وخوف ولم يقاتل(1).
وقد انتقد ابن كثير التفصيلات الطويلة التي جاءت في روايات أبى مخنف ونصر بن مزاحم، بخصوص المراسلات بين الطرفين فقال: «...ثم ذكر أهل السير كلامًا طويلاً جرى بينهم وبين على، وفي صحة ذلك عنهم وعنه نظر، فإن في مطاري ذلك الكلام من على ما ينتقص فيه معاوية وأباه، وأنهما إنما دخلا في الإسلام ولم يزالا في تردد فيه، وغير ذلك، وأنه قال في ذلك: لا أقول إن عثمان قُتل مظلومًا ولا ظالما؛...وهذا عندي لا يصح من على رضي الله عنه»(2)، وموقف على رضي الله عنه من قتل عثمان واضح قد بينته في كتابي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، وفي هذا الكتاب.
ثانيًا: نشوب القتال:
عادت الحرب على ما كانت عليه في شهر ذي الحجة من قتال الكتائب والفرق والمبارزات الفردية، خشية الالتحام الكلي إلى أن مضى الأسبوع الأول منه، وكان عدد الوقعات الحربية بين الفريقين إلى هذا التاريخ أكثر من سبعين وقعة، وذكر أنها تسعون(3) إلا أن عليًا أعلن في جيشه أن غدًا الأربعاء سيكون الالتحام الكلي لجميع الجيش، ثم نبذ معاوية يخبره بذلك(4)، فثار الناس في تلك الليلة إلى أسلحتهم يصلحونها ويحدونها، وقام عمرو بن العاص بإخراج الأسلحة من المخازن لمن يحتاج من الرجال ممن فل سلاحه، وهو يحرض الناس على الاستبسال في القتال(5)، وبات جميع الجيشين في مشاورات وتنظيم للقيادات والألوية.
__________
(1) سير أعلام النبلاء (4/67) بدون إسناد.
(2) البداية والنهاية (7/269).
(3) الأنباء بتواريخ الخلفاء: ص(59)، صفين: ص(202)، شذرات الذهب (1/45).
(4) البداية والنهاية (7/273).
(5) سنن سعيد بن منصور (2/240) ضعيف.(2/233)
1- اليوم الأول: أصبح الجيشان في يوم الأربعاء قد نظمت صفوفهم ووزعوا حسب التوزيع المتبع في المعارك الكبرى: قلب وميمنة وميسرة، فكان جيش على رضي الله عنه على النحو التالي(1): على بن أبى طالب على القلب، وعبد الله بن عباس على الميسرة، وعمار بن ياسر على الرجالة، ومحمد ابن الحنفية، حامل الراية، وهشام بن عتبة (المرقال) حامل اللواء، والأشعت بن قيس على الميمنة. وأما جيش الشام، فمعاوية في كتيبة الشهباء أصحاب البيض والدروع على تل مرتفع، وهو أمير الجيش، وعمرو بن العاص قائد خيل الشام كلها، وذو الكلاع الحميري على الميمنة على أهل اليمن، وحبيب بن مسلمة الفهرى على الميسرة على مضر، والمخارق بن الصباح الكلاعي حامل اللواء(2)، وتقابلت الجيوش الإسلامية، ومن كثرتها قد سدت الأفق. ويقول كعب بن جعيل التغلبي أحد شعراء العرب(3) وذلك عندما رأى الناس في ليلة الأربعاء وقد ثبتوا إلى نبالهم وسيوفهم يصلحونها استعدادًا لهذا اليوم:
أصبحت الأمة في أمر عجب ... والملك مجموع غدًا لمن غلب
فقلت قولاً صادقًا غير كذب ... إن غدًا تهلك أعلام العرب(4)
__________
(1) تاريخ خليفة بن خياط: ص(193) بسند حسن إلى شاهد عيان.
(2) تاريخ خليفة بن خياط: ص(193) بسند حسن إلى شاهد عيان.
(3) شاعر تغلب في عصره، مخضرم، شهد صفين مع معاوية، وهو شاعر معاوية بن أبى سفيان وأهل الشام، الأعلام للزركلى (6/180).
(4) البداية والنهاية (7/273)، تاريخ الطبري (5/262).(2/234)
وتذكر بعض الروايات الضعيفة أن عليا خطب في جيشه، وحرضهم على الصبر والإقدام والإكثار من ذكر الله(1)، وتذكر أيضًا أن عمرو بن العاص قد استعرض جيشه، وأمرهم بتسوية الصفوف وإقامتها(2)، وهذه الروايات لا يوجد مانع من الأخذ بها، لأن كل قائد يحرض جيشه ويحمسه، ويهتم بكل ما يؤدى به إلى النصر.والتحم الجيشان في قتال عنيف، استمر محتدمًا إلى غروب الشمس لا يتوقف إلا لأداء الصلاة، ويصلى كل فريق في معسكره وبينهما جثث القتلى في الميدان تفصل بينهما، وسأل أحد أفراد جيش علىًّ رضي الله عنه حين انصرافه من الصلاة، فقال: ما تقول في قتلانا وقتلاهم يا أمير المؤمنين؟ فقال: من قتل منا ومنهم يريد وجه الله والدار الآخرة دخل الجنة(3). وقد صبر بعضهم على بعض فلم يغلب أحد أحدًا، ولم ير موليًا حتى انتهى ذلك اليوم. وفي المساء خرج على رضي الله عنه إلى ساحة القتال فنظر إلى أهل الشام، فدعا ربه قائلاً: اللهم اغفر لي ولهم(4).
2- اليوم الثاني: في يوم الخميس تذكر الروايات أن عليًا رضي الله عنه قد غلس بصلاة الفجر واستعد للهجوم، وغيَّر بعض القيادات، فوضع عبد الله بن بديل الخزاعى على الميمنة بدلاً من الأشعت بن قيس الكندي الذي تحول إلى الميسرة(5)، وزحف الفريقان نحو بعضهما واشتبكوا في قتال عنيف أشد من سابقه، وبدأ أهل العراق في التقدم وأظهروا تفوقًا على أهل الشام، واستطاع عبد الله بن بديل أن يكسر ميسرة معاوية، وعليها حبيب بن مسلمة، ويتقدم باتجاه كتيبة معاوية (الشهباء)، وأظهر شجاعة وحماسًا منقطع النظير، وصاحب هذا التقدم الجزئي، تقدم عام لجيش العراق، حتى إن معاوية قد حدثته نفسه بترك ميدان القتال، إلا أنه صبر وتمثل بقول الشاعر:
__________
(1) تاريخ الطبري (5/622) من طريق أبى مخنف.
(2) الطبقات (4/255) من طريق الواقدى.
(3) سنن سعيد بن منصور (2/344، 345) بسند ضعيف.
(4) مصنف ابن أبى شيبة (15/297) بسند ضعيف.
(5) تاريخ الطبري (5/630).(2/235)
أبت لي عفتي وأبى بلائي ... وأخذى الحمد بالثمن الربيح
وإكراهي على المكروه نفسي ... وضربي هامة البطل المشيح
وقولي كلما جشأت وجاشت: ... مكانك تحمدي أو تستريحي(1)
واستحث كتيبته الشهباء، واستطاعوا قتل عبد الله بن بديل، فأخذ مكانه في قيادة الميمنة الأشتر، وتماسك أهل الشام وبايع بعضهم على الموت، وكروا مرة أخرى بشدة وعزيمة وقتل عدد من أبرزهم ذو الكلاع، وحوشب وعبيد الله بن الخطاب، رضي الله عنهم، وانقلب الأمر لجيش الشام، وأظهر تقدمًا، وبدأ جيش العراق في التراجع، واستحر القتل في أهل العراق وكثرت الجراحات، ولما رأى على جيشه في تراجع، أخذ يناديهم ويحمسهم، وقاتل قتالاً شديدًا واتجه إلى القلب حيث ربيعة، فثارت فيه الحمية وبايعوا أميرهم خالد بن المعتمر على الموت وكانوا أهل قتال(2).
وكان عمّار بن ياسر، رضي الله عنه، قد جاوز الرابعة والتسعين عامًا، وكان يحارب بحماس، يحرض الناس، ويستنهض الهمم، ولكنه بعيد كل البعد عن الغلو، فقد سمع رجلاً بجواره يقول: كفر أهل الشام. فنهاه عمار عن ذلك وقال: إنما بغوا علينا، فنحن نقاتلهم لبغيهم، فإلهنا واحد، ونبينا واحد، وقبلتنا واحدة(3).
__________
(1) المصدر نفسه (5/636).
(2) الإصابة (1/454)، أنساب الأشراف (2/56) بسند حسن إلى قتادة مرسلاً.
(3) مصنف ابن أبى شيبة (15/290) الإسناد حسن لغيره.(2/236)
ولما رأى عمار رضي الله عنه تقهقر أصحابه، وتقدم خصومه، أخذ يستحثهم ويبين لهم أنهم على الحق ولا يغرنهم ضربات الشاميين الشديدة، فيقول رضي الله عنه: من سره أن تكتنفه الحور العين فليقدم بين الصفين محتسبًا، فإني لأرى صفًا يضربكم ضربًا يرتاب منه المبطلون، والذي نفسي بيده، لو ضربونا حتى يبلغوا منا سعفات هجر، لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل، ولعلمنا أن مصلحينا على الحق وأنهم على الباطل(1). ثم أخذ في التقدم، وفي يده الحربة ترعد – لكبر سنه – ويشتد على حامل الراية هاشم بن عتبة بن أبى وقاص ويستحثه في التقدم ويرغبه ويطمعه فيما عند الله من النعيم، ويطمع أصحابه أيضًا فيقول: أزفت الجنة وزينت الحور العين، من سره أن تكتنفه الحور العين، فليتقدم بين الصفين محتسبًا. وكان منظرًا مؤثرًا فهو صحابي جليل مهاجرى بدري جاوز الرابعة والتسعين يمتلك كل هذا الحماس وهذا العزم والروح المعنوية العالية واليقين الثابت، فكان عاملاً مهمًا من عوامل حماس جيش العراق ورفع روحهم المعنوية مما زادهم عنفًا وضراوة وتضحية في القتال، حتى استطاعوا أن يحولوا المعركة لصالحهم، وتقدم هشام بن عتبة بن أبى وقاص وهو يرتجز بقوله:
أعور يبغى أهله مَحَلاً
> ... قد عالج الحياة حتى ملاَّ
لابد أن يَفلّ أو يُفلاَّ(2)
وعمار يقول: تقدم يا هشام، الجنة تحت ظلال السيوف، والموت في أطراف الأسل(3)، وقد فتحت أبواب السماء وتزينت الحور العين:
اليوم ألقى الأحبة ... محمّدًا وحزبه(4)
__________
(1) مجمع الزوائد (7/243)،خلافة على بن أبى طالب، عبد الحميد: ص(219) إسناده حسن.
(2) تاريخ الطبري (5/652).
(3) الأسل: الرماح.
(4) تاريخ الطبري (5/652).(2/237)
وعند غروب شمس ذلك اليوم الخميس، طلب عمار شربة من لبن ثم قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لي: إن آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن(1)، ثم تقدم واستحث معه حامل الراية هشام بن عتبة بن أبى وقاص الزهري فلم يرجعا وقتلا(2)، رحمهما الله ورضي الله عنهما.
3- ليلة الهرير يوم الجمعة: عادت الحرب في نفس الليلة بشدة واندفاع لم تشهدها الأيام السابقة، وكان اندفاع أهل العراق بحماس وروح عالية حتى أزالوا أهل الشام عن أماكنهم، وقاتل أمير المؤمنين على قتالاً شديدًا وبايع على الموت(3)، وذكر أن عليًا رضي الله عنه صلى بجيشه المغرب صلاة الخوف(4)، وقال الشافعي: وحفظ عن على أنه صلى صلاة الخوف ليلة الهرير(5)، يقول شاهد عيان: اقتتلنا ثلاثة أيام وثلاث ليال حتى تكسرت الرماح ونفدت السهام ثم صرنا إلى المسايفة فاجتلدنا بها إلى نصف الليل حتى صرنا نعانق بعضنا بعضًا، ولما صارت السيوف كالمناجل تضاربنا بعمد الحديد، فلا تسمع إلا غمغمة وهمهمة القوم، ثم ترامينا بالحجارة وتحاثينا بالتراب وتعاضينا بالأسنان وتكادمنا بالأفواه إلى أن أصبحوا في يوم الجمعة وارتفعت الشمس وإن كانت لا ترى من غبار المعركة وسقطت الألوية والرايات، وأنهك الجيش التعب وكلت الأيدي وجفت الحلوق(6).
__________
(1) مصنف ابن أبى شيبة (15/302، 303) بسند منقطع.
(2) تاريخ الطبري (5/653).
(3) المستدرك (3/402) قال الذهبي: ضعيف، خلافة على: ص(226).
(4) السنن الكبرى للبيهقى (3/252) قال الألباني: رواه البيهقى بصيغة التمريض، إرواء الغليل (3/42).
(5) تلخيص الحبير (2/78)، خلافة على بن أبى طالب: ص(227).
(6) شذرات الذهب (1/45)، وقعة صفين: ص(369).(2/238)
ويقول ابن كثير في وصف ليلة الهرير ويوم الجمعة: وتعاضوا بالأسنان يقتتل الرجلان حتى يثخنا ثم يجلسان يستريحان، وكل واحد منهما ليهمر على الآخر، ويهمر عليه، ثم يقومون فيقتتلان كما كانا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولم يزل ذلك دأبهم حتى أصبح الناس من يوم الجمعة وهم كذلك، وصلى الناس الصبح إيماء وهم في القتال حتى تضاحى النهار وتوجه النصر لأهل العراق على أهل الشام(1).
4- الدعوة إلى التحكيم: إن ما وصل إليه حال الجيشين بعد ليلة الهرير لم يكن يحتمل مزيد قتال، وجاءت خطبة الأشعت بن قيس زعيم كندة في أصحابه ليلة الهرير فقال: قد رأيتم يا معشر المسلمين ما قد كان في يومكم هذا الماضي، وما قد فني فيه من العرب، فوالله لقد بلغت من السن ما شاء الله أن أبلغ؛ فما رأيت مثل هذا قط، ألا فليبلغ الشاهد الغائب، إن نحن تواقفنا غدًا إنه لفناء العرب، وضيعة الحرمات، أما والله ما أقول هذه المقالة جزعًا من الحرب، ولكني رجل مسن، وأخاف على النساء والذرارى غدًا، إذا نحن فنينا، اللهم إنك تعلم أني قد نظرت لقومي ولأهل ديني فلم آلُ(2).
__________
(1) البداية والنهاية (7/283).
(2) وقعة صفين: ص(479).(2/239)
وجاء خبر ذلك إلى معاوية فقال: أصاب ورب الكعبة، لئن نحن التقينا غدًا لتميلن الروم على ذرارينا ونسائنا، ولتميلن أهل فارس على أهل العراق وذراريهم، وإنما يبصر هذا ذوو الأحلام والنهي، ثم قال لأصحابه: اربطوا المصاحف على أطراف القنا(1)، وهذه رواية عراقية لا ذكر فيها لعمرو بن العاص ولا للمخادعة والاحتيال، وإنما كانت رغبة كلا الفريقين، ولن يضير معاوية أو عمرًا شيء أن تأتي أحدهم الشجاعة فيبادر بذلك وينقذ ما تبقى من قوى الأمة المتصارعة، إنما يزعج ذلك السبئية الذين أشعلوا نيران هذه الفتنة، وتركوا لنا ركامًا من الروايات المضللة بشأنها، تحيل الحق باطلاً، وتجعل الفضل – كالمناداة لتحكيم القرآن لصون الدماء المسلمة – جريمة ومؤامرة(2) وحيلة، ونسبوا لأمير المؤمنين على أقوالاً مكذوبة تعارض ما في الصحيح، على أنه قال: ما رفعوها ثم لا يرفعونها، ولا يعملون بما فيها، وما رفعوها لكم إلا خديعة ودهنًا ومكيدة(3). ومن الشتائم قولهم عن رفع المصاحف: إنها مشورة ابن العاهرة(4)، ووسّعوا دائرة الدعاية المضادة على عمرو بن العاص – رضي الله عنه – حتى لم تعد تجد كتابًا من كتب التاريخ إلا فيه انتقاص لعمرو بن العاص وأنه مخادع وماكر بسبب الروايات الموضوعة التي لفقها أعداء الصحابة الكرام، ونقلها الطبري، وابن الأثير وغيرهما، فوقع فيها كثير من المؤرخين المعاصرين مثل حسن إبراهيم حسن في تاريخ الإسلام، ومحمد الخضري بك في تاريخ الدولة الأموية، وعبد الوهاب النجار في تاريخ الخلفاء الراشدين وغيرهم كثير، مما ساهم في تشويه الحقائق
التاريخية الناصعة.
__________
(1) المصدر نفسه: ص (881- 884).
(2) الدولة الإسلامية في عصر الخلفاء الراشدين: ص(316).
(3) الكامل (2/386).
(4) تاريخ الطبري (5/662).(2/240)
إن رواية أبى مخنف تفترض أن عليًا رفض تحكيم القرآن لما اقترحه أهل الشام، ثم استجاب بعد ذلك له تحت ضغط القراء الذين عرفوا بالخوارج فيما بعد(1)، وهذه الرواية تحمل سبًا من على لمعاوية وصحبه يتنزه عنه أهل ذاك الجيل المبارك، فكيف بساداتهم وعلى رأسهم أمير المؤمنين على؟! ويكفى للرواية سقوطًا أن فيها أبا مخنف الرافضي المحترق، فهي رواية لا تصمد للبحث النزيه، ولا تقف أمام روايات أخرى لا يتهم أصحابها بهوى مثل ما يرويه الإمام أحمد بن حنبل عن طريق حبيب بن أبى ثابت قال: أتيت أبا وائل أحد رجال على بن أبى طالب فقال: كنا بصفين، فلما استحر القتل بأهل الشام قال عمرو لمعاوية: أرسل إلى علىًّ المصحف؛ فادعه إلى كتاب الله، فإنه لا يأبى عليك، فجاء به رجل فقال: بيننا وبينكم كتاب الله {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ} [آل عمران:23]، فقال على: نعم، أنا أولى بذلك، فقام القُراء – الذين صاروا بعد ذلك خوارج – بأسيافهم على عواتقهم فقالوا: يا أمير المؤمنين ألا نمشى إلى هؤلاء حتى يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقام سهل بن حنيف الأنصاري رضي الله عنه فقال: أيها الناس اتهموا أنفسكم، لقد كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يوم الحديبية، ولو نرى قتالاً لقاتلنا، وذلك في الصلح الذي بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين المشركين، ثم حدثهم عن معارضة عمر، رضي الله عنه، للصلح يوم الحديبية ونزول سورة الفتح على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال على: أيها الناس إن هذا فتح، فقبل القضية ورجع، ورجع الناس(2).وأظهر سهل بن حنيف رضي الله عنه اشمئزازه ممن يدعون إلى استمرار الحرب بين الإخوة وقال: أيها الناس اتهموا رأيكم على دينكم(3)
__________
(1) تاريخ الطبري (5/662، 663).
(2) مصنف ابن أبى شيبة (8/336)، مسند أحمد مع الفتح الرباني (8/483).
(3) البخاري رقم (4189).(2/241)
، وبين لهم أنه لا خيار عن الحوار والصلح لأن ما سواه فتنة لا تعرف عواقبها، فقد قال: ما وضعنا بسيوفنا على عواتقنا إلى أمر إلا أسهلن بنا إلى أمر نعرفه قبل هذا الأمر، ما نسد منها خصمًا إلا تفجر علينا خصم ما ندري كيف نأتي له(1).وفي هذه الروايات الصحيحة رد على دعاة الفتنة، ومبغضي الصحابة الذين يضعون الأخبار المكذوبة، ويضعون الأشعار وينسبونها إلى أعلام الصحابة والتابعين الذين شاركوا في صفين؛ ليظهروهم بمظهر المتحمس لتلك الحرب ليزرعوا البغضاء في النفوس ويعملوا ما في وسعهم على استمرار(2) الفتنة.
إن الدعوة إلى تحكيم كتاب الله دون التأكيد على تسليم قتلة عثمان إلى معاوية وقبول التحكيم دون التأكيد على دخول معاوية في طاعة على والبيعة له، تطور فرضته أحداث حرب صفين، إذ إن الحرب التي أودت بحياة الكثير من المسلمين، أبرزت اتجاها جماعيًا رأى أن وقف القتال وحقن الدماء ضرورة تقتضيها حماية شوكة الأمة وصيانة قوتها أمام عدوها، وهو دليل على حيوية الأمة ووعيها وأثرها في اتخاذ القرارات(3).
إن أمير المؤمنين عليًا رضي الله عنه قَبِل وقف القتال في صفين، ورضي التحكيم وعدَّ ذلك فتحًا ورجع(4) إلى الكوفة، وعلق على التحكيم آمالاً في إزالة الخلاف، وجمع الكلمة، ووحدة الصف، وتقوية الدولة، وإعادة حركة الفتوح من جديد. إن وصول الطرفين إلى فكرة التحكيم والاستجابة له أسهمت فيها عدة عوامل منها:
__________
(1) البخاري رقم (4189).
(2) الإنصاف فيما وقع في تاريخ العصر الراشدى من الخلاف: ص(530).
(3) دراسة في تاريخ الخلفاء الأمويين: ص(38).
(4) دراسة في تاريخ الخلفاء: ص(38).(2/242)
أ- أنه كان آخر محاولة من المحاولات التي بذلت لإيقاف الصدام وحقن الدماء سواء تلك المحاولات الجماعية أو المحاولات الفردية التي بدأت بعد موقعة الجمل ولم تفلح، أما الرسائل التي تبودلت بين الطرفين لتفيد وجهات نظر كل منهما، فلم تُجد هي الأخرى شيئًا، وكان آخر تلك المحاولات ما قام به معاوية في أيام اشتداد القتال حيث كتب إلى على رضي الله عنه يطالبه بوقف القتال فقال: فإني أحسبك أن لو علمت وعلمنا أن الحرب تبلغ بك ما بلغت لم نجنها على أنفسنا، فإنا إن كنا قد غُلبنا على عقولنا فقد بقى منا ما ينبغي أن نندم على ما مضى ونصلح ما بقى(1).
ب- تساقط القتلى وإراقة الدماء الغزيرة ومخافة الفناء، فصارت الدعوة إلى إيقاف الحرب مطلبًا يرنو إليه الجميع.
جـ- الملل الذي أصاب الناس من طول القتال، حتى وكأنهم على موعد لهذا الصوت الذي نادى بالهدنة والصلح، وكانت أغلبية جيش على في اتجاه الموادعة، وكانوا يرددون: قد أكلتنا الحرب، ولا نرى البقاء إلا عن الموادعة(2). وهذا ينقض ذلك الرأي المتهافت الذي رُوِّج بأن رفع المصاحف كان خدعة من عمرو بن العاص، والحق أن فكرة رفع المصاحف لم تكن جديدة وليست من ابتكار عمرو بن العاص، بل رُفع المصحف في الجمل ورشق حامله كعب بن سور قاضى البصرة بسهم وقُتل.
د- الاستجابة لصوت الوحي الداعي للإصلاح، قال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59] ويؤيد هذا ما قاله على ابن أبى طالب حينما عرض عليه الاحتكام إلى كتاب الله، قال: نعم أنا أولى بذلك، بيننا وبينكم كتاب الله(3).
__________
(1) الأخبار الطوال للدينورى: ص(187)، دارسات في عهد النبوة: ص(432).
(2) صفين: ص(482- 485)، دراسات في عهد النبوة: ص(433).
(3) مصنف ابن أبى شيبة (8/336).(2/243)
5- مقتل عمّار بن ياسر رضي الله عنه وأثره على المسلمين: يعد حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لعمار، رضي الله عنه، «تقتلك الفئة الباغية»(1) من الأحاديث الصحيحة والثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد كان لمقتل عمّار، رضي الله عنه – أثر في معركة صفين، فقد كان علمًا لأصحاب رسول الله يتبعونه حيث سار، وكان خزيمة بن ثابت حضر صفين وكان كافًا سلاحه، فلما رأى مقتل عمار سل سيفه وقاتل أهل الشام، وذلك لأنه سمع(2) حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عمار: «تقتله الفئة الباغية».واستمر في القتال حتى قُتل(3)، وكان لمقتل عمّار أثر في معسكر معاوية، فهذا أبو عبد الرحمن السلمي دخل في معسكر أهل الشام، فرأى معاوية وعمرو بن العاص وابنه عبد الله بن عمرو، وأبا الأعور السلمي، عند شريعة الماء يسقون. وكانت هي شريعة الماء الوحيدة التي يستقي منها الفريقان، وكان حديثهم عن مقتل عَمّار بن ياسر، إذ قال عبد الله بن عمرو لوالده: لقد قتلنا هذا الرجل وقد قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تقتله الفئة الباغية».فقال عمرو لمعاوية: لقد قتلنا الرجل وقد قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قل. فقال معاوية: اسكت فوالله ما تزال تدحض(4) في بولك، أنحن قتلناه؟ إنما قتله من جاء به(5)، فانتشر تأويل معاوية بين أهل الشام انتشار النار في الهشيم، وجاء في رواية صحيحة أن عمرو ابن حزم دخل على عمرو بن العاص فقال: قتل عمار وقد قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تقتله الفئة الباغية». فقام عمرو بن العاص فزعًا يرجع حتى دخل على معاوية فقال له معاوية: ما شأنك؟ فقال: قُتل عمار. قال معاوية: فماذا؟ قال عمرو: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول له: «تقتلك الفئة الباغية».فقال له معاوية: دحضت في
__________
(1) مسلم رقم (2916).
(2) مسلم رقم (2916).
(3) خلافة على: ص(211)، مجمع الزوائد للهيثمى (7/242). وقال فيه: رواه الطبراني وفيه أبو معشر وهو لين.
(4) الدحض: الزلق، والداحض: من لا ثبات له ولا عزيمة في الأمور.
(5) مسند أحمد (2/206) إسناده حسن.(2/244)
بولك، أو نحن قتلناه؟! إنما قتله على وأصحابه، وجاءوا به حتى ألقوه بين رماحنا، أو قال: بين سيوفنا(1).
وفي رواية صحيحة أيضًا: جاء رجلان عند معاوية يختصمان في رأس عمّار، يقول كل واحد منهما: أنا قتلته؛ فقال عبد الله بن عمرو بن العاص: ليطب به أحدكم نفسًا لصاحبه، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «تقتله الفئة الباغية».قال معاوية: فما بالك معنا؟ قال: إن أبى شكاني إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أطع أباك ما دام حيًا ولا تعصه. فأنا معكم ولست أقاتل(2). من الروايات السابقة نلاحظ أن الصحابي الفقيه عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – حريص على قول الحق والنصح، فقد رأى أن معاوية وجنده، هم الفرقة الباغية لقتلهم عمارًا، فقد تكرر منه هذا الاستنكار في مناسبات مختلفة؛ ولا شك أن مقتل عمّار – رضي الله عنه – قد أثر في أهل الشام بسبب هذا الحديث، إلا أن معاوية – رضي الله عنه – أوّل الحديث تأويلاً غير مستساغ ولا يصح في أن الذين قتلوا عمارًا هم الذين جاءوا به إلى القتال(3). وقد أثر مقتل عمار كذلك على عمرو بن العاص، بل كان استشهاد عمار دافعًا لعمرو بن العاص للسعي لإنهاء الحرب(4)، وقد قال رضي الله عنه: وددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة(5)، وقد جاء في البخاري عن أبى سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: كنا نحمل لبنة؛ وعمّار لبنتين لبنتين، فرآه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فينفض التراب عنه ويقول: «ويح عمّار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار».قال عمّار: أعوذ بالله من الفتن(6)، وقال ابن عبد البر: تواترت الآثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:«تقتل عمارًا الفئة الباغية»، وهذا من إخباره
__________
(1) مصنف عبد الرزاق (11/240) بسند صحيح.
(2) مسند أحمد (11/138، 139).
(3) خلافة على بن أبى طالب، عبد الحميد: ص(325).
(4) معاوية بن أبى سفيان، الغضبان، ص(215).
(5) أنساب الأشراف (1/170)، عمرو بن العاص للغضبان: ص(603).
(6) البخاري رقم (447).(2/245)
بالغيب وإعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم -، وهو من أصح الأحاديث(1)، وقال الذهبي بعد ما ذكر الحديث: وفي الباب عن عدة من الصحابة، فهو متواتر(2).
6- فهم العلماء للحديث:
أ- قال ابن حجر: وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعلى وعمار، ورد على النواصب الزاعمين أن عليًا لم يكن مصيبًا في حروبه(3).
وقال أيضًا: دل الحديث: تقتل عمارًا الفئة الباغية، على أن عليًا كان المصيب في تلك الحروب؛ لأن أصحاب معاوية قتلوه(4).
ب- يقول النووي: وكانت الصحابة يوم صفين يتبعونه حيث توجه لعلمهم بأنه مع الفئة العادلة لهذا الحديث(5).
جـ- قال ابن كثير: كان على وأصحابه أدنى الطائفتين إلى الحق من أصحاب معاوية، وأصحاب معاوية كانوا باغين عليهم، كما ثبت في صحيح مسلم من حديث شعبة عن أبى سملة عن أبى نضرة عن أبى سعيد الخدري قال: حدثني من هو خير منى – يعنى أبا قتادة- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعمار: «تقتلك الفئة الباغية»(6)، وقال أيضًا: وهذا مقتل عمار بن ياسر – رضي الله عنهما – مع أمير المؤمنين على بن أبى طالب، قتلة أهل الشام، وبان وظهر بذلك سر ما أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أنه تقتله الفئة الباغية، وبان بذلك أن عليًا محق، وأن معاوية باغ، وما في ذلك من دلائل النبوة(7).
د- وقال الذهبي: هم طائفة من المؤمنين، بغت على الإمام على، وذلك بنص قول المصطفى صلوات الله عليه لعمار: «تقتلك الفئة الباغية»(8).
__________
(1) الاستيعاب (3/1140).
(2) سير أعلام النبلاء (1/421).
(3) فتح الباري (1/646).
(4) فتح الباري (13/92).
(5) تهذيب الأسماء واللغات (2/38).
(6) البداية والنهاية (6/220).
(7) المصدر نفسه (7/277).
(8) سير أعلام النبلاء (8/209).(2/246)
هـ- قال القاضي أبو بكر بن العربي:في قوله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ}: هذه الآية أصل في قتال المسلمين، والعمدة في حرب المتأولين، وعليها عول الصحابة، وإليها لجأ الأعيان من هذه الملة، وإياها عنى النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «تقتل عمارًا الفئة الباغية»(1).
و- وقال ابن تيمية: وهذا يدل على صحة إمامة على ووجوب طاعته، وأن الداعي إلى طاعته داع إلى الجنة، والداعي إلى مقاتلته داع إلى النار- وإن كان متأولاً- وهو دليل على أنه لم يكن يجوز قتال على، وعلى هذا فمقاتله مخطئ – وإن كان متأولاً – أو باغ – بلا تأويل – وهو أصح القولين لأصحابنا، وهو الحكم بتخطئة من قاتل عليًا، وهو مذهب الأئمة الفقهاء الذين فرعوا على ذلك قتال البغاة المتأولين(2)، وقال أيضًا: مع أن عليًا أولى بالحق ممن فارقه، ومع أن عمارًا قتلته الفئة الباغية – كما جاءت به النصوص – فعلينا أن نؤمن بكل ما جاء من عند الله ونقر بالحق كله، ولا يكون لنا هوى، ولا نتكلم بغير علم، بل نسلك سبل العلم والعدل، وذلك هو اتباع الكتاب والسنة، فأما من تمسك ببعض الحق دون بعض، فهذا منشأ الفرقة والاختلاف(3).
ز- وقال عبد العزيز بن باز: وقال- صلى الله عليه وسلم - في حديث عمار: «تقتل عمارًا الفئة الباغية». فقتله معاوية وأصحابه في وقعة صفين، فمعاوية وأصحاب بغاة، لكن مجتهدون ظنوا أنهم مصيبون في المطالبة بدم عثمان(4).
حـ- وقال سعيد حوى: بعد أن قتل عمار الذي وردت النصوص مبينة أنه تقتله الفئة الباغية، تبين للمترددين أن عليًا كان على حق وأن القتال معه كان واجبًا، ولذا عبّر ابن عمر عن تخلفه بأنه يأسى بسبب هذا التخلف، وما ذلك إلا أنه ترك واجبًا وهو نصرة الإمام الحق على الخارجين عليه بغير حق كما أفتى بذلك الفقهاء(5).
__________
(1) أحكام القرآن (4/1717).
(2) مجموع الفتاوى (4/437).
(3) المصدر نفسه (4/449، 450).
(4) فتاوى ومقالات متنوعة (6/87).
(5) الأساس في السنة (4/1710).(2/247)
7- الرد على قول معاوية رضي الله عنه: إنما قتله من جاء به(1).إن جل الصحابة والتابعين قد فهموا من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمار: «تقتلك الفئة الباغية»(2) أن المقصود: جيش معاوية، رضي الله عنه، مع أنهم – أي معاوية وجيشه – معذورون في اجتهادهم، فهم يقصدون الحق ويريدونه ولكنهم لم يصيبوه، وفئة على أولى بالحق منهم كما قال - صلى الله عليه وسلم -(3)، ومع أن الأئمة لم يعجبهم تأويل معاوية – كما سأنقل – إلا أنهم عذروه في اجتهاده، فها هو ابن حجر يقول في قوله - صلى الله عليه وسلم -:«يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار»(4).
فإن قيل: كان قتله بصفين وهو مع على، والذين قتلوه مع معاوية، وكان معه جماعة من الصحابة، فكيف يجوز عليهم الدعاء إلى النار؟ فالجواب: أنهم كانوا ظانين أنهم يدعونه إلى الجنة، وهم مجتهدون لا لوم عليهم في اتباع ظنونهم، فالمراد بالدعاء إلى الجنة الدعاء إلى سببها، وهو طاعة الإمام، وكذلك كان عمار يدعوهم إلى طاعة على، وهو الإمام الواجب الطاعة، إذ ذاك، وكانوا هم يدعونه إلى خلاف ذلك، لكنهم معذورون للتأويل الذي ظهر لهم(5).
__________
(1) مسند أحمد (2/206) إسناده حسن.
(2) مسلم رقم 2916.
(3) معاوية بن أبى سفيان: ص(210- 214).
(4) البخاري رقم 447.
(5) التذكرة (2/222).(2/248)
وقال القرطبى: وقال الإمام أبو المعالي في كتاب الإرشاد، فصل.. على رضي الله عنه، كان إمامًا حقًا في توليته، ومقاتلوه بغاة، وحسن الظن بهم يقتضي أن يظن بهم قصد الخير وإن أخطأوه(1)، وقال أيضًا: وقد أجاب على رضي الله عنه عن قول معاوية بأن قال: فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذن قتل حمزة حين أخرجه، وهذا من على رضي الله عنه إلزام، لا جواب عنه، وحجة لا اعترض عليها، قاله الإمام الحافظ أبو الخطاب بن دحية(2)، وقال ابن كثير: فقول معاوية: إنما قتله من قدمه إلى سيوفنا، تأويل بعيد جدًا، إذ لو كان كذلك لكان أمير الجيش هو القاتل للذين يقتلون في سبيل الله، حيث قدمهم إلى سيوف الأعداء(3)، وقال ابن تيمية: وهذا القول لا أعلم له قائلاً من أصحاب الأئمة الأربعة ونحوهم من أهل السنة، ولكن هو قول كثير من المروانية ومن وافقهم(4)، وقال ابن القيم معلقًا على هذا التأويل: نعم، التأويل الباطل تأويل أهل الشام قوله - صلى الله عليه وسلم - لعمار: «تقتلك الفئة الباغية»(5) فقالوا: نحن لم نقتله إنما قتله من جاء به حتى أوقعه بين رماحنا، فهذا هو التأويل الباطل المخالف لحقيقة اللفظ وظاهره، فإن الذي قتله هو الذي باشر قتله، لا من استنصر به(6).
__________
(1) التذكرة (2/223).
(2) المصدر نفسه (2/222).
(3) البداية والنهاية (6/221).
(4) منهاج السنة (4/406).
(5) مسلم رقم (2916).
(6) الصواعق المرسلة (1/184، 185)(2/249)
8- من هو قاتل عمّار بن ياسر؟: قال أبو الغادية الجهنى وهو يحدث عن قتله لعمار: فلما كان يوم صفين، أقبل يستن أول الكتيبة رجلاً، حتى إذا كان بين الصفين فأبصر رجلٌ عورة، فطعنه في ركبته بالرمح فعثر، فانكشف المغفر عنه، فضربته فإذا هو رأس عمار. ثم قُتل عمار قال الراوي: واستسقى أبو الغادية، فأتى بماء في زجاج، فأبى أن يشرب فيها فأتى بماء في قدح فشرب، فقال رجل:.. يتورع عن الشرب في الزجاج ولم يتورع عن قتل عمار(1)، ويخبر عمرو بن العاص، رضي الله عنه، الخبر فيقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قاتل عمار وسالبه في النار(2)، قال ابن كثير: ومعلوم أن عمارًا كان في جيش على يوم صفين، وقتله أصحاب معاوية من أهل الشام، وكان الذي تولى قتله يقال له أبو الغادية، رجل من أفناد الناس، وقيل إنه صحابي(3)، وقال ابن حجر: والظن بالصحابة في تلك الحروب أنهم كانوا متأولين، وللمجتهد المخطئ أجر، وإذا ثبت هذا في حق آحاد الناس فثبوته للصحابة بالطريق الأولى(4)، وقال الذهبي: وابن ملجم عند الروافض أشقى الخلق في الآخرة، وهو عندنا أهل السنة ممن نرجو له النار، ونجوز أن الله يتجاوز عنه، لا كما يقول الخوارج والروافض، وحكمه حكم قاتل عثمان، وقاتل الزبير، وقاتل طلحة، وقاتل سعيد بن جبير وقاتل عمار وقاتل خارجة، وقاتل الحسين، فكل هؤلاء نبرأ منهم ونبغضهم في الله، ونكل أمورهم إلى الله عز وجل(5). وقد وفق الألباني في تعليقه على قول ابن حجر: هذا حق، ولكن تطبيقه على كل فرد من أفرادهم مشكل؛ لأنه يلزم تناقض القاعدة المذكورة بمثل حديث الترجمة [عنوان باب (قاتل عمار وسالبه في النار)] (6)، إذ لا يمكن القول بأن أبا الغادية القاتل
__________
(1) الطبقات الكبرى (3/260، 261) بسند صحيح.
(2) السلسلة الصحيحة (5/18، 19).
(3) البداية والنهاية (6/220).
(4) الإصابة (7/260).
(5) تاريخ الإسلام، عهد الخلفاء الراشدين ص(654).
(6) السلسلة الصحيحة (5/18- 19).(2/250)
لعمار مأجور؛ لأنه قتله مجتهدًا، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قاتل عمار في النار(1)، فالصواب أن يقال: إن القاعدة صحيحة، إلا ما دل الدليل القاطع على خلافها، فيستثنى ذلك منها كما هو الشأن هنا، وهذا خير من ضرب الحديث الصحيح(2) بها، وقد ترجم لأبى الغادية الجهنى ابن عبد البر فقال: اختلف في اسمه: فقيل: يسار بن سَبُع وقيل: يسار بن أزهر، وقيل: اسمه مسلم. سكن الشام ونزل في واسط، يعد في الشاميين، أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو غلام، روُى عنه أنه قال: أدركت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا أيفع، أرد على أهلي الغنم، وله سماع من النبي - صلى الله عليه وسلم -، قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض»(3)، وكان محبًا لعثمان، وهو قاتل عمار بن ياسر، وكان يصف قتله إذا سئل عنه لا يباليه، وفي قصته عجبٌ عند أهل العلم(4).
__________
(1) السلسلة الصحيحة (5/18- 19).
(2) المصدر نفسه (5/19).
(3) مسند أحمد (4/76) وسنده حسن.
(4) الاستيعاب في معرفة الأصحاب، رقم (3089).(2/251)
9- المعاملة الكريمة أثناء الحرب والمواجهة: إن وقعة صفين كانت من أعجب الوقائع بين المسلمين..كانت هذا الوقعات من الغرابة إلى حد أن القارئ لا يصدق ما يقرأ ويقف مشدوهًا أمام طبيعة النفوس عند الطرفين، فكل منهم كان يقف وسط المعركة شاهرًا سيفه وهو يؤمن بقضيته إيمانًا كاملاً، فليست معركة مدفوعة من قبل القيادة، يدفعون الجنود إلى معركة غير مقتنعين بها، بل كانت معركة فريدة في بواعثها، وفي طريقة أدائها وفيما خلفتها من آثار؛ فبواعثها في نفوس المشاركين تعبر عنها بعض المواقف التي وصلت إلينا في المصادر التاريخية، فهم إخوة يذهبون معًا إلى مكان الماء فيستقون جميعًا ويزدحمون وهم يغرفون الماء وما يؤذى إنسان إنسانًا(1)، وهم إخوة يعيشون معًا عندما يتوقف القتال فهذا أحد المشاركين يقول: كنا إذا تواعدنا من القتال دخل هؤلاء في معسكر هؤلاء. وهؤلاء في معسكر هؤلاء..وتحدثوا إلينا وتحدثنا إليهم(2)، وهم أبناء قبيلة واحدة ولكل منهما اجتهاده، فيقاتل أبناء القبيلة الواحدة كل في طرف(3) قتالاً مريرًا، وكل منهما يرى نفسه على الحق وعنده الاستعداد لأن يُقْتَل من أجله، فكان الرجلان يقتتلان حتى يُثْخَنا (وهنا وضعفًا) ثم يجلسان يستريحان، ويدور بينهما الكلام الكثير، ثم يقومان فيقتتلان كما كانا(4)، وهما أبناء دين واحد يجمعها، وهو أحب إليهما من أنفسهما، فإذا حان وقت الصلاة توقفوا لأدائها(5)، ويوم قتل عمار بن ياسر صلى عليه الطرفان(6)، ويقول شاهد عيان اشترك في صفين: تنازلنا
__________
(1) تاريخ الطبري (5/610).
(2) سير أعلام النبلاء (2/41)، مرويات أبى مخنف، ص(296).
(3) البداية والنهاية (7/270)، دراسات في عهد النبوة، ص(424).
(4) تاريخ الطبري، نقلاً عن دراسات في عهد النبوة، ص(424).
(5) تاريخ دمشق (18/2239)، دراسات في عهد النبوة ص(424).
(6) أنساب الأشراف (6/56) بسند حسن إلى عتبة، خلافة على بن أبى طالب، عبد الحميد: ص(241).(2/252)
بصفين، فاقتتلنا أيامًا فكثر القتلى بيننا حتى عقرت الخيل، فبعث على إلى عمرو بن العاص أن القتلى قد كثروا فأمسك حتى يدفن الجميع قتلاهم، فأجابهم، فاختلط بعض القوم ببعض حتى كانوا هكذا – وشبك بين أصابعه – وكان الرجل من أصحاب على يشد فيقتل في عسكر معاوية، فيستخرج منه، وقد مر أصحاب على بقتيل لهم أمام عمرو، فلما رآه بكى وقال: لقد كان مجتهدًا أخشن في أمر الله(1)، وكانوا يسارعون إلى التناهي عن المنكر حتى في مثل هذه المواقع، فكانت هناك مجموعة عرفوا بالقراء، وكانوا من تلامذة عبد الله بن مسعود من أهل الشام معًا، فلم ينضموا إلى أمير المؤمنين على، ولا إلى معاوية بن أبى سفيان وقالوا لأمير المؤمنين: إنا نخرج معكم ولا ننزل عسكركم، ونعسكر على حدة حتى ننظر في أمركم وأمر أهل الشام، فمن رأيناه أراد ما لا يحل له، أو بدا منه بغى كنا عليه، فقال على: مرحبًا وأهلاً، هذا هو الفقه في الدين، والعلم بالسنة من لم يرض بهذا فهو جائر خائن(2).
والحقيقة أن هذه المواقف منبعثة من قناعات واجتهادات استوثقوا منها في قرارة أنفسهم وقاتلوا عليها(3).
__________
(1) أنساب الأشراف (6/56) بسند حسن إلى عتبة، خلافة على بن أبى طالب، عبد الحميد: ص(241).
(2) صفين، ص(115)، دراسات في عهد النبوة: ص(424).
(3) دراسات في عهد النبوة، ص(424).(2/253)
10- معاملة الأسرى: إن المعاملة الحسنة للأسير وإكرامه في صفين من الأمور البدهية بعد ما استعرضنا المعاملة الكريمة أثناء القتال، وقد بين الإسلام معاملة الأسرى، فقد حث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إكرام الأسير، وإطعامه أفضل الأطعمة الموجودة، هذا مع غير المسلمين فكيف إذا كان الأسير مسلمًا؟! لا شك أن إكرامه والإحسان إليه أولى، ولكن الأسير في المعركة يعتبر فئة وقوة لفرقته(1)، ولذلك كان على رضي الله عنه يأمر بحبسه، فإن بايع أخلى سبيله وإن أبى أخذ سلاحه ودابته أو يهبهما لمن أسره ويحلفه ألا يقاتل. وفي رواية يعطيه أربعة دراهم(2)، وغرض الخليفة الراشد من ذلك واضح، وهو إضعاف جانب البغاة وقد أتى بأسير يوم صفين، فقال الأسير: لا تقتلني صبرًا. فقال على رضي الله عنه: لا أقتلك صبرًا، إني أخاف الله رب العالمين، فخلى سبيله ثم قال: أفيك خير تبايع(3)؟
ويبدو من هذه الروايات أن معاملته للأسرى كما يلي:
*إكرام الأسير والإحسان إليه.
* يعرض عليه البيعة والدخول في الطاعة، فإن بايع خلى سبيله.
* إن أبى البيعة أخذ سلاحه ويحلفه أن لا يعود للقتال ويطلقه.
__________
(1) كتاب قتال أهل البغي من الحاوي الكبير، ص(133، 134).
(2) خلافة على ابن أبى طالب، عبد الحميد، ص(243).
(3) الأم للشافعي (4/224)، (8/256).(2/254)
* إن أبى إلا القتال تحفظ عليه في الأسر ولا يقتله صبرًا(1)، وقد أتى رضي الله عنه مرة بخمسة عشر أسيرًا – ويبدو أنهم جرحي – فكان من مات منهم غسله وكفنه وصلى عليه(2)، ويقول محب الدين الخطيب معلقًا على هذه الحرب: ومع ذلك، فإن هذه الحرب المثالية هي الحرب الإنسانية الأولى في التاريخ التي جرى فيها المتحاربان معًا على مبادئ الفضائل التي يتمنى حكماء الغرب لو يعمل بها في حروبهم، ولو في القرن الحادي والعشرين، وإن كثيرًا من قواعد الحرب في الإسلام لم تكن لتعلم وتدون لولا وقوع هذه الحرب، ولله في كل أمر حكمة(3)، قال ابن العديم: قلت: وهذا كله حكم أهل البغي، ولهذا قال أبو حنيفة: لولا ما سار علىّ فيهم، ما علم أحد كيف السيرة في المسلمين(4).
__________
(1) خلافة على بن أبى طالب، عبد الحميد، ص(243).
(2) تاريخ دمشق، تحقيق المنجد(1/331)، خلافة على بن أبى طالب ص(243).
(3) العواصم من القواصم، ص(168، 169) من تعليق الخطيب في الحاشية.
(4) بغية الطلب في تاريخ حلب (309)، خلافة على ص(245).(2/255)
11- عدد القتلى: تضاربت أقوال العلماء في عدد القتلى، فذكر ابن أبى خيثمة أن القتلى في صفين بلغ عددهم سبعين ألفًا، من أهل العراق خمسة وعشرون ألفًا، ومن أهل الشام خمسة وأربعون ألف مقاتل(1)، كما ذكر ابن القيم أن عدد القتلى في صفين بلغ سبعين ألفًا أو أكثر(2)، ولا شك أن هذه الأرقام غير دقيقة، بل أرقام خيالية، فالقتال الحقيقي والصدام الجماعي استمر ثلاثة أيام مع وقف القتال بالليل إلا مساء الجمعة فيكون مجموع القتال حوالي ثلاثين ساعة(3)، ومهما كان القتال عنيفًا، فلن يفوق شدة القادسية التي كان عدد الشهداء فيها ثمانية آلاف وخمسمائة(4)، وبالتالي يصعب عقلاً أن نقبل تلك الروايات التي ذكرت الأرقام الكبيرة.
__________
(1) الأنباء للقضاعي ص59 نقلاً عن خلافة على ص(246).
(2) الصواعق المرسلة (1/377)بدون سند، تحقيق محمد دخيل الله.
(3) الدولة الأموية، ص(360- 362).
(4) تاريخ الطبري (4/388).(2/256)
12- تفقد أمير المؤمنين على القتلى وترحمه عليهم: كان أمير المؤمنين على رضي الله عنه بعد نهاية الجولات الحربية يقوم بتفقد القتلى، فيقول شاهد عيان: رأيت عليًا على بغلة النبي - صلى الله عليه وسلم - الشهباء، يطوف بين القتلى(1)، وأثناء تفقده القتلى ومعه الأشتر، مر برجل مقتول – وهو أحد القضاة والعباد المشهورين بالشام – فقال الأشتر – وفي رواية أخرى عدي بن حاتم-: يا أمير المؤمنين أحابس(2) معهم؟ عهدي والله به مؤمن، فقال على: فهو اليوم مؤمن. لعل هذا الرجل المقتول هو القاضي الذي أتى عمر بن الخطاب وقال: يا أمير المؤمنين، رأيت رؤيا أفزعتني، قال: ما هي؟ قال: رأيت الشمس والقمر يقتتلان والنجوم معهما نصفين. قال: فمع أيهما كنت؟ قال: مع القمر على الشمس، فقال عمر: قال تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء:13]، فانطلق فوالله لا تعمل لي عملاً أبدًا، قال الراوي: فبلغني أنه قتل مع معاوية بصفين(3)، وقد وقف علىٌّ على قتلاه وقتلى معاوية فقال:غفر الله لكم، غفر الله لكم، للفريقين جميعًا(4)، وعن يزيد بن الأصم قال: لما وقع الصلح بين على ومعاوية، خرج على فمشى في قتلاه فقال: هؤلاء في الجنة، ثم خرج إلى قتلى معاوية فقال: هؤلاء في الجنة، ويصير الأمر إلىّ وإلى معاوية(5)، وكان يقول عنهم هم: المؤمنون(6)، وقوله رضي الله عنه في أهل صفين لا يكاد يختلف عن قوله في أهل الجمل(7).
__________
(1) مصنف ابن أبى شيبة.
(2) حابس بن سعد الطائي، مخضرم، قتل بصفين.
(3) مصنف ابن أبى شيبة (11/74) بسند منقطع.
(4) خلافة علي بن أبى طالب، عبد الحميد، ص(250).
(5) مصنف ابن أبى شيبة (15/303) بسند حسن.
(6) تاريخ دمشق (1/329، 331)، خلافة على، ص251.
(7) خلافة على بن أبى طالب، عبد الحميد، ص251.(2/257)
13- موقف لمعاوية مع ملك الروم: استغل ملك الروم الخلاف الذي وقع بين أمير المؤمنين على ومعاوية – رضي الله عنهما – وطمع في ضم بعض الأراضي التي تحت هيمنة معاوية إليه، قال ابن كثير:..وطمع في معاوية ملك الروم بعد أن كان أخشاه وأذله، وقهر جندهم ودحرهم، فلما رأى ملك الروم اشتغال معاوية بحرب على تدانى إلى بعض البلاد في جنود عظيمة وطمع فيه، فكتب معاوية إليه: والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك يا لعين لاصطلحن أنا وابن عمي عليك، ولأخرجنك مع جميع بلادك ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت، فعند ذلك خاف ملك الروم وانكف، وبعث يطلب الهدنة(1)، وهذا يدل على عظمة نفس معاوية وحميته للدين.
14- قصة باطلة في حق عمرو بن العاص بصفين: قال نصر بن مزاحم الكوفي: وحمل أهل العراق وتلقَّاهم أهل الشام فاجتلدوا وحمل عمرو بن العاص.. فاعترضه على وهو يقول:
قد علمت ذات القرون الميل ... والخصر والأنامل الطفول(2)
إلى أن يقول: ثم طعنه فصرعه واتقاه عمرو برجله، فبدت عورته، فصرف على وجهه عنه وارتُثَّ. فقال القوم: أفلت الرجل يا أمير المؤمنين. قال: وهل تدرون من هو؟ قالوا: لا. قال: فإنه عمرو بن العاص تلقاني بعورته فصرفت وجهي(3). وذكر القصة – أيضًا – ابن الكلبي كما ذكر ذلك السهيلى في الروض الأنف. وقول على: إنه اتقاني بعورته فأذكرني الرحِمَ إلى أن قال:... ويروى مثل ذلك عن عمرو بن العاص مع على – رضي الله عنه – يوم صفين، وفي ذلك يقول الحارث بن النضر السهمي كما رواه ابن الكلبي وغيره:
أفى كل يوم فارس غير منته ... وعورته وسط العجاجة بادية
يكف لها عنه علىّ سنانه ... ويضحك منه في الخلاء معاوية(4)
__________
(1) البداية والنهاية (8/122).
(2) الطفول جمع طفل، بالفتح، وهو الرخص الناعم.
(3) وقعة صين، ص(406- 408)، قصص لا تثبت، سليمان الخراشى(6/19).
(4) الروافض الأنف (5/462)، قصص لا تثبت (6/19).(2/258)
والرد على هذا الافتراء والإفك المبين كالآتي: فراوي الرواية الأولى نصر بن مزاحم الكوفي صاحب وقعة صفين شيعي جلد لا يستغرب عنه كذبه وافتراؤه على الصحابة، قال عنه الذهبي في الميزان: نصر بن مزاحم الكوفي رافضي جلد، تركوه، قال عنه العقيلى: شيعي في حديثه اضطراب وخطأ كثير، وقال أبو خيثمة: كان كذابًا(1)، وقال عنه ابن حجر: قال العجلي: كان رافضيًا غاليًا..ليس بثقة ولا مأمون(2). وأما الكلبي؛ هشام بن محمد بن السائب الكلبي؛ فاتفقوا على غلوه في التشيع، قال الإمام أحمد: من يحدث عنه؟ ما ظننت أن أحدًا يحدث عنه. وقال الدار قطني: متروك(3)، وعن طريق هذين الرافضين سارت هذه القصة في الآفاق وتلقفها من جاء بعدهم من مؤرخي الشيعة، وبعض أهل السنة ممن راجت عليهم أكاذيب الرافضة(4)، وتعد هذه القصة أنموذجًا لأكاذيب الشيعة الروافض وافتراءاتهم على صحابة رسول الله، فقد اختلق أعداء الصحابة من مؤرخي الرافضة مثالب لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاغوها على هيئة حكايات وأشعار لكي يسهل انتشارها بين المسلمين، هادفين إلى الغض من جناب الصحابة الأبرار – رضي الله عنهم – في غفلة من أهل السنة الذين وصلوا متأخرين إلى ساحة التحقيق في روايات التاريخ الإسلامي، بعد أن طارت تلكم الأشعار والحكايات بين القصّاص وأصبح كثير منها من المسلمات، حتى عند مؤرخي أهل السنة للأسف(5).
__________
(1) ميزان الاعتدال (4/253- 254).
(2) لسان الميزان (6/157).
(3) المجروحون لابن حبان (3/91)، تذكرة الحفاظ (1/343)، معجم الأدباء (19/287)، قصص لا تثبت (1/18).
(4) قصص لا تثبت (1/20).
(5) المصدر نفسه (1/10).(2/259)
15- مرور أمير المؤمنين على بالمقابر بعد رجوعه من صفين: لما انصرف على أمير المؤمنين رضي الله عنه من صفين مرّ بمقابر، فقال: «السلام عليكم أهل الديار الموحشة، والمحال المقفرة من المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، أنتم لنا سلف فارط، ونحن لكن تبعٌ، وبكم عمّا قليل لاحقون، اللهم اغفر لنا ولهم، وتجاوز بعفوك عنا وعنهم، الحمد الله الذي جعل الأرض كفاتًا، أحياءً وأمواتًا، الحمد لله الذي خلقكم وعليها يحشركم، ومنها يبعثكم، وطوبي لمن ذكر المعاد وأعدّ للحساب، وقنع بالكفاء»(1).
16- إصرار قتلة عثمان – رضي الله عنه – على أن تستمر المعركة: إن قتلة عثمان كانوا حريصين على أن تستمر المعركة بين الطرفين، حتى يتفانى الناس، وتضعف قوة الطرفين، فيكونوا بمنأى عن القصاص والعقاب، ولذلك فإنهم فزعوا وهم يرون أهل الشام يرفعون المصاحف، وعلى رضي الله عنه يجيبهم إلى طلبهم فيأمر يوقف القتال وحقن الدماء، فسعوا إلى ثنى أمير المؤمنين عن عزمه، لكن القتال توقف، فسقط في أيديهم، فلم يجدوا بدًا من الخروج على علىّ رضي الله عنه، فاخترعوا مقولة (الحكم لله) وتحصنوا بعيدًا عن الطرفين، والغريب أن المؤرخين لم يركزوا على ما فعله هؤلاء في هذه المرحلة، كما فعلوا في معركة الجمل، رغم أنهم كانوا موجودين في جيش على، وعن سر إخفاق تلك المفاوضات التي دامت أشهرًا عديدة، وعن الدور الذي يمكن أن يكون قتلة عثمان قد قاموا به في معركة صفين لإفشال كل محاولة صلح بين الطرفين، لأن اصطلاح على مع معاوية هو أيضًا اصطلاح على دمائهم، لا يعقل أن يجتهدوا في الفتنة في وقعة الجمل، ويتركوا ذلك في صفين(2).
__________
(1) البيان والتبيين للجاحظ (3/148)، فرائد الكلام للخلفاء الكرام، ص(327).
(2) أحداث وأحاديث فتنة الهرج، ص(147).(2/260)
17- نهى أمير المؤمنين على عن شتم معاوية ولعن أهل الشام: روى أن عليًا- رضي الله عنه – لما بلغه أن اثنين من أصحابه يظهران شتم معاوية ولعن أهل الشام أرسل إليهما أن كفّا عما يبلغني عنكما، فأتيا فقالا: يا أمير المؤمنين، ألسنا على الحق وهم على الباطل؟. قال: بلى وربّ الكعبة المسدّنة، قالا: فلم تمنعنا من شتمهم ولعنهم؟ قال: كرهت لكم أن تكونوا لعّانين، ولكن قولوا: اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، وأبعدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحقَّ من جهله ويرعوى عن الغيّ من لجج به(1). وأما ما قيل من أن عليًا كان يلعن في قنوته معاوية وأصحابه، وأن معاوية إذا قنت لعن عليًا وابن عباس والحسن والحسين، فهو غير صحيح، لأنّ الصحابة- رضوان الله عليهم- كانوا أكثر حرصًا من غيرهم على التقيد بأوامر الشارع الذي نهى عن سباب المسلم ولعنه(2). فقد روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله: «من لعن مؤمنًا فهو كقتله»(3)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس المؤمن بطعّان ولا بلعّان»(4)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة»(5).كما أن الرواية التي جاء فيها لعن أمير المؤمنين في قنوته لمعاوية وأصحابه ولعن معاوية لأمير المؤمنين وابن عباس والحسن والحسين لا تثبت من ناحية السند حيث فيها أبو مخنف لوط بن يحيى الرافضي المحترق الذي لا يوثق في رواياته، كما أن في أصح كتب الشيعة عندهم جاء النهي عن سب الصحابة، فقد أنكر علىٌ على من سب معاوية ومن معه فقال: إني أكره لكم أن تكونوا سبابين ولكنكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم إياهم: اللهم احقن
__________
(1) الأخبار الطوال، ص(165) نقلاً عن تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة (2/232).
(2) تحقيق مواقف الصحابة (2/232).
(3) البخاري، ك الأدب (7/84).
(4) السلسلة الصحيحة للألباني، رقم (320)، صحيح سنن الترمذي (2/189)، رقم (1110).
(5) مسلم (4/2006) رقم (2598).(2/261)
دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم(1). فهذا السب والتكفير لم يكن من هدى على باعتراف أصح كتاب في نظر الشيعة(2).
المبحث الثالث : التحكيم
تم الاتفاق بين الفريقين على التحكيم بعد انتهاء موقعة صفين؛ وهو أن يُحكِّم كل واحد منهما رجلاً من جهته ثم يتفق الحكمان على ما فيه مصلحة المسلمين، فوكّل معاوية عمرو بن العاص ووكل علىّ أبا موسى الأشعري، رضي الله عنهم جميعًا، وكُتبت بين الفريقين وثيقة في ذلك، وكان مقر اجتماع الحكمين في دومة الجندل في شهر رمضان سنة 37هـ، وقد رأى قسم من جيش على رضي الله عنه أن عمله هذا ذنب يوجب الكفر، فعليه أن يتوب إلى الله تعالى، وخرجوا عليه فسموا الخوارج، فأرسل على رضي الله عنه إليهم ابن عباس، رضي الله عنهما، فناظرهم وجادلهم ثم ناظرهم على رضي الله عنه بنفسه فرجعت طائفة منهم وأبت طائفة أخرى، فجرت بينهم وبين علىّ رضي الله عنه حروب أضعفت من جيشه وأنهكت أصحابه، وما زالوا به حتى قتلوه غيلة، وسيأتي تفصيل ذلك في محله بإذن الله تعالى.
__________
(1) نهج البلاغة، ص(323).
(2) أصول مذهب الشيعة (2/934).(2/262)
تعد قضية التحكيم من أخطر الموضوعات في تاريخ الخلافة الراشدة، وقد تاه فيها كثير من الكُتاب، وتخبط فيها آخرون وسطروها في كتبهم ومؤلفاتهم، وقد اعتمدوا على الروايات الضعيفة والموضوعة التي شوهت الصحابة الكرام وخصوصًا أبا موسى الأشعري الذي وصفوه بأنه كان أبله ضعيف الرأي مخدوعًا في القول، وبأنه كان على جانب كبير من الغفلة، ولذلك خدعه عمرو بن العاص في قضيّة التحكيم، ووصفوا عمرو بن العاص، رضي الله عنه، بأنه كان صاحب مكر وخداع، فكل هذه الصفات الذميمة حاول المغرضون والحاقدون على الإسلام إلصاقها بهذين الرجلين العظيمين اللذين اختارهما المسلمون ليفصلا في خلاف كبير أدّى إلى قتل كثير من المسلمين، وقد تعامل الكثير من المؤرخين والأدباء والباحثين مع الروايات التي وضعها خصوم الصحابة الكرام على أنها حقائق تاريخية، وقد تلقاها الناس منهم بالقبول دون تمحيص لها وكأنها صحيحة لا مرية فيها؛ وقد يكون لصياغتها القصصية المثيرة وما زعم فيها من خداع ومكر أثر في اهتمام الناس بها وعناية المؤرخين بتدوينها. وليعلم أن كلامنا هذا ينصب على التفصيلات لا على أصل التحكيم حيث إن أصله حق لا شك فيه(1).
وقد رأيت أن يكون المدخل في هذا المبحث التعريف بسيرة الصحابيين أبى موسى الأشعري وعمرو بن العاص رضي الله عنهما.
أولاً: سيرة أبى موسى الأشعري:
__________
(1) مرويات أبى مخنف في تاريخ الطبري: ص(378)، تنزيه خال المؤمنين معاوية: ص(38).(2/263)
هو عبد الله بن قيس بن حضّار بن حرب، الإمام الكبير، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أبو موسى الأشعري التميمي الفقيه المُقريء(1) وقد أسلم أبو موسى بمكة قديمًا، قال ابن سعد: قدم مكة فحالف سعيد بن العاص، وأسلم قديمًا وهاجر إلى أرض الحبشة(2)، وتذكر بعض الروايات أنه رجع إلى قومه للدعوة إلى الله. وقد جمع ابن حجر بين الروايات في إسلامه فقال: وقد استشكل ذكر أبى موسى فيهم، لأن المذكور في الصحيح أن أبا موسى خرج من بلاده هو وجماعة قاصدًا النبي - صلى الله عليه وسلم - بخيبر.. ويمكن الجمع بأن يكون أبو موسى هاجر أولاً إلى مكة فأسلم، فبعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - مع من بعث إلى الحبشة، فتوجه إلى بلاد قومه، وهم مقابل الحبشة من الجانب الشرقي، فلما تحقق استقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بالمدينة هاجر هو ومن أسلم من قومه إلى المدينة فألقتهم السفينة لأجل هيجان الريح من الحبشة، فهذا محتمل وفيه جمع بين الأخبار فليعتمد(3).
1- أوسمه الشرف التي وضعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على صدر أبى موسى:
أ- لكم الهجرة مرتين، هاجرتم إلى النجاشي، وهاجرتم إلىَّ: عن أبى موسى، قال: خرجنا من اليمن في بضع وخمسين من قومي ونحن ثلاثة إخوة: أنا، وأبو رُهْم، وأبو عامر، فأخرجتنا سفينتنا إلى النَّجاشي، وعند جعفر وأصحابه، فأقبلنا حين افتتحت خيبر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لكم الهجرة مرتين: هاجرتم إلى النجاشي وهاجرتم إلىَّ»(4)، وعن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يقدم عليكم غدًا قوم هم أرق قلوبًا للإسلام منكم».
فقدم الأشعريون؛ فلما دنوا جعلوا يرتجزون:
غدًا نلقي الأحبة ... محمدًا وحزبه
فلما قدموا تصافحوا، فكانوا أول من أحدث المصافحة(5).
__________
(1) سير أعلام النبلاء (2/381).
(2) الطبقات (4/107).
(3) فتح الباري (7/189).
(4) مسلم رقم (2502).
(5) سير أعلام النبلاء (2/384) إسناده صحيح.(2/264)
ب- هم قومك يا أبا موسى: عن عياض الأشعري قال: لما نزلت: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54]. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هم قومك يا أبا موسى»، وأومأ إليه(1).
جـ- اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلاً كريمًا: عن أبى موسى قال: لما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حنين بعث أبا عامر الأشعري على جيش أوطاس، فلقي دريد بن الصمة فقتل دريد، وهزم الله أصحابه؛ فرمى رجل أبا عامر في ركبته بسهم فأثبته(2). فقلت: يا عم، من رماك؟ فأشار إليه. فقصدت له، فلحقته، فلما رآني، ولى ذاهبًا، فجعلت أقول له: ألا تستحي؟ ألست عربيًا؟ ألا تثبت؟ قال: فكفَّ، فالتقيت أنا وهو فاختلفنا ضربتين، فقتلته، ثم رجعت إلى أبى عامر، فقلت: قد قتل الله صاحبك، قال: فانزع هذا السهم. فنزعه فنزا منه الماء. فقال: يا ابن أخي، انطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقرئه منى السلام، وقل له يستغفر لي. واستخلفني أبو عامر على الناس، فكمث يسيرًا، ثم مات. فلما قدمنا، وأخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم -، توضأ، ثم رفع يديه، ثم قال: اللهم اغفر لعبيد ابن أبى عامر. حتى رأيت بياض إبطيه، ثم قال: اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك. فقلت: ولى يا رسول الله؟ فقال: اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلاً كريمًا(3).
__________
(1) المستدرك (2/313) صححه الحاكم ووثقه الذهبي، سير أعلام النبلاء (4/238).
(2) سير أعلام النبلاء (2/385).
(3) مسلم، رقم (2498).(2/265)
د- إن هذا قد ردَّ البشري فاقبلا أنتما: عن أبى موسى، قال: كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجعرانة(1) فأتى أعرابي فقال: ألا تنجز لي ما وعدتني؟ قال: أبشر. قال: قد أكثرت من البشري. فأقبل رسول الله علىّ وعلى بلال. فقال: إنّ هذا قد ردَّ البشري فاقبلا أنتما.فقالا: قبلنا يا رسول الله، فدعا بقدح، فغسل يديه ووجهه فيه، ومجّ فيه، ثم قال: اشربا منه، وأفرغا على رءوسكما ونحوركما، ففعلا، فنادت أم سلمه من رواء الستر: أن فضلا لأمكما،
فأفضلا لها منه(2).
هـ- لقد أُعطى مزمارًا من مزامير آل داود: عن ابن بريدة عن أبيه قال: خرجت ليلة من المسجد، فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - عند باب المسجد قائم، وإذا رجل يصلى، فقال لي: يا بريدة، أتراه يُرائي؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: بل هو مؤمن منيب، لقد أعطى مزمارًا من مزامير آل داود. فأتيته فإذا هو أبو موسى الأشعري؛ فأخبرته(3).
و- يا عبد الله بن قيس، ألا أدلك على كلمة من كنوز الجنة؟: عن أبى موسى الأشعري قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر، وكان القوم يصعدون ثنية أو عقب، فإذا أصعد الرجل قال: لا إله إلا الله، والله أكبر – أحسبه قال: بأعلى صوته – ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته يعترضها في الجبل، فقال: أيها الناس، إنكم لا تنادون أصمَّ ولا غائبًا، ثم قال: يا عبد الله بن قيس – أو يا أبا موسى – ألا أدلك على كلمة من كنوز الجنة؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: قل: لا حول ولا قوة إلا بالله(4).
__________
(1) الجعرانة: بين مكة والطائف وهي أقرب إلى مكة.
(2) مسلم، رقم (2497).
(3) مسلم، رقم (793)، مجمع الزوائد (9/358).
(4) مسلم، رقم (2704).(2/266)
ز- يسَّرا ولا تعسَّرا وتطاوعا ولا تُنفرا: استعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا موسى على زبيد وعدن(1) وأرسله مع معاذ إلى اليمن، فعن أبى موسى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بعثه ومعاذا إلى اليمن، قال لهما: يَسَّرا ولا تُعسَّرا وتطاوعا ولا تنفرا، فقال له أبو موسى: إن لنا بأرضنا شرابًا، يصنع مع العسل يقال له التبغ، ومن الشعير يقال له: المزر، قال: كل مسكر حرام، فقال لي معاذ: كيف تقرأ القرآن؟ قلت: أقرأه في صلاتي، وعلى راحلتي، وقائمًا وقاعدًا، أتفوقه تفوقًا، يعنى شيئًا بعد شيء، قال: فقال معاذ: لكني أنام ثم أقوم، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي، قال: وكأن معاذًا فُضِّل عليه(2).
__________
(1) تاريخ خليفة بن خياط: ص(97)، تحقيق مواقف الصحابة (2/226).
(2) مسلم، رقم (1733)، البخاري (4344).(2/267)
2- مكانة أبى موسى عند عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: كان أبو موسى من ضمن أعمدة الدولة في عهد عمر، وكان قائدًا للجيوش في فتح قم وقاثان(1)، وموقعة تستر(2)، كما كان من مؤسسي المدرسة البصرية في عهد الفاروق وكان يعد من أعلم الصحابة، وقد قدم البصرة، وعلّم بها(3)، وقد تأثر بعمر بن الخطاب، رضي الله عنهما، وكان بينهما مراسلات – سنأتي عليها عند حديثنا عن مؤسسة الولاة والقضاة – وكان أبو موسى، رضي الله عنه، قد اشتهر بالعلم والعبادة والورع والحياء، وعزة النفس وعفتها، والزهد في الدنيا والثبات على الإسلام، ويعد أبو موسى، رضي الله عنه، من كبار علماء الصحابة وفقهائهم ومفتيهم، فقد ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ في الطبقة الأولى من الصحابة، رضي الله عنهم، كان عالمًا عاملاً صالحًا تاليًا لكتاب الله، إليه المنتهى في حسن الصوت بالقرآن، روى علمًا طيبًا مباركًا، أقرأ أهل البصرة وأفقههم، وقد كان رضي الله عنه كثير الملازمة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، كما أنه تلقى من كبار الصحابة كعمر وعلى وأبىّ بن كعب وعبد الله بن مسعود، وتأثر أبو موسى على وجه الخصوص بعمر بن الخطاب كثيرًا، وكان عمر يتعهده بالوصايا والكتب في أثناء ولايته الطويلة على البصرة، كما أن أبا موسى كان يرجع إلى عمر في كل ما يعرض له من القضايا، حتى عده الشعبي واحدًا من أربعة قضاة، هم أشهر قضاة الأمة، فقال: قضاة الأمة: عمر، وعلى، وزيد بن ثابت، وأبو موسى(4)، وكان أبو موسى عندما يأتي المدينة يحرص على مجالس عمر، رضي الله عنهما، وربما أمضى جزءًا كبيرًا معه، فعن أبى بكر بن أبى موسى أن أبا موسى رضي الله عنه أتى عمر بن الخطاب بعد العشاء فقال له عمر: ما جاء بك؟ قال: جئت أتحدث إليك، قال: هذه الساعة؟ قال: إنه فقه. فجلس عمر فتحدثا طويلاً، ثم إن أبا موسى قال:
__________
(1) البداية والنهاية (7/114).
(2) المصدر نفسه (7/88).
(3) تفسير التابعين (1/433).
(4) سير أعلام النبلاء (2/389).(2/268)
الصلاة يا أمير المؤمنين، قال: إنا في صلاة(1). وكما كان أبو موسى حريصًا على طلب العلم والتعليم كان حريصًا على نشر العلم وتعليم الناس وتفقيههم، وكان يحض الناس على التعلم والتعليم في خطبه، فعن أبى المهلب قال: سمعت أبا موسى على منبره وهو يقول: من علمه الله علمًا فليعلمه، ولا يقولن ما ليس له به علم، فيكون من المتكلفين، ويمرق من الدين(2)، وقد جعل أبو موسى مسجد البصرة مركز نشاطه العلمي، وخصص جزءًا كبيرًا من وقته لمجالسه العلمية، ولم يكتف بذلك، بل كان لا يدع فرصة تمر دون أن يستفيد منها في تعليم الناس وتفقيههم، فإذا ما سلّم من الصلاة استقبل، رضي الله عنه، الناس، وأخذ يعلمهم ويضبط لهم قراءتهم للقرآن الكريم، قال ابن شوذب: كان أبو موسى إذا صلى الصبح استقبل الصفوف رجلاً رجلاً يقرئهم(3)، واشتهر أبو موسى بين الصحابة بجمال صوته، وحسن قراءته، فكان الناس يجتمعون عليه حين يسمعونه يقرأ، وكان عمر، رضي الله عنه، إذا جلس عنده أبو موسى طلب منه أن يقرأ له ما يتيسر له من القرآن(4)، وقد وفقه الله لتعليم المسلمين، وبذل رضي الله عنه كل ما يستطيع من جهد في تعليم القرآن ونشره بين الناس في كل البلاد التي نزل فيها، واستعان بصوته الجميل وقراءته الندية فاجتمع الناس عليه، وازدحم حوله طلاب العلم في مسجد البصرة، فقسمهم إلى مجموعات وحلق، فكان يطوف عليهم يسمعهم ويستمع منهم ويضبط لهم قراءتهم(5)، فكان القرآن الكريم شغله الشاغل، رضي الله عنه، صرف له معظم أوقاته في حله وفي سفره، فعن أنس بن مالك قال: بعثني الأشعري إلى عمر، رضي الله عنه، فقال عمر: كيف تركت الأشعري؟
__________
(1) أبو موسى الأشعري الصحابي العالم المجاهد، محمد طهماز، ص(121).
(2) الطبقات (4/107).
(3) سير أعلام النبلاء (2/298).
(4) أبو موسى الأشعري الصحابي العالم، ص(125، 126)، سير أعلام النبلاء (2/391).
(5) المصدر نفسه، ص(127)، سير أعلام النبلاء (2/389).(2/269)
فقلت له: تركته يعلم الناس القرآن، فقال: أما إنه كيَّس(1)، ولا تُسمعها إياه(2). حتى عندما كان يخرج إلى الجهاد كان يعلم ويفقِّه، فعن حطّاب بن عبد الله الرقاشى قال: كنا مع أبى موسى الأشعري رضي الله عنه في جيش على ساحل دجلة، إذ حضرت الصلاة، فنادى مناديه للظهر، فقام الناس للوضوء، فتوضأ ثم صلى بهم، ثم جلسوا حلقًا، فلما حضرت العصر نادى منادى العصر، فهبَّ الناس للوضوء أيضًا فأمر مناديه: لا وضوء إلا على من أحدث.
__________
(1) الطبقات (4/108) رجاله ثقات، كّيس: عاقل فطن.
(2) سير أعلام النبلاء (2/390).(2/270)
وأثمرت جهوده العلمية، رضي الله عنه، وقرت عينه برؤية عدد كبير حوله من حفاظ القرآن الكريم وعلمائه، زاد عددهم في البصرة وحدها على ثلاثمائة، ولما طلب عمر بن الخطاب من عماله أن يرفعوا إليه أسماء حفاظ القرآن لكي يكرمهم ويزيد عطاءهم، فكتب إليه أبو موسى أنه بلغ من قبلي ممن حمل القرآن ثلاثمائة وبضعة رجل(1)، واهتم أبو موسى، رضي الله عنه، بتعليم السنة وروايتها، فروى عنه عدد من الصحابة وكبار التابعين. قال الذهبي – رحمه الله-: حدّث عنه بريدة بن الحصيب، وأبو إمامة الباهلى، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وطارق بن شهاب، وسعيد بن المسيب، والأسود بن يزيد، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وأبو عثمان النهدي وخلق سواهم(2)، وكان رضي الله عنه شديد التمسك بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، دلَّ على ذلك مسيرته في الحياة وما أوصى به أولاده عند موته، ومع حرصه الشديد على السنة لم يكثر، رضي الله عنه، من رواية الأحاديث الشريفة كما هو حال كبار الصحابة، رضي الله عنهم، فقد كانوا يتهيبون من الرواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان من المقربين لأبى موسى في البصرة أنس بن مالك ويعتبر من خواصه، فعن ثابت عن أنس قال: كنا مع أبى موسى في مسير، والناس يتكلمون ويذكرون الدنيا، قال أبو موسى: يا أنس إن هؤلاء يكاد أحدهم يفري الأديم بلسانه فريًا، فتعال فلنذكر ربنا ساعة، ثم قال: ما ثبر الناس – ما بطأ بهم-؟ قلت: الدنيا والشيطان والشهوات، قال: لا، لكن عُجِّلت الدنيا وغُيِّبت الآخرة، أما والله لو عاينوها ما عدّلوا ولا بدّلوا(3). ولثقة أبي موسى بأنس فقد كان يكلفه أن يكون رسوله إلى أمير المؤمنين عمر، قال أنس: بعثني أبو موسى الأشعري من البصرة إلى عمر فسألني عن أحوال الناس، وبعد موقعة تستر أرسله أبو موسى إلى عمر بالأسرى والغنائم فقدم على عمر بصاحبها
__________
(1) أبو موسى الأشعري، ص(129).
(2) سير أعلام النبلاء (2/381).
(3) أنس بن مالك الخادم الأمين، عبد الحميد طهماز،ص(135).(2/271)
الهرمزان(1).
3- ولاية أبى موسى في عهد عمر وعثمان رضي الله عنهم: يعتبر أبو موسى – بحق – أشهر ولاة البصرة أيام عمر بن الخطاب، فقد فتحت في أيامه المواقع العديدة في فارس، فكان يجاهد بنفسه، ويرسل القادة للجهات المختلفة من البصرة، ففي أيامه تمكن البصريون من فتح الأهواز وما حولها وفتحوا العديد من المواضع المهمة، وكانت فترة ولايته حافلة بالجهاد، وقد تعاون أبو موسى مع الولاة المجاورين له في كثير من الحروب والفتوحات، وقد قام بجهود كبيرة لتنظيم المناطق المفتوحة وتعيين العمال عليها وتأمينها وترتيب مختلف شئونها، وقد جرت العديد من المراسلات بين أبى موسى وعمر بن الخطاب في مختلف القضايا، منها توجيهه لأبى موسى في كيفية استقباله للناس في مجالس الإمارة، ومنها نصيحته لأبى موسى بالورع ومحاولة إسعاد الرعية، وهي قيمة قال فيها عمر: «أما بعد، فإن أسعد الناس من سعدت به رعيته، وإن أشقى الناس من شقيت به رعيته، وإياك أن ترتع فيرتع عمالك، فيكون مثلك عند ذلك مثل البهيمة نظرت إلى خضرة من الأرض فرتعت تبغي السمن وإنما حتفها في سمنها»(2). وهناك العديد من الرسائل بين عمر وأبى موسى تدل على نواح إدارية وتنفيذية مختلفة كان يقوم بها أبو موسى بتوجيه من عمر، وقد جمع معظم هذه المراسلات محمد حميد الله في كتابة القيم عن الوثائق السياسية(3). وتعتبر فترة ولاية أبى موسى على البصرة من أفضل الفترات حتى لقد عبر عنها أحد أحفاد البصريين فيما بعد، وهو الحسن البصري – رحمه الله – فقال: ما قدمها راكب خير لأهلها من أبى موسى(4)، إذ إن أبا موسى – رحمه الله – كان بالإضافة إلى إمارته خير معلم لأهلها، حيث علَّمهم القرآن وأمور الدين المختلفة(5)، وفي عهد
__________
(1) تاريخ الطبري (5/66).
(2) مناقب عمر لابن الجوزى، ص(130).
(3) الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة.
(4) سير أعلام النبلاء (2/389).
(5) الولاية على البلدان (1/120).(2/272)
عمر بن الخطاب كان العديد من المدن في فارس – والتي فتحت في زمنه – تخضع للبصرة، وتدار من قبل والى البصرة الذي يعين عليها العمال من قِبَلة، ويرتبطون به ارتباطًا مباشرًا، وهكذا اعتبر أبو موسى من أعظم ولاه عمر. واعتبرت مراسلات عمر مع أبى موسى من أعظم المصادر التي كشفت سيرة عمر مع ولاته، وبينت ملامح أسلوبه في التعامل معهم(1)، وقد أوصى عمر – رضي الله عنه – في وصيته للخليفة من بعده ألا يقرَّ لي عامل أكثر من سنة، وأقر الأشعري أربع سنين(2)، وقد تولى أبو موسى منصب القضاء في عهد عمر وكان كتاب عمر إليه في القضاء أنموذجًا ومثالاً يفيد كل قاض، بل وكل إداري، في كل زمان ومكان(3)، وقال عنه ابن القيم: وهذا كتاب جليل تلقاه العلماء بالقبول، وبنوا عليه أصول الحكم، والشهادة، والمفتي أحوج شيء إليه وإلى تأمله والتفقه فيه(4)، كما تولى الولاية في عهد عثمان واستقضاه ذو النورين على البصرة أيضًا، ولما قتل عثمان كان واليًا على الكوفة، ولما تولى على رضي الله عنه الخلافة، أخذ أبو موسى له البيعة من أهل الكوفة، إذ كان واليًا عليها لعثمان بن عفان رضي الله عنه، وحين استنفر الخليفة الكوفيين من ذي قار، رأى أبو موسى بوادر الفتنة والانشقاق بين المسلمين، فنصح لأهل الكوفة أن يلزموا بيوتهم ويعتزلوا هذا الأمر فإنما هي فتنة، القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، ولكن لاختلاف وجهة نظره مع الخليفة عزل عن
ولاية الكوفة(5).
__________
(1) المصدر نفسه (1/120).
(2) سير أعلام النبلاء (2/391).
(3) خلافة على بن أبى طالب، عبد الحميد، ص(262).
(4) أعلام الموقعين (1/186).
(5) فتح الباري (13/53)، التاريخ الصغير (11/109).(2/273)
إن حياة أبى موسى، رضي الله عنه، منذ إسلامه قضاها في نشر الإسلام وتعليم الناس العلم، وخاصة القرآن الذي اشتهر بقراءته، والجهاد في سبيل الله والحرص عليه، والفصل في الخصومات، ونشر العدل وضبط الولايات عن طريق القضاء والإدارة، ولا شك أن هذه المهامّ صعبة وتحتاج إلى مهارات وصفات فريدة من العلم والفهم والفطنة والحذق والورع والزهد، وقد أخذ منها أبو موسى بنصيب وافر، فاعتمد عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم الخلفاء الأربعة من بعده رضوان الله عليهم(1)، فهل يتصور أن يثق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم خلفاؤه بعده برجل يمكن أن تجوز عليه مثل الخدعة التي ترويها قصة التحكيم؟!(2).
__________
(1) خلافة على بن أبى طالب، عبد الحميد، ص(262).
(2) تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة (2/227).(2/274)
إن اختيار أبى موسى –رضي الله عنه – حكمًا عن أهل العراق من قبل علىّ- رضي الله عنه – وأصحابه ينسجم تمامًا مع الأحداث، فالمرحلة التالية هي مرحلة الصلح وجمع كلمة المسلمين، وأبو موسى الأشعري كان من دعاة الصلح والسلام، كما كان في الوقت نفسه محبوبًا، مؤتمنًا من قبائل العراق، وقد ذكرت المصادر المتقدمة أن عليًا هو الذي اختار أبا موسى الأشعري، يقول خليفة في تاريخه: وفيها – سنة 37هـ- اجتمع الحكمان: أبو موسى الأشعري من قبل علىّ، وعمرو بن العاص من قبل معاوية(1)، ويقول ابن سعد: فكره الناس الحرب وتداعوا على الصلح، وحكّموا الحكمين، فحكَّم علىٌّ أبا موسى، وحكّم معاويةُ عمرو بن العاص(2)، ولهذا يمكن القول إن الدور المنسوب للقراء في صفين من مسئولية وقف القتال والتحكيم، وفرض أبى موسى حكمًا ليست إلا فرية تاريخية اخترعها الإخباريون الشيعة الذين ما انقطعوا عن تزوير وتشويه تاريخ الإسلام بالروايات الباطلة، وكان يزعجهم أن يظهر علي رضي الله عنه بمظهر المتعاطف مع معاوية وأهل الشام، وأن يرغب في الصلح مع أعدائهم التقليديين، ومن جهة أخرى يحملون المسئولية لأعدائهم الخوارج ويتخلصون منها، ويجعلون دعوى الخوارج تناقض نفسها، فهم الذين أجبروا عليًا على قبول التحكيم، وهم الذين ثاروا عليه بسبب قبول التحكيم(3).
إن هذه العجالة عن شخصية أبي موسى لها علاقة ببحثنا عن شخصية أمير المؤمنين علي وعصره، وأبو موسى من الشخصيات المؤثرة في عصره، وقد تعرضت للتشويه، وغالبًا إذا تحدث أحد عن صفين والتحكيم تعرضت شخصية أبي موسى وعمرو بن العاص، للتشويه، والكذب والافتراء بسبب الروايات الضعيفة والموضوعة، فكان لزامًا علينا أن نتحدث عن شيء من سيرتهما العطرة الزكية، وهذا المقصد من أهداف الكتابة في هذا البحث.
ثانيًا: سيرة عمرو بن العاص رضي الله عنه:
__________
(1) تاريخ خليفة، ص(191، 192).
(2) الطبقات (3/32).
(3) تحقيق مواقف الصحابة (2/215).(2/275)
هو عمرو بن العاص بن وائل السهمي، يكنى أبا محمد وأبا عبد الله، ويتفق ابن إسحاق(1) والزبير بن بكار(2) أن إسلامه كان عند النجاشي في الحبشة، وهاجر إلى المدينة في صفر سنة ثمان للهجرة، وذكر ابن حجر أنه أسلم سنة ثمان قبل الفتح، وقيل: بين الحديبية وخيبر(3).
1- إسلامه: نترك عمرو بن العاص، رضي الله عنه، يحدثنا عن إسلامه، فقد قال: لما انصرفنا مع الأحزاب من الخندق جمعت رجالاً من قريش، كانوا يرون رأيي ويسمعون مني، فقلت لهم: تعلمون والله أني أرى أمر محمد يعلو الأمور علوًا منكرًا، وإني رأيت أمرًا، فما ترون فيه؟ قالوا: وماذا رأيت؟ قال: رأيت أن نلحق بالنجاشي، فإنا أن نكون تحت يديه أحب إلينا أن نكون تحت يدي محمد، وإن ظهر قومنا فنحن من قد عرفوا، فلن يأتينا منهم إلا خيرًا، قالوا: إن هذا الرأي، قلت: فاجمعوا لنا ما نهديه له، وكان أحب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم(4)، فجمعنا له أدمًا كثيرًا ثم خرجنا حتى قدمنا عليه، فوالله إنا لعنده إذ جاءه عمرو بن أمية الضمري، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد بعثه إليه في شأن جعفر وأصحابه، قال: فدخل عليه، ثم خرج من عنده، قال: فقلت لأصحابي: هذا عمرو بن أمية الضمري، لو دخلت على النجاشي، وسألته إياه فأعطانيه، فضربت عنقه، فإذا فعلت ذلك رأت قريش أني أجزأت عنها(5)، حيث قتلت رسول محمد، قال: فدخلت عليه، فسجدت له كما كنت أصنع، فقال: مرحبًا صديقي، أهديت إلي من بلادك شيئًا؟ قال: نعم، أيها الملك، قد أهديت إليك أدمًا كثيرًا، قال: ثم قربته إليه فأعجبه واشتهاه، ثم قلت له: أيها الملك إني قد رأيت رجلاً خرج من عندك وهو رسول رجل عدو لنا، فأعطنيه لأقتله، فإنه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا، قال: فغضب، ثم مد يده، فضرب بها
__________
(1) المعجم الكبير للطبراني (9/53) أرسلها ابن اسحاق.
(2) الإصابة (3/2) خلافة علي، عبد الحميد، ص (263).
(3) تهذيب التهذيب (8/56).
(4) الأدم: الجلد.
(5) أجزأت عنها: كفيتها.(2/276)
أنفه ضربة ظننت أنه قد كسره، فلو انشقت لي الأرض لدخلت فيها فرقًا منه، ثم قلت له: أيها الملك، والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه، قال: أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى لقتله؟ قال: قلت: أيها الملك، أكذلك هو؟ قال: ويحك يا عمرو أطعني واتبعه، فإنه والله لعلى الحق، وليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده، قال: قلت: أفتبايعني له على الإسلام؟ قال: نعم، فبسط يده فبايعته على الإسلام، ثم خرجت إلى أصحابي، وقد حال رأيي عما كان عليه، وكتمت على أصحابي إسلامي، ثم خرجت عامدًا إلى رسول الله لأسلم، فلقيت خالد بن الوليد، وذلك قبيل الفتح، وهو مقبل من مكة، فقلت: أين يا أبا سليمان؟ قال: والله لقد استقام المنسم(1)، وإن الرجل لنبي، أذهب والله فأسلم، فحتى متى؟ قال: قلت: والله ما جئت إلا لأسلم. قال: فقدمنا المدينة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتقدم خالد بن الوليد فأسلم وبايع، ثم دنوت، فقلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إني أبايعك على أن يُغفر لي ما تقدم من ذنبي، ولا أذكر ما تأخر، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا عمرو بايع، فإن الإسلام يجُبُّ ما كان قبله، وإن الهجرة تجب ما كان قبلها»، قال: فبايعته ثم انصرفت(2). وفي رواية قال:... فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي، قال: «ما لك يا عمرو؟» قال: قلت: أردت أن أشترط. قال: «تشترط بماذا؟» قلت: أن يغفر لي. قال: «أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله؟» (3).
2- عمرو بن العاص يقود سرية في ذات السلاسل 7هـ:
__________
(1) استقام المنسم: تبين الطريق ووضح.
(2) صحيح السيرة النبوية، ص (494)، سير أعلام النبلاء (3/60)، والسيرة لابن هشام (2/276).
(3) مسلم، كتاب الإيمان، رقم (121).(2/277)
جهز النبي - صلى الله عليه وسلم - جيشًا بقيادة عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل، وذلك لتأديب قضاعة التي غرها ما حدث في مؤتة التي اشتركت فيها إلى جانب الروم، فتجمعت تريد الدنو من المدينة، فتقدم عمرو بن العاص في ديارها ومعه ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار، ولما وصل إلى مكان تجمع الأعداء بلغه أن لهم جموعًا كثيرة، فأرسل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطلب المدد فجاءه مدد بقيادة أبي عبيدة بن الجراح(1)، وقاتل المسلمون الكفار، وتوغل عمرو في ديار قضاعة التي هربت وتفرقت وانهزمت، ونجح عمرو في إرجاع هيبة الإسلام لأطراف الشام، وإرجاع أحلاف المسلمين لصداقتهم الأولى، ودخول قبائل أخرى في حلف المسلمين، وإسلام الكثيرين من بني عبس، وبني مرة، وبني ذبيان، وكذلك فزارة وسيدها عيينة بن حصن في حلف مع المسلمين، وتبعها بنو سليم، وعلى رأسهم العباس بن مرداس، وبنو أشجع، وأصبح المسلمون هم الأقوى في شمال بلاد العرب، وإن لم يكن في البلاد جميعها(2)، وفي هذه الغزوة دروس وعبر وحكم تتعلق بعمرو بن العاص منها:
أ- إخلاص عمرو بن العاص:
__________
(1) السيرة النبوية الصحيحة (2/471)، السيرة النبوية لابن هشام (3/280).
(2) السيرة النبوية لأبي شهبة (2/433)، السيرة النبوية لابن هشام (4/280).(2/278)
يقول عمرو: بعث إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «خذ عليك ثيابك، وسلاحك، ثم ائتني». فأتيته وهو يتوضأ، فصعد فيّ النظر، ثم طأطأ، فقال: «إني أريد أن أبعثك على جيش(1)، فيسلمك الله ويغنمك، وأرغب لك في المال رغبة صالحة»، قال: قلت: يا رسول الله ما أسلمت من أجل المال، ولكني أسلمت رغبة في الإسلام، وأن أكون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: «يا عمرو نعم المال الصالح للمرء الصالح»(2). فهذا الموقف يدل على قوة إيمان وصدق وإخلاص عمرو بن العاص للإسلام وحرصه على ملازمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد بين له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن المال الحلال نعمة إذا وقع بيد الرجل الصالح، لأنه يبتغي وجه الله ويصرفه في وجوه الخير ككفالة الأيتام والأرامل والدعاة ودعم المجاهدين، والمشاريع الخيرية وغيرها من وجوه البر، ويعف به نفسه وأسرته(3)، ويغني به المسلمين، ونستنبط من الحديث أن سعي العبد للحصول على المال الصالح أمر محمود يحث عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما أن الرجل ذا المال إذا استطعنا إيصال الصلاح له ليجمع بين صلاح المال وصلاح نفسه كما في الحديث، فهو أيضًا مطلوب ومحمود، وهذا خير له وللإسلام والمسلمين.
ب- حرص عمرو على سلامة قواته: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمرًا في غزوة ذات السلاسل، فأصابهم برد، فقال لهم عمرو: لا يوقدن أحد نار، فلما قدم شكوه، قال: يا نبي الله، كان فيهم قلة، فخشيت أن يرى العدو قلتهم، ونهيتهم أن يتبعوا العدو مخافة أن يكون لهم كمين، فأعجب ذلك رسول الله(4).
__________
(1) جيش: سرية ذات السلاسل.
(2) رواه ابن حبان في الموارد (2277)، صحيح السيرة، ص (508) صححه الألباني.
(3) التاريخ الإسلامي للحميدي (7/133).
(4) سير أعلام النبلاء (3/66).(2/279)
ج- من فقه عمرو بن العاص رضي الله عنه: قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟» فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله يقول: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:29]، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل شيئًا(1).
وهذا الاجتهاد من عمرو بن العاص يدل على فقهه ووفور عقله، ودقة استنباطه الحكم من دليله(2)، ولئن وقف الفقهاء عند هذه الحادثة يفرعون عليها الأحكام، فإن الذي يستوقفنا(3) منها تلك السرعة في أخذ عمرو للقرآن وصلته به حتى بات قادرًا على فقه الأمور من خلال الآيات وهو لم يمض على إسلامه أربعة أشهر، إنه الحرص على الفقه في دين الله، وقد يكون عمرو –وهذا احتمال وارد- على صلة بالقرآن قبل إسلامه يتتبع ما يستطيع الوصول إليه، وحينئذ نكن أمام مثال آخر من عظمة هذا القرآن الذي لوى أعناق الكافرين وجعلهم وهم في أشد حالات العداوة لهذا الدين يحاولون استماع هذا القرآن، كما رأينا ذلك في العهد المكي، ويؤيد هذا ما رأيناه من معرفته بالقرآن حينما طلب من النجاشي أن يسأل مهاجري الحبشة عن رأيهم في عيسى عليه السلام(4).
3- فضائله ومناقبه:
__________
(1) المصدر نفسه (3/67) إسناده صحيح، صححه ابن حبان، رقم (202).
(2) غزوة الحديبية لأبي فارس، ص (210).
(3) معين السيرة، ص (381)، القائل هو صالح أحمد الشامي صاحب معين السيرة.
(4) المصدر نفسه، ص (381)، مسند أحمد (1/203) رجاله رجال الصحيح.(2/280)
أ- شهادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له بالإيمان: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أسلم الناس وآمن الناس عمرو بن العاص»(1)، وفي حديث آخر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ابنا العاص مؤمنان عمرو وهشام»(2)، وقال عمرو بن العاص: فزع الناس بالمدينة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فتفرقوا، فرأيت سالمًا احتبى سيفًا فجلس في المسجد، فلما رأيت ذلك فعلت مثل الذي فعل، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرآني وسالمًا، وأتى الناس فقال: «أيها الناس ألا مفزعكم إلى الله ورسوله، ألا فعلتم ما فعل هذان الرجلان؟» (3).
ب- تقديم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له على غيره، وشهادته له بأنه من صالحي قريش:
فقد جاء عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قوله: ما عدل بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبخالد أحدًا منذ أسلمنا في حرب(4). وشهد له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه من صالحي قريش، فعن أبي مليكة قال: قال طلحة بن عبيد الله: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن عمرو بن العاص من صالحي قريش»(5). وهنا درس نبوي في معرفة النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعادن الرجال والاستفادة منها.
__________
(1) سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/238)، رقم (155) وحسنه.
(2) الطبقات (4/191)، السلسلة الصحيحة (1/240)، رقم (156).
(3) مسند أحمد (203) بسند حسن.
(4) سنن البيهقي باب إسلام عمرو بن العاص (4/43).
(5) سنن الترمذي كتاب المناقب، باب مناقب عمرو بن العاص، رقم (3844).(2/281)
ج- دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له: عن زهير بن قيس البلوي عن عمه علقمة بن رمثة البلوي قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن العاص إلى البحرين، ثم نعس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم استيقظ فقال: «رحم الله عمرًا». فتذاكرنا من اسمه عمرو ثم نعس ثانية فاستيقظ فقال: «رحم الله عمرًا» ثم نعس ثالثة فاستيقظ، فقال: «يرحم الله عمرًا». قلنا: من عمرو يا رسول الله؟ قال: «عمرو بن العاص» قلنا: وما باله؟ قال: «ذكرته إني كنت إذا ندبت الناس للصدقة، جاء من الصدقة فأجزل، فأقول: من أين لك هذا يا عمرو؟ فيقول: من عند الله، وصدق عمرو، إن لعمرو عند الله لخيرًا كثيرًا». قال زهير: فلما كانت الفتنة قلت: أتبع هذا، قال فيه رسول الله ما قال،
فلم أفارقه(1).
4- أعماله في عهد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم:
__________
(1) المعجم الكبير (18/5) المستدرك (3/455) صححه الحاكم وقال الذهبي: صحيح إسناده حسن.(2/282)
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أرسل عمرًا إلى دعوة ابني الجلندي «جيفر، وعباد» إلى الإسلام ودعاهما إلى الإسلام وصدقا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وخليا بين عمرو وبين الصدقة والحكم فيما بين قومهم، وكانا له عونًا على من خالفه(1)، وبعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجه الصديق عمرو بن العاص بجيش إلى فلسطين، وكان الصديق خيَّره بين البقاء في عمله الذي أسنده إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين أن يختار له ما هو خير له في الدنيا والآخرة، إلا أن الذي هو فيه أحب إليه، فكتب إليه عمرو بن العاص: إني سهم من سهام الإسلام وأنت بعد الله الرامي بها والجامع لها، فانظر أشدها وأخشاها وأفضلها فارم به(2)، فلما قدم المدينة أمره أبو بكر رضي الله عنه أن يخرج من المدينة وأن يعسكر حتى يندب معه الناس.. ثم أرسله بجيش إلى الشام(3). وفي معركة اليرموك كان عمرو على الميمنة، فكان لمشاركته أثر كبير في انتصار المسلمين، وبعد وفاة الصديق استمر عمرو في الشام وكانت له مشاركة فعالة في حركة الفتح الإسلامي بالشام، فقد قام بمشاركة شرحبيل بن حسنة في فتح بيسان، وطبرية، وأجنادين(4)، كما قام رضي الله عنه بفتح غزة، واللد، ويُبنى، وعمواس، وبيت جبرين، ويافا، ورفح، وبيت المقدس، ولم يقتصر عمرو رضي الله عنه على فتح بلاد الشام وحدها، بل شمل أيضًا مشاهير بلاد مصر، حيث كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصدر أمره إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه بعد الفراغ من فتوح الشام أن يسير بمن معه من الجند إلى مصر، فخرج رضي الله عنه حتى وصل إلى العريش ففتحها، كما شملت حركة الفتح أيضًا: الفرما، والفسطاط، وحصن بابليون، وعين شمس، والفيوم، والأشمونين، وأخميم، والبشرود، وتنيس، ودمياط، وتونة، ودقهلة، والإسكندرية، وبلادًا
__________
(1) الطبقات (1/262) جوامع السيرة لابن حزم، ص (24، 29).
(2) إتمام الوفاء بسيرة الخلفاء، ص(55).
(3) فتوح الشام للأزدي، ص (48-51).
(4) تاريخ الطبري (3/605)، الكامل لابن الأثير (2/498).(2/283)
إفريقية أخرى مثل؛ برقة وزويلة وطرابلس(1)، وقد شهد له الفاروق بصفات الزعامة والإمامة فقال: ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلى أميرًا(2). وكان في عهد عثمان من المقربين إلى الخليفة ومن أهل مشورته، ولما أحيط بعثمان، رضي الله عنه، خرج عمرو بن العاص من المدينة متوجهًا إلى الشام وقال: والله يا أهل المدينة ما يقيم بها أحد فيدركه قتل هذا الرجل إلا ضربه الله عز وجل بذل، ومن لم يستطع نصره فليهرب، فسار وسار معه ابناه عبد الله ومحمد، وخرج بعده حسان بن ثابت وتتابع على ذلك ما شاء الله(3)، وعندما جاء الخبر عن مقتل عثمان رضي الله عنه وبأن الناس بايعوا علي بن أبي طالب، قال عمرو بن العاص: رحم الله عثمان رضي الله عنه وغفر له، فقال سلامة بن زنباع الجذامي: يا معشر العرب إنه قد كان بينكم وبين العرب باب فاتخذوا بابًا إذا كسر الباب، فقال عمرو: وذاك الذي نريد ولا يصلح الباب إلا أشاف(4)، تخرج الحق من حافرة البأس ويكون الناس في العدل سواء، ثم تمثل عمرو بن العاص بهذه الأبيات:
فيا لهف نفسي على مالك ... وهل يصرف مالك حفظ القدر
أنزع من الحر(5) أودى بهم ... فأعذرهم أم بقومي سكر
ثم ارتحل راجلاً يبكي ويقول: يا عثماناه؛ أنعي الحياء والدين، حتى قدم دمشق(6).
__________
(1) سير أعلام النبلاء (3/70)، القيادة العسكرية في عهد الرسول، ص (634- 942).
(2) سير أعلام النبلاء (3/70).
(3) تاريخ الطبري نقلاً عن عمرو بن العاص للغضبان، ص (464).
(4) أشاف: جمع أشفى وهو المثقب.
(5) الحر: جمع حرة وهي الظلمة الشديدة.
(6) تاريخ الطبري نقلاً عن عمرو بن العاص، ص (464).(2/284)
هذه هي الصورة الصادقة عن عمرو رضي الله عنه والمتتالية مع شخصيته وخط حياته وقربه من عثمان، أما الصورة التي تمسخه إلى رجل مصالح وصاحب مطامع وراغب دنيا فهي الرواية المتروكة الضعيفة، رواية الواقدي عن موسى بن يعقوب(1)، وقد تأثرت بالروايات الضعيفة والسقيمة مجموعة من الكتاب والمؤرخين، فأهووا بعمرو إلى الحضيض، كالذي كتبه محمود شيت خطاب(2)، وعبد الخالق سيد أبو رابية(3)، وعباس محمود العقاد الذي يتعالى عن النظر في الإسناد ويستخف بقارئه، ويظهر له صورة معاوية وعمرو رضي الله عنهما بأنهما:... انتهازيان صاحبا مصالح. ولو أجمع الناقدون التاريخيون على بطلان الروايات التي استند إليها في تحليله، فهذا لا يعني للعقاد شيئًا، فقد قال بعد أن ذكر روايات ضعيفة واهية لا تقوم بها حجة:.. وليقل الناقدون التاريخيون ما بدا لهم أن يقولوا في صدق هذا الحوار، وصحة هذه الكلمات، وما ثبت نقله ولم يثبت منه سنده، ولا نصه، فالذي لا ريب فيه ولو أجمعت التواريخ قاطبة على نقضه أن الاتفاق بين الرجلين، كان اتفاق مساومة ومعاونة على الملك والولاية، وأن المساومة بينهما كانت على النصيب الذي آل إلى كل منهما ولولاه لما كان بينهما اتفاق(4).
__________
(1) عمرو بن العاص للغضبان، ص (481).
(2) سفراء النبي - صلى الله عليه وسلم - محمود شيت خطاب، ص (508).
(3) عمرو بن العاص، عبد الخالق سيد أبو رابية، ص (316).
(4) عمرو بن العاص للعقاد، ص (232،231).(2/285)
إن شخصية عمرو رضي الله عنه الحقيقية أنه رجل مبادئ، غادر المدينة حين عجز عن نصرة عثمان، وبكى عليه بكاءً مُرًا حين قتل، فقد كان يدخل في الشورى في عهد عثمان من غير ولاية، ومضى إلى معاوية، رضي الله عنهما، يتعاونان معًا على حرب قتلة عثمان والثأر للخليفة الشهيد(1)، لقد كان مقتل عثمان كافيًا لأن يحرك كل غضبه على أولئك المجرمين السفاكين، وكان لابد من اختيار مكان غير المدينة للثأر من هؤلاء الذين تجرأوا على حرم رسول الله وقتلوا الخليفة على أعين الناس، وأي غرابة أن يغضب عمرو لعثمان؟. وإن كان هناك من يشك في هذا الموضوع فمداره على الروايات المكذوبة التي تصور عمرًا همه السلطة والحكم(2).
ثالثًا: نص وثيقة التحكيم:
بسم الله الرحمن الرحيم
1- هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان وشيعتهما، فيما تراضيا فيه من الحكم بكتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -.
2- قضية علي على أهل العراق شاهدهم وغائبهم، وقضية معاوية على أهل الشام شاهدهم وغائبهم.
3- إنا تراضينا أن نقف عند حُكم القرآن فيما يحكم من فاتحته إلى خاتمته، نحيي ما أحيا ونميت ما أمات. على ذلك تقاضينا وبه تراضينا.
4- وإن عليًّا وشيعته رضوا بعبد الله بن قيس ناظرًا وحاكمًا، ورضي معاوية بعمرو بن العاص ناظرًا وحاكمًا.
5- على أن عليًا ومعاوية أخذا على عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص عهد الله وميثاقه وذمته وذمة رسوله، أن يتخذا القرآن إمامًا ولا يعدوا به إلى غيره في الحكم بما وجداه فيه مسطورًا، وما لم يجدا في الكتاب رداه إلى سنة رسول الله الجامعة، لا يعتمدان لها خلافًا، ولا يبغيان فيها بشبهة.
6- وأخذ عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص على علي ومعاوية عهد الله وميثاقه بالرضا بما حكما به مما في كتاب الله وسنة نبيه، وليس لهما أن ينقضا ذلك ولا يخالفاه إلى غيره.
__________
(1) عمرو بن العاص للغضبان، ص (490،489).
(2) عمرو بن العاص للغضبان، ص (492).(2/286)
7- وهما آمنان في حكومتهما على دمائهما وأموالهما وأشعارهما وأبشارهما وأهاليهما وأولادهما، ما لم يَعْدُوَا الحق، رضى به راض أو سخط ساخط، وإن الإمة أنصارهما على ما قضيا به من الحق مما في كتاب الله.
8- فإن توفى أحد الحكمين قبل انقضاء الحكومة، فلشيعته وأنصاره أن يختاروا مكانه رجلاً من أهل المعدلة والصلاح، على ما كان عليه صاحبه من العهد والميثاق.
9- وإن مات أحد الأميرين قبل انقضاء الأجل المحدود في هذه القضية، فلشيعته أن يولوا مكانه رجلاً يرضون عدله.
10- وقد وقعت القضية بين الفريقين والمفاوضة ورفع السلاح.
11- وقد وجبت القضية على ما سميناه في هذا الكتاب، من موقع الشرط على الأميرين والحكمين والفريقين، والله أقرب شهيد وكفى به شهيدًا، فإن خالفا وتعديا، فالأمة بريئة من حكمهما، ولا عهد لهما ولا ذمة.
12- والناس آمنون على أنفسهم وأهاليهم وأولادهم وأموالهم إلى انقضاء الأجل، والسلاح موضوعة، والسبل آمنة، والغائب من الفريقين مثل الشاهد في الأمر.
13- وللحكمين أن ينزلا منزلاً متوسطًا عدلاً بين أهل العراق والشام.
14- ولا يحضرهما فيه إلا من أحبَّا عن تراض منهما.
15- والأجل إلى انقضاء شهر رمضان، فإن رأي الحكمان تعجيل الحكومة عجلاها، وإن رأيا تأخيرها إلى آخر الأجل أخَّراها.
16- فإن هما لم يحكما بما في كتاب الله وسنة نبيه إلى انقضاء الأجل، فالفريقان على أمرهما الأول في الحرب.
17- وعلى الأمة عهد الله وميثافه في هذا الأمر، وهم جميعًا يد واحدة على ما أراد في هذا الأمر إلحادًا أو ظلمًا أو خلافًا.(2/287)
وشهد على ما في هذا الكتاب الحسن والحسين، ابنا علي، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، والأشعث بن قيس الكندي، والأشتر بن الحارث، وسعيد بن القيس الهمداني، والحصين والطفيل ابنا الحارث بن عبد المطلب، وأبو سعيد بن ربيعة الأنصاري، وعبد الله بن خباب بن الأرت، وسهل بن حنيف، وأبو بشر بن عمر الأنصاري، وعوف بن الحارث بن عبد المطلب، ويزيد بن عبد الله الأسلمي، وعقبة بن عامر الجهني، ورافع بن خديج الأنصاري، وعمرو بن الحمق الخزاعي، والنعمان بن عجلان الأنصاري، وحجر بن عدي الكندي، ويزيد بن حجية الكندي، ومالك بن كعب الهمداني، وربيعة بن شرحبيل، والحارث بن مالك، وحجر بن يزيد، وعلبة بن حجية، ومن أهل الشام، حبيب بن مسلمة الفهري، وأبو الأعور السلمي، وبسر بن أرطأة القرشي، ومعاوية بن خديج الكندي، والمخارق بن الحارث الزبيدي، ومسلم بن عمرو السكسي، وعبد الله بن خالد بن الوليد، وحمزة بن مالك، وسبيع بن يزيد بن أبجر العبسي، ومسروق بن جبلة العكي، ويسر بن يزيد الحميري، وعبد الله بن عامر القرشي، وعتبة بن أبي سفيان، ومحمد بن أبي سفيان، ومحمد ابن عمرو بن العاص، وعمار بن الأحوص الكلبي، ومسعدة بن عمرو العتبي، والصباح بن جلهمة الحميري، وعبد الرحمن ابن ذي الكلاع، وتمامة بن حوشب، وعلقمة بن حكم، كتب يوم الأربعاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من صفر سنة سبع وثلاثين(1).
رابعًا: قصة التحكيم المشهورة وبطلانها من وجوه:
__________
(1) انظر: الوثائق السياسية، ص (538،537)، الأخبار الطوال للدينوري، ص (196-199)، أنساب الأشراف (1/382)، تاريخ الطبري (5/665-666)، البداية والنهاية (7/276-277).(2/288)
لقد كثر الكلام حول قصة التحكيم، وتداولها المؤرخون والكتاب على أنها حقيقة ثابتة لا مرية فيها، فهم بين مطيل في سياقها ومختصر وشارح ومستنبط للدروس وبان للأحكام على مضامينها، وقلما تجد أحدًا وقف عندها فاحصًا محققًا، وقد أحسن ابن العربي في ردها إجمالاً وإن كان غير مفصل، وفي هذا دلالة على قوة حاسته النقدية للنصوص، إذ أن جميع متون قصة التحكيم لا يمكن أن تقوم أمام معيار النقد العلمي، بل هي باطلة من عدة وجوه(1).
__________
(1) مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري، ص (404).(2/289)
1- أن جميع طرقها ضعيفة، وأقوى طريق وردت فيه هو ما أخرجه عبد الرزاق والطبري بسند رجاله ثقات عن الزهري مرسلاً قال: قال الزهري: فأصبح أهل الشام قد نشروا مصاحفهم، ودعوا إلى ما فيها، فهاب أهل العراق، فعند ذلك حكموا الحكمين، فاختار أهل العراق أبا موسى الأشعري، واختار أهل الشام عمرو بن العاص، فتفرق أهل صفين حين حكم الحكمان، فاشترطا أن يرفعا ما رفع القرآن، ويخفضا ما خفض القرآن، وأن يختارا لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأنهما يجتمعان بدومة الجندل، فإن لم يجتمعا لذلك اجتمعا من العام المقبل بأذرح، فلما انصرف علي خالفت الحرورية وخرجت – وكان ذلك أول ما ظهرت- فآذنوه بالحرب، وردوا عليه: أن حَكَّم بن آدم في حكم الله عز وجل، وقالوا: لا حكم إلا لله سبحانه، وقاتلوا، فلما اجتمع الحكمان بأذرح، وافاهم المغيرة بن شعبة فيمن حضر من الناس، فأرسل الحكمان إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير في إقبالهما في رجال كثير، ووافى معاوية بأهل الشام، وأبى علي وأهل العراق أن يوافوا فقال المغيرة بن شعبة لرجال من ذوي الرأي من قريش: أترون أحدًا من الناس برأي يبتدعه يستطيع أن يعلم أيجتمع الحكمان أم يتفرقان؟ قالوا: لا نرى أحدًا يعلم ذلك، قال: فوالله إني لأظن أني سأعلمه منهما حين أخلو بهما وأراجعهما، فدخل عمرو بن العاص وبدأ به فقال: يا أبا عبد الله، أخبرني عما أسألك عنه، كيف ترانا معشر المعتزلة، فإنا قد شككنا في الأمر الذي تبين لكم من هذا القتال، ورأينا أن نستأنى ونتثبت حتى تجتمع الأمة؛ قال: أراكم معشر المعتزلة خلف الأبرار، وأمام الفجار؛ فانصرف المغيرة ولم يسأله عن غير ذلك، حتى دخل على أبي موسى فقال له مثل ما قال لعمرو فقال أبو موسى: أراكم أثبت الناس رأيًا، فيكم بقية المسلمين، فانصرف المغيرة ولم يسأله عن غير ذلك، فلقى الذين قال لهم ما قال من ذوي الرأي من قريش، فقال: لا يجتمع هذان على أمر واحد، فلما اجتمع الحكمان وتكلما(2/290)
قال عمرو بن العاص: يا أبا موسى، رأيت أول ما تقضي به من الحق أن تقضي لأهل الوفاء بوفائهم، وعلى أهل الغدر بغدرهم، قال أبو موسى: وما ذاك؟ قال: ألست تعلم أن معاوية وأهل الشام قد وفوا، وقدموا للموعد الذي واعدناهم إياه؟ قال: بلى، قال عمرو: اكتبها فكتبها أبو موسى، قال عمرو: يا أبا موسى، أأنت على أن نسمي رجلاً يلي أمر هذه الأمة؟ فسمه لي، فإن أقدر على أن أتابعك فلك علي أن أتابعك وإلا فلي عليك أن تتابعني، قال أبو موسى: أسمي لك معاوية بن أبي سفيان فلم يبرحا مجلسهما حتى استبا، ثم خرجا إلى الناس، فقال أبو موسى: إني وجدت مثل عمرو ومثل الذين قال الله عز وجل: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} [الأعراف: 175].(2/291)
فلما سكت أبو موسى تكلم عمرو فقال: أيها الناس وجدت مثل أبي موسى كمثل الذي قال الله عز وجل: { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة:5]. وكتب كل واحد منهما مثله الذي ضرب لصاحبه إلى الأمصار(1). والزهري لم يدرك الحادثة فهي مرسلة، ومراسيله كأدراج الرياح لا تقوم بها حجة(2)، كما قرر العلماء. وهناك طريق أخرى أخرجها ابن عساكر بسنده إلى الزهري وهي مرسلة وفيها أبو بكر بن أبي سبرة قال عنه الإمام أحمد: كان يضع الحديث(3)، وفي سنده أيضًا الواقدي، وهو متروك(4)، وهذا نصها:.. رفع أهل الشام المصاحف وقالوا: ندعوكم إلى كتاب الله والحكم بما فيه، وكان ذلك مكيدة من عمرو بن العاص، فاصطلحوا وكتبوا بينهم كتابًا على أن يوافوا رأس الحول أذرح، وحكموا حكمين ينظران في أمور الناس فيرضون بحكمهما، فحكم علي أبا موسى الأشعري، وحكم معاوية عمرو بن العاص، وتفرق الناس، فرجع علي إلى الكوفة بالاختلاف والدغل، واختلف عليه أصحابه فخرج عليه الخوارج من أصحابه ممن كانوا معه، وأنكروا تحكيمه وقالوا: لا حكم إلا لله، ورجع معاوية إلى الشام بالألفة واجتماع الكلمة عليه. ووافى الحكمان بعد الحول بأذرح في شعبان سنة ثمان وثلاثين، واجتمع الناس إليهما وكان بينهما كلام اجتمعا عليه في السر خالفه عمرو بن العاص في العلانية، فقدم أبا موسى فتكلم وخلع عليًا ومعاوية، ثم تكلم عمرو بن العاص فخلع عليًا وأقر معاوية، فتفرق الحكمان ومن كان اجتمع إليهما، وبايع أهل الشام معاوية في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين(5). وأما طرق أبي مخنف فهي معلولة به، فالأول:
__________
(1) المصنف (5/463)، مرويات تاريخ الطبري، ص(406).
(2) المراسيل لأبي حاتم، ص (3)، الجرح والتعديل (1/246).
(3) تهذيب التهذيب (12/27)، مرويات تاريخ الطبري، ص (406).
(4) مرويات تاريخ الطبري، ص (406).
(5) تاريخ دمشق (16/53).(2/292)
وهو أبو مخنف لوط بن يحيى، ضعيف ليس بثقة(1)، وإخباري تالف غالى في الرفض، وأما الثاني قال فيه ابن سعد: كان(2) ضعيفًا، وقال البخاري وأبو حاتم: كان يحيى القطان يضعفه(3)، وقال عثمان الدارمي: ضعيف(4)، وقال النسائي: ضعيف(5).
هذه طرق قصة التحكيم المشهورة، والمناظرة بين أبي موسى وعمرو بن العاص المزعومة، أفمثل هذا تقوم به حجة؟ أو يعول على مثل ذلك في تاريخ الصحابة الكرام وعهد الخلفاء الراشدين، عصر القدوة والأسوة؛ ولو لم يكن في هذه الروايات إلا الاضطرابات في متنونها لكفاها ضعفًا فكيف إذا أضيف إلى ذلك ضعف أسانيدها(6).
2- أهمية هذه القضية من جانب الاعتقاد والتشريع، ومع ذلك لم تنقل لنا بسند صحيح، ومن المحال أن يطبق العلماء على إهمالها مع أهميتها وشدة الحاجة إليها(7).
__________
(1) تحقيق مواقف الصحابة (2/223).
(2) مرويات أبي مخنف، ص (407).
(3) التاريخ الكبير (4/2/267)، الجرح والتعديل (9/138).
(4) التاريخ للدارمي، ص (238)، تحقيق مواقف الصحابة (2/223).
(5) الضعفاء والمتروكون، ص (253).
(6) مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري، ص (408).
(7) مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري، ص (408).(2/293)
3- وردت رواية تنقض تلك الروايات تمامًا، وذلك فيما أخرجه البخاري في تاريخه مختصرًا بسند رجاله ثقات، وأخرجه ابن عساكر معلولاً، عن الحصين بن المنذر أن معاوية أرسله إلى عمرو بن العاص فقال له: إنه بلغني عن عمرو بعض ما أكره فأته فاسأله عن الأمر الذي اجتمع عمرو وأبو موسى فيه كيف صنعتما فيه؟ قال: قد قال الناس وقالوا، ولا والله ما كان ما قالوا، ولكن لما اجتمعت أنا وأبو موسى قلت له: ما ترى في هذا الأمر؟ قال: أرى أنه من النفر الذين توفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو عنهم راض قال: فقلت: أين تجعلني من هذا الأمر أنا ومعاوية؟ قال: إن يستعن بكما ففيكما معونة، وإن يستغن عنكما فطال ما استغنى أمر الله عنكما(1). وقد روى أبو موسى عن تورع عمرو ومحاسبته لنفسه، وتذكره سيرة أبي بكر وعمر، وخوفه من الأحداث بعدهما، قال أبو موسى: قال لي عمرو بن العاص: والله لئن كان أبو بكر وعمر تركا هذا المال وهو يحل لهما، لقد غُبنا وأخطآ أو نقص رأيهما، ووالله ما كانا مغبونين ولا مخطئين ولا ناقصي الرأي، ووالله ما جاءنا الوهم والضعف إلا من قبلنا(2).
__________
(1) التاريخ الكبير (5/398).
(2) العواصم من القواصم، ص (178-180).(2/294)
4- إن معاوية كان يقر بفضل علي عليه وأنه أحق بالخلافة منه، فلم ينازعه الخلافة ولا طلبها لنفسه في حياة علي، فقد أخرج يحيى بن سليمان الجعفي بسند جيد(1)، عن أبي مسلم الخولاني أنه قال لمعاوية: أنت تنازع عليًا في الخلافة، أو أنت مثله؟ قال: لا وإني لأعلم أنه أفضل مني وأحق بالأمر، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قُتل مظلومًا وأنا ابن عمه ووليه أطالب بدمه؟ فأتوا عليًا فقولوا له: يدفع لنا قتلة عثمان وأسلم له، فأتوا عليًا فكلموه فلم يدفعهم إليه(2). فهذا هو أصل النزاع بين علي ومعاوية، رضي الله عنهما؛ فالتحكيم من أجل حل هذه القضية المتنازع عليها لا لاختيار خليفة أو عزله(3)، ويقول ابن حزم في هذا الصدد بأن عليًا قاتل معاوية لامتناعه عن تنفيذ أوامره في جميع أرض الشام، وهو الإمام الواجب طاعته، ولم ينكر معاوية قط فضل علي واستحقاقه الخلافة، لكن اجتهاده أداه إلى أن رأى تقديم أخذ القود من قتلة عثمان على البيعة، ورأى نفسه أحق بطلب دم عثمان والكلام فيه من أولاد عثمان وأولاد الحكم بن أبي العاص لسنه وقوته على الطلب بذلك، وأصاب في هذا وإنما أخطأ في تقديمه ذلك على البيعة فقط(4)، وفهم الخلاف على هذه الصورة –وهي صورته الحقيقية- بيَّن إلى أي مدى تخطئ الروايت السابقة عن التحكيم في تصوير قرار الحكمين، إن الحكمين كانا مفوضين للحكم في الخلاف بين علي ومعاوية، ولم يكن الخلاف بينهما حول الخلافة ومن أحق بها منهما، وإنما كان حول توقيع القصاص على قتلة عثمان، وليس هذا من أمر الخلافة في شيء، فإذا ترك الحكمان هذه القضية الأساسية، وهي ما طلب إليهما الحكم فيه، واتخذا قرارًا في شأن الخلافة كما تزعم الرواية الشائعة، فمعنى ذلك أنهما لم يفضا موضوع النزاع، ولم يحيطا بموضوع الدعوى، وهو
__________
(1) فتح الباري (13/86).
(2) سير اعلام النبلاء (3/140).
(3) مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري، ص (409).
(4) الفصل في الملل والنحل (4/160).(2/295)
أمر مستبعد جدًا(1).
5- إن الشروط التي يجب توافرها في الخليفة هي العدالة والعلم، والرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح، وأن يكون قرشيًا(2)، وقد توافرت هذه الشروط في علي رضي الله عنه، فهل بيعته منعقدة أم لا؟ فإن كانت منعقدة –ولا شك في ذلك- وقد بايعه المهاجرون والأنصار؛ أهل الحل والعقد، وخصومه يقرون له بذلك، فقول معاوية السابق يدل عليه بأن «الإمام إذا لم يخل عن صفات الأئمة، فرام العاقدون له عقد الإمامة أن يخلعوه، لم يجدوا إلى ذلك سبيلاً باتفاق الأئمة، فإن عقد الإمام لازم، لا اختيار في حله من غير سبب يقتضيه، ولا تنتظم الإمامة ولا تفيد الغرض المقصود منها إلا مع القطع بلزومها، ولو تخير الرعايا في خلع إمام الخلق على حكم الإيثار والاختيار لما استتب للإمام طاعة ولما استمرت له قدرة واستطاعة ولما صح لمنصب الإمام معنى(3)»
وإذن فليس الأمر بهذه الصورة التي تحكيها الروايات؛ كل من لم يرض بإمامه خلعه، فعقد الإمامة لا يحله إلا من عقده، وهم أهل الحل والعقد، وبشرط إخلال الإمام بشروط الإمامة، وهل علي رضي الله عنه فعل ذلك واتفق أهل الحل والعقد على عزله عن الخلافة وهو الخليفة الراشد حتى يقال إن الحكمين اتفقا على ذلك، فما ظهر منه قط إلى أن مات رضي الله عنه، شيء يوجب نقض بيعته، وما ظهر منه قط إلا العدل، والجد، والبر والتقوى والخير(4).
__________
(1) تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة (2/225).
(2) الأحكام السلطانية للماوردي، الأحكام السلطانية لأبي يعلي، ص (20)، غياث الأمم، ص (79)، وما بعدها.
(3) غياث الأمم، ص (128)، مرويات أبي مخنف، ص (410).
(4) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/238).(2/296)
6- إن الزمان الذي قام فيه التحكيم زمان فتنة، وحالة المسلمين مضطربة مع وجود خليفة لهم، فكيف تنتظم حالتهم مع عزل الخليفة، لاشك أن الأحوال ستزداد سوءًا، والصحابة الكرام أحذق وأعقل من أن يقدموا على هذا؟ ولهذا يتضح بطلان هذا الرأي عقلاً ونقلاً.
7- إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حصر الخلافة في أهل الشورى: وهم الستة وقد رضي المهاجرون والأنصار بذلك، فكان ذلك إذنًا في أن الخلافة لا تعدو هؤلاء إلى غيرهم ما بقى منهم واحد ولم يبق منهم في زمان التحكيم إلا سعد بن أبي وقاص، وقد اعتزل الأمر ورغب عن الولاية، والإمارة، وعلي بن أبي طالب القائم بأمر الخلافة وهو أفضل الستة بعد عثمان فكيف يتخطى بالأمر إلى غيره(1).
__________
(1) مرويات أبي مخنف، ص (411).(2/297)
8- أوضحت الروايات أن أهل الشام بايعوا معاوية بعد التحكيم: والسؤال: ما المسوغ الذي جعل أهل الشام يبايعون معاوية؟ إن كان من أجل التحكيم، فالحكمان لم يتفقا ولم يكن ثمة مبرر آخر حتى ينسب عنهم ذلك، مع أن ابن عساكر نقل بسند رجاله ثقات عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي(1)، أعلم الناس بأمر الشام(2) أنه قال: كان علي بالعراق يدعى أمير المؤمنين وكان معاوية بالشام يدعى الأمير، فلما مات علي دعي معاوية بالشام أمير المؤمنين(3)، فهذا النص يبين أن معاوية لم يبايع بالخلافة إلا بعد وفاة علي، وإلى هذا ذهب الطبري، فقد قال في آخر حوادث سنة أربعين: وفي هذه السنة بويع لمعاوية بالخلافة بإيلياء(4)، وعلق على هذا ابن كثير بقوله: يعني لما مات علي قام أهل الشام فبايعوا معاوية على إمرة المؤمنين لأنه لم يبق له عندهم منازع(5)، وكان أهل الشام يعلمون بأن معاوية ليس كفئًا لعلي بالخلافة ولا يجوز أن يكون خليفة مع إمكان استخلاف علي رضي الله عنه، فإن فضل علي وسابقته وعلمه، ودينه، وشجاعته، وسائر فضائله: كانت عندهم ظاهرة ومعروفة، كفضل إخوانه، أبي بكر وعمر، وعثمان وغيرهم رضي الله عنهم(6)، وإضافة إلى ذلك فإن النصوص تمنع من مبايعة خليفة مع وجود الأول، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما»(7)، والنصوص في هذا المعنى كثيرة(8). ومن المحال أن يطبق الصحابة على مخالفة ذلك(9).
__________
(1) سعيد بن عبد العزيز التنوخي ثقة إمام، التقريب.
(2) تهذيب التهذيب (4/60).
(3) ، (5) تاريخ الطبري (6/76).
(5) البداية والنهاية (8/16).
(6) الفتاوى (35/73).
(7) صحيح مسلم (3/1480).
(8) سنن البيهقي (8/144).
(9) مرويات أبي مخنف، ص (412).(2/298)
9- أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عمر قال: دخلت على حفصة قلت: قد كان من أمر الناس ما ترين فلم يجعل لي من الأمر شيء فقالت: الحق فإنهم ينتظرونك وأخشى أن يكون احتباسك عنهم فرقة، فلم تدعه حتى ذهب، فلما تفرق الناس خطب معاوية قال: من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه، فلنحن الحق به منه ومن أبيه، قال حبيب ابن مسلمة: فهلا أجبته؟ قال عبد الله: فحللت حبوتي وهممت أن أقول أحق بهذا منك من قاتلك وأباك على الإسلام فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع وتسفك الدم ويحمل عني غير ذلك، فذكرت ما أعد الله في الجنان. قال حبيب: حفظت وعصمت(1)، هذا الحديث قد يفهم منه مباعية معاوية بالخلافة، وليس فيه تصريح بذلك، وقد قال بعض العلماء: إن
هذا الحديث كان في الاجتماع الذي صالح فيه الحسن بن علي رضي الله عنه معاوية رضي الله عنه.
وقال ابن الجوزي: إن هذه الخطبة كانت في زمن معاوية لما أراد أن يجعل ابنه يزيد ولي عهده، ويرى ابن حجر أنما في التحكيم(2): دلالة النص على القولين الأولين أقوى. فقوله: فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع وتسفك الدم.. دليل على اجتماع الكلمة على معاوية، وأيام التحكيم أيام فرقة واختلاف لا أيام جمع وائتلاف(3).
__________
(1) البخاري (5/48).
(2) فتح الباري (7/466).
(3) مرويات أبي مخنف.(2/299)
10- حقيقة قرار التحكيم: ليس من شك في أن أمر الخلاف الذي رأى الحكمان رده إلى الأمة وإلى أهل الشورى ليس إلا أمر الخلاف بين علي ومعاوية حول قتلة عثمان، ولم يكن معاوية مدعيًا للخلافة، ولا منكرًا حق علي فيها كما تقرر سابقًا، وإنما كان ممتنعًا عن بيعته، وعن تنفيذ أوامره في الشام حيث كان متغلبًا عليها بحكم الواقع لا بحكم القانون، مستفيدًا من طاعة الناس له بعد أن بقى واليًا فيها زهاء عشرين سنة(1)، وقد قال ابن دحية الكلبي في كتابه «أعلام النصر المبين في المفاضلة بين أهل صفين»: قال أبو بكر محمد الطيب الأشعري –الباقلاني- في مناقب الأئمة: فما اتفق الحكمان قط على خلعه –علي بن أبي طالب- وعلى أنهما لو اتفقا على خلعه لم ينخلع حتى يكون الكتاب والسنة المجتمع عليهما يوجبان خلعه، أو أحد منهما على ما شرطا في الموافقة بينهما، أو إلى أن يبينا ما يوجب خلعه من الكتاب والسنة، ونص كتاب علي –عليه السلام- اشترط على الحكمين أن يحكما بما في كتاب الله عز وجل من فاتحته إلى خاتمته لا يجاوزان ذلك ولا يحيدان عنه، ولا يميلان إلى هوى ولا إدهان، وأخذ عليهما أغلظ العهود والمواثيق، وإن هما جاوزا بالحكم كتاب الله فلا حكم لهما.. والكتاب والسنة يثبتان إمامته، ويعظمانه ويثنيان عليه، ويشهدان بصدقه وعدالته، وإمامته وسابقته في الدين، وعظيم جهاده في جهاد المشركين وقرابته من سيد المرسلين، وما خص به من القدم في العلم والمعرفة بالحكم، ووفور الحلم، وأنه حقيق بالإمامة، وأهل لحمل أعباء الخلافة(2).
__________
(1) تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة (2/134).
(2) أعلام النصر المبين في المفاضلة بين أهل صفين، ص (177).(2/300)
11- مكان انعقاد المؤتمر: كان الموعد المحدد لاجتماع الحكمين –كما جاء في الوثيقة- في رمضان في عام 37هـ، إذا لم تحدث عوائق، في موضع وسط بين العراق والشام وهذا الموضع المختار هو دومة الجندل(1)، في روايات موثقة، وأذرح(2) في روايات أخرى دونها في الإتقان، ولعل لقرب المكانين من بعضهما أثرًا في اختلاف الروايات، إذ يقول خليفة ابن خياط(3): ويقال بأذرح وهي من دومة الجندل قريب، وقد تم الاجتماع في الموعد المحدد بدون عوائق(4).
إن المكان الذي اجتمع فيه الحكمان هو دومة الجندل، وهذا بخلاف ما جزم به ياقوت الحموي من أن التحكيم حدث في أذرح، واستدل على ذلك ببعض روايات لم يبينها وبالأشعار، وبخاصة بشرع ذي الرمة(5) في مدح بلال بن أبي بردة(6) وهو قوله:
أبوك تلافى الدين والناس بعدما ... تشاءوا وبيت الدين منقلع الكسر
فشد إصار الدين أيام أذرح ... ورد حروبًا قد لقحن إلى عقر(7)
__________
(1) دومة الجندل: غرب مدينة الجوف في شمال الجزيرة العربية.
(2) أذرح: اسم بلد في أطراف الشام من أعمال الشراة من نواحي البلقاء.
(3) تاريخ خليفة، ص (192،191).
(4) خلافة علي بن أبي طالب، عبد الحميد، ص (267).
(5) ذو الرمة، غيلان بن عقبة توفى 117هـ، سير أعلام النبلاء (5/267).
(6) بلال بن أبي بردة عامر بن أبي موسى الأشعري، تهذيب تاريخ دمشق (3/321).
(7) ديوان ذي الرمة، ص (362،361) نقلاً عن خلافة علي، ص (272).(2/301)
12- هل حضر سعد بن أبي وقاص اجتماع الحكمين؟ اجتمع الحكمان في موعدهما المحدد، ومع كل واحد منهما بضع مئات يمثلون وفدين، وفد عن أهل العراق، والآخر يمثل أهل الشام، وطلب الحكمان من عدد من أعيان قريش وفضلائهم الحضور لمشاورتهم والاستئناس برأيهم، ولم يحضر الاجتماع عدد من كبار الصحابة كانوا قد اعتزلوا القتال منذ بدايته وأفضل هؤلاء، سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه، فإنه لم يحضر التحكيم ولا أراد ذلك ولا همَّ به(1). فعن عامر بن سعد أن أخاه عمر انطلق إلى سعد في غنم له خارجًا من المدينة فلما أتاه قال: يا أبة، أرضيت أن تكون أعرابيًا في غنمك والناس يتنازعون في الملك بالمدينة؟ فضرب سعد صدر عمر وقال: اسكت فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الله يحب العبد التقي النقي الخفي»(2).
خامسًا: هل يمكن الاستفادة من حادثة التحكيم في فض النزاعات بين الدول الإسلامية؟
يمكن الاستفادة من حادثة التحكيم في فض النزاعات بين الدول الإسلامية وذلك بتحمل قادة البلاد الإسلامية جميعًا مسئولياتهم ومن ورائهم الأمة الإسلامية التي يحكمونها في الضغط الجاد الصادق، على الطرفين المتنازعين، لكي يوقفا بينهما القتال، ويلجآ إلى التحكيم الشرعي في الإسلام فيرسل هذا الطرف حكمًا من قبله، وذلك حكمًا آخر من قبله أيضًا، للفصل في النزاع القائم وذلك على ضوء ما يلي:
1- تحديد صلاحيات الحكمين في إصدار الأحكام التي لابد منها لحل المشكلات التي هي سبب النزاع.
2- جعل مصادر التشريع الإسلامي هي المرجع الوحيد لإصدار تلك الأحكام والحلول التي تفصل في مسائل النزاع.
__________
(1) خلافة علي بن أبي طالب، عبد الحميد، ص (272).
(2) المسند (1/168) وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (3/26)، خلافة علي بن أبي طالب، للسلمي ، ص (107).(2/302)
3- أخذ العهد على كل طرف من طرفي النزاع، وأخذ العهد على جميع قادة البلاد الإسلامية بقبول ما يصدره الحكمان من أحكام وحلول مشروعة لإنهاء النزاع الراهن على أنها واجبة التنفيذ بحكم الإسلام، وأن الخروج عليها، أو الرضا بذلك الخروج يترتب عليه الإثم شرعًا.
4- إذا أصدر الحكمان ما اتفقا عليه من أحكام، وحلول، وانقاد لها الطرفان المتنازعان قضي الأمر، وكفى الله المؤمنين القتال.
5- إذا رفض أحد الطرفين، أو كلاهما الانقياد لقضاء الحكمين، اعتبر الطرف الرافض هو الطرف الباغي، سواء صدر الرفض من أحدهما، أو من كليهما، ووجب شرعًا على القوات الإسلامية في الأقطار الأخرى أن تضع نفسها تحت تصرف ما يصدره الحكمان من قرارات عسكرية، من أجل التدخل لحسم النزاع بالقوة، على وجه لا تترتب عليه أضرار ومخاطر هي أكبر من ضرر النزاع القائم.(2/303)
6- ويكون من صلاحيات الحكمين بالاتفاق إصدار القرارات التي تخص كيفية تحريك القوات المسلحة في الأقطار الإسلامية الأخرى، من أجل حل النزاع القائم على ضوء ما سلف بيانه(1). ولعل اللجوء إلى مثل هذه الطريقة في حل المنازعات بين الأقطار، كفيل بسد الطريق على أية قوة خارجية تتدخل في نزاعات المسلمين بحجة أنَّ بعض أطراف النزاع دعاها إلى هذا التدخل.. ومن ثم تستغل هذه الفرصة، لكي تتآمر على المسلمين، فتعمل على تصعيد تلك النزاعات، وفرض الحل الذي يحلو لها، ويكون فيه مصلحتها فقط، وليعاني المسلمون، بعدئذ، من آثار ذلك الحل أسوأ مما كانوا يعانون من فتنة النزاع نفسها، فهذه المعاناة لا تهمها في شيء، لا ، بل إن هذه المعاناة هي من جملة الاهتمامات التي فرضت من أجل تفجيرها ذلك الحل المشئوم؛ قلنا: لعل اللجوء إلى التحكيم، على نحو ما سلف بيانه، يسد الطريق في وجه تلك القوى الخارجية التي تبغي في صفوف المسلمين الفساد، هذا، وإن الصفة الإلزامية شرعًا للحل عن طريق التحكيم –الذي عرضناه- تستند إلى إجماع الصحابة، فقد أجمع الصحابة كلهم في عهد النزاع الذي نشب بين علي ومعاوية على اللجوء إلى التحكيم، والقبول به.. سواء في ذلك الصحابة الذين كانوا مع علي، والصحابة الذين كانوا مع معاوية، والصحابة الذين اعتزلوا الفريقين، كسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وغيرهما رضي الله عنهم أجمعين(2).
سادسًا: موقف أهل السنة من تلك الحروب
__________
(1) الجهاد والقتال في السياسة الشرعية (3/1665).
(2) الجهاد والقتال في السياسة الشرعية (3/1665).(2/304)
إن موقف أهل السنة والجماعة من الحرب التي وقعت بين الصحابة الكرام رضي الله عنهم هو الإمساك عما شجر بينهم إلا فيما يليق بهم رضي الله عنهم لما يسببه الخوض في ذلك من توليد العداوة والحقد والبغض لأحد الطرفين وقالوا: إنه يجب على كل مسلم أن يحب الجميع ويرضى عنهم ويترحم عليهم، ويحفظ لهم فضائلهم، ويعترف لهم بسوابقهم، وينشر مناقبهم، وأن الذي حصل بينهم إنما كان عن اجتهاد، والجميع مثابون في حالتي الصواب والخطأ، غير أن ثواب المصيب ضعف ثواب المخطئ في اجتهاده، وأن القاتل والمقتول من الصحابة في الجنة، ولم يجوَّز أهل السنة والجماعة الخوض فيما شجر بينهم، وقبل أن أذكر طائفة من أقوال أهل السنة التي تبين موقفهم فيما شجر بين الصحابة أذكر بعض النصوص التي فيها الإشارة إلى ما وقع بين الصحابة من الاقتتال بما وصفوا به فيها وتلك النصوص هي(1):
1- قال تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:9].
__________
(1) عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام (2/727) تنزيه خال المؤمنين معاوية بن أبي سفيان من الظلم والفسق في مطالبته بدم أمير المؤمنين عثمان، ص (41).(2/305)
ففي هذه الآية أمر الله تعالى بالإصلاح بين المؤمنين إذا ما جرى بينهم قتال لأنهم إخوة، وهذا الاقتتال لا يخرجهم عن وصف الإيمان حيث سماهم الله –عز وجل- مؤمنين وأمر بالإصلاح بينهم وإذا كان حصل اقتتال بين عموم المؤمنين، ولم يخرجهم ذلك من الإيمان، فأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين اقتتلوا في موقعة الجمل وبعدها أول من يدخل في اسم الإيمان الذي ذكر في هذه الآية، فهم لا يزالون عند ربهم مؤمنين إيمانًا حقيقيًا ولم يؤثر ما حصل بينهم من شجار في إيمانهم بحال لأنه كان عن اجتهاد(1).
2- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين تقتلتهم أولى الطائفتين بالحق»(2)، والفرقة المشار إليها في الحديث هي ما كان من الاختلاف بين علي ومعاوية، رضي الله عنهما، وقد وصف - صلى الله عليه وسلم - الطائفتين معًا بأنهما مسلمتان، وأنهما متعلقتان بالحق، والحديث علم من أعلام النبوة: إذ وقع الأمر طبق ما أخبر به عليه الصلاة والسلام، وفيه الحكم بإسلام الطائفتين: أهل الشام وأهل العراق، لا كما يزعمه فرقة الرافضة والجهلة الطغام من تكفيرهم أهل الشام، وفيه أن أصحاب علي أدنى الطائفتين إلى الحق، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة أن عليًا هو المصيب وإن كان معاوية مجتهدًا، وهو مأجور، إن شاء الله، ولكن عليًا هو الإمام فله أجران كما ثبت في صحيح البخاري: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر»(3).
__________
(1) العواصم من القواصم، ص (170،169) أحكام القرآن (4/1717).
(2) مسلم (745).
(3) البخاري مع شرحه في فتح الباري (13/318).(2/306)
3- وعن أبي بكرة قال: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب جاء الحسن فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين»(1) ففي هذا الحديث شهادة النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسلام الطائفتين أهل العراق وأهل الشام، والحديث فيه رد واضح على الخوارج الذين كفروا عليًا ومن معه، ومعاوية ومن معه بما تضمنه الحديث من الشهادة للجميع بالإسلام، ولذا كان يقول سفيان بن عيينة: قوله فئتين من المسلمين يعجبنا جدًا، قال البيهقي: وإنما أعجبهم لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سماهم جميعًا مسلمين وهذا خبر من رسول الله بما كان من الحسن بن علي بعد وفاة على في تسليمه الأمر إلى معاوية بن أبي سفيان(2).
__________
(1) البخاري، كتاب الفتن، رقم (7109).
(2) الاعتقاد للبيهقي، ص (198)، فتح الباري (13/66).(2/307)
فهذه الأحاديث المتقدم ذكرها فيها الإشارة إلى أهل العراق الذين كانوا مع علي وإلى أهل الشام الذين كانوا مع معاوية بن أبي سفيان وقد وصفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنهم من أمته(1)، كما وصفهم بأنهم جميعًا متعلقون بالحق لم يخرجوا عنه كما شهد لهم - صلى الله عليه وسلم - بأنهم مستمرون على الإيمان، ولم يخرجوا عنه بسبب القتال الذي حصل بينهم، وقد دخلوا تحت عموم قوله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:9]. وقد قدمنا أن مدلول الآية ينتظمهم، رضي الله عنهم أجمعين، فلم يكفروا ولم يفسقوا بقتالهم بل هم مجتهدون متأولون، وقد بين الحكم في قتالهم ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما مر معنا. فالواجب على المسلم أن يسلك في اعتقاده فيما حصل بين الصحابة الكرام، رضي الله عنهم، مسلك أهل السنة والجماعة، وهو الإمساك عما حصل بينهم، رضي الله عنهم، ولا يخوض فيه إلا بما هو لائق بمقامهم، وكتب أهل السنة مليئة ببيان عقيدتهم الصافية النقية في حق أولئك الصفوة المختارة، وقد حددوا موقفهم من تلك الحرب التي وقعت بينهم في أقوالهم الحسنة التي منها(2):
1- سئل عمر بن عبد العزيز ، رحمه الله تعالى، عن القتال الذي حصل بين الصحابة فقال: تلك دماء طهر الله يدي منها أفلا أطهر بها لساني، مثل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل العيون، ودواء العيون ترك مسها(3)، قال البيهقي معلقًا على قول عمر بن عبد العزيز، رحمه الله تعالى: هذا حسن جميل لأن سكوت الرجل عما لا يعنيه هو الصواب(4).
__________
(1) في صحيح مسلم (2/746) تكون في أمتي فرقتان.
(2) عقيدة أهل السنة في الصحابة (2/746) تكون في أمتي فرقتان.
(3) الإنصاف للباقلاني، ص (69)، الطبقات (5/394).
(4) مناقب الشافعي، ص (136).(2/308)
2- سئل الحسن البصري رحمه الله تعالى عن قتال الصحابة فيما بينهم فقال: قتال شهده أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وغبنا، وعلموا وجهلنا، واجتمعوا فاتبعنا، واختلفوا فوقفنا(1). ومعنى قول الحسن هذا: أن الصحابة كانوا أعلم بما دخلوا فيه منا، وما علينا إلا أن نتبعهم فيما اجتمعوا عليه، ونقف عند ما اختلفوا فيه ولا نبتدع رأيًا منا، ونعلم أنهم اجتهدوا وأرادوا الله عز وجل إذ كانوا غير متهمين في الدين(2).
3- سئل جعفر بن محمد الصادق عما وقع بين الصحابة فأجاب بقوله: أقول ما قال الله: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى}(3) [طه: 52].
قال الإمام أحمد، رحمه الله، بعد أن قيل له: ما تقول فيما كان بين علي ومعاوية؟ قال: ما أقول فيهم إلى الحسنى(4)، وعن إبراهيم بن آرز الفقيه قال: حضرت أحمد بن حنبل وسأله رجل عما جرى بين علي ومعاوية؟ فأعرض عنه فقيل له: يا أبا عبد الله هو رجل من بني هاشم فأقبل عليه فقال: اقرأ: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:141].
4- وقال ابن أبي زيد القيرواني في صدد عرضه لما يجب أن يعتقده المسلم في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما ينبغي أن يذكروا به فقال: وألا يذكر أحد من صحابة الرسول إلا بأحسن ذكر والإمساك عما شجر بينهم وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج ويظن بهم أحسن المذاهب(5).
__________
(1) ، (4) الجامع لأحكام القرآن (16/332).
(3) الإنصاف للباقلاني، ص (6).
(4) مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي، ص (164).
(5) رسالته المشهورة مع شرحها الثمر الداني، ص (23).(2/309)
5- وقال أبو عبد الله بن بطة أثناء عرضه لعقيدة أهل السنة والعقيدة: ومن بعد ذلك نكف عما شجر بين أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد شهدوا المشاهد معه وسبقوا الناس بالفضل، فقد غفر الله لهم وأمرك بالاستغفار لهم والتقرب إليه بمحبتهم، وفرض ذلك على لسان نبيه وهو يعلم ما سيكون منهم، وأنهم سيقتتلون، وإنما فضلوا على سائر الخلق لأن الخطأ والعمد وضع عنهم، وكل ما شجر بينهم مغفور لهم(1).
__________
(1) الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة، ص (268).(2/310)
6- قال أبو بكر بن الطيب الباقلاني: ويجب أن يعلم أن ما جرى بين أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله عنهم، من المشاجرة نكف عنه ونترحم على الجميع ونثني عليهم ونسأل الله تعالى لهم الرضوان والأمان والفوز والجنان، ونعتقد أن عليا عليه السلام أصاب فيما فعل وله أجران، وأن الصحابة رضي الله عنهم إن ما صدر منهم كان باجتهاد فلهم الأجر ولا يفسقون ولا يبدعون، والدليل عليه قوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح:18]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر» فإذا كان الحاكم في وقتنا له أجران على اجتهاده فما ظنك باجتهاد من رضي الله عنهم ورضوا عنه؟! ويدل على صحة هذا القول: قوله - صلى الله عليه وسلم - للحسن رضي الله عنه: «إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين»(1)، فأثبت العظمة لكل واحدة من الطائفتين وحكم لهما بصحة الإسلام، وقد وعد الله هؤلاء القوم بنزع الغل من صدورهم بقوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} [الحجر: 47]. إلى أن قال: ويجب الكف عما شجر بينهم والسكوت عنه(2).
7- وقال ابن تيمية: في صدد عرضه لعقيدة أهل السنة والجماعة فيما شجر بين الصحابة: ويمسكون عما شجر بين الصحابة ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو زيد فيه ونقص وغير عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون، إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون(3).
__________
(1) البخاري، الفتن، رقم (7109).
(2) الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به، ص (67-69).
(3) الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به، ص (67-69).(2/311)
8- وقال ابن كثير: أما ما شجر بينهم بعده عليه الصلاة والسلام: فمنه ما وقع من غير قصد كيوم الجمل، ومنه ما كان عن اجتهاد كيوم صفين، والاجتهاد يخطئ ولكن صاحبه معذور وإن أخطأ ومأجور أيضًا: وأما المصيب فله أجران(1).
9- وقال ابن حجر: واتفق أهل السنة علىوجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من ذلك ولو عرف الحق منهم لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد، بل ثبت أنه يؤجر أجرًا واحدًا، وأن المصيب يؤجر أجرين(2).
فأهل السنة مجمعون على وجوب السكوت عن الخوض في الفتن التي جرت بين الصحابة، رضي الله عنهم، بعد قتل عثمان والترحم عليهم وحفظ فضائل الصحابة والاعتراف لهم بسوابقهم ونشر محاسنهم رضي الله عنهم وأرضاهم(3).
سابعًا: التحذير من بعض الكتب التي شوهت تاريخ الصحابة:
1- الإمامة والسياسة المنسوب لابن قتيبة: من الكتب التي شوهت تاريخ صدر الإسلام كتاب الإمامة والسياسة المنسوب لابن قتيبة، ولقد ساق الدكتور عبد الله عسيلان في كتابه «الإمامة والسياسة في ميزان التحقيق العلمي» مجموعة من الأدلة تبرهن على أن الكتاب المذكور منسوب إلى الإمام ابن قتيبة كذبًا وزورًا ومن هذه الأدلة:
- إن الذين ترجموا لابن قتيبة لم يذكر واحد منهم أنه ألف كتابًا في التاريخ يدعى «الإمامة والسياسة» ولا نعرف من مؤلفاته التاريخية إلا كتاب «المعارف».
- إن المتصفح للكتاب يشعر بأن ابن قتيبة أقام في دمشق والمغرب في حين أنه لم يخرج من بغداد إلا إلى الدينور.
__________
(1) الباعث الحثيث، ص (182).
(2) فتح الباري (13/34).
(3) عقيدة أهل السنة (2/740).(2/312)
- إن المنهج والأسلوب الذي سار عليه المؤلف في «الإمامة والسياسة» يختلف تمامًا عن منهج وأسلوب ابن قتيبة في كتبه التي بين أيدينا، فابن قتيبة يقدم لمؤلفاته بمقدمات طويلة يبين فيها منهجه والغرض من مؤلفه، وعلى خلاف ذلك يسير صاحب «الإمامة والسياسة» فمقدمته قصيرة جدًا لا تزيد على ثلاثة أسطر، هذا إلى جانب الاختلاف في الأسلوب، ومثل هذا النهج لم نعهده في مؤلفات ابن قتيبة.
- يروي مؤلف الكتاب عن ابن أبي ليلى بشكل يشعر بالتلقي عنه، وابن أبي ليلى هذا هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه: قاضي الكوفة، توفي سنة 148هـ، والمعروف أن ابن قتيبة لم يولد إلا سنة 213هـ، أي بعد وفاة ابن أبي ليلى بخمسة وستين عامًا.
- إن الرواة والشيوخ الذين يروى عنهم ابن قتيبة عادة في كتبه لم يرد لهم ذكر في أي موضع من مواضع الكتاب.
- إن قسمًا كبيرًا من رواياته جاءت بصيغة التمريض، فكثيرًا ما يجئ فيه: ذكروا عن بعض المصريين، وذكروا عن محمد بن سليمان عن مشايخ أهل مصر، وحدثنا بعض مشايخ المغرب، وذكروا عن بعض المشيخة، وحدثنا بعض المشيخة، ومثل هذه التراكيب بعيدة كل البعد عن أسلوب وعبارات ابن قتيبة ولم ترد في كتاب من كتبه.
- إن مؤلف «الإمامة والسياسة» يروى عن اثنين من كبار علماء مصر، وابن قتيبة لم يدخل مصر ولا أخذ عن هذين العالمين(1).
__________
(1) عقيدة الإمام ابن قتيبة، علي العلياني، ص (90).(2/313)
- ابن قتيبة يحتل منزلة عالية لدى العلماء فهو عندهم من أهل السنة، وثقة في علمه ودينه، يقول السلفي: كان ابن قتيبة من الثقات وأهل السنة، ويقول عنه ابن حزم: كان ثقة في دينه وعلمه، وتبعه في ذلك الخطيب البغدادي، ويقول عنه ابن تيمية: وإن ابن قتيبة من المنتسبين إلى أحمد وإسحاق والمنتصرين لمذاهب السنة المشهورة(1)، ورجل هذه منزلته لدى رجال العلم المحققين، هل من المعقول أن يكون مؤلف كتاب «الإمامة والسياسة» الذي شوه التاريخ وألصق بالصحابة الكرام ما ليس فيهم؟! (2)
يقول الدكتور علي نفيع العلياني في كتابه، عقيدة الإمام بن قتيبة عن كتاب الإمامة والسياسة: وبعد قراءتي لكتاب الإمامة والسياسة قراءة فاحصة ترجح عندي أن مؤلف الإمامة والسياسة رافضي خبيث، أراد إدماج هذا الكتاب في كتب ابن قتيبة نظرًا لكثرتها ونظرًا لكونه معروفًا عند الناس بانتصاره لأهل الحديث، وقد يكون من رافضة المغرب، فإن ابن قتيبة له سمعة حسنة في المغرب(3)، ومما يرجح أن مؤلف الإمامة والسياسة من الروافض ما يلي:
* إن مؤلف الإمامة والسياسة ذكر على لسان علي رضي الله عنه أنه قال للمهاجرين: الله الله يا معشر المهاجرين لا تخرجوا سلطان محمد في العرب عن داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم، ولا تدفعوا أهله مقامه في الناس وحقه، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أحق الناس به لأنا أهل البيت، ونحن أحق بهذا الأمر منكم.. والله إنه لفينا فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل الله(4). ولا أحد يرى أن الخلافة وراثية لأهل البيت إلا الشيعة.
__________
(1) لسان الميزان (3/357)، تحقيق مواقف الصحابة (2/144).
(2) تحقيق مواقف الصحابة (2/144).
(3) الفتاوى لابن تيمية (17/391).
(4) الإمامة والسياسة (1/12).(2/314)
* إن مؤلف الإمامة والسياسة قدح في صحابة رسول الله قدحًا عظيمًا فصور ابن عمر رضي الله عنه جبانًا، وسعد بن أبي وقاص حسودًا، وذكر محمد بن مسلمة غضب على علي ابن أبي طالب لأنه قتل مرحبًا اليهودي بخيبر، وأن عائشة رضي الله عنها أمرت بقتل عثمان(1)، والقدح في الصحابة من أظهر خصائص الرافضة، وإن شاركهم الخوارج، إلا أن الخوارج لا يقدحون في عموم الصحابة(2).
* إن مؤلف الإمامة والسياسة يذكر أن المختار بن أبي عبيد قتل من قبل مصعب بن الزبير لكونه دعا إلا آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكر خرافاته وادعاءه الوحي(3)، والرافضة هم الذين يحبون المختار بن أبي عبيد لكونه انتقم من قتلة الحسين، مع العلم أن ابن قتيبة رحمه الله ذكر المختار من الخارجين على السلطان وبين أنه كان يدعي أن جبريل يأتيه(4).
* إن مؤلف الإمامة والسياسة كتب عن خلافة الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان خمسًا وعشرين صفحة فقط، وكتب عن الفتنة التي وقعت بين الصحابة مائتي صفحة، فقام المؤلف باختصار التاريخ الناصع المشرق وسود الصحائف بتاريخ زائف لم يثبت منه إلا القليل، وهذه من أخلاق الروافض المعهودة، نعوذ بالله من الضلال والخذلان.
__________
(1) الإمامة والسياسة (1/55،54).
(2) عقيدة الإمام ابن قتيبة، ص (91) للعلياني.
(3) الإمامة والسياسة (2/20).
(4) المعارف، ص (401).(2/315)
* يقول السيد محمود شكري الألوسي في مختصره للتحفة الاثنا عشرية: ومن مكايدهم –يعني الرافضة- أنهم ينظرون في أسماء الرجال المعتبرين عند أهل السنة، فمن وجدوه موافقًا لأحد منهم في الاسم واللقب أسندوا رواية حديث ذلك الشيعي إليه، فمن لا وقوف له من أهل السنة يعتقد أنه إمام من أئمتهم فيعتبر بقوله ويعتد بروايته، كالسدي فإنهما رجلان أحدهما السدي الكبير والسدي الصغير، فالكبير من ثقات أهل السنة، والصغير من الوضاعين الكذابين وهو رافضي غال، وعبد الله بن قتيبة رافضي غال وعبد الله بن مسلم ابن قتيبة من ثقات أهل السنة، وقد صنف كتابًا سماه بالمعارف، فصنف ذلك الرافضي كتابًا سماه بالمعارف أيضًا قصدًا للإضلال(1). وهذا مما يرجح أن كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة الرافضي وليس لابن قتيبة السني الثقة، وإنما خلط الناس بينهما لتشابه الأسماء(2) والله أعلم.
2- نهج البلاغة: ومن الكتب التي ساهمت في تشويه تاريخ الصحابة بالباطل كتاب نهج البلاغة؛ فهذا الكتاب مطعون في سنده ومتنه، فقد جمع بعد أمير المؤمنين بثلاثة قرون ونصف قرن بلا سند، وقد نسبت الشيعة تأليف نهج البلاغة إلى الشريف الرضي وهو غير مقبول عند المحدثين لو أسند خصوصًا فيما يوافق بدعته، فكيف إذا لم يسند كما فعل في النهج؟ وأما المتهم –عند المحدثين- فهو أخوه علي(3)، فقد تحدث العلماء فيه فقالوا:
- قال ابن خلكان في ترجمة الشريف المرتضي: وقد اختلف الناس في كتاب نهج البلاغة المجموع من كلام الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه هل جمعه؟ أم جمع أخيه الرضي؟ وقد قيل: إنه ليس من كلام علي، وإنما الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه، والله أعلم(4).
__________
(1) مختصر التحفة الاثنا عشرية للألوسي ص (32).
(2) عقيدة الإمام ابن قتيبة، ص (93).
(3) الأدب الإسلامي، نايف معروف، ص (53).
(4) الوفيات (3/124).(2/316)
- وقال الذهبي: من طالع نهج البلاغة جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، ففيه السب الصراح، والحط على السيدين أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، وفيه من التناقض والأشياء الركيكة والعبارات التي من له معرفة بنفس القرشيين الصحابة وبنفس غيرهم ممن بعدهم من المتأخرين جزم بأن أكثره باطل(1).
- وقال ابن تيمية: وأهل العلم يعلمون أن أكثر خطب هذا الكتاب مفتراة على علي ولهذا لا يوجد غالبها في كتاب متقدم ولا لها إسناد معروف(2).
- وأما ابن حجر، فيتهم الشريف المرتضي بوضعه، ويقول: ومن طالعه جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين علي.. وأكثره باطل(3).
- واستنادًا إلى هذه الأخبار وغيرها تناول عدد من الباحثين هذا الموضوع، فقالوا بعدم صحة نسبة هذا الكتاب إلى الإمام علي رضي الله عنه(4).
ويمكن تلخيص أهم ما لاحظه القدامى والمحدثون على «نهج البلاغة» للتشكيك بصحة نسبته للإمام علي بما يلي:
* خلوه من الأسانيد التوثيقية التي تعزز نسبة الكلام إلى صاحبه؛ متنًا ورواية وسندًا.
* كثرة الخطب وطولها، لأن هذه الكثرة وهذا التطويل مما يتعذر حفظه وضبطه قبل عصر التدوين، مع أن خطب الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم تصل إلينا سالمة وكاملة مع ما أتيح لها من العناية الشديدة والاهتمام.
* رصد العديد من الأقوال والخطب في مصادر وثيقة منسوبة لغير علي رضي الله عنه، وصاحب النهج يثبتها له.
* اشتمال هذا الكتاب على أقوال تتناول الخلفاء الراشدين قبله بما لا يليق به ولا يهم، وتنافي ما عرف عنه من توقيره لهم، ومن أمثلة ذلك ما جاء بخطبته المعروفة بـ«الشقشقية» التي يظهر فيها حرصه الشديد على الخلافة، رغم ما شُهر عنه عن التقشف والزهد.
__________
(1) ميزان الاعتدال (3/124).
(2) منهاج السنة (4/24).
(3) لسان الميزان (4/223).
(4) الأدب الإسلامي، نايف معروف، ص (53).(2/317)
* شيوع السجع فيه، إذ رأى عدد من الأدباء أن هذه الكثرة لا تتفق مع البعد عن التكلف الذي عرف به عصر الإمام علي رضي الله عنه، مع أن السجع العفوي الجميل لم يكن بعيدًا عن روحه ومبناه.
* الكلام المنمق الذي تظهر فيه الصناعة الأدبية التي هي من وشى العصر العباسي وزخرفه، ما نجده في وصف الطاووس والخفاش، والنحل والنمل، والزرع والسحاب وأمثالها.
* الصيغ الفلسفية الكلامية التي وردت في ثناياه، والتي لم تُعرف عند المسلمين إلا في القرن الثالث الهجري، حين ترجمت الكتب اليونانية والفارسية والهندية، وهي أشبه ما تكون بكلام المناطقة والمتكلمين منه بكلام الصحابة والراشدين(1).
إن هذا الكتاب يجب الحذر منه في الحديث عن الصحابة وما وقع بينهم وبين أمير المؤمنين علي، وتعرض نصوصه على الكتاب والسنة، فما وافق الكتاب والسنة، فلا مانع من الاستئناس به وما خالف فلا يلتفت إليه.
__________
(1) الأدب الإسلامي، ص (55،54).(2/318)
3- كتاب الأغاني للأصفهاني: يعتبر كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني كتاب أدب وسمر وغناء، وليس كتاب علم وتاريخ وفقه، وله طنين ورنين في آذان أهل الأدب والتاريخ، فليس معنى ذلك أن يسكت عما ورد فيه من الشعوبية والدس، والكذب الفاضح والطعن والمعايب، وقد قام الشاعر العراقي والأستاذ الكريم وليد الأعظمي بتأليف كتابه القيم الذي سماه السيف اليماني في نحر الأصفهاني صاحب الأغاني، فقد شمر –جزاه الله خيرًا- عن ساعد الجد، ليميز الهزل من الجد، والسم من الشهد، ويكشف ما احتواه الكتاب من الأكاذيب ونيران الشعوبية والحقد، وهي تغلي في الصدور، كغلي القدور، وأخذ يرد على ترهات الأصفهاني فيما جمعه من أخبار وحكايات مكذوبة وغير موثقة تسئ إلى آل البيت النبوي الشريف، وتجرح سيرتهم، وتشوه سلوكهم، كما تناول مزاعم الأصفهاني تجاه معاوية بن أبي سفيان والخلفاء الراشدين الأمويين بما هو مكذوب ومدسوس عليهم من الروايات؛ وتناول الأستاذ الكريم والشاعر الإسلامي القدير وليد الأعظمي في كتابه القيم الحكايات المتفرقة التي تضمنها الكتاب والتي تطعن في العقيدة الإسلامية والدين الإسلامي، وتفضل الجاهلية على الإسلام وغيرها من الأباطيل(1).
ولقد تحدث العلماء فيه قديمًا:
- قال الخطيب البغدادي: كان أبو الفرج الأصفهاني أكذب الناس، كان يشتري شيئًا كثيرًا من الصحف، ثم تكون كل روايته منها(2).
- قال ابن الجوزي: ومثله لا يوثق بروايته، يصح في كتبه بما يوجب عليه الفسق، ويهون شرب الخمر، وربما حكى ذلك عن نفسه، ومن تأمل كتاب الأغاني، رأى كل قبيح ومنكر(3). قال الذهبي: رأيت شيخنا تقي الدين ابن تيمية يضعفه، ويتهمه في نقله ويستهول ما يأتي به(4).
__________
(1) السيف اليماني في نحر الأصفهاني للأعظمي، ص (9-14).
(2) تاريخ بغداد (11/398).
(3) المنتظم (7/41،40).
(4) ميزان الاعتدال (3/123).(2/319)
4- تاريخ اليعقوبي، ت 290هـ: هو أحمد بن أبي يعقوب إسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح العباسي من أهل بغداد، مؤرخ شيعي إمامي كان يعمل في كتابة الدواوين في الدولة العباسية حتى لقب بالكاتب العباسي، وقد عرض اليعقوبي تاريخ الدولة الإسلامية من وجهة نظر الشيعة، الإمامية، فهو لا يعترف بالخلافة إلى لعلي بن أبي طالب وأبنائه حسب تسلسل الأئمة عند الشيعة، ويسمي عليًا بالوصي، وعندما أرَّخ لخلافة أبي بكر وعمر وعثمان لم يضف عليهم لقب الخلافة وإنما قال تولى الأمر فلان، ثم لم يترك واحدًا منهم دون أن يطعن فيه، وكذلك كبار الصحابة، فقد ذكر عن عائشة، رضي الله عنها، أخبارًا(1) سيئة، وكذلك عن خالد بن الوليد(2)، وعمرو بن العاص(3)، ومعاوية بن أبي سفيان(4)، وعرض خبر السقيفة عرضًا مشينًا(5) ادعى فيه أنه قد حصلت مؤامرة على سلب الخلافة من علي ابن أبي طالب الذي هو الوصي في نظره، وطريقته في سياق الاتهامات –الباطلة- هي طريقة قومه من أهل التشيع والرفض، وهي إما اختلاق الخبر بالكلية(6)، أو التزيد في الخبر(7)، والإضافة عليه، أو عرضه في غير سياقه ومحله حتى ينحرف معناه، ومن الملاحظ أنه عندما ذكر الخلفاء الأمويين وصفهم بالملوك، وعندما ذكر خلفاء بني العباس وصفهم بالخلفاء، كما وصف دولتهم في كتابه البلدان باسم الدولة المباركة(8)، مما يعكس نفاقه وتستره وراء شعار التقية، وهذا الكتاب يمثل الانحراف والتشويه الحاصل في كتابة التاريخ الإسلامي، وهو مرجع لكثير من المستشرقين والمستغربين الذين طعنوا في التاريخ الإسلامي وسيرة رجاله، مع أنه لا قيمة له من الناحية العلمية إذ يغلب على القسم الأول القصص
__________
(1) تاريخ اليعقوبي (2/180-183).
(2) المصدر نفسه (2/131).
(3) المصدر نفسه (2/222).
(4) المصدر نفسه (2/232- 238).
(5) المصدر نفسه (2/123-126).
(6) ، (2) منهج كتابة التاريخ الإسلامي ص431.
(8) كتاب البلدان لليعقوبي ص 432.(2/320)
والأساطير والخرافات، والقسم الثاني كتب من زاوية نظر حزبية كما أنه يفتقد من الناحية المنهجية لأبسط قواعد التوثيق العلمي(1).
5- المسعودي (ت: 345هـ) كتابه مروج الذهب ومعادن الجوهر: هو أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي، من ولد عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه(2)، وقيل إنه كان رجلاً من أهل المغرب(3)، ولكن يرد عليه بأن المسعودي صرح بنفسه أنه من أهل العراق، وأنه انتقل إلى ديار مصر للسكن فيها(4)، وإن قصد ببلاد المغرب عكس المشرق فمصر من بلاد المغرب الإسلامي فلا إشكال(5)، والمسعودي رجل شيعي، فقد قال فيه ابن حجر: كتبه طافحة بأنه كان شيعيًا معتزليًا(6)، وقد ذكر أن الوصية جارية من عهد آدم تنقل من قرن إلى قرن حتى رسولنا - صلى الله عليه وسلم -، ثم أشار إلى اختلاف الناس بعد ذلك في النص والاختيار، فقد رأى الشيعة الإمامية الذين يقولون بالنص(7)، وقد أولى الأحداث المتعلقة بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه في كتابه مروج الذهب اهتمامًا كبيرًا أكثر من اهتمامه بحياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الكتاب المذكور(8)، وركز اهتمامه بالبيت العلوي وتتبع أخبارهم بشكل واضح في كتابه مروج الذهب(9)، وعمل بدون حياء ولا خجل على تشويه تاريخ صدر الإسلام.
__________
(1) منهج كتابة التاريخ الإسلامي ص 432.
(2) الفهرست لابن النديم، ص (171) سير أعلام النبلاء.
(3) الفهرست، ص (117).
(4) معجم الأدباء (13/91-93).
(5) منهج المسعودي في كتابة التاريخ ص 44، أثر التشيع، ص (243).
(6) لسان الميزان (4/225)، أثر التشيع، ص (246).
(7) مروج الذهب ومعادن الجوهر (1/38).
(8) ، (12) أثر التشيع على الروايات التاريخية، ص (248).(2/321)
هذه بعض الكتب القديمة التي نحذر منها، والتي كان لها أثر في كتابات بعض المعاصرين، كطه حسين (الفتنة الكبرى.. علي وبنوه)، والعقاد في العبقريات فقد تورطا في الروايات الموضوعة والضعيفة وقامت تحليلاتهما عليها، وبالتالي لم يحالفهما الصواب، ووقعا في أخطاء شنيعة في حق الصحابة، رضي الله عنهم، وكذلك عبد الوهاب النجار في كتابه «الخلفاء الراشدون» حيث نقل نصوصًا من روايات الرافضة من كتاب «الإمامة والسياسة»، وحسن إبراهيم حسن في كتابه «عمرو بن العاص» حيث قرر من خلال الروايات الرافضية الموضوعة بأن عمرو بن العاص رجل مصالح ومطامع ولا يدخل في شيء من الأمور إلا إذا رأى فيه مصلحة ومنفعة له في الدنيا(1)، وغير ذلك من الباحثين الذين ساروا على نفس المنوال، فدخلوا في الأنفاق المظلمة بسبب بعدهم عن منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع الركام الهائل من الروايات التاريخية.
ثامنًا: الاستشراق والتاريخ الإسلامي:
__________
(1) تاريخ عمرو بن العاص، حسن إبراهيم، ص (207،206).(2/322)
إن من أعظم الفرق أثرًا في تحريف التاريخ الإسلامي الشيعة الرافضة بمختلف طوائفها وفرقها، فهم من أقدم الفرق ظهورًا، ولهم تنظيم سياسي وتصور عقائدي، ومنهج فكري –منحرف- وهم أكثر الطوائف كذبًا على خصومهم، كما أنهم من أشد الناس خصومة للصحابة –كما سيأتي معنا- فسب الصحابة وتكفيرهم من أساسيات معتقدهم وأركانه، خاصة الشيخين أبا بكر وعمر ويسمونهما الجبت والطاغوت(1)، وقد كان للشيعة أكبر عدد من الرواة والإخباريين الذين تولوا نشر أكاذيبهم ومفترياتهم وتدوينها في كتب ورسائل عن أحداث التاريخ الإسلامي، خاصة الأحداث الداخلية، كما كان للشعوبية والعصبية أثر في وضع الأخبار التاريخية والحكايات والقصص الرامية إلى تشويه التاريخ الإسلامي، وإلى إعلاء طائفة على طائفة، أو أهل بلد على آخر، أو جنس على جنس، وإبعاد الميزان الشرعي في التفاضل وهو ميزان التقوى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13].
__________
(1) الشيعة والسنة، ص (32) إحسان إلهي ظهير.(2/323)
كما أن الفرق المنحرفة قد استغلت وضع القصاص وانتشارهم وجهل معظمهم وقلة علمهم بالسنة، وانحراف طائفة منهم تبتغي العيش والكسب، فنشروا بينهم أكاذيبهم وحكاياتهم وقصصهم الموضوعة، فتلقفها هؤلاء القصاص دن وعي وإدراك ونشروها بين العامة، لقد انتشر عن طريقهم مئات الأحاديث المكذوبة على الصحابة والتابعين وعلماء الإسلام، مما يسئ لهم ويشوه تاريخهم وسيرتهم، وقد كان من فضل الله وتوفيقه أن قيض مجموعة من العلماء النقاد الذين قاموا بجهد في نقد الرواة والمرويات فبينوا الزائف من الصحيح، ودافعوا عن عقيدة الأمة وتاريخها، وجهد علماء السنة في بيان الأحاديث المكذوبة بالنص عليها وبيان الرواة الضعاف والمتهمين وأصحاب الأهواء، وفي رسم المنهج في نقد الروايات وقبولها، جهد كبير وموفق، من أبرز من تصدى لإيضاح المغالط التاريخية ورد زيف الروايات المكذوبة القاضي ابن العربي في كتاب «العواصم من القواصم»، والإمام ابن تيمية في كثير من كتبه ورسائله، خاصة كتابه القيم «منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية»، وكذا الحافظ الناقد الذهبي في كثير من مؤلفاته التاريخية مثل كتاب «سير أعلام النبلاء، وتاريخ الإسلام، وميزان الاعتدال في نقد الرجال»، وكذلك الحافظ ابن كثير المفسر المؤرخ في كتابه «البداية والنهاية»، وأيضًا الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه، «فتح الباري في شرح صحيح البخاري، ولسان الميزان، وتهذيب التهذيب والإصابة في معرفة الصحابة».
أما الوسائل التي استخدمت لغرض تحريف الوقائع التاريخية وتشويه سير رجال الصدر الأول من الصحابة والتابعين فهي كثيرة ونذكر منها:
الاختلاق والكذب.
الإتيان بخبر أو حادثة صحيحة فيزيدون فيها وينقصون منها حتى تتشوه وتخرج عن أصلها.
وضع الخبر في غير سياقه حتى ينحرف عن معناه ومقصده، والتأويل والتفسير الباطل للأحداث.
إبراز المثالب والأخطاء وإخفاء الحقائق المستقيمة.(2/324)
صناعة الأشعار وانتحالها لتأييد حوادث تاريخية مدعاة لأن الشعر العربي ينظر له كوثيقة تاريخية ومستند يساعد في توثيق الخبر وتأييده.
وضع الكتب والرسائل المكذوبة ونحلها لعلماء وشخصيات مشهورة، كما وضعت الرافضة كتاب «الإمامة والسياسة» الذي نسبته إلى أبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري لشهرته عند أهل السنة وثقتهم به كما مر معنا.
وقد تلقف هذه الأكاذيب والتحريفات في القرن الماضي علماء الغرب وكتابه من المستشرقين والمنصرين -إبان غزوهم واستعمارهم للبلدان الإسلامية- فوجدوا فيها ضالتهم، وأخذوا يعملون على إبرازها والتركيز عليها مع ما زادوه من عندهم –بدافع من عصبيتهم وكرههم للمسلمين- من الكذب مثل اختراع حوادث لا أصل لها، أو التفسير المغرض للحوادث التاريخية بقصد التشوية، أو التفسير الخاطئ تبعًا للتصور والاعتقاد الذي يدينون به، ثم شايع هؤلاء طائفة غير قليلة العدد من تلاميذ المستشرقين في البلاد العربية والإسلامية، وأخذوا طرائقهم ومناهجهم في البحث، وأفكارهم وتصوراتهم في الفهم والتحليل وتفسير التاريخ، وحملوا الراية بعد رحيلهم عن بلاد المسلمين، فكان ضررهم أشد وأنكى من ضرر أساتذتهم المستشرقين، ومن ضرر أسلافهم السابقين من فرق البدع والضلال، وذلك أنهم ادعوا –كأساتذتهم- اتباع الروح العلمية المتجردة والمنهج العلمي في البحث، والحقيقة أن غالبهم لم يتجرد إلا من عقيدته، أما التجرد بمعنى الإخلاص للحق وسلوك المنهج العلمي السليم في إثبات الوقائع التاريخية، كالمقارنة بين الروايات، ومعرفة قيمة المصادر التي يرجعون إليها، ومدى أمانة الناقلين، وضبطهم لما نقلوا، وقياس الأخبار واعتبارهم بأحوال العمران البشري وطبائعه(1)، فلا أثر له عند القوم، فلم يتقنوا من المنهج العلمي إلا الأمور الشكلية مثل الحواشي وترتيب المراجع وما شابهها، وربما كان هذا هو مفهوم
__________
(1) ، (2) منهج كتابة التاريخ الإسلامي، محمد صامل، ص (502).(2/325)
المنهج العلمي عندهم(1)، يقول محب الدين الخطيب: إن الذين تثقفوا بثقافة أجنبية عنا قد غلب عليهم الوهم بأنهم غرباء عن هذا الماضي، وأن موقفهم من رجاله كموقف وكلاء نيابة من المتهمين، بل لقد أوغل بعضهم في الحرص على الظهور أمام الأغيار بمظهر المتجرد عن كل آصرة بماضي العروبة والإسلام جريًا وراء المستشرقين في ارتيابهم حيث تحس الطمأنينة وميلهم مع الهوى عندما يدعوهم الحق إلى التثبت وفي إنشائهم الحكم وارتياحهم إليه قبل أن تكون في أيديهم الدلائل عليه(2).
ومن أهم الوسائل التي اتبعها المستشرقون وتلاميذهم في تشويه وتحريف حقائق التاريخ الإسلامي:
__________
(2) المصادر الأولى لتاريخنا، مجلة الأزهر سنة 1374هـ.(2/326)
أ- التدخل بالتفسير الخاطئ للأحداث التاريخية على وفق مقتضيات أحوال عصرهم الذي يعيشون هم فيه وحسبما يجول بخواطرهم، دون أن يحققوا أولاً الواقعة التاريخية حتى تثبت ودون أن يراعوا ظروف العصر الذي وقعت فيه الحادثة وأحوال الناس وتوجهاتهم في ذلك الوقت، والعقيدة التي تحكمهم ويدينون بها، فإنه قبل تفسير الحادثة لابد من ثبوت وقوعها وليس وجودها في كتاب من الكتب كافيًا لثبوتها(1)، لأن مرحلة الثبوت مرحلة سابقة على البحث في تفسير الواقعة التاريخية، كما ينبغي أن يكون التفسير متمشيًا مع منطوق الخبر التاريخي، وموضوع البحث، ومع الطابع العام للمجتمع، أو العصر والبيئة التي حدثت فيها الواقعة، كما يشترط ألا يكون هذا التفسير متعارضًا مع واقعة أو جملة وقائع أخرى ثابتة، كما أنه لا ينبغي أن ينظر في التفسير إلى عامل واحد –كما هو ديدن كثير من المدارس التاريخية المعاصرة- وإنما ينظر فيه إلى جملة العوامل المؤثرة في الحديث وخاصة العوامل العقيدية والفكرية.. ثم إن التفسير التاريخي للحوادث بعد هذا كله لا يعدو كونه اجتهادًا بشريًا يحتمل الصواب والخطأ، ولقد أبرز البعض تاريخ الفرق الضالة وعمد إلى تضخيم أدوارها وتصويرها بصورة المصلح المظلوم، وبأن المؤرخين المسلمين قد تحاملوا عليها، فالقرامطة والإسماعيلية، والرافضة الإمامية والفاطمية والزنج وإخوان الصفا، والخوارج كلهم في نظرهم واعتبارهم دعاة إصلاح وعدالة وحرية ومساواة، وثورتهم كانت ثورات لإصلاح الظلم والجور، فهذا الشغب والإرجاف على التاريخ الإسلامي ومزاحمة سير رجاله ودعاته بسير قادة الفرق الضالة أمر لا يستغرب من قوم لا يدينون بالإسلام، فهم من واقع عقيدتهم يكيدون له بكل جهد مستطاع، ليلاً ونهارًا، وسرًا وجهارًا ولا يتوقع من مطموسي الإيمان وملل الكفر إلا مناصرة إخوانهم في الضلال، ولكن الأمر الذي قد يحدث استغرابًا عند البعض
__________
(1) منهج كتابة التاريخ الإسلامي، ص (504).(2/327)
أن يحمل راية التشويه والتحريف بعد سقوط دولة الاستشراق كتاب يحملون أسماء إسلامية ومن أبناء المسلمين، ويقومون بنشر مثل هذه السموم على بني جلدتهم ليصرفوا بها الأغرار عن الصراط المستقيم، ولقد عمد هؤلاء إلى التشبث بالروايات المشبوهة والضعيفة، والساقطة يلتقطونها من كتب الأدب وقصص السمر والحكايات الشعبية والكتب المنحولة والضعيفة، فهذه الكتب هي مستنداتهم في الغالب مع ما يجدونه من الروايات المكذوبة في الطبري والمسعودي، مع أنهم يعلمون أنها لا تعتبر مراجع علمية يعتمد عليها، لقد وقع الاعتداء على التاريخ الإسلامي –خاصة تاريخ الصدر الأول- بالتشويه عن طريق اختيار مواقف مختارة والتركيز عليها، كالمعارك والحروب مع تصويرها على غير حقيقتها حتى تزول عنها صفة الجهاد في سبيل الله، أو التركيز على الأحداث والفتن الداخلية بقصد إظهار خلافات الصحابة، رضي الله عنهم، وعرضها وكأنها نموذج للصراعات والمكائد السياسية في وقتنا الحاضر، وبالتجهيل وهو إهمال كل ما هو مدعاة للاقتداء والأسوة الحسنة، وبالتشكيك، وهو توجيه السهام إلى التاريخ ورجاله وإلى المؤرخين المسلمين أنفسهم والتشكيك في معلوماتهم وصدقهم، وبالتجزئة وهي محاولة تجزئة التاريخ الإسلامي إلى أوصال وأشتات وكأنها لا رابط بينها كالتوزيع الإقليمي والعرقي ونحوه، فكل هذه الوسائل والحملات تسعى إلى تدمير تاريخنا الإسلامي ومحو معالمه النيرة وإبعاده عن مجال القدوة الحسنة والتربية الصحيحة.(2/328)
لذا ينبغي على المؤرخ المسلم معرفة هذه الوسائل والتنبه لها، ومعرفة الذين تابعوا المستشرقين في آرائهم ومناهجهم وعدم التلقي منهم إلا بحذر شديد، فإذا كان علماؤنا -رحمهم الله- قد نقدوا كثيرًا من الرواة وضعفوا روايتهم بسبب أخذهم عن أهل الكتاب وروايتهم الإسرائيليات، فإنه ينبغي لنا التوقف في قبول أقوال وتفسيرات من يتلقى من المستشرقين بل إسقاطها وعدم اعتبارها إلا بدليل وبرهان واضح(1).
***
الفصل السابع : موقف أمير المؤمنين علي من الخوارج والشيعة
المبحث الأول : الخوارج
أولاً: نشأة الخوارج والتعريف بهم:
عرَّف أهل العلم الخوارج بتعريفات منها ما بيَّنه أبو الحسن الأشعري، أن اسم الخوارج يقع علىتلك الطائفة التي خرجت على رابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبيَّن أن خروجهم على عليّ هو العلة في تسميتهم بهذا الاسم، حيث قال رحمه الله تعالى: والسبب الذي سموا له خوارج خروجهم على عليّ لما حكم(2).
وأما ابن حزم: فقد بيَّن أن اسم الخارجي يتعدى إلىكل من أشبه أولئك النفر الذين خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وشاركهم في معتقدهم، فقد قال: ومن وافق الخوارج من إنكار التحكيم وتكفير أصحاب الكبائر والقول بالخروج على أئمة الجور، وأن أصحاب الكبائر مخلدون في النار، وأن الإمامة جائزة في غير قريش فهو خارجي وإن خالفهم، فيما عدا ذلك مما اختلف فيه المسلمون وخالفهم فيما ذكرنا فليس خارجيًا(3).
__________
(1) منهج كتابة التاريخ الإسلامي، ص (507).
(2) مقالات الإسلاميين (1/207).
(3) الفصل في الملل والأهواء والنحل (2/113).(2/329)
وأما الشهرستاني: فقد عرف الخوارج بتعريف عام اعتبر فيه الخروج على الإمام الذي اجتمعت عليه الكلمة وعلى إمامته الشرعية خروجًا في أي زمان كان، حيث قال في تعريفه للخوارج: كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى خارجيًا سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين أم كان بعدهم على التابعين بإحسان والأئمة في كل زمان(1).
وقال ابن حجر معرفًا لهم: والخوارج هم الذين أنكروا على عليّ التحكيم وتبرؤوا منه ومن عثمان وذريته وقاتلوهم، فإن أطلقوا تكفيرهم فهم الغلاة(2)، وقال في تعريف آخر: أما الخوارج فهم جماعة خارجة، أي: طائفة، وهم قوم مبتدعون سموا بذلك لخروجهم على الدين وخروجهم على خيار المسلمين(3).
وأما أبو الحسن الملطي: فيرى أن أول الخوارج المحكمة، الذين ينادون لا حكم إلا لله ويقولون: عليٌّ كفر، يجعل الحكم إلى أبي موسى الأشعري ولا حكم إلا لله. فرقة الخوارج، سميت خوارج لخروجهم على عليّ رضي الله عنه يوم الحكمين، حين كرهوا التحكيم، وقالوا: لا حكم إلا لله(4).
وأما الدكتور ناصر العقل فيقول: هم الذين يُكَفِّرون بالمعاصي، ويخرجون على أئمة الجور(5).
__________
(1) الملل والنحل.
(2) هدي الساري في مقدمة فتح الباري، ص 459.
(3) فتح الباري (2/283).
(4) التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، ص 47.
(5) الخوارج، ناصر العقل، ص 28.(2/330)
فالخوارج هم أولئك النفر الذين خرجوا على عليّ رضي الله عنه بعد قبوله التحكيم في موقعة صفين، ولهم ألقاب أخرى عرفوا بها غير لقب الخوارج، ومن تلك الألقاب الحرورية(1)، والشراة(2)، والمارقة، والمحكمة(3)، وهم يرضون بهذه الألقاب كلها إلا بالمارقة، فإنهم ينكرونه أن يكونوا مارقين من الدين كما يمرق السهم من الرمية(4).
__________
(1) سموا بهذا الاسم لنزولهم بحروراء في أول أمرهم.
(2) سموا شراة لقولهم: شرينا أنفسنا في طاعة الله، أي: بعناها بالجنة.
(3) سموا بهذا الاسم لإنكارهم الحكمين، وقولهم: لا حكم إلا لله.
(4) مقالات الإسلاميين (1/207).(2/331)
ومن أهل العلم من يرجع بداية نشأة الخوارج إلى زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ويجعل أول الخوارج ذا الخويصرة الذي اعترض على الرسول - صلى الله عليه وسلم - في قسمة ذهب كان قد بعث به عليّ رضي الله عنه من اليمن في جلد مقروظ، فقد جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: بعث علي بن أبي طالب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اليمن بذهبة في أديم مقرظ(1)، لم تحصل من ترابها(2)، قال: فقسمها بين أربعة نفر، بين عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرابع إما علقمة بن علاثة، وإما عامر بن الطفيل، فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء، قال: فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحًا ومساء»، قال: فقام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة(3)، كث اللحية محلوق الرأس مشمر الإزار، فقال: يا رسول الله اتق الله، فقال: «ويلك أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله» قال: ثم ولى الرجل، فقال خالد بن الوليد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟، فقال: «لا، لعله أن يكون يصلي»، قال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس(4)، ولا أشق بطونهم»، قال: ثم نظر إليه وهو مقفٍ(5)، فقال: «إنه يخرج من ضئضئ(6) هذا قوم يتلون كتاب الله رطبًا، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية»، قال: أظنه قال: «لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود»(7).
__________
(1) أديم مقرظ: في جلد مدبوغ بالقرظ.
(2) أي: لم تميز ولم تصف من تراب معدنها.
(3) ناشز الجبهة: مرتفع الجبهة.
(4) أي: أفتش وأكشف، ومعناه: أني أمرت بالحكم بالظاهر والله يتولى السرائر.
(5) مقف: أي مولٍّ.
(6) ضئضئ: هو بضادين معجمتين مكسورتين وآخره مهموز وهو أصل الشيء.
(7) أخرجه البخاري (2/232)، ومسلم (2/742).(2/332)
قال ابن الجوزي عند هذا الحديث: أول الخوارج وأقبحهم حالة ذو الخويصرة التميمي، وفي لفظ: أنه قال له: اعدل، فقال: «ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل»(1)، فهذا أول خارجي خرج في الإسلام، وآفته أنه رضي برأي نفسه ولو وقف لعلم أنه لا رأي فوق رأي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأتباع هذا الرجل هم الذين قاتلوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه(2).
وممن أشار بأن أول الخوارج ذو الخويصرة: أبو محمد ابن حزم(3)، وكذا الشهرستاني في كتابه الملل والنحل(4)، ومن العلماء من يرى بأن نشأة الخوارج بدأت بالخروج على عثمان رضي الله عنه بإحداثهم الفتنة التي أدت إلى قتله رضي الله عنه ظلمًا وعدوانًا، وسميت تلك الفتنة التي أحدثوها بالفتنة الأولى(5)، وقال شارح الطحاوية: الخوارج والشيعة حدثوا في الفتنة الأولى(6)، وقد أطلق ابن كثير على الغوغاء الذين خرجوا على عثمان وقتلوه اسم الخوارج، حيث قال في صدد ذكره لهم بعد قتلهم عثمان رضي الله عنه: وجاء الخوارج فأخذوا مال بيت المال وكان فيه شيء كثير جدًا(7).
الرأي الراجح في بداية نشأة الخوارج: وبالرغم من الارتباط القوي بين ذي الخويصرة والغوغاء الذين خرجوا على عثمان وبين الخوارج الذين خرجوا على عليّ بسبب التحكيم، فإن مصطلح الخوارج بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة لا ينطبق إلا على الخارجين بسبب التحكيم، بحكم كونهم جماعة في شكل طائفة لها اتجاهها السياسي وآراؤها الخاصة، أحدثت أثرًا فكريًا عَقَديًا واضحًا، بعكس ما سبقها من حالات(8).
ثانيًا: ذكر الأحاديث التي تتضمن ذم الخوارج:
__________
(1) أخرجه مسلم (2/740).
(2) تلبيس إبليس، ص 90.
(3) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/157).
(4) الملل والنحل (1/116).
(5) عقيدة أهل السنة في الصحابة (3/1141).
(6) شرح العقيدة الطحاوية ص 563.
(7) البداية والنهاية (7/202).
(8) فرق معاصرة للعواجي (1/67)، خلافة علي، عبد الحميد ص 297.(2/333)
وردت أحاديث كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذم الخوارج المارقة، وصفوا فيها بأوصاف ذميمة شنيعة جعلتهم في أخبث المنازل، فمن الأحاديث التي وردت الإشارة فيها إلا ذمهم، ما رواه الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقسم قسمًا، إذ أتاه ذو الخويصرة هو رجل من تميم، فقال: يا رسول الله، اعدل، فقال: «ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل، قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل»، فقال عمر: يا رسول الله ائذن لي فيه فأضرب عنقه، فقال: «دعه فإن له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم(1)، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية(2) ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه(3)، فما يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نفسه، وهو قدحه فلا يوجد فيه شيء، وقد سبق الفرث والدم(4)، آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة(5) تدردر(6) ويخرجون على حين فرقة من الناس»، قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتي به حتى نظر إليه على نعت النبي - صلى الله عليه وسلم -
الذي نعته(7).
__________
(1) تراقيهم: جمع ترقوة، وهي العظم بين ثغرة النحر والعاتق، وهما ترقوتان من الجانبين.
(2) الرمية: الصيد الذي ترميه فتقصده وينفذ فيه سهمك، وقيل: كل دابة مرمية.
(3) رصافة: يقال: رصف السهم إذا شده بالرصاف، وهو عقب يلوي على مدخل النصل فيه.
(4) يعني: مر مرًا سريعًا في الرمية، لم يعلق به شيء من الفرث والدم.
(5) البضعة: القطعة من اللحم، النهاية في غريب الحديث (1/133).
(6) تدردر: أي: ترجرج تجئ وتذهب. النهاية في غريب الحديث (2/112).
(7) مسلم (2/744،743).(2/334)
وروى الشيخان أيضًا من حديث أبي سلمة وعطاء بن يسار أنهما أتيا أبا سعيد الخدري فسألاه عن الحرورية هل سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يخرج في هذه الأمة –ولم يقل منها- قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، فيقرؤون القرآن لا يجاوز حلوقهم –أو حناجرهم- يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، فينظر الرامي إلى سهمه إلى نصله، إلى رصافه فيتمارى في الفوقة(1) هل علقت بها من الدم شيء»(2)، وروى البخاري من حديث أسيد بن عمرو قال: قلت لسهل بن حنيف: هل سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في الخوارج شيئًا؟ قال سمعته يقول: وأهوى بيده قبل العراق: «يخرج منه قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية» ففي هذه الأحاديث الثلاثة ذم واضح لفرقة الخوارج، فقد وصفهم - صلى الله عليه وسلم - بأنهم طائفة مارقة، وأنهم يتشددون في الدين في غير موضع التشدد، بل يمرقون منه بحيث يدخلون فيه ثم يخرجون منه سريعًا لم يتمسكوا منه بشيء، كما اشتمل الحديث الأول في هذه الأحاديث الثلاثة أنهم يقاتلون أهل الحق، وأن أهل الحق يقتلونهم، وأن فيهم رجلاً صفة يده كذا وكذا، وكل هذا وقع وحصل كما أخبر به - صلى الله عليه وسلم -، وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يجاوز تراقيهم» احتمالان:
1- يحتمل أنه لكونه لا تفقهه قلوبهم، ويحملونه على غير المراد به.
2- يحتمل أن يكون المراد أن تلاوتهم لا ترتفع إلى الله(3).
__________
(1) الفوقة: هي الحجر الذي يجعل فيه الوتر.
(2) مسلم (2/744،743).
(3) فتح الباري (6/618) ما قاله القاضي عياض في شرح النووي (7/159).(2/335)
ومن صفاتهم الذميمة التي ذمهم بها الرسول - صلى الله عليه وسلم -: أنهم ليس لهم من الإيمان إلا مجرد النطق به، وأنهم أصحاب عقول رديئة وضعيفة، وأنهم عندما يقرؤون القرآن يظنون لشدة ما بلغوا إليه من سوء الفهم أنه لهم وهو عليهم، فقد روى البخاري رحمه الله من حديث علي رضي الله عنه أنه قال: إذا حدثتكم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثًا، فوالله لإن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة، وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «سيخرج قوم في آخر الزمان(1) أحداث الأسنان(2)، سفهاء الأحلام(3) يقولون من خير قول البرية(4) لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية»(5).
وفي هذين الحديثين ذم الخوارج بأنهم ليس لهم من الإيمان إلا مجرد النطق، فقد دل الحديث الأول على أنهم يؤمنون بالنطق لا بالقلب(6). وأما هذا الحديث الذي هو حديث زيد بن وهب الجهني عن علي رضي الله عنه فقد أطلق الإيمان فيه على الصلاة، وكلا الحديثين دل على أن إيمانهم محصور في نطقهم وأنه لا يتجاوز حناجرهم، ولا تراقيهم، وهذا أبشع الذم وأقبحه لما وصف به(7).
__________
(1) قال الحافظ ابن حجر: المراد بآخر الزمان زمان خلافة النبوة، فإن في حديث سفينة المُخَرج في السنن، وصحيح ابن حبان وغيره مرفوعًا: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تصير ملكًا»، وكانت قصة الخوارج وقتلهم يوم النهروان في أواخر خلافة علي سنة ثمان وثلاثين للهجرة، فتح الباري (12/287).
(2) أحداث الأسنان: صغار السن، شرح النووي (7/169).
(3) سفهاء الأحلام: ضعفاء العقول، فتح الباري (6/619).
(4) أي من القرآن كما في حديث أبي سعيد المتقدم يقرؤون القرآن.
(5) البخاري (2/281).
(6) فتح الباري (2/281).
(7) عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام (3/1183).(2/336)
ومن الصفات القبيحة التي ذمهم بها - صلى الله عليه وسلم -: أنهم يمرقون من الدين لا يوفقون للعودة إليه، وأنهم شر الخلق والخليقة، فقد روى مسلم رحمه الله من حديث أبي ذر رضي الله عنه، قال: «إن بعدي من أمتي - أو سيكون بعدي من أمتي- قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حلاقيهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية، ثم يعودون فيه، هم شر الخلق والخليقة»(1). وروى من حديث أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر قومًا يكونون في أمته يخرجون في فرقة من الناس سيماهم التحالق قال: «هم شر الخلق – أو من شر الخلق- يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق».
ومن صفاتهم التي ذموا بها على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنهم من أبغض الخلق إلى الله، فقد جاء في صحيح مسلم من حديث عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الحرورية لما خرجت وهو مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه قالوا: لا حكم إلا لله، قال علي رضي الله عنه: كلمة حق أريد بها باطل(2)، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصف ناسًا إني لأعرف صفتهم وهؤلاء يقولون الحق بألسنتهم لا يجوز هذا منهم –وأشار إلى حلقه- من أبغض خلق الله إليه منهم أسود إحدى يديه ظبي شاه(3)، أو حلمة ثدي، فلما قتلهم علي رضي الله عنه، قال: انظروا فلم يجدوا شيئًا، فقال: ارجعوا فوالله ما كَذبت ولا كُذبت مرتين أو ثلاثًا، ثم وجدوه في خربة فأتوا به حتى وضعوه بين يديه، قال عبيد الله: وأنا حاضر ذلك من أمرهم وقول علي فيهم(4).
__________
(1) مسلم (2/750).
(2) معناه: أن الكلمة أصلها صدق، قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ} [يوسف:140]، لكنهم أرادوا بها الإنكار على علي في تحكيمه، شرح النووي (7/174،173).
(3) المراد: ضرع الشاة.
(4) مسلم (2/749).(2/337)
ومن صفاتهم القبيحة التي كانت ذمًا لهم على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنهم حرموا من معرفة الحق والاهتداء إليه(1)، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أسيد بن عمرو عن سهل بن حنيف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يتيه قوم قبل المشرق محلقة رؤوسهم»(2)، قال النووي: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «يتيه قوم قبل المشرق»، أي: يذهبون عن الصواب، وعن طريق الحق، قال: تاه إذا ذهب ولم يهتد لطريق الحق والله أعلم(3).
ومن الصفات المذمومة التي تلبسوا بها وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها واقعة فيهم: أنهم يتدينون بقتل أهل الإسلام وترك عبدة الأوثان والصلبان(4)، فقد روى الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري قال: بعث علي رضي الله عنه وهو باليمن بذهبة في تربتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أربعة نفر... فجاء رجل كث اللحية مشرف الوجنتين(5)، ناتئ الجبين(6)، محلوق الرأس، فقال: اتق الله يا محمد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فمن يطع الله إن عصيته، أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني»، قال: ثم أدبر الرجل، فاستأذن رجل من القوم في قتله يرون أنه خالد بن الوليد رضي الله عنه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن من ضئضئ هذا قومًا يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد»(7).
__________
(1) عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام (3/1184).
(2) مسلم (2/750).
(3) شرح النووي (7/175).
(4) عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام (3/1184).
(5) مشرف الوجنتين: أي غليظهما، والوجنة: ما ارتفع من لحم خده.
(6) ناتئ الجبين: أي بارز الجبين من النتوء وهو الارتفاع.
(7) البخاري (2/232)، ومسلم (2/742،741).(2/338)
وفي هذا معجزة بارهة للرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث وقع منهم ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم -، فإنهم كانوا يسلون سيوفهم على أهل الإسلام بالقتل، وكانوا يغمدونها عن الكفار من اليهود والنصارى(1)، كما سيأتي بيانه بإذن الله تعالى.
ومن الصفات القبيحة التي كانت ذمًا وعارًا مشينًا للخوارج: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حرض على قتلهم إن هم ظهروا، وأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه لو أدركهم لأبادهم بالقتل إبادة عاد وثمود، وأخبر - صلى الله عليه وسلم - بأن من قتلهم له أجر عند الله تعالى يوم القيامة، وقد شرف الله رابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب بمقاتلتهم وقتلهم، إذ أن ظهورهم كان في زمنه رضي الله عنه وأرضاه على وفق ما وصفهم به النبي - صلى الله عليه وسلم - من العلامات الموجودة فيهم، فقد خرج رضي الله عنه إلى الخوارج بالجيش الذي كان هيأه للخروج إلى الشام، فأوقع بهم بالنهروان، ولم ينج منهم إلا دون العشرة، كما سيأتي بيانه، ولم يقاتلهم حتى سفكوا الدم الحرام، وأغاروا على أموال المسلمين فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم، ولما أظهروه من الشر من أعمالهم وأقوالهم وحسبنا هنا من الأحاديث الواردة في ذم الخوارج ما تقدم ذكره، إذ الأحاديث الواردة في ذمهم كثيرة قلما يخلو منها كتاب من كتب السنة المطهرة(2). وسيأتي الحديث في الصفحات القادمة بإذن الله تعالى عن بداية انحيازهم إلى حروراء، ومناظرة ابن عباس لهم، وحرص أمير المؤمنين علي على تبصيرهم وهدايتهم، وعن أسباب معركة النهروان والنتائج التي ترتبت عليها، وعن أصول الخوارج ومناقشة تلك الأصول، وهل الفكر الخارجي لا زالت أفكاره موجودة بين الناس؟ وما أسباب ذلك؟، وكيفية معالجتها؟.
ثالثًا: انحياز الخوارج إلى حروراء ومناظرة ابن عباس لهم
__________
(1) عقيدة أهل السنة في الصحابة الكرام (3/1185).
(2) عقيدة أهل السنة في الصحابة الكرام (3/118).(2/339)
انفصل الخوارج في جماعة كبيرة من جيش علي رضي الله عنه أثناء عودته من صفين إلى الكوفة، قدر عددها في رواية ببضعة عشر ألفًا، وحدد في رواية باثني عشر ألفًا(1)، وفي رواية بثمانية آلاف(2)، وفي رواية بأنهم أربعة عشر ألفًا(3)، كما ذكر أنهم عشرون ألفًا(4)، وهذه الرواية التي تذكر أنهم عشرون ألفًا، قد جاءت بدون إسناد(5)، وقد انفصل هؤلاء عن الجيش قبل أن يصلوا إلى الكوفة بمراحل، وقد أقلق هذا التفرق أصحاب علي وهالهم، وسار عليّ بمن بقي من جيشه على طاعته حتى دخل الكوفة، وانشغل أمير المؤمنين بأمر الخوارج خصوصًا بعد ما بلغه تنظيم جماعتهم من تعيين أمير للصلاة وآخر للقتال، وأن البيعة لله عز وجل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مما يعني انفصالهم فعليًا عن جماعة المسلمين.
__________
(1) تاريخ بغداد (1/160).
(2) البداية والنهاية (7/281،280) إسناده صحيح، مجمع الزوائد (6/235).
(3) مصنف عبد الرزاق (10/157-160) بسند حسن.
(4) تاريخ خليفة، ص (192).
(5) خلافة علي بن أبي طالب، عبد الحميد، ص 303.(2/340)
وكان أمير المؤمنين عليّ حريصًا على إرجاعهم إلى جماعة المسلمين، فأرسل ابن عباس إليهم لمناظرتهم، وهذا ابن عباس يروي لنا الحادثة، فيقول:.... فخرجت إليهم ولبست أحسن ما يكون من حلل اليمن، وترجلت، ودخلت عليهم في دار في نصف النهار، وكان ابن عباس رجلاً جميلاً جهيرًا، فقالوا: مرحبًا بك يا ابن عباس، ما هذه الحلة؟، قال: ما تعيبون عليّ؟، لقد رأيت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن ما يكون من الحلل، ونزلت: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف:32] قالوا: فما جاء بك؟، قال: قد أتيتكم من عند صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - من المهاجرين والأنصار، من عند ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - وصهره وعليهم نزل القرآن، فهم أعلم بتأويله منكم، وليس فيكم منهم أحد لأبلغكم ما يقولون، وأبلغهم ما تقولون، فانتحى لي نفر منهم، قلت: هاتوا ما نقمتم على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن عمه، قالوا: ثلاث، قلت: ما هن؟ قالوا: أما إحداهن: فإنه حكم الرجال في أمر الله، وقال الله: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ} ما شأن الرجال والحكم؟، قلت: هذه واحدة، وأما الثانية فإنه قاتل ولم يَسب ولم يغنم، فإن كانوا كفارًا لقد حل سبيهم، ولئن كانوا مؤمنين ما حل سبيهم ولا قتلهم، قلت: هذه اثنتان فما الثالثة؟، قالوا: محا نفسه من أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين، قلت: هل عندكم شيء غير هذا؟، قالوا: حسبنا هذا، قلت لهم: أرأيتكم إن قرأت عليكم من كتاب الله جل ثناؤه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ما يرد قولكم أترجعون؟، قالوا: نعم، قلت: أما قولكم: حكم الرجال في أمر الله، فإني أقرأ عليكم من كتاب الله أن قد صير الله حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم، فأمر الله تبارك وتعالى أن يحكموا فيه، أرأيتم قول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنْكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ(2/341)
مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ} [المائدة:95]، وكان من حكم الرجال، أنشدكم بالله أحكم الرجال في صلاح ذات البين، وحقن دمائهم أفضل أو في أرنب؟ قالوا: بلى، بل هذا أفضل، قلت: وفي المرأة وزوجها {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا} [النساء:35]، فنشدتكم بالله حكم الرجال في صلاح ذات بينهم وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في بضع امرأة، أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم، قلت: وأما قولكم: قاتل ولم يَسْبِ ولم يغنم، أفتسبون أمكم عائشة، تستحلون منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم؟، فإن قلتم: إنا نستحل منها ما نستحل من غيرها فقد كفرتم، وإن قلتم ليست بأمنا فقد كفرتم {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب:6]، فأنتم بين ضلالتين فأتوا منها بمخرج، أفخرجت من هذه؟ قالوا: نعم، فقال: وأما محا نفسه من أمير المؤمنين، فأنا آتيكم بما تضرون، إن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية صالح المشركين، فقال لعلي: «اكتب يا علي ما صالح عليه محمد رسول الله»، قالوا: لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «امح يا علي، اللهم إنك تعلم أني رسول الله، امح يا علي واكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله»، والله لرسول الله خير من علي، وقد محا نفسه، ولم يكن محوه نفسه ذلك محاه من النبوة، أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم، فرجع منهم ألفان وخرج سائرهم، فقاتلوا على ضلالتهم، قتلهم المهاجرون والأنصار(1).
ويمكننا أن نستخرج من مناظرة ابن عباس للخوارج مجموعة من الدروس والعبر والحكم منها:
__________
(1) خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، النسائي، تحقيق أحمد البلوشي، ص 200، إسناده حسن.(2/342)
1- حسن الاختيار لمن سوف يقوم بالمناظرة مع الخصم: فقد اختار أمير المؤمنين علي ابن عمه عبد الله بن عباس، وهو حبر الأمة وترجمان القرآن؛ لأن القوم كانوا يعرفون بالقراء ويعتمدون في الاستدلال على معتقدهم بالقرآن، لذا كان أولى الناس بمناظرتهم من هو أدرى الناس بالقرآن وبتأويله، ويمكن القول بأن ابن عباس رضي الله عنه هو صاحب الاختصاص في هذه المناظرة، لما يتحلى به من إخلاص النية لله، واجتناب الهوى، والتحلي بالحلم والصبر، والتريث والترفق بالخصم، وحسن الاستماع لكل الخصوم، وتجنب المماراة، ووضوح الحجة وقوة الدليل.
2- الابتداء مع الخصم من نقاط الاتفاق: فقد كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وخصومه من الخوارج متفقين على الأخذ من كتاب الله وسنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - وكذلك كان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حيث قال لهم: أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله ومن سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ما يرد قولكم أترجعون؟، ومع هذا فإن عبد الله بن عباس رضي الله عنه يستوثق منهم قبل بداية المناظرة.
3- معرفة ما عند الخصم من الحجج واستقصاؤها: والاستعداد لها قبل بداية المناظرة، ونتوقع أن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه علم بحججهم قبل مناظرتهم، وقرر لأصحابه كيفية الرد عليها.
4- تفنيد مزاعم الخصم واحدة تلو الأخرى: حتى لا يبقى لهم حجة كما يتضح من كلام ابن عباس رضي الله عنهما في مناظرته لهم كلما فرغ من تفنيد حجة قال: أخرجت من هذه؟.
5- التقديم للمناظرة بما يخدم نتيجتها لصالح الحق: فإن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال في بداية الأمر وقبل المناظرة: أتيتكم من عند أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وصهره وعليهم نزل القرآن وهم أعلم بتأويله منكم، وليس فيكم أحد منهم(1).
__________
(1) خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ص 197 إسناده حسن.(2/343)
6- إظهار احترام رأي الخصم أثناء المناظرة: ليكون أدعى لسماع كل ما عنده، وأن يحمله على احترام رأيه، وهذا ما ظهر من مناظرة ابن عباس للخوارج(1)،
7- وقد وفق الله عز وجل الآلاف من هؤلاء: إذ بلغ عدد من شهد معركة النهروان منهم أقل من أربعة آلاف –كما سيأتي بيانه بإذن الله تعالى- وذلك عندما عرفوا الحق، وزالت عنهم الشبهة بفضل الله، ثم بسبب ما أوتيه ابن عباس رضي الله عنهما من علم وقوة وحُجة وبيان، إذ وضح لهم بطلان ما احتجوا به، بتفسير الآيات التي تأولوها التفسير الصحيح، وبالسُنة النبوية المشرفة والتي توضح معاني القرآن الكريم(2).
8- قول ابن عباس رضي الله عنهما: وليس فيكم منهم أحد: (3) هذا نص صريح من ابن عباس في كون الخوارج لا يوجد فيهم أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يعترض عليه أحد من الخوراج، والرواية صحيحة وثابتة، كما أنه لا يوجد أحد من علماء أهل السنة –على حد علمي- قال: إن الخوارج كان فيهم بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأما الزعم أن الخوارج كان فيهم بعض الصحابة فذلك عند المذهب الخارجي، وليس لهم دليل علمي موثوق به على قولهم.
9- تحديد المرجعية: في قول ابن عباس رضي الله عنهما: أرأيتكم إن قرأت عليكم من كتاب الله جل ثناؤه وسُنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ما يرد قولكم أترجعون؟، قالوا: نعم.
ففي كلام ابن عباس هذا درس مهم، ألا وهو تحديد المرجعية للمتناظرين حتى يمكن الوصول إلى نتيجة صحيحة من خلال المناظرة.
رابعًا: خروج أمير المؤمنين رضي الله عنه لمناظرة بقية الخوارج وسياسته في التعامل معهم بعد رجوعهم للكوفة ثم خروجهم من جديد
__________
(1) منهج علي بن أبي طالب في الدعوة إلى الله، ص 339.
(2) خلافة علي بن أبي طالب، عبد الحميد ص 307.
(3) خصائص علي بن أبي طالب، للنسائي، ص 200، إسناده حسن، للبلوشي.(2/344)
بعد مناظرة ابن عباس للخوارج واستجابة ألفين منهم له، خرج أمير المؤمنين علي بنفسه إليهم فكلمهم فرجعوا ودخلوا الكوفة، إلا أن هذا الوفاق لم يستمر طويلاً، بسبب أن الخوارج فهموا من علي رضي الله عنه أنه رجع عن التحكيم وتاب من خطيئته –حسب زعمهم- وصاروا يذيعون هذا الزعم بين الناس، فجاء الأشعث بن قيس الكندي إلى أمير المؤمنين، وقال له: إن الناس يتحدثون أنك رجعت لهم عن الكفر، فخطب علي رضي الله عنه يوم الجمعة، وبعد أن حمد الله وأثنى عليه ذكرهم ومباينتهم الناس وأمرهم الذي فارقوه فيه(1)، وفي رواية: جاء رجل فقال: لا حكم إلا لله، ثم قام آخر فقال: لا حكم إلا لله، ثم قاموا نواحي المسجد يحكمون الله، فأشار عليهم بيده، اجلسوا، نعم لا حكم إلا لله، كلمة حق يبتغى بها باطل، حكم الله أنتظر فيكم(2)، وأخذ يسكتهم بالإشارة وهو على المنبر، فقام رجل منهم واضعًا إصبعيه في أذنيه ويقول: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65]، فرد أمير المؤمنين علي بقوله تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ} [الروم:60].
وأعلن أمير المؤمنين علي سياسته الراشدة العادلة تجاه هذه الجماعة المتطرفة، فقال لهم: إن لكم عندنا ثلاثًا:
1- لا نمنعكم صلاة في هذا المسجد.
2- ولا نمنعكم نصيبكم من هذا الفيء ما كانت أيديكم مع أيدينا.
3- ولا نقاتلكم حتى تقاتلونا(3).
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة (15/313،312)، صححه الألباني في إرواء الغليل (8/119،118).
(2) مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري، ص 452.
(3) مصنف ابن أبي شيبة (15/328،327)، والشافعي في الأم (4/136)، وتاريخ الطبري (5/688) بسند ضعيف للانقطاع على أن للسند شواهد وقد توبع، قاله الألباني في إرواء الغليل (8/118،117).(2/345)
فقد سلم لهم أمير المؤمنين علي بهذه الحقوق ما داموا لم يقاتلوا الخليفة، أو يخرجوا على جماعة المسلمين، مع احتفاظهم بتصوراتهم الخاصة في إطار العقيدة الإسلامية، فهو لا يخرجهم بداية من الإسلام، وإنما يسلم لهم بحق الاختلاف دون أن يؤدي إلى الفرقة وحمل السلاح(1). ولم يزج أمير المؤمنين بالخوارج في السجون أو يسلط عليهم الجواسيس، ولم يحجر على حرياتهم، ولكنه رضي الله عنه حرص على إيضاح الحجة وإظهار الحق لهم ولغيرهم ممن قد ينخدع بآرائهم ومظهرهم، فقد أمر مؤذنه بأنه يدخل عليه القراء ولا يدخل أحد إلا قد حفظ القرآن، فامتلأ الدار من قراء الناس، فدعا بمصحف إمام عظيم، فطفق يصكه بيديه ويقول: أيها المصحف حدث الناس، فناداه الناس فقالوا: يا أمير المؤمنين ما تسأله عنه، إنما هو مداد من ورق، ونحن نتكلم بما وعينا منه، فماذا تريد؟ قال: أصحابكم هؤلاء الذين خرجوا بيني وبينهم كتاب الله، يقول الله تعالى في كتابه في امرأة ورجل {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُّرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا} [النساء:35]. فأمة محمد أعظم دمًا وحرمة من امرأة ورجل، ونقموا علي أن كاتبت معاوية، فكتبت علي بن أبي طالب، وقد جاءنا سهيل بن عمرو ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية حين صالح قومه قريشًا، فكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بسم الله الرحمن الرحيم»، فقال سهيل: لا أكتب بسم الله الرحمن الرحيم، قال: «كيف تكتب؟» قال: اكتب باسمك اللهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اكتب»، فكتبت، فقال: «اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله»، فقال: لو أعلم أنك رسول الله لم أخالفك، فكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله قريشًا، يقول الله في كتابه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ
__________
(1) الوظيفة العقيدية للدولة الإسلامية، حامد عبد الماجد، ص 47.(2/346)
وَالْيَوْمَ الآَخِرَ}(1) [الأحزاب:21].
ولما أيقن الخوارج أن أمير المؤمنين عازم على إنفاذ أبي موسى الأشعري حكمًا، طلبوا منه الامتناع عن ذلك، فأبى علي عليهم ذلك وبين لهم أن هذا يعد غدرًا ونقضًا للأيمان والعهود، وقد كتبنا بيننا وبين القوم عهودًا، وقد قال تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً} [النحل:91].
فقرر الخوارج الانفصال عن أمير المؤمنين علي وتعيين أمير عليهم، فاجتمعوا في منزل عبد الله بن وهب الراسبي، فخطبهم خطبة بليغة زهدهم في الدنيا ورغبهم في الآخرة والجنة، وحثهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم قال: فاخرجوا بنا إخواننا من هذه القرية الظالم أهلها إلى جانب هذا السواد، إلى بعض كور الجبال أو بعض هذه المدائن منكرين لهذه الأحكام الجائرة، ثم قام حرقوص بن زهير فقال بعد حمد الله والثناء عليه: إن المتاع بهذه الدنيا قليل، وإن الفراق لها وشيك، فلا تدعونكم زينتها أو بهجتها إلى المقام بها، ولا تلتفت بكم عن طلب الحق وإنكار الظلم {إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} [النحل:128]. فقال حمزة بن سنان الأسدي: يا قوم، إن الرأي ما رأيتم وإن الحق ما ذكرتم، فولوا أمركم رجلاً منكم، فإنه لابد لكم من عماد وسنان، ومن راية تحفون بها، وترجعون إليها. فبعثوا إلى زيد بن حصن الطائي –وكان من رؤوسهم- فعرضوا عليه الإمارة فأبى، ثم عرضوها على حرقوص بن زهير فأبى، وعرضوها على حمزة بن سنان فأبى، وعرضوها على شريح بن أبي أوفى العبسي فأبى، وعرضوها على عبد الله بن وهب الراسبي فقبلها، وقال: أما والله لا أقبلها رغبة في الدنيا، ولا أدعها فرقًا من الموت(2).
__________
(1) مسند أحمد (2/656)، قال أحمد شاكر: صحيح الإسناد.
(2) البداية والنهاية (7/312)، تاريخ الطبري (5/689).(2/347)
واجتمعوا أيضًا في بيت زيد بن حصن الطائي السنبيسي فخطبهم وحثهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتلا عليهم آيات من القرآن منها قوله تعالى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص:26]، وقوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44]، والآية التي بعدها: {وَمَن لَّمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45]، والآية التي بعدها: {وَمَن لَّمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:47].
ثم قال: فأشهد على أهل دعوتنا من أهل قبلتنا، أنهم قد اتبعوا الهوى ونبذوا حكم الكتاب، وجاروا في القول والأعمال، وأن جهادهم حق على المؤمنين، وبكى رجل منهم يقال له: عبد الله بن شجرة السلمي، ثم حرض أولئك على الخروج على الناس وقال في كلامه: اضربوا وجوههم وجباههم بالسيوف حتى يطاع الرحمن الرحيم، فإن أنتم ظفرتم وأطيع الله كما أردتم أثابكم ثواب المطيعين له العاملين بأمره، وإن فشلتم فأي شيء أفضل من المصير إلى رضوان الله وجنته(1).
__________
(1) البداية والنهاية (7/312).(2/348)
قال ابن كثير بعد أن ذكر ما أملاه الشيطان لهم مما تقدم ذكره: وهذا ضرب من الناس من أغرب أشكال بني آدم، فسبحان من نوَّع خلقه كما أراد وسبق في قدره العظيم، وما أحسن ما قال بعض السلف في الخوارج: إنهم المذكورون في قوله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً - الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا - أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 103-105]. والمقصود أن هؤلاء الجهلة الضلال، والأشقياء في الأقوال والأفعال اجتمع رأيهم على الخروج من بين أظهر المسلمين، وتواطؤوا على المسير إلى المدائن ليملكوها على الناس، ويتحصنوا بها، ويبعثوا إلى إخوانهم وأضرابهم ممن هم على رأيهم ومذهبهم من أهل البصرة وغيرها فيوافوهم إليها، ويكون اجتماعهم عليها، فقال لهم زيد بن حصن الطائي: إن المدائن لا تقدرون عليها، فإن بها جيشًا لا تطيقونه وسيمنعونها منكم، ولكن واعدوا إخوانكم إلى جسر نهر جوخي ولا تخرجوا من الكوفة جماعات، ولكن اخرجوا وحدانًا لئلا يفطن بكم. فكتبوا كتابًا عامًا إلى من هو على مذهبهم، ومسلكهم من أهل البصرة وغيرها، وبعثوا به إليهم ليوافوهم إلى النهر ليكونوا يدًا واحدة على الناس، ثم خرجوا يتسللون وحدانًا لئلا يعلم أحد بهم فيمنعوهم من الخروج، فخرجوا من بين الآباء والأمهات، والأخوال والخالات، وفارقوا سائر القرابات يعتقدون بجهلهم وقلة علمهم وعقلهم أن هذا الأمر يرضي رب الأرض والسماوات، ولم يعلموا أنه من أكبر الكبائر الموبقات والعظائم والخطيئات، وأنه مما زينه لهم إبليس الشيطان الرجيم المطرود من السماوات، الذي نصب العداوة لأبينا آدم، ثم لذريته ما دامت أرواحهم في أجسادهم مترددات؛ وقد تدارك جماعة من الناس بعض أولادهم وإخوانهم،(2/349)
فردوهم وأنَّبوهم ووبخوهم، فمنهم من استمر على الاستقامة ومنهم من فر بعد ذلك فلحق بالخوارج فخسر إلى يوم القيامة، وذهب الباقون إلى ذلك الموضع ووافى إليهم من كانوا يكتبون إليه من أهل البصرة وغيرها، واجتمع الجميع بالنهروان وصارت لهم شوكة ومنعة(1).
ولما تفرق الحكمان على غير رضا، كتب أمير المؤمنين علي إلى الخوارج وهم مجتمعون بالنهروان أن الحكمين تفرقا على غير رضا، فارجعوا إلى ما كنتم عليه وسيروا بنا إلى قتال أهل الشام، فأبوا ذلك، وقالوا: حتى تشهد على نفسك بالكفر وتتوب، فأبى(2). وفي رواية كتبوا إليه: أما بعد، فإنك لم تغضب لربك، إنما غضبت لنفسك فإن شهدت على نفسك بالكفر، واستقبلت التوبة، نظرنا فيما بيننا وبينك وإلا فقد نابذناك على سواء، إن الله لا يحب الخائنين، فلما قرأ كتابهم أيس منهم، فرأى أن يدعهم ويمضي بالناس إلى أهل الشام حتى يلقاهم فيناجزهم(3).
إن قضية إعلان الخوارج كُفر عليّ وطلبهم منه التوبة لا تثبت بهذه الروايات، ولكنها تتفق مع رأي الخوارج في تكفير علي وعثمان وامتحان الناس بذلك(4).
خامسًا: معركة النهروان (38هـ)
__________
(1) البداية والنهاية (7/313،312).
(2) أنساب الأشراف (2/63) بسند فيه ضعف وله شواهد.
(3) خلافة علي بن أبي طالب، عبد الحميد، ص 319.
(4) المصدر نفسه، ص 318.(2/350)
1- سبب المعركة: كانت الشروط التي أخذها أمير المؤمنين علي على الخوارج أن لا يسفكوا دمًا، ولا يروعوا آمنًا، ولا يقطعوا سبيلاً، وإذا ارتكبوا هذه المخالفات فقد نبذ إليهم الحرب، ونظرًا لأن الخوارج يكفِّرون من خالفهم ويستبيحون دمه وماله، فقد بدؤوا بسفك الدماء المحرمة في الإسلام، وقد تعددت الروايات في ارتكابهم المحظورات، ومما صح من هذه الروايات ما حدث به شاهد عيان كان من الخوارج ثم تركهم حيث قال: صحبت أصحاب النهر، ثم كرهت أمرهم، فكتمته خشية أن يقتلوني، فبينما أنا مع طائفة منهم، إذ أتينا على قرية وبيننا وبين القرية نهر، إذ خرج رجل من القرية مذعورًا يجر رداءه، فقالوا له: كأننا روعناك؟، قال: أجل، قالوا: لا روع لك، فقلت: والله يعرفونه ولم أعرفه، فقالوا: أنت ابن خباب صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟. قال: نعم، قالوا: عندك حديث تحدثناه عن أبيك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟، قال: سمعته يقول: إنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر فتنة فقال: «القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، فإن أدركتك فكن عبد الله المقتول»، فأخذوه وسُرِّيَّة له معهم، فمر بعضهم على ثمرة ساقطة من نخلة، فأخذها فألقاها في فيه، فقال بعضهم: ثمرة معاهد فبم استحللتها؟ فألقاها من فيه ثم مروا على خنزير فنفحه بعضهم بسيفه فقال بعضهم: خنزير معاهد فبم استحللته؟، فقال عبد الله بن خباب: ألا أدلكم علىما هو أعظم عليكم حرمة من هذا؟ قالوا: نعم، قال: أنا، ولكنهم قدموه إلى النهر فضربوا عنقه، يقول الراوي: فرأيت دمه يسيل على الماء، كأنه شراك نعل اندفر بالماء حتى توارى عنهم(1)، ثم دعوا بالسرية وهي حبلى، فبقروا عما في بطنها، يقول الراوي: لم أصحب قومًا هم أبغض إليّ صحبة منهم، حتى وجدت خلوة فانفلت(2). أثار هذا العمل الرعب بين الناس، وأظهر مدى إرهابهم
__________
(1) أي لم يختلط بالماء، تاريخ بغداد (1/206،205).
(2) مصنف ابن أبي شيبة (15/311،310) بسند صحيح.(2/351)
ببقر بطن هذه المرأة وذبحهم عبد الله كما تُذبح الشاة، ولم يكتفوا بهذا بل صاروا يهددون الناس قتلاً، حتى إن بعضهم استنكر عليهم هذا العمل قائلين: ويلكم ما على هذا فارقنا عليًا(1).
بالرغم من فظاعة ما ارتكبه الخوارج من منكرات بشعة، لم يبادر أمير المؤمنين علي إلى قتالهم، بل أرسل إليهم أن يسلموا القتلة لإقامة الحد عليهم، فأجابوه بعناد واستكبار: كلنا قتلة(2)، فسار إليهم بجيشه الذي قد أعده لقتال أهل الشام في شهر محرم من عام 38هـ(3)، وعسكر على الضفة الغربية لنهر النهروان، والخوارج على الضفة الشرقية بحذاء مدينة النهروان(4).
__________
(1) مجمع الزوائد (6/238،237) إسناده صحيح.
(2) مصنف ابن أبي شيبة (15/309،308) بسند صحيح.
(3) أنساب الأشراف (2/63) بسند فيه مجهول، خلافة علي بن أبي طالب، عبد الحميد ص 322.
(4) تاريخ بغداد (1/206،205).(2/352)
2- تحريض أمير المؤمنين علي جيشه على القتال: كان أمير المؤمنين علي رضي الله عنه يدرك أن هؤلاء القوم هم الخوارج الذين عناهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمروق من الدين، لذلك أخذ يحث أصحابه أثناء مسيرهم إليهم ويحرضهم على قتالهم، وكان لأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخوارج أثرها لدى الصحابة وأتباع أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، فقد كان رضي الله عنه يحث جيشه على البدء بهؤلاء الخوارج، فقال: أيها الناس إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يخرج قوم من أمتي يقرؤون القرآن، ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرؤون القرآن، يحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية»، لو يعلم الجيش الذي يصيبونه ما قضى لهم على لسان نبيهم - صلى الله عليه وسلم - لاتكلوا عن العمل، وآية ذلك أن فيهم رجلاً له عضد وليس له ذراع، على رأس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعيرات بيض، فتذهبون إلى معاوية وأهل الشام، وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم، والله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم فإنهم قد سفكوا الدم الحرام، وأغاروا في سرح الناس، فسيروا على
اسم الله(1).
وقال رضي الله عنه في يوم النهروان: أمرت بقتال المارقين.. وهؤلاء المارقون(2).
__________
(1) مسلم (749،748).
(2) السنة لابن أبي عاصم، تحقيق الألباني رحمه الله.(2/353)
وعسكر الجيش في مقابلة الخوارج يفصل بينهما نهر النهروان، وأمر جيشه أن لا يبدؤوا بالقتال، حتى يجتاز الخوارج النهر غربًا، وأرسل علي رضي الله عنه رسله يناشدهم الله ويأمرهم أن يرجعوا، وأرسل إليهم البراء بن عازب رضي الله عنه يدعوهم ثلاثة أيام فأبوا(1)، ولم تزل رسله تختلف إليهم حتى قتلوا رسله، واجتازوا النهر(2)، وعندما بلغ الخوارج هذا الحد وقطعوا الأمل في كل محاولات الصلح وحفظ الدماء، ورفضوا عنادًا واستكبارًا العودة إلى الحق وأصروا على القتال، قام أمير المؤمنين بترتيب الجيش، وتهيئته للقتال(3)، فجعل على ميمنته حجر بن عدي، وعلى الميسرة شبث بن ربعي، ومعقل بن قيس الرياحي، وعلى الخيل أبا أيوب الأنصاري، وعلى الرجالة أبا قتادة الأنصاري، وعلى أهل المدينة –وكانوا سبعمائة- قيس بن سعد بن عبادة، وأمر علي أبا أيوب الأنصاري أن يرفع راية أمان للخوارج ويقول لهم: من جاء إلى هذه الراية فهو آمن، ومن انصرف إلى الكوفة والمدائن فهو آمن، إنه لا حاجة لنا فيكم إلا فيمن قتل إخواننا، فانصرف منهم طوائف كثيرون، وكانوا أربعة آلاف، فلم يبق منهم إلا ألف أو أقل مع عبد الله بن وهب الراسبي، فرجعوا على عليّ وكان على ميمنتهم زيد بن حصن الطائي السنبيسي، وعلى الميسرة شريح بن أوفى، وعلى خيالتهم حمزة بن سنان، وعلى الرجالة حرقوص بن زهير السعدي، فوقفوا مقاتلين لعلي وأصحابه(4).
__________
(1) السنن الكبرى للبيهقي 8/197، خلافة علي، عبد الحميد ص 324.
(2) مصنف ابن أبي شيبة (15/325-327).
(3) خلافة علي بن أبي طالب، عبد الحميد ص 324.
(4) تاريخ الخلافة الراشدة، محمد كنعان، ص 425، مختصر من البداية والنهاية.(2/354)
3- نشوب القتال: وزحف الخوارج إلى علي، وقدم علي بين يديه الخيل، وقدم منهم الرماة وصف الرجالة وراء الخيالة، وقال لأصحابه: كفوا عنهم حتى يبدأوكم، وأقبلت الخوارج يقولون: لا حكم إلا لله، الرواح الرواح إلى الجنة، فحملوا على الخيالة الذين قدمهم علي، ففرقوهم حتى أخذت طائفة من الخيالة إلى الميمنة، وأخرى إلى الميسرة فاستقبلتهم الرماة بالنبل، فرموا وجوههم، وعطفت عليهم الخيالة من الميمنة والميسرة، ونهض إليهم الرجال بالرماح والسيوف، فأناموا الخوارج فصاروا صرعى تحت سنابك الخيول، وقُتل أمراؤهم: عبد الله بن وهب، وحرقوص بن زهير، وشريح ابن أوفى، وعبد الله بن سخبرة السلمي(1)، وقال أبو أيوب: وطعنت رجلاً من الخوارج بالرمح، فأنفذته من ظهره وقلت له: أبشر يا عدو الله بالنار، فقال: ستعلم أينا أولى بها صليًا(2).
__________
(1) ، (2) تاريخ الخلافة الراشدة، ص 425.(2/355)
وقد اعتزل كثير من الخوارج القتال لكلمة سمعوها من عبد الله بن وهب الراسبي، كانت تدل عندهم على ضعف الاستبصار والوهن في اليقين، وهذه الكلمة قالها عندما ضرب علي رضي الله عنه رجلاً من الخوارج بسيفه، فقال الخارجي: حبذا الروحة إلى الجنة، فقال عبد الله بن وهب: ما أدري إلى الجنة أم إلى النار(1)، فقال رجل من بني سعد وهو فروة ابن نوفل الأشجعي: إنما حضرت اغترارًا بهذا وأراه قد شك؟، فانعزل بجماعة من أصحابه، ومال ألف إلى أبي أيوب الأنصاري، وجعل الناس يتسللون(2). وقد كانت معركة حاسمة وقصيرة أخذت وقتًا من اليوم التاسع من شهر صفر من عام ثمان وثلاثين للهجرة 9/2/38هـ(3)، وأسفرت هذه المعركة الخاطفة عن عدد كبير من القتلى في صفوف الخوارج، وكان الحال على عكس ذلك تمامًا في جيش أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، فقتلى أصحاب علي فيما رواه مسلم في صحيحه، وعن زيد بن وهب: رجلان فقط(4). وفي رواية بسند حسن قال: وقتل من أصحاب علي اثنا عشر أو ثلاثة عشر(5). وجاء في رواية صحيحة أن أبا مجلز(6) قال: ولم يقتل من المسلمين يقصد جيش علي إلا تسعة رهط، فإن شئت فاذهب إلى أبي برزة(7)، فاسأله فإنه قد شهد ذلك(8)، وأما قتلى الخوارج، فتذكر الروايات أنهم أصيبوا جميعًا(9)، ويذكر المسعودي أن عددًا يسيرًا لا يتجاوز العشرة، فروا بعد الهزيمة الساحقة(10)
__________
(1) أخبار الخوارج من الكامل للمبرد، ص 21، خلافة علي، ص 325.
(2) المصدر نفسه، ص 21، خلافة علي بن أبي طالب، عبد الحميد، ص 325.
(3) أنساب الأشراف (2/63) بسند فيه مجهول.
(4) مسلم (2/748).
(5) مصنف ابن أبي شيبة (5/311)، تاريخ خليفة ص 197 بسند حسن.
(6) لاحق بن حميد السدوسي البصري ثقة من الطبقة الثالثة.
(7) نضلة بن عبيد الأسلمي صحابي مشهور بكنيته، مات سنة 65هـ.
(8) المعرفة والتاريخ (3/315)، تاريخ بغداد (1/182).
(9) أخبار الخوارج من الكامل ص 338.
(10) خلافة علي بن أبي طالب ص 329، تاريخ خليفة ص 197.(2/356)
.
4- ذو الثدية أو المخدج وأثر مقتله على جيش علي رضي الله عنه: ظهرت روايات مختلفة في تحديد شخصية ذي الثدية، وهذه الرواية منها ما هو ضعيف الإسناد ومنها ما هو قوي، وقد جاء في الأحاديث النبوية أوصاف ذو الثدية، فمن ذلك أنه أسود البشرة(1)، وفي رواية حبشي، وأنه مخدج اليد، أي ناقص اليد، ويده صغيرة مجتمعة، فهي من المنكب إلى العضد فقط، أي بدون ذراع، وفي نهاية عضده مثل حلمة الثدي وعليها شعيرات بيض، وعضده ليست ثابتة، كأنها بلا عظم إذ إنها تدردر أي تتحرك تذهب وتجئ، أما مخدج اليد، أو مودون اليد أو مثدون اليد، فكلها بمعنى واحد وهو ناقص اليد(2)، وأما اسمه فقد أخطأ من قال أن ذا الثدية هو حرقوص بن زهير السعدي(3)، فحرقوص رجل مشهور كان له دور في الفتوح الإسلامية، ثم خرج على عثمان رضي الله عنه، وقد فر إثر معركة الجمل الصغرى التي قَتَل فيها الزبير وطلحة رضي الله عنهما قتلة عثمان بالبصرة، وقد صار حرقوص من زعماء الخوارج المميزين(4)، إلا أنه قد ورد في رواية أن اسمه (حرقوس) أما أبوه فلا يعرفه أحد، وجاء في رواية أن اسمه مالك، وذلك أنهم بحثوا عنه فلما وجدوه قال علي: الله أكبر، لا يأتيكم أحد يخبركم من أبوه؟، فجعل الناس يقولون هذا مالك هذا مالك، فقال علي: ابن من(5)؟ فلم يعرف أحد أباه.
__________
(1) مصنف عبد الرزاق (10/146).
(2) النهاية في غريب الحديث (1/13،12) فتح الباري (12/295،294).
(3) الملل والنحل (1/115).
(4) فتح الباري (12/292)، الإصابة (1/139).
(5) الفتح الرباني على مسند الإمام أحمد (23/155)، بإسناد حسن، والبداية والنهاية (7/295،294).(2/357)
وقد ورد في رواية صححها الطبري أن اسمه نافع ذو الثدية كما جاء عند ابن أبي شيبة وأبي داود، إلا أن طريقهما واحد، فيُعد ما جاء في المصادر الثلاثة رواية واحدة ذات طريق واحد(1)، كان علي رضي الله عنه يتحدث عن الخوارج منذ ابتداء بدعتهم، وكثيرًا ما كان يتعرض إلى ذكر ذي الثدية، وأنه علامة هؤلاء، ويسرد أوصافه، وبعد نهاية المعركة الحاسمة أمر علي رضي الله عنه أصحابه بالبحث عن جثة المخدج، لأن وجودها من الأدلة على أن عليًا رضي الله عنه على حق وصواب، وبعد مدة من البحث مرت على عليّ وأصحابه وجد أمير المؤمنين علي جماعة مكومة بعضها على بعض عند شفير النهر قال: أخرجوهم، فإذا المخدج تحتهم جميعًا مما يلي الأرض، فكبر عليّ ثم قال: صدق الله، وبلغ رسوله وسجد سجود الشكر، وكبر الناس حين رأوه واستبشروا(2).
__________
(1) خلافة علي بن أبي طالب، عبد الحميد، ص 334.
(2) مصنف ابن أبي شيبة (15/317- 319) بسند صحيح.(2/358)
5- معاملة أمير المؤمنين علي للخوارج: عامل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه الخوارج قبل الحرب وبعدها معاملة المسلمين، فما أن انتهت المعركة حتى أصدر أمره في جنده أن لا يتبعوا مدبرًا، أو يذففوا على جريح، أو يُمثلوا بقتيل. يقول شقيق بن سلمة المعروف بأبي وائل –أحد فقهاء التابعين وممن شهد مع علي حروبه- لم يسب علي يوم الجمل ولا يوم النهروان(1)، وقد حمل رثة أهل النهر إلى الكوفة وقال: من عرف شيئًا فليأخذه فجعل الناس يأخذون حتى بقيت قدر فجاء رجل وأخذها، وهذه الرواية لها طرق عدة(2)، ولم يقسم بين جنده إلا ما حمل عليه الخوارج في الحرب من السلاح والكراع فقط، وأمير المؤمنين علي رضي الله عنه لم يكفر الخوارج، إذ قبل الحرب حاول إرجاعهم إلى الجماعة، وقد رجع كثير منهم، ووعظهم وخوفهم القتال، يقول ابن قدامة: وإنما كان كذلك لأن المقصود كفهم ودفع شرهم لا قتلهم، فإن أمكن لمجرد القول كان أولى من القتال، لما فيه من الضرر بالفريقين، وهذا يدل على أن الخوارج فرقة من المسلمين، كما قال بذلك كثير من العلماء(3).
__________
(1) السنن الكبرى للبيهقي (8/182) بسند صحيح.
(2) التلخيص الحبير (4/47).
(3) فتح الباري (12/301،300)، نيل الأوطار (8/182).(2/359)
وكان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يسميهم الفاسقين، فعن مصعب بن سعد قال: سألت أبي عن هذه الآية: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً - الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104،103] أهم الحرورية؟، قال: لا، هم أهل الكتاب اليهود والنصارى، أما اليهود فكذبوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وأما النصارى فكفروا بالجنة، وقالوا: ليس فيها طعام ولا شراب، ولكن الحرورية {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ - الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة:27،26] وكان سعد يسميهم الفاسقين(1)، وفي رواية عن سعد رضي الله عنه أنه قال لما سئل عنهم: «هم قوم زاغوا فأزاغ الله قلوبهم»(2).
وقد سُئل علي رضي الله عنه أكفارٌ هم؟ قال: من الكفر فروا، فقيل: منافقون؟، قال: المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلاً، قيل: فما هم؟ قال: قوم بغوا علينا فقاتلناهم، وفي رواية: قوم بغوا علينا فنصرنا عليهم، وفي رواية: قوم أصابتهم فتنة فعموا فيها وصموا(3)، كما أنه رضي الله عنه وجه نصيحة لجيشه وللأمة الإسلامية من بعده فقال: إن خالفوا إمامًا عادلاً فقاتلوهم، وإن خالفوا إمامًا جائرًا فلا تقاتلوهم فإن لهم مقالاً(4).
__________
(1) صحيح البخاري، فتح الباري (5/842).
(2) مصنف ابن أبي شيبة (15/325،324) الاعتصام للشاطبي (1/62).
(3) مصنف عبد الرزاق (10/150)، مصنف ابن أبي شيبة (15/332) بستد صحيح.
(4) مصنف ابن أبي شيبة (15/320)، فتح الباري (12/301) له سند صحيح عند الطبري.(2/360)
والملاحظ في قتال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه للخوارج وقتاله في الجمل وصفين، أن عليًا رضي الله عنه ندم وحزن على قتاله في وقعة الجمل وصفين، أما في قتاله مع الخوارج فكان يظهر الفرح والسرور لقتالهم، قال ابن تيمية: فإن النص والإجماع فرق بين هذا وهذا، فإنه قاتل الخوارج بنص رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفرح بذلك، ولم ينازعه فيه أحد من الصحابة، وأما القتال يوم صفين فقد ظهر منه من كراهته والندم عليه ما ظهر(1).
سادسًا: من الآثار الفقهية من معارك أمير المؤمنين علي رضي الله عنه:
تمكن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بغزير علمه وسعة فقهه أن يضع قواعد وأحكامًا وهي ضوابط شرعية في قتال أهل البغي، ثم سار أهل السنة من أئمة العلم والفقهاء على سيرته في البغاة، واستنبطوا من هديه الراشدي الأحكام والقواعد الفقهية في هذا الشأن، حتى قال جلة أهل العلم: لولا حرب علي لمن خالفه لما عرفت السُّنة في قتال أهل القبلة(2)، وروى هذا عن علي نفسه في قوله: أرأيتم لو أني غبت عن الناس، من كان يسير فيهم هذه السيرة(3)؟، وقال الأحنف لعلي: يا علي إن قومنا بالبصرة يزعمون أنك إن ظهرت عليهم غدًا أنك تقتل رجالهم وتسبي نساءهم، فقال: ما مثلي يخاف هذا منه، وهل يحل هذا إلا ممن تولى وكفر؟.
وبناء علىذلك فإن قتال أهل القبلة يخالف قتال الكفار والمرتدين من أوجه متعددة:
1- أن يقصد بالقتال ردعهم ولا يُتعمد به قتلهم؛ لأن المقصود ردهم إلى الطاعة ودع شرهم لا القتل، بينما يجوز أن يُتعمد قتل المشركين والمرتدين(4).
__________
(1) مجموع الفتاوى (28/516).
(2) التمهيد للباقلاني، ص 229، تحقيق مواقف الصحابة (2/295).
(3) مصنف عبد الرزاق (10/124).
(4) المغني (8/108-126).(2/361)
2- إذا قاتل مع البغاة عبيد ونساء وصبيان، فحكمهم جميعًا حكم الرجل البالغ الحر، يُقاتلون مُقبلين ويتركون مُدبرين؛ لأن قتالهم لدفع أذاهم بينما يجوز قتل أهل الردة والكفر مقبلين ومدبرين(1).
3- إذا ترك أهل البغي القتال إما بالرجوع إلى الطاعة، وإما بإلقاء السلاح، وإما بالهزيمة، وإما بالعجز لجراح أو مرض أو أسر، فإنه لا يجوز الإجهاز على جريحهم وقتل أسيرهم، وإن جاز الإجهاز على جرحى المشركين والمرتدين وقتل أسراهم. فقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن علي رضي الله عنه أنه قال يوم الجمل: لا تتبعوا مُدبرًا، ولا تجهزوا على جريح، ومن ألقى سلاحه فهو آمن(2)، وفي رواية عبد الرزاق، أن عليًا أمر مناديه فنادى يوم البصرة: لا يتبع مدبر، ولا يذفف على جريح، ولا يقتل أسير، ومن أغلق بابه أو ألقى سلاحه فهو آمن، ولم يأخذ من متاعهم شيئًا(3). وقال علي يوم الجمل: لا تتبعوا مدبرًا، ولا تجهزوا على جريح، ولا تقتلوا أسيرًا، وإياكم والنساء وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم، فلقد رأيتنا في الجاهلية وإن الرجل ليتناول المرأة بالجريدة أو الهراوة فيعير بها، هو وعقبه من بعده(4). وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: شهدت صفين وكانوا لا يجهزون على جريح، ولا يقتلون موليًا، ولا يسلبون قتيلاً(5).
4- يعتبر أحوال من في الأسر من البغاة، فمن أمنت رجعته إلى القتال أطلق سراحه، ومن لم تؤمن منه الرجعة حبس إلى انجلاء الحرب ثم يُطلق، إذ لم يجز أن يحبس بعدها، وإن جاز أن يبقى الكافر في الأسر(6).
__________
(1) المغني (8/110) الأحكام السلطانية، ص 60.
(2) مصنف ابن أبي شيبة (15/236)، الفتح (13/57) إسناده صحيح.
(3) مصنف عبد الرزاق (10/124،123)، تحقيق مواقف الصحابة (2/296).
(4) نصب الراية (3/463)، تحقيق مواقف الصحابة (2/297).
(5) المستدرك (2/155) سنده صحيح ووافقه الذهبي.
(6) الأحكام السلطانية ص 60.(2/362)
5- أن لا يستعان لقتالهم بمشرك معاهد ولا ذمي، وإن جاز أن يستعان بهم على قتال أهل الردة والحرب(1).
6- أن لا يهادنهم إلى مدة ولا يوادعهم على مال، فإن هادنهم إلى مدة لم يلزمه، فإن ضعف عن قتالهم انتظر بهم القوة عليهم، وإن وادعهم على مال بطلت الموادعة ونظر في المال، فإن كان من فيئهم وصدقاتهم لم يرده عليهم، وصرف الصدقات في أهلها والفئ في مستحقه، وإن كان من خالص أموالهم لم يجز أن يملكه، ووجب رده إليهم(2)، فإن عليًا رضي الله عنه لم يستحل مال أهل الجمل.
7- إذا خرجوا على الإمام بتأويل سائغ راسلهم، فإن ذكروا مظلمة أزالها عنهم، وإن ذكروا شبهة بيَّنها –كما بين علي رضي الله عنه- للخوارج شبههم، وعاد كثير منهم إلى صف الجماعة(3)، فإن رجعوا وإلا وجب قتالهم عليه وعلى المسلمين(4).
8- إن لم يخرجوا عن المظاهرة بطاعة الإمام ولم يتحيزوا بدار اعتزلوا فيها، وكانوا أفرادًا تنالهم القدرة ويسهل ضبطهم تُركوا ولم يحاربوا، وأجريت عليهم أحكام العدل فيما يجب عليه، ولهم من الحقوق والحدود(5).
9- لا يقاتل البغاة بما يعم إتلافه كالنار والمنجنيق وغير ذلك، ولا تحرق عليهم المساكن ولا يقطع عليهم النخل والأشجار، وإن جاز ذلك مع الكفار والمشركين، لأن دار الإسلام تمنع ما فيها وإن بقى أهلها، إلا إذا دعت إلى ذلك الضرورة في حالة ما إذا تحصنوا ولم ينهزموا، لذلك جاز للإمام رميهم بالمنجنيق أو النار على قول الشافعي وأبي حنيفة(6).
__________
(1) المصدر نفسه ص 60، تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة (2/298).
(2) الأحكام السلطانية ص 60 للماوردي.
(3) السنن الكبرى للبيهقي (8/180).
(4) مجموع الفتاوى (4/450).
(5) الأحكام السلطانية، للماوردي، ص 58.
(6) المغني لابن قدامة (8/110).(2/363)
10- لا تجوز غنيمة أموالهم وسبي ذريتهم، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه»(1)، وروى عن علي رضي الله عنه يوم الجمل قوله: من عرف شيئًا من ماله مع أحد فليأخذه(2)، وهذا من جملة ما نقم الخوارج عليه، فقالوا: إنه قاتل ولم يسب ولم يغنم، فإن حلت له دماؤهم فقد حلت له أموالهم، وإن حرمت عليه أموالهم فقد حرمت عليه دماؤهم، فقال لهم ابن عباس رضي الله عنهما في مناظرته لهم: أفتسبُون أمكم؟ -يعني عائشة رضي الله عنها- أم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها؟، فإن قلتم: ليست أمكم كفرتم، وإن قلتم: إنها أمكم واستحللتم سبيها فقد كفرتم(3).
ويعقب ابن قدامة قائلاً: ولأن قتال البغاة إنما هو لدفعهم وردهم إلى الحق لا لكفرهم، فلا يستباح منهم إلا ما حصل لضرورة الدفع كالصائل وقاطع الطريق، وبقى حكم المال والذرية على أصل العصمة(4)، والظاهر من المأثور عن علي رضي الله عنه جواز الانتفاع بسلاحهم، فقد روى ابن أبي شيبة عن أبي البختري قال: لما انهزم أهل الجمل قال علي: لا تطلبوا من كان خارجًا من العسكر، وما كان من دابة أو سلاح فهو لكم(5)، وفي رواية أخرى قال: ولا تأخذوا شيئًا من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم(6).
11- من قُتل من البغاة غُسِّل وكفن وصلى عليه لأنهم مسلمون، على مذهب الشافعي وأصحاب الرأي(7).
__________
(1) سنن الدارقطني (3/26) صححه الألباني في إرواء الغليل رقم (1459).
(2) المغني (8/115).
(3) السنن الكبرى للبيهقي (8/179)، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 197 إسناده حسن.
(4) تحقيق مواقف الصحابة (2/300).
(5) مصنف ابن أبي شيبة (15/263).
(6) تاريخ الطبري، نقلاً عن تحقيق مواقف الصحابة (2/300).
(7) تحقيق مواقف الصحابة (2/301).(2/364)
12- إذا لم يكن البغاة من أهل البدع فهم ليسوا فاسقين، وقتال الإمام وأهل العدل لهم إنما من جهة خطئهم في التأويل، وهم كالمجتهدين من الفقهاء في الأحكام، ومن شهد منهم قبلت شهادته إذا كان عدلاً، وهذا قول الشافعي، وأما الخوارج وأهل البدع إذا بغوا على الإمام فلا تقبل شهادتهم لأنهم فُساق(1).
13- يجوز للعادل قتل ذي رحمه الباغي لأنه قتله بحق، فأشبه إقامة الحد عليه مع كراهية قصد ذلك(2).
14- إذا غلب أهل البغي بلدًا فجبوا الخراج والزكاة وأقاموا الحدود لم يطالبوا بشيء مما جبوه إذا ظهر أهل العدل على ذلك البلد وظفروا بهم، فعندما ظهر علي رضي الله عنه على أهل البصرة بعد موقعة الجمل لم يطالبهم بشيء مما جبوه(3).
15- حكم وراثة الباغي من العادل: لا يرث باغ قتل عدلاً، ولا عادل قتل باغيًا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «القاتل لا يرث»(4)، وقال أبو حنيفة: أورث العادل من الباغي، ولا أورث الباغي من العادل، وقال أبو يوسف، أُورِث كلا منهما من صاحبه لأنه متأول في قتله(5)، وبهذا قال النووي(6).
__________
(1) ، (4) المغني (8/118)، تحقيق مواقف الصحابة (2/301).
(3) المغني (8/119)، تحقيق مواقف الصحابة (2/302).
(4) سنن ابن ماجه، كتاب الديات (2/883) صحيح سنن ابن ماجة رقم (2140).
(5) الأحكام السلطانية ص 61.
(6) شرح النووي على صحيح مسلم (7/170).(2/365)
16- إذا لم يكن دفع أهل البغي إلا بقتلهم جاز قتلهم، ولا شيء على من قتلهم من إثم ولا ضمان ولا كفارة؛ لأنه فعل ما أمر به وقتل من أجل الله {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ الله} [الحجرات:9]، فإن المسلم إذا أريدت نفسه جاز له الدفع عنها بقتل من أرادها إذا كان لا يندفع بغير القتل، وكذلك ما أتلفه أهل العدل على أهل البغي حال الحرب من المال، فلا ضمان فيه(1)، وليس على أهل البغي بالمقابل ضمان ما أتلفوه حال الحرب من نفس ولا مال في أصح الأقوال كما ذكر النووي(2)، ويدل على ذلك ما روى الزهري من إجماع الصحابة، أن لا يضمن الباغي إذا قتل العادل، قال: هاجت الفتنة الأولى وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوافرون، وفيهم البدريون، فأجمعوا أنه لا يقاد أحد ولا يؤخذ مال أحد على تأويل القرآن(3)، وفي رواية عبد الرزاق: فإن الفتنة الأولى ثارت وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن شهد بدرًا كثير، فاجتمع رأيهم على أن لا يقيموا على أحد حدًا في فرج استحلوه بتأويل القرآن، ولا قصاص في دم استحلوه بتأويل القرآن، ولا يرد مال استحلوه بتأويل القرآن إلا أن يوجد شيء بعينه فيرد على صاحبه(4).
سابعًا: من أهم صفات الخوارج
إن الباحث في تاريخ فرقة الخوارج يلاحظ عدة صفات اتصف بها أتباع هذه الفرقة منها:
__________
(1) المغني (8/112).
(2) شرح النووي على صحيح مسلم (7/170).
(3) السنن الكبرى للبيهقي (8/174) بسند صحيح، تحقيق مواقف الصحابة (2/303).
(4) مصنف عبد الرزاق (10/121).(2/366)
1- الغلو في الدين: مما لا شك فيه أن الخوارج أهل طاعة وعبادة، فقد كانوا حريصين كل الحرص على التمسك بالدين وتطبيق أحكامه، والابتعاد عن جميع ما نهى عنه الإسلام، وكذلك التحرز التام عن الوقوع في أي معصية أو خطيئة تخالف الإسلام، حتى أصبح ذلك سمة بارزة في هذه الطائفة لا يدانيهم في ذلك أحد، ولا أدل على ذلك من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يقرؤون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء»(1)، وقال ابن عباس رضي الله عنهما يصفهم حينما دخل عليهم لمناظرتهم: دخلت على قوم لم أر قط أشد منهم اجتهادًا، جباههم قرحة من السجود وأياديهم كأنها ثفن(2) الإبل، وعليهم قمص مرحضة(3) مشمرين مسهمة وجهوههم من السهر(4). وعن جندب الأزدي قال: لما عدلنا إلى الخوارج ونحن مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فانتهينا إلى معسكرهم، فإذا لهم دوي كدوي النحل من قراءة القرآن(5)، فقد كانوا أهل صيام وصلاة وتلاوة للقرآن، لكنهم تجاوزوا حد الاعتدال إلى درجة الغلو والتشدد، حيث قادهم هذا التشدد إلى مخالفة قواعد الإسلام بما تمليه عليهم عقولهم، كالقول بتكفير صاحب الكبيرة، وستأتي مناقشة عقائدهم وأفكارهم بإذن الله تعالى، ومنهم من بالغ في ذلك حتى على كل من ارتكب ذنبًا من الذنوب ولو كان صغيرًا فإنه كافر مشرك مخلد في النار(6)، وكان من نتيجة هذا التشدد الذي خرج بهم عن حدود الدين وأهدافه السامية، أن كفَّروا كل من لم ير رأيهم من المسلمين ورموهم بالكفر أو النفاق، حتى إنهم استباحوا دماء مخالفيهم(7)، ومنهم من استباح
__________
(1) مسلم، كتاب الزكاة، شرح النووي (7/171).
(2) الثفن: جمع ثفنة: ركبة البعير وغيرها مما يجعل فيه غلظ من أثر البروك.
(3) مرحضة: مغسولة، النهاية في غريب الحديث والأثر (2/208).
(4) تلبيس إبليس، ص 91.
(5) المصدر نفسه، ص 93.
(6) الفصل لابن حزم (4/191)، الخوارج، ناصر السعودي ص 183.
(7) الخوارج للسعوي، ص 183.(2/367)
قتل النساء والأطفال من مخالفيه، كالأزارقة مثلاً(1)، ولاشك أن الخوارج بما اتصفوا به من الجهل والتشدد والجفاء قد شوهوا محاسن الدين الإسلامي تشويهًا غريبًا، فإن هذا الإغراق في التأويل والاجتهاد أخرجهم عن روح الإسلام وجماله واعتداله، وهم في تعمقهم قد سلكوا طريقًا ما قال به محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا دعا إليه القرآن الكريم، وأما التقوى التي كانوا يظهرون بها فهي من قبيل التقوى العمياء والصلاح الذي كانوا يتزينون به في الظاهر. كان ظاهر التأويل بادي الزخرفة، وقد طمعوا في الجنة وأرادوا السعي لها عن طريق التعمق والتشدد والغلو في الدين غلوًا أخرجهم عن الحد الصحيح(2)، ولذلك حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من التعمق والتشدد في الدين لأنه مخالفة للاعتدال وسماحة الإسلام، وأخبر أن المتنطع مستحق للهلاك والخسران، فقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «هلك المتنطعون»(3) قالها ثلاثًا، فبهذا يتبين لنا شذوذ الخوارج، وكذلك من سار على منهجهم المبني على التعسف والتشدد المخالف لسماحة الإسلام ويسره، فإن الإسلام دين اليسر والسماحة، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الدين يسر، ولن يُشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا»(4).
__________
(1) تلبيس إبليس، ص 95، الخوارج للسعوي، ص 184.
(2) الخوارج للسعوي، ص 184.
(3) مسلم، كتاب العلم، شرح النووي (16/220).
(4) البخاري، كتاب الإيمان، شرح الباري (1/93).(2/368)
2- الجهل بالدين: إن من كبرى آفات الخوارج صفة الجهل بالكتاب والسُّنة، وسوء فهمهم وقلة تدبرهم وتعقلهم، وعدم إنزال النصوص منازلها الصحيحة، وكان ابن عمر يراهم شرار خلق الله، وقال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين(1)، وكان ابن عمر إذا سُئل عن الحرورية؟، قال: يُكفرون المسلمين ويستحلون دماءهم وأموالهم، وينكحون النساء في عددهم، وتأتيهم المرأة فينكحها الرجل منهم ولها زوج، فلا أعلم أحدًا أحق بالقتال منهم(2)، ومن جهلهم بشرع الله رأوا أن التحكيم معصية تستوجب الكُفر، فيلزم من وقع فيه أن يعترف على نفسه بالكُفر ثم يستقبل التوبة(3)، وهذا ما طالبوا به عليًا رضي الله عنه إذ طلبوا منه أن يقر على نفسه بالكفر ثم يستقبل التوبة، فتخطئة الخوارج له ولمن معه من المهاجرين والأنصار واعتقادهم أنهم أعلم منهم وأولى منهم بالرأي، هي والله عين الجهل والضلال(4)، ومن جهالاتهم الشنيعة أنهم وجدوا عبد الله بن خباب رضي الله عنه ومعه أم ولد حبلى، فناقشوه في أمور، ثم سألوه رأيه في عثمان وعلي رضي الله عنهما، فأثنى عليهما خيرًا، فنقموا عليه، وتوعدوه بأن يقتلوه شر قتله فقتلوه وبقروا بطن المرأة(5)، ومر بهم خنزير لأهل الذمة فقتله أحدهم، فتحرجوا من ذلك وبحثوا عن صاحب الخنزير وأرضوه في خنزيره، فيا للعجب، أتكون الخنازير أشد حرمة من المسلمين عند أحد يدعي الإسلام(6)، لكنها عبادة الجُهال، التي أملاها عليهم الهوى والشيطان(7)، قال ابن حجر: إن الخوارج لما حكموا بكفر من خالفهم استباحوا دماءهم وتركوا أهل الذمة فقالوا: نفي لهم
__________
(1) ظاهرة الغلو في الدين، محمد عبد الحكيم ص 114.
(2) الاعتصام (2/184،183).
(3) مصنف ابن أبي شيبة (15/313،312)، الألباني في إرواء الغليل (8/119،118)، تلبيس إبليس ص 93.
(4) الخوارج للسعوي ص 186.
(5) تلبيس إبليس ص 93.
(6) فتح الباري (12/285).
(7) الخوارج للسعوي ص 187.(2/369)
بعهدهم وتركوا قتال المشركين، واشتغلوا بقتال المسلمين، وهذا كله من آثار عبادة الجُهال، الذي لم تنشرح صدورهم بنور العلم، ولم يتمسكوا بحبل وثيق منه، وكفى أن رأسهم رد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره ونسبه إلى الجور، نسأل الله السلامة(1)، وقال عنهم ابن تيمية: هم جهال فارقوا السُّنة والجماعة عن جهل(2).
وبهذا يتبين أن الجهل كان من الصفات البارزة في تلك الطائفة التي هي إحدى الطوائف المنتسبة إلى الإسلام، فالجهل مرض عضال يهلك صاحبه من حيث لا يشعر، بل قد يريد الخير فيقع في ضده(3).
3- شق عصا الطاعة: قال ابن تيمية رحمه الله: فهؤلاء من ضلالهم اعتقادهم في أئمة الهدى وجماعة المسلمين أنهم خارجون عن العدل، وأنهم ضالون، وهذا مأخذ الخارجين عن السنة من الرافضة ونحوهم، ثم يعدون ما يرون أنه ظلم عندهم كفرًا ثم يرتبون على الكفر أحكامًا ابتدعوها(4)، هذا وقد شقوا عصا الطاعة وسعوا في تفريق كلمة المسلمين.
ويوضح ذلك موقفهم مع أمير المؤمنين علي، حيث تخلوا عنه وخالفوه في أحرج المواقف وعصوا أمره(5)، وظلت تلك الصفة من صفاتهم على مدار التاريخ، كل من خالفهم في أمر عادوه ونبذوه حتى إنهم تفرقوا هم أنفسهم إلى عدة فرق يكفر بعضها بعضًا، ولذلك كثر فيهم الغارات والشقاق والثورات(6).
__________
(1) فتح الباري (12/301).
(2) منهاج السنة (3/464).
(3) نوادر الأصول، محمد حكيم الترمذي، ص 54، الخوارج للسعوي، ص 188.
(4) الفتاوى (28/497).
(5) الخوارج للسعوي، ص 191.
(6) المصدر نفسه، ص 192.(2/370)
4- التكفير بالذنوب واستحلال دماء المسلمين وأموالهم: قال ابن تيمية: والفرق الثاني في الخوارج وأهل البدع، أنهم يُكفرون بالذنوب والسيئات، ويترتب على تكفيرهم بالذنوب استحلال دماء المسلمين وأموالهم، وأن دار الإسلام دار حرب، ودارهم هي دار الإيمان، وكذلك يقول جمهور الرافضة.. فهذا أصل البدع التي ثبتت بنص سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإجماع السلف أنها بدعة، وهو جعل العفو سيئة، وجعل السيئة كُفرًا(1)، وقد تميز الخوارج بآراء خاصة فارقوا بها جماعة المسلمين، ورأوها من الدين الذي لا يقبل الله غيره، ومن خالفهم فيها فقد خرج من الدين في زعمهم فأوجبوا البراءة منه، بل إن منهم من غلا في ذلك، فأوجبوا قتال من خالفهم واستحلوا دماءهم(2).
فمن ذلك أنهم قتلوا عبد الله بن خباب بغير سبب غير أنه لم يوافقهم على رأيهم(3)، وقال ابن كثير، فجعلوا يقتلون النساء والولدان، ويبقرون بطون الحبالى، ويفعلوا أفعالاً لم يفعلها غيرهم(4)، قال ابن تيمية: وكانت البدعة الأولى مثل بدعة الخوارج، إنما هي من سوء فهمهم للقرآن، لم يقصدوا معارضته لكن فهموا منه ما لم يدل عليه، فظنوا أنه يوجب تكفير أرباب الذنوب، إذ كان المؤمن هو البر التقي، قالوا: فمن لم يكن برًا تقيًا فهو كافر وهو مُخلد في النار، ثم قالوا: وعثمان وعلي ومن والاهما ليسوا بمؤمنين؛ لأنهم حكموا بغير ما أنزل الله، فكانت بدعتهم لها مقدمتان:
الأولى: أن من خالف القرآن بعمل أو برأي أخطأ فيه فهو كافر.
__________
(1) الفتاوى (19/73).
(2) منهاج السنة (3/62).
(3) الفرق بين الفرق للبغدادي، ص 57، الخوارج للسعوي، ص 191.
(4) البداية والنهاية (3/294).(2/371)
والثانية: أن عثمان وعليًا ومن والاهما كانوا كذلك، ولهذا يجب الاحتراز من تكفير المؤمنين بالذنوب والخطايا، فإنها أول بدعة ظهرت في الإسلام فكفر أهلها المسلمين، واستحلوا دماءهم وأموالهم، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث صحيحة في ذمهم والأمر بقتالهم(1).
5- تجويزهم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لا يجوز في حقه «كالجور»: قال ابن تيمية: والخوارج جوزوا على الرسول - صلى الله عليه وسلم - نفسه أن يجور ويضل في سُنته، ولم يوجبوا طاعته ومتابعته، وإنما صدقوه فيما بلغه من القرآن دون ما شرعه من السُّنة التي تخالف –بزعمهم- ظاهر القرآن، وغالب أهل البدع والخوارج يتابعونهم في الحقيقة على هذا، فإنهم يرون أن الرسول لو قال بخلاف مقالتهم لما اتبعوه.. وإنما يدفعون عن نفوسهم الحجة، إما برد النقل، وإما بتأويل المنقول، فيطعنون تارة في الإسناد، وتارة في المتن، وإلا فهم ليسوا متبعين ولا مؤتمين بحقيقة السُّنة التي جاء بها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، بل ولا بحقيقة القرآن(2).
6- الطعن والتضليل: من أبرز صفات الخوارج الطعن في أئمة الهدى وتضليلهم والحكم عليهم بالخروج عن العدل والصواب، وقد تجلت هذه الصفة في موقف ذي الخويصرة مع رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم -، حيث قال ذو الخويصرة: يا رسول الله اعدل(3)، فقد عَدَّ ذو الخويصرة نفسه أورع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحكم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجور والخروج عن العدل في القسمة، وإن هذه الصفة قد لازمتهم عبر التاريخ، وقد كان لها أسوأ الأثر لما ترتب عليها من أحكام وأعمال(4).
__________
(1) الفتاوى (13/31،30).
(2) الفتاوى (19/73).
(3) البخاري، كتاب استتابة المرتدين، فتح الباري (12/290).
(4) ظاهرة الغلو في الدين، ص: 106.(2/372)
7- سوء الظن: هذه صفة أخرى للخوارج تجلت في حكم ذي الخويصرة الجهول على رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - بعدم الإخلاص، حيث قال: والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها، وما أريد فيها وجه الله(1)، فذو الخويصرة الجهول لما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أعطى السادة الأغنياء، ولم يعط الفقراء، لم يحمل هذا التصرف على المحمل الحسن، وهذا شيء عجيب خصوصًا أن دواعيه كثيرة، فلو لم يكن إلا أن صاحب هذا التصرف هو رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم -، لكفى به داعيًا إلى حسن الظن، ولكن ذا الخويصرة أبى ذلك، وأساء الظن لمرضه النفسي، وحاول أن يستر هذه العلة بستار العدل، وبذلك ضحك منه إبليس، واحتال عليه، فأوقعه في مصايده، فينبغي للمرء أن يراقب نفسه، وأن يدقق في دوافع سلوكه ومقاصده، وأن يحذر هواه، وأن يكون منتبهًا لحيل إبليس لأنه كثيرًا ما يزين العمل السيء بغلاف حسن براق، ويبرر السلوك القبيح باسم مبادئ الحق، ومما يعين المرء على وقاية نفسه، والنجاة لها من حيل الشيطان ومصايده العلم، فذو الخويصرة لو كان عنده أثارة من عِلم، أو ذرة من فهم لما سقط في هذا المزلق(2).
__________
(1) البخاري، كتاب استتابة المرتدين، فتح الباري، (12/290).
(2) ظاهرة الغلو في الدين، ص 107،106.(2/373)
8- الشدة على المسلمين: عرف الخوارج بالغلظة والجفوة، وقد كانوا شديدي القسوة والعنف على المسلمين، وقد بلغت شدتهم حدًا فظيعًا، فاستحلوا دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم فروعوهم وقتلوهم، أما أعداء الإسلام من أهل الأوثان وغيرهم فقد تركوهم ووادعوهم فلم يؤذوهم، ولقد سجل التاريخ صحائف سوداء للخوارج في هذا السبيل(1)، وما قصة عبد الله بن خباب ومقتله عنا ببعيد، فمعاملة الخوارج للمسلمين مصحوبة بالقسوة والشدة والعنف، وأما للكافرين، فلين وموادعة ولطف(2)، فقد وصف الشارع الشريعة بأنها سهلة سمحة، وإنما ندب إلى الشدة على الكفار، وإلى الرأفة بالمؤمنين، فعكس ذلك الخوارج(3)، قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:29]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَّرْتَدَّ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:54] فالخوارج عكسوا الآيات، فأرهبوا المسلمين وروعوهم(4)، هذه بعض الصفات التي اشتهر بها الخوارج.
أهم مظاهر الغلو في العصر الحديث:
إن مظاهر الغلو في العصر الحديث كثيرة منها:
__________
(1) المصدر نفسه، ص 110.
(2) المصدر نفسه، ص 111.
(3) فتح الباري (12/301).
(4) ظاهرة الغلو في الدين، ص 111.(2/374)
1- التشدد في الدين على النفس والتعسير على الآخرين: من مظاهر الغلو في هذا العصر الخروج عن منهج الاعتدال في الدين، الذي كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن هذا الدين يُسر، ولن يُشاد الدين أحد إلا غلبه»(1)، والتشدد في الدين كثيرًا ما ينشأ عن قلة الفقه في الدين، وهما من أبرز سمات الخوارج، أعني التشدد في الدين وقلة الفقه، وأغلب الذين ينزعون إلى خصال الخوارج اليوم تجد فيهم هاتين الخصلتين(2)، ومن مظاهر الغلو التعسير وترك التيسير، فأصحاب الغلو يطالبون الناس بما لا يُطيقون، ويلزمونهم بما لا يلزمهم به الشرع السهل، ولا يراعون قدراتهم وتفاوتها، وطاقاتهم واستطاعتهم وتباينها، وأفهامهم واختلافها، فيخاطبونهم بما لا يفهمون، ويطالبونهم بما لا يستطيعون. ومن أسباب التعسير الورع الفاسد، والجهل بمراتب الأحكام، والجهل بمراتب الناس، وأما مجالاته وصوره وأشكاله؛ إيجاب النظر والاستدلال على الجميع، وتحديث الناس بما لا يعرفون، وترك الرخص والإلزام بما لم يلزم به الشرع(3).
__________
(1) البخاري، كتاب الإيمان، فتح الباري (1/93).
(2) الخوارج، ناصر العقل ص 130.
(3) ظاهرة الغلو في الدين ص 241-249.(2/375)
2- التعالي والغرور وما يؤدي إليه من تصدر الأحداث: من السمات البارزة في ظاهرة الغلو في الوقت المعاصر: التعالي والغرور، وادعاء العلم في حين أنك تجد أحدهم لا يعرف بدهيات العلم الشرعي، والأحكام وقواعد الدين، أو قد يكون عنده علم قليل، بلا أصول ولا ضوابط ولا فقه ولا رأي سديد، ويظن أنه بعلمه القليل وفهمه السقيم قد حاز علوم الأولين والآخرين، فيستقل بغروره علم العلماء، ويقعد عن مواصلة طلب العلم فيهلك بغروره ويُهلك، وهكذا كان الخوارج الأولون يدعون العلم والاجتهاد، ويتطاولون على العلماء وهم من أجهل الناس(1). وأدى التعالم والغرور إلى تصدر حدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام للدعوة بلا علم ولا فقه، فاتخذ بعض الناس منهم رؤوسًا جُهالاً، فأفتوا بغير علم وحكموا في الأمور بلا فقه، وواجهوا الأحداث الجسام بلا تجربة ولا رأي، ولا رجوع إلى أهل العلم والفقه والتجربة والرأي، بل كثير منهم يستنقص العلماء والمشايخ، ولا يعرف لهم قدرهم، وإذا أفتى بعض المشايخ على غير هواه ومذهبه، أو بخلاف موقفه أخذ يلمزهم إما بالقصور أو التقصير، أو الجبن والمداهنة، أو بالسذاجة وقلة الوعي والإدراك، ونحو ذلك مما يحصل بإشاعته الفرقة والفساد العظيم، وغرس الغل على العلماء والحط من قدرهم ومن اعتبارهم، وغير ذلك مما يعود على المسلمين بالضرر البالغ في دينهم ودنياهم(2).
3- الاستبداد بالرأي وتجهيل الآخرين: من أبرز معالم الغلو حديثًا التعصب للرأي، وعدم الاعتراف برأي الآخرين، وإنكار ما عندهم من الحق ما دام خالفه في الرأي، ومن الأسباب التي تولد التعصب للرأي والانحياز له، قلة العلم، مصادفة الرأي لذهن خال، الإعجاب بالرأي، اتباع الهوى.
__________
(1) الخوارج، ناصر العقل، ص 129.
(2) الخوارج، ناصر العقل، ص 129.(2/376)
إن آفة الإعجاب بالرأي والتعصب له هوت بأصحابها إلى دركات خطيرة، في أزمنة قبلنا، فما الذي هوى بذي الخويصرة الجهول، يقول ابن الجوزي: وآفته أنه رضي برأي نفسه، ولو وقف لعلم أنه لا رأي فوق رأي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -(1)، والذي هوى بأصحاب ذي الخويصرة هو إعجابهم برأيهم، وظن السوء في غيرهم، وكانت الخوارج تتعبد، إلا أن اعتقادهم أنهم أعلم من علي رضي الله عنه وهذا مرض صعب(2) أوقعهم في المهالك. إن هؤلاء المساكين وقعوا أسرى لألفاظ لم يحسنوا فهمها، ولم يستمعوا لمن يجليها لهم، ويفهمهم إياها، لأن الصواب هو رأيهم وما عداه خطأ، يقول محمد أبو زهرة: أولئك استولت عليهم ألفاظ الإيمان، ولا حكم إلا لله، والتبرؤ من الظالمين، وباسمها أباحوا دماء المسلمين وخضبوا البلاد الإسلامية بجميع الدماء وشنوا الغارة في كل مكان(3). إن هذا التعصب المقيت قد صدهم عن الاستجابة للحق بعد وضوحه، فقد ناظرهم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وناظرهم ابن عباس رضي الله عنه وأزالا أعذارهم، ودحضا شبهاتهم، وأقاما عليهم الحجج الدامغة، وأفحماهم بالبراهين الساطعة، فلم يستجب إلا بعضهم واندفع الكثير لاستباحة دماء المسلمين. إن التعصب للرأي وتجهيل الآخرين يتنافى مع مبادئ هامة في الإسلام كالشورى والتناصح.
__________
(1) تلبيس إبلبيس، ص 90.
(2) المصدر نفسه ص 91.
(3) تاريخ المذاهب الإسلامية، محمد أبو زهرة، ص 61.(2/377)
4- الطعن في العلماء العاملين: يشهد عصرنا حملة غريبة وظاهرة عجيبة ألا وهي الاعتداء على هيبة العلماء العاملين، وطعنهم بخناجر الزيغ والضلال، ولقد شهدت الصحف والمجلات، والكتب والمقالات، وقاعات الدروس والحلقات نماذج كثيرة من تلك الحملات، فجلب على أمة الإسلام أبلغ الأضرار، فشتت الشمل المشتت، وفرق الجمع المفرق، وعمق الشق الغائر، ولا شك أن للطعن في العلماء أسبابًا منها: التعلم بدون مُعلم، الفهم الخاطئ لبعض عبارات العلماء، واتباع الهوى، والحسد، وقد لجأ بعض الشباب إلى أسلوب سيء ألا وهو تتبع عورات العلماء وزلاتهم، وتصيد أقوالهم، وشواذ آرائهم، وتحريف كلمهم عن مقصودهم، فعلوا ذلك ليبرروا حملتهم الشعواء في الطعن على العلماء قديمًا وحديثًا ممن يخالف آراءهم، ولا يقر مناهجهم الحائدة عن الاعتدال، ولقد كان فعلهم هذا وبالاً على الإسلام، وقرة عين لأعداء الإسلام من بني صهيون وعابدي الأوثان، وإن هذا المسلك المشين الذي يدل على جهل صاحبه أو مرضه وحقده، قد حذر منه العلماء لخطورته على المسلمين، ولأنه تنفيذ لمخطط أعداء الدين، وتحقيق لأغراضهم بلا تعب ولا نصب(1)، يقول ابن تيمية رحمه الله وهو ينهى عن رواية الأقوال الضعيفة عن الأئمة والعلماء: ومثل هذه المسألة الضعيفة، ليس لأحد أن يحكيها عن إمام من أئمة المسلمين لا على وجه القدح فيه، ولا على وجه المتابعة له فيها، فإن ذلك ضرب من الطعن في الأئمة واتباع الأقوال الضعيفة، وبمثل ذلك صار وزير التتار يلقى الفتنة بين مذاهب أهل السنة حتى يدعوهم إلى الخروج عن السُّنة والجماعة، ويوقعهم في مذهب الرافضة وأهل الإلحاد(2)، إن الذين يطعنون في علماء الأمة العاملين يخدمون المخططات اليهودية والنصرانية والطاغوتية والاستخباراتية سواءً أشعروا بذلك أم لا، والذين لا يزالون يطعنون في علماء الأمة بفعلهم هذا يكونون قد
__________
(1) ظاهرة الغلو في الدين، ص 215-223.
(2) الفتاوى (32/137).(2/378)
ابتعدوا عن منهج أهل السنة الجماعة الذي يقول: وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر، لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل(1)، وليعلم الذين يطعنون في علماء الأمة العاملين أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك منتقصيهم معلومة، وما يدري هذا المتعالم أن الاعتبار في الحكم على الأشخاص بكثرة الفضائل! قال ابن القيم رحمه الله: ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعًا أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالحة وآثار حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكان قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور، بل مأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يُتبع فيها، ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته في قلوب المسلمين(2). فمن يبقى لأمة الإسلام إذا طُعن في علمائهم؟، سيبقى شباب أحداث، لا يحسنون التلاوة، ولا تستقيم لهم لغة، وليس لهم باع طويلة ولا قصيرة في كثير من علوم الشرع؟!.
إن أسلوب الطعن في العلماء قرة عين لأعداء الإسلام؛ لأنه ينشئ جيلاً بلا قادة، وهل رأيتم جيلاً بلا قادة قد أفلح؟
إن أسوأ ما في الأمم السابقة علماؤهم وأحبارهم، فقد كثر فيهم الضالون المضلون، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ} [التوبة:34].
وأفضل ما في الإسلام علماؤه الربانيون العاملون، قال الشعبي: كل أمة علماؤها شرارها إلا المسلمين، فإن علماءها خيارها(3)، ووضح ذلك ابن تيمية فقال: وذلك أن كل أمة غير المسلمين فهم ضالون، وإنما يضلهم علماؤهم، فعلماؤهم شرارهم، والمسلمون على هدى وإنما يتبين الهدى بعلمائهم، فعلماؤهم خيارهم(4).
__________
(1) شرح الطحاوية (2/740).
(2) أعلام الموقعين (3/283).
(3) الفتاوى (7/284).
(4) الفتاوى (7/284).(2/379)
5- سوء الظن: لقد كثر هذا المرض واستشرى ضرره في عصرنا، وكانت هذه الآفة أداة فتك وتدمير، ووسيلة هدم وتخريب، وقد ترتب عليها نتائج خطيرة، ومفاسد عظيمة، ولهذه الآفة أسباب ودوافع منها: الجهل، فالجهل بتفهم حقيقة ما يرى وما يسمع وما يقرأ ومرمى ذلك، وعدم إدراك حكم الشرع الدقيق في هذه المواقف خصوصًا إذا كانت المواقف غريبة، تحتاج إلى فقه دقيق، ونظر بعيد، يجعل صاحبه يبادر إلى سوء الظن، والاتهام بالعيب، والانتقاص من القدر، ومنها الهوى؛ وهو آفة الآفات، فيكفي أن يرى المرء أو يقرأ أو يسمع ما لا يعجبه، ولا يرضاه، ولا يوافق عليه ويبتغيه.. يكفي ذلك لأن يطلق للظن السيء الحبال، ويرخي له العنان فيرتع ويصول ويجول، ولا يزن الأمور بميزان الشرع الدقيق، ولا يحاول أن يلتمس المعاذير، ولا يراجع نفسه فضلاً عن أن يتهم فهمه، فالهوى يصده عن ذلك، ومنها العجب والغرور، فإحسان المرء ظنه بنفسه، وغروره بفهمه، إن كان ذا فهم، وإعجابه برأيه يدفعه لأن يزكي نفسه ويحتقر غيره فهو الصواب والكل خطأ، وهو الحق والكل باطل، وهو الهدى والجميع ضلال، وقد رأينا أُناسًا بلغ بهم سوء الظن مبلغًا غريبًا عجيبًا، حتى أخرجوا جميع الناس عداهم، أحياء وأمواتًا، فرموهم بالزيغ والضلال، وفساد الاعتقاد، فالجميع في عقيدته دخن ودخل، وهم وحدهم المخلصون، الجميع هالكون وهم الناجون. إن الظن السيء آفة، ولكل آفة آثارها الخطيرة، فمن آثارها السيئة -والسيء لا يلد إلا سيئًا-:
* أنه يدفع صاحبه لتتبع العورات، والبحث عن الزلات، والتنقيب عن السقطات، وهو بذلك يعرض نفسه لغضب الله وعقابه، لأن ذلك من صفات مرضى القلوب الذين توعدهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالفضيحة فقال: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من تتبع عوراتهم يتتبع الله عورته، ومن يتتبع الله عورته يفضحه في بيته»(1).
__________
(1) مُسند أحمد 4/421-424.(2/380)
* كما يدفع صاحبه إلى الغيبة، ونهش أعراض الآخرين، والتشفي فيهم.
* وأخيرًا فالظن السيء يزرع الشقاق بين المسلمين، ويقطع حبال الأخوة، ويمزق وشائج المحبة، ويزرع العداء والبغضاء والشحناء.
ولما كانت هذه الآفة ذات خطورة عظيمة كما تبين، فقد كان موقف الإسلام حاسمًا، وقد دعا وأمر باجتناب أكثر الظن، لأن الوقائع والأحداث أثبتت أن الجري وراءه واتباعه عاقبته وخيمة، وأضراره عظيمة(1)، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات:12]، قال ابن كثير: يقول تعالى ناهيًا عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو: التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله، لأن بعض ذلك يكون إثمًا محضًا، فليجتنب كثير منه احتياطًا(2)، ومما يدفع سوء الظن التماس العذر لأخيك، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «ولا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيرًا، وأنت تجد لها في الخير محملاً»(3).
6- الشدة والعنف مع الآخرين: من مظاهر الغلو حديثًا الشدة والعنف في التعامل مع الآخرين، واستخدامهما في غير محلهما، وكأن الأصل في التعامل مع الغير هو العنف والغلظة لا الرفق والرحمة، وهذه الشدة أصبحت هي الطابع الغالب على سلوك بعض الشباب، وقد تجاوز العنف حدود القول إلى العمل، فسفكت دماء بريئة بسببه ودمرت منشآت، ولقد تسبب هذا العنف في أضرار فادحة على أصحابه وعلى الأمة، وقد كانت هناك جملة أسباب رئيسية وراء استخدام بعض الشباب للعنف والشدة، والقسوة والغلظة، نستطيع أن نجملها فيما يلي:
- المحن: فكثير من هؤلاء الشباب تعرضوا لمحن شتى، أثرت في نفوسهم، وكان لذلك رد فعل شديد، فقابلوا العنف بالعنف، وغلب ذلك على طباعهم.
__________
(1) ظاهرة الغلو في الدين ص 201-211.
(2) ، (3) تفسير ابن كثير (4/212).(2/381)
- الجهل بفقه الاحتساب: فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الواجبات التي كلف الله بها هذه الأمة، وينبغي للقائم بها أن يكون فقيهًا فيها ليتمكن من تحقيق المصلحة واجتناب المفسدة بأيسر طريق، فهناك أمور ينبغي فقهها والعلم بها لمن يؤدي هذا الواجب منها: أن هذا الواجب قد يُؤدى تارة بالقلب، وتارة باللسان، وتارة باليد، والقلب واجب في كل حال، وبعض الناس قد يقع هنا في خطأ، فمنهم من يريد أن يأمر وينهى إما بلسانه وإما بيده مطلقًا، من غير فقه وحلم وصبر، ونظر فيما يصلح من ذلك وما لا يصلح، وما يقدر عليه وما لا يقدر، فيأتي بالأمر والنهي معتقدًا أنه مطيع في ذلك لله ولرسوله، وهو معتدٍ في حدوده(1)، فلابد من العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينهما، ولابد من العلم بحال المأمور والمنهي، ومن الصلاح أن يأتي بالأمر والنهي بالصراط المستقيم، وهو أقرب الطرق إلى حصول المقصود، ولابد في ذلك من الرفق ولابد أيضًا أن يكون حليمًا صبورًا على الأذى، فإنه لابد أن يحصل له أذى، فإن لم يحلم ويصبر كان يفسد أكثر مما يصلح، فلابد من هذه الثلاثة: العلم والرفق، والصبر، والعلم قبل الأمر والنهي، والرفق معه، والصبر بعده، وإذا كان كل من الثلاثة مستصحبًا في هذه الأحوال. وقد ذكر القاضي أبو يعلى: لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيهًا فيما يأمر به، فقيهًا فيما ينهى عنه(2)، تلك بعض أمور من فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قد أدى الجهل بها وعدم مراعاتها إلى سلوك سبيل الشدة والعنف في الدعوة.
__________
(1) الفتاوى (8/128،127).
(2) الفتاوى (28/137،136).(2/382)
* ولقد استخدم بعض الشباب أسلوب الغلظة والقسوة في إرشاد الناس ومحاورتهم لهم، ودعوتهم لإقلاعهم عما يخالف الشرع، وظنوا أن طريق الشدة هي المجدية والرادعة، وغاب عنهم أن أسلوب الرفق هو الأصل ولا يترك إلا بعد أن تستنفد وسائله، لأنه هو المجدي النافع، المؤثر في النفس، أما الشدة فإنها تنفر في غالب الأحيان، وتحمل المخالف على الإصرار، ومن العجب أن هؤلاء لم يفرقوا بين المخالف عن علم، والجاهل الذي لا يدري، ولا بين الداعية للبدعة والضحية المضلل المخدوع، ولا بين المنكر المختلف فيه والمتفق عليه، ومن الأسباب الغليظة التي يسلكها بعض هؤلاء: الخشونة في معاملة الوالدين، فلا يقيم لهما حرمة، ولا يعاونهما ولا يخدمهما، لقد نسي هؤلاء أن الوالدين لهما خصوصيات عن سائر الناس لاسيما في دعوتهما وإرشادهما، ولا يعني ذلك التنازل عن الالتزام والتمسك بأمر من أمو الدين أو ارتكاب معصية إرضاء لهواهما.. كلا... كلا إنما نريد الأدب في المعاملة، واللين في القول وحسن العشرة، والصبر عليهما والشفقة والرحمة بهما، قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ - وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان: 15،14].(2/383)
ولقد رأينا بعض الشباب يتخاذل عن معاونة الناس الذين خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئًا، فهؤلاء في نظرهم لا يستحقون أي خدمة، ولا كلمة طيبة، ولا مساعدة نافعة، فهؤلاء الشباب لم يتضح عندهم مفهوم الولاء والبراء وحدود كل منهما، فيطغى عندهم البراء على الولاء، ونسوا أن الخدمات الاجتماعية وسيلة ناجحة من وسائل الدعوة، لأنها عملية، فهي أبلغ تأثيرًا في الناس من القول، نسوا أن خشونتهم في المعاملة وتخليهم عن المساعدة يعمق الهوة بينهم، ويذهب بهؤلاء الناس إلى صفوف المنحرفين أعداء الدين.
ومن مظاهر العنف البالغة ما يفعله بعض هؤلاء من مجاوزة الغلظة بالقول إلى القتل وسفك الدم، دم العلماء، أو الجنود الأبرياء، أو المواطنين العزل، وأخيرًا فلا تعجب إذا علمت بعد ذلك أن أصحاب العنف هؤلاء، كثيرًا ما انقلب بعضهم على بعض، وتطاولت الألسنة وأحيانًا الأيدي، وذلك ليس بغريب إذا رجع الإنسان قليلاً لدراسة أحوال الفرق التي تركت كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ومنهج السلف الصالح، فقد تناحرت تلك الفرق فيما بينها، وضلل بعضها بعضًا وكفر بعضها بعضًا.(2/384)
وهكذا مصير من ترك المنهج الذي جاء به خاتم الأنبياء صلوات الله عليه وسلامه، إن الإسلام موقفه صريح من العنف والشدة في الدعوة ومعاملة الناس، قال تعالى آمرًا موسى وأخاه هارون: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى - فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44،43]، تلك هي توجيهات ربنا عز وجل لموسى وهارون عليهما السلام عند دعوة فرعون الطاغية، القول اللين في بيان الحق لأنه أجدى وأقرب لقبول الذكرى وإحداث الخشية، وقال سبحانه: {وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ - وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 35،34].
إن الداعية قد يلقى في طريقه ما يغضبه ويضايقه، وهو لاقيه لا محالة، فلابد أن يوطن نفسه على الصبر، ويحصنها بكظم الغيظ، والعفو عن الناس {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [لقمان:17].
وينبغي للداعية أن يتجنب أسلوب الإثارة والاستفزاز، فيبتعد عن السباب والشتم {وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:108].
ولقد كثرت النصوص النبوية التي تؤكد وتركز على الالتزام بقاعدة الرفق، والبعد عن الشدة والعنف، قال - صلى الله عليه وسلم - «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه»(1).
والرفق: هوالأصل في الدعوة، ليس معنى ذلك إلغاء الشدة بالكلية، لا، فالشدة لها مواضعها بعد استنفاد وسائل الرفق والصبر، والموفق من وفقه الله لإنزال كل في منزلته، وعصمه من هواه(2).
***
__________
(1) مسند أحمد (4/362)
(2) ظاهرة الغلو في الدين، ص 231-237.(2/385)
المبحث الثاني : أمير المؤمنين علي وفكر الشيعة
أولاً: الشيعة في اللغة والاصطلاح، والرفض في اللغة والاصطلاح
1- الشيعة في اللغة: شيعة الرجل: أتباعه وأنصاره، ويقال: شايعه، كما يقال: والاه من الولى.. وتشيع الرجل أي: ادعى دعوى الشيعة، وتشايع القوم صاروا شيعًا، وكل قوم أمرهم واحد يتبع بعضهم رأي بعضهم فهم شيع، وقوله تعالى: {كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ} [سبأ:54]. أي بأمثالهم من الأمم الماضية(1) وجاء في المصباح المنير: والشيعة الأتباع والأنصار، وكل قوم اجتمعوا علىأمر فهم شيعة، ثم صارت الشيعة نبرًا -أي وصفًا- جماعة مخصوصة والجمع شيع مثل: سدرة وسدر، والأشياع جمع الجمع، وشيعت رمضان بست من شوال أتبعته بها(2) فالشيعة من حيث مدلولها اللغوي تعني: القوم والصحب والأتباع والأعوان، وقد ورد هذا المعنى في بعض آيات القرآن الكريم كما في قوله تعالى: {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص:15]، وقوله تعالى: {وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ} [الصافات:83]، فلفظ الشيعة في الأولى: تعني القوم، وفي الثانية: تشير إلى الأتباع الذين يوافقون على الرأي والمنهج ويشاركون فيهما.
2- تعريف الشيعة في الاصطلاح: إن تعريف الشيعة مرتبط أساسًا بأطوار نشأتهم، ومراح التطور العقدي لهم، ذلك أن من الملحوظ أن عقائد الشيعة وأفكارها في تغير وتطور مستمر، فالتشيع في العصر الأول غير التشيع فيما بعده، ولهذا كان الصدر الأول لا يسمى شيعيًا إلا من قدم عليًا على عثمان(3)، ولذلك قيل: شيعي وعثماني، فالشيعي من قدم
__________
(1) الصحاح للجوهري، ولسان العرب، مادة شيع.
(2) المصباح المنير: شيع.
(3) أصول الشيعة الإمامية (1/64).(2/386)
عليًا على عثمان، فعلى هذا يكون التعريف للشيعة في الصدر الأول: أنهم الذين يقدمون عليًا على عثمان فقط(1). ولهذا ذكر ابن تيمية: أن الشيعة الأولى الذين كانوا على عهد علي كانوا يفضلون أبا بكر وعمر(2)، وقد منع شريك بن عبد الله –وهو ممن يوصف بالتشيع –إطلاق اسم التشيع على من يفضل عليًا على أبي بكر وعمر، وذلك لمخالفته لما تواتر
عن علي في ذلك.
__________
(1) فتاوى ابن تيمية (3/153)، فتح الباري (7/34).
(2) منهاج السنة (2/60).(2/387)
والتشيع: يعني المناصرة والمتابعة لا المخالفة والمنابذة(1)، وروى ابن بطة عن شيخه المعروف بأبي العباس بن مسروق قال: حدثنا محمد بن حميد، حدثنا جرير، عن سفيان، عن عبد الله بن زياد بن جرير قال: قدم أبو إسحاق السبيعي الكوفة، فقال لنا شهر بن عطية: قوموا إليه، فجلسنا إليه، فتحدثوا، فقال أبو إسحاق: خرجت من الكوفة وليس أحد يشك في فضل أبي بكر وعمر وتقديمهما، وقدمت الآن(2) وهم يقولون: ولا والله ما أدري ما يقولون. قال محب الدين الخطيب: هذا نص تاريخي عظيم في تحديد تطور التشيع، فإن أبا إسحاق السبيعي كان شيخ الكوفة وعالمها(3)، ولد في خلافة أمير المؤمنين عثمان قبل شهادته بثلاث سنين، وعمر حتى توفى سنة 127هـ، وكان طفلاً في خلافة أمير المؤمنين علي، وهو يقول عن نفسه: رفعني أبي حتى رأيت علي بن أبي طالب يخطب، أبيض الرأس واللحية، ولو عرفنا متى فارق الكوفة، ثم عاد فزارها، لتوصلنا إلى معرفة الزمن الذي كان فيه شيعة الكوفة يرون ما يراه إمامهم من تفضيل أبي بكر، وعمر، ومتى أخذوا يفارقون عليًا ويخالفونه فيما كان يؤمن به، ويعلنه على منبر الكوفة من أفضلية أخويه، صاحبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووزيريه وخليفتيه على أمته في أنقى وأطهر أزمانها(4)، وقال ليث بن أبي سليم: أدركت الشيعة الأولى وما يفضلون على أبي بكر وعمر أحدًا(5).
__________
(1) أصول الشيعة الإمامية الاثنى عشرية (1/65).
(2) المنتقى ص 360.
(3) انظر ترجمته في تهذيب التهذيب (8/63)، الخلاصة ص291.
(4) حاشية المنتقى، ص 361،360.
(5) المنتقى، ص360.(2/388)
وذكر صاحب مختصر التحفة: إن الذين كانوا في وقت خلافة الأمير رضي الله عنه من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، كلهم عرفوا له حقه، وأحلوه من الفضل محله، ولم ينتقصوا أحدًا من إخوانه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضلاً عن إكفاره وسبه(1)، ولكن لم يظل التشيع بهذا النقاء والصفاء والسلامة والسمو، بل إن مبدأ التشيع تغير، فأصبحت الشيعة شيعًا، وصار التشيع قناعًا يتستر به كل من أراد الكيد للإسلام والمسلمين من الأعداء الموتورين الحاسدين... ولهذا نسمي الطاعنين على الشيخين الرافضة، لأنهم لا يستحقون وصف التشيع(2)، ومن عرف التطور العقدي لطائفة الشيعة لا يستغرب وجود طائفة من أعلام المحدثين، وغير المحدثين من العلماء والأعلام أطلق عليهم لقب الشيعة، وقد يكونون من أعلام السُنَّة، لأن التشيع في زمن السلف مفهومًا وتعريفًا غير المفهوم والتعريف المتأخر للشيعة. ولهذا قال الذهبي في معرض الحديث عمن رمى ببدعة التشيع: إن البدعة على ضربين، فبدعة صغرى، كغلو التشيع، أو كالتشيع بلا غلو، فهذا كثير في التابعين، وأتباعهم مع الدين والورع والصدق، فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة، ثم بدعة كبرى كالرفض الكامل، والغلو فيه، والحط من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة أيضًا، فما أستحضر الآن في هذا الضرب رجلاً صادقًا ولا مأمونًا، بل الكذب شعارهم، والتقية والنفاق دثارهم، فكيف يقبل نقل من هذا حاله، حاشا وكلا، فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم هو من تكلم في عثمان والزبير، وطلحة ومعاوية، وطائفة ممن حارب عليًا رضي الله عنه وتعرض لسبهم، والغالي في زمننا وعرفنا هو الذي يكفر هؤلاء السادة ويتبرأ من الشيخين فهذا ضال مفترٍ(3)
__________
(1) مختصر التحفة الاثنى عشرية، ص 3.
(2) أصول الشيعة الإمامية الاثنى عشرية (1/67،66).
(3) ميزان الاعتدال للذهبي (1/6،5)، لسان الميزان (1/10،9).(2/389)
، إذن التشيع درجات، وأطوار، ومراحل، كما أنه فرق وطوائف، وقبل أن ندع الحديث حول تعريف الشيعة نشير إلى أنه يلحظ على تعريفات الشيعة الواردة في معظم كتب المقالات، أنها دأبت على القول في التعريف للشيعة الإمامية بأنهم أتباع علي.. إلخ.
وهذا يؤدي إلى نتيجة خاطئة تخالف إجماع الأمة كلها، هذه النتيجة أن يكون علي شيعيًا يرى ما يراه الشيعة، وعلي رضي الله عنه برئ مما تعتقده الشيعة فيه وفي بنيه ولذلك لابد من وضع قيد واحتراز في التعريف رفعًا للإبهام، فيقال: هم الذين يزعمون اتباع علي، حيث إنهم لم يتبعوا عليًا على الحقيقة، وليس أمير المؤمنين على ما يعتقدون(1)، أو يقال: بأنهم المدعون التشيع لعلي، أو الرافضة، ولذلك عبر عنهم بعض أهل العلم بقوله: الرافضة المنسوبون إلى شيعة علي(2)، فهم أيضًا ليسوا على منهج شيعة علي المتبعين له، بل هم أدعياء ورافضة(3).
3- الرفض في اللغة هو: الترك، يقال رفضت الشيء: أي تركته(4)، فالرفض في اللغة معناه الترك والتخلي عن الشيء.
4- الرافضة في الاصطلاح هي: إحدى الفرق المنتسبة للتشيع لآل البيت، مع البراءة من أبي بكر وعمر وسائر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا القليل منهم، وتكفيرهم لهم وسبهم إياهم(5)، قال الإمام أحمد رحمه الله: الرافضة: هم الذين يتبرؤون من أصحاب محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويسبونهم وينتقصونهم(6). وقال عبد الله بن أحمد –رحمه الله-: سألت أبي عن الرافضة؟، فقال: الذين يشتمون أو يسبون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما(7).
__________
(1) أصول الشيعة الإمامية الاثنى عشرية (1/68).
(2) منهاج السنة (2/106).
(3) أصول الشيعة الإمامية الاثنى عشرية (1/69).
(4) القاموس المحيط للفيروزأبادي (2/332)، مقاييس اللغة (2/422).
(5) الانتصار للصحب والآل، ص 25.
(6) طبقات الحنابلة لابن أبي يعلي (1/33).
(7) السنة للخلال رقم (777)، وقال المحقق: إسناده صحيح.(2/390)
وقال أبو القاسم التيمي بقوام السنة في تعريفهم: وهم الذين يشتمون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ورضي عن محبيهما(1)، وقد انفردت الرافضة من بين الفرق المنتسبة للإسلام بمسبة الشيخين أبي بكر وعمر، دون غيرها من الفرق الأخرى، وهذا من عظيم خذلانهم، قاتلهم الله(2).
يقول ابن تيمية رحمه الله: فأبو بكر وعمر رضي الله عنهما أبغضتهما الرافضة ولعنتهما، دون غيرهم من الطوائف(3)، وقد جاء في كتب الرافضة ما يشهد لهذا، وهو جعلهم محبة الشيخين وتوليهما من عدمهما هو الفارق بينهم وبين غيرهم ممن يطلقون عليهم النواصب، فقد روى الدرازي عن محمد بن علي بن موسى قال: كتبت إلى علي بن محمد عليه السلام(4) عن الناصب هل يحتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت(5)، واعتقاد إمامتهما؟، فرجع الجواب: من كان على هذا فهو ناصب(6).
__________
(1) الحجة في بيان المحجة (2/478).
(2) الانتصار للصحب والآل، ص 26.
(3) مجموع الفتاوى (4/435).
(4) هو أحد الأئمة الاثنى عشرية عند الإمامية، وفيات الأعيان (3/272).
(5) يعنون بهما: أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كما جاء ذلك في تفسير العياشي (1/246)، وهو من أهم كتب التفسير عندهم، عند قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء:51].
(6) المحاسن النفسانية لمحمد آل عصفور الدرازي، ص 145.(2/391)
5- سبب تسميتهم رافضة: يرى جمهور المحققين أن سبب إطلاق هذه التسمية على الرافضة، لرفضهم زيد بن علي وتفرقهم عنه بعد أن كانوا في جيشه، حين خروجه على هشام بن عبد الملك، في سنة إحدى وعشرين ومائة، وذلك بعد أن أظهروا البراءة من الشيخين فنهاهم عن ذلك. يقول أبو الحسن الأشعري: وما كان زيد بن علي يفضل علي ابن أبي طالب على سائر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويتولى أبا بكر وعمر، ويرى الخروج على أئمة الجور، فلما ظهر في الكوفة في أصحابه الذين بايعوه سمع من بعضهم الطعن في أبي بكر وعمر، فأنكر ذلك على من سمعه منه فتفرق عنه الذين بايعوه فقال لهم: رفضتموني(1)، فيقال: إنهم سموا رافضة لقول زيد لهم: رفضتموني، وبهذا القول قال قوام السنَّة(2)، والرازي(3)، والشهرستاني(4)، وابن تيمية(5) رحمهم الله وذهب الأشعري في قول آخر: إلى أنهم سموا بالرافضة لرفضهم إمامة الشيخين، قال: وإنما سموا رافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر(6).
6- رافضة اليوم: والرافضة اليوم يغضبون من هذه التسمية ولا يرضونها، ويرون أنها من الألقاب التي ألصقها بهم مخالفوها، يقول محسن الأمين: الرافضة لقب ينبز به من يقدم عليًا رضي الله عنه في الخلافة وأكثر ما يستعمل للتشفي والانتقام(7)، ولهذا يتسمون اليوم الشيعة، وقد اشتهروا بهذه التسمية عند العامة، وقد تأثر بذلك بعض الكتاب والمثقفين، فنجدهم يطلقون عليهم هذه التسمية، وفي الحقيقة أن الشيعة مصطلح عام يشمل كل من شايع عليًا رضي الله عنه(8)، وقد ذكر أصحاب الفرق والمقالات أنهم ثلاثة أصناف:
__________
(1) مقالات الإسلاميين (1/37).
(2) الحجة في بيان المحجة (2/478).
(3) اعتقادات فرق المسلمين والمشركين، ص 52.
(4) الملل والنحل (1/155).
(5) منهاج السنة (1/8)، مجموع الفتاوى (13/36).
(6) مقالات الإسلاميين (1/89).
(7) أعيان الشيعة (1/20).
(8) مقالات الإسلاميين (1/65)، الملل والنحل للشهرستاني (1/144).(2/392)
أ- غالية: وهم الذين غلوا في علي وادعوا فيه الإلهية أو النبوة.
ب- ورافضة: وهم الذين يدعون النص على استخلاف علي، ويتبرؤون من الخلفاء قبله وعامة الصحابة.
ج- وزيدية: وهم أتباع زيد بن علي، الذين كانوا يفضلون عليًا على سائر الصحابة ويتولون أبا بكر وعمر(1). فإطلاق الشيعة على الرافضة من غير تقييد لهذا المصطلح غير صحيح، لأن هذا المصطلح يدخل فيه الزيدية(2)، وهم يتولون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، بل أن تسميتهم بالشيعة يوهم التباسهم بالشيعة القدماء الذين كانوا في عهد علي رضي الله عنه ومن بعدهم، فإن هؤلاء مجمعون على تفضيل الشيخين على علي رضي الله عنه، وإنما يرون تفضيل عليّ على عثمان، وهؤلاء كان فيهم كثير من أهل العلم ومن هو منسوب إلى الخير والفضل، ويقول ابن تيمية رحمه الله: ولهذا كان الشيعة المتقدمون الذين صحبوا عليًا، أو كانوا في ذلك الزمان، لم يتنازعوا في تفضيل أبي بكر وعمر، وإنما كان نزاعهم في تفضيل علي وعثمان(3)، ولذا فإن تسمية «الرافضة» بالشيعة من الأخطاء البينة الواضحة التي وقع فيها بعض المعاصرين، تقليدًا للرافضة في سعيهم للتخلص من هذا الاسم لما رأوا من كثرة ذم السلف لهم، ومقتهم إياهم، فأرادوا التخلص من ذلك الاسم تمويهًا وتدليسًا على من لا يعرفهم بالانتساب إلى الشيعة على وجه العموم، فكان من آثار ذلك ما وقع فيه بعض الطلبة المبتدئين ممن لا يعرفوا حقيقة المصطلحات من الخلط الكبير بين أحكام الرافضة وأحكام الشيعة، لما تقرر عندهم إطلاق مصطلح التشيع على الرافضة، فظنوا أن ما ورد في كلام أهل العلم المتقدمين في حق الشيعة أنه يتنزل على الرافضة في حين أن أهل العلم يفرقون بينهما في كافة أحكامهم(4)، وعليه فإن من الواجب أن يسمى هؤلاء الروافض بمسماهم
__________
(1) المصدر نفسه (1/137،88،661)، المصدر نفسه (1/25).
(2) الانتصار للصحب والآل، ص 29.
(3) منهاج السنة (1/13).
(4) الانتصار للصحب والآل، ص 30.(2/393)
الحقيقي الذي اصطلح عليه أهل العلم وعدم تسميتهم بالشيعة على وجه الإطلاق، لما في ذلك من اللبس والإيهام، وإذا ما أطلق عليهم مصطلح «التشيع»، فينبغي أن يقيد بما يدل عليهم خاصة، كأن يقال «الشيعة الإمامية»، أو «الشيعة الاثنى عشرية» على ما جرت بذلك عادة العلماء عند ذكرهم(1)، والله تعالى أعلم.
ثانيًا: نشأة الشيعة الرافضة وبيان دور اليهود في نشأتهم
أول ما دعا إلى أصول عقائد الشيعة الرافضة التي انبنت عليها عقائدهم الأخرى: رجل يهودي اسمه عبد الله بن سبأ من يهود اليمن، أسلم في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأخذ يتنقل بين أمصار المسلمين للدعوة لهذا المعتقد الفاسد، وهذا نص ما ذكره الطبري في تاريخه قال: كان عبد الله بن سبأ يهوديًا من أهل صنعاء أمه سوداء فأسلم زمن عثمان، ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم فبدأ بالحجاز، ثم البصرة، ثم الكوفة، ثم الشام، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام، فأخرجوه حتى أتى مصر فاعتمر فيهم، فقال لهم فيما يقول: العجب ممن يزعم أن عيسى يرجع، ويكذب بأن محمدًا يرجع وقد قال الله: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص:85]، فمحمد أحق بالرجوع من عيسى، قال: قبل ذلك عنه، ووضح لهم الرجعة فتكلموا فيها ثم قال لهم بعد ذلك: إنه كان ألف نبي ولكل نبي وصي، وكان علي وصي محمد، ثم قال: محمد خاتم الأنبياء، وعلي خاتم الأوصياء، ثم قال لهم بعد ذلك: من أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووثب على وصي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتناول أمر الأمة، ثم قال لهم بعد ذلك: إن عثمان أخذها بغير حق، وهذا وصي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانهضوا في هذا الأمر فحركوه، وابدؤوا الطعن على أمرائكم، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تستميلوا الناس وادعوهم إلى هذا الأمر، فبث دعاته وكاتب من كان استفسده في الأمصار وكاتبوه، ودعوه في السر إلى ما عليه
__________
(1) المصدر نفسه، ص 32.(2/394)
رأيهم(1).
وهكذا كانت بداية الرفض، وما زالت تلك العقائد التي دعا إليها ابن سبأ تسير في نفوس أناس من أهل الزيغ والضلال، وتتشربها قلوبهم وعقولهم حتى كان من ثمارها مقتل الخليفة الراشد ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه على يد هذه الشرذمة الفاسدة، حتى إذا ما جاء عهد ابن أبي طالب بدأت تلك العقائد تظهر إلى الوجود أكثر من ذي قبل، إلى أن بلغت عليًا رضي الله عنه فأنكرها أشد ما يكون الإنكار وتبرأ منها ومن أهلها، ومما صح في ذلك عن علي رضي الله عنه ما رواه ابن عساكر عن عمار الدهني قال: سمعت أبا الطفيل يقول: رأيت المسيب بن لجبة أتى به ملببه يعني –ابن السوداء- وعليّ على المنبر، فقال علي: ما شأنه؟، فقال: يكذب على الله ورسوله(2)، وعن يزيد بن وهب عن علي قال: مالي ولهذا الحميت(3) الأسود(4). ومن طريق يزيد بن وهب أيضًا عن سلمة عن شعبة قال علي بن أبي طالب: مالي ولهذا الحميت الأسود –يعني عبد الله بن سبأ- وكان يقع في أبي بكر وعمر(5)، وهذه الروايات ثابتة عن علي رضي الله عنه بأسانيد صحيحة(6)، وحكى المؤرخون وأصحاب الفرق والمقالات أن ابن سبأ ادعى الربوبية في علي –رضي الله عنه- فأحرقه علي هو وأصحابه بالنار(7)، يقول الجرجاني: السبئية من الرافضة ينسبون إلى عبد الله بن سبأ وكان أول من كفر من الرافضة، وقال: علي رب العالمين، فأحرقه علي وأصحابه بالنار(8). ويقول الملطي في معرض حديثه عن السبئية: هم أصحاب عبد
__________
(1) تاريخ الطبري (5/347).
(2) تاريخ دمشق، الانتصار للصحب والآل، ص 35.
(3) الحميت: هو وعاء سمن الذي متن بالرُّب، ويطلق على المتين من كل شيء، وفي حديث وحشي: كأنه حميت، قال ابن حجر: «أي زق كبير وأكثر ما قال ذلك إذا كان مملوءًا» فتح الباري (7/368).
(4) ، (5) فتح الباري (7/368).
(6) عبد الله بن سبأ ص 98، الأسانيد حكم عليها الألباني.
(7) الانتصار للصحب والآل، ص 36.
(8) التعريفات، ص 103.(2/395)
الله بن سبأ. قالوا لعلي رضي الله عنه: أنت. قال: ومن أنا؟، قالوا: الخالق الباري، فاستتابهم فلم يرجعوا، فأوقد لهم نارًا ضخمة وأحرقهم وقال مرتجزًا:
لما رأيت الأمر أمرًا منكرًاأججت ناري ودعوت قنبرًا(1)
وذهب بعض المؤرخين إلى أن عليًا رضي الله عنه لم يحرق ابن سبأ وإنما نفاه إلى المدائن، ثم ادعى بعد موت علي رضي الله عنه أن عليًا لم يمت، وقال لمن نعاه: لو جئتمونا بدماغه في سبعين صرة ما صدقنا موته(2)، ولعل القول الأول هو الصحيح ويشهد له ما جاء في صحيح البخاري، عن عكرمة قال: أتى علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تعذبوا بعذاب الله» ولقتلتهم لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من بدل دينه فاقتلوه»(3)، قال ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث بعد أن ذكر بعض الروايات في هؤلاء المحرقين وفيها: أنهم ناس كانوا يعبدون الأصنام، وفي بعضها أنهم قوم ارتدوا عن الإسلام، وعلى اختلاف بين الروايات في تعيينهم قال بعد ذلك: وزعم أبو المظفر الإسفراييني في «الملل والنحل» أن الذين أحرقهم علي طائفة من الروافض ادعوا فيه الإلهية وهم السبئية، وكان كبيرهم عبد الله بن سبأ يهوديًا أظهر الإسلام، وابتدع هذه المقالة، وهذا يمكن أن يكون أصله: ما رويناه من حديث أبي طاهر المخلص من طريق عبد الله بن شريك العامري قال: قيل لعلي: إن هنا قومًا على باب المسجد يدعون أنك ربهم، فدعاهم وقال: ويلكم ما تقولون؟، قالوا: أنت ربنا خالقنا ورازقنا(4)، ثم ساق بقية الرواية وفيها أن عليًا رضي الله عنه استتابهم ثلاثًا فلم يرجعوا، فحرقهم بالنار في أخاديد قد حفرت لهم، وقال:
__________
(1) التنبيه على أهل الأهواء والبدع، ص 8.
(2) الفصل لابن حزم (5/36)، التبصير في الدين للإسفراييني.
(3) البخاري، كتاب استتابة المرتدين رقم: (6922).
(4) ، (5) فتح الباري (12/270).(2/396)
لما رأيت الأمر أمرًا منكرًا أججت ناري ودعوت قنبرًا
قال ابن حجر: وهذا سند حسن(1)، والمقصود هنا هو ظهور عقائد الشيعة الرافضة المتمثلة في الغلو في علي رضي الله عنه في تلك الفترة الزمنية، وإمعان علي رضي الله عنه في عقوبتهم حتى قال ابن عباس ما قال، كما ثبت إنكار علي رضي الله عنه لكل العقائد الأخرى التي ظهرت في عهده، وانتظمت في سلك التشيع له كتفضيله على عامة الصحابة وتقديمه على الشيخين، وكان انتشار سب الصحابة والإزراء عليهم بين أولئك الضلال، قال ابن تيمية رحمه الله: ولما أحدثت البدع الشيعة في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ردها وكانت ثلاث طوائف: غالية، وسبابة، ومفضلة، فأما الغالية، فإنه حرقهم بالنار، فإنه خرج ذات يوم من باب كندة فسجد له أقوام فقال: ما هذا؟، فقالوا: أنت هو الله. فاستتابهم ثلاثة فلم يرجعوا، فأمر في الثالث بأخاديد وأضرم فيها النار، ثم قذفهم فيها.. وأما السبابة: فإنه لما بلغه من سب أبا بكر وعمر طلب قتله، فهرب منه إلى قرقيسيا وكلم فيه، وكان علي يداري أمراءه، لأنه لم يكن متمكنًا ولم يكن يطيعونه في كل ما يأمرهم به، وأما المفضلة: فقال: لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفترين: فقال وروى عنه من أكثر من ثمانين وجهًا أنه قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر(2)، وعلى كل حال فعقائد الرافضة مع ظهورها في عهد علي رضي الله عنه قد بقيت محصورة في أفراد لا تمثلها طائفة أو فرقة، حتى انقضى عهد علي رضي الله عنه وهي على تلك الحال.
__________
(2) مجموع الفتاوى (35/185،184).(2/397)
وقد أفرد الدكتور سعدي الهاشمي عقيدة ابن سبأ والبدع التي نادى بها في رسالته «ابن سبأ حقيقة لا خيال»، وذكرها في كتابه «الرواة الذين تأثروا بابن سبأ». وأهم البدع التي نادى بها ابن سبأ، القول بالوصية، وهو أول من قال بوصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي، وأنه خليفته على أمته من بعده بالنص، وأول من أظهر البراءة من أعداء علي رضي الله عنه بزعمه، وكاشف مخالفيه، وحكم بكفرهم، وأول من قال بإلهية علي رضي الله عنه وربوبيته، وكان أول من ادعى النبوة من فرق الشيعة الغلاة، وكان أول من أحدث القول برجعة علي رضي الله عنه إلى الدنيا بعد موته وبرجعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأول من ادعى أن عليًا رضي الله عنه هو دابة الأرض، وأنه هو الذي خلق الخلق وبسط الرزق، وقالت السبئية: إنهم لا يموتون، وإنما يطيرون بعد مماتهم وسموا بالطيارة، وقال قوم منهم –السبئية- بانتقال روح القدس في الأئمة، وقالوا: بتناسخ الأرواح، وقالت السبئية: هُدينا لوحي ضل عنه الناس، وعلم خفي عنهم، وقالوا: إن عليًا في السحاب، وإن الرعد صوته، والبرق سوطه. هذه أبرز البدع التي كان يعتقد بها ابن سبأ وأتباعه وصاروا بها من الغلاة(1).
__________
(1) الرواة الذين تأثروا بابن سبأ، د/سعدي الهاشمي ص 20،19.(2/398)
إن فرق الشيعة الرافضة كفكر وعقيدة لم تولد فجأة، بل إنها أخذت طورًا زمنيًا، ومرت بمراحل، ولكن طلائع العقيدة الشيعية الرافضية وأصل أصولها ظهرت على يد السبئية باعتراف كتب الشيعة التي قالت بأن ابن سبأ أول من شهد بالقول بفرض إمامة علي، وأن عليًا وصي محمد –كما مر- وهذه عقيدة النص على علي بالإمامة، وهي أساس التشيع الرافضي –كما يراه شيوخ الروافض- ومن ذلك ما جاء في الكافي عن أبي الحسن قال: ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء، ولن يبعث الله رسولاً إلا بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ووصية علي عليه السلام(1)، وشهدت كتب الشيعة الروافض –كما سيأتي تفصيله بإذن الله- بأن ابن سبأ وجماعته هم أول من أظهر الطعن في أبي بكر وعمر وعثمان أصهار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأرحامه وخلفائه، وأقرب الناس إليه رضي الله عنهم والطعن في الصحابة الآخرين، وهذه عقيدة الشيعة الروافض في الصحابة، كما هي في كتبهم المعتمدة، كما أن ابن سبأ قال برجعة علي(2)، والرجعة من أصول الشيعة الروافض –كما سيأتي بإذن الله-، كما أن ابن سبأ قال بتخصيص علي وأهل البيت بعلوم سرية خاصة، كما أشار إلى ذلك الحسن بن محمد بن الحنفية(3) في رسالة الإرجاء(4)، وهذه المسألة أصحبت من أصول الاعتقاد عند الشيعة، وقد ثبت في صحيح البخاري ما يدل على أن هذه العقيدة ظهرت في وقت مبكر، وأن عليًا رضي الله عنه سئل عنها، وقيل له: هل عندكم شيء مما ليس في القرآن، أو مما ليس عند الناس؟، فنفى ذلك نفيًا قاطعًا(5).
__________
(1) أصول الكافي (1/437)، أصول الشيعة الإمامية (1/71).
(2) المقالات والفرق للقمي، ص 21، فرق الشيعة للنوبختي، ص 23، أصول الشيعة الإمامية (1/96).
(3) تهذيب التهذيب (2/32).
(4) رسالة الإرجاء ضمن كتاب الإيمان، لمحمد العدني، ص 250-294.
(5) البخاري، كتاب العلم مع الفتح (1/204).(2/399)
هذه من أهم الأصول التي تدين بها الشيعة الرافضة(1)، وقد وُجدت إثر مقتل عثمان رضي الله عنه وفي عهد علي رضي الله عنه ولم تأخذ مكانها في نفوس فرقة معينة معروفة، بل إن السبئية ما كادت تطل برأسها حتى حاربها علي رضي الله عنه، كما مر معنا، ولكن ما تلا ذلك من أحداث هيأ جوًا صالحًا لظهور هذه العقائد، وتمثلها في جماعة كمعركة صفين، وحادثة التحكيم التي أعقبتها، ومقتل علي، ومقتل الحسن.
كل هذه الأحداث دفعت القلوب والعواطف إلى التشيع لآل البيت، فتسلل الفكر الوافد من نافذة التشيع لعلي وآل بيته، وصار التشيع وسيلة لكل من أراد هدم الإسلام من ملحد ومنافق وطاغوت، ودخلت إلى المسلمين أفكار ومعتقدات أجنبية اكتست بثوب التشيع وتيسر دخولها تحت غطائه، وبمرور الأيام كانت تتسع البدعة ويتعاظم خطرها، حيث وُجد لابن سبأ خلفاء كثيرون، ولم يكن استعمال لقب الشيعة في عهد علي رضي الله عنه إلا بمعنى الموالاة والنصرة، ولا يعني بحال الإيمان بعقيدة من عقائد الشيعة الرافضة اليوم(2).
__________
(1) أصول الشيعة الإمامية الاثنى عشرية (1/97).
(2) أصول الشيعة الإمامية (1/98).(2/400)
إن التشيع لآل البيت وحبهم أمر طبيعي، وهو حب لا يفرق بين الآل، ولا يغلو فيهم، ولا ينتقص أحدًا من الصحابة، كما تفعل الفرق المنتسبة للتشيع، وقد نما الحب وزاد للآل بعدما جرى عليهم من المحن والآلام، بدءًا من مقتل علي ثم الحسين... إلخ، هذه الأحداث فجرت عواطف المسلمين، فدخل الحاقدون من هذا الباب، ذلك أن آراء ابن سبأ لم تجد الجو الملائم؛ لتنمو وتنتشر إلا بعد تلك الأحداث... لكن التشيع بمعنى عقيدة النص على عليّ رضي الله عنه، والرجعة، والبداء، والغيبة، وعصمة الأئمة... إلخ، فلا شك أنها عقائد ما أنزل الله بها من سلطان، ودخيلة على المسلمين –ترجع أصولها لعناصر مختلفة-، ذلك أنه قد ركب مطية التشيع كل من أراد الكيد للإسلام وأهله، وكل من احتال ليعيش في ظل عقيدته السابقة باسم الإسلام، من يهودي، ونصراني، ومجوسي، وغيرهم، فدخل في التشيع كثير من العقائد الفاسدة، كما سيتبين ذلك عند دراسة أصول عقائدهم. ولهذا ذهب ابن تيمية –رحمه الله- إلى أن المنتسبين للتشيع قد أخذوا من مذاهب الفرس، والروم، واليونان، والنصارى، واليهود، وغيرهم أمورًا مزجوها بالتشيع، ويقول: وهذا تصديق لما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وساق بعض الأحاديث الواردة في أن هذه الأمة ستركب سُنن من قبلها...، وقال بأن هذا صار في المنتسبين للتشيع(1).
ثالثًا: المراحل التي مرت بها الشيعة الرافضة
مرت الشيعة الرافضة في نشأتها بعدة مراحل، حتى أصبحت فرقة مستقلة متميزة بعقيدتها واسمها عن سائر فرق الأمة ويمكن إبراز ذلك من خلال أربع مراحل رئيسية:
__________
(1) منهاج السنة (4/147)، أصول الشيعة الإمامية (1/109).(2/401)
1- المرحلة الأولى: دعوة عبد الله بن سبأ إلى ما دعا إليه من الأصول التي انبنت عليها عقيدة الرافضة، كدعوته لعقيدة الرجعة، وإحداثه القول بالوصية لعلي رضي الله عنه، والطعن في الخلفاء السابقين لعلي في الخلافة، وقد ساعد ابن سبأ في ترويج فكره الضال البعيد عن روح الإسلام أمران:
أ- اختيار ابن سبأ البيئة المناسبة لدعوته: حيث بث دعوته في بلدان مصر، والعراق، بعد أن أكثر التنقل بين هذه الأمصار، كما مر في كلام الطبري(1)، فنشأت هذه الدعوة في مجتمعات لم تتمكن من فهم الإسلام الفهم الصحيح، وتترسخ أقدامها في العلم الشرعي والفقه بدين الله تعالى، وذلك لقرب عهدها بالإسلام، فإن تلك الأمصار إنما فتحت في عهد عمر رضي الله عنه، هذا بالإضافة إلى بعدها عن مجتمع الصحابة في الحجاز وعدم التفقه والتتلمذ والتربية على أيديهم.
ب- أن ابن سبأ مع اختياره لدعوته تلك المجتمعات، فإنه زيادة في المكر والخديعة، أحاط دعوته بستار من التكتم والسرية، فلم تكن دعوته موجهة لكل أحد، وإنما لمن علم أنهم أهل لقبولها من جهلة الناس، وأصحاب الأغراض الخبيثة، ممن لم يدخلوا الإسلام إلا كيدًا لأهله بعد أن قوضت جيوش الإسلام عروش ملوكهم، ومزقت ممالكهم، وقد تقدم كلام الطبري السابق عن ابن سبأ: فبث دعاته، وكاتب من كان استفسده في الأمصار، وكاتبوه، ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم(2)، يقول في سياق وصفهم: وأوسعوا في الأرض إذاعة وهم يريدون غير ما يظهرون(3).
__________
(1) تاريخ الطبري (5/347).
(2) تاريخ الطبري (5/347).
(3) المصدر نفسه (5/348).(2/402)
2- المرحلة الثانية: إظهار هذا المعتقد والتصريح به، وذلك بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، وانشغال الصحابة رضوان الله عليهم بإخماد الفتنة التي حصلت بمقتله، فوجد هؤلاء الضلال متنفسًا في تلك الظروف، وقويت تلك العقائد الفاسدة في نفوسهم، إلا أنه مع كل ذلك بقيت هذه العقائد محصورة في طائفة مخصوصة، ممن أصلهم ابن سبأ، وليست لهم شوكة ولا كلمة مسموعة عند أحد سوى من ابتلي بمصيبتهم في مقتل عثمان رضي الله عنه، وشاركهم في دمه من الخوارج المارقين، وممما يدل على ذلك ما نقله الطبري: وتكلم ابن السوداء فقال: يا قوم إن عزكم في خلطة الناس فصانعوهم(1). وهذا القول لا يقوله صاحب شوكة ومنعة، ومع هذا فإنه لا ينكر دور هؤلاء السبئية وقتلة عثمان في إشعال نار الحرب بين الصحابة، بل ذلك مقرر عند أهل التحقيق للفتنة وأحداثها، يقول ابن حزم مقررًا ذلك: وبرهان ذلك أنهم اجتمعوا ولم يقتتلوا ولا تحاربوا، فلما كان الليل عرف قتلة عثمان الإراعة والتدبير عليهم، فبيتوا عسكر طلحة والزبير، وبذلوا السيوف فيهم، فدفع القوم عن أنفسهم(2).
__________
(1) المصدر نفسه (5/526).
(2) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/239).(2/403)
3- المرحلة الثالثة: اشتداد أمرهم وقوتهم واجتماعهم تحت قيادة واحدة وذلك بعد مقتل الحسين رضي الله عنه للأخذ بثأر الحسين والانتقام له من أعدائه، يقول الطبري في حوادث سنة أربع وستين للهجرة: وفي هذه السنة تحركت الشيعة بالكوفة، وأعدوا الاجتماع بالنخيلة سنة خمس وستين للمسير لأهل الشام للطلب بدم الحسين بن علي، وتكاتبوا في ذلك(1) وكان مبدأ أمرهم ما ذكره الطبري من رواية عبد الله بن عوف بن الأحمر الأزدي أنه قال: لما قتل الحسين بن علي ورجع ابن زياد من معسكره بالنخيلة، فدخل الكوفة، تلاقت الشيعة بالتلاوم والتندم، ورأت أنها قد أخطأت خطأ كبيرًا بدعائهم الحسين إلى النصرة وتركهم إجابته، وقتله إلى جانبهم دون أن ينصروه، ورأوا أنه لا يغسل عارهم والإثم عنهم في مقتله إلا بقتل من قتله، أو القتل فيه، ففزعوا بالكوفة إلى خمسة نفر من رؤوس الشيعة: إلى سليمان بن صُرد الخزاعي، وكانت له صحبة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإلى المسيب بن نجية الفزاري، وكان من أصحاب علي وخيارهم، وإلى عبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي، وإلى عبد الله بن وائل التيمي، وإلى رفاعة بن شداد البجلي، ثم إن هؤلاء النفر الخمسة اجتمعوا في منزل سلميان بن صُرد وكانوا من خيار أصحاب علي، ومعهم أناس من الشيعة وخيارهم ووجوههم(2)، وكان هذا الاجتماع عامًا يشمل كافة الشيعة، وقد اجتمع إلى سليمان بن صرد نحو من سبعة عشر ألفًا، ثم لم تعجب سليمان قلتهم، فأرسل حكيم بن منقذ فنادى في الكوفة، وخرج الناس معهم فكانوا قريبًا من عشرين ألفًا(3)، ثم إنه في هذه الأثناء قدم المختار بن أبي عبيد الثقفي إلى الكوفة فوجد الشيعة قد التفت على سليمان بن صرد وعظموه تعظيمًا زائدًا، وهم معدون للحرب، فلما استقر المختار عندهم بالكوفة دعا إلى إمامة المهدي محمد بن علي بن أبي طالب وهو محمد ابن الحنفية، ولقبه بالمهدي
__________
(1) تاريخ الطبري (6/487-501).
(3) ، (4) البداية والنهاية (8/254).(2/404)
فاتبعه على ذلك كثير من الشيعة، وفارقوا سليمان بن صرد، وصارت الشيعة فرقتين، الجمهور منهم مع سليمان، يريدون الخروج على الناس ليأخذوا بثأر الحسين، وفرقة أخرى مع المختار يريدون الخروج للدعوة إلى إمامة محمد ابن الحنفية، وذلك عن غير أمر ابن الحنفية، وإنما يتقولون عليه ليروجوا على الناس به، وليتوصلوا إلى أغراضهم الفاسدة(1)، فكان هذا بداية اجتماع الشيعة، ثم يذكر المؤرخون خروج سليمان بن صرد بمن كان معه من الشيعة إلى الشام، فالتقوا مع أهل الشام عند عين تسمى عين الوردة واقتتلوا قتالاً عظيمًا لمدة ثلاثة أيام، يقول ابن كثير: لم ير الشيب والمرد مثله لا يحجز بينهم إلا أوقات الصلوات إلى الليل(2)، ثم انتهى القتال بينهم بقتل سليمان بن صرد رحمه الله وكثير من أصحابه، وهزيمتهم، وعودة من بقى من أصحابه إلى الكوفة(3)، وأما المختار بن أبي عبيد الثقفي فلما رجع من بقى من جيش سليمان إلى الكوفة وأخبروه بما كان من أمرهم، وما حل بهم فترحم على سليمان ومن كان قتل معه، وقال: وبعد، فأنا الأمير المأمون قاتل الجبارين والمفسدين، إن شاء الله، فأعدوا واستعدوا وأبشروا(4)، يقول ابن كثير: وقد كان قبل قدومهم أخبر الناس بهلاكهم عن وحيه الذي كان يأتي إليه من الشيطان، فإنه قد كان يأتي شيطان فيوحي إليه قريبًا مما كان يوحي شيطان مسيلمة له(5)، ثم إن المختار بعث الأمر إلى النواحي والبلدان، والرساتيق من أرض العراق وخراسان وعقد الألوية والرايات.. ثم شرع المختار بتتبع قتلة الحسين من شريف ووضيع فيقتله(6).
__________
(2) المصدر نفسه (8/257).
(3) المصدر نفسه (8/257،256).
(4) المصدر نفسه (8/258).
(5) المصدر نفسه (8/257).
(6) المصدر نفسه (8/271).(2/405)
4- المرحلة الرابعة: انشقاق الشيعة الرافضة عن الزيدية، وباقي فرق الشيعة، وتميزها بمسماها وعقيدتها، وكان ذلك على وجه التحديد في سنة إحدى وعشرين ومائة عندما خرج زيد بن علي بن الحسين على هشام بن عبد الملك(1)، فأظهر بعض من كان في جيشه من الشيعة الطعن على أبي بكر وعمر فمنعهم من ذلك، وأنكر عليهم فرفضوه، فسموا بالرافضة، وسميت الطائفة الباقية معه بالزيدية(2)، يقول ابن تيمية رحمه الله: إن أول ما عرف لفظ الرافضة في الإسلام، عند خروج زيد بن علي في أوائل المائة الثانية، فسئل عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فتولاهما، فرفضه قوم فسموا رافضة(3)، وقال: ومن زمن خروج زيد افترقت الشيعة إلى رافضة وزيدية، فإنه لما سئل عن أبي بكر وعمر فترحم عليهما رفضه قوم فقال لهم: رفضتموني، فسموا رافضة لرفضهم إياه، وسمي من لم يرفضه من الشيعة زيديًا لانتسابهم إليه(4)، ومنذ ذلك التاريخ تميزت الرافضة عن باقي فرق الشيعة، فأصبحت فرقة مستقلة باسمها ومعتقدها(5)، والله تعالى أعلم.
هذا وقد تحدث علماء الفرق عن الفرق المنسوبة للشيعة، فذكروا منها: السبئية، والغرابية، والبياتية، والمغيرية، والهاشمية، والخطابية، والعلبائية، والكيسانية، والزيدية الجارودية، والسليمانية، والصالحية، والبترية، وبعض هذه الفرق غالت غلوًا عظيمًا، والبعض الآخر أقل غلوًا، ومن أراد الاستزادة فليراجع مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري، والملل والنحل للشهرستاني، والفرق بين الفرق لأبي الظاهر البغدادي، وفرق معاصرة للدكتور غالب بن علي عواجي وهو من أفضل من اطلعت عليه من المعاصرين.
__________
(1) تاريخ الطبري (7/160)، الانتصار للصحب والآل، ص 47.
(2) الانتصار للصحب والآل، ص 47.
(3) مجموع الفتاوى (13/36).
(4) منهاج السنة (1/35).
(5) الانتصار للصحب والآل ص 48.(2/406)
المبحث الثالث : من أهم عقائد الشيعة الرافضة «الإمامة»
يعتقد الشيعة الرافضة الاثنا عشرية أن الإمامة ركن عظيم من أركان الإسلام، وأصل أصيل من أصول الإيمان، لا يتم إيمان المرء إلا باعتقادها، ولا يقبل منه عمل إلا بتحقيقها، وأول من تحدث عن مفهوم الإمامة بالصورة الموجودة عند الشيعة الرافضة هو ابن سبأ، الذي بدأ يشيع القول بأن الإمامة هي وصاية من النبي - صلى الله عليه وسلم - ومحصورة بالوصي، وإذا تولاها سواه يجب البراءة منه وتكفيره، فقد اعترفت كتب الشيعة بأن ابن سبأ كان أول من أشهر القول بفرض إمامة علي، وأظهر البراءة من أعدائه، وكاشف مخالفيه، وكفرهم(1)، لأنه كان يهودي الأصل، يرى أن يوشع بن نون وصي موسى، فلما أسلم أظهر هذه المقالة في علي ابن أبي طالب(2)، وهذا ما تعارف عليه شيوخ الشيعة الرافضة، فابن بابويه القمي يسجل عقائد الشيعة في القرن الرابع ويقول بأنهم يعتقدون بأن لكل نبي وصيًا أوصى إليه بأمر الله تعالى(3)، ويذكر أن عدد الأوصياء مائة ألف وصي، وأربعة وعشرون ألف وصي(4)، كما ذكر المجلسي في أخباره: أن عليًا هو آخر الأوصياء(5)، وجاء في بعض عناوين الأبواب في الكافي باب أن الإمامة عهد من الله عز وجل معهود من واحد إلى واحد(6)، وباب ما نص الله عز وجل ورسوله على الأئمة واحدًا فواحدًا(7)، وقد ضمنها مجموعة من أخبارهم التي يعدونها من الأدلة التي لا يرقى إليها الشك.
__________
(1) رجال الكشي ص 101، المقالات والفرق للقمي، ص 20.
(2) رجال الكشي ص 101، أصول الشيعة (2/792).
(3) ، (4) عقائد الصدوق، ص 106.
(5) بحار الأنوار (39/342).
(6) أصول الكافي (1/227).
(7) المصدر السابق (1/286).(2/407)
ولهذا قال شيخهم مقداد الحلي –ت821هـ-: بأن مستحق الإمامة عندهم لابد أن يكون شخصًا معهودًا من الله تعالى ورسوله لا أي شخص اتفق(1)، ويقرر محمد حسين آل كاشف الغطاء أحد مراجع الشيعة الاثنى عشرية في هذا العصر: أن الإمامة منصب إلهي كالنبوة، فكما أن الله سبحانه يختار ما يشاء من عباده للنبوة والرسالة ويؤيد بالمعجزة التي هي كنص من الله عليه.. فكذلك يختار للإمامة من يشاء ويأمر نبيه بالنص عليه، وأن ينصبه إمامًا للناس من بعده(2). فأنت ترى أن مفهوم الإمامة عندهم كمفهوم النبوة، فكما يصطفي الله سبحانه من خلقه أنبياء، يختار سبحانه أئمة، وينص عليهم، ويعلم الخلق بهم، ويقيم بهم الحجة، ويؤيدهم بالمعجزات، وينزل عليهم الكتب، ويوحي إليهم، ولا يقولون أو يفعلون إلا بأمر الله ووحيه.. أي أن الإمامة هي النبوة، والإمام هو النبي، والتغيير في الاسم فقط، ولذلك قال المجلسي: إن استنباط الفرق بن النبي والإمام من تلك الأخبار لا يخلو من إشكال(3)، ثم قال: ولا نعرف جهة لعدم اتصافهم بالنبوة إلا رعاية خاتم الإنبياء، ولا يصل عقولنا فرق بين النبوة والإمامة(4)، هذا قولهم في مفهوم الإمامة، ويكفي في نقده أنه لا سند لهم فيه إلا ابن سبأ اليهودي(5).
أولاً: منزلة الإمامة عندهم وحكم من جحدها:
__________
(1) النافع يوم الحشر، ص 47.
(2) أصول الشيعة وأصولها ص 58.
(3) بحار الأنوار (26/82).
(4) المصدر نفسه (26/82).
(5) أصول الشيعة الإمامية (2/794).(2/408)
مسألة الإمامة عند أهل السُنَّة ليست من أصول الدين التي لا يسع المكلف الجهل بها، كما قرره جمع من أهل العلم(1)، ولكنها عند الشيعة الرافضة لها شأن آخر، ففي الكافي روايات تجعل الإمامة أعظم أركان الإسلام، روى الكليني بسنده عن أبي جعفر قال: بني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية، فأخذ الناس بأربع وتركوا هذا –يعني الولاية-(2).
فأنت ترى أنهم أسقطوا الشهادتين من أركان الإسلام، ووضعوا مكانهما الولاية، وعدوها من أعظم الأركان، كما يدل عليه قولهم: ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية، وكما يدل عليه حديثهم الآخر، وقد ذكر فيه نص الرواية السابقة وزاد: قلت «الراوي»: وأي شيء من ذلك أفضل؟، فقال: الولاية أفضل(3).
ويقول المجلسي: ولا ريب في أن الولاية والاعتقاد بإمامة الأئمة عليهم السلام والإذعان لهم من جملة أصول الدين، وأفضل من جميع الأعمال البدنية لأنها مفتاحهن(4).
ويقول المظفر –وهو من علمائهم المعاصرين-: نعتقد أن الإمامة أصل من أصول الدين، ولا يتم الإيمان إلا بالاعتقاد بها، ولا يجوز فيها تقليد الآباء والأهل والمربين، مهما عظموا، بل يجب النظر فيها، كما يجب النظر في التوحيد والنبوة(5)، بل وصلت الأخبار إلى أكثر من هذا حينما قالت: عرج النبي - صلى الله عليه وسلم - بالولاية لعلي والأئمة من بعده أكثر مما أوصاه بالفرائض(6).
__________
(1) غاية المرام للآمدي، ص 363، الاقتصاد للغزالي، ص 134.
(2) أصول الكافي (2/18)، رقم 3.
(3) المصدر نفسه (2/18).
(4) مرآة العقول (7/102).
(5) عقائد الأمامية ص102.
(6) بحار الأنوار (23/69).(2/409)
هذه الروايات الشيعية الرافضية، ومثيلاتها في كتب الشيعة الروافض كانت كفيلة بأن تجعل الإمامة هي الحكم على إيمان الرجل أو كفره، وأن تجعل المسلم معرضًا للاتهام بالكفر لمجرد اختلافه مع الشيعة الإمامية في عقيدة الإمامة التي يعتقدونها، ولذا رأينا بعض كبار علماء الشيعة الإمامية السابقين واللاحقين يصرحون بهذه الحقيقة المرة.
يقول ابن بابويه القمي في رسالته الاعتقادات: واعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام أنه كمن جحد نبوة جميع الأنبياء، واعتقادنا فيما أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحدًا من بعده من الأئمة أنه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء، وأنكر نبوة
محمد - صلى الله عليه وسلم -(1).
ويقول يوسف البحراني في موسوعته الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة: وليت شعري أي فرق بين من كفر بالله سبحانه وتعالى ورسوله، وبين من كفر بالأئمة عليهم السلام مع ثبوت كون الإمامة من أصول الدين(2).
ويقول المجلسي: اعلم أن إطلاق لفظ الشرك والكفر على من لم يعتقد إمامة أمير المؤمنين والأئمة من ولده عليهم السلام وفضل عليهم غيرهم، يدل أنهم مخلدون في النار(3).
وقال ابن المطهر الحلي: الإمامة لطف عام، والنبوة لطف خاص لإمكان خلو الزمان من نبي حي بخلاف الإمام، وإنكار اللطف العام شر من إنكار اللطف الخاص(4).
__________
(1) الاعتقادات، ص 103، ثم أبصرت الحقيقة، محمد الخضر، ص 127.
(2) الحدائق الناضرة (18/153).
(3) بحار الأنوار (23/390).
(4) الألفين، ص 3، أصول الشيعة الإمامية (2/867).(2/410)
فهو يجعل من لم يؤمن بأئمتهم أشد كفرًا من اليهود والنصارى، وقد بنى على ذلك أن الزمن لا يخلو من إمام، وهو إشارة إلى عقيدتهم بالإيمان بوجود إمامهم المنتظر الغائب، والذي أنكره طوائف من الشيعة، وقرر المحققون من علماء النسب والتاريخ أنه لم يولد أصلاً، ولكن شيخ الشيعة الرافضة يرى أن إنكاره أعظم من الكفر(1)، وينقل شيخهم المفيد اتفاقهم على هذا المذهب في تكفير أمة الإسلام فيقول: اتفقت الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد من الأئمة وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض الطاعة، فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار(2)، وبلغ الأمر بشيخهم نعمة الله الجزائري أن يعلن انفصال الشيعة عن المسلمين بسبب قضية الإمامة فيقول: لم تجتمع معهم على إله ولا نبي ولا على إمام، وذلك أنهم يقولون: إن ربهم هو الذي كان محمد - صلى الله عليه وسلم - نبيه، وخليفته بعده أبو بكر، ونحن لا نقول بهذا الرب ولا بذلك النبي، بل نقول: إن الرب الذي خليفة نبيه أبو بكر ليس ربنا ولا ذلك النبي نبينا(3).
إن الإمامة صنو النبوة أو أعظم، وهي أصل الدين وقاعدته الأساسية عندهم، لهذا جاء حكم الشيعة الاثنى عشرية على من أنكر إمامة واحد من أئمتهم الاثنى عشر مكملاً لهذا الغلو، حيث حكموا عليه بالكفر والخلود في النار، وخصصوا باللعن والحكم بالردة جميع فئات المسلمين ما عدا الاثنى عشرية، فتناول تكفيرهم:
__________
(1) أصول الشيعة الإمامية (2/867).
(2) المسائل للمفيد، وقد نقل ذلك عنه المجلسي في البحار (8/366).
(3) الأنوار النعمانية (2/279).(2/411)
1- الصحابة رضوان الله عليهم: كتب الشيعة الرافضة مليئة باللعن والتكفير لمن رضي الله عنهم ورضوا عنه، من المهاجرين والأنصار، وأهل بدر وبيعة الرضوان، وسائر الصحابة أجمعين، ولا تستثني منهم إلا النزر اليسير الذي لا يبلغ عدد أصابع اليد، وأصبحت هذه المسألة بعد ظهور كتبهم وانتشارها من الأمور التي لا تحجب بالتقية(1)، كما أن من أهل العلم وأصحاب المقالات من اطلع على هذا الأمر عند الشيعة الإمامية، قال القاضي عبد الجبار: وأما الإمامية فقد ذهبت إلى أن الطريق إلى إمامة الاثنى عشر النص الجلي، الذي يكفر من أنكره، ويجب تكفيره، فكفروا لذلك صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم -(2)، وقريب من هذا المعنى قال عبد القاهر البغدادي: وأما الإمامية فقد زعم أكثرهم(3) أن الصحابة ارتدت بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - سوى علي وابنيه مقدار ثلاثة عشر منهم(4)، ويقول ابن تيمية رحمه الله: إن الرافضة تقول: إن المهاجرين والأنصار كتموا النص، فكفروا إلا نفرًا قليلاً.. إما بضعة عشر أو أكثر، ثم يقولون: إن أبا بكر وعمر ونحوهما ما زالا منافقين، وقد يقولون: بل آمنوا ثم كفروا، وتقول كتب الاثنى عشرية: إن الصحابة بسبب توليتهم لأبي بكر قد ارتدوا إلا ثلاثة، وتزيد بعض رواياتهم ثلاثة أو أربعة آخرين إلى إمامة علي، ليصبح المجموع سبعة، ولا يزيدون عن ذلك، ولقد تداولت الشيعة أنباء هذا الأسطورة في المعتمد من كتبها، فسجلوا ذلك في أول كتاب ظهر لهم وهو كتاب سليم بن قيس(5)، ثم تتابعت كتبهم في تقرير ذلك وإشاعته وعلى رأسها الكافي أوثق كتبهم الأربعة، ورجال الكشي(6)، عمدتهم في كتب الرجال وغيرها من مصادرهم(7)، وسيأتي الحديث عن
__________
(1) أصول الشيعة الإمامية (2/868).
(2) شرح الأصول الخمسة، ص 761.
(3) نلحظ أن عبد القاهر لا يعمم هذا المذهب على الإمامية كلها.
(4) الفرق بين الفرق، ص 321.
(5) كتاب سليم بن قيس، ص 74-75.
(6) رجال الكشي ص 11،9،8،7،6.
(7) أصول الشيعة الإمامية (2/780).(2/412)
موقف الشيعة الرافضة من الصحابة مفصلاً بإذن
الله تعالى.
2- تكفيرهم أهل البيت: إن الروايات التي تحكم بالردة على ذلك المجتمع المثالي الفريد، ولا تستثني منهم جميعًا إلا سبعة في أكثر تقديراته، ولا تذكر من ضمن هؤلاء السبعة أحدًا من أهل بيت رسول الله باستثناء بعض روايات عندهم جاء فيها استثناء علي فقط، وهي رواية الفضيل بن يسار عن أبي جعفر، قال: صار الناس كلهم أهل جاهلية إلا أربعة: عليًا، والمقداد، وسلمان، وأبا ذر، فقلت: فعمار؟، فقال: إن كنت تريد الذين لم يدخلهم شيء فهؤلاء الثلاثة(1). فالحكم بالردة في هذه النصوص شامل للصحابة، وأهل البيت النبوي من زوجات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقرابته، مع أن واضعها يزعم التشيع لأهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهل هذا إلا دليل واضح على أن التشيع إنما هو ستار لتنفيذ أغراض خبيثة ضد الإسلام وأهله، وأن واضعي هذه الروايات أعداء للصحابة وللقرابة(2)، وقد خصت الشيعة الرافضة بالطعن والتكفير جملة من أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كعم النبي العباس، حتى قالوا بأنه نزل فيه قوله سبحانه: {وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} [الإسراء:72]، وكابنه عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن الذي خصصوه باللعن وبأنه سخيف العقل(3)، كما جاء في الكافي، وفي رجال الكشي: الهم العن ابني فلان واعم أبصارهما، كما عميت قلوبهما، واجعل عمى أبصارهما دليلاً على عمى قلوبهما(4). وعلق على هذا شيخهم حسن المصطفوي فقال: هما عبد الله بن عباس وعبيد الله بن عباس(5)، وبنات النبي - صلى الله عليه وسلم - يشملهن سخط الشيعة الاثنى عشرية وحنقهم، فلا يذكرون فيمن استثنى من التكفير، بل ونفى بعضهم
__________
(1) تفسير العياشي (1/199)، البرهان (1/319)، تفسير الصافي (1/389)، أصول الشيعة الإمامية (2/891).
(2) أصول الشيعةالإمامية (2/891).
(3) أصول الكافي (1/247).
(4) رجال الكشي، ص 52.
(5) أصول الشيعة الإمامية (2/892).(2/413)
أن يكن بنات للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما عدا فاطمة رضي الله عنهن(1)، فهل يحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يقول فيه وفي بناته هذا القول(2)؟، وقد نص صاحب الكافي في رواياته على أن كل من لم يؤمن بالاثنى عشرية فهو كافر، وإن كان علويًا فاطميًا(3)، وهذا يشمل في الحقيقة التكفير لجيل الصحابة ومن بعدهم بما فيه الآل والأصحاب؛ لأنهم لم يعرفوا فكرة الاثنى عشر التي لم توجد إلا بعد سنة 260هـ، كما باؤوا بتكفير أمهات المؤمنين أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إذ لم يستثنوا واحدة منهن في نصوصهم، ولكنهم يخصون منهم عائشة(4) وحفصة رضي الله عنهما، بالذم واللعن والتكفير(5)، وقد عقد شيخهم المجلسي بابًا بعنوان «باب أحوال عائشة وحفصة» ذكر فيه 17رواية(6)، وأحال في بقية الروايات إلى أبواب أخرى(7)، وقد آذوا فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أهل بيته أبلغ الإيذاء، حتى اتهموا في أخبارهم من برأها الله من فوق سبع سماوات، عائشة بنت الصديق بالفاحشة، فقد جاء في أصل أصول التفاسير عندهم، تفسير القمي(8)، قذف شنيع متضمن تكذيب القرآن العظيم، قال ابن كثير –رحمه الله- في تفسير سورة النور: أجمع أهل العلم –رحمهم الله- قاطبة على أن من سبها ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في الآية، فإنه كافر؛ لأنه معاند للقرآن(9)، وقال القرطبي: فكل من سبها مما برأها الله منه مكذب لله، ومن كذب الله فهو كافر(10).
__________
(1) كشف الغطاء لجعفر النجفي، ص 5، أصول الشيعة (2/892).
(2) أصول الشيعة الإمامية (2/892).
(3) أصول الكافي (1/372-374).
(4) أصول الكافي (1/300)، رجال الكشي، ص 57-60.
(5) أصول الشيعة الإمامية (2/893).
(6) بحار الأنوار (22/227-247).
(7) بحار الأنوار (22/245).
(8) تفسير القمي (2/377).
(9) تفسير ابن كثير (3/289-290)، الصارم المسلول ص 50.
(10) تفسير القرطبي (12/206).(2/414)
3- تكفيرهم خلفاء المسلمين وحكوماتهم: في دين الشيعة الرافضة الإمامية أن كل حكومة غير حكومة الإمامية الرافضية باطلة، وصاحبها ظالم طاغوت يعبد من دون الله، ومن يبايعه فإنما يعبد غير الله، وقد أثبت الكليني هذا المعنى في عدة أبواب مثل: باب من ادعى الإمامة وليس لها بأهل ومن جحد الأئمة أو بعضهم، ومن أثبت الإمامة لمن ليس لها بأهل، وذكر فيه اثنى عشر حديثًا عن أئمتهم(1)، وباب فيمن دان لله عز وجل بغير إمام من الله جل جلاله، وفيه خمسة أحاديث(2)، وكل خلفاء المسلمين ما عدا عليًا والحسن، طواغيت –حسب اعتقادهم- وإن كانوا يدعون إلى الحق، ويُحسنون لأهل البيت، ويقيمون دين الله، ذلك أنهم يقولون: كل راية ترفع قبل راية القائم(3) صاحبها طاغوت (4)، قال شارح الكافي: وإن كان رافعها يدعو إلى الحق(5)، وحكم المجلسي على هذه الرواية بالصحة(6)، حسب مقاييسهم(7).
__________
(1) الكافي (1/372-374).
(2) المصدر السابق (1/374-376).
(3) هو: المهدي المنتظر (في زعمهم).
(4) الكافي: بشرحه للمازندراني (12/371)، بحار الأنوار (125/113)، أصول الشيعة الإمامية (2/896).
(5) أصول الشيعة الإمامية (2/896).
(6) مرآة العقول (4/378).
(7) أصول الشيعة الإمامية (2/896).(2/415)
4- الحكم على الأمصار الإسلامية بأنها دار كفر: جاء في أخبارهم تخصيص كثير من بلاد المسلمين بالسب، وتكفير أهلها على وجه التعيين، ويخصون منها غالبًا ما كان أكثر التزامًا بالإسلام واتباعًا للسنة، فقد صرحوا بكفر أهالي مكة والمدينة في القرون المفضلة، ففي عصر جعفر الصادق كانوا يقولون عن أهل مكة والمدينة: أهل الشام شر من أهل الروم «يعني شر من النصارى»، وأهل المدينة شر من أهل مكة، وأهل مكة يكفرون بالله جهرة(1)، وقالوا: إن أهل مكة ليكفرون بالله جهرة، وإن أهل المدينة أخبث من أهل مكة، أخبث منهم سبعين ضعفًا(2)، ومن المعلوم أن أهل المدينة كانوا –ولاسيما في القرون المفضلة- يتأسون بأثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر من سائر الأمصار، وقد ظل أهل المدينة متمسكين بمذهبهم المالمكي منتسبين إليه إلى أوائل المائة السادسة أو قبل ذلك أو بعد ذلك، فإنه قدم إليهم من رافضة المشرق من أفسد مذهب كثير منهم(3)، وقالوا أيضًا عن مصر وأهلها: أبناء مصر لعنوا على لسان داود عليه السلام، فجعل الله منهم القرة والخنازير(4)، وما غضب الله على بني إسرائيل إلا أدخلهم مصر، ولا رضي عنهم إلا أخرجهم منها إلى غيرها(5)، وقالوا: بئس البلاد مصر، أما إنها سجن من سخط الله عليه من بني إسرائيل(6)، وقالوا: انتحوا مصر ولا تطلبوا المكث فيها لأنه يورث الدياثة(7).
__________
(1) أصول الكافي (2/409).
(2) المصدر السابق (2/410).
(3) الفتاوى (20/300،299).
(4) بحار الأنوار (60/208)، تفسير القمي ص 596.
(5) تفسير العياشي (1/304)، البرهان (1/456).
(6) تفسير العياشي (1/305)، البرهان (1/457).
(7) بحار الأنوار (60/211)، أصول الشيعة (2/900).(2/416)
وجاءت عندهم عدة روايات في ذم مصر، وهجاء أهلها، والتحذير من سكناها، ونسبوا هذه الروايات إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإلى محمد الباقر، وإلى علي الباقر، وهذا رأي الروافض في مصر في تلك العصور الإسلامية الزاهرة، وقد عقب المجلسي على هذه النصوص بقوله بأن مصر صارت من شر البلاد في تلك الأزمنة، لأن أهلها صاروا من أشقى الناس وأكفرهم(1). ولا يبعد أن هذه النصوص هي تعبير عن حقد الرافضة وغيظهم على مصر وأهلها، بسبب سقوط دولة إخوانهم الإسماعيليين العبيديين على يد صلاح الدين، الذي طهر أرض الكنانة من دنسهم ورجسهم، وأين هذه الكلمات المظلمة في مصر وأهلها من الباب الذي عقده مسلم في صحيحه «باب وصية النبي بأهل مصر»(2)، وجاء عندهم ذم كثير من بلدان الإسلام وأهلها(3)، ولم يستثن من ديار المسلمين إلا من يقول بمذهبهم، وهي قليلة في تلك الأزمان، حتى جاء عنهم: إن الله عرض ولايتنا على أهل الأمصار، فلم يقبلها إلا أهل الكوفة(4).
__________
(1) بحار الأنوار (5/208).
(2) مسلم (2/2970).
(3) ، (7) بحار الأنوار (60/206)، أصول الشيعة (2/901).(2/417)
5- قضاة المسلمين: تعد أخبارهم قضاة المسلمين طواغيت لارتباطهم بالإمامة الباطلة بزعمهم، فقد جاء في الكافي عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام، عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاء أيحل ذلك؟، قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتًا، وإن كان حقًا ثابتًا له، لأنه أخذ بحكم الطاغوت، وقد أمر الله أن يكفر به(1)، قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ} [النساء:60]، وهذه الرواية تحكم على القضاء والقضاة في عصر جعفر الصادق، كما يظهر من إسنادهم للرواية إلى جعفر، فإذا كان هذا نظرهم في قضاة المسلمين في القرون المفضلة، فما بالك
فيمن بعدهم(2)؟.
6- أئمة المسلمين وعلماؤهم: حذروا من التلقي عن الشيوخ المسلمين وعلمائهم وعدوهم كملل أهل الشرك، عن هارون بن خارجة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنا نأتي هؤلاء المخالفين(3)، فنسمع منهم الحديث يكون حجة لنا عليهم؟ قال: لا تأتهم ولا تسمع منهم، لعنهم الله ولعن مللهم المشركة(4)، وجاء في الكافي عن سدير عن أبي جعفر قال:.. يا سدير فأريك الصادين عن دين الله، ثم نظر إلى أبي حنيفة وسفيان الثوري في ذلك الزمان وهم حلق في المسجد، فقال: هؤلاء الصادون عن دين الله بلا هدى من الله ولا كتاب مبين، إن هؤلاء الأخباث لو جلسوا في بيوتهم فجال الناس، فلم يجدوا أحدًا يخبرهم عن الله تبارك وتعالى وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - حتى يأتونا فنخبرهم عن الله تبارك وتعالى وعن
__________
(1) أصول الشيعة الإمامية (2/902)، أصول الكافي (1/67).
(2) أصول الشيعةالإمامية (2/901).
(3) هذا اللقب يطلق على أهل السنة، وقد يتناول كل مخالف.
(4) بحار الأنوار (2/216)، أصول الشيعة الإمامية (2/905).(2/418)
رسوله - صلى الله عليه وسلم -(1).
وقد بين ابن تيمية رحمه الله موقفهم من سلف الأمة وأئمتها والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، وكفروا جماهير أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من المتقدمين والمتأخرين؛ فيكفرون كل من اعتقد في أبي بكر وعمر والمهاجرين والأنصار العدالة، أو ترضَّى عنهم كما رضي الله عنهم، أو يستغفر لهم كما أمر الله بالاستغفار لهم، ولهذا يكفرون أعلام الملة، مثل سعيد بن المسيب، وأبي مسلم الخولاني، وأويس القرني، وعطاء بن أبي رباح، وإبراهيم النخعي، ومثل مالك، والأوزاعي، وأبي حنيفة، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، والثوري، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وفضيل بن عياض، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، والجنيد بن محمد، وسهل بن عبد الله التستري، وغير هؤلاء، ويرون أن كفرهم أغلظ من كفر اليهود والنصارى، لأن أولئك عندهم كفار أصليون، وهؤلاء مرتدون، وكفر الردة أغلظ بالإجماع من الكفر الأصلي إلى أن قال: وأكثر محققيهم –عندهم- يرون أبا بكر وعمر وأكثر المهاجرين والأنصار، وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل عائشة، وحفصة، وسائر أئمة المسلمين وعامتهم ما آمنوا بالله طرفة عين قط، لأن الإيمان الذي يتعقبه الكفر عندهم يكون باطلاً من أصله، ومنهم من يرى أن فرج النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي جامع به عائشة وحفصة لابد أن تمسه النار ليطهر بذلك من وطء الكوافر على زعمهم، لأن وطء الكوافر حرام عندهم(2).
__________
(1) أصول الكافي (1/393،392)، أصول الشيعة (2/905).
(2) مجموع الفتاوى (28/262،261).(2/419)
هذا التكفير العام الشامل الذي لم ينج منه أحد، هل يحتاج إلى نقد؟، إن بطلانه أوضح من أن يبين، وكذبه أجلى من أن يكشف، وتكفير الأمة امتداد لتكفير الصحابة، والسبب واحد لا يختلف، ومن الطبيعي أن من يحقد على صحابة رسول الله ويسبهم ويكفرهم يحقد على الأمة جميعًا ويكفرها، كما قال بعض السلف: لا يغل قلب أحد على أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا كان ما في قلبه على المسلمين أغل(1).
فإذا لم يرض عن أبي بكر وعمر وعثمان، وأهل بدر وبيعة الرضوان، والمهاجرين والأنصار، وهم في الذروة في الفضل والإحسان، فهل يرضى بعد ذلك عن أحد بعدهم؟، ومبني هذا الموقف هو دعوى الروافض أن الصحابة رضوان الله عليهم أنكروا النص، وسيأتي بيان بطلان النص بالنقل والعقل وبالأمور المتواترة المعلومة –بإذن الله- وما بني على الباطل فهو باطل.
ولقد كان حكمهم بردة جيل الصحابة من الظواهر الواضحة على بطلان مذهب الشيعة الرافضة من أساسه(2)، ولذلك قال أحمد الكسروي الإيراني والشيعي الأصل: وأما ما قالوا من ارتداد المسلمين بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - فاجتراء منهم على الكذب والبهتان، فلقائل أن يقول: كيف ارتدوا وهم كانوا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - آمنوا به حين كذبه الآخرون، ودافعوا عنه واحتملوا الأذى في خلافة أبي بكر ليرتدوا عن دينهم لأجله؟ فأي الأمرين أسهل احتمالاً: أكذب رجلاً أو رجلين من ذوي الأغراض الفاسدة، أو ارتداد بضع مئات من خُلص المسلمين؟ فأجيبونا إن كان لكم جواب(3).
__________
(1) الإبانة لابن بطة، ص 41.
(2) أصول الشيعة الإمامية (2/916).
(3) التشيع والشيعة، ص 66، أصول الشيعة (2/916).(2/420)
إن القرآن الكريم بين فيه رب العزة أصول العقائد وحقائقها وهو التبيان لكل شيء، قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} [النحل:89]، ويقول واصفًا كتابه بأنه لم يفرط في قضية يقوم عليها الدين بقوله: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [الأنعام:38]، فإن كان الأمر كذلك فإن المرء ليتساءل عن سند هذه العقيدة، فكتاب الإسلام العظيم «القرآن الكريم» يذكر فيه مرات الصلاة والصيام، والزكاة والحج، ولا ذكر فيه لشأن الأئمة الاثنى عشرية أو الإمامة من بعد الرسول رغم كون الإمامة –كما تقول النظرية الشيعية الرافضية- أعظم أركان الدين!!، أو ليس من العجيب أن يذكر القرآن تفاصيل طريقة الوضوء، ويُصنف أنواع المحرمات من الطعام والشراب، ويتحدث عن الجهاد تارة وعن السلم تارة أخرى، ويناقش القضايا الأخلاقية ثم يتجاهل إمامة الاثنى عشر التي يصفها آل كاشف الغطاء بأنها «منصب إلهي كالنبوة»، إن هذه النصوص القرآنية قد شهدت بكل وضوح بأن القرآن الكريم لم يفرط في قضية يحتاج إليها البشر، فكيف يفرط في قضية الإمامة النصية التي تذكرها الشيعة الإمامية، ثم يتركها لعلمائهم لكي يصيغوها ويحددوا معالمها، مع كون النص على الأئمة من الله لا منهم(1).
ثانيًا: العصمة عند الشيعة الرافضة
__________
(1) ثم أبصرت الحقيقة، محمد سالم، ص 130.(2/421)
إن عصمة الإمام عند الشيعة الرافضة الإمامية شرط من شروط الإمامة، وهي من مبادئ الأولية في كيانها العقدي ولها أهمية كبرى عندهم، ونتيجة لما أضفاه الشيعة على الأئمة من صفات وقدرات ومواهب علمية غير محدودة، ذهبوا إلى أن الإمام ليس مسئولاً أمام أحد من الناس ولا مجال للخطأ في أفعاله مهما أتى من فعال، بل يجب تصديقه والإيمان بأن كل ما يفعله من خير لا شر فيه لأن عنده من العلم ما لا قِبل لأحد بمعرفته، ومن هنا قرر الشيعة للإمام ضمن ما قرروا العصمة، فذهبوا إلى أن الأئمة معصومون في كل حياتهم لا يرتكبون صغيرة ولا كبيرة ولا تصدر عنهم أية معصية، ولا يجوز عليهم خطأ ولا نسيان(1)، وقد نقل الإجماع على ذلك شيخهم المفيد، فقال: إن الأئمة القائمين مقام الأنبياء في تنفيذ الأحكام وإقامة الحدود وحفظ الشرائع وتأديب الأنام معصومون كعصمة الأنبياء، وإنهم لا يجوز منهم كبيرة ولا صغيرة، وإنه لا يجوز منهم سهو في شيء من الدين ولا ينسون شيئًا من الأحكام، وعلى هذا مذهب سائر الإمامية إلا من شذ منهم، وتعلق بظواهر روايات لها تأويلات على خلاف ظنه الفاسد من هذا الباب(2)، وقال ابن المطهر الحلي: ذهبت الإمامية والإسماعيلية إلى أن الإمام يجب أن يكون معصومًا وخالف فيه جميع الفرق(3).
وقد نص على ذلك المجلسي بقوله: اعلم أن الإمامية رضي الله عنهم اتفقوا على عصمة الأئمة عليهم السلام من الذنوب صغيرها وكبيرها، فلا يقع منهم ذنب أصلاً لا عمدًا ولا نسيانًا ولا لخطأ في التأويل، ولا للإسهاء من الله سبحانه(4).
__________
(1) دراسات عن الفرق، د. أحمد جلي، ص 203، مسألة التقريب (1/322).
(2) أوائل المقالات للمفيد، ص 35.
(3) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، ص 90.
(4) بحار الأنوار (9/205).(2/422)
وروى الصدوق بسنده إلى ابن عباس –كذبًا وزورًا- أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين معصومون»(1)، وقال أيضًا في تقرير ذلك: اعتقادنا في الأنبياء والرسل والأئمة أنهم معصومون مطهرون من كل دنس، وأنهم لا يذنبون لا صغيرًا ولا كبيرًا، ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ومن نفى عنهم العصمة في شيء من أحوالهم فقد جهلهم، ومن جهلهم فهو كافر(2).
ولم تكن هذه العقيدة مقصورة على سلف الرافضة، بل شاركهم المعاصرون في ذلك، وفي ذلك يقول محمد رضا المظفر: ونعتقد أن الإمام كالنبي يجب أن يكون معصومًا من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن من سن الطفولة إلى الموت عمدًا وسهوًا، كما يجب أن يكون معصومًا من السهو والخطأ والنسيان(3)، وقد نص على ذلك الزنجاني في عقائد الإمامية(4)، كما نص عليه أيضًا علي البحراني في منار الهدى(5)، والسيد مرتضى العسكري في معالم المدرستين(6)، إلا أن هناك آثارًا في المذهب الشيعي الإمامي تخالف ما ذهبوا إليه، ولذلك احتار المجلسي وهو يرى النصوص تخالف إجماع أصحابه، فقال: المسألة في غاية الإشكال، لدلالة كثير من الأخبار والآيات عن صدور السهو عنهم، وإطباق الأصحاب إلا من شذ منهم على عدم الجواز(7). وهذا اعتراف من المجلسي بأن إجماع الشيعة المتأخرين على عصمة الأئمة بإطلاق يخالف رواياتهم، وهذا دليل واقعي واعتراف صريح في أنهم يجتمعون على ضلالة، وعلى غير دليل حتى من كتبهم(8).
__________
(1) إكمال الدين للصدوق، ص 474.
(2) نقل ذلك عن الزنجاني في عقائد الإمامية الاثنى عشرية (2/157).
(3) عقائد الإمامية، ص104.
(4) العقيدة في أهل البيت، ص 371.
(5) منار الهدى، ص 102.
(6) معالم المدرستين، ص 159.
(7) البحار (25/351).
(8) مسألة التقريب (1/330).(2/423)
ويبدو أن فكرة العصمة قد مرت بأطوار مختلفة، أو أن الشيعة قد اختلفت عقائدهم في تحديدها –في أول الأمر- فمثلاً في عصر أبي جعفر بن بابويه القمي ت 381هـ وشيخه محمد بن الحسن القمي، كان رأي جمهور الشيعة أن أول درجة في الغلو هي نفي السهو عن النبي - صلى الله عليه وسلم -(1)، فكانوا يعدون من ينفي السهو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الشيعة الغلاة.
ولكن بعد ذلك تبدلت الحال وأصبح نفي السهو والنسيان عن الأئمة هو خروج بهم من منزلة من لا تأخذه سنة ولا نوم، وقد كانت العصمة بهذه الصورة الغالية من نفي السهو والنسيان عن الأئمة معتقد فئة شيعية مجهولة في الكوفة، ففي البحار للمجلسي: أنه قيل للرضا –إمام الشيعة الثامن-: إن في الكوفة قومًا يزعمون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقع عليه السهو في صلاته فقال: كذبوا لعنهم الله، إن الذي لا يسهو هو الله لا إله إلا هو(2). فهذا يدل على أن عقيدة نفي السهو كانت معتقد قوم غير معينين لشذوذهم في هذا الاعتقاد، وأنهم كانوا ينفون السهو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي هو أفضل الأئمة ولم يقولوا بذلك للأئمة، ثم تطور هذا الاعتقاد ليشمل أئمة الشيعة الاثنى عشر وليعم طائفة الشيعة الإمامية كلها، فهذا شيخ الشيعة المعاصر وآيتها العظمى عبد الله الممقاني يؤكد أن نفي السهو عن الأئمة أصبح من ضرورات المذهب الشيعي(3)، وهو لا ينكر أن شيوخهم السابقين كانوا يعدون ذلك غلوًا، لكنه يقول: إن ما يُعد غلوًا في الماضي أصبح اليوم من ضرورات المذهب الشيعي(4)، وإذا كانت دعوى عصمة الأئمة تعني مضاهاتهم للرسول فإن نفي السهو عنهم تأليه لهم كما أشار إلى ذلك إمام الشيعة الثامن علي الرضا، ولذا قرر ابن بابويه القمي وغيره أن هذا الاعتقاد هو الفيصل بين الغلاة وغيرهم(5)، وإذا كان شيخهم المعاصر الممقاني يرى
__________
(1) شرح عقائد الصدوق للمفيد، ص 161،160.
(2) البحار (25/350).
(3) تنقيح المقال (3/240).
(4) مسألة التقريب (2/98).
(5) المصدر نفسه (3/240)، مسألة التقريب (2/97).(2/424)
أن نفي السهو عن الأئمة من ضرورات المذهب الشيعي ومنكر الضروري كافر عندهم كما يؤكده شيخهم المعاصر محسن الأمين(1)، فمعنى هذا أن متأخريهم يكفرون متقدميهم، ومتقدميهم يكفرون متأخريهم، وإذا كان الممقاني يرى أن نفي السهو عن الأئمة من ضرورات المذهب الشيعي، وبعضهم ينقل الإجماع على ذلك(2)، فإننا نجد في بعض الكتابات الموجهة لديار السنة(3). القول بأن الاعتقاد بأن الأئمة يسهون هو مذهب جميع الشيعة(4)، وهكذا يكفر بعضهم بعضًا، ويناقض بعضهم بعضًا، وكل يزعم أن ما يقوله هو مذهب الشيعة(5)، وقد كان معتقد العصمة من أسباب نشوء عقيدة البداء والتقية –كما سيأتي بيانه بإذن الله تعالى- وذلك أن واقع الأئمة لا يتفق بحال ودعوى عصمتهم، فإذا حصل اختلاف وتناقض في أقوالهم قالوا هذا بداء أو تقية كما اعترف بهذا بعض الشيعة(6).
إن من أخطر الآثار العلمية لدعوى العصمة اعتبارهم أن ما يصدر عن أئمتهم الاثنى عشر هو كقول الله ورسوله، ولذلك فإن مصادرهم في الحديث تنتهي معظم أسانيدها إلى أحد الأئمة ولا تصل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والشيعة زعمت لأئمتها عصمة لم تتحقق لأنبياء الله ورسله، كما يدل على ذلك صريح القرآن والسنة والإجماع(7).
__________
(1) كشف الارتياب المقدمة الثانية ومهذب الأحكام (1/388،393).
(2) صراط الحق (3/121)، مسألة التقريب (2/98).
(3) مسألة التقريب (2/98).
(4) الشيعة في الميزان، محمد جواد ص 272-273.
(5) مسألة التقريب (2/98).
(6) مسألة التقريب (1/329).
(7) مسألة التقريب (1/324).(2/425)
1- استدلالهم على عصمة أئمتهم من القرآن الكريم: رغم أن كتاب الله سبحانه وتعالى ليس فيه ذكر للاثنى عشر أصلا –كما مر- فضلاً عن عصمتهم، إلا أن الاثنى عشرية تتعلق بالقرآن لتقرير العصمة، ويتفق شيوخهم على الاستدل بقوله سبحانه: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة:124]، وبهذه الآية صدر المجلسي بابه الذي عقده في بحاره بشأن العصمة بعنوان: باب.. لزوم عصمة الإمام(1). وجملة من شيوخ الشيعة المعاصرين يجعلون هذه الآية أصل استدلالهم من القرآن ولا يستدلون بسواها مثل محسن الأمين(2)، ومحمد حسين آل كاشف الغطاء، والذي يقول بأن هذه الآية صريحة في لزوم العصمة(3)، ويتولى صاحب مجمع البيان سياق وجهة استدلال أصحابه بهذه الآية على مرادهم فيقول: استدل أصحابنا بهذه الآية على أن الإمام لا يكون إلا معصومًا من القبائح؛ لأن الله –سبحانه- نص ألا ينال عهده الذي هو الإمامة ظالم(4)، ومن ليس بمعصوم فقد يكون ظالمًا إما لنفسه وإما لغيره، فإن قيل إنما نفى أن ينال ظالم في حالة ظلمه، فإذا تاب فلا يسمى ظالمًا فيصح أن يناله، والجواب: أن الظالم وإن تاب فلا يخرج من أن تكون الآية قد تناولته في حال كونه ظالمًا، فإذا نفى أن يناله فقد حكم عليه بأنه لا ينالها، والآية مطلقة غير مقيدة بوقت دون وقت، فيجب أن تكون محمولة على الأوقات كلها، فلا ينالها الظالم، وإن تاب فيما بعد(5).
نقد استدلالهم:
__________
(1) بحار الأنوار، (25/191).
(2) أعيان الشيعة (1/324).
(3) أصل الشيعة، ص 59.
(4) اختلف السلف في معنى العهد كما سيأتي، ولكن الروافض يأخذون بما يوافق هواهم ويقطعون به بلا دليل.
(5) مجمع البيان للطبرسي (1/201)، التبيان للطوسي (1/449).(2/426)
أ- اختلف السلف في معنى العهد على أقوال: قال ابن عباس والسدي: إنه النبوة، قال: {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} أي نبوتي، وقال مجاهد: الإمامة، أي لا أجعل إمامًا ظالمًا يقتدى به، وقال قتادة وإبراهيم النخعي وعطاء والحسن وعكرمة: لا ينال عهد الله في الآخرة الظالمين، فأما في الدنيا فقد ناله الظالم، فأمن به وأكل وعاش.. قال الزجاج: وهذا قول حسن، أي لا ينال أماني الظالمين، أي: لا أؤمنهم من عذابي، والمراد بالظالم: المشرك..وقال الربيع بن أنس والضحاك: عهد الله الذي إلى عباده: دينه، يقول: لا ينال دينه الظالمين، ألا ترى أنه قال: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ} [الصافات:113]، يقول: ليس كل ذريتك يا إبراهيم على الحق.
وروى ابن عباس –أيضًا-: {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} قال: ليس للظالمين عهد، وإن عاهدته فانقضه(1)، فالآية كما ترى، اختلف السلف في تأويلها، فهي ليست في مسألة الإمامة أصلاً في قول أكثرهم، والذين فسروها بالإمامة قصدوا إمامة العلم والصلاح والاقتداء، لا الإمامة بمفهوم الرافضة(2).
ب- لو كانت الآية في الإمامة فهي لا تدل على عصمة بحال: إذ لا يمكن أن يقال بأن غير الظالم معصوم لا يخطئ ولا ينسى ولا يسهو.. إلخ، كما هو مفهوم العصمة عند الشيعة، إذ يكون قياس مذهبهم من سها فهو ظالم ومن أخطأ فهو ظالم.. وهذا لا يوافقهم عليه أحد ولا يتفق مع أصول الإسلام، فبين إثبات العصمة، ونفي الظلم فرق كبير؛ لأن نفي الظلم إثبات للعدل لا للعصمة الشيعية(3).
__________
(1) المحرر الوجيز، لابن عطية (1/250)، أصول الشيعة (2/953).
(2) أصول الشيعة الإمامية (2/953).
(3) المصدر نفسه (2/953).(2/427)
ج- لا يسلم لهم أن من ارتكب ظلمًا ثم تاب منه لحقه وصف الظالم ولازمه: ولا تجدي التوبة في رفعه، فإن أعظم الظلم الشرك، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام:82]، ثم فسر الظلم بقوله: {لاَ تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]، ومع هذا قال جل شأنه في الكفار: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:38]، لكن قياس قول هؤلاء أن من أشرك ولو لحظة، أو ارتكب معصية ولو صغيرة فهو ظالم لا ينفك عنه وصف الظلم، ومؤدى هذا أن المشرك ولو أسلم فهو مشرك لأن الظلم هو الشرك(1)، فصاروا بهذا أشد من الخوارج الوعيدية، لأن الخوارج لا يثبتون الوعيد لصاحب الكبيرة إلا في حال عدم توبته، ومن المعلوم في بداهة العقول فضلاً عن الشرع والعرف واللغة «أن من كفر أو ظلم ثم تاب وأصلح لا يصح أن يطلق عليه أنه كافر أو ظالم..» وإلا جاز أن يقال: صبي لشيخ، ونائم لمستيقظ، وغني لفقير، وجائع لشبعان، وحي لميت، وبالعكس، وأيضًا لو اطرد ذلك يلزم من حلف لا يسلم على كافر فسلم على إنسان مؤمن في الحال إلا أنه كان كافرًا قبل سنين متطاولة أن يحنث، ولا قائل به(2).
__________
(1) هم يعنون بالظلم الشرك؛ لأن مرادهم إبطال خلافة أبي بكر وعمر؛ لأنهما قد أسلما بعد شرك، والشرك لم ينفك عنهما بعد إيمانهما في زعهم، ولذلك قال الكليني: هذه الآية أبطلت إمامة كل ظالم، أصول الكافي (1/199).
(2) روح المعاني للألوسي (1/377).(2/428)
ومن المعروف أنه قد يكون التائب من الظلم خيرًا ممن لم يقع فيه، ومن اعتقد أن كل من لم يكفر ولم يقتل ولم يذنب أفضل من كل من آمن بعد كفره واهتدى بعد ضلاله، وتاب بعد ذنوبه، فهو مخالف لما علم بالاضطرار من دين الإسلام، فمن المعلوم أن السابقين أفضل من أولادهم، وهل يشبه أبناء المهاجرين والأنصار بآبائهم عاقل(1). كما أن استدلالهم هذا يؤدي إلى أن جميع المسلمين، وكذلك الشيعة وأهل البيت –إلا من تعتقد الشيعة عصمتهم- جميعهم ظلمة لأنهم غير معصومين، وقد قال شيخهم الطوسي بأن الظلم اسم ذم، فلا يجوز أن يطلق إلا على مستحق اللعن لقوله تعالى: {أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:18].
د- ما قرره أحد علماء الشيعة الزيدية في نقض استدلال الاثنى عشرية بهذه الآية: حيث قال: احتج الرافضة بالآية على أن الإمامة لا يستحقها من ظلم مرة، ورام الطعن في إمامة أبي بكر وعمر، وهذا لا يصح لأن العهد إن حمل على النبوة فلا حجة، وإن حمل على الإمامة فمن تاب من الظلم فلا يوصف بأنه ظالم، ولم يمنعه –تعالى- من نيل العهد إلا حال كونه ظالمًا(2).
__________
(1) منهاج السنة (1/303،302).
(2) الثمرات اليانعة، يوسف بن أحمد الزيدي، مخطوطة نقلاً عن أصول الشيعة الإمامية (2/955).(2/429)
2- آية التطهير وحديث الكساء: آية التطهير هي قول الله عز وجل: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33]، وهي كما هو معلوم جزء من قوله تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا - وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33،32].(2/430)
وقد تعمد علماء الشيعة الاثنى عشرية اقتطاع آية التطهير من السياق القرآني الذي جاءت فيه والذي خاطب الله به نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - إغفالاً لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - من الخطاب، ثم ضموا إلى ذلك حديث الكساء الذي رواه مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة(1)، قالت: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - غداة وعليه مرط(2) مرحل(3) من شعر أسود فجاء الحسن بن علي، فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}، وحديث أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها لما نزلت هذه الآية على النبي - صلى الله عليه وسلم - { إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله؟، قال: «أنت على مكانك، وأنت على خير»(4)، لتثبيت المعنى الذي يريدونه من الاستدلال بهذه الآية الكريمة(5)، ويرى علماء الشيعة الاثنى عشرية أن في آية التطهير دلالة على عصمة أصحاب الكساء علي وفاطمة والحسن والحسين، من الخطايا والذنوب؛ صغيرها وكبيرها، بل ومن الخطأ والسهو البشري(6).
نقد لاستدلال من وجوه:
__________
(1) عائشة التي يدعون أنها تبغض علي هي التي تروي هذا الفضل لعلي وفاطمة.
(2) مرط: يعني كساء.
(3) مرحل: وهو الموشى المنقوش عليه صور رحال الإبل.
(4) سنن الترمذي، كتاب المناقب رقم (3788).
(5) ثم أبصرت الحقيقة، ص 176.
(6) ثم أبصرت الحقيقة، ص 176.(2/431)
أ- حديث أم سلمة المذكور آنفًا قد ورد بعدة صيغ: فرُوي عن أم سلمة أنها قالت رضي الله عنها: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عندي وعلي وفاطمة والحسن والحسين، فجعلت لهم خزيرة، فأكلوا وناموا، وغطى عليهم عباءة أو قطيفة، ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي، أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا»، وفي رواية أخرى أنه - صلى الله عليه وسلم - أجلسهم على كساء، ثم أخذ بأطرافه الأربعة بشماله، فضمه فوق رؤوسهم، وأومأ بيده اليمنى إلى ربه، فقال: «هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا».. وهاتان الروايتان تتفقان مع رواية مسلم عن السيدة عائشة رضي الله عنها في دخول الخمسة الآية، ولكن هذا لا يحتم عدم دخول غيرهم(1)، وقد وردت روايات عن أم سلمة رضي الله عنها فيها زيادات تشير إلى عدم دخولها مع أهل الكساء، لا يخلو أكثرها من الضعف لكن صح منها من جملتها هذه الرواية: لما نزلت هذه الآية على النبي - صلى الله عليه وسلم - { إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} في بيت أم سلمة رضي الله عنها فدعا فاطمة وحسنًا وحسينًا فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره فجلله بكساء، ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا»، قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله؟ قال: «أنت على مكانك وأنت على خير»(2)، وهناك رواية هامة جدًا رويت بإسناد حسن تشير إلى أن أم سلمة رضي الله عنها قد دخلت في الكساء بعد خروج أهل الكساء منه(3)، ولعل التعليل في ذلك أنه لا يصح أن تدخل أم سلمة مع علي ابن أبي طالب تحت كساء واحد، فلذلك أدخلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد خروج أهل الكساء منه، فعن شهر قال: سمعت أم سلمة زوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين جاء نعي الحسين بن علي، لعنت أهل العراق، فقالت: قتلوه قتلهم الله، غروه وذلوه لعنهم الله، فإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) المصدر نفسه، ص 177.
(2) فضائل الصحابة (2/727) رقم (1994)، إسناده فيه ضعف وله طرق تقويه.
(3) ثم أبصرت الحقيقة، ص 177.(2/432)
جاءته فاطمة غدية ببرمة قد صنعت له فيها عصيدة تحملها في طبق لها، حتى وضعتها بين يديه، فقال لها: «أين ابن عمك؟» قالت: هو في البيت، قال: «اذهبي فادعيه وائتني بابنيه»، قال: فجاءت تقود ابنيها كل واحد منهما بيد، وعلي يمشي في إثرهما، حتى دخلوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأجلسهما في حجره وجلس علي على يمينه وجلست فاطمة على يساره، قالت أم سلمة: فاجتبذ كساء خيبريًا كان بساطًا لنا على المنامة في المدينة فلفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جميعًا فأخذ بشماله طرفي الكساء وألوى بيده اليمنى إلى ربه عز وجل، قال: «اللهم أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا، اللهم أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا»، قلت يا رسول الله: ألست من أهلك؟ قال: «بلى» فادخلي في الكساء، فدخلت في الكساء بعد ما قضى دعاءه لابن عمه علي وابنيه وابنته فاطمة(1).
فشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأم سلمة رضي الله عنها أنها من أهل بيته وأدخلها في الكساء بعد دعائه لهم(2).
__________
(1) فضائل الصحابة (2/852) رقم (1170)، إسناده حسن.
(2) ثم أبصرت الحقيقة، ص 178.(2/433)
ب- ومما يدل على أن الآية ليست دالة على العصمة والإمامة أن الخطاب في الآيات كله لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث بدأ بهن وختم بهن: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً - وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآَخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا - يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا - وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا - يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا - وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا - وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب: 28-34].(2/434)
فالخطاب كله لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعهن الأمر والنهي والوعد والوعيد، لكن لما تبين ما في هذا من المنفعة التي تعمهن وتعم غيرهن من أهل البيت جاء التطهر بضمير المذكر، لأنه إذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر، حيث تناول أهل البيت كلهم، وعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهما أخص من غيرهما بذلك، لذلك خصهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالدعاء لهم، كما أن زوج الرجل من أهل بيته، وهذا شائع في اللغة كما يقول الرجل لصاحبه: كيف أهلك؟ أي امرأتك ونساؤك، فيقول: هم بخير، وقد قال تعالى: {قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [هود:73]، والمخاطب بهذه الآية بالإجماع هي سارة زوجة إبراهيم عليه السلام، وهذا دليل على أن زوجة الرجل من أهل البيت(1).
وقوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لأهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} [القصص:29]، والمخاطب هنا أيضًا زوجة موسى عليه السلام.
وقوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا - وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم:55،54]، فمن أهله الذين كان يأمرهم بالصلاة؟ وهذا كقوله تعالى مخاطبًا النبي - صلى الله عليه وسلم - {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132]، ولا شك في دخول زوجاته أو خديجة رضي الله عنها على أقل تقدير في الأهل، باعتبار أن السورة مكية(2).
__________
(1) الإمامة والنص، فيصل نور ص 386.
(2) المصدر نفسه، ص391.(2/435)
وقال تعالى: {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيَّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءً إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يوسف:25]، فالمخاطب هنا عزيز مصر، وقولها: {مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءً}، أي زوجتك، وهذا بيَّن(1).
ج- إذهاب الرجس لا يعني في اللغة العربية ولا في لغة القرآن معنى العصمة: يقول الراغب الأصفهاني في مفردات ألفاظ القرآن مادة رجس: الرجس: الشيء القذر، قال: رجل رجسي، ورجال أرجاس، قال تعالى: {رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة:90]... والرجس من جهة الشرع: الخمر والميسر.. وجعل الكافرين رجسًا من حيث إن الشرك بالعقل أقبح الأشياء، قال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} [التوبة:125]، وقوله تعالى: {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} [يونس: 100]، قيل الرجس: النتن، وقيل: العذاب، وذلك كقوله: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28]، وقال: {أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام:154]، وبالجملة لفظ {الرِّجْسَ} أصله القذر يطلق ويراد به الشرك كما في قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج:30]، ويطلق ويراد به الخبائث المحرمة كالمطعومات والمشروبات، ونحو قوله: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا} [الأنعام:145]، وقوله: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة:90]، ولم يثبت أن استخدام القرآن لفظ {الرِّجْسَ} بمعنى مطلق الذنب
__________
(1) المصدر نفسه، ص 393.(2/436)
بحيث يكون في إذهاب الرجس عن أحد إثبات لعصمته(1).
د- التطهير من الرجس لا يعني إثبات العصمة لأحد: فكما أن كلمة {الرِّجْسَ} لا يراد بها ذنوب الإنسان وأخطاؤه في الاجتهاد، وإنما يراد بها القذر والنتن والنجاسات المعنوية والحسية، فإن كلمة التطهير لا تعني العصمة، فإن الله عز وجل يريد تطهير كل المؤمنين وليس أهل البيت فقط، وإن كان أهل البيت هم أولى الناس وأحقهم بالتطهير، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم عن صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} [المائدة:6].
وقال عز من قائل: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:103]، وقال: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222]، فكما أخبر الله عز وجل بأنه يريد تطهير أهل البيت أخبر كذلك بأنه يريد تطهير المؤمنين، فإن كان في إرادة التطهير وقوع للعصمة لحصل هذا للصحابة ولعموم المؤمنين الذين نصت الآيات على إرادة الله عز تطهيرهم، وقد قال تعالى عن رواد مسجد قباء من الصحابة {فِيهِ رِجَالٌ يُّحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة:108]، ولم يكن هؤلاء معصومين من الذنوب بالاتفاق.
__________
(1) ثم أبصرت الحقيقة، ص 181.(2/437)
وقال تعالى عن أهل بدر وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ} [الأنفال:11]، ولم يكن في هذا إثبات لعصمتهم مع أنه لا فرق يذكر في الألفاظ بين قول الله تعالى عن أهل البيت: {لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} وبين قوله في أهل بدر: {وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ} فالرجز والرجس متقاربان، ويطهركم في الآيتين واحد، لكن الهوى هو الذي جعل من الآية الأولى دليلاً على العصمة دون الأخرى. والعجيب في علماء الشيعة أنهم يتمسكون بالآية ويصرفونها إلى أصحاب الكساء، ثم يصرفون معناها من إرادة التطهير إلى إثبات عصمة أصحاب الكساء، ثم يتناسون في الوقت نفسه آيات أخرى نزلت في إرادة الله عز وجل لتطهير الصحابة، بل هم بالمقابل يقدحون فيهم، ويقولون بانقلابهم على أعقابهم، مع أن الله عز وجل نص على إرادة تطهيرهم بنص الآية(1). {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُورٍ} [النور:40].
هـ- الإرادة في الآية إرادة شرعية، وهي غير الإرادة القدرية: يعني: يحب الله أن يذهب عنكم الرجس، وقد تحدث علماء أهل السنة عن الإرادتين الشرعية الدينية، والإرادة القدرية الكونية، فقالوا:
إرادة شرعية دينية: وهي تتضمن معنى المحبة والرضا، كقوله تعالى: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185]، وقوله تعالى: {وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا - يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28،27].
__________
(1) ثم أبصرت الحقيقة، ص 182.(2/438)
إرادة قدرية كونية خلقية: وهي التي بمعنى المشيئة الشاملة لجميع الموجودات، وذلك مثل الإرادة في قوله تعالى {وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة:253]، وقوله: {وَلاَ يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللهُ يُرِيدُ أَن يُّغْوِيَكُمْ} [هود:34]، فالمعاصي إرادة كونية قدرية فهو سبحانه لا يحبها ولا يرضاها ولا يأمر بها، بل يبغضها ويسخطها ويكرهها وينهى عنها، هذا قول السلف والأئمة قاطبة، فيفرقون بين إرادته التي تتضمن محبته ورضاه، وبين إرادته ومشيئته الكونية القدرية التي لا يلزم منها المحبة والرضا(1)، ولا شك أن الله عز وجل أذهب الرجس عن فاطمة والحسن والحسين وعلي وزوجات النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن الإرادة في هذه الآية إرادة شرعية، ولذلك جاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما جللهم بالكساء قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم أذهب عنهم الرجس»(2).
و- دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يحسم القضية: آية التطهير لو كان فيها ما يدل على وقوع التطهير لأهل الكساء، لما قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتغطيتهم بالكساء والدعاء لهم بقوله: «اللهم إن هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس»(3)، بل في هذا دلالة واضحة على أن الآية نزلت في نساء النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد أن ينال أصحاب الكساء هذا الإخبار الرباني عن التطهير، فجمعهم وجللهم بالكساء ودعا لهم فتقبل الله دعاءه لهم(4)، فطهرهم كما طهر الله نساء النبي بنص الآية.
__________
(1) وسطية أهل السنة بين الفرق، محمد با عبد الله، ص 387.
(2) سنن الترمذي، كتاب مناقب أهل البيت رقم (3787).
(3) سنن الترمذي، كتاب مناقب أهل البيت (3787)، صححه الألباني.
(4) ثم أبصرت الحقيقة، ص 182.(2/439)
ز- من الردود الدالة على عدم دلالة الآية على الإمامة والعصمة: منها: أن ما اختص به أمير المؤمنين علي والحسن والحسين رضي الله عنهم من الآية بزعم القوم ثبت للسيدة فاطمة رضي الله عنها، وخصائص الإمامة لا تثبت للنساء، فلو كان هذا دليلا لكان من يتصف بما في الآية يستحق العصمة والإمامة، وفاطمة رضي الله عنها كذلك وبذات الاعتبار، فدل على أن الآية لا يراد بها الإمامة ولا العصمة، ومنها خروج تسعة من الأئمة لعدم شمول الآية لهم، حيث اختصت الآية بثلاثة منهم(1).
__________
(1) الإمامة والنص، ص 387.(2/440)
3- أدلتهم من مروياتهم: إن الاثنى عشرية تقيم معتقدها في العصمة وغيرها بما يرويه صاحب الكافي، وإبراهيم القمي، والمجلسي وأضرابهم من روايات منكرة في متنها، فضلاً عن إسنادها، تثبت لهؤلاء الاثنى عشرية العصمة المزعومة، وقد ساق المجلسي في بابه الذي عقده في شأن العصمة ثلاثًا وعشرين رواية من روايات شيوخه كالقمي، والعياشي والمفيد وغيرهم، وقد ذكرها بعد استدلاله بآية البقرة، التي تبين أن استدلالهم بها باطل، أما الكليني في الكافي فقد عقد مجموعة من الأبواب في معنى العصمة المزعومة، ساق فيها أخبارًا بسنده عن الاثنى عشر يدعون فيها أنهم معصومون بل وشركاء في النبوة، بل ويتصفون بصفات الإلهية، وتجد ذلك في الكافي في باب اعتقادهم في أصول الدين أمثلة من ذلك، وفي باب: أن الأئمة هم أركان الأرض، وأثبت فيه ثلاث روايات تقول بأن الأئمة الاثنى عشر كرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وجوب الطاعة، وفي الفضل، وفي التكاليف، فعلي جرى له من الطاعة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -(1)، ثم ما تلبث أن ترفعه عن مقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مقام رب العالمين، حيث تقول بأن عليًا قال: أعطيت خصالاً لم يعطهن أحدٌ قبلي: علمت علم المنايا والبلايا، فلم يفتني ما سبقني، ولم يعزب عني ما غاب عني(2)، والذي يعلم المنايا والبلايا هو الله سبحانه {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:34]، والذي لا يعزب عنه شيء، ولا يفوته شيء هو الخالق –جلا وعلا- قال تعالى: {لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ} [سبأ:3]، ومن تتبع أبواب الكافي في هذا المعنى، يلاحظ أنها لا تخرج عن دعاوي المتنبئين والملحدين على مدار التاريخ سوى أنهم نسبوا هذه المفتريات إلى جملة أهل البيت الأطهار(3).
__________
(1) أصول الكافي (1/198).
(2) أصول الكافي (1/197).
(3) أصول الشيعة الإمامية (2/958).(2/441)
4- أدلتهم العقلية على مسألة العصمة: قالوا: إن الأمة لابد لها من رئيس معصوم يسدد خطاها، فلو جاز الخطأ عليه لزم له آخر يسدده فيلزم التسلسل فحينئذ يلزم القول بعصمة الإمام، لأن الثقة عندهم بالإمامة لا بالأمة.. وقالوا بأنه هو الحافظ للشرع، ولا اعتماد على الكتاب والسنة والإجماع بدونه.. إلخ(1).
والحقيقة غير هذا تمامًا، فالأمة معصومة بكتاب ربها وسنة نبيها - صلى الله عليه وسلم -، ولا تجتمع الأمة على ضلالة، وعصمة الأمة مغنية عن عصمة الإمام، وهذا مما ذكره العلماء في حكمة عصمة الأمة، قالوا: لأن من كان من الأمم قبلنا كانوا إذا بدلوا دينهم بعث الله نبيًا يبين الحق، وهذه الأمة لا نبي بعد نبيها، فكانت عصمتها تقوم مقام النبوة، فلا يمكن لأحد منهم أن يبدل شيئًا من الدين إلا أقام الله من يبين خطأه فيما بدله، ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى قرن سبيل المؤمنين بطاعة رسوله في قوله عز وجل: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:115]، فعصمة الأمة وحفظها من الضلال –كما جاءت بذلك النصوص الشرعية- تخالف تمامًا من يوجب عصمة واحد من المسلمين، ويجوز على مجموع المسلمين –إذا لم يكن فيهم معصوم- الخطأ(2)، وكل ما سطروه وملأوا به الصفحات من أدلة عقلية تؤكد الحاجة إلى معصوم قد تحققت بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك فإن الأمة ترد عند التنازع إلى ما جاء به الرسول من الكتاب والسنة ولا ترد إلى الإمام {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59]، قال العلماء: إلى كتاب الله وإلى نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فإن قُبض فإلى سنته(3)
__________
(1) كشف المراد، لابن المطهر، ص 390-391، نهج المسترشدين، ص 63، الشيعة في عقائدهم، ص 368- 369.
(2) المنتقى، ص410، أصول الشيعة الإمامية (2/959،958).
(3) التمهيد لابن عبد البر (4/264).(2/442)
، وهي بهدي الكتاب والسنة لا تجتمع على ضلالة؛ لأنها لن تخلو من متمسك بهما، إلى أن تقوم الساعة، ولهذا فإن الحجة على الأمة قامت بالرسل، قال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ} [النساء:163]، إلى قوله: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165]، ولم يقل –سبحانه- «والأئمة» وهذا يبطل قول من أحوج الخلق إلى غير الرسول كالأئمة(1)، كما أن دعوى العصمة عندهم ليس علها دليل إلا زعمهم بأن الله لم يخل العالم من أئمة معصومين، لما في ذلك من المصلحة واللطف، ومن المعلوم المتيقن أن هذا المنتظر الغائب المفقود لم يحصل به شيء من المصلحة واللطف، وكذلك أجداده المتقدمون لم يحصل بهم المصلحة واللطف الحاصلة من إمام معصوم ذي سلطان كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الهجرة، فإن كان إمام المؤمنين الذي يجب عليهم طاعته، ويحصل بذلك سعادتهم، ولم يحصل بعده أحد له سلطان تدعي له العصمة إلا علي رضي الله عنه، ومن المعلوم أن المصلحة واللطف اللذين كان المؤمنون فيهما زمن الخلفاء الثلاثة أعظم من المصلحة واللطف اللذين كانا في خلافة علي زمن القتل والفتنة والافتراق(2) أما من دون علي فإنما يحصل للناس من علمه ودينه مثل ما يحصل من نظرائه، وكان علي بن الحسين وابنه أبو جعفر، وابنا جعفر بن محمد يعلمون الناس ما علمهم الله كما علمه علماء زمانهم، وكان في زمانهم من هو أعلم منهم وأنفع للأمة، وهذا معروف عند أهل العلم، ولو قدر أنهم كانوا أعلم وأدين فلم يحصل من أهل العلم والدين ما يحصل من ذوي الولاية من القوة والسلطان، وإلزام الناس بالحق ومنعهم باليد عن الباطل، وأما من بعد الثلاثة كالعسكريين فهؤلاء لم يظهر عليهم علم تستفيده الأمة، ولا كان لهم يد تستعين بها الأمة، بل كانوا كأمثالهم من الهاشميين لهم حرمة
__________
(1) الفتاوى (19/66).
(2) منهاج السنة (2/1404).(2/443)
ومكانة، وفيهم من معرفة ما يحتاجون إليه في الإسلام والدين ما في أمثالهم، وهو ما يعرفه كثير من عوام المسلمين.. ولذلك لم يأخذ عنهم أهل العلم كما أخذوا عن أولئك الثلاثة(1).
5- نقد عام لمبدأ عصمة الأئمة: دعوة العصمة للأئمة تضاهي المشاركة في النبوة، فإن المعصوم يجب اتباعه في كل ما يقول، ولا يجوز أن يخالف في شيء، وهذه خاصة الأنبياء، ولهذا أمرنا أن نؤمن بما أنزل إليهم، قال تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة:136]، فأمرنا أن نقول: آمنا بما أوتي النبيون، فالإيمان بما جاء به النبيون مما أمرنا أن نقوله ونؤمن به، وهذا ما اتفق عليه المسلمون، فمن جعل بعد الرسول معصومًا يجب الإيمان بكل ما يقوله فقد أعطاه معنى النبوة، وإن لم يعطه لفظها(2)، وهذا مخالف لدين الإسلام؛ للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها.
أما القرآن فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]، فلم يأمرنا بالرد عند التنازع إلا إلى الله والرسول، ولو كان للناس معصوم غير الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأمرهم بالرد عليه، فدل القرآن أن لا معصوم إلا الرسول - صلى الله عليه وسلم -(3).
__________
(1) المصدر نفسه (3/248).
(2) منهاج السنة (3/174).
(3) المصدر نفسه (2/105).(2/444)
وقال تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء:69]، وقال: {وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الجن:23]، فدل القرآن –في غير موضع- على أن من أطاع الرسول كان من أهل السعادة، ولم يشترط في ذلك طاعة معصوم آخر، ومن عصى الرسول كان من أهل الوعيد، وإن قدر أنه أطاع من ظن أنه معصوم. وقد اتفق أهل العلم على أن كل شخص – سوى الرسول - صلى الله عليه وسلم -- فإنه يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه يجب تصديقه في كل ما أخبر، واتباعه فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع، فإنه المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى(1).
__________
(1) منهاج السنة (3/175).(2/445)
والسنة المطهرة دلت على ذلك، ولكنهم لا يرجعون إلا إلى أقوال أئمتهم، وإليك ما ينقد مذهبهم مما ثبت عندهم من أقوال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، فقد جاء في نهج البلاغة الذي تعتمده الشيعة، ما يهدم كل ما بنوه من دعاوي في عصمة الأئمة، حيث قال أمير المؤمنين –كما يروي صاحب النهج-: لا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنوا بي استثقالاً في حق قيل لي، ولا التماس إعظام النفس، فإنه من استثقل الحق أن يقال له، أو العدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفوا عن مقالة بحق، أو مشورة بعدل، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ ولا آمن ذلك من فعلي(1). فهو هنا لم يدع ما تزعم الشيعة فيه من أنه لا يخطئ بل أكد أنه لا يأمن على نفسه من الخطأ، كما لم يعلن استغناءه عن مشورة الرعية بل طلب المشورة بالحق والعدل؛ لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة، إنما كل فرد على حدة معرض للضلالة، فعلم أن دعوى العصمة من غلاة الشيعة(2)، وجاء في نهج البلاغة –أيضًا-: لابد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن، ويجمع به الفئ، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي(3). فأنت ترى أنه لم يشترط العصمة في الأمير، ولم يشر لها من قريب أو بعيد، بل رأى أنه لابد من نصب أمير تناط به مصالح العباد والبلاد، ولم يقل إنه لا يلي أمر الناس إلا إمام معصوم، وكل راية تقوم غير راية المعصوم فهي راية جاهلية –كما تقول كتب الشيعة- ولم يحصر الإمارة في الاثنى عشر المعصومين عند الشيعة، ويكفر من تولاها من خلفاء المسلمين كما تذهب إليه الشيعة، بل رأى ضرورة قيام الإمام ولو كان فاجرًا، وجعل إمارته شرعية بدليل أنه أجاز الجهاد في ظل إمارة الفاجر، فأين هذا مما تقره الشيعة بمنع الجهاد حتى يخرج المنتظر(4).. لأن الإمامة الشرعية
__________
(1) نهج البلاغة، ص335.
(2) أصول الشيعة الإمامية (2/964).
(3) نهج البلاغة، ص 82.
(4) فصل الغيبة والمهدية، ص 824.(2/446)
محصورة في الاثنى عشر؟!.. وكان الأئمة يعترفون بالذنوب ويستغفرون الله منها، فأمير المؤمنين علي رضي الله عنه في دعائه في نهج البلاغة: اللهم اغفر لي ما أنت أعلم به مني، فإن عدت فعد علي بالمغفرة، اللهم اغفر لي ما وأيت(1) من نفسي ولم تجد له وفاء عندي، اللهم اغفر لي ما تقربت به إليك بلساني ثم خالفه قلبي، اللهم اغفر لي رمزات الألحاظ، وسقطات الألفاظ، وشهوات الجنان، وهفوات اللسان(2). فأنت ترى الإقرار بالذنب وبالعودة إليه بعد التوبة، والاعتراف بسقطات الألفاظ وشهوات الجنان، ومخالفة القلب للسان، كل ذلك ينفي ما تدعيه الشيعة من العصمة، إذ لو كان علي والإئمة معصومين لكان استغفارهم من ذنوبهم عبثًا، وكل أئمتهم قد نقلت عنهم كتب الشيعة الاستغفار إلى الله سبحانه من الذنوب والمعاصي، ولو كانوا معصومين لما كانت لهم ذنوب(3). ولقد احتار شيوخ الشيعة في توجيه مثل هذه الأدعية والتي تتنافى ومقرراتهم في العصمة(4).
__________
(1) وأيت: وعدت.
(2) نهج البلاغة، ص 104.
(3) أصول الشيعة الإمامية (2/965).
(4) المصدر نفسه (2/966).(2/447)
وهناك أمر آخر يبطل دعوى العصمة: ومن كتب الشيعة نفسها؛ ذلك هو الاختلاف والتناقض حيال بعض المواقف والمسائل، وأعمال المعصومين لا تتناقض ولا تختلف بل يصدق بعضها بعضًا ويشهد بعضها لبعض، والاختلاف ناقض للعصمة التي هي شرط للإمامة عندهم، وهو ناقض بالتالي لأصل الإمامة نفسها، ولذلك فإن ظاهرة الاختلاف في أعمال الأئمة كانت سببًا مباشرًا لخروج بعض الشيعة من نطاق التشيع حيث رابهم أمر هذا التناقض، ومن أمثلة ذلك ما ذكره القمي والنوبختي من أنه بعد قتل الحسين حارت فرقة من أصحابه وقالت: قد اختلف علينا فعل الحسن وفعل الحسين رضي الله عنهما، لأنه إن كان الذي فعله الحسن حقًا واجبًا صوابًا من موادعته معاوية وتسليمه له عند عجزه عن القيام بمحاربته مع كثرة أنصار الحسن وقوتهم، فما فعله الحسين من محاربته يزيد بن معاوية مع قلة أنصار الحسين وضعفهم، وكثرة أصحاب يزيد حتى قُتل وقتل أصحابه جميعًا باطل غير واجب، لأن الحسين كان أعذر في القعود من محاربة يزيد وطلب الصلح والموادعة من الحسن في القعود عن محاربة معاوية، وإن كان ما فعله الحسين حقًا واجبًا صوابًا من مجاهدته يزيد حتى قتل ولده وأصحابه، فقعود الحسن وتركه مجاهدة معاوية وقتاله ومعه العدد الكثير باطل، فشكوا في إمامتهما ورجعوا فدخلوا في مقالة العوام(1).
__________
(1) المقالات والفرق للقمي، ص 25، فرق الشيعة للنوبختي، ص 26،25.(2/448)
وأما الأمثلة على الاختلاف والتناقض في أقوال الأئمة فهو باب واسع، وكان هو الآخر من أسباب انصراف بعض الشيعة عن التشيع، وقد شهد بذلك شيخ الطائفة الطوسي، وقال بأن أخبارهم متناقضة متباينة حتى لا يوجد خبر إلا بإزائه ما يضاده، ولا رواية إلا ويوجد ما يخالفها، وعد ذلك من أعظم الطعون على المذهب الشيعي، ومن أسباب مفارقة بعض الشيعة الإمامية للمذهب، وكتابا التهذيب والاستبصار –وهما المصدران المعتمدان من المصادر الأربعة عند الشيعة- يشهدان بهذا التناقض والاختلاف عبر رواياتهما الكثيرة، وقد حاول الطوسي درء هذا الاختلاف ومعالجة هذا التناقض بحمله على التقية فما أفلح إذ زاد الطين بلة، علمًا بأن الطوسي هو الذي كان يوجه الروايات فيقول: هذا الحديث تقية، وهذه الرواية ليست بتقية، وعليها العمل. والمتفق عليه أن الطوسي نفسه ليس بمعصوم، وبالضرورة سوف يخطئ في توجيه بعض هذه الروايات فيجعل ما ليس بتقية تقية والشيعة يتبعونه في توجيهه هذا، وبالتالي يتضح أن الشيعة يتبعون في تدينهم أمثال الطوسي، ولا يتبعون المعصوم في دينهم، وقد أوجد الشيعة الرافضة عقيدة التقية والبداء –وسيأتي بيانهما بإذن الله- لتغطية هذا الاختلاف في أخبار الأئمة وأعمالهم.. فاكتشف بعض الشيعة هذه المحاولة، وعرف سبب وضع هاتين العقيدتين، فترك التشيع وقال: إن أئمة الرافضة وضعوا لشيعتهم مقالتين لا يظهرون معهما من أئمتهم على كذب أبدًا، وهما القول بالبداء وإجازة التقية.(2/449)
وهناك أمر آخر يبطل دعوى العصمة: وهو أن المعصوم الذي يدعون اتباعه لم يعصمهم من الخلاف في أصل الدين عندهم وأساسه وهو الإمامة، فتجدهم مختلفين متنابذين متلاعنين، يكفر بعضهم بعضًا لاختلافهم في عدد الأئمة، وفي تحديد أعيانهم، وفي الوقف وانتظار عودة الإمام، أو المضي إلى إمام آخر.. هذا عدا الروايات المختلفة المتناقضة في الكثير من أمور الدين –أصوله وفروعه- فما منعت العصمة المزعومة أهل الطائفة من الاختلاف، وعدم وجود أثرها يدل على انعدام أصلها، وقد يقال بأن اعتقادهم في عصمة الأئمة أمر لا يؤثر اليوم، لأن الأئمة قد انتهى وجودهم الفعلي منذ عام 260هـ.. ولم يبق إلا الانتظار للغائب الموعود إلا أن هذه العقيدة لها آثارها اليوم في واقع الشيعة، وتتمثل في جوانب منها:
1- عملهم بما يؤثر عن الأئمة الاثنى عشر، كما يعمل سائر المسلمين بالقرآن والسنة.
2- غلوهم في قبورهم وأضرحتهم؛ فالغلو في عصمتهم على حد وصفهم بصفات الإلهية تحول إلى غلو في قبورهم ومشاهدهم، فيطاف بها وتدعى من دون الله.
3- أن المجتهد الشيعي أصبح له شيء من هذه الصفة، فهم يرون الراد عليه كالراد على الله وهو كحد الشرك بالله، وهذه من الخطورة بمكان.
4- حمل هذا الاعتقاد الفاسد والدينونة به(1) الذي ليس له علاقة بأمير المؤمنين علي وأولاده وأحفاده الأطهار رضي الله عنهم.
ثالثًا: النص من شروط الإمامة عند الشيعة الإمامية الاثنى عشرية:
__________
(1) أصول الشيعة الإمامية (2/969-973).(2/450)
يعتقد الشيعة الرافضة أن الإمامة كالنبوة لا تكون إلا بالنص من الله عز وجل على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأنها مثلها لطف من الله عز وجل، ولا يجب أن يخلو عصر من العصور من إمام مفروض الطاعة منصوب من الله تعالى، وليس للبشر حق اختيار الإمام وتعيينه، بل وليس للإمام نفسه حق تعيين من يأتي بعده، وقد وضعوا على لسان أئمتهم عشرات الروايات في ذلك، منها ما نسبوه إلى الإمام محمد الباقر رحمه الله أنه قال: أترون أن هذا الأمر إلينا نجعله حيث نشاء؟، لا والله ما هو إلا عهد من رسول الله؛ رجل فرجل مسمى حتى تنتهي إلى صاحبها(1).
ويعتقد الشيعة الاثنا عشرية أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد نص على الأئمة من بعده وعينهم بأسمائهم وهم اثنا عشر إمامًا لا ينقصون ولا يزيدون وهم:
1- علي بن أبي طالب رضي الله عنه المرتضي (ت40هـ).
2- الحسن بن علي رضي الله عنه الزكي (ت50هـ).
3- الحسين بن علي رضي الله عنه سيد الشهداء (ت61هـ).
4- علي بن الحسين زين العابدين (ت95هـ).
5- محمد بن علي الباقر (ت114هـ).
6- جعفر بن محمد الصادق (ت148هـ).
7- موسى بن جعفر الكاظم (ت183هـ).
8- علي بن موسى الرضا (ت203هـ).
9- محمد بن علي الجواد (ت220هـ).
10- علي بن محمد الهادي (ت254هـ).
11- محمد بن الحسن المهدي (ت256هـ).
12- الحسن بن علي العسكري (ت260هـ).
كان ابن سبأ ينتهي بأمر الوصية عند علي رضي الله عنه، ولكن جاء فيمن بعد من عمَّمها في مجموعة من أولاده، وكانت الخلايا الشيعية تعمل بصمت وسرية، ومع ذلك فقد تصل بعض هذه الدعاوي إلى بعض أهل البيت، فينفون ذلك نفيًا قاطعًا، كما فعل جدهم أمير المؤمنين علي، ولذلك اخترع أولئك الكذابون على أهل البيت «عقيدة التقية» حتى يسهل نشر أفكارهم وهم في مأمن من تأثر الأتباع بمواقف أهل البيت الصادقة، والمعلنة للناس(2).
__________
(1) الإمامة والنص، فيصل نور، ص 8.
(2) أصول الشيعة الإمامية (2/800).(2/451)
إن من أخطر الأمور التي ابتدعها الشيعة: الوصية، وهي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصى بالخلافة بعد وفاته مباشرة إلى علي رضي الله عنه، وأن من سبقه مغتصبون لحقه كما جاء في كتابهم «الكافي»، من مات ولم يعرف إمامه مات ميتة جاهلية، وكان علي هو وصيه بزعمهم(1)، ولكن بالاستقراء التاريخي لتاريخ الخلفاء الراشدين، لا نجد للوصية ذكرًا في خلافة أبي بكر ولا في خلافة عمر رضي الله عنهما، وإنما نجد بداية ظهورها في السنوات الأخيرة من خلافة عثمان رضي الله عنه، عند بزوغ قرن الفتنة، وقد استنكر الصحابة هذا القول؛ عندما وصل إلى أسماعهم، وبينوا كذبه، ومن أشهر هؤلاء علي بن أبي طالب، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما، ثم نرى هذا القول يتبلور في فكرة موجهة، وعقيدة تدعو إلى الإيمان بها والدعوة إليها، وذلك في خلافة علي رضي الله عنه، وهذه الوصية التي تدعيها الرافضة قد أثبت علماؤهم أنها من وضع عبد الله بن سبأ كما ذكر ذلك النوبختي والكشي –وقد مر ذلك معنا- ويكفي في الرد على زعمهم ما ورد بالنقل الصحيح عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم ومنهم علي رضي الله عنه نفسه، والأدلة كثيرة منها:
1- ذكر عند عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصى إلى علي، فقالت: من قاله؟ لقد رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وإني لمسندته إلى صدري، فدعا بالطست، فانخنث، فمات، فما شعرت فكيف أوصى إلى علي(2).
وتصريح عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوص لعلي من أعظم الأدلة على عدم الوصية، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - توفى في حجرها، ولو كانت هناك وصية لكانت هي أدرى الناس بها(3).
__________
(1) أصول الكافي (2/17،16).
(2) البخاري رقم (1471)، كتاب الوصايا.
(3) بذل المجهود في إثبات مشابهة الرافضة لليهود (1/190).(2/452)
2- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خرج من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وجعه الذي توفي فيه، فقال الناس: يا أبا الحسن، كيف أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئًا، فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب، فقال له: أنت والله بعد ثلاث عبد العصا، وإني والله لأرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سوف يتوفى في وجعه هذا، وإني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت، اذهب بنا إلى رسول الله، فلنسأله فيمن هذا الأمر، إن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا علمنا فأوصى بنا، فقال علي: إنا والله لئن سألناها رسول الله فمنعناها، لا يعطيناها الناس من بعده، وإني والله لا أسألها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -(1). وفي قوله رضي الله عنه شهادة للصحابة رضي الله عنهم على مدى التزامهم بتنفيذ أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فلو كانت هناك وصية لما تخلف أحد عنها، ولما عبرت الأنصار عن رأيها –في السقيفة- بحرية وشجاعة وصدق: منا أمير ومنكم أمير(2)، ولبايعوا من عهد إليه الوصية، أو على الأقل سيذكر بعضهم، ولو كان هناك نص قبل ذلك لقال علي للعباس: كيف نسأله عن هذا الأمر فيمن يكون وهو قد أوصى لي بالخلافة، وقد توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نفس اليوم، فلما لم يوجد شيء من ذلك تبين أن ما يُدَّعى من النص دعوى لا أساس لها من الصحة، وكل ما أوردوه في ذلك من التنصيص على علي مردود، لمخالفته هذا النص الصريح من علي رضي الله عنه؛ لأن كل أدلتهم السمعية إما أنها لا تدل على المدعي، وإما نصوص تدل على ذلك ولكنها موضوعة(3).
__________
(1) البخاري، كتاب المغازي رقم (4447).
(2) البخاري، كتاب الحدود رقم (6830).
(3) الإمامة والرد على الرافضة، تحقيق علي ناصر فقيهي، ص 238.(2/453)
3- سئل علي رضي الله عنه: أخصكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء؟ فقال: ما خصنا رسول الله بشيء لم يعم به الناس كافة، إلا ما كان في قراب سيفي هذا، قال: فأخرج صحيفة مكتوبًا فيها: «لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من غيَّر منار الأرض، ولعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى محدثًا»(1). قال ابن كثير –رحمه الله-: وهذا الحديث الثابت في الصحيحين وغيرهما عن علي رضي الله عنه يرد على فرقة الرافضة من زعمهم أن رسول الله أوصى إليه بالخلافة، ولو كان الأمر كما زعموا لما رد ذلك أحد من الصحابة، فإنهم كانوا أطوع لله ورسوله في حياته، وبعد وفاته من أن يفتئتوا عليه فيقدموا غير من قدمه، ويؤخروا من قدمه بنصه، حاشا وكلا!!، ومن ظن بالصحابة رضوان الله عليهم ذلك فقد نسبهم بأجمعهم إلى الفجور والتواطؤ على معاندة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومضادتهم لحكمه ونصه، ومن وصل من الناس إلى هذا المقام فقد خلع ربقة الإسلام، وكفر بإجماع الأئمة الأعلام(2)، قال النووي رحمه الله: فيه إبطال ما تزعمه الرافضة والشيعة والإمامية بالوصية لعلي وغير ذلك من اختراعاتهم(3).
4- وعن عمرو بن سفيان قال: لما ظهر علي يوم الجمل قال: أيها الناس إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يعهد إلينا من هذه الإمارة شيئًا حتى رأينا من الرأي أن نستخلف أبا بكر فأقام واستقام حتى مضى لسبيله(4).
__________
(1) مسلم (3/1567) رقم (1978).
(2) البداية والنهاية (5/221).
(3) شرح صحيح مسلم (13/151).
(4) الاعتقاد، ص 184، وقال البيهقي في دلائل النبوة: سنده حسن.(2/454)
5- روى أبو بكر البيهقي بإسناده إلى شقيق بن سلمة، قال: قيل لعلي بن أبي طالب: ألا تستخلف علينا؟، فقال: ما استخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأستخلف، ولكن إن يرد الله بالناس خيرًا فسيجمعهم بعدي على خيرهم، كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم(1). فهذا دليل واضح على أن دعوى النص عليه رضي الله عنه إنما هو من اختلاق الرافضة، الذين مُلئت قلوبهم بالبغض والحقد لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمن فيهم علي وأهل بيته، وإنما يدعون حبهم تسترًا ليتسنى لهم الكيد للإسلام وأهله(2).
__________
(1) الاعتقاد، ص 184، إسناده جيد.
(2) عقيدة أهل السنة في الصحابة (2/620).(2/455)
بهذه النصوص القطعية يتضح بجلاء أنه لا أصل للوصية المزعومة، وأن ما اعتمد عليه الرافضة هو من وضع عبد الله بن سبأ، الذي هو أول من أحدث الوصية، ثم وضعت بعد ذلك أسانيد وركبت متون نسبوها زورًا وبهتانًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهدفهم من ذلك الطعن في الصحابة رضي الله عنهم بمخالفتهم أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإجماعهم على ذلك، ومن ثم الطعن ورد ما نقلوه إلى أجيال المسلمين من قرآن وحديث(1)، قال ابن تيمية رحمه الله في رده على الحلي: وأما النص على علي فليس في شيء من كتب أهل الحديث المعتمدة، وأجمع أهل الحديث على بطلانه، حتى قال أبو محمد بن حزم، ما وجدنا قط رواية عند أحد في هذا النص المدعى إلا رواية إلى مجهول يكنى أبا الحمراء لا نعرف من هو في الخلق(2)، وقال في موضع آخر: فعلم أن ما تدعيه الرافضة من النص هو مما لم يسمعه أحد من أهل العلم بأقوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قديمًا ولا حديثًا، ولهذا كان أهل العلم بالحديث يعلمون بالضرورة كذب هذا النقل، كما يعلمون كذب غيره من المنقولات(3)، وقد جاء من الغلاة فيما بعد من أحيا نظرية ابن سبأ في أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، ثم عمموها على آخرين من سلالة علي والحسين في إثارة مشاعر الناس وعواطفهم، والدخول إلى قلوبهم، لتحقيق أغراضهم ضد الدولة الإسلامية في ظل هذا الستار، وأول من بدأ يشيع القول بأن الإمامة محصورة بأناس مخصوصين في آل البيت، شيطان الطاق الذي تلقبه الشيعة مؤمن الطاق(4)، وأنه حينما علم بذلك زيد بن علي بعث إليه ليقف على حقيقة الإشاعة، فقال له زيد: بلغني أنك تزعم أن في آل محمد إمامًا مفترض الطاعة؟، قال شيطان الطاق: نعم، وكان أبوك علي بن الحسين أحدهم، فقال: وكيف وقد كان يؤتى بلقمة وهي حارة فيبردها بيده ثم يلقمنيها، أفترى أنه كان يشفق على من حر
__________
(1) خلافة علي بن أبي طالب، عبد الحميد، ص 65.
(2) المنهاج (8/362)، الفصل (4/161).
(3) المنهاج (7/50).
(4) أصول الشيعة الإمامية (2/800).(2/456)
اللقمة، ولا يشفق علي من حر النار؟، قال شيطان الطاق: قلت له: كره أن يخبرك فتكفر، فلا يكون له فيك الشفاعة(1)، وهذه القصة المروية في أوثق كتب الرجال عندهم تبين أن هذه النظرية كانت سرية التداول لدرجة أنها خفيت على إمام من أئمة أهل البيت وهو الإمام زيد. وقد بيَّن محب الدين الخطيب أن شيطان الطاق هو أول من اخترع هذه العقيدة الضالة وحصر الإمامة والتشريع، وادعى العصمة لأناس مخصوصين من آل البيت(2)، وقد شارك شيطان الطاق رجل آخر هو هشام بن الحكم المتوفي 179هـ(3)، ويبدو أن عقيدة حصر الإمامة بأناس معينين سرت في الكوفة(4)، بسعي مجموعة من أتباع هشام وشيطان الطاق، ففكرة حصر الأئمة بعدد معين قد وضع جذورها في القرن الثاني زمرة ممن يدعي الصلة بأهل البيت، أمثال شيطان الطاق وهشام بن الحكم(5)، ولقد اختلفت اتجاهات الشيعة وتباينت مذاهبهم في عدد الأئمة، قال في مختصر التحفة: اعلم أن الإمامية قائلون بانحصار الأئمة، ولكنهم مختلفون في مقدارهم، فقال بعضهم: خمسة، وبعضهم: سبعة، وبعضهم: ثمانية، وبعضهم: اثنا عشر، وبعضهم ثلاثة عشر(6).
__________
(1) رجال الكشي، ص 186.
(2) مجلة الفتح، ص 5، العدد 862 عام 1367هـ.
(3) أصول الشيعة الإمامية (2/703).
(4) بحار الأنوار (100/259)، أصول الشيعة الإمامية (2/805).
(5) أصول الشيعة الإمامية (2/806).
(6) مختصر التحفة، ص 193.(2/457)
وكتب الشيعة نقلت صورة هذا التباين والتناقض سواء أكانت من كتب الإسماعيلية كمسائل الإمامة للناشئ الأكبر، أو الزينة لأبي حاتم الرازي، أم من كتب الاثنى عشرية مثل: المقالات والفرق للأشعري القمي، وفرق الشيعة للنوبختي، وقضية الإمامة عندهم ليست بالأمر الفرعي الذي يكون فيه الخلاف أمرًا عاديًا، بل هي أساس الدين وأصله المتين، ولا دين لمن لم يؤمن بإمامهم ولذلك يكفر بعضهم بعضًا، بل إن أتباع الإمام الواحد يكفر بعضهم بعضًا، ويلعن بعضهم بعضًا(1) أما الاثنا عشرية فقد استقر قولها –فيما بعد- بحصر الإمامة في اثنى عشر إمامًا، ولم يكن في العترة النبوية بني هاشم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم من قول بإمامة الاثنى عشر(2)، إنما عرف الاعتقاد باثنى عشر إمامًا بعد وفاة الحسن العسكري(3).
وحصر الأئمة بعدد معين عقيدة فاسدة باطلة أمير المؤمنين علي وأولاده وأحفاده براء منها، وفي كتب الشيعة المعتمدة في نهج البلاغة، عن علي رضي الله عنه قال: دعوني والتمسوا غيري، فإنا مستقبلون أمرًا له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول(4)، وإن الآفاق قد أغامت(5)، والمحجة(6) قد تنكرت، واعلموا أني إن أحببتكم ركبت لكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب، وإن تركتموني فأنا كأحدكم ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيرًا خير لكم مني أميرًا(7).
__________
(1) أصول الشيعة الإمامية (2/807).
(2) منهاج السنة (2/11).
(3) أصول الشيعة الإمامية (2/808).
(4) لا تصبر له ولا تطيق احتماله.
(5) أغامت: غطيت بالغيم.
(6) المحجة: الطريق المستقيمة.
(7) نهج البلاغة خطبة رقم (92)، ص 236.(2/458)
فلو كانت إمامة علي منصوصًا عليها من الله عز وجل لما جاز لعلي بن أبي طالب تحت أي ظرف من الظروف أن يقول للناس: «دعوني والتمسوا غيري، ويقول: «أنا لكم وزيرًا خير لكم مني أميرًا» كيف والناس تريده وجاءت تبايعه(1).
ويقول في النهج كلامًا أكثر صراحة وأشد وضوحًا حين يقول: إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان علي ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إمامًا كان ذلك لله رضا، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى(2).
وقد أشار أمير المؤمنين بهذه العبارة إلى حقائق جديرة بالاهتمام حيث جعل:
أ- الشورى للمهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبيدهم الحل والعقد.
ب- اتفاقهم على شخص سبب لمرضاة الله وعلامة لموافقته سبحانه وتعالى على اختيارهم.
ج- لا تنعقد الإمامة في زمانهم دونهم، وبغير اختيارهم.
د- لا يرد قولهم ولا يخرج عن حكمهم إلى المبتدع الباغي المتبع غير سبيل المؤمنين.
فإين هم الشيعة الاثنا عشرية من هذه التصريحات المهمة؟ (3).
__________
(1) ثم أبصرت الحقيقة، 158.
(2) نهج البلاغة، كتاب إلى معاوية رقم (6)، ص 526.
(3) ثم أبصرت الحقيقة، ص 161.(2/459)
إن مسألة النص لا تثبت بأي وجه من الوجوه، ومسألة حصر الأئمة بعدد معين مردودة بالكتاب والسنة، كما أنه لا يقبلها العقل ومنطق الواقع، إذ بعد انتهاء العدد المعين هل تظل الأمة بدون إمام؟، ولذلك فإن عصر الأئمة الظاهرين عند الاثنى عشرية لا يتعدى قرنين ونصف قرن إلا قليلاً، وقد اضطر الشيعة للخروج عن حصر الأئمة بمسألة نيابة المجتهد عن الإمام، واختلف قولهم في حدود النيابة(1). وفي هذا العصر اضطروا للخروج نهائيًا عن هذا الأصل الذي هو قاعدة دينهم، فجعلوا رئاسة الدولة تتم عن طريق الانتخاب ولكنهم خرجوا عن حصر العدد إلى حصر النوع فقصروا رئاسة الدولة على الفقيه الشيعي(2).
ما يحتج به الاثنا عشرية في أمر تحديد عدد الأئمة بما جاء في كتب السنة:
__________
(1) الحكومة الإسلامية للخميني، ص68، أصول الشيعة (2/814).
(2) الحكومية الإسلامية للخميني، ص 248، أصول الشيعة (2/814).(2/460)
عن جابر بن سمرة قال: يكون اثنا عشر أميرًا. فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: «كلهم في قريش»(1). وفي مسلم عن جابر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يزال الإسلام عزيزًا إلى اثنى عشر خليفة»، ثم قال كلمة لم أفهمها. فقلت لأبي: ما قال؟، فقال: «كلهم في قريش»(2)، وفي لفظ: «لا يزال هذا الدين عزيزًا منيعًا إلى اثنى عشر خليفة»(3)، وفي لفظ آخر: «لا يزال أمر الناس ماضيًا ما وليهم اثنا عشر رجلاً»(4)، وعند أبي داود: «لا يزال هذا الدين قائمًا حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلهم تجتمع عليهم الأمة»(5)، وأخرجه أبو داود أيضًا من طريق الأسود بن سعيد عن جابر بنحو ما مضى قال: وزاد فلما رجع إلى منزله أتته قريش فقالوا: ثم يكون ماذا، قال: «الهرج»(6).
__________
(1) البخاري، كتاب الأحكام، باب الاستخلاف (8/127).
(2) ، (5) مسلم، كتاب الإمارة، باب الناس (2/1453).
(4) المصدر نفسه (2/1452).
(5) سنن أبي داود، كتاب المهدي (4/471).
(6) سنن أبي داود (4/472)، فتح الباري (13/211).(2/461)
يتعلق الاثنا عشرية بهذا النص ويحتجون به على أهل السنة، لا لإيمانهم بما جاء في كتب السنة(1)، ولكن للاحتجاج عليهم بما يسلمون به، وبالتأمل في النص بكل حيدة وموضوعية نجد أن هؤلاء الاثنى عشر وصفوا بأنهم يتولون الخلافة، وأن الإسلام في عهدهم يكون في عزة ومنعة، وأن الناس تجتمع عليهم ولا يزال أمر الناس ماضيًا وصالحًا في عهدهم، وكل هذه الأوصاف لا تنطبق على من تدعي الاثنا عشرية فيهم الإمامة، فلم يتول الخلافة منهم إلا أمير المؤمنين علي والحسن مدة قليلة، كما لم يقم أمر الأمة في مدة أحد من هؤلاء الاثنى عشر –في نظر الشيعة أنفسهم- بل مازال أمر الأمة فاسدًا.. ويتولى عليهم الظالمون بل الكافرون(2)، وأن الأئمة أنفسهم كانوا يتسترون في أمور دينهم بالتقية(3)، وأن عهد أمير المؤمنين علي وهو على كرسي الخلافة عهد تقية، كما صرح بذلك شيخهم المفيد(4)، فلم يستطع أن يظهر القرآن، ولا أن يحكم بجملة من أحكام الإسلام، كما صرح بذلك شيخهم الجزائري(5)، واضطر إلى ممالأة أصحابه ومجاراتهم على حساب الدين، كما أقر بذلك شيخهم المرتضى(6)، فالحديث في جانب ومزاعم هؤلاء في جانب آخر، ثم إنه ليس في الحديث حصر للأئمة بهذا العدد، بل نبوءة منه عليه السلام بأن الإسلام لا يزال عزيزًا في عصر هؤلاء، وكان عصر الخلفاء الراشدين وبني أمية عصر عزة ومنعة(7)، ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله: إن الإسلام وشرائعه في زمن بني أمية أظهر وأوسع مما كان بعدهم، ثم استشهد بحديث: «لا يزال هذا الأمر عزيزًا في زمن اثنى عشر خليفة كلهم من قريش»، ثم قال: وهكذا كان، فكان الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، ثم تولى من اجتمع الناس عليه وصار له عز ومنعة معاوية وابنه يزيد ثم عبد الملك
__________
(1) أصول الشيعة الإمامية (2/815).
(2) منهاج السنة (4/210)، المنتقى.
(3) أصول الشيعة الإمامية (2/816).
(4) ، (2)، (3)، (4) أصول الشيعة الإمامية (2/816).(2/462)
وأولاده الأربعة وبينهم عمر بن عبد العزيز، وبعد ذلك حصل من النقص ما هو باق إلى الآن، ثم شرح ذلك(1).
ثم إنه قال في الحديث: «كلهم من قريش»(2)، وهذا يعني أنهم لا يختصون بعلي وأولاده، ولو كانوا مختصين بعلي وأولاده لذكر ما يميزون به، ألا ترى أنه لم يقل: كلهم من ولد إسماعيل ولا من العرب، فلو امتازوا بكونهم من بني هاشم، أو من قبيل علي لذكروا بذلك، فلما جعلهم من قريش مطلقًا علم أنهم من قريش، بل لا يختصون بقبيلة، بل منهم بنو تيم، وبنو عدي، وبنو عبد شمس، وبنو هاشم، فإن الخلفاء الراشدين كانوا من هذه القبائل(3)، فإذن لم يبق من الأوصاف التي تنطبق على ما يريدون إلا مجرد العدد، والعدد لا يدل على شيء(4).
أدلتهم من القرآن على النص:
إن الشيعة الرافضة لما لم يجدوا ما يستدلون به من الشرع لتقرير عقيدة الإمامة بالنص عمدوا إلى آيات من كتاب الله فيها ثناء ومدح لعباده الصالحين وأوليائه المتقين، فجعلوها خاصة بأمير المؤمنين علي رضي الله عنه وأولوها على حسب هذا المعتقد الفاسد، كما اختلقوا أحاديث كثيرة لتأييد هذه البدعة الشنيعة، وذلك لإيقاع جهلة المسلمين ومن قل نصيبه من العلم في ذلك، وما أوردوه في هذا الشأن واضح البطلان ثم إن استدلالهم لا يخرج عن أمرين:
أ- إما أن يكون فيما استدلوا به دليل على تلك الدعوى، كآية التطهير والمباهلة، وحديث الراية، وحديث خم وغيرها من الأحاديث.
__________
(1) منهاج السنة (4/206).
(2) مسلم (2/1453).
(3) منهاج السنة (4/211).
(4) أصول الشيعة الإمامية (2/818).(2/463)
ب- أو أن تكون أحاديث موضوعة، والموضوع لا تقوم به حجة، ولهذا اشتهر بين أهل العلم أن الرافضة أكذب الفرق المنتسبة للإسلام، وقد ذكر ابن تيمية اتفاق أهل العلم بالنقل والرواية والإسناد على أن الرافضة أكذب الطوائف، الكذب فيهم قديم، ولهذا كان أئمة الإسلام يعلمون امتيازهم بالكذب(1)، وإليك بعض الأمثلة في استدلالهم بالقرآن:
1- آية الولاية: قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة:55]، ذكروا في تفسير هذه الآية ما يدل على زعمهم بأنها في إمامة علي، قال شيخ الطائفة –كما يلقبونه- الطوسي: وأما النص على إمامته من القرآن، فأقوى ما يدل عليه قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة:55] (2)، وقال الطبرسي: وهذه الآية من أوضح الدلائل على صحة إمامة علي بعد النبي بلا فصل(3). ويكاد شيوخهم يتفقون على أن هذا أقوى دليل عندهم حيث يجعلون له الصدارة في مقام الاستدلال في مصنفاتهم(4)، وأما كيف يستدلون بهذه الآية على مبتاغهم فإنهم يقولون: اتفق المفسرون والمحدثون من العامة والخاصة أنها نزلت في علي لما تصدق بخاتمه على المسكين في الصلاة بمحضر من الصحابة وهو مذكور في الصحاح الستة(5)، و {إِنَّمَا} للحصر باتفاق أهل اللغة، والولي بمعنى الأولى بالتصرف المرادف للإمام والخليفة(6)
__________
(1) منهاج السنة (1/59).
(2) تلخيص الشافي (2/10) نقلاً عن أصول مذهب الشيعة الإمامية (2/822).
(3) مجمع البيان (2/128) نقلاً عن أصول الشيعة الإمامية (2/822).
(4) عقائد الإمامية الاثنى عشرية (1/82،81)، أصول مذهب الشيعة (2/823).
(5) أصول مذهب الشيعة (2/823).
(6) عقائد الإمامية الاثنى عشرية (1/82،81)، نقلاً عن المرجع السابق (2/823).(2/464)
. فأنت ترى أنهم يعتمدون في استدلالهم بالآية بما روى في سبب نزولها، لأنه ليس في نصها ما يدل على مرادهم، فصار استدلالهم بالرواية لا بالقرآن، فهل الرواية ثابتة، وهل وجه استدلالهم سليم؟! يتبين هذا بالوجوه التالية:
أ- أن زعمهم بأن أهل السنة أجمعوا على أنها نزلت في علي هو من أعظم الدعاوي الكاذبة، بل أجمع أهل العلم بالنقل أنها لم تنزل في علي بخصوصه، وأن عليًا لم يتصدق بخاتمه في الصلاة، وأجمع أهل العلم بالحديث على أن القصة المروية في ذلك من الكذب الموضوع(1)، وقوله: إنها مذكورة في الصحاح الستة(2)، كذب، إذ لا وجود لهذه الرواية في الكتب الستة، وقد ساق ابن كثير الآثار التي تروي في أن هذه الآية نزلت في علي حين تصدق بخاتمه، وعقب عليها: وليس يصح شيء منها بالكلية لضعف أسانيدها، وجهالة رجالها(3)، وقال عبد العزيز الدهلوي: وأما القول بنزولها في حق علي بن أبي طالب ورواية قصة السائل وتصدقه بالخاتم عليه في حالة الركوع فإنما هو للثعلبي(4) فقط، وهو متفرد به ولا يعتد المحدثون من أهل السنة بروايات الثعلبي قدر شعيرة ولقبوه بحاطب ليل، فإنه لا يميز الرطب من اليابس، وأكثر رواياته عن الكلبي عن أبي صالح وهي من أوهى ما يروى في التفسير عندهم(5)، وسبب
__________
(1) منهاج السنة (4/4).
(2) أصول مذهب الشيعة (2/824).
(3) تفسير ابن كثير (2/77،76).
(4) مختصر التحفة الاثنى عشرية، ص 141-142.
(5) المصدر نفسه ص 141-142، عقيدة أهل البيت بين الإفراط والتفريط، ص 473. وانظر: أسباب النزول للواحدي، تحقيق أيمن شعبان، ص 163. اليهود في السنة المطهرة (1/282)، ويبقى الخبر الذي رواه ابن إسحاق بإسناد مرسل يتقوى مع المتابعات والشواهد، وانظر مختصر تفسير القرآن العظيم المسمى عمدة التفاسير عن الحافظ ابن كثير، لأحمد محمد شاكر (1/701)، فقد قال أحمد شاكر فيمن قال نزلت في علي رضي الله عنه: بل هي أكاذيب الشيعة الذين يلعبون بتأويل القرآن.(2/465)
نزول هذه الآية على الصحيح هو: أنه لما خانت بنو قينقاع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذهبوا إلى عبادة بن الصامت –كما أخرج ذلك ابن جرير في تفسيره- وأرادوه أن يكون معهم فتركهم وعاداهم وتولى الله ورسوله، فأنزل الله قوله جل وعلا: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة:55]، أي والحال أنهم خاضعون في كل شئونهم لله تبارك وتعالى، ولذلك قال الله تبارك وتعالى في أول الآيات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51]، يعني عبد الله بن أبي بن سلول، لأنه كان مواليًا لبني قينقاع، ولما حصلت الخصومة بينهم وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - والاهم ونصرهم ووقف معهم، وذهب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يشفع لهم، أما عبادة بن الصامت رضي الله عنه وأرضاه فإنه تبرأ منهم وتركهم فأنزل الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51]، ثم عقب تبارك وتعالى بذكر صفة المؤمنين، وهو عبادة بن الصامت ومن اتبعه {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا}، أمثال عبادة وغيره، فهذه الآية نزلت في عبادة بن الصامت(1)
__________
(1) رواه ابن هشام في السيرة في أمر بني قينقاع (2/49)، عن عبادة بن الوليد ورواه ابن جرير في تفسيره في تأويل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} [المائدة:51] تفسير الطبري (6/178) ورجال إسناده –من طريق ابن جرير- موثوقون، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث عن والده لكنه مرسل، فإن عبادة بن الوليد تابعي جليل روى عن أبيه وجده وغيرهما وهو ثقة، التهذيب (5/114).(2/466)
.
إن الآيات الكريمة جاءت بالأمر بموالاة المؤمنين، والنهي عن موالاة الكافرين، وهذا المعنى يدرك أيضًا –بعد معرفة سبب النزول الحقيقي- بوضوح من سياق الآيات، إذ قبل هذه الآية الكريمة جاء قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51]، فهذا نهي صريح عن موالاة اليهود والنصارى بالود والمحبة والنصرة.. ولا يراد بذلك باتفاق الجميع الولاية بمعنى الإمارة، وليس هذا بوارد أصلاً، ثم أردف ذلك بذكر من تجب موالاته وهو: الله ورسوله والمؤمنون، فواضح من ذلك أن موالاة المحبة والنصرة التي نهى عنها في الأولى وهي بعينها التي أمر بها المؤمنون في هذه الآية بحكم المقابلة، كما هو بين جلي من لغة العرب(1). قال الرازي –رحمه الله-: لما نهى في الآيات المتقدمة عن موالاة الكفار، أمر في هذه الآية بموالاة من تجب موالاته(2). وقال ابن تيمية –رحمه الله-: إنه من المعلوم المستفيض عند أهل التفسير خلفًا عن سلف أن هذه الآية نزلت في النهي عن موالاة الكفار، والأمر بموالاة المؤمنين(3).
ب- إن الله تعالى لا يثني على الإنسان إلا بما هو محمود عنده، إما واجب وإما مستحب، والتصدق أثناء الصلاة ليس بمستحب باتفاق علماء الملة، ولو كان مستحبًا لفعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولحض عليه، ولكرر فعله، وإن في الصلاة لشُغلاً، وإعطاء السائل لا يفوت، إذ يمكن للمتصدق إذا سلم أن يعطيه، بل إن الاشتغال بإعطاء السائلين يبطل الصلاة كما هو رأي جملة من أهل العلم(4).
__________
(1) أصول مذهب الشيعة (2/826).
(2) تفسير الفخر الرازي (12/25).
(3) منهاج السنة (4/5).
(4) منهاج السنة (1/208)، (4/5).(2/467)
ج- أنه لو قدر أن هذا مشروع في الصلاة لم يختص بالركوع، فكيف يقال: لا ولي إلا الذين يتصدقون في حال الركوع، فإن قيل: هذه أراد بها التعريف بعلي، قيل له: أوصاف علي التي يعرف بها كثيرة ظاهرة، فكيف يترك تعريفه بالأمور المعروفة، ويعرف بهذا الأمر الذي لا يعرفه إلا من سمعه وصدق به؟ وجمهور الأمة لا يسمع هذا الخبر ولا هو في شيء من كتب المسلمين المعتمدة(1).
د- وقولهم: إن عليًا أعطى خاتمه زكاة في حال ركوعه فنزلت الآية مخالفة للواقع، ذلك أن عليًا رضي الله عنه لم يكن ممن تجب عليه الزكاة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإنه كان فقيرًا، وزكاة الفضة إنما تجب على من ملَكَ النصاب حولاً، وعلي لم يكن من هؤلاء(2).
هـ- إن الأصل في الزكاة أن يبدأ المزكي، لا أن ينتظر حتى يأتيه الطالب، أيهما أفضل أن تبادر أنت بدفع الزكاة أو أن تجلس في بيتك وزكاتك عندك، ثم تنتظر الناس حتى يطرقوا عليك الباب ثم تعطيهم زكاة أموالك؟، لا شك أن الأول أفضل(3).
__________
(1) منهاج السنة (4/5)، أصول مذهب الشيعة (2/825).
(2) أصول مذهب الشيعة (2/825).
(3) حقبة من التاريخ ص 193.(2/468)
و- قولهم: إن المراد بقوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ} –الإمارة- لا يتفق مع قوله سبحانه: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا}، فإن الله سبحانه لا يوصف بأنه متول على عباده، وأنه أمير عليهم، فإن خالقهم ورازقهم وربهم ومليكهم له الخلق والأمر، لا يقال: إن الله أمير المؤمنين كما يسمى المتولي مثل علي وغيره أمير المؤمنين(1)، وأما الولاية المخالفة للعداوة فإنه يتولى عباده المؤمنين فيحبهم ويحبونه، ويرضى عنهم ويرضون عنه، ومن عادى له وليًا بارزه بالمحاربة(2)، فهذه الولاية هل المقصودة في الآية، وقوله: {وَهُمْ رَاكِعُونَ} أي خاضعون لربهم منقادون لأمره، والركوع في أصل اللغة بمعنى الخضوع، أي يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة في حال الركوع، وهو الخشوع والإخبات والتواضع لله(3)، وهذا كما قال الله تبارك وتعالى عن داود عليه السلام، {وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص:24]، وهو خر ساجدًا، وإنما سمي راكعًا للذل والخضوع لله تبارك وتعالى، وكما قال الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لاَ يَرْكَعُونَ} [المرسلات:48]، أي اخضعوا واستسلموا لأمر الله تبارك وتعالى(4).
__________
(1) ، (2) أصول مذهب الشيعة (2/827).
(3) الكشاف للزمخشري (1/624)، تفسير الرازي (12/25).
(4) حقبة من التاريخ، ص 194.(2/469)
ز- وأما استدلالهم بأداة الحصر {إِنَّمَا} وأن المراد علي رضي الله عنه بالخصوص، فهذا الدليل كما يدل على نفي إمامة الأئمة المتقدمين كما قرر يدل على سلب الإمامة من الأئمة المتأخرين بذلك التقرير بعينه، فلزم أن السبطين ومن بعدهما من الأئمة الأطهار مسلوبة منهم الإمامة، فإن أجابوا عن النقض بأن المراد حصر الولاية في بعض الأوقات، أعني وقت إمامته لا وقت إمامة من بعده، وافقوا أهل السنة في أن الولاية العامة كانت له وقت كونه إمامًا لا قبله(1)، وإذا كانت هذه أقوى أدلتهم –كما يقول شيوخهم- تبين أهم ليسوا على شيء، ذلك أن الأصل أن يستعمل في هذا الأمر العظيم –والذي هو عند الروافض أعظم أمور الدين، ومنكره في عداد الكافرين- صيغة واضحة جلية، يفهمها الناس بمختلف طبقاتهم، يدركها العامي، كما يدركها العالم، ويفهمها اللاحق، كما يفهمها الحاضر، ويعرفها البدوي، كما يعرفها الحضري، فلما لم يستعمل مثل ذلك في كتاب الله دل أنه لا نص كما يزعمون(2)، وهذه أقوى آية يستدلون بها من كتاب الله، ويسمونها آية الولاية، ولهم تعلق بآيات أخرى ذكرها ابن المطهر الحلي، وأجاب عنها ابن تيمية بأجوبة جامعة(3).
__________
(1) أصول مذهب الشيعة، ص 825.
(2) أصول مذهب الشيعة الإمامية (2/829).
(3) وقد قام الدكتور علي السالوس بدراسة مستفيضة حول الآيات التي يستدل بها الإمامية لقولهم بالإمامة، وانتهى من ذلك إلى أن استدلاتهم تنبني على روايات متصلة بأسباب النزول وتأويلات انفردوا بها، لم يصح شيء من هذا ولا ذاك، مع الشيعة الاثنى عشرية (1/55 إلى 111).(2/470)
2- آية المباهلة: إن آية المباهلة التي نزلت في وفد نجران تُعد دليلاً آخر عند الشيعة الاثنى عشرية على الإمامة، وهي قول الله عز وجل: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران:61]. ووجه دلالة الآية على إمامة علي بن أبي طالب عند الطوسي وغيره من علماء الشيعة أنها دلت على أفضليته من وجهين:
أحدهما: أن موضوع المباهلة ليتميز المحق من المبطل وذلك لا يصح أن يفعل إلا بمن هو مأمون الباطن مقطوع على صحة عقيدته، أفضل الناس عند الله.
الثاني: أنه - صلى الله عليه وسلم - جعله مثل نفسه بقوله: {وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ} لأنه أراد بقوله: {أَبْنَاءَنَا} الحسن والحسين عليهما السلام، وبقوله: {وَنِسَاءَنَا} فاطمة، وبقوله: {وَأَنْفُسَنَا} نفسه ونفس علي عليهما السلام، وإذا جعله مثل نفسه وجب أن لا يدانيه ولا يقاربه في الفضل أحد(1).
وقد سميت آية المباهلة بهذا الاسم، لأن كل محق يود لو أهلك الله المبطل المناظر له، ولاسيما إذا كان في ذلك حجة له في بيان حقه وظهوره، وكانت المباهلة بالموت، لأن الحياة عندهم عزيزة عظيمة، لما يعلمون من سوء مآلهم بعد الموت، وآية المباهلة لا مستند فيها على ما يدعيه الشيعة الاثنى عشرية في موضوع الإمامة، لعدة أسباب:
__________
(1) تفسير التبيان للطوسي (3/485).(2/471)
أ- إنه على كثرة المعاني والمرادفات لكلمة (نفس) التي استدل بها الإمامية على دلالة النص في خلافة علي بن أبي طالب لا يوجد معنى حقيقي أو مجازي يدل على الخلافة، ولكن ما استدل به أهل السنة على أنها تدل على دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - بحضوره بنفسه أو أقاربه في الدين أو النسب فهو مذكور في اللغة موافق للدين، قال الزبيدي: قال ابن خالويه: النفس الأخ، قال ابن بري: وشاهده قوله تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النور:61] وفسر ابن عرفة قوله تعالى: {لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ} [النور:12]، أي بأهل الإيمان وأهل شريعتهم(1)، قال الدهلوي: معنى {نَدْعُ} نحضر أنفسنا، وأيضًا لو قررنا أن الأمير -أي الإمام علي- من قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - لمصداق {أَنْفُسَنَا} فمن تقرره من قبل الكفار لمصداق {وأَنْفُسَكُمْ} في أنفس الكفار مع أنهم مشتركون في صيغة {نَدْعُ} ولا معنى لدعوة النبي إياهم وأبناءهم بعد قوله {تَعَالَوْا}(2).
__________
(1) تاج العروس (16/570)، ثم أبصرت الحقيقة، ص 188.
(2) مختصر التحفة الاثنى عشرية، ص156.(2/472)
وقوله تعالى: {وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ} مثل قوله تعالى: {لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} [النور:12]، نزلت في أم المؤمنين عائشة في حادثة الإفك، فإن الواحد من المؤمنين أنفس المؤمنين والمؤمنات، وكذلك قوله تعالى: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة:54] أي يقتل بعضكم بعضًا، ومنه قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ} [البقرة: 84]، أي لا يُخرج بعضكم بعضًا، فالمراد بالأنفس الإخوان: إما في النسب وإما في الدين(1).
وقد قال الله عز وجل في رسوله الكريم: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنَفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتِّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة:128]. وفي هذه الآية حجة بالغة على من يستدل بقوله تعالى: {أَنْفُسَنَا} على معنى المماثلة والتطابق، فهذه الآية تتكلم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن كفار مكة، وتقول: {مِّنْ أَنَفُسِكُمْ} فمن ذا الذي يقول بأن نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هي نفس كفار مكة –عياذا بالله-؟!! (2).
__________
(1) مختصر منهاج السنة (1/168،167).
(2) ثم أبصرت الحقيقة، ص 188.(2/473)
وهنا تظهر المزاجية في تفسير آية المباهلة حين يتجاهل علماء الشيعة كل هذه النصوص ثم يأتون إلى هذه الآية الكريمة فيبالغون في معناها إلى حد قولهم بأن عليًا هو نفس محمد عليه الصلاة والسلام سوى النبوة، وحتى بعض الروايات الشيعية تشير إلى أن إطلاق لفظ أنفسنا على الأخ أو القريب أو أرباب الفئة الواحدة شيء متعارف عليه بين العرب، فعن أبي عبد الله عليه السلام، قال: بعث أمير المؤمنين عليه السلام عبد الله بن العباس إلى ابن الكواء وأصحابه وعليه قميص رقيق وحُلَّة، فلما نظروا إليه قالوا: يا ابن عباس، أنت خيرنا في أنفسنا وأنت تلبس هذا اللباس، فقال: أنا أول ما أخاصمكم فيه {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف:32] وقال: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31]، فهل بعد هذه الدلائل القرآنية وبعد هذه الرواية الشيعية من كلمة يقولها المغالي(1)؟.
__________
(1) المصدر السابق، ص 189.(2/474)
ب- اعترف أحد أقطاب الشيعة وهو الشريف الرضي أن قوله تعالى: {أَنْفُسَنَا} لا يعني أن عليًا رضي الله عنه هو نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما يقول الشيعة، يقول الشريف الرضي: قال بعض العلماء: إن للعرب في لسانها أن تخبر عن ابن العم اللاصق والقريب والمقارب بأنه نفس ابن عمه، وأن الحميم نفس حميمه، ومن الشاهد على ذلك قول الله تعالى: {وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ} [الحجرات:11]، أراد تعالى: ولا تعيبوا إخوانكم المؤمنين، فأجرى الأخوة بالديانة مجرى الأخوة في القرابة، وإذا وقعت النفس عندهم على البعيد النسب كانت أخلق أن تقع على القريب النسب، وقال الشاعر: كأنا يوم قرى إنما نقتل إيانا، أراد كأنما نقتل إنفسنا بقتلنا إخواننا، فأجرى نفوس أقاربه مجرى نفسه لشوابك العصم ونوائط العصم ونوائط اللحم وأطيط الرحم، ولما يخلج من القربى القريبة ويتحرك من الأعراق الوشيجة، فأما قوله تعالى في سورة النور: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} فيمكن أن يجري هذا المجرى، لأنه جاء في التفسير: أن معنى ذلك فليسلم بعضكم على بعض لاستحالة أن يسلم الإنسان على نفسه، وإنما ساغ القول، لأن نفوس المؤمنين تجري مجرى النفس الواحدة، للاجتماع في عقد الديانة، والخطاب بلسان الشريعة، فإذا سلم الواحد منهم على أخيه كان كالمسلم على نفسه، لارتفاع الفروق واختلاط النفوس(1).
وبهذا يتضح أنه لا حجة لدى الشيعة في دعواهم أن في هذه الآية ما ينص على المساواة بين رسول الله وعلي رضي الله عنه وأرضاه، فلفظ (النفس) يُطلق في لغة العرب على البعيد النسب، فإطلاقه على القريب من باب أولى وليس في ذلك دلالة على الإمامة من قريب ولا بعيد(2).
__________
(1) ثم أبصرت الحقيقة، ص ص189.
(2) المصدر السابق، ص 190.(2/475)
ج- إن المباهلة إنما تحصل الرغبة والرهبة والشعور بصدق الداعي بجمعه نفسه وأهله الذين تحن إليهم النفوس بطبيعة الحال ما لا تحن إلى غيرهم من الأبعدين في الهلاك(1)، فكونه - صلى الله عليه وسلم - يدعو ألصق الناس به وأقربهم إليه دليل واضح على صحة نبوته، ولهذا لما رأى نصارى نجران ذلك خافوا على أنفسهم وتخلوا عن مباهلته ولكن الروافض المبتدعة لما ابتلوا بدفع الحق وعدم التسليم له أصيبوا بعدم فهم ما تدل عليه آيات الكتاب العزيز(2).
د- قول الشيعة الإمامية: إن الآية تدل على المساواة بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا النبوة، كلام لا يُسلم له أبدًا، إذ أن النبي لا يساويه أحد في أمور الدين لا علي ولا غيره، فأين مقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكماله البشري من سائر الناس؟.
إن أمير المؤمنين عليًا نفسه لا يرضى ما يقول الشيعة الإمامية عنه، والمنصف العاقل يدرك هذه القضية بكل وضوح(3)، فمقام النبوة له هيبته ومكانته عند أمير المؤمنين، وقد تحدثنا عنه في هذا الكتاب.
هـ- إن قضايا الاعتقاد الكبرى ومهمات الدين وأساسياته العظمى لابد لإثباتها من الأدلة القرآنية الصريحة القطعية الدلالة على المعنى المطلوب كدلالة قوله تعالى: {اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] على التوحيد، ودلالة {مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ} [الفتح:29] على نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ودلالة قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ} [النور:56] على فرضية الصلاة ومشروعيتها(4)... إلخ.
__________
(1) منهاج السنة (7/126،125).
(2) عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة (2/565،564)ز
(3) ثم أبصرت الحقيقة ص 191.
(4) آية التطهير وعلاقتها بعصمة الأئمة، عبد الهادي الحسيني، ص 5.(2/476)
3- قوله تعالى: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23] وقد أورد الشيعة الإمامية في تفسير هذه الآية حديثًا عزوه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حدد فيه القربى بعلي وفاطمة وأبنائهم، الأمر الذي يدل في رأي الشيعة على أفضليتهم ووجوب مودتهم، ومن ثم وجوب طاعتهم واتخاذهم أئمة دون غيرهم(1).
والإجابة على ما سبق كالآتي:
أ- إن هذه الآية في سورة الشورى وهي مكية باتفاق أهل السنة(2)، ومن المعلوم أن عليًا إنما تزوج فاطمة بعد غزوة بدر، والحسن ولد في السنة الثالثة للهجرة، والحسين في السنة الرابعة، فتكون هذه الآية قد نزلت قبل وجود الحسن والحسين بسنين متعددة، فكيف يفسر النبي - صلى الله عليه وسلم - بوجوب قرابة لا تعرف ولم تخلق بعد(3).
ب- إن تفسير الآية الذي في الصحيح يناقض ذلك، فقد روى البخاري بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنه أنه سئل عن قوله: {إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}، فقال سعيد ابن جبير: قربى آل محمد - صلى الله عليه وسلم -. فقال ابن عباس: عجلت، إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن بطن في قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة(4)، قال ابن تيمية –رحمه الله-: فهذا ابن عباس رضي الله عنه ترجمان القرآن، وأعلم أهل البيت بعد علي، يقول: ليس معناها مودة ذوي القربى، لكن معناها: لا أسألكم يا معشر العرب ويا معشر قريش عليه أجرًا، ولكن أسألكم أن تصلوا القرابة التي بيني وبينكم. فهو سأل الناس الذين أرسل إليهم أولاً أن يصلوا رحمه، فلا يعتدوا عليه حتى يبلغ رسالة ربه(5).
__________
(1) مجمع البيان للطبرسي (25/49-51)، مختصر التحفة الاثنى عشرية، ص 153-155.
(2) تفسير البغوي (4/119)، العقيدة في أهل البيت، ص 364.
(3) منهاج السنة (7/99)، دراسة عن الفرق وتاريخ المسلمين، جلي، ص 190.
(4) البخاري، ك التفسير، رقم (4818).
(5) منهاج السنة (7/100).(2/477)
ج- إن الحديث الذي جعلوه مفسرًا للآية كذب وموضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث وهم المرجوع إليهم في هذا، وقد نص على ذلك ابن تيمية(1)، وقد تتبع ابن كثير أيضًا الأحاديث الواردة في تفسير هذه الآية وبين أن الأحاديث التي تنص على أن أولى القربى هم فاطمة وولداها ضعيفة الإسناد، وأورد رواية عن ابن أبي حاتم قال: حدثنا رجل سماه حدثنا حسين الأشقر عن قيس عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت هذه الآية {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين أمر الله بمودتهم؟، قال: فاطمة وولداها رضي الله عنهم، وهذا إسناد ضعيف فيه متهم لا يعرف عن شيخ شيعي محترق وهو حسين الأشقر ولا يقبل خبره في هذا المحل، وذكر نزول الآية في المدينة بعيد فإنها مكية ولم يكن إذ ذاك لفاطمة رضي الله عنها أولاد بالكلية فإنها لم تتزوج بعلي إلا بعد بدر في السنة الثانية من الهجرة، والحق تفسير هذه الآية بما فسرها حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وقد تحدث ابن حجر عن ضعف الروايات المذكورة ومخالفتها للحديث الصحيح(2).
أدلتهم من السنة:
__________
(1) منهاج السنة (7/100).
(2) تفسير ابن كثير (4/112)، فتح الباري (8/564).(2/478)
1- خطبة غدير خُمّ: غدير خم هو موقع بين مكة والمدينة بالجحفة(1)، ويقع شرق رابغ بما يقرب من 26 ميلاً، ويسمونه اليوم الغربة(2)، ويذكر أنه في هذا الموقع خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - في الناس، وذكر فضل علي رضي الله عنه، واتخذ الروافض هذه الحادثة أساسًا يعتمدون عليه في تشيعهم الغالي له من جهة، واعتمدوا عليها في أحقية علي بالخلافة من جهة أخرى، فأعطوا لهذه الحادثة من الأهمية ما لم يعطوه لغيرها في عصر النبوة(3)، حتى ألف فيه كتاب من أحد عشر مجلدًا وهو كتاب الغدير ملأه مؤلفه بالأحاديث الموضوعة والضعيفة، والصحيح ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أنه قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فينا خطيبًا بماء يدعى خُمًا بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر ثم قال: «أما بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به»، فحث على كتاب الله ورغَّب فيه ثم قال: «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي» قال له حصين -أي الراوي عن زيد بن أرقم-: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: بلى، ولكن أهل بيته من حُرم الصدقة بعده. قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس، قال: كل هؤلاء حُرم الصدقة؟ قال: نعم(4).
__________
(1) معجم البلدان (2/289).
(2) على طريق الهجرة، عاتق البلاد، ص 61.
(3) أثر التشيع على الروايات التاريخية، عبد العزيز محمد نور ولي، ص 299.
(4) مسلم رقم (2408).(2/479)
وجاء عند غير مسلم كالترمذي(1)، وأحمد(2)، والنسائي في الخصائص(3)، والحاكم(4)، وغيرهم جاءت بأسانيد صحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من كنت مولاه فعلي مولاه»(5)، وأما الزيادات الأخرى كقوله: «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» فهذه الزيادات صححها بعض أهل العلم، والصحيح أنها لا تصح. وأما زيادة انصر من نصره واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، فهذه زيادة مكذوبة على النبي - صلى الله عليه وسلم -(6).
__________
(1) سنن الترمذي رقم (3713).
(2) مسند أحمد الموسوعة الحديثية رقم (670) صحيح لغيره.
(3) خصائص علي رقم (79)، صحيح رجاله ثقات.
(4) المستدرك (3/110).
(5) حقبة من التاريخ، ص 182.
(6) انظر: السلسلة الصحيحة للألباني (1750).(2/480)
وخطبة النبي - صلى الله عليه وسلم -: في غدير خم لها سبب وجيه، فعن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - عليًا إلى خالد بن الوليد في اليمن ليخمس الغنائم ويقبض الخمس فلما خمّس الغنائم كانت في الغنائم وصيفة هي أفضل ما في السبي، فصارت في الخُمس، ثم إن عليًا خرج ورأسه مغطى وقد اغتسل، فسألوه عن ذلك، فأخبرهم أن الوصيفة التي كانت في السبي صارت له فتسرَّى بها، فكره البعض ذلك منه، وقدم بريدة بن الحصيب بكتاب خالد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان ممن يبغض عليًا، فصدَّق على كتاب خالد الذي تضمن ما فعله علي، فسأله النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك»(1)، فلما كانت حجة الوداع رجع علي من اليمن ليدرك الحج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وساق معه الهدي(2)، وقد تعجل علي ليلقى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بمكة واستخلف رجلاً من أصحابه على الجند، فكسا ذلك الرجل الجند حللاً من البز(3)، الذي كان مع علي، فلما دنا الجيش من مكة خرج علي ليلقاهم، فإذا عليهم الحُلل، فقال لنائبه: ويلك ما هذا؟ قال: كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس، قال: ويلك، انزع قبل أن تنتهي به إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فانتزع الحلل وردها إلى البزّ، فأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم علي(4)، فلما اشتكى الناس عليًا قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس خطيبًا، قال ابن كثير: إن عليًا رضي الله عنه لما كثر فيه القيل والقال من ذلك الجيش بسبب منعه إياهم استعمال إبل الصدقة واسترجاعه منهم الحلل التي أطلقها لهم نائبه لذلك، والله أعلم، لما رجع الرسول - صلى الله عليه وسلم - من حجته
__________
(1) مجمع الزوائد (9/127)، قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير عبد الجليل بن عطية، وهو ثقة صرح بالسماع وفيه لين.
(2) مسلم رقم 1281.
(3) البزّ: الثياب، أو متاع البيت من الثياب.
(4) البداية والنهاية (5/95)، السيرة النبوية لابن هشام (4/259) قال ابن كثير: هذا السياق أقرب من سياق البيهقي (دلائل النبوة 5/398) رغم أنه قال عن رواية البيهقي: هذا إسناد جيد على شرط النسائي.(2/481)
وتفرغ من مناسكه وفي طريقه إلى المدينة مر بغدير خم فقام في الناس خطيبًا فبرأ ساحة علي ورفع من قدره ونبه على فضله ليزيل ما وقر في قلوب كثير من الناس(1).
إن النبي أخّر الكلام إلى أن رجع إلى المدينة ولم يتكلم وهو في مكة في حجة الوداع في يوم عرفة، وإنما أجل الأمر إلى أن رجع، فهذا يدل على أن الأمر خاص بأهل المدينة لأن الذين تكلموا في علي رضي الله عنه من أهل المدينة فهم الذين كانوا مع علي في الغزو، وغدير خم في الجحفة وهي تبعد عن مكة تقريبًا مائتين وخمسين كيلو مترًا، والذي يقول إنه مفترق الحجيج فهذا غير صحيح، لأن مجتمع الحجيج مكة، فلا يكون مفترق الحجيج بعيدًا عن مكة أكثر من مائتين وخمسين كيلو مترًا أبدًا، فإن أهل مكة يبقون في مكة، وأهل الطائف يرجعون إلى الطائف، وأهل اليمن إلى اليمن، وأهل العراق إلى العراق، وهكذا كل من أنهى حجه، فإنه يرجع إلى بلده، وكذلك القبائل العربية ترجع إلى مضاربها، فلم يكن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أهل المدينة ومن كان على طريق المدينة فقط، وهم الذين خطب فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، والاختلاف بين أهل السنة والشيعة الروافض في مفهوم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا في الثبوت، فالروافض يقولون: «من كنت مولاه فعلي مولاه»، أي من كنت واليه فعلي واليه. وأهل السُّنَّة يقولون: إن مفهوم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «من كنت مولاه فعلي مولاه» أي الموالاة التي هي النصرة والمحبة وعكسها المعاداة، وذلك لأمور:
أ- للزيادة التي وردت وصححها بعض أهل العلم وهي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه»(2)، والمعاداة هي شرح لقوله: فعلي مولاه، فهي في محبة الناس لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه.
__________
(1) البداية والنهاية (5/95).
(2) السلسلة الصحيحة للألباني رقم (1750).(2/482)
ب- كلمة مولاه تدل على معان متعددة، قال ابن الأثير: المولى يقع على الرب والمالك والمنعم والناصر والمحب والحليف والعبد والمعتق وابن العم والصهر(1)، كل هذا تطلقه العرب على كلمة مولى.
ج- الحديث ليس فيه دلالة على الإمامة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لو أراد الخلافة لم يأت بكلمة تحتمل هذه المعاني التي ذكرها ابن الأثير، والنبي - صلى الله عليه وسلم - هو أفصح العرب ولكان يقول: علي خليفتي من بعدي، أو علي الإمام من بعدي، أو إذا أنا مت فاستمعوا وأطيعوا لعلي بن أبي طالب، ولكن لم يأت النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الكلمة الفاصلة التي تنهي الخلاف إن وجد أبدًا، وإنما قال: من كنت مولاه فعلي مولاه(2).
د- قال الله تعالى: {مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الحديد:15]، فسماها مولى لشدة الملاصقة والاتحاد مع الكفار والعياذ بالله.
هـ- الموالاة وصف ثابت لعلي في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعد وفاته وبعد وفاة علي رضي الله عنه، فعلي كان مولى المؤمنين بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مولى المؤمنين بعد وفاته رضي الله عنه، فهو الآن مولانا كما قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة:55]، وعلي رضي الله عنه من سادة الذين آمنوا.
و- قال الإمام الشافعي رحمه الله عن حديث زيد: يعني بذلك ولاء الإسلام كما قال الله: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ} [محمد:11] (3)، فالحديث لا يدل على أن عليًا رضي الله عنه هو الخليفة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما يدل على أن عليًا من أولياء الله تبارك وتعالى، تجب له الموالاة، وهي المحبة والنصرة والتأييد(4).
__________
(1) النهاية في غريب الحديث (5/228).
(2) حقبة من التاريخ، ص 185.
(3) النهاية في غريب الحديث (5/228).
(4) حقبة من التاريخ، ص 187.(2/483)
وعمومًا فإن هذه الخطبة التي خطبها النبي - صلى الله عليه وسلم - في غدير خم أراد بها تبرئة ساحة علي رضي الله عنه ورفع مكانته والتنبيه على فضله؛ ليزيل ما كان وقر في نفوس الناس من أصحابه الذين كانوا معه في اليمن وأخذوا عليه بعض الأمور، والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يرد أن يفعل ذلك أثناء موسم الحج لأن الحادثة رغم انتشارها بقيت محدودة في أهل المدينة، كما أنه لم يؤخره حتى وصوله إلى المدينة حتى لا يمكن المنافقين من استغلال مثل هذه الحادثة في مكايدهم(1)، ومما يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد من خطبته هذه بيان فضل علي للذين لم يعرفوا فضله، أنه عندما قام عنده بريدة بن الحصيب ينتقص في علي –وكان قد رأى من علي جفوة- تغير وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: «يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟» فقال بريدة: بلى يا رسول الله. قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه»(2).
__________
(1) أضواء على دراسة السيرة النبوية، صالح الشامي، ص 114،113. أثر التشيع على الروايات التاريخية، ص 304.
(2) السلسلة الصحيحة (4/336) قال الألباني: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.(2/484)
وهناك بحث قيم في هذا الموضوع قام به الدكتور محمد علي السالوس، فتحدث عن خطبة الغدير والوصية بالكتاب والسنة، وقام بدراسة لروايات التمسك بالكتاب والعترة وناقشها وحكم عليها ثم قال: مما سبق نرى أن حديث الثقلين من الأحاديث التي صح سندها وصح متنها، وأن الروايات الثماني التي تأمر بالتمسك بالعترة إلى جانب الكتاب الكريم لم تخل واحدة منها من ضعف في السند(1)، وفي متن هذه الروايات نجد الإخبار بأن الكتاب وأهل البيت لن يفترقا حتى يردا الحوض على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن أجل هذا وجب التمسك بهما، ولكن الواقع يخالف هذه الأخبار، فمن المتشيعين لأهل البيت من ضل وأضل، وأكثر الفرق التي كادت للإسلام وأهله وجدت من التشيع لآل البيت ستارًا يحميها، ووجدت من المنتسبين لآل البيت من يشجعها لمصالح دنيوية، كأخذ خُمس ما يغنمه الأتباع.
إن عدم الضلال يأتي من التمسك بالكتاب والسنة، وإذا تمسك أهل البيت بهما كان لهم فضل الانتساب مع فضل التمسك، واستحقوا أن يكونوا أئمة هدى نقتدي بهم كما قال تعالى: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:74] أي: أئمة نقتدي بمن قبلنا، ويقتدي بنا من بعدنا، ولا يختص هذا بأهل البيت ولكن بكل من يعتصم بالكتاب والسنة، فالروايات التي ضعف سندها لا يستقيم متنها كذلك، وهذا ضعف آخر. ومع هذا كله فلو صحت هذه الروايات فإنها لا تدل من قريب ولا بعيد على وجوب إمامة الأئمة الاثنى عشر وأحقيتهم بالخلافة(2).
__________
(1) ومع هذا الضعف جاء في كتاب المراجعات للموسوي بأنها متواترة ص 51، ونسب للشيخ سليم البشري أنه تلقى هذا القول بالقبول، ص 45، وأنه طلب المزيد وذكر صاحب المراجعات روايات أخرى أشد ضعفًا، مع الشيعة الاثنى عشرية (1/136).
(2) مع الشيعة الاثنى عشرية (1/136).(2/485)
قال العلامة المناوي في فقه روايات الحديث: إن ائتمرتم بأوامر كتابه، وانتهيتم بنواهيه، واهتديتم بهدى عترتي، واقتديتم بسيرتهم، اهتديتم فلم تضلوا(1).
وقال ابن تيمية بعد أن بين أن الحديث ضعيف لا يصح: وقد أجاب عنه طائفة بما يدل على أن أهل بيته كلهم لا يجتمعون على ضلالة. قالوا: ونحن نقول بذلك كما ذكر ذلك القاضي أبو يعلي وغيره، وقال أيضًا: إجماع الأمة حجة بالكتاب والسُنَّة والإجماع، والعترة بعض الأمة، فليزم من ثبوت إجماع الأمة إجماع العترة(2).
إن حديث الثقلين، في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا، كتاب الله(3) وعترتي»، فيه كلام من حيث صحته وثبوته عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. والثابت عند مسلم أن الأمر كان بالتمسك بكتاب الله، والوصية بأهل البيت كما مر من حديث زيد بن أرقم في مسلم، فأوصى بكتاب الله، وحث على التمسك به، ثم قال: «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي»، فالذي أمر بالتمسك به كتاب الله، وأما أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمر برعايتهم وإعطائهم حقوقهم التي أعطاهم الله تبارك وتعالى إياها(4) والرد على فهم الشيعة الروافض المنحرف لحديث الثقلين من وجوه:
__________
(1) فيض القدير (3/14).
(2) منهاج السنة النبوية (4/105).
(3) سنن الترمذي، كتاب المناقب رقم (3786) وفي زيد الأنماطي، والحديث له أكثر من طريق لا يخلو طريق منها من كلام مع اختلاف المتون.
(4) ، (4)، (5) حقبة من التاريخ، ص 203.(2/486)
أ- إن عترة الرجل هم أهل بيته، وعترة النبي - صلى الله عليه وسلم - هم كل من حرمت عليه الزكاة وهم بنو هاشم، هؤلاء هم عترة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فالروافض ليس لهم أسانيد إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهم يقرون بهذا أنهم ليس عندهم أسانيد في نقل كتبهم ومروياتهم، وإنما هي كتب وجدوها وقالوا: رووها فإنها حق(1)، أما أسانيدهم كما يقول الحر العاملي وغيره من أئمة الشيعة الروافض: إنه ليس عند الشيعة أسانيد أصلاً ولا يعولون على الأسانيد(2)، فأين لهم ما يروونه في كتبهم ثابتًا عن عترة النبي - صلى الله عليه وسلم -؟، بل أهل السنة هم أتباع عترة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأعطوهم حقهم، ولم يزيدوا ولم ينقصوا، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حق نفسه: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، ولكن قولوا عبد الله ورسوله»(3).
ب- إمام العترة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبعده يأتي في العلم عبد الله بن عباس الذي هو حبر الأمة، وكان يقول بإمامة أبي بكر وعمر قبل علي رضي الله عنه، بل إن علي بن أبي طالب قد ثبت عنه بالتواتر أنه قال: أفضل الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر وعمر(4)، فعلي يقر بفضل الشيخين وهو إمام العترة(5).
ج- هذا الحديث مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدًا، كتاب الله وسنتي»(6). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ»(7)، فأمر بالعض عليها بالنواجذ، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «اقتدوا باللذين من بعدي، أبي بكر وعمر»(8)، وقال: «اهتدوا بهدي عمار وتمسكوا بعهد ابن مسعود»(9)، ولم يدل على الإمامة أبدًا، وإنما دل على أن أولئك على هدى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، كما أن عترة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا تجتمع على ضلالة أبدًا(10).
__________
(3) البخاري رقم (3445).
(4) البخاري رقم (3671).
(5) حقبة من التاريخ، ص 204.
(6) مستدرك الحاكم (1/93).
(7) سُنن أبي داود (4/201) الترمذي حسن صحيح.
(8) صحيح سنن الترمذي للألباني (3/200).
(9) سُنن الترمذي رقم (3805).
(10) حقبة من التاريخ، ص 205.(2/487)
د- إن الشيعة الروافض يطعنون في العباس(1)، ويطعنون في عبد الله ابنه، ويطعنون في أولاد الحسن، وقالوا: إنهم يحسدون أولاد الحسين، ويطعنون كذلك في أبناء الحسين نفسه من غير الأئمة الذين يدعونهم كزيد بن علي(2)، وكذلك إبراهيم أخي الحسن العسكري(3)، وغيرهم فهم ليسوا بأولياء النبي - صلى الله عليه وسلم - وعترته بل أولياء النبي وعترته هم الذين مدحوهم وأثنوا عليهم وأعطوهم حقهم ولم ينقصوهم(4).
هـ- فهم صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للنص: فهم الصحابة رضي الله عنهم أن المراد بالمولى أو الولي هو الحب والولاء والطاعة، ولذلك عبَّروا عن طاعتهم وإجلالهم لسيد أهل البيت علي بن أبي طالب بمناداته يا مولانا، فعن رياح الحارث قال: جاء رهط إلى علي بالرحبة فقالوا: السلام عليك يا مولانا، فقال: كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول يوم غدير خم: «من كنت مولاه فهذا مولاه» قال رياح: فلما مضوا اتبعتهم فسألت من هؤلاء؟، قالوا: نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري(5).
إن أهم ما يستفاد من هذا الحديث هو أن علي بن أبي طالب نفسه لم يكن يفهم من لفظ (مولى) معنى الإمامة والإمارة، فمن الملاحظ أن أمير المؤمنين عليًا رضي الله عنه قد استنكر منهم مناداته بـ(يا مولانا)، ولو كان أمير المؤمنين على العربي الفصيح يراها مرادفة يا أميرنا، أويا إمامنا، فما استنكر على القائلين تلك المناداة(6).
__________
(1) رجال الكشي، ص 52 نقلاً عن حقبة من التاريخ ص 205.
(2) بحار الأنوار (46/194)، اتهموه أنه كان يشرب الخمر، حقبة من التاريخ، ص 205.
(3) الكافي (1/504) اتهموه بأنه فاجر ماجن شريب للخمور، حقبة من التاريخ، ص 205.
(4) حقبة من التاريخ، ص 205.
(5) فضائل الصحابة (2/702) حديث رقم 967.
(6) ثم أبصرت الحقيقة، ص 200.(2/488)
و- روت كتب الشيعة الاثنى عشرية أقوالاً لبعض أهل البيت ينفون فيها أن يكون المراد بحديث الغدير النص على إمامة علي من بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد قيل للإمام الحسين ابن علي الذي كان كبير الطالبيين في عهده وكان وصي أبيه وولي صدقة جده: ألم يقل رسول الله: «من كنت مولاه فعلي مولاه»؟ فقال: بلى ولكن –والله- لم يعن رسول الله بذلك الإمامة والسلطان، ولو أراد لأفصح لهم به. وكان ابنه الإمام عبد الله يقول: ليس لنا في هذا الأمر ما ليس لغيرنا، وليس في أحد من أهل البيت إمام مفترض الطاعة من الله، وكان ينفي أن تكون إمامة أمير المؤمنين من الله(1)، فإذا كان هذا كلام أهل البيت وهم أبناء علي والناصرون له، فما ترى غيرهم يقولون(2)؟.
2- حديث استخلاف عليّ رضي الله عنه على المدينة في تبوك: كان في رجب سنة تسع من الهجرة غزوة تبوك، وكانت لها أهمية كبيرة في السيرة النبوية، وتحققت منها غايات كانت بعيدة الأثر في نفوس المسلمين والعرب، ومجرى الحوادث في تاريخ الإسلام(3)، واستعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المدينة عليًا، فوجد المنافقون فرصة للتنفيس عما بداخلهم من حقد ونفاق، فأخذوا يتكلمون في علي رضي الله عنه بما يسئ إليه، فمن ذلك قولهم: ما تركه إلا لثقله عليه. وهذا القول منهم في حقه، علامة بارزة واضحة على نفاقهم، ففي الحديث الصحيح أن عليًا رضي الله عنه قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إنه لعهد النبي الأمي - صلى الله عليه وسلم - «أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق»(4).
__________
(1) ثم أبصرت الحقيقة، ص 201، كذلك الرواية في كتب أهل السنة، الاعتقاد للبيهقي ص 183،182، ومن كتب الشيعة، بصائر المؤمنين للصفار، ص 153-156.
(2) ثم أبصرت الحقيقة، ص201.
(3) المرتضى للندوي، ص 55.
(4) مسلم.(2/489)
عند ذلك أدرك علي الجيش وأراد الغزو معهم قائلاً: يا رسول الله أتخلفني في الصبيان والنساء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا ترضى أن تكون بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي»(1).
وليس في هذا الحديث ما يستدل به الشيعة على كون أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه خليفة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والرد عليهم من وجوه:
أ- الحديث المذكور له سبب مهم لا ينبغي أن يغفل وأن يفهم الحديث دونه، قد طعن المنافقون في علي رضي الله عنه، فبين رسول الله مكانته وفضله، وكذب المنافقين.
ب- من الثابت أن هارون عليه السلام كانت وفاته قبل موسى عليه السلام والاستدلال بالحديث على إمامة علي بعد رسول الله بالتالي غير منطبق، ولو أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النص على علي بن أبي طالب رضي الله عنه لقال له مثلاً: أنت مني بمنزلة يوشع من موسى، لأن نبي الله يوشع استخلف على بني إسرائيل بعد وفاة موسى عليه السلام، لكن ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهارون عليه السلام الذي كان خليفة موسى عليه السلام في حياة موسى لابعد وفاته، ليس له إلا معنى واحد هو الترضية لعلي الذي أحزنه إبقاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - له في المدينة مستخلفًا على الضعفاء والنساء والأطفال والمتخلفين عن الغزوة، فبين له النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كما استخلف موسى عليه السلام أخاه هارون عليه السلام على قومه وذهب للطور للقاء ربه تبارك وتعالى فاستخلافي لك من هذا الباب، فموسى لم يستخلف هارون –عليه السلام- استخفافًا به وتنقيصًا له وإنما ائتمانًا وثقة به، وكذلك الحال معك يا علي بن أبي طالب رضي الله عنك.
ج- هارون عليه السلام لم يكن وصيًا لموسى عليه السلام بل كان نبيًا ووزيرًا بنص القرآن، وقياس حال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه الذي هو عند الشيعة وصي وليس بنبي قياسًا مع الفارق علمًا بأنهم يرفضون القياس أصلاً.
__________
(1) البخاري رقم (2404).(2/490)
د- الاستدلال بكون هارون عليه السلام وزيرًا لموسى عليه السلام على وزارة أمير المؤمنين علي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعجب من الأولى، ذلك لأن الله تعالى الذي جعل هارون عليه السلام وزيرًا لنبيه موسى عليه السلام قال في محكم كتابه عن طلب موسى عليه السلام: {وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي - هَارُونَ أَخِي - اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي - وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه:29-32]، فهل يرى من يدَّعي التطابق بين الاثنين كون علي رضي الله عنه مشاركًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نبوته كما هو الحال في مشاركة هارون لموسى عليه السلام في أمره؟!، من يعتقد ذلك فلا شك في كفره وخروجه من ملة الإسلام(1).
هـ- لقد استخلف النبي - صلى الله عليه وسلم - على المدينة غير علي بن أبي طالب، ففي غزوة بدر استخلف عبد الله بن أمِّ مكتوم، واستخلف في غزوة سليم، سباع بن عُرطفة الغفاري أو ابن أم مكتوم على اختلاف في ذلك، واستخلف في غزوة السويق، بشير بن عبد المنذر، واستعمل على المدينة في غزوة بني المصطلق، أبا ذر الغفاري، وفي غزوة الحديبية، نُميلة بن عبد الله الليثي، كما استعمله أيضًا في غزوة خيبر، وفي عمرة القضاء استعمل عويف بن الأضبط الديلي، وفي فتح مكة، كلثوم بن حصين بن عتبة الغفاري، وفي حجة الوداع، أبا دجانة الساعدي، ذكر هذا ابن هشام في مواقف متفرقة من السير(2)، إضافة إلى أن استخلاف عليّ على المدينة لم يكن الأخير فقد استخلف النبي - صلى الله عليه وسلم - على المدينة في حجة الوداع غير علي، وهذا منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - في تربية القادة كما حدث عندما أمر أبا بكر على الحج، واختصه أيضًا بإمامة الصلاة وحده(3).
__________
(1) ثم أبصرت الحقيقة، ص 215.
(2) السيرة النبوية لابن هشام (2/806،804،650).
(3) ثم أبصرت الحقيقة، ص 215.(2/491)
و- وأما تشبيه النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي بهارون فهذه فضيلة، كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شبه أبا بكر وعمر بأعظم من هارون ففي غزوة بدر، لما كانت قضية الأسرى واستشار النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر، فرأى أن يعفو عنهم وأن يفادوهم قومهم، ورأى عمر أن يقتلهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر: «إن مثلك كمثل إبراهيم يوم قال: {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [إبراهيم:36] ومثلك كمثل عيسى إذ قال: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118]، ثم التفت إلى عمر فقال: يا عمر إن مثلك مثل نوح لما قال: {رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح:26]، ومثلك كمثل موسى لما قال: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ}(1) [يونس:88]».
فشبه أبا بكر بإبراهيم وعيسى، وشبه عمر بنوح وموسى، وأولئك من أولي العزم وهم خير البشر بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهم أفضل من هارون بدرجات صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وتشبيه النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي بهارون تكريم له، كما كرَّم النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر وعمر عندما شبههم بإبراهيم وعيسى وموسى ونوح(2) عليهم السلام.
ز- من أقوال العلماء في شرح الحديث:
__________
(1) مسند أحمد (1/383) إسناده صحيح.
(2) حقبة من التاريخ، ص 200.(2/492)
قال النووي رحمه الله: وهذا الحديث لا حُجة فيه لأحد منهم، بل فيه إثبات فضيلة لعلي ولا تعرض فيه لكونه أفضل من غيره أو مثله، وليس فيه دلالة لاستخلافه بعده، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قال هذا لعلي حين استخلفه في المدينة في غزوة تبوك. ويؤيد هذا أن هارون المشبه به لم يكن خليفة بعد موسى، بل توفي في حياة موسى، وقبل وفاة موسى بنحو أربعين سنة على ما هو مشهور عند أهل الأخبار والقصص، قالوا وإنما استخلفه حين ذهب لميقات ربه للمناجاة(1).
وقال ابن حزم رحمه الله بعد ذكر احتجاج الرافضة بالحديث: وهذا لا يوجب له فضلاً على من سواه ولا استحقاق الإمامة بعده: لأن هارون لم يلِ أمر بني إسرائيل بعد موسى عليهما السلام، وإنما ولي الأمر بعد موسى عليه السلام يوشع بن نون فتى موسى وصاحبه الذي سافر معه في طلب الخضر عليهما السلام، كما ولى الأمر بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاحبه في الغار الذي سافر معه إلى المدينة، وإذا لم يكن علي نبيًا كما كان هارون نبيًا، ولا كان هارون خليفة بعد موت موسى على بني إسرائيل فصح أن كونه رضي الله عنه من رسول الله بمنزلة هارون من موسى إنما هو في القرابة فقط، وأيضًا فإنما قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا القول إذ استخلفه على المدينة في غزوة تبوك، ثم إنه قد استخلف - صلى الله عليه وسلم - قبل تبوك وبعد تبوك في أسفاره رجالاً سوى علي رضي الله عنه فصح أن هذا الاستخلاف لا يوجب لعلي فضلاً على غيره، ولا ولاية الأمر بعده، كما لم يوجب ذلك لغيره من المستخلفين(2).
وقال ابن حجر رحمه الله: واستدل بحديث الباب على استحقاق علي للخلافة دون غيره من الصحابة، فإن هارون كان خليفة موسى وأجيب بأن هارون لم يكن خليفة موسى إلا في حياته لا بعد موته لأنه مات قبل موسى باتفاق.. أشار إلى ذلك الخطابي(3).
__________
(1) شرح صحيح مسلم (13/174).
(2) الفصل (4/160،159).
(3) فتح الباري (7/74)، الانتصار للصحب والآل، ص 540.(2/493)
وقال ابن تيمية رحمه الله في سياق رده على الشيعة الرافضة في استدلالهم بهذا الحديث: وقول القائل هذا بمنزلة هذا، وهذا مثل هذا، هو كتشبيه الشيء بالشيء يكون بحسب ما دل عليه السياق، لا يقتضي المساواة –المطلقة- في كل شيء، وكذلك هنا بمنزلة هارون، وهذا الاستخلاف لا يسمى من خصائص علي، بل ولا هو مثل استخلافاته فضلاً أن يكون أفضل منها، وقد استخلف من هو على أفضل منه في كثير من الغزوات، ولم تكن تلك الاستخلافات توجب تقديم المُستخلف على عليّ إذا قعد معه، فكيف يكون موجبًا لتفضيله على عليّ؟ قد استخلف على المدينة غير واحد، وأولئك المستخلفون منه بمنزلة هارون من موسى من جنس استخلاف علي بل كان ذلك الاستخلاف يكون على أكثر وأفضل ممن استخلف عليه عام تبوك وكانت الحاجة إلى الاستخلاف أكثر، فإنه كان يخاف من الأعداء على المدينة، فأما عام تبوك فإنه كان قد أسلمت العرب بالحجاز، وفتحت مكة وظهر الإسلام وعز، ولهذا أمر الله نبيه أن يغزو، ولهذا لم يَدَع النبي - صلى الله عليه وسلم - عند علي أحدًا من المقاتلة، كما كان يدع النبي - صلى الله عليه وسلم - بها في سائر الغزوات بل أخذ المقاتلة(1) كلهم.
__________
(1) منهاج السنة (7/330-332)، مجموع الفتاوى (4/416).(2/494)
ج- الحكمة في عدم تخصيص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بعده أحدًا ليتولى أمر الأمة: إن الحكمة في عدم تخصيص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بعده أحدًا يتولى أمر الأمة تتضح في إدراكنا لحقيقة الإسلام كدين رباني للبشرية، وأنه لو حدد الرسول - صلى الله عليه وسلم - رجلاً من بعده، فإنه يكون قد أعطى المسوغ الشرعي ليدعي المدعون –وقد فعلوا بدون برهان- بأن قيادة الأمة من حق أسرة بعينها، ويصبح الحكم الوراثي هو الحكم السائد في الإسلام، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد –وهو لا ينطق عن الهوى {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}- أن يترك هذا الأمر مطلقًا للمسلمين أن يختاروا أصلحهم وخيرهم، وإن كان لمح بعض التلميحات إلى أبي بكر وكان بمقدوره عليه السلام أن يصرح، ولكنه لم يفعل لهذا القصد، إلا أن التلميح لا يعطي شرعية التولية المباشرة، ولو كانت هناك وصية لأحد من الخلق لما حصل اختلاف في سقيفة بني ساعدة في بداية الأمر، ولما استشار أبو بكر الناس في تولية عمر رضي الله عنه، ولما ترك عمر الخلافة بيد ستة من المهاجرين.. إلخ، ولو كانت المسألة وراثة لكان بنو هاشم أول من ينالون هذا الأمر(1).
إن هذا الدين للبشرية، ولا يصح بأي حال من الأحوال أن يكون محصورًا في أسرة حاكمة واحدة، ويظل متوارثًا، كالمتاع، وإذا كانت العصور التالية فعلت ذلك، كعصر بني أمية، وبني العباس وغيرهم، فإن هذا خلاف القاعدة الشرعية، وما كان خلاف القاعدة فهو طارئ وغريب على دين الله، وينبغي أن ينحى هذا المفهوم القاصر كلية من الفكر الإسلامي حتى يصبح ناصعًا نقيًا(2).
بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي يستدلون بها في الإمامة:
__________
(1) ، (3) دراسات في عهد النبوة للشجاع، ص 270.(2/495)
1- حديث الطائر: ومن أهم أدلةالشيعة الإمامية كذلك: حديث الطائر المشوي، روى الحاكم في المستدرك عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت أخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقدم لرسول الله فرخ مشوي فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، قال: فقلت: اللهم اجعله رجلاً من الأنصار، فجاء علي رضي الله عنه فقلت: إن رسول الله على حاجة، ثم جاء فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: افتح، فدخل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما حبسك يا علي؟، فقال: إن هذه آخر ثلاث كرات يَرُدُّني أنس، يزعم أنك على حاجة، فقال: ما حملك على ما صنعت؟، فقلت: يا رسول الله، سمعت دعاءك، فأحببت أن يكون رجلاً من قومي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الرجل قد يحب قومه(1). روى هذا الحديث بأسانيد لا تخلو من ضعف، بالإضافة إلى أن كثرة الروايات المسندة إلى أنس بن مالك رضي الله عنه وعدم صحة سند واحد منها أمر يدعو للعجب والدهشة، فأين أصحاب أنس من هذا الحديث وقد صحبوه السنين الطوال؟ لم نر أي واحد منهم قد روى هذا الحديث، وهم من هم في الثقة والضبط، كأمثال الحسن البصري، وثابت البناني، وحميد الطويل، وحبيب بن أبي ثابت، وبكر بن عبد الله المزني، وأسعد بن سهل بن حنيف، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وأبان بن صالح، وإبراهيم بن ميسرة، وغيرهم كثير ممن يروي عن أنس ولا يُعرف، قال ابن كثير: ثم وقفت على مجلد كبير في رده وتضعيفه –أي حديث الطير- سندًا ومتنًا للقاضي أبي بكر الباقلاني(2)، وقال ابن الجوزي: قد ذكره ابن مردويه من نحو عشرين طريقًا كلها مظلم، وفيها مطعن، فلم أر الإطالة بذلك(3)، وقال ابن تيمية: حديث الطائر من المكذوبات والموضوعات عند أهل العلم والمعرفة بحقائق النقل(4)، وقال الزيلعي: كم من حديث كثرت رواته وتعددت طرقه، وهو حديث ضعيف(5)
__________
(1) المستدرك (3/131،130) ضعيف من حيث السند والمتن.
(2) البداية والنهاية (4/354).
(3) العلل المتناهية (1/225 ، 234).
(4) منهاج السنة (4/99).
(5) تحفة الأحوذي (10/24).(2/496)
.
2- حديث الدار: ومن الأحاديث التي يستدل بها الشيعة الاثنى عشرية على نصية الإمامة حديث الدار، حيث يرى الشيعة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نص على إمامة علي منذ بداية البعثة، وأثناء عرضه الإسلام على كفار مكة، ومنذ مطالبته إياهم بترك الأوثان وإفراد الواحد القهار بالعبادة، لما نزلت هذه الآية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ} [الشعراء:214] دعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا علي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتك الأقربين فضقت بذلك ذرعًا وعرفت أني متى أبادئهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمت علي حتى جاء جبرائيل، فقال: يا محمد إنك إلا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك، فاصنع لنا صاعًا من الطعام واجعل عليه رجل شاة، واملأ لنا عسًا من لبن، ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغهم ما أمرت به، ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب، فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به فلما وضعته تناول رسول الله خدية من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة، ثم قال: خذوا باسم الله، فأكل القوم حتى ما لهم بشيء حاجة، وما أرى إلا موضع أيديهم وايم الله الذي نفسي بيده، وإن كان الرجل الواحد منهم يأكل ما قدمت لجميعهم، ثم قال: اسق القوم، فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا منه جميعًا، وايم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله، فلما أراد رسول الله أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال: لقد سحركم صاحبكم، فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله، فقال: الغد يا علي، إن هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول فتفرق القوم قبل أن أكلمهم فعد لنا من الطعام بمثل ما صنعت، ثم اجمعهم إليّ. فقال: ففعلت، ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقربته لهم ففعل كما فعل بالأمس فأكلوا حتى ما لهم بشيء حاجة، ثم قال: أسقهم فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا(2/497)
منه جميعًا، ثم تكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا بني عبد المطلب، إني والله ما أعلم شابًا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصي وخليفتي فيكم. قال: فأحجم القوم عنها جميعًا وقلت –وإني لأحدثهم سنًا وأرمصهم عينًا وأعظمهم بطنًا وأحمشهم ساقًا(1) -: أنا يا رسول الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي، ثم قال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع، وفي سياق آخر.. فلم يجبه أحد منهم فقام علي وقال: أنا يا رسول الله قال: أجلس ثم أعاد القول على القوم ثانيًا، فصمتوا، فقام علي وقال: أنا يا رسول الله، قال: أجلس ثم أعاد القول على القوم ثالثًا فلم يجبه أحد منهم، فقام علي فقال: أنا يا رسول الله، فقال: اجلس أنت أخي(2).
وهذا الحديث باطل سندًا ومتنًا:
__________
(1) مع أن عمره آنذاك ما يقارب عشر سنوات.
(2) المراجعات المراجعة (1/350) من كتاب الحجج الدامغات لنقض كتاب المراجعات، أبو مريم بن محمد الأعظمي.(2/498)
أما سندًا: ففي سنده عبد الغفار بن القاسم وعبد الله بن عبد القدوس، فأما عبد الغفار ابن القاسم فهو متروك لا يُحتج به، قال عنه علي بن المديني: كان يضع الحديث، وقال يحيى ابن معين(1): ليس بشيء. وروى عباس بن يحيى: ليس بشيء. وقال البخاري: ليس بالقوي عندهم –أي عند علماء الجرح والتعديل- وقال عنه ابن حبان: يقلب الأخبار ولا يجوز الاحتجاج به، تركه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، وقال النسائي: متروك الحديث(2)، وليس عبد الله بن عبد القدوس بأحسن حالاً من سابقه، بل هو مجروح أيضًا عند عامة علماء الحديث، قال النسائي: ليس بثقة، وقال الدارقطني: ضعيف(3).
وأما من ناحية المتن فالحديث واضح البطلان لأسباب وهي:
أ- هذه الرواية معارضة لرواية أخرى اتفق أهل الحديث على صحتها وثبوتها، فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما نزلت {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ} [الشعراء:214]، صعد النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصفا، فجعل ينادي: «يا بني فهر، يا بني عدي»، لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش فقال: «أرأيتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيّ»، قالوا: نعم ما جربنا عليك إلا صدقًا، قال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد»، فقال أبو لهب: تبًا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا، فنزلت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ - مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}(4) [المسد:2،1].
__________
(1) المجروحين لابن حبان، ص 13.
(2) الضعفاء والمتروكين للنسائي، ص 210.
(3) ميزان الاعتدال (2/457).
(4) البخاري رقم (4492).(2/499)
ب- الشيعة الاثنى عشرية طالما ادعوا النص الصريح على خلافة علي وأنه هو الوصي والمستحق الوحيد لهذا المنصب، وأن النصوص متضافرة في إثبات ذلك، وهذا الحديث يدحض قولهم، إذ فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا قومه لنصرته وأن من يقبل نصرته فسيصبح أخاه ووصيه وخليفته من بعده، ولم يخص عليًا بذلك بل وأعرض عنه ثلاث مرات، ولما لم يجد ناصرًا غير علي قال له ما قال، وهذا يدل على أن عليًا لا يستحق هذا المنصب ابتداء وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - اضطر مع إحجام قومه أن يجعل هذا الأمر في علي، فهل هذا يتوافق مع ما يدعيه القوم من أن عليًا منصوص عليه من قبل السماء(1).
__________
(1) ثم أبصرت الحقيقة، ص 224.(2/500)
3- حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها وأحاديث أخرى موضوعة: والأحاديث الموضوعة في هذا الباب كثيرة جدًا، ومن ذلك ما رواه جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فهذا الخبر مطعون فيه، إذ أنكره البخاري وقال عنه يحيى ابن معين: لا أصل له وذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وقال النووي والذهبي: إنه موضوع(1)، ويقول الألباني –رحمه الله-: وحديث «أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب» موضوع، رواه العقيلي في الضعفاء وابن عدي في الكامل، والطبراني في الكبير والحاكم عن ابن عباس ورواه ابن عدي والحاكم عن جابر رضي الله عنه(2)، وكذلك حديث «من ناصب عليًا بالخلافة فهو كافر». فلا أثر له بوجه في كتب أهل السنة(3) أصلاً، وهذه النماذج تكشف عن ضعف ما استند إليه الروافض من حجج اختصاص علي رضي الله عنه وتعيينه دون غيره للخلافة، ويؤيد هذا ما ذهب إليه ابن خلدون من أن ما استدل به الشيعة الروافض من نصوص ينقلونها ويؤولونها على مقتضى مذهبهم، لا يعرفها جهابذة السنة ولا نقلة الشريعة، بل أكثرها موضوع أو مطعون في طريقه أو بعيد عن تأويلاتهم(4)، وما أورده ابن حزم من أن سائر الأحاديث التي تتعلق بها الرافضة، فموضوعة يعرف ذلك من له أدنى علم بالأخبار ونقلها(5).
__________
(1) الفوائد الموضوعة في الأحاديث الموضوعة، ص 71 رقم (257)، الفتاوى (4/410).
(2) ضعيف الجامع الصغير (2/13) رقم (1416).
(3) منهاج السنة (4/108،107) دراسة عن الفرق، جلي، ص 195.
(4) المقدمة، ابن خلدون، ص 197.
(5) الفصل، ابن حزم (4/148).(3/1)
ويعترف الكاتب الشيعي ابن أبي الحديد بأثر الشيعة في وضع الأحاديث لتأييد مذهبهم في الإمامة فيقول: إن أصل الأكاذيب في أحاديث الفضائل كان من جهة الشيعة فإنهم وضعوا في مبدأ الأمر أحاديث مختلفة في صاحبهم حملهم على وضعها عداوة خصومهم، فلما رأت البكرية «يريد بعض السنيين» ما صنعت الشيعة وضعت لصاحبها «أبي بكر» أحاديث في مقابلة هذه الأحاديث.. فلما رأت الشيعة ما قد وضعت البكرية أوسعوا في وضع الأحاديث، ولقد كان الفريقان في غنية عما اكتسباه، ولقد كان في فضائل علي الثابتة الصحيحة وفضائل أبي بكر المحققة المعلومة ما يغني عن تكلف العصبية(1)، ورغم ضعف هذه الحجج وعدم قوتها فإننا نجد أن بعض الشيعة المعاصرين لا زالوا يرددونها في كتاباتهم ويستشهدون بها لإثبات معتقداتهم في الإمامة، وهذا أحد أئمتهم يذهب إلى أن الرسول يُعد غير مبلغ للرسالة لو لم يعين عليًا خليفة من بعده(2)، ويقول: إن الرسول الكريم قد كلمه الله وحيًا أن يبلغ ما أنزل الله إليه، فيمن يخلفه في الناس وبحكم هذا الأمر فقد اتبع ما أمر به وعين أمير المؤمنين عليًا للخلافة(3). وقولهم هذا يناقض كل ما يدعون من آيات وأحاديث يستدلون بها على الإمامة، لأنه يلزم من قولهم هذا أنه على واقعة حديث غدير خم، لم يكن الله سبحانه وتعالى ورسوله قد نصا على إمامة علي.
__________
(1) شرح نهج البلاغة (11/48-50) نقلاً عن دراسة عن الفرق، لشيخي الدكتور أحمد جلي، ص 195-196.
(2) دراسة عن الفرق ص 196.
(3) الحكومة الإسلامية للخميني ص 43،42، دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين، ص 196.(3/2)
ويكفي في نقد نظرية الإمامة عند الشيعة الإمامية أنه لا سند لهم فيها إلا عبد الله ابن سبأ اليهودي، الذي بدأ يشيع القول بأن الإمامة هي وصية من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومحصورة بالوحي، وإذا تولاها سواه يجب البراءة منه وتكفيره، فقد اعترفت كتب الشيعة بأن ابن سبأ، كان أول من أشهر القول بفرض إمامة علي، وأظهر البراءة من أعدائه، وكاشف مخالفيه وكفرهم(1)، لأنه كان يهودي الأصل يرى أن يوشع بن نون هو وصي موسى، فلما أسلم أظهر هذه المقالة في علي بن أبي طالب رضي الله عنه(2).
رابعًا: التوحيد والشيعة الاثنا عشرية:
__________
(1) رجال الكشي ص 109،108، أصول مذهب الشيعة الإمامية (2/792).
(2) أصول مذهب الشيعة (2/792).(3/3)
جعل الشيعة العقيدة في الإمام أساسًا لمذهبهم وركنًا من أركان الدين، وأصبح الإمام عندهم جزءًا من العقيدة، وينسب الشيعة إلى بعض أئمتهم القول بأن من أصبح من هذه الأمة لا إمام له أصبح ضالاً تائهًا، وأن مات على هذا الحال مات ميتة جاهلية(1)، ذلك لأن الإمام في تصور الشيعة يختلف اختلافًا كليًا عن تصور المسلمين جميعًا لخليفتهم، إذ أن المسلمين يعدون الإمام أو خليفة المسلمين شخصًا عاديًا في تكوينه ومعارفه، وأن دوره لا يتجاوز دور المنفذ لشرع الله وأنه يعرض له الخطأ والانحراف، كما يعرض لسائر الناس فيُقَوَّم ويعارض إذا خالف أمر الله، وفوق هذا، فإن الخليفة يختار وينتخب من قبل الجماعة المسلمة وفقًا لمبدأ الشورى(2)، وخلافًا لهذا التصور يذهب الشيعة إلى أن الأئمة كانوا قبل هذا العالم أنوارًا، وأن لهم ولاية تكوينية إلى جانب الولاية الحكمية، وقد نسبوا إلى رسول الله حديثًا أسندوه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه(3)، ويقول أحد أئمة الشيعة المعاصرين: وثبوت الولاية والحاكمية للإمام، لا يعني تجرده من منزلته التي هي له عند الله ولا تجعله مثل من عداه من الحكام، فإن للإمام مقامًا محمودًا ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون، وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقامًا لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وبموجب ما لدينا من الروايات والأحاديث، فإن الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم - والأئمة –عليهم السلام- كانوا قبل هذا العالم أنوارًا، فجعلهم الله بعرشه محدقين، وجعل لهم من المنزلة والزلفى ما لا يعلمه إلا الله، وقد قال جبرائيل –كما ورد في روايات المعراج- لو دنوت أنملة لاحترقت، وقد ورد عنهم عليهم السلام إن لنا حالات لا يسعها ملك مقرب ولا نبي مرسل(4)
__________
(1) دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين، ص 197.
(2) النظام السياسي للدولة الإسلامية، ص 147-236.
(3) دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين، ص 198.
(4) الحكومة الإسلامية، آية الله الخميني، ص 94،93.(3/4)
.
وبناء على هذا التصور للإمام فإن دوره لا يقف عند تنفيذ شرع الله بل له هيمنه على شئون الكون ومجرياته، فعلي عندهم الحاكم المهيمن الشرعي على شئون البلاد والعباد، وأن الملائكة تخضع له، ويخضع له الناس حتى الأعداء منهم، لأنهم يخضعون للحق في قيامه، وقعوده في كلامه وصمته، وفي خطبه وصلواته وحروبه(1)، وقد أثر اعتقاد الشيعة في الأئمة على عقيدتها في توحيد الله سبحانه بسبب الغلو، وإليك بيان ذلك:
1- نصوص التوحيد جعلوها في ولاية الأئمة: فأول ما نفاجأ به أن نصوص القرآن التي تأمر بعبادة الله وحده، غيروا معناها إلى الإيمان بإمامة علي والأئمة، والنصوص التي تنهى عن الشرك جعلوا المقصود بها الشرك في ولاية الأئمة، ففي قوله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65].
__________
(1) دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين، ص 200.(3/5)
جاء في الكافي(1)–أصح كتاب عندهم في الرواية-، وفي تفسير القمي(2) -عمدة تفاسيرهم- وفي غيرهما من مصادرهم المعتمدة(3)، تفسيرها بما يلي: يعني إن أشركت في الولاية غيره(4)، وفي لفظ آخر: لئن أمرت بولاية أحد مع ولاية علي من بعدك ليحبطن عملك(5). وقد ساق صاحب البرهان في تفسير القرآن أربع روايات لهم في تفسير الآية السابقة بالمعنى المذكور(6)، وقد جاء في سبب نزولها عندهم: أن الله عز وجل حيث أوحى إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يقيم عليًا للناس علمًا اندس إليه معاذ بن جبل فقال: أشرك في ولايته الأول والثاني (يعنون أبا بكر وعمر)، حتى يسكن الناس إلى قولك ويصدقوك، فلما أنزل الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} [المائدة:67]، شكا رسول الله إلى جبرائيل فقال: إن الناس يكذبونني ولا يقبلون مني، فأنزل الله عز وجل: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65]، وحتى يدرك القارئ مدى تحريفهم لآيات الله وتآمرهم لتغيير الآية وما قبلها وما بعدها وتتبع ذلك بيان معناها قال تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ - وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ - بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر: 64-66]، فالآية كما هو واضح من سياقها تتعلق بتوحيد الله في عبادته، فهم غيروا الأمر فاعتبروا الآية متعلقة بعلي، مع أنه ليس له ذكر في الآية أصلاً، فكأنهم جعلوه
__________
(1) أصول الكافي (1/427) رقم 76.
(2) تفسير القمي (2/251).
(3) البرهان (4/83)، وتفسير الصافي (4/328).
(4) هذا لفظ الكليني في الكافي، أصول الشيعة (2/519).
(5) أصول الشيعة (2/519).
(6) البرهان (4/83)، أصول الشيعة (2/519).(3/6)
هو المعبر عنه بلفظ الجلالة (الله) وجعلوا (العبادة) هي الولاية، والآية واضحة المعنى بينة الدلالة، ليس بين معناها وتأويلهم المذكور أدنى صلة(1)، قال أهل العلم في تفسيرها: إن الله سبحانه أمر نبيه أن يقول هذا للمشركين لما دعوه إلى ما هم عليه من عبادة الأصنام، وقالوا: هو دين آبائك(2)، والمعنى: قل يا محمد لمشركي قومك: أتأمرونني بعبادة غير الله أيها الجاهلون بالله، ولا تصلح العبادة لشيء سواه سبحانه. ولما كان الأمر بعبادة غير الله لا يصدر إلا عن غبي جاهل ناداهم بالوصف المقتضي ذلك فقال: {أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} [الزمر: 64]، ثم بين سبحانه أنه قد أوحى إلى نبيه وإلى الرسل من قبله: لئن أشركت بالله ليبطلن عملك. وهذا في بيان خطر الشرك وشناعته، وكونه بحيث ينهى عنه من لا يكاد يباشره فكيف بمن عداه؟، ثم قال سبحانه: {بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ} لا تعبد ما أمرك به المشركون بل اعبد الله وحده دون كل ما سواه من الآلهة الباطلة والأوثان(3). فالمعنى كما ترى واضح جلي، لا يلتبس إلا على صاحب هوى مغرض، قد أعماه هواه عن رؤية الحق.. فهذه الزمرة التي وضعت هذه الروايات كان جل همها، وغاية قصدها البحث عن سند لدعواهم في الإمامة في القرآن الكريم حتى ولو حرفوا آيات الله، فكانت تخبط في هذا الأمر خبط عشواء، لا تستند في الاستدلال إلى أصل في لغة أو عقل فضلاً عن الشرع والدين، كما يظهر في النص الإساءة للنبي - صلى الله عليه وسلم - بتصويره في موقف الخائف الوجل من قومه، المتردد في تنفيذ أمر ربه، حتى إنه لم يفارق هذا الموقف إلا حينما نزل عليه التهديد بإحباط عمله(4).
__________
(1) أصول الشيعة الإمامية (2/520).
(2) تفسير ابن كثير (4/67)، تفسير البغوي (4/284).
(3) تفسير الطبري (24،24)، تفسير القرطبي (15/277،276)، فتح القدير (4/474)، روح المعاني للألوسي (24/24/23).
(4) أصول الشيعة الإمامية (2/522).(3/7)
2- الولاية أصل قبول الأعمال عندهم: قالوا: إن الله عز وجل نصب عليًا علمًا بينه وبين خلقه، فمن عرفه كان مؤمنًا ومن أنكره كان كافرًا، ومن جهله كان ضالاً، ومن نصب معه شيئًا كان مشركًا، ومن جاء بولايته دخل الجنة(1)، وقالوا: فإن من أقر بولايتنا ثم مات عليها قبلت منه صلاته، وصومه، وزكاته وحجه، وإن من لم يقر بولايتنا بين يدي الله عز وجل لم يقبل الله عز وجل شيئًا من أعماله(2)، وزعموا أن جبرائيل عليه السلام نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد، السلام يقرئك السلام ويقول: خلقت السماوات السبع وما فيهن، والأرضين السبع وما عليهن، وما خلقت موضعًا أعظم من الركن والمقام، ولو أن عبدًا دعاني هناك منذ خلقت السماوات والأرضين ثم لقيني جاحدًا لولاية علي لأكببته في سقر(3)، والرويات في هذا المعنى كثيرة باطلة لا يصح منها شيء، وكل هذه الروايات ليست من الإسلام في شيء، فأمامنا كتاب الله سبحانه ليس فيه مما يدعون شيء وهو الفيصل الأول، والمرجح الأول في كل خلاف، فالقرآن الكريم ذكر أن أصل قبول الأعمال هو التوحيد وسبب الحرمان هو الشرك، قال تعالى: {مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة:72]، وقوله: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاء} [النساء:48]، وكل ما ذكر من مبالغات الشيعة تكذبها آيات القرآن، فالله سبحانه يقول: {مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [المائدة: 69]، وهم يزعمون أن ولاية الاثنى عشر أعظم من الصلاة وسائر أركان الإسلام، والصلاة ذكرت في القرآن بلفظ صريح واضح في أكثر من ثمانين موضعًا، ولم تذكر
__________
(1) أصول الكافي (1/437).
(2) أمالي الصدوق، ص 154-155.
(3) أمالي الصدوق، ص 290، بحار الأنوار (27/167).(3/8)
ولايتهم مرة واحدة، فهل أراد الله جل شأنه ضلال عباده، أو لم يبين لهم طريق الوصول إليه، سبحانه هذا بهتان عظيم: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ} [التوبة:115]، وقد جاء في رواياتهم ما ينقض ما قالوه، وإن كانت لا تلبث تأويلاتهم، أو تقيتهم من وأد مثل هذه النصوص المعتدلة، ولكن نذكر ذلك لعل عاقلاً يتعظ، أو غافلاً ينتبه، أو نائمًا يستيقظ، ولإقامة الحجة على المعاند من كتبهم، وبيان ما عليه نصوصهم من تناقض.. جاء في تفسير فرات: قال علي بن أبي طالب: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لما نزلت {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23] قال جبرائيل: يا محمد إن لكل دين أصلاً ودعامة، وفرعًا وبنيانًا، وإن أصل الدين ودعامته قول: لا إله إلا الله، وإن فرعه وبنيانه محبتكم أهل البيت وموالاتكم فيما وافق الحق ودعا إليه(1).
فهذا النص يخالف ما تذهب إليه أخبارهم، حين يجعل أصل الدين شهادة التوحيد لا الولاية، ويعد محبة أهل البيت هي الفرع وهي مشروطة بمن وافق الحق منهم ودعا إليه(2).
__________
(1) تفسير فرات ص 148-149، بحار الأنوار (23/247).
(2) أصول الشيعة الإمامية (2/535).(3/9)
3- اعتقادهم أن الأئمة هم الواسطة بين الله وخلقه: تقول الشيعة الإمامية: إن الأئمة الاثنى عشرية هم الواسطة بين الله وخلقه، قال المجلسي عن أئمته: فإنهم حجب الرب والوسائط بينه وبين الخلق(1)، وعقد لذلك بابًا بعنوان: باب أن الناس لا يهتدون إلا بهم، وأنهم الوسائل بين الخلق وبين الله، وأنه لا يدخل الجنة إلا من عرفهم(2)، وجاء في كتاب عقائد الإمامية أن الأئمة الاثنى عشر هم: أبواب الله والسبل إليه.. إنهم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق(3)، ومن المسائل الموجودة في كتبهم ومصادرهم والتي هي تصب في هذه المعاني:
__________
(1) ، (4) بحار الأنوار (23/97).
(3) عقائد الإمامية للمظفر، ص 98-99.(3/10)
أ- قولهم: لا هداية للناس إلا بالأئمة: قال أبو عبد الله –على حد زعمهم- بلية الناس عظيمة، إن دعوناهم لم يُجيبونا، وإن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا(1). وتقول أخبارهم: قال أبو جعفر: بنا عُبِد الله، وبنا عُرِف الله، وبنا وُحِّد الله(2)، فهذه النصوص لا تنفي الهداية عن الأمة، ولكن تجعل مصدرها الأئمة والحق أن الهداية بمعنى التوفيق إلى الحق وقبوله، لا يملكها إلا رب العباد، ومقلب القلوب والأبصار والذي يحول بين المرء وقلبه، والذي إذا قال للشيء: كن فيكون.. والشيعة في إطلاقها هذه العبارات بلا أي قيد تجعل لأئمتها مشاركة لله في هذه الهداية، والله سبحانه هو الهادي وحده لا شريك له(3)، قال تعالى: {مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا} [الكهف: 17] ويقول لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ} [القصص:56]، أما هداية الدلالة على الحق والإرشاد إليه فهذه وظيفة الرسل ومن تبعهم بإحسان، ولا تنحصر في الاثنى عشر {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108]، وإطلاق القول بأن هداية العباد لا تتم إلا بالأئمة جرأة على الله(4).
__________
(1) أمالي الصدوق، ص 363، أصول الشيعة (2/539).
(2) بحار الأنوار (23/103).
(3) أصول الشيعة الإمامية (2/540).
(4) أصول الشيعة الإمامية (2/540).(3/11)
ب- قولهم: لا يُقبل الدعاء إلا بأسماء الأئمة: قالوا: لا يفلح من دعا بغير الأئمة، ومن فعل ذلك فقد هلك، جاء في أخبارهم عن الأئمة: من دعا الله بنا أفلح، ومن دعا بغيرنا هلك واستهلك(1)، وبلغت جرأتهم في هذا الباب أن قالوا: إن دعاء الأنبياء استجيب بالتوسل والاستشفاع بهم، صلوات الله عليهم أجمعين(2)، هذا ما تقوله الشيعة الرافضة وتفتريه، لكن الله يقول: {وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180]، ولم يقل سبحانه: فادعوه بأسماء الأئمة ومقامات الأئمة أو مشاهدهم. كما قال جل شأنه: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60]، ولو كان أساس قبول الدعاء ذكر أسماء الأئمة لقال: ادعوني بأسماء الأئمة استجب لكم، بل إن هذا الأمر الذي تدعيه الشيعة وتفتريه من أسباب رد الدعاء وعدم قبوله، لأن الإخلاص في الدعاء لله أصل في الإجابة والقبول، قال تعالى: {فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [غافر:14]، {وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف: 29] وهؤلاء الأئمة من سائر البشر {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأعراف:194]، ولم يجعل الله عز وجل بينه وبين خلقه في عبادته ودعائه وليًا صالحًا، ولا ملكًا مقربًا، ولا نبيًا مرسلاً، بل الجميع عباد الله {لَن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا للهِ وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء:172] وقوله: {إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم:93].
__________
(1) وسائل الشيعة (4/1142)، أصول الشيعة (2/541).
(2) وهذا أحد أبواب بحار الأنوار (26/319).(3/12)
وأما دعوى أن دعاء الأنبياء استجيب بالتوسل بالأئمة فهي دعوى باطلة، إنما الأنبياء دعوا الله عز وجل باسمه سبحانه وبوحدانيته جل شأنه، وأيوب عليه السلام توسل بأسماء الله الحسنى وأنه –عز وجل- أرحم الراحمين {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ - فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء:84،83]، وأما يونس عليه السلام فتوسل لله بوحدانيته، قال تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ - فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:88،87].
والكلمات التي قالها آدم عليه السلام وزوجه هي كما قال الله سبحانه: {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23].
وهذه المقالة من الشيعة معلومة فسادها من الدين بالضرورة وقد نقلت كتب الشيعة نفسها ما يناقض هذه الدعوة عن الأئمة في مناجاتهم لله ودعائهم له، وما من إمام إلا قد رووا عنه الكثير من الدعاء ومناجاته وقد أتى على أكثره المجلسي في بحاره(1).
__________
(1) أصول الشيعة الإمامية (2/545).(3/13)
ج- قولهم: إن الحج إلى المشاهد أعظم من الحج إلى بيت الله: قال ابن تيمية رحمه الله: حدثني الثقات أن فيهم من يرى الحج إلى المشاهد أعظم من الحج إلى البيت العتيق، فيرون الإشراك بالله أعظم من عبادة الله وحده، وهذا من أعظم الإيمان بالطاغوت(1)، وجاء في الكافي وغيره: إن زيارة قبر الحسين تعدل عشرين حجة، وأفضل من عشرين عمرة وحجة(2)، وخصت الروايات الشيعية الموضوعة زيارة الحسين يوم عرفة بفضل خاص، تقول: من أتى الحسين عارفًا بحقه في غير يوم عيد كتب الله له عشرين حجة وعشرين عمرة مبرورات مقبولات.. ومن أتاه في يوم عيد كتب الله له عشرين حجة ومائة عمرة، ومن أتاه يوم عرفة عارفًا بحقه كتب الله له ألف حجة وألف عمرة مبرورات متقبلات، وألف غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل(3). وليست زيارة قبر الحسين عند هؤلاء أفضل من الحج فحسب، بل هي أفضل الأعمال، جاء في رواياتهم: إن زيارة قبر الحسين أفضل ما يكون من الأعمال(4)، وفي رواية أخرى: من أحب الأعمال زيارة قبر الحسين(5).
وهكذا تنسى شرائع الإسلام وأوامره، ويهتم بالقبور والأضرحة، ويجعلونها من أفضل الأعمال بلا دليل إلا ما صنعته أوهامهم، وأوحاه لهم شياطينهم، ليشرعوا من الدين ما لم يشرعه الله(6).
__________
(1) منهاج السنة (2/124).
(2) ثواب الأعمال، ابن بابويه، ص 52، تهذيب الأحكام للطوسي (2/16).
(3) فروع الكافي (1/324) للكليني، من لا يحضره الفقيه، بابويه (1/182).
(4) كامل الزيارات، ص 146، أصول الشيعة الإمامية (2/561).
(5) ، (7) أصول الشيعة الإمامية (2/561).(3/14)
وقد جعل هؤلاء القوم زيارة الأضرحة فريضة من فرائض مذهبهم ووضعوا لها مناسك كمناسك الحج إلى بيت الله الحرام، قال ابن تيمية –رحمه الله-: وقد صنف شيخهم ابن النعمان المعروف عندهم بالمفيد كتابًا سماه «مناسك المشاهد» جعل قبور المخلوقين تحج كما تحج الكعبة البيت الحرام الذي جعله الله قيامًا للناس، وهو أول بيت وضع للناس، فلا يطاف إلا به ولا يصلى إلا إليه، ولم يؤمر إلا بحجه(1)، ومن رجع إلى مصادر الشيعة الرافضة التي تتحدث عن المشاهد يرى العجب العجاب، والانحراف عن كتاب الله وهدي الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومن أراد التوسع فلينظر إلى كتاب أصول مذهب الشيعة الإمامية(2).
إن للمسلمين كعبة واحدة يتجهون إليها في صلاتهم ودعائهم، ويحجون إليها، ويطوفون بها، أما الشيعة فلهم مزارات ومشاهد عبارة عن أضرحة الموتى من الأئمة(3)، وهذا كله مما نهى الله عنه ورسوله، وكل ما نهى الله عنه ورسوله فهو مذموم منهي عنه سواء أكان فاعله منتسبًا إلى السنة أم إلى التشيع، وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر بما ذكروه من أمر المشاهد ولا شرع لأمته مناسك عند قبور الأنبياء والصالحين، بل هذا من دين المشركين الذين قال الله تعالى فيهم: {وَقَالُوا لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدًّا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23].
__________
(1) منهاج السنة (1/175)، مجموع الفتاوى (17/498).
(2) أصول مذهب الشيعة الإمامية (2/550-586).
(3) أصول مذهب الشيعة الإمامية (2/580).(3/15)
قال ابن عباس وغيره: هؤلاء.. أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عُبدت(1). وقد قال أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه لأبي الهياج الأسدي: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ «أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته»(2)، وهذا المعنى أقرت به بعض روايات الشيعة، فقد روى الكليني عن أبي عبد الله، قال أمير المؤمنين: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة فقال: «لا تدع صورة إلا محوتها ولا قبرًا إلا سويته»(3)، وعن أبي عبد الله قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله أن يصلى على قبر أو يقعد عليه أو يبنى عليه(4)، وعن أبي عبد الله قال: لا تبنوا على القبور.. فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كره ذلك(5)، وعنه أيضًا أن آبائه عن رسول الله نهى أن تجصص المقابر(6).
__________
(1) البخاري، فتح الباري (8/667)، موقوف على ابن عباس من حكم المرفوع قاله الألباني –رحمه الله- في شرح العقيدة الطحاوية، ص 80.
(2) مسلم، كتاب الجنائز، رقم 969.
(3) فروع الكافي (2/227)، وسائل الشيعة (2/869).
(4) تهذيب الأحكام للطوسي (1/130)، وسائل الشيعة (2/869).
(5) تهذيب الأحكام (1/30)، المحاسن للبرقي ص 612.
(6) من لا يحضره الفقيه (2/194)، ابن بابويه، وسائل الشيعة (2/870).(3/16)
وقد زعم الحر العاملي أن هذا النهي يشمل كل قبر غير قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - والأئمة عليهم السلام، وأن هذا النهي لمجرد الكراهة(1)، وصيغة العموم واضحة في هذه الروايات، كما أن دلالة التحريم بينة، ولا دليل عند العاملي سوى ما شذت به طائفته في واقعها وفي جملة من رواياتها، والشذوذ دليل على البطلان لمخالفته لكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإجماع الأمة بمن فيهم أهل البيت الذين أُثر عنهم التحذير من ذلك، لأن ذلك وسيلة للشرك بالله، ثم إن الحكمة التي ورد من أجلها النهي لا تفرق بين قبر وقبر، وقد يكون الخطر في قبور الأئمة أشد لعظيم الافتتان بهم، ولهذا كان أصل الشرك هو الغلو في الصالحين(2).
__________
(1) أصول الشيعة الإمامية (2/584).
(2) تيسير العزيز الحميد لشرح كتاب التوحيد، ص 305.(3/17)
4- قولهم: إن الإمام يحرم ما يشاء ويحل ما يشاء: تزعم الشيعة الإمامية في رواياتها أن الله سبحانه وتعالى خلق محمدًا وعليًا وفاطمة، فمكثوا ألف دهر ثم خلق جميع الأشياء فأشهدهم خلقها وأجرى طاعتهم عليها وفوض أمورها إليهم، فهم يحلون ما يشاؤون ويحرمون ما يشاؤون(1). شرح شيخهم المجلسي النص السابق: فقال: وأجرى طاعتهم عليها، أي أوجب وألزم على جميع الأشياء طاعتهم حتى الجمادات من السماويات والأرضيات، كشق القمر وإقبال الشجر وتسبيح الحصى وأمثالها مما لا يحصى، وفوض أمورها إليهم من التحليل والتحريم والعطاء والمنع(2)... وجاءت الرواية عندهم صريحة بهذا فيما ذكره المفيد في الاختصاص، والمجلسي في البحار وغيرهما عن أبي جعفر قال: من أحللنا له شيئًا أصابه من أعمال الظالمين(3) فهو حلال لأن الأئمة منا مفوض إليهم، فما أحلوا فهو حلال، وما حرموا فهو حرام(4)، ومن المعلوم في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن من أصول التوحيد الإيمان بأن الله سبحانه هو المشرع وحده سبحانه يحل ما يشاء ويحرم ما يشاء، لا شريك له في ذلك، ورسل الله يبلغون شرع الله لعباده، ومن ادعى أن له إمامًا يحل ما يشاء ويحرم ما يشاء فهو داخل في قوله سبحانه: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللهُ}
[الشورى:21].
__________
(1) أصول الكافي (1/441)، بحار الأنوار (25/340).
(2) بحار الأنوار (25/342،341).
(3) الظالمون في معتقدهم هم خلفاء الدولة الإسلامية، ما عدا أمير المؤمنين عليًا وابنه الحسين رضي الله عنهما، لأن بقية أئمتهم لم يتولوا الخلافة ولا يومًا واحدًا، وكل خليفة من غيرهم هو ظالم وغاصب لحق الأئمة على حد زعمهم.
(4) الاختصاص ص 330، بحار الأنوار (25/334).(3/18)
إن حق التشريع لا يملكه إلا رب العباد، والرسل عليهم الصلاة والسلام إنما هم مبلغون عن الله سبحانه لا يحرمون ولا يحلون إلا ما يأمرهم الله به، ويوحيه إليهم، وقد قال الله جل شأنه فيمن اتبع مشايخه فيما يحلون ويحرمون من دون شرع الله وحكمه، قال سبحانه: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ} [التوبة:31]، فجعل سبحانه اتباعهم فيما يُحلون من الحرام ويُحرمون من الحلال كما جاء في تفسير الآية(1) عبادة لهم، حيث تلقوا الحلال والحرام من جهتهم، وهو أمر لا يتلقى إلا من جهة الله عز وجل(2).
5- قولهم: بأن الدنيا والآخرة كلها للإمام يتصرف بهما كيف يشاء: عقد صاحب الكافي لهذا بابًا بعنوان: باب أن الأرض كلها للإمام(3)، ومما جاء فيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أما علمت أن الدنيا للإمام يضعها حيث يشاء ويدفعها إلى من يشاء جائز له ذلك من الله(4).
__________
(1) تفسير الطبري (1/114،113)، تفسير ابن كثير (2/374،373).
(2) تفسير ابن عطية (8/166).
(3) أصول الكافي (1/407-410).
(4) المصدر السابق (1/409).(3/19)
فهذا النص شرك في ربوبية الله سبحانه، لأن الله جل شأنه يقول: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [البقرة: 107]، ويقول سبحانه: {وَللهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [المائدة:18]، ويقول جل شأنه: {للهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ} [المائدة:120]، وقال: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} [الفرقان:2]، وقال سبحانه: {فَلِلَّهِ الآَخِرَةُ وَالأُولَى} [النجم: 25]، كما قال سبحانه: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [سبأ:24]، وقال سبحانه: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [فاطر:3]، وقال: {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ} [العنكبوت:17]. فهو سبحانه قد تفرد بالملك والرزق والتدبير، لا شريك له في ذلك(1).
__________
(1) أصول الشيعة الإمامية (2/622).(3/20)
6- إسناد الحوادث الكونية إلى الأئمة: عن سماعة بن مهران قال: كنت عند عبد الله عليه السلام، فأرعدت السماء وأبرقت، فقال أبو عبد الله عليه السلام: أما إنه ما كان من هذا الرعد ومن هذا البرق فإنه من أمر صاحبكم، قلت: من صاحبنا؟، قال: أمير المؤمنين عليه السلام(1)، يعني: كل ما وقع من رعد وبرق فهو من أمر علي، لا من أمر الواحد القهار، فماذا يستنبط المسلم المنصف من هذه الرواية، والله جل شأنه يقول: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا ويُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} [الرعد: 12]؟، أليست هذه هي السبئية قد أطلت برأسها المشوه من خلال كتب الاثنى عشرية؟، أليس هذا ادعاء لربوبية علي رضي الله عنه، أو أن له شركًا في الربوبية؟، كيف يتجرأ قلم المجلسي ومن قبله المفيد على كتابة هذه الأسطورة ونسبتها إلى جعفر؟، فإن هذا الإيحاء لا يخفى على أمثالهم، ولا يؤمن بهذا ويدعو إليه إلا كل زنديق ومُلحد، والعجب من قوم يستقون دينهم من كتب حوت هذا الغثاء، ويعظمون شيوخًا يجاهرون بهذا البلاء، أليس في هذه الطائفة من صاحب عقل ودين يعلن الصيحة والنكير على هذا الضلال المنتشر والكفر المبين، ويبرئ أهل البيت الأطهار من هذا الدرن القاتل وينقي ثوب التشيع مما لطخه به شيوخ الدولة الصفوية من كُفر وضلال، أم أن كل صوت صادق إما أن يعاجل بالقتل كما فعلوا مع الكسروي، أو يحمل قوله على التقية كما صنعوا في الكثير من رواياتهم، وطائفة من أقوال شيوخهم، فهل وصل هذا المذهب في سبيل دعوته إلى نور الحق إلى طريق مسدود(2)؟.
__________
(1) الاختصاص للمفيد، ص 327، بحار الأنوار (27/33).
(2) أصول الشيعة الإمامية (2/624).(3/21)
7- الجزء الإلهي الذي حل في الأئمة: وترد روايات عند الشيعة الإمامية تدعي بأن جزءًا من النور الإلهي حل بعلي(1)، قال أبو عبد الله: ثم مسحنا بيمينه فأفضى نوره فينا(2)، ولكن الله خلطنا بنفسه(3)، وهذا الجزء الإلهي الذي في الأئمة –كما يزعمون- أعطوا به قدرات مطلقة، ولذلك فإن من يقرأ ما يسمونه معجزات الأئمة –وتبلغ مئات الروايات- يلاحظ أن الأئمة أصبحوا كرب العالمين –تعالى وتقدس عما يقولون- في الإحياء والإماتة والخلق والرزق(4)، إلا أن رواياتهم تربط هذا بأنه من الله كنوع من التلبيس والإيهام، ويكفي في فساده مجرد تصوره، إذ هو مُخالف للنقل والعقل والسنن الكونية، كما هو منقوض بواقع الأئمة وإقراراتهم، حيث يزعم الشيعة أن الأئمة عاشوا مظلومين ومضطهدين، ورسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - يقول –كما أمره ربه- {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ} [الأعراف:188].
__________
(1) المصدر نفسه (2/628).
(2) أصول الكافي (1/440).
(3) أصول الكافي (1/435).
(4) أصول الشيعة الإمامية (2/628).(3/22)
ومن الطريف أن كتب الشيعة مع تعظيم الأئمة والغلو فيهم تروي ما يخالف هذا، لتثبت تناقضها فيما تقول، كالعادة في كل كذب وباطل، فقد جاء في رجال الكشي أن جعفر ابن محمد قال: فوالله ما نحن إلا عبيد الذي خلقنا واصطفانا، ما نقدر على ضر ولا نفع، وإن رحمنا فبرحمته، وإن عذبنا فبذنوبنا، والله ما لنا على الله حجة، ولا معنا من الله براءة، ولنا لميتون ومقبورون، ومنشورون، ومبعوثون وموقوفون ومسئولون، ويلهم، مالهم لعنهم الله فقد آذوا الله وآذوا رسوله - صلى الله عليه وسلم - في قبره، وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسن ومحمد بن علي صلوات الله عليهم.. أشهدكم أني امرؤ ولدني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما معي براءة من الله، إن أطعته رحمني وإن عصيته عذبني عذابًا شديدًا(1). ولكن شيوخ الشيعة يعدون مثل هذه الإقرارات من باب التقية، فأضلوا قومهم سواء السبيل، وأصبح مذهب الشيعة مذهب الشيوخ لا مذهب الأئمة(2).
__________
(1) رجال الكشي، ص 225-226.
(2) أصول الشيعة الإمامية (2/630).(3/23)
8- قولهم: إن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم شيء: عقد لذلك صاحب الكافي بابًا بعنوان: «باب أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم شيء»(1)، وضمه طائفة من رواياتهم، وعقد بابًا آخر بعنوان «باب أن الأئمة إذا شاؤوا أن يعلموا علموا»(2)، وذكر فيه جملة من أحاديثهم، ومن روايات هذه الأبواب(3): قال أبو عبد الله –كما يكذبون-: إني لأعلم ما في السموات وما في الأرض وأعلم ما في الجنة وأعلم ما في النار، وأعلم ما كان وما يكون(4)، وعن سيف التمار قال: كان مع أبي عبد الله رضي الله عنه جماعة من الشيعة في الحجر فقال: علينا عين؟ فالتفتنا يمنة ويسرة فلم نر أحدًا، فقلنا: ليس علينا عين، فقال: ورب الكعبة ورب البنية –ثلاث مرات- لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما، لأن موسى والخضر عليهما السلام أعطيا علم ما كان، ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة، وقد ورثناه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله وراثة(5).
__________
(1) أصول الكافي (1/260-262).
(2) المصدر السابق (1/258).
(3) أصول الشيعة الإمامية (2/679).
(4) أصول الكافي (1/261).
(5) المصدر نفسه (1/261،260).(3/24)
فهذا نموذج من غلو الشيعة الرافضة، وهذا بعض ما عندهم، فالغلو أساس مذهبهم وأصله، وقد نهى الله عز وجل وحذر من الغلو لما فيه من منافاة التوحيد وأصل الشرك قديمًا وحديثًا، قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ} [المائدة:77]، قال ابن كثير –رحمه الله- في تفسيره هذه الآية: أي لا تجاوز الحد في اتباع الحق، ولا تطروا من أمرتكم بتعظيمه فتبالغوا فيه حتى تخرجوه من حيز النبوة إلى مقام الإلهية كما صنعتم في المسيح وهو نبي من الأنبياء فجعلتموه إلهًا من دون الله، وما ذاك إلا لاقتدائكم بشيوخكم شيوخ الضلال الذين هم سلفكم ممن ضل قديمًا {قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة:77] أي خرجوا عن طريق الاستقامة والاعتدال إلى طريق الغواية والضلال(1)، وقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ} [النساء:171]، فالله عز وجل في هاتين الآيتين ينهى عن الغلو والإطراء وتجاوز الحد، وفيه رد صريح على الشيعة الرافضة وكل من سلك هذا المسلك تجاه من يعظهم، وقد أمر الله عز وجل نبيه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أن يُبين للناس أنه لا يملك لنفسه شيئًا وأن النفع والضر بيد الله، وأن علم الغيب لا يعلمه إلا الله، قال تعالى: {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ} [الأنعام:50]. وقال تعالى: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ
__________
(1) تفسير ابن كثير (2/85).(3/25)
يُّؤْمِنُونَ} [الأعراف: 188]، فالله عز وجل أمره أن يفوض الأمور إليه وأن يخبرهم عن نفسه أنه لا يعلم غيب المستقبل ولا اطلاع له على شيء من ذلك(1).
كل ذلك سدًا للطرق الموصلة إلى الغلو فيه - صلى الله عليه وسلم -، وتحذيرًا لأمته أن يغلوا فيه كما غالت اليهود والنصارى في أنبيائهم، فإذا كان هذا في حق سيد الخلق، وأعظمهم منزلة عند الله فغيره من باب أولى.
وبهذا يظهر بطلان دعوى الرافضة في الأئمة وزعمهم أنهم يعلمون الغيب ويعلمون ما كان وما سيكون، وجعلهم شركاء لله في الخلق والإحياء وفي الأسماء والصفات، وكيف يستقيم لهم ذلك مع قوله تعالى أيضًا في غير ما آية من كتابه العزيز، قال تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:34]. وقال تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} [المائدة:109].
__________
(1) تفسير القرآن العظيم (2/373).(3/26)
وقال تعالى: {اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} [الرعد:8]، وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى} [الحج:6]، وقال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} [الأنعام:59]، وقوله تعالى: {وَللهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:189]، وقوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الملك:1]، وغير ذلك من الآيات الواردة في هذا الباب والتي تثبت تفرده جل وعلا بعلم الغيب والتصرف بالكون، فمن نسب شيئًا من ذلك إلى أحد من المخلوقين فقد نازع الله في ربوبيته وألوهيته وهوى في الشرك، فأنى له الإسلام مع ذلك، قال تعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ} [النساء:48]، وقال: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:72]، وذلك أن الله عز وجل خلق الخلق لعبادته، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، أي ليوحدوه فأرسل الرسل، وأنزل الكتب من أجل إفراده بالعبادة، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36] والغلو ينافي تحقيق العبادة(1)، وكما حذر الله عز وجل من الغلو بكل مظاهره وصوره، فقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضًا حماية لتوحيد الله وسدًا لكل ذريعة، تكون سببًا في نقص توحيده، لأن الغلو مطية الشرك ووسيلته وما دب في أمة إلا أهلكها، فقال - صلى الله عليه وسلم - محذرًا أمته من هذا الداء: «إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين»(2)
__________
(1) العقيدة في أهل البيت، ص 398.
(2) صحيح سنن ابن ماجة (2/177) صححه الألباني.(3/27)
، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع عمر رضي الله عنه يقول على المنبر سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله»(1)، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يحذر أمته من الغلو ومجاوزة الحد في مدحه، كما فعلت النصارى في عيسى عليه السلام، ويأمر - صلى الله عليه وسلم - أن يوصف بصفة العبودية والتي قد وصفه الله بها في الإسراء فقال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} [الإسراء:1]، كما وصفه بذلك في مقام الدعوة إليه فقال: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن:19]، وكذلك وصفه عند إنزال الكتاب عليه ونزول الملك إليه فقال: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان:1]، فتلك ثلاثة مقامات من أشرف المقامات وصفه ومدحه ربه جل وعلا فيها بصفة العبودية له، فأين الشيعة الرافضة من تلك الآيات والأحاديث الواردة في النهي عن الغلو والتحذير منه، الداعية إلى تحقيق العبودية؟.
__________
(1) البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، رقم (3445).(3/28)
إن الناظر إلى أقوال أمير المؤمنين علي وأبنائه رضي الله عنهم، يجد فيها الرد البليغ على هذا الغلو والإفراط وبراءتهم من أقوال الشيعة الرافضة وكل من غالى فيهم، كما تبين كذب تلك الروايات المنسوبة إليهم وضلالها(1). فقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي الطفيل عامر بن واثلة رضي الله عنه قال: كنت عند علي بن أبي طالب فأتاه رجل فقال: ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُسر إليك؟، قال: فغضب وقال: ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسر إلي شيئًا يكتمه عن الناس، غير أنه قد حدثني بكلمات أربع، قال: فقال: ما هن يا أمير المؤمنين؟، قال: «لعن الله من لعن والده، ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثًا، ولعن الله من غيَّر منار الأرض». وفي رواية: أخصَّكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: ما خصنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء(2).
__________
(1) العقيدة في أهل البيت، ص 399.
(2) مسلم، كتاب الأضاحي رقم (1978).(3/29)
وفي رواية عند الإمام أحمد:... ما عهد إليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا خاصة دون الناس(1)، وروى البخاري في صحيحه عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: قلت لعلي: هل عندكم كتاب؟، قال: لا، إلا كتاب الله، أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة، قال: قلت: فما هذه الصحيفة؟، قال: العقل، وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر(2)، وفي رواية: هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟، قال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ما أعلمه إلا فهمًا يعطيه الله(3)... قال ابن حجر: وإنما سأله أبو جحيفة عن ذلك لأن جماعة من الشيعة كانوا يزعمون أن عند أهل البيت –لاسيما عليًا- أشياء من الوحي خصهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بها لم يطلع غيرهم عليها(4)، وقال ابن تيمية –رحمه الله- عقب إيراده لهذا الحديث: والكتب المنسوبة إلى علي، أو غيره من أهل البيت في الإخبار بالمستقبلات كلها كذب مثل كتاب الجفر والبطاقة وغير ذلك، وكذلك ما يضاف إليه من أنه عنده علم من النبي - صلى الله عليه وسلم - خصه به دون غيره من الصحابة، وكذلك ما ينقل عن غير علي من الصحابة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خصه بشيء من علم الدين الباطن، كل ذلك باطل(5).
__________
(1) المسند (1/119).
(2) البخاري، كتاب العلم رقم (111).
(3) البخاري، كتاب الجهاد رقم (3047).
(4) فتح الباري (1/204).
(5) منهاج السنة (8/136).(3/30)
ومما يبين بطلان ذلك، ما روى ابن سعد عن علي بن الحسين زين العابدين أنه قال عن سعيد بن جبير –رحمهما الله-: ذلك رجل كان يمر بنا فنسأله عن الفرائض وأشياء مما ينفعنا الله بها، إنه ليس عندنا ما يرمينا به هؤلاء، وأشار بيده إلى العراق(1). وجاء عن محمد ابن الحنفية محذرًا الشيعة الرافضة مما تنسبه إليهم من علم خصهم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: إنا والله ما ورثنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ما بين اللوحين(2)، وقد تواتر عن آل البيت أنهم كانوا يقولون لشيعتهم: أيها الناس أحبونا حب الإسلام، فما برح بنا حبكم حتى صار علينا عارًا(3). وزيادة على ذلك فقد جاء في كتب الشيعة الرافضة التحذير من الغلو وبراءة آل البيت من ذلك، فقد روى المجلسي بسنده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: إياكم والغلو فينا، قولوا إنا عبيد مربوبون(4). وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: اللهم إني برئ من الغلاة كبراءة عيسى ابن مريم من النصارى، اللهم اخذلهم أبدًا، ولا تنصر منهم أحدًا(5).
__________
(1) الطبقات الكبرى (5/216).
(2) المصدر السابق (5/105).
(3) البداية والنهاية (9/110).
(4) بحار الأنوار (25/270).
(5) المصدر نفسه (25/284).(3/31)
روى الكليني بسنده عن سديد قال: كنت أنا وأبو بصير ويحيى البزار وداود بن كثير في مجلس أبي عبد الله إذ خرج إلينا وهو مغضب، فلما أخذ في مجلسه قال: يا عجبًا لأقوام يزعمون أنا نعلم الغيب، ما يعلم الغيب إلا الله عز وجل. لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت مني فما علمت في أي بيوت الدار هي(1). وروى الكشي عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام إنهم يقولون. قال وما يقولون؟ قلت: يقولون تعلم قطر المطر وعدد النجوم وورق الشجر ووزن ما في البحر وعدد التراب، فرفع يده إلى السماء وقال: سبحان الله، لا والله ما يعلم هذا إلا الله(2). فهذه أقوال أئمة آل البيت الطيبين الطاهرين، كما صرحت بذلك كتب الشيعة الرافضة وهم براء مما ترميهم به الشيعة الرافضة، إذ الرافضة من أكذب خلق الله، فالنفاق دينهم والكذب ديدنهم، ولذلك قال ابن تيمية –رحمه الله- إنهم من أكذب الناس في النقليات ومن أجهل الناس في العقليات(3).
إن روايات الشيعة تكشف نفسها وتتناقض نصوصها، وقول الأئمة إنهم مصدر الرزق وإنزال الغيث.. إلخ، والذي يرويه شيوخ الاثنى عشرية هو من مخلفات غلاة الشيعة، والذين أنكر الأئمة مذهبهم، فقد جاء عن أخبارهم أن أبا عبد الله قال حينما قيل له: إن المفضل بن عمر يقول: إنكم تقدرون أرزاق العباد. قال: والله ما يقدر أرزاقنا إلا الله ولقد احتجت إلى الطعام لعيالي فضاق صدري وأبلغت إليّ الفكرة في ذلك حتى أحرزت قوتهم، فعندها طابت نفسي، لعنه الله وبرئ منه(4).
__________
(1) أصول الكافي (1/257).
(2) رجال الكشي ص 193، العقيدة في أهل البيت، ص 402.
(3) منهاج السنة (1/3).
(4) رجال الكشي ص 274، أصول الشيعة الإمامية (2/685).(3/32)
ولكن هذه الروايات هي كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، وفي التقية متسع لكل نص تضيق به نفوس شيوخ الشيعة، وإليك مثالاً على ذلك فاسمع ما يقوله شارح الكافي تعقيبًا على قول أبي عبد الله الذي نقلناه آنفًا، والذي يتعجب فيه أبو عبد الله من قوم نسبوا له العلم بالغيب، ويذكر للرد عليهم أن جاريته قد اختفت في داره، فلم يدر أين هي، فكيف يقال عنه إنه يعلم ما كان وما يكون؟! قال شارح الكافي:.... الغرض من هذا التعجب وإظهاره هو ألا يتخذه الجهال إلهًا، أو يدفع عن وهم بعض الحاضرين المنكر لفضله ما نسبوه إليه من العلم بالغيب حفظًا لنفسه، وإلا فهو رضي الله عنه كان عالمًا بما كان وما يكون، فكيف يخفى عليه مكان الجارية؟، فإن قلت: إخباره بذلك على هذا يوجب الكذب، قلت: إنما يوجب الكذب لو لم يقصد التورية وقد قصدها. فإن المعنى ما علمت به علمًا غير مستفاد منه تعالى بأنها في أي بيوت الدار(1)، انظر التكلف العجيب في رد هذه الرواية لإثبات أن الإمام يعلم ما كان وما يكون حتى ارتكب في سبيل ذلك نسبة الإمام إلى الكذب، وهدم أصلاً من أصولهم وهو العصمة(2). وأما شيخهم الآخر الشعراني المعلق على الشرح فلم يعجبه هذا التكلف في تأويل الرواية، ورام ردها بأقصد طريق وهو الحكم بأن الرواية كذب، وهكذا يشيعون عن علماء أهل البيت مثل هذه الإشاعات الكاذبة، فإذا أنكروا على هؤلاء الكذابين فريتهم، وفضحوا باطلهم أمام الملأ حمل شيوخ الشيعة هذا التكذيب والإنكار على التقية.. فصارت التقية حيلة بيد غلاة الشيعة لإبقاء التشيع في دائرة الغلو، ورد الحق والإساءة لأهل البيت(3)، وقد ادعى زرارة بن أعين أن جعفر بن محمد يعلم أهل الجنة، وأهل النار، فأنكر ذلك جعفر لما بلغه ذلك، وكفَّر من قاله، ولكن زرارة حينما نقل له موقف جعفر قال
__________
(1) شرح جامع علي الكافي (6/31،30) للمازندراني.
(2) أصول الشيعة الإمامية (2/686).
(3) أصول الشيعة الإمامية (2/686).(3/33)
لمحدثه: لقد عمل معك بالتقية(1).
9- الغلو في الإثبات «التجسيم»: اشتهرت ضلالة التجسيم بين اليهود، ولكن أول من ابتدع ذلك بين المسلمين هم الشيعة الروافض، ولهذا قال الرازي: اليهود أكثرهم مشبهة، وكان بدء ظهور التشبيه في الإسلام من الروافض مثل هشام بن الحكم، وهشام بن سالم الجواليقي، ويونس بن عبد الرحمن القمي، وأبي جعفر الأحول(2)، وكل هؤلاء الرجال المذكورين هم ممن تعدهم الاثنا عشرية في الطليعة من شيوخها، والثقات من نقلة مذهبها(3)، وقد حدد ابن تيمية أول من تولى كِبر هذه الفرية من هؤلاء، فقال: وأول من عُرِف في الإسلام أنه قال: إن الله جسم هو هشام بن الحكم(4)، وقد نقل أصحاب الفرق كلمات مغرقة في التشبيه والتجسيم منسوبة إلى هشام بن الحكم وأتباعه تقشعر من سماعها جلود المؤمنين، يقول عبد القاهر البغدادي: زعم هشام بن الحكم أن معبوده جسم ذو حد ونهاية وأنه طويل عريض عميق وأن طوله مثل عرضه(5)، وقد استفاض عن هشام بن الحكم ومن تبعه أمر الغلو في التجسيم في كتب الفرق وغيرها(6). فقد كان تشبيه الله سبحانه بخلقه كان في اليهود، وتسرب إلى التشيع، وأول من تولى كبره هشام بن الحكم، ثم تعدى أثره إلى آخرين عرفوا بكتب الفرق بمذاهب ضالة غالية منسوبة إليهم(7)، ولكن شيوخ الاثنى عشرية يدافعون عن هؤلاء الضلال الذي استفاض خبر فتنتهم، واستطار شرهم، ويتكلفون تأويل كل بائقة منسوبة إليهم أو تكذيبها(8)، وقد كان لهشام بن الحكم وهشام بن سالم الجواليقي بالذات دور ظاهر في اتجاه التجسيم عند الشيعة كما تذكر ذلك
__________
(1) ميزان الاعتدال (2/70،69).
(2) اعتقادات فرق المسلمين والمشركين، ص 97.
(3) أعيان الشيعة (1/106)، أصول الشيعة الإمامية (2/641).
(4) منهاج السنة (1/20).
(5) الفرق بين الفرق، ص 65.
(6) أصول الشيعة الإمامية (2/642).
(7) أصول الشيعة الإمامية (2/643).
(8) بحار الأنوار (3/290-292) دفاع المجلسي عن هؤلاء.(3/34)
مجموعة من رواياتهم(1) وكان الأئمة يتبرؤون منهما ومن قولهما، وحينما جاء بعض الشيعة إلى إمامهم وقال له: إني أقول بقول هشام. قال إمامهم أبو الحسن علي بن محمد: ما لكم وقول هشام، إنه ليس منا من زعم أن الله جسم، ونحن منه براء في الدنيا والآخرة(2)، وتفصح بعض رواياتهم عما قالوه في الرب جل شأنه وتقدست أسماؤه، فهذا أحد رجالهم(3) ينقل لأبي عبد الله –كما تقول الرواية- ما عليه طائفة من الشيعة من التجسيم فيقول: إن بعض أصحابنا يزعم أن الله صورة مثل الإنسان، وقال آخر: إنه في صورة أمرد جعد قطط، فخر أبو عبد الله عليه السلام ساجدًا، ثم رفع رأسه فقال: سبحان الذي ليس كمثله شيء، ولا تدركه الأبصار، ولا يُحيط به علم(4).
فأنت ترى أن كبار متكلميهم قد غلوا في الإثبات، حتى شبهوا الله جل شأنه بخلقه وهو كفر بالله سبحانه، لأنه تكذيب لقوله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]، وعطلوا صفاته اللائقة به سبحانه فوصفوه بغير ما وصف به نفسه، ورواياتهم في هذا الباب كثيرة(5)، فهذا الاتجاه إلى الغلو في الإثبات، قد طرأ على الإثبات الحق الذي عليه علماء أهل البيت، وأصبح المذهب يتنازعه اتجاهان اتجاه التجسيم الذي يتزعمه هشام، واتجاه التنزيه الذي عليه أهل البيت كما تشير إليه روايات الشيعة نفسها، وكما هو ثابت مستفيض في كتب أهل العلم(6).
__________
(1) أصول الشيعة الإمامية (2/646).
(2) التوحيد، ص 104 ابن بابويه، أصول الشيعة الإمامية (2/646).
(3) سمته الرواية: يعقوب السراج، وهو من ثقاتهم، الفهرست للطوسي، ص 214.
(4) التوحيد ص 104،103، ابن بابويه، أصول الشيعة (2/647).
(5) أصول الكافي (1/104-106)، أصول الشيعة (2/648).
(6) أصول الشيعة (2/648).(3/35)
10- التعطيل عندهم: بعد هذا الغلو في الإثبات بدأ تغير المذهب في أواخر المائة الثالثة، حيث تأثر بمذهب المعتزلة في تعطيل البارئ سبحانه من صفاته الثابتة له في الكتاب والسنة، وكثر الاتجاه إلى التعطيل عندهم في المائة الرابعة لما صنف لهم المفيد وأتباعه كالموسوي الملقب بالشريف الرضي، وأبي جعفر الطوسي، واعتمدوا في ذلك على كتب المعتزلة(1)، وكثير مما كتبوه في ذلك منقول عن المعتزلة نقل المسطرة، وكذلك ما يذكرونه في تفسير القرآن العظيم في آيات الصفات والقدر ونحو ذلك هو منقول من تفاسير المعتزلة(2)، ولهذا لا يكاد القارئ لكتب متأخري الشيعة يلمس بينها وبين كتب المعتزلة في باب الأسماء والصفات فرقًا فالعقل –كما يزعمون- هو عمدتهم فيما ذهبوا إليه، والمسائل التي يقرررها المعتزلة في هذا الباب أخذ بها شيوخ الشيعة المتأخرون، كمسألة خلق القرآن، ونفى رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة، وإنكار الصفات، بل إن الشبهات التي يثيرها المعتزلة في هذا، هي الشبهات التي يثيرها شيوخ الشيعة المتأخرون، والفرق الذي يلمسه القارئ في هذه المسألة، هو أن الشيعة أسندوا روايات إلى الأئمة تصرح بنفي الصفات وتقول بالتعطيل، فقد جاؤوا بروايات كثيرة في الأئمة يسندون بها مذهبهم في التعطيل، ويفترون على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وبعض علماء أهل البيت كمحمد الباقر وجعفر الصادق بأنهم يقولون بالتعطيل، واعتبر بعض شيوخهم المعاصرين أن هذا هو عمدتهم في نفي الصفات، حيث قال تحت عنوان طريقة معرفة الصفات: هل يبقى مجال للبحث عن الصفات وهل له طريقة إلا الإذعان بكلمة أمير المؤمنين: كمال الإخلاص نفي الصفات عنه(3).
__________
(1) منهاج السنة (1/229).
(2) المصدر السابق (1/356).
(3) عقائد الإمامية الاثنى عشرية للزنجاني، ص 28.(3/36)
هذا والثابت عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وأئمة أهل البيت إثبات الصفات لله، والنقل بذلك ثابت مستفيض في كتب أهل العلم(1)، وهذا أيضًا ما تعترف به بعض روايات لهم موجودة وسط ركام هائل من التعطيل، إن مجموعة من رواياتهم وصفت رب العالمين بالصفات السلبية التي ضمنوها نفي الصفات الثابتة له سبحانه، وليس هذا بجديد فهو سبيل من زاغ وحاد عن منهج الرسل عليهم السلام من المتفلسفة والجهمية وغيرهم.
__________
(1) منهاج السنة (2/144).(3/37)
إن الله سبحانه بعث رسله في صفاته بإثبات مفصل، ونفي مجمل، ولهذا يأتي الإثبات للصفات في كتاب الله مفصلاً والنفي مجملاً(1)، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]. فالنفي جاء مجملاً: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وهذه طريقة القرآن في النفي غالبًا، قال تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65]، أي: نظيرًا يستحق مثل اسمه، ويقال: مساميًا يساميه(2)، وهذا معنى ما يروى عن ابن عباس: هل تعلم له مثلاً أو شبيهًا(3)، وقال سبحانه: {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4]، وأما الإثبات فيأتي التفصيل: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]. وكآخر سورة الحشر: {هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ - هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ - هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر:22-24]. وشواهد هذا كثيرة(4).
__________
(1) شرح الطحاوية، ص 49، التدمرية لابن تيمية، ص 8.
(2) التدمرية، ص 8.
(3) تفسير الطبري (16/106).
(4) انظر التدمرية لابن تيمية، ص 8 وما بعدها.(3/38)
إن الشيعة تروي عن أئمتها: أن الخالق لا يوصف إلا بما وصف به نفسه(1)، ولكنها تعرض عن ذلك كما أعرضت عن كتاب الله سبحانه، وعن مقتضى العقل والفطرة، وتؤثر في ذلك التقليد المحض، والأخذ من «نفايات» الفلسفات البائدة. وإلا فكيف يتجرأ عاقل على الاعتماد في أمر غيبي لا سبيل للوصول إلى المعرفة فيه على سبيل التفصيل إلا بخبر السماء على العقل القاصر والفكر العاثر، وتحكيم خيالات البشر المتناقضة، وتصوراتهم المتعارضة؟ (2).
__________
(1) أصول الشيعة الإمامية (2/656).
(2) المصدر نفسه (2/656).(3/39)
أ- مسألة خلق القرآن: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، وعلى هذا دل الكتاب والسنة، وإجماع السلف(1)، والاثنا عشرية حذت حذو الجهمية في القول بخلق القرآن، فقد عقد شيخ الشيعة في زمنه المجلسي في البحار في كتاب القرآن بابًا بعنوان: باب أن القرآن مخلوق(2)، أورد فيه إحدى عشرة رواية، ومعظم هذه الروايات تخالف ما ذهب إليه، ولكن لشيوخ الشيعة مسلكًا في تأويلها، سنذكره بعد قليل –بإذن الله تعالى- ويقول آية الشيعة محسن الأمين: قالت الشيعة والمعتزلة: القرآن مخلوق(3)، وهذا بناء على إنكارها لصفة الكلام لله وزعمهم أن الله سبحانه يوجد الكلام في بعض مخلوقاته كالشجرة حين كلم موسى، وكجبرائيل حين أنزله بالقرآن(4)، هذا بعض ما يقوله شيوخهم في هذا الأمر(5)، وذا رجعت إلى الروايات التي ينقلونها في «آل البيت»، وجدتها تخالف في أكثرها ما يذهب إليه هؤلاء فمن ذلك ما جاء في تفسير العياشي عن الرضا أنه سئل عن القرآن فقال: إنه كلام الله غير مخلوق(6). وفي التوحيد لابن بابوية القمي قيل لأبي الحسن موسى رضي الله عنه: يا ابن رسول الله ما تقول في القرآن، فقد اختلف فيه من قبلنا، فقال قوم: إنه مخلوق، وقال قوم: إنه غير مخلوق؟، فقال رضي الله عنه: أما إني لا أقول في ذلك ما يقولون، ولكن أقول: إنه كلام الله عز وجل(7).
__________
(1) الرد على الزنادقة للإمام أحمد، خلق أفعال العباد للبخاري.
(2) بحار الأنوار (92/117-121).
(3) أعيان الشيعة (1/461).
(4) المصدر السابق (1/453).
(5) أصول الشيعة الإمامية (2/658).
(6) تفسير العياشي (1/8).
(7) التوحيد، ابن بابويه، ص 224.(3/40)
وفي هذا المعنى روايات كثيرة عندهم(1)، ولكن يلاحظ أن شيخ الشيعة في زمنه ابن بابويه القمي قد ذهب في تأويل هذه النصوص إلى اتجاه آخر، فأثبت أن قول الأئمة: القرآن غير مخلوق يعني أنه غير مخلوق أي غير مكذوب لا يعني به أنه غير محدث(2)، وقال: وإنما امتنعنا من إطلاق المخلوق عليه لأنه المخلوق في اللغات قد يكون مكذوبًا، ويقال: كلام مخلوق مكذوب(3)، وقد قال علماء السلف ردًا عليهم: إنه غير مخلوق ولم يريدوا بذلك أنه غير مكذوب، بل هذا كفر ظاهر يعلمه كل مسلم، وإنما قالوا: إنه مخلوق خلقه في غيره فرد السلف هذا القول، كما تواترت الآثار عنهم بذلك، وصنف في ذلك مصنفات متعددة(4)، وفي كتاب تفسير الصراط المستقيم، لعلامتهم ولآيتهم البروجوردي نقل نصًا عن ابن بابويه –أيضًا- يحيل فيه النصوص التي فيها المعنى السابق على التقية فقال: ولعل المنع من إطلاق الخلق على القرآن إما للتقية مماشاة مع العامة، أو لكونه موهمًا لمعنى آخر أطلق الكفار عليه بهذا المعنى في قولهم: «إن هذا إلا اختلاق»(5)، فلم يجد هؤلاء الشيوخ ما يلوذون به إلا القول (بالتقية) أو ما ماثلها..
__________
(1) البحار (92/117، 121)، أصول الشيعة (2/659).
(2) البحار (92/119)، أصول الشيعة (2/659).
(3) أصول الشيعة (2/659).
(4) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (12/301).
(5) تفسير الصراط المستقيم (1/304).(3/41)
وهذا المنهج يثبت أنهم ليسوا على شيء، وأن احتمال التقية في كل نص قد أفسد عليهم أمرهم أو أضاع حقيقة المذهب، فأصبح دينهم دين المجلسي أو الكليني أو ابن بابويه القمي لا روايات الأئمة(1)، وهكذا يضيع العلم والحق بهذه الطريقة الماكرة، ويكتب على الأمة الفرقة والخلاف بهذه الأساليب التي هي من وحي الشيطان ومكره، ولو أحسن محسن للشيعة وأراد بها الخير من شيوخها لسلك بها طريق الجماعة، وأخذ من رواياتهم ما يتفق مع كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهدي الصحابة الكرام وعلماء أهل السنة والجماعة، وتخلص من مكر القمي والكليني والمجلسي، ولاسيما والأئمة تشتكي من كثرة الكذابين عليهم حتى قالوا: بأن الناس أولعوا بالكذب علينا(2). ولو أردت أن تطبق هذه النظرية –أي ما تتفق فيه روايات أهل السنة مع روايات الشيعة عن أهل البيت في هذه المسألة- لوجدت أن كتب الشيعة روت –كما سبق- روايات عن أهل البيت بأن كلام الله منزل غير مخلوق، وكتب أهل السنة روت مثل هذا، فقد أخرج البخاري في كتاب أفعال العباد(3)، وابن أبي حاتم(4)، وأبو سعيد الدارمي، والآجري في الشريعة(5)، والبيهقي في الاعتقاد(6)، والأسماء والصفات(7)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة(8)، وأبو داود في مسائل الإمام أحمد(9)، عن جعفر الصادق أنه قال حينما سئل عن القرآن قال: ليس بخالق ولا مخلوق، قال ابن تيمية: إنه قد استفاض ذلك عن جعفر(10)، فلماذا لا يؤخذ بالمعنى المتفق عليه ويترك الباطل الذي لا يسنده إلا أقوال شيوخ يبغون في الأمة الفرقة والخلاف،
__________
(1) أصول الشيعة الإمامية (2/600).
(2) رجال الكشي ص 135-136.
(3) خلق أفعال العباد، ص 36 تحقيق البدر.
(4) منهاج السنة لابن تيمية (2/188،187).
(5) الشريعة، ص 77.
(6) الاعتقاد، ص 36.
(7) الأسماء والصفات، ص 247.
(8) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (2/242،241،238).
(9) مسائل الإمام أحمد ص 265.
(10) منهاج السنة (1/278).(3/42)
وينشدون الشذوذ والعزلة ليتسنى لهم تحصيل الأموال الطائلة باسم الخمس، وتتحقق لهم الوجاهة الاجتماعية، والمنزلة «المقدسة» باسم النيابة عن الإمام الغائب؟، ولهذا ما برحوا يؤكدون على القول: إن ما خالف العامة ففيه الرشاد(1)، ويقصدون بذلك أهل السنة والجماعة.
إن الروايات الواردة في كتب الشيعة والتي تنص على أن القرآن منزل غير مخلوق، قد تمثل مذهب قدماء الشيعة الذين كانوا على هذا الاعتقاد كما أشار إلى ذلك أهل العلم(2)، لأن القول بأن القرآن مخلوق هو إحداث متأخري الشيعة(3)، كما أن الاعتقاد بأن القرآن مُنزل غير مخلوق، هو الثابت عن أهل البيت، إذ ليس من أئمة أهل البيت مثل علي بن الحسين وأبي جعفر الباقر وابنه جعفر بن محمد من يقول بخلق القرآن، ولكن الإمامية تخالف أهل البيت في عامة أصولهم(4)، وبعد، أليس يكفي في بيان فساد مذهبهم أنه خلاف ما عليه أهل البيت، وخلاف ما اتفقت فيه روايات لهم مع ما جاء عند أهل السنة، وأن رواياتهم كلها متعارضة متناقضة؟ (5).
إن معتقد أهل السنة والجماعة في هذه المسألة هو: إن القرآن كلام الله، منه بدا بلا كيفية قولاً، وأنزله على رسوله وحيًا، وصدقه المؤمنون على ذلك حقًا، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر، فقد كفر، وقد ذمه الله وعابه وأوعده بسقر حيث قال تعالى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر:26]، فلما أوعد الله بسقر لمن قال: {إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر:25]، علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر، ولا يشبه قول البشر(6).
__________
(1) أصول الشيعة الإمامية (2/662).
(2) منهاج السنة (1/286)، أصول الشيعة الإمامية (2/664).
(3) مقالات الإسلاميين للأشعري (1/114).
(4) منهاج السنة (1/296).
(5) أصول الشيعة الإمامية (2/668).
(6) المنحة الإلهية في تهذيب شرح الطحاوية، عبد الآخر الغنيمي، ص 109.(3/43)
ب- مسألة الرؤية: ذهبت الشيعة الإمامية بحكم مجاراتهم للمعتزلة إلى نفي الرؤية وجاءت روايات عديدة ذكرها ابن بابويه في كتابه التوحيد، وجمع أكثرها صاحب البحار تنفي ما جاءت به النصوص من رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة، فتفترى –مثلاً- على أبي عبد الله جعفر الصادق بأنه سئل عن الله تبارك وتعالى هل يرى في المعاد؟، فقال: سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا، إن الأبصار لا تدرك إلا ما له لون وكيفية، والله خالق الألوان والكيفية(1)، وقال شيخهم وآيتهم جعفر النجفي صاحب كشف الغطاء: ولو نسب إلى الله بعض الصفات.. كالرؤية حكم بارتداده(2)، وجعل الحر العاملي نفي الرؤية من أصول الأئمة، وعقد لذلك بابًا بعنوان «باب إن الله سبحانه لا تراه عين ولا يدركه بصر في الدنيا ولا في الآخرة»(3)، لنفيهم رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة خروج عن مقتضى النصوص الشرعية، وهو أيضًا خروج عن مذهب أهل البيت، وقد اعترفت بعض رواياتهم بذلك، فقد روى ابن بابويه القمي عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: أخبرني عن الله عز وجل هل يراه المؤمنون يوم القيامة؟ قال: نعم(4)، والرؤية حق لآل الجنة يرونه بغير إحاطة ولا كيفية، كما نطق به كتاب ربنا مثل قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ - إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:23،22]، وقوله تعالى: {لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35]، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: هو النظر إلى وجه الله عز وجل(5)، وقوله تعالى: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]، فالحسنى: الجنة، والزيادة، هي النظر إلى وجهه الكريم، فسرها بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصحابة بعده، كما روى مسلم في صحيحه عن
__________
(1) بحار الأنوار (4/31).
(2) كشف الغطاء ص 417، أصول الشيعة الإمامية (2/670).
(3) أصول الشيعة (2/670).
(4) الفصول المهمة في أصول الأئمة، ص 12.
(5) مجمع الفوائد (7/112).(3/44)
صهيب قال: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، نادى مناد: يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعدًا ويريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يُثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويُدخلنا الجنة ويُجرنا من النار؟ فيكشف الحجاب، فينظرون إليه، فما أعطاهم شيئًا أحب إليهم من النظر إليه، وهي الزيادة»(1).
وقال تعالى: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15].
احتج الشافعي رحمه الله وغيره من الأئمة بهذه الآية على الرؤية لأهل الجنة، ذكر الطبري وغيره عن المزني عن الشافعي، وقال الحاكم: حدثنا الأصم حدثنا الربيع بن سليمان قال: حضرت محمد بن إدريس الشافعي، وقد جاءت رقعة من الصعيد فيها، ما تقول في قول الله عز وجل: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15].
فقال الشافعي رحمه الله: لما أن حُجب في السخط، كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في الرضا(2)، وأما الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الدالة على الرؤية فمتواترة رواها أصحاب الصحاح والمسانيد والسنن(3)، وقد قال بثبوت الرؤية الصحابة والتابعون، وأئمة الإسلام المعروفون بالإمامة في الدين، وسائر طوائف أهل الكلام المنسوبين إلى السنة والجماعة(4).
__________
(1) مسلم رقم (181).
(2) مناقب الشافعي (1/419) للبيهقي.
(3) شرح الطحاوية، ص 151.
(4) المصدر السابق ص 146.(3/45)
11- تفضيلهم الأئمة على الأنبياء والرسل: الرسل أفضل البشر وأحقهم بالرسالة، حيث أعدهم الله تعالى لكمال العبودية والتبليغ والدعوة والجهاد {اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124]، فهم قد امتازوا برتبة الرسالة عن سائر الناس(1)، وقد أوجب الله على الخلق متابعتهم، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ} [النساء:64] ولا يفضل أحد من البشر عليهم. قال الطحاوي في بيان اعتقاد أهل السنة: ولا نفضل أحدًا من الأولياء على أحد من الأنبياء عليهم السلام ونقول: نبي واحد أفضل من جميع الأولياء(2)، وتفضيل الأئمة على الأنبياء هو مذهب غلاة الروافض، كما نبه على ذلك عبد القاهر البغدادي(3) والقاضي عياض(4)، وابن تيمية(5)، وهذا المذهب بعينه قد غدا من أصول الاثنى عشرية، فقد قرر صاحب الوسائل أن تفضيل الأئمة على الأنبياء من أصول مذهب الشيعة التي نسبها للأئمة(6)، وقال بأن الروايات عندهم في ذلك أكثر من أن تحصى(7)، وفي بحار الأنوار للمجلسي عقد بابًا بعنوان «باب تفضيلهم عليهم السلام على الأنبياء وعلى جميع الخلق» وأخذ ميثاقهم عنهم وعن الملائكة وعن سائر الخلق، وأن أولي العزم إنما صاروا أولي العزم بحبهم صلوات الله عليهم(8)، وهذا المذهب الذي استقر عليه مذهب الاثنى عشرية مر بتغيرات وتطورات نحو الغلو، فإن الشيعة في مسألة تفضيل الأنبياء على الأئمة كانوا ثلاث فرق –كما يقول الأشعري-:
الفرقة الأولى: يقولون بأن الأنبياء أفضل من الأئمة، غير أن بعض هؤلاء جوزوا أن يكون الأئمة أفضل من الملائكة.
__________
(1) المنهاج في شعب الإيمان للحليمي (1/238).
(2) شرح الطحاوية، ص 493.
(3) أصول الدين، ص 298.
(4) الشفاء، ص 1078.
(5) منهاج السنة (1/177).
(6) ، (7) أصول الشيعة الإمامية (2/745).
(8) بحار الأنوار (26/267).(3/46)
الفرقة الثانية: يزعمون أن الأئمة أفضل من الأنبياء والملائكة.
والفرقة الثالثة: وهم القائلون بالاعتزال والإمامة، يقولون: إن الملائكة والأنبياء أفضل من الأئمة(1).
ويضيف المفيد في أوائل المقالات مذهبًا رابعًا لهم وهو أفضلية الأئمة على سائر الأنبياء ما عدا أولي العزم(2)، ثم لا يبوح بذكر المذهب الذي يعتمده من هذه المذاهب، بل يذكر توقفه للنظر في ذلك(3)، ولكن يظهر أن كل هذه المذاهب تلاشت بسعي شيوخ الدولة الصفوية ومن تبعهم واستقر المذهب على الغلو في الأئمة، حتى أن المجلسي يقول في عنوان الباب الذي عقده في بحاره لهذا الغرض: إن أولي العزم إنما صاروا أولي عزم بحبهم صلوات الله عليهم(4)، إن من يرجع إلى كتاب الله سبحانه يجد أنه ليس لأئمتهم الاثنى عشر ذكر، فضلاً عن أن يقدموا على أنبياء الله ورسله، كما أنه يلاحظ: أن الأنبياء لكونهم أرفع رتبة يقدمون بالذكر على غيرهم من صالحي عباد الله، قال تعالى: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء:69]. فرتب الله سبحانه عباده السعداء المنعم عليهم أربع مراتب(5)، وكتاب الله يدل في جميع آياته على اصطفاء الأنبياء واختيارهم على جميع العالم(6)، وقد أجمع أهل القرون الثلاثة على تفضيل الأنبياء على من سواهم والإجماع حجة، وقال ابن تيمية: اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أولياء الله تعالى على أن الأنبياء أفضل من الأولياء الذين ليسوا بأنبياء(7)، والعقل يدل صريحًا على أن جعل النبي واجب الطاعة وجعله آمرًا وناهيًا وحاكمًا على الإطلاق، والإمام نائبًا وتابعًا له لا يعقل بدون فضيلة النبي عليه، ولما
__________
(1) مقالات الإسلاميين (1/120).
(2) أوائل المقالات، ص 42-43.
(3) المصدر السابق، ص 43.
(4) بحار الأنوار (26/267).
(5) أصول الشيعة الإمامية (2/749).
(6) ، (6) الفتاوي (11/221).(3/47)
كان هذا المعنى موجودًا في حق كل نبي مفقودًا في حق كل إمام لم يكن إمام أفضل من نبي أصلاً، بل يستحيل(1). ثم قد ورد في كتب الشيعة نفسها ما يتفق مع النص والإجماع والعقل، وينفي ذلك الشذوذ، وهو ما رواه الكليني عن هشام الأحول عن زيد بن علي أن الأنبياء أفضل من الأئمة، وأن من قال غير ذلك فهو ضال(2)، وروى ابن بابويه عن الصادق ما ينص على أن الأنبياء أحب إلى الله من علي(3).
خامسًا: موقف الشيعة الإمامية من القرآن الكريم
قد كان لمعتقد الشيعة في الإمامة ومحاولة الدفاع عنها أثر كبير في دفع بعض الشيعة إلى تبني أفكار خطيرة حول القرآن والسنة، والصحابة رضوان الله عليهم، فشككوا في القرآن، وأنكروا كثيرًا من الأحاديث الثابتة، وطعنوا في الصحابة رضي الله عنهم وجرحوهم ونسبوا إليهم تعمد الكذب وتحريف كتاب الله تعالى.
1- اعتقاد بعضهم في تحريف كتاب الله عز وجل والرد عليهم: فقد زعم بعض الشيعة الرافضة أن القرآن الكريم قد حُرف وأسقطت منه بعض السور وكثير من الآيات التي أنزلت في فضائل أهل البيت والأمر باتباعهم، والنهي عن مخالفتهم وإبجاب محبتهم، وأسماء أعدائهم والطعن فيهم، ولعنهم، وقد اتهم الشيعة الصحابة رضي الله عنهم، بأنهم أسقطوا من القرآن من جملة ما أسقطوه «وجعلنا عليًا صهرك» من سورة (الشرح) والتي تشير إلى تخصيص علي بمصاهرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - دون عثمان. وقد جهل هؤلاء أن هذه السورة مكية، وأنها حين نزلت لم يكن عليّ صهرًا للرسول - صلى الله عليه وسلم -، إذ أن عليًا تزوج فاطمة بالمدينة وبعد غزوة بدر، كما سبق أن أشرنا، ويذهب الشيعة أيضًا إلى أنه من بين ما أسقط من (القرآن) سورة الولاية، ويزعمون أنها سورة طويلة قد ذُكِرَ فيها فضائل أهل البيت(4).
__________
(1) مختصر التحفة، ص 101.
(2) أصول الشيعة الإمامية (2/753) مختصر التحفة، ص 100.
(3) مختصر التحفة، ص 101.
(4) دراسات عن الفرق في تاريخ المسلمين، ص 226.(3/48)
وهكذا تدور معظم مزاعم هذا النفر من الشيعة في القرآن حول هذه القضايا، إذ أنهم لم ينكروا حكمًا من أحكامه أو قاعدة من قواعده، ولكن تدور آراؤهم حول إسقاط بعض الآيات التي تشير إلى ولاية علي ومن بعده من الأئمة، وقد ردد هذه الافتراءات على القرآن الكريم العديد من علماء الشيعة الإمامية وعلى رأسهم حجتهم المشهور أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني ت329هـ صاحب كتاب الكافي، الذي يعتبر في حجيته لدى الشيعة في مرتبة كتاب البخاري عند أهل السنة، وقد ذكر صاحب تفسير الصافي الشيعي: إن الظاهر من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني –طاب ثراه- أنه كان يعتقد أيضًا في التحريف والنقصان في القرآن لأنه روى روايات في هذا المعنى في كتابه الكافي ولم يتعرض بقدح فيها، على أنه ذكر في أول كتابه أنه يثق بما رواه فيه(1)، وكتاب الكليني هذا مليء بهذه المزاعم المنحرفة، والتي تهدف في الأساس إلى إثبات إمامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه والأئمة من بعده. ومن ذلك ما رواه الكليني عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: {وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ} –عن ولاية علي والأئمة بعده- {فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} هكذا نزلت(2)، ويروي أيضًا عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له لم سمي «علي بن أبي طالب» أمير المؤمنين؟. قال: الله سماه وهكذا أنزل في كتابه: «وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم وأن محمدًا رسولي وأن عليًا أمير المؤمنين»(3)، ويروى الكليني عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: رفع إلى أبو الحسن عليه السلام مصحفًا وقال: لا تنظر فيه، ففتحته وقرأت فيه {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} فوجدت فيهم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم
__________
(1) تفسير الصافي، ص 13، الإمام الصادق، لأبي زهرة، ص 333.
(2) أصول الكافي (1/414).
(3) أصول الكافي (1/412)، السنة والشيعة، إحسان إلهي، ص 103.(3/49)
وأسماء آبائهم قال: فبعث إليّ بالمصحف(1)، وقد زعم الكليني أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة، وأنهم (أي الأئمة) يعلمون علمه كله، فما جمعه وحفظه كما أنزل إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده(2)، وقد ردد هذه الفرية التي ربطت جمع القرآن بعلي رضي الله عنه، وقد ذهب صاحب الاحتجاج إلى أنه لما توفي الرسول - صلى الله عليه وسلم -، جمع علي (عليه السلام) القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله، فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم، فوثب عمر وقال: يا علي اردده فلا حاجة لنا فيه، فأخذه عليه السلام وانصرف، ثم أحضروا زيد بن ثابت وكان قارئًا للقرآن، فقال له عمر: إن عليًا جاء بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار، وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار، فأجابه زيد إلى ذلك ثم قال: فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألفه أليس قد بطل كل ما عملتم؟، قال عمر: فما الحيلة؟، قال زيد: أنتم أعلم بالحيلة، فقال عمر: فما حيلته دون أن نقتله ونستريح منه، فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد، فلم يقدر على ذلك(3)، ولا شك أن مثل هذه الرواية من نسج خيال مريض فاسد أراد أن يتهم الصحابة بتحريف القرآن، والتآمر على حرمان علي من إمامة المسلمين وهو إذ يمدح عليًا يذمه إذ يصفه بالسكوت السلبي حينما رفض الصحابة الأخذ بقرآنه، فكيف يتفق هذا مع مواقف علي رضي الله عنه البطولية في سبيل الدفاع عن الإسلام، ويرد على مثل هذه الترهات قول علي رضي الله عنه: أعظم الناس أجرًا في المصحف أبو بكر، رحمة الله على أبي بكر، هو أول من جمع ما بين اللوحين(4)، ولم يكتف الكليني
__________
(1) أصول الكافي (2/631)، السنة والشيعة ص 87.
(2) أصول الكافي (1/228).
(3) الاحتجاج للطبرسي، ص 225،228 دراسات عن الفرق في تاريخ المسلمين، ص 228.
(4) كتاب المصاحف، للسجستاني (5/1).(3/50)
بهذا، بل نسب هذه الافتراءات والمزاعم الباطلة حول التحريف في القرآن إلى جعفر الصادق، إذ ينسب إليه أنه قال: إن القرآن الذي نزل به الوحي على محمد سبعة آلاف آية، والآيات التي نتلوها ثلاث وستون ومائتان وست آلاف فقط، والباقي مخزون عند آل البيت(1)، وزعم الكليني أن الصادق قال عن القرآن الذي جمعه علي بن أبي طالب في زعمه: قيل هو مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد(2)، ويقولون: إن فاطمة رضي الله عنها مكثت بعد النبي خمسة وسبعين يومًا، صبت عليها مصائب من الحزن لا يعلمها إلا الله، فأرسل الله إليها جبرائيل يسليها ويعزيها ويحدثها عن أبيها، وعما يحدث لذريتها، وكان علي يستمع ويكتب ما يسمع حتى جاء به مصحفًا قدر القرآن ثلاث مرات ليس فيه شيء من حلال وحرام، ولكن فيه علم ما يكون(3).
ويردد عالم شيعي آخر: وهو علي بن إبراهيم القمي نفس المزاعم التي ذهب إليها الكليني ويورد عنه محمد محسن الملقب بالفيض الكاشي في تفسيره فيقول: المستفاد من الروايات عن طريق آل البيت أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أنزل على محمد بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله، ومنه ما هو مغير محرف وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة منها اسم علي في كثير من المواضع ومنها لفظ (آل محمد) غير مرة، ومنها أسماء المنافقين في مواضعها، ومنها غير ذلك وأنه ليس على الترتيب المرضي عند الله ورسوله، وبه –أي بهذا الرأي- قال علي بن إبراهيم المسمى بالقمي –وله تفسير مليء بهذه الدعاوى والغلو فيها، وأخذ يخلط ويزعم أن هناك آيات في ولاية علي حذفت(4).
__________
(1) الإمام الصادق، ص 323.
(2) أصول الكافي (1/239).
(3) أصول الكافي (1/240)، بحار الأنوار (26/44)، بصائر الدرجات، ص 43.
(4) دراسات عن الفرق في تاريخ المسلمين، ص 229 ،230.(3/51)
وقال صاحب كتاب بصائر الدرجات الصفّار بسنده عن أبي جعفر –على حد زعمه-: ما يستطيع أحد أن يدعي أنه جمع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الأوصياء(1)، وعنه أيضًا: مامن أحد من الناس يقول إنه جمع القرآن كله كما أنزل الله إلا كذاب، وما جمعه وما حفظه كما أنزل إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده(2).
وفي تفسير العياشي عن أبي عبد الله: لو قُرئ القرآن كما أنزل لألفيتنا فيه مسمين(3)، وفيه عن أبي جعفر: لولا أنه زيد في كتاب الله ونقص منه ما خفي حقنا على ذي حجي(4). والروايات في كتب الشيعة الرافضة المصرحة بتحريف القرآن كثيرة جدًا، وقد أخبر عن استفاضتها وتواترها عندهم كبار علمائهم ومحققيهم، يقول المفيد: إن الأخبار جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد - صلى الله عليه وسلم - باختلاف القرآن، وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان(5).
ويقول هاشم البحراني(6) أحد كبار مفسريهم: اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء من التغييرات، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيرًا من الكلمات والآيات(7)، ويقول أيضًا: وعندي في وضوح صحة هذا القول –أي تحريف القرآن- بعد تتبع الأخبار وتفحص الآثار بحيث يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشيع وأنه من أكبر مقاصد الخلافة(8).
__________
(1) بصائر الدرجات، ص 213.
(2) المصدر نفسه، ص 213.
(3) ، (7) تفسر العياشي (1/13).
(5) أوائل المقالات، ص 91.
(6) هاشم بن سليمان البحراني، توفي سنة 1107هـ.
(7) مقدمة تفسير البرهان في تفسير القرآن، ص 36.
(8) المصدر نفسه، ص 49.(3/52)
ويقول نعمة الله الجزائري(1): إن الأخبار الدالة على هذا (التحريف) تزيد على ألفي حديث، وادعى استفاضتها جماعة كالمفيد والمحقق الداماد، والعلامة المجلسي(2)، فهذه أقوال أئمتهم ومحققيهم الكبار تقطع بتواتر واستفاضة الروايات في كتبهم بدعوى تحريف القرآن وتبديله، وأنها تبلغ الآلاف مما جعل بعض هؤلاء العلماء يقطع بأن هذه العقيدة من ضروريات المذهب عندهم وأكبر مقاصد الإمامة، وزيادة على ما جاء في كتبهم من آلاف الروايات الدالة على دعوى تحريف القرآن، فإن أقوال علمائهم ومنظريهم وأهل الاجتهاد فيهم، جاءت مؤكدة لتلك العقيدة الفاسدة، ولعل المقام لا يتسع لنقل كلامهم هنا وإنما أذكر من نقل إجماعهم على ذلك من كبار علمائهم، يقول المفيد ناقلاً إجماعهم على ذلك: واتفقوا (أي الإمامية) أن أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن، وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأجمعت المعتزلة والخوارج والمرجئة، وأصحاب الحديث على خلاف الإمامية في جميع ما عددناه(3).
وقد قام النوري الطبرسي، أحد كبار علمائهم المتأخرين الهالك في سنة 1320هـ بتأليف كتاب ضخم في إثبات دعوى القرآن عند الشيعة الرافضة، سماه «فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب»(4)، صدره بثلاث مقدمات يتبعها بابان:
الأول: في الأدلة على تحريف القرآن بزعمه.
__________
(1) متوفي سنة 1112هـ، قال عنه الحر العاملي: فاضل عالم محقق جليل القدر، أمل الآمل (2/336).
(2) فصل الخطاب، ص 248.
(3) أوائل المقالات، ص 49.
(4) الانتصار للصحب والآل ص 61.(3/53)
الثاني: في الرد على القائلين بصحة القرآن في الأمة. وقد أودع الطبرسي في كتابه هذا آلاف الروايات الدالة على تحريف القرآن بزعمهم، حيث أورد في الفصلين الأخيرين فقط من الباب الأول المكون من اثنى عشر فصلاً (1602) رواية هذا غير ما أورده في الفصول الأخرى من هذا الباب والمقدمات الثلاث والباب الثاني وقال معتذرًا عن قلة ما جمعه: «ونحن نذكر منها ما يصدق دعواهم مع قلة البضاعة»(1)، وقال موثقًا هذه الروايات: واعلم أن تلك الأخبار منقولة من الكتب المعتبرة التي عليها معول أصحابنا في إثبات الأحكام الشرعية والآثار النبوية(2)، وقال بعد أن سرد حشدًا هائلاً من أسماء علمائهم القائلين بالتحريف استغرقت خمس صفحات من كتابه: ومن جميع ما ذكرنا ونقلنا، بتتبعي القاصر، يمكن دعوى الشهرة العظيمة بين المتقدمين وانحصار المخالفين فيهم بأشخاص معينين يأتي ذكرهم(3). ثم ذكر أن هؤلاء المخالفين هم: الصدوق، والمرتضى، وشيخ الطائفة الطوسي، قال: ولم يعرف من القدماء موافق لهم(4).
وذكر أنه تبعهم الطبرسي صاحب كتاب «مجمع البيان»، قال: وإلى طبقته لم يعرف الخلاف صريحًا إلا من هؤلاء المشايخ الأربعة(5)، ثم اعتذر بعد ذلك عن بعض هؤلاء العلماء في عدم قولهم بتحريف القرآن بأن الذي حملهم على ذلك التقية والمداراة للمخالفين، قال معتذرًا عن الطوسي عما أورده في كتابه (التبيان) من القول بعدم التحريف: ثم لا يخفى على المتأمل في كتاب التبيان أن طريقته فيه على نهاية المداراة والمماشاة مع المخالفين.. وهو بمكان من الغرابة ولو لم يكن على وجه المماشاة(6).
__________
(1) فصل الخطاب، ص 249، الانتصار للصحب والآل، ص 62.
(2) فصل الخطاب، ص 249.
(3) ، (4) فصل الخطاب، ص30.
(4) فصل
(5) ، (6) فصل الخطاب، ص 34.(3/54)
وقد سبق النوري الطبرسي الاعتذار لهؤلاء العلماء: نعمة الله الجزائري حيث قال بعد أن نقل إجماع علماء الإمامية على عقيدة التحريف: نعم قد خالف فيها المرتضى والصدوق والشيخ الطبرسي، وحكوا أن ما بين دفتي هذا المصحف هو القرآن لا غير، ولم يقع فيه تحريف ولا تبديل، والظاهر أن هذا القول صدر منهم لأجل مصالح كثيرة منها: سد باب الطعن عليها، بأنه إذا جاز في القرآن، فكيف جاز العمل بقواعدة وأحكامه، مع جواز لحوق التحريف لها، كيف روى هؤلاء الأعلام في مؤلفاتهم أخبارًا كثيرة تشتمل على وقوع تلك الأمور في القرآن وأن الآية هكذا أنزلت ثم غيرت إلى هذا(1). وبهذا يظهر أن القول بتحريف القرآن واعتقاد تغييره وتبديله هو محل إجماع علماء الشيعة الرافضة قاطبة، ما حقق ذلك الطبرسي في فصل الخطاب، ودلت عليه النقول السابقة عن كبار علمائهم، وأنه لم يخالف في هذه العقيدة أحد من علمائهم، حتى وقت تأليف فصل الخطاب إلا أربعة منهم حملهم على ذلك التقية والمداراة للمخالفين، على ما نص عليه الطبرسي ومن قبله نعمة الله الجزائري. وكما أثبتت ذلك البحوث المعاصرة التي بحثت هذه المسألة وأيدت ذلك بذكر شواهد كثيرة من الروايات الدالة على التحريف الوارد في كتب هؤلاء المشايخ الأربعة(2) مما يدل على اعتقادهم مضمونها وموافقتهم لسائر علماء الشيعة الرافضة فيما ذهبوا إليه، من اعتقاد تحريف القرآن وتبديله وإن أظهروا تقية ونفاقًا وخداعًا لأهل السنة(3).
__________
(1) الأنوار النعمانية (2/359،328).
(2) الشيعة والقرآن لإحسان إلهي ظهير، ص 68-71.
(3) الانتصار للصحب والآل، ص 65.(3/55)
ومما يدل على ما ذهبت إليه أنه لم يتعرض واحد من هؤلاء الذين زعموا التحريف في القرآن إلى نقد من قبل الشيعة إذ ظل الكليني موضع الثقة والتبجيل والإكرام والمرجع الأول عند جميع الشيعة اليوم. ورغم أن الشيعة المعاصرين أكدوا نفي التحريف عن القرآن زيادة ونقصًا، فإننا لا نجد أحدًا منهم يرد على الكليني ردًا صريحًا أو يظهر عدم الثقة به أو يرفض ما ذهب إليه، بل إن البعض حاول بطريقة ملتوية أن يدافع عنه ويجد له المعاذير(1).
وإن كان هؤلاء القوم صادقين، فعليهم أن يتبرؤوا ممن قال بتحريف القرآن الكريم، ولا يترددوا في تكفير من أنكر كلمة واحدة من القرآن، وأن يبينوا أن جحود البعض كجحود الكل، لأن ذلك طعن صريح فيما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بضرورة الدين، واتفاق المسلمين.
__________
(1) أضواء على خطوط محب الدين، ص 42 وما بعدها.(3/56)
أن القرآن الكريم هو الكتاب الإلهي الذي لم يتطرق إليه التحريف والتبديل وذلك لأن الله تبارك وتعالى تعهد وتكفل بحفظه، بخلاف التوراة والإنجيل، فإن الله لم يتكفل بحفظهما، بل استحفظ عليهما أهلهما فضيعوهما، حكى الشاطبي عن أبي عمر الداني عن أبي الحسن المنتاب قال: كنت يومًا عند القاضي أبي إسحاق إسماعيل بن إسحاق، فقيل له: لم جاز التبديل على أهل التورة، ولم يجز على أهل القرآن؟، فقال القاضي: قال الله عز وجل في أهل التوراة: {بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللهِ} [المائدة:44]. فوكل الحفظ إليهم، فجاز التبديل عليهم، وقال في القرآن: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، فلم يجز التبديل عليهم، قال علي: فمضيت إلى أبي عبد الله المحاملي فذكرت له الحكاية، فقال: ما سمعت كلامًا أحسن من هذا(1)، وقد أجمعت الأمة على مر العصور والدهور على أن القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - هو القرآن الموجود الآن بأيدي المسلمين ليس فيه زيادة أو نقصان، ولا تغيير فيه ولا تبديل، ولا يمكن أن يتطرق إليه شيء من ذلك لوعد الله بحفظه وصيانته ولم يخالف في هذا إلا الشيعة الرافضة حيث زعموا أن القرآن الكريم قد حدث فيه تحريف وتغيير وتبديل، وزعموا أن الصحابة هم الذين حرفوا القرآن من أجل مصالحهم الدنيوية، وعقيدتهم هذه باطلة، ودل على بطلانها الأدلة من القرآن الكريم، وأقوال الأئمة من أهل البيت والعقل، وإليك بيان ذلك:
أ- الأدلة من القرآن الكريم: الآيات الصريحة الدالة على تكفل الله تعالى بحفظ القرآن وأنه لا يمكن أن يتطرق إليه التحريف أو التبديل، والآيات في هذا الشأن كثيرة منها:
* قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9].
__________
(1) الموافقات (2/59).(3/57)
* قوله تعالى: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا} [الكهف:27].
* قوله تعالى: {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}
[فصلت:42].
* قوله تعالى: {الم - ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2،1].
* قوله تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود:1].
* وقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحج:52].
* وقوله تعالى: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ - إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}
[القيامة:17،16].
فقد دلت هذه الآيات الكريمات على حفظ الله لكتابه الكريم وإحكامه لآياته، وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه {وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً} [النساء:122]. وهذه الآيات في صراحتها على حفظ الله لكتابه وصيانته من التحريف، والتبديل حيث لا يُحتاج إلى شرح أو توضيح، كما أن ثناء الله تعالى في القرآن الكريم على الصحابة رضوان الله عليهم مما يؤكد كذب ما نسبته إليهم الشيعة الرافضة من دعوى تحريف القرآن(1)، قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100].
__________
(1) بذل المجهود (1/434) عبد الله الجميلي.(3/58)
وقوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح:18]. وغير ذلك من الآيات في مدح الصحابة التي سيأتي شرحها وبيانها في موضعه بإذن الله تعالى.
وبعد إيراد هذه الآيات بقسميها المتقدمين نقول للشيعة الرافضة: إن قولكم بتحريف القرآن تعارضه هذه الآيات الكريمة، التي أكد الله فيها أن هذا القرآن لم يحرف ولن يحرف لأنه هو الذي تكفل بحفظه وصيانته عن التحريف والتبديل، كما أثنى على صحابة نبيه - صلى الله عليه وسلم - الذين اتهمتموهم بالتحريف، ووصفهم بالصدق، والإيمان بالله ورسوله، وزكاهم أعظم تزكية، فليلزمكم تجاه هذه الآيات: إما أن تعترفوا وتقروا أن هذه الآيات جاءت من الله تعالى، فعند ذلك لا يسعكم إلا قبول واعتقاد ما دلت عليه، من سلامة القرآن الكريم من التحريف والتبديل، وإما أن تنكروا أنها من الله، فهذا كفر بالله بإجماع المسلمين، إذ من أنكر إية واحدة من القرآن، واعتقد عدم صحة نسبتها إلى الله، فهو كافر بإجماع المسلمين(1).
ب- الأدلة من أقوال أئمتهم: فقد جاءت روايات كثيرة عن أئمتهم الذين يعتقدون عصمتهم يحثون فيها الشيعة على التمسك بكتاب الله ورد كل شيء إلى الكتاب والسنة.
__________
(1) المصدر نفسه (1/325).(3/59)
ومن هذه الروايات: ما جاء عن موسى بن جعفر أنه سئل: أكل شيء في كتاب الله وسنة نبيه أو تقولون فيه؟، فقال: بل كل شيء في كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -(1). وجاء عن أبي عبد الله أنه قال: من خالف كتاب الله وسنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد كفر(2). وعن أبي جعفر أنه قال: إن الله تبارك وتعالى لم يدع شيئًا تحتاج إليه الأمة إلا أنزله في كتابه، وبينه لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، وجعل لكل شيء حدًا وجعل عليه دليلاً يدل عليه(3). وعن ابي عبد الله قال: ما من شيء إلا وفيه كتاب أو سنة(4).
والمتأمل لهذه الروايات يخرج بفائدتين مهمتين:
* أن الأئمة من آل البيت كانوا يعتقدون كغيرهم من سلف الأمة صحة القرآن الكريم وإلا لم يطلبوا من تلاميذهم التمسك بكتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ونبذ ما سواهما، ثم إخبارهم إياهم أنه ما من شيء إلا وهو في كتاب الله والسنة وأنه ليس عندهم إلا ما فيهما.
* أن الروايات المنسوبة إليهم من القول بتحريف القرآن لم يقولوها بل هم بُرءاء منها وممن افتراها(5).
__________
(1) أصول الكافي (1/62).
(2) المصدر نفسه (1/70).
(3) المصدر نفسه (1/59)
(4) المصدر نفسه (1/59).
(5) بذل المجهود (1/437).(3/60)
ج- الأدلة العقلية: وكما دل النقل على بطلان دعوى الرافضة في تحريف القرآن الكريم، فإن العقل يدل على بطلان دعواهم تلك، وذلك لما يترتب على القول بتحريف القرآن من المفاسد العظيمة التي يستلزم منها الطعن في الله تبارك وتعالى، وفي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وصحابته رضوان الله عليهم، والأئمة من آل البيت الأطهار، بحفظ القرآن من التحريف –تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا- ويستلزم الطعن في النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث إنه لم يبلغ القرآن الكريم البلاغ الكامل بل خص عليًا رضي الله عنه بكثير من الآيات التي لم يطلع عليها غيره، ويستلزم الطعن في الصحابة الذين حرفوا القرآن من أدل مصالحهم الخاصة، على حسب ما يدعيه الشيعة الرافضة، ويستلزم الطعن في علي والأئمة من بعده، وذلك لأنهم لم يسلموا القرآن الذي معهم –على حد زعم الشيعة الرافضة- إلى الناس ويدعوهم إليه، وهذا كتم لكتاب الله، وقد توعد على ذلك بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ} [البقرة: 159]، ولو كان للشيعة الرافضة اعتراف بالأدلة العقلية، لكانت هذه اللوازم الفاسدة المترتبة على تلك العقيدة الخبيثة أكبر رادع لهم للإقلاع عن هذه العقيدة والتوبة إلى الله، من كل ما افتروه عليه وعلى نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وصحابة نبيه الكرام، وأهل البيت الأطهار(1).
__________
(1) بذل المجهود (1/437).(3/61)
2- اعتقادهم أن القرآن ليس حُجة إلا بقيم: قال الكليني صاحب أصول الكافي والذي هو عندهم كصحيح البخاري عند أهل السنة(1)، يروى ما نصه: «.. أن القرآن لا يكون حُجة إلا بقيم، وأن عليًا كان قيم القرآن وكانت طاعته مفترضة، وكان الحجة على الناس بعد رسول الله»(2)، كما توجد هذه المقالة في طائفة من كتبهم المعتمدة كرجال الكشي(3)، وعلل الشرائع(4)، والمحاسن(5)، ووسائل الشيعة(6)، وغيرها. وكيف يقال مثل هذا في كتاب الله سبحانه ليكون هداية للناس {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9].
قال الخليفة الراشد علي رضي الله عنه: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحُكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو الحبل المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسن، ولا تنقضي عجائبه، ولا يشبع منه العلماء، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم(7)، وقال ابن عباس رضي الله عنه: «يضمن الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة»، ثم قرأ هذه الآية: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى}(8) [طه:123].
__________
(1) أصول الشيعة الإمامية (1/155).
(2) أصول الكافي (1/188).
(3) رجال الكشي، ص 420.
(4) الصدوق، علل الشرائع ص 192.
(5) المحاسن للبرقي، ص268.
(6) وسائل الشيعة للحر العاملي (18/141).
(7) فضائل القرآن لابن كثير، ص 15، موقوف على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه.
(8) تفسير الطبري (16/225).(3/62)
وقد جاء في كتب الشيعة نفسها عن أهل البيت ما ينقض هذه المقولة في بعض مصادرهم المعتمدة، فقد جاء فيها:... فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن، فإنه شافع مشفع، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو الدليل على خير سبيل(1). وفي نهج البلاغة المنسوب لعلي رضي الله عنه وهو الذي عند الشيعة من أوثق المراجع: جاء النص التالي: فالقرآن آمر زاجر، وصامت ناطق، حُجة الله على خلقه(2).
__________
(1) تفسير العياشي (1/2)، البحار (92/17).
(2) نهج البلاغة، ص 265، أصول الشيعة الإمامية (1/160).(3/63)
ولهذه النصوص شواهد أخرى وهي تكشف لنا مدى التناقض والاضطراب الواقع في مصادر هؤلاء القوم: فرواياتهم –كما ترى- يعارض بعضها بعضًا، لكنهم في حالة التناقض تلك قد وضعوا لهم منهجًا خطيرًا وهو الأخذ بما خالف العامة –وهم أهل السنة عندهم- والمتأمل لتلك المقالة التي تواترت في كتب الشيعة يلاحظ أنها من وضع عدو حاقد أراد أن يصد الشيعة عن كتاب الله سبحانه، ويضلهم عن هدى الله، فما دامت تكل المقالة ربطت حجية القرآن بوجود القيم، والقيم هو أحد الأئمة الاثنى عشر، لأن القرآن فسر لرجل واحد وهو علي، وقد انتقل علم القرآن من علي إلى سائر الأئمة الاثنى عشر، كل إمام يعهد بهذا العلم إلى من بعده، حتى انتهى إلى الإمام الثاني عشر، وهو غائب مفقود عند الاثنى عشرية منذ ما يزيد على أحد عشر قرنًا، ومعدوم عند طوائف من الشيعة وغيرهم، فما دامت هذه المقالة ربطت حجية القرآن بهذا الغائب أو المعدوم فكأن نهايتها أن الاحتجاج بالقرآن متوقف لغياب قيمه أو عدمه، وأنه لا يرجع إلى كتاب الله، ولا يعرج عليه في مقام الاستدلال، لأن الحجة في قول الإمام فقط، وهو غائب فلا حجة فيه حينئذ، وحسبك بهذا الضلال، والإضلال عن صراط الله، وتلك ليست نهاية التآمر على كتاب الله، وعلى الشيعة، ولكنها حلقة من حلقات، ومؤامرة ضمن سلسلة مؤامرات، تريد أن تبعد الشيعة عن كتاب الله عز وجل(1).
__________
(1) أصول الشيعة الإمامية (1/161).(3/64)
إن مما علم من الإسلام بالضرورة أن علم القرآن الكريم لم يكن سرًا تتوارثه سلالة معينة، ولم يكن لعلي اختصاص بهذا دون سائر صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن الصحابة رضوان الله عليهم هم الطليعة الأولى التي حازت شرف تلقي هذا القرآن عن رسول البشرية محمد - صلى الله عليه وسلم - ونقله إلى الأجيال كافة، ولكن الشيعة تخالف هذا الأصل، وتعتقد أن الله سبحانه وتعالى قد اختص أئمتهم الاثنى عشر بعلم القرآن كله، وأنهم اختصوا بتأويله، وأن من طلب علم القرآن من غيرهم فقد ضل(1)، وتذكر بعض مصادر أهل السنة أن بداية هذه المقالة، وجذورها الأولى ترجع لابن سبأ، فهو القائل: بأن القرآن جزء من تسعة أجزاء وعلمه عند علي(2)، وقد استفاض ذكر هذه المقالة في كتب الشيعة الإمامية الاثنى عشرية بألوان الأخبار وصنوف الروايات:
أ- جاء في أصول الكافي في خبر طويل عن أبي عبد الله قال: إن الناس يكفيهم القرآن لو وجدوا له مفسرًا، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسره لرجل واحد، وفسره للأئمة شأن ذلك الرجل وهو علي بن أبي طالب(3)، وجاء في طائفة من مصادر الشيعة المعتمدة لديهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الله أنزل عليّ القرآن وهو الذي من خالفه ضل، ومن يبتغي علمه عند غير علي هلك(4). وزعمت أيضًا كتب الشيعة أن أبا جعفر قال: يا قتادة أنت فقيه أهل البصرة؟، فقال: هكذا يزعمون، قال أبو جعفر رضي الله عنه: بلغني أنك تفسر القرآن؟ فقال له قتادة: نعم –إلى أن قال-: ويحك يا قتادة إنما يعرف القرآن من خوطب به(5).
__________
(1) أصول الشيعة الإمامية (1/162).
(2) أحوال الرجال، ص 38 للجوزجاني، أصول الشيعة الإمامية (1/162).
(3) أصول الكافي (1/25)، وسائل الشيعة (18/131).
(4) أمالي الصدوق، ص 40، وسائل الشيعة (18/131).
(5) بحار الأنوار (2/237، 238)، أصول الشيعة (1/163).(3/65)
ورواياتهم في هذا الباب كثيرة جدًا، وربما تستغرق مجلدًا وكلها تحوم حول معنى واحد وهو اختصاص الأئمة الاثنى عشر بعلم القرآن وأنه مخزون عندهم وبه يعلمون كل شيء(1)، والرد على ذلك كما قال الله تعالى لمن طلب آية تدل على صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت:51]، فالقرآن الكريم العظيم هو الشاهد والدليل والحجة، ومن ابتغى علم القرآن من القرآن، أو من سُنَّة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، أو من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمن فيهم علي فقد اهتدى. والقول بأن من طلب علم القرآن عند غير علي هلك ليس من دين الإسلام، وهو مما علم بطلانه من الإسلام بالضرورة، فلم يخص النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدًا من الصحابة بعلم الشريعة دون الآخرين، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44]، فالآية تدل على أن البيان للناس وليس لفرد أو طائفة منهم ولو كانوا أهل بيته، وقد نفى أمير المؤمنين علي أن يكون خصه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعلم دون الناس(2)، وقد خاطب النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة ومن بعدهم، ورغبهم في تبليغ سُنته ولم يخص أحدًا منهم، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «نضر الله أمرأ سمع منا حديثًا فحفظه حتى يبلغه غيره، فإنه رب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه»(3). وقد روت هذا الحديث كتب الشيعة الإمامية الاثنى عشرية المعتمدة(4)، فيكون حُجة عليهم، وأما الدعوة بأن القرآن الكريم لم يخاطب به سوى الأئمة الاثنى عشر، ومن هنا فلا يعرف القرآن سواهم –إنما يعرف القرآن من خوطب به(5)-، بهذا الفهم السقيم يُعد صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والتابعون وأئمة الإسلام على امتداد
__________
(1) أصول الشيعة الإمامية (1/166).
(2) مسلم رقم (1978).
(3) سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/689، 690).
(4) أصول الكافي (1/403)، وسائل الشيعة للحر العاملي (18/64).
(5) بحار الأنوار (24/238،237)، أصول الشيعة (1/163).(3/66)
العصور قد هلكوا وأهلكوا –على حد زعمهم- بقيامهم بتفسير القرآن وفق أصوله، أو اعتقادهم أن في كتاب الله ما لا يعذر أحد بجهالته، ومنه ما تعرفه العرب من كلامها، ومنه ما لا يعرفه إلا العلماء، ومنه ما لا يعلمه إلا الله(1)، فالشيعة تزعم أنه لا يعرف القرآن سوى الأئمة، وأنهم يعرفون القرآن كله، وهذه دعوة تفتقر إلى الدليل، وزعم يكذبه العقل والنقل، فمما يجب أن يعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين لأصحابه معاني القرآن، كما بيَّن لهم ألفاظه، فقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44]، يتناول هذا وهذا.
وقد قال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن –كعثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود وغيرهما –أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا(2)، ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة، وذلك أن الله تعالى قال: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ} [ص:29]، وقال: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [النساء:82]، وقال: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} [المؤمنون:68]، وتدبر القرآن بدون فهم معانيه لا يمكن، وكذلك قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2]، وعقل القرآن متضمن لفهمه، ومن المعلوم أن كل كلام فالمقصود منه فهم معانيه دون مجرد ألفاظه، فالقرآن أولى.
__________
(1) تفسير الطبري (1/76) كلام ابن عباس.
(2) مجموع الفتاوي (13/331).(3/67)
ولهذا لم تعد فئة من الشيعة تهضم هذه المقالة، وخرجت عن القول بكل ما فيها، فقالت بأن ظواهر القرآن لا يختص بعلمها الاثنا عشر بل يشركهم غيرهم فيها، أما بواطن الآيات فمن اختصاص الأئمة. وقام خلاف كبير حول حجية ظواهر القرآن بين الأخباريين والأصوليين، فالفئة الأولى ترى أنه لا يعلم تفسير القرآن كله ظاهره وباطنه إلا الأئمة، والأخرى ترى حجية ظواهر القرآن لعموم الأدلة في الدعوة لتدبر القرآن وفهمه(1).
__________
(1) البيان للخوئي، ص 463، أصول الفقه للمظفر (3/130).(3/68)
إن دعوى أن القرآن لم يُفسر إلى لعلي مخالفة لقول الله سبحانه: {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44]، فالبيان للناس لا لعلي وحده –كما سبق- فليس لمن قال هذه المقالة إلا أحد طريقين: إما القول بأن الرسول لم يبلغ ما أنزل إليه، وإما أن يُكذب القرآن، وهي مخالفة للعقل ومما علم من الإسلام بالضرورة، ودعوى أن علم القرآن اختص به الأئمة ينافيه اشتهار عدد كبير من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتفسير القرآن كالخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وزيد بن ثابت وغيرهم، وكان علي رضي الله عنه يثني على تفسير ابن عباس رضي الله عنهما(1)، وقال ابن تيمية رحمه الله: وهذا ابن عباس نقل عنه من التفسير ما شاء الله بالأسانيد الثابتة ليس في شيء منها ذكر علي، وابن عباس يروي عن غير واحد من الصحابة، يروى عن عمر، وأبي هريرة، وعبد الرحمن بن عوف، وعن زيد بن ثابت، وأبي بن كعب، وأسامة بن زيد وغير واحد من المهاجرين والأنصار، وروايته عن علي قليلة جدًا، ولم يخرج أصحاب الصحيح شيئًا من حديثه عن علي، وخرجوا حديثه عن عمر وعبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة وغيرهم.. وما يعرف بأيدي المسلمين تفسير ثابت عن علي، وهذه كتب الحديث والتفسير مملوءة بالآثار عن الصحابة والتابعين، والذي منها عن علي قليل جدًا، وما ينقل من التفسير عن جعفر الصادق كذب على جعفر(2)، وقد تحدث جعفر بولع الناس بالكذب عليه، وإن قولهم بأن علم القرآن انفرد بنقله علي يفضي إلى الطعن في تواتر شريعة القرآن من الصحابة إلى سائر الأجيال، لأنه لم ينقلها –على حد زعمهم- عن رسول الله إلا واحد وهو علي رضي الله عنه، فهذه المقالة مؤامرة، الهدف منها الصد عن كتاب الله سبحانه والإعراض عن تدبره، واستلهام هديه،
__________
(1) تفسير ابن عطية (1/19)، تفسير ابن جزي (1/9).
(2) منهاج السنة (4/155).(3/69)
والتفكر في عبره، والتأمل في معانيه ومقاصده، فالقرآن في دين الشيعة لا وسيلة لفهم معانيه إلا من طريقة الأئمة الاثنى عشر، أما غيرهم فمحروم من الانتفاع به، وهي محاولة أو حيلة مكشوفة الهدف، مفضوحة القصد، لأن كتاب الله نزل بلسان عربي مبين وخوطب به الناس أجمعون {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف:2]، {هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:138]، وأمر الله عباده بتدبره، والاعتبار بأمثاله، والاتعاظ بمواعظه، ومحال أن يقال لمن لا يفهم ما يقال له ولا يعقل تأويله: اعتبر بما لا فهم لك به ولا معرفة من البيان والكلام(1)، وهي محاولة للصد عن ذلك العلم العظيم في تفسير القرآن، والذي نقله إلينا صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والسلف والأئمة، فهذه الكنوز العظيمة لا عبرة بها ولا قيمة لها في دين الشيعة، لأنها ليست واردة عن الأئمة الاثنى عشر، وقد صرح بذلك بعض شيوخهم المعاصرين فقال: إن جميع التفاسير الواردة عن غير أهل البيت لا قيمة لها ولا يعتد بها(2)، لقد حاولت كتب التفسير المعتمدة عندهم كتفسير القمي والعياشي والصافي والبرهان، وكتب الحديث كالكافي والبحار تأويلات لكتاب الله منسوبة لآل البيت تكشف في الكثير الغالب عن جهل فاضح بكتاب الله، وتأويل منحرف لآياته، وتعسف بالغ في تفسيره، ولا يمكن أن تصح نسبتها لعلماء آل البيت، فهي تأويلات لا تتصل بمدلولات الألفاظ، ولا بمفهومها ولا بالسياق القرآني –كما سيأتي أمثلة على ذلك بإذن الله- وبناء على هذه العقيدة فإن هذا هو مبلغ علم علماء آل البيت، وفي ذلك من الزراية عليهم ونسبة الجهل إليهم الشيء الكثير من قوم يزعمون محبتهم والتشيع لهم(3).
__________
(1) تفسير الطبري (1/82).
(2) الشيعة والرجعة، ص19، محمد رضا النجفي.
(3) أصول الشيعة الأمامية (1/176).(3/70)
3- اعتقادهم بأن للقرآن معاني باطنة تخالف الظاهر: ذهب الشيعة إلى أن للقرآن ظاهرًا وباطنًا، وأن الناس لا يعلمون إلا الظاهر، وأما الباطن فلا يعلمه إلا الأئمة ومن يستقي منهم، وبمثل هذه الأفكار فتح الشيعة الباب للزنادقة والملحدين وأصحاب الأهواء والمذاهب الهدامة لكي يتلاعبوا بالقرآن، وحاولوا جميعًا الكيد له وأرادوا أن يطفئوا نور الإسلام بأفواههم ولكن الله متم نوره ولو كره الكافرون، وقد استغل الشيعة فكرة الظاهر والباطن هذه وحاولوا بها تفسير القرآن لكي يوافق معتقداتهم ويخدم مذهبهم في الإمامة، كما اتخذوا القرآن تكأة للهجوم على الصحابة رضي الله عنهم وتجريحهم في الوقت الذي يمجدون فيه أهل البيت وينسبون إليهم أشياء يدفعونها هم عن أنفسهم، وقد أتى الشيعة الرافضة في هذا الباب بآراء تخالف كل ما أثر في تفسير القرآن، ولا يسندها أثر ولا عقل ولا لغة ولا منطق(1).
__________
(1) دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين ص 234،233.(3/71)
إن جذور التأويل الباطني نبتت في أروقة السبئية، لأن ابن سبأ حاول أن يجد لقوله بالرجعة مستندًا من كتاب الله بالتأويل الباطل وذلك حينما قال: العجب ممن يزعم أن عيسى يرجع ويكذب بأن محمدًا يرجع، وقد قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص:85] (1)، وقد نقلت لنا بعض كتب أهل السنة نماذج من تأويلات الشيعة لكتاب الله، ولكن ما انكشف لنا اليوم أمر خطير على عقائد الناس وفكرهم وثقافتهم، فقد تحدث الإمام الأشعري(2)، والبغدادي(3)، والشهرستاني(4)، وغيرهم يحكون عن المغيرة بن سعيد أحد الغلاة باتفاق السُّنَّة والشيعة والذي تنسب إليه الطائفة المغيرية أنه ذهب بتأويل الشيطان في قول الله جل شأنه: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنْسَانِ اكْفُرْ} [الحشر:16]، بعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهذا التأويل بعينه قد ورثته الاثنا عشرية، ودونته في مصادرها المعتمدة، حيث جاء في تفسير العياشي(5)، والصافي(6)، والقمي(7)، والبرهان(8)، وبحار الأنوار(9)، عن أبي جعفر في قول الله: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأمْرُ} [إبراهيم:22]، قال: وهو الثاني وليس في القرآن شيء «وقال الشيطان» إلا وهو الثاني، فكانت كتب الاثنى عشرية تزيد على المغيرية بوضع هذا الانحراف في كتاب الله قاعدة مطردة(10).
__________
(1) تاريخ الطبري (5/347).
(2) مقالات الإسلاميين (1/73).
(3) الفرق بين الفرق ص 24.
(4) الملل والنحل (1/177).
(5) تفسير العياشي (2/223).
(6) تفسير الصافي (3/223).
(7) تفسير القمي (3/84).
(8) البرهان (2/309).
(9) بحار الأنوار (3/378).
(10) أصول الشيعة الإمامية (1/206).(3/72)
فهذه الروايات التي تسندها كتب الشيعة الاثنى عشرية إلى أبي جعفر الباقر هي من أكاذيب المغيرة بن سعيد وأمثاله، فقد ذكر الذهبي عن كثير النواء(1)، أن أبا جعفر قال: برئ الله ورسوله من المغيرة بن سعيد، وبيان بن سمعان فإنهما كذبا علينا أهل البيت(2)، وروى الكشي في رجاله عن أبي عبد الله قال: لعن الله المغيرة بن سعيد كان يكذب علينا(3)، وساق الكشي روايات عديدة في هذا الباب(4)، ويلاحظ أنه اتفق كل من الأشعري، والبغدادي وابن حزم، ونشوان الحميري على أن جابرًا الجعفي الذي وضع أول تفسير للشيعة على ذلك النهج الباطني كان خليفة المغيرة بن سعيد(5) الذي قال بأن المراد بالشيطان في القرآن هو أمير المؤمنين عمر، فهي عناصر خطر يستقي بعضها من بعض عملت على فساد التشيع(6).
__________
(1) كثير النواء: شيعي وروي أنه رجع عن تشيعه.
(2) ميزان الاعتدال (4/161).
(3) ، (8) رجال الكشي ص 195.
(5) مقالات الإسلاميين (1/73)، الفرق بين الفرق، ص 242، المحلى (5/44)، أصول الشيعة (1/207)
(6) أصول الشيعة (1/208).(3/73)
وحين احتج شيخ الشيعة في زمنه –والذي إذا أطلق لقب العلامة عندهم انصرف إليه (ابن المطهر الحلي)- على استحقاق علي للإمامة بقوله: «البرهان الثلاثون قوله تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ - بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ} [الرحمن:20،19] قال علي وفاطمة {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ} النبي - صلى الله عليه وسلم - {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} الحسن والحسين، فحينما احتج ابن المطهر بذلك قال ابن تيمية رحمه الله: إن هذا وأمثاله إنما يقوله من لا يعقل ما يقول، وهذا بالهذيان أشبه منه بتفسير القرآن وهو من جنس تفسير الملاحدة والقرامطة الباطنية للقرآن، بل هو شر من كثير منه، والتفسير بمثل هذا طريق للملاحدة على القرآن والطعن فيه، بل تفسير القرآن بمثل هذا من أعظم القدح فيه والطعن فيه(1)، وهذه أمثلة من تحريف الشيعة الرافضة لآيات القرآن الكريم، وذلك بفتحهم باب التفسير الباطني للقرآن الكريم على مصراعيه:
أ- تحريفهم معنى التوحيد الذي هو أصل الدين إلى معنى آخر هو ولاية الإمامة: فعن أبي جعفر أنه قال: ما بعث الله نبيًا قط إلا بولايتنا والبراءة من عدونا(2)، وذلك قول الله في كتابه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36].
ب- تحريفهم معنى الإله إلى معنى الإمام: ففي قوله تعالى: {وَقَالَ اللهُ لاَ تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النحل:51] قال أبو عبد الله: يعني بذلك: ولا تتخذوا إمامين إنما هو إمام واحد(3).
__________
(1) منهاج السنة (4/66).
(2) تفسير العياشي (2/261)، البرهان (2/373).
(3) البرهان (2/373)، أصول الشيعة (1/209).(3/74)
ج- تحريفهم معنى الرب في القرآن إلى معنى الإمام: ففي تفسير قول الله تعالى: {وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا} [الفرقان:55]، قال القمي في تفسيره: الكافر: الثاني (يعني عمر بن الخطاب)، كان على أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ظهيرًا(1).
وقال الكاشاني في البصائر: إن الباقر عليه السلام سُئل عن تفسير هذه الآية فقال: إن تفسيرها في بطن القرآن: علي هو ربه في الولاية(2).
د- تحريفهم معاني الكلمة إلى معاني الأئمة: فقالوا في تفسير قول الله: {وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} [الشورى: 21]، الكلمة: الإمام(3)، وقوله سبحانه: {لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ} [يونس:64]. قالوا: لا تفسير للإمامة(4).
__________
(1) تفسير القمي (2/115).
(2) تفسير نور الثقلين (4/25).
(3) تفسير القمي (2/274)، بحار الأنوار (24/174).
(4) تفسير القمي (1/314)، بحار الأنوار (24/175).(3/75)
هـ- تحريفهم معاني المسجد والكعبة والقبلة إلى معاني الأئمة: فقالوا في تفسير قول الله تعالى: {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:29] قال: يعني الأئمة(1)، وفي قوله: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] قال: يعني الأئمة(2)، وفي قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا} [الجن:18]، قال: إن الإمام من آل محمد، فلا تتخذوا من غيرهم إمامًا(3)، ويقول الصادق عنهم: نحن البلد الحرام ونحن كعبة الله ونحن قبلة الله(4)، والسجود: هو ولاية الأئمة وبهذا يفسرون قوله تعالى: {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم:43] حيث قالوا: يدعون إلى ولاية علي في الدنيا(5).
__________
(1) تفسر العياشي (2/12)، أصول الشيعة (1/216).
(2) تفسير العياشي (2/13)، أصول الشيعة (1/216).
(3) البرهان (4/393)، أصول الشيعة (1/216).
(4) بحار الأنوار (24/303).
(5) تفسير القمي (2/383)، مرآة الأنوار، ص 176.(3/76)
و- تحريفهم معاني التوبة في القرآن إلى الرجوع عن ولاية أبي بكر وعمر وعثمان إلى ولاية علي وحده: ففي قوله سبحانه: {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} [غافر:7]. جاء تأويلها عندهم في ثلاث روايات، تقول الأولى: {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا} من ولاية فلان وفلان «يعنون أبا بكر وعمر وبني أمية»، وتقول الرواية الثانية: {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا} من ولاية الطواغيت الثلاثة «يعنون أبا بكر وعمر وعثمان»، ومن بني أمية، {وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} يعني ولاية علي، وتقول الثالثة: {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا} من ولاية هؤلاء وبني أمية {وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} هو أمير المؤمنين(1). وكل الروايات الثلاث المذكورة منسوبة لأبي جعفر محمد الباقر، وعلمه ودينه ينفيان صحة ذلك(2). وهذا قليل من كثير من تأويلاتهم الباطلة، فقد قامت مصادرهم في التفسير –غالبًا- على هذا المنهج الباطني في التأويل الذي استقته من أبي الخطاب وجابر الجعفي والمغيرة بن سعيد وغيرهم من الغلاة، ويلاحظ أنه في القرن الخامس بدأ اتجاه التفسير عندهم يحاول التخلص من تلك النزعة المفرطة في التأويل الباطني، حيث بدأ شيخ الطائفة عندهم أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (المتوفي 460هـ) يؤلف لهم كتابًا في التفسير، ويحاول فيه أن يتخلص أو يخفف من ذلك الغلو الظاهر في تفسير القمي والعياشي وفي أصول الكافي وغيرها، وهو وإن كان يدافع عن أصول طائفته ويقرر مبادئهم المبتدعة، إلا أنه لا يهبط ذلك الهبوط الذي نزل إليه القمي ومن تأثر به، ومثل الطوسي في هذا النهج الفضل بن الحسن الطبرسي في مجمع البيان، وقد أشار ابن تيمية إلى ذلك حيث يقول: الطوسي ومن معه في تفسيرهم يأخذون من تفسير أهل السنة، وما في تفاسيرهم من علم يستفاد إنما هو مأخوذ من تفاسير أهل السنة(3)
__________
(1) تفسير الصافي (4/335)، تفسيرالقمي (2/255).
(2) أصول الشيعة (1/218).
(3) منهاج السنة (3/246).(3/77)
.
سادسًا: موقف الشيعة الإمامية من الصحابة الكرام
يقف الشيعة الرافضة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - موقف العداوة والبغضاء والحقد والضغينة، يبرز ذلك من خلال مطاعنهم الكبيرة على الصحابة التي تزخر بها كتبهم القديمة والحديثة، فمن ذلك اعتقادهم كُفرهم وردتهم إلا نفرًا يسيرًا منهم، وعلى ما جاء مصرحًا بذلك في بعض الروايات الواردة في أصح كتبهم وأوثقها عندهم، فقد روى الكليني عن أبي جعفر أنه قال: كان الناس أهل ردة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ثلاثة. فقلت: ومن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، رحمة الله وبركاته عليهم ثم عرف أناس بعد يسير وقال: هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا وأبوا أن يبايعوا حتى جاؤوا بأمير المؤمنين مكرهًا فبايع(1).
وقال نعمة الله الجزائري: الإمامية قالوا بالنص الجلي على إمامة علي، وكفروا الصحابة، ووقعوا فيهم، وساقوا الإمامة إلى الجعفر الصادق وبعده إلى أولاده المعصومين عليهم السلام، ومؤلف هذا الكتا من هذه الفرقة وهي الناجية إن شاء الله(2).
وقدح الشيعة الرافضة في الصحابة لا يقف عند هذا الحد من اعتقاد تكفيرهم وردتهم، بل يعتقدون أنهم شر خلق الله، وأن الإيمان بالله ورسوله لا يكون إلا بالتبرؤ منهم، وخاصة الخلفاء الثلاثة أبا بكر وعمر وعثمان، وأمهات المؤمنين(3).
__________
(1) الروضة من الكافي (8/245-246)، الانتصار للصحب والآل، ص 76.
(2) الأنوار النعمانية (2/244).
(3) الانتصار للصحب والآل، ص77.(3/78)
يقول محمد باقر المجلسي: وعقيدتنا في التبرؤ أننا نتبرأ من الأصنام الأربعة؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، ومعاوية، والنساء الأربع: عائشة، وحفصة، وهند، وأم الحكم، ومن جميع أشياعهم وأتباعهم وأنهم شر خلق الله على وجه الأرض، وأنه لا يتم الإيمان بالله ورسوله والأئمة إلا بعد التبرؤ من أعدائهم(1). وقد بلغ من حقد هؤلاء على أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: استباحة لعنهم بل تقربهم إلى الله بذلك بشكل يفوق الوصف، فقد روي الملا كاظم عن أبي حمزة الثمالي –افتراء على زين العابدين رحمه الله- أنه قال: من لعن الجبت والطاغوت لعنة واحدة كتب الله له سبعين ألف ألف حسنة ومحا عنه سبعين ألف ألف سيئة، ورفع له سبعين ألف ألف درجة، ومن أمسى يلعنهما لعنة واحدة كتب له مثل ذلك، قال: فمضى مولانا علي بن الحسين، فدخلت على مولانا أبي جعفر محمد الباقر، فقلت: يا مولاي حديث سمعته من أبيك، قال: هات يا ثمالى، فأعدت عليه الحديث. فقال: نعم يا ثمالى أتحب أن أزيدك؟، فقلت: بلى يا مولاي. فقال: من لعنهما لعنة واحدة في كل غداة لم يكتب عليه ذنب في ذلك اليوم حتى يمسي، ومن أمسى فلعنهما لعنة واحدة لم يكتب عليه ذنب في ليله حتى يصبح(2)، ومن الأدعية المشهورة عندهم الواردة في كتب الأذكار: دعاء يسمونه دعاء صنمي قريش «يعنون بهما أبا بكر وعمر» وينسبون هذا الدعاء ظلمًا وزورًا لعلي رضي الله عنه وهو يتجاوز صفحة ونصف الصفحة وفيه: اللهم صل على محمد وآل محمد والعن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيهما وإفكيهما، وابنتيهما، اللذين خالفا أمرك، وأنكرا وحيك، وجحدا إنعامك، وعصيا رسولك، وقلبا دينك، وحرفا كتابك.. إلى أن جاء في آخره: اللهم العنهما في مكنون السر، وظاهر العلانية، لعنًا
__________
(1) حق اليقين، ص519 (فارسي) وقد قام بترجمة النص إلى العربية الشيخ محمد عبد الستار التونسوي، في كتابه بطلان عقائد الشيعة، ص 53.
(2) أجمع الفضائح، للملا كاظم، ص513، نقلاً عن الشيعة وأهل البيت، ص 157.(3/79)
كثيرًا أبدًا، دائمًا سرمدًا، لا انقطاع لأمره، ولا نفاد لعدده، لعنًا يعود أوله ولا يروح آخره، لهم ولأعوانهم، وأنصارهم ومحبيهم ومواليهم، والمسلمين لهم، والمائلين إليهم، والناهضين باحتجاجهم، والمقتدين بكلامهم، والمصدقين بأحكامهم، (قل أربع مرات): اللهم عذبهم عذابًا يستغيث منه أهل النار، آمين يا رب العالمين(1).
هذا الدعاء مرغب فيه عندهم، حتى –إنهم رووا في فضله نسبة إلى ابن عباس أنه قال: إن عليًا –عليه السلام- كان يقنت بهذا الدعاء في صلواته، وقال: إن الداعي به كالرامي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بدر وأُحد وحنين، بألف ألف سهم(2)، ولهذا كان هذا الدعاء محل عناية علمائهم، حتى إن أغا برزك الطهراني ذكر أن شروحه بلغت العشرة(3).
__________
(1) مفتاح الجنان في الأدعية والزيارات والأذكار، ص 113-114، وتحفة عوام مقبول، ص 214-215. وهذا الكتاب الأخير موثق من كبار علمائهم المعاصرين، ورد ذكر أسمائهم على غلاف الكتاب، ومنهم الخميني.
(2) علم اليقين في أصول الدين لمحسن الكاشاني (2/101).
(3) الذريعة إلى تصانيف الشيعة (8/192).(3/80)
فهذا ما جاء في كتبهم القديمة وعلى ألسنة علمائهم المتقدمين، أما المعاصرون منهم فهم على عقيدة سلفهم سائرون وبها متمسكون، فهذا إمامهم المقدس وآيتهم العظمى الخميني –يقول في كتابه كشف الأسرار: إننا هنا لا شأن لنا بالشيخين، وما قاما به من مخالفات للقرآن، ومن تلاعب بأحكام الإله، وما حللاه وحرماه من عندهما، وما مارساه من ظلم ضد فاطمة ابنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وضد أولادها، ولكنننا نشير إلى جهلهما بأحكام الإله والدين(1)، ويقول عن الشيخين رضي الله عنهما: وهنا نجد أنفسنا مضطرين إلى إيراد شواهد من مخالفتهما الصريحة للقرآن لنثبت بأنهما كانا يخالفان ذلك(2)، ويقول متهمهما بتحريف القرآن: لقد ذكر الله ثماني فئات تستحق سهمًا من الزكاة، لكن أبا بكر أسقط واحدة من هذه الفئات، بإيعاز من عمر ولم يقل المسلمون شيئًا(3)، ويقول: الواقع أنهم ما أعطوا الرسول حق قدره، الرسول الذي كدّ وجد وتحمل المصائب من أجل إرشادهم وهدايتهم، وأغمض عينيه وفي أذنيه كلمات ابن الخطاب القائمة على الفرية والنابعة من أعمال الكفر والزندقة(4).
وقد خرجت أصوات شيعية معاصرة تدعو للتقارب بين الشيعة وأهل السنَّة وتزعم أنها تقدر الصحابة، كالخنيزي وأحمد مغنية والرفاعي، ومحمد جواد مغنية، فعليهم أن يعلنوا موقفهم في تقديمهم للصحابة في الأوساط الشيعية، وأن يعملوا على تنقية التراث الشيعي من كل ما يخالف كتاب الله وسنة رسوله وأن يتصدوا لمشايخ الشيعة المعاصرين الذين لا يزالون يهذون في هذا الضلال، وألا يتجاهلوا ما جاء في كتبهم قديمًا وحديثًا وما يجري في واقعهم من عوامهم وشيوخهم، وأن يصدقوا ولا يتناقضوا، حتى يقبل منهم موقفهم(5).
__________
(1) كشف الأسرار، ص 126.
(2) المرجع نفسه، ص131.
(3) المرجع نفسه، ص135.
(4) المرجع نفسه، ص137.
(5) أصول الشيعة الإمامية (3/1319-1342).(3/81)
إن عقيدة الشيعة الرافضة في الصحابة موجودة في أصول كتبهم، التي يقوم عليها المذهب من مطاعن وسباب وشتائم بذيئة، يتنزه أصحاب المروءة والدين عن إطلاقها على أكفر الناس، بينما تنشرح بها صدور الشيعة الرافضة، وتسارع بها ألسنتهم في حق أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه ووزرائه وأصهاره، ويعدون ذلك دينًا يرجون عليه من الله أعظم الأجر والمثوبة. وفي الحقيقة إن المسلم إذا ما تأمل حال هؤلاء الناس من بُعد وضلال، فإنه لابد له من موقفين:
أ- موقف استشعار نعمة الله، وعظم لطفه، وسابغ كرمه أن أنقذه من هذا الضلال، الأمر الذي يستوجب شكرًا لله على ذلك.(3/82)
ب- موقف الاتعاظ والاعتبار بما بلغ هؤلاء القوم من زيغ وانحراف، يعلمه من له أدنى ذرة عقل، كتقربهم إلى الله بلعن أبي بكر وعمر صباحًا ومساءً، وزعمهم أن من لعنهما لعنة واحدة لم تكتب عليه خطيئة يومه، وذلك أن عامة العقلاء من هذه الأمة، بل ومن أصحاب الملل السماوية يدركون إدراكًا ضروريًا من دين الله، أن الله ما تعبد أمة من الأمم بلعن أحد من الكفار، ولو كان أكفر الناس، بل ما تعبدهم بلعن إبليس اللعين المطرود من رحمة الله صباحًا ومساء، في أوراد مخصوصة تقربنا إلى الله كما تتقرب الشيعة الرافضة بلعن أبي بكر وعمر. بل إني لا أعلم(1)، فيما أطلعت عليه من كتب الرافضة أنفسهم أنها تضمنت دعاء مخصوصًا أو غير مخصوص في لعن أبي جهل، أو أمية بن خلف، أوالوليد بن المغيرة الذين هم أشد الناس كفرًا وتكذيبًا لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، بل ولا في لعن إبليس في حين أن كتبهم تمتلئ بالروايات في لعن أبي بكر وعمر، كما في دعاء صنمي قريش وغيره، ففي هذا عبرة لكل معتبر فيما يبلغ بالعبد من الضلال إن هو أعرض عن شرع الله، واتبع الأهواء والبدع يزين له سوء عمله وقبيح أفعاله حتى يصبح لا يعرف معروفًا من منكر، ولا يميز حقًا من باطل، بل يتخبط في الظلمات، ويعيش سكرة الشهوات، وهذا ما أخبر الله عنه في كتابه وبين حال أصحابه (2) في قوله {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ} [فاطر: 8]، وقال: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104]، وقال تعالى: {قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلاَلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ
__________
(1) هو الدكتور إبراهيم الرحيلي صاحب كتاب الانتصار للصحب والآل، ص 85.
(2) الانتصار للصحب والآل، ص 85.(3/83)
فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا} [مريم: 75].
نماذج للمزاجية في تفسير الآيات عند الشيعة الرافضة المتعلقة بردة الصحابة -على حد زعمهم- والرد على باطلهم.
أ- آية آل عمران: استدل الشيعة الرافضة بقول الله تعالى في كتابه العزيز: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ - وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَّضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 143، 144]، إن هذه الآية يزعمون أنها صريحة في الدلالة على انقلاب الصحابة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعد الصحابة المنقلبين على أعقابهم هم الكثرة الغالبة من الصحابة فيما ثبت من الصحابة قلة قليلة، وهي الفئة التي ترى الشيعة الرافضة ثبوتها على الإسلام، وهؤلاء الثابتون هم الشاكرون ولا يكونون إلا قلة كما قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13]، والمهم عندهم أن آية الانقلاب تقصد الصحابة مباشرة، الذين يمشون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المدينة، وترمي إلى الانقلاب مباشرة بعد وفاته دون فصل (1)، وقد حولوها وطبقوها على ما حدث في سقيفة بني ساعدة عندما انتخب الصحابة الكرام أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- والرد على هذا الكذب العظيم كالآتي:
__________
(1) ثم اهتديت للتيجاني، ص 114، 115.(3/84)
- روي الطبري في تفسيره بسنده عن الضحاك قال في قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران: 144]، ناس من أهل الارتياب ومرضى النفاق، قالوا يوم فر الناس عن نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، وشج فوق حاجبيه، وكسرت رباعيته: قتل محمد فالحقوا بدينكم الأول، فذلك قوله: {أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: 144] (1).
وروي أيضا عن ابن جريج قال: قال أهل المرض والارتياب والنفاق، حين فر الناس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: قد قتل محمد، فالحقوا بدينكم الأول، فنزلت الآية (2)، فالمقصود بالانقلاب على الأعقاب في الآية هو: ما قاله المنافقون لما أشيع في الناس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل، وهو قولهم: ارجعوا إلى دينكم الأول، ولم تكن هذه الآية فيمن ارتد بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كانت حجة عليهم، مع أنها لو كانت فيمن ارتد بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - لكانت أظهر في الدلالة على براءة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من المرتدين، فإنهم هم الذين قاتلوهم، وأظهر الله دينه على أيديهم، وخذل المرتدين بحربهم لهم، فرجع منهم من رجع إلى الدين، وهلك من هلك على ردته، وظهر فضل الصديق بمقاتلهم لهم (3)، ولهذا ثبت عن علي -رضي الله عنه- أنه كان يقول في قوله تعالى: {وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]، الثابتين على دينهم أبا بكر وأصحابه (4)، وكان يقول كان أبو بكر أمين الشاكرين وأمين أحباء الله، وكان أشكرهم وأحبهم إلى الله (5).
__________
(1) تفسير الطبري (3/ 458).
(2) تفسير الطبري (3/ 458).
(3) الانتصار للصحب والآل، ص 322.
(4) تفسير الطبري (3/ 455).
(5) تفسير الطبري (3/ 455).(3/85)
لقد كان لموقعة أحد ظروفها الخاصة وملابستها، ولذلك جاءت الآيات الكريمة في سورة آل عمران وفقا لتلك الظروف والملابسات، واستخدام الآية الكريمة للاستدلال على وقائع كحادثة السقيفة أو موقعة الجمل لا يخلو من غرابة ومن مزاجية، لا تمت بصلة للمنهجية العلمية، وتُعد هذه الآية من أكبر الدلائل على عظم إيمان أبي بكر وحكمته وتفانيه في الدفاع عن دين الله، فموقفه الثابت يوم أن توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير شاهد على ذلك، يوم أن وقف وقفته الثابتة مخاطبا الناس بعدما أصابه الوهن والضعف على فقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن الله عز وجل يقول: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [الزمر: 30]، ويقول {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَّضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]، فمن كان يعبد الله عز وجل فإن الله عز وجل حي لا يموت، ومن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات (1)، وموقفه الصارم من الذين ارتدوا على أعقابهم واستبدلوا الإيمان بالكفر، فاتبعوا مسيلمة، وسجاح وطليحة بن خوليد والأسود العنسي وأمثالهم، ومن الذين قالوا: لا نصلي ولا نزكي، فأسقطوا شعائر الإسلام بالهوى لأروع مثال على عظمة أبي بكر و الصحابة وعلى حرصهم على الدين (2)، وقد وقف أمير المؤمنين علىّ بجانب الخليفة الراشد الصديق في جهاد المرتدين ومانعي الزكاة، أما التيجاني وشرف الدين الموسوي وفلان وفلان من أئمة علماء الشيعة الاثني عشرية فلا زالوا يدندنون حول قضية مانعي الزكاة محاولين تبرئة ساحتهم، ورمي أبي بكر والصحابة بالمقابل بالأباطيل والردة، فأي ضلال ينطق به هؤلاء حين يطعنون في أصحاب رسول الله، ويجعلون من الذين جاهدوا (3)
__________
(1) البخاري، فضائل الصحابة رقم (3668).
(2) ثم أبصرت الحقيقة، ص 302.
(3) ثم أبصرت الحقيقة، ص 302، 303.(3/86)
في سبيل الله رفعة لهذا الدين رموزا للكفر والردة والنفاق، ولذلك لا نعجب إن علمنا مدى إكبار الإمام جعفر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لأبي بكر الصديق وإجلالا له، يذكر الأربلي -في كتاب كشف الغمة في معرفة الأئمة- عن عروة بن عبد الله أنه قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عن حلية السيوف، فقال: لا بأس بها، قد حلى أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- سيفه، قلت: فتقول الصديق؟ قال: فوثب وثبة واستقبل القبلة، وقال: نعم الصديق، فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله له قولاً في الدنيا والآخرة (1)، فرحم الله الإمام أبا جعفر، ورحم الله كلماته التي طوتها صحف الأمس ولم تنطق بها ضمائر اليوم (2).
ب- آية سورة المائدة: وقد استدل بعض المتنطعين على ردة الصحابة وانقلابهم على أعقابهم بقول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَّرْتَدَّ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54].
__________
(1) ثم أبصرت الحقيقة، ص 304.
(2) تفسير الطبري (4/ 623 -624).(3/87)
إن هذه الآية التي بين أيدينا والتي يستدل بها علماء الشيعة الأثني عشرية، على ردة الصحابة وانقلابهم على أعقابهم(1)، لهي أعظم دليل على عظمة هؤلاء الصحابة وتفانيهم في الدفاع عن الإسلام، لا على ردتهم وانقلابهم على أعقابهم، فقد روى الطبري بسنده عن علي -رضي الله عنه- أنه قال في قوله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54]، بأبي بكر وأصحابه، وعن الحسن البصري قال: هذا والله أبو بكر وأصحابه، وعن الضحاك قال: هو أبو بكر وأصحابه، حتى ردهم إلى الإسلام، وبهذا قال قتادة وابن جريج وغيره من أئمة التفسير (2).
إن الآية الكريمة تحدثت عن صفات جيل التمكين وبأن أهل الإيمان سيحالفهم النصر والتمكين فينالون العزة و الكرامة بينما سيحيق بأهل الردة مكرهم السيئ وتغشاهم الذلة، وهذه حقيقة يلمسها كل من قرأ التاريخ الصحيح وتجلت له عزة الصحابة وعلى رأسهم الخليفة الراشد أبو بكر، وذل زعماء الردة، كمسيلمة والعنسي وسجاح وخيبتهم (3).
إن هذه الصفات المذكورة في هذه الآية الكريمة أول من تنطبق عليه أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- وجيوشه من الصحابة الذين قاتلوا المرتدين، فقد مدحهم الله بأكمل الصفات وأعلى المبرات، فالله سبحانه وتعالى ذكر أنه يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله، لا يخافون لومة لائم، وقد شرحت هذه الصفات في كتابي الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق (4) فمن أراد المزيد فليرجع إليه.
__________
(1) ثم أبصرت الحقيقة ص 311.
(2) تفسير الطبري (4/123-624).
(3) المصدر نفسه، ص 312.
(4) الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق، ص 288 إلى 291، للمؤلف.(3/88)
ج- آية سورة التوبة: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآَخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ - إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة: 38، 39]، فقد قال بعض علماء الشيعة الرافضة: هذه الآية صريحة في أن الصحابة تثاقلوا عن الجهاد، واختاروا الركون إلى الحياة الدنيا، رغم علمهم بأنها متاع قليل، حتى استوجبوا توبيخ الله سبحانه، وتهديده إياهم بالعذاب الأليم، واستبدال غيرهم من المؤمنين الصادقين، وقد جاء هذا التهديد باستبدال غيرهم في العديد من الآيات، مما يدل دلالة واضحة على أنهم تثاقلوا عن الجهاد في مرات عديدة، فقد جاء في قول الله تعالى: {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38]، عند صاحب كتاب (ثم اهتديت): ومن البديهي المعلوم أن الصحابة تفرقوا بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - واختلفوا وأوقدوا نار الفتنة، حتى وصل بهم الأمر إلى القتال والحرب الدامية، التي سببت انتكاس المسلمين وتخلفهم وأطمعت فيهم أعداءهم (1). والرد على هذا الشيعي الرافضي كالآتي: أنه ليس في الآيتين مطعن على أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما فيها حث الله تعالى الصحابة على الجهاد، وذلك عندما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في غزوة تبوك بغزو الروم، وكان ذلك في زمن العسرة وفاقة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مع شدة الحر وبعد السفر، فشق ذلك على بعضهم، فنزلت الآيات في الترغيب في الجهاد في سبيل الله والتحذير من التثاقل عنه، فاستجاب أصحاب النبي لأمر ربهم.
__________
(1) ثم اهتديت، ص 115.(3/89)
قال الطبري في تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ} [التوبة: 38]، وهذه الآية حث من الله جل ثناؤه للمؤمنين به من أصحاب رسوله على غزو الروم، وذلك في غزوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبوك (1). ولا شك أن في هاتين الآيتين تضمنتا نوع من عتاب من الله عز وجل لبعض من ثقل عليهم الخروج في الجهاد، وهذا قطعًا لا يرد على عامة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين استجابوا لله ورسوله بالمسارعة في الخروج في سبيل الله، وعن غالب الصحابة وأكثرهم (2)، وقال ابن كثير: هذا شروع في عتاب من تخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك (3)، ومعلوم أنه لم يتخلف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك أحد من أصحابه من غير أهل الأعذار، إلا ثلاثة نفر كما دل على ذلك حديث كعب بن مالك المشهور في الصحيحين (4)، وهم كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، ومع هذا فقد ثبت بنص كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أن الله تاب على الجميع، وأنزل في توبته على سائر الصحابة، وحيا يتلى في كتابه في قوله: {لَقَد تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ - وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 117، 118]، وتضمنت هذه الآيات إخبار
__________
(1) تفسير الطبري (6/ 372).
(2) الانتصار للصحب والآل، ص 327.
(3) تفسير ابن كثير (2/ 372).
(4) البخاري رقم (4118)، مسلم (2769).(3/90)
الله تعالى عن توبته على المهاجرين والأنصار الذين اتبعوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، والتي تسمى غزوة العسرة فلم يتخلفوا عنه مع ما أصابهم فيها من الجهد والشدة والفقر، حتى جاء في بعض الروايات أن النفر منهم كانوا يتناولون التمرة بينهم يمصها هذا ثم يشرب عليها، ثم يمصها هذا ثم يشرب عليها حتى تأتي على آخرهم (1)، كما تضمنت توبة الله على الثلاثة المخلفين، الذين تأخروا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك الغزوة بعد هجر النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم، وندمهم ندما عظيما حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت (2)، فلم يبق بعد ذلك عذر لأحد في النيل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو غمزهم بشيء مما قد يقع منهم بعد مغفرة الله لهم وتوبته عليهم، وثنائه عليهم الثناء العظيم في كتابه، وتزكية الرسول - صلى الله عليه وسلم - لهم في سنته -رضي الله عنهم- (3)، وأما اقتتال الصحابة -رضي الله عنهم- فقد نشأ في عهد علي -رضي الله عنه-، وقد بينا الحديث عن أسباب الاختلاف بين الصحابة في الفتنة، وبيان وجهة كل فريق، وبراءتهم من كل ما يلصق بهم من ذلك، وأن عامة ما صدر منهم إنما كانوا مجتهدين فيه، ليس لأحد أن يذمهم بشيء منه (4)، وإنما الإمساك عما شجر بينهم والترحم عليهم هو السبيل الأمثل، والمنهج الأقوم في حقهم، فرضي الله عنهم أجمعين (5).
__________
(1) تفسير الطبري (6/ 502)، تفسير البغوي (2/ 333).
(2) الانتصار للصحب والآل، ص 329.
(3) المصدر نفسه، ص 328.
(4) المصدر نفسه، ص (330).
(5) البخاري، ك الرقاق، رقم (6584)، (6587).(3/91)
د- حديث المذادة عن الحوض: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بينما أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم، فقلت: إلى أين؟، فقال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال: ارتدوا على أدبارهم القهقري، فلا أرى يخلص منهم إلا همل النعم» (1)، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «ني فرطكم على الحوض، من مر عليّ شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدًا، ليردن علي أقوامه أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم، فأقول: أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا لمن غير بعدي» (2).
يقول بعض الشيعة: فالمتمعن في هذه الأحاديث العديدة التي أخرجها علماء أهل السنة في صحاحهم ومسانيدهم، لا يتطرق إليه الشك في أن أكثر الصحابة قد بدلوا وغيروا، بل ارتدوا على أدبارهم بعده - صلى الله عليه وسلم - إلا القليل عبر عنه بهمل النعم، ولا يمكن بأي حال من الأحوال حمل هذه الأحاديث على القسم الثالث، وهم المنافقون لأن النص يقول: فأقول: أصحابي، ولأن المنافقين لم يبدلوا بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإلا لأصبح المنافق بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمنا(3)، والرد على هذه الشبهة كالتالي: إن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مما لا يقبل النزاع في عدالتهم أو التشكيك في إيمانهم بعد تعديل العليم الخبير لهم في كتابه، وتزكية رسوله لهم في سنته، وثناء الله ورسوله عليهم أجمل الثناء، ووصفهم بأحسن الصفات، مما هو معلوم ومتواتر من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - -ويأتي بيان ذلك بإذن الله-.
__________
(1) الانتصار للصحب والآل، ص 330.
(2) البخاري، كتاب الرقاق رقم (6584، 6587).
(3) ثم اهتديت، ص119.(3/92)
ولهذا اتفق شراح الحديث من أهل السنة، على أن الصحابة غير معينين بهذه الأحاديث، وأنها لا توجب قدحا فيهم، قال ابن قتيبة -في معرض رده على الشيعة الرافضة- في استدلالهم بالحديث على ردة الصحابة: فكيف يجوز أن يرضى الله عز وجل عن أقوام ويحمدهم، ويضرب لهم مثلا في التوراة والإنجيل، وهو يعلم أنهم يرتدون على أعقابهم بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يقولوا: إنه لم يعلم وهذا هو شر الكفرين (1)، وقال الخطابي: لم يرتد من الصحابة أحد، وإنما ارتد من جفاة العرب، ممن لا نصرة له في الدين، وذلك لا يوجب قدحا في الصحابة المشهورين، ويدل القول: (أصيحابي) على قلة عددهم(2)، وقال النووي في شرح بعض روايات الحديث عند قوله - صلى الله عليه وسلم -: (هل تدري ما أحدثوا بعدك)، وهذا اختلف العلماء في المراد به على أقوال:
إن المراد به المنافقون والمرتدون، فيجوز أن يحشروا بالغرة والتحجيل، فيناديهم النبي - صلى الله عليه وسلم - للسيما التي عليهم، فيقال: ليس هؤلاء مما وعدت بهم، إن هؤلاء بدلوا بعدك: أي لم يموتوا على ما ظهر من إسلامهم.
إن المراد من كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ارتد بعده فيناديهم النبي - صلى الله عليه وسلم - لما كان يعرفه - صلى الله عليه وسلم - في حياته من إسلامهم، فيقال: ارتدوا بعدك.
إن المراد به أصحاب المعاصي والكبائر الذين ماتوا على التوحيد، وأصحاب البدع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الإسلام، وعلى هذا لا يقطع بهؤلاء الذي يذادون بالنار يجوز أن يذادوا عقوبة لهم، ثم يرحمهم الله سبحانه وتعالى فيدخلهم الجنة بغير عذاب(3)، ونقل هذه الأقوال، أو قريبا منها، القرطبي وابن حجر رحمهما الله تعالى(4).
__________
(1) تأويل مختلف الحديث ص 279.
(2) فتح الباري (11/ 285).
(3) شرح صحيح مسلم (3/ 136، 137).
(4) المفهم للقرطبي (1/ 504)، فتح الباري (11/ 385).(3/93)
ولا يمتنع أن يكون أولئك المذادون عن الحوض من مجموع تلك الأصناف المذكورة، فإن الروايات محتملة لكل هذا، ففي بعضها يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فأقول أصحابي أو أصيحابي -بالتصغير- وفي بعضها يقول: «سيؤخذ أناس من دوني، فأقول: يا ربي مني ومن أمتي»، وفي بعضها يقول: «ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني»(1)، وظاهر ذلك أن المذادين ليسوا طائفة واحدة،وهذا هو الذي تقتضيه الحكمة، فإن العقوبات في الشرع تكون بحسب الذنوب، فيجتمع في العقوبة الواحدة كل من استوجبها من أصحاب ذلك الذنب (2)، وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بين أن سبب الذود عن الحوض، هو الارتداد كما في قوله: «إنهم ارتدوا على أدبارهم»، أو الإحداث في الدين، كما في قوله: «إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» (3)، فمقتضى ذلك هو أن يزاد عن الحوض كل مرتد عن الدين سواء أكان ممن ارتد بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأعراب، أم من كان بعد ذلك، يشاركهم في هذا أهل الإحداث وهم المبتدعة، وهذا ما ذهب إليه بعض أهل العلم، قال ابن عبد البر -رحمه الله- كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض، كالخوارج والروافض، وسائر أصحاب الأهواء، قال: وكذلك الظلمة المسرفون في الجور وطمس الحق، والمعلنون بالكبائر، قال: وكل هؤلاء يخاف عليهم أن يكونوا ممن عنوا بهذا الخبر، والله أعلم (4)، وقال القرطبي رحمه الله في التذكرة: قال علماؤنا رحمة الله عليهم أجمعين: فكل من ارتد عن دين الله، أو أحدث فيه ما لا يرضاه، ولم يأذن به الله، فهو من المطرودين عن الحوض المبعدين عنه، وأشدهم طردا من خالف جماعة المسلمين وفارق سبيلهم، كالخوارج على اختلاف فرقها، والروافض على تباين ضلالها، والمعتزلة على أصناف أهوائها، فهؤلاء كلهم مبدلون (5)
__________
(1) الروايات في البخاري، كتاب الرقاق، فتح الباري (11/ 463، 465).
(2) الانتصار للصحب والآل، ص 354.
(3) مسلم، كتاب الفضائل وإثبات الحوض (4/ 1792- 1082).
(4) شرح النووي على صحيح مسلم (3/ 137).
(5) التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة (1/ 348).(3/94)
.
إذا ما تقرر هذا ظهرت براءة الصحابة من كل ما يرميهم به الشيعة الرافضة، فالذود عن الحوض، إنما هو بسبب الردة والإحداث في الدين، والصحابة من أبعد الناس عن ذلك، بل هم أعداء المرتدين الذين قاتلوهم وحاربوهم في أصعب الظروف وأحرجها بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم -، على ما روى الطبري في تاريخه بسنده عن عروة بن الزبير عن أبيه قال: ارتد العرب إما عامة وإما خاصة في كل قبيلة، ونجم النفاق، وأشرأبت اليهود والنصارى، والمسلمون كالغنم في الليلة المطيرة الشاتية لفقد نبيهم - صلى الله عليه وسلم - وقلتهم وكثرة عدوهم (1).
ومع هذا تصدى أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لهؤلاء المرتدين وقاتلوهم قتالا عظيما وناجزوهم حتى أظهرهم الله عليهم، فعاد للدين من أهل الردة من عاد، وقتل منهم من قتل، وعاد للإسلام عزه وقوته وهيبته على أيدي الصحابة -رضي الله عنهم- وكذلك أهل البدع كان الصحابة -رضوان الله عليهم- أشد الناس إنكارا عليهم، ولهذا لم تشتد البدع وتقوى إلا بعد انقضاء عصرهم، ولما ظهرت بعض بوادر البدع في عصرهم أنكروها وتبرؤوا منها ومن أهلها، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال لمن أخبره عن مقالة القدرية: إذا لقيت هؤلاء، فأخبرهم أن ابن عمر منهم برئ، وهم منه براء ثلاث مرات (2)، ويقول البغوي ناقلا إجماع الصحابة وسائر السلف على معاداة أهل البدع، وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدع ومهاجرتهم (3).
__________
(1) الانتصار للصحب والآل، ص 356، نقلا عن تاريخ الطبري (3/ 225).
(2) السنة لعبد الله بن أحمد (2/ 420).
(3) شرح السنة للبغوي (1/ 194).(3/95)
وهذه المواقف العظيمة للصحابة من أ هل الردة وأهل البدع، من أكبر الشواهد الظاهرة على صدق تدينهم، وقوة إيمانهم وحسن بلائهم في الدين، وجهادهم أعداءه بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أقام الله بهم السنة وقمع البدع، الأمر الذي يظهر به كذب الرافضة في رميهم لهم بالردة والإحداث في الدين، والذود عن حوض النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل هم أولى الناس بحوض نبيهم لحسن صحبتهم له في حياته وقيامهم بأمر الدين بعد وفاته، ولا يشكل على هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ليردن على ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني» (1)، فهؤلاء هم من مات النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم على دينه، كما ارتدت كثير من قبائل العرب بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - فهؤلاء في علم النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه، لأنه مات وهم على دينه، ثم ارتدوا بعد وفاته ولذا يقول له: «إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك»، وفي بعض الروايات «إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري» (2).
فظاهر أن هذا في حق المرتين بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأين أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين قاموا بأمر الدين بعد نبيهم خير قيام، فقاتلوا المرتدين وجاهدوا الكافرين والمنافقين، وفتحوا بعد ذلك الأمصار، حتى عم دين الله كثيرًا من الأمصار، من أولئك المنقلبين على أدبارهم، وهؤلاء المرتدون لا يدخلون عند أهل السنة في الصحابة، ولا يشملهم مصطلح الصحبة إذا ما أطلق، فالصحابي كما عرفه العلماء المحققون: من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمنًا به ومات على الإسلام (3).
__________
(1) البخاري رقم (6582).
(2) مسلم، الفضائل (4/ 1796).
(3) الإصابة في تمييز الصحابة (1/ 7).(3/96)
وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فلا أراه يخلص منه إلا مثل همل النعم» (1)، واحتجاج الشيعة الرافضة به على تكفير الصحابة إلا القليل منهم فالحجة عليهم فيه، لأن الضمير في قوله (منهم) إنما يرجع على أولئك القوم يدنون من الحوض ثم يذادون عنه، فلا يخلص منهم إلا القليل، وهذا ظاهر من سياق الحديث فإن نصه: «بينما أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم، فقلت: إلى أين؟، فقال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال: ارتدوا على أدبارهم القهقري، ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم، فقلت: إلى أين؟، فقال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أراه يخلص منه إلا مثل همل النعم) (2)، فليس في الحديث للصحابة ذكر وإنما ذكر زمرا من الرجال يذادون من دون الحوض، ثم لا يصل إليهم منهم إلا القليل (3)، قال ابن حجر في شرح الحديث عند قوله: (فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم)، يعني به هؤلاء الذين دنوا من الحوض وكادوا يردونه فصدوا عنه، والمعنى لا يرده منهم إلا القليل لأن الهمل في الإبل قليل بالنسبة لغيره (4)، ولهذا يظهر بطلان احتجاج الشيعة الرافضة وتلبيسهم وبراءة الصحابة من طعنهم وتجريحهم (5).
__________
(1) البخاري، رقم (6584- 6587).
(2) البخاري رقم (6584).
(3) الانتصار للصحب والآل، ص 359.
(4) فتح الباري (11/ 474، 475).
(5) الانتصار للصحب والآل، ص 360.(3/97)
2- عدالة الصحابة -رضي الله عنهم-: إن تعريفات أهل العلم للعدالة في الاصطلاح ترجع إلى معنى واحد وهو أن العدالة ملكة في النفس تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة ولا تتحقق للإنسان إلا بفعل المأمور وترك المنهي وأن يبعد عما يخل بالمروءة، ولا تتحقق إلا بالإسلام والبلوغ، والعقل، والسلامة من الفسق، ولم تتحقق العدالة في أحد تحققها في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجميعهم -رضي الله عنهم- عدول تحققت فيهم صفة العدالة(1).
والمراد بها رواياتهم للحديث عن رسول الله، وحقيقتها التجبن عن تعمد الكذب في الرواية والانحراف فيها، قال العلامة الدهلوي: ولقد تتبعنا سيرة الصحابة كلهم، فوجدناهم يعتقدون الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - أشد الذنوب، ويحترزون عنه غاية الاحتراز كما لا يخفى على أهل السير (2).
ولقد تضافرت الأدلة في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - على تعديل الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- ممالا يبقى معها شك لمرتاب في تحقق عدالتهم، فكل حديث له سند متصل بين من رواه وبين المصطفى لم يلزم العمل به إلا بعد أن تثبت عدالة رجاله، ويدب النظر في أحوالهم سوى الصحابي الذي رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم، وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم بنص القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه (3).
قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143]، ووجه الاستدلال بهذه الآية على عدالة الصحابة -رضي الله عنهم- أن وسطا تعني: عدولا خيارا لأنهم المخاطبون بهذه الآية مباشرة (4).
__________
(1) عقيدة أهل السنة في الصحابة الكرام (2/ 799).
(2) ظفر الأماني في مختصر الجرجاني للكنوي، ص (506، 507).
(3) عقيدة أهل السنة في الصحابة الكرام (2/ 800).
(4) الكفاية، للخطيب ا لبغدادي، ص 64.(3/98)
قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} [آل عمران: 110]، ووجه دلالة هذه الآية على عدالة الصحابة -رضي الله عنهم-: أنها أثبتت الخيرية المطلقة لهذه الأمة على سائر الأمم قبلها، وأول من يدخل في هذه الخيرية المخاطبون بهذه الآية مباشرة عند النزول وهم الصحابة الكرام -رضي الله عنهم-، ذلك يقتضي استقامتهم في كل حال، وجريان أحوالهم على الموافقة دون المخالفة، ومن البعيد أن يصفهم الله عز وجل بأنهم خير أمة ولا يكونون أهل عدل واستقامة، وهل الخيرية إلا ذلك (1).
قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100]، ووجه دلالة هذه الآية على عدالتهم -رضي الله عنهم-: أن الله تعالى أخبر فيها برضاه عنهم، ولا يثبت الله رضاه إلا لمن كان أهل للرضا، ولا توجد الأهلية لذلك إلا من كان من أهل الاستقامة في أموره كلها عدلاً في دينه، ومن أثنى الله تعالى عليه هذا الثناء كيف لا يكون عدلاً؟، وإذا كان التعديل يثبت بقول اثنين من الناس فكيف لا يثبت عدالة صفوة الخلق وخيارهم بهذا الثناء، الصادر من رب العالمين (2).
__________
(1) عقيدة أهل السنة في الصحابة (2/ 804).
(2) عقيدة أهل السنة في الصحابة (2/ 804).(3/99)
قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29]، فهذا الوصف الذي وصفهم الله به في كتبه، وهذا الثناء الذي أثنى به عليهم لا يتطرق على النفس معه الشك في عدالتهم؟ قال القرطبي رحمه الله عند تفسير هذه الآية: فالصحابة كلهم عدول -أولياء الله تعالى وأصفياؤه، وخيرته من خلقه بعد أنبيائه ورسله- هذه الأمة، وقد ذهبت شرذمة لا مبالاة بهم إلى أن حال الصحابة كحال غيرهم، فيلزم البحث عن عدالتهم، ومنهم من فرق بين حالهم في بداءة الأمر، فقال: إنهم كانوا على العدالة إذ ذاك، ثم تغيرت بهم الأحوال، فظهرت فيهم الحروب وسفك الدماء، فلابد من البحث وهذا مردود، فإن خيار الصحابة وفضلائهم كعلي وطلحة والزبير وغيرهم -رضي الله عنهم- ممن أثنى الله عليهم وزكاهم ورضي عنهم وأرضاهم، ووعدهم الجنة بقوله تعالى: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}، وخاصة العشرة المقطوع لهم بالجنة بإخبار الرسول هم القدوة مع علمهم بكثير من الفتن والأمور الجارية عليهم بعد نبيهم بإخباره لهم بذلك، وذلك غير مسقط من مرتبتهم وفضلهم إذا كانت تلك الأمور مبنية على الاجتهاد(1).
__________
(1) تفسير الطبري (16/ 299).(3/100)
هـ- قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ - وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 8، 9]، فالصادقون هم المهاجرون، والمفلحون هم الأنصار، بهذا فسر أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- هاتين الكلمتين من الآيتين حيث قال في خطبته يوم السقيفة مخاطبا الأنصار: إن الله سمانا (الصادقين) وسماكم (المفلحون) وقد أمركم أن تكونوا حيثما كنا، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119].
فهذه الصفات الحميدة في هاتين الآيتين كلها حققها المهاجرون والأنصار من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واتصفوا بها، ولذلك ختم صفات المهاجرين بالحكم بأنهم صادقون، وختم صفات الذي آزروهم ونصروهم وآثروهم على أنفسهم بالحكم لهم بأنهم مفلحون، وهذه الآيات البينة الدالة على عدالة الصحابة -رضي الله عنهم-، فعدالتهم ثابتة بنص القرآن الكريم (1).
وأما دلالة السنة على تعديلهم -رضي الله عنهم-: فقد وصفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث يطول تعدادها وأحسن الثناء عليهم بتعديلهم، ومن تلك الأحاديث:
__________
(1) عقيدة أهل السنة في الصحابة الكرام (2/ 802).(3/101)
ما رواه الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي بكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (... ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب) (1)، وجه دلالة الحديث على عدالتهم -رضي الله عنهم-: أن هذا القول صدر من النبي - صلى الله عليه وسلم - في أعظم جمع من الصحابة في حجة الوداع، وهذا من أعظم الأدلة على ثبوت عدالتهم حيث طلب منهم أن يبلغوا ما سمعوه منه من لم يحضر ذلك الجمع دون أن يستثني منهم أحدا (2). قال ابن حبان رحمه الله: وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب)، أعظم دليل على أن الصحابة كلهم عدول ليس فيهم مجروح ولا ضعيف، إذ لو كان فيهم أحد غير عدل لاستثنى في قوله - صلى الله عليه وسلم - وقال: ألا ليبلغ فلان منك الغائب، فلما أجملهم في الذكر بالأمر بالتبليغ من بعدهم دل على أنهم كلهم عدول، وكفى بمن عدله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شرفا (3).
روى البخاري بإسناده إلى أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)(4)، وجه الاستدلال بهذا الحديث على عدالة الصحابة -رضي الله عنهم-: أن الوصف لهم بغير العدالة سب، لا سيما وقد نهى - صلى الله عليه وسلم - بعض من أدركه وصحبه عن التعرض لمن تقدمه لشهود المواقف الفاضلة، فيكون من بعدهم بالنسبة لجميعهم من باب أولى (5)، فالصحابة كلهم عدول بتعديل الله لهم وثنائه عليهم، وثناء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهم، فليسوا بحاجة إلى تعديل أحد من الخلق (6).
__________
(1) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (1/ 91).
(2) عقيدة أهل السنة في الصحابة الكرام (2/ 807).
(3) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (1/ 91).
(4) البخاري (2/ 292).
(5) فتح المغيث شرح ألفية الحديث (3/ 110 - 111).
(6) عقيدة أهل السنة في الصحابة الكرام (2/ 809).(3/102)
ولو لم تكن عدالتهم منصوصا عليها في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لجزم أهل العقول الصحيحة والقلوب السليمة بعدالتهم، استنادا إلى ما تواترت به الأخبار عنهم من الأعمال الجليلة والخيرات الوفيرة التي قدموها لنصرة دين الله الحنيف، فقد بذلوا ما أمكنهم بذله في سبيل نصرة الحق ورفع رايته وإرساء قواعده ونشر أحكامه في جميع الأقطار -رضي الله عنهم أجمعين-، والعدالة المرادة هنا ليس المقصود بها عدم الوقوع في الذنوب والخطايا فإن هذا لا يكون إلا لمعصوم (1)، قال ابن الأنباري: وليس المراد بعدالتهم ثبوت العصمة لهم واستحالة المعصية منهم، وإنما المراد قبول رواياتهم من غير تكلف البحث عن أسباب العدالة، وطلب التزكية إلى أن يثبت ارتكاب قادح ولم يثبت ذلك ولله الحمد والمنة، فنحن على استصحاب ما كانوا عليه في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يثبت خلافه (2).
الإجماع على عدالتهم: أجمع أهل السنة والجماعة على أن الصحابة جميعهم عدول بلا استثناء من لابس الفتن وغيرها ولا يفرقون بينهم، الكل عدول إحسانا للظن بهم ونظرا لما أكرمهم الله به من شرف الصحبة لنبيه عليه الصلاة و السلام، ولما لهم من المآثر الجليلة من مناصرتهم للرسول - صلى الله عليه وسلم - والهجرة إليه والجهاد بين يديه والمحافظة على أمور الدين والقيام بحدوده، فشهادتهم ورواياتهم مقبولة دون تكلف بحث عن أسباب عدالتهم بإجماع من يعتد بقوله، وقد نقل الإجماع على عدالتهم جمع غفير من أهل العلم، ومن تلك النقول:
قال الخطيب البغدادي -رحمه الله- بعد أن ذكر الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - التي دلت على عدالة الصحابة -رضي الله عنهم- وأنهم كلهم عدول، قال: هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتد بقوله من الفقهاء (3).
__________
(1) عقيدة أهل السنة في الصحابة الكرام (2/ 809).
(2) فتح المغيث (3/ 115).
(3) الكفاية، ص 67.(3/103)
وقال أبو عمر ابن عبد البر -رحمه الله-: ونحن وإن كان الصحابة -رضي الله عنهم- قد كفينا البحث عن أحوالهم لإجماع أهل الحق من المسلمين، وهم أهل السنة والجماعة، على أنهم عدول، فواجب الوقوف على أسمائهم (1).
وحكى الإجماع على عدالتهم إمام الحرمين الجويني -رحمه الله- وعلل حصول الإجماع على عدالتهم بقوله: ولعل السبب فيه أنهم نقلة الشريعة، فلو ثبت توقف رواياتهم لانحصرت الشريعة على عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولما استرسلت على سائر الأعصار (2).
ذكر ابن الصلاح: أن الإجماع على عدالة الصحابة خصيصة فريدة تميزوا بها عن غيرهم، فقد قال: للصحابة بأسرهم خصيصة وهي أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم، بل ذلك أمر مفروغ منه لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة، وقال أيضا: إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة، ومن لابس الفتن منهم، فكذلك بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع إحسانا للظن ذلك لكونهم نقلة الشريعة (3)، والله أعلم.
قال الإمام النووي -رحمه الله-: بعد أن ذكر أن الحروب التي وقعت بينهم كانت عن اجتهاد وأن جميعهم معذورون -رضي الله عنهم- فيما حصل بينهم، قال: ولهذا اتفق أهل الحق ومن يعتد به في الإجماع على قبول شهاداتهم ورواياتهم وكمال عدالتهم -رضي الله عنهم- (4)، وقال في التقريب: الصحابة كلهم عدول من لابس الفتن وغيرهم بإجماع من يعتد به (5).
__________
(1) الاستيعاب على حاشية الإصابة (1/ 8).
(2) فتح المغيث شرح ألفية الحديث (3/ 112)، وذكره السيوطي في تدريب الراوي (2/ 214).
(3) مقدمة ابن الصلاح، ص 146 - 147.
(4) شرح النووي على صحيح مسلم (15/ 149).
(5) تقريب النووي مع شرح تقريب الراوي (2/ 214).(3/104)
وقال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة لما أثنى الله عليهم في كتابه العزيز، وبما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم في جميع أخلاقهم وأفعالهم، وما بذلوا من الأموال والأرواح بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورغبة فيما عند الله من الثواب الجزيل والجزاء الجميل (1).
وقال العراقي في شرح ألفيته: بعد ذكره لبعض الآيات القرآنية والأحاديث الدالة على عدالة الصحابة: إن جميع الأمة مجمعة على تعديل من لم يلابس الفتن منهم، وأما من لابس الفتن منهم وذلك حين مقتل عثمان، فأجمع من يعتد به أيضا في الإجماع على تعديلهم إحسانا للظن بهم وحملا لهم في ذلك على الاجتهاد (2).
وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: مبينا أن أهل السنة مجموعون على عدالة الصحابة فقال: اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة (3)، فهذه النقول المباركة للإجماع من هؤلاء الأئمة كلها فيها بيان واضح ودليل قاطع على أن ثبوت عدالة الصحابة عموما أمر مفروغ منه ومسلم به فلا يبقى لأحد شك ولا ارتياب بعد تعديل الله ورسوله وإجماع الأمة على ذلك (4).
__________
(1) الباعث الحثيث ص 181 - 182.
(2) شرح ألفية العراقي المسماة بالتبصرة والتذكرة (3/ 13- 14).
(3) الإصابة (1/ 17).
(4) عقيدة أهل السنة في الصحابة الكرام (2/ 813).(3/105)
3- وجوب محبتهم والدعاء والاستغفار لهم: من عقائد أهل السنة والجماعة وجوب محبة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعظيمهم وتوقيرهم وتكريمهم و الاحتجاج بإجماعهم والاقتداء بهم، وحرمة بغض أحد منهم لما شرفهم الله به من صحبة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والجهاد معه لنصرة دين الإسلام، وصبرهم على أذى المشركين والمنافقين، والهجرة عن أوطانهم وأموالهم وتقديم حب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك كله، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر: 10]، هذه الآية دليل على وجوب محبة الصحابة، لأنه جعل لمن بعدهم حظا في الفئ ما قدموا على محبتهم وموالاتهم والاستغفار لهم، وأن من سبهم أو أحدا منهم أو اعتقد فيه شرا أنه لا حق له في الفئ، روى ذلك عن الإمام مالك وغيره، قال مالك: من كان يبغض أحدا من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أو كان في قلبه عليهم غل، فليس له حق في فئ المسلمين، ثم قرأ {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ} (1)، وقد فهم متقدمو أهل السنة والجماعة ومتأخروهم أن المراد من الآية السابقة الأمر بالدعاء والاستغفار لهم من اللاحق للسابق، ومن الخلف للسلف، الذين هم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، روى مسلم بإسناده على هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت لي عائشة: يا ابن أختي أُمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فسبوهم (2).
__________
(1) تفسير القرطبي (18/ 32).
(2) مسلم (4/ 2317).(3/106)
وروى ابن بطة وغيره من حديث أبي بدر قال: حدثنا عبد الله بن زيد عن طلحة بن مطرف عن مصعب بن سعد بن سعد بن أبي وقاص قال: الناس على ثلاث منازل، فمضت منزلتان، وبقيت واحدة، فأحسن ما أنتم عليه كائنون أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت ثم قرأ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا} [الحشر: 8]، هؤلاء المهاجرين وهذه منزلة قد مضت، ثم قرأ: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]، ثم قال: هؤلاء الأنصار وهذه المنزلة قد مضت ثم قرأ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}، قد مضت هاتان وبقيت هذه المنزلة التي بقيت أن تستغفروا لهم (1)، ولا يتردد من له أدنى علم في أن الشيعة الرافضة خارجون من هذه المنزلة لأنهم لم يترحموا على الصحابة ولم يستغفروا لهم، بل سبوهم وحملوا لهم الغل في قلوبهم، فحرموا من تلك المنزلة، التي يجب على المسلم أن يكون فيها ولا يحيد عنها بحال حتى يلقى ربه (2).
__________
(1) منهاج السنة (1/ 153)، المستدرك (2/ 484)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(2) عقيدة أهل السنة (2/ 770).(3/107)
وقد قال ابن تيمية -رحمه الله- وهذه الآيات تتضمن الثناء على المهاجرين والأنصار وعلى الذين جاءوا من بعدهم، يستغفرون لهم،ويسألون الله ألا يجعل في قلوبهم غلا لهم وتتضمن أن هؤلاء الأصناف هم المستحقون للفئ، ولا ريب أن هؤلاء الرافضة خارجون من الأصناف الثلاثة، فإنهم لم يستغفروا للسابقين، وفي قلوبهم غل عليهم، ففي الآيات الثناء على الصحابة وعلى أهل السنة الذين يتلونهم وإخراج الرافضة من ذلك وهذا ينقض مذهب الرافضة (1).
4- تحريم سب الصحابة -رضي الله عنهم- في الكتاب والسنة:
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} [الأحزاب: 57]، هذه الآية تضمنت التهديد والوعيد بالطرد والإبعاد من رحمة الله والعذاب المهين لمن آذاه -جل جلاله- بمخالفة أوامره وارتكاب زواجره وإصراره على ذلك، وإيذاء رسوله (2)، شمل كل أذية قولية أو فعلية من سب وشتم أو تنقص له أو لدينه، أو ما يعود إليه بالأذى (3)، ومما يؤذيه - صلى الله عليه وسلم - سب أصحابه وقد أخبر - صلى الله عليه وسلم - أن إيذاءهم إيذاء له، ومن آذاه فقد آذى الله (4)، وأي أذية للصحابة أبلغ من سبهم؟! والآية فيها إشارة قوية ظاهرة إلى أنه يحرم سبهم -رضي الله عنهم-.
__________
(1) منهاج السنة (1/ 153)، عقيدة أهل السنة (2/ 772).
(2) عقيدة أهل السنة في الصحابة (2/ 832).
(3) تفسير السعدي (6/ 121).
(4) مسند أحمد (4/ 87).(3/108)
{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [الأحزاب: 58]، وهذه الآية فيها التحذير من إيذاء المؤمنين والمؤمنات بما ينسب إليهم مما هم منه براء لم يعملوه، ولم يفعلوه، والبهت الكبير أن يحكى أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات، ما لم يفعلوه علي سبيل العيب والتنقص لهم (1)، ووجه دلالة الآية على تحريم سب الصحابة -رضي الله عنهم-: أنهم في صدارة المؤمنين فإنهم المواجهون بالخطاب في كل آية مفتتحة بقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 104]، ومثل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الكهف: 107]، في جميع القرآن فالآية دلت على تحريم سب الصحابة لأن لفظ المؤمنين أول ما ينطبق عليهم؛ لأن الصدارة في المؤمنين لهم -رضي الله عنهم-، وسبهم والنيل منهم من أعظم الأذى، وأن من نال منهم بذلك فقد آذى خيار المؤمنين بما لم يكتسبوا، وأن من اتخذ شتمهم والنيل منهم دينا له، فإن الوعيد المذكور في الآية يصيبه (2).
قال ابن كثير -رحمه الله- عند هذه الآية: ومن أكثر من يدخل في هذا الوعيد الكفرة بالله وبرسوله، ثم الرافضة الذين ينتقصون الصحابة ويعيبونهم بما قد برأهم الله منه، ويصفونهم بنقيض ما أخبر الله عنهم، فإن الله -عز وجل- وقد أخبر أنه قد رضي عن المهاجرين والأنصار ومدحهم، وهؤلاء الجهلة الأغبياء يسبونهم وينتقصونهم ويذكرون عنهم ما لم يكن ولا فعلوه أبدا، فهم في الحقيقة منكسو القلوب يذمون الممدوحين ويمدحون المذمومين (3).
__________
(1) تفسير ابن كثير (3/ 535).
(2) عقيدة أهل السنة في الصحابة (2/ 823).
(3) عقيدة أهل السنة، نقلا عن تفسير ابن كثير.(3/109)
قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29]، ووجه دلالة الآية على تحريم سب الصحابة -رضي الله عنهم-: أنه لا يسبهم شخص إلا لما وجد في قلبه من الغيظ عليهم، وقد بين تعالى في هذه الآية إنما يغاظ بهم الكفار، فدلت على تحريم سبهم، والتعرض لهم لما وقع بينهم على وجه العيب.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك أحدهم ولا نصيفه»(1)، فهذا الحديث اشتمل على النهي والتحذير من سب الصحابة -رضي الله عنهم- وفيه التصريح بتحريم سبهم (2)، والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
نهي السلف عن سب الصحابة -رضي الله عنهم-:
إن النصوص الواردة عن سلف الأمة وأئمتها من الصحابة، ومن جاء بعدهم من التابعين لهم بإحسان، والتي تقضى بتحريم سب الصحابة والدفاع عنهم، كثيرة جدا منها:
قال أحمد بن حنبل -رحمه الله-: إذا رأيت رجلا يذكر أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسوء، فاتهمه على الإسلام (3).
__________
(1) مسلم (4/ 1697 - 1698).
(2) عقيدة أهل السنة في الصحابة (2/ 838).
(3) مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي، ص160.(3/110)
قال أبو زرعة الرازي -رحمه الله-: إذا رأيت رجلا ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة (1).
وقد ذكر الإمام الشوكاني -رحمه الله-: بإجماع أهل البيت -رضي الله عنهم-، على تحريم سب الصحابة رضوان الله عليهم، من اثنى عشر طريقا (2)، وقد روى أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي بإسناده إلى محمد بن علي بن الحسين بن علي أنه قال لجابر الجعفي: يا جابر بلغني أن قوما بالعراق يزعمون أنهم يحبوننا ويتناولون أبا بكر وعمر، ويزعمون أني آمرهم بذلك، فأبلغهم عني أني إلى الله منهم برئ، والذي نفس محمد بيده لو وليت لتقربت إلى الله بدمائهم، لا نالتني شفاعة محمد - صلى الله عليه وسلم - إن لم أكن استغفر لهما وأترحم عليهما، إن أعداء الله لغافلون عن فضلهما، فأبلغهم أني برئ منهم وممن تبرأ من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما (3)، روى أيضا بسنده إلى عبد الله بن الحسن بن علي أنه قال: ما أرى رجلا يسب أبا بكر وعمر تيسر له توبة أبدا (4).
__________
(1) الكفاية في علم الرواية ص67.
(2) إرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي، ص50 - 64.
(3) البداية والنهاية (9/ 349).
(4) عقيدة أهل السنة في الصحابة (2/ 851).(3/111)
5- حب أمير المؤمنين علي وأبنائه للصحابة -رضي الله عنهم-: الصورة الحقيقية الناصعة البياض تبقى وما سواها يزول، إنها تتجلى في أهم كتاب عند الشيعة الاثنى عشرية نهج البلاغة، تلك النصوص كفيلة بهدم الأطروحة القائمة على لعن وسب صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والقول بردتهم وانقلابهم على أعقابهم من بعده، فهذا أمير المؤمنين علي يصور لنا بنفسه صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما رآهم وعاينهم، إذ يقول: لقد رأيت أصحاب محمد فما أرى أحدا يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا، وقد باتوا سجدا وقياما يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأن بين عينهم ركب المعزى من طول السجود، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفًا من العقاب ورجاء الثواب (1)، وهو يتحسر على فراقهم ويرثيهم بعد موتهم كحال أي محب فارق من يحبه فيقول: أين القوم الذي دُعوا إلى الإسلام فقبلوه، وقرأوا القرآن فأحكموه، وسلبوا السيوف أغمادها، وأخذوا بأطراف الأرض أطرافها زحفًا زحفًا وصفًا صفًا، مره العيون من البكاء، خمص البطون من الصيام، ذبل الشفاه من الدعاء، صفر الألوان من السهر، على وجوههم غبرة الخاشعين، أولئك إخواني الذاهبون، فحق لنا أن نظمأ إليهم، ونعض الأيدي على فراقهم (2)، فيا أحباب أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- تأملوا في نظرته إلى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) نهج البلاغة، ص 182 - 189، ثم أبصرت الحقيقة، ص 324.
(2) نهج البلاغة، ص 235، ثم أبصرت الحقيقة، ص 325.(3/112)
وأما الإمام علي بن الحسين زين العابدين -رحمه الله- فكان يذكر أصحاب رسول الله ويدعو لهم في صلاته بالرحمة والمغفرة لنصرتهم سيد الخلق في نشر دعوة التوحيد، وتبليغ رسالة الله إلى خلقه، فيقول: فاذكرهم منك بمغفرة ورضوان، اللهم وأصحاب محمد خاصة، الذين أحسنوا الصحبة، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، وكانفوه وأسرعوا إلى وفادته، وسابقوا على دعوته، واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالته، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته، والذين هجرتهم العشائر إذ علقوا بعروته، وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في قرابته، اللهم ما تركوا لك وفيك، وأرضهم من رضوانك وبما حاشوا الحق عليك، وكانوا من ذلك لك وإليك، واشكرهم على هجرتهم فيك ديارهم، وخروجهم من سعة العيش إلى ضيقه، ومن أكثره في اعتزاز دينك إلى أقله، اللهم وأوصل إلى التابعين لهم بإحسان الذين يقولون ربنا اغفر لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان خير جزائك، والذين قصدوا سمتهم،وتحروا جهتهم، ولو مضوا إلى شاكلتهم لم يثنهم ريب في بصيرتهم، ولم يختلجهم شك في قفو آثارهم والائتمام بهداية منارهم، مكانفين وموازرين لهم، يدينون بدينهم، ويهتدون بهديهم، يتفقون عليهم ولا يتهمونهم فيما أدوا إليهم (1).
فهذا موقف أئمة أهل البيت رضوان الله عليهم من الصحابة، لا ما يدعيه المندسون من الرافضة، والمتسترون بستار التشيع، أعداء القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة وأئمة أهل البيت الأطهار.
سابعا: موقف الشيعة من السنة النبوية
__________
(1) صحيفة كاملة لزين العابدين ص 13، نقلا عن: ثم أبصرت الحقيقة، ص 329.(3/113)
معنى السنة النبوية في اصطلاح الأصوليين، ما نقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير (1)، ولقد اهتم علماء أهل السنة بتدوين السنة الصحيحة وبذلوا جهودا عظيمة من أجل حمايتها من الوضع والوضاعين، وقد بذلوا جهدا لا مزيد عليه، وقد سلكوا طرقا هي أقوم الطرق العلمية للنقد والتمحيص، حتى لنستطيع أن نجزم بأن علماءنا -رحمهم الله- هم أول من وضعوا قواعد النقد العلمي الدقيق للأخبار والمرويات بين أمم الأرض كلها، وأن جهدهم في ذلك جهد تفاخر به الأجيال وتتيه به على الأمم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله واسع عليم.
وقد سار علماء أهل السنة على الخطوات التالية في سبيل النقد حتى أنقذوا السنة مما دبر لها من كيد، ونظفوها مما علق بها من أوحال (2).
1- إسناد الحديث: لم يكن صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته يشك بعضهم في بعض، ولم يكن التابعون يتوقفون عن قبول أي حديث يرويه صحابي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى وقعت الفتنة وقام اليهودي الخاسر عبد الله بن سبأ بدعوته الآثمة التي يتبناها على فكرة التشيع الغالى القائل بإلهية علي -رضي الله عنه-، وأخذ الدس على السنة يربو عصرا بعد عصر، عندئذ بدأ العلماء من الصحابة والتابعين يتحرون في نقل الأحاديث ولا يقبلون منها إلا ما عرفوا طريقها وروايتها واطمأنوا إلى ثقتهم وعدالتهم.
__________
(1) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، ص47.
(2) المصدر نفسه، ص90.(3/114)
يقول ابن سيرين فما يرويه عن الإمام مسلم في مقدمة صحيحه: لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم، وقد ابتدأ هذا التثبيت منذ عهد صغار الصحابة الذين تأخرت وفاتهم إلى زمن الفتنة، فقد روى مسلم في مقدمة صحيحه عن مجاهد أن بشيرا العدوي جاء إلى ابن عباس فجعل يحدث ويقول: قال رسول الله كذا، فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه، فقال: يا ابن عباس مالي أراك لا تسمع لحديثي، أحدثك عن رسول الله ولا تسمع؟ فقال ابن عباس: إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول: قال رسول الله ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب و الذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف، ثم أخذ التابعون في المطالبة بالإسناد حين فشا الكذب، يقول أبو العالية: كنا نسمع الحديث عن الصحابة فلا نرضى حتى نركب إليهم فنسمعه منهم، ويقول ابن المبارك: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، ويقول ابن المبارك أيضا: بيننا وبين القوم القوائم، يعني الإسناد (1).
2- التوثق من الأحاديث: وذلك بالرجوع إلى الصحابة والتابعين وأئمة هذا الفن، فلقد كان من عناية الله بسنة نبيه أن مد أعمار عدد من أقطاب الصحابة وفقهائهم ليكونوا مرجعا يهتدي الناس بهديهم، فلما وقع الكذب لجأ الناس إلى هؤلاء الصحابة يسألونهم ما عندهم أولا، ويستفتونهم فيما يسمعونه من أحاديث وآثار، ولهذا الغرض كثرت رحلات التابعين بل بعض الصحابة أيضا من مصر إلى مصر، ليسمعوا الأحاديث الثابتة من الرواة الثقات، ولذلك سافر جابر بن عبد الله إلى الشام، وأبو أيوب إلى مصر لسماع الحديث.
__________
(1) مقدمة صحيح مسلم (1/ 10).(3/115)
3- نقد الرواة، وبيان حالهم من صدق وكذب: وهذا باب عظيم وصل منه العلماء إلى تمييز الصحيح من المكذوب والقوي من الضعيف وقد أبلوا فيه بلاء حسنان وتتبعوا الرواة ودرسوا حياتهم وتاريخهم وسيرتهم، ما خفي من أمرهم وما ظهر، ولم تأخذهم في الله لومة لائم (1).
وقد وضعوا لذلك قواعد ساروا عليها فيمن يؤخذ منه ومن لا يؤخذ، ومن يكتب عنه ومن لا يكتب.. ومن أهم أصناف المتروكين الذين لا يؤخذ حديثهم:
الكذابون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وقد أجمع أهل العلم على أنه لا يؤخذ حديث من كذب على النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما أجمعوا على أنه من أكبر الكبائر، واختلفوا في كفره، فقال به جماعة، وقال آخرون بوجوب قتله، واختلفوا في توبته هل تقبل أما لا؟.
الكذابون في أحاديثهم العامة: ولو لم يكذبوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد اتفقوا على أن من عرف عنه الكذب ولو مرة واحدة ترك حديثه.
أصحاب البدع والأهواء: وكذلك اتفقوا على أنه لا يقبل حديث صاحب البدعة إذا كفر ببدعته، وكذا إذا استحل الكذب وإن لم يكفر ببدعته، أما إذا لم يستحل الكذب فهل يقبل أم لا؟ أو يفرق بين كونه داعية أو غير داعية؟ قال ابن كثير: في ذلك نزاع قديم وحديث، والذي عليه الأكثرون التفصيل بين الداعية وغيره(2) والذي يظهر لي أنهم يرفضون رواية المبتدع إذا روى ما يوافق بدعته، أو كان من طائفة عرفت بإباحة الكذب ووضع الحديث في سبيل أهوائها، ولهذا رفضوا رواية الرافضة، وقبلوا رواية المبتدع إذا كان هو أو جماعته لا يستحلون الكذب كعمران بن حطان (3).
الزنادقة والفساق والمغفلون الذين لا يفهمون ما يحدثون: وكل من لا تتوافر فيهم صفات الضبط والعدالة والفهم.
__________
(1) السنة ومكانتها في التشريع، ص93.
(2) السنة ومكانتها في التشريع، ص93.
(3) السنة ومكانتها في التشريع، ص94.(3/116)
وقد وضع علماء الحديث القواعد لمعرفة الصحيح والحسن والضعيف من أقسام الحديث، ووضعوا قواعد لمعرفة الموضوع وذكروا له علامات يعرف بها، كركاكة اللفظ، وفساد المعنى، ومخالفته لصريح القرآن ومخالفته لحقائق التاريخ المعروفة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرها من العلامات (1).
وبتلك الجهود الموفقة استقام أمر الشريعة بتوطيد دعائم السنة التي هي ثاني مصادرها التشريعية، واطمأن المسلمون على حديث نبيهم فأقصى عنه كل دخيل، وميز بين الصحيح والحسن والضعيف، وصان الله شرعه من عبث المفسدين ودس الدساسين وتآمر الزنادقة والشعوبيين، وقطف المسلمون ثمار النهضة الجبارة المباركة التي كان من أبرزها تدوين السنة وعلم مصطلح الحديث، وعلم الجرح والتعديل، وعلوم الحديث (2).
موقف الشيعة من السنة بسبب تكفيرهم للصحابة: كان لنظرة الشيعة ورأيهم في الإمامة أثر في تكفيرهم لمعظم الصحابة -رضي الله عنهم-، وهذا التكفير الشنيع ترتب عليه إنكار الشيعة كل الأحاديث الورادة عن طريق الصحابة ولم يقبلوا إلا الأحاديث الواردة عن طريق الأئمة من أهل البيت أو ممن نسبوهم إلى التشيع كسلمان الفارسي وعمار وياسر وأبي ذر والمقداد بن الأسود، وقد شنوا هجوما عنيفا على رواة الحديث كأبي هريرة وسمرة بن جندب، وعروة بن الزبير، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة وغيرهم، واتهموهم بالوضع والتزوير والكذب (3)، وعد الإمام عبد القاهر البغدادي الشيعة من المنكرين للسنة لرفضهم قبول مرويات صحابة رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - (4).
__________
(1) المصدر نفسه، ص94، إلى 97، 98.
(2) المصدر نفسه ص 103.
(3) أضواء على خطوط محب الدين ص 48، 65، 68.
(4) الفرق بين الفرق ص 322، 327، 346.(3/117)
فالشيعة تحارب السنة، ولهذا فإن أهل السنة اختصوا بهذا الاسم لاتباعهم سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - (1)، هذا ما جاء به بعض مصادر أهل السنة، ولكن الشيعة تروي عن أئمتها: أن كل شيء مردود إلى الكتاب والسنة وكل حديث لا يوافق الكتاب والسنة فهو زخرف (2)، وبهذا المعنى روايات أخر (3) عندهم، وهو يفيد أن الشيعة لا تنكر سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل تعتمد عليها، وتجعلها مع كتاب الله الميزان والحكم، والدارس لنصوص الشيعة ورواياتها ينتهي إلى الحكم بأن معظم رواياتهم وأقوالهم تتجه اتجاهًا مجانبًا عن السنة التي يعرفها المسلمون، في الفهم والتطبيق، وفي الأسانيد والمتون ويتبين ذلك فيما يلي:
1- قول الإمام كقول الله ورسوله: فالسنة عندهم هي: كل ما يصدر عن المعصوم، من قول أو فعل أو تقرير (4)، ومن لا يعرف طبيعة مذهبهم لا يلمح مدى مجانبتهم للسنة في هذا القول، إذ إن المعصوم هو رسول الله، ومن يجعلون كلامهم مثل كلام الله وكلام رسوله، وهم الأئمة الاثنا عشر، لا فرق عندهم في هذا بين هؤلاء الاثنى عشر وبين من لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى (5)، فهم ليسوا من قبيل الرواة عن النبي والمحدثين عنه، ليكون قولهم حجة من جهة أنهم ثقات في الرواية، بل لأنهم هم المنصوبون من الله تعالى على لسان النبي لتبليغ الأحكام الواقعية، فلا يحكمون إلا عن الأحكام الواقعية عند الله تعالى كما هي(6).
__________
(1) منهاج السنة (2/ 175).
(2) صحيح الكافي (1/ 11)، أصول الشريعة الإمامية (1/ 373).
(3) أصول الشيعة الإمامية (1/ 373).
(4) الأصول العامة في الفقه المقارن، محمد تقي الحكيم، ص122.
(5) أصول الشيعة الإمامية (1/ 373).
(6) أصول الفقه المقارن (3/50) أصول الشيعة (1/374).(3/118)
ولا فرق في كلام هؤلاء الاثنى عشر بين سن الطفولة، وسن النضج العقلي، إذ إنهم -في نظرهم- لا يخطئون عمداً ولا سهوا ولا نسيانا طوال حياتهم -كما مر معنا في مسألة العصمة- ولهذا قال أحد شيوخهم المعاصرين: إن الاعتقاد بعصمة الأئمة جعل الأحاديث التي تصدر عنهم صحيحة دون أن يشترطوا إيصال سندها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كما هو الحال عند أهل السنة (1)، فالسنة عندهم ليست سنة النبي فحسب، بل سنة الأئمة، وأقوال هؤلاء الأئمة كأقوال الله ورسوله، ولهذا اعترفوا بأن هذا مما ألحقته الشيعة بالسنة المطهرة، قالوا: وألحق الشيعة الإمامية كل ما يصدر عن أئمتهم الاثنى عشر من قول أو فعل أو تقرير بالسنة الشريفة (2).
هم يقولون بهذا القول من منطلقين خطيرين، وقاعدتين أساسيتين عندهم في هذه المسألة، وقد أشار أحد شيوخهم المعاصرين إليهما حينما ذكر أن قول الإمام يجري مجرى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، من كونه حجة على العباد واجب الاتباع، وأنهم لا يحكمون إلا عن الأحكام الواقعية عند الله تعالى كما هي، فبين أن ذلك يتحقق لهم من طريقين: من طريق الإلهام كالنبي، أي من طريق الوحي، أو من طريق التلقي عن المعصوم قبله (3).
__________
(1) تاريخ الإمامية ص 140، عبد الله فياض.
(2) سنة أهل البيت، محمد تقي الحكيم، ص 90.
(3) أصول الشيعة الإمامية (1/ 377).(3/119)
وهم يزعمون أن الأئمة هم خزنة علم الله ووحيه: وقد عقد صاحب الكافي بابا لهذا بعنوان: باب أن أئمة -عليهم السلام- ولاة أمر الله وخزنة علمه (1)، وضمن هذا الباب ست روايات في هذا المعنى، وبابا آخر بعنوان: إن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم (2)، وفيه سبع روايات، وبابا ثالثا بعنوان: إن الأئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل -عليهم السلام- (3)، وفيه أربع روايات (4)، وقد توسع الشيعة الرافضة في هذا الباب ونكتفي بهذا القدر من المصادر الوهمية التي تزعمها الرافضة، والتي يغني في بيان فسادها مجرد عرضها وتصورها.
__________
(1) أصول الكافي (1/ 192 -193).
(2) أصول الكافي (1/ 223 - 226).
(3) أصول الشيعة (1/ 385).
(4) المصدر نفسه (1/ 385، 386).(3/120)
ونتيجة لذلك التصور عن الأئمة، فإن الشيعة الرافضة لم يهتموا بصحة الإسناد وتقويم الرجال، كما اهتم علماء الحديث من أهل السنة وفي الوقت الذي رفض فيه الشيعة صحيحي البخاري ومسلم وكتب السنة، المعتمدة الموثقة، اعتمدوا في أحاديثهم على ما نقله الكليني الذي سبق أن أوردنا أقواله في كثير من عقائدهم وعدوه حجة، ويعد كتابه الكافي (1) من أقدم كتب الشيعة في الحديث وأوثقها عندهم، ويصور أحد الشيعة مكانة هذا الكتاب لديهم فيقول: وقد اتفق أهل الإمامة وجمهور الشيعة على تفضيل هذا الكتاب، والأخذ به والثقة بخبره والاكتفاء بأحكامه، وهم مجمعون على الإقرار بارتفاع درجته وعلو قدره، وعلى أنه القطب الذي عليه مدار روايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان إلى اليوم، وهو عندهم أجل وأفضل من جميع أصول الأحاديث، علما بأن جل ما في الكافي -كما يقول أبو زهرة- أخبار تنتهي عند الأئمة، ولا يصح أن نقول أنه يذكر سندا متصلا بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا أن يدعي أن هذه أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم -، إلا على أساس أن أقوال أئمتهم هي أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنها دين الله تعالى.. وأكثر ما يروى في الكافي واقف عند الصادق وقليل منه ما يعلو إلى أبيه الباقر، وأقل من ذلك ما يعلو إلى أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- ونادرا ما يقف عند النبي - صلى الله عليه وسلم -(2)، كما أن هناك كتاب: (من لا يحضره الفقه) جمعه أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه، الذي يلقبونه بالشيخ الصدوق، وهو أيضا من أكبر علمائهم بخراسان (توفي 381هـ)، ومن الكتب المعتمدة عند الشيعية: كتابا (تهذيب الأحكام) و (الاستبصار فيما اختلف من الأخبار) لمحمد بن الحسن الطوسي، وهذه الكتب الشيعية مليئة بعشرات الألوف من الأحاديث التي لا يمكن إثبات صحتها، بل معظمها موضوع مختلق (3)، مثل ما سبق أن أشرنا إليه من الأحاديث
__________
(1) أثر الإمامة في الفقه الجعفري وأصوله للسالوس، ص 274 - 275.
(2) الإمام الصادق، أبو زهرة، ص 429.
(3) الخطوط العريضة، ص 49.(3/121)
التي اعتمدوا عليها في دفاعهم عن أحقية الإمام علي بالإمامة، من هذا العرض لآراء الشيعة ومعتقداتهم، والشيعة يعترفون أو على الأقل بعض منهم بأن في تلك الكتب بعض الروايات الموضوعة، كما أنهم أنفسهم جرحوا بعض رواتهم، وإذا كان الأمر كذلك فيمكن أن يأخذ الشيعة بوصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عندما قال: الزموا دينكم واهتدوا بهدي نبيكم واتبعوا سنته، واعرضوا ما أشكل عليكم على القرآن فما عرفه فالزموه، وما أنكره فردوه (1)، وقوله -رضي الله عنه-: (واقتدوا بهدي نبيكم - صلى الله عليه وسلم -، فإنه أفضل الهدي واستنوا بسنته، فإنه أفضل السنن) (2)، وأن يلتزموا بطريقة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في فهم الأحكام من القرآن الكريم ومعاني الآيات فيلتزموا بظاهر القرآن الكريم، وحمل المجمل على المفسر، والمطلق على المقيد، وأن يراعوا الناسخ والمنسوخ والنظر في لغة العرب، وفهم النص بنص آخر، والسؤال عن مشكله، والعلم بمناسبة الآيات، وتخصيص العام، وأن يتعلموا من أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- كيف يحترمون مقام النبوة، ويتعاملون مع سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفق هديه الذي بينته في هذا الكتاب، ثم يعرضون رواياتهم التي في كتبهم على العدلين، كتاب الله وسنة رسوله، فما وافق كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - قبلوه وما خالفها نبذوه، وحذروا أتباعهم منه، وخصوصا تلك الروايات التي تسيء إلى أئمتهم أنفسهم فضلا عن الإسلام.
إن دين الله كمل، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلغ جميع ما أنزل إليه وامتثل أمر ربه في قوله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67].
__________
(1) البداية والنهاية (7/ 246).
(2) المصدر نفسه (7/ 319).(3/122)
وقد بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - البلاغ المبين، وأقام الحجة على العالمين، وأعلن ذلك بين المسلمين، ولم يسر لأحد بشيء من الشريعة ويستكتمه إياه، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ - إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} [البقرة: 159، 160]، وقال: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ} [النحل: 64]، فالدين قد تم وكمل، لا يزاد فيه ولا ينقص منه ولا يبدل(1)، لا من إمام مزعوم، ولا من غائب موهوم (2)، وقد ودع المصطفى الدنيا بعد أن بلغ الدين كله وبين جميعه كما أمره ربه، قال - صلى الله عليه وسلم -: «تركتم على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك»(3)، وقال أبو ذر -رضي الله عنه-: لقد تركنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما (4).
ثامنًا: التقية عند الشيعة
__________
(1) المحلى (1/ 26).
(2) أصول الشيعة الإمامية (1/ 398).
(3) هذا المعنى صحح الألباني -رحمه الله- معظمه.
(4) مسند أحمد (5/ 153).(3/123)
1- تعريفها عند الشيعة الرافضة: فيقول شيخهم المفيد: التقية كتمان الحق، وستر الاعتقاد فيه، وكتمان المخالفين، وترك مظاهرتهم بما يعقب ضررا في الدين والدنيا (1)، ويقول يوسف البحراني -أحد كبار علمائهم في القرن الثاني عشر-: المراد بها إظهار موافقة أهل الخلاف فيما يدينون به خوفا (2)، ويقول الخميني: التقية معناها أن يقول الإنسان قولا مغايرا للواقع أو يأتي بعمل مناقض لموازين الشريعة وذلك حفظا لدمه وعرضه أو ماله (3)، فهذه ثلاثة تعريفات للتقية لثلاثة من كبار علماء الشيعة الرافضة جاؤوا في فترات زمنية مختلفة، وهذا التعريفات تدور حول أربعة أحكام رئيسية للتقية عندهم وهي:
* أن معنى التقية أن يُظهر الإنسان لغيره خلاف ما يبطن.
* أن التقية تستعمل مع المخالفين ولا يخفي دخول كافة المسلمين تحت هذا العموم.
* أن التقية تكون فيما يدين به المخالفون من أمور الدين.
* أن التقية إنما تكون عند الخوف على الدين أو النفس أو المال، وهذه أربعة أحكام هي محور عقيدة التقية عندهم (4).
2- مكانتها عند الشيعة الرافضة: فهي تحتل منزلة عظمية ومكانة رفيعة، دلت عليها روايات عديدة جاءت في أمهات الكتب عندهم، فقد روى الكليني وغيره عن جعفر الصادق أنه قال: التقية من ديني ودين آبائي ولا إيمان لمن لا تقية له (5).
وعن أبي عبد الله أنه قال: إن تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية في كل شيء إلا في النبيذ والمسح على الخفين (6).
__________
(1) تصحيح الاعتقاد، ص 115.
(2) الكشكول (1/ 202).
(3) كشف الأسرار، ص 147.
(4) بذل المجهود (2/ 638).
(5) أصول الكافي (2/ 219)، المحاسن ص 255.
(6) أصول الكافي (2/ 217)، بذل المجهود (2/ 236).(3/124)
وفي المحاسن: عن حبيب بين بشير عن أبي عبد الله أنه قال: لا والله ما على الأرض شيء أحب إلى من التقية، يا حبيب إنه من كانت له تقية رفعه الله، يا حبيب من لم يكن له تقية وضعه الله (1).
وفي أمالي الطوسي عن جعفر الصادق أنه قال: ليس منا من لم يلزم التقية ويصوننا عن سفلة الرعية (2).
وفي الأصول الأصلية: عن علي بن محمد من مسائل داود الصرمي: قال: قال لي: يا داود لو قلت لك إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقا (3).
وعن الباقر أنه سئل: من أكمل الناس؟ قال: أعملهم بالتقية وأقضاهم لحقوق إخوانه(4).
وعنه أيضا أنه قال: أشرف أخلاق الأئمة الفاضلين من شيعتنا استعمال التقية (5).
فدلت هذه الروايات على مكانة التقية عندهم، ومنزلتها العظيمة في دينهم، فالتقية عند الشيعة الرافضة من أهل أصول الدين، فلا إيمان لمن لا تقية له، والتارك للتقية كالتارك للصلاة، بل أن التقية عندهم أفضل من سائر أركان الإسلام، فالتقية تمثل تسعة أعشار دينهم، وسائر أركان الإسلام وفرائضه تمثل العشر الباقي (6)، وقد ذكر صاحب الكافي أخبارًا في (باب التقية) (7)، و(باب الكتمان) (8)، (باب الإذاعة) (9)، وذكر المجلسي في بحاره من رواياتهم فيها مائة وتسع رواياتهم في باب عقده بعنوان (باب التقية والمداراة)(10).
3- سبب الغلو في أمر التقية يعود إلى عدة أمور منها:
__________
(1) المحاسن للبرقي، ص 257.
(2) أمالي الطوسي، ص 287.
(3) الأصول الأصلية، عبد الله شبر، ص 320.
(4) الأصول الأصلية، ص 324.
(5) المصدر السابق، ص 323.
(6) بذل المجهود (2/ 637).
(7) أصول الكافي (2/ 217).
(8) المصدر السابق (2/ 221).
(9) المصدر السابق (2/ 369).
(10) بحار الأنوار (75/ 393 - 443).(3/125)
أن الشيعة الرافضة تعد إمامة الخلفاء الثلاثة باطلة: وهم من بايعهم في عداد الكفار، مع أن عليا -رضي الله عنه- بايعهم وصلى خلفهم، وجاهد معهم وزوج عمر ابنته أم كلثوم، وتسرى من جهاده مع أبي بكر، ولما ولي الخلافة سار على نهجهم ولم يغير شيئا مما فعله أبو بكر وعمر، كما تعترف بذلك كتب الشيعة نفسها، وهذا يبطل مذهب الشيعة من أساسه، فحاولوا الخروج من هذا التناقض المحيط بهم بالقول بالتقية (1)، واستخدموا مبدأ التقية لتفسير أحداث تاريخهم فذهبوا إلى أن سكوت على عن أبي بكر رضي الله عنهما كان تقية، وتنازل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية كان تقية، واختفاء أئمتهم وسترهم كان تقية منهم، وهكذا يمكن تفسير كل الأحداث التي تناقض عقيدتهم بالتقية (2).
(ب) أنهم قالوا بعصمة الأئمة وأنهم لا يسهون ولا يخطئون ولا ينسون: وهذه الدعوى خلاف ما هو معلوم من حالهم، حتى إن روايات الشيعة نفسها المنسوبة للأئمة مختلفة متناقضة حتى لا يوجد خبر منها إلا وبإزائه ما يناقضه، كما اعترف بذلك شيخهم الطوسي (3)، وهذا ينقض مبدأ العصمة من أصله فقالوا بالتقية لتبرير هذا التناقض والاختلاف والتستر على كذبهم على الأئمة، روى صاحب الكافي عن منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد الله -عليه السلام-: ما بالي أسألك عن المسألة فتجيبني فيها بالجواب، ثم يجيئك غيري فتجيبه فيه بجواب آخر؟ فقال: إنا نجيب الناس على الزيادة والنقصان (4)، قال شارح الكافي: أي زيادة حكم عند التقية، ونقصانه عند عدمها، ولم يكن ذلك مستندا إلى النسيان والجهل، بل لعلمهم بأن اختلاف كلمتهم أصلح لهم، وأنفع لبقائهم إذ لو اتفقوا لعرفوا بالتشيع، وصار ذلك سببا لقتلهم وقتل الأئمة عليهم السلام (5).
__________
(1) أصول الشيعة الإمامية (2/ 984).
(2) دراسات عن الفرق في تاريخ المسلمين، ص217.
(3) أصول الشيعة الإمامية (2/ 985).
(4) أصول الكافي (1/ 65).
(5) شرح جامع للماندراني (1/ 65).(3/126)
(ج) تسهيل مهمة الكذابين على الأئمة: ومحاولة التعتيم على حقيقة مذهب أهل البيت بحيث يوهمون الأتباع أن ما ينقله (واضعوا مبدأ التقية) عن الأئمة هو مذهبهم، وإنما اشتهر وذاع عنهم، وما يقولونه، ويفعلونه أمام المسلمين لا يمثل مذهبهم وإنما يفعلونه تقية فيسهل عليهم بهذه الحيلة أقوال الأئمة، والدس عليهم، وتكذيب ما يروى عنهم من حق، فتجدهم مثلا يردون كلام الإمام محمد الباقر أو جعفر الصادق الذي قاله أمام ملأ من الناس، أو نقله العدول من المسلمين بحجة أنه حضره بعض أهل السنة، فاتقى في كلامه، ويقبلون ما ينفرد بنقله الكذبة أمثال جابر الجعفي بحجة أنه لا يوجد أحد يتقيه في كلامه، وبحسبك أن تعرف أن الإمام زيد بن علي وهو من أهل البيت يروي عن علي -رضي الله عنه- كما تنقله كتب الاثنى عشرية نفسها - أنه غسل رجليه في الوضوء، ولكن من يلقبونه بـ (شيخ الطائفة) لا يأخذ بهذا الحديث ولا يجد حجة يحتج بها سوى التقية، فهو يرد الحديث في الاستبصار عن زيد بن علي عن جده علي بن أبي طالب قال: جلست أتوضأ فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين ابتدأت الوضوء -إلى أن قال- وغسلت قدمي، فقال لي: (يا علي خلل بين الأصابع، لا تخلل بالنار)(1)، فأنت ترى أن عليا كان يغسل رجليه في وضوئه، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكد عليه بأن يخلل أصابعه والشيعة تخالف في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهدي علي -رضي الله عنه- في ذلك، ولا تلتفت لمثل هذه الروايات، وإن جاء في كتبها بروايات أئمة أهل البيت، ولا يكلف شيوخ الشيعة أنفسهم بالتفكير في أمر هذه الروايات ودراستها، فلديهم هذه الحجة الجاهزة (2) «التقية».
__________
(1) الاستبصار (1/ 65، 66).
(2) أصول الشيعة الإمامية (2/ 987).(3/127)
ولهذا قال الطوسي: هذا خبر موافق للعامة -يعني أهل السنة- وقد ورد مورد التقية لأن المعلوم الذي لا يتخالج منه الشك من مذاهب أئمتنا -عليهم السلام- القول بالمسح على الرجلين، ثم قال: إن رواة هذا الخبر كلهم عامة، ورجال الزيدية، وما يختصون به (1) لا يعمل به، وفي النكاح: جاءت عندهم روايات في تحريم المتعة، ففي كتبهم عن زيد بن علي عن آبائه عن علي -عليه السلام-، قال: حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر لحوم الحمر الأهلية ونكاح المتعة (2) وقال شيخهم الحر العاملي أقول: حمله الشيخ (3)، وغيره على التقية يعني في الرواية، لأن إباحة المتعة من ضروريات مذهب الإمامية (4)، وفي قسمة المواريث: أن المرأة لا ترث من العقار والدور والأرضين شيئا (5)، ولما يأتي عندهم نص عن الأئمة يخالف ذلك وهو حديث أبي يعقوب عن أبي عبد الله قال: سألته عن الرجل هل يرث من دار امرأته أو أرضها من التربة شيئا؟، أو يكون في ذلك منزلة المرأة فلا يرث من ذلك شيئا؟، فقال: يرثها وترثه من كل شيء ترك وتركت (6)، قال الطوسي: نحمله على التقية، لأن جميع من خالفنا يخالف في هذه المسألة، وليس يوافقنا عليها أحد من العامة، وما يجري هذا المجرى يجوز التقية فيه (7).
__________
(1) الاستبصار (1/ 65، 66).
(2) تهذيب الأحكام للطوسي (1/ 184).
(3) إذا أطلق الشيخ في كتب الشيعة، فالمراد به شيخهم الطوسي.
(4) وسائل الشيعة (7/ 441).
(5) الاستبصار للطوسي (4/ 151-155).
(6) المصدر السابق (4/ 154).
(7) المصدر السابق (4/ 155).(3/128)
(د) وضع مبدأ التقية لعزل الشيعة عن المسلمين: لذلك جاءت أخبارهم فيها علي هذا المنط، يقول إمامهم «أبو عبد الله»: ما سمعت مني يشبه قول الناس فيه التقية، وما سمعت مني لا يشبه قول الناس فلا تقية فيه (1)، وقد كان من آثار عقيدة التقية ضياع مذهب الأئمة عند الشيعة، حتى إن شيوخهم لا يعلمون في الكثير من أقوالهم أيها تقية وأيها حقيقة (2)، ووضعوا لهم ميزانا، أخرج المذهب إلى دائرة الغلو، وهو أن من خالف العامة فيه الرشاد (3).
وقد اعترف صاحب الحدائق بأنه لم يعلم من أحكام دينهم إلا القليل بسبب التقية، حيث قال: فلم يعلم من أحكام الدين على اليقين إلى القليل لامتزاج أخباره بأخبار التقية، كما قد اعترف بذلك ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني في جامعه الكافي، حتى إنه تخطى العمل بالترجيحات المروية عند تعارض الأخبار والتجأ إلى مجرد الرد والتسليم للأئمة الأبرار (4).
وأما تطبيق التقية عندهم فهو خبر كاشف بأن تقيتهم غير مرتبطة بحالة الضرورة، وقد اعترف يوسف البحراني بأن الأئمة يخالفون بين الأحكام وإن لم يحضرهم أحد من أولئك الأنام، فتراهم يجيبون في المسألة الواحدة بأجوبة متعددة، وإن لم يكن بها قائل من المخالفين(5).
__________
(1) بحار الأنوار (2/ 252).
(2) أصول الشيعة الإمامية (2/ 989).
(3) أصول الشيعة الإمامية (2/ 989).
(4) الحدائق الناضرة، يوسف البحراني (1/ 5).
(5) الحدائق الناضرة، يوسف البحراني (1/ 5).(3/129)
4-مفهوم التقية عند أهل السنة: إن مفهوم التقية في الإسلام غالبا، إنما هي مع الكفار، قال تعالى: {إِلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28]، قال ابن جرير الطبري: التقية التي ذكرها الله في هذه الآية إنما هي تقية من الكفار لا غيرهم (1)، ولهذا يرى بعض السلف أنه لا تقية بعد أن أعز الله الإسلام، قال معاذ بن جبل ومجاهد: كانت التقية في جدة الإسلام قبل قوة المسلمين، أما اليوم فقد أعز الله المسلمين أن يتقوا منهم تقاة (2).
ولكن تقية الشيعة هي مع المسلمين ولا سيما أهل السنة حتى إنهم يرون عصر القرون المفضلة عهد تقية، كما قرره شيخهم المفيد، وكما تلحظ ذلك من نصوصهم التي ينسبونها للأئمة، لأنهم يرون أهل السنة أشد كفرا من اليهود والنصارى، لأن منكر إمامة الاثنى عشر أشد من منكر النبوة (3).
والتقية رخصة في حالة الاضطرار: ولذلك استثناها -سبحانه- من مبدأ النهي عن موالاة الكفار فقال سبحانه: {لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران: 28]، فنهى الله -سبحانه- عن موالاة الكفار، وتوعد على ذلك أبلغ الوعيد فقال: {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ} [آل عمران: 28]، أي: من يرتكب نهي الله فقد برئ من الله، ثم قال سبحانه: {إِلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} أي: من خاف في بعض البلدان والأوقات من شرهم، فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته (4).
__________
(1) تفسير الطبري (6/ 316).
(2) تفسير الطبري (4/ 75)، فتح القدير (1/ 331).
(3) المصدر نفسه (2/ 978).
(4) تفسير ابن كثير (1/ 371).(3/130)
وأجمع أهل العلم على أن التقية رخصة في حال الضرورة، قال ابن المنذر: أجمعوا على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل فكفر وقلبه مطمئن بالإيمان أن لا يحكم عليه بالكفر (1)، ولكن من اختار العزيمة في هذا المقام فهو أفضل، قال ابن بطال: وأجمعوا على أن من أكره على الكفر واختار القتل أنه أعظم أجرًا عند الله (2)، ولكن التقية عند الشيعة خلاف ذلك فهي عندهم ليست رخصة بل هي ركن من أركان دينهم (3).
__________
(1) فتح الباري (12/ 314).
(2) المصدر السابق (12/ 317).
(3) أصول الشيعة الإمامية (2/ 979).(3/131)
والتقية في دين الإسلام دين الجهاد والدعوة لا تمثل نهجا عاما في سلوك المسلم ولا سمة من سمات المجتمع المسلم، بل هي -غالبا- حالة فردية مؤقتة، مقرونة بالاضطرار، ومرتبطة بالعجز عن الهجرة، وتزول بزوال حالة الإكراه أما في المذهب الشيعي تعد طبيعة ذاتية في بنية المذهب، وحالة مستمرة وسلوك اجتماعي دائم (1)، وقد قرر أهل العلم من خلال معرفتهم بواقع الشيعة أن تقيتهم إنما هي الكذب والنفاق ليس إلا، وقد فرق ابن تيمية -رحمه الله- بين تقية النفاق والتقية في الإسلام فقال:.... ليست بأن أكذب وأقول بلساني ما ليس في قلبي، فإن هذا نفاق ولكن أفعل ما أقدر عليه... فالمؤمن إذا كان بين الكفار والفجار، لم يكن عليه أن يجاهدهم بيديه مع عجزه، ولكن إن أمكنه بلسانه، وإلا فبقلبه مع أنه لا يكذب ويقول بلسانه ما ليس في قلبه، إما أن يظهر دينه وإما أن يكتمه ومع هذا لا يوافقهم على جميع دينهم كله، بل غايته أن يكون كمؤمن آل فرعون، حيث لم يكن موافقًا لهم على جميع دينهم ولا كان يكذب، ولا يقول بلسانه شيئا، وإظهاره الدين الباطل شيء آخر، فهذا لم يبحه الله قط إلا من أكره بحيث أتيح لهم النطق بكلمة الكفر فيعذره الله بذلك، والمنافق والكاذب لا يعذر بحال، ثم إن المؤمن الذي يعيش بين الكفر مضطرا ويكتم إيمانه يعاملهم -بمقتضى الإيمان الذي يحمله- بصدق أمانة ونصح وإرادة الخير بهم وإن لم يكن موفقا لهم على دينهم، كما كان يوسف الصديق في أهل مصر وكانوا كفارا، وبخلاف الرافض الذي لا يترك شرا يقدر عليه إلا فعله بمن يخالفه (2).
__________
(1) المصدر نفسه (2/ 981).
(2) أصول الشيعة الإمامية (2/ 995).(3/132)
ولقد لخص الشيخ سلمان العودة الفروق بين التقية عن أهل السنة والرافضة فقال: إن التقية عند أهل السنة استثناء مؤقت مخالف للأصل، أما عند الشيعة فواجب مفروض حتى يقوم القائم من آل البيت، وينتهى العمل بها عند أهل السنة بمجرد زوال السبب الداعي إليها، أما عند الشيعة فواجب جماعي مستمر لا ينتهي العمل به حتى يخرج مهديهم الذي لا يخرج أبدًا، وتقية أهل السنة هي مع الكفار في الغالب، وقد تكون مع الفساق الظلمة، أما تقية الشيعة فهي أصلا مع المسلمين المخالفين لهم من أهل السنة، إن التقية عند أهل السنة حالة ممقوتة يلجأ إليها المسلم دون رضا واطمئنان إليها، أما عند الشيعة فقد أصبحت خلة ممدوحة مرضية، جاء في مدحها النصوص عن أئمتهم الكثير (1).
تاسعا: المهدي المنتظر بين الشيعة والسنة
__________
(1) العزلة والخلطة، سلمان بن فهد العودة، ص149.(3/133)
1-عقيدة المهدي المنتظر عند الشيعة: من أبرز عقائد الشيعة الرافضة التي تكاد تمتليء بها كتبهم عقيدة المهدي المنتظر، ويقصد الرافضة الإمامية بالمهدي المنتظر: محمد بن الحسن العسكري، وهو الإمام الثاني عشر عندهم، ويطلقون عليه الحجة، كما يطلقون عليه القائم(1)، ويزعمون أنه ولد سنة 255هـ واختفى في سرداب (سر من رأى) سنة 265هـ، وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان، لينتقم لهم من أعدائهم وينتصر لهم (2)، ولا زال الشيعة الرافضة يزورونه بسرداب (سر من رأى)(3) ويدعونه للخروج (4)، وهذا المهدي الذي يدعيه الرافضة معدوم لا وجود له: فالحسن العسكري الذي ينسبون إليه المهدي مات ولم يعقب أحدًا، فقسم ميراثه بين أمه وأخيه جعفر، وقد صاحب عقيدة المهدي المنتظر عند الشيعة الرافضة، خرافات وأساطير كبيرة لا يصدقها عاقل، ويعتقدون أن المهدي من ولد الحسين (5)، ويروون العجائب في ولادته (6)، ويقولون عندما يخرج يجتمع إليه الشيعة الرافضة من كل مكان (7)، ويخرج الصحابة من قبورهم ويعذبهم (8)، ويقتل العرب، وقريش (9)، ويهدم الكعبة والمسجد النبوي وكل المساجد (10)، ويدعو إلى دين جديد وكتاب جديد وقضاء جديد (11)، ويستفتح المدن بتابوت اليهود (12)، وتنبع له عينان من ماء ولبن، ويصير الرجل من الشيعة الرافضة بقوة أربعين رجلا، ويمد لهم في أسماعهم وأبصارهم ويحكم بحكم آل داود
__________
(1) الإرشاد للمفيد، ص 363، كشف الغمة، الأربلي (2/ 437)، بذل المجهود (1/ 237).
(2) بذل المجهود (1/ 237)، معجم البلدان (3/ 173).
(3) المفيد، ص 346، كشف الغمة، ص (2/ 446) بذل المجهود (1/ 237).
(4) مصابيح الجنات، محسن العصفور، ص 255.
(5) الغيبة، ص 115، بذل المجهود (1/ 238).
(6) بذل المجهود (1/ 239).
(7) بحار الأنوار (52/ 291).
(8) المصدر نفسه (2/ 386).
(9) المصدر نفسه (52/ 355).
(10) الرجعة للإحسائي، ص184.
(11) الغيبة، ص 154.
(12) بذل المجهود (1/ 247).(3/134)
(1).
وعقيدة الشيعة الرافضة في مهديهم المنتظر باطلة، وقد دل على بطلانها عدة أوجه:
(أ) ثبوت عدم ولادة هذا المهدي: فقد اقتضت حكمة العلي القدير أن يموت الحسن العسكري الإمام الحادي عشر عند الرافضة ولي له ولد، فكانت فضيحة كبيرة وخذلانا عظيما للشيعة الرافضة إذ كيف يموت الإمام ولا يوجد له من الأولاد من يخلفه في الإمامة، فعقيدة الشيعة الرافضة تنص على أن الذي يخلف الإمام بعد موته ولده، ولا يجوز أن تكون الإمامة في الإخوة بعد الحسن والحسين (2)، وعدم ولادة المهدي ثابتة في كتب الشيعة أنفسهم (3).
__________
(1) المصدر نفسه (1/ 249).
(2) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ص414.
(3) أصول الكافي (1/ 505)، بذل المجهود (1/ 267).(3/135)
(ب) لا معنى لاختفاء المهدي: لو سلمنا جدلا بولادة هذا المهدي، فإنه لا معنى لاختفاءه هذه الفترة الطويلة في السرداب، وإذا سئل الشيعة الرافضة عن الحكمة من اختفائه في السرداب وعدم خروجه للناس، فإنهم يعللون ذلك بأنه خشي على نفسه القتل (1)، وهذه علة واهية قد دل على بطلانها عدة أدلة منها: أنه قد جاء في كتبكم أنه سيكون منصورا ومؤيدا من الله تعالى، وأنه يملك مشارق الأرض ومغاربها فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، ويعيش حتى زمن نزول عيسى بن مريم -عليه السلام- (2)، كما أن قولهم هذا يترتب عليه أن المهدي لن يخرج حتى تذهب دول الجور والظلم والفساد ليأمن على نفسه من القتل، وعندئذ لا حاجة في خروجه، وهذه الدول تستطيع أن تحمي المهدي لو خرج فلماذا لم يخرج؟، إن من لا يستطيع أن يحمي نفسه من القتل، فمن باب أولى عجزه عن حماية غيره، فإن فاقد الشيء لا يعطيه، فكيف تنتظرون من هذه صفته أن ينتقم لكم من أعدائكم وينصركم نصرا مؤزرا، وبهذا تكون قد بطلت دعواهم، بأن العلة من عدم خروج المهدي هي: الخوف من القتل، وبناء على هذا تبطل دعوى وجود المهدي أصلا، إذ لا سب يمنعه من الاستتار غير خوفه من القتل، كما صرح بذلك شيخ الطائفة الطوسي (3)، فتكون دعوى وجود المهدي باطلة بشهادة علمائهم، وهذا من توفيق الله وعظيم فضله.
__________
(1) الغيبة، ص119.
(2) الغيبة، ص199، بذل المجهود (1/ 271).
(3) بذل المجهود (1/ 271).(3/136)
(ج) أنه لم تحصل منفعة بهذا المهدي: ومما يدل على بطلان عقيدة الشيعة الرافضة في المهدي المنتظر: أن هذا المهدي الذي تدعيه الرافضة لم تحصل به مصلحة في شيء من أمور الدين أو الدنيا ولم ينتفع منه المسلمون بشيء لا الرافضة ولا غيرهم، قال ابن تيمية رحمه الله: إن هذا المعصوم الذي يدعون أنه في وقت ما قد ولد عندهم لأكثر من أربعمائة وخمسين سنة (1)، فإنه دخل السرداب عندهم سنة ستين ومائتين، وله خمس سنين عند بعضهم وأقل من ذلك عند آخرين، ولم يظهر عنه شيء مما يفعله الإمام المعصوم، فأي منفعة للوجود في مثل هذا لو كان موجودا فكيف إذا كان معدوما، والذين آمنوا بهذا المعصوم أي لطف وأي منفعة حصلت لهم به نفسه في دينهم أو دنياهم... إلى أن قال: وهذا الذي تدعيه الرافضة إما مفقود عندهم، وإما معدوم عند العقلاء، وعلى التقدير فلا منفعة لأحد به في دين ولا دنيا(2)، والشيعة الاثنا عشرية في هذا العصر نقضوا هذه العقيدة عمليا من خلال اعتقادهم بنظرية ولاية الفقيه، وهي تجويز الحكم والولاية للمسلم العادي غير المعصوم، أو الذي ليس عليه نص من الله ورسوله بشرط العلم والعدل.
2-عقيدة أهل السنة والجماعة في المهدي: بينت الأحاديث الصحيحة أن الله تعالى يخرج في آخر الزمان رجلا من أهل البيت يؤيد الله به الدين، يملك سبع سنين يملأ الأرض عدلا وسلاما، كما ملئت جورا وظلما، تنعم الأمة في عهده نعمة لم تنعمها قط، وتخرج الأرض نباتها، وتمطر السماء قطرها، ويعطى المال بغير عدد، ومن هذه الأحاديث:
__________
(1) هذا بالنسبة لعصر ابن تيمية، أما الآن فقد مضى عليه ما يزيد عن ألف ومئة وخمسين عاما.
(2) منهاج السنة (8/ 261-262).(3/137)
(أ) عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يخرج في آخر أمتي المهدي يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطي المال صحاحا(1) وتكثر الماشية، وتعظم الأمة ويعيش سبعا أو ثماني» (2)، يعني حججا (3).
(ب) وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا تقوم الساعة حتى تمتليء الأرض ظلما وعدوانا» قال: «ثم يخرج رجل من عترتي -أو من أهل بيتي- يملؤها قسطا، وعدلا، كما ملئت ظلما وعدواناً»(4).
__________
(1) بمعنى الصحيح، النهاية لابن الأثير (3/ 12).
(2) المستدرك (4/ 557-558)، قاال الألباني: سنده صحيح رجاله ثقات، سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (711).
(3) المهدي وفقه أشراطه الساعة، محمد إسماعيل، ص33.
(4) السلسلة الصحيحة (1259)، وحكم الألباني بتواتره.(3/138)
(ج) وعن ثوبان قال -رضي الله عنه-: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يقتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة، وتطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم»- ثم ذكر شيئا لا أحفظه فقال: -«فإذا رأيتموه، فبايعوه، ولو حبوا على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي»(1)، قال ابن كثير رحمه الله: والمراد بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة، يقتل عنده ليأخذه ثلاثة من أولاد الخلفاء حتى يكون آخر الزمان فيخرج المهدي، يكون ظهوره من بلاد المشرق، لا من سرداب سامراء كما يزعم جهلة الرافضة من أنه موجود فيه إلى الآن، وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان، فإن هذا نوع من الهذيان، وقسط كبير من الخذلان شديد من الشيطان، إذ لا دليل على ذلك ولا برهان، لا من كتاب ولا من سنة، ولا معقول صحيح ولا استحسان... إلى أن قال: ويؤيد بناس من أهل المشرق ينصرونه، ويقيمون سلطانه، ويشدون أركانه، وتكون راياتهم سودًا أيضًا وهو زي عليه الوقار، لأن راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت سوادء يقال لها العقاب... إلى أن قال: والمقصود أن المهدي الممدوح الموعود بوجوده في آخر الزمان يكون أصله وظهوره، وخروجه من ناحية المشرق ويبايع له عند البيت كما دلت على ذلك بعض الأحاديث (2)
(د) وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم، وإمامكم منكم» (3).
__________
(1) سنن ابن ماجة (2/ 1367)، مستدرك الحاكم (4/ 464)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
(2) النهاية، الفتن والملاحم (1/ 31).
(3) البخارى، كتاب أحاديث الأنبياء (6/ 491).(3/139)
(هـ) وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة» إلى أن قال: «فينزل عيسى بن مريم -عليه السلام- فيقول أميرهم: صل بنا فيقول: لا إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة»(1).
والأحاديث التي وردت في الصحيحين تدل على أمرين:
أحدهما: أنه عند نزول عيسى ابن مريم -عليه السلام- من السماء يكون المتولي لإمرة المسلمين رجلاً منهم.
الثاني: أن حضور أميرهم للصلاة، وصلاته بالمسلمين، وطلبه من عيسى -عليه السلام- عند نزوله أن يتقدم ليصلي بهم يدل على صلاح هذا الأمير وهداه، وجاءت الأحاديث في السنن والمسانيد وغيرها مفسرة لهذه الأحاديث التي في الصحيحين، ودالة على أن ذلك الرجل الصالح يسمى: محمد بن عبد الله، ويقال له المهدي، والسنة يفسر بعضها بعضا.
(و) فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «منا الذي عيسى بن مريم يصلي خلفه»(2).
(ز) وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المهدي مني أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وجورا، ويملك سبع سنين»(3)، ولا توجد أية صلة أو علاقة بين مهدي السنة ومهدي الشيعة الرافضة، وهناك بعض الفروق بينهما منها:
* أن المهدي عند أهل السنة اسمه (محمد بن عبد الله) فاسمه يوافق اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - واسم أبيه يوافق اسم أبيه، أما مهدي الشيعة الرافضة، فاسمه محمد بن الحسن العسكري.
* أن المهدي عند أهل السنة من ولد الحسن -رضي الله عنه-، ومهدي الشيعة الرافضة من ولد الحسين.
__________
(1) مسلم، كتاب الإيمان (2/ 193) مع شرح النووي.
(2) رواه أبو نعيم في أخبار المهدي، صححه الألباني صحيح الجامع (5/ 7170).
(3) سنن أبي داود، كتاب المهدي رقم (4265).(3/140)
* أن المهدي عند أهل السنة تكون ولادته ومدة حياته طبيعية، ولم يوجد في الأحاديث ما يدل على أنه يمتاز عن غيره من الناس بشيء من ذلك، أما مهدي الشيعة الرافضة فإن حملة وولادته كانت في ليلة واحدة ودخل السرداب وعمره تسع سنوات ومضى عليه الآن ما يزيد على ألف ومئة وخمسين سنة وهو في السرداب.
* أن المهدي عند أهل السنة يخرج لنصرة الإسلام والمسلمين، ولا يفرق بين جنس وجنس، وأما مهدي الشيعة الرافضة فيخرج لنصرة الشيعة الرافضة خاصة والانتقام من أعدائهم، ويكره العرب وقريشا فلا يعطيهم إلا السيف ولا يكون من أتباعه عربي، كما دلت على ذلك رواياتهم.
* أن مهدي السنة يحب صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويرتضي عنهم ويتمسك بسنتهم، كما يحب أمهات المؤمنين ولا يذكرهن إلا بالثناء الجميل، أما مهدي الشيعة الرافضة فيبغض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ويخرجهم من قبورهم ويعذبهم ثم يحرقهم -على حد زعمهم- وكذلك يبغض أمهات المؤمنين، ويحاد أحب نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه، الصديقة بنت الصديق عائشة -رضي الله عنها- على حد زعمهم.
* أن مهدي أهل السنة يعمل بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يترك سنة إلا أقامها، ولا بدعة إلا قمعها، أما مهدي الشيعة الرافضة فإنه يدعو إلى دين جديد وكتاب جديد.
* أن مهدي السنة يقيم المساجد ويعمرها، وأما مهدي الشيعة الرافضة فيهدم المساجد ويخربها، فيهدم المسجد الحرام والكعبة، ومسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يبقي مسجدا واحدا على وجه الأرض -كما صرحت بذلك رواياتهم-.
* أن مهدي السنة يحكم بكتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، أما مهدي الشيعة الرافضة فيحكم بحكم آل داود.
* أن مهدي السنة يخرج من المشرق، أما مهدي الشيعة الرافضة فيخرج من سرداب سامراء.
* أن مهدي السنة حقيقة ثابتة دلت عليها أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقوال العلماء قديما وحديثا، أما مهدي الشيعة الرافضة فوهم من الأوهام لم يخرج ولن يخرج في يوم من الأيام(1).
عاشرًا: عقيدة الرجعة عند الشيعة الرافضة:
__________
(1) بذل المجهود (1/ 256/ 257).(3/141)
الرجعة من أصول المذهب الشيعي، فمن رواياتهم: ليس منا من لم يؤمن بكرتنا (1)، وقال ابن بابويه في الاعتقادات: واعتقادنا في الرجعة أنه حق (2)، وقال المفيد: واتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات (3)، وقال الطبرسي والحر العاملي وغيرهما من شيوخ الشيعة: إنها موضع إجماع الشيعة الإمامية (4)، وإنها من ضروريات مذهبهم، وإنهم مأمورون بالإقرار بالرجعة واعتقادها، وتحديد الاعتراف بها في الأدعية والزيارات ويوم الجمعة وكل وقت كالإقرار بالتوحيد والنبوة والإمامة والقيامة (5)، ومعنى الرجعة: الرجوع إلى الدنيا بعد الموت (6)، وقد ذهبت فرق شيعية كثيرة إلى القول برجوع أئمتهم إلى هذه الحياة ومنهم من يقر بموتهم ثم رجعتهم، ومنهم من ينكر موتهم ويقول بأنهم غابوا وسيرجعون، وكان أول من قال بالرجعة ابن سبأ، إلا أنه قال بأنه غاب وسيرجع ولم يصدق بموته، وكانت عقيدة الرجعة خاصة برجعة الإمام عند السبئية، والكيسانية وغيرهما، ولكنها صارت عن الاثنى عشرية عامة للإمام وكثير من الناس، ويشير الألوسي إلى أن تحول مفهوم الرجعة عند الشيعة من رجعة الإمام فقط، إلى ذلك المعنى العام كان في القرن الثالث (7)، وأما المفهوم العام لمبدأ الرجعة عند الاثنى عشرية فهو يشمل ثلاثة أصناف هم:
(1) الأئمة الاثنا عشر، حيث يخرج المهدي من مخبئه، ويرجع عن غيبته، وباقي الأئمة يحيون بعد موتهم ويرجعون لهذه الدنيا.
__________
(1) أصول الشيعة الإمامية (2/ 1103).
(2) الاعتقادات، ص90.
(3) أوائل المقالات، ص51.
(4) مجمع البيان (5/52)، الإيقاظ من الهجعة ص33.
(5) المصدر السابق، ص64.
(6) القاموس (3/ 28)، مجمع البحرين (4/ 334).
(7) روح المعاني (5/ 27)، ضحى الإسلام أحمد أمين (3/ 237).(3/142)
(2) ولاة المسلمين الذين اغتصبوا الخلافة -في نظرهم - من أصحابها الشرعيين «الأئمة الاثنى عشر» فيبعث خلفاء المسلمين وفي مقدمتهم أبو بكر وعمر وعثمان... ومن قبورهم يرجعون لهذه الدنيا -كما يزعم الشيعة - للاقتصاص منهم بأخذهم الخلافة من أهلها فتجري عليهم عمليات التعذيب والقتل و الصلب.
(3) عامة الناس، ويخص منهم: من محض الإيمان محضا، وهم الشيعة عموما، ولأن الإيمان خاص بالشيعة، كما تتفق على ذلك رواياتهم وأقوال شيوخهم ومن محض الكفر محضا وهم كل الناس ما عدا المستضعفين (1).
ولهذا قالوا في تعريف الرجعة: إنها رجعة كثر من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة (2)، وعودتهم إلى الحياة بعد الموت (3) في صورهم التي كانوا عليها (4).
__________
(1) أصول الشيعة الإمامية (2/ 1105).
(2) أوائل المقالات، ص51.
(3) أصول الشيعة الإمامية (2/ 1105).
(4) أوائل المقالات، ص95.(3/143)
واتجه شيوخ الشيعة إلى كتاب الله سبحانه ليأخذوا منه الدليل على ثبوت الرجعة التي يتفردون بها عن سائر المسلمين، ولما لم يجدوا بغيتهم تعلقوا كعادتهم بالتأويل الباطني، وركبوا متن الشطط، وتعسفوا أيما تعسف في هذا السبيل، حتى أصبح استدلالهم حجة عليهم، ودليلا على زيف معتقدهم، وبرهانا على بطلان مذهبهم، وإليك مثالا على تفسيرهم للآيات،يرى شيخ المفسرين عندهم أن من أعظم الدلالة على الرجعة قوله سبحانه: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: 95]، حيث يقول ما نصه: هذه الآية من أعظم الأدلة على الرجعة، لأن أحدا من أهل الإسلام لا ينكر أن الناس كلهم -يرجعون- يوم القيامة من هلك ومن لم يهلك (1)، ومع أن الآية حجة عليهم، فهي تدل على نفي الرجعة في الدنيا، إذ معناها كما صرح به ابن عباس وأبو جعفر الباقر وقتادة وغير واحد: حرام على أهل كل قرية أهلكوا بذنوبهم أنهم يرجعون إلى الدنيا قبل يوم القيامة (2)، وهذا كقوله سبحانه: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ} [يس: 31]، وقوله: {فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} [يس: 50]، زيادة {لاَ} هنا لتأكيد معنى النفي من {وَحَرَامٌ} وهذا من أساليب التنزيل البديعة النهائية في الدقة، وسر الإخبار بعدم الرجوع مع وضوحه، هو الصدع بما يزعجهم ويؤسفهم، وفوات أمنيتهم الكبرى، وهي حياتهم الدنيا(3)، وإذا كان المقصود إثبات الرجعة فيه رجعة للناس ليوم القيامة بلا ريب (4) أي ممتنع البتة عدم رجوعهم إلينا للجزاء (5).
__________
(1) تفسير القمي (2/ 76) وضع عنوان في أعلى الصفحة: أعظم دليل على الرجعة.
(2) تفسير ابن كثير (3/ 205).
(3) تفسر القاسمي (11/ 293).
(4) أصول الشيعة الإمامية (2/ 1112).
(5) فتح القدير (3/ 426).(3/144)
إن فكرة الرجعة عند الشيعة الرافضة بعد الموت مخالفة صريحة لنص القرآن الكريم، وباطلة بدلالة آيات عديدة من كتاب الله سبحانه، قال تعالى: {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ - لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 99، 100]، فقوله سبحانه: {وَمِن وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 99، 100]، صريح في نفي الرجعة مطلقا (1).
__________
(1) مختصر التحفة ص (201).(3/145)
فهؤلاء جميعا يسألون الرجوع عند الموت، وعند العرض على الجبار جل علاه، وعند رؤية النار يجابون، لما سبق في قضائه أنهم إليها لا يرجعون، ولذلك عد أهل العلم القول بالرجعة إلى الدنيا بعد الموت من أشد مراحل الغلو في بدعة التشيع (1)، وقد جاء في مسند أحمد أن عاصم بن ضمرة: وكان من أصحاب علي -رضي الله عنه- قال للحسن بن علي: إن الشيعة يزعمون أن عليا يرجع، قال الحسن: كذب أولئك الكذابون، ولو علمنا ذاك ما تزوج نساؤه ولا قسمنا ميراثه (2)، والقول بالرجعة بعد الموت إلى الدنيا لمجازاة المسيئين وإثابة المحسنين، ينافي طبيعة هذه الدنيا وأنها ليست دار جزاء {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185]، وقد كان لابن سبأ اليهودي دور التأسيس لمبدأ الرجعة، إلا أنها رجعة خاصة بعلي، كما أنه ينفي وقوع الموت عليه أصلا كحال الاثنى عشرية مع مهديهم الذي يزعمون وجوده، وعقيدة الرجعة عند الشيعة الإمامية خلاف ما علم من الدين بالضرورة من أنه لا حشر قبل يوم القيامة، وأن الله حين توعد كافرا أو ظالما إنما توعده بيوم القيامة، كما أنها خلاف الآيات والأحاديث المتواترة المصرحة بأنه لا رجوع إلى الدنيا قبل يوم القيامة (3).
الحادي عشر: قولهم بالبداء على الله سبحانه وتعالى:
__________
(1) أصول الشيعة الإمامية (2/ 112).
(2) مسند أحمد (2/ 312)، قال أحمد شاكر: إسناده صحيح.
(3) أصول الشيعة الإمامية (2/ 1124).(3/146)
من أصول الاثنى عشرية القول بالبداء على الله، سبحانه وتعالى حتى بالغوا في أمره فقالوا: ما عبد الله بشيء مثل البداء (1)، وما عظم الله عز وجل بمثل البداء (2)، ولو علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا من الكلام فيه (3)، وما بعث الله نبيا قط إلا بتحريم الخمر وأن يقر لله بالبداء (4)، ويبدو أن الذي أرسى هذا المعتقد عند الاثنى عشرية هو الملقب عندهم بثقة الإسلام وهو شيخهم الكليني (ت 328 أو 329هـ)، حيث يوضع هذا المعتقد في قسم الأصول من الكافي، وجعله ضمن كتاب التوحيد، وخصص له بابا بعنوان (باب البداء) وذكر فيه ستة عشر حديثا من الأحاديث المنسوبة للأئمة (5).
وإذا رجعت إلى اللغة العربية لتعريف معنى البدء تجد أن القاموس يقول: بدا بدوًا بدأة: ظهر، وبدا له في الأمر وبداء وبداة: نشأ له فيه رأي (6)، فالبداء في اللغة له معنيان:
[1] الظهور بعد الخفاء، تقول: بدا سور المدينة أي ظهر.
__________
(1) أصول الكافي (1/ 146).
(2) أصول الكافي (1/ 146).
(3) ، (2) أصول الكافي (1/ 148).
(5) أصول الشيعة الإمامية (2/ 1133).
(6) القاموس المحيط (4/ 302).(3/147)
[2] نشأة الرأي الجديد، قال الفراء: بدا لي بداء أي: ظهر لي رأي آخر، قال الجوهري: بدا له في الأمر بداء أي: نشأ له فيه رأي (1)، وكلا المعنيين وردا في القرآن، فمن الأول قوله تعالى: {وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ} [البقرة: 284]، ومن الثاني قوله: {ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُا الآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} [يوسف: 35]، وواضح أن البداء بمعنييه يستلزم سبق الجهل وحدوث العلم، وكلاهما محال على الله سبحانه، ونسبته إلى الله من أعظم الكفر، فكيف تجعل الشيعة الاثنى عشرية هذا من أعظم العبادات، وتدعي أنه ما عظم الله عز وجل بمثل البداء؟، سبحانك هذا بهتان عظيم (2).
وهذا المعنى المنكر يوجد في كتب اليهود فقد جاء في التوراة التي حرفها اليهود وفق ما شاءت أهواؤهم نصوص صريحة تتضمن نسبة معنى البداء إلى الله سبحانه (3)، ويبدو أن ابن سبأ اليهودي قد حاول إشاعة هذه المقالة، التي أخذها من (توراته) في المجتمع الإسلامي الذي حاول التأثير فيه باسم التشيع تحت مظلة الدعوة إلى ولاية علي -رضي الله عنه-، ذلك أن فرق السبئية كلهم يقولون بالبداء وأن الله تبدوا له البداوات (4) ثم انتقلت هذه المقالة إلى فرقة (الكيسانية) أو المختارية أتباع المختار بن أبي عبيد الثقفي وهي الفرقة التي اشتهرت بالقول بالبداء والاهتمام به، والتزامه عقيدة (5).
__________
(1) الصحاح (6/ 2278)، لسان العرب (6/ 614).
(2) أصول الشيعة الإمامية (2/ 1135).
(3) المصدر نفسه (2/ 1136).
(4) التنبيه والرد للملطي، ص19.
(5) أصول الشيعة الإمامية (2/ 1135).(3/148)
وكان شيوخ الشيعة يمنون أتباعهم بأن الأمر سيعود إليهم، والدولة ستكون لهم، حتى إنهم حددوا ذلك بسبعين سنة، في رواية نسبوها لأبي جعفر، فلما مضت السبعون ولم يتحقق شيء من تلك الوعود اشتكى الأتباع من ذلك، فحاول مؤسس المذهب الخروج من هذا المأزق بأنه قد بدا لله سبحانه ما اقتضى تغيير هذا الوعد (1).
وقد دل القرآن الكريم على إثبات صفة العلم لله تعالى وعلى بطلان ما نسبته الشيعة الرافضة من عقيدة البداء لله، التي أفضت إلى نسبة الجهل إليه تعالى: والآيات الدالة على إثبات صفة العلم لله تعالى كثيرة، منها قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ - وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ} [الأنعام: 59: 60]، وقال تعالى: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14].
قال ابن تيمية رحمه الله: قد دلت هذه الآية على وجوب علمه بالأشياء من وجوه انتظمت... لأهل النظر والاستدلال القياسي العقلي:
أحدها: أنه خالق لها، والخلق هو الإبداع بتقدير، وذلك يتضمن تقديرها في العلم قبل تكونها في الخارج.
الثاني: أن ذلك مستلزم للإرادة والمشيئة، والإرادة مستلزمة لتصور المراد والشعور به.
الثالث: أنها صادرة عنه، وهو سببها التام، والعلم بأصل الأمر، وسببه يوجب العلم بالفرع المسبب، فعلمه بنفسه مستلزم بكل ما يصدر عنه.
__________
(1) تفسير العياشي (2/ 218)، بحار الأنوار (4/ 214).(3/149)
الرابع: أنه في نفسه لطيف يدرك الدقيق، خبير يدرك الخفي، وهذا هو مقتضى العلم بالأشياء، مستغن عنها، كما هو غني بنفسه في جميع صفاته (1)، وقد دلت الآيات كذلك على تقدير الله تعالى للكون قبل أن يخلقه، وذلك بناء على علمه السابق بهذا الكون قبل وجوده، قال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2]، وقال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى - وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى: 3، 4]، فهذه الآيات الكريمات فيها أعظم رد على الشيعة الرافضة الذين زعموا أن الله تعالى لا يعلم الحوادث إلا بعد حدوثها، وأنه قد يأمر بأمر ثم يتغير رأيه بناء على تجديد المصلحة، فالله تعالى قبل أن يخلق هذا الخلق قدره، وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره، ولا تدبيره، ولا يتجاوز ما كتب الله في اللوح المحفوظ قبل خلق المخلوقات ووجود الكائنات ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون (2).
__________
(1) الفتاوى (2/ 211).
(2) بذل المجهود (1/ 340).(3/150)
وقد دلت السنة على إثبات صفة العلم لله تعالى، روى البخاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله، لا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت، ولا يعلم حتى تقوم الساعة أحد إلا الله» (1)، وهذه الأمور التي جاءت في الحديث أمور مستقبلية دل الحديث على علم الله بها قبل حدوثها، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء» (2).وقد جاءت في كتب الشيعة في ذلك الركام الهائل من الأباطيل روايات قد تكون وثيقة الصلة بعلماء آل البيت لأنها تعبر عن المعنى الحق وهو ما يليق بأولئك الصفوة، وقد تكون من آثار الشيعة المعتدلة، فعن منصور بن حازم قال: سألت أبا عبد الله -عليه السلام- يكون اليوم شيء لم يكن في علم الله تعالى بالأمس؟، قال: من قال هذا فأخزاه الله، قلت: أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة أليس في علم الله؟ قال: بلى، قبل أن يخلق الخلق (3).
الثاني عشر: موقف أهل البيت من الشيعة الرافضة
أئمة أهل البيت كسائر أهل السنة في موقفهم من الرافضة ومن عقائدهم، فهم يعتقدون ضلالهم وانحرافهم عن السنة، وبعدهم عن الحق، وهم من أشد الناس ذما ومقتا لهم، وذلك لنسبتهم تلك العقائد الفاسدة إليهم، وكثرة كذبهم عليهم، وقد تعددت عبارات أهل البيت وتنوعت في ذم الشيعة الرافضة وبراءتهم من عقيدتهم، فمما جاء عنهم في براءتهم من عقائد الشيعة الرافضة وتأصيلهم عقيدة أهل السنة (4):
__________
(1) البخاري رقم (4967).
(2) مسلم رقم (16).
(3) التوحيد لابن بابويه، ص334، أصول الكافي (1/ 48) رقم (10).
(4) الانتصار للصحب والآل، ص 112.(3/151)
1- ما ثبت عن علي -رضي الله عنه- وتواتر عنه أنه قال وهو على منبر الكوفة: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر -رضي الله عنهما- (1)، وعنه -رضي الله عنه- قال: لا يفضلني أحد على الشيخين إلا جلدته حد المفتري (2)، وفي الصحيحين أنه قال في حق عمر عند تشييعه: ما خلفت أحدا أحب إلى من أن ألقى الله بمثل عمله منك، وايم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وذلك أني كنت أسمع كثيرا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر وإن كنت لأظن أن يجعلك الله معهما (3).
وهذه الآثار -الثابتة- عن أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- تناقض عقيدة الشيعة في الشيخين كما تقدم، وتدل على براءة علي -رضي الله عنه- من الشيعة الرافضة ومن عقيدتهم، وتوليه للشيخين وسائر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وحبه لهم -كما بينا سابقا- وإقراره للشيخين بالفضل عليه، وعقوبته من فضله عليهما، وتمنيه أن يلقى الله بمثل عمل عمر، فرضي الله عنه، وعن سائر أصحاب النبي الطيبين المطهرين من كل ما ينسبه إليهم أهل البدع من الشيعة الرافضة والخوارج المارقين، ثم من بعد علي -رضي الله عنه- جاءت أقوال أبنائه، في البراءة من الرافضة ومن عقيدتهم وانتقادهم لعقيدة أهل السنة (4).
2- قول الحسن بن علي -رضي الله عنه-: عن عمرو بن الأصم قال: قلت للحسن: إن الشيعة تزعم أن عليا مبعوث قبل يوم القيامة قال: كذبوا والله ما هؤلاء بالشيعة لو علمنا أنه مبعوث، ما زوجنا نساءه، ولا اقتسمنا ماله (5).
وروى أبو نعيم: قيل للحسن بن علي -رضي الله عنهما: إن الناس يقولون: إنك تريد الخلافة، قال: كانت جماجم العرب في يدي، يحاربون من حاربت ويسالمون من سالمت، فتركتها ابتغاء وجه الله، وحقن دماء أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - (6).
__________
(1) اللالكائي (7/ 1366- 1397).
(2) السنة لابن أبي عاصم، ص 561.
(3) البخاري، رقم (3685).
(4) الانتصار للصحب والآل، ص144.
(5) سير أعلام النبلاء (3/ 263).
(6) حلية الأولياء (2/ 37).(3/152)
3- قول الحسن بن علي -رضي الله عنهما-: كان يقول في شيعة العراق -الذين كاتبوه ووعدوه بالنصر، ثم تفرقوا عنه وأسلموه إلى أعدائه- «اللهم إن أهل العراق غروني وخدعوني، صنعوا بأخي ما صنعوا، اللهم شتت عليهم أمرهم وأحصهم عددا» (1)، ثم كانت نتيجة غدرهم وخذلانهم له استشهاده -رضي الله عنه- هو وعامة من كان معه من أهل بيته، بعد أن تفرق عنه هؤلاء الخونة، فكان مقتله -رضي الله عنه- معيبة عظيمة، ومأساة جسيمة يتفطر لها قلب كل مسلم (2).
4- قول علي بن الحسين -رحمه الله-: ثبت عنه أنه قال: يا أهل العراق أحبونا حب الإسلام، ولا تحبونا حب الأصنام، فما زال بنا حبكم حتى صار علينا شينا (3). وعنه رحمه الله، أنه جاءه نفر من أهل العراق، فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنه- فلما فرغوا قال لهم: ألا تخبروني، أنتم المهاجرون الأولون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون؟ قالوا: لا، قال: فأنتم الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدروهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه، فأولئك هم المفلحون؟، قالوا: لا، قال: أشهد أنكم لستم من الذين قال الله عز وجل فيهم: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر: 10]، اخرجوا فعل الله بكم (4)!!.
__________
(1) سير أعلام النبلاء (4/ 302).
(2) سير أعلام النبلاء (4/ 302).
(3) المصدر السابق (4/ 390).
(4) الحلية (3/ 137).(3/153)
5-قول محمد بن علي (الباقر): عن محمد بن علي أنه قال: أجمع بنوا فاطمة على أن يقولوا في أبي بكر وعمر، أحسن ما يكون من القول (1)، وعنه -رحمه الله- أنه قال لجابر الجعفي: إن قوما بالعراق يزعمون أني أمرتهم بذلك، فأخبرهم أني أبرأ إلى الله تعالى منهم، والله بريء منهم، والذي نفس محمد بيده لو وليت لتقربت إلى الله بدمائهم، لا نالتني شفاعة محمد إن لم أكن أستغفر الله لهما، وأترحم عليهما، إن أعداء الله غافلون عنهما (2)، وعن بسام الصيرفي قال: سألت أبا جعفر عن أبي بكر وعمر قال: والله إني لأتولاهما وأستغفر لهما، وما أدركت من أهل بيتي إلا وهو يتولاهما (3).
6-قول زيد بن علي رحمه الله: عن زيد بن علي أنه قال: كان أبو بكر إمام الشاكرين، ثم تلا: {وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 143]، ثم قال: البراءة من أبي بكر هي البراءة من علي (4) -رضي الله عنهما- فإن شئت فتقدم، وإن شئت فتأخر (5).
__________
(1) سير أعلام النبلاء (4/ 406)
(2) الاعتقاد للبيهقي ص (361)
(3) سير أعلام النبلاء (4/ 403)
(4) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (7/ 1302).
(5) النهي عن سب الأصحاب للمقدسي ص 75.(3/154)
7-قول جعفر بن محمد (الصادق): عن عبد الجبار بن عباس الهمداني، أن جعفر بن محمد أتاهم وهم يريدون أن يرتحلوا من المدينة فقال: إنكم إن شاء الله من صالحي أهل مصركم، فأبلغوا عني من زعم أني إمام معصوم مفترض الطاعة، فأنا منه بريء (1)، ومن زعم أني أبرأ من أبي بكر وعمر، فأنا منه بريء، وعن سالم بن عبد الله بن عمر أنه قال له: يا سالم تولهما وابرأ من عدوهما، فإنهما كانا إمامي هدى، ثم قال جعفر: أيسب الرجل جده؟، أبو بكر جدي، لا نالتني شفاعة محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما وأبرأ من عدوهما (2)، وعن جعفر بن محمد أنه كان يقول: ما أرجو من شفاعة على شيئا، إلا وأنا أرجو من شفاعة أبي مثله، لقد ولدني مرتين (3).
وعنه -رحمه الله- أنه سئل عن أبي بكر وعمر، فقال: إنك تسألني عن رجلين قد أكلا من ثمار الجنة (4)، وعنه أنه قال: بريء الله ممن تبرأ من أبي بكر وعمر (5)، قال الذهبي معقبا على هذا الأثر:قلت: هذا القول متواتر عن جعفر الصادق، أشهد بالله إنه لبار في قوله غير منافق لأحد، فقبح الله الرافضة (6).
__________
(1) سير أعلام النبلاء (6/ 259).
(2) سير أعلام النبلاء (6/ 258).
(3) المصدر نفسه (6/ 255).
(4) الانتصار للصحب والآل، ص119.
(5) سير أعلام النبلاء (6/ 260)
(6) سير أعلام النبلاء (6/ 260).(3/155)
فهذه هي أقوال أئمة أهل البيت، الطيبين الطاهرين، الذين تدعي الشيعة الرافضة إمامتهم وولايتهم، وينسبون إليهم عقيدتهم، موضحة ومبينة موقفهم من الشيعة الرافضة، ومن دينهم، وبراءتهم منهم ومن كل ما يفعلونه بهم من عقائدهم الفاسدة، ومطاعنهم على خيار الصحابة، وأمهات المؤمنين، وأن هؤلاء الأئمة من أهل البيت على عقيدة السنة، ظاهرا وباطنا، في كل كبير وصغير، فهي عقيدتهم التي بها يدينون، عليها يوالون ويعادون، وأن من نسب لهم غير ذلك فهو كاذب عليهم ظالم لهم، فرحمهم الله رحمة واسعة، وأخزى الله من ألصق بهم الأكاذيب (1).
الثالث عشر: وجهة نظر التقريب بين أهل السنة والشيعة:
__________
(1) الانتصار للصحب والآل، ص120.(3/156)
لقد تبين لنا من خلال البحث مدى ما عند الشيعة الروافض من ضلال وبدع وانحراف عن كتاب الله وسنة رسوله والخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم، ومدى الأخطار والأضرار الكبيرة التي احتوت عليها كتبهم المعتمدة في مجال التفسير والتوحيد و الحديث وغيرها، وأنها تصيب المسلمين في صميم الاعتراف بهذه الكتب، التي لا يصل الكيد الاستشراقي والتبشيري إلى مستوى ما وصلت إليه من محاولات لتغيير دين الله وشرعه باسم الإسلام، بل إن الاستشراق والتبشير من معينها يرتوي، وعلى شبهاتها وأساطيرها يعتمد في إفساده وتآمره على الدين وأهله، ولهذا فإن هناك علاقة وثيقة بل تشابها تاما بين شبهات المستشرقين والمبشرين، وآراء الشيعة والروافض، وليس هذا بجديد -وهذه العلاقة تستحق أن يفرد لها رسالة علمية خاصة- فمن قديم كان الأعداء يستخدمون (آراء) الشيعة الروافض تكأة لهم في محاربة الإسلام وأهله، بل كان جنود الشيعة الروافض أمضى سلاحا في يد الأعداء، وكان التشيع الرافضي مأوى لكل من أراد هدم الإسلام من ملحد وحاقد وموتور، وأيام التاريخ مليئة بمؤامراتهم وخياناتهم ومؤازرتهم للأعداء، ومن أبرز الأسباب في ذلك أن هؤلاء الشيعة الروافض لا يؤمنون بشرعية حكومة إسلامية إلا حكومة المنتظر الذي غاب أكثر من أحد عشر قرنا، ولهذا وجد الأعداء مدخلا إلى قلوبهم من هذا الطريق (1)، قال ابن تيمية رحمه الله: وكثير منهم يواد الكفار من وسط قلبه أكثر من مودته للمسلمين، ولهذا لما خرج الترك الكفار من جهة المشرق وقتلوا المسلمين وسفكوا دماءهم ببلاد خراسان والعراق والشام والجزيرة وغيرها، كانت الرافضة معاونة لهم على المسلمين، وكذلك كانوا بالشام وحلب وغيرها من الرافضة كانوا من أشد الناس معاونة لهم على قتال المسلمين، وكذلك النصارى الذين قاتلوا المسلمين بالشام، كانت الرافضة من أعظم المعاونين لهم، فهم دائما يوالون الكفار -من المشركين
__________
(1) مسألة التقريب (2/ 216 إلى 278).(3/157)
والنصارى- ويعاونونهم على قتال المسلمين ومعاداتهم (1)، ويكفي للتأكيد على ذلك شواهد تاريخية منها:
1- مؤامرة ابن العلقمي الرافضي في إسقاط بغداد 656هـ: وملخص الحادثة أن ابن العلقمي كان وزيرا للخليفة العباسي المستعصم وكان الخليفة على مذهب أهل السنة، كما كان أبوه وجده، ولكن كان فيه لين وعدم تيقظ، فكان هذا الوزير الرافضي يخطط للقضاء على دولة الخلافة، وإبادة أهل السنة، وإقامة دولة على مذهب الشيعة الرافضة، فاستغل منصبه، وغفلة الخليفة لتنفيذ مؤامرته ضد الخلافة، وكانت خيوط المؤامرة تتمثل في ثلاث مراحل:
أ-المرحلة الأولى: إضعاف الجيش، ومضايقة الناس حيث سعى في قطع أرزاق عسكر المسلمين قال ابن كثير رحمه الله: وكان الوزير ابن العلقمي يجتهد في صرف الجيوش، وإسقاط اسمهم من الديوان فكانت العساكر في آخر أيام المستنصر قريبا من مائة ألف مقاتل.. فلم يزل يجتهد في تقليلهم، إلى أن لم يبق سوى عشرة آلاف (2).
ب- المرحلة الثانية: مكاتبة التتار: يقول ابن كثير رحمه الله: ثم كاتب التتار وأطمعهم في أخذ البلاد وسهل عليهم ذلك، وحكى لهم حقيقة الحال وكشف لهم ضعف الرجال (3).
ج-المرحلة الثالثة: النهي عن قتال التتار وتثبيط الخليفة والناس: فقد نهى العامة عن قتالهم (4)، وأوهم الخليفة وحاشيته أن ملك التتار يريد مصالحتهم، وأشار على الخليفة بالخروج إليه والمثول بين يديه لتقع المصالحة على أن يكون نصف خراج العراق لهم، ونصفه للخليفة، فخرج الخليفة إليه في سبعمائة راكب من القضاة والفقهاء، والأمراء والأعيان، فتم بهذه الحيلة قتل الخليفة ومن معه من قواد الأمة وطلائعها، بدون أي جهد من التتار.
__________
(1) منهاج السنة (2/ 104).
(2) البداية والنهاية (13/ 202).
(3) البداية والنهاية (13/ 202).
(4) منهاج السنة (3/ 83).(3/158)
وقد أشار أولئك الملأ من الشيعة الرافضة وغيرهم من المنافقين على هولاكو أن لا يصالح الخليفة، وقال له الوزير ابن العلقمي: متى وقع الصلح على المناصفة لا يستمر هذا إلا عاما أو عامين، ثم يعود الأمر إلى ما كانت عليه قبل ذلك، وحسنوا له قتل الخليفة، ويقال: إن الذي اشار إليه بقتله الوزير العلقمي ونصير الطوسي (1)، ثم مالوا على البلد فقلتوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والمشايخ والكهول والشباب، ولم ينج منهم أحد سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى، ومن التجأ إليهم، وإلى دار الوزير ابن العلقمي الرافضي، وقد قتلوا من المسلمين ما يقال إنه بضعة عشر ألف ألف إنسان أوأكثر أو أقل، ولم ير الإسلام ملحمة مثل ملحمة الترك الكفار المسمين بالتتار، وقتلوا الهاشميين، وسبوا نساءهم من العباسيين وغير العباسيين، فهل يكون مواليا لآل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يسلط الكفار على قتلهم وسبيهم وعلى سائر المسلمين (2).
وقتل الخطباء والأئمة، حملة القرآن، وتعطلت المساجد، والجماعات، مدة شهور ببغداد(3).
وكان هدف ابن العلقمي: أن يزيل السنة بالكلية وأن يظهر البدعة الرافضة، وأن يبني للرافضة مدرسة هائلة، ينشرون بها مذهبهم، فلم يقدره الله على ذلك، بل أزال نعمته عنه وقصف به عمره بعد شهور يسيرة من هذه الحادثة، وأتبعه بولده (4).
__________
(1) كان النصر عند هولاكو قد استصحبه في خدمته لما فتح قلاع الألموت وانتزعها من أيدي الإسماعيلية، البداية والنهاية (13/ 201).
(2) منهاج السنة (3/ 83).
(3) البداية والنهاية (12/ 203).
(4) البداية والنهاية (13/ 202- 203).(3/159)
2-الدولة الصفوية: في الدولة الصفوية والتي أسسها الشاه إسماعيل الصفوي، فرض تشيع الاثنى عشرية على الإيرانيين قسرا، وجُعل المذهب الرسمي لإيران وكان إسماعيل قاسيا متعطشا للدماء إلى حد لا يكاد يصدق (1)، ويشيع عن نفسه أنه معصوم وليس بينه وبين المهدي فاصل، وأنه لا يتحرك إلا بمقتضى أوامر الأئمة الاثنى عشر (2)، ولقد تقلد سيفه وأعمله في أهل السنة، وكان يتخذ سب الخلفاء الثلاثة وسيلة لامتحان الإيرانيين، وقد أمر الشاه أن يعلن السب في الشوارع، والأسواق، وعلى المنابر، منذر المعاندين بقطع رقابهم، وكان إذا فتح مدينة أرغم أهلها على اعتناق الرفض بقوة السلاح (3)، ولقد آزر شيوخ الروافض سلاطين الصفويين في الأخذ بالتشيع إلى مراحل من الغلو، وفرض ذلك على مسلمي إيران بقوة الحديد والنار، وكان من أبرز هؤلاء الشيوخ شيخهم على الكركي (4)، الذي يلقبه الشيعة بالمحقق الثاني قربه الشاه طهماسب، ابن الشاه إسماعيل وجعله الآمر المطاع في الدولة، وكذلك كان من شيوخ الدولة الصفوية المجلسي، والذي شارك السلطة في التأثير على المسلمين في إيران، حتى يقال إن كتابه (حق اليقين) كان سببا في تشيع سبعين ألف سني من الإيرانيين (5)، والأقرب أن هذا من مبالغات الشيعة، فإن الرفض في إيران لم يجد مكانه إلا بالقوة والإرهاب لا بالفكر والإقناع (6).
__________
(1) لمحات اجتماعية من تاريخ العراق، على الوردي، ص56.
(2) الفكر الشيعي والنزعات الصوفية، كامل الشيبي، ص413.
(3) أصول الشيعة الإمامية (3/ 1475).
(4) المصدر نفسه (3/ 1476).
(5) عقيدة الشيعة، دونلدسن، 302.
(6) أصول الشيعة الإمامية (2/ 1478).(3/160)
ولا ينسى الجانب الآخر من أثر الدولة الصفوية، وذلك في حروبها لدولة الخلافة الإسلامية العثمانية، وتعاونها مع الأعداء من البرتغال ثم الإنجليز ضد المسلمين، وتشجيعها لبناء الكنائس ودخول المبشرين والقسس، مع محاربتهم للسنة وأهلها (1).
هذه بعض آثار دولتهم وأفرادهم في هذا المجال، ومن كلمات ابن تيمية رحمة الله الخالدة والمهمة في هذا الموضوع، والتي إذا طبقتها على الواقع، وإذا استقرأت من خلالها وقائع التاريخ رأيت صدقها كالشمس، قوله رحمه الله: فلينظر كل عاقل فيما يحدث في زمانه، وما يقرب من زمانه من الفتن والشرور والفساد في الإسلام فإنه يجد معظم ذلك من قبل الرافضة، وتجدهم من أعظم الناس فتنا وشرا، وأنهم لا يقعدون عما يمكنهم من الفتن والشرور وإيقاع الفساد بين الأمة (2)، ونحن قد علمنا بالمعاينة والتواتر أن الفتن والشرور العظيمة التي لا تشابهها فتن، إنما تخرج عنهم (3).
فمع من نتحد يا معشر أهل السنة؟،مع من يطعن في قرآننا ويفسره على غير تأويله ويحرف الكلم عن مواضعه، ويكفر الصديق والفاروق وأم المؤمنين وأحب نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه عائشة -رضي الله عنه-، وطلحة والزبير وغيرهم من أجلة الصحابة رضوان الله عليهم، ويخادع المسلمين باسم التقية (4).
3- من التجارب المعاصرة في التقريب:
__________
(1) أصول الشيعة الإمامية (2/ 1478).
(2) منهاج السنة (3/ 243).
(3) المصدر السابق (3/ 245).
(4) مسألة التقريب (2/ 280).(3/161)
أ- تجربة مصطفى السباعي: بذل الدكتور مصطفى السباعي عدة مساع مع بعض علماء الشيعة في مسألة التقريب، وسعى لعقد مؤتمر إسلامي لدراسة السبل الكفيلة لإرساء دعائم الألفة والمودة والتقارب بين الفريقين، وكان يرى من أكبر العوامل في التقريب أن يزور علماء الفريقين بعضهم بعضا، وأن تصدر الكتب والمؤلفات التي تدعوا إلى التقارب، وكان يرى عدم إصدار الكتب التي تثير أحد الطرفين، وقام مصطفى السباعي بزيارة أحد مراجع الشيعة الكبار، ومن يعد عندهم من أكبر دعاة الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب والدعوة إلى توحيد الصف وجمع الكلمة، وهو شيخهم عبد الحسين شرف الدين الموسوي فألفاه متحمسا لهذه الفكرة ومؤمنا بها، واتفق معه على عقد مؤتمر إسلامي بين علماء السنة والشيعة لهذا الغرض، كما قام السباعي بزيارة وجوه الشيعة من سياسيين وتجار وأدباء للغرض نفسه، وخرج من هذه الاتصالات فرحا لحصوله على تلك النتائج، وما كان يخطر ببال السباعي -رحمه الله - أو يدور بخلده ما تنطوي عليه نفوس القوم من أهداف، وما يرمون إليه من وراء دعوة التقريب من خطط، حتى فوجيء السباعي -كما يقول- بعد فترة بأن هذا الموسوي المتحمس للتقريب قام بإصدار كتاب في أبي هريرة -رضي الله عنه- مليء بالسباب والشتائم، بل انتهى فيه إلى القول بأن هريرة -رضي الله عنه- كان منافقا كافرا، وأن الرسول قد أخبر عنه بأنه من أهل النار (1). ثم يقول السباعي: لقد عجبت من موقف عبد الحسين في كلامه وفي كتابه معا، ذلك الموقف الذي لا يدل على رغبة صادقة في التقارب ونسيان الماضي (2)، وذكر السباعي أن غاية ما قدم شيوخ الشيعة تجاه فكرة التقريب هي جملة من المجاملة في الندوات والمجالس، مع استمرار كثير منهم في سب الصحابة وإساءة الظن بهم، واعتقاد كل ما يروى في كتب أسلافهم من تلك الروايات والأخبار (3)،
__________
(1) السنة ومكانتها، ص 9.
(2) السنة ومكانتها، ص10.
(3) المصدر السابق، ص 9- 10.(3/162)
ويذكر أنهم وهم ينادون بالتقريب لا يوجد لروح التقريب أثر لدى علماء الشيعة في العراق وإيران، فلا يزال القوم مصرين على ما في كتبهم من ذلك الطعن الجارح والتصوير المكذوب لما كان بين الصحابة من خلاف، كأن المقصود من دعوة التقريب هي تقريب أهل السنة إلى مذهب الشيعة (1)، ويذكر السباعي أن كل بحث علمي في تاريخ السنة أو المذاهب الإسلامية لا يتفق مع وجهة نظر الشيعة يقيم بعض علمائهم النكير على من يبحث في ذلك، ويتسترون وراء التقريب ويتهمون صاحب هذا البحث بأنه متعصب معرقل لجهود المصلحين في التقريب، ولكن كتابا ككتاب عبد الحسين شرف الدين في الطعن في أكبر صحابي موثوق في روايته للأحاديث في نظر أهل السنة لا يراه أولئك العائبون أو الغاضبون عملا معرقلا لجهود الساعين إلى التقريب، ويقول: لست أحصر المثال بكتاب: «أبي هريرة» المذكور، فهناك كتب تطبع في العراق وفي إيران وفيها من التشنيع على جمهور الصحابة ما لا يتحمل سماعه إنسان ذو وجدان وضمير، مما يؤجج نيران التفرقة من جديد (2)، هذه تجربة الشيخ السباعي رحمه الله ومحاولته أفلست أمام تعصب شيوخ الشيعة وإصرارهم في عدوانهم على خير جيل وجد في خير القرون (3).
لقد أصبح التقريب في مفهوم الشيعة الرافضة، أن يتاح لهم المجال لنشر عقائدهم في ديار السنة، وأن يستمروا في نيلهم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن يسكت أهل السنة عن بيان الحق، وإن سمع الروافض الحق يعلوا هاجوا وماجوا قائلين إن الوحدة في خطر (4).
__________
(1) المصدر السابق، ص 9- 10.
(2) المصدر السابق ص 10.
(3) مسألة التقريب (2/ 198).
(4) مسألة التقريب (2/ 198).(3/163)
ب- تجربة الشيخ موسى جار الله: هذا الشيخ الجليل من علماء روسيا فهو موسى بن جار الله التركستاني القازاني الروسي، شيخ مشايخ روسيا في نهاية العصر القيصري وبداية الحكم السوفيتي، كان صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في أمور مسلمي روسيا الذين كانوا يزيدون عن الثلاثين مليون نسمة، ثم هب عليه إعصار الشيوعية فأصبح بعيدا عن دياره وأهله، قام بتأليف رسائل وكتب، تنقل بين الهند والحجاز ومصر والعراق، قال عن نفسه: كان بوسعي أن أعد كاتب روسيا الأول وأحد زعماء الطليعة فيها لو أنني تخليت عن إيماني، ولكنني آثرت أن أشترى الآخرة بالدنيا (1).
__________
(1) المصدر نفسه (2/ 201).(3/164)
حاول هذا العالم الجليل أن يجمع شمل الأمة، وأن يوحد أهل السنة والشيعة وبذل جهودا في هذا الجانب عظيمة، فبدأ بدراسة كتب الشيعة وطالعها باهتمام كما يذكر أنه طالع (أصول الكافي وفروعه) و(من لا يحضره الفقيه)، وكتاب (الوافي) و(مرآة العقول) و(بحار الأنوار) و (غاية المرام) و كتبا كثيرة وغير هذه الكتب (1)، ثم زار ديار الشيعة وعاش فيها أكثر من سبعة أشهر يزور معابدها ومشاهدا ومدارسها ويحضر محافلها وحفلاتها في العزائم والمآتم، ويحضر حلقات الدروس في البيوت والمساجد وصحونها، والمدارس وحجراتها، وأقام بالنجف أيام المحرم ورأى كل ما تأتي به الشيعة أيام العزاء ويوم عاشوراء، وخرج هذه العالم بنتيجة علمية، فرأى ببصيرته النافذة وعلمه الغزير أن نقد عقائد الشيعة وواقعها هو أول مرحلة من تأليف قلوب الأمة، لا تأليف بدونها، وكان أول مساعيه في التقريب لقاؤه مع شيخ الشيعة محسن الأمين في طهران، وجرى بينهما بعض الحديث ثم قدم له الشيخ موسى ورقة صغيرة كان تاريخ الرسالة 26/ 8/ 1934 وأرسل منها نسخة إلى علماء النجف، وأخرى إلى علماء الكاظمية، فكتب فيها: أقدم هذه المسائل لأساتذة النجف الأشرف بيد الاحترام بأمل الاستفادة بقلب سليم صادق، كله رغبة في تأليف عالمي الإسلام الشيعة الإمامية الطائفة المحقة -يعني على زعمهم- (2)، وعامة أهل السنة والجماعة راجيا إجابة الأساتذة جميعا أو فرادى، وكل ببيانه البليغ، وبتوقيع يده مؤكدًا بخاتمه ومهره، ثم أورد في الرسالة ما في كتب الشيعة من أمور منكرة مشيرا إلى أرقام الصفحات في كل ما يذكره، فذكر عدة قضايا خطيرة في كتب الشيعة الرافضة،تحول بين الأمة والائتلاف مثل:
تكفير الصحابة.
اللعنات على العصر الأول.
تحريف القرآن الكريم.
حكومات الدول الإسلامية وقضاتها وكل علمائها طواغيت في كتب الشيعة.
__________
(1) الوشيعة، ص 19 مسألة التقريب (2/ 199).
(2) مسألة التقريب (2/ 205).(3/165)
كل الفرق الإسلامية كافرة ملعونة خالدة في النار إلا الشيعة.
الجهاد في كتب الشيعة مع غير الإمام المفترض طاعته حرام مثل حرمة الميتة وحرمة الخنزير، ولا شهيد إلا للشيعة، والشيعي شهيد ولو مات على فراشه، والذين يقاتلون في سبيل الله من غير الشيعة فالويل يتعجلون.
ثم قال الشيخ بعد ما نقل شواهد هذه المسألة من كتب الشيعة المعتمدة مخاطبا شيوخ الشيعة: هذه ست من المسائل، عقدية الشيعة فيها يقين فهل يبقى لتوحيد كلمة المسلمين في عالم الإسلام من أمل وهذه عقدية الشيعة؟
وهل يبقى بعد هذه المسائل، وبعد هذه العقيدة لكلمة التوحيد في قلوب أهليها من أثر؟.
وهل يمكن أن يكون للأمم الإسلامية -ولهم هذه العقيدة- في سبيل غلبة الإسلام في مستقبل الأيام من سعى؟ ثم أردف ذلك بمسائل منكرة أخرى مثل:
رد الشيعة لأحاديث الأمة ودعواهم أن كل ما خالف الأمة فيه الرشاد، ويرى أن هذا المبدأ هدم لدين الشيعة قبل أن يهدم دين الإسلام.
وما في كتب الشيعة من أبواب في آيات وسور نزلت في الأئمة والشيعة، وفي آيات وسور نزلت في كفر أبي بكر وعمر وكفر من اتبعهما.
وغلو الشيعة في التقية.
ثم ذكر أباطيل أخرى شنيعة في كتب الشيعة مثل:
- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلق عائشة فخرجت من كونها أم المؤمنين.
- أن القائم عندما يقوم يقيم الحد على عائشة انتقاما لأمه ابنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فاطمة عليها وعلى أبيها وأولاده الصلاة والسلام.
- أن القائم إذا ظهر يهدم مساجد الإسلام.
ثم ذكر أن دين الشيعة روحه العداء، وأن ما في كتب الشيعة من حكايات العداء بين الصديق والفاروق، وبين أن كلها موضوعة.
وذكر أن كتب الشيعة تقول على لسان بعض الأئمة: إن الأمة وإن كانت لها أمانه وصدق ووفاء، لا تكون مؤمنة لإنكارها الولاية.(3/166)
وأن الشيعة وإن لم يكن عندها شيء من الدين لا عتب لها لأنها تدين بولاية إمام عادل، وذكر مسائل أخرى ثم قال: فتفضلوا أيها الأساتذة السادة بالإفادة حتى يتحد الإسلام وتجتمع كلمة المسلمين حول كتاب الله المبين، فماذا كان جواب الشيعة بهذه المسائل التي نقلتها من أمهات كتب الشيعة عرضا على سبيل الاستيضاح، عملا بأمر الله في كتابه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 43/ الأنبياء: 70]، يقول: ثم انتظرت سنة وزيادة، ولم أسمع جوابا من أحد إلا من كبير مجتهدي الشيعة بالبصرة، قد قام بوظيفته وتفضل علي بكل أجوبته في كتاب تزيد صفحاته على تسعين، بكلمات في الطعن في العصر الأول أشد وأجرح من كلمات كتب الشيعة، ثم كتب الشيخ موسى كتابه (الوشيعة في نقد عقائد الشيعة)، بعد أن لم ير استجابة من شيوخ الشيعة، ويقول إنني أدافع بذلك عن شرف الأمة وحرمة الدين، وأقضى به حقوق العصر الأول على وعلى كل الأمة (1).
وإذا كان الشيخ موسى جار الله يرى في نشره كتاب (الوشيعة) وفي نصحه لشيوخ الشيعة أن ذلك أول تدبير في التأليف والتقريب فإن شيوخ الشيعة ترى أن ما كشفه الشيخ موسى يجب أن يكون دفينا ويستفزهم مثل هذا الكشف غاية الاستفزاز، والسبب في انزعاج شيوخ الشيعة من أي كشف لما في كتبهم من أباطيل أن في ذلك فضحا لأغراضهم ومآربهم، وكشفا لاستغلالهم لجمهور البسطاء من الشيعة، دينيا باسم النيابة عن المعصوم المنتظر، وماليا باسم خمس هذا المنتظر (2).
__________
(1) الوشيعة ص39، مسألة التقريب (2/ 208).
(2) مسألة التقريب.(3/167)
4-المنهج السليم للتقريب: هو أن يقوم علماء السنة بجهد كبير لنشر اعتقادهم الصحيح المنبثق من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وبيان صحته وتميزه عن مذاهب أهل البدع، وكشف مؤامرات الشيعة الرافضة وأكاذيبهم وما يستدلون به من كتاب أهل السنة والرد على الشبهات الموجهة لأهل السنة بعلم وعدل وبرهان، ولابد من مصاحبة ذلك كله ببيان لانحرافات الشيعة الرافضة، وكشف ضلالاتهم وأصولهم الفاسدة، وإذا كان أئمة السنة قد شاركوا في ذلك فإنه يجب مضاعفة الجهد وأن يكون جهدا جماعيا مخططا له.
إن المنهج الأصيل للتقريب هو بيان الحق وكشف الباطل وتقريب الشيعة إلى كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفهم الإسلام الصحيح، من خلال علماء أهل السنة وعلى رأسهم فقهاء وعلماء أهل البيت كأمير المؤمنين علي وأبنائه وأحفاده من العلماء، ولابد من الوقوف في وجه المد التبشيري الرافضي، الذي يشين لأهل البيت الأطهار، والذي ينشط اليوم بشكل قوي في العالم الإسلامي، وفي أوروبا وأمريكا، وحتى يجتمع المسلمون على كلمة سواء، ويعتصموا بحبل الله جميعا ولا يتفرقوا.
وإذا كان لا يجدي مع بعض علماء الشيعة الرافضة الاحتجاج عليهم بالقرآن والسنة والإجماع، وبيان الحق بهذه الأصول لمخالفتهم لأهل السنة في ذلك، فلا يعني ذلك أن نتوقف عن بيان مذهب أهل السنة وصحته، وبطلان مذهب الشيعة وضلاله في تلك الأصول، فذلك سيحد من انتشار عقيدة الروافض بين أهل السنة -بإذن الله تعالى-.(3/168)
وعلينا أن نبحث عما يكشف باطلهم من كتبهم نفسها، وهذا المنهج لم يسلكه علماؤنا المتقدمون الذين اهتموا بالرد على الروافض، وتفنيد حججهم ودحض دعواهم، ولعل السبب في ذلك أن كتب القوم لم يكن لها ذلك الذيوع والانتشار، وكانت موضع التداول الخاص بهم، أو أن السبب أن هناك بعض كتبهم الأساسية قد وضعت من المتأخرين ونسبت للمتقدمين، أو زيد عليها في العصور المتأخرة (الدول الصفوية) أيا كان السبب هذا أو ذاك أو جميعا فإن كتب الروافض اليوم قد انتشرت ودان بقدسيتها وآمن بصحتها الكثير من الشيعة الروافض، فهم لا يؤمنون إلا بما جاء فيها ولا يحتجون إلا بها، ويردون بها السنة الصحيحة بل نصوص الكتاب الظاهرة بل منهم من يصدق أساطيرها التي تمس كتاب الله العظيم وتزعم الوحي للأئمة وعلم الغيب، فليكن تصحيح وضع الشيعة من كتبهم، وكشف ضلالهم من وراياتهم، ومنطلق التقريب الصحيح من مدوناتهم (1).
__________
(1) مسألة التقريب (2/ 282-283).(3/169)
وقد قامت جهود مشكورة في هذا المجال وظهرت بعض الكتب، مثل (الإمامة والنص) فيصل نور، (ثم أبصرت الحقيقة)، محمد بن علي القفاري، و(دراسة عن الفرق وتاريخ المسلمين)، للدكتور أحمد جلي، إن هذا المسلك ينبغي أن يدرس بعناية واهتماما، فإن القاريء لكتب الشيعة يتلمس خيوطا بيضاء وسط ركام هائل من الضلال، ومن الممكن أن ينسج من هذه الخيوط العقيدة الحقة للأئمة الموافقة للكتاب والسنة الصحيحة، من الضياع والتيه الذي يعيشونه، وهذه الخيوط كما تشمل الأصول تشمل الفروع وعلى ذلك يمكن اللقاء والتقارب (1)، كما ينبغي التنويه وتشجيع الأصوات الإصلاحية الشيعية الصادقة واحترامهم وتقديرهم، والوقوف معهم في نصيحة أقوامهم، كالذي قام به السيد حسين الموسوي -رحمه الله- في كتابه (لله ثم التاريخ، كشف الأسرار في تبرئة الأئمة الأطهار)، وكالجهد العلمي الذي قام به السيد أحمد الكاتب مشكورا في كتاب (تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه)، وعلينا أن نقف مع كل محب صادق لأهل البيت مقتفيا لآثارهم الصحيحة وهديهم الجميل في إرشاد الناس لكتاب الله وسنة نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام، ونعاملهم بكل احترام وتقدير، ونأخذ بأيديهم نحو شواطيء الأمان، ونبين القرآن الكريم طبقا لقواعد اللغة العربية من غير تكلف ولا تعسف، ويرجع في فهم السنة المطهرة إلى رجال الحديث الثقات (2)، وأن كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا المعصوم - صلى الله عليه وسلم - وكل ما جاء عن السلف رضي الله عنهم موافقا للكتاب والسنة قبلناه، وإلا فكتاب الله وسنة رسوله أولى بالاتباع، ولكنا لا نعرض للأشخاص فيما اختلفوا فيه بطعن أو تجريح ونكلهم إلى نياتهم وقد أفضوا إلى ما قدموا (3)، وكل بدعة في دين الله لا أصل لها استحسنها الناس بأهوائهم سواء بالزيادة فيه أو بالنقص منه ضلالة
__________
(1) المصدر نفسه (2/ 296).
(2) النهج المبين لشرح الأصول العشرين د. عبد الله الوشلي، ص 126.
(3) المصدر نفسه، ص157.(3/170)
تجب محاربتها (1)، والقضاء عليها بأفضل الوسائل التي لا تؤدي على ما هو شر منها، ومحبة الصالحين واحترامهم والثناء عليهم بما عرف من طيب أعمالهم قربة إلى الله تعالى، والأولياء هم المذكورون في قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 63]، والكرامة ثابتة لهم بشرائطها الشرعية مع اعتقاد أنهم رضوان الله عليهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا في حياتهم أو بعد مماتهم فضلا عن أن يهبوا شيئا من ذلك لغيرهم (2)، وزيارة القبور أيا كانت سنة مشروعة بالكيفية المأثورة ولكن الاستعانة بالمقبورين وطلب الحاجات منهم عن قرب أو بعد والنذر لهم وتشييد القبور وسترها والتمسح بها والحلف بغير الله وما يلحق بذلك من المبتدعات كبائر تجب محاربتها، لا نتأول لهذه الأعمال سدا للذريعة (3)، والعرف الخاطيء لا يغير من حقائق الألفاظ الشرعية، بل يجب التأكد من حدود المعاني المقصود بها والوقوف عندها كما يجب الاحتراز من الخداع اللفظي من كل نواحي الدنيا والدين، فالعبرة بالمسميات لا بالأسماء(4)، والإسلام يحرر العقل، ويحث على النظر في الكون ويرفع قدر العلم والعلماء ويرحب بالصالح والنافع من كل شيء، والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها (5)، ولا نكفر مسلما أقر بالشهادتين، وعمل بمقتضاها وأدى الفرائض، برأي أو معصية إلا إن أقر بكلمة الكفر، أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة أو كذب صريح القرآن أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال، أو عمل عملا لا يحتمل تأويلا غير الكفر (6).
__________
(1) المصدر نفسه ص 234.
(2) المصدر نفسه، ص259.
(3) المصدر نفسه، 279.
(4) المصدر نفسه، ص 305.
(5) المصدر نفسه، ص 323.
(6) المصدر نفسه، ص 343.(3/171)
إنه مثل هذه الأصول والمفاهيم تعين الناس عموما في فهم الإسلام المتمثل في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ومنهج أهل السنة والجماعة، الذي أصل لأصوله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدون المهديون، ومن سار على نهجهم من العلماء والفقهاء.
إن أهل الحق المتمسكين بنهج أهل السنة، ليس عندهم بدع بحمد الله، ومستندهم القرآن والسنة الصحيحة، ولا يمكنهم التنازل عن شيء من ذلك مما قد يحعل الدين عرضة للمساومة، وأما الشيعة الرافضة فعندهم من البدع الشيء الكثير لا يمنعهم شيء من التنازل عنها إلا التعصب واتباع الهوى والمصالح المادية لبعض شيوخهم المنحرفين عن هدي أمير المؤمنين علي وعلماء أهل البيت رضي الله عنهم جميعا، وذكر العلماء أن أهل السنة عليهم إنكار بدع المبتدعة، وإن كان المبتدع متعبدا بها معتقدا صوابه، ولا بأن أن نقيد إنكارنا على هذه البدع بالقيد المصلحي وفق قاعدة الترجيح بين المفاسد والمصالح المتعارضة بأن نحتمل المفسدة اليسيرة من أجل درء المفسدة الكبيرة، ونحتمل تفويت المعروف الأصغر حرصا على جلب الأكبر، وهذه قاعدة صحيحة عند الفقهاء، والعمل بهذه القاعدة قد يجعلنا نسكت عن إنكار بدعة الشيعة الرافضة في وقت من الأوقات أو في مكان من الأمكنة سدا للذريعة وخروجا عن أصل الإنكار إذا كان الإنكار يؤدي إلى هياج الفتن وإراقة الدماء والاقتتال بين أهل بلد يتكافأ فيه عدد الشيعة مع عدد السنة، وأما في الأحوال الاعتيادية التي لا تكون هناك مفسدة تصاحب هذا الإنكار يكون مستساغا أو واجبا (1).
__________
(1) مسألة التقريب (2/ 360).(3/172)
وعلى علماء أهل السنة أن يلتزموا أسلوب البحث العلمي الهادئ في مناقشة بدع المبتدعة، وأن يترفقوا معهم، وقد يكون من تمام الترفق زيارتهم ومعاونتهم في الحدود التي لا خلاف فيها أو نجدتهم في الملمات وأيام المصاعب أو نصرتهم إذا كانوا في نزاع مع كافر أو ظالم، وفق السياسة الشرعية الخاضعة للمصالح والمفاسد، إلا أن الأصل في التعاون وحسن العلاقة وهدوء البحث لا يمكن أن يطرد دائما، ليشمل من يأتي من الشيعة الرافضة بغلو قد يكون في السكوت عنه تحرك الغوغاء والدهماء، بل الواجب أن ننكر على أهل الغلو الشديد والأقوال الشاذة في كل الأحوال، والحد المميز بين الطائفتين الأولى التي نترفق معها في الكلام، والثانية التي نغلظ لها الكلام إنما يكون كامنا في مدى اعتماد القائل على نص شرعي يتكون منه شبهة له أو على تأويل قد تميل إله بعض الأذهان، وأما من يتبع غرائب النقول عن المجاهيل والمتأخرين ومن لا تأويل له فالإنكار -من تجاهه أولى- وربما كان الإغلاظ له أوجب (1).
إن أهل الحل والعقد من أهل السنة في المجتمعات الطائفية هم الذين يقدرون المواقف السياسية، والتحالفات الحزبية مع الطوائف الأخرى وفق فقه المصالح والمفاسد الذي تضبطه قواعد السياسة الشرعية، وهذا لا يمنع العلماء والدعاة من تعليم المسلمين أصول منهج أهل السنة وتربيتهم عليه، والتحذير من العقائد المنحرفة المندسة في أوساط المسلمين، حتى لا يتأثروا بتلك الأفكار الفاسدة التي يجتهد دعاتها في نشرها بالليل والنهار، والسر والإعلان بدون ملل ولا كلل، وقد قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إبان هجرته للمدينة بعقد المعاهدات مع اليهود، التي تؤمن لهم حياة كريمة في ظل الدولة الإسلامية، وكان القرآن الكريم في نفس الوقت يتحدث عن عقائد اليهود وتاريخهم وأخلاقهم، حتى يعرف المسلمون الحقيقة الشخصية لليهودية، فلا ينخدعوا بها.
__________
(1) المصدر نفسه (2/ 361).(3/173)
المبحث الرابع : الأيام الأخيرة من حياة أمير المؤمنين على بن أبي طالب واستشهاده رضي الله عنه
أولاً: في أعقاب النهروان:
كان قتال أمير المؤمنين -رضي الله عنه- لهذه الفرقة الخارجة المارقة دليلا قويا وحجة ظاهرة في أنه مصيب في قتاله لأهل الشام، وأنه أولى بالحق من معاوية، فقد جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق»(1)، فالقارئ يتوقع أن الجيش سيكون أشد عزيمة في قتال أهل الشام لما تيقن لديهم هذه البراهين وغيرها مما سبق، كمقتل عمار بن ياسر -رضي الله عنه-، إلا أنه بالرغم من ذلك فالذي حدث عكس ما هو متوقع منهم، فالخطة التي رسمها أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- هي الذهاب إلى الشام بعد الانتهاء من قتال الخوارج، لأن إدخال الشام تحت خلافته وإعادة وحدة الأمة هدف يجب تحقيقه وغاية يسعى إلى الوصول إليها، وما حربه للخوارج إلا تأمين للجبهة الداخلية خشية أن يقعوا بمن في العراق من الذراري أثناء غيابه -كما ذكر ذلك في خطبته- ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، إذا لم يستطع -رضي الله عنه- غزو الشام حتى استشهد (2)، فلقد كان لخروج الخوارج أثر في إضعاف جيش أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه-، كما أن الحروب في الجمل وصفين والنهروان، تسببت في ملل أهل العراق للحرب ونفورهم منها، وخاصة أهل الشام في صفين، فإن حربهم ليس كحرب غيرهم، فمعركة صفين الطاحنة لم تفارق مخيلتهم، فكم يتمت أطفال ورملت نساء، بدون أن يتحقق مقصودهم، ولولا الصلح أو التحكيم الذي رحب به أمير المؤمنين علي وكثير من أصحابه لكانت مصيبة على العالم الإسلامي لا يُتخيل آثارها السيئة، فكان هذا التخاذل عن المسير مع علي -رضي الله عنه- إلى الشام مرة أخرى أحب إليهم وتميل إليه نفوسهم، وإن كانوا يعلمون أن عليًّا على حق (3)،
__________
(1) مسلم (2/ 745، 746).
(2) خلافة علي بن أبي طالب، ص (345).
(3) خلافة علي بن أبي طالب، ص (345).(3/174)
ومن المعضلات التي أوهنت جانب أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- خروج فرقة تغالى في تعظيم أمير المؤمنين علي وترفعه إلى مقام الألوهية، حتى بدا للبعض أن هذا رد فعل للخوارج الذين يتبرءون من علي ويكفرونه (1)، ولكن هؤلاء كان مقصدهم سيئا وهو إدخال معتقدات فاسدة على المسلمين لهدم الدين وإضعاف المسلمين عامة، وليس جيش علي فقط (2)، ولقد تصدى لهم أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- -كما بينا-، ولاشك أن مباينة الخوارج وقتلهم أضعف جانب علي كثيرا، تم تتابعت الفتوق على علي من بعد، فخرج الخريت بن راشد، وقيل اسمه الحارث بن راشد في قومه من بني ناجية، وكان من ولاة علي على الأهواز، فدعا إلى خلع علي، فأجابه خلق كثير واحتوى على البلاد وجبى الأموال، فبعث إليه جيشا بقيادة معقل بن قيس الرياحي فهزمه وقتله (3)، وطمع أهل الخراج في ناحية علي في كسر الخراج، وانتقض أهل الأهواز، ولابد أن عليا واجه من أجل ذلك بعض الصعوبات المالية والعسكرية، وقد روى عن الشعبي في هذا الخصوص قوله: لما قتل على أهل النهروان، خالفه قوم كثير، وانقضت عليه أطرافه، وخالفه بنو ناجية، وقدم ابن الحضرمي البصرة وانتقض أهل الأهواز، وطمع أهل الخراج في كسره وأخرجوا سهل بن حنيف عامل علي بن أبي طالب من فارس (4).
وفي الجانب الآخر كان معاوية -رضي الله عنه- يعمل بشتى الوسائل سرا وعلانية على إضعاف جانب أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه-، واستغل ما أصاب جيشه من تفكك وخلاف، فأرسل جيشا إلى مصر بقيادة عمرو بن العاص -رضي الله عنه- سيطر عليها وضمها إليه، وقد ساعده على ذلك عدة عوامل منها:
انشغال أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- بالخوارج.
__________
(1) نظام الخلافة في الفكر الإسلامي، ص (15، 16) مصطفى حلمي.
(2) خلافة علي بن أبي طالب، عبد الحميد علي، ص (350).
(3) تاريخ الطبري (6/ 27 - 47).
(4) المصدر نفسه (6/ 53).(3/175)
عامل أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- على مصر محمد بن أبي بكر لم يكن على قدر من الدهاء كسلفه قيس بن سعد بن عبادة الساعدي الأنصاري، فدخل في حرب مع المطالبين بدم عثمان، ولم يسايسهم كما كان يصنع الوالي السابق فهزموه.
اتفاق معاوية مع المطالبين بدم عثمان في مصر في الرأي ساعده في السيطرة عليها(1).
بعد مصر عن مركز أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- وقربها من الشام.
__________
(1) مصنف عبد الرزاق، الطبقات لابن سعد (3/ 83) خلافة علي بن أبي طالب، عبد الحميد علي ص (351) سنده صحيح.(3/176)
طبيعتها الجغرافية فيهي متصلة بأرض الشام عن طريق سيناء وتمثل امتدادا طبيعيا، وقد أضافت مصر لمعاوية -رضي الله عنه-، قوة بشرية واقتصادية كبيرة، وكذلك أرسل معاوية بعوثه إلى الجزيرة العربية، ومكة والمدينة وإلى اليمن، ولكن لم تلبث هذه البعوث أن ردت على أعقابها عندما أرسل أمير المؤمنين علي من يصدها (1)، وعمل معاوية -رضي الله عنه- على استمالة كبار أعيان القبائل وعمال علي -رضي الله عنه-، فقد حاول سحب قيس بن سعد -رضي الله عنه-، عامل علي على مصر إليه فلم يستطع، ولكنه استطاع أن يثير شك حاشية علي ومستشاريه فيه فعزله (2)، وكان عزل سعد بن قيس مكسبا كبيرا لمعاوية، كما حاول سحب زياد بن أبيه عامل علي -رضي الله عنه- على فارس ففشل في ذلك (3)، وقد استطاع معاوية -رضي الله عنه- أن يؤثر على بعض الأعيان والولاة بسبب ما يمنيهم ويعدهم به، ولما يرونه من علو أمر معاوية، وتفرق أمر علي -رضي الله عنه- إذ يقول في إحدى خطبه: إلا أن بسرا قد اطلع من قبل معاوية، ولا أرى هؤلاء القوم إلا سيظهرون عليكم باجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم، وبطاعتهم أميرهم ومعصيتكم أميركم، وبأدائهم الأمانة وبخيانتكم، استعملت فلانا فغل وغدر وحمل المال إلى معاوية، واستعملت فلانا آخر فخان وغدر وحمل المال إلى معاوية، حتى لو ائتمنت أحدهم على قدح خشيت علي علاقته، اللهم إني أبغضتهم وأبغضوني فأرحهم مني وأرحني منهم(4).
ثانيًا: استنهاض أمير المؤمنين على همة جيشه ثم الهدنة مع معاوية:
__________
(1) تاريخ خليفة، ص (198) بدون سند.
(2) ولاة مصر، ص (45، 46).
(3) الاستيعاب (2/ 525 - 526).
(4) التاريخ الصغير للبخاري (1/ 125) بسند منقطع وله شواهده.(3/177)
لم يستسلم أمير المؤمنين على -رضي الله عنه- لهذه المصائب، وهذا التقاعس والتخاذل، فقد بذل جهده في انتهاض همة جيشه بكل ما أوتي من علم وحجة وفصاحة وبيان، فخطبه الحماسية المشهورة -التي اشتهرت عنه، تعتبر من عيون التراث- لم يقلها من فراغ أو خيال، بل من مر تجرعه وواقع أليم عاصره، فمن خطبه التي قالها لما أغير على أطرافه قال: أما بعد، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه، وهو لباس التقوى ودرع الله الحصينة وجُنته (1) الوثيقة، فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل وشمله البلاء، وديث بالصغار والقماءة(2)، وضرب على قلبه بالأسداد (3)، وأوديل (4)، الحق منه بتضييع الجهاد، وسيم الخس(5)، ومنع النَّصف (6). ألا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا وسرا وإعلانا، وقلت لكم اغزوهم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غزي قوم في عقر دارهم(7) إلا ذلوا، فتواكلتم وتخاذلتم، حتى شنت عليك الغارات، وملكت عليكم الأوطان، وهذا أخو غامد قد وردت خيله الأنبار(8)، وقد قتل حسان البكري، وأزال خيلكم من مسالحها(9)، ولقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة (10)، فينتزع حجْلها وقُلبها وقلائدها ورغاثها (11)، ما تمتنع
__________
(1) الجنة بالضم: الوقاية.
(2) ديث: ذلل، الصغار: الذل والصغر، القماءة: الذل والصغار.
(3) الأسداد: الحجب التي تحجب عنه الهدي والرشاد.
(4) أديل الحق منه: تحول الأمر عنه إلى الحق فألمت به الكوارث.
(5) سيم الخسف: أصبح محل الإذلال و المهانة.
(6) منع النصف: النصف: العدل: أي حرم العدل.
(7) عقر الدار: وسطها وأصلها، تواكلتم: وكل كل منكم أمر الجهاد إلا الآخر.
(8) الأنبار: بلدة شرقي الفرات.
(9) مسالح: جمع مسلحة وهي الثغر.
(10) المعاهدة: الذمية وهي غير المسلمة المقيمة في بلاد المسلمين.
(11) الحجل: الخلخل، القلب: السوار، الرغاث: جمع رغثة وهو القرط.(3/178)
منه إلا بالاسترجاع (1)، والاسترحام، ثم انصرفوا وافرين (2)، ما نال رجل منهم كلم ولا أريق له دم، فلو أن امرأً مسلمًا مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما بل كان عندي جديرا، فيا عجبا والله يميت القلب ويجلب الهم من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم، فقبحا لكم وترحا (3)، حيث صرتم غرضا يرمى، يغار عليكم ولا تغيرون، وتُغزون ولا تَغزون، ويعصى الله وترضون فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام الحر قلتم: هذه حمارة القيظ(4)، أمهلنا يسبخ عنا الحر، وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم: هذه صبارة القر(5)، أمهلنا يسبخ عنا البرد، كل هذا فرارا من الحر والقر، فإذا كنتم من الحر والقر تفرون، فإذا أنتم والله من السيف أفر يا أشباه الرجال ولا رجال (6)، حلوم الأطفال وعقول ربات الحجال(7)، لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم، معرفة والله جرت ندما، وأعقبت سدما(8)، قاتلكم الله، لقد ملأتم قلبي قيحا(9)، وشحنتم صدري غيظا، وجرعتموني نغب التهام أنفاسا (10)، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا علم له بالحرب.. لله أبوهم، وهل أحد منهم أشد لها مراسا مني(11)، وأقدم فيها مقاما؟ لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وها أنذا قد ذرفت على الستين ولكن لا رأي لمن لا
__________
(1) الاسترجاع: ترديد الصوت بالبكاء.
(2) وافرين: تامين لم ينقص عددهم، الكلم: الجرح.
(3) ترحا: هما أو حزنا أو فقرا.
(4) القيظ: الحر، حمارة القيظ: شدته، يسبخ: يخفف.
(5) صبارة الشتاء: شدة البرد، القر: البرد.
(6) يقصد أن صفات الرجولة انعدمت فيهم.
(7) حلوم: عقول، ربات الحجال: كناية عن النساء.
(8) سدم: الهم المشوب بالأسف والغيظ.
(9) القيح: ما في القرحة من الصديد، شحنتم صدري: ملأتموه.
(10) النغب: جمع نغبة (كجرعة): الجرعة، التهام: الهم.
(11) المراس: المعالجة: المعالجة والمزاولة والمعاناة.(3/179)
يطاع(1).
إن هذه الخطبة كتلة نارية يصبها أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- قذائف ساخنة فوق رءوس أولئك القوم، الذين حرموه من قطف ثمار جهاده، وتحقيق النصر الذي كان يسعى له، وقد صاغها بأسلوب أدبي رائع، يهز بعباراتها المشاعر، ويحرك بألفاظها مكامن النفوس، بعيدا عن الغموض والإبهام، كما أنها خالية من السجع والصناعة اللفظية (2).
__________
(1) البيان والتبيين للجاحظ، ص (238، 239).
(2) الأدب الإسلامي، نايف معروف، ص(59).(3/180)
إن الخطب التي تثبت عن أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- وأعني بها التي تتحدث عن خلافته تعكس صورة تاريخية تتعدى الوصف الظاهري لتكشف عن شعور أمير المؤمنين -رضي الله عنه- تجاه ما يلقاه من جيشه من تخاذل بعد معركة النهروان، ولكن معظم الخطب التي نسبت إليه -رضي الله عنه- لا تصح، فعدد من العلماء يقولون عن خطب علي -رضي الله عنه- في نهج البلاغة إنها من تأليف ووضع الشريف الرضى (1)، فلابد من إعمال منهج نقدي دقيق عند التعامل معها باعتبارها مصدرا تاريخيا، هذا ومن ناحية أخرى أخذ علي -رضي الله عنه- يذكر أصحابه بفضائله ومناقبه ومنزلته الرفيعة في الإسلام، فيحدثنا عدد من شهود العيان أن عليا -رضي الله عنه- ناشد الناس في الرحبة: من سمع رسول يوم غدير خم: «ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» فقام اثنا عشر رجل -وفي رواية- ستة عشر رجال فشهدوا بذلك(2)، وهذا يذكرنا بعثمان -رضي الله عنه- عندما كان يستشهد بالصحابة على مناقبه وفضائله عندما حصره الغوغاء، وكأنه يقول: من هذا عمله وخدمته للإسلام أهكذا يكون جزاؤه مع اختلاف المناسبات، وبالرغم من كل هذه المحاولات والجهود المضنية لم يستطع -رضي الله عنه- أن يحقق ما يريد، إذ لم يستطع أن يغزوا الشام بسبب التفكك والتصدع الذي حدث في داخل جيشه، وتفرق كلمتهم وظهور الأهواء فاضطر أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- في سنة أربعين للهجرة أن يوافق لمعاوية بن أبي سفيان، -رضي الله عنه-، على أن يكون العراق له، والشام لمعاوية، ولا يدخل أحدهما على صاحبه في عمله بجيش ولا غارة ولا غزو (3)، قال الطبري في تاريخه: وفي سنة
__________
(1) ميزان الاعتدال (3/ 124) وله نقد جيد في هذا الموضوع، خلافة علي بن أبي طالب، ص (355).
(2) فضائل الصحابة (2/ 705) إسناده صحيح.
(3) خلافة علي بن أبي طالب، عبد الحميد، ص (356).(3/181)
-40هـ- جرت بين علي ومعاوية المهادنة بعد مكاتبات جرت بينهما يطول بذكرها الكتاب على وضع الحرب بينهما، ويكون لعلي العراق ولمعاوية الشام، فلا يدخل أحدهما على صاحبه في عمله بجيش ولا غارة ولا غزو (1).
ثالثًا: دعاء أمير المؤمنين علي لله - عز وجل - أن يعجل له بالشهادة:
هادن أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- معاوية، ويبدو أن هذه الهدنة لم تستمر، فمعاوية أرسل بسر بن أبي أرطأة إلى الحجاز في العام الذي استشهد فيه علي -رضي الله عنه- (2)، ولما لم يتمكن علي -رضي الله عنه- من تجهيز الجيش بما يصبوا ويريد، ورأى خذلانهم كره الحياة وتمنى الموت، وكان يتوجه إلى الله بالدعاء ويطلب منه عز وجل أن يعجل منيته، فمما روى عنه أنه خطب يوما فقال: اللهم إني قد سئمتهم وسئموني، ومللتهم وملوني، فأرحني منهم وأرحهم مني، فما يمنع أشقاكم أن يخضبها بدم، ووضع يده على لحيته(3)، وقد ألح علي -رضي الله عنه- في الدعاء في أيامه الأخيرة، فعن جندب قال: ازدحموا على علي -رضي الله عنه- حتى وطئوا على رجله فقال: إني قد مللتهم وملوني، وأبغضتهم وأبغضوني، فأرحني منهم وأرحهم مني (4)، وفي رواية أخرى عن أبي صالح قال: شهدت عليا وضع المصحف على رأسه حتى تقعقع الورق فقال: اللهم إني سألتهم ما فيه فمعنوني، اللهم إني قد مللتهم وملوني،وأبغضتهم وأبغضوني، وحملوني على غير أخلاقي، فأبدلهم بي شرا مني، وأبدلني بهم خيرا منهم، ومث قلوبهم ميثة الملح في الماء (5)، وفي رواية فلم يلبث إلا ثلاثا أو نحو ذلك، حتى قتل رحمه الله (6)
__________
(1) تاريخ الطبري (6- 56).
(2) التاريخ الصغير للبخاري (1/ 41)، خلافة علي بن أبي طالب، عبد الحميد، ص (431).
(3) مصنف عبد الرزاق (10 / 154) بإسناد صحيح، الطبقات (3/ 4) إسناده صحيح.
(4) الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم (1/ 37) بإسناد حسن، خلافة علي، ص (432).
(5) سير أعلام النبلاء (3/ 144).
(6) المحن، ص (99) لأبي العرب، خلافة علي، عبد الحميد، ص (432).(3/182)
.
وقال الحسن بن علي: قال لي علي -رضي الله عنه-: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنح لي الليلة في منامي، فقلت: يا رسول الله ماذا لقيت من أمتك من الأود واللدد؟ (1)، قال: ادع عليهم، قلت: اللهم أبدلني بهم من هو خيرا منهم، وأبدلهم من هو شر مني لهم، قال الحسن -رضي الله عنه-: فخرج فضربه الرجل (2).
رابعًا: علم أمير المؤمنين بأنه سيستشهد:
__________
(1) الأود: العوج، اللدد: الخصومة.
(2) تاريخ الذهبي، عهد الخلفاء الرشدين، ص (649).(3/183)
تفيد بعض أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - التي تعد من دلائل نبوته - صلى الله عليه وسلم - إخباره بأن عليا سيكون من الشهداء، فقد جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان على حراء، هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد» (1)، وهناك أحاديث أخص من هذا الحديث، تخبر أن عليا سيستشهد بأرض العراق وتبين كيفية اغتياله أيضا، وهذا كله يبين صدق نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وبأنه لا ينطق عن الهوى، وإنما يخبر بما أطلعه الله عز وجل عليه عن طريق الوحي، وقد أطلع النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا على ما سيحدث له، وقد آمن علي بذلك وأيقن، فكان يتحدث إلى الناس بذلك، فمما حدث من ذلك في العراق، إذ يروي عنه أبو الأسود الدؤلي، يقول أبو الأسود: سمعت عليا يقول: أتاني عبد الله بن سلام وقد أدخلت رجلي في الغرز، فقال لي: أين تريد؟ فقلت: العراق، فقال: أما إنك إن جئتها ليصيبك بها ذباب السيف، فقال علي: وايم الله لقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبله يقوله، قال أبو الأسود: فعجبت منه، وقلت: رجل محارب يحدث بمثل هذا عن نفسه (2)، وحدث بهذا الحديث في ينبع قبل توليه الخلافة، من عاده في مرضه، وهو أبو فضالة الأنصاري البدري، -رضي الله عنه-: إني لست ميتا في مرضي هذا، أو من وجعي هذا، إنه عهد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أني لا أموت حتى تخضب هذه -يعني لحيته- من هذه - يعني هامته (3)، وحدث به الخوارج وحدث به أصحابه، وقد جمع البيهقي هذه الأحاديث ونحوها في كتاب (دلائل النبوة) (4)، وجمعها الحافظ ابن كثير في كتابه البداية والنهاية (5)، وعن عبد الله بن داود قال سمعت الأعمش، عن مسلمة بن سهيل عن
__________
(1) مسلم (4/ 1880).
(2) تاريخ الذهبي، عهد الخلفاء الرشدين، ص (648).
(3) خلافة علي بن أبي طالب، عبد الحميد، ص (433) طرق الرواية صحيحة بمجموعها.
(4) دلائل النبوة (6/ 438- 441) تحقيق عبد المعطي قلعجي.
(5) البداية والنهاية (7/ 323- 325).(3/184)
سالم بن أبي جعدة عن عبد الله بن سبع قال: سمعت عليا -رضي الله عنه- على المنبر يقول: ما ننتظر إلا شقيا، عهد إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتخضبن هذه من دم هذا، قالوا: أخبرنا بقاتلك حتى نبير عترته، قال: أنشد الله رجلا قتل بي غير قاتلي (1)، وقد تمثل -رضي الله عنه- بأبيات شعر فقال:
اشدد حيازيمك للموت ... فإن الموت لاقيكا
ولا تجزع من القتل ... إذا حل بواديكا (2)
وتذهب بعض الروايات إلى أبعد من هذا، إذ تفيد أن عليا -رضي الله عنه- يعرف هذا الشقي الذي سيقتله، فيروى عبيدة السلماني بسند صحيح إليه يقول: كان علي إذا رأى ابن ملجم قال:
أريد حياته ويرد قتلي ... عذيرك من خليلك من مرادي (3)
__________
(1) كتاب الشريعة للآجري (4/ 2105) تحقيق الدميجي، إسناده حسن.
(2) تاريخ الذهبي، عهد الخلفاء الراشدين، ص (648).
(3) طبقات ابن سعد (3/ 33، 34) إسناده صحيح.(3/185)
وفي رواية أخرى قال علي -رضي الله عنه-، عن عبد الرحمن بن ملجم:أما إن هذا قاتلي، قيل: فما يمنعك منه؟ قال: إنه لم يقتلني بعد (1)، وقد طلب منه الناس أن يستخلف لما أخبرهم أنه مقتول، فاعتذر عن ذلك، فعن عبد الله بن واسع، قال: سمعت عليا يقول: لتخضبن هذه من هذا، فما ينتظر بي الأشقى؟ قالوا: يا أمير المؤمنين، فأخبرنا به نبير عترته(2)، قال إذن تالله تقتلون بي غير قاتلي، قالوا: فاستخلف علينا، قال: لا ولكن أترككم إلى ما ترككم إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالوا: فما تقول لربك إذا أتيته؟ -وقال وكيع مرة: إذا لقيته؟ - قال: أقول: اللهم تركتني فيهم ما بدا لك، ثم قبضتني إليك وأنت فيهم، فإن شئت أصلحتهم، وإن شئت أفسدتهم (3)، وعن علي -رضي الله عنه- قال: سمعت الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنك ستضرب ضربة ههنا -وأشار إلى صدغيه- فيسيل دمها حتى يخضب لحيتك، ويكون صاحبها أشقاها كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود» (4).
خامسا: استشهاد أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه- وما فيه من دروس وعبر وفوائد:
__________
(1) الاستيعاب (3/ 127).
(2) نبير عترته: نهلك ذريته.
(3) مسند أحمد (2/ 325) الموسوعة الحديثية حسن لغيره.
(4) خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ص (163/ 164)، حكم المحق أحمد ميرين البلوشي -رحمه الله- بالصحة.(3/186)
لقد تركت معركة النهروان في نفوس الخوارج جرحا غائرا لم تزده الأيام والليالي إلا إيلاما وحسرة، فاتفق نفر منهم على أن يفتكوا بعلي -رضي الله عنه-، ويثأروا لمن قتل من إخوانهم في النهروان، وأجمع أهل السير والمؤرخون على ذكر رواية مشهورة (1) لا تسلم من انتقادات لاحتوائها على عناصر متضاربة وأخرى مختلفة، ولا نستبعد بدورنا أن تكون هذه الحادثة المهمة قد تعرضت مثل غيرها إلى إضافات وزيادات في الفترات المتأخرة، ويبدو من خلال المصادر والدراسات أن هناك إجماعًا على أن عملية قتل علي تمت علي أيدي عناصر خارجية انتقاما لضحايا معركة النهروان، أما بقية المعلومات الخاصة بالعملية مثل قصة الحب بين ابن ملجم و قطام والدور المزعوم للأشعث الكندي -سيأتي بيان براءته بإذن الله لاحقا- وغيرها فيصعب قبولها والتصديق بها وإليك تفصيل مقتله -رضي الله عنه-.
__________
(1) الطبقات لابن سعد (3/ 35) تاريخ الطبري تاريخ (6/ 58 إلى 66) بسند منقطع، مروج الذهب (3/ 423)، الطبراني الكبير (1/ 55- 85)، مجمع الزوائد (6/ 249)، تاريخ الإسلام والخلفاء الراشدين للذهبي، ص (649)، وفيات الأعيان (7/ 218)، البداية والنهاية (7/ 325).(3/187)
1-اجتماع المتآمرين: كان من حديث ابن ملجم وأصحابه أن ابن ملجم والبُرك بن عبد الله وعمرو بن بكر التيمي اجتمعوا، فتذاكروا أمر الناس، وعابوا على ولاتهم، ثم ذكروا أهل النهر، فترحموا عليهم، وقالوا: ما نصنع بالبقاء بعدهم شيئا، إخواننا الذين كانوا دعاة الناس لعبادة ربهم، والذين كانوا لا يخافون في الله لومة لائم، فلو شرينا أنفسهم فأتينا أئمة الضلالة فالتمسنا قتلهم فأرحنا منهم البلاد، وثأرنا بهم إخواننا، فقال ابن ملجم: أنا أكفيكم علي بن أبي طالب -وكان من أهل مصر- وقال البرك بن عبد الله: وأنا أكفيكم معاوية، وقال عمرو بن أبي بكر: وأنا أكفيكم عمرو بن العاص، فتعاهدوا وتواثقوا بالله لا ينكص رجل منا عن صاحبه الذي توجه إليه حتى يقتله أو يموت دونه، فأخذوا أسيافهم، فسموها واتعدوا لسبع عشرة تخلو من رمضان أن يثب كل واحد منهم على صاحبه الذي توجه إليه، وأقبل كل رجل منهم إلى المصر الذي صاحبه فيه يطلب (1).
__________
(1) تاريخ الطبري (6/ 59).(3/188)
2- خروج ابن ملجم ولقاؤه بقطام ابنة الشجنة: فأما ابن ملجم المرادي فكان عداده في كندة، فخرج فلقي أصحابه بالكوفة وكاتمهم أمره كراهة أن يظهروا شيئا من أمره، فإنه رأى ذات يوم أصحابا من تيم الرباب -وكان علي قتل منهم يوم النهر عشرة- فذكروا قتلاهم، ولقي من يومه ذلك امرأة من تيم الرباب يقال لها: قطام ابنة الشجنة - وقد قتل أبوها وأخوها يوم النهر، وكانت فائقة الجمال، فلما رآها التبست بعقله، ونسى حاجته التي جاء لها، ثم خطبها، فقالت: لا أتزوجك حتى تشفي لي، قال: وما يشفيك؟ قالت: ثلاثة آلاف وعبد وقينة وقتل علي بن أبي طالب، قال: هو مهر لك، فأما قتل علي فلا أراك ذكرته لي وأنت تريديني، قالت: بلى التمس غرته، فإن أصبت شفيت نفسك ونفسي، ويهنئك العيش معي، وإن قتلت فما عند الله خير من الدنيا وزينة أهلها، قال فوالله ما جاء بي إلى هذا المصر إلا قتل علي، فلك ما سألت، قالت: إني أطلب لك من يسند ظهرك، ويساعدك على أمرك، فبعثت إلى رجل من قومها من تيم الرباب يقال له: وردان، فكلمته فأجابها، وأتى ابن ملجم رجلا من أشجع يقال له: شبيب بن بجرة فقال له: هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟ قال: وما ذاك؟ قال: قتل علي بن أبي طالب، قال: ثكلتك أمك، لقد جئت شيئا إدا، كيف تقدر على علي، قال: أكمن له في المسجد فإذا خرج لصلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه، فإن نجونا شفينا أنفسنا وأدركنا ثأرنا، وإن قتلنا فما عند الله خير من الدنيا وما فيها، قال: ويحك لو كان غير علي لكان أهون علي، قد عرفت بلاءه في الإسلام، وسابقته مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وما أجدني أنشرح لقتله، قال: أما تعلم أنه قتل أهل النهر العباد الصالحين؟ قال: بلى، قال: فنقتله بمن قتل من إخواننا، فأجابه، فجاءوا قطام وهي في المسجد الأعظم معتكفة -فقالوا لها- قد أجمع رأينا على قتل علي، قالت: فإذا أردتم فأتوني، ثم عاد إليها ابن ملجم في ليلة الجمعة- التي قتل في صبيحتها علي سنة 40- فقال: هذه الليلة(3/189)
التي وعدت فيها صاحبي أن يقتل كل منا صاحبه، فدعت لهم بالحرير فعصبتهم به، وأخذوا أسيافهم وجلسوا مقابل السدة التي يخرج منها علي، فلما خرج ضربه شبيب بالسيف، فوقع سيفه بعضادة الباب أو الطاق، وضربه ابن ملجم في قرنه بالسيف وهرب وردان حتى دخل منزله فدخل عليه رجل من بني أبيه وهو ينزع الحرير عن صدره، فقال: ما هذا الحرير والسيف؟ فأخبره لما كان وانصرف، فجاء بسيفه فعلا به وردان حتى قتله، وخرج شبيب نحو أبواب كندة في الغلس، وصاح الناس، فلحقه رجل من حضرموت يقال له عويمر، وفي يد شبيب السيف، فأخذه وجثم عليه الحضرمي فلما رأى الناس قد أقبلوا في طلبه، وسيف شبيب في يده، خشي على نفسه، فتركه، ونجا شبيب في غمار الناس فشدوا على ابن ملجم، فأخذوه، إلا أن رجلا من همدان يكنى أبا أدماء أخذ سيفه فضرب به رجله، فصرعه، وتأخر علي، ورفع في ظهره جعدة بن هبيرة بن أبي وهب، فصلى بالناس الغداة قال علي: علي بالرجل، فأدخل عليه، ثم قال: أي عدو الله، الم أحسن إليك؟، قال: بلى، قال: ما حملك على هذا؟ قال: شحذته أربعين صباحا، وسألت الله أن يقتل به شر خلقه، فقال علي -رضي الله عنه- لا أراك إلا مقتولا به،ولا أراك إلا من شر خلقه (1).
__________
(1) تاريخ الطبري (6/ 62).(3/190)
3- محمد ابن الحنفية يروى قصة مقتل أمير المؤمنين علي: قال ابن الحنفية: كنت والله إني لأصلي تلك الليلة التي ضرب فيها علي في المسجد الأعظم في رجال كثير من أهل المصر، يصلون قريبا من السدة، ما هم إلا قيام وركوع وسجود، وما يسأمون من أول الليل إلى آخره، إذا خرج علي لصلاة الغداة، فجعل ينادي: أيها الناس الصلاة الصلاة، فما أدري أخرج من السدة، فتكلم بهذه الكلمات أم لا، فنظرت إلى بريق، وسمعت: الحكم لله يا علي لا لك ولا لأصحابك، فرأيت سيفا، ثم رأيت ثانيا، ثم سمعت عليا يقول: لا يفوتنكم الرجل، وشد الناس عليه من كل جانب، قال: فلم أبرح حتى أخذ ابن ملجم وأدخل على علي، فدخلت فيمن دخل من الناس، فسمعت عليا يقول: النفس بالنفس، أنا إن مت فاقتلوه كما قتلني، وإن بقيت رأيت فيه رأيي (1)، وذكر أن الناس دخلوا على الحسن فزعين لما حدث من أمر علي، فبينما هم عنده وابن ملجم مكتوف بين يديه، إذا نادته أم كلثوم بنت علي وهي تبكي: أي عدو الله، لا بأس على أبي، والله مخزيك، قال: فعلى من تبكين؟ والله لقد اشتريته بألف، وسممته بألف، ولو كانت هذه الضربة على جميع أهل المصر ما بقي منهم أحد (2).
4- وصية الطبيب لعلي وميل أمير المؤمنين للشورى: عن عبد الله بن مالك، قال جمع الأطباء لعلي -رضي الله عنه- يوم جرح، وكان أبصرهم بالطب أثير بن عمرو السكوني، وكان صاحب كسرى يتطبب، فأخذ أثير رئة شاة حارة، فتتبع عرقا منها، فاستخرجه فأدخله في جراحة علي، ثم نفخ العرق فاستخرجه فإذا عليه بياض الدماغ، وإذا الضربة قد وصلت إلى أم رأسه، فقال: يا أمير المؤمنين، اعهد عهدك فإنك ميت (3)، وذكر أن جندب بن عبد الله دخل على علي فسأله، فقال يا أمير المؤمنين إن فقدناك - ولا نفقدك- فنبايع الحسن؟ قال: ما آمركم ولا أنهاكم، أنتم أبصر (4).
__________
(1) تاريخ الطبري (6/ 62).
(2) تاريخ الطبري (6/ 62).
(3) الاستيعاب (3/ 1128).
(4) تاريخ الطبري (6/ 62).(3/191)
5- وصية أمير المؤمنين علي لأولاده الحسن والحسين -رضي الله عنهم-: دعا أمير المؤمنين علي حسنا وحسينا، فقال: «أوصيكما بتقوى الله، وألا تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تبكيا علي شيء زوى عنكما، وقولا الحق، وارحما اليتيم، وأغيثا الملهوف، واصنعا للآخرة، وكونا للظالم خصما وللمظلوم ناصرا، واعملا بما في الكتاب ولا تأخذكما في الله لومة لائم» ثم نظر إلى محمد ابن الحنفية، فقال: هل حفظت ما أوصيت به أخويك (1)؟ قال: نعم، قال: فإني أوصيك بمثله وأوصيك بتوقير أخويك، لعظم حقهما عليك، فاتبع أمرهما، ولا تقطع أمرا دونهما، ثم قال: أوصيكما به، فإنه ابن أبيكما، وقد علمتما أن أباكما كان يحبه، وقال للحسن: «أوصيك أي بني بتقوى الله،وإقام الصلاة لوقتها، وإيتاء الزكاة عند محلها، وحسن الوضوء، فإنه لا صلاة إلا بطهور، ولا تقبل صلاة من مانع زكاة، وأوصيك بغفر الذنب، وكظم الغيظ، وصلة الرحم، والحلم عند الجهل، والتفقه في الدين، والتثبت في الأمر، والتعهد للقرآن، وحسن الجوار، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجتناب الفواحش»(2).
فلما حضرته الوفاة أوصى، فكانت وصيته:
__________
(1) المصدر نفسه (6/ 63).
(2) تاريخ الطبري (6/ 63).(3/192)
«بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهر على الدين كله ولو كره المشركون، ثم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، ثم أوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهلي بتقوى الله ربكم، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا، ولا تفرقوا، فإني سمعت أبا القاسم يقول: إن صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام، انظروا إلى ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب، الله الله في الأيتام، فلا تُعنوا أفواههم، ولا يضيعن بحضرتكم، والله الله في جيرانكم فإنهم وصية نبيكم - صلى الله عليه وسلم -، مازال يوصي به حتى ظننا أنه سيورثه، والله الله في القرآن، فلا يسبقكم إلى العمل به غيركم، والله الله في الصلاة فإنها عمود دينكم، والله الله في بيت ربكم فلا تخلوه ما بقيتم، فإنه إن ترك لم يناظر، والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، والله الله في الزكاة، فإنها تطفيء غضب الرب، والله الله فيما ملكت أيمانكم، الصلاة الصلاة لا تخافن في الله لومة لائم، يكفيكم من أرادكم وبغى عليكم، وقولوا للناس حسنا كما أمركم الله، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولى الأمر أشراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم، وعليكم بالتواصل والتباذل، وإياكم والتدابر والتقاطع والتفرق، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتقوا الله إن الله شديد العقاب، حفظكم الله من أهل بيت، وحفظ فيكم نبيكم، أستودعكم الله، وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله» ثم لم ينطق إلا بلا إله إلا الله حتى قبض -رضي الله عنه- في شهر رمضان سنة أربعين (1)، وجاء في رواية أنه قتل في صبيحة إحدى وعشرين من رمضان (2)، وتحمل
__________
(1) تاريخ الطبري (6/ 64).
(2) التاريخ الكبير للبخاري (1/ 99) بسند صحيح.(3/193)
هذه الرواية على اليوم الذي فارق فيه الدنيا، لأنه بقي ثلاثة أيام بعد ضربة الشقي (1).
6- نهى أمير المؤمنين عن المثلة بقاتله: فقد قال -رضي الله عنه- احبسوا الرجل فإن مت فاقتلوه، وإن أعش فالجروح قصاص (2)، وفي رواية أخرى قال: أطعموه واسقوه وأحسنوا إساره، فإن صححت فأنا ولي دمي أعفو إن شئت وإن شئت استقدت (3)، وفي رواية أخرى زيادة، وهي قوله: إن مت فاقتلوه قتلتي ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين (4)، وقد كان علي نهى الحسن عن المثلة، وقال: يا بني عبد المطلب، لا ألفينكم تخوضون في دماء المسلمين، تقولون: قتل أمير المؤمنين، قتل أمير المؤمنين، ألا لا يقتلن، انظر يا حسن،إن مت من ضربته هذه فاضربه ضربة بضربة، ولا تمثل بالرجل، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إياكم والمثلة ولو أنها بالكلب العقور» (5)، وقد جاء في شأن وصية أمير المؤمنين بأمر قاتله روايات كثيرة تتفاوت، منها الصحيح ومنها الضعيف، فالرواية التي فيها أمر علي -رضي الله عنه- بإحراق الشقي بعد قتله إسنادها ضعيف، والروايات الأخرى تسير في اتجاه واحد فكلها فيها أمر علي بقتل الرجل إن مات من ضربته ونهاهم عما سوى ذلك، فهذه الروايات يعضد بعضها، وتنهض للاحتجاج بها، هذا من جهة، كما أن أمير المؤمنين على لم يجعله مرتدا، فيأمر بقتله، بل نهاهم عن ذلك لما هم بعض المسلمين بقتله وقال: لا تقتلوا الرجل، فإن برئت فالجروح قصاص، وإن مت فاقتلوه (6)، وتذكر الرواية التاريخية المشهورة: فلما قبض على -رضي الله عنه- بعث الحسن إلى ابن ملجم، فقال للحسن: هل لك في خصلة؟ إني والله ما
__________
(1) خلافة علي بن أبي طالب، عبد الحميد، (439).
(2) فضائل الصحابة (2/ 560).
(3) المحن لأبي العرب، ص (4)، خلافة علي بن أبي طالب، ص (439).
(4) الطبقات (3/ 35)، تاريخ الإسلام.
(5) تاريخ الطبري (6/ 64).
(6) منهاج السنة (5/ 245،) (405ـ 406)، منهج ابن تيمية في مسألة التكفير، ص(309).(3/194)
أعطيت الله عهدا إلا وفيت به، إني كنت قد أعطيت الله عهدا عند الحطيم أن أقتل عليا ومعاوية أو أموت دونهما، فإن شئت خليت بيني وبينه، ولك الله على إن لم أقتله -أو قتلته- ثم بقيت أن آتيك حتى أضع يدي في يدك فقال له الحسن: أما والله حتى تعاين النار ثم قدمه فقتله (1)، ثم أن الناس أخذوه فأحرقوه بالنار ولكن هذه الرواية منقطعة (2)، والصحيح من الروايات والذي يليق بالحسن والحسين وأبناء أهل البيت أنهم التزموا بوصية أمير المؤمنين على في معاملة عبد الرحمن بن ملجم، ولا تثبت الرواية التي تقول: فلما دفن أحضروا ابن ملجم، فاجتمع الناس، وجاءوا بالنفط والبواري، فقال محمد ابن الحنفية، والحسين، وعبد الله بن جعفر بن ابي طالب: دعونا نشتف منه، فقطع عبد الله يديه ورجليه، فلم يجزع ولم يتكلم، فكحل عينيه فلم يجزع، وجعل يقول إنك لتكحل عيني عمك، وجعل يقرأ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]، حتى ختمها، وإن عينيه لتسيلان، ثم أمر به فعولج عن لسانه ليقطع، فجزع، فقيل له في ذلك، فقال ما ذلك بجزع ولكني أكره أن أبقى في الدنيا فواقا لا أذكر الله، فقطعوا لسانه، ثم أحرقوه وكان أسمر حسن الوجه، افلج، شعره من شحمة أذنيه، وفي جبهته أثر السجود (3).
وقال الذهبي عن عبد الرحمن بن ملجم: قاتل علي -رضي الله عنه-، خارجي مفتر،.. شهد فتح مصر، واختط بها مع الأشراف، وكان ممن قرأ القرآن والفقه، وهو أحد بني تدول وكان فارسهم بمصر، قرأ القرآن على معاذ بن جبل، وكان من العباد، ويقال: هو الذي أرسل صبيغا التميمي إلى عمر، -رضي الله عنه-، فسأله عما سأله مستعجم القرآن.. إلى أن قال الذهبي ثم أدركه الكتاب، وفعل ما فعل، وهو عند الخوارج من أفضل الأمة، وفي ابن ملجم يقول عمران بن حطان الخارجي:
__________
(1) تاريخ الطبري (6/ 64).
(2) خلافة علي بن أبي طالب، عبد الحميد، ص (440).
(3) طبقات ابن سعد (3/ 39)، الأخبار الطوال، ص (215).(3/195)
يا ضربة من تقي ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره حينا فأحسبه ... أوفى البرية عند الله ميزانا
وابن ملجم عند الروافض أشقى الخلق في الآخرة، وهو عندنا أهل السنة ممن نرجو له النار، ونجوز أن الله يتجاوز عنه، لا كما يقول الخوارج والروافض فيه، وحكمه حكم قاتل عثمان وقاتل الزبير، وقاتل طلحة، وقاتل سعيد بن جبير، وقاتل عمار وقاتل خارجة، وقاتل الحسين، فكل هؤلاء نبرأ منهم ونبغضهم في الله، ونكل أمورهم إلى الله عز وجل (1).
__________
(1) تاريخ الإسلام، عهد الخلفاء الراشدين، ص (654).(3/196)
وأما البرك بن عبد الله فإنه في تلك الليلة التي ضُرب فيها علي قعد لمعاوية، فلما خرج ليصلي الغداة شد عليه بسيفه، فوقع السيف في إليته، فأُخذ، فقال: إن عندي خبرا أسرك به الليلة فلأن أخبرتك فنافعي ذلك عندك؟ قال: نعم، قال: إن أخا لي قتل عليا في مثل هذه الليلة، قال: فلعله لم يقدر على ذلك، قال: بلى، إن عليا يخرج ليس معه أحد يحرسه، فأمر به معاوية فقتل، وبعث معاوية إلى الساعدي - وكان طبيبا- فلما نظر إليه قال اختر إحدى خصلتين: إما أن أحمي حديدة، فأضعها موضع السيف، وإما أن أسقيك شربة تقطع منها الولد، وتبرأ منها، فإن ضربتك مسمومة، فقال معاوية أما النار فلا صبر لي عليها، وأما انقطاع الولد فإن في يزيد وعبد الله ما تقر به عيني، فسقاه تلك الشربة فبرأ، ولم يولد له بعدها، وأمر معاوية عند ذلك بالمقصورات وحرس الليل وقيام الشرطة على رأسه إذا سجد، وأما عمرو بن بكر فجلس لعمرو بن العاص تلك الليلة، فلم يخرج، وكان اشتكى بطنه، فأمر خارجة بن حذافة، وكان صاحب شرطته، وكان من بني عامر بن لؤي، فخرج ليصلي، فشد عليه فقتله وهو يرى أنه عمرو فضربه فقتله، فأخذه الناس فانطلقوا به على عمرو يسلمون عليه بالإمرة، فقال: من هذا؟ قالوا:عمرو قال:فمن قتلت؟ قالوا خارجة بن حذافة، قال: أما والله يا فاسق وما ظننته غيرك، فقال عمرو: أردتني وأراد الله خارجة، فقدمه عمرو فقتله (1).
__________
(1) تاريخ الطبري (6/ 65).(3/197)
7- مدة خلافة أمير المؤمنين علي، وموضع قبره وسنه يوم قتل: كانت مدة خلافته على قول خليفة بن خياط، أربع سنين وتسعة أشهر وستة أيام، ويقال ثلاثة أيام، ويقال أربعة عشر يوما (1)، والذي يظهر أنها أربع سنين وتسعة أشهر وثلاثة أيام، وذلك لأنه بويع بالخلافة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عام خمس وثلاثين، وكانت وفاته شهيدا في اليوم الحادي والعشرين من شهر رمضان عام أربعين للهجرة (2).
وقد تولى غسل أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر، رضوان الله عليهم، وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص (3)، وصلى عليه الحسن ابن علي، -رضي الله عنهما-، فكبر عليه أربع تكبيرات (4)، وفي رواية دون إسناد كبر عليه تسع تكبيرات(5).
وأما موضع قبره فقد اختلف فيه وذكر ابن الجوزي عددا من الروايات في ذلك ثم قال: والله أعلم أي الأقوال أصح (6)، ومن الروايات التي جاءت في هذا الشأن ما يلي:
أن الحسن بن علي -رضي الله عنهما- دفنه عند مسجد الجماعة في الرحبة مما يلي أبواب كندة قبل أن ينصرف الناس من صلاة الفجر (7).
رواية مثلها أنه دفن بالكوفة عند قصر الإمارة عند المسجد الجامع ليلا وعمى موضع قبره (8).
رواية تذكر أن ابنه الحسن -رضي الله عنه- نقله إلى المدينة (9).
__________
(1) التاريخ، ص (199).
(2) التاريخ الكبير للبخاري (1/ 99) بسند صحيح.
(3) المنتظم (5/ 175)، الطبقات (3/ 337).
(4) الطبقات (3/ 337، 338).
(5) المنتظم (5/ 175).
(6) المصدر نفسه (5/ 178).
(7) الطبقات (3/ 38)، خلافة علي بن أبي طالب، عبد الحميد، ص (441).
(8) المنتظم (5/ 177)، تاريخ الإسلام، عهد الخلفاء، ص(615).
(9) تاريخ بغداد (1/ 137).(3/198)
رواية تذكر أن القبر الذي بظاهر الكوفة المشهد الذي بالنجف هو قبر علي -رضي الله عنه-، وأنكر بعض أهل العلم مثل شريك بن عبد الله النخعي قاضي الكوفة (ت 178هـ) ومحمد بن سليمان الحضرمي (ت297هـ) (1)، وفي الحقيقة فإن ابتداع ما يسمى مشهد علي -رضي الله عنه- بالنجف كان أيام بني بويه في عهد الدولة العباسية وكانوا من الشيعة الروافض، وقد صنع الشيعة ذلك على عاداتهم في القرن الرابع، وأهل المعرفة متفقون على أنه ليس بقبر علي -رضي الله عنه- بل قيل، هو قبر المغيرة بن شعبة، قال ابن تيمية: وأما المشهد الذي بالنجف، فأهل المعرفة متفقون على أنه ليس بقبر علي، بل قيل: إنه قبر المغيرة بن شعبة، ولم يكن أحد يذكر أن هذا قبر على ولا يقصده أحد أكثر من ثلاثمائة سنة، مع كثرة المسلمين من أهل البيت والشيعة وغيرهم وحكمهم بالكوفة، إنما اتخذ ذلك مشهدا في ملك بني بويه - الأعاجم- بعد موت علي بأكثر من ثلاثمائة سنة (2)، وقال: وأما مشهد علي فعامة العلماء على أنه ليس قبره، بل قد قيل: إنه قبر المغيرة بن شعبة، وذلك أنه إنما أظهر بعد نحو ثلاثمائة سنة من موت علي في إمارة بني بويه (3).
واختلف في سنة يوم قتل، فقال بعضهم: قتل وهو ابن تسع وخمسين سنة، وقيل وهو ابن خمس وستين سنة، وقيل وهو ابن ثلاث وستين سنة، وذلك أصح ما قيل فيه (4).
__________
(1) خلافة علي بن أبي طالب، عبد الحميد ص (441).
(2) الفتاوى (4/ 502)، دراسات في الأهواء والفرق والبدع، ص (280).
(3) الفتاوى (27/ 446).
(4) تاريخ الطبري (6/ 67).(3/199)
8-خطبة الحسن بن علي -رضي الله عنهما- بعد مقتل أبيه: عن عمرو بن حُبنشى، قال: خطبنا الحسن بن علي بعد قتل علي -رضي الله عنهما-، فقال: لقد فارقكم رجل أمس ما سبقه الأولون بعلم ولا أدركه الآخرون، إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليبعثه ويعطيه الراية فلا ينصرف (1) حتى يفتح له، ما ترك من صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم من عطائه كان يرصدها لخادم أهله (2).
9-سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- يثنى على علي -رضي الله عنه-: عن ربيعة الجرشي: أنه ذكر علي عند رجل وعنده سعد بن أبي وقاص فقال له سعد: أتذكر عليا، إن له مناقب أربعًا لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلى من كذا وكذا، وذكر حمر النعم قوله: لأعطين الراية، وقوله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وقوله: من كنت موالاه فعلي مولاه (3)، ونسى سفيان واحدة.
10-عبد الله بن عمر يثنى على علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: عن سعد بن عبيدة قال: جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن عثمان فذكر من محاسن عمله، قال: لعل ذلك يسوؤك قالك نعم قال: فأرغم الله بأنفك، ثم سأله عن علي فذكر من محاسن عمله قال: هو ذاك، بيته أوسط بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: لعل ذاك يسوؤك؟ قال: أجل، قال فأرغم الله بأنفك، انطلق، فأجهد على جهدك (4).
__________
(1) فضائل الصحابة (2/ 737) إسناده صحيح: فلا ينصرف: فلا يرجع.
(2) المصدر نفسه (2/ 737) إسناده صحيح.
(3) المصدر نفسه (2/ 78) إسناده حسن.
(4) الصحيح المسند من فضائل الصحابة، ص (140) للعدوي.(3/200)
11-استقبال معاوية خبر مقتل علي: ولما جاء خبر قتل علي إلى معاوية جعل يبكي، فقالت له امرأته أتبكيه وقد قاتلته؟ فقال: ويحك إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم (1)، وكان معاوية يكتب فيما ينزل به يسأل له علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عن ذلك، فلما بلغه قتله قال: ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب، فقال له أخوه عتبة: لا يسمع هذا منك أهل الشام، فقال له: دعني عنك (2)، وقد طلب معاوية، -رضي الله عنه- في خلافته من ضرار الصدائي أن يصف له عليا، فقال: اعفني يا أمير المؤمنين قال: لتصفنه، قالك أما إذ لابد من وصفه فكان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا (3)، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، ويستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته، وكان غزير العبرة، طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، وكان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، وينبئنا إذا استنبأناه، ونحن والله - مع تقريبه إيانا وقربه منا- لا نكاد نكلمه هيبة له، يعظم أهل الدين ويقرب المساكين، لا يطمع القوى في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، وأشهد أني قد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله (4)، وغارت نجومه، قابضا على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا غري غيري، إلى تعرضت أم إلى تشوفت! هيهات هيهات، قد باينتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعمرك قصير، وخطرك قليل، آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق، فبكى معاوية وقال: رحم الله أبا الحسن، كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح ولدها وهو في حجرها (5).
__________
(1) البداية والنهاية (8/ 133).
(2) الاستيعاب (3/ 1108).
(3) المصدر نفسه (3/ 1107).
(4) سدوله: سدلته.
(5) الاستيعاب (3/ 1108).(3/201)
وعن عمر بن عبد العزيز قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام وأبو بكر وعمر جالسان عنده، فسلمت عليه وجلست، فبينما أنا جالس إذ أتي بعلي ومعاوية فأدخلا بيتا وأجيف (1) الباب وأنا أنظر، فما كان بأسرع من أن خرج علي وهو يقول قضى لي ورب الكعبة، فما كان بأسرع من أن خرج معاوية وهو يقول غفر لي ورب الكعبة (2).
وروى ابن عساكر عن أبي زرعة الرازي أنه قال له رجل: إني أبغض معاوية فقال له: ولم؟ قال: لأنه قاتل عليا، فقال له أبو زرعة: ويحك إن رب معاوية رحيم، وخصم معاوية خصم كريم، فإيش دخولك أنت بينهما؟ -رضي الله عنهما- (3).
12- ما قال الحسن البصري رحمه الله: سئل الحسن البصري عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فقال: كان علي والله سهما صائبا من مرامي الله على عدوه، ورباني هذه الأمة، وذا فضلها، وذا سابقتها، وذا قرابتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لم يكن بالنوامة (4) عن أمر الله، ولا بالملومة في دين الله، ولا بالسروقة لمال الله، أعطى القرآن عزائمه، ففاز منه برياض مونقة، ذلك علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- (5).
13- ما قاله أحمد بن حنبل في خلافة علي -رضي الله عنه-: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: كنت بين يدي أبي جالسا ذات يوم، فجائت طائفة من الكرخيين فذكروا خلافة أبي بكر وخلافة عمر بن الخطاب وخلافة عثمان فأكثروا، وذكروا خلافة علي بن أبي طالب وزادوا فأطالوا، فرفع أبي رأسه إليهم، فقال: يا هؤلاء، قد أكثرتم القول في علي والخلافة، والخلافة وعلى (6)، أتحسبون أن الخلافة تزين عليا؟ بل زينها علي (7).
__________
(1) أجيف الباب: رد وأغلق.
(2) البداية والنهاية (8/ 133).
(3) البداية والنهاية (8/ 133).
(4) النومة: الخامل الذكر الذي لا يؤبه له.
(5) الاستيعاب (3/ 1110).
(6) تاريخ مدينة السلام (1/ 426).
(7) تاريخ مدينة السلام (1/ 426).(3/202)
14- براءة الأشعث بن قيس من دم علي -رضي الله عنه-: ذهبت بعض الروايات إلى اتهام الأشعث بن قيس، قال اليعقوبي: إن عبد الرحمن بن ملجم نزل على الأشعث بن قيس، فأقام عنده شهرًا يستحد سيفه (1)، وذكر ابن سعد في الطبقات، قال: وبات عبد الرحمن ابن ملجم تلك الليلة التي عزم فيها أن يقتل عليا صبيحتها يناجي الأشعث بن قيس في مسجده حتى كاد أن يطلع الفجر، فقال له الأشعث: فضحك الصبح، فقام عبد الرحمن ابن ملجم وشبيب بن بجرة فأخذا أسيافهما ثم جاءا حتى جلسا مقابل السدة التي يخرج منها علي(2)، وهذه روايات ضعيفة (3).
إن اتهام الأشعث ليس عليه دليل، وذلك لأن الأشعث بن قيس عند استعراض دوره في خلافة علي -رضي الله عنه- نجده مخلصا ووفيا، فهو أول من حارب أهل الشام أثناء القتال على الماء، وأظهر العداوة للخوارج منذ نشأتهم، فهو الذي أبلغ عليا -رضي الله عنه- أن الخوارج يقولون: إن عليا تاب من خطيئته ورجع عن التحكيم وقاتلهم في النهروان، وقد حرص كل الحرص على أن يوطد علاقته بعلي وآل بيته، فزوج ابنته من الحسن بن علي، -رضي الله عنه-، وعندما أراد الحسن أن يبني بها قامت كندة وجعلت أرديتها بسطا من بابه إلى باب الأشعث (4)، وقد مات الأشعث من بعد مقتل علي بأربعين ليلة، وصلى عليه الحسن بن علي بن أبي طالب (5)، وهو زوج بنت الأشعث بن قيس،(6)، ولم ينقل عن آل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنهم اتهموا الأشعث بهذه التهمة أو كاشفوا أحدا من آل الأشعث بهذا السبب، ويظل قتل علي عملا من تدبير الخوارج جاء في الأرجح ثأرا لقتلى النهروان (7).
__________
(1) تاريخ اليعقوبي (2/ 212).
(2) الطبقات (3/ 444).
(3) خلافة علي بن أبي طالب، عبد الحميد، ص (353).
(4) تهذيب الكمال (3/ 33، 34).
(5) الكامل في التاريخ (3/ 444).
(6) تهذيب التهذيب (2/ 300).
(7) دراسة في تاريخ الخلفاء الأمويين، محمد ضيف الله بطاينة، ص (52).(3/203)
15- خطورة الفرق الضالة والفرق المنحرفة على المسلمين: إن الفرق الضالة والطوائف المنحرفة عندما تنتشر في بلاد المسلمين تعرض أهله للخطر، وتهدد الأمن والاستقرار وتشكك الناس في عقيدتهم، وتعيث في الأرض فسادا وخرابا، وتلك هي حال الخوارج المارقين الذين خرجوا على علي -رضي الله عنه- وكفروه، وقتله نفر منهم على حين بغتة كما بينا ذلك من قبل، زاعمين أنهم يشرون أنفسهم بهذا الفعل ابتغاء مرضات الله، وما عندهم في ذلك مستند و لا برهان، إن هو إلا اتباع الأهواء وطاعة الشياطين، وإذا تبين لنا مما سبق أن الخوارج قد تسببوا في قتل علي -رضي الله عنه- وعرفنا مناهجهم الفاسدة، فالواجب على أمة الإسلام أن تحذر منهم، وتحارب مناهجهم، ويقوم العلماء والدعاة بواجبهم في ذلك ليستقر الأمن، وتظهر أنوار السنة، وتخمد نيران البدعة، وفعل ذلك وأداؤه على الوجه الأمثل بالتمكين لعقدية أهل السنة والجماعة، ومقارعة البدعة والمبتدعين، وهذا كله من أسباب نهوض المجتمعات، وهذه هي الطريقة المثلى لجمع الشمل ووحدة الصف، ومن تأمل تاريخ الإسلام الطويل وجد أن الدول التي قامت على السنة هي التي جمعت شمل المسلمين، وقام بها الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعز به الإسلام قديما وحديثا، وهذا بخلاف الدول التي قامت على البدعة، وأشاعت الفوضى والفرقة والمحدثات، وفرقت الشمل فهذه سرعان ما تندثر، وتنقرض (1).
16-الحقد الدفين الذي امتلأت به قلوب الحاقدين من الخوارج على المؤمنين الصادقين:
الكشف عن الحقد الدفين الذي امتلأت به قلوب الحاقدين من الخوارج على المؤمنين الصادقين، دل على ذلك قول عبد الرحمن بن ملجم -يعني سيفه-: والله لقد اشتريته بألف، وسممته بألف، ولو كانت هذه الضربة على جميع أهل المصر ما بقى منهم أحد (2).
__________
(1) سير الشهداء... دروس وعبر، عبد الحميد السحيباني، ص (77).
(2) تاريخ الطبري (6/ 62).(3/204)
إن كلماته هذه تبرز لنا العداء السافر الذي يكنه هؤلاء الخوارج، لا علىعموم المؤمنين فحسب، بل على القادة الكبار من أمثال علي بن أبي طالب، -رضي الله عنه- الذي تجتمع في شخصه -رضي الله عنه- أعظم المناقب وأجل السجايا، وانظر -رعاك الله- كيف تورد المناهج الباطلة، والأفكار المنحرفة وأصحابها إلى دركات من التعاسة والشقاء، عندما يغتالون أهل الإيمان ويدعون أهل الأوثان (1).
17- تأثير البيئة الفاسدة على أصحابها: إذ البيئة الفاسدة تؤثر على أصحابها حتى لو كان منهم من يحب العدل ويسعى إليه، فهذا عبد الرحمن بن ملجم يقابل شبيب بن بجرة فيقول له: هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟ قال: وما ذاك؟ قال: قتل علي بن أبي طالب، قال: ثكلتك أمك، لقد جئت شيئًا إدًّا، كيف تقدر على علي! قال: أكمن له في المسجد، فإذا خرج لصلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه، فإن نجونا شفينا أنفسنا، وأدركنا ثأرنا، وإن قتلنا فما عن الله خير من الدنيا وما فيها، قال: ويحك! لو كان غير علي لكان أهون علي، قد عرفت بلاءه في الإسلام، وسابقته مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وما أجدني أنشرح لقتله، قال: أما تعلم أنه قتل العباد الصالحين؟! قال: بلى، قال: فنقتله بمن قتل من إخواننا، تقول رواية الطبري: فأجابه (2).
__________
(1) سير الشهداء.. دروس وعبر، ص (87).
(2) تاريخ الطبري (6/ 62).(3/205)
فانظر -رعاك الله- كيف يؤثر أصحاب الآراء الضالة والأفكار المنحرفة على من يخالطونهم ويجلسون معهم؟ إنه على الرغم من أن شبيبًا لم ينشرح صدره لقتل علي لما يعلمه عنه بلائه في الإسلام وسابقته مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، إلا أنه استجاب لابن ملجم لما أثر عليه بالشبهة التي ألقاها عليه عندما ذكره بقتل علي -رضي الله عنه- لإخوانه من الخوارج المارقين، فأثار فيه العاطفة تجاههم، رغم أنهم قتلوا بالحق لا الباطل، فاستجاب لصاحبه، وانقاد له فكانت النتيجة: إفساد الأفكار،وتلويث السمعة، والخسران المبين، وذلك يدعو كل مسلم أن يحذر من مصاحبة من كان على نهج هؤلاء من فاسدي الاعتقاد ملوثي الأفكار، وأن يسارع إلى مجالسة العلماء الربانيين الذين يعلمون الحق ويعملون به، ويرشدونه إلى ما فيه صلاحه في الدنيا والآخرة، وإنه إن لم يرض بهذه السبيل القويمة، وخالط أولئك المنحرفين في عقيدتهم فسيعض أصابع الندم، ولات ساعة مندم (1) كما قال الله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً - يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً - لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً} [الفرقان: 27- 29].
هذه بعض الدروس والعبر والفوائد من حادثة مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- العالم الرباني، الذي أفنى عمره كله خاشعا له تعالى، أواهًا منيبا، وخط لنا طريقا مباركا للاقتداء والتأسي به.
سادسًا: ما قيل في أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه- من رثاء:
1- ما قاله أبو الأسود الدؤلي: وقال ابن عبد البر: وأكثرهم يرويها لأم الهيثم بنت العريان النخعية أولها:
ألا يا عين ويحك أسعدينا ... ألا تبكي أمير المؤمنينا
تبكي أم كلثوم عليه ... بعبرتها وقد رأيت اليقينا
__________
(1) سير الشهداء.. دروس وعبر، ص (79).(3/206)
الا قل للخوارج حيث كانوا ... فلا قرت عيون الشامتينا
أفي شهر الصيام فجعتمونا ... بخير الناس طرًّا أجمعينا
قتلتم خير من ركب المطايا ... وذللها ومن ركب السفينا
ومن لبس النعال ومن حذاها ... ومن قرأ المثاني والمئينا
فكل مناقب الخيرات فيه ... وحب رسول رب العالمينا
لقد علمت قريش حيث كانت ... بأنك خيرها حسبا ودينا
وإذا استقبلت وجه أبي حسين ... رأيت البدر فوق (1) الناظرينا
وكنا قبل مقتله بخير ... نرى مولى رسول الله فينا
يقيم الحق لا يرتاب فيه ... ويعدل في العدا والأقربينا
وليس بكاتم علما لديه ... ولم يخلق من المتجبرينا
كأن الناس إذا فقدوا عليا ... نعم حار في بلد سنينا (2)
2-ما قاله إسماعيل بن محمد الحميري من شعر له:
سائل قريشا به إن كنت ذا عَمَهٍ ... من كان أثبتها في الدين أوتادا
من كان أقدم إسلاما وأكثرها
... علما وأطهرها أهلا وأولادا
منن وحد الله إذ كانت مكذِّبة ... تدعو مع الله أوثانا وأندادا
من كان يقدم في الهيجاء إن نكلوا ... عنها وإن يبخلوا في أزمة جادا
من كان أعدلها حكما وأبسطها ... علما وأصدقها وعدا وإيعادا
إن يصدقوك فلن يعدوا أبا حسن ... إن أت لم تلق للأبرار حسادا
إن أنت تلق أقواما ذوي صلف ... وذا عناد لحق الله جحادا (3)
3- ما قاله بكر بن حماد التاهرتي (4) ردا على شاعر الخوارج عمران بن حطان (5):
قال شاعر الخوارج عمران بن حطان:
يا ضربة من تقي ما أرد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
__________
(1) فوق: في رواية راق، الاستيعاب (3/ 1132).
(2) الاستيعاب (3/ 1132).
(3) الاستيعاب (3/ 1132).
(4) بكر بن حماد التاهرتي نسبة إلى تاهرت المغربية -رحل إلى الشرق وسمع مسند بن مسدد بن مسرهد ورواه عنه في المغرب،وكان معاصرا للبخاري وكان شاعرا، الإصابة (3/ 177).
(5) عمران بن حطان البصري من رؤساء الخوارج ومن الشعراء المقلين توفي سنة 84 هـ، الإصابة (3/ 177).(3/207)
إني لأذكره حينا فأحسبه ... أوفى البرية عند الله ميزانا
فقال بكر بن حماد التاهرتي معارضا في ذلك:
قل لابن ملجم والأقدار غالبة ... هدمت ويلك للإسلام أركانا
قتلت أفضل من يمشي على قدم ... وأول الناس إسلاما وإيمانا
وأعلم الناس بالقرآن ثم بما ... سن الرسول لنا شرعا وتبيانا
وكان من الحرب سيفا صارما ذكرا ... ليثا إذا لقى الأقران أقرانا
ذكرت قاتله والدمع منحدر ... فقلت سبحان رب الناس سبحانا
إني لأحسبه ما كان من بشر ... يخشى المعاد ولكن كان شيطانا
أشقى مرادا إذا عدت قبائلها ... وآخسر الناس عند الله ميزانا
كعاقر الناقة الأولى التي جلبت ... على ثمود بأرض الحجر خسرانا
قد كان يخبرهم أن سوف يخضبها ... قبل المنية أزمانا فأزمانا
فلا عفا الله عنه ما تحمله ... ولا سقى قبر عمران بن حطانا
لقوله في شقي ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
بل ضربة من غوي أوردته لظى ... فسوف يلقى بها الرحمن غضبانا
كأنه لم يرد قصدا بضربته ... إلا ليصلى عذاب الخلد نيرانا (1)
وهكذا خرج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب من هذه الدنيا بعد جهاد عظيم، وقد طويت بوفاته صفحة من أنصع صفحات التاريخ وأنقاها، فقد عرف فيه التاريخ رجل فذا من طراز فريد، كانت همته في رضا الله تعالى، وكان همة انتصار الإسلام، وأعظم أمانيه سيادة أحكام الله في دنيا الناس، وأقصى غايته تحقيق العدالة بين أفراد رعيته.
إن دراسة عهد الخلفاء تمد أبناء الجيل بالعزائم الراشدية، التي تعيد إلى الحياة روعة الأيام الجميلة الماضية، وبهجتها، وترشد الأجيال بأنه لن يصلح أواخر هذا الأمر إلا بما صلحت به أوائله، وتساعد الدعاة والعلماء، وطلاب العلم على التأسي بذلك العهد الراشدي ومعرفة خصائصه ومعالمه وصفات قادته وجيله، ونظام حكمه ومنهجه في السير في دنيا الناس، وذلك يساعد أبناء الأمة على إعادة دورها الحضاري من جديد.
__________
(1) الاستيعاب (3/ 1129).(3/208)
هذا وقد انتهيت من هذا الكتاب يوم السبت الساعة الواحدة إلا خمس دقائق ظهرا بتاريخ 7 ربيع الآخر 1424هـ الموافق 7 يونيو 2003م، والفضل لله من قبل ومن بعد، وأسأله سبحانه وتعالى أن يتقبل هذا العمل ويشرح صدور العباد للانتفاع به، ويبارك فيه بمنه وكرمه وجوده، قال تعالى {مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر: 2].
ولا يسعني في نهاية هذا الكتاب إلا أن أقف بقلب خاشع منيب بفضله وكرمه وجوده، متبرئا من حولي وقوتي، فالله هو المتفضل، وهو المكرم، وهو المعين، وهو الموفق، فله الحمد على ما من به علي أولا وآخرا، وأسأله سبحانه بأسماءه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل عملي لوجهه خالصا ولعباده نافعا، وأن يثيبني على كل حرف كتبته ويجعله في ميزان حسناتي، وأن يثيب إخواني الذين أعانوني بكل ما يملكون من أجل إتمام هذا الجهد المتواضع، ونرجو من كل مسلم يطلع على هذا الكتاب ألا ينسى العبد الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته ورضوانه من دعائه، فإن دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب مستجابة إن شاء الله تعالى، وأختم الكتاب بقول الله تعالى: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19].
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته ورضوانه
على محمد محمد الصلابي
7 ربيع الآخر 1424هـ(3/209)
الخاتمة
وبعد، فهذا ما يسره الله لي من جمع وترتيب فصول هذا الكتاب الذي سميته (سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.. شخصيته وعصره) فما كان فيه من صواب فهو محض فضل الله علي، فله الحمد حتى يرضى، وله الحمد عند الرضا، وله الحمد بعد الرضا، وما كان فيه من خطأ فأستغفر الله وأتوب إليه، والله ورسوله بريء منه، وحسبي أني كنت حريصا أن لا أقع في الخطأ، وعسى أن لا أحرم من الأجر، وأدعو الله تعالى أن ينفع بهذا الكتاب إخواني المسلمين، وأن يذكرني من يقرؤه في دعاءه، فإن دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب مستجابة إن شاء الله تعالى، وأختم هذا الكتاب بقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر 10].
وبقول الشاعر أبو محمد القحطاني:
قل: إن خير الأنبياء محمد
... وأجل من يمشي على الكثبان
وأجل صحب الرسل صحب محمد ... وكذلك أفضل صحبه العمران (1)
رجلان قد خُلقا لنصر محمد ... بدمي ونفسي ذانك الرجلان
فهما اللذان تظاهرا لنبينا ... في نصره وهما له صهران
بنتاهما أسنى نساء نبينا ... وهما له بالوحي صاحبتان
أبواهما أسنى صحابة أحمد ... يا حبذا الأبوان والبنتان
وهما وزيراه اللذان هما هما ... لفضائل الأعمال مستبقان
وهما لأحمد ناظراه وسمعه ... وبقربه في القبر مضطجعان
كانا على الإسلام أشفق أهله ... وهما لدين محمد جبلان
أصفاهما أقواهما أخشاهما ... أتقاهما في السر والإعلان
أسناهما أزكاهما أعلاهما ... أوفاهما في الوزن والرجحان
صديق أحمد صاحب الغار الذي ... هو في المغارة والنبي اثنان
أعني: أبا بكر الذي لم يختلف ... من شرعنا في فضله رجلان
هو شيخ أصحاب النبي وخيرهم ... وإمامهم حقا بلا بطلان
__________
(1) العمران: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.(3/210)
وأبو المطهرة التي تنزيهها ... قد جاءنا في النور والفرقان
أكرم بعائشة الرضا من حرة ... بكر مطهرة الإزار حصان
هي زوج خير الأنبياء وبكره ... وعروسه من جملة النسوان
هي عرسه، هي أنسه هي إلفه ... هي حبه صدقا بلا إدهان
أو ليس والدها يصافي بعلها ... وهما بروح الله مؤتلفان
لما قضى صديق أحمد نحبه ... دفع الخلافة للإمام الثاني
أعني به: الفاروق فرق عنوة ... بالسيف بين الكفر والإيمان
هو أظهر الإسلام بعد خفائه ... ومحا الظلام وباح بالكتمان
ومضى وخلى الأمر شورى بينهم ... في الأمر فاجتمعوا على عثمان
من كان يسهر ليلة في ركعة ... وترا فيكمل ختمة القرآن
ولي الخلافة صهر أحمد بعده ... أعني عليَّ العالم الرباني
زوج البتول أخا الرسول وركنه ... ليث الحروب منازل الأقران
سبحان من جعل الخلافة رتبة ... وبنى الإمامة أيما بنيان
واستخلف الأصحاب كي لا يدعي ... من بعد أحمد في النبوة ثاني
أكرم بفاطمة البتول وبعلها ... وبمن هما لمحمد سبطان
غصنان أصلهما بروضة أحمد ... لله در الأصل والغصنان
أكرم بطلحة والزبير وسعدهم ... وسعيدهم وبعابد الرحمن
وأبي عبيدة ذي الديانة والتقى ... وامدح جماعة بيعة الرضوان
قل خير قول في صحابة أحمد ... وامدح جميع الآل والنسوان
دع ما جرى بين الصحابة في الوغى ... بسيوفهم يوم التقى الجمعان
فقتيلهم منهم وقاتلهم لهم ... وكلاهما في الحشر مرحومان
والله يوم الحشر ينزع كل ما ... تحوي صدورهم من الأضغان
والويل للركب الذين سعوا ... إلى عثمان فاجتمعوا على العصيان
ويل لمن قتل الحسين، فإنه ... قد باء من مولاه بالخسران
لسنا نكفر مسلما بكبيرة ... فالله ذو عفو وذو غفران
ويقول الشاعر:
أنا الفقير إلى رب البريات ... أنا المسكين في مجموع حالاتي
أنا المظلوم لنفسي وهي ظالمتي ... والخير إن يأتينا من عنده ياتي
لا أستطيع لنفسي جلب منفعة ... ولا عن النفس لي دفع المضرات
والفقر لي وصف ذات لازم أبدا ... كما الغني أبدا وصف له ذات
وهذه الحال حال الخلق أجمعهم ... وكلهم عنده عبد له آت
ويقول الشاعر:
اطلب العلم ولا تكسل فما ... أبعد الخير على أهل الكسل!
احتفل للفقه في الدين ولا ... تشتغل عنه بمال وحول
واهجر النوم وحصله فمن ... يعرف المطلوب يحقر ما بذل
لا تقل قد ذهبت أربابه ... كل من صار على الدرب وصل
(سبحانك اللهم ربنا وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك)(3/211)
أحاديث ضعيفة وموضوعة في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه
إن الله أوحى إلى في علي ثلاثة أشياء ليلة أسري بي، أنه سيد المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين (موضوع) السلسلة الضعيفة للألباني، رقم (353).
السبق ثلاثة: فالسابق إلى موسى يوشع بن نون والسابق إلى عيسى صاحب ياسين والسابق إلى محمد علي بن أبي طالب، (ضعيف جدا) السلسلة الضعيفة رقم 358 وضعيف الجامع، رقم (3334).
على أمام البررة، وقاتل الفجرة، منصور من نصره ومخذول من خذله، (موضوع) السلسلة الضعيفة للألباني، رقم (357) وضعيف الجامع (37799).
لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتى إلى يوم القيامة، (كذب) السلسلة الضعيفة، برقم (400).
اللهم إن عبدك عليا احتبس نفسه على نبيك فرد عليه شرقها، و(في رواية) اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك، فاردد عليه الشمس، قالت أسماء: فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعدما غربت، (موضوع) السلسلة الضعيفة، برقم (971) للألباني.
إن الله أمرني بحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم، قيل: يا رسول الله من هم؟ (وفي رواية سمهم لنا) قال: على منهم يقول ذلك ثلاثة وأبو ذر وسلمان والمقداد، أمرني بحبهم وأخبرني أنه يحبهم، (ضعيف) السلسلة الضعيفة للألباني برقمي (1549، 3128)، وضعيف الجامع (1566)، وضعيف سنن الترمذي (771)، وضعيف سنن ابن ماجة (28)، المشكاة (6249).(3/212)
أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت بابه، (موضوع) السلسلة الضعيفة، برقم (2955).
أنا عبد الله وأخو رسول الله وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كذاب، صليت قبل الناس لسبع سنين، (باطل) ضعيف سنن ابن ماجة، برقم (23).
رحم الله عليا، اللهم در الحق معه حيث دار، (ضعيف جدا) السلسلة الضعيفة (2094) وضعيف الجامع (3095) وضعيف سنن الترمذي (767)، والمشكاة (6125).
على مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا على الحوض، (ضعيف) ضعيف الجامع برقم (3802).
على يعسوب المؤمنين والمال يعسوب المنافقين، (ضعيف) ضعيف الجامع (3805).
ليلة أسري بي انتهيت إلى ربي عز وجل، فأوحى إلي في علي بثلاث: أنه سيد المسلمين وولي المتقين وقائد الغر المحجلين، (موضوع) السلسلة الضعيفة (4889).
يا أنس: انطلق فادع لي سيد العرب – يعني عليا- فقالت عائشة: ألست سيد العرب قال: أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب يا معشر الأنصار ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به لم تضلوا بعده؟! قالوا: بلى يا رسول الله! قال: هذا علي فأحبوه بحبي وأكرموه لكرامتي، فإن جبريل أمرني بالذي قلت لكم عن الله عز وجل (موضوع).السلسلة الضعيفة، برقم (4890).
أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي (موضوع) السلسلة الضعيفة، برقم (4891).
أنا المنذر وعلى الهادي، بك يا علي يهتدي المهتدون بعدي، (موضوع) السلسلة الضعيفة، برقم (4899).
لما أسري بي رأيت في ساق العرش مكتوب: لا إله إلا الله محمد رسول الله، صفوتي من خلقي أيدته بعلي ونصرته، (موضوع) السلسلة الضعيفة، برقم (4902).
من أراد أن ينظر علإ آدم في عمله، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى يحيى في زهده، وإلى موسى في بطشه فلينظر إلى علي، (موضوع) السلسلة الضعيفة، برقم (4903).
تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بالطرقات والنهروانات والشعفات، (موضوع) السلسلة الضعيفة، برقم (907).(3/213)
نزلت هذه الآية {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} يوم غدير خم في علي، (موضوع) السلسلة الضعيفة، برقم (4922).
لما نصب رسول الله عليا بغدير ختم فنادى له بالولاية هبط جبريل بهذه الآية {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}، (موضوع) السلسلة الضعيفة، برقم (4923).
هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا يعني: عليا، (موضوع) السلسلة الضعيفة، برقم (4932).
أنشدكم الله: هل فيكم أحد آخى رسول الله بينه وبينه –إذ آخى بين المسلمين- غيري؟ قالوا اللهم لا، (موضوع) السلسلة الضعيفة، برقم (4949).
لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي، (مكذوب) على علي، منهاج السنة (5/ 70).
حب علي حسنة لا تضر معها سيئة وبغضه سيئة لا تنفع معها حسنة، (مكذوب) على علي منهاج السنة (5/ 73).
الثقلان كتاب الله طرف بيد الله وطرف بأيديكم، فتمسكوا به ولا تضلوا، والآخر عترتي، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض، فسألت ذلك لهما ربي فلا تقدمهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فهم أعلم منكم، (ضعيف) السلسلة الضعيفة، برقم (4914).
معرفة آل محمد براءة من النار، وحب آل محمد جواز على الصراط، والولاية لآل محمد أمان من العذاب. (موضوع) السلسلة الضعيفة، برقم (4917).
إن هذا أخي ووصيي وخليفتي من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا.
هذا الحديث باطل متنا وسندا، أما من ناحية السند فيه عبد الغفار بن القاسم: قال عنه الذهبي: أبو مريم الأنصاري رافضي، ليس بثقة، قال علي بن المديني: كان يضع الحديث ميزان الاعتدال (2/ 640).
إن وصيي وموضع سري هو علي بن أبي طالب، وخير من أترك بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني علي بن أبي طالب. رواه الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 141). وعزاه إلى الطبراني وقال: فيه ناصح بن عبد الله وهو متروك.(3/214)
أنا دار الحكمة وعلي بابها. رواه الترمذي وأبو نعيم سكت عن قول الترمذي: هذا حديث غريب منكر.. ولا نعرف هذا الحديث عن واحد من الثقات عن شريك حديث، رقم (3723)، وقال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع، مشكاة المصابيح (3/ 1777) وحكم ابن الجوزي بأنه مكذوب (الموضوعات 1/ 349).
أنت يا علي وشيعتك {أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}. فيه أبو الجارود: زياد بن المنذر الكوفي، قال عنه الحافظ بن حجر:رافضي كذبه يحيى بن معين (التقريب 2101).
أوحى الله إليّ في علي ثلاثا: إنه سيد المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين. قال الحافظ: قال الحاكم في المناقب: صحيح الإسناد. قلت: بل هو ضعيف جدا ومنقطع أيضًا، إتحاف المهرة (1/ 344) قائلا بأن عمر بن الحصين العقيلي وشيخه يحيى بن العلاء الرازي متروكان، بل صرح بأن الحديث موضوع.
بخ بخ لك يا علي، أصبحت مولانا ومولى كل مؤمن ومؤمنة. فيه علي بن زيد بن جدعان، قال عنه الجوزجاني: واهي الحديث ضعيف، الشجرة في أحوال الرجال، ص (194) قال ابن الجوزي في العلل المتناهية في الأحاديث الواهية (1/ 226): هذا الحديث لا يجوز الاحتجاج به. ومن فوقه إلى أبي هريرة ضعفاء. وقال البزار: تكلم فيه جماعة من أهل العلم (كشف الأستار 490) وقال الدارقطني: ليس بالقوي. سنن الدارقطني (1/ 103).
رحم الله عليا، اللهم أدر الحق معه حيث دار. رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (المستدرك 3/ 125) فيه المختار بن نافع التميمي، قال الذهبي تعقيبا على الحاكم: المختار ساقط. وقال الحافظ: المختار ضعيف (التقريب 6522).
على أخي في الدنيا والآخرة. ضعيف (انظر ضعيف الجامع للألباني 3801).
على باب حطة ومن دخله كان آمنًا. موضوع: فيه حسين الأشقر. قال البخاري: فيه نظر (التاريخ الكبير 2/ 2862) وقال: عنده مناكير (التاريخ الصغير 2/ 319) انظر السلسلة الضعيفة للألباني (3913).(3/215)
علي خير البشر فمن أبي فقد كفر. موضوع: قال الحافظ بن حجر: أخرجه ابن عدي من طرق كلها ضعيفة، تسديد القوس (3/ 89). قال الذهبي: هذا حديث منكر. ووصف الذهبي هذا الحديث بأنه باطل جلي (ميزان الاعتدال 1/ 521) وابن الجوزي في الموضوعات (1/ 348).
لقد علمت أن عليا أحب إليك من أبي مرتين أو ثلاثا. ضعفه الألباني (ضعيف أبي داود، ص 491).
مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح، من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها غرق. رواه الطبراني في الكبير (3/ 37) والهيثمي (9/ 168) في إسناده عبد الله بن داهر والحسن بن أبي جعفر وهما متروكان، قاله الهيثمي.
من أحب أن يحيا حياتي ويموت موتتي ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي عز وجل وغرس قضبانها بيديه فليتول علي بن أبي طالب. صححه الحاكم (3/ 128) وتعقبه الذهبي فيه القاسم متروك وشيخه ضعيف، وهو: يحيى بن العلي الأسلمي. قال الحافظ في التقريب (7677): شيعي ضعيف. لكنه أخطأ في ذكر اسم الأسلمي فسماه المحاربي واستغل عبد الحسين في المراجعات ذلك أبشع استغلال.
ما صب الله في صدري شيئا إلا صببته في صدر علي. حديث موضوع (المضوعات 1/ 131)، أسس الطالب (1262).
محبك محبي ومحبي محب الله، ومبغضك مبغضي ومبغضي مبغض الله. قال الحافظ: رواه ابن عدي وهو باطل. (لسان الميزان 2/ 109).
يا علي أبشر فإنك وأصحابك وشيعتك في الجنة، يا علي صليت العصر؟ قال: لا قال: اللهم إنك تعلم أنه في حاجتك وحاجة رسولك فرد عليه الشمس قال: فردها عليه فصلى علي وغابت الشمس.(3/216)
أهم المصادر والمراجع
المهدي وفقه أشراط الساعة، الدكتور محمد أحمد إسماعيل المقدم، الدار العالمية، الإسكندرية، الطبعة الأولى 1423هـ.
الانتصار للصحب والآل من افتراءات السماوي الضال، للدكتور إبراهيم بن عامر الرحيلي، مكتبة الغرباء الأثرية، الطبعة الأولى 1418هـ-1997م.
النهج المبين للأصول العشرين، عبد الله القاسم الوشلي، دار المجتمع، جدة، 1411 هـ- 1990م.
مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة، د.ناصر بن عبد الله بن علي القفاري، دار طيبة.
أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثنى عشرية، عرض ونقد د. ناصر بن عبد الله القفاري، دار الرضا للنشر والتوزيع، الجيزة بمصر، الطبعة الثالثة 1418هـ-1998م.
بذل المجهود في إثبات مشابهة الرافضة لليهود، عبد الله الجميلي، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة، الطبعة الثانية، 1414هـ-1994م.
السنة ومكانتها في التشريع، د. مصطفى السباعي، المكتب الإسلامي 1405هـ- 1985م.
انتصار الحق... مناظرة علمية مع بعض الشيعة الإمامية، مجدي محمد علي، دار طيبة، الطبعة الأولى 1418هـ- 1997م.
الدر المنثور في التفسير بالمأثور للإمام عبد الرحمن جلال الدين السيوطي، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى 1403هـ -1983م.
سنن سعيد بن منصور، دار الصميعي، الرياض، الطبعة الثانية 1420هـ 2000م.
مسند الدارمي، لأبي محمد عبد الله الدارمي، دار المغني، الرياض، 1421هـ -2000م.
الموسوعة الحديثية، السنن الكبرى للإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن سعيد النسائي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1421هـ - 2001م.
ثم أبصرت الحقيقة، محمد سالم الخضر، دار الإيمان للطباعة والنشر 2003م.
المحصول في علم الأصول، لفخر الدين محمد عمر بن لحسين الرازي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة 1418هـ - 1997م.
فقه الإمام علي بن أبي طالب، أحمد محمد طه، رسالة مقدمة لجامعة بغداد قسم الدراسات الإسلامية، لم تطبع.
أحكام القرآن لأبي بكر بن العربي، دار الكتب العلمية، بيروت 1408هـ - 1988م.
تفسير القرطبي، لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، مكتبة الرشد، الطبعة الأولى 1418هـ - 1991م.
التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، للدكتور وهبة الزحيلي، دار الفكر المعاصر بيروت، الطبعة الأولى 1411هـ - 1991م.
في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، الطبعة الشرعية الخامسة والعشرون.(3/217)
سورة الحجرات، د. ناصر العمر، دار الصديق، صنعاء، الطبعة الثالثة 1422هـ.
منهج القرآن الكريم في إصلاح النفوس، عبدو الحاج محمد الحريري، رسالة مقدمة لجامعة بغداد.
الدعاء ومنزلته من العقيدة الإسلامية لأبي عبد الرحمن جيلان بن خضر العروسي، مكتبة الرشد،الطبعة الأولى 1417هـ - 1996م.
مع الشيعة الاثنى عشرية في الأصول والفروع، د. على السالوس، دار التقوى.
سيد الشهداء، دروس وعبر، عبد الحميد بن عبد الرحمن السحيباني، دار الوطن.
نساء أهل البيت،منصور عبد الحكيم، المكتبة التوفيقية.
الإمام علي بن أبي طالب، رابع الخلفاء الراشدين، دار الكتب العلمية، بيروت.
تاريخ مدينة السلام وأخبار محدثيها وذكر قاطنيها العلماء من غير أهلها ووارديها، لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، دار الغرب الإسلامي 2001م.
خلافة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، عبد الحميد على ناصر فقيهي، رسالة علمية قدمت للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة لم تطبع حتى الآن أشرف عليها الدكتور أكرم ضياء العمري.
الاستيعاب في معرفة الأصحاب لأبي عمر يوسف بن محمد بن عبد البر. تحقيق على محمد البجاوي، دار الجيل بيروت، الطبعة الأولى 1412هـ -1992م.
البداية والنهاية، لأبي الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي دار الريان، 1998م.
جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين، محمد السيد الوكيل، دار المجتمع، المدينة، الطبعة الخامسة 1416هـ - 1995م.
الصحيح المسند في فضائل الصحابة، لأبي عبد الله مصطفى العدوي، دار ابن عفان، السعودية، الخبر، الطبعة الأولى 1416هـ - 1995م.
الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق، د.علي محمد الصلابي، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 1423هـ - 2002م.
دراسات في الأهواء الفرق والبدع وموقف السلف منها، د. ناصر بن عبد الكريم العقل، دار إشبيليا، الطبعة الأولى 1418هـ - 1997م. الرياض.(3/218)
دراسة في تاريخ الخلفاء الأمويين، د. محمد ضيف الله بطاينة، دار الفرقان، عمان.
الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة، لأبي العباس أحمد بن محمد ابن علي بن حجر الهيثمي، مؤسسة الرسالة بيروت، 1417هـ - 1997م.
فرائد الكلام للخلفاء الكرام، قاسم عاشور، دار طويق الرياض، 1419هـ - 1998م.
الخوارج في العصر الأموي، د. نايف معروف، دار الطليعة، بيروت، الطبعة الرابعة.
شرح الصدور ببيان بدع الجنائز والقبور لأبي عمر عبد الله بن محمد الحمادي، مكتبة الصحابة، الشارقة، الطبعة الثانية. 1420هـ - 1999م.
الموسوعة الحديثية. مسند الإمام أحمد بن حنبل، توزيع وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، الطبعة الثانية 1420هـ - 1999م.
الأدب العربي من ظهور الإسلام إلى نهاية العصر الراشدي، د. حبيب يوسف مغنية، دار مكتبة الهلال، الطبعة الأولى 1995م بيروت لبنان.
الطبقات لابن سعد، دار صادر، بيروت.
عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام، د. ناصر على عائض حسن الشيخ، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى 1413 هـ - 1993م.
السنة لأبي بكر أحمد بن محمد الخلا، تحقيق د. عطية الزهراني، دار الراية.
بيعة علي بن أبي طالب، أم مالك الخالدين، حسن فرحان المالكي، مركز الدراسات التاريخية، الطبعة الثالثة، عمان.
تاريخ الإسلام في عهد الخلفاء الراشدين، محمد أحمد الذهبي، دار الكتاب العربي.
فتح الباري، المطبعة السلفية، الطبعة الثانية 1410هـ.
المدينة النبوية، فجر الإسلام والعصر الراشدي، محمد محمد حسن شراب، دار القلم - بيروت، الدراسات الشامية،بيروت، الطبعة الأولى 1415هـ - 1994م.
تاريخ الطبري لأبي جعفر، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى 1407هـ - 1987م.
استشهاد عثمان ووقعة الجمل في مرويات سيف بن عمر في تاريخ الطبري، دراسة نقدية د. خالد بن محمد الغيث، دار الأندلس الخضراء، جدة 1418هـ.(3/219)
سنن أبي داود، الإمام أبي داود، سليمان السجستاني، تحقيق وتعليق عزت الدعاس 1391هـ، سوريا.
سنن ابن ماجة، الحافظ أبو عبد الله محمد بن زيد القزويني، دار الفكر.
سنن الترمذي أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي، دار الفكر 1398هـ.
سنن النسائي، أحمد بن شعيب بن علي بن بحر بن سنان بن دينار النسائي بشرح جلال الدين السيوطي وحاشية الإمام السندي، دار الفكر بيروت.
الإحسان في صحيح ابن حبان، علاء الدين على بن بلبان الفارسي، مؤسسة الرسالة بيروت الطبعة الأولى 1412هـ - 1991م.
السلسلة الصحيحة، للألباني، المكتب الإسلامي.
معجم الطبراني الكبير، لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، مكتبة العلوم والحكم الطبعة الثانية 1416هـ - 1995م.
السنة لعبد الله بن أحمد حنبل، تحقيق: أبي هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
شرح العقيدة الطحاوية، للعلامة محمد بن علي بن محمد الأذرعي، خرج أحاديثها: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، 1391هـ.
النهاية في غريب الحديث والأثر، لمجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، ومحمود الطناحي، المكتبة الإسلامية.
صحيح البخاري، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، دار الفكر 1991م.
صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث، بيروت، لبنان.
صحيح مسلم بشرح النووي، المطبعة المصرية بالأزهر الشريف الطبعة الأولى، 1347 هـ.
مجموعة الفتاوى، تقي الدين أحمد بن تيمية الحراني، دار الوفاء بالمنصورة، مكتبة العبيكان بالرياض، الطبعة الأولى 1418 هـ - 1997 م.
المصنف في الأحاديث والآثار، للحافظ أبي بكر بن أبي شيبة، طبع الدار السلفية، الطبعة الأولى 1403 هـ، بومباي الهند.
المصنف لعبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، طبع المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1403 هـ.(3/220)
العواصم من القواصم، القاضي أبو بكر بن العربي، تحقيق محب الدين الخطيب، إعداد محمد بن سعيد مبيض، درا الثقافة، قطر الدوحة، الطبعة الثانية، 1989 م.
تحقيق مواقف الصحابة في الفتن من روايات الطبري والمحدثين، تأليف د. محمد أمحزون، دار طيبة، مكتبة الكوثر، الرياض، الطبعة الأولى 1415 هـ - 1994 م.
الإبانة في أصول الديانة، لأبي الحسن الأشعري، طبعة الجامعة الإسلامية، 1975 م.
الإمامة والرد على الرافضة، للحافظ أبي نعيم الأصبهاني، تحقيق وتعليق د. علي بن محمد ناصر الفقيهي، طبع مكتبة العلوم والحكم، الطبعة الأولى، 1407 هـ.
أصول الدين، لعبد القاهر البغدادي، طبع دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
الاعتقاد على مذهب السلف أهل السنة والجماعة لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، الناشر، نشاط آباد، فيصل آباد، باكستان.
الاقتصاد في الاعتقاد، لأبي حامد الغزالي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
المقدمة لابن خلدون.
عبد الله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام، سليمان بن حمد العودة، دار طيبة، الرياض، الطبعة الثالثة 1412 هـ.
الوصية الكبريى، لشيخ الإسلام ابن تيمية، دار المطبعة السلفية ومكتبتها، نشر: قصي محب الدين الخطيب، الطبعة الثالثة 1401 هـ.
تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل، للقاضي أبي على محمد بن الطيب الباقلاني، مؤسسة الكتب الثقافية، الطبعة الأولى 1407 هـ - 1987 م.
دراسات في عهد النبوة والخلافة الراشدة، د. عبد الرحمن الشجاع، الطبعة الأولى 1419 هـ - 1999م، دار الفكر المعاصر - صنعاء.
الخلافة بين التنظير والتطبيق، محمود المرداوي، الطبعة الأولى 1403 هـ - 1983 م.
منهج علي بن أبي طالب في الدعوة إلى الله، د. سليمان بن قاسم العيد، دار الوطن، الرياض، الطبعة الأولى 1422 هـ - 2002 م.
الدور السياسي للصفوة في صدر الإسلام، السيد عمر، معهد الفكر العالمي.
عبقرية الإمام، عباس محمود العقاد، المكتبة العصرية - بيروت.(3/221)
خلفاء الرسول، خالد محمد خالد، دار ثابت، القاهرة دار الفكر، دمشق 1994 م.
علي بن أبي طالب، خالد البيطار.
علي بن أبي طالب، عبد الستار الشيخ، الطبعة الأولى 1412 هـ - 1991 م.
الأدب الإسلامي في عهد النبوة، نايف معروف، دار النفائس، بيروت، لبنان.
الخلفاء الراشدون، عبد الوهاب النجار، دار القلم، بيروت، 1406 هـ - 1986 م.
المرتضى سيرة أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب، لأبي الحسن الندوي، دار القلم، دمشق، الطبعة الثانية 1419 هـ - 1998 م.
لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور، دار صادر، بيروت.
تاريخ المذاهب، لأبي زهرة، دار الفكر العربي، الطبعة الأولى.
دار الحكم في الإسلام، عارف أبو عبيد، دار النفائس، الأردن 1416 هـ - 1996 م.
الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة، عبد الله بن عمر بن سليمان الدميجي، دار طيبة، السعودية، الطبعة الثانية 1409 هـ.
مشكاة المصابيح للبغوي.
فتاوى في التوحيد، عبد الله بن جبرين.
الناهية عن طعن أمير المؤمنين معاوية، عبد العزيز بن أحمد بن حامد، غراس للتوزيع، الكويت، الطبعة الأولى 1422 هـ.
مسند الإمام زيد بن علي، جمع عبد العزيز بن إسحاق البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1403 هـ.
صحيح سنن الترمذي، محمد ناصر الدين الألباني، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض، الطبعة الأولى 1408 هـ.
صحيح سنن ابن ماجة للألباني، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض.
صحيح النسائي للألباني، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض 1408 هـ.
مشكاة المصابيح للألباني.
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم أحمد عبد الله الأصفهاني، درا الكتب العلمية، بيروت.
فضائل الصحابة، لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، دار ابن الجوزي السعودية، الطبعة الثانية، 1420- 1999 م.
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، الحافظ الخطيب البغدادي، تحقيق د. محمود الطحان، مكتبة المعارف، الرياض، 1403 هـ.(3/222)
شرف أصحاب الحديث، الخطيب البغدادي، تحقيق سعيد أوغلي، نشر دار إحياء السنة النبوية.
مسند أحمد، تحقيق أحمد شاكر، الطبعة الثالثة، دار المعارف، مصر، 1368 هـ.
تذكر السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم، سعد الله بن جماعة، دار الكتب العلمية.
تاريخ اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر، دار بيروت، لبنان.
جامع بيان العلم وفضله لأبي عمر يوسف بن عبد البر النمري القرطبي، دار الفكر، دار الكتب الإسلامية، 1402 هـ.
ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، محب الدين الطبري، دار المعرفة، بيروت.
تاريخ الخلفاء للسيوطي، دار صادر بيروت، الطبعة الأولى 1417 هـ - 1997 م.
صفة الصفوة للإمام أبي الفرج بن الجوزي، دار المعرفة، بيروت.
التاريخ الإسلامي، مواقف وعبر؛ د. عبد العزيز عبد الله الحميدي، دار الدعوة الإسكندرية، دار الأندلس الخضراء، جدة، الطبعة الأولى 1418 هـ - 1998 م.
أدب الدين والدنيا للماوردي.
المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح للدمياطي.
الكامل في التاريخ، أبو الحسن علي بن أبي المكارم الشيباني، المعروف بابن الأثير، تحقيق علي شيري، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1408 هـ - 1989 م.
صحيح التوثيق في سيرة علي بن أبي طالب، مجدي فتحي السيد، دار الصحابة بطنطا، الطبعة الأولى 1417 هـ - 1996 م.
الإمام علي بن أبي طالب، محمد رشيد رضا، دار الكتب العلمية، بيروت، 1983م.
رجال الفكر والدعوة للندوي، دار ابن كثير.
كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، تصنيف نديم مرعشلي، أسامة مرعشلي، مؤسسة الرسالة، 1413 هـ - 1993 م.
أخلاق النبي في القرآن والسنة، د. أحمد الحداد، دار الغرب الإسلامي 1999 م.
روح المعاني، للألوسي.
الزهد للإمام أحمد بن حنبل.
أصحاب الرسول، محمود المصري، مكتبة أبي حذيفة السلفي، الطبعة الأولى 1420هـ - 1999 م.
نيل الأوطار، محمد بن علي الشوكاني، الطبعة الأخيرة، مصطفى البابي الحلبي وشركاه، القاهرة.(3/223)
تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء، د. صبحي محمصاني، دار العلم للملايين الطبعة الأولى 1984 م.
مفتاح دار السعادة لابن القيم، تحقيق محمد حامد الفقي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1392 هـ.
مدارج السالكين، ابن القيم، تحقيق محمد حامد الفقي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1392 هـ.
تاريخ دمشق، دار إحياء التراث، الطبعة الأولى.
لطائف المعارف لابن رجب، دار ابن كثير.
عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين، لابن القيم، دار الكتب العلمية، بيروت.
التوقيف على مهمات التعاريف لمحمد عبد الرءوف المناوي، تحقيق د. محمد رضوان الداية، الطبعة الأولى 1410 هـ، دار الفكر.
معرفة الصحابة لأبي نعيم، تحقيق محمد راضي ابن حاج عثمان، مكتبة الدار المدينة، ومكتبة الحرمين -الرياض، الطبعة الأولى 1408 هـ.
موسوعة فقه علي بن أبي طالب، قلعجي، دار النفائس، بيروت، 1417 هـ - 1996 م.
فقه التمكين في القرآن الكريم، على محمد الصلابي، دار الوفاء، المنصورة، الطبعة الأولى 1421 هـ - 2001 م.
شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة، لأبي القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي، تحقيق د. أحمد سعد حمدان الغامدي، دار طيبة، الرياض.
المختصر من كتاب الموافقة بين أهل البيت والصحابة للزمخشري، تحقيق سيد إبراهيم صادق، دار الحديث، طبعة 1422 هـ - 2001 م.
الشيخان أبو بكر وعمر من رواية البلاذري في أنساب الأشراف، تحقيق إحسان صديق العمد، المؤتمن للنشر، السعودية، الطبعة الثالثة 1414 هـ - 1994 م.
نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين، حمد محمد الصمد، المؤسسة الجماعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى 1414 هـ - 1994 م.
الدولة والسيادة في الفقه الإسلامي، فتحي عبد الكريم، مكتبة وهبة.
النظام السياسي في الإسلام، د. محمد أبو فاس، دار الفراقان، عمان، الأردن.(3/224)
روضة الناظر وجنة المناظر لابن قدامة، موفق الدين عبد الله بن أحمد المقدسي، المطبعة السلفية، القاهرة، الطبعة الرابعة 1391 هـ.
الإدارة العسكرية في الدولة الإسلامية نشأتها وتطورها حتى منتصف القرن الثالث الهجري، د. سليمان بن صالح بن سليمان آل كمال، منشورات جامعة أم القرى.
نهاية الأرب في فنون الأدب، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري، مطبعة كوتسا توماس القاهرة.
فن الحكم الإسلامي، مصطفى أبو زيد فهيم، المكتب المصري الحديث.
الشورى بين الأصالة والمعاصرة، عز الدين التميمي، دار البشير، 1405 هـ - 1985م.
المستدرك على الصحيحين، للإمام أبي عبد الله النيسابوري بذيله التلخيص للذهبي، طبعة 1390 هـ - 1970م، دار الفكر.
نهج البلاغة شرح الشيخ محمد عبده، دار البلاغة، 1421 هـ - 2000 م.
مسند أبي يعلى، أحمد بن علي المثنى التميمي، تحقيق وتخريج حسين سليم أسد، الطبعة الأولى، دار المأمون للتراث، دمشق.
مجمع الزوائد، ومنبع الفوائد، نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، دار الريان القاهرة، دار الكتاب العربي، بيروت.
الوسطية في القرآن الكريم، على محمد الصلابي، دار النفائس، دار البيارق عمان، الطبعة الأولى 1999 م.
التوضيح والبيان لشجرة الإيمان للشيخ عبد الرحمن السعدي.
الاستذكار لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار، لابن عبد البر، لجنة إحياء التراث الإسلامي.
الغلو في الدين، د. الصادق عبد الرحمن الغرياني، دار السلام 1422 هـ - 2001م.
المواعظ والاعتبار، أحمد بن علي عبد القادر المقريزي، الطبعة الثانية، مكتبة الثقافة الدينية القاهرة، 1987م.
الاعتصام للشاطبي، تحقيق محمد رشيد رضا، دار المعارف، بيروت 1402 هـ.
الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، لابن القيم الجوزية.
في ظلال الإيمان، صلاح عبد الفتاح الخالدي، مكتبة المنار، الأردن، الزرقاء.(3/225)
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم، علي محمد الصلابي، دار الصحابة، الطبعة الأولى 2001 م.
تفسير الفخر الرازي، أبو عبد الله محمد بن عمر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية.
السيرة النبوية، لابن هشام، لأبي محمد بن عبد الملك بن هشام، دار الفكر، بدون تاريخ.
معجم الأدباء، ياقوت الحموي، دار صادر، بيروت.
عيون الأخبار لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة، دار الكتب العلمية، 1986م.
الإعجاز والإيجاز، أبو منصور الثعالبي، دار الرائد العربي، بيروت.
مروج الذهب ومعادن الجوهر لأبي الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي، دار المعرفة، بيروت، 1403 هـ - 1982 م.
الشريعة للإمام المحدث أبي بكر محمد بن الحسين الآجري، تحقيق د. عبد الله بن سليمان الدميجي، الطبعة الأولى، دار الوطن الرياض، 1418 هـ - 1997م.
الشرك في القديم والحديث، أبو بكر محمد زكريا، مكتبة الرشد، الرياض،
1421 هـ.
مختصر منهاج القاصدين، أحمد بن عبد الرحمن المقدسي، مكتبة البيان، دمشق 1398هـ.
سير أعلام النبلاء، محمد بن أحمد عثمان الذهبي، مؤسسة الرسالة، 1999 م.
إحياء علوم الدين الغزالي.
معالم السلوك وتزكية النفوس، عبد العزيز محمد عبد اللطيف، دار الوطن السعودية، الطبعة الأولى 1414 هـ.
بدائع الفوائد لابن القيم، مكتبة الرياض.
صيد الخاطر لابن الجوزي.
الأخلاق والسير لابن حزم.
الدر المنثور في التفسير بالمأثور، للإمام عبد الرحمن جلال الدين السيوطي، دار الفكر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1403 هـ - 1983 م.
الرياض النضرة في مناقب العشرة، لأبي جعفر أحمد الشهير بالمحب الطبري، المكتبة القيمة، القاهرة.
المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، دار الكتب العلمية، بيروت.
نظام الحكومة الإسلامية للكتاني: المسمى التراتيب الإدارية، محمد عبد الحي الكتاني الإدريسي الحسني، دار الأرقم بن أبي الأرقم - بيروت.(3/226)
الأموال، لأبي عبيد، تحقيق محمد خليل هراس، مكتبة الكليات الأزهرية.
الحياة الاقتصادية في العصور الإسلامية الأولى، د. محمد ضيف الله بطاينة، دار طارق، دار الكندي، الأردن.
الهبة في العصر النبوي وعصر الخلفاء الراشدين، د. فضل إلهي، مؤسسة المجريسي، الرياض، الطبعة الثالثة 1420 هـ - 1999 م.
المغني للإمام العلامة ابن قدامة المقدسي، دار الحديث، القاهرة، 1416 هـ - 1996 م.
الخراج، لأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم، المكتبة السلفية، القاهرة، 1382 هـ.
ولاية الشرطة في الإسلام، د. نمر الحميداني، دار عالم الكتب، الرياض، 1414 هـ.
تاريخ خليفة بن خياط، أبو عمر خليفة بن خياط بن أبي هبيرة الليثي، تحقيق أكرم ضياء العمري، الطبعة الثانية، مؤسسة الرسالة، ودار القلم، بيروت 1397 هـ.
الإصابة في تمييز الصحابة، أحمد بن علي بن حجر، دار الكتب العلمية، بيروت.
علي بن أبي طالب، د. علي شرفي، دار الكندي، إربد، الأردن، 2001 م.
الولاية على البلدان في عصر الخلفاء الراشدين، د. عبد العزيز إبراهيم العمري.
من أصول الفكر السياسي، محمد فتحي عثمان، الطبعة الثانية، مؤسسة الرسالة، بيروت 1404 هـ - 1984 م.
النظم المالية في الإسلام، عيسى عبده، معهد الدارسات الإسلامية، القاهرة.
السياسة المالية لعثمان بن عفان، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1986 م.
تاريخ العرب، مطول، د. فيليب حتى، ترجمة إدوارد جرجي، د. جبرائيل جبور، دار الكشاف، بيروت، 1949 م.
وقائع ندوة النظم الإسلامية، أبو ظبي، 1405 هـ - 1984 م.
نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي، ظافر القاسمي، دار النفائس، بيروت، الطبعة الثالثة 1407 هـ - 1987 م.
إعلام الموقعين عن رب العالمين، لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر ابن القيم، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت.(3/227)
الاجتهاد في الفقه الإسلامي ضوابطه ومستقبله، عبد السلام السليماني، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، المملكة المغربية.
خلاصة التشريع الإسلامي، عبد الوهاب خلاف، دار القلم، 1402 هـ - 1982م.
تاريخ القضاعي، كتاب عيون المعارف وفنون أخبار الخلائف، للإمام القاضي محمد بن سلامة بن جعفر الشافعي، مطبوعات جامعة أم القري.
تاريخ القضاء في الإسلام، د. محمد الزحيلي، دار الفكر دمشق، دار الفكر المعاصر لبنان، الطبعة الأولى 1415 هـ- 1995 م.
أخبار القضاة لوكيع، وكيع محمد بن خلف بن حيان، الطبعة الأولى، مطبعة الاستقامة بالقاهر، 1366 هـ - 1947 م.
الأحكام السلطانية، لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب، دار الفكر، بيروت.
شرح منهج البلاغة لابن أبي الحديد، تحقيق حسن تميم، مكتبة الحياة، بيروت.
صحيح سنن أبي داود، مكتب التربية العربي لدول الخليج.
شرح صحيح مسلم، للإمام النووي، بيروت، دار الفكر، 1401 هـ - 1981 م.
المجموع شرح المهذب، للإمام أبي زكريا يحيي بن شرف النووي، مطبعة الإمام بمصر.
المبسوط لمحمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي، دار المعرفة بيروت.
المحلى بالآثار، للإمام أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان.
معجم الطبراني، سليمان بن أحمد الطبراني، الدار العربية، بغداد 1398 هـ.
جمع الجوامع بحاشية العطار للإمام ابن السبكي مع شرح الجلال المحلى، دار الكتب العلمية - بيروت.
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للعلامة علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي، الناشر زكريا علي يوسف.
فتح العزيز شرح الوجيز للإمام أبي القاسم عبد الكريم محمد الرافعي، المطبوع في هامش المجموع.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لمحمد بن أحمد بن رشد القرطبي، 1386 هـ - 1966م، مطبعة الكليات الأزهرية.(3/228)
المنتقى شرح موطأ مالك بن أنيس للقاضي أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي الأندلسي، طبعة مصورة على الطبعة الأولى سنة 1313 هـ، مطبعة السعادة.
إعلاء السنن للمحدث الناقد ظفر أحمد العثماني علي ضوء ما أفاده الإمام الفقيه الشيخ أشرف علي التهانوي بتحقيق وتعليق عبد الفتاح أبو غدة - منشورات إدارة القرآن والعلوم الإسلامية باكستان.
الإشراف على مذاهب أهل العلم للحافظ محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، بتحقيق محمد نجيب سراج الدين، دار إحياء التراث الإسلامي بدولة قطر.
السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار للشيخ محمد بن علي الشوكاني، تحقيق محمود إبراهيم، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية 1405 هـ - 1985 م.
المدونة الكبرى للإمام مالك بن أنس، طبعة بالأوفسيت 1323 هـ، دار صادر بيروت.
سبل السلام، للأمير الصنعاني.
مقاصد الشريعة الإسلامية، د. محمد سعد اليوبي، دار الهجرة، الرياض، الطبعة الأولى، 1418 هـ - 1996 م.
الحكم والتحاكم في خطاب الوحي، عبد العزيز مصطفى كامل، دار طيبة.
الخلافة الراشدة والدولة الأموية من فتح الباري، يحيى بن إبراهيم اليحيى، دار الهجرة الطبعة الأولى، 1417 هـ- 1996 م.
عصر الخلافة الراشدة، د. أكرم ضيام العمري، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1414 هـ - 1994 م.
حقيقة البدعة وأحكامها، سعيد ناصر الغامدي، مكتبة الرشد، الرياض، 1412هـ.
الموافقات في أصول الشريعة لأبي إسحاق الشاطبي، تحقيق عبد الله دراز، دار الباز، مكة المكرمة.
شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي، تحقيق محمد محمد سعيد الخطيب أوغلي، دار إحياء السنة النبوية.
الأم للشافعي، دار المعرفة بيروت.
مسائل الإمام أحمد لأبي داود سليمان بن الأشعث، مطبعة المنار بمصر، 1353 هـ.
مناقب الشافعي للرازي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم، تحقيق عبد الغني عبد الخالق، دار الكتب العلمية، بيروت.(3/229)
تهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، عن طبعة حيدر آباد.
الإنصاف فيما وقع في تاريخ العصر الراشدي من خلاف، د. حامد محمد الخليفة، مطابع الدوحة المدينة الرياضية عمان، الأردن، 1423 هـ - 2002 م.
الاستبصار في نسب الصحابة من الأنصار، تحقيق د. علي نويهض، دار الفكر، بيروت، بدون تاريخ.
تهذيب تاريخ دمشق، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1407 هـ - 1987 م.
الأخبار الطوال، لأبي حنيفة أحمد بن داود، تحقيق عبد المنعم عامر، مراجعة د. جمال الدين الشيال، مكتبة المتنبي، بغداد.
كتاب الفتوح، أبو محمد بن أعثم، الطبعة الأولى، دائرة المعارف العثمانية حيدر آباد، الهند 1388 هـ - 1998 م.
ولاة مصر، لأبي يوسف محمد بن يوسف الكندي، تحقيق د. حسين نصار، دار صادر، بيروت بدون تاريخ.
مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري، يحيى إبراهيم اليحيى، دار العاصمة الرياض، الطبعة الأولى 1410 هـ.
النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن تغري بردي، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، القاهرة بدون تاريخ.
تيسير الكريم المنان في سيرة عثمان بن عفان، على محمد الصلابي، دار التوزيع والنشر الإسلامية القاهرة، الطبعة الأولى 1413 هـ - 2002 م.
منهاج السنة النبوية لابن تيمية، تحقيق محمد رشاد، مؤسسة قرطبة.
الثقات، محمد بن حبان بن أحمد، مكتبة مدينة العلم، مكة المكرمة، 1393 هـ.
فتنة مقتل عثمان بن عفان، محمد عبد الله الغبان، مكتبة العبيكان، 1419 هـ.
تهذيب الكمال في أسماء الرجال، يوسف عبد الرحمن المزي، بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1405 هـ.
آثار الحرب في الفقه الإسلام، د. وهبة الزحيلي، دراسة مقارنة، دار الفكر.
الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد بن إدريس، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1271 هـ.
وقعة صفين، نصر بن مزاحم المنقري، تحقيق عبد السلام هارون، الطبعة الثانية القاهرة 1382 هـ.(3/230)
تفسير التابعين، عرض ودراسة مقارنة، د. محمد عبد الله على الخضيري، دار الوطن، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 1999 م.
فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، علي محمد الصلابي، دار الصحابة، الإمارات، الطبعة الأولى 2002 م.
أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ، د. إبراهيم علي شعوط، المكتب الإسلامي.
الفتنة الكبرى - على وبنوه، طه حسين، دار المعارف بمصر 1966 م.
الدراهم المضروبة على الطراز الساساني للخلفاء الراشدين في المتحف العراقي، وداد علي قزاز، مجلة المسكوكات، مديرية الآثار العامة بغداد، الجزء، (1) المجلد (1) 1969 م.
الأنساب، لأبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي، تحقيق وتعليق الأستاذ محمد عوامة، الطبعة الأولى، نشر محمد أمين دمج، بيروت 1396 هـ - 1976م.
التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان، محمد بن يحيى بن أبي بكر المالقي الأندلسي، حققه د. محمود يوسف زايد، دار الثقافة، الدوحة، 1985 م.
الأساس في السنة وفقهها، سعيد حوى، دار السلام، 1409 هـ - 1989 م.
الإدارة والنظام الإداري عند الإمام علي، د. محسن باقر الموسوي، الغدير، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1419 هـ - 1998 م.
النظم الإسلامية، صبحي الصالح، الطبعة الخامسة، دار العلم للملايين، بيروت.
الحياة الاجتماعية والاقتصادية في الكوفة في القرن الأول الهجري، القاهرة 1970م، محمد حسين الزبيدي.
العرافة والنقابة مؤسستان اجتماعيتان مهمتان في العهد النبوي، محمد يوسف الفاروقي، مجمع البحوث الإسلامية، - الجامعة الإسلامية - إسلام آباد باكستان، 1982 م.
تفسير المنير، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، بيروت، لبنان، 1411 هـ - 1991 م.
التفسير الصحيح، موسوعة الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور، د. حكمت بن بشير بن ياسين، دار المآثر، المدينة النبوية، الطبعة الأولى 1420 هـ - 1999 م.(3/231)
منهج القرآن الكريم في إصلاح النفوس، د. عبدو الحريري، رسالة ماجستير، جامعة بغداد، لم تطبع.
دعاوى الإنقاذ للتاريخ الإسلامي، سليمان العودة، رسالة نشرت على الإنترنت.
تذكرة الحفاظ، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، بيروت، دار إحياء التراث.
شذرات الذهب في أخبار من ذهب، أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمد الحنبلي، بيروت، المكتب التجاري للطباعة والنشر.
وفيات الأعيان وأبناء الزمان، لابن خلكان، أبو العباس شمس الدين أحمد، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت.
البيان والتبيين للجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر، دار الخانجي بمصر، 1388 هـ - 1968 م.
ميزان الاعتدال للذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت.
المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين لابن حبان البستي محمود إبراهيم زيد، دار المعرفة، بيروت.
لسان الميزان: لابن حجر العسقلاني، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.
رجال الكشي، لأبي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي، قدم له وعلق عليه أحمد السيد الحسيني.
عبد الله بن سبأ الحقيقة المجهولة، لمحمد على العلم.
الخوارج والشيعة، يوليوس فلهاوزن.
السيادة العربية والشيعة والإسرائيليات، فان فولتن، ترجمة حسن إبراهيم حسن، ومحمد زكي إبراهيم، القاهرة مكتبة النهضة المصرية، 1385 هـ - 1965 م.
العقيدة والشريعة الإسلامية، جولد تسيهر، أجناس ترجمة د. محمد يوسف موسى وآخرين، القاهرة، دار الكتب الحديثة.
تاريخ الأدب العربي في الجاهلية وصدر الإسلام، نكلسن، رينولد، ترجمة صفاء خلوصي، بغداد، مطبعة المعارف 1388 هـ - 1969 م.
عقائد الشيعة، رونلدسن، دوايت تعريب (ع م) القاهرة، مكتبة الخانجي.
أصول الإسماعيلية، لويس بارنارد، ترجمه إلى العربية خليل أحمد جلو، جاسم محمد الرجب، بغداد، مكتبة المثنى، 1317 هـ - 1947 م.
عائشة والسياسية، سعيد الأفغاني، دار الفكر، بيروت، 1391 هـ - 1971 م.(3/232)
الدولة الأموية، يوسف العشي، دار الفكر، الطبعة الثانية، 1406 هـ - 1985 م.
أحداث وأحاديث فتنة الهرج، د. عبد العزيز دخان، رسالة دكتوراة بفاس بالمغرب، لم تطبع.
المغني في الضعفاء، الذهبي، تحقيق نور الدين عتر.
التاريخ الكبير للبخاري، مؤسسة الثقافة، بيروت.
دور المرأة السياسي في عهد النبي والخلفاء الراشدين، أسماء محمد أحمد زيادة، دار السلام، الطبعة الأولى 1421 هـ - 2001 م.
الإمامة والسياسية، المنسوب لابن قتيبة، مؤسسة الحلبي، القاهرة.
لمع الأدلة في عقائد أهل السنة، للجويني، عبد الملك بن عبد الله بن يوسف، تحقيق فوقية حسين محمود، الناشر الدار المصرية.
غياث الأمم في التياث الظلم لإمام الحرمين الجويني، تحقيق عبد العظيم الديب، مطابع الدوحة الحديثة، قطر، الطبعة الأولى 1400 هـ.
التذكرة في أحوال الموتى والآخرة، لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، حققه وأخرج أحاديثه فؤاد أحمد زمرلي، دار الكتاب العربي.
حقبة من التاريخ، عثمان الخميس، دار الإيمان، الإسكندرية.
العقيدة في أهل البيت ببن الإفراط والتفريط، د. سليمان بن سالم بن رجاء السحيمي، مكتبة البخاري، الطبعة الأولى 1420 هـ - 2000 م.
إفادة الأخيار ببراءة الأبرار، محمد العربي التباني، دار الكتب العلمية، بيروت.
أعلام النصر المبين لأبي الخطاب عمر بن الحسن بن دحية الكلبي، تحقيق د. محمد أمحزون، دار الغرب، الطبعة الأولى 1998 م.
أسد الغابة في معرفة الصحابة، تحقيق محمد إبراهيم البنا، مطبعة الشعب.
تقريب التهذيب لابن حجر.
الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي، الحافظ أحمد بن عبد الله الجرجاني، دار الفكر للطباعة، بيروت، الطبعة الثانية 1405 هـ.
الأنصار في العصر الراشدي، سياسيا وعسكريا وفكريا، د. حامد محمد خليفة، رسالة دكتوراه من كلية الآداب في جامعة بغداد لم تطبع، من صورة مصورة.
العثمانية، للجاحظ، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار الجيل، بيروت.(3/233)
خلاصة الخلافة الراشدة من تاريخ ابن كثير، محمد كنعان، مؤسسة المعارف، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1417 هـ - 1998 م.
نسب قريش، أبو عبد الله مصعب بن عبد الله الزبيري، دار المعارف، القاهرة.
التاريخ الصغير البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق محمود إبراهيم زايد، الطبعة الأولى 1406 هـ، دار المعرفة، بيروت.
أنساب الأشراف، لأبي الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري.
كتاب أهل البغي من الحاوي الكبير، لأبي الحسن المارودي.
المنتقي من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال، للحافظ أبي عبد الله محمد عثمان الذهبي، مكتبة دار البيان، حققه وعلق عليه: محب الدين الخطيب.
سير السلف لأبي القاسم الأصفهاني، دار الراية، الرياض، 1420 هـ - 1999 م.
أهل الشورى الذين اختارهم عمر رضي الله عنه، رياض العبد الله، دار الرشيد، بيروت دمشق، مؤسسة الإيمان، بيروت، الطبعة الأولى 1412 هـ - 1992 م.
عمدة القارئ شرح صحيح البخاري، بدر الدين العيني.
تحفة الأحوزي بشرح الترمذي، لمحمد بن عبد الرحمن المباركفوري، مطبعة الاعتماد، نشر محمد عبد المحسن الكتبي، تصحيح عبد الرحمن محمد عثمان.
دراسات تربوية في الأحاديث النبوية، للأعظمي محمد لقمان الأعظمي الندوي، دار العبيكان، الطبعة الأولى 1417 هـ - 1996 م.
الزهد لابن المبارك.
الزبير بن العوام، الثروة والثورة، عبد العظيم الديب، مكتبة ابن تيمية، البحرين.
فرسان في عصر النبوة، أحمد خليل جمعة، اليمامة، دمشق، 1420 هـ - 1999 م.
تاريخ الدعوة الإسلامية، محمد جميل عبد الله المصري، 1407 هـ - 1987 م.
معاوية بن أبي سفيان، صحابي كبير وملك مجاهد، منير الغضبان، دار القلم دمشق، الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1996 م.
المعرفة والتاريخ، للفسوي، لأبي يؤسف الفسوي، تحقيق أرم ضياء العمري، مطبعة الإرشاد بغداد، 1394 هـ.
الأعلام للزركلي، دار العلم للملايين - بيروت لبنان- الطبعة السادسة، 1984 م.(3/234)
إرواء الغليل تخريج أحاديث منار السبيل، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى، 1399 هـ، نشر المكتب الإسلامي.
الدولة الإسلامية في عصر الخلفاء الراشدين د. حمدي شاهين، دار القاهرة.
مسند أحمد مع الفتح الرباني، للساعاتي، أحمد عبد الرحمن الساعاتي، في ترتيب الإمام، مطبعة الفتح الرباني بالقاهرة، الطبعة الأولى.
تهذيب الأسماء واللغات: للإمام محيي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
تلخيص الحبير في أحاديث الرافعي الكبير: لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، مراجعة: السيد عبد الله هاشم اليماني المدني، المدينة المنورة.
عمرو بن العاص الأمير المجاهد، د. منير الغضبان، جامعة أم القرى، 1420 هـ.
عمار بن ياسر، أسامة بن أحمد سلطان، المكتبة المكية، السعودية، 1420 هـ.
قصص لا تثبت، سليمان بن صالح الخراشي، دار الصميعي، الرياض، 1420 هـ.
تنزيه أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان من الظلم والفسق في مطالبته بدم أمير المؤمنين عثمان، لأبي يعلى محمد الفراء، تحقيق دار النبلاء عمان، 2001 م.
أبو موسى الأشعري، الصحابي العالم المجاهد، محمد طهماز، دار القلم، دمشق.
أنس بن مالك الخادم الأمين، عبد الحميد طهماز، دار القلم، دمشق.
مناقب عمر لابن الجوزي.
مجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي، والخلاقة الراشدة، محمد حميد الله، دار النفائس، الطبعة الخامسة، 1405 هـ - 1985 م.
صحيح السيرة النبوية، إبراهيم العلي، دار النفائس، 1408 هـ - 1988 م.
السيرة النبوية الصحيحة، د. أكرم العمري، الطبعة الأولى 1412 هـ - 1992 م، مكتبة المعارف والحكم بالمدينة المنورة.
السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة، محمد أبو شهبة، دار القلم، دمشق.
صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، للألباني، دار الصميعي السعودية.
غزوة الحديبية، لأبي فارس، دار الفرقان، الأردن.(3/235)
من معين السيرة، صالح أحمد الشامي، المكتب الإسلامي، 1413 هـ - 1992م.
إتمام الوفاء بسيرة الخلفاء، محمد الخضري، دار المعرفة، بيروت، 1996 م.
فتوح الشام، محمد عبد الله الأزدي، تحقيق عبد المنعم عبد الله عامر، نشر مؤسسة القاهرة 1970 م.
القيادة العسكرية في عهد الرسول، دار القلم، 1410 هـ - 1990 م.
سفراء النبي - صلى الله عليه وسلم -،محمود شيت خطاب، مؤسسة الريان، دار الأندلس الخضراء، الطبعة الأولى 1417 هـ - 1996 م.
عمرو بن العاص، عبد الخالق سيد أبو رابية، الطبعة الأولى 1408 هـ - 1988 م.
عمرو بن العاص، عباس محمود العقاد، الناشر دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1969 م.
المراسيل، لابن أبي حاتم، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1397 هـ.
التاريخ، لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، تحقيق أحمد محمد نور سيف، دار المأمون للتراث.
الأحكام السلطانية، لأبي يعلى محمد بن الحسين تعليق: محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية / بيروت 1403 هـ.
الجهاد والقتال في السياسة الشرعية، محمد خير هيكل، 1414هـ - 1993م
الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به، للقاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني، تحقيق محمد زاهد الكوثري، الطبعة الثانية، مؤسسة الخانجي 1382 هـ.
مناقب الإمام أحمد بن حنبل، لأبي الفرج بن الجوزي، تحقيق: لجنة إحياء التراث، طبع دار الآفاق الجديدة، الطبعة الثالثة، 1402 هـ.
مناقب الإمام ابن قتيبة، د. على بن نفيع العلياني، مكتبة الصديق، السعودية.
المعارف لابن قتيبة، تحقيق ثروت عكاشه، الطبعة الثالثة، دار المعارف مصر.
مختصر التحفة الاثنى عشرية، للسيد محمود شكري الألوسي، مكتبة إيشيق - استانبول، تركيا، 1399 هـ - 1979 م.
السيف اليماني في نحر الأصفهاني، وليد الأعظمي، دار الوفاء، مصر.
منهج كتابة التاريخ الإسلامي، محمد صامل العلياني السلمي، دار طيبة، الرياض.(3/236)
أثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن الأول الهجري، د. عبد العزيز محمد نور ولي، دار الخضيري، المدينة النبوية، الطبعة الأولى 1417 هـ - 1996 م.
منهج المسعودي في كتابه التاريخ، سليمان بن عبد الله المديد السويكت.
تاريخ عمرو بن العاص، حسن إبراهيم حسن، مطبعة السعادة، 1922 م.
الشيعة والسنة، إحسان إلهي ظهير.
دراسات عن الفرق وتاريخ المسلمين، د. أحمد محمد جلي، شركة الطباعة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1406 هـ.
الإمام الصادق، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي.
الشيعة والقرآن، إحسان إلهي ظهير، إدارة ترجمان السنة، لاهور، باكستان.
تأويل مختلف الحديث، لأبي محمد عبد الله بن قتيبة، تحقيق: محمد محيى الدين الأصفر، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1409 هـ.
المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم، لأبي العباس أحمد بن عمر القرطبي، تحقيق: محيي الدين ديب مستو، يوسف بدوي، دار ابن كثير، بيروت، دمشق.
الكفاية، أحمد بن علي الخطيب، الطبعة الأولى 1405 هـ، دار الكتاب العربي، تحقيق وتعليق: الدكتور أحمد عمر هاشم.
فتح المغيث شرح ألفية الحديث، محمد بن عبد الرحمن السخاوي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، منشورات المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، 1392 هـ - 1972 م.
مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث لأبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح، طبع دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
الباعث الحثيث، شرح اختصار علوم الحديث، إسماعيل بن عمر بن كثير، تحقيق أحمد شاكر، طبع مكتبة ومطبعة محمد على صبيح وأولاده 1370 هـ.
جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام، لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الشهير بابن قيم الجوزية، دار القلم، بيروت، لبنان.(3/237)
تفسير السعدي، المسمى تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن، للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، تحقيق: محمد زهري النجار، المؤسسة السعدية.
تفسير القرآن العظيم، لأبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الثانية، 1389 هـ - 1970 م.
الفرق بين الفرق، لعبد القاهر بن طاهر البغدادي، تعليق محمد محيي الدين عبد الحميد، مكتبة محمد على صبيح، مصر.
أثر الإمامة في الفقه الجعفري وأصوله، علي أحمد السالوس، دار وهدان للطباعة، القاهرة، الطبعة الأولى 1402 هـ.
الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها دين الشيعة الإمامية الاثني عشرية، محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة 1393 هـ.
المحاسن النفسانية في أجوبة المسائل الخراسانية، الشيخ حسين آل عصفور البحراني، دار المشرق العربي، بيروت، البحرين.
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، محمد على الشوكاني، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، الطبعة الثانية 1383 هـ.
النهاية في الفتن والملاحم، لابن كثير، دار المعرفة بيروت، لبنان، 2003 م.
ضحى الإسلام، أحمد أمين.
النهي عن سب الأصحاب، للمقدسي، محمد عبد الواحد المقدسي، تحقيق: عبد الرحمن التركي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى.
لمحات اجتماعية من تاريخ العراق، د. علي الوردي، مطبعة الإرشاد، بغداد.
الفكر الشيعي والنزعات الصوفية، كامل الشيبي، مكتبة النهضة، بغداد.
نظام الخلافة في الفكر الإسلامي، د. مصطفى حلمي، دار الدعوة، الإسكندرية.
خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، تحقيق أحمد ميرين البلوشي، مكتبة المعلا، الكويت.
منهج ابن تيمية في مسألة التكفير، الدكتور عبد المجيد بن سالم الشعبي، أضواء السلف، السعودية، الطبعة الأولى 1418 هـ - 1997 م.(3/238)
مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، لأبي الحسن الأشعري، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مكتبة النهضة المصرية.
هدي الساري، مقدمة فتح الباري، الحافظ ابن حجر العسقلاني، المطبعة السلفية.
التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، لأبي الحسين محمد بن أحمد الملطي، مكتبة المثنى، بغداد 1388 هـ - 1968 م.
الخوارج، ناصر العقل، دار الوطن، الرياض، الطبعة الأولى 1416 هـ.
الوظيفة العقيدية للدولة الإسلامية، حامد عبد الماجد قويسي، الطبعة الأولى 1413 هـ، 1993 م، دار التوزيع والنشر الإسلامية.
تلبيس إبليس، لابن الجوزي، بتحقيق محمود مهدي استانبولي 1395 هـ.
الخوارج، دراسة ونقد لمذهبهم، ناصر بن عبد الله السعوي، دار المعارج الدولية، الرياض، الطبعة الأولى 1417 هـ - 1996 م.
نصب الراية لأحاديث الهداية، جمال الدين أبو محمد أبو عبد الله يوسف الزيلعي، دار المأمون، القاهرة، 1357 هـ - 1938 م.
ظاهرة الغلو في الدين في العصر الحديث، محمد عبد الكريم، 1991 م.
الإباضية في موكب التاريخ، علي يحيي معمر، مكتبة وهبة.
السياسة في إصلاح الراعي والرعية، ابن تيمية، المطبعة السلفية ومكتبتها.
فيض القدير في شرح الجامع الصغير، عبد الرءوف المناوي، دار الفكر للطباعة والنشر، الطبعة الثانية، 1391 هـ - 1972 م.
قواعد في التعامل مع العلماء، د. عبد الرحمن بن معلا اللويحق، دار الوراق، السعودية، الطبعة الأولى 1410 هـ - 1992 م.
التكفير جذوره وأسبابه، د. نعمان عبد الرزاق السامرائي، -دار المنارة- جدة.
ظاهرة التكفير، الأمين الحاج محمد أحمد، مكتبة دار المطبوعات الحديثة، جدة، السعودية، الطبعة الأولى 1412 هـ - 1992 م.
الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف، د. يوسف القرضاوي، كتاب الأمة (2).
مصباح الظلام في الرد على من كذب على الشيخ الإمام، عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، دار الهداية، الرياض.(3/239)
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور، الطبعة الثانية، القاهرة 1402 م.
المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، تأليف أحمد بن محمد المقري الفيومي، المكتبة العلمية، بيروت، لبنان.
القاموس المحيط، لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، المؤسسة العربية للطباعة والنشر، بيروت، لبنان.
مقاييس اللغة، لأبي الحسين أحمد فارس، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت، الطبعة الأولى 1411 هـ.
الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة للحافظ قوام السنة أبي القاسم إسماعيل الأصبهاني، د. محمد ربيع مدخلي، و محمد بن محمود أبو رحيم، دار الراية.
اعتقادات فرق المسلمين والمشركين، لفخر الدين الرازي، دار الكتب العلمية بيروت، لبنان، 1402 هـ.
الرواة الذين تأثروا بابن سبأ، د. سعد الهاشمي، 1413 هـ - 1992 م.
الاقتصاد في الاعتقاد، لأبي حامد الغزالي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
الصارم المسلول في شاتم الرسول، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: محيي الدين عبد الحميد، عالم الكتب، 1402 هـ - 1982 م.
الكشاف للزمخشري، جار الله محمود الزمخشري، دار المعرفة، بيروت.
تاج العروس من جواهر القاموس، محمد مرتضى الزبيدي، دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان.
آية التطهير، وعلاقتها بعصمة الأئمة، عبد الهادي الحسيني.
تفسير البغوي، المسمى معالم التنزيل، لأبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي، تحقيق: خالد عبد الرحمن العك، ومروان سوار، دار المعرفة بيروت.
الحجج الدامغة لنقض كتاب المراجعات، أبو مريم بن محمد الأعظمي.
تيسير العزيز الحميد لشرح كتاب التوحيد، للشيخ سليمان عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، مكتبة الرياض الحديثة.
الرسالة التدمرية لابن تيمية، تحقيق: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي.(3/240)
الشفا بتعريف حقوق المصطفى، لأبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي الأندلسي، مطبعة البابي الحلبي، الطبعة الأخيرة 1369 هـ - 1950 م.
المنحة الإلهية في تهذيب الطحاوية، عبد الآخر حماد الغنيمي، دار الصحابة، بيروت، الطبعة الثالثة، جمادي الثانية، 1418 هـ - 1997 م.
الملل والنحل، لأبي الفتح محمد عبد الكريم الشهرستاني، تحقيق: الأستاذ أحمد فهمي محمد، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية 1413 هـ.
مختصر تفسير القرآن العظيم المسمى عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير، اختصار وتحقيق: أحمد شاكر، دار طيبة، دار الوفاء، 1424 هـ - 2003 م.
روايات تاريخ الصحابة في ميزان الجرح والتعديل، د. عبد العزيز صغير دخان، طبعة أولى 1998 م، الشوكاني باليمن.
اليهود في السنة المطهرة، عبد الله الشقاري، دار طيبة، 1417 هـ - 1996 م.
المروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في التفسير من سورة المائدة إلى سورة الناس، رسالة ماجستير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، للطالب فهد عبد العزيز إبراهيم الفاضل، لم تطبع.
خلافة علي بن أبي طالب، رتبه وهذبه، د. محمد بن صامل السلمي، مستخرج من البداية والنهاية، دار الوطن، الطبعة الأولى 1422 هـ - 2002 م.
وسطية أهل السنة بين الفرق، د. محمد باكريم، دار الراية، الرياض، 1415هـ.
عقائد الثلاث والسبعين فرقة، لأبي محمد اليمني، تحقيق ودراسة: محمد عبد الله زربان الغامدي، مكتبة دار العلوم، الطبعة الأولى 1414 هـ.
العزلة والخلطة، أحكام وأحوال، سلمان بن فهد العودة، 1413 هـ.
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، أحمد السيد يعقوب الرفاعي، دار الفضيلة، القاهرة.
السلسلة الضعيفة، للألباني، مكتبة المعارف، الرياض، 1422 هـ - 2002 م.
زاد المعاد، ابن القيم، تحقيق: شعيب و عبد القادر الأرناؤوط، دار الرسالة.
فقه السيرة النبوية، محمد سعيد رمضان، دار الفكر، دمشق، سوريا.
فصول من السيرة النبوية، عبد المنعم السيد.(3/241)
هجرة الرسول وصحابته في القرآن والسنة، أحمد عبد الغني الجمل، دار الوفاء.
السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، د. مهدي رزق الله أحمد، الطبعة الأولى 1412 هـ - 1992 م، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.
الخليفتان عثمان وعلي بين السنة والشيعة، أنور عيسى، لم تطبع.
مرويات غزوة الحديبية، حافظ الحكمي، دار ابن القيم.
القول المفيد على كتاب التوحيد، لمحمد صالح العثيمين، دار العاصمة.
التاريخ السياسي، د. علي معطي، مؤسسة المعارف بيروت.
قراءة سياسية للسيرة النبوية، محمد قلعجي، دار النفائس، بيروت، لبنان.
علي بن أبي طالب مستشار أمين للخلفاء الراشدين، د. محمد عمر الحاجي، دار الحافظ بدمشق، الطبعة الأولى 1998 م.
زواج عمر بن الخطاب رضي الله عنه، من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما، حقيقة وليس افتراء، تأليف أبي معاذ الإسماعيلي.
عثمان بن عفان، صادق عرجون، الدار السعودية، 1410 هـ - 1990 م.
مجلة البحوث الإسلامية، العدد العاشر.
رياض النفوس للمالكي، أبو بكر عبد الله بن محمد المالكي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، عام 1403 هـ - 1983 م.
فتنة قتل عثمان، محمد بن عبد الله الغبان، مكتبة العبيكان، السعودية.
عثمان بن عفان، الخليفة الشاكر الصابر، دار القلم دمشق.
ليس من الإسلام، محمد الغزالي، دار القلم، الطبعة الأولى 1420 هـ - 1999 م.(3/242)
فهرس الكتاب
الموضوع ... الصفحة
الإهداء ... 3
المقدمة ... 4
الفصل الأول
علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمكة
المبحث الأول: اسمه ونسبه وكنيته وصفته وأسرته ... 20
أولاً: اسمه وكنيته ولقبه ... 20
ثانياً: مولده ... 21
ثالثاً: الأسرة وأثرها في الأعقاب ... 21
المبحث الثاني: إسلامه وأهم أعماله في مكة قبل الهجرة ... 31
أولاً: إسلامه ... 31
ثانياً: كيف أسلم علي؟ ... 32
ثالثاً: بين علي رضي الله عنه وأبي طالب ... 32
رابعاً: هل كسر علي رضي الله عنه الأصنام مع رسول الله في مكة؟ ... 32
خامساً: هل دفن علي رضي الله عنه أبا طالب بإرشاد رسول الله؟ ... 33
سادساً: الحس الأمني عند علي رضي الله عنه ودوره في إيصال أبي ذر رضي الله عنه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... 33
سابعاً: على رضي الله عنه مع رسول الله في طوافه على القبائل وعرضه للدعوة عليها وحضوره المفاوضات مع بني شيبان ... 35
ثامناً: تقديمه نفسه فداء للنبي - صلى الله عليه وسلم - ... 38
تاسعاً: هجرته ... 40
المبحث الثالث: معايشة أمير المؤمنين على للقرآن الكريم وأثرها عليه في حياته ... 42
أولاً: تصوره عن الله والكون، والحياة، والجنة والنار، والقضاء والقدر ... 42
ثانياً: مكانة القرآن الكريم عنده ... 45
ثالثاً: ما نزل فيه من القرآن الكريم ... 46
رابعاً: تبليغه تفسير رسول الله لبعض آيات القرآن الكريم ... 48
خامساً: الأصول والأسس التي سار عليها أمير المؤمنين على في استنباط الأحكام من القرآن الكريم وفهم معانيه ... 49
1- الالتزام بظاهر القرآن الكريم ... 49
2- حمل المجمل على المفسر ... 50
3- حمل المطلق على المقيد في القرآن الكريم ... 50
4- العمل بالناسخ والمنسوخ ... 51
5- النظر في لغة العرب ... 51
6- فهم النص بنص آخر ... 52
7- السؤال عن مشكله ... 53
8- العلم بمناسبة الآيات ... 53
9- تخصيص العام ... 53
10- معرفة عادات العرب ومن حولهم ... 55
11- قوة الفهم وسعة الإدراك ... 55
سادساً: تفسير أمير المؤمنين علي لبعض الآيات الكريمة ... 55
1- الذاريات ... 55
2- قوله تعالى: {فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ} ... 56
3- بكاء الأرض على العبد الصالح ... 56
4- الخشوع في القلب وأن تلين كنفك للمرء المسلم ... 56
5- خليلان مؤمنان، وخليلان كافران ... 56
6- الزهد في كلمتين في القرآن ... 57
7- أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وتدبره في الصلاة ... 57(3/243)
8- قوله تعالى: {يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ} ... 57
المبحث الرابع: ملازمته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... 58
أولاً: أمير المؤمنين ومقام النبوة ... 58
1- وجوب طاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولزوم سنته والمحافظة عليها ... 59
2- حديث أمير المؤمنين علي رضي الله عنه عن دلائل نبوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ... 60
3- الترغيب في هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ... 62
4- بيان فضله، وبعض حقوقه على أمته - صلى الله عليه وسلم - ... 62
5- المعرفة الدقيقة الشاملة لملامح الشخصية النبوية ... 64
6- نماذج من اتباع أمير المؤمنين للسنة ... 66
ثانياً: الرواة عن علي بن أبي طالب ... 69
المبحث الخامس: أهم أعمال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ما بين الهجرة والأحزاب ... 75
أولاً: حركة السرايا ... 75
1- غزوة العشيرة ... 75
2- غزوة بدر الأولى ... 76
ثانياً: غزوة بدر ... 76
ثالثاً: زواج على من فاطمة رضي الله عنهما ... 78
1- مهرها وجهازها ... 78
2- زفافها ... 79
3- وليمة العرس ... 79
4- معيشة على وفاطمة رضي الله عنهما ... 80
5- زهد السيدة فاطمة وصبرها ... 81
6- إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء الله أن يبعثنا بعثنا ... 82
رابعاً: ولداها: الحسن والحسين رضي الله عنهما ... 82
1- الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ... 82
2- الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ... 84
3- ما ورد من أحاديث في مناقب مشتركة بين الحسن والحسين ... 85
خامساً: حديث الكساء ومفهوم أهل البيت ... 87
سادساً: ما يخص آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأحكام ... 88
1- تحرم عليهم الزكاة ... 88
2- لا يرثون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... 88
3- لهم خمس الخمس في الغنيمة والفيء ... 88
4- الصلاة عليهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ... 88
5- لهم مودة خاصة ... 89
سابعاً: علي رضي الله عنه في غزوة أحد ... 90
ثامناً: علي رضي الله عنه في غزوة بني النضير ... 91
تاسعاً: علي رضي الله عنه في غزوة حمراء الأسد ... 92(3/244)
عاشراً: علي رضي الله عنه وموقفه من حادثة الإفك ... 93
المبحث السادس: أهم أعمال علي رضي الله عنه ما بين الأحزاب إلى وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ... 95
أولاً: علي رضي الله عنه في غزوة الأحزاب ... 95
ثانياً: علي رضي الله عنه في غزوة بني قريظة ... 96
ثالثاً: علي رضي الله عنه في صلح الحديبية وبيعة الرضوان ... 97
رابعاً: عمرة القضاء 7 هـ وعلي رضي الله عنه وحضانة ابنة حمزة - رضي الله عنه - ... 100
خامساً: علي رضي الله عنه في غزوة خيبر 7 هـ ... 101
سادساً: علي رضي الله عنه في فتح مكة وغزوة حنين 8 هـ ... 105
1- إحباط محاولة تجسس لصالح قريش ... 105
2- أجرنا من أجرت يا أم هانئ ... 106
3- مقتل الحويرث بن نقيذ بن وهب ... 106
4- علي رضي الله عنه في مهمة إصلاحية ... 107
5- علي رضي الله عنه في غزوة حنين ... 107
6- سرية علي رضي الله عنه لهدم الفلس في بلاد طيء ... 108
سابعاً: استخلاف النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي على المدينة في غزوة تبوك 9 هـ ... 108
ثامناً: علي رضي الله عنه ودوره الإعلامي في حجة أبي بكر بالناس 9 هـ ... 108
تاسعاً: علي رضي الله عنه ووفد نصارى نجران، وآية المباهلة 9 هـ ... 110
عاشراً: علي رضي الله عنه داعيا وقاضيا في اليمن 10 هـ ... 112
1- قضاؤه في الأربعة الذين تدافعوا عند زبية للأسد ... 113
2- ثلاثة وقعوا على امرأة في طهر ... 113
الحادي عشر: على رضي الله عنه في حجة الوداع ... 114
الثاني عشر: تشرفه بغسل النبي - صلى الله عليه وسلم - ودفنه ... 115
الثالث عشر: قصة الكتاب الذي هم النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتابته في مرض موته ... 115
الفصل الثاني
علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في عهد الخلفاء الراشدين
المبحث الأول: علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في عهد الصديق ... 121
أولاً: مبايعة علي لأبي بكر بالخلافة رضي الله عنهما ... 121
ثانياً: على رضي الله عنه ومساندته لأبي بكر في حروب الردة ... 123(3/245)
ثالثاً: تقديم علي رضي الله عنه لأبي بكر ... 124
رابعاً: اقتداء علي بالصديق في الصلوات وقبول الهدايا منه ... 126
خامساً: الصديق والسيدة فاطمة وميراث النبي - صلى الله عليه وسلم - ... 129
سادساً: مصاهرات بين الصديق وأهل البيت وتسمية أهل البيت بعض أسمائهم باسم أبي بكر. ... 139
سابعاً: علي رضي الله عنه في وفاة الصديق ... 140
المبحث الثاني: علي رضي الله عنه في عهد الفاروق ... 142
أولاً: في الأمور القضائية ... 142
ثانيًا: علي رضي الله عنه والتنظيمات المالية والإدارية العمرية ... 145
ثالثًا: استشارة عمر لعلي رضي الله عنهما في أمور الجهاد وشئون الدولة ... 146
رابعًا: علي رضي الله عنه وأولاده وعلاقتهم بعمر رضي الله عنهم ... 148
خامسًا: زواج عمر من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ... 150
سادسًا: قول عمر لفاطمة رضي الله عنهما: يا بنت رسول الله ما أحد من الخلق أحب إلينا من أبيك ... 152
سابعاً: الخلاف بين العباس وعلى وحكم عمر رضي الله عنه بينهما ... 153
ثامناً: ترشيح عمر عليا للخلافة مع أهل الشورى وما قاله على في عمر بعد استشهاده ... 154
1- ترشيح على مع أهل الشورى ... 154
2- ما قاله علي في عمر بعد استشهاده ... 155
3- قول علي في عمر: إن عمر كان رشيد الأمر ... 155
4- إن عمر كان يكره نزوله، فأنا أكرهه لذلك ... 156
5- حب أهل البيت لعمر رضي الله عنه ... 156
6- عمر بن الخطاب جعله الله سببا في ذرية الحسين بن علي بن أبي طالب ... 157
7- قول عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب في عمر ... 157
المبحث الثالث: علي -رضي الله عنه- في عهد عثمان بن عفان ... 158
أولاً: بيعة علي لعثمان رضي الله عنه ... 158
ثانياً: أباطيل رافضية دست في قضية الشورى ... 159
1- اتهام الصحابة بالمحاباة في أمر المسلمين ... 160
2- حزب أموي وحزب هاشمي ... 160
3- أكاذيب نسبت بهتانا وزورًا لعلي رضي الله عنه ... 161(3/246)
ثالثاً: المفاضلة بين عثمان وعلي رضي الله عنهما ... 161
رابعاً: رابعًا: علي رضي الله عنه يقيم الحدود ويستشار في شئون دولة عثمان - رضي الله عنه - ... 162
1- إقامة علي للحدود في عهد عثمان رضي الله عنهما ... 162
2- استشارة عثمان لعلي وكبار الصحابة في فتح إفريقية ... 163
3- رأي علي في جمع عثمان للناس على قراءة واحدة ... 163
خامساً: موقف علي رضي الله عنه في فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه ... 164
1- موقف علي رضي الله عنه في بداية الفتنة ... 165
2- موقف علي رضي الله عنه أثناء الحصار ... 167
3- المصاهرات بين آل علي وآل عثمان رضي الله عنهم ... 169
سادساً: من أقوال علي في الخلفاء الراشدين ... 170
1- سيدا كهول أهل الجنة وشبابها ... 171
2- ما أضمر لهما إلا الذي أتمنى المضي عليه ... 171
3- هذا عثمان بن علي سميته بعثمان بن عفان ... 172
4- أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كان لهم بالنبي اختصاص عظيم ... 173
5- ما يترتب عليه في مذهب الرافضة من تكفير الصحابة ... 173
6- قرائن عملية وأدلة واقعية على حقيقة العلاقة بين على و الخلفاء الراشدين ... 173
سابعاً: وصف لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في القرآن الكريم ... 175
الفصل الثالث
بيعة علي -رضي الله عنه- وأهم صفاته وحياته في المجتمع
المبحث الأول: بيعة علي رضي الله عنه ... 178
أولاً: كيف تمت بيعة على رضي الله عنه ... 178
ثانياً: أحقية علي بالخلافة ... 181
ثالثاً: بيعة طلحة والزبير رضي الله عنهما ... 184
رابعاً: انعقاد الإجماع على خلافة علي رضي الله عنه ... 186
خامساً: شروط أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في بيعته وأول خطبة خطبها ... 192
1- مبدأ الشورى ... 192
2- أهل الحل والعقد في عهد أمير المؤمنين علي ... 193
3- الحرص على أن لا يظل منصب الخليفة شاغرا ... 194(3/247)
4- الرد على بعض الكتب المعاصرة التي تحدثت عن بيعة علي رضي الله عنه ... 194
5- أول خطبة خطبها علي رضي الله عنه ... 196
6- الترادف بين ألفاظ: الإمام والخليفة وأمير المؤمنين ... 197
7- أيهما أصح عند ذكر أمير المؤمنين علي: هل نقول رضي الله عنه أم كرم الله وجهه أم عليه السلام؟ ... 198
المبحث الثاني: شيء من فضائله وأهم صفاته وقواعد نظام حكمه ... 199
أولاً: العلم والفقه في الدين ... 201
ثانياً: زهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وورعه ... 210
ثالثاً: تواضع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ... 215
رابعاً: كرمه وجوده ... 218
خامساً: الحياء من الله تعالى ... 220
سادساً: شدة عبوديته وصبره وإخلاصه لله تعالى ... 221
سابعاً: شكره لله ... 225
ثامناً: الدعاء لله ... 226
تاسعاً: المرجعية العليا لدولة أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ... 229
1- المصدر الأول: كتاب الله تعالى ... 229
2- المصدر الثاني: السنة المطهرة ... 229
3- الاقتداء بالخلفاء الراشدين الذين سبقوه ... 229
عاشراً: حق الأمة في الرقابة على الحكام ... 230
الحادي عشر: الشورى ... 231
الثاني عشر: العدل والمساواة ... 232
الثالث عشر: الحريات ... 236
المبحث الثالث: حياته في المجتمع واهتمامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ... 237
أولاً: دعوته للتوحيد ومحاربته للشرك ... 237
1- قوله رضي الله عنه: لا يرجون عبد إلا الله ولا يخافن إلا ذنبه ... 237
2- تعريف أمير المؤمنين على الناس بأسماء الله وصفاته ... 240
3- تعريف أمير المؤمنين على الناس بنعم الله المستوجبة للشكر ... 241
4- حرص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على محو آثار الجاهلية ... 242
أ- الزيارة الشرعية للقبور ... 244
ب- تاريخ الاحتفال بالمزارات في الأضرحة ... 244
جـ- ارتباط المزارات بالتخلف والجهل ... 245(3/248)
د- الحملات الاستعمارية وإقامة الأضرحة ... 246
هـ- هل المزارات من الإحداث في الدين ... 246
و- حرص أمير المؤمنين علي على بطلان الاعتقاد بالكواكب ... 249
ز- إحراق أمير المؤمنين علي رضي الله عنه لمن غلوا فيه وادعوا فيه الألوهية ... 249
ح- كيفية بداية الإيمان في القلب عند أمير المؤمنين علي وتعريفه للتقوى ... 251
ط- القضاء والقدر عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ... 253
ى- كيف يحاسب الله العباد على كثرة عددهم؟ ... 254
ثانياً: خطبة لأمير المؤنين علي بن أبي طالب وتحليها ... 254
ثالثاً: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والشعر ... 257
1- في الفرج والشدة ... 259
2- في الصبر ... 259
3- في حرص الناس على الدنيا ... 260
4- في الصداقة ... 260
5- في التواضع والقناعة ... 260
6- في السر وكتمانه ... 261
رابعاً: من حكم أمير المؤمنين علي التي سارت بين الناس ... 261
خامساً: حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عن صفات خيار العباد، وعن تطوع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ووصف الصحابة الكرام ... 265
1- صفات الخيار العباد ... 265
2- إجابته لمن سأل عن تطوع النبي - صلى الله عليه وسلم - ... 266
3- وصف أمير المؤمنين للصحابة الكرام ... 266
4- تنبيه أمير المؤمنين على أصحابه على فضائل الأعمال ... 267
5- معايدة المريض ... 267
6- تشجيعه لابنه الحسن على الخطابة ... 267
7- إني لست كما تقول ... 268
8- التحذير من الانقياد للشهوات ... 268
9- إدخال السرور على المسلم ... 268
10- أشد الأعمال ثلاثة ... 268
سادساً: التحذير من الأمراض الخطيرة التي حذر منها أمير المؤمنين ... 268
1- جزاء المعصية ... 268
2- طول الأمل واتباع الهوى ... 268
3- الرياء ... 269
4- العجب ... 271
سابعاً اهتمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بترشيد الأسواق ومواقف متنوعة مع الناس ... 274
1- إنكاره على مزاحمة النساء والرجال في الأسواق ... 276(3/249)
2- لا تردوا قليل الربح فتحرموا كثيره ... 276
3- خطورة التجارة قبل التفقه في أحكامها ... 277
4- من سبق إلى موضع فهو أحق به ... 277
5- المحتكر عاص ملعون ... 278
6- الخسارة على المال والربح على ما اصطلحوا عليه ... 278
7- تحريقه قرية كانت تباع فيها الخمر ... 278
8- احتسابه فيما يتعلق باللباس والهيئة ... 278
9- حبسه أهل الشر والفساد ... 278
10- الترهيب من عدم الإنفاق ... 278
11- مناداته للصلاة ... 279
12-الاهتمام بالطرق العامة ... 279
13- ظهور بدعة القصص ومحاربة أمير المؤمنين علي لها ... 279
ثامناً: ولاية الشرطة في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ... 280
الفصل الرابع
المؤسسة المالية والقضائية في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
وبعض اجتهاداته الفقهية
المبحث الأول: المؤسسة المالية ... 282
المبحث الثاني: المؤسسة الاقتصادية ... 284
أولاً: الخطة الاقتصادية والتشريعية في عهد الخلفاء الراشدين والمصادر التي اعتمدها الصحابة في ذلك العهد ... 285
ثانياً: ميزات القضاء في العهد الراشدي ... 288
ثالثاً: أشهر قضاة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ... 290
رابعاً: الأسلوب القضائي عند أمير المؤمنين علي ... 292
1- إبقاؤه على أسلوب القضاء ... 292
2- عدم نقضه الأحكام الصادرة قبله ... 292
3- الأهلية للقضاء ... 293
4- مكان القضاء ... 293
5- مجانية الحصول على الحكم ... 293
6- بذور المحاماة ... 293
خامساً: ما يجب على القاضي ... 294
1- دراسة القضية المعروضة عليه دراسة واعية ... 294
2- المساواة بين الخصوم ... 294
3- عدم الصياح بالمتخاصمين ... 294
4- الابتعاد عن المؤثرات ومجاهدة النفس ... 294
5- الشورى ... 294
المبحث الثالث: من فقه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ... 295
أولاً: في العبادات ... 295
1- أحكام في الطهارة ... 295
2- أحكام في الصلاة ... 296(3/250)
3- أحكام متعلقة بالزكاة ... 299
4- أحكام متعلقة بالصيام ... 301
5- من أحكام الحج ... 303
6- بعض الأحكام ألحقت بالعبادات ... 303
7- بعض الأحكام المتعلقة بالمعاملات المالية ... 308
ثانياً: الحدود ... 310
1- عقوبة المرتد ... 310
2- حد الزنا ... 312
أ- قصة رجم ... 312
ب- تأجيل رجم الحامل ... 313
جـ- المستكرهة على الزنا ... 313
د- زنا المضطرة ... 313
هـ- درء ا لحدود بالشبهات ... 314
و- زنا النصرانية ... 314
ز- الحد كفارة لذنب من أقيم عليه عند علي ... 314
3- حد الخمر ... 315
أ- شرب الخمر في رمضان ... 315
ب- حكم الموت بإقامة حد الخمر ... 315
4- حد السرقة ... 316
أ- اشتراط الحرز ... 316
ب- سرقة ما فيه شبهة ملك ... 316
جـ- سرقة الحر ... 316
د- سرقة العبد مولاه ... 316
هـ- إثبات السرقة ... 316
و- كشف السارق قبل أن يسرق ... 317
ز- تكرار السرقة ... 317
ح- قطع اليد وتعليقها ... 317
ثالثاً: في القصاص والجنايات ... 318
أ- الاشتراك في القتل العمد ... 318
ب- من أمر عبده بالقتل ... 318
جـ- المقتول في الزحام ... 318
د- جناية السائق والقائد الراكب ... 318
هـ- ما أنشئت بتعد فأحدثت تلفا ... 319
و- الخطأ في الشهادة ... 319
ز- اشتراك جماعة في قتل بعضهم بعضا خطأ ... 320
ح- من استخدم صغيرا أو عبدا بغير إذن ... 320
ط- الفعل المعنوي ... 320
ى- جناية الطبيب ... 320
ك- الميت من القصاص والحد ... 320
ل- قاطع طريق ألقى القبض عليه ... 321
م- قاتل اعترف بالقتل لدفع التهمة عن متهم برئ ... 321
ن- امرأة قتلت زوجها يوم زفافها بحضور صديقها ... 322
س- بدل الإبل في دفع الدية، وكيف تدفع الدية؟ ... 322
ع- دية الكتابي ... 322
ف- دية الصلب ... 323
ص- عين الأعور ... 323
ق- دية الأصابع ... 323
رابعاً: التعزير ... 323
1- الضرب باليد ... 323(3/251)
2- الجلد دون الحد ... 324
3- التشهير ... 324
4- الحبس ... 324
5- التقييد في الحبس ... 324
6- الغمس في الأقذار ... 324
7- القتل ... 324
8- إتلاف أداة الجريمة وما يتابعها ... 324
المبحث الرابع: حجية قول الصحابي والخلفاء الراشدين ... 325
الفصل الخامس
مؤسسة الولاية في عهد أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب رضي الله عنه
المبحث الأول: أقاليم الدولة ... 332
أولاً: مكة المكرمة ... 332
ثانياً: المدينة المنورة ... 333
ثالثاً: ولاية البحرين وعمان ... 333
رابعاً: ولاية اليمن ... 334
خامساً: ولاية الشام ... 335
سادساً: ولاية الجزيرة ... 338
سابعاً: ولاية مصر ... 339
ثامناً: ولاية البصرة ... 349
تاسعاً: ولاية الكوفة ... 356
عاشراً: ولايات الشرق ... 357
1- فارس ... 357
2- خراسان ... 359
3- أذربيجان ... 360
المبحث الثاني: تعيين الولاة في عهد علي رضي الله عنه ... 362
أولاً: موقف علي من ولاة عثمان وتعيينه لأقاربه ... 362
1- موقف على من ولاة عثمان ... 362
2- تعيين أمير المؤمنين علي بعض أقاربه على الولايات ... 367
ثانياً: مراقبة أمير المؤمنين على لعماله وبعض توجيهاته ... 370
ثالثاً: الصلاحيات الممنوحة للولاة في عهد علي رضي الله عنه ... 372
1- تعيين الوزراء ... 372
2- تشكيل مجالس الشورى ... 373
3- إنشاء الجيش وتجهيزه ... 374
4- ترسيم السياسة الخارجية في مجال الحرب والسلم ... 375
5- الحفاظ على الأمن الداخلي ... 376
6- تشكيل الجهاز القضائي في الولاية ... 376
7- النفقات المالية ... 377
8- العمال التابعون للولاة ومتابعتهم ... 378
9- أصناف وطبقات المجتمع ... 380
10- التربية بالعقاب والثواب ... 381
11- دور العرفاء والنقباء في تثبيت نظام الولايات ... 382
رابعاً: من المفاهيم الإدراية عند أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ... 383(3/252)
1- التأكيد على العنصر البشري ... 383
2- عامل الخبرة والعلم ... 383
3- العلاقة بين الرئيس والمرءوس ... 384
4- مكافحة الجمود ... 385
5- الرقابة الواعية ... 385
6- التوظيف يتم عبر الضوابط وليس عبر الروابط الشخصية ... 385
7- الضبط ... 386
8- المشاركة في صنع القرار ... 386
9- حسن الاختيار لدي الوالي والضمانات المادية والنفسية لموظفي الدولة ... 387
10- مرافقة ذوي الخبرات ... 388
11- الإدارة الأبوية ... 388
الفصل السادس
معركتا الجمل وصفين وقضية التحكيم
المبحث الأول: الأحداث التي سبقت معركة الجمل ... 392
أولاً: أثر السبئية في إحداث الفتنة ... 393
1- السبئية حقيقة أم خيال: حقيقة عبد الله سبأ ... 393
2- دور عبد الله بن سبأ في تحريك الفتنة ... 397
ثانياً: اختلاف الصحابة في الطريقة التي يؤخذ بها القصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه ... 400
ثالثاً: خروج الزبير وطلحة وعائشة ومن معهم إلى البصرة للإصلاح ... 401
1- هل أكرهت السيدة عائشة على الخروج؟ ... 405
2- هل كانت متسلطة على من معها؟ ... 406
3- موقف أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من الخروج للطلب بدم عثمان ... 406
4- مرور السيدة عائشة على ماء الحوأب ... 408
5- أعمالهم في البصرة ... 410
6- مقتل حكيم بن جبلة ومن معه من الغوغاء ... 411
7- رسائل السيدة عائشة إلى الأمصار الأخرى ... 413
8- الخلاف بين عثمان بن حنيف وجيش عائشة والزبير وطلحة ... 413
رابعاً: خروج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى الكوفة ... 414
1- نصيحة عبد الله بن سلام لأمير المؤمنين علي ... 416
2- نصيحة الحسن بن على لوالده ... 416
3- استنفار أمير المؤمنين علي لأهل الكوفة من ذي قار ... 417
4- اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية ... 418
5- تساؤلات على الطريق ... 419
خامساً: محاولات الصلح ... 420
1- عمران بن حصين رضي الله عنه ... 420
2- كعب بن سور ... 420(3/253)
3- القعقاع بن عمرو التميمي ... 420
سادساً: نشوب القتال ... 422
1- دور السبئية في نشوب الحرب ... 422
2- الجولة الأولى في معركة الجمل ... 427
3- الجولة الثانية ... 429
4- عدد القتلى ... 431
5- هل يصح قتل مروان بن الحكم لطلحة بن عبيد الله؟ ... 433
6- نداء أمير المؤمنين بعد الحرب ... 433
7- تفقده للقتلى وترحمه عليهم ... 434
8- مبايعة أهل البصرة ... 434
9- حديث أبي بكرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا توجه المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار ... 435
10- تاريخ معركة الجمل ... 436
11- أفلا نكف عنهن وهن مسلمات ... 437
12- اعتذار أبي بكر الثقفي عن إمارة البصرة ... 437
13- موقف أمير المؤمنين على ممن ينال من عائشة ... 437
14-دفاع عمار بن ياسر عن أم المؤمنين عائشة ... 437
سابعاً: بين عائشة - أم المؤمنين- وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ... 437
ثامناً: سيرة الزبير بن العوام رضي الله عنه واستشهاده ... 450
تاسعاً: سيرة طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه واستشهاده ... 464
المبحث الثاني: معركة صفين ... 470
أولاً: تسلسل الأحداث التي قبل المعركة ... 470
1- أم حبيبة بنت أبي سفيان ترسل النعمان بن بشير بقميص عثمان إلى معاوية وأهل الشام ... 470
2- دوافع معاوية في عدم البيعة ... 471
3- معاوية يرد على أمير المؤمنين على رضي الله عنهما ... 472
4- تجهيز أمير المؤمنين علي لغزو الشام واعتراض الحسن على ذلك ... 472
5- بعد معركة الجمل، أرسل أمير المؤمنين على جرير بن عبد الله إلى معاوية ... 473
6- مسيرة أمير المؤمنين إلى الشام ... 474
7- خروج معاوية إلى صفين ... 474
8- القتال على الماء ... 476
9- الموادعة بينهما ومحاولات الصلح ... 477
ثانياً: نشوب القتال ... 478
1- اليوم الأول ... 478
2- اليوم الثاني ... 479
3- ليلة الهرير يوم الجمعة ... 481
4- الدعوة إلى التحكيم ... 482(3/254)
5- مقتل عمار بن ياسر رضي الله عنه وأثره على المسلمين ... 485
6- فهم العلماء للحديث ... 486
7- الرد على قول معاوية رضي الله عنه: إنما قلته من جاء به ... 488
8- من هو قاتل عمار بن ياسر؟ ... 489
9- المعاملة الكريمة أثناء الحرب والمواجهة ... 490
10- معاملة الأسرى ... 492
11- عدد القتلى ... 493
12- تفقد أمير المؤمنين على القتلى وترحمه عليهم ... 493
13- موقف لمعاوية مع ملك الروم ... 494
14- قصة باطلة في حق عمرو بن العاص بصفين ... 494
15- مرور أمير المؤمنين علي بالمقابر بعد رجوعه من صفين ... 495
16- إصرار قتلة عثمان رضي الله عنه على أن تستمر المعركة ... 496
17- نهي أمير المؤمنين على عن شتم معاوية ولعن أهل الشام ... 496
المبحث الثالث: التحكيم ... 497
أولاً: سيرة أبي موسى الأشعري ... 498
ثانياً: سيرة عمرو بن العاص رضي الله عنه ... 505
ثالثاً: نص وثيقة التحيكم ... 512
رابعاً: قصة التحكيم المشهورة وبطلانها من وجوه ... 514
خامساً: هل يمكن الاستفادة من حادثة التحكيم في فض النزاعات بين الدول الإسلامية ... 522
سادساً: موقف أهل السنة من تلك الحروب ... 524
سابعاً: التحذير من بعض الكتب التي شوهت تاريخ الصحابة ... 528
1- الإمامة والسياسة المنسوب لابن قتيبة ... 528
2- نهج البلاغة ... 530
3- كتاب الأغاني للأصفهاني ... 532
4- تاريخ اليعقوبي ... 533
5- مروج الذهب ... 534
ثامناً: الاستشراق والتاريخ الإسلامي ... 535
الفصل السابع
موقف أمير المؤمنين على من الخوارج والشيعة
المبحث الأول: الخوارج ... 540
أولاً: نشأة الخوارج والتعريف بهم ... 540
ثانياً: ذكر الأحاديث التي تتضمن ذم الخوارج ... 543
ثالثاً: انحياز الخوارج إلى حروراء ومناظرة ابن عباس لهم ... 547(3/255)
رابعاً: خروج أمير المؤمنين لمناظرة الخوارج وسياسته في التعامل معهم بعد رجوعهم للكوفة ثم خروجهم من جديد ... 550
خامساً: معركة النهروان ... 554
سادساً: من الآثار الفقهية من معارك أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ... 560
سابعاً: من أهم صفات الخوارج ... 564
1- الغلو في الدين ... 564
2- الجهل في الدين ... 565
3- شق عصا الطاعة ... 565
4- التكفير بالذنوب واستحلال دماء المسلمين وأموالهم ... 567
5- تجويزهم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لا يجوز في حقه كالجور ... 568
6- الطعن والتضليل ... 568
7- سوء الظن ... 568
8- الشدة على المسلمين ... 569
أهم مظاهر الغلو في العصر الحديث ... 569
1- التشدد في الدين على النفس والتعسير على الآخرين ... 569
2- التعالي والغرور وما يؤدي إليه من تصدر الأحداث ... 569
3- الاستبداد بالرأي وتجهيل الآخرين ... 570
4- الطعن في العلماء العاملين ... 571
5- سوء الظن ... 573
6- الشدة والعنف مع الآخرين ... 574
المبحث الثاني: أمير المؤمنين على وفكر الشيعة ... 577
أولاً: الشيعة في اللغة والاصطلاح، والرفض في اللغة والاصطلاح ... 577
ثانياً: نشأة الشيعة الرافضة وبيان دور اليهود في نشأتهم ... 582
ثالثاً: المراحل التي مرت بها الشيعة الرافضة ... 587
المبحث الثالث: من أهم عقائد الشيعة الرافضة (الإمامية) ... 591
أولاً: منزلة الإمامة عندهم وحكم من جحدها ... 592
ثانياً: العصمة عند الشيعة الرافضة ... 601
ثالثاً: النص من شروط الإمامة عند الشيعة الإمامية الاثنى عشرية ... 618
-ما يحتج به الاثنا عشرية من أمر تحديد الأئمة بما جاء في كتاب السنة: ... 625
- أدلتهم من القرآن على النص ... 626
1- آية الولاية ... 627
2- آية المباهلة ... 631
3- قوله تعالى {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} ... 634
- أدلتهم من السنة ... 635
1- خطبة غدير خم ... 635(3/256)
2- حديث استخلاف على رضي الله عنه على المدينة في تبوك ... 635
بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي يستدلون بها في الإمامة ... 642
1- حديث الطائر ... 647
2- حديث الدار ... 648
3- حديث: أنا مدينة العلم وعلى بابها وأحاديث أخرى موضوعة ... 650
رابعًا:التوحيد والشيعة الاثنا عشرية ... 651
1- نصوص التوحيد جعلوها في ولاية الأئمة ... 652
2- الولاية أصل قبول الأعمال عندهم ... 654
3- اعتقادهم أن الأئمة هم الواسطة بين الله وخلقه ... 655
أ- قولهم: لا هداية للناس إلا بالأئمة ... 655
ب- قولهم: لا يقبل الدعاء إلا بأسماء الأئمة ... 656
جـ- إن الحج إلى المشاهد أعظم من الحج إلى بيت الله ... 657
4- قولهم: إن الإمام يحرم ما يشاء ويحل ما يشاء ... 659
5- قولهم: بأن الدنيا والآخرة كلها للإمام يتصرف بهما كيف يشاء ... 660
6- إسناد الحوادث الكونية إلى الأئمة ... 661
7- الجزء الإلهي الذي حل في الأئمة ... 661
8- قولهم: إن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم شيء ... 662
9- الغلو في الإثبات (التجسيم) ... 668
10- التعطيل عندهم ... 669
أ- مسألة خلق القرآن ... 671
ب- مسألة الرؤية ... 673
11- تفضيلهم الأئمة على الأنبياء والرسل ... 675
خامسًا:موقف الشيعة الأمامية من القرآن الكريم ... 677
1- اعتقاد بعضهم في تحريف كتاب الله عز وجل والرد عليهم ... 677
2- اعتقادهم أن القرآن ليس حجة إلا بقيم ... 686
3- اعتقادهم بأن للقرآن معاني باطنة تخالف الظاهر ... 691
سادسًا: موقف الشيعة الأمامية من الصحابة الكرام ... 695
1- نماذج للمزاجية في تفسير الآيات عند الشيعة الرافضة المتعلقة بردة الصحابة - على حد زعمهم - والرد على باطلهم ... 698
أ- آية آل عمران ... 398
ب- آية سورة المائدة ... 700
جـ- آية سورة التوبة ... 701
د- حديث المذادة على الحوض ... 703(3/257)
2- عدالة الصحابة رضي الله عنهم ... 707
3- وجوب محبتهم والدعاء والاستغفار لهم ... 713
4- تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم في الكتاب والسنة ... 714
5- حب أمير المؤمنين على وأبنائه الصحابة ... 716
سابعًا: موقف الشيعة من السنة النبوية ... 718
ثامنًا:التقية عند الشيعة ... 724
تاسعًا: المهدي المنتظر بين الشيعة والسنة ... 730
1- عقيدة المهدي المنتظر عن الشيعة ... 730
2- عقيدة أهل السنة والجماعة في المهدي ... 733
عاشرًا: عقيدة الرجعة عند الشيعة الرافضة ... 736
الحادي عشر: قولهم بالبداء على الله سبحانه وتعالى ... 738
الثاني عشر: موقف أهل البيت من الشيعة الرافضة ... 741
الثالث عشر: وجهة نظر التقريب بين أهل السنة والشيعة ... 744
1- مؤامرة ابن العلقمى الرافضي في إسقاط بغداد 656هـ ... 745
2- الدولة الصفوية ... 747
3- من التجارب المعاصرة في التقريب ... 748
أ- تجربة مصطفى السباعي ... 748
ب- تجربة الشيخ موسى جار الله ... 749
4- المنهج السليم للتقريب ... 752
المبحث الثالث: الأيام الأخيرة في حياة أمير المؤمنين على بن أبى طالب واستشهاده، رضي الله عنه ... 757
أولاً: في أعقاب النهروان ... 757
ثانيًا: استنهاض أمير المؤمنين على همة جيشه ثم الهدنة مع معاوية ... 759
ثالثًا: دعاء أمير المؤمنين على الله عز وجل أن يعجل له بالشهادة ... 762
رابعًا: علم أمير المؤمنين بأنه سيستشهد ... 763
خامسًا: استشهاد أمير المؤمنين على رضي الله عنه وما فيه من دروس وعبر وفوائد ... 764
1- اجتماع المتآمرين ... 765
2- خروج ابن ملجم ولقاؤه بقطام ابنة الشجنة ... 765
3- محمد ابن الحنفية يروى قصة مقتل أمير المؤمنين على ... 766
4- وصية الطبيب لعلي وميل أمير المؤمنين للشورى ... 767
5- وصية أمير المؤمنين على لأولاده الحسن والحسين رضي الله عنهم ... 767(3/258)
6- نهى أمير المؤمنين على عن المثلة بقاتله ... 769
7- مدة خلافة أمير المؤمنين على، وموضع قبره وسنه يوم قتل ... 771
8- خطبة الحسن بن على رضي الله عنهما بعد مقتل أبيه ... 772
9- سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه يثنى على علي رضي الله عنه ... 773
10- عبد الله بن عمر يثنى على علي بن أبى طالب رضي الله عنه ... 773
11- استقبال معاوية خبر مقتل على رضي الله عنه ... 773
12- ما قاله الحسن البصري - رحمه الله - ... 774
13- ما قاله أحمد بن حنبل في خلافة على رضي الله عنه ... 774
14- براءة الأشعت بن قيس من دم على رضي الله عنه ... 775
15- خطورة الفرق الضالة والفرق المنحرفة على المسلمين ... 775
16- الحقد الدفين الذي امتلأت به قلوب الحاقدين من الخوارج على المؤمنين الصادقين ... 776
17- تأثير البيئة الفاسدة على أصحابها ... 776
سادسًا: ما قيل في أمير المؤمنين على رضي الله عنه رثاء ... 777
1- ما قاله أبو الأسود الدؤلى وقال ابن عبد البر: وأكثرهم يرويها لأم الهيثم بنت العريان النخعية ... 777
2- ما قاله إسماعيل بن محمد الحميري من شعر ... 778
3- ما قاله بكر بن حماد التاهرتى ردًا على شاعر الخوارج عمران بن حطان ... 779
الخاتمة ... 782
فهرس للأحاديث الضعيفة والموضوعة في أمير المؤمنين على ... 786
أهم المصادر والمراجع ... 790
فهرس الكتاب ... 815(3/259)