"""""" صفحة رقم 13 """"""
كثرة ، فركب القاضي والناس معه فكسروا أواني الخمر وأراقوها ، فغضب النائب من ذلك ورفع إلى السلطان أن القاضي يقيم من يشهد بأن فلانا الذي مات عن غير وارث له وارث فيثبت ذلك ويتسلم المال ، وأنه حصل عنده من هذه الجهة أموال كثيرة ممن ليس له وارث إلا بيت المال ، فتغيظ السلطان من ذلك ، فلما وصل الأمر بالكشف عليه بالغ النائب في نكايته ومكن عدوه منه ، وأقدم أبو شامة فسجل على نفسه أنه ثبت عنده أن في جهة القاضي نجم الدين ابن حجي لبيت المال عشرين ألف دينار ، وحكم بذلك ، ووصل حكمه بالقاضي الحنفي فنفذه ، وطولع السلطان بذلك فكتب باستخلاص ذلك من ابن حجي ، فقدر الله تعالى في غضون ذلك موت النائب وانفرج الهم عن القاضي ، وكتب توقيعه من القاهرة باستمراره وغرم في ذلك مالا كثيرا .
وفي هذه السنة ابتدئ بعمارى المدرسة الأشرفية بالحريرين بجوار الوارقين ، وأخذت الدور التي هناك وغالبها أوقاف ، فتحيل في إبطالها بوجوه من الحيل ، وتولى القيام في تعميرها ناظر الجيش عبد الباسط ، وفيه رفع إلى الدوادار الكبير سودون من عبد الرحمن أن القاضي جمال الدين الطنبذي المعروف بابن عرب حكم محاكمة غير مرضية ، فأمر القاضي الشافعي بأن يعزله ، واقام في بيته بعد أن أهين(8/13)
"""""" صفحة رقم 14 """"""
بحضرة الدوادار ، وعزل القاضي عقب ذلك من النواب اثني عشر نفسا ، ثم لم يفد ذلك حتى أمر أن لا يزيد على عشرة نواب فعزل الجميع ، وانتقى عشرى أكثرهم أقاربه واصهاره ، فكثر كلام المنفصلين فيه ، واتفق أن القاضي المالكي كانت عنده محاكمة فأرسل الدوادار طلبها وطلب نقيبه الجلال القزويني فامتنع ، فأغلظ الدوادار القول ، فعزل القاضي نفسه ، ثم أعيد بشرط أن يعزل نقيبه المذكور فصرفه ، وأمر أن يقتصر من نوابه على ستة أنفس ، وأن يقتصر الحنفي على ثمانية ، وأن يقتصر الحنبلي على أربعة ؛ فأطاعوا كلهم إلا الحنبلي فلم يصرح بعزل أحد من نوابه وكانوا ثمانية .
وفيه حضر مملوك أيتمش الخضري وزعم أن بالمحلة كنزا فيه مائة ألف إردب دنانير ، فسلمه السلطان للأستادار ، فكشف عن الأمر فلم يوجد لما قاله صحة ، وشهد فيه بأنه خفيف العقل .
وفيها رام نائب الشام من متروك شيخ العرب بالشام أن يحضر إلى طاعته فامتنع ، وبذل له مالا فأبى ، وقصده بالمحاربة ففر ، فأعجزه تحصيله ، وفسد الدرب بسبب ذلك وكانت الطرق آمنة .
وفي سادس شعبان مات تاني نائب الشام ، واستقر عوضه تاني بك البجارسي نقلا من نيابة حلب إلى نيابة الشام .
وفي رمضان أمر السلطان بإحضار العلماء لسماع صحيح البخاري بالقلعة ، فهرعوا لذلك وكثر الجمع جدا ، وممن حضر الشيخ شمس الدين(8/14)
"""""" صفحة رقم 15 """"""
ابن الديري شيخ المؤيدية الذي كان قاضيا قبل ووقع بيه وبين ابن المغلي قاضي الحنابلة مباحث أدت إلى مسافهة ، فلما كثر اللغط أفرد الطلبة بمجلس بالقصر الأسفل والقارئ لهم الشيخ سراج الدين قارئ الهداية ، وعين السلطان من النبهاء عددا يسيرا يحضرون بالقصر الأعلى ويحضرهم السلطان فاستمر على ذلك سنين ثم كثر لغط الذين يحضرون وزجروا مرارا فلم ينزجروا ، فأمرهم السلطان بالقراءة في داخل القصر الأسفل ، وصار هو يحضر في شباك منفردا يشرف عليهم ، وكان ابتداء ذلك في سنة أربع وثلاثين بعد أن كان يقعد بينهم ساكنا لا يتحرك له يد ولا رجل ويقرر الشيخ شهاب الدين الكلوتاتي الحنفي يقرا بين يدي الشيخ سراج الدين قارئ الهداية كل يوم في القصر البراني الكبير .
وفي شعبان واطا جاني بك الصوفي السجان بمحبس الإسكندرية فهرب معه ، ولما وصل الخبر بذلك اضطرب العسكر وانزعج الناس من ذلك ونذب طائفة للتفتيش عليه ، ودام ذلك مدة وهدمت بسببه دور وضربت جماعة ولم يظهر له أثر إلى حين تسطيرها في شعبان سنة ست وثلاثين ، فسافرنا مع السلطان إلى الشام ولم يظهر له خبر محقق ؛ وذكر لي من أثق به أنه حي موجود بالقاهرة .
وفيه كثرت الأخبار بأن الفرنج تحركوا على بلاد المسلمين ،(8/15)
"""""" صفحة رقم 16 """"""
فجهزت عدة أجناد إلى السواحل ، فندب عدة إلى دمياط ، وعدة إلى الإسكندرية وغيرهما .
وفي ثالث عشري رمضان نفي طيبغا مملوك ناظر الخاص ابن نصر الله ، وكان شابا جميلا رباه وهو صغير ، فلما ترعرع انتزعه منه المؤيد فصيره من الخاصكية ، ثم عاد بعد موت المؤيد إلى أستاذه ، فاتفق أن ناقة من الهجن الخاص نفرت من إصطبل السلطان فصارت لطيبغا فيقال إن حسنا الهجان واطأه على أخذها فطلبت منه فجحدها ، فأمر السلطان بحبس حسن وعزله بسببها من وظيفته ، ثم جعل شريكا للذي انتزعها منه بعد عشر سنين .
وفيه سار إسكندر بن قرا يوسف فنزل ماردين وحاصرها حتى تسلمها وانهزم منه قرا يلك ثم نازل آمد ، ففر قرا يلك إلى شاه رخ وكان قد سار من بلاده إلى تبريز فحاصرها حتى ملكها ، فلما بلغ ذلك إسكندر وإخوته أولاد قرا يوسف ، توجهوا إلى جهة تبريز فالتقى بهم شاه رخ فكانت الهزيمة على ابن قرا يوسف فخرب شاه رخ تبريز ونقل أموالها ورجع إلى بلاده ، وانهزم اسكندر إلى الجزيرة ورجع قرا يلك(8/16)
"""""" صفحة رقم 17 """"""
إلى آمده ثم رجع اسكندر إلى تبريز ، وكان في ماردين أمير من قبل اسكندر اسمه ناصور ، أمر عليها تسع سنين إلى سنة خمس وثلاثين وثمانمائة .
وفي شوال حج شرف الدين ابن تاج الدين ابن نصر الله وبيده يومئذ نظر الكسوة ونظر الأشراف ، فلما سار الحجيج يومين أخرج عنه نظر الأشراف ، واستقر فيه نقيب الأشراف حسين بن علي الأموي بواسطة الأمير جاني بك ، وخرج عنه نظر الكسوة لصدر الدين ابن العجمي .
وفي أواخر شوال صرف زين الدين قاسم بن البلقيني من نظر الجوالي ، وأعيدت لصدر الدين أيضا .
وفي التاسع والعشرين من رمضان نودي على الفلوس الخالصة بتسعة الرطل ، وكانت الفلوس قد قلت جدا فظهرت .
وفي هذه السنة وجد قتيل بقرية ، فأمسك الوالي أهل تلك البلاد ولا يدري هل القاتل منهم أم لا ، فأمر السلطان بقطع أيدي بعضهم وآناف بعضهم وتوسيط بعضهم ، فاستوهبهم أحمد دواداره المعروف(8/17)
"""""" صفحة رقم 18 """"""
بالأسود ليقررهم فلاحين له في بلاد خراب أراد أن يعمرها ، فوهبهم له .
وفي يوم السبت سادس عشري شوال نزل السلطان من القلعة بعد الظهر في أناس قلائل إلى أن دخل من باب زويلة فوصل إلى المدرسة التي أنشئت له فرآها ورجع مسرعا ، وتلاحق به بعض الأمراء إلى أن صعد القلعة ؛ ولم يتفق له مثل ذلك قبل هذه المدة .
وفي شوال قرر عبد القادر بن عبد الغني بن أبي الفرج الذي كان أبوه أستادارا كبيرا في كشف الجسور والشرقية ، وفي شوال أيضا صرف أرغون شاه من الوزارة ، وقرر فيها كريم الدين ابن كاتب المناخات الذي كان أبوه فيها وانفصل ، وصرف أيضا من الأستادارية ، واستقر فيها ناصر الدين ابن آبو قبالي الدمشقي وكان استدارا نائب(8/18)
"""""" صفحة رقم 19 """"""
الشام ، وصودر أرغون شاه على مال ، ثم أفرج عنه واستقر استادارا على المتعلقات السلطانية بالشام على عادته .
وفي رمضان جاء الخبر من صاحب قبرس أن البحر مشغول بمراكب الفرنج فأمر لعدة من الأمراء والمماليك بالإقامة للرباط بالسواحل وهي : رشيد ودمياط وتستراوة .
وفيه قرئ البخاري بحضرة السلطان في القصر الأعلى ، وكانت العادة أن يقرأ في القصر الأسفل .
وفي أوائل ذي القعدة توجه ناظر الجيش وجماعة إلى الحج ، فأدرك الحجاج قبل ينبع ، وزار المدينة في ذهابه ورجع مسرعا ، فدخل القاهرة في يوم عاشوراء .
وفي ثالث عشر ذي العقدة الموافق لثاني عشري بابه أمطرت السماء مطرا غزيرا برعد وبرق وكثرت الأوحال ، وفيه أمر السلطان بتحجير السكر وأن لا يتعاطى أحد بيعه إلا من حاصله ، وأن لا يشتري إلا لخاصكي ، وكتب على من كان يتعانى ذلك قسامات ، فضاق عليهم الأمر ، وقام في ذلك نور الدين الطنبذي أحد أكابر التجار وحسن للسلطان وأحضر شخصا من جهته ، فأقامه في تعاطي بيع ذلك وشرائه ، والتزم أنه يحصل من ذلك جملة دنانير ربحا ، فدام الأمر إلى أن حضر ناظر الجيش فأفسد ما كان الطنبذي فعله وأبطل التحجير بعد أن كان الضرر قد حصل لأكثر الناس .(8/19)
"""""" صفحة رقم 20 """"""
وفي سابع عشر ذي الحجة زلزلت الأرض بعد مضي ساعتين أو نحوهما من الليل وكانت خفيفة .
وفيها بعد موت ابن الكويز ادعى تاج الدين ابن الهيصم الذي كان عمل الأستادارية في زمن الناصر والوزارة في زمن المؤيد أن ابن الكويز انتزع منه دارا كانت ملكه بالبركة وهدمها وبنى بها دارا جديدة ورام انتزاعها من ورائه ، فتعصب له جماعة عند السلطان ، فطلب ابن الهيصم وأهانه ، وانتزع منه المستندات التي تشهد له بملك الدار المذكورة ووقفها ، وهذه الدار صارت بعد ذلك ملكا لابن مزهر ، ثم بيعت بعده إلى أن صارت لابن كاتب المناخات ثم لزوجته فوقفتها ، وقد تقدم استقرار تاني بك في نيابة دمشق نقلا من حلب وذلك بعد موت تاني بك ميق بدمشق ، ولما كان في السنة المقبلة أظهر العصيان فكان ما سنذكره
وفيات سنة 826
ذكر من مات في سنة ست وعشرين وثمانمائة من الأعيان
إبراهيم بن مبارك شاه الإسعردي الخواجا التاجر المشهور صاحب المدرسة بالجسر الأبيض ، كان كثير المال واسع العطاء كثير البذل بخلاف قريبه الخواجا شمس الدين بن المزلق ؛ فمات هذا في رجب مطعونا ولم يكمل الستين ، وعاش ابن المزلق . . . بعده دهرا طويلا .(8/20)
"""""" صفحة رقم 21 """"""
أحمد بن رسلان السفطي أحد من جد ومهر إلى أن صار يستحضر الكثير من الفروع الفقهية ويباحث ويستشكل ويفهم قليلا وهو من كبار الطلبة بالخانقاه الشيخونية ؛ مات في ربيع الأول وقد أكمل الستين .
أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن ، العراقي الإمام الحافظ شيخ الإسلام أبو زرعة ، ابن شيخنا وأستاذنا حافظ العصر شيخ الإسلام زين الدين ، ولد في ذي الحجة سنة 762 ، وبكر به أبوه فأحضره عند المسند أبي الحرم القلانسي في الأولى وفي الثانية ، واستجاز له من أبي الحسن الفرضي ، ثم رحل به الشام في سنة خمس وستين وقد طعن في الثالثة ، فأحضره عند جمع كثير من أصحاب الفخر ابن البخاري(8/21)
"""""" صفحة رقم 22 """"""
وأنظارهم ، ثم رجع فطلب بنفسه وقد أكمل أربع عشرة سنة ، فطاف على الشيوخ ، وقرأ بنفسه ، وكتب الطباق وفهم الفن ، واشتغل في الفقه والعربية والمعاني والبيان ، وأحضره مجلس الشيخ جمال الدين الأسنوي ومجلش الشيخ شهاب الدين ابن النقيب وغيرهما ، وأسمع على أبي البقاء وقبله القاضي عز الدين ابن جماعة ، وأقبل على التصنيف فصنف أشياء لطيفة في فنون الحديث ، ثم ناب في الحكم وأقبل على الفقه فصنف النكت على المختصرات الثلاثة ، جمع فيها بين التوشيح للقاضي تاج الدين السبكي وبين تصحيح الحاوي لشيخنا ابن الملقن ، وزاد عليهما فوائد من حاشية الروضة للبلقيني ومن المهمات للأسنوي ، وتلقى الطلبة هذا الكتاب بالقبول ونسخوه وقرأوه عليه ، واختصر أيضا المهمات وأضاف إليها حواشي البلقيني على الروضة ، وكان لما مات أبوه تقرر في وظائفه ، فدرس بالجامع الطولوني وغيره ، ثم استقر شيخا بالجمالية بعد موت همام الدين ، ثم ولى القضاء الأكبر كما تقدم ، وصرف عنه فحصل له سوء مزاج من كونه صرف ببعض تلامذته بل ببعض من لا يفهم عنه كما ينبغي ، فكان يقول : لو عزلت بغير فلان ما صعب علي واستيعاب قضاياه يطول ، وكان من خير أهل عصره بشاشة وصلابة في الحكم وقياما في الحق وطلاقة وجه وحسن خلق وطيب عشرة ؛ مات في يوم الخميس السابع والعشرين من رمضان - رحمه الله تعالى أكمل ثلاثا وستين سنة وثمانية أشهر ، ودفن بجنب أبيه - رحمهما الله تعالى .(8/22)
"""""" صفحة رقم 23 """"""
أحمد بن عبد الله ، القزويني شهاب الدين نقيب الحكم ، وكان حنفيا يستحضر كثيرا من الأحكام المتعلقة بمذهبه ، وباشر ذلك عند ابن الطرابلسي وولده مدة ، ثم لما عزل أمين الدين بابن العديم اتصل هو بالجلال البلقيني فقرره نقيبا مضافا لغيره ، فاستمر هو ومات ابن مخلوف ، ثم مات السثيني وكان لا بأس به لولا مكر فيه ودهاء ، ولما ولى العراقي رام الاستقرار عنده فأبعده ، فلما ولي البلقيني الأصغر خدمه إلى أن مات بعد ضعف شديد مدة ، وكان مولده في سنة 761 ؛ ومات في شهر ربيع الأول .
أحمد بن عثمان بن يوسف ، الخرتباوي البعلي ، ولد سنة 771 ، واشتغل على ابن اليونانية والعماد بن يعقوب وسمع عليهما ، ثم ولي قضاء بعلبك ثم قدم دمشق ، وكان فاضلا في الفقه وغيره ، وعنده سكون واجماع وعفة ؛ مات في جمادى الأولى مطعونا .(8/23)
"""""" صفحة رقم 24 """"""
تاني بك الذي يقال له ميق ولي إمرة الحجوبية بالديار المصرية وولي أتابكا بها ثم ولي نيابة دمشق ، كان قد خاف من الطاعون فصار ينتقل يمينا وشمالا ، فلما ارتفع الطاعون عاد إلى دمشق فمات بغير الطاعون يوم الاثنين 8 شعبان - وقد تقدم ذكره في الحوادث .
خديجة بنت الملك الأشرف شعبان بن حسين زوج قاسم البشتكي ، وهي آخر أولاد الأشرف من النساء وفاة ، وكانت توصف بعقل ورئاسة .
خليل بن عبد الوهاب بن سليمان ، الأنصاري صلاح الدين ابن نجم الدين ابن السيرجي ، ولد سنة 747 ، وتفقه قليلا وباشر كثيرا من أوقاف المدارس كالشامية الجوانية ، وكان قوي النفس كثير(8/24)
"""""" صفحة رقم 25 """"""
الحشمة والكرم ، وكان أعيان الفقهاء يترددون إليه ، وهو الذي عمر الشاميتين بعد حريقهما في فتنة اللنك ، ثم ضعف جانبه وقوي عليه الحكام ، وصارت إقامته بالمجدل وقف الشامية ، وآل أمره إلى فقر شديد ؛ ومات في شهر رمضان ، وهذا آخر من بقي من آل بيتهم .
داود بن عبد الرحمن بن داود ، الشوبكي الأصل المعروف بابن الكويز علم الدين أبو عبد الرحمن . مات في صبيحة يوم الاثنين سلخ رمضان بمنزله ببركة الرطلي بعد أن طال مرضه كما تقدم سببه في الحوادث . وكنت عدته في نصف رمضان فوجدته صحيح العقل والبدن لا يشكو ألما ولكنه غلب عليه الوهم بحيث أنه في أثناء كلامه كان يجزم بأنه ميت من تلك الضعفة ، وكانت أمور المملكة في طول مدة مرضه لا تصدر إلا عن رأيه وتدبيره ، وكان يجتمع بالسلطان خلوة ويذكر أنه إذا ركب يتأذى بالركوب كذلك إن دخل الحمام أو الجامع كان أبوه من أهل الشوبك ثم سكن الكرك وهو نصراني يتعانى الديونة واسمه جرجس ، فلما كان سنة سبع وستين ضيق يلبغا على جميع النصارى الملكية خصوصا الشوابكة واتهموا بأنهم مالؤا الإفرنج على الإسكندرية ، فأسلم هو وكثير منهم وتسمى عبد الرحمن ، وخدم نائب الكرك وتقرب منه(8/25)
"""""" صفحة رقم 26 """"""
حتى قرره في كتابه السر ، ثم تحول إلى حلب فخدم كمشبغا الكبير وقدم معه القاهرة صاحب ديوانه ، ورأيته شيخا طوالا كبير اللحية ، ونشأ ابنه علم الدين هذا ترفا صلفا مسعود الحركات ، فصاهر ابن أبي الفرج ، وكان أخوه خليل أسن منه ، ثم اتصلا بشيخ نائب الشام قبل سلطنته فخدماه وهو ينوب في طرابلس ثم في دمشق ثم في حلب ، ثم قدما معه القاهرة فعظم شأنهما وكبر قدرهما ، وباشر علم الدين نظر الجيش بطرابلس ثم بدمشق ، وامتحن هو وأخوه في وقعة صرخد وصودرا ، ثم لما تسلطن المؤيد تقرر في نظر الجيش ، ثم اختص بالظاهر ططر وتقرر عنده كاتب السر في أيامه ، وصولح ولده بعد موته على أربعين ألف دينار ، وكان يتدين ويلازم الصلاة ويصوم تطوعا ويتعفف عن الفواحش ويلازم مجالسة أهل الخير مع طول الصمت ، فكان يستر عواره بذلك إلا أنه لما ولى كتابة السر افتضح للكنة فيه وعدم فصاحة وضبطت عليه ألفاظ عامية ، ومع ذلك فكان وقاره وحسن تدبيره وجودة رأيه تستر عواره ، واستقر بعده في كتابة السر قريبه جمال الدين يوسف وكان قد قدمه في عهد المؤيد وقرره في نظر الجيش بطرابلس ، فاتفق أن الأشرف لما ولى نائبها في أيام المؤيد تقرب إليه وخدمه فصارت له به معرفة فلما مات علم الدين قرره في وظيفته ، فباشرها قليلا بسكون وعدم شره وتلطف بمن يقصده وحلاوة لسان ثم صرف بعد قليل ، كما سيأتي ذكره في التي بعدها . ومن(8/26)
"""""" صفحة رقم 27 """"""
فعلاته المستحسنة - أي صاحب الترجمة - أنه لما كان بشقحب صحبة الظاهر راجعا إلى مصر إستأذنه في زيارة القدس فتوجه من طريق نابلس ، فشكا إليه أهل القدس والخليل ما أضر بهم من أمر الجباية وكانت لنائب القدس ، وتحصل منها لفلاحي القرى إجحاف شديد ويتحصل للنائب ألوف دنانير ، ولمن يتولى إستخراج ذلك ضعفه ، فلما رجع إستأذن السلطان في إبطال هذه المظلمة ، فأذن له وكتب بها مناشير ، فقرئت بالقدس والخليل ، وكثر الدعاء له بسبب ذلك ، مات في يوم الإثنين سلخ شوال ولم يبلغ الخمسين .
زينب بنت الملك الظاهر برقوق ، كانت من الجمال بمكان ثم تزوجت بعد أبيها . . . ثم تزوجها . . . ثم تزوجها الملك المؤيد ومات عنها ، فكانت بنت سلطان وأخت سلطان وزوج سلطان ، وتزوجت بعد المؤيد قجق العيساوي ، وماتت في عصمته في ليلة السبت 28 ربيع الأول ، وهي آخر أولاد الظاهر لصلبه وفاة ، وكانت أرأس إخوتها ، وأمها أم ولد رومية .(8/27)
"""""" صفحة رقم 28 """"""
سالم بن سالم بن أحمد بن سالم بن عبد الملك بن عبد الباقي بن عبد المؤمن بن عبد الملك ، المجد المقدسي الحنبلي ، يجتمع مع القاضي موفق الدين عبد الله بن عبد الملك في عبد الملك ، اشتغل في بلاده ثم قدم القاهرة سنة 64 ، وأقام بها إلى أن ولى قضاء الحنابلة بعد موت الموفق أحمد ابن نصر الله في سنة ثلاث وثلاثمائة ، ولم يزل مستقرا فيه إلى أن صرف بعلاء الدين ابن مغلى في أوائل سنة ثماني عشرة ، فاستمر خاملا إلى أن مات وليس بيده سوى تدريس الجمالية ومدرسة حسن ، وضعف مدة متطاولة وخلف عدة أولاد صغار أسنهم مراهق ، وكان مولده سنة ثمان وأربعين ، وتفقه واشتغل حتى مهر ونبغ في المذهب وشارك في الفنون ، وكان يستحضر المحرر في الفقه ، وناب في الحكم ، وعاش سبعا وسبعين سنة ، وكان الناصر فرج يثق به ، وأرسله مرة إلى الصعيد للحوطة على تركة ابن عمر ثم صار يأتمنه على ما يصنع يده عليه من الأموال ، وكان يبالغ في النصيحة له في ذلك ، فمقته الناس لإعانته على الظلم ، ولعله كان معذورا فالله يسمح له .
سودون الفقيه كان كبير الشراكسة تلمذ للشيخ لاجين الجركسي(8/28)
"""""" صفحة رقم 29 """"""
وكان أعجوبة في دعوى العلم والمعرفة مع عدمهما ، وكان الكثير منهم يعتقد أنه لابد أن يلي السلطنة ، كما كانوا يزعمون ذلك في شيخه ، واتفق أن زوج إبنته وهو الظاهر ططر ولى السلطنة فارتكبت من يتعصب له في الشطط وقال : ظهر المراد في ططر ، فلم ينشب ططر أن مات ، ولم يحظ سودون في ولايته بطائل فضلا عما بعدما ، وكان يكثر سؤال من يجالسه عن الشئ المعضل ، فإذا أجابه عنه نفر منه قائلا : ليس الأمر كذلك ، ثم يعيد الجواب بعينه مظهرا أنه غيره ، وله من ذلك عجائب ، مات في 12 صفر .
عبد الله بن محمد القرافي جمال الدين ، مهر في العربية ، وأخذ عن الشيخ أبي الحسن الأندلسي ، وعمل مقدمة لطيفة يتوصل بها إلى معرفة الإعراب بأسهل طريق ، وانتفع به جماعة ، مات في ربيع الأول .
عبد الرحمن بن محمد بن إسماعيل ، القلقشندي ثم القدسي زين الدين إبن الشيخ شمس الدين سبط الشيخ صلاح الدين العلائي ، اشتغل على أبيه(8/29)
"""""" صفحة رقم 30 """"""
وغيره ، وأحب الحديث وطلبه ، وكتب الطباق بخطه ، وصنف ونظم ، وكان فاضلا نبيها ، سمع معي في الرحلة إلى دمشق كثيرا بها وبنابلس والقدس وغيرهما ، وصار مفيد بلده في عصره ، وقدم القاهرة في هذه السنة فأسمع ولده بها من جماعة ، وكان حسن العقل والخط حاذقا ، رجع إلى بلده فمات بها وأسفنا عليه - رحمة الله تعالى .
عبد الرحمن بن محمد بن صالح ، المدني قاضي طيبة زين الدين ، ولد سنة . . . . . . وسمع من . . . وحدث قليلا وكان مزجى البضاعة ، أقام في قضاء المدينة وخطابتها نحوا من ثلاثين سنة إلا أنه عزل في أثناء ذلك وأعيد مرارا ، مات ليلة السبت في صفر ، واستقر في وظيفته ولده أبو الفتح محمد .(8/30)
"""""" صفحة رقم 31 """"""
عبد العزيز بن علي بن أحمد ، النويري ثم المكي العقيلي عز الدين ، تفقه على مذهب الشافعي وحفظ الفقه ، ومهر ، وقرأ سنن أبي داود على الشيخ سراج الدين البلقيني سنة اثنتين وثمانمائة ، وكان أبوه مالكي المذهب فخالفه ، وأقام بالقاهرة مدة وأخذ عن شيوخها ، وأذن له الشيخ برهان الدين الأبناسي وبدر الدين الطنبذى ، ثم دخل اليمن وولى القضاء بتعز ثم رجع إلى مكة فمات في هذه السنة بها في 21 ذي الحجة ، وما أظنه جاوز الخمسين ثم رأيت مولده سنة ثمان وسبعين وسبعمائة .
عبد القادر ويدعى محمد ابن قاضي الحنابلة علاء الدين علي بن محمود ابن المغلي ، السلماني ثم الحموي الحنبلي ، مات وقد راهق ، وقد نبغ وحفظ المحرر وغيره ونشأ على طريقة حسنة ، وأسف أبوه عليه جدا ولم يكن له ولد غيره ، فمات في نصف ذي القعدة .
عبد الوهاب . . . بن تاج الدين ابن الرملي ناظر الدولة ، ولد سنة أربعين أو قبلها بسنة ، وتنقل في الخدم إلى أن ولي نظر الدولة بالقاهرة فاستمر على ذلك مدة ، ثم شاركه صهره سعد الدين البشيري مدة طويلة ، ثم استقل البشيري بالوزارة ، واستمر هو إلى أن مات ، وقد أحضره(8/31)
"""""" صفحة رقم 32 """"""
المؤيد ليحاسب الهروي على ما احتاجه من أموال القدس والخليل ، فسأله عن مولده فقال : لي الآن اثنان أو ثلاث وثمانون سنة ، وكان ذلك في سنة 22 وكان قد أسن وارتعش ، ومات مفصولا قبل موته بدون السنة ، وكان يحب أهل الخير ويكثر الصدقة ويتبرأ من تناول المكس والأكل من ثمن ما يكون منه وكان يقول : أنا أستدين جميع ما آكله وألبسه حتى لا أتعاطى الحرام بعينه والله أعلم بغيبه .
علي بن رمح بن سنان بن قنا نور الدين ، تفقه ، وسمع من عز الدين ابن جماعة وابن القارئ وغيرهما ولكنه لم ينجب وصار بآخرة يتكسب في حوانيت الشهود إلى أن مات ، وهو أحد الصوفية بالخانقاه البيبرسية ، جاز الثمانين .
علي بن محمد بن محمد بن سالم بن موسى بن سالم بن أبي المكارم بن إسماعيل بن عبد السلام إمام الدين بن العميد . والعميد لقب عبد السلام المذكور ، وكان العميد قاضي دمياط ، وولي عدة من آباء إمام الدين القضاء ، ثم ولي هو قضاء دمياط مدة ثم ولي قضاء المحلة ، وكان عارفا بالشروط قليل العلم ، وجلس مع الموقعين مدة وناب في الحكم بالقاهرة ،(8/32)
"""""" صفحة رقم 33 """"""
وكان بشوشا جميل المعاشرة خبيرا بأمور الدنيا ، مات في مستهل شعبان وله خمس وسبعون سنة .
عمر بن عبد الله بن عامر بن أبي بكر بن عبد الله سراج الدين الأسواني نزيل القاهرة ، تعاني الآداب وسلك طريق المتقدمين في النظم ، وكان عريض الدعوى كثير الازدراء لمن ينظم الشعر من أهل عصره ، لا يعد أحدا منهم شيئا ويقول : شعرهم بعر مقزدر ، هو يقول : من يجعل لي خطرا على أي قصيدة شاء من شعر المتنبي حتى أنظم أجود منها وكان قد دخل الشام وأخذ عن أدبائها ثم قدم القاهرة فاستوطنها من سنة تسعين ، ولم يكن نظمه بقدر دعواه إلا أن ابن خلدون كان يطربه ويشهد له بأنه أشعر أهل العصر بعد ابن خطيب داريا ، وكان للأسواني مشاركة في لغة وقليل من العربية ، وما علمته ولي شيئا من الوظائف ، وقد حضر عندي في إملاء شرح البخاري ، وأملي على الطلبة من نظمه أبياتا في معرفة أسواق العرب في الجاهلية وهي رجز ، وسمعت من لفظه قصيدة مدح بها المؤيد لما تسلطن بعناية الأدمي فغض منه البارزي ، وكان يجتدي بشعره ويقلد المانة من يسمعه منه ، ومن عنوان نظمه قوله :
إن ذا الدهر قد رماني بقوم
هم على بلوتي أشد حثيثا
إن أفه بيهم بشيء أجدهم
لا يكادون يفقهون حديثا
واتفق بأخرة أنه مدح أبا فارس صاحب تونس فأرسل إليه بصلة ، قيل(8/33)
"""""" صفحة رقم 34 """"""
إنها مائة دينار فقبضها وهو موعوك ، فنزل المارستان فطال ضعفه ثم عوفي ، فذكر بعض أصحابه أنه كان دفنها وغيرها في مكان ، فلما رجع ووجدها جعلها في مكان آخر وانتكس فضعف أياما يسيرة ، مات بالمارستان ولم توجد الذهبية المذكورة ولا غيرها ، مات في ربيع الأول وقد جاوز الستين .
عمر بن محمد ، الصفدي - بنون مفتوحة ثم ياء تحتانية ساكنة ثم نون - زين الدين ، اشتغل قديما ومهر حتى صار يكاد يستحضر الكفاية لابن الرفعة ، وأخذ عن علاء الدين حجي بدمشق وأنظاره ، وسمع من ابن قواليح ، وناب في الحكم في بلاد عديدة في معاملات حلب ، ثم قدم القاهرة قبل سنة عشرين ونزل بالمؤيدية في طلبة الشافعية ، ومات بها في جمادى الأولى وقد جاوز السبعين بل قارب الثمانين ، فإنه ذكر ما يدل على أن مولده في حدود الخمسين ، وكان كثير التقتير على نفسه ، ووجد له مبلغ فوضع بعض الناس يده عليه ولم يصل لوارثه منه منه شيء - عفا الله عنه .
فارس بن عبد الله ، الخازندار الرومي الطواشي ، مات في النصف(8/34)
"""""" صفحة رقم 35 """"""
من المحرم ، وكان قد تقدم في الدولة المؤيدية ، وجود الخط على الشيخ عبد الرحمن بن الصائغ ، وحفظ القرآن وتلاه على جماعة ، واستقر بعده خشقدم خازندارا .
قطلوبغا التنمي أحد أمراء الألوف ثم ناب بصفد ، مات في ليلة السبت سنة ست وعشرين ربيع الأول بدمشق بطالا - .
محمد بن الحسين بن عبد المؤمن . . . الكازوروني ثم المكي جمال الدين أبو أحمد المؤذن ، وله سنة بضع وأربعين ، وأحضر على تاج الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن أبي سعد الشهاب الهكاري والعز بن جماعة والنور الهمداني ، وولي رئاسة المؤذنين بالحرم الشريف بعد البهاء عبد الله بن علي الكازوروني ؛ ومات في ربيع الأول .(8/35)
"""""" صفحة رقم 36 """"""
محمد بن خالد شرف الدين الشنشي - بفتح الشينين المعجمتين بينهما نون مفتوحة - كان موقع الحكم للشافعية ، وكان ماهرا في صناعته ، قوى الهمة شديد الجلد متثبتا ، لم يزل يحضر الدروس طالبا الوظائف المتعلقة به مع كبر السن إلى أن انقطع قدر شهر ومات في ثامن ربيع الآخر وقد جاوز الثمانين ؛ ولو كان تصدى لسماع الحديث لأدرك إسنادا عاليا .
محمد بن عبد الله بن عمر بن يوسف ، المقدسي الصالحي الحنبلي المعروف بابن المكي شمس الدين . ولد سنة إحدى وخمسين وسبعمائة ، وتفقه قليلا وتعانى الشهادة ، ولازم مجلس القاضي شمس الدين ابن التقي ، وولي رئاسة المؤذنين بالجامع الأموي وكان من خيار العدول عارفا جهوري الصوت حسن الشكل ، طلق الوجه منور اشيبة ؛ مات في جمادى الأول بعد أن أصيب بعدة أولاد كانوا أعيان عدول البلد مع النجابة والوسامة فماتوا بالطاعون .
محمد بن علي بن أحمد ، الغزي الحلبي المعروف بابن الركاب شمس الدين ، ولد سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة بغزة ، وتعاني الاشتغال بالقراآت فمهر ، وقطن بحلب ، واشتغل في الفقه بدمشق مدة ، ثم أقبل على التلاوة والإقراء(8/36)
"""""" صفحة رقم 37 """"""
فانتفع به أهل حلب ، وكان قد أقرأ غالب أكابرهم ، وأقرأ الفقراء بغير أجرة ، وممن قرأ عليه قاضي حلب علاء الدين ابن خطيب الناصرية ، وكان قائما في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومواظبة الإقراء مع الهرم ؛ مات في تاسع عشر شهر ربيع الأول .
محمد بك بن علي بك قرمان ، ناصر الدين تملك البلاد القرمانية مات في صفر من حجر أصابه في جبهته في حربه مع قرايلك .
محمد بن الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الدائم البرماوي ، مات ولم يبلغ العشرين ، وكان قد مهر وحفظ عدة كتب ، وتوجه مع أبيه إلى الشام فمات بالطاعون ، فأسف عليه أبوه ولم يقم بالشام بعدها بل قدم القاهرة ، وأحسن الله عزاه .
محمد المعروف بابن النحاس المقرئ في الجوق ، شمس الدين ، كان صاهر الشيخ شمس الدين الزرزاي ، وقرأ على طريقته لكن لم يكن يدانيه بل كان في رفقته من يقرأ أطيب صوتا منه لكن تقدم عليهم بالسكون وكثرة المال ؛ مات في ربيع الأول .
محمد القادري الصالحي الشيخ ، كان منقطعا بزاوية بصالحية دمشق ، وله أتباع ولهم أذكار وأوراد وينكرون المنكر ، وشيخهم قليل الاجتماع بالناس ، وكان بين المنقبض والمنبسط ؛ مات في رجب بالطاعون .(8/37)
"""""" صفحة رقم 38 """"""
محمد القباقبي الشيخ شمس الدين الحنبلي الصالحي ، كان من قدماء الحنابلة ومشايخهم ، وكان يتبذل ويتكلم بكلام العامة ويفتي بمسألة الطلاق وقد أنكرت عليه غير مرة ، ولم يكن ماهرا في الفقه ؛ مات في ذي القعدة وقد قارب الثمانين .
حوادث سنة 827
سنة سبع وعشرين وثمانمائة
في الثامن من المحرم قدم ناظر الجيش عبد الباسط وشيخ علي الكيلاني وفخر الدين النوروزي والأمير قجق والأمير أركماس الظاهري ، وكانوا حجوا فسبقوا ودخلوا في هذا اليوم ، وصحبة ناظر الجيش مقبل أمير الينبع فأنزل دار الضيافة ووصل الركب في العشرين من المحرم الأول فسبق العادة بثلاثة أيام ، وفي المحرم حضر مقبل نائب صفد فخلع عليه باستمراره .
وفيه وقع مطر عظيم في أواخر المحرم ، دام خمسة أيام متوالية ، ولم يعهد مثله منذ دهر بمصر .
وفيه استقر سودون من عبد الرحمن في نيابة دمشق عوضا عن تاني بك البجاسي الذي استقر بها في العام الماضي ، وكان استكثر من(8/38)
"""""" صفحة رقم 39 """"""
شراء المماليك وعزم على الخروج فبلغ ذلك السلطان ، فعزله واستناب سودون وأمره بالقبض على تاني بك ، فخرج سودون في السادس والعشرين من المحرم ، فوصل الخبر بأن تاني بك نائب الشام أظهر العصيان ، فوقع بينه وبين الأمراء بالشام وقعة فكسرهم تاني بك ، فاستمروا في هزيمتهم إلى أن تلاقوا مع سودون في جسر يعقوب فمالوا وتبعهم تاني بك فحال بينهم الجسر ، فأراد تاني بك أن يكبس على سودون فحذر منه وتوجه إلى دمشق وأمر شاهين نائب القدس أن يستعد لتاني بك بالحرب ، وجد سودون في الوصول إلى دمشق حتى دخلها ، فبلغ ذلك تاني بك فرجع خلفهم حتى وقع الحرب بدمشق ، فكبا فرس تاني بك داخل باب الجابية فأمسك في الحال وحبس ، ووصل الخبر بذلك صحبة على هجين في ستة أيام ، فدقت البشائر ، وسكنت الفتنة ، ثم أحضرت رأس تاني بك إلى القاهرة فعلقت بباب زويلة ، وكان السلطان عزم على إرسال عسكر مدد السودون فبطل ذلك .
وفي السادس والعشرين من المحرم استقر على بن عنان بن مغامس الحسني في إمرة مكة عوضا عن حسن بن عجلان ، وجهز السلطان معه عسكرا لمحاربة حسن ، وكتب إلى قرقماس الذي حج في هذه السنة ويوم تأخر بالينبع أن يعين عل بن عنان ، فإذا غلب علي يستقر في الإمرة ويرجع قرقماس إلى القاهرة ، فخرجوا في أول ربيع الأول .
وفي يوم السبت الثاني والعشرين من المحرم استقر كاتبه في قضاء الشافعية بالقاهرة وما معها .(8/39)
"""""" صفحة رقم 40 """"""
وفي يوم الثلاثاء أول صفر شرعت في الإملاء بالخانقاه البيبرسية أستملي على الشيخ زين الدين رضوان بن محمد العقبي .
وفي عاشر صفر قدم شمس الدين الهروي من القدس ، فسلم على السلطان في الثاني عشر منة ، وسكن مدرسة ابن الغنام بجوار بدر الدين العيني المحتسب .
وفي الرابع والعشرين من صفر قرر الشيخ سراج الدين قارئ الهداية في مشيخة الشيخونية بعد موت الشيخ شرف الدين التباني بعد وفاته ، وقدمت له فرس من خيل السسلطان فركبها وتوجه بخلعته ، ومعه أزبك رأس نوبة وهو يومئذ ناظر الشيخونية ، ومشى معه جمع كثير من الطلبة ، فصلى بالمدرسة ركعتين وتوجه إلى منزله بين القصرين .
وفي ربيع الأول مالت المئذنة بالجامع الأزهر التي عمرت في سلطنة المؤيد سنة تسع عشرة ، فأمر السلطان الأشرف بهدمها ، فهدمت وأعيدت من أصح ما يكون .
وفي ثامن عشري شهر ربيع الأول استقر أزبك الأشقر دوايدارا كبيرا نقلا من رأس نوبة ، واستقر تغرى بردى المحمودي رأس نوبة نقلا من الحجوبية ، وخلع عليهما بذلك .
وفيه أنهى الشيخ شمس الدين البرماوي إلى السلطان أن شرط المؤيد أن لا يكون المدرس بها قاضيا وأعانه قوم آخرون ، فانتزع تدريس(8/40)
"""""" صفحة رقم 41 """"""
الشافعية بالمؤيدية من كاتبه ، فسعى كاتبه إلى أن أظهر كتاب الوقف وقد سكت عن الشرط المذكور فأعيد ذلك لكاتبه . وعوض البرماوي بأن ينوب عن علي حفيد العراق في جهاته بثلث المعلوم ، فباشر ذلك .
وفي صفر ختن السلطان ولده محمدا وعمل له فرحا كبيرا ، فيقال إن الأعياد لقطوا في طشته بالذهب الكثير ، فأمر به فجمع وأعطى المزين منه مائة ورفع الباقي للخزانة .
وفي التاسع من شهر ربيع الآخر استقر شمس الدين الهروي في كتابه السر بعد سعي شديد ووعد ببذل مال كثير ، وانفصل جمال الدين الكركي والناس له شاكرون لحسن سيرته ولين جانبه ، وكان يتشكى من رفقته ويستعفى إلى أن سعى الهروي فعزل ، وأما الهروي فلبس تشريفا كله حرير أبيض وطرحه حرير وحجرة بسرج ذهب وكنبوش زركش . وهرع الناس للسلام عليه ، وكان الهروي لما قدم سلم الناس عليه إلا الحنبلي واستمر على ذلك ، وكان حضر المولد السلطاني قبل ولاية كتابة السر فامتنع الحنيلي من الحضور بحضرته وتمادى على عدم السلام عليه ، ثم أصلح السلطان بي الهروي وابن الديري وكان يطلق لسانه في الهروي فاصطلحا ، فلما ولى الهروي ساءه ذلك وتكلم في الخلوة فبالغ .
وفيه أمسك رجل من الصوفية بالمؤيدية وجدت عنده آلات الزغل ،(8/41)
"""""" صفحة رقم 42 """"""
فأمر السلطان بقطع يده ، فشفع فيه فأخرج وضرب ضربا مبرحا وسجن ثم أطلق مع المسجونين في أواخر شعبان .
وفي أوائل هذه السنة وقع بمكة وباء عظيم بحيث مات في كل يوم أربعون نفسا ، وحصر من مات في ربيع الأول ألفا وسبعمائة ، ويقال إن إمام المقام لم يصل معه في تلك الأيام إلا إثنين وبقية الأئمة بطلوا لعدم من يصلي معهم .
وفي سابع جمادى الأولى أقيمت الجمعة بالمدرسة الأشرفية الجديدة برأس الحريريين ، واستقر ناصر الدين الحموي الواعظ خطيبها .
وفي رابع عشر جمادى الأولى قدم القاضي نجم الدين ابن حجى من الشام إلى القاهرة ، فاستقر في كتابة السر في العشرين من جمادى الآخرة ، وركب معه جميع الأمراء الأماثل ولاقاه القضاة إلى قرب القلعة وصرف الهروي وصادف قول القائل :
صرف الكمال البارزي ويوسف
وأخو هراة لمثلها يتوقع
وفي شهر ربيع الآخر كان قدوم الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن محمد الجزري المقرئ إلى دمشق طالبا للحج من شيراز ، وكان قد قدم المدينة ثم مكة ورجع إلى شيراز ، ثم قدم هذه السنة وقد تمت(8/42)
"""""" صفحة رقم 43 """"""
له ثلاثون سنة منذ فر إلى بلاد الروم ثم إلى بلاد العجم ، وولى قضاء فارس وغيرها ، وانتفع الناس به في القراآت والحديث .
وفي جمادى الأولى وصل قرقماس وعلي بن عنان إلى مكة فدخلاها بغير قتال ، ونزح حسن بن عجلان عن مكة ، ووصلت عند دخول علي بن عنان إلى جدة مركبان من الهند فتوجه إلى جدة لتعشيرها وفرح بذلك ، لأنه يستعين بذلك على حاله .
وفي جمادى الآخرة عقد مجلس بسبب أخذ الزكاة من التجار وكان ابن حجى أو الهروي حسن للسلطان ذلك ، فأمر بحضور القضاة بالصالحية وأن يحضر معهم الهروي وابن حجى ، فانفصل الأمر على أن كاتبه قال لهم : أما التجار فإنهم يؤدون إلى السلطنة من المكوس أضعاف مقدار الزكاة وهم مأمونون على ما تحت أيديهم من الزكاة وأما زكاة المواشي فليس في الديار المصرية غالبا سائمة ، وأما زكاة النبات فغالب من يزرع من فلاحي السلطان أو الأمراء ، فقال القاضي الحنفي وهو زين الدين التفهني مرجع جميع الأموال في إخراج الزكاة إلى أربابها إلا زكاة التجارة فللإمام أن ينصب رجلا يقيم على الجادة يأخذ من المسلمين ربع العشر ، ومن أهل الذمة نصف العشر ، ولا يؤخذ من المسلم في السنة أكثر من مرة ، وقال المالكي والحنبلي نحو ما قال كاتبه ، وانفصل المجلس على ذلك وانفرجت عن التجار وغيرهم .
وفي جمادى الآخرة استقر الأمير ناصر الدين ابن العطار في(8/43)
"""""" صفحة رقم 44 """"""
نظر القدس والخليل ، وصرف حسن وصودر على مال ، ثم تعصب له بعض الأمراء فخفف عنه ، وفيه قدم الشريف شهاب الدين الذي كان كاتب السر بدمشق إلى القاهرة وخلع على شهاب الدين ابن الكشك بقضاء الحنفية وسافر .
وفي رابع عشر جمادى الآخرة ماتت زوجة السلطان أم ولده محمد فدفنها بالمدرسة الأشرفية التي شرع في بنائها برأس الحريريين ، وكانت وقفت عدة أماكن على جهات معينة ، فطلب السلطان المكاتيب وحرقها ، واستولى على الأماكن المذكورة بعد أن ثبتت وحكم بها العيني .
وفي أواخر شعبان أطلق السلطان أهل الحبوس حتى أهل الجرائم ظنا أن في ذلك قربة فالله المستعان وفي ثالث عشر جمادى الآخرة وصل علاء الدين علي بن موسى الرومي ، وكان وصوله في البحر إلى دمياط ثم وصل في بحر النيل إلى بولاق ، فتلقاه العيني وأنزله بجواره وأطلعه إلى السلطان فسلم عليه في مستهل رجب ، وامتحنه كاتب السر بمسألة فبهت فلم يجب عنها ، وبادر العيني فأجاب عنه .
وفي الثالث من رجب استقر الشيخ علاء الدين الرومي علي بن موسى في مشيخة الأشرفية وحضر إجلاسه جماعة من الأعيان ، وكان أكرمه السلطان إكراما زائدا ، فلما كان في شهر رمضان أرسل إليه جملة من القمح والسكر والذهب ، ثم استأذنه في الحج فأعطاه مركوبا ونفقة ووصى عليه من حج صحبته من الأمراء .(8/44)
"""""" صفحة رقم 45 """"""
وفيه توقف النيل في العشر الثاني من مسرى ونقص إصبعا وأمطرت السماء ، وخرجت العادة أن المطر إذا وقع والنيل في زيادة نقص ، فاضطرب الناس لذلك وماجوا ، وازداد سعر القمح سبعين درهما كل إردب ، فلطف الله وزاد النقص وكسر الخليج في ثالث عشرى مسرى واطمأن الناس وتراجع السعر .
وفي ثالث عشرى رجب إستأذن ابن الديري في السفر إلى القدس ، فيقال : خشى أن يدخل رمضان فيلزم بحضور سماع الحديث فيجلس الهروي فوقه ، فاتفق أن البخارى لما قرئ حضر السلطان وعن يمينه الشافعي ثم الحنفي ثم المالكي ، وعن يساره الهروي ثم الحنبلي ثم شيخ الأشرفية ثم الشيخ يحيى شيخ الظاهرية ثم شيخ الشيخونية قارئ الهداية . ثم صار يحيى يجلس خلف السلطان ليسأله عما يريد فهم معناه من المباحث .
وفيها في جمادى الآخرة قدم تونس الأمير محمد أبي تاشقين عبد الرحمن بن أبي حمو موسى من بني عبد الواد ويعرف بإبن الزكاعنة فاستنجد بصاحبها ، فسار معه أبو فارس سلطانها إلى تلمسان وجهز معه عسكرا ، ففر منه عبد الواحد إلى فاس وملكها إبن الزكاعنة . وقام(8/45)
"""""" صفحة رقم 46 """"""
بدعوة أبي فارس وكان ما سنذكره سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة .
وفي سابع رمضان ضرب الأمير الكبير بيبغا المظفري نور الدين الطنبذى كبير التجار ضربا مبرحا لعناد وقع منه في حقه ، فبادر الحاجب الكبير واستخلصه من يده ، فأنهى الأمر إلى السلطان فأضمر ذلك ولم يظهره وأغرى بيبغا زين الدين الدميري بالطنبذى فادعى عليه أنه اشترى منه بستانا وهو في المصادرة والبستان المذكور كان أبوه وقفه ، فعقد بسبب ذلك مجلس فلم ينفصل لهم أمر ، فلما كان في التاسع والعشرين من شوال قبض على بيبغا المظفري وسجن بالإسكندرية ، واستقر عوضه الأمير قجق بأقطاعه وزيد من أقطاع بيبغا شيئا ، وقسم بقية أقطاعه بين تغرى برمش نائب القلعة واينال الجكمى وكان بطالا بالقدس فأحضر بالإرسال إليه من القدس ، وكان في أيام المؤيد شاد الشربخاناة ، ثم استقر رأس نوبة كبيرا بعد المؤيد ، ثم تولى نيابة حلب مدة يسيرة ثم قبض عليه وحبس ، ثم أفرج عنه الملك الأشرف وأقام بالقدس بطالا ثم أرسل(8/46)
"""""" صفحة رقم 47 """"""
إليه بعد إمساك بيبغا المظفري ، فقدم في نصف ذي القعدة وخلع عليه واستقر أمير مجلس عوضا عن إينال النوروزي ، واستقر إينال أمير سلاح عوضا عن قجق الذي استقر عوضا عن بيبغا ، وانتهت زيادة النيل في هذه السنة إلى خمسة عشر إصبعا من ثمانية عشر ذراعا وكسر الخليج في ثالث عشرى مسرى ، فباشر ذلك محمد بن السلطان ومعه أزبك الدويدار ، ثم توقف النيل أياما وإرتفع سعر القمح ، ثم تراخى فشرق غالب البلاد .
وفي يوم الأحد الخامس والعشرين من رمضان ختم البخارى بحضرة السلطان ، فخلع على القضاة على العادة ، وخلع على العيني والهروي جبتين بسمور . فغضب الحنبلي وواجه السلطان وهو لابس الخلعة التي خلعت عليه بالعتاب وأغلظ عليه فحنق منه ، وتوجه على غير شئ واستمر مغضبا فلم يحضر يوم العيد فازداد الحنق ، ثم إنه استعان بولي الدين السفطي عند رأس نوبة الكبير تغرى بردى المحمودي ، فأحضره عند السلطان واعتذر فقبل عذره ، ثم إستأذن للحج فأذن له فأكترى وتجهز جهازا واسعا وهيأ لنفسه محفة ولأهله عدة محائر ، فبلغه أن السلطان أمر أنه إذا قضى حجه من المدينة إلى الشام ويقيم ببلدة حماة بطالا ، فترك الحج وفرق جميع ما هيأه من الزاد حتى كان من جملته مائة علبة حلوى ، وتصدق بجميع الدقيق والبقسماط وغير ذلك على الفقراء ،(8/47)
"""""" صفحة رقم 48 """"""
فاتفق أنه عقب ذلك سقط من سلم في داره فتألم فخذه ، فعولج وأقام مدة متمرضا ثم عوفى ، ودخل الحمام ثم انتكس ، فلم يزل حتى عاوده القولنج في السنة المقبلة فمات كما سنذكره . وفي هذه المرة جددت للمشايخ الذين يحضرون سماع الحديث فراجى بسنجاب ، وهو أول ما فعل بهم ذلك ، وكانت عدتهم نحو العشرين ، ثم ازداد الأمر إلى أن زادوا على المائة في سنة 42 ، ثم قطع جمعهم عن ذلك في سنة 846 .
وفي هذه السنة جهز السلطان إلى بلاد الفرنج مركبين وأخرج إليهم من بيروت مركبا ومن صيدا مركبا ، فاجتمعوا وعدتهم ستمائة مقاتل وصحبتهم ثلاثمائة فرس ، ونازلوا جزيرة الماغوصة فانتهبوها وأحرقوا ما بها من القرى وما بساحلها من المراكب ، وقدموا سالمين غانمين وفرح الناس بذلك ، وكان رجوعهم في شوال فقدموا في العشرين من ذي القعدة ، وكان عدد الأسرى ألفا وستمائة نفس ، واستهل شوال يوم السبت .
وفي الثامن من ذي القعدة صرف كاتبه عن القضاء ، واستقر شمس الدين الهروي وباشر كعادته(8/48)
"""""" صفحة رقم 49 """"""
وفي عيد الأضحى وقع بين بعض المماليك السلطانية تشاجر بسبب قسمة الأضحية فتراموا بالحجارة ، فوقع منها بالقرب من السلطان وبعض الأمراء فغضب من ذلك وتلافى الأمر لئلا يفحش .
وفي سادس ذي الحجة قام جماعة من الصوفية بخانقاه سرياقوس على شيخهم ابن الأشقر وكان قد حج في هذه السنة ، ورافع فيه صيرفي الخانقاه واسمه إبراهيم ، فكاد الأمر يخرج عنه لكن انتصر له ناظر الجيش واستمهل السلطان عن إخراج وظيفته حتى يرجع من الحج .
وفيات سنة 827
ذكر من مات في سنة سبع وعشرين وثمانمائة من الأعيان
أحمد الملك الناصر بن الملك الأشرف ، إسماعيل بن الأفضل ، عباس ابن المجاهد علي ، صاحب اليمن - تقدم تمام نسبه في ترجمة أبيه . ومولده سنة . . . واستقر في المملكة بعد أبيه سنة ثلاث وثمانمائة ، وجرت له كائنات تقدم ذكر أكثرها ، وكان فاجرا جائرا ، مات بسبب صاعقة سقطت على حصنه من زجاج ، فارتاع من صوتها فتوعك ثم مات في سادس عشر جمادى الآخرة ، قال الله تعالى : ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء .(8/49)
"""""" صفحة رقم 50 """"""
أحمد بن عبد الله ، شهاب الدين البوتيجي الشافعي ، تفقه ومهر ، وكان يستحضر المنهاج عن ظهر قلبه ، وكان يتكسب بالشهادة ثم تركها تورعا .
أحمد بن عيسى بن أحمد المقرئ ، نزيل الجامع الأزهر ، الشيخ شهاب الدين المالكي الصنهاجي ، مات في سابع المحرم وكان ماهرا في العربية والقراآت والفقه ، منتصبا لإقراء الناس جميع نهاره وأكثر ليله ، لا يمل من ذلك ، وانتفع به بشر كثير ، وكثر التأسف عليه .
أحمد القاضي محب الدين بن الشيخ جمال الدين محمد بن عبد الله إبن ظهيرة ، المخزومي الشافعي ، قاضي مكة وابن قاضيها ومفتيها وابن مفتيها ، ولد في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين ، وحفظ المنهاج وعدة كتب ، وتفقه بوالده وغيره ، وأذن له في الإفتاء الشهاب الغزي والشهاب ابن حجى وغيرهما ، وكان ماهرا في الفقه والفرائض والحساب والفلك ، حسن السيرة في القضاء ، ولي من سنة ثماني عشرة إلى أن مات إلا أياما يسيرة سنة تشع عشر كان عزل فيها ثم أعيد ، ومات في جمادى الأولى ، وخلت مكة بعده ممن يفتي فيها على مذهب الشافعي ، وكان مشكور السيرة لما ولي القضاء .(8/50)
"""""" صفحة رقم 51 """"""
أحمد الحجيراني اللؤلؤي الشيخ شهاب الدين ، كان أبوه خطيب قرية حجيرا ، ونشأ هو في طلب العلم وقرأ على ابن الحباب ثم صحب الشيخ الموصلي ، وكان يرتزق من ثقب اللؤلؤ ، وحصل كتبا كثيرة ، ومات في المحرم عن نحو الستين بقريته .
أبو بكر بن عمر بن محمد ، الطريني ثم لمحلى الشيخ الفاضل المعتقد زين الدين ، كان صالحا ورعا حسن المعرفة بالفقه على مذهب مالك قائما في نصر الحق ، وله أتباع وله صيت كبير ، مات في حادى عشر ذي الحجة وقد جاوز الستين .
تاني بك البجامي نائب دمشق ، تنقل في الخدم في أيام الناصر فرج ، وولى نيابة حماة في أيام المؤيد سنة سبع عشرة ، ثم كان ممن خامر مع قانباي ، فلما انكسروا هرب إلى التركمان فسار آقباي وراءه إلى الغمق ، فانهزم إلى بلاد الروم ، فلما مات المؤيد دخل إلى دمشق فولاه ططر نيابة حماة ، ثم نقله إلى طرابلس في رمضان سنة 24 بعد أن تسلطن في ذي الحجة من السنة ، ثم قرر في أيام الصالح ابن ططر في نيابة حلب عوضا(8/51)
"""""" صفحة رقم 52 """"""
عن تغري بردى ابن قصروه بحكم عصيانه فسار لقتاله وانضم إليه عسكرها وغيره ، فلما وصلوا إلى حلب هرب تغرى بردى وانضم إلى كزل الصهيوني الذي كان هاربا من المؤيد وأقاما في بهنسا فحاصرهما تاني بك بها ، فمات كزل في الحصار ، ثم نقل تاني بك إلى نيابة دمشق لما مات تاني بك العلائي المعروف بميق وذلك في رمضان فدخلها في شوال ، فلما كان في صفر من هذه السنة بلغ السلطان عنه شئ فكتب إلى الحاجب بالركوب عليه ، فركبوا فقاتلوه فانكسروا منه ، ودخل إلى دار العدل فأظهر الإحسان والمخامرة على السلطان ، فجهز إليه سودون من عبد الرحمن الذي كان دويدارا كبيرا في عسكر ، فلما بلغ ذلك تاني بك البجاسي خرج إليهم فلما وصل إلى جسر يعقوب خالفوه في الطريق إلى دمشق فدخلوها ، فرجع هو وسار حتى وصل إلى قبة يلبغا فوصلها وقد تعبت خيوله وخيول من معه ومع ذل فقصدهم ، فقاتلوه فانكسروا منه ، فسار في إثرهم إلى أن جاوز باب الجابية فسقطت رجل فرسه في حفرة من القناة فوقع فأمسكوه ، فأمر بقتله فقتل بقلعة دمشق في شهر ربيع الأول ، وكان كثير الحياء والشجاعة والشفقة ، وقد أحسن في تلك السنة إلى الحاج لما رجعوا(8/52)
"""""" صفحة رقم 53 """"""
فإنهم لقوا مشقة عظيمة بتراكم الرياح بحوران ، فخرج إليهم بنفسه ومعه أنواع الزاد حتى الزرابيل وفرقت فيهم ، فانتفع الغني والفقير وأفرطوا في الدعاء له ، فكان عاقبته الشهادة - سامحه الله تعالى .
سليمان الملك العادل بن المجاهد غازي بن الكامل محمد بن الموحد أبي بكر بن المعظم توران شاه بن الصالح أيوب بن الكامل أبي المعالي أبي بكر محمد بن أيوب أقعد ملوك الأرض في مملكة حصن كيفا إلا صاحب صعدة الإمام الزيدي فإنه أقعد في المملكة منه ، وأما العادل هذا فأقام في مملكة الحصن نحو الخمسين سنة ، وله فضائل ومكارم وأدب وشعر واعتناء بالكتب والآداب ، واستقر بعده في مملكة الحصن ولده الملك الأشرف أحمد بن سليمان ، ثم قتل أحمد في سنة ست وثلاثين . واستقر(8/53)
"""""" صفحة رقم 54 """"""
في مملكته ولده عزيز الدين الفضيل - وقد قدمت في حوادث سنة تسع عشرة ذكر يوسف ابن أخي العادل سليمان المذكور .
عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد بن زيد ، البعلبكي المعروف بابن زيد ، ولد سنة ستين تقريبا ، وأسمع على . . . وتفقه على ابن الشريشي والقرشي وغيرهما بدمشق ، ثم ولي قضاء بلدة قبل اللنك ودرس وأفتى ، ثم ولي قضاء طرابلس في سنة عشر ، ثم ولاه المؤيد قضاء دمشق عوضا عن نجم الدين بن حجى في سنة تسع عشرة ثم في سنة ست وعشرين في أيام الأشرف ، وكانت مدته في الولايات يسيرة جدا ، الأولى ستة أشهر والثانية شهرا ونصفا ، ولما صرف في النوبة الثانية حصل له ذل كبير وقهر زائد ، وذهب غالب ما كان حصله في عمره ، ولحقه فالج إلى أن مات في شهر ربيع الأول .(8/54)
"""""" صفحة رقم 55 """"""
عبد الله بن مسعود بن علي ، الملبى القرشي أبو محمد المعروف بابن القرشية ، أخذ عن أبيه عن الواد ياشي وعن أبي عبد الله بن عرفة وأبى على عمر بن قداح الهواري أحد من أخذ عن محمد بن عبد السلام شارح ابن الحاجب وأحمد بن إدريس الزواوي شيخ بجاية بل أخذ عنه المسلسل بالأولية ومصافحة المعمرين وأبى عبد الله بن مرزوق وأبى الحسن البطرني في آخرين يتضمنهم فهرسته رأيتها بخطه ، وقد أجاز فيها لأبي الفرج سرور بن عبد الله القرشي الحلبي دارا في رجب سنة 822 ، ومات بتونس في هذه السنة على ما ذكر لي الشيخ أبو الفرج سرور المذكور وهو ابن أخيه .(8/55)
"""""" صفحة رقم 56 """"""
عبد الرحمن بن علي بن يوسف بن الحسن بن محمد ، القاضي زين الدين أبو الفرج الزرندي قاضي الحنفية بالمدينة ، ولد في ذي القعدة سنة ست وأربعين بالمدينة ، وسمع على عز الدين ابن جماعة وصلاح الدين العلائي وأجاز له الزبير بن علي الأسواني فكان خاتمة أصحابه ، مات في ربيع الأول .
عبد الوهاب تاج الدين المعروف بابن كاتب المناخات ، تقدم ذكر ولايته الوزارة في الحوادث وأنه صرف وصودر ، ثم صرف على عقب وفاة الأستادار الذي صرف بموته وهو ناصر الدين ابن أبو والى ، وأعيد صلاح الدين ابن نصر الله ، وكان تاج الدين ضخما طوالا ريض الأخلاق عارفا بالكتابة ، وباشر الديوان المفرد مدة طويلة .
علي بن عبد الكريم نور الدين القوي ، سمع من الشيخ حمال الدين(8/56)
"""""" صفحة رقم 57 """"""
ابن نباتة وأحمد بن يوسف الخلاطي وغيرهما ، وحدث بالكثير ، سمعت عليه السيرة النبوية لابن هشام ونعم الشيخ كان مات في خامس ذي الحجة وبلغ الستين .
علي بن لؤلؤ ، نور الدين ، كان عالما عاملا متورعا ، لا يأكل إلا من عمل يده ولم يتقلد وظيفة قط ، وكان ملازما للإقراء بالجامع الأزهر وغيره ، وانتفع به الناس ، وله مقدمة في العربية سهلة المأخذ ، مات في عشر الستين . . . .(8/57)
"""""" صفحة رقم 58 """"""
فاطمة بنت قجقار ، زوج الملك الأشرف برسباي وأم ابنه محمد ، ماتت ودفنت في المدرسة التي استجدها بالحريريين ، وصلى عليما أمام باب الستارة ، وتقدم الشافعي للصلاة عليها والسلطان والأمراء وغيرهم خلفه ، وكانت جنازتها حافلة ، وقرئ عليها ليلا ونهارا ، ماتت في خامس عشرى جمادى الآخرة .
قاسم بن سعد بن محمد ، الحسباني شرف الدين المعروف بالسماقي ، ولد سنة ثمان أو تسع وأربعين ، وقرأ الكتب واشتغل قليلا ، وتعانى الشهادة ثم صار موقعا للحكام ، واستنابه ابن حجى ، فباشر القضاء ولم يترك الجلوس مع الشهود ، ثم ولي قضاء حمص ، وكان قليل البضاعة كثير الجرأة متساهلا في الأحكام ، مات في شعبان .
محمد بن أحمد المبارك الحموي الحنفي ابن الخرزي ، ولد قبل سنة ستين ، واشتغل على الصدر بن منصور وغيره من أشياخ الحنفية(8/58)
"""""" صفحة رقم 59 """"""
بدمشق ، ثم سكن حماة ، وتحول إلى مصر بعد اللنك وناب عن بعض قضاة الحنفية ، ثم تحول إلى دمشق ودرس ، وكان مشاركا في عدة فنون إلا أن يده في الفقه ضعيفة ، وكان كثير المرض ، مات في شعبان .
محمد بن أبي بكر بن علي بن يوسف ، الذروي الأصل الصعيدي ثم المكي نجم الدين المعروف بالمرجاني ، ولد سنة ستين أو في التي بعدها(8/59)
"""""" صفحة رقم 60 """"""
بمكة ، وأسمع على العز بين جماعة وغيره ، وقرأ في الفقه والعربية ، وتصدى للتدريس والإفادة ، وله نظم حسن ونفاذ في العربية وحسن عشرة ، ورحل في طلب الحديث إلى دمشق فسمع من ابن خطيب المزة وابن المحب وابن الصيرفي وغيرهم بإفادة الياسوفي وغيره ، وكان يتثنى عليه وعلى فضائله ، وحدث قليلا ، مات في شهر رجب ، وقد سمعت منه قليلا من حديثه ومن نظمه وكانت بيننا مودة .
محمد بن عبد الله بن سعد بن أبي بكر بن مصلح بن أبي بكر بن سعد ، المقدسي الحنفي ، القاضي شمس الدين ابن الديري ، كان أبوه من التجار فولد له هذا في سنة إثنتين أو ثلاث وأربعين وسبعمائة ، والديري نسبة إلى مكان ببردا من جبل نابلس ، وتعانى الفقه والاشتغال في الفنون وعمل المواعيد ، ثم تقدم في بلده حتى صار مفتيها والمرجوع إليه فيها ، وكانت له أحوال مع الأمراء وغيرهم يقوم فيها عليهم ويأمرهم بكف الظلم واشتهر ذكره ، فلما مات ناصر الدين بن العديم في سنة تسع عشرة استدعاه المؤيد فقرره في قضاء الحنفية بالقاهرة وكان قدمها مرارا ، فباشرها بشهامة وصرامة وقوة نفس ، ثم انمزج مع المصريين وساس(8/60)
"""""" صفحة رقم 61 """"""
الناس ، وكان منقادا لما رام به منه ابن البارزي ، فلما كملت عمارة المؤيدية سأل السلطان أن يقرره في مشيختها ، فأجابه بعد أن كان عين لها بدر الدين ابن الأقصراني ، وظن ابن الديري أن السلطان لايخرج عنه القضاء فجاء الأمر بخلاف ظنه ، فلما قرره في المشيخة قال له - ونحن نسمع : الآن استرحنا واسترحت - يشير بذلك إلى كثرة الشكاوى من الأمراء فيه ، وقرر في قضاء الحنفية القاضي زين الدين التفهني ، وكان ابن الديري كثير الإزدراء بأهل عصره ، لا يظن أن أحدا منهم يعرف شيئا مع دعوى عريضة وشدة إعجاب ، يكاد يقضي المجالس بالثناء على نفسه ، مع شدة التعصب لمذهبه والحط على مذهب غيره - سامحه الله تعالى مات في سابع ذي الحجة ببيت المقدس . وكان يأسف على فراقه يقول : سكنته أكثر من خمسين سنة ثم أموت في غيره فقدرت وفاته به . وذكر العيني في تاريخه أنه زاد على التسعين ، وليس كما قال فإنه كان يقول إن مولده سنة خمس وأربعين ، فسألته عن سبب إختلاف قوله فذكر أنه لا يحققه وإنما يجيب بطريق الظن ، والذي صدرت به الكلام هو الذي حصل من الإستقراء من مجموع كلامه ، واستقر ولده سعد الدين في مشيخة المدرسة المؤيدية ، وخلع عليه في الرابع والعشرين من ذي الحجة .
يعقوب بن جلال واسمه رسولا ويسمى أيضا أحمد الرومي التباني الحنفي الشيخ شرف الدين ، ولد سنة ستين تقريبا ، وتفقه على أبيه وغيره ومهر في العربية ، وأحب الحديث وشرع في شرح المشارق ، وكان(8/61)
"""""" صفحة رقم 62 """"""
يستحضر كثيرا من فروع الحنفية مع براعة في العربية والمعاني والبيان ومع بشاشة الوجه وطلاقة اللسان وكرم النفس والسخاوة ، جوادا ، وكان أول ما ولى التدريس والخطابة والإمامة بمدرسة الجائي في حدود سنة تسعين ، وولي مشيخة تربة قجا السلحدار ، وولى مشيخة قوصون مدة ثم رغب عنها ، وولي نظر القدس بعناية ايتمش ثم صرف عنه ، وولي في سلطنة المؤيد مشيخة الشيخونية ونظر الكسوة ووكالة بيت المال ، ثم صرف عن الكسوة وحصلت له جائحة مع الدويدار بسببها فصرف عنها واستمر في الوكالة وفي الشيخونية حتى مات فجأة ، وجرت له خطوب مع الناصر فرج واتصل بالمؤيد فعظم قدره عنده ، ولو كان يصون نفسه ما تقدمه أحد ورقت حاله بعد موت المؤيد جدا ، واستقر بعده في وكالة بيت المال نور الدين الصفطي شاهد الأمير الكبير ، واستقر في الشيخونية بعده الشيخ سراج الدين قارئ الهداية ، وذكر العيني أنه عاش زيادة على سبعين - فالله أعلم .
حوادث سنة 828
سنة ثمان وعشرين وثمانمائة
في ثامن المحرم حضر المبشر بالصالحية وذكر أنه تعوق بسبب مقبل ، وكان مقبل قد فر من القاهرة فصار ينزل في طريق الحاج وربما حصل ممن يصحبه لمن يمر به أذى ، وتأخر قدوم الحاج عن العادة يومين فقدم الأول في الرابع والعشرين والمحمل في الخامس والعشرين ، وذكروا أنهم(8/62)
"""""" صفحة رقم 63 """"""
تأخروا بمنى يوما من أجل بهار السلطان ، وتأخروا في وادي مرو يوما آخر بسبب حسن بن عجلان لأنه أشيع أنه يدخل مكة إذا خرج الحاج ، فأقام أمير الحاج ومن معه من الجند يوما حتى تحققوا عدم صحة ذلك .
وفي الرابع عشر منه حضر يوسف بن قطب الدين الحنفي من حلب وأظهر الإزدراء بعلماء الحنفية وأنه ليس فيهم مثله فأمر السلطان بحمع فضلاء الحنفية فحضروا بمجلسه وأحضرت فتاوى كتبت من نسخة واحدة فدفع للشيخ نظام الدين يحيى شيخ الظاهرية واحدة وللشيخ بدر الدين العينتابي واحدة وللشيخ سراج الدين قارئ الهداية وهو يومئذ شيخ الشيخونية واحدة ولصدر الدين ابن العجمي واحدة وللشيخ سعد الدين ابن الديري شيخ المؤيدية وكان استقر فيها بعد موت أبيه واحدة وللشيخ يوسف واحدة ، وأمروا أن يكتبوا عليها منفردين ، فأجابوا إلى ذلك إلا يوسف فقال : أنا لا أكتب إلا بمنزلي ، فسجلوا عليه العجز وكتبوا كلهم غيره ، ودفع السلطان لقاضي الحنفية رين الدين التفهني الفتاوى لينظر(8/63)
"""""" صفحة رقم 64 """"""
من أصاب منهم ممن أخطأ ، وانفصل الأمر على ذلك .
وفي يوم الجمعة سادس عشر المحرم وصل طوخ الذي كان توجه أميرا على العسكر المجهز إلى مكة في العام الماضي نجدة لقرقماس وعلي بن عنان ، فأخبر أن الركب تأخر خروجهم عن مكة يومين بسبب أن التجار سألوا أمير الركب أن يتأخر لأجلهم يوما ففعل ، فطلب منه قرقماس أن يتأخر يوما آخر ففعل ، وتوجه من في الركب الأول والثاني مع قرقماس فأوقعوا بابن حسن بن عجلان ، وجرح من الطائفتين جماعة وانهزم ابن حسن .
وفيها سارت الهدية من مصر إلى بلاد العجم لملكها شاه رخ بن اللنك ، وكان أرسل يسأل في أن يؤذن له في كسوة الكعبة من داخل فكتبت أجوبته .
وفي ربيع الأول جهز السلطان إلى مكة عسكرا . وفيه أرسل الشيخ محمد بن قديدار ولده إلى صاحب قبرس يسأل أن يطلق من عنده من أسرى المسلمين ليسعى له في التمكين في زيارة القمامة ، فعوق ولده فضج الشيخ من ذلك وكان من غزو المسلمين قبرس ما سيأتي ذكره ، وكمل الغراب الذي أنشأه السلطان لغزو الفرنج وأنزل البحر وكان يوما مشهودا . وفيه وصل رسل قرايلك من التركمان . . . . . .(8/64)
"""""" صفحة رقم 65 """"""
وفي سابع عشر ربيع الآخر قدم نائب الشام فخلع عليه وأعيد إلى إمرته على عادته ، وشفع في طرباي بأن يطلق من سجن الإسكندرية إلى دمياط ، فأجيب إلى ذلك ، ووقع في العشر الأخير من أمشير حر شديد حتى نزع الناس الفراء والجوخ وظنوا أن الشتاء انقضى ، فلم يكن إلا خمس ليال حتى عاد البرد أشد مما كان . وفي هذا الشهر أوقع قرقماس أمير الحجاز بأهل الطائف وذلك لأنهم قطعوا الميرة عن مكة ، فأذعنوا له وحصل بمكة أمن كثير ورخاء زائد .
وفيه توجه الشيخ شمس الدين ابن الجزري إلى بلاد اليمن ، فأكرمه ملكها وسمع عليه الحديث وأنعم عليه بمال وأطلق له كثيرا من تجارته بغير مكسها ، ورجع في البحر كما سافر منه ، وعجب الناس من شدة حرصه مع كثرة ماله وعلو سنه .
وفي سابع عشر ربيع الآخر شكا نائب الشام إلى السلطان من حسين كاتب السر ، ففوض أمر ولايته وعزله له .
وفي جمادى الأولى وقع بدمياط حريق عظيم حتى يقال احترق(8/65)
"""""" صفحة رقم 66 """"""
قدر ثلثها ، وهلك من الدواب والناس والأطفال شئ كثير .
وفي جمادى الأولى كملت مدرسة السلطان التي أنشأها بجوار الحانقاه السرياقوسية الناصرية ، وقرر فيها شيخا وصوفية ، وفي العاشر منه استقر بدر الدين بن نصر الله في الأستادارية عوضا عن ولده صلاح الدين بحكم استعفائه ، وبعد يومين استقر كريم الدين عبد الكريم ابن سعد الدين المعروف بابن كاتب جكم في وظيفة نظر الخاص عوضا عن ابن نصر الله المذكور ، فحصل لإبن نصر الله بذلك مشقة عظيمة ، فباشر الأستادارية بمفردها إلى ثامن شعبان فأمسك هو وولده ، واستقر في الأستادارية زين الدين عبد القادر بن أبي الفرج ، وهو شاب أمرد .
وفي جمادى الآخرة والشمس في برج الثور في خامس بشنس من الأشهر القبطية أمطرت السماء مطرا غزيرا جدا ، ثم في الثامن عشر منه قرب نقل الشمس إلى الجوزاء ، أمطرت أيضا مطرا غزيرا عقب ريح شديدة هبت ليلا ، وكان الورد في هذه السنة قليلا جدا ، وفي عاشره قبض على نجم الدين ابن حجى كاتب السر وعوق في البرج بالقلعة ،(8/66)
"""""" صفحة رقم 67 """"""
ثم نفي إلى الشام ، ووكل به شرطي معه في سلسلة من حديد وأهين جدا ، وألزم الموكل به أن ينادي عليه في كل بلد دخله ، فإذا وصل إلى دمشق نودي عليه : من كانت له عليه ظلامة فليطلبها وأحيط بداره وحمل جميع ما فيها ، فلما وصل غزة وافاه كتاب السلطان بإطلاقه وإكرامه وإيصاله إلى دمشق وإقامته بها بطالا ، وكان السبب في ذلك أنه باشر كتابة السر بغير خبرة بإصلاح الوظيفة وسلك مع المصريين طريقته في حدة الخلق والبادرة الصعبة مع الإقبال على اللهو في الباطن فيما يقال ، ثم إنه كان ألزم بعشرة آلاف دينار فحمل منها خمسة فطولب بالخمسة الأخرى ولوزم بالمطالبة ، فضج من ذلك وكتب للسلطان ورقة يذكر فيها أنه منذ ولي السلطنة غرم كذا وكذا ألف دينار وفصلها ومن جملتها للباشرين لفلان كذا ولفلان كذا لمن لا يسمى كذا - ورمز إلى جانبك الدويدار ، فبلغ ذلك من نسب إليهم الأخذ منه ، فحنقوا منه وأمالوا عليه جانبك وهو شاب حاد الخلق قوي النفس كثير الإدلال على مخدومه ، فشكا من كاتب السر للسلطان والتمس منه أن يمكنه منه ،(8/67)
"""""" صفحة رقم 68 """"""
فأذن له - فأخرجه على الصورة المذكورة ، ثم قام ناظر الجيش عليه حتى هدأ خلقه ، ورجعه عما كان أمر به من المبالغة في إهانته ، ورأى أن المقصود قد حصل بزيادة وربح الجميل عليه بتخليصه من الشدة المذكورة ، والتزم عنه بمال يحمله إذا وصل إلى دمشق ، ففعل ذلك ودخل دمشق ولزم بيته بطالا ، وجفاه أكثر الناس إلى أن كان في السنة المقبلة منه ما سيأتي ذكره .
ومن الإتفاق العجيب أنه طلب بطرك اليعاقبة فراجعه في شئ خاطبه به فأغضبه ، فأمر بضربه فضرب على رجليه نحو أربعمائة عصى ، فاغتاظ القبط لذلك وبالغوا في التأليب على ابن حجى إلى أن اتفق له ما ذكر ، واستقر في كتابة السر بعده بدر الدين محمد بن بدر الدين محمد ابن أحمد - بن مزهر الدمشقي ، وكان قدم مع المؤيد أحد الموقعين ، واستقر في نظر الإصطبل وتقدم وصار أحد الرؤساء في دولة المؤيد لكن كان لا يرفع رأسه مع وجود ابن البارزي ، فلما مات استقر نائب كاتب السر وكبير الموقعين وصار يصرف أكثر الأمور في مباشرة كمال الدين ولد البارزي ، ثم لما استقر علم الدين بن الكويز في كتابة السر كان هو القائم بأكثر الأمور وسماه السلطان خليفة كاتب السر وراج عليه وعرف أخلاقه وتمكن منه إلى أن تقرر في كتابة السر بعد كائنة(8/68)
"""""" صفحة رقم 69 """"""
ابن حجى في ثامن عشرى جمادى الآخرة ، فباشرها أربع سنين متوالية .
وفي ثاني عشر رجب قرئ تقليده بالمدرسة الأشرفية ، فوقع من علاء الدين الرومي شيخها إساءة أدب في حق القاضي الحنفي فعزره بالكلام وأقامه من المجلس ، ثم شكا الحنفي لمن حضر من المباشرين فبلغوا الأمر للسلطان ، فأمر بإخراجه من المدرسة فكشف الحنفي رأسه ، وأصلح بينهما ناظر الجيش وصرف رأي السلطان عن عزله بعد أن كان أمر بتقرير الشيخ سراج الدين قارئ الهداية مكانه ، واشترط عليه لزوم الأدب في البحث - وترك البحث بعده . . . - .
وفي الثامن من شهر رجب صرف الهروي عن قضاء الشافعية وتقرر كاتبه ، قرأت بخط قاضي الحنابلة محب الدين : كان يوما مشهودا وحصل للناس سروران عظيمان : أحدهما بولايته لأن محبته معروفة في قلوب الناس ، والثاني بعزل الهروي فإن القلوب كانت اتفقت على بغضه لإساءته في ولايته وارتكابه الأمور الذميمة . وفي الثامن من رجب توجه القاضي المستقر إلى مصر في موكب عظيم ، ومعه من القضاة ونوابهم والفقهاء من لا يكاد يحصر ، وكان يوما مشهودا ، انتهى ما نقلته من خطه(8/69)
"""""" صفحة رقم 70 """"""
ورحل الهروي من القاهرة خفية من شدة مطالبات الناس له ، وذلك في التاسع عشر منه .
وفي رجب هيأ الأشرف العسكر الذي ندبه لغزو الفرنج وأميرهم جرباش الحاجب الكبير وأنفق فيهم ، وعين لذلك جماعة من الأمراء - والمماليك السلطانية - ، وسافروا في شهر رمضان ، فوصلوا إلى ساحل الماغوصة في سادس عشرى شهر رمضان ، فسمع بهم صاحبها فبذل لهم الطاعة وجهز لهم الأموال ودلهم على عورات صاحب جزيرة قبرس فأقاموا ثلاثا ، ثم توجهوا إلى جزيرة في البحر فيها الماء الحلو فتزودوا منها ، ووقع لهم بعض الفرنج في البحر فقاتلوهم إلى أن فر الفرنج ورجع المسلمون إلى أماكنهم ثم التقوا في البر فانكسر المشركون أيضا وغنموا منهم ، وكان غالب العسكر مع ذلك مقيما في المراكب خشية أن يكيدهم الفرنج بأن يملكوا عليهم البحر ، ثم بلغهم أن صاحب قبرس تجهز لهم في جمع كثير ، فتوجهوا في المراكب إلى جهة طرابلس ، فرمتهم الريح إلى الطينة مقابل دمياط وكاتبوا السلطان بذلك ، فأذن لهم في دخول دمياط فدخلوها في شوال ، ثم أذن لهم في دخول القاهرة فدخلوها ومعهم عدة من السبى نحو الألف رأس ، فتسلم السلطان جميع الغنيمة وفرق في الجيش مالا من عنده ، وشاع الخبر أن صاحب قبرس كاتب(8/70)
"""""" صفحة رقم 71 """"""
نائب الشام في طلب الصلح ، وكان ما سيأتي ذكره .
ذكر غزاة قبرس الأولى سنة ثمان وعشرين وثمانمائة
تقدم في حوادث سنة سبع ما وقع من الوقعة بين المسلمين وبين الفرنج في ساحل اللمسون المتصل بجزيرة قبرس ، فلما رجعوا بالغنيمة والأسرى أمر الأشرف بتجهيز الأغربة والإستكثار منها ، فجد في ذلك وأرسل إلى طرابلس والإسكندرية ودمياط وبيروت ، وأمر بتركيز الجند في السواحل حفظا لها من عادية الفرنج ، فاتفق أن جابوش صاحب قبرس جهز غرابا وسلورة وشحنهما بالرجال والعدد ، وأمرهم بتتبع السواحل ونهب ما استطاعوا وإفساد ما قدروا عليه ، فلم يبلغوا من ذلك غرضا لحفظها بالجند ، فاتفق أنهم احتاجوا إلى الماء فانتهوا إلى مكان يقال نهر الكلب ، فلما رآهم الحرس كمنوا لهم ، فلما لم يروا أحدا دخلت السلورة النهر وهو ضيق فخرج عليهم الكمين فأحرقوها وأسروا من فيها ورجع من في الغراب إلى قبرس ، ولما تكاملت العمارة جهز الأشرف الجند ، وتوجه صحبتهم من المطوعة عدد كثير ، وركب إلى الساحل فعرض الجميع وسافروا إلى دمياط ، وكان جابوش - صاحب قبرس - جهز(8/71)
"""""" صفحة رقم 72 """"""
أميرا يقال له باله في تسعة أغربة ، فوقف على فوهة دمياط يمنع أغربة المسلمين من الدخول في البحر الملح فوقف هناك ، فصادف مجئ العمارة من الإسكندرية فقصدوهم فانهزموا منهم بغير قتال ، وسافر الجميع من فم دمياط إلى طرابلس فانضم إليهم المراكب المجهزة منها ومن بيروت ، واجتمع فيها من الأمراء والجند والمطوعة ومن العشير والزعر عدد كثير ، ثم راسل كبيرهم وهو جرباش الكريمي جابوش في الدخول في الطاعة فامتنع ، فسافروا إلى جهته فوصلوا إلى الماغوصة ، فطلع الخيالة وأكثر المشاة وضربوا خيامهم بالبر ، فحضر رسول صاحب الماغوصة ومعه ضيافة وقال إنه في الطاعة ، فأعطوه أمانا وركبوا في الحال فداسوا من قدروا عليه وأوسعوهم تخريبا وتحريقا ، وكان ذلك في رمضان ، وأوقع الله الرعب في قلوب الذين كفروا حتى كان الثلاثة من المسلمين يدخلون الضيعة وفيها ما بين المائة والخمسين فلا يمتنع عليهم أحد ، ثم صادفهم أخو جابوش في ألف فارس وثلاث آلاف رجال غير الكمناء ، ثم إنه قذف في قلبه الرعب فرجع بمن معه ، ولما تمت لهم في الماغوصة أربعة أيام وقد أوسعوها نهبا وأسرا قصدوا الملاحة وأحرقوا ما مروا عليه إلى مكان يقال له رأس العجوز ، فوجدوا هناك أميرا فأسروا من معه وقتلوه ، ثم صادفوا تسعة أغربة وقرقورة مشحونة مقاتلة فلا قاهم المسلمون ،(8/72)
"""""" صفحة رقم 73 """"""
فانكسر للنصارى زورق وفر من فيه إلى البر فأسرهم المسلمون ، وكان من تدبير صاحب قبرس أنه أرسل أخاه في الجبال فأرسل المقاتلة في البحر ، فرجع أخوه بغير قتال وهزم الله أهل البحر ، ووصلوا إلى الملاحة وضربوا خيامهم بها ، وشنوا الغارة في الضياع ، وقتلوا الذي كان أميرا على الملاحة ، ويقال إنه كان شديدا على أسرى المسلمين ، وكان يقال له : عين الغزال ، وكان جابوش أمده بأربعة أحمال زرد خاناة على عجل ، فأحاط بها المسلمون ثم جمعوا الغنائم والأسرى ورجعوا إلى المراكب إلى أن وصلوا إلى اللمسون ، فحاصروا الحصن الذي هناك فأخذوه عنوة وملؤا أيديهم من الغنائم والأسرى وأحرقوا الحصن ، وكان ذلك في يوم الخميس مستهل شوال ، وجهز الأمير جرباش مبشرا بالفتح ، ويقال إن عدة من قتل في مدة نصف شهر من الفرنج خمسة آلاف ، ولم يقتل من المسلمين في هذه الغزاة إلا ثلاثة عشر نفسا ، وكان طلوعهم إلى القلعة بالأسرى والغنائم يوما مشهودا وكان في بقية شوال منها .
وفي رجب قدم مقبل الحسني الذي كان أمير الينبع بخديعة من صديقه فحر الدين التوريزي التاجر ، فلم يزل به حتى قدم معه إلى القاهرة(8/73)
"""""" صفحة رقم 74 """"""
بعد أن توثق له بالأمان ، فأمر السلطان بحبسه غير مضيق عليه .
وفي السابع والعشرين من شعبان زلزلت الأرض بمصر والقاهرة قدر درجتين ، وكان أمرا مهولا إلا أنه لم يقع بها هدم شئ من الأماكن إلا اليسير فنسأل الله العفو والعافية .
وفي سابع عشرى ذي القعدة نودي على الفلوس بأن يكون كل رطل منها بإثني عشر درهما ، وكانت قد قلت جدا بحيث صار الشخص يشتري من الدرهم الفضة رغيفا فلا يجد الخباز ما يكمل به حقه من الفلوس ، وكان السبب في ذلك أنه اجتمع عند السلطان منها مقدار كثير ، فشاع بين الناس أنه ينادي عليها بزيادة في سعرها ، فأمسك أكثر الناس عن إخراجها ممن عنده شئ منها رجاء الربح ، فعزت بسبب ذلك ، فلما نودي سكنت نفوسهم وأخرجوها فكثرت في الأيدي .
وفي أواخر ذي القعدة وصل يشك الجركسي وكان - جلب - من بلاد الجركس فأخذه الفرنج فأقام عندهم وتعلم ما يصنعه البهلوان ، فدخل القاهرة فأوصلوه إلى السلطان ، فأسلم ورتب في طبقة المماليك ، ثم أراد أن يرى السلطان شيئا من فنه ، فنصب حبلا على رأس(8/74)
"""""" صفحة رقم 75 """"""
مئذنة حسن وطرفه على رأس الأشرفية فمشى عليه ، ورمى بالمكحلة وهو فوقه وأوتر قوس الرجل ورمى به ، ولما فرغ خلع عليه السلطان وأركبه فرسا وأنعم عليه الأمراء بجملة دراهم .
ولما صرف جمال الدين الكركي من كتابة السر بمصر قرر في نظر الجيش بدمشق بعد مدة ، وذلك في أواخر رمضان ، وكان حسين جمع بين وظيفتي كتابة السر ونظر الجيش بعناية أزبك الدوادار ، فصرف من نظر الجيش .
وفي ذي القعدة عزل أزدمردجايه عن الأمرة وأمر بلزوم منزله ، ثم بشره ياقوت المقدم الحبشي - مقدم المماليك - بالرضا عنه ، فخلع عليه كاملية بسمور ، وأمر بأن يخرج مع كاشف الصعيد لقتال العرب .
وفي رمضان ادعى على الشيخ شمس الدين بن الشيخ سراج الدين عمر(8/75)
"""""" صفحة رقم 76 """"""
الميموني ، وكان أبوه من أعيان الطلبة الشافعية عند شيخنا سراج الدين البلقيني وغيره ، وكان نقيب درس الخشابية ، ونشأ ولده هذا طالبا للعلم فمات أبوه وهو صغير ، فتعاني طريقة الفقراء وأقام في زاوية ونصب له خادما فبقي مدة ، ثم ترك وواظب الحج في كل سنة ، وكان كثير التلاوة جدا ؛ فاتفق أنه ذكر لبعض الناس أنه رأى زين الدين التفهني في المنام في حالة ذكرها سيئة جدا ، فادعى عليه أنه قال : قد أباح لي سيدي اللواط والخمر والحشيش والفطر في رمضان - إلى أشياء من هذا الجنس ، فأنكر ، فشهد عليه جماعة وثبت ذلك عن ابن الطرابلسي نائب الحنفي ، ثم استفتى علماءهم فأفتوه بأن ذلك زندقة ، فاتفق أن الحنفي ذكر ذلك للسلطان واستأذنه في إمضاء الحكم عليه فأمر بإحضاره ، فلما كان يوم الاثنين سادس شوال أحضر إلى القصر وفي رقبته سلسلة فسلم ثم قال : يا عبد الرحمن اتق الله - يخاطب القاضي التفهني ؛ فغضب وقال : حكمت بزندقتك وسفك دمك ? وقال للحنبلي : نفذ لي ، فقال : حتى ينفذ الشافعي ? فامتنع ، فسألني السلطان فقلت : وقعت عندي ريبة تمنع من تنفيذ هذا الحكم ، فإني أعرف هذا وقد ذكر لي أن في عقله خللا والقاضي سارع بالحكم في حال غضبه وتعصب العين للميموني وأحضر النقل بأن الزنديق إنما يقتل عندهم إذا كان داعية ، وطال البحث في ذلك . وقام الحنفي ليقتله وأرسل إلى الوالي ، فأشار عليه بعض ألزامه بالتأني في أمره ، ثم عقد مجلس حافل بسببه وتغضب أكثر الجند وأكثر المباشرين عليه تبعا للتفهني ، ولم يبق معه سوى خشقدم(8/76)
"""""" صفحة رقم 77 """"""
الخازندار وللسلطان إليه ميل ، فطال النزاع في أمره فاتفق أن قال في جملة ما خاطب به للتفهني : يا سيدنا قاضي القضاة ? أتوب إلى الله من رؤيا المنامات من اليوم ، فازداد حنقه منه ، وكايده العيني فتعصب له ، ثم اتفق الحال على حبسه ، فلما كان في أول ذي القعدة اجتمع الحنفي بالسلطان وقرر معه أنه ينفى إلى بعض البلاد الحلبية ، ثم أرسل ناظر الجيش في خامس ذي القعدة إلى التفهني وكاتبه ، فأصلح بينهما وأرسل لكل منهما بغلة .
وفي الثامن من ربيع الأول قرر جمال الدين يوسف السمرقندي في قضاء حلب عوضا عن شمس الدين ابن أمين الدولة بحكم عزله ، وكان هذا قدم في أواخر دولة المؤيد فاعتنى به الظاهر ططر وهو أمير ، وأعانه على الحج ، وقرره في عدة وظائف بحلب ، فتوجه إليها وباشرها إلى أن وقع بينه وبين القاضي المذكور ، فرتب عليه من يشهد عليه بأمر صدر منه ، وذلك بالمدرسة السارخية في سوق النشاب ففر خفية منها ، فقدم القاهرة وشكا حاله للسلطان فعزل القاضي وقرره مكانه ، فلما بلغ القاضي ذلك وصل إلى القاهرة ، فقام معه بعض الرؤساء فما أفاد ، وأمر بعوده إلى حلب بطالا .
وفي سابع ذي الحجة ثار جماعة على المحتسب وهو القاضي بدر الدين(8/77)
"""""" صفحة رقم 78 """"""
العيني بسبب إهمال أمر الباعة وشدة غلاء الخبز مع رخص القمح . ورفعوا للسلطان فلم يأخذ لهم بيد بل ضرب جماعة منهم وهدد جماعة وحبس نحو العشرة ، فعدم الخبز من الحوانيت وتزاحموا على الأفران ، ثم تراجع الحال ، وكثر الخبز مع زيادة السعر في الشعير والقمح والفول - وكان ما سيأتي ذكره في أول السنة .
وفي الثالث والعشرين من ذي الحجة وصل بالمبشر من الحاج وأخبروا بالرخاء الكثير في الحجاز ، وأنه نودي بمكة أن لا تباع البهار إلا على تجار مصر ، وأن لا يكون البهار إلا بهار واحد ، وأخبر بأن الوقفة كانت يوم الاثنين وكانت بالقاهرة يوم الأحد ، فتغيظ السلطان ظنا منه أن ذلك من تقصير في ترائي الهلال ، فعرفه بعض الناس أن ذلك يقع كثيرا بسبب اختلاف المطالع ؛ وبلغني أن العيني شنع على القضاة بذلك السبب فلما اجتمعنا عرفت السلطان أن الذي وقع يقدح في عمل المكيين عند من لا يرى باختلاف المطالع ، حتى لو كان ذلك في رمضان للزم المكيين قضاء يوم ، فلما لم يفهم المراد سكن جأشه ، وفي هذه السنة كانت وقعة الفأر باللجون من طريق الشام ، وكان قد كثرت فراخه حتى شاهد(8/78)
"""""" صفحة رقم 79 """"""
بعض الناس كثيرا منها يخرج بأولادها الصغار فيتركونها عند البيوت ويأتونها بالقمح في سنبله فيدخله الأولاد في البيوت ، ومن رجع ووجد شيئا من القمح لم يحول إلى البيت ضرب ولده الضرب المبرح ، وتسلط الفأر على زروع الناس وتضرروا من ذلك ضررا كبيرا - قرأت ذلك بخط قاضي الحنابلة محب الدين ، ثم عقب ذلك وقع بين الفئران مقتلة عظيمة ، وشاهد الناس منها جملة كثيرة . بعض مقطوع الرأس ومقطوع الرجل ومقطوع اليد ومنها الموسط ، وصار منهم أكوام كثيرة ، وفي شعبان ارتفع سعر الغلى فوصل الفول إلى مائتين والشعير إلى مائة وخمسين ، ثم ازداد السعر في ذي القعدة ووصل الفول إلى ثلاثمائة ، وكذلك القمح ، ثم تراجع القمح إلى مائتين وخمسين . وفي آخرها ماتت زوجة السلطان - وكانت ابنة عمه - بوادي الصفراء ، وكانت خاملا فوضعت وماتت في نفاسها .(8/79)
"""""" صفحة رقم 80 """"""
فبلغ السلطان فحزن عليها كثيرا .
وفيات سنة 828
ذكر من مات في سنة ثمان وعشرين وثمانمائة من الأعيان
أحمد بن أبي بكر بن علي بن عبد الله بن بوافي بن يحيى بن محمد بن صالح ، الأسدي المعشمي الشيخ شهاب الدين الشهير جده بالطواشي ، ولد بعد الستين ، وأحضر في الثالثة على ابن جماعة ، وأسمع على الفروي والضياء الهندي ، وأجاز له الكمال ابن حبيب ومحمد بن جابر وأبو جعفر الرعيني وأبو الفضل النويري والزرندي والأميوطي وغيرهم ، وكان خيرا دينا منقطعا عن الناس ؛ مات يوم الجمعة سابع عشر شعبان بمكة ، وصلى عليه بعد الصلاة ، وشيعه جمع كثير منهم أمير مكة علي بن عنان .
أحمد بن عبد الرحيم بن أحمد بن الفصيح ، الكوفي الأصل ثم البغدادي ثم الدمشقي ، شهاب الدين ، نزيل القاهرة ، كان جده من أهل العلم والطلب للحديث وحدث أبوه بالسنن الكبري للنسائي وتفرد به عن ابن المرابط بالسماع وكان حنفي المذهب ، ونشأ ابنه هذا يتعاني التجارة ، ثم عمل نقيب الحكم الحنفي بدمشق ، ثم سكن القاهرة مدة وتردد إلى القاهرة ، وكان يحب الانجماع ولا يباشر إلاناسا مخصوصين ، وكان ابن الأدمي يكرمه ويعظمه(8/80)
"""""" صفحة رقم 81 """"""
لأنه كان يقرب له من جهة النساء ، فقرره في النقابة بالخانقاه البيبرسية في سنة خمس عشرة ، فاستمر فيها إلى أن مات في أول يوم من شعبان وله بضع وسبعون سنة ، وكان قليل الكلام كثير المعرفة بالأمور الدنيوية ، وما أتردد أنه سمع على ابن أميلة ومن قبله لكن لم أقف على ذلك تحقيقا ، وسألته عن ذلك فلم يعترف به ، وسألته أن يجيز لجماعة فامتنع ظنا منه أن ذلك على سبيل السخرية به لسعة تخيله .
تغري بردى المؤيدي المعروف بابن قصروه نائب حلب ، كان مات بها محبوسا في ربيع الأول .
سليمان بن عبد الرحمن بن داود بن الكويز ، أخو كاتب السر علم الدين ، ورث من أخويه صلاح الدين وعلم الدين . أما صلاح الدين فلكونه شقيقه ، وأما علم الدين فلكونه وصيه ، فكثر ماله ، ووقع بينه وبين ابن أخيه عبد الرحمن بن علم الدين تنازع في شيء ففسد بذلك من المال عليهما شيء كثير ، وكان سليمان يلقب بدر الدين حسن الصورة جميل الفعال شديد الحياء عاقلا وقورا ، باشرا استيفاء الدولة وغير ذلك ، وهو(8/81)
"""""" صفحة رقم 82 """"""
أصغر الإخوة ؛ ومات في حادي عشر المحرم .
شعبان بن محمد بن داود ، المصري ، وكان يقال له : الموصلي ، ثم زعم أن اسم أبيه محمد بن داود ويقال إن داود - كان ممن تشرف بالإسلام فأحب أن يبعد عنه وصار يكتب الآثارى نسبة إلى الآثار النبوية لكونه أقام بها مدة ، وكان قد تعانى الخط المنسوب ، فجاد خطه بملازمته لشيخنا شمس الدين الزفتاوي ، وصار رأس من كتب عليه وأجازه ، فصار يكتب للناس ، ثم اتفق أنه شرب البلاذر فحصل له طرف نشاف ، واقام مدة عاريا من الثياب والعمامة ، ثم تماثل قليلا وطلب العلم ، ولازم الشيخ بدر الدين الطنبذي والشيخ شمس الدين الغماري ، وتعانى النظم فنظم نظما سافلا أولا ثم أكثر من ذلك حتى انصقل قليلا ونظم نظما وسطا ، ومن نظمه لما عزل البلقيني بالهروي واتفقت الزينة للمحمل فعلق شخص يسمى الترجمان على باب داره بالجنميين حمارا بسرياقات على رؤوس الناس بأحسن هيئة وتردد الناس للفرجة عليه فقال :
أقام الترجمان لسان حال
عن الدنيا يقول لنا جهارا
زمان فيه قد وضعوا جلالا
عن العليا وقد رفعوا حمارا
ثم أقبل على ثلب الأعراض وتمزيقها بالهجو المقذع ، ونظم أرجوزة في العربية وأرجوزة في العروض ، وتعلق على توقيع الحكم فقرر به ، ثم عمل نقيب الحكم - بمصر ، ثم استقر في الحسبة بمال(8/82)
"""""" صفحة رقم 83 """"""
وعد به ، ثم ارتكبه الدين بسبب ذلك ففر من مصر في سنة إحدى وثمانمائة ، ودخل اليمن فمدح ملكها فاعجبه ، وأثابه ، ومدح أعيانها وتقرب منهم ، ثم انقلب يهجوهم كعادته ، فأمر السلطان الملك الناصر أحمد بن الأشرف إسماعيل بنفيه إلى الهند فأركب في المراكب الواصلة من تانة واقام بها وأكرم ، ثم عاد إلى طبعه فأخرج منها - وقد استفاد مالا فأصيب بعضه ، ورجع إلى اليمن فلم يقم بها ، وتوجه إلى مكة فأقام بها مدة طويلة ، وأظهر بها من القبائح ما لا يحمل ذكره ونصب نفسه غرضا للذم ، وتزوج جارية من جواري الأشرف يقال لها خود ، فاتخذها ذريعة إلى ما يريده من الذم والمجون وغير ذلك ، فصار ينسب نفسه إلى القيادة والرضا بذلك لتعشقه فيها - إلى غير ذلك ، وكان فيه تناقض فإنه يتماجن إلى أن يصير أضحوكة ، ويتعاظم إلى أن يظن أنه في غاية التصون ، وكان شديد الإعجاب بنظمه ، لا يظن أن أحدا يقدر على نظيره ، مع أنه ليس بالفائق بل ولا جميعه من المتوسط بل أكثره سفساف كثير الحشو عري عن المعنى البديع ، ثم قدم القاهرة سنة عشرين وهجا بهاء الدين ابن البرجي الذي كان يتولى الحسبة قديما ، ثم صادف أن ولي الهروي القضاء فهجاه ومدح البلقيني وأثابه ، ولعله أيضا هجا البلقيني ، ثم توجه إلى دمشق فقطنها إلى أن قدم القاهرة سنة سبع وعشرين ومدحني بقصيدة تائية مطولة ، ولا أشك أنه هجاني كغيري ، ثم رجع إلى دمشق ثم قدم القاهرة فمات يوم وصوله في سابع عشر شعبان ، وخلف تركة جيدة ،(8/83)
"""""" صفحة رقم 84 """"""
قيل : بلغت ما قيمته خمسة آلاف دينار ، وكان مقترا على نفسه . فاستولى على ماله شخص ادعى أنه أخوه وأعانه على ذلك بعض أهل الدولة ، فتقاسما المال ، ووقف كتبه وتصانيفه بالباسطية ؛ وعاش بضعا وستين سنة .
صالحة أو زينب بنت صالح بن رسلان ابن نصير البلقيني ، وهي والدة القاضي علم الدين صالح بن شيخنا شيخ الإسلام سراج الدين ، تزوجها الشيخ وهي ابنة عمه فأولدها صالحا وعبد الخالق ، ثم قدمت على الشيخ أخته من بلقينة فذكرت للشيخ أنها أرضعت زوجته هذه ، فبحث الشيخ عن ذلك حتى وضح له ، فلما علم صحة قولها اجتنبها . وذلك قبل موته بعشر سنين ، ثم لما مات تزوجت بعده زوجا بعد زوج من العوام ، وكانت موصوفة بالخير ؛ وعاشت نحو الستين وماتت في حادي عشر المحرم .
طوغان أمير آخور ، مات مقتولا بقلعة المرقب في ذي الحجة ، وكان قد ولى عدة وظائف .
عثمان بن محمد فخر الدين الدنديلي الشاهد ، سمع من أبي الحسن(8/84)
"""""" صفحة رقم 85 """"""
العرضي ، وأجاز لأولادي ، وسمعت عليه جزءا من حديث ابن حذلم أنا العرضي أنا الفخر ابن البخاري ؛ جاوز الثمانين ومات في 18 شوال .
عثمان بن . . . التلاوي المعروف بالطاغي ، خازن الكتب بالمدرسة المحمودية ، وقد تقدم ذكر صرفه عنها في حوادث سنة ست وعشرين وكان شديد الضبط لها ، ثم حصل له من تسلط عليه بالخديعة إلى أن وقع التفريط فذهب أكثر نفائس الكتب ، وكان في أول أمره أقرأ القاضي جلال الدين البلقيني القرآن ، وتمشيخ بالمشهد النفيسي ولقي جماعة من الاكابر ؛ ومات في 14 المحرم .
علي بن أحمد بن محمد بن سلامة بن عطوف ، السلمي المكي نور الدين ابن سلامة ، ولد سنة ست وأربعين بمكة ، واشتغل وعني بطلب الحديث ورحل فيه ، فسمع بدمشق من ابن أميلة والصلاح ابن أبي عمر وابن كثير وغيرهم ، وبحلب من ابن حبيب وغيره ، وببغداد من عمر بن علي القزويني وعبد الدائم ابن عبد المحسن بن الخراط وغيرهما ، وبالقاهرة من التقي البغدادي وقرأ عليه القراآت ، أكثر عنه صاحبنا زين الدين رضوان ، وحدث بالقاهرة ومكة وصار مسندها ، وكان عارفا بالقراآت ، وأخذ الفقه عن جماعة ولم ينجب ، وله نظم ، وكان يباشر شهادة الحرم المكي ، ولم يكن يشكر في شهادته مع التأله والتعبد ،(8/85)
"""""" صفحة رقم 86 """"""
وخرج له ابن فهد معجما ، انتزع أكثره من معجم ابن ظهيرة تخريج الأقفهسي ؛ ومات في يوم السبت 24 شوال .
علي بن محمود بن أبي بكر ، القاضي علاء الدين ، السلماني ثم الحموي ، المعروف بابن المغلي ، الحنبلي ، ولد سنة 771 ، وتفقه ببلده ثم بدمشق ، فاخذ عن جماعة منهم زين الدين ابن رجب ، وكان يتوقد ذكاء فحفظ جملة من المختصرات في العلوم ، كالمحرر في الحديث لابن عبد الهادي ، والفروع في المذهب لابن الحاجب ، والتلخيص للقزويني ، والتسهيل لابن مالك ؛ وكان يحفظ كثيرا من الشروح والقصائد الطوال ، وينظم الشعر الوسط ، ويكرر على محفوظاته المختصرة ، ويستحضر شيئا كثيرا من الفنون ؛ وما أظن أنه كان في عصره من يدانيه في ذلك وإن كان فيهم من هو أصح ذهنا منه ، ولي قضاء حماة بعد التسعين ، ثم ولي قضاء حلب في سنة أربع وثمانمائة ، ثم ولي قضاء الديار المصرية من سنة سبع عشرة إلى أن مات مضافا إلى قضاء حماة فكان يستنيب فيها ، وكان ذلك بعناية كاتب السر ابن البارزي ، ومع طول ملازمته للاشتغال ومناظرته للأقران والتقدم في العلوم لم يشتغل بالتصنيف ، وكنت أحرضه على ذلك لما فيه من بقاء الذكر فلم يوفق لذلك ، وكان شديد البأو والإعجاب حتى وصفه بعضهم بأنه يحيط علما بالمذاهب الأربعة - مع احتمال ما يقع ممن يناظره من الجفاء ، ويكظم غيظه ولا يشفي صدره ، ويكرم الطلبة ويرفدهم(8/86)
"""""" صفحة رقم 87 """"""
بماله وكان واسع الحال جدا ، لأنه كان في الأصل تاجرا لم يزل يتكسب ، وكان كثير . . . وكان ممن أعان علم الدين صالح البلقيني على ولاية القضاء وصرف ولي الدين العراقي . لأن العلم كان يتلمذ له والعراقي كان يتمشيخ عليه فأحب أن يكون رفيقه من يعترف له دون من يتعاظم عليه فأعان على ذلك بقلبه وقالبه فانعكس الأمر ، وندم بعد أن تورط وصار يبالغ في الذم من العلم ، ووقفت على خطه نفسا كتبها في حقه بالغ فيها في الحط عليه ، ثم عوقب بأن أصيب بولده قبل إكمال الحول من عزل العراقي ثم أصيب بنفسه ، وكذا صنع الله بأن الكويز فإنه كان الأصل الكبير في هذه الكائنة فلم ينتفع بنفسه بعدها إلا قليلا واستمر موعوكا ستة أشهر إلى أن مات عقب موت العراقي بشهر واحد ويجتمع الكل عند الله تعالى ? وقد ذكرت في حوادث سنة سبع وعشرين ما اتفق له من العزم على الحج ثم تركه ذلك ووقوعه من السلم(8/87)
"""""" صفحة رقم 88 """"""
وتوعكه ، فلما أهلت السنة انتكس وثار به القولنج الصفراوي فيقال إنه دس عليه السم فمات منه بعد أن حصل له الصرع قدر شهر ، وذلك يوم الخميس في العشرين من صفره ، واستقر في قضاء الحنابلة بعده محب الدين أحمد بن الشيخ نصر الله التستري ثم البغدادي ، وخلع عليه في الرابع والعشرين من صفر .
فرحة بنني ماتت في يوم الأربعاء تاسع شهر ربيع الآخر وكانت حجت في العام الماضي مع زوجها الشيخ محب الدين بن الأشقر ورجعت موعوكة إلى أن ماتت عن ثلاث وعشرين سنة وتسعة أشهر - عوضها الله الجنة .
فضل الله بن نصر الله بن أحمد ، التستري الأصل ثم البغدادي الحنبلي أخو قاضي الحنابلة محب الدين ، كان قد خرج من بلاده مع أبيه وإخوته وطاف هو البلاد ودخل اليمن ثم الهند ثم الحبشة وأقام بها دهرا طويلا ، ثم رجع إلى مكة فجاور بها قليلا وصحب بها الأمير يشبك(8/88)
"""""" صفحة رقم 89 """"""
الساقي الأعرج وكان المؤيد نفاه إلى مكة فجاور بها صحبته ، ثم لما رجع يشبك إلى القاهرة وتأمر حضر فضل الله إلى القاهرة فأكرمه ، واتفق موت الشيخ شمس الدين الحبتي فشغرت عنه مشيخة الخروبية فقرر فيها فضل الله المذكور بعناية يشبك المذكور بعد أ ، كان تقرر فيها غيره ، فاستمر بها إلى أن مات في شهر ربيع الأول وهو ابن ستين سنة أو جاوزها .
محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد الحريري شمس الدين البيري أخو جمال الدين الأستادار ولد في حدود الخسمين ، وتفقه على أبي البركات الأنصاري ، وسمع من أبي عبد الله بن جابر وأبي جعفر الغرناطي نزيل البيرة بحلب وقرأ عليهما وتفقه ، وولي قضاء البيرى مدة ثم قضاء حلب سنة ست وثمانمائة ، ثم تحول إلى القاهرة في دولة أخيه بعد أن كان عزله حكم لما غلب على حلب فتوجه إلى مكة فجاور بها ، ثم قدم أبي القاهرة فعظم قدره وعين للقضاء ، ثم ولي مشيخه البيبرسية بعد الشريف النسابة ، ثم درس بالمدرسة المجاورة للشافعي بعد جلال الدين ابن أبي البقاء ، ثم انتزعتا منه بعد كائنة أخيه ، ثم أعيدت إليه البيبرسية في سنة ست عشرة وصرف عنها بكاتبه في سنة 18 ، ثم قرر في مشيخة سعيد(8/89)
"""""" صفحة رقم 90 """"""
السعداء بعد موت البلالي سنة عشرين ، وكان قد ولى خطابة ببيت المقدس ؛ ومات في سحر يوم الجمعة 24 ذي الحجة ، واستقر بعده في مشيخة الصلاحية شهاب الدين أحمد بن المحمرة الذي كان بها مخبزيا قبل ذلك ، ثم ارتقى منها إلى ولاية القضاء بدمشق ، ثم عاد إلى المشيخة بالقاهرة ، ثم نقل منهاإلى مشيخة الصلاحية ببيت المقدس .
محمد بن أحمد بن محمد بن عبد العزيز اللخمي النستراوي شمس الدين(8/90)
"""""" صفحة رقم 91 """"""
ابن أخي القاضي كريم الدين ناظر الجيش ، ولد سنة سبعين تقريبا ، وباشر الديوان مدة إلى أن ولي عمه نظر الجيش فباشر قليلا ، ثم ترك ذلك وزهد ولبس الثوف ، وسمع معنا على كثير من مشايخنا ، وكان يحب أهل الخير وينفر غاية النفرة ممن يتزوكر ، وأقام على قدم التصوف سبعا وثلاثين سنة مع صحة العقيدة وجودة المعرفة والصبر على قلة ذات اليد ومات ليلة الجمعة 12 شعبان .
محمد بن القاضي شهاب الدين أحمد ، الدفري المالكي شمس الدين ، ولد سنة بضع وستين ، وتفقه على مذهب مالك ، وأحب الحديث فسمعه وطاف على الشيوخ وسمع معنا كثيرا من الممايخ ، وكان حسن المذاكرة جيد الاستحضار ، درس بالناصرية الحسينية وغيرها ، وكان قليل الحظ ؛ مات في العشرين من جمادى الأولى .
محمد بن إسماعيل بن محمد بن محمد بن هانئ اللخمي المالكي ، القاضي ناصر الدين ابن القاضي سري الدين أبي الوليد قاضي حلب ثم طرابلس ، ولد سنة نيف وأربعين واشتغل قليلا وناب عن أبيه فعابوا على أبيه ذلك ، ثم ولي قضاء حماة ثم حلب في سنة ست وسبعين ، ثم ولي حماة وطرابلس وغيرها مرارا ، ثم ولاه نوروز قضاء دمشق سنة ست(8/91)
"""""" صفحة رقم 92 """"""
عشرة فساءت سيرته جدا ، ثم صرفه المؤيد إلى قضاء طرابلس سنة سبع عشرة فاستمر فيها عدة سنين ؛ كتب عنه القاضي علاء الدين وذكره في تاريخ حلب فقال كتبت عنه بطرابلس لما وليت قضاءها وكان هو قاضي المالكية بها وكان ظريفا كريما مسنا جوادا حسن الاخلاق ، مات في أوائل سنة 828 بطرابلس .(8/92)
"""""" صفحة رقم 93 """"""
محمد بن أبي بكر بن عمر ، المخزومي المالكي المعروف بابن الدماميني بدر الدين الإسكندراني ، ولد سنة ثلاث وستين وسبعمائة ، وتفقه بالإسكندرية وتعاني الآداب ففاق في النظم والنثر والخط ومعرفة الشروط . واستنابه ابن التنسي في الحكم ودرس بعدة مدارس ، ثم قدم معه القاهرة وناب في الحكم أيضا وتقدم ومهر واشتهر ذكره ، ثم تحول إلى الإسكندرية واستمر بها ينوب في الحكم ويشغل في العلم ويتكسب من التجارة ، ثم حصلت له محنة فقدم القاهرة وعين للقضاء ، وقام معه في ذلك ابن البارزي فلم يقدر فتوجه إلى الحج ثم دخل اليمن فلم يحصل له إقبال ، فدخل الهند فحصل له إقبال كبير وأقبلوا عليه وأخذوا عنه وعظموه ، وحصل له مال له صورة فاتفق أن بغتة الأجل فمات هناك في شعبان في هذه السنة عن نحو سبعين سنة ، ومن نظمه :
قلت له والدجى مول
ونحن بالأنس في التلاقي
قد عطس الصبح يا حبيبي
فلا تشتمه بالفراقي
محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن المحب عبد الله بن أحمد بن محمد ، المقدسي الصالحي شمس الدين ، ولد في شوال سنة 755 ، وأحضره أبوه عند . . . وأسمعه على ابن قيم الضيائية ، وأحمد بن الجوخي وعمر ابن أميلة وست العرب في آخرين ، وحدث ، وشرع في شرح البخاري وتركه بعده مسودة ، وله نظم ضعيف ، وكان يقرأ الصحيحين على العامة ، وأجاز لأولادي غير مرة ؛ ومات بطيبة المكرمة في هذه السنة ، وكان يذكر عن نفسه أنه رأى مناما من نحو عشرين سنة يدل على أنه يموت بالمدينة ، وسمعوه منه قبل أن يخرج إلى هذه السفرة للحج ، فاتفقت وفاته بالمدينة في رمضان من هذه السنة ، وهو بقية البيت من آل المحب بالصالحية .
محمد الحموي النحوي المعروف بابن العيار شمس الدين ، كان في أول أمره حائكا ثم تعاني الاشتغال فمهر في العربية ، وأخذ عن ابن جابر وغيره ، ثم سكن دمشق ، ورتب له على الجامع تصدير بعناية البارزي ، وكان حسن المحاضرة ولم يكن محمودا في تعاطي الشهادات ؛ مات في ذي القعدة .(8/93)
"""""" صفحة رقم 94 """"""
حوادث سنة 829
سنة تسع وعشرين وثمانمائة
في حادي عشر المحرم صرف بدر الدين العينتابي من الحسبة واستقر فيها اينال الششماني وكان أمير عشرة ، وسعر القمح يومئذ مائتان وخمسون ، والشعير والفول جميعا كل إردب بثلاثمائة أزيد من سعر القمح ، وعز اللحم حتى بيع البقرى بتسعة كل رطل ، وبيع المطبوخ من الضأنى بعشرين ، وكان سعر الذهب البندقي كل مشخص بمائتين وخمس وعشرين ، ثم كثر اللحم بعد ولاية الششماني ، ثم تزايد القمح إلى أربعمائة إلى أن دخل جمادى الأولى فانحل السعر إلى ثلاثمائة ومائتين في . . .
وفي المحرم قدم حسن بن عجلان من مكة بوساطة ناظر الجيش ، وقام معه إلى أن أعيد إلى إمرة مكة ، وأمر بإعادة الجيش الذين أقيموا بمكة لحفظها من حسن ، وصرف على بن عنان عن إمرة مكة ، وبذل حسن مالا كثيرا اقترضه من التجار بالقاهرة ، وكتب تقليده وأرسله إلى مكة ، وأقام هو لإحضار بقية ما وعد به .
وفي مستهل صفر أمر السلطان القضاة أن يلزموا العوام بالصلاة ،(8/94)
"""""" صفحة رقم 95 """"""
فاجتمعوا في ثانيه بالصالحية ومعهم المحتسب ونائب الوالي ، وكتبوا ورقة لتقرأ على الناس ، وتولى قراءتها بعض نواب الحكم من باب النصر إلى جامع طولون في الشارع الأعظم .
وفي خامس عشر صفر عقد مجلس بالقضاة وبياض الناس من التجار ، وشاور السلطان القضاة في إبطال المعاملة بالدنانير البندقية المشخصة ، فاستحسنوا ذلك ، وضربت الأفلورية أشرفية ، ونودي بمنع المعاملة بالبندقية ، فظن الناس أن المعاملة بالدراهم البندقية تبطل فنودي بإبقائها .
وفي يوم الخميس السابع من ربيع الأول عمل المولد النبوي وابتدأوا به من بعد الخدمة ، ومد السماط بعد صلاة العصر وفرغ بين العشاءين ، وكانت العادة أن يبدأ بعد الظهر ويمد السماط المغرب ويفرغ عند ثلث الليل .
وفي السادس والعشرين من شهر ربيع الآخر صرف القاضي زين الدين التفهني عن قضاء الحنفية وقرر في مشيخة الشيخونية عوضا عن الشيخ سراج الدين قارئ الهداية بحكم وفاته ، وكان السراج لما مات سعى جماعة في المشيخة فأمر السلطان بجمعهم فاجتمعوا ، وتعصب جماعة من أهل الشيخونية للتفهني فقرره السلطان فيها ، ففرح بذلك ظنا منه أنه يضمها إليه مع القضاء ، فلما لبس الخلعة بها أحضر العينتابي فألبس الخلعة(8/95)
"""""" صفحة رقم 96 """"""
بولاية القضاء ، فسقط في يدي التفهني وندم حيث لا ينفعه الندم ونزل الشيخونية كئيبا ، ورجع أكثر الناس مع العينتابي إلى الصالحية ثم إلى منزله .
وفي رابع عشري ربيع الآخر صرف الشيخ علاء الدين الرومي عن مشيخة الأشرفية ، وقرر عوضه الشيخ كمال الدين ابن الهمام ، ولم يكن له في ذلك سعي ، وإنما كان تقرر درسه بقبة الصالح فطلب إلى القلعة وألبس الخلعة ، وكان سبب عزل علاء الدين أن شخصا من الصوفية مات وخلف مالا جزيلا فاحتاط عليه نقل عنه أمور فاحشة ، فغضب السلطان وأمر بإخراجه وعزل منها وتقرير كمال الدين .
وفي ربيع الآخر كتبت الجارة الجودرية في التفتيش على جاني بك الصوفي ، ولسبب فيه أن كتاب نائب الشام ورد وفيه أنه(8/96)
"""""" صفحة رقم 97 """"""
مختفي عند شخص جندي فلم يوجد ، فأمر أهلها بإخلائها وحرقها ، فرحلوا وتتبعت آثار جاني بك فلم يوقف له على أثر .
وفي الثالث عشر من جمادى الآخرة صرف القاضي محب الدين أحمد بن نصر الله عن قضاء الحنابلة ، واستقر عز الدين عبد العزيز ابن علي بن أبي العز المقدسي الذي كان ولي قضاء الشام ودرس بالمؤيدية ، وكان قبل ذلك قديما ولي قضاء بيت المقدس ، ثم فر من الشام لكائنة وقعت له مع الباعوني فوصل إلى بغداد وولي القضاء بها ؛ وكان ربما افتخر فقال : وليت قضاء الشام والعراق ومصر ولم يقع ذلك لأحد من أقراني .
وفي أول يوم من رجب أدير المحمل ، ولم تجر العادة بذلك بل كان يدار في النصف أو قبله أو بعده بقليل .
ذكر غزوة قبرس الكبرى
بلغ الأشرف أن جابوش - ويقال : جينوس - بن جاكم بن بيدو بن أنطون بن جينوس صاحب قبرس وكان قد ملكها من سنة ثمانمائة فراسل ملوك الفرنج يستنفزهم على المصريين ويشكو ما جرى على بلاده ،(8/97)
"""""" صفحة رقم 98 """"""
فأرسل كل منهم له نجدة ، وأرسل ملك الكتيلان ابن أخيه بمركب وفرسان ، وجد جابوش في عمارة المراكب والقراقر وعزم على قصد الإسكندرية تأسيا بوالده ، فإنه هو الذي كان طرقها في آخر سنة ست وستين ودخلها عنوة في آخر المحرم أوائل صفر سنة سبع وانتهبها - وأسر منها خلائق والقصة مشهورة ؛ فأمر السلطان لما بلغه ذلك بعمارة الأغربة والحمالات ، وجد في ذلك وبذل الأموال ، فلما تكاملت العمارة انحدرت إلى قوة ويقال إنه بلغت عدة العمارة أغربة وحمالات وزوارق - مائى قطعة وزيادة ؛ وندب السلطان ينال الجكمي وتغري بردى المحمودي وغيرهما من الأمراء الكبار والصغار للغزاة وأن يكون ينال على من في البحر والآخر على من في البر وأن لا يعارض أحدهما الآخر ، وكان معهم من الأمراء مراد خجا الشعباني - وإياس ويشبك الشاد واينال الأجرود وسودون اللكاشي وجانم المحمدي وغيرهم ؛(8/98)
"""""" صفحة رقم 99 """"""
وتلاقت المراكب من الإسكندرية مع المراكب المصرية بثغر رشيد في رجب ، فاتفق أن الريح هاجب في بعض الليالي ، فانكسرت أربع حمالات ومات فيها مائة فرس ، وتسعة أنفس ، وبلغ السلطان ذلك فتطير جماعة من الأمراء وثبت هو ولم يتطير ، وقال له كاتب السر وهو يومئذ بدر الدين بن هرمز : يا مولانا السلطان إن من كان أوله كسر يكون في آخره جبر ؛ ولما بلغ قراقر الإسكندرية ما جرى على الحمالات رجع أميرهم فأقام بعا تحت العساكر ، فلما كان مستهل شعبان هجم عليهم غراب وقرقوران مملوءة من المقاتلة جهزهم صاحب قبرس ليأخذوا من يجدونه بساحل الإسكندرية لعلمه بمسير القراقز الخمس إلى جهته بإعلام من بالبلد من الفرنج له ، فدخلوا وهم يظنون أن الخمس قراقب في رشيد ، فواجهوهم فأرشقوهم رميا بالنشاب إلى أن هزموهم فاتفق أنهم خرجوا مقلعين فوافتهم أغربة أرسلها إليهم من برشيد من الجند ، فلم يزل الجند مجتمعين والمراكب توافيهم من كل جهة إلى الرابع والعشرين من شعبان ، فساروا مقلعين حتى وصلوا إلى اللمسون فوجدوا الحصن الذي كانوا أحرقوه قد عمر وشحن بالمقاتلة فأحاطوا به في السابع والعشرين ، وصعد يشبك قرقش وهو من الفرسان المعدودين وقد ولي إمرة الموكب الأول في الحج بعد ذلك في سنة 44 ، فصعد هو ومن معه على سلم من خشب وتبعهم خلق كثير ، فهرب الفرنج الذين(8/99)
"""""" صفحة رقم 100 """"""
في الحصن بعد أن كانوا أوقدوا قدور الزفت تغلي نارا ليصبوها على من يصعد إليهم من المسلمين ، فهزمهم الله تعالى وملكوا البرج الأول ؛ وأحاط بعض المسلمين بالأسكتية وهي قرية من قبرس خارجة عن حكم جابوش نظير الماغوصة وهي مع البنادقه ، فطلبوا من المسلين الأمان فأمنوهم ، فحملوا إليهم الهدايا والضيافات ، فسألوهم عن جابوش فقالوا إنه مستعد في خمسة آلاف فارس وسبعة آلاف راجل ، فراسلوه بأن يدخل تحت الطاعة ليؤمنوه على نفسه وجنده وبلده وإلا مشوا عليه وخربوا قصره وأسروه وقتلوه ، فلما بلغته الرسالة أخذته حمية الجاهلية فقتل الرسول وأحرقه ، فبلغ المسلمين الخبر في مستهل رمضان فانقسموا قسمين النصف مع المحمودي في البر والنصف مع الجكمي في البحر ، فلم يزل أهل البر سائرين حتى وصلوا موضع الكنيسة فوجدوها خرابا والبئر الذي بها قد هدم ، فحفروا حوله فظهر الماء فشربوا بعد أن كانوا عطشوا . ثم ساروا في جبال وتلال وهم صوام والحر شديد فنزلوا للقائلة في ظلال الشجر وإذا بصارخ صرخ : جاءكم العدو فثاروا وركبوا وحصلت رجفة عظيمة ، وكان جابوش لما قتل الرسول ركب في عساكره بعد عرضهم ، وجهز قراقرة في البحر للإحاطة بمن في البحر من المسلمين ، فلما تراءى الجمعان انحاز إلى بساتين هناك ، وجعل بينه وبين المسلمين نهرا ، وتقدم نحو الخمسمائة من المقاتلة فبرز لهم من المسلمين خمسة تغري بردى وقطلوبغا المؤيدي المصارع وعلان(8/100)
"""""" صفحة رقم 101 """"""
فبادروا الأبراج فلحق بهم ابن القاق مقدم العشير بالشام ومعه نحو الثلاثين فتنادوا : يا وجوه العرب ويال جركس إن أبواب الجنان فتحت ، إن متم كنتم شهداء ، وإن عشتم عشتم سعداء بيضوا وجوهكم وأخلصوا الله العمل ؛ فحملوا حملة واحدة ، فنصرهم الله تعالى ؛ وقاتل يومئذ قطلوبغا قتالا عظيما فعثر جواده فقام عنه وقاتل راجلا إلى أن قتل ، فلما رأى جابوش أمر
عسكره في إدبار وقد استظهر عليهم أهل الإسلام ركن إلى الهرب ثم إن عسكره خالفوه وحملوا ، فصبر لهم المسلمون واشتد الأمر ، فاتفق أن جابوش وقع عن فرسه فنزل أصحابه فأركبوه ، فوقع ثانيا فنزلوا وأركبوه ، فكبا به الفرس ثالثا فدهشوا وذهلوا عنه ، وانكسر عسكره وولوا الأدبار ، فرآه بعض الترك فأرشقوهم نبلا ، فلم يزالوا كذلك إلى أن غربت الشمس ، وقيل إن جملة من قتل منهم في ذلك اليوم ستة آلاف ؛ ثم رجع المسلمون فنزلوا على الماء وباتوا على أهبة ، فلما أصبحوا توجه يشبك الشاد ومن معه إلى جبل الصليب فخربه وما حوله من الديارات ، وأحضروا الصليب الذي كان به وكانوا يعظمونه(8/101)
"""""" صفحة رقم 102 """"""
حتى سموه صليب الصلبان ، ثم سار المحمودي بالعسكر إلى جهة الملاحة ، وتوجه بعض العسكر إلى من بالمراكب ، فأعلموهم بما وقع من المسلمين ، أن صاحب قبرس مقيد ، وأن أخاه قتل ، وأن ابن أخي صاحب الكتيلان الذي جاء نجدة له مقيد ، ثم وصل العسكر وكان ثاني شهر رمضان . ره في إدبار وقد استظهر عليهم أهل الإسلام ركن إلى الهرب ثم إن عسكره خالفوه وحملوا ، فصبر لهم المسلمون واشتد الأمر ، فاتفق أن جابوش وقع عن فرسه فنزل أصحابه فأركبوه ، فوقع ثانيا فنزلوا وأركبوه ، فكبا به الفرس ثالثا فدهشوا وذهلوا عنه ، وانكسر عسكره وولوا الأدبار ، فرآه بعض الترك فأرشقوهم نبلا ، فلم يزالوا كذلك إلى أن غربت الشمس ، وقيل إن جملة من قتل منهم في ذلك اليوم ستة آلاف ؛ ثم رجع المسلمون فنزلوا على الماء وباتوا على أهبة ، فلما أصبحوا توجه يشبك الشاد ومن معه إلى جبل الصليب فخربه وما حوله من الديارات ، وأحضروا الصليب الذي كان به وكانوا يعظمونه حتى سموه صليب الصلبان ، ثم سار المحمودي بالعسكر إلى جهة الملاحة ، وتوجه بعض العسكر إلى من بالمراكب ، فأعلموهم بما وقع من المسلمين ، أن صاحب قبرس مقيد ، وأن أخاه قتل ، وأن ابن أخي صاحب الكتيلان الذي جاء نجدة له مقيد ، ثم وصل العسكر وكان ثاني شهر رمضان .
فلما كان يوم الخميس خامسه ساروا إلى الأفقيسة - وهي كرسي المملكة ، فلما رأى الفرنج الذين في القراقر خلف البحر من الجند حطموا على اكب المسلين ، فأمر الجكمي من بقي معه بمدافعتهم وأرسل إلى المحمودي يعلمه فأعاد عليه أكثر العسكر وتأخر معه طائفة ، فلما رجعوا وجدوهم في وسط القتال فأعلنوا بالتكبير ، فأجابهم من في البحر وبادروا إلى طلوع المراكب ومشوا على مراكب الفرنج ، فاشتد القتال إلى أن دخل الليل فحجز بينهم ، فلما طلع الفجر أبعدت مراكب الفرنج عن المسلمين ، فلما هبوا تفطن الجكمي فلم يجد الريح تساعدهم ، فتبعهم إياس الجلالي فقطع مركبا ووقع القتال بينهم ، وكان بالمركب ثلاثمائة مقاتل غير الأتباع ، فرمى عليهم بالسهام الحطابية حتى ما بقي أحد منهم يجسر يخرج رأسه فطلع المسلمون وملكوها وقتلوا أكثر من بها .
واستمرت بقية المراكب هاربة في البحر حتى غابوا عن الأعين ، وكفى الله المؤمنين القتال بهزيمة من في البحر من الفرنج وكان سبب ثيابهم في القتال أنهم لم يعلموا ما اتفق لملكهم من الأسر ولعسكره(8/102)
"""""" صفحة رقم 103 """"""
من الهزيمة ، واستمر المحمودي حتى أخذ المدينة هو ومن معه وذلك في يوم الجمعة خامس شهر رمضان ، فخشى من مع المحمودي على أنفسهم لقلتهم فشجعهم المحمودي ، ثم دخل القصر فوجد به من الأمتعة ما لا يحصى ، فأقاموا بها صلاة الجمعة وأذنوا على صوامع الكنائس ، ثم خرجوا يوم السبت ومعهم الغنائم الكثيرة والأسرى ، فلما وصلوا إلى المراكب اجتمعوا وأحصوا عدد الأسرى فكان ثلاثة آلاف وسبعمائة نفس .
واختلف رأيهم في الإقامة والمطالعة بما وقع من الفتح وانتظار وصول الرسول بالجواب أو التوجه بالأسرى والغنائم والعود إذا أراد السلطان مرة أخرى لاستئصال بقية الفرنج والاستيلاء على بقية الغنائم ، فغلب الرأي الثاني ، وصحبتهم الغنائم والأسرى ومن جملتهم عظيمهم وهو مقيد ، فلما وصلوا إلى ساحل بولاق أركب صاحب قبرس وولده وابن أخي صاحب الكتيلان على بغال عرج وأعلامه منكسة أمامه وحملتالغنائم والأسرى على الجمال والبغال وشقوا المدينة ، وكان ذلك يوم الاثنين ثامن شوال ، ومعه الأمراء والجند ، ولم يبق بمصر والقاهرة وضواحيها كبير أحد إلا حضر الفرجة حتى سدوا الأفق ، وكان أول الحمالين باب المدرج وآخرهم بولاق ، فلما وصلوا به إلى القلعة كشف رأسه وكب على وجهه حتى قبل الأرض عند الباب ، ثم أحضر بين يدي السلطان فقبل الأرض مرارا وسقط مغشيا عليه ، فلما أفاق ردوه إلى مكان أعد له وكانت صورة دخولهم أنهم ترتبوا من الميدان الكبير(8/103)
"""""" صفحة رقم 104 """"""
ثم أدخلوهم من باب القنطرة فشقوا القاهرة ، واجتمع أهل البلد حتى لم يتخلف كبير أحد ، فكان أمرا مهولا من كثرة الخلق ، وجاز الأمراء ثم الأسرى ثم الغنائم ، ونصبوا تاج الملك وأعلامه منكسة وهو راكب على بغلة مقيد ، فلما وصل إلى المدرج باس الأرض ومشى في قيده إلى أن وقف قدام السلطان بالمقعد ، وحضر ذلك أمير مكة ورسل ابن عثمان ورسل ملك تونس ورسل أمير التركمان ورسل ابن نعير وكثير من قصاد أمراء الشام ، فكان اتفاق حضورهم من المستغرب ، فلما رأى السلطان عفر وجهه في التراب بعد أن كشفه ، وخلع السلطان على الأمراء ، ثم قرر عليه مائتا ألف دينار ، يحمل منها هو بمصر النصف ويرسل النصف إذا رجع ، وألزم بحمل عشرين ألف دينار كل سنة ، ثم أفرج عنه بعدان حمل ما قرر عليه معجلا ، وتوجه فأرسل شيئا بعد شيء إلى أن أكمل ما أرسله خمسة وسبعين ألف دينار ؛ وقدرت وفاته عقب ذلك ، ويقال إنه كان فهما عاقلا ينظم الشعر بلسانه ويعربه بالترجمان بالتركي فأملأ على بعض من معه هذه الأبيات :
يا مالكا ملك الورى بجسامه
انظر إلي برحمة وتعطف
وارحم عزيزا ذل وامنن بالذي
اعطاك هذا الملك والنصر الوفي
إن لم تؤمني وترحم غربتي
فبمن ألوذ ومن سواكم لي يفي
فلما قرئت على السلطان وعرف معناها رق له وقال : عفوت عنه ، وتقرر الحال معه بعد ذلك أن يكون نائبا عن السلطان في قبرس وما معها(8/104)
"""""" صفحة رقم 105 """"""
وأن يقرر عليه لبيت المال في كل سنة ألفي ثوب صوف ملونة قيمتها قريب من عشرين ألف دينار وأن يعجل بسبعين ألف دينار خارجا عن الذي يحتاج إليه للحاشية فألبس تشريفا ومركوبا وعذبة ، وتوجه المسفر صحبته إلى الإسكندرية ، فطلب جميع التجار من الفرنج المقيمين بها فأقرضوه المبلغ جميعه ، فعجل به قبل أن يصل إلى بلاده ، وكان أمير الإسكندرية يومئذ آقبغا التمرازي فأمر بعرض جميع من بها من الجند فكانت عدتهم ألفين وخمسمائة ملبس ، واجتمع من الرعية ما لا تحصى عدتهم فاصطفوا له سماطين على طريقه ، فلما رأى كثرتهم قال : الله إن كل من في بلاد الفرنج ما يقاوم أهل الإسكندرية وحدهم وقد تقدم أن أباه رمى بطرس هو الذي كان هجم على الإسكندرية في سلطنة الأشرف شعبان بن حسين فقدر الله تعالى أن ولده جابوش يدخلها في صورة الأسير في سلطنة الأشرف برسباي - ولله الحمد على جزيل هذه النعمة وكان رتب له رواتب تقوم بكفايته وكفاية من يخدمه ، وكان من أمره ما سأذكره إن شاء الله تعالى في السنة الآتية ، وفرح المؤمنون بنصر الله تعالى وكان ذلك على غير القياس ، فإن الجند الذين توجهوا إلى قبرس لم يكن لهم عادة بركوب البحر ولا بالقتال فيه فمن الله على المسلمين بلطفه ونصرهم ، ولو كانت الأخرى لطمع الفرنج في بلاد المسلمين خصوصا(8/105)
"""""" صفحة رقم 106 """"""
السواحل ، وطار خبر هذه الغزاة إلى الآفاق وعظم بها قدر سلطان مصر ولله الحمد وأنشد الأديب زين الدين عبد الرحمن بن محمد ابن الخراط موقع الدست بالقلعة قصيدة فائية أولها :
بشراك يا ملك الملوك الأشرف
بفتح قبرس بالحسام المشرف
فتح لشهر الصوم تم قتاله
من أشرف في أشرف في أشرف
أحيا الجهاد وكان قبل على شفا
من تركه فشفيته حتى شفي
قالت دمى تلك الديار وقد عفا
إنجيلهم أهلا بأهل المصحف
وفي طويلة يقول في آخرها :
لم تخلف مثلك فاتكا
ملكا ومثلي شاعرا لم تخلف
فيك التقى والعدل والإحسان في
كل الرعية والوفا والفضل في
وبيع السبي والغنائم وحمل الثمن إلى الخزانة السلطانية وفرق في الذين جاهدوا منه بعضه بعد أن كان السلطان هم أن يقسم الغنيمة بالفريضة الشرعية ثم انثنى عزمه عن ذلك .
وفي ثالث شعبان ابتدئ بقراءة الحديث بالقلعة وبدأ القارئ يقرأ في صحيح مسلم ، وأمر السلطان بإحضار القضاة المنفصلين فجلسوا عن يسار السلطان ، وجلس كاتبه عن يمينه وبجانبه العينتابي ثم المالكي ثم عبد العزيز الحنبلي ، وجلس المشايخ يمنة ويسرة وهم يزيدون على العشرة ، ووقعت فوائد ومباحث فظهرت مقادير انحطاطا وارتفاعا ، فلما كان يوم الختم خلع على القضاة التشاريف على العادة لكنهم كانوا سبعة ، وخلع(8/106)
"""""" صفحة رقم 107 """"""
على المشايخ بسعي العيني فراجى صوف بسنجاب وفرجية وهو بسمور وهي أول سنة خلع فيها على المشايخ وكانوا نحو عشرة .
وفي النصف من ذي القعدة وصل نجم الدين ابن حجي الذي كان كاتب السر وبقي في السنة الماضية فلم يزل يسعى ويكاتب يبذل المال إلى أن أجيب وأذن له بالمجيء إلى القاهرة بعناية من كان السبب في صرفه وهو جانبك الدويدار ، فلما استقر بالقاهرة سعى في قضاء الديار المصرية ، فأجيب سؤاله واستدعى بديوان خطب فحفظ منه خطبة عيد النحر ظنا منه أنه ربما أفضت إليه الولاية عاجلا فاحتاج إلى أن يخطب يوم العيد ، وأمر بخياطة ملابس القضاة من فوقانية ونسج عذبة وغير ذلك ، ففي غضون ذلك وصل الشريف شهاب الدين نقيب الأشراف الحسيني الذي كان ولى القضاء عوضا عنه لما أسفر في كتابة السر ومعه من الهدايا والتحف ما لا يوصف كثرة وذلك في أواخر ذي الحجة ، فأهدى للسلطان وبقية الكبار هدايا خليلة حتى لم يدع من شاء الله من الرؤساء حتى أهدى له فقلب الله القلوب ، وقرر ابن حجى في قضاء الشام وأمر بأن يرجع الشريف بطالا ، فتوجها إلى الشام في السنة المقبلة .
وفيها في ذي القعدة بلغ عجلان بن ثابت بن هبة الحسني أمير المدينة أن السلطان عزله وولى ابن عمه خشرم بن جماز بن هبة فقبض على(8/107)
"""""" صفحة رقم 108 """"""
الخدام والقضاة ونهب المدينة ، فلما وصل خشرم مع أمير الحاج الشامي وجد عجلان أخلى المدينة فأقام خشرم وتوجه الركب الشامي إلى مكة ، فعاد عجلان فأمسك خشرم وخرب بيوتا كثيرة وأحرق بيوتا وسلم منه بيوت الرافضة ، وكان قد أقام من الرافضة قاضيا اسمه الصيقل وكان يرسل إليه غالب الأحكام .
وجلى أهل المدينة إلا الرافضة وإلا القاضي الشافعي فإنه كان استنزل شخصا من أقارب خشرم يقال له مانع فأجاره . وفيها استقر مقبل الرومي في نيابة صفد عوضا عن اينال الخازندار بحكم مخامرته هو وأخوه وكان يومئذ نائب القلعة فاتفقا فتحيل مقبل عليهما حتى قبض عليهما فقتلا .
وفيها خرجت العساكر إلى هابيل بن قرايلك بمدينة الرها فغلبوا عليها وانتهبوها ، واسروا هابيل وأحضروه إلى القاهرة فسجن بالقلعة حتى مات في الطاعون ، الكائن في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة .
وفيها جهز السلطان برسبغا إلى ينبع وقرقماس الشعباني إلى مكة ، فغلب برسبغا على صاحب ينبع وجهزه في الحديد إلى السلطان ، وأقام(8/108)
"""""" صفحة رقم 109 """"""
قرقماس بمكة فمهد البلاد وقطع أثر المفسدين .
وفيات سنة 829
ذكر من مات في سنة تسع وعشرين وثمانمائة من الأعيان
أحمد بن محمد بن مكنون ، شهاب الدين المنافي القطوي ، ولد بها سنة تسع وسبعين وأبوه إذ ذاك الحاكم بها ، ونشأ نشأة حسنة وحفظ الحاوي ، واشتغل في الفرائض ، ولازم الشيخ شمس الدين الغراقي في ذلك ، وكان يستحضر الحاوي وكثيرا من شرحه ، واشتغل في الفقه قليلا ، ثم ولي قضاء قطية بعد أبيه ، ثم ولي قضاء غزة بعناية القاضي ناصر الدين ابن البارزي في أول الدولة المؤيدية ، ثم استقر في قضاء في دمياط مع بقاء قطية معه فاستناب فيها قريبه زين الدين عبد الرحمن واستمر في دمياط في غاية الإعزاز والإكرام ، فلما انفصلت الدولة المؤيدية تسلط عليه أناس بالشكاوى والتظلم ، وكان كثير الاحتمال حسن الأخلاق ، وصاهر عندي على ابنتي رابعة ودخل بها بكرا ابنة خمس عشرة سنة فولدت منه بنتا ثم مات عنها ، فتزوجها الشيخ محب الدين ابن(8/109)
"""""" صفحة رقم 110 """"""
الأشقر فماتت عنده - عوضها الله الجنة ومات ابن مكنون في شهر رمضان وكثر الأسف عليه .
اينال النوروزي أمير سلاح مات في أول ربيع الآخر بالقاهرة . أبو بكر بن محمد بن عبد الله الشيخ تقي الدين الحصني ثم الدمشقي الفقيه الشافعي ، ولد سنة 752 ، وتفقه بالشريشي والزهري وابن الجابي والصرخدي والغزي وابن غنوم ، وأخذ عن الصدر الياسوفي ثم انحرف عن طريقته ، وحط على ابن تيمية وبالغ في ذلك ، وتلقى ذلك عنه الطلبة بدمشق ، وثارت بسبب ذلك فتن كثيرة ، وكان يميل إلى التقشف ، ويبالغ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وللناس فيه اعتقاد زائد ، ولخص المهمات في مجلد ، وكتب على التنبيه ، وكانت وفاته في 141 جمادى الآخرة ،(8/110)
"""""" صفحة رقم 111 """"""
قال القاضي تقي الدين الأسدي : كان خفيف الروح منبسطا ، له نوادر ، ويخرج إلى التنزه ويحث الطلبة على ذلك ، مع الدين المتين والتحري في أقواله وأفعاله ، وتزوج عدة نساء ثم انقطع وتقشف وانجمع ، وكل ذلك قبل القرن ، ثم ازداد بعد الفتنة تقشفه وانجماعه وكثرت مع ذلك أتباعه حتى امتنع من مكالمة الناس ، ويطلق لسانه في القضاة وأصحاب الولايات ، وله في الزهد والتقلل من الدنيا حكايات تضاهي ما نقل عن الأقدمين ، وكان يتعصب للأشاعرة ، وأصيب في سمعه وبصره فضعف ، وشرع في عمارة رباط داخل الباب الصغير فساعده الناس بأموالهم وأنفسهم ، ثم شرع في عمارة خان للسبيل ففرغ في مدة قريبة ، وكان قد كتب بخطه كثيرا قبل الفتنة ، وجمع تواليف كثيرة في الفقه والزهد .
حسن بن سويد ، المصري المالكي القاضي بدر الدين ، كان أصله من سوق شنودة وسلفه من القبط ، ويقال إن أباه كان يبيع الفراريج ، ذكر لي ذلك بعض ثقات المصريين عن شيخنا شمس الدين المراغي أنه شاهده ، ورزق سويد هذا من الأولاد جماعة نبغوا وصاروا من أعيان الشهود بمصر منهم شمس الدين الأكبر وبدر الدين هذا ، ولازم الاشتغال(8/111)
"""""" صفحة رقم 112 """"""
في مركز الشافعية بباب العبد والمتجر الكارمي ، ومجلس القاضي فخر الدين القاياتي ، ودروس الشيخ شمس الدين المراغي ، ثم حصل مالا واتجر به إلى اليمن في سنة ثمانمائة ثم عاود البلاد مرارا واتسعت حاله جدا ، وتزوج بنت الهوريني التي من بنت القاياتي بعد موت زوجها والد الشيخ سيف الدين الحنفي فاستولى على تركة القاياتي بعد موته وأدخل معه فيها من شاء ، وبنى مدرسة تقابل حمام جندر ومات قبل أن تكمل ، وأوصى لها بأربعة آلاف دينار لتكميلها فصيرها أولاده بعد جامعا وأبطلوا ما كان صيره هو من كونها مدرسة ، ولم يدرس بها تدريسا ، وحصل في ذلك خبط كثير ؛ مات في أوائل صفر .
حسن بن عجلان بن رميثة ، الحسني أمير مكة السيد الشريف ، وكان قدم صحبة قرقماس من الحجاز في المحرم ، واجتمع بالسلطان ، وقرره في إمرة مكة على عادته وألزم بثلاثين ألف دينار ، أحضر منها خمسة آلاف وأقام ليتجهز فتأخر سفره إلى أن كان في سادس عشر جمادى الآخرة فمات ، وكان أول ما ولي الأمرة بعد قتل أخيه علي بن عجلان في ذي القعدة سنة سبع وتسعين ، فكانت مدة إمرته اثنتين وثلاثين سنة سوى ما تملكها من ولاية غيره ، وكان في هذا الشهر قد تجهز وأخرج أثقاله ظاهر القاهرة ، وقدم ولده بركات في رمضان من مكة فالتزم بما بقي على والده ،(8/112)
"""""" صفحة رقم 113 """"""
والتزم كل سنة بأن يحمل عشرة آلاف دينار ، والتزم أن يكون ما جرت به العادة من مكس جدة يكون له ، وما تجدد من مراكب الهند يكون للسلطان خاصة .
خليفة المغربي الأزهري الشيخ المعتقد ، مات في 21 المحرم فجأة في الحمام ، وكان قد انقطع للعبادة بالجامع الأزهر نيفا وأربعين سنة ، ووجد له شيء كثير .
شمس بن عطاء الله ، الهروي القاضي شمس الدين واسمه محمد بن عطاء الله بن محمد بن محمود بن محمود بن فضل الله بن الرازي الهروي الشافعي ، مولده بهراة سنة 767 ، كان إماما بارعا في فنون من العلوم ويقرئ في المذهبين الشافعي والحنفي والعربية والمعاني والبيان ، ويذاكر بالأدب والتاريخ ، ويستحضر كثيرا من الفنون ، وله تصانيف تدل على غزر علمه واتساع نظره وتبحره في العلوم ، وتقدمت أخباره مفصلة في سنة ثماني عشرى ، وفي سنة إحدى وعشرين ، وفي سنة سبع وعشرين ، وكان قد حج في سنة ثمان وعشرين ، ثم رجع إلى القدس فمات به وهو شيخ الصلاحية في ثامن عشر ذي الحجة ، وكان شيخا ضخما طوالا أبيض اللحية مليح الشكل إلا أن في لسانه مسكة .(8/113)
"""""" صفحة رقم 114 """"""
علي بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن علي بن إسحاق بن سلام ابن عبد الوهاب بن الحسن بن سلام الدمشقي علاء الدين أبو الحسن الشافعي ، ولد سنة خمس أو ست وخمسين ، وحفظ القرآن والتنبيه والألفية ومختصر ابن الحاجب ، وتفقه على علاء الدين ابن حجي وابن قاضي شهبة وغيرهما كالشهابين الزهري والحسباني ، وارتحل إلى القاهرة فقرأ بها الأصول على الضياء القرمي والمختصر على الركراكي المكي وكان يطريه حتى كان يقول : كان يعرفه أكثر من مصنفه ، فاشتهر وتميز ومهر ، فكان يبحث في حلقة ابن خطيب يبرود فينتشر البحث بين الطلبة بكثرة تفننه وإشكالاته ، وأصيب في الفتنة الكبرى بما له(8/114)
"""""" صفحة رقم 115 """"""
وفي يده بالحرق ، وأسروه فسار معهم إلى ماردين ثم انفلت منهم ، وقرره نجم الدين ابن حجي في الظاهرية البرانية بعد وفاة أخيه ، ونزل له التاج الزهري عن العذراوية بمساعدة ابن حجي ، ودرس بالركنية بعد ابن خطيب عذراء ، وكان يحفظ كثيرا من الرافعي وإشكالات عليه وأسئلة حسنة ، ويقرئ في الفقه إقراء حسنا وكذا المختصر ، وله يد في النظم والأدب والنثر ، وكان بحثه أقوى من تقريره ، وكان مقتصدا في ملبسه وغيره شريف النفس حسن المحاضرة ، وكان ينسب إلى نصرة مقالة ابن عربي ، فإذا حوقق في أمره تبرأ من تلك المقالات ويتحمل لها تأويلات والله أعلم بغيبه ، وكان يطلق لسانه في جماعة من الكبار ، واتفق أنه حج في هذه السنة فلما رد من الحج والزيارة مات في وادي بني سالم في أواخر ذي الحجة ، وحمل إلى المدينة فدفن في البقيع وقد شاخ ، لقيته قديما بدمشق وسمعت من فوائده ، وكان أخذ الفقه عن الحسباني وابن الزهري والأصول عن الضياء القرمي .
عمر بن علي بن فارس ، الشيخ سراج الدين الخياط الطواقي الحنفي المعروف بقارئ الهداية ، وكان في أول أمره خياطا بالحسينية وتنزل في طلبة البرقوقية وتمهر في الفقه وغيره ، واستقر قارئ الشيخ علاء الدين(8/115)
"""""" صفحة رقم 116 """"""
السيرامي بها فلقب بقارئ الهداية تمييزا له عن سراج الدين آخر كان يقرأ في غيره ، وسمع الحديث من . . . وتقدم في الفقه إلى أن صار المشار إليه في مذهب الحنفية ، وكثرت تلامذته والأخذ عنه ، وولي مشيخة الشيخونية بأخرة بعد ابن التباني ، فلما مات استقر فيها زين الدين التفهني بعد عزله عن القضاء بالعيني ، واستقرت بقية وظائف سراج الدين بيد ولده ، وناب عنه فيها صاحبنا عبد السلام البغدادي ، مات في ربيع الآخر بعد أن أنتهت إليه الرئاسة في مذهبه ، وصار المعول على فتياه مع جلالته في أصول الفقه والعربية والنحو وغيرها ، وشارك في فنون كثيرة ، وكان مقتصدا في ملبسه ومركبه ، يتعاطى حوائجه من الأسواق بنفسه ولم يؤثر ذلك في جلالته وعظمته في النفوس ومهابة السلطان ممن دونه له هذا وهو غير ملتفت لأهل الدولة بالكلية ، ولما ولى مشيخة الشيخونية أراد التوجه إليها ماشيا من مسكنه بالظاهرية ، فأرسل إليه الأشرف فرسا وألزمه بركوبها ، فلما ركبها أخذ بيده عصا يسوقها بها حتى وصل إلى الخانقاه ، فنزل عنها كما ينزل عن الحمار برجليه من ناحية واحدة ، هذا وهو على ما هو عليه من الوقار والأبهة التي لم يبلغها أصحاب الشكائم والعمائم .(8/116)
"""""" صفحة رقم 117 """"""
قجق الظاهري أتابك العساكر بالديار المصرية ، مات في تاسع رمضان .
محمد بن أحمد بن ظهيرة بن أحمد بن عطية بن ظهيرة ، المخزومي المكي الشافعي ، ابن عم الشيخ جمال الدين محمد بن عبد الله بن ظهيرة ، يلقب كمال الدين ويكنى أبا الفضل ، ولد في شهر ربيع الآخر سنة ست وخمسين ، وسمع من عز الدين ابن جماعة والشيخ خليل المالكي والموفق الحنبلي وابن عبد المعطي ، وناب في الخطابة ، وحدث ، وأضر بأخرة ؛ ومات في صفر .
محمد بن محمد بن أبي القاسم ، أبو عبد الله الرخاجي ، أحد مشايخ الصوفية بزبيد ، كان قد تقدم عند الأشرف إسماعيل ثم عند ولده الناصر ، وكان يلازمه وينادمه ويحضر معه جميع ما يصنعه من خير وشر من غير تعرض لإنكار ، وكان حسن الوساطة ؛ مات في رابع عشر ذي القعدة وله ست وسبعون سنة .
يوسف بن خالد بن أيوب ، القاضي جمال الدين الحسفاوي الشافعي ،(8/117)
"""""" صفحة رقم 118 """"""
نشأ بحلب وقرأ في الفقه على ابن أبي الرضى وقرأ عليه القراآت ، ثم سافر إلى ماردين فأخذ عن زين الدين سربجا وولي قضاء ملطية مدة ، ثم دخل القاهرة ولي قضاء حلب ثم قضاء طرابلس ثم كتابة السر بصفد ، وكان حسن الشكل فائق الخط قوي النظم ؛ مات بطرابلس في ثالث عشر المحرم .
حوادث سنة 830
سنة ثلاثين وثمانمائة
أولها السبت ففي الثامن منه خلع على نجم الدين بن حجي بقضاء الشام عالى قاعدته وصرف الشريف شهاب الدين فأقام قليلا ، ثم أمر السلطان بسفره إلى الشام بطالا ، فأول شيء صنعه ابن حجي أنه قرب أبا أسامة الذي كان أثبت عليه المال الجزيل فيما مضى ظلما وعدوانا فأحسن إليه ، ثم استدعى منه أن يثبت على الشريف نظير ما أثبت عليه ، فأجابه إلى ذلك فبادر وفعل ، وطولع السلطان بذلك فألزم الشريف بما ثبت عليه وعد ذلك من العجائب ، واشتهر أبو أسامة بالأحكام الباطلة ، واستعاذ كل مسلم من شره لجرأته على الأمور الفظيعة ، فخشى عاقبة ذلك فتحزل إلى القاهرة فسكنها مدة ، ثم أخرج منها بعد لا بارك الله فيه . وكان صرف الشريف من وظيفة القضاء مما يعد من الخوارق ، فإنه لم يكن بقي أحد من أهل الدولة له مال إلا وتعصب له أن يستمر ، فعاكس السلطان الجميع .
وفي المحرم نودي على أهل الذمة أن يصغروا عمائمهم وأن لا يدخلوا(8/118)
"""""" صفحة رقم 119 """"""
الحمامات مع المسلمين ومن دخل منهم فليكن في عنقه جلجل أو طوق حديد إلى أشياء كثيرة اخترعها المحتسب تبعا لغيره ، فضجوا من ذلك ورفعوا أمرهم إلى السلطان ، فأحضر القضاة في ثالث عشر المحرم وسألهم ما يجب عليهم فتقر الحال أن لا يدخلوا الحمام إلا بخيط في رقبة ويكون فيه خاتم من حديد أو رصاص ، وأن لا يتعرض لعمائمهم الملونة كبرت أو صغرت ، وأن نساءهم يتميزن من النساء المسلمات بشيء يكون قدر الكف أو أصغر من لون عمائم رجالهن ؛ فصنع ذلك وكتب على أكابرهم والتزموا به .
وفيها صرف خشرم عن إمرة المدينة وأعيد عجلان .
وفي ذي الحجة منع من البيع في داخل المسجد الحرام ، ومن نصب الصواوين داخله ، ومن نقل المنبر عند خطبة الجمعة من مكانه بجانب المقام إلى ظهر الكعبة .
وفي أواخر شعبان تكلمت مع السلطان في أن لا يطفأ القناديل في رمضان إلا قبيل طلوع الفجر لما يحصل للناس من الإجحاف ممن ينام ثم يستيقظ عطشان فلا يجد القناديل تقد فيظن أن الأكل والشرب حرم وليس كذلك ، فوافق السلطان على ذلك ثم عقد لذلك مجلس ، فاتفق من حضر على أنه يترتب على ذلك أن يغلط من كان يعرف العادة المستمرة فيبطل صومه ، فتوقف الأمر واستمرت العادة - ولله الأمر .
وفي هذه السنة صرف أبو السعادات محمد بن أبي البركات محمد بن(8/119)
"""""" صفحة رقم 120 """"""
أبي السعود ابن ظهيرة عن قضاء مكة واستقر الجمال محمد بن علي الشيبي ، ولما حج مع الناس استقر في مباشرة الحكم ، وأمر بسد أبواب الحرم كلها إلا أربعة أبواب ، فحصل للناس بذلك مشقة شديدة فكان ما سنذكره .
وفيها وصلت من الهند من صاحب بنجالة هدايا جليلة لجماعة من الناس خصوصا الشيخ علاء الدين محمد بن محمد بن محمد البخاري ثم الهندي نزيل القاهرة ، ووصلت أيضا هدايا من صاحب الهند .
وفي العشر الأخير من شعبان انكشفت رأس بعض المماليك وهو يلعب بالرمح ، فظهر أنه أقرع فضحكوا منه . فسأل السلطان أن يقرره(8/120)
"""""" صفحة رقم 121 """"""
شاد القرعان ، فكتب له مرسوم بذلك ، فكان يدور على الناس فمن ظن به أنه أقرع كشف رأسه فإن وجده أقرع أخذ منه ثلاثة دراهم فضة وثلثا ثم اضمحل أمره بعد قليل .
وفيها قدم سودون نائب الشام ، ثم رجع إلى إمرته بعد عشرة أيام ، وصرف أزدمر شايه عن إمرته بالقاهرة وقرر حاجبا بحلب .
وفيها خرج عرب الشرق من الحجاز على أهل الركب العراقي فانتهبوهم ، وكان من جملتهم ولدان لحسن بن عجلان كانا انتجعا المشرق ، فأكرمهما الملوك اللنكية وغيرهم ورجعا بمال ونهب ، وذهبت للتجار العراقيين أموال عظيمة كثيرة جدا .
وفي أواخر السنة بلغ السلطان أن بعض التركمان نازل الملطية ، فأمر بتجريده ثم بطلت ، وجهز قانباي البهلوان أميرا عليها .
وفي خامس عشري شهر ربيع الآخر مات كافور الزمام ، وكان قد عمر وقارب التسعين ، ودفن في تربة بناها بالصحراء .
وفي عاشر جمادى الآخرة قبض على تغري بردى المحمودي ، وهو يومئذ راس نوبة كبير ، وكان حينئذ يلعب مع السلطان بالأكرة في الحوش ، وذكر أن ذنبه ما نقل عنه أنه اختلس من الأموال من قبرس(8/121)
"""""" صفحة رقم 122 """"""
وشيع في الحال إلى الإسكندرية مقيدا .
ومن عجائب ما اتفق له في تلك الحال أن شاهد ديوانه شمس الدين محمد بن الشامية لحقه قبل أن يصل إلى البحر فقال له وهو يبكي : يا خوند هل لك عندي مال ? وقصد أن يقول : لا ، فشفعه ذلك بعده عند السلطان وغيره ، فكان جوابه له : أنا لا مال لي بل المال للسلطان ، فلما سمعها ابن الشامية ، دق صدره ، واشتد حزنه وسقط ميتا من غير ضعف ولا علة .
وفي آخر يوم من ذي القعدة استقر بهاء الدين ابن نجم الدين ابن حجي في قضاء الشام مكان والده ، وبذل في ذلك ثلاثين ألف دينار - وسيأتي ذكر قتل أبيه في ترجمته .
وفيات سنة 830
ذكر من مات في سنة ثلاثين وثمانمائة من الأعيان
أحمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن عرب أبو العباس المعروف بابن عرب اليماني الزاهد بالشيخونية ، انتقل أبوه من اليمن إلى بلاد(8/122)
"""""" صفحة رقم 123 """"""
الروم فسكنها وولد له بها أحمد هذا فنشأ بمدينة برصا ، فكان يقال له : ابن عرب ، على عادة الروم والترك في تسمية من لم يكن منهم عرب ، ونشأ أحمد هذا نشأة حسنة ، ثم قدم القاهرة وتنزل في القاعدة التي استجدها أكمل الدين صوفيا ، وقرأ على خير الدين سليمان بن عبد الله ، ونسخ بالأجرة واشتغل ، ثم انقطع عن الناس فلم يكن يجتمع بأحد ، واختار العزلة مع المواظبة على الجمعة والجماعة ، واقتصر على ملبس خشن جدا وقنع بيسير من القوت ، ومهما اطلع على أن أحدا من الباعة عرفه فحاباه لم يعد إليه ، وكان يتنكر ويشتري قوت يومين أو ثلاثة بعد العشاء ويدخل الجامع من أول النهار يوم الجمعة ، ولا يكلم أحدا في حال ذهابه ولا إيابه ، فأقام على هذه الطريق أكثر من ثلاثين سنة ولم يكن في عصره من داناه في طريقته ، وكان يدري القراآت ، مات ليلة الأربعاء ثاني شهر ربيع الأول ، ومن عجائب أمره أنه لما مات كان الجمع في جنازته موفورا ، وأكثر الناس كانوا لا يعلمون بحاله ولا بسيرته فلما تسامعوا بموته هرعوا إليه ، ونزل السلطان من القلعة فصلى عليه بالرميلة ، وأعيد إلى الخانقاه فدفن بها ، وتنافس الناس في شراء ثياب بدنه فاشتروها باغلاء الأثمان ، فاتفق أن جملة ما اجتمع من ثمنها حسب فكان قدر ما تناوله من المعلوم من أول ما نزل بها إلى أن مات لا يزيد ولا ينقص ، فعد ذلك من كراماته رحمه الله .(8/123)
"""""" صفحة رقم 124 """"""
أحمد بن موسى ، شهاب الدين المتبولي المالكي موقع الحكم ، حدث عن البياني وغيره ، أخذ عنه جماعة ، ومات في يوم الأربعاء 8 ربيع الأول عن خمس وثمانين سنة .
أحمد بن يحيى بن عبد الله الحموي الرواقي الصوفي شهاب الدين أبو العباس ، ولد سنة 747 . وذكر أنه سمع بمكة على العفيف عبد الله اليافعي في سنة 55 ، وتلقن الذكر ولبس خرقة التصوف من الشيخ يوسف بن عبد الله بن عمر بن خضر الكوراني ، واسندها له عن الشيخ نجم الدين الأصفهاني عن نور الدين عبد الصمد عن الشيخ شهاب الدين السهروردي ، وتعاني طريق التصوف ، وسكن في الأخير حماة ، وتردد إلى طرابلس وغيرها ، وزار القدس سنة سبع وعشرين ؛ قال القاضي علاء الدين : كان صالحا خيرا دينا ناسكا ? مسلكا ، يستحضر أشياء حسنة عن الصوفية ، اجتمعت به بطرابلس فأنشدني وساق له عن أبي حيان قصيدة أولها :
لا خير في لذة من دونها حذر
ولا صفا عيشة في ضمنها كدر(8/124)
"""""" صفحة رقم 125 """"""
فلا ترم رقعة بين الأنام فقد
حست منامك الأخبار والسير
والرفع من بعده نصب وفاعله
عما قليل بحرف الجر ينكسر
وهي نحو العشرين بيتا ، لا يشبه نظم أبي حيان ولا نفسه ولا يتصور لمن ولد سنة سبع وأربعين أن يسمع من أبي حيان الذي مات قبل ذلك بمدة ، ولقد عجبت من خفاء ذلك على القاضي علاء الدين ثم خشيت أن يكون بين الرواقي وأبي حيان واسطة ، وقد زعم أنه أنشدها له العلامة جمال الدين عبد الله بن يوسف بن هشام قال : أنشدنا أبو حيان ، ولا يعرف أن ابن هشام أخذ عن أبي حيان شيئا بل كان يجتنبه . قال : وكان الرواقي يقيم بحماة ويأتي طرابلس ، ثم بلغني أنه توجه إلى القدس وأقام به ومات ما بين ثمان وتسع وعشرين .
أحمد بن يوسف ، الزعيفريني شهاب الدين الأديب البارع كان ينظم الشعر ويكتب المنسوب ، ويتكلم في معرفة علم الحرف ويخبر عن المغيبات ، ولذلك مال إليه جماعة من الأكابر وأثرى ، وامتهن في سنة ثمانمائة واثنتي عشرة وقطع الناصر لسانه وعقدتين من أصابعه ، ورفق به المشاعلي عند قطع لسانه فلم يمنعه من الكلام ، وكان السبب في ذلك أنه نظم(8/125)
"""""" صفحة رقم 126 """"""
لجمال الدين ملحمة أوهمه أنها قديمة وأنه يملك ، وصار بعد موت الناصر يكتب بشماله ، وكتب مرة إلى الصدر ابن الأدمي :
لقد عشت دهرا في الكتابة مفردا
أصور منها أحرفا تشبه الدرا
وقد عاد خطي اليوم أضعف ما ترى
فهذا الذي قد يسر الله لليسرى
فأجابه :
لئن فقدت يمناك حسن كتابة
فلا تحتمل هما ولا تعتقد عسرا
وأبشر ببشر دائم ومسرة
فقد يسر الله العظيم لك اليسرى
أحمد بن البدر بن محمد بن أويس ، المغربي نزيل طرابلس ، قرأ بالروايات على أبي زيد عبد الرحمن بن المعلم سليمان بن إبراهيم التونسي نزيل طرابلس في سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة فقرأه علي أبي عبد الله محمد بن محمد بن سلامة الأنصاري ، ولبس خرقة التصوف من محمد بن أحمد بن محمد بن المهندس بحصن الأكراد في السنة المقبلة ، وذكر انه لبسها من علي بن محمد بن محمد بن أبي الفتح عبد المحمود بمدينة بحصن الأكراد سنة 54 ؛ ومات ابن البدر المذكور بطرابلس في ذي القعدة ، وسمع من بهادر القرمي ومحمد بن هبة الله بن وهبة وأحمد بن علي بن محمد الأرموي ومحمد بن مظفر الحسيني وعلي بن اليونانية .(8/126)
"""""" صفحة رقم 127 """"""
أويس بن شاه ولد لابن شاه زاده ابن أويس صاحب بغداد ، قتل في الحرب بينه وبين محمد شاه بن قرا يوسف ، واستولى محمد شاه على بغداد مرة أخرى .
بركوت بن عبد الله المكيني شهاب الدين عتيق سعيد بن عبد الله المكيني عتيق مكين الدين اليمني ، كان حبشيا صافي اللون حسن الخلق كثير الإفضال محبا في أهل العلم وأهل الخير كثير البر لهم واللطف بهم ، لقي حظا عظيما من الدنيا وتنقلت به الأحوال ، وبنى بعدن أماكن عديدة ، ثم تحول إلى مكة فسكنها وبنى بها دارا عظيمة ، وصاهر إلى بيت المحلي التاجر فنكح بنته آمنة واستولدها ، وكان كثير التزوج والأولاد ، ومات له في حياته أكثر من خمسين ولدا ، وما مات حتى تضعضع حاله ، وذلك في ذي القعدة بعدن وله نحو الستين .
عبد الله الملك المنصور بن الناصر أحمد بن الأشرف إسماعيل صاحب اليمن ، مات في جمادى منها ، واستقر بعده الأشرف إسماعيل بن الناصر أحمد .(8/127)
"""""" صفحة رقم 128 """"""
عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمود بن غازي بن أيوب بن محمود ابن ختلو ، الحلبي فتح الدين ابن الشحنة أخو العلامة محب الدين أبي الوليد ، كان أصغر سنا من أخيه ، واشتغل كثيرا في الفقه حنفيا حتى ناب عن أخيه في الحكم ثم تحول بعد الفتنة العظمى مالكيا ، وولي القضاء ثم عزل وخصل له نكد لاختلاف الدول ، ثم عاد في سنة خمس(8/128)
"""""" صفحة رقم 129 """"""
عشرة من قبل نوروز ثم من قبل المالك المؤيد إلى أن مات ، قال القاضي علاء الدين : رافقته في القضاء وكان صديقي وصاحبي ، وعنده مروءة وحشمة ، وأنشد له من نظمه وهذا عنوانه :
لا تلوموا الغمام إن صب دمعا
وتوالت لأجله الأنواء
فالليالي أكثرن فينا الرزايا
فبكت رحمة علينا السماء
عمر بن حجي بن موسى بن أحمد بن سعد ، السعدي الحسباني الأصل الدمشقي نجم الدين أبو الفتوح بن حجي الشافعي ، ولد سنة 767 بدمشق ، وقرأ القرآن ، ومات والده وهو صغير ، وحفظ التنبيه في ثمانية أشهر ، وحفظ كثيرا من المختصرات ، وأسمعه أخوه الشيخ شهاب الدين من ابن أميلة وجماعة ، واستجاز له من جماعة ، وسمع هو بنفسه من جماعة كثيرة ، وأخذ العلم عن أخيه وابن الشريشي والزهري وغيرهم ، ودخل مصر سنة تسع وثمانين فأخذ عن ابن الملقن ، ولازم الشرف والعز ابن جماعة وغيرهم ، وأذن له ابن الملقن ، والبدر الزركشي الأنطاكي مدة وتعلم العربية ، وكان قليل الاستحضار إلا أنه جيد الذهن حسن التصرف ، وأول ما حج سنة ست وثمانين ، ثم ولي إفتاء دار العدل سنة اثنتين وتسعين ، وجرت له كائنة مع الباعوني فضربه هو والعزي وغيرهما وطوف بهم وسجنوا بالقلعة ، وذلك في رمضان سنة خمس(8/129)
"""""" صفحة رقم 130 """"""
وتسعين ، ثم حج سنة تسع وتسعين وجاور ، وولي قضاء حماة مرتين ، ثم ولي قضاء الشام في ربيع الآخر سنة تسع وثمانمائة ، ثم انفصل بعد شهرين ، ثن أعيد في شوال سنة عشر ، ثم صرف مرارا ، وهكذا كانت مدة ولايته إحدى عشرة سنة وأشهر في مدة إحدى وعشرين سنة ، وعدد ولاياته سبع مرات ، وقدم مصر سنة اللنك بعد أن نجا منهم بحيلة غريبة ، فناب في الحكم عن الجلال البلقيني ، ثم عاد وولي قضاء طرابلس سنة اثنتي عشرة قدر شهرين ، وحبسه نوروز في شوال سنة خمس عشرى وهم بقتله ثم نجا منه ، وقبض عليه مرة أخرة قبل ذلك فهرب من الموكلين به بحيلة عجيبة ، ثم قبض عليه في جمادى الأولى سنة ست عشرة ، ثم تحيل وخلص وقدم القاهرة ، ثم رجع مع المؤيد حتى قتل نوروز ، واستقر في القضاء إلى أن قام عليه الحاجب فنودي عليه وحبس بالقلعة ، ثم خلص وقدم مصر ورجع متوليا ، ثم في سنة إحدى وعشرين سجن بالقلعة ثم أطلق ، وحج سنة اثنتين وعشرين ، فاستناب الشريف شهاب الدين بن عدنان مع ما كان بينهما من العداوة الشديدة ، والسبب في ذلك أن النواب سطوا عليه واختلفوا فيمن يصلح منهم أن ينوب عنه في غيبته فعاقبهم بأن أقام عليهم الشريف ، فكان ذلك أول طمع الشريف في الدخول في المنصب ثم قام مع جقمق نائب الشام بعد موت المؤيد وأشار على نائب القلعة بتسليمها إليه ، فلما وصل ططر ومن معه(8/130)
"""""" صفحة رقم 131 """"""
لم يؤاخذ بذلك ، وحج في تلك السنة سنة أربع وعشرين ، وهم بالدخول إلى مصر ليلى عوض البلقيني ثم رجع إلى دمشق ، وبلغه ولاية العراقي فقعد ، ثم قام عليه نائب الشام في سنة ست وعشرين وتألب عليه أعداؤه وهموا بقتله ، ثم اتفق مرض النائب فاشتغل بنفسه ومات فجاءته الولاية في رمضان منها ، ولم يزل يتقلب في الأمور إلى أن قرر في كتابة السر بالقاهرة ، فلم يمش له فيها حال ، وتغير عليه غالب أصحابه ، وعادى من كان يحبه قبل ذلك ، فصرف صرفا شنيعا كما تقدم في الحوادث ، ثم استأذن في الوصول إلى مصر فأذن له ، فقرر في قضاء الشام في محرم هذه السنة ، وحصل له عند عوده تعظيم زائد ، وتسلط على الشريف عدوه وآذاه كثيرا وعمل عليه إلى أن قتل في منزله غيلة وذهب دمه هدرا ، وكان ذكيا فصيحا حسن الملتقى والمباسطة يلقي الدروس بتأن وتؤدة مع ذلك كثير الإحسان للطلبة والواردين عليه بدمشق إلا أنه انعكس في ذلك في ولايته كتابة السر وصار على ضد ما كان يعهد منه ، وكان كثير التلون سريع الاستحالة ، وكان قتله في ليلة الاثنين ثاني ذي القعدة .
عمر بن طرخان بن شهري ، الحاجب الكبير بحلب ، مات في حادي عشري شهر رجب .(8/131)
"""""" صفحة رقم 132 """"""
عمر بن الشيخ شمس الدين محمد بن اللبان ، المصري ، أخذ القراآت عن والده وتصدر للاقراء وكان ساكنا سليم الباطن ، وكان غالية في الشطرنج ؛ مات في شعبان عن نحو ثمانين سنة .
محمد بن إبراهيم بن محمد الدمشقي الأصل البشتكي ، كان أبوه فاضلا فنزل بخانقاه بشتاك الناصري فولد له الشيخ بدر الدين هذا بها ، وكان جميل الصورة ، فنشأ محبا في العلم ، وحفظ القرآن وعدة مختصرات ، وتعاني الأدب فمهر فيه ، ولازم ابن أبي حجلة وابن الصائغ ، ثم قدم ابن نباتة مصر فلازمه وكتب عنه ديوان شعره ، ثم رافق جلال الدين ابن خطيب داريا ودخل معه دمشق واجتمع بفضلائها ، وأخذ عن البهاء السبكي وغيره بالقاهرة ، ، وصحب الشيخ بهاء الدين الكازروني مدة ونسخ له كثيرا ، وكان أحد الأفراد في كثرة النسخ حتى كان ينسخ في اليوم خمسة كراريس ، فإذا تعب اضطجع على جنبه وكتب خمسة أخرى كما يكتب وهو جالس ، وكتب ما لا يدخل تحت الحصر وكتب للكازروني المذكور كثيرا من تصانيف ابن العربي ، ثم رجع عن ذلك بعد موته وصار داعية إلى الحط على مقالة ابن العربي ، وأحب المذهب الظاهري على طريقة ابن حزم ، وامتحن بسبب ذلك بمكة على يد أبي الفضل النويري قاضيها وكان جاور بها بعد الثمانين ، وامتحن أيضا بالقاهرة على(8/132)
"""""" صفحة رقم 133 """"""
يد البرهان الإختاني وحبس ثم أطلق ، وصحب فخر الدين ابن مكانس ، وأقرأ ولده وأدبه ، وتخرج به فمهر في الأدب ، وله مطارحات مع أدباء أهل العصر وهاجي جماعة منهم ، وكان هو كثير الإنجماع ، يرجع إلى دين متين مع محبته في المجون والخلاعة ، ثم أقلع وتاب ولازم الإنجماع ، وكان حسن الأخلاق في أول ما يصحب ثم لا يلبث أن يتغير ، وفي الجملة كان عديم النظير في الذكاء وسرعة الإدراك إلا أنه تبلد ذهنه بكثرة النسخ ، وقد مدح القاضي برهان الدين بن جماعة بعدة قصائد طنانة ، سمعت منه كثيرا من شعره ومن فوائده ، وكانت وفاته فجأة ، دخل الحمام فمات في الحوض يوم الاثنين ثالث عشري جمادى الآخرة ، ومن نظمه :
كنت إذا الحوادث دنستين
فزعت إلى المدامة والنديم
لأغسل بالكؤس الهم عني
لأن الراح صابون الهموم
قاسم المؤيدي الدوادار ، كان ولي الإسكندرية ثم إمرة بحلب ، ثم استمر بها إلى أن قتل في المحرم .
كافور أغتمشي الزمام ، مات يوم الأحد خامس عشري ربيع الآخر وقد قارب الثمانين ، وهو صاحب المدرسة التي تجاه حارة الديلم ، واستقر بعده في الزمامية خشقدم الظاهري .
محمد بن المحدث عماد الدين إسماعيل بن محمد بن بردس بن رسلان(8/133)
"""""" صفحة رقم 134 """"""
البعلبكي الحنبلي الشيخ تاج الدين أبو عبد الله ، ولد ليلة التاسع والعشرين من جمادى الآخرة سنة 45 ، وسمع من أبيه أسمعه الكثير من ابن الخباز وتفرد به ، وسمع أيضا من محمد بن يحيى وشقيراء وابن الجوخي وابن أميلة ، وأجاز له العرضي والبياتي وابن نباتة والعلائي وغيرهم ، وانتفع به الرحالة ، وكان محبا لنشر العلم وللرواية طلق الوجه حسن الملتقى كثير البشاشة مع الدين والعبادة وملازمة الأوراد والصلابة في الدين ، وله نظم وتأليق وصدقة في السر ، مات في شوال ، وقد أجاز لي غير مرة .
محمد بن خالد بن موسى ، الحمصي القاضي شمس الدين المعروف بابن زهرة - بفتح الزاي - الحمصي الحنبلي ، مات في ثالث عشري شهر رجب ، وهو أول حنبلي ولي قضاء حمص ، وكان أبوه خالد شافعيا فيقال إن شخصا رأى النبي e فقال له : إن خالدا ولد له ولد حنبلي فاتفق أنه كان ولد له هذا فشغله لما كبر بمذهب الحنبلية ، وقرأ على بدر الدين بن اشناب ببعلبك وعلى الشيخ شرف الدين ابن قاضي الجيل وزين الدين بن رجب بدمشق ، وولي قضاء حمص .(8/134)
"""""" صفحة رقم 135 """"""
محمد بن عبد الواحد بن العماد محمد بن القاضي علم الدين أحمد بن أبي بكر ، تقي الدين الإخنائي المالكي نائب الحكم ، كان من خيار القضاة ، مات في سادس ذي الحجة بمكة وكان جاور بها في هذه السنة .
محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن الإمام أبي حامد محمد بن محمد بن محمد ، الغزالي الشافعي محي الدين أبو حامد الطوسي ، قدم من بلاده إلى حلب في شهر رمضان سنة ثلاثين وثمانمائة بعد أن كان دخل الشام قديما ، وسمع من زين الدين عمر بن أميلة مسند الوقت وحدث عنه في هذه المقدمة ، وجده الثامن فيما زعم هو حجة الإسلام أبو حامد الغزالي المشهور - كذا ذكر ذلك عنه الشيخ برهان الدين سبط ابن العجمي فيما قرأت بخطه والقاضي علاء الدين في ذيل تاريخه ووصفاه بالعلم والدين ، قال في الذيل : رأيت أتباعه وتلامذته يذكرون عنه علما كثيرا وزهدا وورعا ، وأخبر عنه بعض الطلبة أنه حج مرارا منها واحدة ماشيا على قدم التجريد ، وكان معظما في بلاده ، قال : وبلغني أنه رأى ملك الموت فسأله : متى أموت ? فقال : أنت تموت في العشر ، فما درى أي عشر ، فاتفق أنه مات في حلب في العشر الأخير من شهر رمضان سنة ثلاثين ، وكانت جنازته مشهودة ، أخد عنه إبراهيم بن علي الزمزمي المكي .(8/135)
"""""" صفحة رقم 136 """"""
حوادث سنة 831
سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة
في ثالث المحرم لبس السلطان الصوف وكان ذلك قبل العادة بمدة والحر موجود واستمر بعد ذلك أياما ووقع الندى وأمطرت السماء قليلا ، ودخل كيهك من شهور القبط وهو أول الأربعين عند المصريين ولم يقع البرد بل كان نظير فصل الربيع واستمر ذلك إلى أن نقلت الشمس إلى الجدي ولم يعهد ذلك .
وفي الثالث من المحرم قدم الحمل من قبرس وهو خمسون ألف دينار .
وفيها قتل عذراء بن علي بن نعير أمير آل فضل ، واستقر بعده أخوه مذحج .
وفي ثاني عشر صفر صرف القاضي الحنبلي عز الدين عبد العزيز ابن علي المقدسي وأعيد القاضي محب الدين بن نصر الله ، وكان عز الدين أحس بأن يعزل فمكر بأن سأل ناظر الجيش أن يسأل له السلطان في الإعفاء ، فبلغ السلطان ذلك فأعجب به وقال : لولا أنه رجل جيد ما طلب الإعفاء ، وأمر أن يستمر فظن حصول مقصوده بذلك من الاستمرار وصبر على ذلك مدة ، وسخط منه كاتب السر لأمر اقتضاه فاحتال عليه بأن قال للسلطان : هذا الحنبلي شيخ كبير وقد تكرر سؤاله الإعفاء(8/136)
"""""" صفحة رقم 137 """"""
وأن يقرر له رزق على جهة حل يأكل منها ويعبد الله ويدعو للسلطان ، فأمر السلطان بإجابته لذلك ، فخلع على محب الدين ولم يشعر عز الدين بذلك ، فضج ودار على الأمراء فلم ينجع ، وقرر له في الشهر على وقف تنبغا التركماني معلوم النظر ، وكان يظن أنه بما تحيل به يستمر فانعكست حيلته .
وفي صفر أمر بتحكير قصب السكر وأن لا يزرعه أحد إلا السلطان ، ثم بطل ذلك بعد قليل ، وفيه أمر بهدم ما كان اليهود أحدثوه من بناء درب محدث يغلق على كنيستهم وسياج كالسور ، حازوا فيه كثيرا من دور المسلمين التي تهدمت ، وكانوا فعلوا ذلك في سنة ثلاث وعشرين بغير إذن من حاكم ، فقام الشريف شهاب الدين النعماني في ذلك ، وكان لما أنكر عليهم لبسوا على قاضي الحنابلة وأخذوا خطه على قصة ، وكان القائم معهم في ذلك نقيب الحنبلي جمال الدين عبد الله الإسكندراني ، فحمل النعماني أعيان الناس على الحنبلي حى أوضح له القصة فحكم بهدم ما أحدثوه من السياجات والأبواب والخوخ ، وسجل على نفسه بذلكم في سنة أربع وعشرين ، فلما كان في هذه السنة رفعوا للقاضي الحنفي العينتابي قصة ، فأذن فيها لبعض النواب ممن كان الشافعي منعه من الحكم وكان من شيعة الهروي فتوسل للعينتابي بذلك ، فأذن له في الحكم(8/137)
"""""" صفحة رقم 138 """"""
وعين عليه هذه القصة ، فكتب محضرا يتضمن أن الذي كانوا جددوه مختص بالكنيسة وليس فيه شيء من أبنية المسلمين ولا من حقوقهم وإنما تعصبوا عليهم في القصة التي تقدم ذكرها ، فأثبت ذلك وأذن لهم في إعادة ما كان الحنبلي حكم بهدمه ، فسارعوا إلى بنيانه ، فقام النعماني وحمل الناس على العبنتابي حتى نفذ حكم الحنبلي ، ثم أخذ النعماني في التشنيع على النائب الذي تعاطى ذلك وهو عبد الله البرلسي حتى اتصلت القصة بالسلطان ، فأذن للشافعي والحنبلي أن يتوجها بمفردهما ومعهما ناظر الأوقاف إلى المكان المذكور ويشخصوه وينظر القاضيان فيما حكم به ابن المغلي ثم البرلسي ويفعلا فيه الواجب ، فتوجها يوم الجمعة ثاني عشري صفر ، وكان النعماني استكتب شيوخ المصريين في محضر شهدوا فيه أن الذي أعيد الآن هو عين ما كان ابن المغلي أمر بهدمه ، وأذن العينتابي لليهود في كتابة محضر بأنه غيره وكتب فيه جماعة ، فلما تأملت المحضرين وشاهدت الأمكنة المجددة أغنت المشاهدة عن الخبر فظهر الحق بيد النعماني ، لكن رأيت الغوغاء قد اجتمعوا ومعهم المساحي والمعاول ، فلو أذنت بهدم شيء ما لهدمت الكنيسة كلها ونهب ما فيها ، وكان ذلك وقت العصر فقلت لهم : لا بدمن كشف كنيسة النصارى حتى ينظر ما أحدثوا أيضا وبهدم الجميع ، فأعجبهم ذلك وافترقنا على العود في أول النهار ، ثم استوفى الشافعي والحنبلي الشروط في المسألة وحكما بهدم ما أحدث وإبطال(8/138)
"""""" صفحة رقم 139 """"""
حكم البرلسي ، وكان البرلسي قبل ذلك خشي القالة فأشهد على نفسه بأنه رجع الحكم المذكور ، ثم توجه لكاتب السر فأعلمه بذلك واتصل ذلك بالسلطان ، وكنت عند الافتراق أمرت الوالي أن يزيل ما أحدثوه من الأبنية الجديدة كلها بالليل ، ففعل ذلك وانحسمت المادة بعون الله تعالى .
وفي ربيع الأول غلا السعر بسبب هبوب الريح المريسية ، فمنعت المراكب من الوصول من الوجه البحري بالغلال ، وعز وجود الخبز بالأسواق أياما ، ثم فرج الله وانحل السعر في جمادى الأولى ، ورخص القمح وغيره .
زفي شهر ربيع الآخر شدد السلطان في أمر الخمر وأمر بإراقة ما يوجد منها في مظانها في جميع البلاد ، وكذلك الحشيش أمر بإحراق ما يوجد منها ، فأهريق من الخمر وأحرق من الحشيش ما لا يحصى كثرة ، وأكثر ذلك كان بدمياط وكان في القاهرة وغيرها من الأعمال على ذلك ضمان وعليه إقطاعات لأناس ، فبطل ذلك ولله الحمد ، ثم أعيد قليلا قليلا بدسائس أهل الظلم والمكر حتى عاد كما كان بعد مدة قريبة .
وفيها أبطلت المعاملة بالبنادقة وضربت اشرفية ، وحصل بذلك لخيار المسلمين سرور كثير ، وفيه حضر من أكابر أهل دمياط جماعة وشكوا من ابن الملاح الكاتب النصراني الملكي وأنه يتجاهر باللواط ،(8/139)
"""""" صفحة رقم 140 """"""
ويستخدم من يكون جميل الصورة من أبناء البلد ، ويبالغ في إظهار الفاحشة ، حتى أنه ربما قام بحضرة الناس فخلا به الشاب منهم بحيث لا يواريه إلا جدار المخدع أو شبهه ثم يخرجان معا على الهيئة الدالة على المراد ، وكثر ذلك منه ، وأنف جماعة من الناس ومنعوا أولادهم من الخدمة عنده ، وهو يفسدهم بكثرة العطية ومعاقرة الخمر والغناء ، مع ما هو فيه من الجاه العريض حتى كان والي البلد يقف في خدمته ، ومهما قاله لا يرد ومهما فعله لا يتعقب ، ومن نازعه في شيء أفسد حاله عند ناظر الخاص المتكلم على البلد ؛ فرفعوا في أمره قصة تتضمن هذا وغيره من المفاسد ، فعقد له مجلس بحضرة السلطان ، فلما ادعى عليه أنكر ، فقامت البينة بشيء من ذلك فبادر وأسلم وحكم بإسلامه ولقب محب الدين . وشرط عليه الشافعي أنه متى ثبت عليه شيء مما وقع فيه أو وقع في حق أحد ممن قام عليه في ذلك رتب عليه مقتضاه وتهدده في ذلك ، فأذعن والتزم وتوجه إلى دمياط وحسنت سيرته بالنسبة لما كان أولا - والله أعلم بغيبه .
وفيه منع الفرنج من حمل الخمر من بلادهم ثم بعد مدة عادوا ، وفيه جعل على تجار الشام ثلاثة دنانير ونصف إن حملوا البهار إلى بلادهم زيادة على المكس المعهود ، ثم بعد سنين بطل ذلك والتزموا بعدم الحمل .(8/140)
"""""" صفحة رقم 141 """"""
وفي الخامس من جمادى الأولى غضب السلطان على فيروز الساقي بسبب أنه تكلم في القاضي الحنفي العيني ونسبه إلى أمور معضلة من تناول الرشوة والحكم بالعرض وتعاطي الأسباب المفسقة ، فأراد السلطان الاستثبات في ذلك فأحضر الحنفي ، وأراد من فيروز أن يواجهه ويحاققه ، فخارت قوى الطواشي فاعتذر واستغفر ، فاشتد غضب السلطان وأمر بأن بنفي بعد أن ضرب بحضرته ضربا شديدا ، ثم شفع فيه بأن يكون توجهه إلى المدينة الشريفة فأجاب ، وتوجه فأقام بها سنة ثم أذن له في الرجوع .
وفي جمادى الأولى عند نزول الشمس برج الحمل أمطرت السماء يومين متواليين مطرا غزيرا لم يقع في هذه السنة قبل ذلك ، ووقع في أول يوم من برمودة والشمس في الحمل حر شديد وسموم نظير ما جرت العادة أنه يقع في تموز .
وفيه لبس السلطان الأبيض قبل العادة بسبعة وثلاثين يوما لشدة ما وقع من الحر ، ثم لم يلبث البرد أن عاد أشد ما كان واستمر إلى مضي عشرين يوما .(8/141)
"""""" صفحة رقم 142 """"""
وفيه وقع بالشام مرض عام ، وكثر موت الخيل بها وبحماة .
وفي جمادى الأولى خلع الأشرف إسماعيل بن الناصر أحمد صاحب اليمن من الملك ، وكان السبب فيه أن وزيره الشرف إسماعيل بن العفيف عبد الله بن عبد الرحمن بن عمر العلوي قصر في مرتبات الجند ، فطالبوه مرارا فلم ينصفهم ، فرفعوا أمرهم للسلطان ، فأحالهم على الوزير ، فتألموا وهجموا على الدار فخرج إليهم شقير أمير جندار ، فضربوه بالسيوف حتى برد ، وقتلوا الشاد الكبير ، واسمه عندهم مشد المشدين ، وهجموا على الأشرف وقبضوا عليه وعلى علي بن الحسام لاجين ، وسجنوا الأشرف وأمه وحظيته ، وكان كبيرهم مملوكا يقال له برقوق من مماليك الناصر ، فاتفق رأيهم أن يخرجوا يحيى بن ناصر من محبسه يسلطنوه ففعلوا ولقبوه الظاهر ، ونهبوا دار السلطان ، واستقرت سلطنة يحيى بن الناصر وحبس الأرف إسماعيل في الموضع الذي كان فيه يحيى ، وهو في حصن ثعبات من بلاد تعز ، وصودر الوزيران ، وعظم أمر الشهاب أحمد بن الأمير(8/142)
"""""" صفحة رقم 143 """"""
محمد بن زياد الكاملي ، وكان أبوه من أكابر أمراء الأشرف بن الأفضل ثم صار هو الآن كبير الأمراء ، وظهرت من الظاهر يحيى شجاعة ومعرفة ومهابة .
وفي الثالث من جمادى الآخرة ادعى على شمس الدين محمد بن الشيخ عز الدين حسن الرازي الحنفي أحد نواب الحكم بأنه وقع في حق النبي e فأنكر ، ثم ادعى عليه نقيب الحنفي أنه قال له : أنت يهودي ، فأنكر ، فأقام عليه البينة بذلك فعزر ، وحكم الحنفي بحقن دمه وسكنت القضية
وفي جمادى الآحرة وصل إلى الشيخ علاء الدين ابن البخاري من صاحب كلبرجا من بلاد الهند ثلاثة آلاف شاش ، ففرق منها ألفا على الطلبة الملازمين له ، من جملتها مائة شاش لصدر الدين ابن العجمي ليوفي بها دينه ، ويقال إن صاحب الهند كان قرأ على الشيخ علاء الدين لما كان بالهند ، فراسله فأشار عليه أن يرسل لفقراء الطلبة صدقة فأرسل ذلك ، ثم فرق الشيخ علاء الدين على الطلبة كثيرا من الشاشات ، وعمل لهم وليمة في بستان ابن عنان صرف عليها ستين دينارا ، ووصلت هدية صاحب(8/143)
"""""" صفحة رقم 144 """"""
الهند للسلطان ، وهي مائتاشاش ، ومائتا إزار بيرمي ، وستون نافجة من المسك الطيب ، وأربعة أسياف محلاة فيها نحو خمسمائة مثقال .
وفيها عزم الشيخ علاء الدين ابن البخاري على الحج واستاذن السلطان فامتنع ، فألح مرة بعد مرة فأرسل إليه كاتب السر بدر الدين بن مزهر ، فلم يزل يرجعه إلى أنقبل يده فأطاع وأقام .
وفي السادس من جمادى الآخرة أخذت الحوانيت التي فيهاالسيوفية والصيارف ظاهر الصاغة وعلوها وقد أخذ فيه الجوانب ، واستبدل النصف والربع بمال جزيل يعمر به في البرع الباقي لجهة وقفه على الصالحية فعمر عمارة جديدة ، وصارت أجرة الربع أزيد من أجرة الكل بالنسبة لما كان يفضل بعد الصرف في ترميمه .
وفي أول يوم من رجب عمل الموكب السلطاني وكان حافلا جدا ، والسبب فيه قدوم رسول من ابن عثمان يستأذن في الحج ومعه هدية جليلة .
وفيه التمس الشيخ علاء الدين محمد بن محمد بن محمد البخاري من السلطان أن يبطل إدارة المحمل حسما لمادة الفساد الذي جرت العادة بوقوعه عند إدارته في الليل والنهار من ارتكاب المنكرات والتجاهر بالمعاصي ، فأمر السلطان بجمع القضاة وكاتب السر وأن يتوجهوا إلى الشيخ علاء الدين ويتكلموا معه في هذه المسالة ، فوقع الكلام فقلت : ينبغي أن ينظر في السبب في هذه الإدارة فيعمل بما فيه المصلحة منها ويزال ما فيه المفسدة ، وذلك أن الأصل فيه إعلام أهل الآفاق أن(8/144)
"""""" صفحة رقم 145 """"""
الطريق من مصر إلى الحجاز آمنة ، وأن من شاء أن يحج فلا يتأخر لخشية خوف الطريق ؛ وذلك لما كان حدث قبل ذلك من انقطاع الطريق إلى مكة من جهة مصر كما هي الآن منقطعة غالبا عن العراق ، فالإدارى لعلها لا بأس بها لهذا المعنى وما يترتب عليها من المفاسد يمكن إزالته بأن يبطل الأمر بزينة الحوانيت ، فإنها السبب في جلوس الناس فيها ، وكثرة ما يوقد فيها من الشموع والقناديل ، ويجتمع فيها من أهل الفساد ، فإذا ترك هذا وأمر السلطان من تعاطي إدارة المحمل من غير تقدم إعلام الناس بذلك حصل الجمع بين المصلحتين ، وانفصل المجلس على ذلك ؛ ووقع في هذا المجلس ذكر ابن العربي الصوفي ، فبالغ الشيخ علاء الدين في ذمه وتكفيره وتكفيرمن يقول بمقالته ، فانتصر له المالكي وقال : إنما ينكر الناس عليه ظاهر الألفاظ التي يقولها ، وإلا فليس في كلامه ما ينكر إذا حمل لفظه على مراده بضرب من التأويل ، فانتشر الكلام بين الحاضرين في ذلك ، وكنت مائلا في ذلك مع الشيخ علاء الدين ، وأن من أظهر لنا كلاما يقتضي الكفر لا نقره عليه ، وكان من جملة كلام الشيخ علاء الدين الانكار على من يعتقد لوحدة المطلقة وكان من جملة كلام المالكي أنتم ما تعرفون الوحدة المطلقة ، فاستشاط البخاري غضبا وأقسم بالله أن السلطان إن لم يعزل المالكي من القضاء ليخرجن من مصر والتمس من كاتب السر أن(8/145)
"""""" صفحة رقم 146 """"""
يسأل السلطان في إزالة أشياءمن المظالم الشنيعة ، ومن جملتها أن المسلم يؤخذ منه المكس أكثر ممكا يؤخذ من النصراني إذا أحضرا بضاعة واحدة ، بحيث صار كثير من المسلمين يجعل بضاعته باسم النصراني ويتقلد له المانه ، وأكد عليه في قصة المالكي ، فأعاد كاتب السر على السلطان جميع ما اتفق ، فأمر السلطان بإحضار القضاة عنده ، فحضروا فسئلوا عن مجلس علاء الدين ، فقصه كاتب السر بحضرتهم ، ودار بين السافعي والمالكي في ذلك بعض كلام ، فتبرأ المالكي من مقالة ابن العربي وكفر من يعتقدها ، فصوب الشافعي قوله ، وسأل السلطان ماذا يجب على المالكي ، وهل تكفير الشيخ علاء الدين له مقبول ، وهل يستحق العزل أو التعزير فقلت : لا يجب عليه شيء بعد اعترافه هذا وهذا القدر كاف منه ، وانفصل المجلس على ذلك ؛ وأرسل السلطان يترضى علاء الدين ويسأله بأن لا يسافر ، فأبى وسلم له حاله وقال : يفعل ما أراد ، وهم بعزل القضاة لاختلاف قولهم الأول عند علاء الدين والثاني عنده ، فبين له كاتب السر أن قولهم لم يختلف وأوضح له المراد فرضي ، واستمر المالكي بعد أن كان أراد أن يقرر الشيخ شهاب الدين بن تقي الدميري أحد نوابه مكانه ، وحضر المجلس المذكور ، وأحضرت خلعته ، فبطل ذلك .
وفي السادس والعشرين من رجب هبت ريح شديدة ملأت الأزقة والبيوت ترابا ، ودام ذلك من أول النهار إلى آخره ، وفي بعض الليل .(8/146)
"""""" صفحة رقم 147 """"""
وفي رمضان توجه سعد الدين إبراهيم بن المرة الكاتب لأجل المكوس من تجار الهند بحدة فعمر بجدة جامعا وفرضة وصارت مينا عظيمة ، وجهز السلطان أمير يقال له أرنبغا من أمراء العشراوات ، وجهز معه خمسين مملوكا لدفع بني حسين والقواد عن التعرض إلى جدة والإعراض عن النهب ، وحج بالركب الأول ينال الششماني راس نوبة وبيده يومئذ حسبة القاهرة فاستناب فيها دويداره شاهين ، فمشى الأمور إلى أن وصل أستاذه ، فلم يشكر سيرته لكثرة نومه وإغفاله أمر اللصوص وفيه قبض على قطج أحد أمراء الألوف وحمل إلى الإسكندرية ، وقبض على جرباش قاشق أمير مجلس ونفي إلى دمياط مطلقا ، فأقام بها واتجر وتمول ، واستقر اينال الأجرود في نيابة غزة ، وأعبد تنبغا المظفري من القدس واستقر في إمرة جرباش قاشق المذكور وذلك في العشر الأخير من ذي القعدة .(8/147)
"""""" صفحة رقم 148 """"""
وفي خامس ذي الحجة قبض على أزبك الدويدار ، واستقر مكانه اركماس الظاهري ، واستقر تمراز الذي كان نائب غزة في وظيفة اركماس راس النوبة الكبير ، ووصل في هذه السنة المحمل من العراق بعد أن انقطع عشر سنين أو اكثر . جهزه في هذه السنة حسين بن علاء الدولة ابن أحمد بن أويس أمير الحلة ومغيرة بن سقم أمير العرب ، ووقف الحاج يومين للاختلاف في الهلال .
وفي ذي الحجة انحط سعرالقمح بعد أن كان بلغ أربعمائة إلى ثلاثمائة وخمسين ، ثم انحط بعد ذلك أيضا وفتحت الشؤن السلطانية وغيرها وبيع منها فحصل الاتساع ، وكان السعر بلغ مائتين وعشرين ، والتبن مائة وثمانين كل حمل ، ثم أنحط إلى أربعين درهما كل حمل .
وفي ثامن رمضان استقر قانصوه النوروزي في نيابة طرسوس وكان أمير عشرة ، وأضيف إقطاعه إلى الديوان المفرد ، وفي جمادى الآخرة قرر طرباي في نيابة طرابلس ، وكان قد أذن له أن يقيم بالقدس بطالا ،(8/148)
"""""" صفحة رقم 149 """"""
فتحول من ثم إلى طرابلس واستمر في إمرتها إلى . .
وفي شهر ربيع الآخر أفرج عن جنبوس الفرنجي صاحب قبرس على فدي مبلغه مائة ألف دينار ، وأن يطلق عندهم من أسرى المسلمين وجهز إلى الإسكندرية ، وفيه قدم مركبان من فرنج الكتيلان لأخذ الإسكندرية بغتة ، فوجدوا أهلها قد أيقظهم متولي قبرس بهم ، فلم يحصل لهم مقصود .
وفيه أمر السلطان بإراقة الخمور فتتبعت من عند كل من يتعاناها من المسلمين وأهل الذمة ، وشدد في ذلك وكتب به إلى البلاد الشامية وغيرها ، وكتب إلى الإسكندرية بإلزام الفرنج بإعادة ما جلبوه من الخمور إلى بلادهم ، واتفق في دمياط أن بعض الفقهاء أراق خمرا فعارضه بعض الخاصكية وأهانه ، فبلغ ذلك السلطان فأمر بضرب ذلك الخاصكي ضربا مبرحا ، حتى أن بعض الأمراء وهو اخو السلطان قام ليشفع فيه ، فضربه معه فضربا معا ، ثم أمر بإحراق الحشيش والمنع من زرعها . وفيها نقض ابن الركاعنة(8/149)
"""""" صفحة رقم 150 """"""
طاعة أبي فارس صاحب تونس ، فسار إليه واجتمع به عبد الواحد بن أبي حمو وهو عمه ، ففر ابن الركاعنة ، وأقام أبو فارس عبد الواحد المذكور في ملك تلمسان وفاس ورجع - وكانما سيأتي ذكره سنة ثلاث وثلاثين .
وفي السابع من رجب استقر كمال الدين ابن البارزي في كتابة السر بدمشق عوضا عن حسين السامري بحكم وفاته وكان له منذ عزل من نظر الجيش مقيما ? بالقاهرة سبع سنين ، واستقر شهاب الدين ابن نقيب الأشراف بدمشق في نظر الجيش عوضا عن حسين أيضا ، وكان جمعهما .
وفي عاشره استقر عز الدين بن عبد السلام بن داود بن عثمان المقدسي في تدريس الصلاحية بالقدس عوضا عن الشيخ شمس الدين البرماوي بحكم وفاته ، واتفق في هذه السنة من العجائب أن الفول نزل عليه الصقيع بالصعيد فافسده وهو أخضر ، شرق كثيرمن الأراضي فلم يزرع ، وأكلت الدودة مواضع مزدرعة ، فكانت هذه الأمور الثلاثة في العادة ينشأ عنها الغلاء ، وانضاف إلى ذلك نزول النيل بسرعة ، فزرعوا في شدة الحر ، ثم تسلطت الدودة مع ذلك ، فتحرك السعر قليلا(8/150)
"""""" صفحة رقم 151 """"""
ثم لم يرتفع لشئ من الغلة رأس ، وتمادى الأمر على ما كان حتى جاء المغل الجديد ، ثم غلا السعر في أيام زيادة النيل فزاد سعر كل إردب مائة درهم ، وانحلت الأسعار بعد وفاء النيل ، وكان ببلاد الصعيد الأعلى وباء شديد ومرض حاد ومات بسببه خلائق في رجب وشعبان ، واستمر إلى . . . وفي سادس عشر شوال نودي بأبطال المعاملة بالدراهم البندقية واللنكية ، وأخرجت الدنانير الأشرفية ، ونودي أن يكون بمائتين خمسة وعشرون ، وأبطلت المعاملة بالأفلورية .
وفي السادس من ذي الحجة قبض على أزبك الدويدار الكبير ، واستقر عوضه أركماس رأس نوبة النوب ، واستقر في وظيفته تمران الذي كان نائب غزة - .
وفيها استقر جوهر القنقباى خازندار ثانيا ، ثم بعد قليل استقر عوضا عن خشقدم خازندار كبيرا ، واستقر خشقدم زماما بعد موت الزمام .
وفي سابع عشر ذي الحجة استقر التاج الوالي مهمندارا عوضا عن خرز ، فاجتمعت له عدة وظائف : ولاية القاهرة والحجوبية وشد الدواوين والمهمندارية ، مع استمراره في مجالسة السلطان ومنادمته .(8/151)
"""""" صفحة رقم 152 """"""
وفيات سنة 831
ذكر من مات في سنة 831 من الأعيان
إبراهيم بن عبد الله الشامي الملقب خرز ، قدم مع المؤيد فولاه المهمندارية بعد ابن لاقي ومات وقد ولى ولاية القاهرة ، ومات في العشر الأخير من ذي القعدة .
أزدمر شايه أحد الأمراء الكبار المقدمين - ، نقل لنيابة ملطية في أول سنة ثلاثين ، ثم رجع إلى حلب أميرا ، ومات بها في سادس شهر ربيع الآخر ، وكان من مماليك الظاهر ثم صار من أتباع شيخ ، فلما تسلطن أمره .
إياس الحاجب الظاهري ، كان أحد الأمراء الأربعين ، ثم أخرج إقطاعه وانفصل من الحجوبية ، ومات بطالا .
بكتمر بن عبد الله ، السعدي مملوك سعد الدين بن غراب ، تربى صغيرا عنده وتعلم الكتابة والقراءة ، وكان فصيحا ذكيا ، ترقى إلى أن سفره السلطان إلى صاحب اليمن ، ثم علد فتأمر وتقدم ، وكان فاضلا(8/152)
"""""" صفحة رقم 153 """"""
شجاعا عارفا بالأمور ، مات في يوم الخميس 13 ربيع الأول .
جانبك الدوادار الأشرفي كان اشتراه وهو صغير ، ثم رقاه كما تقدم في الحوادث ، وأمره طبلخاناة في المحرم سنة ست وعشرين ، وأرسل إلى الشام لتقليد النواب فأفاد مالا عظيما ، وتقرر أولا خازندار ثم تقرر دويدار ثانيا بعد سفر قرقماس إلى الحجاز ، وصارت غالب الأمور منوطة به ، وليس للدوادار الكبير معه كلام وتمكن من سيده غاية التمكن ، حتى صار ما يعمل برأيه يستمر ، وما يعمل بغير رأيه ينقض عن قرب - ، وشرع في عمارة المدرسة التي خارج باب زويلة ، وابتدأ به مرضه بالمغص ثم انتقل إلى القولنج ، وواظبه الأطباء بالأدوية والحقن ثم اشتد به الأمر فعاده أهل الدولة كما هم من الخدمة السلطانية فحجبوا دونه ، فبلغ السلطان فنزل إليه العصر فعاده واغتم له وأمر بنقله إلى القلعة ، وصار يباشر تمريضه بنفسه مع ما شاع بين الناس أنه سقي السم ، وعولج بكل علاج إلى أن تماثل ودخل الحمام ونزل إلى داره ، فانتكس أيضا لأنه ركب إلى الصيد بالجيزة فرجع موعوكا ، وتمادى به الأمر حتى مات ، فنزل السلطان إلى داره وحضره وركب في جنازته وصلى عليه تحت القلعة ، وكان شابا(8/153)
"""""" صفحة رقم 154 """"""
حاد الخلق عارفا بالأمور الدنيوية كثير البر للفقراء شديدا على من يتعاطى الظلم من أهل الدولة ، وهم الأشراف مرارا أن يؤمره تقدمة فلم يقدر ذلك ، وكان هو في نفسه وحاله أكبر من المقدمين ، مات في ليلة الخميس سابع عشرى شهر ربيع الأول عن خمس وعشرين سنة - تقريبا - ، وماتت زوجته بعده بستة أيام ، فيقال إنه كان جامعها لما أفاق من مرضه قبل النكسة فأصابها ما كان به من الداء ، ونقل السلطان أولاده عنده وبنى لهم خان مرور بالقرب من بين القصرين وكان قد استهدم ، فأخذه بالربع وعمره عمارة متقنة بحيث صار الذي يتحصل من ريعه يفي لأهل الربع بالقدر الذي يتحصل من جميعه .
جانبك بن حسين بن محمد بن قلاون سيف الدين بن الأمير شرف الدين ابن الناصر بن المنصور ، ولد سنة بضع وخمسين ، وأمر طبلخاناة في سلطنة أخيه الأشرف شعبان ، ولما زالت دولة آل قلاون استمر ساكنا بالقلعة مع أهل بيته ، وكانت عدتهم إذ ذاك ستماءة نفس ، فما زال الموت يقلل عددهم إلى أن تسلطن الأشرف برسباي ، فأمر بهم أن يسكنوا من القاهرة حيث شاؤا فتحولوا ، ولم يكن فيهم يومئذ أقعد نسبا من جانبك بل كان قبله بقليل ولد الناصر حسن وقد تقدمت وفاته في . . . وأناف جانبك على السبعين .(8/154)
"""""" صفحة رقم 155 """"""
حسن بن أحمد بن محمد ، البرديني بدر الدين ، قدم من السيوفة صغيرا ونشأ بالقاهرة فقيرا ، ونزله أبو غالب القبطي الكاتب بمدرسته التي أنشأها بجوار باب الخوخة ، فقرأ على الشيخ شمس الدين الكلائي ولم يتمهر في شئ من العلوم ، بل لما ترعرع تكسب بالشهادة ، ثم ولى التوقيع واشتهر به وكانت لديه معرفة بالأمور الدنيوية فراج على ابن خلدون فنوه به ، وكذا صدر الدين المناوي ، ولم ينتقل في غالب عمره عن ذلك ولا عن ركوب الحمار ، حتى كان بأواخر دولة جمال الدين الأستادار فإن فتح الله نوه به ، فركب الفرس وناب في الحكم وطال لسانه ، واشتهر بالمروءة والعصبية فهرع الناس إليه لقضاء حوائجهم وصار عمدة القبط في مهماتهم يقوم بها أتم قيام - فاشتد ركونهم إليه - وخصوه هم بها فلايثق أحد منهم فيها بغيره ، فصارت له بذلك سمعة ، وكان يتجوه على كاتب السر فتح الله بناظر الجيش ابن نصر الله ، وعلى ناظر الجيش بكاتب السر فتح الله ، وعلى سائر الأكابر بهما معا ، فحوائجه مقضية عند الجميع ، ولما باشر نيابة الحكم أظهر العفة ولم يأخذ على الحكم شيئا ، فأحبه أكثر الناس وفضلوه(8/155)
"""""" صفحة رقم 156 """"""
على غيره من المهرة لهذا المعنى ، وحفظت عنه كلمات منكرة مثل إنكاره أن يكون في الميراث خمس أو سبع لأن الله لم يذكره في كتابه ، وغير ذلك من الخرافات التي كان يسميها المفردات ، وحج بأخره فذكر لي صلاح الدين بن نصر الله عنه أمورا منكرة من التبرم والإزدراء - فنسأل الله العفو وكان مع شدة جهله عريض الدعوى غير مبال بما يقول وبفعل مات في يوم الإثنين خامس عشرى رجب وقد أناف على الثمانين .
حسين نجم الدين بن عبد الله ، السامري الأصل كاتب السر بدمشق ، وقد جمع بينها وبين نظر الجيش بعناية صهره زوج بنت امرأته ازبك الدوادار ، واستقر بعده كمال الدين البارزي في كتابة السر بدمشق وشهاب الدين الشريف نقيب الأشراف في نظر الجيش ، وكان موت حسين المذكور في - يوم الأربعاء لست بقين من جمادى الآخرة - ، وكان عريا عن العلوم جملة والعجب أنه كان باسمه التدريس بدار الحديث الأشرفية بدمشق وأول ولايته لكتابة السر كان في أول سنة إثنتي عشرة ، ثم صرف وباشر عند الأمراء ، وأول ولايته نظر الجيش سنة خمس وعشرين في صفر ، ثم أضيفت إليه كتابة السر في جمادى الآخرة منها وصرف(8/156)
"""""" صفحة رقم 157 """"""
عن كتابة السر في سنة ثمان وعشرين ، ثم أعيدت إليه في ربيع الآخر سنة ثلاثين ، واستمرتا معه إلى أن مات .
سعيد بن عبد الله المغربي ، المجاور بالجامع الأزهر وأحد من يعتقد ويزار ، وكان عنده مال جم من ذهب وفضة وفلوس يشاهده الناس فلا يجسر أحد على أخذ شئ منه ، وكان عنده ذهب هرجة يخرجه أحيانا ويصففه ، وقد شاع بين الناس أن من اختلس منه شيئا أصيب في بدنه ، فلا يقربه أحد ، وكان حوله قفاف ذوات عدد ملأى من الفلوس ، وكان يحضر أحيانا ويغيب أحيانا إلى أن مات - يوم الأربعاء - في تاسع عشر ربيع الآخر بعد مرض طويل ، وقد زاره السلطان مرة ، ولما مات حمل المال الذي وجد له لبيت المال ، وكانت جنازته حافلة .
شرف بن أمير ، السرائي ثم المارديني الكاتب المجود ، تعانى الكتابة إلى أن أتقن الخط على الطريقتين ابن البواب وياقوت ، وتعلم منه أهل تلك البلاد ، وقدم حلب على رأس القرن ، ثم حج في سنة تسع وعشرين ،(8/157)
"""""" صفحة رقم 158 """"""
وذكر أن اللنك طلبه من صاحب ماردين ، فتغيب هو كراهية من قربه اللنك ، ثم نزل حصن كيفا وسكنها ، وعلم الناس بها الكتابة ، قربه صاحبها ، قرأت ترجمته في تاريخ القاضي علاء الدين بحلب - أيده الله - .
عبد الغني المعروف بابن الجيعان مستوفي الخاص ، كان متمولا عارفا بأمور الديوان وبالمتجر ، وقد حج في سنة ست وثمانمائة ، مات في جمادى الآخرة ، وكان كثير السكون ، وفي لسانه لثغة قبيحة ، وعمر دارا هائلة بقرب الجامع أخذ فيها أملاك الناس ، فقدر أنها آل نظرها إلى بيت زوجته التي كانت زوجا لأزبك - الدوادار - فباعتها بأبخس ثمن وهو ألف دينار في سنة إحدى وأربعين ، وذكر لي كمال الدين كاتب(8/158)
"""""" صفحة رقم 159 """"""
السر في سنة خمس وأربعين أن مصروفها كان أكثر من عشرة آلاف دينار .
قجقار شقطاي أحد الأمراء الصغار ، تقدم في دولة المؤيد وقرر رأس نوبة ولده إبراهيم وتوجه رسولا إلى ملك الططر ، وعظم قدره في دولة الأشرف فصار زردكاشا ، واستقر بعده فيها أحمد بن الأسود الذي كان دويدارا صغيرا وكان مشكور السيرة كثير الرفق بالفلاحين عارفا بعمارة الأرض .
كمشبغا الجمالي ، أحد أمراء الأربعين ، كان عاقلا وقورا متدينا ، واستنابه الناصر فرج في بعض سفراته إلى الشام ، ولما كانت دولة المؤيد بطل من الإمرة وولى النظر على الخانقاه بسرياقوس وحمدت سيرته ، ومات بحلب بطالا في سادس ربيع الآخر وجاوز الثمانين .
محمد بن أحمد بن علي ، الشيخ شمس الدين الرملي المعروف بالشامي ،(8/159)
"""""" صفحة رقم 160 """"""
ولد سنة 744 ، وسمع من أبي الحسن العرضي وتفرد بالرواية عنه بالسماع ، وسمع أيضا من القلانسي وغيره ، وسمع من موفق الدين القاضي وتفقه عليه ، ولازم صهره ناصر الدين ، وناب في الحكم مدة ، وكان جلدا قويا يمشي وقد جاوز الثمانين من بين القصرين إلى الشيخونية ليحضر وظيفة التصوف والدرس ، ويلازم دروسه في الطلب يمشي على رجليه ويقضي حوائجه وحوائج الناس بنفسه ، ولم يكن ماهرا في العلم ولا متصونا في الدين ولا متثبتا في الحكم ، وكان على ذهنه ماجريات طريفة ، وتعصب على مجد الدين سالم لما عزل من الحكم ، وقام مع ابن المغلى قياما عظيما حتى كان يخدمه في جميع ما يحتاج إليه حتى في شراء زيت القنديل ، يتعاطاه بنفسه ، مات في 22 شعبان - سامحه الله - .
محمد بن أحمد بن موسى بن عبد الله ، الشيخ شمس الدين الكفيري العجلوني الأصل الدمشقي ، ولد في العشر الأول من شوال سنة 757 ، وحفظ التنبيه ، وأخذ من ابن قاضي شهبة وغيره ، ولازم الشيخ شمس الدين الغزي مدة طويلة واشتهر بحفظ الفروع وكتب بخطه الكثير نسخا لنفسه ولغيره ، وناب في الحكم وولى بعض التداريس ، وحج مرارا وجاور ، وولى مرة قضاء الركب ، وجمع شرحا على البخارى(8/160)
"""""" صفحة رقم 161 """"""
في ست مجلدات وكان قد لخص شرح ابن الملقن وشرح الكرماني ثم جمع بينهما ، نقلت ترجمته من ابن قاضي شهبة ونقلت من خط غيره أنه أجاز له محمد بن أحمد المنبجي ويوسف بن محمد الصريفي ، وأنه سمع على ابن أميلة وابن أبي عمر وابن قواليح وابن المحب وابن عوض والعماد وابن السراج وابن الفصيح وغيرهم وأنه صنف عين النبيه في شرح التنبيه واختصر الروض للسهيلي فسماه زهر الروض ، وكان لا يعرف شيئا من العلوم سوى الفقه ، وينظم ولا يعرف العروض ، وكان كثير التلون ، مات في 13 المحرم .
محمد بن حسين ، شمس الدين التروجي المالكي ، اشتغل وتعاني النظم فقال الشعر الحسن فأكثر ، مات تحت الهدم في تاسع عشر صفر عن ستين سنة .
محمد بن عبد الدائم بن عيسى بن فارس ،(8/161)
"""""" صفحة رقم 162 """"""
البرماوي الشيخ شمس الدين ، ولد في نصف ذي القعدة سنة 763 ، وكان اسم والده فارسا فغيره البرماوي ، وتفقه وهو شاب ، وسمع من إبراهيم بن إسحاق الآمدي ومن عبد الرحمن بن علي القارئ وغيرهما ، وسمع معنا من جماعة من المشايخ ، ولازم الشيخ بدر الدين الزركشي وتمهر به ، وحضر دروس الشيخ سراج الدين البلقيني وقرأ عليه بعضها وقد سمعت بقراءته على الشيخ مختصر المزني ، وأول ما تخرج بقريبه الشيخ مجد الدين إسماعيل وقد عاش بعده ، وكان حسن الخط كثير المحفوظ قوى الهمة في شغل الطلبة حسن التودد لطيف الأخلاق ضيق المال كثير الهم بسبب ذلك ، ثم اتسع حاله بأخرة ، وله منظومات وتصانيف منها شرح العمدة ومنظومة في أسماء رجالها وشرحها وشرح البخارى في أربع مجلدات ، وكان غالب عمره خاملا ، ثم ولي نيابة الحكم عن ابن أبي البقاء ، وصحب ولده جلال الدين ، ثم ناب عن الجلال البلقيني ثم عن الإخنائي ، ثم ترك ذلك وأقبل على الإشتغال ، وكان للطلبة به نفع وفي كل سنة يتم كتابا من المختصرات فيأتي على آخره ويعمل له وليمة ، ثم استدعاه نجم الدين ابن حجى وكان رافقه في الطلب عند الزركشي فتوجه إلى دمشق ، فقرره في وظائف كثيرة واستنابه في الخطابة والحكم ونوه به ، فلما مات ولده محمد وكان ولدا نجيبا وحفظ عدة مختصرات أسف عليه وكره الإقامة بدمشق ، فزوده ابن حجى وكتب له إلى معارفه كتبا(8/162)
"""""" صفحة رقم 163 """"""
أطراه فيها إلى الغاية ، فتلقاها أولئك بالقبول واعتقدوا فيه تلك الأوصاف فقاموا معه حد القيام حتى قرروه في مباشرة وظائف الشيخ ولي الدين العراقي نيابة عن حفيده وكانت عند موته قررت باسمه ، فباشر الجميع بعد إن كان العراقي قد أوصى أن ينوب عن حفيده في درس الحديث من عينه وكذا في دروس الفقه ، وباشر بعض ذلك وقرر الناظر الشرعي على أوقاف المدرسة الجمالية الشيخ ناصر الدين البارنباري أحد المهرة في العلوم في نيابة المشيخة والتدريس ، وباشر ذلك مدة مع شدة استحقاقه من أوجه ، فلم يلتفت البرماوي لذلك بل لبس للنيابة عن الصغير تشريفا وباشر الجميع ، ولم يرع حق البارنباري مع ظهور استحقاقه فباشر البرماوي ذلك من أثناء سنة تسع وعشرين ، إلى أن حج في سنة ثمان وعشرين جاور بمكة سنة تسع وعشرين ، فلما حضر أول سنة ثلاثين قرر في تدريس الصلاحية ببيت المقدس عوضا عن الهروي في آخر المحرم ثم سافر إلي القدس في رجب من هذه السنة فباشرها نحو السنة(8/163)
"""""" صفحة رقم 164 """"""
مع ملازمة الضعف له إلى أن مات ، وتفرقت كتبه وتصانيفه شذر مذر - عفا الله تعالى عنه واستقر في تدريس الصلاحية بعده عز الدين عبد السلام بن داود بن عثمان المقدسي بعناية القاضي بدر الدين بن مزهر كاتب السر ، وتأخر سفره إلى ذي القعدة ، وكان نزل عن غالب وظائفه بمصر والقاهرة ببذل من المنزول له كتدريس الحديث بالجمالية وتدريس الخروبية في الفقه بمصر ، استقدمه ابن حجي إلى دمشق سنة إحدى وعشرين ، فأجلسه بالجامع يقرئ ويفتي ثم رجع إلى مصر ، ثم استقدمه سنة ثلاث و عشرين وفاستنابه في الحكم ، وولي إفتاء دار العدل عوضا عن الشهاب الغزي ، ثم ولاه تدريس الرواحية وغيرها عوضا عن برهان الدين بن خطيب عذراء ، وتدريس الأميننية عوضا عن عز الدين الحسباني ، وعكفت عليه الطلبة فأقرأفي جمادى ورجب وشعبان الحاوي في سنة والتنبيه في سنة والمنهاج في سنة .(8/164)
"""""" صفحة رقم 165 """"""
محمد بن يعقوب ، البخانسي شمس الدين الدمشقي ، ولي حسبة الشام ثم القاهرة في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة وولي وزارة دمشق ؛ ومات في ثالث المحرم .
محمد بن يوسف بن عبد الرحمن تقي الدين القرشي الدمشقي ، ولد سنة نيف وستين ، وتعاني المباشرات إلى أن ولاه نوروز الوزارة بدمشق(8/165)
"""""" صفحة رقم 166 """"""
ثم كتابة السر ، وولي قضاء طرابلس سنة ست عشرة ، ثم رجع إلى دمشق وباشر التوقيع ، واستمر ينوب في كتابة السر إلى أن مات ، وكان فاضلا في فنه ساكنا كثير التلاوة منجمعا عن الناس ؛ ثم مات في جمادى الآخرة .
محمد بن خطيب قارا ، الشيخ شمس الدين ، كان متمولا ، ولي قضاء صفد وحماة وغيرهما يتنقل في ذلك ، وفي اواخر أمره تنجز مرسوما من السلطان بوظائف الكفيري ونيابة الحكم بدمشق ، وقدمها فوجد الوظائف انقسمت بين أهل الشام ، فجمع أطرافه وعزم على السعي في قضاء دمشق ، وركب البحر ليحضر بما جمعه إلى القاهرة ، فغرق وذهب ماله ، وذلك في رجب منها .
يشبك بن عبد الله الأمير الكبير الساقي الأعرج الظاهري ، اشتراه برقوق وهو شاب ، ثم تأمر في اول دولة الناصر ، وخرج من القاهرة في كائنة جكم ونوروز ببركة الجيش ، فتنقل في تلك السنين في الفتن إلى أن قتل الناصر فصار من فريق نوروز فأرسله إلى قلعة حلب ليحفظها ، وكان من إخوة ططر وقد صار من فريق المؤيد ، فلم يزل يراسله حتى حضر عند المؤيد ، فلما قتل نوروز أراد المؤيد قتل يشبك ، فشفع فيه ططر فاعفاه من القتل ، وأمر بتسفيره إلى مكة بطالا ، فتوجه إليها ودخل اليمن ، ثم سعى له إلى أن عاد إلى القدس فأقام به بطالا ، فلما تمكن ططر(8/166)
"""""" صفحة رقم 167 """"""
من المملكة أمر بإحضاره فوصل إليه وهو بدمشق ، وتوجه معه إلى حلب فاقامه في حفظ قلعتها ، ثم لما رجع وتسلطن أرسل إليه فحضر فأمره ، ثم كان من كبار القائمين بدولة الأشرف وسلطته فرعى له ذلك وأسكنه في القلعة معه ، ثم صيره أتابك العساكر بعد قطج ، وكان من خيار الامراء محبا في الحق وفي اهل الخير كثير الديانة والعبادة كارها لكثير من الامور التي تقع على خلاف مقتضى الشرع ، وعك صبيحة موت جانبك فلم يزل يتنقل في المرض إلى أن مات يوم السبت الثالث من جمادى الآخرة ، واستقر في الأتابكية بعده جراقطلي نقلا من نيابة حلب ، واستقر نور الدين ابن مفلح على نظر المارستان بعد أن كان نور الدين السفطي قد سعى فيها ليعود إليها ، فلم يتم له أمر بعد أن هيئت خلعته وكذا سعى فيها جماعة ، فبطل سعيهم .
حوادث سنة 832
سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة
في أولها نقص النيل عن الغاية التي انتهى إليها ذراعا وثلثي ذراع(8/167)
"""""" صفحة رقم 168 """"""
فإنه كان انتهى إلى عشرين ذراعا ، ثم أسرع في النقص حتى منع السقائين من الملء من الخليج في عاشر الشهر ، وصار الماء على ستة عشر ذراعا وذلك في رابع عشر بابه ، فبادر الناس إلى الزراعة واشتغلوا بها ، فلما كان في النصف منه وذلك في أواخر بابه وقع برق متوالي من الغروب إلى أن مضت من الليلة هجعة فوقع رعد شديد مزعج فتمادى ، ثم أعقبه مر كافواه القرب إلى أن مضى ثلث الليل الأول ، فدلفت السقوف من البيوت الكبار فضلا عن الصغار وسقطت أماكن وانزعج الناس انزعاجا ما عهد مثله في هذه الازمنة في مثل هذا الوقت ، وأصبحت أزقة البلد كالخلجان وكثر الوحل جدا وشراع الناس في تنظيفها ، ولم يعهد مثل ذلك بالقاهرة إلا إذا أمطرت مرارا ، ووصل الخبر بانها أمطرت بالبهنسا بردا في قدر بيضة الدجاجة والحمامة ، وهلك بسبب ذلك من الحيوان شيئ كثير جدا . وفي ربيع الأول شغب الجند على الأستادار ونهبوا بيته بسبب تأخير النفقة ، فاحضر السلطان الأستادار فضربه بحضرته ثم خلع عليه واستمر ، وأنفق من خزانته شهرين ، وعمل المولد السلطاني على العادة في اليوم الخامس عشر ، فحضره البلقيني والتفهني وهما معزولان ، وجلس القضاة المسفزون على اليمين وجلسنا على اليسار والمشايخ دونهم ، واتفق(8/168)
"""""" صفحة رقم 169 """"""
أن السلطان كان صائما ، فلما مد السماط جلس على العادة مع الناس إلى إن فرغوا ، فلما دخل وقت المغرب صلوا ثم أحضرت سفرة لطيفة ، فاكل هو ومن كان صائما من القضاة وغيرهم .
وفي شهر ربيع الآخر التزم نور الدين الطنبذي كبير التجار بالقاهرة أن يأخذ من السلطان ستين الف دينار ليتجر له فيها ويقوم للأستادار بالربح ، وكانت له به عناية لأنه كان صديقه وصديق أبيه من قبله فأجيب لذلك ، فشرع في تحكير السكر وأن لا يباع إلا بأمره ، ودخل في امور شنيعة وكثر الدعاء عليه ، وعورض كثير من أهل الدولة في ذلك ولم يستمر ذلك إلى آخر السنة .
وفي ربيع الآخر أمر السلطان نواب القضاة أن لا يحبس أحد على أقل من ألف ، وفيه نزل السلطان من القلعة مختفيا إلىالقاهرة فدخل بيت القاضي ناظر الجيش بغتة ، فاندهش الرجل وقدم ما تيسر ، ثم صحبه بألفي دينار وخيل وبغال وتقدمة ، وفي هذا الشهر نودي على الفلوس أن يباع الرطل المنقى منها بثمانية عشر درهما ، ففرح من كان عنده منها حاصل ، وحزن من عليه منها دين ، لما يقاسمونه من نواب الحكم في إلزامهم إعطاء ذلك بالوزن الاول ، وفيه بحث كثير وثبت أن ذلك لا يلزم على الإطلاق بل لا بد من الشروط ، واقتضى الحال كتابة مراسيم للشهود أن لا يكتبوا وثيقة في معاملة ولا صداق ولا غيره إلا بأحد النقدين :(8/169)
"""""" صفحة رقم 170 """"""
الذهب أو الفضة ، بسبب شدة اختلال أحوال الناس واختلاف أحوال الفلوس التي صارت هي النقد عندهم في عرفهم مع عزة الفلوس وعدمها ، كان يكتبون ذلك بالفلوس مع تحققهم أن لا وجود لها ، أن لا حقيقة لذلك الإقرار ، ثم إذا نودي عليها بأن يزاد سعرها يصير من كتبت له يطالب بذلك الوزن فأجحف ذلك بالناس ، فحسمت هذه المادة من هذا التاريخ على يد من وفقه الله لذلك وهو كاتبه ، وتمادى الاختلاف بسبب ما كان كتب اولا ، فلم يزل يضمحل بحمد الله تعالى .
وفي رجب استقر جلال الدين محمد بن بدر الدين محمد بن مزهر في كتابة السر عوضا عن أبيه وهو شاب أمرد كثير الخجل والسكون ، فباشره معه شرف الدين سبط ابن العجمي ، وقام معه بأعباء الوظيفة إلى أن انفصل عن قرب ، وكوتب الشريف بن عدنان كاتب السر بدمشق فتباطأ في الحضور .
وفي يوم الجمعة الثاني من شعبان تأخر اللحم عن المماليك الذين في الطباق يوم الخميس فأصبحوا يوم الجمعة - فصبح منهم بيت الوزير جمع فهجموا عليه بيته الذي بحارة زويلة فكسروا أبوابه ونهبوا ما فيه ، وكسرت عدة أواني من الصيني ، واستلبوا ثياب النساء والجواري ،(8/170)
"""""" صفحة رقم 171 """"""
وأفسدوا رخام منزله ، وهرب الوزير في بيت الجيران ، ثم ثارت في سادس شعبان بين جماعة من المماليك السلطانية وبين الأمير الكبير جارقطلي ، فأرادوا أن يهجموا عليه فاغلقت الأبواب ، فأرادوا إحراق الدار فبرز إليهم راكبا ، فنكصوا عنه ودخلوا بين القصرين ، فوقعت في العوام هجة فأغلقت أبواب المدينة ، وأمسك من مماليك الأمير الكبير ثلاثة أنفس فضربوا بحضرة السلطان ، فبلغ ذلك الامير الكبير فغضب وسكنت الفتنة ، ثم إن السلطان تلطف بالمماليك .
وفي اوائل شعبان هجم ساحل الإسكندرية خمسة مراكب من الفرنج فعبثوا ، فبادر عبد القادر بن أبي الفرج الأستادار وساق معه جماعة من عرب البحيرة ودخل الإسكندرية ، فقويت بهم نفوس أهل الثغر ونكص الفرنج على أعقابهم بعد أن جرح منهم جماعة ، وكفى الله المؤمنين القتال .
وفي ذي القعدة هرب قنصل الفرنج الجنوية ومن معهم الذين كانوا مقيمين بالإسكندرية ، وفي جهتهم لتجار المسلمين أكثر من عشرين ألف دينار ، وكانت إقامتهم بالإسكندرية قد طالت حتى أن اكثرهم إنما ولد بها ، وكاوا يخرجون في كل يوم بعد عشائهم فيتمشون بالساحل عادة لهم بعد الأكل ، فلما كثرت عليهم المظالم التي لم يألفوها رتبوا أمرهم وهربوا في بعض المراكب ووجدوا في نواحيهم مركبين حضر من(8/171)
"""""" صفحة رقم 172 """"""
بلادهم فردوهم ، فانزعج السلطان والمسلمون لذلك - وكان ما سنذكره .
وفي تاسع ذي القعدة كسر الخليج الناصري ، وكان النيل وصل في اول يوم من ذي القعدة وهو يوم الجمعة إلى خمسة عشر ذراعا وشيء ، ثم وصل في رابعه إلى تسعة عشر إصبعا من السادس عشر وتوقف أربعة ايام ، فضج الناس وأقبلوا على شراء القمح وغيره خشية استمرار التوقف ، فجمع السلطان القضاة والفقراء عنده وقرئ عنده القرآن وابتهلوا بالدعاء واصبح ، في اليوم الثامن فركب إلى الآثار فزار ودع وتصدق ، فاتفق أنه أوفى في صبيحة ذلك اليوم ، وباشر كسر الخليج محمد ولد السلطان .
وفي نصف ذي الحجة استقر الشريف شهاب الدين أحمد بن علي ابن عدنان الحسني نقيب الأشراف بالشام في كتابة السر بمصر ، وألبس خلعة خضراء بطرحة خضراء ، وصرف جلال الدين ابن مزهر وكان قد استقر فيها بعد والده ، ولم يعهد في الدولة التركية أن وظيفة كاتب السر تمتهن هذا الامتهان بحيث يتولاها شاب صغير وتدور بين ثلاثة(8/172)
"""""" صفحة رقم 173 """"""
في سنة واحدة ولم تكن العادة أن يتولاها إلا من جرب عقله ومعرفته ثم لا ينفصل عنها إلا بالموت غالبا .
وفي جمادى الآخرة حاصر ابن قرا يلك مدينة خرت بزت فبلغ ذلك السلطان ، فجرد عدة من الامراء والمماليك وأنفق فيهم وارسل إلى المماليك الشامية بالخروج معهم ، فإلى أن وصلوا تصالح قرا يلك والنائب بها وتسلمها قرا يلك ، فوصل العسكر بعد ذلك إلى الرها ، فانتهبوها وقتلوا من أهلها مقتلة عظيمة وافحشوا في ذلك ، واسروا ولد قرا يلك وارسلوه إلى القاهرة ، واتفق ورود الخبر بذلك يوم وفاء النيل في تاسع ذي القعدة .
وفي شوال وعك كاتبه ثم عوفي في ذي القعدة ، فاستعرض أهل السجون فصولح من له دين من مال كاتبه ، وحصل لجمع كثير من الناس فرح كبير ، أما صاحب الدين فلياسه من حصول شيء من المسجون ، وأما المسجون فلما كان يقاسيه من شدة الحر وغيره من الضيق - فلله الحمد .
وفيها نازل إسكندر رسل محمد - ابن قرا يوسف السلطانية وقتل متوليها من جهة شاه رخ ملك الشرق ووقعت بينه وبين إسكندر بن قرا يوسف وقع ، فانكسر إسكندر وانهزم إلى الجزيرة وقد تمزق عسكره .
وفي هذه السنة غزاه شاه رخ ملك الرق ابن قرا يوسف فأوقع(8/173)
"""""" صفحة رقم 174 """"""
به خارج تبريز ، ودخل شاه رخ تبريز فخربها بحيث صارت قاعا صفصفا ، وجلا أهلها عنها إلى سمرقند ؛ وأعقب رحيله عنها جراد عظيم أفسد الزرع كله ، وعاثت الاكراد بعده فيمن بقي فما أبقوا لهم شيئا .
وفيها أغار قرا يلك على الرها فنازلها وأخذ قلعة خرت برت ، وسلمها لولده ، فتوجهت العساكر إليها فحاصروا الرها وبها هابيل بن قرا يلك واسمه عثمان ، فلم يزالوا حتى أخذوها ونهبوها ، وأفحشوا حتى بلغني لما دخلت حلب أنهم فعلوا فيها شيئا أشد مما فعل التتر بدمشق من التحريق والتخريب والفساد بالنساء والصبيان وقتل الانفس بالسيف والتحريق - فلله الأمر .
وفيها أنقطع جسر زفته فغر البلد وخربت منه عدة دور .
وفي أول هذه السنة تلفت السلطان إلى المتجر بإغراء الخازندار له ، فامر بتجهيز مال إلى جدة ليشتري له وحجر على الفلفل أن يشتري لغيره ، وألزم جميع التجار أن لا يتوجه أحد ببضاعة إلى الشام(8/174)
"""""" صفحة رقم 175 """"""
ولا غيرها بل إلى القاهرة ولا يباع إلا بالإسكندرية بعد أن يكتفي السلطان ، والزم الفرنج بشراء الفلفل بزيادة خمسين دينارا عن السعر الواقع ، فاشترى الفرنج شيئا ورجعوا باكثر بضائعهم وما معهم ن النقد إلى بلادهم ، فلم يحصل للسلطان مقصوده ، وحصل على التجار من البلاء مالا يوصف ، وتمادى الامر على ذلك ولا يزداد الأمر في سنة إلا شدة .
وفيه حجر على باعة الثياب البعلبكي والموصلي والبغدادي ثم بطل ذلك .
وفيه حجر على السكر مدة ثم بطل أيضا .
وفي شهر ربيع الآخر عقد مجلس عند كاتب السر اجتمع فيه القضاة ومشايخ العلم بسبب أن السلطان اشترى من وكيل بيت المال أرضا ثم وقفها ، وثبت ذلك عند الشافعي ونفذه الباقون إلا الحنفي فادعى أن الحكم باطل ، واستند إلى أن علم الدين ولد شيخنا البلقيني ذكر له البطلان ، ووافقه بعض نواب الحكم من الشافعية المنفصلين ، وكان القائم في امر الشراء المذكور ناظر الجيش ، فامر كاتب السر أن يستفتي علماء الشافعية في ذلك ، فأفتوا بالجواز إلا القمني والعلم ، فلما حضروا وقع البحث في ذلك ، فرجع القمني وقال : إذا استوفى الحاكم الشروط صح البيع ، وكان قبل ذلك كتب بأن البيع لا يصح وأطلق ، وأما العلم فاعتل بأنه يلزم(8/175)
"""""" صفحة رقم 176 """"""
من ذلك اتحاد الموجب والعابل وذلك لا يختص كما يتعاطى الجد لحفيده ، وأن وكيل بيت المال وكيل السلطان فإذا اشترى السلطان من وكيله فكأنه اشترى من نفسه ، وفاته ما صرح به جماعة من العلماء بأن وكيل بيت المال وكيل عن الجهة للمسلمين لا عن خصوص السلطان ، وإنما وظيفته ولاية لا نيابة وقد صرح بذلك السبكي وغيره ؛ ثم ظفرت بأن ذلك صنع للسلطان صلاح الدين في وقف الصلاحية ببيت المقدس ونقله السبكي في فتاويه ، وقال الأذرعي في شرح المنهاج : اغتر بعض الناس بتسميته وكيلا فقال : إنه ينعزل بموت السلطان ، هو غلط ، ثم أحضر حكم الدين البلقيني في مثل ذلك وكذلك من قبله أبو البقاء وعز الدين ابن جماعة ، فاصر على دعوى البطلان وأصر الحنفي على الامتناع ن التنفيذ اعتمادا على قول المذكور مع قصوره في الفهم ونزارة ما عنده من العلم ، ثم حملته العصبية على أن اجتمع بالسلطان وعرفه أن البيع باطل وأن الشافعية راعوا القاضي الشافعي فوافقوه فيما عمل ، فأمرهم بالاجتماع عنده فحضروا يوم الاثنين ثامن الشهر المذكور ، فبدا الشافعي فسأل الحنفي : لم امتنعت من تنفيذ هذا الحكم ? فقال : لأن الشافعية قالوا إنه باطل فوقفته على فتاوي الشافعية فاسند الامر للقمني وللعلم فوقفته على فتوى القمني الثانية فقال : هذا لا يعتمد عليه لأنه تناقض ، فسئل(8/176)
"""""" صفحة رقم 177 """"""
العلم في المجلس عن مستنده في دعوى البطلان فقال : نص الشافعي في عيون المسائل أن الوالي في رعيته بمنزلة الوصي في مال اليتيم ، فسئل ما وجه الدلالة من هذا النص لصورة المسألة ، فخلط في جوابه وانتقل فأخرج له نص الشافعي في مختصر المزني بأن المراد بذلك فيما يتعلق برعاية المصلحة للجهتين فكابر ، فرد عليه من حضر وقالوا : إذا كان الكلام مطلقا وذكر له في موضع آخر قيد وجب الحمل عليه وعمل بالخاص ، ثم استظهر الشافعي بأن للسلطان أن يقف ما يراه من أراضي بيت المال على من يراه ، وأن الوصي ليس له ذلك في مال اليتيم ، فدل على أن النص ليس على عمومه ، فاستمر على العناد فبان للجماعة قصوره وتعصبه . وأما الحنفي فتبين له أن لا حجة للقمني والعم فأصر على التعصب وقال : لا يجب على التنفيذ وكأنه خشي أن ينفذ في الحال فيقال إنه غلب فجنح إلى هذا العذر ، وانفصل المجلس على ذلك ؛ وسئل علماء الحنفية عن ذلك فقالوا : بل يجب على الحاكم إذا اتصل به حكم غيره وسأله صاحب الحق التنفيذ أن يفعل ، وممن كتب بوجوب ذلك عليه وإثمه إذا لم يفعل التفهني وابن الديري ونظام الدين السيرامي وصدر الدين ابن العمي وعبد السلام البغدادي وكمال الدين ابن الهمام بدر الدين القدسي وأمين الدين الأقصر أي والقاضي المالكي والقاضي الحنبلي ، فيما بلغه ذلك استفتى فما إذا حصلت عند العجمي ريبة في الحكم هل يجب عليه أن ينفذه مع الريبة ، فطافوا بها فلم يكتب عليها أحد ، فأشير عليه بأن يرجع وينفذ ، فآل الأمر إلى أن(8/177)
"""""" صفحة رقم 178 """"""
نفذ الحكم بعد ذلك في السادس عشر من الشهر المذكور .
وفي اواخر شهر ربيع الآخر قدم فيروزمن المدينة وخلع عليه بعد أيام وعاد إلى مكانه ، وزاد تمكنا بحيث اقتصر السلطان من القدماء عليه وعلى التاج الوالي وولي الدين ابن قاسم وأحمد الأحدب الشامي ومراد العجمي - هؤلاء قدماء الحضرى ، ومن طرأ عليهم من غيرهم مقتوه إلىأن يخرجوه .
وفي يوم الاثنين مستهل جمادى الآخرة استقر شهاب الدين أحمد ابن محمد بن صلاح المعروف بابن المحمرة وبابن السمسار في قضاء الشام عوضا عن أبي البقاء ابن حجي ، وبقيت بيده مشيخة سعيد السعداء وتدريس الشيخونية وغير ذلك من جهاته بالقاهرة ، فاستناب فيها وسافر في رجب
وكان السلطان طلب العلم البلقيني وفوض إليه قضاء الشام فامتنع وقال : أنااوثر به وجه السلطان في هذا الشهر مرة علىهذا ، فقال له : قد بعث النبي e معاذا إلىاليمن فلم بعتذر بمثل هذا فتعجب من حضر من استحضاره هذه القصة المناسبة ، ولم يؤثر ذلك في العلم لشوقه إلى العود بالقاهرة ، فلما استقر ابن المحمرة أرسل له السلطان محقة وأذن له أن يستنيب في وظائفه بالقاهرة . وفه استقر جمال الدين يوسف ابن الصفي الكركي في نظر الجيش بدمشق عوضا عن الشريق شهاب الدين ، واستقر شمس الدين محمد بن علي بن عمر الصفدي في قضاء الحنفية بدمشق(8/178)
"""""" صفحة رقم 179 """"""
عوضا عن القاضي شهاب الدين ابن الكشك نقلا من القضاء بطرابلس ، واستقر في قضاء طرابلس ولد الصفدي المذكور .
وفي ليلة الخميس ثاني عشر جمادى الآخرة هبت ريح بالتراب برقة الأهواء ، فأثارت منه ما ملأ البيوت وكاد الناس يهلكون من الغم وأصبح الجو أصفر .
وفي ليلة النصف خسف القمر ولم يشعر به أكثر الناس .
وفي ثالث شعبان استقر نظام الدين عمر بن القاضي تقي الدين إبراهيم ابن الشيخ شمس الدين محمد بن مفلح في قضاء الحنابلة بدمشق عوضا عن القاضي شهاب الدين ابن الحبال ، وكان ابن الحبال قد ضعف بصره حتى قيل إنه عمي وقوي صمعه وضعفت قوته ، فلما استقر نظام الدين وبلغه ذلك تحول إلى بلده طرابلس ، فأقام بها إلى أن مات في السنة المقبلة .
وفي شعبان هجم جماعة من المماليك بيت الوزير فنهبوا ، وكانت كائنة شنيعة ؛ وفيه اشتد فساد المماليك الجلب وأفسدوا حتى منع السلطان الناس عن العمل إلا عن أمره إشفاقا عليه ، وسار الامراء إلى خرت برت فأوقعوا بمن فيها . وفيه وقع الوباء بدرندا . وفيه قدم نائب الشام سودون من عبد الرحمن وقدم معه كاتب السر ابن البارزي ثم رجعا على وظيفتيهما ، وسار بعدهم العسكر المجهز إلى البلاد الحلبية وهم : الحاجب الكبير والدويدار الكبير وغيرهما ، ومعهم من الطبلخانات(8/179)
"""""" صفحة رقم 180 """"""
والعشراوات جماعة ومن المماليك السلطانية أربعمائة نفس ، فوصلوا إلى حلب وأقاموا بها لحفظها من التركمان ، ثم وقعت لهم مع التركمان وقعة قتل فيها ولد لقرايلك صاحب تلك البلاد ، وصادف وصول الخبر بذلك يوم وفاء النيل ، فحصل للناس بذلك بشران ، وشاع أن قرا يلك مات ثم تبين كذب الإشاعة . وفيها قدم بيرم التركماني صاحب هيت فارا من أصبهان من قرا يوسف ، فأكرمه السلطان واجرى له راتبا ثم أقطعه ناحية من الفيوم . وفيها في رجب استقر سودون من عبد الرحمن أتابك العساكر نقلا من نيابة الشام ، واستقر في نيابة الشام جارقطلي عوضا عنه .
وفيات سنة 832
ذكر من مات في سنة 832 من الاعيان
أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الوهاب ، المرشدي المكي أخو محمد وعبد الواحد ، ولد سنة ستين وسبعمائة ، وسمع من عبد الرحمن بن عل التغلبي ابن القارئ جرء ابن الطلابة أنا الأبرقوهي ،(8/180)
"""""" صفحة رقم 181 """"""
ومن محمد بن أحمد بن عبد المعطي صحيح ابن حبان أنا الرضي والصفي الطبريان ، ومن عبد الله بن أسعد اليافعي صحيح البخاري ، ومن عز الدين ابن جماعة من مناسكه الكبرى - ومن غيرهم ، وأجاز له الصلاح ابن أبي عمر وابن أميلة وابن هبل وابن قواليح وأبو البقاء السبكي وآخرون ، وحدث ؛ ومات بمكة يوم الخميس رابع ذي القعدة ، وقد حدث قبل موته بسنة بشرح السنة لبغوي بإجازة من بعض شيوخه ، ومن قبل موته بشهر بالشمائل بإجازته من الصلاح المذكور .
أحمد بن عمر بن أحمد بن عيسى ، الشاب التائب شهاب الدين المصري الشاذلي ، نزيل دمشق ، ولد في ذي الحجة سنة سبع وستين ، واشتغل بالفقه قليلا ، وتعاني المواعيد فمهر فيها ، وكان يلقي من حفظة عنان ، وطاف البلاد في ذلك فدخل اليمن مرتين ثم العراق مرارا ودخل حصن كيفا وكثيرا من بلاد الشرق وأقام بدمشق مدة وحج مرارا ، وكان فصيحا ذكيا يحفظ شيئا كثيرا ، وله رواج زائد عند العوام ، وبنى عدة زوايا بالبلاد ؛ مات في رجب .
برسبغا الجلباني ، تقدم في أيام الناصر فرج بواسطة عبد اللطيف(8/181)
"""""" صفحة رقم 182 """"""
الطواشي وكان يخدمه ، واستقر في الدويدارية ، وكان فصيحا عارفا لا يظن من عرفه إلا أنه من أولاد الناس ، وكان نفي في الدولة المؤيدية إلى القدس ، ثم أعيد في الدولة الأشرفيةوباشر الدوالب السلطانية بالصعيد ؛ مات في شهر رجب .
خشرم بن دوغان بن جعفربن هبة الله بن جماز بن منصور بن جماز مع رفيقه كما ذكرنا في عجلان .
رابعة بنتي زوج شيخ الشيوخ محب الدين ابن الأشقر ماتت وكان مولدها في رجب سنة إحدى عشرة ، وكانت قد تأهلت بشهاب الدين ابن مكنون قبله ، وسمعت معي في سنة خمس عشرة من الشيخ زين الدين ابن حسين بمكة ، وأجاز لها جمع كثيرمن أهل مصر والشام - عوضها الله الجنة .
سعد الآمدي سعد الدين ، نزل بطرابلس وشغل الناس في الحاوي ، ولم يكن مشكورا في دينه ؛ مات في جمادى منها .
عبد المعطي زين الدين الكوم الريشي الحنفي ، مات في هذه السنة - وقد تقدم خبره في حوادث سنة عشر وثمانمائة . عجلان بن نعير بن منصور بن جماز بن شيحة بن قاسم ، العلوي(8/182)
"""""" صفحة رقم 183 """"""
الحسيني ، أمير المدينة ، قبض عليه في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة فسجن ببرج في القلعة ، ثم أفرج عنه بمنام رآه القاضي عز الدين عبد العزيز بن علي الحنبلي فقصه على المؤيد ، وأمر بالإفراج عنه في ذي الحجة . وقتل فيها ايضا قريبه خشرم بن دوغان بن جعفر بن هبة الله ابن جماز بن منصور .
علي بن حسين بن علي ، الحاضري نور الدين ، ولد في جمادى الأولىسنة 755 ، واشتغل وباشر عدة وظائف سلطانية ، وكان كثير التودد طلق الوجه حسن العشرة ، وكان في دولة منطاش قد أهين ونفي ، ثم عظم لما عاد الظاهر وتولى ابن أخيه بيبرس الدويدارية ؛ مات في العشرين من شعبان وقد شاخ ورق حاله .(8/183)
"""""" صفحة رقم 184 """"""
علي بن محمد بن يوسف ، التوريزي نور الدين ، كان أبوه من كبار التجار ونشأ هو في كنفه ، ثم مات أبوه واشتهر بالتجارة أخواه الجمال محمد والفخر أبو بكر ، وتعاني هذا السفر إلى بلاد الحبشة والتجارة بها فشهر بذلك ، وصارت له عندهم منزلة وصورة كبيرة ووجاهة ، وصارت كلمته عندهم مقبولة لقيامه في خدمتهم بما يرومونه من النفائس التي يحضرها لهم من القاهرة وغيرها ، فلما أكثر من ذلك نقم عليه بعض الناس موالاته للكفار الحبشة ونسبوه إلى شراء السلاح لهم والخيول ، وعثر عليه مرة بشيء من ذلك في الدولة المؤيدية ، فاستتيب وأقسم أنه لا يعود ، فلما كان في أثناء العام الماضي زعم بعض من يتعصب عليه أنه توجه رسولا من ملك الحبشى إلىملك الفرنج يستحثه على المسلمين ، وهذا عندي لا يقبل لأن معتقد الطائفتين مختلف ، ويقال إنه دخل بلاد الفرنج بسبب تحصيل صليب عندهم بلغ أمره ملك الحبشة فاحب أنيراه ، ولما شاع ذلك عنه خشي عى نفسه في مكان بالقرب من الخانقاه الناصرية(8/184)
"""""" صفحة رقم 185 """"""
بسرياقوس ، فنم عليه عبد السلام الجبرتي ووشى به إلى السلطان فامر والي القاهرة فقبض عليه ، فوجد معه امتعة من ملابس الفرنج وشيئامن سلاح وناقوسين من ذهب وكتاب فيه مراسلة من صاحب الحبشة يستدعي منه أشياء يصوغها من صلبان ونواقيس ويحضه على أن يشتري له مسمارا من المسامير التي سمر بها المسيح بزعمهم ، والكتاب كله بالحبشية فعرب فحبس ، ثم عقد له مجلس ففوض السلطان أمره للمالكي وذلك في حادي عشر جمادى الأولى ، فتسلمه المالكي ، وسمع عليه الدعوى فأنكر ، فشهد عليه صدر الدين ابن العجمي ، والشيخ نصر الله وآخرون وشهد أكثرهم بالاستفاضة ، فأعذر إليه فيمن شهد عليه ، فادعى عداوة بعضهم وأعذر لبعضهم ، فحم بقتله بشهادة من أعذر لهم ، فضربت عنقه بين القصرين تاسع عشر الشهر المذكور وهو يعلن بالشهادتين وقراءة القرآن ويتبرأ من كل دين يخالف دين الإسلام ، فتسلمه أهله فغسلوه وصلوا عليه ودفن ، ثم بعد أيام أعاد السلطان لأهله ماكان وجد له بين لأكثر الناس أنه مظلوم ، وذكر لي خادمي فاتن الطواشي الحبشي - وكان على هذا هو الذي جلبه(8/185)
"""""" صفحة رقم 186 """"""
من بلاد الحبشة - أنه كان ببلاد الحبشة يواظب على الصلاة والتلاوة ، ويؤدب من لم يصل من أتباعه ، وعنده فقيه يقرئ أولاده واتباعه القرآن ، وللمسلمين به نفع ، وهم به في بلاد الحبشة في إكرام واحترام ؛ ولم يمتع منشهد عليه بل لحق به بعد قليل كما سيأتي - والله أعلم بغيبه .
علي بن محمد بن الصفي ، علاء الدين بن صدر الدين بن صفي الدين الأردبيلي ، شيخ الصوفية بالعراق ، قدم دمشق سنة ثلاثين ومعه أتباع فحج وجاور ، ثم قدم دمشق ولده ومعه جمع كثير ، وذكروا أن له ولوالده بتلك البلاد اكثر من مائة ألف مريد ؛ ومات علاء الدين المذكور بعد رجوعه من الحج ودخوله بيت المقدس في شهر ربيع الآخر .
علي السفطي نور الدين ، كان يتعاني الشهادة عند الامراء ، وباشر نظر المارستان مدة ، ثم ولي وكالة بيت المال والكسوة ؛ ومات في اواخر جمادى الآخرة وقد جاوزالخمسين .
محمد بن إبراهيم بن أحمد ، الشيخ شمس الدين الصوفي ، ناظر المارستان ، ولد سنة تسع وأربعين واشتغل بالعلم ، وأحب المذهب الظاهري والانتماء إلى الحديث ، ورافق برهان الدين ابن البرهان لما دخل بغداد ، ثم اتصل بالملك الظاهر برقوق وقام معه لما عاد إلى السلطنة ، فرعى له ذلك وولاه(8/186)
"""""" صفحة رقم 187 """"""
نظر المارستان ، ثم خشي منه فاستأذنه في الحج وتوجه فدخل اليمن وجال فيالبلاد ، ثم عاد بعد موت الظاهر بمدة فأقام بالقاهرة منجمعا ، وكان يرجع إلى دين وتعبد ، وعمي مدة إلى أن مات في مسجد بالكافوري في ليلة الثلاثاء ثالث عشر المحرم منها .
محمد بن إبراهيم بن عبدالله ، الشيخ شمس الدين الشطنوفي الشافعي ولد بعدالخمسين وقدم القاهرة شابا ، واشتغ لميرزق الإسناد العالي بل كان عنده عن التقى الواسطي ونحوه ، واشتغل بالفقه ومهر في العربية ، وتصدر بالجامع الطولوني في القراآت وفي الحديث بالشيخونية ، وانتفع به الطلبة لاتصابه لشغلهم متبرعا بالجامع الازهر ، وكان كثير التواضع مشكور السيرة ؛ مات في ليلة الاثنين سادس عشري ربيع الأول بعد علة طويلة .
محمد بن أحمد بن علي ، الحافظ تقي الدين أبو الطيب الفاسي ثم المكي المالكي ، مفيد البلاد الحجازية وعالمها ، ولد سنة خمس وسبعين وسبعمائة وأجاز له بإفادة الشيخ نجم الدين المرجاني ابن عوض وابن السلار وابن المحب وجماعة من الدماشقة ، وعني بالحديث فسمع بعد التسعين من جماعة ببلده ، ورحل إلى القاهرة والشام مرارا ، وولي قضاء بلده للمالكية ، وهو أول مالكي ولي القضاء بها استقلالا ، وصنف أخبار مكة وأخبار ولاتها وأخبار من احتل بها من أهلها وغيرهم عدة مصنفات(8/187)
"""""" صفحة رقم 188 """"""
طوال وقصار ، وذيل على العبر للذهبي وعلى التقييد لابن نقطة ، وعمل الاربعين المتباينة وفهرس مروياته ، وكان لطيف الذات حسن الاخلاق عارفا بالامور الدينية والدنيوية ، له غور ودهاء وتجربة وحسن عشرة وحلاوة لسان ، ويجلب القلوب بحسن عبارته ولطيف إشارته ، رافقين في السماع كثيرا بمصر والشام واليمن وغيرها ، وكنت أوده وأعظمه وأقوم معه في مهماته ، ولقد ساءني موته وأسفت على فقد مثله - فلله الامر وكان قد أصيب ببصره وله في ذلك اخبرا ، ومكن من قدحه فما أطاق ذلك ولا أفاده ؛ ومات في رابع شوال .
محمد بن سعيد ، الصالحي ، شمس الدين ، نسبة للصالح صالح بن الناصر ، وكان سعيد مولى بشير الجمدار وبشير مولى الصالح فنسب شمس الدين لمولى مولاه ، وكان أحد القراء في الجوق بالنغم ، ويلقب سويدان ، وهو آخر الحلبة الأولى من تلامذة الشيخ خليل المشبب وممن قرا مع الزرزاي وابن الطباخ ، وقد حظي في أيام الناصر فرج ، وولي حسبة القاهرة مرارا وقد جاوز السبعين ، وكانت بيده مشيخة العلانية وإمامة القصر وغير ذلك ؛ مات في يوم الاثنين صفر .
محمد بن عبد الله بن حسين ، المعروف بابن المواز شمس الدين ، اشتغل كثيرا ونزل في بعض المدارس ، وكان يؤدب أولاد أبي هريرة ابن النقاش ، الغالب عليه الانجماع ؛ ومات فجأة يوم الأحد في(8/188)
"""""" صفحة رقم 189 """"""
ربيع الأول .
محمد بن عبد الله ، شمس الدين الزفتاوي الملقب فت فت ، كان يكتسب بالشهادة ثم عمل التوقيع وتقدم في ذلك وأقرأ أولاد بعض الرؤساء وكان ينوب في الحكم في بعض المراكز ، وكان كثير التلاوة ، خيرا ، سليم الباطن ، أكمل الثمانين .
محمد بن عبد الوهاب بن محمد ، الشيخ ناصر الدين البارنباري الشافعي ، ولد قبيل السبعين بيسير ، وقد قدم القاهرة فاشتغل ومهر في الفقه والعربية والحساب والعروض وغير ذلك ، وتصدر بالجامع الأزهر احتسابا ، وكان من خيار الناس ، ودرس وخطب وأفتى ، واقرأ مدة بالقاهرة ودمياط وقد ذكرت ما جرى له مع شمس الدين البرماوي في السنة الماضية ، وأصاب ناصر الدين عقب ذلك فالج أبطل نصفه ، واستمر به موعوكا إلى أن مات في ليلة الأحد حادي عشر شهر ربيع الأول وقدناف علىالسبعين .
محمد ويدعى الخضر بن علي بن أحمد بن عبد العزيز بن القاسم ، النويري الشافعي ، ولد في ربيع الآخر سنة 762 ، وتفقه قليلا ، واسمع على العز ابن جامعة وابن حبيب وابن عبد المعطي والاميوطي ومن بعدهم ، وأجاز له البهاء ابن خليل والجمال الأسنوي وأبو البقاء السكي وغيرهم ، وناب في الحكم عن قريبه عز الدين بن محب الدين ابن أبي الفضل ، وولي قضاء المدينة(8/189)
"""""" صفحة رقم 190 """"""
مدة يسيرة ولم يصل إليها بل استناب ابن المطري وصرف ، وكان ضخما جدا ؛ مات في رابع عشر ذي الحجة وقد دخل السبعين ، وانصلح بأخرة ، وهو والد أبي اليمن خطيب الحرم .
محمد بن بدر الدين محمد بن أحمد بن مزهر ، الدمشقي بدر الدين ، ولد سنة 786 ، ونشا في كنف أبيه ثم مات أبوه عنه وهو صغير ، فكفله زوج أخته محي الدين أحمد المدني ، وتولى التوقيع عنده لما ولي كتابة السر بدمشق ، فاتصل بالمؤيد وخدمه وقدم . . ثم سلمه إلى نائب القلعة يشبك بن أزدمر فحبسه عنده وضيق عليه إلى أن وقع الإفراج عنه بعد قتل الناصر ، فقدم مع التجريدة إلى القاهرة ، فولي نظر الإصطبل ، وباشر توقيع الدست مع البازري ، ثم صار نائب كاتب السر في مباشرة ولده فمن بعده إلى أن استقر فيها استقلالا فكانت مدته في ذلك نيابة واستقلالا نحو تسع سنين ، لأنه باشر ذلك عقب وفاة ناصر الدين ابن البازري في ثامن شوال سمة ثلاث وعشرين ، وباشر في غضونها نظر الجيش نيابة عن ناظر الجيش لما حج في سنة ست وعشرين ، وكان فصيحا مفوها عارفا بالامور الدنيوية عريا عن معرفة الأمور الأخروية ،(8/190)
"""""" صفحة رقم 191 """"""
إنما همه الاعظم تحصيل الدرهم ولو كان فلوسا ، حتى حصل في هذه المدة ما يزيد على مائتي ألف دينار تمزقت بعده ، وبقي منها ما اشتراه من العقار فإنه بقي لذريته ، وكان ابتدأ مرضه في اول ربيع الآخر حصلت له ذبحة في حلقه فصار ينفث الدم قليلا ، ولم ينقطع عن الركوب إلى الحادي والعشرين من الشهرالمذكور ، فحصل له رعاف كثير حتى أفرط فانقطع بسببه ، ولازمه الاطباء وأكثروا له من الحقن والأدوية إلى أن استفرغوا قوته كلها مع ما يخرج من أنفه من الدم ، ثم تنوعت به الأمراض من القولنج وغيره إلى أن مات في ليلة الأحد اثنتين وعشرين جمادى الآخرة عن نحو الخمسين ، واشيع بأنه سم وكان هو يلوح بذلك ، ولم يغب ذهنه في طول مرضه ، وحرص مرارا على أن يوصي ببر أو صدقة أو خلاص ذمة فلم يقدر له ذلك ومات باحماله لم يحط عنه منها شيء إلا أن كان اغتيل فإن في ذلك كفارة كبيرة ، وكثر الثناء السيء عليه بعد موته بسوء معاملته وطمعه - والله يسمح له فلقد كان يقوم في الحق أحيانا ، وله بر وصلة وصدقة لبعض الناس ومحبة في الصالحين ومروءة وعصبية لاصحابه - رحمه الله تعالى واستقر بعده في كتابة السر ولده جلال الدين . . محمد ولقب بلقب أبيه بدر الدين(8/191)
"""""" صفحة رقم 192 """"""
ولم يستمر ذلك ، وخلع على شرف الدين سبط ابن العجمي بنيابة كتابة السر ، وتلقى الامور عن جلال الدين لصغر سنه ، ويقال إنه أخذ لأجل ذلك من مال أبيه مائة ألف دينار .
حوادث سنة 833
سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة
في المحرم استقر الوزير كريم الدين ابن كاتب المناخات في نظر الديوان المفرد مضافا للوزارة ، وفيه أمطرت في حمص ضفادع خضراء امتلأ منها الأزقة والأسطحة ووصل الخبر بذلك .
وفيه شغب الجند المماليك فزيد في أرزاقهم كل واحد أربعمائة فسكنوا .
وفيها رجع إسكندر بن قرا يوسف إلى تبرير فملكها بعد رحيل شاه رخ ، ووقع لها الغلاء المفرط حتى أكلوا الكلاب .(8/192)
"""""" صفحة رقم 193 """"""
وفي شوال أغار على قرقماس بنحسين بن نعير على ابن عمه مدلج ابن علي بن نعير ، فانهزم قرقماس ودخل مدلج ومن معه بيوت قرقماس فنهبوها ، فكر عليهم قرقماس بمن معه فقتل مدلج ، وذلك في ذي القعدة وعمره نحو العشرين سنة ، فقدم سليمان بن عذراء إلى القاهرة فأمره الأشرف على العرب عوضا عن عمه مدلج فوصل إلى حلب في سادس ذي القعدة ، وورد على يده مثال للأمراء المجردين أن يتوجهوا مع نائب حلب ليقبضوا على قرقماس ، فبلغ ذلك قرقماس فأرسل يطلب الأمان ، فورد المثال السلطاني بطرده عن البلاد ، فتوجهوا الجميع من حلب يوم الجمعة سابع ذي القعدة وقرقماس يومئذ محاصر مدينة جعبر ، فأسرعوا السير فادركوه وهو على المهد تجاه جعبر على شاطئ الفرات ، فلما رآهم ركب وانهزم فركبوا في إثره وتشاغل بعض العرب الذين معهم والعسكر بالنهب ، واستمر العسكر ف إثر قرقماس فأبعد عنهم وقد تعبت خيولهم وغلمانهم ، فكر(8/193)
"""""" صفحة رقم 194 """"""
فيهم قرقماس ومن معه فقتلوا الدشاري وكان على الساقة وأخذوا غالب الخيول التي وقفت والتي وجدوها ، وقتل من العسكر جماعة في تلك الوقعة ونهبت بعض خيامهم وأثقالهم ورجعوا إلى العرب في إثرهم يتخطفونهم ، ولما تحقق قرقماس رجوعهم خشي عاقبتهم فتوجه إلى جهة الشرف ، فدخل الامراء إلى حلب سابع عشر ذي القعدة وقد نهب من أثقالهم وخيولهم وسلاحهم شيء كثير جدا .
وفيها ورد كتاب شاه رخ ملك الشرق يستدعي من الأرف هدايا منها كتاب في العلم منها فتح الباري بشرح البخاري لابن حجر فجهزت له ثلاث مجلدات من أوائل الكتاب ، ثم عاد طلبه في سنة تسع وثلاثين فلم يتفق تتمة الكتاب .
وفيها نقض عبد الواحد بن أبي حمو بيعة أبي فارس صاحب تونس ، فجهز أبو فارس إليه ابن أخيه ابن الركاعنة ، فظفر بعبدالواحد عمه فقتله واستقر في مملكة تلمسان في ذي القعدة منها .(8/194)
"""""" صفحة رقم 195 """"""
وفيها مات أزبك الدويدار وكان قد نفي إلى القدس بطالا في شهر بيع الأول منها بعد ضعف طويل .
وفي مستهل جمادى الأولى سافرالناس إلى مكة ليجاوروا بها صحبة سعد الدين ابن المراة وكان استقر ناظرا على مكس البهار الوارد عليه في جدة .
وفيها أوقع قرا يلك بملطية وماردين ، وساق بعد ذلك إلى البلاد الحلبية حتى وصل عينتاب يعيث وينهب .
وفيها هلك صاحب الحبشة إسحاق بن داود بن سيف أرغد الحبشي الأمخري في ذي القعدة ، وأقيم بعده ولده أندراس بن إسحاق(8/195)
"""""" صفحة رقم 196 """"""
فملك أربعة أشهر ، وأقيم عمه خرنباي بن داود فتملك سبعة أشهر ثم هلك ، فأقيم سلمون ين إسحاق بن داود المذكور فهلك سريعا ، فأقيم بعده صبي صغير إلى أن هلك في الطاعون الذي كان عندهم سنة تسع وثلاثين - فذكرت ذلك هنا تحصيلا للفائدة ، وكانت ولاية إسحاق إحدى وعشرين سنة منذ مات أبوه .
وفي زمانه حصرت دولته بعد أن كانت همجاء ، وكان أبوه يركب وهو عريان كزي بقية الحبشة فصار هذا يركب في الملابس الفاخرة وشعار الملك ، والسبب فيه أن قبطيا كابتا كان يقال له فخر الدولة فر من حادث حدث له فدخل بلاد الحبشة بكتاب البترك ، فحظي عند إسحاق ورتب له أمور المملكة وجبي الأموال ، وصادف دخول أمير من الجراكسة يقال له الطنبغا معزق وكان يعرف أنواع العمل بالسلاح والفروسية(8/196)
"""""" صفحة رقم 197 """"""
فعلم جماعة منهم رمي النشاب والطعن بالرمح والضرب بالسيف ، وكانوا لا يعرفون القتال إلا بالحراب ، وعمل له زردخاناة ملأها بجميع آلات السلاح مما كان يجله له التجار الذين يترددون إلى بلاده خصوصا على التوريزي الذي ذكرنا قتله قبل ذلك وقد ذكرت خبره فيما مضى .
وفي المحرم جهز أو فارس عسكرا في البحر إلى جزيرة صقلية فنازلوا أولا مازر فأخذوها عنوة وحصروا مألقة فانهزم من جملة الجند العلوج واخذ ، فانهزم بهزيمته جماعة واستشهد بعض الأعيان ، ثم تراجعوا وقبضوا على العلج وبعثوه إلى أبي فارس فأمدهم بجيش .
وفيها كان الغلاء الشديد بحلب ودمشق والطاعون بدمشق وحمص .
وفي يوم الخميس سادس عشري صفر صرف كاتبه والعيني عن وظيفة الحكم ، واستقر فيها التفهني والبلقيني ، واستقر صدر الدين ابن العجمي في مشيخة الشيخونية عوض التفهني ، وشرط على الشافعي عشرة نواب ، وللحنفي ثمانية ، وللمالكي ستة ، وللحنبلي أربعة ؛ ولا يولى أحد من غير مذهبه .(8/197)
"""""" صفحة رقم 198 """"""
وفيها حجر المحتسب اينال الششماني على جلاب القمح من البيع وشغل الطحانين جميعهم بشراء القمح من شؤن السلطان ، واستمر على ذلك مدة فكثرت الغلال من الجلابة فانحط السعر كثيرا - ولله الحمد .
وفي الرابع من ربيع الآخر يوم الأربعاء صرف اينال الششماني من الحسبة وأعيد العني إليها .
وفي التاسع منه أمر بإحضار نائب الإسكندرية الامير آقبغا التمرازي ، وقرر في نيابتها شهاب الدين أحمد الدوادار المعروف بالاسود ابن الأقطع .
وفي خامس عشريه استقر آقبغا الجمالي عوضا عن عبد القادر بن أبي الفرج في وظيفة الأستادارية ، لكونه كان التزم بحمل مائة ألف دينار بعد التكفية ، ثم لما تمادى الحال عجز فآل أمره إلى الإهانة كما سياتي ذكره ، وسلم عبد القادر وألزمه لآقبغا ، ثم أفرج عنهم على مال .
وفي رجب مات ياقوت ، ويلقب فخر الدين الحبشي مقدم المماليك ، واستقر عوضه نائبه فيها خشقدم الرومي اليشبكي - وكان من مماليك(8/198)
"""""" صفحة رقم 199 """"""
يشك واشتهر في أيام المؤيد وترقى وعرف بالحرية .
وفي رجب أيضا قدم تغري بردى المحمودي من دمياط ، فامر أن يتوجه إلى دمشق أميرا كبيرا .
وفي ذي القعدة أضيفت وظيفة الأستادارية الكبرى للوزير فباشرهما معا . وقبض على آقبغا الجمالي وعوقب ، ثم افرج عنه وولي كشف الجسور في أواخر السنة .
وفي ثامن عشرة ركب السلطان إلى مصر ، ثم ركب النيل إلى المقياس وخلقه ، وفتح الخليج الناصري بحضرته ، وهي اول سنة فعل فيها ذلك بنفسه .
وفي ذي القعدة ظهر للحاج من جهة البحر كوكب يرتفع ويعظم ويرتفع منه شرر كبار ، فلما أصبحوا اشتد عليهم الحر فهلك من المشاة عالم كثير ، وتلف من جمالهم وحميرهم كثير - واشتهر أمر الطاعون في الوجه البحري فيقال مات بالمحلة خمسة آلاف نفس وبالبحرارية تسعة آلاف ، ومات في الإسكندرية في كل يوم مائة وخمسون إلى غير ذلك ، وعد هذا من النوادر لأنه وقع في قوة الشتاء وكان قبل ذلك قد فشا في برصا وغيرها من بلاد الروم حتى بلغ عدد من يموت في اليوم زيادة على الألف على ما قيل ، فلما استهل ربيع الآخر كان عدة من(8/199)
"""""" صفحة رقم 200 """"""
يموت بالقاهرة اثنتي عشرة نفسا ، وفي آخره قاربوا الخمسين .
وفي أول يوم من جمادى الأولى بلغوا مائة ، فنودي في الناس بصيام ثلاثة ايام وبالتوبة وبالخروج إلى الصحراء في اليوم الرابع ، وخرج الشريف كاتب السر والقاضي الشافعي وجمع كثير من بياض الناس وعوامهم ، فضجوا وبكوا ودعوا وانصرفوا قبل الظهر ، فكثر فيهم الموت أضعاف ما كان وبلغ في اليوم ثلاثمائة بالقاهرة خاصة سوى من لا يرد الديوان ؛ ووجد بالنيل والبرك شيء كثير من الاسماك والتماسيح موتى طافية ، وكذا وجد في البرية عدة من الظباء والذئاب .
ومما وقع فيه من النوادر أن مركبا ركب فيها أربعون نفسا قصدوا الصعيد ، فما وصلت إلى الميمون حتى مات الجميع ؛ وان ثمانية عشر صيادا اجتمعوا في مكان ، فمات منهم في يوم واحد أربعة عشر فجهزهم الأربعة ، فمات منهم وهم مشاة ثلاثى ، فلما وصل الآخر بهم إلى المقبرة مات ؛ وبلغ في سلخ جمادى الأولى إلى ألف وثمانمائة .
وفي رابع جمادى الأولى بلغت عدة الموتى بالقاهرة خاصة في اليوم ألف نفس ومائتي نفس ، ووقع الموت في مماليك السلطان حتى زاد في اليوم على خمسين نفسامنهم ، وانتهى عدد من صلى عليه في اليوم خمسمائة وخمسين نفسا ، وضبط جميع المصليات في يوم فبلغت ألفي نفس ومائتين وستا وأربعين نفسا ، ووقع الموت في السودان بالقرافة إلى أن مات منهم ماتحو ثلاثة آلاف ، وعز وجود حمالي الموتى وغساليهم ومن(8/200)
"""""" صفحة رقم 201 """"""
يحفر القبور حتى عملوا حفائر كبارا كانوا يلقون فيها الأموات ، وسرق كثير من الأكفان ، ونبشت الكلاب كثيرا فأكلتهم من أطراف الأموات ، ووصل في الكثرة حتى شاهدت النعوش من مصلى المؤمني إلى باب القرافة كأنها الرخم البيض تحوم على القتلى ، وأما الشوارع فكانت فيها كالقطارات يتلو بعضها بعضا .
وفي جمادى الأولى وعك يوسف ولد السلطان فتصدق عنه بوزنه فضة .
وفي نصف جمادى الآخرة جمع الشريف كاتب السر أربعين شريفا اسم كل منهم محمد وفرق فيهم مالا ، فقرأ بعد صلاة الجمعة بالجامع الازهر ما تيسر من القرآن ، فلما أن قرب العصر قاموا فدعوا وضجوا . وكثر الناس معهم في ذلك إلى أن صعد الأربعون إلى السطح فأذنوا العصر جميعا وانفضوا ، وكان بعض العجم قال للشريف إن هذا يدفع الطاعون ، ففعل ذلك فما ازداد الطاعون إلا كثرة حت دخل رجب ، فلما دخل رجل تناقص ؛ قرأت بخط قاضي الحنابلة محب الدين أن شخصا يقال له على الحريري كان له أربعة مراكب فيها مائة نفر وعشرون نفرا ماتوا كلهم بالطاعون إلا واحدا ، ولما اشتد الامر بالطاعون أمر السلطان باستفتاء العلماء عن نازلة الطاعون هل يشرع الاجتماع للدعاء برفعه أو يشرع القنوت له في الصلوات ? وما الذي وقع للعلماء في الزمن الماضي ? فكتبوا الأجوبة وتشعبت آراؤهم وتحصل منها على انه يشرع الدعاء والتضرع والتوبة ، وتقدم قبل ذلك التوبة ، والخروج من المظالم ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،(8/201)
"""""" صفحة رقم 202 """"""
وانهم لا يستحضرون عن أحد من السلف أنهم اجتمعوا لذلك إلا أن الاجتماع أرجى للإجابة ؛ وأجاب الشافعي بجواز القنوت ، لأنها نازلة وقد صرح الشافعية بمشروعية القنوت في النوازل ، وأجاب الحنفي والمالكي بالمنع ، واجاب الحنبلي بأن عندهم روايتين ومن جوزه خصه بالإمام الاعظم في غير يوم الجمعة ؛ ثم طلب القضاة والعلماء إلى حضرة السلطان فقرئت الفتاوى وفسرها له محب الدين ابن الأقصراني فأجاب : أنا أتابع الصحابة والسلف الصالح ولا أخرج بل كل أحد يبتهل إلى الله تعالى في سره ثم سالهم عن المراد بالمظالم التي كتبوا في الفتاوى أنهم يخرجون منها ، فذكروا اشياء مجملة فقال : مهما تجدد بعد الظاهر برقوق أنا أزيله فقال له الشافعي : قد نجدد في هذه السنة ثلاث مظالم : التشديد على التجار الكارمية في بيع البهار للسلطان وإلا منعوا من التجارة فيه ، والتشديد على الباعة في طرح النطرون والتحكير على القصب أن لا يزرع إلا في بلاد السلطان ، فلم يتحصل من الجواب عن ذلك كبير امر ، وأمر السلطان القضاة والامراء بأن يامروا الناس بالتوبة والإقلاع عن المعاصي والإكثار من الطاعات ونحو ذلك ، ونودي بالقاهرة بمنع النساء من الخروج إلى الترب ، وتوعد المكاري بالشنق والمرأة بالتغريق وانصرفوا على ذلك ؛ ففي الحال دخل إليه بعض خدمه فأخبره أن ابنه الكبير محمدا طعن ، وذكر القاضي زين الدين التفهني أنه رأى في النوم حسام الدين درغان الخادم بالشيخونية وكان من جملة من مات في هذه السنة بالطاعون فسأله(8/202)
"""""" صفحة رقم 203 """"""
عن حاله فقال : الجنة مفتحة للمسلمين ، سمعت ذلك منه ، وكان حسام الدين رجلا جيدا كثير النفع للطلبة بالشيخونية منذ اقام بها وباشر الخدمة بها مباشرة حسنة .
وفيها في جمادى الآخرة أمر السلطان القضاة والحجاب وغيرهم أن لا يحبسوا أحدا على دين فاستمر ذلك إلى شوال منها ، وحكى أبو بكر ابن نقيب الأشراف - وكان باشر بعد موت أخيه شهاب الدين أمور كتابة السر من قبل أن يلبس الخلعة - أن السلطان ورد عليه كتاب فلم يجد من يناوله إياه حتى استدعى مملوك من بعض الطباق .
وفي ثامن عشر شعبان بلغ السلطان أن كمال الدين بن الهمام عزل نفسه من مشيخة المدرسة الاشرفية فسئل عن السبب في ذلك ، فأخبر أن وظيفة شغرت عن صوفي فعين فيها شخصا وعارضه جوهر اللألأ فنزل غيره فغضب وقام بعد أن حضر التصوف وقت العصر فقال : اشهدوا على أني عزلت نفسي من هذه الوظيفة وخلعتها كما خلعت طيلساني هذا ونزع طيلسانه ورمى به وتحول في الحال إلى بيت له في باب القرافة ، فلم يعرج السلطان عليه ، وقرر أمين الدين يحيى بن الأقصرائي في المشيخة ، ونعم الرجلان هما فنزل أمين الدين لابن أخيه محب الدين ابن مولانا زاده عن المشيخة بمدرسة جاني بك .(8/203)
"""""" صفحة رقم 204 """"""
وفيها سقط العيني عن بغلته فانكسرت رجله ، فأقام عدة أشهر منقطعا واستقر محب الدين المذكور يقرأ عند السلطان السير والقصص التي كان يقرأها العيني .
وفي ثامن عشر شعبان شكى برد بك الحاجب فطلبه ، فادعى عليه الشاكي أنه ضرب بغير ذنب ، فقال : طلبته فامتنع ، فأرسله إلى الحنفي فحكم بعزله عن وظيفته فعزل اياما ، ثم أوصى خصمه فصفح عنه فتكلموا له مع السلطان فأعاده .
وفي تاسع رمضان قرر السلطان في مدرسته بقية المذاهب ولم يكن نزل بها أولا إلا الحنفي .
وفي ثامن عشر رمضان استقر القاضي شهاب الدين ابن السفاح في كتابة السر وكانت شعرت بموت جلال الدين ابن مزهر ، وتكلم فيها شرف الدين ابن الأشقر نيابة إلى أن دخل ابن السفاح ، واستقر ولده عمر في وظائفه بحلب .
وفي رمضان وصل كتاب شاه رخ صحبة شريف اسمه هاشم بغير ختم أوله : ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ، ثم خاطب السلطان فيه بالأمر وأرعد وأبرق وتهدد ، فكتب إليه جوابه من جنس كتابه .
وفي ذي الحجة وصل شاه رخ إلى تبريز في عساكر هائلة وتاخرت(8/204)
"""""" صفحة رقم 205 """"""
إدارة المحمل إلى ثامن شعبان بسبب شغل المماليك الرماحة بأنفسهم وبمن ماتت من رفقتهم وأداروه على العادة المعهودة .
وفي شعبان اشتغل بدر الدين بن الأمانة بتدريس الفقه بالشيخونية وجمال الدين ابن المحبر بمشيخة الصلاحية ، وكان ابن المحمرة استنابهما في وظيفتيه المذكورتين لما توجه قاضيا بالشام وسعيا إلى أن استقلا ، ثم لما عزل هو وعاد استعادهما ، ثم لما سارإلى مشيخة الصلاحية بالقدس لم يعد إلى استنابتهما .
وفيات سنة 833
ذكر من مات في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة
من الأعيان إبراهيم بن ناصر الدين بن الحسام ، الصقري صارم الدين ، نشأ طالبا للعلم فتأدب وتعلم الحساب والكتابة والأدب والخط البارع ، وقد ولى الحسبة بالقاهرة في أوخر ايام المؤيد ؛ ومات في ثامن عشر جمادى الآخرة مطعونا .
إبراهيم بن أحمد بن وفاه ، الشاذلي أبو المكارم ، ولد سنة 88(8/205)
"""""" صفحة رقم 206 """"""
ومات في هذه السنة مطعونا .
إبراهيم بن المؤيد شيخ واخوه الملك المظفر أحمد ماتا صغيرين بالإسكندرية .
أحمد ولد ناظر الجيش عبد الباسط شهاب الدين - مات في مستهل شعبان ، وكان قد بلغ ونبغ وناب عن والده في كتابة العلامة فطعن ، وكانت جنازته حافلة .
أحمد بن علي بن إبراهيم بن عدنان ، الشريف شهاب الدين الحسيني الدمشقي ، ولد سنة 744 ونشأ بدمشق ومع والده نقابة الأشراف وكان فيه جرأة وإقدام ، ثم ترقى بعد موت أبيه فولى نقابة الأشراف ،(8/206)
"""""" صفحة رقم 207 """"""
ثم ولي كتابة السر في سلطنة المؤيد ، ثم ولي القضاء بدمشق في سلطنة الأشرف ، ثم ولي كتابة السر في ذي الحجة سنة اثنتين وباشرها إلى أن مات بالطاعون في جمادى الآخرة .
أحمد بن علي بن عبد الله بن علي بن حاتم بن محمد بن يوسف ، البعلي الأصل الحنبلي القاضي شهاب الدين ابن الحبال الطرابلسي ، ولد سنة تسع وأربعين ، وتفقه وسمع الحديث ، ثم كان مع الذين قاموا في السعي في إزالة دولة الظاهر وأخ معهم وضرب ، واشتهر بعد اللنك بطرابلس وعظم شأنه ، ثم ولي القضاء بها وصار أمر البلد إليه ، وكان يقوم على الطلبة ويرد عنهم ، ويتعصب لعقيدة الحنابلة ، ثم نوه به ابن الكويز فنقله إلى قضاء دمشق في أول دولة ططر فدخلها في جمادى الأولى سنة أربع وعشرين ، فاستمر إلى أن صرف في سنة اثنتين وثلاثين في شعبان بسبب ما اعتراه من ضعف البصر والارتعاش وثقل السمع ، وكانت الأمور بسبب ذلك تخرج كثيرة الفساد ، وكان مع ما أصابه كثير العبادة ويلازم صلاة الجماعة ، وكان منصفا لأهل العلم قليل البضاعة في الفقه ؛ ورحل إلى طرابلس فمات بها في شهر ربيع الأول بعد قدومه بيوم .(8/207)
"""""" صفحة رقم 208 """"""
أحمد بن محمود بن محمد بن عبد الله ، القيسري صدر الدين المعروف بابن العجمي ، ولد سنة 777 ، واعتنى به أبوه في صغره ، وصلى بالناس التراويح بالقرآن أول ما فتحت الظاهرية في سنة 88 وهو ابن إحدى عشرة سنة لم يكملها ، وأقرأه الفقه والعربية والمعاني والبيان . وأحضر له المؤدبون والمعلمون وترعرع وبرع ، وباشر التوقيع في ديوان الإنشاء ، ثم ولى الحسبة مرارا ونظر الجوالي وغير ذلك ، وتنقلت به الاحوال كما مضى في الحوادث ؛ مات في الطاعون في الرابع عشر من شهر رجب .
أزبك الدوادار مات بالقدس بطالا يوم الثلاثاء - في سادس عشر ربيع الأول .
إسحاق بن إبراهيم بن أحمد بن محمد ، التدمري تاج الدين خطيب الخليل ، ذكر أنه أخذ عن قاضي حلب شمس الدين محمد بن أحمد بن المهاجر وعن شيوخنا العراقي وابن الملقن وغيرهما ، وأجاز له ابن الملقن في الفقه ؛ ومات ليلة العيد من شهر رمضان .(8/208)
"""""" صفحة رقم 209 """"""
إسحاق بن داود صاحب الحبشة مات في هذه السنة ، وقد قدمت نبأه في ترجمة أبيه سنة 812 .
أبو بكر بن علي بن إبراهيم بن عدنان ، الشريف الماضي أخوه أحمد قريبا ، ولد سنة تسعين تقريبا ، ونشأ بزي الجندية ، ثم بعد ذلك تزيا بزي المباشرين ، وكان الغالب عليه الديانة والخير والعفة ، وانطلقت الألسن بالثناء عليه ، وعين بعد أخيه لكتابة السر وباشر بغير تولية ، فعوجل بالطاعون أيضا ومات في رجب ولم يبق بعد أخيه سوى ستة عشر يوما .
أبو بكر بن عمر بن عرفات بن عوض بن أبي السعادات بن أبي الظاهر محمد بن أبي بكر بن أحمد بن موسى بن عبد المنعم بن علي بن عبد الرحمن بن سالم بن عبد العزيز بن أحمد بن علي بن ضياء الدين عبد الرحمن بن أبي المعالي سالم بن الأمير المجاهد عز العرب وهب بن مالك الناقل من أرض الحجاز بن عبد الرحمن بن مالك بن زيد بن(8/209)
"""""" صفحة رقم 210 """"""
ثابت الأنصاري الخزرجي الشيخ زين الدين القمني - هكذا رأيت نسبه بخطه وأملاه على بعض الموقعين ، ولا شك أنه مركب ومفتري ، وكذا لا يشك من له أدنى معرفة بالأخبار أنه كذب ، وليس لزيد بن ثابت ولد يسمى مالكا ، وتلقيبه عبد الرحمن بن سالم ضياء الدين من أسمج الكذب ، فإن ذلك العصر لم يكن التلقيب فيه - بالإضافة للدين ، وكان مولده على ما كتب بخطه سنة ثمان وخمسين ، وذكر لي بلفظه أنه حضر درس الشيخ جمال الدين وهو بالغ وعرض عليه التنبيه ، فيحتمل أن يكون بلغ وهو ابن ثلاث عشرة سنة أو ذهل حين كتب مولده ، وقدم القاهرة في حدود السبعين ، واول شيء رأيته من سماعه في جمادى سنة أربع وسبعين من الشيخ بهاء الدين بن خليل ثم في رمضان سنة ثمان وسبعين ، سمع في البخارى على التقي عبد الرحمن بن أحمد البغدادي ، وسمع أيضا من عبد الله بن الناجي وعبد الله بن مغلطاي وصلاح الدين البلقيني ، ثم من تقي الدين بن حاتم وابن الخشاب وعزيز الدين المليجي ، ونشأ يتيما فقيرا بجامع الأزهر ، ثم اتصل بعلاء الدين بن قشتمر فنبه قليلا ، ثم تنقلت به الاحوال إلى أن صحب قلطماي الدويدار في سطلنة الظاهر فصار له ذكر ، واتفق تسحب الشيخ شمس الدين ابن الجزري إلى بلاد الروم فشغرت عنه الصلاحية فوثب عليها ، وكان رحل إلى الشام قبل التسعين(8/210)
"""""" صفحة رقم 211 """"""
فسمع ابن المحب وابن الذهبي وابن العز والبرهان بن جماعة وهو يومئذ قاضي الشام ومحمد بن أحمد بن عبد الرحمن المنبجي الأسمري والكمال بن النحاس وابن خطيب يبرود وابن الرشيد وناصر الدين محمد بن عمر بن عوض بصالحية دمشق ، وسمع من متقدمي شيوخنا كالشامي والغزي والصردي والمطرز وابن صديق وابن أبي المجد ثم الحلاوي والسويداوي ومن الحافظين والأبناسي واللقيني والهيثمي شمس الدين وابي بكر بن حسين المراغي - وخرج له ابن الشرائحي مشيخة عن أربعة وأربعين شيخا وحدث بها مرتين وكان يتبجح بها لكنه لا يعرف عاليا من نازل ، وكان عريض الدعوى كثير المجازفة - سامحه الله مات في رجب مطعونا .
برد بك السيفي أحد مقدمي الألوف بمصر ، مات في يوم الاحد عاشر جمادى الأخرى بالطاعون وهو والد فرج .
بيبغا المظفري التركي كان من مماليك الظاهر ، وتأمر في دولة الناصر(8/211)
"""""" صفحة رقم 212 """"""
وعمل الأتابكية وقد سجن مرارا ونكب - ، وكان قوي النفس ؛ مات ليلة الأربعاء - سادس جمادى الآخرة .
حسن العلقمي بدر الدين ناظر الأوقاف مات بالقاهرة ، وكان حسن العشرة والأخلاق بساما ، جاوز الستين .
زين خاتون بنتي وهي بكر أولادي ولدت في رجب سنة اثنتين وثمانمائة ، وتعلمت الكتابة والقراءة ، واسمعتها من الشيخ زين الدين العراقي والشيخ نور الدين الهيثمي ، وأجاز لها كثير من المسندين من أهل دمشق ؛ وماتت وهي حامل بالطاعون فجمعت لها شهادتان .
سرداح بن مقبل بن نخبار بن مقبل بن محمد بن راجح بن إدريس بن(8/212)
"""""" صفحة رقم 213 """"""
حسين بن أبي عزيز ، الحسني ؛ الينبعي ولي أبوه إمرة الينبع مدة ثم قبض عليه وحبس بالإسكندرية في سنة خمس وعشرين إلى أن مات بها وكحل ولده ، فيقال إنه رأى النبي e في المنام فمسح عينيه فأبصر واتهم السلطان من كحله - فالله أعلم .
العباس بن المتوكل بن المعتضد أمير المؤمنين المستعين أبو الفضل ولد في سنة 20000 واستقر في الخلافة بعهد من أبيه في شهر رجب سنة ثمان وثمانمائة ، فلما انهزم الناصر فرج وحوصر بدمشق بويع للمستعين بالسلطنة مضافة للخلافة فتصرف بالولاية والعزل ، وفي الحقيقة إنما كان له العلامة والخطبة وضربت السكة في الذهب والفضة باسمه ، فلما توجه العسكر إلى مصر كان الأمراء كلهم في خدمته على هيئة السلطنة ولكن الحل والعقد للأمير شيخ ثم سكن الإصطبل وصار الجميع إذا فرغت الخدمة من القصر نزلوا في خدمته إلى الإصطبل ، فأعيدت الخدمة عنده ووقع الإبرام والنقض ثم يتوجه دويداره إلى السلطان(8/213)
"""""" صفحة رقم 214 """"""
فيعلم على المناشير والتواقيع ، فلم يزل على ذلك إلى أن تسلطن المؤيد فلم يوافق العباس على ذلك فصرح المؤيد بعزله من الخلافة وقرر فيها اخاه داود ولقب المعتضد ، فلما خرج المؤيد إلى نوروز ارسله إلى الإسكندرية فاعتقل بها ، فلم يزل بها إلى أن تكلم ططر في المملكة ، فأرسل في إطلاقه وأذن له في المجئ إلى القاهرة ، فاختار الاستمرار في سكنى الإسكندرية لأنه استطابها ، وحصل له مال كثير من التجارة ، فاستمر إلى أن مات بالطاعون شهيدا ، وخلف ولده يحيى .
عبد اللهبن محب الدين خليل بن فرج بن سعيد جمالد الدين ، القدسي الأصل الدمشقي البرماوي ، ولد في حدود الستين ، وقرأ على ابن الشريشي وابن الجابي وغيرهما ، ودخل مصر فحمل عن جماعة ، وجاور بمكة مدة طويلة ، ثم قدم الشام فاقام على طريقة حسنة وعمل المواعيد واشتهر ، وكان شديد الحط على الحنابلة وجرت له معهم وقائع ؛ ومات في ربيع الآخر .
عبد البر بن القاضي جلال الدين محمد بن قاضي القضاة بدر الدين محمد ابن البقاء كان شابا جميل الصورة طيب النغمة ، وكان قد أذن له في نيابة الحكم في اواخر السنة الماضية ، ثم سافر إلى الشام ورجع فمات في سابع عشر شهر رجب ولم يكمل الثلاثين .(8/214)
"""""" صفحة رقم 215 """"""
عبد الغني بن جلال الدين عبد الواحد بن إبراهيم المرشدي ثم المكي نسيم الدين ، اشتغل كثيرا ومهر وهو صغير ، وأحب الحديث فسمع الكثير وحفظ وذاكر ، ودخل اليمن فسمع من الشيخ مجد الدين ، وكتب عني الكثير ؛ ومات مطعونا بالقاهرة .
عبد القادر بن عبد الغني بن أبي الفرج ، المكي ، ولي الاستادارية كأبيه ، ومات في يوم الأربعاء سابع عشري - جمادى الآخرة .
عبد الكريم ، كريم الدين ابن سعد الدين بركة ، القبطي المعروف بابن كاتب جكم ، كان أبوه يخدم الوزير علم الدين بن كاتب سيدي ثم تعلق بخدمة الأمراء فخدم عند الأمير حكم فشهر به ، واستقر بعده ولده سعد الدين - إبراهيم وصاهر تاج الدين ابن الهيصم قبل أن يلي الأستادارية ، واستقر مستوفي الدولة في مباشرة ابن نصر الله ، ثم ولي نظر الدولة وباشر ديوان السلطان قبل أن يتسلطن ، ثم سعى في نظر الخاص لما ولي ابن نصر الله الاستادارية ، فباشر بسكون وحشمة ونزاهة ،(8/215)
"""""" صفحة رقم 216 """"""
وأكثر من زيارة الصالحين ومن الفقراء ، والزم ولديه إبراهيم ويوسف الذي ولوا الخاص بعده واحدا بعد واحد بالاشتغال بالعلم وأحضر لهم من يعلمهم العربية والكتابة ، وكانت وفاته سادس عشر شهر - ربيع الاول قبل وقوع الطاعون ، واستقر ولده إبراهيم فاستمر - في وظيفته وهو امرد ، ولم يظن أحد أنه يستمر لصغر سنه لكنه استعان أولا بجده لامه ثم استقل بالأمور بعد وفاته وقد تدرب ، وكان يتكلم بالتركي ويحسن المعاشرة مع لثغة في لسانه ، وخلفه أخوه جمال الدين يوسف وفاق أخاه وإياه .
علي بن تاج الدين عبد الوهاب بن القاضي ولي الدين ، العراقي تقي الدين .
علي بن عنان بن مغامس بن رميثة بن أبي نمي ، الحسني المكي الشريف مات بالقاهرة في ثالث جمادى الآخرة مطعونا ، وقد ولي إمرة مكة مرة ودخل الغرب بعد أن عزل عنها فأكرمه أبو فارس ، وكان حسن المحاضرة ويذاكر بالشعر وغيره ومات بالقاهرة .(8/216)
"""""" صفحة رقم 217 """"""
علي الأسيوطي الشيخ ويقال له أبو الخلق ، وكان ممن يعتقد ويذكر عنه مكاشفات كثيرة .
عمر القاضي سراج الدين ، النويري الشافعي ، قاضي الشافعية بطرابلس ، مات في جمادى الآخرة .
قاسم بن الامير كمشبغا الحموي ، وكان أحد الحجاب الصغار .
كشبغا الفيسي الكاشف المزوق الظاهري ، كان جريئا على سفك الدماء ، مات منفيا بدمشق في 14 ربيع الآخر وقد ناهز الثمانين .
ماجد بن أبي الفضائل بن سناء الملك فخر الدين ابن المزوق ، كان من أولاد الكتبة ، وخدم عند سعد الدين ابن غراب ، فولي بعنايته نظر الجيش وكتابة السر واحدة بعد أخرى ، ثم ولي نظر الإصطبل ، ثم تعطل في الدولة المؤيدية وما بعدها إلى أن مات في ليلة الخميس 12 رجب .(8/217)
"""""" صفحة رقم 218 """"""
محمد بن أحمد بن سليمان ، الاذرعي الحنفي شمس الدين ، أخذ عن ابن الرضي والبدر المقدسي في مذهب الحنفية ، ثم بعد اللنك انتقل إلى مذهب الشافعي وولي قضاء بعلبك وغيرها ، ثم عاد حنفيا وناب في الحكم ودرس وأفتى ، وكان يقرأ البخاري جيدا ، ويكتب على الفتوى كتابة حسنة وخطه مليح ، وتوجه إلى مصر في آخر عمره فعند وصوله طعن فمات غريبا شهيدا في جمادى الآخرة .
محمد تاج الدين بن العماد إسماعيل ، البطرني المغربي الأصل نزيل دمشق ، كان في خدمة القاضي علم الدين القفصي وعمل نقيبه ، ثم بعد موته ولي قضاء طرابلس ، ثم رجع وناب عن القاضي المالكي ، وكان عفيفا في مباشرته ، ويستحضر طرفا من الفقه ؛ مات بالطاعون في صفر .
محمد بن الملك الأشرف برسباي ، وكان قد عين للسلطنة بعد أبيه مات في يوم الثلاثاء 26 جمادى الأولى مطعونا وقد ناهز الاحتلام ، ودفن بالمدرسة الأشرفية .
محمد بن ططر السلطان الصالح بن الطاهر ، خلع في خامس عشر(8/218)
"""""" صفحة رقم 219 """"""
ربيع الأول سنة خمس وعشرين ، وأقام عند السلطان الملك الأشرف مكرما إلى أن طعن ، ومات في سابع عشري جمادى الآخرة هذه السنة .
محمد بن الناصر فرح بن الظاهر برقوق ، مات بسجن الإسكندرية في يوم الاثنين حادي عشري جمادى الىخرة مطعونا عن 21 سنة ، ودفن بها ثم نقل إلى مصر .
محمد بن عبد الحق بن إسماعيل بن أحمد الانصاري السبتي صاحبنا ، كتب إلي وشرح البردة ، وله يد في النظم والنثر والتصوف ، وكان حسن الطريقة .
محمد بن عبد الواحد بن أبي بكر بن إبراهيم بن محمد ، السنقاري شرف الدين نزيل هون ولد في المحرم ، سنة 773 ، وتفقه قليلا ، وأخذ عن المشايخ ، وكان أبوه موسرا فمات في الثمانين ، ونشا هو يتعاني التجارة والزراعة ويتردد إلى القاهرة ، وتقلبت به الأمور ، وكان فاضلا مشاركا(8/219)
"""""" صفحة رقم 220 """"""
متدينا ، وكان يقول : ما عشقت قط ولا طربت قط ، مات في الطاعون في جمادى الآخرة ، وكان يحكي عن ناصر الدين محمد بن محمد بن عطاء الله قاضي هو أنه كان بجانب داره نخلة جربها بضعا وثلاثين سنة ، فإن قل حملها توقف النيل ، وأن كثر زاد ، وأنها سقطت في سنة ست وثمانمائة فقصر النيل تلك السنة ووقع الغلاء المفرط .
محمد بن عبد الوهاب بن نصر الله ، شرف الدين أبو الطيب بن تاج الدين ، ولد في ذي القعدة سنة سبع وتسعين ، ونشأ في حجر السعادة وتعلم الكتابة واشتغل بالعلم ، وكتب في الإنشاء ، وعظم في دولة الظاهر ططر ، وولاه نظر الكسوة ودار الضرب ونظر الأشراف وغير ذلك ؛ ومات في سابع عشري ربيع الىخر بمرض السل .
محمد بن عمر بن عبد العزيز ، بن أمين الدولة قاضي الحنفية بحلب شمس الدين ؛ مات يوم الخميس 12 شعبان .
محمد جلال الدين بن بدر الدين محمد بن بدر الدين محمد بن مزهر ، ولد سنة 14 وحفظ القرآن واشتغل قليلا ، فلما مات أبوه في سنة اثنتين وثلاثين قرر مكانه في كتابة السر فباشرها ، والاعتماد في ذلك على شرف الدين الموقع وكان قد تقرر في نيابة كتابة السر وانفصل بدر الدين(8/220)
"""""" صفحة رقم 221 """"""
المذكور ، وكان لقب في أيام مباشرته في كتابة السر بلقب أبيه بدر الدين ، ومات بالطاعون - يوم الإثنين سنة ست وعشرى رجب - .
محمد زين الدين بن القاضي شمس الدين محمد بن محمد بن أحمد ابن عبد الملك ، الدميري المالكي ، كان حسن الصورة ، له قبول تام عند الناس لكثرة حشمته ، وقد ولي الحسبة مرارا ، وبيده التحدث في المارستان نيابة عن الأمير الكبير على قاعدة أبيه ، ولم أظنه جاوز الخمسين ومات في 3 شعبان .
محمد الإسكندراني شمس الدين العروف بابن المعلمة ، ولي حسبة القاهرة مدة ، وكان مالكيا فاضلا مشاركا في العربية وغيرها ، مات في شعبان .
مدلج بن علي بن نعير واسمه محمد بن حيار أمير آل فضل وكان ولي(8/221)
"""""" صفحة رقم 222 """"""
إمرة العرب بعد أخيه وعذراء ودخل في الطاعة ، ثم وقع بينه وبين ابن عمه قرقماس قاتل أخيه عذراء الوقعة المقدم ذكرها في الحوادث ، وقتل مدلج في 2 ذي القعدة منها بظاهر حلب .
مرجان الهندي مملوك شهاب الدين بن مسلم ، أخذه المؤيد قبل أن يلي السلطنة قهرا من أستاذه ، فنجب عنده وترقت منزلته جدا إلى أن اتضعت في أيام ططر فمن بعده ، وصودر إلى أن مات في سادس عشرى جمادى الآخرة .
ناصر بن محمد البسطامي الشيخ ناصر ، من تلامذة الشيخ عبد الله البسطامي ، ثم قدم القاهرة وقطنها ، مات بها في الطاعون .
نصر الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل ، الأنصاري الشيخ(8/222)
"""""" صفحة رقم 223 """"""
جلال الدين الروياني العجمي الحنفي ، ولد سنة ست وستين ، وتجرد وبرع في علم الحكمة والتصوف ، وشارك في الفنون ، وكتب الخط الفائق ، وقدم القاهرة مجردا ، واتصل بأمراء الدولة وراج عليهم لما ينسب إليه من معرفة علم الحرف وعمل الأوفاق ، وسكن المدرسة المنصورية ، وكان مفضالا مطعاما محبا للغرباء فهرعوا إليه ولازموه ، وقام بأمرهم وصيرهم سوقه التي ينفق منها وينفق بها ، واستخلص بسبب ذلك من أموال الأمراء وغيرهم ما أراد حتى كان كثير من الأمراء يفرد له من إقطاعه أرضا يصيرها رزقة ثم يسعى هو حتى يشتريها ويحبسها ، وكان فصيحا مفوها حسن التأني عارفا بالأمور الدنيوية عريا عن معرفة الفقه ، له اقتدار على التوصل لما يطلب ، كثير العصبية والمروءة ، حسن السياسة والمداراة ، عظيم الأدب ، جميل العشرة ، وله عدة تصانيف في علم الحرف والتصوف ، منها غنية الطالب فيما اشتمل عليه الوهم من المطالب ، وإعلام الشهود بحقائق الوجود ، ومات في ليلة الجمعة سادس شهر رجب بالطاعون .
- ياقوت الأرغون شاوي الحبشي مقدم المماليك ، مات مطعونا في يوم الإثنين ثالث رجب ، ودفن بمدرسته التي أنشأها بالصحراء -(8/223)
"""""" صفحة رقم 224 """"""
هابيل بن قرا يلك ، مات مسجونا بالقلعة مطعونا .
هاجر خوند بنت منكلى بغا زوج برقوق ، ماتت في رابع رجب ، وأمها خوند فاطمة بنت الأشرف شعبان بن حسين بن قلاوون - .
يحيى نظام الدين بن الشيخ سيف الدين بن محمد بن عيسى السيرامي ، ولد سنة . . . . . وكان حسن التدريس والتقرير ، جيد الفهم ، قليل التكلف ، قوي الفهم ، متواضعا مع صيانة ، قليل الشر كثير الإنصاف ، ولم يكن في أبناء جنسه مثله ، وكان قد اختص بالمؤيد وسامره ، وكان يبيت عنده كثيرا من الليالي ويثق به ويعقله ، ولما وقع الطاعون استكان وخضع وخشع ، ولازم الصلاة ، على الأموات بالمصلى إلى أن قدر الله(8/224)
"""""" صفحة رقم 225 """"""
أنه مات بالطاعون في أواخره .
يحيى بن الإمام شمس الدين محمد بن يوسف بن علي ، الشيخ تقي الدين الكرماني الشافعي ، ولي نظر المارستان وكان ثقيل السمع ، وكان قد ضعف وطال رمده ، ثم مات مطعونا في يوم الخميس ثاني عشرى جمادى الآخرة .
يشبك أخوالسلطان الأشرف وكان أسن منه لكن السلطان أسرع إليه الشيب دونه ، طعن فاقام أياما يسيرة ، ويقال إنه مات ساجدا ، وكان شديد العجمة وتعلم اللسان التركي ، ولم يفقه بالعربي إلا القليل ، وكان فيه عصبية لمن يلتجئ إليه ومكارم أخلاق .
يعقوب بن إدريس بن عبد الله بن يعقوب ، الشهير بقرا يعقوب الرومي النكدي الحنفي ، نسبة إلى نكدة من بلاد ابن قرمان ، ولد سنة تسع وثمانين ، واشتغل في بلاده ، ومهر في الأصول والعربية والمعاني وكتب على المصابيح شرحا وعلى الهداية حواشي ، ودخل البلاد الشامية ،(8/225)
"""""" صفحة رقم 226 """"""
وحج سنة تسع عشرة ثم رجع وأقام بلارندة يدرس ويفتي ، ثم قدم القاهرة بعد موت المؤيد فاجتمع بمدير المملكة ططر ، فأكرمه إكراما زائدا ووصله بمال جزيل ، فاقتنى كتبا كثيرة ورجع إلى بلاده فاقام بلارندة إلى أن مات في شهر ربيع الأول .
يوسف بن إبراهيم بن عبد الله بن داود بن أبي الفضل بن أبي المنجب ابن أبي الفتيان ، الداودي الطبيب جمال الدين ، مات في أول شهر رجب وله زيادة على التسعين .
حوادث سنة 834
سنة أربع وثلاثين وثمانمائة
استهلت وقد غلا سعر الذهب إلى أن بلغ مائتين وخمسة وسبعين ، وانتهت فيه زيادة النيل إلى تسعة عشر ذراعا وعشرين إصبعا ، وخرج الأمراء المجردون في آخره ثم أمر بعودهم فعادوا ن خانقاه سرياقوس ، وفيه رخص الفول جدا حتى صار بدرهمين ونصف فضة وزنا كل إردب والشعير كل إردب بثلاثة ، والقمح بستة ونصف ، وهذا غاية الرخص إلا ما تقدم في دولة المؤيد ، فإن القمح نزل فيه إلى ستة دراهم بندقية ، وفيه خرج السلطان إلى الصيد بالهيئة الكاملة فشق المدينة وخرج من باب الشعرية ثم عاد من يومه .
وفيها حصل للحاج عطش عند رجوعهم بمنزلة الوجه فمات منهم ناس كثير ، قيل : قدر ثلاثة آلاف ، كلهم من الركب الأول ، ومات من(8/226)
"""""" صفحة رقم 227 """"""
الجمال والدواب شيء كثير جدا ، وذهب لمن مات من الاموال ما لا يحصى .
وفيها حجر السلطان على المباعة أن لا يتبايعوا إلا بالدراهم الأشرفية التي جعل لكل درهم منها بعشرين من الفلوس ، وانتفع الناس بها بالميزان ، وشدد في الذهب أن لا يزاد في سعره ، فإذا قل ازداد ، ولم يزل الأمر يتمادى على ذلك إلى أن بلغ كل دينار أشرفي مائتين وخمسة وثماتين درهما من الفلوس . واستقر الأمر على ذلك إلى آخر الدولة الأشرفية .
وفيها استبد ابن الركاعنة صاحب فاس وتلمسان بالمملكة ، فسار إليه أبو فارس صاحب تونس بنفسه وظفر به ، وقرر في المملكة أحمد بن أبي حمو ، وذلك في رجب سنة أربع وثلاثين .
وفي ربيع الآخر جهز السلطان الفعلة وأهل المعرفة بالبناء لإصلاح الآبار وأماكن المياه التي في طريق الحجاز .
وفيها حفرت بعيون القصب بئر عظيمة فعظم النفع بها ، وكانت عيون القصب تجري من واد عظيم ينبت فيه القصب الفارسي ويجري الماء بين تلك الغابات ، وكان للحاج به رفق بحيث يبيتون فيه ليلة ، ثم عمرت(8/227)
"""""" صفحة رقم 228 """"""
تلك العيون وصاروا يقتنعون بالحفائر ، وكان الماء الذي يخرج منها يفسد في ليلته ، فأشار ناظر الجيش لما حج بحفر بئر هناك فخرج ماؤها عذبا ، وحفروا قبل ذلك بئرين بزعيم وقبقاب ، فاستغنى الناس بهما عن ورود الوجه ، والوجه مكان فيه بئران لا يحصل الماء فيهما إلا بالمطر ، فإذا لم يقع المطر ووردهما الحاج لم يجدوا فيهما إلا النزر اليسير ، وفي الغالب يقع لهم العطش والهلاك فاستغنوا بالبئرين عن الوجه .
وفيها استقر تاج الدين عبد الوهاب ابن الخطير في نظر الديوان المفرد بعد موت تاج الدين ابن الهيصم ، وهو من بيت كبير في القبط ، وكان اسمه جرجس ولقبه الشيخ التاج ، فأسلم على يد السلطان الأشرف قبل أن يتسلطن ، وذلك في الأيام المؤيدية ، وخدم في ديوان الخاص ، ثم ولاه الأشرف نظر الإصطبل بحكم شغوره عن بدر الدين بن مزهر لما ولى كتابة السر وأستادرية ولد السلطان ، فشكرت سيرته وأمانته وحسن سياسته وكثرة بره .
وفي ثاني عشر جمادى الأولى سار سعد الدين القبطي المعروف بابن المرأة إلى مكة بسبب المكس المتعلق بالتجار الواصلين إلى جدة ، وخرج معه نحو ألف نفس للمجاورة فلما كانوا فيها بين الوجه وأكرى وجدوا عدة موتى ممن مات بالعطش في العام الماضي ، فلما نزلوا رابغ خرج عليهم(8/228)
"""""" صفحة رقم 229 """"""
الشريف زهير بن سليمان بن زبان بن منصور بن جماز بن شيحة الحسيني ومن معه وكانوا نحو مائة فارس وأرادوا نهبه فصالحوهم على مال بعد أن وقعت بينهم مناوشة وقتل بينهم قلائل من الطائفتين ، ودخلوا مكة في ثامن عشرى جمادى الآخرة عرب زبيد ، فصالحوهم على مائة دينار بذلها ابن المرأة من ماله - .
وفي ثاني عشر رمضان نودي بمنع المعاملة بالفضة اللنكية وبأن الذهب الأشرفي - الدينار - بمائتين وخمسين .
وفي سادس عشرى جمادى الأولى أعيد كاتبه إلى وظيفة القضاء الشافعية وهي المرة الثانية .
وفيها مات شهاب الدين أحمد الأسود الدويدار نائب الإسكندرية المعروف بابن الأقطع فاستقر جانبك الناصري رأس نوبة إبراهيم بن المؤيد الشهير بالتور نائبا بالإسكندرية وكان(8/229)
"""""" صفحة رقم 230 """"""
من مماليك يلبغا الناصري .
وفي ذي القعدة جرى بين شخص في خدمة كاتب السر ابن السفاح يقال له ابن الناظر الصفدي وبين مملوك لابن السفاح مشاجرة فاغتاله فقتله بسكين ، فاطلع عليه بعض الخدم فنم عليه ، فانزعج كاتب السر لذلك وحرص على أنه يعرف السبب ، فقيل إنه كان بسبب صبي تعايرا عليه ، وقيل إن ابن الناظر ذكر لقاتله أنه يعرف السحر وأنه قتل شخصا بسحره وأن العلماء أفتوه بقتل من يقتل بسحره فما أفادته هذه الدعوى ، وبلغ السلطان الخبر فاستدعاه فلما سأله واعترف أمر بقتله ، فحرص كاتب السر على أن يؤخر قتله إلى أن يحضر أولياء المقتول ، فامتنع السلطان وأمر بتوسيطه ، وحصل لكاتب السر من ذلك مشقة شديدة لقصة مملوكه وكان يميل إليه ولفقد صديقه وكان يأتمنه على كثير من أحواله - فلله الأمر .
وفي ذي الحجة استقر التاج الوالي الشويكي في نظر الأوقاف الجكمية ، وقرر له من مال الأوقاف في الشهر ثلاثة آلاف ، ولم يباشر شيئا بل قنع بالمعلوم المذكور .
وفي يوم الإثنين من ذي القعدة الموافق لثامن عشرى أبيب أوفى النيل وكسر الخليج وزاد بعد ذلك ، فكان في أول يوم من مسرى سبعة عشر ذراعا وأصابع من الثامن عشر ، ولا يحفظ ذلك اتفق فيما مضى قط ، وأعجب منه أنه زاد ثاني يوم الوفاء نصف ذراع ولم يحفظ(8/230)
"""""" صفحة رقم 231 """"""
فيما مضى مثل ذلك إلا في سنة ست عشرة فإن الملك المؤيد صاحب حماة ذكر في تاريخه بنظير ذلك في هذا العصر أن النيل أوفى تاسع عشرى أبيب وقال إنه غريب .
وفي شعبان كانت الزلزلة ، بغر ناطة وخسف بعدة أماكن وعدة مواضع وانهدم بعض القلعة ، ودامت الأرض تهتز أياما ، وسقط من جدار الجامع الأعظم ، وخاف أهل البلد كلهم فخرجوا إلى الصحراء .
وفيها غزاهم الفرنج فكادوا يقبضون عليهم قبض اليد ، فأدركهم الله بالفرج ، فخرج الشيخ يحيى بن عمر عثمان بن عبد الحق شيخ الغزاة في ألفين من الجند ، وسار نصف الليل حتى بعد عن عسكر الفرنج ، وقرر مع أهل البلد أن يخرجوا إلى الفرنج فإذا حملوا عليهم انهزموا أمامهم ، ففعلوا وطمع الفرنج في أهل البلد - وإذا بالشيخ يحيى قد دهمهم بمن معه من خلفهم - فأطلق النيران في معسكرهم ، فجاءهم الصريخ فرجعوا ، فركب المسلمون أقفيتهم أسرا وقتلا ، فقيل بلغ عدة القتلى زيادة على ثلاثين ألفا والأسرى إثني عشر ألفا .(8/231)
"""""" صفحة رقم 232 """"""
وفي الرابع والعشرين من المحرم عقد مجلس بين أمير آخور جقمق العلائي الذي ولي السلطنة بعد ذلك وبين القاضي زين الدين التفهني وكان يومئذ مدرس الخنفية بمدرسة قانباي ، فقرئ محضر يتضمن أن قانباي فوض النظر للتفهني والزمام ثم عزلهما ، وأحضر جقمق جماعة يشهدون بذلك ، فأسر السلطان لناظر الجيش كلاما فغاب والشهود معه ثم عاد فقال : اتفقت شهادتهم ، ثم أمر السلطان بعقد مجلس بالصالحية وادعى وكيل جقمق على وكيل التفهني أن التفهني حكم في المدرسة المذكورة بغير طريق شرعي ، فأجاب وكيل التفهني بأن جقمق ليس ناظرا إلى أن يثبت ذلك ، فوصل كتاب الوقف بالشافعي فوجد فيه أن النظر بعده لم يكون أمير آخور يوم ذلك ، فقال الوكيل : هذا يقتضي التقييد بذلك الوقت وليس فيه تعميم ، فقال الشاهدان على الواقف : نحن نشهد على الواقف أنه جعل النظر بعده لمن يكون أمير آخور ، فوقع البحث في ذلك ، فادعى وكيل الحنفي أنه له دافعا ، فأمهل ثلاثة أيام ، فحكم الحنبلي في غضون ذلك بمقتضى ما شهد به الشاهدان وأن ذلك مقبول ولا يقدح في شهادتهما وإنما هو تفسير لما أبهم ؛ وانفصل الأمر على ذلك .
وفي سابع عشر المحرم وصل الأمراء الذين كانوا مجردين بحلب ، وأمر السلطان بإخراج بعض العسكر إلى البلاد الحلبية لدفع قرايلك(8/232)
"""""" صفحة رقم 233 """"""
عن ملطية وكان نائبها قانباي البهلوان أرسل لطلب المدد ، فلما تجهز الأمراء وصل الخبر بالإستغناء عن ذلك فأمر برجوعهم فرجعوا بعد أن رحلوا مرحلة واحدة ، وقيل كان السبب أن نائب الشام أرسل يذكر للسلطان أنه لا حاجة إلى إرسال أحد من مماليك السلطان ، فتخيل منه وأراد إختبار حاله فأرسل له كتابا صحبة ساعي يستدعى حضوره إلى القاهرة ، فوصله الكتاب وهو راكب فخرج في الحال إلى ظاهر دمشق واستدعى آلة السفر وتوجه فوصل في سادس جمادى الآخرة ، فأكرمه السلطان وخلع عليه بالإستمرار ، وعمل له السلطان ضيافة بخليج الزعفران ، وسافر في ثالث عشر الشهر الذي جاء فيه .
وفي هذه السنة قرئ البخارى على العادة ، فكثر من يحضر من آحاد الطلبة الذين يقصدون الظهور ومنعوا فشغبوا ، وصار لغطهم يزيد وسوء أدبهم يفحش فهددوا فلم يرتدعوا ، فأمر السلطان في المجلس الثاني أن تكون القراءة في القصر التحتاني ، وصار إذا جاء يجلس في الشباك الذي يطل من القصر الفوقاني على القصر التحتاني ، وحصل بذلك للقضاة ولأعيان المشايخ اتضاع منزلة ، وعظم اللغط بالنسبة لما كان يحضره السلطان ، وصار السلطان بعد ذلك يتشاغل بكتابة العلامة فيجتمع عنده من يتعلق بها ويصير بالتبعية له في أعلى منزلة بالنسبة لمن هو في الحقيقة فوقهم ؛ ولما رأى ابن البلقيني أنه ما بقي يظهر له مقصود انقطع عن الحضور ،(8/233)
"""""" صفحة رقم 234 """"""
واستمر إلى سنة أربعين ، فسعى في العود كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
وفيها توجه قرقماس الشعباني وهو يومئذ الحاجب الكبير إلى الصعيد ، فلاقاه موسى بن عمر شيخ عرب هوارة وقدم له تقدمة ، فلما رجع بلغ موسى أن ابن عمه عمران استقر مكانه وعزله ، فخاف موسى ودخل البرية بمن أطاعه ، وتوجه الوزير إلى قرقماس ليتعاونا على رجوع موسى فعجزا عنه . ثم لم يزل الوزير يراسل موسى ويتلطف به حتى عاد ، وأحضره إلى السلطان فخلع عليه ثم أمسكه بعد أيام ثم حبسه ، فبلغ ذلك عربه فأفسدوا في البلاد وأحرقوا الغلال ، ووصل عبد الدائم شيخ الفقراء ومعه طائفة من الفقراء في شوال ، فهرع الناس للسلام عليه والتبرك به ، وكان قد أذن لموسى بن عمر في التوجه إلى السلطان وضمن له السلامة ، فلما سمع بحبسه جاء للشفاعة فيه ، فأرسل لهم السلطان القاضي بدر الدين العيني فأحضرهم عنده وتأدب معهم وكانوا ثلاثة : عبد الدائم ، وشجاع ، والعريان ، وأتباعهم ، وقبل السلطان شفاعتهم وأذن لهم في تسليم ابن عمر بعد أن يحلفه كاتب السر عند العيني ، ففعل ذلك ورجعوا .(8/234)
"""""" صفحة رقم 235 """"""
وفي جمادى الأولى شاع عن أهل التقويم أنهم اتفقوا أن الشمس تكسف في ثامن عشري هذا الشهر بعد الزوال ، فتأهب السلطان وغيره لذلك وترقبها إلى أن غربت ، ولم يتغير منها شيء البتة .
وفي يوم الخميس ثاني عشر شهر رجب تزوج سيدي محمد ولد الأمير جقمق بنت أحمد بن أرغون شاه ، وعمل له أبوه وليمة عظيمة وقدم له السلطان ومن دونه تقادم سنية .
وفي شوال أرسل السلطان ثلاثمائة مملوك إلى جزيرة قبرس بمطالبة صاحبها بما استقر عليه من المال في كل سنة ، وأوصاهم أن يرسوا على بعض الجزائر ويراسلوه ، فإن أجاب بالامتثال رجعوا وصحبتهم ما يوصله لهم ، وإن امتنع اعتصموا ببعض الجزائر وراسلوا السلطان ، فعادوا بعد بضعة وعشرين يوما وصحبتهم أثواب صوف بقيمة ثلاثة آلاف دينار .
وفيها حجب خوند جلبان زوج السلطان ، وكانت أمته فأعتقها وتزوجها وصيرها أكبر الخوندات ، وجهزها في هذه السنة تجهيزا عظيما ، وأرسل صحبتها جوهر اللالا وناظر الجيش ونصب في(8/235)
"""""" صفحة رقم 236 """"""
الودك المتعلق بها على شاطئ النيل وكان امرا مهولا ، وسافروا بالمحمل من أجلها في 7 شوال ورحلوا به من البركة يوم الحادي والعشرين منه قبل العادة بثلاثة أيام .
وفي 12 ذي القعدة أوفى النيل ستة عشر ذراعا ، ونودي عليه بزيادة نصف ذراع بعد الستة عشر ، وذلك في تاسع عشري أبيب ، وقد تقدم في سنة خمس وعشرين انه أوفى في تاسع عشري أبيب أيضا ولكن بزيادة اصبعين على الستة عشر فقط ، وأوفى قبل ذلك في سنة ست عشرة آخر يوم من أبيب وهي من النوادر ، وافسد تعجيل الزيادة من الزروع التي بالجزائر شيئا كثيرا كالبطيخ والسمسم .
وفيها قدم الامير ناصر الدين محمد بن إبراهيم بن منجك في ذي القعدة ، فأخبر أن نائب الشام اقام أياما محتجبا ، فأنكر عليه وسباي الحاجب الكبير فأجابه بالشتم والضرب والإهانة وخرج النائب إلى ظاهر البلد فأقام هناك ، فوقع الراي على رجوع ابن منجك بخلعة استمرار للنائب وأخرى للحاجب وأن يصلح بينهما ، فبادر وصحبته سودون ميق وهو يومئذ أمير آخور ثاني فاصلحا بينهما واستمر الحال ، واشتهر فيها وقوع زلزلة بالأندلس هدم بها من الأمكنة شيء كثير .(8/236)
"""""" صفحة رقم 237 """"""
وفيها نودي على الذهب بأن كل أشرفي بمائتين خمسة وثلاثين ومن خالف ذلك شنق في يده فاستمر على ذلك .
وفها قدم غادر بن نعير على السلطان مفارقا لاخيه قرقماس ، فأكرمه وأمره عوضا عن أخيه ، فلما رجع عصى وآذى بعض الناس ، فأرسل السلطان إلى نائب حلب ونائب حماة أن يركبوا عليه ، فبلغه ذلك فهرب وأحاطوا بما وجدوه من ماله .
وفيها أرسل شاه رخ قرايلك في طلب إسكندر بن قرا يوسف فواقعه ، فانهزم اسكندر وفر إلى بلاد الكرج فنزل بقلعة سلماس ، وبعث إليه شاه رخ عسكرا فقاتلوه إلى أن انهزم ونجا بنفسه جريحا ، فاتفق أنه وقع الغلاء ثم الوباء في عسكر شاه رخ فكر راجعا إلى بلاده .
وفي العشرين من ذي الحجة مات فارس الذي كان رأس المماليك المقيمين بمكة لكف أذى وكان غيره قد توجه عوضه(8/237)
"""""" صفحة رقم 238 """"""
مع الحاج ورجع هو مبشرا فمات في الطريق ، وتاخر قدوم المبشرين بسبب ذلك يومين عن العادة ، فقدموا في ثامن عشري ذي الحجة وأخبروا بالرخاء لكن كان الماء قليلا .
وفيات سنة 834
ذكر من مات في سنة أربع وثلاثين وثمانمائة من الأعيان
إبراهيم بن علي بن إسماعيل بن إبراهيم برهان الدين البلقيني الأصل المعروف بابن الظريف بالظاء المعجمة وتشديد التحتانية ، ولي نيابة الحكم بالحسنية في ولاية البلقيني ، ثم أضيفت إليه نيابة الحكم بالقاهرة ومصر وباشر مباشرة حسنة ، وكان حسن العشرة والمعاملة كثير الإسراف على نفسه - سامحه الله مات في يوم السبت ثاني عشر - شوال بعد مرض طويل .
أحمد الدوادار نائب الإسكندرية المعروف بابن الأبتع ، مات يوم الأحد تاسع جمادى الآخرة بالقاهرة .(8/238)
"""""" صفحة رقم 239 """"""
إسماعيل بن أبي الحسن بن علي بن محمد ، البرماوي الشافعي ولد في حدود الخمسين ، ودخل القاهرة قديما وأخذ عن المشايخ وسمع ، ومهر في الفقه والفنون ، وتصدى للتدريس ، وخطب بالجامع العمري بمصر ؛ مات في يوم الأحد الخامس عشر - نصف ربيع الآخر .
إسماعيل الرومي الطبيب الصوفي المقيم بالخانقاه البيبرسية ، كان يقرئ العربية والتصوف والحكمة ، وامتحن بمقالة ابن العربي ونهى مرارا عن إقرائها ، ولم يكن محمود السيرة ولا العلاج ، وكان من صوفية البيبرسية ؛ مات في تاسع شوال .
حمزة بن يعقوب ، الحريري الدمشقي ؛ مات في صفر .
شاهين الرومي المزي عتيق تقي الدين أبي بكر المزي ، وكان عارفا بالتجارة ، على طريقة سيده في محبة أهل الخير ، ووصاه على أولاده فرباهم ،(8/239)
"""""" صفحة رقم 240 """"""
ثم مات بالقولنج وهم صغار فأحيط بموجوده ، فيسر الله تعالى القيام في أمرهم مع السلطان إلى أن أسعدته ، فصار الذي لهم في ذمو شاهين ، وظهر لشاهين أخ شقيق ، فلما أثبت نسبه قبض ما بقي من تركة أخيه بعد مصالحة ناظر الخاص ؛ وكان موته في ثالث عشري ذي القعدة .
عبد الله بن محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج ، المقدسي ثم الصالحي الشيخ شرف الدين ابن القاضي شمس الدين أخو القاضي تقي الدين ، ولد في ربيع الأول سنة خمسين ومات أبوه وهو صغير ، فحفظ المقنع ومختصر ابن الحاجب ، وأخذ عن بعض مشايخ أخيه وسمع الحديث ، وأجاز له عز الدين ابن جماعة وجمال الدين ابن هشام النحوي وغيرهما ، وسمع(8/240)
"""""" صفحة رقم 241 """"""
من جده لأمه جمال الدين المرداوي وشرف الدين بن قاضي الجبل وغيرهما ، وافتى ودرس واشتغل وناظر وناب في الفضاء دهرا طويلا وصار كثير المحفوظ جدا ، وأما استحضار فروع الفقه فكان فيه عجبا مع استحضار كثير من العلوم ، وكان ينسب إلى المجازفة في النقل أحيانا وعليه مآخذ دينية ، وانتهت إليه رئاسة الحنابلة في زمانه ، وعين للقضاء غير مرة فلم يتفق ذلك ، وولي ابن اخيه في حياته وقدم عليه ؛ مات في ليلة الجمعة ثاني ذي القعدة ، أرخه مؤرخ الشام وأرخه قاضي الحنابلة في خامس عشر شوال .
عبد الرحمن وجيه الدين بن الجمال ، المصري ، ولد بزبيد سنة وتفقه ، وتزوج بنت عمه النجم المرجاني ، وقطن مكة وأشغل الناس بها في الفقه واشتهر بمعرفته ؛ ومات في 17 رجب .(8/241)
"""""" صفحة رقم 242 """"""
عبد الرزاق بن سعد الدين تاج الدين إبراهيم ابن الهيصم ، كتب في الديوان المفرد ثم ولي الاستادارية بعد جمال الدين ، ثم ولي الوزارة في الدولة المؤيدية ونكب مرارا ؛ ومات في يوم الخميس العشرين من ذي الحجة .
عمر بن منصور ، الشيخ سراج الدين البهادري الحنفي ، ولد سنة بضع وستين ، واشتغل بالفقه والعربية والطب والمعاني وغير ذلك حتى مهر واشتهر ودرس وناب في الحكم ، وصار يشار إليه في فضلاء الحنفية وفي الأطباء ولم يكن محمود العلاج ؛ مات في العشر الثاني من شوال .
محمد ناصر الدين ابن أرغون ، المارداني القبيباتي ، ولد سنة خمسين وسبعمائة ، ونشأ في خدمة الأمراء من عهد آقتمر عبد الغني النائب وهلم جرا ، وولي الجيزة والحجوبية والأستادراية عند غير واحد ، وكان عارفا بالأمور ، وصحب الناس وعرف أخلاق أهل الدولة وعاشرهم ومازجهم ، ثم أقبل على الاشتغال بالفقه حتى صار يستحضر كثيرا من(8/242)
"""""" صفحة رقم 243 """"""
المسائل الفقهية ، ويقرأ عنده في الروضة وغيرها ، ويكثر من مسايلة من يلقاه من العلماء ، وسمعت منه فوائد ولطائف ، وكان من جملة من ينتمي إلى أصهارنا بقرابة من النساء ؛ مات في رمضان .
محمد بن الأشراف برسباي محمد بن الحسن بن محمد ، الشيخ شمس الدين الحسني ابن أخي الشيخ تقي الدين الحصني ، اشتغل على عمه ولازم طريقته في العبادة والتجرد ، ودرس بالشامية وقام في عمارة البادرائية ؛ ومات في شهر ربيع الأول ، وكان شديد التعصب على الحنابلة .
محمد بن حمزة بن محمد بن محمد ، الرومي العلامة شمس الدين الحنفي المعروف بابن الفنري - بفتح الفاء والنون مخففا ، ولد في سنة 751 في صفر ، وأخذ ببلاده عن العلامة علاء الدين المعروف بالأسود شارح(8/243)
"""""" صفحة رقم 244 """"""
المغني وعن الكمال محمد بن محمد المعري والجمال محمد بن محمد بن محمد الأقصرائي وغيرهم ولازم الاشتغال ، ورحل إلى الديار المصرية سنة ثمان وسبعين وله عشرون سنة ، فأخذ عن الشيخ أكمل الدين وغيره ، ثم رجع إلى الروم فولي قضاء برصا مدة ؛ ثم تحول إلى قونية فأقام بها ، فلما وقع الحرب بين ابن قرمان وابن عثمان وانكسر ابن قرمان أخذ ابن عثمان الشيخ شمس الدين المذكور إلى برها ففوض إليه قضاء مملكته وارتفع قدره عنده فوصل عنده المحل الأعلى وعذق به الأمور كلها وصار في معنى الوزير واشتهر ذكره وشاع فضله ، وكان حسن السمت كثير الفضل والإفضال غير أنه يعاب بنحلة بن العربي وبأنه يقرىء الفصوص ويقرره ، ولما قدم القاهرة لم يتظاهر بشيء من ذلك ، وحج سنة اثنتين وعشرين ، فلما رجع طلبه المؤيد فدخل القاهرة واجتمع بفضلائها ، ولم يظهر عنه شيء مما كان رمي به من المقالة المذكورة ، وكان بعض من اعتنى به أوصاه أن لا يتكلم في شيء من ذلك ، فاجتمع به فضلاء العصر وذاكروه وباحثوه وشهدوا له بالفضيلة ، ثم رجع إلى القدس فزاره ، ثم رجع إلى بلاده وكان قد اثرى إلى الغاية حتى يقال إن عنده من النقد خاصة مائة وخمسين ألف دينار ، وكان عارفا بالقراآت والعربية والمعاني ، كثير المشاركة في الفنون ، ثم حج سنة ثلاث وثلاثين على طريق أنطاكية ورجع فمات ببلاده في شهر رجب وكان قد أصابه رمد وأشرف على العمى بل يقال إنه عمي ثم رد الله عليه بصره فحج هذه الحجة الأخيرة شكر الله على ذلك ، وله تصنيف في أصول الفقه(8/244)
"""""" صفحة رقم 245 """"""
جمع فيه المنار والبزدوي وغيرهما ، وأقام في عمله ثلاثين سنة ، وأقرأ العضد نحو العشرين مرة ، كتب لي بخطه بالإجازة لما قدم القاهرة .
محمد تقي الدين بن الشيخ نور الدين علي بن أحمد بن الأمين ، المصري ولد سنة ستين ، وتفقه قليلا ، وتكسب بالشهادة مدة طويلة ، وكان يحفظ شيئا كثيرا من الآداب والنوادر ، واشتهر بمعرفة الملح والزوائد المصرية وثلب الأعراض خصوصا الأكابر ، فكان بعض الأكابر يقربه لذلك ، ولم يكن متصونا في نفسه ولا في دينه - والله يسامحه مات في شوال .
محمد بن الناصر فرج - محمد بن محمد بن محمد بن محمد الحافظ - الإمام المقرئ شمس الدين ابن الجزري ، ولد ليلة السبت الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة 751 بدمشق ، وتفقه بها ، ولهج بطلب الحديث والقراآت ، وبرز في القراآت ، وعمر مدرسة للقراء سماها دار القرآن وأقرأ الناس ، وعين لقضاء الشام مرة ، وكتب توقيعه عماد الدين بن كثير ثم عرض عارض فلم يتم ذلك .(8/245)
"""""" صفحة رقم 246 """"""
وقدم القاهرة مرارا ، وكان مثريا وشكلا حسنا وفصيحا بليغا ، وكان باشر عند قطلبك استادار ايتمشن فاتفق أنه نقم عليه شيئا فتهدده ، ففر منه فنزل البحر إلى بلاد الروم في سنة ثمان وتسعين ، فاتصل بابي يزيد ابن عثمان فعظمه ، وأخذ أهل البلاد عنه علم القراآت وأكثروا عنه ، ثم كان فيمن حضر الوقعة مع ابن عثمان واللنكية ، فلما أسر ابن عثمان اتصل ابن الجزري باللنك فعظمه وفوض له قضاء شيراز فباشره مدة طويلة ، وكان كثير الإحسان لأهل الحجاز ، وأخذ عنه أهل تلك البلاد في القراآت وسمعوا عليه الحديث ، ثم اتفق أنه حج سنة اثنتين وعشرين فنهب ففاته الحج وأقام بينبع ثم بالمدينة ثم دخل مكة ، فجاور إلى أن حج ورجع إلى العراق ، وكان كاتب المؤيد يأذن له في دخول القاهرة ، فمات المؤيد في تلك السنة فرجع ، ثم عاد في سنة ست وعشرين وحج ودخل القاهرة سنة 127 فعظمه الملك الأشرف وأكرمه وحج في آخرها وأقام قليلا ، ودخل اليمن تاجرا فاسمع الحديث عند صاحبها ووصله ورجع ببضاعة كثيرة ، فقدم القاهرة في سنة سبع وأقام بها مدة إلى أن سافر على طريق الشام ثم على طريق البصرة إلى أن وصل إلى شيراز ، وقد انتهت إليه رئاسة علم القراآت في الممالك ، وكان قديما صنف الحصن الحصين في الأدعية ولهج به أهل اليمن واستكثروا منه ، وسمعوه علي قبل أن يدخل هو إليهم ثم دخل إليهم فأسمعهم ، وحدث بالقاهرة بمسند أحمد ومسند الشافعي وبغير ذلك ، وسمع بدمشق وبمصر من ابن أميلة(8/246)
"""""" صفحة رقم 247 """"""
وابن الشيرجي ومحمود بن خليفة وعماد الدين بن كثير وابن أبي عمر وإبراهيم بن أحمد بن فلاح والكمال بن حبيب وعبد الرحمن بن أحمد البغدادي وغيرهم وبالإسكندرية من عبد الله الدماميني وابن موسى وببعلبك من أحمد بن عبد الكريم ؛ وطلب بنفسه وكتب الطباق وعني بالنظم ، وكانت عنايته بالقراآت أكثر ، وذيل طبقات القراء للذهبي وأجاد فيه ، ونظم قصيدة في قراءة الثلاثة ، وجمع النشر في القراآت العشر جوده ، وذكر أن ابن الخباز أجاز له واتهم في ذلك ، وقرأت بخط القاضي علاء الدين بن خطيب الناصرية انه سمع الحافظ أبا إسحاق إبراهيم سبط ابن العجمي يقول : لما دخلت دمشق قال لي الحافظ صدر الدين الياسوفي : لا تسمع مع ابن الجزري شيئا ؛ قلت : وقد سمعت بعض العلماء يتهمه بالمجازفة في القول ، وأما الحديث فما أظن ذلك به إلا إنه كان إذا رأى للعصريين شيئا أغار عليه ونسبه لنفسه ، وهذا أمر قد أكثر المتأخرون منه ولم ينفرد به ؛ وكانت وفاته في أوائل سنة ثلاث وثلاثين ، وكان يلقب في بلاده الإمام الأعظم ، ولم يكن محمود السيرة في القضاء ، واوقفني فتأملتها فوجدته خرجها بأسانيده من جزء الأنصاري وغيره وأخذ كلام شيخنا العراقي في أربعينه العشاريات بنصه ، فكأنه استخرج عليها(8/247)
"""""" صفحة رقم 248 """"""
مستخرجا بعضه بالسماع وأكثره بالإجازة ، ومنه ما خرجه شيخنا من جزء ابن عرفة فإنه رواه عن ابن الخباز بالقراءة فأخرجه ابن الجزري عن ابن الخباز بالإجازة .
محمد جمال الدين ابن الشيخ بدر الدين يوسف بن الحسن بن محمود ، الحلواني ، قدم القاهرة سنة 34 فأكرم . ثم طلبه صاحب الحصن بن الاشرف فجهزه إليه ، فمات بمصر في هذه السنة ، وكان فاضلا في عدة علوم ، وما اظنه أكمل أربعين سنة .
محمد بن الشيخ بدر الدين ، الحمصي المعروف بابن العصياتي ، اشتغل كثيرا ، وكان في أول أمره جامد الذهن ثم اتفق أنه سقط من مكان فانشق رأسه نصفين ثم عولج فالتأم فصار حفظة ومهر في العلوم العقلية وغيرها ، وكان يرجع إلى دين وينكر المنكر ويوصف بحدة ونقص عقل ؛ مات في صفر - .
محمد بن ناصر الدين الشيخي ، تولى الوزارة للناصر ، ثم عزل في سنة أربع وثمانمائة ، وصودر بسبب انه ظهر عنده من يعمل الزغل ويخرجه على الناس ، فقبض عليه وعوقب إلى أن مات في ذي القعدة . واستقر بعده في الوزارة سعد الله بن عطايا .(8/248)
"""""" صفحة رقم 249 """"""
محمود بن أحمد بن محمد ، الفيومي الأصل نور الدين الحموي ابن خطيب الدهشة ، ولد سنة خمسين وسبعمائة ، وسمع من جماعة وتفقه ببلده على علمائها في ذلك العصر ودخل الشام ومصر طالب علم ، ثم ولي قضاء حماة في أول دولة المماليك المؤيد وباشر مباشرة حسنة بعفة ونزاهة وصرف بزين الدين ابن الخزري في أوائل سنة ست وعشرين ، واختصر القوت للأذرعي وسماه لباب القوت ، وله تكملة شرح المنهاج للسبكي ، وشرح الكافية الشافية في العربية ، وله منظومة في الخط وشرحها ، وهذب المطالع لابن قرقور في قدر ضعفه وانتهت إليه رئاسة المذهب بحماة مع الدين والتواضع المفرط والعفة ، والانكباب على المطالعة والاشتغال والتصنيف ، وكان مشاركا في الأدب وغيره وحسن الخط ؛ مات في يوم الخميس تاسع عشر شوال بحماة ، وكانت جنازته مشهودة ، ومن نظمه :
وصل حبيبي خبر
لانه قد رفعه
ينصب قلبي غرضا
إذ صار مفعولا معه
وبينه وبين الشيخ بدر الدين ابن قاضي أذرعات مكاتبات منظومة .(8/249)
"""""" صفحة رقم 250 """"""
حوادث سنة 835
سنة خمس وثلاثين وثمانمائة
وفي تاسع عشر المحرم وصل الأمير طرباي نائب طرابلس فسلم على السلطان وخلع عليه ، فأقام خمسة أيام ورجع إلى بلده .
وفي شهر رمضان منها استقر دولات خجا الظاهري في ولاية القاهرة عوضا عن التاج ، واستقر التاج في بقية - وظائفه ، وكان هذا ظالما غاشما ، ولي كشف الوجه القبلي فتعدى الحد في العقوبة حتى كان يأمر بأن ينفخ في دبر من يريد عقوبته حتى تندر عيناه وينفلق دماغه ، ثم ولي كشف الوجه البحري ، ثم استقر في الولاية فجمع كل من في سجن الوالي من أولى الجرائم فأطلقهم ، وحلف جهد يمينه أنه متى ظفر بأحد منهم وسطه وفعل ذلك ببعضهم فكفوا ، وركب في الليل وطاف وأكثر من ذلك ، وألزم الباعة بكنس الشوارع ورشها ووقيد القناديل في حوانيتهم كل ليلة ، ومنع النساء من الخروج إلى الترب أيام الجمع ، فاستمر على ذلك قدر شهرين ثم أعيد التاج .
وفي الخامس من صفر انتشر بمصر جراد كثير في الآفاق ولكن لم يحدث منه شر ، ووردت الأخبار بأنه وقع فيما بين بغداد وتبريز فلم يدع خضراء وكثر فساده ، وعم الغلاء حتى حدث منه الشدائد وأعقبه(8/250)
"""""" صفحة رقم 251 """"""
الوباء المفرط ، وفيه أعيد آقبغا الجمالي لكشف الوجه القبلي ، وفي ربيع الآخر نزل بعض المماليك من الطباق لنهب بيت الوزير وكان استعد لهم فلم يظفروا به ولا بشيء منه ، فلما أصبح استعفى من الأستادارية ، فقرر السلطان فيها الصاحب بدر الدين بن نصر الله في ثالث عشري ربيع الآخر ، فباشرها شهرين ثم انفصل وأعيد آقبغا الجمالي في جمادى الآخرة ، وسبب ذلك أنه كان حصل من الصعيد بالظلم والعسف مالا كثيرا فرافعه بعض الناس فسعى في الحضور فأجيب ، فسعى في الأستادارية على أن يزن عشرة آلاف دينار ويلتزم بالتكفية فأجيب ، ثم حوقق على جهات احتاط عليها فزيد على الذي وعد به خمسة آلاف دينار فالتزم بها .
وفيها أجريت العيون حتى دخلت مكة فامتلأت برك باب المعلي ومرت على سوق الليل إلى الصفا فعم النفع بها ، وكان القائم على ذلك سراج الدين ابن شمس الدين بن المراق كبير التجار بدمشق ، وصرف على ذلك من مال نفسه شيئا كثيرا ، وفي السابع والعشرين من جمادى الآخرة صرف القاضي زين الدين التفهني من قضاء الحنفية وأعيد العيني ، وكانت علة التفهني طالت لأنها ابتدأت به من ذي الحجة ، فأقام مدة وعوفي ثم انتكس واستمر ، وتداولته الأمراض إلى أن أشيع موته ، واستقر في قضاء الحنفية بدر الدين العينتابي ، وبلغ التفهني ذلك فشق عليه وركب في اليوم الثاني إلى القرافة حتى شاهده الناس ليتحقق أن العينتابي يقول عليه أنه بلغ الموت لكن لم يفد ذلك فلما دخل شوال مات ، وكان مولده سنة بضع وستين . فإن القاضي شمس الدين البساطي(8/251)
"""""" صفحة رقم 252 """"""
ذكر أنه يعرفه من سنة ثمانين وهو بالغ ، وكان في غضون مرضه نزل لولده شمس الدين محمد - عن تدريس الصرغتمشية ، فشق ذلك على العينتابي وقام فيه وقعد ، فصده ناظر الجيش عنه ، وأمضى السلطان النزول ، فلما مات التفهني صودر ولده على خمسمائة دينار ، وكان التفهني سمع الحديث من النجم ابن الكشك وغيره واشتغل على جماعة من المشايخ ، وأول من نوه به كاتب السر الكلستاني ، وكان أصله من تفهنة إحدى القرى الغربية وأبوه طحان ، ومات وهو صغير فرباه أخوه شمس الدين محمد ، فلما ترعرع دخل القاهرة ونزل في كتاب السبيل بالصرغتمشية ، ثم صار عريفا بالمكتب ، ثم نزل في الطلبة ثم نزل في طلبة الشيخونية ، فلما نوه به الكلستاني ناب في القضاء وحمدت سيرته ، ولازم الاشتغال وحسن خطه ، وكتب على الفتاوى فأجاد ، وكان حسن الأخلاق كثير الاحتمال شديد السطوة ، إذا غضب لا يطاق وإذا رضي لا يكاد يوجد له نظير - رحمه الله تعالى .
وفي شعبان صرف القاضي شهاب الدين بن المحمرة عن قضاء الشام(8/252)
"""""" صفحة رقم 253 """"""
واستقر كمال الدين البارزي وخلع عليه يوم الجمعة ثاني شعبان مع استمراره في كتابة سر الشام ، فلما بلغ الشام توجه إلى بيت المقدس فصام شهر رمضان هناك وقدم بعد شوال إلى القاهرة ، وكان لما سار إلى الشام استناب بدر الدين ابن الأمانة في تدريس الشيخونية وجمال الدين ابن المجبر في مشيخة الصلاحية ، فلما تمادت إقامته هناك استنجز مرسوم السلطان بالاستقلال ، فلما عاد إلى القاهرة استعاد الوظيفتين منهما بإذن السلطان ولم يلتفت إلى شرط الواقف أن من غاب عن وظيفته أزيد من مدة مجاورة الحاج أخرج منها ، وهذا بخلاف شرط سعيد السعداء فإن شرط واقفها أن من غاب عن وظيفته يعود إليها إذا عاد ولو طالت غيبته ، فحجة ابن الأمانة قائمة وحجة ابن المجبر داحضة .
وفيها وصل من زنوك الصين عدة ومعهم من التحف ما لا يوصف فبيع بمكة ، وفيها أسر حمزة بن قرايلك صاحب آمد ، ساره ناصر الدين أمير ماردين وسجنه ، لأن أباه كان يغير على معاملة مادرين ويكثر الفساد ، فسار قرايلك حتى نازل ماردين وحاصرها مدة إلى أن ملكه ، وهرب ناصر الدين أميرها وخلص حمزة بن قرا يلك ، واستمرت(8/253)
"""""" صفحة رقم 254 """"""
ماردين في يد قرايلك .
وفي رجب قدم نائب الشام أيضا مطلوبا فوصل في حادي عشري رجب وخلع عليه في ثاني عشري رجب ، واستقر أتابك العساكر عوضا عن جار قطلي وخلع على جار قطلي بنيابة الشام عوضه ، وتوجه في أول شعبان منها .
وفيها صمم السلطان على السفر إلى البلاد الشمالية بسبب قرا يلك وتجهز غالب الناس ولم يبق إلا السفر ، فقدم قاصد قرا يلك وصحبته مفاتيح قلعة ماردين وكان قد غلب عليها وقتل صاحبها ، ففتر العزم في هذه السنة .
وفيها أراد السلطان عمل دار العدل كما كانت في أيام الظاهر برقوق ، فبادروا إلى ترميمها وإصلاح ما تشعث منها ، وجلس يوما ثم ترك . وفيها حج ركب المغاربة وركب التكرور ومعهم بعض ملوكهم . وفيها اشتد تحجير السلطان على التجار وألزمهم بعدم بيع بضائعهم إلا بإذنه ، ثم جمعهم في رمضان وسألهم أن يبيعوا عليه جميع ما عندهم من الفلفل بسعر خمسين الحمل ، فشق عليهم ولم يجدوا بدا من المطاوعة وكانوا قد باعوه عليهم من قبل السلطان قبل ذلك بسعر ثمانين ، فذكر له بعضهم ذلك فلم يلتفت إليه ، ثم كتب مراسيم وأرسلت الشام والحجاز والإسكندرية أن لا يبيع أحد البهار ولا يشتريه إلا السلطان ، وفي(8/254)
"""""" صفحة رقم 255 """"""
ذي القعدة عقد مجلس حضره القضاة الأربعة وقرقماس الحاجب الكبير بإذن السلطان بسبب ما حكم به نائب الحنفي من هدم دار ابن النقاش . وكان السبب في ذلك أن علم الدين البلقيني كان سأل ناظر الجيش أن يتنزع له من كاتبه نظر جامع طولون ونظر الناصرية ليسكت عن طلب العود للقضاء والسعي فيه ، فرضي كاتبه بذلك وفوض له ذلك وأخذ به توقيعا سلطانيا ، فمن حمقه أنه هنأ السلطان بعيد الفطر فسأله عن أمر النظرين فشكر السلطان فقال له : ينبغي أن يشكر القاضي الذي أعطاك ، فقال : أنا ما أعطاني إلا السلطان ، وهذا غاية في الحمق والجهل ، فإن الواقف شرط النظر للقاضي الشافعي فلو ولاه السلطان لغيره لم تصح ولايته ، فلما بلغني ذلك صرحت بعزله ، فما بالي بذلك واستمر يتحدث فيهما افتياتا من غير مبالاة ، فلا استمر على التحدث في جامع طولون استخرج من أوراق أخيه محضرا كان كتبه على ابن النقاش يتضمن أن أمين الدين الطرابلسي حيث كان قاضي الحنفية حكم عليه بسد السراب الذي فتحه في جدار الجامع ليستطرق منه إلى الدخول وان البيت الذي بناه من جملة حريم الجامع فيكون له حكم المسجد ، وسأل القاضي بدر الدين العينتابي أن يأذن لأحذ نوابه أن يحكم بذلك ، فأسند ذلك للقاضي ناصر الدين الشنشي ، فحكم وعرض ذلك على السلطان ، فاستعظم الناس هدم البيت المذكور بعد مضي أربعين سنة أو أكثر ، وشاهد ذلك أكابر العلماء والأئمة ، فأمر السلطان بعقد مجلس ، فلما اجتمعوا ادعى مدعي على ولد ابن النقاش بأن البيت في أيديهم يجب هدمه ، لأنه عمر في حريم الجامع(8/255)
"""""" صفحة رقم 256 """"""
فله حكم المسجد ، وأنه يجب عليهم أجرة المثل عن المدة الماضية في تركة أبيهم إلى أن مات ثم في المدة التي منذ مات يجب من ريعه ، فأجاب بأن أباه استأذن القاضي جلال الدين البلقيني في استئجار المذكورة فأذن لنائبه القاضي ولي الدين العراقي في النظر في ذلك فاستوفى الشروط وأذن لبعض العدول في إجارته فأجره بأجرة معينة - مدة معينة ليبني في ذلك الزمان ما أراد واتصل ذلك بالعراقي وحكم به ، وذلك مصير منهم إلى أن الأرض المذكورة ليست مسجدا ؛ فاتصل ثبوت ذلك بالقاضي المالكي في المجلس لكونها شهادة على الخط ثم اتصل بالشافعي ، فحكم بابقاء البناء المذكور وعدم التعرض لهدمه ، وكان ابن النقاش قد سد الإستطراق المذكور فحاول العلم أن يهدم ما سده ثم يبني ، فلم يوافقه أحد ، وانفصل المجلس على ذلك وقصر حكم نائب الحكم بأن الساحة المذكورة الدائرة حول الجامع من حريم الجامع وأن لها حكم الجامع على ما بناه فيه مما لم يتقدم به حكم أحد من الحكام ، وحصل للعلم والحنفي من ذلك حنق زائد ، فأما العلم فبذل جهده في السعي ليعود إلى القضاء فتعذر عليه ذلك ، وأما الحنفي فصار يمتنع من حضور المجالس مع(8/256)
"""""" صفحة رقم 257 """"""
الشافعي ولله الحمد .
وأدير المحمل في هذه السنة في ثالث رجب ، وفي هذه السنة منع الناس من السفر في وسط السنة إلى الحجاز صحبة ابن المرأة خشية عليهم من نهب العرب ، وكان كسر الخليج في الخامس من مسرى ، وانتهت الزيادة في هذه السنة إلى أحد وعشرين إصبعا من ثمانية عشر ذراعا في آخر مسرى ، ووصل المبشر يوم الجمعة خامس عشرى ذي الحجة ، فقطع المسافة في أربعة عشر يوما ، وهذا أسرع ما سمع في ذلك .
وفي سابع عشر شعبان وهو الثالث والعشرون من برموده أرعدت السماء وأمطرت مطرا غزيرا ، في هذه السنة تقطع غالب الجسور التي عملت للنيل ، فشرق بسبب ذلك كثير من الأراضي ، وفي أول رمضان تراءى الناس الهلال فخفى عليهم ، فشهد به إثنان بعد العشاء فثبت ، فلما أصبح السلطان استغرب ذلك لكونه تراءى هو ومن معه ومكانهم بالقلعة مرتفع جدا وكانت السماء صاحية ، فاستدعى بالشهود فحضروا عنده ، فامتحنهم بأن فرق بينهم وبأن ألزمهم أن يشيروا إلى الجهة التي رأوا الهلال فيها في أول ليلة ، ففعلوا فلم يخطئوا فمضى الأمر ، واتفق في هذه السنة أنهم لم يروا الهلال ليلة الترائي ، ثم ثبت في اليوم الثاني من ذي الحجة ، فتوافق العيدان في المعنى المذكور ، وفيه أكثر السلطان من الركوب إلى الصيد والتنزه حتى ركب في يوم واحد إلى بيت ناظر الجيش(8/257)
"""""" صفحة رقم 258 """"""
ثم إلى بيت ناظر الخاص فحملا له تقادم جليلة ، وفيه استقر الوزير كريم الدين ابن كاتب المناخات في كتابة السر مضافا للوزارة في ثالث شوال عوضا عن ابن السفاح ، وكان السلطان أرسل إلى شهاب الدين ابن الكشك قاضي الحنفية بدمشق بأن يحضر ويستقر في كتابة السر ، فأرسل بالإعتذار وبذل مالا على الكف عنه ، فأجيب واستقر كريم الدين ، فباشر قليلا ثم صرف بعد قليل لما حضر ابن البارزي ، وفي ذي القعدة استقر القاضي عز الدين عبد العزيز بن علي البغدادي في قضاء الحنابلة بدمشق وفي أواخر جمادى الأولى صرف العينابي من الحسبة ، واستقر صلاح الدين بن بدر الدين بن نصر الله .
وفي شوال قتل نصراني وقع في حق داود عليه السلام فحبس مدة ليسلم فأصر فقتل .
وفي هذه السنة ثارت فتنة عظيمة بين الحنابلة والأشاعرة بدمشق ، وتعصب الشيخ علاء الدين البخارى نزيل دمشق على الحنابلة وبالغ في الحط على ابن تيمية وصرح بتفكيره ، فتعصب جماعة من الدماشقة لابن(8/258)
"""""" صفحة رقم 259 """"""
تيمية ، وصنف صاحبنا الحافظ شمس الدين ابن ناصر الدين جزءا في فضل ابن تيمية وسرد أسماء من أثنى عليه من أهل عصره فمن بعدهم على حروف المعجم مبينا لكلامهم وأرسله إلى القاهرة ، فكتب له عليه غالب المصريين بالتصويت ، وخالفوا علاء الدين البخارى في إطلاقه القول بتفكيره وتفكير من أطلق عليه أنه شيخ الإسلام ، وخرج مرسوم السلطان على أن كل أحد لا يعترض على مذهب غيره ومن أظهر شيئا مجمعا عليه سمع منه ، وسكن الأمر ؛ واستقر جارقطلي في نيابة الشام في ثامن عشرى رجب ، وفيه ألزم أهل سوق الخيل أن لا يبيعوا لمعم فرسا ولا لجندي من أولاد الناس ، ثم بطل ذلك عن قرب ، وفيه وقع الفناء في الخيول ، فأخذت الناس من الربيع ثم شفع فيهم فأعيد أكثرها ، وتوجه عدة من الأمراء إلى بلاد الريف لأخذ الخيول من أيدي الفلاحين .
وفي ثالث ربيع الآخر أمر السلطان بإخراج من في السجون على الديون والمصالحة عنهم ، وفي أولها اهتم السلطان بأمر الأسعار وأمر بإخراج البذر من حواصله للأراضي البائرة ، فكثر الزرع وفرح الناس بذلك وتراجع السعر . وفيها مات جينوس بن ثاني الفرنجي(8/259)
"""""" صفحة رقم 260 """"""
متولي قبرس الذي كان أسر ، ووصل الخبر بذلك في ذي القعدة ، واستقر ولده مكانه فبذل الطاعة لصاحب مصر والتزم بما كان أبوه التزم به وأرسل مع رسل السلطان إليه بذلك أربعة وعشرين ألف دينار وكان السلطان الأشرف جهز إلى جوان ابن جينوس الفرنجي متولي قبرص رسولا ، فقابله بالإكرام وقبل الأرض قائما أمام الكتاب وأجاب بالطاعة وأنه نائب عن السلطان ، وجهز المال الذي كان تأخر على والده وجهز سبعمائة ثوب صوف ملونة ، وسألوا السلطان أن يكون عندهم نائب من جهته ، فأرسل إليهم أميرا ومعه أربعون مملوكا .
وفيها اشتهر خراب الشرق من بغداد إلى تبريز ، وكثر الغلاء حتى بيع الرطل اللحم بنصف دينار ، وأكلوا الكلاب والميتات ، ثم فشا الوباء في العراق والجزيرة وديار بكر . وفيها أمر القضاة بإحضار جميع نوابهم إلى السلطان ليعرفهم ، ففعلوا ذلك في أول ذي القعدة ، ثم أمروا بتأخير النواب ، فسألهم السلطان عن النواب فوقع الكلام إلى أن قال السلطان : يستقر للشافعي خمسة عشر وللحنفي عشرة وللمالكي سبعة وللحنبلي خمسة ، فامتثلوا ذلك ثم قال : لا يستنب أحد من غير مذهبه بالقاهرة وأما الضواحي فيستنيب الشافعي عز الدين الحنبلي في قضاء الشام عوضا عن نظام الدين ابن مفلح .(8/260)
"""""" صفحة رقم 261 """"""
حوادث سنة 835
ذكر من مات في سنة خمس وثلاثين وثمانمائة من الأعيان
أحمد بن إسماعيل ، الأشيطي الشيخ شهاب الدين ، تفقه قليلا ، ولزم قريبه الشيخ صدر الدين الأبشيطي ، وأدب جماعة من أولاد الأكابر ، ولهج بالسيرة النبوية فكتب منها كثيرا إلى أن شرع في جمع كتاب حافل في ذلك ، وكتب منه نحوا من ثلاثين سفرا يحتوي على سيرة ابن إسحاق وما وضع عليهما من كلام السهيلي وغيره وعلى ما احتوت عليه المغازي للواقدي ، وضم إلى ذلك ما في السيرة للعماد بن كثير وغير ذلك ، وعنى بضبط الألفاظ الواقعة فيها ؛ ومات في سلخ شوال وقد جاوز السبعين .
أحمد بن صالح بن محمد بن محمد بن أبي السفاح ، شهاب الدين ابن السفاح كاتب السر بحلب ثم بالديار المصرية ، ولد سنة 72 ، وسمع من الكمال ابن حبيب وجماعة من الحلبيين ، وحفظ القرآن . وتعانى الكتابة في التوقيع إلى أن مهر فيه ، وولي نظر الجيش بحلب ، فباشر التوقيع عند يشبك بعد أخيه ناصر الدين ، ثم ولي كتابة السر بصفد ثم بحلب مرتين ،(8/261)
"""""" صفحة رقم 262 """"""
ثم قدم القاهرة واستقر في توقيع السلطان قبل سلطنته ، فلما تسلطن استقر به كاتب السر ابن الكوين في كتابة السر ببلده بحلب إرادة للراحة منه ، فتوجه إليها بعد أن كان يباشر توقيع الدست مدة ، فلما كان من وفاة الشريف شهاب الدين كاتب السر ما كان وتبعه أخوه أو بكر شغرت وظيفة كاتب السر وذكر لها جماعة ، فاقتضى رأي السلطان تقرير هذا فأرسل إليه ، فقدم في شهر رمضان سنة ثلاث من حلب ، واستقر في أواخره ، واستمر فيها إلى أن وعك في شهر رمضان هذه السنة فلم يلبث سوى خمسة أيام ومات . وكان قليل الشر غير مهاب ضعيف التصرف قليل العلم جدا ، وكان السلطان يمقته في طول ولايته مع استمرار خدمته له ببدنه وماله ، ويقول إنه أزعجه بشئ هدده به فضعف قلبه من الرعب ومات منها ؛ قال القاضي علاء الدين : هو أخي من الرضاعة وكان صديقي وفيه حشمة ومروءة وعصبية وقيام في حاجة من يقصده ؛ ومات في ليلة الأربعاء 14 رمضان عن ثلاث وستين ، وعينت بعده للقاضي شهاب الدين ابن الكشك قاضي الحنفية بدمشق فعاد جوابه بالإستعفاء فعيب عليه ، والتزم بمال يحمله بسبب الإعفاء ، وعين القاضي كمال الدين البارزي ، فإلى أن يحضر استقر الوزير كريم الدين مضافا إلى الوزارة ، واستقر في الأستادارية آقبغا الجمالي إلى أن قدم جمال الدين .(8/262)
"""""" صفحة رقم 263 """"""
أحمد بن تقي الدين عبد الرحمن بن العلامة جمال الدين بن هشام ، المصري النحوي شهاب الدين ، اشتغل كثيرا بمصر ، وأخذ عن الشيخ عز الدين ابن جماعة وغيره . وفاق في العربية وغيرها ، وكان يجيد لعب الشطرنج ، وانصلح بأخرة ، وسكن دمشق فمات بها في رابع جمادى الآخرة .
أحمد بن عثمان بن محمد بن عبد الله ، الحنفي ابن الكلواتاني الشيخ شهاب الدين ، ولد في شهر رمضان سنة ست وستين وسبعمائة ، وأجاز له قديما القاضي عز الدين ابن جماعة ، وأحب الحديث بعناية صديق أبيه شمس الدين ابن الوفاء فسمع وهو مترعرع منه الكثير ، ثم طاف على الشيوخ في سنة تسع وتسعين وسبعمائة وهلم جرا إلى أن مات ، ما فتر ولا ونى ولكنه لم ينجب ولم ينتقل عن الحد الذي ابتدأ فيه في الفهم والمعرفة والحفظ والقراءة درجة بل كان شديد الحرص على الاشتغال في الحديث والفقه والعربية والقراآت ، وأعلى من عنده بالسماع(8/263)
"""""" صفحة رقم 264 """"""
ناصر الدين محمد بن علي الحراوي صاحب الدمياطي ، وسمع من أصحاب ابن الصواف وابن القيم ثم من أصحاب أصحاب النجيب ثم من أصحاب أصحاب الفخر ثم من أصحاب ست الوزراء وابن الشحنة والواني والدبوسي والحنفي ثم من بعدهم حتى قرأ على أقرانه ومن سمع بعده ، وخرج لنفسه شيئا لم يكمله ، وشرع في اختصار تهذيب الكمال فكتب منه شيئا وتركه ، ونسخ بخطه من تصانيف شيوخنا ثم من تصانيف أقرانه كالقاضي ولي الدين وكاتبه وغيرهما شيئا كثيرا ، وخطه ردئ وفهمه بطئ ولحنه فاشي لكنه كان دينا خيرا كثير العبادة ، على وجهه وضاءة الحديث ، وكان في أكثر عمره متقللا من الدنيا حتى كان يتكسب بالشهادة ، ثم قرر في قراءة الحديث في القلعة بأخرة بعد الشيخ سراج الدين قارئ الهداية ، ومات في 14 جمادى الآخرة .
جينوس بن جاكم بن بيدو بن أنطون بن جينوس متملك قبرس وصاحب الواقعة مع المسلمين ، هلك واستقر ابنه في قبرس بعده .
حسين بن علاء الدولة بن أحمد بن أويس ، آخر ملوك العراق من ذرية أويس ، وكان اللنك أسره وأخاه حسنا ، وحملهما إلى سمرقند ثم أطلقا ، فساحا في الأرض فقيرين مجردين ، فأما حسن فاتصل بالناصر فرج وصار في خدمته ومات عنده قديما . وأما حسين فتنقل في البلاد إلى أن(8/264)
"""""" صفحة رقم 265 """"""
دخل العراق فوجد شاه محمد بن شاه ولد بن أحمد بن أويس وكان أبوه صاحب البصرة فمات فملك ولده شاه محمد ، فصادفه حسين قد حضره الموت فعهد إليه بالمملكة فاستولى على البصرة وواسط وغيرهما ثم حاربه أصبهان شاه بن قرا يوسف ، فانتمى حسين إلى شاه رخ بن اللنك ، فتقوى بالانتماء إليه وملك الموصل واربل وتكريت وكانت مع قرا يوسف ، فقوي اصبهان شاه واستنقذ البلاد وكان يخرب كل بلد ويحرقه - إلى أن حاصر حسينا بالحلة منذ سبعة أشهر ، ثم ظفر به بعد أن أعطاه الامان فقتله خنقا في ثالث صفر هذه السنة .
خالد بن قاسم بن محمد ، العاجلي ثم الحلبي زين الدين ، ولد في رمضان سنة 753 ، ولازم القاضي شرف الدين بن فياض وولده أحمد ، واخذ عن شمس الدين ابن اليانونية ، وأحب مقالة ابن تيمية ، وكان من رؤوس القائمين مع أحمد بن البرهان على الظاهر ، وهو آخر من مات منهم ، وتنزل بالآثار النبوية ، وكان قد غلب عليه حب المطالب فمات فلم يظفر(8/265)
"""""" صفحة رقم 266 """"""
بطائل ، ونزله المؤيد بمدرسته في الحنابلة ؛ ومات في ثالث ذي الحجة .
عبد الله بن نور الدين محمد بن قطب الدين عبد الله بن حسن بن يوسف بن عبد الحميد بن أبي الغيث ، البهنسي قطب الدين ، ويقال له أيضا جمال الدين ، ولد في رجب سنة 755 ، واشتغل وسمع الحديث وقال الشعر وكان موسرا لكنه كان كثير التقتير على نفسه جدا وأصيب في عقله بأخرة وأكمل الثمانين ؛ مات في شهر رمضان . قرأت بخط الشيخ تقي الدين المقريزي : أنشدني جمال الدين البهنسي لنفسه :
إذا الخل قد فاجاك بالهجر فاسطبر
وسامح له واغفر بنصح وداره
فإن عاد فاقتله ولا تذكر اسمه
فحول طريق القصد عن باب داره
عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن علي بن هاشم ، التفهني القاضي زين الدين الحنفي ، ولد سنة بضع وستين ، وسأل اخاه شمس الدين أحد من ينوب في الحكم عن النائب بها عن مولده فذكر أنه ولد سنة 43 وأنه أسن من القاضي زين الدين بعشرين سنة ، ولست أرتاب في مجازفته(8/266)
"""""" صفحة رقم 267 """"""
في كل ذلك ، ومات أبوه وهو صغير فانتقل إلى القاهرة وهو شاب ، وتنزل في مكتب اليتامى بمدرسة صرغتمش ، ثم ترقى إلى أن صار عريفا وتنزل في الطلبة هناك ، ولازم الاشتغال ودار على الشيوخ فمهر في الفقه والعربية وجاد خطه وشهر اسمه وخالط الأتراك وصحب بدر الدين محمود الكلستاني كاتب السر فاشتهر ذكره ، وناب في الحكم عن الطرابلسي ثم عن ابن العديم كمال الدين ونوه به كمال الدين عند الأكابر ، وكان قد تقرر في طلب الشيخونية كمال الدين مشيختها فصار من أفاضلهم ، وولي تدريس الصرغتمشية بعناية ابن العديم بعد أن تنازع فيها هو والشيخ شرف الدين التباني ، وحصرها التباني ثم انتزعها منه ، وتزوج فاطمة بنت شهاب الدين المحلي كبير التجار بمصر ثم انتزعها منه ، وسعى في قضاء الحنفية بعد موت ناصر الدين ابن العديم ، وراج أمره ثم لم يتم ذلك وولي شمس الدين بن الديري ، ثم لما قرر المؤيد الديري في مشيخة المؤيدية فوض إليه قضاء الحنفية في ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين فباشره مباشرة حسنة ، وكان حسن العشرة ، كثير العصبية لأصحابه ، عارفا بأمور الدنيا عارفا بمخالطتهم ، على أنه يقع منه في بعض الأمور لجاج شديد يعاب به ولا يستطيع أن يتركه ، وصرف عن القضاء في سنة تسع وعشرين وبالعيني ، ثم أعيد في سنة ثلاث وثلاثين ، ثم صرف قبل موته في جمادى الآخرة ؛ ومات تاسع شوال ، وقد انتهت إليه رياسة أهل مذهبه ، ويقال إن أم ولده دست عليه سما ، لأن زوجته لما ماتت ظنت أم ولده أنها تنفرد به ، فتزوج امرأة وأخرج الأمة فحصلت(8/267)
"""""" صفحة رقم 268 """"""
لها غيرة ، والعلم عند الله تعالى - والله يسامحه .
عمر بن أبي بكر بن عيسى بن عبد الحميد ، المغربي الأصل البصروي زين الدين ، قدم دمشق فاشتغل بالفقه والعربية والقراآت وفاق في النحو ، وشغل الناس وهو بزي أهل البر ، وكان قانعا باليسير حسن العقيدة ، موصوفا بالخير والدين ، سليم الباطن ، فارغا من الرياسة ؛ مات في 4 جمادى الآخرة .
عيسى بن محمد بن عيسى ، الأقفهسي شرف الدين أحد نواب الحكم ، تفقه وعرف كثيرا من الفروع وكان يستحضرها ، وناب في الحكم مدة طويلة ؛ ومات في جمادى الآخرة ، ولم يكن مشكورا ، وأظنه جاوز الثمانين وكان يذكر أنه حضر درس الشيخ جمال الدين الأسنوي ثم لازم شيخنا البلقيني وقرأ عليه في تاج الأصول ، ورأيت خطه له بذلك ، وفيه أنه أذن له في التدريس ، وفيه إلحاق الفتوى بخط شرف الدين نفسه الذي لا يخفي فوق قشط ، وكانت إجازة الشيخ له في سنة 75 ، فعاش بعدها ستين سنة ، وكان يذكر أنه ناب في الحكم في بعض البلاد عن البرهان ابن جماعة - سامحه الله تعالى .
محمد بن سعد الدين ، جمال الدين ، ملك الحبشة المسلمين ، قتل في جمادى الآخرة ، وكانت ولايته بعد فقد أخيه منصور في سنة ثمان وعشرين ، وكان شجاعا بطلا مديما لجهاد وكان عنده أمير يقال له حرب جوس ، كان نصرانيا فأسلم فحسن إسلامه ، وكان لا يطاق في القتال ، فهزم الحبشة الكفار مرارا وأنكأ فيهم ، وغزاهم جمال الدين مرة ومعه حرب جوس(8/268)
"""""" صفحة رقم 269 """"""
فغنم غنائم عظيمة حتى بيع الرأس الرقيق بربطة ورق ، وانهزم منهم مرة الحطي صاحب الحبشة ، ولم يزل جمال الدين على طريقته في الجهاد حتى ثار عليه بنو عمه فقتلوه في هذه السنة ، وكان من خير الملوك دينا ومعرفة وقوة وديانة ، وكان يصحب الفقهاء والصلحاء ، وينشر العدل في أعماله حتى في ولده وأهله ، ومن جملة سعده هلالك الحطي إسحاق بن داود بن سيف أرغد في أيامه في سنة ثلاث وثلاثين ، وأقيم بعده اندراس ، واسلم على يد جمال الدين خلائق من الحبشة ، واستقر بعده في مملكة المسلمين أخوه شهاب الدين أحمد ويلقب بدلاي ، فأول ما صنع جد حتى وجد قاتل أخيه فاقتص منه .
محمد أبو عبد الله بن صاحب المغرب أبي فارس عبد العزيز ، مات وكان ولي عهد أبيه ، وأسف عليه أبوه أسفا كثيرا ، وكان موصوفا بالشهامة ومكارم الأخلاق ، لا يعرف له صبوة إلا في الصيد ، وكان أبوه قد تخلى له عن الملك غير مرة فيمتنع ويبالغ في الامتناع ، فقدرت وفاته بطرابلس المغرب بزاويته التي أنشأها هناك ، وكثر الأسف عليه ، ويقال إنه كان مغرما بالجواري ، وكان أبوه يعرف ذلك فكان يقول له : إياك والنساء ويكرر ذلك في المجلس حتى يخجله ولا يرتدع ، وكان حدث له ورم في ركيتيه ، فكان أبوه يخشى عليه من كثرة الجماع . فقدر أن وفاته كانت بسبب ذلك فيما يقال .
محمد بن ناصر الدين محمد بن محمد ، الحافظ تاج الدين الكركي ابن(8/269)
"""""" صفحة رقم 270 """"""
الغرابيلي سبط العماد الكركي ، ولد سنة ست وتسعين بالقاهرة حيث كان جده لامه ونقله أبوه إلى الكرك حيث عمل إمرتها ، ثم تحول به إلى القدس سنة سبع عشرة ، فاشتغل وحفظ عدة مختصرات كالكافية لابن الحاجب والمختصر الأصلي والإلمام والألفية في الحديث ، ولازم الشيخ عمر البلخي فبحث عليه في العضد والمعاني والمنطق ، وتخرج أيضا بنظام الدين قاضي العسكر وبابن الديري الكبير ، ومهر في الفنون إلا الشعر ، ثم أقبل على الحديث بكليته فسمع الكثير وعرف العالي والنازل ، وقيد الوفيات وغيرها من الفنون ، وشرع في شرح على الإلمام ، وذكر لي بعض اصحابه أنه أقبل على الحديث من سنة خمس وعشرين ، فأقبل لي النظر في التواريخ والعلل ، وسمع الكثير ببلده ، ورحل إلى دمشق ورحل إلى القاهرة فلازمني إلى أن حرر نسخته من المشتبه غاية التحرير ، واغتبط به الطلبة لدماثة خلقه وحسن وجهه وفعله ، وقدرت وفاته في جمادى الآخرة بعد أن هم بالحج صحبة ابن المرأة فلم يتهيأ له ذلك ، ووعك إلى إن مات وكان من الكملة فصاحة لسان وجرأة ومعرفة وقياما مع أصحابه ومروءة وتوددا وشرف نفس وقناعة باليسير(8/270)
"""""" صفحة رقم 271 """"""
وإظهارا للغني مع قلة الشيء ، وقد عرض عليه كثير من الوظائف الجليلة فامتنع واكتفى بما كان يحصل له من شيء كان لأبيه ، وكان الأكابر يتمنون رؤيته والاجتماع به لما يبلغهم من جميل أوصافه ، فيمتنع إلا أن يكون الكبير من أهل العلم - رحمه الله تعالى .
يحيى بن عبد الله ، القبطي علم الدين أبوكم ، باشر نظر الأسواق ثم ولي الوزارة في دولة الناصر فرج ، ثم خمل وحج وجاور بمكة مرة - إلى أن مات في 22 رمضان بالقاهرة وقد جاوز السبعين ، وكان إسلامه حسنا .
حوادث سنة 836
سنة ست وثلاثين وثمانمائة
في المحرم حولت السنة الخراجية على العادة ، وكان أول السنة الخراجية ثاني يوم المحرم ، وكان أوله يوم الجمعة فأول السنة الخراجية يوم السبت ، وكان الذهب الأشرفي حينئذ بمائتين وسبعين ، وانتهت زيادة النيل إلى خمسة أصابع بعد العشري ، وفي السادس والعشرين منه غضب السلطان على آقبغا الجمالي الأستادار وضربه بحضرته عدة مقارع ونحو ثلاثمائة عصا على ما قيل ، وأنزل على حمار إلى بيت والي الشرطة وأعيدت الاستادراية إلى الوزير ، وانفصل من ولاية كتابة السر ، وكوتب جمال الدين محمد بن ناصر الدين محمد البازري وكان قد استقر قاضي(8/271)
"""""" صفحة رقم 272 """"""
الشافعية ليلى كتابة السر ، فوصل في أول الجمعة تاسع عشر ربيع الأول ، ولم يلبث حتى حمل المال الذي قرر عليه بسبب ذلك ، وخلع عليه في يوم السبت العشرين منه ، وقرئ تقليده في يوم الخميس ثامن جمادى الأولى ، فلم يقم إلا قليلا حتى تحرك السلطان للسفر إلى الشام فخرج معه ، واستقر في قضاء دمشق صهره بهاء الدين ابن حجي ، وعرضت كتابة السر على شهاب الدين ابن الكشك ، فاعتذر بضعف بصره ، فقرر فيها تاج الدين عبد الوهاب بن أفتكين وكان أحد الموقعين بها ويتوكل عن كاتب سر مصر ابن مزهر ، وكان الشتاء في هذه السنة معتدلا بحيث لم يقع به برد شديد سوى أسبوع ، وبقيته يشبه مزاجه فصل الربيع في الاعتدال ، وفي هذا الشهر أظهر السلطان الجد في التوجه إلى بلاد الشمال ، وأعلم الناس بذلك فتجهزوا ، وفي حادي عشر جمادى الآخرة أنفق على العسكر ثم أنفق في - المماليك السلطانية والأمراء في سلخ جمادى الآخرة - وهم ألف وسبعمائة .
وفي ربيع الأول استقر محيي الدين يحيى بن حسن بن عبد الواسع الحيحاني المالكي في قضاء دمشق عوضا عن الشهاب الأموي بحكم(8/272)
"""""" صفحة رقم 273 """"""
وفاته ، وفي ثاني عشر شهر رجب أدير المحمل المكي بغير زينة ولا سوق الرماحة ولا رمي النفط ولم يصل المحمل إلى مصر على العادة بل رجعوا به من الصليبية .
وفيها حج صاحب التكرور في جمع كثير ، فلما رجع من الحج سار إلى الطور ليركب البحر ، فمات ودفن بالطور .
وفي رجب كائنة القاضي سراج الدين الحمصي بطرابلس مع الشيخ شمس الدين ابن زهرة شيخ الشافعية بطرابلس ، وذلك أنه بلغه ما وقع بين علاء الدين البخاري والحنابلة في أمر الشيخ تقي الدين ابن تيمية وأن البخاري أفتى بأن ابن تيمية كافر وأن من سماه شيخ الإسلام يكفر ، فاستفتى عليه بعض من يميل لابن تيمية من المصريين فاتفقوا على تخطئته في ذلك وكتبوا خطوطهم ، فبلغ ذلك الحمصي فنظم قصيدة تزيد على مائة بيت بوفاق المصريين ، وفيها أن من كفر ابن تيمية هو الذي يكفر ، فبلغ ذلك ابن زهرة فقام عليه فقال : كفر القاضي ، فقام أهل طرابلس على القاضي وأكثرهم يحب ابن زهرة ويتعصب له ، ففر الحمصي إلى بعلبك وكاتب أهل الدولة ، فأرسلوه له مرسوما بالكف عنه واستمراره على حاله ، فسكن الأمر .
وفي صفر استقر في نيابة البحيرة حسن بك بن سالم الدكري أحد أمراء التركمان ، وخلع عليه وأمر له بمائة قرقل ومائة قوس ومائة تركاش وثلاثين فرسا ، وفي أواخره ضربت رقبة نصراني كان أسلم خوفا(8/273)
"""""" صفحة رقم 274 """"""
من الوالي لأنه ظفر به مع امرأة مسلمة ثم بدا له بعد ثلاثة أيام فارتد ، فقتل فأحرقت جثته ، وفي سابع عشر جمادى الآخرة أعيد دولات خجا إلى ولاية القاهرة .
ذكر السفرة الشمالية في يوم الجمعة تاسع عشر شهر رجب
وهو أول يوم نزلت فيه الشمس الحمل رحل السلطان من الريدانية قبل صلاة الجمعة بقدر نصف ساعة ، فصلينا الجمعة بالقاهرة وسرنا فبتنا مع العسكر بالعكرشة ، ورحل سحرا فوصل بلبيس قبل الظهر ، ورحل طلوع الفجر فنزل الحطارة بعد الظهر ، ورحل نصف الليل فوصل الصالحية بعد طلوع الشمس يوم الاثنين ، ثم رحل منها في ثالثة الثلاثاء إلى الغرابي فنزلها بعد العشاء بكثير فقطع أربعة برد : بتر الوالي ثم العقولة ثم بتر حبوة ثم الغرابي ، ورحل يوم الأربعاء وقت الزوال فوصل قطيا بعد العصر والأثقال بعد المغرب ، وأقام إلى أن رحل منها بكرة الجمعة فوصل السوادة بعد العشاء ، وهي ثلاث برد - : معن ثم المطيلب ثم السوادة ، ثم رحل قبل طلوع الشمس فوصل إلى العريش بعد العشاء وهي ثلاثة برد الورادة ثم برد ويل فبات بالعريش ليلة الأحد ورحل(8/274)
"""""" صفحة رقم 275 """"""
في الثالثة إلى الحروبة ثم الزعقة قبل المغرب ، ثم رحل بعد نصف الليل أول يوم من شعبان فاجتاز على رفخ ثم خان يونس ثم نزل خارج غزة ، ثم دخلها وقت العصر سلخ رجب فدخلها - في موكب عظيم فبات خارجها إلى جهة الشام ، وسلمنا على السلطان يوم الثلاثاء وهنأناه بالسلامة وبالشهر ، وكان ثبت عندهم يوم الاثنين ، وحصل من الجند في زرع الناس فساد كبير ، وأقام بها ليلة الخميس فرحل فوصل إلى المجدل بعد طلوع الشمس ، ونزل بموضع يقال له السكرية ، ووقع في تلك الليلة برد شديد عند السحر أشد من الشتاء المعتاد بعد إن كان في النهار شديدا إلى الغاية ، ورحل بعد المغرب على طريق العوجاء ولم يدخل الرملة واجتاز بسازور ، ورحل قبل طلوع الشمس يوم السبت إلى قاقون وهي منزلة نزهة لكثرة الخضرة والنضارة فنزل بعد العصر ، ورحل إلى اللجون ونزل - قبل الفجر ، وهي منزلة وعرة إلى الغاية فنزل(8/275)
"""""" صفحة رقم 276 """"""
بعد الظهر ، ورحل يوم الاثنين أول النهار فنزل ببيسان وهي طريق وعرة بعد المغرب ، ورحل قبل الفجر إلى جسر أم جامع - وحصل لهم فيه وحلة عظيمة عند القنطرتين وهناك النهر من بحيرة طبرية ، فوصل إلى الكرك آخر النهار ليلة العاشر ، وطلع العقبة وهي كثيرة الوعر مع الخضرة في أرضها فنزل بالخربة الظهر ، وبات ليلة الحادي عشر فوصل نائب الشام والقضاة أول النهار وسلموا ، وسار ليلة الجمعة سحرا إلى العدوانية فنزل الظهر ، وفي الطريق قنطرة حصل عندها ازدحام شديد ، ورحل ليلة السبت إلى شقحب بعد الظهر والطريق إليها شديد الوعر جدا ، وفيه مخاضات وهي أرض فيحاء خضرة ، ووصل ليلة الرابع عشر قبل الفجر إلى قبة يلبغا ورم على خان ذي النون والكسوة فبات ليلة النصف واصبح فعمل الموكب ودخل دمشق من أول النهار إلى أن وصل الخيام ببرزة ، وهبت في آخر النهار ريح شديدة ، وفي صبيحة يوم الثلاثاء سادس عشرة هنينا السلطان بالسلامة ، وعقدت مجلس الإملاء بدمشق فاستملي القاضي نور الدين بن سالم ، وحضر الحافظ شمس الدين ابن(8/276)
"""""" صفحة رقم 277 """"""
ناصر الدين والقاضي شهاب الدين ابن الكشك وجمع وافر .
وفي السابع عشر عقد مجلس بسبب وقف حكم فيه نائب الحنفي ، فاعترضه الشيخ علاء الدين البخاري وأفتى بنقض حكمه ، فاتفق الجماعة على استمرار الحكم ونفذوه بحضرة الدويدار الكبير ، وامتنع ابن حجي من التنفيذ حتى يأذن له الشيخ علاء الدين ، فلم يلتفتوا إليه ، وصلينا الجمعة بالقابون ، ورحل طلوع الفجر العشرين منه فنزل بمرج عذراء ، ورحل بعد صالة الفجر وفي الطريق مخاضات ووعر ونزل القطيفة ووصل النبك في صبيحة الثاني والعشرين ، ورحل وقت الظهر إلى مكان عيون القصب ، واجتاز في هذه الرحلة بقارا وحسيان وكانت شديدة المشقة ، ووصل هناك نائب طرابلس ونائب حماة ، ورحل قبل الفجر رابع عشري شعبان إلى حمص فنزل بظاهرها يوم الخميس ، ورحل منها صبح الجمعة وزار خالد بن الوليد وأمر لمن فيه بمائة دينار وكان الزحام على جسر الرستن شديدا ونزل الرستن في أرض وعرة ورحل سحرا ودخل حماة بعد طلوع الشمس يوم السبت ، ورحل بعد صلاة الفجر يوم الاثنين فنزل العيون نصف الليل ورحل قبل الزوال فنزل تل السلطان وأمطرت السماء على الناس مطرا شديدا ولاقوا شدة حتى نزلوا نصف الليل تل السلطان فبات ليلة الخميس ، وهنئ السلطان بالشهر ووصل قضاة حلب فسلموا وذكروا أنهم لم يروا هلال رمضان ليلة الثلاثاء ثم تبين(8/277)
"""""" صفحة رقم 278 """"""
أنه ثبت عندهم ورحل يوم الخميس ثم نزل قنسرين ليلة الجمعة ، ثم رحل فنزل عين مباركة بعد الظهر يوم الجمعة ، ثم دخل صبيحة السبت خامس شهر رمضان في موكب هائل إلى حلب ، فنزل الشافعي عند القاضي الشافعي ، والحنفي في منزل وحده ، والمالكي والحنبلي جميعا في مدرسة ، وكانت الإقامة بحلب خمسة عشر يوما وفي أثنائها استقر محي الدين ابن الشحنة في قضاء الحنفية بحلب ، وكانت الوظيفة شاغرة منذ تحول بأكثر إلى القاهرة ، وحضر إلى السلطان أكابر أمراء التركمان مثل ابن رمضان وابن قراجا وابن دلغار ومن أمراء العرب ، وفي الثامن من شهر رمضان أغار . .(8/278)
"""""" صفحة رقم 279 """"""
وفي السادس عشر من شهر رمضان تقدم إلى جهة الفرات نائب طرابلس ونائب صفد ونائب حماة ونائب غزة ، وجاء الخبر بان الجسر عمر وأتقن وأن قرقماس البدوي العاصي أرسل جماعة ليحرقوه فأمسك منهم أكثر من عشرين نفسا وسافر بعدهم نائب حلب في تاسع عشر شهر رمضان ، ورحل السلطان وجميع العسكر في ليلة الحادي والعشرين من رمضان ، وأذن للقاضيين المالكي والحنبلي في الإقامة بحلب ، وسافر صحبته الشافعي ، وكان الحنفي استأذنه أن يزور أهله بعينتاب فأذن له ، فلما رحل السلطان من حلب أرسل إليه مرسوما أن يلاقيه بالبيرة ، وفي رابع عشري رمضان أغار قرقماس البدوي على ابن الأقرع البدوي فقتله واستاق من ماله نحو مائتي بعير ، وخرج نائب الغيبة بحلب في طلبه فلم يظفر به ، وفي يوم الجمعة اجتاز السلطان الجسر المعد على الفرات واجتاز العسكر بعده أولا فأولا فلم يتكاملوا إلى بقية يوم الأحد لكثرتهم ، فلما كان يوم الأحد وقت الظهر أذن السلطان للقاضيين الشافعي والحنفي في الرجوع ، فلما سلم عليه الشافعي خيره بين الإقامة و بالبيرة أو بحلب ، فاختار التوجه صحبة الحنفي إلى عينتاب ليأكل ضيافته ببلده ، ثم توجه إلى حلب ، فأذن في ذلك واصحبه أميرا صحبته خمسة من الرماة ، وتوجها صحبة الأمير فدخلا عينتاب قبل العيد بثلاثة ايام ثم صلينا العيد ، وتوجهت إلى جهة حلب ، وتخلف العيني ببلده أياما ثم وصل إلى حلب في حادي عشر شوال ،(8/279)
"""""" صفحة رقم 280 """"""
وفي الثامن والعشرين من شوال كسفت الشمس بعد العصر واستمرت إلى وقت الغروب فانجلت بعد أن صليت بالجماعة بالجامع الكبير صلاة الكسوف على الصورة المشروعة في السنة النبيوية فما سلمت إلا وقد انجلت ، وغربت الشمس فصلينا المغرب بالجامع وانصرفنا بغير خطبة ، وكنت بعد السلام من الصلاة أرسلت بعض الشهود ليصعد المنارة ليشاهد الشمس هل تم انجلاءها فصعد وعاد بأنها انجلت انجلاء تاما ، وذكر أنه صادف في طلوعه رجلا يفجر بشاب في سلم المنارة ، وتعجبت من جرأته في مثل تلك الحالة ؛ أما العسكر فاستمر السلطان حتى وصل الرها فعبروها فوجدها خالية ، واستمر إلى آمد فنازلها أول يوم وقتل من الفريقين جماعة وتبين أن بها ولد قرايلك وجماعة من العسكر وهي في غاية الحصانة ، فلم يقدر عليها فنصب عليها منجنيقا أقام في عمله مدة ، وتبين أن قرا يلك مقيم بجبل بالقرب من آمد ، فتوجه إليه بعض العسكر وأوقع به ساقة العسكر فانهزم مكبدة ، ثم عطف عليهم
لما عرف بعدهم من الجريدة فأوقع بهم فانهزموا وراموا من أمير الجريدة أن يتبعه فخشوا من كيده فتركوه ، وبلغ السلطان ذلك فغضب منه ، ويقال إن نائب الشام كان غضب من تقدم اينال الجكمي عليه فقصر في طلب(8/280)
"""""" صفحة رقم 281 """"""
قرا يلك مع قدرته عليه لشهامته وفروسيته ، وكل شيء له أجل محدود لا يتعداه ، وصاروا في شدة في زمن حصار آمد من كثرة الحر والذباب ووخم الأرض من الجيف المقتولة ، وعزت الأقوات فوضعوا أيديهم في الزروع التي في ضواحي البلد فأفسدوها ، ونقلوا ما بها من الشؤن فتوسعوا به ، واتخذوا أرحية ليطحن لهم غلمانهم فيقتاتوا بذلك ، ودام الأمر خمسة وثلاثين يوما إلى أن ملوا ولم يظفروا بشيء فتراسلوا في الصلح ، فاستقر الأمر على أن يخطب للسلطان ببلاده ، وأن لا يتعرض لأحد من جهة السلطان ولا من معاملات بلاده ، ولا يمكن أحدا من جهته يقطع طريق التجار ولا القوافل وأن يسلم أكثرها فأجاب إلى ذلك وانتظم الأمر ، وتوجه القاضي شرف الدين سبط ابن العجمي كبير موقعي الدست لتحليفه فحلفه ورجع ، وتوجه السلطان بالعساكر إلى الرها فدخلها في تاسع عشر ذي القعدة ، وقرر بها نائبا اينال الأجرود الذي كان نائبا بغزة ، وجعل عنده مائتي مملوك ليحفظها ، وأعطاه تقدمة قانباي البهلوان بحلب ، وأعطى قانباي تقدمة تغرى بردى المحمودي بدمشق وقدم إلى حلب ، فتلقيناه بالباب وبزاعة في اليوم الأحد رابع عشري ذي القعدة ، ودخل حلب في ليلة الاثنين بغير موكب ، وأقام بالمخيم أيضا ، واستهل به شهر ذي الحجة ، ثم خرج منها يوم السبت السابع منه ، فدخل دمشق يوم الخميس التاسع عشر منه ونزل بقلعتها ، ونزل الجند ينهبون الناس وحصل الضرر بهم ولكن لم يفحش ، ثم رحل منها يوم السبت الثاني والعشرين منه ،(8/281)
"""""" صفحة رقم 282 """"""
وفي مستهل ذي الحجة أرسل قرقماس بن نعير ولده إلى السلطان بهدية سنية ، ومن جملتها فرس كان اشتراه بألف دينار ، ورد على السلطان فرسا سرقه منه تركمانيان فظفر به معهما فجهزهما مع الفرس ، فأعجب السلطان ذلك وخلع على ولده وأمر بشنق التركمانيين ؛ وذكر الشيخ شهاب الدين أبو بكر بن محمد بن شادي الحصني أين يعقوب بن قرايلك أمير خرت برت على معتقد النسيمي المقتول بحلب ، وأنه يرى تحريم معاملة خادم الحرمين وأرسل ينكر على أبيه ، وكذا أنكر عليه أخوه علي بك أمير كماخي ، وأن قرا يلك راسل اينال الأجرود يتهدده ، فأراد قتل رسوله ثم شفع فيه وضربه ورده ردا عنيفا ؛ فبلغ ذلك قرا يلك فندب عسكره إلى القتال فامتنعوا ، وأنه بلغه أن السلطان أراد العود إلى آمد فأمر بإحراق جميع المراعي التي حولها وكان قرايلك خرج من آمد إلى أرمس وترك بآمد ولده ، فلما زحف العسكر على آمد قتل مراد بك بن قرا يلك بسهم ، ونزل محمود بن قرا يلك في عسكر على جبل مشرف على العسكر فصار يتحدى من خرج ، فندب السلطان سرية فأحضروا عشرين رجلا منهم فوسطوا تجاه القلعة . لما عرف بعدهم من الجريدة فأوقع بهم فانهزموا وراموا من أمير الجريدة أن يتبعه فخشوا من كيده فتركوه ، وبلغ السلطان ذلك فغضب منه ، ويقال إن نائب الشام كان غضب من تقدم اينال الجكمي عليه فقصر في طلب قرا يلك مع قدرته عليه لشهامته وفروسيته ، وكل شيء له أجل محدود لا يتعداه ، وصاروا في شدة في زمن حصار آمد من كثرة الحر والذباب ووخم الأرض من الجيف المقتولة ، وعزت الأقوات فوضعوا أيديهم في الزروع التي في ضواحي البلد فأفسدوها ، ونقلوا ما بها من الشؤن فتوسعوا به ، واتخذوا أرحية ليطحن لهم غلمانهم فيقتاتوا بذلك ، ودام الأمر خمسة وثلاثين يوما إلى أن ملوا ولم يظفروا بشيء فتراسلوا في الصلح ، فاستقر الأمر على أن يخطب للسلطان ببلاده ، وأن لا يتعرض لأحد من جهة السلطان ولا من معاملات بلاده ، ولا يمكن أحدا من جهته يقطع طريق التجار ولا القوافل وأن يسلم أكثرها فأجاب إلى ذلك وانتظم الأمر ، وتوجه القاضي شرف الدين سبط ابن العجمي كبير موقعي الدست لتحليفه فحلفه ورجع ، وتوجه السلطان بالعساكر إلى الرها فدخلها في تاسع عشر ذي القعدة ، وقرر بها نائبا اينال الأجرود الذي كان نائبا بغزة ، وجعل عنده مائتي مملوك ليحفظها ، وأعطاه تقدمة قانباي البهلوان بحلب ، وأعطى قانباي تقدمة تغرى بردى المحمودي بدمشق وقدم إلى حلب ، فتلقيناه بالباب وبزاعة في اليوم الأحد رابع عشري ذي القعدة ، ودخل حلب في ليلة الاثنين بغير موكب ، وأقام بالمخيم أيضا ، واستهل به شهر ذي الحجة ، ثم خرج منها يوم السبت السابع منه ، فدخل دمشق يوم الخميس التاسع عشر منه ونزل بقلعتها ، ونزل الجند ينهبون الناس وحصل الضرر بهم ولكن لم يفحش ، ثم رحل منها يوم السبت الثاني والعشرين منه ، وفي مستهل ذي الحجة أرسل قرقماس بن نعير ولده إلى السلطان بهدية سنية ، ومن جملتها فرس كان اشتراه بألف دينار ، ورد على السلطان فرسا سرقه منه تركمانيان فظفر به معهما فجهزهما مع الفرس ، فأعجب السلطان ذلك وخلع على ولده وأمر بشنق التركمانيين ؛ وذكر الشيخ شهاب الدين أبو بكر بن محمد بن شادي الحصني أين يعقوب بن قرايلك أمير خرت برت على معتقد النسيمي المقتول بحلب ، وأنه يرى تحريم معاملة خادم الحرمين وأرسل ينكر على أبيه ، وكذا أنكر عليه أخوه علي بك أمير كماخي ، وأن قرا يلك راسل اينال الأجرود يتهدده ، فأراد قتل رسوله ثم شفع فيه وضربه ورده ردا عنيفا ؛ فبلغ ذلك قرا يلك فندب عسكره إلى القتال فامتنعوا ، وأنه بلغه أن السلطان أراد العود إلى آمد فأمر بإحراق جميع المراعي التي حولها وكان قرايلك خرج من آمد إلى أرمس وترك بآمد ولده ، فلما زحف العسكر على آمد قتل مراد بك بن قرا يلك بسهم ، ونزل محمود بن قرا يلك في عسكر على جبل مشرف على العسكر فصار يتحدى من خرج ، فندب السلطان سرية فأحضروا عشرين رجلا منهم فوسطوا تجاه القلعة .
وفيها حاصر إسكندر بن قرا يوسف قلعة ساهي وكان صاحبها من نوابه ، فلما رجع إسكندر من محاربته مع شاه رخ أرسل إليه النائب ولده ليهنئه بالسلامة ، وكان شابا جميلا فحبسه عنده يرتكب منه الفاحشة فيما قيل ، ثم أرسله لأبيه ، فلما أخبر أباه بما جرى له عصى على إسكندر فتوجه إليه وحاصره فلم يظفر منه بشيء ، وكان للإسكندر في تلك القلعة(8/282)
"""""" صفحة رقم 283 """"""
عدة من النساء فخشي عليهن من أيدي أعاديه لحصانتها ، فنفذ الأمير إلى النسوة المذكورات فقسمهن بينه بين ولده الذي أفحش فيه الإسكندر وبين ابن عمه وجعلوهن بمنزلة السراري لهم ، فبلغ ذلك الإسكندر فزاد في حنقه .
وفي ذي الحجة توقف النيل عن العادة ونقص منه عدة أصابع قبل الوفاء واستمر ذلك ستة أيام ، فضج الناس وغلا السعر قليلا ، ثم وقعت الزيادة وأوفى وكان ما سنذكره في السنة المقبلة إن شاء الله تعالى .
وفي هذه السنة قبض ايدكي بن أبي يزيد بن عثمان صاحب الروم على أخيه أرصر بك فأكحله وسجنه مدة طويلة ، فاتفق أنه مات في هذه السنة وكان له مملوك يخدمه في السجن اسمه طوغان فدس له جارية في صورة مملوك فأقامت عنده للوطىء حتى اشتملت منه على حمل فولدت منه ذكرا سماه سليمان وبنتا فلما مات أخذهما طوغان وأمهما وهرب بهم من السجن إلى حلب فلاقى السلطان لما عاد من آمد وشكا له حاله ، فأكرمه وجهز الأخوين إلى القاهرة ورتب له راتبا وأسكنهما القلعة إلى أن جرى لهما ما سيأتي ذكره في سنة أربعين .
ذكر الحوادث في غيبة السلطان الأشرف بالقاهرة
قرأت بخط الشريف صلاح الدين الاسيوطي في أوائل شعبان :(8/283)
"""""" صفحة رقم 284 """"""
دخل سائل إلى السوق الحاجب يسال فقال له تاجر : يفتح الله فتناول من يد التاجر أوراق حساب خطفا وخرج هاربا ، فاتبعه التاجر ليأخذ منه الحساب - فخطف من جزار سكينة وضرب بها التاجر فمات في الحال وأظهر الفقير التجانن فحمل إلى المارستان ، وذهب دم التاجر هدرا .
وفي رمضان تخاصم أقيماوي ولحام على نصف فضة فخنق أحدهما الآخر فوقع مغشيا عليه فمات بعد يومين ، وتخاصم اثنان من المسحرين فضرب أحدهما الآخر فسقط ميتا ، وطلق عجمي زوجته ثم ندم فتبعها في زقاق فضربها بسكين فماتت ، وتزوج بعض مشاهير البزازين بنت أمير فعشقت عليه عبدا أسود فأدخلته في زي امرأة وقالت لزوجها إنها بنت أمير كبير ، فعمل لها ضيافة وجلست يومها مع ذلك العبد والزوج لا يجسر على دخول البيت إكراما لها ، فلما دخل الليل سألته أن يبيت في طبقة وحده وتبيت هي مع حوند إكراما لها ، فقبل ذلك ونامت هي مع محبوبها فسكرا فسولت لها نفسها أن اتفقت معه أن يقتل زوجها فهجم عليه بسكين فضربه فخابت الضربة ، فاستغاث فأمسك العبد وضرب فأقر فأمضى فيه الحكم . وأما الزوجة فحلفت لزوجها أنها هي وبنت الأمير باتتا تلك الليلة وما علمتا بقصة ذلك العبد أصلا ، فصدقها واستمر معها .
وفها احترق بيت البرهان المحلي التاجر الذي على شاطئ النيل بمصر ، وكان أعجوبة الدهر في إتقان اليناء وكثرة الرخام والزخرفة والمنافع الكثيرة من القاعات والأروقة ، فاحترق جميعه وسلمت المدرسة التي بجواره وهي من إنشاء المحلي أيضا ، وكان يقال إن مصروف بيت المحلي(8/284)
"""""" صفحة رقم 285 """"""
المذكور خمسون ألف مثقال ذهبا ، وذلك في شعبان ، ووقع الجريق في مصر والقاهرة في عدة أماكن لكنها لا يقارب هذا ، وكان سعر القمح بكل دينار أشرفي إردب ونصف مصري يكون ثمنها من الفضة بالوزن ستة دراهم الإردب ، ومن الفضة الكاملة دون العشرة وهذا في نهاية الرخص ، وحج بالناس أينال الششماني والحاج قليل جدا فساروا ركبا واحدا ، وفي غيبة السلطان وقع في عدة أماكن الحريق ، منها بيت المحلي كما تقدم ، واحترقت غلال كثيرة في الجرون بناحية شيبين القصر .
وفي رابع عشر ذي القعدة خسف القمر ، في ليلة الثالث عشر من جمادى الأولى خسف القمر كله قدر ثلاث ساعات ، وفي الثامن عشر جمادى الآخرة أسفر اسنبغا الطياري إلى جدة لتحصيل المكوس الهندية ، وأرسل معه سعد الدين ابن المرأة كاتبا على عادته واسنبغا شادا عليه ، وسافر معه جماعة لقصد المجاورة من تجار وغيرهم .
وفيها قدم مقبل الرومي نائب صفد وقدم هدية هائلة وخلع عليه خلعة استمرار ، وتوجه إلى بلاده في جمادى الأولى ، وكانت له إلى الآن في نيابة صفد نحو عشر سنين .
وفي شهر رمضان منها ذكر لي رفيقنا الفاضل إبراهيم بن حسن ابن عمر البقاعي أنه رأى ي النوم قبل إن ندخل إلى حلب أن السلطان مات وأنه صار يتعجب من كونه مات على فراشه واستيقظ ثم لم يظهر لنا تعبير ذلك المنام والعلم عند الله تعالى . وفيها انتزع أصبهان(8/285)
"""""" صفحة رقم 286 """"""
ابن قرا يوسف بغداد من مراد بن محمد فبعث أربعين رجلا في زي القلندرية وقرر معهم أن يقتلوا البوابين ويفتحوا له الباب في يوم معين ففعلوا ففر محمد ، ثم استولى أصبهان على بغداد فسار فيها أفحش سيرة - ولله الأمر .
وفيات سنة 836
ذكر من مات في سنة ست وثلاثين وثمانمائة من الأعيان
إبراهيم بن حجاج ، الأبناسي برهان الدين ، اشتغل كثيرا وسكن(8/286)
"""""" صفحة رقم 287 """"""
زاوية سميه الشيخ برهان الدين الأبناسي ، وانتفع الطلبة له ؛ ومات بعد ضعف طويل في سابع عشري ربيع الآخر .
أحمد الملك الأشرف بن العادل سليمان ابن المجاهد غازي بن الكمال محمد بن العادل أبي بكر بن الأوحد عبد الله بن المعظم توران شاه بن الصالح نجم الدين أيوب صاحب مصر ابن الكامل محمد صاحب مصر ابن العادل أبي بكر صاحب مصر ابن الأمير نجم الدين أيوب بن شادي بن مروان - الأيوبي صاحب حصن كيفا وكان خرج في عسكره لملاقاة السلطان على حصار آمد فاتفق انه نزل لصلاة الصبح فوقع به فريق من التركمان فأوقعوا به على غرة فقتل ، ووصل بقية أصحابه وولده إلى السلطان ، فقرر ولده في مملكة أبيه ، وكان فاضلا دينا ، له شعر حسن ، وقفت على ديوانه وهو يشتمل على نوائح في أبيه وغزل وزهديات ، وغير ذلك ، وكان جوادا محبا في العلماء - رحمه الله تعالى واستقر في مملكته ولده الملك الصالح خليل وهو على طريقة والده في محبة العلماء خصوصا الشافعية ، وله نظم أيضا ، وقدم أخوه شرف الدين يحيى بتقدمة أخيه على السلطان بآمد ، فخلع عليه وكتب عهد أخيه ولقب بالملك الكامل ، وسار في بلاده سيرة حسنة ونشر العدل ، واستوزر القاضي زين الدين عبد الرحمن بن عبد الله بن المجير وهو قاضي شافعي عالم حسن السيرة ، ووقع من قرا يلك تعرض للإفساد ببعض بلاده فأرسل إليه يهدده ، فخضع له وصالحه على(8/287)
"""""" صفحة رقم 288 """"""
أن كلا منهما لا يتعرض لبلاد الآخر - واستمر الصلح بينهما .
أحمد بن عبد الله بن محمد بن محمد ، الأموي القاضي شهاب الدين المالكي ، نشأ بدمشق وتعاطى الشهادة وكتب جيدا وخدم البرهان التادلي ثم ولي قضاء طرابلس ، ثم ولي قضاء دمشق سنة خمس وثمانمائة نحو ثلاثة اشهر ، ثم أعيد سنة ست وثمانمائة فامتنع النائب من إمضاء ولايته ، ثم ولي من قبل شيخ سنة اثنتي عشرة وانفصل بعد أربعة اشهر وهرب مع شيخ إلى بلاد الروم وقاسى شدة ، ثم لما تسلطن شيخ ولاه القضاء بالديار المصرية وذلك في شهر ربيع الآخر سنة ست عشرة ، فباشر دون السنة بأيام ، وكان شيخ يكرهه ويسميه الساحر ولكن كان بعض أهل الدولة يراعيه ، ثم استقر في قضاء الشام سنة إحدى وعشرين ونحو أربعة أشهر ثم أعيد في جمادى الآخرة سنة أربع وعشرين واستمر إلى أن مات بسبب أن الأشرف كان يعتقده ، لأنه بشره وهو في السجن بأنه سيلي السلطنة فلما تسلطن اتفق أنه كان حينئذ قاضيا فاستمر به ولم يسمع فيه كلام أحد مع شهرته بسوء سيرته والجهل الزائد ، وكان متجاهرا بأخذ الرشوة ، وحصل مالا طائلا تمزق بعده ؛ مات ليلة الثلاثاء حادي عشر صفر .
أحمد بن غلام الله بن أحمد بن محمد ، الميقاتي شهاب الدين الكوم الريشي اشتغل في فن النجوم وعرف كثيرا من الأحكام وصار يحل الزيج ويكتب التقاويم واشتهر بذلك ؛ مات في صفر وقد أناف على الخمسين .(8/288)
"""""" صفحة رقم 289 """"""
أبو بكر زين الدين الأنبابي الشافعي ، أحد نواب الحكم ، وكان كثير الاشتغال ، أخذ عن الشيخ علاء الدين الأقفهسي وابن العماد والبلقيني وغيرهم وكان خيرا ؛ مات في شعبان .
تاني بك الناصري أحد أمراء العشرات ، رأس نوبة ، ويعرف بالبهلوان ؛ مات في شوال .
جاني بك الحمزاوي ، ولي نيابة غزة ، قتل بها في ذي الحجة - .
تغرى بردى المحمودي ، تنقل في الخدم إلى أن ولي تقدمة ألف وقرر راس نوبة كبيرا ، ثم صرف وحبس بعد أن كان رأس الذين غزوا الفرنج بقبرس ، ثم أفرج عنه وقرر أميرا بدمشق ؛ ومات في قتال قرا يلك في ذي القعدة .
سودون ميق الظاهري ، أحد أمراء الألوف بمصر ؛ مات في آخر شوال .
حسن بن شرف الدين أبي بكر بن أحمد ، الشيخ بدر الدين القدسي الحنفي وهو يومئذ شيخ الشيخونية ، قرر فيها لما أعيد التفهني في رجب سنة 33 إلى القضاء وكان أولا ينوب عنه ، واشتغل قديما من سنة ثمانين وهلم جرا بالقدس ثم بدمشق ثم بالقاهرة ، وكان فاضلا في العربية وغيرها ؛ مات ثالث ربيع الآخر وكان ذلك يوم الخميس - وقد قارب(8/289)
"""""" صفحة رقم 290 """"""
السبعين ، واستقر بعده في تدريس جامع المارداني الشيخ سعد الدين ابن الديري فلبس بعض الناس على السلطان أنه نزل له ، وكان السلطان أمر بترك النزولات وعدم إمضائها ، فغضب وأمر بتقرير محب الدين بن الشيخ زاده فيها ، فتالم الناس لسعد الدين ، واعتذر محب الدين بأنه لم يكن له في ذلك سعي ولا يقدر على مخالفة السلطان خشية على نفسه ، واستقر في مشيخة الشيخونية عوضا عن القدسي الشيخ باكير الملطي نقلا من قضاء حلب ، وتأخر حضوره إلى رجب ، وباشر ، وهو أبو بكر بن إسحاق الحنفي وأصله من ملطية وسكن حلب مدة ، وهو كثير السكوت ، قليل البضاعة ، حسن الهيئة .
عبد الرحمن بن محمد ، القزويني المعروف بالحلالي - بمهملة ولام وثقيلة - الشيخ زين الدين من أهل جزيرة ابن عمر ، وهو ابن أخت العالم نظام الدين عالم بغداد ، ولد سنة بضع وسبعين ، وأخذ عن أبيه وغيره ، وبرع في الفقه والقراآت والتفسير ، وحج ، وقدم حلب لطلب زيارة القدس فزار ، ثم رجع إلى حلب وهو في سن الكهولة وظهرت فضائله ، ودخل القاهرة في سنة 34 وأخذوا عنه ثم رجع ؛ فلما وصل إلى بلده مات بعد أربعة اشهر ، وذلك في سنة ست وثلاثين ظنا - قاله القاضي علاء الدين قال : واجتمعت به فرأيته عالما بالفقه والمعاني والبيان والعربية ، وله صيت كبير في بلاده(8/290)
"""""" صفحة رقم 291 """"""
وكان عالمها ، قرأت بخط عبد الرحمن بن محمد الحلالي الشافعي القزويني أنه يروى البخاري عن قاضي المدينة عن الحجار ولم يسمه ، وأنا أظنه شيخنا زين الدين ابن حسين ، فإنه كان يروي عن الحجار بالإجازة وهو آخر من حدث عنه بها فيما أعلم وأنه يرويه عن المحدث شمس الدين ابن كثير بسماعه له على الحجار ، وكتب خطه في أواخر سنة 831 .
عبد الوهاب بن أفتكين الذي ولي كتابة السر في العام الماضي بدمشق ، مات في آخر السنة ، وقرر السلطان عوضه في كتابه السر بدمشق نجم الدين ابن المدني نقلا من نظر الجيش بالشام إليها ، وأرسل توقيعه بذلك في أواخر ذي الحجة ، فوصل في آخر المحرم وباشر ونعم الرجل هو .
عثمان الأمير فخر الدين بن الأمير ناصر الدين محمد الطحان الحاجب بحلب ، كان مات في خامس عشر المحرم خارج حلب - وأحضر إليها في سابع عشرة ودفن فيه . علي بن عمر الكثيري انتزع ظفار من عبد الله بن محمد بن عمر(8/291)
"""""" صفحة رقم 292 """"""
ابن أبي بكر بن عبد الوهاب بن علي بن نزار انطفاري ، واستمر فيها إلى هذه الغاية .
علي بن محمد بن نور الدين بن جلال الدين ، الطنبذي ، انتهت إليه رياسة التجار بالديار المصرية ، وكان كثير الحج ، كثير الإسراف على نفس ، حسن المعاملة ، وشاهدته يقرض المحتاج بغير ربح مرارا ، وكان له بر الجماعة ومروءة في الجملة على ما فيه ؛ مات في ليلة الجمعة 14 صفر وقد جاوز السبعين .
علي بن يوسف بن عمر بن أنور ، صاحب مقدشوه في عصرنا ، ويلقب المؤيد بن المظفر بن المنصور .
محمد بن جوهر ، المدير في الجيش ؛ مات بحلب في رمضان .
محمد بن عبد الرحيم بن أحمد ، المنهاجي المعروف بسبط ابن - اللبان الشيخ شمس الدين الشافعي ، ولد بعد السبعين ، واشتغل قديما ، وأخذ عن مشايخ العصر كالعز بن جماعة وشمس الدين بن القطان ، وقرأ على ابن القطان صحيح البخاري بحضوري ، وقرأ على ترجمة البخاري يوم الختم ، وتعاني نظم الشعر فتمهر فيه ، وله عدة قصائد ومقاطيع ، ومهر في الفقه والأصول ، وعمل المواعيد وشغل الناس ، ولزم بأخرة جامع عمرو بن العاص يقرأ فيه الحديث والمواعيد ويشغل الناس ، وكان حسن(8/292)
"""""" صفحة رقم 293 """"""
الإدراك واسع المعرفة بالفنون ، حج هذه السنة من البحر فسلم ، ودخل مكة في شهر رجب فجاور إلى زمن إقامة الحج فحج وقضى نسكه ورمى جمرة العقبة ثم رجع فمات بمنى قبل أن يطوف طواف الإفاضة ، سمعت من نظمه ، وطارحني مرارا ، وكتب عني كثيرا .
محمد بن عبد الحق بن إسماعيل ، السبتي أبو عبد الله ، ولد سنة 783 ، وأخذ عن الحاج أبي القاسم بن أبي حجة ببلده ، ووصل إلى غرناطة فقرأ بالأدب ، وقدم القاهرة سنة 32 فحج ، وحضر عندي في الإملاء فزار وأوقفني على شرح البردة له ، وله آداب وفضائل ؛ مات في صفر .
محمد بن علي بن موسى ، الشيخ شمس الدين الدمشقي المعروف بابن قديدار . ولد سنة 152 تقريبا ، لأنه قال : كتب في فتنة تنبغا روس رضيعا ،(8/293)
"""""" صفحة رقم 294 """"""
وقرأ القرآن في صغره ، وحفظ المنهاج والعمدة والألفية ، وتلا بالسبع على جماعة منهم ابن اللبان ، وصحب الشيخ أبا بكر الموصلي والشيخ قطب الدين ، وأقبل على العبادة ، واشتهر من بعد سنة تسعين حتى أن اللنك لما طرق الشام أرسل من حماه وحمى من معه ، وكان شيخ المؤيد يعظمه ، وأرسله في سنة ثمان وثمانمائة رسولا عنه إلى الناصر ، فاجتمعنا به بالقاهرة ومصر وسمعنا من فوائده ، وكان سهل العريكة ، لين الجانب ، متواضعا جدا ، محبا في العلماء والمحدثين ، وكان قدم رفيقا له في ذلك الشيخ شهاب الدين بن حجى فنزلا بمدرسة البلقيني ثم بمدرسة المحلى على شاطئ النيل ثم رجعا ، وبنى شيخ له زاوية ، وكان يتردد إلى بيروت للمرابطة ، وله بها زاوية فيها سلاح كثير ، وكلمته نافذة عند الفرنج ، ويكتب إليهم بسبب المسلمين فيقبلون ما يكتب به ، وحصل له في آخر عمره ضعف في بدنه وثقل سمعه ؛ ومات ليلة عيد الفطر ودفن صبيحتها ، وكانت جنازته مشهودة ، وصلينا عليه بحلب صلاة الغائب .
منكلى بغا الحاجب وهو من مماليك الظاهر ، اشتغل كثيرا ، وكتب الخط الحسن ، وولي حسبة القاهرة في دولة المؤيد ، وأرسله الناصر فرج(8/294)
"""""" صفحة رقم 295 """"""
إلى اللنك ، وكان يذاكر بشئ من الفقه ؛ مات - في ليلة الخميس - في حادى عشر ربيع الأول .
يوسف جمال الدين بن صاروجا بن عبد الله ، المعروف بالحجازي ، تنقلت به الأحوال في الخدم ، وعمل أستادارا ، وتقدم في أواخر دولة الناصر عند الدويدار طوغان ، وكان زوج ابنته ويدعوه : أبي ، وكثر ذلك حتى صار يقال له : أبو طوغان ، وكان عارفا بالأمور .
خوند والدة عبد العزيز بن برقوق .
حوادث سنة 837
سنة سبع وثلاثين وثمانمائة
أولها الثلاثاء بلا نزاع ، فإن الهلال غاب ليلة الثلاثاء قبل العشاء بنحو نصف ساعة ، وفي الحساب أولها الإثنين ، وفي أول يوم منها أوفى النيل ، ثم كسر الخليج في يوم الأربعاء الثاني منه ، واستمرت الزيادة إلى يوم وصول العسكر ، واستهلت ونحن بالطريق إلى غزة ، ورحل السلطان منها يوم الخميس يوم عاشوراء ، وساق على الطريق التي توجه فيها ، وأرسل إلى القدس خمسة آلاف دينار صدقة ، وكان الوصول إلى بلبيس يوم الجمعة ثامن عشرة ، ومات ما بين غزة وبلبيس من الجمال والبغال والحمير والخيول مالا يحصى كثرة بحيث صارت الأرض منتنة الرائحة مع شدة الحر ، ووصل إلى خانقاه سرياقوس ليلة السبت ، فأصبح فدخل القاهرة في موكب عظيم(8/295)
"""""" صفحة رقم 296 """"""
جدا ، وشق القاهرة وأمامه الخليفة والقضاة والأمراء . وزينت له المدينة . وبعد يومين وصل الحاج وأخبروا بالرخاء والأمن وأنه مات منهم في طريق المدينة خلق كثير من شدة الحر ، وأمطرت السماء مطرا غزيرا ، فنقص النيل نقصا فاحشا وكان انتهى إلى سبع عشر إصبعا من ثمانية عشر ذراعا ، فبادروا إلى كسر سد الأميرية فظهر النقص فيه ، وانكشف كثير من الأراضي ، واستشعر الناس الغلاء فبادروا إلى خزن الغلال - والله المستعان .
ثم تراجعت الزيادة إلى أن نودي بإصبع من ثمانية عشر ، ثم عاد النقص وأظنه لكسر الصليبي ، فنودي في يوم الأحد عاشر صفر الموافق لثالث عشر توت بإصبع لتكملة ستة عشر إصبعا من سبعة عشر ذراعا ، وبلغ سعر القمح مائة وثمانين بعد أن كان بتسعين ، والفول بمائة وعشرة ، والشعير كذلك ، وامتدت الأيدي إلى تحصيل الغلال إما للمؤنة وإما للتجارة فاشتد الخطب - ولله الأمر ومع ذلك فلطف الله بأهل مصر لطفا عظيما كما سيأتي بيانه بحيث أن جميع من خزن القمح ندم على ذلك لعدم إرتفاع سعره في طول المدة ، وفيها أرسل يوسف بن محمد بن يوسف ابن محمد بن يوسف بن محمد بن الأحمر إلى أبي عبد الله محمد بن نصر بن أبي عبد الله بن الأحمر المعروف بالأيسر عسكرا حاصره وهو بالمرية ، وكان من شأنه أنه ثار على محمد بن الموال ففر إلى مالقة فجمع عسكرا ونازل ابن الموال فغلب عليه فقتله ، ثم ثار عليه محمد بن يوسف والد(8/296)
"""""" صفحة رقم 297 """"""
يوسف المذكور فغلب على غرناطة ، ففر الأيسر إلى تونس فأقام في كنف أبي فارس حتى جهز معه عسكرا إلى غرناطة ، فملكها ثالث مرة وقتل محمد بن يوسف ، فثار عليه يوسف ولده فقتله وكان صحبة أبي فارس منذ قتل أبوه ، فلما مات أبو فارس توجه إلى صاحب فنشالة الفرنجي فأمده بعسكر ، وكتب إلى أهل رندة ومالقة وغيرها أن يعينوه ، وإلى أهل غرناطة أن يطيعوه ، وتهددهم إن خالفوه ، فسار يوسف فملك رندة ودخل غرناطة وفر منه الأيسر واستقر فيها ، فلما كان في هذه السنة جهز إلى الأيسر عسكرا وهو بالمرية .
وفي شعبان طلب من البلاد بالوجه البحري خيول ، فوظف على كل بلد فرس واحد ، وعلى البلد الكبير إثنان أو ثلاثة ، وإن لم يوجد فيه خيل أخذ عوض الفرس خمسة آلاف ، فكانت مظلمة حادثة ، - وفيه - في التاسع والعشرين منه كان ختان يوسف ابن السلطان الذي ولي السلطنة بعد أبيه ولقب العزيز وعمره يومئذ نحو تسع سنين ، أو هو ابن عشر ودخل في الحادية عشرة ، وختن معه عدة من أولاد الأمراء وغيرهم ، وكان مهما حافلا ؛ ورأيت في كتاب بعض من يذكر(8/297)
"""""" صفحة رقم 298 """"""
الحوادث أن امرأة طلقت وهي حامل فكتمت حملها وتزوجت ، ثم طلقها الزوج فتزوجت بثالث ثم بعد ذلك أخذها الطلق ووضعت ولدا صورته صورة الضفدع في قدر الطفل ، فسترها الله بأن أماته - قرأت ذلك بخط الشيخ تقي الدين المقريزي ، وأعيد التاج إلى ولاية القاهرة عند قدوم السلطان إلى القلعة وعزل دولات خجا ، ثم أعطى ولاية القليوبية والمنوفية في ربيع الآخر ، وانتهت زيادة النيل إلى سبعة عشر ذراعا وسبعة عشر إصبعا ، ثم نقص بعد النيروز دفعة واحدة قدر ذراع ثم عادت الزيادة إلى أن كاد يكمل السابع عشر ، فنقص أيضا قدر خمسة عشر إصبعا ، ثم عادت الزيادة في العشرين من توت فتناهت إلى قدر عشرين إصبعا من السابع عشر ، ثم عاد النقص واستمر وشرقت غالب البلاد العالية من الصعيد الأعلى فما دونه ، وشرق بعض بلاد الجيزة وما والاها ، ومع ذلك لطف الله تعالى بالمسلمين في هذه السنة المباركة لطفا عظيما بحيث أن سعر القمح مع ارتفاعه قليلا لم ينقطع الواصل منه ، واستمر ذلك إلى أن جاء المغل الجديد وتناقص السعر ، وفي صفر أعيد آقبغا الجمالي إلى كشف الوجه القبلي ، وفي ليلة السبت تاسع ربيع الأول هبت ريح شديدة قلعت كثيرا من الأشجار بدمياط من أصولها ، فتساقطت نخيل كثيرة وفسدت أشجار الموز ، وفسد كثير من الأقصاب ، وأسف كثير من الناس على ما تلف من ماله ، وشاع أن في أوائله وقع سراق الفرنج على سبعة مراكب(8/298)
"""""" صفحة رقم 299 """"""
للمغاربة المسلمين ، فأسروا من فيها ، ونهبوا الأموال والبضائع ، وأحرقوا ثلاثة منها وساروا بأربعة ، وفي ثامن عشر ربيع الأول أخرج إقطاع الأمير - الكبير - سودون بن عبد الرحمن وكان نائب الشام وأمر بلزوم بيته ، فأرسل سودون في صبيحة ذلك اليوم جميع ما عنده من الخيل والجمال والبغال للسلطان ، ولم يقرر في المارستان أحدا ولا في الأتابكبية ، وأضيف الإقطاع إلى الديوان المفرد ، ثم أمر بنفيه إلى دمياط في جمادى الآخرة ، فاستمر بها إلى أن مات ، والعجب أنه ولد له في ذا الشهر مولود من جارية ولم يكن له ولد ذكر ، وقيل إنهم تكلموا مع السلطان في إحضاره إلى القاهرة ثم لم يتم ذلك وفي يوم الخميس ثاني عشر شهر ربيع الآخر نزل السلطان في عدد يسير فدخل المرستان وقرر أمره ونادى بأنه الناظر عليهم ، ومن كانت له حاجة أو ظلامة فليحضر إلى باب السلطان وفيه استقر إينال الششماني في نيابة صفد بحكم وفاة مقبل . - وفيه - في ثالث عشرى شوال استقر خليل بن شاهين الصفوي في نظر الإسكندرية ، وكان أبوه يسكن القدس ونشأ ابنه هناك ، ثم قدم القاهرة وتزوج أخت خوند جلبان زوج السلطان فعظمت حرمته ، وسعى(8/299)
"""""" صفحة رقم 300 """"""
في حجوبية الإسكندرية ثم في نيابتها .
وفي صفر ألزم الوزير بحمل ما يوفر من العليق في ديوان الدولة وفي ديوان المفرد ، فكان جملته سبعين ألف إردب ، وفي ربيع الأول عملت مكحلة لرمي المنجنيق من نحاس وزنها مائة وعشرون قنطارا بالمصري ، ونصبت خارج باب القرافة ، ورموا بها إلى جهة الجبل بأحجار زنة بعضها قدر ستمائة رطل .
وفيه وصل كتب من دمياط بأنه هبت بها رياح عاصفة - فتقصفت نخيل كثيرة ، وتلفت أشجار الموز وقصب السكر من الصقيع - ، وانهدمت عدة دور ، - وفزع الناس من شدة الريح حتى خرجوا إلى ظاهر البلد - وسقطت صاعقة فأحرقت شيئا كثيرا ، ثم نزل المطر فدام طويلا .
وفيها وقع بمكة سيل عظيم طبق ما بين الجبلين ، وانهدمت بمكة دور كثيرة ، ووصل الماء إلى قرب باب الكعبة ، وطاف بعض الناس سبحا ، وأقام الماء يوما بالحرم إلى أن صرف ، وفاضت زمزم إلى أن شرع الماء بها هدرا قرأت في كتاب علي بن إبراهيم الأبي الزبيدي نزيل مكة(8/300)
"""""" صفحة رقم 301 """"""
لما كان في ليلة الحادي والعشرين من جمادى الأولى وقع بمكة مطر غزير سالت منه الأودية وكانت ليلة الجمعة ، فأصبحوا وقد صار في المسجد ارتفاع أربعة أذرع - ماء - ، فأزيلت عتبة باب إبراهيم فخرج الماء من المسفلة ، فبقى من الطين في المسجد نحو نصف ذراع ، وتهدمت في تلك الليلة دور كثيرة ، ومات تحت الردم جماعة ، وقرأت في كتاب صاحبنا شهاب الدين الجرهي أنه تلف له كتب كثيرة من السيل ، وعقب هذا السيل وباء .
وفي يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الآخرة وعك السلطان فاستمر بالقولنج خمسة أيام ثم تماثل وعدته فوجدته كما به ، ثم عدته في أول يوم من شهر رجب فوجدته تماثل ، ثم صلى الجمعة ثاني شهر رجب وكانوا أرجفوا بموته وتحزبوا أحزابا ، ووجل الناس من إثارة الفتنة ، وفي أوائل شعبان قرئ البخاري في القلعة على العادة ، وحضر شخص عجمي يقال له شمس الدين - محمد - الهروي ويقال له ابن الحلاج كهل(8/301)
"""""" صفحة رقم 302 """"""
من أبناء الأربعين ادعى أنه يعرف مائة وعشرين علما ، فأظهر بأوا عظيما وشرع يسأل أسئلة مشكلة ، وظهرت منه أمور تدل على إعجاب زائد فآل أمره إلى أن وقعت منه أمور أنكرت من جهة المعتقد ، فزجر فخذل بعد ذلك وصار كآحاد الطلبة ، واعتذر بعد ذلك أن بعض الناس أغراه بذلك ظنا منه أن ينقص من قدر كاتبه ، فأبى الله ذلك وحاق المكر السيئ بأهله - ولله الحمد وفيه في الجملة ذكاء وعلى ذهنه فوائد كثيرة وعنده استعداد ويعرف الطب ، وعدت عليه سقطات ، وبحث مع سعد الدين بن الديري فلم يحبه ، وقرر من جملة المشايخ ورتب له ما يكفيه .
وفيه استعفى الوزير كريم الدين من الوزارة وشكا من كثرة المصروف وقلة المتحصل ، فاسترضى بزيادة بلد أضيفت له فاستمر ، ثم تغيب في يوم السبت ثالث عشرى رجب بعد أن طلع القلعة ، واستقر في الوزارة أمين الدين إبراهيم الذي كان ولي نظر الدولة ، وهو ولد مجد الدين(8/302)
"""""" صفحة رقم 303 """"""
عبد الغني ابن الهيصم الذي كان ولي نظر الخاص في دولة الناصر فرج ، ولبس الخلعة في هذا اليوم المذكور ، وهرع الناس للسلام عليه بمنزله ظاهر باب القنطرة بالقرب من الميس ، فلما كان يوم الثلاثاء استقر ولده وهو صغير السن في نظر الدولة ، وألبس خلعة لذلك وشغرت الأستادارية ، وتكلموا مع السلطان في استقرار جانبك مملوك ناظر الجيوش عبد الباسط فيها فأجاب لذلك ، ثم بطل ذلك وسعى ناظر الجيش في إعفائه ، - وتغيظ السلطان على المباشرين ، وألزم ناظر الخاص فيما قيل بالمباشرة فيها ، واستعفى - فأمر أن ينادي بأمان الأستادار ، فبلغه ذلك فظهر ، وذلك في السابع والعشرين منه ، وطلع إلى السلطان ، فخلع عليه قباء كان عليه ، ونزل إلى داره وفرح الناس - به - وكان يوما مشهودا - تم في . . . . - ، ومن حوادث سنة 37 أنه أحصى من في الإسكندرية من الحاكة فوجد فيها ثمانمائة نول ، وكان ذلك وقع في سنة 797 ، فبلغوا أربعة عشر ألف نول بمباشرة جمال الدين محمود الأستادار ، ونحو هذا أن كتاب الجيش أحصوا قرى مصر قبلها وتحررها ، فبلغت عدتها ألفين ومائة وسبعين قرية ؛ وقد ذكر بعض القدماء في أوائل دولة الفاطميين أن عدتها عشرة آلاف .(8/303)
"""""" صفحة رقم 304 """"""
وفيها أعيد جلال الدين أبو السعادات على القضاة في جمادى الآخرة عوضا عن الجمال محمد بن علي الشيبي ، وفي رجب سافر الناس صحبة أرنيغا إلى مكة .
وفي ذي القعدة استقر الشيخ شمس الدين محمد - بن أحمد - المالكي الفرياني المغربي في قضاء نابلس شافعيا وسافر إليها ، وهو كثير الإستحضار للتواريخ ، وكان يتعانى عمل المواعيد بقرى مصر وبدمياط وبلاد السواحل ، وصحب الناس ، وهو حسن العشرة نزها عفيفا ، وقد حدث بحلب عن أبي المجالس البطرني وما أظنه سمع منه فإنه ذكر لنا أن مولده سنة ثمانين ببلده وكان البطرني بتونس ومات بعد سنة تسعين ، ورأيت له عند أصحابنا بحلب إسنادا للمسلسل بالأولية مختلفا إلى السلفي وآخر أشد اختلافا منه إلى نصر الوائلي ، وسئلت عنهما فبينت لهم فسادهما ، ثم وقفت مع جمال الدين ابن السابق الحموي على كراسة كتبها عنه بأسانيده في الكتب الستة أكثرها مختلق وجلها مركب ، وأوقفني الشيخ تقي الدين المقريزي له على تراجم كتبها له بخطه كلها مختلفة إلا الشئ اليسير - والله المستعان ثم وقفت على ذلك بخط الفرياني المذكور وهو بضم الفاء وتشديد الراء بعدها ياء آخر الحروف وبعد الألف نون .(8/304)
"""""" صفحة رقم 305 """"""
وفي رمضان ألزم السلطان القاضي بدر الدين ابن الأمانة بالحج لأنه ترجم له بأنه من المياسير وأنه قارب الثمانين ولم يحج فسأله فقال ؛ حججت وأنا صغير ، فقال : لا بد أن تحج حجة الإسلام هذه السنة ، فأجاب وحج ورجع سالما ، وجرى نظيره للعراقي فمات كما تقدم ، ومن العجب أن ابن الأمانة لما ألزم تكره ذلك كثيرا ؛ وفي يوم السبت عاشر ذي الحجة يوم عيد الأضحى ولد لمحمد ولدي ابنة سماها بيرم ، ثم ماتت عن قرب بعد أن استهلت السنة ، وفي يوم السبت خامس عشرى ذي الحجة وافق سابع مسرى كسر الخليج على العادة ، وحصل للناس السرور بالوفاء ، وكانت الوقفة بمكة يوم الجمعة ، وكان الحج كثيرا ، وحج جقمق وهو يومئذ أمير سلاح في أواخر ذي القعدة على الرواحل وصحبته خلق كثير ، فحج ورجع أيضا في العاشر من المحرم .
وفي هذه السنة كثر فساد الفرنج الكتيلان ، فأخذوا عدة مراكب للتجار وأسروا من فيها ، وباعوهم أسرى ، وكاتب صاحبهم السلطان ينكر(8/305)
"""""" صفحة رقم 306 """"""
عليه إلزامه للفرنج بشراء بضائعه من الفلفل وغيره ، فمزق السلطان كتابه لما قرئ عنه .
وفي التاسع والعشرين من شعبان ليلة السبت تراءى الناس الهلال فلم يروه ، وأجمع أهل الفن أنه تغيب مع غيبوبة الشمس ، فحضر ولد شهاب الدين أحمد بن قطب الدين محمد بن عمر الشيبي فأخبر أنه رأى الهلال ، وكان المحتسب حاضرا وكانوا كتبوا الورق على العادة بتضمن عدم الرؤية ، وحضرت إلى السلطان فقلت للمحتسب : استصحب هذا معك ، فتوجه به فذكر أنه صمم على أنه رآه ، فسأل السلطان عنه فأثنوا عليه لكونه يقرب لجليس السلطان ولي الدين ابن قاسم ، فأمر بالعمل بما يقتضيه الشرع ، فحكم الحنبلي بمقتضى شهادته ونودي في الناس بالصيام ، وذكر أن الناس بمد عدة ثلاثين تراءوا الهلال ليلة الإثنين فلم يروه ، ولم يجئ أحد من البلاد يخبر برؤيته ليلة الأحد ، لكن نحن اعتمدنا على حكم الحنبلي وأكملنا العدة ثلاثين ولم نتعرض للترائي ومن زعم أن الناس خرجوا للترائي فقد وهم ، وإنما شاع أن بعض الناس تراءى فلم ير شيئا ، واتفق أن غالب الجهات المتباعدة وكثيرا من المتقاربة عيدوا يوم الإثنين .
وكان وفاء النيل في الثامن عشر من ذي الحجة ، وصادف أنه أول يوم من مسرى وكان في العام الماضي تأخر إلى العشر الأخير منه ، فبسبب ذلك التأخير وهذا الإسراع وقع الوفاء في أول العام وفي آخره ، ولكن لزم منه أنه لم يقع في العام المقبل وفاء بل تأخر إلى أن دخل العام(8/306)
"""""" صفحة رقم 307 """"""
الذي يليه ، فصار كالعام الوفاء مرتين وخلا عن العام الذي يليه ، وهو من النوادر .
وفيها كانت لا ينال الأجرود النائب بالرها وقعة مع التركمان ، وسببها أن بعض أتباعه كان في تسيير خيله فوقع بطائفة منهم فثار بهم فقتل منهم ، فخرج إينال نجدة له - فخرج عليه كمينهم - فوقع بينهم قتال فقتل بين الطائفتين جماعة ودخل إينال المرقب فبلغ ذلك السلطان فكتب إلى نائب حلب قرقماس أن يتوجه بالعسكر إلى الرها ، وكتب إلى سائر الممالك الشامية أنهم إن تحققوا نزول قرايلك على الرها أن يتقدموا بعساكرهم إلى اللحاق بقرقماس لقتال قرايلك .
وفيها أخرب أصبهان بن قرا يوسف بغداد وتشتت أهلها منها ، وأخرب قبل ذلك الموصل .
وفيها جهز السلطان الجنيد أمير آخور إلى الغرب لمشتري الخيول ، فعاد ومعه كتب من تونس وهدية من صاحبها وخيول جياد اشتراها .
وفيات سنة 837
ذكر من مات في سنة سبع وثلاثين وثمانمائة من الأعيان
إبراهيم بن داود بن محمد - بن أبي بكر - العباسي ولد أمير المؤمنين المعتضد ابن المتوكل العباسي ، ولم يكن بقى له غيره ، وكان رجلا(8/307)
"""""" صفحة رقم 308 """"""
حسنا كبير الرئاسة ، قرأ القرآن وحفظ المنهاج واشتغل كثيرا ، وخلف أباه لما سافر خلافة حسنة شكر عليها ، ومات بمرض السل في ليلة الأربعاء ثالث عشر ربيع الأول بالقاهرة ولم يكمل الثلاثين ، ولم يبق لأبيه ولد ذكر ، وذكر أنه تمام عشرين ولدا ذكرا .
أحمد بن محمود بن أحمد بن إسماعيل - بن محمد - بن أبي العز ، الدمشقي شهاب الدين الحنفي المعروف بابن الكشك ، انتهت إليه رئاسة أهل الشام في زمانه ، وكا شهما قوي النفس مستحضرا لكثير من الأحكام ، ولي قضاء الحنفية استقلالا مدة ثم أضيفت إليه نظر الجيش في الدولة المؤيدية وبعدها ثم صرف عنهما معا ، ثم أعيد لقضاء الشام وعين لكتابة السر بعد موت شهاب الدين ابن السفاح ، فاعتذر لضعف يعتريه وهو عسر البول ، وكانت بينه وبين نجم الدين ابن حجى معاداة فكان كل منهما يبالغ في الآخر ، لكن كان ابن الكشك أجود من ابن حجى - سامحهما الله تعالى عاش ابن الكشك بضعا وخمسين سنة وكانت وفاته ليلة الخميس سبع ربيع الأول بالشام .(8/308)
"""""" صفحة رقم 309 """"""
إسماعيل بن أبي بكر بن المقرئ عالم البلاد اليمنية ، شرف الدين أصله من الشرجة من سواحل اليمن ، وولد سنة خمس وستين وسبعمائة بأبيات حسين ، وسكن زبيد ، ومهر في الفقه والعربية والأدب ، وجمع كتابا في الفقه سماه عنوان الشرف ، يشتمل على أربعة علوم غير الفقه ، يخرج من رموز في المتن عجيب الوضع ، اجتمعت به في سنة ثمانمائة ثم في سنة ست وثمانمائة ، وفي كل مرة يحصل لي منه الود الزائد والإقبال ، وتنقلت به الأحوال ، وولي إمرة بعض البلاد في دولة الأشرف ، ونالته من الناصر جائحة تارة وإقبال أخرى ، وكان يتشوف لولاية القضاء بتلك البلاد فلم يتفق له . ومن نظمه بديعية التزم أن تكون في كل بيت تورية مع التورية باسم النوع البديعي ، وله مسائل وفضائل ، وعمل مرة ما يتفرع من الخلاف في مسألة الماء المشمس فبلغت آلافا ، وله شرح - مختصر - الحاوي في مجلدين ، وحج سنة بضع عشرة ، وأسمع كثيرا من شعره بمكة رحمه الله تعالى .
آقبغا الجمالي الذي كان عمل الأستادرية الكبرى غير مرة ، وفي الآخر ولاه السلطان كشف البحيرة فتوجه إلى هناك فأغار على بعض(8/309)
"""""" صفحة رقم 310 """"""
العرب ، فتجمعوا عليه وذهب دمه هدرا ، وكان أهوج مقداما غشوما ، وهو من مماليك كمشبغا الجمالي ، وخرج الوزير الأستادار عبد الكريم ابن كاتب المناخات بعسكر فجمع العرب وأمنهم وأحضرهم إلى السلطان في 21 ربيع الآخر .
أبو بكر بن علي بن حجة ، الحموي الحنفي ، الشيخ الأديب الفاضل ، شاعر الشام ، تقي الدين الأزراري ، كان في ابتداء أمره يعقد الأزرار ، وكان يخضب بالحمرة ، ثم تعانى النظم فتولع أولا بالأزجال والمواليا ومهر في ذلك وفاق أهل عصره ، ثم نظم القصائد ومدح أعيان أهل بلده ، ودخل الشام فمدح برهان الدين ابن جماعة قبل التسعين بقصيدة كافية أعجبته ، فطاف بها على نبهاء عصره فقرظوها له ، ودخل بسبب ذلك إلى القاهرة فدل على القاضي فخر الدين بن مكانس ومدحه وطارح ولده وكتب له على القصيدة ، ومن نظمه :
سرنا وليل شعره ينسدل
وقد غدا بنومنا مسفرا
فقال صبح ثغره مبتسما
عند الصباح يحمد القوم السرى
ومنه :
في سويدا مقلة الحب نادى جفنه
وهو يقنص للأسود صيدا
لا تقولوا ما في السويداء رجال
فأنا اليوم من رجال السويدا
واجتمعت به إذ ذاك ، ثم عاد مرة أخرى فتأكدت الصحبة ، ولما رجع(8/310)
"""""" صفحة رقم 311 """"""
في الأول صادف الحريق الكائن بدمشق لما كان الظاهر يحاصر دمشق بعد أن خرج من الكرك وكان أمرا مهولا ، فعمل فيه رسالة وكاتب بها ابن مكانس وهي طويلة ، وأقام بحماة يمدح أمراءها وقضاتها ، وله قصيدة في علاء الدين ابن أبي البقاء قاضي دمشق ، ومدح أمين الدين الحمصي كاتب السر حينئذ وغيره ودخل القاهرة ، ثم نوه به القاضي ناصر الدين البارزي في الدولة المؤيدية فعظم أمره وشاع ذكره ، وكان نظم قصيدة بديعية على طريقة شيخه المعز الموصلي وشرحها في ثلاث مجلدات ، وجمع مجاميع أخرى مخترعة وله في المؤيد غرر القصائد وقرر في ديوان الإنشاء منشئ الديوان ، وعمل في طول الدولة المؤيدية من إنشائه مجلدين في الوقائع ، ودخل مع المؤيد بلاد الروم ، فلما انقضت الدولة المؤيدية رق حاله فرجع إلى بلده حماة فأقام بها على خير إلى أن مات في الخامس والعشرين من شعبان ، سمعت من نظمه كثيرا ، وسمعت عليه معظم شرحه على بديعيته وجملة من إنشائه ، ولقيته بحماة سنة ست وثلاثين ذهابا وإيابا ، وبيننا مودة أكيدة - والله المسؤول إن يرحمه ونعم الرجل كان - رحمه الله تعالى . أبو بكر المقيم ببولاق ، أحد من كان يعتقد ، وكان مقيما بالحسينية ظاهر القاهرة ثم تحول إلى بولاق وبنيت له زاوية ، فاتفق أنه أمر بأن يبنى له بها قبر فبنى ، فلما انتهت عمارته ضعف فمات فدفن فيه في المحرم ، ويحكى عنه كرامات ، ومكاشفات - وكان في الغالب ثملا - .(8/311)
"""""" صفحة رقم 312 """"""
جار قطلي نائب الشام ، تنقل في الخدم إلى أن ولي نيابة حماة في الدولة المؤيدية ثم نقل إلى نيابة حلب عوضا عن تاني بك البجاسي واستقر البجاسي في نيابة دمشق فكان دخوله إلى حلب في شوال سنة ست وعشرين ، ثم نقل إلى القاهرة في سنة ثلاث وثلاثين فأمر تقدمة ، ثم قرر أتابك العساكر بها ثم نقل إلى نيابة دمشق بعد عزل سودون من عبد الرحمن ، فكانت مدة ولايته لها قدر سنة واحدة إلى أن مات - ليلة الإثنين في تاسع عشر - في شهر رجب ، وكان شهما مسرفا على نفسه ، يحب العدل والإنصاف ولم يخلف ولدا ، واستقر بعده في نيابة الشام قصروه نائب حلب نقلا منها ، واستقر عوضه في نيابة حلب قرقماس الحاجب الكبير ، واستقر عوضه في الحجوبية يشبك المشد ، ومن الاتفاق أن رفيقا لي رأى لما كنا في سفرة آمد قبل أن ندخل حلبا وذلك في رمضان أن الناس اجتمعوا فطلبوا من يؤم بهم فرأوا رجلا ينسب إلى الصلاح فسألوه أن يؤم بهم فقال بل يؤم بهم قرقماس ، ففي الحال حضر قرقماس فتقدم فصلى بهم ، فوليها بعد ذلك بدون السنة ، ونفى سودون من عبد الرحمن الذي كان نائب الشام إلى دمياط بعد أن كان بذل في نيابة الشام ستين(8/312)
"""""" صفحة رقم 313 """"""
ألف دينار يعجل نصفها ويجهز ويرسل نصفها بعد الولاية فلم يجب ، واستقر عوضه في إمرته الأمير الكبير إينال الجكمي أمير سلاح ، واستقر عوضه آقبغا التمرازي أمير سلاح وكان أمير مجلس ، واستقر عوضه أمير مجلس جقمق أمير آخور ، واستقر عوضه أمير آخور تغرى برمش الذي كان نائب الغيبة في سفر الشام ، كل ذلك في يوم الخميس سلخ رجب ، وفي الثالث من شعبان ماتت أم تغرى برمش المذكور ، وكان الجمع في جنازتها حافلا ومنع ابنها أكابر الناس من المشي في جنازتها وركب وركبوا إلى مصلى المؤمني . رمبثة بن محمد بن عجلان ، الحسني الذي كان ولي إمرة مكة ، وكان خرج في طائفة من العسكر للوقيعة ببني إبراهيم على نحو من ثمانية أيام من مكة ، فقتل في المعركة .
عبد الله بن عبد الله العفيف المعروف بالأشرفي كان مملوكا روميا(8/313)
"""""" صفحة رقم 314 """"""
اشتراه أرغون الفاخوري ورباه ، فتعلم الخط وحذق اللسان العربي وتعانى الخدم ، فرآه البرهان المحلى - التاجر - فأعجبه ، فاشتراه من أرغون ثم أعتقه ، ثم تنقلت به الأحوال حتى اتصل المذكور بالملك الأشرف إسماعيل صاحب اليمن ، فعظم عنده جدا وفوض إليه أمر المتاجر بعدن ، وصار يكتب بخطه الأشرفي واشتهر بها ، فشرق به المحلى وتولدت بينهما العداوة ، وكان يباشر بصرامة وشهامة وبعض عسف مع معرفة تامة ، فلم يزل على ذلك من سنة ثمانمائة يتنقل الحال في ذلك بينه وبين نور الدين ابن جميع إلى أن مات الأشرفي وتولى ولده الناصر ومات ابن جميع ، وتحول العفيف الأشرفي إلى مكة فسكنها نحوا من عشر سنين ، ثم تحول إلى القاهرة فقطنها ، واستقام أمره إلى أن قدر أنه خرج في تجارة إلى جهة طرابلس فأسر من طائفة من الفرنج وقعوا بالمركب الذي هو فيه فانتبهوا ما معه ، واستمر في الأسر نحوا من أربع سنين إلى أن مات في هذه السنة في ربيع الآخر .
عبد الله جمال الدين بن الشيخ شمس الدين محمد بن محمد ، العراقي الحلبي الأصل نزيل القاهرة ، ولد سنة 64 تقريبا بحلب ، وكان أبوه من صدور(8/314)
"""""" صفحة رقم 315 """"""
علمائها ، وتربى هو بعد موته عند الشيخ شهاب الدين الأذرعي ، وحصل له وظائف أبيه ، ثم تعلق بعد أن كبر بولاية الحكم فناب في عدة بلاد وولي قضاء بعض البلاد على غير مذهبه ، ولم يكن متحريا وكان يعرف الشروط ، ويستكثر من شراء الكتب مع عدم فراغه للاشتغال ، وقدم القاهرة سنة إحدى وعشرين فقطنها إلى أن مات ، وفي هذه السنة قيل للسلطان إنه لم يحج ، فأرسل إليه في العشر الأخير من شوال ، فسأله عن ذلك فاعترف ، فأمره أن يحج في هذه السنة ، فبادر إلى الإجابة وأظهر الفرح بذلك ، فنزل في الحال فتجهز وتوجه صحبة الركب الأول ، فقدرت وفاته بمغارة نبط - ذاهبا - على ما بلغنا ، ولم أعرف له سماعا في الحديث ولا حدث ، وكان مبغضا للناس بغير سبب غالبا - عفا الله عنه - .
عبد الله بن مسعود ، التونسي المكي الشيخ الجليل المعروف بابن القرشية أخذ عن والده وذكر أنه . . . . قرأت بخطه أن من شيوخه شيخنا بالإجازة أبا عبد الله بن عرفة وقاضي الجماعة أبا العباس أحمد بن محمد بن جعدة أخذ عن محمد بن عبد السلام شارح ابن الحاجب ، ومنهم(8/315)
"""""" صفحة رقم 316 """"""
أبو القاسم أحمد بن أبي العباس الغبريني ، أخذ عن أبي جعفر بن الزبير وعن ابن عربون وابن هارون ، ومنهم أبو العباس أحمد بن أدريس الزواوي شيخ بحاية ، وحدث بالحديث المسلسل بالأولية ومصافحة المعمر ، ومنهم أبو عبد الله بن مرزوق ، ومنهم أبو الحسن محمد بن أبي العباس أحمد الأنصاري البطرني ، وذكر أنه قرأ عليه القراآت وسمع عليه كثيرا من الحديث وألبسه خرقة التصوف ، ومنهم أبو العباس أحمد بن مسعود بن غالب البلنسي ، أخذ عن الوادياشي وعن أبي عبد الله بن هزال .
عبد العزيز السلطان أبو فارس بن أبي العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الواحد بن عمر الهنتاني الحفصي صاحب تونس ، مات وهو قاصد إلى تلمسان وقد مضى كثير من أخباره في الحوادث ، قرأت بخط صاحبنا أبي عبد الله محمد ابن عبد الحق الهنتي فيما كتب من سيرته أنه بلغه أنه كان لا ينام من(8/316)
"""""" صفحة رقم 317 """"""
الليل إلا قليلا حتى حزر مقدار ما ينامه بالليل أربع ساعات لا يزيد قط بل ربما نقصت ، وليس له شغل إلا النظر في مصالح ملكه ، وكان يؤذن بنفسه ويؤم بالناس في الجماعة ويكثر من الذكر ويقرب أهل الخير ، وقد أبطل كثيرا من المفاسد والتركاس بتونس منها العيالة وهو مكان يباع فيه الخمر للفرنج ويحصل منه في السنة شئ كثير وكان لأكثر الجيش عليه رواتب فأبطله وعوضهم - وأخرج المحسس بولده ، قال - وشكى إليه قلة القمح - بالسوق - فدعا تجاره فعرض عليهم قمحا من عنده وقال : أريد بيع هذا بسعر دينار ونصف ، فاسترخصوه ، فأمر ببيعه بذلك السعر وأن لا يشتري أحد من غيره بفوق ذلك ، فاحتاجوا أن يبيعوا بذلك القدر فترك هو البيع فبلغه أنهم زادوا قليلا فأمر بأن يباع ما عنده بسعر دينار واحد ، وتقدم إلى خازنه أنه إن وجد القمح بالسوق لا يبيع من عنده شيئا وإلا باع بسعر دينار فاضطروا إلى أن باعوا ، فكانت تلك من أحسن الحيل في تمشية حال الناس ، ولم يكن(8/317)
"""""" صفحة رقم 318 """"""
ببلاده كلها شئ من المكوس ولكنه كان يبالغ في أخذ الزكاة والعشر ، وكان محافظا على عمارة الطرق حتى أمنت القوافل في أيامه في جميع بلاده . وذكر أنه حضر محاكمة مع منازع له في بستان إلى القاضي فحكم عليه ، فقبل الحكم وأنصف الغريم ، وكان إذا مر في الأسواق يسلم ، ولا يلبس الحرير ولا يجلس عليه ولا يتختم بالذهب . وكانت صدقاته إلى الحرمين وإلى جماعة من الصلحاء بالقاهرة وغيرها مستمرة ، وما سافر قط مع كثرة أسفاره إلا قدم بين يديه صدقات للزوايا وكذلك إذا عاد ، وكتب إليه ابن عرفة مرة : والله لا أعلم يوما يمر - علي ولا ليلة - إلا وأنا داع لكم بخير الدنيا والآخرة فإنكم عماد الدين ونصرة المسلمين ؛ مات في 14 ذي الحجة عن ست وسبعين سنة بعد أن خطب له بفاس وتلمسان وما والاهما من المدن والقرى إحدى وأربعين سنة وأزيد ، وقام من بعده حفيده المنتصر أبو عبد الله محمد بن الأمين أبي عبد الله محمد ابن أبي فارس .
عبد العزيز عز الدين بن القاضي بدر الدين محمد بن عبد العزيز بن(8/318)
"""""" صفحة رقم 319 """"""
الأمانة ، مات في سابع عشرى جمادى الأولى ، وكان شابا صالحا عفيفا فاضلا ، اشتغل كثيرا ودرس وعمل المواعيد بالجامع الأزهر .
علي بن حسين ابن عروة المشرقي ثم الدمشقي الحنبلي أبو الحسن ابن زكنون ، ولد قبل الستين وكان في ابتداء أمره جمالا ، وسمع علي بن يحيى بن يوسف الرحبي ويوسف الصيرفي ومحمد بن محمد بن داود وغيرهم ، وكان يذكر أنه سمع من ابن المحب ثم أقبل على العبادة والإشتغال فبرع ، وأقبل على مسند أحمد فرتبه على الأبواب ، ونقل في كل باب ما يتعلق بشرحه من كتاب المغنى وغيره ، وفرغ في مجلدات كثيرة ، وكان منقطعا في مسجد يعرف بمسجد القدم خارج دمشق ، وكان يقرئ الأطفال ثم انقطع ويصلي الجمعة بالجامع الأموي ويقرأ عليه بعد الصلاة في الشرح ، وثار بينه وبين الشافعية شر كبير بسبب الإعتقاد ، وكان زاهدا عابدا قانتا خيرا لا يقبل لأحد شيئا ، ولا يأكل إلا من كسب يده ؛ توفي في ثاني عشر جمادى الآخرة ، وكانت جنازته حافلة .
عمر بن علي بن حجى ، الشيخ الحنفي البسطامي ، أصله من العجم ، وصحب بعض الفقراء ، ودخل القدس فلازم الشيخ عبد الله البسطامي فعرف به ، وأخذ عن الشيخ محمد القرمي ، ثم قدم مصر وسكن بقرب اللؤلؤة بالعارض ، وكان خيرا ساكنا ، يعتقدون الناس فيه ، وله مدد من عقار يملكه ويستأجره ، وكان قد أقعد وهو مع ذلك ملازم الصلاة(8/319)
"""""" صفحة رقم 320 """"""
والذكر ، وقل أن ترد رسائله ؛ مات في حادي عشر ذي الحجة وقد قارب التسعين ، وسمعت بعض الناس يذكر أنه جاوز المائة وليس كما يظن .
قطلو بغا حجى البانقوسي حمو الظاهر ططر ، ولي نظر الأوقاف في أيام الأشرف مدة ، وباشر بعنف شديد ثم لانت عريكته ، ثم انفصل ومات في يوم السبت 25 صفر .
محمد بن أحمد ، المالكي فتح الدين ابن النعاس - بالعين والسين المهملتين - أحد موقعي الحكم ، كان حسن الخط عارفا بالوثائق ، وولي الخطابة بمدرسة ناظر الجيش عبد الباسط وكان يتلمذ لإبن وفاء وتقدم في الصلاة عليه بإشارة ناظر الجيش بحضور القاضي الحنبلي وغيره من الأعيان . ولم يتفق لي حضورها .
محمد بن أبي بكر بن محمد بن سلامة . المارديني الحلبي الحنفي الشيخ بدر الدين ، اشتغل ببلده مدة ولقى أكابر المشايخ وحفظ عدة مختصرات ومهر في الفنون وشغل الناس ، وقدم إلى حلب مرارا فاشتغل بها(8/320)
"""""" صفحة رقم 321 """"""
ثم درس في أماكن وأقام بها مدة عشر سنين ثم رجع ، ولما غلب قرايلك على ماردين نقله إلى آمد فأقام مدة ، ثم أفرج عنه فرجع عنه إلى حلب فقطنها ، ودرس في عدة مدارس ، ثم حصل له فالج قبل موته بنحو عشر سنين فانقطع ، ثم خف عنه وصار ثقيل الحركة ، وكان حسن النظم والمذاكرة ، اجتمعت به في حلب ، وذكر لي أن مولده سنة خمس وخمسين ومدحني بقصيدة رائية وأجبته عنها ، ومات ثانى صفر سنة 837 ، وكان فقيها فاضلا صاحب فنون من العربية والمعاني والبيان ، وأخذ عن شريحا وجماعة ، وقد ذكرت له ترجمة حسنة في معجمي ومات وله اثنتان وثمانون سنة ولم يخلف بحلب بعده مثله .
محمد ابن أبي بكر بن محمد السمنودي المقرئ تاج الدين الشهير بابن تمرية ، ولد قبل الثمانين بيسير ، وكان أبوه تاجرا بزازا ، فنشأ هو محبا في الإشتغال مع حسن الصورة والصيانة وتعانى القراآت فمهر(8/321)
"""""" صفحة رقم 322 """"""
فيها ، ولازم الشيخ فخر الدين بالجامع الأزهر والشيخ كمال الدين الدميري ، وولي خطابة جامع بشتاك ، وأخذ أيضا عن الشيخ خليل المشبب ، مات يوم الجمعة عاشر صفر .
محمد بن عبد الله السلمي الشيخ بدر الدين ، مات في تاسع عشر ذي الحجة .
محمد بن علي بن محمد بن أبي بكر ، قاضي مكة جمال الدين القرشي العبدري المكي الشيبي أبو المحاسن ، ولد في رمضان 779 ، وسمع على برهان الدين ابن صديق وغيره ، وله إجازة من النشاورى والحافظ العراقي ونحوهما ، وتعانى الأدب والنظر في التواريخ ، وصنف أشياء لطيفة ، منها ذيل على حياة الحيوان سماه طيب الحياة ، ومن نظمه قوله في القاضي جلال الدين لما أعيد إلى القضاء بعد الهروي في سنة إثنتين وعشرين :
عود الإمام لدى الأنام كعيدهم
بل عودة لا عيد عاد مثاله(8/322)
"""""" صفحة رقم 323 """"""
أجلى جلال الدين عنا غمة
زالت بعون الله جل جلاله
وولى سدانة البيت في سنة 27 ، ثم ولي قضاء مكة بعد صرف أبي السعادات في سنة ثلاثين فباشره ، فحمدت سيرته وأضيف إليه نظر الحرم ، ولم يكن يعاب إلا بما يرمى به من تناول لبن الخشخاش .
قال القاضي تقي الدين الشهبي : ولي حجاجة البيت سنة 28 وولي قضاء مكة سنة ثلاثين وجمع مجاميع كثيرة ، منها تعليق على الحاوي وطيب الحياة مختصر حياة الحيوان مع زوائد ، وكان رحل إلى شيراز وبغداد ، وكتب بخطه حوادث زمانه ؛ مات ليلة الجمعة ثامن عشرى ربيع الأول عن نحو من سبعين سنة .
محمد بن علي الحكري - بدر الدين - ، ولي أبوه القضاء مدة لطيفة ، كما تقدم ذكره في سنة ست وثمانمائة ، ونشأ ابنه هذا نشأة حسنة واشتغل كثيرا ثم ناب في الحكم مدة ، وكان جميل الصورة حسن المعاشرة(8/323)
"""""" صفحة رقم 324 """"""
متواضعا ، فاشتغل ومهر وبحث المقنع والمستوعب على القاضي الحنبلي ، وكتب بخطه كثيرا ؛ ومات في أول شهر ربيع الأول ، طلعت له جمرة في قفاه فمات بها ، وعاش ثلاثا وخمسين سنة محمد بن قطلبك الكماخي - بالخاء المعجمة - شمس الدين ، أحد نواب الحنفي ؛ مات في الخامس من جمادى الآخرة ، وكان مذموم السيرة .
محمد بن محمد بن محمد بن القماح ، التونسي المحدث بها أبو عبد الله ، سمع من أبي عبد الله بن عرفة وجماعة وحج فسمع من شيخنا تاج الدين ابن موسى خاتمة من كان عنده حديث السلفي بالعلو بالسماع المتصل بالقاهرة من شيخنا حافظ العصر زين الدين العراقي ومن مسند القاهرة برهان الدين السامي وجماعة ، ورجع إلى بلاده فعنى بالحديث واشتهر به وكاتبني مرارا بمكاتبات تدل على شدة عنايته بذلك ولكن بقدر طاقته في البلاد ، وقد ولي قضاء بعض الجهات بالمغرب ، وحدث بالإجازة العامة عن البطرني الأندلسي مسند تونس وخاتمة أصحاب ابن الزبير بالإجازة وعن غيره من المشارقة وحدث بالكثير ؛ مات في أواخر شهر ربيع الآخر ، كتب(8/324)
"""""" صفحة رقم 325 """"""
إلي بوفاته الشيخ عبد الرحمن البرشكي من تونس وقال : كان حسن البشر سمح الأخلاق محبا للحديث وأهله - رحمه الله تعالى .
محمد بن شفشيل ، شمس الدين الحلبي ، أحد الفقهاء بها ، اشتغل كثيرا وفضل ، سمعت من نظمه بحلب ، وكتب عني كثيرا ؛ مات في جمادى الأولى .
محمد بن الفخر ، المصري ناصر الدين المعروف بابن النيدي . . كان أبوه تاجرا ، فنشأ هو محبا في العلم فمهر في العربية ، وصاهر شيخنا العراقي على ابنته ، ثم ماتت معه فتزوج بركة بنت الشيخ ولي الدين أخي زوجته الأولى ومات وهي في عصمته وخلف ولدين وكان معروفا بكثرة المال فلم يظهر له شيء وله بضع وستون سنة .(8/325)
"""""" صفحة رقم 326 """"""
محمد بن فندو ملك بنجالة جلال الدين أبو المظفر ويلقب بكاس ، وكان سبب تملكه لها أن أباه كان كافرا فثار على شهاب الدين مملوك سيف الدين حمزة بن غياث الدين أعظم شاه بن إسكندر شاه بن شمس الدين ، فغلبه على بنجالة وأسره ، وكان أبو المظفر قد اسلم فثار على أبيه واستملك منه البلاد ، وأقام شعار الإسلام ، وجدد ما خربه أبوه من المساجد ، وراسل صاحب مصر بهدية ، واستدعى بعهد من الخليفة وكانت هداياه متواصلة بالشيخ علاء الدين البخاري نزيل مصر ثم دمشق ، وعمر بمكة مدرسة هائلة ، وكانت وفاته في شهر ربيع الآخر ، واقيم بعده ولده المظفر أحمد شاه وهو ابن أربع عشرة سنة .
محمد الدمشقي المعروف بابن تيمية ناصر الدين ، وكان يتعانى التجارة ثم أتصل بكاتب السر فتح الله وبشمس الدين بن الصاحب وسافر في التجارة لهما ، وولي قضاء الإسكندرية مدة ، وكان عارفا بالطب ، ودعاويه في الفنون أكثر من علمه ؛ مات في تاسع شهر رمضان وقد جاوز السبعين .(8/326)
"""""" صفحة رقم 327 """"""
مقبل بن عبد الله الرومي الذي كان دويدارا عند موت المؤيد ، وفر إلى الشام فرقا من ططر ، ثم أمنه واستعان به على جقمق الذي كان نائب الشام ثم استقر في النيابة بصفد فباشرها مدة طويلة وحسنت سيرته فيها وسمعته ، وكان فارسا بطلا عارفا بالسياسة ؛ مات بصفد في يوم الجمعة 29 ربيع الأول ، واستقر في نيابتها بعده اينال الششماني وكان قريب العهد من المجئ من إمرة الحاج وهم يشكون من جوره ووهنه - فلله الأمر وقدم جماعة من المقادسة والخليلية يشكون من نائبها أركماس الجلباني أنواعا من الظلم والأذية - لجميع الطوائف ، ومما أعتمده أنه حبس القاضي شمس الدين البصروي وهو يومئذ قاضي الشافعية وزعم أنه استنقذه من العوام لئلا يرجموه وحجر على المياه التي لبيت المقدس فختم على الآبار ومنع الناس من الاستفاء منها إلا بثمن - إلى غير ذلك ، فلما علم السلطان بسيرته أمر بعزله وقرر غيره في الإمرة وهو أخو - تغرى برمش الذي ناب عن السلطان في الغيبة .(8/327)
"""""" صفحة رقم 328 """"""
حوادث سنة 838
سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة
كان أولها يوم الخميس ، فيها كائنة شمس الدين محمد المعروف بابن الادمي الجوهري ، كان أحد طلبة العلم واشتغل كثيرا ، وتنزل في بعض المدارس ، ثم ترك فلزم التسبب بالبضاعة ، فاتفق أنه حضر مجلس جوهر الخازندار فأراد أن يطريه ، فقال له : أنت سئلت لهذه الوظيفة ويوسف عليه السلام سأل فيها فأنظر كم بين السائل والمسؤل وأعاد ذلك مرة أخرى ، فقال : فانظركم بين المقامين . فشاع ذلك عنه فبادر إلى الحنفي واعترف فحقن دمه وحكم له باستمراره على الإسلام ، ونفذ ذلك ، وبلغ ذلك الشيخ يونس الالواحي فثار كعادته فاستشكى واستكثر من الاستفتاء على ذلك ، فبلغ الخازندار فشق عليه وتوعد يونس . قلت : واستمر ابن الأدمي على حالته وتنصل من ذلك ، وتالم لما نسب إليه من ذلك ومن غيره .
وفيها أعيد ناصر الدين بن عز الدين البكري إلى قضاء الفيوم عوضا عن رجب بن العماد الفيومي ، ثم صرف وأعيد رجب بعناية جوهر الخازندار .
وفيها في المحرم قدم السيد الشريف تاج الدين بن عبد الله الحسيني الشيرازي رسولا من قبل السلطان شاه رخ بن تيمور وقدم هدية(8/328)
"""""" صفحة رقم 329 """"""
للاشرف ، وسأل أن يؤذن له في كسوة البيت الحرام ، وكانت الهدية ثمانين ثوبا من الحرير الاطلس وألف قطعة فيروزج ، وتاريخ كتابه في ذي الحجة سنة ست وثلاثين ، ولقيت السيد المذكور فوجدته فاضلا متواضعا ، ذكر لي انه تزوج بنت السيد الشريف الجرجاني صاحب التصانيف وأن السيد الشريف المذكور ذكر له انه اشتغل بالقاهرة ، وأخذ عن أكمل الدين وغيره ، وأقام بالخانقاه السعيدية أربع سنين ، ثم خرج إلى بلاد الروم ثم لحق ببلاد العجم ورأس هناك ، وكان قدومه من جهة الحجاز فحج ووصل مع الحجاج ، ثم عقد الموكب وأحضر الرسول المذكور ومعه ولده وذكر أنه رزقه من بنت الشريف الجرجاني وهو كهل من أبناء الثلاثين وله فضيلة أيضا ، ثم في اثناء صفر أحضر الرسول والقضاة المصرية ودار بينهم كلام يتعلق بالرسالة المذكورة ، وانفصل المجلس على أن السلطان اعتذر من الإجابة خشية أن يتطرق إلى ذلك غيره من الملوك ، وقنع الرسول بهذا الجواب ، ثم جهز معه أقطوه الذي كان دويدار صغيرا ثم صار مهمندار السلطان رسولا من قبل سلطان مصر بهدية وجواب ، وسافروا من طريق الشام ، وأظهر السلطان بعد ذلك حنقا على القضاة في عدم مبالغتهم في الرد على الرسول فيما احتج به على تعين غجابة مرسله وكانوا استفتوا على ذلك أهل العلم بالقاهرة(8/329)
"""""" صفحة رقم 330 """"""
فأجابوا ، وتواردت أجوبتهم على المنع ، ومنهم من أجاب من قبل أن يسال بل كتب السؤال والجواب بخطه معا ، فمن عجيب ذلك أن بعضهم كتب لا يجوز ذلك لما فيه من تعطيل الوقف ، وكتب الآخر لا يجوز لسلطان مصر الإجابة لذلك لما فيه من الافتيات على سلطان مصر - إلى غير ذلك من الاستدلالات الواهية ، كل ذلك زعموا لطلب مرضاة السلطان ، فقدر الله تعالى أنه لم يعجبه شيء مما كتبوا به أجمعين ، ولم أعرج في جوابي إلا على ما تقدم من أن ذلك يفضي إلى تسليط غيره لطلب ذلك - فينخرق السياج وترتفع الخصومة ، ولما شاع غضب السلطان من القضاة تحرك صالح البلقيني في العود إلى القضاء ، وذكر القاضي - شمس الدين بن القاضي زين الدين التفهني الذي كان أبوه في وظيفة القضاء بالقاهرة أن يستقر في وظيفة أبيه ، فيقال إنه مال إلى ذلك وسعى أو سعى له فيه ، ولم ينبرم لواحد منهما أمر - والأمر بيد الله تعالى يفعل ما يشاء ويختار .
وفي المحرم شرع الأمير سودون المحمدي في عمل سقف الكعبة بأمر الملك الأشرف . فبدأ فيه في نصف الشهر وعمله سقفا جديدا ، فشرع فيه أوائل شهر ربيع الأول منها ، وهدم منارة باب السويقة وعمرها جديدة فوجد فيها مالا .
وفي أوائل صفر صرف بهاء الدين أبو البقاء محمد بن القاضي نجم الدين(8/330)
"""""" صفحة رقم 331 """"""
ابن حجي عن قضاء الشام ، وقرر شهاب الدين ابن المحمرة عودا على قدر التمس منه أن يدفع للسفر بذلك خمسمائة دينار ، فامتنع وصمم ، فغضب السلطان وأمر بنفيه إلى القدس بطالا أو مكة قاضيا ، فأجاب إلى مكة واستمهل إلى رجب أو شوال ، فسعى حينئذ لسراج الدين عمر بن موسى بن حسن الحمصي الذي كان نائب الحكم باسيوط من الصعيد ثم ولي قضاء طرابلس ، فأجيب ساعيه بمال جزيل وأرسل إليه خلعته وصرف شمس الدين محمد بن شهاب الدين بن الكشك عن قضاء الحنفية بدمشق أيضا ، وقرر شمس الدين الصفدي على مال جزيل ، وتوجهت خلعة الصفدي أيضا وفي وسط صفر قصر الوزير المستقر عن قرب وهو امين الدين إبراهيم بن مجد الدين عبد الغني ابن الهيصم الذي ناظر الدولة وكان أبوه ناظر الخاص ومن قبل في الديوان المفرد فقصر في تجهيز المرتبات السلطانية ، فهجم جماعة من المماليك الجلب على داره فنهبوا ما وجدوا فيها ، ثم توجهوا إلى منزل الاستادار وهو كريم الدين عبد الكريم بن تاج الدين عبد الوهاب بن كاتب المناخات فنهبوا ما وجدوا فيه أيضا ، ثم توجهوا إلى منزل - ناظر الجيوش زين الدين عبد الباسط بن خليل فأفحشوا في نهب ما قدروا عليه منها ، فلما أصبحوا بكر الوزير والأستادار فشكيا حالهما ، ثم أراد ناظر الجيش أن يحضر بين يدي السلطان فمنعه وراسله بأن يتوجه إلى الإسكندرية حتى تنكسر شوكة المماليك ، فصعب ذلك عليه وراسل السلطان يستعفيه ، فأعفاه وأمره بالحضور فحضر ، واستقر الحال على أنه يتكفل بأمر الوزير(8/331)
"""""" صفحة رقم 332 """"""
ويسعفه في جمع ما يحتاج إليه وستمر الاستادار على حاله ، ثم بعد يومين استقر جانبك دويدار ناظر الجيش في وظيفة الاستادراية وقبض على الاستادر وصودر واستتر الوزير . فأمر السلطان ناظر الدولة - وهو سعد الدين إبراهيم بن كريم الدين عبد الكريم بن سعد الدين كاتب حكم في الكلام في الوزارة ، فلما أصبح ألزمه السلطان بأن يستقر وزيرا .
فامتنع فأمر بضربه ، وضرب ضربا مبرحا ، وتوجه إلى منزله ملزوما بتكفية الوزارة ، وكان ذلك يوم الثلاثاء ثالث عشر صفر ، فصار ينظر في أمور الوزارة إلى أن استقر أخوه جمال الدين يوسف فباشر بشدة وعسف ، واستقر قبطي يقال له ابن قطارة في نظر الدولة وألزمه بسد الأمور ، ثم في يوم الأربعاء ضرب الاستادار ضربا مبرحا وعصر وألزم بخمسين ألف دينار ، فشرع في بيع دوره ودواليبه وقماش أهله وعرض مماليكه وجواريه للبيع .
وانتهت زيادة النيل في سابع عشري توت إلى عشرين ذراعا ونصف ذراع ، وانفتق من الخليج فتق فنفذ إلى ناحية شبرا ومنية الشيرج ، فغرق من ذلك شيء كثير ، وبقي الناس أياما في شدة .
وصرف والي الشرطة عمر أخو التاج الشويكي عن ولايته وأعيد(8/332)
"""""" صفحة رقم 333 """"""
دولات خجا الذي كان استقر في سنة ست وثلاثين وصرفه نائب الغيبة ، فأعيد وباشر سد المقطع المذكور .
وفي ربيع الآخر قدم أرغون شاه من الشام وهو الذي كان ولي الوزارة قبل ذلك بالقاهرة ، واستقر عوض الحمصي بطرابلس ولد قاضيها شهاب الدين وهو صدر الدين محمد بن أحمد بن محمد النويري ببذل ثلاثمائة دينار .
وفي ربيع الآخر قبض قرقماش نائب حلب على ولد ناصر الدين ابن صدر الباز التركماني بسبب أن أباه نزع ابن أخيه من نيابة مرعش وكان السلطان قرره فيها ، فانتمى إلى نائب حلب فكاتب فيه ، فأذن له أن يسير إلى مرعش ويقرره في نيابته ويخرج من عائده ، فتوجه لذلك فوقع بينهم مناوشة ، فكسرهم وقبض على ابن ناصر الدين المذكور وجماعة وأحضرهم إلى حلب وكاتب بذلك ، فعاد إليه الجواب عن ذلك .
وفي جمادى الأولى أول يوم منه أمر السلطان القضاة بقراءة كتب الاوقاف بالمدارس الكبار والخوانق وأتباع شرط الواقفين فيها وشدد في ذلك ، فلما كان يوم الأربعاء رابعه اجتمعوا بالشيخونية وقرئ كتاب الوقف فقال لهم الشافعي : يقام ناظر بشرط الواقف ليعمل بالشرط وينفذ تصرفه . فانفصلوا على ذلك ، ثم حضر المشايخ والطلبة يوم الثلاثاء حادي(8/333)
"""""" صفحة رقم 334 """"""
عشره عند السلطان ، فقال لهم : ما فعلتم ? فقالوا : الحال يتوقف على ناظر يتكلم . فقال للشيخ : أنت ناظر فقال : وكذلك كاتب السر ، فأمر كاتب السر في الكلام معه ، فحضروا يوم الأربعاء وقرئ شرط الواقف فتكلموا أولا في البيوت فوجدوا الشرط أن يسكنها العزاب ، فوجد من المترددين نحو العشرين ، فأمر أن يخرج من المتزوجين بعددهم ويسكن المترددون ووعدوا بأن يحضر لكتابة ذلك من يوثق له فلم يحضر أحد ، وحضروا يوم العشرين بالصالحية فقرئ كتاب وقف الناصري ، فترددوا فيمن يستحق النظر هل هو الشافعي أو المالكي ونزل إلى الشيخونية جمدار فأخبر الشيخ وهو في الحضور أن السلطان رسم أن كل أحد على حاله فسروا بذلك وقرؤا للسلطان ، ثم تبين للسلطان أن الذي قام في ذلك كان فيه هوى وتعصب ، وأشير عليه بترك الناس على حالهم ، وأن الذي يصل إليهم من المعاليم هو من جملة أموال المسلمين وهم مستحقون إلى غير ذلك من الاعتذارات إلى أن أمر بترك ذلك وخمدت الكائنة واستمر الامر على ما كان
في المحرم قدمت هدية قرا يلك وفيها دراهم مكتوب عليها سكة السلطان الأشرف . وفيه استقر جانبك الذي كان نائبا بالإسكندرية حاجبا عوضا عن بردبك الإسماعيلي بحكم نقله إلى دمياط ، ونودي يوم النوروز بزيادة إصبعين فصار على أربع عشرة إصبعا من الذراع العشرين ولا يحفظ مثل ذلك فيما مضى .
وفيه استمر إسكندر بن قرا يوسف على قلعة شاهين وكان(8/334)
"""""" صفحة رقم 335 """"""
الأمير بها من قبل أن يستمر رمضان وقد قدمت بسبب عصيانه عليه ، وهي على مسيرة يومين من تبريز فاستمر فيها إلى الآن ، فحاصرها إلى أن نفد زاده ومات في الحصار ، فملكها الإسكندر واستنقل نساءه بها .
وفيها رفع داود الكيلاني التاجر عن قاضي مكة أمورا عظيمة من الظلم والأحكام الباطلة ، وسعى في أن يقرر في نظر الحرم عوضه على مال بذله فأجيب ، فراجع أمير مكة وذم داود المذكور وذكر أنه أمر سودون المحمدي الذي جهز من القاهرة لترميم البيت والحرم أن ينظر في ذلك إلى أن يعود المرسوم من القاهرة ، فأجيب بتقرير سودون المذكور في ذلك .
وفيها استقر سفر الذي تجهز من مصر لقبض المكوس الهندية بجدة في البحر وبطل السفر من البر ، وكان للناس فرح كبير لأن كثيرا من المسلمين يحبون المجاورة بمكة فكان السفر في هذه الأيام يحصل لهم به صيام رمضان بمكة والعمرة والمجاورة وفي غضون ذلك يحصل للكثير منهم المكاسب ، وجدد في هذه السنة مرسوم بأن لا يؤخذ من تجار الهند إلا العشر من كل شئ معهم بضاعة من غير تكليف للدرهم الفرد ، فإن وجد منهم مصري أو شامي يؤخذ منه الخمس عقوبة لهم على مخالفة الأمر ، وإن وجد يمني أخذ جميع ماله ، واتفق أن قرئ هذا المرسوم تجاه الحجر الأسود ، ثم راجع أمير مكة السلطان في ذلك حتى أمر بالتسوية بين الجميع بعد ذلك .
وفي ليلة التاسع والعشرين من صفر سقط صبي لعبد الرحمن بن(8/335)
"""""" صفحة رقم 336 """"""
فيروز عمره ست سنين من منزلهم الذي على الخليج الناصري في الماء فغرق ، فتتبعوه في الماء فلم يقدروا عليه ، فبعد يومين وجدوه في بركة في آخر الخليج فدفنوه ، فلما كان بعد ذلك ظهروا على أن جارية لهم سوداء غضبت من أمه فألقته في الماء وهو نائم ، فتحيلوا عليها حتى أقرت كيفية ذلك ، فرفعوا الأمر إلى بعض نواب المالكي فحكم بتغريقها في المكان الذي ألقت فيه الصبي ، فألقوها موثقة بالكتاف ، فتخبطت في الماء قليلا وانغمست فماتت ، وذلك في تاسع عشرى الشهر المذكور . وانتهت زيادة النيل على ما زعم القياس إلى عشرين ذراعا ونصف والحس لا يقبل ذلك بل لم يكمل العشرين ولكن الري كان عاما في جميع البلاد العالية .
شهر ربيع الأول أوله الثلاثاء الموافق لثامن بابة ، ونقص النيل نحو الذراع ، وتشاغل الناس بزرع البرسيم على العادة ، وفيه ادعى على والي الشرطة عند المالكي بأنه ضرب شخصا حتى مات ، فأجاب بأنه أتى به إليه وهو سكران فضربه الحد وما زاد عليه وأقيمت البينة بذلك ، فدرأ عنه القتل ، وبلغ السلطان ذلك فأنكره ، واتفق أن أولياء المقتول أبرؤا الوالي وطاح دم ذلك القتيل .
وفي أول يوم - منه - استقر يوسف بن كريم الدين عبد الكريم(8/336)
"""""" صفحة رقم 337 """"""
ابن سعد الدين بن كاتب جكم في الوزارة وخلع عليه ، وهرع الناس للسلام عليه ، وخلع على أخيه - إبراهيم - خلعه الرضا واستقر في نظر الخاص ، واستمر الأستادار في المصادرة فعرض جميع عقاراته وكل ما يملكه للبيع ، واستقرت مصادرته على عشرين ألف دينار . فسلم للتاج أستادار الصحبة على المال المذكور ، فأقام في منزله حتى أورد نحو أربعة ألف دينار ؛ وعمل المولد السلطاني يوم الخميس الثالث منه .
وفيه أغار ولد قرايلك على معاملة ملطية ودوركي ونهب شيئا كثيرا ، وتوجه أبوه للإغارة على الرها .
وفي أواخر جمادى الآخرة استقر تاج الدين عبد الوهاب بن الخطير ابن نصر الله القبطي ناظر الإصطبل في الوزارة بعد القبض على جمال الدين يوسف ابن كريم الدين ابن كاتب جكم ومصادرته ، وكان يوسف قد استعفى بسبب قلة المتحصل وكثرة المصروف ، فأعفاه السلطان ولكنه قبض عليه وعلى أخيه ناظر الخاص وصادرهما على مال يقال إنه ثلاثون ألف دينار ، ثم خلع في صبيحة ذلك اليوم يوم الإثنين السابع عشرى جمادى الآخرة على ناظر الخاص مستمرا ، وأمر الخطير أن يتكلم في الوزارة بغير ولاية إلى أن يرى من يتكلم ، فتكلم في ذلك يوم الأحد(8/337)
"""""" صفحة رقم 338 """"""
ويوم الأثنين ، ثم خلع عليه يوم الثلاثاء بالوزارة ، وشرع ناظر الخاص وأخوه في بيع أملاكهم ورزقهم من أراضي وعقار ، ثم خفف عنهما من مال المصادرة نحو النصف ، واستمر ناظر الخاص ، واستقر أبو الحسن بن تاج الدين في نظر الإصطبل عوض والده .
من الحوادث
فيها تولية دولات خجا كشف منفلوط واستقرار علاء الدين علي ابن محمد ابن الطبلاوي الذي كان واليا في الأيام الناصرية فرج وبعدها في الولاية ، وكان له مدة طويلة خاملا ، فاستقر في سابع عشر جمادى الأولى .
وفيها استقر جلبان نائبا بطرابلس نقلا من حماة ، واستقر قانبائي الحمزاوي في نيابة حماة نقلا من إمرته بالقاهرة ، واستقر خجا سودون عوضا عن قانبائي ، وأضيف إقطاع سودون خجا للوزير تقوية له .
وفي هذا الشهر جدد سودون المحمدي سقف الكعبة وأتقنه ، وحمل إليه من الرخام من القاهرة لمرمة الحجر وشاذروان البيت .
وفيها كانت الوقعة بين الأمراء وبين عرب هوارة فقتل منهم(8/338)
"""""" صفحة رقم 339 """"""
جماعة ، فعين السلطان يوم السبت أول يوم من جمادى الآخرة وهو السادس من كانون الثاني كريم الدين الذي كان أستادارا ووزير كاتب المناخات فتوجه لكشف الوجه القبلي وألبس خلعة بزي الأمراء وفرح الناس بذلك ، وصحبه محمد الصغير الذي كان كاشفا قبله ودويدارا في خدمته ، وأمر على الدم ولي الكشف القبلي أيضا والوجه البحري مرة أخرى ، واستمر ناظر الخاص رأس نوبة بين يديه فتوجه إلى الصعيد فأصلح أحوال العرب ورجع ، والسبب في ذلك أن تغري برمش أمير آخور خرج في السرحة التي جرت بها العادة فالتزم له الكاشف واسمع محمد الصغير بمقدار من المال عن السرحة ، فبلغ ذلك أكابر العرب فتحالفوا على أن لا يعطوا أحد شيئا ووقع بينهم تناوش ، فراسل أمير آخور السلطان ، فجرد له جماعة من أكابر الأمراء فتوجهوا في هذه السنة وكان ما سيأتي .
وفيها وثب فياض بن ناصر الدين محمد بن دلغادر على ابن عمه حمزة أمير مرعش فأخرجه واستقر بها بغير تولية من السلطان ، فتوجه(8/339)
"""""" صفحة رقم 340 """"""
الأمير قرقماس نائب حلب فقبض على فياض المذكور وولاها لابن عمه حمزة بك بن علي بن بك بن دلغادر ، فبلغ ذلك ناصر لدين بك والد فياض المذكور وهو يومئذ أمير الأبلستين وقيصرية فشق عليه ، وجهز قرقماس فياضا المذكور إلى القاهرة فسجن بالقلعة .
فبعث ناصر الدين زوجته خديجة والدة فياض تشفع في ولدها وجهز معها هدية ومفاتيح قيصرية وأن يكون زوجها ناصر الدين بك نائبا عن السلطان فيها ، فوصلت حلب في رمضان فوصلت القاهرة في آخر شوال ، فقبلت هديتها وأفرج عن ولدها وأعطي نيابة مرعش ، واستقر أبوه على حاله بقيصريه ، وكان إبراهيم بن قرمان راسل السلطان أن يعطيه قيصرية على أن يحمل كل سنة عشرة آلاف دينار وغيرها ، فأمره قرقماس نائب حلب أن يتجهز إلى أخذها ويسلمها لابن قرمان ، فوقع لصاحبها ما ذكر فبطل ذلك ، وفي أثناء ذلك لجأ حمزة إلى ابن عمه سليمان بن ناصر الدين بك واجتمع جانبك الصوفي الذي كان أميرا بمصر وسجن بالإسكندرية وهرب من أول الدولة الأشرفية بعد أن اختفى ثلاث عشرة سنة واستمرار السلطان في التنقيب عليه ، فجز داوداره ومحمد بن كند غدي ابن رمضان إلى ناصر الدين بك ابن دلغادر بالأبلستين فحلفاه على أنه إذا قدم عنده جانبك الصوفي لا يسلمه ولا يخذله ، ثم اجتمع جانبك(8/340)
"""""" صفحة رقم 341 """"""
بسليمان بن دلغار فتلقاه هو وأمراؤه وأمراء قلماس بن كبك ومحمد ابن قطلبك ونزلوا بملطية فجاء إليهم ناصر الدين بك ثم توجهوا جميعا إلى محمد بن قرا يلك وهو بقلعة كركر فقواهم ثم نازلوا قلعة ديركي وضايقوا أهلها بالحصار وجاء قاصد شاه رخ إلى قرا يلك يأمره بالمسير إلى قتال(8/341)
"""""" صفحة رقم 342 """"""
إسكندر بن قرا يوسف فترك جابي بك الصوفي ومن معه بدوركي وتوجه بجماعته إلى ملطية فحاصرها فمشى عليه إسكندر وأغار على أرزن الروم فأخذها ففر قرا يلك إلى آمد فأقام بها ثم خرج إلى ارقنين فلما كان في صفر سنة تسع وثلاثين التقى إسكندر بن قرا يوسف وقرا يلك على أرزن الروم ، فخرج على قرا يلك كمين لإسكندر فهزمه ، فلما كاد يؤخذ رمى بنفسه في خندق المدينة فغرق ، فطلع به أولاده بعد ذلك فدفنوه هناك ، فجاء إلى اسكندر من عرفه بذلك ، فأرسل من أخرجه من قبره بعد ثلاثة أيام وحز رأسه ورأس اثنين من أولاده ، وثلاثة من ألزامه وأرسلهم إلى القاهرة فنصبت على باب زوبلة ، وذلك في ربيع الأول وزينت القاهرة فرحا بذلك ، وأكرم السلطان قصاد الإسكندر وأعطاهم مالا وقماشا بقدر عشرة آلاف دينار ، وكتب سليمان بن دلغادر إلى جانبك الصوفي بأنه معه معينا له على مقاصده ، فاغتر بذلك فاجتمعا بملطية ، فبالغ في إكرامه والمناصحة له ، وأقاما على ذلك مدة ، ثم خرجا يوما للصيد(8/342)
"""""" صفحة رقم 343 """"""
والتنزه فأبعدا في ذلك ، وكان جانبك قد رتب فرسانه وجماعته على حصار ديركي ، فقبض أصحاب سليمان على جانبك وقيدوه ، وسرى به سليمان على الدمس ليلة كاملة حتى صبح الأبلستين فسجنه ، وراسل السلطان الملك الأشرف يعلمه بالقبض عليه .
وفيها جرد أربعة أمراء من الألوف إلى عرب البحيرة ، والسبب في ذاك أن وكانت طائفة من عرب لبيد قحلت بلادهم فدخلوا البحيرة وصالحوا أهلها ، فمكنوهم من التوجه إلى عرب محارب بالوجه القبلي ، فنزلوا في الأراضي التي بارت من الزرع وطلع فيها مرعى يقال له الكتيح - بكاف ومثناة ومهملة مصغر - فلم يمكنهم الكائف من الرعي فيه إلا ببذل مال ، فأنفقوا من ذلك ووقع بينهم قتال ، فكان ذلك سبب بعث الأمراء فنهبوا منهم كثير من جمالهم وفروا من أيديهم ، فرجع الأمراء في شعبان .
وفي رمضان الوافق لبرمودة من أشهر القبط عند دخول فصل الصيف وقع بمصر مطر غزير دلفت منه البيوت وجاء سيل عظيم(8/343)
"""""" صفحة رقم 344 """"""
بحيث أقام بالصحراء أياما . وقرأت بخط الشيخ تقي الدين المقريزي ورأيت في كتاب ورد من أرض الحبشة فيه : وفي أول رجب أي سنة ثمان وثلاثين غزا الأمير خير الدين أخو السلطان مدلاي بن سعد الدين بلادا للقرم فتح سبعة أبواب من أبواب الحطى وانتصر عليهم ، وقتل أميرا من ألزام الحطى وحرق بلادهم ، وأخذ من المال غنيمة شيئا كثيرا وقتل منهم عددا كثيرا ، ورجعوا ومعهم من الذهب والفضة والزرد والدروع والوصفان كثير ، ولم يسوقوا شيئا من الإبل والبقر والغنم ولا العجائز والشيوخ بل جعلوا عليهم علامات ، وخربوا ست كنائس وعدة قرى ورد ألف بنت من المسلمين ، ووصفوا خير الدين بعدل كثير والرخاء عندهم كثير .
وفيها مات الحطى ووقع الخلف بعده . ثم اتفقوا على صبي صغير وسلطانهم مدلاي عادل خير .
وفيها وقع الوباء في بلاد المسلمين والكفار فمات به خلق كثير جدا ، وفي شوال منها خرج خير الدين أيضا غازيا .
وفيها في شعبان راجت الفلوس التي ضربها السلطان عن كل درهم ثمانية عددا منها وأبطل الفلوس الأول ، وصار الرطل من هذه بحساب سبعة وعشرين درهما ومن القديمة بثمانية عشر ، فكانت تؤخذ من الباعة وتحمل لدار الضرب لتضرب جديدة وتمشي الأمر على ذلك ولكنها قليلة لعدم الاعتناء بكثرتها لقلة المتحصل منها .(8/344)
"""""" صفحة رقم 345 """"""
وفيها نقل قانصوه النورزي من نيابة طرسوس إلى الحجوبية بحلب ، ونقل الحاجب طوغان إلى إمرة مائة بدمشق ، وقرر يوسف ابن فلدوا في نيابة طرسوس .
وفي ربيع الأول استقر سراج الدين عمر بن موسى الحمصي في قضاء حلب نقلا من قضاء طرابلس عوضا عن بهاء الدين ابن حجي ، ويقال إنه بذل ثلاثة آلاف دينار ، واستقر شمس الدين محمد بن علي بن عمر بن علي بن مهنا بن أحمد الصفدي في قضاء دمشق عوضا عن شمس الدين بن الكشك ، وشرط عليه بذل ألفي دينار ، فلما وصل إليه التوقيع والخلعة امتنع ورحل إلى القاهرة مستعفيا ، وكان قد أقام في قضاء طرابلس مدة طويلة ، ثم ولي قضاء دمشق عوضا عن شهاب الدين ابن الكشك ثم صرف(8/345)
"""""" صفحة رقم 346 """"""
وأعيد ابن الكشك ، فلما رحل السلطان إلى جهة حلب قرره لما رجع في عدة بلاد نزعها من نواب ابن الكشك واستمر ابن الكشك في القضاء ، فلما مات ابن الكشك أمل أن يعود فقدم عليه ولد ابن الكشك على مال كثير بذله واستقر هذه المدة اللطيفة ثم صرف ، فلما امتنع ابن الصفدي من الوالية بالشرط المذكور واستعفى أعفي ورجع إلى دمشق من فوره على ما بيده من المدارس واستمر ابن الكشك ثم ألزم ابن الصفدي بالتوجه إلى صفد فسار إليها فيما قيل ، ولد في ذي القعدة سنة 775 ، وذكر أنه سمع موطأ القعنبي على ابن حبيب الكمال قرأ عليه ابن فهد منتفى منه وقرأه عليه كاملا صاحبنا البقاعي ثم ظهر بطلان لهما ورجعا عن روايته لاشتباهه عليهما .
وفيه ثار شمس الدين الهروي على القاضي علم الدين صالح ، وادعى(8/346)
"""""" صفحة رقم 347 """"""
أن بيده وظائف كثيرة بغير شروط الواقفين ، فتعصب له ناظر الجيش ودافع عنه ، واستمر على ما بيده واندفع الهروي بذلك ، ثم عمل ناظر الجيش مولده في السابع والعشرين من الشهر أرسل إليه فأصلح بينهما - والله المستعان .
شهر ربيع الآخر أوله الأربعاء بالرؤية ، في أوائله منع الوالي السقائين من الملء من الخليج الحاكمي ثم الناصري ، ونقص الماء إلى أن صار في مقدار الوفاء ، فكانت مدة ما انتفع أهل البلد بالخلجان نحو المائة يوم ، وفي الرابع منه وقعت زلزلة لطيفة وزالت بسرعة . وفي أوله وصلت البنادقة وهم تجار القطائع من الفرنج الذي يسمونها القطائع فتأخروا عن عادتهم نحو العشرين يوما ولم يصلوا في العام الماضي ، وعجلوا عن عادتهم في الذي قبله بنحو الشهرين ، ولم يحفظ ذلك فيما مضى بل الذي تمادى عليه حالهم أنهم يصلون في أول العشر الثاني من بابة(8/347)
"""""" صفحة رقم 348 """"""
ويرجعون في أوائل هاتور ، فألزم السلطان التجار بعدم البيع إلى أن يباع ما يتعلق به ، وطلب من الفرنج أن يشتروا منه الفلفل بمائة وعشرين كل جمل ، فامتنعوا وتراضوا مع نائب الإسكندرية إلى أن يشتروا منه ثلاثمائة جمل بسعر كل جمل بمائة ، ومشوا ولم يشتروا من المسلمين جملا واحدا ، وكسدت بضائع التجار واشتد أسفهم وشق عليهم ذلك مشقة شديدة - والأمر بيد الله .
وفي السادس منه - ووافق ثاني عشر هاتور - أمطرت السماء وقت العصر ، وسرح السلطان في هذا اليوم ورجع وقد صاد ، وفي أواخر امشير في العشر الأخير من رجب وقع برد شديد ، وحصل المطر أياما وسر الناس بذلك ، وتمادى البرد نحوا من عشرة أيام أشد مما كان في طوبة وكهيك ، ثم عاد فراح الوقت كما كان ، وفي الجملة من نحو ثلاثين سنة ما عهد أقل بردا من فصل الشتاء في هذه السنة .
وفي نصف شوال أعيد التاج الوالي إلى ولاية القاهرة وعزل ابن الطبلاوي ، وفيه قطعت إصبع عبد القدوس بن الجيعان لما تكرر منه من التزوير . وفيه اهتم السلطان بأمر الجسور وأمر بإتقانها ، وندب(8/348)
"""""" صفحة رقم 349 """"""
لذلك تمرباي الدوادار الثاني والوزير فاجتهدا في ذلك ، ثم ضاق بالوزير الحال في المصروف فاستعفى وكان ما سنذكره .
وفيها نازل اصبهان بن قرا يوسف صاحب بغداد الموصل فراسل صاحبها رمال قرا يلك ، فأمده بودله محمود في مائتي فارس ، فأنزلهم عنده كالمسجونين فراسل محمود أباه ، فأمده بأخيه محمد بن قرايلك في ألف فارس ، فنزل على الموصل ولم يمكن من رؤية أخيه ، وكان قرا يلك برأي العين فتوجه على نصيبين ، فبلغه إن إسكندر بن قرا يوسف قصد محاربته بعد فراره من شاه رخ ملك الشرق .
وفي التاسع عشر من جمادى الآخرة سافر تغري برمش أمير آخور إلى سرحة الصعيد في تجمل كبير ونزل معه غالب الأمراء فودعوه ووقع له مع عرب الصعيد وقعة قتل فيها من أصحابه جماعة ، وبعث يطلب نجدة ، فأمر تمراز رأس نوبة بالتوجه إليه ، وأمر كل أمير مقدم أن يرسل معه عشرين مملوكاص وتكمل له من غير المقدمين ثلاثمائة ، وسافر في سابع جمادى الآخرة .(8/349)
"""""" صفحة رقم 350 """"""
وفي أول شعبان أمر السلطان القاضي الشافعي إذا حضر المجلس لسماع الحديث إن يحضر صحبته فلقة وعصى ، ومن تعدي في كلامه أو أساء الأدب أدب وأكد في ذلك .
وفي رمضان أمر السلطان بترك أكثر الخلع التي قررت لمن يحضر سماع الحديث ، ثم شفع فيهم وقيل له : لو كان هذا قبل أن يحضروا ، فإن كان ولا بد وقد قضوا المدة كلها تصرف لهم هذا العام ثم يعلموا ويقطعوا فيما يستقبل ، فأمر بالصرف لهم .
وفي أواخر رمضان حضر عند السلطان شريف من الشام ومعه أوراق بخط الشيخ علاء الدين البخاري فيما يتعلق بالنسيمي وشيخه فضل الله ، وأن بالشام ومصر جماعة على عقيدته ، وأنه تصدى لتتبعهم وكشف عورتهم ، وأنه وجد بالقاهرة شخصا منهم ، فقرئ كتاب الشيخ علاء الدين فأمر السلطان بإحضار الرجل وما في بيته من ورق ففعل ذلك ، وهذه هي الطائفة المبتدعة المعروفة بالحروفية ثم بالنسيمية ، فلما كان في رابع شوال(8/350)
"""""" صفحة رقم 351 """"""
عقد مجلس بالقصر عند السلطان وأحضرت الكتب وبعضها من كلام شيخه وهي باللسان الفارسي فقرأ من أول واحد منها شيئا يسيرا وفسره بالعربي وهي مقالة مركبة من قول المشبهة والاتحادية ، فقرأ الشافعي خط الشيخ علاء الدين وفيه أن شعر الإنسان في وجهه ورأسه سبعة شهور : شعر أجفانه الأربعة وحاجباه ورأسه ، وأن في وجهه سا آخر سبعة ، وأن عقد أصابعه في اليدين أربعة عشر . فذلك عدد حروف المعجم ونحو من هذا . وفيه أن الإلهية انتقلت من الله لآدم ومن آدم لآخر إلى أن انتقلت لفضل الله وكلاما من هذا حاصله إن الله هو الحروف ؛ ثم أحضر الرجل فسئل عنها فقيل إنه شراها من حصن كيفا بثلاثين درهما ولا يعتقد شيئا مما فيها وأعلن بالشهادتين والتبرئ من كل دين يخالف دين الإسلام وصرح بكفر من صنف هذه الكتب وشيخه أو يعتقد ما فيها ، فقال له الشافعي إن كنت صادقا فاحرق هذه الكتب بيدك .
فامتثل ذلك بعد أن حاد عن الجواب وباشر إحراق ذلك بنفسه ، ثم سأل السلطان : هل على إثم إذا أخرجت هذا ومثاله من بلادي ? فقال : لا ، فنودي من عرف من أهل مذهب النسيمي ووجد عنده شيء من كتبه وأحضره للسلطان كان له مائة دينار ، ثم أمر فنودي أن يخرج جميع العجم من القاهرة والقلعة بأسرهم ولا يتأخر منهم إلى ثلاثة أيام ،(8/351)
"""""" صفحة رقم 352 """"""
ثم لم يتم ذلك . وفي يوم الأحد ثاني عشر شعبان أشيع موت زين الدين عبد الرحمن بن الشيخ شهاب الدين أحمد بن حمدان الأذرعي ، وكان مولده في المحرم سنة 755 واشتغل على أبيه وغيره ، وسمع من الصدر ابن غنوم جزءا من الخلعيات سنة بضع وستين بسماعه من العراقي أنا ابن عماد ، وسمع الكثير من شيوخ ذلك العصر بحلب وغيرها ، وقدم مع أبيه دمشق فأسمعه من . . . ، وأجاز له جماعة تفرد بالرواية عنهم لكني لا أعلم أنه حدث عنهم بشيء غير جزء أو جزءين ثم ظهر أنه لم يمت إذ ذاك ، فذكر لي ابن فهد أنه توجه إليه هو وغيره من الرحالة كالبقاعي وابن الإمام في هذه السنة فمات بعد وصولهم إليه بقليل ، وكان قدومه القاهرة سنة بضع عشرة فاستوطنها وولي نيابة الحكم ، ثم ولي قضاء دمنهور الوحش والبحيرة فاستقرت قدمه بها بعد منازعات ، وأقام على ذلك بغير منازعة أكثر من عشر سنين ، وكان فاضلا يستحضر أشياء في الفقه ويذاكر بأشياء حسنة ، وله نظم حسن ومدحي قديما وحديثا ، واستهل شهر رمضان الخميس ووافق برمهات .
وفيها وصلت هدية نائب الشام وفيها مائة وخمسون فرسا وعشرة قطرة جمال وألف ثوب بعلبكي ومثلها بطان وخمسون قباء سمور ووشق(8/352)
"""""" صفحة رقم 353 """"""
وعشرة آلاف دينار ونعالا خيل من ذهب ومسامير فضة ، قيل إن في كل نعل خمسين دينارا ، وقيل إن مجموع قيمتها ثلاثين ألف دينار ، وكان قدومهم سابع عشر ذي الحجة .
وفي سادس شهر رمضان هبت ريح شديدة باردة وتراب كثير عم القاهرة وسقط عدة من الدور ، وفي الثالث عشر منه أمطرت ليلا ، وتمادى ذلك في أول النهار مع رعد وبرق . وذلك عند حلول الشمس برج الثور ، ثم تمادى المطر ذلك اليوم كله لكن بغير توالي حتى توحلت الأرض كلها ووكفت البيوت ، ثم أمطرت صبيحة ذلك اليوم بعد الفجر مطرا غزيرا جدا حتى وكفت البيوت وفسدت الأمتعة والزروع - والأمر لله وحده وهبت ريح شديدة وقت العصر من اليوم الماضي حتى انتصف النهار ثم انجلت عن قرب .
وفيه استقر . . في كشف الوجه القبلي ، وصرف كريم الدين ودخل القاهرة ، وفي آخر يوم من رمضان خطبت بجامع عمر بن العاص ، قايضت الشيخ شمس الدين محمد بن يحيى بما كان معي من خطابة جامع الأزهر بما معه من نصف خطابة جامع عمرو ، وكان أكثر الفاكهة في هذه السنة غير ناجب بسبب كثرة الماء ولفقده في البساتين ، ثم تأخر المطر في الشتاء كله فكان الورد قليلا وكذا المشمش والليمون حتى بيعت الليمونة(8/353)
"""""" صفحة رقم 354 """"""
الواحدة بنصف درهم ، وأمطت في عشي يوم الجمعة سابع شوال قبل المغرب مطرا خفيفا ، ووافق ذلك الحادي عشر من بشنس والشمس يومئذ في أواخر برج الثور ، وأمطرت أيضا يوم السبت بعد أن هبت ريح عاصف بتراب ثم انجلت ، واستمر البرد في طرفي النهار شديدا بنحو ما كان في فصل الشتاء أو دونه يسيرا ولكن في وسط النهار وفي جوف الليل يقع فيهما بعض الحر ، وتأخر لبس الصوف إلى يوم الجمعة سابع شوال المذكور فتأخر عن العام الماضي نحو عشرين يوما ، وزاد النيل في غير أوانه في اول العشر الثالث من بشنس ، وتعجل بنحو عشرين يوما ، وغرقت بعض الأمتعة .
وفي الثامن عشر من شوال طيف بالمحمل وخرج إلى بركة الجب وأميرهم تمربائي الدوادار الثاني وأمير الأول المحتسب صلاح الدين بن الصاحب بدر الدين بن نصر الله ، ورحلوا من البركة الحادي والعشرين منه ، وفي أواخر بشنس من الأشهر القبطية زاد النيل قبل أوان عادته زيادة عظيمة ، وغرق غالب ما زرع من المقاث البطيخ والسمسم وغيره في الجزائر وفسد للناس شيء كثير من البطيخ ونحوه ، ثم عادت الزيادة في أوائل بؤنة ، وكل ذلك قبل الوقت الذي جرت فيه العادة بالزيادة . فلما كان الثاني عشر من بؤنة وهو أول وقت المعتاد(8/354)
"""""" صفحة رقم 355 """"""
زاد أيضا بحيث بلغت الزيادة في المدة المذكورة نحو ستة أذرع ثم نقص نحو ذراع ونصف ، ثم لما كان في الخامس والعشرين من بؤنة وهو اليوم الذي جرت فيه العادة بابتداء القياس وجد الماء قد بلغ إلى أحد عشر ذراعا وعشرة أصابع وقد كان قد بلغ ثلاثة عشر ذراعا لكن نقص في أول العشر الأخير ، وهذا شيء لم يعهد مثله بمصر ، وأكثر ما وصل إلى يوم الخامس والعشرين إلى عشرة أذرع ولكنها لم تفتح زيادتها قبل الأوان ، وزاد في اليوم السادس والعشرين إصبعين ، وفي الذي بعده إصبعين ثم ثلاثة ، ثم توقف عن الزيادة من ثامن عشري بؤنة إلى رابع أبيب ، ثم زاد فيه إصبعا وإصبعا ثم إصبعين وتمادى ، وكان نقص سبعة عشر إصبعا ، وتحرك سعر القمح فازداد كل يوم شيئا إلى أن وصل إلى مائتين وخمسين بعد إن كان بمائة وثمانين ، وفي آخر يوم من المحرم وهو اليوم الثاني من أيام النسىء كانت الزيادة خمسة أصابع فانتهى إلى تسعة عشر ذراعا وأربعة أصابع ، وصادف أنه كان في العام الماضي في مثل هذا اليوم من أيام النسيم كان انتهى إلى هذا القدر سواء ، وهذا من عجائب الاتفاق ، وفي أول ذي القعدة وصل الخبر من شيراز من شاه رخ بأنه جهز إلى مكة كسوة للكعبة وهي التي كان(8/355)
"""""" صفحة رقم 356 """"""
عقد المجلس بسببها في أوائل هذه السنة وجهزت الرسل بالأجوبة ، فجهز هو الكسوة من قبل أن يعود عليه الجواب وانزعج السلطان وكان من سيأتي ذكره .
وفي الرابع والعشرين من ذي القعدة كسرت عدة جرار تزيد على المائتين من الخمور فيها كبار تسع الواحدة نحو القطار ، وذكر أنها لشخص يقال له أبو بكر بن الشاطر سمسار القماش الإسكندراني ، وكان لكسرها في وسط البحر رجة واجتمع فيه خلق كثير . والسبب فيه أنه عثر عليه في بعض الحواصل بساحل بولاق فاستعان بأناس من الجند .
فهجموا على الذين عثروا عليهم فضربوهم ، فهربوا فحولوا جميع ذلك إلى مركب وانحدروا بهم إلى قرب شبرا ، فتوجه إليهم الوالي فقبض عليهم . فتمكنوا منهم وأخذوا الجرار ، فرجعوا بأهالي الساحل فكسروها وكان يوما مشهودا .
وفيها وقع بين جماعة من نواحي الزبداني فتنة ، فقتل خطيب الجامع وجماعة نحو الستة عشر نفسا ، واتهم بذلك زين الدين بن صادر الاستادار(8/356)
"""""" صفحة رقم 357 """"""
فبلغ السلطان ذلك فأرسل يستدعيه ويأمره أن يحضر معه بتقدمة ، فبادر إلى الحضور ، فلما وصل إلى قطيا جهز السلطان عمر الوالي وأمره أن يقتله حال اجتماعه به ، فلاقاه إلى بليس فقتله وحمل رأسه إلى السلطان ، وهو عبد الرحمن بن محمد بن صادر ، ولي الأستادارية في المستأجرات والحمامات السلطانية ، وكان أستادار جقمق دويدار الملك المؤيد بالقاهرة ، وتنقلت به الاحوال بعده إلى أن مات عن نحو من سبعين سنة . وفيه خرج عرب بني لام على المبشرين بالوجه فقتلوا منهم اثنين وسلم المبشر وهو بيرم خجا القرشي ، فدخل في الثامن والعشرين من ذي الحجة وليس معه شيء من الكتب ، وذكر أنه نهب لهم أشياء وأنه كان معه نفائس حصلها فجاء مسلوبا ، وفي يوم الثلاثاء ثاني عشر ذي الحجة خرج شهاب الدين ابن المحمرة على مشيخة الصالحية بالقدس ، فصادف قدوم عز الدين القدسي فالتقيا بالخانقاه الناصرية ، ودخل عز الدين يوم الأربعاء ثالث عشر ذي الحجة القاهرة ، واستمر بها على نيابة القضاء فقط ، وصرف عز الدين الناعوري عن قضاء حمص وأضيف ذلك إلى قاضي الشام .(8/357)
"""""" صفحة رقم 358 """"""
وفيات سنة 838
ذكر من مات في سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة من الأعيان
أحمد بن عبد الخالق بن عبد العزيز ، الاسيوطي شهاب الدين ، سمع من أبيه ومن عبد الرحمن بن القارئ وأجاز له ، وكان يواظب التكسب بالشهادة في جامع ظاهر الوراقين ، وكتب في الاستدعاآت بأخرة وحدث به وسمع الفضلاء ، ومات في ثاني عشر ربيع الآخر .
أحمد شاه بن أحمد بن حسن شاه بن بهمن سلطان كلبركة شهاب الدين أبو المغازي ، أقام في مملكته أربع عشرة سنة وكان خيرا ، له مآثر بمكة ، واستقر بعده ابنه ظفر شاه واسمه حميد أيضا .
أحمد بن عمر ، البلبيسي البزاز شهاب الدين ، مات في يوم الجمعة ثاني عشر رجب وقد جاوز الثمانين ، وكان من خيار التجار ثقة ودينا وأمانة وصدق لهجة ، وله عدة مجاورات بمكة ، وسمع الحديث الكثير وأنجب أولادا رحمه الله تعالى .(8/358)
"""""" صفحة رقم 359 """"""
إبراهيم السلطان أمير زه ابن القان معين الدين شاه رخ ابن الطاغية تيمور خان صاحب شيراز ، كتب الخط المنسوب قارب ياقوت ، ومات في رمضان ، ووجد عليه أبوه وأهل شيراز .
أحمد بن ناصر الدين محمد بن أبي بكر بن رسلان بن نصير ، البلقيني شهاب الدين ، ابن أخي شيخنا سراج الدين ، مات في السادس والعشرين من رجب بعلة السل ، ولد سنة ست وتسعين ، ولما ترعرع كان بان عم أبيه القاضي جلال الدين قاضيا وقد استناب أباه فتعلم القرآن ، وحفظ كتبا . ودربه أبوه في توقيع الحكم ، واشتغل في القراآت والعربية ، وكان حسن الصوت بالقرآن ، أم بالمدرسة الملكية بالقرب من مشهد الحسين ، ووقع في الحكم ، ثم ناب في القضاء بأخرة ، وخدم ابن الكويز وهو كاتب السر ثم ابن مزهر ، فأثرى وصارت له وجاهة وحصل جهات ، ثم تمرض أكثر من سنة ، ودفن عند أبيه بمقابر الصوفية . أحمد بن محمد ، ناصر الدين المعروف ابن أمية الحكم ، وكان ينوب في الحكم بمصر وعدة بلاد من البهنساوية ، وكان له مدة منقطعا بمرض عرض له فالج فانقطع بسببه .(8/359)
"""""" صفحة رقم 360 """"""
أحمد بن محمد - الماجري المصمودي الشيخ . . .
أحمد الحنبلي شهاب الدين الحلبي المعروف بالخازوق ، ولي قضاء الحنابلة بها مرارا ، وفي سنة خمس صرف وتقرر ابن الرسام ، فدخل القاهرة ليعود إلى القضاء فتعذر ذلك مدة إلى أن قرر ، فلما وصل لدمشق ضعف فتوصل إلى حلب في محفة فدخلها مريضا ، فاستمر على ذلك إلى أن مات بعد دخوله حلب بقليل .
إسماعيل بن علي بن محمد بن داود بن شمس بن عبد الله بن رستم ، البيضاوي الزمزمي . المؤذن بمكة ، يكنى أبا الطاهر ويلقب مجد الدين ، ولد سنة ست وستين ، وأجاز له صلاح الدين ابن أبي عمر وعمر بن أميلة وأحمد ابن النجم وحسن بن مقبل وآخرون ، وكان يتعانى النظم ، وله نظم مقبول ومدائح نبوية من غير اشتغال بالآلة ، ثم أخذ العروض عن الشيخ نجم الدين المرجاني ومهر ، وكان فاضلا ، ورحل إلى القاهرة فسمع من بعض شيوخنا ، وكان قليل الشر مشتغلا بنفسه وعياله مشكور السيرة ملازما لخدمة قبة العباس ، وله سماع من قدماء المكيين ، وحدث بشيء(8/360)
"""""" صفحة رقم 361 """"""
يسير ، سمعت من نظمه ، وأخوه إبراهيم ولد سنة 777 ، وأجاز لي في سنة 787 النشاوري والشهاب ابن ظهيرة وآخرون ، واشتغل في عدة فنون ، وأخذ عن أخيه حسين علم الفرائض والحساب فمهر فيهما .
أبو بكر بن أحمد بن عبد الله بن الهليس ، رفيقي زكي الدين المهجمي الأصل ثم المصري ، ولد بعد السبعين بيسير ، ونشأ في حال بزة وترفه ، ثم اشتغل بالعلم بعد أن جاوز العشرين ولازم الشيوخ ، وسمع معي من عوالي شيوخي مثل البرهان الشامي وابن الشيخة وابن أبي المجد وبنت الأذرعي وغيرهم فأكثر جدا ، وأجاز له عامة من أخذت عنه في الرحلة الشامية ، ورافقني في الاشتغال على الأبناسي والبلقيني والعراقي وغيرهم .
ثم دخل اليمن في سنة ثمانمائة فاستمر بالمهم وبعدن إلى أن عاد من قريب فسكن مصر ، ثم ضعف بالذرب واختل عقله جدا - وثم منه جيرانه فنقلوه إلى المارستان المنصوري ، فأقام به نحو شهرين ومات ، وصليت عليه ودفنته بالتربة الركنية بيبرس في سلخ المحرم .
باني سنقر بن شاه رخ بن تيمور صاحب مملكة كرمان ، مات في ذي الحجة .
أبو بكر الشيخ تقي الدين اللوبياني الفقيه الشافعي ، أحد الفضلاء الشافعية بدمشق فباشر تدريس الشامية الجوانية وغيرها ، ومات في شوال .(8/361)
"""""" صفحة رقم 362 """"""
حسين بن علي بن سبع ، المالكي شرف الدين وبدر الدين البوصيري ، ولد سنة 45 ، وسمع على المحب الخلاطي أكثر الدار قطني أنا الدمياطي وصفة التصوف لابن طاهر خلا من أول الزهد إلى آخر الكتاب ، وسمع أيضا على عز الدين بن جماعة غالب الأدب المفرد للبخاري ، وعرض على مغلطاي شيئا من محفوظه وأجاز له ، وكان من الطلبة بالشيخونية ، وحدث ، سمع منه رضوان وابن فهد والبقاعي وغيرهم ، واجاز لابني محمد ومن معه ، ومات في ربيع الأول .
طرباي الظاهر نائب طرابلس ، وبها مات في يوم السبت ثالث رجب فجأة .
خضر بن أحمد ، اصله من . . وكان يتجر في الزيت ثم في البر يجلبه ويبيعه ، وأنجب ابنه إبراهيم صاحبنا ، وذكر أن مولده سنة سبع وأربعين فبلغ التسعين وكان عجز بأخرة وانقطع فآواه ولده إلى أن مات .
زهير بن سليمان بن زبان بن منصور بن جماز بن شيحة الحسني ،(8/362)
"""""" صفحة رقم 363 """"""
قتل في حرب وقعت بينه وبين أمير المدينة مانع بن علي بن عطية بن منصور بن جماز في شهر رجب ، وقتل معه جمع من بني حسين ، منهم ابن عزيز بن هيازع الذي كان أبوه أمير المدينة ، وكان زهير فاتكا يقطع الطريق ومعه جماعة ، كما تقدم في حوادث سنة أربع وثلاثين .
عبد الله بن سلمان المحلي جمال الدين أحد موقعي الحكم ، وقد ناب في الحكم في بعض الجهات وفي بعض النواحي بالقاهرة قليلا ، مات في يوم الاثنين ثاني عشر رجب .
عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن حمزة المقدسي زين الدين ، ولد في رمضان سنة 789 ، وأسمعه عمه الكثير من ابن المحب وابن عوض وابن داود وابن الذهبي وابن العز ، مات فجأة في 14 شهر ربيع الآخر ، فمن مسموعه على ابن العز السادس من مسند أنس من المختارة للضياء والثاني والسبعين منها ، وسمع على ابن داود الثاني من أمالي المحاملي رواية ابن أبي عمر ابن مهدي أنا سليمان ابن حمزة .
عبد الرحمن بن نجم الدين عمر بن عبد الرحمن بن حسين بن يحيى(8/363)
"""""" صفحة رقم 364 """"""
ابن عبد المحسن ، المسند زين الدين أبو زيد القبابي ثم المقدسي الحنبلي ، ولد في 13 شعبان سنة 49 ، وأجاز له أبو الفتح الميدومي وجل شيوخ شيخنا .
العراقي ، وسمع من الشيخ تقي الدين السبكي وصلاح الدين ابن أبي عمر وابن أميلة وصلاح الدين العلائي وناصر الدين التونسي والتباني وابن رافع وأحمد بن النجم إسماعيل والخلاطي وابن جماعة ومغلطائي وابن نباتة والرساوي وحسن بن هبل ، وشيوخه بالسماع والإجازة نحو المائة وخمسين نفسا خرجت له عنهم مشيخة ، وأجاز لي غير مرة ، مات في سابع شهر ربيع الآخر ببيت المقدس ، وقد أكثر عنه الرحالة وقصد لذلك ، وبلغ سبعين سنة إلا قليلا ، وتفرد بأكثر مشايخه .
عبد الواحد بن إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الوهاب ، الفوي الأصل ثم المكي العلامة النحوي جلال الدين أبو المحامد الشهير بالمرشدي ، ولد في جمادى الآخرة سنة ثمانين بمكة ، وأسمع على النشاوري والأميوطي والشهاب بن ظهيرة وغيرهم ، ورحل إلى القاهرة فسمع بها من بعض(8/364)
"""""" صفحة رقم 365 """"""
شيوخنا ، ومهر في العربية ، وقرأ الأصول والمعاني والفقه ، وكان نعم الرجل مروءة وصيانة ؛ ومات في يوم الجمعة 24 شعبان ، وكثر الأسف عليه .
علي بن طيبغا بن حاجي بك ، التركماني الشيخ علاء الدين العينتابي الحنفي ، كان فاضلا وقورا ، مهر في الفنون ، وقرره السلطان الأشرف مدرسا وخطيبا بالتربة التي أنشأها بالصحراء ؛ مات في طريق الحجاز ودفن بالقرب من الينبع .
علي بن محمد بن موسى بن منصور ، المحلي ثم المدني الشيخ نور الدين ، كان مولده في جمادى الأولى سنة 754 بالمدينة ، وسمع علي ابن حبيب وابن خليل وابن القارئ وأبي البقاء السبكي وغيرهم ، وأجاز له ابن أميلة وابن هبل وابن أبي عمر ، وحدث باليسير وأجاز لنا : ومات يوم مات في الثالث من شوال وليس ببلاد الحجاز أسند منه .
عمر البسطامي المقيم بالعارض بسفح المقطم ، كان كثير الذكر مستمرا عليه لا يفتر عنه لسانه ، وتحكى عنه كرامات ، وللناس فيه اعتقاد وعمر نحو التسعين .
. . . . تقدم في التي قبلها فيحرر .
فاطمة بنت خليل بن أحمد بن أبي الفتح المقدسية ثم القاهرية(8/365)
"""""" صفحة رقم 366 """"""
زوج غازي الحنبلي ، ولدت في . . . وأجاز لها أكثر شيوخ القباني الذين ذكروا قبل ، وخرجت لها مشيخة اضفتها إلى مشيخة القباني ، وحدثت بأخرة ، سمع منها الطلبة ؛ وماتت في أول يوم من جمادى الأولى وقد تفردت عن بعضهم .
محمد بن المنصور بن أبي فارس بن عبد العزيز بن المنتصر ملك الغرب عم أبيه الحسين ، وكان فاضلا ذكيا شاطرا ، يحفظ المذهب وكثيرا من معاني الحديث ، وكحل .
محمد بن عبد الله بن عبد القادر ، الشيخ نجم الدين الواسطي السكاكيني ، يقال إنه قرأ على العاقولي ومهر في القراآت والنظم والفقه ، يقال إنه أقرأ الحاوي ثلاثين مرة ، وله شرح على منهاج البيضاوي ، ونظم بقية القراآت العشر وتكملة للشاطبي على طريقته حتى يغلب على سامعه انه نظم الشاطبي(8/366)
"""""" صفحة رقم 367 """"""
وخمس البردة وبانت سعاد ؛ مات بمكة في سادس عشري شهر ربيع الآخر .
محمد بن علي ، جمال الدين التوريزي التاجر ، تنقلت به الاحوال ، وتولى ببلاد اليمن التحدث في المتجر السلطاني بعدن ثم صرف ، وكان تسحب من القاهرة من ديون ركبته في سنة 24 ولم يعد إليها ، ومات في هذه السنة بمكة ، وهو أخو على المذكور قبل بسنتين المقتول سنة أربع وثلاثين .
محمد بن محمد بن عمر ، تقي الدين بن شيخنا سراج الدين البلقيني ؛ مات في أول ليلة الثاني عشر من شوال ، ودفن صبيحة ذلك اليوم الأربعاء على أبيه وجده ، وكان مولده سنة تسع وثمانين مات أبوه وهو طفل فرباه جده ، وحفظ القرآن وصلى بالناس وهو صغير له نحو عشر سنين ، ودرس في المنهاج ، ولازم الشيخ كمال الدين الدميري وغيره ، وكان ذكيا حسن النغمة ، ونشا في إملاق ، ولما ولي عمه القضاء نبه قليلا ، وولي بأخرة نيابة الحكم بمنية الأمراء وغيرها من الضواحي ، ودرس(8/367)
"""""" صفحة رقم 368 """"""
بعد موت عمه جلال الدين في الفقه بجامع طولون ، وتمول بملازمة ناظر الجيوش عبد الباسط ، وحصل وظائف وإقطاعات ورزقا ، وصار كثير المال جدا في مدة يسيرة . وسيرته مشهورة وسبب تقدمه عند المذكور مشهور ، وتقدم في الصلاة عليه عمه علم الدين وله نحو الخمسين ، وخلف ولدا كبيرا وآخر صغيرا وابنتان ، وقد حدث عن جده بشيء يسير ، قرأ بعض الطلبة عليه كتاب الجمعة للنسائي بسماعه من جده أنا إسماعيل البلقيني بسنده .
محمد ناصر الدين بن الشيرازي نقيب الجيوش ، مات في يوم الثلاثاء رابع عشر شهر ربيع الآخر عن بضع وخمسين سنة ، وكان تام القامة كثير المداراة محببا إلى الناس لكنه كان مسرفا ، وله في هذه الوظيفة مدة طويلة .
تقي الدين بن الجيعان أخو كاتب ديوان الجيش ، وكان ساكنا وقورا يباشر في عدة جهات . . . . ، وكانت جنازته حافلة ، وكثر التاسف عليه .
عماد الدين السرميني موقع الدست بدمشق ، وكان فاضلا ذكيا ، مات في شوال وقد بلغ الأربعين أو قاربها .
الحطي ملك الحبشة الكافر - لا رحم الله فيه - بغرز إبرة .(8/368)
"""""" صفحة رقم 369 """"""
حوادث سنة 839
سنة تسع وثلاثين وثمانمائة
استهلت بالخميس ، ووافق ذلك رابع مسري من شهري القبط . وبلغت زيادة النيل فيه إلى دون خمسة عشر ذراعا . ثم وقع الوفاء وكسر الخلج في يوم الاثنين خامس المحرم ووافق ثامن مسري ، وكان نظير ذلك في العام الماضي في سابع مسري ، وزاد من الذراع - السابع عشر أربعة اصابع ، وباشر ذلك ولد السلطان ، وكان يوما مشهودا ، وسر الناس بذلك ، وتباشروا بانحطاط السعر - فلله الحمد .
واستمرت الزيادة بعد ذلك إلى أن كان في آخر يوم من مسري قد انتهى إلى تسعة عشر ذراعا سوى إصبع واحد . ولم يعهد مثل هذا فيما مضى من السنين سوى في السنة الماضية - فالله المحمود على كل حال .
وفيه وصل إلى حلب رسل من قبل جانبك الصوفي ، فبلغ السلطان ذلك فجهز لنائبها بقتلهم فقتلوا ، ثم تبين أن ذلك كان في آخر - في السنة الماضية ، وكان النيروز يوم الثلاثاء ، خامس صفر ، وكانت السنة القبطية كبيسا ولم يلعب أحد فيه لنهي السلطان عن ذلك وبلغت زيادة النيل فيه تسعة عشر ذراعا وثمانية عشر إصبعا ، وساوى العام الماضي في ذلك وزاد ثلاثة أصابع ثم زاد في أول يوم من توت إصبعين ، وفي الثاني إصبعا ، وكان في العام الماضي قد نقص في أول يوم من توت أربعة أصابع(8/369)
"""""" صفحة رقم 370 """"""
ومع ذلك فلم ترو عدة بلاد من الجيزية التي كان من شأنها أن تروى من ستة عشر لفساد الجسور - والأمر لله ثم يسر الله أن زاد حتى وفي قدر العام الماضي ولم يكن أحد يظن ذلك ، وانتهت زيادة النيل في أول يوم من بابة إلى عشرين إصبعا ، ورئي شهر ربيع الأول ليلة السبت ، وثبت ذلك فلم ينقص منه إلى الرابع من شهر ربيع الآخر سوى قدر ذراع ، ودخل هاتور من الأشهر القبطية وهو على ثباته ، وتأخر زمان الزرع عن العادة ، وضج الناس من ذلك ، وغلا السعر في القمح وغيره إلى أن بلغ القمح نحو الدينار ثم تناقص .
وفيها استدعى شاه رخ قرا يلك وأمره بقتال إسكندر فكان ما حكيناه في السنة الماضية ، ووصل أحمد بن شاه رخ نجدة لقرا يلك ، فلقوا إسكندر على ميافارقين ، فقتل من الفريقين جمع جم ، وانهزم إسكندر إلى بلاد الروم ، فوصل إلى أفشر وكاتب صاحب مصر فقام متوليها بخدمته ، ودل عليه أحمد بن شاه رخ ، فسار في طلبه فتبعه العسكر فانهزم ودخل توقات من بلاد الروم ، فأرسل صاحبها يستأذن ملك الروم مراد بن محمد بن عثمان - في أمره - ، فأرسل إليه هدية بما قيمته عشرة آلاف دينار(8/370)
"""""" صفحة رقم 371 """"""
وأمر بإكرامه ، فإلى أن يصل إليه ذلك جرى على عادته من الفساد والنهب ، فشق ذلك على متولى توقات وراسل صاحبه ، فأمر برد الهدية وإخراج إسكندر من بلاده ، فسار إلى جهة بلاد القرانية ، وراسل شاه رخ ملوك الروم وجهز لهم خلعا وأمرهم بطرد اسكندر وملك أحمد بن شاه رخ ملك الروم وتزوج بنت قرايلك ، ولما وصل الخبر للسلطان شرع في التجهيز للسفر وعرض أجناد الحلقة ، وفي الثالث من شهر ربيع الأول خلع على شرف الدين أبي بكر بن سليمان الحلبي سبط ابن العجمي كبير الموقعين ونائب كتابة السر بكتابة السر بحلب ، وقرر ولده مكانه في جهاته ، وهو معين الدين عبد اللطيف ، وجهز إلى كاتب السر بها زين الدين عمر بن السفاح بالحضور ، لأن كاتب السر ابن السفاح بحلب كتب يحذر من - غائلة - قرقماس وأنه يريد الخروج عن الطاعة ، ففطن قرقماس فراسل يطلب الحضور ، وصادف توجه النجاب بطلبه فسبق قاصده ، فعرف السلطان براءته مما رمى به وأذن له في المجئ ، وحنق على ابن السفاح وعزله من كتابة السر وأمره بالقدوم ، ثم شفع فيه أن يستمر بطالا ، وتوجه شرف الدين ، واتفق قدوم قرقماس على الهجن في أربعة عشر يوما في سادس ربيع الأول ، فلما قدم أكرم .
وفي صبيحة وصوله خلع أمير سلاح مكان جقمق ، وخلع على(8/371)
"""""" صفحة رقم 372 """"""
إينال الجكمي الأمير الكبير بنيابة حلب . وعين جقمق الذي كان أمير سلاح في وظيفته ، وعوتب قرقماس بأنه راسل جانبك الصوفي ، فتنصل وكان ما سيأتي ، ثم سافر إينال الجكمي وشرف الدين في الرابع عشر من شهر ربيع الأول إلى مدينة حلب ، - وخلع على جقمق مكان الجكمي قبل ذلك - في السابع منه ، وخلع عليه أيضا بنظر المارستان - في السادس عشر منه - ، والعجب أنه بعد ثلاث سنين ولي السلطنة في هذا الشهر ، وحضر المولد السلطاني في الثالث عشر منه وجلس رأس الميمنة وجلس قرقماس رأس الميسرة ، ثم جاء ولد السلطان فجلس فوقه وكان السرور طافحا على جقمق وقرقماس مكتئب .
وفي حادى عشر ربيع الآخر وصل الخبر بموت قصروه نائب الشام ، فقرر مكانه إينال الجكمي الذي توجه قريبا إلى حلب ، وتوجه القاصد إليه بنقله عن حلب إلى دمشق ، وقرر تغرى برمش أمير آخور التركماني نائبا بحلب ، فسار في أول الشهر إلى جهة حلب وخرج في بحمل زائد ، وقرر عوضه جانم أخو السلطان الأشرف من أمه أمير آخور ،(8/372)
"""""" صفحة رقم 373 """"""
وخلع عليه في سابع جمادى الأولى - أيضا - ، وأمر تغرى بردى المؤذى تقدمة ، وورد كتاب صاحب حصن كيفا يخبر فيه بمنازلة شاه رخ تبريز وإذعان إسكندر بن قرا يوسف له ، ثم ظهر أن إسكندر انكسر ودخل شاه رخ تبريز ونزل من رساع يشتى فيها ، وأرسل عسكرا مع ولده إبراهيم يتبع إسكندر فدخل اسكندر بلاد صاحب مصر واستأذنه في الإقامة بها ، فأجابه الأشرف لذلك ، فأرسل إليه هدية وآثره بجملة من المال ، وورد كتاب نائب ملطية يخبر فيه بإمساك جانبك الصوفي ، وتاريخه ثامن عشر ربيع الأول ، ثم أحضرت رأس عثمان بن قرايلك وولده وعلقتا بباب زويلة - وذكر نائب ملطية في كتابه أنه - وقع بينه وبين قوم آخرين من التركمان حرب فسقط عن فرسه في المعركة - فغرق - فلم يشعر به إلا بعد يومين - فعرف ، وكوتب السلطان فأمر السلطان بإحضار رأسه - وشرح نائب ملطية أمورا - كثيرة - ،(8/373)
"""""" صفحة رقم 374 """"""
فأرسلت إليه هدية وأمر ، ووصل قاصد ابن دلغادر يخبر بإمساك جانبك - الصوفي - ، ووصل جمال الدين يوسف بن عبد الله الكركي قريب ابن الكويز الذي كان ولي كتابة السر بعد موته قدر نصف سنة ختام سنة ست وعشرين وأوائل سنة سبع وعشرين ، ثم صرف وولي أخيرا نظر الجيش بالشام فاستمر فيه ، ثم صرف ثم أعيد مدة فوصل مطلوبا في أول يوم من شهر ربيع الآخر فتوعك ، واستمر إلى أن خلع عليه يوم السبت سادس جمادى الأولى بكتابة سر الشام وصرف من نظر الجيش ، فاستقر فيها بهاء الدين بن حجى وكان وليها مرة قبل هذه ، وفي أواخر شهر ربيع الآخر غلا سعر القمح فتزايد وقل الخبز من الحوانيت فضجت العامة ، فأمر السطان بفتح الشؤن - والبيع - منها ، فمشى الحال قليلا وتزايد السعر إلى أن بلغ القمح أربعمائة والفول مائتين والشعير مائة وسبعين ، وسكن الحال بوجود ذلك وبيع الرغيف الذي زنته نصف رطل بدرهم ونصف قنطار من الدقيق - ويسمى عندهم بطه - بمائة وعشرة ، وهذا كله والري قد شمل الأرض قبلها وبحررنها فكيف لو كان فيه تقصير اللهم الطف بعبادك يا رب العالمين .(8/374)
"""""" صفحة رقم 375 """"""
وفيها وقع الطاعون ببرصا فدام أربعة أشهر ، وفيه قبض على جانبك الصوفي وقد تقدم ذكر ظهوره في السنة الماضية فاتفق أنه توجه هو قرمش الأعور وابن سلامش وابن قطلبك إلى محمد بن قرايلك فقواهم ، فنازلوا قلعة دوركي ونهبوا ما حولها ، ثم توجه محمد إلى أبيه بأمر شاه رخ لقتال إسكندر ، وتوجه جانبك ومن معه إلى ملطية فحاصروها ، فأظهر له سليمان بن ناصر الدين بن دلغادر أنه معه ، فكتب إليه أن يقدم عليه ، فقدم في مائة وخمسين فارسا ، فتلقاه جانبك فأظهر له المناصحة حتى اطمأن إليه ، ثم غدر به وقبض عليه وتوجه له ليلا حتى دخل الأبلستين ، وكتب إلى نائب حلب يعلمه بأنه قبض عليه في سابع عشر ربيع الأول ويقر في مقابلته خمسة آلاف دينار ، فجهز نائب حلب كتابه إلى السلطان بمصر ، وجهز ناصر الدين قاصده إلى ولده سليمان أن يرسل إلى صاحب مصر بالإعلام بذلك - ويخبر جنبك ليتخذ عنده يداكي يطلق ولده فياضا ولم يكن بلغه إطلاقه ، ففي غضون ذلك وصلت إليه خديجة وابنها فياض ، وأرسل جانبك كتابا إلى يلبان نائب درنده يستميله ، فقبض على قاصده وسجنه وأرسل(8/375)
"""""" صفحة رقم 376 """"""
بكتابه إلى الأشرف ، فتحقق غدر ابن دلغادر ، ووقع الإرجاف بأمر جانبك ، وكثر القال والقيل لا سيما ممن يتعصب له ، وكان ناصر الدين قبل ذلك نازله تغري برمش نائب حلب ، ففر منه فأمر أهل الأبلستين بالرحيل منها وأحرقها . ونهب العسكر من بقي بها . فكانت غيبته خمسين يوما .
وفي شوال رجع شاه رخ إلى الشرق ، واستناب بتبريز شاه جهان وأنعم عليه بجميع نساء إسكندر بن قرايوسف ، ووجد مع جانبك بعد القبض عليه كتاب شاه رخ يحرضه على أخذ البلاد الشامية ويعده بأنه يرسل إليه ولده أحمد نجدة له بالعساكر ، فقلق صاحب مصر من ذلك وكتب إلى نواب الشام بالاستعداد .
وفي ربيع الآخر نودي بعرض أجناد الحلقة ، فعرضوا على السلطان فقال : اخرجوا كلكم ، من قدر على فرس ركب فرسا ، ومن قدر على حمار ركب حمارا ، وفي سابع عشره ورد الأمير شاهين الأيدكاري وصحبته قصاد إسكندر بن قرا يوسف ومعهم راس قرا يلك ورأس ولديه ، فأمر السلطان بالرؤوس فطيف بها وزينت القاهرة - وعلقت الرؤوس على باب زويلة وحمل إلى الإسكندر مال .(8/376)
"""""" صفحة رقم 377 """"""
وفي آخر الشهر سابع عشر منه تجهز شاذ بك راس نوبة بمال وفرس وسرج ذهب وكنبوش مزركش إلى سليمان بن دلغادر وابنه ناصر الدين ليسلما - جانبك الصوفي ، فجاء الخبر بعد قليل - بأنهما أخذا المال وأطلقا جانبك ، قدم شاذ بك في حادي عشر رجب بذلك ، فشق على السلطان وكاتب أهل البلاد بالشام ونادى في العسكر بالتجهيز للسفر ، وكاتب ملك الروم أن يتأهب للترافق معه على قتال شاه رخ ، ثم جهز السلطان جماعة من الأمراء وهم الأمير الأتابك جقمق الذي ولي السلطنة بعده والد يدار أركماس الحاجب الكبير ويشبك ونائب القلعة تنبك وتغري بردى البكلمشي المعروف بالمؤذي - وقرا قجا الحسني -(8/377)
"""""" صفحة رقم 378 """"""
الذي صار أمير آخور وتاني بك نائب القلعة وتغري برمش الذي صار دويدار كبيرا ، وخجا سودون وألف فارس من مماليكه وألف فارس من جند الحلقة ، وأنفق فيهم سبعة عشر ألف دينار ، وتوجهوا إلى حلب فالتقوا بأميرها تري برمش وساروا جميعا ، وقبض على مملوك لابن دلغادر توجه من جهتهم ليكشف حال أهل حلب فدلهم على جانبك الصوفي أنه مقيم بالأبلستين ، فتوجهوا ففر منهم جانبك ، وهجموا البلد فاحتملوا - ونهبوا ما فيها وعادوا إلى حلب ، وتخلف عنهم خجا سودون بعينتاب ، فاجتمع جاني بك ومن معه على أن يكبسوه فلاقاهم فوقعت بينهم محاربة شديدة انجات عن أخذ قرمش الأعور وجماعة معه ، وفر جانبك وسجن قرمش ومن أسر معه بقلعة حلب ، ثم جهزت رأس قرمش بعد قتله إلى القاهرة .
وفي رابع عشري رمضان قدم اسلماس بن كبك التركماني إلى القاهرة مراغما لجانبك الصوفي ، فأكرمه السلطان وخلع عليه وجهزه إلى بلاده ، وقرر شاذ بك في نيابة الرها عوضا عن أينال الاجرود وأمر بإحضار أينال .(8/378)
"""""" صفحة رقم 379 """"""
وفي هذه السنة أكثر السلطان من النزول إلى الصيد ، ونزل غير مرة إلى الضواحي ، ومنها إلى جامع عمرو فصلى ركعتين ، وإلى خليج الزعفران مرة وغير ذلك .
وفي ثالث عشري ربيع الآخر رسم بعقد مجلس بالقضاة ليتشاوروا في جمع المال لقتال اللنك ، ثم أعفوا من ذلك وأشار السلطان بأن من ينسب إلى الغنى يجهز ما يقدر عليه من المقاتلة ، وقرر على القاضي الشافعي خمسة عشر وعلى الحنفي عشرة ونحو ذلك .
وفي أواخر شهر ربيع الآخر شاع أن شاه رخ قاصد البلاد الشامية ، فنودي في أجناد الحلقة بالعرض فعرضوا عند الدويدار الكبير ، وحصل لهم مشقات كبيرة خصوصا لصعاليكهم ، واستمر التشديد عليهم .
وفيه خلع علي ولي الدين محمد بن تقي الدين أبي القاسم بن عبد الرحمن ابن عبد الله بن محمد بن عبد القادر الششيني نزيل المحلة نديم السلطان ناظر الحرمين عوضا عن سودون المحمدي وشيخ الخدام بالمدينة عوضا عن بشير التنمي ، ثم خلع على الصاحب كريم الدين ابن الصاحب تاج الدين ابن كاتب المناخات بالنظر علي الكارم بجدة ، وشرع في التجهيز صحبة ابن قاسم ، وخلع على يلخجا الثاني أخو الطنبغا الصغير - بشادية جدة(8/379)
"""""" صفحة رقم 380 """"""
عوضا عن نكار ، وخرجوا وصحبتهم جماعة لقصد العمرة والمجاورة وهو الركب الرحبي في نحو أربعمائة جمل ، وساروا في يوم الثلاثاء رابع عشر جمادى الآخرة ، ووصل نكار إلى القاهرة محتفظا به ، ويقال إنه أهين وصودر على مال ، وكان نكار المذكور توجه إلى جدة فلم ينجع كما نجع من قبله ، فسخط عليه لسوء تصرفه .
وفي جمادى الأولى وصل الخبر من اقطوه الذي كان توجه رسولا إلى شاه رخ بأنه وصل إلى حلب وصحبته رسل من شاه رخ ، فأجيب بالإذن لهم في المجئ ، فلما كان في جمادى الآخرة وصل اقطوه سالما كما سيأتي .
وفي ذي الحجة وصلت هدية ملك بنجالة إلى السلطان فغرق المركب ، وقام الصاحب كريم الدين ومن معه إلى أن استخرجوا الشاشات من البحر وأصلحوها بالقصار وجهزوها وفات ما عدا ذلك ، وكان أصلها أن السلطان جهز هدية إلى ملك بنجالة فمات ، فأرسل ولده أحمد بن أبي المظفر جواب الهدية بتحف كثيرة ، فاتفق أن الريح ألقتهم بجزيرة قرب ديبة ، فمات الطواشي الذي من جهة السلطان ، فاحتاط صاحب ديبة(8/380)
"""""" صفحة رقم 381 """"""
على موجوده وترك الهدية ، فوصلت إلى جدة فغرقت دون ذلك ، فبلغ السلطان فشق عليه وأمر بالقبض على كل من وصل مكة من بنجالة ، فقبض عليهم وعلى أموالهم حتى أفتكوها بغرامة ما فسد من الهدية .
ودخل فصل الشتاء في يوم الأربعاء السابع عشر من كيهك وقد اشتد البرد بالديار المصرية جدا كاشد ما عهد في وسط الشتاء ، وكان برد ذلك في الثالث والعشرين من جمادى الأولى ، وكان ابتداء شدة البرد في يوم العشرين منه قبل انفصال الشمس عن القوس بثلاثة ايام ، وتزايد البرد مع عدم الهواء والسحب وما جرت به العادة في الشتاء بمصر بل الهواء غير مزعج الهبوب مع شدة برده ، وأكثر ما تهب من جهة الشرق عن يسار القبلة .
وفي الحادي والعشرين من كيهك صار الماء الذي في البرك وبقايا الخلجان جليدا ، فجمع منه شيء كثير جدا بحيث صار أصحاب المزايل يجمعونه فيبيعونه ، والناس يتسارعون إلى شرائه والتناول منه ويظنون أنه من جملة الثلج ، وكثر ذلك جدا بحيث لم يسمع ينظير ذلك في هذه الأعصار ، وكان الأمر في العام الماضي قبل هذه الأيام بالعكس من استمرار الحر وعدم البرد البتة - فسبحان من له الملك .
وفي السادس عشر منه صرف خليل نائب الإسكندرية عن الإمرة والنظر ، وذكر لنا خليل بن شاهين المذكور أنه في ولايته أبطل ما كان(8/381)
"""""" صفحة رقم 382 """"""
مقررا على الباعة لجهة الحسبة وهو في كل شهر ثلاثون ألفا يحمل إلى ديوان النيابة ، ونقش ذلك في رخامات جعلت على أبواب البلد ، وأنه وجد ابن الصفير الناظر على الثغر أخذ ما بالمجانيق التي بقاعة السلاح من الرصاص فعمر به حماما له ، فطالع بذلك السلطان فأمر بانتزاعه منه فانتزع ، وعمر بالمجانيق كما كانت ، وجدد بها واحدا كبيرا ووضعه على برج يقال له الضرغام ، ووصف لنا ما بالقاعة من العدد فكان شيئا كثيرا وأمرا مهولا حتى أنه قيل إنه في بعض الكائنات احتيج إلى أخذ ورق منها فأخرجت منها خمسة آلاف فلم يؤثر في كثرتها .
وفي العشرين منه استقر سرور المغربي ناظرا وقاضيا بالثغر ولبس الخلعة بذلك ، وبلغني أنه عوتب فقال إن الجمع بينهما جائز لأن الذي ينظر عليه ليس مكسا بل هو زكاة الأموال من المسلمين ، وما يؤخذ من الكفار ليس بمكس ، ثم بعد يوم أهين وضرب على ما بلغني ، ثم قرر اقباي اليشبكي الدويدار في إمرة الإسكندرية ، ثم قرر خليل المذكور في نظر دار الضرب بالقاهرة عوضا عن ابن قاسم وكان قد استناب فيها أخاه فصرف .
وفي يوم الثلاثاء سابع عشري جمادى الآخرة منها - أو في شهر رجب وصل أقطوه الدويدار الذي كان رسولا إلى شاه رخ ابن تمرلنك وصحبته رسل منه ، فاجتمع بالسلطان في يومه ثم وصل الرسل يوم الأربعاء وانزلوا بالقاهرة ، ثم أخذ منهم الكتاب فقرئ وفيه إنكار(8/382)
"""""" صفحة رقم 383 """"""
ما يصنع بمكة من اخذ - المكوس والتحذير من أمر إسكندر ابن قرا يوسف والإذن له في دخول هذه البلاد وأن يخطب له بمصر وتضرب السكة باسمه والتغليط في ذلك والتهديد ، وصحبة الرسول خلعة بنيابة مصر وتاج ، ثم راسله القاصد بان معه كلاما مشافهة ، فأحضر يوم السبت فأداه ، فأمر - بضربه وضرب رفيقه ، فضربا ضربا مبرحا وغمسا في ماء البركة في شدة البرد ولكن بثيابهما حتى كادا يهلكان غما ، ثم أمر بإخراجهما فأعيدا إلى المكان الذي أنزلا فيه ، ثم أمر بنفيهما إلى مكة في البحر ، فحجا وتوجها إلى العراق ، وعزم السلطان على السفر إلى البلاد الحلبية بالعساكر ، وكاتب الأشرف بن عثمان أن يكون عونا على شاه رخ ، وجهز المراسيم إلى بلاد الشام بتجهيز الإقامات ، وكتب إلى جميع المدن الكبار بتجهز العساكر واستخدام جند من كل بلد - فالله يختم بخير .
وفيها أدير المحمل على خلاف العادة ، وأمر مشايخ الخوانق أن يركبوا في صوفيتهم بغير رماحة وأن يلاقوا المحمل من الجامع الجديد إلى الرميلة ويرجع القضاة من هناك .
وفيها وقعت بقرب عسفان بين سرية من أمير مكة وبين بعض العرب من بطون حرب ، فتحيل عليهم العرب وأظهروا الهزيمة فرجعوا عليهم وقتلوا منهم مقتلة وانهزم من بقي ، وممن قتل الشريف ميلب بن(8/383)
"""""" صفحة رقم 384 """"""
علي بن مبارك بن رميثة ، وغنموا منهم اثنين وثلاثين فرسا وجملة من السلاح .
وفي يوم الخميس السابع من شهر رجب استقر شيخ الشيوخ محب الدين محمد بن الشيخ شرف الدين عثمان المعروف بابن الأشقر في كتابة السر الشريف عوضا عن القاضي كمال الدين ابن البارزي .
واستقر ولده شهاب الدين أحمد في مشيخة الشيوخ بسرياقوس عوضا عن والده وباشر ، وهرع الناس للسلام عليه فركب هو مسرعا فطاف على كبراء الدولة فسلم عليهم ورجع ونظر في الأمور ، ورجع من يسلم عليه يتوجع للمنفصل على العادة .
وفي رمضان نقل قانصوه إلى دمشق بتقدمة ألف عوضا عن جانبك المؤيدي لموته ، ونقل حسن ناظر القدس على إمرة قانصوه بدمشق .
وفي جمادى الآخرة صرف أمين الدين القسطلاني عن قضاء المالكية بمكة وأعيد أبو عبد الله النويري .
وفي رجب أوقع تغري برمش نائب حلب بالتركمان بمدينة مرعش ، فقتل منهم جماعة وأسر جماعة وغنم منهم غنيمة كثيرة ، ورجع إلى حلب سالما .
وفيها في الخامس من جمادى الآخرة استقر جمال الدين ابن الصفي الكركي كاتب سر دمشق عوضا عن يحيى بن المدني بحكم عزله ، واستقر بهاء الدين بن حجي في نظر الجيش عوضا عن جمال الدين ، واستقر(8/384)
"""""" صفحة رقم 385 """"""
الشريف بدر الدين محمد بن علي بن أحمد الجعفري في قضاء الحنفية بدمشق عوضا عن الشريف . . .
وفيها نازل اسكندر بن قرا يوسف أرزن الروم فأخذها ، وفر منه قرا يلك إلى آمد بعد ليلة إلى أرقنين .
وفيها وقع بين طوائف من الإفرنج حروب هائلة ، وأنجد المنتصر صاحب تونس بعض الطوائف وكانت أمه منهم ، فكانت النصرة لهم على الباقين .
وفيها حصر العرب مدينة تونس ، وكان المنتصر ضيق عليهم ومن معهم - ومنعهم من دخول تونس ، فانتمى إليهم ابن عمه زكرياء بن محمد بن أبي العباس وأمه بنت أبي فارس ، وكان المنتصر مريضا فأنجد عثمان أخو المنتصر أخاه ، وكانت بينهم مقتلة عظيمة .
وفيها عزل جمال الدين يوسف بن أبي أصيبعة من نظر الجيش بحلب ، وأضيف لزين الدين ابن السفاح كاتب السر .
وفي ذي الحجة خرجت طائفة من العرب من غزة على مبشري الحاج ففتكوا بهم وسلبوهم ، فمشوا حتى وقعوا على بعض ذوي الدول من جهينة ، فآووهم وكسوهم وحملوهم إلى القاهرة ، وحج في هذه السنة(8/385)
"""""" صفحة رقم 386 """"""
أمير ديبه و بلاد الهند ، واسمه حسن بن أبي بكر بن حسن الشهير بابن بدر ويلقب الناصر .
وفيها وقع الوباء ببلاد كرمان و فشا الطاعون بهراة حتى سمعت اقطعوه الذي كان رسولا إلى شاه رخ ملك الشرق يقول - إنه سمع وهو عند شاه رخ أن عدة من مات بهراة ثمانمائة ألف . وتوجه شاه رخ في جمع عظيم لقتال اسكندر بن قرا يوسف ، والسبب في ذلك أن اسكندر كان نازل قلعة شماخي من بلد شروان وقاتل صاحبها خليل ابن إبراهيم الدربندي مدة ، فاغتنم غيبة اسكندر في الصيد فهجم على عسكره فقتل منهم ناسا واسر ولد اسكندر وابنته وزوجته ، فبعث بالابن إلى شاه رخ فسيره إلى سمرقند ، ووقف خليل بنت اسكندر وزوجته في الخرابات مع البغايا ، فلما عاد اسكندر غلب على شماخي حتى خربها ونهب ما بها من الأموال وأفحش في القتل والسبي ، فهرب خليل واستنجد بشاه رخ فخرج في نصرته ، وظفر اسكندر ببنت خليل وامرأته فوقفهما في البغايا ، وألزم واحدة منهما أن تمكن خمسين رجلا يزني بها جزاء(8/386)
"""""" صفحة رقم 387 """"""
ما فعل خليل ، وكان خروج شاه رخ في ربيع الأول فنزل على قزوين في رجب ، وأمر فيروز شاه أمير الأتراك أن يتوجه إلى البلاد ما بين قزوين إلى السلطانية إلى تبريز وسائر العراقين وينادي بعمارة ما خرب من البلاد وزراعة ما تعطل من الأرض وغراس البساتين وحط الخراج عمن زرع إلى خمس سنين وإعانة الزراع والفلاحين بالبذر والمال .
فلما بلغ آبهان بن قرا يوسف خبره راسل شاه رخ بأنه في طاعته فكف عنه - ثم أرسل شاه رخ ولده أحمد إلى ديار بكر في ذي الحجة ، وأقام على قرا باغ وجد في عمارة تبريز ، واظهر العدل إلى أن كان ما سنذكر في السنة المقبلة .
وفي هذا الشهر نزلت الشمس برج الحمل في يوم الأحد ثالث عشري شعبان في النصف من برمهات من أشهر القبط ، وانقضى فصل الشتاء والبرد أشد ما كان كنحو الذي كان في طوبة من اشهر القبط وهو كانون من أشهر الروم ، ثم بعد ثلاثة أيام هجم الحر دفعة واحدة فدام على ذلك سبعة أيام ، ثم عاد البرد على الحال واستمر في رمضان إلا أنه في العشر الأخير منه تناقص ووقع بعض الحر .
وفي يوم الخميس سادس عشري شعبان برز الأمراء بمقدمة العسكر المجرد إلى حلب إلى الريدانية وخرج آخرهم يوم الجمعة ، وهم سبعة أمراء فيهم الأتابك والدويدار الكبير والحاجب الكبير فتوجهوا ، فلما استهل(8/387)
"""""" صفحة رقم 388 """"""
شهر رمضان بيوم أشيع خروج بقية العسكر مع السلطان ثم فتر العزم .
وفي شهر رجب اجتمعت طائفة من عرب بني حرب ومنازلهم حول عسفان بعد أن كانوا يفرقون في أعمال . . . فنهبوا غنما لبعض أهل مكة ، فقبض ابن عجلان على الغنم وردها لأصحابها وأنكر عليهم .
فاعتذروا بأنهم اتفقوا مع والده حسن بن عجلان إن لا حرج عليهم من قبله فيما يفعلونه في غير الحرم ، فأنكر ذلك وأمر بالغارة عليهم ، فخرج إليهم طائفة من أهل مكة منهم أخوه علي بن حسن ووزيره سليمان وميلب بن علي بن مبارك بن رميثة وخرج أرنبغا مقدم المماليك المقيمين بمكة من قبل سلطان مصر ومعه عشرون مملوكا ، وذلك في الثالث عشري من شهر رجب ، فأوقعوا بهم فقتلوا منهم طائفة وانهزم الباقون واستاقوا إبلا كثيرة واشتغل من طلب النهب ، فكمن لهم بعض من انهزم في مضيق فأخذوهم على غرة ، فقتل ميلب وفر أرنبغا وقتل من أهل مكة نحو الثلاثين ومن الترك ثمانية أنفس ونهب جميع ما معهم ودخلوا مكة في أسوأ حال ، وفاز العرب بالغنيمة وتوجهوا إلى بلادهم فصادفهم وصول الوزير وولي الدين بن قاسم ويلخجا الذي قرر شادا على البهار بجدة ، فبلغهم طرف من الفضة فأخذوا حذرهم ، فمروا بمكان الوقعة فدفنوا بعض القتلى وتوجهوا خائفين فلم يلقوا أحدا ودخلوا مكة سالمين في أول يوم من شعبان ، فتوجه أرنبغا ومن بقي معه(8/388)
"""""" صفحة رقم 389 """"""
من الترك إلى القاهرة ، فدخلوها في أوائل العشر الثاني من شهر رمضان ، وذكروا أنه وصل إلى مكة ناس من التجار ومعهم بضائع من قبل شاه رخ ابن اللنك أمر بيعها بمكة وتفرقتها فيها صدقة على من عينه من أهل مكة ، وان المتكلم على البضائع من قبل سلطان مصر أساء عشرتهم وأخذ منهم عشور ما معهم وكاتب السلطان يستأذنه في تمكينهم من بيع ما أحضروه ومن تفرقته .
وفي السابع من شهر رمضان قرر خليل الذي كان نائب الإسكندرية في الوزارة وصرف تاج الدين الخطير وكان قد أظهر العجز ، فاتفق أن لحم المماليك الاجلاب تأخر فرجموه فسعى في الاستعفاء فأناط السلطان الأمر بناظر الجيش ، فتروي في الأمر ثم قرر هذا ، فباشر دون الشهر ثم عجز وقصر - ، فتغيظ السلطان فتلافى ناظر(8/389)
"""""" صفحة رقم 390 """"""
الجيش الأمر وآل الأمر - إلى أن صرف خليل عن الوزارة ، وتكلم ناظر الجيش في ذلك إلى أن يصل كريم الدين ابن كاتب المناخات - من جدة ، فأقام ناظر الدولة يتصرف ويراجعه ، واستمر الحال إلى أن قدم كريم الدين ، واستهل شوال يوم الأربعاء ، فلبس السلطان الأبيض ، وذلك قبل العادة القديمة بأسبوعين - فإن العادة جرت أن يكون ذلك في ثامن بشنس فوقع هذا في الثالث والعشرين من برمودة .
وفي ليلة السبت ثاني ذي القعدة ولد علي بن محمد ابن كاتبه ، أنشأه الله صالحا في دينه ودنياه ، وأمطرت في صبيحة هذا اليوم بعد طلوع الشمس واستمر في طول النهار أحيانا ، وذلك في رابع عشري بشنس ، وكان تقدم قبل ذلك سموم حارة في معظم النهار في الجمعة التي قبلها وفي الليل واضر ذلك بكثير من الخضراوات . وفيه نودي بمنع ضرب أواني الفضة وآلاتها ، وشدد على من يحمل الدراهم المضروبة إلى الحجاز ، لان التجار يستفيدون فيها لرغبة الهنود في الفضة فلذلك قلت بأيدي الناس .(8/390)
"""""" صفحة رقم 391 """"""
وفيه استقر شمس الدين الصفدي في قضاء الحنفية بدمشق على مال يحمله ، وكان قدم القاهرة ليخف عنه فزيد عليه .
وفي ليلة السبت خامس عشري الشهر هبت هواء باردة بحيث عاود الناس لبس الصوف وخصوصا في الليل وفي أوائل النهار ، وذلك عند انفصال فصل الربيع ودخول فصل الصيف .
واستهل شهر - ذي الحجة بالسبت وكنا تراءيناه فتعسرت رؤيته ثم ثبت في اليوم الثاني .
وفي يوم الخميس سادس ذي الحجة نودي على البحر ، وكانت القاعدة يومئذ سته أذرع وستة عشر إصبعا .
وفيها وصل حمزة بك بن علي بن دلغادر فوقف بين يدي السلطان ، فقبض عليه وسجن .
وفيها وقعت بين خجا سودون ومن معه من جيش حلب(8/391)
"""""" صفحة رقم 392 """"""
وبين قرمش ومن معه من اتباع جانبك الصوفي بعينتاب وقعة كبيرة أمسك فيها قرمش وجماعة ممن فر إلى جانبك ، وسر السلطان بذلك لما وصل إليه الخبر - .
وفيها على ما قرأت بخط الشيخ تقي الدين المقريزي أنه بلغه في مجاورته بمكة هذه السنة أن أندراس الحطي صاحب مملكة الحبشة الكفرة مات في الطاعون العظيم الذي وقع في بلاد الحبشة حتى مات بسببه من لا يحصى من المسلمين والنصارى ، وأقيم بعده ولد له صغير ، فغزاهم شهاب الدين أحمد الملقب بدلاي ملك المسلمين بالحبشة ، فغنم وسبى وفتح عدة قرى ، واستنقذ الباني وهي بلدة من بلاد المسلمين كان العدو غلب عليها ، فأنزل بها ألف بيت من المسلمين ، وأقام أخاه خير الدين في بلد ركله ، ونشر العدل وأمنت الطريق في زمانه - ولله الحمد .
وفي هذه السنة فشا الوباء في بلاد اليمن سهلها وجبلها إلى صعدة وصنعاء ، وفي مقابلها من بلاد بربر والحبشة والزنج .(8/392)
"""""" صفحة رقم 393 """"""
وفيات سنة 839
ذكر من مات في سنة تسع وثلاثين وثمانمائة من الأعيان
إبراهيم أمير زاه بن شاه رخ صاحب شيراز ، وكان قد ملك البصرة ، وكان فاضلا حسن الحظ جدا ، مات في رمضان .
أحمد بن شاه رخ ملك الشرق ، مات في شعبان بعد أن رجع من بلاد الجزيرة وأرزن الروم فحزن عليه أبوه ، واتفق أنه مات له في هذه السنة ثلاثة أولاد كانوا ملوك الشرق بشيراز وكرمان ، وهذا كان أعهدهم ، ويقال له أحمد جوكي .
أحمد بن عبد العزيز ، الشبكي ثم الشيرازي الشيخ همام الدين ، قرأ على الشريف الجرجاني ، قرأ عليه المصباح في شرح المفتاح ، وقدم بمكة فنزل في رباط اشت ، فاتفق أنه كان يقرئ في بيته فسقط بهم البيت إلى طبقة سفلى فلم يصب أحد منهم بشيء وخرجوا يمشون ، فلما برزوا سقط السقف(8/393)
"""""" صفحة رقم 394 """"""
الذي كان فوقهم وكان حسن التقرير قليل التكلف مع لطف العبارة وكثرة الورع عارفا بالسلوك على طريق كبار الصوفية ، وكان يحذر من مقالة ابن العربي وينفر عنها ، مات في خامس عشري شهر رمضان .
أحمد بن محمد بن علي بن إسماعيل بن علي بن محمد بن محمد ، الزاهدي الخباز المعمر العابد شهاب الدين ، خادم ضريح الشيخ رسلان لدمشق ، ذكر أنه ولد سنة 739 ، واسمع من زينب بنت الكمال وغيرها فقرؤا عليه بإجازتها ولم يظهر له سماع ؛ ومات في تاسع جمادى الأولى وله مائة سنة وسنتان .
إسماعيل بن عبد الخالق ، الأسيوطي مجد الدين ابن الشيخ ، كان وقورا ، ملازما حانوت الشهود ، قليل الشر ، وله سماع وحضور وإجازة من عبد الرحمن بن القارئ ؛ مات في ثاني المحرم .
بابي سنقر بن شاه رخ صاحب كرمان ، مات في ذي الحجة ، وكان ولي عهد أبيه ، وفيه شجاعة موصوفة .(8/394)
"""""" صفحة رقم 395 """"""
تاج بن سينا بن عبد الله ، الشويكي - بالشين المعجمة والكاف مصغر نسبة إلى الشويكة مكان ظاهر دمشق - المعروف بالتاج الوالي ، وقديما كان يعاني خدمة الأكابر في الحاجة ، وذكر لي أنه كان يخدم الشيخ شهاب الدين ابن الجابي بدمشق ، ذكر لي مرارا ما يدل على أن مولده كان بعد الخمسين ، واتصل بالملك المؤيد قبل سلطنته بعد أن اتصل بالأمير الطنبغا القرمشي فخدمه وراح عليه ، فلما استقر في الملك بالقاهرة ولاه الشرطة فباشرها ، وفوض إليه في أثناء ولايته أمر - الحسبة ، فكان في مباشرته ذلك الغلاء المفرط ، ثم في أواخر الدولة صرف عنها واستقر استادار الصحبة ، وفي مرض موت المؤيد أعيد ، وحصل له في أوائل دولة الأشرف انحطاط منزلة وهو مستمر على الولاية ثم خدم الأشراف فراج عليه أيضا واستقر معه مضافا إلى الولاية المهمدارية وأستادار الصحبة وشاد الدواوين والحجوبية ونظر الأوقاف العامة وغير ذلك ، فأما الشرطة فكان الذي يباشرها عنه غالبا أخوه عمر ، ثم في الآخر صار كالمستبد ثم صرف واستقر غيره ثم صرف مرة أخرة وأعيد ابن الطبلاوي ، ثم صرف ومات وهو على هذه الوظائف كلها ، مات بعلة - بعسر البول في آخر يوم العشرين من المحرم ، وبلغني أنه كان لقي منه شدائد ، وكان يعتريه قبل هذا بحيث أنه شق مرة فخرجت حصاة كبيرة(8/395)
"""""" صفحة رقم 396 """"""
وأفاق دهرا ، ثم عاوده ثم كانت هذه القاضية ، وكان حسن الفكاهة ، ذرب اللسان لا يبالي بما - يقول ، وتنقل عنه كلمات كفر مخلوطة بمجون لا ينطق بها من قبله دون - ذرة من إيمان ، فإن كان . . . مرضا نفعه فإنه كان كثير الصدقة والبر المستمر ، ولم يتعرض السلطان لماله وترافع أخوه عمر وزوجته وقرر عليها خمسة آلاف دينار ، ثم أعفيت من ذلك باعتناء أهل الدولة .
جلبان خوند الجركسية زوج السلطان ووالدة ولده يوسف الذي قرر أميرا كبيرا وهو مراهق ، وكانت من جواريه فأعتقها وتزوجها وحظيت عنده ، وحجت سنة أربع وثلاثين ، فكانت في عظمة زائدة مفرطة ، وماتت بعلة الصرع في يوم الخميس ثاني شوال ، وقد أقدم السلطان من أهلها عددا كثيرا أحضرهم من بلاد الجركس وأقطعهم وخولهم ، وخلفت من الأمتعة والملابس والنقد شيئا كثيرا جدا يقال يقرب من سبعين ألف دينار .
الحسين الإمام العلامة المفتي الأمير ابن أمير المسلمين أبي فارس ، الحفصي ، وكان أخوه لما مات في العام الماضي استقر ولده في المملكة ، ثم أراد الحسين الثورة فظفر به فقتله وقتل أخوين له ، وعظمت المصيبة بقتل الحسين ، وكان فاضلا مناظرا ذكيا - ذكر لي ذلك صاحبنا الشيخ(8/396)
"""""" صفحة رقم 397 """"""
عبد الرحمن البرشكي رحمه الله تعالى .
خشقدم الخصي الظاهري كان خازندار السلطان ثم صرف عنها ، واستقر زماما إلى أن مات ، وخلف مالا جزيلا يقارب مائة ألف دينار ، منه غلال مخزونة قومت بستة عشر ألف دينار ، وصار للسلطان من تركته مال كثير ، وكذا من تركة خوند زوجة يلبغا الناصري ، وقيل : وصل ثمنها قدر عشرين ألف دينار ، وكان مرضه بالقولنج في أوائل السنة فتعافى ، ثم انتكس مرارا إلى أن مات ، وكان شهما يحب الصيد ، وفيه عصبية وخلقه سيء إلى الغاية ، واتفق أنه كان أنشأ مكانا بالقرب من الأخفاقيين يجعله مدرسة ، وعجل ببناء صهريج ، وابتدأ في عمل سبيل لسقي الماء تكمل في مدة ضعفه ، وجرت لشمس الدين الرازي بسبب إثبات وقفية داره في مرض موته إهانة من جهة السلطان واستقر جوهر اللالا زماما بعد موت خشقدم مضافا لوظيفته .
سعد بن محمد بن جابر العجلوني ثم - الأزهري الشيخ مات في شوال ، وكان خيرا دينا سليم الباطن ، ولكثير من الناس فيه اعتقاد ، وذكر عنه كرامات ، وكانت بيده إمامة المدرسة الطيبرسية المجاورة للجامع الأزهر .
صالح بن محمد بن موسى المغربي الزواوي الشيخ صالح كان خيرا ذاكرا لكثير من الفقه ملازما لحضور مجالس العلم ، وجاور بالمدينة(8/397)
"""""" صفحة رقم 398 """"""
الشريفة مدة وحصلت له جذبة ، وقدم القاهرة وسكن بتربة الظاهر بالصحراء ، وحسن ظن كثير من الناس فيه ، ثم سكن القاهرة وتنزل يدرس الحديث بالمؤيدية ورتب له في الجوالي ، ودخل في وصايا كثيرة لكن لم نسمع عنه سوءا في تصرفه وكان يصل إليه من سلطان المغرب كل سنة مبلغ ، وكان شهما يقوم في الحق عند الظلمة ولا يبالي بهم ، وذكر انه سمع من . . . وأجاز لأولادي ، ومولده تقريبا سنة ستين ، رأيت بخطه : ولدت أوان الستين وسبعمائة ، ومات في ليلة الأربعاء ثامن عشري رجب .
عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن الفخر ، المصري ثم الدمشقي زين الدين ، واسم الفخر محمد بن علي ، تفقه قليلا ، واسمعه أبوه الكثير من مشايخ عصره . فسمع على الكمال ابن حبيب سنن ابن ماجة ، وعلى ابن المحب جزء العالي أنا الحجاز وعشرة الحداد أنا إبراهيم بن صالح ، وعلي الصلاح بن أبي عمر مسند عائشة من مسند أحمد ، ومات في جمادى الآخرة .(8/398)
"""""" صفحة رقم 399 """"""
عبد الرحمن بن علي بن محمد ، الحلبي الحنفي الشريف ركن الدين المعروف بالدخان ، اشتغل بدمشق وناب في الحكم مدة ثم ولي القضاء استقلالا بعد موت ابن الكشك ، وكان ماهرا في فروع مذهبه ، مات في ليلة الأحد 7 المحرم .
عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد ، العدناني الشهير بالبرشكي صاحبنا المحدث الرحال الفاضل زين الدين ، أخذ ببلاده عن . . . وعن جماعة ، ورحل إلى المشرق قديما سنة ست عشرة فحج ، وحمل عن المشايخ وأجاز له الشيخ برهان الدين الشامي قديما ، وكان حسن الأخلاق لطيف المجالسة كريم الطباع رحمه الله تعالى .
عبد العزيز بن بدر الدين محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن عبد الله ابن عمر بن حياة بن قيس ، الحراني الأصل الدمشقي نزيل . . . . عز الدين أبو العز ويدعى محمدا ، كان كثير العبادة ملازما للصلاة في الليل ، وله اشتغال بالعلم وتصانيف ونظم ونثر ، ويذكر عنه كرامات وكلام في الرقائق . مات في 13 جمادى الأولى .(8/399)
"""""" صفحة رقم 400 """"""
عبد الملك بن علي بن أبي - ، المنى البابي نزيل حلب ويعرف بالشيخ عبيد ، ولد في حدود سنة سبعين ، واشتغل بالفقه والعربية والقراآت وكان حفظ المنهاج ، واشتغل على الشيخ بيرو والقاضي شرف الدين الأنصاري وشمس الدين النابلسي ، وكان يشغل في الجامع الكبير بحلب ، وأخذ عنه جمع جم ، وناب في الخطابة بالجامع ، ولم يكن صينا ، مات في جمادى الآخرة ، وكانت جنازته حافلة جدا ، وعاش ستين سنة وقد تقدم في العربية والقراآت وشغل الناس كثيرا ، وناب في الخطابة والإمامة بالجامع مدة إلى أن مات .
عبد الولي بن محمد بن الحسن ، الخولاني الإمام ولي الدين ، ولد بغرب من التغلن ، ولازم بتعز الإمام رضي الدين ابن الخياط والإمام جمال الدين محمد بن عمر العوادي والفقيه أحمد بن عبد الله الحرازي(8/400)
"""""" صفحة رقم 401 """"""
والفقيه وحيد الدين عبد الرحمن بن أبي بكر الزوفري وقرأ عليهم الفقه ، ولازم الشيخ مجد الدين الشيرازي وأخذ عنه النحو واللغة ، وجاور معه بمكة وبالطائف ومهر إلى أن صار مفتي تعز مع ابن الخياط ، ومات بالطاعون أيضا .
عثمان بن قطلبك بن طرغلي ، التركماني المعروف بقرايلوك ، كان أبوه من أمراء التركمان بديار بكر وتأمر هو بعده ، وكان شجاعا أهوج ، وله مع الترك والعرب وقائع ، ولما طرق اللنك البلاد انتمى إليه ، ودخل في طاعته فاستنابه في بلاده ، وحضر معه فتح البلاد الشامية ، ووقعت له وقعة مع جكم لما ولي السلطنة بحلب فقتل جكم في الوقعة وقوي قرا يلك واستولى على ماردين وقتل صاحبها وهو آخر أهل بيته ، وكان بينه وبين حديثه بن سيف بن فضل أمير العرب ، وكانت(8/401)
"""""" صفحة رقم 402 """"""
بينه وبين حميد بن نعير عداوة ، فنصر قرا يلك هذا فكبس حديثة بالقرب من شيزر ، فكاتب الملك المؤيد قرا يوسف في الغارة على قرا يلك وسار المؤيد من مصر ، فلما بلغ ذلك قرا يلك ترامى على المؤيد وانتمى إليه فأرس إلى قرا يوسف فشفع فيه فرجع عنه ، ثم صار قرا يلك يغير على بلاد قرا يوسف فخنق منه وكبسه ، ففر منه إلى حلب فتبعه ، فجفل أهل حلب من قرا يوسف وفروا على وجوههم إلى الشام ثم إلى مصر ، ثم كبس قرا يلك على بيرم النائب بأرننكان فقتله ، واتفقت وفاة قرا يوسف ثم المؤيد ، وغلب قرا يوسف على أرزنكان ، وكانت له وقعة مع برسباتي قبل أن يلي السلطنة وبرسباتي يومئذ نائب طرابلس انكسر فيها برسبائي ، وبسبب هذه الوقعة غزا برسبائي في سلطنته آمد ، وكانت له وقعة أخرى مع برهان الدين قاضي سيواس قتل فيها البرهان ، واستمر قرا يلك أميرا مدة وملك الديار ديار بكر ، وشرع في إيواء من هرب من السلطان الأشرف فجهز له عسكرا في سنة 32 فتوجهوا لجهة آمد ، فكبس هابيل بن قرا يلك وهي في طاعة السلطان فأخذها عنوة واستباحها ، فوصل العسكر فأسروه ، ثم جهز للقاهرة فاتفق موته بالطاعون(8/402)
"""""" صفحة رقم 403 """"""
سنة 33 ثم غزا الملك الأشرف آمد ففر قرا يلك واستمر الأشرف يحاصر آمد ، ثم رجع إلى الديار المصرية واستمر قرا يلك على حاله في نهب القوافل وقطع الطريق ، ثم إن قرا يلك جهز من نهب التركمان الذين حول حلب فتجهز له الأشرف نفسه فلم يتم له أمر وأذعن للصلح ، ثم اتفق أن إسكندر بن قرا يوسف فر من مروان شاه ولد اللنك فبلغ خبره قرا يلك فتبعه ، فلما تلاقوا كسره إسكندر كسرة شنيعة وانهزم قرا يلوك فوقع في خندق البلد وهي ارزن الروم ، فنزل إليه جماعة من جهته فاحتملوه ودلي من بالقلعة لهم الجبال فربطوه ورفعوه ، فمات في العشر الأخير من صفر في هذه السنة وقد بلغ التسعين أو زاد عليها وذكر لي الشيخ بدر الدين بن سلامة أنه لما استولى على ماردين استصحبه ، قال : فوجدته في عيشة شظة إلى الغاية وفي غالب زمانه مشتغل بالشر ، وتفرق أولاده بعدة بلاد وانكسرت شوكتهم جدا ، فجهز ولده علي بك ينتمي إلى سلطان مصر ويلتزم أن يكون من جهته .
علي بن صلاح بن علي بن محمد بن علي بن أحمد بن الحسين الحسني إمام الزيدية مات وأقيم ولده بعده فمات عن قرب بعد شهر ، فقام بقصر صنعاء عبد بن عبيد الإمام يقال له سنقر وأراد إن يجعلها مملكة بالشوكة ، فأنف الزيدية من ذلك وثاروا عليه وأقاموا مهدي بن يحيى ابن حمزة قريب الإمام ، وجده مزة هو أخو محمد - جد صلاح ،(8/403)
"""""" صفحة رقم 404 """"""
ويقال إن أم الإمام راسلت صاحب زبيد الملك الظاهر تسأله أن يرسل أميرا على صنعاء ، ولم يتحقق ذلك إلى الآن .
فيروز قطب الدين فيروز شاه بن تهمتم بن جردن شاه بن طغلق ابن طبق شاه صاحب هرمز والبحرين والحسا والقطيف .
قصروه نائب الشام كان من بقايا مماليك الظاهر برقوق ، تقدم في دولة الأشرف وولي أمير آخور في أول دولته ، ثم ولاه نيابة طرابلس ، ثم نقل إلى حلب في سنة ثلاثين فاستمر إلى سنة 37 ، ثم نقل لنيابة دمشق بعد موت جارقطلي في شعبان منها ، وكان عاقلا فاستمر إلى أن مات ليلة الأربعاء - في ثالث ربيع الآخر .
كبيش بن جماز الحسيني كان قصد القاهرة ليتولى إمرة المدينة ، فظفر به قوم لهم عليه ثأر فقتلوه قبل أن يدخلها .
مانع بن علي بن عطية بن منصور - أمير المدينة النبوية مات(8/404)
"""""" صفحة رقم 405 """"""
فتنازع العجل بن عجلان وعلي بن مانع في الإمرة ثم استقرت الإمرة لوميان بن مانع عوض أبيه ، وكان قتله في جمادى الآخرة .
محمد بن إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر ، الفوي الأصل المكي جمال الدين بن عبد الوهاب بن أحمد ، أبو المحامد المرشدي ، ولد في ربيع الأول سنة سبعين وسبعمائة ، واسمع على النشاوري وأبي الفضل النويري والأميوطي وغيرهم ، ورحل إلى القاهرة فسمع بها الكثير ، وطلب بنفسه فسمع على التقي ابن حاتم ، وقرأ الألفية على الحافظ زين الدين العراقي وأذن له ، وله إجازة من مسندي الشام كالصلاح ابن أبي عمر وابن أميلة وغيرهما ، وخرج له الشيخ خليل الأقفهسي أربعين والجمال بن موسى فهرستا ، وصحب المجد الشيرازي وحفظ عنه من اللغة شيئا كثيرا وصار يتعانى ذلك في كلامه وفي مراسلاته ، ومات في حادي عشري شهر رمضان وقد قارب السبعين ، ولم يتأخر في مكة من له المعرفة بالفقه والنحو مع الديانة والصيانة نظيره .(8/405)
"""""" صفحة رقم 406 """"""
محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن الأمانة ، الأبياري ثم القاهري القاضي بدر الدين ، ولد في حدود الستين وقدم القاهرة مع أبيه واشتغل ، فذكر لي أنه قرأ على الشيخ عبد الخالق الأسيوطي وأن الأسيوطي أخبره أن الشيخ سراج الدين البلقيني قرأ على الأسيوطي في مبتدأ أمره وكان الأسيوطي قد عمر ، وهو والد إسماعيل وأحمد المقدم ذكرهما قريبا ، وسمع الشيخ بدر الدين المذكور من عبد الله الباجي ومن السراج الكومي وبطبقتيهما وأكثر عن شيوخنا ، ولازم الشيخ سراج الدين البلقيني وابن الملقن والعراقي ، واشتغل في الفقه والحديث والعربية ومهر ، وسكن المدرسة الصالحية ووقع فيها لي الحكام مدة ثم ناب عن القضاة ، واستمر إلى أن كان كثير النواب في آخر عمره ، وحج قبل موته بقليل ، ودرس للمحدثين في المنصورية ، وولي عدة وظائف ، ودرس بالكهارية ، وتصدى للفتيا وللاشتغال بالفقه وغيره ، وأضيف إليه قضاء الجيزة مدة وغيرها ، وكان قليل الشر حسن المحاضرة والمذاكرة ، يستحضر كثيرا من أخبار القضاة الذين أدركهم وما جرياتهم ، وله نوادر ظريفة ، حضر معنا سماع الحديث بالقلعة يوم الأحد إلى العصر ورجع إلى بيته فأقام يوم الاثنين وهو طيب إلى أن دخل الليل فصلى العشاء ودخل الفراش فقال : أجد غما ، فلم يلبث أن مات فجأة وقد قارب الثمانين - رحمه الله تعالى واتفق(8/406)
"""""" صفحة رقم 407 """"""
أن بعض الناس شكك أهله وأولاده في موته ، وقال لهم : هذا به سكتة ويب أن تختبروا أمره لئلا تدفنوه حيا ، فأحضروا طبيبا فجسه وأمر بفصده ، فامتنع الفاصد حتى اجتمع ثلاثة من الأطباء وقالوا إن ذلك لا يضر ففصد فخرج منه دم كثير ، ثم فصد في الذراع الآخر فخرج منه دم كثير أيضا ، فترك إلى أن أمسى ثم إلى أن اصبح فأروح ، فاتفقوا على موته ، ودفن ثامن عشر شعبان ضحى يوم الأربعاء ، وخلف أربعة أولاد ذكور .
محمد بن أبي بكر بن محمد بن الخياط ، الحافظ الجليل المفتي حافظ البلاد اليمنية جمال الدين ابن الإمام رضي الدين ، ولد سنة . . . وتفقه بأبيه وغيره حتى مهر ، ولازم الشيخ نفيس الدين العلوي في الحديث ، فما مضى إلا اليسير حتى فاق عليه حتى كان لا يجاريه في شيء ، وتخرج بالشيخ تقي الدين الفاسي ، وأخذ عن القاضي مجد الدين الشيرازي واغتبط به حتى كان يكاتبه فيقول : إلى الليث ابن الليث والماء ابن الغيث ، ودرس جمال الدين بتعز وأفتى ، وانتهت إليه رياسة العلم بالحديث هناك ، وأخذ عن الشيخ شمس الدين الجزري لما دخل اليمن بأخرة ، ومات بالطاعون في هذه السنة .
محمد بن عمر بن أبي بكر تاج الدين ابن الشرابيشي ، مات في يوم(8/407)
"""""" صفحة رقم 408 """"""
الأحد تاسع عشر جمادى الآخرة ودفن يوم الاثنين العشرين منه وقد أسن وتغير عقله ، سمع الكثير من الشيخ بهاء الدين ابن خليل ، ورأيت قراءته عليه في صحيح البخاري سنة سبعين وبلغ بضعا وثمانين سنة ، وطلب الفقع وكتب الكثير بخطه الحسن المتقن ، ولازم شيخنا ابن الملقن ، وأكثر عن شيخنا العراقي ، وسمع الكثير من أصحاب أصحاب السبط والطبقة ومن أصحاب أصحاب المحب ثم أصحاب الفخر - ودار على الشيوخ وسمع معي كثيرا ولم يمهر ولكن كان يستحضر شيئا كثيرا من الفوائد الفقهية والحديثية ، وكان يعلق الفوائد التي يسمعها في مجالس المشايخ والأئمة حتى حصل من ذلك جملة كثيرة ، ثم تسلط عليه بعض أهله فمزقوا كتبه بالبيع تمزيقا بالغا ، لأنهم كانوا يسرقون المجلدات مفرقات من عدة كتب قد أتقنها وحررها فيبيعونها تفاريق وكذلك الكتب التي لم تجلد يبيعونها كراريس بالرطل ، وضاعت كراريسه وفوائده ، وقد تصدى للأسماع ، وأكثر عنه الطلبة من بعد سنة ثلاث وثمانمائة إلى أن مات رحمه الله تعالى ، وأجاز لي في استدعاء أولادي غير مرة .
محمد بن محمد بن أبي فارس ، المنتصر أبو عبد الله ، مات في 21 صفر بتونس ، ولم يهن في أيام ملكه لطول مرضه وكثرة الفتن ، واستقر(8/408)
"""""" صفحة رقم 409 """"""
بعده شقيقه عثمان فقبض على الهلالي القائد وفتك ف أقاربه بالقتل ، فخرج عليه عمه أبو الحسن صاحب بجاية .
يحيى بن يحيى بن أحمد بن حسن ، القبابي شمس الدين أبو زكريا المصري ، ولد في أواخر سنة ستين أو في أول التي قبلها ، وقدم القاهرة فاشتغل بها وحفظ التنبيه والألفية ومختصر ابن الحاجب ، وحضر دروس البلقيني وابن الملقن والأبناسي وغيرهم ، واشتغل في علم الحديث على العراقي ، ولازم عز الدين بن جماعة في قراءة المختصر ومحب الدين بن هشام في العربية ، وطاف على الشيوخ في الدروس ، ثم ارتحل إلى دمشق وهو فاضل ، فأثنى شهاب الدين الزهري ، قرأ عليه نصف المختصر وأذن له ، وتكلم على الناس بالجامع ، وسكن بعد الفتنة العظمى بيت روحاء فأقام بها ، ودخل مصر حين دخل إليها مع الشاميين ، ثم عاد فلازم عمل الميعاد ، وكان فصيحا مفوها فاجتمع عليه العامة وانتفوا به ، وقرأ صحيح البخاري عند نوروز ، ثم ناب في الحكم عن ابن حجي سنة إحدى عشرة(8/409)
"""""" صفحة رقم 410 """"""
وثمانمائة واستمر في ذلك ، ولم يكن في أحكامه محمودا ، وكان في بصره ضعف فتزايد إلى أن أضر وهو مستمر على الحكم ، وكان يؤخذ بيده فيعلم بالقلم ويكتب عنه الفتوى ثم يكتب هو اسمه ، وكان فصيحا ذكيا مشاركا في عدة فنون ، جيد الذهن ، لين العريكة ، سهل الانقياد ، قليل الحسد مع المروءة والعصبية ، وقد أقبل في أواخر عمره على إقراء الفقه فدرس في المنهاج والتنبيه والحاوي بالجامع حلا لكل منها في أشهر قليلة من غير مطالعة ، وكان قد درس بالرواحية ، وناب في تدريس الشامية البرانية ، اجتمع في ذي الحجة سنة ست وثلاثين بالعادلية الصغرى ، وذكر أنه قرأ على شيوخنا العراقي والبلقيني وغيرهما ، وسمع من ابن المحب ، وسمعت عليه جزء الخلفاء ، من حديثه وسمع على شيئا ومات في صفر ، نقلت غالب ترجمته من كتاب القاضي تقي الدين الأسدي إلي - أبقاه الله تعالى .
طاهر بن عبد الله ، المراكشي الشيخ المغربي نزيل مكة ، مات بها في شوال ، وكان قرا على عبد العزيز الحلفاوي قاضي مراكش وغيره ، وكان خيرا دينا صالحا .(8/410)
"""""" صفحة رقم 411 """"""
حوادث سنة 840
سنة أربعين وثمانمائة
استهلت ليلة الاثنين ، ووصل شاه رخ إلى السلطانية فنزلها وعزم على الإقامة بها حتى يبلغ غرضه من اسكندر بن قرا يوسف ، وفي عاشر المحرم أعيد لأجناد الحلقة ما كان أخذ منهم بسبب التجريدة ، وقبض على التاج الخطير وصرف من أستادراية ولد السلطان ، وقرر عوضه في الوزارة ناظر الخاص .
وفي حادي عشرية طرق مينا الإسكندرية ثلاثة أغربة من الكتيلان وأخذوا مركبين ، فخرج إليهم آقباي النائب فراماهم حتى استعاد أحد المركبين ، وأحرق الفرنج الأخرى ، وتحارب مركب للجنوية مع مركب الكتيلان فانهزم الكتيلان .
وفيها حصر أبو الحسن بن أبي فارس صاحب بجاية قسطنطينية ، فخرج صاحب تونس عثمان - إلى قتاله وهو ابن أخيه ، وفي الثامن عشر منه أو في النيل وكسر الخليج وصادف التاسع عشر من مسري ، وباشر ذلك يوسف بن السلطان ، ووصل رأس قرمش الأعور - وكمشغبا الظاهري - فعلقتا بباب زويلة ، ثم أمر السلطان أن تلقيا في السراب الحاكمي ، وكان قبض عليهما بيد خجا سودون المؤيدي - بعينتاب ، وكان جمعا عسكرا وكبسا العسكر المصري فكسروا وأسروا - .(8/411)
"""""" صفحة رقم 412 """"""
وفي هذه السنة رخص العسل النحل إلى أن بيع بتسعمائة القنطار وعادته ألف وخمسمائة ، وكانت جميع الغلال وأصناف المطعومات والفواكه رخيصة ، وجاء الزرع في غاية الخصب والنماء في الزرع بالغ جدا ، واستمر وقوع الفناء في عسكر اللنكية فرجعوا إلى بلادهم ، ووصل الحاج فشكوا من أميرهم كثيرا فلم ينجع ذلك ، ومن جملة قبائحه التي حكوها أنه طلب من التجار في اليوم الثالث عشر من ذي الحجة مالا يجبى منهم فامتنعوا ، فرحل بالناس في آخر الحادى عشر ليفوت عليهم البيع بمنى في الثامن عشر والثالث عشر ، فكانت من أفحش الفعلات فإنه فوت عليهم المبيت والرمي .
واستهل صفر ليلة الأربعاء ، واستهل ربيع الأول ليلة الخميس ، وفي شهر ربيع الأول قام الشيخ ناصر الدين محمد بن علي الطبناوي في هدم الدير الذي في بحرى ، وحضر المولد النبوي ، وأخرج محضرا يتضمن أن النصارى يحجون إليه في كل سنة ، ويجتمع عنده من النصارى والمسلمين للفرجة والتجارة من لا يحصى حتى صاروا يضاهون بذلك أهل الموقف بعرفة ، وأفتى العلماء بهدم ذلك الدير وإزالة تلك العادة ، ففوض السلطان الأمر للقاضي المالكي فلم يتفق أنه يقوم في ذلك حق القيام حتى كان(8/412)
"""""" صفحة رقم 413 """"""
ذلك في السنة المقبلة فهدم - ولله الحمد .
وفيه هرب سليمان بن عثمان مع جماعة من الروم والتركمان في غراب وكان مقيما بالقلعة من سنة آمد ، فلما عرف السلطان ذلك شق عليه فأرسل في آثارهم فأتى بهم ، فحبس الصبي وقطع أيدي قوم وقتل آخرين ، وكان السبب في ذلك أن سليمان هذا وهو ابن أرخن بك بن محمد بن عثمان كان عمه مراد صاحب برصا قبض على والده أرخن بك وكحله وسجنه ، وكان له مملوك يقال له طوغان يقوم بخدمته ، فأدخل إليه جارية وهو في السجن فحملت منه ، فلما مات أرخن في السجن فر المملوك طوغان هذا بسليمان وأخته شاه زاده إلى حلب ، فلما قدم السلطان إليها وقف بهما إليه وأخبره خبرهما ، فأكرمهما ثم صحبهما معه إلى القاهرة ، فأمر بسليمان أن يمشي في خدمة ولده يوسف ، وأقامت أخته في القلعة لتكبر ويتزوجها السلطان أو ولده ، فلما كانت ليلة خامس ربيع الأول فر سليمان وأخته ومن انضم إليهما فركبا بحر النيل وتوجها إلى جهة رشيد لينزلا في مركب إلى بلاد الروم ، فبلغ السلطان فأرسل في آثارهم فقبض عليهم وعلى من في المركب وعدتهم خمسة وستون(8/413)
"""""" صفحة رقم 414 """"""
رجلا ، فوسط طوغان مملوك سليمان وثمانية من مماليك السلطان صحبوهم وقد قطعت أيدي الباقين ولا ذنب لهم البتة لأنهم تجار رافقهم أولئك ، فلما جاء الذين أرسلهم السلطان في طلب المتسحبين خشى التجار على أنفسهم فدافعوا عنها من غير أن يعلموا الخبر لكونهم قصدوا الإستيلاء عليهم ونهبهم فظنوا أنهم حرامية ، فلما دافعوا عن أنفسهم وقع الحرب بينهم فغلبوهم وأسروهم وكان ما كان .
وفي السادس من شهر ربيع الأول استقر - الصاحب - كريم الدين ابن الصاحب تاج الدين - ابن كاتب المناخات - في الوزارة على قاعدته ، فباشر مباشرة حسنة وفرح الناس به ، واستقر معه أمين الدين ابن الهيصم ناظر الدولة على عادته ، وكانت الوزارة منذ صرف عنها خليل بن شاهين لم يستقر فيها أحد بل عذق أمرها بناظر الجيش ، فأقام ناظر الدولة عنه متحدثا وأحال مصروف كل جهة على متحصل جهة من الجهات وكل جهة لم يف متحصلها بها أكملها من عنده ، فاستمر الحال على ذلك إلى أن قدم .
وفيه نودي بمنع لبس الزموط الحمر وعملها وهي التي يلبسها العرب ويسموه الشاشبة فنودي بذلك ، فوقف له جماعة ممن اشترى الصوف لذلك فصمم على المنع ، ثم رفع له بعض الغلمان من الهجانة وغيرهم فأغلظ لهم القول واستمر على المنع ونودي أن لا يحمل أحدا سلاحا ، وفيه وصل العسكر المجرد إلى الأبلستين فوصلوا إلى تجاه سيواس(8/414)
"""""" صفحة رقم 415 """"""
فوجدوا - في تاسع عشره جانبك ومن معه فقدموا - . وفيه قتل جاسوس وجد معه كتب من جانبك الصوفي . وفيه وقع بين الهنود الذين يقيمون بظاهر - المدرسة - الصالحية لإصلاح شعور اللحى ، وثب رجل هندي على رجلين فقتلهما قدام الصالحية ، وذلك أنه تقاتل مع واحد فقتله ثم مر برجل يصلح شاربه فضرب الذي يصلح في كتفه فوقع ميتا وحصل للرجل فزع - فحمل إلى بيته - فمات هو والقاتل فصاروا أربعة فقبض عليه فقطعت يده ثم قتل ، ونودي بعد غد أن لا يبقى أحد من الهنود بالقاهرة .
وفيه عين خليل الذي أمر بالإسكندرية أن يكون شادا على المكوس بجدة وأميرا على المماليك المجردين بمكة وأمر ابن المرأة بالسفر ، وسافر خليل ومن معه من البر ونودي للناس بالسفر صحبتهم .
واستهل ربيع الآخر ليلة الجمعة ، ففي السادس عشر منه جمع الخازندار الجزارين وأشهد عليهم أن لا يشتروا اللحم إلا من ذبائح السلطان ، فصار(8/415)
"""""" صفحة رقم 416 """"""
يذبح لهم كل يوم ما يحصل عند السلطان من الغنم المحضر من البلاد .
وفي الخامس من ربيع الآخر فقد سليمان بن أرخن بن كرجى بن أبي يزيد بن عثمان وأخته شاه زاده - وقد تقدم خبر عنهما في سنة ست وثلاثين ، فكان مملوكهما الذي أحضرهما اتفق معهما أن يسير بهما إلى بلادهما وواطئوا على ذلك جماعة من تجار الروم ، فأخذهما طوغان فتوجه بهما إلى الغراب فتوجهوا إلى رشيد ، فلما عرف الأشرف بالقصة كاتب نواب البلاد بطلبهما ، فحاربهم شاد رشيد بحضرة قاصد السلطان ، فحبسوا بالريح فاتفق أن الريح هبت عاصفة فصادف وصول نائب الإسكندرية فقبض عليهم ، وجهز جميع من في الغراب من التجار وغيرهم ، ثم أمر بقطع أيدي بقية التجار وهم نحو الخمسين ، وأدب سليمان بالضرب تحت رجليه ، ونظر إلى أخته فاستحسنها - فعقد عقده عليها وابتكرها ، وقد تزوجها - بعده - الملك الظاهر جقمق .
واستهل جمادى الأولى ليلة السبت ، فيه قدمت رسل مراد بن محمد بن أبا يزيد بن عثمان ملك الروم بهدية ، وفي سابع عشرة قدم الأمراء الذين جردوا لحلب ، فهرع الناس للسلام عليهم ثم طلعوا القلعة فخلع عليهم ، وفي صبيحة قدم الأمراء المجردون إلى البحيرة وصحبتهم الأمير حسن بك بن سالم البلوى التركماني ومحمد بن بكار(8/416)
"""""" صفحة رقم 417 """"""
ابن رحاب وقد دخل في الطاعة ، وفيه رفعت يد القاضي الحنفي من وقف الطرخي ، وأمر أن يحاسب على متحصله وأن يتحدث فيها جوهر الخازندار ، ثم بطل ذلك وأعيدت للقاضي .
وفيه نودي من له ظلامة فليحضر إلى باب السلطان في يومي الثلاثاء والسبت ، وأمر القضاة أن يحضروا مجلس الحكم في المظالم ، فحضروا يوما واحدا ثم بطل ذلك .
وفي سابع جمادى الأولى خرج الركب الحجازي وأميرهم خليل الذي - كان - ناب في الإسكندرية ومعه نحو السبعين من المماليك ليقيم بهم بمكة عوضا عن الذي كان فيها وخرج معه عدد كثير من الحاج والتجار ، ورحلوا من خليج الزاعفران في التاسع منه .
وفي الخامس عشر منه وصل الأمراء - الذين كانوا بحلب - وفيهم جقمق الأمير الأمير الكبير الذي ولي السلطنة بعد هذا بسنتين والدويدار الكبير أركماس الظاهري ، وتأخر منهم خجا سودون فلم يحضر .
وفي يوم السبت تاسع عشر منه حضر القضاة الأربعة بأمر السلطان مجلس الحكم وتكلم الشافعي معه في عدة حكومات بين حكم الشرع فيها ، ثم لما فرغوا أمرهم السلطان أن يبطلوا الوكلاء من أبوابهم فأجابوا(8/417)
"""""" صفحة رقم 418 """"""
بالإمتثال ، ثم تكلموا في الذين يعاملون بالربا وما الحكم فيهم ، فقال - له - الشافعي : الحيلة في ذلك سائغة عندي وعند الحنفي فليفوض أمرهم إلى المالكي والحنبلي ، ثم سأل عن النواب فقال له الشافعي : كان السلطان أمر قبل السفر بعشرين وهم الآن أربعون لكن كل اثنين في نوبة ثم سأل من الرسل وأمر أن لا يعطي الرسول إلا ثلثين وانصرفوا ، ثم لم يعد يطلبهم إلى مجلس حكم بعد أن كان شاع أنه أمر أن يواظبوه كل سبت وثلاثاء ، فبطل ذلك .
واستهل جمادى الآخرة ليلة الاثنين ، فيه أرسل ناصر الدين بن دلغادر ولده سليمان إلى مراد بن عثمان صاحب الروم يستنجد به على إبراهيم بن قرمان ، وكان ابن قرمان قد أخذ منه - قيصرية ونازل صاحب أماسية وهو من حاشية ابن عثمان ، فجهز مع سليمان عسكرا وندب معه صاحب توقات وأمره بمحصارة قيصرية ويسلمها لابن دلغادر ، وجهز عيسى أخا إبراهيم على عسكر آخر ليغير على بلاد أخيه إبراهيم ، فبلغ ذلك صاحب مصر فكتب إلى أمراء الطاعة من التركمان بمعاونة إبراهيم بن قرمان .
وفي يوم الجمعة خامس جمادى الآخرة أرسل القاضي المالكي(8/418)
"""""" صفحة رقم 419 """"""
ورقة إلى كاتب السر يستعفي من القضاء ، فقرأها على السلطان فأعفاه وأمره إن يعين قاضيا غيره ويستمر بمعاليم القضاء له - دون الذي تعين ، فلما بلغ ذلك ولد القاضي قام وقعد وسعى عند علي باي الخازندار وأنكر أن يكون أبوه كتب الورقة ، فبلغ ذلك كاتب السر فصعب عليه نسبتهم إياه إلى الكذب ، وأخرج الورقة فوجدوها بخطه الذي لا يرتاب فيه ، ومع ذلك فاعتنى بهم على باي ، ولم يستطع كاتب السر يوسع في القضية كلاما رعاية لخاطر الخازندار المذكور فإنه كان يومئذ من أقرب الناس منزلة عند السلطان ، فاستقر الحال على أنه تحيل للسلطان أن يعيد ولاية المالكي فأجابهم لذلك ، واستمر في القضاء بعد ذلك إلى أن مات في رمضان سنة اثنتين - كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى .
وفيه رخص القمح إلى أن بيع بمائة وأربعين إلى مائة ، فأمر السلطان بشراء القمح وحزره فغلا السعر - ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وفيه قدم شرف الدين ابن الأشقر من حلب ، فلما كان في الثالث من شعبان استقر ولده تقي الدين عبد اللطيف - في كتابة السر بحلب وخلع عليه ، واستمر والده نائبا لكاتب السر على عادته . وفيه(8/419)
"""""" صفحة رقم 420 """"""
توجه الوزير وناظر الجيش وأينال الأجرود ويشبك الحاجب لحفر خليج الإسكندرية ثم عادوا وقد قرروا الأمر ، وفوض السلطان لآقبغا التمرازي أن يباشر حفره فتوجه ، وجهز معه المال الذي جبوه من البلاد بسبب ذلك ومائتي قطعة من الجراريف والمقلقات وستمائة رأس بقر .
واستهل شهر رجب ليلة الثلاثاء في أواخره وهو العاشر من أمشير والطالع سعد بلع ، هبت الريح المريسية شديدة البرد اليابس مع شعث ، فكان البرد أشد ما وقع في هذا الفصل ، ودام ذلك إلى آخر الشهر ، ومضى طوبة معتدلا ليس فيه برد شديد أصلا ، وهذا بخلاف العادة المعهودة ، ولم يزل البرد شديدا إلى يوم نزلت الشمس الحوت وهو سابع عشر أمشير فخف قليلا ، ثم في اليوم - الذي يليه - كان الطالع سعد السعود ، فوقع المطر وهبت الريح الباردة ودام المطر ليلة الأربعاء وفي يومها وفي ليلة الخميس ، ثم صحت في صبيحة عن أوحال في البلد كثيرة وصلح الزرع - ولله الحمد .(8/420)
"""""" صفحة رقم 421 """"""
وفيه استقر خليل بن شاهين الذي كان أمير الإسكندرية أمير الحاج - وفي رجب توجه جانبك الدويدار والقاضي عبد الباسط إلى شبرار الخيام فهدما الكنيسة المحدثة . وفي يوم الجمعة ثاني شعبان توجه القاضي كمال الدين البارزي إلى قضاء دمشق وسار معه من حاشيته جمع جم ، وتأخر أهله وصغار ولده بمنزلهم بالقاهرة ، ونزل عن قضاء دمياط لجوهر الخازندار ، وكان ابن قاسم قد نزل له عنه وتعوض عنه في مقابلة خمسين ألف درهم فيما قيل ، فسأله جوهر أن ينزل له عنه فلم يسعه إلا الإجابة ولا وسع القاضي الشافعي إلا الإمضاء ، وسار جوهر في ذلك أحسن من سيرة ابن قاسم وصار يكتب على الكتب التي يحتاج إليها إلى دمياط الداعي جوهر الحنفي ، ولم يل القضاء خصى قبله .
وفي يوم الأحد الرابع من شعبان ابتدئ بقراءة البخارى بالقلعة على العادة وحضر الجماعة كلهم ، وكان الأمير . . . يفرد الأعيان من الجماعة على حدة ومن عداهم على حدة ليقل اللغط ، ثم بدا للسلطان أن يحضروا الجميع وينصتوا لسماع الحديث ، ففعلوا ولم يتكلم أحد إلا أن الشافعي رد على القارئ مواضع من الأسانيد أسماء يبدلها أو يحرفها من سبق اللسان ، وحضر في المجلس - الثاني - القاضي علم الدين البلقيني بسعى . . منه في(8/421)
"""""" صفحة رقم 422 """"""
ذلك ، وكان يظن أن الأمر على العادة ليشغب كعادته فوجدهم ألزموا السكوت ، فلما كان في المجلس الثالث وقع في الليل مطر غزير فكير الوحل في الطرقات .
وفيه استقر أينال الأجرود أمير صفد عوضا عن يونس وأن يقيم يونس بطالا بالقدس ، واستقر قراجا شاد الشر بخاناة في إمرة إينال ، واستقر إينال الخازندار شاد الشربخاناة ، واستقر على باى خازندارا عوضا عن إينال ، وهذان الشابان نشأ عند السلطان نشأة حسنة فأحبهما وقربهما ومولهما - فصار لهما - الجاه والحرمة الوافرة - وكان لهما بعده ما سنذكره في الحوادث .
وفي شعبان نودي بأن يجتمع الذين قطعت أيديهم من الذين كانوا رفقة سليمان ولد ابن عثمان ، فاجتمعوا ظنا منهم أنه ينفق فيهم توسعة على رمضان ، فجعل كل إثنين في قرمة خشب وأنزلوا في مركب إلى البحر لينفوا إلى بلاد الروم ، فكثر ضجيجهم ودعاءهم - ولله الأمر .
وفي عاشر رمضان - جاءت أخبار - من جهة ابن عثمان ومن جهة جانبك الصوفي فعزم السلطان على السفر ، واستهل رمضان ليلة(8/422)
"""""" صفحة رقم 423 """"""
الجمعة بعد أن ترأوه فلم يتحدث أحد برؤيته ، وأوقد غالب أهل البلد المنائر بغير رؤية فنودي لهم بإطفائها ، فأصبح الناس فأفطر الكثير منهم ، ثم أرسل السلطان ثلاثة أنفس من المماليك ذكروا أنهم رأوا الهلال ، فلما سمع الناس بذلك بادروا ، فما تعالى النهار حتى ثبت عند ثلاثة من الحكام ونودي بالإمساك ، واستمر البرد .
وفي يوم الإثنين الرابع منه نزلت الشمس الحمل ، واستمرت الأيام رطبة ويأتي الحر أحيانا في أثناء النهار وفي أثناء الليل . وفي عاشره عقد - مجلس - مشورة بسبب التوجه إلى البلاد الشمالية من أجل ابن دلغادر وجانبك الصوفي وشاع بأن ابن عثمان قصد نصرتهم ، فاستقر الأمر على أن يتوجه نواب الشام نجدة لإبن قرمان إبراهيم ويطالعوا بما تجدد .
وفي يوم الأربعاء العشرين من شهر رمضان ختم البخارى على العادة ، وكان علاء الدين الرومي سعى في مشيخة الشيخونية عوضا عن باكير وألحوا على السلطان في أمره ، فامتنع وقال إنه كثير الشر ولا يحتمله(8/423)
"""""" صفحة رقم 424 """"""
أهل الشيخونية ، وأمر أن يرتب له في الجهات السلطانية مرتبات ، وعند القاضي الشافعي في الأوقاف ألفا وخمسمائة ، وعند الحنفي النصف من ذلك ، فلم يقنع بذلك وشرع في الحط على شيخنا فأكثر فوقع منه قبيل مجلس الختم أن بحث في شئ فتكلم باكير ، فرد عليه ثم بالغ إلى أن كفره ، فرد عليه الشافعي ووافقه الجماعة ووافقهم السلطان ، فسكت الرومي على مضض ثم شرع في كتابة أسئلة ودسها إلى السلطان ليجيب عنها الشافعي ، فأحضرها بعض الدويدارية - فسلمها للشافعي فقرأها - وقال له : يطلب الجواب ، فذهب ولم يعد ، فذكر الشافعي للحاضرين أن أول الورق مقسما بأيمان عظيمة أن - أعلم - أهل المجلس لا يعلم معنى قال رسول الله ، وكلاما آخر فيه عجرفة ولحن ، فأجمع من سمع ذلك على ذمه .
ثم في يوم الجمعة الثاني والعشرين من شهر رمضان أمر السلطان بعقد مجلس بسبب منازعة إبراهيم السفارى مع جهة الحرمين في جزيرة(8/424)
"""""" صفحة رقم 425 """"""
قاو من الصعيد وكانت بيد مستحقي الحرمين وشرف الدين السفارى مستأجرها منهم ، ثم ادعى في سنة أربع وثمانين أنها وقف أبيه وسأل في كتابة محضر فسطر ثم بطل ، فلما كان في سنة ست وثلاثين بعد موت شرف الدين قام إبراهيم هذا وهو صهره فأكمل المحضر المذكور عند المالكي قبل السفر إلى آمد وثبت ، فلما عاد العسكر قام المستأجر على الأمراء إلى أن استمرت في يد مستحقي الوقف فلما كان في السنة الماضية سأل إبراهيم السفاري عقد مجلس فرسم له عند كاتب السر فحضر القضاة الأربعة ، فحكم الحنفي بإبقاء الوقف في يد مستحقي الحرمين وبإلغاء ما يخالف ذلك ، فلما كان في شهر رجب هذه السنة أحضر إبراهيم محضرا من الصعيد فيه حكم قاضي هو بأن الجزيرة المذكورة اشتراها السفارى الكبير من بيت المال ووقفها على ذريته ، فنفذ ذلك الحنفي وضمنه حكما بناه على حكم المالكي الأول ، فقام في نقض ذلك زمام الدور السلطانية جوهر نيابة عن ناظر الحرمين ، وأوصل القصة بالسلطان ، وأوضح له تناقض الحنفي في المسألة ، فرسم بعقد مجلس عنده فعقد ، فلما تبين له الحال قطع المستند الذي بيد إبراهيم بحضرة الحنفي وغيره وأبقى الجزيرة المذكورة بيد مستحقي الحرمين ، فلما انقضى المجلس طلب باكير من السلطان الإذن للشافعي أن يأخذ له حقه من علاء الدين الرومي ، فأذن له .(8/425)
"""""" صفحة رقم 426 """"""
وفي يوم السبت طلب شرف الدين أبو بكر بن إسحاق الملطي شيخ الشيخونية علاء الدين علي بن موسى الرومي لمجلس الحكم وادعى عليه أنه كفره بمجلس الحديث بحضرة السلطان والعلماء في يوم الاثنين ثامن عشرة ونسب أنه قال : الوجوب والإيجاب متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار ، فأنكر الرومي ذلك فخرج الملطي على البيان ، ثم عقد مجلس بحضرة السلطان في القصر يوم الاثنين خامس عشريه ، فتنازعا قليلا فقام الحنفي فأصلح بينهما ، وذكر أن ذلك بإشارة السلطان ، وانفصل الأمر على ذلك ، فرفع الرومي إلى السلطان أن الرسل الذي طلبوه إلى اشرع أنزلوه عن فرسه وجروه على الأرض وقطعوا فرجيته وأحضروه وحوله نحو من مائتي نفر من العامة يصيحون عليه يا رافضي كفرت ، فأمر بإحضارهم ، فأحضر منهم اثنان فضربا بحضرته ثم أطلقا ، وانفصل الأمر على ذلك ، وذلك يوم الأربعاء سابع عشرية ، وافتتح القاضي علم الدين البلقيني بالسعي ، فدس الحمصي الذي صرف عن قضاء الشام وحضر إلى القاهرة ليسعى في العود فكتب قصة يطلب فيها تولية قضاء الشافعية بمصر وكتابة السر بها أو نظر الجيش بالشام ، فقال قائل : لأي معنى عزل عن الشام ? فقال بعض من رتب في القول : إذا وعد هذا ببذل الكثير فغيره يبذل ذلك ويستقر وهو أحمق منه ، وهو كان صاحب الوظيفة فأصغى السلطان لذلك ، ثم بدا له فترك القول في ذلك حتى انسلخ شهر رمضان .(8/426)
"""""" صفحة رقم 427 """"""
وفي أول شوال جدد الساعي للقاضي علم الدين السؤال ، فأمر السلطان بعض الخاصكية أن يتكلم مع كاتبه في بذل شيء ، فامتنع ، فلما كان في يوم الخميس خامسه صرف كاتبه عن القضاء واستقر القاضي علم الدين البلقيني ، وفي يوم السبت السابع منه رسم بعقد مجلس بعلماء الحنفية بسبب شرط الشيخونية ، فأحضرت أربعة كتب وهي الهداية والبزدوي والمفتاح والكشاف ، وذكر السلطان للجماعة أن بعض الفقهاء قال له إنه لم يبق أحد يعرف يقرر هذه الكتب ، فوقع بينهم الكلام وبدر القاضي الشافعي فقال : يا مولانا السلطان هؤلاء الجماعة هم أعيان العلماء ، وليس في الدنيا مثلهم ، وما منم إلا من يعرف - يقرر هذه الكتب ، فمن ادعى خلاف ذلك فليحضر حتى نسمع كلامه ونرده عليه ، فأعجب السلطان ذلك ، وانفصل المجلس على أن القائل هو الحنفي ، فلما لم يجب عن ذلك كلمة وظهر منه الرجوع عن ذلك ظهر للسلطان أنه تكلم يعرض لأجل الرومي ، ففصل الأمر وانقضى المجلس .
وفي يوم الأربعاء توجه القاضي المستقر إلى مصر على العادة ، وكان استقر في نقابة الحكم بشخص يقال له حسن الأميوطي وكان رسولا في الحكم ، فنقم عليه شيء فصار يتوكل في المحاكمات ، ثم اتصل بالقاضي(8/427)
"""""" صفحة رقم 428 """"""
المستقر ، فلما كان هذا اليوم طلع إلى القلعة ومعه شيء من الذهب الموعود به فخلع عليه قباء بطراز ، فاستمر لابسه وهو راكب قدام القاضي من مصر إلى القاهرة في الشارع ، وتعجب الناس من ذلك . وفيه نزلت صاعقة بحدة فأتلفت شيئا كثيرا ، ووقع حريق وهلك نحو المائة نفس ، وتلف لبعض التجار مال كثير ، ومن العجائب أن البضاعة المتعلقة بالسلطان سالمة ، ويقال إن غالب الأبنية المتجددة في جدة احترقت واحترق أيضا مركبان بما فيهما من البضاعة ، ووقعت وقعة بين القواد وجانبك شاد جدة فجرح عدة ، ثم أصلح بينهم من كان أمير مكة ، وفي العشر الأخير منه موافقا لأوائل بشنس من اشهر القبط زاد النيل زيادة كثيرة وشاهدت المقياس واعتبرته فوجدت الماء في نصف الذراع الثامن هذا وقد بقي للأمد المعتاد أكثر من أربعين يوما .
وفي السابع عشر منه طيف بالمحمل وخرج الحاج وفي الظن أنهم قليل ، فاجتمع في بركة الجب خلائق بحيث أنهم صاروا ثلاثة ركوب . الأول ولد الدويدار الكبير وأمير المحمل غرس الدين خليل الذي كان أمير الإسكندرية ، وتوجه جمع كثير من الركبين صحبة جماعة من الخاصكية ، وسافر الأول يوم الأحد . وفي ثالث عشري شوال قتل شخص كان نصرانيا فأسلم ثم ارتد فعرض عليه الإسلام فامتنع فقتل .
وفي آخر شوال أحضر(8/428)
"""""" صفحة رقم 429 """"""
شخص ثلاث شعرات ذكر أن تاجرا أوصى أن يدفع ذلك للسلطان ومات بحلب فاستدعى النائب والقضاة وسلمها لهم ، ففرح بها - السلطان وأراد أن يبني لها زاوية ويتركها فيها لتزار كما يزار الآثار التي بمصر ثم . .
واستهل شهر - ذي القعدة بالاثنين ، وفيه اصطلح ابن عثمان وابن قرمان ، وعاد نائب حلب من مرعش ، ووقع بين حمزة ابن قرايلكو صاحب ماردين وبين أصبهان بن قرا يوسف حرب انهزم فيها أصبهان ومن معه وأقام شخصا بالقلعة فولاه - .
وفي يوم الأربعاء شهد جماعة برؤية الهلال تلك الليلة ، فلم يقبل القاضي شهادتهم ورددهم وبين القاضي الحنفي ، فبلغ السلطان ذلك فذكر إن اثنين من المماليك أخبرا السلطان بذلك وأنه ارتقب الهلال ليلة الخميس فغاب قبل العشاء ، فاستدلوا بذلك - على بطلان شهادة(8/429)
"""""" صفحة رقم 430 """"""
من شهد برؤيته ليلة الأربعاء ، وقوي عندهم ذلك أن أهل التقويم أطبقوا على أن رؤيته يوم الأربعاء غير ممكنة في العادة لأنه تغيب على نحو ثلث ساعة ، واستمر الحال على ذلك إلى أن ضحي جماعة من الناس يوم الجمعة اعتمادا على من رأى ليلة الأربعاء ، وانتشر الأمر وكثر عدد من ينسب إلى الرؤية ، وامتنع جماعة من صيام يوم الجمعة اعتمادا على من شهد ويتهم من اتهم الذين لم يقبلوا الشهادة المذكور بأنهم فعلوا ذلك محاباة للسلطان لما جرت العادة من نظيرهم بخطبتين في يوم ، فنقض عليهم بأن القاضي ولي الدين العراقي خطب في شوال سنة وهي ول سنة تقرر فيها الأشرف في السلطنة ثم لم يزل مستقيما في مملكته إلى الآن ، وكثرت الشناعة بسبب ذلك - والله المستعان ، وعيد جماعة يوم الجمعة وصلوا في بيوتهم العيد ، وأفطر جمهور الناس يوم الجمعة خشية أن يكون هو يوم العيد ، واتفق أهل الشام والقدس وما حولهما على أن أول ذي الحجة يوم - الأربعاء .(8/430)
"""""" صفحة رقم 431 """"""
وفيات سنة 840
ذكر من مات في سنة أربعين وثمانمائة من الأعيان
إبراهيم بن عبد الكريم الكردي الحلبي ، دخل بلاد العجم وأخذ عن الشريف الجرجاني وغيره وأقام بمكة ، فكان حسن الخلق كثير البشر بالطلبة ، انتفعوا به كثيرا في عدة فنون وجلها المعاني والبيان ، وكان يقررها تقريرا واضحا ، مات في آخر المحرم .
أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عمر بن عثمان البوصيري الشيخ شهاب الدين نزيل القاهرة ، ولد في المحرم سنة 762 ، واشتغل قليلا وسكن القاهرة ، ولازم شيخنا العراقي على كبر فسمع نه الكثير ، ثم لازمني في حياة شيخنا فكتب عني لسان الميزان والنكت على الكاشف ، وسمع على الكثير من التصانيف وغيرها ، ثم أكب على نسخ الكتب الحديثية وفي الأجزاء ، وكتب - على نسخ الفردوس ومسند الفردوس وعلق بذهنه من أحاديثهما أشياء كثيرة وكان يذاكر بها ، واشتغل في النحو قليلا على بدر الدين القدسي ، ولم يكن يشارك في شيء منه ولا من الفقه ، وكان كثير السكون والعبادة والتلاوة مع حدة الخلق . وجمع(8/431)
"""""" صفحة رقم 432 """"""
أشياء ، منها زوائد سنن ابن ماجة على الكتب الأصول الستة ، وعمل زوائد المسانيد العشرة وزائد السنن الكبير للبيهقي ، وجمع من مسند الفردوس وغيره أحاديث ، وأراد أن يذيل بها على الترغيب والترهيب للمنذري ولم يبيضه وسماه تحفة الحبيب للحبيب بالزوائد في الترغيب والترهيب ، ولم يزل مكبا على الاشتغال والنسخ إلى أن مات في ليلة الثامن عشري المحرم بمدرسة السلطان حسن بالرميلة وله ثمان وسبعون سنة .
أحمد بن صلاح بن محمد بن محمد بن عثمان بن علي بن السمسار المعروف بابن المحمرة شيخ الصلاحية شهاب الدين ، ولد في صفر سنة 767 ، وحفظ القرآن صغيرا والعمدة والمنهاج وكان ذكيا ، ولازم(8/432)
"""""" صفحة رقم 433 """"""
الشيخ سراج الدين البلقيني والشيخ زين الدين العراقي ، ودار على الشيوخ وقتا ، وكتب بعض الطباق ، ثم تشاغل بالجلوس في رحبة العيد وتقرر في المخبز بالخانقاه الصلاحية ولازم السالمي فقرأ له بنفسه على جمع من الشيوخ عدة من الكتب ، وسمع قديما من عبد الله بن علي الباجي وتقي الدين ابن حاتم ونحوهما ، ثم أكثر عن شيوخنا البرهان الشامي وابن أبي المجد ، ثم استنابه القاضي جلال الدين في الحكم ، فأقبل على ذلك بكليته واقتنى مالا وعقارا ، وكان كثير الدربة في الحكم حسن التجمل جدا ، فاتفق أن الملك الأشرف قرر بهاء الدين بن حجي في قضاء الشام بعد قتل أبيه فسار سيرة سيئة ، فاتصل ذلك بالسلطان فعرض ذلك على القاضي علم الدين البلقيني فاستعفى ، فذكر شهاب الدين للسلطان فعرفه بحسن شكله فقرره وذلك في سنة 32 ، فتوجه وسار سيرة حسنة ، فلم يزل على ذلك حتى وقع بينه وبين كاتب السر القاضي كمال الدين بدمشق البارزي فسعى عليه فاستقر في القضاء وعاد إلى القاهرة . ثم لم ينشب القاضي كمال الدين أن نقل إلى كتابة السر من دمشق إلى القاهرة ، واستمر شهاب الدين بالقاهرة إلى أن شغرت مشيخة الصلاحية فصرف الشيخ عز الدين القدسي عنها ، فسار إليها في ذي الحجة سنة 38 فباشرها إلى أن مات في يوم السبت - 4 شهر ربيع الآخر ، قال القاضي تقي الدين(8/433)
"""""" صفحة رقم 434 """"""
الشهبي ناب في القضاء مدة ودخل في قضايا كبار وفصلها ، وولي بعض البلاد فحصل منها مالا ، وصار يتجر بعد أن كان مقلا يتكسب من شهادة المخبز بالخانقاه الصلاحية ، ولما ولي قضاء دمشق سار سيرة مرضية بحسب الوقت ، ولم يعدم من يفتري عليه إلا أنه كان متساهلا بحيث - لا يبحث عن القضايا الباطلة ، وكان لا يتولى الحكم بنفسه ولا يفصل شيئا ولا ينكر على ما يصدر من نوابه مع اطلاعه على حالهم .
أحمد بن محمد بن رمضان - المكي الشاعر المعروف بالحجازي أبو العباس ، ذكر لي أنه ولد سنة 771 تقريبا بجياد مكة ، فولع بالأدب وقدم الديار المصرية في سنة ست وثمانين وسبعمائة صحبة زكي الدين الخروبي وتردد ، ثم استقر بالقاهرة وتكسب بمدح الأعيان ، فكان ينشد قصائد جيدة منسجمة غالبها في المديح ، فما أدري بمدح الأعيان أكان ينظم حقيقة أو كان ظفر بديوان شاعر من الحجزيين فكان يتصرف فيه وإنما ترددت فيه لوقوعي في بعض القصائد على إصلاح في بعض الأبيات عند المخلص أو اسم الممدوح فيكون فيه زحاف أو كسر - والله يعفو عنه وأظنه(8/434)
"""""" صفحة رقم 435 """"""
مخطئا في سنة مولده فإنه كان اشتد به الهرم وظهر عليه جدا - فالله أعلم .
أحمد البابي شهاب الدين - بباء موحدة - نسبة إلى باب والبزاغة ، وكان يصحب القاضي صدر الدين المناوي ، وتقدم في ولايته القضاء ثم ولي تدريس الشريفية بالقرب من الجودرية وسكن بها إلى أن مات وقد جاوز الثمانين .
أرغون شاه النوروزي ، وكان ولي أستادارية السلطان بدمشق ، وولي الوزارة بمصر ثم الأستادراية ، ثم أعيد إلى دمشق على إمرة ؛ مات في حادي عشر رجب .
أقباي اليشبكي ، كان من مماليك يشبك واستقر بعد ذلك دويدار صغيرا وولي نيابة الإسكندرية في العام الماضي وكان متواضعا بشوشا كثير الحرص على التحصيل ولم يحمد في ولايته المذكورة ، ومات في(8/435)
"""""" صفحة رقم 436 """"""
يوم السبت 21 ذي القعدة ، واستقر عوضه - زين الدين عبد الرحمن ابن علم الدين بن الكويز في نيابة الإسكندرية فاستقر يوم الخميس ثالث . . . وسافر يوم الخميس - .
بردبك الإسماعيلي ، من مماليك الظاهر برقوق أحد الأمراء العشرات ، مات في جمادى الأولى .
أبو بكر - بن عتوق بن أبي بكر السوهائي زكي الدين الشاهد بمصر ، سمع في سنة 79 على ناصر الدين محمد بن علي بن يوسف بن إدريس الحراوي الطبردار - قطعة من كتاب - الخيل للدمياطي بسماعه لجميعه منه ، ومات في . . . .
حمزة بك بن علي بك بن ناصر الدين ابن دلغادر ، مات مسجونا(8/436)
"""""" صفحة رقم 437 """"""
بقلعة الجبل في ليلة الخميس السابع والعشرين من - جمادى الأولى .
سليم بن عبد الرحمن ، الجنائي الشيخ سليم ، واصله من عسقلان ويقال له ، الأزهري ، لسكناه بجامع الأزهر ، وهو أحد من كان يعتقد بالقاهرة ، وكان شهما ، جاوز الستين بأربع ، وحج مرات ، وكانت جنازته مشهودة ، ومات أخوه الشيخ علي الجناني قبله بقليل وكان خيرا وأظنه جاوز الثمانين .
عائشة ست العيش بنت القاضي علاء الدين الحنبلي ، ولدت سنة 61 وحضرت على جدها فتح الدين القلانسي أكثر الغيلانيات وغيرها - وسمعت من القاضي عز الدين ابن جماعة والقاضي موفق الدين الحنبلي جزءين من حديث أبي الحسن بن بشران ومن ناصر الدين الحراوي الجزء الأول من فضل الخيل للدمياطي ، ولها أجازة من محب الدين الخلاطي(8/437)
"""""" صفحة رقم 438 """"""
وجماعة من الشاميين والمصريين ، أكثر عنها الطلبة بأخرة ، وكانت خيرة وتكتب خطا جيدا ، وهي والدة القاضي عز الدين ابن قاضي المسلمين برهان الدين إبراهيم بن نصر الله الحنبلي .
عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن عبد الله ، المروزي الأصل زين الدين ابن الخراط نزيل القاهرة ، الأديب الشاعر ، موقع الدست ، اشتغل على أبيه وغيره بحلب ، ولد بحماة في سنة 77 ، وقدم مع والده إلى حلب فنشأ بها ، واشتغل بالفقه ثم تولع بالأدب واشتهر ، وأكثر من مدح الأكابر من أهل حلب ، ومدح حكم بقصائد طنانة فأجازه واختص به ونادمه ، ثم بعد إقامته بمصر مدح ملوكها ورؤساءها وقدم أخوه شمس الدين محمد إلى القاهرة صحبة القاضي ناصر الدين ابن البارزي فسعى لأخيه في كتابة السر بطرابلس فوليها ، ثم قدم الديار المصرية فقطنها وقرر في(8/438)
"""""" صفحة رقم 439 """"""
كتابة الإنشاء ، ثم ولي وظيفة الإنشاء بعد ابن حجة ، وكانت بيده وظائف تلقاها عن أبيه فاستمرت معه ، وولي قضاء الباب بعد والده فاستمر معه إلى أن مات ، واعتراه في آخر عمره انحراف بعد أن كان في غاية اللطافة والكياسة ، سمعت من نظمه وصار حتى بلغز في النعام نثرا من إنشائه فأجبته ، وكان كثير النفور من الناس جدا ، بلغني أنه قارب السبعين مات في ليلة الثلاثاء ثاني المحرم - وقد تقدم ذكر أبيه .
عبد الرحمن القاضي نور الدين بن الشيخ جلال الدين نصر الله ، البغدادي أخو قاضي القضاة محب الدين ، كان ينوب في الحكم عن اخيه ، وناب قبل ذلك على ابن المغلي ، وكان في ابتداء أمره حريرا بحانوت على باب القصر ، ثم جلس في الشهور إلى أن ناب عن أخيه فحكم فيه ، ثم ولي قضاء صفد استقلالا فأقام بها سبع سنين ، ثم حج في أواخر شعبان سنة 37 وجاور سنة ثمان ، ورجع إلى القاهرة في أول سنة 39 ، فأقام بها ينوب عن أخيه إلى أن مات في يوم الجمعة تاسع شعبان ، وكان الجمع في جنازته وافرا ، ولم اصل عليه لأنه أخرج وقت صلاة الجمعة وأنا صليت(8/439)
"""""" صفحة رقم 440 """"""
في جامع القلعة بالسلطان ، ومولده في سنة 783 ، وقدم مع أبيه بعد التسعين وهو أصغر الإخوة ، وله سماع من بعض شيوخنا ، وكان حسن المودة كثير البشاشة ، وفي كثير من أحكامه مقال - والله يعفو عنه وأجاز له في استدعاء بخط أخيه القاضي محب الدين ابن المحب وجماعة من شيوخ الشام في سنة 786 ، وذكر لي أخوه أنه سمع معه على تقي الدين ابن حاتم كتاب الشفاء ، ولم يخلف ولدا ، وقرأت بخط أخيه أنه مات له ثلاثة عشر ولدا .
عبد الرحمن الحلبي القاضي تاج الدين المعروف بابن الكركي بحلب ومولده . . وسمع من . . . وولي قضاء حلب مدة ثم نزل عن ذلك ، واستمرت بيده جهات قليلة يتبلغ منها إلى أن مات في يوم 22 من شهر رمضان ، وكان يسكن القاهرة مدة وناب عني ثم حج وتوجه ، ولفقيته بحلب ما توجهت إليها صحبة السلطان ، وأجاز لأولادي - رحمه الله .
علي بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن منصور بن حجاج بن يوسف الحسني العلوي الشريف صاحب صنعاء الإمام المنصور نجاح الدين أبو الحسن ابن الإمام صلاح الدين أقام في الإمامة بعد أبيه ستا وأربعين سنة وأشهرا(8/440)
"""""" صفحة رقم 441 """"""
بصنعاء وصعدة وعدة حصون ، ومات في 7 صفر ، واستقر بعده ابنه الناصر صلاح الدين محمد فمات بعد ثمان وعشرين يوما ، فاجتمع الزيدية على رجل يقال له صلاح بن علي بن محمد بن أبي القاسم وبايعوه ولقبوه بالمهدي والجميع زيدية .
قرقماس بن عذراء بن نعير بن حيار بن مهنا .
كمشبغا الظاهري أمير عشرة ، وهو أيضا ممن قام بنصر جانبك الصوفي إلى أن أخذ في هذه السنة كما قدمنا في الحوادث - .
عبد الوهاب تاج الدين بن الحافظ عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير ، مات في ثاني ذي القعدة بدمشق - .
عيسى بن قرمان ، قتل في محاربته مع أخيه إبراهيم .
قرمش الأعور ، كان من مماليك الظاهر برقوق ، وتنقلت به الأحوال وتامر ، ثم كان مع تنبك البجاسي لما خامر على السلطان ، ثم ظهر مع جانبك الصوفي في السنة الماضية ، فلما كان العسكر المجرد بحلب وصل خجا سودون(8/441)
"""""" صفحة رقم 442 """"""
إلى عينتاب فطرقه قرمش فكانت بينهما وقعة قبض فيها على قرمش فقتل . فحملت رأسه إلى القاهرة فطيف بها ، ووصل العسكر المجرد إلى سيواس فلم يظفروا بجانبك ولا بابن دلغادر بل انهزما أمامهم إلى بلاد الروم .
قصروه وكان من مماليك الظاهر برقوق ، وتنقلت به الأحوال إلى أن استقر في إمرة آخور الكبير في أول دولة الأشرف ، ثم نقل إلى نيابة طرابلس في سنة خمس وعشرين ، ثم نقل إلى نيابة حلب سنة ثلاثين ، فلما كانت سفرة آمد وعاد الأشرف إلى القاهرة ولاه نيابة دمشق ، ونقل منها جار قطلي إلى القاهرة ، ونقل قصروه إلى حلب في شعبان سنة سبع وثلاثين - فسار فيها سيرة حسنة ، وعمر قبة كبيرة في مقام الأنصاري ووقف عليها وقفا .
محمد بن أحمد بن محمود القاضي شمس الدين الحنفي المعروف بابن الكشك ، مات معزولا عن القضاء .(8/442)
"""""" صفحة رقم 443 """"""
محمد بن إسماعيل بن أحمد الضبي الشافعي صاحبنا الشيخ شمس الدين ، كان خطيبا بجامع يونس بالقرب من قنطرة السباع بين مصر والقاهرة ، وكان دينا خيرا مقبلا على شأنه لازمني نحو ثلاثين سنة وكتب أكثر تصانيفي ، منها أطراف المسند ، وما كمل من شرح البخاري وهو أحد عشر سفرا ، والمشتبه ولسان الميزان ، وكتب الأمالي وهي في قدر أربع مجلدات بخطه ، وتخريج الرافعي وعدة تصانيف ، وكتب لنفسه من تصانيف غيري ، واشتغل بالعربية ، ولم يكن له نهمة في غير الكتابة ، وكان متقللا من الدنيا قانعا باليسير صابرا قانتا قليل الكلام ، كثر الثناء عليه من جيرانه ، مات في يوم الثلاثاء ثاني عشر رمضان وتأسفوا عليه - رحمه الله .
محمد بن محمد بن أحمد ، المناوي الأصل الشيخ شمس الدين الجوهري المعروف بابن الريقي ، مات في يوم الخميس خامس شوال ، وكان قد حصلت له ثروة من قبل بعض حواشي الناصر فرج من النساء ، واكثر من القراءة على الشيخ برهان الدين البيجوري فقرأ عليه الروضة وفي الرافعي(8/443)
"""""" صفحة رقم 444 """"""
الكبير وفي الرافعي الصغير وغير ذلك ، ولازم دروس القاضي ولي الدين العراقي ، وكان كثير التلاوة والإحسان للطلبة ، وكانت جنازته مشهودة .
محمد بن محمد بن علي بن أدريس ين أحمد بن محمد بن عمر بن علي بن أبي بكر بن عبد الرحمن ، مجد الدين أبو الطاهر العلوي - نسبة إلى نبي علي بن بلي بن وائل - التعزي الشافعي ، ولد في أول شوال سنة ست وثمانمائة . وقرأ القرآن وشدا شيئا من العربية ونظم الشعر ، وأحب طلب الحديث فاخذ عن الجمال بن الخياط بتعز ، وحضر عند الشيخ مجد الدين الشيرازي وأجاز له ، وحج سنة تسع وثلاثين فسمع بمكة ، ثم قدم القاهرة فأكثر على السماع ليلا ونهارا وكتب بخطه كثيرا ، ثم بغته الموت فتوعك أياما ، ومات يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الآخرة ، وكان ينظم سريعا .
محمد بن موسى بن عمر بن عطية ، اللقائي الأزهري المالكي ، ولد سنة 774 - كذا بخطه ، ونشأ مع أبيه وحفظ القرآن وقرأ به في الجوق(8/444)
"""""" صفحة رقم 445 """"""
وكان حسن الصوت ، ثم طلب الحديث وقتا وكتب أسماء السامعين واعتمدوا عليه في ذلك ، ثم اتصل بشرف الدين الدماميني خين ولي نظر الجيش ، ثم بفتح الله حين ولي كتابة السر فلازمه إلى أن استقر شاهد ديوانه وغلب عليه ، ثم لما زالت دولته واستقر ابن - البارزي خدمه ولازمه إلى أن غلب أيضا عليه ، واستقر في ديوانه لا يقطع أمرا دونه إلى أن مات ، فخدم ابنه وابن الكويز ، ثم انفصل عنه وباشر في عدة جهات ، وكان كثير التودد والإحسان للفقراء والمحبة في أهل الخير والصلاح ، مات يوم الاثنين خامس شعبان بمنزلة جوار جامع الأزهر ، وكانت جنازته حافلة ، صلوا عليه بالجامع الأزهر ، وكان الجمع كثيرا ، ثم مشوا إلى مصلى باب النصر فصليت عليه ، وحضر جميع مباشري الدولة ناظر الجيش فمن دونه .
محمد بن يوسف بن أبي بكر بن صلاح ، القاضي شمس الدين الحلاوي الدمشقي ، وكان يذكر أن أصلهم من حلب وأنهم نسبوا إلى المدرسة الحلاوية بها ، وكان كثير من الناس يذكرون أن أباه كان يبيع الحلوى الناطف في طبق ، وولد له هذا في سنة 765 ، وكان للناس فيه اعتقاد فنشأ ولده بين الطلبة ، واسمعه من جماعة من الشيوخ ، وكان يذكر أنه سمع من الحافظ عماد الدين ابن كثير وابن أميلة ونحوهما من أهل ذاك(8/445)
"""""" صفحة رقم 446 """"""
العصر ، فوجد سماعه من ابن كشك لبعض الصحيح وحدث به ، ثم قدم القاهرة وتوصل إلى خدمة الأمير يشبك ، وصحب ابن غراب ، وعمل التوقيع عند يشبك ، وولي نظر الأحباس مدة والحسبة غير مرة ، ثم ولي وكالة بيت المال سنة سبع وعشرين بعد موت ابن التباني إلى أن مات ، وكان قد مرض مرضا طويلا نحو الخمسة أشهر ، أصابه فالج فبطل نصفه ، وتنقلت به الأمراض إلى أن مات في ليلة الجمعة سادس شوال ، وكان كثير المجازفة في النقل ، واستقر بعده في وكالة بيت المال القاضي نور الدين مفلح ناظر المارستان وفيه قيل :
إن الحلاوي لم يصحب أخا ثقة
إلا محا شؤمه منه محاسنهم
السعد والفخر والطوخي لازمهم
فأصحبوا لا ترى إلا مساكنهم
يعني سعد الدين ابن غراب وأخاه فخر الدين وبدر الدين الطوخي ، فزاد عليهم المصنف رحمة الله :
وابن الكويز وعن قرب أخوه ثوى
والبدر والنجم رب اجعله ثامنهم
يعني صلاح الدين ابن الكويز وأخاه علم الدين وبدر الدين بن محب الدين المشير والنجم ابن حجي .(8/446)
"""""" صفحة رقم 447 """"""
محمد بن شاه بن الشيخ شمس الدين الفناري الحنفي الرومي ، كان ذكيا ، وحج في سنة بضع وثلاثين ودخل القاهرة ، ثم رجع إلى بلاد ابن قرمان فمات .
محمد المغربي الأندلسي النحوي الشيخ شمس الدين الذي ولي قضاء حماة وأقام بها مدة ، ثم توجه إلى الروم فاقام بها وأقبل الناس عليه ، وكان شعلة نار في الذكاء كثير الاستحضار عارفا بعدة علوم خصوصا العربية ، وقد قرأ في علوم الحديث على وكان حسن الفهم ، مات في شعبان ببرصا من بلاد الروم .
محمد بن . . . بن الشيخ عبد القادر الكيلاني ، الشيخ شمس الدين مات في رابع صفر .(8/447)
"""""" صفحة رقم 448 """"""
محمد المعروف بالبلدي الشيخ شمس الدين ، كان خيرا وبيده نظر المارستان بمكة ، وكان يخدم الفقراء ويبالغ في ذلك بنفسه ، وكان دأبه(8/448)
"""""" صفحة رقم 449 """"""
المشي بين الناس للإصلاح بينهم وتأليف قلوبهم فألموا لفقده ، وكانت وفاته في يوم الخميس سلخ ربيع الأول .
موسى بن أحمد بن موسى بن عبد الله بن سليمان ، الشافعي الشيخ شرف الدين السبكي ، مات في سابع عشر ذي القعدة ، وكان متصديا لشغل الطلبة بالفقه جميه نهاره ، وأقام على ذلك نحو العشرين سنة ولم يخلف بعده في ذلك نظيره ، وأظنه بلغ السبعين وكان سناطا .
نعمة الله بن الشيخ شرف الدين محمد بن عبد الرحيم ، الجرهي - بفتح الجيم والراء الخفيفة ، مات وله دون الثلاثين سنة ، ولد بشيراز وسمع الكثير وحبب إليه الطلب وسمع من أبيه وجماعة بمكة ، ثم قدم القاهرة فأكثر عني وعن الشيوخ وفهم وحصل كثيرا من تصانيفي ومهر فيها ، وكتب الخط الحسن وعرف العربية ، ثم بلغه أن أباه مات(8/449)
"""""" صفحة رقم 450 """"""
في العام الماضي فتوجه في البحر فوصل إلى البلاد ورجع هو وأخوه قاصدين إلى مكة فغرق نعمة الله في نهر الحسا ونجا أخوه ، فلما وصل إلى اليمن ركب البحر إلى جدة ، فاتفق وقوع الحريق بها فاحترق مع من احترق لكنه عاش وفقد رجليه معا فإنهما احترقا ، وعاش هو لعمره وذلك في شوال منها ، وكانت وفاة نعمة الله في رجب أو شعبان ظنا .(8/450)
"""""" صفحة رقم 1 """"""
حوادث سنة 841
سنة إحدى وأربعين وثمانمائة
قرأت بخط القاضي الحنبلي : لم ير الهلال ليلة الجمعة إلا أن شخصا يقال له العاملي يقرأ المواعيد ذكر أنه رآه ولم يوجد من يوافقه ، وفي يوم الجمعة صلى بجامع الحاكم بعد الصلاة على ميت . . .
وفيه - فرقت كتب الحجاج ، وفيها أن الوقفة يوم الجمعة ، وكان قدوم الهجان بذلك بعد العصر يوم الخميس قبل ذلك ، ولم يحضر المبشر على العادة خشية من العرب الذين يقطعون الطريق .
وفي يوم الاثنين استقر سراج الدين عمر الحمصي في قضاء طرابلس وخلع عليه ، وركب معه القاضي الشافعي وناظر الجيش .(9/1)
"""""" صفحة رقم 2 """"""
وفي العاشر منه ثار جماعة من المماليك الأشرفية الجلبان وقصدوا نهب - بيت ناظر الجيش ، فأنذر بهم فاحترز وتحول من بركة الرطلي ونقل أمتعته ، فهجموا منزله ببركة الرطلي فنهبوا ما وجدوا - فيه وهم دون المائة ورجعوا - ، وخشي الوزير من النهب فاختفى ، ثم صارا يحضران مع الموكب ويرجعان مختفيين ، قراسلهم السلطان بالمنع مما فعلوه ، فلم يجيبوا وراموا أن يزاد جوامكهم واللحم ؛ ثم سكنت القضية .
وفيه وصل بدوي فأخبر أن الحاج حصل لهم في الذهاب عطش ومات منهم كثير من الجمال ولم يحضر معه من كتبهم إلا اليسير ، فحصل لجماعة ممن له معرفة من الحاج اضطراب إلى أن وصل في السادس عشر جماعة سبقوا من العيون فذكروا أن بني لام خرجوا على شاهين الذي كان توجه لعمارة البئر بالعيون فقتلوه ونهبوا الإقامة المجهزة من القاهرة وأن الحجاج بخير ، ثم وصل من سطح العقبة جماعة في يوم العشرين فأخبروا أن الركب الأول يدخل يوم السبت وأن المحمل يتأخر بسبب احترازهم من العرب .
وفي سابع عشر صفر وقع لعز الدين بن القاضي جمال الدين(9/2)
"""""" صفحة رقم 3 """"""
البساطي تغيظ على بعض العامة فعزره فشكاه للسلطان ، فتعصب أمير آخور الصغير فأدب العامي فضربه ضربا مبرحا ، فحمله أخوه على جمال الدين وزعم أنه أشرف على الموت ، فآل الأمر إلى أن أمر السلطان بضرب البساطي فضرب ضربا مبرحا ، وشق ذلك على غالب الناس .
وفي يوم الأربعاء ثالث عشري ربيع الأول نودي على النيل بما كان نقص وهو إصبعان ، ثم نودي يوم الخميس بإصبع تكملة أربع عشرة من أحد وعشرين ذراعا ، وكان ذلك موافقا لتاسع عشري توت من الأشهر القبطية ، وانتهت الزيادة في سلخه إلى خمسة أصابع من أحد وعشرين ذراعا ، واستمر ثابتا مدة ، واشتد الحر نحو العشرة أيام إلى أن طلع نجم السماك يوم السبت رابع عشر ربيع الآخر الموافق لبابة من الأشهر القبطية فهبت الهواء الباردة وسكن الحر .
وفيها غلب على صنعاء اليمن سنقر مولى علي بن صلاح ملكها الذي انتقل بالوفاة ، فعصى سنقر المذكور على الإمام الذي استقر بعد على ابن صلاح بصعدة ، فسار الغمام لمحاربة سنقر المذكور كما سيأتي بيانه في السنة التي بعدها وآل الأمر إلى أن المملكة صارت لسنقر وصيرها ملكا .
وفيها ورد كتب صاحب الحبشة يذكر فيه أن البطرك الذي عندهم من قبل البطرك الساكن بمصر مات ويلتمس من السلطان أن يأمر البطرك(9/3)
"""""" صفحة رقم 4 """"""
أن يجهز إليهم من عنده بدله ويذكر فيه مودة ومحبة وتوصية بمن بمصر وأعمالها من النصارى ، فتقدم الأمر إلى البطرك بذلك فبعث نصرانيا يسمى مخاييل ، ومن قبل أن يسافرا حضر عندهما جماعة من الحبشى نصارى فشكوا أنهم كانوا في دير وأن قطاع الطريق نزلوا عليهم فقتلوا منهم ثلاثة وهرب من بقي ، وسألوا في ترميم كنيسة كانت قديمة ببساتين الوزير وتركها أهلها من أجل تخريبها ، فرفعوا قصة إلى السلطان فأذن في ذلك ، ورفعوا أمرهم إلى القاضي الحنفي وهو حينئذ بدر الدين العيني فكتب لبعض من ينوب عنه بالتوجه لتلك الجهة وإعادة الكنيسة على ما كانت عليه بأنقاضها من غير مزيد على ذلك ففعل ، فكان في سنة 844 ما سأذكره .
وفي شهر ربيع الآخر قبض على جانبك الصوفي بعد أن كان تحول عند مرزابك إلى جهة ابن قرايلك - ، فما زال تغري برمش النائب بحلب - يكاتبه في أمره إلى أن اتفقا على خمسة آلاف دينار(9/4)
"""""" صفحة رقم 5 """"""
ليقبض عليه ، فبلغ ذلك جانبك الصوفي - ففر بمن معه فتبعوه - فجرح في المعركة وقبض عليه ، وكوتب النائب فجهز المال ومعه سرية تحمله إلى حلب وكاتب السلطان في ذلك ، فاتفقت وفاته ثاني يوم القبض عليه ، فوصلت السرية فقبض المال وحز رأسه وجهزت إلى حلب ثم إلى القاهرة ، ووصلوا بها أول جمادى الأولى ، وطيف - بها في القاهرة واستقرت النفوس ، وحصل لمن كان يهوى هواه ما لا مزيد عليه من الحزن ، وبطلت الملحمة وتبين كذب من افتراها - والأمر كله بيد الله تعالى .
وفي يوم الخميس سابع عشرة رفع جماعة أن نور الدين بن سالم أحد نواب الشافعي حكم عليه في قضية ، فطلبه السلطان فحضر ، فسأله عن الشهود : لم لم يكتب أسماؤهم في الحكم ? فأجاب بأن ذلك ليس شرطا ، فعارضه بعض من حضر ، فأمر بضربه فضرب بحضرته وأخذ شاشه وأهين إهانة صعبة ، فخرج وهو مكسور الخاطر لكونه مظلوما ، وكثر التأسف عليه ،(9/5)
"""""" صفحة رقم 6 """"""
ولم يكن إلا اليسير حتى وعك السلطان وتمادى أمره إلى أن مات كما سيأتي مفصلا .
وفيها وقع الطاعون في نصف الشتاء في البلاد الشامية فكثر بحماة وحلب وحمص ، ثم تحول إلى دمشق في أواخر الشتاء ودخل الديار المصرية في أوائل شهر رمضان ، فكان في ابتدائه يموت في اليوم - نحو العشرين ، ثم بلغ في آخره نحو الثمانين ، ثم بلغ في أول شوال إلى المائة ، ثم بلغ المائتين في العشر الأول منه ، وفي العشر الآخر من شهر رمضان توجه جكم ختن السلطان بإذنه إلى الوجه البحري فهدم دير المغطس وهو دير روماني من قبل الإسلام لكنهم يبالغون في تعظيمه ويخصون له يوما معينا كالعيد ، يجتمع فيه من جميع أقطار الإقليم(9/6)
"""""" صفحة رقم 7 """"""
مشاة وركبانا ، ويتشبهون بالحجاج ، ويجتمع حوله من الباعة ما جرت به العادة في المواسم الكبار ، ويعلنون فيه بسب أكابر المسلمين كالصحابة خصوصا خالد بن الوليد ، وقد تقدم في حوادث شهر ربيع الأول من السنة الماضية قيام الشيخ ناصر الدين الطنباوي في أمره وسعيه في هدمه فلم يتفق ، فقيض الله في هذا الشهر هذا الرجل وهو جركسي قريب العهد بالإسلام لكن إسلامه قوي ، فعرفه بعض الصلحاء بالقضية ففهمها ، فقام فيها إلى أن أذن السلطان للقضاة بالحكم بهدمه بعد إن كان المالكي في تلك المرة - قد بالغ في تثبيت مقتضيات هدمه وأشرف على الحكم ، فدسوا عليه من أخافه بأن للسلطان غرضا في ترك هدمه وإبقائه مغلقا ، فجبن وركن لمن زعم له أن السلطان حكم بإغلاقه إلى إن يسر الله في هذا الوقت هدمه - ولله الحمد .
وفي أواخر شهر رمضان سأل السلطان من يحضر مجلس الحديث عن سبب الطاعون ، فذكر له بعضهم فشو الزنا ، فأمر بمنع النساء هن الخروج من بيوتهن إلا العجائز والجواري لقضاء الحوائج اللاتي لا بد لهن منها وشدد في ذلك .(9/7)
"""""" صفحة رقم 8 """"""
وفي الثامن والعشرين من شهر رمضان صرف كاتب السر صلاح الدين بن الصاحب بدر الدين - ابن نصر الله عن الحسبة ، واستقر دولات خجا الذي كان ولي الشرطة في سنة ست وثلاثين في سفرة آمد . وفيه أخرج الشيخ سرور المغربي من القاهرة بأمر السلطان إلى الإسكندرية . وفي هذا اليوم ظهر جراد كثير جدا بعد العصر ، جاء من قبل المشرق ، حتى كاد النهار يظلم ، فدام ساعة وسار نحو المغرب ، فلم يبق له أثر من قبل المغرب ، ثم في اليوم الذي يليه وقع نظير ذلك في وقته ثم انقضى أمره .
وفي أواخر شهر رمضان كتب مرسوم بإضافة المواريث الحشرية من النصارى إلى بيت المال بعد أن كن البطرك يتناولها بمراسيم يقررها له الكتاب من قديم الزمان ، وكلما أبطلوه أعادوها مرارا .
شوال ، أوله الخميس ، في أوله اشتد البرد جدا بحيث أنه كان أشد مما كان في فصل الشتاء وعاد الناس إلى لبس الفراء ونحوها ، وفشا الطاعون فزاد على المائة ، وصلينا في الجامع الحاكمي بعد الجمعة على خمسة أنفس جملة ، وكان أول ما بدا اشتد - في نواحي الجامع الطولوني ثم في الصليبة ثم فشا في القاهرة - ولله الأمر .
ثم بلغ المائتين في العشر الأول منه كل يوم ، ثم في العشر الأوسط(9/8)
"""""" صفحة رقم 9 """"""
إلى ثلاثمائة .
وفي السادس منه استقر كاتبه في الحكم بالديار المصرية على عادته .
وفي النصف منه توجهت ليلى لزيارة أهلها بحلب ، فأكملت في عصمتي خمس سنين سواء ووقعت الفرقة ، وعادت في رجب ثم أعيدت إلى العصمة .
وفي العاشر منه عاود السلطان ضعفه بالقولنج وسوء المزاج وفساد المعدة ، فانقطع عن الموكب والخدمة إلى . . وأدير المحمل في يوم الاثنين تاسع عشرة وأميرهم آقبغا التركماني ، وأبطل جماعة من الناس السفر لاشتغالهم بالطاعون ، وكان فطر النصارى في الثامن عشر ، وأمطرت في التاسع عشر مطرا خفيفا ، ثم كثر في الليل وأرعدت وأبرقت ونزل الماء كأفواه القرب ، وهو في - اليوم الثالث من نزول الشمس الثور ،(9/9)
"""""" صفحة رقم 10 """"""
وأصبحت المدينة ملأى بالوحل ونزل الماء ، وقد تقدم نظير هذا في مثل هذا اليوم من سنة ست وعشرين وثمانمائة .
وفيه أمر بكسر أواني الخمر ، فأخبرني المحتسب دولات خجا أنه كسر في يوم واحد ثلاثة وستين ألف جرة وأنه سئل بمال جزيل الإعفاء من ذلك ، فلم يستطع مخالفة الأمر لشدة فحص السلطان على ذلك ، وفي آخره توجه العسكر المصري من حلب إلى جهة الروم .
وفي يوم السبت الرابع والعشرين منه غضب السلطان على رئيسي الطب شمس الدين أبي البركات بن عفيف بن وهبة بن يوحنا بن وفا حلب - الملكي الأسلمي وزين الدين خضر الإسرائيلي لاتهامه(9/10)
"""""" صفحة رقم 11 """"""
إياهما أنهما غلطا عليه فيما وصفاه له - من الأدوية ، فأمر بتوسيطهما فوسطا بالحوش ، وذكر أن ابن العفيف استلم وتشهد ، وأن الآخر مانع عن نفسه وعالج وسأل أن يفدي نفسه بخمسة آلاف دينار ، فلم يجب ، وقتلا .
وفي صبيحة يوم الأحد سلمت جثتهما لأهلهما ، فدفناهما وراحاه من وزن الذهب - وعد ذلك من الأعاجيب .
وفيه غضب على عمر والي الشرطة وصودر على مال ثم أعيد ، واشتد بالسلطان الضعف لعدم تناول الغذاء وساءت أخلاقه ، وصار يأمر بأشياء فيها ضرر لبعض من يلوذ به فيظهر المأمور الامتثال ولا يفعل ، واتفق أن ناظر الجيوش القاضي زين الدين - عبد الباسط انقطع يوما بسبب ظلوع في ذراعه ثم عوفي وركب وفرح الناس - ، واستمر كاتب السر صلاح الدين بن نصر الله - ضعيفا منقطعا من يوم الجمعة ولم يظهر فيه الطاعون إلا أن مرضه شديد الحدة . فلما كان يوم الثلاثاء الرابع من ذي القعدة طلب السلطان الخليفة والقضاة والأمراء(9/11)
"""""" صفحة رقم 12 """"""
والخاصكية والمماليك السلطانية والأجناد ، وعهد السلطان بالسلطنة لولده وكتب عهده ، ولقب الملك العزيز جمال الدين يوسف - ، وأشهد السلطان على نفسه بذلك برضا أهل المملكة وإمضاء الخليفة ، واشهد على نفسه أنه جعل الأمير الكبير - جقمق نظام مملكة ولده يوسف - وكتب له بذلك ورقة مفردة ، وشهد فيها على السلطان بالتفويض وعلى الخليفة بالإمضاء ، وانفق على المماليك السلطانية فجعل - لكل شخص ثلاثون دينارا وأنفض المجلس ، وخلع على نور الدين الإمام السويفي بوظيفة الحسبة عوضا عن دولات خجا ، وهرع الناس للسلام عليه .
وفي الرابع من ذي القعدة تناقص البرد وتزايد الحر وخف الموت من ضواحي القاهرة إلا من الجهة البحرية والشرقية فتزايد فيهما كما كان في الغربية والقبلية فيقال جاوزوا الألف في كل يوم ومعظمهم أطفال ورقيق من جميع الأجناس .
وفي النصف من ذي القعدة بدأ الطاعون في النقص فصار ينقص في كل يوم نحو الأربعين والخمسين والثلاثين ، وتمادى على ذلك إلى أن(9/12)
"""""" صفحة رقم 13 """"""
كان في العشرين منه ، فكانت عدة الاموات بمصلى باب النصر مائة بعد أن كانت بلغت الخمسمائة ، ثم تناقص إلى ستين في ثاني عشري ذي القعدة وكانت بلغت بمصلى المؤمني نحو الثلاثمائة ، ثم تناقص ذلك إلى ثلاثين .
وفي العاشر من ذي القعدة ناول العسكر المصري الابلستين ، ثم توجهوا إلى مدينة اقشر فنازلوها وأميرها سالم بن الحسن وكان يقطع الطريق على التجار ، فهدموا بعض قلاعها وكان هذا المكان - معدا لقطاع الطري ، وتوجه العسكر المصري منها في أواخر الشهر بعد أن - قرروا بها نائبا .
وفي السادس والعشرين من ذي القعدة هبت ريح شديدة ، وأثارت ترابا كثيرا بحيث ملأت البيوت والشوارع ، ودامت من الليل إلى آخر النهار .
وفي العشر الأخير من ذي الحجة وكان أوله الاثنين قصد العسكر المصري أرزن الروم ، فأرسل إليهم صاحبها يعقوب بك بن قرا يلك ولده وزوجته وقضاة بلده يبذل الطاعة وصحبتهم دراهم مضروبة باسم الأشرف من ذلك قبل إن يصل لكنهم حين مروا فدخلوا البلد فزينوها لهم(9/13)
"""""" صفحة رقم 14 """"""
ونزلوا بالمرج وأتتهم الضيافة ، واستقر يعقوب نائبا بها نائبا من قبل السلطان هو وابن أخيه جهانكير بن علي بك بن قرايلك ، ورحل العسكر منها في أول يوم من المحرم .
وفيات سنة 841
ذكر من مات في سنة إحدى وأربعين وثمانمائة من الأعيان
إبراهيم بن عبد الكريم بن بركة الكاتب سعد الدين بن كريم الدين ابن سعد الدين المعروف بابن كاتب جكم ، مات في ليلة الجمعة ثامن عشر شهر - ربيع الأول ولم يبلغ الثلاثين ، وكان استقر في نظر الخاص السلطاني ووكالة السلطان الخاص عقب موت والده فباشرها إلى أن مات ، وكان علته مرض السل ، وعرض له في أثناء ذلك قولنج وحصل له صرع ولم يكثر - ، واتهم طبيبه بأنه دس عليه سما ، وكانت جنازته حافلة ، صلى عليه بالزميلة ونزل السلطان وكثر الثناء عليه ، وكان قليل(9/14)
"""""" صفحة رقم 15 """"""
الأذى ، كثير البذل ، طلق الوجه ، نادرة في طائفته ، واستقر بعده في وظيفته أخوه جمال الدين يوسف يوم السبت ، وهرع الناس للسلام عليه .
أحمد بن صالح شهاب الدين الشطنوفي العامل بمودع الحكم بالقاهرة ، وكان يجيد الكتابة والضبط ، وللجهة به جمال ، فتلاشى الأمر بعده جدا - ولله الأمر ، ذكر لي ولده شمس الدين محمد وهو من النجباء أن مولد والده في . . ، وذكر لي غيره أنه جاوز الثمانين ، مات في ليلة الجمعة حادي عشري ذي القعدة .
أحمد بن محمد بن عبد الرحمن شهاب الدين المادح المعروف بالقرداح الواعظ وكان قد انتهت إليه رياسة الفن ولم يكن في مصر والشام من يدانيه في هذا الوقت ، فإنه كان طيب النغمة ، عارفا بالموسيقى ، يجيد الأعمال ويتقنها ، ولا ينشد غالبا إلا معربا ، ومهر في علم الميقات ، وكان ينظم نظما وسطا ، سمعت منه ومدحني مرارا . وكان يعمل الألحان(9/15)
"""""" صفحة رقم 16 """"""
وينقل كثيرا منها إلى ما ينظمه ، فإذا اشتهر وكثر العمل به تحول إلى غيره ، وهو أحد مفاخر الديار المصرية ولم يخلف بعده مثله ، ذكر لي أن مولده سنة ثمانين ، وكان قد أسرع إليه الشيب والهرم ، وخلف كتبا كثيرة تزيد على ألف مجلد ، وخلف مالا جزيلا خفي غالبه على ورثته .
أركماس دويدار الأمير الكبير ، وكان خدم دويدار عند بيبغا المظفري قبل أن يلي وظيفة الأمير الكبي ، ثم خدم عند يشبك الأعرج الساقي بعد أن كان أميرا كبيرا ، وكان حسن السياسة ، عارفا بالأمور ، مشكور السيرة ، قليل الشر ، وولي نظر الأوقاف بعد موت - قطلوبغا حجي ، ومات في المحرم .
برسباي السلطان الملك الأشرف ، مات في عصر يوم السبت بعد أن أقام أكثر من عشرين يوما ملقى على قفاه لا حراك به إلا في(9/16)
"""""" صفحة رقم 17 """"""
بعض الأحيان يحرك بده كالعابث أو ينطق بما لا يفهم ، وصار يجرع السويق ونحوه بالمسعط ، فلا ينزل إلى جوفه من ذلك إلا اليسير ، وكان قبل ذلك قد أفرط به الإسهال حتى انحطت قوته ، ثم عرض له الصرع فأقام في أول مرة زمانا طويلا بحيث أرجف بموته ثم أفاق منه مختبلا ، ثم عاوده بعد سبعة أيام فازداد انحطاطا ، واستمر يعاوده حتى يئس منه كل من حوله من النساء والرجال والأطباء ، وفي كل نوبة من الصرعة يرجف بموته ويتهيا الناس لذلك ثم يتحرك ، وكان في غضون ذلك في أوائل ذي الحجة خرج وجلس على لسانه مع بعض الحاشية يأمرهم أن يحلفوا لولي العهد ولده يوسف الملك العزيز ، قكان أول من حلف ممن حضر تمربائي الدويدار ثم إينال المشد ثم على باي الخازندار ، ثم تواردوا على الإيمان لولي العهد ولنظام الملك فعرضوهم طبقة بعد طبقة إلى أن تعالى النهار جدا ، ثم انصرفوا واصبحوا على ذلك فأرسل كل قاض نائبا من عنده حضر التحليف ، والمباشر للتحليف القاضي شرف الدين سبط ابن العجمي نائب كاتب السر ، فاستوعبوا في يومين آخرين من بقي ، وكان من تأخر الأمراء عن الصلاة بالجامع ثم اجتماعهم وصلاتهم يوم الخميس الخامس من هذا الشهر وهم على حذر ، ثم اجتمعوا لصلاة العيد ، وخلع ولي العهد على الأمير الكبير جرت له عادة بالخلع ، ثم اجتمعوا لصلاة الجمعة ثاني عشر الشهر وقد اطمأنت نفوسهم ، فلما كان يوم الست الثالث عشر من ذي الحجة مات السلطان قبل العصر ، فاجتمعوا بعد العصر بباب الستارة ، وجلس ولي العهد وطلب القضاة والأمراء(9/17)
"""""" صفحة رقم 18 """"""
والجند ، فاجتمعوا كلهم فعقدوا له البيعة بالسلطنة ، ولقب الملك العزيز كما تقدم ، ثم ألبس خلعة الخلافة وأركب الفرس ورفعت على رأسه القبة ، ومشى الامير الكبير بالغاشية إلى أن دخل القصر الكبير فأجلس على الكرسي وجلس حوله الخليفة والقضاة ، ثم وقف جميع الامراء وأهل الدولة من المباشرين وغيرهم ، وقرأ كاتب السر عنوان التقليد ، وادعى كاتب السر عند الشافعي عن السلطان إن الخليفة فوض إليه السلطنة على قاعدة والده وسأل الحكم بذلك فاستوفيت فيه شروط الحكم وحكم ونفذه القضاة ، وركب السلطان إلى داخل الدور ، وخرج الخليفة والقضاة والأمراء - والجند أجمعين إلى باب القلعة ؛ وأخرج الأشرف في التابوت فوضع على المصطبة الكبرى ، وتقدم الشافعي للصلاة عليه ، فلما أكملوا الصلاة توجهوا به إلى تربته التي أنشأها بالصحراء فدفن بها قبل أن تغرب الشمس ، ولم يتوجه معه من حاشيته إلا عدد(9/18)
"""""" صفحة رقم 19 """"""
يسير ، وكثر ترحم العامة عليه ، وبالغوا في سب الخازندار لما رواه في الجنازة ورموه بكل سوء ، فبات بالتربة ورجع إلى القلعة فدخلها أول ما فتحت ، وحضرنا الصبحة فوجدنا عددا يسيرا من الجند وبعض الفقهاء ، فلما ختم وانصرفنا اجتمع الأمراء ورؤساء الدولة عند السلطان وقرروا أمور من يسافر بخلع النواب بالبلاد ، فلما كان يوم الاثنين النصف من الشهر شرعوا في تجهيز القصاد إلى البلاد لتحليف أمرائها والإذن للأمراء المجردين في الرجوع . . ، وكان برسباي يخدم دقماق الذي مات أخيرا بحماة ، ودقماق كان من مماليك الظاهر برقوق ، فيقال إنه الذي أعتق برسباي ، ثم صار برسباي من أتباع نوروز ، ومن قبل ذلك كان مع جكم ، ثم صار مع شيخ بعد قتل الناصر وحضر معه إلى مصر فولاه نيابة طرابلس ، ثم غضب منه فاعتقله عند نائب دمشق ، فلما دخل ططر الشام بعد المؤيد استصحبه إلى القاهرة وقرره دويدارا كيرا فباشر ، وسلطنته في ربيع الآخر سنة خمس وعشرون ، وأكرم الصالح محمد بن ططر - وقرنه بولده فكانا يركبان جميعا إلى أن ماتا بالطاعون سنة ثلاثين .
واتفق في أيام سلطنته من السعد في حركاته ما لا يوصف بحيث أنه لم يقم أحد إلا وقتل من غير أن يجهز له عسكرا أو يباشر له حربا ، وفتحت في أيامه قبرس وأسر ملكها - وقد سبق خبرها في الحوادث .(9/19)
"""""" صفحة رقم 20 """"""
بلقيس بنت بدر الدين محمد بن شيخنا سراج الدين البلقيني ، ماتت في ذي القعدة ، وكانت لها شهرة تغني عن ذكرها ، وهي لسان أهل بيتها ، وسلكت أكثر من عشرين سنة طريق التصوف ، ولبست الخرقة من جماعة وتسمت بالشيخة ووقع في ذلك أضحوكات - وبالله المستعان وأظنها جاوزت الستين .
أبو بكر بن عبد الله بن أيوب بن أحمد ، الملوي المصري الشاذلي الشيخ زين الدين ، ولجده أيوب زاوية بملوي وكان معتقدا ، واما هذا فولد سنة 762 ، وصحب الفقراء وتلمذ للشيخ حسن الحيار ثم لازم صاحبه صلاح الدين العلائي ، وصار يتكلم على الناس بزاوية الحيار بقنظرة الموسكي ويفسر القرآن برأيه على قاعدة شيخه ، فضبطوا عليه اشياء ورفع إلى القاضي جلال الدين فمنعه من الكلام إلا أن قرا من تفسير البغوي وشبهه واجتمع بي بسبب ذلك فوجدته حسن السمت إلا أنه عرى عن العلم ، وكان فيما ذكر لي هو أنه رأي أن في قوله تعالى : كذبت قوم هود المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود ، إن الضمير في قوله أخوهم للمرسلين ، قلت : بل لعاد ، قال : لا ، لا يليق بالنبي أن يوصف بأنه أخو الكفرة ، قلت : فقد قال في الآية الأخرى : واذكر أخا عاو ، فسكت ،(9/20)
"""""" صفحة رقم 21 """"""
وله نظائر لذلك إلا إنه كان كثير الذكر والعبادة ، يتكسب في التجارة في الغزل ، ولجماعة من الناس فيه اعتقاد كبير ، مات في ليلة الجمعة الخامس من ذي الحجة ، وكانت جنازته حافلة ، وهو أخو شمس الدين رئيس الأذان بجامع ابن طولون الذي يقال له المسجل .
جاني بك الصوفي الظهري صاحب الحوادث والوقائع ، مات في يوم الجمعة 15 ربيع الآخر ، واختلف في قتله .
جاني بك السيفي أحد أمراء الطبلخاناة المعروف بالتور ، مات بمكة في شعبان وكان ولي بندر جدة شادا .
تمراز المؤيدي نائب صفد ثم غزة ، مات محبوسا بسجن الإسكندرية في 23 جمادى الآخرة .
إسكندر بن قرا يوسف صاحب تبريز ، مات منفيا عن بلاده مذبوحا ذبحه ابنه في 2 ذي الحجة .
أحمد بن قرطائي الشهابي سبط بكتمر الساقي ، مات في الطاعون ليلة الاثنين عاشر ذي القعدة ، ومولده في شعبان سنة 786 ، وكان ناظما حسن النظم حلو المحاضرة جيد المذاكرة شمسا جدا ، ومن نظمه :
حتى العذر وافاه من بعدهجر بوصلي
وقال صف لي عذارى فقلت ناحب علي
دولات جا الذي استقر في الحسبة وكان والي القاهرة ، مات يوم الأحد ثاني ذي القعدة بالطاعون .(9/21)
"""""" صفحة رقم 22 """"""
سودون بن عبد الرحمن نائب الشام ثم أتابك العساكر ، مات بطالا بثغر دمياط في يوم السبت العشرين من المحرم ولم يخلف مثله ، آق بردا البجاسي نائب غزة ، مات في خامس المحرم - .
عبد الرحيم بن محمد بن أبي بكر ، الطرابلسي القاضي تاج الدين أبو محمد ابن قاضي القضاة شمس الدين ، ولي أبوه قضاء الحنفية وناب عن أخيه أمين الدين في الحكم ، واستمر ينوب عمن ولي بعده إلا ابن العديم وولده فإنه لم ينب عنهما رعاية لأخيه ، وولي إفتاء دار العدل ، وكان يصمم في الأحكام ولا يتساهل كغيره ، وأقعد في أواخر عمره وحصلت له رعشة في بدنه ثم فلج فحجب ، وأقام على ذلك نحو سنتين إلى أن مات ليلة الثاني والعشرين من المحرم ، وكان سمع ن ابن مناع الدمشقي بعض الأجزاء الحديثية بسماعه ن عيسى المطعم ، وسمع عنا على البرهان الشامي وغيره ، وحدث قليلا قبل موته ، وكتب في الاستدعاآت .
عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن محمد ، الزنكلواني الشيخ عبد الملك الرجل الصالح ، وكان يسكن بدار مجاور جامع عمرو بن العاص ويؤدب الأطفال ويكثر من تلاوة القرآن والصيام ، ويذكر عنه مكاشفات كثيرى ، ومات في ليلة الرابع والعشرين من جمادى الأولى ولم يجاوز الستين فيما قيل ، وهو ابن خال برهان الدين الزنكلوني أحد نواب الحكم ، وفي ذلك اليوم . . بجوار مشهد الست زينب خارج باب النصر ، وكان صالحا وللناس فيه اعتقاد .(9/22)
"""""" صفحة رقم 23 """"""
علي بن محمد بن عبد الرحمن ، نور الدين الصهرجي ، مات في شوال عن نحو السبعين ، وهو من قدماء الطلبة الشافعية ، وكان مشهورا بالخير ويتكسب بالشهادة .
علي بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد ، البخاري العجمي علامة الوقت علاء الدين ، مولده في سنة 779 ببلاد العجم ، ونشأ ببخارى فتفقه بأبيه وعمه العلا عبد الرحمن ، وأخذ الأدبيات والعقليات عن الشيخ سعد الدين التفتازاني وغيره ، ورحل إلى الأقطار واجتهد في الأخذ عن العلاء حتى برع في المعقول والمنقول والمفهوم والمنظوم واللغة العربية وصار إمام عصره ، وتوجه إلى الهند فاستوطنه مدة ، وعظم أمره عند ملوكه إلى الغاية لما شاهدوه من غزير علمه وزهده وورعه ، ثم قدم مكة فأقام بها ، ودخل مصر فاستوطنها ، وتصدر للإقراء بها فأخذ عنه غالب من أدركناه من مذهب وانتفعوا به علما وجاها ومالا ، ونال عظمة بالقاهرة مع عدم تردد إلى أحد من أعيانها حتى ولا السلطان والكل يحضر إليه ، وكان ملازما للإشغال والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام بذات الله مع ضعف كان يعتريه ، وآل أمره إلى أن توجه إلى الشام فسار إليها بعد أن سأله السلطان في الإقامة بمصر مرارا فلم يقبل ، وسار إليها فأقام بها حتى مات في رمضان ، ولم يخلف بعده مثله لما اشتمل عليه من العلم والورع والزهد والتحري في مأكله ومشربه وعدم قبوله العطاء من السلطان وغيره ، ولما سافر(9/23)
"""""" صفحة رقم 24 """"""
السلطان إلى آمد ركب إليه وزاره أول ما دخل دمشق .
علي بن مفلح ، الحنفي نور الدين ناظر المارستان ووكيل بيت المال ، مات يوم الجمعة 22 ذي القعدة عن نحو السبعين ، وكان عارفا بصحبة الرؤساء كثير الخدمة لهم ، كثير التودد لأصحابه والإعانة لهم ، وفيه لبعض الطلبة خير وبر ، وكان قد ولي مشيخة الجامع الجديد بمصر مدة .
علي بن موسى بن إبراهيم ، الرومي الحنفي العلامة علاء الدين ، تخرج بالشريف الجرجاني والتفتازاني إلى أن برع وتصدر للإقراء ودخل مصر ، فاستقر في مشيخة الأشرفية الجديدة وجرت له مع علماء مصر مناظرات ، وبالجملة فكان عالما محققا ، عارفا بالجدل ، إماما في المعقول ، بارعا في علوم كثيرة ، إلا إن يستخف بكثير من علماء مصر ، مات في يوم الأحد 20 من رمضان - .
علي بن موسى بن إبراهيم ، الشيخ علاء الدين الرومي صاحب الوقائع المشهورة في هذه السنة .
محمد بن أحمد بن محمد الباهي ، الشيخ تاج الدين النويري ، نزيل مصر بالنخالين منها ، وكان يخدم الشيخ زين الدين البوشي المجذوب ، ثم انقطع في منزله وصار يظهر منه بعض الخوارق ، وللناس فيه اعتقاد زائد ، وأضر قبل(9/24)
"""""" صفحة رقم 25 """"""
موته بمدة ، وصار مكانه من جميع جوانبه بنالا وهو مستمر فيه إلى أن مات في رمضان ، وأظنه بلغ السبعين أو دونها .
محمد - ولد شهاب الدين البنهاوي التاجر ، مات في ذي القعدة ، واستولى المتحدث عليه على موجود أبيه ، ولعله يزيد على عشرين ألف دينار ، فقام اثنان فادعيا أنهما ولدا عمه عصبة ، فصالحهما على شيء وصالح ناظر الخاص على شيء آخر ، ومجموع ذلك لا يجيء قدر الثلث من الموجود ، وكان المخبر بذلك من باشر عرض الموجود وبيعه وضبطه ، ومع ذلك فلم يلتفت المذكور لذلك وركب طرف الإنكار ، وإن الذي خصه هو الذي استولى عليه من غير زيادة .
محمد صلاح الدين بن الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله كاتب السر بالديار المصرية - ، مات بالطاعون ، تمرض خمسة أيام ، وولي أبوه في يوم الخميس وظيفته وهرع الناس للسلام عليه وباشر - ، واتفق انحطاط السلطان في المرض إلى أن ثقل فيه وكان ما تقدم ، وكان صلاح الدين أولا يلقب غرس الدين واسمه خليل ، ثم غيره أبوه في(9/25)
"""""" صفحة رقم 26 """"""
الدولة المؤيدية واستمر ، ونشأ صلاح الدين - فهما يقظا فتعلم الخط المنسوب والحساب ، وولي شاد المارستان والحجوبية في الدولة الناصرية فرج ، وولي إمرة طبلخاناة في الدولة المؤيدية ، وولي نديم الأشرف ثم كتابة السر عن أبيه وظائفه كلها كنظر الجيش ونظر الخاص والوزارة ، وولي الأستادارية الكبرى مرتين في أيام ططر وأيام الأشرف ثم استعفى - وباشر عن أبيه في وظائفه كنظر الجيش ونظر الخاص والوزارة نيابة ، وولي إمرة طبلخناة ، ثم ولي الأستادارية بتقدمة ألف ثم استعفى ، ثم نادم السلطان بعد ابن قاسم فولاه الحسبة ثم كتابة السر ، فلم يقم بها إلا دون السنة ، وكان كثير البشاشة وحلاوة اللسان وينسب إلى التزيد في القول - عفا الله تعالى عنه ? مات في ليلة الأربعاء خامس ذي القعدة بالطاعون ، ومولده في رمضان سنة تسعين وسبعمائة ، وعاش إحدى وخمسين سنة رحمه الله - .
محمد بن الحسن بن محمد ، الفاقوسي الرئيسي ناصر الدين كبير الموقعين بديوان الإنشاء ، ولد في ليلة الجمعة خمس وعشرين صفر سنة سبعمائة(9/26)
"""""" صفحة رقم 27 """"""
وثلاث وستين - وكان قديم الهجرة ، وباشر الوظائف الكبار ، ووقع عن القضاة أولا ثم في الدرج ثم في الدست ، ثم ولي نظر الديوان الخاص بخاص السلطان وديوان المشاجرات والذخيرة السلطانية مدة ، وعلت منزلته في الدولة الناصرية ، ثم انحطت في الدولة المؤيدية ولكنه يتماسك ، ثم انحطت في الدولة الأشرفية ، وانقطع عن الخدمة في أواخر عمره ، وكان رئيسا جليلا ، سمع الحديث الكثير وحدث بأخرة ، وله حكايات في ضيق العطن مع سماحة نفس وصدقة ، وكان ينظم نظما وسطا وكذلك إنشاءه ، وخطه أجود من إنشائه ، مات في يوم الثلاثاء سابع عشري شوال - رحمه الله تعالى .
وفيه مات للأمير الكبير ثلاثة أولاد : ذكر وانثيان ، فدفن البنتين في يومه ودفن الصبي صبيحة هذا اليوم .
وفيه مات للقاضي الحنفي بنت أخرى .
محمد بن الخضر بن داود بن يعقوب بن يوسف بن أبي شديد ، الحلبي شمس الدين ابن أخي الرئيس سليمان بن داود الأديب الشهير بابن المصري ، ولد بحلب قبل السبعين ، وأسمع على الكمال بن حبيب والظهير(9/27)
"""""" صفحة رقم 28 """"""
ابن العجمي وعمر بن أيدغمش وغيرهم ونشأ بها ، وتكسب بالشهادة ثم بالتوقيع ، وكانت له فضيلة ويرجع إلى ديانة ، وقدم القاهرة بعد اللنك فأقام بها دهرا ، وعمل التوقيع عند جمال الدين ثم في ديوان الإنشاء عند ناظر الجيش ، ثم تحول إلى بيت المقدس واستقر شيخ المدرسة الباسطية به ، ومات هناك وله نيف وسبعون سنة ، وسمع مني وكتب في الإملاء ومن شرح البخاري ، وقرأ على المقدمة ، ومن كتابي في الصحابة ، وأجاز لي في استدعاء أولادي ، وطارحني بأبيات وهو في بيت المقدس فأجبته ، وأنشدني لغزا لغيره في المسك وسألني جوابه ، ففعلت - والله يرحمه ? واستقر بنوه في جهاته التي بالقاهرة .
محمد بن عمر بن محمد ناصر الدين الطبناوي - بفتح المهملة والموحدة وتخفيف النون - نسبة إلى طبنا من عمل سخا ، ذكر لي أنه ولد سنة 753 ، وكان أبوه مذكورا يقال له ركن الدين ، فنشأ في محبة الفقراء وتقدم فيهم ، وكان مطاعا عند الأمراء والأكابر ، وقد ذكرت قصته في الحوادث - في هدم الدير المعروف بالمغطس وأنه قام في ذلك سنة أربعين فاتفق من خذل السلطان عن - الأمر بهدمه بعد أن(9/28)
"""""" صفحة رقم 29 """"""
كان انطاع لذلك لكنه أمر بإغلاقه ، ثم قدر أنه أذن بهدمه في هذه السنة ، فبادر الشيخ وأعوانه إلى ذلك فهدم ، وقدم الشيخ القاهرة مرارا وله أتباع ، وهو على طريقة حسنة من العبادة والتوجه والرغبة في الخير ، وكان اجتماعي الأخير به في أول ذي الحجة من هذه السنة ، وذكروا أن والدته كانت من الصالحات ويؤثر عنها كرامات ولها شهرة في تلك البلاد .
محمد بن عمر ، الميموني الشافعي الشيخ شمس الدين بن الشيخ سراج الدين ، ولد في حدود السبعين ، واشتغل بالفقه ، وكان أبوه نقيب الزاوية المعروفة بالخشابية ومات وهو صغير ، وتنزل في الوظائف ثم ترك وسلك طريق الفقر وجلس في زاوية ، ثم ترك ذلك وأكثر الحج وكان يديم التلاوة ووقعت له مع القاضي الحنفي كائنة ذكرت في حوادث سنة تسع وعشرين ، ونجا منها بعد إن حكم بإراقة دمه ، وعاش إلى هذه الغاية فمات بالقولنج بالمارستان .
محمد بن محمد بن محمد ، الشيخ علاء الدين البخاري الحنفي ، كان من أهل الدين والورع وله قبول عند الدولة ، وأقام بمصر مدة طويلة ، وتلمذ له جماعة ، وكان يتقن فن المعاني والبيان ويذكر أنه أخذه عن الشيخ سعد الدين ، ويقرر الفقه على المذهبين ، وانتفعوا به كثيرا ، ثم تحول إلى دمشق فاغتبطوا به ، وكان كثير الامر بالمعروف ، مات بدمشق - رحمه الله(9/29)
"""""" صفحة رقم 30 """"""
? ? ? ? ? ? وبلغني أنه قارب السبعين ، قرأت بخط الشريف تاج الدين عبد الوهاب الدمشقي : مات شيخنا علاء الدين البخاري نزيل دمشق صبيحة يوم الخميس 23 رمضان سنة 841 بالمزة .
شمس الدين العماري - بفتح المهملة وتشديد الميم - أحد نواب الحكم الحنفي ، وكان سار مع كاتب - الشام سودون من عبد الرحمن إماما فناب في الحكم بالشام ، ورجع بعد إن انفصل المذكور ، ولم يكن بالمحمود عفا الله تعالى عنه .
يحيى بن سعد الله بن عبد الله ، الكاتب المعروف بابن بنت الملكي شرف الدين صاحب ديوان الجيش ، مات في ذي القعدة بالطاعون ولم يكمل الخمسين ، واستقر أخوه عبد الغني في وظيفته مشاركا لأولاده - .
حوادث سنة 842
سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة
شهر الله المحرم - أرخوه على عادة العدد يوم الأربعاء ، ثم تبين أن أوله الثلاثاء بعد ستة أيام .
وفي يوم السبت خامسه استقر أينال الشاد دويدار عوض تمرباي ، واستقر تمرباي من الأمراء المقدمين ، واستقر بعد ذلك -(9/30)
"""""" صفحة رقم 31 """"""
على باي شادا عوضا عن اينال ، واستقر جكم خال السلطان خازندار عوضا عن هلي باي ، واستقر في وكالة بيت المال شهاب الدين ابن الشيخة شاهد القيمة ، وعينت وظيفة نظر المارستان لولي الدين السنطي ثم لمحب الدين بن الأشقر ثم لسراج الدين العبادي فقيه الملك العزيز ، ثم لم تتم لواحد منهما إلى أن ، استقرت لابن الأشقر .
وفي يوم السبت خامسه استقر في ولاية القاهرة واحد من الخاصكية يقال له دمرداش ، ثم استقر علاء الدين ابن الطبلاوي في شهر ربيع الأول .
وفي يوم السبت الرابع عشر من المحرم استقر الشيخ سعد الدين شيخ المؤيدية في قضاء الحنفية عوضا عن القاضي بدر الدين العيني بحكم عزله وركب الناس معه ، ولم يركب معه أحد من الأمراء ولا من المباشرين إلا أن ناظر الجيش وكاتب السر وناظر الخاص والأستادار لحقوه بالمها مرتين ولم يسيروا معه بل وقفوا معه عند الأشرفية حتى قرب منهم ثم توجهوا أمامه فوقفوا عند الصالحية على العادة ودخل القضاة ،(9/31)
"""""" صفحة رقم 32 """"""
وتوجه ناظر الجيش ومن معه ، ورجع المستقر إلى منزله ، وهرع الناس للسلام على المنفصل ، وحصل للمنفصل قهر عظيم لأنه لم يكن يظن أن ذلك يقع ، ووقع في هذا اليوم لناظر الجيش إساءة من مملوك من مماليك السلطان ثم تكرر ذلك ، وصار لا يركب إلا مع جماعة يحمونه من معرتهم - وانخرقت تلك الحرمة واتضعت تلك الكلمة وجرى بين جوهر الخازندار مع بعض الخاصكية كلام أغلظ له فيه ، ونسبه إلى انه كان السبب في تلك المظالم ، وانحطت منزلته جدا وعظم قدر جوهر الزمام ، ولم يتأثر الخازندار لما قيل فيه ومشى على طريقته ، وتسلط كثيرمن الجند على ناظر الجيش وكرروا الإساءة عليه بالقول والفعل والتهديد ، وكلما رام تلك الصفة التي كان عليها في زمن الأشرف عورض - ولله الامر .
وفي أوله تصدى الأمير الكبير نظام المملكة للحكم بين الناس في كل يوم وبسط العدل ، ولم يمنع أحدا طلب الشرع من التوجه حيث أراد من الحكام سواء كان نائبا أو مستقلا ، واستقر عنده شهاب الدين(9/32)
"""""" صفحة رقم 33 """"""
ابن العطار دويدار وكان عند تمرباي الدويدار ، وهو مشكور السيرة كثير التودد والعقل .
وفيها خرج على الحاج عرب بلي فأخذوا نحوا من ألفي جمل كانت مع العرب من جهينة وغيرها ، فمنها كثير من الحاج العزاوي والشامي ومعهم الكثير من بهار المصريين ومن أمتعتهم وهداياهم وذلك عند الوجه ، فأخذوا الجمال ورموا ركابها وأخذوا نفائس ما معهم ، فتوصل الكثير منهم حفاة عراة إلى بئر الأزلم فمات الكثير منهم هناك ، وسئل أمير الركب آقبغا التركماني أني قيم بالأزلم حتى بتكامل الذين سلموا من الموت ، فامتنع ورحل من أول النهار فهلك الذين وصلوا بعدهم ولم يجدوا من يرفدهم ومات أكثرهم فكانت قصة شنيعة ، وتوصل بعضهم إلى عيون القصب فركب البحر من جزيرة عينون ودخل الحاج أولا فأولا ، فأول من وصل الترك الذين كانوا بمكة في العام الماضي ومعهم جمع كثير في الحادي والعشرين ، ووصل قبلهم طائفة في السابع عشر تقدموا من المويلجة ، ووصل جماعة تقدموا من نخل في الثاني والعشرين ، ودخل الركب الأول في الثالث والعشرين والمحمل في الرابع والعشرين ، وانطلقت ألسنتهم بذم أمير الركب وأنه كان السبب فيما صنع عرب بلي لكونه أرسل أحد الرئيسين مبشرا ، وزنجر الآخر فغضب قومه وفعلوا ما فعلوا ولم يعاتب أمير الركب فضلا أن يعاقب ، ثم تبين أن العرب الذين حملوا البهار سلموا ، ووصل معهم جمع كثير من الحجاج وذكروا(9/33)
"""""" صفحة رقم 34 """"""
أن بقيتهم ركبوا البحر وأنه لم يمت منهم إلا القليل .
وفيه استقر كل من عبد الرزاق الطرابلسي وسراج الدين العبادي إماما للسلطان فصاروا خمسة ، وكان عبد الرزاق إمامه قبل السلطنة .
وفيه توجه جماعة لتلقيد أمراء البلاد على ما كانوا عليه .
وفيه استقر فارس الخادم الرومي شيخ الخدام بالمدينة الشريفة عوضا عن ولي الدين بن قاسم ، وتوجه من جهة البحر إلى الينبع ليسير منها إلى المدينة .
وفي آخره وصل الخبر من العسكر المصري أنهم رجعوا من أرزنكان في أول يوم من المحرم ، ووصلوا مدينة حلب في الخامس - ، وجهزوا القاصد بأخبارهم وتوجههم إلى جهة حلب بعد - أن لم يبق في الجهة التي قصدوها أحدا عاصيا ، وكل ذلك قبل أن يبلغهم خبر موت السلطان .
وفيه وثب نائب حلب - تغري برمش على ثقل بعض الأمراء المجردين فنهبه ورجع إلى جهة ملطية خارجا عن الطاعة ، ووصل الخبر(9/34)
"""""" صفحة رقم 35 """"""
من بقية الأمراء بذلك إلى القاهرة في الثالث من صفر ، ثم تبين فساد النقل المذكور واستمرار المذكور على الطاعة .
صفر - أوله الخميس ، نزل ناظر الجيش من القلعة فلاقاه جماعة من المماليك نحو العشرة ، فأساءوا عليه بالسب ثم سل أحدهم الدبوس وقصد ليضربه ، فلاقاه عنه الأستادار وهو مملوكه جاني بك ، فاجتمع من المماليك آخرون وتكاثروا ، فدكس فرس لجهة القلعة ونزل عنه ودخل الجامع فتفرقوا ، ثم توجه إليه الوزير وغيره فأخذوه معهم إلى بيته فأقام به ، وحصل بذلك من كسر حرمته ما حصل له به القهر العظيم ولكنه تدارك ذلك ، وألبس خلعة صبيحة يوم الجمعة ونزل إلى بيته وهرع الناس للسلام عليه .
وفي ليلة الجمعة ثاني صفر أمطرت السماء مطرا غزيرا غير كثير فنزل البحر ، وكان له من يوم السبت السادس والعشرين من المحرم ما زاد شيئا إنما ينادي بإصبع أو إصبعين تطمينا للناس فلم يناد يوم الجمعة بشيء ، فلما كان بعد دخول الشهر زاد قليلا ، وتمادى ذلك إلى الرابع عشر من صفر الموافق للثالث عشر من مسري ، فكان في صبيحته في العام(9/35)
"""""" صفحة رقم 36 """"""
الماضي قطع البحر واوفى وزاد من الذراع السابع عشر ، وكان انتهاءه في مثل هذا اليوم من هذا العام إلى ثلاثة عشر ذراعا وعشرين إصبعا ، فالنقص بينهما ذراعان وربع ذراع ، ثم من الله بوفاء النيل يوم الاثنين سادس عشري صفر ، وقطع البحر في صبيحته على العادة ، وكان في العام الماضي في هذا اليوم ثمانية عشر ذراعا سواء .
وفي يوم الخميس نصف الشهر بلغ الأتابك جقمق والامراء وغيرهم أن المماليك الجلب قصدوا الفتك بهم بغتة ، وثم عليهم بعضهم فلبسوا السلاح وحذروا ، وراسل الأتابك السلطان في ذلك والتمس أن يجهز إليه رؤوسهم وهم أربعة سماهم منهم جكم خال السلطان ، فترددت الرسل في ذلك فلم يقع الإجابة ، وأرسل إلى القضاة وأشهدهم ومن حضر أنه باق على بيعته في طاعة السلطان ولكنه يلتمس من مماليك السلطان أن يقفوا عند اليمين التي حلفوها في حياة الأشرف أنهم يكونون بعده في طاعة ولده والأتابك نظام الملك ، ثم أرسل السلطان إلى القضاة في يوم الجمعة ، فراسل الأتابك يسأله عن مراده فعادوا له بما ذكر ، وتكرر ذلك فلم تقع الإجابة ونشبت الحرب بين الطائفتين ، فعمد الأكابر إلى الأتابك فتحول معهم إلى بيت نوروز ، ثم لما وقع التزامي دخل أولئك المدرسة الحسينية بالرملة وعلوا على سطحها ونصبوا المجانيق ورموا(9/36)
"""""" صفحة رقم 37 """"""
السهام ، وحصروا المماليك بالإصطبل ، وبادروا إلى الماء الذي يصل إلى القلعة في القناة التي تمد من النيل فقطعوها فباتوا في ضيق ، فأعاد السلطان المراسلة إلى أن حصلت الإجابة إلى ما طلبه الأتابك ، وجهزوا له الأربعة فحبسهم ، ونزع الطائفتان السلاح ورجعوا إلى بيت الأتابك ، فأحضر القضاة في يوم الأحد وشرعوا في تحليف الجند أجمع على أنهم في طاعة السلطان والأتابك على الأربعة وجهزهم للسلطان ، وجهز أربعة أنفس كانوا رؤساء في مقابلة أولئك فخلع السلطان عليهم ، واستمر الحال على ذلك إلى يوم الخميس ، فصعدوا الجميع إلى خدمة السلطان وسكن الاتابك بالإصطبل ، فلما اصبح يوم الجمعة اجتمع عدد من المماليك الجلب ونازعوا الاتابك في ذلك ، وأنكروا سكناه الإصطبل ونسبوه إلى أنه يروم السلطنة فتنصل من ذلك ، واتفق أنه لم يصل الجمعة مع السلطان من الطائفتين إلا النادر ، ولم يجتمعوا في الخدمة يوم السبت ولا الاحد ولا الاثنين ، فكثر تأذي العامة بالجلب فأمسك منهم اثنان وضربا وجرسا ، فسكن شرهم قليلا .
شهر ربيع الأول أوله السبت ، في الرابع منه دخل يشبك الحاجب الكبير ضعيفا في محفة فنزل في بيته أول النهار وهرع الناس للسلام عليه ، فأقام أياما يسيرة ثم تعافى .
وفي خامسه دخل سائر الأمراء فبادروا إلى الإصطبل ، فخرج إليهم الأمير الكبير ، فوقفوا جميعا تحت القلعة ، وتقدم الأمير الكبير(9/37)
"""""" صفحة رقم 38 """"""
فقبل الأرض والسلطان في القصر - يشاهدهم وقبل بقية الأمراء واحدا بعد واحد ، فأمر للقادمين بالخلع فخلع عليهم ، ونزلوا إلى بيوتهم وهرع الناس للسلام عليهم .
وفي يوم الخميس قبض على جماعة من الأمراء القادمين وغيرهم ، منهم جانم أمير آخور ، وجكم والثلاثة الذين كانوا قبضوا معه وعلى باي ويخشباي وأينال ومقدم المماليك ونائبه وتاني بك الجقمقي نائب القلعة - وتمام ثمانية عشر نفسا منهم تاني بك الجقمقي نائب القلعة - وسفروهم إلى الإسكندرية ، وأنزلوا صبيحة يوم السبت في القيود إلى شاطئ النيل ، فأنزلوا في المراكب حيث أمر بهم إلى الإسكندرية - ، استقر تمر باي نائب الإسكندرية وسافر على البر وتاني بك في نيابة القلعة كما كان أولا ، ووكل بالزمام وبالخازندار ثم أفرج عنهما .(9/38)
"""""" صفحة رقم 39 """"""
وفي التاسع عشر منه جمع الخليفة والقضاة والأمراء فلما اجتمعوا بالقاعة داخل الأصطبل عند الأمير الكبير نظام الملك قال الأمير قرقماس للجماعة إن جماعة الأمراء اجتمع رأيهم على تقرير الأمير النظام في السلطنة لعجز لملك العزيز عن ترتيب المملكة ويترتب على ذلك الفساد الذي لا خفاء به ، فأجابه الخليفة بأنني أعلم هذا وأشهدكم أنني خلعت الملك العزيز من السلطنة وصيرت الأمير الكبير جقمق في السلطنة ، وبايعه في الحال وألبس الخلعة وصعد إلى القصر وجلس على الكرسي - وبايعه الأمراء ، وحمل الأمير قرقماس القبة وخلع عليه على العادة ، وقدم للخليفة الفرس والخلعة ، ولبس - وركب ورجع إلى منزله ، ثم صعد القضاة فسلموا على السلطان ، وقررهم في وظائفهم وتوجه كل إلى بيته - فكان ما سنذكره .
وفي صبيحة يوم الأربعاء المذكور أمطرت السماء مطرا خفيفا ، وكان النيل بلغ تسعة عشر إصبعا من تسعة عشر ذراعا ، فلما كان عند الثلث الأخير من ليلة السبت الثاني والعشرين من ربيع الأول وهو السادس عشر من توت نقص يوم الجمعة - نقصا فاحشا ، وأمطرت السماء(9/39)
"""""" صفحة رقم 40 """"""
برعد وبرق ، وظهر النقص ظهروا بينا .
وفي يوم الخميس خلع على الدويدار الكبير على عادته ، وكذا أينال الدويدار الثاني وهو الذي يباشر لعجز الكبير - ، واستقر تغري بردى البكمشي في الحجوبية الكبرى وهو المعروف بالمؤذي ، واستقر يشبك أمير سلاح بدل آقبغا التمرازي ، واستقر آقبغا التمرازي أمير مجلس بدل قرقماس ، واستقر قرقماس أتابك العساكر ، واستقر تمراز أمير آخور ، واستقر بدله راس نوبة - قراقجا الحسني ، وخلع على اجميع ، ووكل بالزمام جوهر وسجن بالبرج ، واستقر عوضه فيروز الذي كان ساقيا وغضب عليه الأشرف ، ثم خلع على جوهر الخازندار على عادته وصعدت ليلة الجمعة مغل بنت البازري زوج السلطان وقد صارت خوند - من بيتهم بالخراطين إلى القلعة في محفة عند غروب الشمس وحولها المشاعل والشموع نحو من خمسين من الطواشية وجمع كثير على الحمير من النساء ، واستقرت خوند الكبرى ، وأسكن الملك العزيز بالقاعة البربرية ، ووكل به نحو خمسين نفسا ، فلما كان بعد أيام أفرج عنه واستقر داخل الدور وقرر له ما يكفيه ، ثم أفرج عن جوهر الزمام ونزل إلى بيته وهو ضعيف ، وشرع في بيع موجوده ليوفي مال المصادرة .
وفي ليلة الجمعة الاثمن والعشرين منه عمل المولد النبوي وحضر(9/40)
"""""" صفحة رقم 41 """"""
الامراء والأعيان والقراء على العادة .
وفيه ثقل سمع القاضي موفق الدين الناشري قاضي الأقضية بزبيد من بلاد اليمن وضعفت قوته ، فقرر الظاهر صاحبها عوضه ولد - أخيه أبا المظفر محمد ابن الفقيه العالم شهاب الدين أحمد بن محمد الناشري ، وهو الآن كبير البيت وعمه في الأحياء ، وهو المشار إليه في الفقه ، وقد قارب التسعين فإن مولده سنة 754 .
شهر ربيع الآخر استهل بيوم الأحد ، وفي يوم الثلاثاء خلع على القاضي محب الدين بن الأشقر الذي ولي كتابة السر بنظر المارستان عوضا عن ابن مفلح بحكم وفاته .
وفي يوم الأربعاء رابعه ثار جمع من الجند وطلبوا زيادة في النفقة في جامكية الشهرية فلم يلتفت إليهم ، فاجتمعوا إلى قرقماس فما زالوا به حتى ركب معهم ولم يركب معه من الامراء إلا القليل ، وعظم الأمراء والجند صعدوا إلى القلعة ، ووقع بينهم الترامي بالنشاب وقتل جماعة من الفريقين ، وفي آخر النهار انهزم قرقماس ومن معه فنهب بيته ، ونودي لمن أحضره بأمرة وخلعة ، ورجع جماعة ممن كان معه إلى(9/41)
"""""" صفحة رقم 42 """"""
الطاعة قبل الهزيمة ، وكان السلطان عزل والي الشرطة وولي علي بن الطبلاوي ، فجمع له الزعر فبالغوا في القتال مع جمعة السلطان إلى أن تمت الهزيمة ، وفرق السلطان فيهم جملة من الذهب والفضة رماها من أعلى المكان فتناهبوها وجدوا في القتال .
وفي صبيحة الخميس قبض على قرقماس وأرسل إلى الإسكندرية ، وتتبع جماعة ممن كان معه فسجن بعض ونفي بعض .
وفي التاسع منه قرئ تقليد السلطان بالقصر وجرى كلام يتعلق بالقضاة فقال الشافعي : عزلت نفسي ، فقال له - السلطان : أعدتك ، فقبل وخلع عليه وعلى رفقته ، ورسم بإعادة الأوقاف التي خرجت عن الشافعي ، وهي وقف قراقوش في ولاية العراقي ووقف تنبغا التركماني في ولاية البلقيني ووقف الأسرى في ولايته ، فأعيدت بتوقيع جديد .
وفي السابع عشر منه استقر القاضي كمال الدين البارزي في كتابة السر بالقاهرة عوضا عن الصاحب بدر الدين بن نصر الله ، واستقر برهان الدين الباعوني في قضاء الشافعية بدمشق عوضا عن القاضي كمال الدين . ثم ورد الخبر في أوائل جمادى الأولى أن الباعوني امتنع من قبول الولاية ،(9/42)
"""""" صفحة رقم 43 """"""
صفحة فارغة .(9/43)
"""""" صفحة رقم 44 """"""
فقرر
القاضي تقي الدين بن قاضي شهبة ، وسار القاصد بخلعته وتقليده .(9/44)
"""""" صفحة رقم 45 """"""
وفي يوم السبت الثاني والعشرين منه استقر تنم الذي كان خازندارا صغيرا في وظيفة الحسبة عوضا عن نور الدين السويفي .
وفيه أمر السلطان القضاة بالتوجه إلى الكنيسة المعلقة والكنيسة المعروفة بشنودة وكشفتا ، وهدم من المعلقة أشياء جددت ما بين شبابيك مخروطة وكتيبات مطعمة ودقيسيات ، وألزموا بتكملة هدم البناء المجدد الزائد عما سبق لهم من حكم نائب الحنفي بترميمه .
وفيه ادعى على بطرك النصارى بأنه يتناول مال الموتى الحشرية من النصارى ، فادعى أن معه مرسوما من السلطان ، فاستفتى السلطان القضاة ، فاتفقوا على أنه من أموال بيت المال ، فخلع على فتح الدين المحرقي بنظر سعيد السعداء والنظر على الترك الحشرية من أهل الذمة وشرع في استخلاص ذلك وبطلب ما سبق لاستعادته ممن تناوله ولحق النصارى من ذلك شدة شديدة .
وفيه نازل الإمام صاحب صعدة بعساكره صنعاء ، فقاتل المتغلب عليها وهو سنقر التركي ، وكان سنقر قد تحكم في البلاد بالشوكة وأقام هذا الإمام وزوجه بنتا لعلي بن صلاح ، فبلغ سنقرا أنه يريد(9/45)
"""""" صفحة رقم 46 """"""
القبض عليه وبادر هو فقبض عليه وسجنه ، فتحيل إلى أن خلص من محبسه بصنعاء ، وتوجه إلى صعدة فجمع العسكر ونازل سنقرا ، فقوي عليه سنقر بمن أطاعه من أهل الشوكة ، فانكسر الأمام وتحصن بقلعة يقال لها تلي ، فلما بلغ ذلك زوجته استولت على صعدة وأطاعها أهلها ، ثم كاتب سنقر الملك الظاهر صاحب زبيد يطلب منه عسكرا ليسلمه صنعاء ويكون هو أحد الأمراء ، فبادر الظاهر لذلك وأرسل أميرين ، فلما وصلا بمن معهما إلى دماء وبلغهما موت الظاهر رجعوا ، وذلك في رجب .
جمادى الأولى - أوله الثلاثاء ، حضرنا للتهنئة عند السلطان يوم الاثنين سلخ الشهر الماضي ، فسأل السلطان أن يشهد على نفسه بما فوض لي من الولاية والأنظار وغيرها ، فأشهد على نفسه بذلك بحضرة القضاة ، وشكوت إليه بعد ذلك ما انتزعه مني الملك الأشرف ووهب بعضه أو أكثره للقاضي علم الدين صالح بن البلقيني ، فرسم بعقد مجلس بذلك - بحضرته ، فتوسط ناظر الجيوش بيني وبينه إلى أن أعاد النصف وتركت له النصف .
وفي أوائله طلع الشيخ حسن العجمي لتهنئة السلطان بالشهر(9/46)
"""""" صفحة رقم 47 """"""
ومعه جماعة على العادة ، فأمر بالقبض عليه وضرب بحضرته ضربا مبرحا وأمر بنفيه ، ونودي عليه جزاء من يقتني كتب الكفر ويدور بها وشهر في البلد ، وحبس محبس الجرائم ، ثم ادعى عليه عند المالكي أنه وقع في حق الجناب الرفيع ، فشهد عليه امام التربة الجديدة الاشرفية ، فسجن لتكمل البينة ، وقرر في زاويته شمس الدين الكافياجي ، وتعجب الناس من كون الذي شهد عليه والذي أخذ مكانه منسوبين إلى الذي كان يقرره ويهديه .
وفي أول - العشر الأوسط منه ضرب كاتب من كتاب الوزير بسبب مال صار في جهته ، فقدر أنه اصبح ميتا بعد الضرب فاستغاث أهله ، فأمر السلطان بإحضار المقدم ، فضرب بحضرته بالمقارع وأرسله إلى القاضي المالكي ، فعفا بعض أولياء الميت عن الدم وبقي حق ال فحبس بسبب ذلك .(9/47)
"""""" صفحة رقم 48 """"""
وفيه قدم شخص من حلب بسبب الحروفية ، ونجزت له مراسيم بالقيام عليهم - وقد نبهت على ذلك في حوادث سنة 821 .
وفي الرابع والعشرين منه شكا حسين بن حسن الأميوطي نقيب ابن البلقيني ، ونسب إليه أمور وكان الذي قام في أمره ولي الدين بن تقي الدين البلقيني وساعده ابن عم أبيه قاسم وتبعهما جماعة ، وكتب فيه محضر شهد عليه فيه بأمور معضلة بعضها يقتضي الزندقة والاستهزاء بالشريعة وأهلها وغير ذلك من ارتكاب كبائر من لواط وشرب خمر ، فبلغه ذلك فاستجار بعبد الرحمن بن الكويز فسعى له ، ثم قبض عليه بعض الأعوان وجمع من الشرط وذلك في أول الليل ، ففر إلى بيت ابن الكويز ، فأصبح القوم فرفعوا أمرهم ثانيا ، فأمر السلطان الوالي ونقيب الجيش بالجد في طلبه ، فلم يقدروا عليه واستمر في تواريه إلى أن كان في يوم الأربعاء - ثاني شعبان فشفع فيه الأمير تنم المحتسب والأمير دولات باي أمير آخور عند ناظر الجيش ، فتكلم معي(9/48)
"""""" صفحة رقم 49 """"""
في سماع الدعوى عليه والحكم بحقن دمه فأجبتهم ، فامن على نفسه وظهر ولم يقع له ولا عليه حكم إلى إن وقع من القبض على ناظر الجيش في أواخر السنة ما وقع ، فتحرك حسن المذكور وساعده ولي الدين السفطي وكيل بيت المال وجليس السلطان ، فأوقفه للسلطان وادعى أن ولي الدين البلقيني تعصب عليه بجاهه وماله وأن الذين كتبوا في حقه رجع أكثرهم ، وأظهر خطوط بعضهم بذلك ، فأمر السلطان أن يعقد له مجلس بالقضاة والعلماء ويفصل الأمر بينهم ، فوقع ذلك في المحرم كما سياتي بيانه إن شاء الله تعالى .
جمادى الآخرة - أوله يوم الأربعاء بالرؤية .
في الثالث منه عزل السلطان ابن النقاش من الخطابة بجامع ابن طولون ، وقر فيها برهان الدين ابن المليق ، وذكر أنه كان يصلي خلفه أحيانا وهو أمير فلا يفصح في الخطبة ولا في القراءة في الصلاة .
وفيه حكم بهاء الدين الأخنائي بحضرة مستنبيه القاضي المالكي بقتل بخشباي الاشرفي حدا لكونه لعن أجداد حسام الدين بن حريز قاضي منفلوط بعد أن قال له : أنا شريف ، جدي الحسين بن فاطمة بنت رسول الله e ، وكان سبق له أنه ادعى عليه عند بعض الشافعية بأنه شتم ناسا فيهم أشراف ، وحكم ذلك النائب الشافعي بقبول توبته وحقن دمه ، فلما ادعى الحسام بذلك عند المالكي طلب صورة الحكم السابقة وذكر أنها لا تمنع من سماع هذه الدعوى وفوضها لنائبه المذكور ، فسمع البينة على الغائب وحكم وبقي له الحجة .(9/49)
"""""" صفحة رقم 50 """"""
وفيه أشيع موت الشيخ عز الدين ابن - عبد السلام بن داود ابن عثمان المقدسي شيخ الصلاحية ببيت المقدس ، فعين شهاب الدين أحمد ابن . . التبريزي الكوراني عوضه بشرط ثبوت موته ، فلما كان بعد قليل حضر شرف الدين - يحيى بن العطار الذي كان استقر في مشيخة خانقاه ناظر الجيش عوضا عن بهاء الدين ابن المصري إلى القاهرة فأخبر أن ضعف عز الدين لا يقتضي الموت وأنه فارقه في قيد الحياة .
وفي التاسع من جمادى الآخرة كان أول كيهك وهو أول الأربعينية عند المصريين فوقع فيه مطر يسير وكذلك في الليل ، ثم أرعدت وأبرقت في يوم الجمعة ووقع المطر الغزير ، وتواتر وانتفع به أصحاب الزرع انتفاعا جيدا .
وفيه استقر في قضاء الشام القاضي تقي الدين أبو بكر بن قاضي شهبة ، وكان ناظر الجيش عين لوظيفة القضاء برهان الدين الباعوني وجهزت له الخلعة والتوقيع فجاء كتاب النائب يذكر أنه امتنع واصر على الامتناع فجهز توقيع المذكور .
وفيه حضرنا عند السلطان بسبب محاكمة فذكر أنه بلغه أن الشيخ زين الدين أبا هريرة ابن النقاش بني بيته الذي بجوار جدار - الجامع الطولوني من داخل السور الذي للجامع يغير حق وأنهم حكموا قديما(9/50)
"""""" صفحة رقم 51 """"""
بهدمه ، وكان السلطان أمر أولا أن يتوجه القضاة الأربعة إلى الجامع ويكشفوا حال البيت المذكور ، فكشفوه وأعادوا له الجواب بأنه حكم على أولاده بسد الباب الذي فتحه في جدار الجامع وكذلك المناور التي فوقه ، فوجدوها قد سدت وبيضت ، فقال في هذا اليوم ما ذكر فقلت له إن كان ثبت عند مولانا السلطان فليحكم بهدمه ونحن ننفذ حكمه فتوقف ، فبلغ ذلك علم الدين صالح - البلقيني وكان وقع بين أخيه القاضي جلال الدين وبين ابن النقاش منازعة بسبب نظر وقف في مجلس الأمير الكبير فاستطال ابن النقاش على الجلال فغضب وقال : حكمت بفسقك وعزلتك من وظائفك لكونك بنيت بيتك في رحاب الجامع ، فلم يلبث أن أعاده بعد ثلاثة أيام ولكن سطر ذلك المجلس وبقي عندهم ، فتوجه البلقنيني إلى العيني واجتمعا بالسلطان وتنصحا له بذلك ، فأصغى لهما وأعجبه ، فلما كان عند التهنئة برجب أظهر لي - المحضر المذكور فعرفته أنه لا يفيد وكان تاريخه سنة خمس وثمانمائة فسكنا - إلى أن كان ما نذكره .
رجب الفرد الحرام - أوله الجمعة ، ثم ثبت أنه رئي ليلة الخميس وأدير المحمل في النصف منه وكان حافلا والجمع وافر .
وفي يوم الاثنين الخامس منه عقد مجلس بالقصر وادعى فيه نور الدين ابن آقبرص نائب الحكم بطريق الوكالة عن السلطان عند القاضي المالكي على منصوب عن قرقماس بحكم غيبته بالإسكندرية(9/51)
"""""" صفحة رقم 52 """"""
بالسجن بأنه بايع السلطان وحلف له ثم خرج عليه وشق العصا وشهر السلاح وقتل بسببه جماعة ، فقامت البينة وحكم القاضي بموجب ما شهدت فيه ، فسئل عن موجبه فقال : يجوز للسلطان قتله ، فضبطوا عليه هذا الجواب وجهز بريدي إلى الإسكندرية بقتله بعد أن ، يقرأ عليه المحضر ويعذر له ، فقرئ عليه فاعترف بما شهدت به البينة فقتل وكان قدم مع المجهزين إلى قرا يلك في سنة 32 البلاد الحلبية ، ثم في النيابة سنة 37 ، ثم خرج في العسكر إلى دفع قرا يلك فأقام بالبيرة : ثم أرسل إليه حمزة بك بن علي بك بن دلغادر يطلب منه نجدة على عمه وهو بمرعش فوصل إليه في طائفة . فلما وصل إلى مرعش جاءه فياض بن ناصر الدين بك ومعه أميران من التركمان فجهز إلى القاهرة ، ثم خرج بأمر السلطان إلى تسلم قيسارية من ناصر الدين بك بن دلغادر ، ثم وصل(9/52)
"""""" صفحة رقم 53 """"""
الخبر بتأخير ذلك فرجع إلى حلب في رمضان سنة 38 ، ثم شاع ظهور جانبك الصوفي فجاء الأمر بتوجه قرقماس إلى مصر ، فحضر واستقر أمير سلاح ، واستقر أينال الجكمي في نيابة حلب بعده ، وأطلق السلطان فياضا وولاه إمرة مرعش ، وكان قرقماس الشعباني من مماليك الناصر فرج ، ثم تنقلت به الأحوال واستقر دويدار صغيرا في أوائل دولة الأشرف ، ثم ولي إمرة مكة شريكا لحسن بن عجلان ، ثم عاد إلى القاهرة وولي الحجوبية الكبرى وباشرها بشهامة وصرامة ، وكان مهيبا ويميل إلى الفقهاء ويجالسهم ويطالع كتب العلم ، ثم ولي إمرة حلب بعد رجوع السلطان من آمد ، ثم صرف عنها واستقر بالقاهرة أمير مجلس ، ثم اتفق أن الأشرف مات وهو مع المجردين في البلاد الشمالية ، فلما عادوا كان القائم في سلطنة الملك الظاهر جقمق - وخلع العزيز وحبس الأمراء الذين من جهته ، ثم لم يلبث أن ثار الظاهر ومعه المماليك الأشرفية ، فحاربه الأمراء الذين كانوا بدولة الظاهر ، فانكسر وجرح جماعة وقتل جماعة ، ثم احضروا في اليوم الثالث فأرسلوا إلى الإسكندرية - وكان ما تقدم .
وفي الرابع من رجب حضر الجماعة لقراءة البخاري بالقصر وحضر معهم السلطان ، ثم انقطع وصار يحضر أحيانا وشرط عليهم عدم اللغط ، واستقر برهان الدين إبراهيم بن عمر - بن حسن البقاعي قارئا عوضا(9/53)
"""""" صفحة رقم 54 """"""
عن نور الدين السويفي إمام الملك الأشرف ، واستحسنوا قراءته وفصاحته .
شعبان المكرم - أوله السبت ، في الثاني منه عقد مجلس بسبب بيت الشيخ أبي هريرة ابن النقاش المجاور لجامع ابن طولون ، وأحضر ولداه وادعى عليهما ولي الدين السفطي بطريق الوكالة عن السلطان وعن الناظر ، فأجاباه بأن والدهما استأجر المكان المذكور وحكم بالإجارة القاضي ولي الدين العراقي ، وأظهرا بذلك مثبوتا ، فحضر المجلس المذكور ناصر الدين الشنشي نائب الحكم وذكروا عنه أنه كان في سنة 35 حكم بهدمه ، فسئل عن ذلك فقال : الذي ثبت عندي أن الأرض المذكورة من رحاب الجامع وأنه لا يجوز فيها البناء ، فسألته في المجلس : أنت تقدم لك حكم بعدم بناء ابن النقاش ? قال : لا ، فأعرض السلطان عنه وانفصل المجلس على أن القاضي المالكي ينظر في الإجارة ويعمل فيها ما يقتضيه مذهبه ، فادعى عليهما السفطي صبيحة ذلك اليوم إن الإجارة التي بيدهما انقضت وأن الناظر يختار الهدم فحكم المالكي بهدم الدار المذكورة ، وكان ابن النقاش وقف الدار المذكورة على صهريج بناه مجاورها ، فحكم المالكي بطلان الوقف بانقضاء الإجارة ومكنهما من نقل الأنقاض وتملكها وتسوية الأرض ، ثم توجه المالكي بأمر السلطان صبيحة اليوم لمذكور فحضر هدم الدار المذكورة ، وذلك في صبيحة يوم الأربعاء خامس شعبان .(9/54)
"""""" صفحة رقم 55 """"""
وفيه عصى تغري برمش التركماني - نائب حلب وأراد القبض على الأمراء بحلب وأن يملك القلعة ، ففطنوا له فحاربوه ، وأغلقوا القلعة ، فحاصرهم فيها ، وجاء الخبر بذلك إلى السلطان في الحادي عشر من رمضان ، فأمر بتقليد نائب طرابلس النيابة بحلب ، وأرسل إليه تقليده وخلعته مع هجان ، وأمره بالمسير بالعسكر إلى حلب والقبض على تغري برمش ، وكتب إلى الحاجب بحلب وكان قد فر من حلب إلى حماة بنيابة حماة ، وأمر نائب حماة أن يتحول إلى نيابة طرابلس ، واستشعر من نائب الشام اينال الجكمي العصيان - ، فوافى كتابه في آخر اليوم المذكور بما يدل على استمراره على الطاعة فاطمأن لذلك ، ثم أظهر العصيان وكاتب النواب فما أطاعه أحد وواطا بعض أهل القلعة ورشاهم بجملة من المال ، ففطن بهم نائب القلعة فقبض عليهم وقتلهم ، وهرب واحد منهم فأعلمه ، فاستغاث أهل القلعة بالعوام وسألوهم النصر ، فانتحوا واجتمعوا ورجموا من يحاصر القلعة بالحجارة ، وخربوا المكان الذي صعدة رماته ليرموا على القلعة منه ، فهزموهم وهجموا على دار العدل ، ففر النائب لا يلوي على شيء ، ونهبوا(9/55)
"""""" صفحة رقم 56 """"""
ما وجدوا ولم يصل معه سوى مائة فارس ، فخرج من باب أنطاكية ليس معه إلا ما هو لابسه ، وأخذ له ولأتباعه من الأموال ما يفوق الوصف ، وظهرت له ودائع كثيرة فاستخرجت ، واستمر هو في ذهابه إلى أن وصل شيزر فنزل على علي بن صقل سر التركماني ، فآواه وجمع له جمعا وتوجهوا إلى طرابلس ، وكان نائبها جلبان استشعر من تغري برمش أنه يشاققه فأخلى له طرابلس ، وتوجه إلى الرملة ، فدخل تغري برمش طرابلس وأخذ منها أموالا وخيولا . وتوجه قاصدا أينال الجكمي بدمشق فحاصروا حماة ، وانضم إليهم جمع من التركمان مع علي يار وجمع(9/56)
"""""" صفحة رقم 57 """"""
من الأعزاب العزية ، ثم أجمع رأيهم على الرجوع إلى حلب فنازلوها - وحاصروها في العشرين من شوال فاستعدوا للحصار ، وجد تغري برمش ومن معه في حصار أهل حلب وجدوا هم في مدافعته وعاش من معه في القرى فانتهبوها ، وفي غالب الأيام يستظهر أهل حلب ويقتلوا من عدوهم - جماعة ، ثم حاصر المدينة من جهة الميدان سواء ولكن خربت أماكن وأحرقت بانقوسا ، فلم يزالوا كذلك إلى أن خرج أهل حلب فصدقوا الحملة فانهزموا واستمروا إلى جهة الشمال فنزلوا مرج دابق ، وكان قد استولى على عينتاب وأسكن بها جماعة من مماليكه وأتباعه ، وبلغ أهلها هزيمته من الحلبيين فوثبوا على من عندهم فانتزعوا منهم القلعة والمدينة وأخرجوهم ، فلم يفجأهم إلا الخبر بانهزام اينال الجكمي ومن معه فاجتمعوا على حماة ، فلما اصبحوا يقتتلوا انجفل العرب والتركمان - ورحلوا واستمر تغري برمش ومن معه ، فلما تراءى الجمعان انهزم تغري برمش ومن معه فاحتووا على وطاقهم ونهبوا أثقالهم - ،(9/57)
"""""" صفحة رقم 58 """"""
واستمرت هزيمتهم إلى صهيون ثم إلى الشغر ولم يبق معهم سوى مائتي نفر أو أقل ثم استمروا إلى أنطاكية ، فاجتمع عليهم جمع من الفلاحين ورموا عليهم بالسهام وهجموا عليهم فأسروهم ، وصادف ذلك - وصول الخبر إلى العسكر السلطاني وهم على خان طوغان خارج حلب ، فطلبوا المأسورين فأحضروهم إلى الأمير قطج فقيدهم ، واجتمع هو وبقية العسكر في حلب في العشر الأخير من ذي القعدة ، وكاتبوا السلطان في العشر الأخير من ذي القعدة - فوصل الخبر ، يأمر بقتلهم ، فقتلوا تغري برمش وابن صقل اشر في سابع عشر ذي الحجة ، ثم ظهر لتغري برمش مال آخر غير ما كان أخذ له لما هرب أولا ، فقيل إن جملة ما أخذ له من العين خاصة أكثر من سبعين ألف دينار ؛ وكان اصل تغرب برمش وأقاربه - من أولاد التركمان ببهنسا ، وكان أبوه من الأجناد يقال له أحمد بن - المصري فولد له حسن خجا وحسين بك ، فلما وقعت المحنة - العظمى باللنكية مات أبوهم ، وفر حسين فدخل حلب وهو مراهق ، وحين بلوغه فاستخدمه بعض(9/58)
"""""" صفحة رقم 59 """"""
الأمراء ثم انتقل بعده إلى الأمير طوخ وكان يسمي نفسه لما تقرر في الخدمة تغري برمش ، فلما قتل طوخ في وقعة شيخ مع نوروز بدمشق اتصل تغري برمش بخدمة جقمق الدويدار واستمر عنده إلى أن رجعوا إلى القاهرة ، ثم كان في خدمته لما ولي نيابة دمشق فكان دويدار عنده ، فلما أمسك جقمق الأمير برسباي الذي ولي بعد ذلك السلطنة قام تغري برمش بأمره وخدمه وهو في الاعتقال وواصله بالبر وكثرة الخدمة والإحسان - فرعى له ذلك ولما صار سلطانا استدعى به من الشام فأمره ثم نقله فصار أمير آخور كبيرا ، وكان جرده إلى حلب في سنة 32 ،
ثم قرره في نيابة حلب لما نقل أينال الجكمي إلى نيابة الشام فقدمها سنة تسع وثلاثين - فكان من أمره ما كان ، ولما جهز الأشرف الأمراء ومنهم جقمق الذي تسلطن بعد ذلك إلى الأبلستين لإخراج ناصر الدين ابن دلغادر وهو الذي صاهره جقمق بعد السلطنة على ابنته التي كانت زوج الأشرف - وقدم بها القاهرة فلما أحس بهم - نزح عن البلاد وعادوا إلى حلب ثم توجهوا إلى مصر ، ثم راسل نائب حلب المذكور الاشرف بأن يجهز إليه عسكرا(9/59)
"""""" صفحة رقم 60 """"""
لأخذ ارزنكان وما يليها من القلاع ، فجهز ثمانية أمراء مع نواب الشام دمشق - طرابلس وصفد وحماة فاجتمعوا فافتتحوها في السنة المقبلة ورجعوا إلى حلب ، فبلغهم وفاة الأشرف فوقعت الوحشة وتوجه الأمراء إلى بلادهم ووصل المصريون إليها ، فلما تسلطن الظاهر جقمق وصلت الخلعة من جهته إلى نائب حلب والكمين في نفسه منه - فلبسها وأظهر الطاعة ، ثم أخذ في العصيان وطمع في المملكة . قرره في نيابة حلب لما نقل أينال الجكمي إلى نيابة الشام فقدمها سنة تسع وثلاثين - فكان من أمره ما كان ، ولما جهز الأشرف الأمراء ومنهم جقمق الذي تسلطن بعد ذلك إلى الأبلستين لإخراج ناصر الدين ابن دلغادر وهو الذي صاهره جقمق بعد السلطنة على ابنته التي كانت زوج الأشرف - وقدم بها القاهرة فلما أحس بهم - نزح عن البلاد وعادوا إلى حلب ثم توجهوا إلى مصر ، ثم راسل نائب حلب المذكور الاشرف بأن يجهز إليه عسكرا لأخذ ارزنكان وما يليها من القلاع ، فجهز ثمانية أمراء مع نواب الشام دمشق - طرابلس وصفد وحماة فاجتمعوا فافتتحوها في السنة المقبلة ورجعوا إلى حلب ، فبلغهم وفاة الأشرف فوقعت الوحشة وتوجه الأمراء إلى بلادهم ووصل المصريون إليها ، فلما تسلطن الظاهر جقمق وصلت الخلعة من جهته إلى نائب حلب والكمين في نفسه منه - فلبسها وأظهر الطاعة ، ثم أخذ في العصيان وطمع في المملكة .
وفيه جاء الخبر بقتل بن جنقر التركماني ، وكان فاتكا يقطع الطرقات بين دمشق وحلب ، وفرح الناس بذلك .
وفيه فتك الأشرف إسماعيل صاحب اليمن في جماعة من جنده ، وأسرع في سفك دمائهم وجرى في أمر التجار والباعة في البلاد التي تحت نظره على سيرة الجور والظلم الفاحش من فتح المصادرة ونحو ذلك .
وتراءى الناس الهلال ليلة الأحد وكانت بالعدد الثلاثين من شعبان فلم يروه ، فلما كان بعد صلاة - العشاء بنحو ثلث ساعة حضر كتاب من نائب الحكم وهو المحب البكري أنه ثبت عنده فنودي بالصيام ، وصل كتاب - نائب الحكم من بلبيس في أول النهار بمثل ذلك ، وفي أثناء النهار من نائب الحكم بمنوف العليا كذلك ، وكثر بعد ذلك من يخبر برؤيته ويعتذر . وحضر السلطان سماع الحديث في أول يوم في شهر رمضان .(9/60)
"""""" صفحة رقم 61 """"""
وفيه صرف معين الدين بن شرف الدين موقع الدست ونائب كاتب السر عن كتابة السر بحلب وأذن له في الرجوع إلى القاهرة ، واستقر فيها زين الدين عمر بن السفاح نقلا من نظر الجيش ، واستقر في نظر الجيش سراج الدين عمر الحمصي الذي كان ولي القضاء بدمشق في أيام الأشرف بعد طرابلس ، وكان أولا ينوب في الحكم بأسيوط من الصعيد وسيرته مشهورة غير مشكورة ثم صرف عن ذلك .
وفي العشر الأول من رمضان - عصى نائب الشام أينال الجكمي وقبض على الحاجب الكبير بدمشق وحصر القلعة بمن فيها وأظهر الإنكار على السلطان في قتله قرقماس القتلة الشنيعة ، وكان قبل ذلك وصل إليه كتاب من تغري برمش انه عصى هجم على الحاجب ليقبضه ففر منه إلى حماة فحصر القلعة ورام الاستيلاء عليها ، فأظهر نائب الشام الإنكار على تغري برمش - نائب حلب حين قرأ كتابه وعابه - وجهز كتابه إلى السلطان مكرا منه و - خداعا ، فلما حضر عنده الأمراء ليشاورهم على التوجه إلى حلب لقبض على النائب بها ظنوا ذلك على(9/61)
"""""" صفحة رقم 62 """"""
ظاهره فحضروا بغير أهبة منه ومحاربته - فقبض عليهم وسجنهم - ، وبلغ ذلك - نائب القلعة فعصى عليهم ، وكان - لما قبض على الأمراء أطلق من وافقه على مراده وجلفه وسجن من امتنع عن قصده وخالفه - ، وكل ذلك في العشر الأول من شهر - رمضان ، ثم جمع من أموال الأمراء - المقبوض عليهم جملة مستكثرة - ، وقبض على جماعة من التجار الأكابر وأخذ منهم أموالا اقترضها ، وشرع في استخدام العساكر ، وفر منه يونس أحد الأمراء وتشاوروا في القاهرة في أمر النيابة - فاقتضت الآراء لجهة الأمير الكبير - كما سيأتي ذكره .
وفي يوم الاثنين ثالث عشري رمضان استقر الأمير الكبير آقبغا التمرازي في نيابة الشام وخلع عليه بالقصر ، وعين جماعة من الأمراء والجند للمسير إلى قتال نائب الشام كان أينال الجكمي الخارج عن الطاعة - ، ثم وصل الخبر بأن الذي كان في طرابلس تركها لما وصل تغري برمش نائب حلب إليها ، وجاء فيمن أطاعه إلى الرملة فكاتبه السلطان يستحثه على الوصول بالعساكر لتمهيد البلاد الشامية .(9/62)
"""""" صفحة رقم 63 """"""
وفي ليلة الاثنين من شهر رمضان تراءى الأنس الهلال على العادة وحضر القضاة الأربعة بالمدرسة المنصورية فلم يروا شيئا وأصبحوا صائمين ، فشاع أن العزيز يوسف ابن برسباي - هرب من قاعة محبسه من القلعة وهرب معه الطواشي الذي كان يخدمه والجارية ، وقلق السلطان بسبب ذلك واتهم به جماعة من مماليك أبيه ، فبلغ ذلك اينال الأشرفي - فخشي على نفسه فوزع قماشه وتسحب بالليل وبات جماعة من الأمراء ملتبسين بالرميلة ، وشاع أن الفتنة تقع يوم العيد ، فصلى السلطان العيد بالقصر الكبير ، وحضر الأمراء كلهم فصلى بعضهم بالجامع وبعضهم بالقصر ، وخطبت بهم بعد الصلاة على منبر لطيف - ، وخلع على من له من عادة من الأمراء والقضاة وانصرفوا إلى منازلهم .
شوال أوله الثلاثاء ، في يوم السبت خامسه استعفى أركماس الظاهري الدويدار الكبيرمن الخدمة وكرر ذلك ، فأعفاه السلطان فطرد الشرطة من بابه وخرج أقطاعه .
فلما كان في يوم الخميس عاشره استقر تغري بردى الحاجب في وظيفته ، وأمر اسنبغا الطياري الدويدار الثاني تقدمة ، وقرر في وظيفته رأس نوبة كبيرا ، وأخرج تمراز من وظيفة الأمير آخور - من(9/63)
"""""" صفحة رقم 64 """"""
الإصطبل على إمرته ، وقرر شاهين في وظيفة دولات باي ، وقرر سيدي محمد ولد السلطان في إمرة قراجا بعد القبض على قراجا وحبسه بالإسكندرية ، وخرج الأمراء إلى الريدانية وهم الأمير الكبير نائب الشام آقبغا التمرازي وقرا قجا الحسني وتمربائي الظاهري ومن انضم إليهم من الجند ، وبقيت وظيفة الأمير الكبير شاغرة ثم عينت ليشبك أمير سلاح ، وجاء الخبر بأن الأمراء بالشام تسحبوا من الشام هربا من النائب ووصلوا إلى الرملة وكاتبوا بذلك واستحثوا على حضور العساكر إليهم ، وكان السبب في ذلك أنهم ندموا على طواعية نائب الشام فاجتمعوا وحاربوه وحاربهم فكسرهم ، وفر أينال الششماي إلى القلعة فتحصن بها ، وخرج الباقون إلى الرملة ، واغتنم بهاء الدين ابن حجي كاتب السر إذ ذاك الفصة فخرج من دمشق مسرعا على الخيل إلى صفد ثم إلى الرملة ، ثم قدم القاهرة في اليوم العشرين من شوال .
وفي هذا اليوم وصل طوغان وكان قد توجه إلى الصعيد لإفساد الجند الاشرفية على السلطان ، فأعلمهم بأن الملك العزيز خلص وأن الجند اجتمعوا عليه ، ووصلت إليهم كتب نائب الشام بأنه واصل ، وأطمعهم بأنهم إذا توجهوا إلى القاهرة لوافي نائب الشام بعساكره وينضم إليهم بقيتهم المقيمين بالقاهرة فأصغوا إلى ذلك ، ثم ظهر لهم خلاف ذلك وأن العزيز هرب ولم يعرف له مكان فرجعوا عما هموا به ، وقبض يشبك(9/64)
"""""" صفحة رقم 65 """"""
على طوغان المذكور وجهزه في مركب مقيدا ، فوصل إلى القلعة في هذا اليوم ، وكان السلطان قبل ذلك قبض على قانباي اليوسفي لأنه قيل له إنه صديق طوغان ، فضربه فلم يقر بكبير أمر فسجنه حتى وصل طوغان ، فعصرا جميعا فأقرأ بالواقعة ، وأن قانباي كان رأسا في هذه الفتنة ، وأنه هو الذي أطمع السلطان العزيز وأعلمه بخبر النواب ، وانه لم يصل القاهرة حتى اتفقوا الجميع على العصيان ، وذكر طوغان أنه فارق العزيز بنواحي الشهداء بغلس ، ثم ظهر كذبه وأنه أقام بمشهد ذي النون ثلاثة أيام وبمصر في قاعة بين المطابخ بنواحي سوق شنودة سبعة عشر يوما ، فلما بلغه خبر إمساك طوغان وإحضاره خرج .
وفي يوم الثلاثاء عشريه رحل الركب الأول من بركة الجب .
وفي يوم الأربعاء ثاني عشر منه - رحل الركب مع أمير المحمل تنبك أحد الأمراء المقدمين وقد استقر في الحجوبية الكبرى قبل سفره ، وكان الحاج كثيرا جدا حتى كانوا خمسة ، ركوب الأول والمحمل والتكادرة والمغاربة والينابعة .
وفي يوم الجمعة خامس عشري شوال لبس السلطان الأبيض(9/65)
"""""" صفحة رقم 66 """"""
ووافق نصف برمودة من أشهر القبط فسبق العادة قبل شهر ، واستمر البرد في أول النهار بقوة وابتدأ الموت بالطاعون ، وفي هذا اليوم قبض على أينال الجكمي نائب الشام وأصعد إلى القلعة بدمشق مقيدا ، وكان السبب في ذلك أن نائب الشام آقبغا التمرازي رحل من غزة في النصف من شوال ، ثم تلاحق به الأمراء واجتمعوا جميعا يوم الأربعاء ثالث عشري شوال بالخربة ، واجتمعوا بالنواب الذي كانوا مقيمين بالرملة وتقدم نائب الشام ومن معه من النواب ، وتأخر بقية الأمراء ومن معهم من المماليك السلطانية ، ولم يكن بينهم إلا قدر ميلين فالتقوا بأينال الجكمي ومن معه ، فحمل عليهم أينال الجكمي - بمن معه فقتل صرغتمش دوادار جلبان ووقع طوخ نائب غزة عن فرسه وقتل جماعة ، وتمت عليه الكسرة حتى وقع سنجق نائب الشام وكان قاصدا نائب الشام وصل إلى الأمراء والمماليك السلطانية قبل أن يلحقوا به ، فصادف لحوقهم به ما وقع لمن كان معه من الهزيمة ، فرجع بهم وحمل على أينال(9/66)
"""""" صفحة رقم 67 """"""
ومن معه - فألقوا كثيرا من الجند الذي كانوا مع أينال الجكمي - وقبضوا على ولد قانصوه النوروزي وكان من الشجعان المشهورة ، وانهزم أينال الجكمي وتمزق جمعه ونزل العسكر كله في شقحب ، واتفق أن جانبك دويدار برسباي الحاجب أدرك أينال الجكمي وهو منهزم وقد أصابته في بدنه عدة جراحات وضعف من كثرة ما سال منه من الدم ، فالتجأ إلى ضيعة فنزل في بستان منها ، فهجم عليه فقبض عليه واركبه فرسه وهو لا يستطيع الدفع عن نفسه وساقه إلى أن أدخله قلعة دمشق ، ورجع إلى العسكر وهم نزول بشقحب يوم الخميس فاعلمهم الخبر ، ففرحوا واطمأنوا - فطلبوا ودخلوا الشام يوم الجمعة خامس عشري شوال في أبهة عظيمة . وجهزوا المبشر إلى السلطان بالخبر .
قرأت هذا الفصل من كتاب بعض المماليك السلطانية إلى بعض أصدقائه : ووسط طوغان بعد أن ضرب ضربا مبرحا - فاقر أن اركماس الدويدار الكبير كان معهم وقانباي اليوسفي وخرمان ، فضرب(9/67)
"""""" صفحة رقم 68 """"""
قانباي وخرمان ضربا مبرحا . وذكر لي ولي الدين السفطي أن السلطان أرسله إلى ابن الديري يستفتيه في أمر طوغان وما ظهر منه من الفساد ، فأفتى بجواز قتله وأرسل له معه النقل في عدة مواضع ، فأمر بتوسيطه لذلك ؛ ثم اشتد الخطب على كثير من الناس ممن اتهم بإخفاء الملك العزيز فكبست بيوتهم ونهب بعضها ، وكان منهم ناظر الدولة أمين الدين بن الهيصم ، فلما كان في ليلة الأحد السادس والعشرين من شوال ظفر بالملك العزيز ومعه جندي وأخذا ماشيين قاصدين مكانا يأويان فيه من شدة ما وقع من الطلب وذلك بين العشاءين ، فأحضرا إلى الإصطبل وطلع بهما ولد السلطان إليه ، فأكرمه وبيته عنده ، وهرع الناس لتهنئة السلطان بالظفر به .
ثم تبين أن العزيز كان أوى إلى شخص من مماليك أبيه فعمل عليه الحيلة حتى أطلعه للسلطان ليحظى بذلك عنده .
وفي السابع والعشرين من شوال أحضر أينال الأشرفي - .
فقيد وأرسل إلى السجن بالإسكندرية ، وتوجه شهاب الدين أحمد - ابن العطار إلى الإسكندرية بسبب ما يتعلق بالبهار السلطاني وبيعه - .
وفي سلخ شوال ورد الخبر بقتل أينال الجرود نائب صفد في معركة وقعت لنائب الشام أينال الجكمي - ، ثم ظهر أن ذلك كذب(9/68)
"""""" صفحة رقم 69 """"""
من بعض الاشرفية ، وتحقق أن الجكمي خرج عن دمشق وأن العساكر الظاهرية رحلوا بأمر السلطان من الرملة في النصف من شوال قاصدين نائب الشام ، وترك الشام وعصى نحو تدمر - .
واستهل شهر ذي القعدة يوم الخميس وتحدث الناس برؤيته ليلة الأربعاء ، واستقر جوهر الخازندار زماما عوض فيروز الساقي - ، وفي أول يوم منه استقر بهاء الدين بن حجي في قضاء الشام مضافا لكتابة السر ولبس الخلعة بذلك ، وسافر يوم الجمعة رابع عشري الشهر المذكور .
وفي الثاني منه صلى في الجامع الحاكمي على ثلاثة أنفس ماتوا بالطاعون - .
وفي الثامن منه طلب القاضي بهاء الدين بن القاضي عز الدين عبد العزيز بن مظفر البلقيني إلى حضرة السلطان بسبب جارية أفسدها عبده فغابت عن سيدتها قدر سبعة أيام ثم وجدتها سيدتها فتسلمتها بشاهدين منه ثم هرب العبد ، فاتهم بهاء الدين بسيدة الجارية ، فاتصل الأمر بالدويدار الصغير فطلبه ليوفق بينهما ، فتعاظم فأوصل الأمر بالسلطان(9/69)
"""""" صفحة رقم 70 """"""
ونسب المذكور إلى أمور معضلة وأنه هو الذي أفسد الجارية المذكورة إلى غير ذلك من القبائح ، فلما وصل أمر بتجريده وضربه بالمقارع ، فجرد - فشفع فيه ناظر الجيش فبطح وضرب نحوا من مائة عصا وسلم للدويدار الكبير ، وأمر أن يصادره على مال ، فتسلمه إلى نزله وأهانه واستكتبه خطه بثلاثة آلاف دينار ، ثم شفع فيه إلى أن انحطت إلى ألف واحدة وأنعم بها على الدويدار ، وكان مما أهين به أن أركب حمارا وفي عنقه باشه وخنزير - وهو مكبوب على وجهه إلى الدويدار وكانت كائنة شنيعة وكثرت القالة فيه مع ذلك ، وبلغني أنه مع هذه الشدة في بأو عظيم ورقاعة مفرطة وأصر على عدم الإعطاء وكرر تهديده ، فلما طال عليه ذلك أذعن لبذل الألف دينار ، فبذلها وبذل معها أشياء أخر وخلص بعد سبعة أيام وعزل من نيابة الحكم ، وكنت كلمت السلطان في أمره بعد صلاة الجمعة فقال : والله لولا أنت لكنت حرقته بالنار لما صنع وكأنهم قرروا عنده أنه كان هو المفسد للجارية -(9/70)
"""""" صفحة رقم 71 """"""
والله يأخذ بحق من افترى عليه ورماه بهذا البلاء حتى تمت عليه هذه المحنة ، وبلغني أن قريبه لم ينفعه في هذه الكائنة بشئ - ولا قوة إلا بالله .
وفي التاسع منه وصلت بطاقة بالوقعة بين إينال الجكمي والعسكر المصري وأنه انهزم ، وهرع الناس لتهنئة السلطان بذلك - وقد شرحتها قبل في حوادث الشهر الماضي - وحصل عند المتعصبين للأشرفية قلق كبير وهم عظيم بهذه الكائنة .
وفي السابع عشر من ذي القعدة كانت الوقعة يوم الجمعة بين تغرى برمش الذي كان نائب حلب وبين العسكر المصري . وكانوا بعد أن أمسكوا إينال الجكمي توجهوا إلى حماة وبها نائب حماة وقد جمع بها جمعا جما ، فكانت الكسرة عليهم ونهب هو ومن معه ، وفر هو إلى أن التجأ بقلعة شيزر ، ووصل الخبر بذلك في الخامس والعشرين منه يوم السبت .
وفي العشرين من ذي القعدة وهو التاسع من بشنس من أشهر القبط والرابع من أيار من أشهر الروم فشا الموت بالطاعون بالقاهرة بعد أن كان فشا في قرى مصر البحرية وكثر بالإسكندرية وتروجة والبحيرة والغربية ومنوف - العليا - والمحلة وعدة قرى ، ووصل في اليوم بالقاهرة إلى ثلاثين ، - ثم وصل في العشرين من ذي القعدة في اليوم إلى الخمسين ثم إلى الستين - ، ثم تناقص إلى الأربعين(9/71)
"""""" صفحة رقم 72 """"""
- والثلاثين والعشرين - فما دونها ثم رجع إليها ، وأكثره في الرقيق والأطفال ثم تناقص إلى العشرين في أول ذي الحجة .
وفي السابع والعشرين من ذي القعدة وصلت رأس أينال الجكمي - نائب الشام - وطيف بها على رمح ، واتفق قبل هذا بيسير أن ذكرنا وقعة بين العسكر المصري وتغرى برمش نائب حلب ومن انضم معه بالقرب من حماة ، فانكسر النائب وهرب إلى الجبل الأقرع ، فظفر به بعض التركمان - فكبسه - وأسره هو ومن معه ووصل الخبر بذلك في أول يوم من ذي الحجة يوم الجمعة ، وفرح الناس بذلك لحصول الأمن ورفع الحرب والطمأنينة في الطرقات ، - وتوجه العسكر المصري لتمهيد أمور البلاد الشامية ، وكان من أمره أنه في شهر رمضان حاصر القلعة وأظهر العصيان لكنه لم يقطع الخطبة باسم الظاهر وبها قانباي البهلوان وبرسباي الحاجب وفارس نائب القلعة واختلف عليهم التركمان ، ثم استشعر نائب القلعة بأن أهل القلعة وافقوا النائب على العصيان فقبض عليهم وقتل بعضهم واسترجع منهم المال الذي رشاهم به النائب في الحصار حتى استغاث أهل القلعة بالعوام من جيرانهم ، فاجتمعوا(9/72)
"""""" صفحة رقم 73 """"""
ورجموا المقاتلة بالحجارة ، فتسامع بقية أهل البلد فاجتمعوا وساعدوا فانكسر جماعة النائب ، وبلغه الخبر فركب جريدة وخرج من البلد ولم يصحبه أحد بفرش ولا فرس ولا خيمة وليس معه سوى ثياب بدنه .
وقرأت كتابا كتبه إلى القاضي علاء الدين بن خطيب الناصرية من حلب يذكر فيه قصة تغرى برمش نائب حلب ملخصه أنه أظهر العصيان في يوم الجمعة الثامن عشر من شعبان وحاصر القلعة ليملكها ، فامتنع عليه نائبها فألح عليهم بالحصار إلى يوم الثلاثاء عاشر شهر رمضان ، فركب أهل حلب عليه ونزل الأمير حطيط نائب القلعة ومن معه وساعدهم من بالبلد من الجند والعامة ، فوقع بينهم قتال شديد ساعة من نهار أفضى فيه الأمر إلى خذلان تغرى برمش ، فخرج من حلب على جرائد الخيل في نحو مائة فارس ، واستمر في هزيمته حتى دخل شيزر فنزل على طور على ابن صقيل سر فجمع جمعا من التركمان والعرب وسار إلى طرابلس ففر منه نائبها ، ودخلها هو فأقام بها أياما واستخرج من أهلها مالا كثيرا ، ثم رجع ومعه ابن صقل سز وعلي يار التركماني وأمير العرب ، ونزل بالميدان ظاهر حلب وأعلن بالدعاء للملك العزيز بن الأشرف وكاتب أهل حلب بالدخول معه ، فأعلنوا بمخالفته وقفلوا دونه الأبواب وصمموا على طاعة الملك الظاهر ، فحاصرهم واستحضر آلات الحصار من مكاحل وسلالم وغيرها ، واشتد الخطب يوم الثلاثاء ثاني عشرى شوال ، فحصل من جماعته من الفساد ما لا يعبر عنه ، فأحرقوا الزروع وأخربوا القرى من شيزر إلى حلب ، ونودي بقتاله ونشبت بينهم الحرب فقتل من الطائفتين جماعة ، وفي جميع ذلك كانوا مستظهرين عليه ، واستمر على ذلك إلى يوم الأحد رابع(9/73)
"""""" صفحة رقم 74 """"""
ذي القعدة ، فرحل عن حلب بعد أن أيس من الظفر بها ، وخرج أهلها في أثره فنهبوا آلات الحصار ، وسار هو إلى أن نزل مرج دابق ، فأقام به إلى يوم الجمعة تاسع ذي القعدة وعاد إلى ناحية حلب فرمى شرفها يوم السبت ولم يقاتل ونزل من الجهة القبلية ، ثم بلغه طروق العسكر المصري فرحل يوم الأحد إلى ناحية حماة ، فالتقى العسكران بقرب الرفاعي ، فلم يلبث أن انكسر هو وابن صقل سز ففر إلى الجهة الغربية ، وانهزمت العرب إلى الجهة الشرقية ، وذلك في السادس عشر من ذي القعدة ، ثم توجه إلى جهة بالس واستمر إلى الشغر ثم إلى الجبل الأقرع فنزل على ابن حنوص التركماني وكان معه ، فأضافه ثم باطن عليه الفلاحين بتلك النواحي وأمسكوه وأمسكوا معه طور غلى وجماعة فوصلوا إلى حلب وأدخل طور على جمل ، وذلك في يوم الخميس ثاني عشر ذي القعدة ، فأودع هو وتغرى برمش بالقلعة - انتهى ملخصا - .
وقرأت بخطه أيضا أن النائب المذكور في هذه الكائنة ظهر منه من سوء الطوية ما لا يعبر عنه ، وأنه ومن معه أفسدوا من الزروع ودورهم شيئا كثيرا بالتحريق وغيره بحيث أنه أفحش في غالب ما حولها من القرى وأنه لما كسر الكسرة الأخيرة غنم العسكر المصري من المواشي ما لا يدخل تحت الحصر بحيث بيع الجمل بثلاثين درهما والشاة بخمسة دراهم .
وفيه أن المذكور لما نزل الجبل الأقرع بات ليله وتوجه بكرة الأحد تاسع عشر ذي القعدة قاصدا أنطاكية فوصل إلى دربند هناك ، فاجتمع عليه وعلى من معه جماعة من الفلاحين فقاتلوهم فأمسكوا عليهم(9/74)
"""""" صفحة رقم 75 """"""
المضايق إلى أن قبضوا عليهم فسلبوا جميع من معه وتركوهم ، وأما النائب وطور غلى بن صقل سز فإنهم راسلوا أهل حلب ، فبادر قطبح الأمير الكبير بحلب والحاجب ونائب حماة فتسلموهما من الذين أسروهما ورحلوا إلى حلب فوصلوا في ثالث عشر ذي القعدة ، فسجن إلى أن وصل الأمر من السلطان بقتلهما ، فضربت عنق تغرى برمش بحضرة نائب القلعة ووسط طور غلى تحت القلعة وذلك في السابع عشر من ذي الحجة .
ومن خطه أن الخطبة بحلب استمرت في طول هذه الفتنة باسم الملك الظاهر .
شهر ذي الحجة - الحرام أوله الجمعة - في أوائل هذا الشهر شكا القاضي علم الدين - صالح - البلقيني إلى السلطان أن الملك الأشرف كان قد أنعم عليه بألفي دينار ، وأنه بعد موت الأشرف استعيد منه أحد الألفين فأنعم عليه بإعادتهما له فلما قضهما استأذنه أن يحضر عنده في كل أسبوع يوم الأحد ويعمل بحضرته ميعادا فأذن له ، فعمل في السابع عشر منه ميعادا على طريقته في مدرسة والده فلم يعجبه ، فلما حضر في الأحد الذي يليه منع من ذلك فرجع خائبا ، وكان في أثناء ذلك قد أظهر زهوا عظيما وهرع إليه ناس ممن يؤثر ولايته وظنوا أن الإذن في ذلك يوصله إلى الغرض ، فانحزم ما أملوه وبطل - ولله الأمر - .(9/75)
"""""" صفحة رقم 76 """"""
وفي صبيحة يوم الخميس ثامن عشرى ذي الحجة قبض على ناظر الجيش عبد الباسط ابن خليل بن يعقوب الشامي ، وكان قد عظم قدره في دولة الأشرف جدا بحيث صار هو مدبر المملكة ، ثم لما مات الأشرف قام في سلطنة ولده ، ثم صار بعض الخاصكية يذمه وقاموا عليه مرارا ليؤذوه وهو ينتصف منهم إلى أن تغيرت الدولة ، ثم حظى عند الملك الظاهر واستمر على طريقته في الإستبداد بالأمور ومخالفة الملك فيما يرومه ، فلم يحتمل له ذلك واحتاط به لما طلع إلى الخدمة ، وأحاطوا على منزله فقبضوا على ولده وبعض حريمه وأصعدوا إلى القلعة ليقرروا على أحواله ، وفر غالب أتباعه منهم القائم بأموره شرف الدين ابن البرهان - وقبض على بعضهم - ، وبرز فخر الدين التوريزي له ساعة القبض عليه فادعى عليه أنه يستحق في ذمته ثلاثين ألف دينار فأنكر فرسم عليه - له - ، ويقال إنه ذكر له أنه كاتب نواب الشام الذين عصوا ، فأنكر ذلك فعوق في قاعة في الحوش السلطاني .
وفي يوم الجمعة جعل أربعة من أتباعه في البرج وهم موسى بن البرهان كاتبه وموفق الدين كاتب الجيش وإبراهيم - الصغير - كاتب الباب(9/76)
"""""" صفحة رقم 77 """"""
وولد القاضي أذرعات ويقال له ضفدع وجعل ولده في طبقة والأستادار جانبك عند أستاذه وأرغون دويداره معه ثم طلب منهم المال ، فقرر على موسى عشرة آلاف دينار ، وعلى موفق الدين خمسة آلاف دينار ، وأطلق إبراهيم الكاتب وضفدع بعد أيام ، ثم أحضر الشريف حسن الإسكندراني من الإسكندرية بسبب أنه تاجر لناظر الجيش فعوق في البرج أيضا ، ثم أطلق موسى وموفق الدين وسلما لشهاب الدين - أحمد - بن العطار الدويدار فشرعا في بذل المال ؛ وشرع ناظر الجيش في بيع موجوده وباع على السلطان ما في ملكه من الفلفل وهو ألف جمل بأربعين ألف دينار ، وحمل من النقد قريبا منها ، وباع أشياء كثيرة من نفائسه ، ومن نوادر ما يحكى أن الحاج لما قدموا في العشر الأخير من المحرم أخبر جماعة منهم أنه شاع وهم بالينبع يوم الخميس ثامن عشر ذي الحجة أن السلطان فبض على ناظر الجيش وهو اليوم المذكور بعينه - وممن أخبرني بذلك القاضي ظهير الدين الطرابلسي . . . . .(9/77)
"""""" صفحة رقم 78 """"""
وفيات سنة 842
ذكر من مات في سنة إثنتين وأربعين وثمانمائة من الأعيان
أحمد بن محمد بن أحمد الدميري المالكي شهاب الدين ابن تقى الدين(9/78)
"""""" صفحة رقم 79 """"""
المعروف بان تقىوكانت أمه أخت القاضي تاج الدين بهرام فكان ينسب إليها ولا ينسب لأبيه ، ويكتب بخطه في الفتاوى وغيرها : أحمد ابن أخت بهرام ، وكذلك يسجل عليه ولا يذكر أبوه ، وسألت مرارا عن سبب ذلك فقيل لي إنه كان لا يحمد في شهادته الشهاب المذكور ، وكان فاضلا مستخضرا للفقه والأصول والعربية والمعاني والبيان وغيرها ، مشاركا في جميع ذلك ، فصيحا عارفا بالشروط والأحكام ، جيد الخط ، قوي الفهم ، ولكنه كان زرى الهيئة مع ما ينسب إليه من كثرة المال ، وخلف ولدين ذكرين وأنثى ، وقد عين للقضاء مرارا فلم يتفق ، مات في الثاني عشر من ربيع الأول ، وما أظنه بلغ الستين ، ثم قيل لي إنه ولد سنة 784 ، وأول ما ناب في الحكم في سنة أربع وثمانمائة ، وكان في صباه آية في سرعة الحفظ بحيث أنه كان يحفظ الورقة الواحدة من مختصر ابن الحاجب من مرتين أو ثلاثة بغير درس واشتهر عنه ذلك .
أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد القاضي علم الدين بن القاضي تاج الدين ابن القاضي علم الدين بن القاضي كمال الدين بن القاضي برهان الدين الأخناتي - المالكي - ، مات في ليلة الأربعاء خامس عشرى رمضان مطعونا وكان من أعيان نواب القاضي المالكي ورام ولاية القضاء فلم يتفق له ، وكان ضعفه عقب وفاة البساطي ، واستقر ابن التنسي وقد ثقل هو في الضعف ، ومولده قبيل التسعين فجاز الخمسين ، وكان يتعانى(9/79)
"""""" صفحة رقم 80 """"""
الأدب ويتولع بالنظم ، وصحب تقى الدين ابن حجة مدة .
تغرى برمش نائب حلب - تقدم ذكره في الحوادث - .
إينال الجكمي نائب الشام - تقدم ذكره في الحوادث - .
جوهر اللالا عتيق أحمد بن جلبان وكان قبله لعمر بن بهادر ، ثم اتصل بخدمة الملك الأشرف وهو أمير فتنقل معه ، وقرره لالا ولده محمد الأكبر ثم ولده يوسف ، - ثم تقرر زماما بعد موت حسن قدم مضافا للوظيفة الأخرى - فلما تسلطن العزيز فخم أمره وشمخت نفسه وظن أن الأمور تدور عليه ، فانعكس عليه الأمر وقبض عليه في أول الدولة الظاهرية وسجن بالبرج ، ثم أفرج عنه وهو ضعيف بمرض القولنج ثم حصل له الصرع إلى أن مات في الحادى والعشرين من جمادى الأولى ، وعمر مدرسة حسنة بالمصنع ودفن بها .
حسن بن محمد بن أحمد بن علي بن حجر ، مات في صبيحة الأحد ثالث عشرى شعبان وله دون السنة .
حسن بن . . الكشكلي الكركي بدر الدين ، مات في الرابع والعشرين من ذي الحجة بالقاهرة ، وكان قد باشر نظر القدس والخليل مدة في أيام المؤيد وغيره ، وكان عارفا بالمباشرة مشكورا .(9/80)
"""""" صفحة رقم 81 """"""
داود بن علي بن بهاء الدين الكيلاني التاجر بالإسكندرية شرف الدين ، مات في الرابع من ذي القعدة وأوصى على أولاده ولده الكبير عليا فمات بعده بأيام قلائل ، وكان على هذا قد ولى قضاء جدة ولم يكن بالمتصون ، وما أظنه أكمل الثلاثين ، وأما أبوه قمن أبناء السبعين ، وكان وجيها في التجار ، وقد رأس في بعض السنين في سلطنة الأشرف بجدة .
عبد الله الملك الظاهر بن الملك الأشرف إسماعيل ، صاحب اليمن ، مات في سلخ شهر رجب ، واستقر ولده إسماعيل بن الظاهر وبه حينئذ نحو العشرين .
علي بن عبد الرحمن - بن محمد - الشيخ نور الدين الشلقامي ، وهو أسن من بقى من الفقهاء الشافعية ، وذكر لي أنه حضر درس الشيخ جمال الدين الأسنائي وكان من أعيان الشهود ، وله فضيلة ونظم ، مات راجعا من الحج بالقرب من السويس ، وكان خرج من الحجاج فقوى عليه الضعف فعجز عن ركوب المحارة ، فركب البحر من السويس إلى الينبع وعجز عن التوجه صحبة الحاج ، فأقام حتى رجعوا فعاد معهم في البر ، فمات قبل دخول القاهرة وقد بلغ إثنتين وتسعين سنة ، فإنه ذكر لي أن مولده في الطاعون الكبير سنة 749 أو في حدودها .
علي بن عبد الكريم نور الدين الكتنى ، مات وقد قارب السبعين أو جاوزها وكان عارفا بالكتب وأثمانها وكان أبوه آخر من بقي بسوق الكتب وما رأيت مثله في الإحسان إلى الطلبة وأما ولده هذا(9/81)
"""""" صفحة رقم 82 """"""
فما سلك طريق أبيه بل تشاغل غالبا بغير الكتب ، وقد ناب في الحكم مرة ، وترك وتعلل عدة سنين .
علي بن محمد بن قحر - بضم القاف وسكون المهملة بعدها راء - الزبيدي الفقيه العالم الفاضل موفق الدين ، ولد سنة 758 واشتغل بالفقه فمهر فيه ، وتقدم إلى أن صار مفتي زبيد وفقيهها والمرجوع إليه في ذلك ، - مات في الثاني من شوال - .
قرقماس الشعباني - تقدم في الحوادث - .
محمد بن أحمد بن عثمان بن نعيم بن مقدم بن محمد بن حسن بن غانم بن محمد بن علي البساطي المالكي القاضي شمس الدين ، وكان يكتب بخطه الطائي ، وظهر أنها نسبة لبعض قرى بساط ، مات بعد العصر يوم الخميس الثاني عشر من شهر رمضان ، أصابه صرع فغشى عليه فصرخوا عليه ثم تحرك ، فأمرهم الطبيب أن لا يشرعوا في جهازه ، ثم أصبح ميتا فأخرجت جنازته ، وكانت له مدة طويلة يتمرض بالقولنج يثور به فينقطع أياما ثم يسكن عنه فيفيق ، وكان في أوائل رجب قد نصل وركب وتصرف وحكم وحضر مجلس السلطان ثم انقطع قليلا ، ثم عوفى وركب أول يوم من رمضان إلى القلعة وحضر سماع الحديث وسلم على السلطان(9/82)
"""""" صفحة رقم 83 """"""
مع الجماعة عقب الفراغ بعد العصر ، وفرح السلطان بعافيته ، وحضر معنا مجلسا بالصالحية بأمر السلطان يوم الثلاثاء ثالث شهر رمضان وهو في عافية تامة وقد صام ، واستمر متماسكا يكتب على الفتاوى ويسمع الدعاوى ويعلم على القصص وغيرها للنواب إلى صبيحة يوم الخميس وإلى أن ثار عليه الوجع في آخر النهار فقضى ، وكان مولده في جمادى . . . . سنة ستين وسبعمائة فأكمل إثنتين وثمانين سنة و . . أشهر وأياما ، وكان في شبيبته نابغة في الطلبة واشتهر أمره وبعد صيته واشتغل في فنون ، وذكر لي أنه سمع الحديث على عبد الرحمن ابن البغدادي وغيره ولم يكثر بل لم يطلب أصلا ولا اشتغل له ، وكان عارفا بفنون المعقول والعربية والمعاني والبيان والأصلين وصنف فيهما تصانيف وفي الفقه أيضا ، وولى تدريس الفقه بالشيخونية ودام فيه أكثر من ثلاثين سنة ، ثم قايض بها التدريس بالظاهرية البرقوقية وناب في الحكم عن ابن عمه جمال الدين يوسف البساطي وغيره مدة وكان بحالة هينة من قلة الشئ ، ثم نوه به الأمير ططر فذكره عند الملك المؤيد فولاه مشيخة التربة الظاهرية عقب موت حاجى فقيه سنة تسع عشرة ثم ولاه القضاء عقب وفاة جمال الدين الأقفهسى في جمادى الأولى سنة ثلاث وعشرين ، فأقام فيه نحو عشرين سنة متوالية بقية مدة المؤيد وولده والظاهر ططر وولده والأشرف برسباي وولده وهذه القطعة من سلطنة الظاهر ، ورافقه الأشرف برسباي وولده وهذه القطيعة من سلطنة الظاهر ،(9/83)
"""""" صفحة رقم 84 """"""
ورافقه من القضاة خمسة من الشافعية وهم البلقيني والعراقي وصالح وكاتبه والهروي ، ومن الحنفية أربعة وهم ابن الديري والتفهيى وابن الديري ، ومن الحنابلة ثلاثة وهم ابن المغلى والمحب البغدادي وعز الدين القدسي ، وفي هؤلاء من صرف وعاد - غيره - ، وجاور في مكة سنة كاملة في دولة الأشرف وهو على ولايته ، وعين ابن تقى مرة للولاية في كائنة علاء الدين البخارى المذكورة - في الحوادث - ، فلم يتم له أمر واستعفى في السنة الماضية ، ثم ندم واستمر به الأشرف بعناية على باي الخازندار ، وكانت وفاته في الليل وصلى عليه وقت ربع النهار بمصلى باب النصر ، ودفن بتربة بني جماعة بالقرب من تربة سعيد السعداء ، وأمطرت السماء بعد الفراغ من دفنه مطرا غزيرا ، وعين السلطان للقضاء بعده الشيخ عبادة الزرزاري ، وسعى ولد الميت في وظائفه التي كانت معه قبل أن يلي القضاء ، فأجيب إلى بعضها كمشيخة التربة الظاهرية بالصحراء ، ودعى عبادة إلى تولية الحكم فامتنع وتغيب ، فلما كان يوم السبت الخامس والعشرين من الشهر المذكور خلع على القاضي بدر الدين بن القاضي ناصر الدين بن التنسي ، وركب القضاة معه والمباشرون(9/84)
"""""" صفحة رقم 85 """"""
على العادة إلى الصالحية واستقر في الوظيفة .
محمد بن أبي بكر - المالكي - الكتامي بضم الكاف وتخفيف المثناة نسبة إلى حارة كتامة من القاهرة ، شمس الدين ، مات فجأة على ما قيل ، مات في الثاني والعشرين من ذي القعدة ، وكان نقيب الحسبة عند القاضي بدر الدين العيني ، ثم صار نقيب الحكم عنده إلى أن عزل ، فاستمر يتردد إليه وهو معزول إلى أن أدركه الموت ، وكان قد شارف الثمانين وهو جلد ، ويكثر تلاوة القرآن ، ويقال : خلف مالا كثيرا - عفا الله تعالى عنه .
محمد بن زين بن عبد الله شمس الدين بن زين الدين ، المرساوي الأصل الجرائحي المعروف بابن الديفي التباني ، اشتغل في علم الجراحة وتحول إلى الديار المصرية قديما فسكن التبانة ، وتقدم في صناعته واستقر في الرياسة ، وطعن في السن وفي شعر لحيته السواد الكثير وكان يدعى أنه جاوز المائة ، وقرائن الحال تشعر أنها من الدعوى المحال .
محمد بن سعيد بن كبن - بفتح الكاف وتشديد الموحدة الثقيلة بعدها نون ، جمال الدين ، مات بعدن من بلاد اليمن وكان قاضيها في السابع من رمضان ، وكان فاضلا ، ولي القضاء بعدن نحوا من أربعين سنة تخللها ولاية القاضي عيسى اليافعي مددا مفرقة ، وكان جمال الدين فاضلا مشاركا في علوم كثيرة ، واسف الناس عليه لما كان فيه من المداراة وخفض الجناح ولين الجانب والإصلاح بين الخصوم ، ولعله قارب الثمانين .(9/85)
"""""" صفحة رقم 86 """"""
محمد بن القاضي بهاء الدين البرجي بدر الدين ، مات في ذي الحجة في الحمام ، وكان أبوه قد ولي الحسبة مرارا ووكالة بيت المال والكسوة ، وصاهر البلقيني ثم ولده بدر الدين ، وصارت له وجاهة ثم خمل ، ثم نبه قليلا في دولة المؤيد بعناية ططر ، فجعله ناظر العمارة بالمدرسة المؤيدية ، وعظم لما تسلطن ، ثم لما لم تطل مدته استمر خاملا ، ثم مات بعد بيسير ، وكان بدر الدين هذا قد تزوج بنت بدر الدين البلقيني ثم فارقها ، وكان كثير الصلف ، وباشر في عدة جهات ، وكان يلقب بعزيق - بمهملة وزاي وقاف - مصغر ، لقبه بذلك ناصر الدين بن كليب وكان جارهم ، وكان قد جاوز الخمسين .
موسى بن علي بن جميع ، الصنعاني الأصل العدني - شرف الدين ابن نور الدين ، كان قد استقر في وظيفة أبيه بعدن وهي الرياسة على التجار في المتجر السلطاني ، وكان حاذقا عارفا بالمباشرة والكتابة فصيحا لسنا ، وقد قدم القاهرة في وسط الدولة الناصرية من نحو ثلاثين سنة أو أكثر ، ولم يكن صينا ، مات في شعبان .
يحيى الملك الظاهر بن الملك الناصر أحمد بن عبد الملك - الأشرف إسماعيل ، صاحب تهامة اليمن ، مات في يوم الخميس(9/86)
"""""" صفحة رقم 87 """"""
سلخ رجب ، وأقيم بعده ولده الأشرف إسماعيل في يوم الجمعة مستهل شعبان منها ليلا ، فقتل أكابر أهل الدولة فمنهم برقوق وكان كبير المماليك الأتراك ، وعدة من رؤساء الجند وعدة من الأجناد الذين يدعون السقاليب حتى أضعف المملكة ، وأثر ذلك حتى خرجت الأعزاب العازبة - بالعين المهملة والزاي - عن الطاعة وضعف أمر تلك البلاد جدا .
يحيى المغربي المالكي ، قاضي المالكية بدمشق ، محيي الدين ، مات وقرر بعده شرف الدين يعقوب بن . . . المغربي ، وكتب توقيعه في ذي الحجة .
يخشباي الأشرفي ، ضربت عنقه في الثامن من ذي الحجة ، أخرج من السجن ، وادعى عليه بأنه سب شريفا من أهل منفلوط ، وهو حسام الدين محمد بن حريز قاضيها ، وثبت ذلك عليه بالقاهرة ، واتصل بقاضي الإسكندرية فاعذر إليه فأنكر ، ثم حلف أنه لم يفعل فقيل له إن(9/87)
"""""" صفحة رقم 88 """"""
الإنكار لا يفيد بعد قبول الشهادة ، فاستسلم للقتل ، فشهدوا عليه بعدم الدافع وضربت عنقه .
يوسف ولد كاتب السر ، مات في الرابع والعشرين من ذي الحجة وقد راهق ، ولم يكن له الآن ولد ذكر غيره ، واشتد أسفه عليه ، وكانت جنازته حافلة جدا .
يونس بن حسين بن علي الواحي نزيل القاهرة الشيخ شرف الدين ، سمع من عبد الرحمن بن القارئ وناصر الدين الطبردار وغيرهما وحدث ، وكان يذكر أن مولده سنة 757 ، وعرض العمدة على الشيخ جمال الدين الأسنوي ، ولازم الشيخ سراج الدين البلقيني ، وكان يحب الأمر بالمعروف ويشدد في ذلك مع قصوره في العلم ، ويتخيل الشيء أحيانا فيلح في كونه لا يجوز ، أنكير قديما كون ملك الموت يموت واستفتى القدماء ، وكان سمع في ميعاد الشيخ سراج الدين شيئا من ذلك - فصار الشيخ وآل بيته يمقتونه من ذلك الوقت ، وسمع الخطيب يذكر في خطبة الجمعة في ذكر عمر أنه منذ أسلم فر الشيطان منه ، فأنكر عليه(9/88)
"""""" صفحة رقم 89 """"""
وقال : لا تقل : منذ أسلم ، يقع في ذهن العامي أن في ذلك نقصا لعمر ، واستفتى في ذلك فبالغ ، وسمع مدرسا يذكر مسألة الصرف وقول أبي سعيد لابن عباس : إلى متى تؤكل الناس الربا ? فاشتد إنكاره ونزه ابن عباس عن ذلك واستفتى ، واجتمع عنده من الفتاوي من هذا الجنس مالو جلد لجاء في خمس مجلدات ، وجمع لنفسه مجاميع مفيدة لكنه كان عريا من العربية فيقع له اللحن الفاحش ، وكان كثير الابتهال والتوجه . ولا يعدم في طول عمره عاميا يتسلط عليه وخصوصا ممن يجاوره - والله يعفو عنه ? وقد حدث في آخر عمره واستحلى ذلك وأعجب به وحرص عليه - رحمه الله .
خوند بنت الملك المؤيد زوج قرقماس الشعباني ، ماتت في التاسع عشر من جمادى الأولى ، وكانت نفساء عن سقط أسقطته عند كائنة زوجها ، فاستمرت في الضعف إلى أن ماتت ، ولم تخلف سوى ولد ذكر له نحو سبع سنين ، واسندت وصيتها لزوجها .
حوادث سنة 843
سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة
المحرم - أوله الأحد ، العشرين من بونة من أشهر القبط - ، وفي ليلة السبت تراءوا هلال المحرم فلم يظهر مع الصحو الشديد ، فلما كان صبيحة هذا اليوم استقر القاضي محب الدين بن الأشقر ناظر الجيش(9/89)
"""""" صفحة رقم 90 """"""
وركب الناس معه وكان الجمع وافرا ، واستقر معه محمد بن أبي الفرج عبد الرزاق أخو فخر الدين في الأستادارية ، فركب معه فوصله إلى منزله برأس حارة زويلة ، وتوجه إلى منزله بقرب قنطرة سنقر ، وتوجه غالب الناس معه .
وفي هذا اليوم وصل رأس تغري برمش ورفيقه ونودي عليهما بالقاهرة ثم علقا بباب زويلة - وقد تقدم أنه ضربت عنقه في سابع عشر ذي الحجة من الحالية - بقلعة حلب ، وقدم مبشر الحاج وأخبر أنهم وقفوا يوم السبت ، وأن بعض الناس تحدث برؤية الهلال ليلة الجمعة ولم يثبت ذلك ، لكن سار الركب من مكة فباتوا بعرفات ليلة الجمعة احتياطا .
وفي هذا اليوم نقلت الشمس من برج السرطان ، وهو أول يوم من الصيف ، ومن يومئذ نقص النهار وأخذ الليل منه ، وهذا اليوم هو أطول أيام السنة وأقصر لياليها .
وفي يوم الاثنين ثاني المحرم استقر الشيخ ولي الدين السفطي شيخ المدرسة الجمالية في نظر الكسوة مضافة إلى وكالة بيت المال ، وركب الناس معه أيضا .
وفي الثالث منه أمر عبد الباسط ناظر الجيش دويداره(9/90)
"""""" صفحة رقم 91 """"""
بإحضار ما في منزله من الذهب ، فكان ثلاثين ألف دينار فاستقلها السلطان ، فاستأذنه ناظر الجيش المذكور في بيع موجوده فأذن له ، وشرعوا في بيع جميع ما عنده من الحواصل ، فوصلت مصادرته في اليوم العاشر إلى مائة ألف دينار وثلاثين ألف دينار والطلب مستمر ، وقيل إنه طلب منه ألف ألف دينار ، وإن بعض الوسائط أنزلها إلى خمسمائة ألف دينار ، ولم يثبت ذلك وصودر كاتبه على عشرة آلاف دينار ، ثم خفف عنه منها الخمس ، والأستادار جانب بك مملوكه - على عشرة آلاف دينار ، فباع دوره واثاثه وشرع في وزنها وضمن عليهم وأطلقوهم ، ثم أطلق ضفدع وإبراهيم الكاتب بغير شيء ، وكثرت الأمتعة والملابس الفاخرة بأيدي الناس من كثرة من يبيع ذلك من حواشي المشار إليه - إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار .
ومن أعجب ما يذكر أن جميع منادميه صاروا ملازمين لكاتب السر طمعا في استمرار جهاتهم وجاههم - والله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وأحضر الشريف بدر الدين حسن الإسكندراني التاجر ، وكان يتوكل عن ناظر الجيش في بيع النبهار من الإسكندرية في هيئة شنيعة ، فحبس بالبرج وحوسب إلى إن استقر عليه شيء يسير وأطلق ،(9/91)
"""""" صفحة رقم 92 """"""
ثم لما كان بعد ذلك تقرر على عبد الباسط ثلاثمائة ألف دينار ، وكان السلطان ألزمه بستمائة ، ثم بخمسمائة ثم بأربعمائة ، فتكلموا معه في ذلك فأظهر العجز عن ذلك ، وقرروا مع السلطان أن يكون ثلاثمائة وأعلموه بذلك ، ثم شاوروا السلطان فأنكر أن يكون رضي بذلك ، وتغيظ عليهم وعليه وأمر بحبسه في البرج ، فحبس في برج مظلم وضيق عليه ، فأقام إلى أن قلب الله قلبه وأمر بإخراجه منه ، وتسلمه نائب القلعة فأنزله في غرفة علية وهي أعلى بناء في القلعة ، فأقام بهاأكثر من شهر إلى أن افرج عنه .
وتوجه إلى مكة في أثناء ربيع الآخر - كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
وفي التاسع عشر منه وصل سابق الحاج وذكر أنه فارقهم من عيون القصب وأنهم بخير .
وفيه ابتدأت الزيادة في النيل .
وفي يوم الجمعة سادسه رفع أمين النيل الخبر بأنه يومئذ كان على أربعة أذرع وعشرة أصابع ، فزاد على العام الماضي في النقص خمسة وأربعين إصبعا ، واستمرت الزيادة فكان في أبيب وهو يوم الجمعة العشرين من المحرم أنقص من العام الذي قبله بأحد وستين إصبعا ، فلم يزل يزيد حتى كان في العشرين من صفر أزيد من الذي قبله بأربعة تسعين إصبعا - فسبحان القادر .
وفي السادس والعشرين منه خلع على نور الدين ابن آقبرص أحد نواب الحكم بوظيفة نظر البيوت عوضا عن ناظر الجيش ، وكانت(9/92)
"""""" صفحة رقم 93 """"""
الخلعة جبة سمور .
وفي يوم السبت الثامن والعشرين منه وصل يشبك الحاجب الكبير وخلع عليه ، واستقر أتابك العساكر ، وهرع الناس للسلام عليه ، ونزل ببيت بركة وهو الذي كان فيه أركماس الظاهري - الدويدار ، ودخل العسكر الذين كانوا في الصعيد . وفي هذا اليوم عقد مجلس بسبب حسن الأميوطي الذي عمل نقابة الحكم في العام الماضي للقاضي علم الدين صالح - البلقيني وادعى عليه بأمور معضلة ، فسمع الدعوى عليه بعضها القاضي الشافعي وبعضها القاضي الحنفي ، وأمر الحنفي بحبسه ليتبين ما ادعاه من الطعن في الشهود ، واجتمع بسبب ذلك من لا يحصى عدده من الناس ، وحصل له لما أرسل إلى الحبس من الإهانة والصفع مال لا يزيد عليه ، ولو لاذب الجيش عنه لقتل على ما قيل .
شهر صفر الأغر - أوله يوم الاثنين ، وفي صبيحة الثلاثاء عزر حسن الأميوط نقيب البلقيني في مجلس الحنفي ، فضرب على ظهره مجردا نحوا من أربعين ، وأهين في أثناء ذلك إهانة عظيمة وأعيد إلى الحبس ، واجتمع من الناس من لا يعد كثرة ، ولولا والي الشرطة لقتلوه ، ثم حبس ثم أحضر يوم السبت إلى مجلس الحكم - فادعى عليه ثانيا - ولم يقع ما كان يظن ، وأعيد إلى الحبس ثم أفرج عنه(9/93)
"""""" صفحة رقم 94 """"""
في الحال ، وسكنت القضية بعد أن كان يظن أنه يراق دمه لا محالة .
وفي أواخر يوم الخميس رابعه الموافق لثاني عشري أبيب أمطرت السماء مطرا غزيرا بعد صلاة العصر ، ودامت نحو ساعة وأوحلت الأرض داخل القاهرة وحولها ، وقد وقع نظير ذلك في سنة تسع وأربعين فأمطرت في . . من . . فوافق جمادى الأولى فأمطرت من بعد العصر إلى قرب العشاء فكان أكثر من ذلك ، فاستغرب الناس ذلك ونسوا وقوعه قبل ذلك بست سنين .
وفي يوم الجمعة وصل العسكر الذي كان جهز إلى الشام ، ودخل قبلهم قانباي البهلوان فقرر في نيابة صفد عوضا عن إينال الأجرود ، وصل إينال المذكور بعد اسبوع واستقر مقدما على عادته بعد أن خلع عليه ثالث عشره - ، وواجه أمراء العسكر السلطان يوم السبت سادسه ، وخلع عليهم وهرع الناس للسلام عليهم .
وفي يوم الخميس أهين عبد الباسط وحول من محبسه بالقاعة - إلى البرج الذي كان حبس فيه أولا أتابعه وهو في رفاهية ، فعاد إلى ضيق وحصر وشدد عليه في التهديد وطلب المال ، وكان هو يظن أنه(9/94)
"""""" صفحة رقم 95 """"""
إذا بادر بدفع المال يفرج عنه ، وذكر أنه حمل جميع ما عنده من النقد ثم عرض جميع ما عنده من أصناف المتاجر للبيع فاشتريت للسلطان ، ثم عرض جميع ما عندهم الجواهر والحلي وبيع للسلطان أيضا - ثم عرض جميع ما عنده من الثياب الصوف والحرير والمخمل والمذهب والمطرز فاشترى ايضا للسلطان ، ثم عرض جميع ما عنده من الأثاث فبيع بالأثمان الغالية تارة وبالرخيصة أخرى ، وحصل لجماعته في أثناء ذلك منافع كثيرة ، ومع ذلك فلم يجتمع من ذلك إلا نحو مائتي ألف دينار ، وأصر السلطان على طلب خمسمائة ألف دينار بعد أن كان طلب منه ألف ألف دينار - فلم يزل يحطها إلى أن صارت على النصف ولكن المطلوب منه حط على أنه لا يقدر إلا على ما ذكر ، لكن بقي له العقار فكأنه شرع في الحيلة في حل الأوقاف ليباع ما يمكن بيعه من العقار - والحكم لله ثم آل الأمر إلى أن غضب منه فأمر بسجنه في البرج المظلم فأقام فيه مدة . ثم أفرج عنه - وسلم لنائب القلعة فأسكنه عنده في طبقة عليا نيرة . وتقرر مال المصادرة على مائتي ألف دينار وخمسين ألف دينار ، فاستوعب ما يقدر عليه من النقد والبضائع والامتعة - والديون والغلال ، وباع ما لم يوفقه(9/95)
"""""" صفحة رقم 96 """"""
من العقار - وأخر كثيرا مما وقفه وباع بعضه أنقاضا فلم يكمل المائتين ، فاخذ في الإستدانة وسؤال المعارف ومن سبقت له إليه يد ، فكان جهد ذلك أن كمل المائتين في العاشر من ربيع الأول - ثم كان ما سنذكره .
وفي يوم الاثنين خامس عشره رسم السلطان أن يرسل الملك العزيز يوسف ابن الأشرف إلى الإسكندرية على طريق البر وصحبته اسنبغا الطيارى أحد الأمراء المقدمين ليودعه السجن بها وأمر بتحويل الأمراء المسجونين هناك إلى قلعة صفد وغيرها ، ثم بطل العزم عن سجن العزيز واستمر تحويل الأمراء ، وأقام قانباي البهلوان الذي تقرر في إمره صفد بسرياقوس إلى أن يحضروا ويتوجه بهم صحبته إلى أن يسجنهم بقلعة صفد وبغيرها كقلعة المرقب والصبيبة ، ثم وصلوا وسلموا وتوجه كل إلى مقصده ، وذلك في أول ربيع الأول .
وفي يوم الخميس ثامن عشر صفر كسر الخليج الحاكمي على العادة ، ونودي على النيل بالوفاء ستة عشر ذراعا وزيادة إصبعين ، ثم نودي عليه في صبيحة الجمعة بعشرة ، فصار على ستة عشر ذراعا ونصف ذراع ، وكان في مثل هذا اليوم من العام الماضي على ثلاثة عشر ذراعا(9/96)
"""""" صفحة رقم 97 """"""
وربع - ، وانحل سعر الغلال بعد أن كان ارتفع - ولله الحمد ، وزاد الماء في ثلاثة أيام متوالية بعد يوم الوفاء اثنين وثلاثين إصبعا ، وهو شيء لم يعهد قبل هذه السنة ، ثم زاد سبعة في اليوم الثالث من يوم الوفاء وستة في اليوم الرابع - فبلغت زيادته عن العام الماضي أربعة أذرع وتسعة أصابع ، وما سمع قط أن النيل في العاشر من مسري تكمل ثمانية عشر ذراعا ينقص إصبعا واحدا ، واستمرت المناداة بالزيادة إلى يوم الخميس الثاني من شهر ربيع الآخر فزاد أصابع من العشرين ، فاستراب أكثر الناس بذلك ، لأن الذين اعتادوا معرفة ذلك ممن له دار تطل على النيل لم يصل الماء عنده - إلى علامة العشرين ، فتوجه جماعته فشاهدوا المقياس فظهر لهم كذب القياس ، ثم اقتضى الرأي عدم التوسع في ذلك لئلا يضطرب العامة إذا تبين أن الزيادة دون ما ذكر فلا يؤمن أن يحدث من ذلك غلاء في السعر ، واستشعر القياس بذلك فصار ينادي كل يوم بإصبع مع أن الزيادة مستمرة بأكثر من ذلك ، وكان آخر يوم من مسري يوم الأحد ثاني عشر ربيع الأول انتهى إلى تسعة عشر ذراعا وستة عشر إصبعا .
وفي ليلة السبت حادي عشر ربيع الأول حول الملك العزيز من القلعة إلى ساحل بولاق فأنزل في الحراقة الصغرى ، ومعه من يتوكل به إلى الإسكندرية ، فسجن بها على عادة من تقدمه كولد الملك الناصر فرج(9/97)
"""""" صفحة رقم 98 """"""
ثم ولد الملك المؤيد ، وعمل المولد السلطاني في يوم الأحد الثاني عشر منه وكان حافلا ، وفرع وقت العشاء سواء ، وخرج الناس والاسواق مفتحة والليلة مقمرة جدا - ولله الحمد . ونودي بالسفر إلى مكة في الرجبية . وعين عدة من المماليك للإقامة بمكة والمدينة ، أما مكة فلحفظ البضائع الواردة من الهند من عبيد مكة وسفهائها ، وأما المدينة فلقمع الرافضة الذين تسلطوا على أهل السنة بها .
وفي هذا الشهر قبض على سراج الدين عمر بن موسى - الحمصي الذي كان قاضي طرابلس ثم دمشق ، وكان قد تسحب من دمشق بكلام بلغه عن السلطان من جهة انتمائه إلى أينال الجكمي فأقام بقرية من طرابلس ، فبلغ ذلك النائب فمسكه وأرسل وقيده بقيد ثقيل وسجنه وكاتب فيه ، فشفع فيه بعض الأمراء بالقاهرة فأذن في إطلاقه ، وتوجه القاصد بذلك ، وكان سفر الرجبية من القاهرة في . . وأميرهم وممن سافر معهم . . ، وكان أول توت أول السنة الشمسية يوم السبت ثامن عشر شهر ربيع الأول ، ابتدأ السلطان في الحكم بين الناس بالإسطبل على العادة ونودي بذلك ، فكان أول شيء أمر به أن ينفي عز الدين البساطي المالكي وناصر الدين الشنشي الحنفي وولده إلى قوصن ثم بلغني أنه شفع فيه ولم يتم ذلك للبساطي واستمر الشنش . وأمر السلطان القضاة الأربعة - أن لا يحبس أحد من نوابهم أحدا إلا بعد مراجعة(9/98)
"""""" صفحة رقم 99 """"""
مستنيبه ، وكسر سد الأميرية وغيرها في هذا اليوم ، فنقص البحر نحو نصف ذراع بعد أن ، كان نودي عليه يوم الجمعة بإكمال العشرين ذراعا ، ثم زاد إلى سلخ تسعة أصابع ، وانتهت الزيادة يوم الجمعة ثامن شهر ربيع الآخر إلى أحد عشر إصبعا من أحد وعشرين ذراعا ، والحق أنه لم يكمل العشرين وأن الافتراء من أمين البحر .
وفيه وقع بين المطوعة في البحر من أهل دمياط وبين الفرنج وقعة بساحل صيدا ، قتل فيها كبيرهم المجاهد عبد الرحمن ، وأسر المسلمون بعد أن قتل منهم جماعة ، وأخذت لهم ثلاثة مراكب ، وأسف المسلمون على ذلك أسفا شديدا .
وفي أواخر شهر ربيع الأول وردت مطالعة نائب الشام يشكو فيها من القاضيين الشافعي والحنفي ، فأمر السلطان بعزلهما معا ، فعزل القاضي بهاء الدين - ابن حجي من كتاب السر بدمشق ومن قضاء الشافعية ، واستقر في قضاء الشافعية شمس الدين الوناي ، وقرر في يوم الخميس سابع شهر ربيع الآخر ، وفي كتابة السر شهاب الدين العجلوني الذي كان(9/99)
"""""" صفحة رقم 100 """"""
يوقع عند الأمير الدويدار الكبير ، وكان عين لها زين الدين بن السفاح بل قيل له البس الوظيفتين معا ، ثم استقر في نظر الجيش فقط ، وصرف جمال الدين الكركي . وأمر السلطان بنقل بهاء الدين من دمشق إلى القدس فسكنها بطالا ، ثم تكلم له في تدريس الصلاحية فرسم له بها ، وصرف الشيخ عز الدين القدسي وتوجه القاصد بذلك إلى دمشق ، ثم بطل ذلك وكتب إلى ابن حجي بالقدوم إلى القاهرة واستمر القدسي في وظيفته فقدم ابن حجي في رجب ثم خلع عليه بنظر الجيش وسافر في أول رمضان ، وصرف زين الدين بن السفاح وأعيد إلى نظر الجيش بحلب ، واستقر في قضاء الحنفية بدمشق بعض المصريين ، وصرف القاضي شمس الدين محمد بن علي الصفدي ثم تأخر ذلك واستمر الصفدي ، واستقر في قضاء الحنفية بحلب عز الدين عبد العزيز بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن العديم ، ثم بطل وأخر لبس الخلعة واستمر ابن الشحنة .
شهر ربيع الآخر - أوله الجمعة بالرؤية موافق لثالث عشر توت ، وأرخ في بعض البلاد كدمياط بيوم الخميس ، وفي يوم الاثنين رابع شهر ربيع الآخر وصل القاضي علاء الدين ابن خطيب الناصرية الحلبي من حلب إلى القاهرة من أجل السعي في العود إلى وظيفة القضاء ، فأقام إلى شعبان ثم خلع عليه وسافر في أثنائه إلى بلاده على وظيفته فوصل في أواخر رمضان ،(9/100)
"""""" صفحة رقم 101 """"""
ثم لم يلبث أن مات .
وفي يوم الاثنين حادي عشره أفرج عن زين الدين عبد الباسط ، وخلع عليه خلعة رضا - وهي جبة سمور ، وأذن له في السفر إلى مكة ، فرجع بخلعته إلى تربته بالصحراء بالقرب من تربة قجماس ليقيم بها إلى إن يرحل بعد أيام ، ثم تحول إلى طرف المرج من جهة بركة الجب ليتجهز منها إلى مكة بأهله وعياله ، وانضم إليه جمع كثير من الناس ، وتوجهوا إلى مكة في ليلة الاثنين الثامن عشر من هذا الشهر .
وفي يوم السبت تاسعه أذن للشنشي وولده بالعود إلى القاهرة وتوجه إليهما القاصد بذلك .
وفي يوم الأربعاء سادس شهر ربيع الآخر ادعى جماعة من المجاهدين ومن انضم إليهم على شخص نصراني أن هو الذي كان السبب في قتل المجاهدين وأنه كاتب الفرنج بقضيتهم حتى استعدوا لهم ودل على عوراتهم ، وأقيم بذلك البينة عند بعض نواب الحكم بدمياط مالكي المذهب ، وثبت ذلك عليه فحكم بقتله وأمر بسجنه ليراجع السلطان ، فاجتمع عليه جمع لا يحصون كثرة فنزعوه من أيدي أعوان الحكم وحملوه إلى ظاهر البلد فقتلوه بين الكنائس وحرقوه ، ومدوا أيديهم إلى الكنائس(9/101)
"""""" صفحة رقم 102 """"""
فهدوموها ونهبوا ما فيها ، وكان النائب بالثغر ركب بمن حضر من القضاة وغيرهم لينزعوا النصارني منهم ، فوجدوا الأمر قد اشتد فكاتب السلطان بذلك ، فأمر بإحضار القضاة والنائب فسألهم فأخبروه بجلية الحال ، وأخرج بعض الناس محضرا بأن النصراني المذكور أسلم قبل قتله ، فتغيظ على قاتليه وأمر بحبس كبارهم ، ثم أذن في إطلاقهم في اليوم الثاني وأمر بعزل النائب والقضاة ، فاستقر في النيابة محمد الصغير معلم النشاب - الذي كان وليها في العام الماضي ، واستمر القاضي - على حاله ، وأمر في الاقتصار في النواب على ثلاثة فقط .
وفي يوم الاثنين حادي عشره أمر السلطان أن يستقر للقاضي الشافعي من النواب أربعة وللحنفي اثنان وللمالكي كذلك وللحنبلي كذلك ، وعقد في هذا اليوم مجلس بحضرته بسبب الحوانيت التي نازع فيها بسعي تاني بك البجاسي ، وحضره قاضي حلب المنفصل علاء الدين ابن خطيب الناصرية وذكر الصورة مفصلة ، ومع ذلك أمر السلطان القاضي الشافعي أن ينشئ الدعوة في ذلك ويحرر الأمر فيها ، ثم أذن السلطان أن يستقر للشافعي ست أنفس ولكل من رفقته ثلاثة ، فكتب الشافعي أسماء جميع النواب في رقاع وأحضرها لحضرة السلطان ، فتناول(9/102)
"""""" صفحة رقم 103 """"""
السلطان منها ستة فاستقر بهم ومنع غيرهم ، ثم أذن بعد سبعة أيام في زيادة اثنين ، ثم أمر باستبدال ثلاثة من الستة بثلاثة أمير منهم لطعن بعض جلسائه في الثلاثة الأولين ، فانتهى أمره في يوم الثلاثاء سادس عشري شهر ربيع الآخر إلى ثمانية وللحنفي أربعة ، واستقر المالكي على ثلاثة والحنبلي كذلك .
وفي هذا الشهر مات آقبغا التمرازي نائب الشام ، ووصل الخبر في يوم الأحد رابع عشر الشهر المذكور ، فقرر في نيابة دمشق جلبان نائب حلب ، وقرر نائب طرابلس في نيابة حلب ، وقرر الحاجب الكبير برسباي الذي كان وقع بينه وبين النائب ما وقع في نيابة طرابلس ، وقرر في الحجوبية نائب غزة ، توجه دولات باي الدويدار الثاني في تقليد نائب حلب في يوم الثلاثاء .
شهر - جمادى الأولى - أوله السبت ، في أول يوم منه نودي بالسفر في رجب لمن أراد التوجه إلى الحجاز صحبة المماليك المجهزة إلى مكة ، وكان ما حذا للمناداة الأولى ، فتحرك جماعة لذلك منهم - وتوجه قبل ذلك الأمير محمد بن علي ابن إينال أمير شكار - ،(9/103)
"""""" صفحة رقم 104 """"""
وصحبته عسكر من الترك والعرب لدفع قبيلة بلي المفسدين في طريق الحجاز ، فظفروا بطائفة منهم بسطح العقبة رجعوا بعد أن امتاروا ، فقبضوا عليهم واستمروا إلى أن دخلوا بلاد بلي .
وفي يوم الثلاثاء الرابع منه الموافق لخامس عشر بابه والعاشر من تشرين الأول أمطرت السماء في أول الليل قليلا ثم في أول النهار ، ثم أرعدت ولم يكثر المطر إلا من بعد الظهر فاستمر إلى بعد العصر وتزلقت الأرض ، وأخذ النيل في الانهباط ، ثم لم يظهر اثر ذلك بل ثبت غلى أن انقضت بابه ، واستمر البحر إلى أن نزلت الشمس برج الجوزاء ، ولم يتغير مزاج الحر - ثم كان ما سنذكره .
وفي يوم الجمعة ثاني عشري جمادى الأولى لبس السلطان الصوف ووافق التاسع من هاتور وهو الخامس من تشرين الثاني ، وتأخرت عن(9/104)
"""""" صفحة رقم 105 """"""
عادة الاشرف نحوا من عشرين يوما ، وأظن سبب ذلك استمرار الحر .
واستهل جمادى الآخرة والأمر على ذلك ، وفي هذا اليوم أمر السلطان بجمع اليهود من مراكزهم ، فاجتمعوا عنده في الحوش فشرط عليهم مشافهة أن لا يؤخروا عندهم صداق امرأة ولا طلاقها بل يدفع لها في الحال ، وأن لا يشهدوا على يهودي ولا نصراني في مرض مخوف بوقف ولا وصية إلا بإذن من القاضي والناظر على المواريث . واستمر الحر إلى أن نقلت الشمس إلى برج القوس فتأخر البرد عن العادة ، وانهبط النيل فكان في نصف هاتور في خمسة عشر ذراعا وافرة ؛ ووصل رسول شاه رخ ابن اللنك إلى القاهرة ومعه جماعة ، فأقام أكثرهم بالشام ووصل هو ببعض جماعته - إلى مصر ، ومضمون رسالته التهنئة بالسلطنة . .
شهر رجب الأصم - أوله الثلاثاء ، في أول يوم منه خرج أمير المحمل فضرب خيامه مقابل خليج الزعفران ، ثم خرج الحاج وهم كثير ورحلوا من ثم في يوم الاثنين فنزلوا مقابل المرج ورحلوا ليلة السبت خامسه - ؛ ووصل الخبر بعدهم بقليل بأن العسكر الذين توجهوا إلى العرب بأنهم غلبوا عليهم .(9/105)
"""""" صفحة رقم 106 """"""
وفي اليوم الرابع عشر منه أدير المحمل وكان حافلا .
وفي يوم الاثنين سابع شهر رجب دخل فصل الشتاء ، واشتد البرد على العادة بعد أن كان الحر تمادى إلى يوم الخميس ثالثه - وتأخر المطر بعد نزول المطرة الأولى المنبه عليها ، ثم امطرت مطرا يسيرا مرة بعد مرة ، وتسلطت الدودة على البرسيم فأكلت منه الأكثر ، فغلا بسبب ذلك حتى كانت قيمته قدر العام الماضي مرة ونصف أو أزيد ، ثم توالت الأمطار وحصل النفع بها .
وفي يوم الاثنين حادي عشر منه دخل أحمد بن إينال وصحبته جماعة من عرب بلي ، قبض عليهم فأمر بتسميرهم وتوسيطهم ، وهم الذين كانوا في آخر سنة 41 قطعوا الطريق على الحاج ونهبوا منه أموالا عظيمة ، وهلك بسبب ذلك خلائق من النساء والأطفال والرجال بالجوع والعطشن وحصل للناس بذلك سرور كثير ، لكن قيل إن كثيرا منهم لم يكن منهم وإنما أخذوهم بغتة ولم يحصل طائل - والعلم عند الله تعالى .
شعبان المكرم - أوله الخميس .
شهر رمضان المعظم قدره وحرمته - أوله الجمعة ، في الثاني والعشرين منه وصلت الجمال الذين حملت الحجاج الرجبية ، وذكروا أنهم(9/106)
"""""" صفحة رقم 107 """"""
فارقوهم وهم بخير وقد انحط السعر قليلا وكان الحمل الدقيق بلغ ثلاثة عشر دينارا فنقص دينار ، وكان شاع بالقاهرة أنه بلغ العشرين أو زاد ، فظهر كذب تلك الإشاعة .
وفي التاسع منه ثار العامة بدمشق على النائب بها ، فهجموا عليه دار السعادة ففتحوا الطبلخلناة فضربوها ، فتجمعوا ، وكان السبب في ذلك إن شخصا يقال له عبد الرزاق خدم برددارا عند النائب فاحتكر اللحم وصار هو الذي يتولى الذبيحة ، فغلا اللحم وصار يشتري الغنم بالسعر البخس ويبيع بالربح المفرط ، فقل الجالب بسبب ذلك فاشتد الخطب حتى كان اللحم يباع بدرهمين ونصف فبلغ ثمانية ، فنادى النائب بالجند فأمسكوا منهم جماعة وسجنوهم ، فهجم الباقون السجن وكسورا بابه وأطلقوا أصحابهم ، وكان النائب قبل ذلك لما شكوا إليه عزل البرددار ونادى بإسقاط المكس عن الغنم ، فانحط السعر إلى أربعة وخمسة فلم يقنعهم ذلك ، فكاتب في ذلك فوصل الخبر بذلك في الثالث والعشرين من رمضان ، فأمر السلطان بجمع الأمراء والقضاة يوم الأحد صبيحة الرابع والعشرين فاشتوروا فقيل للمالكي إن عندهم قولا بقتل الثلث لاستصلاح الثلث فأنكر المالكي ذلك وقال : هذا لا يعرف في المذهب العشر قال : فما السبب في تجرئ هؤلاء ? قال : كثرة الحلم عنهم - هذا ملخص ما حكاه هو لي ، فإنني ركبت فما وصلت حتى انقض المجلس ، وكذلك الحنبلي ما أدرك المجلس ، وسألت(9/107)
"""""" صفحة رقم 108 """"""
الحنفي فقال ما أجبت بشيء لأجل غيبتكم ، ففهمت أن المعول كان على المالكي ، وذكر لي الحنفي أن بعض الأمراء قال : هؤلاء بغاة ، قال : فقلت له : لا ، ما هؤلاء بغاة وإنما أساءوا الأدب ، وينبغي أن نعرف البادي منهم بذلك فنعاقبه بما يرتدع به غيره ؛ فلما كان يوم الاثنين كتب مرسوم قرئ على المنبر بتهديد العامة والإنكار عليهم فيما فعلوا ، وكتب توقيع القاضي تقي الدين بن قاضي شهبة بعوده إلى القضاء وبعزل القاضي شمس الدين الونائي ، لان النائب بعث يشكو منه ويقول : إنما تسلط العامة علينا به - ونحو ذلك ، وعين للسفر بذلك الشريف الحموي الموقع بعناية كاتب السر فوصل قبل سفر الحاج بيومين ، وكان الونائي قد تجهز إلى الحج فاسترم ، واستقر ابن قاضي شهبة ، وهي الولاية الثانية .
شهر - شوال المبارك أوله السبت بالرؤية الصحيحة ، وصادف تاسع برمهات ورابع آذار ، وقع في أول يوم منه ريح باردة ، وأثارت غبارا شديدا بحيث كان يتصاعد إلى أعلى القلعة واشتدت الظلمة منه وقت العصر إلى أن أمطرت شيئا يسيرا ، فسكن واستمر البرد الشديد بحيث أنه كان يضاهي ما كان في أول الشتاء أو أشد منه ، واستمر إلى فرغ برمهات وعاد مزاج فصل الربيع على العادة ، وفي الثاني منه نقلت الشمس إلى برج الحمل .(9/108)
"""""" صفحة رقم 109 """"""
وفي يوم الأحد الثالث والعشرين منه الموافق لأول يوم من برمودة من أشهر القبط - كان عيد النصارى - أخزاهم الله .
وفي النصف منه تنازلت أسعار الغلال وانحطت إلى قدر النصف بحيث بيع ما كان بلغ ثلاثمائة بمائة وخمسين واقل من ذلك .
وفيه - رحل إلى القاهرة طالب حديث الفاضل البارع قطب الدين محمد بن محمد بن عبد الله بن خيضر بن سليمان بن داود بن فلاح بن ضميدة البلقاوي ويعرف الآن بالخيضري نسبة لجد أبيه ، فسمع الكثير وكتب كتبا كثيرة وأجزاء ، وجد وحصل في مدة لطيفة شيئا كثيرا ، وتوجه صحبة الحاج المصري لقضاء الفرض ، وكتب عني في مدة يسيرة المجلد الأول من الإصابة بتمييز الصحابة وقرأه وعارض به معي وأتقنه ، ونسخ أيضا تعجيل المنفعة في رجال الأربعة وقرأه كله وأتقنه ، وسمع عدة أجزاء ، وكتب عدة مجالس من الامالي ؛ وخطه مليح وفهمه جيد ، ومحاضراته تدل على كثرة استحضاره .
وفي يوم الثلاثاء خامس عشر شوال وصل ناصر الدين بك بن خليل بن قراجا بن دلغادر ، وجلس له السلطان في إيوان القصر الكبير(9/109)
"""""" صفحة رقم 110 """"""
جلوسا عاما ، وأمر الأمراء الكبراء بتلقيه فتلقوه ظاهر القاهرة ودخلوا به من البلد إلى أن أطلعوه القلعة فدخل ومعه أولاده ، فخدم وخلع عليه وأنزل في بيت نوروز ، وهو شيخ كبير يقال بلغ الثمانين ، وتغلب على لونه السمرة الشديدة ، وتقدم خبره في حوادث سنة 727 ، وكان دخل القاهرة في دولة الملك الظاهر مرة قبلها ، ثم صاهره السلطان وتزوج ابنته ، وسافر بعده إلى بلاده بعد أن ، بولغ في إكرامه والإنعامات عليه .
وورد الخبر بأن أبا الفضل ابن شيخنا زين الدين ابن حسين اغتيل فوجد لعبه ، قتله شريف من الرافضة ، وقيل : إن سبب ذلك أن الحسني كان له دين على القاتل فلما مات أوصى أبا الفضل ، فطالب أبو الفضل بمال محاجيزه ، فمطله فألح عليه فاغتاله ، وصار أهل المدينة في خوف شديد ، ولم يبق أحد يجسر أن يخرج من بيته سحرا ، وكان سليمان أمير المدينة غائبا(9/110)
"""""" صفحة رقم 111 """"""
وله نائب اسمه حيدر بن عزيز فخرج في جماعة لتحصيل القاتل ، وكان تسحب هو وجماعة من عشيرته ، فما ظفروا بأحد منهم - وكان ما سنذكره في السنة المقبلة .
وفي أواخر شوال مر صاحبنا القاضي محب الدين بن أبي الحسن البكري المصري نائب الحكم وكان قد سار مع الرجبية إلى مكة ، فرأى وهو يطوف بالبيت بعض الصناع من المرخمين يحاول قلع لوح رخام من الحجر وهو في غاية الثبات ليلصقه على كيفية أخرى فأنكر عليه ، فتوجه المذكور إلى شاد العمارة سودون المحمدي فذكر له ذلك ، فسال عنه فقيل له إنه نائب الحكم عن الشافعي ، فقال : لعل هذا هو الذي كاتب فينا ، فأمر بإحضاره فأهانه وضربه تحت رجليه عصيات ، ثم أراد أن يركبه حمارا ويطوف به فقيل له : إنه بريء مما اتهمته به وإنه كان حين ورود الكتاب مقيما بالقاهرة ، فندم على ذلك ولقيه في الطواف فاستحله ؛ وكان المحب المذكور قد امتلأ غيظا بما أصابه بغير جرم وكظم ، فما لبث إن حم واستمر موعوكا إلى أن قدم الحج فتوجه مع الركب المصري فمات باليبنع بعد أن رجع من زيارة المدينة النبوية - وقد ذكرت ذلك في ترجمته فيما سيأتي ، وختم له بخير ولعله مات شهيدا ؛ ورأت امرأة من أهل الصدق ليلة دفنه وهي مستيقظة على سطح كأن عمود نور أقبل من نحو المدينة إلى أن غاب في قبر المذكور ، فأيقظت زوجها وأخرى من أقاربها ، فشاهدوا ما شاهدت وأخبروا به ، وفيه ورد الخبر بأنه خرج على الحاج بعد أن انفصلوا من المدينة ريح حارة وأعقبها سموم أضعفت(9/111)
"""""" صفحة رقم 112 """"""
الأبدان وأهلكت الجمال ومات منها من بني آدم عدد كثير ، منهم القاضي محب الدين محمد بن أبي الحسن البكري نائب الحكم ، وكان عارفا بالأحكام متثبتا في القضايا ، وقورا عاقلا ، كثير الاحتمال ، مشاركا في الفقه ولم يشتغل في غيره وقد درس في المدرسة الخروبية بشاطئ النيل نحوا من عشر سنين ، وكان قد توجه إلى الحجاز في الرجبية فجاور ثم رجع ، وذكر لي من أثق به من أنه كان كثير الطواف وأنه واظب على خمسين أسبوعا في كل يوم ، وهو من قدماء معارفنا وأهل الاختصاص بنا - فالله يعظم أجرنا فيه ويبدلنا به خير منه وقد غبطته بما اتفق له من حسن الخاتمة بالحج والمجاورة وزيارة الحضرة الشريفة النبوية والموت عقب ذلك في الغربة ، وكانت وفاته بالينبع وصلى عليه هناك ودفن به ، وقد جاوز السبعين بسنتين .
شهر ذي الحجة الحرام اختتام السنة أوله الثلاثاء بالرؤية - يوم الثلاثاء مستهل ذي الحجة بالرؤية ، فيه استقر نور الدين علي بن أحمد ابن آقبرس في نظر الأوقاف عوضا عن تقي الدين بن عبد الرحمن - ابن تاج الدين عد الوهاب ابن ناصر الدين - بن نصر الله ابن أخي الصاحب بدر الدين - وكان تقي الدين استقر فيها بعد صلاح الدين ابن عمه ، وكان عمه الصاحب بدر الدين إذ ذاك موعوكا فبلغه ذلك فشق عليه وشغله الضعف ، ثم توجه للعافية واستمر نور الدين في الوظيفة .
وفي الثامن من ذي الحجة ورد الخبر بموت أقبغا التركماني في(9/112)
"""""" صفحة رقم 113 """"""
محبسه بسجن الكرك ، وكان أحد الأمراء الكبار في الدولة الأشرفية ، وولي النظر على الخانقاه الناصرية بسرياقوس ؛ فذكر بعض الكبراء إن السلطان أمر كاتب السر أن يكتب إلى نائب الكرك بأن يطلقه ، ويشترط عليه أنه لا يعود إلى شرب المسكر وأنه متى عاد نفي إلى قبرس ؛ فشرع كاتب السر في كتابة السر بذلك ، فوصل الخبر بموته قبل أن يفرغ الكتاب .
وفي يوم الثلاثاء التاسع والعشرين منه وصل المبشر بسلامة الحاج ومعه من الأخبار أن الوقفة كانت بمكة يوم الأربعاء ، وأن السعر في الأقوات كان ارتفع فكان الحمل من الدقيق بخمسة عشر شخصا والإردب من الشعير بتسعة ، وكان الجمع كثيرا جدا ، ولم يدخل مكة من واصل الهدايا إلا القليل ، وكان الأرز والشاشات في غاية - رخص بخلاف ما عدا ذلك من اللبان ونحوه ، وأن الركب الأول وصل مكة - في السابع والعرين من ذي القعدة .
وفي هذه السنة ثار توران شاه بهمس بن توران شاه على أخيه سيف الدين صاحب هرمز وما معها فانتزع منه المملكة ، ففر سيف الدين إلى شاه رخ ابن اللنك - ملك الشرق مستغيثا به فأمده بعسكر فسار(9/113)
"""""" صفحة رقم 114 """"""
إلى فرغان فنازلها ، فسار إليه أخوه فتحاربا إلى إن تصالحا على أن يكون ملك القلعة لسيف الدين هي وما حولها وافترقا .
وفيات سنة 843
ذكر من مات في سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة من الأعيان
أحمد الدميري أحد نواب الحكم شهاب الدين كان فاضلا يستحضر كثيرا من المسائل الفقهية ، وناب في الحكم في بعض النواحي وبالقاهرة ، ومرض مدة طويلة بوجع الظهر ثم بالإسهال ، ومات في الحادي والعشرين من صفر ، وأظنه جاوز الستين .
أحمد النفيائي - بكسر النون وسكون الفاء بعدها تحتانية مثناة - نسبة إلى بلدة بالوجه البحري ويعرف بال لثاني - الشيخ شهاب الدين ،(9/114)
"""""" صفحة رقم 115 """"""
كان من مشاهير الطلبة عند قدماء المشايخ ، ثم نزل في فقاهة المؤيدية وتكسب بالشهادة مدة إلى أن مات .
آقبغا التمرازي ، نائب الشام - تقدم في الحوادث .
آقبغا التركماني ، كذلك وأنه مات في محبسه بالكرك - .
أبو بكر الحلبي ، نزيل بيت المقدس الشيخ أبو بكر ، تلمذ للشيخ عبد الله البسطامي ، وكان له اشتغال بالفقه والحديث ، ثم أقبل على العبادة وجاور بيت المقدس ، وكف بصره بأخرة .
سودون دويدار اركماس الظاهري - الدويدار الكبير ، كان غشوما عارفا بأفانين الظلم ، صرف عن وظيفته قبل موت الأشرف ، وأصيب برمد أفسد عينه ، ولما قبض على أستاذه خدم في المماليك السلطانية ، وكان بصدد أن تقدم ففجئه الموت ، وأحاط ناظر الخاص على موجوده وهو شيء كثير ، مات في ذي القعدة .
عبد اللطيف بن محمد بن الأمانة تقي الدين بن القاضي بدر الدين ، درس في الحديث بالمنصورية ، وفي الفقه بالمدرسة الكهارية مكان أبيه أياما ، ومات وهو شاب في يوم الأحد ثامن عشري ذي القعدة وكان مشكور السيرة على صغر سنه .
علي بن محمد الطائي خطيب الناصرية القاضي علاء الدين ، كان مولده(9/115)
"""""" صفحة رقم 116 """"""
في سنة 744 ، وسمع من أحمد بن عبد العزيز بن المرحل وهو أقدم شيخ له ومن عمر بن ايدغمش خاتمة أصحاب إبراهيم بن خليل . . ومات في الحادي عشر من شوال .
قطج الأمير ، مات في العشر الأوسط من رمضان ، وكان قد ولي إمرة بعض البلاد الشامية ، وحضر إلى القاهرة مصروفا فأقام دون الشهر .
محمد بن أحمد تاج الدين الأنصاري التفهيني سبط القاضي مجد الدين(9/116)
"""""" صفحة رقم 117 """"""
الحنفي البلبيسي ، أحد نواب الحكم الشافعي ، مات يوم الأحد تاسع عشري المحرم بعد أن مرض مرضا طويلا ، ولم يجاوز الستين .
محمد بن أبي الحسن القاضي محب الدين البكري - تقدم ذكره في الحوادث .
محمد بن عبد الله الشيخ جمال الدين الكازروني ، المدني جاء الخبر بوفاته وقد انتهت إليه رياسة العلم بالمدينة النبوية ولم يبق هناك من يقاربه ، وكان ولي قضاء المدينة والخطابة من مدة ثم صرف ، ودخل القاهرة مرارا ومولده في سنة . . نقلته من خطه .
محمد بن يحيى بن علي بن محمد بن أبي زكريا المقرئ الشيخ شمس الدين الصالحي صالحية مصر بالشرقية - هكذا كنت أظن ، ثم ذكر لي أخوه شهاب الدين أحمد أنهم ينسبون إلى قرية يقال لها منية أم صالح بناحية مليح من الغربية وإلى حارة الصالحية بالبرقية داخل القاهرة ، ولد قبل الستين ، عني بالقراآت فأتقن السبع - على جماعة ، وذكر لي أنه(9/117)
"""""" صفحة رقم 118 """"""
رحل إلى دمشق وقرأ على ابن اللبان ، وطعن في ذلك بأن سنه تصغر عن ذلك ، كما تقدم في تقييد وفاة ابن اللبان ، واشتغل بالفقه وتولى تدريس الفقه بالظاهرية البرقوقية عوضا عن الشيخ أوحد الدين - بحكم نزوله له عند بمبلغ كثير من الذهب ، وكان اتصل بالأمير قطلوبغا الكركي فقرره إماما بالقصر ، واشتهر في ذلك مدة وناب بجاهه في الحكم أحيانا وأم قطلوبغا المذكور ، ثم ولي شيخ القراآت بالمدرسة المؤيدية لما فتحت ، وما علمته تزوج وكان مولعا بالمطالب ، ينفق ما يتحصل له فيها مع التقتير على نفسه ، وكف بصره في أواخر عمره واختل ذهنه - عفا الله عنه واستقر في تدريس الظاهرية شهاب الدين أحمد الكوراني بعناية كاتب السر ، وعمل له إجلاسا حضرناه ، وخلع عليه جنده مستحسنة ، وكان المستنزل لأخيه شهاب الدين عن وظائفه وأمضى ذلك النظار ، وباشرها في حياته ثم نوزع في المؤيدية ، وعقد له مجلس بسبب أن شرط الواقف إذا وقع نزول أن لا يقرر النازل ولا المنزول له .
محمد الدجوي ناصر الدين الموقع ، ناب في الحكم قليلا ووقع عند بعض الأمراء ؛ ومات في شهر رجب وأظنه بلغ الخمسين .(9/118)
"""""" صفحة رقم 119 """"""
حوادث سنة 844
سنة أربع وأربعين وثمانمائة
استهلت يوم الخميس موافقا للثامن من بونة من شهور القبط .
وفي يوم السبت الثالث منه قبض على الأستادار ناصر الدين محمد ابن أبي الفرج وحبس بالبرج ، ثم تسلمه الوزير بعد أيام على مال صودر عليه ، واستقر في وظيفته مملوك يقال له طوغان ، وخلع عليه وباشر .
وفي يوم الاثنين الثاني عشر منه ووافق التاسع عشر من بونة وهو أول يوم من فصل الصيف ، وكان الهواء باردا وقت السحر واستمر إلى إن تعالى النهار بحيث وجد من البرد كأيام أوائل الربيع ، فلما قرب الظهر اشتد الحر جدا كما في كل يوم .
وخلع على القاضي سراج الدين عمر بن موسى الحمصي ، واستقر في قضاء الشام على عادته بعد أن سعى السعي الحثيث وأجيب بالمنع مرارا ، فلم يزل يتلطف لي أن أجيب ، وتوجه في اليوم العشرين من المحرم .
وكذا أعيد قاضي صفد علاء الدين بن حامد وصرف الزهري وتوجه في هذا الشهر ، وفيه - قبض على ابن القف ناظر الجيش(9/119)
"""""" صفحة رقم 120 """"""
بصفد لشكوى نائب صفد منه ، وأخبر قائس النيل في اليوم الخامس والعشرين من بونة وهو الثامن عشر من المحرم إن النيل بلغ في القياس إلى ستة أذرع وأربعة أصابع ، ونودي عليه في العشرين منه بثلاثة اصابع ، واستمرت الزيادة .
وفي يوم الثلاثاء سابع عشري المحرم رفع إلى السلطان أن رجلا مات وأوصى إلى رجل فضم القاضي الشافعي إليه آخر وأن التركة وقع فيها تفريط ، فطلبهما وطلب نائب الحكم الذي اثبت أهلية الآخر وحبسهما بالقلعة ، ثم سأل الوصي فذكر في القصة أمورا تغير السلطان منها لظنه صدق الوصي والواقع أنه مشهور بالكذب والبهتان ، وقد امتلأ غيظا فضم الآخر معه حتى أنه لم يتمكن مما كان يروم أن يفعله فنسب إلى المذكور أمورا معضلة ، فظن السلطان أن ذلك بعلم القاضي فتغيظ على القاضي وأرسل إليه أن لا يخطب به يوم الجمعة ، وعين شخصا من نواب الحكم يقال له برهان الدين ابن الميلق ، فخطب به يوم الجمعة أول صفر ، وطلب من يفوض إليه الحكم فذكر له جماعة ، فاختار القاضي شمس الدين الونائي الذي كان ولي قضاء الشام وانفصل منه في شوال وحج وعاد إلى القاهرة فدخلها في يوم الجمعة ثالث عشري المحرم - ثم كان ما سنذكره .
شهر صفر الأغر - أوله الجمعة ، ذكرنا أن ابن الميلق خطب وذكروه فيمن تولى القضاء وبلغ ذلك صالح - ابن البلقيني فضاق صدره وعيل صبره واشتد سعيه ، فلم يجب لشيء وتعين(9/120)
"""""" صفحة رقم 121 """"""
الونائي وفصلت خلعته يوم السبت ، ثم في أثناء يوم السبت طلب السلطان شهود التركة وفوض لنائب القلعة أن يباشر المحاسبة بين الوصي ورفيقه بحضرة الشهود وبحضرة شخص يقال له جمال الدين عبد الله الحلبي التاجر ، وكان هو الذي وصل الوصي حتى ذكر للسلطان ما ذكر ، وكررت المحاسبة ووقعت المحاققة والمشاححة إلى أن ظهر لنائب الغيبة دغل الوصي وتزيده في القول وافتراءه ما كان افترى ، فدخل بالمحاسبة إلى السلطان وظهرت براءة القاضي والذي أقامه ، وذلك وقت أذان المغرب ؛ فلما كان صبيحة الأحد أمر بإطلاق نائب الحكم والذي أقامه القاضي ، واتفق أن كلمه ولده الأمير ناصر الدين محمد فيما يتعلق بالقاضي وجبر خاطره فيما وقع فيه من الافتراء ، فأذن له فبطل أمر - الونائي ، وفصلت للقاضي جبة سمور ولبسها صبيحة الاثنين وكان يوما مشهودا .
وفي أوائله وصل عبد الباسط إلى القدس سالما ، وكان أرجف بأنه اصيب جميع من معه ولم يسلم غيره ، ثم ظهر أنه لم يكن لذلك صحة ، ووصلت هديته إلى السلطان بعد أيام فيها مائة - شاش وأشياء كثيرة من تحف الهند واليمن والحبشة - ، فقبلها وخلع على قاصده .
وفي يوم الأربعاء السابع والعشرين منه وهو الموافق - للرابع من مسري أوفى النيل ستة عشر ذراعا وإصبعين ، وكسر الخليج في صبيحة يوم الخميس ، وباشر ذلك الأمير ناصر الدين محمد ولد السلطان ،(9/121)
"""""" صفحة رقم 122 """"""
وصحبته حاجب الحجاب وجمع يسير ، وكان يوما مشهودا ، وكانت الزيادة في هذه السنة من العجائب ، فإنه ابتدئ في العشرين من المحرم فكان يزيد قليلا قليلا إلى يوم السبت السادس عشر من صفر ، فزاد ثمانية ثم زاد اثني عشر إصبعا ، ثم زاد في خمسة أيام ثمانين إصبعا ، في يوم ثلاثين ، وفي يوم عشرين ، وفي ثلاثة أيام كل يوم عشرة ، وفي يوم سبعة عشر أيضا ، فنودي خمسة يوم الوفاء خمسة عشر تعليق الستة عشر وإصبعين فوقها .
وفيها كائنة إبراهيم ابن خطيب القدس وقاضيه جمال الدين بن جماعة ، رفع فيه إلى السلطان أنه زور عليه مرسوما بمرتب ، فأحضر إلى القدس وصرف أبوه عن القضاء وحوقق على ذلك - ، وجرى لصهره قاضي الحنفية ابن الديري من البؤس وتغير الخاطر ما لا يعبر عنه ، وبالغ السلطان في الإنكار على كاتب السر بسبب ذلك .
وفي الأربعاء تاسعه عقد مجلس بالصالحية بسبب شخص قرمي(9/122)
"""""" صفحة رقم 123 """"""
اسمه علي ابن أخي قطلو خجا ، حضره القضاة الثلاثة وغاب الحنبلي لضعفه ، وكان المذكور رفع أمره إلى السلطان أنه وقع في حق نبينا e بكلام فاحش ، وأن بعض العوام أنكر عليه فكثر اللغط ، فخلصه منهم شهاب الدين ابن عبيد الله الحنفي نائب الحكم ، فأنكر السلطان عليه ذلك في يوم الأحد أول يوم ن الشهر عند التهنئة ، فاعتذر بأنه خشي عليه من العوام أن يقتلوه ، فأكد السلطان عليه في تحصيله ، ثم اتفق أن بعض الحجاب قبض عليه وهو ذاهب إلى جهة الشام ، فرده من الخانقاه السرياقوسية فأحضر عند السلطان فأمر بعقد مجلس بالقضاة الأربعة ، فشهد ثلاثة عند ابن عبيد الله المذكور عليه بما يقتضي الاستهتار بالدين والتنقيص للرسول ، وشهد أحدهم أنه قال عند كثرة صلاة المصلين على النبي e أول النهار : فلان معرض ، وشهد آخر أنه سمعه يقول لمن صلى . . بأمنا - يقول : تصلوا ومحمدكم نبيكم - كذا وكذا ، وذكر لفظة بالتركي فاحشة ، وشهد آخر أنه سمعه يخاطب جماعة من المسلمين بما نصه : يا خنازير كل دينكم باطل ، ثم حضر القضاة عند السلطان بسببها ، عادوا له ما جرى ، فأمر الحنفي أن يتعاطى الحكم في ذلك بنفسه بعد أن أحضر جلساء السلطان النقل من عدة كتب للحنفية أن توبة الزنديق لا تقبل ، فطلب القاضي تكثير الشهود ، وكان(9/123)
"""""" صفحة رقم 124 """"""
القاضي - قد بلغه أن الذين يشهدون عليه بنحو ذلك كثير ، فتوجه إلى منزله وأحضر المذكور فادعى عليه أن له مدة طويلة يمر بالشوارع ويصرح بسب النبي e وبالسب في الصحابة وينظر إلى السماء ويتكلم بكلمات تؤدي إلى الزندقة ، فأنكر فشهد عليه شاهدان أنه قال لفظا بالتركي يقتضي سب البارئ سبحانه السب الفاحش ، وزاد أحدهما أنه سب أبا بكر ، وشهد آخر أنه قيل له : ترض عن أبي بكر ، فقال : أبو بكر سكم ومحمدكم ، وشهد آخر أنه سمعه مرارا يصرح بسب أبي بكر ويقول عنه : كلب ، وشهد آخر أنه طلب منه شيئا فقال : ما معي إلا أربعة أفلس ، فقال : هاتهم فهم عندي خير ن أربعين نبيا أو أربعين ألف نبي - شك الشاهد ، وشهد آخر أنه سمعه يشير إلى الماسء ويقول بلفظ غير عربي ما يقتضي السب الصريح ، ثم أعيدت شهادة الذين شهدوا أمس ، فاعذر إلى المدعي عليه فقال : لا اعرف أحدا منهم ولابيني وبين أحد منهم عداوة ، ثم حضر شاهد آخر فشهد عليه أنه سمع منه لفظا فاحشا بغير العربي مدلوله سب البارئ بما هو أشنع وأبشع مما تقدم ؛ فعند ذلك أمر به إلى السجن فسمعه شاهدان من الناس يتلو قوله تعالى : ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن ، نطق بها بالتاء المثناة المفتوحة بدل النون ، وحضر شاهد آخر في صبيحة يوم(9/124)
"""""" صفحة رقم 125 """"""
الأربعاء حادي عشره فشهد أنه مسعه يسب البارئ وغالب المسلمين سبا فاحشا بغير اللسان العربي ، وانه يعرف اللغة التي نطق بها ، ومدلول الألفاظ السب الفاحش ؛ فسئل حينئذ القاضي الحكم فيه فتأمل جميع ما قامت به البينة فرأى أنها لا تصدر من صحيح الإيمان بل من غير متمسك بملة من الملل وأنه بذلك يستحق إراقة دمه وعد قبول توبته ، فأمر بإراقة دمه هدرا عالما بالخلاف ، فلما تكامل ذلك أركبه جملا وأمر أن يطوف به الشوارع التي كان يعلن فيها بما تقدم ذكر ، فلما وصل الرميلة أمر السلطان بضرب عنقه هناك فضربت .
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشري شهر ربيع الآخر تأخر القاضي كمال الدين كاتب السر عن الخدمة بسبب تغيظ السلطان عليه في يوم الاثنين من أجل امرأة تظلمت من وقف عليها بدمشق استبدل في غيبتها ، ثم حضرت إلى دمشق بعد مدة طويلة فرفعت الأمر لأحد نواب الحكم فحكم لها باسترجاعه ، فأمر السلطان كاتب السر أن يكتب لها بتسليم الوقف ، فتأمل ما بيدها فوجده لا نيفذ تسليهما ذلك فتباطأ في كتابة المرسوم ، فلما سأله عن سبب البطوء قال : ليس معها حق ، فغضب(9/125)
"""""" صفحة رقم 126 """"""
عليه وانزعج عليه ، فنزل داره - وراسل يستعفي ، ثم في يوم الأربعاء خلع عليه جبة وركب معه جماعة واستمر ، وكان ذلك يوم الأربعاء رابع عشري شهر ربيع الأول سنة 844 ، فاجتمع فيه خمس أربعا آت والثمانمائة يشتمل على أربع مائتين وهي آخر أربعاء في الشهر ؛ وإنما ذكرت ذلك لما فيه من الرد على من يتعانى التشاؤم .
شهر ربيع الآخر - أوله الثلاثاء ، في يوم الاثنين السابع منه أعيد القاضي بدر الدين العينتابي إلى وظيفيته الحسبة عوضا عن الأمير تنم وركب في جمع كثير ، فأظهر العوام الفرح به ، ونودي من جهته بإبطال ما أحدث على الباعة من الجمع وغيرها ، فكثر الدعاء له .
وفي يوم السبت سادس عشرين وصل رسول ملك الشرق شاه رخ ابن اللنك ، وكان الخبر بوصوله وصل قبل ذلك ، وأنزل في بيت جمال الدين الأستادار بين القصرين ، وزينب البلد لذلك زينة عامة في جميع الحارات ، وبالغوا في ذلك أعظم من زينة المحمل ، ثم أحضر الرسول يوم الاثنين وقرئ الكتاب الواصل صحبته بالقصر الكبير بمحضر من الامراء والقضاة والمباشرين ، ومحصله الجواب عن الكتاب الواصل إليه والسرور به وقبول الهدية وتجهيز هدية صحبة الرسول المذكور ، وعرضت في القصر على رؤوس أربعين من الحمالين في الأقفاص ، ثم أمرهم السلطان(9/126)
"""""" صفحة رقم 127 """"""
بعد ذلك برفع الزينة بعد أن كان أشيع أنها تقيم شهرا وأكثر ، والسبب في رفعها ما اشتهر من المفاسد التي تقع في الحوانيت وغيرها في الليل .
وفي هذا الشهر نازل إينال الحسني الذي كان أمير المدينة ومعه جمع كثير من العربان المدينة ، فخرج إليه أميرها سليمان ومعه جمع قليل ، فحصل النصر للفئة القليلة ، وقيل : كان قصد إينال نهب المدينة فخذل وانهزم ورجع سليمان منصورا .
شهر جمادى الأولى - أوله الثلاثاء بالرؤية ، ووافق الشهر القبطي بابة .
وفي الثامن منه مات ولد الرسول الذي مات أبوه - بغزة وكانت له جنازة حافلة حضرها كبار الأمراء والمباشرين .
وفي ليلة الجمعة قرئت عند قبره ختمة واحتفل السلطان بسبب ذلك ، ثم حضر الرسول الذي بقي ، وعمل له ضيافة حافلة وخلع عليه خلعة هائلة ، وذلك في الثاني عشر ، وأمر الأمراء أن يضيفوه كل يوم واحدا بعد واحد ، فبدأ الأمير الكبير ثم ولد السلطان .
وفي يوم الثلاثاء الثاني والعشرين منه قدم المجاهدون من بحر الفرنج وكانوا أرسلوا على رودس وراسلوا صاحبها بكتاب من السلطان ، فجاءهم من أنذرهم أن الفرنج أرادوا أن يبيتوهم ، فخرجوا من الساحل فأحاطوا بهم فقاتلوهم إلى الليل ، فهبت ريح شديدة ومطر فأفرجت لهم ، فساروا(9/127)
"""""" صفحة رقم 128 """"""
كما هم إلى أن مروا على بعض سواحل البلد فرأوا في طرفها معصرة قصب سكر ، فنزلوا عليها ، فنهبوا ما فيها وأسروا من وجدوه من المزارعين وغيرهم ، ورضوا بهذه الغنيمة التافهة ، ونجوا بأنفسهم بعد أن قتل منهم نحو الأربعين وجرح جماعة ، ولم يظفروا بما خرجوا بسببه - ولله الإرادة يفعل ما يشاء وينصر من يشاء .
وفي هذا الشهر بطوله كان الحر مستمرا ، ووافق شهر بابة من أشهر القبط ، ولم يعهد ذلك حتى كان الحر فيه اشد مما كان في الذي قبله وهو - توت ، وثبت النيل ثباتا عظيما ، فلم ينقص في طول هذا الشهر سوى نحو الذراع ثم اخذ في النقص ، واستمر الحر في هاتور ، فلم يكن فيه من أوله إلى آخره البرد المعهود إلا اليسير . وأواخره دخل كيهك يوم الأحد ثاني رجب والأمر على حاله إلا أنه في صبيحته وقع برد وليس بالشديد وظهر الزرع ، ثم وقع البرد في أول يوم من فصل البرد وهو عند نزول الشمس القوس واستمر ، ثم تزايد هبوب الريح المريسية واشتد التأذي بها حتى وقع في أوائل طوبة الذي يسمى الصقيع ، فأفسد كثيرا من الزروع كالقصب والفول والبرسيم . فلما كان في الرابع عشر من شعبان وهو الثالث عشر من طوبة وقع مطر رقيق من طلوع الفجر إلى آخر النهار فوقع الزلق والوحل .
جمادى الآخرة - أوله الجمعة ، في أوله شرع النيل في النقص ، وشرع الناس في الزرع .(9/128)
"""""" صفحة رقم 129 """"""
وفي الثاني منه أحضر شهاب الدين أحمد بن يوسف الكوراني مجلس السلطان بحضرة القاضي الحنفي والمحتسب ، فعزز بالضرب تحت رجليه بعد أن كان السلطان أمر أن يضرب عريانا فشفع فيه الحنفي فضرب خمسة وسبعين عصا ، وأمر بنفيه فأخرج في الحال إلى التربة ، وكان السبب في ذلك أن شخصا يقال له حميد الدين ابن تاج الدين الفرغناني قدم من دمشق يطلب وظيفة بدمشق ، فكتب له السلطان بها فتوجه إلى دمشق ، فوقف في طريقه القاضي الحنفي وهو شمس الدين الصفدي فرجع ساخطا ، فذكر للسلطان أن الحنفي وقع في حق أمهات المؤمنين وقص قصة شنيعة فبدر الكوراني بالإنكار عليه ، وهذا الكوراني كان قدم علينا من نحو(9/129)
"""""" صفحة رقم 130 """"""
عشر سنين طالب علم وهو في غاية القلة ، فقرأ علي البخاري ودار على بعض الشيوخ ، وتردد إلى كاتب السر البارزي فاتفق حضور كتاب من بلاد العجم فاستقرأه إياه ، فأجاد في تعريبه فقربه إلى السلطان فقرر له راتبا ، وترقى بعد ذلك إلى أن صار في هذه الدولة عينا لكاتب السر عند السلطان ، فصار يجالس السلطان في كل يوم - من أول النهار إلى قرب الظهر لا ينقطع ، وعظم قدره في أعين الناس على العادة بالوهم وثقل في نفس الأمر على السلطان وهو مطبوع على الاحتمال .
فلما أنكر على حميد الدين اتفق حضورهما عند كاتب السر فتقاولا في ذلك فقال له حميد الدين : أنت حمار ما تفهم فأجابه بان الحمار أنت وأبوك وأجدادك وأسلافك وكان في المجلس جماعة ، منهم بدر الدين محمود بن عبيد الله ، وكان قد سعى في قضاء دمشق عقب إينال الجكمي ، وغضب السلطان على القضاة الذين وافقوه على الخلاف ، ومنهم الصفدي فعزل الشافعي لذلك وولي بهاء الدين ابن حجي ، فطمع ابن عبيد الله أن يعزل الصفدي فسعى في ذلك فتوقفوا في قضيته ، وبالغ فيها الكوراني المذكور ، فبادر حميد الدين بالشكوى إلى السلطان واستشهد بابن عبيد الله ، فشهد له - بأن الكوراني قال له ، ولم يذكر ما بدا به حميد الدين .
وكان تاج الدين والد هذا يدعى أنه من ذرية الإمام أبي حنيفة(9/130)
"""""" صفحة رقم 131 """"""
وأملى لنفسه نسبا إلى يوسف بن أبي حنيفة ، يعرف من له أدنى ممارسة بالأخبار تلفقه ، فكتبه عنه الشيخ تقي الدين المقريزي ، فطلب السلطان شاهدا آخر فأحضروا آخر فلم يشهد بشيء فسكنت القضية ، وصعد الكوراني على عادته فبالغ في التنصل ، فدار حميد الدين على أعيان الحنفية فقال لهم : هذا الرجل قد سب أبا حنيفة لأنه من أسلافي وهو يعرف أنني من ذريته ، وكان مرة استأذن له على السلطان فقال له : إن ابن أبي حنيفة بالباب - إلى غير ذلك ، فتعصبوا له ودار معه ابن عبيد الله ، فدبروا أمرهم إلى أن ظهر لهم أن يكيدوه بقاصد ملك الشرق فاجتمعوا به ، فوجدوا فقهيه في غاية الحنق من الكوراني ، لأنه كان اجتمع به أول ما قدموا فحصلت له منه إساءة ثم لما أضافهم السلطان عنده بدت من الكوراني في حقه إساءة أخرى ، فانتصف هو منه بحضرة السلطان إدلالا عليه لكونه في ضيافته ، وما استطاع الكوراني بنتصف فانضاف حقد هذا الفقيه على الكوراني إلى ما عنده من شدة العصبية للحنفية ، فطلع إلى السلطان فشنع على الكوراني ، وكان فيما قال إن الخبر إذا وصل إلى ملك الشرق مع شدة اعتقاده في أبي حنيفة يتغير خاطره وينسبكم إلى التعصب على الإمام ، فحرك عنده ساكنا كامنا فأمر بطلبه في الحال وأمر بسجنه في البرج ، وأرسل إلى القضاة أن يعقدوا له مجلسا ، فاجتمعوا في صبيحة الثلاثاء الثامن والعشرين من جمادى الاولى ، فآل الأمر(9/131)
"""""" صفحة رقم 132 """"""
إلى أن وقعت الدعوى عليه عند القاضي الحنفي ، فأمر بنزوله معه إلى منزله فانزل ماشيا ، فشهد عليه ابن عبيد الله وانضاف إليه بدر الدين محمد ابن حسن التنسي وهو من الشهود بالقاهرة ، وهو ابن أخت القاضي - بدر الدين بن الأمانة ، وهو مشهور بالتجوز في شهادة الزور ، ولكن كان كاتب السر قربه وأدناه وسافر به معه إلى دمشق ، فحصل به مقاصد كثيرة وتمول هو بجاه كاتب السر وعاد - ، فكانت له في بابه حركات كثيرة ، والناس منه في حنق شديد القضاة ومن دونهم ، فاتفق أنه كان عنده من الكوراني كمين فذهب وشهد عليه ، فأرسل كاتب السر يعلم الحنفي أن القضاة لا تقبل التنسي ، فاتفق حضور بعض الأطباء وهو ابن أخت شمس الدين ابن عفيف الذي قتله الاشرف في أواخر عمره فذكر أنه كان دخل لكاتب السر في ضرورة فسمع الكائنة فشهد بها ، فاجتمعوا يوم السبت المذكور وكان ما كان .
وفيه قدم نائب الشام جلبان وقدم تقدمة كبيرة مع ثمانين جمالا .
وخلع عليه مرارا ، وأعيد إلى بلده على وظيفته ، فسار قبله بأيام قاضي الشام الحنفي مطلوبا بسبب ما نقل عنه حميد الدين المذكور في كائنة الكوراني ، فإنه نقل عنه أنه سئل عن الحكمة في طواف النبي e على النساء في ليلة واحدة ، فأجاب بأنه فعل ذلك ليعفهن عن الزنا ،(9/132)
"""""" صفحة رقم 133 """"""
فاستبشع هذا اللفظ وغضب السلطان وأمر بإحضاره ، فوصل إليه البريدي فأغرمه مائتي دينار وتكلف شيئا آخر حتى وصل وشفع له نائب الشام وجماعة أن يسلم على السلطان وكان أمر أن يكتب إلى الشام بكتابة الواقعة وأن كل من سمعها يكتب خطه بما سمع ، فامتنع السلطان من الإذن له وصمم على أنه لا يأذن له إلا إذا عاد الجواب وظهرت براءة ساحته .
رجب الفرد الحرام - أوله السبت ، في التاسع عشر منه عقد مجلس بحضرة السلطان وادعى حميد الدين النعماني على القاضي شمس الدين الصفدي محمد بن علي بن عمر قاضي الحنفية بدمشق أنه قال في مجلس من المجالس أنا ما اتقيد بمذهب أبي حنيفة بل أحكم تارة بمذهب الشافعي وتارة بمذهب مالك وتارة بمذهب أحمد ، وأن علماء مذهبه أفتوا بأن هذا تلاعب وأن الحكم بذلك لا يصح ، فأجاب بأنني ما أردت إلا أنني أتبع مقالة أبي يوسف تارة ومقالة محمد تارة وغيرهما من علماء المذهب ؛ فقال المدعي : هذا الجواب لا يطابق الدعوى وانتصرت للصفدي وقلت له - : بل يطابق إذا أراد أن الرواية التي عن أبي يوسف توافق(9/133)
"""""" صفحة رقم 134 """"""
مذهب الشافعي مثلا والرواية عن محمد توافق مذهب مالك مثلا ، فلا يلزم من ذلك أنه يخرج عن مذهب الحنفية ، والقاضي الذي يوليه السلطان في هذه الأزمان على قاعدة ن تقدمه ومن تقدم كانوا منهم العالم المتأهل للترجيح وهذه طريقته وغيره المقلد الصرف ، والصفدي المذكور من أهل العلم فلا ينكر عليه أن يعمل بما رجح عنده ، وكثر اللغط إلى أن قال السلطان على طريق التنزل : لو ثبت عليه شيء ما كان يجب عليه أكثر من التعزير وقد عزز بإحضاره من دمشق إلى هنا ؛ وانفصل المجلس على ذلك .
وفي العشر الوسط صرح السلطان بعزل الحمصي عن قضاء دمشق وعين الونائي ، فتوقف وذكر أنه شرع في تدريس كتاب وسأل المهلة إلى أن يختمه في آخر رمضان فاجيب ، ثم طلب إعادة ما خرج من(9/134)
"""""" صفحة رقم 135 """"""
وظائف القاضي الشافعي فأجيب ، ثم استشعر بان ذلك لا يتم فاستعفى وأقام ، وأدير المحمل في الثالث عشر من الشهر وكان حافلا . وأبطل النفط الذي كان يعمل بالرميلة .
شهر - رمضان المعظم قدره وحرمته - أوله الثلاثاء يرؤية عدد قليل ثم كثر من يقول إنه رآه .
شوال المبارك - أوله الخميس ، في الرابع عشر منه توجه القاضي الشافعي ونائب القلعة وهو تغري برمش الفقيه إلى الدير الذي نبه عليه في حوادث شعبان في ترجمة جوهر وهو بساتين الوزير لما رفعت إلى السلطان قصة بأنه أحدث فيه أبنية مشيدة فأمرهما بكشفه وعمل ما يقتضيه حكم الشرع ، فتوجها في طائفة من الناس فإذا فيه جماعة من الجيوش ، ووجدوا النصارى قد بالغوا في تحصينه ، وجددوا أمام الباب حوشا كبيرا دوره بذراع العمل من ثلاث جوانب نحو الستين ذراعا بالحجر الأبيض ، واعتلوا بأن اللصوص قد تهجم عليه ، فظهرت معذرتهم في التشييد لا في المحدث ، فأمروا بإزالته وإبقاء الترميم ؛ وذكر بعض - من جاورهم أن جاههم انخفض بموت الخازندار وأن قريبه بعد وفاته تسحب ، فلما كان يوم الثلاثاء سابع عشر الشهر المذكور توجه(9/135)
"""""" صفحة رقم 136 """"""
نائب الشافعي ونائب القلعة بأمر السلطان فهدم الحوش المذكور بحضرتهم ، فحضر جمع من أهل تلك القرية وأخبروا أن الجدار المستطيل المسامت لكنيسة كان للبستان المجاور للكنيسة ، وأن البستان لما خرب وسقطت جدرانه وقلعت اشجاره بقي أثر الجدار المذكور ، فادعى النصارى أنه كان جدار الحوش يتعلق بالكنيسة وأقاموا من شهد بذلك ، فأذن نائب الحنفي في إعادته بنقضه ، فجددوه كما تقدم ، فظهر أن لا استحقاق لهم فهدم ، وحصل لأهل تلك الناحية سرور كثير بذلك ، فإن من كانوا فيه من الجيوش كانوا يستطيلون على من فيه وعلى من يمر بهم ، فانخفضت دولتهم وانحطت رتبتهم - ولله الحمد .
وفي ذي القعدة قدم نائب حلب ولاقاه السلطان بالمطعم وخلع عليه ، ثم قدم هدية هائلة وقدم كاتب السر بها وكان قدم صحبته تقدمته أيضا .
وفي آخر ذي الحجة الحرام - طرق جمع من الفرنج في عدة مراكب ساحل الطينة ، فاخذوا مركبين للتجار بما فيهما وأسروا من فيهما ، ثم طوقوا الساحل فأحرقوا ما فيه من المراكب ونهبوا ما قدروا عليه .(9/136)
"""""" صفحة رقم 137 """"""
وفيات سنة 844
ذكر من مات في سنة أربع وأربعين وثمانمائة من الأعيان
أحمد بن إسماعيل قطب الدين القلقشندي ، مات في الثامن من ذي الحجة ، وكان أكبر من بقي من شهود المودع الحكمي ، سمع الحديث من . . واشتغل . . وكان حسن الكتابة متقن المباشرة ، وفيه شهامة ، وأنجب عدة أولاد منهم ولده علاء الدين وهو أمثلهم طريقة ، قارب الثمانين .
أحمد بن أبي بكر بن رسلان بن نصير بن صالح ، البلقينين ، المعروف بالعجيمي ، قاضي المحلة الكبرى بالغربية ، شهاب الدين ، مات في يوم الثلاثاء رابع عشر جمادى الأولى عن أكثر من ثمانين سنة ، ذكر لي ولده أوحد الدين محمد انه ولد في سنة 67 فأكمل سبعا وسبعين سنة وهو ابن عم الشيخ سراج الدين ، وآخر الإخوة الخمسة ، وأجلهم بهاء الدين(9/137)
"""""" صفحة رقم 138 """"""
أبو الفتح رسلان ، ومات قبل هذا بأكثر من أربعين سنة - واشتغل هذا في أول الأمر ثم تشاغل بنيابة الحكم فناب في عدة قرى ، ثم استقر في نيابة الحكم - بالمحلة - وتقدم في الحوادث ما جرى له في أيام المؤيد ، وعزل ابن عمه القاضي جلال الدين بسبب قيام الناس عليه فعزل هو أيضا ، واستمر ثم عاد بعد ذلك وولي مرارا إلى أن مات .
أحمد بن عبيد الله الأردبيلي شهاب الدين - الحنفي أحد نواب الحكم ، مات في ليلة الأربعاء ثالث عشري رمضان ، وكان مولده في صفر سنة إحدى وتسعين ، واشتغل قليلا وتعلم بالتركي . وكان جميل الصورة فقربه كثير من الأمراء ، وتنقلت به الأحوال إلى أن ولي نيابة الحكم بالجاه مع قلة البضاعة في الفقه والمصطلح ، وحفظت عليه عدة أحكام كثيرة فاسدة ، وكان مع ذلك يلازم الجلوس بمسجد بظهر الخانقاه الشيخونية إلى أن مات بالإسهال الدموي والقولنج والصرع .
أحمد بن عيسى القاضي شهاب الدين المعروف بابن عيسى الحنبلي ، اشتغل قليلا ، وتعاني الشهادة عند الأمراء وله شهادة في الأحباس ، وكان ساكنا وقورا متعففا ، وناب في الحكم مدة ، ومات في يوم الخميس الثالث والعشرين من جمادى الأولى ، وأظنه قارب السبعين .(9/138)
"""""" صفحة رقم 139 """"""
أحمد بن نصر الله بن محمد بن عمر بن أحمد قاضي الحنابلة محب الدين أبو يوسف التستري الأصل ثم البغدادي ، نزيل القاهرة ، ولد في السابع عشر من شهر رجب سنة 765 ، وقرأ على أبيه وغيره ، وأخذ عن الكرماني والسخاوي ، ورأيت إجازة الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف ابن علي الكرماني له واستدعاء سئل فيه أن يجيز له ولغيره ، وقد وصفه بالفضيلة مع صغر السن وتمثل فيه بقول الشاعر :
إن الهلال إذا رأيت نموه
أيقنت أن سيصير بدرا كاملا
ولقبه شهاب الدين ، وأجاز له إن يروي عنه شرح البخاري والكتب الخمسة ومشيخة إجازة معينة ، وذلك في جمادى الآخرة سنة 782 ، وسمع بدمشق من ابن رجب وابن المحب ، وبحلب من ابن المرحل ، ثم رحل إلى القاهرة ، وذلك سنة ثمان وثمانين ، فسمع بحلب ودمشق ثم قطن القاهرة ، وقرر في درس الحنابلة بالمدرسة الظاهرية البرقوقية أول ما فتحت بعد أن كان درس قبله فيها لأهل الحديث الشيخ زاده العجمي ، وكان يحفظ قطعة كبيرة من البخاري ويسردها مع فنون كثيرة كان(9/139)
"""""" صفحة رقم 140 """"""
صاهر الاقصراي ، وانجب ولده الشيخ محب الدين إمام السلطان الآن ، ولازم الشيخ محب الدين الشيخين سراج الدين ابن الملقن وسراج الدين البلقيني ، وسمع من عز الدين بن الكويك وغيره ولم يمعن ، والعجب أنه لم يلازم حافظ الدنيا في وقته شيخنا العراقي وهو المشار إليه في علم الحديث مع دعواه أنه محدث ، وكان بعد يدرس منظومة الألفية ، ثم ناب في الحكم مدة ثم وليه استقلالا مرتين ، الاولى بعد موت علاء الدين الحموي وقد تقدم بيان ذلك في الحوادث مفصلا ، وكانت وفاته بعلة القولنج ، وكان يعتريه أحيانا ويرتفع ، وفي هذه العلة استمر أكثر من ستين يوما إلى أن مات بعد طلوع الفجر صبيحة يوم الأربعاء النصف من جمادى الأولى ، وقد أقام في الولاية الثانية ثلاث عشرة سنة ، ومن الاتفاقيات أنني كنت أنظر ليلة الأحد ثاني عشر جمادى الأولى في دمية القصر للباخرزي فمررت في ترجمة المظفر بن علي أن له هذه الأبيات يرثي بها :
بلاني الزمان ولا ذنب لي
بلى إن بلواه للأنبلي
وأعظم ما ساءني صرفه
وفاة أبي يوسف الحنبلي
سراج العلوم ولكن خبا
وثوب الجمال ولكن بلى
وقد التزم فيها النون ثم الباء قبل اللام فتعجبت من ذلك ، ووقع في نفسي أنه يموت بعد ثلاثة أيام بعدد الأبيات فكان كذلك ، ومات بعد أن صلى الصبح بالإيماء ، فأكمل ثمانيا وسبعين سنة وعشرة أشهر إلا يومين(9/140)
"""""" صفحة رقم 141 """"""
واستقر ولده يوسف بعده في تدريس المنصورية والأشرفية .
أبو بكر بن سليمان سبط ابن العجمي المعروف بابن الاشقر شرف الدين ، مات في يوم الأربعاء الثاني من رمضان ، وكان مولده بحلب سنة . . وتعاني صناعة التوقيع فمهر فيها ، وقدم القاهرة سنة سبع وثمانمائة فقرره جمال الدين الأستادار في توقيع الدست ، فباشره إلى أن مات ، وكان تزوج ابنة أخيه شمس الدين ، واستقر موقعا - كبيرا عنده ، وحصل عدة جهات في طول المدة منها مشيخات بعدة خانكات وتداريس وأنظار ، وأنجب ولده معين الدين عبد اللطيف ، وولي شرف الدين نيابة كتابة السر في دولة الأشرف واستمر ، ثم ولي كتابة السر بحلب في حياة الأشرف وبعده ، ووليها ولده المذكور ، وكان شرف الدين حسن الملتقى ، بشوش الوجه ، كثير السكون ، قليل الشر والكلام ،(9/141)
"""""" صفحة رقم 142 """"""
محببا إلى اكثر الناس ، وإنما قيل له أبن العجمي لأن أمه بنت . . هي بنت . .
جوهر القنقباي الطواشي الحبشي الخازندار الزمام بالباب السلطاني ، وكان من عبيد الأمير قنقباي الجركسي ، ثم تنقلت به الاحوال بعده إلى أن خدم عند علم الدين ابن الكويز فسار عنده سيرة حسنة ، لانه كان يحب أهل القرآن ويدرس فيه ويقرب أهله ويتدين ويتعفف ، فعظم قدره عند أستاذه بذلك إلى أن مات ، فلما أن مات خمل قليلا ثم اتصل بالملك الأشرف بواسطة جوهر اللالا الذي تقدم ذكر وفاته سنة 42 ، فاستخدمه في باب السلطان وقربه منه ، فأنس به لما فيه من العقل والسكون والتدبير ، فلما مات في الزمام قرر في الوظيفة خشقدم الذي كان خازندارا وقرر - في وظيفته جوهر المذكور ، فباشر في أول أمره مباشرة حسنة وتقرب من الناس جدا وتزاحموا على بابه وصار يقضي حاجة من ينتمي إليه فاشتهر بذلك فهرعوا إليه ، ثم تقرب إلى السلطان بتحصيل الأموال من وجوه أكثرها لا تحل . فكان يقربه(9/142)
"""""" صفحة رقم 143 """"""
ويتبرأ عند الناس من ذلك ويظهر الإنكار سرا ، وهو السبب الأعظم في إطلاق أموال التجار ورخص بضاعاتهم وغلبة الفرنج لهم ، حتى صار التاجر يغيب السنة فما فوقها بمصر - ويحضر - فلا يستطيع أن يبيع حملا واحدا من بضاعته ولا يجد من يشتريه ويستدين نفقته على نفسه وعياله وعنده ما يساوي عشرة آلاف دينار ، فبقوا على هذا البلاء بقية مدة الأشرف نحو العشر سنين ، ثم تمادى الحال على ذلك بعده ، وأضيفت إليه بعد الاشرف وظيفة الزمام ، فإن جوهرا الزمام لما قبض عليه بسبب هرب العزيز قرر عوضه فيروز الجركسي ، فلما غضب السلطان عليه بسبب هرب العزيز قرر هذا في وظيفة الزمام مضافة إلى الخازندارية ، فجمع الوظيفتين ولكنه لم يتمكن مما كان يفعله أيام الاشرف وصار في دولة الظاهر خائفا يترقب ويتوقع الإيقاع به ولكن زوج السلطان كانت اتصلت به بعد ابن الكويز ، فلما سكنت القلعة وعزل فيروز ساعدت جوهرا هذا ووصفت للسلطان سيرته ، فقرره مع أنه كان يعرف ما كان يعامل به الناس أيام الأشرف وهو أحد من كان ينكر سيرته ومع ذلك أغضى عنه إلى أن حصل له في موضع مباله دمل فآلمه وحبس عنه الإراقة ، ثم فتح فتألم منه شديدا لكنه استراح بفتحه من الألم ، ثم ربا في موضع آخر فأقام بذلك نحو(9/143)
"""""" صفحة رقم 144 """"""
الشهرين واشتد به الأمر في العشر الأوسط من رجب وارجف بموته ، ثم كانت وفاته في ليلة الاثنين أول شعبان من اشهر العرب - آخر يوم من كيهك من شهور القبط - وقد جاوز السبعين ، وأنشأ دارا بدرب الأتراك بالقرب من الجامع الأزهر ، وكان في آخر عمره أخذ أماكن عند باب السر من الجهة القبلية من جامع الأزهر وعمرها مدرسة فلما قرب فراغها مات فدفن بها ، ويقال إنه كان له قريب من الجيوش فأسكنه في دير عند بساتين الوزير ، فعمره وصار هو ومن معه يتظاهرون بما لا يتظاهر به غيرهم بجاهه - والله أعلم بسريرته .
ومن عجائبه أن ولي الدين بن قاصم كان قد ولي قضاء دمياط في دولة الأشرف بجاهه بعد موت ابن مكنون ، فكان يستنيب فيها من يرتشي من المال الجزيل ويقرر عليه كل شهر مقدارا جيدا فكان جوهر يطلع على ذلك لأنه صديقه ، فلما سافر ابن قاسم للمجاورة بمكة نزل عن قضاء دمياط للقاضي كمال الدين البازري ، فباشرها إلى أن خرج إلى قضاء دمشق ، فسأل جوهر أن ينزل له عن قضاء دمياط فنزل له - عن فجرى(9/144)
"""""" صفحة رقم 145 """"""
على عادة ابن قاسم ، وانضاف إلى ذلك أنه يستأجر من الأوقاف بالنزر اليسير بما يحصل منه في السنة أموالا كثيرة ، ورأيته إذا عزل نائبا وقرر آخر يكتب بخطه الداعي جوهر الحنفي ، وكذلك إذا سئل في مرسوم أو كتاب بالوصية بأحد ، وتوسع في تحصيل الإقطاعات والإرصادات إلى أن قيل إنه وجد باسمه بعد موته نحو خمسين ما بين رزق وإقطاع ومن المستأجرات وكان يستأجر القرية بخمسين دينارا وهي تغل قدر المائة أو أزيد ، ويصرف أجرتها على حساب صرف الدينار بأحد عشر وربع درهم وزنا وهو يساوي حينئذ أربعة عشر درهما وربع درهم ، ثم يبيع عليهم بذلك عسلا يقيمه عليهم بثلاثين درهما وهو يساوي عشرين ونحوها ، فلا يتحصل لهم من الجهة نحو العشرين - وقس على ذلك ، ومن خالفه في شيء مما يرومه لا يأمن على نفسه ولا ماله ، وفي الأحيان يمتنع من صرف الأجرة أصلا ويقول : إن كانت الأرض مصرية شرقت مع أنه كان ربما استأجرها مقيلا ومراحا ، وإن كانت شامية يقول - كانت محلا راعا كانت في تلك السنة أو عند الأرض مطرا ؛ ويواظب مع ذلك على الصلاة والتلاوة ، ويقرب أهل القرآن ، ويتصدق في فقراء الحرمين بجمل من المال .(9/145)
"""""" صفحة رقم 146 """"""
حسن بن عبد الله بن تقي القباني بدر الدين ، كان مشهورا بجده ، مات في خامس عشري شوال عن سن عالية تقرب من التسعين ، وكان في بدايته اشتغل وتعانى القراآت فأتقن السبع ، وصاهر الشيخ شمس الدين ابن الصائغ على ابنته وهي خالة الشيخ تقي الدين المقريزي ، وذكر لنا الشيخ تقي الدين أنه كان شابا وبدر الدين هذا رجل ، وتعلم الوزن بالقبان فاستمر ، وكان خيرا كثير التأني ، وكان يؤم بنا في رمضان بالمنكوتمرية .
عبد الله بن سعد الدين بن التاج موسى القبطي أمين الدين ، كان أبوه ولي نظر الخاص في أيام الملك الظاهر برقوق مدة ، وباشر هذا في غيبته الوظيفة ، وكان شابا جميل الصورة وتولع بالأدب ، ثم امتحن في أيام جمال الدين الأستادار فسلك طريق المجون ، وصار ينادم الأكابر من الأمراء والمباشرين ، وحصل بسبب ذلك أموالا وكثرت مرتباته وجهاته وصار يكثر الحج ، ثم حصل له في رجليه بلغم إلى أن أقعد فصار يحمل على الأيدي ، وكان يتهم بمحبة العبيد السود وله في ذلك ماجريات وسخف كثير ، وكان طلق الوجه كثير البشاشة والنوادر ؛(9/146)
"""""" صفحة رقم 147 """"""
مات في الثاني من جمادى الآخرة ، وعاش بضعا وستين سنة .
عبد الرحمن بن حسن بن سويد المصري وجيه الدين بن بدر الدين ، أحد نواب الحكم المالكية ، وكان أبوه زوجه بنت القاضي فخر الدين القاياني وهو صغير وتزوج أبو أختها ، ثم مات القاياتي فاحتاط أبوه على تركته بطريق الإيصاء والتحدث ، وخلص لهم الدار العظمى بشاطئ النيل ، وكان هذا حسن الصورة ، دخل مع والده اليمن وهو صغير سنة ثمانمائة ، ثم صار يسافر به معه ويقربه أكثر من أخيه الأكبر محمد الذي تقدم ذكر موته ، واشتغل هذا قليلا وصار أنبه من أخيه مع بأو زائد فيهما ، ليس له سبب إلا دناءة أصل جدهما والد بدر الدين . وكان بدر الدين في غاية التضاع لكنه حصل له مال طائل فصار إلى ولديه فعظمت أنفسهما وانتسبا إلى كنانة ، فقال لي بعض المصريين : لعل أصلهما من منية كنانة بالقللوبية فإن أكثر أهلها نصارى ، وكان القائل يعتمد على قول الشيخ شمس الدين الغماري أنه رأى سويدا وهو(9/147)
"""""" صفحة رقم 148 """"""
بالعمامة الزرقاء يبيع الفراريج والقفص على رأسه - والعلم عند الله ورأس وجيه الدين بعد أبيه وصار المشار إليه بمصر ، ولازم يشبك الأعرج الامير الكبير في دولة الأشرف فكان يتقوى به في أموره ، ثم لازم جوهر الخازندار الأشرفي فعظم أمره وتقوى به في أمور كثيرة ، وكان ابتداء ضعفه في ربيع الأول فانتقل من مرض إلى مرض إلى أن غلب عليه الزحير ثم حبس الإراقة ، فلما قوي البرد اشتد به ثم انحلت قواه إلى أن مات في ليلة السادس من شعبان ، وصلى عليه بجامع عمرو ؛ وتقدم في الصلاة عليه القاضي المالكي ، في ساعة دفنه حضر من ختم على حواصله في منزله وغيره من جهة السلطان ، لأن بعض أتباع الخازندار رافع فيه على ما قيل ، ثم أطلق ولده وفك الختم على منزله صبيحة ذلك اليوم .
علي بن الحسن بن عمر نور الدين التلواني ، مات في آخر يوم الاثنين الخامس ولعشرين من ذي القعة ، وبيده يومئذ تدريس(9/148)
"""""" صفحة رقم 149 """"""
الصلاحية بجوار قبة الشافعي ومشيخة الرباط بالبيبرسية ، وكان أصله من بلاد المغرب ، وسكن الحسن حزوان من قرى المنوفية فولد له على هذا بعد ستين وسبعمائة فنشأ بها ، ثم انتقل إلى تلوانة وعرف بالنسبة إليها ، وقدم القاهرة فطلب العلم ، ولازم البلقيني حتى أذن له بالتدريس والفتوى ، وتصدى لذلك قديما في حياة مشايخه ، فاخذ عنه جماعة ، ومارس العربية - اشتغل قديما ، وكان جهوري الصوت ، مشهور الصيت ، قليل التحقيق ، كثير الدعوى ، حسن البشر ، صحيح البنية ، قويا دينا خيرا - مكرما للطلبة بحيث كان الفيومي يسميه وزير الطلبة ، وقد سمع الكثير من شيوخنا كان أبي المجد والشامي وأنظارهما . وحدث ، وأسمع البخاري مدة بالجامع الأزهر ، ودرس بعدة أماكن ، وناهز الثمانين أو جاوزها .
علي المالكي الشيخ نور الدين البنبي ، كان حسن السمت سليم الفطرة ، خطب بالجامع الأزهر مدة نيابة عني ، واغتبطوا به ؛ مات في سادس عشري ذي الحجة .(9/149)
"""""" صفحة رقم 150 """"""
صفحة فارغة .(9/150)
"""""" صفحة رقم 151 """"""
قاسم البشتكي ، مات في أول شهر رجب بأرض تبني من عمل غزة ، وكان له فيها أرض خراجية فأقام بها وكانت له وجاهة ، وتزوج بنت الملك الأشرف شعبان قديما ورأس ، وكان يحب أهل العلم ويقربهم واشتغل ، ثم حصلت له حظوة في دولة الملك المؤيد ، وولي نظر الجوالي فباشرها بحرمة وشهامة ، ثم حط عليه كاتب السر ناصر الدين - ابن البارزي ، وكانت عنده وسوسة وخفة ، ثم غضب عليه المؤيد وضربه ، ثم من بعده تنقلت به الاحوال ، ولم يحظ في دولة الأشرف بطائل ، وركبه الدين فتوجه إلى أرضه المذكورة ورافقنا في السفر إلى حلب(9/151)
"""""" صفحة رقم 152 """"""
ثم إلى البيرة ، ثم رجع معنا حلب بإذن الأشرف ، وذلك آخر عهدي به إلى أن مات غريبا وقد جاوز الستين .
قجق الجركسي نائب القلعة كان جركسيا - وكان من الخيار ، مات مبطونا في يوم السبت سلخ جمادى الآخرة ، واستقر بعده صاحبنا تغري برمش الفقيه المحدث الفاضل .
محمد بن إبراهيم بن عبد الرحيم الحريري صلاح الدين المشهور بابن مطيع ، مولده سنة 762 ، ومات ي ليلة السبت بعد أذان المغرب ثاني عشر شهر ربيع الآخر فأكمل الثمانين وزاد عليها ، وكان أبوه حريريا فمات وهو صغير ، فتزوج شهاب الدين بن مطيع أمه فنسب إليه واشتهر به ، وترك صناعة أبيه بعد أن كان أتقنها ، وتنزل في المدارس ولازم حلق أهل العلم ، وسمع من صلاح الدين البلبيسي ونجم الدين ابن زين وابن حديدة وابن الشيخة وابن الملقن والسويداوي وغيرهم ، وسمع معنا من بعض شيوخنا ، وكان يذكر أنه سمع من الزيتاوي ببيت(9/152)
"""""" صفحة رقم 153 """"""
المقدس ولم يكن له ثبت ولا وجد اسمه ي الطباق التي فيها أسماء من أخذ عن الزيتاوي ، وكان لطيف العشرة ، وهو أحد الصوفية بخانقاه السلطان صلاح الدين المعروفة بسعيد السعداء ، وقد اصابه فالج من نحو خمس سنين أو أكثر ودام به نحو العام ثم عوفي منه ، ثم صارت الأمراض تعتاده إلى أن مات بإسهال أصابه في آخر علته .
محمد بن أحمد بن محمد التنسي القاضي شمس الدين بن قاضي القضاة ناصر الدين ، مولده 777 أو سنة ثمان ، ونشأ في حجر السعادة وكان من جملة أوصيائه ، واشتغل وتقدم ، وكان لطيف المزاج مع شراشة خلق ، وناب في الحكم مدة طويلة ، وحكم في بعض المجالس مدة ، وكان قد أتلف ما خلف له أبوه وفسدت حاله ، ثم صلح حاله قليلا وعين لقضاء المالكية بالشام فلم يتم ، ولما استقر أخوه في القضاء استنابه ، فأظهر بعد قليل عدم القبول وتوجه مع الرجبية إلى مكة ، فأقام بها إلى أن قدم مع الحاج في أول السنة ، فأصابه ذرب فطال به إلى أن مات في يوم السبت من شهر ربيع الآخر ، وكان الجمع في جنازته متوفرا .(9/153)
"""""" صفحة رقم 154 """"""
محمد بن عمار بن محمد بن أحمد - المالكي الشيخ الإمام العالم العلامة شمس الدين ، ولد في حدود الستين ، واشتغل قديما ولقي المشايخ ، وسمع من كثير من شيوخنا ، وقرأ بنفسه ولم يكثر ، وسمع معي بالقاهرة والإسكندرية وكان صاحب فنون ، وقد جمع مجاميع كثيرة ، وشرح العمدة ، وكتب على التسهيل ، واختصر كثيرا من الكتب المطولة ، وسكن مصر بجوار جامع عمرو بن العاص وانتفع به المصريون وسكن الشيخ أبي عبد الله الجبرتي بالقرافة مدة ، وكان حسن المحاضرة محبا في الصاحلين حسن المعتقد ، وكان لما ولي تدريس المسلمية بمصر في سنة ثلاث وثمانمائة بعد موت شمس الدين ابن مكين نوزع فيه بأن شرط الواقف أن يكون المدرس في حدود الأربعين ، فأثبت محضرا بأن سنه إذ ذاك خمس وأربعون سنة ، فعلى هذا يكون مولده سنة 758 ؛ ومات في ليلة السبت الرابع عشري من ذي الحجة ، فيكون أكمل ستا وثمانين سنة ، وكان قد عرض له عرق جذام ، واستحكم به واشتد قرب وفاته .(9/154)
"""""" صفحة رقم 155 """"""
حوادث سنة 845
ستة خمس وأربعين وثمانمائة
المحرم أوله - يوم الاثنين ، وهو الرابع من بونة من أشهر القبط ، وقد زاد النيل بخلاف ما جرت به العادة بحيث كانت الزيادة بعد ما تناهى النقص أكثر من ذراعين - ، وانقطع جسر بحر - بني المنجا ، واهتم السلطان بأمره وبأمر بقية الجسور ، واستمرت الزيادة في النيل إلى الثامن منه ، فغرقت كثير من الأمقنة التي في الجزائر وحصل لأصحابها جوائح .
وفي الثالث منه ولد للأمير الكبير يشبك ولد من بنت الملك الظاهر ططر ، ولم يولد له ولد قبله ، فسر به وأفرط هو وأهله فيما صنعوا من الوليمة لأجله ، فلم ينشب أن مات يوم السبت - السادس عشر من الشهر ، فاشتد أسفهم عليه وحزنهم لكنه هو تجلد ، وكان السلطان لما بلغه سرورهم به أعطاه إمرة وأرسل إليه خيلا ورقيقا .
وفي الخامس عشر منه قدم ثلاثة مشايخ من دمشق ، وهم(9/155)
"""""" صفحة رقم 156 """"""
عبد الرحمن بن قريح الطحان وناظر الصاحبية ، وعلي بن إسماعيل بن بردس ، وكان السلطان طلبهم من دمشق بعناية تغري برمش نائب القلعة ، لانهم كانوا انفردوا برواية المسند الحنبلي بالسماع العالي عن أصحاب الفخر ، وعند بعضهم سنن أبي داود والترمذي ومشيخة الفخر ، فجهزوا وأخرجوا في ثالث عشري ذي الحجة ووصلوا في تاريخه ، فأنزلهم نائب القلعة عنده ، وقرئ عليهم عنده في برج القلعة ، ثم قرئ عليهم بالبيبرسية وعند سيدي محمد ولد السلطان بالفور داخل القلعة أيضا ، وهرع الناس إلى السماع عليهم .
وفي السادس عشر ظفر بجماعة من الفرنج من ناحية رشيد قبض عليهم وأحضروا إلى القاهرة .
صفر الأغر - في الثامن منه عقد مجلس بسبب مدرسة ابن السويد التي أنشأها بمصر بالقرب من حمام أمير جندار بظهر فندق(9/156)
"""""" صفحة رقم 157 """"""
الكارم الصغير ، وكان وقفها مسجدا وجعل فيها مدرسا ، فعمد ولده عبد الرحمن إلى المدرس فأبطله ، وادعى أن أباه اسند إليه النظر وأنه اقتضى رأيه أن يجعل فيها خطبة ، فاستؤذن الملك الأشرف في إقامة الخطبة فأذن ، واتصل ذلك بالقاضي الحنفي وهو يومئذ بدر الدين العيني فأثبت الإذن وحكم بموجبه ، فأقيمت بها خطبة ، واتخذ لها منبرا فوضعه بجانب المحراب ودكة للمؤذنين ، واستمر الحال إلى هذه الغاية ، فلما مرض مرض موته أسند النظر لولده ، فنازعه الآن أخوه أحمد وادعى أن أباه شرط النظر لأولاده بعده ، فأحضر كتاب الوقف فوجد فيه أنه شرط النظر لنفسه ومن بعده لولديه محمد وعبد الرحمن ومن بعدهما لأولادهما وأولاد أولادهما إلى آخره وجعل لنفسه أن يوصي بذلك لمن شاء بعد موته ، فأثبت عبد الرحمن فصلا في هامش كتاب الوقف يتضمن - انه اسند إليه النظر وفيه ملحق بين السطرين وجعل له أن يسند لمن شاء ، وأوصل الفصل بالقاضي بدر الدين العيني ضمن كتاب الوقف ، فأشهد عليه أنه ثبت عنده مضمون كتاب الوقف ومضمون ما بهامشه من الفصول وحكم بصحة الوقف هذا الذي تضمنه تسجيله ، فروجع في ذلك ، فذكر أنه لم يحكم إلا بصحة الوقف خاصة دون ما تضمنه فصل الإسناد ، وقع البحث في أن الإسناد يساوي الوصية أو يزيد عليها ، ثم ذكر شهود الفصل أنهم لم يتحملوا الشهادة بالملحق ولا أدوها عند الحاكم ،(9/157)
"""""" صفحة رقم 158 """"""
ووافقهم الحاكم على ذلك مع قوله إن حكمه لم يلاق الفصل المذكور أصلا ، وكانت الدعوى عند كاتبه فاتجه له أن الإسناد المذكور من الواقف لعبد الرحمن ، وإن قلنا بصحته بناء على أن المراد به الوصية إليه على وفق ما جعله لنفسه لكن قوله إنه جعل لعبد الرحمن أن ، يسند لم يدخل في الجعل المذكور ، وعلى تقدير دخوله فلم يتصل بحاكم ولا حكم به .
فلما اتصل به ذلك قامت عنده البينة العادلة بأن الواقف المذكور وقف مكانه المذكور مدرسة وعين لها مدرسا سماه ، وأن ولده هو الذي خالف شرطه وأبدل المدرس بالخطبة ، فسئل الحكم بما ثبت عنده من ذلك فحكم بتبطيل الخطبة من المكان المذكور وتقرير المدرس على وفق شرط الواقف ، وأكد ذلك أن الحاكم الذي اتصل به الوقف وحكم به ذكر أن حكمه بصحة إقامة الخطبة بناه على أن الواقف هو الذي شرط ذلك ، فلما وضح له أنه شرط غير ذلك لم يتناوله الحكم وصرح برجوعه منه ، فأزيل المنبر وبطلب الخطبة يوم الجمعة عاشره ، فلما كان في الرابع والعشرين من صفر أعيدت الخطبة بعد أن عقد مجلس قبل ذلك بيوم ، وأظهروا حكما سابقا حكم به العينين بإقامة الخطبة بها ، فادعوا أنه سابق على حكم الشافعي بالإبطال وأن الحكم السابق يرفع الخلاف ، فنازعهم الشافعي في ذلك ، فأمر السلطان ابتداء بإقامة الخطبة ، فأرسل الشافعي إلى الخزانة التي وضع فيها المنبر لما أزيل ، ففك ختمه عنها فأعادوا المنبر وصلوا بها .(9/158)
"""""" صفحة رقم 159 """"""
قرأت في مجموع لطيف بخط بعض أصحابنا في يوم الاثنين تاسع ربيع الآخر سنة 45 ورد من النائب بثغر دمياط ثلاثة نفر من السلمين ، أخبر في مكاتبته بأنهم كانوا في مركب بالبحر فخرج عليهم الفرنج فقاتلوهم فاختلسوهم وقتلوا من قتلوا وأسروا الثلاثة وأن النائب اشتراهم بمائة وستين دينارا ، فقال لهم السلطان : لم أسلمتم أنفسكم ? ولم لم تقاتلوا حتى تقتلوا ? ثم سلمهم لوالي الشرطة وقال له : خلص منهم القدر الذي وزنه عنهم النائب ورده إليه ، قال - وما سمع بأعجب من هذا الحكم في مثل هذا .
شهر ربيع الأول - أوله يوم الخميس بالرؤية .
وفي يوم الجمعة الثاني من الشهر كسر الخليج بمصر ، وباشر التخليق سيدي محمد بن السلطان ومعه الحاجب الكبير وجماعة ، وذلك في السابع والعشرين من أبيب ، ولم يعهد نظير ذلك فيما مضى ، ونودي بالوفاء وزيادة إصبعين ، وكانت العادة المستمرة أن النيل إذا احترق كانت علامة لبلوغه الغاية تلك السنة وبالعكس ، فلم يحترق في هذه السنة بل كان قارب الوفاء قبل دخوله بونة ، فلما دخل بونة تناقص ، وعند استحقاق النداء عليه كان بلغ زيادة على عشرة اذرع ، وزاد مترسلا فأكمل الستة في أحد وثلاثين يوما ، وأسرع ما أدركناه أنه أوفى في التاسع والعشرين من أبيب ، واستغرب الشيوخ ذلك - والأمور كلها لله يفعل ما يشاء .(9/159)
"""""" صفحة رقم 160 """"""
وفي يوم السبت ثالثه استقر في الحسبة الشيخ على الخراساني بالقاهرة مضافة لمصر وصرف بدر الدين العيني ، فكانت مدة تكلمه في الحسبة في هذه الولاية دون السنة ، لأنه استقر في ربيع الآخر سابع يوم فنقصت السنة شهرا وعشرة أيام ، وانتهت زيادة النيل إلى تعليق العشرين ذراعا ، وهبط في أواخر توت بسرعة ، وبادروا إلى الزرع ، وهبت ريح بادرة نحو أسبوع ، ثم عاد مزاج فصل الخريف على العادة ، ولبس السلطان الصوف قبل العادة القديمة وذلك في العشرين من بابة ، وصادف تلك الليلة أن أمطرت وهبت الريح الباردة يومين وعاد الحر في أثناء الليل وفي أثناء النهار .
جمادى الآخرة - أوله الثلاثاء ، فيه سار علي بن حسن بن عجلان بن رميثة المكي الحسني أميرا على مكة عوضا عن أخيه أبي البركات ، وصحبته يشبك الصوفي أحد الأمراء ليقيم بمكة عوضا عن سودون المحمدي ، وصحبته الاجناد على العادة ، وسافر معهم نويس قليل .
وفي يوم الخميس تاسع شهر رجب استقر الأمير زين الدين عبد الرحمن القاضي علم الدين - ابن الكويز في الأستادارية الكبرى ، وصرف قيز طوغان ثم أفرج عنه سريعا ، واستقر زين الدين يحيى قريب بن أبي الفرج ناظر الديوان المفرد على حاله - والتزم بالتكفية .
وفي يوم الاثنين سابع عشر منه استقر الأمير شهاب الدين أحمد(9/160)
"""""" صفحة رقم 161 """"""
ابن علي بن إينال في إمرة الإسكندرية ، وصرف سنبغا الطياري بحسب سؤاله ، ولم يسافر حتى بلغه خروج الطياري من الإسكندرية فتوجه في أواخر شعبان ، وقدم الطياري في ثامن عشر شهر رمضان ، واستمر على إمرته بتقدمة ألف ، وحضر من الإسكندرية في رجب الرماة ومعهم صفة قلعة من خشب فقدموها للسلطان ، ورموا عليها بحضرته بقوس الرجل فخرج منها صورة شخص بسيف وترس فرمى عليه عبد صغير فضرب رقبته بالسهم ؛ فأمر السلطان بأن يخلع عليهم وكتب لهم بجامكية وصرفهم إلى بلدهم ، وحضر برسباي نائب طرابلس فتلقاه السلطان ونزل ببيت لزوجته بجوار كاتب السر ، وكان قبل ذلك حاجب الحجاب بدمشق ، وقدم تقدمته للسلطان على مائتين وأربعين جمالا .
وفي هذه السنة واقعة شهاب الدين القدسي وهو أحمد بن عبد الله ابن محمد العسقلاني الأصل المقدسي ، اشتغل بالقدس كثيرا وكان فيه فرط زكاء ، وتعاني الكلام على العامة فمهر في ذلك ، واجتمع عليه خلق كثير ، ثم قدم القاهرة فكان يجتمع في مجلسه جمع كثير خصوصا النساء ، فتعصب(9/161)
"""""" صفحة رقم 162 """"""
عليه قوم فمنعه القاضي المالكي من اجتماع النساء عنده ، وكان اتفق أنه حكى حكاية عن الإمام مالك فنسبه بعض أهل مذهبه إلى تنقيصه . . فمنعه المالكي من الكلام جملة ، ثم شفعوا فيه فأذن له ، ثم اتفق أنه توجه إلى الحج فجاور سنة أربع وأربعين وعقد المجلس للوعظ كعادته ، فاحبه العامة وحضر مجلسه بعض الخاصة والتف عليه جماعة من أهل اليمن ، تعصب عليه القاضيان الشافعي والمالكي لكلام بلغهما عنه ، فقرأت كائنته بخط القاضي - الحنفي وهذا ملخصها فقال في حقه : هو من الفضلاء الأذكياء ، وانتفع به الناس ، واشتغل عليه الطلبة ، وكتب على الفتوى ، ووعظ بالمسجد فاجتمع عليه العوام وبعض الخواص ، واستمر في العام الماضي ثم في هذا العام إلى تحمل عليه بعض الفقهاء بمكة ، فعلموا عليه محضرا ونسبوه إلى أمور ، وشهد عليه بها بعض حاشيتهم وهو ينكر ذلك ، ومحصل ما أثبتوه عليه أشياء ، أدناها توجب التعزيز وأعلاها الكفر ، وشهدوا عليه بأفعال قلبية كقولهم : قال كذا وقصده كذا ونحو ذلك مما لا يطلع عليه إلا الله ؛ ثم أمر القاضي المالكي بحبسه فحبس ليلة الجمعة ويوم الجمعة إلى أن فاتته صلاة الجمعة ، فعقد له الشريف أبو البركات مجلسا حضره سودون المحمدي وجماعة ، فأحضر فبدر أن قال :(9/162)
"""""" صفحة رقم 163 """"""
لي دعوى على القاضي المالكي ، فأخذه الشافعي وتله بلحيته بحضور الجميع وقال له : يا شيخ نحس وأمر بكشف راسه وتعزيره ، وأشهد على نفسه أنه منعه من الجلوس على الكرسي بالمسجد الحرام ؛ وانفصل المجلس على ذلك ولولا أن الشريف لطف قضيته لكان الأمر أشد من ذلك .
ثم إنه جلس للتدريس على عادته فمنعه الشافعي من التدريس ومن الكتابة على الفتوى ، وحكم هو ونفذ المالكي ، وشهد الحاشية ، فحصل له بذلك مشقة زائدة وعزم على التوجه إلى القاهرة لإنهاء حاله إلى السلطان .
قلت : واتفق قدوم المذكور يوم الخميس ثاني عشري رمضان وكان سبقه قاصد صاحب مكة علي بن حسن فنقل عنه أن الشريف المخلوع تعصب له لكونه كان يذكر له أن عليا مقدم على أبي بكر وأنه لما قدم علي بن حسن واليا على مكة اجتمع به بناء على أنه يروج عنده بذلك فجبهه وقال له : أنا رجل سني وأبو البركات زيدي ، وأنهى ما اتفق له إلى السلطان ، وأحضر المحضر الذي كتبه المالكي والشافعي فيه ، فتغيظ السلطان منه على ما بلغني ، فلما كان يوم الجمعة استشار المذكور بعض خواص السلطان ، فأشار إليه أن لا يحدث أمرا لأن السلطان في أول كل قضية يكون مغمور الفكر بما يلقى إليه ابتداء إلى أن يتجلى له الأمر بعد ، فسكت على مضض ثم في . .(9/163)
"""""" صفحة رقم 164 """"""
شهر رمضان المعظم قدره وحرمته - أوله الأحد وترؤه ليلة السبت وكانت رؤيته ممكنة لكن كان الغيم مطبقا ومضى أكثر النهار ولم يتحدث أحد برؤيته ، وتمادى الأمر على ذلك إلى العشر الثاني ، فشاع أن بعض أهل الضواحي صاموا يوم السبت ، ثم كثر الخبر عن أهل المحلة فكوتب حاكمها ، فاجاب بأنه شهد برؤيته شاهدان من العدول وآخران مستوران ، وتحدث برؤيته جماعة كثيرون وحكم به بعض نواب الحكم ، فلما تكامل ذلك اتصل ببعض نواب الحنبلي القاضي - فحكم بتحريم صوم يوم الاثنين الذي هو بالعدد يكون ثلاثين من رمضان وبوجوب قضاء يوم السبت على قاعدتهم في أن الهلال إذا رئي ببلد وجب على بقية البلاد صومه وقضاءه على من كان أفطره ، وكانوا هم صاموا يوم السبت على قاعدتهم - في صوم اليوم الذي يلي الليلة التي يكون غيمها مطبقا ولولا ذلك لأمكنت رؤية الهلال . فلما كانت ليلة الاثنين تراءى الناس الهلال فرآه جمع جم ، فكان العيد يوم الاثنين بغير شك ، فلم يمكن الحنابلة صيامه .
شهر - ذي القعدة الحرام أوله - الأربعاء في يوم السبت رابعه عقد مجلس بحضرة القضاة - فادعى تقي التاجر على(9/164)
"""""" صفحة رقم 165 """"""
برهان الدين بن ظهير شاهد عثمان ولد السلطان أنه ظلمه ، فإنه كان اشترى حصة من مطبخ سكر لتقي فيها الأكثر فوقع بينهما منازعة بسبب ذلك .
فأشهد تقي على نفسه أنه ملك ولد السلطان حصته - من الجدر . والنحاس الذي يطبخ فيه السكر والجوز والبنا - وكتب بينه وبين(9/165)
"""""" صفحة رقم 166 """"""
ابن ظهير مباراة وثبت ، واستثنى في المباراة قدرة كبيرة تختص بتقي فادعى تقي ، ثم إن تقي ادعى بأن - ابن ظهير حولها في غيبته بغير وجه شرعي ، فادعى بذلك بين يدي الحنفي فقال الحنفي : لا تسمع دعوى من أمراء ولو كان وكيلا . فأذن السلطان لأحد أئمة القصر في الدعوى على تقي عن ولده ، فأمر السلطان أن يتوجهوا إلى مجلس القاضي فأعيدت الدعوى . فخشي تقي على نفسه من غيظ السلطان فقال : كل ما يدعي علي لولد السلطان أنا أملكه لولد السلطان ، فبادر من أعلم السلطان أن الحق غلب على تقي ، فظن صحة ذلك فأرسل إلى القاضي أن لا يمكن تقي من التصرف ولا من التوجه من مجلس الحكم حتى يزن المال . فظن القاضي أن السلطان يريد مصادرة تقي فأخبره بالرسالة ، فصار يكاتب معارفه بالورق إلى إن حصل المال في عدة أيام وهو في صورة الترسيم في مجلس القاضي ، ثم كتب عليه في .
قرأت بخط من أثق به : لما وصل الحاج إلى مدينة الينبع كان الدقيق في أول النهار كل حمل بسبعة دنانير ، فارتفع الظهر إلى اثني عشر ثم العصر(9/166)
"""""" صفحة رقم 167 """"""
إلى ستة عشر ، وكان العليق أربع ويبات بدينار فوصل إلى ويبتين ، ووصل الحمل الفول الصحيح إلى عشرة ، وكان البقسماط رخيصا فوصل إلى ستين درهما كل عشرة ، وكاد الجمالة أن يهربوا ، فقدر وصول الخبر بوصول المراكب إلى الساحل ، فتراجع السعر إلى أن صار وسطا بعد ما كان أولا وآخرا . وتوجه خلق كثير من الركب إلى الساحل فأحضر الدقيق والعليق . ولزم من ذلك أن أقاموا بالينبع أربعة أيام ، ولما وصلوا إلى منزلة بدر ولم يجدوا بها عليقا بيع النوى كل ويبة بثلث أفلوري والبقسماط بسبعين العشرة . وكان مع ذلك اللحم واللبن والبطيخ كثيرا .
ومات شعبان بواب دار الضرب قبل رابغ بيوم ، وكان وصول الركب إلى مكة سحر يوم الخميس ، ولم يروا الهلال تلك الليلة لكثرة الغيم ، وسألوا أهل مكة فلم يخبر أحد منهم برؤيته . وتمادوا على أن الوقفة تكون يوم السبت ، وأشار عليهم القاضي الشافعي أن يخرجوا يوم الخميس ويسيروا إلى عرفة ليدركوا الوقوف ليلة السبت احتياطا ويقفوا يوم السبت أيضا . فبينا هم على ذلك إذ دخل الركب الشامي فأخبروا برؤية الهلال ليلة الخميس وانه ثبت عند قاضيهم ، فبنوا على ذلك ووقفوا يوم الجمعة ونفروا ليلة السبت على العادة ، وذكر أنه وجد بمكة رخاء كثيرا ؛(9/167)
"""""" صفحة رقم 168 """"""
قال : ووصلت إلى جدة عدة مراكب وأسرعوا تفريغها ، فكان يدخل إلى مكة كل يوم خمسمائة جمل ، وبيع الشاش الخنبيسني بافلورين ونصف إلى ثلاثة - والأرز البيرمي من افلوري إلى ثلاثة .
قال : ووصل إلى مكة من اللؤلؤ والعقيق مع - السروي شيء كثير إلى الغاية .
قال : وفي اليوم الثاني من ذي الحجة ازدحم الناس فمات أربعة عشر نفسا ، ثم دخل الركب الغزاوي ثم الشامي ثم الحلبي ثم الكركي ثم الصفدي ثم البغدادي ثم التركماني إلى أن امتلأت بيوت مكة وشعابها وجبالها وامتدوا إلى منى ؛ قال : ولما وصلوا إلى عرفات أرجف مرجف بأن السيد بركات هجم جدة ونهبها ، ولم يظهر صحة ذلك ، ووصل قاسم أخو بركات حاجا فأمنه الشريف علي ولم يحدث منه سوء مع أنه أشجعهم وأفرسهم ، وندب أخاه الذي يقال له سيف ليأخذ جماعة ويتوجه إلى حراسة جدة ، ثم اتفق أخاه الذي يقال له سيف ليأخذ جماعة ويتوجه إلى حراسة جدة ، ثم اتفق معه على إن يحفظ الحاج بمنى وعرقة ، وتأخر هو عن الخروج مع الحاج ليلة التاسع ، فلما كان بعد عصر عرفه ثارت غبرة عظيمة ثم ظهر خلق كثير فرسان وغيرهم ، فظن الناس أنه بركات جاء في جمعه لينهبهم ، فانكشف الغبار فإذا هو علي ومن معه ، أدركوا الوقوف بعرفة ، وصحبته أخوه إبراهيم وكان قد تغيب عنه بمكة ، فلما وجده اعتذر بأنه قيل له إنه عزم على إمساكه ، فتنصل من ذلك(9/168)
"""""" صفحة رقم 169 """"""
واستصحبه معه فحصلت الطمأنينة للناس ، ونزلوا منى صبيحة اليوم العاشر ، وتجهز المبشر في ذلك اليوم فدخل القاهرة ليلة الأحد خامس عشري ذي الحجة .
وفي الثاني من ذي الحجة لبس السلطان البياض . لأن الحر كان اشتد من يومين ووافق السابع عشر من برمودة ، فتقدم قبل عادة القيظ بعشرين يوما .
وفي الرابع عشر - من ذي الحجة توجه القاضيان الشافعي والحنفي والمحتسب وجماعة إلى كنيسة اليهود الكائنة بقصر الشمع بمصر ، فوجدوا فيها منبرا ثلاث عشرة درجة يشبه أن يكون قريب العهد بالتجديد ، فتشاوروا في أمره فهم في أثناء ذلك ظهر في الدرجة التي يقف عليها الخطيب أو يقعد كتابة يلوح أثرها ، فقال لهم الشافعي : تأملوا هذه الكتابة ، فتداولها جماعة منهم حتى تبين أنها محمد وهي ظاهرة وأحمد وهي خفية ، فاقتضى الرأي إزالة المنبر المذكور فصورت دعوى ، وحكم نور الدين بن آقبرس نائب الحكم وناظر الأوقاف بإزالته وتأخر المحتسب لذلك وافترقوا ، ثم قام الشيخ امين الدين يحيى ابن الأقصرائي في كشف كنائس اليهود والنصارى فأبطلت عدة كنائس ، ختم على أبوابها إلى أن يتضح أمرها ، فمنها واحدة للملكيين ، وجد فيها دعائم بالحجر العص(9/169)
"""""" صفحة رقم 170 """"""
النحيت مثل الأعمدة ، فادعوا أنها كانت ذات أعمدة رخام فاحترقت في سنة ثلاث وسبعمائة ، وأخرجوا لها محضرا ثبت على القاضي جلال الدين القزويني وأذن في مرمتها فرموها بالحجارة وهي دون الرخام . .
وفي التاسع والعشرين منه استقر سودون الذي كان دويدارا عند طوغان أمير آخور الكبير - المؤيدي ، واستقر في آخر دولة الاشرف أمير شوي فاستقر الآن في نظر أوقاف المساجد والجوامع والزوايا بالوجهين القبلي والبحري ، فصار نظار الأوقاف الأهلية ثلاثة أنفس : نور الدين بن آقبرس وشرف الدين أبو بكر المصارع ، وسودون أمير شوي .
وفيات سنة 845
ذكر من مات في سنة خمس وأربعين وثمانمائة من الأعيان
أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن تميم بن عبد الصمد الشيخ تقي الدين المقريزي ، واصلهم من بعلبك ثم تحول(9/170)
"""""" صفحة رقم 171 """"""
أبوه إلى القاهرة وولي بها بعض ولايات من متعلقات القضاة وولي التوقيع في ديوان الإنشاء ، وكان مولد تقي الدين في سنة ست وستين وسبعمائة ، ونشأ نشأة حسنة ، وحفظ كتابا في مذهب أبي حنيفة تبعا لجده لأمه الشيخ شمس الدين بن الصائغ الأديب المشهور ، ثم لما ترعرع وجاوز العشرين ومات أبوه سنة ست وثمانين تحول شافعيا ، وأحب إتباع - الحديث فواظب على ذلك حتى كان يتهم بمذهب ابن حزم ولكنه كان لا يعرف به ، ونظر في عدة فنون ، وأولع بالتاريخ فجمع منه شيئا كثيرا وصنف فيه كتبا ، وسمع من شيوخنا وممن قبلهم قليلا كالطبردار وحدث ببعض مسموعاته ، وكان لكثرة ولعه بالتاريخ(9/171)
"""""" صفحة رقم 172 """"""
يحفظ كثيرا منه ، وكان إماما بارعا مفننا متقنا ضابطا دينا خيرا ، محبا لأهل السنة يميل إلى الحديث والعمل به حتى نسب إلى الظاهر - حسن الصحبة ، حلو المحاضرة ، وحج كثيرا واور مرات ، وقد رأيت بعض المكيين قرأ عليه شيئا من تصانيفه فكتب في أوله نسبه إلى تميم ابن المعز بن المنصور بن القائم بن المهدي عبيد الله القائم بالمغرب قبل الثلاثمائة ، والمعز هو الذي بنيت له القاهرة وهو أول من ملك من العبيديين - فالله أعلم ، ثم إنه كشط ما كتبه ذلك المكي من أول المجلد ، وكان في تصانيفه لا يتجاوز في نسبه عبد الصمد بن تميم ، ووقفت على ترجمة جده عبد القادر بخط الشيخ تقي الدين بن رافع وقد نسبه أنصاريا فذكرت ذلك له ، فأنكر ذلك على ابن رافع وقال : من أين له ذلك وذكر لي ناصر الدين أخوه أنه بحث عن مستند أخيه تقي الدين في الانتساب إلى العبيديين ، ذكر له أنه دخل مع والده جامع الحاكم فقال له وهو معه في وسط الجامع : يا ولدي هذا جامع جدك ؛ مات الشيخ تقي الدين في يوم الخميس سابع عشري شهر رمضان .
أحمد بن يوسف الخطيب الملقب درابة - بضم المهملة وتشديد الراء بعد الألف موحدة - شهاب الدين ، اشتغل قليلا وجلس مع الشهود(9/172)
"""""" صفحة رقم 173 """"""
دهرا طويلا ، وعمل توقيع الحكم ثم توقيع الدرج ثم توقيع الدست ، وكان سليم الباطن قليل الشر ، وفيه غفلة ؛ مات في رجب وقد قارب التسعين .
داود بن محمد أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو الفتح بن أمير المؤمنين أبي عبد الله المتوكل على الله ، مات في يوم الأحد رابع شهر ربيع الأول وقد قارب التسعين بعد مرض طويل ، وعهد بالخلافة لأخيه شقيقه سليمان ولقب بالمستكفي بالله - .
طيبغا مملوك الصاحب بدر الدين ابن نصر الله ، مات في 2 المحرم وكان قد أمر بحماة في الدولة الاشرفية .
عبد الله بن محمد بن الجلال نائب الحكم جمال الدين الزيتوني الشافعي أخذ عن شيخنا رهان الدين الأبناسي وغيره ، واشتغل كثيرا وتقدم ومهر ونظم الشعر المقبول الجيد وأفاد ، وناب في الحكم وتصدر وكان قليل الشر كثير السكون والكلام فاضلا ، أظنه قارب السبعين - بتقديم السين ؛ مات في يوم الخميس سادس عشر رجب .
عبد الله بن محمد جمال الدين البرلسي ، اشتغل قليلا وكان يتعانى بزي الصوفية ويصحب الفقراء ثم دخل مع الفقهاء ، وناب في الحكم(9/173)
"""""" صفحة رقم 174 """"""
قليلا في بعض البلاد - ، ثم منع من ذلك لكائنة جرت له لأن الشافعي لما منعه ناب عند الحنفي ، فعين عليه قضية تتعلق بكنيسة اليهود ، فحكم فيها بحكم يلزم نقض حكم سابق على حكمه من قاضي القضاة علاء الدين بن المغلي الحنبلي ، فأنكر عليه وقوبل على ذلك وصرف عن نيابة الحكم واستمر إلى أن مات في رجب ، وأظنه مات في عشر التسعين - بتقديم المثناة .
عبد الله بن محمد جمال الدين ابن الدماميني المخزومي - الإسكندراني قاضي الإسكندرية ، وليها أكثر من ثلاثين سنة ، وكان قليل البضاعة في العلم لكنه كثير البذل ضخم الرياسة ، سخي النفس ، أفنى مالا كثيرا في قيام صورته في المنصب ودفع من يعارضه فيه وركبه الدين ، ثم تحصل له إرث أو أمر من الأمور التي يحصل تحت يده بها مال من أي جهة كانت ساغت أم لم تسغ فيوشك أن يبذرها في ذلك ، وآخر ما اتفق له أن المعروف بسرور المغرب قام في عزله إلى أن عزل بشمس الدين ابن عامر أحد نواب الحكم من القاضي شمس الدين البساطي ، وامتنع(9/174)
"""""" صفحة رقم 175 """"""
القاضي بدر الدين بن - التنسي من استنابته فحسن الشيخ سرور للسلطان تولية ابن عامر فولاه ، فدخل إلى الإسكندرية وباشر القضاء بها ، وخرج جمال الدين قبله فقدم القاهرة وهو موعوك فتوسل بكل وسيلة إلى أن أعيد إلى منصبه ، وصرف ابن عامر فاستمر خاملا ، وأداروا الحيلة في إفساد صورة الشيخ سرور إلى أن تمت ، ونفي إلى المغرب بأمر السلطان ، ثم شفع به فأمر بإعادته ، فصادف أنه كان أنزل في مركب إفرنجي ليسافر به إلى بلاد المغرب فوصل البريدي مساء ، ففهموا أنه جاء في إطلاقه فغالطوه بقراءة الكتاب إلى أن يصبح ودسوا إلى الفرنجي فأقلع بمركبه ليلا ، فلما أصبحوا وقرئ الكتاب أمر بإصعاده ، فقيل سافر في المركب ، ورجع البريدي واستمر سفر الشيخ سرور - ، فلم ينتفع القاضي بعده بنفسه بل استمر متعللا ، واشيع موته مرارا إلى أن تحقق ذلك في هذا الشهر ذي القعدة ، أظنه جاوز الستين ، وعين للقضاء بعده الشيخ شهاب الدين التلمساني ، فوليه وتوجه فباشره ، وتحفظ بمباشرته إلى أن شاعت سيرته المستحسنة واستمر ، وانطفأت تلك الجمرة كأنه لم تكن ، ولم يترك جمال الدين بعده من يخلفه من أهل بيته ، وانقطع خبر الشيخ سرور فقيل إن الإفرنجي اغتاله فلحق الظالم بالمظلوم فكانا كما قال الله تعالى ضعف الطالب والمطلوب .(9/175)
"""""" صفحة رقم 176 """"""
عبد الرحمن بن علي الشيخ زين الدين ابن الصائغ كاتب الخط المنسوب ، تعلم الخط المنسوب من الشيخ نور الدين الوسمي ، فأتقن قلم النسخ حتى فاق فيه على شيخه ، وأحب طريقة ابن العفيف فسلكها ، واستفاد فيها من شيخنا الزفتاوي وصارت له طريقة منتزعة من طريقة ابن العفيف وغازي ، وكان الوسمي كتب على غازي وغازي كتب اولا على ابن أبي رقيبة شيخ شيخنا الزفتاوي وهو تلميذ ابن العفيف ، ثم تحول غازي عن طريقة ابن العفيف إلى طريقة ولدها بينها وبين طريقة الزكي العجمي ، فاق أهل زمانه في حسن الخط ونبغ في عصره شيخنا الزفتاوي لكنه لم تحصل له نباهة لسكناه بالفسطاط ، ومهر عبد الرحمن وشيخنا وكذا شيخه ، وصرح كثير بتفضيله عليه ، ونسخ عدة مصاحف وكتب ، وقرر مكتبا في عدة مدارس ، وانتفع أهل العصر به وحصل له في آخر عمره انجماع بسبب ضعف ، فانقطع إلى أن مات في نصف شوال في عشر الثمانين .
عبد الرحمن بن يوسف بن أحمد بن سليمان بن داود بن سليمان زين الدين أبو محمد وأبو الفرج ابن قريج - بقاف وراء وجيم مصغر - ابن الطحان(9/176)
"""""" صفحة رقم 177 """"""
الحنبلي الصالحي المسند ، مولده في سنة 164 ، واعتنى به أبوه فاسمعه على صلاح الدين ابن أبي عمر المسند ، وعلي عمر بن أميلة جامع الترمذي والسنن لأبي داود ومشيخة الفخر ابن البخاري وعمل اليوم والليلى لابن السني كما ذكر وعلى زينب بنت قاسم ما في المشيخة من جزء الأنصاري وصحيح مسلم كما ذكر على البدر محمد بن علي بن عيسى بن قواليح سنة 777 : أنا علي بن يعيش وغيره ، وقرأ بنفسه على ابن المحب حرسي : أنا المطعم ويحيى بن سعد والحجار سماعا والتقى سليمان بن حمزة إجازة : أنا ابن اللبي ، وجميع فوائد الكنجروديات تخريج السكري : أنا ابن الزراد ، وكتاب اليقين لابن أبي الدنيا : أنا أبو بكر بن عبد الدائم أنا محمد بن إبراهيم بن سليمان الإربلي سماعا ونصر بن عبد الرزاق الجيلي وخليل بن أحمد الجوسقي أجازة قالوا : أنا شهدة ، وكتاب الأربعين الصوفية لأبي نعيم : أنا إسحاق الآمدي ، وسمع من لفظه كثيرا ، وسمع على أبي الهول علي بن عمر الجزري كتاب الذكر لابن أبي الدنيا : أنا التقي سليمان(9/177)
"""""" صفحة رقم 178 """"""
ابن حمزة نبأنا الشهاب عمر السهروردي أنا هبة الله الشبلي ، وقرأ على أحمد بن العماد وأبي بكر بن العز شيخنا بالإجازة ، ومحمد بن الرشيد وعبد الرحمن ابن السبط كتاب التوكل لابن أبي الدنيا قالا : أنا العماد أبو عبد الله محمد بن يعقوب الجرائدي ويحيى بن سعد قالا أنا عبد الرحمن ابن مكي ، وعلي ابن أبي بكر بن يوسف بن عبد القادر الخليلي جزءا في فضل ركعتي الفجر وغير ذلك من أمالي القاضي أبي عبد الله المحاملي : أنا محمد بن غازي الحجازي أنا يحيى بن محمد القرشي أنا عبد الصمد بن محمد الأنصاري أنا عبد الكريم بن الخضر السلمي أنا الخطيب بسنده ؛ مات بقلعة الجبل في يوم الاثنين بعد العصر السابع والعشرين من صفر بعد أن تمرض أياما يسيرة ، وأسمع في قدمته سنن أبي داود وقطعة كبيرة من المسند .
عبد الرحيم بن محمد بن أبي بكر الرومي الحنفي نائب الحكم زين الدين ، اشتغل قليلا ، وتنزل في المدارس ، وناب في الحكم مدة ؛ ومات في رجب وقارب السبعين أوأكملها .
علي بن محمد نور الدين الويشي - وهو بكسر الواو وسكون المثناة من نحت بعدها معجمة ، وكان قد طلب العلم فاشتغل كثيرا ونسخ بخطه(9/178)
"""""" صفحة رقم 179 """"""
الحسن شيئا كثيرا ، ثم تعاني الشهادة في القيمة فدخل في مداخل عجيبة واشتهر بالشهادات الباطلة - والله سبحانه عفو غفور مات في ذي القعدة . محمد بن عبد الرحمن بن أبي أمامة أبو أمامة بن أبي هريرة الدكالي الأصل المعروف بابن النقاش ، مات في يوم الثلاثاء سادس عشري شعبان وقد قارب السبعين ، اشتغل قليلا وهو شاب ، ثم صار يخالط الأمراء في تلك الفتن التي كانت بعد وفاة برقوق فجرت له خطوب ، وقد خطب نيابة عن أبيه بالجامع الطولوني ، وحج مرارا وجاور ، وتمشيخ بعد وفاة والده ولم ينجب وأصابه الفالج في أوائل هذا العام إلى أن مات به ، ودفن إلى جانب والده .
محمد بن علي شمس الدين أبو شامة الشامي ، كان يزعم أنه أنصاري وولي نيابة الحكم بدمشق ثم ناب في الحكم بالقاهرة ، وكان كثير السكون مع إقدام وجرأة - وقد تقدم منا في الحوادث ، وكان خمل في آخر دولة الأشرف وتغيب مدة ، ثم ظهر في دولة الظاهر وولي وكالة بيت المال بدمشق ، ومات بها . محمد بن عمر شمس الدين الدنجاوي ، مات في أول شوال بالقاهرة وكان تعانى الأدب فمهر ، واشتغل في الفقه والعربية ، وقرره شرف الدين(9/179)
"""""" صفحة رقم 180 """"""
يحيى بن العطار في خزانة الكتب بالمؤيدية ، وكان خفيف ذات اليد ، وجاد شعره ، ومات في هذا الشهر بعد توعك يسير ، وذكر لأصحابه أنه رأى في المنام أنه يؤم بناس كثيرة وأنه قرأ سورة نوح ووصل إلى قوله تعالى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر فاستيقظ وجلا فقص المنام على بعض أصحابه وقال : هذا دليل أنني أموت في هذا الضعف ، فكان كما قال ، وما أظنه بلغ الأربعين .
محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق بن عيسى بن عبد المنع ابن عمران بن حجاج الأنصاري السفطي الشيخ ضياء الدين بن شيخنا ناصر الدين شيخ الآثار النبوية بالقرب - على شاطئ النيل ؛ مات في شوال ، وكان خيرا فاضلا مشهورا بالخير والديانة ، وولي المشيخة بعد أبيه فأقام فيها بضعا وثلاثين سنة .
محمد بن محمود بن محمد البالسي ثم القاهرة شمس الدين ، مات في ليلة الأربعاء الثاني والعشرين من صفر وقد بلغ التسعين وزاد عليها لأن مولده كان سنة 754 ، كان صاهر شيخنا ابن الملقن قديما على ابنته ، وحصل وظائف من مباشرات وأطلاب وشهادات ، وكان أحد الرؤساء بالقاهرة ، وناب في الحكم في عدة بلاد ، وكان حسن الخط قليل العلم ، وسمع الكثير من شيخنا وغيره ، واستجاز له شيخنا في شوال سنة سبعين وسبعمائة جماعة من مسندي الشام ، منهم عمر بن أميلة(9/180)
"""""" صفحة رقم 181 """"""
وأحمد بن إسماعيل بن السيف وصلاح الدين بن أبي عمر وأحمد بن محمد المهندس وحسن بن أحمد بن هلال وزينب بنت القاسم ، وهؤلاء من أصحاب الفخر وآخرون ، وحدث في أواخر عمره لما ظهرت هذه الإجازة وعن غيرهم ، وتمرض في آخر عمره مدة ، ومات صحيح البصر والسمع والأسنان .
محمد البصروي ناصر الدين ، مات بغزة ، وولي كتابة السر في إمرة نوروز بالشام ، وتولى قضاء القدس في دولة الأشرف سنة 35 ، وعزل منها في دولة الظاهر ، وكان قليل البضاعة من اعلم ، وفيه حشمة ورياسة .
محمد البرلس موقع الدست ناصر الدين ، مات في جمادى الآخرة ، كان يوقع عن الخليفة وعن ناظر الخاص ، وكان استقراره في التوقيع سنة . . فأقام في ذلك . . أربعين سنة .
حوادث سنة 846
سنة ست وأربعين وثمانمائة
شهر الله المحرم - أوله السبت ، في يوم الاحد - الثاني منه - أمره السلطان والي الشرطة بإصلاح الطرقات ، فأساء التصرف في ذلك فإنه ألزم كل من له حانوت أو بيت أن ينظف ما أمامه ، واوجع كثيرا منهم بالضرب المؤلم ، فبادر إلى ذلك - كل من حضر الوعيد فشرع في قطع(9/181)
"""""" صفحة رقم 182 """"""
ما أمام داره أو حانوته ، وغاب كثير منهم فصارت الطرقات جميعا موعرة وقاسى الناس من ذلك شدة شديدة خصوصا من يمشي بالليل وهو ضعيف البصر ، ثم أبطل ذلك في اليوم الثاني ، واستمر بعض الطرق بغير إصلاح .
وفي أول يوم منه ختم على كنيسة النصارى الملكيين ، لأنه وجد داخلها أعمدة كدان من الحجارة المنحوتة وأكناف جدد فزعموا أن معهم مستندا بذلك ، فلما أبطأوا بإحضاره ختموا عليها ومنعوا من دخولها ، وكشف في حارة زويلة عن دار كانت لبعض أكابر اليهود وكانوا يجتمعون عنده للاشتغال بأمور دينهم فمات فجعلها محبسة لذلك فصارت في حكم الكنيسة ، فرفع عنهم أنهم أحدثوا كنيسة ، فأكد عليهم عدم الاجتماع فيها وأن تسكن بالأجرة أو لمن يستحق سكناها ، وفوض الأمر فيها لبعض نواب الحنفي فحكم بانتزاعها من أيدي اليهود ، واشهد على الكثير منهم بعد أن ثبت عنده أنها إن أحدثت كنيسة أن لا حق لهم في رقبتها ، فحكم بها لبيت المال ، فنودي عليها في يوم الأربعاء ثاني عشره .
وفي الخامس منه عزر القاضي الحنفي ثلاثة من يهود كنيسة مصر الذي ظهر فيها اللوح المكتتب فيه محمد وأحمد لان جماعة ثبت عنده أنهم كانوا يصعدون على المنبر ، فمات واحد منهم وأسلم آخر وعاش آخر(9/182)
"""""" صفحة رقم 183 """"""
موعوكا ثم مات ، ثم تتبعوا سائر الكنائس وحكم بأنها من الحجارة الجديدة لكونها محدثة وليس لهم الإعادة إلا بالمثل أو دونه ، وفعل ذلك بجميع ما بالبلدين - وحصل على جميع الطوائف من أهل الذمة من الإهانة والتعزير ما لا يزيد عليه ، وأظهر الملكية محضرا يتضمن الإذن لهم عمارتها بعد الحريق الكائن في سنة ثلاثين وسبعمائة من القاضي جلال الدين القزويني قاضي الديار المصرية في الدولة الناصرية ، وتاريخ المحضر سنة 34 ، فوقع في ذلك نزاع كثير ، وانفصل الحال على أن كل ما حكم فيه نائب الشافعي يكمله على مقتضى مذهبه ، وما عدا ذلك يتولى الحكم فيه القاضي المالكي بنفسه .
وفي الخامس من المحرم ادعى عند القاضي صدر الدين ابن روق على طائفة من اليهود القرائن بأن بحارة زويلة دارا تعرف بدار ابن شمخ كانت مرصدة لتعليم أطفال اليهود وسكنى لهم فأحدثوها كنيسة ، لها حدود أربعة : القبلي إلى خربة فاصلة بينها وبين دار تعرف بأولاد الجالي ، والبحري إلى دار بحري في ملك بو سعيد النصراني ، والشرقي إلى سكن إبراهيم العلاف ، والغربي بعضه إلى دار شموال النافذ وفيه الباب ؛ فأشهد عليه انه ثبت(9/183)
"""""" صفحة رقم 184 """"""
عنده بشهادة من أعلم له مضمون المحضر المذكور ، وحكم بموجب ما قامت به البينة في تاريخه وكان نص شهادة من أعلم له ، شهد بمضمونه عبد الرزاق بن محمد بن شعيب الشهير بالجنيدي ، كتب بخطه وأعلم له : شهد عندي بذلك ، ومثله عبد الله بن يوسف بن ناصر الشريف النقلي وكتب عنه وأعلم له : شهد بذلك ، ومثله جلال الدين محمد بن علي بن عبد الوهاب ابن القماط ، ومثله داود بن عبد الكريم وزادوا أن الدار المذكورة تسمى دار ابن شمخ وليست بكنيسة قديما ، وشهد علي بن محمد التوصوفي أن الدار المذكورة - تعرف بدار ابن شمخ وانها كانت معدة لتعليم الأطفال وأعلم له : شهد بذلك و محمد بن أبي بكر بن محمد - بن قضاة وأنها ليست بكنيسة قديما وإنها كانت معدة لتعليم أطفال اليهود وكتب عنه وأعلم له : شهد عندي بذلك ، وشهد بمثل ذلك نحو عدد المذكورين ، ثم اتصل ذلك بأفضل الدين محمود بن سراج الدين القرمي ونفذ حكم صدر الدين في السادس من المحرم ، ثم ادعى عند نور الدين ابن البرقي على جماعة من اليهود أن الدار المذكورة أعلاه كانت مرصدة لتعليم أطفال اليهود القرايين ومسكنا لهم ثم اتخذوها كنيسة عن قريب وأنها مستحقة لبيت المال المعمور بمقتضى أن ابن شمخ هلك ولم يعقب ولم يترك ولدا ولا أسفل من ذلك ولا عاصبا ولا من يحجب بيت المال(9/184)
"""""" صفحة رقم 185 """"""
عن استحقاقها سفلا وعلوا ، أن رئيس اليهود القرايين ومشايخهم يتداولون وضع أيديهم على الدار المذكورة خلفا عن سلف بغير طريق شرعي ، وطالبهم برفع أيديهم وتسليمها لمن يستحقها ، فسئلوا فأجابوا بأن هذه الدار بأيديهم وأنهم وجدوها على هذا الوجه وتلقوها عن آبائهم وأجدادهم ، وبين المدعي المذكور ما ادعاه فذكر المدعي أن الذي تضمنه المحضر المذكور ثبت أولا على صدر الدين وحكم بموجبه ونفذه أفضل الدين ، أعذر فيه لجمع كثير من اليهود القرايين ، فكلف المدعي المذكور أن يثبت ذلك ، فاتصل بنور الدين البرقي ما اتصل بأفضل الدين من الثبوت والتنفيد .
والإعذار والإقرار ، وثبت عنده بطريق شرعي أن ابن شمخ هلك ولم يترك ولدا ولا اسفل من ذلك ولا عاصبا ولا من يحجب بيت المال عن استحقاق هذه الدار سفلا وعلوا وثبت عنده جميع ذلك ثبوتا شرعيا ، فلما تكامل ذلك سأل المدعي المذكور الحاكم المذكور الإشهاد على نفسه بثبوت ذلك والحكم باستحقاق بيت المال لهذه الدار سفلا وعلوا وجميع ما اشتملت عليه من المنافع والمرافق والحقوق ، وعلى المعذر إليهم برفع أيديهم عن الدار المذكورة سفلا وعلوا وتسليمها لبيت المال ، فاستخار الله تعالى ونظر في ذلك - وتروى فيه والتمس من المدعي عليهم حجة يدفعون بها ما ثبت بأعاليه أو كتابا قديما يشهد لهم بملك أو وقف ، فاعترفوا بأن لا حجة لهم تدفع ذلك ولم يكن عندهم كتاب بذلك ، فأعاد المدعي(9/185)
"""""" صفحة رقم 186 """"""
المذكور السؤال المذكور ، فراجع الحاكم المذكور فيه مستنيبه ومن حضر من أهل العلم ، وأجاب السائل إلى سؤاله وأشهد على نفسه بثبوت ذلك عنده الثبوت الشرعي ، وحكم بما سأله الحكم به فيه - حكما صحيحا شرعيا مستوفيا شرائطه الشرعية ، وأشهد عليه بذلك في يوم الجمعة السابع من المحرم سنة تاريخه .
وفي يوم الخميس السابع والعشرين من شوال استقر القاضي بدر الدين محمود بن أحمد العينتابي في الحسبة عوضا عن الشيخ نور الدين الخراساني ، وعزل افضل الدين الذي كان الخراساني استنابه في غيبته ، وكان قبل ذلك خصيصا عند القاضي بدر الدين العيني وولاه الخطابة بمدرسته واستنابه ، فنقم عليه الانضمام للشيخ نور الدين .
وفي هذا اليوم بعد استقرار القاضي ناصر الدين ابن المخلطة في(9/186)
"""""" صفحة رقم 187 """"""
تدريس المالكية بالمدرسة الأشرفية نازعه ولد الشيخ عبادة بمساعدة جماعة من الأكابر ، وتمسكوا بقول الواقف بان من كان له ولد وهو أهل التدريس بها فلا يقدم عليه غيره ، فاستقر الولدان جميعا لأنه لم يوجد في شرط الواقف ما يمنع التشريك ، وقبل ذلك نوزع القاضي شمس الدين ابن عامر المالكي في تدريس الشيخونية يعد أن استقر فيها وعمل إجلاسا ، فنوزع بان شرط الواقف أنه لا يقدم على من كان متأهلا للتدريس من طلبة المكان ، فإن لم يكن فيهم أهل قرر من غيرهم ، يقدم الأفضل فالأفضل والأمثل فالأمثل ، وكان أحد النظار قرر ابن عامر والآخر قرر الشيخ يحيى العجيسي ، فاتفقوا على أن الشيخ يحيى أفضل من ابن عامر ، فصرف ابن عامر وقرر الشيخ يحيى ، وأشار بعض الحاضرين بأن يعوض ابن عامر وظيفة خفيفة من وظائف الشيخ يحيى ، فتبرع قاضي المالكية بوظيفته بالجمالية له ووقع التراضي ، ثم غضب القاضي من ابن عامر من كلام واجهه به فتعصب له ناظر الجمالية فامتنع من إمضاء النزول ، ولم يظفر ابن المخلطة ولا ابن عامر بشيء .
وفي يوم الاثنين الخامس عشر من ذي القعدة صرف كاتبه عن القضاء بسبب امرأتين من أهل الشام تنازعتا في نظر خمس سنين وشهرا وعشرة أيام وقف والدهما ، فشرك الحمصي وهو يومئذ قاضي الشافعية بدمشق بينهما ثم بعده الونائي بقليل ، فحكم للكبرى وألغى الحكم للصغرى ،(9/187)
"""""" صفحة رقم 188 """"""
فعقد لهما مجلس بحضرة السلطان وتعصب الأكابر للصغرى ، فوجد حكم الونائي لا يلاقي حكم الحمصي فأمر كاتبه أن يستوعب الصورة ويستمر بهما على الاشتراك ، فلما تأملت وجدت حكم الونائي لا ينقض ، فاعتل عليه وكيل الصغرى بأنه اسنده إلى ما ثبت عنده من تبذيرها وسفهها ولم يفسر التبذير والسفه فلا يقدح فيها ، لاحتمال أن يكون من شهد بذلك يعتقد ما ليس بسفه سفها وما ليس بتبذير تبذيرا ، وأخرج فتاوى جماعة من الشافعية بذلك ، فتوقفت عن مراده لما تأملت في آخر حكم الونائي بعد اعتبار ما يجب اعتباره شرعا فقلت : لو جاء فقال : فسر عندي بقادح وقد دخل في هذا الكلام كان مقبولا منه ، فاستشاط الوكيل وتوسلت موكلته إلى جمع كثير من الأكابر ، فأبلغوا السلطان أن هذا الكلام تعصب للونائي ، فصرح بعزل الاثنين ، فلما بلغ كاتبه ذلك أقام بمنزله لا يجتمع بأحد ، فلما كان ضحى يوم الخميس حضر إليه الحمصي رسولا من السلطان على لسان الشيخ شمس الدين الرومي أحد جلساء السلطان فأمره بالاجتماع بالسلطان ، فاجتمع به - فقص عليه القصة مفصلة ، فعذره واعتذر إليه وقرره في الوظيفة ، وكان قد صمم على عدم القبول من أول يوم ، فاجتمع به القاضي الماضي المالكي وبلغه عن الجماعة ما يقتضي التخويف والتهديد(9/188)
"""""" صفحة رقم 189 """"""
إذا استمر على الإعراض بما يخشى منه على المال والد والعرض ، فقبل على ذلك - والله المستعان ؛ ثم ألحوا عليه في التشريك بين المرأتين في النظر ، فتأمل - فوجد حكم الونائي منذ سنين وجاز أن يصير السفيه فيها رشيدا ، فالتمس منهم بينة تشهد باستواء المرأتين في صفة الرشد الآن ليقع التشريك بينهما مع بقاء حجة الغائبة ، فاقيمت عند بعض النواب ، وقضى بذلك في ثاني ذي الحجة منها - والله المستعان .
وفي الثامن والعشرين من ذي القعدة قدم القاضي بهاء الدين ابن حجي من الشام ، وهرع الناس للسلام عليه ، ثم استقر في نظر الجيش صبيحة ذلك اليوم وهو يوم الاثنين تاسع عشري شهر ذي الحجة ، وظهر بعد ذلك انه كان آخر يوم من الشهر ، لأنه اشتهر أن جمع من الناس رأوا هلال ذي القعدة ليلة الأحد .
واستهل ذو الحجة يوم الثلاثاء بالرؤية .
ففي الحادي عشر منه لبس السلطان البياض .
وفي الخامس عشر منه وصل علي بن حسن بن عجلان أمير مكة من الطور وكان السلطان أرسل بالقبض عليه ، فقبض في ذي القعدة وجهز في البحر إلى الطور ومعه أخوه إبراهيم ، فوصلا مقيدين فسجنا ببرج القلعة ، وكان أخوهما أبو القاسم قد استقر في الإمرة وتوجه صحبة الحاج ، وكان شرط عليه أن يبطل النزلة وهي أن عادة أكابرهم أن يستجير بهم الغريب ويسمونه نزيلا ، فغلب ذلك عليهم حتى صار من(9/189)
"""""" صفحة رقم 190 """"""
عليه حق يستنزل ببعضهم فيمنع من يطالبه حتى بالحق ، وكثر البلاء بذلك وافرطوا فيه فرفع ذلك للسلطان ، فشرط على هذا الأمير إن يبطل ذلك جملة ويعاقب من فعله ، وكتب عليه بذلك التزام وحكم عليه به .
وفيات سنة 846
ذكر من مات في سنة ست وأربعين وثمانمائة من الأعيان
أحمد بن محمد شهاب الدين بن محمد - الشيخ شمس الدين بن فهيد المصري المشهور بابن المغيربي - بالتصغير ، ولد من أمة سوداء بعد الستين ، ونشأ في حجر أبيه ، وزوجه بنت الأمير أبي بكر بن بهادر ، وكان بزي الترك ، ولم يشتغل بعلم ولا تميز في شيء إلا أنه كان كثير المعاشرة للجند ، وينفق عليهم بمعرفة لسانهم والانتساب إلى الفقراء ، وولي في سلطنة الملك الظاهر جقمق مشيخة الدسوقية ، وكثرت فيه الشكوى ، وكان ممن يأكل الدنيا بالدين ، ولا يتوقى من يمين يحلفها فيما لا قيمة له مع إظهار تحري الصدق والديانة البالغة ، وكان يتوسع في المآكل والملابس من غير مادة ، فلا يزال عليه الدين ويشكو الضيق ؛ مات بعلة الدرب في ليلة الثامن من شهر ذي الحجة بعد ضعف ستة أشهر .(9/190)
"""""" صفحة رقم 191 """"""
حسن بن نصر الله بن حسن بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الكريم البصروي الأصل ثم الفوي ، كاتب سر مصر وناظر جيشها وخاصها ووزيرها وأستادارها ومشيرها ، ولد في ليلة الثلاثاء ثالث ربيع الأول سنة سبعمائة وست وستين بفوة ونشأ بها ، ثم تحول إلى الإسكندرية فباشر بها عدة جهات ، ثم عاد إلى فوة فولي نظرها ، ثم عاد إلى الإسكندرية فولي نظرها ، ثم تحول إلى القاهرة فترقى بعناية يشبك الكبير في دولة الناصر ، فولي الخاص ثم الوزارة ثم نظر الجيش إلى أن جاءت الدولة المؤيدية ، فخرجت عنه الجيش وتولى الخاص ثم الوزارة ، وصودر مرارا من غير إهانة ، ثم ولي الخاص بعد انقضاء الدولة المؤيدية في زمن الظاهر ططر ، واستمر في دولة الصالح محمد بن ططر ثم في دولة الأشرف إلى أن استقر أستادارا ، وصرف عن الخاص بالقاضي كريم الدين بن عبد الكريم ابن كاتب جكم في أوائل جمادى الأولى سنة 828 ، وعزل عن الاستادارية ، وصودر هو وولده صلاح ، وأخذ الأشرف منهما ستين ألف دينار ، واستمر بطالا في منزله ، ثم ولي الأستادارية بعد سنين مرة ثانية فلم تطل مدته فيها وعزل ، ثم ولي الأستادارية بعد سنين مرة ثانية فلم تطل مدته فيها وعزل ، وولي آقبغا الجمالي الأستادارية عوضا عنه ، ولزم داره سنين إلى أن ولي كتابة السربعد موت ولده صلاح الدين فباشرها يسيرا ، وعزله جقمق بصهره الكمال البارزي ، ولزم البدر بيته إلى أن مات ، وكان شيخا طوالا ضخما جهوري الصوت حسن الشكالة مدور اللحية كريما واسع النفس على الطعام فاضلا ، وطالت ايامه في السعادة هو وولده فصارا رؤساء مصر ، وكان لا يسلم كل قليل من مصادره مع إنعامه وفضله(9/191)
"""""" صفحة رقم 192 """"""
على أعيان الدولة ، وكان عنده بادرة خلق سيء مع حدة مزاج وصياح في كلامه ، مات في هذه السنة بعد أن أقام ضعيفا نحو السنتين بمرض يقال له الحمق والنسيان اختلط منه ذهنه ، وحجب في منزله إلى أن مات في ليلة الأربعاء سابع ربيع الآخر - .
أيتمش الخضري كان من مماليك الظاهر برقوق - وتقرر خاصكيا ، وولي إمرة غزة ثم ولي الأستادارية الكبرى في دولة الأشرف ، وتنقلت به الأحوال وأصيب في جسده ببياض فكان يستره بحمرة ، وكان قارئا للقرآن ، محبا في حملته ، كثير البر لهم ، مع شر فيه وبذاءة لسان وارتكاب أمور فيما يتعلق بالمال ، سقط عليه جدار فغطاه ، فأخرج منه مغشيا عليه ، فعاش بعده قليلا ومات في آخر ليلة السبت العشرين من شهر رجب .
تغر بردى البكلمشي الملقب بالمؤذي ، مات يوم الثلاثاء خامس عشر - في جمادى الآخرة وهو يومئذ الدويدار الكبير ، وكان شهما شجاعا ، عارفا بالامور ، فصيحا بالعربية ، كثير الجمع للدنيا ، وعمر في ولايته الدويدارية مدرسة بالصليبة ، عمل فيها خطبة ، ووقف عليها أوقافا(9/192)
"""""" صفحة رقم 193 """"""
غالبها مغتصبة ، وسر أكثر الناس بموته لثقل وطاته عليهم ، وأظنه قارب السبعين .
عبادة بن علي الزرزاي المالكي الشيخ العالم العلامة المفنن زين الدين ، سمع الكثير من شيوخنا ورافقنا في السماع مدة ومهر في الفقه وغيره ، وصار رئيس المالكية بأخرة ، وعين للقضاء بعد موت القاضي شمس الدين البساطي فامتنع ، فألح عليه فأصر ثم تغيب إلى أن ولي غيره ، وولاه الملك الأشرف التدريس بمدرسته التي بجوار الوراقين أول ما فتحت - تدريس المالكية بها إلى أن مات ، وولي قبل موته بقليل تدريس الشيخونية بعد ابن تقي ، وكان قبل موته بمدة قد انقطع إلى الله تعالى ، وأعرض عن الاجتماع بالناس وأقبل على شأنه ، وامتنع من الإفتاء إلا باللفظ أحيانا ، مات في رمضان وجاوز السبعين .
عبد الله السنباطي الواعظ جمال الدين ، مات في رمضان بعد مرض طويل وقد جاوز السبعين ، وكان يتكلم على الناس بالجامع الأزهر(9/193)
"""""" صفحة رقم 194 """"""
من نحو سبعين سنة ، ولازم مجلس - الشيخ سراج الدين البلقيني ، يقرأ عليه من كلامه وكلام غيره ، واشتهر ذكره وحظي حظوة عظيمة ، وكان مع ذلك يشتغل بالعلم ويستحضر في الفقه ، وقد ناب في الحكم عن القاضي جلال الدين وغيره .
عبد الرحمن بن محمد الزركشي الشيخ أبو ذر الحنبلي ، سمع من أبي عبد الله البياني صحيح مسلم وحدث به عنه مرارا ، وتفرد عنه بالرواية بالديار المصرية بل كان في هذا الوقت مسند مصر ، مات في ليلة الأربعاء ثامن عشر صفر فنزل الناس بموته درجة ، ومولده في . . وخمسين وسبعمائة ، وكان يدري الفقه على مذهبه ، فقرر في تدريس المدرسة الاشرفية الجديدة ، وباشر في تدريس الشيخونية بعد موت القاضي محب الدين الحنبلي البغدادي ، وكان صحيح البدن ضعيف البصر وقد ناهز التسعين .
عبد العزيز بن علي بن عبد المحمود البكري المقدسي البغدادي الحنبلي(9/194)
"""""" صفحة رقم 195 """"""
القاضي عز الدين ، ولي قضاء القدس وحصل بينه وبين الخطيب بالقدس وهو حينئذ القاضي برهان الدين الباعوني فقام على الباعوني فقدر أن الباعوني ولي قضاء الشام ، فتوجه عز الدين إلى بغداد فأقام بها وولي القضاء بها ثم عاد إلى القدس ، فلما دخل الهروي القدس وقع بينهما فتحول عز الدين إلى القاهرة بأهله ، فاتفق دخول الهروي القاهرة وولي قضاء الشافعية بها ، فقام عليه عز الدين إلى أن عزل ، ثم ولي تدريس الحنابلة بالمؤيدية أول ما فتحت ، ثم ولي قضاء الشام فأقام مدة ثم عاد ، ثم ولي القضاء بالديار المصرية مرة ثانية ، ثم أعيد إلى قضاء دمشق ، وكان عجبا في بني آدم كثير الدهاء والمكر والحيل ونقل عنه أشياء مضحكة ؛ مات بدمشق في شوال مفصولا عن الحكم ، وكان اختصر المغني وضم(9/195)
"""""" صفحة رقم 196 """"""
إليه مسائل من المنتقى لابن تيمية من مختصرات الحنابلة .
علي بن إسماعيل بن محمد بن بردس بن نصر بن بردس بن رسلان البعلي علاء الدين ، مولده سنة 762 ببعلبك ونشا بها وقرأ القرآن ، ورحل به والده إلى دمشق واسمعه جامع الترمذي وسنن أبي داود ومشيخة الفخر على أبي حفص عمر بن أميلة ، وأسمعه على الصلاح ابن أبي عمر الشمائل للترمذي ومسند ابن عباس من مسند الإمام أحمد ومسند أهل البيت فيما أظن ، وسمع مسند الإمام الشافعي على يوسف بن عبد الله ابن حاتم بن الحبال سنة 772 أنا أبو الحسن اليونيني والتاج عبد الخالق ابن علوان ، قال اليونيني : أنا ابن الزبيدي وأخوه أبو علي الحسن وعبد السلام ابن عبد الرحمن بن سكينة ومحمد بن سعد بن الخازن وأبو هريرة محمد ابن الوسطاني وآخرون إجازة ؛ ح وقال ابن علوان : أنا الموفق بن قدامة إجازة نا أبو زرعة أنا أبو الحسن الكرخي بسنده ، وله مسموعات آخر ببعلبك على شيوخها وفيهم كثرة ، وهو شيخ صالح خير مؤذن بجامع بعلبك ، مات بعد أن رجع إلى بلاده في أول سنة ست وأربعين ، وكان قدم القاهرة كما تقدم وأقام بها مدة وأسمع الكثير ، ثم رجع(9/196)
"""""" صفحة رقم 197 """"""
فمات وبقي من الثلاثة واحد وهو ناظر الصاحبية .
محمد بك بن دلغادر الأمير ناصر الدين صاحب الأبلستين وحمو الملك الظاهر جقمق ، مات في أوائل جمادى الآخرة بالأبلستين ، وقيل إنه قتل على فراشه ، وكان كثير الشرور والعصيان على الملوك - .
محمد بن عمر بن علي الطنبدي القاضي جمال الدين المعروف بابن عرب ، مات في ليلة الخميس الثامن من شهر رمضان وهو في عشر المائة ، ولد بعد الخمسين بيسير ، واشتغل وقرأ القرآن وحفظ التنبيه ، ثم وقع على القضاة وهو في العشرين ، رأيت خطه في الشهادة على أبي البقاء السبكي سنة 73 فأداها بعد سبعين سنة وزيادة ، ثم ولي حسبة القاهرة ووكالة بيت المال غير مرة ، وأذن له في الحكم نيابة عن القاضي الشافعي ، ثم اقتصر على النيابة بعد الثمانمائة واستمر ، وجرت له خطوب ، وانقطع باخرة في منزله مع صحة عقله وقوة جسده ، وكانت أكثر إقامته ببستان له بجزيرة الفيل ، ثم توالت عليه الأمراض وتنصل - إلى أن كان في هذه السنة فإنه سقط من مكان فانكسرت ساقه ، فحمل في محفة من جزيرة الفيل إلى القاهرة ، فأقام نحو أربعة أشهر ومات ، وهو أقدم من بقي من طلبة العلم ونواب القضاة الشافعية .
محمد بن محمد بن محمد بدر الدين ين زين بن شمس الدين الدميري(9/197)
"""""" صفحة رقم 198 """"""
المالكي ، كان جده ناظر المارستان وولي الحسبة وكذا والده واستمر هو في مشارفته ، وكان مشكور السيرة كثير الحياء والتودد للناس ، مات في رمضان وكثر الثناء عليه ولم يبلغ الخمسين .
محمد بن محمد بن بدير زوج أخت الذي قبله بدر الدين العباسي المعروف بالعجمي ، وكان رفيق الذي قبله بالمارستان مشكور السيرة أيضا محببا إلى الناس ، وكثر التأسف عليهما ، مات في شوال .
حوادث سنة 847
سنة سبع وأربعين وثمانمائة
شهر الله - المحرم ، أوله الأربعاء بالرؤية في اليوم التاسع منه استقر سراج الدين عمر بن موسى الحمصي في قضاء الشافعية بطرابلس ، وأضيف إليه نظر الجيش بعد أن أقام بالقاهرة ثمانية اشهر وأزيد يسعى في قضاء الشافعية بدمشق ، فحضر الونائي قاضيها في الثالث والعشرين من ذي الحجة ، فحصل للحمصي ياس من قضاء دمشق فسعى في طرابلس إلى أن خلع عليه .(9/198)
"""""" صفحة رقم 199 """"""
وفي يوم الأحد تاسع عشر شهر ربيع الأول عمل المولد السلطاني ، وكان مختصرا في كل أحواله بحيث أن عدد القراء انحط من ثلاثين إلى عشرة وكذلك الوعاظ ، وفرغ بين العشائين ، وتوجه الناس إلى منازلهم سالمين من عبث المماليك .
وفي يوم الاثنين سابع عشر شهر - ربيع الأول توجه العسكر المجهز لقتال الفرنج برودس ، ومقدمهم تمرباي راس نوبة الكبير وإينال العلائي الدوادار الكبير ، ومعهم ألف وخمسمائة مقاتل ، ومعهم جمع كثير من المطوعة ، فتوجهوا إلى دمياط ليجتمع بها المراكب التي جهزت من الشامات وغيرها .
وفي هذا العشر من هذا الشهر توقف النيل بعد إن كانت الزيادة في العشر الأول ظاهرة ، ونودي في يوم منه بثلاثين إصبعا - والله المستعان فيما كان - فكانت مدة التوقف . . وفي ليلة الخميس . . وفي من شهر ربيع الآخر توجهت مراكب - العساكر إلى دمياط(9/199)
"""""" صفحة رقم 200 """"""
للغزو ، وكان ركوبهم في البحر في . . وساروا ، وقذفهم الريح إلى أن اجتمعوا في طرابلس . . وتوجهوا منها في . . ، فلما كان في السابع من جمادى الآخرة فتحوا بلدا في جزيرة في وسط البحر تسمى القشتيل - بفتح القاف وسكون المعجمة وكسر المثناة من فوق وسكون المثناة من تحت بعدها لام .
وقد شرح لي صاحبنا العلامة إبراهيم بن عمر بن الحسن البقاعي الوقعة وأثبتها في هذا التعليق بخطه منذ توجهوا من دمياط إلى أن توجهوا(9/200)
"""""" صفحة رقم 201 """"""
إلى جهة الديار المصرية ليكون قصتها متوالية ، وهذا اوان سفر الجيش المنصور من داخل فم البحر الملح كان يوم الأحد رابع عشر شهر ربيع الآخر قاصدا اللمسون من جزيرة قبرس - جعلها الله دار إسلام إلى يوم الدين آمين .
وكان في المراكب واحد بطيء السير ، فكان الناس يتقدمونه لحكم الهواء ثم يرجعون بسببه ، فتاهوا عن طريقهم فأشرفوا على جبال صيدا وكان قد قل ماء بعضهم ، فأرسوا على ساحل بيروت ليلة الاثنين ثاني عشري الشهر ، وتاه تمرباي في خمسة عشر مركبا فأرسوا على طرابلس في تلك الليلة ، ووجدنا العسكر الشامي قد توجه من بيروت إلى قبرس في خمسة عشر مركبا يوم الخميس ثامن عشر الشهر ، ثم رحلنا عن بيروت يوم الأربعاء رابع عشري الشهر والريح قليل جدا ، فأرسينا على الملاحة من أرض قبرس يوم الأحد ثاني عشريه ، ووافى بها فيه من كان ذهب إلى طرابلس فكان ذلك من غرائب الاتفاق ، ثم رحلنا يوم الثلاثاء مستهل جمادى الأولى ، واستبطأنا الشاميون وكانوا على اللمسون فلاقونا بين الملاحة واللمسون فأرسينا هنالك ، وقد تم عدد المراكب ثمانين ما بين أغربة وحمالات ومربعات وزوارق وسلالير سوى ما يبتعها من القوارب ، ثم سرنا ليلة الأربعاء ثانيه فأرسينا على اللمسون في(9/201)
"""""" صفحة رقم 202 """"""
آخر نهارها ، فوجدنا أميرها قد رحل بأهلها وأمتعتهم ، فحكم اصحاب الأغراض الدنيوية ، وهم غالب الناس عليهم بنقض العهد ، وأفتاهم بذلك من تسمي باسم الطلب ممن لم يرسخ قدمه في العلوم الدينية ، ولم تطل ممارسته للسنة النبوية ، ولا اتسعت معارفه في الأحوال الحربية والسياسات الشرعية ، وتشبثوا بما لا تمسك فيه ، فاشتد الأذى وعظم الخطب ، فسعوا في تلك الأراضي بالفساد ونهبوا ما وجدوه في بعض البلاد ، وحرقوا وقتلوا ، فنهيت من قدرت عليه وبالغت في الزجر ، وبحثت مع بعض من أضلهم حتى قطعت حججهم ، وذكرت أنا تحققنا لهم عهدا فلا نزيله إلا بتحقق نقضه وان عذرهم في الهرب الخوف من المفسدين ، وما في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا - الآية من الإشارة إلى التأني ، وعلى ذلك فإنهم لعمري لم يرجعوا بقلوبهم ، ثم ذكرت قصة يهود بني النضير في ذهاب النبي e إليهم - يستعينهم في دية العامريين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه خطا ، وجلوسه e إلى بعض جدرهم ، وعزمهم على أن يطرحوا عليه صخرة ليقتلوه وإخبار الله تعالى له بذلك ، وأنه مع تحققه لنقضهم لم يبادر إليهم بالقتال بل خيرهم بينه وبين المسير من بلاده إلى آخر القصة ؛ فبينما نحن على ذلك إذ جاءت رسل صاحب قبرس في آخر يوم الخميس تخبر بان ضيافته تلاقي العسكر في الباف بإشباع الموحدة - ،(9/202)
"""""" صفحة رقم 203 """"""
وأنهم باقون على عهدهم سامعون مطيعون مسرورون بمسيرنا إلى رودس لكثرة أذاهم له ، واعتذروا عن هرب القرى المجاورة بنحو اعتذاري عنهم . وفي ذلك اليوم رأى بعض المسلمين مركبين أشرفوا علينا من بعد بحيث رأوا مراكبنا ثم ذهبوا فقصدوا المسير إليهم ، فلم يكن في الأغربة من يصلح لذلك من النوتية ولا من الجند ليفرقهم في تلك الأراضي ، ثم رحلنا من اللمسون ليلة السبت خامس الشهر فأرسينا على اللمسون عصر يومها ، ثم سرنا يوم الاثنين بالمقاذيف وتفرقت المراكب لعدم الريح وعدم المقاذيف في بعضها فأرسينا على الرأس الأبيض في ذلك اليوم ، ثم سرنا منه ليلة الثلاثاء خامس عشر الشهر مع معاكسة الهواء وجر أصحاب المقاذيف العريين عنها فارسينا قريبا من ذلك المنزل ، ثم سرنا صبيحة يوم الأربعاء سادس عشره فأرسينا على قرية قريبة من الباف ، فجاءت رسل صاحب قبرس فأخبروا عن مقدار الضيافة وشكوا ما فعل في بلادهم وتوجعوا ، وظهر منهم الخداع إما لما فعل ببلادهم أو لغير ذلك ، فاستقل أميرنا هديتهم وغضب لعدم مجيء ملكهم وإحضارهم لما بقي عندهم من المال ، واعتذروا عما فعل في بلادهم بأنه فعل بعض الأتباع بغير علمه على أنهم معذورون لعدم المبادرة باللقاء وإحضار الضيافة والإخبار بالطاعة ، فرحل ليلة الخميس سابع عشره معرجا عن الباف(9/203)
"""""" صفحة رقم 204 """"""
لئلا يأخذ هديتهم ، فتعديناها وأرسينا على رأس الصندفاني ، ثم رحلنا صبح يوم الجمعة ثامن عشر الشهر مع عدم الريح ، فاستمرينا ندور في البحر ونحن بحيث نرى الجبال إلى أن قصدنا البر فأرسينا به ليلة الأحد في هذه المنزلة فاستقينا ، ثم رحلنا يوم الأحد العشرين منه فنزلنا على مدينة العلايا من بر التركية ليلة الخميس رابع عشري الشهر ، وحصلت هناك زلزلة عظيمة قبل غروب شمس يوم الجمعة خامس عشره - بنحو عشر درج رجفت منها الأرض ثلاث رجفات ، ثم سرنا عنها يوم الاثنين ثامن عشري اشهر ، فأرسينا على مدينة
أنطاليا ليلة الأربعاء مستهل جمادى الآخرة ، ثم سرنا عنها ضحى ذلك اليوم فأرسينا على آغو ليلة الخميس ثانيه - لاجتماع الناس ، وكان قد حصل لهم ريح عاصف فرقهم وضعضع بعضهم ، فاجتمعوا إلا اثنين : أحدهما لم يقعوا له على خبر والثاني أخبروا انه في أنطاكيا يصلح خللا حصل في غرابه ، فأمر يشبك الفقيه بالرجوع لمساعدته ، فرجع ليلة الأحد خامس الشهر ، وسار الأمير بالجيش نحو رودس ، فرجعنا إلى أنطاكيا في ذلك اليوم ، فلما أصلح المركب سرنا ليلة الثلاثاء سابع الشهر فلحقنا بعض العسكر عند رأس الشالدون فأرسينا(9/204)
"""""" صفحة رقم 205 """"""
جميعا على منزلة فنيكة ، ثم سرنا منها تلك الليلة فلحقنا جميع العسكر في بكرتها عند مجاز القيقبون ومعهم بتخاص وكان مر على المراكب ليلا فلم يرها وظنهم تقدموا ، فلما قرب من القيقبون وجدوا أربعة من مراكب الفرنج فطلبوه فرجع ونذر بهم التركمان ، فاجتمعوا في البر فتركوه ورجعوا ، فعلم أن الجيش وراءه فاستمر راجعا حتى نام في فنيكة ، وبلغ الأمير خبره فأرسل في أمره نجدة فوجدوه في فنيكة - وفي هذا اليوم أرسلنا بالقيقيون ، ووجدوا هنالك امرأة جالسة على الجبل ، فأحضروها إلى أمير فقالت : إنها كان تسحر جيش المسلمين ثم هداها الله تعالى إلى الإسلام فأسلمت ، فأبطل الله تعالى باطل سحرهم ، وأوقعهم في حبائل كفرهم وأشراك كيدهم ومكرهم - ثم سرنا في أواخر ليلة الجمعة عاشر الشهر فأرسينا ضحى يومها بمنزلة إينوا ، ثم سرنا منها في أوائل ليلة السبت حادي عشره فأرسينا في أواخرها على قشتيل الروج ، وهو حصن منيع على جبل رفيع في طرف جزيرة تقرب مساحتها من مساحة القاهرة من الحسينية إلى القرافة ومن تربة برقوق إلى بولاق فشارفه بعض شبان المسلمين فصعد إليهم بعض الأكابر فتلطف بهم حتى ردهم ، فظن الفرنج انهم خافوا فرموا عليهم بمكحلة وهزأوا بهم ، فأثر الكلام في الناس فكلم بعضهم الأمير في قتالهم فمنع منه وأقلع للسفر ، ثم أكثروا(9/205)
"""""" صفحة رقم 206 """"""
عليه في ذلك فرده الله تعالى لأمر قدره وقضاه ، وارتضاه في سالف الازل فأمضاه ، فوثب الناس إليهم وثوب الآساد ، وسمحوا بأرواحهم سماح الاجواد ، ووقع قائم الزحف ، وقام قاعد الحتف ، وتقدمت الأبطال ، وتميزت فحول الرجال ، وعملت المعاول في السور ، وبان هنالك الرجل الصبور ، وتراشق الناس بالنبال ، وتراموا بالجنادل الخفاف والثقال ، فطارت رسل السهام ، بمر شراب الحمام ، ودارت على البرايا ، كؤوس المنايا ، وألقوا بالدرق والحنويات ، والدروع الداوديات - ولله در المقاليع فلقد كانت كأنها المناجيق - ولله أصحابها فلقد كان الأقوياء يسترون بعض أجسامهم بدروع الحديد وكانوا هم يعدون جميع أبدانهم حديدا ، ويرمون رميا شديدا ، ثم أحجموا عن مجاورة السور إلى جدار الحصن وهبت ريح الصبا من حين قتالهم إلى ظهر يوم الاثنين ثاني عشر الشهر ، فكان ذلك من آيات القول المحمدي نصرت بالصبا وفي ذلك اليوم حطم الناس واشتد البؤس ، وقامت الحرب على ساق ، وكلت من النظر الاحداق ، اشتكت إلى أبدانها الأعناق ، واستداروا بالحصن من غالب الجوانب ، وكثر في رمينا الصائب ؛ فحمي الوطيس ، وخذل إبليس أخطأت كثيرا سهامهم ومكاحلهم ، وأصيبت دروعهم ومقاتلهم ، وحينئذ استدارت الريح دبورا فكانت من علامات إهلاكهم ، وأهلكت(9/206)
"""""" صفحة رقم 207 """"""
عاد بالدبور ، وهدت مكحلتنا عند ذلك ناحية من الجدار ، وأضرم بسهم خطاي من تحته نار ؛ وكان ذلك من بديع الآيات ، وعظيم العنايات ، وما زالت تقلله تقليلا ، وتهدمه قليلا قليلا ، إلى أن هدمت منه جانبا كبيرا ، وكان يوما على الكافرين عسيرا . ا ليلة الأربعاء مستهل جمادى الآخرة ، ثم سرنا عنها ضحى ذلك اليوم فأرسينا على آغو ليلة الخميس ثانيه - لاجتماع الناس ، وكان قد حصل لهم ريح عاصف فرقهم وضعضع بعضهم ، فاجتمعوا إلا اثنين : أحدهما لم يقعوا له على خبر والثاني أخبروا انه في أنطاكيا يصلح خللا حصل في غرابه ، فأمر يشبك الفقيه بالرجوع لمساعدته ، فرجع ليلة الأحد خامس الشهر ، وسار الأمير بالجيش نحو رودس ، فرجعنا إلى أنطاكيا في ذلك اليوم ، فلما أصلح المركب سرنا ليلة الثلاثاء سابع الشهر فلحقنا بعض العسكر عند رأس الشالدون فأرسينا جميعا على منزلة فنيكة ، ثم سرنا منها تلك الليلة فلحقنا جميع العسكر في بكرتها عند مجاز القيقبون ومعهم بتخاص وكان مر على المراكب ليلا فلم يرها وظنهم تقدموا ، فلما قرب من القيقبون وجدوا أربعة من مراكب الفرنج فطلبوه فرجع ونذر بهم التركمان ، فاجتمعوا في البر فتركوه ورجعوا ، فعلم أن الجيش وراءه فاستمر راجعا حتى نام في فنيكة ، وبلغ الأمير خبره فأرسل في أمره نجدة فوجدوه في فنيكة - وفي هذا اليوم أرسلنا بالقيقيون ، ووجدوا هنالك امرأة جالسة على الجبل ، فأحضروها إلى أمير فقالت : إنها كان تسحر جيش المسلمين ثم هداها الله تعالى إلى الإسلام فأسلمت ، فأبطل الله تعالى باطل سحرهم ، وأوقعهم في حبائل كفرهم وأشراك كيدهم ومكرهم - ثم سرنا في أواخر ليلة الجمعة عاشر الشهر فأرسينا ضحى يومها بمنزلة إينوا ، ثم سرنا منها في أوائل ليلة السبت حادي عشره فأرسينا في أواخرها على قشتيل الروج ، وهو حصن منيع على جبل رفيع في طرف جزيرة تقرب مساحتها من مساحة القاهرة من الحسينية إلى القرافة ومن تربة برقوق إلى بولاق فشارفه بعض شبان المسلمين فصعد إليهم بعض الأكابر فتلطف بهم حتى ردهم ، فظن الفرنج انهم خافوا فرموا عليهم بمكحلة وهزأوا بهم ، فأثر الكلام في الناس فكلم بعضهم الأمير في قتالهم فمنع منه وأقلع للسفر ، ثم أكثروا عليه في ذلك فرده الله تعالى لأمر قدره وقضاه ، وارتضاه في سالف الازل فأمضاه ، فوثب الناس إليهم وثوب الآساد ، وسمحوا بأرواحهم سماح الاجواد ، ووقع قائم الزحف ، وقام قاعد الحتف ، وتقدمت الأبطال ، وتميزت فحول الرجال ، وعملت المعاول في السور ، وبان هنالك الرجل الصبور ، وتراشق الناس بالنبال ، وتراموا بالجنادل الخفاف والثقال ، فطارت رسل السهام ، بمر شراب الحمام ، ودارت على البرايا ، كؤوس المنايا ، وألقوا بالدرق والحنويات ، والدروع الداوديات - ولله در المقاليع فلقد كانت كأنها المناجيق - ولله أصحابها فلقد كان الأقوياء يسترون بعض أجسامهم بدروع الحديد وكانوا هم يعدون جميع أبدانهم حديدا ، ويرمون رميا شديدا ، ثم أحجموا عن مجاورة السور إلى جدار الحصن وهبت ريح الصبا من حين قتالهم إلى ظهر يوم الاثنين ثاني عشر الشهر ، فكان ذلك من آيات القول المحمدي نصرت بالصبا وفي ذلك اليوم حطم الناس واشتد البؤس ، وقامت الحرب على ساق ، وكلت من النظر الاحداق ، اشتكت إلى أبدانها الأعناق ، واستداروا بالحصن من غالب الجوانب ، وكثر في رمينا الصائب ؛ فحمي الوطيس ، وخذل إبليس أخطأت كثيرا سهامهم ومكاحلهم ، وأصيبت دروعهم ومقاتلهم ، وحينئذ استدارت الريح دبورا فكانت من علامات إهلاكهم ، وأهلكت عاد بالدبور ، وهدت مكحلتنا عند ذلك ناحية من الجدار ، وأضرم بسهم خطاي من تحته نار ؛ وكان ذلك من بديع الآيات ، وعظيم العنايات ، وما زالت تقلله تقليلا ، وتهدمه قليلا قليلا ، إلى أن هدمت منه جانبا كبيرا ، وكان يوما على الكافرين عسيرا .
وكان الأمير سودون قراقاش المؤيدي - قص على يوم السبت سادس عشري جمادى الأولى أنه رأى في المنام أن الحصار في مكان له سوران ، قال : فهززت الذي يليني لأرميه ، فقال : ارم الذي وراءك فهو الأهم ، قال : فقلت : بل أرميك ثم أرميه ؛ فكان تأويل ذلك أنه كان منزله وقت حصار هذا الحصن قرب البرج الأخير الذي يلي - فيه الباب ، فاشرف من هناك بعض الفرنج ضحى يوم الخميس سادس عشر الشهر أعني جمادى الآخرة - وقالوا : قد كان قصدكم إلى رودس فنريد أن تذهبوا إليها قبل أن تنهك أنفسكم وأموالكم ، فإن أخذتموها فنحن في قبضتكم ، أو أعطونا سلورة حتى نذهب إليهم ، فإن رضوا سلمنا لكم(9/207)
"""""" صفحة رقم 208 """"""
فعلنا ؛ فلم يرد الأمير لهم جوابا إلا رمي المكحلة والمنجنيق ، وكان قد نهانا في ذلك الوقت ونادى مناديه وهم يسمعون بالمنع من كلامهم إلا بإذنه ، وكنا وجدناهم قد طموا بعض آبارهم ، ووضعوا في الجميع التراب وأغصان الدفلي وورقها ، فأنتنت المياه وقلت ، فذهب جماعة من المسلمين إلى بر التركية للاستقاء ، فوجدوا هناك ثلاثة رجال فأتوا بهم في عصر هذا اليوم ، فسألهم الأمير عن أمرهم ، فقالوا : إنهم هربوا من بلاد التركمان قاصدين إلى القشتيل ، فضربهم فأصروا على ذلك وقالوا : إنهم مماليك لبعض الروم وسمي كل واحد منهم مالكه وكان قد أصيب خلق ممن دنا إلى الحصن بالحجارة والنبل وضاع منا في أحجارهم سهام كثيرة ، فمنع الأمير من الدنو إليهم وجعل جل القتال على المدفع والمنجنق ، ثم أمطرت علينا السماء من أوائل يوم الأحد إلى أواخر يوم الاثنين مطرا متصلا ومنه ما هو شديد جدا مع برق ساطع ورعد صادع ثم استمر الجو في غالب الأوقات مغلسا والمطر يتعاهد الأرض والهواء عاصف فشق ذلك على الناس لإتيانه لهم على غفلة لكنه أغناهم عن الاستقاء من بر التركية ، ثم صحت السماء يوم السبت خامس عشري الشهر وحميت الشمس فاتفقت فيه كثرة إصابة المكحلة والمنجنيق وتواردهما على مكان واحد من الجدار فأوهناه وهنا شنيعا وأسرعنا إلى إفساده إسراعا ذريعا ، فخاف الكفار من الدنو إلى ذلك المكان ، فاتفق أن قاربه اثنان من المسلمين فعلما ذلك فلاصقا الجدار وتابعهما الناس وأسرع(9/208)
"""""" صفحة رقم 209 """"""
إليهم النقابون وستروهم بالأتراس . وجاء الفرنج وأكثروا من رمي الحجارة ، فيسر الله تعالى نقبه ، وتلاحق الناس بالحنويات وجدوا في الأمر ، وكانت القتلى مع ذلك قليلا ، وجاء الليل فأرخى ستره وأسبل سرباله فكانت حجارتهم تنزل على غرة فغلبت السلامة ، وضاق النقب على الحجارين فستر لهم بابه بالاخشاب فأوسعوا ، وجد الجد عند الصباح وعظم الهد لما دعا داعي الفلاح ، وحم الأمر وجاء النصر ، ودقت فينا البشائر ، وشقت منهم بعد الجدر المرائر فقذف الله في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين ، فطلبوا الأمان عند الشروق ، فكفوا عنهم النبل ودلوا كبيرهم إلينا بحبل ، فوقع الصلح على أن يكفوا عنهم القتل ، وعن أهلهم ويتركوا حصنهم بما فيه ، فكان ذلك من الألطاف الخفية والآيات النبوية ، وكانت عدتهم نحو مائة وخمسين ورحالهم ستين ، والله أعلم بعدة قتلاهم فقد سئل اثنان بحضوري مفترقين فاختلف كلامهما اختلافا كثيرا ، وقتل منا أكثر من ثلاثين وجرح كثير ، فصعد المسلمون إليه وعلوا أكثرهم - عليه ، ونكست تلك الأعلام وانتصبت رايات الإسلام ، وكسرت الصلبان ، وعلت كلمة الإيمان ، وزعق هنالك الذعر السلطاني ، وحمد ولله الحمد الأمر الشيطاني ، وكان يوما علينا مطيرا ، وعلى(9/209)
"""""" صفحة رقم 210 """"""
الكافرين عبوسا قمطريرا ، ثم شرعنا في هدم المكان صبح يوم الاثنين سابع عشري شهر ، فلم يفرغ إلا وقد ساوت جدرانه الأرض ، من طولها والعرض ، وسارع إليه الخراب ، وصار ماوى الثعالب والذئاب ، ولم يبق في تلك الجزيرة ديار ، ولا نافخ نار ، ولقد صعدت الحصن فرأيت من صعوبته ما يزيد على الوصف ، وكثر حمدي لله تعالى على ما ألقى في قلوبهم من الرعب ، فإنهم لو ثبتوا لزاد التعب ، ولم نقدر عليه بنقب ولا مكحلة ، والمرجو ممن حقق بعض - منام الأمير سودون أن يحقق بقيته ، واتفق رأي الأمراء أن يشتوا في بلاد الروم في بلدة يقال لها مكري حتى يريد الله ما يريد فهو المرجو فضله في تيسير الأمور ، ثم لم يوافقهم الريح الشرقي واستمر الغربي ، وخافوا من هروب من في المراكب من النواتية وغيرهم ، فاقتضى رأيهم أن ينزلوا بجزيرة قبرس ، فساروا
ضحى يوم الأحد ثالث شهر رجب ، فاصبحوا بمنزلة فنيكة وقد تفرقت المراكب لظلمة الليل وقلة الريح ، فأقاموا بها يومين ثم سافروا ، فقويت الريح فأرسوا بالجانب الغربي من رأس الشالدون في منزلة يقال لها قرابالق وقد تفرقت المراكب بحيث لم يعلم أحد خبر أحد إلى أن هبت(9/210)
"""""" صفحة رقم 211 """"""
الريح فاجتمعوا إلا مركب الأمير إينال الدويدار ، وهو كبيرهم ، فأرسلوا من يعرف خبرهم في مركب لطيف فلم يعد الخبر عنه ، ثم ظهر إنه ارسى بمن معه في القيقبون من عدم الريح ، فتوجهت الاغربة بأمر أمير البحر إليه وكان غرابنا فيها ، فسرنا بعد أن دفن أمير الشاميين فارس نائب القلعة وكان جرح في القشتيل في جبينه جراحة أزالت عقله ، فلما كنا في أثناء الطريق آخر هذا اليوم أرسلت علينا السماء من أفواهها عيون الماء ، واجتمعت ظلمة الليل إلى سواد ذلك العماء ، فأرسينا هنالك ، وقد خفنا أن تحيط بنا المهالك ، وأن تحبط أعمالنا لذلك ، فلم يصبح يوم الأحد عاشره إلا وقد شابت رؤوس الجبال فاكتست عمائم الثلج البيض ، وعادت وجوه الرجال من شباب البرد في الطويل العريض ، ثم ابيض السحاب فشابت منه ناصية البحر ، وعاد اسوداده واخضراره فائقا بياض النحر ، فضربتنا الأهواء من بياض الجبال والبحر بشيبين ، وأغرقتنا الأنواء من ماء الغمام والموج بشيبين ، وبلينا من قرص الذباب ورقص الغراب ، بأليم العذاب ، فعلمت أنه لا يريح من هذه العموم ، ويزيح ما توالى من جيوش الغموم ، إلا الأعمال الصالحة ، والأقوال الرابحة ، ولم أستحضر فيما سلف لي منها ا أرتضيه ، فألتجئ إلى ظله وارتجيه ، وفهمت من حديث كعب بن عجرة وغيره أن أسرع الدعاء في القبول ، واشده إنقاذا من شدة الشدائد الصلاة على الرسول ، فلزمتها ليلا ونهارا ، عشيا وإبكارا وأرسينا ليلة الاثنين على فنيكة - ومنعنا الهواء من(9/211)
"""""" صفحة رقم 212 """"""
جوازها وهو صعب العريكة ، فبتنا بليلة رأينا فيها من الأهوال ما رأينا ، وقاسينا من شديد الأحوال الذي قاسينا ، ريح تكاد والعياذ بالله أن تقلب الغراب ، وصيب لا ينجي منه ستر ولا ثياب ، وبرق يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ، وأمواج ما يمنعها كبر - من الكبر ومثيرها البحر الزخار ، فضاقت الصدور من جامعين ، وطارت القلوب من خافضين رافعين ، ليل سواده أشد من سواد الغراب ، وغراب أعظم في تقلبه من لاطائر النقاب ، ثم انجلت الشمس وطاب الوقت ، وابتدانا في اجتناء ثمرة الصلات من الفوز والنجاة ، فسرنا في آخر ليلة الأربعاء ثالث عشر الشهر نحو القيقبون حتى أدركنا بقية الجيش في المكان الأول ، واجتمعت الآراء على العود إلى الديار المصرية خوفا من هيجان البحر وعدم موافقة الرياح - والله المستعان . يوم الأحد ثالث شهر رجب ، فاصبحوا بمنزلة فنيكة وقد تفرقت المراكب لظلمة الليل وقلة الريح ، فأقاموا بها يومين ثم سافروا ، فقويت الريح فأرسوا بالجانب الغربي من رأس الشالدون في منزلة يقال لها قرابالق وقد تفرقت المراكب بحيث لم يعلم أحد خبر أحد إلى أن هبت الريح فاجتمعوا إلا مركب الأمير إينال الدويدار ، وهو كبيرهم ، فأرسلوا من يعرف خبرهم في مركب لطيف فلم يعد الخبر عنه ، ثم ظهر إنه ارسى بمن معه في القيقبون من عدم الريح ، فتوجهت الاغربة بأمر أمير البحر إليه وكان غرابنا فيها ، فسرنا بعد أن دفن أمير الشاميين فارس نائب القلعة وكان جرح في القشتيل في جبينه جراحة أزالت عقله ، فلما كنا في أثناء الطريق آخر هذا اليوم أرسلت علينا السماء من أفواهها عيون الماء ، واجتمعت ظلمة الليل إلى سواد ذلك العماء ، فأرسينا هنالك ، وقد خفنا أن تحيط بنا المهالك ، وأن تحبط أعمالنا لذلك ، فلم يصبح يوم الأحد عاشره إلا وقد شابت رؤوس الجبال فاكتست عمائم الثلج البيض ، وعادت وجوه الرجال من شباب البرد في الطويل العريض ، ثم ابيض السحاب فشابت منه ناصية البحر ، وعاد اسوداده واخضراره فائقا بياض النحر ، فضربتنا الأهواء من بياض الجبال والبحر بشيبين ، وأغرقتنا الأنواء من ماء الغمام والموج بشيبين ، وبلينا من قرص الذباب ورقص الغراب ، بأليم العذاب ، فعلمت أنه لا يريح من هذه العموم ، ويزيح ما توالى من جيوش الغموم ، إلا الأعمال الصالحة ، والأقوال الرابحة ، ولم أستحضر فيما سلف لي منها ا أرتضيه ، فألتجئ إلى ظله وارتجيه ، وفهمت من حديث كعب بن عجرة وغيره أن أسرع الدعاء في القبول ، واشده إنقاذا من شدة الشدائد الصلاة على الرسول ، فلزمتها ليلا ونهارا ، عشيا وإبكارا وأرسينا ليلة الاثنين على فنيكة - ومنعنا الهواء من جوازها وهو صعب العريكة ، فبتنا بليلة رأينا فيها من الأهوال ما رأينا ، وقاسينا من شديد الأحوال الذي قاسينا ، ريح تكاد والعياذ بالله أن تقلب الغراب ، وصيب لا ينجي منه ستر ولا ثياب ، وبرق يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ، وأمواج ما يمنعها كبر - من الكبر ومثيرها البحر الزخار ، فضاقت الصدور من جامعين ، وطارت القلوب من خافضين رافعين ، ليل سواده أشد من سواد الغراب ، وغراب أعظم في تقلبه من لاطائر النقاب ، ثم انجلت الشمس وطاب الوقت ، وابتدانا في اجتناء ثمرة الصلات من الفوز والنجاة ، فسرنا في آخر ليلة الأربعاء ثالث عشر الشهر نحو القيقبون حتى أدركنا بقية الجيش في المكان الأول ، واجتمعت الآراء على العود إلى الديار المصرية خوفا من هيجان البحر وعدم موافقة الرياح - والله المستعان .
واتفق وصول أولهم إلى ساحل دمياط في يوم الأربعاء التاسع عشر من شهر رجب ، ووصل الخبر بذلك إلى القاهرة في يوم الجمعة(9/212)
"""""" صفحة رقم 213 """"""
بعد الصلاة ، ثم وصل سودون المحمدي مبشرا بقدومهم فاجتمع بالسلطان في يوم الاحد الثاني والعشرين منه ، ثم تلاحق بقية العسكر ، فمنهم من جرته الريح إلى ساحل دمياط كما تقدم ، ومنهم من جرته إلى الإسكندرية ، ونزل أكثرهم بساحل رشيد ، ثم دخلوا بحر النيل فاستقبلهم الريح المريسية ، فما تكامل مجيئهم إلا في يوم الأربعاء حادي عشر شعبان ، فركبوا جميعا ومعهم الأسرى والغنيمة إلى القلعة ، وخلع عليهم ، واجتمعوا بالسلطان يوم الخميس .
من الحوادث بعد سفر الغزاة
في أواخر جمادى الآخرة قدم زين الدين عبد الباسط الذي كان ناظر الجيش ومدبر المملكة في سلطنة الأشرف بعد أن استأذن في القدوم إلى السلطان زائرا ، فأذن له فقدم ، وهرع الناس إلى تلقيه وبالغوا في ذلك لما ظنوا من عوده إلى ما كان عليه ، فلما اجتمع بالسلطان خلع عليه وعلى أولاده الثلاثة ، فزينت لهم البلد وأظهروا من الفرح به ما لم يكن في البال حتى أطبق أكثر الناس على أنهم ما رأوا مثل ذلك اليوم من كثرة استبشار الناس به ، وهرع الناس بعد للسلام عليه وأرجفوا بولايته وتنافسوا في ذلك ، فأقام أياما ثم استأذن في الزيارة فأذن له ، فحصل له بسط زائد وابتهاج وعاد بغير شيء ، ثم تكرر ذلك إلى أن أظهر أنه لا أرب في ولاية من الولايات وإنما يريد أن يشتي(9/213)
"""""" صفحة رقم 214 """"""
بالقاهرة ويصيف بالشام ، فسكت عنه ، ثم بدا له أن يستأذن في الرجوع فأذن له فودع ، وسار قبل أن يستهل رجب ، وحصل لأصحاب الوظائف طمأنينة زائدة بعد قلق كثير ، لأن كلا منهم ما كان يدري ما يؤل أمره معه ، وأعطى السلطان لولده الكبير بالشام - إمرة .
وفيه رافع ولد القاضي شهاب الدين ابن الرسام الذي كان قاضيا بحماة ثم بحلب ، وكان ولده هذا يتقاضى الإشغال بباب والده ، ثم توصل إلى التعرف بالسلطان لما كان في السفرة الأخيرة من دولة الأشرف بحلب ، ثم إنه حضر ورافع في كاتب السر بحلب وهو زين الدين عمر بن شهاب الدين بن السفاح وفي نائب القلعة ووالي القلعة ومباشر القلعة أنهم استولوا على الحواصل السلطانية في إمرة تغري برمش الذي كان نائبا بها وخرج لما خلع الملك العزيز وآل أمره إلى القتل كما تقدم ، فاحضر الأربعة مع البريدية وحبسوا بالبرج ، ثم أذن لنائب القلعة تغري برمش الفقيه في محاسبتهم ، فتقرر عليهم خمسة وعشرين ألف دينار وأطلقوا ليحصلوها ، واستقر الذي رافع فيهم في نظر الجيش وكتابة السر جميعا ، وسافر ومعه زوجته ألف بنت القاضي علم الدين صالح ابن شيخنا البلقيني ، فلما كان بعد سفره بعشرة أيام أعيدت كتابة السر لابن السفاح وأذن له في السفر . .(9/214)
"""""" صفحة رقم 215 """"""
وفيات سنة 847
ذكر من مات في سنة سبع وأربعين وثمانمائة من الأعيان
ازبك جحا مات مسجونا بقلعة صفد ، وكان من خواص الأشرف .
حسن بن عثمان بن الأشقر بدر الدين أخو ناظر الجيوش محب الدين ، وكان قد باشر نظر المرستان نيابة عن أخيه ، ثم لما تولاه في زمن الظاهر جقمق مات في صفر ولم يكمل الستين ، وتاسف عليه أخوه كثيرا ، وكان قائما بأمور أخيه كلها .
علي بن أحمد بن . . بصال الإسكندراني الأصل نور الدين - كان يتعانى التوقيع في ديوان الإنشاء ، واشتغل كثيرا في عدة فنون ولم يكن بالماهر ، وسمع من أبي الفرج ابن الشيخة والشيخ سراج الدين بن(9/215)
"""""" صفحة رقم 216 """"""
الملقن وغيرهما ومن قبل ذلك ، كتب بخطه كثيرا من تصانيف شيخنا المذكور ، وحدث باليسير ولازم مجالس الإملاء عندي نحوا من عشرين سنة ، مات ف آخر يوم الأربعاء ثالث عشري رجب أظنه أكمل السبعين .
خليل السخاوي غرس الدين ناظر الحرمين القدس والخليل ، كان عاميا ورقاه الظاهر جقمق حتى عد من الأعيان ، ولم تطل مدته حتى مات ليلة العشرين من جمادى الأولى وكان يتدين مع كونه عاريا .
صدقة المحرقي فتح الدين ناظر الجوالي ، كان ممن رقاه جقمق على عاميته ؛ مات في ليلة الخميس سلخ شوال ودفن ظاهر باب الحديد .
فارس أمير السرية التي خرجت من دمشق في الغزاة إلى رودس فأصابه جراحة ، فتضعف منها إلى أن مات في البحر بعد أن رجعوا - وقد ذكر في رسالة برهان الدين - .
محمد ناصر الدين أبو المعالي بن السلطان الظاهر جقمق ، مات في السبت سحر الثاني عشر من ذي الحجة ، وكان مولده في شهر رجب سنة 816 ، وقرأ القرآن واشتغل بالعلم وحفظ كتبا ومهر في مدة(9/216)
"""""" صفحة رقم 217 """"""
يسيرة ، ونشا في معاشرة أهل العلم ، ولازم الشيخ سعد الدين بن الديري قبل أن يلي القضاء ، وتردد إلى كاتبه ، وأخذ عن شمس الدين الكافياجي الرومي وغيره ، وكان محبا في العلم والعلماء ، وولي الإمرة بعد سلطنة أبيه بقليل ، وجلس راس الميسرة وسكن الغور بالقلعة ، ووعك في أثناء السنة قدر شهر ثم عوفي ، ثم انتكس في أوائل شوال وأصابه السل ، فصار بنقص كل يوم ، ثم انقطعت عنه شهوة الأكل وخرج إلى النزهة في الربيع وهو بتلك الحال فما رجع إلا وهو كما به ، وطرأ عليه الإسهال واستحكم به السل ، وهو مع ذلك يحضر الموكب إلى أن صلى صلاة العيد ونزل إلى بيته بالرميلة فضحى ورجع واستمر إلى أن مات ، لم يتهيأ له أن يوصي ، وخلف بنتين وثلاث نسوة ووالديه ، وكان حنفيا لكثرة من يعاشره ، ويلازم الشافعية ، وكان كثير البر والبشر ، قليل الأذى ، كثير الإنكار على ما لا يليق بالشرع ، غلا أنه كان منجمعا عن الكلام مع والده ، وكان يكظم غيظه إلى أن قدرت وفاته - ، فمات شهيدا فمنعهم أبوه من الاعتماد على ذلك ، ومنهم من يزعم أنه سقى ؛ ولم يثبت شيء من ذلك ، ودفن بقرب القلعة بالتربة التي أنشأها قانباي الجركسي لولده محمد . . وكان من أقرانه ، وكانت سيرة الآخر مشكورة ، ومات وله دون الثلاثين .(9/217)
"""""" صفحة رقم 218 """"""
يحيى بن العباس بن محمد بن أبي بكر العباسي ، وهو ابن الخليفة السلطان المستعين بالله أمير المؤمنين بن المتوكل بن المعتضد ، مات بعد(9/218)
"""""" صفحة رقم 219 """"""
الظهر الثاني عشر من المحرم ، وأخرجت جنازته صبيحة الثالث عشر ، ودفن بالصحراء في حوش اتخذه لنفسه فدفن فيه أولاده ، ولم يخلف غير بنتين ، ولم يبلغ الأربعين ، وكان قد ترشح للخلافة لما مات عمه المعتضد داود وادعى أن والده عهد إليه ، فلم يتم له ذلك ، وكان من خيار الناس ، مشكور السيرة ، سليما مما يعاب - رحمه الله ولم يخلف ذكرا وخلف مالا جزيلا فيما قيل .
جمال الدين بن المجبر التزمنتي . . الشيخ جمال الدين ، مات في ليلة الجمعة خامس عشر شهر رجب ، وكان فاضلا اشتغل كثيرا - ، ودار على الشيوخ ، ودرس في أماكن ، وناب في الحكم عن القاضي علم الدين ابن شيخنا البلقيني وكان صديقه ، وأظنه جاوز السبعين .
جلال الدين بن شرف الدين عبد الوهاب ، الشريف الجعفري الزيني الأسيوطي ، مدرس المدرسة الشريفية بأسيوط ، والمدرسة المذكورة إنشاء ابن عم أبيه زين الدين بن الناظر الاسيوطي ، وكان قد ولي الحك بها مدة .
حوادث سنة 848
سنة ثماني وأربعين وثمانمائة
استهل المحرم منها يوم الاثنين وقد تزايد الطاعون ، وبلغ عدد الأموات في كل يوم زيادة على عشرين ومائة ممن يضبط في المواريث(9/219)
"""""" صفحة رقم 220 """"""
وقيل إنه يزيد على المائتين ، وأكثر من يموت الأطفال والرقيق ، ثم تزايد واشتد اشتعاله إلى أن دخل الحاج فتزايد أيضا ، ومات من أطفالهم ورقيقهم عدد جم ، ويقال إنه جاوز الألف في كل يوم .
وفي يوم الاثنين ثاني عشري الشهر خرج أمير المجاهدين إينال الدويدار الكبير ، وكان خرج قبله باثني عشر يوما طائفة كبيرة تقدموا إلى إحضار المراكب من دمياط إلى الإسكندرية .
وفي يوم الجمعة الثالث من صفر بعد صلاة الجمعة والشمس في الجوزاء أمطرت السماء مطرا يسيرا بغير رعد ، تقدمته ريح عاصف بتراب منتشر ، فسكن في الحال واصبح الناس يتحدثون أن الوباء قد تناقص عما كان .
وفي ليلة الأحد خامس صفر وجدت وجعا تحت إبطي الأيمن ونغزة مؤلمة فنمت على ذلك ، فلما كان في النهار زاد الألم قليلا ،(9/220)
"""""" صفحة رقم 221 """"""
ونمت القائلة وانتبهت - والأمر على حاله ، فلما كان العاشر برزت تحت إبطي كالخوخة اللطيفة ، ثم أخذت في لخفة قليلا قليلا إلى العشر الأخير منه فذهبت كأن لم تكن - ولله الحمد وتناقص الموت إلى أن انحط ما بين العشرين والثلاثين .
شهر ربيع الأول - أوله الخميس بالرؤية الواضحة ، ووافق الرابع والعشرين من بونة ، وفي يوم الجمعة اختبر القياس مكان الماء .
وفي يوم السبت دار من يبشر بالنيل .
وفي يوم الأحد نودي بالزيادة وقد - وصل هجان من الحجاز يخبر برخص الأسعار بمكة - وله الحمد وفيه ارتفع الطاعون نادرا ثم ارتفع جملة - .
وفي يوم الثلاثاء أواخر الشهر سقط الجدار على ولد سعد الدين إبراهيم الذي كان أبوه ناظر الخاص وكذا جده المعروف بابن كاتب جكم - فمات ، وكان قد طعن بجنبين ثم خلص وأفاق فبغته الموت بالهدم ، وكان قد قارب البلوغ ، وخرجت له جنازة حافلة .
شهر ربيع الآخر يوم الجمعة بالرؤية ، في يوم الأحد ثالث شهر ربيع الآخر حضر إلي بعض الدويدارية من عند السلطان يأمرني أن ألزم البيت - وهي كناية عن العزل ، ثم لم نلبث إلا ساعة أو دونها فحضر الشيخ شمس الدين الرومي جليس السلطان فذكر أن السلطان ندم على(9/221)
"""""" صفحة رقم 222 """"""
ذلك وقال : لم أرد بذلك العزل ، وسأل أن ابكر إلى القلعة صبيحة ذلك اليوم لألبس خلعة الرضا ، وكان السبب في ذلك أن بعض نواب الحكم أثبت شيئا فاستراب السلطان به فأحضره وأحضر بعض الشهود فاختلف كلام من حضر من الشهود ، فتغيظ وبطش بنائب الحكم وأمر بسجنه وعزل القاضي الكبير ، ثم أعيد القاضي في يومه وأمر بالإفراج عن النائب ، فحصل لي حنق فالتزمت أنني لا أستنيب إلا عشرة ولا أعيد أحدا من غيرهم إلا بإذن مشافهة من السلطان ؛ وذلك في يوم الخميس سلخ الشهر ، وأوضحت للسلطان عذر النائب فيما أثبته ، فأظهر القبول بحضرة قاضي القضاة الحنفي والشيخ شمس الدين الونائي ، واخبراه أنه لم يخطئ في الحكم ، ومع ذلك بقي عنده من ذلك بقايا ، ثم حصل اجتماع آخر وتأكد قبول العذر ، ثم حضر عنده النائب ورضي عليه وكساه فرجية وأذن في عوده لنيابة الحكم .
وفي التاسع منه كسر الخليج في يوم الثلاثاء - ونودي فيه بزيادة عشرين إصبعا ، وكان في يوم الاثنين قبله نودي بعشرين إصبعا ، قبله في يوم الأحد بعشرين إصبعا ثم نودي في صبيحة الأربعاء بتكملة سبعة عشر ذراعا ، ولم يعهد قط أنه نودي يوم الوفاء بزيادة عشرين(9/222)
"""""" صفحة رقم 223 """"""
إصبع ، منها إصبعان تكملة الوفاء وثمانية عشر زيادة أول يوم منه .
وفي رابع عشري شهري ربيع الآخر وصل الغزاة إلى ساحل رودس ، فتحصن أهلها في قلعتهم فوجدوها في غاية الحصانة ، فوصل كتاب صاحبنا برهان الدين البقاعي مؤرخ بالسابع من جمادى الأولى فيه شرح قصتهم في الذهاب إلى أن حاصروا القلعة - وقد ضممته إلى هذا التعليق كما فعلت في غزاة قشتيل .
ثم وصل كتاب الشريف الكردي مؤرخ بالتاسع من جمادى الأولى المذكور ، وفيه أنه أصيب من المسلمين خلق كثير مما رماهم الفرنج من أعلى الحصن وكسر من المراكب . وأن أكثرهم حصل لهم الفشل والخور بسبب من أصيب منهم وأنهم في ضيق ، فجهز السلطان إليهم مددا ، وقد فتحت رودس في خلافة معاوية على يد جنادة بن أبي أمية ، وأمر معاوية جماعة من المسلمين بالإقامة فيها ، فأقاموا إلى أن ولي يزيد الخلافة فأذن لهم في القفول خشية عليهم ففعلوا وتركوها ، ثم كانت تغري بعد ذلك ؛ وبعد توجه المدد وصل الخبر برجوع العسكر كله بسبب تخاذلهم ، وأصيب(9/223)
"""""" صفحة رقم 224 """"""
. . بالرمي عليهم ثم . . ثم الترجمان ومعه طائفة - وخشي أن . . من هجوم الشتاء ، فاتفق أكثرهم على الرجوع فلم يسعه إلا موافقتهم ، فتوجهوا ووصلوا أرسالا ، فكان آخر من وصل كبيرهم وهو الدويدار الكبير إينال العلائي فوصل في آخر جمادى الآخرة منها .
وفي أوائل رجب سافر الحاج الرجبي وصحبتهم صاحبنا الشيخ برهان الدين السوبيني قاضيا على مكة ، وفي سابع ذي القعدة أمر أمير مكة أبو القاسم بن حسن بن عجلان القاضي جلال الدين أبا السعادات أن يخرج من مكة ، فتوجه إلى جدة فأقام بها إلى أن تكلم التاجر بدر الدين حسن بن الطاهر مع الشريف في أمره فأذن له في الرجوع ، فلم ينشب أن قدم أمير الركب تمرباي وصحبته مرسوم سلطاني بأن أبا السعادات لا يقيم بمكة بل يخرج إلى المدينة الشريفة فيقيم بها ، فتجهز مع الركب الأول . وتراءى الناس الهلال ليلة الخميس فلم يتحدث أحد برؤيته ، فوقفوا يوم الجمعة وكان الجمع كثيرا جدا ، وأمطرت السماء ذلك اليوم(9/224)
"""""" صفحة رقم 225 """"""
من وقت زوال الشمس إلى أن غربت مطرا غزيرا جدا ، وتوالى بحيث ابتلت أمتعتهم حتى أشرف من لا خيمة له على الهلاك ، وتضاعف الرعد والبرق ، ويقال : كانت هناك صواعق أهلكت رجلان وامرأة وبعيران قرأت ذلك بخط القاضي نور الدين علي بن - قاضي المسلمين الخطيب أبي اليمن النويري .
شهر ذي الحجة استهل بيوم الخميس بعد أن تراءى الناس الهلال ليلة الأربعاء على العادة بعدة أما كن من الجوامع وغيرها فلم يخبر أحد برؤيته إلا شذوذا ، يقول الواحد منهم : إنه رأى ، فإذا حوقق أنكر ، فبحث عن السبب في ذلك فاعتذروا بأنه شاع بينهم أن السلطان إذا اتفق يوم - العيد يوم الجمعة يلزم أن يخطب له مرتين وقد جرب أن ذلك إذا وقع يكون فيه خوف على السلطان ، فبلغ السلطان ذلك بعد أيام فأنكره وأظهر الحنق على من ينسب إليه ذلك ، فقيل له فإن أحمد بن نوروز ، وهو أحد من يلوذ به من خواصه المعروف بشاد الغنم - ذكر أنه رآه ولم يخبر القاضي بذلك ، فاستدعاه فاعترف أنه رآه ليلة الأربعاء ومعه جماعة ، فأرسله مع المحتسب إلى القاضي الشافعي فأدى عنده شهادته ، فلما شاع ذلك نودي في البلد من رأى هلال ذي الحجة ليلة الأربعاء(9/225)
"""""" صفحة رقم 226 """"""
فليؤد شهادته بذلك عند القاضي الشافعي ، فسارع غالب من كان شاع عنه دعواه الرؤية في تلك الليلة إلى الشهادة بذلك ، فلما استوفيت شروط ذلك نودي بأن العيد يوم الجمعة ، فاعتمدوا على ذلك وصلوا العيد يوم الجمعة ؛ فلما كان في يوم السبت الخامس والعشرين من ذي الحجة وصل المبشر بسلامة الحاج في آخر ذلك اليوم ، وأخبر أن كل من حضر الموقف من الآفاق لم ينقل عن أحد منهم أنه رأى الهلال ليلة الأربعاء بل استوفوا العدة واستهلوا ذا الحجة بيوم الخميس ووقفوا بعرفات يوم الجمعة - ، واستمر الأمر بينهم على ذلك وأنه فارقهم آخر النهار يوم السبت ، فقطع المسافة في أربعة عشر يوما ، ووصف السنة بالأمن واليمن والرخاء مع كثرة الخلائق - ولله الحمد على ذلك .
وفي هذه السنة توجه الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد الفرياني المغربي إلى جهة الجبال المقدسة ويقال لها : جبال حميدة ، وعندها عرب ،(9/226)
"""""" صفحة رقم 227 """"""
فنزل عند بعض العشير ودعا إلى نفسه أنه المهدي ، وقيل ادعى أنه القحاطاني ، فانضم إليه جماعة من العرب فاستغواهم ووعدهم وملأ آذانهم بالمواعيد ، فشاع خبره في آخر السنة فكوتب نائب القدس يخبره فبحث عن قضيته إلى أن أطلع أن ابن عبد القادر شيخ العرب يعرفه فاستدعى به فأنكر أن يكون أطلع على مراده ، وإنما وصل إليه شيخ معه عدة جمال يشبه أن تكون كتبا علمية ، وأنه سئل أن يرسل معه من يجيره إلى أن يصل إلى مقصوده من تلك الجهة لضرورات عرضت له ، فأرسل معه ناسا أوصلوه إلى جهة مقصده وفارقوه ولم يعرفوا المطلوب عنه ؛ فكاتب نائب القدس بذلك ووصف الرجل بما دل على أنه الفرياني المذكور ، وهذا الرجل قدم القاهرة قديما وصحب كاتب السر ابن البارزي في حياة والده ، وأكثر التردد إلى الشيخ تقي الدين المقريزي ، وواظب الجولان في قرى الريف الأدنى يعمل المواعيد ويذكر الناس ، وكان يستحضر من التاريخ والاخبار الماضية شيئا كثيرا ولكنه كان يخلط في غالبها ويدعي معرفة الحديث النبوي ورجال الحديث ، ويبالغ في ذلك عند من يستجهله ، ويقصر في المذاكرة عند من يعرف أنه من أهل الفن ، وراج أمره في ذلك دهرا طويلا ، ثم صحب الأمير زين الدين عبد الرحمن بن الكويز وانقطع إليه مدة ثم فارقه ، وكان قبل ذلك تحول عن مذهب مالك وادعى أنه يقلد الشافعي ، وولي قضاء نابلس بعناية(9/227)
"""""" صفحة رقم 228 """"""
القاضي كمال الدين ثم صرف عنها ، فانقطع إلى ابن الكويز وهجر الكمال إلى أن بدا ما ذكر ؛ وكوتب نائب القدس بأن يجهز إليه من يقبض عليه ويرسله إلى القاهرة ، وكان بروز الأمر بذلك في العشر الأخير من هذا الشهر .
وفيات سنة 848
ذكر من مات في سنة ثمان وأربعين وثمانمائة من الأعيان
أحمد بن . . الفاضل شهاب الدين الحسيني مسكنا الشهير بالحناوي - بكسر المهملة وتشديد النون مع المد - مات في ليلة الجمعة الثامن والعشرين من جمادى الأولى ، وكان مالكي المذهب ، سمع من جماعة قبلنا وسمع معنا من شيوخنا ، وقرأ بنفسه وطلب وقتا ، وولي نيابة الحكم ، ودرس في أماكن ، منها في المنكوتمرية ، وولي مشيخة خانقاه نور الدين الطنبدي التاجر في تربته بطرف الصحراء ، وكان من الصوفية البيبرسية ، وكان وقورا ساكنا(9/228)
"""""" صفحة رقم 229 """"""
قليل الكلام كثير الفضل ، انتفع به جماعة في العربية وغيرها ، وقد جاوز الثمانين بيقين لكن يشك في الزيادة فقيل ست وقيل أكثر .
حمزة بك بن قرا يلك واسمه عثمان بن طور غلي صاحب ماردين وغيرها من ديار بكر ، مات في أوائل رجب ، وكان قبيح السيرة .
طوخ الأبو بكري نائب غزة ، قتل بها بيد العربان الطاغية في أواخر ذي الحجة .
فيروز بن عبد الله الجركسي الرومي الطواشي الساقي الزمام ، مات بطالا في يوم الأربعاء 24 شعبان ، ولم يكن به بأس بالنسبة لرفقائه - .
عبد الرحيم بن علي الحموي الواعظ المعروف بابن الأدمي الشيخ زين الدين ، تعانى عمل المواعيد فبرع فيها واشتهر وأثرى ، وقدم إلى القاهرة في الجفل بعد رحيل اللنكية فاستوطنها إلى أن مات في الثاني من ذي القعدة ، وولي في غضون ذلك خطابة المسجد الأقصى ، ثم صرف عنه واستمر على حاله في قراءة المواعيد والكلام في المجالس المعدة لذلك واشتهر اسمه وطار صيته ، وكان غالبا لا يقرأ إلا من الكتاب مع نغمة طيبة وأداء صحيح ، فلما أنشأ الاشرف مدرسته قرر فيها خطيبا ، وكان يقرأ صحيح البخاري في شهر رمضان في عدة أماكن إلى أن مات فجأة بعد أن عمل يوم موته الميعاد في موضعين ، وقد جاوز الثمانين وترك أولادا ، أحدهم شيخ يقرب من الستين .(9/229)
"""""" صفحة رقم 230 """"""
محمد بن أحمد بن كميل المنصوري الفقيه الفاضل الشاعر شمس الدين ، اشتغل كثيرا وحفظ الحاوي ، وكان يستحضر ونظم الشعر ففاق الأقران ، وأول ما عرفته في سنة 24 ، حججنا جميعا وكنا نجتمع في السير ونتذاكر في الفنون . ثم كان يتناوب نيابة الحكم بالمنصورة هو وابن عمه شمس الدين محمد بن خلف بن كميل ، ويتعاهد السفر للقاهرة في كل سنة مرة أو مرتين ومدح الملك المؤيد لما رجع من سفرة نوروز بقصيدة طنانة ، وله مدائح نبوية مفلقة وقصائد في جماعة من الأعيان ، ولم يكن يتكسب بذلك وإنما يمدح لتحصيل جاه الممدوح في الدفع عنه أو المساعدة له ، ثم استقل بقضاء المنصورة وضم إليه سلمون ، ثم زدته منية بني سلسيل فباشر ذلك كله ، وكان مشكور السيرة ، ونشأ له ولد اسمه أحمد فنبغ واغتبط به ، فلما كان في ليلة الاثنين ثاني عشر شعبان كان قد توجه إلى سلمون لأمر يتعلق به فنزل المسجد ، وله فيه خلوة فوقها طبقة وللطبقة سطح مجاور المئذذنة ، فاتفق هبوب ريح عاصف في تلك الليلة واشتد في آخرها وفي آول النهار فصلى المذكور الصبح ودخل خلوته التي كان ينام فيها ، فقصف الريح نصف المئددنة فوقع على سطح الطبقة فنزل به إلى سطح الخلوة فنزل الجميع على الخلوةو وشمس الدين(9/230)
"""""" صفحة رقم 231 """"""
قاعد فيها ، وذلك لما تعالى النهار ولم يشعر بشيء من ذلك حتى نزل الجميع عليه فارتدم المكان به فمات غما ، وجاء الخبر إلى ولده فتوجه من المنصورة مسرعا فوصل إليه فنبش عنه ، فوجد الخشب مصلبا عليه ولم يخدش شيئا من جسمه ، بل تبين أنه مات غما لعجزه عن التخلص من الردم المذكور - والله المستعان .
حوادث سنة 849
سنة تسع وأربعين وثمانمائة
استهل شهر الله - المحرم يوم الجمعة ، ففي أول يوم منه - توجه من يلاقي الحاج إلى عقبة إيلياء ، وصحبتهم أنواع من المأكولات والعلف على العادة .
وفيه أسلم جميع الأساري الذين كان ملك الروم جهزهم إلى سلطان مصر ، وذكروا أنهم من بني الأصفر - ، وأن ملكهم قتل في المعركة ، وأن عسكرهم كان أضعاف عسكر ابن عثمان ، وأن النصر الذي حصل ما كان على الخاطر ؛ وذلك أن الكفار كانت لهم مدة في التجهيز لأخذ بلاد السواحل من المسلمين والتوصل إلى الاستيلاء على بيت المقدس ، فاجتمع منهم من جميع أمصارهم من يستطيع القتال ، ولم يشكوا هم ولا ملك المسلمين في اخذ السواحل وانكسار عساكر المسلمين ، ففتح الله للمسلمين بالنصر بأن ملك الكفار لما رأى قلة عسكر المسلمين طمع فيهم فحمل بنفسه وكان شجاعا بطلا ، فقتل من المسلمين عدة(9/231)
"""""" صفحة رقم 232 """"""
أنفس ورجع ، ثم حمل ثانيا فصنع ذلك ، ثم حمل ثالثا فاستقبلوه بالسهام فأصابه سهم فسقط ، فنزل فارس من المسلمين فحز رأسه وسار به إلى ملك المسلمين ، فنصب رأسه على رمح ونادى في الكفار بقتل ملكهم ، فانهزموا بغير قتال وتبعهم المسلمون فبادروهم أسرا وقتلا ، وصادفهم في تلك الحالة اجتماع عدة من الوحوش الكاسرة على جماعة من الغزلان اجتمعت في مكان ، فثار بين الفريقين غبرة عظيمة وظنها الكفار نجدة من بلاد المسلمين من مصر أو غيرها ، فاشتد رعبهم وانهزموا لا يلوي أحد على أحد ، واشتد الغبار فقتل بعضهم بعضا وكفى الله المؤمنين القتال ؛ وجهز ملكهم بعض الأسرى إلى سلطان مصر ، فسلمهم للأمير الزردكاش فحسن لهم الإسلام فأسلموا ، ففرقهم السلطان على الأمراء .
وفي ليلة الجمعة الثامن من المحرم سقطت المنارة التي بالمدرسة ، الفخرية القديمة في سويقة الصاحب ، والمدرسة الفخرية - قديمة جدا من إنشاء فخر الدين بن - عثمان بعد الستمائة ، وكانت مالت قليلا فحذر السكان بالربع الذي يجاورها من سقوطها وهو موقوف عليها فتهاونوا في ذلك ، فسقطت بالعرض على واجهة المدرسة ووجه الربع ، فنزل بعض على بعض وهلك في الردم جماعة ، فاجتمع الوالي والحاجب واستخرجوا كثيرا ، فالقليل أحياء ولكن كل مصاب بيد أو رجل أو ظهر والنادر منهم ، والأكثر من مات ، فبلغ السلطان ذلك(9/232)
"""""" صفحة رقم 233 """"""
فتغيظ منه وطلب الناظر على المدرسة ، وهو نور الدين القليوبي أمين الحكم أحد نواب الحكم فتغيظ عليه ، وظن أنه ينوب في ذلك عن القاضي الشافعي فبسط لسانه في القاضي إنكارا عليه في التفريط في مثل ذلك ، ثم انكشف الغطاء أن القاضي ليس له في ذلك ولاية ولا نيابة ، ولا عرف بشيء من ذلك مذ ولي وإلى تاريخه ، ولما بلغ ذلك بعض الناس بسط لسانه وقال ما شاء ، ثم تبين بخلاف ما ظنوا وخاب ما أملوا وكفى الله القتال ؛ ثم إن بعضهم أغرى السلطان بأن قال له : إن فلانا ينجح بكذا وينسب السلطان إلى الظلم والجور - ونحو ذلك ، فغضب زيادة على الغضب الأول ، وراسله بأن ، ينعزل عن الحكم ، وأن يغرم دية الموتى ، وذلك يوم الاثنين حادي عشره ، فلما كان يوم الخميس طلب الشيخ شمس الدين محمد بن علي القاياتي إلى القلعة فاجتمع بالسلطان ، وأمره أن يتقلد القضاء فأجاب باشتراط أمور أجابه إليها ، وأشار بأن يلبس الخلعة والتشريف ، فامتنع وتقلد ورجع ، واركبه كاتب السر بغلته وهو بثيابه البيض ، ودخل الصالحية وصحبته جماعة المباشرين والدويدار الكبير والثاني ورجعوا ، وخرج هو من الصالحية إلى منزله بالجامع الأزهر وطلب من له مباشرة في المودع والأوقاف ، وهرع الناس للسلام عليه وعلى المنفصل - ولله الحمد على ذلك .
ربيع الأول - أوله الاثنين ، في السابع منه نقلت الشمس السرطان ودخل فصل الصيف ، وفيه عمل المولد السلطاني بالحوش على العادة وحضر القضاة .(9/233)
"""""" صفحة رقم 234 """"""
وفي الثالث عشر منه خلع على كاتب السر الكمال البارزي خلعة استمرار ، وكان وقع له يوم الأربعاء تغيظ من السلطان فطلب الإعفاء ، ثم وقع التراضي وخلع عليه ، وركب الناس معه وهرع الباقون للسلام عليه .
وفي يوم الاثنين ثاني شهر ربيع الآخر استقر الشيخ ولي الدين السفطي في نظر المارستان المنصوري عوضا عن القاضي محب الدين ابن الأشقر ، ولبس خلعة ونزل وليس سمعه كبير أحد ، واعتذر بأنه تعمد ذلك حياء من ابن الأشقر ، ثم أرجف بان السلطان يريد أن يخرج نظر الجيش أيضا بسعي جماعة ، فاقتضى الحال استمراره فخلع عليه يوم الخميس خامس الشهر خلعة استمرار ، فركب معه الجماعة على العادة وأظهر الناس السرور به .
وفي يوم الثلاثاء سافر برهان الدين السوبيني إلى قضاء حلب عوضا عن القاضي سراج الدين الحمصي ، وقدم الحمصي في العام الماضي فاجتمع بالسلطان فتغيظ عليه وأهانه بالقول والتهديد ، ثم قدم هدية نفيسة فسكن الحال ، ولما استهل الشهر طلع للتهنئة فأظهر له الإعراض ، فبادر فحلف أنه لا يسعى في القضاء بوجه من الوجوه ، ولزم بيته لكنه يكثر الاجتماع بالأكابر على عادته .
وفي يوم الأحد العشرين من شهر ربيع الآخر الموافق للثاني من(9/234)
"""""" صفحة رقم 235 """"""
مسري آخر الشهور القبطية أمطرت السماء مطرا يسيرا بعد العصر بحيث ابتلت الأرض ، ودام ذلك إلى وقت - مغيب الشفق ، وكانت ظلمة وريح باردة ، وهذا من المستغربات وقد تقدم قريب من ذلك في حوادث سنة ثلاث وأربعين في رابع ربيع الأول .
وفي هذا الشهر عزل نائب حلب جلبان ، وقرر عوضه نائب حماة ، قرر عوضا عن نائب حماة شادي بك أحد أمراء المقدمين بالقاهرة ، ويقال : قرر دولات باي الدويدار الثاني في إمرة شادي بك - ، وقرر الشهاب أحمد حفيد إينال اليوسفي دويدارا نائبا ، وخلع على شادي بك ، وجهز يونس البواب مسفرا لنائب حماة يحمله إلى حلب ويتوجه نائب حلب بطالا إلى . . وكان السبب في عزل نائب حلب أن نائب القلعة شاهين أحد أتباع السلطان حيث كان أميرا أرسل يشكو منه أنه تعصب عليه مع القاضي الحنبلي علاء الدين ابن مفلح ، وأن ابن مفلح ادعى أن شاهين امتنع من الشرع وأنه وقع في أمر يقتضي الكفر وكتب عليه بذلك محضرا وراسلوه لينزل فسمع الدعوى عليه فامتنع وكاتب وتظلم ، فوصل كتاب نائب حلب وقرينه المحضر المكتتب ، فغضب السلطان من(9/235)
"""""" صفحة رقم 236 """"""
نائب حلب وعزله وعزل القاضي ، وشيع أنه أبطل قاضي الحنابلة من حلب ، فإن ثبت ذلك فلعله يسع غيرها من البلاد - والله المستعان .
وفي ربيع الأول قدم الأمير تغري برمش نائب القلعة ومعه رفيقه القاضي بدر الدين بن عبيد الله . .
وفي ليلة الإثنين حادي عشره كان المولد النبوي بالحوش على العادة وتغيظ السلطان فيه على القاضي الحنفي بسبب تأخيره الحكم في الصارم إبراهيم بن رمضان بسبب ما وقع فيه - من الأمور المنكرة ، وتوجه تغري برمش وابن عبيد الله إلى بلاده - بسببها ، فاقتضى الحال عقد مجلس بسببه فعقد بعد أيام ، فلم يثبت عليه ما يتحتم به القتل ، فأمر بتعزيره ، فأعيد إلى السجن فمات بعد أسبوع .
جمادى الأولى - استهل بالرؤية الفاشية ، ففي صبيحته حضر القضاة عند السلطان للتهنئة بالشهر ، فأمر الشافعي أن يتوجه مع كاتب السر إلى مصر - بسبب كنيسة للمكيين ، فرفع ابن آقبرس ناظر الأوقاف(9/236)
"""""" صفحة رقم 237 """"""
للسلطان أن جدارها عال على مسجد يجاورها وأنه يجب هدمه ، وكن السبب في ذلك أن برد دار ابن آقبرس تسلط على بطرك الملكية وكان قريب العهد بالاستقرار فيها فقرر عوض الذي مات في السنة الماضية وطمع فيه ، فرفع البطرك أمره للسلطان بقصة أعطاها لكاتب السر ، فبادر ابن آقبرس حمية لمن هو من جهته فذكر ذلك ، فأمر بالكشف فتوجهوا ، فقيل : إنهم رأوا الجدار الذي من جهة المسجد مائلا ، فحكم نائب الشافعي بهدمه خشية أن يسقط على المسجد ، وانفصل المجلس على ذلك ، وكان السلطان يظن انه يجب هدم الكنيسة أصلا ، وكان الحنفي المنفصل حاضرا فتغيظ عليه لكونه قال : ما يهدم إلا بشرط أن تكون حادثه ، فإن كان المسجد قديما وجب هدم ا يعلو عليه ، فقال له : فلما كنت حاكما لم لا فعلت ذلك بل كنت تفعل عكسه - أو نحو هذا من القول .
وفي يوم الجمعة ثاني الشهر كسر الخليج الحاكمي ، ونزل عثمان ولد السلطان على العادة وصحبته الامراء إلى المقياس ، فركبوا معه وصحبتهم كاتب السر وبقية المباشرين ولم تجر العادة بركوبهم ، ونزل بعضهم إلى الحراقة من شباك المقياس ، وامتنع شاد الشر بخاناة قانباي الجركسي من إنزال ابن السلطان من هناك بل عادته والجماعة صحته من البر واحدار الحراقة إليه ، فركب إلى الخليج فكسر بحضرته ، وركبوا معه إلى القلعة على العادة ، وكل ذلك قبل صلاة الجمعة ، وزاد أربعة من سبعة عشر ، وكان في العام الماضي في هذا اليوم وافت تكملة الذراع السابع عشر .
واتفق أن شعبان كان أوله الثلاثاء بالعدد ، فلما كان النصف منه(9/237)
"""""" صفحة رقم 238 """"""
ذكر بعض نواب الحكم بالجيزة أن اثنين شهدا عنده برؤيته ليلة الاثنين ، فثبت وصام من أراد صيام النصف يوم الاثنين .
ويسر الله أن هلال رمضان رئي ليلة الثلاثاء وغاب قبل العشاء بثلث ساعة ، فلما كان أول يوم من رمضان شاع بين الناس أن اثنين من أهل قليوب رأيا هلال رمضان ليلة الثلاثاء ، واستنكر كل من سمع ذلك صحة هذا ، ثم اعتمد القاضي الشافعي في تحرير هذا الخبر ، فأرسل عونا من أعوانه إلى قليوب فأحضر الرجلين .
وفي ليلة الأحد رابع شوال - وهي ليلة التاسع من طوبة والخامس من كانون الثاني - أمطرت السماء مطرا خفيفا فدام بحيث أزلق الأرض ، ثم عاد في النهار ثم عاد في ليلة الاثنين حتى صارت الأرض كالبرك ثم عاد في صبيحة الاثنين ، ثم كان في ليلة الثلاثاء ثم عاد في صبيحة الثلاثاء ، فتعطلت معايش غالب الناس ، وقل أن وقع مثل ذلك في هذه البلاد إن يمطر ثلاثة أيام بلياليها .
وفيات سنة 849
ذكر من مات في سنة تسع وأربعين وثمانمائة من الأعيان
أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل الذهبي ابن ناظر الصاحبية الصالحي الحنبلي العدل شهاب الدين ابن المسند زين الدين ، ولد سنة 766(9/238)
"""""" صفحة رقم 239 """"""
وسمع علي محمد بن الرشيد عبد الرحمن المقدسي جزء أبي الجهم أبا الحجار ، وسمع على والده شيخنا من السفينة البغدادية للسلفي أنا ابن أبي الثابت أنا مكي بن علان أنا السلفي ، وسمع علي أحمد بن محمد بن إبراهيم بن غنائم ابن المهندس الحنفي جميع رسالة الحسن البصري إلى عبد الرحمن الزيادي يرغبه في المقام بمكة وعلى العماد أبي بكر بن يوسف الحنبلي قالا : أنا الحجار أنبأنا جعفر أنا السلفي ، وسمع علي الشهاب أحمد بن المعز السادس من حديث أنس من المختارة للضياء بحضوره في الثالثة على التقي سليمان والجزء الثاني من المختارة وهو الأول من مسند عمر بإجازته من التقى - وغير ذلك ، وذكر لي شيخنا الإمام المحدث الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبي بكر عبد الله بن ناصر الدين رحمه الله غير مرة أنه قال : ذكر لي والده - يعني زين الدين ابن ناظر الصاحبية - أنه قال : ما فرحت بشيء أعظم من أني أحضرت ولدي هذا - يعني أحمد المذكور - جميع مسند الإمام - أحمد علي البدر أحمد بن محمد بن محمود بن الرقاق ابن الجوخي أنا زينب بنت مكي أنا حنبل ؛ قال شيخنا ابن ناصر الدين : وكان شيخنا زين الدين ابن ناظر الصاحبية من الثقات ، قدم القاهرة فحدث بها بالمسند وغيره ، ثم رجع إلى بلده فمات في هذه السنة .
أحمد بن محمد نب أحمد المحلي الأصل ثم القاهري شهاب الدين(9/239)
"""""" صفحة رقم 240 """"""
المعروف بابن النسخة ، شاهد القيمة ، مات في يوم الأحد ثاني عشري صفر وهو من أبناء الستين أو يزيد عليها وكان غاية في إبطال الأوقاف وتصييرها ملكا بضروب من الحيل ، وله في ذلك مهارة وشهر بها ، ومهر في ذلك بحيث فاق أهل عصره في ذلك مع انه كان يتمذهب لمالك ، وكانت له مروءة وعصبية ومداراة لكنه كان تقدم في صناعته على أمر عظيم ، وحصل له رواج عظيم في دولة الملك الأشرف ، وشهد في القيمة أزيد من ثلاثين سنة ، وهي وظيفة والده من قبله ، مات بذات الجنب ، وأمره مشهور - وأمره إلى الله سبحانه وتعالى وقد ولي وكالة بيت المال في أول دولة الملك العزيز ، ثم أخرجت عنه في أول دولة الملك الظاهر .
عبد الرحمن بن عثمان الترجمان التاجر الإسكندراني جمال الدين ، مات في رمضان ، وكان قدم من الإسكندرية وهو مدعوك فمرض مدة ، ثم نصل ودخل الحمام ثم انتكس ومات ، وكان من العارفين بأمور المتجر ، ومات له ابن اسمه محمد ، وصاهر في بيت ابن الأشقر .
فاطمة بنت القاضي كريم الدين عبد الكريم بن أحمد بن عبد العزيز إحدى الاخوات الخمس ، مات أبوهن في ربيع الأول سسنة سبع وثمانمائة ، وخلف خديجة وشقيقتها آمنة وشقيقتهما فاطمة ، وفرج من غير امهن ، وانس أصغرهن وهي والدة أولاد مسطرها ، فاول من مات منهن فاطمة وهي اصغر أولاد منها ، ماتت في الثالث والعشرين من جمادى الآخرة وقد أكملت سبعين سنة .(9/240)
"""""" صفحة رقم 241 """"""
كزل العجمي الأمير ، مات يوم الخميس ثالث عشر ربيع الأول ، وكان أحد الأمراء في الدولة الناصرية فرج ، وولي وظيفة الحجوبية الكبرى مدة ، وول إمرة الحاج مرارا ، وأصابه فالج في سنة 32 بطل شقه ثم بطل فمه وأدلع لسانه حتى نزل حنكه إلى قرب صدره ، ثم أفاق أخرس لا يستطيع النطق أصلا ، ولا المشي ، وتمادى به ذلك نحو سبع عشرة سنة حتى مات وقد بلغ السبعين ، وكان من الفرسان والعارفين بالرمح ، وساق المحمل مرارا ، وكان فيه مروءة وعصبية .
قانباي الجكمي صاحب الحجاب ، احترق بيته فمات وهو على هيئة غير مرضية في أواخر السنة ، ولم يكن فيه أهلية ، وعيب على الظاهر تقدمة في الحجوبية .
محمد بن أحمد بن عمر النحريري المعروف بالسعودي الشيخ شمس الدين ، ولد سنة 762 ، وحفظ القرآن والتنبيه وغيره ، وكان أبوه من أهل البلاد ، ونشأ هوطالبا للعلم ، وجلس مؤدبا للأولاد مدة ، ثم قدم القاهرة في حدود التسعين فاجلس مع الشهود ، ولازم شيخنا البلقيني الكبير وخدمه ، وصار يجمع له أجرة أملاكه هو مع ذلك يؤدب الأولاد وخرج من تحت يده جماعة فضلاء ، وكان كثير المذاكرة ، وحج فأخذ عن جماعة هناك ، ولم يمعن في ذلك لأنه لم يكن من أهل الفن ولا صحب من يدر به ، ثم دخل بيت المقدس فاتفق أنه سمع من شيخنا بالإجازة(9/241)
"""""" صفحة رقم 242 """"""
شهاب الدين بن الحافظ صلاح الدين العلائي ومن ابن خاله شمس الدين القلقشندي وغيرهما ، وممن تعلم عليه صاحبنا برهان الدين بن خضر وجلال الدين بن نور الدين بن شيخنا سراج الدين ابن الملقن نائب الحكم ، وأدب قبله ولده أحمد وجمعا كثيرا من أولاد الكبراء ، ثم حصل له مرض أشفى منه ، فلما عوفي عمي فصار يقرئ وهو مكفوف ، وحصل له مرض الدرب حتى مله أهله ونقلوه إلى المرستان ، وقل ما دخل المرستان ذو ذرب إلا ويخرج ميتا ، فقدرت حياة هذا وعاد إلى منزله ، فعاش بعدها أكثر من عشرين سنة ، وتنوعت عليه في آخر عمره الأمراض حتى ثقل سمعه جدا وأقعد ، ولسانه لا يفتر عن التلاوة إلى أن مات فجأة في العشر الاخير من رمضان وقد أكمل ستا وثمانين سنة .
محمد بن إسماعيل بن محمد بن أحمد الونائي ثم القرافي القاضي شمس الدين ، كان أبوه شاهدا فشغله بالعلم ، وأخذ عن الشيخ شمس الدين البرماوي وظيفته ، واشتهر بالفضيلة ، ثم تزوج إلى الشيخ نور الدين التلواني ، وصحب جماعة من الاعيان ، ونزل في بعض المدارس طالبا ثم تدريسا ، ثم فوض له شهاب الدين ابن المحمرة تدريس الشيخونية لما انتقل إلى تدريس الصلاحية ببيت المقدس ، فمات ابن المحمرة فاستقل بها ، ثم ولي(9/242)
"""""" صفحة رقم 243 """"""
قضاء دمشق مرتين ، ثم رجع فسعى في تدريس الصلاحية بجوار الشافعي فتركتها له اختيارا فباشرها سنة ونيفا ، ثم ضعف فامتد ضعفه نحو الشهرين إلى أن مات في يوم الثلاثاء سابع عشر صفر ، ومولده في شعبان - - سنة 788 .
ثم انتقل إلى القاهرة وطلب الحكم وحفظ التنبيه وعدة مختصرات ، وأقبل على الاشتغال ولازم علماء عصره من سنة سبع إلى أن برع في الفقه والعربية ، وتكسب بالشهادة ، وولي مشيخة السكرية بالقرافة ، وكان معدودا من أئمة العلماء الذين جمعوا المعقول والمنقول - .
محمد بن عبد الرحمن بن علي التفهني الحنفي القاضي شمس الدين ابن - قاضي القضاة زين الدين ، مات في الثامن من شهر رمضان(9/243)
"""""" صفحة رقم 244 """"""
وكان مولده قبل القرن ، واشتغل كثيرا ومهر ، وكان صحيح الذهن ، حسن المحفوظ ، كثير الأدب والتواضع ، عارفا بأمور دنياه ، مالكا لزمام أمره ، ولي في حياة والده قضاء العسكر وإفتاء دار العدل وتدريس الحديث بالشيخونية ، وولي بعد وفاة والده تدريس الفقه بها ومشيخة البهائية الرسلانية بمنشة المهراني وتدريس القانبيهية بالرميلة ، وحصلت له محنة من جهة الدويدار تغري بردى المؤذى مع تقدم اعترافه بإحسان والده له ، ومرض مرضا طويلا إلى أن قدرت وفاته في التاريخ المذكور .
محمد بن عمر الغمري الشيخ محمد ، مات في يوم الثلاثاء آخر يوم من شعبان بالمحلة الكبرى بالغربية ، وكان مذكورا بالصلاح والخير ، وللناس فيه اعتقاد ، وعمر في وسط سوق أمير جيوش جامعا ، فعاب عليه أهل العلم ذلك وأنا كنت ممن راسله بترك إقامة الجمعة ، فلم يقبل واعتذر بان الفقراء طلبوا منه ذلك وعجل بالصلاة فيه بمجرد فراغ الجهة القبلية ، واتفق أن شخصا من أهل السوق المذكور يقال له بليبل تبرع من ماله بعمارة المئذنة ، ومات الشيخ وغالب الجامع لم يكمل عمارته .(9/244)
"""""" صفحة رقم 245 """"""
محمد بن محمد بن أحمد شمس الدين ابن أمين الدين بن شهاب الدين المنهاجي ، وأبوه سبط الشيخ شمس الدين بن اللبان ، ولد سنة سبعين وحفظ القرآن والتنبيه ، ومات أبوه وكان متمولا ، وله أيضا نسبة بالتاجر الكبير برهان الدين المحلي فسعى هذا في حسبة مصر فوليها مرتين أو ثلاثا ، ثم توصل إلى أن استنابه القاضي جلال الدين في الحكم بمصر ، فصار يحكم بين الخصمين مع الجهل المفرط ويجلس في دكاكين الشهود ويتعانى التجارة والمعاملة ، فكان يرتفع وينخفض إلى أن مات غير مقتر ولكنه سود عليه
يشبك السودوني الأمير الكبير سيف الدين المعروف بالمشد أتابك العساكر بمصر ، مات في يوم الخميس ثالث شعبان بعد مرض طويل ، واستقر بعده إينال العلائي ، وكان عاقلا ساكنا حشما عريا إلا من رمي النشاب على عيوب في رميه ، وينسب إلى طمع وعدم دين - .
حوادث سنة 850
سنة خمسين وثمانمائة
استهلت بالثلاثاء بلا خلاف .
وفي يوم الخميس الثالث منه استقر خليل بن شاهين الذي كان نائب ملطية في نيابة القدس عوضا عن طوغان ، واستقر برهان الدين(9/245)
"""""" صفحة رقم 246 """"""
ابن الديري في نظر الجوالي عوضا عن ابن فتح الدين المحرقي ، ولبس كل منهما خلعة .
وفي الخامس منه قتل الفيل بأن رمي بالسهام حتى أصيب في عينيه ثم تمكنوا منه حتى قتلوه ، وكان أمر السلطان بقتل الفيل بسبب أنه كان قد هجم على سائسه فبرك عليه حتى مات تحته .
وفي الثاني عشر منه حضر نقيب الجيش إلى الشيخ ولي الدين السفطي وكيل بيت المال وبيده قصة رفعت للسلطان باسم أبي الخير النحاس أن له دعوى شرعية عليه ، وأن السلطان أمره أن يتوجه مع غريمه إلى قاضي الشرع ، فأجاب وقال : من تختار من القضاة قال : الشافعي ، فدخل معه إلى الشافعي - فادعى عليه بأنه وضع يده له على ثريا مكفتة ، فاعترف بأنه استامها منه ليشتريها للمدرسة الجمالية وأنها معلقة في الجمالية وأذن له في أخذها ، وتوجه إلى منزله ، فشاع بين الناس أن السلطان منعه من الوصول إليه فكثرت الأقاويل ، ففي آخر النهار حضر إليه من أخبره عن السلطان أنه لم يمنعه وأنه يصل إليه متى شاء ، فلما أصبح ركب ، فلما تلاقيا التزمه وأمر له بكاملية سمور فلبسها في صبيحة ذلك اليوم ، وصادف أنه اليوم الرابع عشر من الشهر ، وفرح الناس به بغضا في غريمه ، وركب معه جميع المباشرين والقضاة وبياض الناس وكان يوما مشهود وكان وصول الحاج في أول العشر الثالث من(9/246)
"""""" صفحة رقم 247 """"""
الشهر ، فدخل الركب الأول في آخر يوم الاثنين حادي عشري الشهر ، وتكاملوا إلى أن أصبحوا يوم الثلاثاء بالقاهرة ، ووصل بعدهم المحمل على العادة في يوم الثلاثاء ودخلوا القاهرة يوم الأربعاء وكان أول من وصل منهم بعض الأجناد دخل في يوم الجمعة ثاني عشر الشهر المذكور ، وأخبر أنه فارقهم من ليلة الثلاثاء ، وكان وصول الركب الأول إلى البركة في يوم الثلاثاء ثاني عشري المحرم وقت الظهر ثم لم يمض الليل حتى دخل ركب المحمل ، ودخلوا جميعا يوم الأربعاء - وسلموا جميعا على السلطان ومعهم قاض القضاة الحنبلي ، وتكاملوا آخر النهار - .
وفي أول يوم الاثنين الثامن والعشرين من المحرم مات القاضي شمس الدين محمد بن علي بن محمد بن يعقوب - القاياتي قاضي القضاة الشافعية وقد أكمل في الولاية سنة ونصف شهر ، لانه قرر في يوم الأربعاء ثاني عشر . . وفوض إليه ذلك جهرا يوم الخميس ، ونزل إلى الصالحية بغير خلعة بعد أن أحضرت ، فامتنع من لبسها تورعا ثم باشر القضاء بنزاهة وعفة ، ولم يأذن لأحد من النواب إلا لعدد قليل ، ويتثبت في الأحكام جدا وفي جميع أموره ، فلما كان يوم الجمعة الثامن عشر من(9/247)
"""""" صفحة رقم 248 """"""
المحرم خطب بالقلعة ورجع إلى منزله ومات عازما على التوجه إلى ملاقاة الحاج فتهيأوا يوم السبت فوعك في بقية النهار ، وأصبح ولداه فتوجها وتأخر هو ليقع له نشاط ، فدخل الحاج يوم الأربعاء ثالث عشري الشهر ، وعاد ولداه فوجداه كما به ، واشتد ألمه بالحمى وصار يشكو بحمى الكبد ، وواظبه الأطباء ، وقل أن يتناول ما وصف له ، فلما كان يوم الجمعة اشتد به الخطب إلى أن مات في أول ليلة الاثنين ، ودفن في صبيحتها(9/248)
"""""" صفحة رقم 249 """"""
بعد أن حمل تابوته من جوار الجامع الأزهر إلى مصلى المؤمني تحت القلعة بالرميلة من أجل أن السلطان أمر أن يحضر إلى هناك ليصلي هو عليه ، فحضر الجمع وكان وافرا جدا ، فتقدم في الصلاة عليه الخليفة بإذن السلطان ، ورجعوا من جهة الصحراء إلى التربة الصلاحية المعدة لأهل سعيد السعداء فدفن بها ، وشغر منصب القضاء إلى أن كان يوم الاثنين خامس عشري الشهر ، استقر كاتبه على قاعدته ، ثم بعد ذلك بيسير قدم(9/249)
"""""" صفحة رقم 250 """"""
. . ابن تاج الدين البغدادي الحنفي من دمشق وبيده يومئذ الحسبة ووكالة بيت المال وعدة وظائف ، فلم يلبث أن مات ، فأسف السلطان عليه وأمرهم بالصلاة عليه بالمصلى المذكور ونزل فصلى عليه ، ودفن بالقرافة .
وفي المحرم مات الشيخ برهان الدين إبراهيم بن رضوان الحلبي الشافعي ، كان ممن اشتغل ومهر وتميز ونزل في المدارس بحلب ،(9/250)
"""""" صفحة رقم 251 """"""
وولي بعض التداريس وناب في الحكم ، ثم صحب ولد السلطان الظاهر جقمق فاختص به لما أقام مع والده بحلب في أواخر دولة الاشرف ، ثم قدم عليه القاهرة فلازم ولده حتى استقر به إماما ، وكان ممن مرضه في ضعفه الذي مات به وقررت له بجاهه وظائف ، وندبه السلطان في الرسلية إلى حلب في بعض المهمات فلما مات ولد السلطان رقت حاله واستعيد منه التدريس الذي كان استقر فيه بحلب بجاهه ، فاستعاده الذي نزعه منه ، ثم توجه إلى الحج في العام الماضي ، فسقط عن الجمل فانكسر منه شيء ثم تداوى ، فلما رجع سقط مرة أخرى ، فدخل القاهرة مع الركب وهو سالم إلى أن مات ، وكان ينسب إلى شيء يستقبح ذكره - والله أعلم بسريرته .(9/251)