جامعة الأزهر الشريف
كلية أصول الدين والدعوة
الإسلامية بطنطا
الكَواكِبُ الدَّرَارِى فِى تَرْجَمَةِ بَعضُ مَنْ طُعِنَ مِنْ رِجَالِ
البُخَارِي
كتبه
أحمد عبد الرحمن أحمد سكر
الطالب بكلية أصول الدين والدعوة الإسلامية بطنطا ــ الفرقة الرابعة ــ قسم الحديث النبوى وعلومه
إشراف فضيلة الدكتور
محمد العشماوى
أستاذ الحديث وعلومه بكلية أصول الدين
والدعوة الإسلامية بطنطا
{ الإهدآء }
ـــــ إلى النبى الأكرم - صلى الله عليه وسلم - صاحب المقام المحمود والحوض المورود.
ـــــ إلى أبى وأمى بارك الله لى فيهما .
ـــــ إلى إخوتى محمد وإبراهيم وعلى وأختنا ـــ حفظهم الله ـــ .
ـــــ إلى جميع من تعلمت على أيديهم فى جامعة الأزهر .
ـــــ إلى شيخى فضيلة الدكتور شهاب الدين محمد ــ حفظه الله ــ .
ـــــ إلى شيخى الشيخ : محمد حسين جودة ــ حفظه الله ــ .
ـــــ إلى شيخى الشيخ : عصام الدين راشد ــ حفظه الله ــ .
ـــــ إلى الأخ الحبيب والشيخ الجليل : محمد البيومى ــ حفظه الله ــ .
ـــــ إلى مشائخى جميعاً حفظهم الله تعالى وبارك لنا فى أعمارهم .
إلى هؤلاء جميعاً أهدى هذا البحث المتواضع
بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة
إن الحمد لله تعالى نحمده، ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله 0
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } .(1)
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا } .(2)(1/1)
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } .(3)
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى ، وأحسن الهدى هدى محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، ثم أما بعد:
بناءً على طلب فضيلة الدكتور محمد العشماوى ــ حفظه الله ــ بتكليفنا ببحث نترجم فيه لبعض رواة الصحيحين الذين انتقد التخريج لهم فى الصحيح ، ومن هذا المنطلق بدأت كتابة هذا البحث المتواضع ، وقد أسميته :
(( الكَواكِبُ الدَّرَارِى فِى تَرجَمَةِ بَعضِ مَنِ طُعِنَ مِنْ رِجَالِ البُخَارِىِّ )).
(1) آل عمران (102) .
(2) النساء (1) .
(3) الأحزاب ( 70،71 ) .
أسأل الله تعالى أن ينفع به كل مسلم ، وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه ، وأن يجعله فى ميزان حسناتى ، إنه ولى ذلك ومولاه .
وصلى اللهم على نبينا محمد وعى آله وصحبه وسلم
وكتبه
أبو البرآء الأزهرى الأثرى
أحمد عبد الرحمن أحمد سكر
غفر الله له ولوالديه وجميع المسلمين
الأربعاء 19 من شوال 1428 هـ
الموافق 31 من أكتوبر 2007 م
- - - -
- - -
- -
-
المَبْحَثُ الأَوَّلُ:
( ترجمة بعض الرواة الذين انتقدوا على البخارى ،
وذكر وجه الطعن فيهم ، ووجه تخريج
البخارى لهم فى الصحيح )
بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
المَبْحَثُ الأَوَّلُ
{ ترجمة بعض الرواة الذين انتقدوا على البخارى ، وذكر وجه الطعن فيهم ووجه تخريج البخارى لهم فى الصحيح . }
لا شك أن كتب الحديث الصحيح يتصدرها صحيح البخارى للإمام محمد بن إسماعيل البخارى " الكبش النطاح " كما قال عنه ابن صاعد (1) ويليه صحيح الإمام مسلم بن الحجاج رحمهما الله .(1/2)
وقد خرّجا لرجال طعن فيهم ، وقد اخترت بعض الرجال الذين انتقدوا على الإمام الجليل محمد بن إسماعيل البخارى رحمه الله تعالى رحمةً واسعة ، أترجم لكل منهم ترجمة مختصرة ، وأذكر بعد ترجمتهم وجه الطعن فيهم ، ثم وجه تخريج البخارى له فى صحيحه .
- - -
- -
-
(1) انظر تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر العسقلانى رحمه الله (9/44) ط دار الفكر ببيروت الطبعة الأولى (1404هـ ــ 1984 م ).
* قال أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل :
" ووجه المدح بذلك أن الكبش عادة له هيبة ومكانة فكيف إذا كان نطّاحاً ؟ فكذلك الراوى فإنه لا يُرد عليه ولا يخالفه أحد " أهـ . انظر شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل لأبى الحسن مصطفى بن إسماعيل (1/39) ط مكتبة ابن تيمية بالقاهرة الطبعة الأولى (1414 هـ ـــ 1991م ) .
لقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله فى مقدمة شرحه على صحيح البخارى رحمه الله أسماء الرواة الذين طعن فيهم من قبل علماء الجرح والتعديل ، ذكرهم مرتبين على حروف المعجم فى فصل خاص بعنوان :
(( الفصل التاسع فى سياق من طعن فيه من رجال هذا الكتاب مرتباً لهم على حروف المعجم ، والجواب عن الإعتراضات موضعاً موضعاً ، وتمييز من أخرج له منهم فى الأصول أو فى المتابعات واستشهادات مفصلاً لذلك جميعه )) (1).
* قال الشيخ طاهر الجزائرى رحمه الله :(1/3)
ينبغي لكل منصف أن يعلم أن تخريج صاحب الصحيح لأي راو كان مقتض لعدالته عنده وصحة ضبطه وعدم غفلته هذا إذا خرج له في الأصول وأما إن خرج له في المتابعات والشواهد والتعاليق فهذا تتفاوت درجات من اخرج له منهم في الضبط وغيره مع حصول اسم الصدق لهم ، وحينئذ فإذا وجدنا لغيره في أحد منهم طعنا فذلك الطعن مقابل لتعديل هذا الإمام فلا يقبل إلا مبين السبب مفسرا بقادح يقدح في عدالة هذا الراوي وفي ضبطه مطلقا أو في ضبطه لخبر بعينه لأن الأسباب الحاملة للأئمة على الجرح متفاوتة منها ما يقدح ومنها ما لا يقدح وقد كان أبو الحسن المقدسي يقول في الذي خرج عنه في الصحيح : " هذا جاز القنطرة " يعني بذلك انه لا يلتفت إلى ما قيل فيه (2).أهـ
(1) انظر " هدى السارى مقدمة فتح البارى بشرح صحيح البخارى " (ص 454 ) ط مكتبة الصفا بعناية محمود ابن الجميل الطبعة الأولى (1424 هـ ـــ 2003 م ) .
(2) توجيه النظر إلى أصول الأثر للشيخ طاهر الجزائرى رحمه الله (1/246) ط مكتبة المطبوعات الإسلامية بحلب ، تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدَّة ، الطبعة الأولى (1416 هـ ـــ 1995 م ).
{ ذكر الرواة وترجمة كل منهم }
هذا وقد اخترت عشر رواة من هؤلاء المطعونين لكى أجرى البحث عليهم ، فأترجم لكل واحد منهم ، ثم أذكر وجه الطعن (1) فى المترجم له ، ثم أذكر لم أخرج البخارى رحمه الله لهذا الراوى .
أبو بكر أحمد بن بشير الكوفى .
أبو عمرو البصرى بشر بن السرى.
أبو عمر الصنعانى حفص بن ميسرة العقيلى .
أبو الهيثم خالد بن مخلد القطوانى الكوفى .
أبو المنذر الخراسانى زهير بن محمد التميمى .
أبو سعد المدنى سعيد بن أبى سعيد المقبرى .
أبو صالح عبد الله بن صالح الجهنى .
أبو أمية البصرى عبد الكريم بن أبى المخارق .
أبو عبد الله عكرمة مولى ابن عباس .
10. الكوفى المنهال بن عمرو .(1/4)
فهؤلاء عشر من الرواة المنتقدين على البخارى رحمه الله تعالى وإليك ترجمة كل واحدٍ منهم مع ذكر وجه الطعن ، والسبب فى تخريج البخارى له .
(1) أى : بأي شئ طعن ؟ .
{ أبو بكر أحمد بن بشير الكوفى }
* قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
(خ ت ق)(1) أحمد بن بشير الكوفى أبو بكر مولى عمرو بن حريث المخزومي قال النسائي : ليس بذاك القوي وقال عثمان الدارمي : متروك وقواه ابن معين وأبو زرعة وغيرهما. أخرج له البخاري حديثاً واحداً تابعه عليه مروان بن معاوية ، وأبو أسامة وهو في كتاب الطب ، فأما تضعيف النسائي له فمشعر بأنه غير حافظ ، وأما كلام عثمان الدارمي فقد رده الخطيب بأنه اشتبه عليه براوٍ آخر اتفق اسمه واسم أبيه وهو كما قال الخطيب رحمه الله تعالى ، وروى له الترمذي ، وابن ماجة (2). أهـ
* وقال الإمام الذهبى رحمه الله :
أحمد بن بشير ( خ ت ) :
المحدث العالم أبو بكر الكوفي مولى عمرو بن حريث المخزومي ويقال من موالي همدان ، حدث ببغداد عن الأعمش وابن أبي خالد وهشام بن عروة ومجالد وشبيب بن بشر وهاشم ابن هاشم ومسعر وخلق ، وعنه إسحاق بن موسى ومحمد بن المثنى وابن عرفة وسلم بن جنادة وابن نمير وآخرون . قال ابن معين كان يقين وليس بحديثه بأس ، وقال الخطيب موصوف بالصدق ، وقال ابن نمير كان صدوقا حسن المعرفة بأيام الناس حسن الفهم رأسا
(1) يعنى روى له البخارى والترمذى وابن ماجه .
(2) انظر هدى السارى ( ص 456) .
في الشعوبية (1) يخاصم فيها فاتضع (2) ، وقال أبو حاتم محله الصدق ، وقال النسائي ليس بذاك القوي. ولينه الدارقطني ، وقال ابن داود ثقة مكثر . قال هارون بن حاتم توفي في المحرم سنة سبع وتسعين ومئة .(3) أهـ(1/5)
أما وجه الطعن فى هذا الراوى فهو أنه كان رأساً فى الشعوبية (4) . وقد أخرج له البخارى لأنه توبع على هذا الحديث الذى أخرجه البخارى (5) رحمه الله له فتابعه مروان بن معاوية ، وأبو أسامة حماد بن أسامة بن زيد القرشى، وأبو بدر شجاع بن الوليد.(6)
* انظر " سير أعلام النبلاء " للذهبى . بتحقيق شعيب الأرنؤط ، وكامل الخرَّاط (9/241) هامش رقم (1) . ط الرسالة الطبعة الأولى (1402 هـ ـــ 1982 م ) .
(2) " اتضع " أى : هبط وسقط . فيكون المعنى فسقط حديثه بسبب أنه كان رأسٌ فى الشعوبية .
(3) سير أعلام النبلاء (9/241) .
(4) انظر هامش (1) .
(5) انظر فتح البارى بشرح صحيح البخارى ك/ الطب ، باب الدواء بالعجوة للسحر .(10/277) ح (5768) ،
ح (5769) . ط مكتبة الصفا بعناية محمود بن الجميل .الطبعة الأولى (1424 هـ ـــ 2003 م ) .
(6) انظر (7/249) ك/ الأشربة ، باب فضل تمر المدينة . من صحيح مسلم بشرح النووى رحمهما الله تعالى ط دار الحديث بالقاهرة ، بتحقيق عصام الصبابطى و حازم محمد و عماد عامر ، الطبعة الرابعة (1422 هـ ـــ 2001 م ).
{ أبو عمرو البصرى بشر بن السرى الأفوه }
* قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :(1/6)
( ع )(1) بشر بن السرى أبو عمرو البصري الأفوه سكن مكة قال البخاري : كان صاحب مواعظ فلقب الأفوه ، وقال أحمد : كان متقنا للحديث عجبا ثم تكلم في الرؤية في الآخرة فوثب به الحميدى فاعتذر فلم يقبل منه ، وقال ابن معين : رأيته بمكة يستقبل البيت ويدعو على قوم يرمونه برأي جهم ووثقه هو وعبد الرحمن بن مهدي والعجلي وعمرو بن علي والدارقطني وقال : إنما وجدوا عليه في أمر المذهب فحلف واعتذر من ذلك وقال ابن عدي : له أفراد وغرائب عن الثوري وهو ثقة في نفسه لا بأس به . قلت (2) له في البخاري حديث واحد متابعة وهو أول شئ في كتاب الفتن قال (3) حدثنا علي بن عبد الله حدثنا بشر بن السري حدثنا نافع بن عمر عن بن أبي مليكة عن أسماء بنت أبي بكر في ذكر الحوض ورواه البخاري أيضا في موضع آخر عن سعيد بن أبي مريم عن نافع عن ابن عمر عاليا وروى له الباقون (4) .أهـ
* وقال الإمام الذهبى رحمه الله :
بشر بن السرى ( ع ) الأفوه ، هو الواعظ الزاهد العابد الامام الحجة، أبو عمرو البصري ، نزيل
مكة. سمع مسعر بن كدام ، وحماد بن سلمة ، وسفيان الثوري ، وزائدة بن قدامة ، ومالكا،
(1) أى : روى له البخارى ومسلم وأبوداود والترمذى والنسائى وابن ماجة .
(2) القائل هو الحافظ ابن حجر العسقلانى رحمه الله تعالى رحمة واسعة .
(3) القائل هو الإمام الجليل الكبش النطَّاح محمد بن إسماعيل البخارى رحمه الله تعالى رحمة واسعة .
(4) انظر " هدى السارى " ( ص 464 ) .(1/7)
وطائفة. حدث عنه : أحمد بن حنبل ، وعلي بن المديني ، وأبو حفص الفلاس ، وجماعة سواهم . وما علمت وقع لي حديث من عواليه . قال أحمد بن حنبل: كان متقنا للحديث عجبا . وقال أبو حاتم : صالح ثبت . وقال يحيى بن معين : ثقة . وقال ابن عدي : يقع في حديثه ما ينكر، وهو في نفسه لا بأس به . وقال العقيلي : هو في الحديث مستقيم ، حدثنا الابار، حدثنا عوام ، قال : قال الحميدي : كان جهميا، لا يحل أن يكتب حديثه . قلت (1) : بل حديثه حجة ، وصح أنه رجع عن التجهم. قال : وحدثنا الفريابي ، حدثنا أحمد بن محمد المقدمي ، حدثنا سليمان بن حرب ، قال : سأل بشر بن السري حماد بن زيد عن حديث " ينزل ربنا " أيتحول ؟ فسكت ، ثم قال : هو في مكانه ، يقرب من خلقه كيف شاء. وقال أحمد بن حنبل : تكلم بشر بشئ بمكة ، فوثب عليه إنسان ، فَذُلَّ بمكة حتى جاء ، فجلس إلينا مما أصابه من الذل . وكان الثوري يستثقله ، لأنه سأل سفيان عن أطفال المشركين ، فقال : ما أنت وذا يا صبي ؟. قلت (2) : هكذا كان السلف يزجرون عن التعمق ، ويبدعون أهل الجدال . توفي سنة خمس أو ست وتسعين ومئة (3).أهـ
أما وجه الطعن فى هذا الراوى فلأنه تكلم فى ذات الله تعالى وكان يكثر الجدال فى هذا الشأن حتى
رمى بالتجهم (4) لذا طعن فيه وبالتالى على البخارى لأنه أخرج له فى الصحيح .
(1) القائل هو الإمام الذهبى رحمه الله تعالى رحمة واسعة .
(2) القائل هو الإمام الذهبى رحمه الله تعالى رحمة واسعة .
(3) انظر سير أعلام النبلاء (ص 332 ) وما بعدها .
(4) التجهم نسبة إلى مذهب الجهمية ومذهبهم باختصار أصحاب جهم بن صفوان، وهو من الجبرية الخالصة. ظهرت
بدعته بترمذ وقتله سالم بن أحوز المازني بمرو في آخر ملك بني أمية : وافق المعتزلة في نفي الصفات الأزلية ، وزاد =
* وقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :(1/8)
قلت : له في البخاري حديث واحد متابعة وهو أول شئ في كتاب الفتن قال حدثنا علي بن عبد الله حدثنا بشر بن السري حدثنا نافع بن عمر عن بن أبي مليكة عن أسماء بنت أبي بكر في ذكر الحوض ورواه البخاري أيضا في موضع آخر عن سعيد بن أبي مريم عن نافع ابن عمر عالياً (4) .
* قلت " مقيده عفا الله عنى " :
ومعنى ذلك أن البخارى لم يخرج له فى الأصول بل فى المتابعات حيث أنه أخرج الحديث من
= عليهم بأشياء: منها قوله : لا يجوز أن يوصف الباري تعالى بصفة يوصف بها خلقه ؛ لأن ذلك يقضي تشبيهاً؛ فنفى كونه: حياً، عالماً؛ وأثبت كونه: قادراً، فاعلاً، خالقاً؛ لأنه لا يوصف شيء من خلقه: بالقدرة ، والفعل، والخلق.ومنها لإثباته علوماً حادثة للباري تعالى لا في محل؛ قال: لا يجوز أن يعلم الشيء قبل خلقه؛ لأنه لو علم ثم خلق! أفبقي علمه على ما كان أم لم يبق؟ فإن بقى فهو جهل؛ فإن العلم بأن سيوجد، غير العلم بأن قد وجد، وإن لم يبق فقد تغير؛ والمتغير مخلوق ليس بقديم. ووافق في هذا مذهب هشام بن الحكم كما تقرر؛ قال: وإذا ثبت حدوث العلم فليس يخلو: إما أن يحدث في ذاته تعالى؛ وذلك يؤدي إلى التغير في ذاته؛ وأن يكون محلاً للحوادث، وإما أ، يحدث في محل؛ فيكون المحل موصوفا به؛ لا الباري تعالى... فتعين أنه لا محل له؛ فأثبت علوما حادثة بعدد الموجودات المعلومة.
انظر ( الملل والنحل للشهرستانى هامش على الفِصَل فى الملل والأهواء والنِّحَل للإمام أبو محمد ابن حزم الظاهرى )
(1/109 ) ط مكتبة الخانجى بمصر غير محددة رقم الطبعة ولا سنتها .(1/9)
(1) قوله عالياً أى " إسناده عالٍ " والإسناد العالى هو ما كان قريباً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحيث يقل عدد رواته مقارنة بإسنادٍ آخر يرد به الحديث بعينه بعددٍ أكثر . انظر " نزهة النظر شرح نخبة الفكر " لابن حجر (ص 75 ) ط مكتبة أولاد الشيخ للتراث بتحقيق أحمد بن سالم المصرى ، و " مباحث فى علوم الحديث " لمناع القطان (ص 178) ط مكتبة وهبة .
طريق سعيد بن أبى مريم عن نافع بن عمر قال : حدثنى ابن أبى مليكة به (1) أولاً . أما حديث بشر بن السرى فأخرجه بعده بكثير من طريق على بن عبد الله حدثنا بشر بن السرى حدثنا نافع بن عمر عن ابن أبى مليكة به (2) .فمن ذلك يتضح سبب إخراج البخارى حديث بشر بن السرى فى صحيحه وهو أنه أراد أن ينبه على أنه حصل على هذا الحديث بإسنادين أحدهما عالٍ والآخر نازل ، ومن يقرأ فى الصحيح جيداً يجد ذلك كثيراً . والله تعالى أعلى وأعلم .
- - - - -
- - -
- -
-
(1) أخرجه البخارى فى ك / الرقاق ، باب فى الحوض وقول الله تعالى { إِنَّآ أَعطَينَاكَ الكَوثَر } الكوثر (1).
ح (6593) (11/517 فتح).
(2) أخرجه البخارى فى ك / الفتن ، باب ما جاء فى قول الله تعالى { وَاتَّقُوا فِتنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُم خَاصَّةً } الأنفال (25). وما كان النبى يحذر من الفتن ، ح ( 7048 ) ( 13/3 فتح ).
{ أبو عمر الصنعانى حفص بن ميسرة العقيلى }
* قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :(1/10)
( خ م س ق )(1) حفص بن ميسرة العقيلي أبو عمرو الصنعاني نزيل عسقلان قال ابن معين ثقة إنما يطعن عليه أنه عرض ، يعني أن سماعه من شيوخه كان بقراءته عليهم ، وعن ابن معين أيضا أنه قال ما أحسن حاله إن كان سماعه كله عرضا ، كأنه يقول إن بعضه مناولة ، ووثقه أحمد وغيره ، وقال أبو حاتم في حديثه بعض الوهم ، قلت : وشذ الأزدي فقال : روى عن العلاء بن عبد الرحمن مناكير ، وقال الساجي في حديثه ضعف . قلت : له في البخاري حديث في الحج عن هشام بن عروة بمتابعة عمرو بن الحارث (1) ، وحديث (2) في زكاة الفطر عن موسى بن عقبة بمتابعة زهير بن معاوية عند مسلم ، وحديث في الاعتصام عن زيد بن أسلم بمتابعة أبي غسان محمد بن مطرف عنده ، وفي التفسير عنه بمتابعة سعيد بن هلال عنده (3)، وروى له مسلم ، والنسائي ، وابن ماجة. أهـ } انظر هدى السارى
( ص 470 ){ .
(1) أى : روى له البخارى ومسلم والنسائى وابن ماجة .
(2) قلت " مقيده عفا الله عنى " : ليس له فى الحج شئ . والله أعلم .
(3) قلت " مقيده عفا الله عنى " : بل حديثين فى زكاة الفطر . والله أعلم .
(4) قلت " مقيده عفا الله عنى " : بل له فى البخارى ستة أحاديث :
الأول ، والثانى : أخرجه البخارى فى ك/ الزكاة باب الصدقة قبل العيد ، ح (1509) ، ح (1510) (3/458 فتح ) الأول قال : حدثنا موسى بن عقبة . والثانى قال : عن زيد بن أسلم .
الثالث : أخرجه البخارى فى ك/ المظالم والغصب باب أفنية الدور والجلوس فيها والجلوس على الصعدات ،
ح (2465) (5/134 فتح ) ، قال : عن زيد بن أسلم . والرابع : أخرجه البخارى فى ك/ المغازى باب دخول النبي صلى الله عليه وسلم من أعلى مكة ، ح (4290) (7/655 فتح ) ، قال : عن هشام بن عروة . والخامس : أخرجه البخارى فى ك/ تفسير القرآن باب قوله { إِنَّ اللهَ لا يَظلِمُ مِثقَالَ ذَرَّة ٍ } ( النساء 40) =
ووجه الطعن فى هذا الراوى :(1/11)
أنه إنما عرَّض ، ولم يسمع من مشائخه إنما أخذ عنهم بالعرض والمناولة (1) ، وكان ينبغى أن يحدث بصيغة من صيغ العرض (2) أو المناولة ولم يفعل إنما كان يستعمل الصيغ التى ليست للعرض أو المناولة كحدثنا دون التقييد، وعن ، أما حدثنا دون التقييد بالنسبة لمن تحمل عرضاً فلا تجوز فى حقه عندما يؤدى ، بل لابد من التقييد فيقول حدثنا فلان قراءة عليه ، أو عرضاً عليه ، وكذلك بالنسبة لعن فلابد من التقييد ، وإلا فلا .
= ، ح (4581) (8/111 فتح ) ، قال : عن زيد بن أسلم . والسادس : أخرجه البخارى فى ك/ الإعتصام باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -" لتتبعن سنن من كان قبلكم " ، ح (7320) ، (13/360 فتح ) ، قال : عن زيد بن أسلم .
(1) العرض هو : قراءة الطالب للمروى على الشيخ من كتاب أو من حفظ . أو هو : سملع الشيخ لما يقرأ عليه سواء من كتاب أو من حفظ وسواء كان الشيخ حافظاً لما يقرأ عليه أم لم يكن حافظاً له بشرط أن ينظر الشيخ فى الأصل أو ينظر للأصل ثقة .( انظر قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث لمحمد جمال الدين القاسمى رحمه الله ( ص 203) ط دار العقيدة بالأسكندرية ، و مباحث فى علوم الحديث لمناع القطان ( ص 166 ) ، الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث للشيخ العلامة محدث وادى النيل أحمد بن محمد شاكر رحمه الله (ص91) ط مكتبة دار التراث.)). والمناولة هى : إعطاء الشيخ الطالب شيئا من مروياته مع إجازته به صريحا أو كناية. ( انظر فتح المغيث شرح ألفية الحديث شرح ألفية الحديث للسخاوى (2/116) ط دار الكتب العلمية بلبنان 1403هـ الطبعة الأولى.)(1/12)
(2) صيغ العرض هى : قرأت على فلان ، قرئ على فلان وأنا أسمع ، قرأنا على فلان ، حدثنا فلان قراءة عليه ، وغير ذلك . وصيغ المناولة هى : ناولنى فلان فيما أجازنى به " بالجمع والإفراد "، حدثنى فلان بالمناولة والإجازة ، وأخبرنى فلان بالإجازة والمناولة ، وهذا خاص لمن تحمل بالمناولة مقرونة بالإجازة ، أما من تحمل مناولة فقط فيقول ناولنا فلان " بالجمع والإفراد " ، حدثنى فلان مناولة ، أخبرنى فلان مناولة ، وغير ذلك .
وقد أجاز جمع من العلماء استعمال لفظ حدثنا وعن فى مثل هذه الحالة دون التقييد مالم يعرف الراوى بالتدليس . وممن قال بذلك الزهري ومالك وابن عيينة والقطان والبخاري ومعظم الحجازيين والكوفيين. * قال ابن جماعة:
إذا روى السامع بهذه الطريقة فله عبارات أحوطها أن يقول قرأت عن فلان أو قرى ء عليه وأنا أسمع فأقر به ويلي ذلك عبارات السماع من الشيخ مقيدا بالقراءة عليه كحدثنا أو أخبرنا أنبأنا قراءة عليه وفي جواز إطلاقها ثلاثة مذاهب :
أحدها : منعه قاله ابن المبارك ويحيى بن يحيى وأحمد والنسائي وطائفة .
والثاني : جوازه وقيل هو مذهب الزهري ومالك وابن عيينة والقطان والبخاري ومعظم الحجازيين والكوفيين .
والثالث جواز أخبرنا دون حدثنا وهو مذهب الشافعي وأصحابه ومسلم بن الحجاج وجمهور أهل المشرق وروي عن ابن جريج والأوزاعي وابن وهب وعن النسائي أيضا وهو الشائع الغالب الآن (1) .
وقد خرج له الإمام البخارى رحمه الله لأن الطعن فيه خفيف ولم يصفه أحدهم (2) إلا بأنه ثقة غير اثنين فقط هما الأزدي حيث قال : روى عن العلاء بن عبد الرحمن مناكير ، و الساجي حيث قال : في حديثه ضعف، وقد قال عنهما ابن حجر أنهما شذا . لكنه كان يعرِّض فى الصيغ وقد قدمنا جواز ذلك عند البخارى ، هذا غير أنه متابع على أحاديث التى خرِّجت له عند البخارى . والله أعلم .
- - - - - -(1/13)
(1) المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي لمحمد بن إبراهيم بن جماعة (1/81) ط دار الفكر بدمشق ( 1406هـ) ، الطبعة الثانية ، بتحقيق : د. محيي الدين عبد الرحمن رمضان .
(2) أى علماء الجرح والتعديل المعتبرون كابن معين وأحمد بن حنبل وأبى حاتم وابن المدينى وغيرهم .
{ أبو الهيثم خالد بن مخلد القطوانى الكوفى }
* قال ابن حجر رحمه الله :
( خ م ت س ق )(1) خالد بن مخلد القطوانى الكوفى أبو الهيثم من كبار شيوخ البخاري روى عنه وروى عن واحد عنه ، قال العجلي : ثقة فيه تشيع ، وقال ابن سعد : كان متشيعا مفرطا ، وقال صالح جزرة : ثقة إلا أنه كان متهما بالغلو في التشيع ، وقال أحمد بن حنبل : له مناكير ، وقال أبو داود : صدوق إلا أنه يتشيع ، وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به .قلت : أما التشيع فقد قدمنا أنه إذا كان ثبت الأخذ والأداء لا يضره لا سيما ولم يكن داعية إلى رأيه ، وأما المناكير فقد تتبعها أبو أحمد بن عدي من حديثه وأوردها في كامله وليس فيها شئ مما أخرجه له البخاري بل لم أر له عنده من أفراده سوى حديث واحد وهو حديث أبي هريرة من عادى لي وليا الحديث وروى له الباقون سوى أبي داود (2) .
* قال الإمام الذهبى رحمه الله :
خالد بن مخلد ( خ م ت س ق ) الإمام المحدث الحافط المكثر المغرب أبو الهيثم البجلي الكوفي القطواني وقطوان مكان بالكوفة جل روايته عن أهل المدينة حدث عن مالك وأبي الغصن ثابت بن قيس وسليمان بن بلال ونافع بن أبي نعيم وعلي بن صالح بن حي وكثير بن
عبد الله ابن عوف وعبد الله بن جعفر المخزمي ومحمد بن موسى الفطري وعدة حدث عنه
البخاري في صحيحه وعباس الدوري وعبد بن حميد وأبو أمية الطرسوسي ومحمد بن عثمان بن
(1) أى : روى له البخارى ومسلم والترمذى والنسائى وابن ماجة .
(2) انظر هدى السارى ( ص 472) .
كرامة ومحمد بن شداد المسمعي وخلق سواهم وقد روى الجماعة سوى أبي داود عن رجل عنه(1/14)
وقد حدث عنه من القدماء عبيد الله بن موسى قال يحيى بن معين ما به بأس وقال أبو داود صدوق لكنه يتشيع وقال أحمد بن حنبل له أحاديث مناكير وقال محمد بن سعد كان منكر الحديث مفرطا في التشيع كتبوا عنه ضرورة وذكره ابن عدي في كامله فأورد له عدة أحاديث منكرة وقال مطين مات سنة ثلاث عشرة ومئتين وزاد صاحب النبل مات في المحرم وقد روى أبو داود في جمعه لحديث مالك عن رجل عنه وقيل بل القطواني لقب له وقيل نسبة إلى محلة وآخر من حدث عنه موتاً محمد بن شداد قاله الخطيب وروى البخاري حديث من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب عن ابن كرامة عن خالد وهو غريب جدا لم يروه سوى ابن كرامة عنه (1).
وجه الطعن على هذا الراوى :
أنه رمى بالتشيع وأنه كان مغالٍ فى ذلك ، وكان له مناكير كما قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وقد رد الحافظ ابن حجر رحمه الله على هذا الأمر رداً جيداً فجزاه الله خيراً .
وقد خرَّج له البخارى فى صحيحه لأنه لم يكن من الشيعيين الداعين إلى مذهبهم وأنه ليس هناك أعلم بمناكير الرواة من البخارى لكى ندافع عنه لمجرد تخريجه لمن له مناكير . والله أعلم .
- - -
- -
-
(1) سير أعلام النبلاء (10/217 ، 218 ، 219).
{ أبو المنذر الخراسانى زهير بن محمد التميمى }
* قال ابن حجر رحمه الله :(1/15)
(ع) زهير بن محمد التميمي أبو المنذر الخراساني نزيل مكة مختلف فيه قال أحمد بن حنبل كأن زهير الذي روى عنه أهل الشام آخر فإن رواية أصحابنا عنه مستقيمة عند عبد الرحمن بن مهدي وأبي عامر العقدي وأما رواية عمرو بن أبي سلمة التنيسي فبواطيل وقال أبو حاتم في حفظه سوء وحديثه بالشام أنكر من حديث بالعراق وقال العجلي والبخاري والنسائي نحو ذلك وقال ابن عدي لعل أهل الشام أخطؤا عليه فإن روايات أهل العراق عنه تشبه المستقيمة وأرجو أنه لا بأس به واختلفت فيه الرواية عن يحيى بن معين وهو بحسب أحاديث من روى عنه وأفرط ابن عبد البر فقال إنه ضعيف عند الجميع وتعقبه صاحب الميزان بأن الجماعة احتجوا به وهو كما قال قد أخرج له الجماعة لكن له عند البخاري حديث واحد في كتاب المرضى قال فيه حدثني عبد الله بن محمد حدثنا عبد الملك بن عمرو وهو أبو عامر العقدي حدثنا زهير بن محمد عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد وعن أبي هريرة حديث ما يصيب المسلم من نصب الحديث (1) وقد تابعه الوليد بن كثير عند مسلم وأخرج البخاري في الاستئذان بهذا الإسناد إلى زهير عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد حديث إياكم والجلوس في الطرقات الحديث (2) ولم ينسب زهيرا عنده فذكر المزي وغيره أنه زهير بن
(1) أخرجه البخارى فى ك/ المرضى باب ما جاء فى كفارة المرض ، ح (5461،5462) (10/121 فتح).
(2) أخرجه البخارى فى ك/ الإستئذان باب قول الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } ( النور 27)، ح (6229)(11/9 فتح).
محمد وقد تابعه عليه حفص بن ميسرة عندهما والدراوردي عند مسلم وأبي داود كلاهما عن زيد بن أسلم به وليس له في البخاري غير هذا (1).أهـ
* قال الإمام الذهبى رحمه الله :(1/16)
زهير بن محمد ( ع ) التميمي ، الحافظ المحدث ، أبو المنذر المروزي الخرقي ، بفتحتين ، من قرية خرق . الخراساني . نزيل الشام ، ثم نزيل مكة . وقيل: إنه هروي . حدث عن: موسى بن وردان المصري صاحب أبي هريرة ، وابن أبي مليكة ، وعمرو بن شعيب ، ومحمد بن المنكدر، وزيد بن أسلم ، وعبد الرحمن بن القاسم ، وابن عقيل ، وسهيل ، وعدة . وعنه : الوليد بن مسلم ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وأبو داود ، وروح ابن عبادة ، وعمرو بن أبي سلمة ، وأبو عامر العقدي ، وخلق سواهم ، وأبو حذيفة النهدي .قال البخاري وغيره : روى عنه الشاميون مناكير.
قلت : وكذا روى عنه عمرو بن أبي سلمة التنيسي مناكير ، وما هو بالقوي ولا بالمتقن ، مع أن أرباب الكتب الستة خرجوا له . وقد ذكره أبو جعفر العقيلي في " الضعفاء " ، فنقل عن أحمد بن حنبل ، قال : هو مقارب الحديث ، وقال : هو مقارب الحديث ، وقال : كأن الذي يروي عنه أهل الشام زهير آخر، قلب اسمه . وروى معاوية بن صالح ، عن يحيى بن معين : خراساني ضعيف . ثم قال العقيلي: ومن حديثه : ما حدثنا أحمد بن محمد النصيبي ، حدثنا إسحاق بن زيد الخطابي ، حدثنا محمد بن سليم ، حدثنا زهير بن محمد
(1) انظر هدى السارى ( ص 475).
أبو المنذر، حدثنا سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " صوموا تصحوا ، وسافروا تصحوا ، واغزوا تغنموا " . ثم قال : لا يتابع عليه إلا من وجه فيه لين.
قال النسائي : ليس بالقوي . وقال عثمان الدارمي : ثقة ، له أغاليط . وروى أحمد بن زهير عن يحيى : ثقة . وقال مرة : صالح . وقال عباس : سمعت يحيى يقول : زهير بن(1/17)
محمد ثقة . وروى حنبل عن أحمد: ثقة. وقال ابن أبي حاتم : سألت أبي عنه ، فقال : محله الصدق ، وفي حفظه سوء، وما حدث به من كتبه ، فهو صالح . وقال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس به. وقال ابن قانع : توفي سنة اثنتين وستين ومئة. أخبرنا من سمع ابن خليل ، أخبرنا اللبان ، أخبرنا أبو علي ، أخبرنا أبو نعيم ، حدثنا ابن فارس ، حدثنا يونس بن حبيب ، حدثنا أبو داود ، حدثنا زهير بن محمد، أخبرني موسى بن وردان ، عن أبي هريرة ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل ".هذا حديث غريب عال. أخرجه أبو داود والترمذي ، عن بندار، عنأبي داود ، وحسنه الترمذي . قال الترمذي : سألت محمدا عن حديث زهير بن محمد هذا، فقال : أنا أتقي هذا الشيخ ، كأن حديثه موضوع ، وليس هذا عندي بزهير بن محمد، وكان أحمد بن حنبل يضعف هذا الشيخ ، ويقول : هذا شيخ ينبغي أن يكونوا قلبوا اسمه. فهذا قاله عقيب حديث : " صلى ابن عمر محلول الازرار " وقال رأيت نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يفعله.(1) أهـ
ووجه الطعن على هذا الراوى أنه كما قال الحافظ ابن حجر نا قلا عن الأعلام :
(1) سير أعلام النبلاء (8/187،188،189،190).
أنه سيئ الحفظ وكان حديثه بالشام أنكر من حديث بالعراق ، وغير ذلك لكن لم يروِ له البخارى إلا حديثين وقد توبع عليهما فلا يطعن على البخارى لأنه ناقد عالم بكتابه من غيره ويعرف من يخرِّج له جيداً فلا يُطعن عليه ، لأن صاحب البيت أدرى بما فيه!.
- - - - -
- - - -
- - -
- -
-
{ أبو سعد المدنى سعيد بن أبى سعيد المقبرى }
* قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :(1/18)
( ع ) سعيد بن أبي سعيد المقبري أبو سعيد المدني صاحب أبي هريرة مجمع على ثقته لكن كان شعبة يقول : حدثنا سعيد المقبري بعد أن كبر . وزعم الواقدي أنه اختلط قبل موته بأربع سنين وتبعه ابن سعد ، ويعقوب بن شيبة ، وابن حبان ، وأنكر ذلك غيرهم ، وقال الساجي عن يحيى بن معين : أثبت الناس فيه ابن أبي ذئب ، وقال ابن خراش : أثبت الناس فيه الليث بن سعد قلت : أكثر ما أخرج له البخاري من حديث هذين عنه وأخرج أيضا من حديث مالك ، وإسماعيل بن أمية ، وعبد الله بن عمر العمري ، وغيرهم من الكبار ، وروى له الباقون لكن لم يخرجوا من حديث شعبة عنه شيئا(1).أهـ
* قال الإمام الذهبى رحمه الله :
سعيد المقبرى (ع) الامام المحدث الثقة أبو سعد سعيد بن أبي سعيد كيسان الليثي مولاهم المدني المقبري، كان يسكن بمقبرة البقيع.حدث عن أبيه، وعن عائشة، وأبي هريرة، وسعد بن أبي وقاص، وأم سلمة، وابن عمر، وأبي شريح الخزاعي، وأبي سعيد الخدري وعدة وكان من أوعية الحديث.حدث عنه أولاده عبدالله وسعد، وابن أبي ذئب، وإسماعيل بن أمية، وزيد بن أبي أنيسة، وعبيدالله بن عمر، ومالك بن أنس، وإبراهيم بن طهمان، والليث بن سعد، وخلق سواهم.وحديثه مخرج في الصحاح.قال أبو حاتم: صدوق، وقال عبد الرحمن بن حراش: ثقة
(1) هدى السارى ( ص 477).
جليل، وأثبت الناس فيه الليث، وقال ابن سعد: ثقة لكنه اختلط قبل موته بأربع سنين.(1/19)
قلت: ما أحسبه روى شيئا في مدة اختلاطه، وكذلك لا يوجد له شئ منكر . توفي سنة خمس وعشرين ومئة، وقيل: توفي سنة ثلاث وعشرين وقيل: سنة ست وعشرين، وكان من أبناء التسعين. وقع لنا من عواليه ، أخبرنا أحمد بن إسحاق، أنبأنا أكمل بن أبي الازهر أنبأنا أبو القاسم بن البناء، أنبأنا محمد بن محمد، أنبأنا أبو بكر بن زنبور، حدثنا عبدالله بن سليمان، حدثنا عيسى بن حماد، أنبأنا الليث عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مئة سنة " (1).أهـ
ووجه الطعن على هذا الراوى أنه اختلط فى آخر حياته وقد قال الذهبى رحمه الله : " ما أحسبه روى شيئا في مدة اختلاطه، وكذلك لا يوجد له شئ منكر " .
وقال ابن حجر رحمه الله : " وزعم الواقدي أنه اختلط قبل موته بأربع سنين وتبعه ابن سعد ، ويعقوب بن شيبة ، وابن حبان ، وأنكر ذلك غيرهم " .
فالكلام على هذا الراوى باختلاطه مردود غير صحيح ولذلك أخرج له البخارى رحمه الله فى الصحيح ولا يضره إن كانت روايته أصلاً أو متابعة أو غير ذلك .
- - -
- -
-
(1) سير أعلام النبلاء ( 5/ 216 ، 217 )
{ أبو صالح عبد الله بن صالح الجهنى }
* قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :(1/20)
( خ د ت ق ) عبد الله بن صالح الجهنى أبو صالح غالبا الليث لقيه البخاري وأكثر عنه وليس هو من شرطه في الصحيح وإن كان حديثه عنده صالحا فإنه لم يورد له في كتابه إلا حديثا واحدا وعلق عنه غير ذلك على ما ذكر الحافظ المزي وغيره وكلامهم في ذلك متعقب بما سيأتي وعلق عن الليث بن سعد شيئا كثيرا كله من حديث أبي صالح عن الليث وقد وثقه عبد الملك بن شعيب بن الليث فيما حكاه أبو حاتم قال سمعته يقول أبو صالح ثقة مأمون وقد سمع من جدي حديثه وكان أبي يحضه على التحديث قال وسمعت أبا الأسود النضر بن عبد الجبار وسعيد بن عفير يثنيان عليه وقال سعد بن عمرو البردعي قلت لأبي زرعة أبو صالح غالبا الليث فضحك وقال حسن الحديث قلت فإن أحمد يحمل عليه قال وشئ آخر وقال بن عبد الحكم سمعت أبي وقيل له إن يحيى بن بكير يقول في أبي صالح فقال قل له هل جئنا الليث قط إلا وأبو صالح عنده رجل كان يخرج معه إلى الأسفار وإلى الريف وهو كاتبه فينكر على هذا أن يكون عنده ما ليس عند غيره وقال الذهلي شغلني حسن حديثه عن الاستكثار من سعيد بن عفير وقال يعقوب بن سفيان حدثني أبو صالح الرجل الصالح وقال عبد الله بن أحمد سألت أبي عنه فقال كان في أول أمره متماسكا ثم فسد بآخره وقال أيضا ذكرته لأبي فكرهه وقال إنه روى عن الليث عن ابن أبي ذئب وأنكر أن يكون الليث سمع من ابن أبي ذئب وقال أبو حاتم سمعت ابن معين يقول كل أحوال أبي صالح أنه قرأ هذه الكتب على الليث ويمكن أن يكون ابن أبي ذئب كتب إلى الليث بهذا الدرج وقال صالح جزرة كان ابن معين يوثقه وعندي أنه يكذب في الحديث وقال علي بن المديني ضربت على حديثه وقال النسائي ليس بثقة وقال أبو حاتم الأحاديث التي أخرجها أبو صالح في آخر عمره فأنكروها عليه أرى أن هذا مما افتعل خالد بن نجيح وكان أبو صالح يصحبه وكان أبو صالح سليم الناحية وكان خالد يضع الحديث في كتب الناس ولم يكن أبو صالح يروي الكذب بل كان رجلا(1/21)
صالحا وقال ابن حبان كان صدوقا في نفسه وروى مناكير وقعت في حديثه من قبل جار له كان يضع الحديث ويكتبه بخط يشبه خط عبد الله ويرميه في داره فيتوهم عبد الله أنه خطه فيحدث به وقال ابن عدي كان مستقيم الحديث إلا أنه يقع في أسانيده ومتونه غلط ولا يتعمد الكذب قلت ظاهر كلام هؤلاء الأئمة أن حديثه في الأول كان مستقيما ثم طرأ عليه فيه تخليط فمقتضى ذلك أن ما يجئ من روايته عن أهل الحذق كيحيى بن معين والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم فهو من صحيح حديثه وما يجئ من رواية الشيوخ عنه فيتوقف فيه والأحاديث التي رواها البخاري عنه في الصحيح بصيغة حدثنا أو قال لي أو قال المجردة قليلة أحدها في كتاب التفسير في تفسير سورة الفتح قال حدثنا عبد الله حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة فذكر حديث عبد الله بن عمرو في تفسير قوله تعالى إنا أرسلناك شاهدا الآية وعبد الله هذا هو أبو صالح لأن البخاري رواه في كتاب الأدب المفرد فقال حدثنا عبد الله بن صالح وهو غالبا الليث فيما جزم به أبو علي الغساني ثانيا في الجهاد قال حدثنا عبد الله حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة فذكر حديث ابن عمر في القول عند القفول من الحج وعبد الله هو أبو صالح كما جزم به أبو علي الغساني ثالثها في البيوع قال البخاري وقال الليث حدثنا جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز عن أبي هريرة في قصة الرجل الذي أسلف الألف دينار وقال بعدها حدثني عبد الله بن صالح حدثنا الليث بهذا هكذا وقع في روايتنا من طريق أبي الوقت وفي غيرها من الروايات رابعها في الأحكام قال البخاري عقب حديث قتيبة عن الليث عن يحيى بن سعيد في حديث أبي قتادة في القتيل يوم حنين قال البخاري وقال لي عبد الله عن الليث يعني بهذا الإسناد وفي هذا الحديث فقام النبي صلى الله عليه وسلم فأداه هكذا هو في روايتنا من طريق أبي ذر عن الكشميهني خامسها في كتاب الزكاة عقب حديث ابن عمر في المسألة قال في آخره وزادني عبد الله بن(1/22)
صالح عن الليث يعني بسنده فيشفع ليقضي بين الخلق وعند سادس في تفسير سورة الأحزاب حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث حدثني بن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقال في آخره وقال أبو صالح عن الليث على محمد وعلى آل محمد وعنده سابع في الاعتصام قال حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن عقيل عن الزهري عن عبيد الله عن أبي هريرة لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفر من كفر من العرب الحديث وفيه قال أبو بكر لو منعوني عقالا الحديث قال في آخره قال لي بن بكير وعبد الله عن الليث عناقا وهو أصح وفي الكتاب عن أبي صالح موضع ثامن وهو قوله في صفة الصلاة حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن بن شهاب أخبرني أبو بكر بن(1/23)
عبد الرحمن أنه سمع أبا هريرة يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبرحين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع ثم يقول وهو قائم ربنا لك الحمد قال عبد الله بن صالح عن الليث ولك الحمد ثم يكبر حين يسجد وفيه موضع تاسع في صفة الصلاة أيضا قال حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن خالد عن سعيد هو بن أبي هلال عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالسا مع نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا صلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال أبو حميد الساعدي أنا كنت أحفظكم لصلاته رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار في مكانه الحديث وقال بعده قال أبو صالح عن الليث كل فقار وأما التعليق عن الليث من رواية عبد الله بن صالح عنه فكثير جدا وقد عاب ذلك الاسماعيلي على البخاري وتعجب منه كيف يحتج بأحاديثه حيث يعلقها فقال هذا عجيب يحتج به إذا كان منقطعا ولا يحتج به إذا كان متصلا وجواب ذلك أن البخاري إنما صنع ذلك لما قررناه أن الذي يورده من أحاديثه صحيح عنده قد انتقاه من حديثه لكنه لا يكون على شرطه الذي هو أعلى شروط الصحة فلهذا لا يسوقه مساق أصل الكتاب وهذا اصطلاح له قد عرف بالاستقراء من صنيعه فلا مشاحة فيه والله أعلم (1) .أهـ
* قال الإمام الذهبى رحمه الله :(1/24)
عبدالله بن صالح (خ، د، ت، ق) ابن محمد بن مسلم، الامام، المحدث، شيخ المصريين، أبو صالح الجهني مولاهم المصري،كاتب الليث بن سعد. قد شرحت حاله في " ميزان الاعتدال " وليناه. وبكل حال، فكان صدوقا في نفسه، من أوعية العلم، أصابه داء شيخه ابن لهيعة، وتهاون بنفسه حتى ضعف حديثه، ولم يترك بحمد الله، والاحاديث التي نقموها عليه معدودة في سعة ما روى. مولده في سنة سبع وثلاثين ومئة.ورأى زبان بن فائد، وعمرو بن الحارث، وسمع من: موسى بن علي بن رباح، ومعاوية بن صالح، ويحيى بن أيوب ،
وعبد العزيز بن الماجشون، والليث بن سعد، وسعيد بن عبد العزيز الدمشقي، ونافع بن يزيد، وضمام بن
(1) هدى السارى ( ص 487 ، 488).(1/25)
إسماعيل، وابن وهب، وخلق سواهم. ولازم الليث، فأكثر عنه، وحمل عنه تصانيفه، وكان كاتبا له على أمواله.حدث عنه: الليث شيخه، ويحيى بن معين، والبخاري، وأبو حاتم، وأبو إسحاق الجوزجاني، وإسماعيل سمويه، وحميد بن زنجويه، وأبو محمد الدارمي، وعثمان الدارمي، وأبو زرعة الدمشقي، ومحمد بن إسماعيل الترمذي، وإبراهيم بن ديزيل، وعدد كثير، خاتمتهم محمد بن عثمان بن أبي السوار المصري المتوفى سنة 297. قال إبراهيم بن ديزيل: حدثنا خلف بن الوليد أبوالمهنى، حدثنا الليث بن سعد، عن عبدالله بن صالح، عمن أخبره، يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " ما أعطي أحد الشكر، فمنع الزيادة " الحديث. قال ابن ديزيل: ثم لقيت أبا صالح فقال: أنا حدثت الليث بهذا، قلت: فمن حدثك ؟ قال: يحيى بن عطارد بن مصعب، عن أبيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.قلت: وهو مرسل، لا، بل معضل. استشهد البخاري في " صحيحه " بأبي صالح، بل قد روى عنه حديثا، وقال: حدثني عبدالله بن صالح، وهذا ثابت في بعض النسخ المتقنة، فقال في أول الحديث: قال الليث : حدثنا جعفر بن ربيعة، عن الاعرج، عن أبي هريرة بحديث الذي استدان من رجل ألف دينار، فقال: ائتني بكفيل، قال: كفى بالله وكيلا. والحديث مشهور،، علقه البخاري في غير موضع. وقد استشكل المحدثون قبلنا في تفسير الفتح من " الصحيح ": حدثنا عبدالله ، حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة، عن هلال، عن عطاء ابن يسار، عن عبدالله بن عمرو، فذكر حديث: إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا. قال أبو نصر الكلاباذي، والوليد بن بكر الاندلسي، وهبة الله اللالكائي: عبدالله هذا هو عبدالله بن صالح العجلي الكوفي. وقال أبو علي بن السكن في روايته الصحيح عن الفربري، عن البخاري، حدثنا عبدالله بن مسلمة - يعني القعنبي - حدثنا عبد العزيز.فذكره.وقال أبو مسعود الحافظ في " الاطراف " : عبدالله هو عبدالله بن رجاء، ثم قال: والحديث عند عبدالله بن(1/26)
رجاء، وعند عبدالله بن صالح. وقال أبو علي الغساني الحافظ: بل هو عبدالله بن صالح كاتب الليث. قال لنا أبو الحجاج الحافظ: وهذا أولى الاقوال بالصواب، قال : لان البخاري رواه في كتاب " الادب " في باب الانبساط إلى الناس، فقال: حدثنا عبدالله بن صالح، عن عبد العزيز.ذكره عقيب حديث محمد ابن سنان العوقي، عن فليح، عن هلال. ورواه في البيوع من " الجامع الصحيح " عن العوقي. فالحديث عند البخاري عن الرجلين في
" الادب " وفي " الصحيح ". إلى أن قال: فإذا تقرر أنه سمعه من الرجلين، وقع الاشتراك في قوله: حدثنا عبدالله بن صالح بين العجلي الكوفي، وبين الجهني الكاتب، فكونه الكاتب أولى، لانا تيقنا أن البخاري قد سمع من كاتب الليث، وأكثر عنه في " تاريخه " وفي أماكن، وهذا معدوم في حق العجلي، فإن البخاري ذكر له ترجمة صغيرة مختصرة جدا في " تاريخه " لم يرو عنه فيها شيئا، ولا وجدنا أبدا له رواية متيقنة عنه لا في " الصحيح " ولا في شئ من تواليفه، بل قد روى في " تاريخه " عن رجل عنه. نعم ولم نجد للعجلي رواية عن عبد العزيز بن أبي سلمة سوى حديث واحد، متنه: " الظلم ظلمات " رواه عنه إبراهيم الحربي بخلاف كاتب الليث، فإنه مكثر عن [ ابن ] أبي سلمة. قلت: وأيضا فإن غير واحد روى الحديث المذكور عن كاتب الليث، فتعين أنه هو. وفي الجهاد من " الصحيح" أيضا: حدثنا عبدالله، حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة، عن صالح بن كيسان، عن سالم، عن أبيه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قفل من حج. وذكر الحديث . فقال أبو علي بن السكن: حدثنا الفربري: حدثنا البخاري، حدثنا عبدالله بن يوسف فذكر. رواه ابن السكن في " مصنفه" وقال أبو مسعود في " الاطراف ": هذا الحديث يرويه الناس عن عبد الله بن صالح .(1/27)
قال: وقد روي أيضا عن عبدالله بن رجاء، فالله أعلم أيهما هو. وقال الغساني: بل هو كاتب الليث. قال ابن حبان: كان أبو صالح كاتبا على مغل الليث، منكر الحديث جدا، وكان في نفسه صدوقا، سمعت ابن خزيمة يقول: كان له جار يعاديه، فكان يضع الحديث على شيخ عبدالله بن صالح، ويكتب في قرطاس بخط يشبه خط عبدالله، ويطرحه في داره بين الكتب، فيجده عبدالله، فيحدث به على التوهم أنه خطه. ثم قال ابن حبان: روى عبدالله بن صالح، حدثنا يحيى بن أيوب، عن يحيى بن سعيد، عن عطاء بن يسار، عن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حجة لمن لم يحج خير من عشر غزوات، وغزوة لمن حج خير من عشر حجج، وغزوة في البحر خير من عشرة في البر " حدثناه أبو عروبة، حدثنا علي بن إبراهيم بن عزون، حدثنا عبدالله. ثم قال: وروى عن الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن ربيعة بن سيف، عن شفي الاصبحي، سمع عبدالله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يكون خلفي اثنا عشر خليفة: أبو بكر لا يلبث إلا قليلا، وصاحب رحا دارة العرب عمر.وذكر الحديث(1/28)
حدثنا أحمد بن الحسن الصوفي، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا عبد الله. قلت: قرأت على أحمد بن المؤيد بمصر، أخبرنا أحمد بن صرما، وابن عبد السلام، قالا: أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا أبو الحسين بن النقور، أخبرنا علي بن عمر الحربي، حدثنا الصوفي، فذكره بتمامه.فأنا أتعجب من أبي زكريا ونقده، كيف يستحل رواية مثل هذا، ويسكت عن توهيته ؟ ! وساق له ابن حبان وابن عدي جماعة أحاديث تفرد بها منكرة . وقال أبو محمد بن أبي حاتم: عبدالله بن صالح، روى عنه الليث، وابن وهب، ودحيم . وقال محمد بن عبدالله بن عبد الحكم: سمعت أبي وسئل عن عبد الله بن صالح، فقال : أتسألوني عن أقرب رجل إلى الليث ؟ رجل معه في ليله ونهاره، وسفره وحضره، ويخلو معه غالبا، فلا ينكر لمثله أن يكثر عن الليث . وقال أبي أبو حاتم: هو أمين صدوق ما علمته . وأثنى على عبدالله سعيد بن عفير عالم مصر.وقال عبدالملك بن شعيب بن الليث: هو ثقة مأمون، سمع من جدي حديثه، وكان أبي يحضه على التحديث . وقال عبدالله بن أحمد: سألت أبي عنه، فقال: فسد بأخرة، وليس بشئ . وقال أبو حاتم: سمعت ابن معين يقول: أقل الاحوال أنه قرأ هذه الكتب على الليث، فأجازها له، ويمكن أن يكون ابن أبي ذئب كتب إلى الليث بهذا الدرج . قال أحمد بن صالح: لا أعلم أحدا روى عن الليث عن ابن أبي ذئب إلا أبا صالح، وذكر أن أبا صالح أخرج درجا قد ذهب أعلاه، ولم يدر حديث من هو، فقيل له: حديث ابن أبي ذئب، فروى عن الليث عن ابن أبي ذئب . وقال صالح جزرة: كان يحيى بن معين يوثقه، وعندي أنه كان يكذب في الحديث . وقال النسائي: ليس بثقة. وروى إسماعيل بن عبدالله، عن عبدالله بن صالح قال: صحبت الليث عشرين سنة. قال الفضل بن محمد الشعراني: ما رأيت عبدالله بن صالح إلا وهو يحدث أو يسبح . وقال يعقوب الفسوي: حدثنا الرجل الصالح عبدالله بن صالح . الرمادي، عن أبي صالح : شهدنا الاضحى ببغداد مع الليث في سنة إحدى وستين ومئة .(1/29)
وقال علي بن المديني: ضربت على حديث كاتب الليث، ولا أروي عنه شيئا. وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي وأبا زرعة يقولان: حديث " إن الله اختار أصحابي " موضوع، والحمل فيه على أبي صالح. قلت: ومن أنكر ما نقموا على أبي صالح روايته عن نافع بن يزيد، عن زهرة بن معبد، عن سعيد بن المسيب، عن جابر مرفوعا: " إن الله اختار أصحابي على جميع العالمين .." الحديث بطوله، لكن قد تابعه عليه سعيد بن أبي
مريم، عن نافع، رواه علي بن داود القنطري، ومحمد بن الحارث العسكري، عن ابن أبي مريم، فتخلص أبو صالح . وقال أبو زرعة الرازي وغيره: هو من وضع خالد بن نجيح المصري، وكان يضع في كتب الشيوخ . قلت: لعله أدخله على نافع بن يزيد مع أن نافعا صدوق، قد احتج به مسلم. قال أبو أحمد بن عدي: أبو صالح عندي مستقيم الحديث إلا أنه يقع في حديثه غلط، ولا يتعمد الكذب . نقل ابن يونس وغيره موت أبي صالح في يوم عاشوراء سنة ثلاث وعشرين ومئتين . قلت: قد كان قارب التسعين رحمه الله، وهو في عقلي أقوى من نعيم بن حماد، وأسيد الجمال، وما هو بدون إسماعيل بن أبي أويس الاصبحي.أنبئت عن جماعة، عن أبي علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا الطبراني، حدثنا مطلب بن شعيب، وبكر بن سهل قالا: حدثنا عبدالله بن صالح، حدثني معاوية بن صالح، حدثنا العلاء بن الحارث، عن مكحول: أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الجهاد واجب عليكم مع كل بر وفاجر، وإن هو عمل الكبائر، والصلاة واجبة عليكم على كل مسلم يموت، برا كان أو فاجرا، وإن هو عمل الكبائر "(1).أهـ(1/30)
ووجه الطعن فى هذا الراوى أن البعض قال أنه يقع فى حديث غلط ولم يكذبوه أصيب بما أصيب به شيخه ابن لهيعة لكن البعض وثقه ولعل أصوب الأقوال فى ذلك أنه اختلط فى آخر عمره ويلتفت نظرنا إلى كلام بعض العلماء أنه أوثق الناص فى الليث وكان ملازما له فنقول أن أبا صالح إذا حدَّث عن الليث فحديثه مقبول . ولهذا قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
أن الذي يورده ــ أى البخار فى صحيحه ــ من أحاديثه ـــ أى أبو صالح كاتب الليث ـــ صحيح عنده قد انتقاه من حديثه لكنه لا يكون على شرطه الذي هو أعلى شروط الصحة فلهذا لا يسوقه مساق أصل الكتاب وهذا اصطلاح له قد عرف بالاستقراء من صنيعه فلا مشاحة فيه.
قلت " مقيده عفا الله عنى " : فلا وجه للإعتراض على البخارى إذاً ، والله أعلم.
(1) سير أعلام النبلاء (10/405 : 416) .
{ أبو أمية البصرى عبد الكريم بن أبى المخارق }
* قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :(1/31)
( ت س ق ) عبد الكريم بن أبى المخارق أبو أمية البصري نزيل مكة شارك الذي قبله في كثير من شيوخه وفي الرواية عنه فاشتبه الأمر فيهما وأبو أمية متروك عند أئمة الحديث وقد ذكره أبو الوليد الباجي في رجال البخاري من أجل زيادة وقعت في حديث سفيان بن عيينة عن سليمان عن طاوس عن بن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد الحديث أورده البخاري في كتاب التهجد وقال في آخره قال سفيان وزاد عبد الكريم أبو أمية يعني عن طاوس ولا حول ولا قوة إلا بالله ولم يقصد البخاري الاحتجاج به وإنما أورده كما حصل عنده واحتجاجه إنما هو بأصل الحديث عن سليمان كعادته في ذلك وقد مضى له شبيه بهذا العمل في ترجمة عبد الرحمن المسعودي وعلم المزي في التهذيب على ترجمته علامة تعليق البخاري وليس ذلك بجيد منه والله الموفق وفي أوائل المغازي من طريق هشام عن بن جريج أخبرني عبد الكريم أنه سمع مقسما فزعم بعضهم أن عبد الكريم هذا هو ابن أبي المخارق وليس كذلك بل هو الجزري كما جاء مصرحا به في مستخرج أبي نعيم من طريق سعيد بن يحيى الأموي عن أبيه عن بن جريج وروى مسلم حديثا من رواية بن عيينة عن عبد الكريم عن مجاهد في المتابعات فقيل هو الجزري وقيل هذا وروى له النسائي حديثا وضعفه وأخرج له الترمذي وابن ماجة (1).أهـ
(1) هدى السارى (ص 495).
* قال الإمام الذهبى رحمه الله :
أبو أمية عبد الكريم بن أبي المخارق (ت، س، ق، م) فضعيف الحديث، مؤدب يروي عن أنس، وعن مجاهد، وسعيد بن جبير. وعنه أيضا: مالك، والسفيانان، وحماد بن سلمة. وكان يرى الارجاء مع تعبد وخشوع، يقال: اسم أبيه قيس. قال النسائي والدارقطني: متروك. وقال أحمد: ضربت على حديثه. وقال ابن عبد البر: اغتر مالك ببكائه في المسجد، وروى عنه في الفضائل.(1/32)
قلت: اشترك هو والجزري في الرواية عن ابن جبير ومجاهد والحسن، وفي موتهما، توفيا في عام واحد. وفي رواية مالك، والثوري، وابن جريج عنهما، فربما اشتبها في بعض الاسانيد (1). أهـ
ووجه الطعن على هذا الراوى أنه اشترك هو والجزرى فى الرواية عن سعيد بن جبير ، ومجاهد ، والحسن بل وفى سنة الوفاة ، وفى الرواية عنهما اشترك مالك ، والثورى ، وابن جريج ،وابن عيينة. فأبو أمية عبدالكريم بن أبى المخارق قد أخرج له البخارى متابعة لا فى الأصول وهذا واضح فى صحيح البخارى لمن أراد العلم والبيان ، والله أعلم .
…
(1) سير أعلام النبلاء (6/83).
{ أبو عبد الله عكرمة مولى ابن عباس }
( ع ) عكرمة أبو عبد الله مولى بن عباس احتج به البخاري وأصحاب السنن وتركه مسلم فلم يخرج له سوى حديث واحد في الحج مقرونا بسعيد بن جبير وإنما تركه مسلم لكلام مالك فيه وقد تعقب جماعة من الأئمة ذلك وصنفوا في الذب عن عكرمة منهم أبو جعفر بن جرير الطبري ومحمد بن نصر المروزي وأبو عبد الله بن منده وأبو حاتم بن حبان وأبو عمر بن عبد البر وغيرهم وقد رأيت أن الخص ما قيل فيه هنا وإن كنت قد استوفيت ذلك في ترجمته من مختصري لتهذيب الكمال .
فأما أقوال من وهاه فمدارها ثلاثة أشياء : على رميه بالكذب وعلى الطعن فيه بأنه كان يرى رأى الخوارج وعلى القدح فيه بأنه كان يقبل جوائز الأمراء.(1/33)
فهذه الأوجه الثلاثة يدور عليها جميع ما طعن به فيه فأما البدعة فإن ثبتت عليه فلا تضر حديثه لأنه لم يكن داعية مع أنها لم تثبت عليه وأما قبول الجوائز فلا يقدح أيضا إلا عند أهل التشديد وجمهور أهل العلم على الجواز كما صنف في ذلك بن عبد البر وأما التكذيب فسنبين وجوه رده بعد حكاية أقوالهم وأنه لا يلزم من شئ منه قدح في روايته فالوجه الأول فيه أقوال فأشدها ما روى عن بن عمر أنه قال لنافع لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس وكذا ما روى عن سعيد بن المسيب أنه قال ذلك لبرد مولاه فقد روى ذلك عن ابراهيم بن سعد بن إبراهيم عن أبيه عن سعيد بن المسيب وقال إسحاق بن عيسى بن الطباع سألت مالكا أبلغك أن بن عمر قال لنافع لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس قال لا ولكن بلغني أن سعيد بن المسيب قال ذلك لبرد مولاه وقال جرير بن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد دخلت على علي ابن عبد الله بن عباس وعكرمة مقيد عنده فقلت ما لهذا قال إنه يكذب على أبي وروى هذا أيضا عن عبد الله بن الحارث أنه دخل على علي وسئل بن سيرين عنه فقال ما يسوءني أن يدخل الجنة ولكنه كذاب وقال عطاء الخراساني قلت لسعيد بن المسيب إن عكرمة يزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم فقال كذب مخبثان وقال فطر بن خليفة قلت لعطاء إن عكرمة يقول سبق الكتاب الخفين فقال كذب سمعت بن عباس يقول أمسح على الخفين وإن خرجت من الخلاء وقال عبد الكريم الجرزي قلت لسعيد بن المسيب إن عكرمة كره كرى الأرض فقال كذب سمعت بن عباس يقول إن أمثل ما أنتم صانعون استئجار الأرض البيضاء وقال وهب بن خالد كان يحيى بن سعيد الأنصاري يكذبه وقال إبراهيم بن المنذر عن معن بن عيسى وغيره كان مالك لا يرى عكرمة ثقة ويأمر أن لا يؤخذ عنه وقال الربيع قال الشافعي وهو يعني مالكا سئ الرأي في عكرمة قال لا أرى لأحد أن يقبل حديث عكرمة وقال عثمان بن مرة قلت للقاسم إن عكرمة قال كذا(1/34)
فقال يا بن أخي إن عكرمة كذاب يحدث غدوة بحديث يخالفه عشية وقال الأعمش عن إبراهيم لقيت عكرمة فسألته عن البطشة الكبرى فقال يوم القيامة فقلت إن عبد الله يعني بن مسعود كان يقول البطشة الكبرى يوم بدر فبلغني بعد ذلك أنه سئل عن ذلك فقال يوم بدر وقال القاسم بن معن بن عبد الرحمن حدثني أبي حدثني عبد الرحمن قال حدث عكرمة بحديث فقال سمعت بن عباس يقول كذا وكذا قال فقلت يا غلام هات الدواة قال أعجبك فقلت نعم قال تريد أن تكتبه قلت نعم قال إنما قلته برأيي وقال بن سعد قال كان عكرمة بحرا من البحور وتكلم الناس فيه وليس يحتج بحديثه فهذا جميع ما نقل عن الأئمة في تكذيبه على الإبهام وسنذكر إن شاء الله تعالى بيان ذلك ونصرف وجوهه وأنه لا يلزم عكرمة من شئ منه قدح في حديثه وأما الوجه الثاني وهو الطعن فيه برأي الخوارج فقال بن لهيعة عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن يتيم عروة كان عكرمة وفد على نجدة الحروري فأقام عنده تسعة أشهر ثم رجع إلى بن عباس فسلم عليه فقال قد جاء الخبيث قال فكان يحدث برأي نجدة قال وكان يعني نجدة أول من حالا أجرة الصفرية وقال الجوزجاني قلت لأحمد بن حنبل أكان عكرمة إباضيا فقال يقال إنه كان صفريا وقال أبو طالب عن أحمد كان يرى أجرة الخوارج الصفرية وعنه أخذ ذلك أهل إفريقية وقال علي بن المديني يقال إنه كان يرى أجرة نجدة وقال يحيى بن معين كان ينتحل مذهب الصفرية ولأجل هذا تركه مالك وقال مصعب الزبيري كان يرى أجرة الخوارج وزعم أن علي بن عبد الله بن عباس كان هو على هذا المذهب قال مصعب وطلبه بعض الولاة بسبب ذلك فتغيب عند داود بن الحصين إلى أن مات وقال خالد بن أبي عمران المصري دخل علينا عكرمة إفريقية وقت الموسم فقال وددت أني اليوم بالموسم بيدي حربة أضرب بها يمينا وشمالا وقال أبو سعيد بن يونس في تاريخ الغرباء وبالمغرب إلى وقتنا هذا قوم على مذهب الإباضية يعرفون بالصفرية يزعمون أنهم أخذوا ذلك عن(1/35)
عكرمة وقال يحيى بن بكير قدم عكرمة مصر فنزل بها
دارا وخرج منها إلى المغرب فالخوارج الذين بالمغرب عنه أخذوا وروى الحاكم في تاريخ نيسابور عن يزيد النحوي قال كنت قاعدا عند عكرمة فأقبل مقاتل بن حبان وأخوه فقال له مقاتل يا أبا عبد الله ما تقول في نبيذ الجر فقال عكرمة هو حرام قال فما تقول فيمن يشربه قال أقول إن من شربه كفر قال يزيد فقلت والله لا أدعه أبدا قال فوثب مغضبا قال فلقيته بعد ذلك في مفازة فرد فسلمت عليه وقلت له كيف أنت فقال بخير ما لم أرك وقال الدراوردي توفي عكرمة وكثير عزة في يوم واحد فعجب الناس لموتهما واختلاف رأيهما عكرمة يظن به أجرة الخوارج يكفر بالذنب وكثير شيعي مؤمن بالرجعة إلى الدنيا وأما الوجه الثالث فقال أبو طالب قلت لأحمد ما كان شأن عكرمة قال كان بن سيرين لا يرضاه قال كان يرى أجرة الخوارج وكان يأتي الأمراء يطلب جوائزهم ولم يترك موضعا إلا خرج إليه وقال عبد العزيز بن أبي رواد رأيت عكرمة بنيسابور فقلت له تركت الحرمين وجئت إلى خراسان قال جئت أسعى على عيالي وقال أبو نعيم قدم على الوالي : بأصبهان فأجازه بثلاثة آلاف درهم هذا جميع ما قيل فيه من القدح فإما الوجه الأول فقول بن عمر لم يثبت عنه لأنه من رواية أبي خلف الجزار عن يحيى البكاء أنه سمع بن عمر يقول ذلك ويحيى البكاء متروك الحديث قال بن حبان ومن المحال أن يجرح العدل بكلام المجروح وقال بن جرير أن ثبت هذا عن بن عمر فهو محتمل لأوجه كثيرة لا يتعين منه القدح في جميع روايته فقد يمكن أن يكون أنكر عليه مسألة من المسائل كذبه فيها قلت وهو احتمال صحيح لأنه روى عن بن عمر أنه أنكر عليه الرواية عن بن عباس في الصرف ثم استدل بن جرير على أن ذلك لا يوجب قدحا فيه بما رواه الثقات عن سالم بن عبد الله بن عمر أنه قال إذ قيل له إن نافعا مولى بن عمر حدث عن بن عمر في مسألة الإتيان في المحل المكروه كذب العبد على أبي قال بن جرير ولم يروا ذلك(1/36)
من قول سالم في نافع جرحا فينبغي أن لا يروا ذلك من بن عمر في عكرمة جرحا وقال بن حبان أهل الحجاز يطلقون كذب في موضع أخطأ ذكر هذا في ترجمة برد من كتاب الثقات ويؤيد ذلك إطلاق عبادة بن الصامت قوله كذب أبو محمد لما أخبر أنه يقول الوتر واجب فإن أبا محمد لم يقله رواية وإنما قاله اجتهادا والمجتهد لا يقال إنه كذب إنما يقال إنه أخطأ وذكر بن عبد البر لذلك أمثلة كثيرة وأما قول سعيد بن المسيب فقال بن جرير ليس ببعيد أن يكون الذي حكى عنه وكما الذي حكى عن بن عمر قلت وهو كما قال فقد تبين ذلك من حكاية عطاء الخراساني عنه في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بميمونة ولقد ظلم عكرمة في ذلك فإن هذا مروي عن بن عباس من طرق(1/37)
كثيرة أنه كان يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم ونظير ذلك ما تقدم عن عطاء وسعيد بن جبير ويقوي صحة ما حكاه بن حبان أنهم يطلقون الكذب في موضع الخطأ ما سيأتي عن هؤلاء من الثناء عليه والتعظيم له فإنه دال على أن طعنهم عليه إنما هو في هذه المواضع المخصوصة وكذلك قول بن سيرين الظاهر أنه طعن عليه من حيث الرأي وإلا فقد قال خالد الحذاء كل ما قال محمد بن سيرين ثبت عن بن عباس فإنما أخذه عن عكرمة وكان لا يسميه لأنه لم يكن يرضاه وأما رواية يزيد بن أبي زياد عن علي بن عبد الله بن عباس في تكذيبه فقد ردها أبو حاتم بن حبان بضعف يزيد وقال إن يزيد لا يحتج بنقله وهو كما قال وأما ما روى عن يحيى بن سعيد في ذلك فالظاهر أنه قلد فيه سعيد بن المسيب وأما قصة القاسم بن محمد فقد بين سببها وليس بقادح لأنه لا مانع أن يكون عند المتبحر في العلم في المسألة القولان والثلاثة فيخبر بما يستحضر منها ويؤيد ذلك ما رواه بن هبيرة قال قدم علينا عكرمة مصر فجعل يحدثنا بالحديث عن الرجل من الصحابة ثم يحدثنا بذلك الحديث عن غيره فأتينا إسماعيل بن عبيد الأنصاري وكان قد سمع من بن عباس فذكرنا ذلك له فقال أنا أخبره لكم فأتاه فسأله عن أشياء كان سمعها من بن عباس فأخبره بها على مثل ما سمع قال ثم أتيناه فسألناه فقال الرجل صدوق ولكنه سمع من العلم فأكثر فكلما سنح له طريق سلكه وقال أبو الأسود كان عكرمة قليل العقل وكان قد سمع الحديث من رجلين فكان إذا سئل حدث به عن رجل ثم يسأل عنه بعد حين فيحدث به عن الآخر فيقولون ما اكذبه وهو صادق وقال سليمان بن حرب عن حماد بن زيد قال أيوب قال عكرمة أرأيت هؤلاء الذين يكذبوني من خلفي أفلا يكذبوني في وجهي يعني أنهم إذا واجهوه بذلك أمكنه الجواب عنه والمخرج منه وقال سليمان بن حرب وجه هذا أنهم إذا رموه بالكذب لم يجدوا عليه حجة وأما طعن إبراهيم عليه بسبب رجوعه عن قوله في تفسير البطشة الكبرى إلى(1/38)
ما أخبره به عن بن مسعود فالظاهر أن هذا يوجب الثناء على عكرمة لا القدح إذ كان يظن شيئا فبلغه عمن هو أولى منه خلافه فترك قوله لأجل قوله وأما قصة القاسم بن معن ففيها دلالة على تحريه فإنه حدثه في المذاكرة بشئ يريد أن يكتبه عنه شك فيه فأخبره أنه إنما قاله برأيه فهذا أولى أن يحمل عليه من أن يظن به أنه تعمد الكذب على بن عباس رضي الله عنه وأما ذم مالك فقد بين سببه وأنه لأجل ما رمي به من القول ببدعة الخوارج وقد جزم بذلك أبو حاتم قال
ابن أبي حاتم سألت أبي عن عكرمة فقال ثقة قلت يحتج بحديثه قال نعم إذا روى عنه الثقات والذي(1/39)
أنكر عليه مالك إنما هو بسبب رأيه على أنه لم يثبت عنه من وجه قاطع أنه كان يرى ذلك وإنما كان يوافق في بعض المسائل فنسبوه إليهم وقد برأه أحمد والعجلي من ذلك فقال في كتاب الثقات له عكرمة مولى بن عباس رضي الله عنهما مكي تابعي ثقة برئ مما يرميه الناس به من الحرورية وقال بن جرير لو كان كل من ادعى عليه مذهب من المذاهب الرديئة ثبت عليه ما ادعى به وسقطت عدالته وبطلت شهادته بذلك للزم ترك أكثر محدثي الأمصار لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه وأما قبوله لجوائز غير الأمراء فليس ذلك بمانع من قبول روايته وهذا الزهري قد كان في ذلك أشهر من عكرمة ومع ذلك فلم يترك أحد الرواية عنه بسبب ذلك وإذ فرغنا من الجواب عما طعن عليه به فلنذكر ثناء الناس عليه من أهل عصره وهلم جرا قال محمد بن فضيل عن عثمان بن حكيم كنت جالسا مع أبي أمامة بن سهل بن حنيف إذ جاء عكرمة فقال يا أبا أمامة أذكرك الله هل سمعت بن عباس يقول ما حدثكم عني عكرمة فصدقوه فإنه لم يكذب علي فقال أبو أمامة نعم وهذا إسناد صحيح وقال يزيد النحوي عن عكرمة قال لي بن عباس انطلق فافت الناس وحكى البخاري عن عمرو بن دينار قال أعطاني جابر بن زيد صحيفة فيها مسائل عن عكرمة فجعلت كأني أتباطأ فانتزعها من يدي وقال هذا عكرمة مولى بن عباس هذا أعلم الناس وقال الشعبي ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة وقال حبيب بن أبي ثابت مر عكرمة بعطاء وسعيد بن جبير قال فحدثهم فلما قام قلت لهما تنكران مما حدث شيئا قالا لا وقال أيوب حدثني فلان قال كنت جالسا إلى عكرمة وسعيد بن جبير وطاوس وأظنه قال وعطاء في نفر فكان عكرمة صاحب الحديث يومئذ وكأن على رؤوسهم الطير فما خالفه أحد منهم إلا أن سعيدا خالفه في مسألة واحدة قال أيوب : أرى ابن عباس كان يقول القولين جميعا وقال حبيب أيضا اجتمع عندي خمسة طاوس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وعطاء فأقبل مجاهد وسعيد على عكرمة المسائل(1/40)
فلم يسألاه عن آية إلا فسرها لهما فلما نفد ما عندهما جعل يقول نزلت آية كذا في كذا ونزلت آية كذا في كذا وقال بن عيينة كان عكرمة إذا تكلم في المغازي فسمعه إنسان قال كأنه مشرف عليهم يراهم قال وسمعت أيوب يقول لو قلت لك إن الحسن ترك كثيرا من التفسير حين دخل عكرمة البصرة حتى خرج منها
لصدقت وقال عبد الصمد بن معقل لما قدم عكرمة الجند أهدى له طاوس نجيبا بستين دينارا فقيل له في ذلك فقال ألا أشتري علم بن عباس لعبد الله بن طاوس بستين دينارا وقال الفرزدق بن خراش قدم علينا عكرمة(1/41)
مرو فقال لنا شهر بن حوشب أئتوه أحمد فإنه لم تكن أمة إلا كان لها حبر وإن مولى هذا كان حبر هذه الأمة وقال جرير عن اني قيل لسعيد بن جبير تعلم أحدا أعلم منك قال نعم عكرمة وقال قتادة كان أعلم التابعين أربعة فذكره فيهم قال وكان أعلمهم بالتفسير وقال معمر عن أيوب كنت أريد أن أرحل إلى عكرمة فإني لفي سوق البصرة إذ قيل لي هذا عكرمة فقمت إلى جنب حماره فجعل الناس يسألونه وأنا أحفظ وقال حماد بن زيد قال لي أيوب لو لم يكن عندي ثقة لم أكتب عنه وقال يحيى بن أيوب سألني بن جريج هل كتبتم عن عكرمة قلت لا قال فاتكم ثلث العلم وقال حبيب بن الشهبد كنت عند عمرو بن دينار فقال والله ما رأيت مثل عكرمة قط وقال سلام بن مسكين كان عكرمة من أعلم الناس بالتفسير وقال سفيان الثوري خذوا التفسير من أربعة فبدأ به وقال البخاري ليس أحد من أصحابنا إلا احتج بعكرمة وقال جعفر الطيالسي عن بن معين إذا رأيت إنسانا يقع في عكرمة فاتهمه على الإسلام وقال عثمان الدارمي قلت لابن معين أيما أحب إليك عكرمة عن بن عباس أو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عنه قال كلاهما ولم يختر فقلت فعكرمة أو سعيد بن جبير قال ثقة وثقة ولم يختر وقال النسائي في التمييز وغيره ثقة وتقدم توثيق أبي حاتم والعجلي وقال المرزوي قلت لأحمد بن حنبل يحتج بحديثه قال نعم وقال أبو عبد الله محمد بن نصر المرزوي أجمع عامة أهل العلم على الاحتجاج بحديث عكرمة واتفق على ذلك رؤساء أهل العلم بالحديث من أهل عصرنا منهم أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور ويحيى بن معين ولقد سألت إسحاق عن الاحتجاج بحديثه فقال عكرمة عندنا إمام أهل الدنيا وتعجب من سؤالي إياه قال وحدثنا غير واحد أنهم شهدوا يحيى بن معين وسأله بعض الناس عن الاحتجاج بعكرمة فأظهر التعجب وقال علي بن المديني كان عكرمة من أهل العلم ولم يكن في موالي بن عباس أغزر علما عنه وقال بن منده قال أبو حاتم أصحاب بن عباس عيال على(1/42)
عكرمة وقال البزار روى عن عكرمة مائة وثلاثون رجلا من وجوه البلدان كلهم رضوا به وقال العباس بن مصعب المرزوي كان عكرمة أعلم موالي بن عباس وأتباعه بالتفسير وقال أبو بكر بن أبي خيثمة كان عكرمة من أثبت الناس فيما يروي ولم يحدث عمن هو
دونه أو مثله أكثر حديثه عن الصحابة رضي الله عنهم وقال أبو جعفر بن جرير ولم يكن أحد يدفع عكرمة عن التقدم في العلم بالفقه والقرآن وتأويله وكثرة الرواية للآثار وأنه كان عالما بمولاه وفي تقريظ جلة أصحاب بن
عباس إياه ووصفهم له بالتقدم في العلم وأمرهم الناس بالأخذ عنه ما بشهادة بعضهم تثبت عدالة(1/43)
الإنسان ويستحق جواز الشهادة ومن ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح وما تسقط العدالة بالظن وبقول فلان لمولاه لا تكذب علي وما أشبه من القول الذي له وجوه وتصاريف ومعان غير الذي وجهه إليه أهل الغباوة ومن لا علم له بتصاريف كلام العرب وقال بن حبان كان من علماء زمانه بالفقه والقرآن ولا أعلم أحدا ذمه بشئ يعني يجب قبوله والقطع به وقال بن عدي في الكامل ومن عادته فيه أن يخرج الأحاديث التي أنكرت على الثقة فقال فيه بعد أن ذكر كلامهم في عكرمة ولم أخرج هنا من حديثه شيئا لأن الثقات إذا رووا عنه فهو مستقيم ولم يمتنع الأئمة وأصحاب الصحاح من تخريج حديثه وهو أشهر من أن أحتاج إلى أن أخرج له شيئا من حديثه وقال الحاكم أبو أحمد في الكنى احتج بحديثه الأئمة القدماء لكن بعض المتأخرين أخرج حديثه من حير الصحاح احتجاجا بما سنذكره ثم ذكر حكاية نافع وقال بن منده أما حال عكرمة في نفسه فقد عدله أمة من التابعين منهم زيادة على سبعين رجلا من خيار التابعين ورفعائهم وهذه منزلة لا تكاد توجد منهم لكبير أحد من التابعين على أن من جرحه من الأئمة لم يمسك عن الرواية عنه ولم يستغن عن حديثه وكان حديثه متلقى بالقبول قرنا بعد قرن إلى زمن الأئمة الذين أخرجوا الصحيح على أن مسلما كان أسوأهم رأيا فيه وقد أخرج له مع ذلك مقرونا وقال أبو عمر بن عبد البر كان عكرمة من جلة العلماء ولا يقدح فيه كلام من تكلم فيه لأنه لا حجة مع أحد تكلم فيه وكلام ابن سيرين فيه لا خلاف بين أهل العلم أنه كان أعلم بكتاب الله من بن سيرين وقد يظن الإنسان ظنا يغضب له ولا يملك نفسه قال وزعموا أن مالكا أسقط ذكر عكرمة من الموطأ ولا أدري ما صحته لأنه قد ذكره في الحج وصرح باسمه ومال إلى روايته عن بن عباس وترك عطاء في تلك المسألة مع كون عطاء أجل التابعين في علم المناسك والله أعلم وقد أطلنا القول في هذه الترجمة وإنما أردنا بذلك جمع ما تفرق من كلام الأئمة في شأنه(1/44)
والجواب عما قيل فيه والاعتذار للبخاري في الاحتجاج بحديثه وقد وضح صحة تصرفه في ذلك والله أعلم.هدى السارى 500 :505
* قال الإمام الذهبى رحمه الله :
عكرمة (خ، 4، م مقرونا) العلامة، الحافظ، المفسر، أبو عبد الله القرشي، مولاهم، المدني ،
، البربري الاصل. قيل: كان لحصين بن أبي الحر العنبري، فوهبه لابن عباس. حدث عن ابن عباس، وعائشة،
وأبي هريرة، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعقبة بن عامر، وعلي بن أبي طالب، وذلك في النسائي، وأظنه مرسلا، وصفوان بن أمية، والحجاج بن عمرو الانصاري، وجابر بن عبد الله، وحمنة بنت جحش، وأبي سعيد الخدري، وأم عمارة الانصارية، وعدة. وعن يحيى بن يعمر، وعبد الله بن رافع. قال ابن المديني: سمع من عائشة، وأبي هريرة، وأبي قتادة، وعبد الله بن عمرو، وابن عمر. حدث عنه إبراهيم النخعي، والشعبي، وماتا قبله، وعمرو بن دينار، وابو الشعثاء جابر بن زيد، وحبيب بن أبي ثابت، وحصين بن عبدالرحمن، والحكم بن عتيبة، وعبد الله بن كثير الداري، وعبد الكريم الجزري، وعبد الكريم أبو أمية البصري، وعلي بن الاقمر، وقتادة، ومطر الوراق، وموسى بن عقبة، وأبو إسحاق الهمداني، وأبو إسحاق الشيباني، وأبو صالح مولى أم هانئ مع تقدمه، وأبو الزبير المكي، وخلق كثير من جلة التابعين، وأيوب السختياني، وأشعث بن سوار، وثور بن زيد الديلي، وثو بن يزيد الحمصي، وجابر الجعفي، وأبو بشر جعفر، وحجاج بن أرطاة، والحسن بن زيد والد الست نفيسة، وحسين بن عبدالله العباسي، وحسين بن قيس الرحبي، وحسين بن واقد المروزي، والحكم بن أبان، وحميد الطويل، وخالد الحذاء، وداود بن الحصين، وأبو الجحاف داود بن أبي عوف، وداود ابن أبي هند، والزبير بن الحريث، وزيد أبو أسامة الحجام، وزيد مولى قيس الحذاء، وسعيد بن مسروق، وسفيان بن دينار التمار، وسفيان بن زياد العصفري، والاعمش، وسلمة بن وهرام، وسماك بن حرب، وصالح بن رستم الخزاز، وصفوان بن عمرو(1/45)
الحمصي، وعاصم بن بهدلة، وعاصم الاحول، وعباد بن منصور، وعبد الله بن حسن بن حسن، وأبو حريز عبدالله ابن الحسين، وابن طاووس، وعبد الله بن عبدالرحمن بن أبي حسين، وعبد الله بن عيسى بن عبدالرحمن بن أبي ليلى، وعبد الله بن كيسان، وعبد الرحمن بن الاصبهاني، وعبد الرحمن بن الغسيل، وعبد العزيز بن أبي رواد، وابن جريج مرسل، وعبد الملك بن أبي بشير، وعبد الواحد بن صفوان، وعثمان بن سعد الكاتب، وعثمان الشحام، وعثمان بن غياث، وعطاء بن السائب،
وعقيل الايلي، وعلباء بن أحمر، وعلي بن بذيمة، وعمارة بن أبي حفصة، وعمر بن عطاء بن وراز، وعمر بن فروخ العبدي، وعمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، وعمرو بن مسلم الجندي، وعمرو بن هرم، والفضل ابن ميمون، وفضل بن غزوان، وفطر بن خليفة، وقباث بن رزين اللخمي، وليث بن أبي سليم، وأبو الاسود يتيم
عروة، وابن شهاب، ومغيرة بن مقسم، ومقاتل بن حيان، ومنصور بن النعمان اليشكري، ومهدي بن حرب، وموسى ابن أيوب الغافقي، وموسى بن مسلم الطحان، ونزار بن حيان، والنضر أبو عمر الخزاز، ونوح بن ربيعة، وهشام بن حسان، ويزيد بن أبي سعيد النحوي، وأبو الاشهب العطاردي، وأمم سواهم.(1/46)
روى حرمي بن عمارة، عن عبدالرحمن بن حسان: سمعت عكرمة يقول: طلبت العلم أربعين سنة، وكنت أفتي بالباب، وابن عباس في الدار. وروى الزبير بن الخريت عن عكرمة قال: كان ابن عباس يضع في رجلي الكبل على تعليم القرآن والسنن. وروى يزيد النحوي، عن عكرمة أن ابن عباس قال : انطلق فأفت الناس ، وأنا لك عون ، قلت : لو أن هذا الناس مثلهم مرتين ، لافتيتهم. قال: انطلق فأفتهم، فمن جاءك يسألك عما يعنيه فأفته، ومن سألك عما لا يعنيه، فلا تفته، فإنك تطرح عنك ثلثي مؤنة الناس.قال عبدالحميد بن بهرام: رأيت عكرمة أبيض اللحية عليه عمامة بيضاء، طرفها بين كتفيه، قد أدارها تحت لحيته، وقميصه إلى الكعبين، وكان رداؤه أبيض، وقدم على بلال بن مرداس، وكان على المدائن ، فأجازه بثلاثة آلاف، فقبضها منه. قال أبو سعيد بن يونس: عكرمة من سكان المدينة، وقد كان سكن مكة، قدم مصر. قلت: كان كثير الاسفار، قال: ونزل على عبدالرحمن بن الحساس الغافقي، وصار إلى إفريقية. قال العباس بن مصعب المروزي: كان أعلم شاكردي ابن عباس بالتفسير ، وكان يدور البلدان يتعرض. وقدم مرو على مخلد بن يزيد بن المهلب، وكان يجلس في السراجين في دكان أبي سلمة السراج مغيرة بن مسلم، فحمله على بغلة خضراء. وقال أبوتميلة، عن ضماد بن عامر القسملي، عن الفرزدق بن جواس الحماني، قال: كنا مع شهر بن حوشب بجرجان، فقدم علينا عكرمة، فقلنا لشهر: ألا نأتيه ؟ قال: ائتوه، فإنه لم تكن أمة إلا كان لها حبر، وإن مولى ابن عباس حبر هذه الامة. قال عبد الصمد بن معقل: لما قدم عكرمة الجند، أهدى له طاووس نجبا بستين دينارا، فقيل لطاووس: ما يصنع هذا العبد بنجب بستين دينارا، قال: أتروني لا أشتري علم ابن عباس بستين دينارا لعبدالله بن(1/47)
طاووس. قال يحيى بن معين: مات ابن عباس، وعكرمة عبد لم يعتق، فباعه علي بن عبدالله، فقيل له: تبيع علم أبيك ؟ فاسترده. قلت (1): ما تركوا عكرمة - مع علمه - وشيعوا كثيرا إلا عن بلية كبيرة في نفوسهم له
رضي الله عنه. وروى يحيى بن بكير، عن الدراوردي قال: مات عكرمة وكثير عزة في يوم واحد فما شهدهما إلا سودان المدينة. وقال نوح بن حبيب : ماتا في يوم، فقال الناس: مات فقيه الناس، وشاعر الناس. البخاري وغيره، عن علي بن المديني قال: مات عكرمة بالمدينة سنة أربع ومئة، رواها يعقوب الفسوي عن علي فزاد، قال: فما حمله أحد، اكتروا له أربعة. وقال علي بن عبدالله التميمي، ومصعب بن عبدالله، وابن نمير، والفلاس، وأبو عبيد، وشباب، وابن يونس، مات سنة خمس ومئة. وكذا نقل أبو الحسن بن البراء عن ابن المديني. قال التميمي وابن يونس: وهو ابن ثمانين سنة. وقال الواقدي: حدثتني بنته أم داود أنه توفي سنة خمس ومئة. وقال الهيثم ابن عدي وأبو عمر الضرير: مات سنة ست ومئة، والاصح سنة خمس. وقال أبو معشر السندي، وأبو نعيم، وابن أبي شيبة، وأخوه عثمان، وهارون بن حاتم، وقعنب بن المحرر: مات سنة سبع ومئة، وقيل غير ذلك. خرج له مسلم مقرونا بطاووس في الحج، فالذين أهدروه كبار، والذين احتجوا به كبار والله أعلم بالصواب (2).أهـ
وقد كفانا الدفاع عن عكرمة الحافظ ابن حجر رحمه الله كما هو واضح من كلامه رحمه الله تعالى ، وكذلك الحافظ الذهبى رحمه الله فقد قال : " ما تركوا عكرمة - مع علمه - وشيعوا كثيرا إلا عن بلية كبيرة في نفوسهم له رضي الله عنه." هذا والله أعلم وأحكم.
(1) القائل هو الإمام الذهبى رحمه الله .
(2) باختصار من سير أعلام النبلاء (5/12 : 35).
{ الكوفى المنهال بن عمرو }
* قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :(1/48)
( خ ع ) المنهال بن عمرو الأسدي مولاهم الكوفي قال بن معين والنسائي والعجلي وغيرهم ثقة وقال بن أبي حاتم سمعت عبد الله بن أحمد يقول سمعت أبي يقول ترك شعبة المنهال بن عمرو على عمد قال ابن أبي حاتم لأنه سمع من داره صوت قراءة بالتطريب كذا قال بن أبي حاتم والذي رواه وهب بن جرير عن شعبة أنه قال أتيت منزل المنهال فسمعت منه صوت الطنبور فرجعت ولم أسأله قلت فهلا سألته عسى كان لا يعلم قلت وهذا اعتراض صحيح فإن هذا لا يوجب قدحا في المنهال وروى بن أبي خيثمة بسند له عن المغيرة بن مقسم أنه كان ينهى الأعمش عن الرواية عن المنهال وأنه قال ليزيد بن أبي زياد نشدتك بالله هل كانت تجوز شهادة المنهال على درهمين قال اللهم لا . قلت : وهذه الحكاية لا تصح لأن راويها محمد بن عمر الحنفي لا يعرف ولو صحت فإنما كره منه اني ما كره شعبة من القراءة بالتطريب لأن جريرا حكى عن اني أنه قال كان المنهال حسن الصوت وكان له لحن يقال له وزن سبعة وبهذا لا يجرح الثقة وذكر الحاكم أن يحيى القطان غمزه وحكى المفضل العلائي أن بن معين كان يضع من شأنه وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل سمعت أبي يقول أبو بشر أحب إلي من المنهال بن عمر وأبو بشر أوثق وقال الجوزجاني كان سئ المذهب وقد جرى حديثه قلت فأما حكاية العلائي فلعل بن معين كان يضع منه بالنسبة إلى غيره كالحكاية عن أحمد ويدل على ذلك أن أبا حاتم حكى عن ابن معين أنه وثقه وأما الجوزجاني فقد قلنا غير مرة إن جرحه لا يقبل في أهل الكوفة لشدة انحرافه ونصبه وحكاية الحاكم عن القطان غير مفسرة ومع ذلك فما له في البخاري سوى حديث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في تعويذ الحسن والحسين من رواية زيد بن أبي أنيسة عنه وحديث آخر في تفسير حم فصلت اختلف فيه الرواة هل هو موصول أو معلق (1).
(1) هدى السارى ( ص 524).
* وقال الإمام الذهبى رحمه الله :(1/49)
المنهال (خ ، 4) ابن عمرو أبو عمرو الاسدي، مولاهم الكوفي. يروي عن أنس بن مالك، وزر بن حبيش، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبي عمر زاذان، وسعيد بن جبير. روى عنه حجاج بن أرطاة، وزيد بن أبي أنيسة، ومنصور، وشعبة، والمسعودي، وسوار بن مصعب، وطائفة كبيرة.
وقيل: إن سوارا إنما روى عن الاعمش عنه، ثم إن شعبة ترك الرواية عنه، لكونه سمع آلة الطرب من بيته. وثقه يحيى بن معين وغيره، وقال الدارقطني: صدوق، وقال ابن حزم: ليس بالقوي.
قلت: حديثه في شأن القبر بطوله فيه نكارة وغرابة، يرويه عن زاذان عن البراء. وقد تلا على سعيد بن جبير، قرأ عليه ابن أبي ليلى وغيره. توفي سنة بضع عشرة ومئة (1).أهـ
ووجه الطعن فى هذا الراوى أنه سُمِعَ من داره صوت قراءة بالتطريب كذا قال ابن أبي حاتم . قال الحافظ ابن حجر : وبهذا لا يجرح الثقة .فالراجح أنه ثقة كما قال غير واحد من أئمة الجرح والتعديل . إذاً فلا معنى للطعن على البخارى لكونه روى له فى الصحيح ، والله أعلم .
(1) سير أعلام النبلاء (5/184).
المَبْحَثُ الثَّانِىهل تشترط العصمة فى العدل
من جميع المعاصى ؟
وهل يُقْدَح فى عدالته بالمعصية ؟
بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
المَبْحَثُ الثَّانِى
{ هل تشترط العصمة فى العدل من جميع المعاصى؟ وهل يُقدَح فى عدالته بالمعصية ؟ }
أولاً : تعريف العدالة :
* قال الشيخ طاهر الجزائرى رحمه الله :(1/50)
العدالة مصدر عدل بالضم يقال عدل فلان عدالة وعدولة فهو عدل أي رضا ومقنع في الشهادة والعدل يطلق على الواحد وغيره يقال هو عدل وهما عدل وهم عدل ويجوز أن يطابق فيقال هما عدلان وهم عدول وقد يطابق في التأنيث فيقال امرأة عدلة وأما العدل الذي هو ضد الجور فهو مصدر قولك عدل في الأمر فهو عادل وتعديل الشيء تقويمه يقال عدله تعديلا فاعتدل أي قومه فاستقام وكل مثقف معدل وتعديل الشاهد نسبته إلى العدالة وقد فسر العدالة في المصباح فقال قال بعض العلماء العدالة صفة توجب مراعاتها الاحتراز عما يخل بالمروءة عادة ظاهرا فالمرة الواحدة من صغائر الهفوات وتحريف الكلام لا تخل بالمروءة ظاهرا لاحتمال الغلط والنسيان والتأويل بخلاف ما إذا عرف منه ذلك وتكرر فيكون الظاهر الإخلال ويعتبر عرف كل شخص وما يعتاده من لبسه وتعاطيه للبيع والشراء وحمل الأمتعة وغير ذلك فإذا فعل ما لا يليق به لغير ضرورة قدح وإلا فلا وعرف المروءة فقال هي آداب نفسانية تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات يقال مرؤ الإنسان فهو مريء مثل قرب فهو قريب أي ذو مروءة قال الجوهري وقد تشدد فيقال مروَّة ، وقد اعترض بعض العلماء على إدخال المروءة في حد العدالة لأن جلها يرجع إلى مراعاة العادات الجارية بين الناس وهي مختلفة باختلاف الأزمنة والأمكنة والأجناس وقد يدخل في المروءة عرفا ما لا يستحسن في الشرع ولا يقتضيه الطبع على أن المروءة من الأمور التي يعسر معرفة حدها على وجه لا يخفى قال بعضهم المروءة الإنسانية وقال بعضهم المروءة كمال المرء كما أن الرجولة كمال الرجل وقال بعضهم المروءة هي قوة للنفس تصدر عنها الأفعال يرفع الثقة بقوله فقد احترزوا عنه وإن كان مما لا يرفع الثقة بقوله لم يضر قال بعضهم العدالة الاستقامة وليس لكمال الاستقامة حد يوقف عنده فاعتبر فيها أمر واحد وهو رجحان جهة الدين والعقل على طريق الشهوة والهوى فمن ارتكب كبيرة(1/51)
سقطت عدالته وقل الوثوق بقوله وكذلك من أصر على صغيرة فأما من أتى بشيء من الصغائر من غير إصرار فعدل بلا شبهة
وللمحقق ابن تيمية مقالة في العدالة والذى جرى فيها على منهج من يقول برعاية المصالح الأحكام قال العدل في كل زمان ومكان وقوم بحسبه فيكون الشاهد في كل قوم من كان ذا عدل فيهم وإن كان لو كان في غيرهم كان عدله على وجه آخر وبهذا يمكن الحكم بين الناس وإلا فلو اعتبر في شهود كل طائفة أن لا يشهد عليهم إلا من يكون قائما بأداء الواجبات وترك المحرمات كما كانت الصحابة لبطلت الشهادات كلها أو غالبها وقال في موضع آخر ويتوجه أن تقبل شهادة المعروفين بالصدق وإن لم يكونوا ملتزمين للحدود عند الضرورة مثل الجيش وحوادث البدو وأهل القرى الذين لا يوجد فيهم عدل وله أصول منها قبول شهادة أهل الذمة في الوصية في السفر إذا لم يوجد غيرهم وشهادة بعضهم على بعض في قول ومنها شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال وشهادة الصبيان فيما لا يشهده الرجال ، ويظهر ذلك بالمحتضر في السفر إذا حضره اثنان كافران واثنان مسلمان يصدقان ليسا بملازمين للحدود أو اثنان مبتدعان فهذان خير من الكافرين والشروط التي في القرآن إنما هي في استشهاد التحمل للأداء وينبغي أن نقول في الشهود ما نقول في المحدثين وهو أنه من الشهود من تقبل شهادته في نوع دون نوع أو شخص دون شخص كما أن المحدثين كذلك ونبأ الفاسق ليس بمردود بل هو موجب للتبين والتثبت كما قال تعالى " إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) وفي القراءة الأخرى ( فتثبتوا ) فعلينا التبين والتثبت وإنما أمر بالتبين عند خبر الفاسق الواحد ولم يأمر به عند خبر الفاسقين وذلك أن خبر الاثنين يوجب من الاعتقاد ما لا يوجب خبر الواحد أما إذا علم أنهما لم يتواطآ فهذا قد يحصل به العلم (1).أهـ
هل تشترط العصمة فى العدل ، وهل يُقدَح فى العدل بالمعصية ؟؟؟
* قال الشيخ طاهر الجزائرى رحمه الله :(1/52)
ثم لا خلاف في أنه لا تشترط العصمة من جميع المعاصي ولا يكفي أيضا اجتناب الكبائر بل من الصغائر ما يرد به كسرقة بصلة وتطفيف في حبة قصدا وبالجملة كل ما يدل على ركاكة دينه إلى حد يجترئ على الكذب للأغراض الدنيوية كيف وقد شرط في العدالة التوقي عن بعض المباحات القادحة في المروءة نحو الأكل في الطريق والبول في الشارع وصحبة الأرذال والإفراط في المزاح
والضابط في ذلك فيما جاوز محل الإجماع أن يرد إلى اجتهاد الحاكم فيما دل عنده على جراءته على الكذب رد الشهادة به وما لا فلا وهذا يختلف بالإضافة إلى المجتهدين وتفصيل ذلك من الفقه لا من الأصول ورب شخص يعتاد الغيبة ويعلم الحاكم أن ذلك له طبع لا يصبر عنه ولو حمل على شهادة الزور لم يشهد أصلا فقبوله شهادته بحكم اجتهاده جائز في حقه ويختلف ذلك بعادات البلاد واختلاف أحوال الناس في استعظام بعض الصغائر دون بعض أهـ.وقد انتبه لذلك بعض المتأخرين فقال ما لبابه قد نقل عن كثير من الرواة المأخوذ بروايتهم الإصرار على الصغائر من الغيبة والنميمة وهجران الأخ من غير موجب في الشرع ونحو ذلك من حسد الأقران والبغي عليهم بل وصل الأمر ببعضهم إلى أن يدعو إلى اعتقاد ما لا يدل عليه نقل أو عقل ونسبة من لا يقول به إلى
(1) انظر توجيه النظر إلى أصول الأثر (1/96 : 99).(1/53)
البدعة بل إلى الكفر والظاهر أن المعتبر في عدالة الراوي هو كونه بحيث لا يظن به الاجتراء على الافتراء على النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال العز بن عبد السلام في القواعد الكبرى : فائدة لا ترد شهادة أهل الأهواء لأن الثقة حاصلة بشهادتهم حصولها بشهادة أهل السنة أو أولى فإن من يعتقد أنه يخلد في النار على شهادة الزور أبعد في الشهادة الكاذبة ممن لا يعتقد ذلك فكانت الثقة بشهادته وخبره أكمل من الثقة بمن لا يعتقد ذلك ومدار قبول الشهادة والرواية على الثقة بالصدق وذلك متحقق في أهل الأهواء تحققه في أهل السنة والأصح أنهم لا يكفرون ببدعهم ولذلك تقبل شهادة الحنفي إذا حددناه في شرب النبيذ لأن الثقة بقوله لم تنخرم بشربه لاعتقاده أخذ بقوله والأصل العدالة والجرحة طارئة وإذا ثبت على حد ما قلناه ترك الأخذ بحديث صاحب تلك الجرحة (1).
* قال محمد بن إسماعيل الأمير الحسني الصنعاني:
رمي الرجل الشهير بالعدالة ، بالكذب لا يوجب القدح فيه بل يوجب توقفا في قبوله حتى يبين سبب ضعفه وإن كان القدح بالكذب فيمن لم تعرف عدالته كان جرحا مبين السبب بأنه الكذب كما يدل له قوله فقد جرح بمثل هذا كثير من الثقات وما على الجارح إثم لأنه عمل بالظاهر ولم يعلم الباطن ولا على الغافل أيضا إثم لأنه قبل قول الثقة ولا يخفى أن هذا تخصيص للقاعدة المعروفة بأن الجارح أولى وقد صرحوا بتخصيصها ويأتي الكلام في هذا كله وقد اعترض على صاحبي الصحيحين البخاري ومسلم بروايتهما عن جماعة الثقات الرفعاء لشيء خفيف صدر عنهم من هذا القبيل فتجاسر من لا يلتفت إلى كلامه فتكلم عليهم على الرفعاء وعلى الشيخين في الإخراج عنهم وقد تقدم كلام أبي محمد بن حزم وغيره والعدالة غير العصمة ولله الحمد فلا ينافيها صدور
(1) توجيه النظر (1/94 : 96).
شيء من المعاصي وفيه تأمل (1).أهـ
* قال الصنعانى رحمه الله :(1/54)
العاشر أن الإجماع انعقد على قبول من عصى تأويلا ولم يفسق ولم يكفر وإن كثر ذلك منه كخطأ كثير من المعتزلة في الإمامة وكثير من فروع الكلام ولا شك أن من كثرت معاصيه من غير تأويل أنه مجروح بل من عصى عمدا وإن لم يكثر إذا أصر أو كانت المعصية مما تدل على الخسة فدار الرد للراوة والقبول لهم مع الجراءة والقبول مع التأويل في هذا الوضع وهو حيث كان عصيانه متأولا متكررا ولم يوجب كفرا ولا فسقا فقلتم أنه يقبل فقسنا عليه من عصى متأولا بها لا يوجب فسقا ولا كفرا قلت ولا يخفى أنه قد يقال المعصية التي اقتضت فسقا أو كفر أشد مما لا يقتضيه وأغلظ ولا يقاس الأخف على الأغلظ كما علم في الأصول وفيما سبق من الأدلة غنية عن هذا القياس . فإن قيل إذا كانت علة القبول هي ظن الصدق يلزم قبول من ظن صدقه من المصرحين ورهان النصاري والبراهمة أقول هذا أورده السيد علي بن محمدبن أبي القاسم صاحب الرسالة التي رد عليها المصنف بالعواصم فإنه قال وأما أن عللنا بتهمته بالكذب وترى أنه يعاقب عليه ويكون عند نفسه مطيعا لله تعالى فيلزم من أرباب الملل الخارجة عن الإسلام أن تقبل روايته مثل رهبان النصارى وعباد اليهود ومثل البراهمة فإنهم يتحرزون عن الكذب أشد تحرز ويتنزهون عنه أعظم تنزه انتهى (2) .
* قال الشيخ الألبانى رحمه الله : قال ابن حبان في " الضعفاء " : ظاهر أحواله المعصية وقد أجمع أهل العلم على ترك الاحتجاج بمن كان كذلك " (3).
(1) توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار، تأليف: محمد بن إسماعيل الأمير الحسني الصنعاني، (2/92 ، 93) ،
ط المكتبة السلفية - المدينة المنورة، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد.
(2) توضيح الأفكار (2/232).
(3) إرواء الغليل فى تخريج أحاديث منار السبيل (6/143) ، للشيخ محمد ناصر الدين الألبانى ، ط المكتب الإسلامى ببيروت ، الطبعة الثانية ، (1405 هـ ـــ 1985م).
الخَاتِمَةُ(1/55)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وبعد :
مما سبق اتضح لنا الآتى :
أن الرجال المطعونين على البخارى هو أعلم بحالهم فأخرج لمن يحتج بحديثه منهم. أما ما عداهم فلم يخَرِّج لهم لأنهم لا يصلحون للإحتجاج ، ومن أخرج لهم فى الصحيح من المطعونين فإما أنه أخرج له فى المتابعات أو الشواهد ، وإما للإستئناس بحديثهم لا للإستشهاد به ، وهذا واضح جلياً يعرفه أهل الصنعة بالحديث ، والله الموفق ؛
أن العدالة لا يشترط فيها العصمة ، فالراوى العدل من الممكن أن تكون له معاص فى السر لا يعلمها علماء الجرح والتعديل ، فالعصمة ليست شرطاً لكى يكون الراوى عدلاً ، وعلى ذلك فالعصمة لا تنافى العدالة ، والله أعلم بالصواب .
أن الراوى إذا اشتهر بالمعاصى وكثرتها فالإجماع على أن حديثه غير مقبول ، كما نقل الشيخ الألبانى ـــ رحمة الله عليه ــــ عن ابن حبان فى الضعفاء ، ونقله عن ابن حبان الذهبى فى الميزان فى ترجمة أكثر من واحد ، والله أعلم .
المراجع
القرآن الكريم .
فتح البارى شرح صحيح البخارى للحافظ أحمد بن على بن حجر العسقلانى ، اعتنى به : محمود بن الجميل ، ط مكتبة الصفا ، الطبعة الأولى. 1424هـ ــ 2003م .
المنهاج فى شرح صحيح مسلم بن الحجاج ، للإمام أبو زكريا يحى بن شرف النووى ، تحقيق عصام الصبابطى ، وآخرون ، ط دار الحديث ، الطبعة الرابعة.1422هـ ــ 2001م .
الفصل فى الملل والأهواء والنحل للإمام أبى محمد عل بن أحمد بن حزم الظاهرى وبهامشه الملل والنحل للإمام أبى الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستانى ، ط مكتبة الخانجى بمصر .
سير أعلام النبلاء للإمام محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي بتحقيق شعيب الأرنؤوط ، وآخرون ، ط مؤسسة الرسالة ، الطبعة الأولى 1401هـ ـــ 1981 م .
قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث للعلامة محمد جمال الدين القاسمى ، ط دار العقيدة ، الطبعة الأولى 1425 هـ ــ 2004 م .(1/56)
شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل لأبى الحسن مصطفى بن إسماعيل ، قدم له فضيلة الشيخ مقبل بن هادى الوادعى ، ط مكتبة ابن تيمية ، الطبعة الثانية 1428هـ ـــ 2007م .
الباعث الحثيث شرح إختصار علوم الحديث للشيخ أحمد محمد شاكر ، ط مكتبة التراث 1423هـ ــ 2003م .
مباحث فى علوم الحديث ، للشيخ مناع القطان ، ط مكتبة وهبة ، الطبعة الرابعة 1425هـ ــ 2004م.
إرواء الغليل فى تخريج أحاديث منار السبيل ، للشيخ محمد ناصر الدين الألبانى ، ط المكتب الإسلامى ببيروت ، الطبعة الثانية 1405هـ ـــ 1985م .
توضيح الأفكار لمعانى تنقيح الأنظار ، للإمام محمد بن إسماعيل الأمير الحسنى الصنعانى ، تحقيق محمد محى الدين عبد الجميد، ط المكتبة السلفية بالمدينة المنورة .
المنهل الروى فى مختصر علوم الحديث النبوى ، للإمام محمد بن إبراهيم بن جماعة ، تحقيق د/محيى الدين عبد الرحمن رمضان ، ط دار الفكر بدمشق ، الطبعة الثانية ، 1406 هـ ــ 1986م .
فتح المغيث شرح ألفية الحديث للحافظ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي ط دار الكتب العلمية بلبنان الطبعة الأولى 1403هـ.
نزهة النظر شرح نخبة الفكر ، للحافظ أحمد بن على بن حجر العسقلانى ، بتحقيق أحمد بن سالم المصرى ، مراجعة وتقديم الشيخ مصطفى بن العدوى ، ط مكتبة أولاد الشيخ للتراث .
توجيه النظر إلى أصول الأثر للشيخ طاهر الجزائرى رحمه الله ، بتحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدَّة ، ط مكتبة المطبوعات الإسلامية بحلب ، ، الطبعة الأولى 1416 هـ ـــ 1995 م .
تهذيب التهذيب للحافظ أحمد بن على بن حجر العسقلانى ، ط دار الفكر ببيروت الطبعة الأولى 1404هـ ــ 1984 م .
الفِهْرِس
الإهدآء .......................................... 2
المقدمة .......................................... 3
المبحث الأول ....................................... 5(1/57)
ترجمة بعض الرواة الذين انتقدوا على البخارى ، وذكر وجه الطعن فيهم ووجه تخريج
البخارى لهم فى الصحيح ................................. 6
ذكر الرواة وترجمة كل منهم ................................ 8
أبو بكر أحمد بن بشير الكوفى .............................. 9
أبو عمرو البصرى بشر بن السرى الأفوه ......................... 11
أبو عمر الصنعانى حفص بن ميسرة العقيلى ....................... 12
أبو الهيثم خالد بن مخلد القطوانى الكوفى ........................ 18
أبو المنذر الخراسانى زهير بن محمد التميمى ...................... 20
أبو سعد المدنى سعيد بن أبى سعيد المقبرى ...................... 24
أبو صالح عبد الله بن صالح الجهنى ............................ 26
أبو أمية البصرى عبد الكريم بن أبى المخارق ...................... 33
أبو عبد الله عكرمة مولى ابن عباس ........................... 34
الكوفى المنهال بن عمرو .................................. 45
المبحث الثانى ....................................... 47
هل تشترط العصمة فى العدل من جميع المعاصى ، وهل يُقدَحُ فى عدالته بالمعصية ... 48
تعريف العدالة .......................................... 48
هل تشترط العصمة فى العدل ، وهل يُقدَح فى العدل بالمعصية ............. 50
الخاتمة ........................................... 53
المراجع ........................................... 54
الفهرس ........................................... 56(1/58)