: فلم ير في القوم إلاّ باكياً؛ فجثا عمر على ركبتيه، وربّما قال: قام عمر فقال: رضينا بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسولاً؛ وربّما قال: نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، فقال: " والّذي نفسي بيده لقد مثلت لي الجنّة والنّار دون هذا الحائط ".
وروى عن أبيه، بسنده عن أبي كبشة الأنماري: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يحتجم على هامته وبين كتفيه، ويقول: " من أهراق منه هذه الدّماء فلا يضرّه أن لا يتداوى بشيء ".
قال ابن زبر: وفي هذه السنة يعني سنة ثلاث وثلاثمئة توفي إبراهيم بن عبد الرحمن دحيم في المحرم.
إبراهيم بن عبد الرحمن بن جعفر
ابن عبد الرحمن أبو السّمح التّنوخي المعرّي، الفقيه الحنفيّ اجتاز بدمشق عند توجّهه إلى بيت المقدس، وكان زاهداً ورعاً أديباً.
روى عن عبد الواحد بن محمد بن الحسن الكفرطابي، بسنده عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يحبّ أبناء الثمانين ".(4/73)
أنشد أبو السّمح، قال: وجدت بخط محمد بن علي بن محمد البخاري المحدّث: من البسيط
ما لا مني فيك أحبابي وأعدائي ... إلاّ لغفلتهم عن عظم بلوائي
تركت للنّاس دنياهم ودينهم ... شغلاً بحبّك يا ديني ودنيائي
ومن شعره في خواجه بزرك: من الكامل
أجريت طرف الملك في سند العلى ... متصاعداً كالكوكب المتحادر
وجرى وراك معاشر فتعثّروا ... دون الغبار فلالعاً للعاثر
توفي أبو السمح سنة ثلاث وخمسمئة بشيزر.
إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي شيبان
أبو إسماعيل، ويقال: أبو أميّة، ويقال: أبو بشر، العنسيّ
من أهل دمشق. ويقال: إن اسم أبي شيبان: يزيد.
روى وأسند الحديث.
حدّث عن يزيد بن عبيدة عن يزيد بن أبي يزيد عن بسر بن أبي أرطاة، أنه كان يدعو: اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها أجرنا من خزي الدنيا ومن عذاب الآخرة؛ فقيل له: يا أبا عبد الرحمن ما تزال تردّد هذه الدّعوات! فقال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو بهن، فلن أدعهنّ حتى أموت.
وروى عن يونس بن حلبس، بسنده عن أبي حوالة، قال: قال النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عليك بالشام ".(4/74)
وقال: وسألت زيد بن رفيع فقلت: يا أبا جعفر ما تقول في الخوارج في تكفيرهم النّاس؟ قال: كذبوا، يقول الله عزّ وجلّ: " ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " الآية. فمن آمن بهنّ فهو مؤمن ومن كفر بهنّ فهو كافر.
قال عنه أبو مسهر: ثقة.
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك
ابن مروان أبو إسحاق القرشيّ الحافظ ويقال: إنه ولد عبد الملك بن مروان، ويقال: من مواليه.
رحل وسمع الحديث، وروي عنه.
روى عن الربيع بن سليمان، بسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه وعن جده، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " البّينة على من ادّعى واليمين على من أنكر، إلاّ في القيامة ".
قال ابن زبر: توفي سنة عشرة وثلاثمئة ليلة السبت، ودفن يوم السبت بعد صلاة العصر لاثنتي عشرة بقيت من رجب.
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف
أبو إسحاق، ويقال: أبو عبد الله، ويقال: أبو محمد، الزّهريّ شهد الدّار مع عثمان، ووفد على معاوية.(4/75)
روى عن أبيه قال: إني لواقف في الصفّ يوم بدر، فنظرت عن يميني وعن شمالي فإذا أنّا بين غلامين من الأنصار، حديثة أسنانهما، فتمنّيت لو كنت بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عمّ، هل تعرف أبا جهل؟ قال: قلت: نعم، فما حاجتك إليه؟ قال: أنبئت أنه يسبّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سواده من سوادي حتى يموت الاعجل منّا؛ فغمزني الآخر، فقال لي قوله، قال: فتعجبت لذلك.
قال: فلم ألبث أن رأيت أبا جهل في النّاس، قال: فقلت لهما: ألا تريان، ها ذاك صاحبكما الذي تسألان عنه، قال: فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبراه، فقال: أيكما قتله؟ فقال كلّ واحد منهما: أنا قتلته، فقال: هل مسحتما سيفيكما قالا: لا، فنظر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السّيفين، فقال: كلاكما قتله، ومضى بسلبه لمعاذ بن عمر بن الجموح، قال: والرّجلان معاذ بن الجموح، ومعاذ بن عفراء.
وروى عن أبيه قال: كاتبت أميّة بن خلف كتابة في أن يحفظني في صاعيتي بمكة، وأحفظه في صاغيته في المدينة، فلّما بلغ اسم عبد الرحمن، قال: لا أعرف الرّحمن، كاتبني باسمك الذي كان، فكاتبته عبد عمرو، فلّما كان يوم بدر خرجت لأحرزه في شعب حتى يأمن النّاس، فرأيت بلال مولى أبي بكر، فأقبل حتى وقف على مجلس من الأنصار، فقال: يا معشر الأنصار، أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا، فخرج معه نفر. قال عبد الرحمن: فلّما خشيت أن يدركونا خلّفت لهم ابنه أشغلهم به فقتلوه، ثم أتوا حتى لحقونا، وكان أميّة رجلاً ثقيلاً، فقلت له: ابرك.
قال: فكان عبد الرحمن يرينا بظهر قدمه. وسقط من الحديث بعضه.
وقدم إبراهيم بن عبد الرحمن وافداً على معاوية في خلافته، قال: فدخلت المقصورة، فسلّمت على مجلس من أهل الشام ثم جلست بين أظهرهم، فقال رجل منهم:(4/76)
من أنت يا فتى؟ فقلت: أنا إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، فقال: رحم الله أباك؛ حدثني فلان، لرجل سماه، أنه قال: والله لألحقنّ بأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلأحدثنّ بهم عهداً ولأكلمنّهم، فقدمت المدينة في خلافة عثمان فلقيتهم إلاّ عبد الرحمن بن عوف، أخبرت أنه بأرض له بالجرف، فركبت إليه حتى جئته، فإذا هو واضع رداءه يحوّل الماء بمسحاة في يده، فلّما رآني استحيا منّي فألقى المسحاة، وأخذ رداءه، فسلّمت عليه، وقلت: قد جئت لأمر: وقد رأيت أعجب منه، هل جاءكم إلاّ ما جاءنا؟ أم هل علمتم إلاّ ما علمنا؟ قال عبد الرحمن: لم يأتنا إلاّ ما قد جاءكم، ولم نعلم إلاّ ما علمتم؛ قلت: فما لنا نزهد في الدّنيا وترغبون فيها، ونخفّ في الجهاد وتتشاغلون عنه! وأنتم سلفنا وخيارنا وأصحاب نبيّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!.
قال عبد الرحمن: لم يأتنا إلا ما جاءكم، ولم نعلم إلاّ ما علمتم، ولكنّا بلينا بالضراء فصبرنا، وبلينا بالسّرّاء فلم نصبر.
وإبراهيم بن عبد الرحمن، الذي يقول: من الطويل
أمتروكة شوطى وبرد ظلالها ... وذو الغصن ملتحّ أإنخصيب
معي صاحب لم أعص مذ كنت أمره ... إذا قال شيئاً قلت أنت مصيب
قال إبراهيم بن المنذر: توفي سنة ست وتسعين، وهو ابن خمس وسبعين سنة، أمه أم كلثوم بنت عقبة أول مهاجرة هاجرت من مكة إلى المدينة، وفيها أنزلت آية الممتحنة.
وقال شيخ من آل الأخفش، عن أبيه، قال: رأيت إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أسيراً بين يدي مسلم يعني يوم الحرّة فقال له: اجلس، فإن لك عندي يداً ما أراك تعلمها، وسأكافئك بها، تذكر رجلاً بين يدي معاوية يعتذر إليه من شيء بلغه(4/77)
عنه، ويحلف له، وهو يأبى أن يقبل، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما يحلّ لك تكذيبه وهو يحلف، ولا أن تردّ عليه عذره وهو يعتذر، فقبل ورضي؟ قال: أذكر هذا، ولا أدري من الرّجل، قال: أنا ذلك الرجل، وقد أمّنتك ومن أحببت، فشفّعه في رجال منهم.
إبراهيم بن عبد الرحمن العذريّ
من أهل دمشق، روى عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً.
حدّث، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يرث هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عن تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين ".
وسئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث، وقيل له: كأنه كلامه موضوع، قال: لا، هو صحيح.
إبراهيم بن عبد الرّزّاق بن الحسن
ابن عبد الرّزّاق أبو إسحاق الأزديّ، ويقال: العجليّ الأنطاكيّ قرأ القرآن بدمشق، وصنّف كتاباً يشتمل على القراءات الثمان، وحدّث.
روى عن محمد بن إبراهيم الصّوري، بسنده عن علي بن الحسين عن أبيه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ".
وروى عن محمد بن إبراهيم، بسنده عن ابن مسعود، قال: جاء رجل إلى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني أصبت منها كلّ شيء إلاّ الجماع يعني لا مرأة(4/78)
فأنزل الله عزّ وجلّ: " أقم الصّلاة طرفي النّهار وزلفاً من اللّيل إن الحسنات يذهبن السيئات ".
توفي بأنطاكية سنة ثمان وثلاثين وثلاثمئة.
إبراهيم بن عبد الملك بن المغيرة
ابن عبد الملك أبو إسحاق القرشيّ المقرئ، مولى الوليد بن عبد الملك
إبراهيم بن عبد الملك
روى عن هشام بن عمار، بسنده عن شهر بن حوشب، قال: سمعت عائشة تقول: ما من عبد يشرب الماء القراح فيدخل جوفه بغير أذىً ويخرج بغير أذىً إلاّ وجب عليه الشكر.
وحدّث عن يزيد بن أبي حكيم العدني، بسنده عن الفضل بن عيسى قال إذا احتضر الرجل قيل للملك الذي كان يكتب به: كفّ؛ قال: لا، وما يدريني، لعلّه أن يقول: لا إلله إلاّ الله، فأكتبها له.
إبراهيم بن عبد الواحد بن إبراهيم
ابن عبد الله بن عمران أبو إسحاق العبسيّ روى عن جماعة، وروى عنه جماعة.
حدّث عن جدّه لأمه الهيثم بن مروان، بسنده عن عائشة، عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: " إنّ من الشّعر حكمةً ".
وعن جده لأمه، بسنده عن ابن عمر، أن تلبية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "(4/79)
لبّيك اللهم لبّيك، لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنّعمة لك والملك، لا شريك لك. " توفي سنة إحدى عشرة وثلاثمئة، في جمادى الأولى.
إبراهيم بن عبد الوهّاب بن إبراهيم الإمام
ابن محمد بن عبد الله بن عبّاس الهاشميّ أمير دمشق من قبل المنصور، والصّحيح عبد الوهّاب بن إبراهيم هو الأمير، فأما ابنه إبراهيم فكان في زمن المأمون.
قال ابن قتيبة: وأما عبد الوهاب بن إبراهيم فولي الشام لأبي جعفر ومات بها.
إبراهيم بن عبيد بن رفاعة الزّرقيّ
الأنصاريّ المدينيّ
روى الحديث فقال: دخلت على جابر بن عبد الله بمكة، فوجدته جالساً يصلّي بأصحابه العصر وهو جالس، قال: فنظرت حتى سلّم؛ قال: قلت: غفر الله لك، أنت صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تصلّي بهم وأنت جالس! قال: أنا مريض، فجلست وأمرتهم أن يجلسوا فيصلّوا معي، إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما صلّى رجل العتمة في جماعة، ثم صلّى بعدها ما بدا له، ثم أوتر قبل أن يريم إلاّ كانت تلك اللّيلة كأنه لقي ليلة القدر في الإجابة ". وسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الإمام جنّة، فإن صلّى قائماً فصلّوا قياماً، وإن صلّى جالساً فصلّوا جلوساً ".
قال: كنّا ننادي في بيوتنا للصّلاة ونجمّع لأهلنا.
وروى عن أنس بن مالك، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمع رجلاً يقول: اللهم إني أسألك بأن لم الحمد لا إله إلاّ أنت المنّان بديع السّموات والأرض ذو الجلال(4/80)
والإكرام، أسألك الجنّة وأعوذ بك من النّار، فقال النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقد كان يدعو الله باسمه الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطي ".
وقال: " شهدت عمر يعني ابن عبد العزيز ومحمد بن قيس يحدّثه، فرأيت عمر يبكي حتى اختلفت أضلاعه ".
وسئل عنه أبو زرعة فقال: مدنيّ أنصاريّ زرقيّ ثقة.
إبراهيم بن عتيق بن حبيب
أبو إسحاق العبسي، أخو عبد السّلام، ويقال: السّلمي مولاهم.
ويقال: إن جدّه كان نصرانياً من أهل حرستا، فأسلم على يدي رجل من بني سليم، وداره بدمشق بناحية باب السّلامة.
روى عن مروان بن محمد الدّمشقي، بسنده عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر إلاّ مع محرم من أهلها ".
وعن منبه بن عثمان اللّخمي، بسنده عن أنس بن مالك، أن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا حضر العشاء وأقيمت الصّلاة فابدؤوا بالعشاء ".
قال عمرو بن دحيم: سألته عن مولده فقال: سنة سبع وثمانين ومئة.
قال ابن أبي حاتم: سمعنا منه وهو صدوق.
إبراهيم بن عثمان بن سعيد بن المثنّى
أبو إسحاق المصريّ الأزرق الخشّاب سمع بمصر ودمشق ورحل إلى العراق.
توفي في رمضان سنة ثلاث وثلاثمئة، وكان صالح الحديث.(4/81)
إبراهيم بن عثمان بن عبد الله بن عبيد ا
بن أحمد بن الهيثم أبو إسحاق البهرانيّ الحورانيّ حدّث ببصرى سنة أربع عشرة وأربعمئة، وحدّث بقصيدة في مناسك الحجّ.
إبراهيم بن عثمان بن محمد
أبو القاسم، ويقال: أبو مدين، ويقال: أبو إسحاق. الكلبيّ الغزيّ.
شاعر محسن، دخل دمشق وسمع بها سنة إحدى وثمانين وأربعمئة. ثم رحل إلى خراسان وامتدح بها جماعة من رؤسائها، وانتشر شعره هناك.
وكان مولده في سنة إحدى وأربعين وأربعمئة.
فمن شعره: من المتقارب
هوىً يستلذّ كحكّ الجرب ... وشوق يصيبك منه النّصب
تذكرت مربعنا في دمشق ... ومصطافنا بحوالي حلب
وصحبة قوم إذا استنهضوا ... فضرب السّيوف لديهم ضرب
وقوله: من الكامل
قالوا تركت الشّعر قلت ضرورة ... باب الدّواعي والبواعث مغلق
خلت الدّيار فلا كريم يرتجى ... منه النّوال ولا مليح يعشق
ومن العجائب أنه لا يشترى ... ومع الكساد يخان منه ويسرق
وقال يرثي الشيخ الغمام أبا الحسن الطبري، المعروف بالكيا الفقيه، ارتجالاً: من البسيط(4/82)
هي الحوادث لا تبقي ولا تذر ... ما للبريّة من محتومها وزر
لو كان ينجي علوّ من بوائقها ... لم تكف الشّمس بل لم يخسف القمر
قل للجبان الذي أمسى على حذر ... من الحمام متى ردّ الرّدى الحذر
بكى على شمسه الإسلام إذ أفلت ... بأدمع قلّ في تشبيهها المطر
حبر عهدناه طلق الوجه مبتسماً ... والبشر أحسن ما يلقى به البشر
لئن طوته المنايا تحت أخمصها ... فعلمه الجمّ في الآفاق منتشر
سقى ثراك عماد الدّين كلّ ضحى ... صافي الغمام ملثّ الودق منهمر
عند الورى من أسى ألفيته خبر ... فهل أتاك من استيحاشهم خبر
أحيا ابن إدريس درس كنت نورده ... فحار في نظمه الأفكار والفكر
من فاز منه بتعليق فقد علقت ... يمينه بحسام ليس ينكسر
كأنّما مشكلات الفقه يوضحها ... جباه دهم لها من لفظه غرر
ولو عرفت له مثلاً دعوت له ... وقلت دهري إلى شرواه مفتقر
وأنشد لنفسه: من الخفيف
إنما هذه الحياة متاع ... والغبيّ الغبيّ من يصطفيها
ما مضى فات والمؤمل غيب ... فخذ الساعة التي أنت فيها
وأنشد بعضهم به في وزير كان للسّلطان سنجر، كان يكثر أن يقول لمن يغضب عليه: غرزن، وتفسيره: زوج القحبة؛ فقال للمستوفي الأصمّ المعروف بالمعين ذلك، فقال له المعين: يا مولانا ما أكثر ما تقول للنّاس: غرزن، فإن كان هذا القول حسناً فأنت ألف غرزن؛ فقال الغزّيّ في الوزير المذكور: من المتقارب
لقد كنت بيذق نطع الزّمان ... فلا حفظ الله من فرزنك(4/83)
جوابك عند المعين الأصمّ ... إذ جئت غرزنته غرزنك
مات في سنة أربع وعشرين وخمسمئة.
وقال ابن السّمعاني: بلغني أنه كان يقول: أرجو الله تعالى أن يعفو عنّي ويرحمني لأني شيخ سنّيّ جاوزت السّبعين، وأني من بلد الإمام المطّلبيّ الشافعيّ، يعني غزّة.
إبراهيم بن عديّ
حدّث قال: رأيت عبد الملك بن مروان، وأتته أمور أربعة في ليلة، فما رأيته تنكّر، ولا تغيّر وجهه؛ قتل عبيد الله بن زياد بالعراق، وقتل حبيش بن دلجة القينيّ بالحجاز، وانتقاض ما كان بينه وبين ملك الروم، وخروج عمرو بن سعيد إلى دمشق.
إبراهيم بن عقيل بن جيش بن محمد
ابن سعيد أبو إسحاق القرشيّ النّحوي، المعروف بابن المكبريّ قال الخطيب: كان صدوقاً؛ وفي قوله نظر.
روى عن عليّ بن أحمد بن محمد الشّرابي، بسنده عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنّ من الجفاء أن يمسح الرّجل جبينه قبل أن يفرغ من صلاته، وأنّ يصلّي لا يبالي من أمامه، وأنّ يأكل مع رجل ليس من أهل دينه ولا من أهل الكتاب في إناء واحد ".
وكان أبو إسحاق يذكر أن عنده تعليقة أبي الأسود الدؤلي التي ألقاها عليه عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليه، وكان كثيراً ما يعد بها ولا سيّما أصحاب الحديث، وكان كثيراً يعدني بها فأطلبها منه وهو يرجئ الأمر، إلى أن وقعت إليّ في حال حياته، وإذا به قد(4/84)
ركّب عليها إسناداً لا حقيقة له؛ وإنه لم يخرج ذلك لأحد من أصحاب الحديث لهذه العلّة، نعوذ بالله من البلاء.
وهذه التي سمّاها التّعليقة فهي في أول أمالي الزّجّاجي نحو من عشرة أسطر فجعلها هذا الشيخ قريباً من عشرة أوراق!.
توفي ليلة الثلاثاء لسبع بقين من شهر ربيع الآخر سنة أربع وسبعين وأربعمئة، ودفن بباب الصغير.
إبراهيم بن عليّ بن أحمد بن إبراهيم
أبو محمد البصريّ، المعروف بالحنّائيّ سمع بدمشق والبصرة وبغداد، وأسمع.
روى عن أحمد لن إبراهيم العسكري، بسنده عن ابن عمر، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " عليكم بالسّواك فإنه مطهرة للفم، مرضاة للرّبّ ".
وقال: قال أبو علي الحسن بن حبيب: أمر أبو العتاهية أن يكتب على قبره: من الخفيف
إنّ عيشاً يكون آخره المو ... ت لعيش معجّل التّنغيص
إبراهيم بن عليّ بن إبراهيم بن أحمد
أبو إسحاق البضاويّ البغداديّ قدم دمشق وحدّث بها.
روى عن ابن شاذان، بسنده عن سمرة بن جندب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة.(4/85)
وكان صدوقاً صالحاً مات بمصر.
إبراهيم بن علي بن جندل
أبو إسحاق الجنابذيّ قدم دمشق وحدّث بها.
روى عن الحسن بن عبد الله الأهوازي، بسنده عن أم سلمة، قالت: كان النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهراً كاملاً إلاّ شعبان، فإنه كان يصله برمضان، أو: إلى رمضان.
إبراهيم بن علي بن الحسين
أبو إسحاق القّبانيّ الصّوفيّ، شيخ الصّوفيّة سمع بصيدا والرّملة، وسكن صور.
روى عن محمد بن الحسين الصّوفي، بسنده عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا قال العبد: لا إله إلاّ الله، قال الله تعالى: يا ملائكتي، علم عبدي أنه ليس له ربّ غيري، أشهدكم أنّي قد غفرت له ".
وعن محمد بن الحسين بن الترجمان، بسنده عن انس، قال: كانت عامة وصيّة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين حضرته الوفاة: الصّلاة وما ملكت أيمانكم حتى جعل يغرغر بها في صدره، وما يقبض بها لسانه.
قال أبو الفرج غيث بن علي: أبو إسحاق القّباني شيخ الصّوفيّة بالثّغر، يرجع إلى ستر ظاهر، وسمت حسن، وطريقة مستقيمة، كثير الدّرس للقرآن، طويل الصّمت، لازم لما يعنيه، ولد بما وراء النهر، وخرج صغيراً وتغرّب، وسافر قطعة كبيرة من بلاد(4/86)
خراسان والعراق والحجاز وغير ذلك، ثم نزل صور، فأقام بها واستوطنها إلى أن مات، وحدث بها، وكان سماعه صحيحاً، وأقام بصور نحواً من أربعين سنة.
سألت أبا إسحاق عن مولده فقال: في سنة أربع أو خمس وتسعين وثلاثمئة؛ وتوفي رحمه الله ليلة يوم الإثنين، نصف اللّيل، ودفن من الغد، الظّهر، العاشر من جمادى الآخرة من سنة إحدى وسبعين وأربعمئة.
إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر
ابن هرمة بن هذيل بن ربيع بن عامر بن صبح بن عديّ بن قيس بن الحارث بن فهر بن مالك أبو إسحاق القرشيّ الفهريّ المدينيّ قدم دمشق وامتدح الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وأجازه وارتبطه، واشتاق إلى وطنه، وقال في ذلك شعراً؛ وقدم دمشق قاصداً عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك.
قال الخطيب: إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر بن هرمة، أبو إسحاق الفهري المدني، شاعر مفلق، فصيح مسهب، مجيد محسن القول، سائر الشعر، وهو أحد الشعراء المخضرمين، أدرك الدّولتين الأموية والهاشميّة، وقدم بغداد على أبي جعفر المنصور، ومدحه فأجازه، وأحسن صلته، وكان ممّن اشتهر بالانقطاع للطّالبيّين.
وقال الأصمعي: ختم الشهر بإبراهيم، وهو آخر الحجج.
قال عبد الله بن إبراهيم الجمحي: قلت لابن هرمة: أتمدح عبد الواحد بن سليمان بشعر ما مدحت به أحداً غيرهّ، فتقول فيه: من الوافر(4/87)
وجدنا غالباً كانت جناحاً ... وكان أبوك قادمة الجناح
ثم تقول فيه:
أعبد الواحد المأمول إنّي ... أغضّ حذار سخطك بالقراح
فبأي شيء استوجب ذلك منك؟ فقال: إني أخبرك بالقصّة لتعذرني؛ أصابتني أزمة وقحمةً بالمدينة، فاستنهضتني ابنة عمي عمّي للخروج، فقلت لها: ويحكّ إنه ليس عندي ما يقلّ جناحي؛ فقالت: أنا أنهضك بما أمكنني؛ وكانت عندي ناب لي، فنهضت عليها بنجّد النوّام ونؤدي السّمّار، وليس من منزل أنزله إلاّ قال النّاس: ابن هرمة، حتى دفعت إلى دمشق، فأويت إلى مسجد عبد الواحد في الّيل، فجلست فيه أنتظره إلى أن نظرت إلى بزوغ الفجر، فإذا الباب ينفلق عن رجل كأنه البدر، فدنا فأذّن ثم صلّى ركعتين، وتأمّلته فإذا هو عبد الواحد، فقمت فدنوت منه وسلّمت عليه، فقال: أبا إسحاقّ أهلاً ومرحباً، فقلت: لبّيك، بأبي وأمي وأنتّ وحيّاك الله بالسّلام وقرّبك من رضوانه، فقال: أما آن لك أن تزورنا؟ فقد طال العهد، واشتد الشّوق، فما وراءك؟ قلت: لا تسألين، بأبي أنت، فإن الدّهر قد أخنى عليّ، فما وجدت مستغاثاً غيرك؛ فقال: لا ترع، فقد وردت على ما تحبّ إن شاء الله.
فوالله إني لأخاطبه، فإذا بثلاثة فتية قد خرجوا كأنهم الأشطان، فسلّموا عليه، فاستدنى الأكبر منهم، فهمس إليه بشيء دوني ودون أخويه، فمضى إلى البيت، ثم رجع، فجلس إليه فكلّمه بشيء دوني ثم ولّى، فلم يلبث أن خرج ومعه عبد ضابط يحمل عبئاً من الثّياب حتى ضرب به بين يديّ، ثم همس إليه ثانية فعاد، وإذا به قد رجع ومعه مثل ذلك، فضرب به بين يديّ، فقال لي عبد الواحد: ادن يا أبا إسحاق، فإني أعلم(4/88)
أنك لم تصر إلينا حتى تفاقّم صدعك، فخذ هذا وارجع إلى عيالك، فوالله ما سللنا لك هذا إلاّ من أشداق عيالنا، ودفع إليّ ألف دينار، وقال: قم فارحل فأغث من وراءك.
فقمتّ إلى الباب، فلّما نظرت إلى ناقتي ضقت، فقال لي: تعال، ما أرى هذه بمبلغتك، يا غلام قدّم له جملي فلاناً؛ فوالله لكنت بالجمل أشدّ سروراً منّي بكلّ ما نلته؛ فهل تلومني أن أغصّ حذار سخط هذا بالقراح؟ ووالله ما أنشدته ليلتئذ بيتاً واحداً.
قال عبد الله بن مصعب: لقيني إبراهيم بن علي بن هرمة، فقال لي: يا بن مصعب، ألم يبلغني أنك تفضّل عليّ ابن أذينة؟ نعم ما شكرتني في مديحي إياّك!، ألم تعلم: من الطويل
رأيتك مختلاًّ عليك خصاصة ... كأنك لم تنبت ببعض المنابت
كأنك لم تصحب شعيب بن جعفر ... ولا مصعباً ذا المكرمات ابن ثابت
قال: فقلت له: يا أبا إسحاق، أقلنيها، وأنا أعاتبك، وهلمّ فروّني من شعرك ما شئت؛ فروبت له هاشميّاته فأخذتها من فيه.
قال ابن زبنّج: أصابت ابن هرمة أزمة، فقال لي في يوم حارّ: اذهب فتكار لي حمارين إلى ستة أميال؛ ولم يسمّ موضعاً، فركب واحداً وركبت واحداً، ثم سرنا حتى انتهينا إلى قصور حسن بن زيد ببطحاء ابن أزهر، فدخلنا مسجده، فلّما زالت الشّمس خرج علينا مشتملاً على قميصه، فقال لمولىّ له: أذّن، فأذّن، ثم لم يكلّمنا كلمة، ثم قال له: أقم، فأقام، فصلّى بنا، ثم أقبل على ابن هرمة فقال: مرحباً بك أبا إسحاق، حاجتك؛ قال: نعم، بأبي وأميّ أبيات قلتها وقد كان عبد الله بن حسن،(4/89)
وحسن، وإبراهيم، بنو حسن بن حسن وعدوه شيئاً فأخلفوه فقال: هاتها فأنشد: من البسيط
أمّا بنو هاشم حولي فقد قرعوا ... نبلي الصيّاب التي جّمعت في قرني
فما بيثرب منهم من أعاتبه ... إلاّ عوائد أرجوهنّ من حسن
الله أعطاك فضلاً من عطيّته ... على هن وهن فيما مضى وهن
قال: حاجتك؟ قال: لابن أبي مضرّس عليّ خمسون ومئة دينار؛ قال: فقال لمولىّ له: أيا هيثم، اركب هذه البغلة فائتني بابن أبي مضرّس وذكر حقّه؛ قال: فما صلّينا العصر حتى جاء به، فقال له: مرحباً بك يا بن أبي مضرّس، أمعك ذكر حقّ على ابن هرمة؟ فقال: نعم، قال: فامحه، فمحاه؛ ثم قال: يا هيثم، بع ابن أبي مضرّس من تمر الخانقين بمئة وخمسين ديناراً، وزده في كلّ دينار ربع دينار، وكل لابن هرمة بخمسين ومئة دينار تمراً، وكل لابن زبنّج بثلاثين ديناراً تمراً. قال: فانصرفنا من عنده، فلقيه محمد بن عبد الله بن حسن بالسّيالة، وقد بلغه الشعر، فغضب لأبيه وعمومته، فقال: يا ماصّ بظر أمّه، أنت القائل: على هن وهن فيما مضى وهن؟! قال: لا والله يا بنيّ، ولكني الذي أقول لك: من البسيط
لا والذي أنت منه نعمة سلفت ... نرجو عواقبها في آخر الزّمن
لقد أتيت بأمر ما عمدت له ... ولا تعمّده قولي ولا سنني
فكيف أمشي مع الأقوام معتدلاً ... وقد رميت بريء العود بالأبن(4/90)
ما غبّرت وجهه أمّ مهجّنة ... إذا القتام تغشّى أوجه الهجن
قال: وأم الحسن أو ولد.
قال بعض الأدباء: كان لإبراهيم بن هرمة كلاب، إذا أبصرت الأضياف بشّت بهم، ولم تنبح، وبصبصت بأذنابها بين أيديهم، فقال يمدحها: من الكامل
ويذل ضيفي في الظلام إذا سرى ... إيقاد ناري أو نباح كلابي
حتى إذا واجهنه وعرفنه ... فدّينه ببصابص الأذناب
وجعلن ممّا قد عرفن يقدنه ... ويكدن أن ينطقن بالتّرحاب
قال إبراهيم بن محمد: نزلت ببنات ابن هرمة بعد أن هلك، فرأيت حالتهنّ سيّئة، فقلت لبعض بناته: قد كان أبوك حسن الحال، فما ترك لكنّ؟ قالت: وكيف؟ وهو الذي يقول: من المنسرح
لا غنمي مدّ في البقاء لها ... إلاّ دراك القرى ولا إبلي
ذاك أفناها، ذاك أفناها!.
قال رجل من أهل الشام: قدمت المدينة فقصدت منزل إبراهيم بن هرمة، فإذا بنيّة له صغيرة تلعب بالطّين، فقلت لها: ما فعل أبوك؟ قالت: وفد على بعض الملوك الأجواد، فما لنا به علم منذ مدة، فقلت: انحري لنا ناقة فإنّا أضيافك؛ قالت: والله ما عندنا، قلت: فشاةً، قالت: والله ما عندنا، قلت، فدجاجةً، قالت: والله ما عندنا، قلت: فأعطينا بيضة، قالت: واله ما عندنا.
قلت: فباطل ما قال أبوك: من المنسرح(4/91)
كم ناقة قد وجات منحرها ... بمستهل الشؤبوب أو جمل
قالت: فذلك الفعل من أبي هو الذي أصارنا إلى أن ليس عندنا شيء.
قال محمد لن زكريّا: اجتاز نصيب مرّةً بالسيالة، وبها منزل ابن هرمة، فناداه: يا أبا إسحاق، فخرجت إليه بنته مذعورةً، فقال: أين أبوك؟ قالت: راح لحاجة انتهز برد الفيء، قال: فهل من قرئ؟ قالت: لا والله، قال: ولا جزور ولا شاة؟ قالت: لا والله، ولا دجاجة ولا بيضة، قال: قاتل الله أباك ما أكذبه إذ يقول: من المنسرح
لا أمتع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلاّ قصيرة الأجل
إني إذا ما البخيل أمّنها ... باتت ضموزاً منّي على وجل
قالت: فعله والله ذاك بها، أقلّها عندنا.
قال إبراهيم بن محمد بن عرفة: وفي هذه السّنة يعني سنة خمس وأربعين ومئة تحوّل المنصور إلى مدينة السّلام، واستتمّ بناءها سنة ست وأربعين، ثم كتب إلى أهل المدينة أن يوفدوا عليه خطباءهم وشعراءهم، فكان فيمن وفد عليه إبراهيم بن هرمة.
قال: فلم يكن في الدّنيا خطبة أبغض إليّ من خطبة تقرّبني منه، واجتمع الخطباء والشّعراء من كلّ مدينة، وعلى المنصور ستر يرى النّاس من ورائه ولا يرونه، وأبو الخصيب حاجبه قائم، وهو يقول: يا أمير المؤمنين، هذا فلان الخطيب، فيقول: اخطب، ويقول: هذا فلان الشاعر، فيقول: أنشد، حتى كنت آخر من بقي؛ قال: يا أمير المؤمنين هذا ابن هرمة؛ فسمعته يقول: لا مرحباً ولا أهلاً، ولا أنعم الله بن عيناً؛ فقلت: " إنّا لله ونّ إليه راجعون " ذهبت والله نفسي، ثم رجعت إلى نفسي(4/92)
فقلت: يا نفس، هذا موقف إن لم تشتدي فيه هلكت.
فقال أبو الخصيب: أنشد، فأنشدته: من الطويل
سرى ثوبه عنك الصّبا المتخايل ... وقرّب للبين الخليط المزايل
حتى انتهيت إلى قولي:
له لحظات في حوافي سريره ... إذا كرّها فيها عقاب ونائل
فأمّ الذي أمّنته تأمن الرّدى ... وأمّ الذي حاولت بالثّكل ثاكل
فقال: يا غلام، ارفع عني الستر، فرفع؛ فإذا وجهه كأنه فلقه قمر، ثم قال: تمّم القصيدة؛ فلّما فرغت منها قال: ادن، فدنوت، ثم قال: اجلس، فجلست، وبين يديه مخضرة، فقال: يا إبراهيم قد بلغني عنك أشياء، لولا ذلك لفضّلتك على نظرائك، فأقرّ لي بذنوبك أعفها عنكّ فقلت: هذا رجل فقيه عالم، وإنّما يريد أن يقتلني بحجّة تجب عليّ، فقلت: يا أمير المؤمنين، كلّ ذنب بلغك ممّا عفوته عني، فأنا مقرّ به؛ فتناول المخصرة فضربني بها، فقلت: من الرجز
أصبر من ذي ضاغط عركرك ... ألقى بواني زوره للمبرك
قال: ثم ثنّى فضربني، فقلت: من الرجز
أصبر من عود بجنبيه جلب ... قد أثّر البطان فيه والحقب
ثم قال: قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم وخلعة، وألحقتك بنظائرك من طريح بن إسماعيل، ورؤبة بن العجّاج، ولئن بلغني عنك أمر أكرهه لأقتلنّك؛ قلت: نعم، أنت في حلّ من دمي إن بلغك أمر تكرهه.(4/93)
قال ابن هرمة: فأتيت المدينة، فأتاني رجل من الطّالبيّين، فسلّم عليّ، فقلت: تنحّ عنّي، لا تشيط بدمي.
وزاد في رواية؛ بعد بيتي المدح: فقال: يا أمير المؤمنين، إني أسألك شيئاً، قال: سل؛ قال: إنّ عمّال أمير المؤمنين بالمدينة قد أنهكوا أكتافي ممّا يحدّونني على السّكر، فإن رأى أمير المؤمنين أن يكتب لي كتاباً، إن وجدت سكراناً فلا أحد، فليفعل؛ فقال له المنصور: ما كنت لأرفع حداً من حدود الله بحبّ، ولكن أكتب لك كتاباً: من جاء بك سكران جلد مئة، وجلدت أنت ثمانين؛ قال: قدر ضيت.
قال: فكتب له بذلك، قال: فكان إبراهيم بن هرمة يسكر، ويطرح نفسه في الشّوارع، ويقول: من يشتري ثمانين بمئة؟ فليتقدم.
قال سعيد بن سلم: لما ولّى المنصور معن بن زائدة أذربيجان قصده قوم من أهل الكوفة، فلّما صاروا ببابه، واستأذنوا عليه، فدخل الآذن، فقال: اصلح الله الأمير، بالباب وفد من أهل العراق؛ قال: من أي أهل العراق؟ قال: من الكوفة؛ قال: إيذن لهم؛ فدخلوا عليه، فنظر إليهم معن في هيئة زريّة، فوثب على أريكته، وأنشأ يقول: من الطويل
إذا نوبة نابت صديقك فاغتنم ... مرمّتها فالدّهر بالنّاس قلّب
فأحسن ثوبيك الذي هو لابس ... وأفره مهريك الذي هو راكب
وبادر بمعروف إذا كنت قادراً ... زواك اقتدار أو غنىً عنك يذهب
قال: فوثب إليه رجل من القوم، فقال: أصلح الله الأمير، ألا أنشدك أحسن من(4/94)
هذا؟ قال: لمن؟ قال: لابن عمك، ابن هرمة؛ قال: هات: فأنشأ يقول: من الطويل
وللنّفس تارات تحلّ بها العرى ... وتسخو على المال النفوس الشّحائح
إذا المرء لم ينفعك حيّاً فنفعه ... أقلّ إذا ضمّت عليه الصّفائح
لأية حال يمنع المرء مآله ... غداً فغداً والموت غاد ورائح
فقال معن: أحسنت والله، وإن كان الشعر لغيرك، يا غلام أعطهم أربعة آلاف أربعة آلاف، يستعينون بها على أمورهم إلى أن يتهيأ لنا فيهم ما نريد؛ فقال الغلام: يا سيدي أجعلها دنانير أم دراهم؟ فقال معن: والله لا تكون همّتك أرفع من همّتي، صفّرها لهم.
قال أحمد بن عيسى وذكر ابن هرمة: كان متّصلاً بنا، وهو القائل فينا: من المتقارب
ومهما ألام على حبّهم ... فإني أحبّ بني فاطمه
بني بنت من جاء بالمحكما ... ت وبالدّين والسّنّة القائمه
فلست أبالي بحبّي لهم ... سواهم من النّعم السّائمه
قال: فقيل له في دولة بني العباس: ألست القائل كذا، وأنشدوه هذه الأبيات؟ فقال: أعضّ الله قائلها بهن أمّه! فقال له من يثق به: ألست قائلها؟ قال: بلى، ولكن أعضّ بهن أمي خير من أن أقتل.
وقال محمد بن منصور: رأت جارية المنصور وعليه قميص مرقوع، فقال وقد سمعها تقول: خليفة قميصه مرقوع: ويحك، أما سمعت قول ابن هرمة: من الكامل(4/95)
قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه ... خلق وجيب قميصه مرقوع
وقال ابن الحصين: كان إبراهيم بن علي بن هرمة، يشرب في أناس بأعلى السّيالة، ثم إنه قلّ ما عنده، وكان صدر بصدار من أهل المدينة، فذكر له حسن بن حسن بن حسن، قد قدم السّيالة، وكتب إليه فذكر أن أصحاباً له قدموا عليه وقد خفّ ما معهم، ولم يذكر عن شرابه شيئاً، وكتب في أسفل كتابه: من الكامل
إني استحيتك أن أقول بحاجتي ... فإذا قرأت صحيفتي فتفهّم
وعليك عهد الله إن أخبرتها ... أهل السّيالة إن فعلت وإن لم
فسأل حسن عن أمره، فاخبر بقصّته، فقال: وأنّا على عهد الله إن لم أخبر بقصّته أهل السّيالة، فردعه أميرها منها وكان يشتدّ على السّفهاء فقال: يا أهل السّيالة هذا ابن هرمة في سفهاء له قد جمعهم بشرب بالشّرف؛ فأنذر بذلك ابن هرمة، ففرّ هو وأصحابه، فلم يقدر عليهم.
أنشد أبو مالك محمد بن مالك بن علي بن هرمة، لعمّه إبراهيم، يمدح عمران بن عبد الله بن مطيع، ويذكر ولادة أسيد بن أبي العيص إيّاه: من الوافر
ستكفيك الحوائج إن ألمّت ... عليك بصرف متلاف مفيد
فتىً يتحمّل الأثقال ماض ... مطيع جدّه وبنو أسيد
حلفت لأمدحنّك في معدّ ... وذي يمن على رغم الحسود
بقول لا يزال له رواء ... بأفواه الرّواة على النّشيد
لأرجع راضياً وأقول حقاً ... ويغبر باقي الأبد الأبيد
وقبلك ما مدحت زناد كاب ... لأخرج وري آبية صلود
فأعياني فدونك فاعتنيني ... فما المذموم كالرّجل الحميد
وكان كحيّة رقيت فصمّت ... على الصادي برقيته المعيد(4/96)
فأقسم لا تعود له رقائي ... ولا أثني له ما عشت جيدي
وأنشد ابن قتيبة والمبرّد: من الكامل
قد يدرك الشّرف الفتى ورداؤه ... خلق وجيب قميصه مرقوع
إمّا تراني شاحباً مبتذلاً ... كالسيف يخلق جفنه فيضيع
فلربّ لذة ليلة قد نلتها ... وحرامها بحلالها مدفوع
وعن عبد الله بن أبي عبيد الله بن عمّار بن ياسر، قال: زرت عبد الله بن حسن بباديته، وزاره ابن هرمة، فجاءه رجل من أسلم؛ فقال ابن هرمة لعبد الله بن حسن: أصلحك الله، سل الأسلميّ أن يأذن لي أن أخبرك خبري وخبره؛ فقال عبد الله بن حسن: إيذن له. فأذن له الأسلمي، فقال ابن هرمة: خرجت أصلحك الله أبغي ذوداً لي، فأوحشت فضفت هذا الأسلميّ، فذبح لي شاةً وخبز لي خبزاً، وأكرمني، ثم غدوت من عنده، فأقمت ما شاء الله؛ ثم خرجت أيضاً في بغاء ذود لي فأوحشت فقلت: لو ضفت الأسلميّ، فجاءني بلبن وتمر، ثم ضفته بعدما أوحشت، فقلت: التّمر واللّبن خير من الطّوى، فجاءني بلبن حامض.
قال الأسلميّ: قد أجبته إلى ما سأل، فاسأله أن يأذن لي أن أخبرك لم فعلت ذلك؛ فقال: إيذن له، فأذن له، فقال: ضافني أصلحك الله فسألته: من هو؟ فقال: رجل من قريش، فذبحت له الشّاة التي ذكر، والله لو كان عندي غيرها لذبحته له حين ذكر أنه من قريش؛ فقالوا: ليس من قريش؛ إنّما هو دعيّ فيها؛ فضافني الثّانية، قال: إنه دعيّ في قريش، فجئته بتمر ولبن، ثم غدا من عندي، وغدا الحيّ فقالوا: من ضيفك البارحة؟ قال: فقلت: الذي ذكرتم أنه الدّعيّ في قريش؛ فقالوا: لا والله، ما هو فيها بدعيّ ولكنه دعيّ أدعياء؛ فضافني الثالثة على أنه دعيّ أدعياء لقريش، فواله لو وجدت له شرّاً من لبن حامض لجئته به؛ فانكسر ابن هرمة وضحكنا منه.(4/97)
قال محمد بن فضالة النحوي: لقي رجل من قريش ممّن كان خرج مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن، إبراهيم بن علي بن هرمة الشعر، فقال له: ما الخبر؟ ما فعل النّاس يا أبا إسحاق؟ فقال ابن هرمة: من الطويل
أرى النّاس في أمر سحيل فلا تزل ... على ثقة أو تبصر الأمر مبرما
وأمسك بأطراف الكلام فإنه ... نجاتك ممّا خفت أمراً مجمجما
فلست على رجع الكلام بقادر ... إذا القول عن زلاّته فارق الفما
وكائن ترى من وافر العرض صامتاً ... وآخر أردى نفسه أن تكلّما
وأنشد: من البسيط
كأن عيني إذ ولّت حمولهم ... عنّا جناحا حمام صادفت مطراً
أو لؤلؤ سلس في عقد جارية ... خرقاء نازعها الولدان فانتثرا
إبراهيم بن علي بن محمد بن أحمد
أبو إسحاق الدّيلميّ الصّوفي سمع بدمشق وبغداد وفارس وصور.
ذكره ابن الفرضي الأندلسي، فقال: من أهل خراسان، من مدينة كرتم، دخل الأندلس سنة ثمان وخمسين وثلاثمئة، فأقام بقرطبة يسيراً، ثم خرج منصرفاً إلى المشرق، وكان أحد الخيار، المتزيّنين بالفقر، والمستورين بالصّيانة والصّبر، وكان أحد من له الإجابات الظاهرة، وقد كتب الناس عنه بمصر وغيرها.(4/98)
إبراهيم بن علي أبو إسحاق الرّحبيّ
إبراهيم بن عمر بن إبراهيم أبو إسحاق
روى عن القاسم بن عيسى العصّار، بسنده إلى قطبة بنت هرم بن قطبة.
أن مدلوكاً حدّثهم، أن ضمضم بن قتادة ولد له مولود أسود من امرأة من بني عجل فأوجس لذلك، فشكى إلى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: فما ألوانها؟، قال: فيها الأحمر والأسود وغير ذلك؛ قال: فأنّى ذلك؟ فقال: عرق نزع؛ قال: وهذا عرق نزع.
قال: فقدم عجائز من بني عجل فأخبرن أنه كان للمرأة جدّة سوداء.
إبراهيم بن عمر بن حمدان أبو إسحاق
الأنصاريّ الصّوفيّ حدّث قال: وقف رجل على أبي بكر الشّبليّ رحمه الله، ببغداد وقد لحقته ولقيته فسأله عمّا يهمّه في الصّلاة، فقال: أن ترمي بهمّك إلى الكون العلويّ، ومنه إلى الكون السّفليّ، ثم يخرق بعد ذلك في قلبك، لا يكون إلاّ الله.
فقال: يا سيّدي، ما لي إلى ذلك من سبيل! إن رأيت أقرب من هذا؛ فقال: أن تكبّر تكبيرك كأن ملكوت الملكوت قراءتك على الجبّار، وسجودك على ثرى الثّرى جمع كلّ همّة، وإسقاط ما دون الله عزّ وجلّ حتى لا يكون إلاّ عبد وربّ.
فقال: مالي إلى ذلك سبيل؛ فقال: أن تكبّر بتعظيم، وتقرأ بترتيل، وتركع بخشوع، وتسجد بإجلال وهيبة، وتسأل بإشفاق.(4/99)
إبراهيم بن عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف، الأمويّ
حدّث قال: كان عمر بن عبد العزيز يأذن لبنيه يوم الجمعة قبل أن يدخل النّاس، فإذا قال: إيهاً، قرأ الأكبر منهم، فإذا قال: إيهاً، قرا الذي يليه، حتى يقرأ طائفة منهم.
قال: فإنهم دخلوا عليه في يوم جمعة، وله طحير كطحير الدّابة، وهو مستلق على ظهره لا ينظر إليهم، ثم التفت إليهم بعد وقت طويل، فقال: إيهاً، فقرا عبد الله بن عمر وكان أكبرهم يومئذ فقال: " طسم تلك آيات الكتاب المبين " لعلّك باخع نفسك ألاّ يكونوا مؤمنين إلى قوله: " ما كانوا به يستهزئون "، فقال: أعد، فأعاد؛ فقال: ها، إني خرجت إلى هؤلاء وقد رضت كلاماً سوى ما كنت أكلّمهم به رجاء أن ينفعهم الله به في دينهم، فرأيت تلعّباً وتلهيّاً وقلّة إقبال عليه واستماع له، فبلغ منّي مبلغه، فقطعته وأخذت في نحو ما كنت آخذ فيه من القول، ثم نزلت بغيظي وهمّي، حتى عزّاني الله بما قرأ ابني هذا، فما عسى أصنع؟ أأنجع نفسي؟ وسمع أباه يقول لابن شهاب: ما أعلمك تعرض عليّ شيئاً، إلاّ شيئاً قد مرّ على مسامعي، إلاّ أنك أوعى له منّي.
إبراهيم بن عمر بن عبد العزيز
أبو إسحاق المقرئ القصّار قال أبو بكر الحداد: إنه ثقة.
روى عن عبد الرحمن بن عثمان، بسنده عن أنس بن مالك، قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستاك بفضل وضوئه.(4/100)
توفي في صفر سنة خمس وأربعين وأربعمئة.
إبراهيم بن عمرو الصّنعاني
صنعاء دمشق روى عن الوّضين بن عطاء، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثمانيةً أبغض خليقة لله إليه يوم القيامة: السّقّارون، وهم الكذّابون؛ والخيّالون، وهم المستكبرون؛ والذين يكنزون البغضاء لإخوانهم في صدورهم، فإذا لقوهم حلفوا لهم؛ والذين إذا دعوا إلى الله ورسوله كانوا بطاءً، وإذا دعوا إلى الشيطان وأمره كانوا سراعاً؛ والذين لا يشرف لهم طمع من الدنيا إلاّ استحلوه بأيمانهم، وإن لم يكن لهم بذلك حقّ؛ والمشّاؤون بالنّميمة؛ والمفّرقون بين الأحبّة؛ والباغون البراء الدّحضة، أولئك يقذرهم الرّحمن عزّ وجلّ ".
إبراهيم بن عون أبو إسحاق المؤّدب
سمع منه سنة ثلاث عشرة وثلاثمئة.
إبراهيم بن العلاء بن الضّحّاك
ابن مهاجر بن عبد الرحمن بن زيد أبو إسحاق الزّبيدي، المعروف بزبريق الحمصيّ حدّث بدمشق وحمص عن جماعة، وروى عنه جماعة.(4/101)
روى عن إسماعيل بن عيّاش، بسنده عن أبي سعيد الخّدري، قال: إنن نبيّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنّ النّاس لكم تبع، وإنّه سيأتيكم رجال من أهل الأرض يتفقّهون، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيراً ".
وعنه بسنده عن عبد الله بن بشر المازني، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه ".
وعنه بسنده عن ابن عمر، قال: قال النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن ".
مات سنة خمس وثلاثين ومئتين، وكان لا يخضب.
إبراهيم بن العلاء بن محمد
وأظنّه والد محمد بن إبراهيم الدّمشقي، الذي كان يسكن عبادان روى عن الزّهري عن قبيصة بن ذؤيب، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تخلّلوا بعود الآس، ولا عود الرّمّان، فإنهما يحرّكان عرق الجذام ".
إبراهيم بن عيسى بن القاسم
أبو إسحاق البغداديّ الكافوريّ العطّار قدم دمشق وحدّث بها.
روى عن أبي سعيد الحسن بن علي العدويّ، بسنده عن مالك بن أنس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الصوم جنّة ".(4/102)
إبراهيم بن عيسى العبسيّ
روى عن مروان بن محمد الدّمشقي، بسنده عن عبادة بن الصّامت، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " خمس صلوات كتبهنّ الله على العباد، من جاء بهنّ يوم القيامة لم يضّيعهنّ استخفافاً بحقّهنّ، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنّة؛ ومن جاء وقد استخفّ بحقّهنّ لم يكن له عند الله عزّ وجلّ عهد، إن شاء غفر له، وإن شاء عذّبه ".
قال: يقول: لم يضيّعهنّ؛ يحافظ على وضوئهن ومواقيتهنّ.
إبراهيم بن فضالة بن محمد بن يعقوب
ابن محمد بن فضالة بن عبيد، صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو إسحاق الأنصاريّ مات في ذي العقدة سنة ثلاثين وثلاثمئة
إبراهيم بن كثير أبو إسماعيل الخولانيّ
من أهل بيروت، وكان رجل صدق.
حدّث عن الأوزاعي قال: بعث جعونة بن الحارث رسولاً إلى عمر، يعني ابن عبد العزيز، وكان عاملاً له على غزاة، فقال له عمر: أسلم المسلمون؟ قال: نعم؛ قال: كلّهم؟ قال: نعم، إلاّ رجلاً واحداً عدلت به دابّته فساح في الثّلج؛ قال: فصنع ماذا؟ قال: فهلك؛ قال: لقد أطلقتها غير مكترث، عليّ بفلان كاتبه فكتب إلى عامله: إيّاك وغارات الشّتاء، فوالله لرجل من المسلمين أحبّ إليّ من الرّوم وما حوت.(4/103)
إبراهيم بن أبي كريمة الصّيداويّ
روى عن هشام الكتّاني، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عن جبريل، عن ربّه تبارك وتعالى أنه قال: " من أخاف لي ولياً فقد بارزني، وما تقرّب إليّ عبدي المؤمن بمثل ما افترضت عليه. وما يزال عبدي المؤمن يتنّفل إليّ حتى أحبّه، ومن أحببته كنت له سمعاً وبصراً ويداً ومؤيّداً، إن سألين أعطيته، وإن دعاني أجبته، وما ردّدت أمراً أنا فاعله ما ردّدت أمر عبدي المؤمن، يكره الموت واكره مساءته، ولا بدّ له منه؛ وإن من عبادي المؤمنين لمن يشتهي الباب من العبادة فأكفّه عنه لئلا يدخله عجب فيفسده ذلك؛ وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلاّ الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإنّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلاّ الفقر ولو بسطت له لأفسده، وإنّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلاّ الصحة ولو أسقمته لأفسده؛ وإنمن عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلاّ السقم ولو أصلحته لأفسده؛ وإني أدبّر عبادي بعلمي بقلوبهم، إنّ عليم خبير ".
إبراهيم بن لجاج
إبراهيم بن اللّيث بن حسن
أبو طاهر الطّريثيثيّ الصّوفيّ سمع بدمشق.
ذكره عبد الغافر في ذيل تاريخ نيسابور وقال: هو ثقة، سافر في طلب الحديث، وطاف في البلاد، ولقي المشايخ، وله قدم في الطّريقة.(4/104)
إبراهيم بن محمد بن أحمد بن أبي ثابت
أبو إسحاق العبسيّ، من أنفسهم كاتب القضاة بدمشق ونائبهم، أصله من سامراء.
سمع بغداد ومصر وبالس والرقة ودمشق وغيرها.
روى عن الحسن بن عرفة، بسنده عن عبد الله بن مسعود، قال: كنت أرعى غنماً لعقبة بن أبي معيط، فمرّ بي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر، فقال: يا غلام، هل من لبن؟ قلت: نعم، ولكنّي مؤتمن؛ قال: فهل من شاة لم ينز عليها الفحل؟ قال: فأتيته بها، فمسح على ضرعها، فنزل اللّبن، فشرب وسقى أبا بكر، ثم قال للضّرع: اقلص فقلص: فأتيته بعد هذا، فقلت: يا رسول الله علّمني من هذا القول، قال: فمسح يده على رأسي، وقال: إنك لغليّم معلّم.
قال أبو بكر الخطيب: بلغني أن ابن أبي ثابت سكن دمشق ومات بها، وكان ثقة.
وقال أبو الحسين الرّازي: كان شيخاً جليلاً بدمشق يسأل عن المعدّلين، وأصله من العراق، سكن دمشق، تاجر نبيل، مات سنة ثمان وثلاثين وثلاثمئة، وزاد غيره: في شهر ربيع الآخر.
إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمويه
أبو القاسم الصّوفي الواعظ، النًصر آبادي، محلّة من محالّ نيسابور سمع بدمشق وبيروت ومصر ونيسابور وبغداد.(4/105)
روى عن عبد الله بن محمد الشّرقي، بسنده عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جدّه، قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح مقدّم رأسه حتى بلغ موضع القذال من مقدّم عنقه.
قال أبو عبد الرحمن السلّمي: شيخ المتصوّفة بنيسابور، له لسان الإشارة، مقروناً بالكتاب والسّنّة، يرجع إلى فنون من العلم كثيرة، منها: حفظ الحديث وفهمه، وعلم التواريخ، وعلم المعاملات، والإشارة.
قال أبو سعد الماليني: سمعت أبّا القاسم يقول: إذا أعطاكم حّباكم، وإذا لم يعطكم حماكم، فشتّان ما بين الحبا والحمى؛ فإذا حباك شغلك، وإذا حماك حملك.
وقال في معنى قوله تعالى " إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم " قال: بعلمي اشتريتهم وبحكمي أعتقتهم، فلا ينقص علمي حكمي، ولا ينقص حكمي علمي.
وقال: ليس للأولياء سؤال، إّنما هو الذّبول والخمود.
وقال: نهايات الأولياء بدايات الأنبياء.
وسئل عن القوت، فقال: للنّفس قوت إذا أحرزت اطمأنّت، وللقلب قوت، وللسّرّ قوت، ولرّوح قوت؛ فقوت القلب الطمأنينة، وقوت السرّ الفكرة، وقوت الرّوح السّماع، لأنه صادر عن الحقّ وراجع إليه، والقوت في الحقيقة هو الله لأنه منه الكفايات؛ وأنشد يقول: من الطويل
إذا كنت قوت النّفس ثم هجرتها ... فكم تلبث النّفس التي أنت قوتها
ستبقى بقاء الضّبّ في الماء أو كما ... يعيش ببيداء المهامه حوتها
وقيل له: إن بعض النّاس يجالس النّسوان، ويقول: أنا معصوم في رؤيتهنّ؛(4/106)
فقال: ما دامت الأشباح باقيةً، فإن الأمر والنّهي باق، والتّحليل والتّحريم مخاطب بهما، ولن يجترئ على الشّبهات إلاّ من هو يعرض للمحرّمات.
وقال: ضعفت في البادية مرةً، فأيست من نفسي، فوقع بصري على القمر وكان ذلك بالنّهار فرأيت مكتوباً عليه: " فسيكفيكهم الله " فاستقللت، ففتح عليّ من ذلك الوقت هذا الحديث.
وقيل له: ليس لك من المحبة شيء؛ قال: صدقوا، ولكن لي حسراتهم، فهوذا أحترق فيه.
وقال: المحبة مجانبة السّلّو على كل حال، ثم أنشد يقول: من الطويل
ومن كان في طول الهوى ذاق سلوةً ... فإني من ليلى لها غير ذائق
وأكبر شيء نلته من وصالها ... أمانيّ لم تصدق كلمحة بارق
وقال: مراعاة الأوقات من علامات التيقظ.
وقال: أنت متردّد بين صفات الفعل، وصفات الذّات، وكلاهما صفته على الحقيقة، فإذا هيّمك في مقام التفرقة قرّبك بصفات فعله، وإذا بلّغك مقام الجمع قرّبك بصفات ذاته.
وقال: التّقوى مثال الحقّ، قال الله تعالى: " لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التّقوى منكم ".
وقال: مواجيد الأرواح تظهر بركتها على الأسرار، ومواجيد القلوب تظهر بركتها على الأبدان.
قال أبو عبد الرحمن السّلمي: لمّا همّ الأستاذ أبو القاسم النّصر آبادي بالحجّ، وتهيأ له، خرجت معه إلى الحجّ سنة ستّ وستين وثلاثمئة، وكنت مع الأستاذ أي منزل نزلناه(4/107)
أو بلدة دخلناها، يقول لي: قم حتى نسمع الحديث، وكان مع جلالته وكثرة ما عنده من العلم، يحمل المحبرة والبياض، ويحضر سماع الحديث، ويطلب أهله، وكان رحمه الله شديد الحرص على كتابته والحبّ له.
ولمّا دخلنا بغداد قال لي: قم بنا نذهب إلى أبي بكر بن مالك القطيعي رحمه الله، وكان عنده إسناد حسن، وكان له ورّاق قد أخذ من الحاجّ شيئاً ليقرأ لهم، وفي مجلسه خلق من الحاجّ وغيرهم؛ فلّما دخلنا عليه قعد الأستاذ ناحيةً من القوم، والورّاق يقرأ فأخطأ، فردّ عليه الأستاذ، فنظر إليه الورّاق شزراً، فأخطأ أيضاً في شيء، فردّ عليه أيضاً، فنظر الورّاق إليه شزراً؛ والبغداديون لا يحتملون من أهل خراسان أن يردّوا عليهم شيئاً، فلمّا كان في المرّة الثالثة ردّ عليه، قال الورّاق: يا رجل، إن كنت تحسن تقرأ فتعال فاقرأ! كالمستهزئ به فقام الأستاذ، وقال: تأخر قليلاً، فاخذ الجزء من يده، وأخذ يقرأ قراءةً تحيّر ابن مالك ومن حوله تعجّباً منه، حتى حان وقت الظهر.
قال: فسألني الورّاق: من هذا الرّجل؟ قلت: الأستاذ أبو القاسم النّص آبادي، فقام الورّاق وقال: أيّها النّاس، هذا شيخ خراسان أبو القاسم النّصرآبادي، وقد كتب الحديث ها هنا، وأقام ببغداد خمس عشرة سنةً؛ فقرأ في مجلس واحد ما كان يريد الورّاق أن يقرأه في خمسة أيام.
ولمّا دخلنا البادية كان كلّما نزل عن راحلته في سيره لا تفارقه المحبرة والمقلمة والبياض، فرأيته ونحن في رحل المفسر، وفي كمّه المحبرة والمقلمة والبياض والأجزاء، فقلت له: أيها الأستاذ، في هذا الموضع، والنّاس يخفّفون عن أنفسهم؟! فقال يا أبا عبد الرحمن، ربّما أسمع شيئاً من جمّال أو غيره حكمةً، أثبته كي لا أنسى.
قال: وكان في سنة من السنين قحط، فخرج النّاس إلى الاستسقاء، إلى المصلّى، فلّما ارتفع النّهار جاء غبار وريح وظلمة لا يستطيع أن يرى أحد من شدّة الغبار، ونحن مع الأستاذ أبي القاسم؛ فقال لنا الأستاذ: جئنا بأبدان مظلمة، وقلوب غافلة، ودعاء مثل الرّيح، فنحن نكيل ريحاً، فيكال علينا ريح.(4/108)
فلّما كان الغد خرج وكان فقيراً ليس وراءه دنيا، ولكن له جاة عند النّاس، فدخل عليه أبناء الدّنيا وأخذ منهم شيئاً، وأمر بشراء بقرة، وكثير من لحم الغنم والأرزّ، وآلات الحلواء، وأمر منادياً في البلد: ألا من كان له حاجة في الخبز واللّحم والحلوى، فليمض غداً إلى المصلى.
وأمر بالمراجل حتى حملت إلى المصلّى؛ فلّما كان الغد خرجنا معه، وأمر بطبخ المرق والأرزّ والحلوى، وجاؤوا بخبز كثير، وجاء الفقراء من الرّجال والنّساء والصّبيان، وأكلوا وحملوا إلى وقت العصر؛ فلّما صلّينا العصر إذا هي قطعة سحاب، فقال لنا: شمّروا حتى نرجع؛ فجاء الحّمالون فأخذوا الآلات ورجعوا، وأصحابه معهم. وبقي هو وأنا معه، وهو صائم وأنا أيضاً لأجل موافقته، فرجعنا، فلّما بلغنا إلى محلّة جودي كان قريباً من صلاة المغرب، فمطرنا مطراً لا نستطيع المضيّ بحال، فطلبنا مسجداً فدخلناه، وجاء المطر كأفواه القرب، والمسجد يكف بالمطر، وفي جداره محراب، فدخل الأستاذ المحراب وصلينا، وأنا في زاوية في المسجد، وقال: لعلك جائع تريد أن أطلب من الأبواب كسرةً حتى تأكل؟ فقلت: معاذ الله، أنا ساكن، قال: غداً لناظريه قريب؛ وكان يترنم مع نفسه: من الكامل
خرجوا ليستسقوا فقلت لهم قفوا ... دمعي ينوب لكم عن الأنواء
قالوا صدقت ففي دموعك مقنع ... لو لم تكن ممزوجةً بدماء
وقلت في نفسي: ليتك لم تخرج إلى الاستسقاء حتى لم أبتل بما ابتليت به من الجوع والظما والبرد؛ ونمت في ناحية المسجد؛ فلّما كان الصّبح قال لي: قم يا أبا عبد الرحمن واطلب الماء وتطهّر حتى نصلّي ونخرج، فقمت وتوهّمت أنه قد تطهّر، فقلت: أين تطهّر الأستاذ؟ قال: ما تطهّرت؛ فخرجت وتطهّرت وصلّينا وخرجنا، وما نام ليلته، وصلّى على طهارة الأمس.
قال: ولمّا دخلنا مكة حرسها الله تعالى نظر إلى تلك المقبرة، فقال:(4/109)
يا أبا عبد الرحمن، طوبى لمن كان قبره في هذه المقبرة، وليت قبري كان ها هنا؛ ثم إنه رحمه الله أقام بها مهاجراً، وقال لي: عليك بالانصراف، فقد حجبت حجّة الإسلام، فاشكر الله على ذلك وارجع إلى والدتك، فغني قبلتك منها، فيجب أن أردّك عليها؛ وكنت نويت أن أجاور معه ولم أفارقه، ولكن لم يرض لي، ليرضى الرّجوع إلى الوالدة، فقال: ترجع وتعود سريعاً إن شاء الله، فمرض هناك مدة يسيرة، فقال لي بعض أصحابنا: دخلت عليه في مرضه، فقلت له: ما تشتهي؟ قال: كوز من ماء الجمد، كما يكون بخراسان؛ قال: فخرجت من عنده، وخرجت إلى العمرة، ومعي ركوة، فطلعت سحابة وأمطرت برداً كثيراً، وما أمطرت بمكة شيئاً، فسررت بذلك، وجمعت منه مسك ركوتي، وغدوت به عليه، وقلت: سهّل الله ما تريد، فنظر إليه وتبسّم، وما شرب منه قطرةً؛ وتوفي رحمه الله تعالى سنة سبع وستين وثلاثمئة.
إبراهيم بن محمد بن أحمد أبو إسحاق القرميسينيّ
قدم دمشق وحدّث بها.
إبراهيم بن محمد بن أحمد أبو إسحاق الطّبري الشافعيّ
سمع بدمشق.
إبراهيم بن محمد بن أحمد أبو إسحاق القيسيّ، المعلّم، الفقيه
أصله من زيلوش قرية من قرى الرّملة، كان جندياً، ثم ترك ذلك، وتعلّم القرآن والفقه، وسمع الحديث، وحدّث ببعض مسموعاته، وأقام مدّة بمسجد الوزير(4/110)
المزدقاني، ثم اخرج فمضى إلى بعلبك فأقام بها يسيراً، ثم مضى إلى حماة، ثم رجع إلى دمشق، ثم عاد إلى حماة إلى أن حدثت نوبة الزّلزلة، فرجع إلى دمشق، فأقام بها يسيراً، ثم مات رحمه الله وكان ثقة مستوراً في الحادي عشر من رجب سنة ثلاث وخمسين وخمسمئة، ودفن في مقبرة باب الصغير.
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمد
ابن علي بن عبد الله بن عبّاس بن عبد المطّلب الهاشميّ ولي إمرة دمشق من قبل هارون الرّشيد
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم
ابن عبد الواحد أبو إسحاق الأسديّ البّزار، المحتسب، المعروف بابن خريطة مات سنة تسع عشرة وثلاثمئة.
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن سهل
أبو إسحاق الجرجانيّ المؤدّب، المعروف بابن شرسان رحّال، سمع بدمشق والعراق والبصرة وبلاد فارس.
روى عن ابن الرّواس، بسنده عن عمرو بن العاص، عن النبّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يقال لحامل القرآن: اقرأ وارق ورتّل كما كنت ترتّل، فإن منزلتك عند آخر آية ".
قال حمزة: مات في صفر سنة ثمان وستين وثلاثمئة.(4/111)
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الصّبّاغ
أبو إسحاق الطّرسوسيّ حدّث بدمشق.
روى عن محمد بن عمر الصّيدلاني، بسنده عن علي بن أبي طالب:
حدّثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حدّثني جبريل عليه السلام، قال: يقول الله عزّ وجلّ: لا إله إلاّ الله حصني، فمن دخله أمن من عذابي.
مات في يوم الخميس لليلتين خلتا من شوال سنة سبع وثمانين وثلاثمئة.
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن الحسين
ابن عبد الله أبو إسحاق الحنّائي سمع بدمشق ومصر، وكتب الكثير، وحدّث بشيء يسير. كان أديباً. خير أديب تراه النّفس، ثقة مأموناً.
روى عن عبد الوهاب بن الحسن، بسنده عن البراء بن عازب، قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح مناكبنا في الصّلاة، ويقول: " استووا ولا تختلفوا، إنّ الله وملائكته يصلّون على الصفّ الأوّل ".
توفي يوم السابع عشر من ذي الحجّة سنة عشرين وأربعمئة.
إبراهيم بن محمد بن الأزهر الدّمشقيّ
روى عن وريزة بن محمد الغسّاني، بسنده عن عمر بن الخطّاب، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم الإدام الخلّ ".(4/112)
إبراهيم بن محمد بن أسد
ابن عبد الملك أبو محمد الحافظ سمع بدمشق.
روى عن محمد بن عون الوحيدي، بسنده عن ابن عمر، أن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " عشرة من قريش في الجنّة: أبو بكر في الجنّة، وعمر في الجنّ، وعثمان في الجنّة، وعليّ في الجنّة، وطلحة في الجنّة، والزّبير في الجنّة، وسعد في الجنّة، وسعيد في الجنّة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنّة، وأبو عبيدة بن الجرّاح في الجنّة ".
إبراهيم بن محمد بن أميّة أبو إسحاق
روى عن محمد بن كثير، بسنده عن أنس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبو بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّ من الأوّلين والآخرين، ما خلا النبيّين والمرسلين ".
مات بدمشق يوم السبت لأربع عشرة ليلة خلت من رجب سنة اثنتين وسبعين ومئتين.
إبراهيم بن محمد بن أبي حصن الحارث
ابن أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر أبو إسحاق الفزاري، أحد أئمة المسلمين وأعلام الدّين روى عن جماعة وروى عنه جماعة.(4/113)
حدّث عن أبي إسحاق سليمان الشيباني، بسنده عن البراء: أنهم كانوا يصّلون مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا ركع ركعوا، وإذا رفع رأسه من الرّكوع فقال: سمع الله لمن حمده، لم نزل قياماً حتى نراه قد وضع وجهه بالأرض، ثم نتبعه.
وروى عن الأعمش، بسنده عن عبد الله بن مسعود، عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن لله ملائكة سيّاحين في الأرض يبلّغوني عن أمتي السّلام ".
قال أبو مسهر: قدم علينا إبراهيم بن محمد الفزاري، قال: فاجتمع النّاس يسمعون منه؛ قال: فقال لي: اخرج إلى النّاس فقل لهم: من كان يرى رأي القدريّة فلا يحضر مجلسنا، ومن كان يرى فلان فلا يحضر مجلسنا، ومن كان يأتي السّلطان فلا يحضر مجلسنا؛ قال: فخرجت فأخبرت النّاس.
قال ابن سعد: وكان ثقة فاضلاً، صاحب سنّة وغزو، كثير الخطأ في حديثه؛ مات بالمصّيصة سنة ثمان وثمانين ومئة، في خلافة هارون.
وقال النّسائي: ثقة مأمون، أحد أئمة الإسلام، كان يكون بالشام.
قال أبو صالح: سمعت الفزاريّ غير مرة يقول: إن من النّاس من يحسن الثّناء عليه وما يساوي عند الله جناح بعوضة.
وقال عطاء الخفّاف: كنت عند الأوزاعي فأراد أن يكتب إلى أبي إسحاق، فقال للكاتب، اكتب إليه وابدأ به فإنه والله خير منّي.
وقال أبو صالح: لقيت فضيل بن عياض فغزّاني بأبي إسحاق، وقال لي: والله لربّما اشتقت إلى المصيصّة ما بي فضل الرّباط، إلاّ لأرى أبا إسحاق.
وقال العجلي: إبراهيم بن محمد كوفيّ ثقة، وكان رجلاً صالحاً، قائماً بالسّنّة؛ وقال في موضع آخر: نزل الثّغر بالمصّيصة، وكان ثقة رجلاً صالحاً، صاحب(4/114)
سنّة، وهو الذي أدّب أهل الثّغر، وعلّمهم السّنّة، وكان يأمر وينهى، وكان ذا دخل الثّغر رجل مبتدع أخرجه، وكان كثير الحديث، وكان له فقه، وكان عربياً فزاريّاً؛ أمر سلطاناً يوماً ونهاه، فضربه مئتي سوط، فغضب الأوزاعي فتكلّم في أمره.
وعن إسماعيل بن إبراهيم، قال: أخذ هارون الرّشيد زنديقاً، فأمر بضرب عنقه، فقال الزنديق: لم تضرب عنقي يا أمير المؤمنين؟ قال: أريح العباد منك: قال: فأين أنت من ألف حديث وضعتها على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كلها ما فيها حرف نطق به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! فأين أنت يا عدوّ الله من أبي إسحاق الفزاريّ وعبد الله بن المبارك ينخلانها ويخرجانها حرفاً حرفاً؟!.
قال عبد الرحمن بن مهدي: النّاس يتفاضلون في العلم، وكلّ إنسان يذهب إلى شيء، ولم أر أحداً أعلم بالسّنّة من حمّاد بن زيد؛ فإذا رأيت بصرياً يحب حمّاد بن زيد فهو صاحب سنّة؛ وإذا رأيت كوفيّاً يحب زائدة ومالك بن مغول، فهو صاحب سنّة؛ وإذا رأيت شامياً يحب الأوزاعيّ وأبا إسحاق الفزاريّ فهو صاحب سنّة؛ وإذا رأيت حجازياً يحبّ مالك بن أنس فهو صاحب سنّة.
قال هارون أمير المؤمنين لأبي إسحاق الفزاريّ: أيها الشيخ، بلغني أنك في موضع من العرب؛ قال: إن ذلك لا يغني عني من الله يوم القيامة شيئاً.
قال الأصمعي: كنت جالساً بين يدي هارون الرّشيد أنشده شعراً، وأبو يوسف القاضي جالس على يساره، فدخل الفضل بن الرّبيع، فقال: بالباب أبو إسحاق الفزاريّ، فقال: أدخله: فلّما دخل قال: عليك السّلام يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال له الرّشيد: لا سلّم الله عليك، ولا قرّب دارك، ولا حيّا مزارك؛ قال: لم يا أمير المؤمنين؟ قال: أنت الذي تحرّم السّواد؟ فقال: يا أمير المؤمنين من أخبرك بهذا؟ لعلّ ذا أخبرك وأشار إلى أبي يوسف وذكر كلمةً؛ والله يا أمير المؤمنين من أخبرك بهذا؟ لعلّ ذا أخبرك وأشار إلى أبي يوسف وذكر كلمةً؛ والله يا أمير المؤمنين لقد خرج إبراهيم على جدّك المنصور، فخرج أخي معه، وعزمت على الغزو، فأتيت أبا حنيفة فذكرت ذلك له، فقال: مخرج أخيك أحبّ إليّ ممّا عزمت عليه من الغزو؛ والله ما حرّمت السّواد.(4/115)
فقال الرّشيد: فسلّم الله عليك، وقرّب دارك، وحيّا مزارك، اجلس يا أبا إسحاق؛ يا مسرور ثلاثة آلاف دينار لأبي إسحاق، فأتي بها، فوضعا في يده، وخرج فانصرف.
ولقيه ابن المبارك، فقال: من أين أقبلت؟ فقال: من عند أمير المؤمنين، وقد أعطاني هذه الدّنانير، وأنا عنها غنيّ؛ قال: فإن كان في نفسك منها شيء قتصدّق بها.
فما خرج من سوق الرّافقة حتى تصدّق بها كلّها.
قال ابن أبي خيثمة: مات بالمصّيصة سنة ثمان وثمانين ومئة في خلافة هارون.
وقال أحمد بن حنبل: مات سنة خمس وثمانين ومئة.
وقال ابن أبي السرّي: مات سنة ستّ وثمانين ومئة.
وعن مخلد بن الحسين قال: غزونا مع عبد الملك بن صالح الهاشمي، فأقبلنا من غزونا، فمرّ بنا أبو إسحاق الفزاريّ فأسرع ولم يسلّم، فالتفت إليّ عبد الملك مغضباً، فقال لي: يا مخلد، مر بنا أبو إسحاق فأسرع ولم يسلّم! فقلت له: أعزّ الله الأمير، لم يرك، فزدّها ثانية وتبيّن لي فيه الغضب فقلت: أعزّ الله الأمير، أنأذن لي أن أحدّثك رؤيا رأيتها له؟ قال: حدّث.
قلت: رأيت كأن القيامة قد قامت، والنّاس في ظلمة، في حيرة، يتردّدون فيها، فنادى مناد من السّماء: أيها النّاس، اقتدوا بأبي إسحاق الفزاريّ فإنه على الطّريق؛ فغدوت إليه فأعلمته، فقال لي: يا مخلد، لا تحدّث بهذا وأنا حيّ؛ ولوال غضبك أيّها الأمير ما حدّثتك.(4/116)
إبراهيم بن محمد بن الحسن
ابن أبي الحسن نصر بن عثمان أبو إسحاق، المعروف بابن متّوبه إمام جامع أصبهان؟ سمع بدمشق من جماعة، وروى عنه جماعة.
روى عن هنّاد بن السّريّ، بسنده عن أبي هريرة، قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن لبستين وبيعتين: أن يلبس الرّجل الثّوب الواحد فيشتمل به ويطرح جانبيه على منكبيه، أو يجتبي بالثّوب الواحد؛ وان يقول الرّجل للرّجل: انبذ إليّ ثوبك وأنبذ إليك ثوبي من غير أن يقبّبا أو يتراضيا؛ ويقول: دابّتي بدابّتك، من غير أن يتراضيا أو يقلّبا.
قال أبو نعيم: توفي سنة اثنتين وثلاثمئة في جمادى الآخرة، روى عن الشّاميين والمصريّين وأهل العراقين، كان من العبّاد والفضلاء، يصوم الدّهر.
إبراهيم بن محمد بن سليمان بن بلال
ابن أبي الدّرداء الأنصاريّ، صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو إسحاق روى عن أبيه، عن أم الدّرداء، عن أبي الدّرداء، قال:
لمّا دخل عمر بن الخطاب الشّام سأل بلال أن يقرّه بالشام، ففعل ذلك، قال وأخي أبو رويحة الذي آخى بينه وبيني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فنزل في خولان، فأقبل هو وأخوه إلى قوم من خولان، فقال لهم: قد جئناكم خاطبين، وقد كنّا كافرين فهدانا الله، ومملوكين فأعتقنا الله، وفقيرين فأغنانا الله، فإن تزوّجونا فالحمد لله، وإنتردّنا فلا حول ولا قوّة غلاّ بالله.(4/117)
ثم إن بلالاً رأى في منامه النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يقول له: " ما هذه الجفوة يا بلال! أما آن لك أن تزورني يا بلال؟ " فانتبه حزيناً وجلاً خائفاً، فركب راحلته، وقصد المدينة، فأتى قبر النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعل يبكي عنده، ويمرّغ وجهه عليه، فأقبل الحسنّ والحسين فجعل يضمّهما ويقبّلهما، فقالا له: يا بلال، نشتهي نسمع آذانك الذي كنت تؤذّنه لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السّحر، ففعل، فعلا سطح المسجد، فوقف موقفه الذي كان يقف فيه، فلّما أن قال: الله اكبر الله أكبر، ارتجّت المدينة، فلّما أن قال: أشهد أن لا إله إلاّ الله، زاد تعاجيجها، فلّما أن قال: أشهد أن محمداً رسول الله، خرج العواتق من خدرهنّ؛ فقالوا: أبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فما رؤي يوماً أكثر باكياً وباكية بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذلك اليوم.
قال أبو الحسن محمد بن الفيض: توفي إبراهيم بن محمد بن سليمان سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمئة.
إبراهيم بن محمد بن أبي سهل
أبو إسحاق المرورّوذي، المقرئ قدم دمشق وحدّث بها، وسمع منه بدمشق.
روى عن زاهر بن أحمد السّرخسيّ، بسنده عن أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلّلها منه من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيّئات صاحبه فطرحت عليه.(4/118)
إبراهيم بن محمد بن صالح بن سنان
ابن يحيى بن الأركون أبو إسحاق القرشيّ الدّمشقي مولى خالد بن الوليد؛ وإلى جدّه سنان تنسب قنطرة سنان بنواحي باب توما؛ وكان الاركون قسّيساً أسلم على يدي خالد بن الوليد حين فتح دمشق.
روى عن جماعة، وروى عنه جماعة.
حدّث عن محمد بن سليمان، بسنده عن أبي هريرة، عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله تعالى: " عسى أن يبعثك ربّك مقاماً محمودا " قال: " هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي ".
وعن جابر قال: أهلّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحجّ ليس معه عمرة.
توفي يوم الثلاثاء لإحدى وعشرين ليلة مضت من شهر ربيع الآخر سنة تسع وأربعين وثلاثمئة وكان ثقة دفن بباب توما، وكان قد نيّف على الثمانين سنةً.
إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله
أبو إسحاق القرشي التّيميّ من أهل المدينة.
سمع وأسمع.
وقدم على عبد الملك بن مروان مع الحجّاج بن يوسف، وكان قد استخصّه واستصحبه، ووفد على هشام.(4/119)
روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أريد ماله بغير حقّ فقتل دونه فهو شهيد ".
حدّث عمران بن عبد العزيز الزّهري، قال: لمّا ولي الحجّاج بن يوسف الحرمين بعد قتل عبد الله بن الزّبير، استخصّ إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله وقرّبه في المنزلة، فلم يزل على حالته عنده حتى خرج إلى عبد الملك زائراً، فخرج معه فعادله لا يترك في برّه وإجلاله وتعظيمه شيئاً، فلّما حضر باب عبد الملك حضر به معه، فدخل على عبد الملك، فلم يبدأ بشيء بعد السّلام، إلاّ أن قال: قدمت عليك يا أمير المؤمنين برجل احجاز، ولم أدع له والله نظيراً في كمال المروءة والأدب، والدّيانة والسّتر، وحسن المذهب، والطّاعة والنّصيحة، مع القرابة ووجوب الحقّ، إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله، وقد أحضرته بابك ليسهل عليك إذنك وتلقاه ببشرك، وتفعل به ما تفعل بمثله ممّن كانت مذاهبه مثل مذاهبه.
فقال عبد الملك: ذكّرتنا حقاً واجباً، ورحماً قريبةً؛ يا غلام، إيذن لإبراهيم بن طلحة.
فلّما دخل عليه مرّ به حتى أجلسه على فرشه، ثم قال له: يا ابن طلحة؛ إن أبا محمد ذكّرنا ما لم نزل نعرفك به من الفضل والأدب، وحسن المذهب، مع قرابة الرّحم، ووجوب الحقّ، فلا تدعن حاجةً من خاصّ أمرك ولا عامّ، إلاّ ذكرتها؛ قال: يا أمير المؤمنين، إن أولى الأمور أن يفتح بها الحوائج، ويرجى بها الزّلف، ما كان لله عزّ وجلّ رضىً، ولحقّ نبيّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولك فيها ولجماعة المسلمين نصيحة، لا أجد بدّاً من ذكرها، ولا يكون البوح بها إلاّ وأنا خال، فأخلني ترد عليك نصيحتي؛ قال: دون أبي محمد؟ قال: نعم؛ قال: قم يا حجّاج؛ فلّما جاوز السّتر، قال: قل يا ابن طلحة نصيحتك، قال: الله. يا أمير المؤمنين؟ قال: الله، قال: إنك عمدت إلى الحجّاج مع تغطرسه وتعترسه وتعجرفه لبعده من الحقّ وركونه إلى الباطل، فولّيته الحرمين، وفيهما من فيهما، وبهما من بهما من المهاجرين والأنصار، والموالي المنتسبة إلى الأخيار أصحاب(4/120)
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبناء الصحابة، يسومهم الخسف، ويقودهم بالعنف، ويحكم فيهم بغير السّنّة، ويطؤهم بطغاة من أهل الشّام، ورعاع لا رويّة لهم في إقامة حقّ، ولا إزاحة باطل؛ ثم ظننت أنّ ذلك فيما بينك وبين الله ينجيك، وفيما بينك وبين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخلّصك؛ إذا جاءتاك للخصومة في أمّته، أما والله لا تنجو هناك إلاّ بحجة تضمن لك النّجاة، فأفق على نفسك أو دع؛ فقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته ".
فاستوى عبد الملك جالساً وكان متكئاً فقال: كذبت لعمر الله ومقت ولؤمت فيما جئت به، قد ظنّ فيك الحجّاج ما لم يجده فيك، وربّما ظنّ الخير بغير أهله، قم فأنت الكاذب المائن الحاسد؛ قال: فقمت والله ما أبصر طريقاً، فلّما خلّقت السّتر لحقني لاحق من قبله، فقال للحاجب: احبس هذا، وأدخل أبا محمد الحجّاج؛ فلبثت ملّياً لا اشكّ أنّهما في أمري، ثم خرج الآذن فقال: قم يا ابن طلحة فادخل، فلّما كشف لي السّتر لقيني الحجّاج وأنا داخل وهو خارج فاعتنقني وقبّل ما بين عينيّ، ثم قال: إذا جزى الله المتآخيين بفضل تواصلهما خيراً فجزاك الله أفضل ما جزى به أخاً، فوالله لئن سلمت لك لأرفعنّ ناظرك، ولأعلينّ كعبك، ولأتبعنّ الرّجال غبار قدميك؛ قال: فقلت: يهزأ بي.
فلّما وصلت إلى عبد الملك أدناني حتى أجلسني مجلسي الأول، ثم قال: يا ابن طلحة، لعلّ أحداً من النّاس شاركك في نصيحتك؟ قلت: لا والله، ولا أعلم أحداً كان أظهر عندي معروفاً، ولا أوضح يداً من الحجّاج، ولو كنت محابياً أحداً بديني لكان هو، ولكني آثرت الدّنيا لكان لك في الحجاج أمل، وقد أزلت الحجّاج عن الحرمين لما كرهت من ولايته عليهما، وأعلمته أنك استنزلتني له عنهما استصغاراً لهما، وولّيته العراقين لما هناك من الأمور التي لا يرخصها إلا مثله، وأعلمته أنك استدعيتني إلى التولية له عليهما استزادةً له ليلزمه ما يؤّدي به عنّي إليك أجر نصيحتك، فاخرج معه فإنك غير ذامّ صحبته مع تفريطه، إيّاك ويدك عنده.(4/121)
قال: فخرجت على هذه الجملة.
روى عن عمر بن الخطاب أنه قال: لأمنعنّ فروج ذوات الأنساب إلاّ من الأكفّاء.
قال الزبير بن بكار: ومن ولد محمد بن طلحة بن عبيد الله: إبراهيم بن محمد، استعمله عبد الله بن الزّبير على خراج الكوفة، وكان يقال له: أسد الحجاز، وبقي حتى أدرك هشاماً.
قال: فأخبرني عمّي مصعب بن عبد الله: أن هشاماً قدم حاجاً، فتظلّم من عبد الملك بن مروان في دار آل علقمة التي بين الصّفا والمروة، وكان لآل طلحة شيء منها، فأخذها نافع بن علقمة الكنانيّ، وهو خال مروان بن الحكم، وكان عاملاً لعبد الملك بن مروان على مكة، فلم ينصفهم عبد الملك من نافع بن علقمة، وقال له هشام بن عبد الملك: ألم تكن ذكرت ذلك لأمير المؤمنين عبد الملك؟ قال: بلى، فترك الحقّ وهو يعرفه؛ قال: فما صنع الوليد؟ قال: اتّبع أثر أبيه، وقال ما قال القوم الظّالمون: " إنّا وجدنا آباءنا على أمة وإنّا على آثارهم مقتدون "، قال: فما فعل فيها سليمان؟ قال: لا قفي ولا سيري؛ قال: فما فعل فيها عمر بن عبد العزيز؟ قال: ردّها، يرحمه الله؛ قال: فاستشاط هشام غضباً، وكان إذا غضب بدت حولته، ودخلت عينه في حجاجه، ثم أقبل عليه فقال: أما والله أيّها اشّيخ، لو كان فيك مضرب لأحسنت أدبك! قال إبراهيم: فهو والله في الدّين والحسب، لا يبعدنّ الحقّ وأهله، ليكوننّ لهذا نحت بعد اليوم.
قال: وحدّثني مصعب بن عثمان بما جرى بين إبراهيم بن محمد وهشام بن عبد الملك في هذه القصّة، واختلفا في بعض الخبر.(4/122)
ثم طلب ولد إبراهيم بن محمد في حقّهم من الدّار إلى أمير المؤمنين الرّشيد، وجاؤوا ببيّنة تشهد لهم على حقّهم من هذه الدّار، فرّدها على ولد طلحة، وأمر قاضيه وهب بن وهب بن كبير بن عبد الله بن زمعة، أن يكتب لهم به سجلاً، ففعل.
قال عمّي مصعب بن عبد الله: فكنت فيمن شهد على قضاء أبي البختريّ وهب بن وهب، بردّها عليهم وكان القائم لولد طلحة فيها محمد بن موسى بن إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبد الله؛ ثم اشتراها أمير المؤمنين هارون من عدّة ن ولد طلحة، وكتب الشّراء عليها وقبضها، فلم تزل في القبض حتى قدم أمير المؤمنين المأمون من خراسان، فقدم عليه ولد نافع بن علقمة فردّها عليهم.
وقال محمد بن إسماعيل بن جعفر: دخل إبراهيم بن محمد بن طلحة على هشام بن عبد الملك، فكلّمه بشيء لحن فيه، فرّد عليه إبراهيم الجواب ملحوناً، فقال هشام: أتكلّمني وأنت تلحن! فقال له إبراهيم: ما عدوت أن رددت عليك نحو كلامك؛ فقال هشام: إن تقل ذلك، فما وجدت للعربيّة طلاوةً بعد أمير المؤمنين سليمان؛ فقال له إبراهيم: وأنا ما وجدت لها طلاوةً بعد بني تماضر من بني عبد الله بن الزّبير.
وممّا هاج هشاماً على أن يقول ما قال لإبراهيم؛ أن إبراهيم طلب الإذن عليه، فأبطأ ذلك، فقال له على الباب رافعاً صوته: اللهم غلّقت دونه الأبواب، وقام بعذره الحجّاب؛ فبلغ ذلك هشاماً فأغضبه.
قال محمد بن سعد: فولد محمد بن طلحة إبراهيم الأعرج، وكان شريفاً صارماً، ولاّه عبد الله بن الزّبير بن العوّام خراج العراق.
وقال إبراهيم بن هرمة: أردت لابني البناء على أهله، وخروجاً إلى باديتي، ومرمّة الشتاء، ففكّرت في قريش، فلم أذكر غير إبراهيم بن طلحة، فخرجت إليه في مال له بين شرقيّ المدينة وغربيّها، وقد هيأت له شعراً، فلّما جئته قال لبنيه: قوموا إلى عمّكم فأنزلوه، فقاموا فأنزلوني عن دابّتي، فسلمت عليه وجلست معه أحدّثه، فلّما اطمأنّ بي المجلس قلت له: أردت الخروج إلى باديتي، وحضر الشتاء ومؤونته، وأردت أن أجمع على ابني أهله، وكانت الأشياء متعذّرة، فتفكرت في قومي فلم أذكر سواك، وقد هيأت لك(4/123)
من الشّعر ما أحبّ أن تسمعه؛ فقال: بحقّي عليك إن أنشدتني شعراً، ففي قرابتك ورحمك وواجب حقّك، ما تعوصل به رحمك وتقضّي به حوائجك، فانصرف إلى باديتك واعذرني فيما يأتيك منّي.
قال: فخرجت إلى باديتي، فإنّي لجالس بعد أيام إذا بشويهات تتسايل يتبع بعضها بعضاً، فأعجبني حسنها، فما زالت تتسايل حتى افترش الوادي منها، وإذا فيها غلامان أسودان، وإذا إنسان على دابّة يحمل بين يديه رزمة، فلّما جاءني ثنى رجله، وقال: أرسلني إليك إبراهيم بنم طلحة، وهذه ثلاثمئة شاة من غنمه، وهاذان راعيان، وهذه أربعون ثوباً، ومئتا دينار، وهو يسألك أن تعذره.
وعن عبيد الله بن محمد قال: سمعت أبي يقول: لمّا مات حسن بن حسن، فحمل اعترض غرماؤه لسريره، فقال إبراهيم بن محمد بن طلحة: عليّ دينه، فحمله وهو أربعون ألفاً، وكان رجلاً مسيكاً فإذا حزبه أمرّ جاد له.
وعن ابن عائشة، عن أبيه: كتب عبد العزيز بن مروان إلى ابنه عمر: أن تزّوج بنت إبراهيم بن محمد بن طلحة، قال: فتزوّجها، وكتب بذلك إلى أبيه؛ فكتب إليه: تزوّج بنت عمّها وأنت أنت؛ قال: فخطب إلى عمر بن عبيد الله بن معمر بنته فزوّجه.
قال: فكان إبراهيم يدخل بين الخصوم، فقال عمر لبنته: قولي لأبيك يكفّ عن الدّخول بينهم، فكان لا يكفّ عن ذلك. قال: فدخل على ابنته فقال: كيف ترين بعلك؟ قالت: بخير؛ قال: وكيف عيشك؟ قالت: تأتيني مائدة غدوة أصيب منها أنا ومن حضرني، وأخرى عشّيةً أصيب منها أنا ومن حضرني، قال: أو مالك خزانة تعوّلين عليها إن ألّم بك ملّم بأضعاف ذلك؟ قالت: لا؛ فأرسل إليها ما يحمله الرّجال أوّلهم عندها وآخرهم في السّوق؛ فسأل عمر عن ذلك فأخبر به، فملأ خزانتها بعد.
وعن عبد الله بن أبي عبيدة قال: جاء كتاب هشام بن عبد الملك إلى إبراهيم بن هشام المخزوميّ وهو عامله على المدينة، أن يحطّ فرض آل صهيب بن سنان إلى فرض الموالي، ففزعوا إلى إبراهيم بن محمد بن طلحة وهو عريف بني تيم ورأسها، فقال: سأجهد في ذلك ولا أتركه، فشكروا له وجزوه خيراً.(4/124)
قال: وكان إبراهيم بن هشام يركب كلّ يوم سبت إلى قباء، قال: فجلس إبراهيم بن محمد بن طلحة على باب دار طلحة بن عبد الله بن عون بالبلاط، وأقبل إبراهيم بن هشام، فنهض إليه إبراهيم بن محمد فأخذ بمعرفة دابّته، فقال: اصلح الله الأمير، حلفائي، ولد صهيب، وصهيب من الإسلام بالمكان الذي هو به؛ قال: فما أصنع؟ جاء كتاب أمير المؤمنين فيهم، والله لو جاءك لم تجد بدّاً من إنفاذه؛ فقال: والله، إن أردت أن تحسن فعلت، وما يرّد أمير المؤمنين قولك، وإنك لوالد، فافعل في ذلك ما تعرف؛ فقال: مالك عندي إلاّ ما قلت لك! فقال إبراهيم بن محمد: واحدة أقولها لك، والله لا يأخذ رجل من بني تميم درهماً حتى يأخذ آل صهيب؛ قال: فأجابه والله إبراهيم بن هشام إلى ما أراد، وانصرف إبراهيم بن محمد، فأقبل إبراهيم بن هشام على أبي عبيدة بن محمد بن عمّار وهو معه فقال: لا يزال في قريش عزّ ما بقي هذا؛ فإذا مات هذا ذلّت قريش.
وعن عبد الرّحمن بن أبي الزّناد قال: أمر لأهل المدينة بالعطاء في خلافة هشام بن عبد الملك، فلم يتّم من الفيء، فأمر هشام أن يتّم من صدقات اليمامة، فحمل إليهم، وبلغ ذلك إبراهيم بن محمد بن طلحة، فقال: والله لا نأخذ عطاءنا من صدقات النّاس وأوساخهم، حتى نأخذه من الفيء؛ وقدمت الإبل تحمل ذلك المال، فخرج إليهم وأهل المدينة، فجعلوا يردّون الإبل ويضربون وجوهها بأكمتّهم ويقولون: والله لا يدخلها وفيها درهم من الصّدقة؛ فردّت الإبل، وبلغ هشام بن عبد الملك، فأمر أن تصرف عنهم الصّدقة وأن يحمل إليهم تمام عطاياهم من الفيء.
قال ابن سعد: في الطبقة الثالثة من أهل المدينة، ومات بالمدينة سنة عشر ومئة.(4/125)
إبراهيم بن محمد المهديّ
ابن عبد الله المنصور بن محمد عليّ بن عبد الله بن عبّاس بن عبد المطلب أبو إسحاق، المعروف بابن شكلة الهاشميّ ولاّه أخوه الرّشيد إمرة دمشق، فقدمها ثم عزله عنها، وولاها غيره، ثم أعاد إبراهيم إلى ولايتها. وولي إمرة الحجّ.
قال حميد بن فروة: لمّا استقرّت للمأمون الخلافة، دعا إبراهيم بن المهدّي المعروف بابن شكلة، فوقف بين يديه، فقال: يا إبراهيم، أنت المتوثّب علينا تدّعي الخلافة؟ فقال: يا أمير المؤمنين، أنت وليّ الثأر، والمحكم في القصاص، والعفو أقرب للتّقوى، وقد جعلك الله فوق كلّ ذي ذنب، كما جعل كلّ ذي ذنب دونك، فإن أخذت أخذت بحقّ، وإن عفزت عفوت بفضل؛ ولقد حضرت أبي، وهو جدّك، وأتي برجل، وكان جرمه اعظم من جرمي، فأمر الخليفة بقتله، وعنده المبارك بن فضالة، فقال المبارك: إن رأى أمير المؤمنين أن يتأنّى في أمر هذا الرّجل حتى أحدثّه بحديث سمعته من الحسن؛ قال: إيه يا مبارك؛ فقال: حدّثنا الحسن، عن عمران بن حصين، أنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كان يوم الجمعة نادى مناد من بطنان العرش: ألا ليقومنّ العافون من الخلفاء إلى أكرم الجزاء، فلا يقوم إلاّ من عفا " فقال الخليفة: إيها يا مبارك، قد قبلت الحديث بقبوله وعفوت عنه.
فقال المأمون: وقد قبلت الحديث بقبوله، وعفوت عنك؛ ها هنا يا عمّ، ها هنا يا عمّ.
روى عن حمّاد الأبحّ، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من نوقش الحساب عذّب ".(4/126)
قال إبراهيم بن المهدي: كان سبب ولايتي دمشق، أن الهادي زوّجني أمّ محمد بنة صالح بن المنصور، وأمّها أمّ عبد الله بنة عيسى بن علي بن عبد الله بن العبّاس، وكان لي سبع سنين، ثم إني قبل انسلاخ اثنتي عشرة سنة من مولدي أدركت، فاستحثّتني أمّ عبد الله بنة عيسى بن علي، على الابتناء بأمّ محمد بنة صالح، فاستأذنت الرّشيد في ذلك، فأعلمني أن العبّاسة أخته، قد شهدت عليك أنك حلفت يميناً بطلاقها، لحقك فيها الحنث.
قال إبراهيم: وكانت البليّة في هذا الباب أن الرّشيد رغب في تزويج أمّ محمد، وأراد منّي أن أطلّقها، فامتنعت عليه من طلاقها، فتغيّر عليّ في الخاصّة، ولن يقصر بي في العامّة؛ فلم أزل في جفوة منه في الخاصّة، وسوء رأي، ويتأدّى إليّ عنه أشياء، وأشاهد بما يظهر منه إلي أن استتمت ستّ عشرة سنة، وصحّ عندي رغبة أمّ محمد في الرّشيد، وعلمت أنّها لا تصلح لي، فطلّقتها؛ فلم يكن بين تطليقي إيّاها وبين ابتناء الرّشيد بها إلاّ مقدار العدّة، ثم رجع لي الرّشيد إلى ما كنت أعهده من برّه ولطفه قبل ذلك.
وحدّث إبراهيم: أن تطليقه أمّ محمد بنة صالح بن المنصور، وعقد الرّشيد نكاحها لنفسه بعده، أسكنا قلبه غمراً على الرّشيد، فكان لا يستحسن له حسناً، ولا يشكر له فعلاً جميلاً يأتيه إليه، وكان الرّشيد قد تبّين منه، فكانت تعطفه عليه الرّحم، ويصلح ذلك له جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك، إلى أن دخل إبراهيم في سنة ثماني عشرة سنةً من مولده.
فلّما دخل في أوّل السّنة، رأى فيما يرى النّائم في ليلة سبت قد كان يريد بالغلس الرّكوب إلى الرّشيد إلى الحلبة في صبيحتها بقصره في ظهر الرّافقة، فرأى فيما يرى النّائم، المهدّ في النّوم، فكأنه قال له: كيف حالك يا إبراهيم؟ فأجابه: وكيف يكون حال من خليفتك عليه هارون إلاّ شرّ حال! ظلمني من ميراثك، وقطع رحمي، ولم يحفظني لك، واستنزلني عن ابنة عمّي؛ فكأنه يقول لي: لقد اضطغنت عليه أشياء، أقلّ منها يضغن، وشرّ من قطيعة الرّحم الاضطغان على ذوي الأرحام، فما تحبّ الآن أن أفعل به؟(4/127)
فقلت: تدعو الله عليه! فكأنه تبسّم من قولي، ثم قال: اللهم أصلح ابني هارون، اللهم أصلح عبدك هارون.
قال إبراهيم: فكأني حزنت من دعائه له بالصّلاح، فبكيت، وقلت: يا أمير المؤمنين، أسألك أن تدعو الله عليه، فتدعو له! قال: فكأنه يقول لي: إنّما ينبغي للعبد أن يدعو بما ينتفع به، ويرجو فيه الإجابة، وإن دعوت الله عليه، فاستجاب لي، لم ينفعك ذلك، وقد دعوت الله له بالصّلاح، وإن استجيب دعائي بصلاحه، صلح لك فانتفعت به، ثم ولّى عنّي، ثم التفت إليّ فقال لي: قد استجيبت الدّعوة، وهو قاض عنك دينك، ومولّيك جند دمشق، وموسّع في الرّزق، فاتقّ الله يا إبراهيم فيمن تتقلّد أمره.
قال: فكأني أقول له وأنا أدير السّبابة من يدي اليمنى: دمشق دمشق دمشق! قال: فكأنه يقول لي: حرّكت مسبّحة يدك اليمنى، وقلت: دمشق دمشق دمشق، تكرّرها استقلالاً لها! إنها دنيا يا بنّي، وكلّما قلّ حظّك منها كان أجدى عليك في آخرتك، وانتبهت مرعوباً، فاغتسلت، ولبست ثيابي، وركبت إلى الرّشيد، إلى قصر الخشب بالراّفقة عنه إذا لم يكن عند حرمه، فسألت عند موافاتي القصر عن خبره فأخبرت أنه يتهيّأ للصّلاة، فلّما صرت إلى الرّواق الذي هو جالس فيه، قال لي مسرور الكبير: اجلس بأبي أنت، لا تدخل على أمير المؤمنين، فإنه مغموم يبكي لشيء لا أعلمه؛ فما هو إلاّ أن سمع كلامي، حتى صاح بي: يا إبراهيم، أدخل، فديتك؛ فما هو إلاّ أن رآني حتى شهق شهقة تخوّفت عليه منها، ورفع صوته بالبكاء، ثم قال: يا حبيبي ويا بقيّة أبي وكان يقول لي كثيراً: يا بقيّة أبي، لشدّة شبه إبراهيم بالمهدّي في لونه وعينيه وأنفه أسألك بحقّ الله، وحقّ رسوله، وحقّ المهديّ، هل رأيت في نومك في هذه اللّيلة أحداً تحبّه؟ فقلت: إي، والله، يا أمير المؤمنين، لقد رأيت آنفاً المهديّ، قال: فبحقّه عليك، هل شكوتني إليه؟ وسألته أن يدعو عليّ فدعا الله لي بالصلاح، فأنكرت ذلك عليه، حتى قال لك في ذلك قولاً طويلاً. فقلت له: وحقّ المهديّ لقد كان ذلك، ولقد أخبرني بعد دعائه أن الله استجاب دعاءه، وأنك قد صلحت لي وانك تقضي ديني، وتوسع عليّ في الرّزق، وتوليني دمشق.(4/128)
قال: فازداد الرّشيد في البكاء، وقال: قد وحقّه الواجب عليّ أمرني بقضاء دينك، والتّوسعة في الرّزق عليك، وتوليتك جند دمشق.
ثم دعا بمسرور، وقال: احمل معك قناةً ولواءً إلى ميدان الخيل، حتى أعقد لبقّية أبي على جند دمشق إذا رجعت الخيل.
فصّلى وركب وركبت معه، فلّما رجعت الخيل عقد لي على دمشق، وأمر لي بأربعين ألف دينار، فقضيت بها ديني، وأجرى عليّ في كلّ سنة ثلاثين ألف دينار عمالةً، فلبثت في العمل سنتين ارتزقت فيهما ستين ألف دينار، فصار مرزقي من تلك الولاية مع ما قضى عني من الدّين مئة ألف دينار.
وحدّث إبراهيم، أنه ما علم أحداً ولي جند دمشق فسلم من لقب يلقّبه به أهل ذلك الجند غيره، فسئل عن السبب في ذلك، فأعلم أنه فحص عنه عقد الرّشيد له على جند دمشق، فاخبر أن كلّ ملقّب ممّن ولي إمرته لم يكن إلاّ مّمن ينحرف عنه من اليمانيّة أو المضريّة؛ فكان إن مال إلى المضريّة لقّبته اليمانيّة، وإن مال إلى اليمانيّة لقّبته المضريّة.
وانه لمّا ولي وافى حمص، كتب إلى خليفته المستلم لعمله بدمشق يأمره بإعداد طعام له كما يعدّ للأمراء في العيدين، وأنه لما وافى غوطة دمشق تلقّاه الحيّان من مضر ويمن، فلقي كلّ من تلقّاه بوجه واحد، فلما دخل المدينة أمر صاحبه بإحضار وجوه الحيّين، وأمره بتسمية أشرافهم، وأن يقدّم من كلّ حيّ الأفضل فالأفضل منهم، وأن يأتيه بذلك، فلّما أتاه به، أمر بتصيير النّاس من الجانب الأيمن مضريّاً، وعن شماله يمنيّاً، ومن دون اليمانيّ مضريّ، ومن دون المضريّ يمانيّ، حتى لا يلتصق مضريّ بمضريّ، ولا يمانيّ بيمانيّ، ثم قدّم الطّعام، فلم يطعم شيئاً حتى حمد الله وأثنى عليه، وصلّى على نبيّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال: إنّ الله عزّ وجلّ جعل قريشاً موازين بين العرب، فجعل مضر عمومتها، وجعل يمن خؤولتها، وافترض عليها حبّ العمومة والخؤولة، فليس يتعصّب قرشيّ إلاّ للجهل بالمفترض عليه؛ ثم قال: يا معشر مضر، كأنّي بكم وقد قلتم إذا خرجتم لإخوانكم من يمن: قد قدّم أميرنا مضر على يمن، وكأني بكم يا يمن قد قالت: وكيف قدّمكم علينا وقد جعل بجنب اليمانّي مضريّاً، وبجنب المضريّ يمانيّاً، فقلتم با معشر مضر؛ إنّ الجانب الأيمن أعلى(4/129)
من الجانب الأيسر، وقد جعل الجانب الأيمن لمضر والأيسر لليمن، وهذا دليل على تقدمته إيّأنا عليكم؛ إلا إن مجلسك يا رئيس المضريّة في غد من الجانب الأيسر، ومجلسك يا رئيس اليمانيّة من غد في الجانب الأيمن، وهذان الجانبان نوب بينكما، يكون كلّ من كان فيه في يومه متحوّل عنه في غده إلى الجانب الآخر؛ ثم سمّيت الله، ومددت يدي إلى طعامي، فطعمت وطعموا معي، فانصرف القوم عنّي في ذلك اليوم، وكلّهم لي حامد.
ثم كانت تعرض الحاجة لبعض الحيّين، فاسأل قبل أن أقضيها له: هل لأحد من الحيّ الآخر حاجة شبه حاجة السائل؟ فإذا عرفتها قضت الحاجتين في وقت واحد، فكنت عند الحيّين محموداً، لا أستحقّ عند واحد منهم ذمّاً ولا عيباً ولا نبزاً ينبز به.
قال أبو بكر الخطيب: بويع له بالخلافة ببغداد في أيام المأمون، وقاتل الحسن بن سهل، وكان الحسن أميراًمنقبل المأمون، فهزمه إبراهيم، فتوجّه نحوه حميد الطّوسيّ، فهزمه حميد، واستخفى إبراهيم مدّة طويلة حتى ظفر به المأمون فعفا عنه، وكان أسود حالك اللّون، عظيم الجثّة، ولم ير في أولاد الخلفاء قبله أفصح منه لساناً، ولا أجود شعراً.
قال: وكان إبراهيم وافر الفضل، غزير الأدب، واسع النّفس، سخيّ الكفّ، وكان معروفاً بصنعة الغناء، حاذقاً بها، وله يقول دعبل بن علي يتقرّب بذلك من المأمون: من الكامل
نعر ابن شكلة بالعراق وأهلها ... فهفا إليه كلّ أطلس مائق
إن كان إبراهيم مضطلعاً بها ... فلتصلحن من بعده لمخارق
وقال ابن ماكولا: أما التّنّين، أوله تاء معجمة باثنتين من فوقها، وبعدها نون مشدّدة مكسورة، فهو إبراهيم بن المهدي بن المنصور، أمير المؤمنين، كنيته أبو إسحاق، أمّه شكله نسب إليها، وكانت سوداء، وكان شديد السّواد، عظيم الجسم، فلقّب التّنّين(4/130)
لذلك، ولد في سنة اثنتين وستين ومئة، وتوفي سنة أربع وعشرين ومئتين وقيل: في سنة ثلاث وعشرين بسرّ من رأى، كان من أحسن النّاس غناء وأعلمهم به، وهو شاعر مطبوع مكثر.
قال إسحاق بن الفضل الهاشميّ: كتب طاهر بن الحسين إلى إبراهيم بن المهديّ، وهو يحاربه، في ترك التّقحّم، والأخذ بالحزم، وإبراهيم في طاعة محمد بن زبيدة: بسم الله الرحمن الرحيم، حفظك الله وعافاك، أمّا بعد: فإنه كان عزيزاً عليّ أن أكتب إلى رجل من أهل بيت الخلافة بغير التّأمير، لكن بلغني عنك أنك مائل بالرّأي والهوى إلى النّاكث المخلوع، فإن يك ما بلغني حقّاً، فقليل ما كتبت به إليك كثير، وإن يك باطلاً فالسّلام أيّها الأمير ورحمة الله وبركاته.
وكتب في أسفل كتابه: من البسيط
ركوبك الهول ما لم تلق فرصته ... جهل ورأيك في الإقحام تعزير
أعظم بدنيا ينال المخطئون بها ... حظّ المصيبين والمغرور مغرور
ازرع صواباً وحبل الرأي موترة ... فلن يردّ لأهل الحزم تدبير
فإن ظفرت مصيباً أو هلكت به ... فأنت عند ذوي الألباب معذور
وإن ظفرت على جهل وفزت به ... قالوا جهول أعانته المقادير
قال إبراهيم بن محمد بن عرفة: بعث المأمون إلى عليّ ين موسى الرّضا فحمله وبايع له بولاية العهد، فغضب من ذلك بنو العبّاس، وقالوا: لا تخرج الأمر عن أيدينا؛ وبايعوا إبراهيم بن المهديّ، فخرج إلى الحسن بن سهل فهزمه، وألحقه بواسط، وأقام إبراهيم بن المهديّ بالمدائن، ثم وجّه الحسن عليّ بن هشام وحميد الطّوسيّ، فاقتتلوا فهزمه حميد، واستخفى إبراهيم، فلم يعرف خبره، حتى قدم المأمون فأخذه.
وقال إسماعيل بن علي بن إسماعيل: وبايع أهل بغداد لإبراهيم بن المهديّ بالخلافة ببغداد في داره المنسوبة إليه، في ناحية سوق العطش، وسمّوه المبارك، وقيل: سمّوه(4/131)
المرضيّ، وذلك يوم الجمعة لخمس خلون من المحرّم سنة اثنتين ومئتين، فغلب على الكوفة والسّواد، وخطب له على المنابر، وعسكر بالمدائن، ثم رجع إلى بغداد، فأقام بها، والحسن ين سهل مقيمّ في حدود واسط خليفة للمأمون، والمأمون ببلاد خراسان، فلم يزل إبراهيم مقيماً ببغداد على أمره يدعى بإمرة المؤمنين، ويخطب له على منبر بغداد وما غلب عليه من السّواد والكوفة، ثم رحل المأمون متوجهاً إلى العراق، وقد توفي عليّ بن موسى الرضا.
فلّما أشرف المأمون على العراق وقرب من بغداد، ضعف أمر إبراهيم بن المهديّ، وقصرت يده، وتفرّق النّاس عنه، فلم يزل على ذلك إلى أن حضر الأضحى من سنة ثلاث ومئتين، فركب إبراهيم بن المهديّ في زيّ الخلافة إلى المصلّى فصلّى بالنّاس صلاة الأضحى، وهو ينظر إلى عسكر غليّ بن هشام مقدمة للمأمون، ثم انصرف من الصّلاة، فنزل قصر الرّصافة، وغدا النّاس فيه، ومضى من يومه إلى داره المعروفة به، فلم يزل فيها إلى آخر النّهار، ثم خرج منها باللّيل فاستتر وانقضى أمره.
فكانت مدّته منذ بويع له بمدينة السّلام إلى يوم استتاره سنةً واحد عشر شهراً وخمسة أيّام، وكان سنّة يوم بويع له تسعاً وثلاثين سنة وشهرين وخمسة أيام، لأن مولده غرّة ذي القعدة من سنة اثنتين وستين ومئة، واستتر وسنّه إحدى وأربعون سنة وأيام، وأقام في استتاره ستّ سنين وأربعة أشهر وعشرة أيّام، وظفر به المأمون لثلاث عشرة بقيت من ربيع الآخر سنة عشر ومئتين، فعفا عنه واستبقاه، فلم يزل حيّاً طاهراً مكرّماً إلى أن توفي في خلافة المعتصم بالله، وكان واسع الأدب كثير الشّعر.
قال ابن مهرويه: لمّا بويع إبراهيم بن المهديّ ببغداد قلّ المال عنده، وكان قد لجأ إليه أعراب من أعراب السّواد وغيرهم، فاحتبس عليهم العطاء، فجعل إبراهيم يسوّفهم بالمال ولا يرون لذلك حقيقة، إلى أن اجتمعوا يوماً وخرج رسول إبراهيم إليهم، فصرّح لهم أنه لا مال عنده؛ فقال قوم من غوغاء أهل بغداد: فإذا لم يكن المال، فاخرجوا إلينا خليفتنا فليإنلأهل هذا الجانب ثلاثة أصوات، ولأهل ذلك الجانب ثلاثة أصوات،(4/132)
فيكون ذلك عطاءهم، فانشد دعبل في ذلك: من السريع
يا معشر الأعراب لا تغلطوا ... وارضوا عطاياكم ولا تسخطوا
فسوف يعكيكم حنينيّة ... لا تدخل الكيس ولا تربط
والمعبديّات لقوّادكم ... وما بهذا أحد يغبط
فهكذا يرزق أجناده ... خليفة مصحفة البربط
البربط: العود، وأصله بالفارسية، والعرب تسميه المزهر.
وقال محمد بن القاسم بن خلاد: لمّا طال على إبراهيم بن شكلة الاختفاء وضجر، كتب إلى المأمون: وليّ الثّأر محكّم في القصاص، والعفو أقرب للتقوى، ومن تناوله الاغترار بما مدّ له من أسباب الرّجاء أمن عادية الدّهر على نفسه، وقد جعل الله أمير المؤمنين فوق كلّ ذي عفو، كما جعل كلّ ذي ذنب دونه، فإنعفا فبفضله، وإن عاقب فبحقّه.
فوقّع المأمون في قصّته أمانه، وقال فيها: القدرة تذهب الحفيظة، وكفى بالنّدم إنابة، وعفو الله أوسع من كلّ شيء.
ولمّا دخل إبراهيم على المأمون، قال: من الخفيف
إن أكن مذنباً فحظي أخطأ ... ت فدع عنك كثرة التّأنيب
قل كما قال يوسف لبني يع ... قوب لمّا أتوه لا تثريب
فقال: لا تثريب.
قال ثمامة بن أشرس: قال لي المأمون: قد عزمت غداً على تقريع إبراهيم بن(4/133)
المهديّ فاحضر مبكّراً، وليقرب مجلسك منّي، وقام السّماط، فبينا نحن كذلك إذ سمعت صلصلة الحديد، فرفعت نظري فإذا إبراهيم بن المهديّ موقوف على البساط، ممسوك بضبعيه، مغلولة يده إلى عنقه، قد تهدّل شعره على عينيه، فقال: السّلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال المأمون: لا سلّم اله عليك ولا حيّاك ولا رعاك ولا كلاّك، أكفرّ يا إبراهيم بالنّعمة بغير شكر، وخروج على أمير المؤمنين بغير عهد ولا عقد! فقال إبراهيم: يا أمير المؤمنين، إن القدرة تذهب الحفيظة، ومن مدّ له في الاغترار هجمت به الأناة على التّلف، وقد رفعك الله فوق كل ذي ذنب، كما وضع كلّ ذي ذنب دونك؛ فإن تعاقب فبحقك، وإن تعف فبفضلك.
فقال المأمون: إنّ هذين قد أشارا عليّ بقتلك وأومى إلى المعتصم والعبّاس ابنه! فقال: أشارا عليك يا أمير المؤمنين بما يشار به على مثلك في مثلي من حسن السّياسة والتدّبير، وإنّ الملك عقيم، ولكنّك تأبى أن تستجلب نصراً إلاً من حيث عوّدك الله عزّ وجلّ، وأنا عمّك، والعمّ صنو الأب؛ وبكى.
فترغرغت عينا المأمون، ثم قال: يا ثمامة؛ فوثبت قائماً، فقال: إنّ من الكلام كلام كالدّرّ؛ حلّوا عن عمّي، وغيّروا من حالته في أسرع وقت، وجيئوني به.
فأحضره مجلسه ونادمه، وسأله أن يغنّي، فأبى، وقال: نذرت يا سيدي لله عند خلاصي تركه، فعزم عليه، وأمر أن يوضع العود في حجره، فسمعته يغنّي: من مجزوء الكامل
هذا مقام مشرّد ... خربت منازله ودوره
نمّت عليه عداته ... كذباً فعاقبه أميره
ثم ثنّى بشعر آخر: من الطويل
ذهبت من الدّنيا وقد ذهبت منّي ... لوى الدّهر بي عنها وولّى بها عنّي(4/134)
فإن أبك نفسي أبك نفساً عزيزة ... وإن أحتقرها أحتقرها على ضنّ
وإنّي وإنكنت المسيئ بعينه ... بربّي تعالى جدّه حسن الظّنّ
عدوت على نفسي فعاد بعفوه ... عليّ فعاد العفو منّا على منّ
فقال له المأمون: أحسنت والله يا أمير المؤمنين حقاً! ؛ فرمى بالعود من حجره ووثب قائماً فزعاً من هذا الكلام؛ فقال له المأمون: اقعد واسكن، فوحياتك ما كان ذلك لشيء تتوهّمه، ووالله لا رأيت منّي طول أيّامي شيئاً تكرهه وتغتّم به.
ثم أمر بكلّ ما قبض له من الأموال والدّور والعقار والدّواب والضّياع أن تردّ عليه، وأعاد مرتبته، وأمر له في تلك السّاعة بعشرة آلاف دينار، وانصرف مكرماً مخلوعاً عليه، على خيل ورجل أمير المؤمنين، واشتهر في الخاصّة والعامّة عفو أمير المؤمنين عن عمّه، فحسن موقع ذلك منهم، واستوسقوا على الطّاعة والموالاة، والشّكر والدّعاء.
فقيل لثمامة: أي شيء كان جرمه؟ قال: بويع له بالخلافة بعد محمد بن هارون، والمأمون بخراسان، فلّما دخل المأمون اختفى، وأهدر المأمون دمه، ونادى عليه، فجاء من غير أن يجيء به أحد، فأمكن من نفسه، فحبسه ستة أشهر، وأخرجه، وعفا عنه.
قال الفضل بن العبّاس الهاشميّ: بعث المأمون إلى إبراهيم عمّه بعدما حبسه، رجلاً يثق له، فقال: تعرف ما يعمل عمّي، وما يقول؛ قال: فعل، ثم رجع غليه، فقال: رأيته يبكي، وقد وضع إحدى رجليه على الأخرى، وهو يتغنّى: من الطويل
فلو أنّ خدّاً من وكوف مدامع ... يرى معشباً لاخضرّ خدّي فأعشبا
كأن ربيع الزّهر بين مدامعي ... بما انهل منها من حياً وتصبّبا
ولو أنني لم أبك إلاً مودّعاً ... بقّية نفس ودّعتني لتذهبا
وقد قلت لمّا لم أجد لي حيلةً ... من الموت لمّا حلّ أهلاً ومرحباً
قال: فبكى المأمون، ثم أمر بالتحقيق عنه.
وحدّث حماد بن إسحاق عن أبيه، قال: لمّا دخلت على ابن شكلة في بقايا غضب(4/135)
المأمون، فقلت: من البسيط
هي المقادير تجري في أعنّتها ... فاصبر فليس لها صبر على حال
يوماً تريش خسيس الحال ترفعه ... إلى السّماء ويوماً تخفض العالي
فأطرق، ثم قال: من البسيط
عيب الأناة وإنسرت عواقبها ... أن لا خلود وأن ليس الفتى حجراً
فما مضى ذلك اليوم حتى بعث إليه المأمون بالرّضى، ودعاه للمنادمة؛ والتقيت معه في مجلس المأمون، فقلت: ليهنك الرّضى؛ فقال: ليهنك مثله من متيّم، وكانت جارية أهواها، فحسن موقع ذلك عندي، فقلت: من الطويل
ومن لي بأن ترضى وقد صحّ عندها ... ولوعي بأخرى من بنات الأعاجم
وقال المبرّد: وقّع إبراهيم بن المهديّ في رقعة كاتب له ورآه يتتّبع الغريب والوحشيّ من الكلام: إيّاك والتتّبع لوحشيّ الكلام طمعاً في نيل البلاغة، فإن هذا العيّ الأكبر، وعليك بما سهل من الكلام، مع التحفّظ لألفاظ السّفل.
وقال حماد بن إسحاق عن أبيه عن جده: استزار إبراهيم بن المهديّ الرّشيد بالرّقّة، وإن الرّشيد كان لا يأكل الطعام الحارّ قبل البارد، وإنه لما وضعت البوارد على المائدة رأى فيما قرب منه قريس السّمك، فاستصغر القطع، فقال لإبراهيم: لم يصغّر طبّاخك قطع السمك؟ فقال: لم يصغّر طبّاخي القطع، وإنّما هذه ألسنة السّمك! فقال: يشبه أن يكون في هذا الجام مئة لسان؛ فقال له مراقب خادم إبراهيم وكان يتولّى قهرمة إبراهيم: فيه يا أمير المؤمنين أثر من مئة لسان! فاستحلفه على مبلغ ثمن السّمك، فاخبره أنه ألف درهمّ فرفع هارون يده عن الطعام، وحلف أن لا يطعم شيئاً دون أن يحضر مراقب ألف دينار، فأمر أن يتصدّق بها، وقال لإبراهيم: أرجو أن تكون هذه كفّارة لسرفك، على جام سمك ألف درهم! ثم أخذ الجام بيده ودفعه إلى بعض(4/136)
خدمه، وقال: اخرج به من دار أخي، ثم انظر أوّل سائل تراه فادفعه إليه.
قال إبراهيم: وكان شراء الجام عليّ مئتين وسبعين ديناراً، فغمزت خدمي أن يخرجوا مع الجام فيبتاعوه ممّن يدفع إليه، فكأن الرّشيد فهم ذلك منّي، فهتف بالخادم فقال: إذا دفعت الجام إلى السّائل فقل له: يقول لك أمير المؤمنين: احذر أن تبيع الجام بأقلّ من مئتي دينار، فإنه خير منها: ففعل خادمه ما أمره به، فوالله ما أمكن خادمي أن يخلص الجام إلاّ بمئتي دينار.
وقال عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع: ما اجتمع أخ وأختّ أحسن غناءً من إبراهيم بن المهدي وأخته عليّة وكانت تقدّم عليه.
وعن الحسين بن عبد الرحمن الحلبي عن أبيه، قال: أمر المأمون أن يحمل إليه عشرة من الزّنادقة سمّوا له من أهل البصرة، فجمعوا وأبصرهم طفيليّ، فقال: ما اجتمع هؤلاء إلاّ لصنيع، فانسلّ فدخل وسطهم، ومضى بهم الموكّلون حتى انتهوا إلى زورق قد أعدّ لهم، فدخلوا الزّورق، فقال الطفيليّ: هي نزهة، فدخل معهم الزّورق، فلم يك بأسرع بأن قيّد القوم وقيّد معهم الطّفيليّ، فقال الطفيليّ: بلغ تطفيلي إلى القيود! ثم سيّر بهم إلى بغداد، فدخلوا على المأمون، فجعل يدعو بأسمائهم رجلاً رجلاً فيأمر بضرب رقابهم، حتى وصل إلى الطّفيليّ، وقد استوفوا عدّة القوم، فقال للموكلّين بهم: ما هذا؟ فقالوا: والله ما ندري، غير أنّا وجدناه مع القوم فجئنا به؛ فقال المأمون: ما قصّتك ويلك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، امرأته طالق إن كان يعرف ن أقوالهم شيئاً، ولا يعرف إلاّ الله، ومحمداً النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنّما رجل رأيتهم مجتمعين، فظننت صنيعاً يغدون إليه؛ فضحك المأمون وقال: يؤدّب.
وكان إبراهيم بن المهديّ قائماً على رأس المأمون، فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي أدبه، أحدّثك بحديث عجيب عن نفسي، فقال: قل يا إبراهيم، قال: يا أمير المؤمنين، خرجت من عندك يوماً في سكك بغداد متطرّباً، حتى انتهيت إلى موضع سمّاه فشممت(4/137)
يا أمير المؤمنين من جناح أبا زير قدور فاح طيبها، فتاقت نفسي إليها، وإلى طيب ريحها، فوقفت على خيّاط، وقلت له: لمن هذه الدّار؟ فقال: لرجل من التّجّار، من البزّازين؛ فقلت: ما اسمه؟ قال: فلان بن فلان، فرميت بطرّفي إلى الجناح فإذا في بعضه شبّاك، فأنظر إلى كفّ قد خرج من الشّباك قابضاً على بعضه، فشغلني يا أمير المؤمنين حسن الكفّ والمعصم عن رائحة القدور، فبقيت ها هنا ساعةً، ثم أدركني ذهني، فقلت للخيّاط: هل هو ممّن يشرب النبيذ؟ قال: نعم، وأحسب عنده اليوم دعوة، وليس ينادم إلاّ تجّاراً مثله مستورين.
فإني كذلك إذا أقبل رجلان نبيلان راكبان من رأس الدّرب، فقال الخيّاط: هؤلاء منادموه؛ فقلت: ما أسماؤهما وماكناهما؟ فقال: فلان وفلان، وأخبرني بكناهما، فحرّكت دابّتي وداخلتهما، وقلت: جعلت فداكما، استبطأكما أبو فلان أعزّه الله، وسايرتهما، حتى أتينا إلى الباب، فأجلاني وقدّماني، فدخلت ودخلا، فلّما رآني معهما صاحب المنزل، لم يشكّ أني منهما بسبيل، أو قادم قدمت من موضع، فرحّب وأجلسني في أفضل المواضع، فجيئ يا أمير المؤمنين بالمائدة، وعليها خبز نظؤف، وأتينا بتلك الألوان، فكان طعمها أطيب من ريحها؛ فقلت في نفسي، هذه الألوان قد أكلتها، بقيت الكفّ أصل إلى صاحبتها؛ ثم رفع الطّعام وجيء بالوضوء، ثم صرنا إلى منزل المنادمة، فإذا أشكل منزل أمير المؤمنين، وجعل صاحب المنزل يلطفني، ويقبل عليّ بالحديث، وجعلوا لا يشكّون أن ذلك منه لي عن معرفة متقدمة، وإنّما ذلك الفعل كان منه لما ظنّ أني منهما بسبيل؛ حتى إذا شربنا أقداحاً خرجت علينا جارية يا أمير المؤمنين كأنها غصن بان تتثنّى، فأقبلت تمشي، فسلّمت غير خجلة، وثنيت لها وسادة فجلست، وأتي بعود فوضع في حجرها، فجسّته، فاستنبأت في جسّها حذقها، ثم اندفعت تغنّي وتقول: من الطويل
توهّمها طرفي فأصبح خدّها ... وفيه مكان الوهم من نظري أثر
وصافحها قلبي فآلم كفّها ... فمن مسّ قلبي في أناملها عقر(4/138)
فهيّجت يا أمير المؤمنين لا بلي، وطربت بحسن شعرها، وحذقها؛ ثم اندفعت تغنّي: من الطويل
أشرت إليها هل عرفت مودّتي ... فردّت بطرف العين إني على العهد
فحدت عن الإظهار عمداً لسرّها ... وحاذت عن الإظهار أيضاً على عمد
فصحت: السّلامة، يا أمير المؤمنين، وجاءني من الطّرب ما لم أملك نفسي، ثم اندفعت تغنّي الصّوت الثالث: من الطويل
أليس عجيباً أن بيتاً يضمّني ... وإيّاك لا نخلو ولا نتكلّم
سوى أعين تشكو الهوى بجفونها ... وتقطيع أنفاس على النّار تضرم
إشارة أفواه وغمز حواجب ... وتكسير أجفان وكفّ تسلّم
فحسدتها يا أمير المؤمنين على حذقها وإصابتها معنى الشعر، وأنها تخرج من الفنّ الذي ابتدأت فيه؛ فقلت: بقي عليك يا جارية؛ فضربت بعودها الأرض، وقالت: متى كنتم تحضرون مجالسكم البغضاء؟ فندمت على ما كان منّي، ورأيت القوم كأنّهم قد تغيّروا بي، فقلت: ليس ثمّ عود؟ فقالوا: بلى والله يا سيّدنا، فأتينا بعود، فأصلحت من شأنه ما أردت، ثم اندفعت أغنّي: من الكامل
ما للمنازل لا يجبن حزيناً ... أصممن أن قدم المدى فبلينا
روحوا العشيّة روحة مذكورةً ... إن متن وإن حيين حيينا
فما استتممته يا أمير المؤمنين حتى خرجت الجارية فأكبّت على رجلي فقبّلتها، وتقول: معذرةً يا سيّدي والله ما سمعت من يغنّي هذا الصّوت مثلك أحد، وقام مولاها وجميع من كان حاضراً فصنعوا كصنيعها، وطرب القوم، واستحثّوا الشراب فشربوا بالكاسات والطّاسات، ثم اندفعت أغنّي: من الطويل
أفي الله أن تمشين لا تذكرينني ... وقد سمحت عيناي من ذكرك الدّما
إلى الله أشكو بخلها وسماحتي ... لها عسل منّي وتبذل علقما(4/139)
فردّي مصاب القلب أنت قتلته ... ولا تتركيه ذاهب العقل مضرما
إلى الله أشكو أنها أجنبيّة ... وأني بها ما عشت بالوّد مغرما
فجاءنا من طرب القوم يا أمير المؤمنين شيء خشيت أن يخرجوا من عقولهم، فأمسكت ساعة حتى هدأوا ممّا كانوا فيه من الطّرب، ثم اندفعت أتغنّى بالصّوت الثالث: من البسيط
هذا محبّك مطوّي على كمده ... حرّى مدامعه تجري على جسده
له يد تسأل الرّحمن راحته ... ممّا به ويد أخرى على كمده
يا من رأى أسفاً مستهتراً دنفاً ... كانت منيّته في عينه ويده
فجعلت الجارية تصبح: هذا والله الغناء يا سيّدي.
وذكر الحكاية إلى أن قال: وخلوت معه،(4/140)
ثم قال لي: يا سيّدي ذهب ما كان من أيّامي ضياعاً إذ كنت لا أعرفك، فمن أنت يا مولاي؟ فلم يزل يلحّ عليّ حتى أخبرته، فقام فقّبل رأسي، وقال: يا سيدي، وأنا أعجب يكون هذا الأدب إلاّ من مثلك! وإذا أني مع الخلافة وأنا لا أشعر! ثم سألني عن قصّتي، وكيف حملت نفسي على ما فعلت؛ فأخبرته خبر الطعام، وخبر الكفّ والمعصم، فقلت: أما الطعام فقد نلت منه حاجتي؛ فقال: والكفّ والمعصم؟ ثم قال: يا فلانة لجارية له فجعل ينزل لي واحدةً واحدةً، فأنظر إلى كفّها ومعصمها، فأقول: ليس هي؛ قال: والله ما بقي غير أختي وأمّي، والله لأنزلنّهما إليك! فعجبت من كرمه وسعة صدره، فقلت: جعلت فداك، ابدأ بأختك قبل الأم، فعسى أن تكون هي؛ فقال: صدقت، فنزلت، فلّما رأيت كفّها ومعصمها، قلت: هي ذه! فأمر غلمانه فصاروا إلى عشرة من جلّة جيرانه في ذلك الوقت، فأحضروا، ثم أمر ببدرتين فيهما عشرون ألف درهم، وقال للمشايخ: هذه أختي فلانة، أشهدكم أني قد زوّجتها من سيّدي إبراهيم بن المهديّ، وأمهرتها عنه عشرة آلاف درهم؛ فرضيت وقبلت النّكاح، ودفع إليها البدرة، وفرّق الأخرى على المشايخ؛ ثم قال لهم: اعذروا وهذا ما حضر على الحال، فقبضوها ونهضوا.
ثم قال لي: يا سيّدي، أمهّد لك بعض البيوت تنام مع أهلك، فأحشمني والله ما رأيت من سعة صدره، وكرم خيمه؛ فقلت: بل أحضر عماريّة وأحملها إلى منزلي؛ قال: ما شئت.
فأحضرت عماريّة فحملتها وصرت بها إلى منزلي.
فوحقّك يا أمير المؤمنين لقد حمل إليّ من الجهاز ما ضاقت به بعض بيوتنا، فأولدتها هذا القائم على رأس سيّدي أمير المؤمنين.
فعجب المأمون من كرم ذلك الرّجل، وسعة صدره، وقال: لله أبوهّ ما سمعت مثله قط؛ ثم أطلق الرّجل الطّفيليّ وأجازه بجائزة سنيّة، وأمر إبراهيم بإحضار الرّجل، فكان من خواصّ المأمون وأهل محبّته.
وقال محمد بن الحارث بن بسخنّر: وجّه إليّ إبراهيم بن المهدي يوماً يدعوني، وذلك في أوّل خلافة المعتصم، فصرت إليه، وهو جالس وحده، وشارية جاريته خلف السّتارة؛ فقال لي: إني قلت شعراً وغنّيت فيه فطرحته على شارية، فأخذته وزعمت أنها أحذق به منّي، وأنا أقول: إني أحذق به منها، وقد رضيناك حكماً بيننا لموضعك من هذه الصّناعة، فاسمعه منّي ومنها، واحكم ولا تعجل، حتى تسمعه ثلاث مرّات، فاندفع يغنّي: من الطويل
أضن بليلى وهي غير سخيّة ... وتبخل ليلى بالهوى فأجود
وأنهى فلا ألوي على زجر زاجر ... وأعلم أني مخطئ فأعود
فأحسن فيه وأجاد، ثم قال لها: تغنّي، فغنّت، فبرّزت فيه، حتى كأنه كان معها في أبي جاد، ونظر إليّ فعرف أني قد عرفت فضلها، فقال: على رسلك؛ ثم اندفع فغنّاه ثانية فأضعف في الإحسان، ثم قال لها: تغنّي، فبرعت وازدادت أضعاف زيادته، وكدت أشقّ ثيابي طرباً، فقال: تثبّت ولا تعجل؛ ثم غنّاه ثالثة، فلم يبق غاية في الإحكام، ثم أمرها فغنّت، فكأنما كان يلعب، ثم قال: قل: فقضيت لها، قال:(4/141)
أصبت، بكم تساوي عندك الآن، فحملني الحسد له عليها والنّفاسة بمثلها، أن قلت: تساوي مئة ألف درهمّ فقال: وما تساوي على هذا الإحسان والتفّفضيل إلاّ مئة ألف درهم؟ قبّح الله رأيك، والله ما أجد شيئاً أبلغ في عقوبتك من أن أصرفك مذموماً مدحوراً، فقلت: ما لقولك: اخرج عن منزلي، جواب؛ وقمت أنصرف وقد أحفظني فعله وكلامه وأرمضني، فلّما خطوت خطوات التفتّ إليه، فقلت: يا إبراهيم، تطردني من منزلكّ فوالله ما تحسن أنت ولا جاريتك شيئاً.
وضرب الدّهر ضربانه، ثم دعانا المعتصم وهو بالوزيريّة في قصر اللّيل، فدخلت ومخارق وعلّوية، والمعتصم بين يديه ثلاث جامات؛ جام فضّة مملوء ودنانير جدداً، وجام ذهب مملوءة دراهم، وجام قوارير مملوءة عنبراً، فظننّا أنها لنا، بل لم نشك في ذلك، فغنّينا وأجهدنا أنفسنا، فلم يطرب، ولم يتحرّك لشيء من غنائنا، ودخل الحاجب فقال: إبراهيم بن المهديّ، فأذن له، فدخل، فلّما أخذ مجلسه غنّاه أصواتاً أحسن فيها، ثم غنّاه بصوت من صنعته بشعره، فقال: من البسيط
ما بال شمس أبي الخطّاب قد حجبت ... يا صاحبيّ لعلّ السّاعة اقتربت
أشكو إليك أبا الخطّاب جاريةً ... غريرةً بفؤادي اليوم قد لعبت
فاستحسنه المعتصم وطرب له، وقال: أحسنت والله يا عمّ، فقال إبراهيم: فإن كنت أحسنت فهب لي إحدى هذه الجامات؛ فقال: خذ أيها شئت، فأخذ التي فيها الدّنانير؛ ونظر بعضنا إلى بعض ساعةً لأنّا رجونا أن نأخذهنّ، وغنّاه بشعر له بعد ساعة: من المتقارب
فما قهوة مزة قرقف ... شمول تروق براووقها
بكفّ أإنخصيب البنا ... ن يخطر بين أباريقها
بأطيب من فمها نكهة ... إذا امتصت الشّهد من ريقها
فقال المعتصم: أحسنت والله يا عمّ وسررت؛ قال: يا أمير المؤمنين، فإن كنت أحسنت فهب لي جاماً أخرى، فقال: خذ أيّهما شئت، فأخذ الذهب التي فيها الدّراهم؛ فأيسنا نحن، وغنّى بعد ساعة: من الطويل(4/142)
ألا ليت ذات الخال تلقى من الهوى ... عشير الذي ألقى فيلتئم الحبّ
إذا رضيت لم يهنني ذلك الرّضى ... لعلمي به أن سوف يدركه العتب
فارتجّ المجلس، وطرب المعتصم، واستخفّه الطّرب، وقام على رجليه ثم جلس، وقال: أحسنت والله يا عمّ ما شئت؛ قال إبراهيم: فإن كنت أحسنت فهب لي الجام الثالثة، قال: خذها.
ونام أمير المؤمنين، فدعا إبراهيم بمنديل، فثناه عطفين، ووضع الجامات فيه وشدّه، ودعا بطين فختمه ودفعه إلى غلامه.
ونهضنا لانصراف، فلّما ركب التفت إليّ فقال: يا محمد، زعمت أني وجاريتي لا نحسن شيئاً! فكيف رأيت ثمرة الإحسان ونموّه؟ وقال إبراهيم الموصلي: أرسلت أسماء بنت المهديّ إلى أخيها إبراهيم بن المهديّ، فقالت: أشتهي والله أن أسمع من غنائك، قال: إذاً والله لا تسمعي مثله، وعليه وعليه، وغلّظ في اليمين، إن لم يكن إبليس ظهر لي وعلّمني النقّر والنّغم، وصافحني، وقال: اذهب فأنت منّي وأنا منك! قال المبرّد: سمعت إسحاق بن إبراهيم الموصلي يقول: انصرفت ليلةً من عند المأمون مع إبراهيم بن المهديّ، فأنشأ يقول: من الطويل
وما زلت مذ أيفعت أسعى مراهقاً ... إلى الغرض الأقصى أزور المعاليا
إذا قنعت نفسي بكأس ومطعم ... فلا بلغت فيما تروم الأمانيا
لحا الله من يرضى ببلغة يومه ... ولم يك ذا همّ إلى المجد ساعيا
على المرء أن يسعى ويسمو بنفسه ... ويقضي إله الخلق ما كان قاضيا
حدّث يحيى بن عليّ قال: قال أحمد بن أبي فنن: أنا ابن قولي: من الكامل
صبّ بحبّ متيّم صبّ ... حبّيه فوق نهاية الحبّ(4/143)
أشكو إليه صنيع جفونه ... فيقول مت فأيسر الخطب
وإذا نظرت إلى محاسنه ... أخرجته عطلاً من الذّنب
أدميت باللّحظات وجنته ... فاقتصّ ناظره من القلب
قال عليّ بن هارون: وهذا البيت الأخير من هذه الأبيات هو عينها، وأخذه ابن أبي فنن ممّا أنشدنيه أبي لإبراهيم بن المهديّ: من السريع
يا من لقلب صيغ من صخرة ... في جسد من لؤلؤ رطب
جرحت خدّيه بلحظي فما ... برحت حتى اقتصّ من قلبي
أنشد يعقوب بن عباد الزّبيري لإبراهيم بن المهديّ، وقد أخدمته بعض العبّاسيّات في حال استخفائه عندها جاريةً، وقالت لها: أنت له، فإن مدّ يده إليك فلا تمتنعي؛ ولم يعلم بهبتها له، وكانت مليحةً، فجمّشها يوماً بأن قبّل يدها، وقال: من مجزوء الرمل
يا غزالاً لي إليه ... شافع من مقلتيه
والذي أكرمت خد ... ديه فقبّلت يديه
بأبي وجهك ما أك ... ثر حسّادي عليه
أنا ضيف وجزاء الض ... يف إحسان إليه
وفي رواية:
بأبي من أنا مأسو ... ر بلا أسر لديه
والذي أجللت خدّي ... هـ فقبّلت يديه
والذي يقتلني ظل ... ماً ولا يعدي عليه
أنا ضيف وجزاء الض ... يف إحسان إليه
وله: من البسيط(4/144)
قد شاب رأسي ورأس الحرص لم يشب ... إنّ الحريص على الدّنيا لفي تعب
مالي أراني إذا طالبت مرتبة ... فنلتها طمحت عيني إلى رتب
لو كان يصدقني ذهني بفكرته ... ما اشتدّ غمّي على الدّنيا ولا نصبي
أسعى وأجهد فيما لست أدركه ... والموت يكدح في زندي وفي عصبي
بالله ربّك كم بيت مررت به ... قد كان يعمر باللّذات والطّرب
طارت عقاب المنايا في جوانبه ... فصار من بعدها للويل والخرب
فامسك عنانك لا تجمح به طلع ... فلا وعيشك ما الأرزاق بالطلّب
قد يرزق العبد لم تتعب رواحله ... ويحرم الرّزق من لم يموت من طلب
مع أنني واجد للنّاس واحدة ... الرّزق والنّوك مقرونان في سبب
وخصلة ليس فيها من ينازعني ... الرّزق أروع شيء عن ذوي الأدب
يا ثاقب الفهم كم أبصرت ذا حمق ... الرّزق أغرى به من لازم الجرب
قال أحمد بن كامل: سمعت ناشب المتوكلّية تغنّي لإبراهيم بن المهدي: من المجتث
أنت امرؤ متجنّ ... ولست بالغضبان
هبني أسات فهلاّ ... مننت بالغفران
وله أو لغيره: من الطويل
لحا الله من لا ينفع الودّ عنده ... ومن حبله إن مدّ غير متين
ومن هو ذو لونين ليس بدائم ... على عهده خوان كلّ أمين
وقال في ابن له يقال له: أحمد، مات بالبصرة: من الويل
نأى آخر الأيّام عنك حبيب ... فللعين سحّ دائم وغروب
دعته نوى لا يرتجى أوبة لها ... فقلبك مسلوب وأنت كئيب
يؤوب إلى أوطانه كلّ غائب ... وأحمد في الغيّاب ليس يؤوب(4/145)
تبدّل داراً غير داري وجيرةً ... سواي وأحداث الزّمان تنوب
أقام بها مستوطناً غير أنّه ... على طول أيّام المقام غريب
تولّى وأبقى بيننا طيب ذكره ... كما في ضياء الشّمس حين تغيب
سوى أن ذا يفنى ويبلى وذكره ... بقلبي على طول الزّمان قشيب
وكان نصيب العين من كلّ لذّة ... فأضحى وما للعين منه نصيب
وكان وقد زان الرّجال بفعله ... فإن قال قولاً قال وهو مصيب
وكان به ينهى الرّكاب لحسنه ... وهجم عنه الكهل وهو لبيب
وكانت يدي ملأى به ثم أصبحت ... بعدل إلهي وهي منه سليب
فأصبحت محنيّاً كئيباً كأنّني ... عليّ لمن ألقى الغداة ذنوب
يخال الذي يحتاجه استدّ مرةً ... فيقذفه الأدنيّ وهو حريب
يقلّب كفّيه هواء وقلبه ... هناك وحيداً ما لديه غريب
ينادي بأسماء الأحبّة هاتفاً ... وما فيهم للهاتفين مجيب
كأن لم يكن كالدّر يلمع نوره ... بأصدافه لمّا يشنه ثقوب
كأن لم يكن كالغصن في ساعة الضّحى ... بماه النّدى فاهتّز وهو رطيب
كأن لم يكن كالطّرف يمسح سابقاً ... سليم الشّظا لم تختبله عيوب
كأن لم يكن كالصقّر أوفى بشامخ الذ ... رى وهو يقظان الفؤاد طلوب
وريحان صدري كان حين أشمه ... ومؤنس قصري كان حين أغيب
يسيراً من الأيّام لم يرو ناظري ... بها منه حتى أعلقته شعوب
كظلّ سحاب لم يقم غير ساعة ... إلى أن أطاحته فطاح جنوب
أو الشّمس لمّا من غمام تحسّرت ... مساء وقد ولّت وآن غروب
كأني به قد كنت في النّوم حالماً ... نفى لذّة الأحلام منه هبوب
جمعت أطبّاء إليك فلم يصب ... دواءك منهم في البلاد طبيب(4/146)
ولم يملك الآسون دفعاً لمهجة ... عليها لأشراك المنون رقيب
سأبكيك ما أبقت دموعي من البكا ... لعينيّ مساءً إن نأى ونحيب
وما غاب نجم أو تغّنت حمامة ... وما اخضرّ في فرع الأراك قضيب
وأضمر إن أنفذت دمعي لوعة ... عليك لها تحت الضّلوع لهيب
حياتي ما كانت حياتي فإن أمت ... ثويت وفي قلبي عليك ندوب
يعزّ عليّ أن تنالك حدّة ... يمسّك منها في الفؤاد دبيب
وما زاد إشفاقي عليك عشيّةً ... وسادك فيها جندل وجنوب
ألا ليت كفاً بان منها بنانها ... يهال بها عنّي عليك كثيب
فما لي إلاّ الموت بعدك راحة ... وليس لنا في العيش بعدك طيب
قصمت جناحي بعدما هدّ منكبي ... أخوك ورأسي قد علاه مشيب
وأصبحت في الهلاك إلاّ حشاشة ... تذاب بنار الحزن فهي تذوب
تولّيتما في حجّة وتركتما ... صدىً يتولّى ناره وينوب
فلا ميت إلاّ دون زرئك رزؤه ... ولو فنيت حزناً عليك قلوب
وإني وإن قدّمت قبلي لعالم ... بأني وإن أبطأت منك قريب
وإنّ صباحاً نلتقي في مسائه ... صباح إلى قلبي الغداة حبيب
وله يرثي ابنه أحمد: من المنسرح
عصتك عين دموعها شنن ... فليس يغشى جفونها الوسن
وكلّها بالنجوم يرقبها ... نجم فثنى في ليله الحزن
لمّا ثوى أحمد الضّريح وكا ... ن الزّاد منه الحنوط والكفن
والموت يغشى بياض سنته ... كالشمس يغشى ضياءها الدّجن
يطلب روحاً عندي لكربته ... والرّوح في كفّ من له المنن
هيهات قد حان وقت فرقتنا ... وانبتّ بيني وبينه القرن
وخانني الصّبر إذ فجعت به ... وليس عندي لواعظ أذن
تركتني ساهراً إذ رقد النّا ... س أخا لوعة إذا سكنوا
لله ما أهدت الرّجال إلى ال ... قبر وما شدّوا وما دفنوا(4/147)
من يسل شيئاً فإن لوعته ... ليس يعفي آثارها الزّمن
يا ليت شخصي قد زارها منّه ... فإن عيشي من بعده غبن
ولّى حبيباً يتلو أخاه كما ... يوماً تدنّى للمنحر البدن
كأنّما الدّهر في تحامله ... عليّ لي عند صرفه الزّمن
قال أبو حسان الزّيادي: سنة أربع وعشرين ومئتين، فيها مات إبراهيم بن المهديّ، يوم الجمعة لسبع خلون من شهر رمضان، وصلّى عليه المعتصم بالله أمير المؤمنين.
إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن بكّار
والد أبي عبد الملك روى عن عبد الله بن العلاء، عن الزّهري، قال: العلماء أربعة: سعيد بن المسّيب بالمدينة، وعامر الشّعبيّ بالكوفة، والحسن بن أبي الحسن بالبصرة، ومكحول بالشام.
إبراهيم بن محمد بن عبد الله
أبو إسحاق البغدادي الحنبليّ سمع بدمشق وبغداد وحمص والرّملة، وحدّ بسمرقند والشّاش.
روى عن عثمان بن سعيد الدّمشقي، بسنده عن أبي الدّرداء، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أصبح معافى في بدنه، آمناً في سربه، عنده قوت يومه، فكأنّما حيزت له الدّنيا بأسرها، يا بن جعشم يكفيك منها ما سدّ جوعتك، ووارى عورتك، وما فوق الإزار حساب عليك. "(4/148)
وعن محمد بن جعفر الحمصي، بسنده عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كان يحبّ أن يعلم كيف منزلته عند الله، فلينظر كيف منزلة الله عنده، فإنّ الله تعالى ينزل العبد منه حيث أنزله من نفسه ".
إبراهيم بن محمد بن عبد الله
ابن أحمد بن سليمان بن أيوب بن حذلم أبو إسحاق الأسديّ سمع الحديث، وحدّث بشيء يسير.
روى عن عبد الوهاب بن الحسن الكلابي، بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتاني جبريل، فقال: يا محمد، إنّ وليّ الأمر بعدك أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ".
إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن علي
أبو عبد الله العقيليّ الجزريّ المقرئ سكن نيسابور، وحدّث بها، وكان قد سمع بدمشق، شيخ نيسابوريّ من أهل السّتر والدّيانة.
روى عن أبي الحسن السّمسار، بسنده عن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين، قال:
رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتختم في يمينه، مرةً أو مرّتين.
وعنه، بسنده عن صهيب الخير، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عليكم بالسّواد، فإنه من خير خضابكم، إلا وإنه أرغب لنسائكم فيكم، ألا إنه أرهب في صدور عدوّكم ".
إبراهيم بن محمد بن عبد الأعلى
ابن محمد بن عبد الأعلى بن عبد الرّحمن بن يزيد بن ثابت بن أبي مريم بن أبي عطاء أبو القاسم الأنصاري، المعروف بابن عليل، مولى سهل بن الحنظليّة.(4/149)
إبراهيم بن محمد بن عبد الرّزّاق
أبو طاهر العابد الحيفيّ من أهل قصر حيفة.
سمع بأطرابلس، وحدّث سنة ست وسبعين وأربعمئة.
إبراهيم بن محمد بن عبيد بن جهينة
أبو إسحاق الشّهرزوريّ سمع بدمشق وحمص ومصر والرّيّ، وروى عنه جماعة.
روى عن الحسين بن بيان، بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عليكم بالإهليلج الأسود فاشربوه، فإنه شجرة من شجر الجنّة، طعمها مرّ، وهو شفاء من كلّ داء.
إبراهيم بن محمد بن عبيد
أبو مسعود الدّمشقي الحافظ أحد الجوّالين المكثرين، خرج عن دمشق قديماً، وطوّف البلاد.
سمع وأسمع.
روى عن عبد الله بن محمد المدني، بسنده عن ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمّا أتى وادي محسر راحلته، وقال: " عليكم بحصى الخذف ".
قال الخطيب: سافر الكثير، وسمع وكتب ببغداد والكوفة والبصرة وواسط والأهواز(4/150)
وأصبهان وبلاد خراسان، ثم استوطن بغداد بأخرة، وكان له عناية بصحيحي البخاري ومسلم، وعمل تعليقة أطراف الكتابين، ولم يرو من الحديث إلا شيئاً يسيراً على سبيل التّذكرة، وكان صدوقاً ديّناً ورعاً فهماً.
مات في سنة إحدى وأربعمئة ببغداد، وصلى عليه أبو حامد الإسفراييني، وكان وصيّة، ودفن في مقبرة المنصور، قريباً من السّكك.
إبراهيم بن محمد بن عقيل بن زيد
ابن الحسن بن الحسين أبو إسحاق بن أبي بكر الشّهرزوريّ، الفقيه الفرضيّ الواعظ سمع بدمشق وصور، وحدّث.
روى عن محمد بن علي بن سلوان، بسنده عن عبد الله بن عمر، قال: كان النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر، يمشون أمام الجنازة.
توفي سنة أربع وتسعين وأربعمئة، في يوم الاثنين السابع من محرم بدمشق، وكان مولده سنة خمس وعشرين.
إبراهيم بن محمد بن عليّ بن عبد الله
ابن عبّاس بن عبد المطلب بن هاشم أبو إسحاق المعروف بالإمام كان يكون بالحميمة من أعمال السّراة، من أعمال دمشق، وهو الذي عهدّ إليه أبوه محمد بن علي بالإمامةمنبعده، فرفع أمره إلى مروان بن محمد، فأخذه وسجنه وقتله في السّجن بحرّان.
روى عن جدّه، عن العبّاس بن عبد المطلب، قال: كان في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جذع إذا خطب النّاس أسند إليه ظهره، قال: فلّما(4/151)
كثر النّاس وانجفلوا عليه من كلّ ناحية، اتخذ له منبراً، فلّما صعده حنّ الجذع، دعاه، فأقبل يخدّ الأرض والنّاس حوله، والنّاس ينظرون فالتزمه وكلّمه، ثم قال له والنّاس يسمعون: عد إلى مكانك، فمّر حتى عاد إلى مكانه، وبحضرته المؤمنون، وجماعة من المنافقين، فازداد المؤمنون إيماناً وبصيرة، وشكّ المنافقون وارتابوا، وقالوا: أخذ محمد بأبصارنا، وهلكوا.
وروى عن عبد الله بن عبّاس، قال: أرسل العبّاس بن عبد المطلب، وربيعة بن الحارث ابنيهما: الفضل بن العبّاس، وعبد المطّلب بن ربيعة بن الحارث إلى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتياه فقالا له: يا رسول الله، إنّا نراك تستعمل رجالاً من غيرنا، فاستعملنا نودّ إليك كما يؤدّون، ونصيب ما نتزوّج ونستعين به على صنيعتنا؛ فأرسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بني هاشم خاصةً، فلّما اجتمعوا عنده، قال: يا بني عبد المطلب إن الصّدقة لا تحلّ لي ولا لكم، إنّما هي أوساخ النّاس، وغسول خطاياهم، ثم دعا بمحميّة بن جزيّ الكلبيّ، فقال لمحميّة: أنكح الفضل ابنتك ونظر إلى ربيعة فقال: أنكح ابن أخيك ابنتك أم حكيم.
فقال: يا رسول الله، ما كنت أخبؤها إلاّ لك؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنكحها ابن أخيك " ثم انصرف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنهم، وعوّضهم من الخمس.
وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إلى عمّاله يأمرهم أخذ الصّدقة، ويقول في كتبه: إن الصّقة لا تحلّ لمحمّد ولا لآل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذكر إبراهيم بن عيسى بن المنصور: أن إبراهيم بن محمد الإمام ولد سنة ثمان وسبعين، وذكر غيره أنه ولد سنة اثنتين وثمانين، وأمّه أمّ ولد بربرية اسمها سلمى.
قال إسماعيل الخطبي: وأوصى محمد بن علي إلى ابنه إبراهيم بن محمد، فسميّ الغمام بعد أبيه، وشهر بهذا الاسم، وانتشرت دعوته بخراسان كلّها، ووجّه بأبي مسلم إلى خراسان والياً على دعاته وشيعته، فتجرّد أبو مسلم لمحاربة عمّال بني أميّة، وقوي أمره، واستفحل، وأظهر لبس السّواد، وغلب على البلاد، يدعو هو ومن معه إلى طاعة الإمام، ويعمل بما يرد عليه من مكاتبة أبي إسحاق بن محمد الغمام له سامعاً منه مطيعاً له، غير مظهر(4/152)
للنّاس اسمه إلاّ ممن كان من الدّعاة والشّيعة، فإنهم يعرفونه دون غيرهم من النّاس، إلى أين ظهر أمره وانكشف، ووقف مروان بن محمد على خبره، فوجّه إليه فأخذه وحبسه وقتله.
وعن صالح بن سليمان قال: كان أبو مسلم يكاتب إبراهيم بن محمد، فقدم على إبراهيم رسوله فساءله، فإذا رجل من عرب خراسان فصيح، فغمّه ذلك، فكتب إلى أبي مسلم: ألم أنهك عن أين يكون رسولك عربياً؟ يطلّع مثل هذا على أمرك؟ فإذا أتاك فاقتله.
وحبس الرسول، فلّما خرج من عنده قرأ الكتاب فأتى به مروان بن محمد، فأرسل فأخذ إبراهيم وحبسه، وهو بحرّان، وأمر به فغمّ، وقتل في الحبس.
قال صالح بن سليمان: جعلوا على وجهه مرفقةً وقعدوا عليها؛ ويقال: إن قتله كان بحرّان في صفر سنة ثنتين وثلاثين ومئة، وله يومئذ من السّنّ إحدى وخمسون سنة، وصلّى عليه رجل يقال له: المهلهل بن صفوان.
وقد ذكر أن إبراهيم الإمام كان حضر الموسم في سنة إحدى وثلاثين ومئة في جماعة من أهليه ومواليه ومعه نحو من ثلاثين نجيباً، فشهر نفسه في الموسم، ورآه أهل الشّام وغيرهم، فاشتهر عندهم، وبلغ مروان خبره في الموسم، وما كان معه من الربيء والآلة.
وقيل له: إن أبا مسلم ومن لبس السّواد يأتّمون به، ويسّمونه الإمام، ويدعون إليه، فوجّه إليه في المحرم بعد منصرفه من الحجّ، فأخذه وقتله في صفر.
قال إبراهيم بن هرمة يمدحه: من الطويل
جزى الله إبراهيم عن جلّ قومه ... رشاداً يكفّيه ومن شاء أرشدا
أغرّ كضوء الشمس يستمطر الذّرى ... ويهتاش مرتاحاً إذا هو أنفذا
ومهما يكن منّي إليك فإنّه ... بلا خطأ منّي ولكن تعمّدا
وقلت امرؤ غمر العطيّات ماجد ... متى ألقه ألق الجواري أسعدا
غرائب شعر قلته لك صادقاً ... وأعلمته رسماً فغار وأنجدا(4/153)
وأنت امرؤ حلو المؤاخاة باذل ... إذا ما بخيل القوم لم يصطنع يدا
لك الفضل من هنّا وهنّا وراثة ... أباً عن أب لم يختلس تلك قعددا
بناه لك العبّاس للمجد غاية ... إلى عزّ قدموس من المجد أصيدا
وشيّد عبد الله إذ كان مثلها ... وشدّ بأطناب العلى فتشّيدا
وشد عليّ في يديه بعروة ... وحبلين من مجد أغيرا وأحصدا
وكم من غلاء أو علاً قد ورثتها ... بأحسن ميراث أباك محمّدا
وأنت ارمؤ أوفى قريش حمالةً ... وأكرمها فيها مقاماً ومقعدا
كريم إذا ما أوجب اليوم نائلاً ... عليه جزيلاً بثّ أضعافها غدا
سعى ناشئاً للمكرمات فنالها ... وأفرع في وادي العلى ثم أصعدا
على مأثرات من أبيه وجدّه ... فأكرم بذا فرعاً وبالأصل محتدا
وأجرى جواداً يحسر الخيل خلفه ... إلى قصبات السّبق مثنى وموحدا
إذا ساد يوماً عدّ من ولد هاشم ... أباً ذكره لا يقلب الوجه أسودا
أغرّ مناقيباً بنى المجد بيته ... مكان الثّريّا ثم علاّ فكبّدا
ومورد أمر لم يجد مصدراً له ... أتاك فأصدرت الذي كان أوردا
وموقد نار لم يجد مطفئاً لها ... أتاك فأطفأت الذي كان أوقدا
فلم أر في الأقوام مثلك سيّداً ... أهشّ بمعروف وأصدق موعدا
وأنهض بالعزم الثقيل احتماله ... وأعظم إذ لا يرفد الناس مرفدا
ولو لم يجد للواقفين ببابه ... سوى الثّوب ألقى ثوبه وتجرّدا
ذكر هشام بن محمد بن يوسف: أن أبا مسلم كان عبداً سرّاجاً من أهل خراسان، وأنه صنع خرقاً سوداً، فجعلها في قناة؛ قال: فكانوا يسمعون في الحديث، أنها تخرج رايات سود من قبل المشرق، فكانت أنفسهم تتوق إلى ذلك، فلّما فعل أبو مسلم ذلك، تبعه عبيد وغير ذلك، وقال: من تبعني فهو حرّ، ثم خرج هو ومن اتّبعه فوقعوا بعامل كان في بعض تلك الكور، فقتلوه، واخذوا ما كان معه، وازداد من كان معه كثرةً، وسار في خراسان وأخذ كبراها، ثم كتب إلى إبراهيم بن محمد.(4/154)
وكان إبراهيم فيما ذكروا مختفياً عند رجل من أهل الكوفة، قد حفر له نفقاً في الأرض، فكتب إليه أبو مسلم، فأرسل إليه رجلاً من أصحابه قد سمّى له موضعه، والرّجل الذي هو عنده فخرج رسوله حتى بلغ الرّجل، فادخله عليه، فدفع إليه كتابه، وجعل إبراهيم يسائله ما بلغوا من البلاد، وأجابه بما أجابه، فلّما ودّعه وهو يريد المسير قال له إبراهيم: أقر صاحبك السّلام، وقل له لا يمرّ بشجرة عظيمة في طريقه إلاّ نحّاها من طريقه.
قال: فلّما خرج الرّجل، قال في نفسه، هذا الذي نحن نقاتل له على الدّين زعم وهو يأمرني بما أمر.
قال: فجعل وجهه إلى مروان بن محمد؛ وإنما أراد بقوله: لا يمرّ بشجرة عظيمة إلاّ نحّاها من طريقه، يريد: ألاّ يمرّ برجل كبير القدر إلاّ قتله.
قال: فلّما بلغ الرّجل دمشق، أتى إلى حاجب مروان، فقال: عندي لأمير المؤمنين نصيحة؛ قال: فدخل حاجبه فأعلمه، فأمره أن يدخله عليه؛ فلّما أدخل عليه قال: يا أمير المؤمنين، أتريد إبراهيم بن محمد؟ قال: نعم، وكيف لي بذلك؟ قال: وجّه معي من أدفعه إليه.
قال: فوّجه فرساناً إلى الكوفة، فسار الرّجل حتى إذا بلغ الكوفة، قال للفرسان الذين معه: أنظروني حتى أصل إلى الموضع الذي أريد، فإذا دخلت فاقتحموا أثري.
قال: ففعل وفعلوا: فدخل إلى إبراهيم، فبينا هو يكلّمه إذ دخل القوم فأخذوه؛ فذكروا أنه قال لصاحب منزله: أمّا أنا فلا أحسب إلاّ أني قد ذهبت، فإن كان أمر قولوا لأبي مسلم فليبايع لابن الحارثيّة، وهو أبو العبّاس، وهو أخوه.
قال: فلّما ظفر أبو مسلم وجّه إلى الكوفة نفراً من شيعتهم، وأمرهم أن يستخرجوا أبا العبّاس.
قال: فاستخرجوه من الموضع الذي كان فيه مختفياً، قال: فمضوا به إلى مسجد الكوفة، فأصعد المنبر، قال: وهو حينئذ فتىً شاب حين اخضرّ وجهه، قال: فذهب يتكلم فأرتج عليه.(4/155)
قال: فصعد عمّه داود بن عليّ على المنبر حتى كان دونه بدرجة، قال: فحمد الله أثنى عليه، وقال فيما قال: إنّ الله عزّ وجلّ رحم أوّلكم بأوّلنا، آخركم بآخرنا، أمّا وربّ هذه القبلة ما صعد على هذه الأعواد خليفةً بعد عليّ بن أبي طالب إلاّ هو؛ قال: ثم أمره أبو العبّاس أن يحجّ بالنّاس، فخرج حتى حجّ بالنّاس، ثم فرش له في مسجد الحرام فكان ينظر في المظالم، إذ جاءه حاجبه فقال له: عبد الله بن طاووس، قال: قدّمه؛ فلّما تقدّم إليه وسلّم عليه، ردّ عليه السّلام، وقال: مرحباً بابن راوية ابن عبّاس.
قال: فبينا هو على ذلك إذ تقدّم إليه رجل، فقال: أبقى الله الأمير، وأتمّ عليه نعمته، إني رجل من أهل الطّائف، من ثقيف، وإن رجلاً من هذه المسوّدة عدا على غلام لي فأخذه، وقد أتيت إلى الأمير أرجو عدله ونصفته؛ فقال له داود: فبئس الرّجل أنت، وبئس الحيّ حيّك، وسينالهم وبال ذلك، وستخلص إليك حصّتك من ذلك، قم؛ فأخذه الجند فأقاموه وأبعدوه.
قال إبراهيم بن علي بن هرمة يرثيه: من البسيط
قد كنت أحسبني جلداً فضعضعني ... قبر بحرّان فيه عصمة الدّين
قبر الإمام الذي عزّت مصيبته ... وعيّلت كلّ ذي مال ومسكين
إن الإمام الذي ولّى وغادرني ... كأنّي بعده في ثوب مجنون
حال الزّمان بنا إذ مات يعركنا ... عرك الضّباع أديماً غير مدهون
وأعقب الدّهر ريشاً في مناكبه ... فما يزال مع الأعداء يرميني
فرحمة الله أنواعاً مضاعفةً ... عليك من مقعص ظلماً ومسجون
ولا عفا الله عن مروان مظلمةً ... لكن عفا الله عمن قال آمين
وقال إبراهيم بن علي بن هرمة يرثيه، ويمدح أمير المؤمنين أبا العبّاس، حيث يقول: من الطويل(4/156)
أتاني وأهلي باللّوى فوق مثعر ... وقد زجر اللّيل النجوم فولت
زفاة ابن عبّاس وصيّ محّمد ... فأبت فراشي حسرة ما تجلّت
فإن تك أحداث المنايا اخترمنه ... فقد أعظمت رزءاً به وأجلّت
وإن يك غدر ناله من منافق ... فإنّ له العقبى إذا النّعل زلّت
فصال بنو الشّيخ الوليّ على التي ... أصابت جروماً منهم فاستملّت
فقالوا بإبراهيم ثأراً ولم يكن ... دماً سال يجري في دماء فطلّت
أمروان أولى بالخلافة منكما ... أصيبت إذاً يمنى يديّ فشلّت
وأنتم بنو عمّ النّبيّ ورهطه ... فقد سمّت نفسي الحياة وملّت
فشأن المنايا بعدكم ثم شأنها ... وشأني إذا طافت بكم وأظلّت
وقد كان إبراهيم مولى خلافة ... بها خضعت صعر الرّقاب وذلّت
وأوصى لعبد الله بالعهد بعده ... خلافة حقّ لا أماني ضلّت
فشّمر عبد الله لمّا تجرّدت ... لواقح من حرب وحول تجلّت
فقاد إليها الحالبين فأنهلوا ... ظماءً إذا صارت إلى الريّ علّت
خلايا تخلّتها الحروب ولم يكن ... خلايا لقاح خلّيت فتخلّت
فقام ابن عبّاس مقام ابن حرّة ... حصان إذا البيض الصّوارم سلّت
أتته الصّواحي من معدّ وغيرها ... فطّنّب ظلاًّ فوقها فاستظلّت
وشام إليه الراغبون غمامةً ... عريضاً يناها أنشئت فاستهلّت
جزى الله إبراهيم خير جزائه ... وجادت عليه البارقات وظلّت
وكنّا به حتى مضى لسبيله ... كذات العطول حلّيت فتحلّت
يعين على الجلى قريشاً بماله ... ويحمل عن هلاّكها ما أكلّت
وكم من كسير السّاق لاءم ساقه ... بمعروفه حتى استوت واستمرّت
تولّيتكم لمّا خشيت ضلالةً ... ألا كلّ نعش أهلها من تولّت(4/157)
إبراهيم بن محمدّ بن محمد بن أحمد
ابن عليّ بن الحسين بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب أبو علي العلويّ الزّيديّ الكوفيّ قدم دمشق هو وأولاده عمر، وعمّار، ومعد، وعدنان، وسكن بها مدةً، وما أظنه حدّث بها بشيء، ثم رجع إلى الكوفة، وحدّث بها.
روى عن عمّ والده زيد بن جعفر العلويّ، بسنده عن سفينة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنه ليس لنبيّ أن يدخل بيتاً مزوّقاً ".
أنشد له ابنه عمر: من الرجز
أرخ لها زمامها والأنسعا ... ورم بها من العلى ما شسعا
وارحل بها مغترباً عن العدا ... توطئك من أرض العدا متسعا
يا رائد الظعن بأكناف الحمى ... بلّغ سلامي إن وصلت لعلعا
وحيّ خدراً بأثيلات الغضا ... عهدت فيه قمراً مبرقعا
كان وقوعي في يديه ولعا ... وأوّل العشق يكون ولعا
ماذا عليها لو رثت لساهر ... لولا انتظار طيفها ما هجعا
تمنّعت من وصله فكلّما ... زاد غراماً زاده تمنّعا
أنا ابن سادات قريش وابن من ... لم يبق في قوس الفخار منزعا
وابن عليّ والحسين وهما ... أبرّمنحجّ ولبّى وسعى
نحن بنو زيد وما زاحمنا ... في المجد إلاّ من غدا مدفّعا
الأكثرون في المساعي عدداً ... والأطولون بالضّراب أذرعا(4/158)
من كل بسّام المحيّا لم يكن ... عند المعالي والعوالي ورعا
طاب أصول مجدكم في هاشم ... وطال فيها عودنا وفرعا
وأنشد له ابنه عمر: من مجزوء الكامل
لمّا أرقت بجلّق ... وأقضّ فيها مضجعي
نادمت بدر سمائها ... بنواظر لم تهجع
وسألته بتوجّع ... وتخضّع وتفجّع
صف للأحبّة ما ترى ... من فعل بينهم معي
واقر السّلام على الحبي ... ب ومن بتلك الأربع
قال ابنه عمر: توفي في شوال سنة ستّ وستين وأربعمئة بالكوفة.
إبراهيم بن محمد بن أبي ملك
أظنّه من أهل ساحل دمشق.
إبراهيم بن محمد بن يعقوب التّيميّ الهمذانيّ
سمع بدمشق.
روى عن سليمان بن أيّوب بن حذلم الدّمشقي، بسنده عن عائشة: أنّ النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا صلّى تطوّعاً عليه طول القيام ركع ثم سجد سجدتين، وقرأ قاعداً بما بدا له، فإذا أراد أن يركع قام فقراً ثم سجد.
إبراهيم بن محمد البغدادي
سمع بدمشق.
روى عن محمد بن عبد الله، عن عمران الطّرسوسيّ، عن النّباجيّ أبي عبد الله،(4/159)
قال: أصل العلم خمس خصال: أوّلها الإيمان بالله، والثّانية معرفة الحقّ، والثّالثة إخلاص العمل، والرّابعة أن يكون مطعم الرّجل من حلال، والخامسة أن يكون على السّنّة والجماعة؛ فلو أن عبداً آمن بالله عزّ وجلّ، وأخلص نيّته لله، وعرف بالحقّ على نفسه، وكان مطعمه ن حلال، ولم يكن على السّنّة والجماعة، لم ينتفع من ذلك بشيء.
إبراهيم بن محمد أبو إسحاق البجليّ
من أهل بوشنج.
سكن دمشق، وكان يصلّي في مسجد دار البطّيخ، ويكتب المصاحف، ثم تولّى الصّلاة في المسجد الجامع مدّة سنين، إلى أن توفي.
سمع وأسمع.
روى عن أبي عليّ بن أبي نصر، بسنده عن أمّ سلمة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:: إنكم تختصمون إليّ، ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض، فأقضي له على نحو ممّا أسمع، فمن قضيت له بحقّ أخيه شيئاً بغير حقّ، فإنّما أقطع له قطعة من النّار ".
ولد في شهر ربيع الأول سنة سبع وأربعمئة، وتوفي في محرّم سنة ستّ وثمانين وأربعمئة، وكان شيخاً ديّناً زاهداً ثقة؛ ودفن من يومه بعد الظّهيرة في مقابر باب الصّغير.
إبراهيم بن محمود بن حمزة أبو إسحاق
النيّسابوريّ، الفقيه المالكي تفقّه بمصر على ابن عبد الحكم، وسمع بدمشق ومصر والحجاز والعراق وخراسان، وحدّث.(4/160)
روى عن محمد بن الوليد الدّمشقي، بسنده عن أنس بن مالك، أن النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنّما الأعمال بالنيّات، ولكلّ امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى امرأة ينكحها أو دنيا يصيبها، فهجرته إلى ما هاجر إليه ".
قال ابن عبد الحكم: ما قدم علينا من خراسان أعرف بطريقة مالك منك، فإذا انصرفت إلى خراسان فادع النّاس إلى رأي مالك.
وقال محمود بن محمد: كان عمّي يصوم النّهار ويقوم اللّيل، ولا يدع الجهاد في كلّ ثلاث سنين.
وقال ابن ماكولا: يعرف بالقطّان، لم يكن بعده للمالكيّة، مدّرس بنيسابور، توفي سنة تسع ومئتين.
إبراهيم بن مخلد الجبيلي
حكى عن أبيه، قال: خرج عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، بصيدا، إلى الرّحى، وأخرج معه حمارةً، وعليها غرارة قمح إلى الطّاحون، فلّما صار في الطّاحون ألقى الغرارة، وخلّى الحمارة ترتع في المرج، فجاء السّبع فافترس الحمارة، فلّما طحن طحينه خرج يطلب الحمارة، فأصاب السّبع قد افترسها، فجاء إلى السّب فقال: يا كلب الله، أكلت حمارتنا فتعال احمل دقيقنا، فحمّل الغرارة على السّبع، فلّما صار إلى باب صيدا ألقى الغرارة عن السّبع، وقال له: اذهب، لا تفزع الصّبيان!
إبراهيم بن مروان بن محمد الطّاطريّ
روى عنه جماعة.
روى عن أبيه، بسنده عن معاوية بن أبي سفيان، أنه كان بحدّث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه كان إذا حضر رمضان قال: " إنّا رأينا هلال شعبان يوم كذا وكذا، والصّيام يوم كذا وكذا ". قال: وكان إذا(4/161)
كان يوم عاشوراء، قال: " اليوم عاشوراء وإنّا صائمون، فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر ".
وروى عن أبيه، بسنده عن عروة بن الزّبير، أن عائشة أخبرته: أن رسول الله صلى اله عليه وسلم كان يقبّلها وهو صائم.
قال أبو حاتم: كتبنا عنه، وكان صدوقاً.
إبراهيم بن مرّة
حدّث عن الزهريّ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" سيكون بعدي خلفاء يعملون بما يعلمون، ويفعلون ما يؤمرون، وسيكون بعدي خلفاء يعملون بما لا يعلمون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن أنكر عليهم برئ، ومن أمسك يده سلم، ولكن من رضي وبايع ".
وعن الزهريّ، عن عبيد الله بن عديّ بن الخيار، عن المقداد بن الأسود الكنديّ، قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: يا رسول الله، أرأيت إن لقيت كافراً فقاتلته، فقطع بي، ثم أهويت لأضربه فلاذ بشجرة، فقال: أسلمت لله، أأقتله؟ قال: لا، قلت: يا رسول الله، إنه قطع يدي أأقتله؟ قال: لا قلت: يا رسول الله، إنه قطع يدي أأقتله؟ قال: لا، لأنك إن قتلته كان بمنزلتك قبل أن تقتله، وكنت بمنزلته قبل أن يقولها.
إبراهيم بن مسكين
حكى عن أبي جعفر المنصور، قال: عدل أبو جعفر أمير المؤمنين أرض الغوطة بدمشق ثلاثين مدياً بدينار، بالقاسميّ؛ وكان أداء النّاس على ذلك، ثم قال بعض الولاة: نجعل على الدّينار نصف دانق للكتب والرّسل، ثم قال غيره بعد: نجعل على الدّينار دانقاً؛ قال: فكان ذلك كذلك إلى أن تعدّى من تعدّى.(4/162)
إبراهيم بن مسلمة بن عبد الملك بن مروان
ابن الحكم بن أبي العاص، الأموي قتل يوم نهر أبي فطرس.
إبراهيم بن المطهّر
أبو طاهر الجرجانيّ السبّاك، الفقيه قدم دمشق في صحبة أبي حامد الغزالي.
قال عبد الغافر: كان يتلّقف الدّرس عن إمام الحرمين، ويشتغل بكتبة الحديث، والسّماع والقراءة، سعد بصحبة الإمام الغزاليّ، وخرج معه إلى العراق، وحصّل المذهب والخلاف، وصحبه إلى الحجاز والشّام، وطاف معه مدّة ما كان الغزاليّ في تلك الدّيار، ثم عاد إلى وطنه بجرجان، وأخذ في التّدريس والوعظ، وظهر له القبول لفضله، وصار من جملة الأئمة، قتل شهيداً، وجاءنا نعيه في رجب سنة ثلاث عشرة وخمسمئة.
إبراهيم بن معقل
أبو إسحاق النّسفيّ سمع بدمشق وبغيرها، وحدّث عن البخاريّ بكتاب الصّحيح.
روى عن أبي كريب، بسنده عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صلّى الضّحى بنى الله له قصراً في الجنّة من ذهب ".
وروى عن هشام بن عمّار، بسنده عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بني الإسلام على خمسة أسهم: شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محّمداً عبده ورسوله، وأقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وحجّ البيت، وصوم رمضان ".(4/163)
إبراهيم بن معمر بن شريس
أبو إسحاق الأصبهاني الجوزدانيّ سمع بدمشق وأسمع.
روى عن أبي أيّوب ابن أخي زريق الحمصيّ، بسنده عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " دعاء الوالد لولده مثل دعاء النّبيّ لأمته ".
قال أبو نعيم: توفي سنة أربع وستين، يعني ومئتين؛ كانوا إخوة ثلاثة لم يحدّث منهم إلاّ إبراهيم.
إبراهيم بن منصور
إبراهيم بن موسى
من أهل دمشق.
روى عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيّب، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رأس العمل بعد الإيمان بالله مداراة النّاس، وأهل المعروف في الدّنيا أهل المعروف في الآخرة، ولن يهلك أمرؤ بعد مشورة ".
إبراهيم بن موهوب بن عليّ بن حمزة
أبو إسحاق السّلميّ، المعروف بابن المفصّص سمع وهو صغير، وسمعت منه شيئاً يسيراً، ولم يكن الحديث من صنعته.
روى عن علي بن الحسن الأزديّ، بسنده عن أنس بن مالك، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الرؤيا الحسنة عن الرّجل الصّالح جزء من ستّة وأربعين جزءاً من النبوّة ".(4/164)
مات ودفن يوم الأحد التاسع العشرين من ذي العقدة سنة تسع وخمسين وخمسمئة، بباب الصّغير.
إبراهيم بن ميّاس بن مهري بن كامل بن الصّقيل
ابن أحمد بن ورد بن زياد بن عبيد بن شبيب بن نفيع بن الأعور ابن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة أبو إسحاق بن أبي رافع القشيريّ سمع وأسمع.
سئل عن مولده، فقال: في جمادى الآخرة سنة ستّ وثلاثين وأربعمئة، بالمؤنسة من أرض الشطّ.
وتوفي في يوم الإثنين الثالث من شعبان سنة إحدى وخمسمئة، ودفن عند مسجد شعبان.
إبراهيم بن ميسرة الطّائفيّ
سكن مكة وحدّث عن جماعة، وحدّث عنه جماعة.
روى عن وهب بن عبد الله بن قارب، قال:
كنت مع أبي فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول بيده هكذا عرضاً: " يرحم الله المحلّقين " قالوا: يا رسول الله والمقصّرين، فقال في الثّالثة: والمقصّرين.
وسمع أنس بن مالك يقول: صلّى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة الظّهر أربعاً، وبذي الحليفة ركعتين، يعني العصر.
وقال: ما رأيت عمر بن عبد العزيز ضرب رجلاً في خلافته، غير رجل واحد تناول من معاوية فضربه ثلاثة أسواط.(4/165)
مات قريباً من سنة ثنتين وثلاثين ومئة.
وقال ابن عيينة: وكان ثقة مأموناً من أوثق من رأيت.
قال سفيان: كان عمرو بن دينار يحدّث بالحديث على المعنى، وكان إبراهيم بن ميسرة لا يحدّثه إلاّ على ما سمع. وكان من أصدق النّاس وأوثقهم.
وقال ابن سعد: في الطبقة الرابعة من أهل مكة، مولى لبعض أهل مكة، توفي في خلافة مروان بن محمد.
إبراهيم بن نصر بن منصور
أبو إسحاق السّوريني، ويقال: السّورانيّ، الفقيه المطّوعيّ الشّهيد وسورين: محلّة بأعلى نيسابور، له رحلة إلى الشّام.
سمع من جماعة، وروى الحديث.
روى عن عبد الرحمن بن مغراء، بسنده عن ابن عباس، قال: قال أبو إسرائيل بن قشير: إنه كان نذر أن يصوم، ولا يقعد، ولا يستظلّ، ولا يتكلّم، فآتي به النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقعد واستظل وتكلّم وكفّر قال سليمان بن مطر: لمّا جمع إبراهيم المسند أراد أن ينظر في كتب ابن المبارك، فعزم رأينا ورأيه على أن يذهب إلى الحسن بن عيسى، قال: فدخلنا عليه الخان، فقلنا: إن أبا إسحاق جمع المسند فأحبّ أن ينظر في كتب أبي عبد الرحمن، قال: فسكت ساعةً، ثم رفع رأسه، فقال: لا يجوز أن أحدّث ويحيى بن يحيى حيّ.
وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش: سمعت أبا زرعة يثني على إبراهيم بن نصر، فقال: هو رجل مشهور صدوق، أعرفه، رأيته بالبصرة، وأثنى عليه خيراً.(4/166)
قال أبو محمد: نظرت في علمه فلم أر فيه منكراً، وهو قليل الخطأ.
وجد مقتولاً سنة عشر ومئتين.
إبراهيم بن نصر الكرماني
أحد الأبدال كان يكون بجبل لبنان من أعمال دمشق.
حكى أبو عبد الله محمد بن مالك السّجستانيّ، قال: دخلت جبل لبنان مع جماعة، ومعنا أبو نصر بن بزراك الدّمشقيّ، نلتمس من به من العبّاد، فسرنا فيه ثلاثة أيّام، فما رأينا أحداً، فلّما كان اليوم الرّابع ضرّت عليّ رجلي، فإني كنت حافياً، وضعفت عن المشي، فصعدنا جبلاً شامخاً، كان عليه شجرة، وقعدنا، فقالوا لي: اجلس أنت ها هنا حتى نذهب لعلّنا نلقى واحداًمن سكّان هذا الجبل، فمضوا جميعاً وبقيت أنا وحدي، فلّما جنّ الليل صعدت إلى الشجرة، فلّما كان وجه الصّبح نزلت ألتمس الماء للوضوء، فانحدرت في الوادي لطلب الماء، فوجدت عيناً صغيرة، وتوضأت وقمت أصلي فسمعت صوت قراءة؛ فلّما أن سلّمت الأثر فرأيت كهفاً، وقدّامه صخرة، فصعدت الصّخرة، ورميت حجراً إلى الكهف خشية أن يكون فيه وحش، فلم أر شيئاً، فدخلت الكهف فإذا شيخ ضرير، فسلّمت عليه فقال: أجنّيّ أنت أم إنسيّ؟ فقلت: بل إنسيّ، فقال: لا إله إلاّ الله، ما رأيت إنسياً منذ ثلاثين سنة غيرك، ثم قال: ادخل، فدخلت، فقال: لعلّك تعبت، فاطرح نفسك، فدفعت إلى داخل الكهف فإذا فيه ثلاثة أقبر فلما كان وقت الزوال ناداني فقال: الصّلاة رحمك الله؛ فخرجت إلى العين وتمسّحت، فصلّينا جماعةً، ثم قام فلم يزل يصلّي حتى كان آخر وقت الظّهر، ثم أذّن وصلّينا العصر، ثم قام قائماً يدعو رافعاً يديه، فسمعت من دعائه: اللهم اصلح أمّة أحمد، اللهم فرّج عن أمّة أحمد، اللهم ارحم أمّة أحمد؛ إلى أن سقط القرص، ثم أذّن للمغرب ولم أر أحداً أعرف بأوقات الصّلاة منه فلّما أن صلّى المغرب قلت له: لم أسمع منك من الدّعاء إلاّ هذه الكلمات الثلاث!، فقال: من قال هذا كلّ يوم ثلاث مرّات كتبه الله من الأبدال.
فلّما أن صلّينا العشاء الآخرة، قال لي: تأكل؟ فقلت: نعم؛ فقال لي: ادخل إلى(4/167)
الدّاخل، فكل ما هنا لك، فدخلت فوجدت صخرة عظيمة عليها الجوز ناحيةً، والفستق ناحيةً، والزّبيب ناحيةً، والتين ناحيةً، والتفّاح ناحيةً، والخرنوب ناحيةً، والحبّة الخضراء ناحيةً، فأكلت منها ما أردت.
فلما كان عند السّحر جاء هو فأكل منها شيئاً يسيراً، ثم قام فأوتر، فما زال يدعو ثم سجد، فسمعت في سجوده يقول: اللهم من عليّ بإقبالي عليك، وإضعافي إليك، وإنصاتي لك، والفهم منك، والبصيرة في أمرك، والبقاء في خدمتك، وحسن الأدب في معاملتك.
فلّما رفع رأسه قلت: من أين لك هذا الدّعاء؟ فقال: ألهمت، ولقد كنت في بعض اللّيالي أدعو به، سمعت هاتفاً يهتف بي ويقول: إذا دعوت ربّك بهذا، فقم، فإنه مستجاب، فلّما أن صلّينا قلت: من أين هذه الفواكه فإني لم آكل أطيب منها؟ فقال: سوى ترى؛ فلّما كان بعد ساعة دخل الكهف طير له جناحان أبيضان، وصدر أخضر وفي منقاره حبّة زبيب، وبين رجليه جوزة، فوضع الزّبيب على الزّبيب، والجوزة على الجوز؛ فقال لي رأيته؟ فقلت: نعم؛ قال: هذا لي منذ ثلاثين سنة، يأتيني هذا، ويدخل عليّ في اليوم سبع مرّات.
فلّما كان ذلك اليوم عددت مجيء الطّائر فجاء خمس عشرة مرّة، فقلت له ذلك، فقال: انظر أنت فقد زادك واحدة فاجعلنا في حلّ.
وكان عليه قميص بلا كمين، ومئزر يشبه توز القوس، فقلت له: من أين لك هذا؟ قال: يأتيني كلّ سنة هذا الطّائر يوم عاشوراء بعشر قطع من هذا اللّحاء، فأسويّ منه قميصاً ومئزراً، وكان له مسلّة يخيط بها.
فلّما كان بعد ليال دخل سبعة أنفس، ثيابهم شعورهم، وعيونهم مشقفةً بالطول، حمر، وليس فيها دوّارة؛ فسلّموا، فقال لي: لا تخف هؤلاء الجنّ؛ فقرأ واحد منهم عليه سورة طه، والآخر سورة الفرقان، وتلقّن منهم الآخر شيئاً من سورة(4/168)
الرّحمن، ثم مضوا، فسألته عنهم، فقال: هؤلاء من الرّومية؛ فقلت له: كم لك في هذا الجبل؟ فقال: أربعين سنة، كان لي عشر سنين البصر، وكنت أجمع في الصّيف من هذه المباحات إلى هذا الكهف، فلّما ذهب بصري بقيت أيّاماً لم أذق شيئاً، فجاءني هؤلاء فقالوا:: قد رحمناك فدعنا نحملك إلى حمص أو دمشق؛ فقلت: اشتغلوا بما وكلتم به؛ فلّما كان بعد ساعة جاءني هذا الطّير الذي رأيت بتفاحة فطرحها في حجري، فقلت: لا تشغلني! اطرحها إلى وقت حاجتي إليها.
ثم قال لي: وقد قال هؤلاء: إن القرمطيّ دخل مكة وقتل فيها وفعل وصنع؛ فقلت: قد كان ذلك، وقد كثر الدعاء عليه، فلم منع الإجابة؟ فقال: لأن فيهم عشر خصال، فكيف يستجاب لهم؟ فقلت: وما هن؟ قال: أوّلهنّ: أقرّوا بالله وتركوا أمره؛ والثاني: قالوا: نحبّ الرّسول، ولم يتبعوا سنته؛ والثالث: قرؤوا القرآن ولم يعملوا به؛ والرابع: قالوا: نحبّ الجنّة، وتركوا طريقها؛ والخامس: قالوا: نكره النّار، وزاحموا طريقها؛ والسادس: قالوا: إن إبليس عدّونا، فوافقوه؛ والسابع: دفنوا أمواتهم فلم يعتبروا، والثّامن: اشتغلوا بعيوب إخوانهم ونسوا عيوبهم؛ والتّاسع: جمعوا المال ونسوا الحساب؛ والعاشر: نقضوا القبور وبنوا القصور.
قال أبو عبد الله: فأقمت عنده أربعة وعشرين يوماً في أطيب عيشة، فلّما كان اليوم الرّابع والعشرون قال لي: كيف وصلت إلى ها هنا؟ فحدّثته بحديثي، فقال: إنّا لله! لو علمت قصتك لم أتركك عندي لأنك شغلت قلوبهم، ورجوعك إليهم أفضل لك ممّا أنت فيه؛ فقلت له: إني لا أعرف الطّريق؛ فسكت.
فلّما كان عند زوال الشمس، قال: قم، قلت: إلى أين؟ قال: تمضي؛ فقلت له: فأوصني، فأوصاني، ثم قال: إذا حججت وكان يوم الزّيارة، فاطلب بين المقام وزمزم رجلاً أشقر، خفيف العارضين، مجدور، بعد صلاة العصر، فأقره منّي السّلام، وسله أن يدعو لك فإنها فائدة كبيرة لك إن شاء الله.(4/169)
ثم خرج معي من الكهف، فإذا بسبع قائم، فقال لي: لا تخف، وتكلّم بكلام أظنّه كان بالعبرانية فإني لم أكن أفهمه، ثم قال لي: اذهب خلفه، فإذا وقف فانظر عن يمينك تجد الطّريق إن شاء الله.
فسار السّبع ساعةً ثم وقف، فنظرت فإذا أنا على عقبة دمشق، فدخلت دمشق والنّاس قد انصرفوا من صلاة العصر، فمضيت إلى ابن بزراك أبي نصر مع جماعة، فسرّ سروراً تامّاً.
فحدّثته بحديثي، فقال: أمّا نحن فما رأينا إلاّ واحداً نصرانيّاً.
قال أبو عبد الله: ثم خرجنا مقدار خمسين رجلاً إلى ذلك الجبل، وسرنا فيه في تلك الأودية، وحول الجبل، فلم نقف على موضعه، فقال لي: هذا شيء كشف لك ومنعنا نحن، فرجعنا.
قال: فخرجت إلى الحجّ، فوجدت الرّجل بين المقام وزمزم جالساً بعد العصر، كما وصف، وعليه ثوب شرب ومئزر ذبيقي، وهو قاعد على منديل، وقدّامه كوز نحاس، فسلّمت عليه، فردّ عليّ السّلام، فقلت له: إبراهيم بن نصر الكرمانيّ يقرئك السّلام؛ فقال: وأين رأيته؟ قلت: في جبل لبنان؛ فقال: رحمه الله، قد مات؛ قلت: فمتى مات؟ قال: السّاعة دفنّاه، وكنّا جماعة، ودفنّاه عند إخوانه في الغار الذي كان فيه في جبل لبنان، فلّما أخذنا في غسله جاء ذلك الطّير فما زال يضرب بجناحيه حتى مات، فدفناه ودفنا الطّير عند رجليه؛ ثم قال: ما تقوم إلى الطّواف؟ فقمنا فطفت معه أسبوعين، ثم غاب عنّي!.
إبراهيم بن نصير
أبو إسحاق البعلبكّيّ(4/170)
إبراهيم بن وثيمة النّصريّ
أخو زفر بن وثيمة بن مالك بن أوس بن الحدثان النّصريّ عن عراك بن خالد، قال: سمعت إبراهيم بن وثيمة النّصري يقول لعثمان بن محمد القارئ: الآيات التي يدفع الله بهنّ من اللّمم الزمهنّ في كل يوم يذهب عنك ما تجد؛ قال: وأيّ آيات هنّ؟ قال: " وإلهكم إله واحد " الآية، آية الكرسي، وخاتمة البقرة " آمن الرّسول إلى آخرها، و" إن ربّكم الله الذي خلق السمّوات والأرض " إلى المحسنين وآخر الحشر؛ فإنه بلغنا أنهنّ مكتوبات في زوايا العرش. فلزمهنّ فبرأ.
وكان إبراهيم بن وثيمة يقول: اكتبوهنّ لصبيانكم من الفزع واللّمم.
إبراهيم بن وضّاح الجمحيّ
أحد فرسان أهل الشّام وشعرائهم.
شهد صفّين مع معاوية، وقتل يومئذ.
قال صعصعة بن صوحان: قتل الأشتر في تلك المعركة بيده سبعةً مبارزةً، منهم صالح بن فيروز العكّيّ، ومالك بن أدهم السّلاماني، ورياح بن عتيك الغسّانيّ، والأجلح بن منصور الكنديّ، وإبراهيم بن الوضّاح، وهو يقول: من الرجز
هل لك يا أشتر في برازي ... براز ذي غشم وذي اعتزاز
مقاوم لقرنه كزاز(4/171)
فشدّ عليه الأشتر، وهو يقول: من الرجز
نعم نعم أطلبه شديداً ... معي حسام يفصم الحديدا
يترك هامات العدى حصيدا فقتله.
إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك
ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف أبو إسحاق القرشيّ الأمويّ بويع له بالخلافة بعد أخيه يزيد بن الوليد النّاقص، بعهد منه في ذي الحجّة سنة ستّ وعشرين ومئة. وقيل: إن أخاه لم يعهد إليه، وإنّه استولى بغير عهد.
كان طويلاً جسيماً، أبيض جميلاً ذا شقرة، خفيف مقدم اللّحية والعارضين.
قال معمر: سمعت إبراهيم بن الوليد رجلاً من بني أمية يسأل الزّهريّ وعرض عليه كتاباً من علم فقال: أحدّث عنك بهذا يا أبا بكر؟ قال: نعم، فمن يحدثّكموه غيري؟ عن برد بن سنان قال: حضرت يزيد بن الوليد حين حضرته الوفاة، فأتاه قطن فقال: أنا رسول من وراء بابك يسألونك بحقّ الله لم ولّيت أمرهم أخاك إبراهيم بن الوليد؟ فغضب وقال بيده على جبهته: أنا أولّي إبراهيم؟! ثم قال لي: يا أبا العلاء، إلى من ترى أن أعهد؟ فقلت: أمر نهيتك عن الدّخول في أوّله فلا أشير عليك في آخره.
قال: وأصابته إغماءة حتى ظننت انه قد مات، ففعل ذلك غير مرّة. قال: فقعد قطن فافتعل كتاباً عن لسان يزيد بن الوليد، ودعا أناساً فأشهدهم عليه.
قال: ولا والله ما عهد إليه يزيد شيئاً ولا إلى أحد من النّاس.(4/172)
وعن ابن أبي السّريّ قال: قاتل مروان الجعديّ سليمان بن هشام وأهل بيته حتى استوى له الأمر، وهرب إبراهيم بن الوليد في صفر سنة سبع وعشرين ومئة.
قال: وكان إبراهيم مسمناً خفيف العارضين، صغير العينين، أبيضاً مشرباً حمرةً، مقبولاً.
وقد روي: أن إبراهيم بن الوليد لمّا سلّم الأمر لمروان بن محمد وبايعه بالخلافة، تركه حيّاً، فلم يزل حيّاً إلى سنة ثنتين وثلاثين ومئة، فقتل حينئذ فيمن قتل من بني أميّة حين زالت دولتهم.
وروي: أن مروان لما ملك الأمر، واستقام له قتله.
وروي: أن إبراهيم خلع يوم الاثنين لأربع عشرة ليلةً خلت من صفر سنة سبع وعشرين ومئة.
وقال المدائني: لم يتّم لإبراهيم بن الوليد الأمر، كان قوم يسلّمون عليه بالخلافة، وقوم يسلمون عليه بالأمارة، وأبى قوم أن يبايعوا له، وقال بعض شعرائهم: من الطويل
نبايع إبراهيم في كلّ جمعة ... ألا إن أمراً أنت وإليه ضائع
وعن محمد بن المبارك قال: نقش خاتم إبراهيم بن الوليد: إبراهيم يثق بالله.
إبراهيم بن هانئ أبو إسحاق النيسابوريّ
الأرغيانيّ نزيل بغداد.
سمع بدمشق وبمصر وبغيرهما، وروي عنه الحديث.
روى عن أبي العبّاس المدائني، بسنده عن أبي سعيد الخدريّ، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يوم السّبت يوم مكر وخديعة، ويوم الأحد يوم غرس وبناء، ويوم الاثنين يوم سفر(4/173)
وطلب رزق، ويوم الثلاثاء يوم حديد وبأس شديد، ويوم الأربعاء يوم لا أخذ ولا عطاء، ويوم الخميس يوم دخول على سلطان وطلب الحوائج، ويوم الجمعة يوم خطبة ونكاح ".
قال ابن أبي حاتم: سمعت منه ببغداد في الرّحلة الثانية، وهو ثقة صدوق.
وقال أبو بكر الخطيب: كان أحد الأبدال، ورحل في طلب العلم إلى العراق والشام ومصر ومكة، ثم استوطن بغداد، وحدّث بها.
وقال أحمد بن حنبل: إن كان ببغداد رجل من الأبدال فإنه أبو إسحاق النّيسابوريّ، يريد إبراهيم بن هانئ.
قال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ: كان أحمد بن حنبل مختفياً ها هنا عندنا في الدّار، فقال لي أحمد بن حنبل: ليس أطيق ما يطيق أبوك، يعني من العبادة.
وعن أبي بكر النّيسابوريّ قال: حضرت إبراهيم بن هانئ عند وفاته، فجعل يقول لابنه إسحاق: يا إسحاق ارفع السّتر، قال: يا أبه السّتر مرفوع، قال: أنا عطشان؛ فجاءه بماء، قال: غابت الشّمس؟ قال: لا؛ قال: فردّه، ثم قال: " لمثل هذا فليعمل العاملون " ثم خرجت روحه ".
توفي يوم الأربعاء لأربع خلون من ربيع الآخر سنة خمس وستين ومئتين.
إبراهيم بن هبة الله بن إبراهيم
أبو إسحاق القرشيّ، الأطرابلسيّ، المرقانيّ قدم دمشق وحدّث بها. سمع بدمشق وروي عنه.
روى عن أحمد بن كليب الطّرسوسيّ، بسنده عن أبي إدريس، قال: دخلت مسجد دمشق، فإذا أنا بفتىً برّاق الثّنايا، وإذا النّاس حوله، وإذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه، فصدروا عنه، فسألت عنه، فقيل: هذا معاذ بن جبل.(4/174)
فلّما كان من الغد هجّرت فوجدته قد سبقني بالتّهجير، فوجدته يصلّي، فانتظرته حتى إذا قضى صلاته جئته من قبل وجهه، فسلّمت عليه، وقلت له: والله إني لأحبّك، قال: الله؟ قلت: الله، فقال: الله؟ فقلت: الله، فأخذ بحبوتي وردائي فجذبني، وقال: أبشر، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول " قال الله عزّ وجلّ: حقّت محبّتي للمتحابّين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ، والمتباذلين فيّ ".
إبراهيم بن هشام بن إسماعيل بن هشام
ابن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بن يقظة القرشيّ، المخزوميّ ولي مكة والمدينة والموسم لهشام بن عبد الملك، ثم أقدمه الوليد بن يزيد بعد موت هشام وأخاه محمد بن هشام دمشق مسخوطاً عليهما، ودفعهما إلى يوسف بن عمر والي العراق، فعذّبهما حتى ماتا عنده.
قال يعقوب بن سفيان: في سنة ستّ ومئة نزع عبد الواحد عن المدينة، وأمر إبراهيم بن هشام بن إسماعيل.
قال: وفي سنة سبع حجّ بالنّاس عامئذ إبراهيم بن هشام وهو أمير على أهل مكة والمدينة، قال: وفي سنة ثمان ومئة حجّ عامئذ إبراهيم بن هشام، وفي سنة تسع ومئة وفي سنة عشر ومئة حجّ بالنّاس إبراهيم بن هشام، وفي سنة إحدى عشرة، وفي سنة اثنتي عشرة ومئة حجّ إبراهيم بن هشام، وفي سنة ثلاث عشرة عزل إبراهيم بن هشام عن المدينة.
وعن الواقدي قال: وفيها يعني سنة سبع ومئة حجّ بالنّاس إبراهيم بن هشام فخطب بمنى الغد من يوم النّحر بعد الظّهر، فقال: سلوني، فأنا ابن الوحيد، لا تسألوا أحداً أعلم منّي، فقام إليه رجل من أهل العراق فقال: الأضحية أواجبة هي؟ فما درى أيّ شيء يقوله له، فنزل عن المنبر.
وعن إبراهيم بن الفضل قال: بينا إبراهيم بن هشام يخطب على المنبر بالمدينة إذ(4/175)
سقطت عصاً كانت معه في يده، فاشتدّ ذلك عليه فكرهه، فتناولها الفضل بن سليمان، وكان على حرسه، وناوله إيّاها، وقال: من الطويل
فألقت عصاها واستقرّ بها النّوى ... كما قرّ عيناً بالإياب المسافر
قال محمد بن الحسن: أذن إبراهيم بن هشام إذناً عامّاً فدخل عليه النّصيب، فانشده مديحاً له، فقال إبراهيم: ما هذا بشيء، أين هذا من قول أبي دهبل لصاحبنا ابن الأزرق: من البسيط
إن تغد من منقلي نخلان مرتحلاً ... يبن من اليمن المعروف والجود
قال: فغضب النّيب، فخلع عمامته وطرحها وبرك عليها بين يديه، ثم قال: فإن تأتونا برجل مثل ابن الأزرق نأتكم بمديح أجود من مديح أبي دهبل.
عن رجل من قريش من أهل المدينة، قال: كنت أساير إبراهيم بن هشام بالمدينة وهو وال عليها، فلقيه رجل، فسلّم عليه، فرأيت رجه إبراهيم قد تغّير؛ فلّما مضى الرّجل سألته عن تغيّر وجهه، فقال لي: فطنت لذلك؟ قلت: نعم؛ قال: فإنّ له عليّ ديناً، وقال النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن لصاحب الحقّ مقالاً ".
وقال عبد العزيز بن محمد المخزوميّ: كتب هشام بن عبد الملك إلى إبراهيم بن هشام المخزوميّ، وكان عامله على الحجاز: أمّا بعد: فإن أمير المؤمنين قد قلّد ما كان ولاّك من الحجاز خالد بن عبد الملك، وإن أمير المؤمنين لم يعزلك حتى كنت وإيّاه، كما قال القطامي: من الوافر
أمور لو تدبّرها حليم ... إذاً لنهى وهيّب ما استطاعا
ولكنّ الأديم إذا تفرّى ... بلى وتعيّناً غلب الصّناعا
وإنّي والله ما عزلتك حتى لم يبق من أديمك شيء أتمسّك به.(4/176)
فلّما ورد كتابه على إبراهيم بن هشام تغّير وجهه، وقال: " إنا لله وإنّا إليه راجعون " أصبحت اليوم والياً، وأنا السّاعة سوقة؛ فقام رجل من بني أسد بن خزيمة، فقال: من الوافر
فإن تكن الإمارة عنك زاحت ... فإنك للهشام وللوليد
وقد مرّ الذي أصبحت فيه ... على مروان ثم على سعيد
قال: فسرّي عنه، وأحسن جائزة الأسديّ.
قتل سنة خمس وعشرين ومئة.
إبراهيم بن هشام بن ملاس بن قسيم
النّميريّ، وقيل الغسّانيّ
إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى
أبو إسحاق الغسّانيّ سمع وأسمع.
ولد سنة خمسين ومئة وله شعر حسن.
روى عن سويد بن عبد العزيز، عن أبي الزّبير، عن جابر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تسبّوا الدّهر، فإنّ الله هو الدّهر ".
توفي سنة ثمان وثلاثين ومئتين.
إبراهيم بن يحيى بن إسماعيل
ابن عبيد الله بن أبي المهاجر المخزوميّ روى عن الوليد بن مسلم، عن سعيد بن عبد العزيز، عن إسماعيل بن عبد الله،(4/177)
قال: قال لي عبد الملك بن مروان: يا إسماعيل أدّب ولدي، فإنّي معطيك أو مثيبك؛ قال إسماعيل: يا أمير المؤمنين، وكيف بذلك، وقد حدّثتني أمّ الدّرداء، عن أبي الدّرداء، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من اخذ على تعليم القرآن قوساً قلّده الله يوم القيامة قوساً من نار "؟ قال عبد الملك: يا إسماعيل إني لست أعطيك أو أثيبك على القرآن، إنّما أعطيك أو أثيبك على النحو.
إبراهيم بن يحيى بن المبارك بن المغيرة
أبو إسحاق بن أبي محمد العدويّ أحد بني عديّ بن عبد شمس بن زيد مناة بن تميم، من رهط ذي الرّمة؛ وقيل: إنّهم موالي بني عديّ بن عبد شمس، ويعرف أبوه باليزيديّ لأنه خرج مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بالبصرة، ثم توارى حتى استتر أمره، واتّصل بيزيد بن منصور خال المهديّ فوصله بالرّشيد، فعرف باليزيديّ.
وكان إبراهيم عالماً بالأدب، شاعراً مجيداً، نادم الخلفاء، وقدم دمشق صحبة المأمون والمعتصم، وذكر دير مرّان في شعره، وكان قد سمع أباه وغيره، وروي عنه.
حدّث عن أبيه، قال: كنت مع أبي عمرو بن العلاء في مجلس إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن بن عليّ بن أبي طالب، فسأله عن رجل من أصحابه فقده، فقال لبعض من حضره: اذهب فسل عنه، فرجع فقال: تركته يريد يموت؛ قال: فضحك منه بعض القوم، وقال: في الدنيا إنسان يريد أن يموت! فقال إبراهيم: لقد ضحكتم منها! غريبة، إنّ يريد في معنى: يكاد، قال الله تعالى: " جداراً يريد أن(4/178)
ينقضّ " أي: يكاد، قال: فقال أبو عمرو: لا نزال بخير ما كان فينا مثلك.
وحدّث قال: إنّي كنت يوماً عند المأمون، وليس معنا إلاّ المعتصم، فذكر كلاماً قال: فلم أحتمل ذلك منه يعني من المعتصم فأجبته، فأخفى ذلك المأمون، ولم يظهره ذلك الإظهار؛ فلّما صرت من غد إلى المأمون كما كنت أصير قال لي الحاجب: أمرت أن لا آذن لك، فدعوت بداوة وقرطاس، وكتبت: من الطويل
أنا المذنب الخطّاء والعفو واسع ... ولو لم يكن ذنب لما عرف العفو
سكرت فأبدت منّي الكأس بعض ما ... كرهت وما إن يستوي السّكر والصّحو
ولا سيّما إذ كنت عند خليفة ... وفي مجلس ما إن يليق به اللّغو
ولولا حميّا الكأس كان احتمال ما ... بدهت به لا شكّ فيه هو السّرو
تنصّلت من ذنبي تنصّل ضارع ... إلى من لديه يغفر العمد والسّهو
فإن تعف عنّي ألف خطوي واسعاً ... وإلاّ يكن عفو فقد قصر الخطو
قال: فأدخلها الحاجب، ثم خرج إليّ فأدخلني، فمّد المأمون باغيه، فأكببت على يديه فقبّلتهما، فضمّني إليه، وأجلسني.
وفي رواية: أن المأمون وقّع على ظهر هذه الأبيات: من الخفيف
إنّما مجلس النّدامى بساط ... للمودّات بينهم وضعوه
فإن انتهوا إلى ما أرادوا ... من حديث ولذّة رفعوه
وحدّث قال: كنت مع المأمون في بلد الرّوم، فبينا أنا سائر في ليلة مظلمة شاتية ذات غيم وريح، وإلى جانبي قبّة، إذ برقت برقة فإذا في القبّة عريب، فقالت: إبراهيم بن اليزيدي! فقلت: لبّيك، فقالت: قل في هذا البرق أبياتاً أغنّي فيها، فقلت: من الرجز
ماذا بقلبي من أليم الخفق ... إذا رأيت لمعان البرق
من قبل الأردنّ أو دمشق ... لأن من أهوى بذاك الأفق(4/179)
فارقته وهو أعزّ الخلق ... عليّ والزّور خلاف الحق
ذاك الذي يملك مني رقي ... ولست أبغي ما حييت عتقي
فتنفّست نفساً ظننت أنه قد قطع حيازيمها، فقلت: ويحك، على من هذا؟ فضحكت، ثم قالت: على الوطنّ فقلت: هيهات، ليس هذا كلّه للوطن؛ فقالت: ويلك، أفتراك ظننت أنك تستفزّني، والله لقد نظرت نظرة مريبةً في مجلس فادّعاها أكثر من ثلاثين رئيساً، والله ما علم أحد منهم لمن كانت إلى هذا الوقت! قال أبو بكر الخطيب: وهو بصريّ سكن بغداد، وكان ذا قدر وفضل وحظّ وافر من الأدب، سمع من أبي زيد الأنصاريّ وأبي سعيد الأصمعيّ، وله كتاب مصنّف يفتخر به اليزيديّون، وهو ما اتّفق لفظه واختلف معناه نحو من سبعمئة ورقة، رواه عنه ابن أخيه عبيد الله بن محمد بن أبي محمد اليزيديّ، وذكر إبراهيم أنه بدأ بعمل ذلك وهو ابن سبع عشرة سنة، ولم يزل يعمله إلى أن أتت عليه ستون سنة؛ وله كتاب مصادر القرآن وكتاب في بناء الكعبة وأخبارها وكان شاعراً مجيداً.
إبراهيم بن يحيى البيروتيّ
إبراهيم بن يحيى الدّمشقيّ
غير ثقة.
إبراهيم بن يزيد النّصريّ
من أهل دمشق، كان من حرس عمر بن عبد العزيز.
روى عن عبدة بن أبي لبابة، قال: سمعت ابن عمر يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تابعوا بين الحجّ والعمرة، فوالذّي نفسي بيده لمتابعتهما لتنفي الفقر والذّنوب كما ينفي الكير خبث الحديد ".
وحدّث الأوزاعيّ، عنه، عن عمر بن عبد العزيز، أنه خرج على حلقة من حرسه، قال: وقد كان نهاهم قبل ذلك أن يقوموا له إذا خرج عليهم، ولكن(4/180)
يوسّعوا؛ قال: فقال: أيّكم يعرف الرّجل الذي أمرنا أن يركب إلى مصر؟ فقالوا: كلّنا نعرفه؛ قال: فليقم إليه أحدكم فليدعه؛ فأتاه الرّسول، فقال: لا تعجل حتى أشدّ عليّ ثيابي؛ وظنّ أن ذلك استبطاء من عمر.
قال: فأتاه، فقال له عمر: إن اليوم الجمعة، فلا تبرح حتى تصلّي، وأنّا بعثناك في أمر عجلة من أمر المسلمين، فلا يحملّنك استعجالنا إيّاك أن تؤخر الصّلاة عن وقتها، فإنك لا محالة أن تصلّيها، فإن الله عزّ وجلّ ذكر قوماً، فقال: " أضاعوا الصّلاة واتّبعوا الشّهوات فسوف يلقون غيّاً "، ولم يكن إضاعتهم تركها، ولكن أضاعوا المواقيت.
إبراهيم بن يزيد
حكى، عن أبي سليمان الدّارانيّ، قال: قلت لراهب: يا راهب؛ فاخرج رأسه وقال: لست براهب، إنّما الرّاهب الذي يخشى الله، إنّما حبست نفسي عن الوقيعة في النّاس ومن أذى النّاس، اللّسان سبع إن تركته أكل النّاس.
إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق
أبو إسحاق السّعديّ الجوزجانيّ سكن دمشق، وحدّث عن جماعة، وروى عنه جماعة.
روى عن عمرو بن عاصم، بسنده عن أبي هريرة، قال: قلنا: يا رسول الله ونحن في غزوة تبوك، والخيل تمرّغ بنا في أدبار القوم: كان مسيرنا هذا في الكتاب الأوّل؟ قال: نعم.
قال السّعديّ: سكن دمشق، يحدّث على المنبر، ويكاتبه أحمد بن حنبل، فيتقوّى بكتابه، ويقرؤه على المنبر، وكان شديد الميل إلى مذهب أهل دمشق في التّحامل على عليّ.(4/181)
وقال الدّارقطني: أقام بمكة مدّة، وبالرّملة مدّة، وبالبصرة مدّة، وكان من الحفّاظ المصنّفين، والمخرّجين الثّقات، لكن كان فيه انحراف عن عليّ بن أبي طالب، اجتمع على بابه أصحاب الحديث فخرج إليهم، فأخرجت جارية له فرّوجة لتذبح، فلم تجد أحداً يذبحها؛ فقال: سبحان الله، لا يوجد من يذبحها، وقد ذبح عليّ بن أبي طالب في ضحوة نيفاً وعشرين ألفاً.
قال ابن يونس: قدم مصر سنة خمس وأربعين ومئتين، وكتبت عنه، وكانت وفاته بدمشق سنة ستّ وخمسين ومئتين.
وقال أبو الدّحداح: مات سنة تسع وخمسين ومئتين، يوم الجمعة مستهل ذي القعدة.
إبراهيم بن يوسف بن خالد بن سويد
أبو إسحاق الرّازي الهسنجانيّ سمع بدمشق، وأسمع.
روى عن طالوت بن عبّاد، بسنده عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل إمامه أن يجعل الله رأسه رأس حمار ".
قال ابن ماكولا: مات الهسنجانيّ في سنة إحدى وثلاثمئة.
إبراهيم بن يوسف
سمع من بعض أهل العلم بعد السّتّين وأربعمئة.(4/182)
إبراهيم بن يونس بن محمد بن يونس
أبو إسحاق بن أبي نصر المقدسيّ الخطيب أصبهاني الأصل، سمع بدمشق وبيت المقدس.
روى عن علي بن طاهر المقدسيّ، بسنده عن ميمونة بنت الحارث: أن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلّي على الخمرة.
توفي يوم الجمعة، وصلّى عليه ابنه أبو الحسين أحمد، يوم السبت الثاني من ذي الحجّة سنة إحدى وتسعين وأربعمئة بدمشق، ودفن بمقابر باب الصّغير.
وقال عن مولده: ولدت في رمضان سنة إحدى وعشرين وأربعمئة؛ وكان كثير التّلاوة للقرآن.
إبراهيم أبو زرعة
مولى الوليد بن عبد الملك، والد زرعة بن إبراهيم كان من مسلمة أهل الكتاب، يعدّ في الشاميّين.
إبراهيم أبو إسحاق
ابن النّائحة، الشّاعر من أهل دمشق.
كان في زمن أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون.
حدّث قال: دخلت على أبي الجيش خمارويه بن أحمد، فقال لي: أخبرني بحديث حسن، فقلت: بلغني أيّد الله الأمير أن رجلاً من الممتحنين ممّن تولّت عنه الدّنيا،(4/183)
وزالت عنه النّعمة، ولحقته النّحوس، وساءت حاله، ورثّت ثيابه، وشعث شعره، وكثر سهره، وقلّ فرخه، فوجد درهماً، فقال: آخذ شعري، وأغسل ثوبي، وأدخل الحمّام؛ فكسر الدّرهم بأربعة وجعله في جيبه، ومضى يغسل ثوبه، فسقطت القطع من جيبه، ولم يبق منها إلاّ قطعة واحدة، فرجع واجتاز في طريقه بحمّام فدخله، وأعطى القطعة؛ فلّما دخل الحمّام نام فيه، وقصد ذلك الحمّام رجل من الأغنياء ذو حشم وغلمان، فدخل الحمّام وليس فيه إلاّ هذا النّائم، فأراد الغلمان طرده، فنهاهم عن ذلك، وقال: دعوه.
فلّما انتبه الرّجل استحيا وأراد الخروج، فدعاه الرّجل إليه، وخاطبه وكلّمه، فإذا رجل أديب متكلم فهم ظريف، قد كملت فيه الأخلاق الشّريفة، إلاّ انه فقير لا شيء له؛ وإذا بالرّجل الغنيّ صاحب الحشم رجل قصير، أعور، مقطوع الأذنين، أحدب؛ فعجب من نفسه وحاله ومن الرّجل.
فأمر الرّجل غلمانه، فغسلوا رأسه، ودعا بمزيّن فأخذ شعره، ودعا له بثياب جدد، فلبسها، وحمله معه إلى منزله، وقدّم له طعاماً سريّاً، فأكل معه، وأمر له بمئة دينار، وقال له: قد أجريت لك في كلّ شهر عشرة دنانير، أكسوك كسوة الشّتاء والصّيف.
فقال له: يا سيّدي، أريد أن تحدّثني ما الذي كان بسببه قطع أذناك، وقلعت عينك، وما هذه الحدبة التي في ظهرك؟ فقال له الرّجل: يا هذا، وأيش سؤالك عمّا لا يعنيك، اله عن هذه؛ قال: لا بدّ أن تحدّثني؛ قال: يا هذا؛ إنّ هذا الذي تسألني عنه شيء ما حدّثت به أحداً قطّ، ولا جسر أحد يسألني عنه غيرك؛ وأنا الذي جلبت لنفسي هذه البليّة بإدخالك منزلي، فقم عافاك الله وانصرف.
فقال: لا والله لا برحت أو تحدّثني؛ فقا: يا هذا، اختر منّي خصلة من اثنتين؛ إمّا أن تنصرف وقد سوّغتك ما وهبت لك، وإمّا أن أحدّثك وآخذ منك كلّ ما أعطيتك، وألبسك خلقك، وأضربك مئة عصاً تأديباً لك!
فقال: يا سيدي، خذ منّي، واعمل بي ما شئت بعد ذلك؛ فقال للغلمان: اعتزلوا،(4/184)
ثم أنشأ يحدّثني، فقال: كانت لي ابنة عمّ غنيّة موسرة، عظيمة اليسار، فخطبتها، فلم ترغب في لدمامتي وفقري، فوجّهت إليها: يا بنت عمّي، أبي وأبوك أخوان، وأنا أولى النّاس بك، وأنا أسألك أن تحبسي نفسك عليّ سنةً، فإن رزقني الله، وفتح لي، فأنا أولى النّاس بك، وإلاّ فاعملي بنفسك ما أحببت؛ فأجابتني إلى ذلك، واحتلت بعشرين ديناراً فاشتريت فرساً وسرجاً ولجاماً وسلاحاً، وخرجت إلى رجل من الفتيان ممّن يقطع الطّريق، معروف بالشّجاعة والفروسيّة، والإحسان إلى الفتيان والصّعاليك؛ وحدّثته بخبري، وطرحت نفسي عليه، وقبّلت رأسه ويديه، فأقمت عنده شهراً، وهو محسن إليّ، ثمّ خرجنا إلى الصّحراء نطلب الطّريق، ونحن عشرة فتيان أجلاد شجعان، كلّ واحد يرى نفسه.
فبينما نحن جلوس إذ وافى رجل على فرس فاره، وسرج ولجام محلّى، ومعه بغل عليه صناديق، فوق الصّناديق جارية كأنّها الشّمس الطّالعة، وعليها ثياب مرتفعة، وحلّي ظاهر؛ فقال رئيسنا: قد جاءكم رزقكم؛ ثم التفت إلى رجل من أصحابه، فقال: يا فلان، قم الحق الرّجل فاقتله، وائتنا بالجارية وما معها؛ فركب الرّجل فرسه، ومضى خلف الرّجل حتى غاب عنّا وأبطا؛ فقال رئيسنا: أظنّ صاحبنا قتل الرّجل واشتغل بالجارية يضاجعها؛ ثم قال لرجلين: قوما إلى الجارية والرّجل فاحضرا ذلك إلينا؛ فمضيا واحتبسا ولم يعودا! فقال: لأصحابنا خبر؛ ثم ركب فرسه، وركبنا خيلنا، وسرنا فوافينا صاحبنا الأوّل مقتولاً، ثم سرنا فوافينا الآخرين قتيلين، وسرنا حتى لحقنا الرّجل، وإذا معه قوس موترة، وفيه السّهم؛ فرمى رئيسنا فقتله، ثم ثنّى بآخر فقتله، فانهزم الباقون، وهربوا على وجوههم، وأقمت أنا، فطلبت منه الأمان، فأمّنني، وسألته أن يأذن لي في صحبته وخدمته، فقال: خلّ قوسك وتعال سق بالجارية، وسار، ولم يأخذ من سلب القوم شيئاً، ولا من دوابّهم؛ ولم يزل سائراً إلى العصر حتى أتى ديراً فدّق بابه، فنزل إليه صاحب الدّير ففتح الدّير، ودخل الرّجل والجارية الدّير وأنا معهما، وذبح له صاحب الدّير دجاحة، وأعدّ له طعاماً سريّاً، ثم قدّم المائدة، وجلس الرّجل والجارية وأنا وصاحب الدّير وابنه، فأكلنا حتى شبعنا، ثم احضر الشّراب فلم يزالوا يشربون إلى المغرب، ثم قام إليّ وقال: اعذرني فيما أفعله بك، فإنيّ لست آمنك، وإنّما(4/185)
أنت لصّ بعد كل حال، وأكره غدرك؛ ثم شدّ يدي وحبسني في بيت وأقفل عليّ، ولم يزل يشرب حتى سكر ونام، وأنا أطالع من شقّ الباب.
فإذا الجارية رميت بحصاة، فأشارت إلى الذي رماها، وقالت: قف قليلاً، فلّما استثقل الفتى قامت إلى ابن صاحب الدّير، فوطئها، ثم عادت إلى مولاها؛ فغرت عليها، وقلت: مثل هذه جسرت على هذا السّيّد الشّجاع الذي ما رأت عيني مثله قطّ، فأقبلت أرمقها من خلل الباب وهي تقصد ابن صاحب الدّير يقضي حاجته منها ثم تعود، فلّما أصبح الرّجل، فتح الباب، وحلّ عني، واعتذر إليّ أيضاً.
ومضت الجارية خارج الدّير لما يخرج له النّساء، فحدّثت مولاها بما كان منها، فصاح عليّ وزبرني وانتهزني فسكتّ وأنا خجل، فقلت: هذا رجل قد علم بها وراقت الجارية، فلم يظهر لها شيئاً.
وأقام يومه ذلك، وأعدّ له صاحب الدّير طعاماً كما فعل بالأمس، وهو في ذلك يضاحك الجارية ويمازحها، إلى أن قدّم الطّعام، فأكلنا ثم قدّم الشّراب، فشربنا كفعلنا بالأمس سواء؛ ومع الجارية عود تغنّي به، فلّما جاء المساء، قام إليّ واعتذر إليّ وشدّ يديّ وحبسني في البيت وأقفله عليّ، وأقبل يشرب، وأنا أنظر إليه إلى أن نام، ورميت الجارية بحصاة، فأومت إليه: قف قليلاً؛ فلّما علمت أن مولاها قد استثقل قامت إليه فوطئها، ووثب مولاها إليهما مبادراً فذبحها، ثم فتح الباب عليّ، وحلّ كتافي، ودعا بصاحب الدّير وقال: خذ ابنك فواره، وحدّثه بأمره؛ وقال لي: إنّما صحت عليك لأستثبت القصّة في سكون، ولا أقدم على ما أقدم عليه إلاّ بعلم وعذر واضح.
ثم أمرني فأسرجت له فرسه، فركب وحمل الصّناديق والجارية فوقها، وسار وأنا بين يديه ماش حتى انتصف اللّيل، وقال: عاونّي؛ فلم أزل أنا وهو حتى حفرنا قبراً وطرح الجارية فيه بثيابها وحليها لم ينزعه عنها وطم القبر ودفع إلى صرة، وقال: هذه مئة دينار، خذها وامض إلى أهلك، ولا تقصد هذا القبر ولا تقربه، والله لئن قربته لأنكّلنّ بك؛ فقلت: ما أقربه.
وانصرفت فاختفيت ثلاثة أيام، ثم جئت إلى القبر في اللّيل، فحفرت حتى وصلت(4/186)
إلى الجارية، فإذا مولاها قائم على رأسي، فأخرجني من القبر، وقطع أذنيّ، وقال: والله لئن عدت لأنكلن بك.
فأقمت عشرة أيام، ثم رجعت إلى القبر، فحفرته حتى وصلت إلى الجارية، وهممت بقلع الحليّ، فإذا مولاها قائم على رأسي فأخرجني، وقلع عيني اليمنى؛ وقال ألم أقل لك: إنك لصّ، ليس فيك حيلة، والله لئن عدت لأقتلنك. وانصرفت، ثم عدت إلى القبر بعد ستة أشهر، وحفرت عليها، فقلعت عنها الحليّ، ورددت القبر كما كان، وانصرفت، فوجدت في الحليّ خمسمئة دينار، وجئت بلدي، ورفقت بابنة عمّي حتى تزوّجت بها، وكانت عظيمة النّعمة، كثيرة الجواري، فأباحتني نعمتها، ووضعت يدي في التّجارة، فكثر مالي، واتسعت دنياي، وعشقت جارية من جواري زوجتي، وبليت بها، وزاد الأمر عليّ حتى كنت لا أصبر عن نظري إليها، وبذلت لها ثلاثمئة دينار على أن تمكّنني من نفسها فلم تفعل، فقنعت بالنّظر، فشكتني إلى ستّها، وأعلمتها محبتي لها، وما بذلت لها، فحجبتها عنّي، ومنعتني من النّظر إليها.
فجعلت بيني وبينها رسولاً على أن أشتريها من ستّها ثم أعتقها وأتزوّج بها، وأهب لها ألف دينار، فامتنعت وكلّمتني من وراء حجاب، فقالت: يا مولاي: اصدقني حتى أصدقك، هل أحببت ستّي قطّ؟ فقلت: إي والله، حتى جاء حبّك فأزال حبّها؛ قالت: وكذا بعدي تحبّ غيري وتبغضني، أنت رجل ملول، لا تصلح لي، فلا تتعب نفسك، فليس والله تصل إليّ أبداً.
ومضت إلى ستّها فحدّثتها بكل ما جرى بيني وبينها، فطردت الرّسول، وحجبتها عنّي، فاشتد قلقي، ثم قابلتني وقالت: أخذتك فقيراً وحشاً، فكسرت بختي، ولحقني منك بلاء؛ إلى أن زاد الأمر بيني وبيتها، فمددت يدي إليها فأقبلتها إلى الأرض، وجعلت أخنقها، فبادرت الجارية التي أحبهّا فأخذت منارة عظيمة فضربت بها ظهري، وخرجت من الدّار هاربة على وجهها منّي.
فماتت زوجتي ممّا خنقتها، وظهرت لي حدبة في ظهري، ولم أر الجارية إلى يومي هذا ولا سمعت لها بخبر!(4/187)
ثم أمر بالرّجل فنزعت عنه ثيابه، وألبسه خلقانه، وأخذ المال منه، وضربه مئتي عصاً وطرده.
قال أبو إسحاق: فضحك أبو الجيش، وأمر لي بمئة دينار، فأخذتها وانصرفت.
إبراهيم الخيّاط
كان شيخاً فاضلاً بدمشق، يسكن بمسجد باب كيسان في سنة تسع وخمسين وثلاثمئة.
أسماء الرجال على حرف الألف
أبرد الدّمشقي
فرّق ابن مندة بينه وبين أبرد بن يزيد الشّاميّ
أبرش بن الوليد بن عبد عمرو
ابن جبلة بن وائل بن قيس بن بكر بن الجلاح وهو عامر بن عوف بن بكر بن كعب بن عوف بن عامر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن ثعلب بن حلوان بن الحاف ابن قضاعة واسمه سعيد، والأبرش لقب؛ أبو مجاشع الكلبيّ أحد الفصحاء من أصحاب هشام بن عبد الملك.
عن هشام بن محمد بن السّائب الكلبيّ: أتت الخلافة هشاماً، وعنده سالم كاتبه، وكان مولاه، وإليه تنسب أجمة سالم؛ والرّبيع حاجبه؛ والأبرش الكلبيّ جليسه؛ فسجد هشام وكاتبه وحاجبه، ولم يسجد الأبرش، فلّما رفع هشام رأسه قال:(4/188)
يا أبرش، ما منعك من السّجود وقد سجدت وسجد هذا وهذا؟ قال: أمّا أنت فأتتك الخلافة فشكرت الله عزّ وجلّ على عطاء جزيل، وأما هذا فكاتبك وشريكك، وأمّا هذا فحاجبك والمؤدّي عنك وإليك، وأمّا أنا فرجل من العرب لي بك حرمة وخاصيّة، وأنا أخاف أن تغيّرك الخلافة، فعلى ماذا أسجد؟ قال: وإنّما منعك من السّجود ما ذكرت!؟ نعم؛ قال: فلك ذمّة الله وذمّة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن لا أتغيّر عليك؛ قال: الآن طاب السّجود، الله أكبر.
وحدّث الأبرش، قال: دخلت على هشام بن عبد الملك، فسألته حاجة، فامتنع عليّ، فقلت: يا أمير المؤمنين لا بدّ منها، فإنّا قد ثنينا عليها رجلاً؛ قال: ذاك أضعف لك، أن تثني رجلك على ما ليس عندك؛ فقلت: يا أمير المؤمنين، ما كنت أظنّ أنّي أمدّ يدي إلى شيء ممّا قبلك إلاّ نلته؛ قال: ولم؟ قلت: لأنّي رأيتك لذلك أهلاً، ورأيتني مستحقّة منك؛ قال: يا أبرش، ما اكثر من يرى أنه مستحقّ أمراً ليس له بأهل؛ فقلت: أفّ لك! إنك والله ما علمت قليل الخير نكده، والله إن نصيب منك الشّيء إلاّ بعد مسألة، فإذا وصل إلينا مننت به، والله إن أصبنا منك الخير قطّ.
قال: لا والله، ولكنّا وجدنا الأعرابيّ أقلّ شيء شكراً؛ قلت: والله إني لأكره الرّجل يحصي ما يعطي.
ودخل عليه أخوه سعيد بن عبد الملك، ونحن في ذلك، فقال: مه يا أبا مجاشع، لا تقل ذلك لأمير المؤمنين.
قال: فقال هشام: أترضى بأبي عثمان بيني وبينك؟ قلت: نعم؛ قال: قال سعيد: ما تقول يا أبا مجاشع؟ فقلت: لا تعجل، صحبت والله هذا، وهو أرذل بني أبيه، وأنا يومئذ سيّد قومي، وأكثرهم مالاً، وأوجههم جاهاً، ادعى إلى الأمور العظام من قبل الخلفاء، وما يطمع هذا يومئذ فيما صار إليه حتى إذا صار إلى البحر الأخضر غرف لنا منه غرفةً، ثم قال: حسبك؛ فقال هشام: يا أبرش، اغفرها لي، فوالله لا أعود بشيء تكرهه أبداً، صدق يا أبا عثمان.
قال: فوالله ما زال لي مكرماً حتى مات.(4/189)
وعن محمد بن سلاّم الجمحيّ، قال: قال الفرزدق أبياتاً كتب بها إلى سعيد بن الوليد الأبرش الكلبيّ، فكلّم له هشاماً، وهي: من الطويل
إلى الأبرش الكلبيّ أسندت حاجةً ... تواكلها حيّاً تميم ووائل
على حين أن زلّت بي النّعل زلّةً ... وأخلف ظنّي كلّ حاف وناعل
فدونكها يا بان الوليد فإنّها ... مفضفة أصحابها في المحافل
ودونكها يا ابن الوليد فقم لها ... قيام امرئ في قومه غير حامل
فكلّم فيها هشاماً، فأمر بتخليته، فقال: من الطويل
لقد وثب الكلبيّ وثبة حازم ... إلى خير خلق الله نفساً وعنصراً
إلى خبر أبناء الخلافة لم تجد ... لحاجته من دونها متأخراً
أبى حلف كلب في تميم وعقدها ... لما سنّت الآباء أن يتغيّرا
وكان حلف قديم بين كلب وتميم في الجاهلية؛ في ذلك قول جرير: من الطويل
تميم إلى كلب، وكلب إليهم ... أحقّ وأولى من صداء وحميرا
وعن أبي اليقظان، قال: كان بين مسلمة وهشام تباعد، وكان الأبرش الكلبيّ يدخل إليهما، وكان أحسن النّاس حديثاً وعقلاً وعلماً، فقال له هشام: كيف تكون خاصّاً بي وبمسلمة على ما بيننا؟ فقال: لأنّي كما قال الشاعر: من الطويل
أعاشر قوماً لست أخبر بعضهم ... بأسرار بعض، إن صدري واسع
فقال: كذلك والله أنت.
وعن محمد بن سلاّم، قال: حدا الأبرش بالمنصور، فقال: من الراجز(4/190)
أغرّ بين حاجبيه نوره ... إذا توارى ربه ستوره
فأطرب المنصور، فأمر له بدرهم! فقال: يا أمير المؤمنين؛ إني حدوت بهشام بن عبد الملك، فطرب فأمر لي بعشرة آلاف درهم؛ فقال: يا ربيع، طالبه بها، وقد أعطاه ما لا يستحقّه، وأخذه من غير حلّه! ؛ فلم يزل أهل الدّولة يشفعون له حتى ردّ الدّرهم وخلّي.
أبق بن محمد بن بوري
ابن طغتكين أتابك أبو سعيد التّركيّ
ولد ببعلبك، وقدم دمشق مع أبيه محمد، فلّما مات أبوه محمد ولي إمرة دمشق يوم الجمعة الثامن من شعبان سنة أربع وثلاثين وخمسمئة، وكان أتابك زنكي بن أق سنقر صاحب حلب وبعض الشّام والموصل والجزيرة محاصراً لدمشق، فلم يصل منها إلى مقصود، ورحل عنها، وكان أبق صغير السّنّ، واستولى على أمره أنر بن عبد الله، الملّقب بمعين الدّين مملوك جدّ أبيه طغتكين، والرئيس أبو الفوارس المسيّب بن عليّ بن الصّوفي، فلّما مات أنر انبسطت بد أبق، والرئيس أبو الفوارس يدبّر الأمور، وبعد مدّة دبّر أبق وجماعة من بطانته على الرّئيس حتى أخرجه من دمشق إلى صرخد، واستوزر أخاه أبا البيان حيدرة بن عليّ مديدة، ثم استدعى عطاء بن حفاظ السّلميّ الخادم من بعلبكّ، وجعله مقدّماً على العسكر، وقتل أبا البيان، ثم قبض على عطاء وقتله، ولم يلبث بعد ذلك إلاّ يسيراً حتى قدم الملك العادل محمود بن زنكي بن آق سنقر، فحاصر البلد مدّةً يسيرة وسلّم إليه بالأمان يوم الأحد العاشر من صفر سنة تسع وأربعين وخمسمئة، ووفى لأبق بما جعل له وسلّم إليه مدينة حمص، فأقام بها يسيراً، ثم انتقل منها إلى بالسن مدينة بناحية الفرات فسلّمت إليه بأمر الملك العادل، فأقام بها مدّةً، ثم توجه منها إلى بغداد، فقبله أمير المؤمنين المقتفي لأمر الله، وأخرج له ديواناً كفاه ببغداد، وقد كان(4/191)
قبل أن يخرج أبق الصّوفيّ من دمشق قد رفع الأقساط وما كان يؤخذ في الكور من الباعة، وكان كريماً، ومات ببغداد.
أبو نخيلة بن حرز ويقال حزن
ابن زائدة بن لقيط بن هدم بن يثربيّ، وقيل: أثربيّ بن ظالم بن مخاشن بن حمّان بن عبد العزّي بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم أبو الجنيد، وأبو العرماس الحمّانيّ الشّاعر من أهل البصرة، وأبو نخيلة اسمه، وله كنيتان، ويقال: اسم أبي نخيلة حبيب بن حزن.
وكان عاقّاً بأبيه فنفاه عن نفسه، فخرج إلى الشّام، واتّصل بمسلمة بن عبد الملك، فأحسن إليه، وأوصله إلى خلفاء بني أميّة واحداً بعد واحد، وبقي إلى أيّام المنصور، وكان الأغلب على شعره الرّجز، وله قصيد غير كثير؛ وفد على هشام بن عبد الملك؛ وولدته أمّه في أصل نخلة فسمّته أبا نخيلة، وقيل: إنه كان مطعون النّسب.
عن يحيى بن نحيم، قال: لمّا انتفى أبو أبي نخيلة منه، خرج يطلب الرّزق لنفسه، فتأدّب بالبادية حتى شعر وقال رجزاً كثيراً، وقصيداً صالحاً، وشهر بهما، وشاع شعره في البدو والحضر ورواه النّاس.
ثم وفد إلى مسلمة بن عبد الملك فرفع منه، وأعطاه وشفع له، وأوصله إلى الوليد بن عبد الملك، ولم يزل به حتى أغناه.
قال يحيى بن نجيم: فحدّثني أبو نخيلة، قال: وردت على مسلمة بن عبد الملك فمدحته، وقلت له: من الطويل(4/192)
أمسلم إنّي يا ابن كلّ خليفة ... ويا فارس الهيجا ويا جبل الأرض
شكرتك إن الشّكر حبل من التّقى ... وما كلّ من أوليته نعمةً يقضي
وألقيت لمّا أن أتيتك زائراً ... عليّ لحافاً سابغ الطّول والعرض
وأحييت لي ذكري وما كان خامداً ... ولكنّ بعض الذّكر أنبه من بعض
قال: فقال لي مسلمة: ممّن أنت؟ قلت: من بني سعد؛ فقال: ما لكم يا بني سعد وللقصيد، وإنّما حظّكم في الرّجز؛ قال: فقلت له: أنا والله أرجز العرب! ؛ قال: فأنشدني من رجزك.
فكأنّي والله لمّا قال لي ذلك، لم أقل رجزاً قطّ، أنسانيه الله كلّه، فما ذكرت منه ولا من غيره شيئاً إلاّ أرجوزة لرؤبة، وقد كان قالها في تلك السّنة؛ فظننت أنها لم تبلغ مسلمة، فأنشدته إيّاها؛ فنكّس، وتتعتعت؛ فرفع رأسه إليّ، وقال: لا تتعب نفسك، فإنّي أروى لها منك!.
قال: فانصرفت وأنا أكذب النّاس عنده، وأخزاهم عند نفسي؛ حتى تلطّفت بعد ذلك، ومدحته برجز كثير، فعرفني وقرّبني، وما رأيت ذلك فيه ولا قرعني به حتى افترقنا.
وحدّث الأصمعي عن عبيد الله بن سالم، قال: دخل عليّ أبو نخيلة، وأنا في قبّة تركيّة مظلمة، ودخل رؤبة فقعد في ناحية منها، ولا يشعر كلّ واحد منهما بمكان صاحبه، وقد قلنا لأبي نخيلة: أنشدنا، فانشد هذه وانتحلها بنفسه: من الرجز
هاجك من أروى كمنهاض الفكك ... همّ إذا لم يعده همّ فتك
وقد أرتنا حسنها ذات المسك ... شادخةً الغرّة زاهراء الضّحك
تبلّج الزهراء في جنح الدّلك ... يا حكم الوارث عن الملك
أرديت إن لم تحب حبو المعتنك ... أنت بإذن الله إن لم تترك(4/193)
مفتاح حاجات أنحناهنّ بك ... الذّخر فيها عندنا والأجر لك
قال: ورؤبة يئط ويزحر، فلّما فرغ قال رؤبة: كيف أنتم أبا نخيلة؟ فقال: يا سوأتاه! ألا أراك ها هنا؟ إنّ هذا كبيرنا الذي يعلّمنا؛ فقال رؤبة: إذا أتيت الشّام فخذ منه ما شئت، وما دمت بالعراق فإيّاك وإيّاه.
قال يموت بن المزرّع: سمعت خالي عمرو بن بحر الجاحظ يقول: قال احمد بن إسحاق: دخل أبو نخيلة اليمن فلم ير أحداً حسناً، ورأى وجهه وكان قبيحاً فإذا هو أحسن من بها، فأنشأ يقول: من الرجز
لم أر غيري حسناً ... منذ دخلت اليمنا
ففي حرامّ بلدة ... أحسن من فيها أنا!
حدّث الدّغل بن الخطّاب، قال: بنى أبو نخيلة داره، فمّر به خالد بن صفوان، فوقف عليه، فقال له أبو نخيلة: يا أبا صفوان، كيف ترى؟ قال: رأيتك سألت إلحافاً، وأنفقت إسرافاً، وجعلت يديك سطحاً، وملأت الأخرى سلحاً، فقلت: من وضع في سطحي وإلاّ رميته بسلحي؛ ثم مضى.
فقيل له: ألا تهجوه؟ قال: إذاً يقف على المجالس سنة يصف أنفي لا يعيد حرفاً!.
حدّث أبو نخيلة، قال: قدمت على أبي جعفر، فأقمت ببابه شهراً لا أوصل إليه، حتى قال لي ذات يوم عبد الله بن الرّبيع الحارثيّ: يا أبا نخيلة، إن أمير المؤمنين يرشّح ابنه للعهد بالخلافة، وهو على تقديمه بين يدي عيسى بن موسى، فلو قلت شيئاً تحثّه على ذلك، وتذكر فضل المهديّ كنت بالحريّ أن تصيب خيراً منه ومن أبيه، فقلت: من الرجز.(4/194)
دونك عبد الله أهل ذاكا ... خلافة الله الذي أعطاكا
أصفاك والله بها أصفاكا ... فقد نظرنا زمناً أباكا
ثم نظرناك لها إيّاكا ... ونحن فيهم والهوى هواكا
نعم ونستذري إلى ذراكا ... أسند إلى محّمد عصاكا
فأنت ما استرعيته كفاكا ... وأحفظ النّاس له أذناكا
وقد حملت الرّجل والأوراكا ... وحكت حتى لم أجد محاكا
وزدت في هذا وذا وذاكا ... فكلّ قول قلت في سواكا
زور وقد كفرّ هذا وذاكا.
وقلت أيضاً كلمتي التي أقول فيها: من الرّجز
إلى أمير المؤمنين فاعمدي ... سيراً إلى بحر البحور المزبد
أنت الذي يا ابن سمي أحمد ... ويا ابن بنت العرب المشيد
بل يا أمين الواحد الموحدّ ... إنّ الذي ولاّك ربّ المسجد
أمسى وليّ عهدها بالأسعد ... عيسى فزحلقها إلى محّمد
من قبل عيسى معهداً عن معهد ... حتّى تؤدّى من يد إلى يد
فيكم وتغنى وهي في تردّد ... فقد رضينا بالغلام الأمرد
بل قد فزعنا غير أن لم نشهد ... وغير أنّ العهد لم يؤكد
فلو سمعنا لّجة امدد أمدد ... كانت لنا كزعقة الورد الصّدي
فبادر البيعة ورد الحسّد ... بيّن من يومك هذا أو غد
فهو الذي تمّ فما من عنّد ... وردّ ما شئت فزده يزدد
وردّه مثل رداء ترتدي ... فهو رداء السّابق المقلّد
قد كان يروى أن ما كان قد ... عادت ولو فعلت لم تودد
فهي ترامي فدفداً عن فدفد ... حيناً فلو قد حان ورد الورّد
وحان تحويل القرين المفسد ... قال لها الله هلمّي فاسندي(4/195)
فأصبحت نازلةً بالمعهد ... والمحتد المحتد خير محتد
لم ترم ثرثار النّفوس الحسّد ... بمثل ملك ثابت مؤيّد
لمّا انتخوا قدحاً بزند مصلد ... يلوي بمشرون القوى مستجمد
يزداد إبغاضاً على التّهدد ... فزايلوا باللّين والتعبّد
صمامة تأكل أكل المزبد قال: فرويت وصارت في أفواه الخدم، وبلغت أبا جعفر، فسأل عن قائلها، فأخبر أنها لرجل من زيد مناة، فأعجبته فدعاني فدخلت عليه، وإنّ عيسى بن موسى لعن يمينه، والنّاس عنده ورؤوس القّواد والجند.
قال: فلّما كنت بحيث يراني ناديت: يا أمير المؤمنين، أدنني منك حتى أفهمك وتسمع مقالتي.
ثال: فأومى بيده فأدنيت حتى كنت قريباً منه، فلّما صرت بين يديه، قلت ورفعت صوتي أنشده من هذا الموضع من الكلمة، ثم رجعت إلى أوّل الأرجوزة، فأنشدته من أوّلها إلى هذا الموضع أيضاً، فأعدت عليه حتى أتيت على آخرها والنّاس منصتون، وهو يتسارّ بما أنشدته، مستمع له، فلّما خرجنا من عنده، إذا رجل واضع يده على منكبي، فالتفت فإذا عقال بن شبّة، فقال: لها أنت، فقد سررت أمير المؤمنين، وإن التام الأمر على ما نحبّ فلعمري لتصيبنّ منه خيراً، وإن يك غير ذاك فابتغ نفقاً في الأرض أو سلّماً في السّماء.
قال: فكتب له المنصور بصلة إلى الرّيّ، فوجّه عيسى في طلبه، فلحق في طريقه، فذبح وسلخ وجهه؛ وقيل: قتل بعدما انصرف من الرّيّ، وقد أخذ الجائزة.(4/196)
أبيّ بن كعب بن قيس بن عبيد
ابن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النّجار وهو تيم الله ابن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج أبو المنذر الأنصاريّ الخزرجيّ، ويكنى أيضاً أبا الطّفيل سيّد القرّاء، شهد مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدراً والعقبة وغيرهما من المشاهد، وروى عنه أحاديث صالحة، وشهد مع عمر بن الخطاب الجابية، وكتب كتاب الصّلح لأهل بيت المقدس.
روى قال: كان رجل بالمدينة لا أعلم رجلاً كان أبعد منزلاً من المسجد منه، فقيل له: لو اشتريت حماراً تركبه في الرّمضاء والظلّماء؛ فقال: ما يسرّني أن داري إلى جنب المسجد.
فنمى الحديث إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: ما أردت بقولك: ما يسرّنّي أنّ داري إلى جنب المسجد؟ قال: أردت أن يكتب إقبالي إذا أقبلت المسجد، ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي؛ قال: أنطاك الله ذلك كلّه، أنطاك الله ما احتسبت أجمع مرتين.
وعن أبي الحويرث، قال: كان يهود من بيت المقدس، وكانوا عشرين رأسهم يوسف بن نون، فاخذ لهم كتاب أمان، وصالح عمر بالجابية، وكتب كتاباً، ووضع عليهم الجزية وكتب: بسم الله الرّحمن الرحيم، أنتم آمنون على دمائكم وأموالكم وكنائكسم ما لم تحدثوا أو تؤوا محدثاً، فمن أحدث منهم أو آوى محدثاً فقد برئت منه ذمّة الله، وإنّي بريء من معرّة الجيش؛ شهد معاذ بن جبل، وأبو عبيدة بن الجرّاح، وكتب أبيّ بن كعب.
وعن عليّ بن رياح اللّخميّ، قال: خطب عمر بن الخطّاب بالجابية، فقال: أيّها(4/197)
النّاس، من كان يريد أن يسأل عن القرآن فليأت أبيّ بن كعب، ومن كان يريد أن يسال عن الفقه فليأت معاذ بن جبل، ومن كان يريد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت، ومن كان يريد أن يسأل عن المال فليأتني، فإن الله جعلني له خازناً وقاسماً، أبدأ بأزواج النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم بالمهاجرين بن الأوّلين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم، أنا وأصحابي، ثم بالأنصار الذين تبوؤا الدّار والإيمان، فمن أسرع إلى الهجرة أسرع إليه العطاء، ومن أبطأ عن الهجرة فلا يلومنّ رجل منكم إلاّ مناخ راحلته.
قال ابن سعد: وأمّه صهيلة بنت الأسود بن حرام بن عمرو بن مالك بن النّجار، وكان لأبيّ بن كعب من الولد: الطّفيل ومحمد، وأمهّما أمّ الطّفيل بنت الطّفيل بن عمرو بن المنذر بن سبيع بن عبد نهم من دوس، وأمّ عمرو بنت أبيّ، ولا ندري من أمّها، وقد شهد أبيّ بن كعب العقبة مع السبعين من الأنصار في روايتهم جميعاً، وكان أبيّ يكتب في الجاهليّة قبل الإسلام، وكانت الكتابة في العرب قليلة، وكان يكتب في الإسلام الوحي لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمر الله رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقرأ على أبيّ القرآن؛ وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أقرأ أمتي أبيّ ".(4/198)
وعن عبد الرحمن بن أبزى، قال: قلت لأبيّ بن كعب لمّا وقع النّاس في أمر عثمان: أبا المنذر، ما المخرج من هذا الأمر؟ قال: كتاب الله، ما استبان فاعمل به، وما اشتبه فكله إلى عالمه.
وعن زرّ، قال: قلت لأبيّ بن كعب: أبا المنذر، أخبرني عن ليلة القدر، فإن صاحبنا يعني ابن مسعود كان إذا سئل عنها قال: من يقم الحول يصبها، فقال: يرحم الله أبا عبد الرحمن، أما والله لقد علم أنها في رمضان، ولكن أحبّ أن لا تتّكلموا، وأنها ليلة سبع وعشرين لم يستثن قلت: أبا المنذر، أنّى علمت ذلك؟ قال: بالآية التي قال لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صبيحة القدر تطلع الشّمس لا شعاع لها كأنها طست حتى ترتفع ".
وعن عيسى بن طلحة، قال: كان أبيّ رجلاً دحداحاً ليس بالقصير ولا بالطويل.
وقال سهل بن سعد السّاعدي: كان أبيّ لا يغّير شيبه، أبيض الرأس واللّحية.
وعن عبد الرحمن بن أبزى، قال: قال أبيّ بن كعب: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنّي أمرت أن أقرأ عليك القرآن " قال: قلت: يا رسول الله، وسمّيت لك؟ قال: نعم.
قلت لأبيّ: وفرحت بذلك؟ قال: وما يمنعني، وهو يقول: " قل: بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ".
وعن خيثمة بن عبد الرحمن قال: كنت جالساً عند عبد الله بن عمرو فذكر ابن مسعود فقال: ذاك رجل لا أزال أحبّه بعد أن سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " استقرؤوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود فبدأ به وأبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة ".
وعن أنس بن مالك، قال: افتخر الحيّان من الأوس والخزرج، فقال الأوس، منّا غسيل الملائكة حنظلة بن الرّاهب، ومنّا من اهتزّ له عرش الرّحمن، ومنّا من حمته الدّبر عاصم بن ثابت بن الأقلح، ومنّا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت؛ قال: فقال الخزرجيّون: منّا أربعة جمعوا القرآن لم يجمعه أحد غيرهم؛ زيد بن ثابت، وأبو زيد وأبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل.
وعن ابن عبّاس: أن أبيّاً قال لعمر: يا أمير المؤمنين إنّي تلّقيت القرآن ممّن تلقّاه من جبريل وهو رطب.
زعم أبيّ بن كعب، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلّى بالنّاس فترك آية، فقال: " أيّكم أخذ عليّ شيئاً من قراءتي؟ " فقال أبيّ: أنا يا رسول الله، تركت آية كذا وكذا؛ فقال النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قد علمت إن كان أحد أخذها عليّ فإنك أنت هو ".
وعن أنس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أرحم أمتّي أبو بكر، وأشدّهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان، وأفرضهم(4/199)
زيد، واقرؤهم أبي بن كعب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ، وإن لكل أمّة أميناً، وأمين هذه الأمّة أبو عبيدة بن الجرّاح ".
عن أبيذ بن كعب، قال: بينا أنا يوماً في المسجد إذ قرأت آية في سورة النّحل كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقرأنيها، فقرأها رجل إلى جانبي فخالف قراءتي، فقلت: من أقرأك هذه القراءة؟ فقال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قرأ آخر فخالف قراءتي وقراءته، قلت: من أقرأكها؟ قال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قلت لله: لا أفارقكما حتى تأتيا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فأتيناه، فأخبرته الخبر، فقال: اقرأ فقرأت، فقال: أحسنت ثم قال لآخر: اقرأ فقرا، فقال: أحسنت، ثم قال للآخر: اقرأ فقرأ، فقال: أحسنت فدخلني شكّ يومئذ لم يدخلني مثله قطّ إلاّ في الجاهلية! فلّما رأى ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لعلّ الشّيطان دخلك؟ ثم دفع بكفّه في صدري، فقال: اللهم احبس عنه الشّيطان ثم قال: أتاني آت من ربّي، فقال: يا محّمد اقرأ القرآن على حرف، فقلت: يا رب خفّف عن أمتي، ثم أتاني آت من ربي فقال: يا محمد إقرأ القرآن على حرف، فقلت يا رب خفف عن أمتي ثم أتاني آت من ربي فقال: يا محمد إقرأ القرآن على حرف، فقلت: يا رب خفف عن أمتي ثم أتاني آت من ربّي، فقال: يا محّمد اقرأ القرآن على سبعة أحرف، ولك بكلّ ردّ مسألة، فقلت: يا رب اغفر لأمّتي، ثم قلت: يا رب اغفر لأمّتي، وأخّرت الثّالثة شفاعة إلى يوم القيامة، والذي نفس محّمد بيده إنّ إبراهيم ليرغب في شفاعتي.
عن أبيّ بن كعب، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبا المنذر، أيّ آية معك من كتاب الله أعظم؟ " قال: قلت: " الله لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم "؛ فضرب في صدري، فقال: " ليهنك العلم، فوالذي نفسي بيده إن لهذه للساناً وشفتين تقدّس الملك عند ساق العرش ".(4/200)
وعن أبيّ بن كعب، قال:
كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ذهب ربع اللّيل قام فقال: " أيّها النّاس اذكروا الله اذكروا الله، جاءت الرّاجفة تتبعها الرّادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه ".
قال أبيّ: قلت: يا رسول الله، إنّي أكثر الصّلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير قال: الرّبع؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير قال: أجعل النّصف؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير قال: الثّلثين؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير قال: أجعل لك صلاتي كلّها؟ قال: إذا تكفى همّك، ويغفر ذنبك.
وعن أبي سعيد الخدريّ، عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما من شيء يصيب المؤمن في جسده إلاّ كفّر الله عنه به من الذّنوب ".
فقال أبيّ بن كعب: اللهم إنّي أسألك أن لا تزال الحمّى مضارعةً الجد أبيّ بن كعب حتى يلقاك، لا يمنعه من صيام ولا صلاة ولا حجّ ولا عمرة ولا جهاد في سبيلك؛ فارتكبته الحمّى فلم تفارقه حتى مات، وكان في ذلك يشهد الصّلوات ويصوم ويحجّ ويعتمر ويغزو.
قال الحارث بن نوفل: وقفت أنا وأبيّ بن كعب في ظلّ أطم حسان، وسوق النّاس يومئذ في موضع سوق الفاكهة اليوم؛ فقال أبيّ: ألا ترى النّاس مختلفة أعناقهم في طلب الدّنيا؟ قلت: بلى؛ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يوشك الفرات أن يحسر عن جبل من ذهب، فإذا سمع النّاس بذلك وصاروا إليه، فيقول من عنده: لئن تركنا النّاس يأخذونه ليذهبنّ به، قال: فيقتتل النّاس فيقتل من كلّ مئة تسعة وتسعون.
وعن عمرو بت العاص، قال: كنت جالساً عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يوم عيد، فقال: " ادع لي سيّد الأنصار "(4/201)
فدعو أبيّ بن كعب، فقال: يا أبيّ بن كعب، آيت بقيع المصلّى، فأمر بكنسه، ثم مر النّاس فليخرجوا، فلّما بلغ عتبة الدّار رجع، فقال: يا نبيّ الله، والنّساء؟ قال: نعم، والعواتق والحيض يكنّ في آخر النّاس يشهدن الدّعوة.
وعن أبيّ بن كعب، قال: جاء رجل إلى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن فلاناً يدخل على امرأة أبيه؛ فقال أبيّ: لو كنت أنا لضربته بالسّيف؛ فضحك النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: ما أغيرك يا أبيّ! إني لأغير منك، والله أغير منّي.
وعن المزني قال: سمعت الشافعيّ يقول: قال رجل لأبيّ بن كعب: أوصني يا أبا المنذر؛ قال: لا تعترض فيما لا يعنيك، واعتزل عدوّك، واحترس من صديقك، ولا تغبطنّ حيّاً إلاّ بما تغبطه به ميتاً، ولا تطلب حاجةً إلى من لا يبالي ألاّ يقضيها لك.
ومرّ عمر بن الخطّاب بغلام، وهو يقرأ في المصحف: النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمّهاتهم وهو أب لهم، فقال: يا غلام حكّها؛ قال: هذا مصحف أبيّ؛ فذهب إليه فسأله فقال: إنه كان يلهيني القرآن ويلهيك الصّفق بالأسواق.
وعن جندب، قال: أتيت المدينة ابتغاء العلم، وإذا النّاس في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حلق حلق يتحدثون؛ قال: فجعلت أمضي الحلق حتى أتيت حلقةً فيها رجل شاحب، عليه ثوبان كأنّما قدم من سفر، فسمعته يقول: هلك أصحاب العقدة وربّ الكعبة، ولا آسا عليهم، قالها ثلاث مرّات؛ قال: فجلست إليه فتحدّث بما قضي له، ثم قام، فلّما قام سألت عنه، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا أبيّ بن كعب سيّد المسلمين؛ فتبعته حتى أتى منزله، فإذا هو رثّ المنزل، ورثّ الكسوة يشبه بعضه بعضاً، فسلّمت عليه، فرّد عليّ السّلام، ثم سألني: من أنت؟ قلت: من أهل العراق؛ قال: أكثر شيء سؤالاً! قال: فلّما قال ذاك(4/202)
غضبت، فجثوت على ركبتيّ، واستقبلت القبلة، ورفعت يديّ، فقلت: اللهم إنّا نشكوهم إليك، إنّا ننفق نفقاتنا، وننصب أبداننا، ونرحل مطايانا ابتغاء العلم، فإذا لقيناهم تجهّمونا وقالوا لنا؛ قال: فبكى أبيّ، وجعل يترضّاني، وقال: ويحك، لم أذهب هناك؛ ثم قال: إنّي أعاهدك لئن أبقيتني إلى يوم الجمعة لأتكلمنّ بما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أخاف فيه لومة لائم؛ ثم أراه قام، فلّما قال ذلك انصرفت عنه وجعلت أنتظر الجمعة لأسمع كلامه؛ قال: فلّما كان يوم الخميس خرجت لبعض حاجاتي فإذا السّكك غاصّةمنالنّاس، لا آخذ في سكّة إلاّ تلقّاني النّاس، قلت: ما شأن النّاس؟ قالوا: نحسبك غريباً؛ قلت: أجل؛ قالوا: مات سيّد المسلمين أبيّ بن كعب.
قال: فلقيت أبا موسى بالعراق فحدّثته بالحديث، فقال: والهفاه! ألا كان بقي حتى يبلغنا مقالة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن عمران بن عبد الله قال: قال أبيّ بن كعب لعمر بن الخطّاب: مالك لا تستعملني؟ قال: أكره أن يدنس دينك.
وعن أبي المهلب، عن أبيّ بن كعب قال: أمّا أنا فأقرأ القرآن في ثمان ليال.
وعن ابن عباس، قال: قال عمر بن الخطّاب: اخرجوا بنا إلى أرض قومنا؛ قال: فخرجنا، فكنت أنا وأبيّ بن كعب في مؤخّر النّاس، فهاجت سحابة، فقال أبيّ: اللهم اصرف عنّا أذاها، فلحقناهم وقد ابتلت رحالهم، فقال عمر: أما أصابكم الذي أصابنا؟ قلت: إن أبا المنذر دعا الله عزّ وجلّ أن يصرف عنّا أذاها؛ فقال عمر: ألا دعوتم لنا معكم! قال معمر: عامّة علم ابن عباس من ثلاثة: عمر، وعليّ، وأبيّ بن كعب، رضي الله عنهم أجمعين.
وعن مسروق، قال: سألت أبيّ بن كعب عن شيء، فقال: أكان بعد؟ قلت: لا؛ قال: فأجمّنا حتى يكون، فإذا كان اجتهدنا لك رأينا.
وعن أبي العالية، قال: كان أبيّ بن كعب صاحب عبادة، فلّما احتاج إليه النّاس ترك العبادة، وجلس للقوم.(4/203)
وعن عبد الله بن أبي نصير، قال: عدنا أبيّ بن كعب في مرضه، فسمع المنادي بالأذان، فقال: الإقامة هذه أو الأذان؟ فقلنا: الإقامة؛ فقال: ما تنتظرون؟ ألا تنهضون إلى الصّلاة؟ فقلنا: ما بنا إلاّ مكانك؛ قال: فلا تفعلوا، قوموا، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلّى بنا صلاة الفجر، فلّما سلّم أقبل على القوم بوجهه، فقال: أشاهد فلان، أشاهد فلان حتى دعا بثلاثة كلّهم في منازلهم لم يحضروا الصّلاة، فقال: إن أثقل الصّلاة على المنافقين صلاة الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأوهما ولو حبوا، واعلم أن صلاتك مع رجل أفضل من صلاتك وحدك، وأن صلاتك مع رجلين أفضل من صلاتك مع رجل، وما أكثرتم فهو أحبّ إلى الله، وإن الصّفّ المقدّم على مثل صفّ الملائكة، ولو يعلمون فضيلته لابتدروه، ألا وإن صلاة الجماعة تفضل على صلاة الرّجل وحده أربعاً وعشرين أو خمساً وعشرين.
قال الهيثم ين عدّي: أبيّ بن كعب توفي سنة تسع عشرة.
وقال المدائنيّ: سنة عشرين، فيها مات أبيّ بن كعب.
وقال محمد بن عبد الله بن نمير: مات أبيّ بن كعب في خلافة عمر سنة اثنتين وعشرين.
وقال الواقدي: اختلف في موت أبيّ بن كعب، وأثبت الأقاويل عندنا أنه مات سنة ثلاثين.
وقال ابن سعد: سنة ثلاثين، وهو أثبت هذه الأقاويل عندنا، وذلك أن عثمان بن عفّان أمره أن يجمع القرآن.
أتسنر بن أوق بن الخوارزميّ التّركيّ
ولي دمشق في ذي القعدة سنة ثمان وستين وأربعمئة، بعد حصاره إيّاها دفعات، وأقام بها الدّعوة لبني العبّاس، وتغلّب على اكثر الشّام، وقصد مصر ليأخذها، فلم يتّم له(4/204)
ذلك، ثم رجع إلى دمشق، ووجّه المصريّون إليه عسكراً ثقيلاً، فلّما خاف من ظفرهم به راسل تنش بن ألب أرسلان يستنجد به، فقدم دمشق سنة إحدى وسبعين وأربعمئة، فغلب على البلد، وقتل أتسنر لإحدى عشرة ليلةً خلت من شهر ربيع الآخر من هذه السّنة، واستقام الأمر لتتش.
وكان أتسنر لمّا دخل البلد أنزل جنده آدر الدّمشقيين، واعتقل من وجوههم جماعةً، وشمّسهم بمرج راهط، حتى افتدوا نفوسهم منه بمال أدّوه إليه، ورحل جماعة منهم عن البلد إلى أطرابلس، إلى أن أريحوا منه بعد.
أجلح بن منصور الكنديّ
شاعر فارس، شهد صفّين مع معاوية، وقتل يومئذ.
عن جابر الجعفيّ، عن الشعبيّ، عن الحارث بن أدهم وصعصعة بن صوحان، وأحدهما يزيد على الآخر: قالا: فقتل الأشتر في تلك المعركة بيده سبعة مبارزةً، منهم صالح بن فيروز العكّي، ومالك بن أدهم السّلامانيّ، ورياح بن عتيك الغسّانيّ، والأجلح بن منصور الكنديّ وإبراهيم بن الوضاح الجمحيّ، وزامل بن عتيك الجذامي، ومحمد بن روضة الجمحيّ.
قالا: وقتل الأشعث فيها خمسة. وقال جابر: خرج الأجلح بن منصور وكان من فرسانهم، فلّما رآه الأشتر كره لقاءه فحمل عليه وهو يقول: من الرجز
بليت بالأشتر ذاك المذحجيّ ... بفارس في حلق مدجّج
كاللّيث ليث الغابة المهيّج ... إذا دعاه القرن لم يعرّج
فضربه الأشتر فقتله.(4/205)
أحمر بن سالم المرّيّ
شاعر وفد على عبد الملك بن مروان.
عن عبد الله بن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، قال: دخل الأحمر بن سالم المرّيّ على عبد الملك بن مروان، فقال له: يا أحمر، كيف قلت: من الطويل
مقلّ رأى الإقلال عاراً فلم يزل ... يجوب بلاد الله حتى تموّلا
فأنشده، فأصغى إليه مطرقاً، فلّما فرغ قال: حاجتك؟ قال: أنت يا أمير المؤمنين أعلى بالجميل غنياً، فافعل ما أنت أهله، فإني لمّا أوليتني غير كافر.
فأمر له عبد الملك بعشرة آلاف درهم، وألحقه في الشّرف، فخرج من عبد عبد الملك وهو يقول: من الطويل
بكفّ ابن مروان حييت وناشني ... إلهي من دهر كثير العجائب
فلّما أنشد عبد الملك قال: أحسنت، ويحك، يا ابن سالم، هل كنت هيأت شيئاً ممّا قلت قبل اليوم؟ قال: لا، قال: ويحك، قد أمكنك القول فلا تكثر، وقليل كاف خير من كثير غير شاف؛ ثم أمر له بخلعة وأربعة آلاف درهم وحمله، وقال: الزم بابي، وإيّاك وأعراض النّاس، فإني أرى لك لساناً لا يدعك حتى يوقعك في ورطة يوماً، فاحذر أن يوردك شعرك مورد سوء يصيّرك تحت كلكل هزبر أبي أشبل يضغمك ضغماً لا بقيّة بعد ضغمه فيك.
فلم يلبث الأحمر بن سالم أن قدم العراق فهجا الحجّاج بن يوسف، وقال في هجائه: من الطويل
ثقيف بقايا من ثمود ومالهم ... أب ماجد من قيس عيلان ينسب(4/206)
إذا انتسبوا في قيس عيلان كذّبوا ... وقالوا: ثمود جدّكم والمغيّب
هم ولدوكم غير شكّ فيّمموا ... بلاد ثمود حيث كانوا وعذّبوا
وأنت دعيّ يا ابن يوسف فيهم ... زنيم إذا ما حصّلوا تتذبذب
فطلبه الحجّاج، وأجعل فيه، وتقدّم إلى سائر عمّاله أن لا يفلتهم؛ فأخذه صاحب هيت، ووجّه به مقيّداً؛ فلّما دخل الحجّاج بن يوسف، قال: ما جزاؤك عندي إلاّ أن أعذّبك بما اختاره الله لأعدائه من أليم عقابه؛ فأحرقه بالنّار!
أحنف الكلبيّ
أحد من دعا إلى بيعة يزيد بن الوليد النّاقص.
أحوص بن حكيم بن عمير وهو عمرو
ابن الأسود العنسيّ، ويقال: الهمدانيّ قيل: إنه دمشقيّ، والصحيح أنه حمصيّ.
رأى أنس بن مالك، وعبد الله بن بسر، وحدّث عن جماعة.
روى عن راشد بن سعد، عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أصابه الصّداع ممّا ينزل عليه من الوحي غلّف رأسه بالحنّاء، وكان يأمر بتغيير الشّيب ومخالفة الأعاجم.
وعن عبد الله بن عابر، عن عتبة بن عبد السّلمي، عن أبي أمامة الباهليّ، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه كان يقول: " من صلّى صلاة الصّبح وهو في الجماعة، ثم ثبت حتى يسبّح فيه سبحة الضّحى، فصلّى ركعتين أو أربعاً كان له مثل أجر حاجّ ومعتمر. تام له حجّه وعمرته ".(4/207)
قال ابن عديّ: وللأحوص بن حكيم روايات، وهو ممّن يكتب حديثه، وقد حدّث عنه جماعةمن الثّقات، وليس فيما يرويه شيء منكر، إلاّ أنه يأتي بأسانيد لا يتابع عليها.
وقال ابن حميد: قدم الرّيّ مع المهديّ الأحوص بن حكيم، وكان قدوم المهديّ الرّيّ سنة ثمان وستين ومئة.
أحوص بن عبد الله
ويقال: عبد الله بن الأحوص القرشيّ، الأمويّ من بني أميّة الأصغر بن عبد شمس، أخو أميّة الأكبر، ولاّه معاوية البحرين.
عن سليمان بن يسار: أن الأحوص رجل من أشراف أهل الشّام، طلّق امرأته تطليقةً أو تطليقتين، فمات، وهي في الحيضة الثالثة، في الدم، فرفع ذلك إلى معاوية، فلم يوجد عنده بها علم، فسأل عنها فضالة بن عبيد ومن هناك من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يجد عندهم بها علماً، فبعث فيها راكباً إلى زيد بن ثابت، فقال: لا ترثه، ولو ماتت لم يرثها.
أخضر القيسيّ والد مخارق بن الأخضر
وفد على عبد الملك، وحكى عن جرير بن الخطفي الشاعر حدّث أبو الأخضر المخارق بن الأخضر القيسيّ، قال: قال أبي: كنت والله الذي لا إله إلا هو أخصّ النّاس بجرير، وكان ينزل إذا قدم على الوليد بن عبد الملك عند سعيد بن خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد، وكان عديّ بن الرّقاع خاصّاً بالوليد مدّاحاً له.
فكان جرير يجيء إلى باب الوليد فلا يجالس أحداً من النّزاريّة، ولا يجلس إلاّ إلى(4/208)
رجل من اليمن؛ بحيث يقرب من مجلس ابن الرّقاع، إلى أن يأذن الوليد للنّاس فيدخل.
فقلت له: يا أبا حزرة، اختصصت عدوّك بمجلسك؟ فقال: إنّي والله ما أجلس غلي إلاّ لأنشده أشعاراً تخزيه وتخزي قومه.
قال: ولم يكن ينشد شيئاً من شعره، إنّما كان ينشد من شعر غيره ليذلّه ويخوّفه نفسه؛ فأذن الوليد للنّاس ذات عشية، فدخلوا ودخلنا، فاخذ النّاس مجالسهم، وتخلّف جرير، فلم يدخل حتى دخل النّاس، وأخذوا مجالسهم، واطمأنوا فيها؛ فبينما هم كذلك إذا بجرير قد مثل بين السّماطين، فقال: السّلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، إن رأى المؤمنين أن يأذن لي في ابن الرّقاع المتفرّقة أؤلف بعضها إلى بعض! قال: وأنا جالس اسمع؛ فقال الوليد: والله لقد هممت أن أخرجه على ظهرك للنّاس! فقال جرير وهو قائم كما هو: من الطويل
فإن تنهني عنه فسمعاً وطاعةً ... وإلاّ فإني عرضةً للمراجم
قال: فقال له الوليد: لا كثّر الله في النّاس أمثالك؛ فقال جرير: يا أمير المؤمنين، إنما أنا واحد قد سعرت الأمّة، فلو كثر أمثالي لأكلوا النّاس أكلاً.
قال: فنظرت والله إلى الوليد تبسّم حتى بدت ثناياه تعجباً من جرير وجلده. قال: ثم أمره فجلس.
أخطل بن الحكم بن جابر
ويقال ابن معمر أبو القاسم القرشيّ سمع وأسمع.
روى عن محمد بن يوسف القريابيّ، بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تستأمر اليتيمة في نفسها، وصمتها إقرارها ".(4/209)
وعن الفريابيّ، بسنده عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، أتستأمر النّساء في أبضاعهنّ؟ قال: إن البكر لتستأمر فتستحيي فتسكت، وإذنها سكوتها.
وعن الوليد بن مسلم، بسنده عن أبي الدّرداء، قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شهر رمضان، وإن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدّ الحر، وما فينا صائم إلاّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعبد الله بن رواحة.
قال ابن زبر: مات سنة أربع وستين ومئتين.
وقال ابن منده: مات سنة ستين ومئتين.
أخطل بن المؤمل أبو سعيد الجبيلي
روى عن مسلم بن عبيد، عن أسماء بنت يزيد الأنصارية، من بني عبد الأشهل، أنها أتت النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بين أصحابه، فقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أنا وافدة النّساء إليك، واعلم نفسي لك الفداء أنه ما من امرأة كانت في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا أو لم تسمع، إلاّ وهي على مثل رأيي؛ إن الله بعثك إلى الرّجال والنّساء كافّةً فآمنا بك وبإلهك، وإنّا معشر النّساء محصورات، مقصورات، قواعد بيتوتكم، ومفضى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معاشر الرّجال فضّلتم علينا بالجمع والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحجّ بعد الحجّ، وأفضل من ذلك، الجهاد في سبيل الله، وإن الرّجل منكم إذا خرج حاجّاً أو معتمراً أو مرابطاً، حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا لكم أثوابكم، وربّينا لكم أولادكم؛ فما نشاركم في هذا الخير يا رسول الله؟ فالتفت النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوجهه كلّه، ثم قال: " سمعتم مقالة امرأة قطّ أحسن(4/210)
من مساءلتها عن أمر دينها من هذه؟ "؟ قالوا: يا رسول الله، ما ظنّنا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا! فالتفت النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليها، ثم قال: " انصرفي أيّتها المرأة، واعلمي من وراءك من النّساء، أن حسن تبعّل إحداكن لزوجها، وطلبها مرضاته، وأتباعها موافقته، يعدل ذلك كله ".
قال: فأدبرت المرأة وهي تهلّل وتكبّر استبشاراً.
أخيج بن خالد بن عقبة بن أبي معيط
واسمه: أبان، ويقال: أجيج كان من صحابة الوليد بن عبد الملك.
عن ابن الأعرابي، قال: كان عبد الله بن الحجّاج قد خرج مع نجدة بن عامر الحنفيّ الشّاريّ، فلما انقضى أمره هرب، وضاقت عليه الأرض من شدّة الطلب، فقال في ذلك: من الطويل
رأيت بلاد الله وهي عريضة ... على الخائف المطرود كفّة حابل
تؤدّي إليه أن كلّ ثنيّة ... تيّممها ترمي إليه بقاتل
قال: ثم لجأ إلى أخيج بن خالد بن عقبة بن أبي معيط، فسعى به إلى الوليد بن عبد الملك، فبعث إليه بالشّرط، فأخذ من دار أخيج، فأتي به الوليد، فحبسه، فقال وهو في الحبس: من الوافر
أقول وذاك فرط الشّوق منّي ... لعيني إذ نأت ظمياء فيضي
فما للقلب صبر يوم بانت ... وما للدّمع يسفح من مغيض
كأن معتّقاً من أذرعات ... بماء سحابة خصر بضيض(4/211)
بفيها إذ تخافتني حياءً ... بسر، لا تبوح به، خفيض
يقول فيها:
فإن يعرض أبو العبّاس عنّي ... ويركب بي عروضاً عن عروض
ويجعل غرفه يوماً لغيري ... ويبغضني فإني من بغيض
فإنّي ذو غنىً وكريم قوم ... وفي الأكفاء ذو وجه عريض
غلبت بني أبي العاصي سماحاً ... وفي الحرب المذكّرة العضوض
خرجت عليهم في كلّ يوم ... خروج القدح من كفّ المفيض
فذلك من إذا ما جئت يوماً ... تلقّاني بجامعة ربوض
على جنب الخوان وذاك لؤم ... وبئست تحفة الشّيخ المريض
كأنّي إذا فزعت إلى أخيج ... فزعت إلى مقرقبة بيوض
إوزّة غيضة لقحت كشافاً ... لقحقها إذا درجت نقيض
قال: فدخل أخيج على الوليد بن عبد الملك، فقال: يا أمير المؤمنين، إن عبد الله بن الحجّاج قد هجاك؛ قال: بماذا؟ فأنشده قوله:
فإن يعرض أبو العباس عنّي ... ويركب بي عروضاً عن عروض
ويجعل عرفه يوماً لغيري ... ويبغضني فإني من بغيض
فقال الوليد: وأيّ هجاء في هذا؟ هو من بغيض إن أعرضت عنه أو أقبلت عليه، أو أحببته أو أبغضته، ثم ماذا؟ فانشده:
كأني إذا فزعت إلى أخيج ... فزعت إلى مقرقبة بيوض
فضحك الوليد، وقال: ما أراه هجا غيرك؛ فلّما خرج من عنده أمر بتخلية سبيل عبد الله بن الحجّاج.(4/212)
إدريس بن إبراهيم أبو الحسين
البغداديّ الواعظ صنّف كتاباً سمّاه: أنس الجليس، ومسرّة الأنيس: روى فيه عن جماعة، ولم يقع إليّمنروى عنه ولا ذكره أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد.
إدريس بن أبي إدريس عايذ الله
ابن عبد الله بن إدريس بن عايذ بن عبد الله بن عتبة بن غيلان بن مكين الخولانيّ قال المنذر بن نافع: سمعت إدريس بن أبي إدريس يقول: قال لي أبي: أتكتب شيئاً ممّا تسمع منّي؟ فقلت: نعم؛ قال: فائتني به، قال: فأتيته به فحرّقه.
وعن يحيى بن الحارث قال: رأيت أبا إدريس الخولانيّ، وإدريس بن أبي إدريس يسجدان في الحجّ سجدتين.
وروى عن أبيه قال: ليعقبنّ الله الذين يمشون إلى المساجد في الظّلم نوراً تامّاً يوم القيامة.
وقال لأبيه: يا أبه، أما يعجبك طول صمت مسلم بن يسار؟ قال: يا بنيّ، تكلّم بالحق خير من سكوت عنه! فذهبت إلى مسلم بن يسار فأخبرته، فقال؛ يا ابن أخي، سكوت عن الباطل خير من التكلّم به.
إدريس بن عبيد الله ويقال
ابن عبد الله بن إدريس أبو القاسم الدّمشقيّ التّاجر سمع بمصر.(4/213)
إدريس بن عمر بن عبد العزيز
ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس، الأمويّ حدّث عن أبيه.
روى أن عمر بن عبد العزيز قال لجرير بن الخطفي: ما أجد لك في هذا المال حقاً، ولكن هذه فضلة من عطائي ثلاثون ديناراً، فخذها واعذر؛ قال: بل أعذرك يا أمير المؤمنين.
إدريس بن محمد بن أحمد بن أبي خالد
أبو عيسى الأزديّ الصّوريّ، الحلال روى عن محمد بن عبد الوهاب، بسنده عن أنس بن مالك، عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أصحابه شكوا إليه: أنا نصيب من الذنوب؛ فقال لهم: " لولا أنكم تذنبون لجاء الله بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم ".
إدريس بن يزيد أبو سليمان النّابلسيّ
سكن العراق، وكان أديباً شاعراً.
قال أبو بكر الصّوليّ: لقيني يوماً أبو سليمان النّابلسيّ في مربد البصرة؛ فقلت له: من أين؟ قال: من عند أميركم الفضل بن العبّاس، حجبني، فقلت أبياتاً ما سمعها أحد بعد؛ فقلت: أنشدينها، فأنشدني: من مخلع البسيط
لمّا تفكرت في احتجابك ... عاتبت نفسي على عتابك
فما أراها تميل طوعاً ... إلا إلى اليأس من ثوابك
قد وقع اليأس فاستوينا ... فكن كما شئت في احتجابك(4/214)
فإن تزرني أزرك وإن ... تقف ببابي أقف ببابك
والله ما أنت في حسابي ... إلاّ إذا كنت في حسابك
قال: وحدّثني إدريس هذا، قال: حجبني الحسن بن يوسف اليزيدي، فكتبت إليه: من الطويل
سأترككم جتى يلين حجابكم ... على أنه لا بدّ أن سيلين
خذوا حذركم من نوبة الدّهر إنّها ... وإن لم تكن حانت فسوف تحين
فلّما قرأ البيتين ردّني وقضى حاجتي.
آدم نبيّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يكنى: أبا محمد، ويقال: أبو البشر جاء في بعض الآثار أنه كان يسكن بيت أبيات، ومسجدها إليه ينسب.
عن أبي موسى الأشعريّ، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأحمر والأسود والأبيض وسوى ذلك، والسّهل والحزن، والخبيث والطيّب ".
وعن ابن عبّاس، قال: إن الله عزّ وجلّ خلق آدم يوم الجمعة بعد العصر، من أديم الأرض، فسمّي آدم، ألا ترى أن من ولده الأبيض والأسود، والطّيب والخبيث، ثم عهد إليه فنسي، فسميّ الإنسان، قال: فوالله ما غابت الشمس من ذلك اليوم حتى أهبط.
وعن عبد الله بن مسعود، قال: لمّا فرغ الله من خلق ما أحبّ استوى على العرش، وقال للملائكة: " إنّي جاعل في(4/215)
الأرض خليفةً " إلى قوله " إنّي أعلم ما لا تعلمون "، من شأن إبليس، فبعث جبريل عليه السّلام إلى الأرض ليأتيه بطين منها، فقالت الأرض: إنّي أعوذ بالله منك أن تنقص منّي أو تشينني، فرجع، ولم يأخذ، فقال: يا رب إنّها عادت بك فأعذتها، فبعث ميكائيل، فقالت مثل ذلك، فرجع، فبعث ملك الموت، فعاذت منه، فقال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره، فأخذ من وجه الأرض، وخلط فلم يأخذ من مكان واحد، وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين، فصعد به، فبّل ترابه حتى عاد طيناً لازباً واللاّزب: هو الذي يلتزق بعضه ببعض ثم لم يزل حتى أنتن وتغيّر، فذلك حين يقول: من حمأ مسنون، قال: منتن؛ ثم قال للملائكة: " إني خالق بشراً من طين فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين "، فخلقه الله بيديه لكي لا يتكبّر إبليس عنه، ليقول له: تتكبّر عمّا عملت بيدي ولم أتكبر أنا عنه؛ فخلقه بشراً، فكان جسداً من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة، فمّرت به الملائكة، ففزعوا منه لما رأوه، وكان أشدهم فزعاً منه إبليس، كان يمّر به فيضربه، فيصوّت الجسد كما يصوّت الفخّار، فيكون له صلصلة، فذلك حين يقول: من صلصال كالفخّار، ويقول: لأمر ما خلقت. ودخل في فيه وخرج من دبره، فقال للملائكة: لا ترهبوا من هذا، وهذا أجوف، لئن سلطت عليه لأهلكنّه؛ فلّما بلغ الحين الذي يريد الله أن ينفخ فيه الرّوح، قال للملائكة: إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له، فلّما نفخ فيه الرّوح فدخل الرّوح في رأسه عطس، فقالت له الملائكة: قل: الحمد لله، فقال: الحمد لله، فقال الله: رحمك ربّك؛ فلّما دخل الرّوح في عينيه نظر إلى ثمار الجنّة؛ فلّما دخل في جوفه اشتهى الطّعام، فوثب قبل أن يبلغ الرّوح في رجليه عجلان إلى ثمار الجنّة، فذلك حين يقول: " خلق الإنسان من عجل "، فسجد الملائكة كلّهم أجمعون، إلاّ إبليس أبى واستكبر، قال الله عزّ وجلّ: ما منعك أن تسجد إذا أمرتك لما(4/216)
خلقت بيدي، فقال: أنا خير منه، لم أكن لأسجد لبشر خلقته من طين.
وفي حديث سعيد بن جبير، أنه قال: خلق الله عزّ وجلّ آدم من دحنا، وفي حديث آخر: ومسح ظهره بنعمان السّحاب، ونعمان: جبل بالقرب من عرفة، وبلغني أنه يتوصّل بوادي القرى ونواحيه، وهما جبلا نعمان، ونسبه إلى السّحاب لأنه يشرف عليهما ويعلوهما بالسّحاب، يركز عليهما ويعلوهما، قال الشاعر: منالطويل
أيا جبلي نعمان بالله خلّيا ... سبيل الصّبا يخلص إليّ نسيمها
وفي حديث آخر للحسن: انه خلق جؤجؤه من نقا ضرية، أي خلق صدره من رمل ضرية.
وعن عليّ بن أبي طالب، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أكرموا عمّتكم النّخلة، فإنها خلقت من الطّين التي خلق منها آدم، وليس من الشّجر شيء يلقح غيرها، وأطعموا نساءكم الولد الرّطب، فإن لم يكن رطب فالتمر، وليس من الشّجر شجرة أكرم على الله من شجرة نزلت تحتها مريم بنت عمران عليهما السّلام ".
وعن أبي سعيد الخدريّ، قال: سألنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ممّا ذا خلقت النّخلة؟ قال: " خلقت النّخلة والرّمان والعنب من فضلة طينة آدم ".
وعن عائشة، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" خلقت الملائكة من نور، وخلق الجانّ من مارج من نار، وخلق آدم ممّا وصف لكم ".
وعن شعيب، قال: لمّا خلق الله آدم عليه السّلام، خلقه خلقاً عظيماً؛ قال: فنفخ فيه الرّوح وأجرأه في رجليه تحرّك، فقال الله عزّ وجلّ: " خلق الإنسان(4/217)
عجولاً "، ثم جرى الرّوح فيه حتى عطس فقال: الحمد له ربّ العالمين، فقال الله عزّ وجلّ: يرحمك ربّك، آدم من أنا؟ قال: أنت الله لا إله إلاّ أنت؛ قال: صدقت.
قال: فلّما أصاب المعصية، قال: يا رب، رحمتني قبل أن تعذّبني، وصدّقتني قبل أن تكذّبني فتب عليّ فتاب الله عزّ وجلّ عليه؛ قال: فذلك قوله: " فتلّقى آدم من ربّه كلمات فتاب عليه، إنّه هو التّواب الرّحيم ".
وعن سعد بن عبادة، أن رجلاً من الأنصار أتى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أخبرنا عن يوم الجمعة، ماذا فيه من الخير؟ قال: فيه خمس خلال: فيه خلق آدم، وفيه أهبط آدم، وفيه توفّى الله آدم، وفيه ساعةً لا يسال عبد شيئاً إلاّ آتاه الله إيّاه ما لم يسأل إثماً أو قطيعة رحم، وفيه تقوم السّاعة؛ ما من ملك مقرّب ولا سماء ولا أرض ولا جبال ولا حجر إلاّ وهو يشفق من يوم الجمعة.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خلق الله آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا له؛ قال: فجلس فعطس فقال: الحمد الله، فقال له ربّه: يرحمك ربّك، إيت أولئك الملأ من الملائكة فقل: السّلام عليكم؛ فأتاهم فسلّم عليهم فقالوا: وعليك ورحمة الله؛ ثم رجع إلى ربّه تبارك وتعالى، فقال: هذه تحيتّك وتحيّة ذريتك بينهم، ثم قبض له يديه، فقال له: خذ أو اختر؛ فقال اخترت يمين ربّي، وكلتا يديه يمين، ففتحها له، فإذا فيها صورة آدم وذريتّه كلّهم، وإذا كلّ رجل منهم مكتوب عند رأسه أجله، قال: فإذا آدم عليه السّلام قد كتب له ألف سنة، وإذا قوم عليهم النّور، قال: يا رب من هؤلاء الذين عليهم النّور؟ قال: هؤلاء الأنبياء والرّسل الذين أرسل إلى عبادي أو خلقي، وإذا فيهم رجل من أضواهم نوراً، لم يكتب له من عمره إلا أربعين سنة، قال: يا رب، ما بال هذا، هو من أضواهم نوراً لم يكتب له من عمره إلاّ أربعين سنة؟ قال: ذلك ما كتبت له؛ قال: يا رب، زده من عمري ستين سنة ".(4/218)
قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فلّما أسكنه الله الجنّة، وأهبطه إلى الأرض، كما ذكر في القرآن، أتاه ملك الموت، فقال له آدم: عجلت عليّ! قال: ما فعلت؛ قال: بلى، بقي من عمري ستّون سنة؛ قال: ما بقي من عمرك شيء، سألت ربّك أن يكتبه لابنك داود، قال آدم: ما فعلت؛ قال: بلى.
قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فنسي فنسيت ذرّيّته، وجحد فجحدت ذرّيّته، فمن يومئذ وضع الله الكتاب وأمر بالشهود؛ قال: فلقيه موسى بن عمران، فقال: أنت آدم، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة أن يسجدوا لك، وأسكنك الجنّة، فأخرجت النّاس من الجنّة بذنبك، أو بخطيئتك؟ فقال له آدم: أنت موسى، اصطفاك الله برسالته وبكلامه، وأنزل عليك التّوراة فيها تبيان كلّ شيء، فبكم وجدت الله كتب التّوارة قبل أن يخلقني؟ قال: بأربعين عاماً؛ قال: فوجدت فيها وعصى آدم ربّه فغوى؟ قال: نعم؛ قال: فتلومني على أن أعمل عملاً كتبه الله عليّ قبل أن يخلقني بأربعين عاماً؟!.
قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فحجّ آدم موسى ".
وعن أبيّ بن كعب، في قول الله عزّ وجلّ: " وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّاتهم " إلى قوله: " المبطلون " قال ": فجمعهم فجعلهم أزواجاً، ثم صوّرهم، ثم استيقظهم ليتكلّموا، فأخذ عليهم العهد والميثاق، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم؟ قالوا: بلى الآية، قال: فإني اشهد عليكم السموات السّبع، وأشهد عليكم أباكم آدم أن تقولوا يوم القيامة: لم نعلم بهذا؛ اعلموا أنه لا إله غيري، فلا تشركوا بي شيئاً، فإني سأرسل إليكم رسلاً يذكرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتبي؛ فقالوا: شهدنا أنك ربّنا وإلهنا لا ربّ لنا غيرك؛ فأقروا يومئذ بالطاعة، ورفع عليهم أباهم آدم فنظر إليهم فرأى فيهم الغنّي والفقير، وحسن الصّورة وغير ذلك؛ فقال: يا ربّ، لو سوّيت بين عبادك؟ فقال: إني أحببت أن أشكر؛ ورأى فيهم الأنبياء مثل السّراج عليهم(4/219)
النّور، وخصّوا بميثاق في الرّسالة والنّبوّة، وهو الذي يقول: " وإذ أخذنا من النّبيّين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم، وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً "، وهو الذي يقول: " فأقم وجهك للدّين حنيفاً " الآية.
قال: فكان روح عيسى في تلك الأرواح التي أخذ الله عزّ وجلّ عليها العهد والميثاق؟ قال: نعم، أرسل ذلك الرّوح إلى مريم، قال الله تعالى: " فأرسلنا إليها روحنا ".
وعن أبي الدّرداء، عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " خلق الله آدم حين خلقه، فضرب كتفه اليمن فأخرج ذرّيّة بيضاء كأنّهم الذّرّ، وضرب كتفه اليسرى فأخرج منه ذرّيّةً سوداً كأنهم الحمم؛ فقال للذّي في يمينه: إلى الجنّة ولا أبالي، وقال للّذي في كفّه اليسرى: إلى النّار ولا أبالي.
وقيل لأبي إبراهيم المزني رحمه الله: أسجدت الملائكة لآدم؟ فقال: إنّ الله تعالى جعل آدم كالكعبة فأمر الملائكة أن يسجدوا نحوه تعبّداً، كما أمر عباده أن يسجدوا إلى الكعبة.
وعن قتادة، قال: قوله تعالى: " هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً " قال: سخّر لكم ما في الأرض جميعاً كرامةً من الله، ونعمة لابن آدم، متاعاً وبلغةً ومنفعةً، إلى قوله: " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّماء "، قال قتادة: قد علمت الملائكة من علم الله أنه لا شيء أكره عند الله من سفك الدّم والفساد في الأرض، قال الله: " إني أعلم ما لا تعلمون "، قال: قد كان من علم الله انه سيكون من تلك الخليقة رسل وأنبياء وقوم صالحون، وساكن الجنّة؛ وعلّم آدم الأسماء كلّها ثم عرضهم على الملائكة حتى بلغ يا آدم أنبئهم بأسمائهم، قال: علم آدم من الأسماء أسماء خلقه ما لا تعلم الملائكة، فسمّى كلّ شيء باسمه، وألجأ كلّ شيء إلى جنسه، قال الله عزّ وجلّ: "(4/220)
ألم أقل لكم إني أعلم غيب السّموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون "، قال: وذكر لنا: أن الله لمّا اخذ في خلق آدم قالت الملائكة: ما الله بخالق خلقاً هو أعلم منّا، ولا أكرم على الله منّا، قال: فابتليت الملائكة بخلق آدم.
قال: ويتبلى الله عباده بما شاء ليعلم من يطيعه ومن يعصيه.
قوله تعالى: " وإذ قلنا للملائكة: اسجدوا لآدم فسجدوا إلاّ إبليس أبى واستكبر "، قال: وكانت السّجدة لآدم والطّاعة لله، وحسده عدوّ الله إبليس على ما أعطاه اللهمنالكرامة، فقال: أنا ناريّ وهو طينيّ.
قوله عزّ وجلّ: " قلنا: يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة وكلا منها رغداً حيث شئتما، ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا من الظّالمين "، قال: ابتلى الله آدم كما ابتلى الملائكة قبله، وكلّ شيء خلق مبتلىً، ولم يدع الله شيئاً من خلقه إلاّ ابتلاه بالطّاعة، وكما ابتلى السّماء والأرض بالطّاعة، فقال لهما: " ائتيا طوعاً أو كرهاً، قالتا، أتينا طائعين "، قال: ابتلى الله آدم فأسكنه الجنّة يأكل منها رغداً حيث شاء ونهاه عن شجرة واحدة أن يأكل منها، وقدّم إليه فيها، فما زال به البلاء حتى وقع بما نهي عنه، فبدت له سوءته عند ذلك، وكان لا يراها، فأهبط من الجنّة.
قوله عزّ وجلّ: " فتلّقى آدم من ربّه كلمات فتاب عليه "، قال: ذكر لنا أنه قال: يا رب أرأيت إن تبت وأصلحت؟ قال: فإنّي إذا أرجعك إلى الجنّة، قال: " قالا: ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين "، فاستغفر آدم ربّه وتاب إليه، فتاب عليه " إنه هو التوّاب الرّحيم " وأما عدوّ الله إبليس فوالله ما تنصّل من ذنبه ولا سأل التّوبة حين وقع بما وقع، ولكنه سأل النّظرة إلى يوم الدّين، فأعطى الله كلّ واحد منهما ما سأل.(4/221)
وعن ابن مسعود، وعن أناس من أصحاب النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالوا: أخرج إبليس من الجنّة ولعن، وأسكن آدم حين قال له: " اسكن أنت وزوجك الجنّة "، فكان يمشي فيها وحشيّاً، ليس له زوج يسكن إليها، فنام نومةً، فاستيقظ وإذا عند رأسه امرأة قاعدة، خلقها الله عزّ وجلّ من ضلعه، فسألها: ما أنت؟ قالت: امرأة؛ قال: ولم خلقت؟ قالت: تسكن إليّ؛ فقالت له الملائكة ينظرون ما بلغ من علمه: ما اسمها يا آدم؟ قال: حوّاء؛ قالوا: لم سمّيت حوّاء؟ قال: لأنها خلقت من شيء حيّ؛ فقال الله عزّ وجلّ: " اسكن أنت وزوجك الجنّة فكلا منها رغداً حيث شئتما " والرّغد: الهنيء " ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا من الظّالمين "، ثم إن إبليس حلف لهما بالله: إني لكما من النّاصحين، و" قال: يا آدم هل أدلّك على شجرة الخلد وملك لا يبلى "، وعلم أن لهما سوءة، وإنّما أراد أن يبدي لهما سوءاتهما، ما توارى عنهما، ويهتك لباسهما، فتقدّمت حوّاء فأكلت، ثم قالت: يا آدم كل، فإني أكلت فلم يضرّني؛ فلّما أكل آدم " بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة، وناداهما ربّهما ألم أنهكما عن تلكما الشّجرة وأقل لكما: إن الشيطان لكما عدوّ مبين "، فقال آدم: إنه حلف لي بك، ولم أكن أظنّ أحداً من خلقك يحلف بك كاذباً، " وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين، قال: اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ فأهبطهم إلى الأرض، آدم وحوّاء وإبليس والحيّة، " ولكم في الأرض مستقّر ومتاع إلى حين ".
وعن أبيّ بن كعب، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنّ أباكم آدم كان كالنخلة السّحوق ستّين ذراعاً، كثير الشّعر، موارى العورة؛ فلّما أصاب الخطيئة بدت له سوءته، فخرج من الجنّة؛ قال: فلقيته شجرة فأخذت بناصيته، فناداه ربّه: أفراراً منّي يا آدم! قال: بل حياءً منك والله يا ربّ مما جئت به ".
وعن خالد، قال: قلت للحسن: يا أبا سعيد، آدم خلق للأرض أمّ للسّماء؟ فقال: ما هذا يا أبا مبارك؟ قال: فقال: خلق للأرض؛ قال: فقلت: أرأيت لو أنه(4/222)
استعصم فلم يأكل من الشجرة؟ قال: لم يكن له بدّ من أن يأكل منها، لأنه خلق للأرض.
وعن ابن عبّاس: إن آدم كان لغته في الجنّة العربيّة، فلّما عصى ربّه سلبه الله العربيّة فتكلّم بالسّريانيّة، فلّما تاب الله عليه ردّ عليه العربيّة.
وعنه في قوله " إنّ عرضنا الأمانة على السّموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً ". فلم تقبلها الملائكة، فلّما خلق الله آدم عرضها عليه، فقال: يا ربّ ما هي؟ قال: إن أحسنت جزيتك، وإن أسأت عذّبتك؛ قال: فقد تحمّلتها يا رب.
قال: فما كان بين أن تحمّلها إلى أن أخرج من الجنّة إلاّ قدر ما بين الظّهر والعصر.
قال جويبر: فقلت للضحّاك: وما الأمانة؟ قال: الفرائض على كل مؤمن، وحق على كلّ مؤمن أن لا يغشّ مؤمناً ولا معاهداً في قليل ولا كثير، فمن انتقص شيئاً من الفرائض فقد خان أمانته.
وعن عطاء: إن آدم لمّا أهبط إلى الأرض كانت قدماه في الأرض ورأسه في السّماء، وكان يسمع تسبيح الملائكة وأصواتهم، وكانت الملائكة تهابه، فشكت ذلك إلى ربّها، فقيل له: يعني تواضع؛ فلّما فقد أصوات الملائكة وتسبيحهم شكا ذلك لرّبه عزّ وجلّ؛ فقيل له: خطيئتك فعلت بك ذاك، غير أني سأهبط معك بيتاً تحفّ حوله، فطف كما رأيت الملائكة تطوف حول العرش، فكانت موضع كلّ قدم قرية، وما بينهما مفازة، فأتاه فطاف وصلّى عنده، فلم يزل كذلك حتى كان زمن الطّوفان حين غرّق الله قوم نوح، فرفع البيت حتى بوّأه الله عزّ وجلّ لإبراهيم، فوضعه على أساسه.
وعن ابن عبّاس: إن آدم عليه السّلام حجّ على رجليه من الهند أربعين حجّة.
وعن سليمان بن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لمّا أهبط الله آدم طاف بالبيت سبعاً، ثم صلّى حيال المقام ركعتين ثم قال: اللهم إنك تعلم سرّي وعلانيتي، فاقبل معذرتي، وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي، وتعلم ما عندي(4/223)
فاغفر لي ذنبي؛ أسألك إيماناً يباشر قلبي، ويقيناً صادقاً حتى أعلم أنه لن يصيبني إلا ما كتبت لي، ورضىً بقضائك لي؛ فأوحى الله إليه: يا آدم إنك قد دعوتني بدعاء استجبت لك فيه، ولن يدعوني أحد من ذرّيّتك من بعدك إلاّ استجبت له، وغفرت ذنبه، وفرّجت همومه وغمومه، ونزعت الفقر من بين عينيه، وأنجزت له من وراء كلّ تاجر، وأتته الدّنيا وهي كارهةً وإن كان لا يريدها.
وعن وهب بن منبّه، قال: لمّا أهبط الله آدم عليه السّلام إلى الأرض، ونقص من قامته، استوحش لفقد أصوات الملائكة، فهبط عليه جبريل فقال: يا آدم ألا أعلّمك شيئاً تنتفع به للدّنيا والآخرة؟ قال: بلى؛ قال: قل، اللهم تمّم لي النّعمة حتى تهنئني المعيشة، اللهم اختم لي بخير، حتى لا تضرّني ذنوبي، اللهم اكفني مؤونة الدّنيا وكلّ هول في القيامة حتى تدخلني الجنّة في عافية.
وعن أنس في قوله عزّ وجلّ: فتلّقى آدم من ربّه كلمات فتاب عليه إنّه هو التّوّاب الرّحيم "؛ قال: سبحانك اللهم وبحمدك، عملت سوءاً وظلمت نفسي، فاغفر لي إنك خير الغافرين، لا إله إلاّ أنت سبحانك وبحمدك، عملت سوءاً وظلمت نفسي، فارحمني إنك أنت أرحم الرّاحمين، لا إله إلاّ أنت سبحانك وبحمدك، عملت سوءاً وظلمت نفسي، فتب عليّ إنك التّوّاب الرّحيم، وذكر أنه عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن شكّ فيه.
وقال عليّ بن أبي طالب: أطيب ريح الأرض الهند، هبط بها آدم، فعلق شجرها من ريح الجنّة.
وعن الحسن، قال: أوحى الله تبارك وتعالى إلى آدم بأربع، فهن جماع الأمر لك ولولدك، قال: يا آدم واحدة لي، وواحدة لك، وواحدة بيني وبينك، وواحدة بينك وبين النّاس؛ فأمّا التي لي: تعبدني ولا تشرك بي شيئاً؛ وأمّا التي لك: فعملك أجزيك به أفقر ما تكون إليه؛ وأمّا التي بيني وبينك: فعليك الدّعاء وعليّ الإجابة؛ وأمّا التي بينك وبين النّاس: فتصحبهم بالذي تحبّ أن يصحبوك به.(4/224)
وعن الحسن قال: بلغني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنّ آدم قبل أن يصيب الذّنب كان أجله بين عينيه وأمله خلفه، فلّما أصاب الذّنب جعل الله أمله بين عينيه وأجله خلفه، فلا يزال يأمل حتى يموت ".
وعن حمّاد رجل من أهل مكة، قال: لمّا أهبط آدم عليه السّلام إلى الأرض، أتاه جبريل بثلاثة أشياء: بالدّين والعقل وحسن الخلق؛ فقال: إنّ الله يخيّرك واحداً من الثلاثة؛ فقال: يا جبريل، ما رأيت أحسن من هؤلاء إلاّ في الجنّة، فمدّ يده إلى العقل فضمّه إلى نفسه، فقال لذيناك: اصعدا؛ قالا: لا نفعل؛ قال: أتعصياني؟ قالا: لا نعصيك، ولكنّا أمرنا أن نكون مع العقل حيث كان؛ فصارت الثلاثة إلى آدم.
عن أبي أمامة، قال: إن رجلاً قال: يا رسول الله، أنبيّاً كان آدم؟ قال: نعم: قال كم كان بينه وبين نوح؟ قال: عشرة قرون؛ قال: كم كان بين نوح وإبراهيم؟ قال: عشرة قرون؛ قال: يا رسول الله، كم كانت الرّسل؟ قال: ثلاثمئة وخمسة عشر.
عن عقبة بن عامر الجهني، عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قال: " إذا جمع الله الأوّلين والآخرين فقضى بينهم وفرغ من القضاء، قال المؤمنون: قد قضى بيننا ربّنا تعالى، فمن يشفع لنا؟ فيقولون: انطلقوا بنا إلى آدم فإنه أبونا، وخلقه الله بيده، وكلّمه؛ فيأتونه فيكلّمونه أن يشفع لهم، فيقول لهم آدم: عليكم بنوح؛ فيأتون نوحاً، فيدلّهم على إبراهيم، ثم يأتون إبراهيم فيدلّهم على موسى، ثم يأتون موسى فيدلّهم على عيسى، ثم يأتون عيسى، فيقول لهم: أدلّكم على النّبيّ الأمّيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيأتوني، فيأذن الله عزّ وجلّ لي أن أقوم إليه، فيفوز مجلسي من أطيب ريح يشمّها أحد قطّ، حتى آتي ربّي عزّ وجلّ، فيشفّعني ويجعل لي نوراً من شعر رأسي إلى ظفر قدمي؛ ثم يقول الكافرون: هذا قد وجد المؤمنون من يشفع لهم، فمن يشفع لنا؟ ما هو إلاّ إبليس، هو الذي أضلّنا، فيفوز مجلسهمنأنتن ريح شمها أحد قطّ؛ ثم يعظّم لجهّنم.
ويقول الشيطان لمّا قضي الأمر: إن الله وعدكم وعد الحقّ، ووعدتكم فأخلفتكم إلى آخر الآية.(4/225)
وعن الحسن قال: يعتذر الله تبارك وتعالى إلى آدم يوم القيامة: يا آدم أنت اليوم عدل بيني وبين ذرّيّتك، قم عند الميزان فانظر ما رفع إليك من أعمالهم، فمن رجح خيره على شرّه مثقال ذرّة فله الجنّة حتى تعلم أني لا أعذّب إلاّ كلّ ظالم.
وعن أبيّ بن كعب، قال: إن آدم لمّا حضره الموت، قال لبنيه: أي بنيّ، إني أشتهي من ثمار الجنّة، فذهبوا يطلبونه له، فاستقبلتهم الملائكة ومعهم أكفانه وحنوطه، ومعهم الفؤوس والمساحي والمكاتل؛ فقالوا لهم: يا بني آدم، ما تريدون وما تطلبون؟ أو: ما تريدون وأين تذهبون؟ فقالوا: أبونا مريض فاشتهى من ثمار الجنّة؛ فقالوا لهم: ارجعوا، فقد قضاء أبيكم؛ فجاؤوا، فلّما رأتهم حواء عرفتهم، فلاذت بآدم، فقال: إليك عنّي، فإني إنّما أتيت من قبلك، خلّي بيني وبين ملائكة ربّي عزّ وجلّ؛ فقبضوه، وغسّلوه، وكفّنوه وحنّطوه، وحفروا له وألحدوا له، وصلّوا عليه، ثم دخلوا قبره، فوضعوه في قبره، ووضعوا عليه اللّبن، ثم خرجوا من القبر، ثم حثوا عليه التراب، ثم قالوا: يا بني آدم، هذه سنتّكم.
وعن ابن عمر، قال: صلّى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ابنه إبراهيم وكبّر عليه أربعاً، وصلّى على السّوداء فكبّر عليها أربعاً، وصلّى على النّجاشيّ فكبّر عليه أربعاً، وصلّى أبو بكر على فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكبّر أربعاً عليها، وصلّى عمر على أبي بكر وكبّر عليه أربعاً، وكبّرت الملائكة على آدم أربعاً.
وعن عطاء الخراساني قال: بكت الخلائق على آدم حين توفّي سبعة أيّام.
آدم بن عبد العزيز بن عمر
ابن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف أبو عمر الأمويّ وأمّه أمّ عاصم بنت سفيان بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم كان بالشّام حين ذهب ملك أهل بيته، وأراد عبد الله بن عليّ قتله فيمن قتل منهم(4/226)
بنهر أبي فطرس، فاستعطفه فتركه، وسكن العراق بعد ذلك، وكان شاعراً ماجناً، ثم تنسّك بعد.
أنشد أبو العيناء لآدم بن عبد العزيز في البراغيث ببغداد: من الطويل
هنيئاً لأهل الرّيّ طيب بلادهم ... وواليهم الفضل بن يحيى بن خالد
تطاول في بغداد ليلي ومن يبت ... ببغداد يلبث ليله غير راقد
بلاد إذا زال النّهار تقافزت ... براغيثها من بين مثنى وواحد
ديازجة شهب البطون كأنّها ... بغال بريد سرح في موارد
وقال أبو بكر الخطيب: كان شاعراً خليعاً، ثم نسك بعد ذلك، وكان ببغداد في صحابة أمير المؤمنين المهديّ.
وعن المدائنيّ، قال: قال آدم بن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز: من الوافر
فإن قالت رجال: قد تولّى ... زمانكم وذا زمن جديد
فما ذهب الزّمان لنا بمجد ... ولا حسب إذا ذكر الجدود
وما كنّا لنخلد لو ملكنا ... وأيّ النّاس دام له الخلود؟
وعن إسحاق، قال: كان مع المهديّ رجل من أهل الموصل، يقال له: سليمان بن المختار، وكانت له لحيةً عظية عظيمة طويلة، فذهب يوماً ليركب، فوقعت لحيته تحت قدمه في الرّكاب، فذهب عامّتها، فقال آدم بن عبد العزيز في ذلك: من الهزج
قد استوجب في الحكم ... سليمان بن مختار
بما طوّل من لحي ... ته جزاً بمنشار
أو النتف أو الحلق ... أو التحريق بالنار
فقد صار بها أش ... هر من راية بيطار(4/227)
فأنشدها عمر بن بزيع المهديّ، فضحك، وسارت الأبيات، فقال أسيد بن أسيد وكان وافر اللّحية: ينبغي لأمير المؤمنين أن يكفّ هذا الماجن عن النّاس، فبلغت آدم، فقال: من الرمل
لحية تّمت وطالت ... لأسيد بن أسيد
يعجب النّاظر منها ... من قريب أو بعيد
هي إن زادت قليلاً ... قطعت حبل الوريد
قال: وكان المهديّ يدني آدم ويحبّه ويقرّبه، وهو الذي قال لعبد الله بن عليّ لمّا أمر بقتله بنهر أبي فطرس: إن أبي لم يكن كآبائهم، وقد علمت مذهبه فيكم؛ فقال: صدقت، وأطلقه؛ وكان طلق النّفس، متصوّناً، ومات على توبة ومذهب جميل.
وعن الزّبير، قال: وكان آدم بن عبد العزيز كلباً على الفدّام والسّؤّال، وكان بطّالاً، فجاء أعرابيّ إلى فيئة فقال: هل تعرفنّ أحداً يصنع المعروف ويرغب فيه؟ فدلّوه على آدم، وقالوا: ذاك ابن الخليفة عمر بن عبد العزيز، فجاءه وهو جالس في فتية من بني عمّه، فقال: يا آدم، إنّ السّماء حبست قطرها، والأرض نبتها، وإن البادية أجحفت بنا، وإن عيالي قد هلكوا جوعاً، ووقع النقار في غنمي، فانظر في أمري؛ فقال آدم: يا ابن الخبيثة، والله لوددت أن السّماء صارت عليك طبق نحاس، لا تبضّ بقطرة، وأن الأرض ضنّت عليك فلا تنبت سنبلةً، وأن عيالك ماتوا قبل أن تأتيني بخمسمئة سنةً؛ يا بليق خذه، فوثب الكلب عليه فشقّ فروه وعقره؛ فتنحّى الأعرابيّ غير بعيد ثم قال: يا آدم، لقد خلقك اله فشوّه خلقك، ورزقك العظيمة في صرفك، فأعضّك الله ببظر أمك وبظر أمهّات هؤلاء الذين حولكّ.(4/228)
وعن الزّبير بن بكار، قال: قال آدم بن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز: من الرمل
يا أمين الله إنّي قائل ... قول ذي دين وبر وحسب
عبد شمس لا تهنها إنّما ... عبد شمس عمّ عبد المطّلب
عبد شمس كان يتلو هاشماً ... وهما بعد لأم ولأب
وعن الأصمعيّ، قال: كان آدم بن عبد العزيز وهو ابن عمر بن عبد العزيز، في أيّام حداثته، يشرب الخمر ويفرط في المجون والخلاعة، ويقول الشّعر، فرفع إلى المهديّ أنه زنديق، وأنشد شعراً له كان قاله في أيّام الحداثة على طريق المجون، فأخذه وضربه ثلاثمئة سوط يقرّره بالزّندقة، فقال: والله لا أقرّ على نفسي بباطل أبداً، ولو قطعت عضواً عضواً، والله ما أشركت بالله طرفة عين قطّ؛ فقال المهديّ: فأين قولك؟ من الرمل
اسقني واسق خليلي ... في مدى اللّيل الطّويل
قهوةً صهباء صرفاً ... سبيت من نهر بيل
قل لمن يلحاك فيها ... من فقيه أو نبيل
أنت دعها وارج أخرى ... من رحيق السّلسبيل
قال: يا أمير المؤمنين، كنتمنفتيان قريش أشرب النّبيذ، وأتمجّن مع الشّباب، واعتقادي مع ذلك الإيمان بالله وتوحيده، فلا تؤاخذني بما أسلفت من قولي.
قال: فخلّى سبيله.
قال: ومن قوله أيضاً شعراً: من الرمل
اسقني واسق غصينا ... لا نرد بالنّقد ديناً
أسقنيها مزّة الطّع ... م تريك الشّين زيناً(4/229)
قال: ثم أناب وأقلع، وقال في ذلك أشعاراً، منها قوله: من الطويل
ألا هل فتىً عن شربه الرّاح صابر ... ليجزيه يوماً بذلك قادر
شربت فلّما قيل ليس بمقلع ... نزعت وثوبي من أذى اللّوم طاهر
أدهم بن محرز بن أسيد بن أخنس
ابن رياح بن أبي خالد بن زمعة بن زيد بن عمرو بن سلامة بن ثعلبة بن وائل بن معن بن مالك ن أعصر بن سعد بن قيس عيلان، الباهليّ، الحمصيّ أحد أمراء الجيش الذين وجّهوا مع عبيد الله بن زياد لقتال التّوّابين الذين قتلوا عند عين الوردة، وكان قد شهد صفّين مع معاوية، وكان من قوّاد الحجّاج بن يوسف.
حدّث، قال: إنّ أول راية دخلت أرض حمص وركزت حول مدينتها لراية ميسرة بن مسروق العنسي، ولقد كانت لأبي أمامة، ولأبي: محرز بن أسيد راية، وأول رجل من المسلمين قتل رجلاً من المشركين لأبي: محرز بن أسيد، إلاّ أن يكون رجلاً من حمير، فإنه حمل وأبي جميعاً، فقتل كلّ واحد منهما في حملته تلك رجلاً من المشركين؛ فكان أبي يقول: أنا أول رجل من المسلمين قتل رجلاً من المشركين بحمص، إلاّ الحميري، فإني أنا وهو قتلنا في حملتنا رجلين.
قال أدهم بن محرز الباهليّ: وإني لأوّل مولود ولد في الإسلام بحمص، وأوّل مولود فوض له بها، وأوّل مولود رؤي في كتف يختلف بها إلى الكتّاب أتعلّم الكتاب، ولقد شهدت مشهداً ما أحبّ أنّ لي بذلك المشهد حمر النّعم.
قال خالد بن سعيد: دخل أدهم بن محرز الباهليّ أبو مالك بن أدهم على(4/230)
عبد الملك، ورأسه كالثغامة، فقال: لو غيّرت هذا الشّيب؟ فذهب فاختضب بسواد ثم دخل عليه، فقال: يا أمير المؤمنين، قلت بيتاً لم أقل قبله ولا أراني أقول بعده؛ قال: هات؛ فقال: من الطويل
ولمّا رأيت الشّيب شيناً لأهله ... تفتّيت وابتعت الشّباب بدرهم
وعن أدهم بن محرز الباهليّ؛ أنه أتى عبد الملك بن مروان ببشارة الفتح؛ قال: فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أمّا بعد، فإنّ الله قد أهلك من رؤوس أهل العراق ملقح فتنة ورأس ضلالة سليمان بن صرّد، ألا وإن السيّوف تركت رأس المسيّب بن نجبة خذاريف، ألا وقد قتل الله من رؤوسهم رأسين عظيمين ضالّين مضلّين: عبد الله بن سعد، أخا الأزد، وعبد الله بن وال، أخا بكر بن وائل؛ فلم يبق بعد هؤلاء أحد عنده دفاع أو امتناع.
وعن عبد الملك بن عمير، قال: خرجت بوماً من منزلي نصف النّهار، والحجّاج جالس وبين يديه رجل موقف، عليه كمّةً من ديباج، والحجّاج يقول: أنت همدان مولى عليّ، تعال سبّه؛ قال: إن أمرتني فعلت، وما ذاك جزاؤه، ربّاني صغيراً، وأعتقني كبيراً؛ قال: فما كنت تسمعه يقرأ من القرآن؟ قال: كنت أسمعه في قيامه وقعوده، وذهابه ومجيئه يتلو: " فلّما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون، فقطع دابر القوم الذين ظلموا، والحمد لله ربّ العالمين "؛ وقال: فابرأ منه؛ قال: أمّا هذه فلا، سمعته يقول: تعرضون على سبّي فسّبوني، وتعرضون على البراءة منّي فلا تبرؤوا منّي، فإنّي على الإسلام.
وقال: أما ليقومنّ إليك رجل يتبرأ منك ومن مولاك، يا أدهم بن محرز، قم إليه فاضرب عنقه؛ فقام إليه يتدحرج كأنه جعل، وهو يقول: يا ثارات عثمان.(4/231)
قال: فما رأيت رجلاً كان أطيب نفساً بالموت منه، ما زاد على أن وضع القلنسوة عن رأسه، وضربه فندر رأسه، رحمه الله تعالى.
أدهم مولى عمر بن عبد العزيز
حدّث، قال: كنّا نقول لعمر بن عبد العزيز في العيدين: تقبّل الله منّا ومنك يا أمير المؤمنين، فيردّ علينا ولا ينكر ذلك علينا.
أرتاش بن تتش بن ألب رسلان
ويقال: ألتاش كان أخوه الملك دقاق قد نفده إلى بعلبك، فاعتقل بها، فلّما هلك دقاق في سنة سبع وتسعين راسل طغتكين أتابك، كبشتكين التّاجي الخادم والي بعلبك في إطلاق أرتاش، فوصل إلى دمشق، فأقامه في منصب أخيه يوم السّبت لخمس بقين من ذي الحجّة أو ذي القعدة سنة سبع وتسعين وأربعمئة.
فأقام بها إلى أن خرج منها سراً في صفر سنة ثمان وتسعين لاستشعار استشعره من طغتكين وزوجته أمّ الملك دقاق، ومضى إلى بغدوين ملك الفرنج، طمعاً في أن يكون له ناصراً، فلم يحصل منه على ما أمّل، فتوجّه عند اليأس منه إلى ناحية الرّحبة، ومضى إلى الشّرق فهلك.
أرطاة بن زفر بن عبد الله بن مالك
ابن شدّاد بن ضمرة بن عقفان بن أبي حارثة بن مرّة بن نشبة بن غيظ بن مرّة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان، ويقال: ابن زفر بن جزء بن شدّاد ويعرف بابن سهيّة، وهي أمّه، وهي بنت زامل بن مروان بن زهير بن ثعلبة بن(4/232)
خديج بن أبي جشم بن كعب بن عوف بن عامر بن عوف بن شيبة بن كلب، وكانت لضرار بن الأزور، ثم صارت إلى زفر وهي حامل فجاءت بأرطاة على فراش زفر.
عن المرزبانيّ، قال: وأرطاة يكنى أبا الوليد، وكان في صدر الإسلام، أدركه عبد الملك بن مروان شيخاً كبيراً، يقال: أتت عليه ثلاثون ومئة سنة، فأنشد عبد الملك: من الوافر
رأيت المرء تأكله اللّيالي ... كأكل الأرض ساقطة الحديد
وما تبغي المنيّة حين تأتي ... على نفس ابن آدم من مزيد
وأعلم أنها ستكرّ حتى ... توفّي نذرها بأبي الوليد
فارتاع عبد الملك وتغيّر وجهه، وقدّر أنه أراده، لأن عبد الملك يكنى أبا الوليد، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّما عنيت نفسي.
وفي رواية الزّبير، قال: سرق أزطاة البيت الثاني من زبّان بن منظور بن سيّار، قال زبّان: من الوافر
لئن فجعت بالقرناء يوماً ... لقد متّعت بالأمل البعيد
وما تجد المصيبة فوق نفسي ... ولا نفس الأحبّة من مريد
خلقنا أنفساً وبني نفوس ... ولسنا بالسّلام ولا الحديد
فبلغت عبد الملك كلمة أرطاة، فأشخصه إليه، وقال له: ما أنت وذكري في شعرك! فقال: إنّي عنيت نفسي، أنا أبو الوليد، فسل عن ذلك؛ فأفلت منه فانصرف إلى أهله، وقال: من الطويل
إذا ما طلعنا من ثنيّة لفلف ... فبشّر رجالاً يكرهون إبابي
وأخبرهم أن قد رجعت بغبطة ... أحدّد أظفاري وأصرف نابي
وأني ابن حرب لا تزال تهرّني ... كلاب عدو أو تهرّ كلابي(4/233)
وعن إسماعيل بن سيّار، قال: مات ابن لأرطاة بن سهية المّريّ، مرّة غطفان، فأقام على قبره حوله، يأتيه كلّ غداة فيقول: يا عمرو إن أقمت حتى أمسي، هل أنت رائح معي؟ ويبكي وينصرف؛ ويأتي القبر عبد المساء فيقول: يا عمرو إن أقمت حتى أصبح هل أنت غاد معي؟ ويبكي وينصرف؛ فلّما كان عند رأس الحول تمثّل بشعر لبيد، فقال: من الطويل
إلى الحول ثم اسم السّلام عليكما ... ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر
ثم ترك قبره ومضى، وقال: من الطويل
وقفت على قبر ابن ليلى فلم يكن ... وقوفي عليه غير مبكى ومجزع
هل أنت ابن ليلى إن نظرتك رائح ... مع القوم أو غاد غداة غد معي
فما كنت إلاّ والهاً بعد زفرة ... على شجوها بعد الحنين المرجّع
متى لا تجده تنصرف لطياتها ... من الأرض أو ترجع لإلف فتربع
على الدّهر فاعتب إنه غير متعب ... وفي غير من قد وارت الأرض فاطمع
قال الزّبير بن بكّار: حدّثني عمّي مصعب بن عبد الله: أنشدني أبي لأرطاة بن سهيّة المّريّ أبياتاً مدح فيها ثابت بن عبد الله بن الزّبير، على الدّال؛ فقلت لعمّي: ما أعدّ أحداً يتقدّمني في معرفة شعر أرطاة بن سهيّة، ولا أعرف هذه الأبيات؛ ثم وجدت بعد ذلك في كتب إبراهيم بن موسى بن حديق، وكان من الفقهاء العبّاد الفصحاء، الرّواة للآثار والأخبار والشعر؛ قال أرطاة بن سهيّة المّريّ يمدح ثابت بن عبد الله بن الزّبير، فقال: من الطويل
رأيت مخاضي أنكرت عبداتها ... محل أولي الخيمات من بطن أرثدا
إذا راعياها أورداها شريعةً ... أعاما على دمن الحياض وصرّدا
ولو جارها ابن المازنيّة ثابت ... لرّوح راعيها وندّى وأوردا(4/234)
وأنشد ثعلب عن ابن الأعرابيّ لأرطاة بن سهيّة المّريّ: من الطويل
وإني لقوّام لدى الضّيف موهناً ... إذا غدر السير النجيل المواكل
دعا فأجابته كلاب كثيرة ... على ثقة منّي بأني فاعل
وما دون ضيفي من تلاد تحوزه ... لي النّفس إلاّ أن تصان الحلائل
أرطاة بن المنذر بن الأسود بن ثابت
أبو عديّ السّكوني الحمصيّ حدّث عن جماعة وحدّث عنه جماعة.
روى عن غيلان بن معشر، قال: سمعت أبا أمامة الباهليّ يقول: لقد توفي رجل على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يجدوا له كفناً، فقالوا: يا نبيّ الله، إنّا لم نجد له كفتناً؛ قال: " التمسوا في مئزره " فوجدوا دينارين، فقال النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كيتّان، صلّوا على صاحبكم ".
وعن ضمرة بن حبيب، قال: سمعت سلمة بن نفيل يقول: كنّا جلوساً عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ قال قائل: يا رسول الله، هل أتيت بطعام من السّماء؟ قال: نعم قال: وبماذا؟ قال: بمسخنة قال: فهل كان فيها فضل؟ قال: نعم قال: فما فعل به؟ قال: رفع، وهو يوحي إليّ أني مكفوت غير لابث فيكم، ولستم بلابثين بعدي إلاّ قليلاً، بل تلبثون حتى تقولوا: متى، وتأتون أفناداً يتبع بعضكم بعضاً، وبين يدي السّاعة موتان شديد، وبعده سنوات الزّلازل.
قال أرطاة: لمّا فرض لي عمر بن عبد العزيز في جبلة، قال: يا فتى، إني أحدّثك بحديث كان عندنا من المخزون: إذا توضأت عند البحر، فالتفت إليه وقل: يا واسع المغفرة اغفر لي، فإنه لا يرتّد إليك طرفك حتى يغفر الله ذنوبك.(4/235)
قال احمد بن حنبل: أرطاة بن المنذر ثقة ثقة.
وعن أبي عبد الرحمن الأعرج قال: لم أر أرطاة بن المنذر قطّ يسعل ولا يعطس ولا يبزق، ولا يحكّ شيئاً من جسده، ولا يضحك، قال: وإنما عرف موته حين حضره الموت، أنه حكّ هذا عند أنفه؛ قال: فقال أصحابه: حكّ أبو عديّ! قال: فكأن جلساءه أيسوا منه حين حكّ.
وعن أبي مطيع معاوية بن يحيى: أن شيخاً من أهل حمص خرج يريد المسجد، وهو يرى أنه قد أصبح، فإذا عليه ليبل طويل، فلّما صار تحت القبّة سمع صوت جرس الخيل على البلاط، فإذا فوارس قد لقي بعضهم بعضاً. قال بعضهم لبعض: من أين قدمتم؟ قالوا: ولم تكونوا معنا؟ قالوا: لا؛ قالوا: قدمنا من جنازة البديل خالد بن معدان؛ قالوا: وقد مات؟ ما علمنا بموته؛ قال: فمن استخلفتم بعده؟ قالوا: أرطاة بن المنذر. فلّما أصبح الشّيخ حدّث أصحابه، فقالوا: ما علمنا بموت خالد بن معدان؛ فلّما كان نصف النّهار قدم البريد من أنطرطوس يخبر بموته.
وعن أرطاة بن المنذر، وكان من الحكماء، قال: لا يزال العبد متعلماً ما كان في الدّنيا، فإذا قال: قد اكتفيت، فهو أجهل ما يكون بأمر الدّنيا.
وقال: آية المتكلّف ثلاث: يتكلّم فيما لا يعلم، وينازع من فوقه، ويتعاطى ما لا ينال.
وقال: احذروا الدّنيا لا تسحركم، فهي والله أسحر من هاروت وماروت.
مات سنة ثلاث وستين ومئة، وفي خبر آخر، أنه مات سنة ست وخمسين ومئة.(4/236)
أرطاة الفزاري
والد عديّ بن أرطاة، وزيد بن أرطاة دمشقي.
حكى عنه ابنه عديّ بن أرطاة، أن أباه حدّثه: أنه كان من قومه رجل يشتم، فسكت ونفض ثوبه.
أرقم بن أرقم السّلميّ
عن أبي عبيد الله، قال: دخلت المسجد يوماً فإذا برجلين جالسين، فمشيت نحوهما، فأشار إليّ أحدهما فجلست بين أيديهما، فإذا هما قد تقنّعا برداء أحدهما، وقد بكيا حتى كادت أعينهما أن تخرج، فقالا: لا ترق على ما ترى من بكائنا، ألا إنّما أبكانا أنا كنّا في قوم أصبحنا اليوم في غيرهم؛ وذلك على عهد معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنهما، وإذا هما أرقم بن أرقم السّلميّ وأبو مسلم الجليليّ.
أرقم بن شرحبيل الأوديّ الكوفيّ
أخو هذيل بن شرحبيل، سمع ابن مسعود، وابن عبّاس وصحبه إلى الشّام.
قال: سافرت مع ابن عبّاس من المدينة إلى الشّام، فسألته: أوصى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: إنّ النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمّا مرض مرضه الذي مات فيه كان في بيت عائشة، فقال: " ليصلّ بالنّاس أبو بكر " فتقدّم أبو بكر فصلّى بالنّاس، ووجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نفسه خفّةً، فانطلق يهادى بين رجلين، فلما أحسّ أبو بكر به سبّحوا، فذهب أبو بكر يتأخر، فأشار النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مكانك فاستفتح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حيث انتهى أبو بكر(4/237)
من القراءة، وأبو بكر قائم، ورسول الله جالس، فأئتمّ أبو بكر بالنّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وائتم النّاس بأبي بكر، فما قضي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ثقل جداً، فخرج يهادي بين رجليه لتخطان في الأرض، فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يوص.
قال محمد بن سعد: وكان ثقة قليل الحديث.
أرقم بن عبد الله الكندي
رجل من تابعي أهل الكوفة.
كان ممن قدم به مع حجر بن عدي الكندي إلى عذراء في أثني عشر رجلاً، فشفع فيه وائل بن حجر إلى معاوية فأطلقه.
قال أبو محنف: تسمية الذين بعث بهم إلى معاوية: حجر بن عدي بن جبلة الكندي، والأرقم بن عبد الله الكندي من بني الأرقم، وشريك بن شداد الحضرمي، وصيفي بن فسيل، وقبيصة بن ضبيعة بن حرملة العبسي، وكريم بن عفيف الخثمعي من بني عامر بن شهران ثم من بني قحافة، وعاصم بن عوف البجلي، وورقاء بن سمي البجلي، وكدام بن حيان، وعبد الرحمن بن حسان العنزيان من بني هميم، ومحرز بن شهاب التميمي من بني منقر، وعبد الله بن حوية السعدي من بني تميم، فمضوا بهم حتى نزلوا مرج عذراء، فحبسوا بها.
ثم إن زياداً أتبعهم برجلين آخرين مع عامر بن الأسود العجلي، بعتبة بن الأخنس من بني سعد بن بكر بن هوازن، وسعيد بن نمران الهمداني ثم الناعطي، فتموا أربعة عشر رجلاً.
تسمية من قتل أصحاب حجر رحمه الله: حجر بن عدي، وشريك بن شداد الحضرمي، وصيفي بن فسيل الشيباني، وقبيصة بن ضبيعة العبسي، ومحرز بن شهاب السعدي ثم المنقري، وكدام بن حيان(4/238)
العنزي وعبد الرحمن بن حسان العنزي، بعث به إلى زياد فدفن حياً بقس الناطف، فهم سبعة قتلوا ودفنوا وصلى عليهم.
قال: وزعموا أن الحسن لما بلغه قتل حجر وأصحابه، قال: صلوا عليهم، وكفنوهم، واستقبلوا بهم القبلة؟ قالوا: نعم؛ قال: حجوهم ورب الكعبة.
تسمية من نجا منهم: كريم بن عفيف الخثعمي، وعبد الله بن حوية التميمي، وعاصم بن عوف البجلي، وورقاء بن سمي البجلي، والأرقم بن عبد الله الكندي، وعتبة بن الأخنس، من بني سعد بن بكر، وسعيد بن نمران الهمذاني، فهم سبعة.
قال الطبري: ومقتل حجر بن عديّ وأصحابه في سنة إحدى وخمسين.
إرميا بن حلقيّا من سبط لاوي
ابن يعقوب من أنبياء بني إسرائيل.
ويقال: إنه الخضر عليه السّلام.
جاء في بعض الآثار أنه وقف على دم يحيى بن زكريّا عليه السّلام بدمشق وهو يفور، فقال: أيّها الدّم دم يحيى بن زكريّا، فتنت بنو إسرائيل والنّاس فيك؛ فسكن الدّم، ورسب حتى غاب.
عن الحسن، قال: إن إرميا كان غلاماً من أبناء الملوك، وكان زاهداً، ولم يكن لأبيه ابن غيره، وكان أبوه يعرض عليه النّكاح فكان يأبى مخافة أن يشغله عن عبادة ربّه، فألحّ عليه أبوه، فكره أن يعصي أباه، فزوّجه في أهل بيت من عظماء أهل مملكته، فلّما أن دخلت عليه امرأته قال لها: يا هذه إني أسرّ إليك أمراً، فإن كتمتيه عليّ وسترتيه سترك الله في الدّنيا والآخرة، وإن أنت أفشيتيه فضحك الله في الدّنيا والآخرة، قالت: فإني سأكتمه عليك؛ قال: فإني لا أريد النّساء.
قال: فأقامت معه سنةً، ثم إن أباه أنكر ذلك، فسأله، فقال: يا أبه ما طال ذلك(4/239)
بعد؛ فدعا امرأته فسألها، فقالت مثل ذلك ففرّق بينهما، وزوّجه امرأة في بيت أشرافهم، فأدخلت عليه، فاستكتمها أمره مثل ما استكتم الأولى؛ فلّما مضت سنة، فسأله أبوه مثل ما سأل، فقال: ما طال ذلك يا أبه؛ فسأل المرأة فقالت: كيف تحمل المرأة من غير زوج؟ ما مسني! فغضب أبوه، فهرب منه حتى بعثه الله نبيّاً مع ناشية الملك وجاءه الوحي.
وعن وهب بن منبه: إنّ الله تعالى لمّا بعث إرميا إلى بني إسرائيل، وذلك حين عظمت الأحداث في بني إسرائيل، وعملوا بالمعاصي فقتلوا الأنبياء، طمع بخت نصّر فيهم، وقذف الله في قلبه، وحدّث نفسه بالمسير إليهم لمّا أراد الله أن ينتقم به منهم، فأوحى الله إلى إرميا: إني مهلك بني إسرائيل ومنتقم منهم، فقم على صخرة بيت المقدس يأتيك أمري ووحيي؛ فقام إرميا فشقّ ثيابه وجعل الرّماد على رأسه وخرّ ساجداً، وقال: يا ربّ، وددت أن أميّ لم تلدني حين جعلتني آخر أنبياء بني إسرائيل، فيكون خراب بيت المقدس وبوار بني إسرائيل من أجلي.
فقيل له: ارفع رأسك؛ فرفع رأسه؛ قال: فبكى، ثم قال: يا رب، من تسلّط عليهم؟ قال: عبدة النّيران، لا يخافون عقابي ولا يرجون ثوابي، قم يا إرميا فاستمع وحيي أخبرك خبرك وخبر بني إسرائيل: من قبل أن أخلقك اخترتك، ومن قبل أن أصوّرك في رحم أمّك قدّستك، ومن قبل أن أخرجك من بطن أمك طهّرتك، ومن قبل أن تبلغ نبأتك، ومن قبل أن تبلغ الأشدّ اخترتك، ولأمر عظيم اجتبيتك، فقم مع الملك ناشية تسدّده وترشده.
فكان معه يرشده ويأتيه الوحي من الله حتى عظمت الأحداث، ونسوا ما نجّاهم الله من عدوّهم سنحاريب وجنوده، فأوحى الله تعالى إلى إرميا: قم فاقصص عليهم ما آمرك به، وذكّرهم نعمتي، وعرّفهم أحداثهم.
فقال إرميا: يا ربّ إني ضعيف إن لم تقوّني، عاجز إن لم تبلّغني، مخطئ إن لم تسدّدني، مخذول إن لم تنصرني، ذليل إن لم تعزّني.
فقال الله له: أو لم تعلم أنّ الأمور كلّها تصدر عن مشيئتي، وأن الخلق والأمر كلّه(4/240)
لي، وأن القلوب والألسنة كلّها بيدي أقلّبها كيف شئت فتطيعني؟ فأنا الله الذي ليس شيء مثلي، قامت السّموات والأرض وما فيهنّ بكلمتي، وأنه لا يخلص التّوحيد ولا تتمّ القدرة إلاّ لي، ولا يعلم ما عندي، وأنا الذي كلّمت البحار ففهمت قولي، وأمرتها ففعلت أمري، وحدّدت حدوداً فلا تعدو وحدّي، وتأتي بأمواج كالجبال فإذا بلغت حدّي ألبستها مذلةً لطاعتي، وخوفاً واعترافاً لأمري، وأني معك، ولن يصل إليك شيء معي، وأني بعثتك إلى خلق عظيم من خلقي لتبلّغهم رسالاتي، فتستوجب بذلك أجر من اتّبعك ولا ينقص من أجورهم شيئاً، وإن تقصّر عنها تستحق بذلك منّي وزر من تركته في عماية، ولا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً، انطلق إلى قومك فقمّ فيهم، وقل لهم: إن الله ذكّركم بصلاح آبائكم، فلذلك استبقاكم يا معشر أبناء الأنبياء، وتسألهم كيف وجد آباؤهم مغبّة طاعتي، وكيف وجدوا مغبّة معصيتي؛ وهل وجدوا أحداً عصاني فسعد بمعصيتي؟ وهل علموا أحداً أطاعني فشقي بطاعتي؟ إنّ الدّواب إذا ذكرت أوطانها الصّالحة نزعت إليها، وإن هؤلاء القوم رتعوا في مروج الهلكة، وتركوا الأمر الذي به أكرمت آباءهم، وابتغوا الكرامة من غير وجهها.
أمّا أحبارهم ورهبانهم فاتّخذوا عبادي خولاً يتعبّدونهم ويحكمون فيهم بغير كتابي حتى أجهلوهم أمري وانسوهم ذكري وسنّتي، وغرّوهم عني، فدان لهم عبادي بالطّاعة التي لا تنبغي إلاّ لي، فهم يطيعونهم في معصيتي.
وأمّا ملوكهم وأمراؤهم فبطروا نعمتي، وأمنوا مكري، وغرّتهم الدّنيا حتى نبذوا كتابي، ونسوا عهدي، فهم يحرّفون كتابي ويفترون على رسلي جراةً منهم عليّ، وغرّة بي.
فسبحان جلالي وعلّو مكاني وعظمة شأني، هل ينبغي لي أن يكون لي شريك في ملكي؟ وهل ينبغي لبشر أن يطاع في معصيتي؟ وهل ينبغي لي أن أخلق عباداً أجعلهم أرباباً ن دوني؟ أو آذن لأحد بالطّاعة لأحد؟ لا ينبغي إلاّ لي.
وأمّا قراؤهم وفقهاؤهم فيدسون ما يتخيّرون، فينقادون للملوك، فيتابعونهم على البدع التي يبتدعون في ديني، ويطيعونهم في معصيتي، ويوفون لهم بالعهود النّاقضة لعهدي، فهم جهلة بما يعلمون، لا ينتفعون بشيء ممّا علموا من كتابي.(4/241)
وأمّ أولاد النبيّين، فمقهورون ومفتونون، يخوضون مع الخائضين، يتمنّون مثل نصري آباءهم، والكرامة التي أكرمتهم بها، ويزعمون أن لا أحد أولى بذلك منهم، بغير صدق منهم ولا تفكّر، ولا يذكرون كيف كان صبر آبائهم، وكيف كان جهدهم في أمري، حتى اغترّ المغترون، وكيف بذلوا أنفسهم ودماءهم فصبروا وصدقوا، حتى عزّ أمري وظهر ديني.
فتأنّيت هؤلاء القوم لعلّهم يستحيون منّي ويرجعون، فتطوّلت عليهم، وصفحت عنهم فأكثرت، ومددت لهم في العمر، وأعذرت لهم لعلّهم يتذكّرون، وكلّ ذلك أمطر عليهم السّماء، وأنبت لهم الأرض، فألبسهم العافية، وأظهرهم على العدوّ، ولا يزدادون إلاّ طغياناً وبعداً منّي! فحتى متى هذا؟ أبي يسخرون؟ أم بي يتمرّسون؟ أم إيّاي يخادعون؟ أم عليّ يجترئون؟.
فإني أقسم بعزتي لأتيحنّ لهم فتنةً يتحير فيها الحليم، ويضل فيها رأي ذوي الرأي، وحكمة الحكيم، ثم لا سلّطنّ عليهم جبّاراً قاسياً عاتياً، ألبسه الهيبة، وأنزع من صدره الرّأفة والرّحمة، وآليت أن يتبعه عدد سود مثل اللّيل المظلم، له فيه عساكره مثل قطع السّحاب، ومواكب مثل العجاج، وكأن حفيف راياته طيران النّسور، وحمل فرسانه كصوت العقبان، يعيدون العمران خراباً، والقرى وحشاً، ويعيثون في الأرض فساداً، ويتبّرون ما علوا تبتيراً، قاسية قلوبهم، لا يكترثون ولا يرقّون ولا يرحمون، ولا يبصرون ولا يسمعون، يجولون في الأسواق بأصوات مرتفعة مثل رهيب الأسد، يقشعر من هيبتها الجلود، وتطيش من سمعها الأحلام، بألسنة لا يفقهونها، ووجوه ظاهرة عليها المنكر لا يعرفونها، فوعزّتي لأعطلّنّ بيوتهم من كتبي وقدسي، ولأخلينّ مجالسهم من حديثها، ولأوحشنّ مساجدهم من عمّارها وزوّارها الذين كانوا يتزيّنون بعمارتها لغيري، ويتهجّدون فيها ويتعبّدون لكسب الدّنيا بالدّين، ويتفقّهون فيها لغير الدّين، ويتعلّمون فيها لغير العمل.
لأبدّلنّ ملوكها بالعزّ الذّل، وبالأمن الخوف، وبالغنى الفقر، وبالنّعمة الجوع، وبطول العافية والرّخاء ألوان البلاء، وبلباس الدّيباج والحرير مدارع الوبر والعباء، وبالأزواج الطيّبة والأدهان جيف القتلى، وبلباس التّيجان أطواق الحديد والسّلاسل(4/242)
والأغلال، ثم لأعيدنّ فيهم بعد القصور الواسعة والحصون الحصينة الخراب، وبعد البروج المشيّدة مساكن السّباع، وبعد صهيل الخيل عواء الذّئاب، وبعد ضوء السّراج دخان الحريق، وبعد الأنس الوحشة والقفار. ثم لأبدّلنّ نساءها بالأسورة الأغلال، وبقلائد الدّرّ والياقوت سلاسل الحديد، وبألوان الطّيب والأدهان النّقع والغبار، وبالمشي على الزّرابي عبور الأسواق والأنهار والخبب إلى اللّيل في بطون الأسواق، وبالخدور والسّتور الحسور عن الوجوه والسّوق والأسفار والأرواح السّموم.
ثم لأدوسنّهم بأنواع العذاب حتى لو كان الكائن منهم في حالق لوصل ذلك إليه، إني إنّما اكرم من أكرمني، وإنّما أهين من هان عليه أمري، ثم لآمرن السّماء خلال ذلك فلتكوننّ طبقاً من حديد، ولآمرنّ الأرض فلتكوننّ سبيكةً من نحاس، فلا سماء تمطر ولا أرض تنبت، فإن أمطرت خلال ذلك شيئاً سلّطت عليه الآفة، فإن خلص لهم منه شيء نزعت منه البركة، وإن دعوني لم أجبهم، وإن سألوني لم أعطهم، وإن بكوا لم أرحمهم، وإن تضرّعوا إليّ صرفت وجهي عنهم.
وإن قالوا: اللهم أنت الذي ابتدأتنا وآباءنا من قبلنا برحمتك وكرامتك، وذلك بأنك اخترتنا لنفسك، وجعلت فينا نبوّتك وكتابك ومساجدك، ثم مكّنت لنا في البلاد واستخلفتنا فيها، وربّيتنا وآباءنا من قبلنا بنعمتك صغاراً، وحفظتنا وإيّاهم برحمتك كباراً، فأنت أولى المنعمين أن لا تغّير وإن غيّرنا، ولا تبدّل وإن بدّلنا، وأن يتّم نعمته وفضله ومنّه وطوله وإحسانه.
فإن قالوا ذلك، قلت لهم: إني أبتدئ عبادي برحمتي ونعمتي، فإن قبلوا أتممت، وإناستزادوا زدت، وإن شكروا أضاعف، وإن بدّلوا غيّرت، وإن غيّروا غضبت، وإذا غضبت عذّبت، وليس يقوم شيء لغضبي.
قال كعب: قال إرميا: برحمتك أصبحت أتكلم بين يديك، وهل ينبغي ذلك لي وأنا أذلّ وأضعف من أن ينبغي لي أن أتكلّم بين يديك، ولكن برحمتك أبقيتني لهذا اليوم، وليس أحد أحقّ أن يخاف هذا العذاب وهذا الوعيد منّي بما رضيت به منّي طولاً والإقامة في دار الخاطئين وهم يعصونك حولي بغير تنكير ولا تغيير منّي، فإن تعذّبني فبذنبي، وإنترحمني فذلك ظنّي بك.(4/243)
ثم قال: يا رب سبحانك وبحمدك وتباركت ربّنا وتعاليت لمهلك هذه القرية وما حولها وهي مساكن أنبيائك ومنزل وحيك؛ يا ربّ سبحانك وبحمدك وتباركت وتعاليت لمخرب هذا المسجد وما حوله من المساجد ومن البيوت التي رفعت لذكرك؛ يا رب سبحانك وبحمدك وتباركت وتعاليت لمقتك هذه الأمة وعذابك إيّاهم وهم من ولد إبراهيم خليلك، وأمّة موسى نجيّك، وقوم داود صفّيك، أيّ القرى تأمن عقوبتك بعد أورشلم؟ وأيّ العباد يأمنون سطوتك بعد ولد خليلك إبراهيم وأمة نجّيك موسى وقوم خليفتك داود؟ تسلّط عليهم عبدة النّيران؟ قال الله تعالى: يا إرميا، من عصاني فلا يستنكر نقمتي، فإني إنّما أكرمت هؤلاء القوم على طاعتي، ولو أنهم عصوني لأنزلتهم دار العاصين إلاّ أن أتداركهم برحمتي.
قال إرميا: يا ربّ، اتخذت إبراهيم خليلاً وحفظتنا به، وموسى قرّبته نجيّاً، فنسألك أن تحفظنا ولا تتخطّفنا، ولا تسلّط علينا عدوّنا.
فأوحى الله إليه: يا إرميا إني قدّستك في بطن أمّك، وأخرتك إلى هذا اليوم، فلو أن قومك حفظوا اليتامى والأرامل والمساكين وابن السّبيل لكنت الدّاعم لهم، وكانوا عندي بمنزلة جنّة ناعم شجرها، طاهر ماؤها، ولا يغور ماؤها، ولا تبور ثمارها ولا تنقطع، ولكن سأشكو إليك بني إسرائيل: إني كنت بمنزلة الرّاعي الشّفيق أجنّبهم كلّ قحط وكلّ غرّة، وأتبع بهم الخصب حتى صاروا كباشاً ينطح بعضها بعضاً، فياويلهم ثم يا ويلهم، إنّما أكرم من أكرمني، وأهين من هان عليه أمري، إنّ من كان قبل هؤلاء القوم من القرون يستخفون بمعصيتي، وإن هؤلاء القوم يتبرّعون معصيتي تبرّعاً، فيظهرونها في المساجد والأسواق، وعلى رؤوس الجبال وظلال الشّجر، حتى عجّت السّماء إليّ منها، وعجّت الأرض والجبال، ونفرت منها الوحوش بأطراف الأرض وأقاصيها، وفي كلّ لا ينتهون ولا ينتفعون بما علموا من الكتاب.
وقال إسحاق: هؤلاء المسمّون بإسنادهم، لمّا بلّغهم إرميا رسالة ربّهم وسمعوا ما فيها من الوعيد والعذاب عصوه وكذّبوه واتهموه، قالوا: كذبت وعظّمت على الله الفرية،(4/244)
فتزعم أن الله معطّل أرضه ومساجده من كتابه وعبادته وتوحيده، فمن يعبده، حتى لا يبقى له في الأرض عابد ولا مسجد ولا كتاب؟ لقد أعظمت على الله الفرية، ولقد اعتراك الجنون؛ فأخذوه وقيّدوه وسجنوه؛ فعند ذلك بعث الله عليهم بخت نصّر، فأقبل يسير بجنوده حتى نزل بساحتهم، ثم حاصرهم فكان كما قال الله تعالى: " فجاسوا خلال الدّيار ".
قال: فلّما طال بهم الحصر، نزلوا على حكمه، فتحوا الأبواب، فتخلّلوا الأزقّة، فذلك قوله تعالى: " فجاسوا خلال الدّيار " وحكم فيها حكم الجاهليّة وبطش الجبّارين، فقتل منهم الثلث، وسبى الثلث، وترك الزّمني والشّيوخ والعجائز، ثم وطئهم بالخيل، وهدّم بيت المقدس، وساق الصّبيان، وأوقف النّسار في الأسواق محسّرات، وقتل المقاتلة، وخرّب الحصون، وهدم المساجد، وحرّق التّوراة، وسأل عن دانيال الذي كان كتب له الكتاب فوجده قد مات، وأخرج أهل بيته الكتاب إليه، وكان فيهم دانيال بن حزقيل الأصغر، وبنشايل، وعزرايل، وميخايل، فأمضى لهم ذلك الكتاب، وكان دانيال بن حزقيل خلفاً من دانيال الأكبر.
ودخل بخت نصّر بجنوده بيت المقدس ووطئ الشّام كلّها، وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم، فلّما بلغ منها انصرف راجعاً، وحمل الأموال التي كانت بها، وساق السّبايا معه، فبلغ عدّة صبيانهممنأبناء الأحبار والملوك تسعين ألف غلام، وقذف الكناسات في بيت المقدس، وذبح فيه الخنازير؛ فكان الغلمان سبعة آلاف غلام من بيت داود، وأحد عشر ألفاً من سبط يوسف بن يعقوب وأخيه بنيامين، وثمانية آلاف من سبط أشير بن يعقوب، وأربعة عشر ألفاً من سبط زبالون ونفتالي بن يعقوب، وأربعة عشر ألفاً من سبط دان بن يعقوب، ويمانية آلاف من سبط يسياخير بن يعقوب، ألفين من سبط رالون بن يعقوب، ورابعة آلاف من سبط روبيل ولاوي، واثنا عشر ألفاً من سائر بني إسرائيل؛ فانطلق بهم حتى قدم أرض بابل.(4/245)
قال وهب: لمّ فعل بخت نصّر ما فعل، قيل له: كان لهم صاحب يحذّرهم ما أصابهم ويصفك وخبرك لهم، ويخبرهم أنك تقتل مقاتلتهم، وتسبي ذراريهم، وتهدم مساجدهم، وتحرّق كتابهم، فكذبوه واتّهموه وضربوه وقيّدوه وحبسوه؛ فأمر بخت نصّر فأخرج إرميا من السّجن، فقال له: أكنت تحذّر هؤلاء القوم ما أصابهم؟ قال: نعم: قال: فإني علمت ذلك؛ قال: أرسلني الله إليهم فكذّبوني؛ قال: كذّبوك وضربوك وسجنوك؟ قال: نعم؛ قال: بئس القوم قوم كذّبوا نبّيّهم رسالة ربّهم، فهل لك أن تلحق بي فأكرمك وأواسيك؟ وإن أحببت أن تقيم في بلادك فقد أمّنتك؛ قال إرميا: إني لم أزل في أمان الله منذ كنت، ولم أخرج منه ساعة قطّ، ولو أن بني إسرائيل لم يخرجوا منه لم يخافوك ولا غيرك، ولم يكن لك عليهم سلطان.
فلّما سمع بخت نصّر هذا القول منه تركه؛ فأقام إرميا مكانه بأرض إيليا.
أزرق بن قرّة السّبيعيّ
من جند خراسان، وفد على الوليد بن يزيد قبل أن يستخلف، وأخبره بمنام رآه له.
ذكر عليّ بن محمد عن شيوخه قال: قدم السّبيعيّ من التّرمذ أيّام هشام على نصر بن سيّار، فقال لنصر: إني رأيت الوليد بن يزيد في المنام وهو وليّ عهد شبه الهارب من هشام، ورأيته على سرير يشرب عسلاً، وسقاني بعضه.
فأعطاه نصر أربعة آلاف دينار، وبعث به إلى الوليد، وكتب إليه نصر، فأتى الأزرق الوليد فدفع إليه المال والكسوة، فسّر بذلك الوليد، وألطف الأزرق، وجزّى نصراً خيراً، وانصرف الأزرق، فبلغه ققبل أن ينصرف إلى نصر موت هشام، ونصر لا علم له بما صنع الأزرق، ثم قدم عليه فأخبره.(4/246)
أزنم الفزاريّ
كان بدمشق حين مات معاوية بن يزيد.
قال محمد بن سعد: لمّا دفن معاوية بن يزيد، قام مروان على قبره، فقال: أتدرون من دفنتم؟ قالوا: معاوية بن يزيد، فقال: هذا أبو ليلى! فقال أزنم الفزاريّ: من البسيط
إني أرى فتناً تغلي مراجلها ... والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا
أزهر بن الوليد الحمصيّ
سمع أمّ الدّرداء، واجتاز بدمشق إلى بيت المقدس.
أزهر بن يزيد المراديّ الحمصيّ
حدّث عن عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجرّاح ومعاذ بن جبل، وشهد اليرموك في خلافة عمر، وشهد الجابية.
قال كثير بن مرّة: وقال الأزهر وكان رجلاً يرمى بالفقه لمعاذ بن جبل، ونحن بالجابية: من المؤمنون؟ قال معاذ أميرهم: والكعبة إن كنت لأظنّك أفقه مما أنت! هم الذين أسلموا وصاموا وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة.
أزهر الكوفيّ بياع الخمر
وفد على عمر بن عبد العزيز، وحكى عنه، قال: رأيت عمر بن عبد العزيز بخناصرة يخطب النّاس وقميصه مرقوع.(4/247)
أسامة بن الحسن بن عبد الله
ابن سلمان حدّث بعرفة من أعمال أطرابلس ن ساحل دمشق، عن علي بن معبد بن نوح البغداديّ نزيل مصر، بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حفظ على أمتّي أربعين من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً ".
أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل
ابن عبد العزّي بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عبد ودّ بن كنانة بن عوف بن عذرة ابن عديّ بن زيد اللّات بن رفيدة بن ثور بن كلب أبو زيد، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو حارثة، ويقال: أبو يزيد حبّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وابن حبّه، استعمله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على جيش فيه أبو بكر وعمر، فلم ينفذ حتى توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبعثه أبو بكر إلى الشّام، فأغار على أبنى من ناحية البلقاء؛ وشهد مع أبيه غزوة مؤتة، وقدم دمشق، وسكن المزّة مدّة، ثم انتقل إلى المدينة فمات بها، ويقال: بوادي القرى.
روى عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروى عنه جماعة من الصّحابة والتّابعين.
عن أسامة بن زيد، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما تركت بعدي فتنةً أضرّ على الرّجال من النّساء ".
وعنه، قال: كان النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأخذني والحسن فيقول: " اللهم إني أحبّهما فأحبّهما ".
وعنه، أن رسول اله صلى اله عليه وسلم قال: " إنّما الرّبا في النّسيئة ".(4/248)
قال محمد بن سعد: قبض النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن عشرين سنة، وكان قد نزل وادي القرى، ومات بالمدينة في آخر خلافة معاوية، وأمّه أمّ أيمن، واسمها بركة، وكانت حاضنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومولاته.
وكان زيد بن حارثة في رواية بعض أهل العلم أوّل النّاس إسلاماً، ولم يفارق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وولد له أسامة بمكّة، ونشأ حتى أدرك لم يعرف إلاّ الإسلام، ولم يدن بغيره، وهاجر مع أبيه، وكان رسول اله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحبّه حبّاً شديداً، وكان عنده كبعض أهله.
عن عائشة، قالت: دخل مجزّر المدلجي على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرأى أسامة وزيداً، وعليهما قطيفةً، قد غطيّا رؤوسهما وبدت أقدامهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض؛ فدخل عليّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسروراً.
وعن أسامة، قال: جاء العبّاس وعليّ يستأذنان على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل تدري ما جاء بهما "؟ فقلت: لا؛ قال: " لكنّي أدري، إيذن لهما " فدخلا، فقال عليّ: يا رسول الله، من أحبّ أهلك إليك؟ قال: فاطمة قال: إنّما أعني من الرّجال؛ قال: " من أنعم الله عليه، وأنعمت عليه، أسامة "؛ قال: ثم من؟ قال: ثم أنت؛ قال العبّاس: يا رسول الله، جعلت عمّك آخرهم! قال: " إنّ علياً سبقك بالهجرة ".
قالت عائشة: لا ينبغي لأحد أن ينتقص أسامة بعدما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من كان يحب الله ورسوله فليحبّ أسامة ".
عن فاطمة بنت قيس: أن أبا عمرو بن حفص طلّقها ألبتّة، وهو غائب بالشّام، فأرسل إليها وكيله بشعير فتسخّطته، فقال: والله، مالك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرت ذلك(4/249)
له، فقال: ليس لك عليه نفقة فأمرها أن تعتدّ في بيت أمّ شريك، ثم قال: تلك المرأة يغشاها أصحابي، اعتدّي عند ابن أمّ مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك، فإذا حللت فآذنيني قالت: فلّما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان، وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أمّا أبو جهم فلا يضع عصاه، وأمّا معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد فكرهته، ثم قال: انكحي أسامة فنكحته، فجعل الله فيه خيراً واغتبطت به.
وعن ابن عمر، قال:
لمّا استعمل النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسامة، قالوا فيه، فبلغ النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " قد بلغني ما قلتم في أسامة وقد قلتم ذلك في أبيه من قبل، وإنه لخليق للإمارة، وإنه لأحبّ النّاس إليّ ".
قال ابن عمر: ما استثنى فاطمة ولا غيرها.
عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: أمّر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسامة بن زيد، وأمره أن يغير على أبنى من ساحل البحر، قال هشام: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أمّر الرّجل أعلمه وندب النّاس؛ قال: فخرج معه سروات النّاس وخيارهم ومعه عمر؛ قال: فطعن النّاس في تأمير أسامة، قال: فخطب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن أناساً طعنوا في تأميري أسامة كما طعنوا في تأميري أباه، وإنه لخليق للإمارة، وإن كان لأحبّ إليّ، وإن ابنه لأحبّ النّاس إليّ بعد أبيه، وإني لأرجو أن يكون من صالحيكم، فاستوصوا به خيراً.
قال: ومرض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعل يقول في مرضه " أنفذوا جيش أسامة، أنفذوا جيش أسامة ".
قال: فسار حتى بلغ الجرف، فأرسلت إليه امرأته فاطمة بنت قيس فقالت: لا تعجل فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثقيل؛ فلم يبرح حتى قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(4/250)
فلما قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجع إلى أبي بكر فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثني وأنا على غير حالكم هذه، وأنا أتخوف أن تكفر العرب، فإن كفرت كانوا أول من يقاتل، وإن لم تكفر مضيت، فإن معي سروات الناس وخيارهم.
قال: فخطب أبو بكر الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: والله لئن تخطفني الطير أحب إلي من أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال: فبعثه أبو بكر إلى أبنى، واستأذن لعمر أن يتركه عنده، قال: فأذن أسامة لعمر.
قال: فأمره أبو بكر أن يجزر في القوم؛ قال هشام: يقطع الأيدي والأرجل والأوساط في القتال حتى يفزع القوم.
قال: فمضى حتى أغار عليهم، ثم أمرهم أن يعظموا الجراحة حتى يرهبوهم؛ قال: ثم رجعوا وقد سلموا، وقد غنموا.
قال: فكان عمر يقول: ما كنت لأحيي أحداً بالإمارة غير أسامة لأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبض وهو أمير.
قال: فساروا، فلما دنوا من الشام أصابتهم ضبابة شديدة فسترهم الله بها حتى أغاروا وأصابوا حاجتهم.
قال: فقدم بنعي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على هرقل وإغارة أسامة في ناحية أرضه خبراً واحداً، فقالت الروم: ما بالي هؤلاء بموت صاحبهم أن أغاروا على أرضنا! قال عروة: فما رؤي جيش كان أسلم من ذلك الجيش.
وعن عائشة، قالت: دخل أسامة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأصابته عتبة الباب فشج في وجهه، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا بنت أبي بكر، قومي فامسحي عنه الأذى " قالت: فتقذرته؛ فقام إليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعل يمصه ويمجه، ويقول: " لو كان أسامة جاريةً لحليته بكل شيء وزينته حتى أنفقه للرجال ".(4/251)
وعن عبد الله بن دينار، قال: كان عمر بن الخطاب إذا رأى أسامة بن زيد يقول: السلام عليك أيها الأمير، فيقول أسامة: غفر الله لك يا أمير المؤمنين، تقول لي هذا؟ قال: فكان يقول له: لا أزال أدعوك ما عشت الأمير، مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنت علي أمير.
وعن ابن عمر، قال: فرض عمر لأسامة أكثر مما فرض لي، فقلت: إنما هجرتي وهجرة أسامة واحدة؛ فقال: إن أباه كان أحب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أبيك، وإنه كان أحب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منك، وإنما هاجر بك أبواك.
وعن قيس بن أبي حازم: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين بلغه أن الراية صارت إلى خالد بن الوليد، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فهلا إلى رجل قتل أبوه " يعني أسامة بن زيد.
وعن يزيد بن عياض. قال: أهدى حكيم بن حزام للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الهدنة التي كانت بين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين قريش حلة ذي يزن اشتراها بثلاثمئة دينار فردها عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: " إني لا أقبل هدية مشرك " فباعها حكيم، وأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من اشتراها له، فلبسها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما رآه حكيم فيها قال: من الطويل
ما تنظر الحكام بالفضل بعدما ... بدا سابق ذو غرة وحجول
فكساها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسامة بن زيد بن حارثة فرآها عليه حكيم، فقال: بخ بخ يا أسامة، عليك حلة ذي يزن! فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قل له: وما يمنعني وأنا خير منه وأبي خير من أبيه؟ ".
وعن عبد الله بن عباس، ومحمد بن علي بن أبي طالب، قالا: دخل أسامة بن زيد على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقبل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوجهه، ثم قال: " يا أسامة بن زيد عليك بطريق الجنة، وإياك أن تحيد عنه فتختلج دونها " فقال أسامة: يا رسول الله دلني على ما أسرع به قطع ذلك الطريق،؛ قال: " عليك بالظمأ في(4/252)
الهواجر، وقصر النفس عن لذاتها ولذة الدنيا، والكف عن محارم الله، يا أسامة إن أهل الجنة يتلذذون بريح فم الصائم، وإن الصوم جنةٌ من النار، فعليك بذلك، وتقرب إلى الله بكثرة التهجد والسجود، فإن أشرف الشرف قيام الليل، وأقرب ما يكون العبد من ربه إذا كان ساجداً، وإن الله عز وجل يباهي به ملائكته، ويقبل إليه بوجهه، يا أسامة بن زيد إياك وكل كبدٍ جائعةٍ تخاصمك عند الله يوم القيامة، يا أسامة بن زيد، إياك أن تعد عيناك عن عباد الله الذين أذابوا لحومهم بالرياح والسمائم، وأظمأوا الأكباد حتى غشيت أبصارهم الظلم، أسهروا ليلهم خشعاً ركعاً " يبتغون فضلاً من الله تعالى ورضواناً سيماهم في وجوههم من آثر السجود " تعرفهم بقاع الأرض تحف بهم الملائكة تحوم حواليهم الطير تذل لهم السباع كذل الكلب لأهله يابن زيد إن الله إذا نظر إليهم سر بهم، تصرف بهم الزلازل والفتن ".
ثم بكى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكاء شديداً حتى اشتد بكاؤه، وخاف القوم أن يكلموه، وحتى ظن القوم أن أمراً نزل من السماء، ثم تكلم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو حزين، قال: " ويح هذه الأمة ما يلقى فيها من أطاع الله عز وجل كيف يكذبونه ويضربونه ويحبسونه من أجل أنه أطاع الله "، فقال بعض أصحابه: يا رسول الله، والناس يومئذٍ على الإسلام؟ قال: " نعم " قال: ففيم إذاً يعصون من أطاع الله؟ قال: " إنما يعصونهم حيث أمروهم بطاعة الله، ترك القوم الطريق ولبسوا اللين من الثياب، وخدمتهم أبناء فارس، وتزين الرجل بزينة المرأة، وتزينت المرأة منهم بزينة الرجل، دينهم دين كسرى وقيصر، همتهم جمع الدنانير والدراهم، فهي دينهم، وسنتهم القتل، تباهوا بالجمال واللباس، فإذا تكلم ولي الله، الغني من التعفف، المنحنية أصلابهم من العبادة، قد ذبحوا أنفسهم من العطش لأجل رضاء الله عز وجل، كذبوا وأوذوا وطردوا وحبسوا، وقيل لهم: قرناء الشيطان ورؤوس الضلال، تكذبون بالكتاب وتحرمون زينة الله والطيبات من الرزق التي أخرج لعباده. يا أسامة بن زيد، تأولوا الكتاب على غير تأويله، وتركوا الدين، فهم على غير دين، واستبدلوا بما تأولوا أولياء الله. يا أسامة بن زيد، إن أقرب(4/253)
الناس من الله يوم القيامة من طال حزنه وظمؤه وسهره وفكرته، أولئك هم الأخيار الأبرار، لا أنبئك بصفتهم؟ قال: بلى يا رسول الله؛ قال: " هم الذين إن شهدوا لم يعرفوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن مرضوا لم يعادوا، وإن ماتوا لم يحضروا، وإذا نظر الناس إليهم قالوا: مجانين أو موسوسين، وما بالقوم جنون ولا وسواس، ولكنهم شغلوا أنفسهم بحب الله عز وجل وطلب مرضاته " يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً " " يبيتون لربهم سجداً وقياماً " " يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " فيقلون على ذلك. يا أسامة بن زيد، أكل الناس من كل نوع، أكلوا من حشيش الأرض وثمارها، وتوسد الناس الوسائد والنمارق، توسدوا اللبن والحجارة، نعم الناس بلذاتهم وشهواتهم، نعموا بجوعهم والعطش، افترش الناس لين الفرش، افترشوا الجنوب والركب، ضحك الناس من الفرح، بكوا هم من الأحزان، تطيب الناس بالطيب، تطيبوا بالماء والتراب، بنوا الناس المنازل والقصور، واتخذوا الخراب والفلوات وظلال الشجر منازل ومساجد ومقيلاً، اتخذ الناس الأندية والمجالس متحدثاً تلذذاً
وتلهياً وبطراً واتخذوا المحاريب وحلق الذكر والخلوة تخشعاً وخوفاً وتفكيراً وتذكيراً وتشريفاً، أنس الناس بالحديث والاجتماع، أنسوا بذكر الله ومناجاته والوحدة والفرار بدينهم من الناس، وهب الناس أنفسهم للدنيا، وهبوا هم أنفساً هو وهبها لهم فباعوا قليلاً زائلاً واشتروا كثيراً دائماً. يا أسامة بن زيد، لا يجمع الله عليهم الشدة في الدنيا والآخرة، بل لهم الجنة، أولئك هم أحباء الله، يا ليت أني قد رأيتهم، الأرض بهم رحيمة، والجبار منهم راض، ضيع الناس أفعال النبيين وأخلاقهم، حفظوها هم وتمسكوا بها. يا أسامة بن زيد، الراغب من رغب إلى مثل رغبتهم، والمغتر المغبون من لم يلق الله عز وجل بمثل رغبتهم وأدبهم، والخاسر من خسر تقواهم وضيع أفعالهم. يا أسامة بن زيد، هم لكل أرضٍ أمان، تبكي الأرض إذا فقدتهم، ويسخط الجبار على بلدٍ ليس فيه منهم، ولا تزال الأرض باكيةً حتى يبدل الله مثله. يا أسامة بن زيد، اتخذهم لنفسك أصدقاء وأصحاباً عسى أن تنجو بهم، وإياك أن تدع ما هم عليه فتزل قدمك فتهوي في(4/254)
النار، يا أسامة بن زيد، زهدوا في الحلال فحرموه على أنفسهم وقد أحل لهم، طلباً للفضل فتركوه لينالوا به الزلفى والكرامات عند الله عز وجل، ولم يتكابوا على الدنيا تكاب الكلاب على الجيف؛ شغل الناس بالدنيا، شغلوا هم أنفسهم بطاعة الله عز وجل، ولم يكن ذلك إلا بتوفيق من الله عز وجل لهم، أكلوا حلو الطعام وحامضه، شعثاً غبراً هزلاً، يراهم الناس فيظنون أن فيهم داء، ويقال: قد خولطوا، وما بالقوم داء ولا خولطوا، ويقال: قد ذهبت عقولهم، وما ذهبت عقولهم، ولكنهم نظروا بقلوبهم إلى من أذهلهم عن الدنيا وما فيها، فهم عند أهل الدنيا يمشون بلا عقول حين ذهبت عقول الناس في سكرتهم بحب الدنيا ورفض الآخرة. أولئك لهم البشرى والكرامة برفضهم لهواهم وإيثارهم حق الله عز وجل على حقوق من عاشروا.
فقال أسامة: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: " أللهم اجعله منهم " أو قال: " أنت منهم ".
وعن محمد بن سيرين، قال: بلغت النخلة على عهد عثمان ألف درهم؛ قال: فعمد أسامة إلى نخلة فعقرها وأخرج جمارها وأطعمها أمه، فقالوا له: ما يحملك على هذا، وأنت ترى النخلة قد بلغت ألف درهم؟ قال: إن أمي سألتني ولا تسألني شيئاً أقدر عليه إلا أعطيتها.
وعن الزهري، قال: قد حمل سعد بن أبي وقاص من العقيق إلى المدينة، وحمل أسامة بن زيد من الجرف.
وقد تقدم أنه مات في خلافة معاوية، ومات معاوية سنة ستين.
أسامة بن زيد بن عدي
أبو عيسى التنوخي الكاتب، ويقال: الكلبي مولاهم مولى سليح، ولي كتابة الوليد بن عبد الملك، ثم قدم دمشق على يزيد بن عبد الملك، ثم ولي الخراج لهشام بن عبد الملك.(4/255)
ذكر أبو الحسين الرازي في تسمية كتاب أمراء دمشق، أن أسامة بن زيد بن عدي صاحب قصر أسامة من أهل دمشق كان على ديوان الجند بدمشق في زمان الوليد بن عبد الملك، وتولى خراج مصر للوليد بن عبد الملك فاستخرج مالها اثني عشر ألف ألف دينار، وهو أول من اتخذ صاحب حمالة.
قال ابن يونس: وهو الذي بنى مقياس النيل العتيق بجزيرة فسطاط مصر.
قال الليث بن سعد: فيها يعني سنة سبع أو ست وتسعين دخل أسامة بن زيد مصر أميراً على أرض مصر، دخل يوم السبت لإحدى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول. وفيها يعني سنة تسع وتسعين نزع أسامة بن زيد من مصر في شهر ربيع الآخر، وأمر حيان بن شريح سنة اثنتين؛ قال: وفيها يعني سنة أربع ومئة خرج أسامة بن زيد إلى الشام فجعل على الدواوين، وأمر يزيد بن أبي يزيد على مصر.
قال إسماعيل بن أبي الحكم: لما بعث سليمان بن عبد الملك أسامة بن زيد الكلبي على مصر، دخل أسامة على عمر بن عبد العزيز فقال: يا أبا حفص، إنه والله ما على ظهر الأرض من رجل بعد أمير المؤمنين أحب إلي رضاء منك ولا أعز علي سخطاً منك، وإن أمير المؤمنين قد وجهني إلى مصر، فأوصني بما شئت، واكتب إلي فيما شئت، فإنك لن تأمر بأمر إلا نفذ إن شاء الله.
قال: ويحك يا أسامة، إنك تأتي قوماً قد ألح عليهم البلاء منذ دهر طويل، فإن قدرت على أن تنعشهم فأنعشهم؛ قال: يا أبا حفص، إنك قد علمت نهمة أمير المؤمنين في المال، وإنه لن يرضيه إلا المال؛ قال: إنك إن تطلب رضاء أمير المؤمنين بسخط الله يكون الله قادراً على أن يسخط أمير المؤمنين عليك.
قال: إني سأودع أمير المؤمنين وأنت حاضر إن شاء الله فتسمع وصاته.
فلما كان في اليوم الذي أراد أن يسير فيه غدا على سليمان متقلداً بسيف، متوشحاً عمامته، يتحين دخول عمر فلما عرف أن عمر قد استقر فقعد مقعده عند سليمان استأذن ودخل وسلم، ثم مثل قائماً، فقال: يا أمير المؤمنين، هذا وجهي وأردت أن أحدث عهداً بأمير المؤمنين، وأن يعهد إلي أمير المؤمنين.(4/256)
قال: احلب حتى ينفيك الدم، فإذا أنفاك فاحلب حتى ينفيك القيح لا تنفيها لأحدٍ بعدي.
قال: فخرج، فلم يزل واقفاً حتى خرج عمر من عند سليمان، فسار معه قبل منزل عمر، فقال: يا أبا حفص قد سمعت وصاة أمير المؤمنين؛ قال: وأنت قد سمعت وصاتي؛ قلت: أوصني في خاصتك؛ قال: ما أنا بموصيك مني في خاصتي إلا أوصيك به في العامة.
فسار إلى مصر، فعمل فيها عملاً، والله ما عمله فرعون، فقد قص علينا ما عمل فرعون.
فقلت له: فما صنعتم به حين وليتم؟ قال: عزلناه، ووقفناه بمصر في العسكر، فوالله ما جاء أحد من الناس يطلب قبله ديناراً ولا درهماً إلا وجدناه مثبتاً في بيت المال، كان أميناً في الأرض.
أسامة بن سلمان النخعي
ويقال: العنسي، من أهل دمشق روى عن أبي ذر، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قال: " إن الله عز وجل ليغفر للعبد ما لم يقع الحجاب " قالوا: يا رسول الله، وما وقوع الحجاب؟ قال: " أن تموت يعني النفس وهي مشركة ".
أسامة بن سلام القرشي
من أهل صهيا.(4/257)
أسامة بن مرشد بن علي
ابن المقلد بن نصر بن منقذ بن نصر بن هاشم أبو المظفر الكناني، الملقب بمؤيد الدولة له يد بيضاء في الأدب والكتابة والشعر.
ذكر لي أنه ولد سنة ثمان وثمانين وأربعمئة، وقدم دمشق سنة اثنتين وثلاثين وخمسمئة، وخدم بها السلطان وقرب منه؛ وكان فارساً شجاعاً، ثم خرج إلى مصر فأقام بها مدة، ثم رجع إلى الشام وسكن حماة؛ واجتمعت به بدمشق، وأنشدني قصائد من شعره سنة ثمان وخمسين وخمسمئة.
قال لي أبو عبد الله محمد بن الحسن بن الملحي: الأمير مؤيد الدولة أسامة بن مرشد بن منقذ شاعر أهل الدهر، مالك عنان النظم والنثر، متصرف في معانيه، لاحق بطبقة أبيه، ليس يستقصى وصفه بمعان، ولا يعبر عن شرحها بلسان، فقصائده الطوال لا يفرق بينها وبين شعر ابن الوليد، ولا ينكر على منشدها نسبتها إلى لبيد، وهي على طرف لسانه، بحسن بيانه، غير محتفل في طولها، ولا يتعثر لفظه العالي في شيء من فضولها؛ والمقطعات فأحلى من الشهد، وألذ من النوم بعد طول السهد، في كل معنى غريب وشرح عجيب.
كتب على حائط دار سكنها بالموصل: من البسيط
دار سكنت بها كرها وما سكنت ... روحي إلى شجن فيها ولا سكن
والقبر أستر لي منها وأجمل بي ... إن صدني الدهر عن عودي إلى وطني
وكتب إلى أخيه: من الخفيف(4/258)
عجمتني الخطوب حيناً فلما ... عجزت أن تطيق مساغا
لفظتني وسالمتني فقد عا ... د حذاري أمناً وشغلي فراغا
وأخو الصبر في الحوادث إن لم ... يلقه الحين مدرك ما أراغا
وكتب على حائط جامع: من الكامل
هذا كتاب فتى أحلته النوى ... أوطانها ونبت به أوطانه
شطت به عمن يحب دياره ... وتفرقت أيدي سبا إخوانه
متتابع الزفرات بين ضلوعه ... قلب يبوح ببثه خفقانه
تأوي إليه مع الظلام همومه ... وتذوده عن نومه أشجانه
لكنه لا يستكين لحادث ... خوف الحمام ولا يراع جنانه
ألفت مقارعة الكماة جياده ... وسرى الهواجر لا يني ذملانه
يومان أجمع دهره إما سرى ... أو يوم حرب تلتظي نيرانه
أنشدنا أبو المظفر: من البسيط
نافقت دهري فوجهي ضاحك جذل ... طلق وقلبي كئيب مكمد باكي
وراحة القلب في الشكوى ولذتها ... لو أمكنت لا تساوي ذلة الشاكي
وأنشدني أيضاً: من الكامل
أصبحت لا أشكو الخطوب وإنما ... أشكو زماناً لم يدع لي مشتكى
أفنى أخلائي وأهل مودتي ... وأباد إخوان الصفاء وأهلكا
عاشوا براحتهم ومت لفقدهم ... فعلي يبكي لا عليهم من بكى
وبقيت بعدهم كأني حائر ... بمفازة لم يلق فيها مسلكا
وأنشدني أيضاً: من الكامل(4/259)
أحبابنا كيف اللقاء ودونكم ... خوض المهالك والفيافي الفيح
أبكيتم عيني دماً فكأنما ... إنسانها بيد الفراق جريح
فكأن قلبي حين يخطر ذكركم ... لهب الضرام تعاورته الريح
وأنشدني أيضاً: من البسيط
يا مؤيسي بتجنيه وهجرته ... هل حرم الحب تسويفي وتعليلي
يبدي لي اليأس تصريحاً فتكذبه ... طماعي وأرى والآمال تملي لي
وقد رضيت قليلاتً منك تبذله ... فما احتيالي إذا استكثرت تقليلي
وأنشدني ما قاله في ضرس له قلعه: من البسيط
وصاحب لا تمل الدهر صحبته ... يشقى لنفعي ويسعى سعي مجتهد
لم يبد لي مذ تصاحبنا فحين بدا ... لناظري افترقنا فرقة الأبد
وأنشدني: من الكامل
ومماذق رجع النداء جوابه ... فإذا عرا خطب فأبعد من دعي
مثل الصدى يخفى علي مكانه ... أبداً ويملا بالإجابة مسمعي
وأنشدني مما عمله بقيسارية: من الطويل
أراني نهار الشيب قصدي وطالما ... تجاوز بي ليل الشباب سبيلي
وقد كان عذري أن أضلني الدجى ... فهل لي عذر والنهار دليلي
وأنشد: من الطويل
إذا ما عدا دهر من الخطب فاصطبر ... فإن الليالي بالخطوب حوامل(4/260)
وكل الذي يأتي به الدهر زائل ... سريعاً فلا تجزع لما هو زائل
وأنشدني: من البسيط
لا تخدعن بأطماع تزخرفها ... لك المنى بحديث المين والخدع
فلو كشفت عن الهلكى بأجمعهم ... وجدت هلكهم في الحرص والطمع
وأنشدني من الكامل
لا در درك من رجاء كاذب ... يعترنا بورود لامع لال
أبداً يسوفنا بنصرة خاذلٍ ... ووفاء خوان وعطفة قال
ويري سبيل الرشد لكن ما لنا ... عزم مع الأهواء والآمال
وأنشدني مما قاله بمصر: من البسيط
أنظر إلى صرف دهري كيف عودني ... بعد المشيب سوى عاداتي الأول
تغاير من صروف الدهر معتبرٌ ... وأي حال على الأيام لم يحل
قد كنت مسعر حرب كلما خمدت ... أضرمتها باقتداح البيض في القلل
همي منازلة الأقران أحسبهم ... فرائسي فهم مني على وجل
أمضى على الهول من ليل وأهجم من ... سيل وأقدم في الهيجاء من أجل
فصرت كالغادة المكسال مضجعها ... على الحشايا وراء السجف والكلل
قد كدت أعفن من طول الثواء كما ... يصدي المهند طول اللبث في الخلل
أروح بعد دروع الحرب في حللٍ ... من الدبيقي فبؤساً لي وللحلل
وما الرفاهة من رأيي ولا وطري ... ولا التنعم من همي ولا شغلي
ولست أرضى بلوغ المجد في رفهٍ ... ولا العلا دون حطم البيض والأسل
وأنشدني بعد ما قاله في خروجه من مصر، قال: من الطويل(4/261)
إليك فما تثني شؤونك شاني ... ولا تملك العين الحسان عناني
ولا تجزعي من بغتة البين واصبري ... لعل التنائي معقب لتداني
فللأسد غيل حيث حلت وإنما ... يهاب التنائي قلب كل هدان
ولا تحملي هم اغترابي فلم أزل ... غريب وفاء في الورى وبيان
وفياً إذا ما خان جفن لناظر ... ولم يرع كف صحبة لبنان
أرى الغدر عاراً يكتب الدهر وصمةً ... ويقراه ما بين الملا الملوان
ولا تسأليني عن زماني فإنني ... أنزه عن شكوى الخطوب لساني
ولكن سلي عني الزمان فإنه ... يحدث عن صبري على الحدثان
رمتني الليالي بالخطوب جهالةً ... بصبري على ما نابني وعراني
فما أوهنت عزمي الرزايا ولا لها ... بحسن اصطباري في الملم يدان
وكم نكبةٍ ظن العدى أنها الردى ... سمت بي وأعلت في البرية شاني
وما أنا ممن يستكين لحادث ... ولا يملأ الهول المخوف جناني
وإن كان دهري غال وفري فلم يغل ... ثنائي ولا ذكري بكل مكان
وما كان إلا للنوال وللقرى ... وغوثاً لملهوفٍ وفدية عان
حمدت على حالي يسار وعسرةٍ ... وبرزت في يومي ندى وطعان
ولم أدخر للدهر إن راب أو نبا ... وللخطب إلا صارمي وسناني
لأن جميل الذكر يبقى لأهله ... وكل الذي فوق البسيطة فان
أسباط بن واصل الشيباني
والد يوسف بن أسباط الزاهد شاعر مدح يزيد بن الوليد، وكان قدرياً حكى ذلك ابنه يوسف.
قال يوسف: كان أبي صديقاً ليزيد بن الوليد الناقص، فلما صارت إليه الخلافة دخل عليه ومعه عشرة من الشعراء، فسلم عليه بالخلافة، وقال له: من المتقارب(4/262)
أتتك تزف زفاف العروس ... عن المسلمين فخذها هنيا
في قصيدة له، فأمر لهم بكذا وكذا فرق بينهم؛ ثم عاش أبي حتى أدرك أبا جعفر، فأتاه بقصيدته التي قالها في يزيد، فأمر له بأربعة آلاف درهم، فاستقلها أبي، وقال: عهد أمير المؤمنين بالفقر قريب.
قال يوسف بن أسباط: مات أبي وترك مئة ألف ما أخذت منها شيئاً، إلا هذا المصحف، وليس في نفسي منه شيء.
وقال يوسف: كان أبي قدرياً، وأخوالي روافض، فأنقذني الله تعالى بسيفين.
قال أسباط يذكر غيبته عن قتل الوليد، وأنه لم يحضره، وقد كان قبل ذلك وبعد من المجلبين والداعين إلى قتاله وقتله؛ من المتقارب
مررت بحيث قضى نحبه ... فكاد يشيب مني القذالا
لذكري وقيعته إذ مضت ... ولم أك باشرت فيها قتالا
ولكنني كنت في غيبةٍ ... أجل من القول عني عيالا
أعرف ذا الجهل شراته ... وأذكر للناس منه خلالا
ولأسباط بن واصل، مما ذكره محمد بن داود بن الجراح: من المتقارب
دعاني أناجي إلهي قليلا ... إذا الليل ألقى علي السدولا
إليك تيممت قولاً أصيلا ... أرجي به رب منك الفضولا
لأنك تعطي على قدرةٍ ... وأنك لست بشيء بخيلا
إسحاق بن أحمد
روى عن جعفر بن محمد الفريابي، بسنده عن أنس، قال: دخلت على البراء بن مالك، وقد قال برجله على الحائط، وهو يترنم بالشعر، فقلت: بعد الإسلام والقرآن؟ قال: يا أخي، الشعر ديوان العرب.(4/263)
إسحاق بن أحمد أبو يعقوب الطائي
حدث عن أبي القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي، عن محمد بن القاسم الأنباري، عن أبي القاسم العبدي قال: قال المأمون: بينما أدور في بلاد الروم وقفت على قصر عادي مبني من رخام أبيض، كأن أيدي المخلوقين رفعت عنه تلك الساعة، عليه مصراعان مردومان، عليهما كتاب بالحميرية، فطلبت من قرأه، فإذا هو مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم: من الخفيف
ما اختلف الليل والنهار ولا ... دارت نجوم السماء في الفلك
إلا بنقل النعيم عن ملك ... قد زال سلطانه إلى ملك
وملك ذي العرش دائم أبداً ... ليس بفانٍ ولا بمشترك
قال: فأمرت بفتح المصراعين، فدخلت، فإذا أنا بقبةٍ من رخام أبيض مكتوبٍ حواليها مثل تلك الكتابة، فقرئ فإذا هو مكتوب: من الرجز
لهفي على مختلس ... في قبره محتبس
قد عاش دهراً ملكاً ... منعماً بالأنس
لم ينتفع لما أتي ... بجنده والحرس
وإذا داخل القبة سرير من ذهب عليه رجل مسجى، حواليه ألواح من فضة، مكتوب على لوح منها عند رأسه بمثل الكتابة: من البسيط
الموت أخرجني من دار مملكتي ... فاخترت مضطجعي من بعد تتريف
لله عبد رأى قبري فأحزنه ... وخاف من دهره ريب التصاريف
أستغفر الله من ذنبي ومن زللي ... وأسأل الله عفواً يوم توقيفي(4/264)
إسحاق بن إبراهيم بن أحمد بن محمد
ابن عطية بن زياد بن مزيد بن بلال بن عبد الله أبو يعقوب البغدادي أخو أبي بكر بن الحداد، سمع بدمشق ببيت لهيا، وببغداد، واستوطن مصر.
إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل بن راشد
ابن سليم الثقفي، يعرف بالضامدي روى عن عمر بن عبد الواحد، بسنده عن أنس بن مالك، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً، كما أمركم الله، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ".
إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل
أبو محمد السبتي القاضي سمع بدمشق وبغيرها من جماعة، وروى عنه جماعة.
روى قتيبة بن سعيد، بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ".
مات سنة سبع وثلاثمئة.
إسحاق بن إبراهيم بن بنان
ويقال: بيان أبو يعقوب الجوهري مصري الأصل، سكن دمشق وحدث عن جماعة، وروى عنه جماعة.(4/265)
روى عن أبي أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي، بسنده عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ".
وعن أبي داود الحراني، بسنده عن البراء أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر بقوم جلوس على ظهر الطريق، فقال: " إن كنتم لا بد فاعلين فأفشوا السلام، واهدوا الضال، وأغيثوا الملهوف ".
قال أبو سليمان بن زبر: سنة سبع وعشرين وثلاثمئة، فيها توفي ابن بنان الجوهري في شعبان.
إسحاق بن إبراهيم بن أبي حسان
أبو يعقوب البغدادي الأنماطي سمع بدمشق وأسمع.
روى عن هشام بن عمار، بسنده عن عائشة.
أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا رأى المطر قال: " اللهم اجعله صيباً هنياً ".
قال عنه الدارقطني: ثقة، وهو بغدادي.
مات سنة اثنتين وثلاثمئة، يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة خلت من المحرم.
إسحاق بن إبراهيم بن صالح بن علي
ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي الصالحي ولي دمشق نيابة عن أبيه إبراهيم في خلافة الرشيد، وفي ولايته وقعت عصبية أبي الهيذام، حتى تفانى فيها جماعة من المسلمين وتفاقم أمرهم.(4/266)
عن أحمد بن أبي الحواري، قال: سمعت إسحاق بن إبراهيم بدمشق، يقول على منبر دمشق: من آثره الله آثره، فرحم الله عبداً استعان بنعمته على طاعته، ولم يستعن بنعمته على معصيته، فإنه لا يأتي على صاحب الجنة ساعةً، إلا وهو مزداد صنفاً من النعيم لم يكن يعرفه، ولا يأتي على صاحب النار ساعة إلا وهو مستنكر لشيء من العذاب لم يكن يعرفه.
وعن علي بن محمد المدائني، قال: ولما خرج إبراهيم من دمشق مع الوفد الذين قدم بهم على أمير المؤمنين الرشيد، استخلف ابنه إسحاق على دمشق، وضم إليه رجلاً من كندة، يقال له: الهيثم بن عوف، فغضب الناس، وحبس رؤوساً من قيس، وأخذ أربعين رجلاً من محارب فضربهم وحلق رؤوسهم ولحاهم، ضرب كل رجلٍ ثلاثمئة، فنفر الناس بدمشق فتداعوا إلى العصبية، ونشب الحرب، ورجعوا إلى ما كانوا عليه من القتل والنهب، فلم يزالوا على ذلك أشهراً، ثم خرج إلى حمص.
إسحاق بن إبراهيم بن عبد الواحد
ابن إبراهيم بن عبد الله بن عمران العبسي روى عن إسماعيل بن عبد الرحمن الخولاني، بسنده عن ابن عمر، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الجنة لتزخرف لشهر رمضان من رأس الحول إلى الحول، فإذا كان أول ليلة من شهر رمضان هبت ريح من تحت العرش فتفتقت ورق الجنة عن الحور العين يقلن: أللهم اجعل لنا من أوليائك أزواجاً تقر أعيننا بهم وتقر أعينهم بنا ".
إسحاق بن إبراهيم بن العلاء
ابن زبريق بن الضحاك بن مهاجر بن عبد الرحمن بن زيد أبو يعقوب بن أبي إسحاق الزبيدي، الحمصي وقيل: إنه دمشقي.
سمع وأسمع.(4/267)
روى عن عمرو بن الحارث، بسنده عن أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي يحلون عن الحوض، فأقول: أي رب، أصحابي، فيقول: إنه لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ".
قال ابن أبي حاتم: كتب أبي عنه، وسمعت أبي يقول: سمعت يحيى بن معين، وأثنى على إسحاق بن الزبريق خيراً، وقال: الفتى لا بأس به، ولكنهم يحسدونه.
قال ابن يونس في تاريخ الغرباء: توفي بمصر سنة ثمان وثلاثين ومئتين، يوم الثلاثاء لثمان بقين من رمضان.
إسحاق بن إبراهيم بن القاسم بن مخلد
أبو يعقوب النيسابوري سكن دمشق وحدث بها عن جماعة، وروي عنه.
روى عن يوسف بن موسى المروروذي، بسنده عن خالد بن الوليد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة أشدهم عذاباً للناس في الدنيا ".
إسحاق بن إبراهيم بن أبي كامل
أبو الفضل، ويقال: أبو يعقوب الحنفي المروروذي، ويقال الباوردي سكن بغداد، وحدث عن جماعة، وحدث بمصر ودمشق.
روى عن الحسن بن الأشيب، بسنده عن أبي هريرة، أنه قال: يا نبي الله، أي الصدقة أفضل؟ قال: " جهد المقل، وابدأ بمن تعول ".(4/268)
قال أبو زرعة: حدثني إسحاق بن إبراهيم بن أبي كامل، ثقة حافظ، من أهل مروروذ، قدم علينا طالب علم، عن بكر بن بكار، بسنده عن أبي بن كعب، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يحسر الفرات عن جبل من ذهب، فيقتتل الناس عليه، فيقتل من كل مئة تسعة وتسعون ويبقى واحد ".
روى عن عبد الرزاق، بسنده عن عبد الله بن عدي الأنصاري، قال: بينما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أصحابه، إذ جاءه رجل فساره في قتل رجلٍ من المنافقين، فجهر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كلامه، قال: " أليس يشهد أن لا إله إلا الله؟ " قال: بلى، ولا شهادة له؛ قال: " أليس يصلي؟ " قال: بلى، ولا صلاة له؛ قال: " أولئك الذين نهيت عن قتلهم ".
وقال ابن أبي حاتم: وهو صدوق.
إسحاق بن إبراهيم بن محمد
ابن خازم بن سنين أبو القاسم الختلي، البغدادي سمع بدمشق وبغيرها من جماعة، وروي عنه.
روى عن محمد بن أبي السري العسقلاني، بسنده عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها ".
مات في سنة ثلاث وثمانين ومئتين، يوم الجمعة ليومين مضيا من شوال، وقيل: إنه مات وقد بلغ ثمانين سنة.
وقال ابن قانع: مات سنة أربعٍ وثمانين ومئتين، في أولها.(4/269)
إسحاق بن إبراهيم بن محمد
ابن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء أبو يعقوب، ويقال: أبو الأصبغ الأنصاري روى عن أبي الجماهر محمد بن عثمان التنوخي، بسنده عن جابر أن عمر بن الخطاب تزوج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب على أربعين ألف درهم.
قال إسحاق: حج سالم الخواص فلقي ابن عيينة في السوق، فقال: كنت أحب لقيك وما كنت أحب أن ألقاك في هذا الموضع؛ قال: فأنشأ ابن عيينة يقول: من البسيط
خذ بعلمي وإن قصرت في عملي ... ينفعك عملي ولا يضررك تقصيري
إسحاق بن إبراهيم بن محمد
ابن عرعرة بن البرند أبو عبيد الله الشامي البصري قدم دمشق سنة إحدى وستين ومئتين، وحدث بها وبحمص.
روى عن سليمان بن داود، بسنده عن أم سلمة.
أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى عندها جارية بوجهها سفعة، فقال: " بها نظرة فاسترقوا لها ".
وعن إبراهيم بن بشار الرمادي، بسنده عن أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولم على بعض نسائه بتمرٍ وسويق.(4/270)
إسحاق بن إبراهيم بن مخلد
ابن إبراهيم بن عبد الله بن بكر، ويقال مطر بدل بكر بن عبد الله بن غالب ابن عبد الوارث، ويقال: ابن الوارث بن عبد الله بن عطية بن مرة ابن كعب بن همام بن أسمر، ويقال: أسد بدل أسمر بن مرة ابن عمرو بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم أبو يعقوب التميمي الحنظلي المروزي المعروف بابن راهويه أحد أئمة الإسلام، وأعلام الدين.
سمع بدمشق والشام، والري والكوفة والبصرة ومكة واليمن وخراسان.
روى عن عيسى بن يونس، بسنده عن عائشة أن أبا بكر دخل عليها في أيام منى وعندها جاريتان تغنيان وتضربان بدفين، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسجى بثوبٍ على وجهه، لا يأمرهن ولا ينهاهن، فنهاهن أبو بكر، فكشف رسول لله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن وجهه الثوب، وقال: " دعهن يا أبا بكر، فإنها أيام عيد ".
وعن المعتمر بن سليمان، بسنده عن علقمة بن عبد الله، عن أبيه، قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كسر سكة المسلمين الجائزة، إلا من بأس.
وعن يحيى بن سعيد، بسنده عن ابن عباس.
أنه كان يكبر من غداة يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق.
قال محمد بن رافع: فلقيت إسحاق بن إبراهيم، فقلت: إن يحيى بن آدم حدثني عنك، عن يحيى بن سعيد، فذكرت له هذا الحديث، فحدثني كما حدثني يحيى بن آدم.
قال أبو العباس: فقلت لإسحاق: كم كتب عنك يحيى بن آدم؟ قال إسحاق: نحو ألفي حديث.(4/271)
قال محمد بن إسحاق بن راهويه: ولد أبي رحمه الله سنة ثلاث وستين ومئة؛ توفي رحمه الله تعالى في ليلة الأحد النصف من شعبان سنة ثمان وثلاثين ومئتين.
قال أحمد بن سلمة: سمعت إسحاق بن إبراهيم يقول: قال لي عبد الله بن طاهر، لم قيل لك: ابن راهويه؟ وما معنى هذا؟ وهل تكره أن يقال لك هذا؟ قال: قلت: اعلم أيها الأمير أن أبي ولد في طريق، فقالت المراوزة: راهويه، بأنه ولد في الطريق، وكان أبي يكره هذا، وأما أنا فلست أكرهه.
وعن علي بن إسحاق بن راهويه قال: ولد أبي من بطن أمه مثقوب الأذنين، قال: فمضى جدي راهويه إلى الفضل بن موسى فسأله عن ذلك، فقال: ولد لي ولد خرج من بطن أمه مثقوب الأذنين؛ فقال: يكون ابنك رأساً إما في الخير وإما في الشر.
قال وهب بن جرير: جزى الله إسحاق بن راهويه، وصدقة، ومعمر، عن الإسلام خيراً، أحيوا السنة بأرض المشرق.
وعن يحيى بن يحيى قال: قالت لي امرأتي فاطمة: كيف تقدم إسحاق بين يديك إذا خرجت من الطارمة، وأنت أكبر منه؟ فقال: إسحاق أكثر علماً مني، وأنا أسن منه.
وعن أحمد بن حفص السعدي قال: ذكر لأحمد بن حنبل، وأنا حاضر، إسحاق بن راهويه، فكره أحمد أن يقال: راهويه؛ وقال: إسحاق بن إبراهيم الحنظلي؛ وقال: لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق، وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضاً.
قال إسحاق بن إبراهيم: سألني أحمد بن حنبل عن حديث الفضل بن موسى حديث ابن عباس: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلحظ في صلاته ولا يلوي عنقه خلف ظهره قال: فحدثتهن فقال له رجل: يا أبا يعقوب، رواه وكيع بخلاف هذا؛ فقال له أحمد بن حنبل: اسكت، إذا حدثك أبو يعقوب، أمير المؤمنين، فتمسك به.(4/272)
أنشد أحمد بن سعيد الرباطي في إسحاق بن إبراهيم الحنظلي: من السريع
قربى إلى الله دعاني إلى ... حب أبي يعقوب إسحاق
لم يجعل القرآن خلقاً كما ... قد قاله زنديق فساق
جماعة السنة آدابه ... يقيم من شذ على ساق
يا حجة الله على خلقه ... في سنة الماضين للباقي
أبوك إبراهيم محض التقى ... سباق مجدٍ وابن سباق
قال محمد بن إسحاق: ولما مات إسحاق بن إبراهيم، وقف رجلٌ على قبره، وقال: من الطويل
فكيف احتمالي للسحاب صنيعه ... بإسقائه قبراً وفي لحده بحر
وعن أبي سعيد الحسن بن عبد الصمد القهندزي، قال: سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: أحفظ سبعين ألف حديث، كأنها نصب عيني.
قال أبو بكر الخطيب: كان أحد أئمة المسلمين، وعلماً من أعلام الدين، اجتمع له الحديث والفقه، والحفظ والصدق، والورع والزهد، ورحل إلى العراق والحجاز واليمن والشام، وورد بغداد غير مرة، وجالس حفاظ أهلها، وذاكرهم، وعاد إلى خراسان، واستوطن نيسابور، إلى أن توفي بها، وانتشر علمه عند الخراسانيين، ولم أر في أحاديث البغداديين شيئاً أستدل به على أنه حدث ببغداد، إلا أن يكون على سبيل المذاكرة، والله أعلم.
إسحاق بن إبراهيم بن ميمون
أبو محمد التميمي، المعروف أبوه بالموصلي روى عن جماعة، وروي عنه؛ وقدم دمشق مع المأمون.(4/273)
عن حماد بن إسحاق بن إبراهيم الموصلي، قال: قال لي أبي: قلت ليحيى بن خالد، أريد أن تكلم لي سفيان بن عيينة ليحدثني بأحاديث؛ فقال: نعم، إذا جاءنا فأذكرني.
قال: فجاءه سفيان، فلما جلس أومأت إلى يحيى، فقال: يا أبا محمد، إسحاق بن إبراهيم من أهل العلم والأدب، وهو مكره على ما تعلمه منه.
فقال سفيان: وما تريد بهذا الكلام؟ قال: تحدثه بأحاديث؛ قال: فكره ذلك، فقال يحيى: أقسمت عليك إلا فعلت؛ قال: نعم، فليبكر إلي.
قال: فقلت ليحيى: افرض لي عليه شيئاً؛ فقال له: يا أبا محمد، افرض له شيئاً؛ قال: قد جعلت له خمسة أحاديث؛ قال: زده؛ قال: قد جعلتها سبعة؛ قال: هل لك أن تجعلها عشرة؟ قال: نعم.
قال إسحاق: فبكرت إليه، واستأذنت ودخلت وجلست بين يديه، فأخرج كتابه فأملى علي عشرة أحاديث، فلما فرغ قلت له: يا أبا محمد، إن المحدث يسهو ويغفل وإن المحدث أيضاً كذلك، فإن رأيت أقرأ عليك ما سمعته منك؛ قال: اقرأ فديتك؛ فقرأت عليه.
وقلت له أيضاً: إن القارئ ربما أغفل طرفه الحرف، والمقروء عليه ربما ذهب عنه الحرف، فأنا في حل أن أروي جميع ما سمعته منك؟ قال: نعم، فديتك، أنت والله فوق أن تستشفع أو يشفع لك، فتعال كل يوم، فلوددت أن أصحاب الحديث كانوا مثلك.
وعن إسحاق بن إبراهيم الموصلي، قال: جئت أبا معاوية الضرير، ومعي مئة حديث أريد أن أقرأها عليه، فوجدت في دهليزه رجلاً ضريراً، فقال: إنه قد جعل الإذن عليه اليوم إلي لينفعني، وأنا رجل جليل؛ فقلت له: معي مئة حديثٍ، وأنا أهب لك مئة درهم؛ فقال: قد رضيت.(4/274)
ودخل فاستأذن لي، فدخلت وقرأت المئة حديث؛ فقال لي أبو معاوية: الذي ضمنته لهذا يأخذه من أذناب الناس، وأنت من رؤسائهم، وهو ضعيف معيل، وأنا أحب منفعته؛ قلت قد جعلتها له مئة دينار؛ فقال: أحسن الله جزاءك؛ فدفعتها إليه فأغنيته.
قال أبو بكر الخطيب: يقال: إنه ولد في سنة خمس ومئة، وقيل: ولد بعد ذلك، وكتب الحديث عن سفيان بن عيينة وهشيم بن بشير، وأبي معاوية الضرير، وطبقتهم؛ وأخذ الأدب عن أبي سعيد الأصمعي، وأبي عبيدة، ونحوهما؛ وبرع في علم الغناء، وغلب عليه فنسب إليه، وكان حسن المعرفة، حلو النادرة، مليح المحاضرة، جيد الشعر، مذكوراً في السخاء، معظماً عند الخلفاء، وهو صاحب كتاب الأغاني الذي يرويه عنه ابنه حماد.
قال إسحاق: بقيت دهراً من دهري أغلس كل يوم إلى هشيم أو غيره من المحديثن وأسمع منه، ثم أصير إلى الكسائي أو الفراء أو ابن غزالة فأقرأ عليه جزاءاً من القرآن، ثم آتي منصور زلزل فيضاربني طريقتين أو ثلاثة، ثم آتي عاتكة بنت شهدة فآخذ منها صوتاً أو صوتين، ثم آتي الأصمعي وأبا عبيدة فأناشدهما وأحدثهما وأستفيد منهما، ثم أصير إلى أبي فأعلمه بما صنعت، ومن لقيت، وما أخذت، وأتغدى معه؛ فإذا كان العشي رحت إلى أمير المؤمنين الرشيد.
وحدث محمد بن عطية العطوي الشاعر، أنه كان عند يحيى بن أكثم في مجلس له يجتمع الناس فيه، فوافى إسحاق بن إبراهيم فأخذ يناظر أهل الكلام حتى انتصف منهم، ثم تكلم في الفقه فأحسن وقاس واحتج، وتكلم في الشعر واللغة ففاق من حضر؛ فأقبل على يحيى، فقال: أعز الله القاضي، أفي شيء مما ناظرت فيه وحكيته نقص أو مطعن؟ قال: لا؛ قال: فما بالي أقوم بسائر هذه العلوم قيام أهلها وأنسب إلى فن واحد قد اقتصر الناس عليه؟ قال العطوي: فالتفت إلي يحيى بن أكثم، فقال: جوابه في هذا عليك وكان العطوي من أهل الجدل فقلت: نعم أعز الله القاضي الجواب علي.
ثم أقبلت على إسحاق، فقلت: يا أبا محمد، أنت كالفراء والأخفش في النحو؟ قال:(4/275)
لا؛ قلت: أفأنت في اللغة وعلم الشعر كالأصمعي وأبي عبيدة؟ قال: لا، قلت: أفأنت في الأنساب كالكلبي وأبي اليقظان؟ قال: لا؛ قلت: أفأنت في الكلام كأبي الهذيل والنظام؟ قال: لا؛ قلت: أفأنت في الفقه كالقاضي؟ قال: لا؛ قلت: فأنت في قول الشعر كأبي العتاهية وأبي نواس؟ قال: لا؛ قلت: فمن هاهنا نسبت إلى ما نسبت إليه لأنه لا نظير لك فيه ولا شبيه، وأنت في غيره دون رؤساء أهله.
فضحك وقام فانصرف؛ فقال لي يحيى بن أكثم: لقد وفيت الحجة حقها، وفيها ظلم قليل لإسحاق، وإنه لممن يقل في الزمان نظيره.
وعن محمد بن عبد الله بن الحزنبل، قال: ما سمعت ابن الأعرابي يصف أحداث بمثل ما يصف به إسحاق من العلم والصدق والحفظ، وكان كثيراً ما يقول: أسمتم بأحسن من ابتدائه في قوله: من الخفيف
هل إلى أن تنام عيني سبيل ... إن عهدي بالنوم عهد طويل؟
هل تعرفون من شكا نومه بمثل هذا اللفظ الحسن؟ وقال إبراهيم بن إسحاق الحربي: كان إسحاق الموصلي ثقة صدوقاً عالماً، وما سمعت منه شيئاً، ولوددت أني سمعت، وما كان يفوتني منه شيء لو أردته.
وعن يزيد بن محمد المهلبي، قال: سمعت إسحاق الموصلي يقول: لما خرجنا مع الرشيد إلى الرقة. قال لي الأصمعي: كم حملت معك من كتبك؟ قلت: تخففت فحملت ثمانية أحمال ستة عشر صندوقاً؛ قال: فعجب، فقلت: كم معك من كتبك يا أبا سعيد؟ قال: ما معي إلا صندوقٌ واحد! قلت: ليس إلا؟ قال: وتستقل صندوقاً من حق!.
وعنه قال: سمعت إسحاق بن إبراهيم الموصلي يقول: رأيت في منامي كأن جريراً ناولني كبة من شعر فأدخلتها في فمي، فقال بعض المعبرين: هذا رجل يقول من الشعر ما شاء.
قال: وجاء مروان بن أبي حفصة يوماً إلي فاستنشدني من شعري فأنشدته: من الطويل(4/276)
إذا كانت الأحرار أهلي ومنصبي ... ودافع ضيمي خازم وابن خازم
عطست بأنف شامخٍ وتناولت ... يداي السما قاعداً غير قائم
قال: فجعل مروان يستحسن ذلك ويقول لأبي: إنك لا تدري ما يقول هذا الغلام!.
قال إسحاق: دخلت على هارون الرشيد، فقال لي: يا إسحاق أنشدني شيئاً من شعر؛ فأنشدته: من الطويل
وآمرة بالبخل قلت لها: اقصدي ... فذلك شيء ما إليه سبيل
قال الخطيب: كذا رأيته بخط ابن حيويه اقصدي بالدال.
أرى الناس خلان الجواد ولا أرى ... بخيلاً له في العالمين خليل
وإني رأيت البخل يزري بأهله ... فأكرمت نفسي أن يقال: بخيل
ومن خير حالات الفتى لو علمته ... إذا نال شيئاً أن يكون ينيل
عطائي عطاء المكثرين تكرماً ... ومالي كما قد تعلمين قليل
وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ... ورأي أمير المؤمنين جميل
فقال: لا، كيف؟ إن شاء الله، يا فضل أعطه مئة ألف درهم، ثم قال: لله در أبيات تأتينا بها يا إسحاق ما أجود أصولها، وأحسن فصولها؛ فقلت: يا أمير المؤمنين، كلامك أحسن من شعري؛ فقال: يا فضل أعطه مئة ألفٍ أخرى.
قال إسحاق: فكان ذلك أول مالٍ اعتقدته.
عن أبي العيناء قال: قال لي الأصمعي يوماً: لقيني إسحاق الموصلي، فقال لي: ما تقول في قول الشاعر: من الخفيف
هل إلى نظرة إليك سبيل ... يرو منها الصدى ويشفي الغليل
إن ما قل منك يكثر عندي ... وكثير من المحب القليل
فقلت له: هذا والله الديباج الخسرواني، وأعجبت به؛ فقال لي: إنه ابن ليلته، أي أنا قلته البارحة؛ فخجلت وقلت له: لا جرم، إن أثر التوليد فيه؛ قال: لا جرم، إن أثر الحسد فيك.(4/277)
وإنما سرق إسحاق هذا البيت من العباس بن قطن الهلالي حيث يقول: من الطويل
قفي متعينا يا مليح بنظرة ... فقد حان منا يا مليح رحيل
أليس قليلاً نظرةٌ إن نظرتها ... إليك وكلاً ليس منك قليل
قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: استبطأني أبو زيد الكلابي، فقال: من الطويل
نزورك يا ابن الموصلي لحاجة ... ونفعك يا ابن الموصلي قليل
وفي غير هذه الرواية بيت ثانٍ وهو هذا:
فمالك عندي من فعالٍ أذمه ... ومالك ما يثنى عليك جميل
فأعتبته.
عن الناشئ قال: كتب علي بن هشام إلى إسحاق الموصلي يتشوقه، فكتب إليه إسحاق: وصل إلي منك كتاب يرتفع عن قدري، ويقصر عنه شكري، ولو ما قد عرفت من معانيه لظننت أن الرسول غلط بي وأراد غيري فقصدني، فأما ما ذكرت من التشويق واللوعة والتحريق فلولا ما حلفت عليه وصرفت الآلة إليه لقلت: من الكامل
يا من شكا عبثاً إلينا شوقه ... فعل المشوق وليس بالمشتاق
لو كنت مشتاقاً إلي تريدني ... ما طبت نفساً ساعةً بفراقي
وحفظتني حفظ الخليل خليله ... ووفيت لي بالعهد والمثياق
هيهات قد حدثت أمورٌ بعدنا ... وشغلت باللذات عن إسحاق
وأنشد جحظة لإسحاق بن إبراهيم التميمي، فقال: من البسيط
سقي نديمك أقداحاً معتقة ... قبل الصباح وأتبعها بأقداح
تريك من حسنها في خده حللاً ... ويترك الريق منه طعم تفاح(4/278)
لا تشرب الراح إلا من يدي رشأٍ ... تقبيل راحته أشهى من الراح
وقال حماد بن إسحاق: أنشدني أبي: من الكامل
يبقى الثناء وتذهب الأموال ... ولكل دهرٍ دولةً ورجال
ما نال محمدة الرجال وشكرهم ... إلا الجواد بماله المفضال
لا ترض من رجلٍ حلاوة قوله ... حتى يصدق ما يقول فعال
فإذا وزنت مقاله بفعاله ... فتوازنا فأخاك ذاك جمال
وعن نصر بن رباح، قال: سمعت إسحاق بن إبراهيم الموصلي يقول: رضى المتجني غاية لا تدرك؛ وأنشد يقول: من الوافر
ستذكرني إذا جربت غيري ... وتعلم أنني لك كنت كنزا
بذلت لك الصفاء بكل جهدي ... وكنت كما هويت فصرت جزاً
وهنت عليك لما كنت ممن ... يهون إذا أخوه عليه عزاً
ستندم إن هلكت وعشت بعدي ... وتعلم أن رأيك كان عجزا
وأنشد حماد لأبيه: من الوافر
أخلاي الأطايب حيث كانوا ... وما لي في الأطايب من خليل
أخلاي القليل بكل أرضٍ ... وكل الخير في ذاك القليل
قال إسحاق الموصلي: كان في قلب محمد بن زبيدة علي شيء، فأهديته إليه جارية ومعها هدية، فردها، فكتبت إليه: من المتقارب
هتكت الضمير برد اللطف ... وكشفت أمرك لي فانكشف
فإن كنت تحقد شيئاً مضى ... فهب للخلافة ما قد سلف
وجد لي بالعفو عن زلتي ... فبالفضل يأخذ أهل الشرف
فلم يفعل، فكتبت إليه: من المجتث
أتيت ذنباً عظيماً ... وأنت أعظم منه
فخذ بحقك أولا ... فاصفح بفضلك عنه(4/279)
فعاد إلى الجميل.
وعن ثعلب قال: لقي مصعب الزبيري وصباح بن خاقان أحمد بن هشام، فقال لهما: لشيء ما شهركما إسحاق بن إبراهيم الموصلي! ؛ فقالا: بماذا؟ فقال: بقوله: من الرمل
لام فيها مصعب وصباحٌ ... فعذ لنا مصعباً وصباحا
عذلا ما عذلا ثم ملا ... فاسترحنا منهما واستراحا
فقالا: ما قال إلا خيراً، إنما ذكرنا أنا نهيناه فلم ينته، لكن ما شهرك به أشد، قال: ما هو؟ قالا: قوله: من الطويل
وصافية تعشي العيون لذيذةٍ ... رهينة عامٍ في الدنان وعام
أدرنا بها الكأس الروية موهناً ... من الليل حتى انجاب كل ظلام
فما ذر قرن الشمس حتى كأننا ... من العي نحكي أحمد بن هشام
قال: فكأنما سود وجهه بأنقاس.
قال صباح بن خاقان: اعتللت علة أشفيت منها، فبلغ ذلك إسحاق بن إبراهيم الموصلي، فاغتم منها، ثم ورد عليها الخبر بإفاقتي، فكتب إلي: من الوافر
حمدت الله إذ عافى صباحا ... وأعقبه السلامة والصلاحا
وكنا خائفين على صباحٍ ... من الخبر الذي قد كان باحا
وخوفني من الحدثان أني ... رأيت الموت إن لم يفد راحا
وعن عبد الأول بن مريد، عن أبيه، قال: مات إسحاق الموصلي سنة خمس وثلاثين ومئتين، ومات فيها إسحاق بن إبراهيم الطاهري.
قال: أنشدني في ذلك الوقت رجل يعرف بابن سيابة: من الوافر
تولى الموصلي فقد تولت ... بشاشات المعازف والقيان(4/280)
وأي غضارةٍ تبقى فتبقي ... حياة الموصلي على الزمان
ستبكيه المعازف والملاهي ... وتسعدهن عاتقة الدنان
وتبكيه الغوية يوم ولى ... ولا تبكيه تالية القران
إسحاق بن إبراهيم بن نصر
أبو يعقوب النيسابوري، البشتي سمع بدمشق والحجاز والعراق وخراسان.
وروى سنة ثلاث وثلاثمئة عن إبراهيم بن يوسف المكيائي وغيره.
قال ابن ماكولا: نسب إلى بشت من أعمال نيسابور.
إسحاق بن إبراهيم بن هاشم
ابن يعقوب بن إبراهيم بن عمرو بن هاشم بن أحمد، ويقال: ابن إبراهيم بن زامل أبو يعقوب النهدي الأذرعي من أهل أذرعات، مدينة بالبلقاء.
أحد الثقات، من عباد الله الصالحين، رحل وحدث عن جماعة، وروى عنه جماعة.
روى عن يحيى بن أيوب، بسنده عن ميمونة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوجها وهو حلال، وبنى بها بما يقال له: سرف.(4/281)
وعن عبد الوهاب بن عمرو الدمشقي، بسنده عن ابن عباس، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن أهل البيت إذا تواصلوا أجري عليهم الرزق وكانوا في كنف الرحمن ".
وقال: خلوت في بعض الأوقات، فتفكرت وقلت: ليت شعري، إلى ما نصير؛ فسمعت قائلاً يقول: إلى رب كريم.
وكان أبو يعقوب لا يكاد يفارقه قارورة البول لعلة كانت به، فدفعها إلى بعض من كان يخدمه لغسلها أو لإراقة ما فيها، فاحتاج إليها ولم يحضر من يناوله إياها، فقال: أسأل من حضر من إخواننا من المسلمين من الجن أن يناولينها، فنولها.
وقال: سألت الله أن يقبض بصري، فعميت، فاستضررت في الطهارة، فسألته إعادتها، فأعاده علي تفضلاً منه.
توفي أبو يعقوب يوم الأضحى سنة أربع وأربعين وثلاثمئة، وهو ابن نيف وتسعين سنة.
إسحاق بن إبراهيم بن يزيد
أبو النضر القرشي الفراديسي مولى أم الحكم بنت عبد العزيز، ويقال: إنه مولى عمر بن عبد العزيز.
روى عن جماعة، وروى عنه البخاري في صحيحه، وأبو داود السجستاني في سننه، وغيرهما.
روى عن يحيى بن حمزة، بسنده عن سعد بن أبي وقاص، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا هام ولا طيرة ولا عدوى، وإن تكن الطيرة في شيء ففي الفرس والمرأة والدار ".(4/282)
وعن عبد العزيز بن أبي حازم، بسنده عن عائشة، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنما الأعمال بالخواتيم ".
قال أبو زرعة الدمشقي: حدثني أبو النضر إسحاق بن إبراهيم الدمشقي قال: ولدت سنة إحدى وأربعين ومئة. وقال: وكان أبو مسهر يوثقه؛ وكان من الثقات البكائين.
توفي في سنة سبع وعشرين ومئتين.
إسحاق بن إبراهيم بن يونس
ابن موسى بن منصور أبو يعقوب البغدادي المعروف بالمنجنيقي الوراق، نزيل مصر سمع ببيروت وغيرها، وأسمع.
روى عن محمد بن الصباح، بسنده عن أبي بردة، عن أبيه، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اشفعوا فلتؤجروا، وليقض الله على لسان نبيه ما شاء ".
وعن عبد الله بن أبي رومان، بسنده عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ".
قال ابن عدي: المنجنيقي: بغدادي كان بمصر، وإنما لقب بالمنجنيقي، لأنه كان في جامع مصر منجنيق يصعده القوام يوقدون ثريا فيها، وكان يجلس هذا الشيخ قريباً إليه، فنسب إليه، وكان شيخاً صالحاً.
توفي بمصر في جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثمئة، يوم الجمعة لليلتين بقيتا منه.(4/283)
إسحاق بن إبراهيم
أبو يعقوب الأشقر سمع وأسمع.
روى عن جرول بن جنفل، بسنده عن أبي هريرة، قال: أولم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بعض أزواجه بقدر من هريسة.
إسحاق بن إبراهيم الرافقي
قدم دمشق مع عبد الله بن طاهر لما توجه والياً على مصر من قبل المأمون.
قال الطبري: ذكر أحمد بن حفص بن عمر عن أبي السمراء، قال: خرجنا مع الأمير عبد الله بن طاهر متوجهين إلى مصر، حتى إذا كنا بين الرملة ودمشق إذا نحن بأعرابي قد اعترض، فإذا شيخ فيه بقية، على بعير له أورق، فسلم علينا، فرددنا عليه السلام.
قال: وأنا وإسحاق بن إبراهيم الرافقي، وإسحاق بن أبي ربعي، ونحن نساير الأمير، وكنا يومئذ أفره من الأمير دواباً وأجود منه كساء.
قال: فجعل الأعرابي ينظر في وجوهنا، قال: فقلت: يا شيخ، قد ألحت في النظر، أعرفت منا أمراً أنكرته؟ قال: والله ما عرفتكم قبل يومي هذا، ولا أنكرتكم لسوء أراه بكم، ولكني رجل حسن الفراسة في الناس، جيد المعرفة بهم، قل فأشرت له إلى إسحاق بن ربعي، فقلت ما تقول في هذا؟ فقال: من الطويل
أرى كاتباً زهو الكتابة بين ... عليه وتأديب العراق منير
له حركات قد يشاهدن أنه ... عليم بتقسيط الخراج بصير
قال:(4/284)
ونظر إلى
إسحاق بن إبراهيم الرافقي فقال: من الطويل
ومظهر بسط ما عليه ضميره ... يحب الهدايا، بالرجال مكور
إخال به جبناً وبخلاً وشيمة ... تخبر عنه أنه لوزير
ثم نظر إلي وأنشأ يقول: من الطويل
وهذا نديم للأمير ومؤنس ... يكون له بالقرب منه سرور
إخالك للأشعار والعلم راوياً ... فبعض نديمٍ مرة وسمير
ثم نظر إلى الأمير فأنشأ يقول: من الطويل
وهذا الأمير المرتجى سيب كفه ... فما إن له فيمن رأيت نظير
عليه رداء من جمالٍ وهيبةٍ ... ووجهٌ بإدراك النجاح بشير
لقد عصم الإسلام منه بذي يدٍ ... بها عاش معروفٌ وغاب نكير
ألا إنما عبد الإله بن طاهر ... لنا والد بر بنا وأمير
قال: فوقع ذلك من عبد الله أحسن موقع، وأعجبه ما قال الشيخ، فأمر له بخمسمئة دينار، وأمره أن يصحبه.
إسحاق بن إبراهيم
أبو يعقوب الفرغاني، المعروف بجيش حدث بدمشق في سنة تسع وثمانين ومئتين.
روى عن عبد الرحمن بن محمد بن سلام، بسنده عن علي، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما انتعل أحد قط ولا خصف ولا لبس ثوباً ليغدو في طلب علم يتعلمه لا غفر الله له حيث يخطو عتبة باب داره ".(4/285)
إسحاق بن إبراهيم
أبو بكر الجرجاني، ثم الإستراباذي سمع بدمشق وبغيرها، وأسمع.
إسحاق بن إبراهيم
أبو نصر الزوزني روى عن أبي عمرو محمد بن يحيى النيسابوري، بسنده عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أشرف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل ".
إسحاق بن إسماعيل بن إسحاق
ابن إبراهيم بن طاهر بن عبد الله أبو الحسين الطاهري من أهل سامرة، حدث بدمشق عمن لم يبلغنا اسمه؛ وكان مولده بسامرة، وسكن بدمشق مدة ثم خرج عنها، وكان يخضب بالسواد.(4/286)
إسحاق بن إسماعيل بن عبد الله
ابن زكريا أبو يعقوب الرملي
إسحاق بن إسماعيل
من أهل دمشق.
وأظنه إسحاق الخياط الذي يأتي ذكره.
إسحاق بن الأشعث بن قيس
وهو عندي: إسحاق بن محمد الأشعث الكندي كوفي كان في صحابة عمر بن عبد العزيز.
حدث، قال: كنت في صحابة عمر بن عبد العزيز، فاستأذنته في الانصراف إلى أهلي بالكوفة، فقال لي عمر: إذا أتيت العراق فأقرهم ولا تستقرهم، وعلمهم ولا تتعلم منهم، وحدثهم ولا تسمع حديثهم.
إسحاق بن أبي أيوب بن خالد
ابن عباد بن زياد بن أبيه، المعروف بابن أبي سفيان من ساكني جرود من إقليم معلولا، من أعمال دمشق.(4/287)
إسحاق بن بشر بن محمد
ابن عبد الله بن سالم أبو حذيفة الهاشمي، مولاهم، البخاري حدث عن جماعة، وسمع منه جماعة.
روى عن الحجاج بن أرطاة، بسنده عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " نعم البيت يدخله المسلم بيت الحمام، وذاك أنه إذا دخله سأل الله الجنة، واستعاذ بالله من النار؛ وبئس البيت بيت العروس وذلك لأنه يرغبه في الدنيا وينسيه الآخرة ".
وعن أمير المؤمنين المأمون، بسنده عن ابن عباس، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " مولى القوم منهم " وقال مرة: " من أنفسهم ".
فبلغ المأمون أن أبا حذيفة حدث بهذا الحديث عنه، فأمر له بعشرة آلاف درهم.
قال ابن عدي: وأحاديثه منكرة إما إسناداً أو متناً، لا يتابعه أحد عليه.
وعن إسحاق بن منصور قال: قدم علينا أبو حذيفة البخاري، فكان يحدث عن عبد الله بن طاوس، ورجال من كبراء التابعين ممن ماتوا قبل حميد الطويل؛ قال: فقلنا له: كتبت عن حميد الطويل؟ قال: ففزع، وقال: جئتم تسخرون بي؟ حميد عن أنس؟ جدي لم ير حميداً! قال: فقلنا له: أنت تروي عمن مات قبل حميد بكذا وكذا سنة.
قال: فعلمنا ضعفه، وأنه لا يعلم ما يقول.
توفي يوم الأحد، ودفن يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من رجب سنة ست ومئتين.(4/288)
إسحاق بن ثعلبة
أبو صفوان الحميري الحمصي استعمله الرشيد على خراج دمشق.
روى عن محمد المليكي، عن عطاء، عن جابر بن عبد الله، قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أتى بامرئ قد شهد بدراً والشجرة كبر عليه تسعاً، وإذا أتى به قد شهد بدراً ولم يشهد الشجرة أو شهد الشجرة ولم يشهد بدراً كبر عليه سبعاً، وإذا أتى به لم يشهد بدراً ولا الشجرة كبر عليه أربعاً.
وعن مكحول، عن سمرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كتم على غال فهو مثله ".
وعنه، عن سمرة، قال: نهانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نستب، وقال: " إذا كان أحدكم ساباً صاحبه لا محالة، فلا يفتر عليه، ولا يسب والده، ولا يسب قومه، ولكن إن كان يعلم فليقل: إنك بخيل، إنك جبان ".
وعنه، عن سمرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يعترض أحدكم أسير صاحبه، فيأخذه فيقتله ".
قال عنه أبو حاتم: شيخ مجهول.
وقال أبو أحمد الحافظ: روى أحاديث مسندة لا يرويها غيره.(4/289)
إسحاق بن الحارث
أبو الحارث، مولى بني هبار القرشي أحد المعمرين من أهل دمشق، رأى خمسة من الصحابة.
قال: رأيت واثلة بن الأسقع صلى على جنازة، فكبر عليها أربعاً.
وقال: رأيت أبا الدرداء أشهل أقنى، يخضب بالصفرة، ورأيت عليه قلنسوة مصرية صغيرة، ورأيت عليه عمامة قد ألقاها على كتفه؛ فقال له رجل: مذ كم رأيته؟ قال: مذ أكثر من مئة سنة.
وقال: رأيت عمير بن جابر بن غاضرة بن أشرس الكندي، وكانت له صحبة، يخضب بالحناء.
وقال: رأيت حشرجاً، رجلاً من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوضعه في حجره، ومسح رأسه، ودعا له.
وقال: رأيت خالد بن الحواري رجلاً من الحبشة من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حضره الموت، فقال: اغسلوني غسلتين، غسلة للجنابة، وغسلة للموت.
إسحاق بن حسان بن قوهي
ويقال: قوهي لقب حسان أبو يعقوب الخريمي مولاهم المري شاعر متقدم، مطبوع مشهور، له ديوان معروف، وأصله من مرو الشاهجان، صغدي؛ ثم نزل الجزيرة والشام وسكن بغداد، وبلغني أنه قيل له: ما بال شعرك لا يسمعه أحد إلا استحسنه وقبله طبع؟ قال: لأني لا أجاذب الكلام إلا أن يساهلني عفواً، فإذا سمعه إنسان سهل عليه استحسانه.(4/290)
وبلغني عن أبي العباس المبرد، قال: كان أبو يعقوب الخزيمي، واسمه إسحاق بن حسان، جميل الشعر مقبولاً عند الكتاب، له كلام قوي، ومذهب مبسوط، وكان يرجع إلى بيت في العجم كريم، وكان رجلاً من أبناء الصغد، وكان له ولاء في العرب، في غطفان؛ وكان اتصاله بمولاه ابن خريم المري الذي يقال له: خريم الناعم، وكان أبو يعقوب على ظرفه يرجع إلى إسلام وإلى وقار؛ وذهبت عيناه بعد أن طلع من السبعين، وله فيهما مراثٍِ جيدة، يتجاوز أهل عصر، وأمثاله مضروبة، وقناعة واعتصام.
سمع أبو يعقوب الخريمي يوم مات أبو يوسف رجلاً يقول: اليوم مات الفقه، فقال: من السريع
يا ناعي الفقه إلى أهله ... أن مات يعقوب وما يدري
لم يمت الفقه ولكنه ... حول من صدر إلى صدر
ألقاه يعقوب إلى يوسف ... فزال من طيب إلى طهر
فهو مقيم فإذا ما ثوى ... حل وحل الفقه في قبر
يعني يوسف بن أبي يعقوب بن إبراهيم صاحب أبي حنيفة.
أنشد عون بن محمد لأبي يعقوب الخزيمي: من مجزوء الكامل
باحت ببلواه جفونه ... وجرت بأدمعه شؤونه
لما رأى شيباً علا ... هـ ولم يحن في العد حينه
فعلا على فقد الشبا ... ب وفقد من يهوى أنينه
ما كان أنجح سعيه ... وشبابه فيه معينه
واللهو يحسن بالفتى ... ما لم يكن شيب يشينه(4/291)
وله: من الخفيف
لم ترعني دار عفت بالجناب ... دارس آيها كخط الكتاب
أوحشت بعد أهلٍ وأنيس ... من جوارٍ خرائدٍ أتراب
واضحات الخدود كالبقر الخن ... نس عين الحمى فروض الروابي
إنما راعني لذكراي حالي ... بسجستان خادم الحجاب
قل عني عناء عقلي وديني ... ودخولي في العلم من كل باب
أدركتني وذاك أعظم ما بي ... بسجستان حرفة الآداب
وله: من البسيط
قد كنت أحسبني رأساً فقد جعلت ... أذنابهم تعتييني بالولايات
الحمد لله كم في الدهر من عجبٍ ... ومن تصرف أحوالٍ وحالات
بينا ترى المرء في عيطاء مشرفةٍ ... إذ زال عنها إلى دحض ومومات
لا تنظرن إلى عقلٍ ولا أدبٍ ... إن الجدود قرينات الحماقات
أصيب الخريمي بمصيبة في ابنه، وكان يميل إليه، فرثاه فقال: من الطويل
ألم ترني أبني على الليث بيته ... وأحثي عليه الترب لا أتخشع
ولو شئت أن أبكي دماً لبكيته ... عليك ولكن ساحة الصبر أوسع
وأعددته ذخراً لكل عظيمةٍ ... وسهم المنايا بالذخائر مولع
وإني ون أظهرت مني جلادةً ... وصانعت أعدائي عليك لموجع
وقال في ابن له: من الطويل
أعاذل كم من منفس قد رزئته ... وفارقني شخص علي كريم
وقاسيت من بلوى زمانٍ وكربةٍ ... وودعني من أقربي حميم(4/292)
فعزيت نفسي غير أني بأحمدٍ ... بني مسلوب العزاء سقيم
أرى الصبر عنه جمرةً مستكنةً ... لها لهب في القلب ليس يريم
وخط خيال منه يعتاد مضجعي ... له كرب ما تنجلي وغموم
وآثاره في البيت حيث توجهت ... بي العين حزنٌ في الفؤاد مقيم
إذا رمت عنه الصبر أرجو ثوابه ... أبى الصبر قلبٌ بالحميم يهيم
لعمرك إني يوم أدفن مهجتي ... وأرجع عنه صابراً لكظيم
وإن فؤادي بعده لمفجعٌ ... وإن دموعي بعده لسجوم
خططت له في الترب بيت إقامةٍ ... إلى الحشر فيه والنشور مقيم
وكان سروراً لم يدم لي وغبطة ... وأي سرور في الحياة يدوم
وروحاً وريحاناً أتى دون شمه ... من الدهر يوم بالفراق عظيم
على حين أمضيت الشباب وقاربت ... خطاي قيود الشيب حين أقوم
وفارقت حلو العيش إلا صبابةٌ ... عليها خطوب الحادثات تحوم
فجعت بشق النفس والهم والهوى ... عذاب لعمري في الحياة أليم
ألا كل عيش بعد فرقة أحمدٍ ... وكل سرور ما بقيت ذميم
يعيب علي الأخلياء صبابتي ... وحزني وكل يا بني يلوم
فهل كان يعقوب النبي بحزنه ... سليماً وما يزري علي حكيم
كوى قلبه حزن كأن لهيبه ... توقد نيران لهن ضريم
فما غير الله النبي بحزنه ... أبى ذاك رب العالمين رحيم
فلولا رجاء الأجر فيك وأنه ... ثواب وإن عز المصاب عظيم
وأنك قربان لدى الله نافعٌ ... وحظ لنا يوم الحساب جسيم
لأضعف حزني يا بني وأوشكت ... علي البواكي بالرنين تقوم
وقال في أخيه: من الطويل
أقول لعيني إن يكن كل مسعدي ... فأيتها العين السخينة أسعدي(4/293)
ولا تبخلي عيني بدمعك إنه ... متى تسلبي لي يرق دمعي وتجمدي
وكيف سلوي عن حبيب خياله ... أمامي وخلفي في مقامي ومقعدي
نظرت إليه فوق أعواد نعشه ... بمطروقةٍ حيرى تحور وتهتدي
فجاشت إلي النفس ثم رددتها ... إلى الصبر فعل الحازم المتجلد
ولو يفتدى ميت بشيء فديته ... بنفسي وما لي من طريفٍ ومتلد
ولكن رأيت الموت يمسي رسوله ... ويصبح للنفس اللجوج بمرصد
إسحاق بن حماد النميري
من أهل بيروت.
قال محمد بن شعيب: ما رأيت ولا جلست إلى مثل الأوزاعي قط، إن كان آخر مجالسه لكأولها، وذلك لم أره في أحدٍ قط؛ فقال النميري: يا أبا عبد الله وكانت فيه ثم خلة؛ قال: وما هي؟ قال: ولا فارقه جليس له إلا وهو يرى أنه كان أحظا أهل المجلس عنده؛ قال: صدقت، كذلك كان.
إسحاق بن خلف الزاهد
صاحب الحسن بن صالح، من أهل الكوفة.
سكن الشام وحدث.
قال: الورع في المنطق أشد منه في الذهب والفضة؛ والزهد في الرياسة أشد منه في الذهب والفضة، لأنك تبذلهما في طلب الرياسة.
وقال: لقيت عمر الصوفي بمكة، فقلت له: أراجلاً جئت أم راكباً؟ قال: فبكى، ثم قال: أما يرضى العاصي يجيء إلى مولاه إلا راكباً! وقال: ليس شيء أقطع لظهر إبليس من قول ابن آدم: ليت شعري بم يختم لي؟ قال: عندها ييأس منه ويقول: متى يعجب هذا بعلمه؟(4/294)
وقال إسحاق وكان من الخائفين لله: قال أحمد بن سليم: ما يتذاكر العلم إلا بالغفلة عن العبادة.
وقال: ليس الخائف من بكى وعصر عينيه، ولكن الخائف من ترك الأمر الذي يخاف أن يعذب عليه.
وقال: الكبائر أربعة، وأكبر الكبائر الإياس من روح الله.
إسحاق بن داود السراج
دمشقي ثقة.
روى عن عبد الله بن وهب، بسنده عن أبي ذر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا ذر، إن للمسجد تحية وتحيته ركعتان، فقم فاركعهما ".
إسحاق بن راشد
أبو سليمان الحراني مولى عمر بن الخطاب، ويقال: مولى بني أمية.
سمع وأسمع، وزار بيت المقدس فاجتاز بدمشق.
روى عن الزهري، قال: رأيت سالم بن عبد الله إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا كبر للركوع رفع يديه، وذا رفع رأسه من الركوع ليسجد؛ قال: فسألت سالماً فقال: هكذا رأيت عبد الله بن عمر يفعل، وقال: هكذا رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل.
قال أبو عروبة الحراني: في الطبقة الثانية من التابعين إسحاق بن راشد، عقبه بحران، وولده ينسبون إلى ولاء عمر بن الخطاب، وذكر بعضهم أنه مات بسجستان، أحسبه قال: في خلافة أبي جعفر المنصور.(4/295)
إسحاق بن سعيد بن إبراهيم
ابن عمير بن الأركون أبو مسلمة القرشي الجمحي روى عن جماعة، وروى عنه جماعة.
روى عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما من مسلم يعرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كانت له صدقة ".
وعن خليد بن دعلج، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمان الأرض من الغرق القوس، وأمان الاختلاف الموالاة لقريش، قريش أهل الله، قريش أهل الله، فإذا خالفتها قبيلة من العرب صاروا حزب إبليس ".
قال الدارقطني: ابن أركون شامي منكر الحديث.
توفي في سنة ثلاث وثلاثين ومئتين.
إسحاق بن سليمان بن هشام
ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي
إسحاق بن سليم القرشي
من أهل صهيا.
إسحاق بن سيار أبو النضر
من أهل دمشق.
سمع وأسمع.(4/296)
روى عن يونس بن ميسرة، أنه سمع أبا إدريس الخولاني قال: قدم المغيرة بن شعبة دمشق، فأتيته فسألته عما حضر، فقال: وضأت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك، فمسح على خفيه.
قال ابن أبي السائب: إن عمر بن عبد العزيز ولى إسحاق أبا النضر ومحمد بن المديني بيع ما في الخزائن، وقال: لا تبيعا بنسيئة.
إسحاق بن سيار بن محمد بن مسلم
أبو يعقوب النصيبي سمع بدمشق، وحدث عن جماعة، وروى عنه جماعة.
روى عن جنادة بن محمد، بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لتنتقن كما ينتقى التمر من حثالته ".
وعن إبراهيم بن زكريا العجلي، بسنده عن علي، قال: كنت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في البقيع في يوم دجن ومطر، فمرت امرأة على حمار ومعها مكاري، فهوت يد الحمار في وهدة من الأرض فسقطت المرأة، فأعرض عنها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوجهه، فقالوا: يا رسول الله، إنها متسرولة، فقال: " اللهم اغفر للمتسرولات من أمتي، ثلاثاً، أيها الناس، اتخذوا السراويلات فإنها من أستر ثيابكم، وخذوا بها نساءكم إذا خرجن ".
مات بنصيبين في ذي الحجة من سنة ثلاث وسبعين ومئتين.
إسحاق بن صلتان القرشي
من أهل صهيا.(4/297)
إسحاق بن الضيف
ويقال: إسحاق بن إبراهيم بن الضيف أبو يعقوب الباهلي البصري العسكري سمع وأسمع.
روى عن عبد الرزاق، بسنده عن أنس قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستحب إذا أفطر أن يفطر على لبن، فإن لم يجد فتمر، فإن لم يجد حسا حسوات من ماء.
وعن عبد الرزاق، بسنده عن أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يشير في الصلاة.
وعن خالد بن محمد، بسنده عن عائشة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن من الشعر حكمة ".
سئل عنه أبو زرعة، فقال: صدوق.
قال إسحاق: قال لي بشر بن الحارث: إنك قد أكثرت مجالستي، ولي إليك حاجة؛ إنك صاحب حديث وأخاف أن تفسد علي قلبي، فأحب أن لا تعود إلي؛ فلم أعد إليه.
إسحاق بن طلحة بن عبيد الله
ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم، القرشي، التيمي، المديني روى عن أبيه طلحة، وابن عباس، وعائشة؛ وروي عنه.
ووفد على معاوية وخطب إليه أخته أم إسحاق بنت طلحة على يزيد بن معاوية.
روى عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ".(4/298)
وبإسناده، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن أعمال العباد لتعرض على الله في كل يوم اثنين وخميس، فيغفر الله لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا عبداً بينه وبين أخيه شحناء ".
وبإسناده، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر، ولو علموا ما فيهما لأتوهما ولو حبواً ".
قال الخطيب: قال لي الحسن: لم يكن عند هذا الشيخ غير هذه الثلاثة الأحاديث.
قال الزبير بن بكار: كان معاوية بن أبي سفيان قد خطب إلى إسحاق بن طلحة أخته أم إسحاق بنت طلحة على ابنه يزيد، فقال: أقدم المدينة فيأتيني رسولك فأزوجه؛ فلما شخص من عند معاوية قدم على معاوية عيسى بن طلحة، فذكر له معاوية ما قال لإسحاق، فقال له عيسى: أنا أزوجك؛ فزوج يزيد بن معاوية أم إسحاق بالمدينة حين قدم الحسن بن عيل بن أبي طالب، فلم يدر أيهما قبل، فقال معاوية ليزيد: أعرض عن هذا؛ فتركها يزيد، فدخل بها الحسن، فولدت له طلحة، ومات لا عقب له، فكانت في نفس يزيد على إسحاق؛ فلما ولي يزيد وجهز مسرف بن عقبة المري إلى أهل المدينة أمره إن ظفر بإسحاق بن طلحة أن يقتله، فلم يظفر به، فهدم داره.
وعن الطبري: ولي إسحاق بن طلحة خراج خراسان، فلما صار بالري مات إسحاق بن طلحة فولي سعيد بن عثمان خراج خراسان وحربها، وكان ذلك في سنة ست وخمسين.(4/299)
إسحاق بن عباد بن موسى
أبو يعقوب المعروف بالختلي البغدادي روى عن جماعة، وروى عنه جماعة.
روى عن عبد الله بن حفص، بسنده عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أعان على دم مسلم بشطر كلمةٍ كتب بين عينيه يوم القيامة: آيسٌ من رحمة الله ".
قال أبو الدحداح: فيها يعني سنة إحدى وخمسين ومئتين، توفي إسحاق بن عباد.
إسحاق بن عبد الله بن الحارث
ابن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أبو يعقوب الهاشمي النوفلي البصري سمع وأسمع.
وهو بصري قدم دمشق.
روى عن ابن عباس، قال: بينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيت بعض نسائه إذ وضع رأسه فنام، فضحك في منامه؛ فلما استيقظ قالت له امرأة من نسائه: لقد ضحكت في منامك، فما أضحكك؟ قال: " أعجب من ناسٍ من أمتي يركبون هذا البحر هول العدو يجاهدون في سبيل الله " فذكر لهم خيراً كثيراً.
وعن جدته أم الحكم، عن أختها ضباعة بنت الزبير.
أنها دفعت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحماً فانتهش منه، وصلى ولم يتوضأ.
قال عنه العجلي: مدني ثقة.(4/300)
عن شعيب بن صحير قال: قال بلال بن أبي بردة لجلسائه: ما العروب من النساء؟ قال: فماجوا؛ وأقبل
إسحاق بن عبد الله بن الحارث النوفلي، فقال: قد جاءكم من يخبركم، فسألوه، فقال: الخفرة المتبذلة لزوجها، وأنشد: من الكامل
يعرين عند بعولهن إذا خلوا ... وإذا هم خرجوا فهن خفار
إسحاق بن عبد الله
ابن أبي فروة عبد الرحمن ابن الأسود بن سوادة ويقال: الأسود بن عمرو بن رياس أبو سليمان المديني، مولى آل عثمان بن عفان أدرك معاوية.
روى الحديث عن جماعة وأسمعه.
روى عن عمرو بن شعيب، بسنده عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام من الغد من يوم الفتح فألزق ظهره إلى باب الكعبة، ثم قال: " لا تتوارث أهل ملتين، المرأة ترث من عقل زوجها وماله، وهو يرث من عقلها ومالها إلا أن يقتل أحدهما صاحبه عمداً، فإن قتل لم يورث من ماله ولا من عقله شيئاً؛ وإن قتل أحدهما صاحبه خطأ ورث من ماله ولم يرث من عقله؛ أيما امرأة وعد أبوها أو أخوها أو أحد من أهلها شيئاً قبل أن تملك عصمتها، ثم تملك عصمتها بالذي وعد أبوها أو أخوها أو أحد من أهلها فهو لها؛ فإذا ملكت عصمتها وأكرمها أبوها أو أخوها أو أحد من أهلها بشيء فهو له، وأحق ما يكرم به أخته أو ابنته. والبينة على المدعي، ألا ويد المسلمين على من سواهم واحدة. تكافأ دماؤهم، ولا يقتل مؤمن بكافر، ويرد قوي المؤمنين على ضعيفهم، ومتسريهم على قاعدهم، ويعقد أدناهم ". ثم انصرف.(4/301)
وعن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن العبد ليدعو الله وهو يحبه، فيقول: يا جبريل، اقض لعبدي هذا حاجته وأخرها، فإني أحب أن اسمع صوته؛ وإن العبد ليدعو الله وهو يبغضه، فيقول الله تعالى: يا جبريل، اقض لعبدي حاجته بإخلاصه وعجلها له، فإني أكره أن أسمع صوته ".
كتب إسحاق إلى عمر بن عبد العزيز يستأذنه في القدوم عليه، فكتب: الشقة بعيدة، والوطأة ثقيلة، والنيل قليل، ولا أنا عنك راض.
وقال إسحاق: من لم يبال ما قال ولا ما قيل له، فهو كشيطان أو ولد غيةٍ.
قال محمد بن سعد: في الطبقة الخامسة من أهل المدينة إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، ويكنى أبا سليمان، وكان أبو فروة مولى لعثمان بن عفان، ويقولون: إن عبيد الحفار جاء بأبي فروة عبداً مكانه، فأعتقه عثمان بعد ذلك؛ وكان أبو فروة يرى رأي الخوارج، وقتل مع ابن الزبير، فدفن في المسجد الحرام.
وقال بعض ولده: إنه من بلي، وإن اسمه الأسود بن عمرو، وكان ابنه عبد الله بن أبي فروة مع مصعب بن الزبير بن العوام بالعراق، وكان مصعب يثق به، فأصاب معه مالاً عظيماً.
وكانت لإسحاق بن عبد الله حلقة في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجلس إليه فيها أهله، وهم كثير بالمدينة.
وكان إسحاق مع صالح بن علي بالشام، فسمع منه الشاميون، ثم قدم المدينة فمات بها سنة أربع وأربعين ومئة، في خلافة أبي جعفر.
وكان إسحاق كثير الحديث، يروي أحاديث منكرة، ولا يحتجون بحديثه. عن عتبة بن أبي حكيم، قال: جلس إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة بالمدينة في مجلس الزهري قريب منه، فجعل يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال مالك: قاتلك الله، ما جرأك على الله يا ابن أبي فروة! ألا تسند أحاديثك؟ تحدثون بأحاديث ليس لها خطم ولا أزمة!(4/302)
قال احمد بن حنبل: لا تحل الرواية عن إسحاق بن أبي فروة.
توفي سنة أربع وأربعين ومئة في خلافة أبي جعفر.
إسحاق بن عبيد الله بن أبي المهاجر
المخزومي مولاهم، أخو إسماعيل بن عبيد الله روى عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن للصائم عند فطره دعوةٌ لا ترد "؛ قال ابن أبي مليكة: فسمعت عبد الله بن عمرو يقول إذا أفطر اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي.
إسحاق بن عبد الرحمن بن أحمد
ابن إسماعيل بن إبراهيم بن عامر بن عابد أبو يعلى النيسابوري الصابوني الواعظ أخو الأستاذ أبي عثمان.
سمع وأسمع؛ وقدم دمشق حاجاً.
روى عن أبي سعيد الرازي، بسنده عن أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قنت شهراً بعد الركوع يدعو على أحياء من أحياء العرب.
قال عبد الغافر بن إسماعيل في تذييله تاريخ نيسابور: إسحاق بن عبد الرحمن، أبو يعلى الصابوني، شيخ ظريف ثقة، حسن الصحبة، خفيف المعاشرة على طريقة التصوف، قليل التكلف؛ وكان ينوب عن الأستاذ الإمام شيخ الإسلام في عقد الصوفية مجلس التذكير؛ وسمع الحديث الكثير بهراة ونيسابور وبغداد، وحدث.(4/303)
توفي عشية الخميس، وصلي عليه عصر يوم الجمعة التاسع من شهر ربيع الآخر سنة خمس وخمسين وأربعمئة.
إسحاق بن عبد الرحمن
أبو يوسف ويقال: أبو يعقوب الأنطاكي الأطروش العطار سمع بدمشق في شوال سنة سبع وثلاثين ومئتين، والموصل.
روى عن هشام بن عمار، بسنده عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله خلق مئة رحمة، فبث بين خلقه منها واحدة، فهم يتراحمون بها، وادخر عنده لأوليائه تسعة وتسعين ".
وعنه بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: إن هذه الآية التي تجدونها في القرآن: " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً " إنها مكتوبة في التوراة: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وحرزاً للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن أقبضه حتى تقام به الملة المعوجة بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح بها أعين عمي وآذان صم وقلوب غلف.
إسحاق بن عبد الرحمن
مولى بني أمية أصله من البصرة.(4/304)
إسحاق بن عبد المؤمن
قال: كتب إلي أحمد بن عاصم الأنطاكي، فكان في كتابه: إنما أصبحنا في دهر حيرة تضطرب علينا أمواجه، يغلبه الهوى، العالم منا والجاهل، فالعالم منا مفتون بالدنيا يبيع ما يدعيه من العلم، والجاهل منا عاشق لها مستمد من فتنة عالمه، فالمقل لا يقنع والمكثر لا يشبع، فكل قد شغل الشيطان قلبه بخوف الفقر، فأعاذنا الله وإياك من قبول عدة إبليس وتركنا عدة رب العالمين.
يا أخي لا تصحب إلا مؤمناً يعظك بعقله ومصاديق قوله، أو مؤمناً تقياً، فمتى صحبت غير هؤلاء أورثوك النقص في دينك، وقبح السيرة في أمروك؛ وإياك والحرص والرغبة فإنهما يسلبانك القناعة والرضا، وإياك والميل إلى هواك فإنه يصدك عن الحق، وإياك أن تظهر أنك تخشى الله وقلبك فاجر، وإياك أن تضمر ما إن أظهرته أرداك، والسلام.
سئل عنه أبو حاتم فقال: صدوق.
إسحاق بن عثمان
أبو يعقوب الكلابي البصري سمع وأسمع، ووفد على عمر بن عبد العزيز.
روى عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية، عن جدته أم عطية، قالت: لما قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة جمع نساء الأنصار في بيت، ثم أرسل إليهن عمر بن الخطاب، فقام على الباب، فسلم عليهن، فرددن السلام، فقال: أنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليكن؛ فقلن: مرحباً برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبرسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فقال: يبايعكن على أن لا تشكرن بالله شيئاً، ولا تسرقن، ولا تزنين، ولا تقتلن أولادكن،(4/305)
ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن، ولا تعصين في معروف؛ فقلن: نعم؛ فمد عمر يده من خارج الباب، ومددن أيديهن من داخل؛ ثم قال: اللهم اشهد.
وأمرنا أن نخرج في العيدين الحيض والعتق، ونهينا عن اتباع الجنائز، ولا جمعة علينا.
فسألته عن البهتان، وعن قوله: ولا يعصينك في معروف؛ فقال: هي النياحة.
وعن خالد بن دريك، عن أبي الدرداء، يرفع الحديث إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يجمع الله في جوف رجل غباراً في سبيل الله ودخان جهنم، ومن اغبرت قدماه في سبيل الله حرم الله سائر جسده على النار، ومن صام يوماً في سبيل الله باعد الله عنه النار مسيرة ألف سنة للراكب المستعجل، ومن جرح جراحة في سبيل الله ختم الله بخاتم الشهداء، له نور يوم القيامة، لونها مثل لون الزعفران وريحها مثل المسك يعرفه بها الأولون والآخرون، يقولون: فلان عليه طابع الشهداء؛ ومن قاتل في سبيل الله فوق ناقة وجبت له الجنة ".
قال إسحاق: قومت ثياب عمر بن عبد العزيز وهو خليفة، اثنا عشر درهماً.
قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن إسحاق بن عثمان، فقال: هو ثقة لا بأس به.
إسحاق بن عقيل بن عبد الرزاق
ابن عمر الدمشقي روى عن جده، بسنده عن أبي هريرة، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ثلاثة لا يريحون رائحة الجنة، رجل ادعى إلى غير أبيه، ورجل كذب علي، ورجل كذب على عيني ".
إسحاق بن علي الصوفي
حدث قال: لقيت عمر الصوفي بمكة، فقلت له: أراجلاً جئت أم راكباً؟ فبكى ثم قال: أما يرضى العاصي يجيء إلى بيت مولاه إلا راكباً!(4/306)
إسحاق بن عمارة العقيلي المديني
وفد على عبد الملك بن مروان، وأقطعه داراً بدمشق عند باب توما ودار الزينبي.
إسحاق بن عمر بن عبد العزيز
ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي
إسحاق بن عيسى بن علي
ابن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم أبو الحسن الهاشمي ولي إمرة دمشق من قبل هارون الرشيد بعد عزل عبد الملك بن صالح، وكان قد ولي إمرة المدينة للمهدي، وولي البصرة للرشيد، وحدث.
روى عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس، قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا جلس جلس أبو بكر عن يمينه، فأبصر أبو بكر العباس بن عبد المطلب يوماً مقبلاً فتنحى له عن مكانه، ولم يره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ما نحاك يا أبا بكر؟ " فقال: هذا عمك يا رسول الله؛ قال: فسر بذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى رؤي ذلك في وجهه.
عن أبيه، بسنده عن ابن عباس، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ترك الوصية عار في الدنيا، ونار وشنار في الآخرة ".
ذكر محمد بن عبد الله بن مالك الخزاعي: أن الرشيد قال لابنه:
كان أبو العباس عيسى بن علي راهبنا وعالمنا أهل البيت، ولم يزل في خدمة أبي محمد علي بن عبد الله إلى أن توفي، ثم خدم أبا عبد الله إلى وقت وفاته، ثم إبراهيم الإمام وأبا العباس والمنصور، فحفظ جميع أخبارهم وسيرهم وأمورهم، وكان قرة عينه في الدنيا(4/307)
إسحاق ابنه، فليس فينا أهل البيت أحد أعرف بأمرنا من إسحاق، فاستكثر منه واحفظ جميع ما يحدثك به فإنه ليس دون أبيه في الفضل وإيثار الصدق، فاستكثروا من الاستماع منه، فنعم حامل العلم هو.
قال أبو الحسن المدائني: تناظر قوم في مجلس إسحاق بن عيسى الهاشمي، فألزم قوم علياً دم عثمان، وعابوه بذلك فرد عليهم قوم وعابوا عثمان، فاعترض الكلام إسحاق، فقال: أعيذ علياً بالله أن يكون قتل عثمان، وأعيذ عثمان بالله أن يكون علي قتله؛ فاستحسنوا كلامه جداً.
مات سنة ثلاث ومئتين، عشية الثلاثاء لثمان خلون من ربيع الآخر.
إسحاق بن قبيصة بن ذؤيب الخزاعي
كان على ديوان الزمنى بدمشق، وهو من أهلها، وسكن الأردن، ووليها لهشام بن عبد الملك.
سمع وأسمع.
ذكر أبو الحسين الرازي أن أباه قبيصة كان بدمشق، وداره بباب البريد. وذكر إسحاق بن قبيصة فقال: كان على ديوان الزمنى بدمشق في أيام الوليد بن عبد الملك؛ قال الوليد: لأدعن الزمن أحب إلى أهله من الصحيح. قال: وكان يؤتى بالزمن حتى يوضع في يده الصدقة؛ قال: وكان إسحاق على ديوان الصدقات أيام هشام.
روى عن أبيه، عن عبادة بن الصامت، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تبايعوا الذهب إلا مثلاً بمثل، ولا الفضة إلا مثلاً بمثل، لا زيادة بينهما ولا نظرة ".
وكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية: لا إمرة لك على عبادة، واحمل الناس على ما قال، فإنه هو الأمر.(4/308)
عن إسحاق بن قبيصة، قال: قال كعب: لو غير هذه الأمة أنزلت عليهم الآية لنظروا اليوم الذي أنزلت فيه فاتخذوه عيداً يجتمعون له؛ فقيل له: أي آيةٍ يا كعب؟ فقال: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً "، فقال عمر: فالحمد لله، قد عرفت اليوم الذي أنزل فيه، والمكان الذي أنزلت فيه: يوم عرفة في يوم الجمعة، وكلاهما بحمد الله لنا عيد.
إسحاق بن قيس
مولى الحواري بن زياد العتكي وفد على عمر بن عبد العزيز، وحكى عنه وعن مولاه.
قال: كنت أبيع الفلوس في مدينة واسط، فوجدوا عندي فلساً نبهرجاً، فضربوني وأغرموني ألفاً، وألقوني في السجن، حتى هلك الحجاج؛ فلما قام عمر بن عبد العزيز علمني مولاي الحواري بن زياد خطبة، فأتيت عمر بن عبد العزيز فقلت: أصلحك الله يا أمير المؤمنين، إنه لم يبق بيت من بيوتات العرب شعرٍ أو مدرٍ ولا وبرٍ، إلا وقد فتح الله عليهم بأمير المؤمنين باباً من العدل، وأغلق عنهم باباً من الجور، وإني صاحب الفلس؛ فقال: ويحك، وما صاحب الفلس؟ فقصصت عليه القصة؛ فأمر لي كل يومٍ برغيفين وبضعةٍ من لحمٍ، ولعن الحجاج يومئذٍ، ثم بعث إلي فأعطاني ألفاً، وأعطاني خمسين درهماً أيضاً، وقال: هذه نفقة الطريق، وقال: هل لك من ولد؟ قلت: بنية، قال: قد ألحقناها في المئة.
إسحاق بن محمد بن أحمد بن يزيد
أبو يعقوب الحلبي حدث بدمشق وبغداد.(4/309)
روى في المحرم سنة إحدى وعشرين وثلاثمئة، عن سليمان بن سيف، بسنده عن عثمان بن عفان، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المحرم لا يَنكح ولا يُنكح ".
وعنه، بسنده عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه، فإن زاد على ثلاث فهو مزكوم، ولا يشمت بعد ثلاث ".
إسحاق بن محمد بن إبراهيم
ابن حكيم بن أسيد أبو الحسن الأصبهاني، المعروف بابن ممك أخو أبي عمرو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن حيك، وهو الأكبر.
سمع وأسمع.
روى عن الحسن بن عثمان، بسنده عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: " ويمنعون الماعون " قال: " ما تعاون الناس بينهم، الفأس والقدر والدلو وأشباهه ".
وعن عبد الواحد بن شعيب، بسنده عن أبي الدرداء، قال: ما دعي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى لحم إلا أجاب، ولا أهدي له إلا قبله.
قال أبو نعيم الحافظ: توفي في شهر رمضان، سنة اثنتي عشرة وثلاثمئة، شيخ ثبت صدوق، عارف بالحديث أديب، لا يحدث لا من كتابه؛ كتب بالشام والحجاز وبالعراق، صنف الشيوخ.(4/310)
إسحاق بن محمد بن معمر بن حبيب
أبو يعقوب السدوسي، مولاهم، البصري سكن مصر، وحدث بها، وأقدمه أحمد بن طولون دمشق سنة تسع وستين ومئتين، لما عزم على خلع أبي أحمد الموفق، مع جماعة من وجوه أهل مصر.
قال ابن يونس: قدم إلى مصر، وكان مولده بالبصرة سنة أربع وتسعين ومئة، ومات بمصر في ذي الحجة سنة أربع وثمانين ومئتين؛ وكان رجلاً صالحاً، وكان يتجر في الجوهر.
إسحاق بن محمد
أبو يعقوب الأنصاري، الأديب، من ولد النعمان بن بشير حدث بصيدا عن جماعة، وروى عنه جماعة.
روى عن الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، قال: سمعت الشافعي يقول: ما ناظرت أحداً فأردت بمناظرتي إياه غير الله، ولا أردت الجدال، وذلك أنه بلغني أن من ناظر أخاه في العلم وكان مناظرته إياه يريد الغلبة أحبط الله له عمل سبعين سنة.
وعن محمد بن إسحاق بن راهويه، قال: سمعت أبي وسئل: كيف وضع الشافعي هذه الكتب كلها ولم يكن بكبير السن؟ فقال: عجل الله له عقله لقلة عمره.
أنشد له وكان من الأدب بمنزلة ومكان إلى أبي الحسن بن الغاز، أبياتاً يقول فيها: من الطويل
أبا الحسن ابن الغاز يا ذروة الأدب ... ونجل الألى عوفوا من الطعن في النسب
ويا ابن الذي قد أجمع الناس أنه ... لفضل التقى في زهده راهب العرب
إسحاق بن محمد البيروتي
روى عن مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قلت: يا رسول الله، أرسل وأتوكل؟ فقال: " قيد وتوكل ".(4/311)
إسحاق بن مسبح أبو يعقوب
روى عن مروان بن محمد، بسنده عن عائشة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن هذا من شأن بنات آدم " يعني: الحيض.
إسحاق بن مسلمة بن عبد الملك
ابن مروان بن الحكم الأموي
إسحاق بن مسلم الكاتب
من أهل دمشق، ولي خراج الأردن في خلافة عمر بن عبد العزيز.
إسحاق بن مسلم بن ربيعة بن عاصم
ابن حزن بن عامر بن عوف بن عقيل بن كعب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن أبو صفوان العقيلي كان قائداً من قواد مروان بن محمد، وولي إرمينية، وشهد مع مروان حربه بعين الجر مع سليمان بن هشام، ودخل معه دمشق، وكان إسحاق مع مروان حين توجه إلى دمشق لطلب الخلافة، وبقي إلى خلافة بين العباس، وكان أثيراً عند أبي جعفر المنصور.
حدث، قال: قال المنصور: يا إسحاق بن مسلم أفرطت في وفائك لبني أمية! ؛ فقال: يا أمير المؤمنين، اسمع جوابي؛ قال: هات؛ قال: من وفى لمن لا يرجى كان لمن يرجى أوفى؛ قال: صدقت.
وعن أبي العباس المبرد قال: لما بلغ أبا جعفر المنصور وفاة أبي العباس السفاح بعث إلى إسحاق بن مسلم العقيلي وكان معه عند منصرفه من ملكة فحادثه ساعة ثم قال له:(4/312)
إنه يخطر ببالي ما يعرض للناس من الفكر، فقلت: إنه يغدا على الأنفس ويراح، وإن الأحداث غير مأمونة، فلو حدث لأمير المؤمنين حدث، ونحن بالموضع الذي نحن فيه، كيف كان الرأي؟ وما ترى عبد الله بن علي يصنع؟ قال إسحاق: أيها الأمير، ليس للكذوب رأي، أصدق الحديث أنصح لك الرأي؛ فأخبره الخبر، وسأله عن رأيه؛ فقال: إن كان ابن علي ذا حزم بعث حين يصل إليه الخبر خيلاً فتلقاك في هذا الموضع البراري، فحال بينك وبين دار الملك، وأخذتك، فأتته بك أسيراً.
قال: ويحك، إن لم يفعل هذه، دعني عنها؟ قال: يقعد على دوابه، فإنما هي ليال يسيرة، قد يقدم الأنبار فيحتوي على بيوت الأموال والخزائن والكراع، فيصير طالباً، وأنت مطلوب، فإن لم يوفق قبل ذلك فلا حياة لعمك.
وذكر أحمد بن يحيى البلاذري: أن إسحاق بن مسلم حج مع أبي جعفر المنصور، وكان عديله.
وعن المدائني، قال: مات إسحاق بن مسلم ببثرة خرجت به في ظهره، فحضر المنصور جنازته، وحمل سريره حتى وضعه، وصلى عليه، وجلس عند قبره؛ فقال له موسى بن كعب أو غيره: أتفعل هذا به، قال: وكان والله مبغضاً لك كارهاً لخلافتك؟ فقال: ما فعلت هذا إلا شكراً لله إذ قدمه أمامي؛ قال: أفلا أخبر أهل خراسان بهذا من رأيك، فقد دخلتهم وحشة لك لما فعلت؟ قال: بلى؛ فأخبرهم فكبروا.
إسحاق بن منصور بن بهرام
أبو يعقوب الكوسج من أهل مرو، سكن نيسابور، روى عن جماعة، وروى عنه جماعة، وقدم دمشق وسمع بها.(4/313)
روى عن أبي أسامة، بسنده عن سعد بن أبي وقاص، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من تصبح، أظنه قال: بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر ".
قال أبو زرعة: وقد رأيت إسحاق وقدم علينا دمشق، فرأيته يكتب الحديث عند هشام بن عمار في سنة اثنتي عشرة ومئتين فيما أرى.
سئل مسلم بن الحجاج عنه، فقال: ثقة مأمون؛ زاد البيهقي: قال الحاكم: وهو أحد الأئمة من أصحاب الحديث.
مات بنيسابور يوم الاثنين ودفن يوم الثلاثاء لعشر خلون من جمادى الأولى سنة إحدى وخمسين ومئتين. وقيل: يوم الخميس ودفن يوم الجمعة لعشر بقين من جمادى الأولى سنة إحدى وخمسين ومئتين.
إسحاق بن موسى بن سعيد
ابن عبد الله بن أبي سلمة أبو عيسى الرملي، نزيل بغداد سمع ببيروت وقيسارية وحمص، وأسمع.
روى عن محمد بن عوف الطائي، بسنده عن جابر بن عبد الله، قال: جاء رجل بأبيه إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخاصمه فقال: " أنت ومالك لأبيك ".
قال حمزة بن يوسف: سألت الدارقطني عنه فقال: ثقة.
مات في سنة عشرين وثلاثمئة، في جمادى الأولى.
إسحاق بن موسى بن عبد الله
ابن موسى بن يزيد بن زيد أبو موسى الأنصاري الخطمي القاضي أصله من المدينة، وسكن الكوفة، وقدم دمشق مع جعفر المتوكل سنة ثلاث وأربعين ومئتين، وحدث ببغداد وغيرها عن جماعة، وروى عنه مسلم في صحيحه(4/314)
والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وغيرهم، وولي القضاء بنيسابور، وقال يحيى بن يحيى: هو من أهل السنة.
روى عن محمد بن معن، بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر ".
وعن ابن عيينة، بسنده عن عمر أنه كان عليه نذر ليلة في الجاهلية، فسأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمره أن يعتكفها.
مات بجوسية من حمص، منصرفاً من المتوكل سنة أربع وأربعين ومئتين.
إسحاق بن موسى بن عبد الرحمن
ابن عبيد أبو يعقوب اليحمدي، الاستراباذي، الفقيه الشافعي، يعرف بابن أبي عمران سمع بدمشق وخرسان ومصر وحران والبصرة وبغيرها.
روى عن حيون بن المبارك البصري بسنده عن أنس، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليستتر أحدكم في الصلاة بالخط بين يده، وبالحجر، وبما وجد من شيء؛ مع أن المؤمن لا يقطع صلاته شيء ".
وقال حمزة عنه: كان من ثقاتهم وفقهائهم، يقال: إنه أول من حمل كتب الشافعي إلى استراباذ.
إسحاق بن موسى بن عمران
أبو يعقوب ابن أبي عمران النيسابوري، ثم الإسفرييني، الفقيه الشافعي رحل وسمع وصنف، وروي عنه.(4/315)
روى عن أبي محمد المروزي، بسنده عن معاذ بن جبل أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج في غزوة تبوك، فكان يؤخر الظهر حتى يدخل وقت العصر فيجمع بينهما.
قال أبو عبد الله الحافظ: هو من رستاق إسفراين، وأحد أئمة الشافعين، والرحالة في طلب الحديث، وإنما تفقه عند أبي إبراهيم المزني، وسمع المبسوط من الربيع، وكتب الحديث بخراسان والعراقين والحجاز والشام، وله مصنفات كثيرة.
توفي في شهر رمضان من سنة أربع وثمانين ومئتين.
إسحاق بن يحيى بن طلحة
ابن عبيد الله أبو محمد التميمي، المدني رأى السائب بن يزيد صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
سمع وأسمع، ووفد على عمر بن عبد العزيز، وغزا القسطنطينية.
روى عن المسيب بن رافع، عن الأسود بن يزيد قال: قدم علينا معاذ بن جبل حين بعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقسم المال بين الأختين والإبنة شطرين.
قال إسحاق: أدربت مع مجاهد يعني دخل الدرب عام غزوة مسلمة بن عبد الملك.
قال عنه النسائي: إنه ليس بثقة.
مات سنة أربع وستين ومئة.(4/316)
إسحاق بن يحيى بن معاذ
ابن مسلم الختلي من ختلان، بلد عند سمرقند ولي دمشق من قبل المعتصم في خلافة المأمون، ثم وليها دفعة أخرى في خلافة الواثق بن المعتصم، وولي مصر من قبل المنتصر بن المتوكل في أيام المتوكل؛ وكان جد أبيه مسلم قد أقطعه معاوية بن أبي سفيان بدمشق، وكانت دار إسحاق بن يحيى خارج باب الفراديس.
حدث، قال:
كنت عند المعتصم أعوده، فقلت: يا أمير المؤمنين، أنت في عافية؛ قال: كيف تقول: وقد سمعت الرشيد يحدث عن أبيه المهدي، عن أبي جعفر المنصور، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من احتجم في يوم الخميس فمرض فيه مات فيه "؟.
قيل لإسحاق بن يحيى بن معاذ: لم سكنت دمشق وفلحت أرضها، وأكثرت فيها من الغروس من أصناف الفاكهة، وأجريت المياه إلى الضياع وغيرها؟ فقال: لا يطيق نزولها إلا الملوك؛ قيل له: وكيف ذلك؟ قال: ما ظنك ببلدة يأكل في الأطفال ما يأكل في غيرها الكبار!.
بلغني أن إسحاق بن يحيى مات بمصر بعد أن عزل عنها مستهل ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين ومئتين؛ وقيل: مات في آخر سنة خمس وثلاثين ومئتين، فقال فيه الشاعر: من الطويل
سقى الله ما بين المقطم والصفا ... صفا النيل صوب المزن حيث يصوب
وما بي أن أسقي البلاد وإنما ... أحاول أن يسقى هناك حبيب
فإن يك يا إسحاق غبت فلم تؤب ... إلينا وسفر الموت ليس يؤوب
فلا يبعدنك الله ساكن حفرةٍ ... بمصر عليها جندل وجبوب(4/317)
إسحاق بن يعقوب بن إسحاق
ابن عيسى بن عبيد الله أبو يعقوب الوراق المستملي الكفرسوسي سمع وأسمع.
روى عن أحمد بن أنس بن مالك الدمشقي، بسنده عن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قريش خالصة الله، فمن نصب لها حرباً، أو: فمن حاربها سلب، ومن أرادها بسوء خزي في الدنيا والآخرة ".
بإسناده عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من يرد هوان قريش أهانه الله عز وجل ".
عن الربيع بن سليمان قال: حدثني محمد بن إدريس الشافعي، قال: دخلت اليمن، وذهبت إلى صنعاء لأسمع من عبد الرزاق، فمررت بباب دار وعليه شيخ كبير، وبين يديه هاون يدق فيه خبزاً يابساً، فقلت: ما هذا؟ قال: فتوقتاً لزوجتي؛ فقلت: إن حقها لواجب عليك؛ فقال لي: أي وأبيك، أقم لترى ذلك عياناً؛ فأقمت، فلم يكن بأسرع من أن أقبل خمسة مشايخ بيض الرؤوس واللحى كأن صورتهم صورة واحدة، وكأنما مسح على رؤوسهم بكف واحدة، فأكبوا على الشيخ فقبلوا رأسه وسلموا عليه وأقاموا هنيئة، فقال لهم: ادخلوا إلى أمكم فسلموا عليها، فدخلوا إلى الدار. فقلت له: يا شيخ أهؤلاء ولدك منها؟ فقال: نعم؛ فقلت: بار الله لك فلقد رأيت قرة عين؛ ثم هممت بالنهوض، فقال لي: أقم لترى ما هو أعجب من ذلك؛ فأقمت، فلم يكن بأسرع من أن أقبل خمسة كهول نصف كأن صورتهم صورة واحدة، وكأنما مسح على رؤوسهم بكف واحدة؛ فسلموا على الشيخ وأكبوا عليه وقبلوا رأسه، وقاموا هنيئة؛ فقال لهم: ادخلوا على أمكم فسلموا عليها! فدخلوا إلى الدار. قال: فقلت: يا شيخ، وهؤلاء ولدك منها؟ فقال لي: نعم؛ فقلت له: بارك الله لك فلقد رأيت قرة عين؛ ثم هممت بالنهوض، فقال لي: اثبت لترى ما هو أعجب من ذلك؛(4/318)
فأقمت، فلم يكن بأسرع من أقبل خمسة رجال سود الرؤوس واللحى كأن صورتهم صورة واحدة، وكأنما مسح على رؤوسهم بكف واحدة؛ فأكبوا على الشيخ فقبلوا رأسه، ووقفوا هنيئة؛ فقال لهم: ادخلوا على أمكم فسلموا عليها؛ فدخلوا إلى الدرا. فقلت: يا شيخ، وهؤلاء ولدك منها؟ فقال لي: نعم؛ فقلت: بارك الله لك، فلقد رأيت قرة عين؛ ثم هممت بالنهوض، فقال لي: اثبت لترى ما هو أعجب من ذلك؛ فأقمت؛ فلم يكن بأسرع من أن أقبل خمسة غلمان مرد خضر الشوارب كأن صورتهم صورة واحدة، وكأنما مسح على رؤوسهم بكف واحدة؛ فأكبوا على الشيخ فقبلوا رأسه، وسلموا عليه، وأقاموا هنيئة؛ فقال لهم: ادخلوا إلى أمكم فسلموا عليها؛ فدخلوا إلى الدار. فقلت له: يا شيخ، وهؤلاء ولدك منها؟ فقال لي: نعم؛ فقلت له: بارك الله فيك، فلقد رأيت قرة عين، ثم هممت بالنهوض، فقال لي: اثبت لترى ما هو أعجب من ذلك؛ فأقمت؛ فلم يكن بأسرع من أن أقبل خمسة صبيان على ثيابهم المداد كأنما مسح على رؤوسهم بكف واحدة، وكأنما صورتهم صورة واحدة؛ فسلموا على الشيخ، وأكبوا عليه فقبلوا رأسه؛ وأقاموا هنيئة؛ فقال لهم: ادخلوا إلى أمكم فسلموا عليها، فدخلوا الدار. فقلت له: يا شيخ، وهؤلاء ولدك منها؟ فقال لي: ننعم؛ فقلت له: بارك الله لك، فلقد رأيت قرة عين؛ ثم نهضت، فقال لي: يا فتى، هؤلاء الخمسة والعشرون ذكراً ولدي منها في خمسة أبطن.
قال الربيع بن سليمان: ولو جاء بهذا غير الشافعي ما قبلناه منه، وإن هذا لعجب!!.
إسحاق بن يعقوب بن أيوب بن زياد
أبو يعقوب الداراني الوراق سمع وأسمع.
روى عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم، بسنده عن جابر، قال: ما كان نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينام حتى يقرأ " ألم، تنزيل " السجدة، و" تبارك الذي بيده الملك ".(4/319)
وعن عبد الله بن محمد، بسنده عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
" يا إخواني تناصحوا في العلم، ولا يكتمن بعضكم بعضاً فإن خيانة الرجل في علمه أشد من خيانته في ماله، فإن الله تعالى سائلكم عنه ".
إسحاق الخياط
إن لم يكن إسحاق بن عبد المؤمن فهو آخر قال: سمعت أبا سليمان الدارني يقول: لأن تذهب الشهوة من قلبي أحب إلي من أن يقال لي: ادخل الجنة.
أسد بن سليمان بن حبيب بن محمد
أبو محمد الطبراني؛ يعرف بابن الحافي سمع وأسمع.
حدث عن محمد بن الحسن بن نصر البغدادي، عن علي بن الحسين بن أشكاب، عن إسحاق بن يوسف الأزرق، قال: أردت الخروج إلى الكوفة، فقالت لي أمي: بحقي عليك يا إسحاق إذا دخلت الكوفة فلا تصر إلى الأعمش، فقد بلغني أنه يستخف بأصحاب الحديث؛ فلما دخلت الكوفة هممت بالذهاب إلى الأعمش، ثم ذكرت وصية أمي، فتخلفت، فلما رأيت أصحاب الحديث حملني حب العلم على أن صرت إليه؛ فقال لي: من أين أنت؟ فقلت: من واسط؛ قال: وما اسمك؟ قلت: إسحاق بن يوسف الأزرق؛ فقال: أليس قد قالت لك أمك: إذا دخلت الكوفة فلا تصر إلى الأعمش، فإنه يستخف بأصحاب الحديث؟ وقد بلغني ذلك؛ فقلت: ليس كل ما يبلغ الناس حق؛ قال: أما الآن فخذ.
حدثنا عبد الله بن أبي أوفى، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الخوارج كلاب النار ".(4/320)
روى بطبرية في جمادى الآخرة سنة ثمان وخمسين وثلاثمئة عن ابن عبادل.
أسد بن العباس بن القاسم
أبو الليث الرملي وأظنه أسد بن القاسم بن عباس، وسيأتي ذكره.
أسد بن عبد الله بن يزيد
ابن أسد بن كرز بن عامر بن عبقري أبو عبد الله ويقال: أبو المنذر البجلي القسري أخو خالد بن عبد الله.
من أهل دمشق، وقسر: فخذ من بجيلة: ولاه أخوه خالد بن عبد الله خراسان، وكان جواداً ممدحاً، وشجاعاً مقداماً؛ ودار أسد بن عبد الله بدمشق عند سوق الزقاقين بناحية دار البطيخ.
قال سلم بن قتيبة بن مسلم: خطبنا أسد بن عبد الله بن يزيد بن أسد على منبر مرو وهو على ولاية خراسان فقال في خطبته: حدثني أبي عن جدي، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، ولا يؤمن أحدكم حتى يأمن جاره شره ".
روى عن أبي يحيى بن عفيف، عن جده عفيف، قال: جئت في الجاهلية إلى مكة، وأنا أريد أن أبتاع لأهلي من ثيابها وعطرها، فأتيت العباس، وكان رجلاً تاجراً؛ فإني عنده حالس أنظر إلى الكعبة وقد حلقت الشمس فارتفعت في السماء فذهبت، إذا أقبل شاب فنظر إلى السماء ثم قام مستقبل الكعبة، فلم(4/321)
ألبث إلا يسيراً حتى جاء غلام فقام عن يمنه، ثم لم ألبث إلا يسيراً حتى جاءت امرأة فقامت خلفهما، فركع الشاب فركع الغلام والمرأة، فرفع الشاب فرفع الغلام والمرأة، فسجد الشاب فسجد الغلام والمرأة؛ فقلت: يا عباس، أمر عظيم؛ فقال: أمر عظيم، تدري من هذا الشاب؟ هذا محمد بن عبد الله، ابن أخي؛ تدري من هذا الغلام؟ هذا علي ابن أخي؛ تدري من هذه المرأة؟ هذه خديجة بنت خويلد زوجته؛ إن ابن أخي هذا حدثني أن ربه رب السموات والأرض أمره بهذا الدين، ولا والله ما على ظهر الأرض أحد على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة.
قال ابن عدي: وأسد بن عبد الله هذا معروف بهذا الحديث، وما أظن أن له غير هذا، إلا الشيء اليسير، له أخبار تروى عنه، فأما المسند عنه من أخباره فهذا الذي ذكرته يعرف به.
قال فيه قيس بين الحدادية حين نزل عليه هو وناس من أهل بيته هرباً من دم أصابوه، فآواهم، وأحسن إلى قيس، وتحمل عنهم ما أصابوا في خزاعة وفي بني فراس: من البسيط
لا تعذليني سليمى اليوم وانتظري ... أن يجمع الله شعباً طالما افترقا
إن شتت الدهر شملاً بين جيرتكم ... فطال في نعمةٍ يا سلم ما اتفقا
وقد حللنا بقسري أخي ثقة ... كالبدر يجلو دجى الظلماء والأفقا
كم من ثأىً وعظيمٍ قد تداركه ... وقد تفاقم فيه الأمر وانخرقا
لا يجبر الناس شيئاً هاضه أسد ... يوماً ولا يرتقون الدهر ما فتقا
عن السري بن سالم مولى بني أمية، قال: قعد أسد بن عبد الله يوماً على سرير، ورجل من جرم إلى جانبه، فأقبل عبد المؤمن أبو الهندي التميمي بفرس له فعرضها على أسد؛ فقال الجرمي: من أين الهندي؟ وساومه أسد بالفرس واشتراه منه، ثم قال أبو الهندي: أيها الأمير، ما تعدون(4/322)
الكبائر؟ قال أسد: أربع؛ الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله.
قال أبو الهندي: بلغني أنها خمس؛ قال: وما هن؟ قال: تجافيف على جمل، وسراج في شمس، ولبن في باطية، وخمر في علبة، وجرمي على سرير الأمير.
فضحك أسد وقال: قد كنت عن هذا غنياً!.
وعن المبرد، قال: سأل رجل أسد بن عبد الله، فاعتل عليه؛ فقال له السائل. والله لقد سألتك من غير حاجة؛ قال: فما الذي حملك على هذا؟ قال: رأيتك تحب من لك عنده حسن بلاء فأردت أن أتعلق منك بحبل مودةٍ! فوصله وأكرمه.
وعن محمد بن جرير الطبري، قال: وفيها يعني سنة عشرين ومئة كانت وفاة أسد بن عبد الله في قول المدائني.
وكان سبب ذلك أنه كانت به فيما ذكر دبيلة في جوفه، فحضر المهرجان وهو ببلخ، فقدم عليه الأمراء والدهاقين بالهدايا، فكان فيمن قدم عليه إبراهيم بن عبد الرحمن الحنفي عامله على هراة، وخراسان دهقان هراة، فقدما بهدية فقومت الهدية ألف ألف، فكان فيما قدما به قصران، قصر من ذهب وقصر من فضة، وأباريق من ذهب وأباريق من فضة، وصحاف من ذهب وفضة، فأقبلا وأسد جالس على سرير، وأشراف خراسان على الكراسي، فوضعها القصرين، ثم وضعا خلفهما الأباريق والصحاف والديباج المروي والقوهي والهروي وغير ذلك حتى امتلأ السماط، وكان فيما حيا به الدهقان أسداً كرة من ذهب، ثم قام الدهقان خطيباً، فقال: أصلح الله الأمير، إنا معشر العجم أكلنا الدنيا أربعمئة سنة، أكلناها بالحلم والعقل والوقار، ليس فينا كتاب ناطق ولا نبي مرسل، فكانت الرجال عند ثلاثة: رجل ميمون النقيبة أينما توجه فتح الله عليه؛ والذي يليه رجل تمت مروءته في بيته، فإن كان كذلك رجي وعظم وقود وقدم؛ ورجل رحب صدره، وبسط يده فرجي، فإن كان كذلك قود وقدم؛ وإن الله جعل صفات هؤلاء الرجال الثلاثة فيك أيها الأمير، فما نعلم أحداً هو أتم كتخدانية(4/323)
منك، إنك ضبطت أهل بيتك وحشمك ومواليك، فليس أحد منهم يستطيع أن يتعدى على صغير ولا كبير، ولا غني ولا فقير؛ فهذا تمام التخدانية؛ ثم بنيت الإيوانات في المفاوز، فيجيء الجائي من المشرق والآخر من المغرب فلا يجدان عيباً إلا أني يقولا: سبحان الله، ما أحسن ما بني؛ ومن يمن نقيبتك أنك لقيت خاقان وهو في مئة ألف، معه الحارث بن سريج، فهزمته وفللته، وقتلت أصحابه، وأبحت عسكره، وأما رحب صدرك وبسط يديك، فإنا ما ندري أي المالي أقر لعينك؟ أمال قدم عليك، أم مال خرج من عندك! بل أنت بما خرج أقر عيناً.
قال: فضحك أسد، وقال: أنت خير دهاقيننا، وأحسنهم هدية، وناوله تفاحة كانت في يده؛ وسجد له خراسان دهقان هرة؛ وأطرق أسد ينظر إلى تلك الهدايا، فنظر عن يمينه فقال: يا عذافر بن يزيد، مر بحمل هذا القصر الذهب، فحمل؛ ثم قال: يا معن بن أحمر رأس قيس أو قال: قنسرين مر بهذا القصر يحمل؛ ثم قال: يا فلان، خذ إبريقاً، ويا فلان، خذ إبريقاً، وأعطى الصحاف حتى بقيت صحفتان؛ ثم قال: قم يا ابن الصيداء فخذ صحفة؛ فقام فأخذ واحدة فوزنها فوضعها، ثم أخذ الأخرى فوزنها؛ فقال له أسد: مالك؟ قال: آخذ أرزنهما؛ قال: خذهما جميعاً. وأعطى العرفاء وأصحاب البلاء، فقام أبو اليعفور، وكان يسير أمام صاحب خراسان في المغازي ينادي: هلم إلى الطريق؛ فقال أسد: ما أحسن ما ذكرت بنفسك، خذ ديباجتين. قال: وقام ميمون بن الغراب فقال: إني على يساركم، إلى الجادة؛ قال: ما أحسن ما ذكرت بنفسك، خذ ديباجة. قال: وأعطى ما في السماط كله، فقال نهار بن توسعة: من الطويل
تقلون إن نادى لروع مثوب ... وأنتم غداة المهرجان كثير
ثم مرض أسد، فأفاق إفاقة، فخرج يوماً فأتي بكمثرى أول ما جاء، فأطعم الناس منه واحدةً واحدةً، ثم أخذ كمثراة فرمى بها إلى خراسان دهقان هراة، فانقطعت الدبيلة، فهلك.
واستخلف جعفر بن حنظلة البهراني سنة عشرين ومئة، فعمل أربعة أشهر، وجاء(4/324)
عهد نصر بن سيار في رجب سنة إحدى وعشرين ومئة، فقال ابن عرس العبدي: من الوافر
نعى أسد بن عبد الله ناع ... فريع القلب للملك المطاع
ببلخ وافق المقدار يسري ... وما لقضاء ربك من دفاع
فجودي عين بالعبرات سحاً ... ألم يحزنك تفريق الجماع!
أتاه حمامه في جوف صيغ ... وكم بالصيغ من بطل شجاع
كتائب قد يجيبون المنادي ... على جرد مسومةٍ سراع
سقيت الغيث إنك كنت غيثاً ... مريعاً عند مرتاد النجاع
وقال سليمان بن قتة، مولى بني تيم بن مرة، وكان صديقاً لأسد بن عبد الله: من الطويل
سقى الله بلخاً حزن بلخٍ وسهلها ... ومروي خراسان السحاب المجمما
وما بي لتسقاه ولكن حفرةً ... بها غيبوا شلواً كريماً وأعظما
مراجم أقوامٍ ومردي عظيمةٍ ... وطلاب أوتارٍ عفرنا عثمثما
لقد كان يعطي السيف في الروع حقه ... ويروي السنان الزاعبي المقوما
قال خليفة بن خياط: وفيها يعني سنة عشرين ومئة مات أسد بن عبد الله بخراسان.
أسد بن القاسم بن العباس بن القاسم
أبو الليث المقرئ، العبسي الحلبي سكن دمشق، وكان إمام مسجد سوق النحاسين.
سمع وأسمع.(4/325)
روى عن أبي القاسم الفضل بن جعفر، بسنده عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الصدقة تطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء ".
قال ابن الأكفاني: توفي في شوال سنة خمس عشرة وأربعمئة.
أسد بن محمد الحلبي
روى عن أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي، بسنده عن بهز بن حكيم القشيري، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أول ما يشهد على أحدكم فخذه ".
إسرائيل بن روح، ويقال: إسماعيل
الساحلي الجبيلي حكى عن مالك بن أنس، قال: سألت مالك بن أنس، قلت: يا أبا عبد الله، ما تقول في إتيان النساء في أدبارهن؟ قال: ما أنتم قوم عرب؟ هل يكون الحرث إلا موضع الزرع؟ أما تسمعون الله يقول: " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " قائمة وقاعدة وعلى جنبها، ولا تعدوا الفرج؛ قلت: يا أبا عبد الله، إنهم يقولون أنك تقول ذلك؛ قال: يكذبون علي، يكذبون علي، يكذبون علي.
أسعد بن الحسين بن الحسن
أبو المعالي، ابن القاضي أبي عبد الله الشهرستاني سمعت منه شيئاً يسيراً، وكان خيراً، وسكن الربوة مدة فكان يحسن إلى زوارها، ثم أخرج منها فانقطع، وسكن النيرب، وكان له بستان بين النهرين يظل أكثر أوقاته فيه منفرداً عن الناس.(4/326)
حكى عن أبي محمد ابن الأكفاني، بسنده عن حسين الصيرفي، قال: قال لي العتابي: قدمت على أبي ومعي حمار موقر كتباً؛ فقال لي: يا كلثوم، ما على حمارك؟ قلت: كتب يا أبه؛ فقال: والله، إن ظننت عليه إلا مالاً! ؛ فعدلت كما أنا إلى يعقوب بن صالح أخي عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس، فدخلت عليه فأنشدته، فقلت: من الخفيف
حسن ظني إليك أصلحك الل ... هـ دعاني فلا عدمت الصلاحا
ودعاني إليك قول رسول الل ... هـ إذا قال مفصحاً إفصاحا:
إن أردتم حوائجاً من وجوه ... فتنقوا لها الوجوه الصباحا
فلعمري لقد تنقيت وجهاً ... ما به خاب من أراد النجاحا
فقال لي: يا كلثوم، ما حاجتك؟ قلت: بدرتان؛ قال: فأمر لي بهما؛ قال: فأتيت أبي وهما معي، فقلت له: يا أبه، هذا بالكتب التي أنكرت.
مات أبو المعالي سنة سبع وخمسين وخمسمئة، ودفن بباب الصغير.
أسعد بن سهل بن حنيف بن واهب
ابن العكيم بن ثعلبة بن مجدعة بن الحارث بن عمرو، وهو بحزج ابن حنش ويقال: جلاس بن عوف بن عمرو بن عوف ابن مالك بن الأوس بن حارثة بن عمرو بن عامر أبو أمامة الأنصاري ولد على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو سماه، وحدث عنه مرسلاً.
روى عن عدد من الصحابة، وروي عنه؛ وقدم على أبي عبيدة بن الجراح بكتاب من عمر رضي الله عنه، وغزا الشام.(4/327)
عن ابن شهاب، أن أبا أمامة بن سهل بن حنيف أخبره أن مسكينة مرضت، فأخبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمرضها. قل: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعود المساكين ويسأل عنهم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا مات فآذنوني " قال: فخرج بجنازتها ليلاً، وكرهوا أن يوقظوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فلما أصبح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبر بالذي كان من شأنها، فقال: " ألم آمركم أن تؤذنوني بها؟ " فقالوا: يا رسول الله، كرهنا أن نخرجك ليلاً أو نوقظك.
قال: فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى صف بالناس على قبرها، وكبر أربع تكبيرات.
روى عن سعيد بن سعد بن عبادة، قال: كان بين أبياتنا رجل مخدج ضعيف سقيم، وكان مسلماً، فلم يرع أهل الدار إلا به على أمة من إماء أهل الدار يفجر بها؛ قال: فرفع شأنه سعد بن عبادة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اضربوه حده مئة سوط " قال: فقال: يا رسول الله، هو أضعف من ذلك، لو ضربته مئة سوط مات؛ قال: " فخذ له إثكالاً فيه مئة شمراخ ثم اضربوه ضربة ".
قال محمد بن إسحاق: الإثكال: عذق النخلة؛ وهو في حديث يزيد: عثكالاً.
عن أبي أمامة بن سهل، قال: كتب عمر إلى أبي عبيدة بن الجراح: أن علموا غلمانكم العوم، ومقاتلتكم الرمي، فكانوا يختلفون إلى الأغراض، فجاء سهم غرب إلى غلام فقتله، فلم يوجد له أصل، وكان في حجر خاله، فكتب فيه أبو عبيدة إلى عمر، فكتب فيه عمر: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: " الله ورسوله مولى منم لا مولى له، والخال وارث من لا وارث له ".
قال الواقدي: ذكروا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سماه أسعد، وكناه أبا أمامة باسم جده أبي أمامة أسعد بن زرارة، وكان ثقة كثير الحديث.
عن عتبة بن مسلم، قال: إن آخر خرجة خرج عثمان بن عفان يوم الجمعة، فلما استوى على المنبر حصبه الناس، فحيل بينه وبين الصلاة، فصلى للناس يومئذ أبو أمامة بن سهل بن حنيف.
مات سنة مئة.(4/328)
أسلم أبو خالد
ويقال: أبو زيد القرشي مولى عمر بن الخطاب، من سبي اليمن حضر الجابية مع سيده عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
روى عن عمر بن الخطاب، قال: حملت على فرس عتيق في سبيل اله، فأضاعه الذي كان عنده، فأردت أن أبتاعه، وظننت أنه بائعه، فسألت عن ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " لا تشتره ولو أعطاكه بدرهم واحد، ولا تعد في صدقتك، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه ".
وروى أن عمر بن الخطاب خطب الناس بباب الجابية، فقال: يا أيها الناس، قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فينا كمقامي فيكم، فقال: " أكرموا أصحابي، ثم الذين يلونهم " ثم سكت، فقلنا: ثم ماذا يا رسول الله؟ قال: " ثم يظهر الكذب حتى يحلف المرء قبل أن يستحلف، ويشهد قبل أن يستشهد، فمن أراد بحبوحة الجنة فعليه بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان، ومن سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن ".
عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: لما كنا بالشام أتيت عمر بماء فتوضأ منه، ثم قال: من أين جئت بهذا الماء، فما رأيت ماء غدر ولا ماء سماء أطيب منه؟ قلت: من بيت هذه النصرانية.
فلما توضأ أتاها فقال: أيتها العجوز أسلمي تسلمي، بعث الله محمداً بالحق، فكشفت عن رأسها فإذا مثل الثغامة، فقالت: عجوز كبيرة، وإنما أموت الآن؛ قال عمر: اللهم اشهد.
قال أسلم: خرجنا مع عمر بن الخطاب إلى الشام، فاستيقظنا ليلة وقد رحل لنا رواحلنا، وهو يرحل لنفسه، وهو يقول: من الرجز(4/329)
لا يأخذ الليل عليك بالهم ... والبس له القميص واعتم
وكن شريك رافع وأسلم ... ثم اخدم الأقوام حتى تخدم
قال: فقلت: رحمك الله يا أمير المؤمنين، لو أيقظتنا كفيناك.
قال القاضي: كأن أبا تمام سمع هذا فأخذ منه قوله: من الطويل
ومن خدم الأقوام يرجو نوالهم ... فإني لم أخدمك إلا لأخدما
عن زيد بن أسلم عن أبيه، قال: اشتراني عمر سنة اثنتي عشرة، وهي السنة التي قدم الأشعث بن قيس أسيراً، فأنا أنظر إليه في الحديد يكلم أبا بكر الصديق، وأبو بكر يقول له فعلت وفعلت؛ حتى كان آخر ذلك أسمع الأشعث بن قيس يقول: يا خليفة رسول الله استبقني لحربك، وزوجني أختك؛ ففعل أبو بكر، فمن عليه، وزوجه أخته أم فروة بنت أبي قحافة، فولدت له محمد بن الأشعث بن قيس.
قال يعقوب بن شيبة: واسلم من جلة موالي عمر، كان عمر يقدمه، وكان ابن عمر يعظمه، ويعرف له ذلك؛ وكان يكنى أبا خالد، وقد زعم لي بعض أهل العلم بالنسب: أن أهل بيت أسلم يزعمون أنهم من الأشعريين.
وذكر مصعب الزبيري: أن أسلم مولى عمر توفي بالمدينة في خلافة عبد الملك بن مروان.
عن محمد بن إسحاق، قال: بعث أبو بكر الصديق عمر بن الخطاب سنة إحدى عشرة، فأقام اللناس الحج، وابتاع فيها أسلم، يقال: إنه أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يره، وهو من الحبشة؛ مات وهو ابن مئة سنة وأربع عشرة سنة، وصلى عليه مروان بن الحكم.
قال العجلي: أسلم مولى عمر بن الخطاب مديني تابعي ثقة من كبار التابعين.
عن أبي رافع المدني، أنه سمع زيد بن أسلم يحدث عن أبيه، قال: تماريت أنا وعاصم في حسن الغناء، فقلت: أنا أحسن منك غناء؛ وقال: أنا أحسن منك غناء؛ فقلت:(4/330)
انطلق بنا إلى أمير المؤمنين يقضي بيني وبينك؛ فخرجنا حتى جئناه في بيته، فقال: مالكما؟ قلنا: جئناك لتقضي بيننا أينا أحسن غناء؛ قال: فخذا؛ قال: فتغنيت ثم تغنى صاحبي، فقال: كلاكما غير محسن ولا مجمل، أنتما كحماري العبادي، قيل له أي حماريك شر؟ قال: هذا ثم هذا!.
وعن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: ذكرت جديثاً رواه ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما حق امرئ مسلم يبيت ثلاث ليال إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه ".
قال: فدعوت بدواة وقرطاس لأكتب وصيتي، وغلبني النوم فنمت ولم أكتبها، فبينا أنا نائم إذ دخل داخل أبيض الثياب، حسن الوجه، طيب الرائحة؛ فقلت: يا هذا من أدخلك داري؟ قال: أدخلنيها ربها؛ قال: فقلت: من أنت؟ قال: ملك الموت؛ قال: فرعبت منه، فقال: لا ترع، إني لم أومر بقبض روحك، قال: قلت: فاكتب لي إذاً براءة من النار؛ قال: هات دواةً وقرطاساً؛ فمددت يدي إلى الدواة والقرطاس الذي نمت عنه وهو عند رأسي فناولته، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، أستغفر الله، أستغفر الله، حتى مل ظهر الكاغد وبطنه، ثم ناولنيه، فقال: هذا براءتك رحمك الله.
وانتبهت فزعاً، ودعوت بالسراج ونظرت، فإذا القرطاس الذي نمت وهو عند رأسي مكتوب ظهره وبطنه: أستغفر الله.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام: سنة ثمانين فيها توفي أسلم مولى عمر.
أسلم بن محمد بن سلامة
ابن عبد الله بن عبد الرحمن أبو دفافة الكناني العماني من أهل عمان، مدينة البلقاء، قدم دمشق وحدث بها.
روى عن أبي عطاء السائب بن أحمد، بسنده عن حذيفة بن اليمان، قال: والله إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة، وما بي أن يكون(4/331)
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسر إلي في ذلك شيئاً لم يحدثه غيري، ولكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال وهو يحدث مجلساً أنا فيهم عن الفتن، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يد الفتن: " منهن ثلاث لا يكون يذرن شيئاً، ومنهن فتن كرياح الصيف منها صغار ومنها كبار ".
قال حذيفة: فذهب أولئك الرهط غيري.
قال ابن زبر: مات سنة أربع وعشرين وثلاثمئة.
خالفه الرازي، قال: مات سنة خمس وعشرين وثلاثمئة.
إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل الواسطي
سمع بدمشق وبيروت.
روى عن أبي هبيرة محمد بن الوليد الدمشقي، بسنده عن أنس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يشير في الصلاة.
إسماعيل بن أحمد بن أيوب
ابن الوليد بن هارون أبو الحسن البالسي الخيزراني سمع بأطرابلس وبالس وحلب.
روى عن جعفر بن سهل، بسنده عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كل مسكر حرام، وكل مسكر خمر ".(4/332)
إسماعيل بن أحمد بن عبد الله
أبو الفضل الجرجاني الصوفي قدم دمشق وحدث بها.
روى عن الإمام أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي، بسنده عن الزبير بن العوام، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" اللهم باركت لأمتي في صحابتي، فلا تسلبهم البركة؛ وباركت لأصحابي في أبي بكر، فلا تسلبهم البركة، واجمعهم عليه، فإنه لم يزل يؤثر أمرك على أمره؛ اللهم أعز عمر بن الخطاب؛ وصبر عثمان بن عفان؛ ووفق علي بن أبي طالب؛ واغفر لطلحة، وثبت الزبير، وسلم سعداً، ووقر عبد الرحمن، وألحق بي السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان ".
إسماعيل بن أحمد بن عبيد الله
ابن خلف، ويقال: خالد أبو إبراهيم البخاري، الكرميني، الكندقي قدم دمشق راجعاً من الحج، وحدث بها.
روى عن أحمد بن محمد بن محمد بن الحسن البخاري، بسنده عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من رابط يوماً في سبيل الله كان كصيام شهر وقيامه، وأجير من فتنة القبر، وأجري عليه عمله إلى يوم القيامة ".
إسماعيل بن أحمد بن عبد المؤمن
ابن إسماعيل بن مشكان حرزاد، ابن أبي حازم حدث ببيروت؛ وابنه إبراهيم بن إسماعيل بن أحمد.(4/333)
روى عن محمد بن هاشم البعلبكي، بسنده عن أنس بن مالك، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من حرس على ساحل البحر ليلة، كان أفضل من عبادة رجل في أهله ألف سنة، كل سنة ثلاثمئة وستون يوماً، كل يوم كألف سنة ".
إسماعيل بن أحمد بن عمر
ابن أبي الأشعث أبو القاسم، ابن أبي بكر السمرقندي ولد بدمشق وسمع بها، ثم خرج إلى بغداد فاستوطنها إلى أن مات بها، وأدرك بها إسناداً حسناً، وسمع بها أبا الحسين ابن النقور، وأبا منصور بن غالب العطار، وأبا القاسم ابن البسري، وجماعة سواهم من أصحاب المخلص ممن دونهم، وكان مكثراً ثقة، صاحب نسخ وأصول، وكان دلالاً في الكتب.
وسمعته غير مرة يقول: أنا أبو هريرة في ابن النقور، يعني لكثرة ملازمته له وسماعه منه، فقل جزء قرئ على ابن النقور إلا وقد سمعه منه مراراً.
وبقي إلى أن خلت بغداد، وصار محدثها كثرة وإسناداً، حتى صار يطلب العوض على التسميع، بعد رغبته كانت إلى أصحاب الحديث وحرصه على إسماع ما عنده.
وأملي في جامع المنصور زيادة على ثلاثمئة مجلس في الجمعات بعد الصلاة في البقعة المنسوبة إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل.
وكان مبخوتاً في بيع الكتب، باع مرة صحيح البخاري وصحيح مسلم في مجلدة لطيفة بخط أبي عبد الله الصوري الحافظ بعشرين ديناراً؛ وقال لي: وقعت على هذه المجلدة بقيراط، لأني اشتريتها وكتاباً آخر معها بدينار وقيراط، فبعت ذلك الكتاب بدينار وبقيت هذه المجلدة بقيراط.
وكان قد قدم دمشق سنة نيف وثمانين زائراً لبيت المقدس، فزارها وسمع بها من(4/334)
جماعة، وسمع بدمشق نصر بن إبراهيم المقدسي، وحدث بدمشق في دار أبي الحسن ابن أبي الحديد، ثم رجع إلى بغداد.
روى عن أبي بكر الخطيب، بسنده عن سويد بن غفلة، قال: كنا حجاجاً فوجدت سوطاً فأخذته، فقال لي القوم: ألقه فلعله لرجل مسلم؛ قال: قلت: أوليس آخذه فأمسكه خيرٌ من أن يأكله ذيب؟ فلقيت أبي بن كعب فذكرت له ذلك، فقال: قد أحسنت؛ ثم قال: التقطت صرة فيها مئة دينار، فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرت له ذلك، فقال: " عرفها حولاً "؛ أتيته فقلت: قد عرفتها حولاً؛ فقال لي: " عرفها سنة " فقلت: قد عرفتها سنة؛ قال: " فعرفها سنة أخرى " ثم أتيته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: قد عرفتها؛ فقال: " انتفع بها ثم احفظ وكاءها وخرقتها واحص عددها فإن جاء صاحبها " قال جرير: قال شيئاً لا أحفظه.
قال السمعاني: سألته عن ولاده، فقال: يوم الجمعة وقت الصلاة الرابع من شهر رمضان سنة أربع وخمسين وأربعمئة بدمشق؛ توفي ليلة الثلاثاء ودفن ضحوة يوم الأربعاء السابع والعشرين من ذي القعدة سنة ست وثلاثين وخمسمئة، ودفن بمقبرة الشهداء من غربي بغداد.
إسماعيل بن أحمد بن محمد
ابن عبد العزيز أبو سعيد الجرجاني، الخلال، الوراق نزيل نيسابور.
رحل وسمع بدمشق وغيرها من جماعة، وروي عنه.
روى عن محمد بن الحسن بن قتيبة، بسنده عن عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن رسول الله أمر بكبش أقرن يطأ في سواد، وينظر في سواد، ويبرك في سواد،(4/335)
فأتى به ليضحي به قال: " عائشة، هلمي المدية " ثم قال: " اشحذيها بحجر " ففعلت، فأخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه، ثم قال: " بسم الله، اللهم تقبل عن محمد وآل محمد ".
وعن محمد بن الفيض الغساني، بسنده عن عائشة، قالت: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رأى ما يحب، قال: " الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات " وإذا رأى ما يكره، قال: المد لله على كل حال ".
قال أبو عبد الله الحافظ عنه: سكن نيسابور، وبها ولد له، وبها مات رحمه الله، وكان أحد الجوالين في طلب الحديث، والوراقين في بلاد الدنيا، والمفيدين؛ سمع في بلده ونيسابور وببغداد وبالكوفة والبصرة والجزيرة والشام ومصر، وذكر بعض مشايخه: انتقى عليه أبو علي الحافظ: ثم عقدت له المجلس بعد وفاته؛ وكان يملي من أصوله، وكان يحسن إلى أهل العلم ويقوم بحوائجهم، فإنه صار بتجارته موسعاً عليه.
توفي بنيسابور يوم الخميس السابع عشر من صفر سنة أربع وستين وثلاثمئة، وهو ابن سبع وثمانين سنة، ودفن من يومه العشية.
إسماعيل بن أحمد بن محمد
أبو البركات ابن أبي سعد الصوفي، المعروف بشيخ الشيوخ كان أبوه من أهل نيسابور، واستوطن بغداد، وولد له أبو البركات بها.
كتبت عنه شيئاً يسيراً، وكان قدم دمشق لزيارة بيت المقدس، ونزل في دويرة السميساطي.
روى عن القاضي عبد الباقي بن محمد بن غالب المعدل، بسنده عن أبي قتادة، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الرؤيا الصالحة من الله عز وجل، والرؤيا السوء من الشيطان؛ من رأى منكم(4/336)
رؤيا فكره منها شيئاً فلينفث عن يساره ثلاثاً وليتعوذ بالله من الشيطان فإنها لا تضره، ولا يخبر بها أحداً؛ وإن رأى رؤيا حسنة فليستبشر ولا يخبر بها إلا من يحب ".
قال السمعاني: سألت شيخ الشيوخ أبا البركات عن مولده فقال: في جمادى الآخرة سنة خمس وستين وأربعمئة؛ ومات ليلة الثلاثاء التاسع عشر من جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين وخمسمئة ببغداد.
إسماعيل بن أبان بن محمد بن حوي
أبو محمد، السكسكي البتلهي روى عن جماعة، وروى عنه جماعة.
روى عن أبي مسهر، بسنده عن أوس بن أوس الثقفي، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من غسل واغتسل، وغدا وابتكر، ودنا ولم يلغ، كان له بكل خطوة مشاها عمل سنة صيامها وقيامها ".
قال سعيد بن عبد العزيز: غسل رأسه واغتسل جسده.
وعن أبي مسهر، قال: سمعت مالك بن أنس يقول: جنة العالم قوله: لا أدري، فإذا أضاعها أصيبت مقاتله.
قال عمرو بن دحيم: هو من بيت لهيا، مات بها يوم الثلاثاء الثلاث عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة ثلاث وستين ومئتين.(4/337)
إسماعيل بن إبراهيم بن أحمد
ابن محمد بن إسحاق أبو الحارث المري الدمشقي
إسماعيل بن إبراهيم بن بسام
أبو إبراهيم الترجماني سمع بدمشق من جماعة، وأسمع.
روى عن شعيب بن صفوان، بسنده عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من قال: الله أكبر، لا إله إلا الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، كفر الله عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر ".
وعن أبي عوانه، بسنده عن الرحمن بن عوف، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ثلاث والذي نفسي بيده إن كنت لحالفاً عليهن: ما نقص مال من صدقة فتصدقوا، ولا يعفو عبد عن مظلمة يريد بها وجه الله إلا رفعه الله بها يوم القيامة، ولا يفتح رجل على نفسه باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر ".
قال محمد بن سعد: هو من أبناء أهل خراسان، ومنزله نحو صحراء أبي السري، توفي ببغداد لخمس ليال خلون من المحرم سنة ست وثلاثين ومئتين، وشهده ناس كثير، وكان صاحب سنة وفضل وخير كثير.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال لي أبي: اذهب إلى أبي إبراهيم الترجماني فأقرئه السلام، وقل له: وجه إلي بكتاب شعيب بن صفوان؛ قال: فجئت إليه فأقرأته من أبي السلام، وقلت له: قال لك أبي: ابعث إلي بكتاب شعيب بن صفوان؛ قال: نعم، يا أبا مسعود أخرج كتاب شعيب بن صفوان؛ قال: فأخرجه، فدفعه إلى؛ قال: فجئت به إلى أبي، فجعل ينظر فيه؛ قال: ثم قال: ما رأيت أحسن من هذه(4/338)
الأحاديث، اكتب، قال: فجعل ينتقي ويملي علي؛ قال: ثم ذهب أبي وذهبت معه إلى أبي إبراهيم فقرأها علينا.
سئل يحيى بن معين عنه، فقال: ليس به بأس.
إسماعيل بن إبراهيم بن زياد
إسماعيل بن إبراهيم بن العباس
ابن الحسن بن العباس أبو الفضل ابن أبي الحسين بن أبي الجن الحسني
ولي قضاء دمشق وخطابتها بعد أبيه أبي الحسين إبراهيم بن العباس من قبل أبي القاسم عبد الحاكم بن وهيب بن عبد الرحمن قاضي قضاة أبي تميم معد.
وكان جارنا، ودخلت عليه داره، ولم يقض لي السماع منه.
روى عن محمد بن عبد الرحمن التميمي، بسنده عن أنس بن مالك، قال: لما نزلت: " يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي " إلى قوله: " وأنتم لا تشعرون " قال: قال ثابت بن قيس: أنا والله الذي كنت أرفع صوتي عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإني أخشى أن يكون الله قد غضب علي.
قال: فحزن واصفر، قال: ففقده النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأل عنه، فقيل: يا نبي الله، يقول: أخشى أن أكون من أهل النار، كنت أرفع صوتي عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فقال نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بل هو من أهل الجنة ".
قال: فكنا نراه يمشي بين أظهرنا رجلاً من أهل الجنة.
ذكر أخوه أبو القاسم علي بن إبراهيم، أن أخاه أبا الفضل ولد لسبع عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة عشرين وأربعمئة.(4/339)
وذكر ابن الأكفاني أن الشريف القاضي أبا الفضل توفي ليلة الخميس الخامس والعشرين من صفر من سنة ثلاث وخمسمئة بدمشق.
إسماعيل بن إبراهيم المخلوع
ابن الوليد بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية الأموي
إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل
ابن سهل أبو إسحاق الكوفي، المعروف بترنجة، مولى قريش نزيل مصر، سمع بالكوفة وبالمدينة، واجتاز بدمشق وسمع بها، وسمع بمصر.
روى عن صفوان بن صالح، بسنده عن أبي عبد الله الأشعري، قال: صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأصحابه، ثم جلس في طائفة منهم، فدخل رجل، فقام يصلي، فجعل يركع وينقر في سجوده، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أترون هذا! من مات على هذا مات على غير ملة محمد، نقر صلاته كما ينقر الغراب الدم؛ إنما مثل الذي يصلي ويركع وينقر في سجوده كالجائع لا يأكل إلا التمرة والتمرتين، فماذا تغنيان عنه؟ فأسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار، أتموا الركوع والسجود ".
وعن سهل بن نصر، بسنده عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه ".
قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه، وهو صدوق.
قال ابن يونس: توفي بمصر ليلة الخميس سلخ جمادى الآخرة سنة سبعين ومئتين، وكان قد فلج وثقل لسانه قبل موته بيسير.(4/340)
إسماعيل بن إسحاق القاضي
وليس بالحمادي البغدادي قاضي القضاة، هذا غيره.
حدث بدمشق سنة ثلاث عشرة وثلاثمئة.
إسماعيل بن أيوب بن سلمة
ابن عبد الله بن الوليد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة ابن كعب بن لؤي بن غالب القرشي المخزومي المدني وفد على هشام بن عبد الملك يشكو إليه سجن أبيه حين تزوج فاطمة بنت حسن بن حسن.
حدث أن الوليد بن الوليد كان محبوساً بمكة، فلما أراد أن يهاجر باع مالاً له يقال له: المياقة بالطائف، ونقال: من الرجز
وليد هاجر وبع المياقه ... واشتر منها جملاً وناقه
ثم ارمهم بنفسك المشتاقه
فوجد غفلة من القوم عنه، فخرج هو وعياش بن أبي ربيعة بن المغيرة، وسلمة بن هشام بن المغيرة، مشاة يخافون الطلب، فسعوا حتى بلحوا، وقصر الوليد، فقال: من الرجز
يا قدمي ألحقاني بالقوم ... لا تعداني بسلاً بعد اليوم
فلما كان بحرة الأضراس نكب فقال: من الرجز
هل أنت إلا إصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت
فدخل على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فقال: يا رسول الله، خسرت وأنا ميت،(4/341)
فكفني في قميصك، واجعله مما يلي جلدي؛ فتوفي وكفنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قميصه، ودخل إلى أم سلمة وبين يديها صبي، وهي تقول: من مجزوء الكامل
أبكي الوليد بن الولي ... د أبا الوليد بن المغيره
إن الوليد بن الولي - د أبا الوليد كفى العشيره قد كان غيثاً في السني - ن وجعفراً غدقاً وميره فقال: " إن كدتم لتتخذون الوليد حناناً " فسماه: عبد الله.
وروى الزبير بن بكار، عن عبد الرحمن بن عبد الله الزهري، عن عمومته موسى وإسماعيل وعمران بني عبد العزيز، قالوا:
تزوج أيوب بن سلمة فاطمة بنت حسن بن حسن، زوجه إياها ابنها صالح بن معاوية بن عبد الله بن جعفر، فقام في ذل عبد الله بن حسن يرده عند خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم، فجعل أمرها إلى قاضيه محمد بن صفوان الجمحي، وخالد إذ ذاك والي المدينة، فاختصما بين يديه.
فقال له عبد الله بن الحسن، يعني أخاها: إن هذا تزوج هذه المرأة إلى غير ولي، هي امرأة من آل حسن، والمزوج من آل جعفر.
فأقبل ابن صفوان، فقال: صدق، مالك لم تزوجها إلى قومها وعشيرتها؟ ومالك تزوجتها في مسجد الفتح؟ فكان بين أيوب بن سلمة وبين محمد بن صفوان ما أستغني عن ذكره؛ وسجن أيوب. وخرج إسماعيل بن أيوب إلى هشام بن عبد الملك فشق ثوبه بين يديه، وأخبره الخبر؛ فكتب له إلى خالد بن عبد الملك: أن اجمع بين أيوب بن سلمة وبين فاطمة بنت حسن، فإن هي اختارت أيوب فافسخ ذلك وزوجها تزويجاً من ذي قبل، وإن هي لم تختره فافسخ النكاح ولا نكاح بينهما.
فلما جاءه الكتاب أرسل إلى فاطمة بنت حسن، فجاءت بين كساءين من خز(4/342)
وأتي بأيوب بن سلمة فخيرها خالد بن عبد الملك، فاختارت أيوب، ففسخ النكاح وأنكحها نكاحاً جديداً.
قالوا: فلقد رأينا جرار الطبرزذ يرمى بها فيما بين مروان ودار أيوب بن سلمة حتى شج بعض الناس.
إسماعيل بن أبي بكر الرملي
رأى عمر بن عبد العزيز، وسمع مكحولاً الدمشقي.
إسماعيل بن بوري بن طغتكين
أبو الفتح، المعروف بشمس الملوك ولي إمرة دمشق بعد قتل أبيه بوري، المعروف بتاج الملوك، في العشر الأخير من رجب سنة ست وعشرين وخمسمئة، وكان شهماً مقداماً مهيباً، استرد بانياس من أيدي الكفار في يومين، وكانت قد سلمها إليهم الإسماعيلية، وأسعر بلاد الكفار بالغارات؛ ثم مد يده إلى أخذ الأموال، وعزم على مصادرة المتصرفين والعمال؛ ولم يزل أميراً على دمشق حتى كتب إلى قسيم الدولة زنكي بن آق سنقر يستدعيه ليسلم إليه دمشق، فخافته أمه زمرد فرتبت له من قتله في قلعة دمشق في شهر ربيع الآخر من سنة تسع وعشرين وخمسمئة، ونصبت أخاه محمود بن بوري مكانه.(4/343)
إسماعيل بن حرب الأطرابلسي
إسماعيل بن الحسين بن أحمد
ابن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو محمد ابن أبي عبد الله العلوي النقيب، المعروف بالعفيف عم الشريفين العايد ومحسن، وأمه أم ولد.
ولي النقابة بدمشق من قبل المقتدر بالله، وكاتبه علي بن عيسى الوزير.
قرأت بخط عبد الوهاب الميدانين قال: وفي ليلة السبت توفي أبو محمد إسماعيل بن الحسين الحسيني العلوي، وأخرجت جنازته من الغد في يوم السبت لثمان خلون من رجب سنة سبع وأربعين وثلاثمئة، وكان له مشهد كبير، شهده الخاص والعام، والأمير فاتك، وصلي عليه في المصلى.
إسماعيل بن حصن بن حسان
أبو سليم القرشي الجبيلي من أهل جبيل، من ساحل دمشق.
روى عن جماعة، وروى عنه جماعة.
روى عن محمد بن يوسف الفريابي، بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن اليهود والنصارى لا تصبغ فخالفوهم ".
وعن محمد بن شعيب بن شابور، بسنده عن عبد الله بن عمر، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان إذا افتتح الصلاة وكبر رفع يديه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه، قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه وهو صدوق.(4/344)
قال ابن زبر: وفيها يعني سنة أربع وستين ومئتين مات أبو سليم.
إسماعيل بن أبي حكيم المدني القرشي
مولى عثمان بن عفان، ويقال: مولى الزبير بن العوام سمع وأسمع.
روى عن عبيدة بن سفيان الحضرمي، عن أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أكل ذي ناب من السباع حرام ".
وعن سعيد بن مرجانة، قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب منه إرباً منه من النار ".
وعن عمر بن عبد العزيز، عن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ أنه رأى أبا هريرة يتوضأ فوق ظهر المسجد، فقال: ما هذا الوضوء؟ قال أبو هريرة: وما تدري مم أتوضأ؟ أتوضأ من أثوار أقطٍ، وإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " توضؤوا مما مست النار ".
وحدث، قال: بعثني عمر بن عبد العزيز. حين ولي في الفداء، فبينا أنا أجول في القسطنطينية إذ سمعت صوتاً يتغنى فيه: من الوافر
أرقت وغاب عني من يلوم ... ولكن لم أنم أنا والهموم
كأني من تذكر ما ألاقي ... إذا ما أظلم الليل البهيم
سليم مل منه أقربوه ... وودعه المداوي والحميم
وكم من حرة بين المنقى ... إلى أحد إلى ما حاز ريم(4/345)
إلى الجماء من خد أسيل ... نقي اللون ليس له كلوم
يضيء دجى الظلام إذا تبدى ... كضوء الفجر منظره وسيم
فلما أن دنا منا ارتحال ... وقرب ناجيات السير كوم
أتين مودعات والمطايا ... على أكوراها خوص هجوم
فقائلة ومثنية علينا ... تقول وما لها فينا حميم
وأخرى لبها معنا ولكن ... تستر وهي واجمة كظوم
تعد لنا الليالي تحتصيها ... متى هو حائن منا قدوم
متى تر غفلة الواشين عنا ... تجد بدموعها العين السجوم
قال أبو عبد الله: والشعر لبقيلة الأشجعي؛ وسمعت العتبي صحف في اسمه فقال: نفيلة.
قال إسماعيل بن أبي حكيم: فسألته حين دخلت عليه، فقلت: من أنت؟ قال: أنا الوابصي الذي أخذت فعذبت ففزعت فدخلت في دينهم، فقلت: إن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز بعثني في الفداء، وأنت والله أحب من أفتديه إن لم تكن بطنت في الكفر؛ قال: والله قد بطنت في الكفر.
قال: فقلت له: أنشدك الله أسلم؛ فقال: أسلم وهذان ابناي، وقد تزوجت امرأة منهم وهذان ابناها، وإذا دخلت المدينة فقال أحدهم: يا نصراني، وقيل لولدي وأمهم كذلك، لا والله لا أفعل؛ فقلت له: قد كنت قارئاً للقرآن؛ فقال: إي والله قد كنت من أقرأ القراء للقرآن؛ فقلت: فما بقي معك من القرآن؟ قال: لا شيء إلا هذه الآية "(4/346)
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين " وقد رويت هذه القصة من وجه آخر.
سئل يحيى بن معين عنه، فقال: ثقة.
قال محمد بن سعد: وكان كاتباً لعمر بن عبد العزيز، وتوفي سنة ثلاثين ومئة، وكان قليل الحديث.
إسماعيل بن حمدويه
أبو سعيد البيكندي، البخاري قدم دمشق سنة تسع وستين ومئتين؛ وروى عن جمعة، وروى عنه جماعة.
روى عن عبدان، بسنده عن أبي الطفيل، قال: سمعت علياً يسأل: هل خصكم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: ما خصنا بشيء لم يعم به الناس كافة، إلا ما في قراب سيفي هذا، فأخرج صحيفة مكتوب فيها: " لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى محدثاً ".
وعن أبي حذيفة، بسنده عن عبد الله، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك ".
وعن مسلم بن إبراهيم، بسنده عن ابن عباس، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر رضاها سكوتها ".
قال ابن يونس: قدم إلى مصر، وحدث بها، توفي سنة ثلاث وسبعين ومئتين.(4/347)
إسماعيل بن حمد بن محمد بن المعلم
أبو القاسم الهمداني البيع توفي سنة أربع وخمسين وأربعمئة بدمشق في شعبان.
إسماعيل بن خالد بن عبد الله
ابن يزيد بن أسد البجلي القسري من وجوه أهل دمشق، كان في صحابة المنصور.
حدث الوضاح بن حبيب بن بديل التميمي، عن أبيه، قال: كنت يوماً عند أبي جعفر المنصور، وعبد الله بن عياش الهمداني المنتوف، وعبد الله بن الربيع الحارثي، وإسماعيل بن خالد بن عبد الله القسري؛ وكان أبو جعفر ولى سلم بن قتيبة البصرة، وولى مولى له كور البصرة والأبلة، فورد الكتاب من مولى أبي جعفر يخبر أن سلماً ضربه بالسياط، فاستشاط أبو جعفر، وضرب إحدى يديه على الأخرى وقال: أعلي يجترئ سلم؟ والله لأجعلنه نكالاً وعظة؛ وجعل يقرأ كتباً بين يديه.
قال: فرفع ابن عياش رأسه وكان أجرأنا عليه فقال: يا أمير المؤمنين، لم يضرب سلم مولاك بقوته ولا بقوة أبيه، ولكنك قلدته سيفك، وأصعدته منبرك، فأراد مولاك أن يطأطئ من سلم ما رفعت، ويفسد ما صنعت، فلم يحتمل له ذلك؛ يا أمير المؤمنين، إن غضب العربي في رأسه إذا غضب لم يهدأ حتى يخرجه بلسان أو يد؛ وإن غضب النبطي في استه فإذا خري ذهب غضبه. فضحك أبو جعفر، وقال: قبحك الله يا منتوف؛ وكف عن سلم.
إسماعيل بن رافع بن عويمر
ويقال: ابن أبي عويمر أبو رافع المدني، مولى مزينة روى عن جماعة،، وروى عنه جماعة؛ ووفد على عمر بن عبد العزيز.(4/348)
روى عن محمد بن المنكدر، عن جابر. قال: قال رجل: يا رسول الله، عندي دينار: قال: " أنفقه على نفسك " قال: عندي آخر؛ قال: " أنفقه على زوجتك " قال: عندي آخر؛ قال: " أنفقه على ولدك " أو " خادمك " شك الوليد قال: عندي آخر؛ قال: " اجعله في سبيل الله، وهو أخسها موضعاً ".
قال ابن عدي: ولإسماعيل بن رافع أحاديث غير ما ذكرته، وأحاديثه كلها مما فيه نظر، إلا أنه يكتب حديثه في جملة الضعفاء.
وروى عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يعيبه، ولا يدفع مدفع سوء يعيبه فيه، ولا يتطاول عليه في البنيان فيصد عنه الريح إلا بإذنه، ولا يؤذيه بقتار قدره إلا أن يغرف له منها ".
إسماعيل بن رجاء بن سعيد
ابن عبيد الله أبو محمد العسقلاني الأديب سمع وأسمع، وقدم صيدا من أعمال دمشق وقرأ بها القرآن، وبدمشق وبعسقلان.
روى عن محمد بن أحمد الحندري، بسنده عن جابر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المؤمن آلف مألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس ".
قال أبو نصر بن طلاب: كان إسماعيل بن رجاء العسقلاني قدم صيدا وأنا بها، وهو طالب لقراءة القرآن وكان أديباً على الشيخ أبي الفضل محمد بن إبراهيم الدينوري بعلو إسناده، فاجتمعت معه دفعات للمحاورة والمؤانسة فأنشدني ما يروى للرشيد الخليفة: من الكامل(4/349)
ملك الثلاث الآنسات عناني ... وحللن من قلبي بكل مكان
ما لي تطاوعني البرية كلها ... وأطيعهن وهن في عصياني
ما ذاك إلا أن سلطان الهوى ... ويه قوين أعز من سلطاني
مات سنة ثلاث وعشرين وأربعمئة بالرملة في رمضان.
إسماعيل بن زياد
أبو الوليد البيروتي، القاص.
روى عن برد بن سنان، عن مكحول، عن عطية بن بسر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من بات وفي يده غمر من لحم فأصابه شيء من الشيطان فلا يلومن إلا نفسه ".
إسماعيل بن سعد بن إبراهيم
ابن عبد الرحمن ابن عوف بن عبد عوف بن الحارث بن زهرة، القرشي الزهري اجتاز بدمشق غازياً.
قال الزبير بن بكار: إسماعيل بن سعد بن إبراهيم، لأم ولد، استشهد بالروم.
إسماعيل بن سعيد الهمداني
وفد على الوليد بن عبد الملك بن مروان.
بلغني عن بعض أهل العلم، قال: ودع الوليد بن عبد الملك قوم من اليمانية، فقال له إسماعيل بن سعيد الهمداني وكان في كلامه عجلة: أحسن الله لك الصحابة وعلينا الخلافة؛ فضحك الوليد، فقال له عياش بن عبد الله الموهبي: صه، لا تراك همدان تضحك من كلام سيدها؛ قال الوليد: فإن رأيتني فمه؟ قال: إذاً لا ترى من السماء إلا خطفة؛ فقال له الوليد: عفيرية يا عياش! فقال: هو ما أقول لك.(4/350)
يعني قولهم في المثل: جبار من مس برنس عفير؛ وهو عفير بن زرعة كان من الدين والفضل بمكان، فخرج في جيش الصائفة إلى أرض الروم وجهه معاوية فوق في الجيش اختلاط، فخرج عفير ليصلح بين الناس وعليه برنس فجذب برنسه رجل من قيس، فلم يمس في ذلك الجيش قيسي إلا مكتوفاً! فجعل الرجل من اليمانية يقول لكتيفه: لعلك ممن مس برنس عفير؟ فيقول: لا والله؛ فيقول: لو كنت منهم لضربت عنقك!.
ثم طلب فيهم عفير فأرسلوا؛ وعفير هذا من ولد سيف بن ذي يزن.
إسماعيل بن سفيان الرعيني الحجري
المصري الأعمى وفد على الوليد وسليمان، وعلى عمر بن عبد العزيز.
حدث، قال: كنت أخرج إلى الوليد وسليمان بن عبد الملك فيعطوني، فلما ولي عمر بن عبد العزيز خرجت إليه، وكنت على الباب الذي يخرج منه فرفعت صوتي بالقرآن، فأرسل إلي: ممن أنت؟ قلت: من أهل مصر؛ قال: ما حملك إلينا؟ قلت: إني كنت أخرج إلى الوليد وسليمان بن عبد الملك فأصيب منهما؛ قال: أترى أنا كنا غافلين عنك وعن أشباهك وأنت في بلد ومنزلك؟ فأعطاني حمولتي إلى مصر، وأمرني بالانصراف.
إسماعيل بن صالح بن علي
ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي وهو ممن دخل دمشق.
روى عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس، قال: كنت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بغلته، وأنا ابن ثمان سنين، وهو يريد عمته بنت(4/351)
عبد المطلب، فوقف في طريقه على شجرة قد يبس ورقها وهو يتساقط، فقال: " يا عبد الله " قلت: لبيك يا رسول الله؛ قال: " ألا أنبئك بما يساقط الذنوب عن بني آدم كتساقط الورق عن هذه الشجرة " قلت: بلى يا رسول الله بأبي أنت وأمي؛ قال: " قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فإنهن الباقيات الصالحات المنجيات المعقبات ".
قال محمد بن إسماعيل بن صبيح: قال الرشيد للفضل بن يحيى وهو بالرقة: قد قدم إسماعيل بن صالح بن علي وهو صديقك، وأريد أن أراه؛ فقال له: إن أخاه عبد الملك في حبسك. وقد نهاه أن يجيئك؛ قال الرشيد: فإني أتعلل حتى يجيئني عائداً. فتعلل.
فقال الفضل لإسماعيل: ألا تعود أمير المؤمنين؟ قال: بلى؛ فجاءه عائداً، فأجلسه ثم دعا بالغداء. فأكل وأكل إسماعيل بين يديه؛ فقال له الرشيد: كأني قد نشطت برؤيتك لشرب قدح؛ فشرب وسقاه، ثم أمر فأخرج جوار يغنين، وضربت ستارة، وأمر بسقيه؛ فلما شرب أخذ الرشيد العود من يد جارية ووضعه في حجر إسماعيل، وجعل في عنق العود سبحة فيها عشرة درات اشتراها بثلاثين ألف دينار، وقال: عن يا إسماعيل وكفر عن يمينك بثمن هذه السبحة؛ فاندفع يغني بشعر الوليد بن يزيد في عالية أخت عمر بن عبد العزيز وكانت تحته وهي التي ينسب إليها سوق عالية بدمشق: من الطويل
فأقسم ما أدنيت كفي لريبةٍ ... ولا حملتني نحو فاحشةٍ رجلي
ولا قادني سمعي ولا بصري لها ... ولا دلني رأي عليها ولا عقلي
وأعلم أني لم تصبني مصيبة ... من الدهر إلا قد أصاب فتى قبلي
فسمع الرشيد أحسن غناء من أحسن صوت، وقال: الرمح يا غلام؛ فجيء بالرمح فعقد له لواء على إمارة مصر.
قال إسماعيل: فوليت ست سنين أوسعتهم عدلاً، وانصرفت بخمسمئة ألف دينار.
قال: وبلغت عبد الملك أخاه ولايته، فقال: غنى والله الخبيث لهم، ليس هو لصالح بابن.(4/352)
قال إسماعيل: دخلت على الرشيد وقد عهد إلى محمد والمأمون فيمن يهنيه من ولد صالح بن علي، فأنشأت أقول: من مجزوء الكامل
يا أيها الملك الذي ... لو كان نجماً كان سعداً
اعقد لقاسم بيعة ... واقدح له في الملك زنداً
الله فرد واحد ... فاجعل ولاة العهد فرداً
قال: فاستضحك هارون؛ وبعثت إلي أم جعفر: كيف تحبنا وأنت شآم؟ وبعثت إلي أم المأمون: كيف تحبنا وأنت أخو عبد الملك بن صالح؟ وبعثت إلي أم القاسم بعشرة آلاف درهم. فاشتريت بها ضيعتي بأرتاح.
إسماعيل بن العباس بن أحمد
ابن العباس بن محمد بن عيسى أبو علي النيسابوري الصيدلاني المقرئ سكن دمشق، وحدث.
روى عن الحسن بن علي بن إبراهيم المقرئ، بسنده عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن لله عز وجل أهلين من الناس " قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: " هم أهل القرآن، أهل الله وخاصته ".
إسماعيل بن عبد الله بن خالد
ابن يزيد أبو عبد الله القرشي العبدري، الرقي، المعروف بالسكري قاضي دمشق.
سمع وأسمع.(4/353)
روى عن عيسى بن يونس، بسنده عن مروان بن الحكم، قال: كنت جالساً عند عثمان بن عفان، فسمع علياً يلبي بعمرة وحجة فأرسل إليه فقال: ألم نكن نهينا عن هذا؟ قال: بلى، ولكن سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبي بهما جميعاً، فلم أكن أدع قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن الوليد بن مسلم، بسنده عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال:
" يقوم الناس لرب العالمين مقدار نصف يوم، خمسين ألف سنة، فيهون ذلك اليوم على المؤمن كتدلي الشمس للغروب إلى أن تغرب ".
وعن عبيد الله بن عمرو، بسنده عن يعلى بن مرة الثقفي، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من سرق شبراً من الأرض جاء يحمله يوم القيامة إلى أسفل الأرضين ".
عن يعلى بن الأشدق العقيلي، عن عمه، عن أبي ذر، قال: حفظت عن خليلي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثاً أوصاني بهن: صلاة الضحى في الحضر والسفر، وأن لا أنام إلا على وتر، وبالصلاة عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال إبراهيم بن أيوب الحوراني: قلت لإسماعيل بن عبد الله القاضي: بلغني أنك كنت صوفياً، من أكل من جرابك كسرة افتخر بها على أصحابه؟ فقال: " حسبنا الله ونعم الوكيل ".
وعن ابن فيض، قال: لم يل القضاء بدمشق بعد محمد بن يحيى بن حمزة أحد في خلافة المعتصم وخلافة الواثق، حتى كانت خلافة جعفر المتوكل فولى ابن أبي دواد إسماعيل بن عبد الله السكري في أول سنة ثلاث وثلاثين ومئتين، فأقام قاضياً إلى أن عزل أحمد بن أبي دواد. وولي يحيى بن أكثم، فعزل إسماعيل بن عبد الله السكري عن القضاء وولى محمد بن هاشم بن قيسرة مكانه.
مات بعد الأربعين ومئتين(4/354)
إسماعيل بن عبد الله بن سماعة
أبو محمد القرشي، العدوي، مولى عمر بن الخطاب أصله من الرملة.
روى عن الأوزاعي، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أن أنس بن مالك حدثه أن أبا طلحة كان يترس بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بترس واحد، وكان أبو طلحة رجلاً حسن الرمي، فكان إذا رمى يشرف رسول الله إلى موضع قبله.
وعنه، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يحب الرفق في الأمر كله ".
وعنه، بسنده عن أبي جمعة، قال: تغدينا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، فقلنا: يا رسول الله، أحد خير منا؟ أسلمنا معك، وجاهدنا معك؛ قال: " نعم، قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني ".
قال العجلي عنه: دمشقي ثقة.
إسماعيل بن عبد الله بن مسعود
ابن جبير بن عبد الله بن كيسان أبو بشر العبدي، الفقيه المعروف بسمويه من أهل أصبهان، له رحلة واسعة سمع فيها وأسمع.
روى عن سعيد بن أبي مريم، بسنده عن الهيثم بن شعبي، قال: خرجت أنا وأبو عامر المغافري إلى إيليا لنصلي، فأخبرني أبو عامر أنه سمع(4/355)
أبا ريحانة يقول: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الوشم والوشر، ون مكامعة المرأة في غير شعار.
وعن علي بن عياش الحمصي، بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا حمى إلا لله ورسوله ".
قال ابن أبي حاتم: وهو ثقة صدوق.
وقال أبو نعيم الحافظ: كان من الحفاظ والفقهاء، توفي سنة سبع وسيتين ومئتين.
إسماعيل بن عبد الله بن ميمون
ابن عبد الحميد بن أبي الرجال أبو النضر العجلي البغدادي أصله من مرو.
سمع وأسمع وقدم دمشق وحدث بها.
روى بسر من رأى في رحبة أبي عون، عن محمد بن مصعب، بسنده عن واثلة بن الأسقع، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم ".
وعن أبي النضر هاشم بن القاسم، بسنده عن أبي أمامة، قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع المغنيات وعن شرائهن، وعن كسبهن، وعن أكل ثمنهن.
قال عنه النسائي: مروزي ليس به بأس.
قال محمد بن إسحاق الثقفي: أنشدني أبو النضر العجلي لنفسه: من الطويل(4/356)
تخبرني الآمال أني معمر ... وأن الذي أخشاه عني مؤخر
فكيف وبرد الأربعين قضية ... علي بحكم قاطع لا يغير
إذا المرء جاز الأربعين فإنه ... أسير لأسباب المنايا ومعثر
توفي ليلة الاثنين ودفن يوم الاثنين لثلاث وعشرين خلت من شعبان سنة سبعين ومئتين وقد بلغ أربعاً وثمانين سنة.
إسماعيل بن عبد الله
ابن وهب أبي البختري بن وهب القرشي، الأسدي من أهل صيدا.
إسماعيل بن عبد الله بن أسد
ابن كرز بن عامر بن عبد الله بن عبد شمس بن غمغمة بن جرير بن شق الكاهن ابن صعب بن يشكر بن رهم بن أفرك بن نذير بن قسر
أبو هاشم القسري البجلي، أخو خالد ولي إمرة الموصل.
روى عن أخيه خالد، عن جده، أنه قدم على عمر بن الخطاب من دمشق، فقال له: يا ابن أسد، ما الشهداء فيكم؟ فقال: الشهيد يا أمير المؤمنين من قاتل في سبيل الله حتى يقتل؛ قال: فما تقولون فيمن مات حتف أنفه لا يعلمون منه إلا خيراً؟ قال: عبد خيراً، ولقي رباً لا يظلمه، يعذب من عذبه بعد الحجة عليه، والعذرة فيه، أو يعفو عنه.
قال عمر: كلاً والله، ما هو كما يقولون؛ من مات مفسداً في الأرض، ظالماً للذمة، عاصياً للإمام، غالاً للمال، ثم لقي العدو فقاتل فقتل شهيداً، ولكن الله عز وجل قد يعذب عدوه بالبر والفاجر، ومن مات حتف أنفه لا يعلمون منه إلا خيراً، كما قال الله عز(4/357)
وجل: " من يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين " الآية.
قال ابن سعد: ولي الموصل، وكان في صحابة أبي جعفر.
إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر
واسم أبي المهاجر: أقرم أبو عبد الحميد، مولى بني مخزوم من أهل دمشق، كانت داره ظاهر باب الجابية، وعند طريق القنوات، وكان يؤدب ولد عبد الملك بن مروان، واستعمله عمر بن عبد العزيز على إفريقية.
روى عن جماعة، وأدرك معاوية وروى عنه جماعة.
روى عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله ".
روى عمن حدثه، عن عقبة بن عامر الجهني، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من ستر فاحشة فكأنما أحيا مؤودة ".
قال جابر بن عبد الله: وأنا سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال الأوزاعي: أتانا إسماعيل بن عبيد الله في زمان مروان مرابطاً ببيروت، فجبذني، ثم قال: إني أركن هؤلاء القوم يعني القدرية فلعلك منهم؟ قلت: لا والله ما أنا منهم.
وقال الهيثم بن عمران: رأيت إسماعيل بن عبيد الله وكان من صالحي المسلمين يخضب رأسه ولحيته.
وقال عنه العجلي: شامي تابعي ثقة.(4/358)
وقال الهيثم بن عمران: سمعن إسماعيل بن عبيد الله يقول: ينبغي لنا أن نحفظ حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما يحفظ القرآن لأن الله يقول: " وما آتاكم الرسول فخذوه ".
وقال: سمعت إسماعيل بن عبيد الله وسمع ربيعة بن يزيد يحدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم ثنى ثم ثلث فحدث إسماعيل عن كسرى ثم ثنى ثم ثلث؛ فقال ربيعة: غفر الله لك أبا عبد الحميد، حدثت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتحدث عن كسرى؟ فقال: ما حدثت عنه إلا من أجلك، انظر كيف تحدث يا ربيعة، فإنك ترى الإمام على المنبر يتكلم بالكلام فما تخرجون من المسجد حتى تختلفوا عليه، والله لأن أكذب على كسرى أحب إلي من أن أكذب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال: وسمعته يحدث، قال: قال لي عمر بن عبد العزيز: كم أتت عليك يا إسماعيل سنة؟ قلت: ستون سنة وشهور؛ قال: يا إسماعيل، إياك والمزاج.
قال عبد الملك بن مروان: ما رأيت مثلنا ومثل هذه الأعاجم، كان الملك فيهم دهراً طويلاً، فوالله ما استعاذوا منا إلا برجل واحد يعني النعمان بن المنذر ثم عادوا عليه فقتلوه؛ وأن الملك فينا مد هذه المدة فقد استعنا منهم برجال حتى في لغتنا، هذا إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر يعلم ولد أمير المؤمنين العربية! قال إسماعيل لبنيه: يا بني أكرموا من أكرمكم وإن كان عبداً حبشياً، وأهينوا من أهانكم وإن كان رجلاً قرشياً.
قال ابن يونس: توفي سنة إحدى وثلاثين ومئة، وكان مولده سنة إحدى وستين.(4/359)
إسماعيل بن عبيد الله
ويقال: ابن عبيد العكي روى عن غالب بن مسعود، عن أبي هريرة قوله: أوصاني خليلي أبو القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وسبحة الضحى في الحضر والسفر، وأنا لا أنام إلا على وتر.
إسماعيل بن عبيد الله
أبو علي المقرئ قرأ القرآن العظيم على هشام بن عمار بحرف ابن عامر.
إسماعيل بن إبراهيم بن عامر بن عابد
أبو عثمان الصابوني، النيسابوري، الحافظ، الواعظ، المفسر قدم دمشق حاجاً سنة اثنتين وثلاثين وأربعمئة، وحدث بها، وعقد مجلس التذكير.
روى عن جماعة، وروى عنه جماعة كثيرة من أهل نيسابور وغيرهم.
روى عن أبي سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الرازي، بسنده عن أنس بن مالك، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنتان؛ حب المال وطول العمر ".
وأنشد لنفسه: من البسيط
ما لي أرى الدهر لا يسخو بذي كرم ... ولا يجود بمعوان ومفضال(4/360)
ولا أرى أحداً في الناس مشترياً ... حسن الثناء بإنعام وإفضال
ولا أرى أحداً في الناس مكتنزاً ... ظهور أثنية أو مدح مقوال
صاروا سواسية في لؤمهم شرعاً ... كأنما نسجوا فيه بمنوال
وقال: ورأيت في بعض أجزائي مكتوباً: من البسيط
طيب الزمان لمن خفت مؤونته ... ولن يطيب لذي الأثقال والمؤمن
فاستحسنته، وأضفت إليه من قبلي: من البسيط
هذا يزجي بيسر عمره طرباً ... وذاك ينماث في غم وفي حزن
فاجهد لتزهد في الدنيا وزينتها ... إن الحريص على الدنيا لفي محن
وقال: وكنت قلت في غياب ولدي أبي نصر عبد الله الخطيب رحمه الله ورضوانه عليه: من المنسرح
غاب وذكراه لم يغب أبداً ... وكان مثل السواد في الحدقه
لو رده الله بعد غيبته ... جعلت مالي لشكره صدقه
فلم يرد الله سبحانه وتعالى رده وقضى، قبض روحه في بعض ثغور أذربيجان متوجهاً إلى بيت الله الحرام، وزيارة قبر نبيه المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، فصبراً لحكمه، ورضى بقضائه، وتسليماً لأمره " ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين " وإلى الله جل جلاله الرغبة في التفضل عليه بالمغفرة والرضوان والجمع بيننا وبينه في رياض الحنان بمنه وكرمه.
ومن ذلك قوله: " من الطويل
إذا ما أصب أموالكم ونوالكم ... ولم آمل المعروف منكم ولا البرا
وكنتم عبيداً للذي أنا عبده ... فمن أجل ماذا تعب البدن الحرا(4/361)
قال عنه البيهقي الحافظ: إمام المسلمين حقاً، وشيخ الإسلام صدقاً.
قال الإمام أبو علي الحسن بن العباس: اتفق مشايخنا من أئمة الفريقين، وسائر من ينتهي إلى علم التفسير والتذكير أن أبان عثمان كامل في آلاته، مستحق للإمامة بصفاته، لم يترقل الكرسي في زمانه على ظرفه وبيانه، وثقته وصدق لسانه مثله.
وحدث أبو طالب الحراني وكان قد أمضى في خدمته العلم طرفاً صالحاً من عمره بينسابور، وقرأ على بي منصور البغدادي وأبي محمد الجويني قال: توسطت مجالس أعيان الوقت أيام السلطان أبي القاسم رحمه الله، فصادفتهم مجمعين على أن أبا عثمان إذا نطق بالتفسير قرطس في غرض الإجادة والإصابة، وإذا أخذ في التذكير والرقائق أجابته القلوب القاسية أحسن الإجابة، وأنه في علم الحديث علم بل عالم وبسائر العلوم متحقق عالم.
وقال أبو عبد الله الخوارزمي شيخ تفقه ببغداد: دخلت نيسابور عند اجتيازي إلى العراق لطلب العلم، فرأيت أبا عثمان مائساً في حلة الشباب، ولمته يومئذ كجناح الغداف أو حنك الغراب، وشيوخ التفسير إذ ذاك متوافرون كأبي سعد وأبي القاسم، وهو يعد على تقارب سنة صدراً وجيهاً، وشيخاً نبيهاً، له ما شئت من إكرام وإعظام وإجلال وإفضال.
قال أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي: الأستاذ الإمام شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني، الخطيب المفسر المحدث الواعظ، أوحد وقته في طريقته، وعظ المسلمين في مجالس التذكير سبعين سنة، وخطب وصلى في الجامع نحواً من عشرين سنة، وكان أكثر أهل العصر من المشايخ سماعاً وحفظاً ونشراً لمسموعاته، وتصنيفاً وجمعاً وتحريضاً على السماع، وإقامة لمجالس الحديث.
سمع الحديث بنيسابور وذكر بعض شيوخه وبسرخس وبهراة، وسمع بالشام(4/362)
والحجاز وبالجبال وغيرها من البلاد، وحدث بخراسان إلى غزنة، وبلاد الهند وبجرجان وآمل وطبرستان والثغور، وبالشام وبيت المقدس والحجاز، وأكثر الناس السماع منه، ورزق العز والجاه في الدين والدنيا، وكان جمالاً للبلد، زيناً للمحافل والمجالس، مقبولاً عند الموافق والمخالف، مجمعاً على أنه عديم النظير، وسيف السنة ودامغ أهل البدعة.
وكان أبوه أبو نصر من كبار الواعظين بنيسابور، ففتك به لأجل التعصب والمذهب، فقتل، وهذا الإمام صبي بعد حول سبع سنين، وأقعد بمجلس الوعظ مقام أبيه، وحضر أئمة الوقت مجالسه، وأخذ الإمام أبو الطيب الصعلوكي في تربيته وتهيئه أسبابه، وكان يحضر مجالسه ويثني عليه، وكذلك سائر الأئمة كالأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني، والأستاذ الإمام أبي بكر بن فورك وسائر الأئمة، ويتعجبون من كمال ذكائه وعقله، وحسن إيراده الكلام، وحفظه للأحاديث، حتى كبر وبلغ مبلغ الرجال، ولم يزل يرتفع شأنه حتى صار إلى ما صار إليه، وهو في جميع أوقاته مشتغل بكثرة العبادات ووظائف الطاعات، بالغ في العفاف والسداد وصيانة النفس، معروف بحسن الصلاة وطول القنوت، واستشعار الهيبة حتى كان يضرب به المثل، وكان محترماً للحديث.
وعن بعض من يوثق بقوله من الصالحين، أنه قال: ما رويت خبراً ولا أثراً في المجلس إلا وعندي إسناده، وما دخلت بيت الكتب قط إلا على طهارة، وما رويت الحديث ولا عقدت المجلس ولا قعدت للتدريس قط إلا على الطهارة.
أنشد أبو علي نصر الله بن أحمد بن عثمان الخشنامي، قال: أنشدني والدي لنفسه من قصيدة أنشأها في مدح شيخ الإسلام، ويهنئه بالقدوم من الحج: من الكامل(4/363)
من أبرشهر الآن إذ هبت بها ... ريح السعادة بكرة وأصيلا
بقدوم من أضحى فريد زمانه ... أعني أبا عثمان إسماعيلا
فضلاً وعقلاً واشتهار صيانة ... وعلو شأن في الورى وقبولا
من شاء أن يلقى الكمال بأسره ... خدم احتساباً ربه المأمولا
لا زال ركناً للمفاخر والعلى ... ما لاح نجم للسراة دليلا
وقال أبو الحسن الفارسي: حكى الأثبات والثقات أنه كان يعقد المجلس، وكان يعظ الناس ويبالغ فيه إذ دفع إليه كتاب ورد من بخارى مشتمل على ذكر وباء عظيم وقع بها، واستدعى فيه أغنياء المسلمين بالدعاء على رؤوس الملأ في كشف ذلك البلاء عنهم، ووصف فيه أن واحداً تقدم إلى خباز يشتري الخبز فدفع الدراهم إلى صاحب الحانوت، فكان يزنها والخباز يخبز والمشتري واقف، فمات الثلاثة في الحال؛ واشتد الأمر على عامة الناس. فلما قرأ الكتاب هاله ذلك، واستقرأ من القارئ قوله تعالى: " أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض "، ونظائرها، وبالغ في التخويف والتحذير، وأثر ذلك فيه، وتغير في الحال وغلبه وجع البطن من ساعته، وأنزل من المنبر، وكان يصيح من الوجع، وحمل إلى الحمام إلى قريب من الغروب للشمس، فكان يتقلب ظهراً لبطن، ويصيح ويئن، فلم يسكن ما به، فحمل إلى بيته وبقي فيه سبعة أيام لم ينفعه علاج؛ فلما كان يوم الخميس سابع مرضه ظهرت آثار سكرة الموت، فودع أولاده وأوصاهم بالخير ونهاهم عن لطم الخدود وشق الجيوب والنياحة ورفع الصوت بالبكاء؛ ثم دعا بالمقرئ أبي عبد الله خاصته حتى قرأ سورة " يس " وتغير حاله وطاب وقته، وكان يعالج سكرات الموت إلى أن قرأ إسناد ما روي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله دخل الجنة "، ثم توفي رحمه الله من ساعته عصر يوم الخميس، وحملت جنازته من الغد عصر يوم الجمعة إلى ميدان الحسين، الرابع من محرم سنة تسع وأربعين وأربعمئة، واجتمع من الخلائق ما الله أعلم بعددهم، وصلى عليه ابنه أبو بكر، ثم أخوه(4/364)
أبو يعلى، ثم نقل إلى مشهد أبيه في سكة حرب؛ وكان مولده سنة ثلاث وسبعين وثلاثمئة، وكان وقت وفاته طاعناً في سبع وسبعين من سنه.
وقال أبو الحسن عبد الغافر: ومن أحسن ما قيل فيه ما كتبته بهراة للإمام أبي الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي البوسنجي: من الكامل
أودى الإمام الحبر إسماعيل ... لهفي عليه فليس منه بديل
بكت السما والأرض يوم وفاته ... وبكى عليه الوحي والتنزيل
والشمس والقمر المنير تناوحا ... حزناً عليه وللنجوم عويل
والأرض خاشعة تبكي شجوها ... ويلي تولول: أين إسماعيل؟
أين الإمام الفرد في آدابه؟ ... ما إن له في العالمين عديل
لا تخدعنك مني الحياة فإنها ... تلهي وتنسي والمنى تضليل
وتأهبن للموت قبل نزوله ... فالموت حتم البقاء قليل
إسماعيل بن عبد الرحمن بن عبيد
ابن نفيع العنسي روى عن أبيه، أنه كان في مسجد الكوفة ينتظر ركوع الضحى، ويمتع النهار، إذ أجفل الناس من ناحية المسجد، فأجفلت فيمن أجفل، فإذا برجل عليه إزار له وملاءة، وهو يقول: أنا مصعب بن سعد بن أبي وقاص، سمعت أبي يأثر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أربع من كن فيه فهو مؤمن، ومن جاء بثلاث وكتم واحدة فقد كفر: شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وأنه مبعوث من بعد الموت، وإيمان بالقدر خيره وشره، فمن جاء بثلاثة وكتم واحدة فقد كفر ".(4/365)
قال أبو حاتم: إنه من أهل الشام، من أهل حرستا.
إسماعيل بن عبد الرحمن بن عبد الله
أبو هشام الخولاني، الدمشقي، الكتاني روى عن الوليد بن الوليد القلانسي، بسنده عن ابن عمر، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الجنة لتزخرف لشهر رمضان من رأس الحول إلى الحول، فإذا كان أول يوم من شهر رمضان هبت ريح من تحت العرش فشققت عن ورق الجنة عن الحور العين، فقلن: اللهم اجعل لنا من أوليائك أزواجاً تقر أعيننا بهم وتقر أعينهم بنا ".
قال عمرو بن دحيم: مات بدمشق مستهل شعبان سنة ست وسبعين ومئتين.
إسماعيل بن عبد الرحمن
البصري الثمالي المعروف بالمهدي قدم دمشق في أيام هشام بن عمار، وسمع بها الحديث، وحدث بها.
إسماعيل بن عبد الصمد بن علي
ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي من أهل دمشق.
حدث عن أبيه، عن جده، عن عبد الله بن عباس، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " للمملوك على مولاه ثلاث؛ لا يعجله عن صلاته، ولا يقيمه عن طعامه، ويبيعه إذا استباعه ". وهو حديث غريب.(4/366)
إسماعيل بن عبد العزيز بن سعادة
ابن حبان أبو طاهر الأمير سمع بدمشق صحيح البخاري، ولا أراه حدث به، ووقفه على دار العلم بالقدس.
توفي يوم الأحد مستهل جمادى الآخرة سنة ستين.
إسماعيل بن عبد الملك
أبو القاسم الطوسي، المعروف بالحاكمي، الفقيه الشافعي قدم دمشق سنة تسع وثمانين وأربعمئة عديل الإمام أبي حامد الغزالي.
سمعت جدي أبا المفضل يحيى بن علي القاضي يثني عليه ويذكر أنه كان أعلم بالأصول من الغزالي إلا أنه كان في لسانه ما يمنعه من الكلام.
إسماعيل بن عبده
رأى أبا مسهر عبد الأعلى بن مسهر، وعليه قلنسوة سوداء.
إسماعيل بن علي بن الحسين
ابن بندار بن المثنى أبو سعد الاستراباذي الواعظ قدم دمشق وحدث بها، وأملى ببيت المقدس، وحدث بها عن جماعة.
روى عن أبيه، بسنده عن شداد بن أوس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بكى شعيب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حب الله عز وجل حتى عمي، فرد الله إليه بصره، وأوحى إليه: يا شعيب ما هذا البكاء؟ أشواقاً إلى الجنة أم خوفاً من النار؟ قال: إلهي وسيدي، أنت تعلم، ما أبكي شوقاً إلى جنتك ولا خوفاً من النار، ولكني اعتقدت حبك بقلبي، فإذا أنا نظرت إليك فما أبالي ما الذي صنع بي؛ فأوحى الله عز وجل إليه:(4/367)
يا شعيب إن يك ذلك حقاً فهنيئاً لك لقائي يا شعيب، ولذلك أخدمتك موسى بن عمران كليمي ".
قال الخطيب: ولم يكن موثوقاً في الرواية.
وأنشد، بسنده عن الربيع بن سليمان، أنشدنا الشافعي: من الكامل؟ يا راكباً قف بالمحصب من منى واهتف بقاطن خيفها والناهض
سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى ... فيضاً كملتطم الفرات الفائض
إن كان رفضاً حب آل محمدٍ فليشهد الثقلان أني رافضي قال حمد الرهاوي: لما ظهر لأصحابنا كذب إسماعيل بن المثنى أحضروا جميع ما كتبوا عنه وشققوه ورموا به بين يديه؛ وكان يملي ويتكلم على الناس عند باب مهد عيسى عليه الصلاة والسلام يعني ببيت المقدس وكان حمد هذا إمام قبة الصخرة.
قال أبو بكر الخطيب: قدم علينا بغداد حاجاً، وسمعت منه بها حديثاً واحداً مسنداً منكراً، وذلك في ذي القعدة من سنة ثلاث وعشرين وأربعمئة، ثم لقيته ببيت المقدس عند عودي من الحج في سنة ست وأربعين وأربعمئة، وسألته عن مولده فقال: ولدت بإسفراين في سنة خمس وسبعين وثلاثمئة، ومات ببيت المقدس على ما بلغني سنة ثمان وأربعين وأربعمئة.
إسماعيل بن علي بن الحسين
ابن محمد بن زنجويه
أبو سعد الرازي، المعروف بالسمان الحافظ قدم دمشق طالب علم، وكان من المكثرين الجوالين، سمع من نحو من أربعة آلاف شيخ، وسمع بدمشق وببغداد.
روى عن أحمد بن محمد بن عمران بن عروة، بسنده عن ابن عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " علم لا يفاد به ككنز لا ينفق منه " الصواب: " لا يقال به ".(4/368)
وعن أبي طاهر محمد بن عبد الرحمن بن العباس، بسنده عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ هذه الآية " يوم يقوم الناس لرب العالمين "، قال: " يقومون حتى يبلغ الرشح أطراف آذانهم ".
قال المرتضى أبو الحسن المطهر بن علي العلوي بالري: سمعت أبا سعد السمان إمام المعتزلة يقول: من لم يكتب الحديث لم يتغرغر بحلاوة الإسلام.
قال أبو محمد عمر بن محمد الكلبي: وجدت على ظهر جزء: مات الشيخ الزاهد أبو سعد إسماعيل بن علي بن الحسين السمان، وقت العتمة من ليلة الأربعاء الرابع والعشرين من شعبان سنة خمس وأربعين وأربعمئة، شيخ العدلية وعالمهم وفقيههم ومتكلمهم ومحدثهم، وكان إماماً بلا مدافعة في القراءات والحديث، ومعرفة الرجال والأنساب، والفرائض والحساب، والشروط والمقدورات، وكان إماماً أيضاً في فقه أبي حنيفة وأصحابه، وفي معرفة الخلاف بين أبي حنيفة والشافعي، وفي فقه الزيدية، وفي الكلام، وكان يذهب مذهب الحسن البصري ومذهب الشيخ أبي هاشم؛ وكان قد حج بيت الله الحرام وزار القبر، ودخل العراق والشامات والحجاز وبلاد المغرب، وشاهد الرجال والشيوخ، وقرأ على ثلاثة آلاف رجل من شيوخ زمانه، وقصد أصبهان لطلب الحديث في آخر عمره، وكان يقال في مدحه وتقريظه: إنه ما شاهد مثل نفسه؛ وكان مع هذه الخصال الحميدة زاهداً ورعاً مجتهداً قواماً صواماً، قانعاً راضياً، لم يتحرم في مدة عمره، وقد أتى عليه أربع وسبعون سنة، بطعام واحد، ولم يدخل يده في قصعة إنسان ولم يكن لأحد عليه منة ولا يد في حضره ولا في سفره.
مات رحمه الله تعالى ولم يكن له مظلمة، ولا تبعة من مال ولا لسان؛ كانت أوقاته موقوفة على قراءة القرآن والتدريس والرواية والدراية، والإرشاد والهداية، والوراقة والقراءة.
خلف ما جمعه في طول عمره من الكتب وجعلها وقفاً على المسلمين؛ كان رحمه الله، تاريخ الزمان، وشيخ الإسلام، وبقية السلف والخلف.(4/369)
مات في مرضه، وما فاتته فريضة ولا صلاة، وما سال منه لعاب، ولا تلوث له ثياب، وما تغير لونه؛ كان مع ما به من الضعف يحدد التوبة، ويكثر الاستغفار؛ ودفن غد ليلته يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شعبان سنة خمس وأربعين وأربعمئة، بجبل طبرك، بقرب الفقيه محمد بن الحسن الشيباني، بجنب قبر أبي الفتح عبد الرزاق بن مردك.
إسماعيل بن علي بن عبد الله
ابن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أبو الحسن الهاشمي عم السفاح والمنصور، وكان معهم بالحميمة، وخرج معهم حين خرجوا لطلب الخلافة، وولي إمرة الموسم سنة سبع وثلاثين ومئة في خلافة المنصور، وولي البصرة.
قال خليفة بن خياط: وأقام الحج سنة سبع وثلاثين إسماعيل بن علي، ولم تك تلك السنة صائفة؛ وقال: سنة اثنتين وأربعين أقام الحج إسماعيل بن علي.
وقال الزبير بن بكار: حدثني مبارك الطبري قال: لما قدم إسماعيل بن علي من واسط أنزله أمير المؤمنين المنصور في منزل في داره، وفتح خوخة بينه وبينه، ثم جاءه أمير المؤمنين المنصور ونحن معه فسلم عليه، وعرض عليه تقديم أمير المؤمنين المهدي على عيسى بن موسى في ولاية العهد، فأجابه إلى ذلك، وبايعه.
وذكر إبراهيم بن عيسى بن المنصور، أن إسماعيل بن علي ولد بالسراة سنة ثلاث ومئة، وتوفي سنة سبع وأربعين ومئة، وأمه وأم عبد الصمد كثيرة، التي يقول فيها ابن قيس الرقيات: من المنسرح
عاد له من كثيرة الطرب ... فعينه بالدموع تنسكب(4/370)
وعن محمد بن عمر، قال: سنة ست وأربعين ومئة مات إسماعيل بالكوفة ودفن بها
إسماعيل بن علي
أبو محمد العين زربي شاعر محسن.
أنشد أحمد بن محمد بن عقيل الشهرزوري له: من الطويل
وحقكم لا زرتكم في دجنة ... من الليل تخفيني كأني سارق
ولا زرت إلا والسيوف هواتف ... إلي وأطراف الرماح لواحق
وله: من المتقارب
أيا راقد الليل حتى يقال ... إذا هجع الجفن: زار الخيال
فما لي وعهدك عهد به ... ولا سر جفني منه اكتحال
أحن إلى ساكنات الحجاز ... وقد حجزتني أمور ثقال
وأحنوا على طيبات هناك ... وقد تشتهي النفس ما لا يقال
وجدتك يا قلب عن حبهن ... وقلت: أما آن منهن آل
وما هن سمر طوال برزن ... بلى في الحشا هن سمر طوال
بكيت ففاضت بحور الدموع ... كأن لها في جفوني انسيال
وظن العواذل أني سلوت ... لفقد البكاء وجاؤوا فقالوا:
حقيق حقيق وجدت السلو ... وعنها؟ فقلت: محال محال
دليل على أنني ما سلو ... ت ذاك التثني وذاك الدلال(4/371)
لهيباً ينفث من طرفها ... إذا ما بدت له سحر حلال
وهي أطول من هذا.
وله: من الرمل
ما على ما قلت تعويل ... كله مطل وتعليل
يا غزالاً غير مكتحل ... طرفه بالسحر مكحول
كل ما حملت من سقم ... فعلى الأجفان محمول
رب ليل ظل يجمعنا ... كله ضم وتقبيل
أشرقت كاساته وعلت ... في أعاليها أكاليل
أشموس لحن مشرقة ... أم كؤوس أم قناديل
في يدي بدر يطوف بها ... من جنان الخلد منقول
لم يشن أعطافه قصر ... فيه بتمجين ولا طول
وكأن الحسن صاح بنا ... حين وافى: نحوه ميلوا
كم أباطيل نعمت بها ... حبذا تلك الأباطيل
وله: من الخفيف
ترك الظاعنون قلبي بلا قل ... ب وعيني عيناً من الهملان
وإذا لم تفض دماً سحب أجفا ... ني على بعدهم فما أجفاني
حل في مقلتي فلو فتشوها ... كان ذاك الإنسان في الإنسان
وله: من الطويل
ألا يا حمام الأيك عشك آهل ... وغصنك مياس وإلفك خاضر
أتبكي وما امتدت إليك يد النوى ... ببين ولم يذعر جنابك ذاعر
لعمر الذي أولاك نعمة محسن ... لأنت بما أولى وأنعم كافر(4/372)
وله: من الطويل
على الدهر أبكي أم على الدهر أعتب ... على كل شيء مذ تعتبت أعتب
سئمت من العيش الذي كان نالني ... وعفت من الماء الذي كنت أشرب
فكل حياة مع سواك منية ... وكل ضحى في غير أرضك غيهب
قال ابن الأكفاني: إن إسماعيل بن العين زربي مولده بدمشق، وتوفي سنة سبع وستين وأربعمئة.
إسماعيل بن عمرو الأشدق بن سعيد
ابن العاص بن سعيد بن العاص أبو محمد القرشي الأموي روى عن ابن عباس وغيره؛ وكان مع أبيه لما غلب على دمشق، ثم سيره عبد الملك إلى الحجاز مع إخوته، ثم سكن الأعوص، واعتزل أمر السلطان، وكان عمر بن عبد العزيز يراه أهلاً للخلافة.
حدث عن عبيد الله بن أبي رافع، عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله عز وجل لم يبعث نبياً إلا ولهم حواريون، فيمكث بين أظهرهم ما شاء الله يعمل فيهم بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا انقرضوا كان من بعدهم أمراء يكبون رؤوس المنابر، يقولون ما تعرفون، ويعملون ما تنكرون، فإذا رأيتم أولئك فحق على كل مؤمن يجاهدهم بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع بلسانه فبقلبه، ليس وراء ذلك إسلام ".
وعن عثمان بن عبد الله بن الحكم بن الحارث، عن عثمان بن عفان أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى على عثمان بن مظعون وكبر عليه أربعاً.(4/373)
وعن عبد الله بن مسعود أنه قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: " التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ".
قال الزبير بن بكار: وكان إسماعيل بن عمرو يسكن الأعوص في شرقي المدينة على بضعة عشر ميلاً، وكان له فضل، لم يتلبس بشيء من سلطان بني أمية.
وقال: حدثني غير واحد أن عمر بن عبد العزيز قال: لو كان لي أن أعهد ما عدوت أحد رجلين؛ صاحب الأعوص يريد إسماعيل بن عمرو أو أعيمش بني تميم يريد القاسم بن محمد وقال محمد بن سعد: وعاش إسماعيل إلى دولة ولد العباس، فقيل له ليالي قدم داود بن علي المدينة والياً على الحرمين: لو تغيب! فقال: لا والله ولا طرفة عين؛ وكان داود قد هم به فقيل له: ليس بك حاجة أن يتفرغ لك إسماعيل في الدعاء عليك؛ فتركه ولم يعرض له.
وعاش إسماعيل بن عمرو بعد ذلك يسيراً ثم مات.
إسماعيل بن عياش بن سليم
أبو عتبة العنسي الحمصي روى عن جماعة، وروى عنه جماعة؛ وكان حجاجاً، وكانت طريقه على دمشق، حج بضع عشرة حجة، وبعثه أبو جعفر المنصور إلى دمشق، فعدل أرضها الخراجية.
روى عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني، عن رشد بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: في هذه الآية " قل: هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت(4/374)
أرجلكم " فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما إنها كائنة، ولم يأت تأويلها بعد ".
وعن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن جبير بن نفير، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الأمير إذا ابتغى الزينة في الناس أفسدها ".
قال أبو بكر الخطيب: وكان إسماعيل قد قدم بغداد على أبي جعفر المنصور، وولاه خزانة الكسوة، وحدث ببغداد حديثاً كثيراً.
قال محمد بن عوف: سمعت أبا اليمان يقول: كان منزل إسماعيل بن عياش إلى جانب منزلي، فكان يحيي الليل، فكان ربما قرأ ثم قطع، ثم رجع فقرأ من الموضع الذي قطع منه؛ فلقيته يوماً، فقلت له: يا عم، قد رأيت منك شيئاً وقد أحببت أن أسألك عنه، إنك تصلي من الليل ثم تقطع، ثم تعود إلى الموضع الذي قطعت فتبتدئ منه! فقال: يا بني، وما سؤالك عن ذلك؟ قلت: أريد أن أعلم؛ قال: يا بني، إني أصلي فأقرأ، فأذكر الحديث في الباب من الأبواب التي أخرجتها، فأقطع الصلاة فأكتبه فيه، ثم أرجع إلى صلاتي، فأبتدئ من الموضع الذي قطعت منه.
عن يحيى بن صالح، قال: ما رأيت رجلاً، كان أكبر نفساً من إسماعيل بن عياش، كما أنه إذا أتيناه إلى مزرعته لا يرضى لنا إلا بالخروف والخبيص؛ وسمعته يقول: ورثت عن أبي أربعة آلاف دينار فأنفقتها في طلب العلم.
قال عثمان بن صالح: كان أهل مصر ينتقصون عثمان حتى نشأ فيهم الليث بن سعد يحدثهم بفضل عثمان فكفوا عن ذلك، وكان أهل حمص ينتقصون علي بن أبي طالب حتى نشأ فيهم إسماعيل بن عياش فحدثهم بفضائله، فكفوا عن ذلك.
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال أبي لداود بن عمرو الضبي وأنا أسمع منه يا أبا سليمان، كان يحدثكم إسماعيل بن عياش هذه الأحاديث بحفظه؟ قال: نعم، ما رأيت معه كتاباً قط!؟ فقال له: لقد كان حافظاً، كم كان يحفظ؟ قال: شيئاً كثيراً،(4/375)
قال له: كان يحفظ عشرة آلاف؟ قال: عشرة آلاف وعشرة آلاف! قال أبي: هذا كان مثل وكيع!.
وقال أحمد بن حنبل: ليس أحد أروى لحديث الشاميين من إسماعيل بن عياش والوليد بن مسلم.
وقال أبو اليمان: كان أصحابنا لهم رغبة في العلم، وطلب شديد بالشام والمدينة ومكة، وكانوا يقولون: نجهد في الطلب ونتعب أبداننا ونغيب، فإذا جئنا وجدنا كل ما كتبنا عند إسماعيل.
قال يعقوب بن سفيان: وتكلم قوم في إسماعيل، وإسماعيل ثقة عدل، أعلم الناس بحديث الشام، ولا يدفعه دافع، وأكثر ما تكلموا قالوا: يغرب عن ثقات المدنيين والمكيين.
وقال يحيى بن معين: إسماعيل بن عياش ثقة فيما روى عن الشاميين، وأما روايته عن أهل الحجاز فإن كتابه ضاع فخلط في حفظه عنهم.
قال خليفة بن خياط: مات إسماعيل بن عياش سنة اثنتين وثمانين ومئة.
إسماعيل بن يسار النسائي
عن مصعب بن عبد الله الزبيري، قال: كان إسماعيل بن يسار النسائي مولى بني تيم بن مرة؛ تيم قريش، وكان منقطعاً إلى آل الزبير؛ فلما أفضت الخلافة إلى عبد الملك بن مروان وفد إليه مع عروة بن الزبير، ومدحه، ومدح الخلفاء من ولده بعده.(4/376)
وعاش عمراً طويلاً إلى أن أدرك آخر سلطان بني أمية، ولم يدرك الدولة العباسية.
وكان طيباً مليحاً مندراً بطالاً، مليح الشعر، وكان كالمنقطع إلى عروة بن الزبير.
وإنما سمي إسماعيل بن يسار النسائي، لأن أباه كان يصنع طعام العرس ويبيعه فيشتريه منه من أراد التعريس من المتجملين، وممن لم تبلغ حاله اصطناع ذلك.
أنش ثعلب عن عبد الله بن شبيب له: من الطويل
ألا هل إلى ما لا ينال سبيل ... وهل يسعدني إن بكيت خليل
وحتى متى تبقى عظام بجيفة ... عواري برتهن الهموم، نحول
وطرف أفلت رعية النجم حدة ... وجانبه التغميض فهو كليل
ونفس نهاها الحب عن مستقرها ... حشاشاتها بين الضلوع تجول
وقد كنت إذ شربي وشربك واحد ... لساني به مني إليك رسول
وكيف وأمسي لا أزال وحارس ... علي على أن لا أراك خليل
وقال يرثي أبا بكر بن حمزة بن عبد الله بن الزبير: من الكامل
غلب العزاء وفاتني صبري ... لما نعى الناعي أبا بكر
وأقول أعوله وقد ذرفت ... عيني فماء شؤونها يجري
أنى وأي فتى يكون لنا ... شرواك عند بوازم الأمر
لدفاع خصم ذي مشاغبة ... ولعائل ترب أخي فقر
ولعمر من حبس المطي له ... بالأخشبين صبيحة النحر
لو كان نيل الخلد أدركه ... بشر بطيب الخيم والخير
لغبرت لا تخشى المنون وما ... نالتك نبل غوائل الدهر
قال: وهي طويلة.(4/377)
وله يرثي أبا بكر بن حمزة: من الوافر
أحين بلغت ما كنا نرجي ... وكنت على أنوف الكاشحينا
أبا بكر ثويت رهين رمس ... يخب بنعيك المتعجلونا
وهي طويلة.
قال الزبير: ودار عدي بن نوفل بالبلاط، بين المسجد والسوق، وهي التي يعني إسماعيل بن يسار النساء حين يقول: من الخفيف
إن ممشاك نحو دار عدي ... كان بالقلب شقوة وفتونا
إذ تراءت على البلاط فلما ... واجهتنا كالشمس تعشي العيونا
قال هارون: قف، فيا ليت أني ... كنت طاوعت ساعة هارونا
وقد رواها ناس لابن أبي ربيعة.
إسماعيل الأسدي
من ِشعراء الدولة الأموية إن لم يكن إسماعيل بن محمد الأسدي الكوفي فهو غيره كان له انقطاع إلى مروان الحمار.
عن أبي عبيد الله محمد بن عمران بن موسى المرزباني قال: إسماعيل الأسدي ولم ينسب كان منقطعاً إلى مروان بن محمد، فذكر يوماً إسماعيل عند حدينة وهو سعيد بن عبد العزيز بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص بن أمية ومودته لمروان، فقال سعيد: ومن ذلك الملط؟ فهجاه إسماعيل بقوله: من الكامل(4/378)
زعمت خدينة أنني ملط ... ولخدنة المرآة والمشط
ومجامر ومكاحل ومعازف ... وبخدها من شكلها نقط
أفذاك أم زعف مضاعفة ... ومهند من شأنه القط
لمفرض ذكر أخي ثقة ... لم يعده التأنيث واللقط
أسماء بن خارجة بن حصن
ابن حذيفة بن بدر بن عمر بن جؤية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذبيان ابن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان أبو حسان، ويقال: أبو محمد الفزاري الكوفي وكان قد وفد على عبد الملك بن مروان.
عن مالك بن أسماء بن خارجة، قال: كنت مع أبي أسماء إذ جاء رجل إلى أمير من الأمراء فأثنى عليه وأطراه، ثم أتى أسماء وهو جالس في جانب الدار، فجرى حديثهما، فما برح حتى وقع فيه، فقال أسماء: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: ذو اللسانين في الدنيا له لسانان من نار يوم القيامة.
عن أبي الأحوص قال: فاخر أسماء بن خارجة رجلاً، فقال: أنا ابن الأشياخ الكرام؛ فقال عبد الله: ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله عز وجل.
عن البختري بن هلال قال: دخل أسماء بن خارجة على عبد الملك بن مروان، فقال له عبد الملك: قد بلغني عنك خصال كريمة شريفة، فأخبرني عنها؛ قال: يا أمير المؤمنين، هي من غيري أحسن؛ قال: فإني أحب أن أسمعها منك فأخبرني بها، قال: يا أمير المؤمنين، ما أتاني رجل قط في حاجة صغرت أو كبرت فقضيتها، إلا رأيت أن(4/379)
قضاءها ليس يعوض من بذل وجهه إلي؛ ولا جلس إلي رجل قط إلا رأيت له الفضل علي حتى يقوم من عندي؛ ولا جلست مع قومٍ قط فبسطت رجلي إعظاماً لهم وإجلالاً حتى أقوم عنهم.
قال له عبد الملك: حق لك أن تكون شريفاً سيداً.
قال أسماء بن خارجة: ما شتمت أحداً قط، ولا رددت سائلاً قط، لأنه إنما يسألني أحد رجلين: إما كريم أصابته خصاصة وحاجة، فأنا أحق من سد خلته، وأعانه على حاجته، وإما لئيم أفدي عرضي منه. وإنما يشتمني أحد رجلين: كريم كانت منه زلة وهفوة، فأنا أحق من غفرها، وأخذ بالفضل عليه فيها؛ وإما لئيم فلم أكن لأجعل عرضي له غرضاً؛ وما مددت رجلي بين يدي جليس لي قط فيرى أن ذلك استطالة مني عليه؛ ولا قضيت لأحد حاجة إلا رأيت له الفضل علي حيث جعلني في موضع حاجته.
وأتى الأخطل عبد الملك فسأله حمالات تحملها عن قومه، فأبى وعرض عليه نصفها؛ فقدم الكوفة فأتى بشر بن مروان فسأله، فعرض عليه مثل ما عرض عليه عبد الملك، ثم أتى أسماء بن خارجة فحملها عنه كلها، فقال فيه: من الوافر
إذا ما مات خارجة بن حصن ... فلا مطرت على الأرض السماء
ولا رجع البشير بغنم جيش ... ولا حملت على الطهر النساء
فيوم منك خير من رجال ... كثير حولهم غنم وشاء
فبورك في بنيك وفي أبيهم ... وإن كثروا ونحن لك الفداء
فبلغت القصة عبد الملك، فقال عرض بنا النصراني وقال محمد بن سلام الحجمي: وقال يعني القطامي يمدح أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري:
إذا مات ابن خارجة بن حصن ... فلا مطرت على الأرض السماء(4/380)
ولا رجع البريد بغنم جيش ... ولا حملت على الطهر النساء
وقال فيه أيضاً: من الكامل
فستعلمين أصادر وراده ... عنه وأي فتى فتى غطفانا
وعليك أسماء بن خارجة الذي ... علا الفعال ورفع البنيانا
قال أسماء: ما بذل إلي رجل قط وجهه فرأيت شيئاً من الدنيا وإن عظم وجسم عوضاً لبذل وجهه إلي.
وعن مروان بن معاوية الفزاري، قال: أتيت الأعمش فقال لي: ممن أنت؟ فقلت: أنا مروان بن معاوية بن الحارث بن عثمان بن أسماء بن خارجة الفزاري؛ فقال لي: لقد قسم جدك أسماء قسماً فنسي جاراً له، ثم استحيا أن يعطيه وقد بدأ بآخر قبله، فبعث إليه، وصب عليه المال صباً؟ أفتفعل أنت شيئاً من ذلك؟؟؟؟!.
وعن هند بنت محمد بن عتبة، عن أبيها، قال: بلغنا أن أسماء بن خارجة كان جالساً على باب داره، فمر به جوار يلتقطن البعر؛ فقال: لمن أنتن؟ فقلن: لبني سليم؛ فقال: واسوأتاه، جواري، بني سليم يلتقطن البعر على بابي! يا غلام انثر عليهن الدراهم؛ فنثر عليهن، وجعلن يلتقطن.
وعن ابن الكلبي، قال: نزل أسماء بن خارجة ظهر الكوفة في روضة معشبة أعجبته، وفيها رجل من بني عبس، فلما رأى قباب أسماء قوض بيته؛ فقال له أسماء: ما شأنك؟ قال: معي كلب هو أحب إلي من ولدي، وأخاف أن يؤذيك فيقتله بعض غلمانك.
فقال له: أقم وأنا ضامن لكلبك؛ فقال أسماء لغلمانه: إن رأيتم كلبه بلغ في قصاعي وقد رؤي فلا يهجه أحد منكم.
فأقاموا على ذلك، ثم ارتحل أسماء، ونزل الروضة رجل من بني أسد، فجاء الكلب لعادته فنحى له الأسدي بسهم فقتله؛ فقدم العبسي على أسماء، فقال له: ما فعل الكلب؟(4/381)
قال: أنت قتلته؛ قال: وكيف؟ قال: عودته عادة ذهب يرومها من غيرك فقتله؛ فأمر له بمئة ناقة دية الكلب؛ قال: هل قلت في هذا شعراً؟ قال: نعم؛ فأنشده: من الطويل
عوى بعد ما شال السماك بزورة ... وطالب عهداً بعده قد تنكرا
وشبت له نار من الليل شبهت ... له نار أسماء بن حصن فكبرا
فلاقى أبا حيان عارض قومه ... على النار لما جاءها متنورا
فما رامها حتى اكتسى من روائه ... رداء كلون الأرجواني أحمرا
فقال يلوم النفس: ما خفت ما أرى ... وورد المنايا مدرك من تأخرا
وعن بشر أبي نصر، أن أسماء بن خارجة زوج ابنته، فلما أراد أن يهديها إلى زوجها أتاها، فقال: يا بنية، كان النساء أحق بتأديبك، ولا بد من تأديبك: كوني لزوجك أمة يكن لك عبداً، ولا تدني منه فتمليه، ولا تباعدي منه فتثقلي عليه ويثقل عليك، وكوني كما قلت لأمك: من الطويل
خذي العفو مني تستديمي مودتي ... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
فإني رأيت الحب في الصدر والأذى ... إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب
وعن العتبي، عن أبيه، أن أسماء بن خارجة شرب شراباً يقال له: الباذق، فسكر، فلطم أمه! فلما صحا قالوا له، فاغتم وقال لأمه: من الخفيف
لعن الله شربة جعلتني ... أن أقول الخنا لكم يا صفية
لم تكوني أهلاً لذاك ولكن ... أسرع الباذق المقدي فيه
قال الرياشي: المقد: قرية من قرى حمص، وأصل الباذق: الباذاه(4/382)
بالفارسية، وإنما يعرف بالمقدية، وهو حصن من أرض البلقاء.
قال عبد الملك ذات يوم لجلسائه؛ هل تعلمون بيتاً قيل لحي من العرب لا يحبون أن لهم به مثل ما ملكوا، أو قيل فيهم ودوا لو فدوه بجميع ما ملكوه؟ فقال له أسماء بن خارجة: نعم يا أمير المؤمنين، نحن، قال: وما ذاك؟ قال: قول قيس بن الخطيم الأنصاري: من الوافر
هنينا بالإقامة ثم سرنا ... كسير حذيفة الخير بن بدر
فوالله ما يسرنا أن لنا به مثل ما نملك؛ وقول الحارث بن ظالم: من الوافر
فما قومي بثعلبة بن سعد ... ولا بفزارة الشعر الرقابا
والله إني لألبس العمامة الصفيقة فيخيل إلي شعر قفاي قد خرج منها!.
وقال أسماء بن خارجة: من الطويل
إذا طارقات الهم أسهرن الفتى ... وأعمل في التفكير والليل زاخر
وباكرني إذ لم يكن ملجاً له ... سواي ولا من نكبة الدهر ناصر
فرجت له من همه في مكانه ... فزاوله الهم الدخيل المخامر
وكان له من علي بظنه ... بي خيراً إني للذي ظن شاكر
قال الرياشي: قال أسماء بن خارجة لامرأته: اخضبي لحيتي، فقالت: إلى كم نرقع منك ما قد خلق منك؟ فأنشأ يقول: من البسيط
غيرتني خلقاً أبليت جدته ... وهل رأيت جديداً لم يعد خلقاً
كما لبست جديدي فالبسي خلقي ... فلا جديد لمن لا يلبس الخلقا(4/383)
ومن بارع شعر أسماء بن خارجة: من البسيط
قل للذي لست أدري من تلونه ... أنا صح أم على غش يداجيني
إني لأكثر مما سمتني عجباً ... يد تشج وأخرى منك تأسوني!
تغتابني عند أقوام وتمدحني ... في آخرين وكل منك يأتيني
هذان أمران شتى بون بينهما ... فاكفف لسانك عن ذمي وتزييني
لو كنت أعرف منك الود هان له ... علي بعض الذي أصبحت توليني
أرضى عن المرء ما أصفى مودته ... وليس شيء مع البغضاء يواسيني
ورب امرئ لي أخفى بي ملاطفة ... محض الأخوة في البلوى يواسيني
وملطف بسؤال أو مكاشرة ... مغض على وغر في الصدر مدفون
ليس الصديق بمن تخشى غوائله ... وما العدو على حال بمأمون
يلومني الناس فيما لو أخبرهم ... بالغدر فيه لما كانوا يلوموني
وعن الأصمعي، قال: بينما أسماء بن خارجة قد عراه الأرق في ذات ليلة، إذ سمع نادبة تبكي بصوت حزين وهي تقول: من المتقارب
من للمنابر والخافقا ... ت والجود بعد زمام العرب
ومن للهياج غداة الطعان ... ومن يمنع البيض عند الهرب
ومن للعفاة وحمل الديات ... ومن يفرج الكرب بعد الكرب
فقال أسماء بن خارجة: انظروا من مات في هذه الليلة من الأشراف، فاتبعوا هذا الصوت، فانظروا من أين هو؛ فنظروا ورجعوا إليه، فقالوا: هذه امرأة فلان البقال تبكي أباها مروان الحائك!.
وعن المبارك بن سعيد الثوري، قال: بينما أسماء بن خارجة الفزاري ذات ليلة جالس في منزله على سطح ومعه نساؤه إذ سمع في جوف الليل نادبة تندب، وهي تقول: من الهزج(4/384)
ألا فابك على السي ... د لما تعش نيرانه
ولما يطل العهد ... ولما تبل أكفانه
عظيم القدر والجف ... نة ما تخمد نيرانه
قال: فاستوى أسماء بن خارجة جالساً، وقد اشتد جزعه، وهو يقول: " إنا لله وإنا إليه راجعون ". يا غلام يا غلام؛ فأتاه جماعة من غلمانه فوقفوا قريباً منه حيث يسمعون كلامه، فقال لأحدهم: يا فلان، إنه قد حدث الليلة في بعض أشرافنا حدث، فانطلق إلى منزل عكرمة بن ربعي التميمي، فانظر هل طرقهم شيء؟ فذهب الغلام ثم عاد فقال: ما طرقهم إلا خير؛ قال: فاذهب إلى منزل عبد الملك بن عبيد التميمي، فانظر هل طرقهم شيء؟ فذهب ثم عاد فقال: ما طرقهم إلا خير؛ ثم لم يزل يبعث إلى منازل أشراف الكوفة رجلاً رجلاً ممن يقرب جواره فيسأل عنهم، إذ قال له بعض جيرانه: أصلحك الله، ليس الأمر كما تظن؛ قال فما هذه النادبة؟ قال: هذه ابنة فلان البقال توفي أبوها فهي تندبه!.
فقال أسماء: سبحان الله، ما رأيت كالليلة قط؛ ثم أقبل على نسائه، فقال: عزمت على كل واحدة منكن إن حدث بي حدث أن تندبني نادبة بعد ليلتي هذه أبداً.
قال خليفة بن خياط: وفيها يعني سنة ست وستين مات أسماء بن خارجة، وهو ابن ثمانين سنة.
أسود بن أصرم المحاربي
من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
روى عنه حديثاً، وقدم الشام، وسكن داريا.
قال سليمان بن حبيب المحاربي: قدم أسود بن أصرم بإبل له سمان المدينة في زمن محل وجدب من الأرض، فلما رآها أهل المدينة عجبوا من سمانتها، فذكرت(4/385)
لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأرسل إليها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأتى بها، فخرج إليها، فنظر إليها، قال: " لمن جلبت إبلك هذه؟ " قال: أردت بها خادماً: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من عنده خادم؟ " فقال عثمان بن عفان: عندي يا رسول الله، قال: " فأت بها "؛ قال: فجاء بها عثمان، فلما رآها أسود قال: مثلها أريد؛ فقال: " خذها يا أسود " وقبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إبله، فقال أسود: يا رسول الله أوصني؛ قال: " هل تملك لسانك؟ " قال: فماذا أملك إذا لم أملكه؟ ؛ قال: " تملك يدك؟ " قال: فماذا أملك إذا لم أملك يدي؟ قال: " فلا تقولن بلسانك إلا معروفاً، ولا تبسط يدك إلا إلى خير ".
قال عبد الجبار بن محمد بن مهنا الخولاني في تاريخ داريا: ذكر أصرم بن أسود المحاربي، والدليل على نزوله داريا قطائع له بها معروفة به إلى اليوم.
أسود بن بلال المحاربي
الداراني ولي الباب والأبواب عن أبي الجماهر، قال: كنت بالباب والأبواب، وعليها الأسود بن بلال المحاربي، فأصاب الناس فزع من عدو، فصعد المنبر، فخطبهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قرأ: " أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون "، قال: فصعق فخر عن المنبر.
قال أبو القاسم: قال لي ابن أبي الحواري: أحب أن تجيء معي إلى أبي الجماهر حتى أسمع منه هذا الحديث؛ قال: فجئت معه حتى سمعه منه عند باب الساعات.
قال: والأسود بن بلال من ساكني داريا، ذكره عبد الرحمن بن إبراهيم في الطبقة الخامسة من التابعين.(4/386)
عن غير واحد، أن سبب ولاية هشام بن عبد الملك الأسود بن بلال غازية البحر أن والي دمشق ولى الأسود بن بلال مدينة بيروت من ساحل دمشق لمكان أم الأسود عند سليمان بن حبيب القاضي، فأغارت الروم على سفن من التجار مرسية بنهر بيروت، فذهبت بها ومرت بها على باب ميناء بيروت، وأهلها ممسكون بأيديهم هيبة لهم، فصاح الأسود بهم وركب قوارب فيها، حتى استنقذ تلك المراكب وقتل منهم، وكتب إلى هشام، فكتب هشام إلى الأسود بولايته على البحر، فلم يزل يحمد حزمه وعزمه وصنع الله له حتى توفي هشام، فأقره الوليد بن يزيد حتى قتل، وولي يزيد بن الوليد، فعزله وولاه الأردن، وولى غازية البحر المغيرة بن عمير.
قال الليث: وفيها يعني سنة عشرين غزا الأسود بن بلال على الجماعة، وفي سنة إحدى وعشرين غزا حفص بن الوليد البحر، وكان بالساحل حتى قفل منه، والأسود بن بلال على الجماعة فلم يخرجوا، وفي سنة اثنتين وعشرين ومئة غزا حفص بن الوليد البحر على أهل مصر، وعلى الجماعة أسود بن بلال فضلوا من إسكندرية فأصابوا إقريطش فبلغوا الجمع فهزمهم الله، ووطنوا إقريطش وأصابوا منها رقيقاً.
وفيها يعني سنة خمس وعشرين ومئة غزا الأسود بن بلال البحر وعلى أهل مصر عياش بن عقبة، غزوا إلى قبرس فأجلوها إلى الشام.
قال ابن بكير: أمر يعني الوليد بن يزيد على جيش البحر الأسود بن بلال المحاربي، وأمره أن يسير إلى قبرس فيخيرهم فإن أحبوا ساروا إلى الشام، وإن شاؤوا ساروا إلى الروم، فاختار طائفة منهم جوار المسلمين، فنقلهم الأسود إلى الشام، واختار آخرون أرض الروم فانتقلوا إليها.
أسود بن قطبة أبو مفرز التميمي
شاعر مشهور، شهد اليرموك والقادسية، وغيرهما من المشاهد، وقال في ذلك أشعاراً يعد بلاءه وبلاء قومه.
قال في يوم اليرموك ثم شهد القادسية: من الطويل
قد علمت عمرو وزيد بأننا ... نحل إذا خاف العشائر بالسهل
نجوب بلاد الأرض غير أذلةٍ ... بها عرض ما بين الفرات إلى الرمل
أقمنا على اليرموك حتى تجمعت ... جلابب روم في كتائبها العضل
نرى حين نغشاهم خيولاً ومعشراً ... وأسلحة ما تستفيق من القتل
شفاني الذي لاقى هرقل فرده ... على رغمه بين الكتائب والرجل
قتلناهم حتى شفينا نفوسنا ... من القادة الأولى الرؤوس ومن حمل
نعاورهم قتلاً بكل مهندٍ ... ونطلبهم بالذحل ذحلاً على ذحل
وقال أبو مفرز التميمي أيضاً: من الطويل
ألم تعلمي والعلم شاف وكافي ... وليس الذي يهدي كآخر لا يهدي
بأنا على اليرموك غير أشابةٍ ... غداة هرقل في كتائبه يردي
وأن بني عمرو مطاعين في الوغى ... مطاعيم في اللأواء أنصبة الجهد
وكم فيهم من سيد ذي توسع ... وحمال أعباء وذي نائل قهد
ومن ماجد لا يدرك الناس فضله ... إذا عدت الأحساب كالجبل الشد(4/387)
وقال أيضاً: من الطويل
وكم قد أغرنا غارة بعد غارة ... ويوماً ويوماً قد كشفنا أهوله
ولولا رجال كان حشو غنيمة ... له أما قط رجت عليهم أوائله
كفيناهم اليرموك لما تضايقت ... بمن حل باليرموك منه حمائله
فلا تعدمن منا هرقل كتائباً ... إذا رامها رام الذي لا يحاوله
وقال أبو مفرز في بهرسير: من الوافر
زعمتم أننا لكم قطين ... وقول العجز يخلطه الفجور
كذبتم ليس ذلكم كذاكم ... ولكنا رحى بكم تدور
ولو رامت جموعكم بلادي ... إذا كرت رحانا تستدير
فللنا حدكم بلوى قديس ... ولم يسلم هنالك بهرسير
فتحت البهرسير بإذن ربي ... وأعدتني على ذاك الأمور
وقد عضوا الشفاه ليهلكونا ... ودون القوم مهواة جرور
فطاروا قضة ولهم زفير ... إلى دار وليس بها نصير
وقال أبو مفرز: من الطويل
تولى بنو كسرى وغاب نصيرهم ... على بهرسيرا واستهد نصيرها
غداة تولت عن ملوك بنصرها ... لدى غمرات لا يبل بصيرها
مضى يزدجرد ابن الأكاسر سادماً ... وأدبر عنه بالمدائن خيرها
فيا فوحة بالأخشبين لأهلها ... ويثرب إذ جاء الأمير بشيرها
ويا قرحة ما تبرحن عدونا ... إذا جاءهم ما قد أسر خبيرها
فأبلغ أبا حفص هديت وقل له ... فأبشر بنصر الله، أنت أميرها(4/389)
وقال أبو مفرز: من الطويل
أبلغ أبا حفص بأني محافظ ... على الحرب والأيام فيها فتوقها
أحطت بطورات الكتيبة إنها ... أعدت لفخر يوم ساحت عروقها
حططت عليك القوم من رأس شاهقٍ ... وقد كان أعيا قبل ذلك نيقها
وحيث دفعنا بهرسير بمنطق ... من القول لم يعبأ بضاعت حقوقها
وقلدت كسرى خيل موت فلم تزل ... مرازبه عنه وفيها عقوقها
حللت نظام القوم لما تحمسوا ... قطعت نفوس القوم واعتاط ريقها
وأعجبني منهم هنالك أنهم ... على قنن منها وقد ضاق ضيقها
قال الدارقطني: أبو مفرز الأسود بن قطبة، شهد الفتوح، فتح القادسية فما بعدها، له أشعار كثيرة، وهو رسول سعد بن أبي وقاص بسبي جلولاء إلى عمر بن الخطاب، وهو شاعر المسلمين في تلك الأيام.
وقال أيضاً: قال أبو مفزر بعد فتح الحيرة: من الطويل
ألا أبلغا عنا الخليفة أننا ... غلبنا على نصف السواد الأكاسرا
في شعر كثير قاله، وكان مع خالد بن الوليد في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، في فتوحه.
أسود بن قبيس بن معدي كرب
ابن عبد كلال الحميري عن عبد الله بن يزيد بن غنيم، أنه سمع الأسود بن قبيس بن معدي كرب وكان على زمام خراج الأرض لعمر بن عبد العزيز قال: فسألني عني شيء فقلت: برئت من الإسلام إن كنت فعلت؛ فقال عمر: إلى أي دين ترجع؟ كدت أن تغرنا من عملنا، إلحق بأهلك.(4/390)
أسود بن مروان المقدي البلقاوي
من أهل حصن مقدية من عمل أذرعات من دمشق.
روى عن سليمان بن عبد الرحمن، بسنده عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين ".
وكان ثقة.
أسود بن المغراء بن شراحيل
ابن الأرقم بن الأسود شهد اليرموك نصرانياً، وقاتل بقوم قومه، ثم أسلم بعد ذلك بمن معه.
أسيد بن الحضير بن سماك
ابن عتيك بن رافع بن امرئ القيس، ويقال: ابن عتيك بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم ابن الحارث بن الخزرج بن عمرو، وهو النبيت، بن مالك بن الأوس بن حارثة وهو العنقاء ابن عمرو، وهو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس بن ثعلبة ابن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ، واسمه عمر بن يشجب بن يعرب بن قحطان أبو يحيى، ويقال: أبو عتيك ويقال: أبو الحضير ويقال: أبو عيسى ويقال: أبو عمرو، الأنصاري، الأوسي، الأشهلي، النقيب حدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشهد معه العقبة، وشهد مع عمر بن الخطاب الجابية، فيما ذكره الواقدي في فتوح الشام، وذكر أن عمر جعله على ربع الأنصار، وشهد معه فتح بيت(4/391)
المقدس، ثم خرج معه خرجته الثانية التي رجع فيها من سرغ أميراً على الأنصار.
روى أن رجلاً من الأنصار تخلى برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ألا تستعملني كما استعملت فلاناً؟ قال: " إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ".
وعن ابن شفيع وكان طبيباً قال: دعاني أسيد بن حضير فقطعت له عرق النسا، فحدثني بحديثين: قال: أتاني أهل بيتين من قومي، من أهل بيت من بني ظفر، وأهل بيت من بني معاوية، فقالوا: كلم رسول لله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسم لنا أو يعطينا، أو نحواً من هذا؛ فكلمته فقال: " نعم أقسم لأهل كل بين منهم شطراً، فإن عاد الله علينا عدنا عليهم " قال: فقلت: جزاك الله خيراً يا رسول الله؛ قال: " وأنتم فجزاكم الله خيراً، فإنكم ما علمتكم أعفة صبر ".
قال: وسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنكم ستلقون أثرة بعدي " فلما كان عمر بن الخطاب قسم حللاً بين الناس، فبعث إلي منها بحلة، فاستصغرتها فأعطيتها ابني، فبينما أنا أصلي إذ مر بي شاب من شباب قريش عليه حلة من تلك الحلل يجرها، فذكرت قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنكم ستلقون أثرة بعدي " فقلت: صدق الله ورسوله، فانطلق رجل إلى عمر فأخبره، فجاء فقال: صل يا أسيد؛ فلما قضيت صلاتي قال: كيف قلت؟ فأخبرته، فقال: تلك حلة بعثت بها إلى فلان وهو بدري أحدي عقبي فأتاه هذا الفتى فابتاعها منه، فلبسها، فظننت أن ذلك يكون في زماني! قلت: قد والله يا أمير المؤمنين ظننت أن ذاك لا يكون في زمانك.
عن عائشة، قالت: قدمنا من حج أو عمرة، فتلقينا بذي الحليفة، وكان غلمان الأنصار يتلقون أهليهم، فلقوا أسيد بن حضير فنعوا له امرأته، فتقنع وجعل يبكي؛ فقلت: غفر الله لك، أنت صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولك من المسابقة والقدم مالك، وأنت تبكي على(4/392)
امرأة؛ قال: فكشف رأسه، وقال: صدقت لعمري، ليحق أن لا أبكي على أحد بعد سعد بن معاذ، وقد قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قال؛ قالت: قلت: وما قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: قال: " لقد اهتز العرش لوفاة سعد بن معاذ "، قالت: وهو يسير بيني وبين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن أسيد، قال:
بينما نحن عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نتحدث وكان فيه مزاح يحدث القوم ويضحكهم فطعنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خاصرته، فقال: أصبرني فقال: " اصطبر؟ " قال: إنك عليك قميص ولم يكن علي قميص؛ فرفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قميصه، فاحتضنه وجعل يقبل كشحه ويقول: إنما أردت هذا يا رسول الله.
عن مالك، قال: كان أسيد بن الحضير أحد النقباء، وكانت الأنصار بينهم اثنا عشر نقيباً، وكانوا سبعين رجلاً؛ قال مالك: فحدثني شيخ من الأنصار أن جبريل عليه السلام وعلى جميع الملائكة كان يشير له إلى أن يجعله نقيباً؛ قال مالك بن أنس: كنت أعجب كيف جاء من كل قبيلة رجلان، ومن قبيلة رجل حتى حدثني هذا الشيخ أن جبريل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يشير إليهم يوم البيعة يوم العقبة.
قال مالك: عدة النقباء اثنا عشر رجلاً، تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس.
وعن عبد الله بن أبي سفيان: ولقيه أسيد بن حضير، فقال: يا رسول الله، الحمد لله الذي أظفرك وأقر عينك، والله يا رسول الله ما كان تخلفي عن بدر وأنا أظن أنك تلقى عدواً، ولكنني ظننت أنها العير، ولو ظننت أنه عدو ما تخلفت؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صدقت ".
قل محمد بن سعد: وكان لأسيد من الولد: يحيى، وأمه من كندة، توفي وليس له عقب؛ وكان أبو(4/393)
حضير الكتائب شريفاً في الجاهلية، وكان رئيس الأوس يوم بعاث، وهي آخر وقعة بين الأوس والخزرج في الحروب التي كانت بينهم، وقتل يومئذ حضير الكتائب؛ وكانت هذه الوقعة ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة قد تنبأ ودعا إلى الإسلام، ثم هاجر بعدها بست سنين إلى المدينة.
ولحضير الكتائب يقول خفاف بن ندبة السلمي: من الطويل
لو أن المنايا حدن عن ذي مهابةٍ ... لهبن حضيراً يوم غلق واقما
يطوف به حتى إذا الليل جنه ... تبوأ منه مقعداً متناعما
قال: وواقم أطم حضير الكتائب، وكان في بني الأشهل، وكان أسيد بن الحضير بعد أبيه شريفاً في قومه، في الجاهلية وفي الإسلام، يعد من عقلائهم وذوي رأيهم، وكان يكتب بالعربية في الجاهلية، وكانت الكتابة في العرب قليلاً، وكان يحسن العوم والرمي، وكان يسمى من كانت هذه الخصال فيه: الكامل، وكانت قد اجتمعت في أسيد، وكان أبوه حضير الكتائب يعرف بذلك أيضاً ويسمى به.
عن عائشة قالت: ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد يعتد عليهم فضلاً، كلهم من بني عبد الأشهل: سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وعباد بن بشر.
قال يحيى بن بكير: مات سنة عشرين، وحمله عمر بين عمودي السرير حتى وضعه بالبقيع وصلى عليه.
وعن ابن حازم وابن معيقب، قالا: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مصعب بن عمير مع النفر الإثني عشر الذين بايعوا في العقبة الأولى إلى المدينة يفقه أهلها ويقرئهم القرآن، وكان منزله على أسعد بن زرارة، وكان إنما يسمى بالمدينة المقرئ، فخرج يوماً أسعد بن زرارة إلى دار بني عبد الأشهل، فدخل به(4/394)
حائطاً من حوائط بني ظفر وهي قرية لبني ظفر دون قرية بني عبد الأشهل، وكانا ابنا عم يقال لها: بئر مرق، فسمع بهما سعد بن معاذ وكان ابن خالة أسعد بن زرارة فقال لأسيد بن حضير: آئت أسعد بن زرارة فازجره عنا فليكف عنا ما نكره، فإنه قد بلغني أنه قد جاء بهذا الرجل الغريب معه يسفه سفهاءنا وضعفاءنا، فإنه لولا ما بيني وبينه من القرابة لكفيتك ذلك؛ فأخذ أسيد بن حضير الحربة، ثم خرج حتى أتاهما، فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب بن عمير: هذا والله سيد قومه قد جاءك فأبل الله فيه بلاء حسناً؛ فقال: إن يقعد أكلمه؛ فوقف عليهما متشتماً، فقال: يا أسعد ما لنا ولك تأتينا بهذا الرجل الغريب تسفه به سفهاءنا؟ فقال: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهته كف عنك ما تكره؟ قال: قد أنصفتم.
ثم ركز الحربة وجلس، فكلمه مصعب، وعرض عليه الإسلام، وتلا عليه القرآن؛ فوالله لعرفنا الإسلام في وجهه قبل أن يتكلم لتسهله، ثم قال: ما أحسن هذا وأجمله! فكيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الدين؟ قال: تطهر وتطهر ثيابك، وتشهد شهادة الحق، وتصلي ركعتين؛ ففعل، ثم قال لهما: إن ورائي رجلاً من قومي إن تابعكما لم يخالفكما أحد بعده، ثم خرج حتى أتى سعد بن معاذ؛ فلما رآه سعد بن معاذ مقبلاً قال: أحلف بالله لقد رجع عليكم أسيد بن حضير بغير الوجه الذي ذهب به ممن عندكم؛ فلما وقف على النادي قال له سعد: فماذا صنعت؟ قال: قد ازدجرتهما، وقد بلغني أن بني حارثة يريدون أسعد بن زرارة ليقتلوه ليخفروك فيه لأنه ابن خالته فقام إليه سعد مغضباً، فأخذ الحربة من يده، وقال: والله ما أراك أغنيت شيئاً؛ فخرج.
فلما نظر إليه أسعد بن زرارة قد طلع عليهما، قال لمصعب: هذا والله سيد من وراءه من قومه، إن هو تابعك لم يخالفك أحد من قومه، فاصدق الله فيه؛ فقال مصعب بن عمير: إن يسمع مني أكلمه.
فلما وقف عليهما قال: يا أسعد ما دعاك إلى أن تغشاني بما أكره وهو متشتم أما(4/395)
والله إنه لولا ما بيني وبينك من القرابة ما طمعت في هذا مني؛ فقالا له: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهته أعفيت مما تكره؟ قال: أنصفتما بي؛ ثم ركز الحربة وجلس.
فكلمه مصعب، وعرض عليه الإسلام، وتلا عليه القرآن؛ قال: فوالله لعرفنا فيه الإسلام قبل أن يتكلم لتسهل وجهه؛ ثم قال: وكيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الدين؟ فقالا له: تطهر وتطهر ثيابك، وتشهد شهادة الحق، وتركع ركعتين؛ فقام ففعل، ثم أخذ الحربة وانصرف عنهما إلى قومه.
فلما رآه رجال بني عبد الأشهل قالوا: نقسم بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم؛ فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل، أي رجل تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: نعلمك والله خيرنا أفضلنا، أيمننا نقيبةً، وأفضلنا فينا رأياً؛ قال: فإن كلام نسائكم ورجالكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله وحده، وتصدقوا بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فوالله ما أمسى من ذلك اليوم في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلم.
وعن أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر نعم الرجل أبو عبيدة، نعم الرجل أسيد بن حضير، نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس، نعم الرجل معاذ بن جبل، نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح ".
وعن أنس: أن أسيد بن حضير ورجلاً آخر من الأنصار تحدثا عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة من حاجة لهما حتى ذهب من الليل ساعة في ليلة شديدة الظلمة، ثم خرجا من عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبيد كل واحد منهما عصية، فأضاءت عصا أحدهما لهما حتى مشيا في ضوئها، حتى إذا افترق بهما الطريق أضاءت للآخر عصاه، فمشى كل واحدٍ منهما في ضوء عصاه حتى بلغ أهله.(4/396)
وعن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأنزل الله تعالى: " يسألونك عن المحيض " إلى آخر الآية؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اصنعوا كل شيء إلا النكاح " فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه؛ فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول الله، إن اليهود قالت كذا وكذا، أفلا يجامعوهن، فتغير وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى ظننت أن قد وجد عليهما، فخرجا، فاستقبلتهما هدية من لبن إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأرسل في آثارهما فسقاهما، فعرفا أن لم يجد عليهما.
عن عائشة، أنها قالت: كان أسيد بن حضير من أفاضل الناس، فكان يقول: لو أني أكون كما أكون في حال من أحوال ثلاثة لكنت من أهل الجنة، وما شككت في ذلك، حين أقرأ القرآن وحين أسمعه؛ وإذا سمعت خطبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وإذا شهدت جنازة، فما شهدت جنازة قط فحدثت نفسي بسوى ما هو مفعول بها وما هي صائرة إليه.
وعن أسيد بن حضير وكان من أحسن الناس صوتاً بالقرآن قال:
قرأت ليلة سورة البقرة، وفرس لي مربوط، ويحيى ابني مضطجع قريب مني وهو غلام، فجالت الفرس فوقفت وليس لي هم إلا ابني، ثم قرأت فجالت الفرس فوقفت وليس لي هم إلا ابني، ثم قرأت فجالت الفرس فرفعت رأسي فإذا شيء كهيئة الظلة فيها مثل المصابيح مقبل من السماء، فهالني، فسكت؛ فلما أصبحت غدوت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته، فقال: " اقرأ أبا يحيى " فقلت: قد قرأت فجالت الفرس وليس لي هم إلا ابني فقال: اقرأ يا ابن حضير " فقلت قد قرأت فرفعت رأسي فإذا كهيئة الظلة فيها المصابيح فهالني؛ فقال: " تلك الملائكة دنوا لصوتك، ولو قرأت حتى تصبح لأصبح الناس ينظرون إليهم ".(4/397)
عن أبي قتادة، قال: انتهينا إليهم يعني بني قريظة فلما رأونا أيقنوا بالشر، وغرز علي الراية عند أصل الحصن، فاستقبلونا في صياصيهم يشتمون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأزواجه؛ قال أبو قتادة: وسكتنا، وقلنا: السيف بيننا وبينكم؛ وطلع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما رآه علي رجع إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمرني ألزم اللواء فلزمته، وكره أن يسمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذاهم وشتمهم، فسار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم، وتقدمه أسيد بن حضير فقال: يا أعداء الله، لا نبرح حصنكم حتى تموتوا جوعاً، إنما أنتم بمنزلة ثعلب في حجر؛ قالوا: يا ابن الحضير، نحن مواليك دون الخزرج؛ وخاروا؛ فقال: لا عهد بيني وبينكم ولا إل.
وعن بشر بن يسار أن أسيد بن الحضير كان يؤم قومه، واشتكى، فصلى بهم قاعداً، فصلوا وراءه قعوداً.
وعن عروة أن أسيد بن حضير مات وعليه دين أربعة آلاف درهم، فبيعت أرضه؛ فقال عمر: أترك بني أخي عالة! فرد الأرض وباع ثمرها من الغرماء أربع سنين بأربعة آلاف، كل سنة ألف درهم.
توفي سنة عشرين وصلى عليه عمر، ودفن بالبقيع.
أُسيد ويقال أَسيد
شيخ من بني كلاب، من أصحاب مكحول.
حدث بدمشق عن العلاء بن الزبير الكلابي، عن أبيه، قال: رأيت غلبة فارس(4/398)
الروم، ثم رأيت غلبة الروم فارس، ثم رأيت غلبة المسلمين فارس والروم، كل ذلك في خمس عشرة سنة.
أَسيد بن عبد الرحمن الخثعمي الفلسطيني
سمع وأسمع؛ واجتاز بناحية دمشق في مضيه إلى دابق روى عن خالد بن دريك، عن ابن محيريز قال: قلت لأبي جمعة رجل من الصحابة: حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: نعم، أحدثك حديثاً جيداً؛ تغدينا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعنا أبو عبيدة، فقال: يا رسول الله، أحد خير منا؟ أسلمنا معك وجاهدنا معك؛ قال: " نعم، قوم يكونون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني ".
وعن فروة بن مجاهد النخعي، عن عقبة بن عامر الجمحي، قال: لقيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لي: " يا عقبة، صل من قطعك، واعط من حرمك، واعف عمن ظلمك ".
قال: ثم لقيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا عقبة بن عامر، ألا أعلمك سوراً ما أنزل الله في التوراة ولا في الزبور ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلهن؟ لا يأتي عليك ليلة إلا قرأتهن فيها: " قل هو الله أحد " و" قل أعوذ برب الفلق " و" قل أعوذ برب الناس ".
قال عقبة: فما أتت علي ليلة منذ أمرني بهن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا قرأتهن، وحق لي ألا أدعهن وقد أمرني بهن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وروى عن العلاء بن زياد، قال: إنكم في زمان أقلكم الذي ذهب عشر دينه، وسيأتي زمان أقلكم الذي يبقى عشر دينه.
قال يعقوب بن سفيان: شامي ثقة.
وعن ضمرة قال: توفي بالرملة سنة أربع وأربعين ومئة، قال: ورأيته يصفر لحيته(4/399)
أشجع بن عمرو
أبو الوليد، وقيل: أبو عمرو، السلمي شاعر من ولد الشريد بن مطرود، مشهور، ولد باليمامة، ونشأ بالبصرة، وتأدب بها وقال الشعر، ثم قصد الرشيد بالرقة، وامتدحه، ومدح البرامكة، واختص بجعفر بن يحيى، وخرج معه إلى دمشق حين ندبه الرشيد للإصلاح بين أهلها.
عن داود بن مهلهل، قال: لما خرج جعفر بن يحيى ليصلح أمر الشام، نزل في مضربه، وأمر بإطعام الناس فقام أشجع فأنشده: من الكامل
فئتان باغية وطاغية ... جلت أمورهما عن الخطب
قد جاءكم بالخيل شازبة ... ينقلن نحوكم رحى الحرب
لم يبق إلا أن تدور بكم ... قد قام هاديها على القطب
قال: فأمر له بصلة ليست بالسنية، وقال له: دائم القليل خير من منقطع الكثير؛ فقال له: ونزر الوزير أكثر من جزيل غيره؛ فأمر له بمثلها.
قال: وكان جعفر يجري عليه في كل جمعة مئة دينار مدة مقامه ببابه.
حدث أشجع السلمي، قال: أذن لنا المهدي وللشعراء في الدخول عليه، فدخلنا، فأمرنا بالجلوس، فاتفق أن جلس إلى جنبي بشار، وسكت المهدي وسكت الناس، فسمع بشار حساً، فقال لي: يا أشجع، من هذا؟ فقلت: أبو العتاهية؛ قال: فقال لي: أتراه ينشد في هذا المحفل؟ فقلت: أحسب سيفعل.
قال: فأمره المهدي أن ينشد، فأنشد: من المتقارب(4/400)
ألا ما لسيدتي مالها ... أدلاً فأحمل إدلالها
قال: فنخسني بمرفقه فقال: ويحك، رأيت أجسر من هذا، ينشد مثل هذا الشعر في هذا الموضع؟ حتى بلغ إلى هذا الموضع:
أتته الخلافة منقادة ... إليه تجرر أذيالها
فلم تك تصلح إلا له ... ولم يك يصلح إلا لها
ولو رامها أحد غيره ... لزلزت الأرض أثقالها
ولو لم تطعه بنات النفو ... س لما قبل الله أعمالها
قال: فقال بشار: انظر ويحك يا أشجع، هل طار الخليفة عن فرشه؟ قال: لا: والله ما انصرف أحد من ذلك المجلس بجائزة غير أبي العتاهية.
وعن أحمد بن سيار الجرجاني وكان شاعراً راوية مداحاً ليزيد بن مزيد قال: دخلت أنا وأبو محمد التيمي، وأشجع بن عمرو، وابن رزين الخزاعي، على الرشيد بالقصر الأبيض بالرقة، وكان قد ضرب أعناق قوم في تلك الساعة، فتخللنا الدم حتى وصلنا إليه، فتقدم التيمي فأنشده أرجوزة يذكر فيها نقفور ووقعة الرشيد بالروم، فنثر عليه الدر من جودة شعره؛ ونشده أشجع: من الكامل
قصر عليه تحية وسلام ... ألقت عليها جمالها الأيام
قصر سقوف المزن دون سقوفه ... فيه لأعلام الهدى أعلام
يثني على أيامك الإسلام ... والشاهدان: الحل والإحرام
وعلى عدوك يا ابن عم محمد ... رصدان: ضوء الصبح والإظلام
فإذا تنبه رعته وإذا هدا ... سلت عليه سيوفك الأحلام
القصيدة، قال: وأنشده: من الكامل
زمن بأعلى الرقتين قصير(4/401)
يقول فيها
لا تبعد الأيام إذ ورق الصبا ... خضل وإذ غصن الشباب نضير
قال: فأعجب بها، وبعث إلي الفضل بن الربيع ليلاً، فقال: أني أشتهي أن أنشد قصيدتك الجواري، فابعث بها إلي؛ فبعث بها إليه.
قال أبو العباس: وركب الرشيد يوماً في قبة، وسعيد بن سالم عديله، فدعا محمداً الرواية يعرف بالبيذق لقصره وكان إنشاده أشد طرباً من الغناء، فقال له: أنشدني قصيدة الجرجاني التي مدحني بها، فأنشده؛ فقال الرشيد: الشعر في ربيعة سائر اليوم؛ فقال له سعيد بن سالم: يا أمير المؤمنين، أستنشده قصيدة أشجع التي مدحك بها: الشعر في ربيعة سائر اليوم فهم يزل به سعيد حتى استنشده، فأنشده فلما بلغ قوله:
وعلى عدوك يا ابن عم محمد ... رصدان: ضوء الصبح والإظلام
فإذا تنبه رعته وإذا هدا ... سلت عليه سيوفك الأحلام
فقال له سعيد: والله لو خرس يا أمير المؤمنين بعد هذين البيتين كان أشعر الناس.
قال الصولي: من أجمع ما في هذا المعنى وأحسنه، ما قاله أشجع السلمي لعثمان بن نهيك، حدثني به يحيى بن البحتري، عن أبيه، في خبر لأبيه مع الفتح: من الخفيف
كم تغضبت بالجهالة مني ... بعد ملك الرضا على عثمان
ملك يا عمر الخليقة تطري ... هـ بكل المديح كل لسان
وإذا جئته تبين لك الإك ... رام منه في أوجه الغلمان
فامتحنت الأيام جهدي حتى ... ردني صاغراً إليه امتحاني
وأراني زماني الغض من جدوا ... هـ ادعاء السرور خير زمان
فتلقى بالفضل سيء فعلي ... وذنوبي بالعفو والإحسان
وعن مساور بن لاحق وكان أحد الكتاب الحذاق قال: اعتل يحيى بن خالد(4/402)
ثم صلح، فدخل إليه الناس يهنئونه بالعافية فدخل عليه أشجع السلمي فأنشده: من الوافر
لقد قرعت شكاة أبي علي ... صفاة معاشر كانوا صحاحا
فإن يدفع لنا الرحمن عنه ... صروف الدهر والأجل المتاحا
فقد أمسى صلاح أبي علي ... لأهل الأرض كلهم صلاحا
إذا ما الموت أخطأه فلسنا ... نبالي الموت حيث غدا وراحا
وكتب أشجع بن عمرو السلمي إلى الرشيد في يوم عيد: من البسيط
لا زلت تنشر أعياداً وتطويها ... تمضي بهالك أيام وتثنيها
مستقبلاً جدة الدنيا وبهجتها ... أيامها لك نظم في لياليها
والعيد والعيد والأيام بينهما ... موصولة لك لا تفني وتفنيها
ولا تقضت بك الدنيا ولا برحت ... يطوي لك الدهر أياماً وتطويها
وله يمدح جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي: من المتقارب
أتصبر يا قلب أم تجزع ... فإن الديار غداً بلقع
غدا يتفرق أهل الهوى ... ويكثر باك ومسترجع
وتختلف الدار بالظاعني ... ن وجوهاً تشذ ولا تجمع
وتمضي الطلول ويبقى الهوى ... ويصنع ذو الشوق ما يصنع
فها أنت تبكي وهم جيرة ... فكيف يكون إذا ودعوا
وراحت بهم أو غدت أينق ... تخب على الأين أو توضع
أيطمع في العيش بعد الفرا ... ق محب لعمرك ما يطمع
هنالك يقطع من يشتهي ال ... وصال ويوصل من يقطع
لعمري لقد قلت يوم الفرا ... ق وأسمعت صوتك من يسمع
فما عروا حين ناديتهم ... وقد قتلوك وما ودعوا(4/403)
فإن تصبح الأرض عريانة ... يهب بها الشمال الزعزع
فقد كان ساكنها ناعماً ... له محضر وله مربع
ومغترب ينقضي ليله ... هموماً ومقلته تهمع
يؤرقه ما به من الفؤا ... د فما يستقر به مضجع
ألا إن بالغور له حاجة ... تؤرق عيني فما تهجع
إذا الليل ألبسني ثوبه ... تقلب فيه فتى موجع
يجاذبه بالحجاز الهوى ... إذا اشتملت فوقه الأضلع
ولا يستطيع الفتى ستره ... إذا جعلت عينه تدمع
لقد زادني طرباً بالفرا ... ق بوارق غورية تلمع
إذا قلت: قد هدأت عارضت ... بأبيض ذي رونق يسطع
ودوية بين أقطارها ... مفاوز أرضين لا تقطع
تضل القطا بين أرجائها ... إذا ما تسدي الفتى المصقع
تخطيتها بين عيرانة ... من الريح في مرها أسرع
إلى جعفر نزعت همتي ... فأي فتى نحوه تنزع
إذا وضعت رحلها عنده ... تضمنها البلد الممرع
وما لامرئ دونه مطلب ... وما لامرئ دونه مقنع
رأيت الملوك تغض الجفو ... ن إذا ما بدا الملك الأتلع
يفوت الرجال بحسن القوا ... م ويقصر عن شأوه المسرع
إذا رفعت كفه معسراً ... أبي الفضل والعز أن يوضعوا
فما يرفع الناس من حطه ... ولا يضع الناس من يرفع
يريد الملوك مدى جعفر ... وهم يجمعون ولا يجمع
وكيف ينالون غاياته ... وما يصنعون كما يصنع؟
وليس بأوسعهم في الغنى ... ولكن معروفه أوسع
هو الملك المرتجى ألذي ... يضيق بأمثالها الأذرع
يلوذ الملوك بأركانه ... إذا نابها الحدث المفظع
بديهته مثل تفكيره ... إذا رمته فهو مستجمع(4/404)
إذا هم بالأمر لم يثنه ... هجوع ولا شادن أفرع
فللجود في كفه مطلب ... وللسر في صدره موضع
شديد العقاب على عفوه ... إذا السوء ضمنه الأخدع
وكم قائل إذ رأى همتي ... وما في فضول الغنى أصنع
غدا في ظلال ندى جعفر ... يجر ثياب الغنى أشجع
كأن أبا الفضل بدر الدجى ... لعشر خلت بعدها أربع
لفرقته التأمت بابل ... وأشرق إذ أمه المطلع
فقل لخراسان تغشى الطري ... ق فقد جاءها الحكم المقنع
ولا تركب الميل عند امرئٍ ... فتصرف عن عب ما تصنع
فقد حبرت يا بن يحيى البلاد ... وكل إلى ملكه أنزع
وله: من الخفيف
أنت في غمرة المارة أعمى ... فإذا ما انجلت فأنت بصير
لا تقولن ليتني كنت قدم ... ت جميلاً وقد طوتك الأمور
وله: من الهزج
هي الشمس التي تطل ... ع بين الثغر والعقد
كأن الشمس لما ط ... لعت في ثوبها الوردي
تباهي الغرة البيضا ... ء تحت الشعر الجعد
أشعث بن عمر
ويقال: ابن عمرو ويقال: ابن عثمان التميمي الحنظلي البصري قدم على عمر بن عبد العزيز، وروى عنه قوله.
روى أنه أتى عمر بن عبد العزيز بالشام حين استخلف؛ قال: فكلمته، قلت:(4/405)
اسقني سقاك الله؛ قال: أين؟ قلت: بالخرنق؛ قال: وما الخرنق؟ قلت: غائط بالشجي لا يطأه طريق؛ قال: لك الويل، ما تصنع بغائط لا يطأه طريق؟ قلت: أنا رجل صاحب سائمة أريد الفلاة؛ قال: بنى بالغائط أحد قبلك أثراً؟ قلت: نعم، حفر عبد الله بن عامر بها ركية؛ قال: كم صوبها؟ قلت: خمسون ذراعاً أو خمسون قامة؛ قال: كم هي من البصرة؟ قلت: مسيرة ثلاث ليال.
فكتب إلى عدي بن أرطاة: أتاني رجل من بني تميم فاستحفرني بالخرنق وزعم أنها منك مسيرة ثلاث ليال فإذا أتاك فأحفره وأحفر من جاءك من أسود وأبيض، واشترط: ابن السبيل أول ريان، وأن حريمها طول رشائها.
أشعث بن قيس
أبو محمد الكندي له صحبة، روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث يسيرة، وشهد اليرموك، وأصيبت عينه به، وسكن الكوفة، وشهد الحكمين بدومة الجندل.
عن أبي وائل، قال: قال عبد الله: من حلف على يمين يستحق بها مالاً، وهو فيها فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان، ثم أنزل الله عز وجل تصديق ذلك: " إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة، ولا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم ".
فقال أشعث بن قيس: في نزلت، كان بيني وبين رجل خصومة، فاختصمنا إلى(4/406)
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " شاهداك أو يمينه " فقلت: إنه يحلف ولا يبالي، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حلف على يمين يستحق بها مالاً، وهو فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان ". فأنزل الله عز وجل تصديق ذلك؛ ثم قرأ هذه الآية: " إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً " إلى آخر الآية.
قال خليفة بن خياط: الأشعث بن قيس بن معدي كرب بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن ثور، وهو كندة بن عفير؛ أمه كبشة بنت يزيد من ولد الحارث بن عمرو بن معاوية؛ يكنى أبا محمد؛ مات في آخر سنة أربعين بعد قتل علي عليه السلام قليلاً.
وقال ابن سعد: وكان اسم الأشعث معدي كرب، وكان أبداً أشعث الرأس، فسمي الأشعث؛ ووفد الأشعث بن قيس على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سبعين رجلاً من كندة، وكل اسم في كندة وفد بوفادته إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع الأشعث.
وقال أبو بكر الخطيب: ويعد فيمن نزل الكوفة من الصحابة، وله عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رواية، وقد شهد مع سعد بن أبي وقاص قتال الفرس بالعراق، وكان على راية كندة يوم صفين مع علي بن أبي طالب، وحضر قتال الخوارج بالنهروان، وورد المدائن ثم عاد إلى الكوفة فأقام بها حتى مات في الوقت الذي صالح فيه الحسن بن علي معاوية بن أبي سفيان، وصلى عليه الحسن.
قال القحذمي: تزوج قيس بن معدي كرب بنت الحارث بن عمرو آكل المرار، فولدت له الأشعث بن قيس، فقال أبو هانئ الكندي: من الوافر
بنات الحارث الملك بن عمرو ... تخيرها فتنكح في ذراها
لها الويلات إذ أنكحتموها ... ألا طعنت بمديتها حشاها
وقد نبئتها ولدت غلاماً ... فلا عاش الغلام ولا هناها
فأجابه أبو قساس الكندي: من الوافر(4/407)
ألا أبلغ لديك أبا هني ... ألا تنهى لسانك عن رداها
فقد طالبت هذا قبل قيس ... لتنحكها فلم تك من هواها
فطافت في المناهل تبتغيها ... فلاقت منهلاً عذباً شفاها
شديد الساعدين أخا حروب ... إذا ما سيل منقصة أباها
وما أحيت مطيته إليها ... ولا من فوق ذروتها أتاها
قال القحذمي: وآل الأشعث ينشدون هذا الشعر ولا ينكرونه؛ قال: والأشراف لا يبالون أن يكون أخوالهم أشرف من أعمامهم.
قال القاضي المعافى بن زكريا الجريري: قوله في هذا الشعر: ألا تنهى لسانك عن رداها؛ أنث اللسان، وذكر أهل العلم بالعربية أن العرب تذكر اللسان وتؤنثه؛ وقيل: من أنثه أراد به اللغة والرسالة، كقول الشاعر: من البسيط
إذا أتتني لسان لا أسر بها ... من علو لا عجب منها ولا سخر
وعن الزهري، قال: قدم الأشعث بن قيس على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بضعة عشر راكباً من كندة، فدخلوا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسجده، وقد رجلوا جممهم واكتحلوا، وعليهم جباب الحبرة قد كفوها بالحرير، وعليهم الديباج ظاهر مخوص بالذهب، فقال لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألم تسلموا؟ " قالوا: بلى؛ قال: " فما بال هذا عليكم؟ " فألقوه، فلما أرادوا الرجوع إلى بلادهم أجازهم بعشر أواق عشر أواق، وأعطى الأشعث اثنتي عشرة أوقية.
عن خيثمة، قال: بشر الأشعث بن قيس بغلام وهو عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أما والله لوددت أن لكم به قصعة من خبز ولحم! فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لئن قلت ذاك إنها لمحزنة مجبنة، وإنها لثمرة القلوب وقرة العين ".
عن ابن إسحاق، قال: وكان من حديث كندة حين ارتدت، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(4/408)
كان بعث إليهم رجلاً من الأنصار يقال له: زياد بن لبيد، وكان عقبيا بدرياً، أميراً على حضرموت، فكان فيهم حياة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطيعونه ويؤدون إليه صدقاتهم لا ينازعونه، فلما توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبلغهم انتقاض من انتقض من العرب ارتدوا وانتقضوا بزياد بن لبيد.
وكان سبب انتقاضهم به أن زياداً أخذ فيما يأخذ من الصدقة قلوصاً لغلام من كندة، وكانت كوماء خيار إبله، فلما أخذها زياد فعقلها في إبل الصدقة ووسمها جزع الغلام من ذلك فخرج يصيح إلى حارثة بن سراقة بن معدي كرب، فقال: أخذت الفلانية في إبل الصدقة فأنشدك الله والرحم فإنها أكرم إبلي علي، فخرج معه حارثة حتى أتى زياداً فطلب إليه أن يردها عليه ويأخذ مكانها بعيراً، فأبى عليه زياد، وكان رجلاً صلباً مسلماً، وخشي أن يروا ذلك منه ضعفاً وخوراً للحديث الذي كان، فقال: ما كنت لأردها وقد وسمتها في إبل الصدقة، ووقع عليها حق الله عز وجل؛ فراجعه حارثة فأبى، فلما رأى ذلك حارثة قام إلى القلوص فحل عقالها ثم ضرب وجهها، فقال: دونك وقلوصك لصاحبها وهو يرتجز ويقول: من الرجز
يمنعها شيخ بخديه الشيب ... قد لمع الوجه كتلميع الثوب
اليوم لا أخلط بالعلم الريب ... وليس في منعي حريمي من عيب
وقال حارثة بن سراقة الكندي: من الطويل
أطعنا رسول الله ما دام وسطنا ... فيال عباد الله ما لأبي بكر
أيأخذها قسراً ولا عهد عنده ... يملكه فينا وفيكم عرى الأمر
فلم يك يهديها إليه بلا هدى ... وقد مات مولاها النبي ولا عذر
فنحن بأن نختارها وفصالها ... أحق وأولى بالإمارة في الدهر
إذا لم يكن من ربنا أو نبينا ... فذو الوفد أولى بالقضية في الوفر
أيجري على أموالنا الناس حكمهم ... بغير رضى إلا التسنم بالقسر(4/409)
بغير رضى منا ونحن جماعة ... شهوداً كأنا غائبين عن الأمر
فتلك إذا كانت من الله زلفة ... ومن غيره إحدى القواصم للظهر
فأجابه زياد بن لبيد: من الطويل
سيعلم أقوام أطاعوا نبيهم ... بأن عدي القوم ليس بذي قدر
أذاعت عن القوم الأصاغر لعنةٌ ... قلوب رجال في الحلوق من الصدر
ودنوا لعقباه إذا هي صرمت ... هواديه الأولى على حين لا عذر
فإن عصا الإسلام قد رضيت به ... جماعته الأولى برأي أبي بكر
فإن كنتم منهم فطوعاً لأمره ... وإلا فأنتم من مخافته صعر
فنحن لكم حتى نقيم صعوركم ... بأسيافنا الأولى وبالذيل السمر
رويدكم إن السيوف التي بها ... ضربناكم بدءاً بأيماننا تبري
أبعد التي بالأمس كنتم غويتم ... لها يبغون الغي من فرط الصغر
وكان لهم في غير أسود عبرة ... وناهية عن مثلها آخر الدهر
تلعب فيكم بالنساء ابن عبه ... وبالقوم حتى نالهن بلا مهر
فإن تسلموا فالسلم خير بقية ... وإن تكفروا تستوبلوا غبة الكفر
فتفرقت الناس عند ذلك طائفتين، فصارت طائفة مع حارثة بن سراقة قد ارتدوا عن الإسلام، وطائفة مع زياد بن لبيد؛ فلما رأى ذلك زياد قال لهم: نقضتم العهد وكفرتم، فأحللتم بأنفسكم واغتنمتم أولاها بعد عقباها؟ فقال حارثة: أما عهد بيننا وبين صاحبك هذا الأحدث فقد نقضناها، وإن أبيت إلا الأخرى أصبتنا على رجل، فاقض ما أنت قاض.
فتنحى زياد فيمن اتبعه من كندة وغيرهم قريباً، وكتب إلى المهاجر أن يمده، وأخبره خبر القوم؛ فخرج المهاجر إليه، وسمع الأشعث بن قيس صارخاً من أعلى حصنهم في شطر من الليل: من الرجز
عشيرة تملك بالعشيرة ... في حائط يجمعها كالصيرة
والمسلمون كالليوث الزيرة ... فيها أمير من بني المغيرة(4/410)
فلما سمع الأشعث الصارخ إلى ما قد رأى من اختلاف أصحابه بادرهم فخرج من تحت ليل حتى أتى المهاجر وزياداً فسألهما أن يؤمناه على دمه وماله حتى يبلغاه أبا بكر فيرى فيه رأيه، ويفتح لهم باب الحصن، ففعلا، ويفتح لهم باب الحصن فيدخل المسلمون على أهل الحصن فاستنزلوهم فضربوا أعناقهم، واستاقوا أموالهم، واستبوا نساءهم، وكتبوا إلى أبي بكر بذلك، واستوثقوا من الأشعث حتى بعثوا به إلى أبي بكر في الحديد موثقاً، فقال له أبو بكر: كيف ترى صنيع الله بمن نقض عهده؟ فقال الأشعث: أرى أنه قد أخطأ حظه ونفس جده؛ فقال له أبو بكر: فما تأمرني فيك؟ قال: آمرك أن تمن علي فتفكني من الحديد، وتزوجني أختك أم فروة بنت أبي قحافة؛ ففعل أبو بكر.
فقال الأشعث حين زوجه أبو بكر: من الطويل
لعمري وما عمري علي بهينٍ ... لقد كنت بالإخوان جد ضنين
أحاذر أن تضرب هناك رؤوسهم ... وما الدهر عندي بعدها بأمين
فليت جنون الناس تحت جنونهم ... ولم ترم أنثى بعدهم بجنين
وكنت كذاب البو أنحت وأقبلت ... عليه بقلب والهٍ وحنين
فأجابه مسلم بن صبيح السكوني: من الطويل
جزى الأشعث الكندي بالغدر ربه ... جزاء مليم في الأمور ظنين
أخا فجرة لا تستقال وغدرة ... لها أخوات مثلها ستكون
فلا تأمنوه بعد غدرته بكم ... على مثلها فالمرء غير أمين
وليس امرؤ باع الحياة بقومه ... أخا ثقةٍ أن يرتجى ويكون
هدمت الذي قد كان قيس يشيده ... ويرضى من الأفعال ما هو دون
وألبستنا ثوب المسبة بعدها ... فلا زلت محبوساً بمنزل هون
أرى الأشعث الكندي أصبح بعدها ... هجيناً بها من دون كل هجين
سيهلك مذموماً ويورث سبةً ... يبيت بها في الناس ذات قرون(4/411)
وفي رواية ابن سعد:
كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد استعمل زياد بن لبيد على حضرموت، وقال له: " سر مع هؤلاء القوم يعني وفد كندة فقد استعملتك عليهم " فسار زياد معهم عاملاً لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حضرموت على صدقاتهم، الثمار والخف والماشية والكراع والعشور، وكتب له كتاباً، فكان لا يعدوه إلى غيره ولا يقبض دونه؛ فلما قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستخلف أبو بكر، كتب إلى زياد يقره على عمله ويأمره أن يبايع من قبله، ومن أبي وطئه بالسيف، ويستعين بمن أقبل على من أدبر، وبعث بكتابه إليه مع أبي هند البياضي، فلما أصبح زياد غدا بنعي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الناس وأخذهم بالبيعة لأبي بكر وبالصدقة؛ فامتنع قوم من أن يعطوا الصدقة، وقال الأشعث بن قيس: إذا اجتمع الناس فما أنا إلا كائدهم؛ ونكص عن التقدم إلى البيعة، فقال له امرؤ القيس بن عابس الكندي: أنشدك الله يا أشعث، ووفادتك على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإسلامك أن تنقضه اليوم، والله ليقومن بهذا الأمر من بعده من يقتل من خالفه، فإياك إياك وأبق على نفسك، فإنك إن تقدمت تقدم الناس معك، وإن تأخرت افترقوا واختلفوا فأبى الأشعث وقال: قد رجعت العرب إلى ما كانت تعبد، ونحن أقصى العرب داراً من أبي بكر، أيبعث أبو بكر إلينا الجيوش؟ فقال امرؤ القيس: إي والله، وأخرى: لا يدعك عامل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترجع إلى الكفر؛ فقال الأشعث: من؟ قال: زياد بن لبيد؛ فتضاحك الأشعث وقال: أما يرضى زياد أن أجيره! فقال امرؤ القيس: سترى.
ثم قام الأشعث فخرج من المسجد إلى منزله، وقد أظهر ما أظهر من الكلام القبيح من غير أن ينطق بالردة؛ ووقف يتربص وقال: تقف أموالنا بأيدينا ولا ندفعها ونكون من آخر الناس.
قال: وبايع زياد لأبي بكر بعد الظهر إلى أن قامت صلاة العصر، فصلى بالناس العصر ثم انصرف إلى بيته، ثم غدا على الصدقة من الغد كما كان يفعل قبل ذلك، وهو أقوى ما كان نفساً وأشده لساناً، فمنعه حارثة بن سراقة بن معدي كرب العبدي أن يصدق غلاماً(4/412)
منهم، وقام يحل عقال البكرة التي أخذت في الصدقة وجعل يقول: من الرجز
يمنعها شيخ بخديه الشيب ... ملمع كما يلمع الثوب
ماض على الريب إذا كان الريب
فنهض زياد بن لبيد وصاح بأصحابه المسلمين، ودعاهم إلى النصرة لله ولكتابه، فانحازت طائفة من المسلمين إلى زياد، وجعل من ارتد ينحاز إلى حارثة، وكان زياد يقاتلهم النهار إلى الليل، فقاتلهم أياماً كثيرة، وضوى إلى الأشعث بن قيس بشر كثير، فتحصن بمن معه ممن هو على مثل رأيه، فحاصرهم زياد بن لبيد، وقذف الله الرعب في أيديهم، وجهدهم الحصار فقال الأشعث بن قيس: إلى متى نقيم في هذا الحصن قد غرثنا فيه وغرث عيالنا، وهذه البعوث تقدم عليكم ما لا قبل لنا به، والله للموت بالسيف أحسن من الموت بالجوع، ويؤخذ من قبة الرجل كما يصنع بالذرية؛ قالوا: وهل لنا قوة بالقوم، ارتأ لنا، فأنت سيدنا؛ قال: أنزل وآخذ لكم أماناً تأمنون به، قبل أن تدخل عليكم هذه الأمداد، ما لا قبل لنا به ولا يدان.
قال: فجعل أهل الحصن يقولون للأشعث؛ افعل فخذ لنا الأمان، فإنه ليس أحد أحرى أن يقدر على ما قبل زياد منك؛ فأرسل الأشعث إلى زياد: أنزل فأكلمك وأنا آمن؟ قال زياد: نعم؛ فنزل الأشعث من النجير فخلا بزياد، فقال: يا ابن عم، قد كان هذا الأمر ولم يبارك لنا فيه، ولي قرابة ورحم، وإن وكلتني إلى صاحبك قتلني يعني المهاجر بن أبي أمية وإن أبا بكر يكره قتل مثلي، وقد جاءك كتاب أبي بكر ينهاك عن قتل الملوك من كندة، فأنا أحدهم، وإنما أطلب منك الأمان على أهلي ومالي؛ فقال زياد بن لبيد: لا أؤمنك أبداً على دمك وأنت كنت رأس الردة والذي نقض علينا كندة؛ فقال: أيها الرجل دع عنك ما مضى، واستقبل الأمور إذا أقبلت عليك، فتؤمن على دمي وأهلي ومالي حتى أقدم على أبي بكر فيرى في رأيه؛ فقال زياد: وماذا؟ قال: وأفتح لك النجير؛ فأمنه زياد على أهله ودمه وماله، وعلى أن يقدم به على أبي بكر فيرى فيه رأيه ويفتح له النجير.(4/413)
قال محمد بن عمر الواقدي: وهذا أثبت عند أصحابنا من غيره.
قال أبو مغيث:
كنت فيمن حضر أهل النجير، فصالح الأشعث زياداً على أن يؤمن من أهل النجير سبعين رجلاً ففعل، فنزل سبعون ونزل معهم الأشعث، فكانوا أحداً وسبعين؛ فقال له زياد: أقتلك، لم يبق لك أمان؛ فقال الأشعث: تؤمنني على أن أقدم على أبي بكر فيرى في رأيه، فأمنه على ذلك.
وعن مصعب بن عبد الله قال: أمن زياد بن لبيد الأشعث بن قيس على أن يبعث به وبأهله وماله إلى أبي بكر فيحكم فيه بما يرى؛ وفتح له النجير، فأخرجوا المقاتلة وهم كثير، فعمد زياد إلى أشرافهم سبعمئة رجل فضرب أعناقهم على دم واحد؛ ولام القوم الأشعث، فقالوا لزياد: غدر بنا الأشعث وأخذ الأمان لنفسه وماله وأهله ولم يأخذه لنا جميعاً، فنزلنا ونحن آمنون فقتلنا؛ فقال زياد: ما آمنتكم؛ قالوا: صدقت، خدعنا الأشعث.
وعن عبد الرحمن بن الحويرث قال: رأيت الأشعث بن قيس يوم قدم به المدينة في حديد مجموعة يداه إلى عنقه، بعث به زياد بن لبيد والمهاجرين أبي أمية إلى أبي بكر، وكتبا إليه: إنا لم نؤمنه إلا على حكمك، وقد بعثنا به في وثاق وبأهله وماله الذي خف حمله، فترى في ذلك رأيك.
قال: وتولى نهيك بن أوس بالسبي في دار ملة بنت الحارث، ومعهم الأشعث بن قيس؛ فجعل يقول: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما كفرت بعد إسلامي ولكن شححت على مالي؛ فقال أبو بكر: ألست الذي تقول: قد رجعت العرب إلى ما كانت تعبد، وأبو بكر يبعث إلينا الجيوش ونحن أقصى العرب داراً، فرد عليك من هو خير منك فقال: لا يدعك عامله ترجع إلى الكفر؛ فقلت: من؟ فقال: زياد بن لبيد؛ فتضاحكت، فيكيف وجدت زياداً؟ أذكرت به أمه؟ فقال الأشعث: نعم كل الإذكار؛ ثم قال الأشعث: أيها الرجل أطلق إساري واستبقني لحربك، وزوجني أختك أم فروة بنت أبي قحافة، فإني قد تبت مما صنعت، ورجعت إلى ما خرجت منه من منعي الصدقة.(4/414)
فزوجه أبو بكر أم فروة بنت أبي قحافة، فكان بالمدينة مقيماً حتى كانت ولاية عمر بن الخطاب وندب الناس إلى فتح العراق، فخرج الأشعث بن قيس مع سعد بن أبي وقاص فشهد القادسية والمدائن وجلولاء ونهاوند، واختلط بالكوفة حين اختط المسلمون، وبنى بها داراً في بني كندة، ونزلها إلى أن مات بها، وولده بها إلى اليوم.
وعن قيس بن أبي خازم قال: لما قدم بالأشعث بن قيس أسيراً على أبي بكر الصديق أطلق وثاقه وزوجه أخته، اخترط سيفه ودخل سوق الإبل فجعل لا يرى جملاً ولا ناقة إلا عرقبه؛ وصاح الناس: كفر الأشعث. فلما فرغ طرح سيفه وقال: إني والله ما كفرت، ولكن زوجني هذا الرجل أخته، ولو كنا في بلادنا لكانت لنا وليمة غير هذه، يا أهل المدينة انحروا وكلوا، ويا أصحاب الإبل تعالوا خذوا شرواها.
حدث أبو الصلت سليم الحضرمي، قال: شهدنا صفين، فإنا لعلى صفوفنا وقد حلنا بين أهل العراق وبين الماء، فأتانا فارس على برذون مقنعاً بالحديد، فقال: السلام عليكم، فقلنا: وعليك؛ قال: فأين معاوية؟ قلنا: هو ذا؛ فأقبل حتى وقف ثم حسر عن رأسه فإذا هو أشعث بن قيس الكندي، رجل أصلع ليس في رأسه إلا شعرات فقال: الله الله يا معاوية في أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ هبوا أنكم قتلتم أهل العراق فمن للبعوث والذراري؟ أم هبوا أنا قتلنا أهل الشام، فمن للبعوث والذراري؟ الله الله، فإن الله يقول: " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله " فقال له معاوية: فما الذي تريد؟ قال: نريد أن تخلوا بيننا وبين الماء، فوالله لتخلن بيننا وبين الماء أو لنضعن أسيافنا على عواتقنا ثم نمضي حتى نرد الماء أو نموت دونه؛ فقال معاوية لأبي الأعور وعمرو بن سفيان: يا أبا عبد الله خل بين إخواننا وبين الماء؛ فقال أبو الأعور لمعاوية: كلا والله، لا نخل بينهم وبين الماء، يا أهل الشام دونكم عقيدة الله، فإن الله قد أمكنكم منهم؛ فعزم عليه معاوية حتى خلوا بينهم وبين الماء فلم يلبثوا بعد ذلك إلا قليلاً(4/415)
حتى كان الصلح بينهم، ثم انصرف معاوية إلى الشام بأهل الشام، وعلي إلى العراق بأهل العراق.
عن أبي إسحاق، قال: صليت الفجر في مسجد الأشعث، أطلب غريماً لي، فلما صلى الإمام وضع رجل بين يدي حلة ونعلاً، فقلت: إني لست من أهل هذا المسجد، فقال: ابن قيس قدم البارحة من مكة فأمر لكل من صلى في المسجد بحلة ونعل.
وعن ميمون بن مهران، قال: أول من مشت معه الرجال وهو راكب الأشعث بن قيس، وكان المهاجرون إذا رأوا الدهقان راكباً والرجال يمشون، قالوا: قاتله الله جباراً.
وقال الأصمعي: أول من دفن في منزله، وصلى عليه الحسن بن علي وكانت ابنة الأشعث تحته قال: وأول من مشي بين يديه وخلفه بالأعمدة، الأشعث بن قيس.
عن حكيم بن جابر، قال: لما توفي الأشعث بن قيس وكانت ابنته تحت الحسن بن علي قال الحسن: إذا غسلتموه فلا تهيجوه حتى تؤذنوني، فآذنوه، فجاء فوضأه بالحنوط وضوءاً.
قال خليفة بن خياط: مات في آخر سنة أربعين بعد علي قليلاً.
أشعث بن محمد بن الأشعث
أبو النعمان الفارسي ويعرف: بابن أبي صرة حدث بأطرابلس.
روى عن موسى بن عيسى، بسنده عن عبد الله بن الصامت، قال: سألت أبا ذر: ما يقطع الصلاة؟ قال: المرأة، والحمار، والكلب الأسود؛ قلت: ما بال الأسود من الأبيض من الأصفر؟ قال: يا ابن أخ سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عما سألتني عنه، فقال: " الكلب الأسود شيطان " مرتين.(4/416)
أشعث بن يزيد
من أهل دمشق.
حدث بالكوفة عن أبي سلام الأسود.
/(4/417)
أشعب بن جبير ويعرف بابن أم حميدة أبو العلاء، ويقال: أبو إسحاق المدني مولى عثمان بن عفان، ويقال: مولى سعيد بن العاص، ويقال: مولى فاطمة بنت الحسين، ويقال مولى عبد الله بن الزبير.
حدث عبد الله بن جعفر ذي الجناحين قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتختم في يمينه مرة أو مرتين.
وحدث قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " المحرم لا ينكح ولا ينكح ".
حدث غياب بن إبراهيم قال: حدثني أشعب بن أم حميدة الذي يقال له الطامع: قال غياث: وإنما حملنا هذا الحديث عن أشعب أنه كان عليه، قال: أتيت سالم بن عبد الله أسأله، فانصرف علي من خوخة، قال لي: ويلك يا أشعب لا تسأل، فإن أبي حدثني عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليجئن أقومٌ يوم القيامة ليس في وجوههم مزعة ".
وحدث أشعب الطمع عن عكرمة بن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبى حتى رمى جمرة العقبة.
وأشعب الطمع اسمه شعيب، ربته بنت عثمان وكفلته، وكفلت ابن أبي الزناد معه، وكان يقول: حدثني سالم بن عبد الله وكان يبغضني في الله عز وجل، فيقال: دع هذا عنك، فيقول: ليس للحق مترك.(5/5)
وقولهم هو أطمع من أشعب: هو أشعب بن جبير من أهل المدينة، يضرب بملحه المثل.
قال الخطيب هذا وهو أشعب الطامع ليس بغيرة.
هو أشعب بن أم حميدة، يقال: حميدة، بضم الحاء وفتح الميم، ويقال بفتح الحاء وكسر الميم، ويقال: أن أمه جعدة مولاة أسماء بنت أبي بكر الصديق.
قال أبو الحسن: أشعب رجلان: أحدهما أشعب الطامع مولى عثمان وهو ابن أم حميدة، وأشعب بن جبير مولى عبد الله بن الزبير.
وقال: يضرب بملحه المثل.
قال أبو بكر الخطيب: أشعب الطامع يقال: إن اسمه شعيب، وكنيته أبو العلاء، وهو أشعب بن أم حميدة، عمّر دهراً طويلاً، وأدرك زمن عثمان بن عفان، وله نوادر مأثورة، وأخبار مستطرفة، وكان من أهل مدينة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو خال محمد بن عمر الواقدي.
حدث جعفر بن سليمان قال: وقدم أشعب بغداد أيام أبي جعفر فطاف به فتيان بني هاشم فغناهم، فإذا ألحانه طرية، وحلقه على حاله، وقال: أخذت الغناء عن معبد.
وقيل: اسم أبيه جبير، ويقال: أشعب بن جبير آخر ليس هو أشعب الطامع.
قال: والذي عندي أنه واحد، وقال ابن ماكولا أيضاً: هما واحد.
وقال الملحي بضم الميم وفتح اللام هو أشعب بن جبير الطامع.
قيل لأشعب: طلبت العلم، وجالست الناس، ثم تركت وأفضيت إلى المسألة! فلو(5/6)
جلست لنا وجلسنا إليك، فسمعنا منك.
فقال لهم: نعم، فوعدهم، فجلس لهم.
فقالوا له: حدثنا، فقال: سمعت عكرمة يقول: سمعت ابن عباس يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " خلتان لا يجتمعان في مؤمن ".
ثم سكت، فقالوا له: ما الخلتان؟ فقال: نسي عكرمة الواحدة، ونسيت أنا الأخرى.
قال الأصمعي: قال أشعب: أنا أشأم الناس: ولدت يوم قتل عثمان، وختنت يوم قتل الحسين.
قال: وقال الشعبي: لقيت طويس الشؤم، فقلت: ما بلغ من شؤمك؟ قال: بلغ من شؤمي أني ولدت يوم قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما فطمت مات أبو بكر، فلما راهقت قتل عمر، فلما دخلت الكتاب قتل عثمان، فلما تعلمت القرآن قتل علي، فلما أن تعلمت الشعر قتل الحسين.
فقلت: ما أظن بقي من شؤمك شيء، قال: بلى، بقي من شؤمي حتى أدفنك.
قال الشعبي: وأنا دفنته بحمد الله ومنه.
وقيل: إن أشعب كان خال الأصمعي.
قال مصعب الزبيري: خرج سالم بن عبد الله متنزهاً إلى ناحيةٍ من نواحي المدينة، هو وحرمه وجواريه، فبلغ أشعب الخبر فوافى الموضع الذي هم فيه، يريد التطفيل، فصادف الباب مغلقاً، فتسور الحائط، فقال له سالم: ويلك يا أشعب معي بناتي وحرمي، فقال: لقد علمت ما لنا في بناتك من حق، وإنك لتعلم ما نريد، فوجه إليه سالمٌ من الطعام ما أكل، وجمل إلى منزله.
حدث الأصمعي عن أشعب الطامع قال: دخلت على سالم بن عبد الله فقال لي: يا أشعب، حمل إلينا جفنةٌ من هريسة، وأنا صائم فاقعد فكل.
قال: فحملت على نفسي، فقال: لا تحمل على نفسك، ما يبقى يحمل معك.
قال: فلما رجعت إلى منزلي، قالت امرأتي: يا مشؤوم، بعث عبد الله بن عمر بن عثمان يطلبك، ولو ذهبت إليه لحباك، قال: فما قلت له؟ قالت: قلت له: إنك مريض، قال: أحسنت، فآخذ قارورة دهن، وشيئاً من صفرة، فدخلت الحمام، ثم(5/7)
تمرخت به، ثم خرجت، فعصبت رأسي بعصابة، وأخذت قصبة، واتكأت عليها، فأتيته وهو في بيتٍ مظلم، فقال لي: أشعب؟ فقلت: نعم، جعلني الله فداك، ما رفعت جنبي من الأرض منذ شهرين.
قال: وسالم في البيت، وأنا لا أعلم، فقال لي سالم: ويحك يا أشعب.
قال: فقلت لسالم: نعم جعلني الله فداك، منذ شهرين ما رفعت ظهري من الأرض.
قال: فقال سالم: ويحك يا أشعب، قال: فقلت: نعم جعلني الله فداك، مريض منذ شهرين ما خرجت، قال: فغضب سالم وخرج، فقال لي عبد الله بن عمرو: ويحك يا أشعب، ما غضب خالي إلا من شيء؟ قال: قلت: نعم جعلت فداك، غضب من أني أكلت عنده اليوم جفنةً من هريسة.
قال: فضحك عبد الله وجلساؤه، وأعطاني ووهب لي.
قال: فخرجت فإذا سالمٌ بالباب، فلما رآني، قال: ويحك يا أشعب، ألم تأكل عندي؟ قال: قلت: بلى، جعلت فداك.
قال: فقال سالم: والله لقد شككتني.
قال الشافعي: مر أشعب، فولع به الصبيان، فأراد أن يفرقهم عنه.
فقال: بمنزل فلانٍ الساعة يقسم الجوز، فأسرع الصبيان إلى المنزل الذي قال لهم، فلما رآهم مسرعين أسرع معهم.
قال أبو عاصم: أخذ بيدي أبن جريج، فأوقفني على أشعب الطامع، فقال له: حدثه على ما بلغ من طمعك.
قال: بلغ من طمعي أنه ما زفت امرأة بالمدينة إلا كنست بيتي رجاء أن تهدى إلي.
قال الهيثم بن عدي: مر أشعب الطماع برجلٍ وهو يتخذ طبقاً، فقال: اجعله واسعاً لعلهم يهدون إلينا فيه.
قال الضحاك بن مخلد: كنت يوماً أريد منزلي، فالتفت فإذا أشعب قدامي فقلت له: ما لك يا أشعب، قال: يا أبا عاصم، رأيت قلنسوتك قد مالت، فتبعتك، قلت: لعلها تسقط فآخذها، قال: فأخذتها عن رأسي فدعتها إليه، وقلت له: انصرف.(5/8)
قال أشعب الطامع: ما خرجت في جنازةٍ قط فرأيت اثنين يتساران إلا ظننت أن الميت قد أوصى لي بشيء.
توفي أشعب الطامع سنة أربعٍ وخمسين ومائة.
أصبغ بن عمر
ويقال ابن عمرو ويقال ابن ثعلبة بن حصن بن ضمضم بن عدي بن جناب بن هبل الكلبي من أهل دومة الجندل، من أطراف أعمال دمشق.
أسلم على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، على يد عبد الرحمن بن عوف.
حدث ابن عمر قال: دعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الرحمن بن عوف فقال: " تجهز، فإني باعثك في سريةٍ من يومك هذا، لا أو من الغد. إن شاء الله. " قال ابن عمر: فسمعت ذلك، فقلت لأدخلنّ ولأصلينّ مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغداة ولأسمعن وصية عبد الرحمن.
قال: فقعدت فصليت، فإذا أبو بكر وعمر وناسٌ من المهاجرين فيهم عبد الرحمن بن عوف، وإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد كان أمره أن يسير من الليل إلى دومة الجندل، فيدعوهم إلى الإسلام.
فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعبد الرحمن: " ما خلفك عن أصحابك؟ " قال ابن عمر: وقد مضى أصحابه من سحر، وهم مغتدون بالجرف، وكانوا سبع مائة رجل قال: أحببت يا رسول الله أن يكون آخر عهدي بك وعلي ثياب سفري.
قال: وعلى عبد الرحمن عمامةٌ قد لفها على رأسه.
فقال ابن عمر: فدعاه نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأقعده بين يديه، فنقض، عمامته بيده، ثم عممه بعمامةٍ سوداء، فأرخى بين كتفيه منها ثم قال: " هكذا يا بن عوف ".
يعني: فاعتم، وعلى ابن عوف السيف متوشحه.
ثم قال(5/9)
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اغز باسم الله وفي سبيل الله، قاتل من كفر بالله، لا تغلل ولا تغدر، ولا تقتل وليداً ".
قال: فخرج عبد الرحمن بن عوف حتى لحق أصحابه، فسار حتى قدم دومة الجندل.
فلما دخلها دعاهم إلى الإسلام، فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام، وقد كانوا أبوا أول ما قدم أن يعطوه إلا السيف.
فلما كان اليوم الثالث، أسلم أصبغٌ بن عمرو الكلبي، وكان نصرانياً، وكان رأسهم، وكتب عبد الرحمن إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخبره بذلك، وبعث رجلاً من جهينة يقال له رافع بن مكيث.
فكتب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أراد أن يتزوج فيهم، فكتب إليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتزوج ابنة الأصبغ تماضر.
فتزوجها عبد الرحمن.
وبنى بها، ثم أقبل بها، وهي أم أبي سلمة بن عبد الرحمن.
أصبغ بن محمد بن محمد بن لهيعة السكسكي
حدث أن الوليد بن عبد الملك حين بنى مسجد دمشق، مر برجلٍ ممن يعمل في المسجد، فرآه الوليد وهو يبكي، فقال له: ما قصتك؟ قال: يا أمير المؤمنين! كنت رجلاً جمالاً، فلقيني يوماً رجلٌ فقال لي: أتحملني إلى مكان كذا وكذا؟ فذكر موضعاً في البرية، قلت نعم، فلما حملته وسرنا بعض الطريق التفت إلي فقال لي: إن بلغنا الموضع الذي ذكرته لك وأنا حيٌ أغنيتك، وإن مت قبل بلوغي إليه فاحمل جثتي إلى الموضع الذي أصف لك، فإنّ ثم قصراً خراباً، فإذا بلغته فامكث إلى ضحوة النهار، ثم عد سبع شرافات من القصر، واحفر تحت ظل السابع منها على قدر قامة، فإنه سيظهر لك بلاطة، فاقلعها فإنك سترى تحتها مغارة فادخلها فإنك ترى في المغارة سريرين، على أحدهما رجلٌ ميت، فاجعلني على أحد السريرين ومدني عليه، وحمل جمالك هذه وحمارتك مالاً من المغارة وارجع إلى بلدك.
قال: فمات على الطريق، ففعلت ما أمرني به، وكان معي أربعة أجمال وحمارة، فأوسقتها كلها مالاً من المغارة، وسرت بعض الطريق، وكان معي مخلاة، فنسيت أملؤها من ذلك المال، وداخلني الشره، فقلت: لو رجعت فملأت هذه المخلاة أيضاً من المال، فرجعت وتركت الجمال والحمارة في الطريق، فلم أجد المكان الذي أخذت منه المال، فدرت فلم أعرف.
فلما أيست رجعت إلى الجمال والحمارة فلم أجدها، وجعلت أدور(5/10)
في البرية أياماً فلم أجد لها أثراً.
فلما يئست رجعت إلى دمشق وقد ذهبت الجمال والحمارة، ولم أحصل على شيء، واضطرني الأمر إلى ما ترى يا أمير المؤمنين.
هو ذا أعمل كل يوم في التراب بدرهم.
فكالما ذكرت تلك الأموال والجمال والحمارة التي فرت مني لم أملك نفسي أن أبكي هذا البكاء الذي ترى.
فقال له الوليد بن عبد الملك: لم يقسم الله لك من تلك الأموال شيئاً، وإلي صارت فبنيت بها هذا المسجد.
أغيبر مولى هشام بن عبد الملك
حدث قال: سمعت ابن شهاب الزهري يقول: ثلاثةٌ ليس من أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الجعدي، والمناني، والقدري.
قيل: هم أصحاب ماني الزنديق.
أفلح أبو كثير ويقال أبو عبد الرحمن
مولى أبي أيوب الأنصاري أدرك زمان عمر، ورأى عثمان وعبد الله بن سلام.
حدث عن أبي أيوب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزل عليه، فنزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسفل، وأبو أيوب في العلو، فانتبه أبو أيوب ذات ليلة، فقال: تمشي فوق رأس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتحول، فباتوا في جانب، فلما أصبح ذكر ذلك للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أسفل أرفق بي ".
فقال أبو أيوب: لا أعلو سقيفةً أنت تحتها، فتحول أبو أيوب في السفل والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العلو.
فكان يصنع طعام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيبعث إليه، فإذا رد إليه سأل عن موضع أصابع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيتبع أثر أصابع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيأكل من حيث أثر أصابعه.
فصنع ذات يومٍ طعاماً فيه ثوم، فأرسل به إليه، فسأل عن موضع أثر أصابع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقيل: لم يأكل، فصعد إليه(5/11)
فقال: أحرام؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أكرهه ".
قال: فإني أكره ما تكره أو قال: ما كرهته.
وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤتى.
روى صالح بن كيسان أن خالد بن الوليد سار حتى نزل على عين التمر.
فقتل، وسبى، فكان في تلك السبايا أبو عمرة مولى بني شيبان، وهو أبو عبد الأعلى بن أبي عمرة، وعبيد مولى بلقين من الأنصار.
ثم من بني زريق، وحمران بن أبان مولى عثمان بن عفان، وأفلح مولى أبي أيوب الأنصاري، ثم أحد بني مالك بن النجار، ويسار مولى قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف، وهو جد محمد بن إسحاق.
وكان في خلافة أبي بكر الصديق، وقد قيل: إن أفلح كنيته أبو عبد الرحمن، وسمع من عمر.
وله دار بالمدينة.
وقتل يوم الحرة، في ذي الحجة سنة ثلاث وستين في خلافة يزيد بن معاوية.
وكان ثقة قليل الحديث.
حدث محمد بن سيرين أن أبا أيوب كاتب أفلح على أربعين ألفاً، فجعل الناس يهنئونه ويقولون: ليهنك العتق أبا كثير.
فلما رجع أبو أيوب أهله ندم على مكاتبته، فأرسل إليه فقال: إني أحب أن ترد الكتاب إلي وأن ترجع كما كنت، فقال له ولده وأهله: لم ترجع رقيقاً وقد أعتقك الله؟! فقال أفلح: والله لا يسألني شيئاً إلا أعطيته إياه، فجاءه بمكاتبته، فكسرها ثم مكث ما شاء الله، ثم أرسل إليه أبو أيوب فقال: أنت حرٌ.
وما كان لك من مالٍ فهو لك.
قال محمد بن سيرين: بينا أنا ذات ليلة نائمٌ، إذ رأيت أفلح أو قال: كثير بن أفلح وكان قتل يوم الحرة، فعرفت أنه ميت، وأني نائمٌ، وإنما هي رؤيا رأيتها، فقلت: أليس قد قتلت؟(5/12)
قال: بلى.
قلت: فما صنعت؟ قال: خيراً.
قلت: أشهداء أنتم؟ قال: لا إن المسلمين إذا اقتتلوا فقتل بينهم قتلى فليسوا بشهداء.
قال سعيد أحد رواته: قال هشام كلمة خفيت علي، فقلت لبعض جلسائه: ماذا قال؟ قال: قال: ولكنا ندباء.
أقرع بن حابس بن عقال بن محمد
ابن سفيان بن مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، التميمي ثم المجاشعي.
له صحبة.
وكان من المؤلفة قلوبهم، وكان سيد قومه.
واسم الأقرع فراس، ولقب الأقرع لقرعٍ كان برأسه.
وقدم دومة الجندل من أطراف أعمال دمشق في خلافة أبي بكر الصديق.
حدث الأقرع بن حابس أنه نادى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وراء الحجرات، فقال: يا محمد، إن حمدي زين، وإن ذمي لشين.
فقال: ذاكم الله عز وجل.
وكان في وفد تميم الذين قدموا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأعطاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غنائم حنين مائة من الإبل.
وهو الذي قال فيه عباس بن مرداس يومئذٍ حين قصر به في العطية: " من المتقارب "
أتجعل نهبي ونهب العبي ... د بين عيينة والأقرع
وما كان بدرٌ ولا حابسٌ ... يفوقان مرداس في المجمع
وما كنت دون امرئٍ منهما ... ومن تضع اليوم لا يرفع
قال جابر بن عبد الله الأنصاري: جاءت بنو تميمٍ إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشاعرهم وخطيبهم، فنادوا على الباب: اخرج إلينا فإن مدحنا زين، وإن ذمنا شين.
قال: فسمعهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج إليهم وهو(5/13)
يقول: " إنما ذاكم الله الذي مدحه زين وشتمه شين. فماذا تريدون؟ " فقالوا: نحن ناسٌ من بني تميم جئناك بشاعرنا وخطيبنا لنشاعرك ونفاخرك، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما بالشعر بعثت، ولا بالفخار أمرت.
ولكن هاتوا ".
فقال الزبرقان بن بدر لشابٍ من شبانهم: يا فلان قم فاذكر فضلك وفضل قومك فقال: إن الحمد لله الذي جعلنا خير خلقه، وآتانا أموالاً نفعل فيها ما نشاء.
فنحن خير أهل الأرض: أكثرهم أموالاً، وأكثرهم عدداً، وأكثرهم سلاحاً؛ فمن أبى علينا فليأتنا بقولٍ هو أفضل من قولنا، وبفعلٍ أفضل من فعلنا.
فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لثابت بن قيس: قم يا ثابت بن قيس فأجبهم.
فقال: الحمد لله أحمده وأستعينه وأؤمن به وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله.
دعا المهاجرين من بني عمه أحسن الناس وجوهاً، وأعظم الناس أحلاماً، فأجابوه.
الحمد لله الذي جعلنا أنصاره، ووزراء رسوله، وعزاً لدينه؛ فنحن نقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله فمن قاله منع منا ماله ونفسه، ومن أبى قاتلناه.
وكان رغمه علينا في الله هيناً، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي وللمؤمنين والمؤمنات.
فقال الأقرع بن حابس لشاب من شبابهم: قم يا فلان فقل أبياتاً تذكر فيها فضلك وفضل قومك فقال: " من البسيط "
نحن الكرام فلاحيٌ يعادلنا ... نحن الرؤوس وفينا يقسم الربع
ونطعم الناس عند القحط كلهم ... من السديف إذا لم يؤنس القزع
إذا أبينا فلا يأبى لنا أحدٌ ... إنا كذلك عند الفخر نرتفع
فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عليّ بحسان بن ثابت.
فأتاه الرسول فقال له: وما يريد مني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنما كنت عنده آنفاً؟ قال: جاءت بنو تميم بشاعرهم وخطيبهم فتكلم فأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثابت بن قيس بن شماس فأجابه.
وتكلم شاعرهم فبعث إليك(5/14)
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتجيبه.
فقال حسان: قد آن لكم أن تبعثوا إلى هذا العود.
فجاء حسان فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا حسان، أجبه ".
فقال: يا رسول الله مره فليسمعني ما قال.
قال: أسمعه ما قلت.
فأسمعه.
فقال حسان: " من الطويل "
نصرنا رسول الله والدين عنوةً ... على رغم عاتٍ من معدٍّ وحاضر
بضربٍ كإيزاغ المخاض مشاشه ... وطعنٍ كأفواه اللقاح الصوادر
وسل أحداً يوم استقلت شعابه ... بضربٍ لنا مثل الليوث الحوادر
ألسنا نخوض الموت في حومة الوغى ... إذا طاب ورد الموت بين العساكر
ونضرب هام الدارعين وننتمي ... إلى حسبٍ في جذم غسان قاهر
فلولا حياء الله قلنا تكرماً ... على الناس بالخفين هل من منافر؟
فأحياؤنا من خير من طئ الحصى ... وأمواتنا من خير أهل المقابر
فقام الأقرع بن حابس فقال: يا محمد، لقد جئت لأمر ما جاء له هؤلاء، وقد قلت شيئاً فاسمعه.
فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هات ".
فقال:
أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا ... إذا خالفونا عند ذكر المكارم
وأّنا رؤوس الناس من كل معشرٍ ... وأنّ ليس في أرض الحجاز كدارم
وأن لنا المرباع في كل غارةٍ ... تكون بنجدٍ أو بأرض التهائم
فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحسان: " قم فأجبه ".
فقال: " من الطويل "
بني دارمٍ لا تفخروا إن فخركم ... يعود وبالاً عند ذكر المكارم
هبلتم علينا تفخرون وأنتم ... لنا خولٌ من بين ظئرٍ وخادم؟!(5/15)
فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أخا بني دارم، لقد كنت غنياً أن يذكر منك ما كنت ظننت أن الناس قد نسوه ".
فكان قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشد عليهم من قول حسان إذ يقول:
هبلتم، علينا تفخرون وأنتم ... لنا خولٌ من بين ظئرٍ وخادم
ثم رجع حسان فقال:
وأفضل ما نلتم من المجد والعلا ... ردافتنا من بعد ذكر الأكارم
فإن كنتم جئتم لحقن دمائكم ... وأموالكم أن تقسموا في المقاسم
فلا تجعلوا لله نداً وأسلموا ... ولا تفخروا عند النبي بدارم
وإلا ورب البيت مالت أكفنا ... على روسكم بالمرهفات الصوارم
فقام الأقرع بن حابس فقال لأصحابه: يا هؤلاء، ما أدري ما هذا؟! قد تكلم خطيبهم فكان خطيبهم أحسن قولاً وأعلى صوتاً، وتكلم شاعرهم فكان شاعرهم أحسن قولاً وأعلى صوتاً.
ثم دنا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وآمن هو وأصحابه.
فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يضرك ما كان قبل هذا اليوم ".
ولما قدم وفد بني تميم على سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال أبو بكر: يا رسول الله استعمل عليهم القعقاع بن زرارة فإنه سيد القوم وأفضلهم.
فقال عمر: يا رسول الله استعمل عليهم الأقرع بن حابس فإنه سيد القوم وأفضلهم.
فقال أبو بكر: والله ما أردت بهذا إلا خلافي! قال: ما أردت خلافك ولكني رأيت ذلك.
قال: فتماريا في ذلك حتى ارتفعت أصواتهما، فأنزل الله تعالى: هاتين الآيتين: " يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله " إلى قوله " لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي " الآية كلها.
قال: فكانا لا يحدثانه حديثاً إلا استفهمه مراراً.(5/16)
وفي رواية: " كاد الخيران يهلكا: أبو بكر وعمر، رفعا أصواتهما عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قدم عليه ركب بني تميم ... " الحديث.
وعن أبي سعيد الخدري قال: بعث عليٌّ إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من اليمن ذهبة وفيها تربتها، فقسمها بين يدي أربعة: بين الأقرع بن حابس الحنظلي، ثم أحد بني مجاشع، وبين عيينة بن حصن الفزاري وبين علقمة بن علاثة العامري وبين زيد الخيل الطائي.
فقالت قريش والأنصار: أيقسم بين صناديد أهل نجد ويدعنا؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما أتألفهم ".
إذ أقبل رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناتئ الجبين كث اللحية محلوق، فقال: يا محمد، اتق الله.
فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من يطيع الله إذا عصيته؟ " قال: فسأله رجل من القوم قتله - قال: حسبته خالد بن الوليد - فولى الرجل.
فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن من ضئضئ هذا قوماً يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية. لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد ".
وعن ابن عباس قال: كانت المؤلفة قلوبهم خمسة عشر رجلاً منهم: أبو سفيان بن حرب، والأقرع بن حابس المجاشعي، وعيينة بن حصن الفزاري، وسهيل بن عمرو من بني عمرو بن لؤي، والحارث بن هشام المخزومي، وحويطب بن عبد العزى من بني عامر بن لؤي، وسهيل بن عمرو الجهني، وأبو السنابل بن بعكك، وحكيم بن حزام من بني أسد بن عبد العزى، ومالك بن عوف النصري، وصفوان بن أمية، وعبد الرحمن بن يربوع من بني مالك، وجد بن قيس السهمي، وعمر بن مرداس السلمي، والعلاء بن الحارث الثقفي، أعطى كل رجلٍ منهم سهماً مائةً من الإبل، وأعطى ابن يربوع وحويطب خمسين من الإبل.
في حديث طويل.(5/17)
وهؤلاء هم المؤلفة قلوبهم.
وكان الأقرع بن حابس وعيينة شهدا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حنيناً والفتح والطائف.
وخرج الأقرع والزبرقان إلى أبي بكر فقالا: اجعل لنا خراج البحرين ونضمن لك أن لا يرجع من قومنا أحد، ففعل.
وكتب الكتاب.
وكان الذي يختلف بينهم طلحة بن عبيد الله وأشهدوا شهوداً منهم عمر، فلما أتي عمر بالكتاب نظر فيه فلم يشهد، ثم قال: لا ولا كرامة، ثم مزق الكتاب ومحاه، فغضب طلحة وأتى أبا بكر، فقال: أنت الأمير أم عمر؟ فقال: عمر غير أن الطاعة لي، فسكت.
وشهدا مع خالد المشاهد حتى اليمامة.
ثم مضى الأقرع ومعه شرحبيل بن حسنة إلى دومة.
وفي رواية أن عيينة بن بدر والأقرع بن حابس استقطعا أبا بكر أرضاً، فقال عمر: إنما كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتألفكما على الإسلام فأما الآن فاجهدا جهدكما.
قال عبيدة: جاء عيينة بن حصن والأقرع بن حابس إلى أبي بكر رضي الله عنه، فقالا: يا خليفة رسول الله إن عندنا أرضاً سبخة ليس فيها نخلٌ ولا منفعة، فإن رأيت أن تقطعناها لعلنا نحرثها ونزرعها ولعل الله ينفع بها بعد اليوم.
قال: فأقطعهما إياها، وكتب لهما كتاباً وأشهد، وعمر ليس في القوم، فانطلقا إلى عمر ليشهداه فوجداه فإنهما قائماً بغير اله، فقالا: إن أبا بكر قد أشهدك على ما في هذا الكتاب أفنقرأ عليك أو تقرأ؟ قال: أنا على الحال التي ترياني، فإن شئتما فاقرآ وإن شئتما فانتظرا حتى أفرغ فأقرأ، قالا: بل نقرؤه، فقرآ، فلما سمع ما في الكتاب تناوله من أيديهما ثم تفل فيه فمحاه، فتذمراه وقالا مقالة سيئة، فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتألّفكما والإسلام يومئذ ذليل، وإن الله عز وجل قد أعز الإسلام، فاذهبا فاجهدا جهدكما لا أرعى الله عليكما إن أرعيتما.
قال: فأقبلا إلى أبي بكر(5/18)
وهما يتذمران فقالا: والله ما ندري أنت الخليفة أم عمر؟ فقال: بل هو لو كان شاء.
قال: فجاء عمر مغضباً حتى وقف على أبي بكر فقال: أخبرني عن هذه الأرض التي أقطعتها هذين الرجلين أرض لك خاصة أم هي بين المسلمين عامة؟ قال: فما حملك على أن تخص هذين بها دون جماعة المسلمين؟ قال: استشرت هؤلاء الذين حولي فأشاروا علي بذلك.
قال: فإذا استشرت هؤلاء الذين حولك أكل المسلمين أوسعت مشورة ورضىً؟ قال: فقال أبو بكر: قد كنت قلت لك إنك أقوى على هذا الأمر مني ولكنك غلبتني.
وفي رواية أن عثمان قال للأقرع بن حابس وللزبرقان لما أقطعهما أبو بكر قطيعة وكتب لهما كتاباً قال لهما عثمان: أشهد عمر فهو أحرز لأمركما، وهو الخليفة بعده.
قال: فأتيا عمر فقال لهما: من كتب لكما هذا الكتاب؟ قالا: أبو بكر.
قال: لا والله ولا كرامة، والله ليفلقنّ وجوه المسلمين بالسيوف والحجارة ثم يكون لكما هذا.
قال: فتفل فيه ومحاه، فأتيا أبا بكر فقالا: ما ندري أنت الخليفة أم عمر؟! قال: ثم أخبراه فقال: فإنا لا نجيز إلا ما أجازه عمر.
وقيل: إن ابن عامر استعمل الأقرع بن حابس على جيش، فأصيب هو والجيش بالجوزجان.
أكيدر بن عبد الملك بن عبد الجن
ابن أعنى بن الحارث بن معاوية بن حلاوة بن أمامة بن شكامة بن شبيب بن السكون بن أشرس بن كندة بن عطية بن عدي بن الحارث الكندي صاحب دومة الجندل.
أتي به إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلم.
ويقال: بقي على نصرانيته.
وكتب له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(5/19)
كتاباً.
ويقال: أسلم، ثم ارتد إلى النصرانية، فقتل على نصرانيته.
قال قيس بن النعمان: كان صار إلى ضم القرآن على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: خرجت خيلٌ لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسمع بها أكيدر دومة الجندل، فانطلق إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله، بلغني أن خيلك انطلقت وإني خفت على أرضي ومالي، فاكتب لي كتاباً لا تعرض لشيء هو لي، فإني مقرٌ بالذي علي من الحق.
فكتب له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثم إن أكيدراً أخرج قباء منسوجاً بالذهب مما كان كسرى يكسوهم فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ارجع بقبائك فإنه ليس أحدٌ يلبس هذا في الدنيا إلا حرمه في الآخرة ".
فرجع به الرجل حتى إذا أتى منزله وجد في نفسه أن يرد عليه هديته، فرجع إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إنا أهل بيتٍ يشق علينا أن ترد هديتنا فاقبل مني هديتي.
فقال له: " انطلق فادفعه إلى عمر ".
وقد كان عمر سمع ما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه فبكى ودمعت عيناه وظن أنه قد لحقه شقاء، فانطلق إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أحدث فيّ أمرٌ؟ قلت في هذا القباء ما سمعت ثم بعثت به إليّ، فضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى وضع يده على فيه، ثم قال: " ما بعثت به إليك لتلبسه ولكن تبيعه فتستعين بثمنه ".
قال عروة: ولما توجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قافلاً إلى المدينة بعث خالد بن الوليد في أربع مائةٍ وعشرين فارساً إلى أكيدر دومة الجندل، فلما عهد إليه عهده قال خالد: يا رسول الله كيف بدومة الجندل وفيها أكيدر، وإنما نأتيها في عصابةٍ من المسلمين؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لعل الله يكفيك أكيدراً ".
أحسب قال: يقتنص فتقبض المفتاح فتأخذه، فيفتح الله لك دومة.
فسار خالد بن الوليد حتى إذا دنا منها نزل في أدبارها، لذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لعلك تلقاه يصطاد ".
قال: فبينما خالد وأصحابه في منزلهم ليلاً إذ أقبلت البقر حتى جعلت تحتك بباب الحصن، وأكيدر يشرب ويتغنى في حصنه، بين امرأتيه، فاطلعت إحدى امرأتيه فرأت البقر تحتك بالباب وبالحائط، فقالت امرأته: لم أر كالليلة في اللحم، قال: وما ذاك؟ قالت: هذه البقر تحتك بالباب وبالحائط، فلما رأى ذلك أكيدر ثار، فركب على فرسٍ معدةٍ له، وركب غلمانه وأهله فطلبها حتى مر بخالدٍ وأصحابه، فأخذوه ومن(5/20)