الحمد لله الذي رفع أهل العلم والإيمان درجات، والصلاة والسلام على أزكى الخلق وأشرف البريات، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أولي الفضائل والكرامات.
أما بعد:
فإن وظيفة العلم أشرف الأعمال قدراً، وأسماها منزلة، وأرحبها أفقاً، وأثقلها تبعة، وأوثقها عهداً، وأعظمها عند الله أجراً.
وإن العلماء هم ورَّاثُ الأنبياءِ، الآخذون بأهم تكاليف النبوة، وهي الدعوة إلى الله، وتوجيه خلقه إليه، وتزكيتهم بالعلم، وترويضهم على الحق؛ حتى يفهموه، ويقبلوه، ويعملوا به، ويعملوا له.
هذا وإن سير العظماء من الرجال لمن أعظم ما يبعث الهمة، ويقدح زندها، ويذكي أُوَارها؛ ذلك أن حياة أولئك تتمثل أمام القارئ، وتوحي إليه بالاقتداء بهم، والسير على منوالهم.
وكثيراً ما دفع الناس إلى العمل الجليل حكايةٌ قرؤوها عن رجل عظيم، أو حادثة رويت عنه.
والحديث في هذا الكتاب سيتناول جوانب من سيرة الإمام القدوة العلامة بقية السلف، وشيخ الإسلام، ومفتي المسلمين سماحة والدنا وشيخنا أبي عبدالله، الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز×.
ذلك البحر الخِضَمُّ، والطود الأشم، الذي بَعُدَ صيتُه وتناهى فضله، وكمل سؤدده.
ذلك الإمام الذي قل أن يوجد له نظير، والذي قل أن تند عنه خصلة من خصال الخير؛ فلقد جمع الله له من حميد الخلال، وكريم الخصال مالم يجمع لغيره إلا في القليل النادر على مر الأزمان.
ماذ يقول الواصفون له
وصفاته جلَّت عن الحصر
علم في حلم، وحزم في عزم، وتواضع في شَمم، وغيرة على الحق لا تكفكفها رغبةٌ في مدحٍ، أو حذرٌ من ذم، ووضاءة أخلاق في متانة دين، وبراعة بيان في صدق يقين، وعزة نفس في سخاوة طبع، حتى لكأن البحتري يعنيه بقوله:
فلك الفضائل من فنون محاسنٍ
بيضاً لأفراط الخلاف وشيما
جُمِعَتْ عليك وللأنام مفرقٌ
منها فأفراد قُسِمْنَ وتوما
ما نال ليثُ الغابِ إلا بعضَها
حتى رعى مُهَجَ النفوسِ جميما
شاركته في البأس ثم فَضَلْتَهُ
بالجود محقوقاً بذاك زعيما(1/1)
وإذا اجتمعت تلك الخصال في شخص ما_فاعلم أن وراء ذلك عظمة؛ فانسج بعد ذلك من برود الثناء ما شئت دونما شطط، ثم أهدها لتلك العظمة الحقة.
ولئن كان أكثر العظماء يتوهج في مقتبل عمره ثم يذوي بعد ذلك ويذبل_فإن شيخنا×لا تطّرد هذه القاعدة في حقه.
بل هو كالعود الهندي لا يزيده تقادم الأيام إلا زكاءً وطيباً، وكمالاً، وجلالاً؛ فمآثره تتجدد، وهمته تعلو وتسمو، وذاكرته تقوى وتزداد سنة بعد سنة، وتضلعه بالمسؤوليات، وقيامه بالتبعات يتضاعف يوماً بعد يوم، وأياديه البيضاء تَسِحُّ بالعطاء إثر العطاء، وعلمه يزدان ويزداد، والثقة به، والقبول له بازدياد واطراد؛ فبقي حاضراً متوهجاً، معطاءً حتى آخر لحظة من عمره.
الله أكبر! عبادة لله حتى اليقين، وحياة عامرة بالعمل المجيد حتى طويت كطيِّ السجل للكتب.
تلك حياة فقيد الأمة الذي سكنت أنفاسه، وحسامه مُخَضَّب بدم الجهاد في سبيل الحق؛ فلم يمُتْ على فراشه ملقي السلاح كما يموت ضعيف العزيمة مزلزل الإيمان.
بل لقد كان لسانه بالحق قوَّالاً، وعزمه في دحض الباطل صوّالاً، وفكره في هموم الأمة ومصالحها جوَّالاً.
وبعد أن رحل عن الدنيا أبقى لنا سيرة غراء، وذكراً أطيب من ريح المسك.
فذٌّ عزيزُ المِثل جوهرُه
زاكٍ كأنفاس الشذَّا بَرُّ
غالٍ على المُهَجات حاليةٌ
بجهاده الآثارُ والعُصْرُ
مُتفَرِّدٌ بخلائقٍ غُرَرٍ
بجمالها يتفاخر الفخرُ
في كل صالحة له خبرٌ
ولكل محمدة له صُوْرُ
صافٍ كماء المزن ظاهره
كضميره وكسرِّه الجهر
عَلَمٌ على الذُّرُوات رفَّ كما
رف السنا وتلامح النُّوْر
العلمُ ملءُ جنانه دُفَقٌ
والعقل خلف لسانه وَقْرُ
تتألق الفصحى على فمه
زهواً كما يتألق البدرُ
عالٍ على الأهواء مُتِّشِحٌ
بِحِجَاً له في لمحه غوْرُ
مصباحه الفرقان يتبعه
أنى أشارات آيُهُ الزُّهْرُ
ينحو ويسلك ما تفهَّمه
منه النبيُّ وصحبه الغُرُّ
ويقيم من مالوا به جنفاً
حتى يثوب إلى الهدى الصُعْرُ(1/2)
كم نزَّه الإسلام من بدعٍ
قد باضها الشيطان والكفرُ
مقبوحةٍ شوهاء شاه بهاً
وجه الهدى وتلوث الطهرُ
كان الحكيمَ الطَّبَّ بلْسَمُهُ
رفق الحديث وفقههُ البحرُ
أدبُ النبوة ما تنخَّلَهُ
والحكمةُ الزهراءُ واليسرُ
بلغ المدى واليسرُ يبلغ ما
يعيا ببعض طِلابِهِ العسرُ
نظراته لطفٌ وبسمتهُ
رُحْمى وعَذْبُ حديثه نَشْرُ
خلع الحياءُ عليه بَهْجَتَه
وله جلال السِّنِّ والقدْرُ
أبقيةَ السلف الكرام زهت
بجلالك الحرمات والذكرُ
عذراً إليك فقد وهى جلدي
وخبت قواي وخانني الصبرُ
ما بعد روحي ما أذوِّبه
ياليت شعري هل وفى العذرُ(1)
ولنا بعد ذلك أن نتساءل: ما سر هذه العظمة ؟ وما سر تلك المحبة التي تملكت القلوب، وتخللت مسلك الروح من الناس ؟
والجواب: أن ذلك يرجع لمحض فضل الله_عز وجل_حيث وهب الإمام مواهب فطرية عظيمة، وجبله على سجايا وخصال عديدة حميدة.
وتلك المواهب والسجايا والخصال غُذِّيت بلَبان العلم والإيمان، ومزجت بإكسير الإخلاص والتقوى؛ فآتت أُكلها ضعفين.
ويرجع ذلك_أيضاً_إلى جدِّ الإمام وتشميره، واقتدائه بسلفه الصالح، ومن اقتدى بأولئك السَّرَاة صار للمتقين إماماً؛ فاقتدى به من معه، ومن بعده.
وسرٌّ بديع يتمثل بقول الله: [إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدّاً] مريم: 96.
وقول النبي": =إذا أحب الله عبداً أوحى إلى جبريل أني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل بأهل السماء: أن الله يحب فلاناً فأحبوه؛ فيحبه أهل السماء، ثم يطرح له القبول في الأرض+.
وإذا أحب الله يوماً عبده
ألقى عليه محبة في الناس
وسرٌّ آخر، ألا وهو بذل الإمام نفسه، ووقته، وماله، وعلمه، وراحته في سبيل نشر الخير، ونفع الناس، مبتغياً بذلك وجه الله.(1/3)
وبعد فلقد كان لنا في حياة الإمام عظات، ولنا_أيضاً_في موته عظات، وإن أعظم موعظة نأخذها أن ندرك أنْ ليس للإنسان إلا ما سعى، وأنه لا ينفع الإنسان إلا ما قدمه من أعمال صالحات، ومآثر خيِّرات، وأن نستحضر أن العلم والإيمان يرفعان صاحبهما عند الله وعند خلقه درجات.
وإن كنا محبين للإمام معجبين بسيرته_فلتلهج ألسنتنا بالدعاء له، ولنتخذ من سيرته نبراساً نسير عليه؛ فهو لم يصل إلى ما وصل إليه إلا باقتدائه بمن سبقه من سلفه الصالح؛ وعلى رأسهم_رسول الله".
لقد مات الرسم، وبقى الاسم، واتفق الودود والكنود على الفضل والعلم.
لقد بكى الإمامَ الكبيرُ والصغيرُ، والغني والفقير، والمأمور والأمير، والرجال والنساء، والموافق والمخالف.
وتبكيه مشاهد كانت بوجوده مشهودة، ومعاهد كانت في ظلال رعايته وتعهده عليها ممدودة، ومساجد كانت بعلومه ومواعظه معمورة، ومدارس كانت بفيضه الزاخر ونوره الزاهر مغموره، ومجالس كان حاديَ زمرها إلى العلم، وقائد نزاعها إلى الإحسان والسلم.
لقد بكته الأمة التي أراد رشادها، وقوَّم منآدَها، وأصلح فسادها، وملك بالاستحقاق قيادها، وحملها على المَعْلم الواضح والعَلَم اللائح حتى أبلغها سدادها.
ولقد بكته أمم شَبَّت على يديه، وتربت تحت رعايته، ونهلت من علمه، وقبست من فضله.
ولقد بكاه الفقراء و المعوزون، وطالبو الشفاعات والمساكين الذين كانوا يحتمون بِطِرافه السامي الذُّرا، ويأوون إلى حرمه الذي لا يضهد؛ فيلقون القلب الرحيم الذي يحنو عليهم حنوَّ المرضعات على الفطيم.
وبكته ساحات الجهاد؛ حيث فقدت نصيحها، ونصيرَها، ورابطَ جأشِها، ومقويَ عزائمها، والحريص على جمع كلمتها، ورأب صدعها.
وما مَثُلُ مَنْ بُلوا بفقد الإمام إلا كالمدلجين يطلع عليهم القمر ساطعاً، فيستبينون به أعلام الطريق رشداً، حتى إذا ازدهتهم طلعتُه، وتدفقت حولهم أشعتُه_توارى بالحجاب فإذا هم مظلمون.(1/4)
أجَلْ لقد ذهب ذلك الأمل المروِّح عن القلب، وأصبحت الذكريات تبعث الحسرات فتجعلها ركاماً.
وهل بالوسع نسيان الشيخ الإمام ؟ وهل تغيب ذكراه عن قلب كل محب له ؟ وهل يسلاه من رآه، أو جالسه، أو سمعه، أو سمع به ؟
إن ذكراه لتتجدد بكل مناسبة، وإنها لتتمثل بكل سبيل؛ فماذا نقول ؟ وماذا ندع ؟
=أهمية هذه الرواية+
هذا الكتاب الذي بين يديك_أيها القارئ الكريم_إنما هو رواية لجوانب من سيرة الإمام المجدد عبدالعزيز بن باز×.
وتأتي أهمية هذه الرواية لأمور عديدة منها:
1_ أنها تتحدث عن سيرة لإمام دنت له قطوف العلوم، ودانت له نواصي الحكمة؛ فهو أمة في الخير، وقدوة في الهدى والتقى.
2_ أن جوانب العظمة في سيرة هذا الإمام لا تكاد تحصى كثرةً_كما مر_مما يجعل هذه السيرة ميداناً فسيحاً لمن أراد التأسي والاقتداء؛ فالرئيس يجد فيها بغيته، والعالم يجد فيها ضالته، والوالد والمربي، والقاضي، والعامي، والعابد، ونحوهم كل يجد في هذه السيرة ما قد يكون سبباً في فلاحه.
3_ أنها تمثل صورة حية للإسلام الصحيح، والاقتداء بسيد المرسلين، وسلف هذه الأمة الصالح.
4_ أن صاحب هذه السيرة عاش عمراً مديداً، وشاهد أحوالاً متباينة، وعاصر طبقات إثر طبقات، ومع ذلك أثَّر وأثرى، وأفاد وأجاد، وامتاز بحسن التعامل مع المتغيرات، واختلاف الطبقات.
5_ أن هذه الرواية تحمل في طياتها لفتاتٍ تربويةً عمليةً عظيمة(2).
6_ أن صاحبها رجل عاش بين أظهرنا، ورحل من بيننا منذ وقت قريب؛ فهو ممن عاش في القرون المتأخرة؛ ومع ذلك نال مانال من مجد، وفضل، وسؤدد؛ مما يجعل صدى هذه السيرة أوسع، وتأثيرها في النفوس أوقع؛ لأن مِنَ الناس مَنْ إذا حُدِّثَ عن السلف ومآثرهم قال: أين نحن من أولئك فـ:
لا تعرضن بذكرهم مع ذكرنا
ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد(1/5)
فإذا شاهد هذا الإمام وقد تحلى بما تحلى به، وقبس من سيرة السلف ما قد قبس_كان ذلك داعيةً إلى السعي في الكمال، وطرد شبح اليأس من القلوب.
7_ المكانة العالية التي يحتلها سماحة الإمام الشيخ عبدالعزيز في نفوس المسلمين؛ فلقد كان ملء أسماعهم، وأبصارهم، وقد تجلت تلك المكانة إبَّان موته؛ حيث زلزل ذلك الخطبُ القلوب، وهز القاصي والداني؛ فالمصيبة بفقده ليست من نوع المصائب المعهودة التي يَقْتَصِرُ أثر الحزن فيها على الأهل، والأصدقاء، وأهل البلد فحسب؛ بل إن المصيبة بفقده تجاوزت ذلك؛ فتناولت البلدان الإسلامية، وسائر العواصم الكبرى، بل تغلغلت في شتى بقاع الأرض؛ فقلَّ أن يوجد رئيس، أو حاكم، أو كاتب، أو عالم، في سائر بقاع الأرض لم يعرف الفقيد، أولم يسمع باسمه الكريم، ومزاياهُ العظيمةِ، وقل أن توجد إذاعة أو مؤسسة إعلامية لم تذع خبر وفاته.
حقاً إن المصيبة به عظيمة، والخطب بفقده أليم، وليس من بلدة هي أحق بالتصبر من أي بلدة أخرى في عامة الأقطار.
ولقد شهد الناس بأم أعينهم كأن سحابة حزن سوداء غشيت عِلْيَةَ القوم، وصغارهم؛ فاشترك في تجرع المصاب به كل من عرف فضله من الحكام، والأمراء، والوزراء، والعلماء، والتجار، والوجهاء، والفقراء، والنساء، والأطفال، وأهل الحرف، بل لقد أصبح في شغل عن السَّفَرِ السَّفْرُ يوم وفاته، واجتمع أمة لا يكاد يحصى عددها لتشييع جنازته.
وبعد موته انطلقت الأعين بالدموع عليه، والألسنة بذكره والدعاء له، ومكثت الصحف ووسائل الإعلام مدة طويلة تكتب عنه، ونظمت القصائد تلو القصائد في رثائه، وذكر محاسنه، وصارت التعازي تتوافد من قريب ومن بعيد فيه؛ وأصبح كل محب له مُعزٍّ به، ومُعَزَّىً به.(1/6)
وهذا كله ترجمة لما تكنِّه النفوس من الاعتراف بفضله، وعلمه، وتقواه، وذلك يضفي أهمية على دراسة سيرته؛ فعلى قدر مكانة الإنسان، وشهرته يعظم الاقتداء به، وتلح الرغبة في سماع الحديث عنه؛ فلا ينبغي أن نقف عند مجرد وصفه وذكر مآثره، بل ينبغي أن نتجاوز ذلك إلى الاقتداء به، والتخلق بأخلاقه.
8_ أن راوي هذه السيرة_وهو الشيخ محمد الموسى حفظه الله_رجل عاصر سماحة الشيخ الإمام عبدالعزيز×حيث عرفه منذ زمن بعيد، وشاهده عن كثب، ولازمه كظله، وعاش معه في سرائه، وضرائه، وصحته، و مرضه، وسفره وحضره، وفي عمله، وفي منزله، وعرفه في عبادته وفي دعابته، وفي شتى أحواله، وسائر تصرفاته، وتعاملاته.
كما أنه سمع الكثير عن الإمام، إلا أنه رأى وسمع منه أكثر مما سمع عنه، بل لقد كان موضع ثقة الإمام، ومحل تقديره، وهذا مما يجلي أهمية هذه الرواية.
9_ أن هذه الرواية تحتوي على جوانب كثيرة من سيرة سماحة الشيخ، وأكثر ما في هذه الرواية من أخبار، وأحداث، وقصص، ومكاتبات، وإملاءات، ونحوها لم ينشر قبل ذلك في كتاب أو ترجمة لسماحة الشيخ×.
=دوافع كتابة هذه الرواية+
أما دوافع كتابة هذه الرواية فهي أن راوي هذه السيرة هو صاحب الفضيلة الشيخ محمد بن موسى الموسى، وفضيلته من خاصة الأحبة، وهو من أهالي الزلفي_كما سيأتي في ترجمته_وكنا نلتقي كثيراً في مجالس خاصة وعامة، إما في الزلفي إذا أتى الشيخ محمد لزيارة أقاربه، أو في الرياض، أو في مكة، أو في الطائف إذا يسَّر الله زيارة سماحة الشيخ عبدالعزيز×.
وكانت مجالسنا لا تكاد تخلو من الحديث عن سماحة الشيخ الإمام، بل كانت سيرته في كثير من المجالس هي محورَ الحديث، بل ربما انقضى المجلس بِرُمَّته في حديث عن مآثر سماحة الشيخ، وأخباره، فكانت تلك المجالس تَتَضَوَّع بذكره، والحديث عن سيرته.(1/7)
ومما كان يلحظ جلياً على من حضر تلك المجالس أنه يبدو عليه الارتياح، والأنس، والتأثر، والاشتياق إلى سماع مزيد من الحديث عن سماحة الشيخ عبدالعزيز×.
وكان كثير ممن يحضرون تلك المجالس على اختلاف طبقاتهم، وتوجهاتهم يتمنون أن تُدَوَّن تلك السيرة؛ خوفاً من ضياعها، ورغبة في عموم النفع بها.
وبعد وفاة سماحة الإمام عظُمت الرغبة، وتوجه الكثير من محبي سماحته إلى الشيخ محمد الموسى_حفظه الله_مقترحين عليه أن يكتب عن سماحته؛ فكان يعتذر بكثرة ارتباطاته، وقلة تفرغه للكتابة، وخشيته ألا يوفي الشيخ الإمام حقه، ولأنه لم يكن يعتني كثيراً بالكتابة عن سماحة الشيخ إبَّان حياته؛ لارتباطه الوثيق بسماحته، ولضيق الوقت عن الكتابة، ولكثرة من كتب عن سماحته، ولكثرة المواقف الجديرة بالتدوين مما يسبب صعوبة حصرها، ولأنه كان يقول: لعلي أتذكرها إذا أردتها.
وفي ليلة العاشر من شهر شوال عام 1420هـ كنت في مجلس مع الشيخ محمد الموسى_حفظه الله_فاقترحت عليه أن يدوِّن ما يعرفه من سيرة الشيخ الإمام، وقلت له: إن ما لا يدرك كله لا يترك كله، وإن هذا من أقل حقوق الإمام على من عرفه، وإن الناس بحاجة إلى هذه السيرة، وإن الكتابة في هذا الصدد سيحصل بها نفع عظيم؛ فوافق الشيخ محمد على ذلك، وبدأت أذكِّره ببعض ما سمعته منه، وبدأ يتذكر ما علق بذهنه، ويجمع ما دوّنه وما لديه من أوراق عن سماحة الشيخ.
وبعد ذلك بدأنا في الكتابة، وصار الموضوع يتسع إثر كل لقاء أو مهاتفة إلى أن صار_كما ترى_.
=مجمل ما ورد في هذه الرواية +
هذه الرواية تمثل صورة صادقة لحياة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز×فهي تصور أخلاقه وعلمه، وعبادته، ودعابته، وحاله في الصحة، والمرض، والحضر، والسفر، ومواقفه الرائعة، وقصصه المؤثرة، وأياديه البيضاء، وأعماله الجليلة، ومآثره الخالدة، ومنهجه في التعامل مع الناس على اختلاف طبقاتهم.(1/8)
كما أنها تحتوي على أخبار، وإملاءات، ومكاتبات نادرة تلقي الضوء على جوانب مضيئة من تلك السيرة الغراء.
إلى غير ذلك مما ستجده في هذه الرواية.
والحقيقة أن الذي يكتب عن سماحة الإمام×لن يسلم من أحد اثنين:
أما أحدهما فعارف بالإمام، سابر لأحواله، مطلع عليه عن كثب؛ فهذا لن تذهب به الغرابة بعيداً، بل ربما يلوم على التقصير في إيفاء الشيخ حقه.
وأما الآخر فجاهل بالإمام الشيخ، بعيد عنه؛ فلذا قد يرى أن فيما يقرؤه شيئاً من المغالاة أو المبالغة؛ فلا هذا يلام، ولا ذاك يلام.
والعجيب في الأمر أن كثيراً ممن يسمع بهم الإنسان ثم يراهم يرى أنهم أقل مما سمع؛ لفضل المغيب على المشهد.
أما سماحة الشيخ×فإنك تسمع عنه العجب، فإذا رأيته، وسبرت حاله عن قرب رأيت منه فوق ما سمعت عنه.
وإن مما يحيِّر في كتابة هذه الرواية أن مواقف سماحته، وقصصه، وأخباره، ومكاتباته كثيره جدَّاً، وإذا أَرَدْتَ وضعها تحت عنوانات تلائمها، فإنك تحار كثيراً؛ إذ أن أكثر تلك الجوانب صالح لأن يوضع تحت أكثرَ من عنوان؛ فمثلاً تواضعه، وزهده، وكرمه، وحبه للفقراء يتداخل بعضها في بعض؛ لذلك فإن ما تحت العنوانات من حديث أو مواقف عن سماحته إنما هو نسبي تقريبي يخدم بعضه بعضاً.
= عمل مُعِدِّ هذه الرواية +
وعمل المعد لهذه الرواية يكاد ينحصر في كتابة هذه المقدمة، وفي ترجمة الراوي، وفي جمع المادة من راويها، واختيار العنوانات، وإعادة الصياغة، والإشراف على الطبع، والتصحيح.
أما مادة الرواية ومضمونها فهي مأخوذة من راويها الشيخ محمد الموسى إما مشافهة، أو إملاء، أو كتابة.
وبعد أن تم إعداد الرواية عُرِضت على فضيلة الشيخ محمد الموسى؛ للتأكد مما احتوته، فأجازها_جزاه الله خيراً_.
وقبل الدخول في صلب الرواية إليك أيها القارئ الكريم ترجمة مختصرة عن راويها؛ وبعد ذلك ننتقل إلى الرواية وما تحتوية من سيرة الإمام عبدالعزيز×.(1/9)
وبعد ذلك فما تراه في هذا الكتاب إنما هو عمل بشر، وعمل البشر صفته النقص؛ فإن كان لديك_أيها القارئ الكريم_استدراك، أو ملحوظة_فأتحف بها إخوانك؛ ليأخذوا بها، أو يتلافوها في طبعة أخرى، والله المستعان، وعليه التكلان.
وأخيراً نسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن ينفع بهذا العمل، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، ونسأله_عز وجل_أن يغفر للإمام عبدالعزيز بن باز، وأن يجزيه عن أمة الإسلام خير الجزاء، وأن يجبر مصيبتنا بفقده، وأن يعوض أمة الإسلام خيراً، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
كما نسأله_عز وجل_أن يجزي راوي هذه السيرة خير الجزاء على تفضله بروايتها، وأن يجعل ذلك في ميزان حسناته يوم يلقاه، وأن يعظم له الأجر والمثوبة على ما قام به من خدمة سماحة الشيخ، ومحبته له، وحرصه على تيسير أموره.
كما أسأله_عز وجل_أن يضاعف الجزاء لكل من أعان على إخراج هذا الكتاب، مشورة، وتصحيحاً، ومراجعة، وما إلى ذلك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه
محمد بن إبراهيم الحمد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام
محمد بن سعود الإسلامية _ فرع القصيم
الزلفي 19/6/1422هـ
ص.ب: 460
www.toislam.net
لعل من حق القارئ الكريم أن يقف على ترجمة الراوي، وإن كان الراوي لا يرضى بأن يترجم له، بل إنه رفض ذلك بحجة أنه لا يستحق أن يترجم له؛ إذ هي عادته في تواضعه في اهتضام نفسه.
ولكن الترجمة_كما مر_من حق القارئ، وهي_أيضاً_من أقل حقوق الراوي؛ فهو أهل للفضل، وحريٌّ بأن يترجم له.
فالراوي: هو أبو عبدالله محمد بن موسى بن عبدالله الموسى من قبيلة الدواسر.
ولد في مدينة الزلفي عام 1366هـ كما هو مثبت في الحفيظة، وربما تكون ولادته قبل ذلك بحكم أن الناس آنذاك لا يقيدون تاريخ الولادة.(1/10)
وقد ولد في بيت فضل وصلاح وتقى، وقد تربى في كنف والديه، وتعلم القرآن الكريم على يد والدته_رحمها الله_إذ كانت امرأة صالحة عابدة مجيدة للقرآن الكريم، فتعلم القرآن عليها، وعلى يد والدهرحمهما الله_وعلى أخيه الشيخ عبدالله.
وكان الناس آنذاك يعيشون عيشة الشظف، فكان الشيخ محمد مشغولاً بطلب الرزق، وبالعمل في مصالح والده التي تدور حول الرعي، وبعض الزراعة، وما شاكل ذلك.
وفي عام 1380هـ سافر إلى الرياض لطلب الرزق، فاشتغل ببعض الأعمال الخاصة، وفي عام 1382هـ التحق بدار العلم في القسم الليلي، فكان يعمل في النهار ويدرس في الليل، وكان يَدْرُس_زيادة على ذلك_في فصل خاص بدار العلم حيث كان يَدْرُس فيه الحديث، والتوحيد، والفقه، والفرائض، والنحو والحساب.
وقد تَعَرَّف في تلك الفترة على الشيخ العلامة عبدالرحمن بن محمد الدوسري إذ كان الشيخ محمد يعمل عند آلِ يحيى، وآلُ يحيى، أخوال الشيخ عبدالرحمن؛ فكان الشيخ عبدالرحمن×يتردد على أخواله ويغشى مجالسهم، ويحجُّ معهم.
وممن كان يُدَرِّس في دار العلم آنذاك صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين، وفضيلة الشيخ سعود الشثري×.
واستمر في دار العلم مدة أربع سنوات وبعد ذلك بفترة التحق بالابتدائية بعد اجتياز امتحان أقامته له لجنة من المدرسة، وبعدها أدخل في عداد طلاب السنة السادسة.
وفي عام 1390هـ التحق بمعهد الرياض العلمي وكان كبيراً بالنسبة لطلاب المعهد، فاحتاج إلى شفاعة، وكان الشيخ عبدالرحمن الدوسري×ممن شفع له، وكذلك صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور صالح الأطرم_حفظه الله_.
وممن درَّس في تلك الفترة صاحب الفضيلة الشيخ فهد الحمين، وصاحب الفضيلة الشيخ د. عبدالرحمن السدحان، والشيخ محمد الشهراني، والدكتور محمد بن عبدالرحمن الربيع، والأستاذ عبدالعزيز الفنتوخ، والأستاذ إبراهيم المحيذيف، والشيخ سليمان العطيوي.(1/11)
وفي عام 1395هـ تخرج من المعهد، والتحق بكلية الشريعة بالرياض، وممن درَّسه في تلك المرحلة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ مفتي عام المملكة، والشيخ فهد الحمين، والشيخ الدكتور عبدالرحمن الدرويش، والشيخ الدكتور عبدالعزيز الربيعة، والشيخ الدكتور عبدالرحمن السدحان، والشيخ الدكتور محمد بن أحمد الصالح، والشيخ صالح الرشود، والشيخ عبدالعزيز بن داود، والشيخ الدكتور عبدالله بن علي الركبان.
وفي عام 1399هـ1400هـ تخرج في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية بالرياض.
وفي 25/12/1400هـ عُيِّن بالأمانة العامة لهيئة كبار العلماء.
وفي 12/6/1404هـ طلبه سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز؛ ليعمل مديراً لمكتب البيت، وعمل به إلى أن توفي سماحة الشيخ×في 27/1/1420هـ.
أما بداية معرفته بسماحة الشيخ فكانت قبل أربعين سنة من وفاة سماحته حيث كان اللقاء الأول.
أما المعرفة الوثيقة فكانت قبل خمس و عشرين سنة من وفاة سماحة الشيخ.
أما الملازمة التامة فكانت منذ تاريخ 12/6/1404هـ إلى أن توفي سماحته في 27/1/1420هـ.
كان الشيخ محمد محباً لسماحة الإمام، مخلصاً له، متفانياً في خدمته، حريصاً على كل ما يدخل السرور عليه، بعيداً عن كل ما يكدره أو يجلب الضيق له.
حتى إنك لتكاد تعرف صحة سماحة الإمام، ومرضه، وراحته، وكدره من خلال رؤياك للشيخ محمد، وهذا أمر يلحظه جلُّ من شاهد الأمر عن كثب.
وكان الشيخ محمد كثيراً ما يقول: =لا أدري ما مصيري إن كانت منيَّة سماحة الشيخ قبل منيتي؛ لقد أحببت سماحته من كل قلبي، لقد كان ملء سمعي وبصري، ولقد عُوِّضت به رعاية والدي الذي توفي منذ زمن بعيد، وحنان والدتي التي توفيت قبل سنوات من وفاة سماحته+.(1/12)
وكان دائماً يقول: =إنني لا أطيق البعد عن سماحته، ولا تطيب نفسي بمغادرة مكتب البيت حتى أودعه إلى داخل منزله، حتى لو تأخر طويلاً في الليل، فإذا جاء ودخل منزله اطمأنت نفسي، وغادرت إلى منزلي+.
ولقد وقع صدق ما قال، فمنذ أن توفي سماحة الشيخ وأنت ترى مسحة الحزن بادية على وجه الشيخ محمد.
بل إن كثيراً من العلماء، وطلبة العلم، وعامة الناس يتذكرون سماحة الشيخ إذا رأوا الشيخ محمداً.
ولقد كان سماحة الإمام محباً للشيخ محمد، مُقَرِّباً له، واثقاً به، كما سيأتي الحديث عن ذلك في ثنايا الرواية.
والشيخ محمد محل ثقة، وقبول عند الناس، وهو معروف بالتواضع الجم، ودماثة الخلق، والإخلاص في العمل، والسعي في قضاء حوائج الناس، والحرص على عمل الخير.
بل إنك ترى كثيراً من صفات سماحة الشيخ عبدالعزيز×متمثلة في الشيخ محمد_حفظه الله_.
ومَنْ ذا ينكر أثر الصحبة، وتأثير الجليس ؟ فكيف إذا كان المصاحَبُ شيخَ الإسلام في زمانه ؟ وهو من عرفت، وستعرف فضله وتفرده ؟
كيف وقد لازمه الشيخ محمد ملازمة تامة، وقرأ عليه ما لا يحصى من الكتب والمعاملات ؟
علاقة الراوي الشيخ محمد بسماحة الشيخ عبدالعزيز:
يقول الشيخ محمد متحدثاً عن علاقته بسماحة الشيخ، وعن نظامه اليومي معه: =أما معرفتي بسماحة الإمام فهي منذ أربعين سنة من بداية لقائي به، ومنذ خمس وعشرين سنة بدأت المعرفة الوثيقة به.
أما ملازمتي له ملازمة تامة فهي من 12/6/1404هـ إلى أن توفاه الله.
أما دوامي، ونظامي اليومي معه فهو كما يلي:
في الأيام التي ليس له دروس في المسجد آتي إليه بعد صلاة الفجر؛ لعرض المعاملات والبحوث المهمة والكتب التي يطلب سماحته عرضها عليه.
وهذه الأيام التي ليس فيها دروس في الفجر هي: السبت، والثلاثاء، والجمعة؛ حيث آتيه في يومي السبت والثلاثاء.
أما يوم الجمعة فإن الذي يأتيه ويتولى العرض عليه هو معالي الدكتور محمد الشويعر.(1/13)
وهناك أوقات تتوقف فيها دروس الفجر وهي: ما قبل رمضان بأسبوع تقريباً، وأيام رمضان، وبعد رمضان بأيام قبل أن تبدأ الدروس.
وفي فترة وجوده في مكة آتيه بعد الفجر بصفة مستمرة، وكذلك مدة بقائه في الطائف مدة أربعة أشهر تقريباً؛ فأجلس معه مدة ساعتين تقريباً، ثم يدخل بيته؛ لأخذ شيء من الراحة، وأنا أظل أنتظره، ريثما يخرج إلى الدوام، فإذا خرج ركبت معه إلى المكتب؛ لقراءة بعض المعاملات أو بعض الكتب في الطريق، وبعد أن يصل إلى مكتب رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء أرجع إلى مكتب البيت، وأتواجد فيه حتى يأتي سماحته من المكتب، ثم نستقبله أنا وبعض موظفي مكتب البيت، ونتناول الغداء مع سماحته في أغلب الأحيان خصوصاً إذا كان في الطائف أو مكة، أما إذا كنا في الرياض فإنني ربما أذهب إلى منزلي في الساعة الثانية والربع أو أكثر، ثم أعود إلى منزل سماحته قبيل المغرب؛ فألقاه قبل خروجه لصلاة المغرب، وبعد الصلاة أعود معه إلى منزله؛ لعرض بعض المعاملات عليه من طلاق وغيره، حتى موعد صلاة العشاء، وبعد الصلاة أعود إلى بيت سماحته فأمكث معه حتى ينصرف إلى داخل منزله في الساعة الحادية عشرة تقريباً.
وإذا كان لدى سماحته بعد العِشاء درس خارج المنزل فإني أنتظره حتى يأتي، فإذا أتى استقبلته أنا وبعض من في المكتب، وتناولنا العشاء معاً، ثم جلسنا مع سماحته حتى ينصرف إلى بيته، وربما جلست بعد دخوله المنزل ساعة أو تزيد، وربما جلس معنا سماحته بعد العشاء؛ لقراءة بعض الكتب أو المعاملات عليه.
وهكذا إذا كان مدعواً لوليمة، أو مناسبة، أو دعوة خاصة فإنني أذهب معه، وإذا لم أذهب معه انتظرته ولو تأخر ما تأخر، فإذا وصل استقبلته، وإذا دخل منزله انصرفت إلى منزلي.(1/14)
وربما دخل منزله بعد العشاء مباشرةً للسلام على أحد من أقاربه ثم يعود إلينا، وربما كان لديه اجتماع خاص في مكتبة منزله، فننتظره حتى يخرج مَنْ عنده، ثم نجلس معه لقراءة كتاب، أو عرض قضايا إلى أن ينصرف إلى داخل منزله.
وفي يوم الخميس آتي إلى مكتب البيت في الساعة التاسعة والنصف أو العاشرة لإنجاز بعض الأعمال المتعلقة بسماحته، ثم أنتظر مجيئه من داخل منزله في الساعة العاشرة والنصف أو الحادية عشرة، حيث يجلس للناس في المجلس العام، فأجلس بجانبه؛ لقراءة بعض المعاملات عليه.
وأحياناً يكون عنده جلسة خاصة في المكتبة، وربما كان عنده خمسة اجتماعات أو أكثر أو أقل في اليوم الواحد، ويستمر على هذه الحال إلى الساعة الثانية والنصف ظهراً حيث يحين وقت الغداء، فيتناوله سماحة الشيخ مع الحاضرين لديه، فإذا أُذِّن بالعصر انصرفت إلى منزلي، وأحياناً أنصرف قبل الأذان، ثم آتي قبيل المغرب.
وفي يوم الجمعة آتي إلى مكتب البيت بعد صلاة الجمعة مباشرةً قبل أن يأتي سماحته من المسجد، فإذا جاء شرع في درس التفسير الذي يلقيه في منزله كل جمعة، وأحياناً أحضر الدرس، وأحياناً أذهب لإنجاز بعض الأعمال المتعلقة بالذين يأتون إلى سماحته.
وبعد ذلك يقدم طعام الغداء، فيتناوله الشيخ مع جميع الحاضرين، وبعد الغداء يذهب إلى المسجد ثم أنصرف إلى منزلي.
ومساء الخميس يذهب إلى محاضرة الجامع، أو الندوة التي تلقى ويعلق عليها سماحته في جامع الإمام تركي بن عبدالله في الرياض، وآتي إلى المنزل لاستقبال المكالمات وإنجاز بعض أعمال المكتب حتى يأتي، فإذا أتى تناولنا العشاء معاً إن لم يكن سماحته مدعواً لمناسبة، وبعد العشاء نجلس لقراءة بعض الكتب أو المعاملات ثم ينصرف إلى منزله.
وهكذا استمر عملي معه على هذا النحو حتى ليلة وفاته×رحمة واسعة+.(1/15)
أما قراءة الراوي الشيخ محمد على سماحة الشيخ×فيقول عنها: =لا أحصي ما قرأت عليه من المعاملات سواءً في باب الشفاعات، أو الطلاق، أو الرسائل الخاصة، أو ما يسلم بيد الشيخ، أو ما ينشر في الصحف، وغير ذلك.
ولا أحصي ما أملاه عليَّ من الأجوبة، والردود والبحوث، والكتب، والكتابات للمسؤولين، والقضاة، وطالبي الشفاعات، والمستفتين وغيرهم، أما الكتب التي قرأتها على سماحته فلا أحصيها سواء من كتب سماحته، أو من كتب أهل العلم، أو الكتب التي تعرض عليه، أو الكتب التي يطلبها هو، أو البحوث التي يطلب إحضارها من الكتب، أو غير ذلك.
ومن كتبه التي قرأتها عليه ما يلي:
1_ الأجزاء الثلاثة الأُوَل، من مجموع فتاوى ومقالات لسماحته، جمع معالي الدكتور محمد الشويعر بعد طبعها.
2_ الجزء الأول من الفتاوى الإسلامية التي جمعها الشيخ محمد المسند، والذي قرأته منها ما يخص فتاوى سماحته.
3_ تحفة الأخيار ببيان جملة نافعة مما ورد في الكتاب والسنة من الأدعية والأذكار.
4_ فتاوى تتعلق بأحكام الحج والعمرة والزيارة، من إجابات سماحته خاصة، ومن فتاوى اللجنة الدائمة.
5_ ثلاث رسائل في الصلاة، قرأتها عليه أكثر من مرة.
6_ العقيدة الصحيحة، ونواقض الإسلام.
7_ وجوب تحكيم شرع الله، ونبذ ما خالفه.
8_ الإمام محمد بن عبدالوهاب، دعوته وسيرته.
9_ مجموعة رسائل في الحجاب والسفور، لسماحته وغيره.
10_ ما هكذا تعظم الآثار.
11_ إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير الله أو صدق الكهنة والعرافين.
12_ وجوب العمل بسنة الرسول"وكفر من أنكرها.
13_ الدعوة إلى الله، وأخلاق الدعاة.
14_ التحقيق والإيضاح، لكثير من مسائل الحج و العمرة والزيارة.
15_ رسالتان في الصلاة.
16_ الجزء الأول والثاني، من فتاوى نور على الدرب.
17_ الجزء الأول، من كتاب الطلاق.
18_ الرد على بعض الكُتَّاب، في إباحة حلق اللحى.(1/16)
19_ القسم الأول والثاني، من كتاب الحج لسماحته. جمعه فضيلة الشيخ د. عبدالله الطيار، والشيخ أحمد ابن باز.
ومن الكتب التي قرأتها على سماحته لغيره ما يلي:
1_ المجلد الحادي والعشرون، من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية.
2_ المجلد الثاني والعشرون، من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية.
3_ نصف المجلد الثالث والعشرين، من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية في المسجد المجاور لمنزل سماحته في الطائف بعد صلاة الفجر.
4_ بعض الفصول والأبواب من كتاب المغني لابن قدامة.
5_ بعض الفصول والأبواب من كتاب المقنع.
6_ بعض الفصول من كتاب زاد المعاد لابن القيم.
7_ الجزء الأول ونصف الجزء الثاني من كتاب إعلام الموقعين لابن القيم.
8_ الجواب الكافي لابن القيم.
9_ مقاطع كثيرة من التفسير لابن كثير وغيره.
10_ فصول من المنتقى لمجد الدين ابن تيمية.
11_ فصول من فتح الباري، لابن حجر.
12_ أجزاء من بلوغ المرام، لابن حجر مرات عديدة.
13_ الإبطال لنظرية الخلط بين الإسلام وغيره من الأديان، للعلامة الشيخ د. بكر أبو زيد.
14_ درء الفتنة عن أهل السنة د. بكر أبو زيد.
15_ بدعة اليوبيل د. بكر أبو زيد.
16_ بطاقة الائتمان د. بكر أبو زيد.
17_ أدب الهاتف د. بكر أبو زيد.
18_ حد الثوب والأزرة وتحريم الإسبال ولباس الشهرة د. بكر أبو زيد.
19_ تصنيف الناس بين الظن واليقين د. بكر أبو زيد.
20_ المنهج لمريد العمرة والحج، لسماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين.
21_ أحكام العمرة، لفضيلة الشيخ فريح البهلال.
22_ فتح المعين، بتصحيح عقد التسبيح باليمين، للشيخ فريح البهلال.
23_ إتحاف الأمجاد، باجتناب تغيير الشيب بالسواد، للشيخ فريح البهلال.
24_ التهليل عشراً، للشيخ فريح البهلال.
25_ تخريج أحاديث منتقدة في كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد ابن عبدالوهاب، تأليف الشيخ فريح البهلال.
26_ كيف تعالج مريضك بالرقية الشرعية، للشيخ عبدالله بن محمد السدحان.(1/17)
27_ بعض كتاب الإرهاب، للشيخ زيد المدخلي.
28_ عدد صلاة التراويح، للشيخ د. إبراهيم الصبيحي.
29_ القطبية، لأبي إبراهيم سلطان العدناني.
30_ بطلان عقائد الشيعة، للشيخ محمد عبدالستار التونسوي.
31_ بعض رسائل الشيخ حسن البنا وصل فيه إلى ص200.
32_ الخطوط العريضة، للشيخ محب الدين الخطيب.
33_ كتب العلامة الشيخ حمود بن عبدالله التويجري×تعالى.
34_ لحوم العلماء مسمومة، لفضيلة الشيخ د. ناصر العمر.
35_ المسائل المشكلة، من مناسك الحج والعمرة الشيخ د. إبراهيم الصبيحي.
36_ جلاء البصائر، في الرد على شفاء الفؤاد والذخائر.
37_ صد عدوان الملحدين للشيخ د. ربيع بن هادي المدخلي.
38_ الصراط، للشيخ عبدالرحمن عبدالخالق.
39_ كيف يحج المسلم، للشيخ د. عبدالله الطيار.
40_ الفتح المبين، في علاج السحر والصرع والعين للشيخ د. عبدالله الطيار، والشيخ سامي المبارك.
41_ بلاد الحرمين، والموقف الصارم من السحرة د. عبدالله الطيار.
42_ صفة الغرباء، لفضيلة الشيخ سلمان العودة.
43_ العزلة والخلطة لفضيلة الشيخ سلمان العودة.
44_ منهج الأشاعرة في العقيدة لفضيلة الشيخ د. سفر الحوالي.
45_ الجزء الأول، من فقه الأدعية والأذكار، لفضيلة الشيخ د. عبدالرزاق العباد.
46_ الأحكام الملمة في شرح الدروس المهمة لفضيلة الشيخ عبدالعزيز الفايز.
47_ التبيان، شرح نواقض الإسلام لفضيلة الشيخ سليمان العلوان.
48_ أقوال الأئمة، في الحكم على السحرة والأشرار، إعداد الشيخ جمال ابن فريحان الحارثي.
49_ الردود على الدكتور إبراهيم الناصر.
50_ الرد على ابن الجوزي للشيخ سليمان العلوان.
51_ الإيمان بالقضاء والقدر لمحمد الحمد.
52_ عقيدة أهل السنة والجماعة مفهومها_خصائصها_خصائص أهلها لمحمد الحمد.
53_ الهمة العالية، معوقاتها_ومقوماتها، لمحمد الحمد.
54_ الدعاء محمد الحمد.
55_ سوء الخلق، مظاهره، أسبابه، علاجه، لمحمد الحمد.(1/18)
مع ملاحظة أن بعضها قد تكررت قراءته على سماحة الشيخ×.
وبعد هذه النبذة عن سيرة الراوي، وملازمته لسماحة الشيخ ننتقل إلى الرواية، والله المستعان، وعليه التكلان.
جوانب
من سيرةالإمام
عَبْدِالعَزِيْز بِنْ بَاز
×
رواية
الشيخ محمد بن موسى الموسى
مدير مكتب بيت سماحة الشيخ
إعداد
محمد بن إبراهيم الحمد
هو سماحة الشيخ الإمام العلامة المجدد عبدالعزيز بن عبدالله ابن عبدالرحمن بن محمد بن عبدالله آل باز.
ولد في الرياض في ذي الحجة سنة 1330هـ، وكان بصيراً في أول طلبه للعلم_كما يقول_.
ويقول: ثم أصابني المرض في عيني عام 1346هـ فضعف بصري بسبب ذلك ثم ذهب بالكلية في مستهل محرم من عام 1350هـ والحمد لله على ذلك.
وأسأل الله_جل وعلا_أن يعوضني البصيرة في الدنيا، والجزاء الحسن في الآخرة، كما وعد بذلك_سبحانه_على لسان نبيه محمد"كما أسأله_سبحانه_أن يجعل العاقبة حميدة في الدنيا والأخرى.
ويقول×: وقد بدأت الدراسة منذ الصغر، فحفظت القرآن الكريم قبل البلوغ على يدي الشيخ عبدالله بن مفيريج×ثم بدأت في تلقي العلوم الشرعية والعربية على أيدي كثير من علماء الرياض، ومن أعلامهم:
1_ الشيخ محمد بن عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب_رحمهم الله_.
2_ الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب قاضي الرياض_رحمهم الله_.
3_ الشيخ سعد بن حمد بن عتيق×قاضي الرياض.
4_ الشيخ حمد بن فارس وكيل بيت المال بالرياض×.
5_ الشيخ سعد وقاص البخاري من علماء مكة المكرمة أخذت عنه علم التجويد في عام 1355هـ، حيث كنت أتردد على الشيخ سعد في دكانه مدة شهرين، آخذ عنه علم التجويد.(1/19)
6_ سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ×وقد لزمت حلقاته صباحاً ومساءً، وحضرت كل ما يقرأ عليه، ثم قرأت عليه جميع المواد التي درستها في الحديث والعقيدة، والفقه، والنحو، والفرائض، وقرأت عليه شيئاً كثيراً في التفسير، والتاريخ، والسيرة النبوية نحواً من عشر سنوات وتلقيت عنه جميع العلوم الشرعية ابتداءً من سنة 1347هـ إلى سنة 1357هـ حيث رشحت للقضاء من قبل سماحته.
هذا وسيأتي مزيد بيان لسيرة سماحة الشيخ في الصفحات التالية.
من أخباره في صباه أن والده توفي وهو صغير حيث إنه لا يذكر والده.
أما والدته فتوفيت وعمره خمس وعشرون سنة.
ومما يُذْكَر أنه كان في صباه ضعيف البنية، وأنه لم يستطع المشي إلا بعد أن بلغ الثالثة، ذكر ذلك ابنه الشيخ أحمد.
وكان سماحة الشيخ معروفاً بالتقى والمسارعة إلى الخيرات، والمواظبة على الطاعات منذ نعومة أظفاره.
وقد ذكر لي الشيخ سعد بن عبدالمحسن الباز_وهو قريب لسماحة الشيخ ويكبره بعشر سنوات_ذكر أن سماحة الشيخ منذ نعومة أظفاره كان شاباً تقياً سباقاً إلى أفعال الخير، وأن مكانه دائماً في روضة المسجد وعمره ثلاثة عشر عاماً.
وقد ذكر لي سماحة الشيخ×فيما كان يذكره من أخبار صباه موقفاً لا ينساه مع شيخه الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ قاضي الرياض آنذاك.
يقول سماحته: كنت في مقتبل عمري، وقد رآني الشيخ صالح×في طرف الصف مسبوقاً، فحزن الشيخ صالح، وقال: بعض الناس يسوِّف، ويجلس يأكل ويشرب حتى تفوته الصلاة، وكأنه×يعنيني ويُعرِّض بي؛ فخجلت مما كان مني، وتكدرت كثيراً، ولم أنس ذلك الموقف حتى الآن.
ولم يكن الشيخ صالح×ليقول ذلك إلا لأنه كان يتوسم ويتفرس في سماحة الشيخ نبوغه المبكر.
ومن الأخبار المعروفة عن سماحة الشيخ في صباه أنه كان معروفاً بالجود والكرم.(1/20)
وقد ذكر لي الشيخ سعد بن عبدالمحسن الباز×أن سماحة الشيخ عبدالعزيز وهو طالب عند المشايخ_إذا سلم عليه أحد دعاه إلى غدائه، أو عشائه، ولم يكن يحتقر شيئاً يقدمه لضيوفه ويجعل الله في الطعام خيراً كثيراً.
أَلِفَ المروَّة مُذْ نشا فكأنه
سُقي اللَّبانَ بها صبياً مُرْضَعا (3)
ومن أخباره في صباه أنه كان يكتب، ويقرأ ويعلق على الكتب قبل أن يذهب بصره.
وقد قيل ذات مرة لسماحة الشيخ: سمعنا أنك لا تعرف الكتابة.
فأجاب سماحته بقوله: هذا ليس بصحيح؛ فأنا أقرأ وأكتب قبل أن يذهب بصري، ولي تعليقات على بعض الكتب التي قرأتها على المشايخ مثل الآجروميه في النحو، وغيرها.
وإذا أملى سماحة الشيخ عليَّ كتاباً، أو تعليقاً، وكان هناك إشكال في كلمة ما_قال لي: تُكْتَب هكذا، وأشار إلى راحة يده، وهو يَكْتُب بإصبعه؛ ليريني كيفية الكتابة الصحيحة.
وقيل لسماحته ذات مرة: هل صحيح أنك تتمنى أنك رأيت الإبل على ما خلقها الله ؟
فأجاب سماحته بقوله: هذا ليس بصحيح؛ فأنا أتصورها؛ لأن بصري لم يذهب إلا وعمري تسع عشرة سنة.
كان سماحة الشيخ×يعتني بمظهره بلا إسراف، ولا مخيلة، فهو يعتني بنظافة بدنه، وقص شاربه، ويتعاهد نفسه بالطيب كثيراً، بل كان يستعمله كل يوم، ويدار بخور العود في مجلسه أكثر من مرة، وإلا فلا أقل من أن يدار مرة واحدة.
وكان يلبس مشلحة_بشته_في صَلاته، وزياراته، وذهابه إلى عمله.
وكان ثوبه يعلو كعبه بنحو أربعة أصابع؛ فهو يرى أن نزول الثوب، أو السراويل، أو المشلح أسفل الكعبين منكر محرم سواء كان ذلك للخيلاء أو لغير الخيلاء.
ويقول: إن الإسبال حرام؛ فإن كان للخيلاء فهو أشد تحريماً.
وفي يوم من الأيام لبس سماحته مشلحاً جديداً، وكان ذلك المشلح على خلاف ما كان عليه سماحة الشيخ، حيث كان المشلح نازلاً عن الكعبين، ولم يكن سماحته يعلم بذلك.
فقال له شخص: يا سماحة الشيخ مشلحك هذا نازل عن الكعبين، ولا أدري هل تغير رأيكم في وجوب رفعه ؟(1/21)
فما كان من سماحة الشيخ إلا أن خلعه ورماه، وقال لي: اذهب به إلى من يرفعه.
وصادف أن كان سماحته في ذلك الوقت في مكة في آخر رمضان، فجاء إلى الرياض وليس عليه مشلح.
وكان يتعاهد لحيته بالحناء، ويرى تغيير الشيب، وحرمةَ تغييره بالسواد.
وكان×قليل شعر العارضين، أما الذقن ففيه شعيرات طويلة ملتف بعضها على بعض.
وقيل له ذات مرة: لو سرحتها بمشط ؟
فقال: أخشى أن يسقط منها شيء.
وهو يرى حرمة حلق اللحية أو تقصيرها، وكذا ما نبت على الخدين.
أما ما نبت تحت الذقن، وفي الرقبة فلا يرى مانعاً من حلقه.
تفرد سماحة الإمام عبدالعزيز×بصفات عديدة لا تكاد تجتمع في رجل واحد إلا في القليل النادر، ومن أبرز تلك الصفات ما يلي:
1_ الإخلاص لله_ولا نزكي على الله أحداً_فهو لا يبتغي بعمله حمداً من أحد ولا جزاءً، ولا شكوراً.
2_ التواضع الجم، مع مكانته العالية، ومنزلته العلمية.
3_ الحلم العجيب الذي يصل فيه إلى حد لايصدقه إلا من رآه عليه.
4_ الجلد، والتحمل، والطاقة العجيبة حتى مع كبر سنه.
5_ الأدب المتناهي، والذوق المرهف.
6_ الكرم والسخاء الذي لا يدانيه فيه أحد في زمانه فيما أعلم، وذلك في شتى أنواع الكرم والسخاء، سواء بالمال أو بالوقت، أو الراحة، أو العلم، أو الإحسان، أو الشفاعات، أو العفو، أو الخُلُق، ونحو ذلك.
7_ السكينة العجيبة التي تغشاه، وتغشى مجلسه، ومن يخالطه.
8_ الذاكرة القوية التي تزيد مع تقدمه في السن.
9_ الهمة العالية، والعزيمة القوية التي لا تستصعب شيئاً، ولا يهولها أمر من الأمور.
10_ العدل في الأحكام سواء مع المخالفين، أو الموافقين.
11_ الثبات على المبدأ، وعلى الحق.
12_ سعة الأفق.
13_ بُعْد النظر.
14_ التجدد؛ فهو_دائماً_يتجدد، ويواكب الأحداث، ويحسن التعامل مع المتغيرات.
15_ الثقة العظيمة بالله_جل وعل_.
16_ الزهد بالدنيا، سواء بالمال أو الجاه، أو المنصب، أو الثناء، أو غير ذلك.(1/22)
17_ الحرص على تطبيق السنة بحذافيرها، فلا يكاد يعلم سنة ثابتة إلا عمل بها.
18_ بشاشة الوجه، وطلاقة المحيا.
19_ الصبر بأنواعه المتعددة من صبر على الناس، وصبر على المرض، وصبر على تحمل الأعباء إلى غير ذلك.
20_ المراعاة التامة لأدب الحديث، والمجلس، ونحوها من الآداب.
21_ الوفاء المنقطع النظير لمشايخه، وأصدقائه، ومعارفه.
22_ صلة الأرحام.
23_ القيام بحقوق الجيران.
24_ عفة اللسان.
25_ لم أسمعه أو أسمع عنه أنه مدح نفسه، أو انتقص أحداً، أو عاب طعاماً، أو استكثر شيئاً قدمه للناس، أو نهر خادماً.
26_ وكان لا يقبل الخبر إلا من ثقة.
27_ يحسن الظن بالناس.
28_ قليل الكلام، كثير الصمت.
29_ كثير الذكر والدعاء.
30_ لا يرفع صوته بالضحك.
31_ كثير البكاء إذا سمع القرآن، أو قرئ عليه سيرة لأحد العلماء، أو شيء يتعلق بتعظيم القرآن أو السنة.
32_ يقبل الهدية، ويكافئ عليها.
33_ يحب المساكين، ويحنو عليهم، ويتلذذ بالأكل معهم.
34_ يحافظ على الوقت أشد المحافظة.
35_ يشجع على الخير، ويحض عليه.
36_ لا يحسد أحداً على نعمة ساقها الله إليه.
37_ لا يحقد على أحد بل يقابل الإساءة بالإحسان.
38_ معتدل في مأكله ومشربه.
39_ دقيق في المواعيد.
40_ كان متفائلاً، ومحباً للفأل.
هذه نبذة عن بعض أخلاقه، وسيأتي تفصيل لذلك في الصفحات التالية.
كان سماحة الشيخ×شديد التعظيم للسنة، مطبقاً لها في شتى أحواله؛ فلا تكاد تثبت عنده سنة إلا طبقها، ولا أعلم سنة قولية، أو فعلية ثابتة إلا كان يفعلها، ويحافظ عليها.
ينبيك عن قرب النبوة هديُه
والشيء يخبر بعضه عن كله (4)
وإليك بعض النماذج الدالة على ذلك على سبيل الإجمال، وإلا فالتفصيل سيأتي في ثنايا الصفحات الآتية:
1_ الحرص التام والمداومة المستمرة على الإتيان بسنن الصلاة بحذافيرها.(1/23)
2_ المحافظة على الأدعية والأذكار المطلقة والمقيدة، كأذكار طرفي النهار، ودعاء الدخول للمنزل والخروج منه، والتسمية قبل الأكل أو الشرب، وحَمْدِ الله بعده، ومتابعة المؤذن، والدعاء بما ورد بعد الأذان، بل كان يقطع الحديث إذا كان يتحدث ويقول لمن يحدثه أو يهاتفه: يؤذن؛ ليفهم محدثه أن سماحته سوف يجيب المؤذن، بل إنه إذا أراد دخول الخلاء، وسمع المؤذن وقف قليلاً ليتابع المؤذن، وإذا انتهى من متابعته وأتى بالأذكار الواردة بعد الأذان دخل الخلاء.
ومن الأذكار التي كان يحافظ عليها؛ دعاء الخروج إلى المسجد، ودعاء دخوله، ودعاء الخروج منه، وسيأتي تفصيل هذا عند الحديث عن صلاته×.
3_ الشرب بثلاثة أنفاس، وإذا شرب ماءً ناول من على يمينه ولو كان صغيراً.
4_ العمل بالسنن الواردة في الأكل، من حيث الجلوس، وتقدير النعمة، والبدء بالبسملة، ولعق الأصابع بعد الأكل، وحَمْد الله بعد الفراغ من الطعام.
5_ لزوم الاستخارة إذا أشكل عليه شيء.
6_ اتباع السنة في الملبس؛ فلا يلبس ثياب سرف ولا مخيلة، ولا يلبس ما أسفل الكعبين، ونحو ذلك_كما مر قريبا_.
7_ المحافظة على آداب التحية.
8_ المحافظة على أدب الحديث والمجالس.
9_ الحرص على التيمن، ومن ذلك أنه كان يقدم رجله اليمنى عند لبس النعل، واليسرى عند خلعه.
10_ تَقَصُّد الوتر في كل شيء، ومن اللطائف في ذلك أنه كان محباً للتمر، وكثيراً ما كان يسألني إذا كان يتناول تمراً فيقول: كم تناولتُ من تمرة ؟ فإذا عددت النوى قلت له_على سبيل المثال_: ستاً، أو ثمانياً فيزيد واحدة، وإن كان وتراً اكتفى به أو زاد اثنتين وهكذا. .
11_ الذهاب للمسجد بعد القدوم من السفر أحياناً، وأداء ركعتين فيه.
12_ الحرص التام على تطبيق السنة بحذافيرها في الحج والعمرة.
13_ حمد الله بعد العطاس، وتشميت العاطس إذا حمد الله، وترك تشميته إذا لم يحمد الله.(1/24)
وأذكر أن شخصاً عطس بجانبه فلم يحمد الله، فبادر بعض الحاضرين إلى تشميته، فقال سماحة الشيخ×: وهل حمد الله حتى تشمتوه ؟.
14_ كثرة الذكر؛ فلا يكاد لسانه يفتر من ذكر الله_عز وجل_تهليلاً، أو تكبيراً، أو حمداً أو حوقلة أو نحو ذلك_كما مر قبل قليل_.
15_ لا يقوم من المجلس إلا ويقول كفارة المجلس.
16_ يبدأ بالسلام على من يعرف ومن لا يعرف.
17_ يرى أن السنة عند التلاقي المصافحة إلا إذا قدم أحد المسلمين من سفر، ويقول×: يقول أنس÷: =كان أصحاب رسول الله"إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا+.
وقد رأيت شخصاً سلَّم على سماحته×وعانقه، وهو لم يَقْدُم من سفر، فقال له سماحة الشيخ: السنة المصافحة، فقال الشخص: أنا أحبك يا شيخ، فقال سماحته: السنة مُقَدَّمة على حبك.
18_ كان يحسر عن رأسه إذا نزل المطر ويدعو بالدعاء المأثور.
أول عمل تولاه سماحة الشيخ×هو القضاء؛ حيث عين قاضياً في مدينة الدلم عام 1357هـ واستمر فيه إلى عام 1371هـ.
وكان طيلة تلك المدة يقوم بإمامة الناس، وخطبة الجمعة، وإلقاء الدروس في الليل والنهار، والإصلاح بين الناس، وتفقد أحوالهم، ويقوم باستقبال الوفود، والزائرين، وطلاب العلم، ويعنى بالفقراء والمحتاجين.
كما كان×يولي اهتمامه مصالح الناس في كل ما يهمهم، ويكتب إلى المسؤولين في كل ما يراه ضرورياً لإصلاح المنطقة، فيجد لديهم من التجاوب ما يحقق رغبته الخيرة في الإصلاح العام.
وقد تتلمذ على يديه في تلك الفترة جمع غفير من العلماء، والقضاة؛ فمنهم معالي الشيخ راشد بن صالح بن خنين الرئيس العام لتعليم البنات سابقاً، وعضو هيئة كبار العلماء، والمستشار في الديوان الملكي.
ومنهم فضيلة الشيخ العلامة عبدالله بن حسن بن قعود عضو اللجنة الدائمة للإفتاء، وعضو هيئة كبار العلماء سابقاً.
ومنهم فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الكنهل، وقد تولى القضاء في عدة أماكن.(1/25)
ومنهم فضيلة الشيخ عبداللطيف بن شديد×وقد تولى القضاء في عدة أماكن.
ومنهم فضيلة الشيخ سعيد بن عبدالله بن عياش رئيس محكمة خميس مشيط سابقاً.
ومنهم صاحب الفضيلة الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن جلال، رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الدلم.
ومنهم صاحب الفضيلة الشيخ صالح بن هليل، ومنهم الشيخ صالح بن حسين العراقي×ومنهم الشيخ محمد الحسن الفلسطيني×.
ومنهم صاحب الفضيلة الشيخ عبدالرحمن البراك الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وغيرهم كثير يصعب حصرهم سواءٌ من كان داخل البلاد أو خارجها.
وفي عام 1371هـ انتقل سماحته إلى التدريس في المعهد العلمي في الرياض، ثم انتقل إلى كلية الشريعة واستمر فيها إلى عام 1381هـ.
وكان في تلك الفترة يؤم المصلين في جامع الإمام تركي بن عبدالله×ويقوم بإلقاء الدروس في المسجد، وفي بيته، ويلقي المحاضرات الكثيرة، والكلمات المتنوعة في المناسبات.
وفي عام 1381هـ انتقل إلى المدينة النبوية؛ ليعمل نائباً لرئيس الجامعة الإسلامية وهو سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم×.
وكان في المدينة يلقي الدروس في المسجد النبوي بين المغرب والعشاء عدا ليلة الثلاثاء.
وكان يلقي المحاضرات، والكلمات، ويكتب في الصحف والمجلات، ويلتقي كثيراً بالطلاب.
وفي عام 1390هـ صدر الأمر الملكي بتعيينة رئيساً للجامعة الإسلامية.
وفي 14/10/1395هـ انتقل إلى الرياض وعين رئيساً لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد برتبة وزير.
وفي تلك الفترة تولى إمامة جامع الإمام تركي بن عبدالله، واستمر فيه حتى هدم الجامع المذكور، وبعدما أعيد بناؤه من جديد كتب سماحته لولاة الأمور مقترحاً عليهم أن يعين سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ إماما للمسجد المذكور.
كما كان في الوقت نفسه رئيساً لمجالس رابطة العالم الإسلامي، ورئيساً للمجمع الفقهي، والمجلس الأعلى العالمي للمساجد، والمجلس التأسيسي للرابطة.(1/26)
وفي عام 1414هـ صدر الأمر السامي بتعيينه مفتياً عاماً للمملكة، ورئيساً لهيئة كبار العلماء، ورئىساً للّجنة الدائمة، ورئيساً لرابطة العالم الإسلامي.
ومن أعماله أيضاً، أنه كان رئيساً لدار الحديث الخيرية في مكة المكرمة التي تأسست عام 1352هـ بأمر من الملك عبدالعزيز×.
وهذه الدار مدرسة أهلية تقوم على تبرعات أهل الخير، ويدرس فيها المئات من أنحاء الدنيا، وقبل أكثر من ثلاثين سنة من وفاة سماحته وهو يرعاها، ويجمع لها الأموال من المحسنين ويدفع أجرتها، ويصرف رواتب مدرسيها وطلابها وموظفيها وجميع ما تحتاج إليه.
والدار المذكورة لها مجلس أعلى كان يرأسه سماحة الشيخ×.
وأخيراً بني للدار بناية خاصة بها كافية للدراسة والسكن، وصدر لها أوقاف كثيرة تقوم بحاجتها.
والفضل بعد الله إلى من أسسها، ثم إلى سماحة الشيخ الذي كان يتعاهدها ويرعاها.
وقد نفع الله بهذه الدار كثيراً، فهي تضم القسم المتوسط، والثانوي، والقسم العالي، وقد استفاد منها خلق كثير، صار منهم الأئمة والدعاة، وسيأتي مزيد حديث عنها.
أعمال سماحة الإمام كثيرة لا تكاد تحصى، وهذه جملة من أبرز أعماله على سبيل الإيجاز، أما التفصيل فسيأتي بيانه_إن شاء الله_.
1_ الاهتمام العظيم بالعلم وتعليمه.
2_ الحرص البالغ على الدعوة إلى الله_عز وجل_.
3_ الفتوى والرد على المستفتين من كل مكان.
وفي هذا الميدان تتجلى عبقريته الفذة.
4_ التعاون مع أهل العلم في كل مكان في سبيل نشر الدين، وتصحيح العقيدة.
5_ إرسال الدعاة، وكفالتهم.
6_ دعم الجهاد الإسلامي في شتى صوره في كل مكان.
7_ الكتابة في الصحف.
8_ الرد على المخالفين.
9_ إلقاء الدروس، والمحاضرات، والندوات.
10_ إلقاء الكلمات والدروس والبرامج الإذاعية، وأشهرها وأعمها نفعاً برنامج نور على الدرب الذي كان يشارك فيه منذ عام 1392هـ إلى آخر أيامه×.
11_ طبع الكتب النافعة باللغة العربية وغيرها.(1/27)
12_ الشفاعة بأنواعها المتعددة، كالشفاعة في المصالح العامة، والشفاعة في المصالح الخاصة إلى غير ذلك مما سيأتي بيانه في ثنايا هذا الكتاب_إن شاء الله_.
13_ متابعة أوضاع المسلمين، والحرص على نصرتهم، ورفع الظلم عنهم، ومساعدتهم بالمستطاع.
14_ شراء البيوت للمحتاجين، وتحمل الإيجار عن بعض المستأجرين.
15_ إجراء المرتبات لبعض المحتاجين بحسب أحوالهم.
16_ كفالة الأيتام، والأسر المعوزة.
17_ تعمير المساجد في الداخل والخارج.
18_ النصيحة الصادقة لأئمة المسلمين، وعامتهم.
19_ الحرص التام على جمع كلمة المسلمين على الحق، وتقريب وجهات النظر بينهم.
20_ رئاسة بعض المؤتمرات، والمجامع والهيئات العلمية.
21_ إقراض المحتاجين، وغالباً ما ينتهي بالمسامحة.
22_ إصلاح ذات البَيْن.
23_ دعم المراكز والمعاهد والمدارس والجمعيات الإسلامية في داخل المملكة وخارجها.
هذه بعض أعماله على سبيل الاختصار.
والنماذج، والقصص على هذه الأعمال لا تكاد تحصى كثرة، وسيأتي تفصيل لذلك_إن شاء الله_في الصفحات التالية.
لقد ترك الشيخ×مؤلفات علمية كثيرة، يصعب حصرها، واستقصاؤها؛ فمنها المكتوب، ومنها المسموع، ومنها المطبوع، ومنها الذي لم يطبع، ومنها ما يشترك به مع غيره ككثير من الفتاوى، إلى غير ذلك من مؤلفاته وآثاره.
وإليك أيها القارئ الكريم طرفاً من ذلك:
1_ الفوائد الجلية في المباحث الفرضية، وهو من أوائل مؤلفاته بل ربما كان أولها كان أولها، ولعل الطبعة الأولى من هذا الكتاب كانت عام 1358هـ.
2_ التحقيق والغيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة=توضيح المناسك+.
وهو_كما يقول سماحة الشيخ_أهمها، وأنفعها، وقد جمعه في عام 1363هـ لما كان قاضياً في الخرج، ثم زاده، وبسطه بعد ذلك، وطبع طبعات كثيرة لا تكاد تحصى، وترجم إلى لغات عديدة، وكثيراً ما كان يُقرأ على سماحته، فيضيف إليه، ويحذف منه ويقول: ما أضعف العبد!(1/28)
3_ التحذير من البدع، ويشتمل على اربع مقالات: حكم الاحتفال بالمولد النبوي وليلة الإسراء والمعراج، وليلة النصف من شعبان، وتكذيب الرؤيا المزعومة من خادم الحجرة النبوية المسمى الشيخ أحمد.
4_ رسالتان موجزتان في الزكاة والصيام.
5_ العقيدة الصحيحة وما يضادها.
6_ وجوب العمل بسنة الرسول"وكفر من أنكرها.
7_ الدعوة إلى الله، وأخلاق الدعاة.
8_ حكم السفور والحجاب، ونكاح الشغار.
9_ وجوب تحكيم شرع الله، ونبذ ما يخالفه.
10_ نقد القومية العربية.
11_ الجواب المفيد، في حكم التصوير.
12_ الشيخ محمد بن عبدالوهاب، دعوته، وسيرته.
13_ ثلاث رسائل في الصلاة:
أ ) كيفية صلاة النبي ".
ب ) وجوب أداء الصلاة في جماعة.
جـ ) أين يضع المصلي يديه حين الرفع من الركوع.
14_ حكم الإسلام، في من طعن في القرآن، أو في رسول الله".
15_ حاشية مفيدة، على فتح الباري؛ وصل فيها إلى كتاب الحج؛ وفي آخر أيام سماحته عهد إلى تلميذ صاحب الفضيلة الشيخ علي بن عبدالعزيز الشبل إكمال ما شرع به سماحته من التعليق على المواضع التي تحتاج إلى تعليق في العقيدة، فأكملها الشيخ علي_حفظه الله_ وكان سماحة الشيخ قد خصص للشيخ علي وقتاً يقرأ عليه ما انتهى من تعليقه.
وبعد وفاة سماحة الشيخ خرج ذلك الكتاب.
16_ رسالة الأدلة النقلية والحسية، على جريان الشمس وسكون الأرض، وإمكان الصعود إلى الكواكب.
17_ إقامة البراهين، على حكم من استغاث بغير الله، أو صدق الكهنة والعرافين.
18_ الجهاد في سبيل الله.
19_ الدروس المهمة لعامة الأمة.
20_ فتاوى تتعلق بأحكام الحج والعمرة والزيارة.
21_ وجوب لزوم السنة، والحذر من البدعة.
22_ تحفة الإخوان، بأجوبة مهمة تتعلق باركان الإسلام.
23_ تحفة الأخيار، ببيان جملة نافعة مما ورد في الكتاب والسنة من الأدعية والأذكار.
24_ مجموع فتاوى ومقالات، جمع الدكتور محمد بن سعد الشويعر، وقد خرج منها 18 مجلداً.
25_ ما هكذا تعظم الآثار.(1/29)
26_ فتاوى نور على الدرب.
27_ كتاب الطلاق.
28_ كتاب الحج؛ وقد خرج منه مجلدان، جمع الشيخ د. عبدالله الطيار، والشيخ أحمد بن عبدالعزيز بن باز.
29_ الرد على بعض الكُتَّاب في إباحة حلق اللحى.
30_ فتاوى اللجنة الدائمة بالاشتراك مع أعضاء اللجنة وقد خرج منه 17 مجلداً كبيراً، والبقية قيد الطبع.
31_ الفتاوى الكثيرة، التي كانت تنشر في المجلات والصحف، كمجلة الجامعة الإسلامية، والمجلة العربية، ومجلة الدعوة.
32_ الفتاوى الخاصة المكتوبة، التي نشر بعضها، ولم ينشر بعضها الآخر.
33_ تعليقات على كتاب: بلوغ المرام لابن حجر. لم يطبع.
34_ التحفة الكريمة في بيان كثير من الأحاديث الصحيحة والحسان. لم يطبع.
36_ هناك تعليقات كثيرة جداً، على كثير من الكتب. ومكتبة سماحته مليئة بمثل هذا، وقلما يقرأ عليه كتاب إلا ويقرأ عليه.
37_ هناك العديد من الفتاوى الخاصة المكتوبة لأشخاص معينين.
38_ هناك العديد من الإملاءات في الدروس العامة لدى أكثر الطلبة.
39_ الأشرطة المسجلة في شرح المتون العلمية.
40_ الأشرطة المسجلة للمحاضرات العامة.
41_ الأشرطة المسجلة للبرامج الإذاعية، وقد علمتُ أن الأشرطة الخاصة ببرنامج نور على الدرب قد بلغت ستمائة وسبعة وأربعين شريطاً، هذا ما وجد منها.
42_ الأشؤطة المسجلة في التعليق على المحاضرات والندوات.
هذه بعض آثاره العلمية، أما آثاره وأجوبته المنثورة، أو التي يلقيها في المجالس العامة والخاصة_ فلا يمكن حصرها؛ إذ لا يخلو مجلس أو مائدة، أو مناسبة يحضرها سماحته؛ إلا ويلقى فيها العديد من الأسئلة، ويكون فيها من الفوائد العلمية ما لا يمكن حصره.
لسماحة الشيخ منزل في الرياض، ومنزل في الطائف وهما ملك لسماحته، ومنزل في مكة، وليس ملكاً له، وإنما هو مستأجر.
وسماحته يتنقل بينها بحسب تنقل عمله، وسفره للحج أو العمرة.(1/30)
أما منزل سماحته في الرياض فيقع في حي (عُلَيْشة) وتقع في الجنوب الغربي من الرياض، ويتكون من خمسة مبان، أو وحدات سكنية بسور واحد.
أما الوحدة الأمامية من جهة الجنوب فتتكون من مجلس، ومكان للطعام، ومكتبة، ومطبخ، ومكان لإعداد القهوة، ودورات مياه، ومكتب البيت.
وما فوق هذه الغرف تابع للمكتب، وسكن للعمال من سائقين وطباخين.
وتحت ذلك دور أرضي يشتمل على مستودعات تابعة للبيوت، وسكن لبعض السائقين، وغرفة كبيرة للضيوف.
وجميع ما في هذه الوحدة خاص بموظفي المكتب، والضيوف، والعمالة.
أما الوحدة الثانية فهي سكن لأم عبدالله زوجة الشيخ الأولى.
أما الوحدة الثالثة فهي سكن لأم أحمد زوجة الشيخ الأخيرة.
أما الوحدة الرابعة فهي سكن لابنه عبدالله.
أما الوحدة الخامسة فهي سكن لابنه أحمد.
وجميع هذه الوحدات في محيط واحد ويجمعها سور واحد_كما مر_.
وبين كل وحدة ووحدة جدار وباب يفصل بعضها عن بعض، ويُدْخِل بعضها في بعض.
فإذا أراد سماحة الشيخ الخروج للعمل خرج من بيت الزوجة التي هو عندها إلى الوحدة الأمامية، التي تشتمل على مجلسه، ومكتب البيت، وإذا قدم من عمله دخل من جهة الوحدة الأمامية نفسها، وإذا انتهى مجلسه دخل الوحدات الداخلية إلى أي من الوحدتين اللتين تسكنهما زوجتاه.
أما مسكنه في الطائف فهو يشتمل على مقدمة المنزل وهي تحتوي على مجالس، ومساكن الموظفين، والضيوف والمطبخ.
أما آخر المنزل فهو خاص بأسرة سماحته، وبينهما باب يدخل منه الشيخ ويخرج.
وهكذا منزله في مكة.
والمقصود من ذكر صفة منزله أن يقف القارئ على متابعة سماحته للأعمال سواء في الدوام، أو في المنزل، ولأجل أن يدرك معنى ما يرد في ثنايا الصفحات إذا قيل دخل مكتب البيت، ثم دخل داخل منزله، ونحو ذلك، فهذا هو وصف منازله الثلاثة خصوصاً في سنواته العشرين الأخيرة.
لما كان سماحة الشيخ في الدلم إبان عمله هناك في القضاء_كان يأتي للرياض، وكانت الدلم مقر إقامته.(1/31)
إلى أن استقر في الرياض عام 1371هـ 1381هـ.
ولما كان في الجامعة الإسلامية في عام 1381هـ إلى 1395هـ كان يقيم في المدينة، ويتردد كثيراً على الرياض وكان يستأنف الدروس والمحاضرات فور وصوله الرياض.
كما كان_أيضاً_يتردد على الرياض للتدريس في المعهد العالي للقضاء.
وإليك هذا الكتاب الذي يؤكد أنه كان يأتي للرياض للغرض المذكور، بناء على أمر سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم×.
بسم الله الرحمن الرحيم
حضرة صاحب الفضيلة نائب المفتي لشؤون الكليات والمعاهد العلمية وفقه الله آمين
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
سلمكم الله بناء على أمر سماحة رئيس الكليات والمعاهد البرقي بتعميدي بالتوجه إلى الرياض للقيام بالتدريس في المعهد العالي للقضاء توجهت إلى الرياض في 3/9/1386هـ، واستأجرنا سيارة ابتداء من 4/9 المذكور إلى 1/11/1386هـ بأجرة يومية قدرها أربعون ريالاً.
وجميع الأيام المشار إليها 57 يوماً.
فأرجو من فضيلتكم تعميد الجهة المختصة بصرفها بيد صاحب السيارة فهد بن حمدان، أثابكم الله وتولاكم والسلام
…………نائب رئيس الجامعة الإسلامية
…………عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
…………7/11/1386هـ
وبعد أن انتقل إلى رئاسة الإفتاء والدعوة والإرشاد في نهاية عام 1395هـ استقر في الرياض، وصار يقضي أشهر الصيف الأربعة في الطائف؛ حيث تنتقل أعمال الرئاسة إلى هناك، ثم يعود بعد ذلك إلى الرياض.
وكان يمضي خمسة عشر يوماً إلى عشرين يوماً في مكة المكرمة في شهر رجب أو شعبان؛ حيث تنعقد مجالس الرابطة أو غيرها في ذلك الوقت.
وفي اليوم الثامن عشر أو التاسع عشر من شهر رمضان يتوجه إلى مكة المكرمة، ويمكث فيها إلى الثامن والعشرين من رمضان ثم يعود إلى الرياض.
وفي الخامس والعشرين من ذي القعدة يتوجه إلى مكة ويستمر فيها إلى نهاية شهر ذي الحجة تقريباً، حيث يؤدي فريضة الحج، وينجز كثيراً من الأعمال هناك، سواء الرسمية منها أو غير الرسمية.(1/32)
ومما كان يقوم به هناك أنه كان ينظر في حاجات الفقراء والمساكين، والمحتاجين المقيمين في مكة.
كما كان×يلقي الدروس في مسجده، وذلك بعد العصر، وقبل العشاء، وبعد صلاة الفجر أحياناً.
كما كان يلقي المحاضرات في دار الحديث الخيرية، وفي نادي مكة الأدبي، ويلقي في جدة بجامع الملك سعود، أو جامع الأمير متعب.
كما كان يلتقي أهل العلم والدعاة هناك، ويجيب على إشكالاتهم وأسئلتهم، ويحثهم على بذل المزيد من الجهود.
أما بقية أيام السنة فيكون في الرياض؛ فهذا نظامه السنوي، منذ أن عاد إلى الرياض من المدينة.
يقوم سماحة الشيخ×قبل الفجر بساعة تقريباً؛ لأداء صلاة التهجد؛ حيث يصلي إحدى عشرة ركعة كلها خشوع، وتضرع، ودعاء كثير، وكان يكثر في ذلك الوقت من الذكر، وقراءة القرآن، والدعاء للمسلمين وولاة أمورهم، ويختم بالاستغفار.
وبعد أذان الفجر أو قبله يذهب إلى المسجد بسكينة ووقار وذل لله، فإذا خرج من المنزل قال الدعاء المأثور، ثم إذا وصل المسجد قدم رجله اليمنى، ودعا بما ورد، ثم صلى السنة الراتبة، وأكثر من الأدعية، ثم يؤدي صلاة الفجر، وبعدها يأتي بالأذكار الواردة بعد الصلاة، ثم يمكث طويلاً لورده اليومي من الأدعية والأذكار الصباحية.
وبعد ذلك يبدأ الدرس المعتاد الذي ربما زاد وقته على ثلاث ساعات؛ حيث تُقرأ عليه الكتب المتعددة المتنوعة، وبعد ذلك يجيب على الأسئلة الكثيرة بكل عناية ودقة، ثم ينصرف بعد ذلك إلى منزله.
وإذا لم يكن عنده درس انصرف إلى منزله بعد أن يأتي بورده اليومي الصباحي.
ثم يجلس في المنزل ما يقارب الساعتين؛ حيث تعرض عليه بعض المعاملات المهمة، أو تقرأ عليه بعض الكتب أو البحوث، وفي ذلك الوقت_أيضاً_يقوم سماحته بالنفث والرقية في بعض أواني المياه، أو قوارير الزيت، أو العسل التي أتى بها أصحابها؛ ليقرأ فيها سماحته.(1/33)
وبعد ذلك يتوجه سماحته إلى داخل منزله، لأخذ قسط من الراحة، وقد يجلس على سريره دون نوم_كما يقول ذلك هو_.
وبعد الساعة الثامنة ينهض، ويتهيأ للإفطار ثم يتوضأ ويصلي ركعتين، ثم يتوجه إلى المكتب بسكينة وعزيمة وهمة.
وفور ركوبه السيارة تُعْرَض عليه بعض القضايا، أو تقرأ عليه بعض الكتب، وإذا وصل المكتب وتَرَجَّل ماشياً عرضت عليه_أيضاً_بعض الكتابات، أو القضايا إلى أن يصل إلى مكتبه.
وإذا استقر في مكتبه واصل القيام بالأعمال العظيمة التي لا يقوم بها الجماعة الكثيرة من الرجال الأقوياء الأشداء؛ حيث تعرض عليه القضايا، ويستقبل الوفود، ويجيب على السائلين، ويؤدي الأعمال المنوطة به في المكتب، ويأتيه المطلقون إلى غير ذلك مما لا يمكن حصره، مما سيرد ذكره بعد قليل.
وهكذا يستمر عمله إلى الساعة الثانية والنصف أو بعدها بقليل، حيث يكون آخر من يخرج من العمل.
وبعد ذلك يتوجه إلى منزله، وفي الطريق إلى المنزل يُواصَل عَرْضُ القضايا أو قراءة الكتب عليه، وكثيراً ما كان يستمع إلى أخبار الثانية والنصف ظهراً عبر المذياع وهو في الطريق إلى منزله.
وإذا لم يكن معه من يقرأ عليه قطع الطريق بالذكر، وقراءة القرآن.
وإذا وصل إلى منزله وجد الجموع الغفيرة من الأجناس المتعددة ومن ذوي الحاجات المتنوعة بانتظاره؛ فهم ما بين مستفت ومُسَلِّمٍ، ومطلِّق، وطالب حاجة، وفقير، ومسؤول، وزائر من قريب أو بعيد.
وبعد أن يصل إليهم يلقي السلام عليهم، ويدعوهم إلى تناول طعام الغداء على مائدته، ثم يقوم الحاضرون إلى الغداء، ويجلس سماحته بينهم يتناول طعام الغداء، ويباسطهم، ويسأل عن أحوالهم، ويجيب عن أسئلتهم، وإذا انتهى من الغداء تأنى قليلاً؛ كيلا يعجلهم، وإذا قام قال: كلٌّ براحته، لا تعجلوا.
وإذا قام لغسل يديه بدأت الأسئلة، تلقى عليه وهو في الطريق إلى المغسلة، ومن بعدها يعود إلى المجلس.(1/34)
وإذا كان الوقت متأخراً ووقت صلاة العصر قد اقترب توضأ، وتابع المؤذن، ثم توجه إلى المسجد.
وإذا كان في الوقت متسع رجع إلى المجلس، وتناول الشاي مع الضيوف، وتطيب معهم، ثم توجه إلى داخل المنزل قليلاً، ثم يخرج وقت أذان العصر.
وبعد ذلك يتوجه إلى المسجد ويؤدي الصلاة، وبعد ذلك يقرأ الإمام ما تيسر من كتاب رياض الصالحين للنووي، أو الوابل الصيب لابن القيم، أو كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب، أو غيرها من الكتب، ثم يشرع سماحته بشرح ما قرئ، ثم توجه إليه الأسئلة، فيجيب عليها، ثم يرجع إلى منزله؛ لأخذ بعض الراحة، وفي الطريق إلى المنزل يجيب على ما تيسر من أسئلة الجموع الغفيرة المحيطة به.
وقبل المغرب يتوضأ سماحته، ويذهب لصلاة المغرب، وبعد الصلاة يأتي للمنزل، ويؤدي السنة الراتبة، ثم يجلس للناس جلسته المعتادة إذا لم يكن لديه محاضرة، أو تعليق على ندوة.
وفي مجلسه المعتاد يؤدي من الأعمال العظيمة ما قد لا يخطر على بال كما سيأتي بيان ذلك في صفة مجلسه.
وإذا أُذِّن بصلاة العشاء تابع المؤذن ثم قام للصلاة، وترك جميع الأعمال، وإذا دخل المسجد، وأدى تحية المسجد بدأ الإمام يقرأ بعض الأحاديث، ثم يشرع سماحة الشيخ في شرحها، وإيضاحها، ثم تنهال عليه الأسئلة بعد ذلك، فيجيب على ما تيسر منها.
وبعد صلاة العشاء يعود إلى منزله إذا لم يكن لديه موعد خارج المنزل أو محاضرة، أو إجابة دعوة خاصة، أو وليمة زواج، أو زيارة مريض، أو نحو ذلك.
وإذا رجع للمنزل جلس لقراءة بعض المعاملات عليه، أو راجع بعض الكتب، وربما كان لديه اجتماع أو أكثر داخل المنزل، وربما كان لديه ضيوف، وربما كان لديه موعد تسجيل إذاعي، أو محاضرة يلقيها عبر الهاتف لأناس خارج المملكة.
وبعد ذلك يتناول طعام العشاء مع ضيوفه، وموظفي مكتب المنزل، ومن حضر عموماً.(1/35)
وبعد تناول العشاء؛ يعود لإكمال ما شرع فيه من عمل قبل العشاء، أو يكمل الجلوس مع ضيوفه، أو يجلس لقراءة بعض الكتب، أو إنهاء بعض المعاملات حتى ساعة متأخرة؛ إما الحادية عشرة أو الثانية عشرة، ثم ينصرف بعد ذلك إلى داخل منزله، ويمشي على قدميه مدة نصف ساعة تقريباً، ثم يأوي إلى فراشه.
وهكذا كان يقضي سحابة يومه في عمل وهمة ونشاط وأنسٍ يسري منه إلى من حوله.
سماحة الشيخ×يجلس للناس جلساتِه المعتادةَ بعد مغرب كل يوم إذا لم يكن لديه محاضرة، ويجلس يوم الخميس من الساعة الحادية عشرة أو قبلها إلى قبيل العصر، ويجلس يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة إلى العصر، ويجلس بعد مجيئه من الدوام وتناول الغداء إلى أذان العصر إذا كان في الوقت متسع؛ فهذه_تقريباً_هي جلساته المعتادة للناس عامة، سواء كان في الرياض أو مكة، أو الطائف، أو المدينة.
وإذا جلس للناس ضاق بهم المجلس، والتفوا حوله على اختلاف أجناسهم وحاجاتهم؛ فهذا عالم، أو مسؤول كبير جاء لزيارة سماحته، وهذا آخرُ قَدِمَ للسلام، وهذا قريب لسماحته، وهذا مستفتٍ عن أمر ما، وهذا مطلِّق، وهذا ذو حاجة، وهذا ذو مشكلة، ويريد حَلاً لها، وهذا مريد لشفاعة من سماحة الشيخ في أي أمر من الأمور، وهذا قادم للجلوس ورؤية الشيخ، وكيفية تعامله مع الناس، وهذه وفود أتت من داخل المملكة وخارجها لزيارة سماحته، وهذا فقير أتى؛ لينال ما ينال من بر سماحته وعطفه، وهذا وهذاإلخ.
فإذا قدم سماحة الشيخ إليهم ألقى السلام عليهم، ثم تتابعوا للسلام عليه؛ فإذا أخذ مكانه في صدر المجلس علا المجلس السكينة، والوقار، والأدب.
ويكون عن يمين سماحته وشماله اثنان من كتابه يعرضان عليه القضايا والكتابات التي تأتيه من كل مكان، فيتولى الرد عليها، والإجابة عنها، وهذان الكاتبان يتناوبان؛ إذ أن كل و احد منهما قد ملأ جعبته من الرسائل والمعاملات.
ويكون بجانب سماحته هاتفان لا يكاد يتوقف رنينهما.(1/36)
وما بين كل فينة وأخرى يتقدم طالب لحاجة أو مستفت فيعرض ما يريد على سماحته، وإذا قدم قادم إلى المجلس توجه إلى سماحته فسلم عليه فيرد سماحته السلام، ويلاطفه، ويسأله عن اسمه إن كان لا يعرفه، وإن كان يعرفه سأله عن أحواله وعن مشايخ بلده، وطلبة العلم فيه إن كان قادماً من بلد آخر، ثم يلح عليه بتناول طعام الغداء، والعشاء، ويلح عليه بالمبيت عنده.
وهكذا الحال مع كل قادم ولو أدى ذلك إلى قطع المكالمة وطَلَبِ الانتظار ممن يهاتف، ولو أدى_أيضاً_إلى إيقاف القراءة من أحد الكاتبين.
وبعد ذلك يعاود الحديث مع من هاتفه، أو السماع لمن يقرأ عليه.
فإذا رأيت هذا المشهد من كثرة الناس وكثرة حاجاتهم وتنوعها، ورأيت حال الشيخ مع الهاتف، ومع من يقرؤون عليه من كُتَّابه، ورأيت كثرة القادمين والمسلِّمين أيقنت أن جموعهم لن تَنْفَض، وأن تلك الحاجات والمعاملات تحتاج إلى مدة أسبوع في الأقل؛ ليتم التخلص من بعضها، وما هي إلا مدة يسيرة، ثم تَنْفَضُّ تلك الجموع بنفوس راضية، وصدور منشرحة؛ حيث يأخذ كل واحد منهم نصيبه من سماحته؛ إما بتوجيه معين، وإما بوعد صادق طيب، وإما بإجابة لسؤال، وإما باستجابة لطلب.
كل الذي تبغي الرجال تصيبه
حتى تَبَغِّي أن ترى شرواه
سيان بادىءُ فِعْلِهِ وتليُّهُ
كالبحر أقصاه أخو أدناه (5)
كل ذلك وسماحته يستقبلهم بصدر رحب، وجبين وضَّاح، ونفس كريمة، لا ينهر أحداً، ولا يكهره، مع ما يلقاه سماحته من كزازة، وسوء أدب، وكثرة إلحاح، ومقاطعة من بعض المراجعين، حتى إن الذي يحضر المجلس أول مرة ليعجب أشد العجب، ويظن أن سماحته يتكلف ما يقوم به، ولكن ذلك هو دأبه وأدبه؛ حتى لكأنه هو المعنيُّ بقول البحتري:
خُلُقٌ أتيت بفضله وسنائه
طبعاً فجاء كأنه مصنوع
وحديثُ مجدٍ منك أفرط حسنُه
حتى ظَنَنَّا أنه موضوع (6)
وبقوله:
سمحُ اليدين إذا احتبى في مجلس
كان الندى صفةً لذاك النادي
مُتَهَجِّدٌ يخفي الصلاة وقد أبى(1/37)
إخفاءَها أثرُ السجودِ البادي
انظر إليه إذا تلفَّت معطياً
نيلاً وقُلْ في البحر والوُرَّاد
وإذا تكلم فاستمع من خُطْبَةٍ
تجلو عمى المتحيِّر المرتاد
أفضى إليه المسلمون فصادفوا
أدنى البريةِ من تقى وسدادِ (7)
وإذا انصرفوا من عنده انصرفوا مسرورين، وكل منهم يظن أن له منزلة خاصة عند سماحة الشيخ.
وإذا أذن المؤذن بالعشاء أو الظهر، أو العصر أيَّاً كان وقت ذلك المجلس قطع سماحة الشيخ الحديث مع من يهاتفه، أو يحادثه، أو يسأله، أو يقرأ عليه، وشرع بمتابعة المؤذن ومن ثَمَّ يتوجه إلى المسجد.
وما إن ينتهي ذلك المجلس إلا وقد قام بأعمال عظيمة لا يقوم بها الجماعة من أولي القوة من الرجال، مع أن سماحته كفيف البصر، متقدم في السن، ومع أن كلمته هي الفصل التي يتوقف عليها أمور عظيمة خاصة أو عامة، فهذا دأبه في جميع مجالسه.
بعد أن يأتي سماحة الشيخ من درس الفجر في المسجد يدخل منزله، ويرتاح قليلاً، ويتناول الإفطار، ثم يمضي إلى عمله في المكتب في الرئاسة، وإن لم يكن عنده درس في المسجد فإنه يأتي بعد الفجر لمكتب البيت، ويستمر مدة ساعتين أو أكثر تعرض عليه المعاملات، وتقرأ عليه الكتب، والبحوث، والمقالات، ثم يدخل منزله ويرتاح قليلاً، ثم يتناول الإفطار، ويمضي إلى عمله في المكتب بعد أن يؤدي صلاة الضحى.
وفي الطريق من المنزل إلى العمل يقرأ عليه منذ خروجه من المنزل حتى يصل.
وإذا ترجَّل من السيارة عند وصوله مقر العمل استقبله الناس على اختلاف طبقاتهم وحاجاتهم، وفي طريقه من السيارة إلى مكتبه في رئاسه الإفتاء أو اللجنة يقضي حاجات كثيرة، ويجيب عن أسئلة عديدة في تلك الخطوات القليلة المعدودة.
وسماحة الشيخ يذهب إلى مكتبه، في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، يوم الأحد قبل الظهر، ويوم الثلاثاء قبل الظهر.
وإذا كان في اللجنة استمع إلى الفتاوى المعدة من قبل اللجنة، وبعد ذلك يتم تداول الرأي فيها مع أعضاء اللجنة قبل صدورها.(1/38)
وبعد الظهر من يوم السبت يذهب سماحته_أيضاً_إلى اللجنة الدائمة لقراءة الفتاوى الصادرة من اللجنة لإقرارها ثم طبعها تحت إشراف صاحب الفضيلة الشيخ أحمد بن عبدالرزاق الدويش.
أما ماعدا هذه الأوقات فيمضي وقته في مكتبه في الرئاسة، وهناك تعرض عليه أنواع المعاملات من مقالات، وأقوال صحف، وبحوث، وشفاعات، ونحوها.
وهناك يستقبل طلبات الناس، ويجيب عن أسئلتهم.
وهناك يرد على الهاتف، ويمنع من طرح سماعته.
وهناك يستقبل الزائرين، والمسلِّمين.
وهناك يعرض عليه الموظفون المعاملات الخاصة من مكاتبهم عبر الهاتف، أو يأتون إليه بها.
وهناك تعرض عليه أنواع المعاملات المتعلقة بالشؤون الإدارية للرئاسة، والمكاتبات الرسمية الواردة إلى سماحته من الجهات الحكومية، وكثير مما يتعلق بشؤون الدعوة إلى الله في الداخل والخارج، وقضايا الحسبة، والطلبات الشخصية من مشارق الأرض ومغاربها، ومن جموع المسلمين الذين يتوافدون إلى مكتبه؛ التماساً لمساعدته لهم، وتعرض عليه الاستفتاءات، ولا سيما قضايا الطلاق، والرضاع التي ينظر فيها سماحته بنفسه.
وهكذا يستمر عمله إلى نهاية الدوام، فيكون هو آخر الموظفين خروجاً، أو من آخرهم.
وإذا كان في مهمة عمل خارج المكتب سواء كان في الديوان الملكي، أو في اجتماع في مكان آخر، أو كان في مراجعة للمستشفى، أو كان في محاضرة في بعض القطاعات، ثم انتهى من مهمته_سأل عن الساعة. فإذا قيل_مثلاً_: الساعة الثانية أو أكثر أو أقل قال: نذهب إلى المكتب، فإذا قيل له: ضاق الوقت، وما بقي إلا القليل، ولا يستحق أن يُذْهَب لأجله قال: ولو! نقضي بعض الأعمال في هذا الوقت.
وإذا كان في الطائف فإنه لا يعود إلى الرياض إلا بعد نهاية الانتداب، أو أن يؤذن له من ولي الأمر دون طلب منه.
وفي الطائف يواصل إلقاء الدروس، ويلقي محاضرات كثيرة في أماكن عدة، كالقاعدة الجوية، ومدارس سلاح الإشارة، وفي السجن.(1/39)
وفي عامه الأخير بدأ الانتداب إلى مكة المكرمة في 1/12/1419هـ حتى 21/12/1419هـ، ولكنه مكث في الرياض بسبب مشورة الأطباء؛ لأنه لم يتحمل الذهاب للحج.
ولما سئل عن المدة التي مكثها في الرياض؛ لتحسب له، قال: لا تحسب لي انتداباً؛ لأنني لم أذهب !!
ولما أخبر بأن الموظفين الذين كانوا معه ليس لديهم مانع من السفر إلى مكة، ولكنهم جلسوا؛ مراعاة لمصلحته، أبى أن تحسب لهم انتداب تلك المدة.
فلما ألحوا عليه، قال: نعطيهم من عندنا.
للصلاة منزلة كبرى، وقدر عظيم عند سماحة الشيخ×.
ومما يحضرني في شأن الصلاة عند سماحته ما يلي:
1_ كان قلبه معلقاً بالمساجد، فلا يشغله عن الصلاة والتبكير إليها كثرةُ الأعمال، ولا تزايد المراجعين.
2_ إذا تأخر المؤذن قليلاً عن وقت الأذان أخذ سماحته يتساءل: ألم يحن الأذان بعد ؟
3_ إذا سمع سماحته الأذان بادر إلى متابعته، وترك جميع ما في يده من الأعمال، وإذا كان أحد يحادثه، أو يهاتفه قال: يؤذن؛ ليشعر مَنْ يحادثه أو يهاتفه بأنه سيتابع المؤذن.
وإذا أذن المؤذن وسماحته في مكالمة مهمة من خارج المملكة، أو مع شخص كبير الشأن ثم انتهى من المكالمة أعاد متابعة الأذان ولو بعد انتهاء المؤذن.
4_ إذا انتهى المؤذن، وانتهى سماحته من متابعته، شرع بالأذكار الواردة بعد الأذان؛ حيث يصلي على النبي"ويقول: ماورد في البخاري =اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته+ وزاد البيهقي في آخره بإسناد يقول سماحته: إنه حسن: =إنك لا تخلف الميعاد+.
ويقول_أيضاً_بعد الأذان ما رواه مسلم: =أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله رضيت بالله ربَّاً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً+.
5_ وإذا أتى بما ورد بعد الأذان قام من فوره إلى المسجد، وقال: الصلاة الصلاة، ولا يلتفت إلى شيء، وربما قام فور سماعه الأذان، وتابع المؤذن وهو يسير.(1/40)
وإذا قال له أحد: لقد أتيتُ من بعيد فإن سماحته يقول: حدثني بما تريد ونحن نسير إلى المسجد، أو ائت بعد الصلاة، أو في وقت آخر.
6_ وإذا خرج من منزله إلى المسجد قال دعاء الخروج الذي رواه أبو داود والنسائي، والترمذي بإسناد يحسنه سماحته، ونص الدعاء: =بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله+.
ويقول_أيضاً_ما جاء في حديث أم سلمة_رضي الله عنها_الذي رواه أحمد، وأبو داود والترمذي، وابن ماجه: =اللهم إني أعوذ بك أن أضِلَّ، أو أُضَلَّ، أو أزِلَّ أو أُزَلَّ، أو أجهَل أو يُجْهَل عليّ+ وهذا لفظ أبي داود وإسناده صحيح كما يقول سماحته.
7_ وبعد ذلك يسير إلى المسجد مُسَبِّحا، مستغفراً، مهللاً، مصلياً على النبي".
8_ وإذا دخل المسجد قدم رجله اليمنى، وسلم على النبي"وقال: =اللهم افتح لي أبواب رحمتك+ رواه مسلم وأبو داود واللفظ لأبي داود.
ويقول: =أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم+ أخرجه أبو داود بإسناد حسن كما قال سماحته×.
9_ وإذا خرج من المسجد سلم على النبي"وقال: =اللهم إني أسألك من فضلك+ رواه مسلم وأبو داود واللفظ له.
وكذلك يسلم على النبي"ويقول: =اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم+ أخرجه ابن ماجه بإسناد صحيح كما يقول سماحته×.
10_ وإذا فرغ من الصلاة شرع بالإتيان بالأذكار الواردة بعد التسليم من صلاة الفريضة، فكان فور تسليمه يستغفر ثلاثاً، ثم يقول: =اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبدإلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون+.(1/41)
وبعد ذلك يسبح الله ثلاثاً وثلاثين، ويحمده مثل ذلك، ويكبره مثل ذلك، ويقول تمام المائة: =لا إله ولا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير+، وكان×يعقد التسبيح بيمينه.
ويقرأ آية الكرسي، و[قل هو الله أحد]، و[قل أعوذ برب الفلق]، و [قل أعوذ برب الناس بعد كل صلاة].
وبعد المغرب والفجر يكرر هذه السور الثلاث ثلاث مرات، ويزيد: =لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير+ عشر مرات.
11_ لا أعلم أنه ترك سنة من السنن الثابتة في الصلاة.
12_ الخشوع الظاهر على جوارحه في الصلاة؛ فإذا دخل سماحته في الصلاة نسي كل شيء من أمر الدنيا، وكأنه يصلي صلاة مودع؛ حيث يبدأ بالسواك، ويكبر، ويضع يديه على صدره؛ فإذا رأيته رأيت رجلاً قد نبذ الدنيا وزخارفها خلف ظهره؛ حيث تسكن جوارحه، فلا يرفع رجلاً ولا يداً، ولا يتحرك أي حركة إلا ما تدعو إليه الحاجة.
13_ المحافظة التامة على أداء الصلاة كما صلاها رسول الله"حتى إنه في آخر أيام حياته، ومع شدة وطأة المرض عليه_كان يصلي صلاته المعتادة، وكأنْ لم يكن به بأس قط؛ فصلاته هي هي، حتى فارق الدنيا.
14_ الاعتدال في أداء الصلاة؛ فصلاته كانت معتدلة متوازنة، لا إفراط فيها، ولا إخلال، حتى إنني تَقَصَّدت أن أحسب وقت أدائه لصلاة الظهر مدة أسبوعين، فوجدتها ثمان دقائق لا تزيد ولا تنقص.
15_ كان يرفع يديه إلى حذو منكبيه عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وبعد القيام من التشهد الأول في الثلاثية والرباعية.
16_ كان يستفتح الصلاة كثيراً بصيغة: =اللهم باعد بيني وبين خطاياي+ الحديث.
17_ كان يجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن الفخذين، والفخذين عن الساقين في جميع سجداته.
18_ كان يتورك في التشهد الأخير من الرباعية أو الثلاثية.(1/42)
19_ كان يقبض أصابعه في جلوسه للتشهد، ويشير بالسبابة في التشهد الأول والثاني من حين يجلس إلى نهاية التشهد، ويحركها عند الدعاء.
20_ كان يمد ظهره عند الركوع، ويساوي به رأسه.
21_ كان يمد ظهره في السجود.
22_ كان ينصب رجله اليمنى، ويجلس على اليسرى عند الجلوس في الصلاة.
23_ كان يستعمل السواك عند كل صلاة، وكان يستاك بعد كل تسليمة من صلاة الليل، أو التراويح إذا أراد القيام لصلاة أخرى.
24_ كان يحافظ على السنن الرواتب.
25_ لما كان إماماً للجامع الكبير كان يصلي راتبة الفجر في منزله، ثم يضطجع، ثم يذهب إلى الجامع ليؤم الناس.
ولما ترك إمامة الجامع وصار مأموماً في آخر عمره صار يصلي راتبة الفجر في المسجد.
26_ كان يجلس جلسة الاستراحة، ويرى سنيتها في الفريضة فقط، وإذا سئل عن النافلة قال: لم يرد في النافلة شيء.
27_ كان يذهب إلى المسجد ماشياً لما كان إماماً في الجامع الكبير، والمسافة بين منزله والمسجد كانت تقرب من الكيلو متر.
ولما كان في المدينة النبوية، كان يذهب من منزله إلى الحرم ماشياً، مع أن بيته يبعد عن الحرم مسافة كيلو ونصف تقريباً.
28_ كان من دأب الشيخ×قيام الليل؛ حيث يقوم للتهجد قبل الفجر بساعة تقريباً، فكان يصلي إحدى عشرة ركعة بتأنٍّ، وطمأنينة، وخشوع وبكاء، وكان يكثر في ذلك الوقت من الذكر، والاستغفار، والدعاء، وسؤال الله التسديد، والإعانة على كل خير، وكان في آخر عمره يصلي التهجد متربعاً.
29_ وكان لا يدع قيام الليل حتى في السفر؛ بل لم يكن يَدَعُ قيام الليل، حتى ليلة المبيت بالمزدلفة في الحج؛ حيث كان يقوم للتهجد في المزدلفة، فلما سألته عن ذلك قال: المزدلفة وغيرها سواءٌ في القيام، وإذا قيل لسماحته: إن حديث جابر÷في صفة حجة النبي"لم يُذْكَر فيه أن النبي"قام للتهجد ليلة المزدلفة_فإن سماحته×يعلله بأنه ربما خفي على جابر÷.
30_ كان×هو الذي ينبه أولاده، والعاملين لديه في بيته لصلاة الفجر.(1/43)
وقد ذكر لي أنه يتصل على أحد عشر رقماً؛ لإيقاظهم للصلاة، وإذا رد عليه أحد منهم، سلم عليه سماحةُ الشيخ، وقال: الحمد الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور.
31_ في بعض الأحيان؛ يكون عند سماحة الشيخ أناس من كبار ذوي الشأن فإذا أذن المؤذن قام للمسجد، وإذا عرض عليه أحد موضوعه وهو يسير إلى المسجد لم يقف سماحته، بل يقول: اسأل ونحن نسير.
وإذا كان مع صاحب الحاجة أوراق، أو كان موضوعه يحتاج إلى وقت طويل قال لصاحب الحاجة: ائت إلينا في وقت آخر، أو في المكتب، وأحياناً يقول له بعضهم: يا شيخ أنا من مكان بعيد، وأريد أن أسافر، فيرد عليه الشيخ قائلاً: اكتب لنا ونحن نجيبك، أو قال: سافر، نستودع الله دينك، وأمانتك، وخواتيم أعمالك، زودك الله من التقوى.
32_ كان يصلي قبل العصر أربع ركعات بسلامين.
33_ كان إذا جاء إلى المسجد قبل صلاة الفجر، يشتغل بالذكر والدعاء إلى أن تقام الصلاة، ولم يكن يشتغل بقراءة القرآن، وهكذا كان يصنع قبل المغرب من يوم الجمعة.
34_ وإذا فرغ المؤذن من جمل الإقامة شرع سماحته بالدعاء الوارد: =اللهم رب هذه الدعوة التامة+ إلخ.
35_ يرى سماحته أن الصواب وجوب قراءة الفاتحة على المأموم في جميع الصلوات السرية والجهرية، وأن المشروع في حق المأموم أن يقرأ بها في سكتات الإمام، فإن لم يكن له سكتة قرأ بها ولو كان الإمام يقرأ.
36_ كان إذا أتى المسجد، وصلى الراتبة، أو تحية المسجد سلم على الذي عن يمينه، ثم سلم على الذي عن شماله.
37_ وكان إذا صلى صلى إلى سترة، وكان يدنو منها، وكثيراً ما يمدُّ يدَه؛ حتى يتأكد من قربه منها.
38_ يرى أن السنة للإمام في صلاة الجمعة ألا يقرأ الغاشية في ركعتين، بل يرى أن يقرأ الأعلى في ركعة، والغاشية في ركعة، أو يقرأ غيرهما.(1/44)
وأذكر أن سماحته، صلى الجمعة في الحرم المكي في يوم من الأيام، فقرأ إمام الحرم بعض سورة الغاشية في الركعة الأولى، وباقيها في الركعة الثانية، فنبَّهه سماحة الشيخ، وقال: الأولى أن تقرأ الأعلى في ركعة، والغاشية في ركعة، هكذا السنة.
فقال إمام الحرم: أنا أعلم ذلك، ولكن لما نظرت إلى الناس، وقد اشتد عليهم الحر رأيت التخفيف عليهم.
فقال سماحة الشيخ: ولو ! هذه هي السُّنَّة.
=حادثة عجيبة تدل على حرص سماحة الشيخ على الصلاة+
كما مر أن سماحة الشيخ×كان شديد المحافظة على صلاة الجماعة، وإليك هذه الحادثة التي تؤكد ذلك.
في يوم من الأيام كان سماحة الشيخ على موعد بعد صلاة الفجر، فلم يصلِّ في المسجد، وذهبنا بعد الصلاة إلى منزل سماحته وانتظرناه، وقلقنا عليه، فخرج علينا وسأل عن الوقت، فأخبرناه بأن الجماعة قد صلوا.
وكان×متعباً في الليل، ولم ينم إلا في ساعة متأخرة، وبعد أن قام للتهجد اضطجع فأخذه النوم، ولم يكن حوله أحد يوقظه، أو يضبط له الساعة المنبهة.
وبعد أن علم أن الناس قد صلوا صلى، وقال للأخوين الزميلين الشيخ عبدالرحمن العتيق، والأخ حمد بن محمد الناصر: هذه أول مرة تفوتني صلاة الفجر، وقد نام النبي"في غزوة خيبر عن صلاة الفجر، وأمر بالانتقال من ذلك المكان، وقال: =إن فيه شيطاناً+.
وهذه الحادثة أفادتنا أن سماحة الشيخ×كان شديد المحافظة على صلاة الجماعة؛ إذ كيف لا تفوته صلاة الفجر مع الجماعة طيلة عمره المديد إلا مرة واحدة ؟!
=كلمة لسماحة الشيخ في صلاة الجماعة+
هذه كلمة وجدت في طي أوراق سماحة الشيخ لما كان رئيساً للجامعة الإسلامية، حيث تكلم فيها على أهمية صلاة الجماعة، وإليك نصها ؟
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى من يراه من المسلمين وفقهم الله لما فيه رضاه ونظمني وإياهم في سِلْكِ مَنْ خافه واتقاه آمين
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:(1/45)
فقد بلغني أن كثيراً من الناس قد يتهاونون بأداء الصلاة في الجماعة، ويحتجون بتسهيل بعض العلماء في ذلك؛ فوجب عليّ أن أبين عظم هذا الأمر وخطورته، وأنه لا ينبغي للمسلم أن يتهاون بأمر عظّم الله شأنه في كتابه العظيم، وعظّم شأنَه رسوله الكريم_عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم_.
ولقد أكثر الله_سبحانه_من ذكر الصلاة في كتابه الكريم، وعظّم شأنها، وأمر بالمحافظة عليها، وأدائها في الجماعة، وأخبر أن التهاون بها، والتكاسل عنها من صفات المنافقين؛ فقال_تعالى_:في كتابه المبين: [حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ] البقرة: 238.
وكيف تعرف محافظة العبدعليها وتعظيمه لها وقد تخلّف عن أدائها مع إخوانه وتهاون بشأنها؟
وقال_تعالى_: [وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ] البقرة: 43.
وهذه الآية الكريمة نصٌّ في وجوب الصلاة في جماعة، والمشاركة للمصلين في صلاتهم، ولو كان المقصود إقامتها فقط لم تظهر مناسبة واضحة في ختم الآية بقوله_سبحانه_: [وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ] البقرة: 43 لكونه قد أمر بإقامتها في أول الآية.
وقال_تعالى_: [وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ]النساء: 102 فأوجب_سبحانه_الصلاة في جماعة في حال الحرب فكيف بحال السلم؟
ولو كان أحدٌ يُسامَح في ترك الصلاة في جماعة لكان المصافُّون للعدوِّ، المُهَدَّدون بهجومه عليهم أولى بأن يسمح لهم في ترك الجماعة؛ فلما لم يقع ذلك عُلِم أن أداء الصلاة في جماعة من أهم الواجبات، وأنه لا ينبغي لأحد التخلّف عن ذلك.(1/46)
وفي الصحيحين عن أبي هريرة÷عن النبي"أنه قال: =لقد هممت أن آمر بالصلاة، فتقام، ثم آمر رجلاً أن يصلي بالناس، ثم أنطلق برجال معهم حِزَمٌ من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم+ الحديث.
وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن مسعود÷قال: =لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق عُلِم نفاقُه أو مريض؛ إن كان المريض ليمشي بين الرجلين حتى يأتي الصلاة+.
وقال: =إن رسول الله"علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه+.
وفيه_أيضاً_عنه قال: =من سرّه أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هذه الصلوات حيث ينادى بهن؛ فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنّة نبيكم، ولو تركتم سنّة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر، فيحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف+.
وفي صحيح مسلم_أيضاً_عن أبي هريرة÷أن رجلاً أعمى قال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يلائمني إلى المسجد، فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي ؟
فقال له النبي": =هل تسمع النداء بالصلاة ؟ قال: نعم، قال: فأجب+.(1/47)
والأحاديث الدالة على وجوب الصلاة في الجماعة، وعلى وجوب إقامتها في بيوت الله التي أذن الله أن ترفع، ويذكر فيها اسمه كثيرة جدَّاً؛ فالواجب على كل مسلم العناية بهذا الأمر، والمبادرة إليه، والتواصي به مع أبنائه، وأهل بيته، وجيرانه، وسائر إخوانه المسلمين، امتثالاً لأمر الله ورسوله، وحذراً مما نهى الله عنه ورسوله، وابتعاداً عن مشابهة أهل النفاق الذين وصمهم الله بصفة ذميمة من أخبثها تكاسلهم عن الصلاة، فقال_تعالى_: [إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً] النساء: 142، 143.
ومتى ظهر الحق، واتضحت أدلته لم يَجُزْ لأحد أن يحيد عنه لقول فلان أو فلان، لأن الله_سبحانه_يقول: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً] النساء: 59.
ويقول_سبحانه_: [فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] النور: 63.
ولا يخفى ما في الصلاة في الجماعة من الفوائد الكثيرة، والمصالح الجمة، ومن أوضح ذلك التعارف، والتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق والصبر عليه، وتشجيع المتخلف، وتعليم الجاهل، وإغاظة أهل النفاق، والبعد عن سبيلهم، وإظهار شعائر الله بين عباده، والدعوة إليه_سبحانه_بالقول والعمل إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة.(1/48)
وفقني الله وإياكم لما فيه رضاه، وصلاح أمر الدنيا والآخرة، وأعاذنا جميعاً من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ومن مشابهة الكفار والمنافقين؛ إنه جواد كريم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
رئيس الجامعة الإسلامية بالمدنية المنورة
يتضاعف نشاط سماحة الشيخ، وبذلُه، وإحسانه، وعبادته في المواسم الفاضلة كرمضان، ووقت الحج؛ ففي رمضان يكثر سماحته من قراءة القرآن الكريم، والدعاء والذكر، والتهليل، والتسبيح، وكل عمل فيه أجر؛ فهو يبدأ يومه بتناول وجبة السحور، ثم يذهب لصلاة الفجر مع الجماعة في المسجد، وبعد الصلاة والإتيان بأذكار الصباح يعود إلى المنزل؛ لإنجاز بعض المعاملات المهمة، وقراءة الكتب، والبحوث وغيرها.
وإذا بدأ وقت الدوام الرسمي ذهب إلى المكتب في الرئاسة، وكثيراً ما يأتي إلى مقر العمل قبل بدء الدوام الرسمي، ويواصل حتى نهاية الدوام.
وإذا عاد من العمل اتجه إلى المسجد لأداء صلاة العصر، فيظل يقرأ القرآن حتى تؤدى الصلاة، وبعد الصلاة تقرأ عليه بعض الكتب ثم يعلق عليها، ويجيب على الأسئلة الموجهة إليه، ثم يتجه إلى منزله، ويدخل داخل المنزل لأخذ الراحة.
وقبل الأذان بعشر دقائق أو أكثر يأتي سماحته إلى مجلسه استعداداً للإفطار، وفي تلك الأثناء يجيب على الأسئلة الموجهة إليه مباشرةً من الحاضرين، أو التي تَرِدُ عبر الهاتف، وإلا اشتغل بالذكر والدعاء.
ويتناول مع سماحته الإفطار عدد كبير من الضيوف، والفقراء، والمساكين أو ذوي الحاجات الذين يتراوح عددهم ما بين الخمسين إلى المائة، وهذا إذا كان في الرياض، أما إذا كان في مكة في آخر الشهر فإن عدد الذين يتناولون معه الإفطار يتراوح ما بين المائتين إلى الثلاثمائة.
وإذا أُذِّن بالمغرب تناول الحاضرون الإفطار على مائدة سماحته وهو بينهم.(1/49)
وبعد الإفطار يتوجه إلى المسجد، وبعد الصلاة يعود إلى بيته، وينظر في حاجات الناس، ويرد على أسئلتهم، واستفساراتهم.
وقبل أذان العشاء يتناول الحاضرون طعام العشاء على مأدبة سماحته، ثم يدخل سماحته منزله بعد الأذان، ويتوضأ، ويتجه إلى المسجد، وبعد أداء تحية المسجد يقرأ عليه الإمام كتاباً من الكتب التي تتعلق بأحكام الصيام إما من كتاب الصيام من بلوغ المرام لابن حجر، أو المنتقى لمجد الدين أبي البركات ابن تيميه، أو مجالس شهر رمضان للعلامة الشيخ محمد ابن عثيمين×.
وبعد القراءة يعلق سماحته على ما قرئ، ثم يستقبل الأسئلة ويجيب عليها، ثم يصلي الفريضة مع الإمام، ويؤدي السنة الراتبة، ويواصل صلاة التراويح مع الإمام.
وبعد الانتهاء من الصلاة يتوجه إلى منزله، ويستقبل أهل الحاجات، ويجيب عن الأسئلة مشافهة أو عبر الهاتف، وينجز العديد من المعاملات المختلفة، وربما تخلل ذلك الوقت بعض الاجتماعات داخل مكتبة المنزل، أو تسجيل برنامج نور على الدرب، أو غيره.
هذا إذا كان باقياً في منزله، وإلا قد يذهب إلى مقر اللجنة الدائمة في رئاسة الإفتاء، ويمكث بعد صلاة التراويح هناك ساعتين أو ثلاث ساعات.
وفي الساعة العاشرة والنصف أو الحادية عشرة يدخل بيته؛ لأخذ نصيب من الراحة، وفي آخر الليل يقوم لتناول وجبة السحور وهكذا. .
وربما لا ينام طيلة اليوم في رمضان إلا أربع ساعات.
وفي العشر الأواخر يتوجه إلى مكة لأداء العمرة، والبقاء في مكة إلى نهاية رمضان.
هذه نبذة مختصرة لنظامه في شهر رمضان، وإلا فإن تفصيل ما يحدث في مجالسه قد مضى عند الحديث عن صفة مجلسه.
وخلال شهر رمضان ينجز من الأعمال ما يفوق الوصف، وما يعجز عنه الجماعة من أولي القوة من الرجال.
ويتضاعف عمله في العشر الأواخر أكثر وأكثر، فإذا ذهب إلى مكة في العشر الأواخر تزاحم الناس عليه، وأقبلوا بحاجاتهم وسؤالاتهم إليه.(1/50)
ومما يحضرني في هذا الشأن أن سماحته×ذهب في ليلة السابع والعشرين من رمضان لأداء صلاة التراويح في المسجد الحرام، وذلك عام 1412هـ تقريباً، وقد صلى سماحته في الدور العلوي للحرم، ولما انتهى من صلاة التراويح ورآه الناس، وتسامعوا بوجوده هناك أقبلوا عليه أرسالاً تلو أرسال.
وكنا معه في سطح الحرم، وكان عددنا ستة أشخاص، وحاولنا بكل ما نستطيع أن نبعد الناس عنه، أو نخففهم أو ننظم سلامهم عليه فما استطعنا، حتى كدنا نشتبك مع الناس؛ لأننا خفنا على سماحة الشيخ، بل لقد ضاق عليه النَّفَس، فَرُفِع على كرسي حتى يشم الهواء.
ولما رأينا صعوبة نزوله مع السلم الكهربائي أنزلناه عبر المصعد الذي يستعمله العمال الذين يعملون في الحرم، وما إن وصل سماحته إلى المصعد إلا وهو يتصبب عرقاً من زحام الناس، وما إن نزلنا إلى الأرض في ساحات الحرم الخارجية إلا والناس يتسابقون ويلتفون حوله.
وبالتي واللتيا تمكن سماحته من ركوب السيارة بعد أن اسود ثوبه من عرقه، وعرق الناس، وتزاحمهم عليه.
والعجيب في الأمر أن سماحة الشيخ لم يفارقه هدوؤه، ولا سكينته،
بل كان يبتسم، ولا يزيد على أن يقول: هداهم الله.
= كلمات لسماحة الشيخ في مضان +
لقد كان من عادة سماحة الشيخ×أنه يوجه كلمة لعموم المسلمين في بداية كل رمضان، يحثهم فيها على اغتنام الشهر، ويبين لهم بعض الأحكام التي تدعو إليها الحاجة.
وهذه الكلمات كان يرسلها إلى وسائل الإعلام؛ لكي تبثها.
وإليك هذه النماذج من تلك الكلمات التي وجدت في طي أوراق سماحته:
1_ هذه كلمة بعنوان: =الفطر يوم تفطرون+ وقد أملاها سماحة الشيخ×عام 1385هـ لما كان نائباً لرئيس الجامعة الإسلامية؛ فإليك نصها:
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد:(1/51)
فقد شاء الله سبحانه أن تثبت رؤية هلال شوال هذا العام أعني عام 1385هـ عند سماحة مفتي البلاد السعودية بشهادة عدلين، فأمر وليُّ الأمر باعتمادها، والإفطار بموجبها، فأفطر الناس في هذه البلاد بهذه الرؤية الشرعية.
وشاء الله_سبحانه_أن تكون منازل الهلال في أول شوال ضعيفة؛ فأوجب ذلك شكَّاً لبعض الناس، وريباً فيما وقع من الإفطار، حتى سألني بعض الناس عن يوم العيد: هل يقضى لكون الظاهر عند السائل عدم صحة الرؤية ؟
ولما رأيت الخوض بين الناس في هذا الموضوع أحببت أن أكتب كلمة في ذلك تتضمن بيان الأمر الشرعي في هذه المسألة؛ رجاء أن يزول اللبس عمن وقع في نفسه شيء من هذا الأمر.
فأقول: قد صح عن رسول الله"أنه قال: =صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له ثلاثين =، وفي لفظ آخر+ فأكملوا العدة ثلاثين+.
وصح عنه"أنه قال: =إنا أمة أُمِّية لا نكتب، ولا نحسب، الشهر هكذا، وهكذا، وهكذا+ وأشار بيديه ثلاث مرات وخَنَس إبهامه في الثالثة ثم قال: =الشهر هكذا وهكذا وهكذا+ بأصابعه كلها، أراد بإشارته الأولى إلى أن الشهر يكون تسعاً وعشرين وأراد بإشارته الثانية إلى أن الشهر يكون ثلاثين.
وقال": =لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدة+.
وقال": =لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال، أو تكملوا العدة، ثم صوموا ولا تفطروا حتى تروا الهلال، أو تكملوا العدة ثلاثين+.
وأخرج أحمد، والنسائي بإسناد حسن عن عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب_رضي الله عنهما_عن جماعة من أصحاب الرسول"أن النبي"قال: =صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، وانسكوا لها، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا ثلاثين؛ فإن شهد شاهدان فصوموا وافطروا+.(1/52)
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وكلها تبين للأمة أنه لا اعتبار في الشرع المطهر للحساب، ولا لضعف منازل القمر، ولا لكبر الأهلة وصغرها، وإنما الاعتبار شرعاً بالرؤية الشرعية، أو إكمال العدة ولو كان ضعف المنازل أو صغر الأهلة مما يؤثر في الرؤية لنبَّه عليه النبي"وبينه للناس؛ لأنه_عليه الصلاة والسلام_هو أنصح الناس، وأقدرهم على البيان.
وقد أوجب الله عليه أن يبلغ للناس ما نزل إليهم من ربهم، وقد فعل ذلك_عليه الصلاة والسلام_على خير وجه وأكمله.
ومعلوم عند العقلاء أن الأهلة تختلف اختلافاً كثيراً بحسب قربها من الشمس وبعدها، وحسب صفاء الجو وكدره، وحسب اختلاف أبصار الناس في القوة والضعف؛ ولذلك أناط المصطفى"الحكم في هذا الأمر العظيم بالرؤية، وإكمال العدة، ولم يجعل مناطاً آخر؛ فعلم بذلك أن من علّق الحكم في الرؤية بأمر ثالث فقد شرع في الدين ما لم يأذن به الله، وقد قال_سبحانه_في إنكار ذلك: [أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ]الشورى: 21.
وقال النبي": =من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد+.
وقد أيد النبي"هذا الأمر وأوضحه للأمة بنوع آخر من البيان، فقال_عليه الصلاة والسلام_: =الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تُضَحُّون+ أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة÷بإسناد حسن، لكن أبا داود لم يذكر الصوم.
وخرَّج الترمذي وغيره، بإسناد جيد عن عائشة_رضي الله عنها_قالت: قال رسول الله": =الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يُضَحّي الناس+.
وخرَّج مسلم×عن ابن عباس_رضي الله عنهما_أن النبي"قال في الهلال: =إن الله مده للرؤية+، وفي رواية أخرى: =إن الله قد أمده لرؤيته؛ فإن أغمى عليكم فأكملوا العدة+.
وترجم عليه الإمام النووي×بما نصه =باب بيان أنه لا اعتبار بكبر الهلال وصغره، وأن الله أمده للرؤية فإن غم فليكمل ثلاثين+.(1/53)
وقال أبو وائل شقيق ابن سلمة: =أتانا كتاب عمر بن الخطاب÷أن الأهلة بعضها أكبر من بعض؛ فإذا رأيتم الهلال نهاراً فلا تفطروا حتى يشهد رجلان مسلمان أنهما رأياه بالأمس+.
قال الإمام النووي×أخرجه الدارقطني والبيهقي بإسناد صحيحأهـ.
وقال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية×في رسالة كتبها في الأهلة نقلها الشيخ العلامة عبدالرحمن بن قاسم في المجلد الخامس والعشرين من مجموع الفتاوى صفحة (132) ما نصه:
=فإنا نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن العمل في رؤية هلال الصوم، أو الحج، أو العدة، أو الإيلاء أو غير ذلك من الأحكام المعلقة بالهلال بخبر الحساب أنه يرى أو لا يرى_لا يجوز والنصوص المستفيضة عن النبي"بذلك كثيرة، وقد أجمع المسلمون عليه، ولا يعرف فيه خلاف قديم أصلاً+.
إلى أن قال صفحة (136):
=فالمقصود أن المواقيت حددت بأمر ظاهر بيّن يشترك فيه الناس، ولا يَشْرُك الهلال في ذلك شيء+.
إلى أن قال: =فظهر أنه ليس للمواقيت حد ظاهر عام المعرفة إلا الهلال+انتهى المقصود.
وقد أطال×في هذه الرسالة وأطاب، وأتى فيها بالعجب العجاب، ولولا خوف الإطالة لنقلت للقارىء منها كثيراً، ولكنها ميسرة بحمد الله لمن أراد الوقوف عليها.
وقد علم مما ذكرناه من الأدلة وكلام بعض أهل العلم أن ضعف المنازل، وقوتها وكبر الأهلة وصغرها واعتماد الحساب في دخول الشهور وخروجها، كل ذلك أمرٌ لا يعوّل عليه، ولا يلتفت إليه، بل هو خلاف الأدلة، وخلاف الإجماع.
وهذا هو المطلوب وأرجو أن يكون بذلك كفايةٌ ومُقْتَنَعٌ لطالب الحق، وكشفٌ لما قد يلبس به بعض الناس، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا به، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا وإمامنا محمد وآله وصحبه.
………نائب رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
………عبدالعزيز بن عبدالله بن باز(1/54)
2_ وهذه كلمة وجهها سماحة الشيخ لعموم المسلمين بمناسبة دخول شهر رمضان المبارك، وذلك لما كان رئيساً لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد؛ فإليك نصها:
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى من يراه من المسلمين وفقني الله وإياهم لاغتنام الخيرات وجعلني وإياهم من المسارعين إلى الأعمال الصالحات.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
أيها المسلمون: إنكم في شهر عظيم مبارك ألا وهو شهر رمضان، وشهر الصيام والقيام، وتلاوة القرآن شهر العتق والغفران، شهر الصدقات والإحسان، شهر تفتح فيه أبواب الجنات، وتضاعف فيه الحسنات، وتُقال فيه العثرات، شهر تجاب فيه الدعوات، وترفع الدرجات، وتغفر فيه السيئات، شهر يجود الله فيه_سبحانه_على عباده بأنواع الكرامات، ويجزل فيه لأوليائه العطيات، شهر جعل الله صيامه أحد أركان الإسلام؛ فصامه المصطفى"وأمر الناس بصيامه، وأخبر_عليه الصلاة والسلام_: =أن من صامه إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قامه إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه+.
شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم، فاستقبلوه_رحمكم الله_بالفرح والسرور، والعزيمة الصادقة، على صيامه وقيامه والمسابقة فيه إلى الخيرات، والمبادرة فيه إلى التوبة النصوح من سائر الذنوب والسيئات، والتناصح، والتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى كل خير؛ لتفوزوا بالكرامة والأجر العظيم.
وفي الصيام فوائد كثيرة، وحكم عظيمة، منها تطهير النفس، وتهذيبها، وتزكيتها من الأخلاق السيئة كالأشر والبطر، والبخل، وتعويدُها على الأخلاق الكريمة كالصبر، والحلم، والجود، والكرم، ومجاهدة النفس فيما يرضي الله، ويقرب لديه.(1/55)
ومن فوائد الصوم أنه يعرف العبدنفسه، وحاجته، وضعفه، وفقره، لربه ويذكره بعظيم نعم الله عليه، ويذكره_أيضاً_بحاجة إخوانه الفقراء؛ فيوجب له ذلك شكر الله_سبحانه_والاستعانة بنعمه على طاعته، ومواساة إخوانه الفقراء، والإحسان إليهم.
وقد أشار الله_سبحانه وتعالى_إلى هذه الفوائد في قوله_عز وجل_: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] البقرة: 183.
فأوضح_سبحانه_أنه كتب علينا الصيام لنتقيه_سبحانه_فدل ذلك على أن الصيام وسيلة للتقوى، والتقوى هي طاعة الله ورسوله بفعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه، عن إخلاص لله_عز وجل_ومحبة، ورغبة، ورهبة.
وبذلك يتقي العبدعذاب الله، وغضبه.
فالصيام شعبة عظيمة من شعب التقوى، ووسيلة قوية إلى التقوى في بقية شؤون الدين والدنيا.
وقد أشار النبي"إلى بعض فوائد الصوم في قوله"=يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء+.
فبين النبي"أن الصوم وجاء للصائم، أي وسيلة لطهارته وعفافه.
وما ذاك إلا لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، والصوم يضيق تلك المجاري ويذكِّر بالله وعظمته؛ فيضعف سلطان الشيطان، ويقوي سلطان الإيمان، وتكثر بسببه الطاعات من المؤمن وتقل به المعاصي.
وفي الصوم فوائد كثيرة غير ما تقدم تظهر للمتأمل من ذوي البصيرة، ومنها أنه يطهر البدن من الأخلاط الرديئة، ويكسبه صحة وقوة، وقد اعترف بذلك الكثير من الأطباء، وعالجوا به كثيراً من الأمراض.(1/56)
وقد ورد في فضله وفرضيته آيات وأحاديث كثيرة، قال الله_تعالى_: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ] البقرة: 183، 184 إلى أن قال_عز وجل_: [شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] البقرة: 185.
وفي الصحيحين عن ابن عمر_رضي الله عنهما_قال: قال رسول الله": =بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت+.
وثبت عنه"أنه قال: =كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف يقول الله_عز وجل_إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزى به؛ إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحةٌ عند فطره، وفرحةٌ عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك+.
وفي الصحيحين عن النبي"أنه قال: =إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وسلسلت الشياطين+.
وأخرج الترمذي، وابن ماجه عن النبي"أنه قال: =إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وينادى مناد يا باغيَ الخير أقبل، ويا باغي الشر أقْصِرْ، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة+.(1/57)
وفي الصحيحين عن أبي هريرة÷أن النبي"قال: =من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه+.
وثبت عنه"أنه كان في الغالب لا يزيد في رمضان ولا في غيره عن إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً، فلا تسألْ عن حُسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً؛ فلا تسأل عن حُسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً.
وثبت عنه"أنه في بعض الليالي يصلي ثلاث عشرة ركعة وليس في قيام رمضان حدٌّ محدود؛ لقول النبي"لما سئل عن قيام الليل قال: =مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى+.
ولم يحدد"للناس في قيام الليل ركعات محدودة، بل أطلق لهم ذلك؛ فمن أحب أن يصلي إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة، أو ثلاثاً وعشرين، أو أكثر من ذلك أو أقل فلا حرج عليه.
ولكن الأفضل هو ما فعله النبي"وداوم عليه في أغلب الليالي وهو إحدى عشرة ركعة مع الطمأنينة في القيام، والقعود، والركوع، والسجود، وترتيل التلاوة، وعدم العجلة؛ لأن روح الصلاة هو الإقبال عليها بالقلب، والخشوع فيها، وأداؤها كما شرع الله بإخلاص، وصدق، ورغبة، ورهبة، وحضور قلب، كما قال الله_سبحانه_: [قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ] المؤمنون: 1، 2.
وقال النبي": =وجعلت قرة عيني في الصلاة+.
وقال للذي أساء في صلاته: =إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة، فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً ثم ارفع حتى تعتدل قائما ً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها+.
وكثير من الناس يصلي في قيام رمضان صلاة لا يعقلها، ولا يطمئن فيها، بل ينقرها نقراً، وذلك لا يجوز بل هو منكر لا تصح معه الصلاة؛ فالواجب الحذر من ذلك.(1/58)
وفي الحديث عنه"أنه قال: =أسوأ الناس سرقة الذي يسرق صلاته+، قالوا: يا رسول الله: كيف يسرق صلاته ؟ قال: =لا يتم ركوعها ولا سجودها+.
وثبت عنه"أنه أمر الذي نقر صلاته أن يعيدها.
فيا معشر المسلمين: اغتنموا هذا الشهر العظيم، وعظموه رحمكم الله بأنواع العبادة والقربات، وسارعوا فيه إلى الطاعات، فهو شهر عظيم جعله الله ميداناً لعباده يتسابقون إليه فيه بالطاعات، ويتنافسون فيه بأنواع الخيرات، فأكثروا فيه_رحمكم الله_من الصلوات، والصدقات، وقراءة القرآن الكريم، والإحسان إلى الفقراء والمساكين، والأيتام.
وقد كان رسول الله"أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان؛ فتأسوا بنبيكم"واقتدوا به في مضاعفة الجود والإحسان في شهر رمضان، وأعينوا إخوانكم الفقراء على الصيام والقيام، واحتسبوا أجر ذلك عند الملك العلام، واحفظوا صيامكم عما حرمه الله عليكم من الأوزار والآثام، فقد صح عن النبي"أنه قال: =من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه+.
وقال_عليه الصلاة والسلام_: =الصيام جنة؛ فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق فإن امرؤٌ سابَّه أحدٌ فليقل: إني امرؤ صائم+ وجاء عنه"أنه قال: =ليس الصيام عن الطعام والشراب، وإنما الصيام عن اللغو والرفث+.
وقال جابر بن عبدالله الأنصاري÷: =إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء+.(1/59)
فينبغي للصائم الإكثار من تلاوة القرآن بتدبر وتعقل، والإكثار من الصلوات، والصدقات، والذكر، والاستغفار، وسائر أنواع القربات في الليل والنهار؛ اغتناماً للزمان، ورغبة في مضاعفة الحسنات، ومرضاة فاطر الأرض والسماوات، واحذروا رحمكم الله كل ما ينقص الصوم، ويضعف الأجر، ويغضب الرب_عز وجل_من سائر المعاصي، كالتهاون بالصلاة والبخل بالزكاة، وأكل الربا، وأكل أموال اليتامى، وأنواع الظلم، وعقوق الوالدين، وقطعية الرحم، والغيبة، والنميمة، والكذب، وشهادة الزور، والدعاوى الباطلة، والأيمان الكاذبة، وحلق اللحى، وتقصيرها، وإطالة الشوارب، والتكبر وإسبال الثياب، وشرب المسكرات، والتدخين وتبرج النساء، وعدم تسترهن من الرجال، والتشبه بنساء الكفرة في لبس الثياب القصيرة، وغير ذلك مما نهى الله عنه ورسوله.
وهذه المعاصي التي ذكرنا محرمة في كل زمان ومكان، ولكنها في رمضان أشد تحريماً، وأعظم إثماً؛ لفضل الزمان وحرمته.
ومن أقبح هذه المعاصي وأخطرها على المسلمين ما ابتلي به كثير من الناس من التكاسل عن الصلوات، والتهاون بأدائها في الجماعة في المساجد، ولا شك أن هذا من أقبح خصال أهل النفاق، ومن أسباب الزيغ والهلاك، قال الله_تعالى_: [إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى] النساء: 142، 143.
وقال النبي": =من سمع النداء فلم يأتِ فلا صلاة له إلا من عذر+.
وقال له"رجل أعمى: يا رسول الله: إني بعيد الدار عن المسجد وليس لي قائد يلائمني؛ فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي ؟ فقال له النبي": =هل تسمع النداء للصلاة ؟ قال: نعم، قال: فأجب+.
وقال عبدالله بن مسعود÷وهو من كبار أصحاب رسول الله": =لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة في الجماعة إلا منافقٌ معلوم النفاق، أو مريض+.(1/60)
وقال÷: =لو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلى هذا المتخلف في بيته لتركتم سنّة نبيكم، ولو تركتم سنّة نبيكم لضللتم+.
ومن أخطر المعاصي اليوم أيضاً ما بلي به الكثير من الناس من استماع الأغاني، وآلات الطرب، وإعلان ذلك في الأسواق وغيرها.
ولا ريب أن هذا من أعظم الأسباب في مرض القلوب، وصدِّها عن ذكر الله، وعن الصلاة، وعن استماع القرآن الكريم، والانتفاع به، ومن أعظم الأسباب_أيضاً_في عقوبة صاحبه بمرض النفاق والضلال عن الهدى، كما قال_تعالى_: [وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ] لقمان: 6.
ولقد فسر أهل العلم لهو الحديث بالغناء، وآلات اللهو، وكل كلام يصد عن الحق.
وقال النبي": =ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ، والحرير، والخمر، والمعازف+.
والحِرَ هو الفرج الحرام، والحريرَ معروف، والخمر هو كل مسكر، والمعازف هي الغناء، وآلات الملاهي، كالعود، والكمان، وسائر آلات الطرب.
والمعنى أنه يكون في آخر الزمان قوم يستحلون الزنا، ولباس الحرير، وشرب المسكرات، واستعمال الغناء، وآلات الملاهي.
وقد وقع ذلك كما أخبر به النبي"وهذا من علامات نبوته، ودلائل رسالته_عليه الصلاة والسلام_.
وقال عبدالله بن مسعود÷: =إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع+.
فاتقوا الله أيها المسلمون، واحذروا ما نهاكم الله عنه ورسوله، واستقيموا على طاعته في رمضان وغيره، وتواصوا بذلك، وتعاونوا عليه؛ لتفوزوا بالكرامة، والسعادة، والعزة، والنجاة في الدنيا والآخرة.(1/61)
والله المسؤول أن يعصمنا والمسلمين من أسباب غضبه وأن يتقبل منا جميعاً صيامنا، وقيامنا، وأن يصلح ولاة أمر المسلمين، وأن ينصر بهم دينه، ويخذل بهم أعداءه، وأن يوفق الجميع للفقه في الدين، والثبات عليه، والحكم به، والتحاكم إليه في كل شيء، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه.
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
سماحة الشيخ×يلزم الاعتدال في سفره، وحضره، وفي شتى أحواله، وأطواره إلا أنه يتجدد ويقوى في مواسم الخير والطاعات؛ ففي الحج تعلو همته، ويتضاعف نشاطه، ويزداد قوة على قوة، فيقوم بالأعمال العظيمة في خِضَمِّ الزحام، وضيق الأوقات، وينشرح صدره حتى مع كثرة الأنفاس، وتقاطر الناس عليه من شتى الألوان والبلدان والطبقات، ويحرص كل الحرص على تطبيق السنة بحذافيرها في حجه حتى مع كبر سنه، ووهن عظمه.
ومما يحضرني في شأن حجه×ما يلي:
1_ كان من عادة سماحة الشيخ×أنه يتوجه إلى مكة لأداء الحج في الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة تقريباً، ويمكث في مكة شهراً كاملاً؛ لأداء الحج، والقيام بالإفتاء، وإلقاء الدروس والكلمات، وإنجاز الأعمال الخاصة بالحج ونحو ذلك.
2_ وكان هو والوفد المرافق له يعانون معاناة شديدة إذا أراد سماحته الذهاب إلى الحج والعمرة وذلك بسبب قلة المقاعد؛ فهي لا تكاد تفي بالحاجة، وربما نقصت عن بعض من سيرافقونه.
وهو×لا يطلب من أي مسؤول أن يخصه بشيء دون غيره؛ فكان صابراً على تلك المعاناة.
وفي السنوات الأخيرة اتصل أحد المحبين بصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، وقال له: يا سمو الأمير ! هذا سماحة الشيخ عبدالعزيز يلاقي مشقة عظيمة إذا أراد الذهاب للحج أو العمرة؛ فلو تكرمتم ببذل الجهد في سبيل تخصيص طائرة تقلُّه عند ذهابه وإيابه.(1/62)
فلبى سموه هذه الرغبة وقال: لامانع لدينا من ذلك، ونأمل أن يوافق سماحته؛ فاتصل سموه بخادم الحرمين الشريفين وأخبره بالأمر، فوافق على الفور، وأمر_حفظه الله_بتخصيص طائرة لسماحته إذا أراد السفر، وقال: قولوا لسماحة الشيخ: الطائرة سوف تأتيه في الوقت الذي يريد السفر فيه، فحصلت الراحة التامة ولله الحمد.
3_ وكان من عادة سماحته في كل موسم حجٍّ أنه يحج معه أعداد كثيرة من الرجال والنساء، وأغلب هؤلاء من الفقراء وغير السعوديين؛ فكلُّ مَنْ طلب من سماحته الصحبة، أو أوصى من يستأذنه فيها قال: حياه الله، ولا يسأل عمن سيذهب معه، ولا عن عددهم، ولا عن ضيق المكان، ولا عن سعته.
4_ وكان عدد الذين يحجون مع سماحته، ويرافقونه في مخيمه ومقر إقامته في الحج_يقدر بـ 800 حاج.
5_ وكان عدد الرجال والنساء الذين يقدم لهم الطعام في منى وعرفة يتراوح ما بين 800 إلى 1000 حاج.
وليس العجب من هذا، وإنما العجب أن يكفيهم طعام أُخذ فيه حساب 500 شخص، ولكن البركة في طعامه ظاهرة للعيان، يشهد بذلك من وقف عليه؛ وكلما زاد العدد ظننا أنه لن يكفيهم، ومع ذلك يكفيهم ويبقى منه شيء.
أما عدد الذين يتناولون طعام الغداء مع سماحته في مكة فيتراوح عددهم ما بين 300 إلى 400.
ولا أعلم أن الطعام الذي قدم إليهم لم يكفهم.
6_ كان المرافقون لسماحته يضيقون ذرعاً من كثرة الآتين، ومن ضيق المكان، ومن خشية الحرج؛ فكانوا يعانون من ذلك معاناة شديدة؛ إذ يريدون التوفيق بين رغبة الشيخ ومنهجه في استقبال الناس، وعدم رده أحداً منهم، وبين القيام بحق الوافدين إليه مع ضيق المكان وكثرة العدد.(1/63)
فإذا قلنا لسماحته: يا سماحة الشيخ ! كل يرغب في الحج معكم، سواء من داخل البلاد أو خارجها، وأنتم تعلمون أن السيارات لا تكفي، وأن المكان المخصص لكم لا يكفي_قال: الله المستعان، ما هي إلا ساعات وينتهي كل شيء، اصبروا، واحتسبوا، وأبشروا بالأجر الجزيل، وما يدريكم لعلنا لا نحج بعد عامنا هذا، ستتيسر الأمور، وينتهي كل شيء على ما يرام.
7_ كان سماحته يحرص كل الحرص على مراعاة مشاعر ضيوفه، وكان كثير السؤال عنهم، كثير التوصية بهم، وكثيراً ما يقول للموظفين معه: ارحموهم، لو وجدوا غيركم ما أتوا إليكم.
8_ كان عدد الصحون التي تقدم فيها المائدة في العادة، يتراوح ما بين أربعين إلى خمسة وأربعين، وقد تصل إلى خمسين.
وإذا وضعت المائدة تسابق الضيوف إلى مائدته الخاصة مع أنها لا تتميز عن غيرها، إلا أنهم يحرصون على القرب من سماحته، ويزدحمون حولها، وإذا قيل لهم ابتعدوا، أو منعوا من ذلك قالوا: نحن نحب أن نأكل مع سماحة الشيخ، نحن نريد أن نراه، ونسمع كلامه، ونأنس بقربه، ويقولون: ارحمونا، أنتم ترونه دائماً، ونحن هذه فرصتنا.
أما سماحة الشيخ فيرحب بهم، ولا يرضى بأن يساء إليهم، ولا يقوم حتى يسأل: هل انتهوا؛ خشية أن يعجلهم إذا قام مبكراً، وكان دائماً يسأل خاصته: عسى مانقص عليهم شيء ؟ عسى الذي وُضِع لهم كفاهم ؟ كم عدد الصحون ؟
فإذا قيل له: كفاهم وزيادة، تهلل وفرح، وقال: التمسوا بعض الفقراء، وأعطوهم بقية الطعام.
ولم أسمع منه كلمة فيها شيء من الفظاظة، أو الغلظة بل يظهر للفقراء والمساكين الفرح، مع أن بعضهم يزاحم الشيخ في مكانه، وربما أخذوا اللحم أو الفاكهة من بين يديه، وهو لا يتكلم كلمة واحدة، ولا يقوم من مكانه حتى يقال له: انتهوا من الطعام.
وإذا قاموا من الطعام رفعوا أيديهم يدعون لسماحته، ومما يقولونه: نسأل الله أن يجعلك تأكله من ثمار الجنة، غفر الله لك، ولوالديك.(1/64)
9_ لا فرق عند سماحته بين الفقير والغني، والشريف والوضيع، والسفير والوزير؛ فهم يجتمعون جميعاً على المائدة، وكل من أكل مع سماحته جعل يلتفت هنا وهناك ينظر في وجوه الناس على تباينهم، واختلاف ألسنتهم، ومراتبهم، وألوانهم فهذا عربي، وهذا أعجمي، وهذا أسود، وهذا أبيض، وهذا من قريب، وهذا من بعيد.
وفي أحد الأيام قال له أحد الحاضرين ممن يعرف سماحة الشيخ: يا شيخ بعض هؤلاء لا يعرفون أدب الأكل، ولا يَحْسُن الجلوس معهم؛ فلو انفردت عنهم، وأرحت نفسك من هؤلاء؛ فقال سماحة الشيخ×: أنا الذي وضعت الطعام لهم، وهم جاءوا إليَّ، وراحتي بالأكل معهم، والرسول"كان يأكل مع أصحابه ومع الفقراء حتى مات، ولي فيه أسوة، وسوف أستمر على هذا إلى أن أموت، والذي لا يتحمل ولا يرغب الجلوس معهم نسامحه، ويذهب إلى غيرنا.
10_ والعجيب في الأمر أن هذه الأعداد الكبيرة المتباينة تنتظم أمورهم، ويحملهم المكان المعد لهم، وتنقلهم السيارات التي خصصت لنقلهم، وينتظم أكلهم، وشربهم، ونومهم، ووضوؤهم، وصلاتهم، وخروجهم، ودخولهم.
وسر ذلك_والله أعلم_هو صلاح نية هذا الرجل الإمام_ولا نزكي على الله أحداً_.
11_ والعجيب_أيضاً_أن الإمام ابن باز يعيش معهم وبينهم، وكأنه واحد منهم، لا فرق بينه وبينهم، ولا يتميز عنهم بالطعام، أو السيارة التي تُقِلُّهُ وتتنقل به بين المشاعر.
وقد عرض عليه بعض المسؤولين عن الحج، أن يُجعل لسماحته موكبٌ خاص، وسيارات رسمية تفك الزحام إذا دعت الحاجة لذلك، فامتنع سماحته، وقال: نسير مع الناس فإذا وقفوا وقفنا، وإذا ساروا سرنا، ولا نسمح بتخصيصنا بشيء، فسبحان من وهبه هذا الزهد، وهذا التواضع، وهذا التحمل، وهذه الأخلاق.
12_ يحرص سماحة الشيخ على تطبيق السنة في الحج، والاقتداء بالنبي"فمنذ إحرامه وتَلَبُّسه بالنسك تراه متخشعاً، متذللاً، مطمئناً، ملبياً، مستغفراً الله، مكثراً من ذكره.(1/65)
13_ فإذا دخل الحرم نسي الدنيا وما فيها، وجعلها خلف ظهره؛ فإذا بدأ بالطواف عَلَتْهُ السكينة، والخشوع، وأخذ يطوف بحضور قلب، وكثرة ذكر.
14_ وإذا انتهى من الطواف، وأدى ركعتيه توجه إلى المسعى؛ فإذا بلغ الصفا نزل من العربة التي تُقِلُّه_وهذا بعد أن كبر وأصبح السعي شاقاً عليه_ووقف يدعو طويلاً ثم شرع بالسعي، وهكذا يفعل عندما يبلغ الصفا أو المروة في كل شوط.
15_ وفي تلك الأثناء يتقاطر الناس عليه للسلام، وطلب الدعاء؛ فلا يمل، ولا يضجر، فكان يرد السلام، ويقول: حياكم الله، وإذا طلبوا منه الدعاء دعا لهم في الحال.
16_ في اليوم الثامن من ذي الحجة يومِ التروية يخرج سماحته من مكة إلى منى في الساعة العاشرة صباحاً تقريباً وهو مُحْرم.
وإذا وصل إلى منى جلس في المصلى حتى يصلي الظهر، ثم يلقي كلمة، ثم يدخل خيمته، وتقرأ عليه بعض المعاملات، وتقرأ عليه الصحف الصادرة ذلك اليوم، ثم يتغدى، ويصلي العصر بالناس، ويلقي كلمة توجيهية يبين خلالها ما يشرع للحاج في ذلك اليوم.
ثم يدخل خيمته ويُقرأ عليه ما تيسر من المعاملات والكتب، ثم يأخذ قسطاً من الراحة حتى يحين وقت أذان المغرب، فيقوم للصلاة، وبين المغرب والعشاء يجلس في المصلى يلقي كلمة، ثم توجه إليه الأسئلة المكتوبة، والشفوية فيجيب عليها، والناس حاضرون يستمعون.
وبعد العشاء من ذلك اليوم يكون لديه موعد لإلقاء محاضرة في بعض المخيمات إما في معسكر الأمن العام، أو الحرس الوطني، أو في بعض مخيمات الجاليات، أو في بعض حملات الحج.
وإذا لم يكن لديه موعد لإلقاء محاضرة جلس في خيمته، وعرض عليه ما تيسر من كتب متعلقة بالحج، أو شيء من المعاملات حتى الساعة العاشرة والنصف تقريباً، ثم يبيت تلك الليلة في منى.(1/66)
17_ وإذا صلى بالناس الفجر يوم التاسع من ذي الحجة يوم عرفة ألقى كلمة بعد الصلاة، وبين خلالها ما يشرع للحاج في ذلك اليوم، وأوصاهم بالعناية بالحج، وتَجَنُّبِ كل ما يبطله، أو ينقص ثوابه، ثم يجيب على الأسئلة.
وبعد طلوع الشمس يتوجه إلى عرفة تعلوه السكينة والوقار، فإذا ركب في الحافلة التي تُقِلِّه تزاحم الناس يريدون الركوب معه في تلك الحافلة، وكان من طيب نفسه أنه لا يرد أحداً حتى إن السيارة تضيق وتحمل فوق العدد المطلوب.
وأذكر أننا في سنة من السنوات كنا متجهين من منى إلى عرفة، بصحبة سماحته في الحافلة التي تقله، فسلم عليه بعض المشايخ فقال: تفضلوا، فركبوا حتى ازدحمت السيارة؛ حيث ركب سبعة أشخاص زيادة على العدد المزدحم في السيارة من قبل.
وإذا قلنا لسماحته: تزاحم الناس_حفظك الله_ماذا نعمل ؟
قال: السيارات كثيرة، الحمد لله، ساعات وتنقضي، اصبروا وأبشروا.
18_ وإذا رأيت سماحته وهو في السيارة يتنقل بين المشاعر أو في الخيمة أو غير ذلك رأيته يلهج بالذكر، والتلبية، والدعاء، والاستغفار.
19_ وإذا وصل إلى عرفة اتجه إلى الخيمة المعدة له، ثم يتناول القهوة، ويتناول بعدها وجبة خفيفة، والغالب أنه في الحج يقتصر على الفاكهة، واللبن، والتمر.
20_ وبعد ذلك يشرع بالذكر، والتلبية والدعاء على كل أحواله قائماً، أو قاعداً، أو مضطجعاً.
21_ وقبل الظهر بساعة تقريباً من يوم عرفة يذهب إلى الخيمة الكبيرة التي فيها المصلى وهناك يستمع إلى خطبة عرفة عبر المذياع، ثم يصلي بالناس الظهر والعصر جمعاً وقصراً، وبعد الصلاة يلقي كلمة بمن معه من الحجاج يوصيهم من خلالها بكثرة الذكر والدعاء، ويبين لهم بعض الأعمال المتعلقة بذلك اليوم.
ثم يعود إلى خيمته، ويستريح قليلاً وهو يلهج بذكر الله.
22_ وإذا جاء قبيل العصر ذهب إلى المصلى في الخيمة الكبيرة، ثم تفرغ للدعاء حتى غروب الشمس.(1/67)
23_ وإذا غربت الشمس ركب السيارة متجهاً إلى المزدلفة لا يتحدث بشيء سوى الذكر والدعاء والتلبية والإجابة على الأسئلة؛ فإذا بلغها أَذَّنَ بالناس للصلاة، وصلى بهم المغرب والعشاء جمعاً، وقصراً للعشاء، ثم يتناول شيئاً يسيراً من الطعام، ثم يستلقي، ويتقلب على فراشه وتسمعه يذكر الله، ويدعو، ويلبي.
24_ وفي آخر الليل يقوم للتهجد؛ إذ هو يرى أن مَنْ عادتُه التهجد أنه يصلي تهجده ولو كان في المزدلفة.
وقد سألته عن ذلك فقال: المزدلفة وغيرها سواء في القيام.
ولما قلت له: هذا حديث جابر÷في صفة حجة النبي"لم يذكر فيه أن النبي"قام للتهجد ليلة المزدلفة_علله سماحة الشيخ بأنه ربما خفي على جابر÷.
25_ وإذا صلى الفجر في المزدلفة ألقى كلمة بمن صلى بهم، وبيَّن خلالها الأحكام الواردة في أعمال ذلك اليوم، ثم مكث في المزدلفة حتى يسفر جداً، ثم يتوجه بعد ذلك إلى منى.
أما بقية عمله يوم العيد فستجده مفصلاً عند الحديث عن عمله في العيد.
وبعد وصوله إليها يوكل من يرمي عنه، ومن يذبح أضحيته وهديه.
26_ كان في آخر عمره يوكل من يرمي عنه الجمار إلا يوم الثالث عشر؛ حيث يرميها بنفسه، وإذا رمى الجمرة الأولى أخذ ذات اليمين، ودعا طويلاً بما يقرب من ثلث الساعة، وإذا رمى الثانية أخذ ذات الشمال، ودعا كما دعا في الأولى، ثم يرمي الثالثة ولا يقف للدعاء بعدها.
27_ لا يخرج سماحته من منى إلا يوم الثالث عشر من ذي الحجة، وكان لا يؤدي صلاة الظهر من ذلك اليوم إلا في مكة، ولو لم يصل مكة إلا متأخراً، ولو كان في الساعة الثالثة ظهراً.
وكان يمنع من معه من صلاة الظهر في منى ذلك اليوم، بل إنه في يوم من الأيام أذن مؤذن من مرافقي سماحته لما حان وقت الظهر في منى ذلك اليوم فأنكر عليه سماحة الشيخ×وقال: من الذي أمرك؛ نحن لا نصلي الظهر من يوم الثالث عشر إلا في مكة؛ هذه هي السنة، وهكذا فعل النبي"يعني أن النبي"لم يؤد الظهر يوم الثالث عشر إلا في مكة.(1/68)
28_ عمله وقراءاته، وعرض المعاملات عليه إذا كان في مكة أثناء الحج هو هو عندما يكون في الرياض أو الطائف، بل ربما زاد عمله في الحج أكثر من عمله في غيره؛ حيث يلاقي من معه من الموظفين تعباً مضاعفاً، مع أن سماحة الشيخ يتجدد نشاطه، وعزمه.
29_ في الحج وفي أيام منى تقرأ على سماحته المعاملات المطولة المختلفة، وينهي الكثير منها في تلك الأيام.
30_ وتقرأ عليه الصحف، ونشرة وكالة الأنباء، ويستمع لنشرات الأخبار عبر الإذاعة.
31_وتقرأ عليه الكتب المتعددة، وكتب المناسك الخاصة، أو كتاب الحج من بعض الكتب كالمغني، والمقنع، وحاشية الروض المربع.
كما يُقْرأ عليه منسكه كل سنة، وكان يضيف عليه ويستدرك، ويقول: ما أضعف العبد!
32_ وفي أيام منى يصبح مخيم سماحته كأنه خلية نحل من كثرة الغادين والرائحين، والداخلين، والخارجين، والمستفتين، والمسلِّمين، وطالبي الشفاعات، ونحوهم، يصدق عليه قول الشيخ محمد تقي الدين الهلالي×حيث يقول في قصيدة يمدح فيها سماحة الشيخ:
ألم تره في موسم الحج قائماً
كيعسوب نحلٍ والحشود له تترا
33_ وفيها يعقد الاجتماعات الخاصة والعامة، ويحصل من جَرَّاء ذلك خير كثير للمسلمين.
34_ وفيها يلتقي الوفود الكثيرة من الأماكن المختلفة سواء من المسلمين القادمين من أمريكا، أو أوروبا، أو آسيا، أو أفريقيا، أو غيرها.
35_ وفيها يستجيب للمسلمين الذين يطلبون المنح، أو الذين يطلبون منه الشفاعة في الإقامة، أو الذين يطلبون أن يُزَوَّدوا بالكتب الدينية باللغة العربية أو غيرها، أو الذين يطلبون منه دعم المراكز الإسلامية، أو عمارة المساجد.
36_ وفي أيام الحج يلتقي العلماء الذين يجتمعون عنده، ويوردون عليه الإشكالات التي تستجد في المناسك أو غيرها، فتراه يجيب عليها_مهما عَضُلَت_بمنتهى اليسر والسهولة في الغالب؛ فتكون إجاباته وفتاواه محل القبول عند الجميع.(1/69)
37_ في أيام الحج يسعد المسلمون القادمون إليه برؤياه، والسلام عليه، وسماع وصاياه، والصدور عن رأيه.
38_ في أيام الحج يزوره الأمراء، والمسؤولون، والوجهاء.
39_ في أيام الحج لايكاد هاتف سماحته يتوقف رنينه؛ فهذا يسلم عليه، وهذا يطمئن على صحته، وهذا يستفتيه، وهكذا
40_ في أيام الحج يلقي سماحته الدروس، والمحاضرت في منى، ومكة، وتسجل هذه الدروس والمحاضرات ويبلغ عددها أربعة عشر أو ثلاثة عشر شريطاً.
كل هذا عدا الكلمات التي يلقيها في مسجده بعد العصر في العزيزية، أو بعد الفجر، أو الظهر، وعدا الكلمات التي يلقيها في المساجد الأخرى.
41_ وفي تلك الأيام تجرى معه المقابلات الصحفية، وتعرض عليه الأسئلة الإذاعية التي يجيب من خلالها عن القضايا المتنوعة.
42_ في أيام الحج، يترأس مجلس إدارة دار الحديث.
43_ وهكذا يعمر أوقات حجه بالنفع العميم، ويملؤه بالأعمال العظيمة الجليلة التي لا يكاد يصدق بها من سمعها.
ومع ذلك تتم بمنتهى اليسر، والسهولة، وقلة التكلف.
44_ من آراء سماحته في الحج أنه لا يرى وجوب طواف الوداع للمعتمر؛ وكثيراً ما يخرج من مكة بعد العمرة دون أن يطوف للوداع.
45_ ويرى أن من ذهب إلى مكة قاصداً الحج أو العمرة، ونوى أنه يذهب إلى مكة وبعد الاستقرار والراحة يعود إلى الميقات ويحرم منه، يرى أنه لا شيء عليه.
46_ سماحة الشيخ حج اثنتين وخمسين حجة، وأول حجة حجها كانت عام 1349هـ ثم حج بعدها أربع حجات متفرقة، ومنذ عام 1372هـ إلى 1418هـ لم يترك الحج في أي عام من تلك الأعوام.
سماحة الشيخ×رجل آثر أُخْراه على دنياه؛ فحياته كلها جهاد وتضحية وكفاح متصل، وعمل دؤوب؛ لا فرق عنده بين أيام الدوام الرسمي، وغيرها من أيام الخميس، والجمعة وأيام الإجازات والأعياد.
بل ربما تضاعف عمله، وزاد قيامه بالمسؤوليات في أيام الإجازات.(1/70)
والعيد عند سماحته كغيره من الأيام له نصيبه من العمل، والجهد المتواصل، واستقبال الناس، والقيام بمصالحهم الخاصة والعامة، سواء كان ذلك مباشرة، أو مراسلة، أو عبر الهاتف.
وإليك هذا المثال: في عيد الفطر عام 1404هـ؛ حيث لم ينم سماحته ليلة العيد؛ فقد كان يصلي القيام؛ إذ لم يأت خبر العيد إلا متأخراً، ثم استقبل الناس بعد الصلاة، فلما أُذِّن بالفجر قام للصلاة، ثم رجع إلى منزله، واستعد للعيد، ثم ذهب لصلاة العيد، وبعد الصلاة واصل نهار العيد كله حتى بعد العشاء لا يفتر، ولا ينقطع؛ فتارة مع الهاتف على اختلاف المتصلين وحاجاتهم، وتارة مع سائل أو مستفتٍ، وتارة مع المهنئين بالعيد، وتارة مع شكاوى الناس ومشكلاتهم، وطلباتهم، وشفاعاتهم، وهكذا.
ومع ذلك لانراه يضجر أو يمل، أو يكهر، أو ينهر.
بل يقابل الناس كلهم بالبشاشة، والترحاب ولا فرق في ذلك عنده بين أمير، أو وزير، أو قريب، أو بعيد، أو من يعرفه، أو لا يعرفه.
تَدَفُّقُ كفٍّ بالسماحة ثَرَّةٍ
وإسفارُ وجهٍ بالطلاقة مشرقِ (8)
كل ذلك مع كبر سنه، وقلة نومه في ذلك اليوم؛ فهذا هو منهجه، وديدنه، وخلقه؛ فهو منهج رائع فريد لمن أراد التأسي بالعلماء العاملين الصالحين المُؤْثرين أخراهم على دنياهم.
وإليك_أيضاً_هذا المثال الثاني، ففي عيد الفطر من عام 1405هـ واصل جلوسه قبل صلاة الفجر بنصف ساعة، وكان مجلسه مكتظاً بالناس، واستمر على استقباله للناس، ورَدِّه على الهاتف_على نحو ما هو معلوم_إلى الليل.
ولما جاء قبل صلاة العشاء، كان عنده الشيخ عبدالله بن علي المطوع؛ من مشايخ الكويت، فقال: يا سماحة الشيخ ! هل آتيكم بعد صلاة العشاء ؟
فقال له سماحة الشيخ: نعم، نعم.
فقال الشيخ عبدالله: لعلكم تحبون أن تستريحوا، فقال سماحته: الراحة في الجلوس معكم، فجلسا بعد صلاة العشاء إلى قريب من الساعة الحادية عشرة والنصف ليلاً، أي إلى منتصف الليل تقريباً.
والأمثلة في هذا السياق كثيرة جداً.(1/71)
ولولا أن الإنسان يرى هذه الأمور ماثلة أمام عينيه؛ لربما كذب بها، أو ظن أنه قد بولغ فيها؛ فالإنسان يكاد لا يصدق ما يشاهده من هذا الجهد العظيم؛ فهذه حياته، وهذا عمله.
ولم أسمع أنه قد أخذ إجازة في حياته منذ أن تولى الأعمال إلى أن توفاه الله ! لا إجازة عادية، ولا اضطرارية؛ إذ كيف يأخذ الإجازة والأعمال هي هي سواء في أيام الدوام أو غيرها ؟
فسبحان من يعطي الجزيل، ويهب الكرامات، وينزل البركات في الأعمال والأوقات !
وكان من عادته في عيد الفطر أنه يتحف أقاربه وأرحامه بهدية العيد، فكان يوزع على أقاربه من حسابه الخاص مبلغاً يتراوح ما بين 160_170 ألف ريال، وكان يوزعه على زوجتيه، وأبنائه، وبناته، وأولادهم، وأزواج بناته، وأخيه، وأولاد أخيه، وبعض أقاربه.
أما عمله في عيد الأضحى فحدث ولا حرج، فسماحته يكون في عيد الأضحى موجوداً في مكة لأداء الحج؛ إذ هو يحج كل عام، ولم ينقطع عن الحج منذ عام 1372هـ، وقبل ذلك حج خمس مرات في فترات مختلفة.
وفي يوم العيد يصلي سماحته الفجر في المزدلفة، ثم يلتفت إلى من حوله ويلقي عليهم كلمة يبين لهم فيها ما يشرع للحاج في يوم العيد، ثم بعد ذلك يلهج بالذكر والدعاء، إلى أن يسفر جداً.
وبعد ذلك يتجه إلى منى ملبياً ذاكراً، داعياً، وفي الطريق يستمع إلى خطبة العيد من الحرم عبر المذياع.
وبعد وصوله إلى منى يوكِّل من يرمي عنه، ويذبح أضحيته وهديه.
وبعد الظهر يلقي كلمة في المصلى في مخيمه في منى، ثم تعرض عليه الأسئلة، فيجيب عنها.
وفي هذا اليوم يكثر الزوار لسماحته، للسلام عليه، وتهنئته بالعيد؛ حيث يزوره الأمراء، والعلماء، والدعاة، والوفود القادمون من الخارج، والعامة، والأقارب، وغيرهم، كما يكثر المتصلون على سماحته في ذلك اليوم من الداخل والخارج.
ولا ينسى في ذلك اليوم أن يتصل بأقاربه؛ ففي ذلك اليوم يتصل بأخيه الأكبرمحمد، ويتصل بجميع أولاده.(1/72)
وبعد صلاة العصر من يوم العيد في منى يلقي كلمته، وتعرض عليه بعض الأسئلة، ثم يأخذ بعض الراحة، وبعد المغرب يلقي كلمة في المخيم الذي يقيم فيه، وتوجه إليه الأسئلة حتى صلاة العشاء.
وبعد العشاء يذهب لإلقاء محاضرة في بعض المخيمات، أو يذهب لاجتماع الدعاة في الحفل الذي تقيمه وزارة الشؤون الإسلامية.
ومثل عمله في هذا اليوم يكون عمله في اليوم الحادي عشر، والثاني عشر.
وفي اليوم الثالث عشر يتجه إلى مكة وقد مر بنا تفصيل عمله في تلك الأيام عند الحديث عن حجه×تعالى_.
يبدأ نظامه يوم الجمعة بعد صلاة الفجر؛ حيث يجلس لتقرأ عليه الفتاوى وغيرها.
ويتولى القراءة عليه يوم الجمعة في سنواته الأخيرة معالي الدكتور محمد بن سعد الشويعر.
ويجلس ما يقارب الساعتين، ثم يدخل منزله؛ لأخذ بعض الراحة، وتناول طعام الإفطار.
وفي الساعة العاشرة والنصف تقريباً يخرج متطيباً متجملاً، فيتجه إلى الجامع، وإذا وصل صلى ست ركعات ركعتين ركعتين، يفصل بينهما بالتسليم، ويطيل فيهما كثيراً.
ثم يقرأ ما تيسر من القرآن، ويستمع الخطبة، ويصلي الجمعة، ويتنفل بعدها أربع ركعات يسلم من كل ركعتين.
وإذا عاد إلى بيته وجد الجموع الغفيرة بانتظاره، وبعد السلام عليهم يبدأ درسه الأسبوعي كل جمعة في تفسير ابن كثير، فَيُقْرَأ عليه حتى الساعة الثانية والربع.
وبعد أن يقرأ عليه ما تيسر، ويقوم بالتعليق والشرح والإجابة على الأسئلة الموجهة إليه يقدم طعام الغداء، فيتقدم إلىه سماحته مع الناس الذين يحيطون به، ويسألونه ويعرضون عليه حاجاتهم.
وعدد الصحون التي تقدم يوم الجمعة من ثمانية إلى عشرة صحون كبيرة.
ويستدير على الصحن ما بين العشرة إلى الخمسة عشر رجلاً.
وفي بعض الأحيان لا يتسع لبعضهم المكان، فينتظرون حتى ينتهي الفوج الأول، فيأتي مَنْ بعدهم.
وبعد أن ينتهي من الطعام يتوضأ لصلاة العصر، ويذهب إلى المسجد؛ لأداء الصلاة.(1/73)
وبعد الصلاة يقرأ إمام المسجد بعض الأحاديث، ويقوم سماحته بشرحها، ثم يجيب على ما تيسر من الأسئلة.
ثم يدخل منزله، ويأخذ قسطاً من الراحة، وقبل المغرب بعشر دقائق يتجه إلى المسجد بسكينة ووقار، ويكثر من التسبيح والتحميد، والتهليل، والصلاة على النبي"وبعد المغرب يجلس للناس كعادته، وكذلك بعد العشاء، وقد يكون لديه ضيوف، أو موعد خارج المنزل، أو اجتماع داخل المنزل أو خارجه، وهكذا.
ومما يحسن ذكره في هذا الصدد أن سماحة الشيخ يرى أن ليلة الجمعة، وعصر الجمعة مثل بقية الأيام في إلقاء الدروس، وقراءة بعض الأحاديث، خلافاً لما يراه بعض الناس، حيث يتركون الدروس، والتحديث ليلة الجمعة، أو بعد صلاة العصر من يوم الجمعة.
لسماحة الشيخ مكتبة كبيرة في منزله في الرياض، وله مكتبة في منزل الطائف، ومكتبة في منزل مكة.
والمكتبة هي محل أنسه، وهي_في الغالب_مقر عمله واجتماعاته الخاصة مع العلماء وغيرهم، وهي محل بحثه، ودراسة بعض المعاملات الخاصة الواردة عليه.
وهي مكان التسجيل لبرامج الإذاعة كبرنامج نور على الدرب وغيره، وهي مكان اللقاءات بمندوبي الصحف.
وفيها يراجع كتبه، ودروسه، وبعض المسائل التي يحتاج إليها.
وفيها يتتبع أسانيد الأحاديث، وطرقها؛ إذ كان×كثير الرجوع إلى كتب الرجال، ككتاب تقريب التهذيب، وتهذيب التهذيب، وميزان الاعتدال، وتعجيل المنفعة، وتهذيب الكمال.
وقد سمعت صاحب الفضيلة الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري×يقول: إن سماحة الشيخ يكاد يحفظ التقريب عن ظهر قلب.
وكان يستقبل المكالمات وهو في المكتبة، ويلقي المحاضرات الخارجية عبر الهاتف.
وكان×لا يمل الجلوس بين الكتب، والتنقل في رياضها؛ ففي بعض الأحيان نأتي بالمعاملات من طلاق ونحوه؛ فإذا بدأنا عرضها عليه بعد العشاء ربما ظهر عليه بعض الإعياء والتعب، والنعاس، فيقول: ما عندي نشاط.(1/74)
ثم يطلب بعض الكتب فإذا بَدَأَتِ القراءةُ عليه في الكتب نشط، وتأهب، وذهب عنه النعاس، وتفاعل مع الكتاب أو الكتب.
وفي يوم من الأيام بَدَأْتُ أعرض عليه بعض المعاملات في الطلاق وغيره، فلمست منه الإعياء، فقال: ما عندي نشاط، أشعر بالإعياء، وأرى عرضها في وقت آخر.
فخرجت من عنده في الساعة التاسعة من الليل تقريباً، وذهبت إلى شمال الرياض، لقضاء بعض الأعمال الخاصة بي.
ولما انتهى عملي عدت إلى منزلي، وفي الطريق مررت بمنزل سماحته، ولما حاذيته رأيت سيارة الأخ صلاح الدين عثمان_أمين مكتبة منزل سماحة الشيخ_، وكانت الساعة قد بلغت العاشرة والنصف.
فلما رأيت السيارة قلت في نفسي: ما الذي أبقى الأخ صلاحاً إلى ذلك الوقت، خصوصاً وأن عهدي بسماحة الشيخ أنه مُجْهَد، ولم يستطع إكمال قراءة المعاملات؛ فوقفت عند منزل سماحته، ودخلت المنزل وإذا بسماحته يخرج من المكتبة متجهاً إلى داخل بيته؛ فسألت الأخ صلاحاً، وقلت له: أنتم جالسون من حين ذهبت من عندكم حتى هذه الساعة ؟
قال: نعم؛ لما بدأت أقرأ على سماحته في الكتب نشط، واشتد عزمه، ولم يذهب داخل بيته إلا الآن_كما ترى_!
وفي بعض الليالي نجلس في المكتبة بعد صلاة العشاء ساعة ونصف الساعة تقريباً، ونلحظ على سماحته الإعياء؛ إذ هو طيلة يومه في جهاد، وعمل متواصل.
وعندما نقوم إلى مكان الطعام لتناول وجبة العشاء يعود للشيخ نشاطه، ونرجع مرة أخرى إلى المكتبة، ويقول×: النشاط يعود بعد الأكل، وهو بمثابة البنزين للسيارة.
وأحياناً يمضي في المكتبة الساعتين، والثلاث دون أن يشعر؛ فإذا سأل عن الساعة وقلنا: الساعة الحادية عشرة قال: إلى الله المشتكى، الوقت يمضي، والجلوس بين الكتب لا يُمَل، نتمنى أن نقرأ كل ما في هذه المكتبة، ولكن المشاغل لا تتركنا.(1/75)
وفي يوم من الأيام في عام 1418هـ قال سماحته للأخ صلاح أمين المكتبة: لم يتيسر إلى الآن إمرار مسند الإمام أحمد؛ قراءتنا فيه متقطعة، كلما قرأنا منه جزءاً انقطعت القراءة، وإن شاء الله سوف نقرؤه، فبدأ بقراءته، ولكن الأعمال العظيمة لم تتركه.
ولا أعلم أنه عرض على سماحته كتاب يتكون من مجلد أو مجلدين أو ثلاثة، أو أكثر إلا قال: سوف نقرؤه إن شاء الله.
ومما هو جديد بالذكر أن سماحته أوصى قبل وفاته بإهداء مكتبته إلى مكتبة مسجد سماحته في مكة المكرمة.
بكاء سماحة الشيخ
كان×كثيراً ما يبكي عند سماع القرآن الكريم، أَيَّاً كان صوت التالي، أو حسن ترتيله من عدمه.
وكان يبكي إذا سمع شيئاً من السنة النبوية.
وقد رأيته أكثر من مرة يبكي عندما يسمع سيرة أحد العلماء في تراجمهم في البداية والنهاية، أو في تهذيب التهذيب، أو في سير أعلام النبلاء.
وكان يبكي_أيضاً_إذا سمع بأخبار الاضطهاد، والتعذيب التي تمر بالمسلمين في بعض البلاد.
أما طريقة بكائه فكان يبكي بصوت خافت جداً، ويُرَى التأثر على وجهه، أو يرى الدمع يُهْراق من عينيه، وكان لا يحب رفع الصوت بالبكاء.
وكان يبكي كثيراً إذا تكلم عن شيخه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم×تعالى_بل إنه كان لا يستطيع مواصلة الكلام عنه.
وكان كثير البكاء إذا سمع شيئاً يتعلق بتعظيم القرآن، أو السنة، وأذكر أنني كنت أقرأ عليه في كتاب =القول القويم+ للشيخ العلامة حمود التويجري×ومر أثناء القراءة كلام للشيخ حمود حول تعظيم السنة فالتفتُّ فإذا دموع سماحة الشيخ تتحادر على خديه.
وكان من عادة سماحة الشيخ×أنه إذا استُضِيف في مكان ما طلب من بعض الحاضرين أن يتلو بعض الآيات؛ ليعطر بها المجلس، وليقوم سماحته بشرحها، وكثيراً ما كنت ألحظ عليه البكاء، والدمع، وتغير الصوت.(1/76)
وكان يبكي كثيراً إذا توفي أحد العلماء المشهورين أو من لهم بلاء في الإسلام، حيث بكى على الشيخ صالح العلي الناصر، والشيخ حمود التويجري، والشيخ صالح بن غصون، وبكى كذلك على الرئيس الباكستاني السابق ضياء الحق_رحم الله الجميع_.
وإذا عَرَض عليه بعض المساكين، أو المظلومين حاله تأثر ورقَّ لحاله، وربما بكى.
وإذا سمع شيئاً من أخبار المسلمين وما يلاقونه من العنت والشدة بكى، وتغير صوته.
وكثيراً ما كان يبكي إذا صلى بالناس ولكنه كان يغالب نفسه.
وكذلك كان يبكي حال الدعاء، وكنت أدقق النظر في وجهه أثناء الدعاء في عرفة، أو عند الصفا والمروة، فأجد دموعه تنزل على خديه، وألحظ تغيراً في صوته.
وكثيراً ما كان يبكي أثناء الدروس، فيتوقف قليلاً حتى يذهب ما بنفسه، إلا أنه أحياناً يُغْلَبُ على أمره.
وكثيراً ما كان يبكي إذا سمع حادثة الإفك، أو قصة الثلاثة الذين خُلِّفوا.
وكنت أقرأ عليه كتاب =الجواب الكافي+ لابن القيم×في مجالس كثيرة، فكان يبكي في بعض المواضع المؤثرة من الكتاب.
وكان فضيلة الدكتور محمد الشويعر يقرأ عليه في البداية والنهاية، فكان يبكي إذا سمع بعض الأخبار المتصلة بالحروب خصوصاً إذا كان فيها قتلى كثيرون من المسلمين.
وكان يبكي أحياناً إذا سمع شعراً مؤثراً يدعو للفضيلة، ويصور مآسي المسلمين_كما سيأتي عند الحديث عن سماحته والشعر_.
سماحة الشيخ×عظيم الثقة بالله، حسن الظن به، قوي التوكل عليه_عز وجل_.
وجوانب ثقته بالله كثيرة جداً؛ فهو واثق بنصر الله للمسلمين ويظهر ذلك من خلال مراسلاته مع المجاهدين الأفغان وغيرهم.
وهو عظيم الثقة بالله في بذل المال؛ فهو ينفق في سبيل الله ولا يبالي، ويعطي عطاء من لا يخشى الفقر.
وهو عظيم الثقة بالله في تحمل تبعات المشروعات وهي قيد التنفيذ.
وهو عظيم الثقة بالله في سداد الديون عن المعسرين.
إلى غير ذلك من جوانب ثقته بالله_عز وجل_.(1/77)
ومن المواقف والقصص التي أذكرها في هذا السياق ما يلي:
1_ كان من عادة سماحته أنه يتعامل مع مصرف السبيعي، وإذا كُتِب له عن مسجد، أو مشروع خيري أنه يحتاج إلى التكميل بمبلغ مائة ألف، أو خمسين ألفاً أو أكثر أو أقل_كتب لمصرف السبيعي، وأمر بدفع المبلغ المطلوب، ثم إن المصرف يصرف ما يأمر به سماحة الشيخ.
وفي يوم من الأيام اجتمع مبلغ كبير على سماحة الشيخ قدره ثلاثة ملايين وسبعمائة ألف ريال؛ فأرسل المصرف كشفاً بالمبلغ المذكور، وقالوا: أحببنا إخباركم بالمطلوب، وإلا فنحن لن نتوقف عن صرف أي مبلغ يأمر به سماحته.
فقال بعض الموظفين: يا سماحة الشيخ ! توقف عن التحويل على السبيعي؛ فالحساب مدين بما ترى.
فضحك سماحة الشيخ، وقال: أبشروا بالخير.
فكُتب لخادم الحرمين_الملك فهد_حفظه الله_بذلك، فأمر بدفع المبلغ المذكور، فلما علم الشيخ بذلك قال: ألم أخبركم بأن فرج الله قريب.
2_ في عام 1406هـ حضر سماحة الشيخ×حفل الجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم المقام في جامع الفريان بالرياض.
وفي ضمن فقرات الحفل، كان هناك حديث لرئيس الجماعة؛ صاحب الفضيلة الشيخ عبدالرحمن الفريان_حفظه الله_وبعد أن استعرض جهود الجماعة وميزانيتها_أشار إلى أن الجمعية في تلك السنة تحتاج إلى دعم، وأن مواردها ضعيفه، وأنهم بحاجة إلى سبعين مدرساً للقرآن، ولكن ليس لديهم رواتب لهؤلاء.
فما كان من سماحة الشيخ عبدالعزيز×إلا أن قال بأريحيته المعروفة، ونفسه الكريمة، وثقته بربه_عز وجل_: اتفقوا معهم على حسابي.
3_ كان سماحة الشيخ×في مجلسه في الرياض، وكان ضمن الحاضرين فضيلة الشيخ عقيل العقيل، رئيس مؤسسة الحرمين الخيرية، فقال الشيخ عقيل_حفظه الله_: يا سماحة الشيخ ! عندنا مشروع دعوي ضخم في بلد كذا و_كذا، ولا نستطيع إيجاد نفقته؛ فما رأي سماحتكم ؟
فقال سماحة الشيخ: اكتبوا لنا ماترونه، واعرضوه على مجموعة من المؤسسات، واتفقوا مع أقلهم عرضاً.(1/78)
فقال الشيخ عقيل: إن المبلغ كبير جداً يا سماحة الشيخ.
فقال سماحة الشيخ: ولو كان.
فقال الشيخ عقيل: إنه فوق ما تتصورون يا سماحة الشيخ.
فقال سماحته: كم المبلغ ؟
فقال الشيخ عقيل: سبعة ملايين ريال.
فقال سماحة الشيخ: ولو كان عشرة ملايين؛ ييسرها الله !!
لقد عرف عن سماحة الشيخ الحلم، والتواضع، والعطف , والشفقة، والبساطة، وحب الخير، ولين العريكة؛ فلم يكن يعنف أحداً، ولم يكن يقابل الإساءة بالإساءة بل يعفو، ويصفح، ويقابل الإساءة بالإحسان، ولم أسمع منه طيلة ست عشرة سنة كلمة تُعاب.
بل كان دأبه الرفق، والرحمة بالناس، وبمن يعملون معه.
ومع ذلك كله فإن لسماحة الشيخ هيبةً عظيمةً في قلوب الناس، سواءً كانوا من المراجعين، أو ممن يعملون مع سماحته.
ولقد رأيت كثيراً ممن لهم المكانة الكبرى عند سماحة الشيخ، أو من لهم وجاهة بين الناس_إذا حضروا عند سماحته حصل عندهم تلعثم، وارتباك.
يُبجَّل إجلالاً ويُكْبَر هيبةً
أصيل الحجا فيه تقىً وتواضع
إذا ارتد صمتاً فالرؤوس نواكسٌ
وإن قال فالأعناق صُوْرٌ خواضع(9)
وفي بعض الأحيان يأمر سماحته بالاتصال على شخص ما، وربما كان ذلك الشخص كبيراً، أو ذا مكانة في الناس، فإذا قيل له: إن سماحة الشيخ يرغب في مجيئك إليه في وقت كذا وكذا_ظهر عليه الارتباك وبدا ذلك من خلال نبرات صوته، وأخذ يقول: ماذا يريد مني سماحة الشيخ ؟ ويحاول أن يعرف السبب في ذلك.
وقد يأتي إلى سماحة الشيخ بعض الناس ممن طَبْعُهُ الغلظة، والقسوة، والجفاء؛ لحاجة ما، فإذا رأى سماحةَ الشيخ تباعد عنه، وطلب من أحد الكاتبين أن يعرض موضوعه على سماحة الشيخ؛ فإذا قلنا له تقدم للشيخ، قال: لا أستطيع مواجهته.
ولقد رأيت بعضهم إذا قدم إلى سماحته قال: أنتم بمنزلة والدي، وأعد إشارتكم أمراً، ومجيئي إليكم شرفاً.(1/79)
وماذا يكون من سماحة الشيخ إلا إبداء نصيحة، أو ملحوظة، أو تذكير بأمر ما، كل ذلك بأسلوب لطيف، يصحبه التقدير، والرحمة والمحبة، وتنزيل الناس منازلهم.
ومن كلماته في ذلك: بلغنا عنكم كذا وكذا، ولا يخفى عليكم أن الحكم كذا وكذا، والله_سبحانه وتعالى_يقول: كذا وكذا، والرسول"يقول: كذا وكذا، والمؤمل فيكم الخير، وعدم الرضا بما يحصل، إن كان منكراً، أو خطأ.
ثم يدعو سماحته له ويقول: نسأل الله لكم الإعانة والتوفيق، وصلاح النية، والعمل، وأن يجعلنا وإياكم من دعاة الهدى، وأنصار الحق.
وهذه الكلمات لها أبلغ الأثر في نفوس الناس.
بل إن هيبته لم تكن لِتَقْتَصِرَ على من هو بعيد عن سماحته، بل إن الذين يعملون معه، ويرونه صباح مساء يهابونه، ويحسبون له ألف حساب، فيقومون بالعمل كما ينبغي، ولا يتكلمون عنده إلا بعد تحري الصواب، وملائمة الكلام للمقام مع ما كان منه من السماحة_كما مر_.
وأذكر أن رجلاً قدم من الاتحاد السوفيتي بعد تفكك الشيوعية، فلما دخل على سماحة الشيخ سأل عنه، فقلت له: ها هو سماحة الشيخ سَلِّم عليه، فتردد قليلاً، فقلت له: أقدم، وسلم، سماحة الشيخ من أيسر الناس، فقال: لا أجرؤ على السلام عليه، فحاولت به مراراً حتى سلم على سماحته.
مع أن سماحة الشيخ إمامٌ من أئمة المسلمين، بل على رأس الأئمة من أهل العلم في عصره، ومع أنه مفتى المسلمين، وشيخ الإسلام في عصره، ومع أنه صاحب المعالي، والسماحة، والفضيلة، ورئيس هيئة كبار العلماء، ورئيس اللجنة الدائمة للإفتاء، وكان رئيس الجامعة الإسلامية، وغير ذلك من الألقاب التي تَشرف به لا يشرف هو بها_إلا أنه كان آية في التواضع؛ فلا يكاد يعرف له مثيل في زمانه في هذه الخصلة؛ فهو لا يرى لنفسه فضلاً، ولا يرغب في المديح، ولا في التميز على الناس، وكان محباً للفقراء، والمساكين، حريصاً على مجالستهم، والأكل معهم.
ومن تواضعه×أنه لم يكن يحتقر الفائدة من أي أحد كائناً من كان.(1/80)
والشواهد والقصص على تواضع سماحته لا يمكن حصرها، وقد مضى ما يؤكد ذلك ضمن الفقرات الماضية، وسيأتي شيء من ذلك في الفقرات الآتية.
ومما يذكر في هذا الصدد ما يلي:
1_ في يوم من الأيام وقبل وفاته بثلاثين عاماً حضر إلى مسجد؛ ليلقي فيه محاضرة، فلما شَعُر بأن المسجد مفروش بالحصير، وأن سجادةً قد وضعت له خاصة طواها بنفسه، وطرحها جانباً؛ لأنه لا يريد أن يتميز عن غيره.
2_ ومن صور تواضعه أنه لا يؤم الناس إذا صلى في مسجد فيه إمام راتب حتى مع إلحاح الإمام عليه.
3_ومن ذلك أن السيارة الممنوحة له ولأمثاله من قبل الدولة إذا انتهت مدتها، وأرادوا تغييرها بأحدث منها قال: وما عِلَّتُها فيقال له: انتهت مدتها؛ فماذا تريدون بدلاً عنها يا سماحة الشيخ ؟ فيَسْأَل: وما أنواع السيارات ؟ فيذكر له الكاديلاك، والمرسيدس، والفورد، والبيوك، وغيرها فيقول: والكابرس ؟ فيقال له: لا يليق بمقامك، فيقول: لماذا ؟ أليس القبر واحداً ؟!
4_ طُلب من سماحة الشيخ تغيير أثاث بيته في مكة أكثر من مرة، وهو لا يستجيب، ويقول: لنا في هذا البيت ستة عشرة سنة، ولا ندري ماذا بقي من أعمارنا!.
ولما كثر عليه الإلحاح، وقيل له: إن أثاث المجلس غير صالح، وغير مناسب، وإن تغييره ضروري توقف كثيراً. وبعد إلحاح شديد أمر بتشكيل لجنة خماسية ذكرهم، وقال: اجتمعوا، واكتبوا ما ترونه، وحصل ذلك، وتم إصلاح ما يحتاج إلى إصلاح، وذلك في آخر أيامه×.
5_ وطُلب من سماحته_أيضاً_تغيير بيته الذي في الطائف؛ لأنه صغير، ومجلسه صغير، ويحتاج إلى زيادة منازل للضيوف ولموظفي مكتب البيت فلم يوافق على ذلك، وقال: فيه بركة.
6_ وفي بيته الذي في الرياض دعت الحاجة إلى إيجاد بعض الغرف، فقلت له يا شيخ ! البيوت المعروضة للبيع في هذا الحي كثيرة، وأرى أن يشترى بيتٌ يكون لبعض العمالة الموجودة لديكم، وللضيوف، فتغير وجه سماحته، وقال: نحن مسافرون !!.
يعني السفر إلى الدار الآخرة.(1/81)
7_ ومن صور تواضُعِهِ تواضُعُهُ للمرأة والمسكين والسائل، وأذكر قبل ثلاثين سنة من وفاته أنني رأيته خارجاً من المسجد الجامع، فقيل له هناك امرأة تريد إجابة عن أسئلتها، فما كان منه إلا أن اتكأ على عصاه، وأصغى لها، وأجاب عن أسئلتها حتى انصرفت. !
8_ ومن صور تواضعه أنه يرد السلام على كل أحد، ويبادر من لقيه بالسلام، حتى إن السائل الذي يقف أمام الناس يسألهم بعد الصلاة إذا سلم لم يرد عليه أحد في الغالب.
أما سماحة الشيخ فلم يكن يدع الرد عليه أبداً.
9_ ومن صور تواضعه أنه يتواضع لمن دونه في العلم، حتى ولو كان من طلابه؛ ومن الأمثلة على ذلك أنه في عام 1386هـ جاء من المدينة إلى الرياض، وألقى محاضرة في دار العلم، ولما انتهى من المحاضرة؛ وجهت له الأسئلة، فالتفت سماحته إلى أحد طلبة العلم، وهو من تلاميذه وقال: تفضل، أجب عن الأسئلة، فامتنع ذلك الرجل.
10_ ومن صور تواضعه أنه كان لا يرضى أن يخص بشيء دون غيره، والشواهد على هذه الصورة كثيرةٌ جداً.
ومن ذلك أنه في عام 1402هـ لما أصيب بمرض في القلب، ولازم الفراش في المستشفى التخصصي عدة أيام، وأجريت له الفحوصات اللازمة_أوصاه الأطباء بتناول بعض الأشياء، ومنعوه من بعضها ككثير الدهن، والملح، ثم وضعوا له طعاماً خاصاً.
فلما علم بذلك أبى، وقال: الذي يوضع لغيري يوضع لي، وما يحصل إلا الخير !.
وفي عرفة في حج عام 1418هـ كان جالساً في المصلى، ومئات الناس حوله، فجيء له بفاكهة مقطعة؛ لأن عادته في المشاعر في الحج أنه لا يأكل في الغالب إلا الفاكهة، والتمر، واللبن.
فلما وضع أمامه قال: أكُلُّ الحاضرين وضع لهم مثل هذا ؟
قالوا: لا، فقال: أبعدوه، وغضب.
وحدثني بعض من عاش معه في الدلم لما كان قاضياً فيها أنه يهدى إليه من بعض جيرانه لبن فيقول سماحته: إن كان كثيراً فقدموه للضيوف، وإن كان قليلاً فلا أريد منه شيئاً.(1/82)
11_ ومن صور تواضعه أنه كان يمشي الهوينى بعيداً عن التكبر، والتمايل، والزهو، والأشر والبطر، والغرور.
بل ترى الخشوع، والخضوع، والتواضع سمة لمشيته.
ومشيت مِشْيَةَ خاشعٍ متواضعٍ
لله لا يُزهى ولا يتكبر
12_ ومن صور تواضعه أنه لا يأنف من قول: لا أدري، لا أعلم، أتوقف؛ فكثيراً ما يقول ذلك حين يسأل وهو لا يعلم سواء كان ذلك في مجالسه الخاصة، أو العامة، أو في المحاضرات، أو المساجد، أو في الإذاعة.
وفي عام 1402هـ كان يلقي درساً في الحرم، فسئل: هل الأنثى مثل الذكر يحلق رأسها، ويوزن، ويُتصَدق بوزنه ورقاً ؟
فأجاب×بقوله: ما عندي علم أَسْأَلُ إخواني طلبة العلم، وأخبركم إن شاء الله.
ولا أحصي ما يَرُدُّ بمثل هذا، أو يقول: سنبحث في كلام أهل العلم، أو يكتب لمعالي الأمين العام لهيئة كبار العلماء؛ لبحث المسألة، أو يُعَمِّد بعض طلبته، أو بعض الباحثين بذلك.
13_ ومن صور تواضعه أنه لا يحتقر النصيحة، أو الفائدة من أي أحد.
وأذكر أنه في يوم من الأيام اتصل شاب صغير بسماحة الشيخ، وقال: يا سماحة الشيخ ! الناس بأشد الحاجة إلى علماء يُفتُونهم، وأقترح على سماحتكم أن تجعلوا في كل مدينة مفتياً؛ ليسهل الاتصال.
فقال له سماحة الشيخ: ما شاء الله، أصلحك الله، كم عمرك ؟ فقال: ثلاثة عشر عاماً.
فقال لي سماحة الشيخ: هذا اقتراح طيب، يستحق الدراسة، اكتب إلى الأمين العام لهيئة كبار العلماء بهذا، فكتبتُ ما أملى به، ومما جاء في كتابه: أما بعد فقد اتصل بي بعض الناصحين، وقال: إنه يقترح وضع مفتين في كل بلد، ونرى عرضه على اللجنة الدائمة؛ لنتبادل الرأي في الموضوع.
14_ ومن صور تواضعه أنه كان يهتضم نفسه، ويرى أنه أقل مما يوصف به من الثناء الذي يذكره الآخرون فيه.(1/83)
وأذكر أنه لما مُنح جائرة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، كتب الأستاذ الفاضل الشيخ أحمد محمد جمال×كلمة رائعة بمناسبة هذا الحدث في جريدة عكاظ في 27/3/1402هـ، وقد أثنى فيها على سماحة الشيخ بما هو أهله.
فلما قرئ المقال على سماحة الشيخ×كتب إلى الأستاذ أحمد جمال×كتاباً رقيقاً يَقْطُر لطفاً وأدباً، وضمنه شكره للأستاذ أحمد، وشكره على حسن ظنه به، واعترف بالتقصير، واحتقار ما يقوم به من عمل.
وإليك هاتين الرسالتين؛ لتقف على الأمر بنفسك.
كتب الشيخ أحمد جمال×في زاويتة بعنوان حديث الجمعة مقالاً تحت عنوان:
سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز وجائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام.
وقال تحت هذا العنوان ما يلي:
=جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام التي منحت لسماحة العلامة المجاهد بقلمه ولسانه الشيخ عبدالعزيز بن باز_كانت تحية طيبة لسماحته من لجنة الجائزة، وإشعاراً للمجتمع الإسلامي بإدراك اللجنة الموقرة لمقام سماحته الكبير، مقامِ العلم النافع، والعمل الرائع، مقامِ الجهاد بالقلم واللسان، والمال، مقامِ الناصح الأمين الذي يعلن كلمة الحق بين أيدي الرعاة والرعية، وبين الخاصة والعامة.
أجل إن الشيخ عبدالعزيز فريد في ميدانه علماً وعملاً، ونادر في مقامه جهاداً بالقلم واللسان والمال.
كل أيامه في بيته، وفي مقر عمله مشغولةٌ بالزوار من طلاب الحاجات، وحملة المشكلات، وطارحي المسائل.
وهو بينهم يقضي لهذا حاجته، ويحل لذلك مشكلته، ويجيب الآخر على مسألته، ويبذل للرابع شفاعته؛ ليقبل في معهد أو كلية، أو ليعطى عوناً مالياً لبناء مسجد، أو إنشاء مدرسة، أو إقامة مركز للدعوة الإسلامية.(1/84)
وزوار سماحته متعددو الجنسيات، مختلفو الألوان والأوطان، من البلاد العربية، ومن أفريقيا، وآسيا، ومن أمريكا وأوروبا، لم يجدوا باباً غير بابه مفتوحاً، ولا صدراً غير صدره متسعاً لاستقبالهم، والترحيب بهم، ثم إمدادهم بما يريدون من عون مادي، أو فتوى دينية، أو شفاعة لدى مسؤول كبير؛ لقضاء حاجة من حاجات الدنيا الكثيرة.
ثم هو لا يسمع بمنكر يحدث في جماعة أو مجتمع، أو حتى فرد صغير، أو كبير_إلا سارع، فكتب لولاة الأمر ينبه إلى مخاطر هذا المنكر، ويوجه إلى ضرورة القضاء عليه؛ لئلا يفشو؛ فيزداد وباؤه في المجتمع، فتسوء العاقبة والمصير.
وإلى جانب ذلك: المؤلفات، والأحاديث، والمقالات عبر الصحف، والمجلات، والإذاعة تعليماً، وتذكيراً، وأمراً بالمعروف، ونهياً عن المنكر، وتوجيهاً إلى الخير، ودحضاً للباطل، وانتصاراً للحق.
والمؤتمرات، والندوات العلمية والدينية لا تخلو من محاضراته، وأحاديثه القيمة، مذكراً بماضي الإسلام، مطالباً بالعودة إلى سيرة السلف الصالح، وقبل ذلك إلى كتاب الله الكريم، وسنة رسوله الرؤوف الرحيم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
إن جائزة الملك فيصل×التي منحت لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز ليست إلا مجرد تذكير بجهاده العلمي والاجتماعي والديني، ورمزاً لتقديره، والتعريف بمقامه الجليل.
وسماحته_أمده الله بعونه وتوفيقه_يمثل علماء السلف الصالح الذين كانوا يجمعون إلى العلم العمل، وإلى الجاه التقوى، وإلى السلطة الشفاعة الحسنة، لأصحاب الحاجات، وحملة المشكلات، وذوي المظالم.
ولو كان علماؤنا في كل منطقة من مناطق المملكة الخمس_على مثل علم الشيخ عبدالعزيز بن باز وعمله لكان المجتمع السعودي اليوم_طولاً وعرضاً_غير ما نرى في مجالات الثقافة والتعليم، والتربية والسلوك الاجتماعي، والعلاقات العامة بين السادة والعامة.(1/85)
وبعد فهذه تحية سريعة لسماحة العالم العامل الناصح الأمين الشيخ عبدالعزيز بن باز، وأهم منها أنني أسأل الله مخلصاً أن يمده بعونه وتوفيقه وتيسيره، ويجزيه على ما يبذل من علم وعمل ونصيحة أعظم الجزاء وأكرمه+.
ولما قرئت هذه الكلمة على سماحة الشيخ رد عليها بالكلمة التالية المحررة في 7/4/1402هـ:
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ الكريم فضيله الأستاذ الجليل والأديب الفاضل الشيخ أحمد محمد جمال، لازال موفقاً لجميل الخصال، نائلاً غاية الآمال آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد
فقد اطلعت على كلمتكم في جريدة عكاظ تاريخ 27/3/1402هـ حول منح أخيكم جائزة الملك فيصل×وما تفضلتم به من الثناء الجميل، والدعوات الطيبة، والشعور النبيل نحو محبكم، وإني لأشكركم وجميع إخواني على حسن ظنهم بي، وأسأل الله أن يجعلني خيراً مما يظنون، ويغفرلي ما لا يعلمون، وإني معترف بالتقصير، وأسأل الله العفو والمسامحة، وما أقوم به من العمل القليل، ومساعدة إخواني المسلمين في حوائجهم فهو جهد المقل، ومن الواجب للمسلم على أخيه المسلم، بل الواجب علي وعلى أمثالي من طلبة العلم أكثر من ذلك وأكثر، وأسأل الله أن يمنحنا وإياكم وسائر إخواننا القوة والنشاط في الخير، والإصلاح في جميع الأقوال، والأعمال إنه خير مسؤول، وأكرم مجيب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرئيس العام لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
15_ ومن صور تواضعه أنه لم يكن يعبأ بتسمية المدارس أو الشوارع باسمه، بل ربما رفض ذلك، واقترح أسماء يرى أنها أولى منه.
ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في كتاب أرسله أحد المشايخ إلى سماحة الشيخ، وهذا الكتاب يتضمن عزمه ومن معه على افتتاح مدارس أهلية، ويرغبون بأن تحمل هذه المدارس اسم سماحة الشيخ×.
وإليك نص الكتاب الذي وُجِّه إلى سماحته:
بسم الله الرحمن الرحيم(1/86)
سماحة الوالد الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز حفظه الله آمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
نحيط سماحتكم علماً بأننا عازمون على افتتاح مدارس أهلية للبنين والبنات تضم المراحل الابتدائية والروضة للبنين والبنات، وفي المستقبل القريب تضم المراحل المتوسطة، والثانوية بمشيئة الله.
ولِمَا لسماحتكم من منزلة ومكانة في القلوب، وعرفاناً لكم بما تعلَّمه أبناؤكم منكم، ولما سيكون عليه وضع المدارس من عناية مزيدة بالقرآن الكريم والدروس الشرعية_فإننا نستأذنكم في تسمية المدارس باسمكم؛ كما سمي غيرها باسم سماحة العلامة محمد بن إبراهيم، وسماحة الشيخ عبدالله بن حميد_رحمهما الله_.
عليه نلتمس موافقتكم في تسمية هذه المدارس باسمكم لا حرمكم الله الأجر والثواب، وجعله في موازين أعمالكم، والله يحفظكم.
5/9/1412هـ
ولما عرض هذا الكتاب على سماحة الشيخ عبدالعزيز×أجاب بما يلي:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته بعده: أنصح بأن تسموها بمن هو أفضل مني كشيخ الإسلام ابن تيمية، والعلامة ابن القيم، والشيخ محمد ابن عبدالوهاب، والشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ، وأمثالهم من أهل العلم والفضل الذين لقوا ربهم_رحمة الله عليهم_.
وأسأله_سبحانه_أن يبارك في جهودكم، وأن يمنحكم التوفيق وعظيم الأجر، إنه جواد كريم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
……………عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
……………5/9/1412هـ
16_ ومن صور تواضعه كراهيته للمديح مع أنه مستحق لذلك وأهل له.
ولهذا إذا كتب له بعض الناس رسالة، وشرع بمدح الشيخ بما هو أهله جعل سماحة الشيخ يتململ، ويتحرك، ويقول: الله المستعان، الله يعاملنا بالعفو، اترك هذا الكلام، اقرأ المقصود، ماذا يريد ؟.
بل كان×يبدي امتعاضه، وإنكاره لبعض ما يقال فيه، وربما حرر ذلك كتابةً.(1/87)
ومما يذكر في هذا الصدد أن صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور محمد تقي الدين الهلالي المغربي×وهو يكبر سماحة الشيخ بسنوات_قال قصيدة طويلة ماتعة في سماحة الشيخ×.
وبعد أن نُشِرت تلك القصيدة في مجلة الجامعة السلفية في الهند كتب سماحته تعقيباً على تلك القصيدة مبدياً تكدره وامتعاضه؛ فإليكم القصيدة أولاً، ثم تعقيب سماحة الشيخ.
يقول الشيخ الدكتور الهلالي×في أول شهر شعبان 1397هـ:
خليلي عُوْجَابي لنغتنمَ الأجرا
على آل باز إنهم بالعلى أحرى
فما منهمو إلا كريم وماجدٌ
تراه إذا ما زرته في الندى بحرا
فعالمهم جَلَّى بعلم وحكمةٍ
وفارسهم أولى عداة الهدى قهرا
فسل عنهمُ القاموسَ والكتُبَ التي
بعلم حديث المصطفى قد سمت قدرا
أعُمُّهموا مدحاً وإني مقصرٌ
وأختص من حاز المعالي والفخرا
أمامَ الهدى عبدَالعزيز الذي بدا
بعلم وأخلاق أمام الورى بدرا
تراه إذا ما جئته متهللاً
ينيلك ترحيباً ويمنحك البِشْرى
وأما قِرى الأضيافِ فهو إمامُه
فحاتم لم يتْرك له في الورى ذكرا
حليمٌ عن الجاني إذا فاه بالخنا
ولو شاء أرداه وجلله خُسرا
يقابل بالعفو المسيء تكرماً
ويبدل بالحسنى مساءته غُفرا
وزهده في الدنيا لو آن ابن أدهم
رآه ارتأى فيه المشقة والعسرا
وكم رامت الدنيا تحلُّ فؤاده
فأبدلها نُكْراً وأوسعها هَجْرا
فقالت له: دعني بكفِّك إنني
بقلبك لم أطمع فحسبي به وَكْرا
خطيب بليغ دون أدنى تلعثم
ومن دون لحن حين يكتب أو يقرا
بعَصْرٍ يرى قُراؤه اللحنَ واجباً
عليهم ومحتوماً ولو قرأوا سطرا
بتفسير قرآنٍ وسنة أحمدٍ
يُعمِّر أوقاتا وينشرها درّا
وينصر مظلوماً ويسعف طالباً
بحاجاته ما إن يخيِّب مضطرا
قضى في القضا دهراً فكان شُريحَه
بخرج أزال الظلم والحيف والقسرا
وكليةَ التشريعِ قد كان قُطْبَها
فأفعمها علماً فنال به شكرا
وجامعة الإسلام أطلع شمسَها
فَعَمَّت به أنوارُها السَّهْلَ والرعرا
تيمّمَها الطلابُ من كل وُجْهَةٍ
ونالوا بها علماً وكان لهم ذخرا(1/88)
فمن كان منهم ذا خداع فخاسر
ومن كان منهم مخلصاً فله البشرى
ولم أر في هذا الزمان نظيره
وآتاك شيخاً صالحاً عالماً بَرَّا
وأصبح في الإفتا إماماً مُحَقِّقَاً
بعلم وأخلاق بدا عَرْفُها نَشْرا
وأما بحوث العلم فهو طبيبُها
مشاكله العسرى به أُبدلت يسرا
ويعرف معروفاً وينكر منكراً
ولم يخش في الإنكار زيداً ولا عمرا
وما زال في الدعوى سراجاً منوِّراً
دُجَى الجهل والإشراك يدحره دحرا
بدعوته أضحت جموعٌ كثيرةٌ
تحقق دين الحق تنصره نصرا
ألم نره في موسم الحج قائماً
كيعسوب نحلٍ والحشودُ له تترا
وما زال في التوحيد بدر كماله
يحققه للسامعين وللقُرا
ويثبت للرحمن كل صفاته
على رغم جهمي يعطلها جهرا
ويعلن حرباً ليس فيه هوادة
على أهل إلحاد ومن عبدالقبرا
وما قلت هذا رغبة أو تملقاً
ولكن قلبي بالذي قلته أدرى
فيارب مَتِّعْنَا بطول حياته
وحفظاً له من كل ما ساء أو ضرَّا
فلو كان في الدنيا أناس كمثله
بأقطار إسلام بهم تكشف الضرَّا
فيا أيها المَلْكُ المعظم خالدٌ
بإرشاده اعمل تحرز الفتح والنصرا
فقد خصَّه الرحمن باليمن والمنى
وآتاك شخصاً صالحاً عالماً برَّا
فأنت لأهل الكفر والشرك ضيغم
تذيقهموا صاباً وتسقيهموا المُرا
فلا زلت للإسلام تنصر أهله
وتردي بأهل الكفر ترديهموا كسرا
وحبَّبك الرحمنُ للناس كلِّهم
سوى حاسد أو مشرك أضمر الكفرا
وقد أبغض الكفارُ أكرَمَ مُرسلٍ
وإن كان خير الخلق والنعمة الكبرى
عليه صلاة الله ثم سلامه
يدومان في الدنيا وفي النشأة الأخرى
كذا الآل والصحب الأجلاء مابكت بكت
مطوقةٌ ورقاءُ في دوحة خضرا
وما طاف بالبيت العتيق تقرباً
حجيج يُرَجُّون المثوبة والأجرا
وما قال مشتاق وقد بان إلفه
خليلي عوجا بي لنغتنم الأجرا
فيا أيها الأستاذ خذها ظعينةً
مقنعةً شعثاء تلتمس العذرا
فقابلْ جفاها بالقبول وأولها
من العفو جلباباً يكون لها سترا(1/89)
وبعد أن نشرت تلك القصيدة في مجلة الجامعة السلفية في بنارس_الهند_أرسل سماحة الشيخ عبدالعزيز×في 23/3/1398هـ تعقيباً إليك نصه:
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ عبدالوحيد الرحماني مدير مجلة الجامعة السلفية في بنارس_وفقه الله للخير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:
فقد اطلعت على قصيدة نُشرت في العدد التاسع من مجلتكم لفضيلة الدكتور تقي الدين الهلالي تتضمن الغلو في المدح لي، ولعموم قبيلتي، وقد كدرتني كثيراً، فرأيت أن أكتب تنبيهاً للقراء، باستنكاري لذلك وعدم رضائي به.
وإليك ما كتبت برفقه راجياً المبادرة بنشره في أول عدد يصدر في المجلة.
أثابكم الله وشكر سعيكم.
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة، والدعوة والإرشاد
وإليكم أيها القارئ نَصَّ ذلك التنبيه:
=الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه.
أما بعد فقد اطلعت على قصيدة نشرت في العدد التاسع من مجلة الجامعة السلفية في بنارس_الهند_لفضيلة الدكتور تقي الدين الهلالي، وقد كدرتني كثيراً، وأسفت أن تصدر من مثله، وذلك لما تضمنته من الغلو في المدح لي ولعموم قبيلتي، وتَنَقُّصِه للزاهد المشهور إبراهيم بن أدهم×وتفضيلي عليه في الزهد، وعلى حاتم في الكرم، وتسويتي بشريح في القضاء إلى غير ذلك من المدح المذموم الذي أمر الرسول"بحثي التراب في وجوه من يستعمله.
وإني أبرأ إلى الله من الرضا بذلك، ويعلم الله كراهيتي له، وامتعاضي من القصيدة لما سمعت فيها ما سمعت.
وإني أنصح فضيلته من العَوْد إلى مثل ذلك، وأن يستغفر الله مما صدر منه، ونسأل الله أن يحفظنا وإياه وسائر إخواننا من زلات اللسان، ووساوس الشيطان، وأن يعاملنا جميعاً بعفوه، ورحمته، وأن يختم للجميع بالخاتمة الحسنة؛ إنه خير مسؤول.(1/90)
ولإعلان الحقيقة وإشعار من اطلع على ذلك بعدم رضائي بالمدح المذكور جرى نشره، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.
الرئيس العام
لإدارات البحوث العملية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
17_ وهذه قصيدة رائعة كتبها الشيخ أحمد محمد أبو شلباية الباحث العلمي بمجلة البحوث الإسلامية. وذلك في 2/1/1399هـ بعنوان =كلمة وفاء لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز+.
وقد قدم لها بمقدمة ثم أورد القصيدة، وضمنها محبته، وثناءه على سماحة الشيخ.
وبعد أن اطلع سماحة الشيخ عليها كتب رداً على الرسالة ضمنه شكره، واعترافه بالتقصير.
وإليك الرسالة والقصيدة والرد.
بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة الوالد الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز كان الله له
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فإنني أعتبر نفسي من السعداء حينما أرفع لسماحتكم هذه الكلمة المتواضعة تعبر عن بعض جهودكم، وجهادكم في سبيل الدعوة إلى الله، وإحقاق الحق، وإزهاق الباطل.
أمدَّ الله في عمركم، وزادكم قوة على قوة، حتى تعيدوا لشريعة الله مجدها وعزها.
وأبتهل إليه_سبحانه وتعالى_أن يجعلني جندياً من جنودكم، وأن يجعل لساني، وما أعطاني من بيان وقفاً على الدعوة في سبيله، ورزقني الله رضاكم عني دائماً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
……………المخلص لشيخه ووالده دائماً
……………أحمد محمد أبو شلباية
……………2 من المحرم 1399هـ
ثم أورد القصيدة وإليك نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
=كلمة وفاء لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز+
شيخَ الشيوخِ تحية الأبناء
بمحبة عطَّرتُها وولاءِ
يا من وقَفْتَ الروحَ للدين الذي
هو ذكرنا في سائر الأحياءِ
والدين في الدنيا منارةُ تائهٍ
خرجت به من ظلمة لضياءِ
كم ذا وقفت على المنابر داعياً
لله لا للجاه والإغراءِ
والحق إذ كان المرادَ لأنفس
فالنفس والأموال طوع فداءِ
لا تخش إلا الله في أحكامه(1/91)
فهو الذي يكفيك في أعداءِ
فالسيف عُودٌ في يد الشجعان إنْ
لم يَسْتَجبَ لدعاية الحكماءِ
كم نال قولٌ من كنانةِ عالم
ما لم تَنَلْهُ أسيفُ الأكفاءِ
فسلوا بنجدٍ عن مُجدِّد دعوة
لله ينسخ شائب الأخطاءِ
هل نال منها جاهل أم أنها
صمدت صمودَ الصخرة الصَّمَّاءِ
حتى استنارت أنفس وبصائرٌ
كانت تهيم بحومة الجهلاءِ
كانت تظنُّ الخيرَ في الأشجار أو
قِطَعٍ من الأحجار في الرمضاءِ
أو ميِّتٍ بين المقابر قدْ وهي
يُرْجى لأحياءٍ بطول بقاءِ
والجهل داءٌ إن تعاصى طِبُّهُ
فكتاب ربك فيه خير شفاءِ
ما قال ربُّ الناس للناس: اسجدوا
للشمس والأقمار في الظلماءِ
لكنه قد قال: لله اسجدوا
خلق النجوم وزانها بسماءِ
عبدَالعزيز لقد دعوتَ مجاهداً
بين الورى فيما دنى والنائي
وتقول: يا قومي ارجعوا لكتابكم
ورسولكم في سائر الأشياءِ
ما بعدَ أحمدَ من نبيِّ مرسلٍ
فعلام نتبع منطق الأهواءِ
أو ما ترون إلى الجزيرة أينعت
خيراتُها مع قسوة الأحياءِ
حكمت بشرع الله فانقادت لها الد
نيا وعند الله خير جزاءِ
أو ما ترى للأمن بين ربوعها
ما بين يَنْبعَ أو ربى الأحساءِ
شرِّق بها أو غرِّبنْ ما شئت أو
أشملْ وأيمنْ جائزَ الصحراءِ
لا تخشى إلا الله والذُّئبانَ في
سيارةٍ أو أنْعُمٍ أو شاءِ
قل للأُلى تركوا الكتاب كفاكم
ما ذقتمُ من شدة الضَّرَّاءِ
فَغَدت بكم أوطانُكم ودياركم
عُنَّ اللصوص ومنتدى البؤساءِ
ومذابح الأعراض في أرجائها
فغدت وجوهكمُ بغير حياءِ
عبدَالعزيز اصدع بشرع الله في
قوم بغوا في حومة الفحشاءِ
أصلح وقاك الله عند فسادهم
طوبى لمن أضحى من الغرباءِ
يا ليتني من جندكم ودعاتكم
فأنال عند الله حسنَ ثناءِ
كتبها ولدكم الفقير إلى عفو ربه الكريم
أحمد بن محمد أبو شلباية
الباحث العلمي بمجلة البحوث العلمية
وبعد أن اطلع سماحة الشيخ عبدالعزيز×على المقدمة والقصيدة كتب ما يلي:(1/92)
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ أحمد محمد أبو شلباية، زاده الله من العلم والإيمان، وجعله مباركاً أينما كان آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد
فقد اطلعت على رسالتكم الرقيقة المؤرخة 2/1/99هـ في 7/5/99هـ، والقصيدة المرفقة المعبرة عن إخلاصكم، ونصحكم، وتقديركم لأعمال أخيكم.
وإني لأشكركم كثيراً على مشاعركم النبيلة، وأعمالكم الطيبة، وأحاديثكم المفيدة في الإذاعة وغيرها، وأسأل الله لي ولكم المزيد من التوفيق مع صلاح النية والعمل.
ولا شك أننا جميعاً محل التقصير، وعدم القيام بالواجب، ولاشك_أيضاً_أن حال العالم اليوم، ولاسيما المسلمون توجب على كل طالب علم، مضاعفة الجهود في الدعوة إلى الله_سبحانه_ونشر كلمة الحق، وبث الوعي الإسلامي بين الجميع، ونشر الكتب والرسائل المناسبة لإيضاح الحق بأدلته، وإزهاق الباطل.
فنسأل الله العون على ذلك، والعفو عند التقصير، كما نسأله_سبحانه_أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يكثر فيهم دعاة الهدى، وأن يولي عليهم خيارهم، ويمنح الجميع الفقه في الدين؛ إنه ولي ذلك، والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام
لإدارات البحوث العملية والإفتاء والدعوة والإرشاد
14/5/1399هـ
كان سماحة الشيخ عزيز النفس، غني القلب، مترفعاً عن الدنايا، معرضاً عن الدنيا، لا يتشوف إلى شيء من متاعها الفاني، ولا تستشرف نفسه إلى شيء من ذلك.
حتى إن الأموال التي ترسل إليه، ويَقْبَل أخذَها لم يكن يأخذها ليتكثر بها، أو تزداد ثروته بسببها، وإنما يصرفها في وجوه الخير المتنوعة.
وكل ذلك ناتج عن ورعه، وزهده، وعزة نفسه.
ومن الشواهد على عزة نفسه، وزهده وورعه مايلي:
1_ أنه لما كان في المدينة النبوية إبَّان رئاسته للجامعة الإسلامية أمر الملك فيصل×بشراء بيت لسماحته.(1/93)
ولما جاء وقت الإفراغ وتسجيله باسمه امتنع عن جعله باسمه، وقال: الصك يجعل باسم رئيس الجامعة، وأنا أسكنه مادمت موجوداً، وإذا انتقلت يسكنه مَنْ بعدي.
2_ ومرة أرسل إليه أحد المسؤولين_جزاه الله خيراً_مبلغاً كبيراً، وقال: هذه هدية مني لسماحتكم فأخذه، ورأيت في وجهه الكراهة، وعجبت من أخذه إياه؛ إذ ليس ذلك من عادته؛ فشرع يوزع من ذلك المبلغ.
ولما كان الغد قال لي: اتصل بفلان_وهو يعمل عند ذاك المسؤول الذي أهدى المبلغ_وقل له يأتي؛ لأنني كرهت هذا المبلغ.
فلما اتصلت به، وأخبرته جاء إلى سماحة الشيخ فقال له سماحته: بلِّغ فلاناً شكري ودعائي له، وأخبره أنني بخير، ولست بحاجة إلى ذلك المبلغ، وقل له: إن كان يسمح بتوزيعه بين خواص الفقراء فلا بأس، وإلا أعطيناه المبلغ؛ وجزاه الله خيراً.
فلما وصل الخبر إلى المسؤول الذي أهدى المبلغ أذن بتوزيعه على نظر سماحته.
3_ وقبل قرابة عشرين عاماً من وفاة سماحته لما انتهى بناءُ بيته الذي في الطائف أرسل إليه مسؤول كبير_جزاه الله خيراً_مبلغاً وقال هذه هدية مني لسماحتكم؛ لتأثيث المنزل.
فرده سماحته، وقال: نحن بخير، ولا نحتاج إلى شيء؛ وجزاك الله خيراً.
وأنا أعلم أن سماحته مدين، وأنه بحاجة، ولكنه غني القلب، عزيز النفس، لا ينظر إلى ما في أيدي الناس.
4_ وقبل ما يقارب ثلاثين عاماً من وفاة سماحته هَمَّ ببيع بيته لما كثرت ديونه؛ فعلم بذلك بعض المسؤولين، وأرسل إليه بعض المال، وقال: بلغني أنك تريد بيع بيتك بسبب ضيق ما في يدك، وهذا مما كدرني؛ فآمل قبول هديتي، والإذن لي بإبلاغ جلالة الملك في هذا الشأن.
فأجابه سماحة الشيخ بالشكر والدعاء، وقال له: ما سمعتم من الحاجة صحيح كما لا يخفى من كثرة الضيوف والمحتاجين في الرياض والمدينة، ولكن لا أسمح بإبلاغ الملك، وشكره ودعا له دعاءً كثيراً.(1/94)
5_ وقبل أربعين سنة تقريباً من وفاته كتب لوزير المالية وقال له: علي حاجة شديدة بسبب كثرة الضيوف؛ فآمل إقراضي مبلغ كذا وكذا وأنا أعيده على أقساط شهرية، تحسم من راتبي، وتم ذلك.
ولعل هذا من أعظم الأسرار في محبة الناس له، وإقبالهم عليه، وقبول نصحه، وتوجيهه، واجتماع القلوب عليه؛ لأنه لم يكن ينظر إلى ماعند الناس من المال.
لايكاد يعرف في زماننا هذا أزهد من سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز×مع أن الدنيا تقبل عليه، وتتزين له، إلا أنه زاهد بها، مشيح بوجهه عنها.
فلا أذكر في يوم من الأيام أنه سأل عن راتبه، ولا عن مقداره، ولا عن زيادته، ولا عن وقت مجيئه، ولا أذكر أنه سأل عن انتدابه، أو عن رصيده أو حسابه، لا يسأل عن ذلك ولا يعبأ به.
ولا أذكر أنه تكلم ببيع، أو شراء، أو أمر من أمور الدنيا إلا على سبيل السؤال عن حاجة أحد، أو الشفاعة له، بل كان كثير الوصية بالتحذير من الاغترار بالدنيا.
وسماحة الشيخ كان يعيش عيشة القناعة، والزهد والكفاف؛ فلم يكن يمسك شيئاً من حطام الدنيا، ولم يكن يتطلع إلى مال، أو جاه، أو منصب.
بل كان ينفق انفاق من لا يخشى الفقر، وكان زاهداً بالجاه، والمراتب، والمديح، وحب الذكر.
ولم أسمع منه أو عنه أنه مَالَ في يوم من الأيام إلى الدنيا، أو طلب شيئاً من مُتَعِها.
وكان يكره الحديث في تغيير أثاث منزله، أو سيارته، أو أن يقال له: عندك كذا وكذا.
وكان يكره الخوض في الأحاديث الدنيوية البحتة التي ليس من ورائها مصلحة للمسلمين، أو للدعوة.
ومما يدل على زهده كثرة إنفاقه، وإسقاطه الدين عمن اقترض منه ولو كان كثيراً؛ فلا أحصي كثرة ما طرحه من الديون عن أناس اقترضوا منه.
وأذكر أنه قبل عشر سنوات أملى عليَّ كتباً لبعض من أقرضهم، وقال: =أخشى أن يفاجئني الأجل، وأحب أن أخبركم أنني قد سامحتكم، وأبرأتكم، ولم يبق لي عليكم شيء+.
ولا أذكر أنه طالبَ أحداً له حق عليه.(1/95)
وأذكر أنه قبل وفاته بثلاث سنوات أقرض شخصاً سبعمائة ألف ريال، ثم أرسل إليه يخبره بأنه قد طرحه عنه، فقلت له؛ شفقة عليه، ورغبة في سماع ما عنده: أعظم الله أجر هذا الحساب_أعني حساب سماحة الشيخ الخاص_فالتفت إليَّ وقال: يا ولدي ! لا تهمك الدنيا، أنا بلغت من العمر سبعاً وثمانين، ولم أر من ربي إلا خيراً، الدنيا تذهب وتجيء، وفَرْقٌ بين من يتوفى وعنده مائة مليون، ومن يتوفى وليس لديه شيء؛ فالأول ثقيل الحساب والتبعة، والثاني بعكس ذلك كله.
وما ثناك كلام الناس عن كرم
ومن يسدُّ طريق العارض الهطِلِ
ومن صور زهده×: زهده في المديح والإطراء؛ فكثيراً ما تقرأ عليه بعض الرسائل التي تفيض بالحب، والدعاء والثناء على سماحته؛ فإذا بدأنا بقراءتها قال: اتركوا المقدمة، اقرؤوا المقصود؛ ماذا يريد صاحبها ؟ أنا لا أحب أن أسمع مثل هذا الكلام.
وكثيراً ما يأتي بعض الناس، ويكثر من الثناء على سماحته، ويذكر بعض أوصافه، وهو يتململ ويتغير وجهه، ويقول: الله المستعان، الله يتوب على الجميع، الله يستعملنا وإياكم فيما يرضيه.
ويأتي إلى سماحته بعض الناس ويقول: رأيت فيك رؤيا منامية صالحة_إن شاء الله_.
فيلزم سماحته الصمت، ولا يطلب من الرائي ذكرها، ولكن ذلك الشخص يبدأ بذكرها، وسماحة الشيخ لا تظهر عليه الرغبة في سماعه ا؛ ولكن أدبه يأبى عليه أن يُسْكِتَ المتكلم، فإذا انتهى قال: خير إن شاء الله، والمُعَوَّل على عفو الله.
ولم أسمع منه يوماً من الأيام أنه سأل أحداً عن دخله الوظيفي، أو عن ممتلكاته.
وفي يوم من الأيام جاءه أحد الناس المعروفين لديه، وخاض في أمور الدنيا وقال: يا سماحة الشيخ ! نحن بخير، وعندنا كذا وكذا، وقد اشتريت أرضاً بكذا وكذا، والآن هي تساوي خمسة وأربعين مليون ريال.
فالتفت إليه سماحة الشيخ وقال: مادام أنها بلغت هذا المبلغ فبعها، ماذا تنتظر، واصرفها في وجوه الخير، أو أعطنا إياها نصرفها لك.(1/96)
فسكت ذلك الرجل، ولم يحر جواباً.
ولم أسمع أن سماحته ساهم مساهمة في أرض أو شراكة.
وقد حاولت أن أقترح عليه بأن يضع شيئاً من ماله في مساهمة، لعلها تُوَفِّي بعض نفقاته، ولكن لهيبته لم أجرؤ على ذلك؛ لما أعلمه عنه من البعد عن الدنيا، وزينتها، وزخارفها.
أما ورعه، وتجنبه للمشتبهات فهو أمر يعرفه القاصي والداني.
ومما يحضرني في ذلك الشأن ما يلي:
1_ أنه إذا تقدم إليه بعض الفقراء، وشكى إليه حاجة، أو قال: أريد السفر إلى مكة، أو المدينة وليس معه شيء، ولا يحمل إثباتاً من مشايخ معروفين، أو من أناس يعرفهم سماحة الشيخ قال: أعطوه مائة أو مائتين أو ثلاث مائة.
ويقول: إذا حددتُ المبلغ إلى ثلاثمائة ريال فإني أعني حسابي الخاص.
أما حساب الصدقات والزكوات الواردة إليه من بعض المحسنين فلا يصرف منه شيئاً لأحد إلا إذا ثبتت لديه الحاجة بالبينة الشرعية.
2_ ومن ورعه×أنه لا يقبل هدية من أحد؛ لأنه في عمل حكومي، وإذا قبلها كافأ عليها، وكان يقول: إذا كانت تساوي مائة فأعطوه مائتين، وإذا كانت تساوي مائتين فأعطوه أربعمائة، وأخبروه بألا يقدم لنا شيئاً مرة أخرى.
3_ وإذا أعطي شيئاً على سبيل الهدية من طيب أو سواك، أو بشت أو نحو ذلك، وكان بجانبه أحد أعطاه إياه، وقال: هدية مني إليك.
4_ ولم يكن يستشرف للعطايا، والهدايا، فضلاً عن أن يطلبها.
وقد أخبرني الشيخ إبراهيم الحصين×أن الملك فيصلاً×جاء إلى المدينة، ولما أراد سماحة الشيخ الذهاب لزيارته، لم يكن لديه سيارة؛ إذ كانت سيارته تحتاج إلى بعض الإصلاح، فأخبروا سماحته بذلك، فقال: خذوا سيارة أجرة، فاستأجروا له، وذهبوا إلى الملك.
ولما عاد سماحة الشيخ إلى منزله أُخبر الملك فيصل بأن الشيخ جاء بسيارة أجرة، فتكدر الملك كثيراً، وأرسل إلى سماحة الشيخ سيارة، وأخبره بتكدره.
ولما أخبر سماحة الشيخ بذلك قال: ردوها، لا حاجة لنا بها، سيارتنا تكفينا.(1/97)
يقول الشيخ إبراهيم: فقلت: يا سماحة الشيخ هذه من الملك، وأنت تستحقها، فأنت تقوم بعمل عظيم، ومصلحة عامة، والذي أرسلها ولي الأمر، وإذا رددتها ستكون في نفسه، والذي أراه أن تقبلها.
فقال سماحة الشيخ: دعني أصلي الاستخارة، فصلى، وبعد الصلاة قال: لا بأس نأخذها، وكتب للملك ودعا له.
5_ وفي بعض الأحيان إذا أهدي إليه شيء وقبله؛ تطييباً لقلب المهدي، ولم يعرف ما يناسب المهدي من الهدايا_كتب إليه، وشكره، ودعا له؛ وطلب منه أن يكتفي بما وصل، وضمَّن ذلك المحبة، والشكر مما يكون أوْقَعَ في نفس المهدي من أي هدية أخرى.
وإليك هذا الكتاب الذي بعثه بتاريخ 15/9/1401هـ إلى سفير المملكة في الباكستان آنذاك:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم معالي الشيخ سمير الشهابي، سفير جلالة الملك في الباكستان، جعله الله مباركاً أينما كان، وزاده من العلم والإيمان آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعده يا محب تلقيت كتابكم الكريم، وهداياكم الثمينة: العطور، والعود، والعسل أكثر الله من خيركم، وشكر سعيكم، وجزاكم عنا خيراً.
والحقيقة أيها المحب أنه ليس بودي أن تتكلفوا بإرسال شيء لأمرين: أحدهما: أنه ليس من عادتي قبول الهدايا؛ لكوني عاملاً، ولا يخفى عليكم ما في ذلك.
والثاني: عدم قيامي بالمكافأة؛ وذلك لعدم معرفتي لما يناسب معاليكم.
وللعجز عن المكافأة نقابل ذلك بالدعاء لمعاليكم بظهر الغيب؛ فذلك_والله_مبذول لكم، ونشهد الله على محبتكم، ولا نزال نواصل الدعاء لكم بالتوفيق والسداد، والمعونة على أداء ما حُمِّلتم.
وأرجو_حفظكم الله_الاكتفاء بما وصل إلينا أولاً وآخراً؛ ففيه الكفاية، ونسأل الله أن يكافئكم على ما نعجز عن مكافئتكم عليه، وأن يتولاكم بعنايته، ورعايته؛ إنه خير مسؤول، وأكرم مجيب.
وفي الختام نهنئكم بالشهر المبارك، ونسأل الله أن يجعل لنا ولكم من أجره أوفر الحظ والنصيب؛ إنه سميع قريب.(1/98)
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
6_ ومن ورعه×أنه لم يكن يأخذ مقابلاً على ما يلقيه من أحاديث إذاعية.
وإليك هذا المثال في هذا الشأن، وهو عبارة عن مكافأة أرسلت له من وزارة الإعلام، في 20/5/1384هـ وذلك مقابل أحاديث إذاعية لسماحة الشيخ؛ فردها سماحته، فأرسلوا له كتاباً آخر يشكرونه على مشاركاته، وعدم قبوله المكافأة؛ فإليك كتاب معالي وزير الإعلام آنذاك، جميل الحجيلان:
بسم الله الرحمن الرحيم
حضرة صاحب الفضيلة الشيخ عبدالعزيز بن باز سلمه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسرني أن أرفق لفضيلتكم، الشيكين المسحوبين على البنك الأهلي التجاري رقم، 165298 ورقم 165323 في 16/5/1384هـ الممثلين لمبلغ قدره ثلاثة آلاف وخمسمائة وأربعة وعشرين ريالاً وقرشان.
وهما عن أحاديثكم القيمة المذاعة في الفترة من 1/3/1384هـ لغاية 29/4/1384هـ التي تفضلتم بإرسالها إلى الإذاعة.
منتهزاً هذه الفرصة لأؤكد لفضيلتكم تقديري لإسهامكم في هذا المجال، راجياً من الله أن يوفقكم لما فيه الخير مع خالص التقدير.
وزير الإعلام
جميل الحجيلان
وكان من عادة سماحة الشيخ×إذا وصلته المكافأة أنه يردها، فيرسل إليه وزير الإعلام شكراً بذلك.
وإليك نماذج من رد وزير الإعلام، وشكره.
النموذج الأول:
بسم الله الرحمن الرحيم
الرقم 632/م/خ
التاريخ 2/9/84هـ
حضرة صاحب الفضيلة الشيخ عبدالعزيز بن باز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
تلقينا خطابكم المرقم 662 بتاريخ 18/8/84هـ، ونشكر لفضيلتكم تكرمكم بتوجيهه لنا، كما نقدر الروح الدينية العالية التي أمْلت على فضيلتكم عدم قبول القيمة المعتادة للأحاديث الدينية؛ فأنتم دائماً وأبداً المثل الذي يحتذى به.
ويهمنا أن نبين لفضيلتكم بأن الإذاعة حريصة كل الحرص على إيصال أحاديثكم إلى مستمعيها؛ لما فيها من النفع الكبير.(1/99)
وقد زودت مديرية الإذاعة بصورة من هذا الخطاب الموجه لفضيلتكم، لتقوم بالاتصال بكم، وتسجل أحاديثكم بالطريقة المعتادة.
وإننا إذ نكرر الشكر مرة ثانية نرجو لكم دوام الصحة والتوفيق، والله يحفظكم.
وزير الإعلام
جميل الحجيلان
النموذج الثاني:
بسم الله الرحمن الرحيم
الرقم 828/م/خ
التاريخ 16/11/84هـ
حضرة صاحب الفضيلة الشيخ عبدالعزيز بن باز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
تلقينا خطابكم رقم 1013 في 2/11/84هـ، وبرفقه الشيك رقم 165413 في 15/10/84هـ، الذي سبق أن بعثته لفضيلتكم بخطابي رقم 1/5/13889 في 24/10/84هـ عن أحاديثكم القيمة التي أذيعت خلال شهري شعبان ورمضان 84هـ، ورغبة فضيلتكم إشعار الجهة المختصة عدم إرسال أي مكافأة في المستقبل.
وبهذه المناسبة أقدم شكري، وشكر الهيئة الإذاعية كاملة على تواضع فضيلتكم بالإسهام في هذا المجال دون قبول أي مكافأة، راجياً لفضيلتكم التوفيق لما فيه الخير.
المخلص وزير الإعلام
جميل الحجيلان
7_ ومن ورعه أنه كان يرفض ما يقدم له مقابل ما ينشره من مقالات.
وإليك هذا المثال شاهداً على ذلك:
كتب سماحة الشيخ×مقالاً بعنوان =خطر مشاركة المرأة للرجل في عمله+ وذلك لمجلة منار الإسلام الصادرة عن وزارة العدل والشؤون الإسلامية في دولة الأمارات العربية المتحدة.
وبعد أن نشر المقال أرسلوا كتاباً إلى سماحة الشيخ ضمنوه شكرهم، وشفعوه بشيك مقابل تلك المشاركة، فأرسل إليهم سماحة الشيخ رداً وذلك برقم 2/1 بتاريخ 11/1/1399هـ، وإليك رد سماحته×:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم مدير مجلة المنار وفقه الله آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:(1/100)
فأعيد لكم كتابكم برقم 183م في 27/11/1398هـ ومشفوعه الشيك رقم 110262 بالمبلغ الذي جعلتموه مكافأة لنا فيما ننشره من مقال في الحق، وأخبركم أنه ليس من عادتنا أخذ مكافأة على ما ننشره من المقالات في الدعوة إلى الحق، أرجو مسامحتنا في ذلك.
شكر الله سعيكم، وبارك في أعمالكم، وأعانكم على كل خير؛ إنه خير مسؤول.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
للوقت عند سماحة الشيخ منزلة كبرى؛ فهو يدرك أهميته، ويسعى سعيه لاغتنامه بأقصى ما يمكن؛ فلا يكاد يفوت عليه وقت مهما قل أو قصر إلا اغتنمه فيما يرضي الله وينفع الناس، فوقته ما بين قراءة في كتاب، أو إملاء لشفاعة، أو سماع لشكوى، أو حلٍّ لمعضلة، أو إجابة لسائل، أومهاتفة لمستفت، أو إلقاء دروس، أو محاضرة، أو تعليق على كلمة أو مشاركة في ندوة، أو بإلطاف للضيوف، أو بلهج بذكر الله.
ومن مظاهر حاله مع الوقت، وعنايته به ما يلي:
1_ دقته في المواعيد: فمن ذلك على سبيل المثال أنه إذا دعي لمناسبة ما_كان من أول الحاضرين، وإذا كان هناك موعد لاجتماع معين في وقت محدد كان أول من يأتي، وإذا كان هناك انعقاد مجلس هيئة كبار العلماء، أو الرابطة، أو اللجنة الدائمة كان أول الحاضرين، بل كان يأتي قبل الموعد المحدد، فإذا كان الاجتماع يبدأ في الساعة التاسعة على سبيل المثال حضر في الساعة الثامنة والنصف، أو الثامنة وخمس وأربعين دقيقة.
ربما أتى في بعض المناسبات التي يدعى إليها، ومكث ساعة ونصف الساعة ريثما يكتمل الحاضرون.
2_ ضبطه العجيب للارتباطات: فسماحته لا يكاد ينسى موعداً ضربه لأحد سواء لمن يأتون إليه، أو من يأتي إليهم، وأحياناً يسألنا هل عندنا موعد: فنقول: لا، فيقول: بلى، تأكدوا، فإذا رجعنا إلى سجل المواعيد وجدناه كما قال سماحته.
3_ معرفته بالوقت: فهو ملم بالأوقات، وبأي نجم نحن، ومتى يخرج النجم الفلاني، ومتى يدخل.(1/101)
كما أنه ضابط للوقت مع أنه لم يكن يحمل ساعة؛ فإذا تأخر المؤذن عن الأذان دقيقة أو أكثر بقليل، قال: ما له لم يؤذن ؟ ألم يحن الوقت ؟
وإذا سألنا عن الساعة وقلنا: الساعة كذا بالتوقيت الزوالي قال: توافق كذا بالغروبي.
4_ تنظيم الوقت: فنظامه اليومي طيلة العام يكاد يكون معروفاً عند جميع مرتاديه وعارفيه، فنظام خروجه من الدرس بعد الفجر معروف، ونظام دخوله منزلَه معروف، ونظام خروجه للدوام ومجيئه منه معروف، ونظام جلوسه للناس يوم الخميس والجمعة، وبعد المغرب ونحو ذلك معروف، سواء كان في الحج، أو في الطائف، أو الرياض، أو المدينة.
كما أن عمله في كل وقت معروف، حيث يخصص هذا الوقت لذلك العمل، وذلك الوقت لعمل آخر.
وإليكم هذا البيان الذي وجَدْتُه ضمن أوراق لسماحته لما كان في الجامعة الإسلامية، لكي تقف من خلاله على تنظيم سماحة الشيخ للوقت وحرصه على ملئه بالمفيد النافع.
وهذا البيان مؤرخ بتاريخ 25/11/1388هـ وجاء فيه ما يلي:
=بيان بتوزيع أوقاتنا الليلية+
1_ ليلة السبت والأربعاء للجامعة مع العصر الذي قبلهما إلى بعد صلاة العشاء.
2_ ليلة الأحد والخميس بين العشائين لرسائل البيت.
3_ بعد العشاء من ليلة الأحد لرسائل البيت.
4_ بعد العشاء من ليلة الخميس لطلبة الجامعة في الجامعة.
5_ بعد العشاء من ليلة الاثنين لمكتبة البيت.
6_ بعد العشاء من ليلة السبت وبعد العشاء من ليلة الأربعاء للفتاوى =أعني إجابتها+.
7_ بعد العشاء من ليلة الثلاثاء، وليلة الجمعة إذا لم يكن هناك نوادٍ ولا محاضرات، ولا مجلس جامعة تصرف في الكتابة لصالح المسلمين في الصحف والمجلة وغيرهما.
فهذا البيان خلاف دوامه وعمله النهاري؛ إذ هو في الجامعة من الصباح إلى نهاية الدوام، وبعد المغرب يكون عنده دروس في الحرم المدني في بعض أيام الأسبوع.
ثم إن لسماحته نظاماً مع أهله، وأولاده سيأتي الحديث عنه.(1/102)
5_ لا يحتقر اغتنام الجزء اليسير من الوقت: ولهذا تقرأ عليه المعاملات، والكتب، وتوجه إليه العشرات من الأسئلة وهو على الطعام، وهو في طريقه إلى الدوام، وفي مجيئه منه، ويقرأ عليه ويفتي وهو يغسل يديه بعد انتهائه من الطعام، أو حين يكون في طريقه إلى المسجد، أو مجيئه منه، أو في طريقه لدخول منزله بعد أن يفارق مجلسه.
حتى إنه يقرأ عليه إذا نزل من سيارته إلى مكتبه؛ فإنه يقضي كثيراً من الحوائج مع أن المسافة قصيرة.
ولما أراد بعض المسؤولين في الرئاسة العامة للبحوث العملية والإفتاء والدعوة والإرشاد أن يفتح باباً عند موقف سيارة الشيخ بحيث يختصر له الطريق إلى مقر عمله_رفض سماحته ذلك الرأي لما استأذنوه، وقال: إن هذه المسافة التي بين السيارة والمكتب أقضي فيها حاجاتٍ للناس، فإذا اختصر الطريق ذهبت هذه المصلحة، بل في بعض الأحيان نقرأ له المعاملات أو الكتب وهو مضطجع على فراشه.
وأكثر معاملات الطلاق تقرأ عليه عن طريق الهاتف.
6_ لا يعرف الإجازات: فسماحته×لم يأخذ إجازة طيلة فترة عمله التي تزيد على ستين عاماً !
بل إن عمله في يوم الخميس والجمعة والإجازات الرسمية ربما زاد على عمله في الدوام الرسمي.
7_ لا يعرف النزهة والرحلات البرية: فلم يكن من أهل التنزه، أو كثرة الرحلات أو السفر للمتعة والاستجمام، بل كان وقته عامراً بالجد، والسعي في مصالح المسلمين.
وأذكر أن أحد المسؤولين الكبار عرض على سماحته الخروج للنزهة في وقت الربيع، فقال سماحة الشيخ: أنا لا أرغب الخروج، وليس من عادتي.
فقال له المسؤول: النفس تحتاج إلى الراحة، وتغيير الجو، وشم الهواء.
فقال سماحة الشيخ_ممازحاً_: الذي يرغب تغيير الجو، وشم الهواء النظيف يخرج إلى السطح ويكفيه ذلك.(1/103)
8_ ملء المجالس بالمفيد النافع: فإذا دخل مجلساً من المجالس، أو دعي إلى مناسبة ما_ملأ المجلس بالمفيد النافع، ولم يدع الوقت يمضي بلا فائدة، أو يمضي بالقيل والقال، فضلاً عن الغيبة وما شاكلها.
ومن ذلك أنه كان يطلب من بعض الحاضرين قراءة بعض الآيات، ثم يشرع سماحته في تفسيرها، ثم يفتح المجال للأسئلة.
9_ بركة الوقت: فالبركة في وقت سماحة الشيخ ظاهرة؛ حيث ينجز الأعمال العظيمة في الأوقات اليسيرة القليلة، فهو يُشْرِف على كثير من المشروعات الكبيرة، ويدير كثيراً من الأعمال المختلفة المتفرقة بأيسر كلفة، وأخف مؤونة، وأقل وقت.
ولا أبالغ إذا قلت: إنه يوجه التوجيهات الكثيرة التي يترتب عليها أعمال عظيمة، وأموال ضخمة بدقائق معدودة، بل ربما لا تتجاوز الدقيقة الواحدة.
وقد حسبت له بعد المغرب في يوم من الأيام ستين إجابة لستين سؤالاً، كل ذلك في جلسة بعد المغرب، مع أنه لم يكن متفرغاً للإجابة وحدها، بل عن يمينه وشماله اثنان من الكتاب يتعاقبان القراءة عليه، والناس يتوالون للسلام عليه، والهاتف لا يقف رنينه إلى غير ذلك مما مر ذكره في وصف مجلسه.
ومما يحضرني في هذا السياق أنني في إحدى الليالي أنهيت عليه عشر معاملات طلاق من بعد صلاة المغرب إلى أذان العشاء، وكان بجانبه الآخر معالي الدكتور محمد الشويعر وربما قرأ مثلي أو أكثر مني.
وفي يوم من الأيام قرأت عليه بعد صلاة الفجر أربعين معاملة في ساعة ونصف الساعة.
وكان من عادته إذا صلى الفجر، ولم يكن عنده دروس أن يلتف الناس حوله يسألونه بعد أن يأتي بالأذكار المعتادة من ورده اليومي، وربما جلس لهم نصف ساعة أو أكثر أو أقل.(1/104)
ومما يدل على بركة وقته أنني رافقته في بعض السنوات في السفر عن طريق الطائرة من الطائف إلى الرياض فقرأت عليه من كتاب إعلام الموقعين لابن القيم×ستين صفحة، وقرأت عليه من حين خروجه من مطار الرياض إلى حين وصوله منزله في الرياض تقريراً حول الدعوة في بعض البلاد، والتقرير يتكون من سبع عشرة صفحة.
10_ لا يستهين بإنجاز أي عمل ولو قل: فربما قضى وقته بأعمال عظيمة يترتب عليها مصالح كبيرة للأمة بعامة، كاجتماعات الهيئة، واللجنة، والرابطة، وغيرها.
وربما لم يكن عنده أعمال كبيرة، فيقضي وقته في رد على الهاتف، أو مسامرة لضيف، أو إجابة لأسئلة امرأة، أو أحد من العوام، بل للرد على بعض الأسئلة التي ترد من بعض الشباب أو الفتيات حول بعض المسابقات الثقافية، فيرد عليه وهو منشرح الصدر؛ فهو لصغار الأمور وكبارها، ويعنيه كثيراً ألا يضَيع وقته إلا في فائدة أو مصلحة ولو قَلَّت.
11_ اغتنام الوقت في حال المرض: فسماحة الشيخ×لا يُضَيِّع الوقت حتى في حال المرض، فربما اشتد عليه المرض، ونقل إلى المستشفى، وبمجرد دخوله المستشفى، أو رقوده على سريره، أو شعوره بأدنى تحسن في صحته يبدأ بطلب الكتب أو المعاملات، أو إجابة عن الأسئلة عبر الهاتف، أو أن يلقي الكلمات على منسوبي المستشفى، وهكذا.
وسترى عجباً من ذلك عند الحديث عن حاله في المرض.
12_ اغتنام الوقت في المواقف الحرجة: فحتى هذه المواقف يحرص سماحته×على اغتنامها، وملئها بالنافع.
وأذكر أن صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية ذكَّر سماحة الشيخ بموقف حصل من سماحته حين توفي جلالة الملك عبدالعزيز×يقول الأمير نايف_حفظه الله_مخاطباً سماحة الشيخ قبل وفاة سماحته بسنتين تقريباً.
يقول: حين توفي جلالة الملك عبدالعزيز×وهو في الطائف، وبلغنا الخبر ونحن في الرياض_خرج الأمراء، والعلماء إلى المطار؛ لاستقبال جثمانه.(1/105)
ولما تأخرت الطائرة استأذن سماحتُكم سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ×في اغتنام الوقت بقراءة شيء من القرآن الكريم، بدلاً من السكوت الذي خيم على ذلك المجلس، فأذن الشيخ محمد بذلك.
13_ اغتنام الوقت في حال السفر: فبمجرد ركوبه السيارة وذكره لدعاء السفر، يلتفت إلى من بجانبه من الكُتَّاب، ويقول له: ما معك ؟ فيبدأ بسماع أخبار الصحف، أو قراءة بعض الكتب، أو عرض بعض القضايا والمعاملات.
وهكذا حاله وهو ينتظر موعد إقلاع الطائرة، وبعد أن تقلع حيث يكون معه كاتب، أو كاتبان أو أكثر، فيتعاقبون القراءة عليه إلى حين وصول الطائرة إلى مكان هبوطها في الرياض، أو الطائف، أو غيرهما.
ومما يحضرني من القصص في هذا القبيل ما ذكره الشيخ عبدالرحمن ابن دايل_وهو من قدامى كتاب سماحة الشيخ وعمره قريب من عمر سماحة الشيخ، فهو من مواليد 1332هـ تقريباً، وقد عاش مع سماحته ما يقارب أربعين سنة؛ يقول: كنا في المدينة إبَّان عمل سماحته في الجامعة الإسلامية، وذات يوم سافر سماحته إلى قرية بدر التي تقع على الطريق بين جده والمدينة على الطريق القديم، حيث ذهب لمهمة دعوة يلقي خلالها محاضرة وكنت أنا والشيخ ابراهيم بن عبدالرحمن الحصين×معه في السيارة؛ فلما بدأ سيرنا ودعا سماحته بدعاء السفر التفت×وقال: توكلوا على الله، يعني ابدؤا بقراءة المعاملات، فقلنا: يا شيخ_غفر الله لك_نحن دائماً نقرأ، ولا نتمكن من الخروج خارج المدينة، وهذه هي فرصتنا؛ دعنا نستمتع بالرحلة، وننظر إلى الجبال والأودية، ونتفكر في مخلوقات الله.
فضحك سماحته وقال: اللهم اهدنا فيمن هديت، اللهم اهدنا فيمن هديت؛ ليقرأ الشيخ إبراهيم، وأنت تفكر في مخلوقات الله كما تقول، وبعد أن ينتهي الشيخ إبراهيم، أملي عليك، وينظر الشيخ إبراهيم ويتفكر وقت الإملاء، وهكذا. .(1/106)
ويقول الشيخ عبدالرحمن بن دايل: أنتم ما أدركتم نشاط سماحته؛ إذ كان في المدينة لا ينام بعد العشاء إلا متأخراً، وكان لا ينام بعد الفجر، ولا الظهر، ولا العصر.
هذا وسيأتي مزيد حديث عن اغتنامه للوقت عند الحديث عن حاله في السفر.
كان سماحة الشيخ×حريصاً على ملاطفة جلاسه، وإدخال السرور عليهم
وكان يداعبهم، ويمازحهم مزاحاً لا إسراف فيه ولا إسفاف.
لا يكْفَهِرُّ إذا انحاز الوقار به
ولا تطيش نواحيه إذا مَزحا
ومما يحضرني في هذا الباب مايلي:
1_ أنه×إذا أراد الوضوء من المغسلة ناول من بجانبه غترته أو مشلحه ثم قال ممازحاً مداعباً: هذه يا فلان على سبيل الأمانة، لا تطمع بها.
2_ ومن ذلك أنه إذا قام من المكتبة متعباً من القراءة والمعاملات، ثم تناول العشاء_قال: سنعود إلى المكتبة مرة أخرى؛ لأننا ملأنا البنزين، وتزودنا بالوقود، أو يقول بعبارته: (عَبَّينا) بنزين، ويعني بذلك أنه نشط بعد تناول الطعام.
3_ وكان×مرهف الشعور؛ وبمجرد إحساسه أن أحداً ممن معه متضايق من أمر ما فإنه يلاطفه بما يشرح صدره، وينسيه همه؛ فربما قال لمن معه: ماذا عندك، ماذا ترغب، وربما قال له: ممازحاً: ما تريد الزواج، وإذا أُحْضِر الطعام قال لبعض جلاسه: تغدوا معنا، أو تعشوا؛ الذي لا يخاف_يعني من أهله_يتفضل معنا.
4_ ومن هذا القبيل_أيضاً_أنه إذا سلم عليه أحد سأله عن اسمه، فإذا كان في الاسم غرابة أو معنى غريب أو حسن_داعب سماحتُه صاحب ذلك الاسم، فمن ذلك أن فضيلة الشيخ متعب الطيار إذا سلم على سماحة الشيخ قال له سماحته: من ؟ فيقول متعب الطيار، فيقول: متعب من ؟ فيقول: متعب أعداء الله، فيقول سماحته: نعم، نعم.
5_ وذات مرة جاءه مطلِّق فقال له: ما اسمك ؟ قال: ذيب، قال: وما اسم زوجتك قال: ذيبة؛ فقال سماحته مداعباً: أسأل الله العافية ! أنت ذيب، وهي ذيبة، كيف يعيش بينكما أولاد ؟(1/107)
6_ وذات يوم كان أحد الإخوة يقرأ، وفي أثناء قراءته تردد في كلمة ولم يفصح عنها، أي لم يستطع أن يقرأها.
وكان ضمن الحاضرين في المجلس الشيخ د. عبدالله بن محمد المُجَلِّي فقال سماحة الشيخ: أعطها ابن مُجلِّي؛ لعله يجلِّيها.
7_ ومما يحضرني_أيضاً_أن سماحته كان كثيراً ما يمازح الشيخ عبدالرحمن بن حمد بن دايل، والشيخ عبدالرحمن_حفظه الله_من قدامى كتاب سماحة الشيخ وممن له باع طويل في تحرير قضايا الطلاق، وهو معروف بسرعة إنجاز الأعمال، وضبطها، وكان مع سماحة الشيخ في المدينة، وهو المسؤول عن الأوراق التي ترد إلى بيت سماحته وروداً وصدوراً، وكان يعمل مع سماحته جل أوقاته، وهو محبٌّ للخير، وذو همة عالية، وإتقان للعمل_كما مر ذكره_.
وكان يُعِدُّ الفتاوى على معاملات الطلاق، باسم سماحة الشيخ، ويندر أن يجد سماحته فيها نقصاً، أو خطأً.
وهو لا يرافق سماحة الشيخ إذا سافر إلى مكة أو الطائف، بل يمكث في الرياض يستقبل معاملات الطلاق التي ترد إلى مكتب الرياض، ويعد عليها، ثم يرسلها إلى سماحته في مكة أو الطائف.
وفي بعض الأحيان يرسل ثلاثين معاملة أو أربعين، أو أكثر أو أقل، وتوزع بين الموظفين لقراءتها؛ فإذا جاء وقت عرضها قال سماحة الشيخ: أبو حمد ضابط لعمله، ثم قال: ممازحاً، ولو، نختبر أبا حمد، اقرؤا ماكتبه، فإذا قرؤوه وإذا هو في غاية الضبط والإتقان.
وكان الشيخ عبدالرحمن يتصل بسماحة الشيخ، أو يقابله، ويبدأ بسرد الأعمال، وقراءة القضايا بكل نشاط وهمة، فإذا رآه سماحة الشيخ هكذا قال:
يا أبا حمد! ألا تريد أن تتزوج ؟ فيقول الشيخ عبدالرحمن: يا سماحة الشيخ أنا في وادٍ وأنت في وادٍ، أين أنا والزواج، فيقول سماحة الشيخ مداعباً: وسع صدرك، وسع صدرك.
ويقول الشيخ عبدالرحمن بن دايل: إذا أجريت اللازم على معاملة ما، ثم قرأتها على سماحته، وأعجبه ما قرىء عليه، قال: قالون، قالون، يعني: جيد؛ بالفارسية.(1/108)
8_ ومن النماذج على دعابة سماحة الشيخ أنه كان قبل وفاته بعام واحد مدعواً عندي، بمناسبة سكناي بيتي الجديد، وكان المجلس مليئاً بالمشايخ وطلاب العلم، وعلى رأسهم سماحة الشيخ عبدالعزيز×وصاحب الفضيلة الشيخ العلامة عبدالله بن جبرين، وصاحب الفضيلة الشيخ عبدالله الفنتوخ، وصاحب الفضيلة الشيخ عبدالعزيز السدحان وجمع من المشايخ من الزلفي.
وكان سماحة الشيخ يعمر المجلس بالفوائد، والإجابة على الأسئلة، وحصل أنَّ حديثاً طويلاً دار حول الرقية، وتلبس الجني بالأنسي.
ومما دار في ذلك المجلس أن الشيخ عبدالعزيز السدحان ذكر أنه ورد في ترجمة أحمد بن نصر الخزاعي×أنه رقى رجلاً فيه مس من الجن، فتكلمت على لسانه جنية، فقالت لأحمد بن نصر: يا شيخ لن أخرج من هذا الرجل حتى يدع القول بخلق القرآن.
فتبسم سماحته×وقال: ما شاء الله، هذه جنية سنية، هذه من أهل السنة والجماعة.
سماحة الشيخ ذو نفس شفافة مرهفة، وأدب جم رفيع، وقد مر شيء من ذلك عند الحديث عن صفاته، فهو×لا يجرح شعور أحد، ولا يواجه الناس بما يكرهون، كما أن أدبه لا يفارقه سواء في بيته مع أهله، أو مع موظفيه، أو مع زائريه، أو مراجعيه، أو مع من يتحدث معه عبر الهاتف، وسواء كان ذلك في السفر أو الحضر، أو حالة الصحة أو المرض وإليك طرفاً ونماذج من هذا القبيل:
1_ من ذوقه ورهافة حسه أنه إذا شعر بضيق من يعمل معه حاول إيناسه ومباسطته_كما مر_.
2_ وإذا دخل عليه أحد وهو على موعد قراءة مخصص لي، أو للدكتور محمد الشويعر أو غيرنا فإن الشيخ يرغب في استقبال الآتي وإكرامه، ولا يرغب_في الوقت نفسه_أن يضيع الوقت المخصص لي أو لغيري، لذا فإنني أراه يتحفز لا يدري ماذا يصنع؛ لأنه يريد أن يشعرني بأن الوقت لي، ولا يريد أن يؤخذ إلا بإذني أو إذن غيري ممن خصص له الوقت.
مع أنه يأمر على الجميع، ومع أن المعاملات والأوراق، والكتب كلها داخلة ضمن عمله.(1/109)
فإذا أذن صاحب الوقت، أو قال للقادم: تفضل سُرَّ سماحته بذلك أيما سرور؛ لأنه أرضى الطرفين.
3_ ومن ذوقه×أنه يراعي مشاعر الآخرين؛ ويسعى سعيه لإرضائهم وتطييب قلوبهم.
ولا أدل على ذلك من الدعوات الكثيرة التي توجه إليه فيجيب أصحابها مع ما كان عنده من الأعمال العظيمة التي تحتاج إلى أوقات بل أعمار لكي تقضى، وسيأتي طرف من ذلك عند الحديث عن إجابته للدعوات.
وهذه السجية لا تفارق سماحته حتى في حال مرضه، بل في آخر أيامه.
ففي مرضه الأخير، وقبل وفاته بمدة يسيرة جداً توفي رجل من أهل الرياض اسمه سليمان الغنيم، وكان هذا الرجل مُسِنَّاً، محسناً، صالحاً، محباً لسماحة الشيخ، وله مكانة عند الشيخ؛ فاتصل أحد أبناء ذلك الرجل بسماحة الشيخ وقال: إن أبي قد توفي، ونأمل أن تُصَلُّوا عليه، وتحضروا جنازته، فقال الشيخ: إن شاء الله نفعل.
وبعد ذلك بقليل جاءه خبر وفاة الشيخ صالح بن غصون×فذهب للصلاة على جنازة ابن غصون مع أن سماحته كان تحت وطأة مرضه الأخير، وكان متعباً جداً، وقد سقط في السيارة على من بجانبه، وتقيأ وهو في الطريق.
وبعد أن صلى على جنازة الشيخ ابن غصون×وذهب لتعزية أهله، لم ينس الرجل المذكور الذي توفي في ذلك اليوم؛ بل ذهب إلى قبره وهو على تلك الحال من الإعياء، وصلى عليه بعد العصر، وبعد المغرب ذهب إلى أهل المتوفى، وعزاهم وصبَّرهم !!
وفي يوم من الأيام، لما كان سماحته في الطائف دعاه أحد المشايخ إلى حفل زواج، وذلك مساء يوم عاشوراء، وكان موقع الحفل جنوب شرق مطار الطائف، والطريق إلى مكان الحفل غير معبدة، ويبعد عن منزل سماحته أربعين كيلاً تقريباً، وكان سماحة الشيخ صائماً ذلك اليوم.(1/110)
ومع ذلك لبى الدعوة، وذهب إلى مقر الحفل، ووصل إليه في الساعة العاشرة ليلاً تقريباً، وألقى كلمة، وأجاب على عشرات الأسئلة، وسلم على كثير من الناس، فلما كانت الساعة الحادية عشرة والنصف استأذن من الداعي للانصراف، فقال له الداعي: لا، والله ما نأذن لكم حتى تتناولوا طعام العشاء.
فقال له سماحة الشيخ: نحن صائمون اليوم، وقد تعشينا بعد المغرب، ولاحاجة لنا بشيء، فأرجو السماح لنا.
فقال الداعي: لا نسمح لكم، فجلس سماحته حتى انتهوا من العشاء، ثم استأذن ورجع إلى منزله، ولم يَصِلْ إلا في الساعة الثانية عشرة والنصف.
ومن المعلوم أنه يتهجد قبل صلاة الفجر بساعة تقريباً، ويجلس بعد الفجر ساعتين أو أكثر للمعاملات، إلى غير ذلك من أعبائه اليومية.
ومع ذلك لم يغادر مقر الحفل حتى طيَّب نفس الداعي.
4_ ومن ذوقه×أنه كان يلاطف من يأتون لزيارته، حتى في آخر أيامه؛ حيث يسألهم عن أحوالهم، وعن أهليهم؛ ليدخل السرور عليهم
بل كان يسألنا_نحن الموظفين_عن أهلينا، ويقول: لعلكم تتصلون بهم، وتطمئنون عليهم؛ لأننا في الطائف، وأهلينا في الرياض؛ فلم تكن هذه الأمور لتفوت على سماحته×.
حتى إنه لما كان في المستشفى في مرضه الأخير وقبل وفاته بأيام لم يكن يهمل أي رسالة تأتيه، حتى إن أحد الناس كتب إلى سماحته رسالة أبان فيها عن عظيم محبته للشيخ، ودعواته ودعوات المسلمين لسماحته.
فأمر سماحته بإعداد جواب مناسب، ضَمَّنه شكره، ومحبته، والدعاء له بالتوفيق.
5_ ومما يدل على ذوق سماحته المرهف أنه يتحمل الناس بألوانهم المختلفة، وهيئاتهم المتنوعة، وروائحهم التي لا تروق أحياناً، حيث إن بعضهم يقترب كثيراً من سماحته، بل ربما ضيق عليه النَّفَس وسماحة الشيخ لا ينهره ولا يوبخه، بل قصارى ما يكون من سماحته أن يقول له: ابتعد قليلاً.(1/111)
6_ ومن عجائب مراعاته لشعور الآخرين، وحرصه على عدم تكدير صفوهم أنه في آخر ليلة جلسها للناس لم يدخل على الناس من باب المجلس الذي اعتاد أن يدخل عليهم معه.
وإنما دخل من باب المجلس النافذ إلى المجلس الذي يعد فيه الطعام؛ ذلك أنه أتى من داخل منزله على العربة يقوده ابنه الشيخ أحمد؛ ولما وصل إلى باب المجلس ترجَّل من العربة ومشى؛ ليري الناس أنه بخير وعافية؛ ليفرحوا بذلك، ويطمئنوا على صحته.
ولهذا لما رآه الناس تهللت وجوههم، وفرحوا أيما فرح_كما سيأتي وصف ذلك عند الحديث عن آخر أيام الشيخ_.
7_ ومن ذوقه المرهف وأدبه الجم أنه لا يمد رجله وعنده أحد، حتى ولو كانوا من مرافقيه، مع أن الأطباء قد أوصوه بأن يجعل متَّكَئاً يضع عليه رجله، بعد إصابته إثر سقوطه عليها عام 1414هـ.
8_ ومن ذوقه أنه إذا انتهى من غسل يديه بالصابونة الموجودة على المغسلة أراق عليها بعض الماء؛ حتى يزيل ما عليها من رغوة تطفو عليها؛ حتى إذا أراد استعمالها غيره وجدها نظيفة.
9_ ومن أدبه وذوقه أنه إذا شرب ماءً أعطى الذي عن يمينه ولو كان صغيراً، ولو لم يكن يعرفه.
10_ وإذا أراد أن يناول شيئاً لأحدٍ ناوله بيمينه، ونحن الموظفين معه إذا أراد أن يناولنا ورقة، أو سماعة الهاتف أو أي شيء آخر ناولنا إياه باليمين، ومع طول معاشرتنا له لا نذكر ولو مرة واحدة أنه ناولنا شيئاً بشماله.
وإذا كان أحد عن شماله وشق عليه أن يمد له باليمين وضع اليمين على الشمال وناول ما معه.
11_ ومن أدبه أنه إذا دخل بيته بعد درس الفجر، أو بعد أن يغادر مكتب البيت بعد استعراض المعاملات أنه يدخل بيته بسكينة، ورفق، وهدوء، لئلا يزعج نائماً.
وإذا وصل منزل الأسرة، وحاول فتح الباب ووجده مغلقاً طرقه برفق ولين، وربما جلس الدقائق وهو يحركه، ويطرقه بسكينة ولطف.
12_ وكان من أدبه أنه إذا مر بأحد وظن أنه نائم مشى بهدوء ورفق.(1/112)
لكنه إذا مر بأحد، أو سمع أحداً والصلاة قد دخل وقتها تغيرت طريقته، فتراه يرفع صوته، ويقول: الصلاة الصلاة، أما سمعتم الأذان، توكلوا على الله.
13_ ومن أدبه وذوقه أنك لا تسمع منه كلمة نابية، أو غليظة، أو مشتملة على سوء أدب.
لا مطلق هُجْرَ الحديث إذا احتبى
فيهم ولا شرس السجية جاس
لا يكاد يُعْلَم في زمان سماحة الشيخ أحد أسخى، ولا أجود، ولا أكرم من سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز، وذلك في وجوه السخاء، وصوره المتعددة؛ فسماحته كريم في خلقه، جواد في صفحه وعفوه، سخي بعلمه، ووقته وراحته، ونومه، متلاف لماله في وجوه الخير المتعددة؛ من بذل، وصدقات، وإقراض ينتهي غالباً بالمسامحة.
والذي بيده ليس له ولو سئل ما سئل؛ فربما سئل مالاً فأعطاه، وربما أتته الهدية في المجلس فسأله أحد الحاضرين إياها فأعطاها إياه، بل كثيراً ما يبتدر من بجانبه بالهدية التي تقدم لسماحته، بل ربما سُئِل عباءته التي يلسبها فأعطاها من سأله إياها.
والحديث عن كرمه وسخائه وجوده يبدأ ولا ينتهي، وحسبنا في الأسطر التالية أن يكون الحديث عن صورة من هذه الصور، ألا وهي كرم ضيافته، وعنايته البالغة بمن يقدمون ضيوفاً عليه.
ومما يذكر في هذا الصدد_زيادة على ما مضى في صفحات ماضية_ما يلي:
1_ كان×مجبولاً على حب الضيوف، والرغبة في استضافتهم منذ صغره.
وقد ذكر لي الشيخ عبدالمحسن بن سعد الباز_أحد أقارب سماحة الشيخ، ويكبر سماحته بعشر سنوات_ذكرلي أن سماحة الشيخ، وهو يطلب العلم عند المشايخ في مقتبل عمره_كان إذا سلم عليه أحد دعاه إلى غدائه أو عشائه، ولا يحتقر ما يضعه للناس، ويجعل الله في طعامه خيراً كثيراً.
2_ كان يوصي بشراء أحسن مافي السوق من الفاكهة، والتمر، والخضار، وسائر الأطعمة التي تقدم لضيوفه.(1/113)
وقد أخبرني أكثر من شخص ممن كانوا يعملون لديه في شؤون مشتريات البيت بذلك، ويقولون: كان سماحته يأمرنا بشراء أحسن الأشياء، ويعتب علينا إذا اشترينا شيئاً متوسطاً؛ لعلمنا بأحوال سماحته المادية؛ فلا نحب أن نحمِّله مالا يطيق، ولكنه لا يرضى بذلك، ويقول: لا تَدنُ نفوسكم، إياكم أن تدنو نفوسكم، ولهذا يلحظ زواره لذة الطعام عنده مع خلوه من البذخ والكلفة.
3_ وكان يلح إلحاحاً شديداً إذا قدم عليه أحد أو سلم عليه، فكان يلح عليهم بأن يَحُلُّوا ضيوفاً عنده على الغداء، والعشاء، والمبيت، ولو طالت مدة إقامتهم.
ولا يكاد يتخلص منه القادم إليه إلا بعد لأْي وجهد.
4_ وكان يُرَغِّبُ القادمين إليه بأن يتواصلوا معه في الزيارة، فيذكِّرهم بفضل الزيارة، والمحبة في الله، ويسوق لهم الآثار الواردة في ذلك؛ مما يبعثهم إلى مزيد من الزيارة؛ لأن بعضهم لا يرغب في الإثقال على سماحة الشيخ وإضاعة وقته؛ فإذا سمع منه ذلك انبعث إلى مزيد من الزيارات.
ولهذا لا يكاد يقدم أحد من أهل العلم، أو من معارف الشيخ إلى الطائف أو الرياض، أو مكة أو المدينة، ويعلم أن سماحته هناك إلا ويزوره، ويمكث عنده ما شاء الله أن يمكث، حتى إن غيره من أهل العلم في أي بلد من البلدان التي يكون سماحته موجوداً فيها يعذرون كل قادم إذا اعتذر عن قبول دعوتهم، وقال لهم: إنه عند سماحة الشيخ.
ولهذا لما توفي×قال أحد العلماء لأحد القادمين: لا نعذركم الآن بعد وفاة سماحة الشيخ !
5_ وكان يحرص أشد الحرص على المواعيد التي يضربها لضيوفه، فكان يعطينا خبراً بذلك، ويقول: سيقدم علينا اليوم فلان من الناس، أو فلان من أهل العلم، ويتقدم للمجيء قبل ضيفه؛ ليكون في استقباله.
6_ لا يتلذذ بالأكل وحده، بل لا يجد أنسه إلا بالأكل مع الضيوف والفقراء، ولهذا لا يكاد سماحته يتناول غداءه أو عشاءه إلا ومعه أناس على المائدة.
7_ وكان يلاطف ضيوفه، بمحاسن كلامه، ولطيف ترحيبه.(1/114)
ومن كلماته المعتادة لضيوفه قوله: حياكم الله، حيا الله الجميع، من الألفة ترك الكلفة.
8_ وكان لا يقوم من المائدة حتى يسأل عن ضيوفه: هل قاموا ؟ فإذا قيل له قاموا قام؛ كيلا يعجلهم بقيامه قبلهم، وإذا قام قال: كل براحته، لا تستعجلوا.
9_ وكان لا يتبرم من كثرة الضيوف، ولا تضيق نفسه إذا فاجأه الزائرون وهو لم يحسب حسابهم، بل يرحب بهم، ويلاطفهم، ويقول: حياكم الله، ويبارك الله في الطعام الذي يقدم، ولو لم يؤخذ حساب القادمين، وربما أمر بأن يحضر زيادة في الطعام.
كريم إذا ضاق اللئام فإنه
يضيق الفضاء الرحب في صدره الرحب (10)
والقصص في هذا السياق لا تكاد تحصى، ومما يحضرني في ذلك أنه في يوم من أيام رمضان عام 1404هـ وكان الوقت قبيل الإفطار جاءت سيارتان كبيرتان تحملان ثمانية وستين شخصاً قدموا للسلام على سماحته وذلك في محافظة الطائف؛ فما برم بهم ولا ضاق بل قال: تفضلوا حياكم الله.
ومما يسجل في مناقب سماحته، ويدل على كرمه العجيب في هذا الصدد أنه في يوم 28/9/1406هـ كان مجلس سماحة الشيخ يغص بالناس على اختلاف جنسياتهم ولغاتهم، وألوانهم، وكنا بانتظار وقت الإفطار، وبينما نحن كذلك إذا جاءت حافلة وعلى متنها خمسون شخصاً فدخلوا على سماحته، وكنت أُقدِّر الذين كانوا في مجلس سماحته بمائتي شخص، فقال لهم سماحته: تفضلوا حياكم الله.
ولقد كان الطعام المعد يقدر بكفاية ثمانين شخصاً، ولكن البركة التي تحضر في طعامه بادية ظاهرة.
ولقد ذهب بعض العاملين في بيت سماحته وأحضر بعض الطعام، وظننا أنه لن يكفي الضيوف؛ فلما انتهوا تركوا بقية من الطعام.
والأمثلة على هذا كثيرة جداً.
10_ وكان من عادته أنه ينيب من يقوم على إكرام الضيوف، والقيام بشأنهم إذا كان لديه موعد محاضرة, أو مناسبة، أو وليمة.
وكان إذا جاء من موعده سأل عن الضيوف وعن راحتهم، وعما قدم إليهم.
وإذا لاحظ تقصيراً في حقهم تكدر وغضب.(1/115)
وقد ذكر معالي الشيخ عبدالعزيز بن ناصر بن باز أن سماحة الشيخ لما كان في المدينة إبان عمله في الجامعة الإسلامية، قدم إليه بعض الضيوف، وكان لدى سماحته موعد محاضرة خارج البيت بعد صلاة العشاء.
ولما أراد الخروج أوصى المسؤول عن شؤون البيت بأن يعتني بالضيوف، وأن يقدم لهم العشاء.
ولما رجع سماحته سأل عنهم، فقيل له: إنهم ناموا، فسأل: هل تعشوا ؟ قالوا له؛ إنهم رغبوا في النوم بسبب أنهم متعبون من السفر، فغضب سماحته، وأمر بشراء عشاء لهم، وأمر بإيقاظهم، وإعداد العشاء لهم، وأمر بإبعاد الشخص الذي لم يقم بواجبه تجاه الضيوف كما ينبغي.
11_ وكان دائماً يسأل: عسى مانقص عليهم شيء، وإن قيل له: لا، فرح وتهلل، وحمد الله.
12_ وإذا قدم الضيوف من بعيد، ثم استضافهم وأكرمهم، وأرادوا توديعه_ألح عليهم بأن يمكثوا، وأن يتناولوا وجبة أخرى، وأن يبيتوا عنده؛ فلا يخلصوا منه إلا بعد أن يتأكد بأنهم مسافرون أو مرتبطون.
بل إذا قالوا: إنهم مرتبطون، قال: ألا يمكن أن تتخلصوا من ارتباطكم ؟ ألا تهاتفون صاحب الارتباط، وتعتذروا منه ؟
13_ وإذا كان مُجْهداً، أو لم يكن له رغبة في الطعام_جلس مع ضيوفه؛ إيناساً لهم، وتطييباً لنفوسهم؛ خصوصاً إذا رغبوا في ذلك.
ومن القصص العجيبة في هذا الشأن قصة حصلت قبل سنتين من وفاة سماحته أي لما كان عمره ثمانياً وثمانين سنة.
ففي يوم خميس لم يأت سماحته من المسجد من درس الفجر إلا في الساعة التاسعة صباحاً، أي أن الدرس قد استمر مدة ثلاث ساعات أو تزيد، وجلس للناس كعادته من الساعة الحادية عشرة إلى الساعة الثانية والنصف بعد الظهر، ولا يخفى عليك أيها القارئ صفة مجلسه وما يُنْجَز فيه من الأعمال العظيمة، ويُسْتَقبل من البشر المختلفي المطالب.(1/116)
وكان سماحة الشيخ في ذلك اليوم مجهداً متعباً، فلما وُضِعَ طعامُ الغداء تقدمهم، وقال وهو واقف: تفضلوا للغداء، حياكم الله، فلما جلسوا قال: أما أنا فسامحوني لأنني لا رغبة لي في الطعام، فقال أحدهم وبصوت مرتفع: يا شيخ ! نحن لم نأت للأكل، وإنما أتينا من أجل الجلوس معكم، والتحدث إليكم؛ فإما أن تجلس وإلا فلن نأكل.
فلما سمع×ذلك، والناس على الطعام يقرب عددهم من المائة جلس معهم يباسطهم الحديث، ويجيب عن أسئلتهم، ولم يأكل شيئاً من الطعام، فلما انتهوا استأذنهم، ودخل المنزل.
14_ وكان يفرح بالقادم إليه ولو لم يعرفه من قبل، خصوصاً إذا قدم من بعيد، أو لمصلحة عامة.
وأذكر أنني ذهبت أنا وبعض الإخوان عام 1395هـ إلى سماحته في موضوع ما، ولم يكن سماحته يعرفنا من قبل، وكان في المدينة آنذاك، فدعانا إلى الغداء بعد صلاة الجمعة، وأمر أحد الموظفين أن يحجز لنا في المطار، فقلنا له: نحن حاجزون، ونحن بخير، ولا نحتاج إلى شيء، وإنما جئنا من أجل موضوع معنا، فقال×: لا نسمح بأي عذر، فوافقنا له، وتناولنا طعام الغداء معه، ثم أخذنا إلى جانب في المجلس، وانفرد بنا، وقال: ماذا عندكم، فأخبرناه بما جئنا من أجله، فسمع منا، وتجاوب معنا غاية التجاوب، وسعى سعيه فيما طلبناه منه.
15_ وكان يرفع من شأن ضيوفه، ويعلي من منزلتهم، ولو لم يكونوا كباراً، ولو لم تكن لهم مكانة اجتماعية.
وهذه الخصلة وغيرها من الخصال الحميدة كانت معروفة عنه من أول عمره، وقد ذكر لي فضيلة الشيخ عبدالله بن حمود الفراج رئيس محكمة حفر الباطن: أن الشيخ علي السحيباني×رئيس محكمة حفر الباطن سابقاً قد ذكر له أن شخصاً يدعى =عبدالكريم الحبشي+ جاء إلى المملكة، وتجوَّل فيها، يلتمس علماء الحديث، فَدُلَّ على سماحة الشيخ عبدالعزيز لما كان قاضياً في الخرج؛ فذهب إليه، ومكث فترة عنده، فأعجب بعلم سماحة الشيخ، وخلقه، وقال: أخلاق الشيخ عبدالعزيز بن باز أخلاق نبوة.(1/117)
وأذكر أنه قبل سنتين من وفاته كان في الطائف، وزاره بعض الشباب من الزلفي، وكانوا طلاباً في كلية الشريعة، وبعضهم لم ير الشيخ قبل ذلك، وكان غاية ما يتمنون أن يروا سماحته في زيارتهم تلك.
فلما دخلوا مجلسه بعد المغرب حياهم، وأدناهم، وألح عليهم بالعشاء، فقالوا: نحن لا نريد سوى رؤياك والسلام عليك.
فقال: لابد من العشاء، فوافقوا.
وكان في مجلسه بعد المغرب يلتفت إليهم، ويباسطهم، ويسألهم عن المشايخ في الزلفي، فلما صلينا العشاء دخلت مع سماحته في المختصر؛ لأقرأ عليه بعض الأوراق والمعاملات ريثما يتم إعداد العشاء.
وكان الشباب الزائرون في المجلس ينتظرون.
فلما شرعت بالقراءة على سماحته رأيته منصرفاً عني، ثم قال: أبا موسى ! فقلت: نعم، فقال: تركنا الضيوف، فقلت: عفا الله عنك، هؤلاء أبناؤك، وقد جلسوا معك بعد المغرب، وسيجلسون معك بعد قليل على العشاء؛ فماذا يريدون غير ذلك ؟ ائذن لي بإكمال ما شرعنا بقراءته.
ثم شرعت بالقراءة، فقال: أبا موسى، ضيوفنا ؟ فقلت: لا بأس عليهم، فقال: في ذمتك يا أبا موسى ؟ فقلت: لن يلحق ذمتي شيء إن شاء الله، فقال: لندع القراءة الآن، هيا إلى المجلس، فتركنا القراءة، وجلس معهم يباسطهم، ويجيب عن أسئلتهم.
فلما تناولوا طعام العشاء مع سماحته استأذنوا فقال: ما نسمح لكم، لابد أن تبيتوا عندنا، فقالوا: عندنا مكان سنبيت فيه، فألح عليهم، وقال: نحجز لكم في الفندق، إن أردتم؛ لأنه×ظن أنهم مستحيون، فقالوا: جزاك الله خير الجزاء، وغفر لك، وجعلك ذخراً للإسلام والمسلمين، لقد أعطيتنا من وقتك ومجلسك فوق ما نستحق، وفوق ما تصورنا؛ فودعهم، وحمَّلهم السلام لمن أمامهم.(1/118)
16_ ومن لطائف كرمه أنه إذا قدم عليه قادم وهو في السيارة أخذ يتحفز، ويتحرك ويدعو القادم للركوب معه، ولو كان المكان ضيقاً، لكن سماحته يريه أنه محب لصحبته، أو أن يأمر أحد السائقين التابعين للرئاسة ليوصله، أو أن يأخذ سيارة للأجرة؛ لتنْقُل من يأتون إليه إذا كانوا كثيرين.
17_ وكان يراعي مشاعر ضيوفه، ولا يرضى أن يهانوا بحضرته.
ومما يذكر في هذا الصدد أن أحد المرافقين لسماحة الشيخ رأى شخصاً لا يحسن الأكل، ولا أدب الجلوس على المائدة، فنهره، وقال: تأدب في أكلك، وكل مما يليك، وتكلم عليه كلاماً نحو هذا، فرد عليه ذلك الشخص، وقال: أنا على مائدة سماحة الشيخ، ولم آتِ إليك.
فلما سمع سماحة الشيخ بعض كلامهما سأل عن السبب، فأُخْبرَ بذلك، فقال سماحته: أنا لا أرضى لأحد أن يتنقص أحداً من ضيوفي، أو ينال منهم؛ فالذي يرضى أن يجلس معنا على هذا الوضع، وإلا فنحن نسمح له بأن يذهب إلى من يريد، وهذا بيتي، وهؤلاء أتوا إلي.
18_ كان منزل أسرة سماحة الشيخ في الرياض لا يتسع لكثرة الضيوف القادمين إليه، وكثيراً ما يأتيه أناس بأُسَرهم إما من المدينة أو غيرها؛ إما طلباً لشفاعة أو مساعدة، أو نحو ذلك، فكانوا يسكنون عند سماحة الشيخ في المنزل.
وإذا خرج سماحة الشيخ في الصباح أخذ معه أوراقهم وطلباتهم، ويقول: اقرؤا ما فيها.
وكنت أقول لسماحة الشيخ: ألا ترون أن يقال لهؤلاء اذهبوا إلى بلدكم، ونحن ننظر في الأوراق في الوقت المناسب، ثم نخبركم ؟
فيرد سماحته قائلاً: ما نرى ذلك، نصبر ونتحمل إقامتهم عندنا حتى ينتهي موضوعهم. !
19_ لدى سماحة الشيخ مكان مُهَيَّأٌ للضيوف، وهذا المكان في بدروم بيت الرياض.
وربما اجتمع فيه عشرة أشخاص، أو خمسة عشر، وربما جلسوا أياماً، وربما شهوراً !!
وفي يوم من الأيام قلت لسماحة الشيخ: إن فلاناً ساكنٌ عندنا منذ وقت طويل، فقال: لو استغنى عنكم ما جلس عندكم !(1/119)
20_ هناك عدد من الناس يرتادون منزل سماحته وقت الغداء بصورة مستمرة.
مما كان يجود به سماحة الشيخ: المواساة؛ فهو يشاطر الناس أحزانهم، ويحرص كل الحرص على تخفيف معاناتهم، وتنفيس كرباتهم، سواء كانوا أفراداً، أم جماعات، وسواء كانوا موافقين أم مخالفين له.
فإذا نزلت مصيبة بأحد ممن يعرفهم أو لا يعرفهم، ولكنه أخبر بعظم مصابهم وشدة تأثرهم زارهم، وواساهم، وخفف مصابهم_خصوصاً إذا كانت مصيبتهم بموت قريب لهم_.
وإن لم يتمكن من الزيارة بادر بالاتصال عبر الهاتف، أو أرسل كتاباً يضمنه مواساته، وتبيين بعض الأحكام لأهل الفقيد.
1_ وإليك هذا النموذج لكتاب أرسله في 17/2/1392هـ إلى أناس توفي والدهم.
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الكرام =فلان+ وإخوانه وأهل بيتهم وفق الله الجميع لما فيه رضاه، وجبر مصيبتهم.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد:
فقد بلغني وفاة والدكم =فلان+×وأقول: أحسن الله عزاءكم، وجبر مصيبتكم، وغفر للفقيد، وتغمده برحمته ورضوانه، وأصلح ذريته جميعاً.
ولا يخفى على الجميع أن الموت طريق مسلوك، ومنهل مورود، وقد مات الرسل وهم أشرف الخلق_عليهم الصلاة والسلام_فلو سلم أحد من الموت لسلموا، قال الله_سبحانه_: [كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ] آل عمران: 185.
والمشروع للمسلمين عند نزول المصائب هو الصبر والاحتساب، والقول كما قال الصابرون: [إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ] البقرة: 156.
وقد وعدهم على ذلك خيراً عظيماً فقال: [أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ] البقرة: 157.(1/120)
وصح عن النبي"أنه قال: (ما من عبديصاب بمصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها إلا أجره الله في مصيبته، وأخلفه خيراً منها).
فنسأل الله أن يجبر مصيبتكم جميعاً، وأن يحسن لكم الخلف، وأن يعوضكم الصلاح، والعاقبة الحميدة، ونوصيكم بالصبر، والاحتساب، والتعاون على البر والتقوى، والاستغفار لوالدكم، والدعاء له بالفوز بالجنة، والنجاة من النار، والمسارعة لقضاء دينه إن كان عليه دين، كما تُوصى زوجاتُه جميعاً أن يبقين في بيوتهن حتى تنتهي العدة، والله_سبحانه_يقول: [وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ] الحشر.
جبر الله مصيبة الجميع، وضاعف لكم جميعاً الأجر، وغفر لوالدكم =فلان+، وأسكنه فسيح جنته؛ إنه سميع قريب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
…………رئيس الجامعة الإسلامية
…………عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
2_ وهذا نموذج آخر، وهو عبارة عن برقية بعثها في 6/2/1418هـ يواسي فيها أناساً توفي والدهم، وإليك نصَّها:
بسم الله الرحمن الرحيم
حضرة الأبناء الكرام أبناء الشيخوفقهم الله لما فيه رضاه، وجبر مصيبتهم آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:
فقد بلغني نبأ وفاة الوالد×فأقول أحسن الله عزاءكم وجبر مصيبتكم، وغفر للوالد، وتغمده برحمته، وأسكنه فسيح جنته، وأصلح ذريته، وجمعنا وإياكم، وإياه في دار كرامته، إنه خير مسؤول.
ولا يخفى أن المشروع لكل مسلم عند المصيبة هو الصبر، والاحتساب، والقول كما قال الصابرون: [إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ] وقد وعدهم الله خيراً كثيراً فقال: [أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ].
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم، إنه جواد كريم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(1/121)
…عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
مفتي عام المملكة
كان سماحة الشيخ كثير اللجوء إلى الله والافتقار إليه، والتذلل بين يديه.
وكان كثير الدعاء، والتضرع إلى الله، وسؤاله كل صغيرة وكبيرة.
ومن سمعه وهو يدعو أيقن أن الله سيوفقه، ويعينه، ويسدده.
ومن الأدعية التي كان يدعو بها: اللهم إني أسألك التوفيق والإعانة، ويالله عونك وتسديدك، اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين، اللهم اشرح لي صدري، اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي، الله يتوب على الجميع، الله يجعلنا مباركين، اللهم أصلح قلبي وعملي، اللهم اجعلنا من دعاة الهدى، وأنصار الحق.
وكنت ألحظ عليه أنه إذا نسي شيئاً، وجعل يفكر فيه، ويتذكره طأطأ برأسه، وردد: لا إله إلا الله، ما شاء الله، حتى يتذكر ما يريد.
وإليك أيها القارئ الكريم هذا الكتاب الذي كتبه سماحة الشيخ رداً على كتاب أرسله إليه فضيلة الشيخ علي بن عبدالله صوفان، حيث كتب الشيخ علي لسماحة الشيخ كتاباً أفاد فيه أنه رأى سماحة الشيخ في المنام ليلة الخميس 23/8/1406هـ وهو ساجد يدعو الله بدعاء في السجدة الأولى، ويدعو في السجدة الثانية بدعاء غير الأول، وأنه قد حفظ الدعاء ثم نسيه، فأرسل إلى سماحة الشيخ يطلب منه أن يرشده إلى ذلك الدعاء، فأجابه سماحة الشيخ بالكتاب التالي الذي وضح فيه سماحته جملة من الأدعية التي كان يدعو بها في سجوده، وإليك الكتاب الذي رد به سماحته على الشيخ علي بنصه، بتاريخ 4/9/1406هـ ورقم 995/خ.
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة المكرم فضيلة الشيخ علي بن عبدالله صوفان زاده الله من العلم والإيمان آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بعده يا محبُّ كتابكم وصل، وصلكم الله برضاه، وفهمت ما ذكرتم عن الرؤيا التي رأيتموها لمحبكم أنه يدعو في السجود بدعاء أنسيتموه، ورغبتكم في الإفادة بالدعوات التي أدعو بها.(1/122)
والجواب: هذه الرؤيا نرجو أن تكون رؤيا خير لنا ولكم، وقد ثبت في الحديث الصحيح المرفوع: =ذهبت النبوة وبقيت المبشرات: الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له+.
فنسأل الله أن يجعلنا وإياكم من عباده الصالحين، وحزبه المفلحين، وأن يثبتنا وإياكم على دينه حتى نلقاه_عز وجل_إنه خير مسؤول.
أما الدعوات التي أدعو بها فكثيرة، ومن أجمعها: =اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، ويا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك+.
ومنها: =اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي من كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر+.
ومنها: =اللهم أصلح قلبي، وعملي، وارزقني الفقه في دينك، رب زدني علماً+.
ومنها: =اللهم وفقني للإخلاص، والصدق، وإصابة الحق في القول والعمل، اللهم اجعلني من أنصار دينك، والدعاة إلى سبيلك على بصيرة+.
=اللهم ارزقني القوة، والنشاط في كل خير+.
في أدعية كثيرة جاءت بها السنة، من أجمعها حديث عمار بن ياسر عن النسائي بإسناد صحيح عن النبي"أنه كان يقول: =اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خير لي+. الحديث.
وهو حديث طويل اشتمل على ثلاث عشرة جملة كل جملة مشتملة على دعاء عظيم.
وينبغي للمسلم أن يختار الدعوات الجامعات الطيبات.
وفق الله الجميع لما يرضيه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. .
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
وهذه نبذة من الأدعية التي أملاها سماحة الشيخ×في 9/9/1406هـ بناء على طلب بعض الإخوان، وقد وجدت ضمن أوراق سماحة الشيخ بعنوان:
=فائدة مهمة+(1/123)
قال فيها سماحته: هذه دعوات جامعة وأذكار صحت بها الأحاديث عن رسول الله"طلب مني بعض الإخوان تزويده بها؛ ليستعملها، فأجبته إلى ذلك، وأسأل الله أن ينفع بها كل مسلم، إنه خير مسؤول.
أملى ذلك الفقير إلى عفو ربه عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وهذا بيانها.
اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطأي وعمدي وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدِّم وأنت المؤخِّر وأنت على كل شيء قدير، اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي، اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر، اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين، وغلبة العدو، وشماتة الأعداء، اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، اللهم إني أعوذ بك من الهم، والحزن، والعجز، والكسل، والجذام، والجبن، والبخل، ومن المأثم، والمغرم، ومن غلبة الدين، وقهر الرجال، اللهم إني أعوذ بك من العجز، والكسل، والجبن، والبخل، ومن الهرم ومن عذاب القبر، اللهم أعط نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، أعوذ بعزتك أن تضلني، لا إله إلا أنت، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها، اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً(1/124)
لي، اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيماً لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع وأسألك الرضا بعد القضاء وبرد العيش بعد الموت وأسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مُضِرَّة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين، أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق =ثلاثاً إذا أمسى ويقولها_أيضاً_عند نزول أي منزل+ ويقول_أيضاً_: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم =ثلاث مرات في الصباح وثلاث مرات في المساء+ أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامَّة، ومن كل عين لامَّة.
وكان"يقول عند الكرب والشدة: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش الكريم، ثم يدعو بما شاء من الدعوات المناسبة للمقام.
وقال النبي": =دعوة ذي النون_عليه السلام_ما دعا بها مسلم في شيء إلا استجيب له: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين+.
وقال_عليه الصلاة والسلام_: =أحب الكلام إلى الله أربع سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر+.
وقال_عليه الصلاة والسلام_: =الباقيات الصالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله+.
وقال_أيضاً_عليه الصلاة والسلام_: =كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن؛ سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم+.
وقال": =من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتب الله له بها مائة حسنة، ومحي عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان في يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا رجل عمل أكثر من عمله+.(1/125)
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
لقد جمع الله لسماحة الشيخ علوماً شتى؛ حتى إنك إذا رأيته يتكلم عن علم من العلوم ظننت أنه تخصصه، وأنه لا يحسن غيره.
فسماحته إمام في الحديث، وعلومه، ومعرفة رجاله، وأحوال رواته، ومعرفة الصحيح من الضعيف، والموضوع، وسترى طرفاً وعجباً من ذلك عند الحديث عن ذاكرة سماحة الشيخ.
وسماحته فقيه من الطراز الأول، ويتجلى فقهه في فتاواه ورسائله الكثيرة.
وإذا ناقش، أو نوقش، أو تكلم أو سئل عن شيء يتعلق بالعقيدة ظن السامع أن سماحته لا يحسن إلا هذا الفن.
وإذا تكلم على تفسير بعض الآيات قلت: هذا هو فنه؛ ففي بعض الأحيان إذا صلى سماحته الفجر، وقرأ بعض الآيات بالمصلين لما كان إماماً، أو سمعها من الإمام لما كان مأموماً، ثم رجع إلى بيته_طلب عدة تفاسير؛ ليقف على ما قاله المفسرون في معنى الآية أو الآيات.
وبعد ذلك تراه يرجح بعض التفاسير على بعض، وربما مال إلى معنى لا يخطر بالبال، وربما قيده على حاشية بعض التفاسير.
وهكذا علم الفرائض فهو فارس ميدانه، وإن الإنسان ليعجب من هذا الرجل الضرير حين يَحْضُر دروسه، ويرى ضَبْطَه لمسائل الفرائض، وقسمة التركات حتى لكأنه يقرؤها من كتاب.
وكذا إذا تلكم في النحو، قلت هذا عالمه، وهكذا في سائر الفنون الأخرى.
وقد مر، وسيمر في ثنايا الكتاب ما يؤكد ذلك، ويبرهن عليه.
من أعجب الصفات التي تميز بها سماحة الشيخ قوة الذاكرة؛ فذاكرته العجيبة تستوعب ما لايحصى من المعلومات، والمعرفة بالأشخاص، والتذكر للتواريخ، والأحداث.
وقد عرفت سماحته منذ أربعين سنة، وعشت معه عن قرب ستة عشر عاماً ولم ألحظ عليه نقصاً في فكره، ولا في حافظته.
بل لا أكون مبالغاً إذا قلت: إن عزيمته وهمته، وقوة حافظته تزداد قوة ونشاطاً كل عام؛ فكلما تقدم به السن زكت قريحته، وقويت ذاكرته.(1/126)
وكثيراً ما يمر بنا ما يدل على ذلك؛ فأحياناً يذكر لنا بعض أخباره في صباه، وأحياناً يُدعى سماحته لغداء أو عشاء، أو مناسبة افتتاح، أو حضور وليمة زواج، أو محاضرة، أو ندوة، أو نحو ذلك، ونحن نسجل مواعيد سماحته بعد أن يعطي أهلها الموافقة، فإذا قرب الموعد سَأَلَنا سماحتهُ هل عندنا موعد كذا في مكان كذا وكذا ؟
فنقول: أحياناً: لا، أو نقول: لا ندري، فيقول سماحته: بلى، تأكدوا.
فإذا رجعنا إلى سجل المواعيد وجدناه كما قال.
وكذلك موقفه في الدرس لا يكاد ينساه، وأحياناً يسأل عن رقم الصفحة إذا انتهى الدرس أو القراءة، فإذا جاء وقت الدرس أو موعد القراءة من جديد قال: افتحوا صفحة كذا، وربما ضبط الصفحة بكلمة أو حرفين من حساب الجُمَّل (11).
ومن عجيب ذاكرته أنه إذا أتاه أحد من الأسرة المالكة في بعض الأحيان، ودار الحديث عن الأسرة وأوائلها أخذ سماحته يسرد أن فلاناً هو ابن فلان وأن أمه فلانة، وأخته فلانة، وتوفيت في عام كذا وكذا.
وربما قال لمن يزوره منهم: خالتك فلانة، وعمتك فلانة، وهذا يرجع إلى كذا وكذاإلخ.
حتى إن بعضهم يقول: أنت أعلم بأسرتنا منا.
وكان×يحفظ أسماء الأسرة المالكة، وتاريخ ميلادهم، ويراجع ما كتبه عنهم في بعض الأحيان، ويحفظ الأشقاء من الأمراء أبناء الملك عبدالعزيز، ويعرف الأخوة لأب، وأخوال كل منهم، وله عناية خاصة بذلك.
وكذلك يعتني بآل الشيخ، ويعرف كبارهم، والسابقين منهم؛ لاسيما العلماء منهم؛ حيث يوليهم اهتماماً كبيراً.
ومن لطائف ذاكرة سماحة الشيخ أنه إذا أراد البحث في عدالة رجل من رجال الحديث ومعرفة حاله، وما قيل فيه_قال: الذي أعرفه أن صاحب التقريب قال: صدوق، أو قال: ثقة، أو قال: يخطئ، ولكن من باب التأكد.
وعند البحث يكون كلام الشيخ مطابقاً لما في الكتاب في الأغلب. وقد سمعت صاحب الفضيلة الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري×يقول: الشيخ عبدالعزيز يكاد يحفظ التقريب عن ظهر قلب.(1/127)
ولهذا إذا رأيت سماحة الشيخ يتكلم في الحديث ظننت أنه لا يعلم غيره؛ لما كان عليه من حفظ للمتون والأسانيد، والرجال، والصحيح، والضعيف، والموضوع.
ومن العجائب في ذلك؛ أنه في يوم من الأيام أهدى صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن فهد إلى سماحة الشيخ جهاز كمبيوتر قد خُزِّن فيه جميع ما في الصحيحين، والسنن والمسانيد.
وعندما حضر المختص لإطلاع سماحته على نظام الجهاز، وكيفية استخراج الحديث المراد، والبحث عنه، وفي كم رواية ورد، وفي أي الأبواب يوجد_سأل سماحتُهُ عن بعض الأحاديث في كم رواية ورد؟ وفي أي الأبواب؟ فجعل المختص يبحث عن بعض الأحاديث والشيخ يسأل ويقول: صحيح، وفي بعضها يقول الشيخ: بل ورد بلفظ كذا وكذا، ورواه فلان.
وإذا بحث المختص عنه لم يجده في الجهاز، وعند الرجوع إلى أصل الكتاب يوجد طبق ما كان يحفظه سماحة الشيخ!
وبعد أن سأل سماحته عدة أسئلة وصار يُصَوِّب ويخطِّئ قال المختص: يا شيخ! أتينا بالجهاز على أننا قد حفظنا فيه كل شيء، وأن هذا الجهاز قد اعتني بإدخاله المعلومات ولكننا فوجئنا بأنك يا شيخ أحفظ من الكمبيوتر!
ومما يدل على قوة ذاكرته أنه يحفظ النصوص من الكتاب والسنة، ومواطن الاستشهاد منها، ويعزو الآيات المتشابهة إلى مظانها دون خلط بينها.
وكان إذا أملى كلمة، أو نصيحة، وأورد حديثاً قال: متفق على صحته، وهذا لفظ مسلم، أو قال: رواه مسلم وأبو داود، وهذا لفظ أبي داود.
وإذا سمع كلمة من أحد، واستدل المتحدث بحديث وعزاه قال سماحة الشيخ: هذه رواية فلان، أو قال: لفظه كذا، ورواه_أيضاً_الترمذي، أو ابن ماجه، أو أحمد وهكذا
وعند الرجوع إلى مظانه يكون سماحته_في الأغلب_مصيباً.(1/128)
وأذكر أن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أقامت ندوة بين صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبدالعزيز نائب وزير الداخلية ووزير الإعلام، وكان سماحة الشيخ حاضراً، فأورد وزير الإعلام حديثاً فقام سماحة الشيخ، وعلق على الندوة، وقال: أما ما ذكره معالي وزير الإعلام باستشهاده بحديث كذا وكذا فهو حديث باطل، وقد نبهت عليه قبل عشرين عاماً، مما يدل على قوة ذاكرته.
سماحة الشيخ يحمل صفاتٍ حميدةً، وأخلاقاً كريمةً منذ صغره، لا يغيرها زمان، أو مكان، أو سفر، أو حضر، أو سراء، أو ضراء؛ بل هي مستمرة معه، بل تزيد زكاءً ونقاءً.
فالذين يعرفون سماحته منذ أيام شبابه يعرفون فيه الزهد، والكرم والشجاعة، والصدق، وحب الخير للناس، والترفع عن مرذول الأخلاق.
وقد حدثني من عاش معه في الرياض في شبابه، وفي أيام القضاء، وفي الرياض بعد مجيئه إلى الرياض؛ للتدريس في المعهد ثم الكلية، وبعد ذلك في الجامعة الإسلامية ثم في فترة رئاسته لإدارات البحوث العلمية والإفتاء، والدعوة والإرشاد_حدثني أن سماحته لم يتغير منهجه، ولا ثباته، فأوقات الدروس ثابتة، وأوقات جلوسه للناس على حالها من حين كان قاضياً حتى توفاه الله.
ثم إن ذاكرته، وهمته لم يتغير منهما شيء.
وقد سألت بعض من عاش معه منذ ثلاثين سنة أو أربعين: هل حال الشيخ منذ ثلاثين سنة أو أكثر كحاله الآن؟
فأجاب: هذا هو نشاطه، وهذه هي قاعدته.
وأنا عرفته منذ أربعين سنة، ولازمته ملازمة تامة منذ ستة عشرة سنة، فرأيت من ثباته ونشاطه، وقوة ذاكرته عجباً، مع ما يمر به من أحداث، ومع ما يلاقيه من مصاعب، ومتاعب، وفتن وأعاصير تمر بالأمة إلا أنه كان ثابتاً كالطود لا يتزحزح عن مبادئه، ولا خلائقه، ولا نظامه اليومي في العمل والدروس، ولا بشاشة وجهه، ولا غير ذلك مما كان عليه.
ثم إنه×إذا تبين له الحق لم يَحِدْ عنه قيد أنملة، وإذا تبين له من خلال النظر في الأدلة خلاف ما يرى، رجع إليه دونما تَحَرُّج.(1/129)
وسماحته معروف بقول الحق، والصدق، ولا أعلم أنه اهتز، أو توقف عن إنكار منكر؛ لكونه صدر من فلان أو فلان.
بل ينكر المنكر على أي أحد، ولكن بالأساليب الحكيمة، الناجعة، الناجحة، الموافقة لما جاء في الشرع المطهر.
وسماحته معروف برباطة الجأش، وقوة الشكيمة؛ فقد تمر به فتن عظيمة، ومصائب عامة وخاصة؛ فلا يظهر عليه جزع، أو خور، أو ذعر، وإنما يقابلها بالثبات، والصبر، والرضا، والاحتساب، والاستعانة بالله، فهذا دأبه في سرائه وضرائه؛ حيث يلزم الاعتدال، واستواء الطرائق.
وربما وقع عليه حادث في السيارة التي تُقِلُّه، فتهتز السيارة، ويحصل بها بعض الضرر وهو ثابت لا يزيد على الدعاء، وحَمْدِ الله على السلامة، وقول: ماذا حصل وبعد ذلك يستمر في الاستماع لما يُقْرأُ عليه.
ومرة دخل في مجلس داخل بيته لأداء السنة الراتبة للمغرب، ولما كَبَّر ودخل في الصلاة جاء أحد المرافقين لسماحته، وفتح النور فانفجرت إحدى الثريات وصدر منها صوت شديد، وتطاير منها شرر، وكنت أنظر إلى سماحته وإذا به لم يتغير، ولم يتحرك، وبعد فراغه من الصلاة، وإتيانه ببعض الأدعية والأذكار قال: ما هذا الصوت؟ ولم يزد على ذلك.
وفي أزمة الخليج أيام كانت الصواريخ العراقية تصل إلى الرياض أحياناً كان الناس يصابون بالرعب، إذا سمعوا أصوات الصفارة المنذرة،
أما سماحته فهو على حاله، ودروسُه على حالها، وثقته بالله لا تتضعضع.
بل إن كثيراً من الطلاب يقولون: إننا نشعر بالأمان والطمأنينة إذا حضرنا درسه.
ولما اشتعل الحريق الكبير في منى، عام 1417هـ أصاب الناس ما أصابهم، من الذعر والخوف.
أما سماحة الشيخ×فشرع بالحوقلة، والدعاء، ولما صلى الظهر، قنت، وسأل الله أن يكفي المسلمين شر هذا الحريق.
فهذه هي حاله في شتى أطواره، يصدق عليه قول القائل:
قد عشت في الدهر أطواراً على طُرُقٍ
شتى فصادفت منه اللِّيْنَ والبشعا
كُلاً بلوت فلا النعماء تُبْطِرُني(1/130)
ولا تَخَشَّعْتُ من لأوائها جزعا
لا يملأ الهول قلبي قبل وقعته
ولا أضيق به ذرعاً إذا وقعا
ومن ثباته وشجاعته ورباطة جأشه، أنه يتكلم في المحافل وأمام الناس كبارهم وصغارهم فلا تقيِّده حبسة، ولا يهوله عظمة من أمامه، بل يتكلم بكل طمأنينة، وراحة، وسكينة.
ومن شجاعته وقوته في الحق أنه ينكر المنكر، ويبين الحق، ويرد على من أخطأ كائناً من كان.
والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، وهذا الأمر معروف عند سماحة الشيخ في مقتبل عمره، وبعد أن طعن في السن.
ومن الأمثلة على ذلك أنه لما نشرت صحيفة الجيش السورية كلاماً كفرياً، يتضمن إنكار وجود الله_سبحانه وتعالى_كتب سماحة الشيخ للرئيس السوري آنذاك، وهو نور الدين الأتاسي، وبين له الحكم في ذلك، وأن الواجب التوبة، وإعلانها في الصحف.
ومن ذلك أنه لما نشرت بعض الصحف الخارجية أن بعض الرؤساء طعن في القرآن، وذكر أنه متناقض، وتكلم في شخص الرسول"كتب إليه سماحة الشيخ، وبين له فداحة ما قال، وأوضح له أن ذلك كفر وردة، وأن الواجب عليه إعلان التوبة في الصحف التي نشرت كلامه.
ولما لم ينشر ذلك الشخص ما أشار به سماحة الشيخ، ولم يعلن توبته ورجوعه كتب سماحته مقالاً مطولاً بين فيه كفر ذلك الشخص، وردته، ونشرت ذلك بعض الصحف.
من العجائب في سيرة سماحة الإمام عبدالعزيز ابن باز همته العالية المتجددة، التي تزكو وتتسامى مع تقدمه في العمر.
وإذا أردت الحديث عن همته فإنك تحار؛ فبأي شيء تبدأ، وعن أي مجال تتحدث؟
ذلك أن همته العالية لا تقتصر على مجال معين، أو عمل محدد،
بل هي شاملة لشتى الأعمال التي يقوم بها؛ فهمته العالية تتجلى في قراءة الكتب؛ فهو لا يمل قراءتها، بل كثيراً ما يشرع في قراءة كتب مطولة لا يخطر بالبال أن يتمها؛ لما يُرى من كثرة أعماله.
وما هي إلا مدة ثم يتم قراءتها.
وتتجلى همته في الاطلاع على المعاملات، والتوجيه بما يلزم؛ فلا يمل ولا يكل من كثرة ما يعرض عليه.(1/131)
وتتجلى في العبادة، وتطبيق السنة في شتى شؤونه.
وتتجلى في زكاء نفسه، وطهارتها، وترفعها عن السفاسف، والمحقرات.
ومن كان ذا نفسٍ ترى الأرضَ جولةً
فلا بد يوماً للسماوات يرتقي
وتتجلى في سخائه، وجوده، وكرمه، في شتى صور السخاء، والجود والكرم.
وتتجلى في اغتنام الأوقات، والقيام بالمشروعات والأعمال العظيمة، التي تقف دونها عقبات.
إلى غير ذلك من مجالات همته.
وعلو همته التي دلت على
صِغَر الكبير وقلة المُسْتَكْثَر
وإن الذي يعمل معه، ويرافقه ليعجب أشد العجب مما يراه من همته×.
وإنك لترى الإعياء يبلغ مبلغه بمن يرافقون سماحته، ويعملون معه مع أنهم في قوتهم ونشاطهم، ومع أنهم مجموعة يتعاقبون العمل، ويتناوبون على القراءة عليه، ومرافقته، ومع أنهم يجدون متعة ولذة في العمل معه، ومع أنهم متفرغون له، ومع أن سماحته كبير في السن، ويقوم بأعمال متنوعة كثيرة.
ومع ذلك كله؛ تجد أن سماحة الشيخ يقوم بالأعمال العظيمة بمنتهى اليسر، والسهولة، والسرور، والسكينة، يستوى بذلك حاله في السفر، أو الحضر، أو الصحة، أو المرض.
والشواهد والقصص في هذا السياق لا يمكن حصرها، بل إن معظم القصص التي مرت والتي ستمر تؤكد هذا المعنى وتؤيده.
مُتَنَقِّلٌ في سؤددٍ من سؤددٍ
مثل الهلال جرى إلى استكماله
وإليك هذه الحادثة التي لا يكاد يصدق وقوعها:
في عام 1413هـ كان سماحة الشيخ في مكة المكرمة، ودعي إلى افتتاح أحد المراكز الدعوية في جدة، وألحوا عليه أن يكون الحضور بعد صلاة المغرب؛ حتى لا يطول أمد الحفل إلى ساعات متأخرة.
فقال سماحته: ما يكون إلا الخير، وعندما صلى المغرب قلنا له: نذهب الآن إلى جدة؟
لكن سماحته لم تطب نفسه بترك المجلس بعد المغرب، فقال: بل نذهب إلى مجلسنا المعتاد، وننظر في حاجات الناس.
فقلنا له: إذاً نتأخر في الحضور، ونتأخر في الرجوع.
فقال: ولو! يعين الله.(1/132)
فجلس في مجلسه المعتاد، ونظر في حاجات الناس، وقرئ عليه ما شاء الله أن يُقرأ، وأجاب على الأسئلة الموجهة إليه، حتى إنني حسبت له ستين إجابة على ستين سؤالاً، بعد ذلك المغرب.
وبعد أن انتهى المجلس قام لصلاة العشاء، ووجهه يتهلل فرحاً وبشراً؛ بسبب جلوسه للناس.
ثم توجَّه إلى جده، وكنت في صحبته أنا ومعالي الدكتور محمد الشويعر، والأخ صلاح، وكنا نتناوب القراءة حتى وصلنا إلى جدة.
ولما وصلنا استقبله الناس بجموعهم الكاثرة، فسلم عليهم، ودخل المشروع، واستمع إلى شرح مفصل عنه، وعن نشاطاته وأهدافه، ثم دخل قاعة المحاضرات المكتظة بالناس، واستمع إلى جميع فقرات الحفل وما ألقى فيه من كلمات وقصائد، ثم ألقى كلمته، وبعد أن انتهى الحفل، تناول طعام العشاء، وودع الناس هناك، وعاد إلى مكة، فكنا نتناوب عليه القراءة طوال الطريق؛ فما وصلنا منزله في مكة إلا الساعة الثانية ليلاً!!
وكان من عادة سماحته أنه يقوم للتهجد في حدود الساعة الثالثة ليلاً، وكان ينبه من معه لقيام الليل، وكان ينبهني أنا، والشيخ عبدالعزيز بن ناصر بن باز؛ فجزمنا أنه لن يقوم تلك الليلة، بسبب ما لقيه من تعب من أول الليل، وبسبب تأخره في المجيء إلى مكة، فلما جاء وقت قيامه إذا به يوقظنا للقيام، ثم شرع بالقيام، وبقي يصلي ويدعو، ويقرأ حتى أُذِّن بالفجر، فذهبنا إلى مسجد القطان المجاور لنا، فتأخر الإمام فصلى بنا سماحته وتلا الآيات بصوت نديٍّ خاشع، فلما سلم استقبل الناس بوجهه، وألقى فيهم كلمة.
ولما عدنا إلى المنزل قلنا: لابد أن سماحته سينام؛ فماذا بعد هذا الإعياء والنصب؟
فلما وصلنا المجلس ألقى غترته وطاقيته جانباً، وجلس وقال: بسم الله، ماذا عندكم؟(1/133)
فأخذت أقرأ عليه المعاملات، وأنا أرى عليه من السرور والانشراح، ما يبهر اللب؛ فبقيت أقرأ عليه حتى السابعة والثلث تقريباً، فظننت بعدها أنه سينام نومة طويلة؛ فإذا به يقول: ضع منبه الساعة على الثامنة والثلث، فلما جاء ذلك الوقت نهض إلى رابطة العالم الإسلامي؛ لحضور الندوات، والاجتماعات المطولة، التي كانت تعقد آنداك، ولم يرجع إلى منزله إلا الساعة الثانية والنصف بعد الظهر، ثم أكمل الجلوس مع الحاضرين في المجلس، وتناول معهم الغداء، وصلى العصر وهو في تمام النشاط، والانشراح، ونحن نكاد نسقط على وجوهنا من جراء الإرهاق، وقلة النوم. .
وهذا من أسرار عظمته، ولطائف سيرته، وأسباب تميزه، وحلوله في سواد العيون، وسويداء القلوب؛ ففي الوقت الذي يقوم فيه بجلائل الأعمال، من مراسلات لكبار المسؤولين ومناصحة لرؤساء الدول، واستقبال للوفود من أعلى المستويات، وقيام بالدروس والفتوى، والردود على الأسئلة المتتابعة، ورئاسة الاجتماعات في الرابطة أو الهيئة، أو غيرها، ونحو ذلك من الأعمال التي يترتب عليها المصالح العامة للأمة مع ذلك كله لا تراه يهمل دقائق الأمور، وصغارها؛ بحجة اشتغاله بما هو أهم، بل تراه يسمع سؤال المرأة، ويستقبل الفقير المسكين، ويجيب على سؤال الهاتف ولو كان يسيراً، بل تراه يداعب قائد سيارته، والعاملين معه، ويسألهم عن أحوالهم، وأحوال ذويهم، بل لا يُغْفِل الثناء على طباخ المنزل على الوجبات التي يعدها، ولا ينسى مداعبة الصغار، والقيام بحقوق الأهل، وهكذا كانت حاله مع الناس؛ فكل يعطيه حقه، وينزله منزلته.
ولم يكن أحدٌ يلهيه عن أحدٍ
كأنه والدٌ والناسُ أطفالُ
وهذا سر عظيم من أسرار عظمته، وسبب رئيس من أسباب قوته، وتحمله وثباته؛ فسماحة الشيخ×لا يحمل هموم العمل إلى المنزل، ولا يحمل المشكلات والقضايا العامة للزائرين، وإذا ترك مكتبه ترك مشكلاته، وقضاياه داخل المكتب، وإذا خرج من بيته ترك شؤون البيت في البيت.(1/134)
وليس معنى ذلك، أن تلك القضايا لا تتحرك معه، أو أنه لا يأْبَه لها، وإنما كان يعطي كل مشكلة قدرها، ولا يحمِّل أحداً ذنب أحد؛ فإذا جلس أحد إلى سماحته ظن أنه خَلِيٌّ من الهموم، والشواغل؛ لأنه يقبل بِكُلِّيته على محدثه، وجليسه.
ولقد وطَّن سماحته نفسه على هذا الخلق العظيم؛ فكان ذلك من أعظم ما يعينه على القيام بالمسؤوليات.
بخلاف حال أكثر الناس؛ حيث تراهم إذا كدَّر عليهم مُكدرٌ نال الغضب منهم مناله، وامتدت إلى من حولهم، وإلى كل من يتصل بهم من زملاء، وأهل، وأولاد، واستمرت معهم تلك الحالة يومهم ذلك، وربما زادت مدة التكدر.
ولو كان سماحة الشيخ على مثل هذه الحال لانْهدم، ولتصدعت قناته، وفترت همته.
ولكنه كان كالجبل تصطدم به العوادي، وتعود أدراجها، وهو ثابت لا يتزحزح.
ولهذا نعجب منه أشد العجب؛ ففي كثير من الأحيان تأتيه قضايا، وتعرض عليه مشكلات تشيب لهولها نواصي الولدان، ويحضر اجتماعات على أعلى المستويات، وتجتمع لديه أعمال كالجبال، فنقول: حُطِم سماحته، ولن يقوم بقية يومه بشيء من العمل؛ فما يروعنا إلا أنه إذا خرج من اجتماع، أو استمع إلى قضايا، أو مشكلات، ثم اتخذ ما يراه حيالها_أقبل على عمله الجديد بهمة ونشاط سواء كان صغيراً أو كبيراً، فربما قدم إليه ضيف فسامره ولاطفه، وربما قال: أعطونا الكتاب الفلاني؛ فنشرع بقراءته، وربما قال: اتصلوا بفلان، أو ابحثوا عن المسألة الفلانية.
وإذا كان لديه موعد ذهب إليه، وإن كانت عنده محاضرة ذهب لإلقائها، مع أننا نتوقع أحياناً أن ذهنه قد تَشَوَّش، وأن نفسه قد تكدرت عليه، ولكننا نفاجأ بخلاف ذلك تماماً.
وليس أدل على ذلك من حاله إبان المرض كما سيأتي بيان ذلك في موضعه.
والشهم من عانى الخطوب وراضها
فغدت أرقَّ من النسيم مسيسا
لا فخر في الدنيا بغير عزائم
تفري الحديد ولا تهاب وطيسا
وإذا الرويَّةُ أيقظت عزمَ الفتى
ملأت معاليه الفخامُ طروسا (12)(1/135)
لقد عُرف عن سماحة الشيخ أنه كان رمزاً ومثالاً للعدل، والإنصاف؛ فكثيراً ما تكون كلمته هي الفصل بين الأطراف المتنازعة، في كثير من الشؤون.
والناس على اختلاف طبقاتهم يرضون بحكمه؛ لعلمهم بتجرده وتقواه.
ومن مظاهر العدل عنده أنه إذا قرئ عليه كتاب، أو سمع كلاماً لأحد من الناس، أو سمع عن أي أحد شيئاً_سمعه وكأنه خالي الذهن عن معرفة ذلك القائل أو الكاتب؛ فحكم عليه بما يستحق ثناءاً، أو نقداً، أو غير ذلك؛ فلا تأخذه معرفة الإنسان وقربه من سماحته إلى مجاملته، والتغاضي عن أغلاطه، ولا يأخذه الجهل به، أو مخالفته أو بعده، أو كثرة كلام الناس فيه_إلى رد ما عنده من صواب.
بل يقبل الحق، ويثني عليه ولو كان من أبعد الأبعدين.
وكثيراً ما كنت أقرأ عليه في كتب لأناس قريبين إليه، بل ربما كانوا من خاصة محبيه، ومع ذلك ربما كتب على الكتاب عدداً كثيراً من الملحوظات والاستدراكات.
والعكس من ذلك؛ حيث أقرأ عليه بعض الأحيان في كتب يطلب قراءتها لأناس مخالفين، فإذا قرأها تجرد من كل هوى، وقَبِل ما فيها من حق، بل ربما أثنى على بعض المواضيع فيها، وإذا رأى ملحوظة أشار إليها، ونقل الدليل على خطئها، أو ساق ما يراه، أو أبدى الوجه الأَوْلى في المسألة التي تدور حولها الملحوظة.
بل ربما ردَّ عليه أحد من الناس، أو ناقشه في مسأله ما_فلا تراه يغضب لذلك بل يستمع لمن يرد عليه بكل هدوء وارتياح، وربما رجع عن قوله إذا رأى وجاهة الرد، وربما قال: نَتَّهم رأينا، نراجع الموضوع، أو المسألة مرة أخرى.
وربما ناقشه بعض الناس بصلف، وجهل، وغرور، وسماحته لا تفارقه سكينته، بل يتلطف بمن يناقشه، ويأخذه بالتي هي أرفق.
ومما يحضرني في هذا القَبيل أنه في يوم خميس من عام 1418هـ وفي مدينة الطائف، جاء رجل إلى سماحة الشيخ، ويظهر على هذا الرجل العجلة، والاعتداد بالنفس، واعتقاده في نفسه أنه حافظ للنصوص، وأنه يُحْسَب على طلبة العلم الكبار.(1/136)
فلما جلس أمام سماحة الشيخ جعل يسأل سماحتَه أسئلةً كثيرة، والمجلس مليء بالحاضرين، وكلما أجابه سماحة الشيخ قال ذلك الرجل: هذا هو رأيي، هذا يوافق ما عندي، فكان يسأل والشيخ يجيبه على هذا النحو برحابة صدر وانشراح بال، ثم انتقل الجميع إلى مجلس الطعام للغداء، وذلك الرجل لم ينقطع عن الأسئلة، والشيخ يجيبه وهو يأكل؛ فظهر التكدر والامتعاض على وجوه الحاضرين.
ولكن الشيخ لم تفارقه سكينته ولا طمأنينته.
وبعد انتقال سماحة الشيخ إلى الرياض جاء ذلك الرجل إلى سماحة الشيخ، وقال: قد أمرني مرجعي بعدم الافتاء، وعدم مخالفة سماحتكم، والمفتين المعتبرين، وقد قلت لمرجعي: إذا ثبت لدي ما يخالف الشيخ فأنا أفتي به، ولا يجوز لي تقليد الشيخ، فما رأي سماحتكم؟
فقال سماحة الشيخ: هذا هو الصحيح، لا تقلدني، ولا تقلد غيري إذا وُجِد دليل يخالف.
قال: يا شيخ أرجو أن تكتب لي كتاباً بهذا المعنى.
فبدأ سماحة الشيخ يملي: (من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى الأخ المكرم صاحب الفضيلة فلان بن فلان أما بعد: فلا يجوز تقليدي ولا تقليد غيري من طلبة العلم إذا ثبت لديك ما يخالف ما أفتي به أو غيري) .
وبعد ذلك قال ذلك الرجل: يا شيخ أنا حضرت درسك اليوم بعد صلاة الفجر، وقد سُئلتَ عن كذا وكذا، وأجبتَ السائل بكذا وكذا، وأخطأتَ في الإجابة، فابتسم سماحة الشيخ×وقال: دليل ما قلتُ حديث في صحيح مسلم، وهذا نصه، فسكت ذلك الرجل، وكان عند سماحة الشيخ أحد طلبة العلم، فتغير، وغضب، وكاد ينهر ذلك الرجل.
ومن عدله وتجرده أنه إذا قرىء عليه لعالم أو كاتب ما، وأحس من القارىء تذمراً، أو سمع منه كلمة فيها فضاضة أو غلظة تقال في حق المقروء له_أظهر سماحتُه احترام ذلك المقروء له، وأثنى عليه بما هو أهله، وقال: فيه خير كثير، وليس معصوماً، ولسنا معصومين، وكلنا ذوو خطأ، وهذه صفات البشر.(1/137)
ومن عدله وإنصافه أنه لا يثرِّبُ على من قال بقول يخالف ما يراه؛ بل يتسع صدره لهذا الخلاف، ويلتمس العذر لما خالف، ولا يُلْزِم غيره بأن يأخذ بما يراه، ولا يكلف نفسه عناء الرد على من يخالفه في مسألة أو قول له وجاهته، خصوصاً إذا كان القائل بذلك عالم له مكانته.
ومما يذكر في هذا الصدد أنه قد صدر من سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين×فتوى تتضمن أن المسافر له أن يأخذ برخص السَّفر، ولو مكث ما مكث، دون تحديد لزمن السفر.
ولما اشتهر ذلك القول عن سماحة الشيخ محمد×ألح كثير من المشايخ على سماحة الشيخ عبدالعزيز بأن يرد، وقالوا: إن هذه الفتوى مخالفة للصواب، وإن الواجب على سماحتكم أن تردوا عليها.
ولكن سماحة الشيخ عبدالعزيز لم يرد، وإنما طلب إحضار عدد من الكتب لمزيد بحث لهذه المسألة كالمغني، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، وبعض كتب ابن القيم، والدرر السنية، وغيرها من الكتب؛ فقرأتُ منها ما يتعلق بهذه المسألة، وسماحة الشيخ يستمع إلى القراءة بهدوء بال، وتجرد، فلما انتهت القراءة قال سماحته: أما أنا فلن أرد عليه، ورأيه له وجاهته.
ولما كتب الدكتور إبراهيم الصبيحي، بحثاً مفصلاً؛ ناقش فيه الرأي الذي ذهب إليه الشيخ ابن عثيمين طلب الدكتور إبراهيم من سماحة الشيخ عبدالعزيز أن يطلع على بحثه.
ولما قرأت بحث الدكتور إبراهيم على سماحة الشيخ قال: هذا بحث مفيد؛ ولكن رأي المخالف له حقه من النظر، وقال: أما أنا فالذي أفتي فيه هو رأي الجمهور، وهو التحديد بأربعة أيام.
هذا وسيأتي مزيد بيان لذلك، عند الحديث عن موقفه من المخالفين.
أما حلمه وسكينته؛ فلا يكاد يصدق بها إلا من رآها بأم عينه؛ لأنك إذا سمعت عنه ذلك، ربما تظن أنه من نسج الخيال، وماهو من نسج الخيال، وإنما هو جِبِلَّةٌ جُبِلَ عليها فريدُ دهره، ونسيجُ وَحْده.
لأن حلمك حِلْمٌ لا تَكَلَّفُه
ليس التَّكَحُّل في العينين كالكَحَلِ(1/138)
والحلم والسكينة يلازمانه في شتى أطواره، يستوى بذلك حاله في السفر والحضر، وفي الصحة والمرض، وفي الزحام والوحدة، ومع القريب والبعيد.
وقد مربك، وسيمر شيء من ذلك في ثنايا هذا الكتاب، سواء عند الحديث عن الحج، أو عن صفة مجلسه، أو عن غير ذلك.
فهو يحلم على من يجهل عليه، ويحلم على من يرفع الصوت بحضرته، ويحلم على من يسيء فهمه، ويحلم على من يرد عليه بالباطل.
والقصص في هذا السياق كثيرة جداً.
ومما يحضرني في ذلك أنه قبل سنتين من وفاة سماحته×كان في الطائف، وفي يوم من الأيام جاء سماحته من الدوام قريباً من الساعة الثالثة إلا ربعاً، ولا يخفى عليك أنه قد قام في آخر الليل للتهجد، وأنه يجلس للدرس حتى الثامنة صباحاً، ثم يذهب للدوام ويقوم بما يقوم به من الأعمال العظام، فلما قدم من الدوام في ذلك اليوم دخل مجلسه، فحيا الجموع التي كانت تأتي كالعادة إليه، وبدأت الأسئلة تترى، والهاتف يستأنف رنينه.
وفي هذه الأثناء دخل على سماحته رجل ثائر، ومعه أوراق يطلب فيها شفاعة الشيخ؛ ليحصل على مال؛ ليتزوج، فشرع الرجل يتكلم بصوت مرتفع أزعج الحاضرين في المجلس، فوجهه سماحة الشيخ بما يلزم، وقال: اذهب إلى فلان في بلدكم الفلاني، واطلب منه أن يكتب لكم تزكية، ويقوم باللازم، ثم يرفعه إلينا، ونحن نكمل اللازم، ونرفع إلى أحد المحسنين في شأنك.
فقال الرجل: يا شيخ ارفعها إلى المسؤول الفلاني_يعني أحد المسؤولين الكبار_فقال سماحة الشيخ: ما يكون إلا خير، فرفع الرجل صوته، وأخذ يكرر: لابد أن ترفعها إلى فلان، وما زال يردد، وما زال الشيخ يلاطفه، ويرفق به، ويعده بالخير، حتى إن الحاضرين تكدروا، وبدا الغضب من على وجوههم، بل إن بعضهم هَمَّ بإخراج الرجل، ولكنهم تأدبوا بحضرة الشيخ. ولم يرغبوا بالتقدم بين يديه.(1/139)
فقال الرجل: يا شيخ عمري يزيد على الخمسين، وماعندي زوجة، وما بقي من عمري إلا القليل، فتبسم سماحة الشيخ، وقال: ياولدي إن شاء الله ستتزوج، ويزيد عمرك_إن شاء الله_على التسعين، وسنعمل ما نستطيع في تلبية طلبك.
فما كان من ذاك الرجل الثائر المستوفز إلا أن تَبلَّجت أساريره، وأقبل على سماحة الشيخ، وأخذ برأس الشيخ يُقَبِّله، ويدعو له.
فلما همَّ بالإنصراف ودع الشيخ، فقال له سماحته: لا نسمح لك؛ غداؤك معنا، فقال: يا شيخ أنا على موعد، فقال له الشيخ: هذا الهاتف اعتذر، فما زال يحاول التخلص، وما زال سماحة الشيخ يلح عليه بتناول الغداء، ولم يقبل سماحته الاعتذار إلا بعد لأْيٍ وجَهْد.
حينئذٍ تعجب الحاضرون من تحمل الشيخ، وأصبحت ترى الدهشة بادية على وجوههم، فكأنه أعطاهم درساً عملياً في فضل الحلم، وحميد عاقبته.
مع أن سماحة الشيخ من أعقل الرجال، وأحزمهم، وأكثرهم روية، وأناة، وحكمة إلا أنه كان كثير المشاورة، كثير الأخذ بمبدأ الشورى، سواء في أموره الخاصة، أو في الأمور العامة منطلقاً بذلك من قوله_تعالى_[وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ] آل عمران: 159 وقوله_[وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ] الشورى: 38 ومقتديا بالنبي"حيث كان كثير المشاورة لأصحابه، حتى إن سماحة الشيخ يستشير في أموره الخاصة به كإجراء العملية التي قررت له أكثر من مرة، وكموضوع سفره للخارج للعلاج، وغير ذلك من الأمور.
ولما كان في الجامعة الإسلامية كوَّن مجلساً استشارياً يحيل إليه ما يحتاج إلى دراسة، واجتماع في الرأي، وسيأتي الحديث عن مجالسه في الجامعة وكيف يديرها، وذلك عند الحديث عن ترجمة الشيخ محمد المجذوب لسماحة الشيخ.
ولما عُيِّن سماحته رئيساً لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد كوَّن مجلساً استشارياً يضم كبار الموظفين في الرئاسة، وصار يحيل إلى المجلس المعاملات المهمة، وكان ذلك مساء كل اثنين ليلة الثلاثاء من كل أسبوع.(1/140)
وكان×لا يحقر الرأي من أي أحد كائناً من كان، بل كان يقبله، وربما تَبَنَّاه إذا رأى وجاهته، ولو كان من صغير، أو ممن ليس له شأن.
وإذا كان له رأي في مسألة أو موضوع، ثم نوقش فيها، وتبين له وجه الصواب أخذ به ولو كان مخالفاً لما رآه سالفاً.
كان سماحة الشيخ×حريصاً كل الحرص على صلة أرحامه مهما تكاثرت مشاغله، ومع أنهم لا يلومونه لو لم يصلهم؛ لقيامه بمصالح المسلمين، وبالمسؤوليات الجسام، ولأن له الحقَّ أن يوصل.
ومع ذلك كان يبادرهم بالاتصال المستمر، والسؤال عن أحوالهم وأولادهم، وجيرانهم
فعلى سبيل المثال: إذا كان سماحته في مكة أو الطائف، كان يأتي من العمل في الساعة الثانية والنصف ظهراً، أو بعد هذا الوقت منهكاً مكدوداً؛ إذ هو قد قام من قبل صلاة الفجر بساعة تقريباً، وبعد الصلاة يكون له دروس، ثم يذهب للعمل، ويقوم بأعمال عظيمة؛ فإذا جاء من العمل وإذا بالناس يَلْتَفُّون حوله ما بين مسلِّم، ومستفت وغير ذلك كما هي العادة في المجلس.
وفور وصوله المجلس، وسلامه على الحاضرين، وبعد أخذه مكانه، والتقاطه أنفاسه_يأخذ سماعة الهاتف ويقول: اتصل على أخي محمد_وأخوه محمد هذا أكبر منه بست سنوات وسمعه ضعيف_فيتصل سماحته بأخيه، وأخوه لا يسمع منه إلا كلمة من بين عدة كلمات.
ومع ذلك فإن سماحة الشيخ يصابر أخاه، ويسأله عن حاله، وأولاده، وصحته، بل ويسأله عن جيرانه، ويقول: ما حال فلان وفلان من جيرانك، ثم يدعو له، ويقول: من عندنا فلان، وفلان ويعدد من قرابته، والموظفين حوله يسلمون عليك.
ثم ينتقل إلى بيت زوجته أم عبدالله ويسأل عنهم واحداً واحداً، ثم ينتقل إلى بيت أم أحمد ويسلم على من عندهم من البنين والبنات، ثم يتصل بابنه عبدالله، ثم ابنته الكبيرة حتى يتصل بهم جميعاً، أو ربما قال اتصلنا بكم البارحة ولم نجدكم، والناس حوله واقفون، وهو منشرح الصدر، رضيُّ البال !!
كما كان×محباً لبقية أقاربه، حريصاً على نفعهم واستضافتهم.(1/141)
ومن عظيم صلته لأرحامه أنه كان يخصص مبلغاً من المال يزيد على مائة وستين ألفاً فيوزعه في نهاية شهر رمضان، وذلك في عيد الفطر على زوجتيه، وأولاده، وبناته وأولاد أولاده، وأولاد بناته، وأزواج بناته، وأخيه، وأولاد أخيه، وبعض أقاربه.
وهذا المبلغ يقتطعه من ماله الخاص به.
كما أنه×اشترى بيتاً لأخيه محمد، ورتب له راتباً شهرياً، واشترى بيوتاً لبعض أقاربه، وذلك من ماله الخاص.
ومن عنايته بصلة أرحامه أنه يدعو جميع أسرته، وهم يبلغون المئات؛ لتناول طعام الإفطار معه في شهر رمضان مرة واحدة كل سنة.
لسماحة الشيخ×زوجتان: أم عبدالله، وله منها ابنان وثلاث بنات، وأم أحمد، وله منها ابنان وثلاث بنات.
وأم عبدالله هي الأولى، وقد تزوج قبلها إلا أن زوجته التي قبلها لم تستمر معه.
وأم أحمد هي الأخيرة، وقد مات عنهما×.
وكان×يلزم العدل ويتحراه في تعامله مع زوجتيه، وكان براً بهما، رحيماً، عطوفاً، حريصاً على القيام بحقهما.
وكان يتصل بهن يومياً إذا كان في مكة أو الطائف إن لم يكن معه أحد منهن_كما مر_في الحديث عن صلته بأرحامه، وكان يتلطف في الكلام معهن، وربما أخبرهن بما فعل يومه ذلك، فربما قال: اجتمعنا اليوم في الرابطة، وغداً_إن شاء الله_سنذهب إلى كذا وكذا ونحو ذلك.
وكان×محباً لأسرتيه، رفيقاً بهما، بعيداً عن الزجر، وكثرة العتاب.
وأذكر في يوم من الأيام أنه كان يريد السفر في الطائرة، وتأخرت إحدى أسرتيه التي ستسافر معه في تلك الرحلة أكثر من ساعة، وتأخرت بسبب ذلك الطائرة التي تُقِلُّه.
ومع ذلك لم يَبْدُ على سماحته أي تضجر أو سآمة، بل كنا نقرأ عليه المعاملات دون انقطاع، وكلما مضى عشر دقائق أو ربع ساعة سأل: هل جاءوا، فإن قيل له: لا، واصَلَ الاستماع.
ولما وصلوا لم يُبْدِ أيَّ تضجر، ولم تبدر منه أيُّ كلمة؛ لأنه يلتمس لهم المعاذير، ويعلم أنهم لم يتأخروا إلا لعارض.(1/142)
وكان×كثير الوصاية بالأهل، كثير التحذير من الجفاء معهم، والتقصير في حقوقهم.
ومن الطرائف في ذلك أنني كنت مع سماحته في الطائف عام 1418هـ، وكنت في مجلسه المعتاد عن يساره، أقرأ عليه بعض المعاملات، وكنت_على العادة_أرد على المكالمات، وإذا طلبوا سماحته ناولته سماعة الهاتف.
وفي يوم من الأيام رن الهاتف فأخذ سماحته السماعة على غير العادة، وإذا هم أهلي يطلبونني، فناولني سماحته السماعة، وأخذ ينتظرني حتى أفرغ من المكالمة.
وكنت حريصاً على الاختصار؛ لأن وقت سماحة الشيخ لا يسمح بالإطالة، والمجلس مليء بالحاضرين، وأهلي يعلمون ذلك.
والذي حصل أن أهلي سألوني: هل ستتغدى معنا هذا اليوم ؟ فقلت: لا.
وبذلك انتهى الغرض، ووضعت سماعة الهاتف.
فقال لي سماحة الشيخ: انتهيت من المكالمة ؟ قلت: نعم.
فقال×: ما هذا الجفاء ؟ أهكذا تكلمون أهليكم ؟ أسأل الله العافية.
فقلت: يا سماحة الشيخ ! المقصود قد انتهى، ولا أريد الإطالة؛ فالوقت لا يسمح.
فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، خيركم خيركم لأهله.
لسماحة الشيخ×عشرة من الولد، أربعة أولاد، وست بنات.
وأكبر أولاده عبدالله ثم عبدالرحمن وهما يعملان بأعمال خاصة بهما
ثم أحمد وهو معيد في كلية الشريعة، ثم خالد وهو لا يزال طالباً.
وكما أن سماحة الشيخ إمام في زهده، وورعه، وعلمه، وكرمه، وأخلاقه، وحلمه، وشجاعته، ونصحه_فهو كذلك إمام في تعامله مع أبنائه؛ فهو×يعاملهم معاملة الوالد الرحيم، والمربي الشفيق الكبير؛ حيث كان يحنو عليهم، ويحترمهم، ويقدرهم، ويدعو كثيراً لهم، ويعدل فيما بينهم، ويستجيب لدعوتهم.
ومن تقديره لهم وإكباره بواجبهم أنه إذا قدم كل سنة من الطائف إلى الرياض_كان غداؤه أول يوم عند ابنه الأكبر عبدالله، وفي اليوم الثاني يكون غداؤه عند ابنه عبدالرحمن، وفي اليوم الثالث يكون غداؤه عند ابنه أحمد.(1/143)
وإذا انتهى من الغداء عند واحد منهم دعا له، وقال: أنعم الله عليكم، وأكرمكم الله، وكأن الواحد منهم واحد من أصدقائه، لا من أبنائه.
ومن عدله بين أولاده وزوجاته أنه جعل لكلٍّ من أولاده وزوجاته حساباً خاصاً؛ فمن احتاج منهم مبلغاً خلاف المصاريف واللوازم الضرورية، وما يحتاجه البيت قيَّد ذلك في حساب المحتاج على سبيل القرض، وكذا لو أن أحداً من أولاده احتاج إلى سيارة، أو غيرها دفع المبلغ، وقيَّد ذلك في حسابه الخاص.
ومما يدل على عنايته بهم أنه يخصهم بوقت يسمع منهم ويسمعون منه، ويسألونه عما أشكل عليهم، وقد خصص لأبنائه وبناته وزوجتيه وقتاً معيناً كذلك؛ وإليك هذه الكلمة الأبوية الحانية التي وجهها إليهم بتاريخ 5/6/1415هـ:
بسم الله الرحمن الرحيم
حضرة أبنائي وبناتي وفقهم الله لما يرضيه آمين
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
فقد رأيت أن تكون ليلة الأربعاء من الأسبوع الثاني والأسبوع الرابع من كل شهر وقت اجتماع بكم أيها الأبناء؛ لقراءة ما تيسر من القرآن والمذاكرة في بعض الأمور الدينية وغير ذلك مما تدعو الحاجة إليه بعد صلاة العشاء في محل البركة.
أما مساء الأربعاء ليلة الخميس من الأسبوع الثاني، ومساء الأربعاء من الأسبوع الرابع ليلة الخميس فللبنات؛ لقراءة ما تيسر من القرآن، مع المذاكرة في بعض الأمور الدينية، وما تدعو الحاجة إليه؛ فأرجو اعتماد ذلك.
وفق الله الجميع لما يرضيه، وجعلنا وإياكم وسائر إخواننا من عباده الصالحين، وحزبه المفلحين؛ إنه سميع قريب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبدالعزيزبن عبدالله بن باز
كان سماحة الشيخ محباً لجيرانه، كثير التفقد لهم، كثير السؤال عنهم، وكان يفرح بهم إذا قدموا إليه، وكان يقول: ادعوهم، لعلهم يستحيون من المجيء إلينا.(1/144)
ومن صور وفائه لجيرانه أنه كان يحرص كل الحرص على توديعهم في المسجد إذا أراد السفر؛ حيث يودعهم في آخر صلاة يصليها معهم في المسجد، ويوصيهم بتقوى الله سواء كانوا جيرانه في الرياض، أو الطائف، أو مكة.
بل ربما ودع ثلاثة مساجد قبل أن يسافر، ففي الرياض_مثلاً_يودع جماعة مسجده القريب، وجماعة المسجد الجامع القريب جامع سارة، ومسجد الرئاسة.
وفي مكة يودع جماعة مسجده، والمسجد القطري، ومسجد التوعية.
سماحة الشيخ×يتعامل مع من يعملون معه أو تحت رئاسته بكل مودة، واحترام، وتقدير، سواء كان ذلك من الكتاب، أو الموظفين، أو الخدم، أو السائقين، أو مسؤولي القهوة والشاي وإعداد الطعام، أو غير ذلك.
فلم يكن سماحته يكهرهم، أو ينهرهم، أو يعنفهم، أو يحملهم مالا يطيقون.
بل كان حريصاً على نفعهم، وتفقد أحوالهم، وإدخال السرور عليهم، فإذا جلس إليه أحد العاملين لديه لاطفه بالكلام، وسأله عن أهله، وأولاده إن كان له أولاد، وإن لم يكن متزوجاً أوصاه بالمبادرة إلى الزواج، وربما قال له: تزوج، ونحن نساعدك إذا كنت محتاجاً.
وإذا أتاه أحد منهم بقهوة أو ماء، أو طيب دعا له وشكره.
وإذا قابل الطباخ أثنى عليه، ودعا له، وشكره على إجادة الطهي.
وإذا لم يَرُقْه الطعام لم يَعِبْه، بل قصارى ما يقول: إنهم لم يحسنوا صنعته هذا اليوم.
حتى إن السائق إذا تأخر عن موعده المعتاد جلس سماحة الشيخ ينتظره حتى يأتي، دون أن ترى على سماحته تضجراً أو تبرماً.
فإذا أتى السائق ولو متأخراً ركب معه دون أن يتلفظ بكلمة سب أو عتاب، واذ لم يأتِ ركب مع أي أحد؛ ليوصله مراده.
وكان×حريصاً على اتحافهم بالهدايا والأعطيات، وعلى الشفاعة لهم في الترقيات.
وكان×ينزل من تحته منازلهم، ويحرص على العدل بينهم وإعطاء كل واحد منهم حقَّه.
ومن الأمثلة على ذلك أنه يحترم وقت كل موظف من موظفيه، فلا يُدْخل أحداً منهم في وقت أحد آخر إلا بإذن الذي خصص له ذلك الوقت.(1/145)
ولو حصل شيء من ذلك عوض الذي أخذ وقته وقتاً آخر، أو وعده بأن يعطيه وقتاً كافياً.
وإذا كان يقرأ عليه أكثر من واحد من الموظفين لزم العدل بينهم؛ بحيث يستمع من هذا معاملة ومن الآخر معاملة، أو يقول: لكل واحد منكم ربع ساعة أو ثلث ساعة، وإذا انتهوا بدأ بهم مرة ثانية وهكذا.
وإذا كانوا معه في الطائرة أو السيارة سار بهم على هذا المنوال.
ومع هذه السماحة العظيمة فإن من يعملون تحت يده يحبونه حباً جماً، ويهابونه هيبة وافرة، ويُجِلّونه إجلالاً عظيماً، ويتفانون في خدمته، ويحرصون على إدخال السرور عليه.
بل إنهم يعملون عملاً مضاعفاً زائداً على العمل الرسمي المقرر لهم.
بل لا تطيب نفوس أكثرهم بمغادرة منزله حتى يدخل داخل البيت للنوم أو الراحة، وإليك بعض الأمثلة التي تصور تعامله مع من يعملون معه:
1_نرضيك يا أبا موسى: في يوم من الأيام وقبل وفاة سماحته بأشهر قليلة كان معي أوراق كثيرة، ومعاملات مهمة تحتاج إلى أن تعرض على سماحته، وكنت مستعداً لعرضها عليه بعد صلاة العشاء.
وقبل أن أشرع بعرضها جاء شاب تونسي، وقال: يا سماحة الشيخ بين يدي بحث أريد قراءته على سماحتكم فهل تأذنون لي بذلك ؟
قال سماحة الشيخ: لا بأس، فشرع ذلك الشاب بقراءة بحثه، واستمر حتى وُضِع العشاء، فذهب الوقت كله دون أن أقرأ ورقة واحدة مما بيدي، فقام سماحة الشيخ، ودعا الحاضرين إلى العشاء، وشعر بأنني قد ضاق صدري؛ لعدم تمكني من عرض بعض المعاملات، فقال مداعباً يا أبا موسى إذا لم تخف من أهلك فتعش معنا، فقلت له: عشيتني يا سماحة الشيخ، فقال×اللهم اهدنا فيمن هديت، نرضيك يا أبا موسى بعد العشاء، فهل تكفيك نصف ساعة؟
ثم ذهبنا للعشاء جميعاً، و بعد العشاء أمسكت بيد سماحته وكان مجهداً ويريد دخول منزله، وقبل أن يدخل نظر إليَّ وابتسم قائلاً: زعلت يا أبا موسى ؟ هل تسمح لي أن أدخل المنزل، أو تريد أن أعطيك وقتاً للقراءة ؟(1/146)
فما كان مني إلا أن قلت: ومن أنا حتى تعتذر مني ؟ ما أنا إلا واحد من كُتَّابك، وممن هم تحت يدك، وما الأوراق والمعاملات التي معي إلا تابعة لعملك؛ فانصرف إلى داخل منزله مبتسماً، وانصرفت والدموع تهراق من عيني؛ تأثراً بتلك السماحة التي لم أر مثلها.
2_ ارحموهم: في يوم من الأيام طلب مني أحد السائقين لدى سماحة الشيخ، أن يتصل عبر الهاتف بأهله خارج البلاد، أي أنه يريد الاتصال من الهاتف الذي في منزل سماحة الشيخ؛ فقلت له: لابد من الاستئذان من سماحته، فأتيت إلى سماحة الشيخ، وقلت له: فلان طلب مني الإذن له بالاتصال بأهله.
فقال سماحته: لعلك منعته، فقلت: لابد من إذن سماحتكم، فقال: اتركه يتصل، لا تمنعوهم، ارحموهم، أما لكم أولاد، أعوذ بالله، الرسول"يقول: =من لا يَرْحَمْ لا يُرْحَم+.
3_ في يوم من الأيام، وقبل ستة عشر عاماً من وفاة سماحته، أي قبل ملازمتي له، أتيت على سيارت، وإذا بسماحة الشيخ واقفٌ أمام منزله ينتظر سيارة توصله إلى مقر عمله.
وكان معه الشيخ إبراهيم الحصين×والشيخ إبراهيم لم يكن يقود السيارة، والسائق قد تأخر في المجيء.
فلما رأيتهما على هذه الحال، أخفيت سيارتي خلف سيارة أخرى؛ لأنني أرى أن سيارتي =المازدا+ لا تناسب مقام سماحة الشيخ؛ فاستحييت أن يركب معي فيها.
فرآني الشيخ ابراهيم الحصين، فاتجه إليَّ وسماحة الشيخ معه، فطلب السيارة، فقلت: سيارتي لا تليق بمقام سماحة الشيخ، فقال سماحته: قَرِّبْها يا بني القبر واحد، نحن نريد سيارة توصلنا المكتب أَيَّاً كانت، ولا يهمنا فخامتها من عدمها، فركبا وجعل يدعو لي، وما تلفظ بكلمة واحدة في حق السائق الذي تأخر عن سماحته.
فلما وصلت مقر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء، والدعوة والإرشاد_إذا ببعض كبار المسؤولين بالرئاسة ينتظرون أن يأتي سماحته على سيارته عند باب الرئاسة، فما راعهم إلا أن نزل سماحته من تلك السيارة المتواضعة.(1/147)
4 =وحدثني الأخ صلاح الدين عثمان أمين مكتبة المنزل لسماحة الشيخ_وهو من السودان_يقول: كان سماحة الشيخ ممسكاً بيدي أَهْدِيه الطريق في يوم بارد، فلما أحس بأن ثوبي خفيف؛ قال: ما هذا ؟ كيف تلبس هذا الثوب والبرد شديد كما ترى ؟
ثم قال×: انتظرني قليلاً، ثم دخل منزله وأحضر لي بشتاً وأهداه إليَّ.
5_ ويحدثني الأخ صلاح_أيضاً_يقول: كنت في يوم من أيام الشتاء الباردة، وكنت في صحبة الشيخ أدله الطريق، فلما أحس بالبرد، وبأن ثوبي خفيف ويدى باردة قال: ما هذا ؟ ثم قال: انتظرني ودخل منزله، وأحضر لي ثوباً غليظاً من ثياب الشتاء، وأهداه إليَّ.
6_ وكثيراً ما يحدثني الشيخ عبدالرحمن بن دايل عن سماحة الشيخ، ويذكر من سيرته عجباً، والشيخ عبدالرحمن ممن لازم سماحة الشيخ كثيراً، ومما يقوله عن سماحته:
أ_لا أذكر أن سماحة الشيخ أحرجني، أو وبخني، ولا أذكر أنني سمعت منه كلمة جارحة على كثرة ما أكتب، وأعد من المعاملات، نعم قد يوجهني أما أن يجرحني، أو يحرجني فلا.
ب_ما رأيت سماحة الشيخ إلا وتبسط لي، وسألني عن أهلي.
ج_لقد كنت أعمل معه ليل نهار، وأذهب منذ الصباح الباكر إلى المكتب، وأمكث فيه حتى منتصف الليل ومع ذلك فأنا أشعر بانشراح صدر، وإقبال على العمل، ورغبة في المزيد مع أن عملنا معه مرهق جداً، إما قراءة، أو كتابة، أو إعداد معاملات، أو نحو ذلك، ومع أن إجازتي_لما كنت مع سماحته في المدينة_لم تكن إلا يوم الثلاثاء بعد العصر، وقد لا تحصل في بعض الأحيان.
د_لقد سخَّر الله أهلينا لسماحة الشيخ، فلم أسمع في يوم من الأيام أن زوجتي تذمرت من طول مكثي خارج البيت مع سماحته، أو أنها تبرمت من خروجي إليه إذا اتصل في أي وقت، مع أنه قد يأتيني الاتصال من المكتب وقت الغداء، أو في الليل، أو نحو ذلك.
ومع هذا لم أسمع أي تبرم أو شكوى، ولعل هذا من توفيق الله لسماحته.
هـ_لا يتعب من كثرة الناس، ولا يظهر عليه التذمر.(1/148)
و_كان مجلسه في المدينة_إبان عمله في الجامعة الإسلامية_بعد العصر، حيث يجلس لطلاب الجامعة، وأهل البادية، وذوي الحاجات، والفتاوى.
ز_كرمه، وعزة نفسه لا يجارى فيها.
ح_كان شجاعاً لا يخاف لومة لائم، وشجاعته مقرونة بحكمة وروية.
ط_لم يكن اليأس يعرف طريقه إلى قلبه.
ي_أكبر الناس، وأصغرهم عنده سواء في الحق.
ك_مع قربي من سماحة الشيخ، وكثرة اتصالي، ودالتي عليه_فإن هيبته لا تزول من قلبي؛ فإذا أقبلت عليه فكأنني مقبل على جبل، مع ما هو معلوم عن سماحته من اللين والرحمة.
ل_سماحة الشيخ موفق في شتى أموره، ولا أعلم أنه خُذِل، ولا أعلم أن الدنيا قد ضاقت عليه مع كثرة من يأتيه، وقلةِ ذات في يده، فالتوفيق حليفه، واليسر يصاحبه.
م_لا أعلم أنه تبرم بكثرة من يأتيه، أو أنه ضاق بهم ذرعاً، بل إنه يسر بالقادمين غاية السرور.
ن_لم يكن ينصرف إذا سئل عن سؤال حتى يعطي سائله الجواب.
س_مع وضوح الشيخ، وقربه إلا أنه في الوقت نفسه كان بعيد الغَوْر لا تدرك غايته، فهو أشبه ما يكون بالغار المظلم.
ع_لم أر أو أسمع فرقاً في سيرته في أول عمره أو آخره؛ فكرمه، وعزته، وشهامته هي هي، وقد سمعت أن الشيخ عبدالرحمن بن فارس×يقول: إن الشيخ عبدالعزيز لما كان طالباً كان يأخذنا في الضحى إلى منزله، ويطعمنا التمر، مع شدة العيشة في تلك الأيام.
فلا تشعر بمرض سماحة الشيخ، ولم يكن يظهر ألمه، ولم يكن يتأوه، ولا يشعر من معه بأنه متعب.
ص_لا يسمح أن يهان أحد في مجلسه.
ق_كان أشد من الأب الحاني لطلاب الجامعة الإسلامية.
ر_ما جالست وما رأيت أحداً مثله في علو الهمة، والشهامة، والدين والغيرة، ومكارم الأخلاق.
ش_الشيخ قليل النوم، فلا يأوي إلى فراشه إلا بعد منتصف الليل فما فوق، ولم يكن ينام بعد الفجر، ولا أعلم أنه نام بعد الفجر، وربما يرتاح بعد الشمس قليلاً.
ت_في السفر لا ترى منه إلا الكرم، والسكينة، والحلم، والأنس، وحفظ الوقت.(1/149)
ث_لا أذكر أنه تحرج من أمر، أو أحرج فيه.
خ_لا أذكر أنه ندم على أي أمر من أموره.
كان سماحة الشيخ×محباً للفقراء، عطوفاً عليهم، متواضعاً لهم، حريصاً على مؤاكلتهم، متفقداً لأحوالهم، صبوراً على ما يلقاه من إلحاحهم، وكثرة حاجاتهم.
ولم يكن يرضى بأن يهانوا في حضرته، ولم يكن_كذلك_يقبل كلاماً أو اقتراحاً يتضمن إقصاءهم أو إبعادهم من مجلسه ومائدته.
وهذا الأمر معروف عن سماحته، ومستفيض عند القاصي والداني، ولا تخلو مائدته ومجالسه من الفقراء والمساكين أبداً.
بل لقد كان كثير السؤال عنهم، وكانوا يزدحمون على مائدته رغبة في تناول الطعام معه، وكان يدنيهم، ويسأل_دائماً_عسى ما نقص عليهم شيء؟
وكان يقول: لا تردوهم، وكنا نردهم أحياناً؛ لأن بعضهم يجلس على الطعام قبل أن يكتمل تجهيزه، فإذا اكتمل فتحنا لهم الباب، ومع ذلك كان يقول: لا تردوهم، ارحموهم، وكان×لا يرد سائلاً، ولا يحتقر ما يقدمه للناس مهما كان.
ومما يحضرني من مواقفه وأخباره مع الفقراء ما يلي:
1_ حدثني الشيخ علي بن حمد العتيق أن شخصاً جاء إلى سماحة الشيخ قبل وفاته بأربعين سنة، وشكا عليه الحال، فأمر له سماحة الشيخ بخمسين ريالاً، فأخذ ذلك الرجل الورقة التي كتب فيها الأمر، وغيَّر الكتابة من خمسين إلى خمسمائة ريال، وذهب إلى مأمور الصرف، وألح عليه بسرعة صرفها، وادَّعى أنه سوف يسافر، فتردد مأمور الصرف، وقال: لا يوجد مبلغ يفي بهذا الطلب، ولم تجر العادة بالأمر بمثل هذا المبلغ؛ لأن السيولة في ذلك الوقت قليلة جداً.
فلما راجع المأمور سماحة الشيخ، قال: لم آمر إلا بمبلغ خمسين ريالاً، ثم أطرق سماحته رأسه ملياً، وقال: اصرفوها له؛ لعله محتاج.(1/150)
2_ قبل ما يزيد على خمس وعشرين سنة لما كان سماحته رئيساً للجامعة الإسلامية قدم من المدينة إلى الرياض، فصلى، ولما خرج من المسجد كان عند الباب ثلاثة من الفقراء يسألون الناس، فأعطى سماحته كل واحد منهم ريالاً، ولم يكن في جيب سماحته في ذلك الوقت سوى خمسة ريالات، فلحقه الأول منهم وقال: أعطني فأعطاه ريالاً، فلحقه الثاني وقا ل: أعطني فأعطاه ريالاً، ولحقه الثالث فقال: أعطني، فقال: ما بقي معي شيء، ثم أخرج محفظته، وقال: انظر والله ما بقي معي شيء، ولو بقي معي شيء لأعطيتك إياه، فذهب ذلك السائل وقد طابت نفسه.
فسماحته لا يستقل ولا يستكثر شيئاً يعطيه أحداً، وينطبق عليه قول القائل:
ليس جود الفتيان من فضل مال
إنما الجود للمقلِّ المواسي
وقول الآخر:
وليس الفتى المعطي على اليسر وحده
ولكنه المعطي على العسر واليسر
3_ قد لا يصدق بعض الناس مقدار ما ينفقه على الفقراء و المساكين والأيتام، ولا يخطر بالبال عدد الذين هم تحت كفالته، والذي يجري لهم المرتبات، ويصرف لهم من المقطوعات، ويسدد عنهم من الديون.
وسيأتي نماذج لذلك عند الحديث عن حساباته الخاصة بالأعمال الخيرية.
4_ في يوم من الأيام تقدم بعض المشايخ إلى سماحة الشيخ قائلاً: يا سماحة الشيخ! لدي بعض الاقتراحات؛ فهل تسمح لي بإبدائها؛ لما أرى فيها من المصلحة ؟
فقال له سماحة الشيخ: تفضل.
فقال: أرى أن تجعل مجلسكم بعد المغرب لسماع ما لدى المراجعين والزائرين؛ فهم يأتون إليك، ويرغبون في التحدث معك، وفيهم المسؤولون الكبار، وفيهم وكلاء الوزارات، وفيهم القضاة، ورؤساء المحاكم، وأنتم يا سماحة الشيخ! مشغولون مع الهاتف، أو مع المعاملات التي تقرأ عليكم؛ فأرى أن تفسحوا المجال لهؤلاء القادمين، وتَدَعُوا الرد على الهاتف؛ لأنه غير خاف عليكم أن وقتكم ثمين جداً، وأن كثيراً من المتصلين يسألون أسئلة ربما كانت يسيرة، ويستطيع الإجابة عنها غيركم من طلبة العلم.(1/151)
فقال له سماحة الشيخ: الذي يأتي إليَّ يتكلم معي، ويعرض حاجته، ويقول ما لديه، وأنا أضع سماعة الهاتف، وأسمع منه.
أما أن أترك الرد على الهاتف البتة فهذا ليس بصحيح، والذين يتصلون ويسألون يرون أن هذه الأسئلة هي أهم شيء لديهم؛ فهل لديكم اقتراح آخر؟
فقال المقترح: نعم أرى أن تأتي إلى بيتك إذا صليت الظهر، وتدخل عند أهلك، وتأخذ قسطاً من الراحة، ويكون غداؤك في وقته مع أولادك وبين أهلك؛ فالناس حاجاتهم لا تنتهي.
فرد عليه سماحة الشيخ×قائلاً: تقترح علي أن أترك الجلوس مع الناس، والرسول"كان يأكل مع أصحابه ومع الفقراء؟
أنا سوف استمر على هذا ما دمت أستطيع، ولن أغير عادتي.
5_ وقال بعض الناس_على سبيل الاقتراح_لو أن سماحة الشيخ إذا جاء من عمله دخل في مكان خاص، وجلس معه على الغداء خواص الموظفين، وترك الجلوس مع عامة الناس؛ لأنهم يتعبونه.
فقلت لسماحة الشيخ: إن بعض الناس يقترح كذا وكذا.
فقال سماحته×: مسكين! هذا لم يتلذذ بالأكل والجلوس مع الفقراء والمساكين؛ نحن سوف نستمر على هذا، والذي يحب أن يجلس معنا حياه الله، والذي لا يستطيع أو لا يريد فنحن نسامحه.
6_ في يوم من الأيام وفي إجازة العيد أتى أحد الوافدين وكانت له معاملة بشأن الإقامة، فأساء الأدب، ورفع الصوت، وقال: ماذا فعلتم بمعاملتي؟
فقال الكاتب الذي وُجِّه إليه هذا الكلام: نحن في إجازة عيد، والدوائر لا تعمل، ثم التفت الكاتب إلى سماحة الشيخ وقال له: إن هذا الوافد دائماً يستعجل، ويشتد غضبه، ولا يحسن المخاطبة.
فالتفت سماحة الشيخ إلى الكاتب معتذراً لذلك الوافد وقال: هؤلاء لا يعرفون مصطلحاتكم، ولا يعرفون معنى إجازة العيد وإغلاق الدوائر؛ فارحموهم وتحملوا منهم، وتعودوا على الصبر، فالرسول"يقول: =اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه+.(1/152)
7_ وكان من عادة سماحته في الحج كل عام أن يصطحب معه أعداداً كثيرة من الفقراء، سواء من الرجال أو النساء، وقد يصل عددهم إلى ثمانمائة حاج من جنسيات مختلفة.
وكثير من هؤلاء يكادون يقتتلون على السيارة التي تُقِلُّ سماحته عند ذهابه إلى عرفة وإيابه منها.
وهو لا يرد من رغب في الذهاب معه، ولا يتبرم ولا يضجر من زحامهم، بل هو مستمر في الذكر، والدعاء، والتلبية، ولا يرضى بحال من الأحوال أن يُمَسّ أحد من هؤلاء بسوء.
وكان عدد الرجال والنساء الذين يقدم لهم الطعام على مأدبته يتراوح ما بين ثمانمائة إلى ألف ومائتين.
وليس العجب من هذا، وإنما العجب أن يكفيهم طعام قُدِّر فيه أن يكفي خمسمائة شخص؛ فالبركة في طعامه ظاهرة يشهد بذلك كل من رآه.
وكان الفقراء يزدحمون على مائدته، وإذا منعوا من ذلك قالوا: نحب أن نأكل مع الشيخ؛ حتى نراه، ونسمع كلامه، ونرى كيفية أكله، فارحمونا، أنتم ترونه دائماً ونحن هذه فرصتنا ! وسماحة الشيخ يرحب بهم ويتهلل بشراً وطلاقة، ولا يقوم حتى يسأل: هل انتهوا؟ خشية أن يعجلهم!!
ضخم الدسيعة بالندى متدفقاً
مأوى اليتيم وغاية المنتاب (13)
سماحة الشيخ مشتهر بالتواضع مع الصغير، والفقير، وسائر الناس.
وللأطفال، وصغار السن تقدير ورحمة وعطف من لدن سماحته؛ فهو يتلطف بهم، ويأنس بمحادثتهم.
فإذا سلَّم على سماحة الشيخ أحد ومعه أحد أطفاله سلم سماحته على الصغير، وشد على يده وقال: ما اسمك ؟ وأين تدرس ؟.
فإذا عرف مستواه وجَّه إليه بعض الأسئلة الملائمة له وهو ممسك بيده، كأن يقول: لأي شيء خلقت؟
فإن أجاب؛ وإلا لقنه بقوله: قل: لعبادة الله، ثم يقول سماحته: ما الدليل ؟ فإن أجاب وإلا قال: قل: قوله_تعالى_: [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ] الذاريات: 56.
وأحياناً يَسْأل الصغيرَ فيقول: هل تحفظ القرآن ؟ أو: كم تحفظ من القرآن ؟(1/153)
وأحياناً يوجه إليه بعض الأسئلة في النحو كأن يقول: أعرب: الله أكبر.
أو يقول: ما معنى: لا إله إلا الله؟ أو من ربك؟ وما دينك، ومن نبيك؟
فإن أجاب وإلا علمه بلطف، وهكذا.
ثم إذا أراد الطفل الانصراف قال له سماحته: أصلحك الله، وبارك فيك، وربما قال: ابْعَدِي (14) .
وربما طلب من الصغير أن يقرأ بعض الآيات من القرآن، وربما سأله عن دراسته، وأوصاه بالالتحاق بالمعهد العلمي وكلية الشريعة.
وربما سأل الصغير الذي يأتي مع والده أو قريبه والناس واقفون.
وسماحته×يريد من ذلك استمالة قلب الوالد، وتربية الصغار على الشجاعة الأدبية، وعلى الثقة بالنفس، والحديث أمام الناس.
ولا ريب أن هذا الصنيع من التربية العملية، التي يبقى لها الأثر الكبير في نفوس النشء ووالديهم والحاضرين.
ولهذا ترى آثارالتعجب، والفرح بادية على وجوه الحاضرين وهم يرون سماحته يقوم بهذا العمل.
وكم من كلمة أو نصيحة من سماحته أثَّرت في نفس هذا الصغير؛ فكانت نبراساً له في حياته.
وإني أعرف عدداً من طلاب العلم كان سبب توجههم إلى طلب العلم الشرعي أن سماحة الشيخ نصحه بطلب العلم، وملازمة العلماء، والتفقه في الدين، والالتحاق بكلية الشريعة، أو المعهد العالي، أو بالشيخ فلان.
لأهل العلم السابقين، والمعاصرين منزلة خاصة عند سماحة الشيخ؛ إذ كان×يحبهم، ويقدرهم حق قدرهم، وينزلهم منازلهم اللائقة بهم.
ومما يمكن ذكره في طريقة سماحته مع العلماء، ما يلي:
1_ كثرة ترحمه على العلماء: فكان سماحته لا يكاد يذكر أحداً من علماء السلف، أو يذكرهم أحد عنده إلا ترحم عليهم، ودعا لهم سواء العلماء السابقين كالصحابة، والتابعين، أو من جاء بعدهم كالليث بن سعد، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينه، وعبدالله بن المبارك، والأئمة الأربعة، وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وأئمة الدعوة، وسائر علماء الإسلام_رحمهم الله أجمعين_.(1/154)
2_ حبه لقراءة سيرهم، وتأثره بذلك: فكان كثيراً ما يبكي إذا قرئ عليه شيء من سير العلماء، وما لاقوه في سبيل العلم، وما قاموا به من الدعوة والجهاد.
3_ إجلاله لمشايخه وتأدبه معهم: فكان مُجِلاً لمشايخه، معترفاً بفضلهم، كثير الذكر والدعاء لهم؛ فكان كثيراً ما يترحم على شيخه العلامة سعد بن عتيق، وشيخه صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ قاضي الرياض في وقته، وشيخه حمد بن فارس وغيرهم_رحمهم الله_.
أما أقرب مشايخه إلى قلبه، وأعظمهم أثراً في نفسه فهو سماحة الشيخ الإمام العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية في وقته×.
فقد كان سماحة الشيخ يجل هذا الإمام، ويقدره قدره، ولا يستطيع الحديث كثيراً عنه؛ إذ يغلبه البكاء إذا أراد ذلك.
وكان يقول عنه: ما رأت عيناي قبل أن أعمى، ولا سمعت أذناي بعد أن عميت مثله، وكان له فضل كبير عليَّ.
وكان×يتأدب مع شيخه محمد غاية الأدب، وإذا أراد مكاتبته في أي شأن من الشؤون تلطف معه، وتأدب في خطابه، وعرض له الموضوع بغاية التأدب، وختمه بالدعاء له.
وكان يتعاون مع سماحة الشيخ محمد في المناصحات، والقضاء على المنكرات.
وكان إذا كتب نصيحة إلى المسؤولين زود سماحة الشيخ محمد بصورة منها.
وإليك بعض النماذج من مكاتباته لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم_رحمهما الله_.
أ_هذا كتاب كتب في 23/2/1384هـ جاء فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
=من عبدالعزيزبن عبدالله بن باز إلى حضرة سماحة الوالد الجليل شيخنا الشيخ محمد بن إبراهيم وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بعده سبق أن أرسلت لسماحتكم كتاباً منذ أيام مني ومن بعض المشايخ، بخصوص ما نشرته جريدة المدينة بالعدد 85 وتاريخ 19/2/84 حول كذا وكذا...+.
إلى أن قال×بعد عرض الموضوع: =ونرجو أن الكتاب المذكور قد وصل إليكم، وأن سماحتكم قام بما يلزم تجاه هذا العمل المنكر.(1/155)
وفق الله سماحتكم لما فيه رضاه، وصلاح أمر المسلمين، ونصر بكم دينه، وحمى بكم شريعته، وجعل التوفيق حليفكم، والإخلاص رائدكم؛ إنه سميع قريب.
وإذا رأى سماحتكم تكذيب الخبر، ونشره في الصحف، أوما يتضمن الإفادة بالأمر بمنعه، وصده فهو مناسب؛ لكون الخبر قد شاع، وذاع، وأغلبية الناس لا يعلمون من رأي المشايخ في هذا الموضوع شيئاً؛ هذا ما أحببت رفعه إلى سماحتكم، والنظر لله ثم لكم+
ب_وهذا نموذج آخر من كتابات سماحة الشيخ عبدالعزيزلسماحة الشيخ محمد_رحمهما الله_وقد كتبه الشيخ عبدالعزيز لما كان في المدينة إبان عمله في الجامعة الإسلامية، وجاء فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة سماحة الوالد المكرم شيخنا الشيخ محمد بن الشيخ إبراهيم وفقه الله لكل خير، وجعل التوفيق حليفه في القول والعمل آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بعده أفيد سماحتكم أني وصلت المدينة ليلة السبت الساعة الثانية وخمس بتوقيت المدينة بحال الصحة ولله الحمد، وأسأله_سبحانه_أن يُوْزِعَ الجميع شكر نعمه، وأن ينصر دينه وحزبه، ويخذل أعداءه وحربه، وأن يمنح سماحتكم النشاط والقوة في الحق، وأن يسدد خطاكم، ويعينكم على كل ما فيه رضاه، وصلاح عباده؛ إنه جواد كريم.
ثم أفيد الوالد أنه وردني كتاب من بعض الزهرانيين حول قاضيهم نسيت عرضه عليكم، وهو إليكم بطيه للإشراف عليه.
والذي يراه ابنكم أن ترك قاضيهم عندهم أولى من نقله، إذا لم يكن هناك موجب لنقله من جهة أعيان البلد؛ لأن ثناءهم عليه، ونشاطه في حل مشاكلهم، وإصلاح ذات بينهم أمر له أهميته، وقل من يوفق له من القضاة.
وإذا كان الأمر هكذا فبقاؤه عندهم أصلح، وإن كان الواقع خلاف ذلك فسماحتكم به أعلم.
وأما حاجة محكمة الإحساء إليه فلا أرى أن ذلك مسوغ لنقله عن محله، ويمكن سد حاجة المحكمة بغيره، والنظر لله ثم لكم.
كان الله في عونكم، ويسر لكم كل أمر عسير؛ إنه سميع قريب.(1/156)
والرجاء التكرم بإبلاغ السلام الأبناء، والأخوين الشيخ عبدالله والشيخ عبداللطيف، كما أن المشايخ وعيال الإخوان في الجامعة يبلغونكم السلام.
والله يتولاكم والسلام
ملاحظة: =الأحوال في الجامعة هادئة، والدراسة سائرة على ما يرام ولله الحمد+.
وكان سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم×محباً لسماحة الشيخ عبدالعزيز، عالماً بفضله، وعلمه.
وكان إذا كاتبه الشيخ عبدالعزيز، أو طلب منه أمراً معيناً رد عليه، وأجابه، وربما أخذ باقتراحه.
ومن عباراته أنه كان يقول: ونبشركم أن الموضوع الفلاني، أو الأمر الفلاني على ما يرام.
وكان يثق بالشيخ عبدالعزيز، ويسند إليه كثيراً من الأعمال، ويوجهه للنظر في بعض القضايا في القضاء، حتى بعد أن كان الشيخ عبدالعزيز بالجامعة الإسلامية.
ج_وإليك هذا المثال الذي يؤيد ما ذكر، وذلك من خلال الكتاب الآتي الذي وجهه سماحة الشيخ عبدالعزيز، إلى سماحة الشيخ محمد، حيث جاء فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة سماحة الوالد الكريم رئيس القضاة الشيخ محمد بن إبراهيم وفقه الله لما يرضيه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته بعده حفظكم الله، امتثالاً لأمر سماحتكم رقم وتاريخ توجهت في صباح يوم السبت الموافق 18/8/1385هـ إلى بلدة الدلم للنظر في دعوى آل فلان في فاضل السيل، وبصحبتي هيئة النظر، وفضيلة الشيخ محمد بن عبدالعزيز المهيزع، وفضيلة الشيخ محمد بن سليمان البدر، وفارس بن عبدالعزيزالفارس، وعلي بن عبدالرحمن بن عواد، وعبدالعزيز بن حمد بن حمود، وصالح بن عبدالرحمن الرويتع، وطلبت من فضيلة رئيس محكمة الدلم، الشيخ محمد بن ردن إحضار الأطراف الثلاثة المعنيةإلخ+
د_وهذا كتاب وجهه سماحة الشيخ محمد إلى سماحة الشيخ عبدالعزيز برقم، 1638 وتاريخ 23/4/1385هـ جاء فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الفضيلة عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز(1/157)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد فقد وصلني خطابكم تاريخ 12 الجاري، واطلعت على الصور المرفقة له
وهو كتاب سديد في بابه، جزاكم الله خير الجزاء، ووفق الجميع للقيام حول هذه الأمور وأمثالها بما يجب، وما فيه براءة الذمة.
كما نسأله أن يتولى توفيق ولاة الأمور، ويعينهم على ما فيه رضاه والسلام.
هـ_وهذا كتاب_أيضاً_من سماحة الشيخ محمد إلى سماحة الشيخ عبدالعزيز برقم 503/، 1 وتاريخ 11/2/1386هـ، جاء فيه:
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة نائبنا بالجامعة الإسلامية الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تلقينا خطابكم الكريم المؤرخ 8/9/1385هـ، والذي ذكرتم به أنه يوجد في بعض المكتبات التجارية كثير من الكتب والصحف المفسدة للعقائد والأخلاق، وتقترحون في خطابكم آنف الذكر تشكيل لجنة من أعضاء رئاسة القضاء، ومن أعضاء دار الإفتاء، أو من غيرهم؛ لدراسة موضوع التفتيش عن مثل الكتب المنوَّه عنها، ومراقبة المكتباتإلى آخر ما ورد في خطابكم.
وعليه؛ نشعركم بأن موضوع الكتب، والمجلات المفسدة للعقائد والأخلاق؛ محل اهتمامنا منذ زمن طويل، وقد جرى بشأنه بحوث عديدة مع ولاة الأمور، انتهت بالموافقة على إحداث تسع وظائف في ميزانية العام الماضي، جميعها بالمرتبة الخامسة، كما أعلن عنها بالصحف؛ تمهيداً لشغلها بمراقبين أكفاء.
لإحاطتكم، والسلام.
مفتي البلاد السعودية
وهكذا استمرت العلاقة بين هذين العلمين الكريمين، إلى أن توفي الشيخ محمد بن إبراهيم، وقد أمَّ الناس بالصلاة عليه سماحة الشيخ عبدالعزيز_رحمهما الله_.
هذا وسيأتي مزيد من المكاتبات بين الشيخين_رحمهما الله_في صفحات آتية عند الحديث عن مكاتبات سماحة الشيخ عبدالعزيز لأهل العلم.
هذا وقد كتب سماحة الشيخ عبدالعزيز ترجمتين لشيخه محمد بعد وفاته، وسيأتي ذكرهما فيما بعد.(1/158)
4_ حبه وإجلاله لأقرانه ومعاصريه من أهل العلم: فلم يكن بينه وبين أقرانه ومعاصريه من أهل العلم إلا كل محبة، وتقدير، وإجلال، ولم يكن يحسد أحداً منهم، أو ينتقصه، أو يذمه، أو نحو ذلك.
بل كان مُجِلاً، ومبجِّلاً لهم، ومتعاوناً معهم على الخير ومصلحة المسلمين.
ويأتي على رأس هؤلاء سماحة العلامة الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد_رحمهم الله_.
فلقد انعقدت بينه وبين سماحة الشيخ عبدالعزيز محبة خاصة، وتعاون بنَّاء إلى أن توفي سماحة الشيخ عبدالله عام 1402هـ.
وكان بينهما لقاء أسبوعي خاص، يتدارسان فيه الأوضاع والمستجدات.
وكان سماحة الشيخ عبدالعزيزإذا كتب نصيحة، أو كلمة في أمرما_زوَّد سماحة الشيخ عبدالله بصورة مما كتب؛ فإذا وصل ذلك الكتاب إلى الشيخ عبدالله سُرَّ به، وأيده، وأرسل شكراً إلى الشيخ عبدالعزيز.
وكذلك الحال بالنسبة للشيخ عبدالله إذا كتب عن أمر ما؛ فإنه يزود الشيخ عبدالعزيز بصورة منه.
وكثيراً ما يحرر الموضوع باسميهما معاً، وسيأتي نماذج من ذلك عند الحديث عن مكاتبات سماحة الشيخ لأهل العلم.
ولم يكن أحد منهما يذكر الآخر إلا بكل محبة وتقدير، وثناء، ولم يذكر أنه حصل بينهما ردود أو خلاف.
وإليك هذا النموذج مما كان يدور بينهما من مكاتبات:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالله بن محمد بن حميد إلى حضرة الأخ فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز سلمه الله وتولاه.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد.
وصلني كتابكم المكرم المتضمن للتهنئة بدخول شهر الصيام، تقبل الله منا ومنكم، ووفقنا جميعاً لما فيه رضاه.
نصيحتكم القيِّمة وصلت، شكر الله لكم، وكثَّر من أمثالكم، ونفع بها، وستقرأ_إن شاء الله_في الحرم في الميكرفون العام غداً أو بعد غد.
هذا ما لزم، أبلغوا سلامنا كافة الإخوان، والمشايخ.
والسلام عليكم.
عبدالله بن حميد
8/9/1388هـ(1/159)
وكان سماحة الشيخ عبدالعزيز يزور الشيخ عبدالله، ولما كان في مرضه الأخير في مستشفى الهدا في الطائف زاره الشيخ عبدالعزيز، وتعانقا طويلاً، وبكيا، ورقاه الشيخ عبدالعزيز، ودار بينهما حديث خاص_رحمهما الله وأجزل مثوبتهما_.
ومن العلماء الذين لهم مكانة عند سماحة الشيخ صاحب الفضيلة الشيخ عبدالعزيز بن محمد الشثري_أبو حبيب_فكان بينهما_رحمهما الله_مودة حميمة، وتعاون على البر والتقوى، وكانا يشتركان في بعض المكاتبات، وكان سماحة الشيخ يراسل الشيخ عبدالعزيز الشثري كثيراً، للسلام والاطمئنان، أو لغير ذلك من أمور العلم، والدعوة.
وكان يلقبه في بعض رسائله بالوالد، وسيأتي نماذج من تلك المكاتبات عند الحديث عن مكاتبات سماحة الشيخ للعلماء.
ومن العلماء الذين لهم منزلة عند سماحة الشيخ عبدالعزيز_صاحب السماحة الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي×فكان له علاقة متينة به، وذلك إبان تدريسهما في كلية الشريعة في الرياض، ثم انتقالهما إلى الجامعة الإسلامية منذ افتتاحها حتى وفاة الشيخ الأمين عام 1393هـ.
وكان للشيخ الأمين منزلة كبيرة عند سماحة الشيخ عبدالعزيز، حيث كان محباً للشيخ الأمين، كثير الذكر له، كثير الثناء عليه، كثير الرجوع إلى تفسيره_أضواء البيان_.
ومما يدل على محبته له أنه كان إذا كتب كتاباً لأحد من المشايخ لما كان في المدينة طمأنهم على صحة المشايخ في المدينة، وخص منهم الشيخ الأمين_كما سترى في رسائل سماحة الشيخ مع الشيخ أبي حبيب عبدالعزيز الشثري_.
وكان الشيخ الأمين محبَّاً للشيخ عبدالعزيز، عالماً بفضله، ذاكراً له بالخير.
وكان يقول: لا يوجد رجل في العالم يهتم بأمور المسلمين كسماحة الشيخ عبدالعزيز_رحمهما الله رحمة واسعة_.
ومن العلماء الذين لهم إجلال وتقدير عند سماحة الشيخ عبدالعزيز: فضيلة الشيخ عبدالرزاق عفيفي×.(1/160)
كذلك فإن للشيخ عبدالعزيز منزلة عظيمة عند الشيخ عبدالرزاق ومما يحضرني في هذا الشأن أن الشيخ عبدالرزاق في
آخر سنة من حياته اتصل بالشيخ عبدالعزيز، وقال: يا شيخ إنني أريد الحج هذا العام معكم، فقال له سماحة الشيخ: حياكم الله، حياكم الله.
فأمر سماحته بوضع خيمة خاصة بالشيخ عبدالرزاق، وأمر بالعناية به.
وفي يوم عرفه كانا معاً في خيمة واحدة، وإذا قدم فاكهة أو قهوة أو شاي أو أي شيء قال سماحة الشيخ عبدالعزيز تفضل يا أبا أحمد، والشيخ عبدالرزاق يقول: جزاك الله خيراً، ويدعو للشيخ.
وقد لاحظت في ذلك اليوم أن الشيخ عبدالرزاق يصعد بصره ويصوبه نحو سماحة الشيخ، ولا يكاد يلتفت عنه يمنة أو يسرة طيلة ذلك اليوم.
وكذلك الحال بالنسبة للعلامة المحدث سماحة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني×حيث كان سماحة الشيخ عبدالعزيز محباً له، عالماً بفضله، كثير الثناء عليه، كثير السؤال عنه، كثير الرجوع إلى تحقيقاته وكتبه.
وكان لا يرضى أن يذكر عنده إلا بكل خير، وكان يشرف على صرف مستحقاته التي تجرى له من الجامعة الإسلامية، ويتابعها بنفسه.
وكان يقول: الشيخ ناصر من خواص إخواننا.
وكان سماحة الشيخ عبدالعزيز يكنُّ للشيخ العلامة الألباني التقدير، والمودة، ويعرف فضله وعلمه منذ زمن طويل، وكان يرسل السلام إليه على البعد، ومما يشهد لذلك ما جاء في رسالة كتبها وأرسلها سماحة الشيخ في 2/5/1377هـ للشيخ عبدالفتاح الإمام من أهل العلم في الشام_حيث جاء في آخرها قول سماحته: =وأرجو إبلاغ سلامي لمن حولكم من خواص المشايخ والإخوان، وأخص منهم فضيلة أخينا، ومحبوبنا في الله الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني+.
وسوف تطلع أيها القارىء الكريم على نص الرسالة كاملة بعد صفحات وذلك عند الحديث عن مكاتبات سماحة الشيخ لأهل العلم.(1/161)
ولما عزم الشيخ محمد بن إبراهيم الشيباني حفظه الله على كتابة ترجمة موسعة للشيخ الألباني×وكتب لسماحة الشيخ عبدالعزيز يخبره بذلك ويريد بيان رأيه فيه أجابه بالكتاب التالي برقم 240/خ في27/2/1406هـ.
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم الشيخ محمد بن إبراهيم الشيباني وفقه الله للخير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعده يا محب، كتابكم الكريم وصل، وصلكم الله بهداه، وفهمت ما تضمنه من عزمكم على كتابة ترجمة موسعة لصاحب الفضيلة الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني، وكتابة رأينا في فضيلته.
ونفيدكم أن الشيخ المذكور معروف لدينا بحسن العقيدة والسيرة، ومواصلة الدعوة إلى الله_سبحانه_مع ما يبذله من الجهود المشكورة في العناية بالحديث الشريف، وبيان الحديث الصحيح من الضعيف من الموضوع، وما كتبه في ذلك من الكتابات الواسعة كله عمل مشكور، ونافع للمسلمين، نسأل الله أن يضاعف مثوبته، ويعينه على مواصلة السير في هذا السبيل الطيب، وأن يكلل جهوده بالتوفيق والنجاح.
وقد أحسنتم فيما عزمتم عليه من كتابة ترجمة له توضحون فيها جهوده، وأعماله الجليلة؛ فجزاكم الله خيراً، وسدد خطاكم، ومنحكم التوفيق فيما عزمتم عليه، وبارك في جهود أخينا، وصاحبنا العلامة الشيخ محمد ناصر الدين، وزاده من العلم والهدى، ونصر به الحق، وجعلنا وإياكم وإياه من الهداة المهتدين؛ إنه جواد كريم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد(1/162)
وفي عام 1410هـ تقريباً جاء الشيخ الألباني إلى مكة، واجتمع بسماحة الشيخ بعد صلاة الجمعة، وكان من عادة الشيخ يوم الجمعة أن يكون له درس في تفسير ابن كثير×ويستمر الدرس إلى الساعة الثانية تقريباً فلما انتهى الدرس أخذ سماحته بيد الشيخ الألباني، وجلسا في ناحية من المجلس، وأخذ يناقش الشيخ ناصراً في بعض المسائل، والشيخ ناصر منصت لسماحته، متأدب معه غاية الأدب، وبعد أن انتهى الحديث قال له الشيخ عبدالعزيز: والله يا شيخ ناصر إنني لا أحب أن أسمع عنكم إلا ما يسر، ففرح الشيخ ناصر بما سمع من سماحته، ودعا للشيخ_رحمهما الله جميعاً_.
ومن العلماء الذين يجلهم سماحة الشيخ، ويكن لهم المحبة والتقدير صاحب الفضيلة الشيخ العلامة عبدالرحمن بن محمد الدوسري×فلقد كان الشيخ محباً له، عالماً بفضله، وسعة اطلاعه، وغيرته، وكان بينهما مكاتبات، ولقاءات واشتراك في بعض المحاضرات، وتعليق للشيخ عبدالعزيزعلى بعض ما يلقيه الشيخ عبدالرحمن×.
وكان الشيخ عبدالرحمن يجل سماحة الشيخ، ويكن له المودة، والتقدير.
وأذكر أن سماحة الشيخ لما كان نائباً للجامعة الإسلامية قدم إلى الرياض في يوم من الأيام، وذلك في عام 1388هـ، وفي فترة وجوده في الرياض ألقى محاضرة قيمة عظيمة الفائدة في دار العلم، وفي تلك الليلة رأيت في المنام سماحة الشيخ عبدالعزيز، وبيده سيف له لمعان، وسماحته ممسك بالسيف بيده اليمنى، وكان يمشي في واد فسيح أقدِّر عرضه بمائة متر، وكان الوادي ممتلئاً بالحيَّات، وأرى أن ارتفاعها عن الأرض يقدر بمتر، وسماحته يمر بها، وقد شقَّ له طريق، وهو يضرب بالسيف ما أمامه منها، وما عن يمينه، وما عن شماله، والحيات تهرب منه، وهو لا يخطىء شيئاً مما ضرب.(1/163)
وبعد هذه الرؤيا بيومين أو ثلاثة قابلت الشيخ عبدالرحمن الدوسري×فأخبرته بالرؤيا، ففرح، واستبشر، وقال: الحمد لله، الله يبشرك بالخير، هذا نصر من الله، وتأييد؛ فهذه الحيات أهل الباطل والزنادقة، والسيف حقٌّ ونَصْرٌ، وهذا يدل على أن سماحة الشيخ سَيُعان عليهم، ولن يقفوا أمامه.
ومن العلماء الذين لهم منزلة عند سماحته؛ صاحب الفضيلة العلامة الشيخ حمود التويجري×حيث كان الشيخ عبدالعزيز محباً له، قارئاً لكتبه، وكان يقرضها، ويكتب عليها المقدمات.
وأذكر أنه لما مرض الشيخ حمود كان الشيخ عبدالعزيز يزوره، وذات يوم زاره وهو على فراش مرضه الأخير في مستشفى الحرس الوطني، فشرع سماحته في النفث على الشيخ حمود للرقية؛ فارتاح الشيخ حمود للرقية، وفتح صدره؛ فرقاه الشيخ حتى خرج من عنده.
ولما توفى الشيخ حمود أمَّ الشيخ عبدالعزيز المصلين للصلاة عليه_رحمهما الله جميعاً_.
وكذلك الحال بالنسبة لصاحب الفضيلة الشيخ صالح بن غصون×حيث كان الشيخ عبدالعزيز يجله، ويقدره، ويزوره إبان مرضه الأخير.
ولما توفي الشيخ صالح ذهب الشيخ عبدالعزيز للصلاة عليه، وتعزية أهله، مع شدة وطأة المرض على الشيخ عبدالعزيز؛ إذ لم يكن بين وفاته ووفاة الشيخ صالح مدة شهر أو تزيد قليلاً.
ولما عاد من تعزية أهل الشيخ صالح تعب تعباً شديداً، وتقيأ في الطريق، وسقط في السيارة على من بجانبه من شدة المرض.
ومن العلماء الذين لهم منزلة عالية عند سماحته، صاحب الفضيلة الشيخ صالح الخريصي، وصاحب الفضيلة الشيخ صالح العلي الناصر، وصاحب الفضيلة الشيخ صالح البليهي، وصاحب الفضيلة الشيخ زيد بن فياض_رحمهم الله جميعاً_.
ومن العلماء الذين لهم حفاوة عن سماحته فضيلة الشيخ أبو الحسن الندوي×حيث كا ن سماحة الشيخ عبدالعزيز يجله، ويلقبه في بعض مكاتباته بـ: سماحة الشيخ العلامة، الناصح العالم.(1/164)
ومن العلماء الذين لهم حظوة، ومنزلة، وتقريب عند سماحته_سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين×.
فلقد كان سماحة الشيخ عبدالعزيز×محباً للشيخ محمد، عالماً بفضله، وكان يلقبه بسماحة الشيخ، وكان يشرح بعض كتبه ككتاب مجالس رمضان، وكان يقدم له بعض كتبه، ويقرأ له، ويستمع لفتاواه.
وكان يقول للشيخ محمد: أود أن تكون فتوانا واحدة، وألا تختلف قدر الإمكان.
وإذا خالفه الشيخ محمد في مسألة قدَّر له سماحة الشيخ رأيه واجتهاده.
وكان كثير الحفاوة به كما سيأتي في الفقرة التالية.
وكان سماحة الشيخ محمد محباً لشيخه سماحة الشيخ عبدالعزيز، معترفاً له بالفضل عليه وعلى الأمة، وكان يلقبه بسماحة الوالد، وإذا كاتبه صدر كتابه بقوله: من الابن محمد الصالح العثيمين إلى شيخنا المكرم عبدالعزيز بن عبدالله بن باز.
وسيأتي نموذج من تلك المكاتبات عند الحديث عن مكاتبات سماحة الشيخ لأهل العلم.
5_ كثرة استشارته لأهل العلم: حيث كان×كثير المشاورة لأهل العلم، كثير الأخذ والاعتداد بآرائهم، وخصوصاً أعضاء هيئة كبار العلماء، وأعضاء اللجنة الدائمة.
6_ كثرة استضافته لأهل العلم: فقل أن يمر يوم أو أقل من يوم إلا ويأتيه الوفود تلو الوفود من أهل العلم من شتى الأماكن.
7_ حفاوته بأهل العلم: حيث كان×عظيم الحفاوة بأهل العلم، عظيم الفرح بمقدمهم؛ فإذا قدم_على سبيل المثال_سماحة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين إلى الرياض أو الطائف استضافه سماحة الشيخ عبدالعزيز، وفرح به؛ إذ إن الشيخ محمد ممن لهم منزلة وحظوة عند سماحة الشيخ.
فإذا استضاف الشيخ محمداً على الغداء اتصل بنا من المكتب، وقال: سيأتينا اليوم الشيخ محمد، ويأمرنا بزيادة الغداء، ثم يأتي من العمل إلى المنزل قبل مجيء الشيخ محمد بوقت كافٍ، حتى يكون في استقباله إذا وصل منزل سماحته؛ فإذا وصل الشيخ محمد فرح سماحته به، وحياه، وتجاذب معه أطراف الحديث.(1/165)
وهكذا كان حاله مع العلماء، وأذكر_أيضاً_أنه يفرح كثيراً إذا زاره أو التقى به صاحب الفضيلة الشيخ العلامة الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين، أو صاحب الفضيلة الشيخ عبدالرحمن البراك_حفظهما الله_فلقد كان محباً لهما، كثير التبسط معهما.
وكان كذلك محباً لصاحب الفضيلة الشيخ عبدالرحمن الفريان كثير الثناء عليه، والدعاء له.
8_ كثرة السؤال عن أهل العلم: فكان×كثير السؤال عنهم، والاتصال بهم؛ فإذا جاءه_على سبيل المثال_أحد من الأردن سأله عن الشيخ الألباني×وإذا جاء أحد من أهل المدينة سألهم عن الشيخ عبدالمحسن العباد، أو الشيخ حماد الأنصاري، أو الشيخ عمر فلاته_رحمهما الله_وغيرهم من أهل العلم في المدينة.
وإذا قدم عليه أحد من أي بلد سأله عن أهل العلم الذين يعرفهم سماحته، أو يسأله عن أهل العلم الموجودين عندهم.
وكذلك الحال بالنسبة لمن يأتون من خارج البلاد؛ حيث يسأل عن أهل العلم، ويوصي بنقل السلام إليهم، وربما حمَّل من يأتيه رسالة إليهم، وربما سألهم: من عندكم من أهل العلم، وما نشاطهم في العلم والدعوة ؟
وكان يأخذ عنواناتهم، ويراسلهم، ويوصيهم بالعناية بالدعوة إلى الله، ويقول: نحن مستعدون للتعاون معكم بما يخدم الدعوة.
وكان لا يتوانى في فتح المدارس، والجمعيات، والمراكز، أو تخصيص المخصصات السنوية أو الشهرية لأهل الدعوة داخل المملكة أو خارجها.
وكان دائماً يمدهم بالكتب النافعة، والنصائح القيمة.
وكان كثير الدعاء لهم، والتفقد لأحوالهم، وتوصيتهم بإلقاء الدروس.
وسيأتي نماذج من ذلك عند الحديث عن مكاتباته لأهل العلم.(1/166)
9_ حرصه على الاستماع لأهل العلم، والقراءة لهم، وتشجيعهم: فكان كثيراً ما يستمع إلى إذاعة القرآن الكريم، وبرنامج نور على الدرب_على وجه الخصوص_وكان يعرف أيام كل عالم من العلماء في ذلك البرنامج، فكان يقول: هذه ليلة الشيخ صالح بن غصون، وهذه ليلة الشيخ عبدالله بن غديان، وهذه ليلة الشيخ محمد بن عثيمين، وهذه ليلة الشيخ صالح اللحيدان، وهذه ليلة الشيخ صالح الفوزان، وهذه ليلة الشيخ عبدالعزيز ابن عبدالله.
وكان يسر بنشرهم للعلم، ويفرح بفتاواهم المسددة.
وكان يستمع لبعض المحاضرات عبر الأشرطة، وكان يعلق كل أسبوع على محاضرات الجامع.
وكان إذا لاحظ ملحوظة على أحد من أهل العلم أبداها له بكل لطف وأدب.
وكان يقرأ لأهل العلم المعاصرين، ويكتب المقدمات على كتبهم إذا طلب منه ذلك، وقد ذُكر في المقدمة جملة من الكتب التي قرأتها عليه.
وأذكر أنه كان يعلق على كثير مما يقرأ عليه، وكان يعجب كثيراً من أساليب صاحب المعالي العلامة الشيخ الدكتور بكر أبو زيد، وكان يقول متعجباً: من أين يأتي الشيخ بكر بهذه الأساليب، والتراكيب ؟!
وإذا طلب منه قراءة كتاب، أو تقديمه قرأه، وربما قدم له، وإن كان هناك من ملحوظات أبداها، وربما قرأ الكتاب ولم يبد أي ملحوظة.
وإذا زاره أحد من أهل العلم ممن لهم باع في الكتابة والتأليف شكره على ماكتب، وأثنى على ما قرأه من ذلك، وسأله عما يكتب، وعما ينوي الكتابة عنه، وشجعه على مزيد من الكتابة.
وربما طلب هو بعض الكتب لبعض المعاصرين لقراءتها إذا دعت الحاجة لذلك.(1/167)
وأذكر أنه لما كثر الكلام عن جماعة الإخوان المسلمين وكبارهم، قال لي سماحته: كنت أرغب في قراءة كتبهم، والإطلاع عليها، ثم أمرني بإحضار جملة منها وقال: أحضر لي رسائل الشيخ حسن البنا×فأحضرتها، وشرعت في قراءتها؛ حتى إنني قرأت عليه منه ما يزيد على مائتي صفحة، وهي على هيئة رسائل، وكلما قرأت رسالة عليه كتب عليها تعليقاً يسيراً بعد قراءته لها، وربما لم يكتب أي ملاحظة، وربما أبدى إعجابه ببعضها.
10_ الذب عن أهل العلم، وإحسان الظن بهم: فكان يحسن الظن بأهل العلم كثيراً، ويحمل كلامهم على أحسن المحامل، ولا يرضى أن يُنالوا بأي سوء أو مكروه، وكان يدافع عنهم، ويحفظ أعراضهم، ولا يصدق ما يقال فيهم من سوء حتى يقف على حقيقة الأمر.
وإذا جاءه أحد من الناس، وقال: إن الشيخ فلان بن فلان قد قال: كذا وكذا مما لا يليق_نهره سماحة الشيخ، وقال: هو أوثق عندنا منك، أفنصدقك ونكذب الشيخ فلاناً ؟ ونحو ذلك.
وإذا تثبَّت من صحة ما يقال عن فلان من أهل العلم من أنه أخطأ في أمر ما_أرسل إليه نصيحة، أو هاتفه، أو طلب حضوره، وبعد ذلك يبدي له وجه الخطأ، ويورد الأدلة على ما قال بأسلوب يفيض بالرحمة، والنصح؛ فما يكون من ذلك الشخص إلا أن يقبل كلام سماحته ويدعو له.
11_ الحرص على جمع كلمة أهل العلم: فكثيراً ما يبذل جاهه، وشفاعته، وعلمه، في سبيل جمع كلمة أهل العلم، ورأْب ما يكون بينهم من صدع، وتضييق ما يحصل بينهم من خلاف؛ فكم جمع الله به من كلمة، وكم رأب به صدع.
وكان كثيراً ما يقول لبعض العلماء: لا نود أن نختلف في أي مسألة، ونود أن تكون كلمتنا وفتوانا واحدة.
ولكنه إذا خُولِف في أي مسألة اتسع صدره كثيراً للمخالف.
12_ الوفاء لأهل العلم: فهو كثير السؤال عنهم، والزيارة لهم، واستضافتهم، وتشييع جنائزهم_كما مر_.
ومن صور وفائه لهم أنه كان يجري لهم المخصصات، ويشفع لهم إذا احتاجوا.(1/168)
ومن صور وفائه أنه كان يعتني بأهليهم من بعدهم، فإذا توفى أحد من أهل العلم سأل سماحته عن أهله، فإن كانوا محتاجين أمدهم، وربما خصص لهم مرتباً يجري عليهم.
وكان وفياً لزملائه من أهل العلم_على وجه الخصوص_.
ولا أذكر أنني ذهبت إلى الزلفي لزيارة الأهل إلا ويحملني السلام والسؤال عن صاحب الفضيلة الشيخ أحمد بن علي الحميدان؛ فالشيخ أحمد بن علي كان من زملاء سماحة الشيخ ومحبيه.
بل لا يأتي أحد من الزلفي إلا ويبادره بالسؤال عنه.
13_ الفرح بالطلاب: فلقد كان سماحته يفرح كثيراً إذا قدم عليه أحد من طلابه سواء القدامى، أو المتأخرين سواء كانوا من الداخل أو الخارج.
وأذكر منهم على سبيل الخصوص: صاحب الفضيلة الشيخ عبدالعزيز الراجحي، وصاحب الفضيلة الشيخ عبدالرحمن بن جلال، وصاحب الفضيلة الشيخ عبدالعزيز القاسم، وصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عمر بن سعود العيد، وصاحب الفضيلة الشيخ عبدالعزيز السدحان، وغيرهم كثير.
يتعامل سماحة الشيخ مع ولاة الأمور على وفق ما جاء في الشرع المطهر، ويمكن أن يلخص ذلك في النقاط التالية:
1_ كان سماحة الشيخ يدين لولاة الأمور بالسمع والطاعة في المنشط والمكره.
2_ وكان يدين لهم بالنصيحة، ويتعاون معهم على البر والتقوى.
3_ وكان يبين لهم الحق، ويرغبهم فيه، ويبين لهم الباطل ويحذرهم من طرقه.
4_ وكان حريصاً على جمع الكلمة، وتحبيب الرعاة بالرعية، والرعية بالرعاة.
5_ وكان كثير المكاتبة للولاة في شتى المجالات التي يرجى من ورائها جلب النفع، أو دفع الضر.
6_ وكان كثير البذل لشفاعته عند الولاة، في سائر أنواع الشفاعات.
7_ وكان كثير الدعاء لهم بصلاح النية، والبطانة، والقول، والعمل.
8_ ولم يكن يتشوف إلى ما عند الولاة، أو يطمع بما لديهم من الجاه، أو المال، أو المنصب.(1/169)
9_ وكان يقول: ربما نختلف مع ولاة الأمور في بعض الأمور، وربما يشتد النقاش، ولكننا نصطلح معهم، ويزول ما في النفوس؛ لأن الهدف هو النصح لهم وللمسلمين.
10_ وكان يقول: الواجب علينا بيان ما نراه لهم، والاستمرار في بذل النصح دون توقف حتى الموت، وموقفنا في ذلك لا يتغير؛ فهذا الذي في وسعنا واستطاعتنا.
11_ كان يتأدب معهم، وينزلهم منازلهم، ويحسن مخاطبتهم ومكاتبتهم.
12_ كان كثير الشكر للولاة إذا صدر منهم قرار صائب، أو مبادرة طيبة أو نحو ذلك.
والأمثلة في هذا القبيل لا تكاد تحصى؛ من لدن الملك عبدالعزيز×إلى عهد خادم الحرمين الشريفين حفظه الله.
وإليك هذا المثال، وهو كتاب بعثه سماحة الشيخ إلى الملك سعود×يشكره على مكرمة مالية أجراها لما كان ولياً للعهد_لطلاب سماحة الشيخ، وإليك نص ذلك الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة محترم المقام ولي العهد المكرم: سعود بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل، رفع الله به كعب الإسلام، ونشر به العلم النافع بين الأنام آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كتابكم الكريم المؤرخ 3/9/1370هـ وصل، وصلكم الله بحبل الرضى والتوفيق.
وما تضمنه من الإفادة عن تفضلكم بأمر المالية أن تجري للطلبة بطرفنا قاعدة سنوية كالذي تفضل به الوالد_حفظه الله وإياكم_كان معلوماً، ولقد سررت بذلك كثيراً، ودعوت لسموكم الكريم بما أرجو من المولى_سبحانه_أن يجيبه، ولا يحجبه بالذنوب.
وإنها لخطوة مباركة من سموكم الكريم في تأييد العلم، ومساعدة طالبيه في هذا الزمان الذي قلَّ فيه طلاب العلم النافع، وقلَّ فيه من يدعو إليه، ويساعد طلابه.
وهي_في الحقيقة_نزر يسير من بحور جودكم وإحسانكم، لا زلتم موفقين للمساهمة في كل خير، والمساعدة على كل حق، ولم يزل سموكم الكريم_بحمد الله_معروفاً بتشجيع العلم، ومساعدة طلابه، والعطف عليهم بما ينشطهم، ويرغبهم في تكميل دراسته.(1/170)
وإني لأرجو لسموكم الكريم من التشجيع والمساعدة لطلاب العلم النافع في جميع أنحاء المملكة ما هو أكبر من الواقع، وأظهر، وأشمل؛ لمسيس الحاجة إلى ذلك، وانصراف رغبة الأكثر في كل الأقطار عن طلب العلم النافع الشرعي إلى طلب غيره؛ لما يترتب على الأخير من المساعدات الكثيرة المادية.
وأكثر النفوس إنما تسعى وراء المادة أين وجدت، وكيف وجدت، وهذا كله يوجب مضاعفة الجهود في تشجيع العلم النافع الشرعي، ومساعدة طلابه، والقائمين بتعليمه بشتى الوسائل في كل الأقطار الإسلامية؛ لأنه لا قوام للإسلام وأهله في أمر الدين والدنيا، ولا سلامة من غوائل الأعداء وكيدهم إلا بالعلم النافع، وما يترتب عليه من العمل الصالح، والثقة بالله، والحذر من مكائد الأعداء، وبذل الوسع في إعداد كل ما يستطاع من القوة الحسية والمعنوية لصد عدوانهم، وإيقافهم عند حدهم، واستيفاء ما عليهم للمسلمين من الحقوق التي لا يستطاع استحصالها منهم إلا بالعلم والقوة.
والله المسؤول أن يجعل سموكم وجلالة والدكم أعظم ناصر للحق، ومؤيد للعلم في هذا الزمان المظلم، وأن يحفظكم بالإسلام، وينصر بكم حزبه، ويخذل بكم أعداءه، وأن يعينكم على القيام بأعباء ما حملتم، وأداء ما وجب عليكم أكمل قيام، وأتمه، وأن يمدكم بمعونته، وتسديده، وأن يصرف عنكم كيد كل كائد، وأن يصلح لكم الأقوال والأعمال، ويجعل خير حياتكم آخرها، وأفضل عملكم خاتمته، وخير أيامكم يوم لقاه؛ إنه سميع الدعاء، قريب الإجابة، والله يتولاكم، والسلام.
12/9/1370هـ
13_ كان يقوم بكل عمل يسنده إليه ولاة الأمور على أتم وجه وأكمله.
14_ كان كثيراً ما يزور الولاة؛ لنصحهم، أو زيارتهم في حال المرض، أو الوصول، أو نحو ذلك.
15_ وكان كثير المبادرة في تهنئة الولاة بسلامة الوصول، أو بالشفاء من المرض، أو بمناسبة حلول شهر رمضان، أو انقضائه، أو حلول العيد أو نحو ذلك، فكان يهاتفهم أو يكاتبهم أو يزورهم.(1/171)
والأمثلة في هذا السياق كثيرة جداً، وإليك هذا المثال، وهو عبارة عن برقية كتبها سماحته لخادم الحرمين الشريفين يهنئه بإكمال شهر رمضان، وحلول عيد الفطر وذلك في 2/10/1408هـ، وإليك نص البرقية.
بسم الله الرحمن الرحيم
حضرة خادم الحرمين الشريفين الملك الكريم فهد بن عبدالعزيز حفظه الله من كل سوء، ونصر به الحق آمين
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فبمناسبة إكمال شهر الصيام والقيام، وحلول عيد الفطر المبارك_يسرني أن أرفع إلى مقامكم الكريم أصدق التهاني، وأكمل التبريكات بهذه المناسبة المباركة.
تقبل الله منكم، وأعاده عليكم، وعلى جميع المسلمين أعواماً كثيرة في خير وعافية، وصحة واستقامة، وضاعف لكم المثوبة، وجعلنا وإياكم وسائر إخواننا من العتقاء فيه من النار.
كما أسأله_سبحانه_أن يجمع شمل المسلمين، ويصلح قلوبهم وأعمالهم، ويوفق ولاة أمرهم لما فيه صلاح أمر دينهم ودنياهم؛ إنه جواد كريم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
= منزلة سماحة الشيخ عند الولاة+
وفي مقابل ذلك كان ولاة الأمر في المملكة العربية السعودية يُجِلُّون سماحة الشيخ عبدالعزيز، ويقدرون علمه، وفضله، ونصحه، ومكانته في الأمة.
ولقد عاصر سماحتُه خمسة من ملوك الدولة السعودية الثالثة؛ حيث عاصر أولهم وهو الملك عبدالعزيز، والملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد_رحمهم الله جميعاً_.
وآخر من عاصر منهم خادم الحرمين الشريفين_حفظه الله_حيث توفي سماحته في عهد خادم الحرمين.
ولقد كان يلقى من الملوك_الآنف ذكرهم_كل حفاوة وتقدير، من لدن الملك عبدالعزيز إلى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد؛ فكانوا يستشيرونه في كثير من الأمور، ويستمعون لنصحه وإرشاده، ويقبلون شفاعاته وكانوا يحرصون على السؤال عنه، وزيارته، خصوصاً في أيام مرضه، أو في أيام المناسبات كالأعياد وغيرها.(1/172)
ولقد تجلت مكانته العظيمة إبان مرضه الأخير ووفاته_كما سيأتي ذكر ذلك_وإليك بعض المواقف اليسيرة، التي تدل على عظم منزلته عند الولاة.
1_ يذكر سماحة الشيخ أنه لما كان قاضياً في الدِّلم قدم إلى الملك عبدالعزيز وهو في الخرج في ذلك الوقت؛ لزيارته والسلام عليه.
يقول سماحته: ولما استأذنته، لأعود إلى مدينة الدلم قال لي الملك عبدالعزيز: ما نسمح لك في الذهاب؛ نحن نرغب جلوسك عندنا، هل أنا وادي مُحسِّر، حتى تمر علينا بهذه السرعة ؟
وهذا يدل على مكانة سماحته عند الملك عبدالعزيز_رحمهما الله_.
2_ وفي عهد الملك سعود×كان لسماحة الشيخ منزلة عنده، ومما يدل على ذلك أنه عين في ذلك الوقت نائباً لرئيس الجامعة الإسلامية عند تأسيسها، فاعتذر وقال: لعله يوجد من هو أكفأ مني، وكتب في ذلك كتاباً إلى الملك سعود يعتذر فيه عن تعيينه في الجامعة.
وبعد أن ألحَّ عليه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم×وافق، فكتب له الملك سعود كتاباً يستغرب فيه أن يعتذر سماحة الشيخ عن ذلك العمل العظيم، ويبين أنه واجب على سماحته، وإليك نص الخطاب الذي يدل على عظيم مكانة سماحة الشيخ عند الملك سعود_رحمهما الله_.
بسم الله الرحمن الرحيم
رقم 16/2/577
تاريخ 24/1/1381هـ
من سعود بن عبدالعزيز إلى حضرة المكرم فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن باز سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وصل إلينا كتابكم المؤرخ في 20/1/1381هـ، وقد استغربنا منكم اعتذاركم عن الجامعة، ولكن وردنا بعد ذلك برقية من سماحة الشيخ محمد بأنه أقنعكم بضرورة الأمر لكونه دينياً، وأنه واجب منكم القيام به؛ فعدلتم عن اعتذاركم.
وهذا هو الظن بكم، بارك الله فيكم.
وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، وسدد خطانا جميعاً لما فيه الخير والسداد، هذا ما لزم بيانه، والسلام.(1/173)
3_ كان الملك فيصل×مُجِلاً لسماحة الشيخ مُحِبَّاً له، وكان يلقبه بـ: الأخ الأكبر، ويلقبه_أيضاً_بـ: الوالد، مع أنه يكبر سماحة الشيخ بست سنوات.
وكان يرى أن سماحة الشيخ ذو مكانة عالية، وأن عليه مسؤولية كبرى لخدمة الإسلام والمسلمين.
وكان يشكره على ما يبذله من جهود مخلصة مشكورة.
وإليك هذين المثالين اللذين يدلان على ذلك:
أ_هذا كتاب كتبه الملك فيصل، لما كان ولياً للعهد، للشيخ عبدالعزيز بن محمد الشثري، وسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز_رحم الله الجميع_وإليك نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
الرقم 141/2/42
التاريخ 16/11/1380هـ
حضرة أصحاب الفضيلة المشايخ عبدالعزيز بن محمد الشثري، وعبدالعزيز ابن باز حفظهما الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نرجو من الله دوام الصحة والسعادة وبعد:
فقد استلمنا رسالتكم المؤرخة في 13/11/1380هـ شاكرين لكم ما تضمنته من شعور صادق، مقدرين لكم ما بذلتموه وتبذلونه من جهود مخلصة مشكورة، سائلين المولى_عز وجل_أن يقدر ما فيه الخير والصلاح.
أما رسالة الإخوان؛ محمد وخالد، فقد وصلت إليهما، ولابد أنهما أجاباكما عليها.
نرجو الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، والله الموفق
توقيع: فيصل
ب_ وهذه فقرة وردت في خطاب ألقاه الملك فيصل في حفل الجامعة الإسلامية لما زارها عام 1384هـ، ونُشر نص ذلك الخطاب في صحيفة المدينة في العدد 179 السنة الأولى في يوم الجمعة 10/6/1384هـ، وفي صحيفة البلاد في العدد 1736 في 10/6/1384هـ، وفي صحيفة الندوة في عددها 1736 يوم السبت 11/6/1384هـ.
وقد جاء في ذلك الخطاب التاريخي قول الملك فيصل×: =وأنتهز هذه الفرصة لوجود الأخ الأكبر وأنا أتحاشى أن أقول الوالد الشيخ عبدالعزيز بن باز؛ لئلا يظن أنني أعتقد أنه كبير السن.(1/174)
ولكنني من جهة أخرى فإني أعتبره والداً لي، وأن على عاتق الشيخ عبدالعزيز بن باز مهمة جليلة، ومسؤولية كبيرة فيما يقوم به من أعمال؛ لخدمة الإسلام والمسلمين، ليس في هذه البلاد فقط، ولكن في جميع بلاد العالم الإسلامي أجمع.
وإنني أتقدم إليه راجياً أن يتحفنا، ولو بكلمتين في هذه المناسبة السعيدة، وأرجو الله التوفيق للجميع والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته+.
4_ وفي عهد الملك خالد×كان سماحة الشيخ محل حفاوة الملك خالد، وتقديره، وإجلاله.
وفي أوائل عهد الملك خالد أصدر أمره بنقل سماحة الشيخ عبدالعزيز من الجامعة الإسلامية إلى رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
كما نال سماحته×في ذلك الوقت، جائزة الملك فيصل العالمية، لخدمة الإسلام.
5_ وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد_حفظه الله_كان لسماحة الشيخ عبدالعزيز مكانة عالية، وإجلالٌ كبيرٌ، وكان يخاطب سماحة الشيخ بالوالد.
وإليك هذا المقال الذي كتبه فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله المجلي في مجلة الدعوة في عددها، 1064 وتاريخ 1/3/1407هـ، وذلك لما زار خادم الحرمين الشريفين المدينة، وافتتح المجلس التأسيسي للجامعة الإسلامية، يقول فيه فضيلته:
(لقد خاطب خادم الحرمين الشريفين الملك فهد الشيخ عبدالعزيز ابن باز بالوالد خلال افتتاحه للمجلس الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة؛ إمعاناً في التكريم لرجل نحسبه_والله حسيبه_من خيرة علماء الأرض وأجلهم في زماننا، يعرف عنه الناس حبه الخير للمسلمين جميعاً، يناصح الجميع، ويناصر المظلوم، ويساعد المحتاج، ويكرم الضيف، ويبذل وقته وجهده في عمل الخير.
وليس هذا التكريم من خادم الحرمين_وهو على عظم منزلته ومكانته_غريباً، وليست هذه أول مرة يظهر فيها هذا التكريم واضحاً جلياً+إلخ.
ومما يدل على عظم منزلة سماحة الشيخ عند الملك فهد، أن الملك كان يزور سماحته في منزله في المناسبات، وفي حال مرضه.(1/175)
وكان معنياً براحته وصحته، وكان يقبل شفاعته في أكثر الأحيان.
ولقد تجلى ذلك إبان مرض سماحة الشيخ، الأخير؛ حيث اهتم خادم الحرمين وسمو ولي العهد أشد الاهتمام في سبيل صحة الشيخ على ما سيأتي تفصيله عند الحديث عن أيام الشيخ الأخيرة.
وتجلت هذه المكانة لما توفي سماحة الشيخ؛ حيث قدم خادم الحرمين الشريفين إلى مكة المكرمة؛ ليكون على رأس المصلين على سماحته×.
هذه نبذة يسيرة عن تعامل سماحة الشيخ مع ولاة الأمر في بلاده، وسيأتي مزيد بيان لهذا الأمر في مواضع أخرى من الصفحات الآتية.
أما حكام الدول الإسلامية؛ فكان كثيراً ما يكاتبهم، ويناصحهم بتطبيق الشريعة، ويبين لهم فضائل ذلك، ويحذرهم من الظلم، والحكم بغير ما أنزل الله.
وكان يناصحهم كثيراً في أمور شتى، كإقامة صلاة الاستسقاء حال الجدب، وكرفع الظلم عن المضطهدين.
وكان يكاتبهم بشأن الشفاعة لبعض الدعاة، ونحو ذلك من الأمور التي كان يكاتبهم بشأنها.
وكم حقق الله على يديه_بهذا المنهج_من خير، وكم درأ الله به من فتنة؛ فرحمه الله، وأجزل مثوبته.
=منهج سماحة الشيخ مع المخالفين+
لسماحة الشيخ×منهج متميز مع المخالفين، ينطلق فيه من نصوص الشرع المطهر، الآمرة، بالصفح، وأخذ العفو، ودفع السيئة بالحسنة، ومقابلة الإساءة بالإحسان، والبعد عن كل ما ينافي العدل والإنصاف وشرف الخصومة.
فكان من منهج سماحة الشيخ مع المخالفين له أنه لا يُحَمِّل كلامهم ما لا يحتمل، ولا يَتَقوَّل عليهم مالم يقولوه، ولم يكن يذكرهم بسوء، أو تجريح.
بل لقد كان يحترمهم، ويقدرهم، ويتناسى أخطاءهم في حقه، ويقبل عذر المعتذر إليه منهم، خصوصاً من لهم سابقة، وفضل.
وإذا زاره أحد من مخالفيه أظهر له الفرح، والتسامح، ومزيد العناية، وأظهر له المحبة، والحفاوة على سبيل دعوته، وتطييب قلبه.
وإذا دعاه ذلك المخالف إلى مناسبة أو وليمة وافق سماحته، وأجاب الدعوة بلا تردد؛ ليزيل مافي نفس الداعي.(1/176)
وإذا بلغه أن أحداً من المخالفين رماه بسوء، أو ذكره بذم لم يزد على أن يقول: سامحه الله، سامحه الله.
وإذا مرض ذلك المخالف زاره سماحته، أو اتصل به عبر الهاتف؛ ليواسيه، ويدعو له.
وإذا مات قريب لذلك المخالف عزَّاه سماحته، وزاره في منزله.
وإذا مات المخالف له دعا له، وزار أهله، وعزاهم، وأوصى من يوصل العزاء إلى زوجته إن كانت على قيد الحياة.
وإذا خالفه بعض الناس، وعاتبه في أمر ما_بيَّن للمخالف موقفه، وتَقَبَّل العتاب بصدر رحب.
هذه بعض أخلاقه مع مخالفيه، [وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ] فصلت: 35.
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب
ولا ينال العلا من طبعه الغضب
فكم وأد بذلك النهج السديد من عداوة، وكم استمال من قلب، وكم أطفأ من نار حقد.
والأمثلة على هذه المعاني كثيرة جداً، وإليك شيئاً منها:
1_ قبل بضع سنوات كتب أحد الكتاب الدعاة كتاباً وزع في الأسواق، فكتب بعض طلبة العلم لسماحة الشيخ، وأفاد بأن ذلك الكتاب يحتوي على ملحوظات عديدة، ونرجو من سماحتكم تنبيه ذلك الكاتب عليها؛ لعله يصلحها خصوصاً وأن ذلك الكاتب كانت له جهود طيبة في موضوعات متعددة أَحْسَنَ طَرْقَها، وعلاجها.
فأحال سماحته الكتاب إلى الجهة المختصة، وهي مراقبة المطبوعات في رئاسة الإفتاء.
فلما اطلعت تلك الجهة على الكتاب المذكور كتبت لسماحته ما رأته من الملحوظات، فلما اطلع سماحته عليها كتب للمؤلف، وأرفق الملحوظات، ورجاه أن يعيد النظر فيها، وأن يصلح تلك الأخطاء.(1/177)
فلما وصل ا لكتاب إلى المؤلف×وغفر له، غضب أشد الغضب، وأرسل جواباً لسماحته، وصب جام غضبه على الشيخ عبدالعزيز، واتهمه بأن نظرتكم متحيزة، وأنها بعيدة عن الإنصاف، وأنه لو كان أحد غيري كتب هذا الكتاب لما لوحظت عليه هذه الملحوظات، وهكذا بلغ ذلك المرد العنيف ست عشرة صفحة كلها على هذا المنوال مع أن الملحوظات التي لوحظت على الكتاب كانت واضحة جوهرية؛ إذ أن في الكتاب تسويغاً لبعض البدع، ودعوة إلى جملة من المنكرات اجتهد الكاتب، ورأى أنها صواب.
ولما قرىء الرد على سماحته_وحَوْلَه بعض الناس_رأيت الغضب، والتذمر والتغير بادياً على وجوههم، وحركاتهم؛ لما في الرد من قسوة وشدة وتهجم على سماحة الشيخ.
وكنت أنظر إلى سماحة الشيخ والقارئ يواصل القراءة؛ فما لا حظت عليه أدنى تذمر، أو امتعاض، بل كان يستمع إلى الملحوظات بكل سكينة ورحابة صدر.
ولما انتهى القارئ من قراءة الرد تبسم سماحته، وقال: هداه الله، نتهم رأينا، ونرجع إلى الكتاب، ونتأكد من الملحوظات المذكورة.
ولما قرئ الكتابُ المذكور على سماحة الشيخ كتب سماحته إلى المؤلف كتاباً لطيفاً، وخاطبه بعبارات رقيقة تنم عن الود، والمحبة، والنصح، وأعرض سماحته عما ذكره المؤلف من الكلمات النابية، وقال: لقد اطلعت على الكتاب بنفسي، وتأكدت من الملحوظات، وأرى أن الواجب على مثلكم الرجوع عما ذكرتم، وإصلاح الكتاب، وختم بالدعاء للكاتب.
وبعد أن وصله كتاب سماحة الشيخ لم يرد جواباً، ولم يَبْدُ منه أي اعتراض.
وبعد مدة توفي أخو هذا المؤلف، وسماحة الشيخ في مكة، فلما بلغ سماحته ذلك الخبر اتجه إلى منزل المؤلف؛ لتعزيته بأخيه، ودخل بيت المتوفى، ووجد أبناءه فعزاهم، وواساهم في والدهم، وعزى زوجة المتوفى، وسأل عن الشيخ المؤلف وكان غير موجود، فقال: بلغوه تعزيتي له بأخيه.
وكان لهذا الموقف أبلغ الأثر على أهل المتوفى، وجميع من علم بذلك.
ولا أحصي المواقف التي تتكرر على هذا النحو.(1/178)
2_ لما قدم الشيخ محمد الغزالي×إلى الرياض؛ لاستلام جائزته المقدمة من لجنة جائزة الملك فيصل العالمية_زار سماحة الشيخ في منزله.
وكانت في ذلك الوقت ضجة حول كتاب الشيخ الغزالي: =السنة النبوية بين أهل الفقه، وأهل الحديث+
وقد قرئ ذلك الكتاب على سماحة الشيخ، فلما زاره الغزالي احتفى به، وأكرمه ولاطفه، وسأله عن الدعوة في الجزائر، وعن حاجتهم، وأخبر بأنه على أتم الاستعداد لدعمهم، وكان الشيخ الغزالي آنذاك رئيساً لجامعة في الجزائر.
وكان مجلس سماحته_كالعادة_عامراً بالزائرين، والسائلين، والمحتاجين، والضيوف وكان الهاتف لا يتوقف رنينه، وكان كُتَّاب سماحته حوله يقرؤون، وهكذا
وكلما سنحت لسماحته فرصة التفت إلى الشيخ الغزالي وحياه ولاطفه.
فَأُعْجِبَ الشيخ الغزالي بما رأى، وكان ذلك بادياً عليه.
وفي تلك الأثناء قال سماحته للشيخ الغزالي: لقد قرأت كتابكم المذكور، ولا يخفى عليكم أن البشر عرضة للخطأ، ونحن وغيرنا عرضة لذلك، وقد قرأت شيئاً من كتابكم، وعليه بعض الملحوظات.
فقال الشيخ الغزالي أنا يسعدني أن تكملوا قراءته، وأن توافوني بما تلاحظونه، وأنا إن شاء الله أصلحه، وذكر كلاماً نحو هذا.
وبينما كان سماحة الشيخ يرد على مكالمة هاتفية دار حديث بين الشيخ الغزالي وبين أحد المشايخ الحاضرين وهو الشيخ خير الدين وانلي من سوريا، فقال الشيخ خير الدين: أنتم قلتم: كذا وكذا، فانقض الغزالي عليه، واشتد النقاش.
ولما سمع سماحته كلامهما التفت إلى الغزالي وقال: ماذ اعندكم ؟ قال: كذا وكذا.
فخاطبهما جميعاً بأن هذه المسائل ينبغي أن توضع في إطارها، وأن نحرص كل الحرص على جمع كلمتنا والبعد عن الخلاف، فنحن أمام أمور كبار تتعلق بأصول المسائل، وسكَّن من غضبهما، وانتهى الجدال.
وكان الشيخ الغزالي مدعواً للغداء، ولكنه تأخر على من دعاه، وجلس عند سماحة الشيخ، وتناول معه الغداء.(1/179)
ولما هم بالخروج ألقى نظرة على سماحة الشيخ وقال: نحن بخير مادام فينا هذا الرجل.
وبلغني أنه لما وصل إلى من دعاه قالوا له: لماذ تأخرت ؟ قال: كنا في عالم ثانٍ !
3_ في يوم من الأيام حصل من بعض أهل العلم المعروفين بالكتابة والتأليف_زلة وجنح إلى مذهب غير مُسلَّم به في بعض الأحكام، فاستدعاه سماحة الشيخ، وقدم له نصيحة أبوية، فتأثر المنصوح بها، وانقطع فترة عن سماحة الشيخ؛ ظاناً أن سماحته لا يرغب في مقابلته ولا لقياه، وأن في نفسه شيئاً عليه.
وفي يوم من الأيام دعي سماحة الشيخ لإلقاء محاضرة في المسجد الذي يصلي فيه ذلك الرجل؛ حيث إنه من جماعة المسجد.
فلما علم أن سماحة الشيخ سيلقي محاضرة في ذلك المسجد رغب في استضافته، وأوعز لبعض الإخوة بأن يعرض على سماحة الشيخ تلك الرغبة، وكان يستبعد أن يوافق سماحة الشيخ على المجيء إليه؛ لما جرى_سابقاً_بينهما من الخلاف، فلما عرض الأمر على سماحة الشيخ وافق من فوره، وأجاب الدعوة دون تردد.
ولما علم الداعي بموافقة سماحة الشيخ فرح فرحاً شديداً، وانبهر لموافقة الشيخ، ولقد رأيت آثار الفرح بادية لما دخل سماحته منزل ذلك الشيخ، وصار له أكبر الأثر في نفسه، وفي نفس من علم بذلك.
وهذا الأمر لا يستغرب على سماحته.
4_ وفي يوم من الأيام_وقبل وفاة سماحة الشيخ بستة عشر عاماً_كتب إليه بعض الناس يعاتبه بأنه لا يناصح الولاة، وأنه لم يقدم له معروفاً واحداً طيلة خمسين سنة إلى غير ذلك مما جاء في ذلك الكتاب من العتاب.
ولما وصل الكتاب إلى سماحة الشيخ وقرئ عليه أجابه بالكتاب التالي الذي كتبه في 24/6/1404هـ وهذا نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ فلان بن فلانوفقه الله للخير آمين
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعده يا محب: كتابكم الكريم وصل، وصلكم الله برضاه، وفهمت ما تضمنه من المناصحة، والعتاب.(1/180)
أما المناصحة فيعلم الله أنا بذلنا لولاة الأمر حول الإعلام وغيره ما فيه الكفاية، ونسأل الله أن يوفقهم لقبول النصح، والقضاء على الشر والفساد، وأن يكثر أعوانهم في الخير؛ إنه سميع قريب.
أما العتاب وذكركم أنكم في خمسين سنة ما فعلنا معكم معروفاً واحداً، وأنني ما قمت لكم وقت حاجتكم بتفريج أمركم، فمع اعترافي بتقصيري في تأدية حق الله_سبحانه_وحق عباده على الوجه الأكمل إلا أنني على وجه دفع الغيبة عن نفسي لا منَّاً ولا فخراً قد بذلت معكم ما الله به عليم، وأعتقد أنه واجب لإخواني عليَّ؛ فهل نسيتم كم كتبت للملك خالد وغيره بشأن مساعدتكم لما كنتم بأمريكا ويحصل المطلوب بحمد الله.
أما القرض الذي طلبتم من محبكم التوسط فيه فحينما وصلني كتابكم كتبت لمحب الجميع الشيخ =فلان+ طالباً منه إقراضكم بالمبلغ المطلوب، أو عرض الموضوع على =فلان+، لعله يتبرع بالمبلغ المطلوب، وهو مليون ريال، وقلت له: لعل =فلاناً+ يساعد الأخ فلاناً بالمبلغ المذكور، وأرى أن مساعدته مناسبة لأسباب لا تخفى على =فلان+، ولا على معاليكم
وبعد مدة قال لي الأخ =فلانٌ+ إنك تسلم عليَّ وتشكر، ويذكر الأخ أن المطلوب حصل؛ فجزمت أن القرض حصل، وحمدت الله على ذلك، وماعلمت أنه لم يحصل شيء إلا من كتابكم هذا، والشكوى إلى الله.
على المرء أن يسعى إلى الخير جهده
وليس عليه أن تتم المقاصد
وعلى كل حال فما جاءنا منكم من عتاب فنحن نتحمله، ولن يؤثِّر في محبتكم، أو يغيِّر صفاء صداقتكم، وأنتم مسامحون، ونطلبكم المسامحة فيما قصرنا فيه.
ونسأل الله أن يعفو عن الجميع، ويختم لنا ولكم بالخاتمة الحسنة؛ إنه خير مسؤول، وأكرم مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
5_ وذكر لي الشيخ زيد الفالح، أن شخصاً من موظفي الرئاسة قال لسماحة الشيخ×: أنت ظلمتني من جهة الوظيفة، وأنا مستحقها منذ فترة.
فقال له سماحة الشيخ: لدينا لجنة في الموضوع، وهي تدرس استحقاق كل موظف.(1/181)
فقال له ذلك الشخص: أنا لا أبيحكم، وتكلم على سماحة الشيخ بكلام لا يليق، ومع ذلك لم يردَّ عليه سماحة الشيخ.
ولما قُدِّم الغداء قال له سماحة الشيخ: تفضل يا فلان للغداء.
قال: لا أريد غداءك، وخرج مغضباً.
فقال سماحة الشيخ: اللهم اهدِ فلاناً وكثِّر دريهماته، ولم يزد على ذلك.
6_ وقبل وفاة سماحة الشيخ بسنوات حصل بينه وبين الشيخ أبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري خلاف حول مسألة إباحة الغناء، فكان سماحته يناصح الشيخ أبا عبدالرحمن في هذه المسألة، ويتلطف به، فكتب الشيخ أبو عبدالرحمن مقالاً رائعاً في المجلة العربية في صفحته تباريح بعنوان =بيني وبين الشيخ ابن باز+ حيث بيَّن فيه حسن تعامل سماحة الشيخ، ونصحه، وصدق نيته، وحرصه على هداية الناس؛ فإليك نص ذلك المقال الذي يقول فيه الشيخ أبو عبدالرحمن: =كانت وقوداً لي، ولم تَفُتَّ في عضدي عباراتُ التثبيط التي يلذعني بها بعض أساتذتي إذا ما أحسوا مني صلفاً، واستفزازاً.
بل كان اندفاعي وطموحي عاتيَ التَّيَّار.
ولكن كثرة التقريع إضافة إلى مكانتهم في قلبي جعلتني أعدل الميزان من فكري ووجداني.
ولا أزال أذكر موعظة شيخي محمد عبدالوهاب بحيري_متَّعه الله بالصحة والعافية_عندما كان يشرف على رسالتي التي عدلت عنها؛ فقد قال لي: إن من تتلمذ على ابن حزم في مثل سنِّك يكون ناراً على المسلمين، وأوصاني_نفعه الله_بالورع قبل العلم.
ومنذ عشر سنوات قدمت لشيخي سماحة الشيخ ابن باز نسختي من كتابي عن =تارك الصلاة عمداً هل يقضي أم لا+.
فحذرني من الصلف والعنف، وأوصاني بما تستأنس به القلوب.
وعندما جادلته في =المُحلَّى+ أبدى لي أنه تركه منذ أزيد من ثلاثين عاماً؛ لما فيه من عنف.
وكنت أتهيب الحضور في مجلس الشيخ، إلا لحاجة ضرورية تخصني في ذات نفسي، وقد كان_حفظه الله_نعم الأب والمعين بعد الله في قضاء حوائج المسلمين.
وفيما سوى ذلك أتحاشى مجلسه مع شددة الشوق إليه؛ لكثرة ما يعنفني.(1/182)
وبعض الأحباب لا ينقلون له عني إلا ما يشينني عنده.
وذات مرة استفتاني والدي×وهو في فراش الموت، فأفتيته، فقال لي: يا بني ! من غير احتقار لك، لا أقنع إلا بفتوى موقَّعة من الشيخ ابن باز؛ فأتيت سماحته، وأفتى بما أفتيت به، وقد كان حُمل إليه عددٌ من مجلة الثقافة والفنون كتبت فيها خمساً وأربعين صفحة مما لا تسر الكتابة عنها ولا تُشَرِّف، فصار ينهرني، وأنا أحاوله بأن يكون النصح ستراً لا تشهيراً، وكنت أخاف أن يسمعه الشيخ إبراهيم الحصين، وهو أستاذ لي بالابتدائي، وأستحي منه.
وكان الشيخ يردد: =ما أعظم مصيبتك عند الله+ ثم صار يبرم أطراف غترته، ويدعو لي وقد اغرورقت عيناه؛ فزالت المُوجدة من نفسي، وتمزق قلبي حزناً؛ لصدق هذا الإنسان في موعظته، وحرصه على هداية الناس، وطلب حسن العقبى لهم.
ولو جادلني لكابرت في المجادلة، وقد فتح الله قلبي لحسن نيته، ومنذ تلك اللحظة بشهور تقلص حب الغناء والطرب من وجداني، وتولدت عندي كراهةُ الغناء كراهةً ما كنت أتصور حدوثها قط؛ فسبحان مقلب القلوب.
فإن عاودني الحنين بعد سنة أو سنتين فإنما ذلك لبعض الأغاني الشعبية، أو أغاني الريف والصعيد ذات المعاني المحببة على أنني لا أتمادى في السماع، فإن تماديت أحسست بالوحشة، وليست هذه الكراهة عن برهان شرعي انقدح في ذهني، وإنما هي كراهة ووحشة قُذفت في قلبي، ولا أعلم كيف جاءت، بل كانت تلاوتي للقرآن أربى، وكنت قبلاً لا أتعهده إلا في رمضان، أو فيما ندر.
وهكذا ظل بعض الأحباب ينقلون عني الصور المظلمة، ولا يكادون يذكروني بخير، فوهبت لهم عرضي، وهجرت أعز مجلس لدي، وأبقيت لسماحته الدعاء الصالح كلما ذكرته؛ فقد كان فاتحة خير لي دنيا وآخرة.
وأما ما يلاحظه عليَّ سماحته فيما أنشره أو أذيعه فقسمان: قسم حققته عن اجتهاد كتمسُّكي بأصول أهل الظاهر؛ فهذا لن أحُولَ عنه بعد أن كان يقيناً أو راجحاً عندي، وأرجو الله أن ألقاه صادقَ الاجتهاد نَزِيْهَهُ.(1/183)
وقسم غيره خير منه، أو أولى منه.
وهذا شيء أتمناه فكراً، وأعجز عنه سلوكاً.
وسماحته يرتسم سيرة الصحابة، وورع الإمام أحمد بن حنبل، وقد راض نفسه على ذلك، وأعانه عليه سلوك راشد يُتْعِب أكثر معاصريه، وتلاميذَه؛ فهنيئاً له، واللهم غفراً لنا جميعاً+.
لسماحة الشيخ×منهج متميز في الطلاق، وله اجتهادات كثيرة، ونظرات ثاقبة؛ فمنذ أكثر من ستين سنة قبل وفاته وهو يفتي بالطلاق؛ حيث اشتهر بذلك داخل المملكة وخارجها.
يقول سماحة الشيخ عبدالعزيز×: =جاءني رجل مطلق في عام 1362هـ وأنا قاضٍ في الخرج، وقال: أنا طلقت زوجتي؛ فآمل أن تنظر في موضوعي.
فقلت له: كيف طلقت ؟
قال: طلقت بقولي: زوجتي فلانة طالق بالثلاث.
فقلت له: بكلمة، أو كلمات ؟
فقال: بكلمة، فقلت له: هل سبقه أو لحقه طلاق ؟ قال: لا؛ هذا هو أول طلاق.
فقلت: وقع عليها بهذا الطلاق طلقة واحدة، ويبقى لها طلقتا ن.
ولم أكن أعلم بأن هذا الرجل قد أفتاه أحد العلماء الكبار، وإلا لم أجبه، ولم يخبرني_أيضاً_بأنه استفتى أحداً قبلي.
وبلغ ذلك الأمر الملك عبدالعزيز×فكتب إليّ معاتباً قائلاً: كيف تفتي والشيخ فلان سبق أن أفتاه ؟
فكتبت للملك، وأخبرته بأنني لم أعلم أن ذلك الشيخ أفتاه، ولو علمت أنه أفتاه هو أو من هو أقل منه علماً_لما أفتيته.
ومن المعلوم أن هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء؛ فالجمهور يرون وقوعه ثلاثاً، وبعض العلماء يرون أنه يقع به طلقة واحدة، وهذا هو الذي أعتقد صحته، وهو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيميه، وتلميذه ابن القيم_رحمهما الله_لما صح عن ابن عباس_رضي الله عنهما_عن النبي"أن الطلاق بالثلاث في عهد رسول الله"وخلافة أبي بكر÷وصدراً من خلافة عمر÷بكلمة واحدة يعد طلقة واحدة.
والحديث رواه مسلم في صحيحه.
يقول سماحته×: =منذ ذلك التاريخ والناس يأتون إليّ من كل مكان، ونسأل الله أن يبرئ الذمة+.
هكذا قال×.(1/184)
ومن المعلوم أن الله_عز وجل_قد نفع بسماحته في هذا الباب كما نفع به في غيره، وأن الله جمع به أسراً لا تحصى، وأزاح به من الهم والغم والحزن مالا يحصيه إلا الله.
ومنذ أن تعين قاضياً إلى ليلة وفاته وهو لا يكاد يمر عليه يوم إلا ويفتي في عدة معاملات تتعلق بالطلاق، بل قد ينهي منها في مجلس واحد بعد المغرب أو نحوه ما يزيد على عشر معاملات.
وإليك هذه النبذة اليسيرة التي تلقي الضوء على منهج سماحة الشيخ في الطلاق، وبعض آرائه فيه:
1_ يرى أن الطلاق البدعي لا يقع: وهو الطلاق في الحيض، والنفاس، أو في طهر حصل فيه جماع، وليست المطلقة حبلى، ولا آيسة إذا اتفق عليه الزوجان.
ودليله حديث ابن عمر_رضي الله عنهما_أنه طلق امرأته وهي حائض في عهد رسول الله"فسأل عمر رسول الله"عن ذلك، فقال: =مُرْهُ فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمسَّ، فتلك العِدَّة التي أمر الله أن تطلق لها النساء+ متفق عليه.
2_ أن الطلاق بلفظ: طالق، طالق، طالق، أو مطلقة، مطلقة، مطلقة، إذا لم ينو به الزوج إيقاع الثلاث يقع به طلقة واحدة، ويعد اللفظ الثاني والثالث من ألفاظ الطلاق مؤكدين للفظ الأول، ولا يقع بهما شيء؛ لعدم نيته؛ لأن النبي"يقول: =إنما الأعمال بالنيات+ الحديث.
3_ إذا قال المطلِّق: طالق طالق طالق بالثلاث_فإنه يقع به ثلاث طلقات، ولا يسأل المطلق عن نيته؛ لأنه فسره بقول: بالثلاث.
4_ إذا قال المطلِّق لزوجته: طالق بالثلاث أوقعها واحدة، وكذلك ما في معناه مثل: أنت طالق بالعشر، أو بالمائة، أو بالمليون كل ذلك يوقعه واحدة.
5_ إذا قال المطلِّق: طالق، ثم طالق، ثم طالق، وقع به ثلاث طلقات، ولا يسأله عن نيته؛ لأنه ثلاث جمل.
ومثله لو قال: هي طالق، هي طالق، هي طالق، أو قال: طالق، وطالق، وطالق.(1/185)
6_ إذا صدر الطلاق من الزوج في حال الغضب، واتضحت أسبابه، واعترف به الزوجان أو من حضره_لم يوقع الطلاق.
ويستدل بما رواه الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وصححه الحاكم عن عائشة_رضي الله عنها_أن النبي"قال: =لاطلاق و لاعتاق في إغلاق+.
وقد فسر جمع من أهل العلم، ومنهم الإمام أحمد×الإغلاق بالإكراه، والغضب الشديد.
ومما يقع به الغضب عنده أن تقول الزوجة لزوجها: لعنك الله، أو لعن والدك، أو والدتك، أو والديك، أو ياسربوت، أو يا حمار، أو يا كلب، أو ما أنت برجل، أو نحو ذلك، وما جرى مجراه؛ فسماحته×يقول: مثل هذه الألفاظ تغضب الرجل.
7_ إذا صدر الطلاق من الزوج، وادعى الغضب، ولم تتضح أسبابه الموجبة له_أوقع الطلاق.
أذكر_على سبيل المثال_أن معاملة طلاق أرسلها أحد القضاة بعد أن أخذ الأقوال فيها، فلما قرأتها على سماحة الشيخ×وإذا فيها: أن الزوج قد أمر زوجته بإحضار قهوة وتمر، فجاءت بالقهوة وتركت التمر، فغضب الزوج وطلقها ثلاث طلقات، فأفتاه سماحة الشيخ بوقوع الثلاث، ولم يلتفت إلى دعوى الغضب، وقال: هذا سبب لا يغضب الرجل، والمسألة ليست لعباً.
وجاءت معاملة ثانية، وذكر فيها أن الزوج والزوجة اختلفا في اختيار لون المروحة؛ فهو يريدها بيضاء، والزوجة تريدها زرقاء، فغضب عليها وطلقها ثلاثاً؛ فأفتاه سماحة الشيخ×بوقوع الطلاق ثلاثاً، فراجعه الزوج، فقال سماحته: هذا سبب لا يوجب الغضب.
8_ العناية الفائقة، والتحري الشديد: فهذا دأب سماحة الشيخ ومنهجه في قضايا الطلاق؛ حيث كان يعتني بقضايا الطلاق عناية عظيمة، وهذا من أسباب توفيقه، وتسديده؛ فأحياناً يطلب إحضار بعض الكتب، ويُقْرأ عليه كلام أهل العلم؛ فلا يملي الفتوى حتى يطمئن.(1/186)
وفي بعض الأحيان تكون المعاملة طويلة متداخلة، وفيها إشكالات كثيرة؛ فيؤجل النظر فيها، ونقرؤها عليه مرة، ومرتين، وثلاثاً، وكلما قرأتها عليه قال: في النفس شيء، وبعد ذلك يصدر الفتوى، ثم لا يفكر فيها، ولا يلتفت إليها.
ومما يدل على عنايته وتحريه أنه لا يفتي المطلِّق بناء على كلامه، بل يأمر بإحضار كل من له علاقة بالقضية، فيأمر بإحضار الزوجين، والولي لدى المحكمة، أو مركز الدعوة، أو لدى أحد المشايخ، وسؤالهم عن صيغة الطلاق، وهل سبقه أو لحقه طلاق إلى غير ذلك.
ومن مظاهر عنايته وشدة تحريه أنه ربما استخار للقضية الواحدة أكثر من مرة؛ ومن الأمثلة على ذلك أن الشيخ إبراهيم الحصين×قرأ عليه معاملة طلاق تزيد على خمسين ورقة، فأجَّل سماحة الشيخ الحكم فيها، وبعد أيام قال له الشيخ إبراهيم: يا سماحة الشيخ لعلكم تأملتم معاملة طلاق فلان ؟ وكان قد أخذ بيده بعد جلسة الفجر إلى داخل بيته؛ فوقف سماحته، وقال: اكتب؛ فأملى عليه الفتوى وقال: لقد تأملتها كثيراً، وصليت صلاة الاستخارة ثلاث مرات، وانشرح صدري لهذه الفتوى.
9_ الجَلَد العظيم، والتحمل، وعدم التضجر من كثرة قضايا الطلاق: إذ كان×حريصاً_كعادته_على نفع الناس، ولَمَّ شتات الأسر؛ ولهذا ترى المطلقين يلاحقون سماحته في كل مكان، سواء في العمل، أو المنزل، أو إذا كان في المدينة، أو مكة أو الطائف، أو الرياض.(1/187)
وكثيراً ما كان يأتي من الرياض إلى الطائف، أو مكة، أو إلى الرياض وما إن يصل إلى منزله إلا ويجد مُطَلِّقاً أو أكثر، وهم ينتظرونه عند باب المنزل، وأحياناً يشغلون سماحته وهو على الغداء، حتى إنه في آخر يوم من أيام دوامه في مرضه الذي توفي فيه لم يأت من المكتب إلا الساعة الثالثة إلا عشر دقائق ظهراً، وهو يعاني من شدة المرض، وقلة الأكل، حيث لا يتناول إلا كأساً من الحليب بعد الفجر، فقلت له: يا سماحة الشيخ_حفظك الله_الساعة الآن الثالثة إلا عشر دقائق؛ فقال: ماذا نعمل بأصحاب الطلاق ؟ من بعد الظهر نظرنا في أربع قضايا طلاق؛ حيث يسمع من الزوج والزوجة والولي ثم يفتيهم بما يراه.
ولقد جُمِعَتْ فتاوى الطلاق الصادرة بتوقيع سماحته، وبلغت سبعاً وعشرين ألف فتوى طلاق تقريباً.
هذا زيادة على فتاواه التي لم تسجل، كفتاواه لما كان قاضياً في الدلم، وفتاواه قبل ذهابه للجامعة الإسلامية، وفتاواه الشفوية، أو الخاصة التي لم تسجل.
وهذا دليل على بركة وقته، وثقة الناس به، وهو دليل_أيضاً_على جلده العظيم، وسعة باله، ورحمته بالناس.
ولهذا كثيراً ما كان يُخَاطِب مَنْ يعملون معه، مسلياً ومصبراً، فيقول: ارحموا هؤلاء المطلِّقين المساكين، واحمدوا الله الذي عافاكم، واعتبروا حتى لا تطلِّقوا.
10_ الحرص على الإصلاح، والنصح للمطلقين: فإذا لم يقع الطلاق فإن سماحته يعظ الزوجين، ويذكرهما بالله، ويحذرهما من أسباب الغضب، ونحو ذلك.
وإذا لم يكن الطلاق بائناً نصحهما بأن يتراجعا، ويقول للزوج: أرضها ببعض الشيء.
ويقول: ألا تريد أن أعقد لكما عقداً جديداً، وذلك إذا كانت العدة منتهية، وربما قال للزوج: أعطها ألفاً، أو ألفين.
وإذا حكم بالبينونة بين الزوجين ذكَّرهما بالعوض، وبقوله_تعالى_: [وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ] النساء: 130.
وإذا لاحظ تأثراً من الزوج قال: عُدَّها ماتت.(1/188)
11_ لا يندم بعد إصدار الفتوى: فسماحته×كان شديد التحري_كما مر_فإذا أصدر الفتوى لم يندم عليها، ولم يراجعها مرة أخرى، وطيلة مدة بقائي مع سماحته لا أعلم أنه ندم على فتوى من فتاوى الطلاق.
12_ لا تؤثِّر فيه عواطف الزوجين: فإذا تأمل القضية حق التأمل، ثم أصدر حكمه فيها لم يَثْنِه عنها شيء؛ فربما بكى الزوجان عنده، وتمسحوا عند قدميه، فيصرفهم، وينصرف إلى شأن آخر.
وربما قالت الزوجة: سأموت، فيقول: الموتى قبلكم كثير، طاعة الله، وحكمه مقدم.
وربما قال الزوجان: عندنا أولاد، فيقول: ولو كانوا مائة، لن يضيعوا، لا تضيعوهم، أحسنوا تربيتهم، ولو كنتم مفترقين، هل تريدون الحرام ؟ أسأل الله العافية.
13_ لا يخرج الناس من عنده إلا وهم راضون: فلا أذكر_على كثرة قضايا الطلاق_أن أحداً خرج من عند سماحته نادماً، أو قال: ليتنا ذهبنا إلى غيره، بل يخرجون من عنده وهم يلهجون بالدعاء له، والرضى بحكمه.
14_ إذا كان حكم الطلاق صادراً من أحد القضاة لم ينظر فيه: بل يصرف النظر عنه كليةً، وإذا قال القاضي الذي أصدر الحكم: لا مانع لدي من نظر سماحتكم لم يلتفت إلى ذلك، إلا إذا رجع القاضي عن حكمه رجوعاً صريحاً، وكتب لسماحة الشيخ بذلك.
وكثيراً ما يمر على الطلاق بين بعض الأزواج مدة طويلة، وهم لا يسألون؛ لاعتقادهم أن الطلاق قد حصل ولا يمكن الزوج أن يرجع إلى زوجته؛ فيأتيهم من يقول: اسألوا سماحة الشيخ عبدالعزيزبن باز؛ فإن كان لديهم صك تأمله سماحته، فإن رأى أنه يمكن النظر فيه؛ لكونه قديماً وجه للقاضي الذي أثبت الطلاق يستأذنه في النظر في الموضوع مع توجيه القاضي بسؤالهم: هل سبقه أو لحقه طلاق.
فإن كان ما ذُكر في الصك منهياً للطلاق أخبر المطلق بأن الموضوع قد انتهى، ولا سبيل إلى الرجعة، وأن العمل جارٍ على ما في الصك، وإلا أعاد النظر فيه مرة أخرى.(1/189)
15_ في كثير من الأحيان يأتي الزوج وهو يحمل همَّاً عظيماً؛ لأنه قد ندم على الطلاق، ولأن أولاده تشردوا وأنه يظن أن زوجته قد بانت منه؛ فإذا نظر فيها سماحته، ورأى أنها تعود؛ إما إنه قد وقع عليها طلقة، أو طلقتين، أو لم يقع شيء أصلاً_أصيب الزوج أو الزوجان، أو من معهما من الأولاد والأولياء بذهول عظيم، وفرح شديد، وربما حصل منهما من الفرح العارم ما هو خارج عن إرادتهم، فربما ضم الزوج زوجته أمام الناس، وربما قال: الآن أنام قرير العين، فأنا منذ كذا وكذا لم أذق للنوم طعماً، ولم أتلذذ بأكل أو شرب، وهكذا تقول بعض الزوجات.
16_ الصرامة، والشدة مع المتلاعبين في شأن الاستفتاء في الطلاق: فمع أن الشيخ لَيِّن العريكة، سمح، هين إلا أنه سرعان ما ينقلب أسداً هصوراً لا يلوي على شيء، وذلك إذا علم أن المُطَلِّق يريد نقض الحكم.
ويشتد غضبه إذا تبين له أن بعض المُطَلقين يريدون التحايل والتلاعب في فتوى صادرة في الطلاق؛ كحال بعض المطلقين الذين تصدر في حقهم فتوى بالبينونة، فيذهب إلى قاض آخر، أو إلى أحد المشايخ، فيغير كلامه الأول، ويفيد القاضي إفادة جديدة، ويخفي عليه الفتوى السابقة الصادرة.
وبعد أن يأخذ القاضي أو أحد المشايخ إفادته يرسلها إلى سماحة الشيخ للنظر فيها.
وذلك المطلق يريد نقض الفتوى الأولى الصادرة في حقه.
وبعد أن ترسل إلى سماحة الشيخ ينظر فيها بناء على الإفادة الجديدة دون علمه عن الفتوى السابقة، أو أنه قد صدر فيها صك.
فإذا تبين ذلك لسماحته استشاط غضبه، وكتب للمحكمة، أو للأمير، وأمر بإحالته، أو إحالتهما_إذا تواطآ على الكذب_إلى المحكمة، والحكم عليهما، وتأديبهما بما يردعهما؛ لتواطئهما على الكذب، وإخفائهما الفتوى السابقة أو الصك.(1/190)
وهذا يحصل مرات كثيرة، وأذكر من ذلك_على سبيل المثال_أن سماحة الشيخ أفتى في موضوع طلاقٍ ببينونة الزوجة، وأنها لا تحل له؛ فذهب ذلك المطلق والمطلقة إلى قاضٍ أخر وغيروا الكلام، وأُرْسلَت الإفادة إلى سماحته؛ فأفتى بأنه قد وقع عليها طلقة واحدة وبقي طلقتان بناء على الإفادة الجديدة.
فلما علم سماحته بذلك كتب إلى المحكمة، وطلب من المحكمة أن يُفَرَّق بينهما، وأن يعملوا بموجب الفتوى السابقة برقم كذا، وتاريخ كذا، وأن الواجب تأديب من قام بذلك، وتأديب ولي الزوجة إن كان عالماً بذلك.
فما كان من ذلك المتلاعب إلا أن اختفى، فصار سماحته يكاتب عدة محاكم، وبعد أن بلغت لَفَّات تلك المكاتبات اثنتين وستين ورقة_جاءت القضية من طريق أحد الأمراء يعتذر إلى سماحته عن المطلق، ويقول: إن المطلق لم يدخل بالمرأة بعد الفتوى السابقة، وأنه يرجو العفو.
فرد عليه سماحته بقوله: أرى أنه لابد من تأديبهما، وألا يلتفت إلى عذر المطلق، ولا يقبل منه أي عذر.
كان سماحة الشيخ×باذلاً شفاعته في كل وجه من وجوه الخير، فكان يبذل في ذلك السبيل ماله، وجاهه، ووقته، وعلمه؛ منطلقاً بذلك من قوله_تعالى_: [مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا]النساء: 85.
وقوله": =اشفعوا تؤجروا+ متفق عليه.
وكان×لا يكل، ولا يمل من بذل شفاعته، ولا يرد أحداً يطلب منه الشفاعة الحسنة كائناً من كان.
وكثيراً ما كان محبوه من المسؤولين وغيرهم يشيرون عليه بأن يخفف عن نفسه عناء هذه الشفاعات، ولكنه لا يلتفت إلى من يثنيه.
وقد كتب إليه أحد المسؤولين وقال له: نرى أن لا تشغل نفسك بكثرة الشفاعات؛ فالدولة جعلت دوائر كثيرة، وكلٌّ يرجع إلى الجهة التي يتبعها.
فرد عليه سماحة الشيخ بقوله: أنا أشفع؛ استجابة لقوله_سبحانه_: [مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا] النساء: 85، وقوله": =اشفعوا تؤجروا+.(1/191)
وأنا بشفاعتي أدلكم على الخير، وأرجو الأجر من الله؛ فإن استجبتم فأبشروا بالخير، وإن لم تستجيبوا فقد أديت ما عليَّ، وأنا لا ألزم أحداً.
فقال ذلك المسؤول: اتركوه يشفع لمن شاء.
وما كان سماحة الشيخ يشفع لأحد من الناس إلا ويريد بذلك وجه الله_فيما نحسبه والله حسيبه_.
ولقد قال في يوم من الأيام بحضرة أكثر من عشرين من طلبة العلم: والله ثم والله، ثم والله إنني لم أكتب في حياتي كتاباً إلا وأريد بذلك وجه الله.
وإليك نبذة عن بعض أنواع الشفاعة التي كان سماحته×يقوم بها:
1_ الشفاعة في رفع الظلم عن المظلومين سواء في الداخل أو الخارج.
2_ الشفاعة في منح الإقامة النظامية.
3_ الشفاعة في المِنَح الدراسية.
4_ الشفاعة في قبول الطلاب إذا توافرت فيهم الشروط.
5_ الشفاعة في قضاء الديون عن المدينين.
6_الشفاعة في تعمير المساجد، وبيوت الأئمة والمؤذنين في الداخل والخارج.
7_ الشفاعة في إصلاح الطرق والمرافق العامة.
8_ الشفاعة في إصلاح ذات البين، سواء بين الأفراد، أو الجماعات، أو الدول، وشفاعاته في هذا المضمار لا تكاد تحصى.
9_ الشفاعة في نقل المدرسين والمدرسات.
01_ الشفاعة في دعم المراكز والجمعيات الإسلامية.
11_ الشفاعة لبعض المسجونين في الداخل والخارج.
12_ الشفاعة في فتح المدارس، والمعاهد، والكليات الإسلامية.
13_ الشفاعة في افتتاح مراكز الدعوة والإرشاد.
14_ الشفاعات في الوظائف الحكومية لمن تتوافر فيهم الشروط.
15_ الشفاعات في التكفل بطباعة الكتب النافعة وتوزيعها.
16_ الشفاعة في بناء المدارس الخيرية.
17_ الشفاعة في علاج المرضى.
18_ الشفاعة في منح الرعوية السعودية.
19_ الشفاعة في إصلاح المناهج الدراسية، وإبعاد مالا فائدة فيه، وإبداله بما تقتضي المصلحة وجوده.
20_ الشفاعة في حفر الآبار، وسقي القرى والهجر.
21_ الشفاعة في تأمين سيارات لنقل الماء، وسقي المحتاجين إليه.(1/192)
23_ الشفاعة في تركيب مكائن الكهرباء للبيوت والمساجد.
24_ الشفاعة في تسوير المقابر، وحفظها من الامتهان.
25_ الشفاعة في إيصال الكهرباء إلى بعض القرى والهجر.
26_ الشفاعة في تأمين سيارات للدعاة خارج المملكة.
27_ الشفاعة في تعيين الأكفياء من الموظفين في جميع المجالات.
وقد ذكر سماحته×أنه لما كان قاضياً كتب لبعض المسؤولين يطلب تعيين شخص ليكون أميراً على قرية من القرى، فرد عليه ذلك المسؤول: بأن هذا ليس من اختصاصك، وهذا له جهة معينة، وأنت قاضٍ، وينبغي أن تترك مثل هذه الأمور.
فرد عليه سماحة الشيخ وقال: إذا كان القضاة والعلماء لا يدخلون في مثل هذه الأمور، فمن الذي يدخل ؟
القضاة أولى من غيرهم، فسكت ذلك المسؤول، واستجاب لشفاعة سماحة الشيخ.
وبالجملة فلا أعلم أنه عُرض عليه شيء، أو رأى أمراً يستدعي شفاعته صغر أو كبر إلا بادر إليه.
كل يوم يسن مجداً بديعاً
بفعال في المكرمات بديع(15)
هذه صورة مجملة للشفاعات التي كان يقوم بها سماحته×.
أما تفصيلها فلا يتسع المقام لذكره؛ فشرح واحدة من هذه الشفاعات يحتاج إلى كتاب مفرد، فكم رفع بسببه من الظلم، وكم منحت لأجله من إقامة، وكم من المنح الدراسية التي قبلت شفاعته بها، وكم من ملايين الريالات قد سُدِّد بها ديون عن طريقه، وكم من المساجد التي عمرت وجهزت تماماً بفضل الله ثم جهده وشفاعته، وكم من الطرق، والمرافق العامة قد أصلحت بسببه، وكم من ذاتِ بين اجتمعت بعد فُرقتها بسببه، وكم من الجمعيات والمراكز الإسلامية تقوم بعد توفيق الله على دعمه وتأييده، وكم أفرج بسببه من المسجونين، وكم، وكم، فماذا تقول وماذا تدع؟
=منهجه في الشفاعة+(1/193)
سماحة الشيخ×لا يرد أحداً يطلب الشفاعة، ولكنه يتثبت قبل أن يشفع، فإذا تقدم إليه مَدِين_على سبيل المثال_وطلب الشفاعة من سماحته طلب منه سماحة الشيخ أن يثبت دَيْنَه بالبينة الشرعية، فيطلب منه أن يَحْصُر دينه، وأن يأتي بشاهدين عدلين يكتبان شهادتهما، وأن يزكيهما شخص معروف لدى سماحته، أو أن يكون المزكي قاضي البلد أو غيره من العدول، ولا يقبل تزكية أحد غير معروف بالعلم والفضل ولو كثروا.
فإذا استوفى ذلك شفع سماحته لدى المحسنين مهما كان الدين، حتى لو بلغ ملايين الريالات، فهذه طريقة سماحته مع القريب والبعيد.
وكثيراً ما يطلب بعضُ أقاربه، أو معارفه أن يشفع لهم في قضاء دين، أو تأمين سكن، فيطلب منهم كغيرهم إثبات الدين أو الحاجة بالبينة الشرعية.
ولو أن أحداً من خاصة موظفيه طلب منه الشفاعة طلب منه إثبات ذلك بالبينة الشرعية، ولو كان ذلك ممن عاش مع سماحته أعواماً عديدة، أو كان ممن يعرفه بالصدق والورع؛ فهذا سرٌّ من أسرار ثقة الناس به، وقبولهم لشفاعته.
ولهذا كثيراً ماكانت تقبل شفاعته، وتسدد الديون عن طريقه؛ فهو لا يبالي بكثرة الدين ولا قِلَّته، ويقول: الذي علينا الشفاعة، والتوفيق بيد الله.
وإذا تقدم إليه أحد المقيمين في المملكة، طالباً الشفاعة بمنحة الرعوية السعودية طلب منه سماحته أن يكتب معه بعض العلماء المعروفين بالفضل والعلم، ويطلب منهم سماحته أن يبينوا معرفتهم بالمشفوع له، ويطلب تزكيته بأنه معروف بالعقيدة السليمة، والسيرة الحميدة.
وبعد أن يتأكد من حسن حاله، وسلامة عقيدته، وبيان أسباب طلب الشفاعة_يشفع له لدى الجهات المختصة.(1/194)
وهكذا الشفاعة في منح الإقامة النظامية لبعض المقيمين؛ فقد شفع لآلاف من الناس، فنفعهم الله بذلك؛ حيث واصلوا طلب العلم هم وأبناؤهم، وصَفَتْ عقائدهم، وتعلموا العقيدة الصحيحة، والعلم الشرعي؛ فمنهم من درس إلى أن أكمل المرحلة الجامعية، ومنهم من واصل دراسته، ومنهم من يذهبون إلى بلادهم وهم يحملون العلم الصحيح، فينفعون قومهم، ومنهم من أسس مركزاً إسلامياً أو مدرسة أو معهداً، أو أنشأ حلقة علم، أو تقلد إمامة جامع وخطابته، ومنهم من تقلد منصباً كبيراً في بلاده.
إلى غير ذلك من تلك الأعمال التي يرجى أن تكون من الحسنات التي تمتد، وتبقى لسماحته إلى يوم القيامة.
=نماذج من طريقته في الشفاعة+
سماحة الشيخ_كما مر_محب للشفاعة، حريص على نفع الناس، شديد التحري في إثبات البينة الشرعية.
ولم يكن×يجامل أحداً في إثبات البينة، ولم يكن ملولاً من كثرة ما يكاتب أصحاب الشفاعات؛ فإذا لم تثبت لديه البينة الشرعية كاتب طالب الشفاعة، أو من يشفع للناس عند سماحته، وأوضح لهم أن الأوراق ناقصة، أو أن البينة ناقصة، أو أن الشهود غير مُزَكَّيْن، أو أن الشاهد الواحد لا يكفي.
وأذكر أن شخصاً كتب لسماحة الشيخ بواسطة بعض المحاكم، فأعادها سماحة الشيخ إلى المحكمة خمس مرات، إما أنه يطلب بيان ذلك بشهود عدول، أو تعديل المزكين، أو بيان أسباب الدين إلى غير ذلك.
فإذا ثبت عنده الدين بالبينة الشرعية بادر إلى الشفاعة في قضائه، وشكر من سعى في الشفاعة.
وإليك نماذج من مكاتباته في هذا الشأن:
1_ كتب أحد رؤساء المحاكم لسماحة الشيخ بشأن رجل عليه دين قدره ستة وسبعون ألفاً وسبعمائة ريال، وأرسل معه الأوراق المرفقة.
فأجابه سماحة الشيخ بقوله:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته بعده
أرجو الإفادة هل المذكور خلَّف تركة يمكن أن يوفى الدين منها ؟
شكر الله سعيكم، وضاعف أجركم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
…………عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
…………20/5/1418هـ(1/195)
2_ وكتب رئيس إحدى المحاكم لسماحة الشيخ بشأن رجل عليه دين قدره ثمانمائة وأربعة وسبعون ألفاً وثلاثمائة ريال، وشرح له الدين.
فأجابه سماحة الشيخ بقوله:
نرى إثبات الدين، وأسبابه، والعجز عن تسديده بشاهدين عدلين، ثم الإفادة، حتى نشفع له إن شاء الله لدى بعض أهل الخير.
شكر الله سعيكم، وضاعف أجركم، وأوفى عنا وعنكم وعنه وعن كل مسلم كل حق؛ إنه جواد كريم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
……………عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
……………20/8/1418هـ
3_ وكتب أحد المشايخ المشهورين المعروفين لدى سماحة الشيخ بشأن واحد من الناس ركبه دين يقارب مائتي ألف ريال وهو محبوس، لأن بعض غرمائه أبوا إلا السداد، وأفاد بأنه فقير، ويسكن في بيت أجرة وهو عاجز عن السداد، وصاحب المنزل يطالبه بالأجرة، وأفاد بأن وظيفته مهددة، وأولاده ضائعون بسبب سجنه.
وبعد ذلك طلب من سماحة الشيخ الشفاعة.
فرد عليه سماحة الشيخ بقوله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. بعده
نرى إثبات دينه بالتفصيل، وعجزه عن التسديد بالبينة الشرعية.
وإذا كان فضيلتكم لديه علم بذلك فأرجو إثبات ذلك بشاهد آخر ثقة؛ حتى يكون ذلك أقرب إلى النجاح، وأعْون على تحصيل المطلوب من أهل الخير.
شكر الله سعيكم، وضاعف أجركم، ويسر أمره، وأمر كل مسلم إنه سميع قريب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
…………عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز
…………30/9/1418هـ
4_ وكتب إليه أحد الدعاة المشهورين المقربين من سماحة الشيخ كتاباً قال فيه:
صاحب السماحة الشيخ الوالد عبدالعزيز بن عبدالله بن باز حفظه الله ورعاه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد(1/196)
طلب إلينا بعض الفضلاء أن نشفع لدى سماحتكم للمواطنوذلك لمساعدته في قضاء دينه؛ حيث أودع السجن منذ عام، ولم يستطع تسديد ما عليه، وله عائلة كبيرة مكونة من زوجة، وتسعة أطفال، إضافة إلى والده، ووالدته الكبيرين في السن، وقد كتب معه فضيلة الشيخومجموع الديون ستة وسبعون ألفاً ومائة ريال؛ فلعل سماحتكم يكسب أجره، ويُطْلَق سراحه على أيديكم؛ ليتمكن من القيام على شؤون عائلته.
بارك الله فيكم، ونفع بعلمكم، وحفظكم من كل مكروه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
20/9/1418هـ
فأجابه سماحة الشيخ بقوله:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته بعده
نرى إرفاق الصك المتضمن للدين، والعجز عن التسديد، أو صورته، وبعد ذلك أنظر في الأمر إن شاء الله.
شكر الله سعيكم، ويسر أمره وأمر كل مسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز
26/9/1418هـ
5_ وكتب الداعية الآنف الذكر لسماحة الشيخ الكتاب التالي:
صاحب السماحة الشيخ الوالد الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز حفظه الله ورعاه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
طلب منا بعض الفضلاء أن نشفع لدى سماحتكم للشاب... لمساعدته مالياً، أو تخصيص إعانة شهرية أو سنوية له، وذلك لأنه معاق إعاقة مُخيِّة، ويتحرك على كرسيٍّ متحرك يحتاج إليه طول حياته، ووالده فقير، نعرض موضوعه على سماحتكم حفظكم الله لمساعدته بما ييسر لكم.
بارك الله فيكم، وأحسن جزاءكم، ونفع بكم المسلمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
22/9/1418هـ
فأجابه سماحة الشيخ بما يلي:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد
نرى إثبات فقره وعجزه بالبينة الشرعية، ثم الإفادة.
شكر الله سعيكم، وضاعف أجركم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز
24/9/1418هـ
6_ وكتب أحدهم يشفع لبعض المحتاجين، فرد عليه سماحة الشيخ بقوله:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد(1/197)
نرى إثبات حاجة المذكور بالبينة الشرعية لدى فضيلة الشيخ عبدالله ابن عبدالرحمن الجبرين، عضو الإفتاء، أو لدى فضيلة الشيخ عبدالعزيز الحمدان، مدير عام فرع وزارة الشؤون الإسلامية بمنطقة الرياض، وبعد ذلك أنظر في الموضوع، وفق الله الجميع لما يرضيه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز
21/6/1418هـ
7_ وكتب أحد الوافدين يطلب مساعدة الشيخ في علاج ابنته في كتاب طويل، فأجابه سماحة الشيخ بقوله:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد
نعيد إليكم المعاملة المتعلقة برغبتك في الشفاعة في علاج ابنتك في أمريكا، ونرى إثبات عجزك عن نفقة العلاج بشاهدين عدلين من العارفين بحالك لدى فضيلة الشيخ عمر بن محمد فلاته، ثم إعادة المعاملة، ونحن نشفع لك إن شاء الله.
وفق الله الجميع لما يرضيه، ومنَّ على ابنتك بالشفاء والعافية؛ إنه جواد كريم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز
27/6/1418هـ
والأمثلة من هذا القبيل كثيرة جداً، وإذا استوفى طالب الشفاعة ما يطلب منه من إثبات البينة الشرعية ونحوها بادر سماحته بالشفاعة له عند أهل الخير والإحسان.
وإذا حصلت الموافقة على الشفاعة سواء كانت مالية أو علاجية، أو نحو ذلك_كتب سماحته إلى صاحب الطلب، أو إلى الشيخ أو القاضي الذي كتب معه، وأرسل المبلغ، أو الموافقة.
وإذا كان الطلب منزلاً أو نحو ذلك كتب إلى الساعي في الطلب، وطلب منه أن يعرض بناء المنزل على أهل الخبرة من المقاولين، ثم يكلف به أنسبهم، وهكذا. .
وإليك أيها القارئ نماذج من ذلك؛ وأمثالها كثير جداً لا يكاد يحصر.
1_ من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم صاحب الفضيلة الشيخوفقه الله لما فيه رضاه آمين
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته بعده(1/198)
بناء على ما ذكره فضيلتكم في رسالتكم المرفقة صورتها، وما ذكره الشيخ =فلان وفلان+ في الوثيقة المرفقة صورتها من الدين الذي في ذمة الأخ في الله فلان
وهو مبلغ مائتين وألف وستمائة وواحد وسبعين ريال 201671 كتبتُ لخادم الحرمين الشريفين حفظه الله بواسطة سمو الأمير عبدالعزيز في الموضوع، وتبرع بالمبلغ المذكور، وهو إليكم بشيك راجياً من فضيلتكم احتساب الأجر في توزيعه بين الغرماء بطريقة سرية.
شكر الله سعيكم، وضاعف لنا ولكم ولخادم الحرمين الشريفين، ولسمو الأمير عبدالعزيز الأجر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مفتي عام المملكة العربية السعودية
26/3/1417هـ
2_ من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخوفقه الله لما فيه رضاه آمين
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد
فبناء على ما كتبه إليَّ فضيلتكم في كتابكم المرفق عن الدين الذي في ذمة الأخ في اللهالبالغ مائة وثلاثة وتسعين ألف ريال 193000 أشفع لكم شيكاً بالمبلغ المذكور راجياً توزيعه بين الغرماء، وهو من بعض المحسنين، شكر الله سعيكم، وضاعف لنا ولكم وللمتبرع الأجر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مفتي عام المملكة العربية السعودية
25/1/1416هـ
3_ من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخوين الكريمين الشيخ. . .، والشيخوفقهما الله لما فيه رضاه آمين
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد
فقد اطلعت على الكتاب الموجه إليَّ منكما حول حاجة الأخت في اللهإلى البيت الذي تم شراؤه بمبلغ مائة وستين ألف ريال، 160000 وبناء على ذلك أشفع لكم شيكاً بالمبلغ المذكور من بعض المحسنين راجياً إكمال اللازم.
شكر الله سعيكم، وضاعف أجركم؛ إنه جواد كريم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مفتي عام المملكة العربية السعودية
20/12/1417هـ
4_ وهذا جواب لكتاب يطلب فيه الشافع أن يُخَصَّص راتب شهري لأحد الإخوان؛ فأجاب سماحته بقوله:(1/199)
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته بعده
قد رأينا تعيين ألف ريال كل شهر للمذكور بواسطتكم من فاعل خير ابتداء من المحرم 1415هـ إلى أن يغنيه الله عنها.
وإليكم برفقه شيكاً بمبلغ أربعة آلاف ريال 4000 عن الشهور الأربعة المنصرمة، أرجو تسليمها بيده.
شكر الله سعيكم، وضاعف مثوبتكم، وجعلنا وإياكم ممن يعين على نوائب الحق، وبارك في الأخالمذكور، ويسر أمره، ونفع به المسلمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مفتي عام المملكة العربية السعودية
25/5/1415هـ
5_ من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخوفقه الله لما فيه رضاه آمين
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد
نشفع لكم شيكاً بمبلغ أربعين ألف ريال 40000 مقابل ما ذكرتم أنكم صرفتموه لطبع بعض الكتب، وتوزيعها مع بعض الأشرطة، وأشياء تتعلق بالدعوة إلى الله_سبحانه_.
وفق الله الجميع لما يرضيه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مفتي عام المملكة العربية السعودية
=مواقف لا تنسى من شفاعاته+
شفاعة سماحة الشيخ بأنواعها المتعددة لا يمكن حصرها، وقل أن يمر عليه يوم، بل مجلس دون شفاعة لأحد.
والمواقف العظيمة في باب الشفاعة لسماحته كثيرة جداً، وإليك هذه المواقف العظيمة شاهداً على ذلك.
1_ شفاعته لدعاة في الصومال: ففي عام 1409هـ حُكم في دولة الصومال إبان رئاسة سياد بري على عشرة من الدعاة التابعين للرابطة، والرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالإعدام؛ فجاء بعض العلماء إلى سماحة الشيخ، وطلبوا منه الشفاعة في أمرهم لدى حكومة المملكة؛ أملاً في التوسط لدى حكومة الصومال؛ لحقن دماء أولئك.(1/200)
فما كان من سماحته إلا أن اتصل بصاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني، وطلب منه الشفاعة؛ فاستجاب سموه لطلب الشيخ، واتصل بحكومة الصومال، وطلب منهم العفو عن أولئك الدعاة، فاستجابت حكومة الصومال على أن يكتفى بالسجن، ويلغى الإعدام.
وبعد مدة أعادوا الكَرَّة، وطلبوا من سماحة الشيخ أن يشفع في إخراجهم من السجن، وقالوا: إنه حصل ضرر على أولادهم من جراء سجنهم، وقد مكثوا مدة طويلة في السجن.
فاتصل سماحته مرة أخرى بولي العهد مجدداً الشفاعة، فاتصل ولي العهد بالحكومة الصومالية على الفور، وذلك ليلة عيد الفطر، فقبلت شفاعته، وأفرج عنهم، وحلت الفرحة في بيوتهم، وارتفعت الدعوات منهم ومن ذويهم لمن تسبب في إخراجهم.
وبعد أن تم الإفراج عن أولئك بعث سماحة الشيخ كتاباً رائعاً إلى صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز يشكره على موقفه النبيل، وشفاعته الحسنة.
وإليك نص ذلك الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الرقم: 1732/خ
التاريخ: 5/12/1409هـ
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة صاحب السمو الملكي الأمير المكرم عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب خادم الحرمين الشريفين حفظه الله من كل سوء، ونصر به الحق آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:(1/201)
فقد وصلتني رسالتكم الكريمة المؤرخة في 30/11/1409هـ وصلكم الله بحبل الهدى والتوفيق، واطلعت على مشفوعاتها وهي صورة من الرسالة الموجهة من سموكم إلى فخامة الرئيس محمد زياد بري في تاريخ 12/9/1409هـ المتضمنة الشفاعة من سموكم لدى فخامته في إطلاق سراح الدعاة السجناء الشيخ الشافعي محمد ورفقاه، وصورة جوابه لسموكم المؤرخ في 20/10/1409هـ المتضمن الإفادة بالاستجابة لشفاعة سموكم والأمر بإطلاق سراحهم وأن ذلك قد تم في عشية عيد الفطر، وصورة جواب سموكم لفخامته المؤرخ في 29/11/1409هـ المتضمن شكر سموكم لفخامته على الاستجابة.
وقد سرني كثيراً ما تضمنته الرسائل وحمدت الله سبحانه على ما منَّ به على سموكم من الشفاعة لهؤلاء المساكين، وما منَّ به عليهم بأسبابكم من العفو من فخامة الرئيس جزاه الله خيراً، وأصلح قلبه وعمله حتى تم إطلاقهم.
كما سرني كثيراً ما أشار سموكم إليه مما جبلكم الله عليه من محبة العفو والإحسان إلى الغير وكظم الغيظ، والحرص على بذل الشفاعة، والعفو فيما لا يعطل حداً من حدود الله، ولا يحل حراماً، ولا يحر م حلالاًإلخ.
إنها لنعمة من الله عظيمة تفضل بها_سبحانه_على سموكم وشرح صدركم لها، فأسأل الله أن يزيدكم من فضله، وأن يجعلكم مفاتيح خير، ومغاليق شر، وأن ينصر بكم الحق وأهله ويخذل بكم الباطل وأهله، وأن يعينكم على ذلك ما بقيتم، ويمنحكم البطانة الصالحة.(1/202)
وإن كتاب الله العزيز، وسنة رسوله الأمين كلاهما يدعو إلى العفو، ويشيد بفضل أهله، وكلاهما يحث على الإحسان، وكظم الغيظ، والشفاعة في الخير، كما قال الله_عز وجل_: [وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى] البقرة: 237، وقال_سبحانه_في وصف المتقين: [وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ] آل عمران: 134 ويقول_عز وجل_: [وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ]المائدة: 2.
ويقول النبي"فيما صح عنه: =ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه+.
وكان يقول_عليه الصلاة والسلام_لأصحابه_رضي الله عنهم_إذا جاءه طالب حاجة: (اشفعوا تؤجروا ويقض الله على لسان نبيه ما شاء).
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يمنحكم المزيد من التوفيق لكل خير، وأن يعينكم على ما فيه صلاح العباد والبلاد، وأن يمنحكم طول العمر في حسن العمل؛ إنه جواد كريم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
2_ شفاعته لدى حكومة تونس في شأن بعض الدعاة والعلماء: ففي تونس إبان حكم الرئيس الأسبق أبو رقيبة، حُكِم بالإعدام على جماعة من المسلمين من بينهم علماء، ودعاة، وغيرهم؛ فضاقت بالناس الحيل، والتفتوا يمنة ويسرة، ولم يجدوا من يطرقون بابه_بعد الله_إلا سماحة الشيخ؛ فجاءوا إليه، وقالوا: يا سماحة الشيخ! إخوانكم ينتظرون ما تقومون به لحقن دمائهم، ويأملون منكم الشفاعة لدى حكومة المملكة؛ رجاء التكرم بالشفاعة لدى حكومة تونس؛ لعل الله أن يحقن دماءهم، فيسلموا من الإعدام.(1/203)
فهب سماحته من فوره_كعادته_وقال: نشفع_إن شاء الله_ولعل الله يكتب الخير لهم؛ فاتصل سماحته بصاحب السمو الملكي الأمير عبدالله ابن عبدالعزيز ولي العهد، فاستجاب سموه، واتصل بحكومة تونس، وبعد أخذٍ ورد قبلوا شفاعة سموه، ووافقوا على إلغاء الإعدام، والاكتفاء بالسجن.
وما هي إلا أيام ثم زال حكم الحاكم السابق، وحكم الذي بعده، وتم الإفراج عن المساجين بموجب عفو عام، فخرجوا إلى أهليهم فرحين بالسلامة من السجن والإعدام، ضاعف الله لسماحة الشيخ، ولسمو ولي العهد الأجر والمثوبة.
3_ شفاعته لشيخ مسنٍّ مسلم روسي: في عام 1411هـ أيام انعقاد المؤتمر في رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة بمناسبة عدوان العراق على دولة الكويت_جاء رجل كبير في السن ذو هيبة ووقار، وعلامات الصلاح عليه ظاهرة.
فلما رأى سماحة الشيخ أقبل عليه، وقال: أحقاً هذا هو الشيخ ابن باز ؟ فقلت: نعم، فتقدم وسلم عليه، وقال: الحمد لله أنني رأيتك يا سماحة الشيخ، نحن نسمع بك، ونتمنى أن نراك، أنا من الاتحاد السوفييتي، جئت إلى المملكة العربية السعودية بقصد الهجرة، وأنت يا سماحة الشيخ تعيش بيننا هناك.
فسألتُ ذلك الرجل: ماذا تعرف عن سماحة الشيخ، وأنت في الاتحاد السوفييتي ؟
فقال: سبحان الله! ماذا أعرف عن الشيخ ؟ الشيخ إمام، وقد تمر مئات السنين ولا يأتي مثله، أنا منذ خمسة عشر عاماً وأنا أتابع برنامج نور على الدرب، وقد استفدت منه كثيراً.
ثم تقدم إلى سماحة الشيخ قائلاً: إنني مهاجر بديني، وأرغب أن أقضي بقية عمري بجوار بيت الله الحرام في مكة المكرمة؛ فآمل من سماحتكم التكرم بالشفاعة لي؛ كي أُمنح الإقامة النظامية.(1/204)
فقال: سماحة الشيخ×: لابأس، ائت بتعريف، وأنا أشفع لك، فأتى بما طلبه منه سماحة الشيخ، فشفع له، ورتب له مقرراً شهرياً، واعتنى به، وكلما ذكره سأل عنه، ويقول له سماحة الشيخ: ستبقى هنا، وسوف نسعى لك بالزواج؛ لأن زوجة ذلك الرجل تركته، ومازال في كنف سماحة الشيخ حتى توفي سماحته×وأجزل له المثوبة_.
4_ شفاعاته في الإصلاح بين المجاهدين الأفعان، وسيأتي ذكر لذلك.
5_ شفاعته في الإصلاح بين مصر والسودان حول مسألة حلايب، والخلاف فيها؛ فقد كتب سماحته إلى الرئىس المصري حسني مبارك، واقترح أن تكون لجنة على مستوى رفيع من أهل العلم بالشرع ليحكموا في الموضوع بما يقتضيه الشرع، وبين له أن التحاكم إلى محكمة العدل الدولية لا يجوز، وأن الواجب التحاكم إلى الشرع المطهر.
يعد سماحة الشيخ×في طليعة المجاهدين في هذا العصر، وذلك في شتى ميادين الجهاد وأنواعه؛ سواء كان ذلك جهاد الكلمة، أم جهاد الدعوة، أم جهاد التعليم، أم جهاد المنكرات والبدع، أم جهاد أعداء الإسلام في حومات الوغى.
ولعل الحديث في هذه الفقرة يقتصر على النوع الأخير من أنواع الجهاد ألا وهو الجهاد في سبيل الله في ميادين المعارك.
فسماحة الشيخ×له القِدْحُ المعلى في هذا الباب؛ فهو_وإن كان معذوراً عند الله؛ إذ هو أعمى وليس على الأعمى حرج_إلا أنه كان يعيش في قلب المعامع بدعمه، وتأييده، ونصحه، وبذله، وحضه، وحثه، وتحريكه الهمم، وحرصه على رأب الصدع، وجمع الكلمة، ومتابعة أخبار الجهاد، وبذله الدعاء للمجاهدين، والقنوت لهم في الصلوات المفروضة.
فكان ذلك دأبه، وديدنه مع كل جهاد يقوم للمسلمين في أي صقع من أصقاع الأرض؛ فإذا سمع بأن هناك جهاداً قام بتأييده، ونصرته وحث الناس على ذلك.
وإذا اعتدى معتدٍ على أي بلد من بلدان المسلمين هبَّ غيرةً لله، وإباءً لأن يضام أحد من المسلمين، أو أن يُمَسَّ بلفحة ضيم، أو قهر عدو؛ فأصدر بيانات الإنكار والتنديد.(1/205)
وإذا شعر بأن الناس قد تخاذلوا في نصرة الجهاد حركهم وحثهم، وبين لهم فضل الجهاد، وحذرهم من عاقبة الإخلاد إلى الأرض، وخذلان المسلمين.
وإذا رأى خلافاً في صفوف المجاهدين، وتفرقاً في كلمتهم بادر إلى الكتابة إليهم مناصحاً، مشفقاً، مبيناً لهم فضل الاجتماع والائتلاف، محذراً لهم من شر الفرقة والاختلاف.
ولا يزال المسلمون يتذكرون مواقفه المشرفة من الجهاد في أفغانستان، وكشمير، والبوسنة والهرسك، وكوسوفا، والشيشان، والفلبين وغيرها.
ولا يزالون يتذكرون دعمه المتواصل، وبياناته القوية للمجاهدين.
ولا يزالون يتذكرون كلماته الحانية التي تدعو المجاهدين لتوحيد الصفوف ورأب الصدع، ويتذكرون دعواته الصادقة، وبياناته المشرفة، ودعمه المتواصل.
1_ وإليك مثالاً يدل على حرصه على اجتماع كلمة المجاهدين؛ فهذا المثال عبارة عن كلمة وجهها لقادة المجاهدين الأفغان في تاريخ 25/7/1406هـ.
وذلك لما شعر بوجود فجوة بين القادة، وقبل أن يوجه تلك الكلمة رشح لجنة، واجتمع بها، وقرر أن تسافر إلى أفغانستان؛ للاجتماع مع القادة، والحرص على تقريب وجهات النظر بينهم.
وقد كان ذلك الاجتماع في 19/7/1406هـ وقد أسفر ذلك الاجتماع عن المذكرة التالية التي جاءت تحمل عنوان: (مذكرة مهمة) وجاء تحتها ما يلي:
=اجتمعنا بأصحاب الفضيلة الشيخ عبدالمجيد الزنداني، والشيخ صالح الحصين، والشيخ سعد الحصين في صباح السبت 19/7/1406هـ، وصباح يوم الأحد 20/7/1406هـ عبدالمجيد وسعد خاصة، واتفق الرأي على أن يسافر وفد إلى باكستان في 15 شوال 1406هـ للاتصال بقادة الجهاد الأفعاني المشايخ سياف، وقلب الدين، وبرهان الدين؛ للتوفيق بينهم وبين الشيخ جميل الرحمن، وجمع كلمتهم مع العناية بأمور الدعوة، والتعليم في المهاجرين، واهتمام الجميع بالعقيدة الصحيحة، والتحذير مما يخالفها بالطرق المناسبة التي لا يترتب عليها إن شاء الله تصدع، ولا خلاف.(1/206)
واتفقنا على تكوين الوفد من الشيخ عبدالمجيد الزنداني، والشيخ صالح الحصين، والشيخ نزار الجربوع، وينضم إليهم الشيخ عبدالعزيز ابن عتيق مدير مكتب الدعوة في باكستان، ويعينهم بما يحتاجون إليه من سيارة وغيرها، واتفقنا على إعداد أربع رسائل لكل من الإخوة المشايخ سياف وقلب الدين، وبرهان الدين، وجميل الرحمن تشتمل على بيان أهداف الوفد، والنصيحة لكل منهم بما يشجع على التوجه إلى العقيدة الصحيحة، والجهاد؛ لتكون كلمة الله هي العليا.
والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
ملاحظة: نظراً لعدم تيسر توجه الشيخ نزار الجربوع فقد رأينا إرسال فضيلة الشيخ عبدالله بن صالح القصير، العضو في إدارة الدعوة والإرشاد في الداخل بدلاً عنه.
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والافتاء والدعوة والإرشاد
ثم وجه بعد ذلك×الرسالة التالية التي حملها الوفد إلى القادة الأربعة في 25/7/1406هـ.
وسترى أن هذه الرسالة تحمل معاني الود، والنصح، والشفقة، وتدل على كِبَر قلب صاحبها، وبُعْد نظره، وسعة أُفْقه.
وهذه الرسالة أرسلها إلى كل من: عبدرب الرسول سياف، وبرهان الدين رباني، وقلب الدين حكمتيار، وجميل الرحمن×.
وقد أرسل لكل واحد منهم رسالة خاصة تحمل اسم القائد وحده.
وقد صدَّر كل رسالة بقوله:
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى فضيلة الشيخ برهان الدين رباني.
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى فضيلة الشيخ جميل الرحمن.
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى فضيلة الشيخ عبدرب الرسول سياف.
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى فضيلة الشيخ قلب الدين حكمتيار.
ثم يقول: بعد ذلك:
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد(1/207)
فلقد كنت حريصاً على متابعة جهادكم وإخوانكم في أفغانستان، وانتصاراتكم المتتابعة على قوى الظلم، والكفر والاستعباد، وعلى بذل النصيحة لكم جميعاً، والدعاء للجميع بالنصر والتأييد، وعلى دعوة المسلمين في المملكة العربية السعودية، وغيرها لمد المجاهدين والمهاجرين بالعون كل بحسب قدرته.
وكنت على ثقة بنصر الله للمجاهدين في سبيله، ولم يؤثر في ثقتي بالنصر ما نعرفه جميعاً من قوة العدو، وكثرة عدده وعدته؛ فمعية الله بالنصر والتأييد لعباده المؤمنين أعظم وأقوى.
ولكن أخوف ما كنت أخافه على هذه الأمة المسلمة أن يضعف عزمها عن الجهاد مع طول الأمد، أو يتفرق قادتها عن يأس، أو هوى، أو طمع.
ولقد حرصت كما حرص غيري من خواص إخوانكم على رأب الصدع الذي تعرضت له قيادة الجهاد الأفغاني مرات عديدة، وجمع الشمل على كلمة سواء.
وقد آلمني الخلاف الذي نشأ بينكم أخيراً وبين الشيخ جميل الرحمن، وهو الذي عرفناه شريكاً لكم في الاجتهاد لنشر العقيدة الصحيحة في الشعب الأفغاني، واتباع السنة في القول والعمل، ونشرها في الشعب الأفغاني.
وأعجب! كيف ينشأ الخلاف بين شركاء في المنهج، والمسلك، والغاية، ولكن صدق الله العظيم: [وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً] الإسراء: 53.
وقد رأيت إرسال وفد لزيارتكم في الله، والتعرف على أحوالكم، والسعي للإصلاح بينكم تنفيذاً لأمر الله_عز وجل_في قوله: [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ] الحجرات: 10، وقوله_تعالى_: [وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى] المائدة: 2.(1/208)
راجياً التفضل بمساعدة هذا الوفد على الاتصال بالمَعنيِّين؛ لتبادل وجهات النظر، وإزالة أسباب الخلاف، وتوحيد الموقف في ظل الأخوة الإيمانية القائمة على العقيدة الصافية، والعلم الشرعي، والدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله؛ لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.
ويتكون هذا الوفد من فضيلة الشيخ: عبدالمجيد الزنداني، ومعالي الشيخ صالح الحصين، وفضيلة الشيخ نزار الجربوع، وينضم إليهم فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عتيق مدير مكتب الدعوة في الباكستان.
وهم من نحسبهم من أكثر الناس اهتماماً بهذا الأمر، واطلاعاً على واقعه، وبعداً عن التعصب.
وأسأل الله_عز وجل_أن يوفق الجميع لما فيه رضاه، وأن يجمع كلمة المجاهدين، وقادتهم على الحق والهدى، وأن ينصر بهم دينه، ويعلي بهم كلمته، ويذل عدوهم، ويفرق شمله، وأن ينزل الرعب في قلوب قادته وأفراده؛ إنه سميع قريب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
ختم سماحة الشيخ
2_ وهذا مثال آخر يدل على عنايته بالجهاد الأفغاني، وهو عبارة عن كتاب بعثه إلى القائد الأفغاني برهان الدين رباني في 8/10/1402هـ، وذلك لما شعر سماحته ببدايات الفجوة بين قادة المجاهدين.
وإليك نص الكتاب:
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة القائد المجاهد الشيخ برهان الدين رباني وفقه الله لما فيه رضاه، ونصر به دينه آمين
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
لقد بلغني ما كدرني كثيراً، وهو ظهور أشياء من فضيلتكم، يؤخذ منها أنكم تحاولون الانفصال عن الاتحاد.(1/209)
ولا يخفى يا أخي أن الاتحاد خير، وقوة، وغيظ للأعداء، وتأييد للمسلمين، وجمع للكلمة، وتعاون على البر والتقوى؛ فاتقوا الله في ذلك، ولا تنقضوا ما اجتمعتم عليه في مقر الجهاد، وفي بيت الله الحرام، واذكروا قوله_سبحانه_[وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا] آل عمران: 103، وقوله_عز وجل_: [وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ] الأنفال: 46، وما جاء في معنى ذلك من الآيات والأحاديث، واصبروا، وتعاونوا على البر والتقوى.
وإذا رأيتم شيئاً من الخلل في الاتحاد فاجتهدوا في رأبه، والعناية الكاملة ببقاء الاتحاد، واستمراره.
وقد بلَّغنا الحكومة_وفقها الله_باجتماعكم، واتحادكم فسرها ذلك كثيراً، كما سر كل مسلم بَلَغَهُ ذلك.
وليعلم الأخ الكريم أنكم إذا انفصلتم عن الاتحاد فسوف لن نتعاون معكم، لا أنا ولا الرابطة، ولا من يستشيرني في ذلك، وسوف يكون التعاون مع المتحدين إن شاء الله.
وإني أربأ بفضيلتكم أن تحلوا العقدة التي اتفقتم عليها، وأن تهدموا صرحاً شامخاً للجهاد شيدتموه جميعاً، وأن تنقضوا ميثاقاً قد اتفقتم عليه في بيت الله الحرام.
وأرجو أن يكون ما بلغني عنكم مما ذكرته آنفاً غير صحيح، وأن تكونوا أقوى ما يكون في لزوم الاتحاد والتعاون مع إخوانكم أعضائه.
ولا يخفى؛ أن الواجب إيثار المصلحة العامة للمجاهدين والجهاد على جميع المصالح الأخرى التي قد يَتَوَهَّمُها الإنسان، كما أن الواجب إيثار الآخرة، وما عند الله من النعيم المقيم، والمنازل العالية لمن أيَّد الحق، وصدق في الجهاد، وأيَّد المجاهدين، وابتعد عن كل ما يُؤَثِّر في نشاطهم أو يضع شيئاً من العقبات في طريقهم.
سدد الله رأيكم، وصانكم من كل بلاء، ونصر بكم الحق، وجعلكم وإخوانكم_أعضاء الاتحاد_وسائر المجاهدين من دعاة الهدى، وأنصار الحق؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرئيس العام(1/210)
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
3_ وهذا كتاب بعثه سماحة الشيخ×إلى معالي وزير الحج والأوقاف يقترح عليه تشجيع أئمة المساجد على القنوت للمجاهدين الأفغان، فإليك نص الكتاب:
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم معالي وزير الحج والأوقاف وفقه الله للخير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد. فلا يخفى على معاليكم حال المجاهدين الأفغان، وحال المهاجرين منهم، وأنهم في أشد الحاجة إلى مساعدة إخوانهم المسلمين لهم بالدعاء، كما أنهم في حاجة إلى الدعم بالمال، والرجال ولاسيما في وقتهم الحاضر.
وقد رأينا تشجيع أئمة المساجد على القنوت بالدعاء لهم بالنصر، والتأييد، وحسن العاقبة، وأن الله_جل وعلا_يثبت أقدامهم، ويسدد سهامهم، ويصلح قلوبهم، وأعمالهم كما يشرع الدعاء للمجاهدين في سبيل الله في كل مكان بالنصر، والتأييد، وحسن العاقبة، والدعاء على الكافرين، من الشيوعيين، واليهود، والنصارى، وسائر المشركين بأن يشتت الله شملهم، ويفرق جمعهم، ويجعل الدائرة عليهم وينجي المسلمين من شرهم، ومكايدهم كما يشرع الدعاء للمستضعفين من المؤمنين في كل مكان، ويدعى لهم بأن ينجيهم الله من مكائد الأعداء، وأن يفقههم في الدين وأن يصلح قلوبهم وأعمالهم، وأن يصلح أحوالهم، ويولي عليهم خيارهم، ويشرع الإلحاح في الدعاء، وتكراره ثلاثاً، لأن النبي"قنت في أوقات كثيرة في الصلاة يدعو للمؤمنين، ويلعن الكافرين، ويدعو للمستضعفين من المؤمنين بالنجاة، وربما عيَّن بعض الناس بالدعاء لهم، أو الدعاء عليهم، وكان يكرر الدعاء ثلاثاً في كثير من الأحيان، وربما كرره أكثر من ذلك.(1/211)
ونرى أن الأفضل أن يكون القنوت في صلاة الفجر والمغرب في الركعة الأخيرة بعد الرفع من الركوع؛ لأن النبي"كان يفعل ذلك إذا نزل بالمسلمين نازلة وقنت مرة على أحياء من العرب الكفار شهراً، وكان في قنوته"يدعو للمؤمنين، ويلعن الكافرين_كما تقدم_فأرجو التعميم على أئمة المساجد في المملكة بذلك على أن يكون ذلك لمدة شهر ثم ينظر في الأمر بعد ذلك.
وأسأل الله أن يتقبل من المسلمين، وأن ينصر إخواننا المجاهدين في سبيل الله في بلاد الأفغان وغيرها، وأن يجمع شملهم، على الحق، ويوحد كلمتهم، وصفوفهم ويحسن لهم العاقبة، وأن يجعل دائرة السوء على أعداء الله في كل مكان، وأن يجعلنا وإياكم، وسائر إخواننا من دعاة الهدى، وأنصار الحق؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
4_ وإليك_أيضاً_هذا المثال الذي يدل على عنايته بأمر الجهاد، وحثهم على دعمه، والقيام به؛ فهذا المثال عبارة عن كلمة وجهها سماحته عبر وسائل الإعلام، ونُشِرت في حينها، وهذه الكلمة تتضمن الدعوة إلى مساعدة مسلمي كوسوفا حينما تسلط عليهم الصرب، وفعلوا بهم الأفاعيل.
ولقد كتب سماحته×هذه الكلمة في 27/12/1419هـ، أي قبل وفاته بشهر واحد تماماً، وذلك إبان مرضه الأخير، وإليك نص الكلمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى من يطلع عليه من المسلمين من الملوك، والرؤساء، والأغنياء وفقهم الله لكل خير، وجعلنا وإياهم ممن يعين على نوائب الحق آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد
فمما لا يخفى على الجميع ما أصيب به الشعب الكوسوفي من الظلم والعدوان والقتل والتشريد من الصرب المعتدين.(1/212)
ولا شك أن ذلك يوجب على المسلمين عموماً التعاون مع إخوانهم المسلمين في كوسوفا، والوقوف في صفهم، وإمدادهم بأنواع المساعدة بواسطة هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية بالمملكة العربية السعودية، وبواسطة مؤسسة الحرمين الخيرية بالمملكة_أيضاً_لأن الجهتين المذكورتين قائمتان بنشاط متواصل في نصر إخوانهم في كوسوفا، وإمدادهم بأنواع المساعدة.
وقد قال الله_عز وجل_[وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ] التوبة: 71، وقال_سبحانه_: [وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى] المائدة: 2، وقال_عز وجل_: [وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ] الأنفال: 72، وقال_سبحانه_: [إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ] محمد: 7.
وقال_عليه الصلاة والسلام_: =مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى+.
وقال": =من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته+.
والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وأسأل الله أن يخذل أعداء الإسلام، ويجعل كيدهم في نحورهم، وأن ينصر المسلمين، ويجمع كلمتهم على الحق، ويكفيهم شر أعدائهم، وأن يعينهم على التمسك بدينهم والثبات عليه، وأن يكفيهم شر الأعداء، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مفتي عام المملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء
وإدارات البحوث العلمية والإفتاء
قضية فلسطين قضية المسلمين جميعاً؛ فهي أرض الرسالات، ومسرى نبينا محمد"إلى غير ذلك مما جاء في فضلها، وقداستها.
ولا ريب أن العدوان الصهيوني الغاشم على فلسطين شديد الوقع على قلب كل مسلم.(1/213)
وهذه القضية الكبيرة لها وزنها في قلب سماحة الشيخ، ومشاعره؛ فلقد كان×يبذل قصارى جهده في تحريض المسلمين على النهوض بقضية فلسطين، وفي سبيل نصرة المستضعفين من المسلمين هناك؛ فكان يفتي بتأييدهم، ويدعو إلى مساعدتهم، ويصدر البيانات التي تؤيدهم، وتندد باليهود.
وإليك بعض ما كان يصدر من سماحة الشيخ في هذا الصدد.
1_ هذه فتوى عن الجهاد في فلسطين نشرت في مجلة الدعوة الصادرة في 9/8/1409هـ، وهي في مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ جمع الدكتور محمد الشويعر؛ فإليك نص السؤال الموجه إلى سماحة الشيخ، وجوابه:
ما تقول الشريعة الإسلامية في جهاد الفلسطينيين الحالي، هل هو جهاد في سبيل الله، أم جهاد في سبيل الأرض والحرية ؟ وهل يعتبر الجهاد من أجل تخليص الأرض جهاداً في سبيل الله ؟
الجواب: لقد ثبت لدينا بشهادة العدول الثقات أن الانتفاضة الفلسطينية، والقائمين بها من خواصِّ المسلمين هناك، وأن جهادهم إسلامي؛ لأنهم مظلومون من اليهود، ولأن الواجب عليهم الدفاع عن دينهم وأنفسهم وأهليهم وأولادهم وإخراج عدوهم من أرضهم بكل ما استطاعوا من قوة.
وقد أخبرنا الثقات الذين خالطوهم في جهادهم، وشاركوهم في ذلك عن حماسهم الإسلامي، وحرصهم على تطبيق الشريعة الإسلامية فيما بينهم؛ فالواجب على الدول الإسلامية وعلى بقية المسلمين تأييدهم ودعمهم ليتخلصوا من عدوهم وليرجعوا إلى بلادهم عملاً بقول الله_عز وجل_: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ] التوبة: 123.(1/214)
وقوله_سبحانه_: [انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ] التوبة: 41. . وقوله_عز وجل_[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ] الصف: 10_13، والآيات في هذا المعنى كثيرة، وصح عن رسول الله"أنه قال: =جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم+.
ولأنهم مظلومون، فالواجب على إخوانهم المسلمين نصرهم على من ظلمهم لقول النبي": =المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه+ متفق على صحته، وقوله": =انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً+ قالوا: يا رسول الله: نصرته مظلوماً فكيف أنصره ظالماً ؟ قال: =تحجزه عن الظلم فذلك نصرك إياه+.
والأحاديث في وجوب الجهاد في سبيل الله، ونصر المظلوم وردع الظالم كثيرة جداً.
فنسأل الله أن ينصر إخواننا المجاهدين في سبيل الله في فلسطين وفي غيرها على عدوهم، وأن يجمع كلمتهم على الحق، وأن يوفق المسلمين جميعاً لمساعدتهم والوقوف في صفهم ضد عدوهم، وأن يخذل أعداء الإسلام أينما كانوا وينزل بهم بأسه الذي لا يُرد عن القوم المجرمين إنه سميع قريب.(1/215)
2_ وهذا بيان مهم أصدره سماحة الشيخ يطالب فيه المسلمين بالوقوف مع إخواننا الفلسطينيين المبعدين من فلسطين إلى جنوب لبنان، ويندد فيه باليهود، ويبين ما يتعرض له إخواننا من التعذيب والتشريد، ويدعو للمسلمين هناك، ويدعو على اليهود، فإلى ذلك البيان الذي أصدره سماحة الشيخ×في 18/8/1413هـ.
بيان مهم حول مناصرة إخواننا في فلسطين من ظلم اليهود وأنصارهم
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى من يطلع عليه من إخواننا المسلمين في كل مكان
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فلا يخفى عليكم ما يحصل لإخواننا المسلمين في فلسطين من الأذى والظلم من أعداء الله اليهود، وما حصل لإخواننا المبعدين منهم من العلماء، والخطباء، والدعاة وغيرهم الذين تم إخراجهم من ديارهم بغير حق، وما تعرضوا إليه من الأذى الشديد من اليهود_أعداء الله_وما يتعرضون له الآن من برد، وجوع، ومرض، وأذى في منفاهم في حدود لبنان.
ولقد أمر الله_تعالى_:عباده المؤمنين بموالاة بعضهم بعضاً، ونصرهم على من ظلمهم بقوله_تعالى_[وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ] التوبة: 71.
وقول النبي": =مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر+.
ولما كان إبعاد هؤلاء الأخوة من الظلم العظيم، والتعدي بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله وجب البيان بالتذكير بأنه يجب على كافة المسلمين حكاماً ومحكومين مناصرةُ إخوانهم هؤلاء، وبذل الجهود، وكافة السبل الممكنة الشرعية؛ لنصرتهم، وإعادتهم إلى بلادهم، وأهلهم، والسعي للوقوف ضد هذه الأعمال الخبيثة من أعداء الله، ورسوله، والمؤمنين.(1/216)
كما نهيب بإخواننا المسلمين لدعم هؤلاء، وأُسرهم، وسائر المسلمين في أرض فلسطين بالسلاح، والرجال، والمال، والدعاء، وصدق المواقف، والمناصرة، والبذل لذوي الحاجة، والمجاهدين في سبيل الله من أهل فلسطين، وغيرهم بما تجود به أنفسهم، من زكاة، وغيرها؛ لما في ذلك من جهاد الكفار، ونصْر المسلمين المظلومين، ولما فيه من الثواب العظيم الذي وعد الله به عباده المؤمنين في مثل قوله_تعالى_: [انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ] التوبة: 41.
وقوله_سبحانه_: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ] الصف: 10_13.
وقوله_سبحانه_: [آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ] الحديد: 7.
وقوله_سبحانه_: [وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ] الحديد: 10.
وقوله": =من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة+.
وقول": =المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته+ متفق على صحته.(1/217)
ولأن الله_سبحانه_أمر بنصر المظلومين في قوله_عز وجل_[وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ] الأنفال: 72.
وهكذا الرسول"أمر بنصر المظلوم، والأخذ على يد الظالم وقد أرسل لنا جماعة من الثقات بشيء من أعمال اليهود الوحشية مع إخواننا في فلسطين، ومع المبعدين منهم إلى لبنان، وهذا بيان شيء منها:
1_ الضرب المُبَرِّح على الرأس، وسائر الجسد مما يؤدي إلى نزيف الدماء، وكسر العظام.
2_ البصق على اللحى، ورشق بعضهم بالبول.
3_ تكتيف الأيدي، وعصب العينين طيلة وجودهم في الحافلات؛ لإبعادهم، والذي استمر أكثر من يومين مع منعهم من الأكل، والشرب، وقضاء الحاجة، وأنواع من الأذى.
ولا شك أن هذه الأعمال من أقبح الظلم، وأسوأ المعاملة.
والله المسؤول_سبحانه_أن يعز دينه، ويعلي كلمته، وينصر أولياءه من المؤمنين المجاهدين في سبيل الله، والدعاة إلى الحق في فلسطين، وفي كل مكان، وأن يجمعهم على الحق، وأن يؤيدهم بروح منه، وأن يخذل أعداء المسلمين في كل مكان، وأن يفرق جمعهم، ويشتت كلمتهم، وأن يجعل الدائرة عليهم، وأن يطهر بيت المقدس، وسائر أرض فلسطين من رجس الكافرين؛ إنه سميع الدعاء، قريب الإجابة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
الرئيس العام
لرابطة العالم الإسلامي
بمكة المكرمة
الثلاثاء 18 شعبان 1413هـ
3_ وهذه برقية بعثها سماحة الشيخ×إلى المبعدين من فلسطين إلى لبنان يصبِّرهم بها، ويذكرهم بفضل الله، ويفتح لهم باب الأمل والنصر، فإلى تلك البرقية:
برقية
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الإخوان الكرام المبعدين من فلسطين إلى جنوب لبنان من العلماء والخطباء والدعاة ومن معهم وفقهم الله وثبتهم على الحق
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:(1/218)
فقد بلغني ما حصل لكم من إخراج من دياركم وأموالكم بغير حق، وما تتعرضون له من الأذى الشديد من اليهود أعداء الله ورسوله، وما ينالكم الآن من مشقة شديدة من البرد والمطر والجوع والمرض لبعضكم، وإننا إذ نسأل الله_تعالى_:أن يأخذ بأيدكم للحق، ويثبت أقدامكم، وينصركم على عدوكم، ويعظم أجركم، ويثبتكم على الحق_نذكركم بما وعد الله به أهل طاعته من المجاهدين في سبيله مع رسوله"والصابرين المحتسبين من الثواب العظيم المذكور في قوله تعالى: [ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ] التوبة: 120.
وقوله_تعالى_: [وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ] البقرة: 155_157.
وقوله_تعالى_: [إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ] الزمر: 10. وإنكم بموقفكم هذا قدوة لإخوانكم المسلمين من أهل فلسطين وغيرهم في الجهاد، والصبر، والصدق مع الله، والثبات على الحق في مواجهة أعداء الله من اليهود وغيرهم.
فنوصيكم بتقوى الله_تعالى_:والصبر، والاحتساب، ووحدة الكلمة، والاستقامة على الحق، ونبشركم بأن الله_تعالى_:سينصركم على عدوكم، ويجعل العاقبة الحميدة لكم إذا صبرتم وثبتم على الحق كما قال_سبحانه_: [وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ]آل عمران.(1/219)
وقال_سبحانه_يخاطب نبيه": [فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ] هود.
وقال_عز وجل_: [وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ] الروم.
ثبتكم الله على الحق، ويسر أمركم، وأحسن العاقبة لنا ولكم، ولجميع المسلمين.
ولاشك أن الواجب على إخوانكم المسلمين نصركم، وإعانتكم على عدوكم؛ لأنكم مسلمون مظلومون من عدو كافر، وظالم، وقد أوجب الله_سبحانه_جهاد الكافرين حسب الاستطاعة.
وفق الله إخوانكم المسلمين لنصركم قولاً وعملاً، وأحسن العاقبة للجميع؛ إنه جواد كريم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام
لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة
4_ وهذه برقية بعثها سماحة الشيخ إلى مؤتمر القمة الإسلامي المنعقد في طهران، بشأن ما يلقاه المسلمون في فلسطين من تسلط اليهود عليهم، وقد بعثها سماحة الشيخ إبان رئاسته للمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة خلال فعاليات دورته الخامسة والثلاثين.
وقد نشرت هذه البرقية في جريدة عكاظ العدد 11438، 10/8/1418هـ. وقد كان عنوان الجريدة الكبير:
=في برقية عاجلة للقمة الإسلامية+
ابن باز: تلويح إسرائيل بالسلام وسيلة لتخدير العرب
ثم جاء تحت هذا العنوان مايلي:
=أعرب المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة خلال فعاليات دورته الخامسة والثلاثين التي تختتم اليوم في مقر الأمانة العامة للرابطة عن تقديره لاهتمام مؤتمر القمة الإسلامي بقضية القدس الشريف، وحقوق الشعب الفلسطيني، ومتابعته لأساليب إسرائيل العدائية، واستيلائها على الأراضي الفلسطينية وطرد المواطنين من ديارهم تثبيتاً للاحتلال.
جاء ذلك في برقية وجهها إلى رئيس مؤتمر القمة الإسلامي الثامن سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رئيس المجلس التأسيسي للرابطة باسمه، وباسم أعضاء المجلس الذين يمثلون الشعوب والأقليات الإسلامية في العالم وفيما يلي نص البرقية:(1/220)
فخامة رئيس مؤتمر القمة الإسلامي الثامن الموقر, طهران
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
يتقدم المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي المنعقد حالياً في رحاب بيت الله العتيق بمكة المكرمة بأصدق التحيات إلى فخامتكم، وأصحاب الجلالة، والسمو والفخامة ملوك ورؤساء الدول الإسلامية، وممثليهم ويسأل الله_سبحانه وتعالى_أن يوفق المؤتمر ويسدد خطاه في نصرة الإسلام، ودعم قضايا المسلمين، كما يعبر المجلس التأسيسي عن تقديره لاهتمام مؤتمر القمة بقضية القدس الشريف، وحقوق الشعب الفلسطيني، حيث تواصل إسرائيل عدوانها بكل الأساليب، وتعمل على تثبيت الاحتلال بالاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وإقامة المستعمرات فيها، وطرد المواطنين من ديارهم، مما يؤكد اقتناع الشعوب الإسلامية الثابت بأن إسرائيل تشكل تحدياً كبيراً، وخطراً داهماً على الأمة الإسلامية، وأن دعاوى السلام التي تلوح بها ليست إلا وسيلة لتخدير العرب والمسلمين، وصرفهم عن الاستعداد، وإثارة الخلافات بينهم.
ويرى المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي أن تبعات العمل لهذه القضية وسائر القضايا الإسلامية تحتم على المسلمين حكاماً وشعوباً أن يجتمعوا على كلمة الله، وتحكيم شريعته؛ والعمل الجاد لإنهاء الخلافات، وتوحيد صفوف الأمة التزاماً بأمر الله القائل: [وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ] المائدة: 49 والقائل إنَّ بلَّهّ يٍحٌبٍَ بَّذٌينّ يٍقّاتٌلٍونّ فٌي سّبٌيلٌهٌ صّفَْا كّأّنَّهٍم بٍنًيّانِ مَّرًصٍوصِ الصف: 4، والقائل: [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا] آل عمران: 103.
نسأل الله_تعالى_:أن يسدد خطاكم ويوفقكم لما فيه خير الإسلام ومصلحة المسلمين.
والله يحفظكم ويرعاكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
……………رئيس وأعضاء المجلس التأسيسي
…………… لرابطة العالم الإسلامي
……………عنهم(1/221)
……………عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
سماحة الشيخ إمام عصره في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فهذا دأبه، ومنهج حياته؛ فلا يكاد يذكر له معروف إلا أيده، ودعا لصاحب ه، ودعمه بكل ما يستطيع.
ولا يكاد يذكر له منكر صغيراً كان أم كبيراً خاصاً، أم عاماً، وسواء كان من فرد أو من جماعة إلا بادر إلى إنكاره، وتغييره بما يستطيع.
وإذا زاره أحد، أو اتصل به بشأن منكر من المنكرات لم يفلس من سماحة الشيخ ومشاركته في الإنكار، بل يجد القلب الكبير، والغيرة الصادقة، والإخلاص المنقطع النظير.
وسماحته_كما مر_لا يتعاظم شيئًا مما ينكره، وفي الوقت نفسه لا يحتقر شيئاً يقوم بإنكاره، فتراه ينكر المنكرات الكبيرة على مستوى الأمة.
وينكر في الوقت نفسه المنكرات التي تقع من بعض الناس كترك الصلوات، وإسبال الثياب، وحلق اللحى.
فإذا سمع بمنكر في مكان ما، أو دولة، أو صحيفة بادر إلى الإنكار.
وإذا بلغه أن شباباً يجتمعون في مكان ما في وقت الصلاة كتب إلى الجهات المختصة حول هذا الأمر.
وإذا سار بجانبه أحد، وشعر سماحته بأن ثوب ذلك الذي يسير معه طويل، أو أنه يجر عباءته_أنكر عليه.
وإذا سمع أن الدائرة الفلانية يشيع فيها منكر معين؛ كتب إلى المسؤولين فيها، يحثهم على تغيير ذلك المنكر.
وإذا سمع عن بدعة، أو عمل ينافي العقيدة في مكان ما_بادر إلى إنكاره، وإذا أُخْبِر أن فلاناً من الناس متلبس بمنكر معين استدعاه، ونصحه، أو هاتفه، أو راسله.
وكان من منهجه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه يتثبت، ويتحرى، ويطلب البينة.
وإذا ثبت لديه وقوع منكر من شخص أو جهة كتب إليهم، وخاطبهم مشافهة، أو استدعى من يعنيه الأمر، ثم أنكر عليه بلطف، وبيَّن له الأدلة على ما يقول، ورغَّبه في الخير، وحذره من الشر؛ فما يكاد يقوم بهذا الأمر إلا ويجد القبول، والاستجابة؛ فكم درأ الله به من مفسدة، وكم قضى الله على يديه من منكر، وكم أحيا به من سنة، وقمع به من بدعة.(1/222)
وكان كثيراً ما يحث على إحياء هذه الشعيرة، ويؤكد على ضرورة التواصي بها، ويكتب الرسائل في الحث على هذا الأمر، وكان ذلك دأبه طيلة حياته.
وفيما يلي ذكر لبعض الأمثلة لما سبق:
1_ إليك هذه الرسالة النادرة التي وجدت في طي رسائله×وقد كتبها إلى أهل بلدة نعجان لما كان قاضياً في الدلم، وذلك في 14/7/1361هـ أي لما كان عمره إحدى وثلاثين سنة:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى من يراه من إخواننا أهل نعجان سلك الله بي وبهم سبيل أهل الإيمان، وجعلني وإياهم من المتعاونين على ما يرضي الرحمن آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد
فالموجب لهذا إخباركم بأن الله_سبحانه_قد أوجب علينا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعاون على البر والتقوى، ولا قوام للإسلام والمسلمين في أمر دينهم ودنياهم إلا بذلك، قال الله_تعالى_:[وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ] آل عمران: 104، وقال_تعالى_:[كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ] آل عمران: 110
وقال_تعالى_: [وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ] المائدة: 2.
وقال_تعالى_: [لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ] المائدة: 78، 79.
وثبت عنه"أنه قال: =لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطراً، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم يلعنكم كما لعنهم+.(1/223)
وجاء عنه"أنه قال: =من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان+.
فدلت هذه الآيات والأحاديث على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى ولا صلاح للعباد في معاشهم، ومعادهم إلا بذلك، فإذا قاموا بما أوجب الله عليهم سعدوا، وتم لهم أمر دينهم ودنياهم، وكثر الخير، وقل الشر.
وإذا غفلوا، وأهملوا استحقوا المقت من الله، والبعد منه، وحلول العقوبة، وفشا فيهم الشر، وقل الخير.
وقد غلب على أكثر الناس اليوم التساهل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتكاسل عن الصلوات، والتخلف عنها في الجماعة، والوقوف في مواقف التهم، والدخول على النساء الأجانب، وكل هذه المنكرات وأشباهها بسبب ضعف الإيمان، والرغبة في الدنيا، وعدم الاهتمام بأمر الآخرة، وعدم التناصح بين المسلمين، والتعاون على البر والتقوى إلا من رحم الله.
فمن أجل ذلك نقص الدين، وعظمت غربته، وغلبت الأهواء فإنا لله وإنا إليه راجعون، ونسأله_تعالى_أن يردنا جميعاً إلى التوبة الصادقة، وأن يوفقنا وجميع المسلمين للقيام بما يرضيه، واجتناب ما يسخطه آمين.(1/224)
وقد عَيَّنا في البلد للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ستة من خواص الجماعة، وهم المطوع محمد بن عتيق، وابنه إبراهيم، وحمد بن فهيد، وأخوه فهد، وحمد بن سيف، وزيد الزيد، وأمرناهم يتفقدون أحوال الجماعة، ويمشون بالليل، ومن عرف بالتخلف عن الصلاة في الجماعة يزجرونه، ويؤدبونه حتى يرتدع هو وأمثاله، ومن عرف بالكسل عن الصلاة، وكونه يقضي دائماً ينصحونه، ويعظونه، فإن نفع فيه ذلك فالحمد لله، وإن غلب عليه الكسل يزجر، ويؤدب، كذلك من وقف في مواقف التهم، أو عرف بالدخول على النساء الأجانب فقد أمرنا النواب المذكورين ينصحونه، ويزجرونه فإن عاد إلى مثل ذلك فيؤدب أدباً يردعه وأمثاله، ومن عرف بشرب الدخان يزجر ويؤدب أدباً بليغاً؛ لأن الدخان من الخبائِث المضرة المحرمة، كذلك من عرف بالمبيت خارج بيته، وترك نسائه ومحارمه يزجر عن ذلك، ويلزم بالمبيت عند محارمه فإن عاد إلى مثل ذلك فيؤدب حتى يرتدع، ومن عارض النواب المذكورين، أو وقف في وجوههم بالكلام الرديء فلا يلومن إلا نفسه، وسيرى منا_إن شاء الله_ما يكره. وفقنا الله وإياكم لما يرضيه في القول والعمل، ونصر دينه، وأعلى كلمته، وحفظ إمام المسلمين بطاعته، ورعاه برعايته إنه ولي ذلك والقادر عليه.
هذا ما لزم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
14/7/1361هـ
هذا وقد قرأت الكتاب الآنف الذكر على سماحة الشيخ في صباح يوم الأحد 9/1/1420هـ.
2_ وبعد أن أرسل سماحة الشيخ×تلك النصيحة، التي بين فيها أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعين فيها أسماء النواب_وهم أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر_أرسل ضمنها كتاباً للشيخ محمد بن عبدالله بن عتيق×يحثه فيها على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويوصيه بأن يقرأ الرسالة الآنفة الذكر على النواب الذين عينهم سماحته×.
وإليك نص ذلك الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم(1/225)
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى جناب الأخ المكرم محمد بن عبدالله بن عتيق وفقه الله تعالى، وهداه آمين
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته بعد ذلك
بارك الله فيك، لا يخفى غفلة الناس عن أمر دينهم، وإعراضهم عن أمر الآخرة، وكثرة المنكرات فيهم، وقد أوجب الله على المسلمين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا قوام لهم في أمر دينهم ودنياهم إلا بذلك مع التناصح فيما بينهم والتواصي بالحق، والصبر عليه.
وقد عيَّنَّا بعض خواص الجماعة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لتكون أنت وإياهم يداً واحدة في ذلك، ويخبرونك بما قد يخفى عليك.
وقد كتبنا نصيحة مختصرة للجماعة، وبيَّنَّا أسماء النواب فيها، راجين من الله_سبحانه_أن ينفع بها، وأن يصلح أحوال الجميع، ويبرىء الذمة.
وهي واصلتكم في طيِّ هذا الخط (16)، فأنت_إن شاء الله_تحضر النواب، وتقرؤها عليهم قبل أن تُقْرَأَ على الجماعة، وأخبرهم أني (17) ملزِّم عليهم في ذلك، ولا أسمح عنهم، لأن هذا الأمر لازم الجميع، والواجب على الجميع التعاون على البر والتقوى، وبذل الوسع فيما يرضي الله، وينفع المسلمين، والمطلوب منكم جميعاً هو العمل بهذه النصيحة، والاجتهاد في ذلك على حسب الطاقة.
ومن يعارضكم، أو يتكلم عليكم بما لا ينبغي فأفيدونا عنه، ونحن_إن شاء الله_نقوم عليه بما يردعه من الزجر والأدب.
أعانكم الله، ووفقنا وإياكم لما يرضيه، وأصلح لي ولكم النية والعمل.
هذا ما لزم، مع إبلاغ السلام الأمير، والنواب المذكورين، والأبناءُ وكافةُ الإخوان يسلمون، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والكاتب يسلم على الجميع.
15/7/1361هـ
=أثر الرسالة على أهالي نعجان+(1/226)
يقول الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن عتيق_حفظه الله_وهو مساعد مدير مكتب البيت لسماحة الشيخ، وابن الشيخ محمد بن عبدالله بن عتيق الذي أرسل إليه سماحة الشيخ الكتاب الآنف الذكر، يقول: لما وصلت نصيحة سماحة الشيخ، وعين النواب، وقرئت عليهم النصيحة، وقرئت على الجماعة، بدأ العمل بموجبها، فكان لها أبلغ الأثر؛ حيث عم الخير، وقلَّ الشر، وصار الناس يحافظون على الصلاة، وقلَّ السهر خارج البيوت، وصارت النساء تدعو لسماحة الشيخ؛ حيث استقرت بيوتهم، وصار الأزواج يبيتون في منازلهم.
3_ وهذه كلمة لسماحته×يبين فيها أهمية الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، و يوضح خلالها عقوبة من ضيع هذه الشعيرة العظيمة، ويحدد المراد بالمعروف والمنكر؛ فإليك تلك الكلمة بنصها:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فإن من أهم الواجبات الإسلامية التي يترتب عليها صلاح المجتمع وسلامته ونجاته في الدنيا والآخرة_الأمرَ بالمعروف، والنهيَ عن المنكر.
وذلك هو سفينة النجاة كما ثبت في صحيح البخاري عن النعمان بن بشير÷قال: سمعت رسول الله"يقول: =مثل القائم على حدود الله، والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا+.
قال النبي"=فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجو، ونجوا جميعاً+.
فتأمل أيها المسلم هذا المثل العظيم من سيد ولد آدم، ورسول رب العالمين، وأعلم الخلق بأحوال المجتمع، وأسباب صلاحه، وفساده_تَجِدْه واضح الدلالة على عظم شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنه سبيل النجاة، وطريق صلاح المجتمع.
ويتضح من ذلك_أيضاً_أنه واجب على المسلمين، وفرض عليهم القيام به؛ لأنه هو الوسيلة إلى سلامتهم من أسباب الهلاك.(1/227)
وقد أكثر الله_سبحانه_في كتابه الكريم من ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذكر أن أمة محمد"هي خير الأمم بسبب صفاتها الحميدة التي من أهمها قيامها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال_تعالى_:[كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ] آل عمران: 110.
وتأمل أيها المسلم الذي يهمه دينه وصلاح مجتمعه كيف بدأ الله_سبحانه_في هذه الآية بذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع كون الإيمان شرطاً لصحة جميع العبادات_يتبينْ لك عظم شأن هذا الواجب وأنه_سبحانه_إنما قدم ذكره لما يترتب عليه من الصلاح العام.
وقال_عز وجل_: [وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] التوبة: 71.
فانظر_أخي_كيف بدأ في هذه الآية بذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل الصلاة والزكاة.
وما ذلك إلا لما تقدم بيانه من عظم شأنه، وعموم منفعته، وتأثيره في المجتمع.
وتدل الآية_أيضاً_على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أخص أخلاق المؤمنين والمؤمنات، وصفاتهم الواجبة التي لا يجوز لهم التخلي عنها، أو التساهل بها، والآيات بهذا المعنى كثيرة.
وقد ذم الله_سبحانه_من ترك هذا الواجب من كفار بني إسرائيل، ولعنهم على ذلك فقال_سبحانه_في كتابه المبين من سورة المائدة: [لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُون]المائدة: 78،79.(1/228)
وفي هذه الآية إرشاد من الله_سبحانه_لأمة محمد"إلى أن سبب لعن كفار بني اسرائيل وذمهم هو عصيانهم واعتداؤهم.
وإن من ذلك عدم تناهيهم عن المنكر فيما بينهم؛ لتحذر هذه الأمة سبيلهم الوخيم، ويبتعدوا عن هذا الخلق الذميم.
ويتضح من ذلك، أن هذه الأمة متى تخلقت بأخلاق كفار بني إسرائيل المذمومة استحقت ما استحقه أولئك من الذم واللعن؛ لأنه لاصلة بين العباد وبين ربهم إلا صلة العبادة والطاعة؛ فمن استقام على عبادة الله وحده، وامتثال أوامره، وترك نواهيه_استحق من الله الكرامة فضلاً منه وإحساناً، وفاز بالثناء الحسن، والعاقبة الحميدة.
ومن حاد عن سبيل الحق استحق الذم واللعن، وباء بالخيبة والخسران.
وقد صح عن النبي"أنه قال: =من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان+ رواه مسلم×في صحيحه.
وروى مسلم_أيضاً_عن ابن مسعود÷قال: قال رسول الله": =مامن نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته، ويهتدون بأمره، ثم إنها تَخْلُف من بعدهم خُلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون مالا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل+.
فاتق الله أيها المسلم في نفسك، وجاهدها لله، واستقم على أمره، وجاهد من تحت يديك من الأهل والذرية، وغيرهم، وأمر بالمعروف، وانه عن المنكر حسب طاقتك في كل مكان وزمان؛ عملاً بهذه الأدلة الشرعية التي ذكرتها لك آنفاً، وتخلق بأخلاق المؤمنين، واحذر من أخلاق الكافرين، والمجرمين، واحرص_جهدك_على نجاتك، ونجاة أهلك وإخوانك المسلمين، كما قال_عز وجل [وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا] طه: 132.(1/229)
وقال_سبحانه_: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ] التحريم: 6.
وروي عن النبي"أنه صعد المنبر فحمد الله، وأثنى عليه وقال: =يا أيها الناس إن الله يقول لكم: مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أجيبكم، وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم+ أخرجه ابن ماجه، وابن حبان في صحيحة، وهذا لفظ ابن حبان.
والمعروف_يا أخي_هو كل ما أمر الله به ورسوله، والمنكر هو كل ما نهى الله عنه ورسوله؛ فيدخل في المعروف جميع الطاعات القولية والفعلية، ويدخل في المنكر جميع المعاصي القولية الفعلية.
ثم اعلم يا أخي أن كل مسلم راع على من تحت يديه، ومسؤول عن رعيته، كما ثبت في صحيح البخاري×عن ابن عمر÷عن النبي"أنه قال: =كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته؛ فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والعبدراعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته+.
ثم قال": =ألا فكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته+.
فاتق الله يا عبدالله، وأعِدَّ جواباً لهذا السؤال قبل أن ينزل بك من أمر الله ما لا قِبَل لك به، والله المسؤول أن يهدينا جميعاً صراطه المستقيم، وأن يوفقنا وسائر المسلمين للقيام بأمره، والثبات على دينه، والأمر بالمعروف، والتناهي عن المنكر، والتواصي بالحق والصبر عليه بصدق وإخلاص؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
مفتى عام المملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء، وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز(1/230)
4_ وأذكر مرة أن سماحة الشيخ أثنى على شخص، وكان يدعوه بقوله: يا شيخ، فسمعه أحد الزائرين، فقال لما خرج ذلك الشخص: يا سماحة الشيخ: هذا الشخص لا يستحق أن يعطى مكانة، ولا أن يلقب وينادى بـ: يا شيخ؛ لأنه مسبل، وحالقُ لِحْيَتَهُ، ومطيل لشاربه.
فقال سماحة الشيخ: وهل نصحته ؟ فقال: لا، فغضب سماحة الشيخ، وقال: لماذا لم تنصحه ؟ كيف تقابل ربك وأنت قد رأيت المنكر ولم تنكره ؟ أتخشى الناس ؟ سوف تقابل ربك يوم القيامة.
ثم قال سماحة الشيخ: ذكروني به إذا جاء مرة أخرى؛ فلما جاء ذلك الرجل التفت إليه سماحة الشيخ، وجعل ينصحه سرَّاً.
5_ ومرة ذُكر لسماحة الشيخ أن فلاناً يُحسب على العلم والعلماء، ولكنه يحلق لحيته.
فقال سماحة الشيخ: إذا جاء إلينا نصحناه إن شاء الله.
فلما جاء ذلك الرجل وافق أن كان الشيخ يرد على الهاتف؛ فسئل سماحته عن حكم حلق اللحية، فأجاب بجواب مفصل، وبيَّن للسائل الحكم، وكان ذلك الرجل الذي أخبره بحال الرجل الذي يحلق لحيته حاضراً؛ فأخبره سماحة الشيخ، وقال: هذا السؤال جاء في وقته، وقد أجبته بجواب مفصل من أجل هذا الحاضر.
6_ وهذا كتاب بعثه سماحته في 22/7/1377هـ إلى رئيس تحرير صحيفة اليمامة حول ما كتب فيها عن جعل يوم 15 شعبان من كل عام عيداً قومياً خالداً لجمع التبرعات لإخواننا في الجزائر، وهذا نص كتاب سماحته رداً على ما كتب:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المك=رم رئيس تحرير صحيفة اليمامة وفقه الله آمين
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعده قرأت في صحيفة اليمامة الصادرة في عشرين رجب بإمضاء فتى الخليج العربي ما نصه:
=تقرر رسمياً أن يكون 15 شعبان من كل عام عيداً قومياً خالداً لجمع التبرعات من أجل إخواننا الجزائريين، وقوميتنا العربية النامية+ إلى آخره.
فاستغربت هذه التسمية، ورأيت أن التنبيه على ما يجب نحوها متعين.(1/231)
وذلك أنه ليس للمسلمين أعياد سوى الأعياد التي شرعها الله لعباده كعيد الأضحى، والجمعة، ونحوها مما سماه الشارع عيداً.
وما سوى ذلك لا يجوز لأحد من المسلمين أن يتخذه عيداً، ولا أن يسميه عيداً؛ لما في ذلك من مخالفة الشرع وتشريع أعياد لم يأذن بها الله، ومشابهة الجاهلية في أعيادها التي هدمها الإسلام.
وقد قال الله_تعالى_:مُنكراً على أهل البدع: [أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ] الشورى: 21.
وقال النبي": =من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد+.
وكون الكاتب سماه عيداً قومياً لا يخرجه عن كونه بدعة، ومنكراً؛ لأن الاعتبار في الأشياء بحقائقها لا بأسمائها؛ فالبدعة بدعة، والمنكر منكر وإن سماها الناس بأسماء حسنة.
ونشر مثل هذا، والسكوت عنه يفضي إلى تعظيم هذا اليوم بما لم يشرعه الله، ويفضي إلى إحداث بدع أخرى.
ويكفي أن يقال في اليوم: إنه تقرر موعداً أو وقتاً لمساعدة الجزائر.
وإني لأشكر الكاتب على مقصده الحسن، وأدعو له بالتوفيق والسداد في القول والعمل، وأهيب بالأثرياء جميعاً أن يساهموا في مساعدة إخوانهم الجزائريين الذين هم في أمسِّ الحاجة إلى المساعدة والتشجيع ضد المستعمر الظالم، وأسأل الله_سبحانه_أن ينصر دينه، ويخذل أعداءه، وأن يؤيد إخواننا الجزائريين ويثبت أقدامهم، وأن يوفق المسلمين جميعاً لمساعدتهم، والوقوف في صفهم ضد عدو الجميع الغاشم؛ إنه سميع قريب.
وأرجو نشر هذا الكتاب في صحيفتكم الغراء؛ للتنبيه والنصيحة، والله يتولاكم.
والسلام.
22/7/1377هـ
7_وهذا كتاب وجهه سماحته إلى مدير الإذاعة السعودية في 12/1/1380هـ ينبهه على بعض الملحوظات حول برنامج إذاعي عنوانه =تعلَّم واسأل+ ويبين له أهمية الرجوع إلى الكتاب والسنة.
وإليك نص الكتاب.
بسم الله الرحمن الرحيم(1/232)
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم الشيخ إبراهيم الشورى مدير الإذاعة السعودية وفقه الله، وتولاه آمين
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعده يا محب أبلغني كثير من الإخوان عن حديثكم الذي تقومون به في الإذاعة في أوقات معينة بعنوان =تعلَّم واسأل+ وما يشتمل عليه من تفصيل المذاهب في المسائل الفقهية، وبيان خصائص كل مذهب في كل مسألة يتولى فضيلتكم شرحها للجمهور، وأنه يحتاج إلى تعديل؛ فحرصت أن أسمع ذلك حتى أكون على بصيرة، فقُدِّر لي أن سمعت حديثكم منذ ليالٍ في حكم المسح على الخفين، وسمعت نقلكم للمذاهب الأربعة، وتحريركم ما يراه كل مذهب في هذه المسألة؛ فشكرتكم على عنايتكم بذلك، واجتهادكم في إفهام السامع.
ولكن ظهر لي أن إذاعة مثل هذا غير مناسب للجمهور، وذلك من وجوه:
1_ أن الذي ينبغي هو إسماع الجمهور ما تضمنه الكتاب والسنة بمسائل دينهم، ومعاملاتهم على وجه واضح، مختصر يفهمه العامي والمبتدئ، وينتفع به.
2_ أن هذا هو الذي يجب على الداعي تبليغه، وعلى العامة قبوله، والعمل به، بخلاف المذاهب؛ فإن فيها الخطأ والصوابَ.
والتحديثُ عنها من دون ترجيح قد يفضي إلى التعصب، والتقليد الممقوت.
3_ أن هذا المسلك هو الموافق لسيرة النبي"في تعليم الأمة وإرشادها، والله يقول: [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ] الأحزاب: 21.
4_ أن تفضيل المذاهب يجعل العامة وأشباههم في حيرة وارتباك لا يدرون بأي مذهب يأخذون؛ فيفضي ذلك إلى استثقال هذا الحديث ورفضه، بل وإلى استثقال الدين، ورميه بأنه متشعب، وغير واضح؛ بسبب الاختلاف.
والنتيجة من وراء هذا عدم الانتفاع بهذا الدرس، بل وحصول الضرر والحيرة بالنسبة إلى العامة أو أكثرهم.
5_لا يخفى أن تحرير المذاهب وضبطها فيه صعوبة شديدة.
والاعتماد على كتب المتأخرين لا يليق؛ لأن فيها شيئاً كثيراً يخالف نصوص الأئمة، فضلاً عن نصوص الشارع.(1/233)
وإذا كان الأمر هكذا اتضح لفضيلتكم أن الطريقة المرضية السليمة النافعة للمسلمين هي السير على ما ذكر في الفقرة الأولى، وذلك هو تعليم الناس ما دل عليه كتاب الله، وسنة رسوله_عليه الصلاة والسلام_بأسلوب واضح، وعبارات جلية في جميع المسائل التي يحتاجها المسلمون.
والكتاب والسنة_بحمد الله_كفيلان بذلك، ودقائقُ المسائل والشروط التي لا دليل عليها، أو لا تمسُّ لها حاجةُ الجمهور؛ لكونها من النوادر_ينبغي الإعراض عنها كما كان المصطفى"وصحابته المَرضيّون يهتمون بتوجيه الأمة إلى مهمات الدين، وما تعم به البلوى دون النوادر والتفريعات التي لا يضر الجهل بها.
وبعد هذا كله فإني أقترح على فضيلتكم أن تُعَيِّوا لهذا البرنامج شخصاً أو أشخاصاً من خيرة أهل العلم تكتبون إليهم بالموضوعات التي تحبون إرشاد الجمهور إليها، وتطلبون منهم إيضاح ما قام عليه الدليل دون غيره.
ومحبِّكم مستعد للقيام ببعض ذلك، وأرى أن تطلبوا من المفتي أن يقوم ببعضه، ومن الشيخ عبدالله بن حميد ببريدة، والشيخ محمد آل حركان في جدة أن يقوم ببعض ذلك.
واعتقادي أنهم جميعاً_إن شاء الله_سيلبون الطلب، ويساعدونكم على هذه المهمة العظيمة النفع.
ولكن يحسن أن تخصوا كل واحد بموضوعات معينة؛ حتى يتسنى له الجواب عنها، بسهولة وسرعة، وحتى لا يختلف الجواب إذا كان السؤال مشتركاً.
والمطلوب اتحاد الأجوبة في كل موضوع ترغبون إفادة الجمهور به، ولو لم يحصل ذلك في الأسبوع إلا مرة أو مرتين.
وإذا لم يتيسر من المذكورين تلبية الطلب فمُحِبُّكم مستعد بالقيام بذلك حسب القدرة.
والهدف من وراء ذلك نصح المسلمين، وأن تكون الفائدة مستقاةً من كلام الله، أو كلام رسوله_عليه الصلاة والسلام_حتى ينتفع به السامعون، ولا يقعوا في حيرة وارتباك؛ بسبب الاختلاف.(1/234)
والله_سبحانه_إنما أوجب على العباد اتباع الرسول_عليه الصلاة والسلام_لا اتباع المذاهب، وإنما كتب المذاهب ذات الأهمية يستعان بها على فهم كلام الله، وكلام رسوله_عليه الصلاة والسلام_كما يستعان بكتب التفسير، واللغة، والشروح لمتون الأحاديث.
أصلح الله لي ولكم النية والعمل، وهدانا جميعاً صراطه المستقيم؛ إنه على كل شيء قدير، والله يتولاكم، والسلام.
12/1/1380هـ
مر بنا أن من أبرز أعمال سماحة الشيخ_عمارةَ المساجد؛ حيث كان×حريصاً كل الحرص على عمارة بيوت الله، وقد شُيِّد على يديه من المساجد مالا يحصى سواء في الداخل أو الخارج؛ أما طريقته في عمارة المساجد_فكان يَتَثَبَّت من مدى الحاجة لإقامة المسجد؛ فإذا رفع إليه أحد من الناس سواء من المحاكم، أو الجمعيات، أو المراكز الإسلامية أو غيرها_تثبت من ذلك، وكتب إلى قاضي البلد، أو إلى مركز الدعوة، أو إلى أي جهة رسمية، أو إلى من يعرفه ويثق به، فيطلب من هؤلاء أن يفيدوه عن الحاجة إلى المسجد، وعن المساحة الكافية، ثم يطلب وضع المواصفات اللازمة لعمارته، ثم يطلب عرض المناقصة على ثلاث مؤسسات معمارية، أو على ثلاثة من المعنيين بالبناء، ثم تُقَدم إليه العروض، فيُوقِعُ الاختيار على أنسبهم.
وبعد ذلك يكتب للمحسنين، و على رأسهم خادم الحرمين، أو أحد الأمراء، أو أحد الموسرين، فيطلب منهم التبرع بتكلفة البناء.
وإذاجاءه المبلغ المطلوب أحاله إلى الجهة التي تمت المكاتبة بينه وبينها من محكمة أو غيرها؛ ليكون متابعة التنفيذ للمشروع تحت إشرافها.
وقد تم على يد سماحته إعمار الكثير من المساجد، وبيوت الأئمة والمؤذنين، بأسعار مناسبة بعد التحري الدقيق، والتثبت بواسطة الثقات_رحمه الله، وجعل ذلك في موازين حسناته_.
ولعل من آخر تلك المساجد وليس آخرها_مسجده الذي أقيم في مكة المكرمة، وأصبح معلماً بارزاً من معالمها، ذلك المسجد الذي بذل فيه سماحته جهداً كبيراً حتى قام واستوى على سوقه.(1/235)
وإليك قصة بنائه، والدور الذي قام به المسجد فيما بعد.
كان سماحة الشيخ إذا كان في مكة يذهب كل وقت صلاة إلى المسجد المجاور للتوعية الإسلامية، ويسمى ذلك المسجد مسجد القطان.
وكان أمام منزل سماحته حديقة تسمى حديقة الطفل، ولا يستفاد منها، ولا يوجد مسجد في تلك الجهة.
وقد استأجرت الرئاسة عمارة كبيرة للدعاة في جوار منزله وقت الحج.
وكانوا إذا أرادوا الصلاة في المسجد قطعوا الشارع العام إلى مسجد القطان، أو إلى مسجد الجامع القطري، وهذان المسجدان بعيدان.
وأهل الحي الذي يسكن فيه سماحته ليس عندهم مسجد قريب.
فأُخْبِرَ سماحتُه بحاجة الحي إلى مسجد، وبالمشقة المترتبة على بعد المسجد، وبالخطر المتوقع من تجاوز الشارع العام شارع العزيزية، وأُخْبِر أن الحديقة التي أمام منزله قليلة الجدوى، وقيل له: لو أن سماحتكم سعى في سبيل عمارة مسجد في مكان تلك الحديقة لخدمة الحي_لأراح الناس، وأعانهم على الصلاة في المسجد، ونأى بهم عن الخطر الذي يترتب على قطع الشارع العام.
ولما بلغ ذلك سماحته استحسن الفكرة، وأمر بتكوين لجنة من بعض المشايخ للوقوف على الحديقة المذكورة، واقتراح المساحة الكافية، والكتابة في هذا الشأن.
فوقفت اللجنة على الأمر، وقررت ماتراه؛ فكتب سماحته إلى معالي أمين العاصمة المقدسة المهندس عمر قاضي في موضوع اقتطاع جزء من الحديقة، فتجاوب_جزاه الله خيراً_كل التجاوب، ولبى الرغبة، فبدأت دراسة المشروع المتضمن إقامة المسجد، وبيتي المؤذن والإمام، وتمت الدراسة بواسطة المهندسين المعماريين، وساهم في ذلك كثير من المحسنين ببعض المال، وكتب سماحته إلى خادم الحرمين الشريفين، وولي العهد، وتم بناء المسجد والبيتين وصار معلماً من معالم مكة وذلك عام 1418هـ.(1/236)
والمسجد يتكون من دور أرضي، وسفلي ودور ثانٍ خصص للنساء، وأقيمت فيه الحلقات لتحفيظ القرآن الكريم، ووضع فيه مكتبة عامرة باسم سماحته، وصار المسجد عامراً بالمحاضرات، والدروس اليومية والأسبوعية، وانتفع به سكان الحي، وغيرهم، وانتفع به الحجاج والمعتمرون في موسم الحج وفي رمضان؛ لتوافر دورات المياه فيه، ووجود المياه المبردة.
وفي رمضان يوجد فيه مائدة إفطار للصائمين، حيث يتجمع فيه المئات من الناس.
والذي يتولى شؤون المسجد، ويقوم بكل ما يحتاج إليه صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور ناصر بن مسفر الزهراني الذي صار إماماً وخطيباً للمسجد، وهو الوكيل عن سماحة الشيخ في جميع ما يحتاجه المسجد، وهو من أعظم الأسباب التي جعلت المسجد يقوم على هذا النحو؛ حيث تابع المشروع منذ بدايته إلى أن انتهى، ولا يزال يتابع تحسينه، وإكماله، وسد حاجاته.
وقد قام بجهد مشكور، وعمل عظيم يشهد بذلك المشايخ، وأهل الحي ممن وقفوا على المشروع، وتابعوا مراحل إنشائه.
وفي عام 1419هـ ذكر الدكتور ناصر الزهراني لسماحة الشيخ أنه يوجد أرض جنوبي المسجد، واقترح أن يقام عليها عمارة باسم سماحة الشيخ تضم مكتبة عامة باسم سماحته، ومغسلة موتى، ومدرسة تحفيظ قرآن، وهذه العمارة تتكون من أحد عشر دوراً، وريعها يصرف على الفقراء والمساكين، والدعاة، ونحوهم.
فرحب سماحته بهذا الاقتراح، وخاطب الجهات المسؤولة، وصار الدكتور ناصر يتابع المعاملة.
وبعد ذلك تمت الموافقة، فأمر سماحة الشيخ الدكتور ناصراً أن يعرض مناقصة المشروع على أهل الاختصاص من المقاولين، وتمت التقديرات، وتبين أن أقلها ثلاثة عشر مليوناً وثلاثمائة ألف ريال تقريباً، فرفع سماحته إلى خادم الحرمين الشريفين بواسطة الأمير عبدالعزيز بن فهد_حفظهما الله وجزاهما خير الجزاء_فتبرع خادم الحرمين بالمبلغ المذكور، وبدأ العمل في حياة سماحته.(1/237)
وقد سمعت سماحة الشيخ يثني على الشيخ ناصر خيراً، ويقول: لولا الله ثم الشيخ ناصر ما وصل المسجد إلى هذا الوضع الذي هو عليه الآن.
ضاعف الله أجر كل من ساهم بذلك المشروع وجعله في ميزان حسناتهم؛ إنه جواد كريم.
لسماحة الشيخ×عناية كبيرة بعفة شباب المسلمين ونسائهم، ولهذا يسعى سعيه في سبيل تزويجهم، وتيسير أمور الزواج لهم؛ فتراه في كلماته كثيراً ما يحث على ذلك، وينهى عن تعسير أمور الزواج من غلاء المهور، ورد الخاطب الكفء، ونحو ذلك.
ومما قام به في ذلك السبيل أنه تبنى مشروع مساعدة الراغبين في الزواج العاجزين عن تكاليفه.
وقد بدأ ذلك المشروع في عام 1400هـ، وهذا المشروع برئاسة سماحته، وعضوية كل من:
1_ صاحب الفضيلة الشيخ عبدالله بن حسن بن قعود.
2_ صاحب الفضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الغديان
3_ معالي الشيخ راشد بن محمد بن خنين
4_ صاحب الفضيلة الشيخ عبداللطيف بن محمد بن شديد×.
5_ صاحب الفضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل.
وقد كان نظام ذلك المشروع مساعدة الراغب في الزواج بمبلغ خمسة وعشرين ألف ريال.
وذلك إذا انطبقت عليه الشروط التالية:
1_ أن يكون سعودي الجنسية، والزوجة كذلك.
2_ أن يكون أول زواج.
3_ أن يأتي بشهادة من إمام المسجد الذي يقرب من منزله تفيد بأنه محافظ على الصلاة.
4_ أن يكون ذلك قبل أن يدخل بالزوجة.
5_ أن يثبت بواسطة المحكمة حاجته وعجزه عن المهر.
وإذا توافرت هذه الشروط صرفت المساعدة بواسطة فضيلة الشيخ مساعد المعتق قاضي محكمة الضمان والأنكحة في الرياض.
وبعد ذلك أسند هذا المشروع إلى معالي الأمين العام لهيئة كبار العلماء فضيلة الشيخ الدكتور عبدالعزيز بن محمد العبدالمنعم.
وقد استمر الصرف إلى شهر الله المحرم عام 1420هـ؛ حيث تم نقلها إلى جمعية البر في الرياض، وجعل لها إدارة مستقلة تحت مسمى: مشروع ابن باز الخيري.(1/238)
وقد صرف خلال الأعوام الماضية عشرات الملايين، وانتفع بالمشروع خلق كثير من المحتاجين إلى الزواج العاجزين عن تكاليفه.
=كلمة لسماحة الشيخ حول الزواج، وما يقع من منكرات في الأفراح+
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى من يراه من إخواننا المسلمين وفقني الله وإياهم لما يحبه ويرضاه، وجنبنا جميعاً الوقوع في ما حرمه ونهى عنه آمين
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. . أما بعد:
فقد شكا إليّ العديدُ من أهل الغيرة والصلاح ما فشا في المجتمع من ظاهرة المغالاة في المهور، والإسراف في حفلات الزواج، وتنافس الناس في البذخ وإنفاق الأموال الطائلة في ذلك، وما يقع في الحفلات غالباً من الأمور المحرمة المنكرة كالتصوير، واختلاط الرجال بالنساء، وإعلان أصوات المغنين والمغنيات بمكبرات الصوت، واستعمال آلات الملاهي، وصرف الأموال الكثيرة في هذه المحرمات.
وكل ذلك مما أدى بكثير من الشباب إلى الانصراف عن الزواج، لعدم قدرتهم على دفع تكاليفه الباهظة.
وإنما الجائز في الأعراس للنساء خاصة ضرب الدف، والغناء العادي بينهن؛ إعلاناً للنكاح، وتمييزاً له عن السفاح، كما جاءت السنة بذلك بدون إعلان ذلك بمكبرات الصوت.
وحيث إن الكثير من الناس يفعلون تلك الأمور المحرمة، تقليداً للآخرين، وجهلاً_بسنة سيد الأولين والآخرين_رأيت كتابة هذه الكلمة نصحاً لله، ولكتابه، ولرسوله ولأئمة المسلمين، وعامتهم، فأقول_والله المستعان_:
من المعلوم أن النكاح من سنن المرسلين، وقد أمر الله ورسوله به، قال_تعالى_: [فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ] النساء: 3 الآية.
وقال_تعالى_: [وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ]النور: 32.
وقال": =يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء+.(1/239)
وقال في حديث آخر: =لكني أصوم، وأفطر، وأصلي، وأنام، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني+.
وإن على المسلمين عامة، وولاة أمورهم خاصة أن يعملوا على تحقيق هذه السنَّة، وتيسيرها، تحقيقاً لما روي عنه"أنه قال: =إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير+.
وروى مسلم في صحيحه، وأبو داود، والنسائي عن أبي سلمة ابن عبدالرحمن قال: =سألت عائشة_رضي الله عنها_كم كان صداق رسول الله"قالت: كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشَّاً، قالت: أتدري ما النش ؟ قلت: لاه، قالت: نصف أوقية فذلك خمسمائة درهم+.
وقال عمر÷: =ما علمت رسول الله"نكح شيئاً من نسائه، ولا أنكح شيئاً من بناته على أكثر من اثنتي عشرة أوقية+ قال الترمذي حديث حسن صحيح.
وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن سهل بن سعد الأنصاري÷أن النبي"زَوَّج امرأة على رجل فقير ليس عنده شيء من المال بما معه من القرآن.
وروى أحمد، والبيهقي، والحاكم: =أن مِنْ يُمْنِ المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها+.
ومع هذه السنة الواضحة الصريحة من أقوال الرسول"وفعله فقد وقع كثير من الناس فيما يخالفها كما خالفوا أمر الله ورسوله في إنفاق الأموال في غير وجهها، فقد حذر الله في كتابه العزيز من الإسراف والتبذير فقال: [وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً] الإسراء: 26_27.
وقال_سبحانه_: [وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً] الإسراء: 29.
وأخبر_عز وجل_أن من صفات المؤمنين التوسط والاعتدال في الإنفاق، فقال_تعالى_: [وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً]الفرقان: 67.(1/240)
وقال_تعالى_: [وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ] النور: 32.
فأمر بإنكاح الأيامى أمراً مطلقاً، ليعم الغني والفقير، وبَيَّن أن الفقر لا يمنع التزويج؛ لأن الأرزاق بيده_سبحانه_وهو قادر على تغيير حال الفقير حتى يصبح غنياً.
وإذا كانت الشريعة الإسلامية قد رغبت في الزواج، وحثت عليه فإن على المسلمين أن يبادروا إلى امتثال أمر الله، وأمر رسوله"بتيسير الزواج، وعدم التكلُّف فيه، وبذلك ينجز الله لهم ما وعدهم.
قال أبو بكر الصديق÷: =أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح يُنْجِزْ لكم ما وعدكم من الغنى+.
فيا عباد الله اتقوا الله في أنفسكم، وفيمن ولاكم الله عليهن من البنات، والأخوات، وغيرهن، وفي إخوانكم المسلمين، واسعوا جميعاً إلى تحقيق الخير في المجتمع وتيسير سبل نموه وتكاثره، ودفع أسباب انتشار الفساد، والجرائم، ولا تجعلوا نعمة الله عليكم سُلَّماً إلى عصيانه، وتذكروا دائماً أنكم مسؤولون، ومحاسبون على تصرفاتكم كما قال تعالى_:[فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ] الحجر: 92_93.
وروي عنه"أنه قال: =لن تزول قدما عبديوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به+.(1/241)
وبادروا إلى تزويج أبنائكم وبناتكم مقتدين بنبيكم، وصحابته الكرام، والسائرين على هديهم، وطريقته، واحرصوا على تزويج الأتقياء ذوي الأمانة والدين، واقتصدوا في تكاليف الزواج ووليمته، ولا تغالوا في المهور، أو تشترطوا دفع أشياء تثقل كاهل الزوج، وإذا كانت لديكم فضول أموال فانفقوها في وجوه البر والإحسان، ومساعدة الفقراء والأيتام، وفي الدعوة إلى الله، وإقامة المساجد؛ فذلك خير وأبقى وأسلم في الدنيا والآخرة من صرفها في الولائم الكبيرة، ومباهاة الناس في مثل هذه المناسبات، وليتذكر كل من فكَّر في إقامة الحفلات الكبيرة وإحضار المغنين والمغنيات لها_ما في ذلك من الخطر العظيم، وأنه يخشى عليه بذلك أن يكون ممن كفر نعمة الله، ولم يشكرها، وسوف يلقى الله، ويسأله عن كل ما عمل؛ فليقتصد في ذلك؛ وليتحرَّ في حفلات الأعراس وغيرها ما أباح الله دون ما حرم.
وينبغي لعلماء المسلمين، وأمرائهم، وأعيانهم أن يُعْنَوا بهذا الأمر، وأن يجتهدوا في أن يكونوا أسوة حسنة لغيرهم؛ لأن الناس يتأسون بهم، ويسيرون وراءهم في الخير والشر؛ فرحم الله امرأً جعل من نفسه أسوة حسنة، وقدوة طيبة للمسلمين في هذا الباب وغيره؛ ففي الحديث الصحيح عن النبي"أنه قال: =من سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أجره شيئاً+ الحديث.
وأسأل الله أن يمنَّ على المسلمين بالتوبة الصادقة، والعمل الصالح والفقه في الدين، والعمل بالشريعة المطهرة في كل شؤونهم؛ حتى تستقيم أمورهم، وتصلح أحوالهم، ويسعد مجتمعهم، ويسلموا من غضب الله، وأسباب عقابه، والله الهادي إلى سواء السبيل.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية
والإفتاء والدعوة والإرشاد
سبق حديث عن دار الحديث عند الكلام على الأعمال التي تولاها سماحة الشيخ×.(1/242)
والكلام_في هذه الفقرة_سيكون فيه شيء من التفصيل عن هذه الدار، وجهود سماحة الشيخ في سبيل استمرارها والنهوض بها؛ ذلك أنها تحتل مكانة عظيمة عند سماحته_كما ستلاحظ ذلك في ثنايا الحديث الآتي_وقبل ذلك هذه نبذة عن دار الحديث.
=إنشاء دار الحديث+
هذه الدار أنشئت عام 1352هـ وكانت فكرة إنشائها قائمة على الرغبة في النهوض بعلوم الحديث، والعناية بها؛ ذلك أن ظاهرة ضعف دراسة الحديث قد دبّت في العصور المتأخرة؛ لذا فكر جماعة من علماء الحديث برئاسة سماحة الشيخ عبدالظاهر أبو السمح إمام وخطيب المسجد الحرام آنذاك×في إنشاء دار للحديث الشريف وعلومه.
وقد فوض أولئك العلماء سماحة الشيخ عبدالظاهر بعرض هذه الفكرة على أنظار الملك عبدالعزيز×.
وبعد ذلك أجاب الملك عبدالعزيز بالموافقة بالكتاب رقم 62 وبتاريخ 1/2/1352هـ.
وبعد اطلاعه على نظام المدرسة صدرت الموافقة السامية بفتح المدرسة بالكتاب رقم 65، وتاريخ 3/2/1352هـ.
=أهداف دار الحديث+
ولقد قامت هذه الدار على الأهداف التالية المذكورة في نظامها:
1_ تخريج رجال مثقفين في القرآن والسنة، والعلوم الشرعية.
2_ دراسة كتب الحديث، وخاصة الأمهات الست لزوماً أبداً، ولزوم طريقة المحدثين في تلقي علوم السنة.
3_ المساهمة في تربية جيل إسلامي على أساس العقيدة السليمة، والعبادة الصحيحة، والخلق الحسن.
4_ الاهتمام بنشر وتحقيق الكتب الشرعية، وإعداد البحوث النافعة.
5_ المشاركة في نشر العلم الشرعي بين المسلمين، وتبصيرهم بأمر دينهم عن طريق المحاضرات والندوات، واللقاءات العامة.
=آثار هذه الدار+
ولقد نفع الله بهذه الدار أيما نفع سواء في الداخل أو الخارج؛ فمنذ تأسيسها وهي تعنى بتعليم طلابها علوم الشريعة، لاسيما الوافدين من خارج المملكة، سواء من أفريقياً، أو آسيا، أو أوروبا، أو غيرها.(1/243)
وهذه الدار لا تزال تتطور حتى صارت تضم الأقسام الثلاثة: المتوسط، والثانوي، والقسم العالي، ومن تخرج فيها سافر إلى بلاده معلماً، ومرشداً، وداعياً وإماماً، وخطيباً. هذه حال غالبية من يتخرجون.
=جهود سماحة الشيخ في دار الحديث+
أما جهود سماحة الشيخ عبدالعزيز التي كانت لدار الحديث فلا تخفى على من له أدنى اطلاع على مسيرة الدار؛ فجهوده مبذولة منذ ما يقارب أربعين عاماً؛ فهذه الدار تجري في عروق الشيخ.
ولعل من أبرز ما يذكر من جهود سماحته لهذه الدار ما يلي:
1_ كتب سماحته×لما كان نائباً لرئيس الجامعة الإسلامية كتاباً بتاريخ 7/5/1381هـ ورقم 212، ووجهه إلى مدير دار الحديث بمكة المكرمة الشيخ محمد عمر عبدالهادي، وهذا الكتاب يقضي بأن طلاب دار الحديث يقبلون في الجامعة الإسلامية دون أن يجر لهم اختبار قبول.
2_ في عام 1386هـ رأت لجنة دار الحديث برئاسة الشيخ محمد عبدالرزاق حمزة×انتخاب سماحة الشيخ عبدالعزيز عضو شرف للدار نظراً لما يقوم به سماحته من أعمال جليلة في سبيل ترقيتها والأخذ بيدها، ومساعدتها في جميع المجالات.
وقد حرر هذا الكتاب في 16/8/1386هـ
3_ كان أول مدير للمدرسة هو مؤسسها الشيخ عبدالظاهر أبو السمح×واستمر في إدارتها إلى أن توفاه الله عام 1370هـ.
ثم خلفه الشيخ محمد عبدالرزاق حمزه الإمام الثاني بالمسجد الحرام، والمدرس به، وبالمدرسة منذ تأسيسها، واستمر في إدارتها إلى عام 1389هـ حيث زاد عليه المرض، وتوفى×عام 1391هـ ثم تولى إدارة الدار من بعده الشيخ محمد عمر عبدالهادي الذي كان يشغل منصب وكيل الدار منذ عام 1365هـ واستمر في الإدارة إلى عام 1397هـ.
ثم تولى الإدارة بعده الشيخ علي بن عامر بن عقلان الأسدي×.
ومنذ أن تأسست الدار كان لها إدارة بمثابة الموجه والمرشد لسير الدار على نحو ما أسست له.(1/244)
وقد تَكَوَّن أول مجلس عند تأسيسها برئاسة الشيخ عبدالظاهر أبو السمح×ثم خلفه مجلس آخر برئاسة فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالغني خياط إمام وخطيب المسجد الحرام×.
وفي عام 1390هـ رفع التماس من المجلس إلى الملك فيصل بضم الدار إلى الجامعة الإسلامية في المدينة فوافق×وكان هذا العمل من آخر أعمال المجالس.
وفي عام 1405هـ أعيد تكوين مجلس إدارة الدار إلى أن تَكَوَّن المجلس الأعلى الحالي بمشورة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز×.
وقد تكون المجلس من التالية أسماؤهم:
1_سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رئيساً.
2_صاحب الفضيلة الشيخ صالح بن محمد التويجري نائباً للرئيس.
3_صاحب الفضيلة الشيخ محمد بن عبدالله السبيل عضواً.
4_صاحب الفضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام عضواً.
5_صاحب الفضيلة الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع عضواً.
6_صاحب الفضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن العقلا عضواً.
7_صاحب الفضيلة الشيخ صالح بن عبدالله بن محمد بن حميد عضواً.
8_صاحب الفضيلة الشيخ محمد عمر عبدالهادي عضواً
9_صاحب الفضيلة الشيخ صالح بن يوسف الزهراني عضواً.
10_صاحب الفضيلة الشيخ علي عامر عقلان عضواً.
4_ منذ أن تولى سماحة الشيخ عبدالعزيز×رئاسة المجلس الأعلى للدار وهو الذي يسعى لها، ويجمع أجرتها، ورواتب مدرسيها وطلبتها، وكل ما يتعلق بها.
5_ وبواسطة هذه الدار توزع الصدقات على الفقراء والمساكين من رجال ونساء؛ حيث يرسل سماحته الصدقات إلى مدير الدار الشيخ علي ابن عامر عقلان الأسدي، وبعد التأكد من حاجات مستحقيها تدفع لهم.
6_ وبعد وفاة الشيخ علي بن عامر×عام 1418هـ وُكِل أمر توزيع الصدقات والرواتب إلى فضيلة الشيخ جا بر بن محمد المدخلي الأمين العام للتوعية الإسلامية في الحج.(1/245)
7_ مجلس إدارة الدار يجتمع في السنة مرتين أو ثلاثاً أو أكثر إذا دعت الحاجة إلى ذلك، ويرأس الاجتماع سماحة الشيخ لدراسة أحوالها وأحوال طلابها ومناهجها، وأوقافها، وجميع ما يتصل بها.
8_ الدار_كما هو معلوم_تقوم على نفقات المحسنين، وقبل عشرة أعوام من وفاة سماحة الشيخ أقيمت مبان في شارع أجياد لدار الحديث، وهذه المباني كافية لقاعات الدراسة، والإدارة، وسكن الطلاب، وقد رشح مجلس الدار برئاسة سماحته الدكتور سليمان بن وائل التويجري مديراً لها، والشيخ علي بن عامر×مساعداً.
ولما تمت هذه المباني الكبيرة اكتفت الدار بنفسها تقريباً.
وقد كلفت هذه المباني مبلغ خمسة عشر مليون ريال تقريباً، وقد يسر الله جمع هذا المبلغ من المحسنين على يد سماحة الشيخ×.
9_ لدار الحديث شعبة في المدينة النبوية، وهذه الشعبة تابعة للجامعة الإسلامية ويديرها صاحب الفضيلة الشيخ عمر فلاته×الذي توفي قبل سماحة الشيخ بشهرين تقريباً.
وكان الشيخ عمر قد طلب من سماحة الشيخ أن يشفع في بناء شعبة دار الحديث المذكورة التي تضم فصول الدراسة، ومكتبة كبيرة، وسكناً للطلبة بتكلفة قدرها أحد عشر مليون ريال، فكتب سماحته×إلى خادم الحرمين الملك فهد في هذا الشأن، فتبرع_حفظه الله، وأجزل مثوبته_بالمبلغ المذكور، وتم البناء في حياة سماحة الشيخ، والشيخ عمر_رحمهما الله_.
الجدير بالذكر أن الشيخ عمر×كان مدرساً في المسجد النبوي، وله فضل، وفيه خير كثير، ونفع للناس، وكان يعمل بصمت، وصبر، واحتساب، وكان سماحة الشيخ يرسل المساعدات والنفقات المقطوعة لفقراء المدينة عن طريق الشيخ علي سنان المدرس بالمسجد النبوي، ولما كبر سنه، ودب إليه الضعف أسند هذه المهمة إلى الشيخ عمر فلاته، فقام بالعمل خير قيام، مع ما كان يعانيه من الأمراض.(1/246)
10_ وبالجملة فإن دار الحديث تحظى بعناية سماحة الشيخ، ورعايته المستمرة، وإن من توفيق الله_عز وجل_لهذه الدار أن يكون سماحته على رأس هذه الدار، فهو_كما يقول القائمون على الدار_كالأب يحنو على أولاده.
وكان لها بعد الله_تبارك وتعالى_إن احتاجت أعطاها، وإن عجزت أخذ بيدها، وإن أصيبت بعسرة أو ضائقة ذكَّرها بحفظ الله، وقرب فرجه؛ فرحمه الله، وأجزل مثوبته، وجعل ما قام به في ميزان حسناته.
ومما يدل على عظيم منزلة دار الحديث عند سماحته أنه×لما رشح عام 1402هـ لجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام_ألقى كلمة في ذلك الاحتفال الكبير الذي ضم العديد من الأمراء، والعلماء، وكان ذلك الحفل تحت رعاية الملك فهد، ولم ينس في تلك الكلمة دار الحديث، حيث إنه ضَمَّن كلمته في ذلك الحفل إشادة بدار الحديث، ونوه بدورها، وأعلن في تلك الكلمة أنه قد تبرع بجائزته التي فاز بها لدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة، وكان مقدار الجائرة ثلثمائة ألف ريال.
سماحة الشيخ×معروف بالبذل، والكرم، وحب الإحسان إلى الناس منذ نشأته.
والمساعدات المالية التي قدمها طيلة حياته لا يمكن حصرها؛ إذ هي متشعبة، متنوعة، وبعضها في أوراق ربما تكون مفقودة.
ولأجل أن تقف على شيء من تلك المساعدات التي يقدمها سماحته إليك هذا البيان الذي أعد بعد وفاة الشيخ، حيث أعده مدير عام مكتب المفتي العام الشيخ د. عبدالله الحكمي، ومدير مكتب البيت محمد الموسى، ومدير مكتب البيت المساعد الشيخ عبدالرحمن بن محمد العتيق.
وقد أُعدَّ هذا البيان بناء على رغبة الشيخ أحمد بن عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، ومما جاء في ذلك البيان ما يلي:
1_ أنواع المساعدات المقدمة من سماحته×:(1/247)
المساعدات المقدمة من سماحة الوالد×هي إعانات للمستحقين من الفقراء، والمساكين، والغرباء، والمنقطعين، والأرامل والأيتام، وطلبة العلم ممن لا دخل لهم، أو لهم دخل لا يفي بحاجتهم الضرورية، أو يعجزون عن دفع إيجارات مساكنهم، أو أَلَمَّت بهم ظروف طارئة، من مرض، أو سفر، أو غيرها مما يستدعى المساعدة والعون، سواء كانوا من السعوديين أو غيرهم من ضعفاء المسلمين من الجنسيات المختلفة.
وتتلخص المساعدات المقدمة من سماحته لهم أسراً وأفراداً في ثلاث فئات:
الفئة الأولى: المساعدات الشهرية: وهي مساعدة محددة من سماحته، أو من اللجان الموكل إليها ذلك، بمبلغ معين يصرف كل شهر للفقراء، أو لأسر معينة.
ويتراوح أغلبها ما بين 500_1000 ريال، وقد تزيد أو تنقص حسب شدة الحاجة، وكثرة عدد الأسرة، واعتبارات أخرى.
الفئة الثانية: المساعدات السنوية: وهي مساعدة محددة من سماحته، أو من اللجان الموكل إليها ذلك بمبلغ معين يصرف للفرد، أو الأسرة المعينة مرة واحدة في السنة.
وغالباً ما تختص هذه المساعدات بالإعانات في دفع إيجارات المساكن للعاجزين عنها، وبعضهم ممن قررت لهم رواتب شهرية من الفئة الأولى، ويتراوح أغلبها ما بين 5000_10000 ريال سنوياً، وقد تزيد لاعتبارات أخرى.
الفئة الثالثة: المساعدات المقطوعة: وهي مساعدات تصرف بأمر سماحته، أو من يوكل إليه النظر في الطلبات المقدمة إليه من اللجان المختصة، وتصرف مرة واحدة عند توافر مساعداتٍ لدى سماحته من غير ارتباط بها، أو التزام شهري أو سنوي، ولا يتكرر صرفها إلا بأمر آخر من سماحته، والمقطوعات أضعاف أضعاف ما سيذكر من المساعدات الشهرية والسنوية.
2_ جهات تقديم المساعدات:
أ_المكتب الخاص في منزل سماحته: ويقوم المكتب بتقديم المساعدات الشهرية والسنوية والمقطوعة حسب الأوامر الصادرة من سماحته، ولديه جداول، وبيانات يتم الصرف للمستفيدين بموجبها.(1/248)
ب_مكتب المفتى العام في الرئاسة: ويقوم المكتب بتقديم المساعدات المقطوعة حسب الأوامر الصادرة من سماحته، أو من اللجان المكلفة من سماحته بذلك لطالبي المساعدة من المستحقين.
ومما يراعى في المكتب عدم تكرار الصرف للشخص الواحد أكثر من مرة خلال العام.
جـ_مكتب مساعدات سماحة الشيخ في مكة المكرمة: وأساس هذا المكتب هو عمل فضيلة الشيخ علي بن عامر عقلان وكيل دار الحديث الخيرية بمكة المكرمة×حيث كان وكيلاً لسماحته في صرف المساعدات الشهرية، والسنوية، والمقطوعة للفقراء، والغرباء في مكة المكرمة.
وبعد وفاة الشيخ علي×جرى تكليف فضيلة الشيخ جابر ابن محمد المدخلي الأمين العام للتوعية الإسلامية في الحج بمكة المكرمة، فأسس مكتباً لهذا الغرض لمساعدته، وتنظيم الأعمال المتعلقة به، وعين فيه بعض الموظفين المتفرغين، وسماه =مكتب مساعدات سماحة عبدالعزيز ابن عبدالله بن باز بمكة المكرمة+.
ويتولى هذا المكتب صرف الإعانات الشهرية أو السنوية، أو المقطوعة للمقيمين في مكة المكرمة، وما يقرب منها من المدن.
ويجري تحديد هذه الإعانات بأمر سماحته، أو حسب رأي اللجنة التي يفوض إليها ذلك في المكتب المذكور.
د_ وكيل سماحة الشيخ في المدينة النبوية: ويتولى وكيل سماحته في المدينة صرف المساعدات الشهرية والسنوية والمقطوعة المقررة لبعض المستحقين المقيمين في المدينة.
وقد تولى هذا العمل فضيلة الشيخ عمر بن محمد فلاته المدرس في المسجد النبوي، ومدير دار الحديث بالمدينة×.
وبعد وفاته وُكلَ عمله هذا في آخر عام 1419هـ إلى الشيخ عمر بن عيسى فلاته وكيل شعبة دار الحديث في المدينة.
3_ حصر المستفيدين من المساعدات:
نظراً لكون المساعدات المقطوعة غير مستمرة، وربما تخضع لعدد المتقدمين، والمبالغ المتوافرة في كل سنة، أو مناسبة، ولعدم وجود ارتباط بها_فَسَيُعْرَض عن ذكرها في هذا البيان، ويُقْتَصَرُ على المساعدات المستمرة وهي كالتالي:(1/249)
أولاً: المساعدات الشهرية:
أ_عدد المستفيدين بواسطة المكتب الخاص في المنزل: في الداخل يبلغ عددهم (385) مستفيداً سواء في الخارج أو الداخل، ويلاحظ في أسماء المستفيدين أن فيهم أسراً كان والدهم من الدعاة أو العلماء، ويلاحظ أن الأسماء في أماكن مختلفة متفرقة.
ويبلغ إجمالي المستحق في الشهر الواحد (556، 200) ريال.
ويستمر الصرف طيلة شهور السنة، ويبلغ إجمالي المستحق طيلة السنة (55620، 12) ريال.
ب_عدد المستفيدين بواسطة مكتب المساعدات في مكة المكرمة (452) مستفيداً.
إجمالي المبلغ المستحق في الشهر الواحد (4، 914، 600) ريال.
ج_عدد المستفيدين بواسطة وكيل المدينة: (78) مستفيداً
إجمال المبلغ المستحق في الشهر الواحد (67، 400) ريال.
إجمالي المستحق في السنة: (808، 800) ريال.
ثانياً: المساعدات السنوية:
أ_عدد المستفيدين بواسطة المكتب الخاص في البيت عددهم في الداخل (38) مستفيداً.
وإجمالي المستحق (247800) ريال.
وعددهم في الخارج أفراداً (12) مستفيداً، وإجمالي المستحق (100، 000) ريال.
وعدد المستفيدين في الخارج من المدارس والمراكز الإسلامية (20) .
وإجمالي المستحق (516، 000) ريال في السنة.
وإجمالي السنوي المستحق الذي يصدر من مكتب البيت سواء في الداخل أو الخارج يبلغ (863، 800) ريال.
وإليك ذكر لأسماء بعض المراكز المستفيدة من المساعدات السنوية في الخارج.
1_ مدرسة الروضة بعلواق: 15000 ريال.
2_ مدرسة النجاح في كينيا: 12، 000ريال.
3_ معهد أوجير في كينيا: 36، 000 ريال
4_ إعاشة طلبة معهد أوجير: 20، 000 ريال.
5_ الشيخ: 12000 ريال.
6_ المغربي: 5000 ريال.
7_ معهد خولان باليمن: 20000 ريال.
8_ مدرسة نور الإسلام في كينيا: 30000 ريال.
9_ المركز الثقافي في أستراليا: 36000 ريال. .
10_ مدرسة دار الحديث بساحل العاج: 120000 ريال.
11_ صحيفة النور في المغرب: 10000 ريال.
12_ معهد الأسد لتحفيظ القرآن في سوريا: 10000 ريال.(1/250)
13_ معهد الصديق في صنعاء: 50000 ريال.
14_ مدارس بني عامر في موريتانيا: 50000 ريال.
15_ مدرسة الفيصل بأستراليا: 10000 ريال.
16_ مدرسة الإرشاد في جيبوتي: 20000 ريال.
17_ مدرسة السلام في كينيا: 20000 ريال.
18_ مركز منديرا الإسلامي في كينيا: 20000 ريال.
19_ مدرسة العلوم الخيرية: 20000 ريال.
20_ جماعة الدعوة للقرآن والسنة في أفغانستان: 20000 ريال.
كل هذا من غير المقطوعات التي تصرف لكثير من المراكز والجمعيات إما لتأسيسها، أو لرواتب موظفيها، أو غير ذلك، ومبالغ المقطوعات كثيرة جدَّاً.
ب_عدد المستفيدين بواسطة مكتب المساعدات في مكة المكرمة (94) مستفيداً.
إجمالي المستحق في السنة: (854، 700) ريال.
ج_عدد المستفيدين بواسطة الوكيل في المدينة (17) مستفيداً.
إجمالي المستحق في السنة (136، 000) ريال.
ومما ينبغي أن يلاحظ في هذا الصدد أن المستفيد في الغالب يكون لديه أسرة، وربما كانت كبيرة؛ فانظر إلى عظم هذا العمل الذي يتضلع به هذا الإمام العلم، ولا تحسب أنه متفرغ لهذا العمل وحده، بل هو جزء يسير جداً مما يقوم به بل إنه يقوم به في وقت يسير محدود.
وانظر إلى هذه الأمم التي تستفيد من نائله، وجوده، وبره.
ولعل هذا سر كبير من الأسرار التي مَكَّنت محبته في القلوب، وجعلت المصاب بفقده ليس كأي مصاب.
إليك أيها القارىء الكريم بياناً بالحسابات المصرفية المسجلة باسم سماحة الشيخ، الخاصة بالأعمال الخيرية، والأمانات التي تصرف تحت إشراف مكتب سماحته في الرئاسة، أو مكتب سماحته الخاص في البيت، أو بعض أقسام الرئاسة المختصة:
أولاً: الحسابات المصرفية التي تحت إشراف مكتب المفتي العام
1_ الحساب رقم 4299، مصرف السبيعي_الرياض
خاص برواتب الدعاة خارج المملكة المعينين على حساب مكتب البيت.
الصرف يتم تحت إشراف الشيخ محمد القرعاوي_المكتب العام.
2_ الحساب رقم 4296 مصرف السبيعي_الرياض.(1/251)
خاص برواتب الدعاة إلى الله، والمترجمين في المكاتب التعاونية داخل المملكة.
3_ الحساب رقم 3/6279 شركة الراجحي المصرفية_فرع طريق الحجاز_الرياض.
خاص بالأمانات الخاصة بإعانة الجمعيات والمراكز الإسلامية، ومبالغ الإعتاق، وهي بأسماء محددة.
الصرف يتم تحت إشراف الشيخ محمد القرعاوي_المكتب العام.
4_ الحساب رقم 14103 شركة الراجحي، فرع العزيزية، الطائف.
الصرف تحت إشراف الشيخ محمد القرعاوي، المكتب العام.
5_ الحساب 2/6414 شركة الراجحي المصرفية فرع العزيزية مكة المكرمة فرع للحساب السابق.
الصرف تحت إشراف الشيخ محمد القرعاوي_المكتب العام_.
6_ الحساب رقم 4584 مصرف السبيعي، الرياض فرع الديرة.
باسم جامعة ابن تيمية بالهند، يصرف لبعض مشاريعها.
الصرف تحت إشراف الشيخ محمد القرعاوي، المكتب العام.
7_الحساب رقم 26134 شركة الراجحي فرع العزيزية، الطائف.
خاص بالمساعدات المقطوعة للأفراد الذين يراجعون المكتب.
الصرف تحت إشراف الشيخ عبدالعزيز الناجم.
ثانياً: الحسابات المصرفية التي تحت إشراف المكتب الخاص في بيت سماحته:
1_ الحساب رقم (2) 940 مصرف السبيعي فرع الديرة.
مخصص للصدقات، والزكوات التي ترد إلى سماحته يتم منه التوزيع على الفقراء وصرف الإعانات الشهرية، والسنوية، وغيرها.
الصرف تحت إشراف الشيخ عبدالرحمن بن عتيق.
2_ الحساب رقم 2673_ 5 شركة الراجحي فرع العزيزية، الطائف.
فرع للحساب السابق للغرض نفسه.
الصرف تحت إشراف الشيخ عبدالرحمن بن عتيق، المكتب الخاص.
4_ الحساب رقم 7048/5 شركة الراجحي، فرع سلطانة، الرياض.
فرع للحساب السابق للغرض نفسه.
الصرف تحت إشراف الشيخ عبدالرحمن بن عتيق، المكتب الخاص.
5_الحساب رقم (3) 2421 مصرف السبيعي فرع الديرة، الرياض.
خاص بالتبرعات لتعمير المساجد داخل المملكة.
6_الحساب رقم 90/4 شركة الراجحي، فرع سلطانه، الرياض.
فرع للحساب السابق للغرض نفسه.(1/252)
الصرف تحت إشراف الشيخ عبدالرحمن بن عتيق، المكتب الخاص.
7_ الحساب رقم (17) مصرف السبيعي، فرع الناصرية، الرياض، خاص بتعمير المساجد كسابقه.
الصرف تحت إشراف الشيخ عبدالرحمن بن عتيق، المكتب الخاص.
8_ الحساب رقم 4285 مصرف السبيعي، فرع الديرة، الرياض.
خاص بدار الحديث، والصرف تحت إشراف الشيخ عبدالرحمن بن عتيق، المكتب الخاص.
ثالثاً: الحسابات المصرفية التي تحت إشراف إدارات أخرى في الرئاسة:
1_ الحساب رقم 47860/8 شركة الراجحي، فرع الديرة، الرياض.
خاص بمشروع إعانة الزواج للعاجزين عن مؤنته.
الصرف تحت إشراف معالي الشيخ الدكتور عبدالعزيز بن محمد العبدالمنعم الأمين العام لهيئة كبار العلماء، والمكلف بالإشراف على مكتب إعانات الزواج، ويجري السحب منه بتوقيع معاليه.
تنبيه: قد صدرت موافقة لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز×قبل وفاته على ضم هذ المشروع إلى لجنة مساعدة الشباب على الزواج حسب اقتراح صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض، وذلك بكتاب سماحته إلى سموه رقم 159/2 وتاريخ 8/1/1420هـ.
2_ الحساب رقم 4330، مصرف السبيعي فرع الديرة، الرياض.
خاص بطباعة الكتب، وشرائها للتوزيع عن طريق الرئاسة من تبرعات المحسنين.
الصرف تحت إشراف مدير الإدارة العامة لمراجعة المطبوعات الدينية بالرئاسة.
هذه هي الحسابات التي باسم سماحته، وهي للأعمال الخيرية المذكورة تحت كل حساب، مع العلم أن مصادر تمويل هذه الحسابات هي من تبرعات أهل الخير، والإحسان داخل المملكة.
وبعض هذه الأرصدة مخصص لجهات معينة من مساجد معروفة، أو جمعيات، ومدارس خيرية معينة، أو أمانات مقابل عتق الرقاب، ومعاملاتها موجودة في جهاتها في الرئاسة أو المكتب الخاص في المنزل.
وكان الصرف منها يتم بتوقيع سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز مع توقيع الموظف المشرف على الحساب، أو من هو مخول بذلك من مسؤولي المكتب.(1/253)
رحم الله سماحته، وأجزل له المثوبة على ماقدم.
=طريقته في التعامل معهم+
سماحة الشيخ لا يغفل أحداً من طبقات المجتمع، بل تراه يعطي كل أحد حقه، وينزله منزلته اللائقة به.
ولا ريب أن للتجار والمحسنين مكانة ووجاهة، وأنهم سبب لقيام المشروعات الخيرية النافعة.
وسماحة الشيخ يتعامل مع هذه الطبقة بالحسنى، ويتعاون معهم على البر والتقوى، ولا يريد من ذلك مصلحة شخصية، بل يريد من وراء ذلك نفع المسلمين، والإحسان إلى التجار والمحسنين، وذلك بدلالتهم على الخير، وحثهم وحضهم عليه، ولهذا ترى سماحته كثير الاتصال بهؤلاء، كثير الاستضافة لهم، كثير التعاون والتواصي معهم على الحق والصبر.
كما أنه×يعينهم على أنفسهم، ويذكرهم بفضل الإنفاق في وجوه الخير، ويكثر من شكرهم والدعاء لهم إذا قاموا بعمل نافع.
وفي المقابل فإن التجار والمحسنين يحبون سماحته، ويكنون له التقدير والمحبة والإجلال، كما أنهم يثقون به، ويصغون لنصحه وآرائه، ويستجيبون لنداءاته في البذل والإنفاق.
ثم إن سماحته تارة يدعوهم للإنفاق على سبيل العموم، وتارة يدعوهم على وجه الخصوص، وتارة يدعوهم لدعم المجاهدين، وتارة يدعوهم لطباعة الكتب، وتارة يدعوهم للمساهمة لجميعات تحفيظ القرآن، وتارة يدعوهم لسداد ديون الفقراء، وتارة يدعوهم لدعم جميعات البر، وتارة يدعوهم لدعم الهيئات والمؤسسات الخيرية في الداخل والخارج وهكذا
وإذا دعاهم هبوا_في الغالب_لإجابة ندائه؛ لما في نفوسهم من الخير، ولثقتهم بسماحة الشيخ، ولعلمهم بأنه سيضع الشيء في موضعه، ولعلمهم بدقته، وتحريه، ونظامه.
لقد كان هذا دأب سماحته من قديم إلى أن توفاه الله.
وإليك هذه الأمثلة من كتاباته في هذا الصدد.
1_ هذا كتاب بعثه سماحته الشيخ×إلى رئيس القصور الملكية عام 1382هـ حول طلب لإسكان الطلاب الغرباء في المدرسة السلفية في بلجرشي، وإليك نص الكتاب.
بسم الله الرحمن الرحيم(1/254)
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم رئيس القصور الملكية وفقه الله وتولاه آمين.
سلام عليكم وحمة الله وبركاته بعده كتابكم الكريم رقم 791/1 وتاريخ 19/5/1382هـ وصل، وصلكم الله بهداه.
وما أشرتم إليه حول الموافقة السامية المبلغة إليكم من رئيس الخاصة الملكية على صرف المبلغ المقرر من قبل اللجنة المشكلة لدراسة ما ذكرناه لجلالة الملك فيما رفعناه في خطابنا إليه عن مسيس حاجة الطلاب الغرباء في المدرسة السلفية في بلجرشي إلى عمارة مساكن لهم بقرب المدرسة، ورغبتكم الإفادة عن الجهة التي يحول إليها المبلغ المشار إليهإلخ كان معلوماً.
ونفيدكم أنا كتبنا إلى مدير المدرسة المذكورة، وأجاب بالموافقة على صرف المبلغ المقرر لعمارة المساكن المشار إليها إلى فضيلة الشيخ سعيد ابن عبدالله الدعجاني المعروف في حلة الخاسكية بجدة، وهو من ثقات الإخوان المعروفين، ونحن نوافق على ما ذكره مدير المدرسة الشيخ محمد علي جماح من تحويل المبلغ إلى الشيخ سعيد المذكور، فنأمل اعتماد ذلك، وسنعمد الشيخ سعيداً المذكور، والشيخ محمد علي جماح بالتعاون على القيام بعمارة المساكن المذكورة على الوجه الموضح فيما رفعناه لجلالة الملك.
وقد أبلغنا الشيخ سعيداً، والشيخ الجماح ذلك، وأرسلنا إليهما صورة هذا الكتاب، ونسأل الله أن يوفق جلالة الملك لكل خير، وأن يشفيه من كل سوء، ويضاعف له الأجر آمين، والله يتولاكم، والسلام.
2_ وهذا كتاب بعثه سماحة الشيخ إلى عدد من المحسنين حاثاً لهم على التبرع لجماعة تحفيظ القرآن الكريم في الرياض، وهذا نص واحد من الكتابات.
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ الشيخسلمه الله
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:(1/255)
فإن جماعة تحفيظ القرآن التي يتولى رئاستها صاحب الفضيلة الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله آل فريان تقوم بجهود عظيمة في تحفيظ كتاب الله للصغار والكبار من الذكور والإناث في مدينة الرياض وملحقاتها، وذلك على نفقات المحسنين للمدرسين والطلاب، وعلى رأس المحسنين خادم الحرمين الشريفين حفظه الله من كل سوء ومكروه، وضاعف مثوبته.
وهذه المساعدة تبلغ مليونين، وقد بلغت ميزانية الجماعة كما ذكر لي رئيس الجماعة فضيلة الشيخ عبدالرحمن المذكور فوق ثمانية ملايين، وقد أنتجت الجماعة ولله الحمد نتائج مباركة، فيحفظ عندهم في كل سنة القرآن الكريم كاملاً غيباً وتجويداً ما بين مائة وخمسين إلى مائتين من الذكور والإناث، ويحفظ خمسة أجزاء فأكثر كل سنة ما بين ألف وخمسمائة طالب إلى ألفين.
وصار منهم أئمة مساجد، وقضاة، ومعلمون من حفاظ القرآن الكريم، وذلك من فضل الله، وكرمه، ثم بالجهود الطيبة التي تبذل في هذا السبيل.
ولما كنتم من أهل الخير، وممن يحب الخير وأهله، ويبذل في تشجيعه رأينا دعوتكم إلى اجتماع بيننا وبين المحبين للخير؛ للتبرع لهذه الجماعة؛ حيث عرض عليها سوق للبيع بسبعين مليون، ودخله حسبما ذكروا ثمانية ملايين؛ لعل هذه الجماعة تستثمره، ويغنيها عن سؤال الناس التبرع في كل سنة.
وقد كتبت لسمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز، فوافق على الاجتماع، وكتب لكم بهذا الخصوص، فلعلكم تحتسبون الأجر، وتشتركون في هذا الاجتماع؛ للمساهمة مما أعطاكم الله في هذا المشروع؛ ليكون ذلك وقفاً منجزاً ينفعكم الله به، وينفع المسلمين.
شكر الله سعيكم، وضاعف مثوبتكم، وجعلنا وإياكم ممن يعين على نوائب الحق؛ إنه جواد كريم.
وقد رأينا أن يكون موعد الحضور مساء يوم الأحد الموافق 5/11/1416هـ بعد صلاة العشاء في الساعة الثامنة والنصف في منزلنا في حي البديعة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مفتي عام المملكة العربية السعودية(1/256)
ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارات البحوث العلمية والإفتاء
لسماحة الشيخ×عناية عظيمة بطباعة الكتب النافعة سواء كانت كتباً كبيرة، أو صغيرة، أو مطويات، وسواء كانت في العقيدة، أو الفقه، أو الحديث، أو نحو ذلك.
وعنايته بالكتب وطبعها، يشمل الكتب التي كتبت باللغة العربية، أو غيرها من اللغات الأخرى.
كما أنه يسعى في نشرها داخل المملكة وخارجها، وذلك بواسطة المكاتب التابعة لرئاسة سماحته لما كانت الدعوة في الداخل والخارج تابعتان له.
ولم ينقطع عن ذلك حتى بعد نقل الدعوة إلى وزارة الشؤون الإسلامية.
كما أنه إذا أعجبه كتاب لأحد المؤلفين تبنى طبعه، ونشره وإهداءه.
كما أن كتبه تطبع بكثرة، وتتداول بكل مكان، وتترجم إلى لغات شتى.
كما أنه×يجمع الأموال من المحسنين لطباعة الكتب، وقد فتح سماحته حساباً خاصاً في مصرف السبيعي، وهذا الحساب خاص بطباعة الكتب وشرائها للتوزيع.
وكان هذا دأبه من قديم، واستمر على هذه الطريقة إلى أن فارق الحياة.
وإليك هذه الرسالة التي كتبها عام 1382هـ متضمنة طلباً لتسديد مبلغ طباعة إحدى رسائله، وإليك نص هذه الرسالة.
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم رئيس الخاصة الملكية وفقه الله وتولاه آمين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بعده إليكم برفقه الكتاب الوارد إلينا بتاريخ 18/7/1382هـ ورقم 1965 من مدير مطبعة الحكومة الذي اتفقنا معه على طبع رسالتنا في السفور والحجاب، وبرفقه كشف حساب نفقة المبلغ المذكور، أرجو تسديده للمطبعة المذكورة، وذلك اعتماداً على الأمر الملكي المبلغ لكم في هذا الصدد بتاريخ 16/11/81 هـ، ورقم 15842 المبلغ لنا منكم ببرقيتكم رقم 1539، وتاريخ 23/11/81 هـ نرجو موافاة المطبعة بالأجرة المذكورة، وإفادتنا بذلك، أثابكم الله، والله يتولاكم والسلام.(1/257)
الدعوة إلى الله_تعالى_:تجرى في عروق سماحة الشيخ، فحياته، ومجالسه الخاصة والعامة، وتعامله مع الناس على اختلاف طبقاتهم، ومكاتباته، ومراسلاته، ومؤلفاته، ودروسه كل ذلك يصب في قالب الدعوة إلى الله، وتربية الناس على الدين الحق.
والصفحات الماضية والآتية شاهد على ذلك.
ولقد كان×منذ نشأته حريصاً على الدعوة إلى الله، باذلاً وقته وماله، وعلمه، وجاهه في ذلك السبيل.
وهذا الأمر يعرفه القاصي والداني، فلا يكاد أحد في عصره يدانيه في ذلك الشأن؛ فهو إمام الدعاة في عصره، وهو المرجع الأول لهم، وهو الذي يشرف على إرسال الكثير من الدعاة، وتعيينهم ومتابعتهم، وإجراء الرواتب لهم، وإمدادهم بكل ما يحتاجون إليه.
1_ وإليك هذا الكتاب الذي كتبه قبل وفاته بثلاث وثلاثين سنة، وذلك لما كان في الجامعة الإسلامية، حيث كتبه بشأن القائمين على التعليم والدعوة في مرخة من بلاد بني هلال، فإليك نص الكتاب الذي وجهه سماحته لوكيل وزارة الحج والأوقاف آنذاك.
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم سعادة وكيل وزارة الحج والأوقاف الشيخ أحمد مجاهد سلمه الله وتولاه آمين
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
إشارة إلى برقية سعادتكم رقم 5439 في 10/4/1387هـ أفيدكم أننا أجرينا لازم عمل المسيرات للقائمين بالدعوة إلى الله_سبحانه_والتعليم في مرخة من بلاد بني هلال، وهي إليكم برفقه.
وأود أن أذكر لسعادتكم هنا أن القائمين بالدعوة هناك كانوا أربعة أرسلناهم من المدينة ابتداءً من جمادى الأولى سنة 1386هـ، أحدهم الشيخ يعقوب بن حسين معولي، راتبه شهرياً ثمانمائة ريال، والثاني الشيخ محمد عطاء الله الهندي راتبه الشهري أربعمائة ريال، والثالث علي بن مرشد قائد اليماني من طلبة الجامعة الإسلامية راتبه أربعمائة ريال، والرابع مرشد بن علي بن محمد اليماني من طلاب دار الحديث بالمدينة راتبه أربعمائة ريال.(1/258)
والداعي لبعثهم إلى مرخة أن بعض شيوخها تقدم إلى جلالة الملك_حفظه الله_بطلب إرسال من يرشدهم، وتوسطوا بي في ذلك، فشفعت لهم في الموضوع؛ لشدة حاجة سكان تلك البلاد إلى من يرشدهم، ويوجههم، ويعلم شبابهم، حتى تم إرسال الأشخاص المذكورين.
والبلاد بعيدة عن وسائل الحضارة الجديدة، وسكانها شبه بادية، والطريق إليها فيه صعوبة وخطر فيما بينها وبين نجران بسبب الحرب القائمة في اليمن.
ولهذا لم يكن وصول الدعاة إليها بالأمر الميسور في السنوات الأخيرة، وقد رجع الثالث والرابع من الأشخاص المذكورين في أول رجب سنة 1386هـ لمباشرة الدراسة، واستمر الأول إلى نهاية صفر سنة 1387هـ، أما الثاني وهو الشيخ محمد عطاء الله فلم يزل مستمراً في عمله هناك إلى حين التاريخ كما يتضح ذلك من المسيرات.
وقد عيَّنا في مرخة شخصاً خامساً بدلاً من أحد الشخصين الذين رجعا في أول رجب سنة 1386هـ يقوم بالدعوة والتعليم هناك، وهو من أهل البلد، وقد أشار به الشيخ يعقوب بعد وصوله هناك، وعينا له مائتين وخمسين ريالاً كل شهر اعتباراً من رجب سنة 1386هـ.
وجل المقصود منه تعليم الشباب، وغيرهم ممن يحضر معهم القرآنَ الكريم، ومبادىء العلوم الشرعية، وتوجيههم إلى الأخلاق الكريمة حسب معلوماته، وحسب حال البلاد وأهلها.
ولم نزل نلتمس من يقوم مقام الأخوين علي بن مرشد، ومرشد ابن علي في الدعوة والتعليم هناك، ولكن لم نجد من يوافق على السفر إلى تلك البلاد بمثل راتبهما؛ للصعوبات التي ذكرناها آنفاً، ونرجو أن يتيسر من يصلح لذلك، ويوافق على السفر إلى تلك البلاد، والصبر عليها في الأيام القريبة إن شاء الله.(1/259)
ولهذا فإني أرى أن ترسلوا جميع الرواتب المقررة للأربعة إلى نهاية ربيع الثاني حسب الأمر السامي؛ حتى نسلّم منها للأشخاص الثلاثة الموضحة أسماؤهم في المسيرات المرفقة استحقاقهم، والباقي نحتفظ به حتى نساعد به من يصلح للدعوة هناك من حين نتمكن من وجود من توافر فيه الشروط المطلوبة.
ونحن_إن شاء الله_إن لم نزدها لم ننقصها، وإن أشكل عليكم ذلك فأرجو عرض الموضوع على معالي الوزير، وفيما يراه معاليه وسعادتكم بركة_إن شاء الله_.
والقصد هو التعاون على البر والتقوى، وتسهيل إرسال من يتولى الدعوة والتعليم في هذه البلاد المضطرة إلى ذلك، ونرجو أن نكون جميعاً شركاء في الأجر.
وفق الله الجميع لما فيه رضاه، وجعلنا وإياكم من دعاة الهدى، ووفق حكومتنا لكل ما فيه صلاح المسلمين، ويقظتهم، وفقههم، وسعادتهم في الدنيا والآخرة؛ إنه على كل شيء قدير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
2_ ومما يدل على حرصه على الدعوة إلى الله أنه لما كان في الجامعة الإسلامية نائباً للرئيس، ثم رئيساً لها كان يأتي كثيراً إلى الرياض إما في العطل، أو لأجل دورة في التدريس في المعهد العالي للقضاء، أو في أي مناسبة من المناسبات.
وكان×إذا أتى بدأ بإلقاء الدروس والكلمات، والمحاضرات.
وكان يؤم الناس في الجامع الكبير المجاور لقصر الحكم المسمى بجامع الإمام تركي بن عبدالله.
وفي أول يوم يقدم فيه إلى الرياض يبدأ درسه بعد صلاة العصر، وأذكر أنه أكثر من مرة إذا صلى العصر وقف متوكئاً على عصاه يلقي كلمة، وكان لا يوجد مكبرات للصوت، فيقوم من أجل أن يسمع الناس صوته، وكان الناس يتقاطرون عليه.
وأذكر أنه في إحدى الجمع قام بعد الصلاة في طرف الصف من جهة اليسار يلقي نصيحة يحذر من الغش في البيع والشراء، وقال: كل بحسبه حتى بائع الفحم يجب أن يتقي الله، ولا يغش إخوانه المسلمين.(1/260)
وكان الذي خطب بالناس في ذلك اليوم سماحة الشيخ الإمام محمد ابن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية في وقته_رحم الله الجميع_.
3_ وهذا كتاب بعثه سماحة الشيخ إلى فضيلة الشيخ عثمان بن إبراهيم الحقيل رئيس محكمة الظهران يحثه فيها على الدعوة إلى الله، ويوصيه بإلقاء الدروس، وحث طلاب العلم على ذلك.
وقد كتب هذا الكتاب في 29/3/1383هـ، وهذا نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ عثمان بن إبراهيم الحقيل رئيس محكمة الظهران وفقه الله لكل خير آمين
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعده أرجو أنكم والعائلة ومن لديكم من المشايخ والإخوان بخير وعافية، كما أن محبكم، وجميع المشايخ والإخوان بطرفنا بخير وعافية_لله الحمد_.
نسأل الله أن يوزع الجميع شكر نعمه، وأن يثبتنا على دينه؛ إنه سميع قريب.
ثم يا محب لا يخفاكم شدة حاجة الناس بطرفكم إلى حلقات الذكر والوعظ والإرشاد والدعوة إلى الله، وإلى سبيله بالموعظة الحسنة خصوصاً في هذه الأوقات التي قل فيها الدعاة إلى الله، وغلب على الناس فيها الجهل بالأمور الشرعية، والإقبال على العلوم المادية الصِّرْفة البعيدة عن الدين، وعن كل ما يقرب إلى رب العالمين.
فالواجب عليكم، وعلى إخوانكم من طلبة العلم هو القيام بالدعوة إلى الله، وتبصيرهم بأمور دينهم، وتحذيرهم مما يضرهم دنيا وأخرى؛ فالعلماء هم ورثة الأنبياء، وسرج الله في الأرض، وقد عهد الله إليهم بهذه المهمة، وكلفهم بها فقال_سبحانه_: [وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ] آل عمران: 187.
فمهمة العلماء مهمة خطيرة، وأمانتهم أمانة عظيمة واجب عليهم القيام بها، والعمل على تأديتها بكل أمانة وإخلاص+(1/261)
إلى أن قال×: =وبناء على ما ذكر أرجو من فضيلتكم تعيين عدة دروس في المسجد لديكم، والتكلم عليها وشرحها حسب الاستطاعة، والإعلان عن هذه الدروس؛ لكي يحضرها أكبر عدد ممكن من المستمعين؛ حتى تعم الفائدة، ويعظم أثرها.
كما أوصيكم_أيضاً_بتشجيع زملائكم القضاة في هذه الناحية، والكتابة إليهم، ووصيتهم بالقيام بهذا الأمر العظيم حسب القدرة ولو بتعيين درسين، أو ثلاثة في الأسبوع في الأوقات المناسبة.
سدد الله خطاكم، وبارك في مساعيكم، وجعلنا وإياكم من أنصار الحق ما بقينا؛ إنه جواد كريم.
وهذا شيء في نفسي أحببت إبداءه لكم ولبعض الإخوان من أهل العلم من باب التواصي بالحق، والتعاون على البر والتقوى، والله المسؤول أن يحسن العاقبة للجميع، إنه على كل شيء قدير.
والله يتولاكم، والسلام
حرر 29/3/1383هـ
صورة لفضيلة الشيخ رئيس محكمة الدمام الشيخ سليمان
صورة لفضيلة الشيخ قاضي الخبر
صورة لفضيلة الشيخ قاضي رأس تنورة
صورة لفضيلة قاضي بقيق الشيخ ناصر بن عبدالله
صورة لفضيلة قاضي المحابدة الشيخ عبدالعزيز آل مبارك
وقد أرسلت الصور المذكورة كلها في يوم واحد.
4_ وهذا كتاب بعثه سماحة الشيخ لما كان نائباً لرئيس الجامعة الإسلامية إلى رئيس المحكمة الكبرى بالدمام فضيلة الشيخ سليمان بن عبدالعزيز السليمان يحثه على الدعوة، إلى الله، وإقامة الدروس العلمية، ويوصيه بِحَثِّ من لديه من طلبة العلم على ذلك.
وهذا نص الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ سليمان بن عبدالعزيز السليمان رئيس المحكمة الكبرى بالدمام وفقه الله لكل خير، ونفع المسلمين بجهوده آمين
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعده يا محب، أرجو أنكم والعائلة والمشايخ والإخوان بتمام الصحة والعافية، كما أنا ومن لدينا_بحمد الله_كذلك، أوزعنا الله وإياكم شكر نعمه، وصرف عن الجميع أسباب سخطه، ونقمه.(1/262)
ثم يا محبُّ لا يخفاكم حاجة الناس الشديدة إلى التعلم والإرشاد، ولا سيما في جهتكم؛ لهذا أقترح على فضيلتكم أن تهتموا بالتدريس في الأوقات المناسبة لكم، ولو درساً واحداً بعد العصر، أو بين المغرب والعشاء، ولو بين هذين الوقتين، ولو في بعض أيام الأسبوع، وتُرَغِّبوا من لديكم من أئمة المساجد، وطلبة العلم لحضور الدرس؛ لعل الله ينفع بذلك.
وإذا تيسر الترغيب لمن يعرف بالذكاء، والميول إلى العلوم الدينية من طلاب المدارس الثانوية، وطلاب الخامسة، والسادسة الابتدائية فهو مناسب، ولو درسين في الأسبوع.
والقصد هو النظر في هذا الأمر، وبذل الوسع في إيجاد درسين أو أكثر في الأسبوع يحضرها من أمكن حضوره من الأئمة والطلبة، والعامة.
ويكون ذلك إما في التفسير، أو في الحديث؛ ليعم النفع للجميع.
وإذا رأيتم إيجاد درس خاص للطلبة الصغار والعامة في ثلاثة الأصول، وشروط الصلاة، والقواعد الأربع ثم في كتاب التوحيد، والعقيدة الواسطية؛ لتثبيت التوحيد، والعقيدة السلفية في قلوب الناشئة والعامة_فحسن.
وإن لم يتيسر كفى ملاحظة ذلك في دروس التفسير والحديث؛ لأنهما مليئان بجميع المواد العلمية فيما يتعلق بالعقائد وغيرها.
سدد الله خطاكم، وأعانكم على كل ما فيه رضاه، ونفع عباده، وبارك لنا ولكم في الأوقات، والعلم، والعمل؛ إنه على كل شيء قدير، والله يتولاكم، والسلام.
ملاحظة:
إذا عزمتم على هذا الأمر فينبغي إعلانه بعد صلاة الجمعة، وإيضاح الأوقات للناس؛ حتى يحضر من لديه رغبة، وحتى يتعالم الناس بذلك، يسر الله لكم وبكم كل خير.
5_ وهذا كتاب بعثه سماحته في 6/9/1394هـ إلى الشيخ عبدالودود ابن حافظ بن عبداللطيف يعزيه في والده، ويوصيه بالدعوة، وبالعناية بالقرآن، وكتب الحديث وغيرها من كتب أهل العلم المعتبرين.
وهذا نص الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم عبدالودود ابن حافظ بن عبداللطيف وفقه الله(1/263)
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعده يا محبُّ، كتابكم الكريم المؤرخ في 1/7/1394هـ وصل، وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة عن وفاة الوالد×فهمته، فأقول: أحسن الله عزائكم فيه، وتغمده برحمته، وغفر له، وأسكنه دار كرامته.
أما رغبتكم في توجه الأخ الشيخ محمد. إليكم فقد أجرينا لازم ذلك، ونرجو أن يصلكم قريباً.
وقد ذكر لنا الشيخ محمد أنكم في حاجة إلى المساعدة المادية؛ ليكون ذلك عوناً لكم على الاستمرار في الدعوة إلى الله، وسنجتهد_إن شاء الله_مستقبلاً في استحصال ما يساعدكم ثم نسلمه للشيخ محمد؛ ليتولى إرساله إليكم.
وأوصيكم بالصبر، والمصابرة، وسؤال الله_سبحانه_دائماً أن يعينكم على كل ما فيه رضاه، وصلاح المسلمين، كما أوصيكم بالعناية بالقرآن الكريم تلاوة، وتدبراً، وعملاً، والعناية بالسيرة النبوية_على صاحبها أفضل الصلاة والسلام_وبسيرة أصحابه_رضي الله عنهم_ثم أوصيكم بالعناية بكتب الحديث مثل المنتقى، وبلوغ المرام، وعمدة الحديث، تكثرون من قراءتها، والرجوع إليها.
وأوصيكم_أيضاً_بمطالعة كتب الشيخين: شيخ الإسلام ابن تيمية، والعلامة ابن القيم؛ لكونها من خير الكتب، وأنفعها من جهة العقيدة والأحكام، كما أوصيكم_أيضاً_بمراجعة فتاوى أئمة الدعوة في نجد المسماة بـ الدرر السَّنية؛ لأنها عظيمة الفائدة.
ونسأل الله لنا ولكم المزيد من التوفيق والعافية من مضلات الفتن.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رئيس الجامعة الإسلامية
6_ وهذا كتاب من سماحة الشيخ×إلى أحد المشايخ، واسمه الشيخ يوسف عبدالرحمن صالح يوصيه سماحته بالدعوة، والاستمرار على ذلك والصبر والمصابرة، ويبين له فضل ذلك.
وقد كتب سماحته ذلك الكتاب في 23/10/1394هـ، وهذا نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ يوسف عبدالرحمن صالح وفقه الله آمين
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته(1/264)
بعده يا محبُّ كتابكم الكريم المؤرخ في 3/8/1394هـ وصل وصلكم الله بحبل الهدى والتوفيق، وجميع ما ذكرتموه فهمته، ولقد سرني ما ذكرتم من الجهود الطيبة في صالح الدعوة الإسلامية، بارك الله فيكم، وجعل التوفيق للحق حليفكم، وحليف كل داعية إلى الحق في القول والعمل.
ولا يخفى على المحب أن جميع ما يُنفق في سبيل الدعوة إلى الله_عز وجل_من أفضل النفقات، وصاحبه موعود بالأجر، والخلف؛ فالذي أوصيكم به ونفسي تقوى الله_سبحانه_والصبر والمصابرة، واعتبار ذلك من الجهاد في سبيل الله؛ لأن هذا هو وظيفة الرسل_عليهم الصلاة والسلام_وأتباعهم بإحسان.
وأبشروا بالأجر العظيم، والثواب الجزيل، والنصر المبين، والعاقبة الحميدة إذا صلحت النية، واستقامت الحال.
أما ما ذكرتم عن فلانفنسأل الله أن يهديه، وأن يوفقنا وإياكم وإياه لما يرضيه.
أما رغبتكم الشديدة في بعض الكتب المفيدة فقد كتبنا في ذلك لفضيلة الشيخ إبراهيم بن محمد رئيس إدارات البحوث برقم، 3038 وتاريخ 23/10/1394هـ، وأوصيناه بصرف الكتب التي توزع على أمثالكم.
أما الكتاب السابق المشتمل على بعض الأسئلة فقد وصل إليكم جوابها برفقه، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما فيه رضاه، وصلاح عباده، وأن يمنحنا الفقه في دينه، والثبات عليه، والصدق في الدعوة إليه؛ إنه جواد كريم.
وأرجو إبلاغ سلامي الشيخ عبدالرؤوف العبوشي، والشيخ محمد أبو سردانة، والدكتور عبدالعزيز خياط، والشيخ عبدالله غوشة، وخواصَّ المشايخ والإخوان، كما هو لكم من الأبناء، وخواص المشايخ والإخوان كلهم بخير وعافية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رئيس الجامعة الإسلامية
7_ وهذا كتاب بعثه سماحة الشيخ×إلى القائم بأعمال السفارة السعودية في جيبوتي الشيخ أحمد محمد بياري يدعو له بالتوفيق في عمله، ويوصيه بالوقوف مع الدعاة المنتدبين من قِبَل سماحته هناك، وقد بعث سماحته ذلك الكتاب بتاريخ 24/6/1404هـ، وهذا نصه:(1/265)
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم سعادة القائم بأعمال السفارة السعودية في جيبوتي الشيخ أحمد محمد بياري وفقه الله للخير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد فقد بلغنا انتقالكم إلى العمل الجديد في جيبوتي؛ فأسأل الله لكم التوفيق والسداد، وأن ينفع بكم المسلمين، ويجعلكم مباركين أينما كنتم؛ إنه سميع قريب.
ثم إنه بلغني أن الدعاة المنتدبين من قِبلنا للدعوة إلى الله في جيبوتي يتعرضون للاضطهاد والمضايقات من بعض المغرضين من أهل جيبوتي، وأن الشيخ جبريل علي الهرري، وإسماعيل علي تعرضا للتوقيف والإهانة من قبل السلطات الجيبوتية، ولم تتدخل السفارة في موضوعهما، وحمايتهما، مع أن الواجب على السفارة الوقوف بجانب الدعاة عموماً، وحمايتهم، والدفاع عنهم، كما هو دأب سلفها؛ فنوصي سعادتكم بالعناية بهم، وتيسير أمورهم، والدفاع عنهم بقدر المستطاع، كما نوصيكم بالعناية بمن يزوركم أو يراجعكم من رجال الدين بطرفكم؛ حتى لا يؤخذ عنكم صورة تسيء إلى سمعتكم، وسمعة الحكومة التي تمثلونها، ويجب أن تتحلوا بالتواضع، والصبر، والحلم، والتفهم للأمور، والنظر في العواقب.
وأسأل الله أن يسددكم في أقوالكم وأعمالكم، ويعينكم على كل خير؛ إنه جواد كريم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
كان سماحة الشيخ×يُحَضِّر للدروس في الغالب؛ فكان يقرأ عليه ما يتعلق بدرس الصباح من الشروح كفتح الباري، والمجموع شرح المهذب، ونيل الأوطار، والمنتقى وغيرها من الكتب المتعلقة بالدرس الذي يلقيه بعد الفجر، وبدرس بلوغ المرام.
وربما رجع إلى تعليقاته في شروحه القديمة؛ لكي يسترجع معلوماته.
هذا بالنسبة للدروس، أما المحاضرات فلا يكاد يحضِّر لها، وإنما يسألنا عن عنوانها قبيل الوصول إلى مكان المحاضرة.(1/266)
ومن النادر أن يقول لنا قبل أن نصل إلى مكان المحاضرة: دعوني أتأمل قليلاً.
وإذا أعلن عن إقامة صلاة الاستسقاء، طلب بعض الكتب التي تبحث في هذا الموضوع، وكان يطلب في_الغالب_إحضار كتاب المقنع، فيقرأ عليه باب الاستسقاء.
وكذلك الحال بالنسبة للعيدين والكسوف؛ حيث يطلب الكتب المتعلقة بهذا الشأن.
سماحة الشيخ عبدالعزيز×متذوق للشعر بصيرٌ به، محبٌّ لحسنه، منتقد لبعض الأبيات التي يسمعها.
وأثناء قراءتي عليه في بعض الكتب كانت تمر أبيات شعر كثيرة، فكان سماحته يقف عند بعضها أحياناً، ويقول: هذا البيت وزنه كذا وكذا، وهو من بحر كذا وكذا، وأحياناً يقول: هذا البيت منكسر، وصوابه لو قال: كذا وكذا.
وكثيراً ما ينتقد بعض الأبيات من الشعر، حيث يقف عندها، ويطلب إعادة قراءتها، ويقول: كان ينبغي أن يقول كذا وكذا، أو ينبغي أن يَعْدِلَ إلى اللفظة الفلانية بدل هذه اللفظة. . وهكذا
وسألته ذات يوم: ألم تقل شعراً يا سماحة الشيخ ؟
فقال: قلت مرة، ونسيته، ولم أقل شعراً بعد ذلك.
وكان×يردد بعض الأبيات الشعرية، وكثيراً ما أسمعه يردد قول ابن القيم في النونية:
والحق ممتحن ومنصور فلا
تجزع فهذي سنة الرحمن
وكذلك كان يردد بيت أحمد شوقي:
دقات قلب المرء قائلة له:
إن الحياة دقائق وثواني
وكان×محباً لسماع الشعر الحسن الذي يحمل المعاني السامية التي تحث على الخير، وتنهض بالهمة، وتصور أحوال المسلمين.
وأذكر في هذا الصدد أن سماحته×كان مدعو عام 1410هـ لإلقاء محاضرة في مسجد سمو الأمير عبدالرحمن بن عبدالله بن عبدالرحمن، وبعد إلقاء المحاضرة توجه إلى منزل الأمير عبدالرحمن، حيث إن الأمير قد دعاه إلى طعام العشاء.
وكان ضمن الحاضرين في تلك المأدبة الشيخ حسن المانع×.
والشيخ حسن كان معلماً في معهد إمام الدعوة العلمي، وكان كفيفاً، وحافظاً لكثير من الشعر، وكان ذا صوت ندي شجي.(1/267)
فقال الأمير عبدالرحمن لسماحة الشيخ: هذا الشيخ حسن يا سماحة الشيخ صوته جميل، ويحفظ بعض القصائد المؤثرة، فآمل أن تأذنوا له بإلقاء بعض القصائد، فقال سماحته: لا بأس، فليلقِ ما شاء، فاستحيا الشيخ حسن، وقال: لا يليق بي أن أتقدم بين يدي سماحتكم، فألح عليه سماحة الشيخ، وقال: أسمعنا ما عندك.
بعد ذلك شرع الشيخ حسن×بإلقاء قصيدة أبي البقاء الرُّندي في رثاء الأندلس والتي مطلعها:
لكل شيءٍ إذا ما تم نقصان
فلا يُغَرُّ بطيب العيش إنسان
فلما استمر في إلقائها، تأثر سماحة الشيخ كثيراً، وبكى بكاء شديداً؛ إذ أنها ذكرته بما مر على المسلمين في تلك البلاد، وذكرته بأحوال المسلمين المعاصرة في كثير من البلاد.
وكان يستشهد بالشعر في بعض كتاباته؛ حيث يضمنها بيتاً أو أبياتاً من الشعر تناسب ما هو بصدده.
سماحة الشيخ معروف بفصاحة الكلام؛ فتراه يلقي الكلمة، أو يملي الكتاب، أو يجيب على السؤال؛ فلا تسمع منه لحن ة، إذ هو عارف بالنحو، حريص على سلامة عبارته، يتحرى الدقة في أساليبه وتراكيبه.
وكثيراً ما يقال له: إنك قلت كذا وكذا فهل هذا الأسلوب صحيح ؟
فيجيب بصحة ماقال، ثم يستشهد على ذلك بآية من القرآن تؤيد صحة ما ذهب إليه.
وإذا قرأنا عليه ثم كان في القراءة لحن، أو خطأ أعاد الكلمة التي وقع فيها الخطأ بَيْنَهُ وبين نفسه، ويرفع الصوت قليلاً؛ حتى ينبه القارئ؛ فإذا لم يسمع القارئ ذلك أعاد سماحته الكلمة مرة أخرى، فإذا لم يسمعها قال: الصواب كذا وكذا.
وأحياناً يطرح سماحته سؤالاً نحوياً والمجلس مليء بالدكاترة، والجُلَّة من أهل العلم، فيقول: على أي شيء نصبت الكلمة الفلانية ؟
فإذا لم يجب أحد أجاب، كأن يقول: نصبت على الاشتغال، أو على غير ذلك.
وكثيراً ما كان يصوب الكلمات الدارجة التي يسمعها من بعض القراء، وكثيراً ما كان يصوب بعض الأساليب التي يسمعها من بعض الخطباء أو المتحدثين.
ومن الأمثلة على تصويباته ما يلي:(1/268)
1_ كلمة: طبيعي، يقول: الصواب: طبعي.
2_ بديهي، يقول: الصواب: بَدَهِّي.
3_ دُرْبة، يقول: الصواب: دَرَبََة
4_ موجِب، يقول: الصواب: موجَب، كأن يقال للعمل بموجَبه، وقد يكون الصواب بكسر الجيم حسب السياق؛ لأن الموجِب هو السبب، والموجَب هو المُسَبَّب.
5_ كِلى، يقول: الصواب: كُلَى جمع كُلْية.
6_ جَلاء الأفهام يقول: الصواب: جِلاء الأفهام.
7_ المعجم المُفهرَس يقول: الصواب: المعجم المُفَهْرِس بكسر الراء لا بفتحها، فيكون اسم فاعل لا اسم مفعول.
8_ ذي الحَجَّة بفتح الحاء، وذي القِعدة بكسر القاف يقول الصواب العكس: ذي الحِجَّة بكسر الحاء، وذي القَعدة بفتح القاف.
9_ ويقول في نهاية مكاتباته بعد الدعاء: إنه سميع قريب ويقول: إن هذا الأسلوب أولى من سميع مجيب
10_ إذا سمع أحداً يقول: كلما كان كذا كلما كان كذا قال: الصحيح أن يقول: كلما كان كذا كان كذا؛ فلا مسوغ لتكرار كلما، قال_تعالى_:[كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا] النساء: 91.
11_ كان لا يجمع بين: حفظه الله من كل سوء ومكروه، بل يقول يُكْتَفى بواحدة، فإما أن يقال: من كل سوء، أو من كل مكروه.
كان×معظماً للسنة، مطبقاً لها في شتى أحواله، _كما مر_.
ومن مظاهر ذلك محافظته على تحية الإسلام على وَفْق ما جاء في السنة في هذا الشأن، فكان×يبدأ بالسلام على من لقيه، وكان يسلم إذا دخل مجلساً، ويسلم إذا قام من المجلس.
وكان يسلم في بداية مكاتباته ونهايتها؛ فكان يقول بعد المقدمة أما بعد فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، أو سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ويقول في النهاية: والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وكان يرد السلام على المسلِّم في المكاتبات وغيرها بمثل ما حُيِّي به أو أحسن.(1/269)
وكنت ألحظ عليه أنه يرد السلام على كل من سلم سواء قصده بعينه، أو سلم على جماعة وهو من بينهم، حتى إن بعض الذين يقومون بمسألة الناس في المساجد يبدأ كلامه بالسلام، فألحظ كثيراً أنه لا يرد عليه إلا سماحة الشيخ×.
وإذا أركبت سماحته في السيارة ثم ذهبت إلى باب السيارة الآخر كان يسألني: هل سلمت ؟ فهو يرى السلام إذا حال بين الاثنين حائل.
وكان بعد تحية الإسلام يزيد في الحفاوة والسؤال، وحسن الاستقبال.
وكان إذا سمع متحدثاً في الإذاعة يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ رد عليه بقوله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
كان سماحة الشيخ كثير المراسلات إلى فئات كثيرة من الناس؛ فهو يراسل الملوك، والرؤساء، والأمراء، والعلماء، والقضاة، وطلاب العلم، ورؤساء الجمعيات، ورؤساء المراكز، وسائر الدعاة.
وكان يراسل إخوانه في الله، وأحباءه، وأقاربه.
وكان يراسل الوجهاء، والأعيان، والمحسنين، وذوي الشأن.
وكان يراسل المخالفين، والمتنازعين، وغيرهم.
وكان يرد على جميع ما يَرِدُ عليه من الرسائل من أي شخص كان، سواء كان من الملوك، أو الرؤساء، أو الأمراء، أو العلماء، أو القضاة، أو عامة الناس، أو سائر من ذكروا آنفاً، ممن يراسلون سماحته.
وكان من دأبه إذا أنشأ رسالة أن يبدأها بالبسملة ثم يقول:
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز؛ حيث يوجهها إلى من أرسلت إليه الرسالة، بعد أن ينزله منزلته اللائقة به، ثم يدعو له، ثم يسلم عليه، ثم يشرع في مضمون الرسالة.
فمن أساليبه في الرسائل أنه يقول:
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم صاحب الفضيلة الشيخ فلان.
أو إلى حضرة الأخ المكرم الشيخ. . أو إلى حضرة الابن المكرم الشيخ. .
أو نحو ذلك.
ثم يقول: وفقه الله لما فيه رضاه آمين، أو يقول: وزاده من العلم والإيمان آمين أو وفقه الله لكل خير.(1/270)
وإن كان المرسَل إليه ذا شأن وسلطة ومكانة قال: وفقه الله لكل خير، ونصر به دينه، و جعله مباركاً أينما كان.
ثم يقول: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته: حيث يبدأ السلام بالتنكير؛ فهذه عادته، و يختمه في آخر الكلام بالتعريف.
ثم يقول بعد السلام الأول: أما بعد فأرفع إليكم، أو فأشفع إليكم رسالة، أو نسخة، أو كذا خصوصاً إذا كانت الرسالة موجهة إلى مسؤول كبير.
أو يقول: بعده يا محبُّ، أو فلا يخفى عليكم كذا وكذا، أو يقول: فقد اتصل بي ما لا أحصي من الناصحين، وذكروا لي كذا وكذا راجياً منكم بعد الاطلاع على الموضوع أن تقوموا بكذا وكذا
ثم يشرع بذكر الأدلة من الكتاب والسنة.
ثم يختم بالدعاء كأن يقول: أسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن ينصر بكم دينه، ويعلي كلمته، وأن يجعلنا وإياكم من الهداة المهتدين، إنه جواد كريم. أو سميع قريب.
وكان×يقول: سميع قريب أولى من سميع مجيب.
ثم يختم بالسلام المعرف ويقول: والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما في الرد فيقول: بعد البسملة إلى حضرة. . أو نحو هذا.
ثم يقول: أما بعد فقد وصلني كتابكم الكريم برقم كذا وتاريخ كذا وصلكم الله بحبل الهدى والتوفيق.
وقد سرني أو ساءني_بحسب الموضوع_ماذكرتم، ثم يشرع في الموضوع.
وكان×لا يكرر الاسم في بداية الكتاب وآخره، بل يكتفي بأحدهما عن الآخر؛ فإذا قال_على سبيل المثال_في أول الكتاب: من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز قال في آخر الكتاب: مفتي عام المملكة العربية السعودية دون ذكر اسمه، وإذا لم يذكر الاسم في الأول ذكره في الختام.
سماحة الشيخ يلزم الاعتدال في حال سفره وحضره؛ فلا يظهر عليه القلق أو كثرة الاهتمام إذا أراد السفر_كما هي حال أكثر الناس_.
وإذا جاء موعد السفر خرج سماحته متأنياً مطمئناً، مهللاً، مسبحاً، مستغفراً.(1/271)
فإذا استقل السيارة أو الطائرة دعا بدعاء السفر ثم التفت إلى من بجانبه من الكُتَّاب وقال: ماذا معك ؟ فبدأ بقراءة الصحف، أو بعض الكتب أو المعاملات؛ لأن سماحة الشيخ لا يركب سيارة أو طائرة إلا ومعه كاتب أو كتّاب يعرضون عليه ما تيسر من المعاملات، أو الكتب، أو غيرها.
فإذا كان يريد السفر على الطائرة_على سبيل المثال_فإنه فور ركوبه السيارة التي ستوصله إلى المطار يبدأ بسماع ما يعرض عليه حتى يصل إلى المطار، فإذا وصل إلى المطار وبقي على موعد إقلاع الطائرة وقت_ولو كان يسيراً_جلس بجانبه كاتب أو كاتبان، ومعهم الكثير من المعاملات يقرآنها على سماحته، فإذا جاء وقت الصعود إلى الطائرة وأخذ مكانه في الطائرة استأنف سماع القراءة، وعرض المعاملات، حتى يصل إلى البلد الذي يريد السفر إليه سواء كان الرياض، أو الطائف.
ثم إن سماحة الشيخ يلزم السكينة في سفره؛ فلا يضيق، ولا يضجر، ولا يكدر على من معه، حتى إنه ربما مكث في الطائرة أكثر من ساعة ينتظر بعض من معه ممن قد يتأخرون لعارض أو غيره عن موعد الإقلاع في الطائرة الخاصة التي تُقِلُّ سماحته، ومع ذلك لا ترى على سماحته أي تكدر، أو تغير، بل يواصل سماع ما يعرض عليه حتى يصل من تأخر.
وإذا وصل لم يبادره الشيخ بعتاب أو نحوه، بل لا يسأله عن سبب تأخره البتة.
ثم إن سماحته إذا وصل إلى مطار البلد الذي يريد السفر إليه كمطار الرياض أو الطائف_نزل بسكينة وتؤدة، ومشى الهوينى، وأذَّن بالصلاة في المطار إن كان وقت صلاة، وصلى بنا إذا لم يدرك الجماعة الأصلية.(1/272)
وفي يوم من الأيام في عام 1418هـ قدمنا مع سماحة الشيخ من الطائف إلى الرياض، فلما وصلنا إلى مطار الرياض ظهراً رغب من معه في سرعة الذهاب إلى بيوتهم؛ لأنهم في شوق إلى رؤية أولادهم وأهليهم؛ فما كان من سماحته_كعادته_إلا أن ذهب للوضوء لصلاة الظهر، ثم أذن بنا، واستاك، وأقام، وصلى بنا ركعتين كلها طمأنينة لا تشعر أنك تصليها في سفر؛ فلما حسبنا وقت مكثنا في المطار وجدناه خمساً وأربعين دقيقة.
وبعد ذلك توجهنا إلى السيارة التي ستقل سماحته إلى منزله، وما إن استقلها حتى التفت إلينا وقال: ما عندكم ؟ فشرعنا نقرأ عليه حتى وصلنا منزله، فلما وصلناه، وأخذ مكانه في المجلس سلم على من ينتظره من الأبناء، والأقارب، وطلبة العلم، والمحبين، وأصحاب الحاجات، وبعد ذلك مَدَّ يده إلى سماعة الهاتف؛ كي يتأكد هل هو يستقبل المكالمات أولا، إذ قد يكون الهاتف مغلقاً عن المجلس، فيقول: افتحوه؛ لكي يستقبل أسئلة الناس، واستفساراتهم، كل هذا وهو لم يدخل داخل منزله بعد ! فهذا هو دأبه في السفر.
وإذا كان وصوله إلى مكة أو الطائف، وأهله ليسوا بصحبته فإنه يتصل بهم، ويسلم عليهم فور وصوله، ويخبرهم بأنه قد وصل بالسلامة.
هذا، وقد مر شيء من الحديث عن حاله في سفره عند الحديث عن محافظته على الأوقات، وعند الحديث عن أحواله في الحج.
سماحة الشيخ×يدرِّس كتباً عديدة، ويُقرأ عليه في فنون متنوعة؛ فيقرأ عليه في التفسير، وفي الحديث، وفي العقيدة، وفي الأصول، وفي المصطلح، وفي السلوك، وفي النحو، وفي الكتب العامة الجامعة.
ومما يُقْرَأ عليه، ويُدَرِّسه للطلاب ما يلي:
1_ مسند الإمام أحمد.
2_ صحيح البخاري.
3_ صحيح مسلم.
4_ سنن أبي داود.
5_ سنن الترمذي.
6_ سنن النسائي.
7_ سنن ابن ماجة.
8_ سنن الدارمي.
9_ سنن البيهقي.
10_ رياض الصالحين للنووي.
11_ المنتقى لمجد الدين أبي البركات ابن تيمية الحراني.
12_ بلوغ المرام لابن حجر.
13_ تفسيرابن كثير(1/273)
14_ تفسير القرطبي.
15_ التدمرية لابن تيمية.
16_ العقيدة الواسطية لابن تيمية.
17_ التوسل والوسيلة لابن تيمية.
18_ مجموع الفتاوى لابن تيمية.
19_ العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي.
20_ ثلاثة الأصول للشيخ محمد بن عبدالوهاب.
21_ كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب.
22_ كشف الشبهات للشيخ محمد بن عبدالوهاب.
23_ فتح المجيد للشيخ عبدالرحمن بن حسن.
24_ طرح التثريب
25_ نخبة الفكر لابن حجر.
26_ الباعث الحثيث لابن كثير.
27_ الورقات في أصول الفقه للجويني.
28_ أصول الفقه.
29_ العدة شرح العمدة.
30_ المقنع.
33_ المغني لابن قدامة.
32_ المجموع شرح المهذب للنووي.
33_ زاد المستقنع.
34_ الروض المربع.
35_ كشاف القناع.
36_ الفرائض.
37_ إعلام الموقعين لابن القيم.
38_ زاد المعاد لابن القيم.
39_ الجواب الكافي لابن القيم.
40_ الوابل الصيب لابن القيم.
41_ البداية والنهاية لابن كثير.
42_ قطر الندى في النحو لابن هشام.
سماحة الشيخ×يربي طلابه على مكارم الأخلاق، وعلى اتباع الدليل، وعلى احترام العلماء، وتنزيلهم منازلهم.
وكان محباً لطلابه، شديد الاحتفاء بهم سواء طلابه القدامى، أو من بعدهم.
وكان×يدربهم على البحث، والنظر في الأدلة.
وإذا سئل أثناء الدرس عن مسألة، أو عن صحة حديث، أجاب على السؤال في الحال، وإذا كان يتطلب التثبت والتأكد من درجة الحديث، أو عن حكم المسألة_كلف أحد تلاميذه بجمع كلام أهل العلم في المسألة، ثم يعرضه على سماحته.
فإذا أعد الطالب ما طلب منه قرأه على سماحة الشيخ في الدرس، فيفرح سماحته بذلك، ويدعو للطالب.
وإذا سئل عن مسألة، وليس عنده علم منها قال: لا أدري، وإذا كان عنده أحد من أهل العلم سأله عن المسألة التي لا يعلمها، ولو كان المسؤول أقل علماً من سماحته بكثير.(1/274)
ومن تربيته لطلابه، أنه كان يزجرهم، وينهرهم إذا استدعى المقام ذلك؛ فمن ذلك أنه إذا سأله بعضُ الطلاب سؤالاً فيه تعنت، أو تكلف قال له الشيخ: ابحث المسألة، وارجع إلى كلام أهل العلم.
وربما غضب الشيخ على السائل إذا شعر أن السؤال فيه تشدد، أو اعتراض على حكم، أو تنقص لأحد من أهل العلم.
وأذكر مرة أن أحد الطلاب سأل سماحة الشيخ عن مقادير الديات، وقال: يا شيخ الدية الآن فيها ظلم للمسلم؛ فإنها تحدد بمائة ألف، وأصلها مائة من الإبل؛ فلو أن الإبل المذكورة في دية المسلم عرضت في السوق للبيع لبلغت قيمتها أكثر من مائة ألف؛ فلو أعيد النظر في تقدير الدية.
فرد عليه سماحة الشيخ بشدة، وقال: الذي قدر الدية علماء أعرف منك، وأنت تعترض، وأنت في بداية الطريق؛ فيجب عليك أن تتأدب وتترك الكلام الذي لا يعنيك.
ومع ذلك فإن الرفق والتحمل هو دأب الشيخ، ولكنه يتقصد تربية الطلاب حتى يكونوا على منهج سوي، وخلق فاضل.
ولهذا فإن سماحة الشيخ إذا زجر طالباً أو نهره لم يحمل في نفسه على الطالب شيئاً، وإنما ينتهي الأمر بمجرد انتهاء المجلس.
أما إذا كان السائل يريد الحق فإن سماحة الشيخ يصبر عليه، ولا يزجره، ولا ينهره، بل يتلطف به حتى ينال بغيته من سماحته.
وكان سماحة الشيخ×كثير النصح، والتوجيه لطلاب العلم، وإليك هذه النصيحة التي كتبها في 12/3/1389هـ لما كان نائباً لرئيس الجامعة الإسلامية بعنوان: =نصيحة لطلبة العلم+.
وهذا نصها:
=نصيحة لطلبة العلم+
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله، نبينا محمد وآله وصحبه أما بعد:
فلا ريب أن طلب العلم من أفضل القربات، ومن أسباب الفوز بالجنة والكرامة لمن عمل به.
ومن أهم المهمات الإخلاصُ في طلبه وذلك بأن يكون طلبه لله، لا لغرض آخر؛ لأن ذلك هو سبيل الانتفاع به، وسبب التوفيق لبلوغ المراتب العالية، في الدنيا والآخرة.(1/275)
وقد جاء في الحديث عن النبي"أنه قال: =من تعلم علماً مما يُبتغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به غرضاً من الدنيا لم يجد عَرْفَ الجنة يوم القيامة+ يعني ريحها، أخرجه أبو داود بإسناد حسن.
وأخرج الترمذي بإسناد فيه ضعف عنه"أنه قال: =من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو ليمارى به السفهاء؛ أو ليصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار+.
فأوصي كل طالب علم، وكل مسلم يطلع على هذه الكلمة بالإخلاص لله في جميع الأعمال عملاً بقول الله_سبحانه وتعالى_: [فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً] الكهف: 110.
وفي صحيح مسلم عن النبي"أنه قال: =يقول الله_عز وجل_: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه+.
كما أوصي كل طالب علم وكل مسلم بخشية الله_سبحانه_ومراقبته في جميع الأمور عملاً بقوله_عز وجل_: [إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ] الملك: 12.
وقوله_سبحانه_: [وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ] الرحمن: 46.
قال بعض السلف: =رأس العلم خشية الله+.
وقال عبدالله بن مسعود÷: =كفى بخشية الله علماً، وكفى بالاغترار به جهلا+.
وقال بعض السلف: =من كان بالله أعرف كان منه أخوف+.
ويدل على صحة هذا المعنى قول النبي"لأصحابه: =أما_والله_إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له+. .
فكلما قوي علم العبدبالله كان ذلك سبباً لكمال تقواه، وإخلاصه، ووقوفه عند الحدود، وحَذَرِه من المعاصي.
ولهذا قال الله_سبحانه وتعالى_: [إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ] فاطر: 28.
فالعلماء بالله، وبدينه هم أخشى الناس لله، وأتقاهم له، وأقومهم بدينه، وعلى رأسهم الرسل والأنبياء_عليهم الصلاة والسلام_ثم اتباعهم بإحسان.(1/276)
ولهذا أخبر النبي"أن من علامات السعادة أن يفقه العبدفي دين الله، فقال_عليه الصلاة والسلام_: =من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين+ أخرجاه في الصحيحين من حديث معاوية÷.
وما ذاك إلا لأن الفقه في الدين يَحْفِزْ العبدعلى القيام بأمر الله، وخشيته، وأداء فرائضه، والحذر من مساخطه، ويدعوه إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، والنصح لله ولعباده.
فأسأل الله_عز وجل_أن يمنحنا وجميع طلبة العلم وسائر المسلمين الفقه في دينه، والاستقامة عليه وأن يعيذنا جميعاً من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه.
…………نائب رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
…………عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
وصايا سماحة الشيخ كثيرة جداً، وتختلف باختلاف الأحوال والأشخاص.
إلا أن هناك وصايا معينة كان سماحته يوصي بها كثيراً سواء في كلماته، أو محاضراته، أو مكاتباته، أو نصائحه الشفوية للأفراد، ومن تلك الوصايا ما يلي:
1_ الوصية بتقوى الله_سبحانه_.
2_ العناية بالقرآن الكريم حفظاً، وتدبراً، وتحاكماً، وعملاً.
3_ العناية بالسنة، والعمل بها، والوصية بحفظ ما تيسر منها.
4_ الحرص على الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على ذلك.
5_العناية بكتب العقيدة، والوصية بحفظ ما تيسر منها، كالعقيدة الواسطية، والتدمرية وغيرها من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية×وككتاب التوحيد، وثلاثة الأصول، وكشف الشبهات لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب×.
6_ الوصية بكتب الحديث كالبخاري ومسلم، وبقية كتب السنة والمسانيد، وغيرها، مع حفظ ما تيسر من كتب الحديث كعمدة الأحكام للمقدسي× وبلوغ المرام لابن حجر×والأربعين النووية للنووي مع تتمتها لابن رجب_رحمهما الله_.
7_ الوصية باجتماع الكلمة، والتحذير من التفرق والاختلاف.(1/277)
نصائح سماحة الشيخ×لا تكاد تحصى كثرة، وذلك في شتى المجالات؛ فهو يناصح الخاصة والعامة، والصغار والكبار، والأفراد والجماعات، والقريب والبعيد، ويناصح كتابة، ومشافهة إلى غير ذلك من أنواع نصائحه المتعددة التي كان يقوم بها منذ فترة شبابه.
وكان×في فترة شبابه يملي النصيحة، ويُنسخ منها أكثر من نسخة، ثم توزع على خاصة المشايخ، والإخوان، ثم تنتشر بعد ذلك.
وبعد أن توافرت وسائل الطباعة، وسهل الاتصال صار سماحته يملي النصائح، ويبعث بها إلى الصحف، أو وسائل الإعلام المختلفة، وبعد ذلك تنتشر في الآفاق.
كما أن تلك النصائح قد تجمع في كتب، وتطبع، وتنتشر بين الناس.
ولقد مضى شيء من النماذج النادرة لنصائحه التي ربما لم تنشر قبل هذا، وسيأتي ذكر لشيء من ذلك في الصفحات التالية.
1_ هذه النصيحة النادرة وجدت في طي أوراق سماحته×حيث حررها في 16/2/1373هـ تحت عنوان:
=نصيحة عامة للمسلمين+
وإليك نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى من يراه من إخواننا المسلمين سلك الله بي وبهم سبيل عباده المؤمنين، ووفقني وإياهم للتمسك بالحق والفقه في الدين، وأعاذني وإياهم طريق المغضوب عليهم والضالين آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد فالموجب لهذا هو النصيحة والتذكير عملاً بقوله_سبحانه_: [وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ] الذاريات: 55 وقوله_تعالى_: [وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ]المائدة: 2، وقول النبي": =الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله ؟ قال: لله ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم+.
وقوله_عليه السلام_: =المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبك بين أصابعه+.(1/278)
وقوله_عليه السلام_: =مثل المسلمين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم كمثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر+.
إذا عرف ذلك فلا يخفى عليكم ما قد أصاب المسلمين من الغفلة والإعراض عما خلقوا له، وإقبال أكثرهم على عمارة الدنيا، والتمتع بشهواتها، وإشغال الوقت بوسائل الحياة فيها، ونسيان الآخرة والاستعداد لها، حتى أفضى بهم ذلك إلى ما قد وقع من التفرق، والاختلاف، والشحناء، والتباغض، والموالاة، والمعاداة لأجل الدنيا، وحظوظها العاجلة، وعدم رفع الرأس بأمر الآخرة، والتزود لها؛ فنتج عن ذلك أنواع من الشرور، منها مرض القلوب، وموت الكثير منها؛ لأن حياة القلوب، وصحتها بذكر الله، والاستعداد للقائه، والاستقامة على أمره، وخشيته، ومحبته، والخوف منه، والرغبة فيما عنده كما قال_تعالى_: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ] الأنفال: 24.
وقال_تعالى_: [وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ] الشورى: 52.
وقال_تعالى_:[أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا] الأنعام: 122.
فحياة القلوب، وصِحَّتها، ونورها، وإشراقها، وقُوتها، وثباتها_على حسب إيمانها بالله، ومحبتها له، وشوقها إلى لقائه، وطاعتها له، ولرسوله.
وموتُها، ومرضُها، وظلمتها، وحيرتها على حسب جهلها بالله، وبحقه، وبُعْدِها عن طاعته، وطاعة رسوله، وإعراضها عن ذكره، وتلاوة كتابه.(1/279)
وبسبب ذلك يستولي الشيطان على القلوب؛ فَيَعِدُها، ويمنِّيها، ويبذر فيها البذور الضارة التي تقضي على حياتها ونورها، وتبعدها من كل خير، وتسوقها إلى كل شر، كما قال الله_تعالى_: [وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ] الزخرف:، 36 37.
وقال_تعالى_: [وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ] الحج: 53.
وقال_تعالى_: [الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ] البقرة: 268.
وقال_تعالى_: [يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً] النساء: 120.
فالواجب علينا جميعاً هو التوبة إلى الله_سبحانه_والإنابة إليه، وعمارة القلوب بمحبته، وخشيته، وخوفه، ورجائه، والشوق إليه، والإقبال على طاعته، وطاعة رسوله، والحب في ذلك، والبغض فيه، وموالاة المؤمنين، ومحبتهم، ومساعدتهم على الحق، وبغض الكافرين، والمنافقين، ومعاداتهم، والحذر من خداعهم، ومكرهم، والركون إليهم، ومن النظر إلى ما مُتِّعوا به من زهرة الحياة الدنيا الزائلة عن قريب.(1/280)
قال الله_تعالى_: [وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنْ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ] الزمر: 54_56.
وقال_تعالى_:[وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِيهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ] النور: 52.
وقال_تعالى_: [إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ] الأنبياء: 90.
وقال_تعالى_:[مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ] الفتح: 29.
وفي الحديث عنه"أنه قال: =أوثق عرى الإيمان: الحب في الله، والبغض في الله+.
وجاء عنه"أنه قال: =من أحب في الله، وأبغض في الله، وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان+.
ومتى أناب العباد إلى ربهم، وتابوا إليه من سالف ذنوبهم، واستقاموا على طاعته، وطاعة رسوله_جمع الله قلوبهم وشملهم على الهدى، ونصرهم على الأعداء، وأعطاهم ما يحبون، وصرف عنهم ما يكرهون، وجعل لهم العزة والكرامة في الدنيا والآخرة كما قال_تعالى_: [إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ] محمد: 7.(1/281)
قال_تعالى_:[وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ] الطلاق: 2_3 [وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً] الطلاق: 4.
وقال الله_تعالى_: [وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ] المنافقون: 8.
وقال_تعالى_: [وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ] الحج:، 40 41.
والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
وإني أنصحكم وأوصيكم ونفسي بأمور:
الأول: النظر والتفكر في الأمر الذي خلقنا لأجله:
قال الله_تعالى_: [قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا] سبأ: 46.
وقال_تعالى_: [إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]آل عمران: 190_191.
وقال_تعالى_: [أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى] القيامة: 36 أي مهملاً لا يؤمر ولا ينهى.
ولا شك أن كل مسلم يعلم أنه لم يخلق عبثاً، بل خُلِق لعبادة الله وحده، وطاعته، وطاعة رسوله".
قال الله_تعالى_: [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ] الذاريات: 56.
وقال_تعالى_: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] البقرة: 21.(1/282)
وقد أمر الله_سبحانه_جميع الثقلين بما خلقهم لأجله، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب لبيان ذلك، والدعوة إليه كما قال_تعالى_: [وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ] البينة: 5.
وقال_تعالى_:[وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ] النحل: 36.
وقال_تعالى_: [هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ] إبراهيم: 52.
وقال_سبحانه_: [وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً]النساء: 36.
فالواجب على من نصح نفسه أن يهتم بالأمر الذي خلق لأجله أعظم اهتمام، وأن يقدمه على كل شيء، وأن يحذر من إيثار الدنيا على الآخرة، وتقديم الهوى على الهدى، وطاعة النفس والشيطان على طاعة الملك الرحمن.
وقد حذر الله عباده من ذلك أشد تحذير، قال الله_تعالى_: [فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى]النازعات: 37_44.
الأمر الثاني من الأمور التي أوصيكم ونفسي بها: هو الإقبال على تلاوة القرآن العظيم، والإكثار منها ليلاً ونهاراً، مع التدبر والتفكر، والتعقل لمعانيه العظيمة المُطَهِّرة للقلوب، المُحذِّرة من متابعة الهوى والشيطان؛ فإن الله_سبحانه_أنزل القرآن هداية، وموعظة، وبشيراً ونذيراً، ومعلِّماً، ومرشداً، ورحمة لجميع العباد؛ فمن تمسك به واهتدى بهداه فهو السعيد الناجي.
ومن أعرض عنه فهو الشقي الهالك، قال الله_تعالى_: [إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ]الإسراء: 9.(1/283)
وقال_تعالى_: [وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ]الأنعام: 19.
وقال_تعالى_: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ] يونس: 57.
وقال_تعالى_: [قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ] فصلت: 44.
وفي الحديث الصحيح عن النبي"أنه قال: =إني تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور؛ فخذوا بكتاب الله وتمسكوا به+. فحثَّ على كتاب الله ورغَّب فيه.
وقال"في خطبته في حجة الوداع: =إني تارك فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به: كتاب الله+.
وقال": =خيركم من تعلم القرآن وعلَّمه+.
وقال"لأصحابه: =أيُّكم يحب أن يغدوا إلى بُطْحان أو العقيق، فيأتي بناقتين كوماوين، في غير إثم ولا قطيعة رحم ؟ فقالوا: كلنا يا رسول الله؛ نحب ذلك، قال: أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم ويقرأ آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل+.
وكل هذه الأحاديث أحاديث صحيحة عن النبي".
والآياتُ والأحاديث في فضل القرآن والترغيب في تلاوته وتعلمه وتعليمه كثيرة معلومة.
والمقصود من التلاوة هو التدبر والتعقُّل للمعاني، ثم العمل بمقتضى ذلك.
قال_تعالى_: [أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا]محمد: 24.
وقال_تعالى_: [كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ]ص: 29.
فبادروا_رحمكم الله_إلى تلاوة كتاب ربكم، وتدبر معانيه، وعمارة الأوقات والمجالس بذلك.
والقرآن هو حبل الله المتين، وصراطه المستقيم، من تمسك به وصل إلى الله، وإلى دار كرامته، ومن أعرض عنه شقي في الدنيا والآخرة.(1/284)
واحذروا كل ما يصدكم عن كتاب الله ويشغلكم عن ذكره من الصحف والمجلات، وما أشبهها من الكتب التي ضررها أكثر من نفعها.
ومن دعته الحاجة إلى مطالعة شيء من ذلك فليجعل لذلك وقتاً مخصوصاً، وليقتصر على قدر الحاجة، وليجعل لتلاوة كتاب ربه وسماعه ممن يتلوه وقتاً مخصوصاً، يستمع فيه كلام ربه، ويتداوى بذلك من أمراض قلبه، ويستعين به على طاعة خالقه ومربيه المالك للضر والنفع والعطاء والمنع، لا إله غيره، ولا رب سواه.
ومما ينبغي الحذر منه حضورُ مجالس اللهو والغناء، وسماع الإذاعات الضارة، ومجالس القيل والقال، والخوض في أعراض الناس.
وأشد من ذلك وأضر حضور مجالس السينما، وأشباهها، ومشاهدة الأفلام الخليعة، الممرضة للقلوب، الصادَّة عن ذكر الله، وتلاوةِ كتابه، الباعثةِ على اعتناق الأخلاق الرذيلة، وهجر الأخلاق الحميدة.
إنها_والله_من أشد آلات اللهو ضرراً، وأعظمها قبحاً، وأخبثها عاقبة؛ فاحذروها_رحمكم الله_واحذروا مجالسة أهلها، والرضا بعملهم القبيح؛ ومن دعا الناس إليها فعليه إثمها، ومثل آثام من ضل بها.
وهكذا كل من دعا إلى باطل، أو زهَّد في حق يكون عليه إثم ذلك، ومثل آثام من تبعه على ذلك كما قد صح بذلك الحديثُ عن النبي".
ونسأل الله أن يهدينا وجميع المسلمين صراطَه المستقيم؛ إنه سميع قريب.
الأمر الثالث من الأمور: هو تعظيم سنة الرسول"والرغبة في سماعها، والحرص على حضور مجالس الذكر التي يتلى فيها كتاب الله، وأحاديث رسوله"فإن السنة هي شقيقة القرآن، وهي المفسِّرة لمعانيه، والموضحة لأحكامه، والدالة على تفاصيل ما شرعه الله لعباده؛ فيجب على كل مسلم أن يعظم أحاديث الرسول"وأن يحرص على حفظ وفهم ما تيسر منها، وينبغي له أن يكثر من مجالسة أهلها؛ فإنهم هم القوم لا يشقى بهم جليسهم، وقد قال_تعالى_: [مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ] النساء: 80.(1/285)
وقال_تعالى_:[وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا] الحشر: 7.
وقال النبي": =إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا+.
قيل: يا رسول الله: وما رياض الجنة ؟
قال: =حِلَق الذكر+.
قال أهل العلم: حلق الذكر هي المجالس التي يتلى فيها كتاب الله، وأحاديث رسوله_عليه السلام_ويُبيَّن فيها ما أحلَّ الله لعباده وما حرَّمه عليهم، وما يتَّصل بذلك من تفاصيل أحكام الشريعة، وبيان أنواعها ومتعلقاتها؛ فاغتنموا_رحمكم الله_حضور مجالس الذكر، وعظموا القرآن، والأحاديث، واعملوا بما تستفيدون منها، واسألوا عما أشكل عليكم؛ لتعرفوا الحق بدليله؛ فتعملوا به، وتعرفوا الباطل بدليله فتحذروه، وتكونوا بذلك من الفقهاء في الدين، وقد قال النبي": =من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين+.
وقال": =من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ+.
وقال": =من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بَطَّأ به عمله لم يسرع به نسبه+.
والله المسؤول أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه، وأن يمن على الجميع بالفقه في الدين، والقيام بحق رب العالمين، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته، وأن يعيذنا وإياكم من مضلات الفتن، ومكائد الشيطان؛ إنه سميع الدعاء، قريب الإجابة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
حرر في 16/2/1373هـ
وقد قرأتها على سماحته في يوم الثلاثاء 13/7/1408هـ
2_ وهذه كلمة بعنوان =من هو المسلم حقَّاً+ وقد أنشأها لما كان نائباً لرئيس الجامعة الإسلامية، فإليك نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد ثبت في الحديث الصحيح عن رسول الله_عليه الصلاة والسلام_أنه قال: =المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه+.(1/286)
لما كان التعدي على الناس غالباً إنما يكون بالقول، أو الفعل أخبر النبي_عليه الصلاة والسلام_أن المسلم حقاً هو الذي يسلم المسلمون من لسانه، ويده، وعبر النبي"باللسان عن القول لأن اللسان هو آلة الكلام، وعبر باليد عن الفعل لأنها آلته غالباً؛ فالمسلم الكامل هو الذي يحفظ لسانه عن التعدي على إخوانه المسلمين، بغيبة أو نميمة، أو سِباب، أو شهادة زور، أو دعوة كافية، أو نحو ذلك من العدوان القولي.
ويحفظ جوارحه من ظلم إخوانه المسلمين بقتل، أو ضرب، أو سرقة، أو خيانة، أو نحو ذلك من العدوان الفعلي.
ومتى أقدم المسلم على شيء من هذه المعاصي كان ذلك نقصاً في إسلامه، وضعفاً في إيمانه، وتَعَرَّض بذلك لمقت الله_سبحانه_وبعده من رحمته؛ فالواجب على المسلم أن يحاسب نفسه دائماً، وأن يجاهدها؛ حتى تخضع لأداء الواجب، ويكون سجية لها، وحتى تكف عما نهى الله عنه من المحرمات القولية والفعلية، وتبتعد عن ذلك.
ومتى صدق العبدفي محاسبة نفسه، وجهاده لها أعانه الله عليها، وهداه سبيله القويم، كما قال_عز وجل_[وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً] الطلاق: 4، وقال_تعالى_: [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ] العنكبوت: 69.
ولا ريب أن الجهاد للنفس من أهم خصال التقوى التي أمر الله بها عباده، ومن أعظم أسباب النجاة كما قال الله_سبحانه_: [وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً] الطلاق: 5.
وقال_تعالى_:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ] الأنفال: 29.(1/287)
والإسلام هو دين الله الذي شرعه لعباده، ورضيه لهم، وبعث به رسله، وأنزل به كتبه كما قال_تعالى_: [إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ]آل عمران: 19.
وقال_تعالى_: [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً]المائدة: 3.
وقال_سبحانه_: [وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ]آل عمران: 85.
وحقيقة الإسلام هو إسلام العبدقَلْبَه وجوارحَه لله_سبحانه_فيخصه _سبحانه_بالعبادة، وينيب إليه، وينقاد لأوامره، ويبتعد عن نواهيه، ويقف عند حدوده التي رسمها لعباده عن إخلاص له_عز وجل_وعن إيمان صادق به وبرسله، وعن رغبةٍ في ثوابه، وحَذَرٍ من عقابه.
ويرشد إلى هذا المعنى قوله_[فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلَّهِ وَمَنْ اتَّبَعَنِي] آل عمران: 20.
والمعنى: فإن حاجَّك يا محمد أهل الكتاب في هذا الدين فقل: أسلمت وجهي لله، أسلمت نفسي لخالقها وإلهها، عبادة له، وطاعة لأوامره، وتركاً لنواهيه، وخضوعاً لعظمته، وهكذا أَتْباعي قد أسلموا نفوسهم لله، توحيداً وتعظيماً، وطاعةً.
وعبر بالوجه عن النفس لكونه أشرف الأعضاء الظاهرة، ولأن المنقاد للعظيم يُقْبِل بوجهه، وقلبه، وقالبه عليه، بخلاف المستكبر فإنه يعرض بوجهه ولا يمتثل ما يؤثر به.
وقد فسر النبي"الإسلام في الأحاديث الصحيحة بأركانه الظاهرة الخمسة، وهي شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت.
وما ذاك_والله أعلم_إلا لأن من أدى هذه الأركان الخمسة الظاهرة عن إخلاص، وإيمان أدى ما سواها مما أوجب الله عليه، وكف عما نهى الله عنه، لأن إيمانه الصادق، وإخلاصه لربه اللذين حملاه عن الإتيان بهذه الأركان الظاهرة لابد أن يحملاه على ما سواها من فروض الإسلام وحقوقه.(1/288)
ومتى أخل بشيء من ذلك كان ذلك ضعفاً في إخلاصه، ونقصاً في إيمانه، ولأن قيام العبدبهذه الأركان الظاهرة يدل على استسلامه لله، وانقياده لأمره؛ فإن كان صادقاً حمله إيمانه على القيام ببقية حقوق الإسلام، والتزامه بها، وإن كان كاذباً فيما أظهر من أعمال الإسلام كان منافقاً له ولإخوانه المنافقين من الوعيد الشديد المذكور في قوله_جل وعلا_: [إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً] النساء: 145.
وبما ذكرناه يتضح للمسلم معنى قول النبي": =المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده+.
ويتضح له_أيضاً_وجه تسمية الدين بالإسلام.
وأما قوله": =والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه+. فإنه يدل على أن وصف الهجرة ليس خاصاً بالانتقال من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام، بل يطلق عليه وعلى المسلم الذي هجر ما نهى الله عنه؛ فالتارك لبلاد الشرك والمنتقل عنها إلى بلاد الإسلام حفاظاً على دينه، وتقوية لإخوانه المسلمين، وتكثيراً لسوادهم يسمى مهاجراً.
وأكمل منه في هذا الوصف من هجر ما نهى الله عنه من المعاصي في بلاد الشرك وبلاد الإسلام.
ولاشك أن الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام من الفرائض، ولكن لا يكفي ذلك وحده بل لابد مع الانتقال من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام مِنْ هجر المسلم لما نهى الله عنه، وحَذَرِه منه؛ حتى يكون له وصف الهجرة على الكمال، ويستحق بذلك ما وعد الله به المهاجرين من جزيل المثوبة، وعظيم الكرامة.
وقريب من هذا في المعنى قوله": =ليس الشديد بالصُّرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب+.
والمعنى أن الذي يصرع الرجال ويوصف بأن صُرَعه؛ لشدته، وقوته أولى منه بهذا الوصف، وأحق منه بهذا المدح_الذي يَصْرَعُ نفسه عند الغضب، ويملكها؛ حتى لا يقع بسبب الغضب فيما يضره أو فيما يُغْضِبُ الله عليه.(1/289)
ومن ذلك قوله": =ليس المسكين بهذا الطَّوَّاف الذي ترده اللُّقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين هو الذي لا يجد غِنىً يُغْنيه، ولا يُفْطَنَ له فَيُتَصَدَّق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس+.
والله المسؤول أن يوفقنا والمسلمين للفقه في دينه، والاستقامة عليه، ويمن علينا جميعاً بتحقيق إسلامنا، والصدق في إيماننا، والهجر لكل ما نهى الله عنه؛ إنه جواد كريم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه وسلم.
…………نائب رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
…………عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
3_ وهذه نصيحة وجهها سماحة الشيخ لأهل باكستان حكومة، وشعباً وذلك لما كان رئيساً للجامعة الإسلامية، وإليك نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فإني أوصي إخواني في الباكستان حكومة وشعباً بتقوى الله_سبحانه_في جميع الأمور؛ لأنها وصية الله_سبحانه_ووصية رسوله الأمين محمد_عليه الصلاة والسلام_كما قال الله_عز وجل_: [وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ] النساء: 131 وقال_سبحانه_: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ] النساء: 1 الآية.
وكان النبي"يوصي أمته في خطبه بتقوى الله، والتقوى كلمة جامعة تجمع الدين كله، وتشمل العناية بمصالح الدنيا والآخرة، وهي الدين كله، وهي البر، وهي الإيمان، والإسلام، والهدى، والصلاح، وسمى الله_سبحانه_دينه تقوى؛ لأن من استقام عليه، وحافظ عليه، وقاه الله شر الدنيا والآخرة.(1/290)
وأهم التقوى إخلاص العبادة لله وحده، والصدق في متابعة رسوله"وتحكيم شريعته في جميع الأمور والحذر مما يخالفها كما قال الله_سبحانه_: [وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ] البينة: 5 الآية، وقال_سبحانه_: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] البقرة: 21، وقال_عز وجل_: [أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ] المائدة: 50، وقال_سبحانه_: [فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً] النساء: 65.
ولا يخفى على ذوي الألباب أن في تحكيم الشريعة صلاح أمر الدنيا والآخرة، كما أن فيها جمعَ الكلمة على الحق، والقضاء على الفساد.
ومن أهم التقوى التعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق والصبر عليه واتحاد العلماء، واجتماع كلمتهم على الحق، وإرشادهم العامة إلى أسباب النجاة، وتحذيرهم من أسباب الهلاك، ومناصحتهم ولاة الأمور، وإعانتهم على الخير كما قال النبي": =إن الله يرضى لكم ثلاثاً: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم+.
كما أوصي الجميع بالحذر من جميع أنواع الشرك، والبدع، والمعاصي؛ لأن ظهورها في المجتمع سبب لهلاك الجميع، والحذر منها والتواصي بتركها من أعظم أسباب النجاة.
ولا صلاح للمجتمع الإسلامي إلا بالتعاون على البر والتقوى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.(1/291)
وهذه هي أخلاق المؤمنين وصفاتهم كما قال الله_سبحانه_: [وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] التوبة: 71.
وصح عن رسول الله"أنه قال: =من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان+.
وقال_عليه الصلاة والسلام_: =الدين النصيحة، قيل لمن يا رسول الله ؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم+ خرجهما الإمام مسلم في صحيحه.
والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وأسأل الله_عز وجل_أن يوفقنا وجميع إخواننا في الباكستان، وجميع المسلمين لما فيه رضاه، وصلاح عباده، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعاً، وأن يمن على الجميع بالفقه في دينه، والثبات عليه، والدعوة إليه على بصيرة إنه وليّ ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا وسيدنا محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
…………رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
…………عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
لقد كان سماحة الشيخ يملي كثيراً من الفوائد والتراجم، وقد نُشِر الكثير منها، وبعضها لم ينشر بعد.
ولقد كان سماحته يقيِّد كثيراً من الفوائد التي تمر به، ولديه أوراق عديدة يدوِّن فيها بعض ما يسمعه، أو يقرأ عنه، أو يستفيده خلال رحلاته.
وإليك شيئاً من ذلك.
1_ بيان لما استفاده سماحة الشيخ في حج عام 1363هـ:
هذه الورقة وجدت ضمن أوراق سماحته×وقد جاء فيها ما يلي:
بسم الله الرحمن الرحيم
بيان ما استفدته في هذه الحجة في سنة 1363هـ، وبيان ما اطلعت عليه من الكتب، ومن اتفقت به من المشايخ.(1/292)
من ذلك أني اتفقت بالأخ الشيخ إبراهيم بن محمد العمود من آل أبا الخيل، وهو قاضي سامطة الآن، وقد أخبرني عن الشيخ عبدالله بن محمد القرعاوي بما يسر القلب من جهة اجتهاده، وفتحه المدارس، وكثرة تلامذته.
ويذكر أن المدارس كثيرة، منها مدرسة سامطة، وفيها من التلامذة نحو ثمانين، وقد تخرج منها جماعة منهم حافظ بن أحمد الحكمي، وحسن وحسين ابنا محمد النجمي، وعثمان بن عثمان الحملي، وحسن حملي، ومحسن حملي، ومحمد عثمان نجار، وغيرهم.
وترتيب التلامذة على الشيخ في التوحيد، وكتب العقائد كالتدمرية، والواسطية، والقرآن بالتجويد، والخط، والحساب، والحديث، والمصطلح، وكثير من رسائل المشايخ، وأصول الفقه، والفرائض.
وهم في التعليم المذكور طبقات مذكورة، والمتولي للتدريس في المدرسة المذكورة حافظ نيابة عن شيخه، ومعه ستة من كبار التلامذة يعملون معه في المدرسة المذكورة، وفتح فيها_أيضاً_في سامطة ثلاث مدارس غير المدارس المذكورة، والمتولي للتدريس فيها أشخاص من كبار تلامذته يُعلَّم فيها القرآن، والتوحيد، ومبادىء الحساب، والخط.
وفتح مدرسة في قرية النجامية من تبع سامطة، وفي الجرادية والجاضع، وهي الثلاث المدارس المشار إليها آنفاً.
وفتح_أيضاً_مدرسة في مخلاف بيش في أم الخشب التي هي المركز، وفي المحلة مدرسة، وفي السلامة مدرسة، وفي الملحا مدرسة، وفي العدايا مدرسة، وفي صبيا مدرسة، والقرى المذكورة تبع صبيا.
وفتح المدارس الأخيرة في هذه السنة أعني 1363هـ وجميع المعلمين في المدارس المذكورة من تلامذة الشيخ عبدالله، والشيخ يزور المدارس المذكورة، ويلاحظ دروسها، ويحرض المعلمين، والتلامذة على الجد.
هكذا أخبرني الشيخ إبراهيم، ويذكر أن حالة البلاد قد تحسنت بسبب هذا التعليم.(1/293)
ويذكر الشيخ إبراهيم أنه قرأ في عشر الخمسين على الشيخ ( (18) ) ثم سافر إلى الهند في سنة 1345هـ وقصد دهلي وقرأ على ( (19) ) أحسنهم الشيخ محمد السورتي، ثم رجع إلى الحجاز، فقرأ في المعهد على الشيخ الشاوي، والشيخ محمد حامد، والشيخ البيز، وعلى الشيخ سليمان بن حمدان، والتويجري.
وبعد ذلك تولى خطابة جامع جيزان، ثم قضاء سامطة.
ويذكر أن قاضي جيزان الآن عبدالله بن عودة السعوي، وقاضي صبيا عبدالرحمن بن محيميد، وقاضي أبو عريش عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل، وقاضي العارضة عقيل أخو عبدالله المذكور.
واتفقت_أيضاً_بالشيخ عبدالحميد الخطيب، وسرني ظاهر عقيدته، والشيخ بهجة بن عبدالرزاق البيطار، والشيخ محمد حامد، وسمعت بعض تذكيرهما، والشيخ عبدالله بن علي القصيمي، والشيخ حامد التقي من تلامذة الشيخ جمال الدين القاسمي من مدرسي دمشق، والشيخ عبدالعزيز بن عمر بن عكاس بن عم الشيخ علي بن عكاس من سكان الأحساء+.
2_ ترجمة لسماحة الشيخ محمد إبراهيم×:
كتب سماحة الشيخ عبدالعزيز×لما كان رئيساً للجامعة الإسلامية ترجمة لشيخه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بعد وفاته×.
وإليك نص الترجمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبهأما بعد(1/294)
فلما كان صاحب الفضيلة الشيخ عبدالعزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ نائب الرئيس العام للكليات والمعاهد العلمية قد عزم على تأليف كتاب يتعلق بحياة والده شيخنا العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ، ومواقفه العملية، وسياسته الحكيمة الشرعية، وحسن تربيته لأبنائه الذين تخرجوا عليه، إلى غير ذلك من بيان ما كان يتمتع به من صفات العلماء، ومواقف الحكماء، والنصح لله، ولعباده، وغيرته العظيمة، وغضبه الشديد عند انتهاك محارم الله، وصلابته في ذلك×رحمة واسعة، ورفع درجاته في أعلى الجنات، وضاعف حسناته، وغفر سيئاته، وأصلح ذريته وأقاربه، ونفع بهم المسلمين، وأقام منهم الأئمة المهتدين والأنصار الغيورين.
ولما كنت ممن تخرج عليه، وحضر الكثير من مجالسه العلمية النافعة، وحظي بتوجيهاته وإرشاداته القيِّمة، ونصائحه الثمينة_رأيت أن أكتب في ذلك ما أمكنني في هذا الموضوع؛ وفاءً ببعض حقه، وبياناً لبعض فضله، وتنبيهاً للأجيال الحاضرة والمنتظرة على ما ينبغي لطالب العلم خاصة، ولكل مسلم بوجه عام أن يتخلق به من الأخلاق الفاضلة، والصفات الحميدة، والأدب الصالح، والله_سبحانه_ولي التوفيق، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
فأقول: لقد أكرمني الله_سبحانه_وتفضل علي_وله الحمد والمنة_بأن كنت من أخص تلاميذ شيخنا المذكور، ولازمته نحو عشر سنين من عام 1347هـ إلى عام 1357هـ، ثم تعينت في القضاء بعد ذلك، وباشرته في منطقة الخرج إلى عام 1371هـ، ولكنني لم أنقطع عن الاتصال به، وسؤاله عن كل ما يشكل، والاستفادة من علومه وتوجيهاته إلى أن توفي×في 24 رمضان من عام 1389هـ.
وقد حضرت له مواقف مشرفة، وشاهدت منه أعمالاً موفقة في نفع المسلمين، والغيرة للإسلام، والرد على خصومه أجزل الله له المثوبة عن ذلك، ورفع له به الدرجات في دار الكرامة.(1/295)
وكان×رفيقاً بالطالب، حريصاً على إيصال العلم إليه، حسن التوجيه والتنبيه، مهيباً، محترماً، قوياً على من يظهر منه شيء من التكاسل في الطلب، أو سوء أدب مع زملائه، تارة بزجره والإغلاظ له، وتارة بحرمانه الدرس بعض الوقت، وطوراً بإبعاده من الطلب، وعدم السماح له بالمشاركة.
وكان يلقي الكثير من الأسئلة يمتحن بها فهمهم وحفظهم، ويسألهم عن الدليل والتعليل.
وكان×يعتني بذكر الخلاف الذي له أهمية، ويرجح ما دل الدليل على ترجيحه، ويمرِّن الطلبة على العناية بهذا الأصل، ويحثهم على ذلك، ويذكر لهم دائماً أن المرجع في مسائل الخلاف هو الكتاب والسنة، ويتلو عليهم كثيراً قول الله_سبحانه_: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً] النساء: 59.
وكان يهتم كثيراً بمساعدة الطالب من طريق المادة؛ حتى يتفرغ لمهمة الطلب.
وكان يبدأ الطلبة بتعليمهم العقيدة الصحيحة، ويبيِّن لهم ما كان عليه سلف الأمة في توحيد العبادة، وتوحيد الأسماء والصفات، ويذكر لهم كثيراً مما كان عليه أهل الجاهلية من الأخلاق والأعمال، وأن الإسلام جاء بالقضاء عليها، والنهي عنها، ويبيِّن للطالب إقرار المشركين الذين بُعِث فيهم النبي"بتوحيد الربوبية، وهو الإقرار بأفعال الرب_سبحانه_من الخلق والرزق والتدبير، والإحياء، والإماتة، ونحو ذلك، وأن ذلك لم يدخلهم في الإسلام؛ لأنهم لم يقروا بتوحيد الألوهية، وهو إفراد الله بالعبادة، وتخصيصه بها دون كل من سواه.(1/296)
وكان يَبْسط كثيراً للطلبة هذا الدرس، ويجيبهم عن أسئلتهم، ويكشف عنهم الشبه بانشراح، ورحابة صدر، ويحثهم على حفظ المتون التي ألفها شيخ الإسلام، ومجدد القرن الثاني عشر الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب×وأكرم مثواه_في هذا الأصل العظيم، كثلاثة الأصول، والقواعد الأربع، وكتاب التوحيد، وكشف الشبهات، وكتاب الإيمان، وكتاب فضل الإسلام.
كما كان يحثهم على حفظ المختصرات التي ألفها شيخ الإسلام ابن تيمية×في العقيدة، كالعقيدة الواسطية، والحموية، والتدمرية؛ لما في هذه الكتب من بيان العقيدة السلفية، والرد على خصومها بالأدلة المقنعة.
وكان يحث الطلبة كثيراً على حفظ القرآن الكريم، والعناية به، وتدبر معانيه، والإكثار من تلاوته، وعلى حفظ ما تيسر من السنة، والعناية بذلك، ويرغبهم كثيراً في دراسة السيرة النبوية، وسيرة الصحابة_رضي الله عنهم_.
وكان يشجع الطلبة كثيراً على قراءة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم_رحمة الله عليهما_والاستفادة منهما.
وكان ينبههم كثيراً على أن المقصود من العلم هو العمل، ويوضح لهم أن العمل من أعظم الأسباب في تثبيت الحاصل من العلم، والمزيد منه، كما أنه السبب في سعادة الدنيا والآخرة، ويذكر لهم الأثر المشهور عن بعض السلف: =من عمل بما عَلِم أورثه الله عِلْم ما لم يعلم+.
وكان يحذر الطلبة كثيراً من المعاصي، ويبين لهم سوء عاقبتها، وأنها من أسباب حرمان العلم، ويستشهد على ذلك كثيراً بالبيتين المشهورين عن الشافعي÷:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي
فارشدني إلى ترك المعاصي
وقال: اعلم بأن العلم نور
ونور الله لا يؤتاه عاصي
ويذكر لهم كثيراً الأثر المشهور عن مالك×أنه قال للشافعي لما رأى نشاطه في طلب العلم، وحرصه على التحصيل: =إني أرى أن الله قد ألقى عليك من نوره؛ فاحذر أن تطفئه بالمعاصي+ أو كما قال في الأثر.(1/297)
وبالجملة فكان×ملازماً لمجالس التعليم، حريصاً على نفع الطلبة، باذلاً وسعه وأوقاته في توجيههم، وإرشادهم، وتربيتهم التربية الإسلامية النقية، حريصاً على نفعهم، وإيصال الخير لهم بكل وسيلة، مرغباً لهم في الأخلاق الفاضلة، والصفات الحميدة، والعمل بما علموا، والغيرة لدين الله، والحذر مما يضعف ذلك، ويضاده.
وكان حافظاً وقته، محرضاً للطلبة على حفظه، ناصحاً لله ولعباده، مجتهداً في مناصحة ولاة الأمور سراً، حاثَّاً لأهل الخير على نصحهم بالرفق والحكمة.
وكان يوصي الطلبة كثيراً بالدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن.
وكان واسع العلم، كثير الخوف من الله_سبحانه_دقيق الفهم.
ومع ذلك كان يجيب الكثير من السائلين بقوله: (لا أدري) ويحث الطلبة على عدم التسرع في الإجابة، ويقول لهم: إن كلمة (لا أدري) نصف العلم، ويذكر لهم قول بعض العلماء: إذا ترك العالم لا أدري أصيبت مقاتله.
ومناقبه وفضائله كثيرة جداً، ×رحمة واسعة، ورفع درجاته في المهديين، وخلفه على المسلمين بأحسن الخلف، وأكثر الخير، والبركة، والعلم النافع، والعمل الصالح في ذريته، وأقاربه إلى يوم الدين؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه.
……………رئيس الجامعة الإسلامية
……………عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
3_ وهذه فائدة تتعلق بترجمة سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم×أملاها سماحة الشيخ عبدالعزيز×تحت عنوان: =فائدة تتعلق بترجمة شيخنا الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ووفاته×+.
وقال بعد ذلك: =في شعبان من عام 1389هـ ألَمَّ به×مرض في المعدة، ولم يزل(1/298)
به حتى أدخل المستشفى المركزي بالرياض؛ للفحص والعلاج في أول رمضان ثم في 4 (20) منه سافر إلى لندن؛ للعلاج، واشتد به المرض هناك، ورأى الأطباء أنه لا مصلحة في إجراء العملية؛ فرجع إلى الرياض في ليلة الجمعة الموافق 19/9/1389هـ وهو ثقيل جداً وضعيف الشعور، ولم يزل في غيبوبة إلى أن وافته المنية في ضحوة يوم الأربعاء الموافق 24/9/1389هـ×رحمة واسعة.
وقد عُدْتُه يوم السبت الموافق 20 رمضان، وسلمت عليه فرد علي رَدَّاً ضعيفاً، ثم لم يزل في غيبوبة، وأخبرني أخوه فضيلة الشيخ عبدالملك وابناه الفاضلان الشيخ عبدالعزيز والشيخ إبراهيم أنه لم يزل في غيبوبة من حين وصل من لندن إلى أن توفي إلا أنه قد يتكلم بكلمات قليلة مضمونها طلبُ المغفرة والعفو والمسامحة ونحو ذلك.
وكان لمرضه، ثم موته×الأثر العظيم في نفوس المسلمين في المملكة وغيرها، وقد حزن المسلمون عليه حزناً عظيماً، وصلِّي عليه×بعد صلاة الظهر من اليوم المذكور في الجامع الكبير بالرياض، وكنت أنا الذي أمَمْتُهم في الصلاة عليه، وحضر الصلاة عليه جلالة الملك فيصل، والأعيان من الأمراء والعلماء وغيرهم، وامتلأ المسجد الجامع بالناس على سَعَته، وصلى الناس عليه في خارج المسجد، وتبع جنازته إلى المقبرة الجمُّ الغفير، نسأل الله أن يتغمده برحمته ورضوانه، ويسكنه فسيح جنانه، ويصلح عَقِبه ويَجْبر مصيبة المسلمين فيه، ويحسن لهم الخلف.
وكان×باذلاً وسعه من حين مات عمه الشيخ عبدالله بن عبداللطيف×عام 1339هـ في التعليم والتوجيه والفتوى، وكان لديه حلقات كبيرة في مسجده وبيته في أنواع الفنون، وتخرج عليه جمع كثير من العلماء من القضاة وغيرهم، وكان ذا غيرة عظيمة، وهمة عالية رفيعة، وكان كهفاً منيعاً لأهل الحق من دعاة الهدى، وكان ذا حزم وصبر وقوة في الحق لا تأخذه في الله لومة لائم.(1/299)
ثم تولى رئاسة القضاء والنظر في مشاكل الدولة والمسلمين، فلم يَأْلُ جهداً في إجراء الأمور على السداد والخير، وبذل الوسع في حل المشاكل وإيصال الحق إلى مستحقه.
وقد أسندت إليه الحكومة الفتوى، فقام بأعبائها مع قيامه برئاسة القضاء، وكان قد قسم وقته بين محل رئاسة القضاء ودار الإفتاء علاوة على ما ينظر فيه من المشاكل في البيت، وكان يعتني بالدليل، ويرجح به ما اختلف فيه العلماء من المسائل.
وكان ذا حكمة في توجيه الطلبة وتعليمهم، وكان يرفق بهم في محل الرفق، ويقوى عليهم في محل القوة، ويوجههم إلى الآداب الصالحة والأخلاق المرضية؛ فجزاه الله خيراً، وأكرم مثواه، ورفع منزلته في دار الكرامة؛ إنه جواد كريم.
وكنت ممن لازمه مدة طويلة، وتَخَرَّج عليه في العقيدة السلفية، والفقه، والحديث والعلوم العربية وعلم الفرائض وأصول الفقه، ومصطلح الحديث والتفسير، جزاه الله عني وعن سائر طلبة العلم والمسلمين أفضل الجزاء، وضاعف له المثوبة، وجمعني به وبوالدينا جميعاً وسائر مشايخنا وإخواننا وأحبابنا في الفردوس الأعلى في جوار الرب الكريم؛ إنه على كل شيء قدير.
وكان مولده×في يوم الاثنين السابع عشر من المحرم سنة 1311هـ كما أخبرني بذلك×وقد أخذ العلم عن جماعة من العلماء أشهرهم عمه العلامة الشيخ عبدالله بن عبداللطيف بن عبدالرحمن ابن حسن بن الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب_رحمهم الله جميعاً_والشيخ سعد بن حمد بن علي بن عتيق، والشيخ حمد بن فارس، وأخذ علم الفرائض عن الشيخ عبدالله بن راشد.
وكان عمره×حين توفي ثماناً وسبعين سنة وثمانية أشهر وثمانية أيام.
وهذا مآل الدنيا ومصير كل حي ما عدا الحي القيوم، والحمد لله رب العالمين وإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا، واخلفنا خيراً منها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه في 4/11/1389هـ.
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز(1/300)
سماحة الشيخ إمام من أئمة المسلمين، وعالم كبير يأتي في مقدمة علماء زمانه_كما مر_.
ولقد كان سماحته محباً للعلماء، سواء من مشايخه، أو أقرانه، أو طلابه_كما مر_.
ومما كان يقوم به من واجب تجاه إخوانه من أهل العلم_أنه كان يكاتبهم، ويرد على مكاتباتهم، ويتواصى معهم بالحق والصبر، ويحثهم على بذل مزيد من الجهد، ويستشيرهم في كثيرمن الأمور، ويشترك معهم في تحرير كثير من الكتابات والنصائح، ويكاتب من يلحظ عليه بعض الخطأ؛ ليستدرك ما وقع فيه، ويكاتبهم للسلام، والسؤال عن الحال، ونحو ذلك.
ولا ريب أن لهذه المكاتبات أثراً في قوة الدعوة، وتآزر أهلها، ومحبة بعضهم بعضاً.
ولقد مضى ذكر لبعض النماذج من هذا القبيل عند الحديث عن =سماحة الشيخ مع أهل العلم+ وفيما يلي ذكر لبعض النماذج.
وسترى فيها الغيرة الصادقة لدين الله، والمحبة والوفاء والتقدير والنصح لأهل العلم في شتى الأمصار.
وسترى فيها نموذجاً رائعاً للعالم العامل الذي يجل أهل العلم، وينزلهم منازلهم، ويتأدب بأدب العلماء، ويقوم بصغار الأمور وكبارها.
وسترى فيها عظم مكانة سماحة الشيخ عند أهل العلم. وسترى فيها الأساليب الكتابية الراقية المهذبة.
وقد اقْتُصِر في هذه النماذج على المكاتبات القديمة_في الغالب_لتقف على شيء من سيرته الأولى التي لا تختلف عن سيرته الأخيرة.
وهذه المكاتبات نزر يسير مما كان يقوم به في هذا الصدد.
ولو كتب مجلدات في هذا الباب لما كفى.
وإليك هذه النماذج من المكاتبات الصادرة من سماحة الشيخ، والوادرة إليه.
1_ هذا كتاب من سماحة الشيخ عبدالعزيز إلى سماحة الشيخ محمد ابن إبراهيم_رحمهما الله_بشأن بعض المنكرات التي تحصل من بعض الزوَّار والمزوِّرين في الحرمين.
وهذا الكتاب ليس عليه تاريخ ويظهر أن سماحته كتبه لما كان نائباً للجامعة الإسلامية، وإليك نصه:(1/301)
=من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة سماحة الوالد الكريم شيخنا الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي البلاد السعودية وفقه الله لكل خير، ونصر به دينه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعده.
لا يخفى على سماحتكم استحكام غربة الإسلام، وكثرة ما ظهر من البدع والمنكرات في هذا العصر ولا سيما في بلدة الرسول"وفي مسجده وحول قبره"فقد ظهر كثير من البدع والمنكرات، بل وأنواع من الشرك من كثير من الزوار، والمزوِّرين، وغيرهم.
ولا ريب أن الحرمين الشريفين هما أولى البلاد بالتطهير والعناية؛ لأنهما مهبط الوحي، ومطلع شمس الرسالة، ومنبع النور الذي عم آفاق الدني ا، وهدى الله به من سبقت له السعادة، ولأنهما محل اجتماع المسلمين من سائر أقطار الدنيا في مواسم الحج؛ فيجب أن يطهرا من كل شرك وبدعة ومنكر ظاهر؛ حتى يتأسى وفود بيت الله الحرام، وزوار مسجد رسوله"بسكانهما، ويتأسوا بسيرتهم وأخلاقهم، حتى لا تلتبس عليهم الأمور، ويظنوا أن ما رأوه أو سمعوه في الحرمين أو أحدهما من شركٍ وبدعةٍ ومنكرٍ أمرٌ جائزٌ، أو يسوغ إقراره، أو لا ينبغي التشديد فيه، أو ما أشبه ذلك من الظنون الفاسدة التي تضر المجتمع، وتُلْبِس عليه دينه.
ولا سيما ما يقع في المدينة التي هي عاصمة الإسلام الأولى، ومُهَاجر الرسول"ومحل جسده الشريف، ومنطلق الهداة المهديين والغزاة الفاتحين.
وقد عظم الأمر واشتدت المصيبة في السنوات الأخيرة بظهور كثير من الشرك والبدع والمنكرات الخطيرة في مسجد الرسول"أو في أنحاء المدينة، ولا سيما مواضع الزيارة كالبقيع، والشهداء، وقباء، وكذا المزارات المحدثة.(1/302)
وليس في المسجد النبوي من يراقب هذه الشرور سوى شخصين مشغولين بأعمال أخرى، ولو كانا مفرغين لم يستطيعا القيام بعمل المراقبة لكل هذه الشرور؛ فرأيت أن من الواجب علي أن أشرح الواقع لسماحتكم؛ لما أعلمه من غيرتكم، ونصحكم لله ولعباده، ولما يجب علي من التعاون مع سماحتكم في هذا الأمر العظيم، ولما يجب على الحكومة_وفقها الله_من العناية بهذا الأمر، والقيام بجميع الوسائل التي تقضي على الشرور، وتعيد الحق إلى نصابه، وتوقف أهل الباطل عند حدهم سدد الله خطاها، وأيدها بروح منه.
وإني بهذه المناسبة أقترح أن يعيَّن للمراقبة في مسجد الرسول"ثمانية أشخاص على الأقل من خيرة أهل العلم والحلم والاتزان حسب الإمكان، يتولون المراقبة بالتناوب، وبالاجتماع عند الحاجة في موسم الحج وغيره؛ لإرشاد الزوار وغيرهم، وتوجيه المزورين إلى الحق، والأخذ على أيديهم، وفصل ما يستحق الفصل منهم، وإلزامهم بطريقة للتزوير توافق الشريعة يسيرون عليها، ويؤدب أو يفصل من خالفها، ويراقبون ما يقع في خارج المسجد في البقيع، أو الشهداء، أو قباء أو غير ذلك، ويتعاونون مع هيئة الأمر بالمعروف فيما تدعو الحاجة إلى الاشتراك فيه، ويكون رئيس محكمة المدينة وتوابعها فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن صالح مرجعاً لهم، ومعيناً في هذا الأمر الجليل.(1/303)
والأمر_والله_عظيم وخطير، ولقد تألم منه_كثيراً_الغيورون من سكان المدينة، وزوَّرارها من الداخل والخارج، ووصل إليَّ في هذا الصدد رسائل كثيرة من الداخل والخارج مضمونها استنكار ما شاهدوا في المدينة من البدع والمنكرات، والمطالبة بمناصحة ولاة الأمر في هذا الأمر الخطير؛ فأرجو أن يقوم سماحتكم_كعادتكم الكريمة_بعرض هذا الأمر على جلالة الملك_وفقه الله_واستصدار أمر جلالته إلى سماحتكم في تعيين نخبة من العلماء مفرغة للمراقبة، والعناية بإنكار هذه الأمور، والتعاون مع المحكمة والإمارة والهيئة في هذا السبيل؛ حتى يعود إلى مسجد الرسول"ومدينته الطاهرة ما أوجب الله من تعظيمهما وتطهيرهما.
سدد الله خطاكم، وبارك في مساعيكم، ونصر بكم دينه، ورفع بكم علائم شريعته، ووفق حكومتنا لكل ما فيه رضاه، وصلاح أمر المسلمين، وأكثر أعوانها في الخير، وجعل التوفيق للحق حليف الجميع؛ إنه سميع قريب، والله يتولاكم والسلام.
…………نائبكم في الجامعة الإسلامية
…………في المدينة المنورة
…………الابن عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
2_ وهذه صورة من كتاب مماثل للكتاب الماضي كتبه سماحة الشيخ عبدالعزيز إلى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة سماحة الوالد مفتي البلاد السعودية ورئيس القضاة، الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ_سدد الله خطاه_آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعده.
فقد بلغني من طرق كثيرة أن كثيراً من المطوفين بمكة والمزورين بالمدينة لا يمثلون المهنة تمثيلاً صالحاً؛ لجهل بعضهم، وانحراف البعض الآخر في العقيدة والأخلاق، وهم الذين يتولون توجيه الحجيج في الحرمين الشريفين.(1/304)
ولا يخفى على سماحتكم ما في ذلك من الخطر العظيم على الحجيج، وما يفضي إليه ذلك من رجوع الحجاج بسمعة سيئة عن البلاد وأهلها؛ لما شاهدوه وسمعوه من بعض المطوفين ومن بعض المزورين لاسيما وكثير من الجهال يعتقد أن ما قالوه أو فعلوه هو الصواب، ولا يُلْتَفت إلى غير ذلك.
أما المثقفون من الحجاج فيستاؤون استياءً شديداً لما يشاهدونه ويلمسون من أخلاق بعض المطوفين وبعض المزورين، وانحراف البعض في عقيدته فيتساءلونلماذا لا يتولى هذه المهنة من هو صالح لها علماً، وخلقاً، وأمانة ؟
ولا ريب أن علاج هذا الموضوع من أهم المهمات.
والذي يراه ابنكم في ذلك تكوين لجنة من أهل العلم لدراسة الموضوع، وتقرير ما يرونه كفيلاً بالمصلحة، ويقترح ابنكم أن تكون اللجنة مكونة من الشيخ عبدالملك بن إبراهيم، والشيخ عبدالله بن جابر، والشيخ عبدالله ابن حميد، والشيخ علوي مالكي، والشيخ عبدالله خياط، والشيخ سليمان العبيد(21) .
3_ وهذا كتاب قريب من الكتابين السابقين كتبه سماحة الشيخ عبدالعزيز إلى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم_رحمهما الله_بتاريخ 13/10/1385هـ:
بسم الله الرحمن الرحيم
=من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة سماحة الوالد الكريم شيخنا الشيخ محمد بن إبراهيم_وفقه الله لكل خير_آمين.
بعده حفظكم سبق أن كتبت لسماحتكم برقم 186 في 17/2/1385هـ عن حاجة المسجد النبوي إلى مراقبين مفرغين من أهل العلم، والبصيرة، والأخلاق الفاضلة، والعقيدة السليمة؛ يتناوبون المراقبة في المسجد من حين يفتح آخر الليل إلى أن يغلق بعد العشاء؛ ليوجهوا الزوار وغيرهم إلى ما يوافق الشرع، ويحذروهم مما يخالفه من أنواع الشرك والبدع، ويراقبوا المزورين حتى لا يضللوا الزوار بتلقينهم ما لا يليق من البدع، والأدعية الشركية؛ لأن المراقبين الحاليين قليلون جداً، ومشغولون بوظائف أخرى، وليس لهم أثر ذو أهمية في المسجد.(1/305)
وقد طلبت من سماحتكم في الخطاب المشار إليه الاتصال بجلالة الملك في الموضوع، وشرح الأسباب المقتضية لذلك، واعتقادي أن جلالته سيلبي الطلب_كعادته_في المصالح العامة، والمطالب الهامة المفيدة_.
وقد طال الأمد؛ وذلك بأسباب مشاغلكم الكثيرة، وتقصيري بعدم تذكيركم؛ فالرجاء الاهتمام بالموضوع من جديد؛ لشدة الضرورة إليه.
أعانكم الله، وشكر مساعيكم، وبارك في أوقاتكم وجهودكم؛ إنه على كل شيء قدير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ملاحظة: وسيكون من عمل المراقبين المُنَوَّهِ لهم مراقبة المدرسين والوعاظ في المسجد، ومراقبة الزوار والمزورين في البقيع، والشهداء، ومسجد قباء، وتنبيه الناس على عدم مشروعية زيارة غير ما ذكر من المزارات كالمساجد السبعة، ومسجد القبلتين، وغيرها مما ابتدع زيارته الجهال وأشباههم، وجعلوه حرفة لطلب المادة.
4_ وهذا كتاب من سماحة الشيخ عبدالعزيز إلى سماحة الشيخ محمد_رحمهما الله_بشأن تلاعب بعض المطابع في خارج المملكة بطبع القرآن الكريم.
وقد كتب هذا الكتاب برقم 1933 وتاريخ 19/11/1388هـ وهذا نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
=من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة صاحب السماحة الوالد الكريم شيخنا الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ_وفقه الله لكل خير وبارك في حياته آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعده حفظكم الله ليس بخافٍ على سماحتكم تلاعب بعض المطابع في الخارج بطبع القرآن الكريم، وقد ورد إلى المملكة مصاحف كثيرة فيها تحريف، وتقديم وتأخير، وقد يكون ذلك عن عمد من بعض الجهات المعادية للإسلام.
ومعلوم أن هذا العمل ينذر بخطر عظيم؛ لذلك كتبت لجلالة الملك_حفظه الله_عن هذا الموضوع كتاباً برقم 1888 وتاريخ 14/11/1388هـ.
وإلى سماحتكم برفقه صورة من الكتاب المذكور، راجياً التكرم بعمل ما ترونه من جانبكم للقضاء على هذا التلاعب، الذي قد يفضي إلى فساد كبير.(1/306)
وفقكم الله لما فيه رضاه، وأمد في حياتكم على خير عمل؛ إنه جواد كريم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
5_ وهذا كتاب من سماحة الشيخ عبدالعزيز إلى الشيخ العلامة محب الدين الخطيب_رحمهما الله_ينبهه فيه سماحته حول ملحوظة وردت في مقال نشر في المجلة التي كان يصدرها محب الدين الخطيب.
فإليك نصَّها:
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم العلامة الشيخ محب الدين الخطيب رئيس تحرير مجلة الأزهر (22) الغراء وفقه الله آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد فقد اطلعت على الكلمة المنشورة في مجلتكم الغراء عدد ربيع ثاني سنة 76 صفحة 354 للشيخ محمد الطنينحي مدير عام الوعظ والإرشاد للجمهورية المصرية؛ حيث يقول في آخرها ما نصه =قد علمت أن الإيمان عند جمهور المحققين هو التصديق بما جاء به النبي"وهذا التصديق هو مناط الأحكام الأخروية عند أكثرهم، لأنه هو المقصود من غير حاجة إلى إقرار أو غيره؛ فمن صدق بقلبه، ولم يقر بلسانه، ولم يعمل بجوارحه كان مؤمناً شرعاً عند الله_تعالى_:ومقره الجنة إن شاء الله+ انتهى.
فاستغربت صدور هذا الكلام، ونشره في مجلتكم الغراء الحافلة بالمقالات العلمية والأدبية النافعة من جهتين:
إحداهما: صدوره من شخصية كبيرة تمثل الوعظ والإرشاد في بلاد واسعة الأرجاء كثيرة السكان.
والجهة الثانية: نشره في مجلتكم وسكوتكم عن التعليق عليه، وهو كلام_كما لا يخفى_فيه تفريط وإفراط؛ تفريط في جانب الدين، ودعوة إلى الانسلاخ من شرائعه، وعدم التقيد بأحكامه، وإفراط في الإرجاء يظن صاحبه أنه على هدى، ويزعم أنه بمجرد التصديق قد بلغ الذروة في الإيمان، حتى قال بعضهم: إن إيمانه كإيمان أبي بكر وعمر بناءً على هذا الأصل الفاسد، وهو أن الإيمان مجرد التصديق وأنه لا يتفاضل !
ولا شك أن هذا خلاف ما دل عليه القرآن والسنة، وأجمع عليه سلف الأمة.(1/307)
وقد كتبت في رد هذا الباطل كلمة مختصرة تصلكم بطيه، فأرجو نشرها في مجلتكم، وأرجو أن تلاحظوا ما ينشر في المجلة من المقالات التي يخشى من نشرها هدم الإسلام؛ فتريح الناس من شرها والرد عليها لأمرين:
أحدهما: أن نشر الباطل من غير تعليق عليه نوع من ترويجه والدعوة إليه.
والثاني: أنه قد يسمع الباطل من لا يسمع الرد عليه فيَغتَرَّ به، ويتَّبع قائله، وربما سمعها جميعاً فعشق الباطل وتمكن من قلبه، ولم يقوَ الردُّ على إزالة ذلك من قلبه؛ فيبقى الناشر للباطل شريكاً لقائله في إثم من ضل به.
عصمني الله وإياكم وسائر إخواننا من أسباب الضلال والإضلال، وجعلنا وإياكم من الهداة المهتدين، وليكن على بال فضيلتكم ما ثبت في الصحيح عن النبي"أنه قال: =من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً+.
والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
6_ وهذه رسالة بعثها سماحة الشيخ×إلى الشيخ عبدالفتاح الإمام، من علماء الشام×وقد بعثها سماحته في 25/5/1377هـ؛ وقد ضمنها أشواقه، ومحبته لذلك العالم؛ لما سمع عنه من الفضل والعلم، وحَثَّه فيها على بذل مزيد من الخير والدعوة، وأبدى له استعداده بالتعاون معه في سبيل الخير، وطبع الكتب، ونحو ذلك، فإليك نص الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم، والعلامة الفاضل الداعي إلى الله_سبحانه_الشيخ عبدالفتاح الإمام وفقه الله لما يرضيه آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد فإني أحمد لكم الله الذي لا إله إلا هو على جميع نعمه، وأسأله_تعالى_أن يوزعني وإياكم شكرها، وأن يمن علينا جميعاً بالفقه في دينه، والقيام بحقه، والنصح له، ولعباده؛ إنه على كل شيء قدير.(1/308)
ثم إني أشعر أخي المحبوب في الله أن الإخوان القادمين من طرفكم، وهم أبناؤكم محمود الجبَّان، والأخ صالح ضيف الله، والأخ محمد ناصر، والأخ عبدالله علوش وغيرهم_قد بلغوني كثيراً من صفاتكم الحميدة، وجهادكم المبارك؛ فسررت بذلك كثيراً، وشكرت الله عليه، ودَعَوتُه
_سبحانه_لكم بالمزيد من التوفيق، والهداية، والنشاط في الدعوة إلى الحق؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ثم قرأت لأول مرة بعض كتابكم الصغير حجماً، الكبير شأناً وقدراً الموسوم =المشكلات وجوابها+ وبعض كتابكم الثاني العظيم الشأن الموسوم بـ: =حكم الإسلام+ فأعجبت بهما كثيراً، وسرني ما تضمناه من الدعوة إلى الإسلام، وبيان كثير من حكمه، وأسراره، وكثير من قواعده العظيمة، وتحدِّي العالمِ أجمع أن يأتوا بما يناقض ذلك؛ فأسأل الله أن يزيدكم من فضله، ويثبت أقدامكم على الحق، وأن ينفع عباده بكتبكم الجليلة النافعة، وأن يفسح في أجلكم على خير عمل؛ إنه سميع مجيب.
ونحن_يا أخي_في عصر قد استحكمت فيه غربة الإسلام، وقلَّ فيه ناصروه، والدعاة إليه، وكثر فيه أعداؤه والصادُّون عنه؛ فاغتنم يا محبُّ بقية حياتكم في الدعوة إلى الحق، واصبر وصابر، وأبشر بالذكر الجميل، والأجر الجزيل، والعاقبة الحميدة ما دمت على هذا النهج القويم، ثبتني الله وإياك، وسائر إخواننا على دينه حتى نلقاه_سبحانه_.
ولا يخفاكم الحديث الصحيح: =من دل على خير فله مثل أجر فاعله+، والحديث الثاني: =من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً+ الحديث، والحديث الثالث: =إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث+ الحديث.
وقد اشتقت كثيراً إلى مؤلفاتكم؛ فأرجو إتحافي بها من كل نوع نسخة، وإذا كان عندكم منها جملة فأخبروني بها وبقيمتها حتى أسعى في تسديد قيمتها، وأخذها من فضيلتكم وتوزيعها بين الطلبة بطرفنا.(1/309)
وقد أبلغني بعض الإخوان أن فضيلتكم قد جمع تفسيراً مختصراً، وترغبون طبعه؛ لينتفع به المسلمون، وهذا عمل مشكور، أجزل الله مثوبتكم عليه، وإذا كنتم ترغبون طبعه كما بلغني، ورأيتم إرساله إلي؛ للإشراف عليه، والتوسط في طبعه بواسطة الشربتلي، أو الحكومة، أو غيرهما فلا مانع من ذلك، بل أنا أحبذ ذلك؛ لما أرجو في ذلك من النفع لطلبة العلم.
والله المسؤول أن يجعلني وإياكم، وسائر إخواننا من المتعاونين على البر والتقوى، وأن يزيدنا جميعاً من العلم النافع والعمل به، وأن يمنَّ على الجميع بالصدق في معاملته، والاستقامة على دينه، والدعوة إليه على بصيرة؛ إنه جواد كريم.
وأرجو إبلاغ سلامي لمن حولكم من خواصِّ المشايخ والإخوان، وأخص منهم فضيلة أخينا ومحبوبنا في الله الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني، كما منا الأولاد، والمشايخ، والإخوان بخير وعافية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان.
حرر في 25/5/1377هـ
7_ وهذا كتاب من سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز إلى صاحب الفضيلة الشيخ أبي حبيب عبدالعزيز بن محمد الشثري×يطمئن به على صحته، ويدعو له، ويفيده عن آخر أخباره ويوصيه ببعض الوصايا، إلى غير ذلك مما جاء في ذلك الكتاب الذي كتبه في 12/12/1381هـ ردَّاً على كتاب بعثه الشيخ عبدالعزيز الشتري. فإليك نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم الشيخ الفاضل عبدالعزيز بن محمد الشثري كشف الله عنه الضر والباس، وكساه من العافية أكمل لباس، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته(1/310)
بعده، كتابكم الكريم المؤرخ 30/11/1381هـ وصل، وصلكم الله بهداه، وسرني منه عِلْمُ صحتكم، ونجاح عمليتكم، وسلامتكم من الألم، والضجر، والسهر؛ فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، ونسأله_تعالى_أن يوزعنا وإياكم شكر نعمه، ويصرف عن الجميع أسباب سخطه ونقمه، وفهمتُ ما ذكرتَ من المصائب الدينية، وغفلة الناس عنها إلا من شاء الله؛ فالأمر كما تفضلت؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولكن لا يخفاكم أنه لا ينبغي للمرء أن يستسلم للواقع، بل عليه أن يجاهد، ويناضل، ويدافع، ويضاعف من الجهود في ذلك، ويفعل ما يستطيع من الأسباب النافعة، والهدايةُ والتوفيق بيد الله_سبحانه_.
جعلني الله وإياكم من أنصار الحق، ودعاة الهدى ما بقينا؛ إنه سميع قريب.
أما سؤالكم عن وقت توجهنا من المدينة إلى الرياض فالعزيمة أننا نتوجه في النصف من محرم، أو لعشر تبقى منه، وإذا كنتم ترغبون أني أنتظركم فليس عندي مانع، والرجاء إبلاغ السلام المشايخ والإخوان، ومن لدينا المشايخ والإخوان بخير وعافية، والله يتولاكم، والسلام.
=ملحوظة+
إليكم بطيه نسختان من رسالتين كتبناهما منذ أيام، إحداهما في محاسن الإسلام، ووجوب تحكيمه، والعمل به، والثانية في حكم من استهزأ بالرسول"أو استحل شيئاً مما حرم من الشرع، نسأل الله أن ينفع بهما؛ إنه خير مسؤول.
ثم نفيدكم أنَّا والمسلمين أدَّينا مناسك الحج بحال الصحة، نحمد الله على ذلك، ولا أعلم أيسر من الحج هذا العام، ولا أسهل منه من وجوه كثيرة لله الحمد، ونسأله_عز وجل_أن يتقبل منا ومنكم، ومن سائر المسلمين، وأن يوزع الجميع شكر نعمه، وأن يصلح حكومتنا، ويزيدها من كل خير، ويصلح لها البطانة؛ إنه سميع قريب.
وحجاج الدول بخير وصحة من رأينا من أعيانهم من المشايخ، وخواص الإخوان.
نسأل الله أن يصلح القلوب والأعمال، وألا يجعل ما يسَّر من النعم استدراجاً؛ إنه خير مسؤول، وأرجو أنكم بمزيد من الصحة، وأن العائلة جميعاً بخير وعافية.(1/311)
وصلى الله وسلم على محمد
12/12/1381هـ
8_ وهذا كتاب_أيضاً_كتبه سماحة الشيخ للشيخ أبي حبيب عبدالعزيز ابن محمد الشثري×بمناسبة حلول شهر رمضان، وقد ضمنها محبته وأشواقه، وأرسل بطيها بعض النسخ التي كتبها سماحته حول شهر رمضان.
وتاريخ هذا الكتاب 2/9/1382هـ؛ فإليك نصه.
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الوالد المكرم عبدالعزيز ابن محمد الشثري وفقه الله للإسلام، وجعلني وإياه ممن قال: ربي الله ثم استقام، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أما بعد فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو على نعمه، وأسأله أن يوزعني وإياكم شكرها، وأن يعيذنا جميعاً والمسلمين من مضلات الفتن؛ إنه سميع قريب.
وبمناسبة دخول شهر الصيام أرفع إلى فضيلتكم تهنئة ببلوغه، وأسأل الله_عز وجل_أن يجعلنا والمسلمين جميعاً من صوامه، وقوَّامه إيماناً واحتساباً، وأن يعيده على المسلمين أعواماً كثيرة، وهم في حال أحسن وصلاح أكثر؛ إنه سميع مجيب.
في هذه الأيام كتبت كلمة حول شهر الصيام، إلى فضيلتكم خمس نسخ منها للاطلاع، وتوزيعها على من ترون.
نسأل الله أن ينفع بها، وأن يحسن العاقبة لنا و للمسلمين جميعاً، وأن يوفق حكومتنا لما فيه رضاه، وصلاح عباده؛ إنه خير مسؤول.
وكتابكم الكريم الذي مع الشيخ محمد الأمين وصل وصلكم الله بهداه، والنسخ وصلت، وسلَّمتُ للشيخ محمد الأمين نصيبه، وللحرس الوطني التابع للأمير سلاف نصيبه، أما الذي للواء التُّوم فإلى حين التاريخ لم نسلمه له، وعن قريب نسلمه له إن شاء الله بيد أميره الجديد محمد بن شفلوت، وباقي النسخ وزعناها على المشايخ والإخوان، أثابكم الله وتقبل منكم.(1/312)
وقد أرسلت إليكم كتاباً قبل هذا أرجو أنه وصلكم، وإليكم بطيه كتاباً للأخ صالح الشثري، وصلنا بعد سفره؛ فأرجو تسليمه له، والرجاء إبلاغ السلام الأبناء جميعاً، والمشايخ، كما منا الأولاد والمشايخ، والإخوان كلهم بخير وعافية، والله يتولاكم والسلام.
وكاتبه ابنكم إبراهيم الحصين يبلغكم والأولاد، والمشايخ جزيل السلام منه، ومن والده، والسلام.
9_ وهذا كتاب من سماحة الشيخ للشيخ أبي حبيب عبدالعزيز ابن محمد الشثري_رحمهما الله_.
وقد ضمن سماحته هذا الكتاب سلامه، ووصاياه وبعض أخباره؛ وهذا نص الكتاب الذي كتب في 23/2/1386هـ.
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الوالد المكرم فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن محمد الشثري سلمه الله من الأسواء، وأصلح لي وله أمر الدين والدنيا، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أما بعد فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو على جميع نعمه، وأسأله_سبحانه_أن يوزعني وإياكم شكرها، وأن يعيذنا جميعاً وسائر المسلمين من موجبات غضبه، وأسباب نقمته، وأن يصلح قلوبنا، وأعمالنا؛ إنه جواد كريم.
لقد سرني كثيراً نبأ نشاط الإخوان، وتعاونهم مع الهيئة في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ فالحمد لله على ذلك، وأسأل المولى_عز وجل_أن يزيدهم نشاطاً وقوة، وبصيرة بالحق، وأن يكلل جهود الجميع بالصلاح، والنجاح، وأن يوفق القائمين على أمر الهيئة في كل مكان لما فيه صلاح أمر المسلمين، وسلامة دينهم، وانتصار الحق بينهم، وخذلان الباطل وأهله؛ إنه جواد كريم.
لابد أنه بلغكم سفري إلى بريدة، وما أجراه الله من عقد النكاح على بنت الأخ عبدالرحمن بن حمد بن خضير، وأبشركم أنه_إن شاء الله_سفر مبارك، وزواج مبارك، والأمر على ما تحبون لله الحمد.
وأسأله_سبحانه_أن يمنحني وإياكم شكر نعمته، والقيام بحقه، وأن يصلحنا جميعاً، وسائر المسلمين؛ إنه سميع قريب.(1/313)
وكان في عزمي الكتابة إليكم من حين تم الزواج، ولكن كثرة المشاغل أوجبت التأخير.
أصلح الله نية الجميع، وأعاذنا وإياكم، وسائر إخواننا من مضلات الفتن؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه، وأرجو إبلاغ سلامي الأبناء، والأخ عبدالرحمن، وابنيه، والأمير عبدالله بن عبدالرحمن، والشيخ محمد بن عياف، وابنه عبدالعزيز، وخواص المشايخ، والإخوان، كما منا المشايخ والإخوان لاسيما الشيخ محمد الأمين كلهم بخير وعافية، والله يتولاكم، والسلام.
10_ وهذا كتاب_أيضاً_من سماحة الشيخ للشيخ أبي حبيب عبدالعزيز بن محمد الشثري×وقد كتبه سماحته بتاريخ 22/11/1386هـ وهذا نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الوالد المكرم الشيخ عبدالعزيز ابن محمد الشثري سلمه الله وتولاه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أما بعد فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو على جميع نعمه، وأسأله_سبحانه_أن يوزعني وإياكم شكرها، وأن يثبتنا جميعاً على دينه؛ إنه جواد كريم.
وصلنا المدينة بحال من السلامة لله الحمد، وتَأَخَّرَتْ إفادتكُم بذلك من أجل زحمة الشغل؛ فأرجو المسامحة.
صحة المشايخ والإخوان جميعاً تسركم لله الحمد، الشيخ محمد الأمين طيب، وقد تزوج هذه الأيام، وأموره جميلة إن شاء الله.
الدراسة في الجامعة الإسلامية، وفي المسجد النبوي، والتذكير والوعظ في هذه الأيام للحجاج كله_بحمد الله_يسير سيراً حسناً، نسأل الله أن ينفع بذلك، ويعين القائمين به على كل ما فيه رضاه، ونجاة عباده؛ إنه خير مسؤول.
كتابكم الكريم المؤرخ 9/1/86 وصل وصلكم الله بهداه، وسرني منه علم صحتكم، فالحمد لله.
وما أشرتم إليهقد اطلع عليها من أثق به من الإخوان(1/314)
إلى أن قال×: =وقد أخبرت سماحة الوالد الشيخ محمد بالموضوع حين كنت لديكم في الرياض، وأسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه صلاح المسلمين، وسلامتهم، وبراءة الذمة، وسنبحث_إن شاء الله_معه في ذلك إذا اجتمعنا به في مكة، ولعل فضيلتكم يبحث معه في الموضوع.
سدد الله خطا الجميع، وإليكم خطاباً من الأخ الشيخ عبدالعزيز الشبل المدرس بمعهد الجامعة، والشيخ عبدالعزيز القويفلي مدير معهد الجامعة، والأخ محمد بن حميِّد من سكان المدينة في الموضوع.
والثلاثة المذكورون هم الذين أخبروني سابقاً بما ذكرته آنفاً.
نسأل الله أن ينصر دينه، ويخذل أعداءه، وأن يجعلنا وإياكم من دعاة الهدى، وأنصار الحق؛ إنه جواد كريم.
11_ وهذا كتاب كتبه سماحة الشيخ عبدالعزيز وفضيلة الشيخ عبدالعزيز الشثري، وأرسلاه إلى معالي وزير المعارف الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ_رحم الله الجميع_يطالبان فيه معالي الوزير أن ينقل اثنين من المسؤولين عن التعليم في بعض المناطق إلى منطقة أخرى، وهذه صورة من نص الكتاب، وليس فيها تاريخ.
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن محمد الشثري، وعبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة فضيلة الشيخ المكرم حسن بن عبدالله آل الشيخ وزير المعارف وفقه الله لكل خير، ونصر به دينه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
بعده يا محب لقد ثبت عندنا من طرق كثيرة أن المشرف على التعليم في منطقة غير صالح للبقاء في المنطقة المذكورة بسبب انحراف أخلاقه، وسوء تصرفه.
والذي نشير به على فضيلتكم نقله إلى مكان آخر قطعاً للنزاع، وإطفاءً للفتنة، وحماية للمنطقة من الشغب والنزاع.
وكذا =فلان+ مدير معهد المعلمين في نفس المنطقة قد ثبت عندنا من طرق كثيرة أنه غير صالح للبقاء في البلاد_أيضاً_بسبب انحراف أخلاقه، وعدم صلاحيته للإدارة المذكورة؛ فنرجو من معاليكم نقلهما إلى جهة أخرى؛ لعل الله_سبحانه_يصلح حالهما، ويجعل في نقلهما خيراً لهما وللمسلمين.(1/315)
ولاشك أن الواجب عليكم هو السعي في الأصلح، والحرص على طمأنينة أهل البلاد، وصلاح دينهم، وسلامتهم من الشحناء والفرقة.
والذي نعتقده أن نقل الشخصين المذكورين يحصل به ذلك إن شاء الله، وعسى الله أن يبدل المنطقة بخير منهما.
والواجب النصح لكم، وللشخصين المذكورين، ولأهل المنطقة، وللمسلمين؛ ولطلب أهل =المنطقة الفلانية+ التوسط في ذلك جرى.
والله يتولاكم، ويسدد خطاكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
12_ وهذا كتاب بعثه سماحة الشيخ إلى صاحب الفضيلة الشيخ عبدالله السليمان الحميد×حيث رد سماحته على سؤال من الشيخ عبدالله؛ فإليك نص الكتاب:
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم الشيخ عبدالله السليمان الحميد سلمه الله وتولاه
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعده
كتابكم الكريم المؤرخ 23/3/86 وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من السؤال عما قاله بعض الخطباء في خطبة الجمعة من الحثِّ على الاتصاف بصفات الله، والتخلق بأخلاقه هل لها محمل ؟ وهل سبق أن قالها أحد. . إلخ؟ كان معلوماً.
والجواب هذا التعبير غير لائق، ولكنْ له مَحْمَلٌ صحيحٌ، وهو الحثُّ على التخلُّقِ بمقتضى صفات الله وأسمائه وموجبها وذلك بالنظر إلى الصفات التي يحسن من المخلوق أن يتصف بمقتضاها، بخلاف الصفات المختصة بالله، كالخلاق، والرزاق والإله، ونحو ذلك؛ لأن هذا شيء لا يمكن أن يتصف به المخلوق، ولا يجوز أن يدعيه، وهكذا ما أشبه هذه الأسماء.
وإنما المقصود_الصفات التي يحبُّ الله من عباده أن يتصفوا بمقتضاها، كالعلم، والقوة، والرحمة، والحلم، والكرم، والجود، والعفو، وأشباه ذلك.
فهو_سبحانه_عليم يحب العلماء، قوي يحب المؤمن القوي أكثر من حبه للمؤمن الضعيف، كريم يحب الكرماء، رحيم يحب الرحماء عفوٌّ يحب العفو، إلخ.(1/316)
لكن الذي لله_سبحانه_من هذه الصفات وغيرها أكمل، وأعظم من الذي للمخلوق بل لا مقابة(23) بينهما؛ لأنه_سبحانه_ليس كمثله شيء في صفاته وأفعاله، كما أنه لا مثل له في ذاته، وإنما حَسْبُ المخلوق أن يكون له نصيب من معاني هذه الصفات يليق به، ويناسبه على الحد الشرعي؛ فلو تجاوز في الكرم الحد صار مسرفاً، ولو تجاوز في الرحمة الحد عطّل الحدود والتعزيرات الشرعية، وهكذا لو زاد في العفو على الحد الشرعي وضعه في غير موضعه.
وهذه الأمثلة تدل على سواها، وقد نص العلامة ابن القيم×على هذا المعنى في كتابيه =عدة الصابرين+ و =الوابل الصيب+ ولعله نصَّ على ذلك في غيرهما، كالمدارج، وزاد المعاد، وغيرهما، وإليك نص كلامه في العدة والوابل.
قال في العِدة صفحة 31: =ولما كان_سبحانه_هو الشكور على الحقيقة كان أحب خلقه إليه من اتصف بصفة الشكر، كما أن أبغض خلقه إليه من عطَّلها، أو اتصف بضدها، وهذا شأن أسمائه الحسنى أحب خلقه إليه من اتصف بمُوجَبِها، وأبغضهم إليه من اتصف بأضدادها؛ ولهذا يبغض الكفور، والظالم، والجاهل، والقاسي القلب، والبخيل والجبان، والمهين، واللئيم، وهو_سبحانه_جميل يحب الجمال، عليم يحب العلماء، رحيم يحب الراحمين، محسن يحب المحسنين، ستِّير يحب أهل الستر، قادر يلوم على العجز.
والمؤمن القوي أحب إليه من المؤمن الضعيف، عفوٌّ يحب العفو، وتر يحب الوتر، وكلما يحبه من آثار أسمائه وصفاته وموجبها وكلما يبغضه_فهو مما يضادها وينافيها ا. هـ+.
وقال في الوابل الصيب صفحة 543 من مجموعة الحديث: =والجود من صفات الرب_جل جلاله_فإنه يعطي، ولا يأخذ، ويطعم ولا يُطعم، وهو أجود الأجودين، وأكرم الأكرمين، وأحب الخلق إليه من اتصف بمقتضيات صفاته؛ فإنه كريم يحب الكرماء من عباده، وعالم يحب العلماء، وقادر يحب الشجعان، وجميل يحب الجمال+ انتهى.(1/317)
وأرجو أن يكون فيما ذكرناه كفاية وحصولٌ للفائدة وأسأل الله_سبحانه_أن يوفقنا جميعاً للفقه في دينه، والقيام بحقه؛ إنه سميع قريب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
…………نائب رئيس الجامعة الإسلامية
…………عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
13_ وهذا كتاب بعثه صاحب الفضيلة الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رئيس المحاكم الشرعية في دولة قطر إلى سماحة الشيخ عبدالعزيز_رحمهما الله.
ولقد أبان فيه عن محبته العميقة لسماحة الشيخ، وشرح له ما لقيه من الحفاوة في زيارته إلى المملكة، واعتذر عن عدم تمكنه من زيارة المدينة، والاجتماع بسماحة الشيخ، وشَرَحَ ما دار بينه وبين سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم_رحمهما الله_إلى آخر ما جاء في ذلك الكتاب الذي كتب في 5/6/1386هـ، وهذا نصه.
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالله بن زيد آل محمود إلى المحب الحَفِيِّ والصديق الصفي فضيلة الأستاذ الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز حفظه الله بالإسلام، وأسدل عليه سوابغ النعم والإحسان.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته على الدوام، وإني أسأل الله أن يجمع بيني وبينك في الدنيا في سلامة، وإسلام، وصحة حال، وسرور بال.
وبعد أيها الشيخ فإنني أقدم اعتذاري عن تقصيري بأداء حقك، وإنفاذ وعدي؛ لأسباب اقتضت ذلك، ولك العتبى حتى ترضى.
كنت في ابتداء رحلتي مُصمماً على زيارتك في المدينة، والإقامة بها مدة لا تقل عن ثلاثة أيام؛ للتمتع بحديثك العالي؛ لأنني إن أنسَ كل شيء مضى في سفري فلن أنسى طيب منادمتك، وحسن معاشرتك، وجميل حديثك من قبل وفي هذا السفر، حتى صرت أحمل لك ودَّاً مكيناً.
ولولا أن الإخبار بالمحبة سُنَّةٌ لما أبديت تعبيره، وأنت قد تشم على البعد ريح عبيره، لا زالت محبتنا في الله ولله، وجعل جزاءها الزلفى بيوم المزيد.(1/318)
يا محب ! لقد مكثت في الطائف شهراً كاملاً أتمتع فيه بالمجالسة مع المشايخ والأصحاب ممن يحبنا ونحبه، وقد وجدت عند فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم جميل الحفاوة، والمودة، ورفع المنزلة في الإكرام والاحترام.
وكذلك الشيخ عبداللطيف , والشيخ عبدالملك وعبدالله، وأولاد الشيخ: عبدالعزيز وإبراهيم كلهم قد بذلوا لي غاية الجهد في الحفاوة والكرامة حتى انصرفت عنهم وقد امتلأ قلبي سروراً ومحبة لهم جزاهم عنا خيراً.
استدعاني الشيخ محمد بعد صلاة العشاء، ولم يكن عنده أحد فتكلم معي بكلام لطيف ظريف حاصله النصح، والمحبة، وإزالة ما أوقعه الناس في نفسي من الوحشة.
وقال: إنما قصدت باستدعائك النصح، والتنبيه على ما يلزم، ثم تكلم في ثلاثة مواضع من الرد أو أربعة.
أولاً: قال: استشهادك بحديث: =يا بني عبدالمطلب لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت، وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار+ وأنه لا علاقة له بالموضوع.
ثانياً: قولي إنه لو ذهب السيل بهذا الحجر، فلم يعثر له على عين أو خبر فإنه لن يتغير بذلك شيء من مشروعية صلاة ركعتي الطواف؛ عملاً بقوله: [وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى] البقرة: 125.
وقال: إن هذا الكلام يعطي عدم الاحترام بالمقام.
والثالثة: الرمي قبل الزوال، وقال: إنما قال بجوازه أناس من العلماء لا يعتد بهم.
ثم قال: وأنا أنظر في الأمر، ولعلنا نأمرهم برمي جميع الجمار في وقت واحد.
فهذا حاصل ما دار الحديث فيه، وحينما أردت أن أتكلم بما يلزم قال لي: إنما قصدت بالبحث معك على سبيل النصيحة لا غير، ثم انقطع الكلام، وشكرت له حسن ملاحظته، وجميل ملاطفته.
يا محب لقد استأنست بهذه السفرة في مصيف الطائف، وأحسن
ما أدخل علي السرور فيها هو منادمة الأمير عبدالله بن عبدالرحمن آل فيصل_حفظه الله_فهو عندي زينة المصيف، وبهجته؛ من أجل حسن منادمته، وصريح محبته، جزاه الله عنا خيراً.(1/319)
أحوال البلاد هادئة، ولم يجر فيها شيء يجب ذكره، هذا ما لزم مع إبلاغ السلام فضيلة الابن والمحب عبدالعزيز بن ناصر، وكافة الإخوان، والمشايخ، والباري يحفظكم.
محبكم
رئيس المحاكم الشرعية
14_ وهذا كتاب من سماحة الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد إلى سماحة الشيخ عبدالعزيز_رحمهما الله_بشأن رجل يفتي بغير علم، ويأمل أن يتخذ سماحة الشيخ عبدالعزيز ما يراه مناسباً حيال ذلك الرجل، وهذا نص الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الرقم 648/م/ق
التاريخ 1/5/1397هـ
من عبدالله بن محمد بن حميد إلى الأخ المكرم سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن عبدالله بن باز، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد سلمه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
أرفق لسماحتكم صورة من الكتاب الذي وردني من الأخ.، والذي يفيد فيه أنه اتصل به جماعة من أهالي قريةوذكروا أنه أتاهم رجل يدعىيعمل مدرساً بووعظ فيهم يوم جمعة، وأفتاهم بأشياء مخالفة للسنة، ولما عليه عمل المسلمين، مثل قوله: بعدم وجوب القضاء والإطعام على المرضع والحامل إذا أفطرتا في شهر رمضان، ومنها سقوط صلاة الجمعة والظهر عمن شهد صلاة العيد يوم الجمعة إماماً كان أو مأموماً.
ومنها وجوب صلاة الجمعة على النساء حتى في بيوتهن.
ومنها وجوب صلاة الجمعة على البادية، وأنها تجب على الرجل وزوجته يعني أنه يقيم صلاة الجمعة هو وزوجته فقط.
وقد استنكر الأهالي، وطلبوا منا بيان الصحيح من ذلك.
لذا نأمل الاطلاع، واتخاذ ما ترونه نحو منع المذكور من الوعظ، والإرشاد والإفتاء، وبصفة عاجلة؛ نظراً لضعف معلوماته، وعدم أهليته للفتوى، ولئلا يشوش على العامة، ويفسد عليهم عباداتهم، وسوف نجيبهم بالصحيح_إن شاء الله_وفقكم الله، وسدد خطاكم، وبارك في جهودكم.
والسلام عليكم.
رئيس مجلس القضاء الأعلى
عبدالله بن محمد بن حميد(1/320)
15_ وهذا كتاب مشترك كتبه سماحة الشيخ عبدالله بن حميد، وسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، مضمونه فتوى بخصوص ما يرخصه الشرع للعاملين في معامل مركبات الحديد والصلب بالإفطار في رمضان، وهذا نص الفتوى التي صدرت في 11_7/1397هـ.
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالله بن محمد بن حميد، وعبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى معالي رئيس ديوان رئاسة مجلس الوزراء حفظه الله_تعالى_:آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
كتابكم رقم، 28523 وتاريخ 24/11/1396هـ وصل، وبرفقه توصيات الملتقى العاشر للفكر الإسلامي بالجزائر، وقد طلبتم منا النظر في الفتوى التي جاءت ضمن التوصيات بخصوص ما يرخصه الشرع للعاملين في معامل مركبات الحديد والصلب بالإفطار في رمضان.
ونفيدكم بأن الأصل وجوب صوم رمضان، وتبييت النية له من جميع المكلفين من المسلمين وأن يصبحوا صائمين إلا من رخَّص لهم الشارع بأن يصبحوا مفطرين، وهم المرضى، والمسافرون ومن في معناهم.
وأصحاب الأعمال الشاقة داخلون في عموم المكلفين، وليسوا في معنى المرضى والمسافرين؛ فيجب عليهم تبييت نية صوم رمضان، وأن يصبحوا صائمين.
ومن اضطر منهم للفطر أثناء النهار فيجوز له أن يفطر بما يدفع اضطراره، ثم يمسك بقية يومه، ويقضيه في الوقت المناسب.
ومن لم تحصل له ضرورة وجب عليه الاستمرار في الصيام.
هذا ما تقتضيه الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، وما دل عليه كلام المحققين من أهل العلم من جميع المذاهب.
وعلى ولاة أمور المسلمين الذين يوجد عندهم أصحاب أعمال شاقة كالمسألة المسؤول عنها أن ينظروا في أمرهم إذا جاء رمضان، فلا يكلفوهم من العمل_إن أمكن_ما يضطرهم إلى الفطر في نهار رمضان، بأن يجعل العمل ليلاً، أو توزع ساعات العمل في النهار بين العمال توزيعاً عادلاً، يتمكنون به من الجمع بين العمل والصيام.(1/321)
أما الفتوى المشار إليها فهي قضية فردية أفتوا فيها باجتهادهم مشكورين إلا أنهم فاتهم ذكر القيود التي ذكرنا، والتي قررها المحققون من أهل العلم في كل مذهب.
نسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه الخير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام رئيس مجلس القضاء الأعلى لإدارات البحوث العلمية والرئيس العام للإشراف الديني والإفتاء والدعوة والإرشاد على المسجد الحرام.
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
عبدالله بن محمد بن حميد
16_ وهذا كتاب من سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين إلى سماحة الشيخ عبدالعزيز_رحمهما الله_ويظهر أن هذا الكتاب مسألة علمية دار فيها النقاش بين الشيخين، فكلف سماحة الشيخ عبدالعزيز الشيخ محمداً بالرجوع إليها في كتب أهل العلم، وإليك نص الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عنيزة في 27/11/1398هـ
من الابن محمد الصالح العثيمين إلى شيخنا المكرم عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
فقد راجعت الفروع: مسألة قضاء دين الميت من الزكاة، فوجدت نصه كما يلي:
=ولا يُقضى منها دَيْنُ ميتٍ غَرَمَهُ لمصلحة نفسه أو غيره، حكاه أبو عبيد، وابن عبدالبر إجماعاً؛ لعدم أهليته لقبولها كما لو كفَّنه منها إجماعاً.
وحكى ابن المنذر عن أبي ثور يجوز، وعن مالك أو بعض أصحابه مثله، وأطلق صاحب التبيان الشافعي وجهين، واختاره شيخنا وذكره إحدى الروايتين عن أحمد؛ لأن الغارم لا يشترط تمليكه؛ لأن الله قال: [والغارمين]ولم يقل: وللغارمين+. أ_هـ من صفحتي 619/620ج2
ط آل ثاني
أما في المغني فذكر نص أحمد على أنه لا يقضى من الزكاة دين الميت؛ لأن الميت لا يكون غارماً، ولم يذكر خلافه.
وذكر القرطبي في تفسيره الاختلاف هل يقضى منها دين الميت ؟(1/322)
قال: =وقال علماؤنا وغيرهم يقضى منها دين الميت؛ لأنه من الغارمين، قال": =أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإليَّ وعليَّ+ أ_هـ.
وذكر في المجموع أن صاحب البيان حكى وجهين، وأنه لم يرجح واحداً منهما، وعلل الجواز بعموم الآية، وبصحة التبرع بقضاء دينه كالحي.
هذا ما تحصَّل لي في مراجعة الكتب المذكورة، ونسأل الله_تعالى_:أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
17_ وهذا كتاب من سماحة الشيخ عبدالعزيز×إلى صاحب السماحة الشيخ عبدالمحسن العباد_حفظه الله_يستشيره ويطلب إفادته بشأن الإذن بإقامة صلاة الجمعة في مسجد في المدينة، وهذا نص الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الرقم 2998/2
التاريخ: 10/10/1408هـ
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ عبدالمحسن بن حمد العباد سلمه الله.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
فأشفع لفضيلتكم نسخة من الرسالة المقدمة لنا من عبدالناصر ابن يوسف سعد نيابة عن سكان حي العنابية وتوابعها، بشأن إقامة صلاة الجمعة في مسجدهم في موسم الحج للأسباب التي أوضحوها في رسالتهم.
وحيث أفاد صاحب الرسالة أن صلاة الجمعة تقام في المسجد المذكور في موسم الحج منذ 15 عاماً، وأن إدارة الأوقاف اعترضت على إقامتها فيه هذا العام؛ لعدم صدور إذن منا.
وحيث ذُكر أنكم من جماعة المسجد المذكور سابقاً فإني أرجو من فضيلتكم الإفادة عما ترونه في الموضوع، وهل ما ذكروه من الحاجة إلى إقامة صلاة الجمعة فيه في موسم الحج صحيح.
وفق الله الجميع لما فيه رضاه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد(1/323)
18_ وهذا كتاب من الشيخ أحمد مختار بزرة من أهل دمشق بعثه إلى سماحة الشيخ في 7/6/1395هـ يبث فيه محبته، وأشواقه لسماحة الشيخ، ويعتذر عن تقصيره في حقه؛ حيث بدأ كتابه بمقدمة أدبية رائعة، ثم ختمه بقصيدة جميلة تعبر عن المعاني السابقة، وتذكر بعض فضائل سماحة الشيخ؛ فإليك نص ما جاء في ذلك الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم
دمشق في 7/6/1395هـ
15/6/1975م
فضيلة الشيخ الوالد عبدالعزيز بن باز رئيس الجامعة الإسلامية المكرم حفظه الله ورعاه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحمد إليك الله الذي جعل ما بين المؤمنين أُخوَّة، وحبَّب إليهم المواصلة والتغاضي عن تقصير المقصِّر منهم بحق إخوانه.
وإني معترف بتقصيري بحقك علي، حقِّ الوالد والأخ والشيخ المربي.
وإن أنسَ لا أنس أيامي عندكم، وما أفَدْتُه من شخصكم الكريم من علم ثرٍّ، وأدب جمٍّ، وخلق سمح.
وإن طمعي بتسامحكم يخفف من شعوري بالذنب، ولكنْ_يشهد الله_إن أبطأ القلم فما تباطأ القلب عنكم، وما شُغل:
والله ما طلعت شمس ولا غربت
من غير ذكر لكم جادت بإسعادي
ولاح طيفُكمُ نوراً وعافيةً
كما علا البدرُ للسارين والحادي
نظلُّ نعرف منكم بسمةً طُلُقاً
عنوان قلبٍ كثير البرِّ مُزدادِ
كم كان لي مورداً عذباً أُلِمَّ به
إذا ظمئت لعلم غير صُرَّادِ
الحبُّ والبرُّ والتقوى بطائِنُه
مخافة الله لم يُحْجَبْ لورَّادِ
يأوي إليه لفيف الناس ما سألوا
نبعٌ من العلم ثبت رأس أطوادِ
سمح السجية لم تَكْدُرْ نقائبُه
مُطهَّر الذيل عَفُّ الصدر والزادِ
يا نعمةَ الله دومي عنده أبداً
حتى يدوم لمرتادٍ وقُصَّادِ
بقية من رجال طاب منبتهم
أسلاف صدقٍ ليوثِ الدين ذُوَّادِ
لو كنتُ أَمْلِكُ من أمري مجاريه
حبست نفسي عليهم طوعَ منقادِ
إذنْ ظفرت بنُعمى لا نديد لها
حسبي النصيحة من أهل وأعضادي
لو كنت أعلم أن البعد يقطعني
قطعت بُعْدي باتهامٍ وإنجادِ
وجئت ربعَكمُ سعياً على قدمٍ
ولست آلو ولو أُجْهدْتُ إجهادي(1/324)
لكن قلبي على الأيام مشتعلٌ
لم ينس أنكم كالماء للصادي
قومي وأهلي وإخواني لهم مِقَتي
ويعلم الله مني السرَّ والبادي
لي في حماكم عهود لست أُخفِرها
ولا يُضيِّع صدقي ربي الهادي
ولا يفي السطر بما في الصدر، ومحبتكم يضيق عنها الشعر، ولكنه بعض ما أعان الله عليه في موقف الأُخوَّة، أدامكم الله لنا ذخراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ولدكم
أحمد مختار بزرة
19_ وبعد أن وصل ذلك الكتاب إلى سماحة الشيخ. رد عليه بالكتاب التالي في 19/8/1395هـ، وإليك نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم الشيخ أحمد مختار بزره وفقه الله لكل خير آمين
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعده يا محبُّ وصل إليَّ كتابُكم الكريم المؤرخ في 7/6/1395هـ وصلكم الله بهداه، وأشكركم على ما تضمنه من المشاعر الكريمة، والعواطف النبيلة، وما عبر عنه من المحبة الصادقة، جزاكم الله عن ذلك خيراً، وجعلنا وإياكم من المتحابين في جلاله، وثبتنا جميعاً على دينه؛ إنه خير مسئول.
وعذركم عن انقطاع المراسلة مقبول، والشك زائل، بارك الله فيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سماحة الشيخ لين العريكة، سمح النفس، لا يكاد يرد طلباً لأحد، ومن مظاهر ذلك أنه يجيب الدعوات الموجهة إليه سواء كانت ولائم زواج، أو كانت دعوة لإلقاء محاضرة أو تعليق على ندوة، أو كانت كلمة أو محاضرة تلقى عبر الهاتف، أو كانت دعوة خاصة من أي أحد من الناس.
وكان×يرى وجوب إجابة دعوة الوليمة، وإذا دعي إلى مناسبة كان من أول الحاضرين، وإذا دخل مجلساً رفع من مستوى ذلك المجلس، وملأه علماً، وتذكيراً، وإجابة على ما يرد من الأسئلة.
وكان من عادته إذا كان في مجلس ما_أن يطلب من أحد الحاضرين تلاوة آيات من الذكر الحكيم؛ ثم يقوم سماحته بتفسيرها، ويجيب بعد ذلك على الأسئلة.(1/325)
ومن أهداف إجابته للدعوة_زيادة على ما مضى_أنه يوجه كلمة يحث فيها الحاضرين على المحافظة على شعائر الدين كالمحافظة على الصلاة جماعة، والتمسك بالكتاب والسنة، وتيسير تكاليف الزواج، والحث على المبادرة إلى الزواج من قِبَل الذكور والإناث، وعلى إعطاء الكفء إذا تقدم لخطبة البنت، ويوصي الحاضرين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وبعد ذلك توجه إليه عشرات الأسئلة من الرجال والنساء، ويجيب عليها بكل وضوح، وارتياح.
ومن حين يدخل إلى أن يركب سيارته راجعاً والكلام متصل والأسئلة تتوالى.
وكذا الكريم إذا أقام ببلدة
سال النضار(24) بها وقام الماء
ولكلِّ عينٍ قُرَّةٌ في قُرْبهِ
حتى كأن مغيبه الأقذاء
والدعوات التي يجيب أصحابها طيلة العام لا تكاد تحصى كثرة.
وإليك هذا المثال الذي يوضح مدى إجابته للدعوات، وحرصه على نشر الفائدة، وتطييب نفوس الداعين.
وهذا المثال عبارة عن رصد للمناسبات التي حضرها، وأجاب دعوة أصحابها، وذلك في آخر عام عاشه وهو عام 1419هـ، مع ملاحظة أنه إن لم يكن لديه موعد خارج منزله فإن مواعيده وارتباطاته داخل المنزل لا تتوقف أبداً، وأن هذا البيان_رصدٌ لما تم تسجيله في سجل المواعيد، وإلا فهي أكثر من ذلك؛ فإليك هذا البيان؛ لتقف على شيء من سيرته في هذا الباب:
1_ مساء المحرم 22/1419هـ محاضرة بواسطة الهاتف لأهالي جبة في منطقة حائل.
2_ مساء السادس من صفر 1419هـ محاضرة لسماحته لبعض المراكز في بريطانيا عبر الهاتف.
3_ مساء العاشر من صفر 1419هـ محاضرة لسماحته في قرية الحفائر في الطائف.
4_ مساء الحادي عشر من صفر 1419هـ محاضرة لسماحته لبعض المراكز في بريطانيا عبر الهاتف.
5_ مساء الثامن من ربيع الأول 1419هـ عشاء عند الشريف صالح ابن ناصر الهبيلي في الطائف.
6_ مساء الثالث عشر من ربيع الأول 1419هـ في المجلس الأعلى لدار الحديث الخيرية في مكة المكرمة.(1/326)
7_ مساء التاسع عشر من ربيع الأول 1419هـ في المجلس الاستشاري.
8_ مساء العشرين من ربيع الأول 1419هـ محاضرة لسماحته في جميعة فتاة ثقيف الخيرية بالطائف.
9_ مساء الثاني من ربيع الآخر 1419هـ اجتماع سماحته بالمكتب التعاوني للدعوة والإرشاد في الطائف.
10_ مساء العاشر من ربيع الثاني 1419هـ محاضرة لسماحته في الطائف عبر الهاتف لبعض المراكز في بريطانيا.
11_ مساء الثاني عشر من ربيع الآخر 1419هـ عند عبدالله بن عبدالرحمن ابن باز.
12_ مساء الثالث عشر من ربيع الآخر 1419هـ حضور زواج كريمة الدكتور محمد بن سعد الشويعر.
13_ مساء الرابع عشر من ربيع الآخر 1419هـ دعوة عشاء عند الشيخ صالح الزير.
14_ مساء السادس عشر من ربيع الآخر 1419هـ زواج كريمة الشيخ عابد الأزوري.
15_ مساء الثامن عشر من ربيع الآخر 1419هـ عند الشيخ ناصر أبو فارع.
16_ مساء التاسع عشر من ربيع الآخر 1419هـ محاضرة لسماحته في القاعدة الجوية في الطائف.
17_ مساء الحادي والعشرين من ربيع الآخر 1419هـ عشاء عند الشيخ سعد بن رويشد.
18_ مساء الثاني والعشرين من ربيع الآخر 1419هـ حضور زواج كريمة الدكتور محمد لقمان.
19_ مساء الثالث والعشرين من ربيع الآخر 1419هـ محاضرة في مسجد والدة ولي العهد بعد المغرب.
20_ مساء الثالث والعشرين من ربيع الآخر 1419هـ عشاء عند الشيخ علي بن مديِّش.
21_ مساء السادس والعشرين من ربيع الآخر 1419هـ اجتماع المجلس الأعلى لدار الحديث الخيرية.
22_ مساء الثاني من جمادى الأولى 1419هـ حضور زواج كريمة محمد بن عثمان الباز.
23_ مساء الخامس من جمادى الأولى 1419هـ عشاء عند الشيخ أحمد العرفج.
24_ مساء العاشر من جمادى الأولى 1419هـ عشاء عند عبدالله بن إبراهيم بن عتيق.
25_ مساء الثاني عشر من جمادى الأولى 1419هـ عشاء عند محمد ابن إبراهيم بن باز.(1/327)
26_ مساء الرابع عشر من جمادى الأولى 1419هـ محاضرة في جامع العز بن عبدالسلام في الرياض بعد المغرب.
27_ مساء السابع عشر من جمادى الأولى 1419هـ محاضرة في جامع الأمير خالد بن سعود في الرياض بعد المغرب.
28_ مساء السابع عشر من جمادى الأولى 1419هـ عشاء عند الشيخ سعد البريك.
29_ مساء الثامن عشر من جمادى الأولى 1419هـ عشاء عند الدكتور عبدالله البشر.
30_ مساء الخامس والعشرين من جمادى الأولى 1419هـ عشاء عند الدكتور محمد بن أحمد الصالح.
31_ مساء الثامن والعشرين من جمادى الأولى 1419هـ محاضرة في جامع الأمير عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن بعد المغرب.
32_ مساء الثامن والعشرين من جمادى الأولى 1419هـ عشاء بعد العشاء عند خالد بن علي الرزوق.
33_ مساء الثاني من جمادي الآخرة 1419هـ عند الشيخ محمد بن الأمير.
34_ مساء الثالث من جمادي الآخرة 1419هـ عند عبدالعزيز بن عياف بعد العشاء.
35_ مساء الخامس من جمادي الآخرة 1419هـ لقاء مفتوح مع سماحته بجامع ابن القيم بحي المنار في الرياض.
36_ مساء السادس من جمادي الآخرة 1419هـ محاضرة لسماحته في جامع الحديثي بعد المغرب، وبعد العشاء عند جماعة المسجد.
37_ مساء التاسع من جمادي الآخرة 1419هـ محاضرة لسماحته في جامع الأمير عبدالله بن سعود في السويدي بعد المغرب.
38_ مساء العاشر من جمادي الآخرة 1419هـ عشاء عند الدكتور الشيخ صالح السدلان.
39_ مساء الثالث عشر من جمادي الآخرة 1419هـ محاضرة لسماحته في جامع الراجحي في حي شبرا في الرياض، وبعد العشاء عند سليمان اليحيى.
40_ مساء الخامس عشر من جمادي الآخرة 1419هـ حضور اجتماع لأعضاء مشروع إسكان الأمير سلمان.
41_ مساء السادس عشر من جمادي الآخرة 1419هـ محاضرة في مسجد علي بن المديني بعد المغرب.
42_ مساء السابع عشر من جمادي الآخرة 1419هـ عشاء عند الشيخ محمد بن ردن.(1/328)
43_ مساء العشرين من جمادي الآخرة 1419هـ محاضرة في مسجد الحكير بعد المغرب، وبعد العشاء عند عبدالعزيز بن صالح بن سحمان.
44_ مساء الثاني والعشرين من جمادي الآخرة 1419هـ اجتماع لتنظيم المحاضرات في الجامع الكبير.
45_ مساء الثالث والعشرين من جمادي الآخرة 1419هـ محاضرة في جامع ابن جبرين بحي النزهة.
46_ مساء الرابع والعشرين من جمادي الآخرة 1419هـ عشاء عند سلمان بن عبدالله الباز.
47_ مساء السابع والعشرين من جمادي الآخرة 1419هـ محاضرة لسماحته في جامع الشيخ عبدالله الجار الله في ضاحية العريجاء.
48_ مساء الثلاثين من جمادي الآخرة 1419هـ عشاء عند مشاري بن الشيخ محمد بن عياف.
49_ مساء الأول من رجب 1419هـ عند سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن عبدالله آل الشيخ.
50_ مساء الثامن عشر من رجب 1419هـ حضور حفل افتتاح أعمال الدورة الثامنة للجنة التقويم الهجري بدعوة من معالي وزير العدل.
51_ مساء الخامس والعشرين من رجب 1419هـ محاضرة في جامع سعيد بن زيد، وبعد العشاء عند الشيخ عبدالمحسن البقماء.
52_ مساء التاسع والعشرين من رجب 1419هـ عشاء عند الجميح.
53_ مساء الثلاثين من رجب 1419هـ عشاء عند معالي الشيخ راشد بن خنين.
54_ مساء الثاني من شعبان 1419هـ محاضرة في جامع الأمير عبدالله بن سعود، وبعد العشاء عند الشيخ عبدالله بن سليمان المهنا.
55_ مساء الخامس من شعبان من شعبان 1419هـ لقاء مفتوح مع سماحته في جامع الأميرة موضي بنت أحمد السديري بعد المغرب.
56_ مساء السادس من شعبان 1419هـ عشاء عند الشيخ ناصر بن عبدالعزيز الشثري.
57_ مساء التاسع من شعبان 1419هـ لقاء مفتوح في جامع آل سويلم في العليا.
58_ مساء العاشر من شعبان 1419هـ عشاء عندالأستاذ صالح العريض.
59_ مساء الحادي عشر من شعبان 1419هـ محاضرة في الحائر جنوب الرياض.
60_ مساء الثاني عشر من شعبان 1419هـ حضور المجلس الاستشاري.(1/329)
61_ مساء الثالث عشر من شعبان 1419هـ عند محمد بن عبدالرحمن الناصر في الدرعية.
62_ مساء الرابع عشر من شعبان 1419هـ عند الشيخ الدكتور فالح بن محمد الصغير.
63_ مساء السادس عشر من شعبان 1419هـ محاضرة في جامع الإيمان شرق النسيم بعد المغرب.
64_ مساء التاسع عشر من شعبان 1419هـ محاضرة في جامع اليرموك بإسكان الحرس الوطني بعد المغرب لقاء مفتوح.
65_ مساء العشرين من شعبان 1419هـ عشاء عند عبدالعزيز الصرامي.
66_ مساء الثاني والعشرين من شعبان 1419هـ عند الشيخ عبدالرحمن ابن فريان.
67_ مساء الثالث والعشرين من شعبان 1419هـ محاضرة بجامع حي الملك فهد بعد المغرب.
68_ مساء العاشر من شوال 1419هـ حضور زواج كريمة عبدالمحسن بن إبراهيم آل باز.
69_ مساء الحادي عشر من شوال 1419هـ حضور زواج ابن الشيخ عبدالله بن ردن.
70_ مساء التاسع والعشرين من شوال 1419هـ حضور زواج محمد ابن عبدالعزيز بن حسين.
71_ مساء الحادي عشر من ذي القعدة 1419هـ محاضرة في جامع الأمير محمد بن عبدالله بن جلوي بعد المغرب.
72_ مساء الثالث عشر من ذي القعدة 1419هـ اجتماع المشتركين في ندوة الجامع.
73_ مساء الرابع عشر من ذي القعدة 1419هـ محاضرة في نادي النصر بعد المغرب.
74_ مساء الثامن عشر من ذي القعدة 1419هـ محاضرة عبر الهاتف لجميعة إحياء التراث في الكويت.
75_ مساء الحادي والعشرين من ذي القعدة 1419هـ محاضرة في طريق خريص بعد العشاء.
76_ مساء الثاني والعشرين من ذي القعدة 1419هـ زواج عبدالإله ابن محمد بن عبدالمحسن الباز.
77_ مساء ا لخامس والعشرين من ذي القعدة 1419هـ موعد انعقاد جائزة الأمير سلمان بن عبدالعزيز =لحفظ القرآن الكريم+ للبنين والبنات.(1/330)
هذه نبذة عن بعض مواعيده، وارتباطاته، وإجاباته للدعوات المختلفة في آخر سنة من عمره مع ملاحظة أن مرضه الأخير قد بدأ به في شهر شعبان من عام 1419هـ، ومع ملاحظة أنه كل مساء خميس يعلق على ندوة الجامع الكبير إذا كان في الرياض حيث يذهب إلى الجامع قبل المغرب، وبين العشائين يستمع للمحاضرة أو الندوة، وبعد صلاة العشاء يعلق على الندوة، أو المحاضرة، وبعد ذلك يأتي إلى منزله ويجلس لبعض الأعمال، أو بعض الاجتماعات، ومع ملاحظة أن أعماله في شهر رمضان لم تذكر في هذا البيان، ومع أنه قد قارب التسعين من عمره، زد عليه ارتباطه بمواعيد المراجعة للمستشفى إبان مرضه، مضافاً إلى ذلك كله أعماله اليومية، ودوامه، ودروسه الصباحية مدة أربعة أيام من كل أسبوع، ودروسه المسائية مساء الأحد بعد المغرب، ومساء الأربعاء بعد المغرب، ونحو ذلك.
لسماحة الشيخ×مكانة عظمى، ومنزلة سامية لا يكاد يشاركه فيها أحد من أهل عصره، فله مكانة عند القاصي، والداني، والبعيد والقريب، والرئيس والمرؤوس، والرجال والنساء، والكبار والصغار.
وهذا أمر لا يُمارى فيه، ولا يحتاج إلى إيراد شاهد عليه.
وكل امرئ يولي الجميل محببٌ
وكل مكان ينبت العزَّ طيبُ (25)
ومما يذكر في هذا الصدد من المواقف التي تدل على مكانته ما يلي:
1_ لا أحصى من يأتون إلى سماحة الشيخ، ويقسمون بالله العظيم أن لو كانت الأعمار تهدى، وتوهب لوهبنا الشيخ من أعمارنا.
ولا أحصى من يقسم بالله العظيم أن حياة سماحة الشيخ أغلى من أنفسنا.
ولا أحصى من يأتي إلينا باكياً إبان مرض سماحة الشيخ.
2_ قصة البلجيكي الذي قدم لإهداء إحدى عينيه لسماحة الشيخ؛ ففي عام 1410هـ قدم على سماحة الشيخ وهو في الطائف رجل مسلم من بلجيكا وهو مغربي الأصل، فلما مَثُل أمام سماحته قال:(1/331)
يا سماحة الشيخ أنا فلان، من محبيك، وقد جئتك مهدياً لك إحدى عيني، ولقد سألت طبيباً مختصاً فقال لي: لا مانع، وسوف أذهب إلى المستشفى وإلى الطبيب المختص لنزعها وإهدائها لك.
فقال له سماحة الشيخ: يا أخي بارك الله لك في عينيك، ونفعك بهما، نحن راضون بما كتب الله لنا.
3_ قصة السوداني الذي قدم لإهداء إحدى عينيه لسماحة الشيخ: ففي عام 1418هـ رأيت رجلاً من السودان يتجول بين المكاتب في دار الإفتاء في الرياض، وهو يقول: لم أجد من يتجاوب معي، ولا من يدخلني على سماحة الشيخ، فقلت له: وماذا تريد من سماحته ؟
فقال: أنا أتيت إلى سماحته مهدياً إليه إحدى عيني، أدخلوني على سماحته؛ فأخذت بيده، وأدخلته عليه، فلما رآه وسلم عليه قال: يا سماحة الشيخ ! أنا من بلاد السودان، جئت إليك مهدياً إحدى عيني، فتفضل بقبولها، وخذ إحداهما.
فشكر له سماحة الشيخ صنيعه، ومحبته، وقال: بارك الله لك في عينيك، نحن راضون بما كتبه الله لنا.
4_ قصة السوداني الذي عرف الحق عن طريق برنامج نور على الدرب: حيث كتب إلى سماحة الشيخ رجل من السودان رسالة يقول فيها: أنا أبلغ من العمر سبعاً وعشرين سنة، ولم تطأ قدماي أرض المملكة، وكنت لا أعرف المنهج الصحيح، وكنت مع أهل الطرق الصوفية؛ لأنني لم أعرف منهج السلف من قبل، وكنت أسمع أن ابن تيمية×شيخ الإسلام في القرن السابع وأقول في نفسي: مَنْ شيخ الإسلام في عصرنا الحاضر ؟
ومن حسن حظي أنني فتحت المذياع في يوم ما وإذا بسماحة الشيخ ابن باز يجيب على أسئلة المستمعين عبر برنامج =نور على الدرب+ فلما سمعت كلامه دخل قلبي، وارتحت له كثيراً، وقلت في نفسي: هذا هو شيخ الإسلام في هذا العصر، وأصبحت أتابع ذلك البرنامج، ومن خلاله عرفت المنهج الصحيح.
وأنا أتمنى رؤية سماحة الشيخ، وأغبط من يقدم هذا البرنامج، وأغبط من يحظى برؤية سماحته ومن يجالسه من موظفين وغيرهم.(1/332)
5_ قصة المصري الذي كان يدنو من سماحة الشيخ: ففي يوم من الأيام كان سماحة الشيخ جالساً يتحدث إلى الناس وإذا برجل مصري يقترب كثيراً من الشيخ، فكلما قلنا له ابتعد قليلاً اقترب، وحصل ذلك مراراً، فلما ألححنا عليه دمعت عيناه، وقال: لن أبتعد عن سماحة الشيخ، لن أفارقه، لا تلوموني، هذه فرصتي، أنتم ترونه دائماً، أما أنا فلم أره قبل ذلك؛ دعوني أملأ ناظري من سماحته؛ فأشفقنا عليه وتركناه وحاله.
6_ فرحة مسلمي الاتحاد السوفيتي برؤية سماحة الشيخ: ففي العام الذي تفكك فيه الاتحاد السوفيتي حصل الانفراج للمسلمين هناك، وأتى كثير منهم لأداء الحج، أو العمرة، وفي ذلك العام قدم كثير منهم للسلام على سماحة الشيخ، ويقولون: كم كنا نتمنى رؤية الشيخ قبل أن نموت، ولقد رأيتهم أكثر من مرة وعيونهم تفيض من الدمع فرحاً برؤياه×.
يجدون رؤياك التي فازوا بها
من أنعم الله التي لا تكفر (26)
7_ ارتياح المرضى لزيارتهم لسماحة الشيخ: فكثير من المرضى وخصوصاً المصابين بالأمراض النفسية يكثرون زيارة الشيخ، ويقولون: إنهم يشعرون بالراحة والأنس والسعادة والطمأنينة إذا رأوا سكينة سماحته، وحسن أدبه، وتعامله مع الناس.
وبالجملة فقصص محبته لاتكاد تحصى كثرة، ومظاهرها الصادقة تبدو على جل من رأى سماحة الشيخ، أو عرفه، أو خالطه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
الله أعطاك المحبة في الورى
وحباك بالفضل الذي لا ينكر
ولأنت أملأ للعيون لديهم
وأجل قدرا في الصدور وأكبر (27)
8_ تزاحم الناس لرؤيته والسلام عليه: فإذا كان في مكان ما؛ سواء في الحرم، أو في المسجد، أو في محاضرة، أو أي مناسبة ما_رأيت الناس يتقاطرون عليه، ويتزاحمون للسلام عليه.(1/333)
وأذكر أنه ألقى محاضرة في جامع الراجحي بحي الربوة في الرياض، وكان الحضور يقدرون بثلاثة آلاف شخص من الرجال والنساء، وبعد إلقاء المحاضرة ألقيت عليه أسئلة كثيرة جداً، فأجاب على ما تيسر منها حسب ما سمح به وقته، وقد جَمَعْتُ الأسئلة التي قدمت إليه في تلك المحاضرة فألفيتها 1850 سؤالاً، وكثير من هذه الأسئلة يشهد أصحابها الله على محبة سماحة الشيخ.
وبعد نهاية المحاضرة كاد الناس يحطم بعضهم بعضاً؛ من أجل السلام على سماحته وسؤاله. وهذا مما يدل على ثقة الناس به، ومحبتهم له.
وهذا المشهد يتكرر في جميع محاضراته ودروسه.
9_ ومما يحسن التنبيه عليه أن مكانة سماحة الشيخ عند الناس ومحبتهم لم تكن وليدة اليوم، ولم تكن في آخر عمره فحسب، بل كان له مكانة ومحبة منذ أيام شبابه، وفي مختلف أطوار عمره؛ ولهذا كثيراً ما نجد في طي أوراقه القديمة والحديثة كلمات بُعث بها إليه، تحمل معاني الود، والتقدير من أناس كثيرين، وربما كانوا من مشارب مختلفة؛ وقد مضى شيء من ذلك.
وإليك_أيضاً_هذه الشواهد:
أ_ هذه قصيدة تحمل العنوان التالي:
الشعر الممتاز في مديح الشيخ عبدالعزيز بن باز حفظه الله ذخراً للعرب والمسلمين.
وقد كتبها شاعر ذكر في آخرها اسمه، ولقبه، وتاريخ القصيدة.
أما اسمه ولقبه فهو الحاج فرحان سلام شاعر الثورات الفلسطينية، حامل أوسمة الحكومات العربية، وأما تاريخها فكان في 30/12/1389هـ وإليك نص القصيدة:
عبدالعزيز حباك الله منزلة
سموت فيها بإذن الواحد الأحد
حِلمٌ وعلمٌ وأخلاق مكرمة
خلَّدت ذكرك بين الخلق للأبد
علامة العصر في قول وفي عمل
نادوك أهل النهى ياخير مجتهد
عبدالعزيز بن باز في بلاغته
قد صار كالشمس لا يخفى على أحد
والوعظ بالصدق والإخلاص ديدنه
بين البرية لا يخشى من الحسد
يكفيه بين البرايا حسن سيرته
كالمسك فواحة تشفي من النكد
فرحان يفرح في لقيا سماحة
يهدي المديح كمثل الدر من كبد
أدامه الله للخيرات فارسها(1/334)
وللفضائل والإرشاد والرشد
ب_وهذه قصيدة أخرى من الشاعر المذكور فرحان سلام، صدَّرها بقوله:
=تحية الوفاء+
مهداة مع التقدير إلى فضيلة العلامة الجليل الشيخ عبدالعزيز بن باز =تقديراً، واحتراماً، ووفاءً+
اصدح بشعرك في أجَلِّ بيانِ
واْهديه (28) للعلماء والإخوان
هذا هو الشيخ العزيز بعلمه
عبدالعزيز الصادق الإيمان
حرُّ الضمير فلا يميل لغاية
شرِّيرة من إمرة الشيطان
بالعلم والإرشاد عزَّ مثيله
بمناقب جلت عن التبيان
والله أعطاه مقاماً سامياً
رغم الحسود ورعم كل جبان
للصلح والإصلاح عاش مجنداً
ومناظلا بالسر والإعلان
حتى يكون الله عنه راضياً
مسعاه دوما في رضا الرحمن
سبحان من أعطاه خُلْقاً سامياً
رمز الندى والحلم والإحسان
يسعى إلى خير العباد مجاهداً
فهو ابن باز يستحق تهان (29)
فالله يحفظه بخير دائم
في علمه يسمو على الأقران
جـ _ وهذه قصيدة نظمها صاحب الفضيلة الشيخ الأديب الأستاذ محمد المجذوب×بتاريخ 22/5/1389هـ، وقد صدَّرها بقوله:
تهنئة مرفوعة إلى شيخنا الجليل الأستاذ عبدالعزيز بن باز بمناسبة الانتقال إلى المقر الجديد في الجامعة.
قُلْ لبازٍ يصيد لا سَبُعَ الطَّيـ
ـر ولكن قلوبَ أهل الكرامهْ
طاب دهر أنت المُقَدَّمُ فيه
وأطابت فتوحُه أيامَه
آية الفن ذا المقرُّ ولا غر
وَففي مَبْسم العلي أنت شامَهْ
إنه بهجةُ العيونِ وأرجو
لك خيراً منه بدار المُقامَهْ
فهنيئاً بسيِّد الصرح للصر
حِ وللحاذق الذي أقامهْ
ولْيَصُنْك الذي براك لصرح الدِّ
ين والخُلْق والبيان دِعامَهْ
أولست الذي إذا الحق نادى
جنده كنت دِرْعَه وحسامَهْ
وإذا المجد راح يفخر يوماً
ببنيه كانت إليك الإمامَهْ
فَليَدُم عهدُك السعيدُ فكلٌّ
يسأل الله شدَّه ودوامَهْ
ولْتعِش كوكباً يضيءُ فيهدي
ويُجَلِّي عن الوجوه ظلامهْ
المدينة المنورة 22/5/1389هـ
د_وهذه قصيدة الأستاذ عبدالله حمزة غوث بعنوان: تحية الجامعة الإسلامية، بالمدينة المنورة، قال فيها:(1/335)
قم حيّ (جامعة) أخا العرفان
وُلدت (بطيبة) مَأْرِز الإيمان
دار بها أسمى العلوم مقرر
وأجل علم ماحوى الوَحيان
لغةٌ وآدابٌ وسيرةُ أحمدٍ
وإجادةٌ لتلاوة القرآن
ومحاضراتٌ في شؤون جَمَّةٍ
تَهَب الشبابَ إنارةَ الأذهان
أنصت إلى الشيخ الجليل محاضراً
يدعو الملا لعبادة الرحمن
ويحثهم للمكرمات وللعلا
يرجو الإله هدايةَ الإنسان
ويهز أوتار القلوب بوعظه
يزن الكلام بقوة البرهان
الله أكبرُ لا تَسل عن فضله
خُلُقٌ كريم منبت الإحسان
هذا عميد العلم بل نبراسه
عمَّ الأقاصي ذِكْرُه والداني
(عبدالعزيز الباز) قائدُ نهضةٍ
للدين في حضر وفي بدوان
ناديه آدابٌ وعلمٌ نافع
جلساؤه من خيرة الإخوان
وإذا أتيتَ مَحلَّه لزيارةٍ
تجد الجلالَ و رهبةَ الإيوان
لكن إذا حَيَّيْتَه بتحية
يلقاك في بشر وحسن بيان
(كتّابه) أصحاب ظرف فائق
كلا ولا مثل (الحصيِّن) ثان
عرّج على (الرؤساء) وسط مكاتب
تَجدِ النظام بغاية الإتقان
أما (الأساتذة) الكرام فإنهم
أعلام علم مُرشدو الحيران
متكاتفون على الصلاح وهمهم
تبيين أصل الدين والإيمان
ويزينهم حلْمٌ وهديٌ صالح
وأداء واجبهم بدون توان
(طلابها) من كل قطر مسلم
نُخَبٌ تَُُمَثِّل معظم البلدان
كلٌّ له أمل يجدُّ لنيله
والوجهة الكبرى رضا المنان
هذا (سعودي) وذا من (تركيا)
والثالث المعروف (باليوناني)
(واليافعيْ) ورفيقه من (كوريا)
يتذاكران مع الأخ (السوداني)
(فالأردنيُّ) وثلة من (سوريا)
وافاهم (الهندي) و (الإيراني)
ويليهم (الماليْ) وركب (مليسيا)
قوم أحبو صحبة (البيحاني)
(فالزنجباريُّ) ومن (أثيوبيا)
(فالنيجريُّ) يحدِّث (اللبناني)
سبع وزد خمسين جنسياتهم
كُفِلو بجامعة بلا تمنان
فمنازلٌ صحِّيَّةٌ ومضاءة
بالكهرباء كلؤلؤ فتان
ومراقد تعلو الأسرة بهجة
وعباقر يبسطن في الأركان
وقِمَطْرُ كُتْبٍ بل وكُتْبُ فنونها
تعطي بلا عوض ولا أثمان
والماء من وادي العقيق تَزُجُّه
لمنازل الطلاب رافعتان
ولكل شخص كل شهر راتب(1/336)
يربو على المائتين بالحسبان
ليوفر المأوى ووقت دروسه
وغِذا العقول كذا غِذا الأبدان
ومرافق أخرى تعد لِمَرْكَبٍ
ولرحلة في ذا وللأوطان
ذا بعض ما بذلت حكومة شعبنا
للمسلمين وصالح الإنسان
خِصِّيصة ما ضارعتها دولة
في عصرنا أو سالف الأزمان
ولها مآثر في الحياة جليلة
شهدت بها الآفاق و الحرمان
الله يرفع قدرها ويحوطها
بعناية وسعادة وأمان
ويوفق (الملك الكريم) إلى الهدى
ما عاش متبعاً هدى الفرقان
تم القريض وبعضه في خاطري
مازلت أذكر صاحب الإحسان
وكأنما شيخي يحدث قائلاً
غفرانك اللهم قد أطراني
ثم الصلاة على النبي محمد
خير الأنام وسيد الأكوان
هذا وقد نشرت هذه القصيدة في جريدة الجزيرة، العدد رقم، 3564 والتاريخ 15/8/1402هـ.
وقد علق عليها الشيخ عثمان الصالح بقوله: =لم تجتمع المواهب العلمية والخلقية والكرم، كما اجتمعت في شخص سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن عبدالله بن باز الذي لا تقابله في مجلسه إلا وترى السماحة والبشاشة في وجهه، ولا تحظى به مُحدِّثاً أو محاضراً إلا وترى العلم يتفجّر من خلال فقهه ووعيه، ولا تسأله سؤالاً إلا ويجيبك والدليل والشاهد من كتاب الله أو سنة رسوله على لسانه.
يلبي الداعي، لا يتأبى ولا يمانع؛ لأن الكتاب والقارىء هما معه في النادي وبمجلس الداعي.
ولكنه_والكرم طبيعته، والمروءة ديدنه_لا يزال بيته مأوى للضيف من كل حدب وصوب.
وما رأيت شاعراً مدحه، ووصف مآثره كمثل شاعر مواطن هو الأستاذ عبدالله حمزة غوث.
وإذا كنا نعرف أباه كأحد العاملين مع الملك عبدالعزيز×فإن هذا الرجل الفاضل هو الذي جادت قريحته بهذه القصيدة الرقيقة، والتي لم نجد فيها مَلقاً، ولا إطراءاً، وإنما هو وَصفَ واقعاً، وذكر شيئاً لم يوفق إلى حصره سواه في هذه القصيدة المسبوكة التي ما للملق مجال فيها، وإنما الحب لله، ولرسوله أملياها على شاعرنا، وإليك القصيدة+.(1/337)
وبعد أن ساق الشيخ عثمان القصيدة ختم تعليقه بقوله: =إن عثوري على هذه القصيدة هو عثور على شاعر منزوٍ، وأديب مُنْطوٍ، لو طرق أبواب الأدب، وزاول الخوض في بحاره لأجاد السباحةَ فيه، والعومَ في تلاطم أمواجه.
وإن اتجاهه إلى المدح والثناء على هذا العالم الجليل لدليل محبته للعلم، وأنه لا يريد إلا ثواب الله ورجاء ما عنده، لا يريد مالاً ولا جاهاً+ أ_هـ.
هذا وقد مضى شيء من هذا القبيل من القصائد في مدح سماحة الشيخ، وسيأتي ذكر لبعض ذلك.
وبالجملة فإن الشعر الذي قيل في مدح سماحته، وذكر مآثره لا يكاد يحصى، سواء في حياته، أو بعد وفاته.
10_ ومما يحسن التنبيه عليه_أيضاً_أن مكانة سماحة الشيخ لم تكن داخل المملكة فحسب، ولا داخل البلاد العربية، بل إن مكانته وشهرته تعدت ذلك إلى شتى بقاع العالم.
وليس ذلك في آخر حياته فحسب، وإنما كان ذلك قبل وفاته بزمن بعيد.
وإليك هذه الترجمة والتلخيص لحديث عن سماحته نشرته جريدة =وفاق+ الباكستانية باللغة الأوردية؛ فإلى تلك الترجمة والتلخيص الذي ترجمه ولخصه الشيخ الدكتور محمد لقمان السلفي_حفظه الله_من الجريدة المذكورة، وهذا نصه:
ترجمة وتلخيص
مقابلة صحفية مع سماحة الرئيس العام
جريدة =وفاق+ الباكستانية باللغة الأوردية.
تصدر من أربع مدن في وقت واحد =لاهور، روى البندي، سرجودها، ورحيم يارخان+
مدير تحريرها: مصطفى صادق
العدد المرفق صادر في يوم الثلاثاء الموافق 9 رجب 1399هـ.
وهو يتضمن مقابلة شخصية مع سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز في السادس من شهر جمادى الأولى 1399هـ، في مقر التوعية الإسلامية، والذي أجرى المقابلة هو مدير تحرير الجريدة.(1/338)
يقول في مقدمة حديثه: =إنه زار سماحته قبل هذه المرة عدة مرات في الجامعة الإسلامية، المرة الأولى في عام 1966م، والمرة الثانية في عام 1972م عندما سَجَّل لسماحته رسالة موجهة إلى الشعب المسلم الباكستاني أن يستعد لمحاربة الاشتراكية، والقاديانية، والعلمانية في باكستان.
والمرة الثالثة في عام 1975م مع مولانا المفتي محمد شفيع المتوفي في مكة المكرمة+.
وقد تركت هذه اللقاءات الخاطفة القصيرة آثاراً عجيبة في قلبه، وأوجدت عنده فكرة إجراء مقابلة صحفية مفصَّلة، فجاءت هذه المقابلة التي يعتبرها المذكور مفخرة لنفسه، وارتفاعاً لمعنويته؛ إذ كان ضيفاً لإنسان عظيم في هذا العصر.
ثم يلتفت قلمه إلى ما يجري عادة في مجلس سماحته من كثرة المراجعين، والاستماع لكل واحد بكل عناية، وتأدية أغراضهم.
وكان اللقاء بعد صلاة الظهر، فيقول: =إن سماحته لم يدع أحداً منهم يخرج قبل أن يتغدى عنده+.
ثم يستطرد، ويقول: =إن سماحته دعا ضيفه باسمه للغداء، وأجلسه عن يمينه، وهكذا يشرح تفاصيل مجلس سماحته المعتاد+.
ثم يستمر الكاتب في بيان ما دار في المجلس من الحديث الطويل المفيد، المثمر حول الدعوة الإسلامية، واتحاد العالم الإسلامي، وجهود الملك المرحوم الملك فيصل بن عبدالعزيز، وتجواله في بلدان آسيا، وأفريقيا، وأمريكا، وأوربا للدعوة إلى الإسلام، وتوحيد العالم الإسلامي.
ثم يشير إلى الدوائر التي تُشرف على شؤون الدعوة الإسلامية الموجودة في المملكة من رئاسة البحوث، ورابطة العالم الإسلامي، والمؤتمرات الإسلامية، والجامعات الإسلامية، ونتائجها العظيمة التي أخذت تظهر في العالم.
وكذلك الدعاة المبتعثين من قِبَل الرئاسة إلى كافة أنحاء العالم؛ لنشر الدعوة الإسلامية، وإخراج البشرية من ظلام الكفر إلى نور الإيمان والهدى.
ثم يقول: إن سماحة الرئيس أشاد بالجهود التي يقوم بها جلالة الملك خالد، وولي العهد سمو الأمير فهد في سبيل الدعوة الإسلامية.(1/339)
ثم انتقل الحديث إلى الأوضاع في أفغانستان، وإيران، وأخطار الشيوعية في أفغانستان، وباكستان، فقال سماحته: إن الشعب الأفغاني المسلم الغيور في دينه لم يقبل الشيوعية، وهو الآن يحاربها بكل ما لديه من الوسائل، وكذلك شعب إيران أبى إلا الإسلام.
ثم دعا سماحته أن يوفق الشعب الإيراني للتمسك بالإسلام الصحيح، وتنفيذه في جميع شُعب الحياة، واحترام الصحابة الذين كانوا وسيلةً لوصول الإسلام إلينا، وقد فصَّل القولَ سماحتُه حول عقائد الشيعة، ودعاهم إلى الإسلام الصحيح.
ثم انتقل الحديث إلى اجتماع العلماء المسلمين؛ فأكَّد سماحته على ضرورته القصوى مع الإشارة إلى اجتماعهم في الرابطة.
ثم دعا العلماء في العالم الإسلامي كله أن يعملوا في أوساطهم، ويسعوا جهدهم لتوحيد صفوف المسلمين، ودعوتهم إلى التوحيد، والإسلام الصحيح.
كما دعا سماحتُه الشعب الباكستاني إلى تأييد الرئيس ضياء الحق، ومساعدته بكل ما أمكن؛ حتى يتمكن من تحكيم الشريعة الإسلامية، ثم ختم الحديث بالصلاة على سيدنا محمد بن عبدالله وآله، والتسليم عليهم أجمعين.
وقد ضمن الصفحة العناوين البارزة، منها مايلي:
1_ ينبغي أن تبدأ الحركات الإسلامية من المملكة؛ فهي مركز الإسلام، ومهبط الوحي، وفيها بزغت شمس الرسالة السماوية الأخيرة =سماحة الشيخ+.
2_ يجب على الشعب الباكستاني أن يتبع العلماء الذين يعلِّمونهم الدين الصحيح , ويُرشدونهم إلى الكتاب والسنة.
3_ العلماء_أينما كانوا_مسؤوليتهم أن يسعوا لتوحيد صفوف المسلمين، ويدعو الحكام المسلمين إلى تنفيذ الشريعة الإسلامية، ففيه عزتهم في الدنيا، ونجاحهم في الآخرة.
4_ الشيخ ابن باز عالم زاهد في الدنيا، ومتواضع، ولكنَّ عِلْمَه له جلال، وزهده له رعبٌ؛ فلم أكَدْ أتجرؤ معه في الحديث.(1/340)
5_ الشيخ ابن باز رؤيته تذكِّر الإنسان بالله، وتدعوه إلى أن يُصْبح مسلماً صادقاً في إسلامه، إنَّ صحبته تَخْلُق في الإنسان الكفاءة للقيام بالدعوة إلى الله.
6_ هذا العالم الجليل الذي يقود آلاف الدعاة والعلماء_له جلالٌ سكندري، وهو مظهر للقناعة، والاستغناء عن العالم، ومجمع العلم والعمل، والزهد والتقوى.
كتبه محمد لقمان السلفي
14/2/1400هـ
11_ ومما يدل على مكانته أنك لا تزال ترى حزن الناس يتجدد عليه بعد وفاته؛ فلا أحصي المواقف التي تمر من هذا القبيل؛ فكثيراً ما أرى المئات من الدعاة وغيرهم سواء داخل المملكة أو خارجها_كثيراً ما أراهم يتأثرون ويبكون بمجرد رؤيتهم لأحد ممن كانوا يعملون مع سماحة الشيخ.
ومما أذكره في ذلك أن أحد الدعاة قدم من أفريقيا، فلما قابلته بكى بكاءً شديداً لما تذكر سماحة الشيخ×.
ولما سألته عن مدى مصيبته بوفاة الشيخ قال: لما بلغنا الخبر حَزِنَّا حُزْناً شديداً، وارتفعت أصوات الناس هناك بالبكاء سواء ممن رأوا سماحة الشيخ أم من الذين لم يروه.
ثم قال عن نفسه: أما أنا فقد مرضت بعد هذه المصيبة ستة أشهر. ونحن مؤمنون بقضاء الله وقدره، ولكن هذا شيء لا نملكه؛ فقد عشنا معه طلاباً في الجامعة الإسلامية، وتخرجنا فيها، وتَعَيَّنَّا دعاة في بلداننا، وكان لنا كالأب الحاني، يتعاهدنا، ويسأل عنا، ويتفقد أحوال أسرنا، والدعاة في بلادنا، ومنذ عرفته إلى أن توفاه الله لم نر منه ما يكدرنا، ولم يخذلنا في أي موقف؛ فهل نلام على حبنا له.
كان سماحة الشيخ يحب رياضة المشي، وكان كثيراً ما يمشي خصوصاً قبل إصابة قدمه في شهر شعبان عام 1414هـ.
فكان×يمشي من بيته إلى المسجد ولو بعدت المسافة.
ولما كان في المدينة كان بيته يبعد عن الحرم مسافة تزيد على الكيلو متر، وكان يسير إلى المسجد على قدميه إلا إذا خاف فوات الوقت.(1/341)
وفي الرياض بعد ما جاء من المدينة في نهاية 3951هـ صار إماماً للجامع الكبير في الرياض قُرْبَ قصر الحكم، وسكن في بيت سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم×وكان يمشي من بيته إلى المسجد مع أن المسافة كانت كيلو متر تقريباً.
ولما سكن بيته الذي يقع في حي البديعة في الرياض كان يسير من بيته إلى المسجد الذي يقع غربي بيته على قدميه.
وفي مكة المكرمة كان يمشي من بيته الذي يقع في العزيزية إلى المسجد الذي يقع في الجهة الشرقية في أغلب الأحيان.
ويقول×إنني رتبت وقتاً للمشي مدة تترواح ما بين ربع ساعة إلى نصف ساعة كل يوم، وذلك قبل النوم، وفي الصباح بعد المجيء من الدرس، وبعد القيام من مكتب البيت في الصباح؛ حيث كان سماحته يمشي في الغرفة، أو بين البيوت.
سماحة الشيخ كريم النفس، جواد بما يستطيع، سخي بكل أنواع السخاء.
ومن ذلك سخاؤه بالرقية، والقراءة على المرضى.
وكان سماحته يقرأ على من طلب منه الرقية مباشرة، ويقرأ على المرضى إذا زارهم.
وإذا ألح عليه أحد بأن يرقيه أمسك بيد المريض، ونفث عليه، ودعا له بالشفاء وجميع المسلمين، ثم يوجه المريض بأن يرقي نفسه، كما وجه بذلك الرسول"بأن يجمع يديه، وينفث فيهما، ويمسح بهما الموضع الذي يشكو منه.
وكان مكتب البيت لا يخلو من أوعية المياه، وقوارير الزيت أو العسل التي يأتي بها أصحابها؛ رغبة منهم بقراءة الشيخ.
وإذا أتيت مكتب البيت وجدت العشرات من تلك الأواني والقوارير.
أما طريقته في القراءة فيها فإنه يؤخذ قليل من الماء من كل إناء، ثم يوضع في إناء واحد، فيأخذ سماحته الإناء، وينفث فيه ويدعو بما ورد، وكان مما يقرؤه:
الفاتحة، وآية الكرسي، والكافرون، والإخلاص، والمعوذتان، ويقول: أيضا_: اللهم رب الناس أذهب الباس، واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاءك، شفاءً لا يغادر سقماً.
ويقول_أيضاً_غير ذلك، ثم يختم بقوله: شفانا الله وإياكم_يعني الحاضرين_وجميع المسلمين.(1/342)
وكذا الحال بالنسبة للزيت الذي يُحْضَر له.
أما العسل فيقرأ بكل إناء فيه عسل منفرداً.
وكان سماحته كثيراً ما يرقي نفسه، وينفث على موضع الألم من جسده.
ولعل هذا من أسرار معافاته من كثير من الأمراض، ومن استغنائه عن إجراء أي عملية طيلة حياته.
وكان لا يطلب الرقية من أحد حتى مع اشتداد مرضه؛ فإذا جاءه أحد، وقال: ائذن لي يا سماحة الشيخ بأن أرقيك قال: لا مانع.
كان سماحة الشيخ×سباقاً إلى الخير في شتى الميادين، ومن سَبْقِه، ومسارعته في الخير أنه كان يغتنم كل مناسبة تمر على الناس، فيبادر فيها إلى التوجيه بما يناسب تلك الحال.
وإليك ذكراً لبعض تلك المبادرات المباركة التي كان يقوم بها×:
1_ إذا أقبل شهر رمضان وجه كلمة إلى عموم المسلمين يحثهم فيها على اغتنام شهر رمضان بالتوبة النصوح، وبالإقبال على الله بشتى القربات، من كثرة ذكر، وقراءة قرآن، وقيام ليل، وصيانةٍ للصيام من الغيبة والنميمة، وما يفسد الصوم، أو ينقص أجره، مع توصيته بالمحافظة على أنواع الطاعات، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، مع بيانه بعض أحكام الصيام، وتحذيره من إضاعة الوقت باللهو، والاستماع إلى الأغاني، ونحو ذلك_كما مر عند الحديث عن سماحته في رمضان_.
2_ وإذا جاء موسم الحج كتب كلمة أو كلمات، وفتاوى كثيرة تنشر في وسائل الإعلام يبين فيها أهمية هذا الركن العظيم، ويوضح بعض الأحكام المتعلقة به، ويحذر من البدع والأخطاء التي يقع فيها بعض الحجاج، وهكذا
3_ وإذا بلغه من بعض الناس أن هناك تهاوناً في أداء الصلاة جماعة كتب نصيحة في هذا الشأن، تتضمن بياناً بأهمية الصلاة، وعظم منزلتها من الدين، وعقوبة من تركها، أو تهاون بها، وهكذا، ثم يرسل هذه الكلمة إلى وسائل الإعلام؛ لتبثها.(1/343)
4_ وإذا بلغه أن الناس تهاونوا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن المنكرات قد كثرت، وأن الناس تهاونوا في إنكارها_وَجَّه نصيحة عامة يحثهم على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ويبين لهم خطر شيوع المنكرات، ومغبة ذلك، وقد مر نماذج من هذا القبيل.
5_ وإذا احتبس المطر عن الناس، وتأخر نزوله مع شدة حاجة الناس إليه وجه نصيحة للمسلمين يدعوهم من خلالها إلى التوبة النصوح، ويبين لهم أن المعاصي من أعظم أسباب حبس المطر، ويحضهم على الصدقات، وإخراج الزكوات المفروضة، ويحذرهم من الظلم وسائر أنواع الذنوب.
6_ وكان يوجه التهاني ببلوغ رمضان، وإتمامه، وبالعيد لكبار المسؤولين كالملك وولي العهد، وقد مر نماذج من ذلك.
7_ وكان يكتب مهنئاً بسلامة الوصول، أو السلامة من المرض لاسيما لكبار المسؤولين.
8_ وإذا صدر أمر بتعيين بعض الأمراء أو الوزراء وجه كلمة إليهم؛ لتهنئتهم ونصيحتهم، وحثهم على مضاعفة الجهود، وقد مر نماذج من ذلك.
9_ وإذا صدر أمر من الملك أو غيره من المسؤولين، وكان فيه مصلحة للمسلمين، أو دفع ضرر عنهم وجه كلمة تتضمن الشكر والدعاء.
10_ وإذا قام الجهاد في أي بقعة من بقاع الأرض، أو اعتدى معتدٍ على المسلمين في أي مكان_وجه سماحته كلمة يستنفر فيها المسلمين لنصرة إخوانهم بالمستطاع، ويبين لهم ما يتوجب عليهم من حق إخوانهم عليهم، ويستنكر خلالها العدوان على بلاد المسلمين، ونحو ذلك مما يناسب الحدث.
11_ وإذا كان هناك خلاف بين بعض المسلمين من مجاهدين، أو طلبة علم، أو نحوهم، وظهرذلك الأمر_وَجَّه كلمة بهذا الصدد يحث فيها الأطراف المختلفة على الاجتماع، والألفة، ويحذرهم من الافتراق والعداوات، وقد مر نماذج من ذلك.
12_ وإذا حضر مناسبة من المناسبات العامة كولائم الزواج والدعوات الخاصة اغتنمها بالنافع المفيد، وملأ المجلس علماً، وحكمة، وفائدة.(1/344)
13_ وكثيراً ما يوجه كلمات عامة تشتمل على تذكير بأمر معين كأذكار الصلاة، أو تحذر من معصية بعينها كالتحذير من الربا، والمعاملات الربوية، ونحوها.
14_ وربما وجه كلمة للمعلمين والمتعلمين يحثهم فيها على بذل الجهد، وإخلاص النية.
15_ وكان يوجه الكتابات لرؤساء المحاكم، والقضاة، ونحوهم، يحثهم على إقامة الدروس العلمية.
وقبل خمس سنوات من وفاته×كتب لأكثر من ثلاثين ما بين رئيس محاكم، ورئيس محكمة، وقاضٍ يحثهم على إقامة الدروس العلمية، وتعليم الناس ما يحتاجون إليه من كتب، ودروس في العقيدة، والتفسير، والحديث.
16_ وإذا طُلب منه الدخول في إصلاح أمر من الأمور بادر دون تردد.
وكان ذلك دأبه من قديم، يحدثني الشيخ علي بن حمد بن عتيق بحادثة حدثت قبل أربعين سنة من وفاة سماحة الشيخ مفادها أن رجلاً كان سائق أجرة جاء إلى سماحة الشيخ، وتكلم بصوت مرتفع، وقال: يا شيخ ماذا أعمل ؟ إن لي زوجة أحبها، وتحبني، ولكن والديَّ يَكْرَهَانِها بغير حق، فقال سماحة الشيخ: تأتي إلي في وقت كذا، وسوف أذهب معك إليهما، وننصحهما، فجاء الرجل، وذهب معه سماحة الشيخ، فذهبا إلى الوالدين المذكورين، فنصحهما سماحة الشيخ، وذكرهما بالله، وبيَّن لهما ما يجب عليهما؛ فقبلا النصيحة، ووعداه بأنه لن يحصل منهما إلا الخير، ففرح الرجل، ودعا لسماحة الشيخ.
17_ وإذا تولى زعيم من الزعماء زمام الحكم في أحد البلاد الإسلامية كتب سماحة الشيخ إليه يوصيه بتحكيم الشريعة، والعدل في الرعية.
وإليك هذه البرقية التي كتبها سماحته في 18/9/1382هـ لما كان نائباً لرئاسة الجامعة الإسلامية، حيث بعثها للرئيس العراقي عبدالسلام محمد عارف، وإليك نص البرقية:
سيادة الأخ عبدالسلام محمد عارف رئيس الجمهورية العراقية بغداد(1/345)
سرنا انتصاركم على الملحدين والشيوعيين أعداء الإسلام، ونرجو أن من شكركم لهذه النعمة العظيمة تحكيمَ كتاب الله، والسيرَ على هدي رسول الله"فهما كفيلان بسعادة المجتمعات والأفراد.
وباتباع تعاليم الإسلام يسود العدل، وتحصل الطمأنينة، والاستقرار لجميع المواطنين.
وفقكم الله، والعاملين معكم لما فيه رفعة الإسلام والمسلمين، وسعادة الشعب.
…………نائب رئيس الجامعة الإسلامية
…………عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
18_ وإذا رجع بعض الضالين أو المبتدعة إلى الحق والسنة فرح سماحة الشيخ بذلك، وربما استضاف ذلك الشخص، وأكرمه واعتنى بأمره، وشجعه، وربما بعث إليه كتاباً يهنئه به، ويوصيه بالثبات على الحق.
وإليك هذا الكتاب الذي بعثه سماحة الشيخ إلى رجل اعتنق مذهب أهل السنة، ورجع عما كان عليه قومه من الضلال:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم الشيخوفقه الله لما فيه رضاه، ونصر به دينه، آمين
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:
فقد سرني كثيراً اعتناقك مذهب أهل السنة والجماعة، وتَرْكُ ما عليه قومك من البدع والأهواء؛ فالحمد لله على ذلك، وأسأل الله أن يمنحك الثبات على الحق، وأن يوفقك للفقه في الدين، والثبات عليه، وأن يجعلنا وإياكم وسائر إخواننا من الهداة المهتدين.
وقد سررت كثيراً بزيارتك لنا في الطائف ليلة الأحد 14/1/1419هـ، وقد أخبرتك بأن الواجب على كل مسلم هو التمسك بما كان عليه النبي"وأصحابه_رضي الله عنهم_من دين الله، وإخلاص العبادة له، والثبات على ذلك، والدعوة إليه.
وهو الدين الحق الذي درج عليه أصحاب رسول الله"وأتباعهم بإحسان، وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة إلى يومنا هذا.(1/346)
وخلاصة ذلك هي الإيمان بالله، ورسوله"وإخلاص العبادة لله وحده دون ما سواه، والحذر من كل ما يخالف شرع الله كما قال الله_عز وجل_آمراً نبيه"أن يبلغ الناس: [قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ] آل عمران: 31.
وقال_عز وجل_: [قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ]يوسف: 108.
وقال_سبحانه_: [وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] الأنعام: 153.
وأمر عباده_سبحانه_في سورة الفاتحة أن يسألوه الهداية إلى هذا الصراط المستقيم، وأخبر_سبحانه_في سورة الشورى أن نبيه"يهدي إليه هداية البلاغ، والبيان، فقال_سبحانه_: [وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ] الشورى: 52.
وقال_عز وجل_: [وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ] التوبة: 100.
وقال النبي"في الحديث الصحيح: =خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم+.
وقال_عليه الصلاة والسلام_: =عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة+.
والخلفاء الراشدون هم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي_رضي الله عنهم أجمعين_.
والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.(1/347)
وقد أجبنا عن أسئلتك التي سألت عنها في رسالة مختصرة قد طبعت منذ سنوات، وهي إليك برفق هذه الرسالة؛ لتطَّلع عليها، وتقرأها على من شئت؛ لعل الله يهدي بها من خالف السنة، ويجعلك من أسباب هدايتهم.
وقد صح عنه"أنه قال لعلي بن أبي طالب÷لما بعثه إلى اليهود في خيبر: =ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله_تعالى_:فيه؛ فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمْر النعم+ متفق على صحته.
وأسأل الله_عز وجل_أن يجعلك مباركاً، وأن يجعلك هادياً مهدياً، وأن ينفع بك إخوانك المسلمين، وأن يثبتنا وإياك على الهدى؛ إنه جواد كريم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مفتي عام المملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء
وإدارات البحوث العلمية والإفتاء
لقد كتب الكثيرون عن سيرة سماحة الشيخ سواء قبل وفاته أو بعدها.
بيد أن هناك ترجمة متميزة عن كثير من التراجم؛ ذلك أنها كتبت قبل وفاة سماحة الشيخ بما يزيد على خمس وعشرين سنة، وأن كاتبها قد عاصر سماحة الشيخ فترة طويلة إبان عمله في الجامعة الإسلامية؛ فهي تُلقي كثيراً من الضوء على حياة سماحة الشيخ في تلك الفترة الخصبة من حياته.
ثم إن الترجمة ليست طويلة جداً، ومع ذلك أتت على كثير من الجوانب المهمة في سيرة سماحة الشيخ، كل ذلك بأسلوب ممتع رائع.
وهذه الترجمة كتبها صاحب الفضيلة الشيخ محمد المجذوب×المدرس في الجامعة الإسلامية.
وقد وجدت هذه الترجمة ضمن أوراق سماحة الشيخ مكتوبة بالآلة الكاتبة، ثم تبين لي فيما بعد أنها نشرت في كتاب للشيخ محمد المجذوب، عنوانه:
=علماء ومفكرون عرفتهم+
وهذه الترجمة في1/77/106 من الكتاب الآنف الذكر.
وإليك أيها القارئ مقتطفات من تلك الترجمة.
يقول×في بداية الترجمة: =الشيخ عبدالعزيز أبو عبدالله ابن عبدالله بن عبدالرحمن بن باز.
أحد الثلة المقدمين في علوم الشريعة الإسلامية، ومرجع المستفتين في مختلف أنحاء العالم الإسلامي+.(1/348)
وبعد أن تحدث عن شيء من سيرته الأولى، ونشأته العلمية انتقل إلى الحديث عن عمله في القضاء فقال: =ولي القضاء في منطقة الخرج ما بين عام 1357هـ_1371هـ حيث مكث في عمله ذاك أربع عشرة سنة ونيِّفاً، كان خلالها كشأنه في كل مكان، مصدر خير وبركة وإصلاح لكل ما حوله، ومن حوله+.
وبعد أن تحدث عن بعض أعماله هناك، وعن عمله في التدريس انتقل إلى الحديث عن سماحة الشيخ في الجامعة الإسلامية، وفي العالم الإسلامي، ثم تحدث عن جوانب أخرى من حياة سماحة الشيخ، فإلى ذلك الحديث الرائع الماتع حيث يقول الشيخ المجذوب:
=ومما لا خلاف عليه أن للشيخ بن باز أثره العميق في كل تقدم أحرزته الجامعة تحت إشرافه نائباً لرئيسها، ثم رئيساً مستقلاً لها بعد وفاة رئيسها الأول الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ_تغمده الله بعفوه_.
إنه ليتفقد الفصول بين الحين والآخر، فيستمع إلى دروس المشايخ، ويلقي توجيهاته الحكيمة هنا وهناك، وقد يلحظ في دروس بعضهم ما لا يأتلف مع أفكاره الوثيقة، فيعقب على ما سمع بما يؤدي الغرض في منتهى الكياسة والتقدير.
ويتردد على قاعات المدرسين فيسألهم عن صحتهم وراحتهم، ويحاورهم في شؤون التعليم، ويشجعهم على المزيد من الجهد في خدمة الطلبة ابتغاء ما عند الله.
ويدعو المدرسين في مطلع كل عام دراسي لاجتماع عام يضم أساتذة المعاهد مرة، وأساتذة الكليات الأخرى، فيتداول معهم أمور الجامعة، وضرورة الانتفاع من الخبرات الماضية، مؤكداً على وجوب الاهتمام بأصول العقيدة، التي يعتبرها الشيخ منطلق العمل لتكوين شخصية الطالب، ثم العناية بلغة القرآن التي عليها يتوقف نجاحه في الفهم عن الله ورسوله. وبخاصة في هذه الجامعة التي معظم طلابها من غير العرب، فلا سبيل لتثبيت العربية في ألسنتهم وأقلامهم إلا عن طريق القدوة والمحاكاة، فعلى المدرس_إذن_أن يجتنب كل لغة ملحونة، وأن يلتزم الفصحى وحدها في كل حوار مع الطلاب.(1/349)
وهكذا الشأن في نهاية العام الدراسي؛ إذ يعقد مع المدرسين اجتماعاً عامّاً آخر، فيتدارس وإياهم شؤون المقررات وملاحظاتهم عليها، ورأيهم في مسيرة الدروس، وفي سلوك الطلاب وما قد جمعوه من الانطباعات أثناء العام، ويحثهم على الكتابة عن كل ما يرونه مفيداً للجامعة؛ لِيُعْرَضَ على مجلس الجامعة؛ لدراستها، والانتفاع بكل صالح منها.
وفي =دار الحديث+ التابعة للجامعة تلقى المحاضرات الأسبوعية من قِبل الأساتذة في مختلف الموضوعات، على مدار العام الدراسي إلا فترة المذاكرة(30)، ويشرف الشيخ بنفسه على محاضرات الموسم هذه، لا يكاد يغيب عن إحداها إلا تحت ضغط الضرورة، ولا تعدم المحاضرة تعقيباً منه يوضح غامضها، ويوسع بعض جوانبها على قدر ما يرى لها من الأهمية.
فإذا كانت المحاضرة له اختار لها الموضوع الذي يمس به القلوب والعقول، حتى إذا جاء موعد الأسئلة حول بعض النقاط أفاض على مستمعيه بما يكفي ويشفي.
وكثيراً ما ينتهز السامعون هذه الفرصة، فيوردون على الشيخ ألوان الاستيضاحات التي تحمل صفة الاستفتاءات، فتأتي أجوبته عليها جامعة مانعة لا تلبث أن تتردد على الأفواه.
وقد كتب عنه أحد الأساتذة في مقدمة محاضرة ألقاها الشيخ عن سيرة المصلح الإسلامي الشيخ محمد بن عبدالوهاب×فقال: =وفي العقائد كان الشيخ ابن باز مثال الاعتدال، لا هو من أولئك المتطرفين الذي يطلقون عبارات الشرك على كل صغيرة وكبيرة، ولا هو من المتساهلين الذي يغضون النظر عن صغار الأمور، بل إنه لينبه على الصغيرة والكبيرة، ويضع كل شيء في موضعه+.
والذين يعرفون الشيخ مثلنا عن كثب يدركون هذه الخاصة في أسلوبه، ومرد ذلك فيما نرى إلى سجيته السمحة التي تعامل حتى المخالفين، بروح الطبيب الذي يعلم أن ثقة المريض به أول أسباب الشفاء+.
ثم انتقل المجذوب×إلى نشاط سماحة الشيخ في العالم الإسلامي، فقال في فقرة بعنوان
=وفي العالم الإسلامي:(1/350)
ولا يقف نشاط الشيخ العلمي عند حدود الجامعة وحدها، على الرغم من عظم أعبائها، بل إن نشاطه هذا ليمتد إلى الأقاصي البعيدة من وطن الإسلام ومهاجر المسلمين، فهناك المدرسون الذي ينتدبهم باسم الجامعة للتدريس في أكثر من مدرسة وجامعة، وبخاصة في الهند وإفريقية وباكستان. . وهناك المتفوقون من متخرجي الجامعة الذين يقدمهم الشيخ إلى مجلس الدعوة الإسلامية بالرياض من أجل انتدابهم لخدمة الدعوة في بلادهم وغير بلادهم، وقد تجاوز عددهم حتى اليوم المائة، وهم يعملون ليل نهار في تعليم المسلمين دينهم الحق، وتحصينهم من التيارات الهدامة، سواء منها الطرقية الضالة، أو القاديانية المرتدة، أو التبشيرية الخادعة. . وقد اطلعت_بحكم عملي في لجنة القبول والمعادلات بالجامعة_على رسائل من مشايخ أفارقة يشكرون الجامعة على أن هداهم الله للتوحيد الخالص عن طريق أولئك المبعوثين المجاهدين من خريجيها.
ولقد بذل الشيخ قصارى جهده لإمداد المسلمين بالكتب التي هم بحاجة إليها في نطاق التدريس أو المطالعة، واستجابت المؤسسات الحكومية لاقتراحاته، فوضعت لتوزيع الكتب نظاماً شاملاً يتيح لكل منها أن تسهم في هذا المضمار بالقسط المناسب.
وفي دار الطلبة التابع للجامعة الإسلامية بجدة اليوم مركز خاص، يتلقى الكتب والمطبوعات الإسلامية من مختلف الدوائر المعنية بالدعوة في المملكة؛ ليقوم بتوزيعه على الجهات المحتاجة في مختلف أنحاء العالم.
وهكذا أصبحت الجامعة الإسلامية_بفضل الله_ثم بجهود هذا الداعية الصالح_مركزَ إشعاعٍ لا على نطاق المدينة المنورة وحدها، بل على مستوى العالم الإسلامي كله.
يضاف إلى ذلك عملُه الجادُّ في مد نشاطات الجامعة، فهو لا يرضى الوقوف بها عند حد مهما يبلغ من الجلال، بل يريد لها تحركاً متصلاً في طريق النمو+.
ثم تحدث الشيخ المجذوب عن جهود سماحة الشيخ في الجامعة الإسلامية فقال:
=أقسام وكليات:(1/351)
لقد بدأت الجامعة عام واحد وثمانين ذات مرحلتين، ففي جانب معهد للدراسة الإعدادية والثانوية، وفي الجانب الآخر كلية لعلوم الشريعة. وهي الآن تضم مع المعهدين شعبة خاصة لتعليم العربية لغير العرب، وإلى جانب كلية الشريعة أربع، إحداهن لأصول الدين والدعوة، والثانية لخدمة القرآن الكريم باسم =كلية القرآن والدراسات الإسلامية+ وهي الوحيدة من نوعها في العالم كله، وقد استُقْبل افتتاحها بموجة من الاستبشار في أنحاء العالم الإسلامي، وتلقت الجامعة فيها تهاني أكابر علماء الإسلام، ثم ثالثة للعربية وآدابها، ورابعة للحديث الشريف، هذا غير القسم الخاص بالدراسات العليا.
ومع أن بعض هذه المنشآت قد تم بعد انتقال الشيخ إلى عمله الجديد الضخم في الرياض، إلا أن التخطيط له سبق انتقاله، وكان له الأثر البعيد في التوجيه إليه؛ ذلك أنه يرى للجامعة رسالة علمية تستدعي تجهيزها بكل الإمكانات التي تساعدها على أدائها.
وقد أعانه الله على هذه الخطة بإدارة تشاركه نظرته إلى رسالة الجامعة، وبتقدير من المسؤولين لإخلاصه وفضله، يدفعهم للاستجابة إلى كل ما يطلب من الاعتمادات المالية لتحقيق هذا الطموح+.
ثم انتقل إلى جانب من جوانب ترجمة سماحة الشيخ، ألا وهي أخلاق الشيخ، فقال:
=بقية السلف+:
والحديث عن المُتَرْجَم له لا يكون مستوفى إذا لم يوف الجانب الخلقي عنه حقه.
لقد أشرت قبل قليل إلى سجيته السمحة التي يعامل بها حتى المخالفين، وكانت إشارة عابرة لابد من الوقوف عندها ولو لحظات؛ ذلك لأن الرجل بسجاحته، وحلمه، وبعيد أناته يكاد يكوّن صورة أنموذجية للتوجيه النبوي القائل: =تعلموا العلم وتعلموا له السكينة والوقار، وتواضعوا لمن تتعلمون منه، ولا تكونوا جبابرة العلماء+.
إن السكينة والوقار أبرز صفات الشيخ، وهما أول ما يواجه به الناس القرباء منهم والبعداء، جلساءه الأدنين، أو زواره العابرين.
يقول أحد الشعراء في ممدوح له:
يا مَنْ له ألفُ خلٍّ(1/352)
من عاشقٍ وصديقِ
أراك خليت للنا
س منزلاً في الطريق
وما أعلم أحداً أحقَّ بهذا الوصف من الشيخ ابن باز، إن الناس ليتكبكبون حوله أينما وجد، في المسجد، في المنزل، في الجامعة، وإنه ليصغي لكل منهم في إقبال يُخَيَّل إليه أنه المختص برعايته، فلا ينصرف عنه حتى ينصرف هو.
ومراجعوه من مختلف الطبقات، ومن مختلف الأرجاء، ولكل حاجته، هذا يقصد إليه من أطراف المملكة يسأله الفتيا في أمر ضاق به العلماء، وذلك يفضي إليه بحاجة لا يغني فيها سوى الحلماء الكرماء، وربما كان بين هذا وذاك مَنْ لا يستحق اهتماماً ولا إصغاءً، ولكنه لا يعدم منه الرعاية التي تجبر قلبه.
وقد يكون بين المراجعين مَنْ يغلب عليه الحق فيسخط ويغلو لغير ضرورة، فلا يغير ذلك من حلم الشيخ، ولا يزيد على الدعاء له بالهداية، ودعوته إلى الأناة.
وليس بالنادر أن يزدحم عليه هؤلاء حتى لا يدعون له متسعاً لراحة، ومع ذلك لا يحاول التخلص من مقامه الضنك، بل تراه يصغي لحاجة كل منهم بهدوئه المعهود، ويجيب كُلاً بما يرى أنه الحق.
لقد دخلت سرادقه في مِنى ذات يوم، فإذا هو محاصر بهجمة من الناس، قد أحاطت به من كل صوب، بعضها مُكِبٌّ عليه، وبعضها قائم ينتظر دوره، وهو راض يسمع ويجيب، دون أن يبدو عليه أي تذمُّر.
ومع أن الشيخ يعطي كل زائر ومراجع حقه المناسب من مجلسه وإقباله، فالملاحظ أن له عنايةً خاصةً بالفقراء والضعفاء، حتى لقد رأيت منهم من تأخذه نشوة الاعتزاز؛ بما يجده من انبساطه إليه، واهتمامه بشؤونه الخاصة كأنه واحد من أقرب الناس إليه.
ولا أذيع سِرَّاً إذا قلت: إن نصيب هؤلاء من الشيخ لا يقتصر على حَدَبِه وتلطُّفه، بل كثيراً ما يتجاوز ذلك إلى العون الذي يسد الحاجة، ولو كلفه ذلك الحيفَ على ميزانيته.
وإذا سمحت لنفسي برواية ما يتناقله عارفوه قلت: إن ذلك كثيراً ما يرهق الشيخ بتحميله ما لا يطيق.(1/353)
ومما يندرج في هذا النطاق من أخلاق الشيخ طبيعة الكرم التي لا يملك لها تغييرا ولا تعديلاً؛ فعلى مائدته يلتقي الصغير والكبير، والغريب والقريب، وما أحسب طعاماً له خَلا من عديد الضيفان، حتى لكأنه هو القائل:
إذا ما صنعتِ الزادَ فالتمسي له
أكيلا فإني لست آكله وحدي
أخا سفرٍ أو جار بيتٍ فإنني
أخاف مذمات الأحاديث من بعدي
وبهذه الخلائق الرضية يستجيب الشيخ لدعوات الآخرين، فلا يستنكف عن حضورها إلا لعذر قاهر، وقد يكون الداعي تلميذاً له، أو واحداً من غمار الناس.
وأذكر أني حللت في ضيافته أياماً بمدينة الرياض، فلم يتح لنا الغداء معه إلا على مائدة غيره من الداعين له؛ إذ كانت الدعوات تتوالى عليه من كل صوب، فيأمر بتحديد ما يمكن إجابته منها في جدول خاص، فلا ينفك يعتذر به كلما زادت الدعوات عن عدد الأيام، وذلك واحد من المشاهد الكثيرة التي أرتني مدى حب الناس لهذا الرجل.
وقد كان_وما يزال_وقته مباحاً للمراجعين يأخذون منه ما يشاؤون كما يشاؤون، ولكل منهم حاجته الخاصة، مما قد يحيف على أعماله الرسمية، فكان لابد من تنظيم أفضل لهذه الجوانب.
وهكذا قسم وقت الشيخ حسب الإمكان، فجزء للعمل الرسمي، وآخر للمستفتين والمراجعين، وثالث للمراسلات والأمالي.
ويتناوب على الكتابة للشيخ عدد من المساعدين يقرؤون له ما يريد من نصوص المراجع، وما يرد إليه من الرسائل، ثم يتلقون منه الأمالي التي لا يكاد يخلو منها يوم.
وإذا كان كتَّابه هؤلاء يستحقون الإشفاق؛ لِوَفْرة ما يتحملون من هذه المتاعب_فهو إذن أحق منهم بإشفاق محبيه؛ لعلمهم أن الجهد الذي يعانيه تنوء به العصبة أولو القوة.
والحق أن أحدنا ليتساءل في دهشة: كيف يستطيع هذا الرجل النهوض بكل هذه الأعباء ؟
ثم يتذكر أنها البركة التي يختص بها الله من يشاء من عباده، فتحقق لأحدهم من أعمال اليوم الواحد ما تضيق به الأسابيع، بل الأشهر من أعمار الآخرين.(1/354)
وعلى ضوء هذا الواقع الملموس من حياة الشيخ نجد التفسير المعقول لذلك الإنتاج الضخم الذي خَلَّفه للأجيال أولئك السابقون، من أمثال ابن تيمية، وابن الجوزي، والكثيرين من صالحي المؤمنين+.
ثم انتقل الشيخ المجذوب إلى الحديث عن عمل سماحة الشيخ اليومي فقال:
=عمل اليوم والليلة:
ولكي تتوافر للقارئ الصورة المقاربة لأعباء الشيخ أضع بين يديه هذه القائمة التي تكاد تستوعب عمل اليوم والليلة من واقعه الذي يوشك ألا يتغير.
يبدأ دوام الشيخ الرسمي قرابة الساعة التاسعة من ضحى كل يوم، فإذا ما وافى مقر الرئاسة وجد المراجعين يملؤون الأمكنة المُعَدَّة لهم بانتظاره، فَيُحَيِّيهم، ويستقبل مصافحيه ومعانقيه منهم، ثم يأخذ مجلسه وإلى جانبيه كاتبان، مع كل منهما كِدَس من الأوراق المقدمة من هؤلاء، وكثير منهم يجترئ عن الكتابة بالعرض الشفهي، فيبدأ بالاستماع إلى مضمون كل معروض على حدة، حتى إذا ما فرغ الكاتب من التلاوة المهموسة أملى عليه التوقيع_أي التعليق_الذي يراه، فإذا ما استوفى الكاتب بعض أوراقه تركه ليستريح، والتفت إلى الآخر الذي يشرع في عرض ما لديه، وتلقِّي ما يملى عليه.
وهكذا حتى تنفذ العرائض، أو يحين وقت صلاة الظهر.
وقد تكون هناك اجتماعات لبعض اللجان تستدعي حضوره، فينهض إليها، ثم يعود ليستقبل بقية المراجعين المشافهين، وكثيراً ما يمتد دوامه هذا إلى ما بعد انصراف الموظفين، فيظل هو ومن لابد من بقائه من مساعديه حتى ينصرف إلى البيت مع ضيوفه الذين لا يخلو غداء له ولا عشاء من بعضهم.
وبعد الطعام يدعو بالقهوة، فالشاي، والطيب، ويتحدث إلى جلسائه المرافقين والمنتظرين في مصالحهم، حتى إذا وافى موعد صلاة العصر أخذ سبيله إلى المسجد، فصلى وراء الإمام_في المدينة_أو صلى بالناس في مسجد الرياض الكبير.(1/355)
وكثيراً ما رأيته يُعْقِب الصلاة بموعظة قصيرة، ثم يعود إلى المنزل لمواصلة ما انقطع من حديث، أو لاستقبال مراجعين جدد، وقلما يخلو ذلك الوقت من قراءة في بعض الكتب القيمة يتلوها عليه بعض المشايخ من خاصة طلبته إلى ميعاد المغرب، فيمضي معهم إلى المسجد ثم يعود معهم إلى المنزل للقراءة والنظر في شؤون الناس، حتى وقت العشاء، وبعد أداء الصلاة يتناول مع الحضور طعام الليل، ثم يقبل عليه أحد مساعديه بالمعاملات الخاصة بالمساجد ونحوها، فيستمع ويملي، ولا يزال بين قراءة وإملاء وحديث نافع حتى وقت متأخر، وقلما يتاح له الإخلاد إلى النوم قبل منتصف الليل.
ويحين موعد صلاة الفجر في اليوم التالي فيتهيأ لها، ثم يأخذ سمته إلى المسجد مع مرافقه، فإذا ما عاد إلى المسكن جلس للنظر في الاستفتاءات الواردة إلى مكتب البيت من مختلف الأرجاء والأقطار، فإذا ما فرغ منها نظر في طلبات المستشفعين من أصحاب الحاجات، فأوردها مواردها اللازمة، وهنا يوافيه موعد الدوام الرسمي فينهض إليه على عادته التي وصفنا.
تلك هي الصورة المقاربة ليوميات الشيخ نقلنا بعضها من مشاهداتنا، ومعظمها عن أخ كريم طويل الصحبة له.
ومن حق القارئ أن يستشعر العجب بإزاء هذه الوقائع التي تكاد لا تصدق، ولكنها مع ذلك حقيقة يعرفها عن الشيخ كل من خالطه عن كثب. كان الله في عونه، وبارك في حياته، وأمتع به+.
ثم انتقل المجذوب إلى جانب آخر في سيرة سماحة الشيخ، ألا وهو الشورى، فقال:
=الشورى في حياة الشيخ:
وصف الله المؤمنين بقوله الحق [وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ] الشورى: 38، وألزم نبيَّه وهو المؤيد بوحيه أن لا يفارق الشورى في كل شأن هام، فقال له: [وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ] آل عمران: 159.(1/356)
وقد استمرت مسيرة المجتمع المسلم في صعد، حتى أسقطوا هذا المبدأ من حياتهم، فباتوا عرضة لتقلبات الأهواء، يتخذهم المستبدون مطايا لشهواتهم، فيمضون في عمياءَ لا هادي لها، حتى انتهوا إلى المصير الذي لا مندوحة عنه للخابطين في الظلمات.
والشيخ_الذي أخذ نفسه بأدب الإسلام عزائمِه ورخصِه_ما كان له أن يتخلى عن مبدأ الشورى في أي شأن يقتضيه.
وقد شاء الله أن أصحبه في مجلس الجامعة عدد سنين، فقُيِّض لي أن أشهد من فضائله، وبخاصة في هذا الجانب من خلقه ما لا يصح إغفاله من أي ترجمة تكتب عنه.
أول ما نواجهه من شيم الشيخ في هذه المجالس ذلك الأنس الذي يشيعه في نفوس الأعضاء، بسؤاله كُلاً منهم عن حاله وصحته، ووقوفه على ما سمع من الأنباء العالمية وأحوال المسلمين، فإذا ما بدأ النظر في جدول الأعمال، أخذ بكل منها على حدة، فُعرضت للمناقشة، وأعطى كل عضو رأيه فيها بصراحة، فإذا انعقد على وجه منها الإجماع أُثبت ذلك في المحضر، وإلا طَرح كُلاً من الوجوه المختلفة للتصويت، وتقرر في شأنها الوجه الأجمع للأصوات.
وكثيراً ما يكون هذا الترجيح مخالفاً لرأي الشيخ، ولكن ثقته بأعضاء المجلس، والتزامه مبدأ الشورى ينتهيان به إلى الرضى التام بكل ما تم.
وذات ليلة احتدم النقاش حول إحدى القضايا المطروحة، وتباينت الآراء فيها، وكأني بالشيخ قد خشي أن يكون في إبدائه وجهة نظره إحراج للآخرين فقال بلهجة ملؤها الود: أرى يا إخوان أن يأتي رأيي ورأي نائبي آخر الآراء؛ لئلا يكون في غير ذلك حرج لكم.
وهي كلمة عميقة الدلالة على سماحة الرجل، واحترامه النبيل للعاملين معه، ورغبته الصادقة في الانتفاع بخبراتهم إلى أقصى الحدود.(1/357)
وليس ذلك شأنه في مجلس الجامعة فقط، بل هو مسلكه الطبيعي في كل شأن يتسع للتشاور، حتى القضية يسأل بها في الفقه، وهي من صميم اختصاصه، يطارحنا بها الرأي على ضوء النصوص الواردة في شأنها، حتى يطمئن قلبه إلى الوجه الأمثل وقد يعترضه الأمر فيه الإبهام، فيطرق مَلِيَّاً يتأمله في صمت، ثم يدلي برأيه، أو يقول لمن حوله ممن يثق به: أشيروا عليّ+.
ثم تحدث عن شجاعة سماحة الشيخ، فقال:
=شجاعة الشيخ في الحق:
هذا الرجل السهل السمح الحليم محب الفقراء، سرعان ما ينقلب أسداً لا يرده عن إقدامه شيء إذا علم بظلم يقع على المسلمين، أو عدوان على شريعة الله.
إن مسلك الشيخ في هذه الناحية هو مسلك العالِم الإسلامي الذي يوقن ملء جوارحه أنه مسؤول عن حماية محارم الله، والدفاع عن حقوق أهل الإسلام بكل ما يملك من طاقة.
وبدافع من الشعور الكامل بهذه المسؤولية يتتبع أحوال العالم الإسلامي، فلا ينال المسلمين خير إلا فرح به، ولا مسهم سوء إلا اضطرب له، ويرتفع غضبه إلى القمة حين يتعلق الأمر بدين الله؛ لذلك تراه أسرع العلماء إلى إنكار البدع؛ لأنها_بنظره_عدوان على حقائق الوحي، وتغيير لدين الله، وفي النهاية هي إبعاد للمسلمين عن جادة الإسلام.
عندما أصدرت محكمة البغي قرارها بإعدام سيد قطب وإخوانه اعترى الشيخ ما يعتري كل مؤمن من الغم في مثل هذه النازلة، التي لا تستهدف حياة البرآء المحكومين، بقدر ما تستهدف الإضعاف من منزلة الإسلام نفسه، بإرهاب المعتصمين به؛ لتخذيلهم عنه.(1/358)
وكلفني الشيخ يومئذ صياغة البرقية المناسبة لهذا الموقف، فكتبتها بقلم يقطر ناراً وكرهاً وغيرة، وجئته بها ومِلْئيَ اليقين بأنه سيدخل على لهجتها من التعديل ما يجعلها أقرب إلى لغة المسؤولين منها إلى لغة المنذرين، ولكنه حطم كل توقعاتي حين أقرها جميعا ً، ولم يكتف حتى أضاف إليها قول الله_تعالى_:في سورة النساء: [وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً] النساء: 93.
وأُرْسِلَتْ يومئذ البرقية التي كانت_فيما أظن_الوحيدة من أنحاء العالم الإسلامي بهذه المناسبة، بما تحمله من عبارات أشد على الطغاة من لذع السياط.
وينفخ الشيطان في سَحْر أحد الحكام، فيعلن تُرَّهاته بالطعن على كتاب الله وعلى رسوله، بتوجيهاته التي تقيأها في مؤتمر للمعلمين عام 1394هـ، وكان المجلس الاستشاري_الذي يضم ثلة من كبار علماء العالم الإسلامي_يواصل اجتماعاته بالجامعة الإسلامية لدراسة المناهج وتطويرها، ولإصدار توصياته بشأن الإحداثات التي تتطلبها المرحلة الجديدة، فوجه المجلس عدداً من برقيات الاحتجاج والاستنكار لمزاعم الطاغية، حملت توقيعات الأعضاء جميعاً ماعدا واحداً اكتفى بالدعاء عليه!
على أن الشيخ لم يستطع الاكتفاء بذلك فخلا إلى كاتبه يملي عليه مقالاً في تفنيد تلك الأباطيل وفضح مزاعم الطاغية، التي تنم عن منتهى الجهل بالإسلام ولغة العرب.
وقد نشرت الصحف والمجلات ذلك البيان الذي كان قطعة بارعة من فقه الشيخ، وأدبه، وغيرته اللاهبة على دين الله.
ويتلو تلك الهجمة الطائشة عدوان طواغيت الصومال من الشيوعيين على شريعة الإسلام، إذ ألغوا أحكامها العادلة في موضوع الإرث والحياة الأسرية، ليحلوا مكانها أحكام الجاهلية الماركسية.(1/359)
ولما أعلن علماء مقديشو حكم الله في عدوانهم هذا_أخذت الظالمين العزة بالإثم، فأحرقوا عشرة منهم وهم أحياء، وزجوا بالعشرات الآخرين في السجون؛ فكان لهذا الطغيان الرهيب أثره العميق في قلب الشيخ، لم يملك بإزائه سوى القلم الذي حمل إلى البغاة ما يجب أن يتلقوه من مثله.
وقبل ذلك كان للشيخ صولة في رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة خرج منها بالقرار التاريخي، الذي يدين طغمة الشيوعيين الذين يفرضون وجودهم بقوة الحديد والنار وطواغيت موسكو على مسلمي الجنوب العربي، الذي لم تقف فيه حمامات الدم منذ استيلاء هذه العصابة الحاقدة على زمام السلطة في عدن وحضرموت.
وعلى هذا الغرار يمضي الشيخ في مواجهة الأحداث التي تلم بالإسلام وأهله على مستوى العالم الإسلامي كله+.
ثم انتقل إلى الحديث عن موقف لسماحة الشيخ لما كان في الجامعة الإسلامية، وذلك لما زارها الملك فيصل×فقال في فقرة تحت عنوان:
=خطاب وكتاب+
في العام 1393هـ استقبلت الجامعة الإسلامية رئيسها الأعلى المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز أثناء زيارته الثانية لها.
وفي المظلة الكبرى أمام المباني الإدارية وقف الشيخ يحييه بكلمة ضافية، جامعة، أوجز فيها تاريخ الجامعة منذ نشأتها حتى يومها ذاك، وعرض لأطوارها المختلفة، وجنسيات طلابها، وعدد خريجيها، ومصايرهم بعد التخرج، حيث انطلقوا يحققون رسالتها في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، فأبرز بذلك أهمية هذه المؤسسة، وآثارها البعيدة في تركيز معاني الإسلام، والوقوف بوجه الزحوف المعادية له من الشرق والغرب، ثم عَرَّج من هناك على واجب حكام المسلمين نحو الإسلام في حمايته وتنفيذ شريعته.(1/360)
وما أروع تلك اللفتة المباركة التي ركز عليها الشيخ عندما عرض لأهمية الإعلام الحديث في تبليغ الدعوة وإبراز محاسنها للسامعين والناظرين والقارئين، وراحَ يُذَكِّر الملك والأمراء الذين معه بمسؤوليتهم الضخمة في هذا الصدد، ولم يكتمهم ملاحظاتِه الصريحةَ حول واجب صون الإعلام السعودي من الانجراف في المزالق التي سبق إليها الآخرون، الذين لا يستشعرون أي مسؤولية نحو الإسلام.
كان الشيخ يتدفق بهذه المعاني في حرارة توحي إلى السامعين أنه يؤدي أمانة، ويبرئ ذمة، وكأنما انتصب في ضميره مشهد الحشر حيث يُسأل كل إنسان عما عمل، وتكون مسؤولية العلماء أضخم المسؤوليات.
ولقد كان لأسلوب الشيخ ساعتئذ أروع الأثر في القلوب، إذ سلك إلى غرضه أحكم المسالك فجمع بين اللطف والقوة، وقدم مواعظه ونصائحه ملفوفة بظروف من نور.
وكنت ألاحظ وجه الملك الراحل_غفر الله له_وهو يصغي بانتباه عميق إلى كلمات الشيخ، فألمح عليه انطباعات الرضا والقبول.
ولا غرابة في ذلك فقد كان الملك فيصل_فيما نعلم_على يقين من فضائل الشيخ وعظيم إخلاصه للحق، وكان الملك كبير التقدير لكل نصيحة مخلصة×.
تلك هي ذكرياتي عن الخطاب، أما الكتاب فله ذكرى أخرى.
وكان ذلك يوم قريء على الشيخ في إحدى الصحف نبأ حدث أهمه كثيراً، إذ خشي أن يجر وراءه ما لا تحمد عقباه.
وعلى دأبه في الشورى عرض الموضوع على مجلس الجامعة فلم يخرج عن توقعاته، واستقر الرأي على أن يرفع إلى المقامات العليا ما ينبغي تذكيرهم به في مثل هذه الحال.
وفي اجتماع تالٍ أطْلع الشيخُ المجلسَ على النص الذي أعده، وكان على جانب من الصراحة كبير؛ إذ أوضح فيه الشيخ كل الذيول التي يتصورها، وذكّر أولي الأمر بموقعهم من عالم الإسلام، ومسؤوليتهم نحوه.
وحقاً لقد أدهشتني تلك الصراحة فلم أتمالك أن قلت: =الحمد لله الذي حفظ للإسلام من يقول مثل هذا الكلام+.(1/361)
وما هي سوى أيام حتى وردت الردود من الجهات العليا، وقد كان كل منها قطعة نفيسة من أدب مؤمني الحكام في مخاطبة الأعلام من علماء الإسلام.
لقد أوضحت هذه الردود البواعث التي اقتضت ذلك الأمر، وما أحيط به من تدابير حازمة لا تدع مجالاً للشك في صلاحيته.
وبذلك انتهينا إلى القناعة التامة بأنها ضرورة لا مندوحة عنها، وأن تحقيقها على النحو الذي صارت إليه بالغ منتهى السداد.
ولعمر الله إن المفكر المتدبر حين يعمد إلى تقويم كل من الكتاب والردود عليه، ليحار في أيهما هو الأرجح في موازين الخير، على أنه يظل مقتنعاً في سائر الأحوال أن المملكة ستظل بخير ما بقي لها هذا الضرب الشجاع من الأعلام، وذلك الصنف النادر من الحكام.
ثم تحدث عن خطابة الشيخ فقال:
=الشيخ الخطيب:
في تضاعيف ما أسلفت بعض الإشارات إلى بعض مميزات الشيخ الأدبية، وهنا أضيف إلى تلك الإشارات ما يوفر للقارئ صورة ولو مصغرة عن هذا الجانب من شخصيته.
ومن نوافل الأمور أن يقدر القارئ ثقافة الشيخ في اللغة والأدب، لأنهما من الأسس الرئيسية في نظام التعليم الإسلامي، ومرد ذلك إلى أن كلَّ جهدٍ يبذل لفهم الآية أو الحديث أو استنباط الحكم الفقهي_ذاهب سدى إذا لم يدعم بتعمق مماثل في قواعد العربية وآدابها وغريبها، وما يستتبع هذا وذاك من علوم البلاغة والنقد والشعر.
وبهذا كان للشيخ أدواته الكافية الوافرة لإجادة الكتابة والخطابة.
والمألوف في عالم الإسلام أن الذين يُحرمون بصرهم من أهل العلم أكثر ما تنمو قدرتهم الأدبية في نطاق الخطابة؛ لأن معظم اعتمادهم عليها في الدرس والوعظ والدعوة.
وهذا ما يتجلى واضحاً في مواهب الشيخ ابن باز.
إنه لَخطيب مِصْقَعٌ سواء في محاضراته الكثيرة، أو تعقيباته على محاضرات غيره، أو في توجيهاته الحكيمة التي تشرئب إليها الأسماع.(1/362)
ومن خصائصه الخطابية قدرته على ترتيب أفكاره حتى لا تتشتت، وضبطه لعواطفه حتى لا تغلب عقله، ثم سلامة أسلوبه، الذي لا يكاد يعتريه اللحن في صغير من القول أو كبير، وأخيراً تحرره من كل أثر للتكلف.
لقد أشرت إلى لباقته البليغة في عرض مواعظه أمام المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز، الأمر الذي لا يتاح لكثيرين من الموهوبين في مخاطبة الملوك.
وأستطيع القول: إن ذلك ديدنه في كل محاضرة، أو تعقيب يريد به تقويم خطأ، أو نقد بدعة.
إن هذا الرجل من أشد من عرفت وقرأت غيرة على حقائق الوحي واستمرارها سليمة من كل شائبة، وفي طبعه النفور من كل شذوذ عن هذا السنن، فإذا ما سمع أي شيء من ذلك لم يلبث أن ينهض للتعقيب عليه بما يبين وجه الحق، ولكن لا يتجاوز في أي كلام له نطاق الحكمة والموعظة الحسنة، مع أتم المراعاة لمشاعر الجانب المخالف.
والشيخ من نجد في الصميم؛ فهو لا يعرف المهادنة لأي شذوذ عن مَهْيع الحق، ولكن يخالف الكثيرين منهم في أسلوب التبليغ، ففي حديثه اللين واليسر والتقدير والبعد عن كل تنفير، وهي صفات الخطيب البليغ.
في التمهيد لإحدى المحاضرات في دار الحديث تلا مقرئ سورة =البلد+ وقرأ على طريقة ورش قوله تعالى: [فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً] البلد: 11_15 فقاطعه الشيخ طالباً منه أن يتلوها كما هي في مصحف عثمان÷ولكن المقرئ لم يفعل، ولعله لم يتنبه لما قاله الشيخ، حتى أتم السورة.(1/363)
وهناك وقف معرِّف الحفل، وهو أحد نوابغ طلابنا المتخرجين في كلية الشريعة، يعقب على طلب الشيخ ببيان جميل، يؤكد به صحة القراءة على أنها إحدى المتواترات السبع، وضرورة إشعار الناس بها، وبخاصة في مثل هذه المناسبة، كي لا يكونوا على جهل بالقراءات التي لا يسمعونها في العادة ومع أن للشيخ_لو شاء_حُجَّتَهُ في الوقوف عند القراءة المشهورة؛ خشية التشويش، كما قرر مجمع البحوث في القاهرة مع ذلك_فقد تلقى ملاحظات تلميذه بصمت الراضي عما سمع، وإنها لإحدى المزايا التي لا يُلَقَّاها إلا الذين صبروا، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم+.
ثم انتقل إلى الحديث عن منهج الشيخ في البحث، فقال:
=منهج الشيخ في البحث+
ومما يتصل بهذا الخلق من الإنصاف والسجاحة مقالاته في موضوع دوران الأرض، ومناقشاته لأنصار الهيئة الجديدة من المعارضين لأفكاره.
لقد كثر التراجع بينه وبين هؤلاء، وألف في ذلك كتاباً خاصاً يدعم به ما وصل إليه من رأي في هذا الأمر بالأدلة الحسية والنقلية.
ومع يقينه بما ذهب إليه لم يقل في مخالفيه إلا أنهم مجتهدون مخطئون.
بخلاف غيره من الذين يرون رأيه، ولا يرون وسيلة للحوار بغير السب واللعن والتكفير.
وقد سبق أني فصلت موقف الشيخ ومناظريه من هذا الموضوع في كتابي =مشكلات الجيل في ضوء الإسلام+ ونبهت إلى منهجه الذي يعتمد ظواهر النصوص، مع احترامه لكل اجتهاد يخالفه، ما دام قائماً على دليل أو شبهة من دليل.
وقبل أن أتهيأ لكتابة هذا الفصل عن الشيخ سألته فيما سألت عما إذا كان قد غير رأيه في شأن دوران الأرض، ولما علمت إصراره عليه ذكرته بأن للدوران دلائل شبه قاطعة في كتاب الله، وذلك أنه سبحانه لم يقل [وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ] يس: 40 إلا وقد ذكر الأرض قبل ذلك فيما ذكر من السابحات، فهي داخلة فيهن، فكان جوابه: أن الأرض في كلا الموضعين من كتاب الله مذكورة على بعد من السبح، فلا يرى مناسبة لإدخالها فيه.(1/364)
فالخلاف إذن يكاد ينحصر في الدلالات اللغوية لنصوص يرى الشيخ أنها تتسع لأكثر من اجتهاد، وقد اختار أحدها اقتناعاً منه بأنه الأسدُّ، دون أن يُشَهِّر بمن ذهب في فهمها غير مذهبه.
ومما تقدم يتضح أن منهج الشيخ في البحث قائم على التزام النص في كل ما يتصل به.
وبما أن النصوص مع ثبوتها القطعي قد تتفاوت في دلالاتها_فله حق الاجتهاد في فهم الدلالة كما لغيره ذلك، وهو منهج لا غبار عليه عند أولي العلم.
ولعل من هذا القبيل موقف الشيخ من موضوع الطلاق، إذ هو ينظر إليه على ضوء الدليل فيذهب فيه مذهب الذين لا يرون التفريق به إلا بشروطه، وبذلك يخالف اجتهادات المذاهب لاقتناعه بما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وأشباهه، وقد عرف له قضاة المملكة هذا الاجتهاد؛ فهم يأخذون به دون تقيد بالمذهب.
وقد حدث أن استفتاءً في هذا الشأن عرض على الشيخ فكتب جوابه فيه وَفْقَ اجتهاده، ولم يكن قد علم بأن ثمة فتوى مخالفة صدرت بالموضوع من أستاذه المرحوم الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي المملكة، فلما رفع الأمر إلى المغفور له الملك عبدالعزيز، وجه إلى الشيخ خطاباً قاسي اللهجة بسبب ذلك، ورد الشيخ على الخطاب الملكي بما يؤكد احترامه لشيخه، وأنه لم يسبق إلى علمه أن له في القضية فتيا، أما حجته في فتواه فقائمة على الأدلة الثابتة من كتاب الله وسنة رسوله، وفهوم الكثيرين من أئمة العلم، ولا سبيل له إلى مخالفة قناعته.
وهكذا انتهى الخلاف الفقهي بتقدير كل من الأطراف موقف الطرف الآخر.
وهكذا نواجه مشهداً آخر من صور الحياة الإسلامية، يتعاون فيها العلم مع الحكم بصورة لا تطمع بلقاء مثلها في أي بلد خارج حدود المملكة العربية السعودية.
=الشيخ والنشاط العلمي+(1/365)
والشيخ المترجَم واحد من كبار أهل العلم بإجماع الكبار من علماء المسلمين، فلا بد أن يكون لديه من فيوض المواهب ما يمكن نقله عنه والانتفاع به خارج مكانه وزمانه، ونسرع إلى القول بأن على القارئ ألا ينتظر من الشيخ شعراً، لأنه_كما أخبرنا_جربه قليلاً ثم غلب عليه العلم.
على أن المنشور من مؤلفاته قليل بالنسبة إلى ذخائره العلمية.
وفيما أسلفنا من الحديث عن جهود الشيخ وأبعاد مسؤولياته ما يفسر السبب في قلة تواليفه من الكتب الخاصة.
على أننا حين ننظر إلى نشاطه العلمي من خلال الواقع نجد أنفسنا تلقاء مساحة أكبر من هذه المؤلفات، فللشيخ بحوث علمية، وردود فقهية واجتماعية نشرت في العديد من المجلات والصحف داخل المملكة وخارجها.
هذا إلى المقادير الضخمة من الفتاوى التي رد بها على مستفتيه المنتشرين في مختلف أنحاء العالم.
وفي ظني أن هذه الآثار المكتوبة لو ضم بعضها إلى بعض لأضافت إلى مؤلفاته المذكورة عدداً غير قليل من المجلدات، والمتوقع أن يتم ذلك قريباً، أو بعيداً إن شاء الله.
تآليف غير مكتوبة:
أما آثار الشيخ غير المكتوبة فمن المتعذر إحصاؤها، وأقلها هو الذي تحفظه المسجلات الحديثة، مما يتطلب نسخه الوقت الطويل، والتتبع الذي يمتد إلى خارج حدود المملكة كذلك.
وقد سألنا سماحة الشيخ عن أحب كتبه إليه فأشار إلى =التحقيق والإيضاح+ وعلل ذلك بعموم نفعه، وشدة حاجة الناس إليه.(1/366)
وفي تعيينه هذا الكتاب بالذات دلالة على طبيعة الشيخ، والميزان الذي يقوّم به العمل؛ ذلك أن قيمة الإنتاج بنظره عائدة إلى مدى خدمته للشريعة، وهو إنما عمد إلى تأليف =تحقيقه+ هذا لما رأى من الأخطاء الكثيرة، والبدع الوفيرة التي يتعرض لها حجاج بيت الله، وزوار مدينة رسوله؛ فالهدف منه_إذن_هو دلالة الناس على المحجة الواضحة من عمل رسول الله"وصيانة عبادتهم من مؤثرات الجاهلية والدجالين والمتاجرين، وهو نفسه الهدف الذي يرمي إليه في سائر أعماله، ولا ينفك عن التزامه في كل ما يحدِّث ويكتب ويعلّم.
وقد عرف المسؤولون بالمملكة لهذا الكتاب أثره فتولت الجامعة الإسلامية طبع مئة ألف نسخة منه للتوزيع العام، هذا فضلاً عن العديد من طبعاته السابقة+.
ثم انتقل إلى الحديث عن مجالات سماحة الشيخ العلمية، فقال:
=وحين استوضحنا سماحة الشيخ عن أحب العلوم إليه لم يزدنا على ما نعرفه عنه من خلال حياته وآثاره، فالعقيدة المستمدة من الكتاب وصحيح السنة في رأس العلوم، والعلم بها وتعليمها هما العمل المفضل لديه؛ إذ على العقيدة السليمة تنبني بقية العلوم؛ فصحتها سبيل لصحة ما وراءها، وفسادها هو المنزلق إلى معظم الفساد الذي تتعرض له علوم الدين الأخرى. ومعلوم أن العقيدة التي يؤمن بها الشيخ ويدعو إليها في كل مناسبة هي التي تلقاها الرعيل الأول عن صاحب الرسالة"وقررها القرآن العظيم على لسان كل نبي أرسله الله لهداية الخلق، فكل انحراف عن حقائقها محبط للعمل، وصارف عن نور الله.(1/367)
ومن أسس هذه العقيدة إمرار صفات الله على ما وردت دون تكلف لتأويل أو تعطيل، إذ ليس كمثله_سبحانه_شيء، مع أنه السميع البصير؛ فإثبات السمع والبصر والصفات العلى، التي أثبتها الله لذاته في القرآن والسنة الصحيحة هما قرينة النفي لكل مشابهة بينه وبين خلقه_سبحانه_فهو سميع، ولكن لا يشبه سمعه سمع، وهو بصير، ولكن لا يشبه بصره بصر، وسمعه وبصره وسائر صفاته العلى إنما هي مما يليق بكمالاته التي انفرد بها كما انفرد بوحدانيته.
والشيخ لا يرى وسيلة لتثبيت العقيدة الصحيحة كالدلالات الحاسمة من الكتاب والسنة، فعليها يجب الاعتماد، وعندها تقف المحاولات.
وكل تعويل على سواها مما ذهب إليه علماء الكلام مؤدٍّ إلى الاضطراب والتشويش، إلا أنه لا يرى بأساً في الإلمام بعلم الكلام لأهل العلم الذين لديهم من الحصانة العقلية ما يصونهم من ذلك التشويش.
ثم يلي علم العقيدة_في تقويم الشيخ واختصاصه_علوم التفسير والحديث والفقه.
وفي الفقه بخاصة يقول: إنه يأخذ بأصول أحمد×غير أنه لا يتقيد بالمذهب إذا ظهر له الدليل على خلافه.
ويقول الشيخ: إن الاجتهاد في تقصي الأدلة مفضل لديه؛ لأن واجب أهل العلم الأخذ بالدليل من الكتاب والسنة، ورد ما تنازع فيه الناس إليهما، ففي ذلك طمأنينة القلب وراحة الضمير؛ لإيمان طالب العلم بأنه يأخذ الحكم عن الله ورسوله لا عن الرجال+.
ثم انتقل إلى الحديث عن رأي سماحة الشيخ في مستقبل الجيل فقال:
وسألنا الشيخ رأيه في مستقبل الجيل الإسلامي في المملكة وسائر أنحاء العالم، فأملى علينا سماحته ما خلاصته:
=إن الجيل المعاصر من شباب الإسلام يتعرض لخطر عظيم إن لم ينشط العلماء والمعلمون والحكام لتداركه+.
ثم تحدث في فقرة تحت عنوان:
=بدعة وسنة+ فقال:(1/368)
=والكلام عن موقف الشيخ من البدع، وحماسته في الذود عن حقائق التوحيد يشدني إلى ذكرى يتعذر عليّ نسيانها؛ ذلك أنني كنت أصغي إليه ذات يوم في الصفوف المتقدمة من المسجد النبوي، يتحدث إلى المصلين في أمور العقيدة، ومنهج السلف في العبادة، مؤيداً كل حكم بشاهده من آيات الله وسنة رسوله".
وتوقف سيل الناس الذين تحولوا بوجوههم إليه يتابعون موعظته. وكأن هذا المشهد قد أحرج بعض =الطرقيين+ من نزلاء المدينة فجعل يهيب بمن حوله للخروج وهو يتمتم بما يترجم سخطه.
لقد هز هذا المشهد مشاعري فلم أتمالك أن أصوغها في أبيات جعلت عنوانها =بدعة وسنة+ وأثبت في ذيلها التذكرة التالية:
=ولدت هذه الأبيات عقب سماع موعظة للشيخ ابن باز في الحرم النبوي، وقد انسحب من بين المستمعين بعض المخرفين+.
وأنا إذ أوردها فيما يلي إنما أسجل بذلك واقعة تضاف إلى أشباهها من مواقف الشيخ في خدمة الحق الذي وقف نفسه عليه:
أرضيتَ ربَّك والرسولَ وكلَّ مَنْ
نبذ الضلال وبالكتاب تقيدا
لكنَّ أسرى الابتداع تنكروا
لما أغرت على الخرافة بالهدى
جعلوا أكُفَّهُمُ على آذانهم
وتسللو مثنى هناك وموحدا
يتخافتون: أنِ احذروا لا تُذهبوا
ما قد ورثتم عن شيوخكم سدى
سر الحقيقة مُلْكُ سادتنا، وما
عند الدعاة الآخرين سوى الصدى
فإذا هم وردوا الحديث فحسبنا
قرب المشايخ والمسابح موردا
ومضيتَ تنذر بالكتاب مذكرا
وبسنة المختار تهتف مرشدا
والدين: قال الله قال رسوله
لاما يرقشه الغواة على المدى
والحق مثل الشمس يجمل ضوؤه
للناظرين ولا يروق لأرمدا
فجزاك ربك عن حقائق وحيه
أسنى الثواب وعن شريعة احمدا
وأخيراً ختم الشيخ المجذوب ترجمته بفقرة رائعة تحت عنوان:
=مشهد لا ينسى+ فقال:
=ونختم هذه الرحلة مع الشيخ بتلك الصورة التي ما أحسب واحداً ممن شهدوها بقادر على نسيانها.(1/369)
كان انتقال الشيخ إلى منصبه الجديد في الرياض مفاجأة لكل من في الجامعة مدرسين وطلاباً وموظفين، لا يشبهها إلا فقدان أسرة راعيها الحليم الرحيم.
وذات يوم عاد إلى المدينة في زيارة عابرة، فكانت فرصة مرموقة للاجتماع على وداعه.
وفي مسجد الجامعة احتشد هؤلاء؛ ليعبروا عن تقديرهم للرجل الذي خالط حُبُّه دماءهم، فكانت هناك كلمات أملاها الإخلاص دون إعداد، حتى جاء دور الشيخ للتعقيب عليها، فإذا هو يتعثر في التعبير؛ إذ غلبه التأثر، فلم يتمالك أن يبكي.
لقد كانت تلك الدموع الحارة أبلغَ خطاب سمعته للشيخ، وأشدَّ خُطَبه المبينة تحريكاً لمشاعر سامعيه، حتى غمر التفاعل كل من في المسجد، فهم بين باكٍ في صمت، ومُعْوُلٍ في نشيج.
وما أحسب ثمة بياناً أدل على مدى الترابط الروحي بين الشيخ وهذا الجمع من مثل ذلك الموقف.
ووجدت في نفسي دافعاً لا يُدفع إلى الكلام في أعقاب هذا المشهد المثير، فكان مما جرى به لساني هذان البيتان:
بكينا وفاءً لامرئ قل أن يُرى
له في الدعاة العاملين نظيرُ
فخلوا ملامي إن ألحَّ بي البكا
فإن فراق الصالحين عسير
وحقاً لقد كان فراق الشيخ ابن باز للجامعة الإسلامية عسيراً؛ لأنه فرق بينها وبين الرجل الذي باشر غرسها من أول أيامها، ثم مضى يسقيها ذوب قلبه، ويبذل لها من الجهد ما لا يضاهيه إلا سهر الأم على طفلها الحبيب؛ فجزاه الله عن الجامعة وأهلها، وعن الإسلام الذي وهب نفسه كلها له، خير ما يُجزى الدعاة العاملون المصلحون+.
وبهذا نصل إلى نهاية ترجمة المجذوب لسماحة الشيخ_رحمهما الله_.
كان سماحة الشيخ×يتمتع بصحة جيدة في الجملة فلم يكن يعاني من كثير من الأمراض التي كان يعاني منها من هو في سنه، أو في مكانته ممن يتصدون للناس، بل من هم أقل منه بكثير؛ فسماحته لم يكن مصاباً بمرض السُّكَّر، ولا بالضغط، ولا =بالكوليسترول+، ولم يكن يمتنع عن طعام، ولا يوجد معه مرض مزمن.(1/370)
بل كان_مع كبره_يحب الطعام الحلو، فكان يحب الشاي الحلو، وكان ضمن عشائه حلاوة الطحينية، بل كان يأكلها منفردة بلا خبز أحياناً.
أما الأعراض التي تمر بالناس فقد تمر به إلا أنها لم تكن تعوقه، أو تلزمه الفراش، فالشيخ×عاش ممتعاً بالصحة والعافية في الجملة، عدا الأمراض العارضة التي مرت به، والتي سيمر الحديث عنها في فقرة قادمة.
والسبب في صحته وعافيته_أولاً وآخراً_يعود لمحض فضل الله، ثم لإقبال سماحته على ربه، وإكثاره من ذكره، وشكره، وعبادته، والإقبال عليه بشتى القربات، وحرصه على قضاء الحوائج، وتنفيس الكربات؛ فإن لهذه الأمور أبلغ الأثر في أن يمتع الإنسان بالعافية.
ثم إن هناك سبباً مباشراً في تمتعه بالصحة والعافية ألا وهو مزاج الشيخ المعتدل؛ فسماحته ليس من أهل الوهم، والمبالغة في تعظيم الأمور.
وهناك سبب_أيضاً_وهو اعتدال سماحته في مطعمه ومشربه.
ومع ذلك فقد مرت به أمراض شديدة في فترات من عمره؛ فلم يفارقه حلمه، ولا سكينته، ولا فَتَّتْ تلك الأمراض من عضده، ولا نالت من همته ولا خلقه.
وأذكر قبل خمس سنوات أو ست من وفاة سماحة الشيخ أنه راجع مستشفى الملك فيصل التخصصي؛ لإجراء بعض الفحوصات، ولما رأى الأطباء حال الشيخ وضعف قواه، وكبر سنه_أوعزوا إلى بعض أبنائه بقولهم: إن الشيخ منهكٌ نفسَه وهو بهذا السن؛ فنرجو إبلاغه بأن يخفف على نفسه، وأن يعطيها شيئاً من الراحة؛ فهو محتاج إلى ذلك.
ولما جلس سماحة الشيخ بعد صلاة الفجر في مكتب البيت جاء ابنه الذي أوصاه الأطباء بما مضى ذكره، وقال: يا سماحة الوالد: الأطباء يوصون سماحتكم بكذا وكذا، ونرجو الأخذ بتوجيههم، وأن ترفقوا بأنفسكم، وأن تقللوا من الحديث والعمل.
وكنت أنظر إلى سماحة الشيخ، وهو يستمع إلى كلام ابنه، فلما فرغ من كلامه قال سماحته: ما يكون إلا خير، واستمر على حاله، ولم يغير شيئاً من نظامه، بل ربما زاد عليه، كما سيأتي تفصيل ذلك في الفقرة التالية.(1/371)
مع أن سماحة الشيخ عاش في الجملة ممتعاً بالصحة والعافية_كما مر_إلا أنه أصيب بأمراض شديدة في أوقات متفرقة في عمره.
وهذه الأمراض كفيلة في حَطْمه، وإنهاكه، وقطعه عما هو بصدده من العلم، والتعليم، والقيام بمصالح المسلمين.
إلا أن الأمر كان بعكس ذلك تماماً، وسَيُذْكر فيما يلي نبذة من الأمراض التي مرت به في فترات حياته، وسترى خلال السياق عجباً يبهر عقلك، ويأخذ بلبك، وستجد في طَيِّهِ أمثلة رائعة في الصبر، والرضا، وقوة التحمل، واستواء الطرائق، ولزوم الاعتدال في جميع الأحوال، وسترى الكرامات والإعانات التي خصه الله بها في فترات مرضه.
فمن تلك الأمراض التي أصابته ما يلي:
1_ حصى المرارة عام 1383هـ: حيث يذكر بعض المرافقين لسماحته أنه أصيب عام 1383هـ لما كان نائباً لرئيس الجامعة الإسلامية بحصى في المرارة؛ فاجتمع الأطباء، وقرروا له عملية جراحية، ووعدهم أنه سيأتي في الصباح لإجراء العملية.
فلما جاء في الصباح فكر، وتروَّى كثيراً، وصلى صلاة الاستخارة، فتغير رأيه، وعدل عن إجراء العملية، واتجه إلى عمله في الجامعة.
فاتصل به الأطباء يسألونه عن تأخره، فقال لهم: رأيت ترك العملية، وإن شاء الله لن يحصل إلا الخير.
ومنذ ذلك التاريخ إلى آخر ذي الحجة عام 1417هـ لم يعانِ من ذلك المرض البتة.
وفي ذلك العام أعني 1417هـ وفي آخر ذي الحجة أحس سماحته بألم ومغص شديد لم نعلم به إلا فيما بعد؛ إذ لم يخبرنا، ولم يخبر أحداً من الموظفين ولا غيرهم، وكان سماحته آنذاك في مكة المكرمة.
ولم يتناول ذلك اليوم يوم السبت طعام الغداء، وبعد مغرب ذلك اليوم جاء من صلاة المغرب واتجه إلى داخل منزله؛ فدهشنا لذلك.
فلما قرب وقت أذان العشاء جاء إلى المجلس العام، وسلم عليه الناس، واستقبل الأسئلة، وذوي الحاجات كالعادة، ونحن لم نعرف شيئاً عن الموضوع.(1/372)
وبعد الأذان ذهب إلى الصلاة، وعلق على الحديث قبل الصلاة، وأجاب عن بعض الأسئلة، وبعد الصلاة عاد إلى بيته، وكان عنده اجتماع مع معالي الشيخ محمد بن عبدالله بن سبيل، ومعالي الشيخ الدكتور صالح ابن عبدالله بن حميد وجماعة من المشايخ المسؤولين عن دار الحديث الخيرية؛ وهؤلاء أعضاء المجلس الأعلى للدار، وكان الاجتماع بخصوصها، وسماحته هو الرئيس وحضر عنده_أيضاً_بعض المطلقين، فأنهى معاملاتهم، وأتم الجلسة مع المشايخ ونحن لا نعلم شيئاً من أمره إلى الآن.
ولما قدم طعام العشاء، ودعي إليه سماحته قال للحاضرين: تفضلوا، أنا ليس لي رغبة في العشاء وجلس حتى انتهوا من العشاء في الساعة العاشرة ليلاً، ثم ودعهم وانصرف إلى داخل المنزل.
فلما جاء صباح الغد_أي صباح الأحد_صلى الفجر في المسجد، وجاء إلى المنزل كعادته إذ لم يكن عنده درس، فقرأت عليه جملة من المعاملات؛ فلما انتهت الجلسة المعتادة دخل داخل منزله.
فلما جاءت الساعة التاسعة صباحاً نزلت من غرفتي وإذا بالشيخ جالس في المجلس فاستغربت لذلك؛ لأن عادته أن يكون موجوداً في مكتبه في مقر العمل في ذلك الوقت، وكان معالي الدكتور محمد بن سعد الشويعر جالساً بجواره، فجئت إلى جوار سماحته، وبدأت أقلب بعض المعاملات استعداداً لعرضها على سماحته، فقال سماحته: أريد أن تذهب إلى مستشفى النور التخصصي وتقول للمدير يرسل إليَّ طبيباً؛ لأنني من أمس السبت وأنا أشعر بمغص شديد، ولم أتغدَّ أمس، ولم أتعشَّ البارحة، وهذا الصباح لم أستطع تناول شيء من الطعام، ولم أنم إلا قليلاً.
وفي هذه الأثناء نزل الدكتور محمد الشويعر، فقلت لسماحته: أرى أنك تذهب إلى المستشفى، وكذا قال له الدكتور الشويعر هذا الكلام.(1/373)
فقال سماحته: الذهاب إلى المستشفى لا نرغبه إلا إذا دعت الضرورة؛ فذهبت إلى المستشفى بسيارة الشيخ الخاصة، فلما دخلت المستشفى وجدت مدير المستشفى، وأظن أن الدكتور الشويعر أو غيره أعلمه بالخبر عبر الهاتف.
فلما أخبرته قال: سنأتي_إن شاء الله_أنا ومعي خمسة من الأطباء، فلما حضروا بدأوا بتوجيه بعض الأسئلة لسماحته حول المرض، وتحسسوا موضع المرض، وعرضوا على سماحته الذهاب إلى المستشفى، فقال: لا بأس وكانت الساعة العاشرة صباحاً من يوم الأحد.
فلما وصل إلى المستشفى، وبدأوا بالكشف عليه قرروا أن سماحته مصاب بحصى في مرارته، وأنه لابد من إجراء العملية، ثم أعطوه مسكناً، ومغذياً، فارتاح سماحته ونشط.
يقول الدكتور محمد الشويعر_وكان مرافقاً له هناك_: =لما سمع سماحته أذان الظهر قال: سوف نذهب للمسجد، فقال له الدكتور محمد: نحن في الدور كذا، ويوجد دَرَجٌ مُتْعِبٌ، وبين المسجد والمستشفى طريق بارز للشمس.
فقال سماحته: ولو كان، هذه فرصتنا، في سبيل الله، ولعله لا يأتيهم أحد يذكرهم.
فقلنا له: هناك صالة كبيرة ويجتمع فيها عدد كبير من الناس.
فقال×: إذاً لا بأس؛ فاجتمع الناس في الصالة المذكورة، وصلى بهم سماحته، وألقى بهم نصيحة قيمة، وذكرهم، ووعظهم. + اهـ.
ولما جاءت الساعة الثانية ظهراً ذهبنا إلى زيارة سماحته، وكنت أعلم أن سماحة الشيخ لا تطيب نفسه إلا أن نقرأ عليه الكتب أو المعاملات؛ فآثرت الكتب؛ لأنه يأنس بها أيما أنس، وكنت في تلك الأيام أقرأ عليه كتاب إعلام الموقعين لابن القيم×بناءً على رغبة سماحته، فأحضرته معي؛ لأن سماحة الشيخ سيسأل عما في يدي مما يُقْرأ.
فلما دخلت عليه وسلمت رد السلام، وقال: ماذا بيدك يا أبا موسى ؟ فقلت: إعلام الموقعين فقال×: ونعم (31)، سم الله، فبدأت أقرأ عليه، حتى أتممت قراءة صفحات عديدة عليه.(1/374)
ولما علم المسؤولون في الدولة عن دخول سماحته المستشفى صاروا يتصلون، ويسألون عن حاله بين الفينة والأخرى.
وكان×قد وافق على إجراء العملية التي قررها له الأطباء، ولما علم صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز بذلك اتصل وقال: تؤجل العملية حتى نرسل طبيباً من المستشفى التخصصي؛ ليشترك مع أطباء مستشفى النور.
وكان موعد وصول رحلته مساء يوم الأحد المذكور آنفاً.
واتصل صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وأفاد أنه سوف يرسل جماعة من الأطباء من مستشفى القوات المسلحة في الرياض، ورغب سموه بأن ينتقل سماحته إلى مستشفى الهدا في الطائف، وأرسل إليه مدير مستشفى الهدا الدكتور عبدالرحمن اللنجاوي.
وكنا بعد العصر عند سماحة الشيخ، فجاء معالي الشيخ صالح بن محمد اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى وعضو هيئة كبار العلماء، وقال لسماحة الشيخ: أرى أن تلبي رغبة الأمير سلطان، وتخرج إلى مستشفى الهدا خصوصاً وأنك على وشك الخروج إلى الطائف، والانتهاء من فترة عملك في مكة.
فقال سماحة الشيخ لا بأس، قلت: إذاً أذهب وأخبر السائق؛ حتى يأتي بسيارتك، فقال الشيخ صالح: أنا الذي أوصل سماحته بسيارتي.
فعدت إلى بيت سماحته في مكة، وغادر هو إلى الطائف بسيارة الشيخ صالح، وكنا قد أخبرنا أبناء سماحته بما جرى لوالدهم، فلما وصلت البيت وإذا بابنه الشيخ أحمد، فأخبرته بأن والده قد ذهب إلى مستشفى الهدا، فذهبنا إلى المستشفى، فلما قاربنا المستشفى صلينا المغرب في أحد المساجد القريبة من المستشفى، ولما خرجنا من المسجد، وركبنا السيارة وإذا بنا نسمع صوت سماحة الشيخ بواسطة مكبر الصوت من مسجد المستشفى وهو يلقي نصيحة بعد صلاة المغرب.
فلما وصلنا المستشفى وجدنا أنه قد فُرِّغ لسماحته جناح خاص، ووجدناه قد امتلأ بالناس ما بين مُسَلِّم، وسائل، وطبيب، ونحوهم.(1/375)
وكان موعد وصول الأطباء الذين أرسلهم الأمير سلطان في الساعة التاسعة ليلاً، وكان موعد إجراء العملية في الساعة التاسعة صباحاً.
فلما حان وقت العملية اجتمع الأطباء لإجراء الفحوصات الأخيرة؛ فلما بحثوا عن الحصاة، وتلمسوها لم يجدوا شيئاً البتة، مع أنهم قرروا آنفاً أن الحصاة موجودة.
فقالوا: يا سماحة الشيخ ! الحصاة لا توجد، لقد خَرَجَتْ، وسلَّمك الله منها بدون عملية فقال×: إذاً نخرج من المستشفى، ماذا ننتظر، انتهى المقصود.
فقالوا: يا شيخ بقي بعض التحاليل، والإجراءات التي لا بد منها، فحبذا أن تنتظر بعض الوقت ولو إلى صلاة العصر.
ثم خرج بعد ذلك من المستشفى سليماً معافى، ولم يَشْكُ من المرارة بعد ذلك ولله الحمد.
ومنذ دخوله المستشفى إلى حين خروجه لم تتوقف الزيارات، والسؤالات عن صحته، والمكالمات الهاتفية للاطمئنان عليه من محبيه، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد، والأمراء، والعلماء، والأعيان، وسائر الناس.
2_ إصابته بمرض القلب عام 1402هـ: ففي ذلك العام أصيب سماحة الشيخ×بمرض في القلب، فطلب طبيباً لزيارته في بيته، وصَرْفِ العلاج المناسب له.
فلما جاء الطبيب، واطلع على حالة الشيخ قال: أرى يا سماحة الشيخ أن تدخل المستشفى؛ ليطلع المختصون على حالتك، ومن ثم يصرف لك العلاج المناسب؛ فهذا أمر لابد منه.
فقال سماحةالشيخ. : أرى أن تصرف لي ما تراه من العلاج، أما دخول المستشفى فلا أرى حاجة لذلك، وإن شاء الله ما يكون إلا الخير.
فلما علم المسؤولون اهتموا بأمره اهتماماً كبيراً، وجاء إليه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز وقال: يا سماحة الشيخ: الملك فهد يقول: نحن نعرف أن الشيخ لا يحب الانقطاع عن الناس، ولكن أخبروه أنه سَيُفَرَّغُ له جناح خاص في مستشفى الملك فيصل التخصصي، ويفتح المجال للناس يدخلون عليه متى شاء ذلك.(1/376)
فقال سماحة الشيخ: إذاً لابأس، وذهب إلى المستشفى المذكور، ومكث فيه عدة أيام، وأجريت له الفحوصات اللازمة، وصرف له العلاج المناسب، وشفاه الله_عز وجل_.
وكان عمله طيلة فترة وجوده في المستشفى يسير على الترتيب المعتاد من قراءة للكتب، والمعاملات، واتصال الناس عليه بالهاتف، وزيارتهم له، والسلام عليه، ونحو ذلك.
يقول أحد المشايخ: إن سماحة الشيخ قال له: إنني أول يوم دخلت فيه المستشفى جلست وحدي بعد الفجر، فطال عليّ الوقت، وصار عندي ملل؛ لرغبته في الدرس، والقراءة.
يقول: فجعلت أقرأ ما تيسر من القران، وأتذكر محفوظاتي من السنة، ومن ألفية ابن مالك وغير ذلك.
ولما اتصل عليه بعض المسؤولين في رئاسة الافتاء قال لهم: هاتوا ما عندكم من المعاملات، والكتب، وبعض الموظفين.
وقد دخلت عليه بعد صلاة المغرب، وقد اجتمع الناس حوله في صالة في المستشفى، وقد صلى بهم، وألقى كلمة بعد الصلاة تتضمن نصيحة، وتوجيهاً.
وأثناء إلقاء الكلمة جاء الطبيب الذي يتابع حالة سماحته، ولما أحس أن الطبيب حوله أبرز له الجهاز الذي وضع في رقبته لمتابعة وظائف القلب، وهو مستمر في حديثه لم يتوقف.
وفي غرفته في المستشفى عشرات الكتب؛ فسبحان من هَيَّأه لهذه المهمات، وأعانه على ذلك، وبارك في حياته، وجعل هذه الأعمال تلازمه وهو على سريره في المستشفى.
3_ إصابة ركبة الشيخ: وفي شهر شعبان عام 1414هـ سقط سماحته من درجة داخل بيته، فتأثرت ركبته، وتعب تعباً عظيماً، وصار معه آلام شديدة.
ولما ذهب إلى مستشفى قوى الأمن في الرياض قرر الأطباء إجراء عملية جراحية لركبة سماحته ولكن الشيخ لم يعط الموافقة النهائية لإجرائها، وكان في تلك الأثناء يستشير كثيراً، والأغلب يشيرون عليه بإجراء العملية؛ فاستمر متوقفاً في إجرائها، والألم يشتد عليه.(1/377)
ولما علم خادم الحرمين الشريفين بشأن الشيخ أمر بتشكيل لجنة من الأطباء المختصين، وأوصى بأن يجتمعوا، ويتشاوروا في شأن العملية وبعد ذلك يعرضون الموضوع على سماحة الشيخ؛ فاجتمعوا، ودرسوا الحالة، وقرروا إجراء العميلة، وأنه لابد من ذلك.
ولكن سماحة الشيخ يستخير، ويستشير ولم ينشرح صدره لإجراء العملية.
وكان كبار المسؤولين وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي العهد، والنائب الثاني، والأمير سلمان وغيرهم من المسؤولين يتابعون الموضوع.
ولما دخل شهر رمضان لزم سماحة الشيخ منزله، ولم يخرج من بيته إلا قليلاً، وكان الألم يشتد عليه، وكان لا ينام إلا قليلاً.
ولكن هل انقطع عن العمل، وهل خلد إلى الراحة ؟
لا، بل كانت المعاملات تعرض عليه وهو داخل البيت سواء كانت المعاملات التي تتصل بالرئاسة، أو التي كانت تأتي عن طريق مكتب البيت، أو التي كانت تأتي من غيرهما.
وكنا في مكتب البيت في الصباح، وبعد الظهر، وبعد المغرب، وبعد العشاء بانتظار اتصال سماحته، فكان يتصل بنا بين الفينة والأخرى، ويقول: ماذا عندكم ؟ هل عندكم معاملات مهمة ؟ فنبدأ بقراءة ما تيسر من المعاملات، وأحياناً يشتد عليه الألم، فلا نتمها، فيقول: في وقت آخر؛ لا أستطيع المواصلة، فيضع سماعة الهاتف، ثم يتصل مرة أخرى ويقول: ماذا عندكم، وإذا اشتد به الألم توقف، وهكذا يتصل مراراً كثيرة حرصاً على إنجاز أعمال المسلمين.
ومن مكتب الرئاسة يتصل به معالي الشيخ عبدالعزيز بن ناصر بن باز المستشار في مكتب سماحته، ويقرأ عليه ما تيسر، ويتصل به معالي الدكتور محمد بن سعد الشويعر مستشار سماحته، ورئيس تحرير مجلة البحوث الإسلامية فيعرض عليه ما تيسر، ويتصل عليه الدكتور عبدالله الحكمي مدير عام مكتب سماحته، فيعرض عليه ما تيسر، وهكذا مدير المكتب الخاص في ذلك الوقت الشيخ محمد بن عبدالعزيز الراشد؛ فكانوا يتعاقبون في عرض المعاملات عليه.(1/378)
وفي يوم من الأيام زاره معالي الشيخ صالح بن محمد اللحيدان رئيس المجلس الأعلى للقضاء، وعضو هيئة كبار العلماء فوجد ثلاثة من الكُتَّاب أمامه وعن يمينه، وعن شماله.
فقال معالي الشيخ صالح: ما شاء الله يا سماحة الشيخ ! ما هذه الإجازة، وما هذه الراحة ؟
فقال له سماحة الشيخ: ماذا رأيت ؟
قال الشيخ صالح: رأيت ثلاثة من الموظفين يعرضون عليك المعاملات، ويقال: إنك مرتاح ! فقال سماحة الشيخ: هذه راحتي، أنا أمضيت في العمل سبعاً وخمسين سنة، وما أخذت إجازة ولا يوماً واحداً.
وهكذا استمر سماحته في منزله طيلة شهر رمضان، وكان الاتصال لا ينقطع بالسؤال عنه، وكان الزوار يتوافدون عليه على اختلاف طبقاتهم.
وقد زاره خادم الحرمين الشريفين في ذلك الشهر، وزاره ولي العهد الأمير عبدالله في ذلك الشهر ست مرات، وكان النائب الثاني، والأمير نايف والأمير سلمان، والأمير أحمد، والأمير عبدالعزيز بن فهد، وغيرهم يزورون سماحته، ويتصلون به ويتابعون حالته.
وبعد نهاية رمضان حدد الأطباء موعد إجراء العملية في 6/10/1414هـ؛ وفي ذلك التاريخ توجه سماحته للمستشفى واستسلم لإجراء العملية، ولكن الله سلمه منها؛ و ذلك أن الأطباء لما اجتمعوا، وبحثوا الموضوع من جديد، وكشفوا على سماحته الكشف النهائي وجدوا أن ركبته سليمة، وأنها لا تحتاج إلى عملية؛ فتماثل فيما بعد للشفاء حتى صار لا يشتكي منها إلى أن فارق الحياة.
وهذا فضل الله_عز وجل_ثم دعوات المسلمين.
أما مرضه الأخير فيحمل ضروباً من العجب، وسيكون الكلام عليه مُفَصَّلاً عند الحديث عن أيام سماحة الشيخ الأخيرة.
في أواخر شهر شعبان عام 1419هـ وبالتحديد في 26/8/1419هـ قال لي سماحة الشيخ: أنا منذ فترة وأنا أشعر بألم هنا، وأشار إلى ما تحت التجويف الصدري.
ويقول: لقد صبرت عليه لعله يزول، ولكنه استمر معي.
فقلت لسماحته: يا سماحة الشيخ ! مثلكم لا يُعلَّم؛ فَلَيْتَكُمْ أخذتم بالأسباب.(1/379)
ومنذ ذلك اليوم بدأ يراجع المستشفى التخصصي في الرياض.
وفي شهر رمضان كان يعاني من الآلام عند الأكل والشرب، وفي بعض الأيام كان يعاني من الآلام إذا جاء وقت الإفطار، فكان لا يستطيع بلع الطعام، ويلاقي من ذلك تعباً عظيماً، ويحصل معه تقيؤ؛ فيضطر إلى الدخول إلى منزله.
وإذا أُذِّن بالعشاء خرج للصلاة وكأنه لم يصب بشيء قط؛ فيذهب إلى المسجد، ويستمع للحديث الذي يقرأ عليه، ثم يقوم بالتعليق على ما يسمع، ويجيب على أسئلة السائلين، ويؤدي صلاة العشاء، والتراويح، ثم يرجع إلى منزله، ويجلس مجلسه المعتاد، ويستقبل الناس على اختلاف طبقاتهم، وحاجاتهم، ويمضي الساعتين أو الثلاث وهو لم يأكل إلا القليل من الطعام.
وفي آخر الشهر لم يكن يتناول إلا بعض السوائل، ومع ذلك لم يتغير شيء من عادته، فعمله في النهار وبعد الفجر، وبعد المغرب، وبعد العشاء هو هو.
وبعد رمضان كان لا يتناول أي طعام، ومع ذلك لم يتغير شيء من عنايته بضيوفه؛ فكان إذا قدم من العمل في الساعة الثانية والنصف ظهراً يمر بالمجلس الذي يضم عشرات الضيوف، فيسلم عليهم، ويدعوهم إلى مكان الطعام، فإذا أخذوا أماكنهم قال لهم: تفضلوا، وسامحوني أنا عندي بعض الحمية، ويدخل بيته.
ولما علم خادم الحرمين الشريفين بما حصل لسماحته اتصل به، واطمأن عليه.
وكذلك صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز كان حريصاً على سماحة الشيخ، ولقد عرض عليه مراراً أن يسافر للخارج للعلاج، ولكن سماحته لم ينشرح صدره للسفر.
ثم إن سموه_حفظه الله_أمر بإحضار عدد من الأطباء من خارج المملكة للكشف على سماحته، وَوَصْفِ العلاج المناسب له، فتم اختيار اثنين من الأطباء المختصين من أمريكا، واثنين من بلجيكا ولما اجتمعوا، وفحصوا حالة الشيخ أوصوا بِكَيِّ المريء، فصار الشيخ يتردد إلى المستشفى إذا خرج من درس الفجر في الساعة السابعة والنصف فيأخذ جلسة طبية، ثم يعود إلى بيته، ثم يذهب إلى عمله في الرئاسة.(1/380)
ولم يتأخر في تلك الأيام يوماً واحداً عن الدوام، واستمر على هذه الحال مدة؛ فكانت الاتصالات لا تنقطع في الداخل والخارج تسأل عن صحة سماحته، وكان كبار المسؤولين يقومون بزيارته، والسؤال عنه، وكان العلماء يتوافدون عليه، وكان سماحة المفتي الحالي الشيخ عبدالعزيز ابن عبدالله آل الشيخ يأتي لزيارة الشيخ عبدالعزيز بن باز×فيقوم بالنفث عليه، ويبكي تأثراً لحاله.
وأذكر أن المرض اشتد به في يوم جمعة من شهر شوال عام 1419هـ، لما كان في الرياض، فكان يعاني معاناة شديدة، وقد تقيأ في ذلك اليوم، ولم يستطع الصلاة مع الناس لا الجمعة، ولا العصر، ولا المغرب، ولا العشاء؛ فرأوا نقله إلى المستشفى، فجاءه المحبون له، ومن بينهم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ_حفظه الله_فقال لهم: أبشركم حالتي مستقرة، والأمر يسير، وسأذهب إلى المستشفى وسأعود بإذن الله.
ثم ذهب إلى المستشفى وهو في حال من الإعياء، والألم، والإرهاق، فعملوا له منظاراً، وأعطوه بعض المغذيات، والعلاجات، فاستقرت حالته.
ولما اتَّصَلْتُ ببعض المرافقين له، وسألتهم عن حالته، قالوا: إنه بخير، ولكنه يحب أن تُقرأ عليه المعاملات أو الكتب، فقام أحد المرافقين له بالقراءة، فقرأ قدراً لا بأس به، ثم ناموا، فلما جاء وقت التهجد قام سماحته على عادته، فصلى ما شاء الله أن يصلي إلى أن حان وقت أذان الفجر، فصلى الفجر بمن معه، ثم استقبلهم بوجهه وألقى عليهم كلمة، ثم أتى بالأذكار كاملة.
وبعد ذلك سأل الأخ صلاح أمين المكتب ة: ماذا معك يا صلاح ؟ قال: معي فتح الباري، وفتح المجيد.
فقال له: سمِّ الله، اقرأ، فقرأ عليه إلى حوالي السابعة والنصف.
ثم ذهبت إلى المستشفى؛ لأطمئن على سماحته في الساعة الثامنة والنصف.(1/381)
فلما دخلت على سماحته_وكنت أظنه نائماً_وجدته جالساً على كرسي يقرأ القرآن، فسلمت عليه فرد السلام، وقال: ماذا معك ؟ فقلت: معي معاملات كثيرة، ومعي الجزء الثاني عشر من فتاوى اللجنة الدائمة حيث صدر حديثاً من المطابع، فقرأت عليه معاملة طويلة تتكون من اثنتي عشرة صفحة، ثم بدأت بكتاب فتاوى اللجنة فقرأت عليه أربعين صفحة، فجاء ابنه عبدالله فبدأ يكمل القراءة إلى أن بلغ الصفحة الخمسين.
ثم جاء بعد ذلك الأطباء؛ ليطمئنوا على صحة سماحته، وقالوا له: لقد تحسنت حالتك ولله الحمد، فقال: إذاً ماذا ننتظر ؟ ألا تأذنون لي بالخروج ؟ قالوا: لا بأس، فخرجنا من المستشفى، فقال له ابنه أحمد سنتجه يا والدي إلى المنزل إن شاء الله، فقال سماحته: بل إلى المكتب، فقال له أحمد: إذاً ننتظركم بعد الظهر مباشرةً للغداء، قال: بل نأتيكم في الموعد المعروف، أي في الساعة الثانية والنصف بعد الظهر، أي بعد نهاية الدوام.
وهكذا استمرت صحة الشيخ تتدنى حتى شهر ذي القعدة؛ حيث أوصى الأطباء بأن يبقى في المستشفى عدة أيام، ولكنه لم يوافق؛ إذ كان قلبه متعلقاً بالحج، وكان عازماً عليه؛ مما حدا بالأطباء إلى أن يكثروا الإلحاح عليه، وعلى أبنائه ليقنعوه بترك الحج ذلك العام؛ حفاظاً على صحته.
كما أن الأمير عبدالله نصحه بترك الحج؛ رأفة بحاله.
وبعد إلحاح شديد طويل وافق على ترك الحج ذلك العام، ووجه نائبه سماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ بأن يقوم مقامه بالحج، ولما وصل الخبر إلى سماحة نائبه بكى، وتأثر أيما تأثر.
وهكذا عدل سماحته عن الحج، والأسى يعتصر قلبه، وكان يقول: الله المستعان سبع وأربعون سنة متتابعة لم أترك الحج.
وليس هذا عدد حججه، بل هذا عدد حججه المتتابعة، أما عددها جميعاً فتبلغ اثنتين وخمسين حجة.
وفي 22/12/1419هـ توجه سماحته إلى مكة، وأدى العمرة، ومكث في مكة إلى نهاية ذي الحجة، ثم ذهب إلى الطائف.(1/382)
وفي آخر ليلة قضاها في الرياض جاء الناس إليه أفواجاً تلو أفواج للسلام عليه، وتوديعه؛ حيث جاء المئات من المسلِّمين والمودعين، وقد حَسَبْتُ مَنْ ضَمَّهم المجلس في آن واحد وإذا هم ثمانون شخصاً قد امتلأت بهم المقاعد، وجلسوا على الأرض، والذين خرجوا قبلهم أكثر منهم.
=تدني صحة سماحة الشيخ+
ولما وصل إلى الطائف بدأت صحته بالتدني، ولكن همته، وعزيمته، ونشاطه، وعمله، ومزاجه وتفكيره وذاكرته، وعنايته بضيوفه، كل ذلك لم يتغير منه شيء مع أنه يعاني أشد المعاناة، ومع أنه كان في رمضان لا يستطيع أن يتناول إلا تمرة أو تمرتين في اليوم، وبعد رمضان لم يكن يتناول إلا سوائل قليلة جداً من حليب، أو شوربة أو ما شاكل ذلك، وهكذا في شوال.
أما في ذي القعدة وذي الحجة والمحرم فلم يكن يتناول إلا السوائل، بل لم يكن يتناول في اليوم إلا كأس حليب صغيراً، حتى التمر الذي كان أحب الطعام إليه_كما يقول_لم يكن يستطيع تناوله؛ فلم يكن يتناول إلا كأساً صغيراً من الحليب، وكان يشربه بتَكَرُّهٍ، وإذا كثر الإلحاح عليه شرب ثانياً على مضض؛ لأنه كان يعاني من جرَّاء الشرب، ويظهر عليه التأثر إذا تناول ثانياً، وربما تقيأه، وكان يؤتى له بعصير الجزر، فكان لا يستطيع أن يتناول إلا ربع الكأس، واستمر على تلك الحال حتى فارق الحياة.
ومع هذا كله فإن عمل سماحته هو هو.
=آخر دروسه التي ألقاها+
ولما وصلنا إلى الطائف عزم سماحته على البدء بإلقاء دروسه المعتادة؛ فقلت له؛ رأفة بحاله: إن كثيراً من الطلاب والمدرسين الذين يحضرون دورسكم مشغولون هذه الأيام بالامتحانات، ويرغبون أن تؤجلوا الدروس؛ لتعم الفائدة.
فقال×: الدرس سيبدأ يوم الاثنين الآتي في أول شهر الله المحرم، والذي يحضر حياه الله، ولن نتوقف؛ فبدأت دروسه، واستمر في إلقائها ولم يكن يأتي من الدرس إلا بعد ساعتين من بدايته.
=آخر درس ألقاه+(1/383)
وآخر درس ألقاه كان في يوم الاثنين 17/1/1420هـ، وقد استمر في الدرس حتى الساعة الثامنة صباحاً أي أن مدة الدرس استمرت قريباً من ثلاث ساعات.
وأذكر أنه سألني بعد الدرس عن الساعة فقلت: الساعة الآن الثامنة، فقال: تأكد لعلها السابعة؛ فقلت: بل هي الثامنة يا سماحة الشيخ، فقال: ما ظننت أنها ثمان، القراء كثيرون، والوقت يمضي دون أن ندري؛ فهذا آخر درس ألقاه×.
=آخر يوم في الدوام+
أما الدوام الرسمي فكان مستمراً فيه إلى يوم الثلاثاء 18/1/1420هـ وذلك لما كان في الطائف؛ فذلك آخر يوم في دوامه الرسمي.
=بقية أيامه الأخيرة+
أما بقية أيامه فاستمر فيها يستقبل الناس، ويقوم بأعماله الأخرى كعادته، وفي يوم الأربعاء 19/1/1420هـ صلى الفجر مع الجماعة، وبعد الصلاة جلست معه لعرض بعض المعاملات، وعرض عليه الشيخ عبدالرحمن بن عتيق ثلاث معاملات، ثم التفت إليَّ فبدأت أقرأ مما كان معي، فقال: أحس بالتعب وأريد الراحة، وكان مرهقاً جداً؛ فلما أمسكت بيده لأدخله داخل المنزل قال: ما أضعف العبد؛ ما كنت أظن أن الإنسان يصل إلى هذا الحد.
ولم يخرج من بيته ذلك اليوم لا للعمل، ولا للمسجد.
ولما كان يوم الخميس 20/1/1420هـ حضر ابناه عبدالرحمن وأحمد، ونقلاه إلى مستشفى الهدا بالطائف، وفي المستشفى أجري له اللازم من المغذيات والأدوية، ولكن الألم يشتد عليه، ومع ذلك فنحن موظفي مكتب البيت وغيرنا مرافقون له في المستشفى، ومعنا معاملاتنا، وأوراقنا والمعاملات ترسل إليه_أيضاً_من مكتب الرئاسة، ويأتيه معالي الشيخ عبدالعزيز بن ناصر بن باز، ومعالي الدكتور محمد الشويعر، والدكتور عبدالله الحكمي والشيخ محمد بن راشد؛ لعرض ما عندهم.
وتقرأ المعاملات عليه عبر الهاتف من طريق فضيلة الشيخ عبدالله بن محمد بن حمود الزيد، والمستفتون عبر الهاتف لا يتوقفون عن الأسئلة.
والزوار من أمراء، وعلماء، وأعيان، ووجهاء، وعامة لا يحصون.(1/384)
وسماحة الشيخ يستقبلهم بكل ترحاب، وتهلل وفرح، وسعة بال، واستمر على تلك الحال إلى يوم الثلاثاء 25/1/1420هـ.
( ملحوظات عجيبة على سماحة الشيخ في آخر أيامه)
لقد لحظت على سماحة الشيخ في أيامه الأخيره ملحوظات عجيبة غريبة منها:
1_ أنه منذ شهر رمضان كان كأنه يستعد لفراق هذه الدنيا؛ حيث كان يكثر من ترداد كلمات معينة كقوله: الله يحسن لنا الختام، الله يتوب علينا، ويميتنا على الإسلام.
2_ وأنه قد أوفى كل ما يتعلق بذمته.
3_ وأنه قد سامح كل من لديه حق لسماحته، من ديون أو غير ذلك.
4_ وأنه كان حريصاً كل الحرص على إنجاز كل ما لديه من الأعمال، والمعاملات وغيرها، ونرى عليه الفرح بما ينجز من المعاملات، وقضاء حاجات الناس.
5_ وأن ذاكرته تزداد، وتقوى.
6_وأن خلقه وطيب نفسه، وانشراح صدره، وقوة تحمله لا أقول كان على مثل ما كان عليه، بل كان أكثر وأعظم مما عليه من الخلق، وطيب النفس، وانشراح الصدر، وقوة التحمل.
7_ وأنه لما كان في المستشفى في أيامه الأخيرة لم يكن يهمل أي رسالة تأتيه برغم شدة وطأة المرض عليه، حتى إن أحد الناس أرسل إلى سماحته رسالة أبان خلالها عن عظيم محبته ومحبة الناس لسماحته، ودعا له دعوات عظيمة، وبَلَّغه دعوات الناس له.
فرد عليه سماحته بجواب مناسب له، حيث ضمنه شكره، والدعاء له بالتوفيق، وسؤال الله أن يميته وإياه على الإسلام.
8_ وأنه كان لا يلهيه المرض عمن حوله؛ فكان لا يترك أحداً ممن كانوا معه إلا ويسأله عن أهله، وعن أولاده، وعن أحوالهم، ويقول لهم: عساكم تتصلون على أهليكم، خصوصاً وأن بعض من في الطائف مع سماحته كان أهلوهم في الرياض.
9_ وكذلك الآتون إليه يسألهم عن أحوالهم، وعن أحوال المسلمين.
10_ وأنه لم يترك سنة من السنن الراتبة القبلية والبعدية، ولم يترك ذكراً من الأذكار، أو سنة من السنن التي كان يقوم بها إبان صحته.(1/385)
ولقد تقصَّدت مراقبته في أيامه الأخيرة في صلاته؛ فكان يجافي بين عضديه، ويجلس في مصلاه بعد الصلاة ليأتي بالأذكار، وإذا سلم عليه أحد وهو يؤديها أشار إليه أن انتظر قليلاً.
بل لقد شاهدته يطبق سنن الصلاة كاملة يوم الثلاثاء 25/1/1420هـ أي قبل وفاته بيومين، وقد لفت انتباهي عنايته بتطبيق السنة.
11_ ولما دخل المستشفى في 20/1/1420هـ بعد أن أنهكه المرض، وفتك بجوفه، وأَنْحَل جسمه كنا نراه أحياناً يضع يده على موضع الألم، ومع هذا لا تراه يشكو إلى أحد، ولا يظهر أنه يعاني من شدة المرض.
بل تراه كلما استعاد نشاطه وأعطيت له المغذيات والمهدئات بدأ يستقبل عرض المعاملات وهو على سريره إما وهو مستلقٍ على ظهره أو جنبه.
(محاولات إرساله للخارج للعلاج)
مر قبل قليل أن سماحته مكث في المستشفى إلى يوم الثلاثاء 25/1/1420هـ وفي ذلك اليوم طلب الخروج؛ لأنه لم يجد فائدة من وجوده في المستشفى.
وبعد ذلك توالت الاتصالات من المسؤولين الكبار لأجل إقناعه بالسفر إلى الخارج للعلاج؛ فخرج سماحته من المستشفى، وقد بلغ به الإعياء مبلغه، حيث تورمت قدماه، وصار مشيه ضعيفاً، ولم ينم تلك الليلة التي خرج فيها من المستشفى، وكأنه في تلك الأثناء قد انشرح صدره للسفر إلى الخارج، والذين حوله يلتمسون الخيرة في سفره أو بقائه.
هنالك قال له ابنه الشيخ أحمد: ليتك يا والدي تتأمل أكثر وأكثر في موضوع السفر.
وفي تلك الأثناء اتصل صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله ولي العهد يريد رأي سماحة الشيخ في السفر؛ فقال سماحته: نتأمل.
(آخر يوم في حياة سماحة لشيخ)
وفي يوم الأربعاء 26/1/1420هـ أخذ سماحته ضحى ذلك اليوم قسطاً من الراحة؛ لأنه لم ينم في الليلة التي قبلها.(1/386)
وبعد الظهر كنت أنا والدكتور محمد الشويعر، والشيخ عبدالرحمن ابن عتيق في مكتب البيت، فخرج علينا الشيخ أحمد، وقال: الوالد جالس داخل المنزل؛ لعلكم تأتون إليه؛ لأنه يرغب في عرض ما لديكم من المعاملات عليه، فحضرنا عنده جميعاً وكان معنا_أيضاً_ابناه عبدالله وعبدالرحمن، فلما جلسنا إليه وجدناه مرتاح البال، منشرح الصدر، فاستبشرنا كثيراً وحمدنا الله على سلامته.
وقال لنا: لقد تأملت موضوع السفر كثيراً، واتفقت أنا والأبناء على أنه يذهب بعضهم إلى أمريكا، ويعرض التقارير على المستشفيات المشهورة هناك، ويؤخذ رأيهم، وبعد ذلك ننتظر ماذا يختار الله لنا.
وهكذا كتب الله لسماحة الشيخ أن لا يغادر البلاد أبداً، وألا تُجْرى له أي عملية جراحية طيلة حياته.
وبعد ذلك سأل عن أخبار ذلك اليوم، وكان الدكتور محمد الشويعر معه صحف ذلك اليوم فاستعرضها عليه، وقرأ النشرة الإخبارية، ثم شرعنا بقراءة ما معنا من المعاملات من طلاق وغيره، وأخذت أتناوب مع معالي الدكتور محمد، فقرأنا عليه في تلك الجلسة ما يقارب خمساً وعشرين معاملة، وبعض المعاملات تبلغ ثلاث صفحات أو أكثر أو أقل، ويقدر مجموع ما قرأناه ثلاثين صفحة أو تزيد، خصوصاً وأن الدكتور محمد سريع القراءة، حسن العرض، فأجرى سماحته عليها اللازم.
ومن بين تلك المعاملات رسالة جاءت من إحدى البلاد الأوربية بواسطة الفاكس، حيث ذكروا فيها أن =فلاناً+ من المعروفين لدى سماحة الشيخ سيَقْدُم علينا، وهو الوحيد الذي نستفيد منه، وكانوا قد استعدوا للقاء كبير، واجتماع للبحث في أمور الدعوة، وقالوا: إنه وصلنا بعض الأشرطة =لفلان+ من الناس يحذر من هذا الرجل، ويقول: إنه حزبي، وإنه ينتمي إلى الجماعة =الفلانية+، ونحن نرغب من سماحتكم إفادتنا عنه، هل نقبله ؟ أو أن ما قاله عنه ذلك القائل صحيح، وحينئذ نرده ؟(1/387)
فأجابهم سماحته: بأن ذلك الشخص المقدوح فيه من أهل السنة والعقيدة الطيبة، وما قاله عنه فلان غير صحيح، وأُرسل جوابُ سماحته بواسطة الفاكس، وتم الاجتماع، وانتهت الفتنة.
وبعد ذلك سأل سماحة الشيخ عن الساعة فقلنا: الساعة الآن الثالثة إلا خمس عشرة دقيقة؛ فقال: تغدوا مع الضيوف، وأنا سوف أجلس بعد المغرب للناس؛ فقمنا للضيوف، واستبشرنا بذلك، وبشرنا الناس بسلامة الشيخ، وتذكرنا مرض الرسول"وخروجه للناس.
ثم أصبح الناس يتناقلون البشرى بسلامة الشيخ، ومن قدر على المجيء حضر إلى الطائف، ومن لم يقدر اتصل بالهاتف.
وبعد صلاة المغرب جاء الناس إلى منزل سماحته، واكتظ بهم المجلس، وانتظموا للسلام عليه وهم على أحر من الجمر؛ شوقاً لرؤياه، ثم جاء سماحته إلى المجلس على العربة يقوده ابنه الشيخ أحمد، ودخل على الناس قادماً من طريق غير طريقه المعتاد؛ حيث دخل المجلس من طريق الغرفة التي يوضع فيها الطعام، وربما كان ذلك بتوجيه منه؛ حتى لا يراه الناس وهو يسير على العربة؛ فيتكدروا، ولما اقترب من المجلس ترجَّل من العربة، وسار على قدميه؛ ليريهم أنه بخير وعافية.
ثم دخل المجلس مبتسماً يتهلل وجهه بشراً، وسكينة، وسروراً؛ فقلنا: هذا هو شيخنا كأنه في شبابه؛ فلما أقبل على الناس ألقى عليهم السلام، وحياهم، وأخذ مكانه في المجلس، فبدأ الناس يسلمون عليه أرسالاً تلو أرسال، وكل من سلَّم عليه خرج من المجلس؛ حيث لم يبق مكان للجلوس من كثرة الناس.
وبعد ذلك جلست عن يساره، والشيخ عبدالعزيز بن ناصر بن باز عن يمينه، وبأيدينا جملة من المعاملات من طلاق وغيره كالعادة، وبدأنا عرضها عليه، والناس لا يزالوا يتوافدون، والهاتف يرن بين الفينة والأخرى.(1/388)
وبعد عشر دقائق من جلوسه تحسس سماعة الهاتف وعلى غير عادته رفعها ووضعها جانباً؛ حتى يتوقف رنين الهاتف، ثم أقبل على الحاضرين، وقال: كيف حال الإخوان، الله يستعملنا وإياكم فيما يرضيه، الله يتوب على الجميع، ثم دعا لهم، وأطال الحديث والدعاء، وتوصية الناس بتقوى الله، والتمسك بالكتاب والسنة.
وبعد ذلك أرجع سماعة الهاتف إلى وضعها الأول، وبدأ يرد على المتصلين، ويستمع إلى عرض المعاملات، والناس في تلك الأثناء يواصلون السلام عليه، وبلغ مجموع ما قرأنا عليه في ذلك المجلس ثمان معاملات، وبعض المعاملات أحالها على اللجنة، وبعضها إلى المكتب.
وبعد أن سمع الأذان أجاب المؤذن كعادته، ثم سلم على الحاضرين، وودعهم ودخل بيته.
وفي تلك الليلة عشنا أسعد ليلة مرت بنا في الطائف، بعد أن رأينا سماحة الشيخ على هذه الحال.
ولما دخل إلى بيته جلس مع أسرته وبعض أقاربه الذين قدموا للسلام عليه من الرياض والمدينة، حيث مكث معهم إلى الساعة الثانية عشرة، وهو في أنس، وسرور، وراحة بال تامة، ثم انصرفوا عنه؛ لينام، فأخذ يذكر الله ويسبحه.
يقول ابنه الشيخ أحمد: =وجلست معه بعد ذلك حتى الساعة الواحدة والنصف، وسألني عن الساعة، فأخبرته، فقال: توكل على الله، نَمْ، وصلى ما شاء الله أن يصلي، واضطجع على فراشه، والوالدة كانت جالسة عنده.
ولما كانت الساعة الثانية والنصف جلس×وضحك، ثم اضطجع، وبعد ذلك ارتفع نفسه، وحشرج صدره، وحاولت الوالدة أن تنبهه، ولكنه لا يرد.
وبعد ذلك جئت إليه أنا وإخوتي، واستمر على هذه الحال، فاتصلنا بمستشفى الملك فيصل، فأرسلوا سيارة إسعاف، وحُمِل سماحته إلى المستشفى، وعند حمله فاضت روحه إلى بارئها+.
أما أنا فقد بتُّ تلك الليلة في منزل سماحته، فلما استيقظت مع أذان الفجر، وإذا بأحد الموظفين واقف يبكي، ويحوقل، ويقول: إن سماحة الشيخ متعب جداً، وقد طُلب له سيارة إسعاف.(1/389)
وبعد ذلك بقليل جاءت سيارة الإسعاف ورأيتهم يحملون سماحته فذهبت إلى المسجد لصلاة الفجر والأسى يكاد يقطع قلبي، وقد ترجح عندي أن سماحته سيفارق الحياة.
وبعد أن عدت إلى المنزل اتصلت بالأخ صلاح الدين عثمان أمين مكتبة الشيخ عبر الهاتف الجوال؛ لأنه كان مع أبناء الشيخ، لما نقلوه إلى المستشفى، فلما كلمته لم يستطع الرد من البكاء فأيقنت أن سماحته قد توفي.
وبعد وقت قصير جاء أبناء سماحة الشيخ إلى المنزل، وأفادوا بأن والدهم قد فارق الحياة، وكان ذلك قبيل فجر الخميس 27/1/1420هـ.
وبعد أن توفي وضع في ثلاجة الموتى في مستشفى الملك فيصل في الطائف، ثم نقل إلى مستشفى القوات المسلحة في الهدا، ووضع في الثلاجة إلى أن جاء وقت تغسيله.
(انتشار خبر الوفاة)
وبعد وقت قصير من وفاته ذاع الخبر، وعم أقطار الدنيا، وحل بالمسلمين من اللوعة والأسى ما لا يعلم مداه إلا الله.
(المداولات في وقت الصلاة عليه، ومكانها، ومكان دفنه)
وبعد أن ذاع خبر الوفاة بدأت المداولات بين المسؤولين وأبناء سماحة الشيخ حول وقت الصلاة عليها، ومكانها، ومكان دفنه؛ فاستقر الرأي على أن يصلى عليه في المسجد الحرام بعد صلاة الجمعة 28/1/1420هـ، وأن يدفن في مقبرة العدل في مكة المكرمة؛ حيث أعلن الديوان الملكي خبر الوفاة، ومكان الصلاة على سماحته، ووقتها.
(توافد الناس إلى مكة)
وبعد أن أعلن ذلك النبأ بدأت وفود الناس تتقاطر إلى مكة من كل حدب وصوب، وأقبل الناس من قريب، ومن بعيد، عبر الجو والبر، داخل المملكة وخارجها.
(تغسيل سماحة الشيخ وتكفينه)
وفي صبيحة يوم الجمعة نقل جثمان سماحة الشيخ من ثلاجة مستشفى الهدا عبر سيارة الإسعاف إلى منزل سماحته في مكة المكرمة؛ حيث تم تغسيله، وتكفينه هناك.(1/390)
وقد قام بذلك كل من صاحب الفضيلة الشيخ عبدالله بن محمد بن الحمود الزيد مدير إدارة البحوث العلمية والإفتاء، وصاحب الفضيلة الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله الغيث، وصاحب الفضيلة الشيخ عبدالعزيز ابن محمد الوهيبي.
(حضور العلماء والمشايخ في وقت تغسيل سماحته وتكفينه)
وفي الوقت الذي كان سماحة الشيخ يجهز فيه_حضر إلى منزل سماحته في مكة جمع كبير من العلماء والمشايخ.
ومنهم: سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، مفتي عام المملكة، وأصحاب الفضيلة الشيخ عبدالله بن قعود، والشيخ عبدالمحسن العباد، والشيخ عبدالرحمن البراك، ومعالي الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي وزير الشؤون الإسلامية آنذاك، ومعالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية حالياً، والشيخ الدكتور عمر بن سعود العيد، والشيخ الدكتور عبدالرزاق بن عبدالمحسن العباد، والشيخ متعب بن سليمان الطيار والشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم القاسم، وغيرهم كثير ممن لا تحضرني أسماؤهم.
(الدخول عليه بعد تجهيزه)
وبعد أن غسل وكفِّن دخل عليه جمع من الحاضرين في ذلك الوقت، حيث تقدموا لتقبيله، ورؤيته قبل الذهاب به للصلاة عليه.
وبعضهم قبله قبل أن يغطى رأسه، وبعضهم بعد أن تم تغطيته.
ومن هؤلاء الذين دخلوا عليه سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، وصاحب الفضيلة الشيخ عبدالمحسن العباد، وابنه الشيخ الدكتور عبدالرزاق، وصاحب الفضيلة الشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم القاسم وغيرهم.
(صلاة أهل بيته عليه في منزله)
وبعد ذلك جاء أهل بيت سماحة الشيخ×من زوجاته، وبناته، وغيرهن، وتقدم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ مفتي عام المملكة، ومعه أبناء سماحة الشيخ؛ حيث صلى بالنساء على سماحة الشيخ×.
(الصلاة عليه في الحرم)
وبعد ذلك تم نقله إلى المسجد الحرام؛ للصلاة عليه؛ حيث وصل جثمانه إلى الحرم في حدود الساعة الحادية عشرة تقريباً.(1/391)
ولقد جاء الناس إلى المسجد الحرام في وقت مبكر؛ فامتلأت بهم جنبات الحرم، ولا ترى إلا باكياً حزيناً، مكفكفاً دموعه، منطوياً على نفسه.
ولما حان وقت الخطبة، وأذن الأذان الآخر لصلاة الجمعة خطب الجمعة سماحة الشيخ محمد بن عبدالله السبيل إمام وخطيب المسجد الحرام، ورئيس شؤون الحرمين آنذاك، وقد تكلم في خطبته على فضل العلم والعلماء، وذكر بعض مآثر الفقيد، وعزى الأمة به، وصبَّر الناس، ودعا لسماحة الشيخ.
وبعد صلاة الجمعة قدمت الجنازة وما كادت تصل إلى المكان الذي هو قرب الإمام، حيث صارت تموج إلى أن وضعت أمام الإمام، فصلى بالناس على سماحة الشيخ إمام الحرم الشيخ محمد السبيل.
وكان على رأس المصلين على سماحة الشيخ خادم الحرمين الشريفين الملك فهد، وولي عهده الأمير عبدالله، وسمو النائب الثاني، الأمير سلطان، وسمو وزير الداخلية الأمير نايف، وسمو الأمير سلمان، وجمع كبير من الأمراء.
(دفن سماحة الشيخ)
وبعد الصلاة على سماحته حملت الجنازة إلى خارج المسجد الحرام، ووضعت في سيارة الإسعاف، وسارت بها السيارة وسط الجموع إلى مقبرة العدل. ثم دخل مجموع يسيرة إلى المقبرة يتقدمهم سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين×.
وقد منع الناس في بداية دخول الجنازة المقبرة من الدخول؛ لأنهم لو دخلوا في ذلك لطالت مدة الدفن.
وبعد ذلك تم دفنه في وقت قصير، ثم فتحت أبواب المقبرة؛ فدخل الناس أفواجاً تلو أفواج، ثم وقفوا على القبر، ودعوا لصاحبه، وسألوا له التثبيت عند السؤال، ثم خرجوا من المقبرة.
=ملحوظات في يوم دفن الجنازة+(1/392)
من الملحوظات الغريبة في ذلك اليوم أن الناس توافدوا إلى مكة في وقت قصير جداً؛ فمع أن الوقت كان ضيقاً حيث لم يعلن رسمياً عن مكان الصلاة عليه ودفنه وزمانه إلا في وقت متأخر من يوم الخميس، ومع بُعد المسافة بين مكة وبين كثير من البلدان التي قدم منها الناس، ومع أن الوقت كان وقت امتحانات المدارس_إلا أنه لم يسمع بأي حادث مروري ذلك اليوم، بل سارت الأمور كما ينبغي، وسارت الجنازة من الحرم في دقائق معدودة مع أن الناس محيطة بها من كل جانب، ودفنت في وقت قصير ومن الملحوظات أن كثيراً من الناس ممن حضروا ذلك يقولون: إننا حضرنا ونحن على درجة من الإعياء كبيرة، ولم نكن نظن أننا إذا وصلنا إلى مكة، ونصلي على الجنازة إلا وقد لزمنا الفراش من التعب.
ولكننا_بحمد الله_أُعِنّا على ذلك، وأمدَّنا الله بالقوة.
ولعل ذلك من كرمات سماحة الشيخ.
وفي ذلك المشهد العظيم تذكرتُ كلمة قالها سماحة الشيخ قبل وفاته بخمس عشرة سنة تقريباً، وذلك لما جاءه بعض الغيورين، وحدثوه على الأوضاع، ولاموه، وأغلظوا عليه بالقول، وقالوا: الواجب عليك أكبر مما تقوم به؛ لأنك إمام وقدوة، ولك مكانتك عند الجميع.
وما علم أولئك بعِظم الدور الذي يقوم به.
ولما سمع سماحة الشيخ منهم ذلك الكلام تأثر تأثراً كبيراً، ولم يُرِدْ أن يطلعهم على ما يقوم به، ولكنه قال: إذا أنا متُّ عرفتموني كما عرف الشيخ محمد بن إبراهيم بعد وفاته.
=التعازي+
وبعد دفن سماحة الشيخ×توالت وفود المعزين من رؤساء، وعلماء، ووجهاء، وغيرهم من شتى بقاع الأرض؛ فمنهم من يأتي بنفسه، ومنهم من يعزي عبر الهاتف، ومنهم من يعزي عبر الرسالة، ومنهم من يعزي عبر المقالة.
والغريب أن الناس يعزي بعضهم بعضاً، فالواحد يعزِّي بالشيخ، ويُعزَّى به.
(المؤلفات والمقالات في سماحته)
وبعد وفاته خرج المئات من المقالات، والعشرات من المؤلفات التي تتحدث عن سيرته، ومكانته.(1/393)
ولقد استمرت الصحف مدة طويلة تكتب عنه، وتُفرِد الملاحق الخاصة به.
وهذه المؤلفات والمقالات مليئة بذكر مآثره، وأخلاقه، والحديث عن سيرته.
ولا زالت الرسائل العلمية الجامعية تسجل في بعض جوانب سيرته.
(المراثي)
بعد وفاة سماحة الشيخ جادت قرائح الشعراء، وكتبوا القصائد في رثاته، وبيان عظيم اللوعة في فقده، وإيضاح الثغرة العظيمة التي تركها.
وبالجملة فإن القصائد التي قيلت فيه لا يمكن حصرها.
ولا يبالغ من يقول: إنه لم يرثَ أحد بعد النبي"وأصحابه بمثل ما رثي به سماحة الشيخ.
وسيأتي نماذج من ذلك.
(المرائي)
وكذلك المرائي التي رؤيت في سماحة الشيخ لا تكاد تحصى من كثرتها.
وقل أن تجلس في مجلس أيام وفاة سماحته إلا وتسمع من يذكر طرفاً من الرؤى.
(إجماع الناس على الفضل والعلم)
فالناس_على اختلاف طبقاتهم_أجمعوا على فضل سماحته، وعلمه، وعدله، وتقواه، ومآثره الحميدة.
والذين كتبوا، أو تحدثوا عنه، أو رثوه في القصائد فئات مختلفة، منهم الأمراء، ومنهم العلماء، ومنهم الوجهاء، ومنهم رجال الصحافة، ومنهم الأدباء، ومنهم الرجال، ومنهم النساء.
ولو ذكرنا شيئاً من ذلك لطال بنا، ولما أردنا أن نذكر نماذج من ذلك وقعنا في الحيرة والحرج؛ فما ندري ماذا نأخذ، وما ندري ماذا ندع.
1_ الملك فهد: وفاة ابن باز خسارة للأمة الإسلامية:
عبر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز عن عميق حزنه وألمه لوفاة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز المفتي العام للسعودية، الذي توفي الخميس الماضي، واعتبر خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء في جدة أمس أن وفاة الشيخ عبدالعزيز بن باز الذي كرس حياته للعلم، وخدمة الإسلام والمسلمين خسارة فادحة للأمة الإسلامية التي طالما استفادت بعلمه.(1/394)
ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن وزير الإعلام السعودي الدكتور فؤاد بن عبدالسلام الفارسي قوله: =إن الملك فهد تناول السيرة الطيبة للشيخ عبدالعزيز بن باز ومناقبه، وما تحلى به من صفات حميدة، وما بذله من جهود خيِّرة، ومواقفه على صعيد العلم، وخدمة الإسلام، والدعوة الإسلامية، والعلوم الشرعية+.
جريدة الحياة 3/2/1420هـ
2_ الملك يوجه بصلاة الغائب على الفقيد في جميع المساجد، نص بيان الديوان الملكي: الرياض واس: توفي أمس سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز مفتي عام السعودية، وفيما يلي نص البيان الصادر عن الديوان الملكي:
=انتقل إلى رحمة الله_تعالى_:صباح الخميس الموافق 27/1/1420هـ سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء، وإدارة البحوث العلمية والإفتاء، ورئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي عن عمر يناهز تسعة وثمانين عاماً إثر مرض ألمَّ به، وسيصلى على سماحته حاضراً في الحرم المكي الشريف.
ووجه خادم الحرمين الشريفين بأن تقام عليه صلاة الغائب_أيضاً_في المسجد النبوي الشريف وجميع مساجد المملكة اليوم بعد صلاة الجمعة_إن شاء الله.
ولقد خسر المسلمون بوفاة سماحته خسارة كبيرة، حيث فقدوا بفقده عالماً جليلاً كرَّس كل حياته في سبيل العلم، وخدمة الإسلام والمسلمين على اختلاف أوطانهم في جميع أنحاء المعمورة.
وإن خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمير، وسمو النائب الثاني إذ يعزون أسرة الفقيد والشعب السعودي، والعالم الإسلامي بوفاته ليسألون الله_جل وعلا_أن يتغمده بواسع رحمته، ومغفرته، ويسكنه جناته، وينزله منازل الشهداء؛ إنه سميع مجيب، والحمد لله على قضائه وقدره، إنا لله وإنا إليه راجعون+
الاقتصادية عدد 2060(1/395)
3_ الأمة الإسلامية تودع فقيدها سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن بازالمليك وسمو ولي العهد وسمو النائب الثاني يؤدون صلاة الجناة على فقيد الأمة.
المدينة 29/1/1420هـ
4_ خادم الحرمين الشريفين لأبناء ابن باز: فقدنا أعز الناس، وأصدقهم في النصح والدعوة إلى الخير:
بكلمات أبوية مؤثرة، وبعبارات مفعمة بعمق المشاعر والتأثر قال خادم الحرمين الشريفين عند استقباله في قصر الصفا بمكة المكرمة لأبناء سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز: =والدكم_رحمة الله عليه_هو والدنا، بل ربما أشد من ذلك بالنسبة لي شخصياً، وفقده ليس مصابكم أنتم كأسرته وأبنائه، بل هو_أيضاً_مصابنا كشعب، وأيضاً للعالم الإسلامي، ولكل المسلمين+.
وأضاف قائلاً: =لقد فقدنا بوفاة والدكم إنساناً من أعز الناس بالنسبة لنا، ومن أصدق الناس معنا، ومن أحرص الناس على نصحنا، والدعوة إلى الخير والنصح للناس وتوجيههم+.
عكاظ 29/1/1420هـ
5_ خمسين ألف مسلم حملوا جثمان ابن باز إلى مثواه، قوات الطوارئ السعودية تنظم دخول الجنازة إلى الحرم الشريف.
عكاظ 5/2/1420هـ
6_ أمراء المناطق تقدموا المصلين سماحة الفقيد ابن باز.
عكاظ 29/1/1420هـ
7_ أصحاب السمو الملكي الأمراء: الإسلام فقد عالماً من البارزين في الدين والعلم:
كلمات الأمير عبدالإله بن عبدالعزيز، والأمير سعود بن عبدالمحسن، والأمير فيصل بن محمد بن سعود بن عبدالعزيز، والأمير مشعل بن ماجد والأمير فيصل بن ثامر.
عكاظ 5/2/1420هـ
8_ الأمير مشعل، والأمير طلال، والأمير أحمد يعزون في وفاة الشيخ ابن باز.
الرياض 4/2/1420هـ
9_ علماء الأمة مازالوا ينعون فقيد الإسلام ابن باز.
المدينة 10/2/1420هـ
10_ رؤساء الجمعيات الإسلامية ودور الإفتاء بأستراليا ونيوزلندا ومسلمو أمريكا يعزون في فقيد الأمة.
عكاظ 5/2/1420هـ
11_ علماء الدين والأكاديميون والباحثون يثمنون مجاهدات الشيخ ابن باز العلمية.
الشرق الأوسط عدد 7473(1/396)
12_ الصحف العربية أفردت مساحات واسعة للحديث عن مناقبه، وإجماع على المنهج المعتدل، ووفاته خسارة عظمى، قصاصات من صحف مصرية وكويتية.
الرياض 3/2/1420هـ
13_ الجامعة الإسلامية تبكي رئيسها الأسبق، هكذا أسهم ابن باز في بناء الجامعة الإسلامية.
الاقتصادية 14/5/1420هـ
14_ شخصيات إسلامية بكت أمام الشيخ ابن باز عندما رأوا تواضعه.
الشرق الأوسط عدد 7473
15_ توافق بين الفكر والقول والفعل: الجوانب الفكرية والثقافية في حياة ابن باز متنوعة ومتعددة، الإيمان قولاً وفعلاً، ولا حكم إلا لشرع الله، ووجوبية الدعوة، ومواجهة الغزو الفكري.
الرياض 29/1/1420هـ
16_ الخرطوم السودانية: الراحل ابن باز شكل حضوراً متميزاً في مواجهة الأفكار الهدامة، والمعتقدات الفاسدة، والمناهج المضللة.
الخرطوم عدد 2109
17_ أصاء حزينة لرحيل ابن باز في الكويت، والعلماء والدعاة لـ: عكاظ: فقدنا نبراساً منيراً في الدعوة إلى الله.
عكاظ 1947
18_ مدير شؤون الموظفين بالإفتاء للرياض: الشيخ ابن باز لم يتمتع بإجازة منذ أن عُين في عمله.
الرياض 1/2/1420هـ
19_ الشيخ ابن باز مواقفه اتسمت بالأدب والاعتدال، مدرسة متميزة في الفتوى تقوم على اتباع الدليل دون تعصب.
الأربعاء 4/2/1420هـ
عدد 13178
1_ رحمك الله يا شيخنا: بقلم صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز ابن فهد.
العالم الإسلامي 4/2/1420هـ
2_ حياة أوقفت لله: بقلم الأمير خالد بن عبدالله بن فهد الفيصل.
الرياض 3/2/1420هـ
3_ إلى جنة الخلد: بقلم الأمير بدر آل سعود.
الرياض 3/2/1420هـ
4_ جمع الله قلوبكم وأخلف عليكم: سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ.
الرياض 1/2/1420هـ
5_ وفاة ابن باز إحدى فجائع هذا الزمان: سماحة الشيخ صالح اللحيدان، رئيس مجلس القضاء الأعلى.
عكاظ 28/1/1420هـ
6_ مصاب جلل، وخطب عظيم: بقلم صاحب المعالي الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد آل الشيخ وزير العدل.
عكاظ 4/2/1420هـ(1/397)
7_ ابن باز في مقدمة علماء الشريعة: بقلم صاحب المعالي الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي وزير الشؤون الإسلامية.
المدينة 4/2/1420هـ
8_ ولسوف يذكرك الزمان: بقلم صاحب المعالي الشيخ الدكتور صالح ابن عبدالله بن حميد: إمام وخطيب المسجد الحرام، وعضو مجلس الشورى.
المدينة عدد 13191
9_ رحمك الله يا أبا عبدالله: بقلم معالي الشيخ الدكتور عبدالله بن صالح العبيد أمين عام رابطة العالم الإسلامي.
10_ احتجنا لعلمه، واستغنى عن دنيانا: بقلم معالي الدكتور: محمود بن محمد سفر وزير الحج.
الشرق الأوسط عدد 477
11_ وانطفأ المصباح المضيء: بقلم معالي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله السالم.
الرياض 7_ 2_ 1420هـ
12_ علاقتي بالوالد عبدالعزيز بن باز: بقلم معالي الشيخ الدكتور عبدالله ابن عمر نصيف عضو مجلس الشورى.
المدينة 2/2/1420هـ
13_ فقدنا جسدك ولم نفقد علمك: بقلم معالي الدكتور حمود البدر، الأمين العام لمجلس الشورى.
24/2/1420هـ
14_ عاش محمود السيرة سليم القلب: بقلم معالي الدكتور علي بن مرشد المرشد الرئيس العام لتعليم البنات.
الجزيرة 29/2/1420هـ
15_ علامة الجزيرة، وفقيد الأمة: بقلم الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي.
المجتمع 3/2/1420هـ
16_ الشيخ ابن باز كما عرفته: بقلم الشيخ حمد الجاسر.
الرياض 29/2/1420هـ
17_ عالم الأمة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز: بقلم الشيخ عثمان الصالح.
الجزيرة 3/2/1420هـ
18_ الإمام العالم سماحة الشيخ ابن باز: بقلم الشيخ أبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري.
الجزيرة 5/2/1420هـ
19_ من مناقب الشيخ الجليل: بقلم الدكتور الشيخ زين العابدين الركابي.
المدينة 1/2/1420هـ
20_ الرحيل والتكريم: بقلم الدكتور عبدالعزيز الثنيان.
الرياض 2/2/1420هـ
21_ على مثل أبي عبدالله تذرف الدموع: بقلم معالي الشيخ الدكتور صالح بن سعود العلي عضو مجلس الشورى
الرياض 28/1/1420هـ(1/398)
22_ ابن باز طالب صيد الآخرة: بقلم د. أنور بن عبدالمجيد الجبرتي.
الحياة 28/1/1420هـ
23_ لفتات ومواقف بازية: بقلم الشيخ علي بن عبدالعزيز الشبل.
اليمامة 7/2/1420هـ
24_ رحمك الله أبا عبدالله: بقلم الشيخ الدكتور عبدالله بن حافظ الحكمي مدير مكتب المفتي العام للمملكة.
الرياض 1/2/1420هـ
25_ إلى الجنة يا أبا عبدالله: بقلم معالي الدكتور فهد العرابي الحارثي.
26_ كيف لا تحزن الأمة على مصابها الجليل: بقلم الشيخ عبدالله بن محمد اليحيى وكيل وزارة العدل.
4/2/1420هـ
27_ الرجل الألف: الحدث ودلالته وكيف نحفظه: بقلم الشيخ الدكتور سليمان بن حمد العودة.
الجزيرة 6/2/1420هـ
28_ فقيد العالم الإسلامي: بقلم الشيخ الدكتور راشد بن أحمد العليوي عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بالقصيم.
الجزيرة 10/2/1420هـ
29_ طبت حياً وميتاً أيها الشيخ العلامة: بقلم الشيخ خالد بن عبدالرحمن الشايع.
الجزيرة 3/2/1420هـ
30_ رحل القلب الكبير: بقلم فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن حمين الحمين رئيس محكمة الرس.
الرياض 2/2/1420هـ
31_ وداع مؤثر: بقلم الشيخ فهد بن عبدالعزيز السنيدي.
الرياض 6/2/1420هـ
32_ نور الحق: بقلم الشيخ عبدالله العبيلان.
الجزيرة 6/2/1420هـ
33_ وداعاً ابن باز: بقلم الدكتور توفيق بن عبدالعزيز السديري.
الشرق الأوسط عدد 11473
34_ هذه هي الثلمة، وأية ثلمة: بقلم الشيخ محمد رزق طرهوني.
المدينة 29/1/1420هـ
35_ من الفاجعة إلى التصرف: بقلم الدكتور حسن بن فهد الهويمل.
الجزيرة 1/2/1420هـ
36_ واجبنا تجاه الشيخ الجليل: بقلم الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الهابس، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
الجزيرة 16/2/1420هـ
37_ طود هوى: للشيخ يوسف بن عبدالعزيز الثنيان
1_ رسالة شوق إلى سماحة الشيخ ابن باز، قصيدة لمعالي الدكتور أحمد ابن عثمان التويجري عضو مجلس الشورى، يقول في مطلعها:
لِفقدِك يُلْهى عن بديهته الفكرُ(1/399)
وتسكب في أعماقنا الدمعة البكر
2_ الحاضر الغائب، عنوان قصيدة للدكتور زاهر بن عواض الألمعي، يقول في مطلعها:
رحلت وباب الحزن للناس مُشرع
وجرح الأسى يفري القلوب ويصدع
3_ بكى العالمَ النحريرَ شرقٌ ومغرب، عنوان قصيدة في رثاء لسماحة الشيخ، للدكتور الشاعر محمد بن سعد الدبل، يقول مطلعها:
فزعنا إلى الرحمن نشكوا ونندب
وندعوا لشيخ والمحاريب تعرب
4_ بيته الكهف الذي قد عز صرحاً، عنوان قصيدة للأديب الكبير الدكتور محمد عبدالمنعم خفاجي، يقول مطلعها:
لم يمت مَنْ ذكرُه في العالمين
لم يمت من إسمه في الخالدين
ابن باز الرائد البحر الذي
ملأ الدنيا بزاد الصالحين
5_ كيف الجبال الشمُّ يوسعها قبر، عنوان قصيدة للأستاذ الدكتور ناصر ابن سعد الرشيد، يقول مطلعها:
أنهنهها صبراً وأنى لها الصبر
ولو ذرفت دما لكان لها العذر
6_ ورقة من سفر الخلود، عنوان قصيدة للشيخ الدكتور ناصر بن مسفر الزهراني، يقول مطلعها:
يا أمة غاب فيها بدرها الساري
وجف في أرضها سلسا لها الجاري
7_ مات ابن باز، عنوان قصيدة للشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي، يقول مطلعها:
للشعر بعدك أن يظل حزيناً
ولنبض قلبي أن يذوب جنينا
8_ وبل الحجاز على ضريح الفقيد ابن باز، عنوان قصيدة_أيضاً_للشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي، يقول مطلعها:
خفقان قلب الشعر أم خفقان
أم أنه لهب من الأحزان
9_ حزن القلوب وأدمع الأجفان، عنوان قصيدة لفضيلة الشيخ سعود ابن إبراهيم الشريم، إمام وخطيب المسجد الحرام، يقول مطلعها:
جل المصاب وزاد هميَ الخبر
حل المشيب بنا والغم والسهر
10_ أمير التقى، عنوان قصيدة للشاعر عبدالله الصيخان، يقول مطلعها:
اطو سجادة الصلاة ففيها
من بقاياه ركعة وسجود
11_ يا آل باز كفكفوا عبراتكم، عنوان قصيدة للدكتور بدر بن عبدالعزيز الربيعة، يقول مطلعها:
قالوا العزاء ولات حين عزاء
بكت الملوك وأجهش العلناء(1/400)
12_ وداعاً يا مفتي الأمة، ويا عالم الملة، عنوان قصيدة للدكتور عبدالله ابن محمد الحميد، يقول مطلعها:
جبل هوى فتكدر الأخيار
وبكت عليه مساجد وديار
13_ الرحيل المر، عنوان قصيدة للشاعر موسى بن محمد بن هجاد الزهراني، يقول مطلعها:
خطب دهى القلب حتى استعبر القلم
تكاد منه ظهور الخلق تنفصم
14_ له من كل منقبة رداء، عنوان قسيدة للشاعر د. سليمان بن عبدالرحمن العبيد، يقول مطلعها:
بلى والله قد نزل القضاء
وهال الخطب واشتد البلاء
15_ وهذا مطلع قصيدة للشاعر الأستاذ عبدالعزيز بن عبدالرحمن الجاسر:
تهدّم المجدُ حين انهد ركناه
وزلزل الفكر في الآفاق معناه
16_ مصاب عظيم، عنوان قصيدة للشاعر الشيخ علي بن قاسم الفيفي يقول مطلعها:
مصاب عظيم بالغ الرزء فادحه
وخطب جسيم غائر الجرح بارحه
17_ حزن الوداع، عنوان قصيدة للشاعر الأديب محمد محمود صديق، يقول مطلعها:
الدمع يجري على الخدين رقراق
والهم يأسرني والحزن دفاق
18_ كوكب العلم، عنوان قصيدة للشاعر د. عبدالله بن محمد باشراحيل، يقول مطلعها:
لا لم تمت فيك ذكرانا إلى الأبد
ياكوكب العلم بين المتن والسند
19_ سيد العلم، وشيخ العلماء عنوان قصيدة للشيخ محمد بن سعيد الصفار، مدير إذاعة القرآن الكريم، يقول مطلعها:
صاحِ مهلاً لا تلمني يا أُخي
لا تلمني لا تقل لي أي شيء
20_ سلام عليك ابن باز، عنوان قصيدة للشيخ الدكتور محمد بن عبدالله الخرعان، يقول مطلعها:
سلام على الشيخ الجليل فسلموا
سلامَ محبٍّ قلبه متألم
21_ وداعاً لشيخنا، للشاعر صالح العمري، يقول مطلعها:
صوتٌ أراع فسار الوهن في جسدي
نعاك ياأمة في شخصك الأحد
22_ نَمْ أيها الباز، للشاعر زكي بن صالح الحريول، يقول مطلعها:
لكل قلب إذا ما حب أسرار
وكل حب لغير الله ينهار
23_ باز سما، عنوان قصيدة للشاعر محمد بن فهد بن حمين الفهد، يقول مطلعها:
خطب دعا فأثار الهم والألما
جون ولكنه قد بيض اللمما(1/401)
24_ رحيل الكوكب المضيء، عنوان قصيدة للشاعر عبدالله بن سالم الحميد، يقول مطلعها:
ترحَّل كوكبٌ ملأ الوجودا
وعلمنا التواضع والخلودا
25_ وهذه قصيدة للشاعر نايف بن رشدان، يقول مطلعها:
لا هم عفوك والمنايا تزأر
تجوالها خبر وفيها المخبر
26_ وهذه قصيدة عنوانها: حروف ودموع للشاعر حسين صديق مكي، يقول مطلعها:
وافى النعيُّ فأشجانا وأبكانا
حزنا وأوقد في الأحشاء نيرانا
27_ صبا نجد على ضريح المجد، قصيدة للدكتور عبدالله بن محمد السعدي، يقول مطلعها:
هل كان ليلك يا معزِّي سرمدا
أو كانتا عيناك حقا أرمدا
28_ رزئت بفقده، قصيدة للدكتور ظافر بن علي القرني، يقول مطلعها:
رزئت بفقده أفكيف لي أن
أنمق في الكلهم وأن أدبِّج
29_ فقدنا قلعة ومنارة، قصيدة للشاعر عبدالله بن حسن الأسمري، يقول مطلعها:
أي خطب وأيها من خساره
إذ فقدناه قلعة ومناره
30_ روع، قصيدة للشاعر الدكتور حبيب بن معلا المطيري، ولعلها أول مرثية قيلت في سماحة الشيخ، يقول مطلعها:
أحقاً طوى ذاك الإمام المبجل
وأطفيء في ليل الخليقة مشعل
31_ تقرحت الجفون على ابن باز، قصيدة للشاعر إبراهيم بن حسن الشعبي، يقول مطلعها:
دها أرجاءها خطب جسيم
وغادر هذه الدنيا الزعيم
32_ تصارع لغتين، قصيدة للشاعر إبراهيم الفوزان، يقول مطلعها:
وقع المصائب يلهم التعبيرا
أم أن شاعره يظل أسيرا
33_ في موكب الوداع، قصيدة للشاعر الشيخ الدكتور عبدالمحسن ابن عبدالعزيز العسكر، يقول مطلعها:
لمن تركتَ صروح العلم والخطب
ومن يسير بنا في مهمة الكرب
34_ يا شيخ عزِّ بنا أهل القبور، قصيدة للشاعر إبراهيم بن فهد المشيقح، يقول مطلعها:
لا الشعر يجدي ولا تجديك أوزان
مات الفقيد فللأحزان ميدان
35_ دمعة في عين الأمة، قصيدة للشاعر أحمد حسبو، يقول مطلعها:
ساءلت ماذا الدمع والأحزان
قالو ابن باز اختاره الرحمن
36_ رحم الله الإمام الزاهد: للشاعر الدكتور أحمد بن عبدالله السالم، ومطلعها:(1/402)
مودعنا قد ودَّعته المساجد
وودعه جمع من الناس حاشد
37_ الحقيقة والمجاز في رثاء الشيخ ابن باز، شعر أحمد بن علي القرني، ومطلعها:
فُجعنا به والله خير له منا
فلا مسلم إلا بكى قلبه حزنا
38_ ولكن طيب ذكرك لا يزول شعر الدكتور أحمد بن محمد الضبيب عضو مجلس الشورى، ومطلعها:
لجسمك أن يغيبه الرحيل
ولكن طيب ذكر لا يزول
39_ شيخاه، شعر رسمية بن فهد، ومطلعها:
عليك بالحزن ودِّع سابق الجلد
وهل على مثله ياقلب من جلد
40_ موت عالم، شعر الدكتور سعد عطية الغامدي، ومطلعها:
فقيدُ العلم في الناس الفقيد
وحاضره المغيب والشهيد
41_ زهد وحلم في كريم تواضع، شعر سعد عبدالرحيم البراهيم، ومطلعها:
حار الفؤاد وتاهت الأبصار
مما يقال وفي الرياض يثار
42_ وكسفت شمس العلوم، شعر سعيد بن عبدالله القرني، ومطلعها:
دخلت وأرواح الملايين تعصر
وأجفاننا من حزن فقدك تمطر
43_ ما لعينيك تسكبان الدموعا، شعر سليمان بن عبدالعزيز الشريف، ومطلعها:
ما لعينيك تسكبان الدموعا
لست صبرا على الأسى مستطيعا
44_ كيف السبيل، شعر الشيخ عبدالرحمن المنير المساعد، ومطلعها:
الله أكبر كم تموج من الورى
زمر إليك قد اعتراها ما اعترى
45_ زان المجالس محفوفاً برفقته، شعر الدكتور شكري محمد سمارة، ومطلعها:
خطب ألم وأحزان نعانيها
في موطن العرب والإسلام ناعيها
46_ فقيد الأمة الإسلامية شعر صالح بن حمد المالك، ومطلعها:
آن للدمع أن يسيل انسكابا
حينما ودع الإمام وغابا
47_ رحيل شيخ الشيوخ، شعر الأستاذ الدكتور محمد بن سعد بن حسين، ومطلعها:
طوتك النوى من بعدما أجمل الصحب
وغيب أتراب فحن لها ترب
48_ رحيل الأقحوان، شعر الدكتور صالح الزهراني، ومطلعها:
هاج عطراً وسافر الأقحوان
فبكاه الأراك والسنديان
49_ فقيد لم يغب، الدكتور عبدالرزاق الحمد، ومطلعها:
علو في الحياة وفي المعاد
وذكر في الحواضر والبوادي
50_ ابن باز يعز عنه العزاء، شعر الدكتور عبدالشكور العروسي، ومطلعها:(1/403)
عَظُمَ الخطبُ حين حم القضاء
وأصمت آذاننا الأنباء
51_ الرجل القمة، الرجل الأمة، شعر عبدالعزيز الحريشي، ومطلعها:
قم إلى العلياء واكتب قلمي
في سجل المجد سطر من دمي
52_ هكذا يرحل العظام، شعر عبدالعزيز المقحم، ومطلع القصيدة:
هكذا الحزن والدموع تسيل
هكذا الفقد والفقيد الجليل
53_ كنت يابن الباز طوداً شامخاً، شعر محمد حسن العمري، ومطلعها:
اكفهر الجو في فجر الخميس
وبكى وجدا على شمس الشموس
54_ نجم العصور، للأديب الكبير الشاعر عبدالله بن إدريس، ومطلعها:
أسرجت خيلك بالعزائم صاعداً
تبني وتزرع في الوجود محامدا
55_ رثاء العالم الأواه، شعر الدكتور عبدالله بن سعاف اللحياني، ومطلع القصيدة:
لمن جدثُ بالعدل ضاح مسنَّماً
عليه دموع العين أهرقن سجما
56_ سليل ابن باز بكرة اليوم قد نعي، للشيخ عبدالله بن صالح القصير، ومطلعها:
مصاب دهى قلبي فسيَّل أدمعي
وأجج نارا للأسى بين أضلعي
57_ وداعاً جبل الإسلام، شعر عبدالله بن غالب الحميري، ومطلعها:
أيا عين سحي بالدموع السواجم
وبكِّي على ركن العلا والمكارم
58_ الدمعة الحزينة، شعر الشيخ عبدالله بن محمد المعتاز، ومطلعها:
ما للطيور الصادحات تنوح
ما لليتامى بالعويل تصيح
59_ يا نفحة الطهر، د_عبدالله المسعود، ومطلعها:
إليك من أي صوب تهتدي السبل
ماذا تقول وصوت الشعر ينخزل
60_ فاضت العينان، شعر علي بن حسن الرديني، ومطلعها:
قلمي يئن وجرحه ما زالا
والحبر فجرها هنا شلالا
61_ شهدت لك الآيات، للأديب الشاعر محمد بن سعد المشعان، ومطلعها:
عبست لك الأيام حين رأيتها
واستعتبت دهراً فما أعتبتها
62_ عليك سلام الله، شعر الشيخ محمد بن سليمان المهنا، ومطلعها:
عظيم من الأنباء في الكون جلجلا
يصدع قلب المرء لو كان جندلا
63_ سلاماً أبا الإحسان، شعر محمد بن سعد العجلان، ومطلعها:
أريقت على الأجفان منا الذوارف
لها من صروف الدهر بالعين واكف(1/404)
64_ نبأ النوى، شعر وفاء بنت عبدالله، ومطلع القصيدة:
نبأ رمى الأحشاء بالألم
وانساق للآفاق بالظلم
65_ لمن العزاء، للشاعر محمد بن عبدالرحمن المقرن، ومطلعها:
رحلت وكلنا والله راحل
رحلت وحبكم في القلب نازل
66_ غصة الرحيل، للأديب الشاعر: فواز بن فرح العبدلي، ومطلعها:
سقتك الغوادي والمزون الهواطل
وجادت عليك الصيبات الثواقل
67_ الموت حق في النفوس محتم، شعر مد الله بن عبدالكريم المديد، ومطلعها:
غاب الضياء وأطفئت أنوار
وبدا لنا وسط الفضاء قتار
68_ الوافد، شعر الأديب الشاعر أحمد بن صالح الصالح، ومطلعها:
كبير أن تكون لنا المصابا
لقد متعتنا حججا عذاباً
69_ هل هوى الطود، شعر الشيخ عبدالله بن حمد الشبانة، ومطلعها:
كفكف الدمع واصطبر يا صديقي
فهو الموت واقف في طريقي
70_ حزن عام، للشاعر عبدالله بن عبدالرحمن المنيع، ومطلعها:
ظلام عم أرجاء البلاد
وحزن شل أفئدت العباد
هذه بعض مطالع القصائد، وهذا ما تيسر تقييده منها، ولو استرسلنا في تعدادها لطال بنا المقام، ولكن حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق، ولا تبالغ إذا قلتَ: إنه لم يكد يبقى شاعر إلا وقال في سماحة الشيخ شعراً بعد وفاته.
وبعد هذا التطواف في سيرة ذلك الإمام المبارك لا يسعنا إلا أن نشكر الله على أن يسر جمع هذه المادة، وجعلها في متناول القارئ، ونسأله_عز وجل_أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به؛ إنه جواد كريم.
ولقد حرصنا كل الحرص على إبراز سيرة هذا الإمام كما هي، ولم نأل جهداً في تحري الدقة، ولزوم العدل، والبعد عن التهويل والتهوين.
بل إن هناك جوانب وأخباراً من سيرة الإمام لم تذكر، ولو ذكرت لربما ظن بعض الناس أن فيها مبالغة.
فلعل في هذه السيرة عظة وعبرة، وعسى أن نكون وفينا الشيخ بعض حقه، وإلا فهو جدير بما هو فوق هذا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وإذا أرسل الله رحمة فلا ممسك لها.(1/405)
ومهما يك من شيء فإن هذا عمل بشر، والتقصير يلازمه، ولا نعدم من أحبتنا كلمة توجيه، ونصح، وتسديد.
وأخيراً نثني بالشكر لله_عز وجل_على إعانته، ثم نزجي ونكرر الشكر لكل من أسهم في إخراج هذا الكتاب بهذه الصورة بأي نوع، وبأية صورة.
وفي الختام نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الفهرس
_ مقدمة المُعِدِّ
3
_ أهمية هذه الرواية
9
_ دوافع كتابة هذه الرواية
12
_ مجمل ما ورد في هذه الرواية
13
_ عمل مُعِدِّ هذه الرواية
15
_ ترجمة الراوي الشيخ محمد الموسى
17
_ علاقة الراوي بسماحة الشيخ عبدالعزيز
20
_ دوام الراوي ونظامه اليومي مع سماحة الشيخ
21
_ قراءة الراوي على سماحة الشيخ
23
الرواية
جوانب من سيرة الإمام عبدالعزيز بن باز
رواية: الشيخ محمد بن موسى الموسى
إعداد: محمد بن إبراهيم الحمد
_ نبذة في سيرة سماحة الشيخ
30
_ من أخبار سماحة الشيخ في صباه
32
_ عناية سماحة الشيخ بمظهره
34
_ من أبرز الصفات الخُلُقية لسماحة الإمام
36
_ تعظيمه للسنة، وتطبيقه لها
39
_ الأعمال التي تولاها سماحة الشيخ
42
_ أبرز الأعمال التي كان يقوم بها سماحة الإمام على سبيل الإيجاز
46
_ مؤلفات سماحة الشيخ وآثاره العلمية
48
_ وصف منزل سماحة الشيخ
52
_ نظام سماحة الشيخ السنوي
54
_ النظام اليومي لسماحة الشيخ
57
_ وصف ما يدور في مجلس سماحة الشيخ
62
_ سماحة الشيخ في العمل الرسمي في المكتب
66
_ صلاة سماحة الشيخ
69
_ حادثة عجيبة تدل على حرص سماحته على الصلاة
76
كلمة لسماحة الشيخ في صلاة الجماعة
76
حال سماحة الشيخ في رمضان
81
كلمات لسماحة الشيخ في رمضان
84
1_ كلمة بعنوان: =الفطر يوم تفطرون+ كتبها عام 1385هـ
84
2_ كلمة بمناسبة دخول شهر رمضان
88
_ أحوال سماحة الشيخ في الحج
98
46 فقرة تبين أحوال الشيخ، وأخباره، ومنهجه في الحج
98
_ سماحة الشيخ في العيد
110
_ سماحة الشيخ في يوم الجمعة
114(1/406)
_ سماحة الشيخ في مكتبة منزله
116
_ بكاء سماحة الشيخ
118
_ ثقة سماحة الشيخ بالله
121
ثلاثة مواقف وقصص في هذا السياق
121
_ هيبة سماحة الشيخ
124
_ تواضع سماحة الشيخ
127
17 صورة من الشواهد والقصص على تواضعه
127
1_ قصته لما وضع له سجادة خاصة في أحد المساجد
127
2_ لايؤم الناس إذا صلى في مسجد له إمام راتب
127
3_ لا يأبه بنوع السيارة الممنوحة له من الدولة
128
4_5_6_ لا يأبه بتغيير الأثاث أو المنزل
128
7_8_ يتواضع للمرأة، والمسكين، والسائل
129
قصة في هذا قبل وفاته بثلاثين سنة
129
9_ يتواضع لمن دونه في العلم،
129
قصة في هذا حصلت عام 1386 هـ
129
10_ لا يرضى بأن يخص بشيء دون غيره
130
_ قصتان في هذا السياق
131
11_ كان يمشي الهوينى بعيداً عن التكبر
131
12_ لا يأنف من قول (لا أدري)
131
_ قصة في ذلك حصلت في المحرم عام 1402 هـ
131
13_ لا يحتقر النصيحة، أو الفائدة من أي أحد
131
_ قصة مع شاب صغير قدم اقتراحاً لسماحة الشيخ
131
14_ كان يهتضم نفسه، ويرى أنه أقل مما يوصف به:
132
_ مثال على هذا: كلمة رائعة للأستاذ أحمد محمد جمال بمناسبة حصول سماحة الشيخ على جائزة الملك فيصل العالمية
132
_ رد سماحة الشيخ، وشكره للأستاذ أحمد، واعترافه بالتقصير
134
15_ لم يكن يعبأ بتسمية المدارس، أو الشوارع باسمه
135
16_ كراهيته للمديح
137
_ مثال على ذلك: قصيدة رائعة للشيخ الدكتور محمد تقي الدين الهلالي في مدح سماحة الشيخ .
137
_ مثال على ذلك: قصيدة رائعة للشيخ الدكتور محمد تقي الدين الهلالي في مدح سماحة الشيخ
_ تعقيب سماحة الشيخ على القصيدة المذكورة
140
17_ كتاب، وقصيدة للشيخ أحمد أبو شلباية في مدح سماحة الشيخ
141
_ عزة نفس سماحة الشيخ
146
5 قصص وشواهد على عزة نفسه
146
_ زهد سماحة الشيخ
149
_ ورع سماحة الشيخ
152
7 نماذج من ورعه
152
_ محافظته على الوقت
159
من مظاهر حاله مع الوقت، وعنايته به
159
1_ دقته في المواعيد(1/407)
159
2_ ضبطه العجيب للارتباطات
159
3_ معرفته بالوقت
160
4_ تنظيم الوقت
160
بيان بتوزيع أوقاته الليلية لما كان في الجامعة الإسلامية
160
5_ لا يحتقر اغتنام الجزء اليسير من الوقت
161
6_ لا يعرف الإجازات
162
7_ لا يعرف النزهة والرحلات البرية
162
8_ ملء المجالس بالمفيد النافع
163
9_ بركة الوقت
163
10_ لا يستهين بإنجاز أي عمل ولو قل
164
11_ اغتنام الوقت في حال المرض
164
12_ اغتنام الوقت في المواطن الحرجة
165
قصة في هذا الصدد
165
13_ اغتنام الوقت في حال السفر
165
قصة في هذا القبيل
165
_ دعابة سماحة الشيخ ومزاحه
167
8 شواهد من دعابته
167
_ الذوق المرهف والأدب الجم عند سماحة الشيخ
171
نماذج من ذوقه وأدبه:
171
1_ إذا شعر بضيق من يعمل معه حاول إيناسه، ومباسطته
171
2_ يحرص على إرضاء من يعمل معه
171
3_ يراعي مشاعر الآخرين، ويسعى لإرضائهم،وتطييب قلوبهم
171
قصتان من هذا القبيل
172
4_ يلاطف من يأتون لزيارته حتى في آخر أيامه
173
5_ يتحمل أذى الناس دون أن ينهرهم
174
6_ يحرص على إدخال السرور حتى في آخر ليلة عاشها
174
7_ لا يمد رجله وعنده أحد
174
8_ إذا انتهى من غسل يديه بالصابونة أراق عليها بعض الماء؛ ليزيل ما عليها من رغوة
174
9_ إذا شرب أعطى الذي عن يمينه ولو كان صغيراً، ولو لم يكن يعرفه
175
10_ إذا أراد مناولة شيء ناوله بيمينه
175
11_12_ إذا دخل منزله وكان وقت نوم دخل بهدوء وسكينة حتى لا يزعج نائماً
175
13_ لا تسمع منه كلمة نابية
175
_ السخاء والجود وكرم الضيافة
176
من مظاهر ذلك:
1_ كان مجبولاً على حب الضيوف والرغبة في استضافتهم منذ صغره
176
2_ كان يوصي بشراء أحسن ما في السوق من الفاكهة والتمر والخضار وسائر الأطعمة
177
3_ كان يلح إلحاحاً شديداً إذا قدم عليه أحد، أو سلم عليه؛ ليحلوا ضيوفاً عنده
177
4_ كان يرغِّ القادمين إليه بأن يتواصلوا معه في الزيارة
177(1/408)
5_ كان يحرص أشد الحرص على المواعيد التي يضربها لضيوفه
178
6_ لا يتلذذ بالأكل وحده
178
7_ كان يلاطف ضيوفه
178
8_ كان لا يقوم من المائدة حتى يسأل عن ضيوفه هل قاموا؟
178
9_ كان لا يتبرم بكثرة الضيوف
178
قصتان في هذا السياق
178
10_ كان من عادته أنه ينيب من يقوم على إكرام الضيوف إذا غاب
179
قصة في هذا الشأن
179
11_ كان دائماً يسأل: عسى ما نقص عليهم شيء؟
180
12_ كان يلح على الضيوف بزيادة المكث
180
13_ إذا كان مجهداً وليس له رغبة في الطعام جلس مع الضيوف؛إيناساً لهم
180
قصة في هذا الشأن
180
14_ كان يفرح بالقادم إليه ولو لم يعرفه
181
قصة في هذا الشأن
181
15_ كان يرفع من شأن ضيوفه
181
قصة في هذا الشأن
182
16_ لطائف كرمه أنه إذا قدم عليه قادم وهو في السيارة أخذ يتحفز ويدعو القادم للركوب معه
183
17_ كان لا يرضى أن يهان ضيوفه بحضرته
183
قصة في هذا الشأن
183
18_ ربما أتاه الضيوف، مع أسرهم، ومكثوا عنده حتى ينهي طلباتهم
184
19_ لدى سماحته مكان مهيَّأ للضيوف الذين ربما مكثوا عنده شهوراً
184
20_ هناك عدد من الناس يرتادون منزل سماحته وقت الغداء بصورة مستمرة
184
_ مواساة سماحة الشيخ للناس
186
1_ نموذج لكتاب أرسله إلى أناس يعزيهم في والدهم
186
2_ نموذج آخر وهو عبارة عن برقية يواسي بها أناساً توفي والدهم
188
_ لجوؤه إلى الله، وافتقاره إليه، وأدعية كان يكثر منها
189
نموذج لأدعية كان سماحة السيخ يدعو بها، وقد بعث بها إلى أحد المشايخ
189
نموذج لأدعية أملاها سماحة الشيخ تحت عنوان (فائدة مهمة)
192
_ تفنن سماحة الشيخ في العلوم
195
_ ذاكرة سماحة الشيخ
197
قصة عجيبة تدل على ذاكرة سماحة الشيخ
199
_ ثبات سماحة الشيخ وشجاعته
201
_ همته العالية
205
نموذج من ذلك
206
_ القيام بصغار الأمور وكبارها
209
_ لا يُحمِّل أحداً ذنب أحد، ولا يشغله شيء عما هو بصدده
210
_ العدل في الأحكام
212
أمثلة في هذا القبيل
212(1/409)
_ حلم سماحة الشيخ وسكينته
216
مثال على ذلك
216
_ سماحة الشيخ ومبدأ الشورى
219
_ صلة سماحة الشيخ لأرحامه
220
_ تعامل سماحة الشيخ مع زوجاته
222
طريفة حصلت عام 1418هـ حول الحث على حسن معاملة الزوجات
223
_ تعامل سماحة الشيخ مع أولاده
224
كلمة موجهة من سماحة الشيخ لأولاده بتاريخ 5/6/1415هـ حول تحديد موعد الاجتماع معهم للتدارس
225
_ سماحة الشيخ مع جيرانه
226
_ تعامل سماحة الشيخ مع من يعملون معه أو تحت رئاسته
227
أمثلة تصور تعامله مع من يعملون معه:
228
1_ نرضيك يا أبا موسى
228
2_ ارحموهم
229
3_ قصة تبين أنه لم يكن يعاتب من تحت يده
230
4_ قصة مع أمين المكتبة
231
5_ قصة أخرى مع أمين الكتبة
231
6_ حديث للشيخ عبدالرحمن بن دايل عن سماحة الشيخ عبدالعزيز
231
_ سماحة الشيخ والفقراء
235
من مواقفه وأخباره مع الفقراء
235
_ سماحة الشيخ مع الصغار
240
_ سماحة الشيخ مع أهل العلمهلأاأأأأأأأأاأأأأأأ
242
من طريقته مع العلماء
242
1_ كثرة ترحمه على العلماء
242
2_ حبه لقراءة سيرهم، وتأثره بذلك
242
3_ إجلاله لمشايخه وتأدبه معهم
242
نماذج من مكاتباته لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم
243
أ_ كتاب من سماحة الشيخ عبدالعزيز إلى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم في 23/2/1384هـ
243
ب_ نموذج ثانٍ بدون تاريخ
244
ج_ نموذج ثالث كتب في عام 1385هـ
246
د_ كتاب من سماحة الشيخ محمد إلى سماحة الشيخ عبدالعزيز في 11/2/1386هـ
246
هـ _ كتاب آخر من سماحة الشيخ محمد إلى سماحة الشيخ عبدالعزيز في 11/2/1386هـ
247
4_ حبه وإجلاله لأقرانه ومعاصريه من أهل العلم
248
نبذة في علاقته بسماحة الشيخ عبدالله بن حميد
248
نموذج مما كان يدور بينهما من مكاتبات: كتاب من الشيخ عبدالله إلى الشيخ عبدالعزيز
249
علاقة سماحة الشيخ عبدالعزيز بفضيلة الشيخ عبدالعزيز الشتري _ أبو حبيب _
250
علاقة سماحة الشيخ بسماحة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي
250(1/410)
علاقة سماحة الشيخ بسماحة الشيخ عبدالرزاق عفيفي
251
علاقة سماحة الشيخ بسماحة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني
251
علاقة سماحته بالعلامة الشيخ عبدالرحمن الدوسري
254
علاقة سماحته بالعلامة الشيخ حمود التويجري
255
علاقة سماحته بعلماء آخرين معاصرين له
255
علاقة سماحته بسماحة الشيخ محمد العثيمين
256
5_ كثرة استشارته لأهل العلم
256
6_ كثرة استضافته لأهل العلم
257
7_ حفاوته لأهل العلم
257
8_ كثرة السؤال عن أهل العلم
257
9_ حرصه على الاستماع لأهل العلم، والقراءة لهم، وتشجيعهم
258
10_ الذب عن أهل العم، وإحسان الظن بهم
260
11_ الحرص على جمع كلمة أهل العلم
260
12_ الوفاء لأهل العلم
261
13_ الفرح بالطلاب
261
_ منهج سماحة الشيخ في التعامل مع ولاة الأمور
262
ملخص طريقته معهم، ونماذج مكاتباته لهم
262
منزلة سماحة الشيخ عند الولاة
266
1_ منزلته عند الملك عبدالعزيز
267
2_ منزلته عند الملك سعود
267
كتاب من الملك سعود للشيخ عبدالعزيز في 24/1/1381هـ
268
3_ منزلته عند الملك فيصل
268
أ_ كتاب من الملك فيصل للشيخ عبدالعزيز في 16/11/1380هـ
269
ب_ ثناء الملك فيصل على الشيخ عبدالعزيز في كلمته التي ألقاها في حفل الجامعة الإسلامية
269
4_ منزلة سماحة الشيخ عند الملك خالد
270
5_ منزلة سماحة الشيخ عند خادم الحرمين الملك فهد
270
مخاطبة خادم الحرمين لسماحة الشيخ وتسميته بالوالد
270
_ منهج سماحة الشيخ مع المخالفين
272
6 أمثلة على حسن تعامله مع المخالفين
273
_ منهج سماحة الشيخ في التعامل مع قضايا الطلاق
283
_ بداية إفتائه في الطلاق
283
نبذة تلقي الضوء على منهجه في الطلاق وبعض آرائه فيه:
1_يرى أن الطلاق البدعيَّ لا يقع
284
2_ أن الطلاق بلفظ: طالق، طالق، طالق، أو مطلقة، مطلقة، مطلقة إذا لم ينوبه الزوج إيقاع الثلاث يقع به طلقة واحدة
285(1/411)
3_ إذا قال المطلِّق: طالق، طالق ، طالق بالثلاث _ فإنه يقع به ثلاث طلقات، ولا يسأل المطلق عن نيته؛ لأنه فسره بقوله: بالثلاث
285
4_ إذا قال المطلِّق لزوجته: طالق بالثلاث أوقعها واحدة، وكذلك ما في معناه مثل: أنت طالق بالعشر، أو بالمائة أو بالمليون
285
5_ إذا قال المطلِّق: طالق، ثم طالق، ثم طالق _ وقع به ثلاث طلقات، ولا يسأل عن نيته؛ لأنه ثلاث جمل
285
6_ إذا صدر الطلاق من الزوج في حالة الغضب، واتضحت أسبابه، واعترف به الزوجان، أو من حضره لم يقع الطلاق
285
7_ إذا صدر الطلاق من الزوج، وادعى الغضب، ولم تتضح أسبابه الموجبة لهم أوقع الطلاق
286
8_ العناية الفائقة، والتحري الشديد
286
9_ الجلد العظيم، والتحمُّل، وعدم التضجر من كثرة قضايا الطلاق
287
10_ الحرص على الإصلاح والنصح للمطلقين
288
11_ لا يندم بعد إصدار الفتوى
289
12_ لا تؤثِّر فيه عواطف الزوجين
289
13_ لا يَخْرُج الناس من عنده إلا وهم راضون
289
14_ إذا كان حكم الطلاق صادراً من أحد القضاة لم ينظر فيه إلا إذا رجع القاضي عنه، أو أذن لسماحة الشيخ بالنظر فيه
290
15_ كثيراً ما يأتيه الزوج وهو يحمل هماً عظيماً؛ ظاناً أنه لا إمكان في رجعة زوجته9 إليه، ثم يفتيه سماحة الشيخ بإمكان ذلك، فينقلب همه فرحاً
290
16_ الصرامة والشدة مع المتلاعبين في شأن الاستفتاء في الطلاق
291
قصة في ذلك
291
_ شفاعات سماحة الشيخ
293
27 نوعاً من أنواع الشفاعة التي كان سماحته يقوم بها
294
منهجه في الشفاعة
297
نماذج من طريقته في الشفاعة
298
7 نماذج من الطلبات المقدمة إليه، ومكاتباته للشافعين بشأن إكمال أوراق الشفاعة
299
_ مواقف لا تنسى من شفاعاته:
307
1_ شفاعته لدعاة الصومال الذي حكم عليهم بالإعدام عام 1409هـ، وكتابته لولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز كي يقوم بالتوسط لدى حكومة الصومال، وشكره له بعد أن قبلت الشفاعة
307(1/412)
2_ شفاعته لدى حكومة تونس في شأن بعض الدعاة والعلماء، وكتاب سماحته لولي العهد الأمير عبدالله للتوسط في ذلك
310
3_ شفاعته لشيخ مسنًّ روسي
311
4_ شفاعته في الإصلاح بين المجاهدين الأفغان
312
5_ شفاعته في الإصلاح بين مصر والسودان حول مسألة حلايب
312
_ سماحة الشيخ والجهاد في سبيل الله
313
أمثلة تدل على حرصه على الجهاد، وجمع كلمة المجاهدين:
314
1_ كلمة موجهة لقادة المجاهدين الأفغان في 25/7/1406هـ يحثهم فيه على جمع الكلمة، ويحذرهم من الفرقة
314
2_ نصيحة موجهة للقائد برهان الدين رباني في 8/2/1402هـ
318
3_كتاب من سماحة الشيخ إلى وزير الحج يقترح عليه تشجيع أئمة المساجد على القنوت للمجاهدين الأفغان
320
4_ كلمة من سماحة الشيخ عبر وسائل الإعلام تتضمن الدعوة إلى مساعدة مسلمي كوسوفا حينما تسلط عليهم الصرب
322
_ سماحة الشيخ وقضية فلسطين
324
_ مكانة قضية فلسطين عند سماحته
324
بعض ما كان يصدر من سماحة الشيخ في ذلك:
324
1_ فتوى عن مشروعية جهاد الانتفاضة في فلسطين
324
2_ بيان مهم صادر من سماحة الشيخ يطالب فيه المسلمين بالوقوف مع الفلسطينيين المبعدين إلى جنوب لبنان
326
3_ برقية بعثها سماحة الشيخ إلى المبعدين من فلسطين إلى لبنان يصبِّرهم بها، ويذكرهم بفضل الله، ويفتح لهم باب الأمل
329
4_ برقية بعثها سماحة الشيخ إلى مؤتمر القمة الإسلامي المنعقد في طهران بشأن ما يلقاه المسلمون في فلسطين من اضطهاد
331
_ سماحة الشيخ والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر
334
طريقته في ذلك
334
أمثلة من كتاباته في ذلك:
335
1_ رسالة نادرة كتبها إلى أهالي نعجان لما كان قاضياً في 14/7/1461هـ
335
2_ رسالة من سماحة الشيخ للشيخ محمد بن عبدالله بن عتيق يوصيه بقراءة الرسالة السابقة على الجماعة، وذلك في 15/7/1361هـ
338
أثر الرسالة على أهالي نعجان
340
3_ كلمة لسماحة الشيخ حول أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
340(1/413)
4_ موقف لسماحة الشيخ مع شخص مقصِّر
345
5_ موقف آخر
345
6_ كتاب بعثة سماحة الشيخ في 22/7/1377هـ إلى رئيس تحرير صحيفة اليمامة حول ما كُتب فيها عن جعل يوم 15 شعبان من كل عام عيداً قومياً خالداً لجمع التبرعات لإخواننا في الجزائر
346
7_ كتاب وجهه سماحته إلى مدير الإذاعة السعودية في 12/1/1380هـ ينبهه على بعض الملحوظات حول برنامج إذاعي اسمه (تعلم واسأل)
348
سماحة الشيخ وعمارة المساجد
352
_ سماحة الشيخ ومساعدة راغبي الزواج
356
كلمة لسماحة الشيخ حول الزواج، وما يقع من منكرات في الأفراح
357
_ سماحة الشيخ ودار الحديث
363
إنشاء دار الحديث
363
أهداف دار الحديث
364
آثار هذه الدار
364
جهود سماحة الشيخ في دار الحديث
364
_ أنواع المساعدات المالية المقدمة من سماحة الشيخ
370
_ الحسابات الخاصة بالأعمال الخيرية المسجلة باسم سماحة الشيخ
377
سماحة الشيخ
_ تعامل سماحة الشيخ مع التجار والمحسنين
381
طريقته في التعامل معهم
381
أمثلة من كتابات سماحته في هذا الصدد:
382
1_ كتاب بعثة سماحة الشيخ إلى رئيس القصور الملكية عام 1382هـ حول طلب لإسكان الطلاب الغرباء في المدرسة السلفية في بلجرشي
382
2_ كتاب بعثة سماحة الشيخ إلى عدد من المحسنين حاثاً لهم على التبرع لجماعة تحفيظ القرآن في الرياض
383
_ عناية سماحة الشيخ بطبع الكتب النافعة
386
رسالة كتبها عام 1382هـ متضمنة طلباً لتسديد مبلغ طباعة إحدى رسائله
386
_ عناية سماحة الشيخ بالدعوة إلى الله
388
7 نماذج تدل على عنايته بالدعوة إلى الله
388
_ تحضير الشيخ للدروس
401
_ سماحة الشيخ والشِّعْر
402
_ فصاحة سماحة الشيخ، وتصويبه للأخطاء، وطريقته في ذلك
404
_ طريقة سماحة الشيخ في التحية وردِّها
406
_ منهج سماحة الشيخ في الرسائل والرد عليها
407
_ حال سماحة الشيخ في السفر
410
_ كتب كانت تقرأ على سماحة الشيخ
413
_ تربية سماحة الشيخ لطلابه
416(1/414)
نصيحة لطلبة العلم أملاها سماحته في 12/3/1389هـ
417
_ وصايا كان سماحة الشيخ يكثر منها
421
_ نصائح سماحة الشيخ
422
نماذج من نصائحه:
422
1_ نصيحة نادرة بعنوان: (نصيحة عامة للمسلمين) حررها سماحة الشيخ في 16/2/1373هـ
422
2_ كلمة بعنوان: (من هو المسلم حقاً) أنشأها لما كان نائباً لرئيس الجامعة الإسلامية
432
3_ نصيحة وجهها سماحته لأهل باكستان حكومة وشعباً لما كان رئيساً للجامعة الإسلامية
436
_ من نوادر تراجم سماحة الشيخ وإملاءاته
439
1_ بيان لما استفاده سماحة الشيخ في حج عام 1363هـ
439
2_ ترجمة أنشأها سماحة الشيخ لما كان رئيساً للجامعة الإسلامية في شيخه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم
441
3_ فائدة أنشأها سماحته تتعلق بترجمة سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم
446
_ نماذج من نوادر مكاتبات سماحة الشيخ لأهل العلم، ومع أهل العلم
450
1_ كتاب من سماحة الشيخ عبدالعزيز إلى سماحة الشيخ محمد ابن إبراهيم بشأن بعض المنكرات التي تحصل من بعض الزوار والمزورين
451
2_ كتاب مماثل للكاتب السابق
454
3_ كتاب قريب من الكتابين السابقين في 13/10/1385هـ
455
4_ كتاب من سماحة الشيخ عبدالعزيز إلى سماحة الشيخ محمد ابن إبراهيم بشأن تلاعب بعض المطابع في خارج المملكة بطبع القرآن الكريم في 19/11/1388هـ
456
5_ كتاب من سماحة الشيخ عبدالعزيز إلى الشيخ العلامة محب الدين الخطيب في 1376هـ
457
6_ كتاب من سماحة الشيخ عبدالعزيز إلى الشيخ عبدالفتاح الإمام في 25/5/1377هـ
459
7_ كتاب من سماحة الشيخ عبدالعزيز إلى فضيلة الشيخ أبي حبيب عبدالعزيز بن محمد الشثري في 2/9/1382هـ
462
8_ كتاب من سماحة الشيخ عبدالعزيز إلى الشيخ أبي حبيب في 2/9/1382هـ
464
9_كتاب من سماحة الشيخ عبدالعزيز إلى الشيخ أبي حبيب في 23/2/1386هـ
465
10_ كتاب من سماحة الشيخ عبدالعزيز إلى الشيخ أبي حبيب في 22/11/1386هـ
467(1/415)
11_ كتاب من سماحة الشيخ عبدالعزيز وسماحة الشيخ عبدالعزيز الشثري إلى معالي وزير المعارف الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ
468
12_ كتاب من سماحة الشيخ عبدالعزيز إلى سماحة الشيخ عبدالله ابن سليمان بن حميد
469
13_ كتاب من صاحب الفضيلة الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود إلى سماحة الشيخ عبدالعزيز في 5/6/1386هـ
472
14_ كتاب من سماحة الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد إلى سماحة الشيخ عبدالعزيز
474
15_ كتاب مشترك كتبه سماحة الشيخ عبدالله بن حميد، وسماحة الشيخ عبدالعزيز
476
16_ كتاب من سماحة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين إلى سماحة الشيخ عبدالعزيز في 27/11/1398هـ
478
17_ كتاب من سماحة الشيخ عبدالعزيز إلى سماحة الشيخ عبدالمحسن العباد في 10/10/1408هـ
479
18_ كتاب وقصيدة من الشيخ أحمد مختار بزرة إلى سماحة الشيخ عبدالعزيز في 7/6/1395هـ
480
19_ رد سماحة الشيخ على الشيخ أحمد مختار بزرة في 19/8/1395هـ
482
_ إجابة سماحة الشيخ للدعوات
484
مثال يوضح مدى إجابته للدعوات، وهو عبارة عن رصد للمناسبات التي حضرها وأجاب دعوة أصحابها في آخر عام عاشه، وهو 1419هـ
485
_ مكانة سماحة الشيخ عند الناس
494
مواقف في هذا الصدد
494
1_ كثرة من يأتون ويبدون مشاعرهم الصادقة
494
2_ قصة البلجيكي الذي قدم لإهداء إحدى عينيه لسماحة الشيخ1410هـ
494
3_ قصة السوداني الذي قدم لإهداء إحدى عينيه لسماحة الشيخ 1418هـ
495
4_ قصة السوداني الذي عرف الحق عن طريق برنامج نور على الدرب
495
5_ قصة المصري الذي كان يدنو من سماحة الشيخ
496
6_ فرصة مسلمي الاتحاد السوفيتي برؤية سماحة الشيخ
496
7_ ارتياح المرضى وخصوصاً المصابين بالأمراض النفسية لزيارتهم سماحة الشيخ
496
8_ تزاحم الناس لرؤيته والسلام عليه
497
9_ مكانة سماحة الشيخ لم تكن في آخر عمره فحسب، بل كانت منذ أيام شبابه، وفي مختلف أطوار عمره
497
شواهد على ذلك:
498(1/416)
أ_ قصيدة بعنوان =الشعر المختار في مدح الشيخ عبدالعزيز بن باز+للحاج فرحان سلام شاعر الثورات الفلسطينية قالها في 30/12/1389هـ
498
ب_ قصيدة بعنوان (تحية الوفاء) للشاعر المذكور
498
ج_ قصيدة للشيخ محمد المجذوب بتاريخ 22/5/1389هـ
499
د_ قصيدة للأستاذ عبدالله حمزة غوث بعنوان: (تحية الإسلام بالمدينة المنورة)
500
تعليق الشيخ عثمان الصالح على القصيدة
502
10_ مكانة سماحة الشيخ لم تكن داخل المملكة فحسب
504
جريدة (وفاق) الباكستانية تتحدث عين سماحة الشيخ في عددها الصادر في 9/7/1399هـ
504
11_ مما يدل على مكانته أن حزن الناس عليه لا يزال يتجدد حتى بعد موته بفترة طويلة
507
_ سماحة الشيخ ورياضة المشي
509
_ سماحة الشيخ والرُّقية
510
_ مبادرات سماحة الشيخ في المناسبات
512
ذكر لبعض المبادرات التي يقوم بها سماحة الشيخ
512
1_ إذا أقبل رمضان وجه كلمة بهذه المناسبة
512
2_ إذا جاء موسم الحج وجه كلمات،وفتاوى بهذا الصدد
512
3_ إذا بلغه أن هناك تهاوناً في أداء الصالة كتب نصيحة في هذا الشأن
512
4_ إذا بلغه أن الناس تهاونوا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجه نصيحة يحثهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
512
5_ إذا احتبس المطر وجه نصيحة يحث فيها على التوبة ونحو ذلك
513
6_ كان يوجه التهاني ببلوغ شهر رمضان وإتمامه، وبالعيد لكبار المسؤولين
513
7_ كان يكتب لكبار المسؤولين مهنئاً بسلامة الوصول، والسلامة من المرض
513
8_ إذا صدر أمر بتعيين بعض الأمراء أو الوزراء وجه كلمة إليهم؛ لتهنئتهم ونصيحتهم
513
9_ إذا صدر أمر من مسؤول وكان فيه مصلحة للمسلمين أو دفع ضرر عنهم وجَّه كلمة تتضمن الشكر والدعاء
513
10_ إذا قام الجهاد في بقعة من بقاع الأرض وجه كلمة يستنفر فيها المسلمين لنصرة إخوانهم، ويبين لهم ما يتوجب عليهم،ويستنكر خلالها العدوان
513(1/417)
11_ إذا كان هناك خلاف بين بعض المسلمين من مجاهدين أو طلبة علم، أو نحوهم وجه كلمة بهذا الصدد تحث على الألفة
513
12_ إذا حضر مناسبة عامة اغتنمها بما ينفع
514
13_ كثيراً ما يوجه كلمات ونصائح عامة
514
14_ وربما وجه كلمة للمعلمين
514
15_ كان يوجه الكتابات لرؤساء المحاكم، والقضاة ونحوهم،يحثهم لإقامة الدروس العلمية
514
16_ إذا طلب منه الدخول لإصلاح أمر من الأمور بادر دون تردد
514
قصة في ذلك
514
17_ إذا تولى زعيم من الزعماء الحكم في أحد البلاد الإسلامية كتب إليه سماحة الشيخ يوصيه بتحكيم الشريعة
515
_ برقية من سماحة الشيخ للرئيس العراقي عبدالسلام عارف كتبها سماحته في 18/9/1382هـ
515
18_ إذا رجع بعض الضالين، أو المبتدعة إلى الحق والسنة فرح سماحته، وربما استضافه، وأكرمه، وشجعه، وبعث إليه كتاباً بهذا الشأن
515
نموذج من ذلك
516
_ ترجمة رائعة للشيخ محمد المجذوب عن مجملات سيرة سماحة الشيخ
519
عمل سماحة الشيخ في القضاء
520
في العالم الإسلامي
522
جهود سماحة الشيخ في الجامعة الإسلامية (أقسام وكليات)
523
بقية السلف
524
عمل اليوم والليلة
528
الشورى في حياة الشيخ
530
شجاعة الشيخ في الحق
532
خطاب وكتاب
534
الشيخ الخطيب
537
منهج الشيخ في البحث
539
الشيخ والنشاط العلمي
541
تآليف غير مكتوبة
542
مجالات سماحة الشيخ العلمية
542
رأي سماحة الشيخ في مستقبل الجيل
544
بدعة وسنة
544
مشهد لا ينسى
545
_ صحة سماحة الشيخ
548
_ حال سماحة الشيخ في المرض
550
من الأمراض التي أصابته
550
1_ حصى المرارة عام 1383هـ
550
2_ إصابته بمرض القلب
555
3_ إصابة ركبته عام 1414هـ
557
_ سماحة الشيخ في أيامه الأخيرة
561
بداية مرضه الأخير
561
تدني صحة سماحة الشيخ
565
آخر دروسه التي ألقاها
565
آخر درس ألقاه
566
آخر يوم في الدوام
566
بقية أيامه الأخيرة
566
ملحوظات عجيبة على سماحة الشيخ في آخر أيامه
567
محاولات إرساله للخارج للعلاج(1/418)
569
آخر يوم في حياة سماحة الشيخ
570
_ وفاة سماحة الشيخ
575
انتشار خبر الوفاة
575
المداولات في وقت الصلاة عليه ومكانها، ومكان دفنه
575
توافد الناس إلى مكة
575
تغسيل سماحة الشيخ وتكفينه
576
حضور العلماء والمشايخ في وقت تغسيله وتكفينه
576
الدخول عليه بعد تجهيزه
577
صلاة أهل بيته عليه في منزله
577
الصلاة عليه في الحرم
577
دفن سماحة الشيخ
578
ملحوظات في يوم دفن الجنازة
579
_ أصداء وفاة سماحة الشيخ بعد دفنه
581
التعازي
581
المؤلفات والمقالات
581
المراثي
581
المرائي
582
إجماع الناس على الفضل والعلم
582
نماذج لبعض عنوانات الصحف التي كتبت عند وفاة سماحة الشيخ
583
نماذج لعنوانات بعض المقالات التي كُتبت عن سماحة الشيخ
588
نماذج لبعض مطالع القصائد التي قيلت في سماحة الشيخ بعد وفاته
593
الخاتمة
603
الفهرس
604
(1) من أبيات قالها العلامة محمد بهجة الأثري في رثاء العلامة محمد بهجة البيطار_رحمهما الله_وهي تماماً على سماحة الإمام_عبدالعزيز بن باز×.
(2) لعل الله يسر الفرصة لكتابة مفصلة عن الدروس التربوية، والعبر المستفادة من سيرة الإمام الفقيد.
(3) البيت للمتنبي انظر ديوانه 2/262.
(4) ديوان البحتري 2/7.
(5) ديوان البحتري 1/195.
(6) ديوان البحتري 1/186_187.
(7) ديوان البحتري 1/108.
(8) ديوان البحتري 1/25.
(9) ديوان البحتري 1/48.
(10) البيت للبحتري، انظر ديوانه 2/6.
(11) حساب الجُمَّل نوع من أنواع الحساب، وهذا النوع يعتمد على الحروف لا الأعداد، وهو يعتمد على ترتيب حروف الهجاء الترتيب الأبجدي، لا الترتيب الألفبائي الذي، نستخدمه والترتيب الأبجدي كما يلي:
أبجد، هوز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت ،ثخذ ، ضظغ.
وكل حرف من هذه الحروف له قيمة عددية، تبدأ بالآحاد، ثم العشرات، ثم المئات، ثم الآلاف، وذلك كما يلي:(1/419)
أ1، ب 2، ج 3، د 4، هـ 5، و 6، ز 7، ح 8، ط 9، ي 10، ك20، ل 30، م 40، ن 50، س 60، ع70، ف 80، ص 90، ق 100، ر 200، ش 300، ت 400، ث500، خ600، ذ 700، ض 800، ظ 900، غ 1000.
فإذا أراد مثلاً أن يشير إلى ص30 مثلاً قال: يك، أو نحو ذلك.
(12) خواطر الحياة لمحمد الخضر حسين ص138_139.
(13) الدسيعة: العطية الجزيلة، والجفنة الكبيرة، والمنتاب القاصد، والبيت للخنساء.
(14) هذه كلمة دارجة عند أهل نجد ومعناها: الدعاء بطول العمر، أي لعل عمرك يطول وتعيش بعدي، ويقصد منها إظهار المحبة والشفقة.
(15) ديوان البحتري 2/17.
(16) يعني الطتاب أو الرسالة، وهذا معروف عند أهل نجد خصوصاً في القرن الماضي فهم يسمون الرسالة خطَّاً.
(17) ملزِّم: يعني مؤكد.
(18) سقط بسبب خرم في الورقة.
(19) سقط.
(20) أي في الرابع من شهر رمضان المذكور.
(21) لم يوجد من هذا الكتاب بقيته.
(22) لعلها مجلة: الزهراء التي كان يصدرها الشيخ محب الدين الخطيب.
(23) لعلها: مقاربة.
(24) النضار: الذهب، والبيت للمتنبي.
(25) ديوان المتنبي1/183.
(26) ديوان البحتري 1/14.
(27) ديوان البحتري 1/23.
(28) هذا لحن، والصحيح، واهده، ولكنه اضطر للحن حتى يستقيم وزن البيت.
(29) الصحيح: تهانيا.
(30) تحولت المحاضرات أخيراً إلى القاعة الخاصة في الجامعة نفسها.
(31) أي أنعم وأكرم به.
??
??
??
??(1/420)