الجزء الأول
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وهون وأعن واختم بخير يا كريم، وصلى الله على سيدنا محمد.
الحمد لله الباقي وكل مخلوق يفنى، الواقي ولو أعرض عن عبده لما استغن، سبحانه له الصفات العلى والأسماء الحسنى، قسم الأرزاق والآجال في الطرفين والأثنا، وقدر الأحوال خوفاً وأمناً، وكل عنده لأجل مسمى، وقد أحاط علماً للكل أقصى وأدنى، أحمده وأستعينه وحق لعبده أنه بمحامده يعنى، ولا يحصى الثناء ولو أثنى العبد ما أثنى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ترفع قائلها إلى المقام الأسنى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث إلى الثقلين إنساً وجناً، والمنعوت بأكرم الأخلاق وأطيب الأعراق من هنا وهنا، المرتقى إلى المراتب العلية حتى كان قاب قوسين أو أدنى، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الذين هاجروا وهجروا وآووا ونصروا فسبق الآباء وتلاهم الأبناء، صلاةً وسلاماً يتلازمان فيلتزمان لمديمهما بالحسنى.
أما بعد فيقول العبد الضعيف أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن محمود ابن أحمد بن حجر العسقلاني الأصل المصري المولد القاهري الدار: هذا تعليق جمعت فيه حوادث الزمان الذي أدركته منذ مولدي سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة وهلم جراً(1/3)
مفصلاً في كل سنة أحوال الدول عن وفيات الأعيان مستوعباً لرواة الحديث خصوصاً من لقيته أو أجاز لي وغالب ما أورد فيه ما شاهدته أو تلقفته ممن أرجع إليه أو وجدته بخط من أثق به من مشايخي ورفقتي كالتاريخ الكبير للشيخ ناصر الدين بن الفرات وقد سمعت عليه جملة من الحديث، وكصارم الدين بن دقماق، وقد اجتمعت به كثيراً وغالب ما أنقله من خطه ومن خط ابن الفرات عنه وللحافظ العلامة شهاب الدين أحمد بن علاء الدين بن جحى الدمشقي، وقد سمعت منه وسمع مني والفاضل البارع المفنن تقى الدين أحمد بن علي المقريزي والحافظ العالم شيخ الحرم تقى الدين محمد ابن أحمد بن علي الفاسي القاضي الملكي بمكة والحافظ المكثر صلاح الدين خليل بن محمد بن محمد الأقفهسي وغيرهم وطالعت عليه تاريخ القاضي بدر الدين محمد العيني وذكر أن الحافظ عماد الدين بن كثير عمدته في تاريخه وهو كما قال لكن منذ انقطع ابن كثير صارت عمدته على تاريخ ابن دقماق حتى كان يكتب منه الورقة الكاملة متوالية وربما قلده فيما يهم فيه حتى في اللحن الظاهر مثل اخلع على فلان، وأعجب منه أن ابن دقماق يذكر في بعض الحادثات ما يدل على أنه شاهدها فيكتب البدر كلامهبعينه بما تضمنه وتكون تلك الحادثة وقعت(1/4)
بمصر وهو يعد في عينتاب ولم أتشاغل بتتبع عثراته بل كتبت منه ما ليس عندي مما أظن أنه اطلع عليه من الأمور التي كنا نغيب عنها ويحضرها وسميته إنباء الغمر بأبناء العمر، والله أسأل أن يختم لنا بخير. وهذا الكتاب يحسن من حيث الحوادث أن يكون ذيلاً على ذيل تاريخ الحافظ عماد الدين ابن كثير فإنه انتهى في ذيل تاريخه إلى هذه السنة، ومن حيث الوفيات أن يكون ذيلاً على الوفيات التي جمعها الحافظ تقى الدين ابن رافع فإنها انتهت أيضاً إلى أوائل هذه السنة وعلى الله تعالى أعتمد، ومن فيض كرمه أستمد، وهو المستعان، وعليه التكلان، ثم قدر الله سبحانه لي الوصول إلى حلب حرسها الله تعالى في شهر رمضان سنة ست وثلاثين فطالعت تاريخها الذي جمعه الحاكم بها العلامة الأوحد الحافظ علاء الدين ذيلاً على تاريخها لابن العديم وقد بيض أوائله فطالعته كله من المبيضة ثم من المسودة وألحقت فيه أشياء كثيرة وسمعت منه أيضاً وسمع مني متع الله ببقائه.(1/5)
سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة
استهلت والخليفة المتوكل المعتضد محمد بن المكتفي بن الحاكم العباسي، وسلطان الديار المصرية الأشرف شعبان بن الأمير حسين بن الملك الناصر محمد بن الملك الأشرف بن الملك المنصور قلاوون النجمي الصالحي، ومدبر المملكة منكلي بغا، والدوادار الكبير طشتمر ونائبه بدمشق منجك ونائبه بحلب اشقتمر، ثم نقل عن قريب لطرابلس واسنقر ايدمر وصاحب مكة عجلان بن رميثة الحسنى وسيأتي نسبه في سنة وفاته، وصاحب المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والتحية والإكرام عطية بن منصور بن جماز بن شيحة الحسيني،(1/6)
وصاحب البلاد اليمنية الأفضل عباس بن المجاهد على ابن المؤيد داود بن المظفر يوسف بن المنصور عمر بن علي بن رسول وصاحب ماردين الملك المظفر داود بن الصالح محمود بن المغان بن الأتعى وصاحب حصن كيفا الملك الصالح أبو بكر بن العادل غازي بن العادل مجير الدين محمد بن الكامل أبي بكر بن الموحد عبد الله بن المعظم توران شاه بن الصالح أيوب بن الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب، وصاحب الروم مراد بك بن عثمان التركماني، وصاحب العراق أويس بن الشيخ حسين بن آقبغاء ونائبه على تبريز ولده السلطان حسين، وصاحب أرزن الروم القاهر علي بن المنصور جلال الدين ابن عماد الدين السلجوقي، وصاحب خراسان وبلاد العجم والشرق تيمور الملقب باللنك وقد عاث فيها بالنهب والتخريب،(1/7)
وصاحب فاس أبو فارس عبد العزيز بن أبي الحسن المريني، وصاحب الأندلس بن الأحمر وصاحب تلمسان الحفصى، وصاحب تونس.
والقضاة بمصر الشافعي البهاء أبو البقاء والحنفي السراج الهندي، والمالكي البرهان الأخنائي، والحنبلي نصر الله وكاتب السر البدر بن فضل الله، وناظر الجيش محب الدين، والوزير فخر الدين بن التاج موسى بن أبي شاكر وقضاة دمشق الشافعي الكمال العزى، والحنفي نجم الدين بن العز والمالكي الزين بن الماروني والحنبلي علاء الدين العسقلاني،(1/8)
وكاتب السر فتح الدين ابن الشهيد، وناظر الجيش تاج الدين بن مشكور، والوزير تاج الدين بن شمس الدين بن التاج.
فمن الحوادث في هذه السنة كائنة شمس الدين الركراكي أحد الفضلاء المالكية وكان من الطلبة بالشيخونية فوقع بينه وبين شيخها أكمل الدين فقام عليه ورفعه للحكام وادعى عليه بما يقدح في الشريعة وعقد له مجلس لذلك عند الجاي ثم حقن دمه ونفى إلى الشام ثم آل أمره إلى أن ولى قضاء المالكية بعد مدة كما سيأتي.
وفيها كائنة بعادة القبطى مشارف المواريث الحشرية ادعى عليه بأشياء منها أنه يديم ترك الصلاة فحكم بعض المالكية بقتله فقتل وطيف برأسه وكان الرهوني(1/9)
قد تعصب له وأفتى بحقن دمه فلم يقبل منه، وفي ذلك يقول شهاب الدين بن العطار:
أضحى بعادة يخفي ... كفراً ويبدي عناده.
ولو تشهد قالوا ... والله ماذا بعاده.
وفيها زاد النيل زيادة مفرطة وثبت إلى أيام من هاتور فاجتمع جماعة بالجامع الأزهر وبجامع عمرو وسألوا الله تعالى في هبوطه وكرروا ذلك فهبط وزرع الناس، وقال في ذلك شهاب الدين بن العطار مقاطيع، وشهاب الدين بن أبي حجلة مقامته المشهورة وفيها أمر السلطان الأشراف أن يمتازوا عن الناس بعصائب خضر على العمائم ففعل ذلك في مصر والشام وغيرهما. وفي ذلك يقول أبو عبد الله بن جابر الأندلسي الأعمى نزيل حلب.(1/10)
جعلوا لأبناء الرسول علامة ... إن العلامة شأن من لم يشهر.
نور النبوة في كريم وجوههم ... يغني الشريف عن الطراز الأخضر.
قال في ذلك جماعة من الشعراء ما يطول ذكره ومن أحسنها قول الأديب شمس الدين محمد ابن إبراهيم بن بركة الدمشقي المزين وأنشدني إياه إجازة.
أطراف تيجان أتت من سندس ... خضر بأعلام على الأشراف.
والأشراف السلطان خصصهم بها ... شرفاً ليفرقهم من الأطراف.
وفي صفر استقر شرف الدين موسى بن أرقطاي في نيابة صفد عوضاً عن علم الدار.
وفيها استقر شمس الدين بن الصائغ الحنفي في قضاء العسكر وتدريس جامع ابن طولون عوضاً عن بهاء الدين السبكي(1/11)
واستقر كمال الدين السبكي
في إفتاء دار العدل عوضاً عن بهاء الدين أيضاً واستقر قي تدريس الشيخونية عوضاً عنه الشيخ ضياء الدين القرمي العفيفي.
وفيها استقر القاضي برهان الدين بن جماعة في قضاء الشافعية عوضاً عن أبي البقاء السبكي.
وكان ابتداء ذلك أن القاضي برهان الدين الأخناي بحث مع أبي البقاء فقال له أبو البقاء: لو كان مالك حياً لناظرته في هذه المسألة أو نحو ذلك، فزبره البرهان وقال: لو غيرك قالها لأوقعت فيه الفعل وتفارقا. فاتفق أن السلطان عزل أبا البقاء عقب ذلك عزلاً فاحشاً فاستقر في الأذهان أن ذلك ببركة الإمام مالك، وكانت صورة عزله أنه حضر دار العدل على العادة في ذلك الوقت فجاء شخص إلى أبي البقاء(1/12)
فأسر إليه كلاماً ثم التفت إلى رفقته من القضاة فقال لهم: إن السلطان عزله وأمره بلزوم بيته، ففعل ذلك واستمر المنصب شاغراً إلى أن وصل الخطيب برهان الدين بن جماعة في خامس جمادى الآخرة وكان برهان الدين حين عزل أبو البقاء بدمشق زائراً لأهله من ربيع الأول ورجع بعد خمسين يوماً بعد أن فوض له النائب نظر القدس والخليل فخالفه البريدي في الطريق فأمره النائب بلحاقه إلى القدس فلحقه فخطب في السادس عشر من جمادى الآخرة خطبة بليغة تعرض فيها لتوديعهم فأبكاهم وتوجه على البريد، فلما اجتمع بالسلطان عرض عليه المنصب فاشترط شروطاً كثيرة فالتزم له السلطان بها ولبس الخلعة وركب مع الحجاب والقضاة على العادة ومشى معه الجاي اليوسفي والامير الكبير إلى باب القلعة وركب في حشمة عظيمة وأبهة زائدة، فراح الناس إلى تهنئته حتى القاضي المعزول فرحا منه به لعلمه برياسته، وحسن سياسته. وقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري وأجازنيه: كان منكلي بغا نائب السلطنة يعظم القاضي بهاء الدين السبكي. ولما عزل كان في الصيد، فلما بلغه لم يسهل به، فلما عاد من الصيد اجتمع به بهاء الدين فأشار إليه أن يستقر قاضي الشام فامتنع فغضب منه، وكان منكلي بغا يبغض المعزى لما يعتمده من تناول الرشوة فكان يحب عزله، فلما لم يوافقه بهاء الدين غضب منه فعزله من تدريس الفقه بالمنصورية وعزل ابنه بدر الدين من تدريس الحديث بالقبة وكان استقر فيه بعد موفق الدين وقرر في الفقه شمس الدين(1/13)
التبريزي في الحديث ابن مرزوق التلمساني، فلما مات واستقر الجاي ناظر المارستان أعادهما إلى الوظيفتين وكان منكلي بغا يقوم في حق القاضي بهاء الدين القيام التام حتى أنه لما عزل طلب أمين الحكم وألزم بعمل المحاسبة وكشف المودع وندب بدر الدين بن الخشاب للتنقيب على تصرف بهاء الدين فحضر منكلي بغا يوم الموعد إلى المدرسة الصالحية وكشف المودع بحضرته فلم يظهر على بهاء الدين شيء.
وفيها في أواخر شهر رجب قرر القاضي بهاء الدين أبو البقاء في قضاء الشام عوضاً عن كمال الدين المعزى فبلغه ذلك فسافر إلى الحج ثم استعفى أبو البقاء فأعفى وأرسلت إلى المعزى خلعة الاستمرار، فبلغه ذلك بعد أن وصل إلى بصرى وأن البريدي واصل إليه بخلعة الاستمرار فترك الحج ولاقى البريدي ولبس الخلعة واستمر في قضاء دمشق.
وفيها أراد السراج الهندي قاضي الحنفية أن يساوي قاضي الشافعية في لبس الطرحة وتولية القضاة في البلاد وتقرير مودع الأيتام فأجيب إلى ذلك، فاتفق أنه توعك عقب ذلك وطال مرضه إلى أن مات في رجب ولم يتم له الذي أراده، واستقر عوضه صدر الدين بن التركماني.(1/14)
وفيها استجد الملك الأشرف عند طلوعه من سرحة الأهرام أن يلبس الأمراء الكبار أقبية حرير بسمور وأطرزة مزركشة عراض ومن دونهم بأقبية حرير بقاقم ومن دونهم بسنجاب والجميع بأطرزة متفاوتة وألحق مقدم المماليك وهو يومئذ سابق الدين مثقال بكبار الخاصكية في ذلك وهو أول من وقع له ذلك من مقدمي المماليك. وفيها كملت عمارة حمام منجك ببصرى ومدرسة زين الدين الأسعردي بدمشق. وفيها أحدثت خطبة بخان السلطان العتيق بدمشق. وفيها تنازع عماد الدين الحسباني(1/15)
وشهاب الدين الزهري فقهاء الشام في تدريس الجاروخية، وكان زين الدين الجعفري قد نزل عنها للعماد فباشرها ثم انتزعها منه الزهري ثم استعادها العماد واستقرت معه.
وفي أول يوم من جمادى الآخرة وصل قود نائب الشام منجك يشتمل على شيء كثير جداً حتى اتفق أهل المعرفة أنه لم يتقدمه بمثل ذلك نائب، ومن جملة ما كان فيه أسدان وضبع وإبل ونحو الخمسين من الكلاب المعلمة ونحو الخمسين من البخاتي بلبوسها وخمسة من البخاتي أيضاً كل منها بسنامين ولها بثياب أطلس ونحو الأربعين حملاً يشتمل على قماش وحلوى وفاكهة ونحو الأربعين هجيناً ومن الكنابيش الزركش والعرقيات الزركش والقبى الحرير شيء كثير جداً ومن الصوف الملون والحرير والفرى خمسون بقجة إلى غير ذلك.
وفيها أقدم رجل مفرط الطول طوله أربعة أذرع بالحديد وعرضه ذراعان وصف للسلطان فتعجب من شكله فأرسل في طلبه فأحضر فوصل إلى دمشق في شهر رجب ثم دخل القاهرة وكان جلداً.
وفيها شدد منجك نائب الشام على أهل اللهو وأمر بقطع الأشجار الصفصاف التي بين النهرين وبتخريب المكان الذي أحدث بالشرف الأعلى وأزال المنكرات(1/16)
من هذا المكان ومن الذي فوق الجبهة أيضاً وهدم الأبنية والحوانيت المستجدة هناك. وفيها شكى الحاج من أمير الركب الدمشقي لنائب الشام فرسم عليه فدخل الحمام فجب ذكره وأنثبيية بالموسن فحمل مغشياً عليه فلما رأه النائب أمر بإطلاقهإلى منزله فبقي مدة متمرضاً ثم أفاق وعاش وهو ابن أفجا.
وفي ليلة الرابع عشر من شهر ربيع الأول خسف القمر واستمر إلى التسبيح.
وفي هذه السنة ملك اللنك واسمه تيمور بفتح المثناة وسكون التحتانية وضم الميم وسكون الواو بعدها راء ومعناه بالعربية حديد بن ترغاي بن الغاي المغلى وأصله من كش مدينة مشهورة مما وراء النهر بينها وبين سمرقند يوم واحد ويقال: إن أمه أو جدته من ذرية جنكز خان ومولده على ما كان يذكر في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة وكان أبو هـ من الفلاحين ونشأ خاملاً إلا أنه كان قوي القلب. شديد البطش ذكياً فطناً مطبوعاً على الشر ولما بلغ أشده وترعرع صار يتحرم فسرق مرة فرماه راعيها بسهم فأصاب رجله فعرج منه فمن حينئذ قيل له اللنك ثم انضمت إليه طائفة فصار يقطع الطريق ويقال: أنه كان ببلدهم عابد يقال له شمس الدين الفاخوري ولأهلها فيه اعتقاد زائد فقصده اللنك فزاره وأهدى له ماعزاً وقعد بين يديه فسأله أن يدعو له بأمور يتمناها فدعا له بأن تقضى حاجته فكان لا يتوجه إلى جهة فيرجع خائباً وكان يلهج بأنه سيملك البلاد ويبيد العباد(1/17)
وكان قد اشتهر بمعرفة الخيل فطلبه صاحب خيل السلطان بسمرقند فقرره في خدمته فحظي عنده فاتفق أنه مات عن قريب فقرره السلطان مكانه وكان اسمه حسين من ذرية جنكزخان وكانت هراة وغيرها من بلاد الشرق في ملكه فاستمر اللنك في خدمته إلى أن بدا منه إجرام على نفسه فهرب وانضم إليه جمع وعاد إلى قطع الطريق فاهتم السلطان بأمره وجهز إليه جيشاً فظفروا به فلما أحضروه استوهبه بعض أقارب السلطان فاستنابه وأقره في خدمته رغبة في شهامته فاستمر إلى أن خرج خارج بسجستان وكان ينوب فيها فجهز إليه السلطان عسركاً رأسهم اللنك فأوقعوا بذلك النائب واستولى اللنك منه على مال كثير فقسمه بين العسكر الذين صحبته واستنواهم في الاستبداد بتلك البلد وما حولها فأطاعوه وعصوا على السلطان فاتفق في تلك الأيام موت السلطان واسمه حسين وقام بعده ولده غياث الدين في المملكة فجهز إلى اللنك عسكراً كثيفاً فلم يكن له بهم طاقة ففر منهم إلى أن اضطروه إلى نهر جيحون فترجل عن فرسه وأخذ معرفها بيده وولج النهر سابحاً إلى أن قطعه ونجا إلى البر الآخر فتبعه جماعة من أصحابه على ما فعل وانضموا إليه وتبعهم جمع كانوا على طريقته الأولى فالتفوا عليه وقصدوا نخشب وهي مدينة حصينة فطرقوها بغتة فقتل أميرها واستولى اللنك على قلعتها واتخذها حصناً له يلجأ إليه ثم توجه إلى بلخشان وبها أميران من جهة السلطان وكانا قريبي العهد بغرامة ألزمهما(1/18)
بها السلطان لجناية صدرت منهما فكانا حاقدين عليه فانضما إلى اللنك فكثر جمعه، واتفق في تلك الأيام خروج طائفة من المغل على تمر خان صاحب هراة فجمع لهم والتقوا فهزموه فبلغ ذلك اللنك فسار إليهم وصاروا على كلمة واحدة فتوجه صاحب هراة إلى بلخ وتوجه اللنك بمن معه إلى سمرقند فنازلها فصالحه النائب بها واسمه علي شير على أن تكون المملكة بينهما نصفين فأقره بسمرقند وتوجه إلى بلخ فتحصن السلطان منه فحاصره إلى أن نزل إليه بالأمان فقبض عليه وتسلم البلد ورجع إلى سمرقند فدخلها آمناً وذلك في أوائل هذه السنة سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة فأقام رجلاً من ذرية جنكزخان يقال له سرغتمش وكانت السلطنة يومئذ قد انتهت إلى طقتمش خان بالدشت وتركستان فبلغه ما اتفق لسلطان هراة فجمع العساكر وقصد اللنك بسمرقند فالتقوا بين سمرقند وخجند فكانت الكسرة أولاً على اللنك ثم عادت على طقتمش خان فانتصر اللنك ويقال إنه كان في عسكره عابد يقال له بركة، فلما رأى اللنك الهزيمة تمسك به فصاح على عسكر طقتمش خان فانهزموا ويحتمل أن يكون هذه من وضع بعض من يتعصب للنك ويحتمل الصحة ليقضي الأمر المقدور " إنما نملي لها ليزدادوا إثماً "(1/19)
ولما تمت الكسرة على طقتمش خان دخل اللنك خجند ففر أميرها وأمر فيها بعض جنده واستولى على بقية البلاد التي لم تكن دخلت في طاعته رهبة ورغبة ثم دخل سمرقند فأول شيء فعله بعلي شير صاحبه الذي أعانه على مستنيبه وقسم البلد بينه وبينه ولقي عاقبة غدره فقتله غيلة ثم أوقع بمن كان بسمرقند من الزعر وكانوا عدداً كثيراً قد أسعروا البلاد وكان اللنك أعلم بهم من غيره لأنه كان يرافقهم كثيراً وكان إيقاعه بهم بالتدريج بطريق المكر والخديعة والحيلة إلى أن استأصلهم وكفى أهل البلاد شرهم ثم لما استقرت قدمه في المملكة خطب بنت ملك المغل وهو تمرخان فزوجها له وزادوا في اسمه كوركان
فلذلك كان يكتب عنه تيمور كوركان ومعناه الصهر ثم توجه بعساكره إلى خوارزم وجرجان فصالحوه على مال ثم قصد هراة فنزل إليه ولد ملكها غياث الدين بالأمان واستولى عليها واستصحب ملكها معه إلى سمرقند فسجنه فاستمر في سجنه إلى أن مات ثم قصد سجستان فنازلهم فتحصنوا منه مدة ثم طلبوا منه الامان فأمنهم على شريطة أن يمدوه بما عندهم من السلاح فاستكثروا له من ذلك ليرضوه وصار يستزيدهم فبلغوا الجهد في التقرب إليه بما قدروا عليه منه فلما ظن أن غالب سلاحهم صار عنده وأن غالبهم صار بغير سلاح بذل فيهم السيف وخرب المدينة حتى لم يبق بها بعد أن رحل عنها من تقوم بهم الجمعة ولما استولى على هذه الممالك مع سعته وشدة فتكه بأهلها توارد أمراء النواحي على الدخول في طاعته والوفادة عليه ومنهم خجا علي بن مؤيد بطوس وأمير محمد بباورد وأمير حسين بسرخس فأقرهم نواباً في ممالكهم وكذا جميع من بذل له الطاعة ابتداء ومن راسله فعصى عليه يتعذر أن يعفو عنه إذا قدر عليه وكان من جملة من راسل شاه شجاع صاحب شيراز وعراق العجم فبذل له الطاعة وسأله المصاهرة فزوج ابنته بابن اللنك وهاداه وهادنه واستمر على ذلك ويقال إنه كان يدعو الله ويتضرع إليه أن لا يسلط اللنك عليه، فاتفق أنه مات حتف أنفه قبل أن يتوجه اللنك إلى شيراز وسيأتي ذلك في ترجمته سنة سبع وسبعين وسبعمائة. وإنما جمعت هذه الأخبار مع أنها لم تكن في سنة واحدة ليسهل معرفتها على من أراد أن يعرف أولية اللنك. لك كان يكتب عنه تيمور كوركان ومعناه الصهر ثم توجه بعساكره إلى خوارزم وجرجان فصالحوه على مال ثم قصد هراة فنزل إليه ولد ملكها غياث الدين بالأمان واستولى عليها واستصحب ملكها معه إلى سمرقند فسجنه فاستمر في سجنه إلى أن مات ثم قصد سجستان فنازلهم فتحصنوا منه مدة ثم طلبوا منه الامان فأمنهم على شريطة أن يمدوه بما عندهم من السلاح فاستكثروا له من ذلك ليرضوه وصار يستزيدهم فبلغوا الجهد في التقرب إليه بما قدروا عليه منه فلما ظن أن غالب سلاحهم صار عنده وأن غالبهم صار بغير سلاح بذل فيهم السيف وخرب المدينة حتى لم يبق بها بعد أن رحل عنها من تقوم بهم الجمعة ولما استولى على هذه الممالك مع سعته وشدة فتكه بأهلها توارد أمراء النواحي على الدخول في طاعته والوفادة عليه ومنهم خجا علي بن مؤيد بطوس وأمير محمد بباورد وأمير حسين بسرخس فأقرهم نواباً في ممالكهم وكذا جميع من بذل له الطاعة ابتداء ومن راسله فعصى عليه يتعذر أن يعفو عنه إذا قدر عليه وكان من جملة من راسل شاه شجاع صاحب شيراز وعراق العجم فبذل له الطاعة وسأله(1/20)
المصاهرة فزوج ابنته بابن اللنك وهاداه وهادنه واستمر على ذلك ويقال إنه كان يدعو الله ويتضرع إليه أن لا يسلط اللنك عليه، فاتفق أنه مات حتف أنفه قبل أن يتوجه اللنك إلى شيراز وسيأتي ذلك في ترجمته سنة سبع وسبعين وسبعمائة. وإنما جمعت هذه الأخبار مع أنها لم تكن في سنة واحدة ليسهل معرفتها على من أراد أن يعرف أولية اللنك.
وممن نازله اللنك في هذه السنة حسين صوفي صاحب خوارزم ومات فاستقر ولده يوسف مكانه واستولى اللنك على خوارزم فخربها كدأبه في غيرها من البلاد.
ذكر من مات
في سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة من الأعيان.
أحمد بن إسماعيل بن أحمد بن عمرو بن الشيخ أبي عمر بن قدامة الصالحي شهاب الدين المعروف بابن النجم، الحنبلي، ولد سنة اثنتين وثمانين وستمائة وأحضر على الفخر على أمالي ابن شمعون وغيرها على التقى الواسطي الاربعين للحاكم وغير ذلك وحدث، سمع منه القدماء وجماعة من اكابر رفقتنا وأصاغر شيوخنا، مات في ثالث جمادى الآخرة، وهو ممن أجاز عاماً لكن لم أدخل في عموم إجازته.
أحمد بن بلبان بن عبد الله الدمشقي، شهاب الدين المالكي الفقيه المفتي كاتب الحكم، مات في صفر وخلف مالاً كثيراً رحمه الله تعالى.
أحمد بن علي بن عبد الكافي بن يحيى بن تمام أبو حامد بهاء الدين السبكي(1/21)
مقري،
ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة، وكان اسمه أولاً تماماً ثم غيره أبوه بعده بعد أبن بلغ سن التمييز، وحفظ القرآن صغيراً وتلا على التقى الصائغ ببعض القراءات، وأحضر على علي بن عمر الواني، وأسمع على الحجاز وغيره، وسمع بنفسه من جماعة واشتغل بالعلوم فمهر فيها فأفتى ودرس وله عشرون سنة، وولي وظائف أبيه بالقاهرة وله إحدى وعشرون سنة لما تحول أبوه إلى قضاء الشام وقد ولي قضاء الشام مرة بدلاً عن أخيه وذلك سنة ثلاث وستين وسبعمائة، وحضر أخوه تاج الدين على وظائفه بالقاهرة، وولي بهاء الدين درس الفقه بجامع ابن طولون والخطابة به والميعاد، ودرس الفقه بالمنصورية وقضاء العسكر وافتاء دار العدل ودرس الشافعية بالشيخونية أول ما فتحت.
قال العماد ابن كثير في حقه: كان قانتاً عابداً كثير الحج، وقال(1/22)
ابن حبيب: إمام علم زاخر اليم، مقرون بالوفاء الجم، وفضله مبذول لمن قصد وأم، وقلمه كم باب عدل فتح، وكم شمل معروف منح، وأفتى وهو ابن عشرين سنة، وكان مواظباً على التلاوة والعبادة وهو القائل:
اتتنى فآتتنى الذي كنت طالبا ... وحييت فأحييت لي منى ومآربا.
وقد كنت عبداً للكتابة أبتغي ... فرقت على رقي فصرت مكاتبا.
مات بمكة في شهر رجب وله ست وخمسون سنة، وقرأت بخط القاضي تقى الدين الزبيري: لما مات بهاء الدين كان أرسل في مرض موته نجابا إلى القاضي محب الدين ناظر الجيش أن يدير وظائفه باسم أولاده فنازعه مختص النقاشي وكان له قدر عند الأشراف فأخذ الخطابة والميعاد بالجامع الطولوني لابن أستاذه أبي هريرة بن النقاش ولم يقدم محب الدين على معارضته، واستقر الشيخ سراج الدين البلقيني في درس التفسير بالمنصورية وأبو البقاء في تدريس الشافعي، واستقر أبو البقاء في تدريس الشيخونية فعارضه أكمل الدين وقرر فيها الشيخ ضياء الدين.
أحمد بن محمد بن عثمان البكري شهاب الدين ابن المجد الشاعر، كانت له قدرة على النظم، وله مدايح في الأعيان ومن شعره قصيدة أولها:
رعاهم الله ولا روعوا ... ما لهم ساروا ولا ودعوا.
مات بمنية ابن خصيب في شهر رمضان.
أحمد بن شرف الدين محمد بن هاشم بن عبد الواحد بن أبي العشائر الحلبي شهاب الدين موقع الحكم، سمع صحيح البخاري من سنقربفوت وحدث وتفرد، مات في(1/23)
ثاني رجب وقد قارب الثمانين فإن مولده سنة سبع وتسعين، وكان قد انقطع قبل موته بمنزله مدة يسيرة.
ايدمر بن عبد الله بالشيخي عز الدين نائب حماة، وليها مراراً، مات في هذه السنة بحلب نائباً.
أبو بكر بن رسلان بن نصير البلقيني أخو شيخنا سراج الدين كان على طريقة والده بزى أهل البر، وكان يتردد إلى أخيه بالقاهرة وهو أسن منه بقليل فقدر أنه قدم في هذه السنة ليزوج ولده جعفراً فمرض فمات عند الشيخ فأسف عليه كثيراً لأنه مات في غربة وهو شقيقه وصار يقول: ذهب أبو بكر فيذهب عمر هذا أو معناه، فبينا هو في هذه الحالة إذ سمع قارئاً يقرأ: فأما الزبد فيذهب وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض " فعاش بعد أخيه اثنتين وثلاثين سنة، وقد أنجب أبو بكر هذا أولاداً نبغ منهم أبو الفتح بهاء الدين بن رسلان فمهر وأفتى ودرس وناب في الحكم، وكان شكلاً حسناً كثير النفع للطلبة مع التواضع والتودد وهو أول أولاده وفاة، ومنهم جعفر، وكان فقيهاً فاضلاً ديناً متواضعاً، ناب في الحكم وولي قضاء بعض البلاد كسمنود، ومنهم ناصر الدين، كان يحفظ المحرر للرافعي، ناب في الحكم بعد أن كتب في التوقيع مدة، ومنهم شهاب الدين، كان يعرف بالعجمى، ولي قضاء المحلة مدة طويلة.
أبو بكر بن محمد بن أحمد بن عبد القاهر النصيبي ثم الحلبي شرف الدين(1/24)
بن تاج الدين أبي المكارم، سمع على أبي بكر بن العجمى وحدث، وكان من كتاب الإنشاء بحلب حسن الخط، مات وله سبع وسبعون سنة.
أبو بكر بن محمد العراقي ثم المصري تقى الدين الحنبلي، كان من فضلاء الحنابلة، مات في جمادى الأولى.
الحسن بن أحمد بن عبد الله بن الحافظ الحنبلي، إمام محراب الحنابلة بدمشق، سمع التقى سليمان وغيره وحدث، وكان بارعاً في العلم، مات في أواخر شعبان.
ست الخطباء بنت الشيخ تقى الدين السمكي أسمعت من ابن الصواف وعلى ابن القيم، وكانت قد أضرت.
عبد الله بن يعقوب بن محمد بن علي بن مفرح البكري المدني، بدر الدين المعروف بابن قبال. ولد بالمدينة سنة أربع عشرة وسبعمائة، وسمع من الجمال المطري ومحمد بن إبراهيم المؤذن، وحدث بالمدينة، سمع منه شيخنا العراقي، وحدث أبو حامد بن ظهيرة عنه في معجمه بالإجازة، ومات بالمدينة في ربيع الأول.
عبد الله المصري الشيخ درويش، أحد من كان يعتقد بمصر. مات في رجب.
عبد الرحمن بن عبد الله الحيري أبو محمد المقرئ المؤدب، نزيل مكة،(1/25)
سمع بدمشق من المزى وبمكة من الوادي آشى والزين الطبري وغيرهم وحدث، سمع منه أبو حامد بن ظهيرة، ومات في صفر.
عبد الرحمن بن العز إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر الصالحي شمس الدين أبو الفرج، ولد في رجب سنة ثمان وتسعين وستمائة، وسمع من عيسى المغارى والحسن بن علي الخلال والتقى سليمان، وكان عالماً بالفرائض، خطب بالجامع المظفري بالسفح، ومات في مستهل شعبان وله خمس وسبعون سنة.
عبيد الله بالتصغير بن محمد بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي شمس الدين أبو محمد، قرأ الروايات وسمع التقى سليمان وطبقته، وكان ينظم، ودرس وأفتى، ومات في جمادى الآخرة، وكانت جنازته حافلة.
عثمان بن محمد بن أبي بكر بن حسين الحراني ثم الدمشقي فخر الدين بن المغربل، ويعرف قديماً بابن سينا، ولد سنة ثمان وتسعين وستمائة، وسمع من القاسم بن مظفر وابن الشيرازي وغيرهما، ثم طلب بنفسه فحصل الكثير وحدث، مات بحلب في حادي عشر ذي القعدة أو ذي الحجة، ذكره ابن رافع وقال: رافقته في السماع، وذكره الذهبي(1/26)
في المعجم المختص وقال فيه: الفقيه فخر الدين بن القماح المغربل شاب حسن متواضع، تفقه قليلاً وحج كثيراً ودار مع المحدثين.
عراق بن عبد الله التركي، أحد الأمراء الكبار بدمشق، عمر طويلاً إلى أن جاز المائة وكان أعفى أخيراً من الخدمة وأعطى خبزاً يقوم بكفايته، يقال إمرة طبلخاناة.
علي بن إبراهيم بن حسن بن تميم الحلبي علاء الدين، كاتب السر بحلب، مات بها عن نيف وستين سنة، وكان عزل قبل موته ونكب.
عمر بن أرغون بن عبد الله التركي ركن الدين، ولد نائب السلطنة ولد بالقاهرة وأسمع على وزيرة والحجاز والرضي الطبري وغيرهم، وولي نيابة صفد وغزة والكرك وحدث، مات في ذي الحجة.
عمر بن إسحاق بن أحمد الغزنزي، سراج الدين الهندي، قاضي الحنفية بالقاهرة، ويقال اسم أبيه إسماعيل والصحيح إسحاق، تفقه على الوجيه الرازي بمدينة دهلي بالهند والسراج الثقفي والركن البدايوني وغيرهم من علماء الهند، وحج فسمع من الشيخ خضر شيخ رباط السدرة عوارف المعارف، وحدث به عنه عن القطب القسطلاني عن مؤلفه، وقدم القاهرة قديماً نحو سنة أربعين، وسمع من أحمد بن منصور الجوهري(1/27)
وغيره وظهرت فضائله، ثم ولي قضاء العسكر بعد أن كان ينوب عن الجمال للتركماني ثم عزل، وقرأت بخط القاضي تقى الدين الزبيري: كان عالماً فاضلاً، له وجاهة في كل دولة، وكان أول ما قدم، لازم درس القاضي زين الدين البسطامي وهو قاضي الحنفية في ذلك الوقت، ثم لازم القاضي علاء الدين التركماني فأذن له في العقود والفروض بالحانوت الذي بين القصرين مقابل المدرسة الصالحية، ثم قويت شوكته لما مات علاء الدين وولي ولده جمال الدين، فاستنابه ولم يستنب غيره واستبد بجميع الأمور، ولما مات علاء الدين بن الأطروش محتسب القاهرة كان بيده قضاء العسكر فسأل الهندي شيخو فيه، فامتنع وأعطاه أقطاعاً جيداً، فتوجه الهندي إلى صرغتمش وسأله فيه فولاه، فشق ذلك على شيخو، ثم قتل شيخو فعظمت منزلة الهندي عند صرغتمش وعند السلطان حسن، فلما أمسك صرغتمش عمل الهرماس على الهندي وقال للجمال التركماني: إن السلطان رسم بعزل الهندي فعزله، فتغير خاطره من القاضي وهجره وأقام بمنزله والناس يترددون إليه ويقرؤون عليه ويلازمون دروسه والأخذ عنه، ثم قربه السلطان حسن وصار هو وابن النقاش يلازمانه ويركبان معه في السرحات، ويدخل القاهرة وهما معه ورتب لهما الرواتب العظيمة، فاتفق أن الهرماس حج سنة ستين فتمكن الهندي وابن النقاش من الطعن عليه عند السلطان وأطلعاه على احواله إلى أن تغير عليه وامتحن المجنة المشهورة فتمكن الهندي ثم خمل لما أمسك السلطان مدة يلبغا، ثم لما ولي الأشراف تقدم عند الجاي وغيره وقرر في قضاء الحنفية استقلالاً سنة تسع وستين، ولما مات البسطامي أضيف إليه تدريس جامع ابن طولون، وتكلم في أوقاف الشافعية لما ولي الجاي نظر الأوقاف، فلما حضر مع استعرض الدروس في الجامع الطولوني وبالمدرسة الأشرفية وضيق عليهم، فقام الهندي، فقام الهندي في ذلك قياماً عظيماً وأغلظ له في القول حتى قال: إقطاعك يبلغ ألفي ألف درهم وتستكثر على الفقيه المسكين هذا القدر!(1/28)
فقال: أنا آخذ الإقطاع لحفظ بلاد المسلمين، فقال: ومن علمكم الجهاد إلا الفقهاء؟ فسكت وترك كل أحد على حاله.
وللهندي شرح المغني والهداية وبديع ابن الساعاتي وتائية بن الفارض. وكان واسع العلم، كثير الإقدام والمهابة، وكان يتعصب للصوفية الاتحادية، وعزر ابن أبي حجلة لكلامه في ابن الفارض، مات في الليلة التي مات فيها البهاء السبكي سابع شهر رجب، وكانت ولايته نحو أربع سنين، وكان يكتب بخطه: مولدي سنة أربع وسبعمائة.
عمر بن عثمان بن موسى الجعفري الدمشقي وين الدين، تفقه وبرع ودرس بالجاروخية، وخطب بجامع العقيبة، مات في نصف المحرم راجعاً من الحج رحمه الله.
أبو الفتح بن يوسف بن الحسن بن علي الشحري المكي الحنفي، إمام مقام الحنفية بمكة، صحب الشيخ أحمد الأهدل اليمني، وتزهد ودار بمكة وفي عنقه زنبيل.
محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن إبراهيم بن سعيد بن حامد الهلالي الإسكندراني المالكي، كمال الدين بن فخر الدين بن كمال الدين بن الربغي، قاضي الإسكندرية وابن قاضيها، ولد بها سنة ثلاث وسبعمائة، وسمع من عبد الرحمن بن مخلوف وغيره، وسمع بمكة من عيسى بن الحجي، سمع منه شيخنا العراقي وهو الذي أرخه.
محمد بن أبي بكر بن علي السوقي الصالحي عز الدين، أحد المسندين بدمشق،(1/29)
ولد سنة إحدى أو اثنتين وثمانين وستمائة، وسمع من عمر بن القواس معجم ابن جميع ومن إسماعيل بن الفراء بعض سنن ابن ماجة، وحدث وتفرد، وهو أحد من أجاز عاماً: مات بالصالحية في أحد الجمادين من هذه السنة، وأرخه بعضهم في ربيع الأول ولعله أتقن.
محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد بن عبد الخالق، جمال الدين أبو العيث بن تقى الدين بن نور الدين بن الصائغ الدمشقي، سمع من الحجاز وأسماء بنت صصرى وغيرهما، وولي قضاء حمص وغزة، ودرس بالعمادية بدمشق. وأقام عند جده بحلب مدة، وناب في الحكم بسرمين، ومات في ذي الحجة عن نحو الأربعين، وقال ابن حبيب: عن بضع وأربعين، قلت: وهو أخو شيخنا أبي اليسر أحمد.
محمد بن فيروز بن كامل بن فيروز الحوارني شمس الدين قاضي القدس، مات به في ربيع الأول، وكان قد ولي قضاء حلب وغيرها.
محمد بن محمد بن عبد الله الهاشمي أبو الخير بن فهد المالكي، سمع من الفخر النويري والسراج الدمنهوري وغيرهما، مات في ذي الحجة.
محمد بن محمد بن عيسى الأقصرائي الحنفي بدر الدين، قدم دمشق وسمع على المزي وغيره ودرس بالمعزية البرانية بالشرف الأعلى وخطب بها، مات في ذي القعدة.(1/30)
محمد بن محمد بن يعقوب النابلسي ثم الدمشقي، بدر الدين بن الخواسي الحنفي، سمع من عيسى المطعم وأبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم وغيرهما، وعني بالعلم، وناب في الحكم، مات في تاسع شهر ربيع الآخر عن ستين سنة وأشهر.
محمد بن موسى بن ياسين بن مسعود الحوراني ثم الدمشقي، سمع من الحجار وغيره، وناب في الحكم بدمشق، وولي قضاء القدس، مات في تاسع عشر ربيع الأول بدمشق.
محمد بن يوسف بن عبد الله بن محمد اليحصبي اللوشي بفتح اللام وسكون الواو بعدها شين معجمة الغرناطي سمع علي ابن جعفر ابن الزبير سنن النسائي الكبرى والشفاء والموطإ، سمع على أبي الحسن فضل بن محمد المعافري، وكان عارفاً بالحديث، وضبط مشكله وبالقراءات وطرقها مشاركاً في الفقه وغيره، مات في جمادى الآخرة أخذ عنه شيخنا قاسم بن علي المالكي الذي مات سنة إحدى عشرة وثماني مائة.
محمد نظام الدين بن الخوارزمي ثم المصري، مدرس الفقه بالجامع الطولوني،(1/31)
ذكره محمد بن عبد الرحمن العثماني قاضي صفد في طبقات الفقهاء فقال: كان من أكابر العلماء الشافعية وعلمائها مات بمصر.
يحيى بن عبد الله الرهوني شرف الدين الفقيه المالكي، اصله من المغرب، واشتغل ومهر ودرس بالشيخونية ودرس الحديث في الصرغتمشية وأفتى، وله تخاريج وتصانيف تخرج به المصريون، مات في ثالث شوال، ورثاه ابن الصائغ وأرخه بعضهم سنة أربع وسبعين في ذي القعدة.
يحيى بن محمد بن زكريا بن محمد بن يحيى العامري البلدي الحموي بن الخباز الشاعر الزجال تلميذ السراج المحار، تمهر ونظم في الفنون وشارك في الآداب، وقد كتب عنه الصفدي وغيره، وكان يتشيع، مات في ذي الحجة، وقد عمر طويلاً، قال الصفدي: اجتمعت به غير مرة وأنشدني من نظمه، وسألته عن مولده فقال: في سنة سبع وتسعين وستمائة في شهر المحرم بحماة. وكان مشاركاً في الآداب.(1/32)
سنة أربع وسبعين وسبعمائة
فيها اشتد الحر بوادي الأخيضر على الحاج الشامي وهم رجوع، فمات منهم جماعة عطشاً، وكان السبب في ذلك أن أمير الحاج في الذهاب ضرب الموكلين على الفساقي بسبب قلة ما بها من الماء، فلما عاد الحاج لم يجدوا أولئك ملؤا في الفساقي شيئاً أصلاً حقداً منهم على ما صنع بهم وكان في ظن الحاج أنهم يجدون الفساقي ملأ فقدموا ملأى فقدموا معتمدين على ذلك حتى أن بعضهم سقى بقية ما معه من الماء للجمال، ولما وصلوا فلم يجدوا الماء اقتتلوا على البئر فمات منهم خلق كثير من الزحمة ومن العطش، ومات بعد ذلك منهم اكثر ممن قتل بالعطش.
وفيها كان الوباء بدمشق فدام قدر ستة أشهر، وبلغ العدد في كل يوم مائتي نفر، وفي ربيع الأول الموافق لتشرين الأول زادت الأنهار بدمشق فسدت أبوابها فانكسر بعضها فانقلب على نهر بردى، فتلف بسبب ذلك شيء كثير وبطلت طواحين كثيرة وحمامات.
وفيها ولي صلاح الدين بن عرام نيابة الإسكندرية عوضاً عن شرف الدين موسى الأزكشي، وكانت ولاية الأزكشي في هذه السنة اشهراً.(1/33)
وفيها أمر أن لا يزيد عدد الشهود في كل مركز على أربعة وان لا يستنيب أحد من القضاة من غير مذهبه، وذلك من قبل الجاي اليوسفي المتحدث في المملكة.
وفيها استقر الجاي أتابك السلطنة، وولي نظر المارستان فاستناب كريم الدين بن الغنام فيه.
وفيها ولي اشقتمر المارديني نيابة حلب بعد ايدمر المتوفي في العام الماضي.
وفيها استقر يلبغا الناصري شاد الشربخاناة.
وفيها وصل قود منجك ناثب الشام، وكان شيئاً كثيراً إلى الغاية وفيه سباع وضبع وأيل وغير ذلك.
وفيها أرسل الجاي أخاه طغيتمر الحنسي إلى دمشق لعرض الأجناد بها فحصل أموالاً عظيمة حتى قيل: غن الذي خصه خمسون ألف دينار، وأخذ من ذخائر القلعة أشياء نفيسة، وبالغ في الظلم فاستغاث الناس إلى منحك نائب الشام فكاتب فيه، ثم توجه المذكور إلى جهة حلب ففعل في بقية البلاد أشد مما فعل بدمشق، ولولا تلطف النائب وناظر الجيش بالناس(1/34)
لهلكوا معه واستناب الجاي في نظر الأوقاف الشريف بكتمر الذي كان والي القاهرة وصار يحمل إليه المعلوم.
وفيها عزل الشريف فخر الدين من نقابة الأشراف بسبب ما أنهاه الشريف بدر الدين حسن النسابة أنه يرتشى ممن ليس بشريف، فيلبسه العلامة الخضراء فعقد له مجلس وعرض الجماعة وحصل للجماعة التعصب، وعزل الشريف وقرر الشريف عاصم نقيباً في تاسع شوال، فباشرها إلى العشرين من ذي الحجة، ثم أعيد فخر الدين.
وفيها ولي شهاب الدين احمد بن شرف الدين موسى بن فياض المقدسي الحنبلي الحكم بحلب عوضاً عن أبيه بسؤاله في ذلك.
وفيها استقر شمس الدين محمد بن أحمد بن مهاجر كاتب السر بحلب عوضاً عن ابن علان لما مات.
وفيها كان الحريق بقلعة الجبل داخل الدور السلطانية، واستمر أياماً ففسد شيء كثير، ويقال إن أصله من صاعقة وقعت.
وفيها مات منكلي بغا الشمسي، فرسم السلطان لأجناده أن يمشوا في خدمة ولي العهد أمير علي، هو الذي تولى السلطنة بعده، وفي جمادى الأولى ولي بيدمر نيابة طرابلس.
وفيها عقد الجاي مجلساً بالعلماء في إقامة خطبة بالمنصورية، فأفتاه البلقيني وابن الصائغ وآخر بالجواز، وخالفهم الباقون، فانفصل المجلس على ما قاله الجمهور، وصنف البلقيني كتاباً في الجواز، وصنف شيخنا الحافظ العراقي كتاباً في المنع، وقد سبق بالتصنيف(1/35)
في المنع تقى الدين السبكي فجمع فيه عدة تواليف صغار، وقفت على أربعة منها، ووقفت بعد ذلك على جزء جمعه القاضي برهان الدين بن جماعة في المنع.
وفيها استقر ابن الغنام وزيراً وولده عبد الله ناظر البيوت، وكريم الدين بن الرويهب ناظر الدولة، وجمال الدين عبد الرحيم بن الوراق ناظر الخزانة الكبرى، وقرطائ كاشف الوجه القبلي، وأمسك الوزير المنفصل وهو فخر الدين بن تاج الدين موسى.
وفيها ضربت عنق بن سويرات بسبب أمور تنافي الشريعة، فحكم البرهان الأخناي بسفك دمه، وكان من أهل الحسينية ظاهر القاهرة.
وفيها قدم بعض الشيوخ الزواكرة إلى دمشق ومعه تمر ومرسوم أن يباع ما معه من التمر كل تمرة بدرهم، فشق ذلك على الباعة وأكثروا الشناعة، ذكر ذلك ابن كثير.
وفي هذه السنة راسل اللنك شاه ولي صاحب مازندران وهو شاه ولي يستدعيه إلى حضرته فأرسل إليه جماعة من أكابر مملكته منهم إسكندر الجلالي وأرشبوند وإبراهيم القمي فأكرمهم اللنك. وراسل شاه ولي ملوك العراق، فأطعمه أحمد بن أويس صاحب بغداد في نصرهم إن قصده اللنك، وامتنع شاه شجاع من إجابته لكونه هادن اللنك وهاداه قبل ذلك، ورحل اللنك بعساكره طالباً مازندران فنازلها، فلم يثبت شاه ولي في الكفاية فانهزم إلى الري، وكان بها أمير من جهته يقال له محمد جوكار فغدر به وقبض عليه وأرسله إلى اللنك متقرباً إليه به، فأمر بقتله، ودخل جوكار في طاعة اللنك، وغلب اللنك على تلك البلاد كلها.(1/36)
ذكر من مات
في سنة أربع وسبعين وسبعمائة من الأعيان
إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل الجعفري الدمشقي الحنفي، برع في الفقه وناب في الحكم ودرس، مات في المحرم.
إبراهيم بن خليل بن شعبان الصارم، أستاد دار الأتابك اسندمر، مات في ذي القعدة.
إبراهيم بن محمد بن عيسى بن مطير بن علي بن عثمان الحكمي اليمنى، كان عالماً صالحاً عارفاً بالفقه، درس وأفتى وحدث عن أبيه. وكان مقيماً بأبيات حسين من سواحل اليمن، وكان يلقب ضياء الدين، سمع من والده ومن محمد بن عثمان بن هاشم الحجري وغيرهما، حفظ وحدث.
أحمد بن رجب بن الحسن بن محمد بن مسعود السلامي البغدادي نزيل دمشق، والد الحافظ زين الدين بن رجب، ولد ببغداد ونشأ بها، وقرأ بالراويات وسمع من مشايخها، ورحل إلى دمشق بأولاده فأسمعهم بها وبالحجاز والقدس، وجلس للإقراء بدمشق وانتفع به، وكان ذا خير ودين وعفاف، ومات في هذه السنة أو التي قبلها.
أحمد بن عبد الله العباسي ثم المصري الحنبلي، سبط أبي الحرم القلانسي، مات في جمادى الأولى، وهو منسوب إلى العباسية من قرى الشرقية.
أحمد بن عبد الوارث البكري، الفقيه الشافعي، شهاب الدين، وهو والد الشيخ نور الدين الذي ولي الحسبة وأخو صاحبنا عبد الوارث المالكي وجد صاحبنا نجم(1/37)
الدين عبد الرحمن، مات في شهر رمضان. قال لي شيخنا ابن القطان: كان عارفاً بالفقه والأصل والعربية منصفاً في البحث، ولي تدريس مدرسة اطفيح، واعتزل الناس في آخر عمره.
أحمد ابن محمد بن جمعة بن أبي بكر بن إسماعيل بن حسن الأنصاري الحلبي شهاب الدين أبو العباس الشافعي، ويقال له ابن الحنبلي، سمع من التاج النصيبي جزء محمد بن الفرج الأزرقي، وأفتى وحدث وناب في الحكم، مات في ذي الحجة عن نحو من سبع وسبعين سنة، فإن مولده في ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين.
أحمد بن محمد بن علي بن سعيد الدمشقي، صدر الدين أبو طاهر بن بهاء الدين ابن إمام المشهد، ولد سنة اربع وثلاثين أو بعد ذلك، وأحضر على زينب بنت الكمال وأحمد بن علي الجزري، وسمع من أصحاب الفخر فأكثر وبرع في الطلب، وكتب الطباق بخطه الحسن، ووقع على القضاة، ومات في ثامن شعبان.
أحمد بن محمد بن محمد بن المسلم بن علان القيسي الدمشقي، شهاب الدين، كاتب السر بحلب، باشرها سنة واحدة، ومات وله نيف وخمسون سنة.
ارغون ططر بن عبد الله التركي، كان من مماليك حسن، وتقدم في دولة يلبغا، ثم ولي رأس نوبة ثم قبض بعد كائنة يلبغا سنة ثمان وستين وحبس بالإسكندرية ثم أفرج عنه، وولي إمرة حماة واستقر بها غلى أن مات في أوائل هذه السنة.(1/38)
إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير بن ضوء بن درع البصروي ثم الدمشقي، الفقيه الشافعي الحافظ عماد الدين ابن الخطيب شهاب الدين، ولد سنة سبعمائة، وقدم دمشق وله نحو سبع سنين سنة ست وسبعمائة مع أخيه بعد موت أبيه وحفظ التنبيه، وعرضه سنة ثماني عشرة، وحفظ مختصر ابن الحاجب، وتفقه بالبرهان الفزاري والكمال ابن قاضي شهبة، ثم صاهر المزي، وصحب ابن تيمية، وقرأ في الأصول على الأصبهاني، وألف في صغره أحكام التنبيه، فيقال إن شيخه البرهان أعجبه وأثنى عليه، واتفق قدوم ابن جماعة في الرحلة بولده عمر سنة عشر إلى دمشق، فاستقدمه معه وانتفع به في تخريج أحاديث الرافعي، ورأيت نسخة من تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب لم يبيضها بخط تقي الدين ابن رافع، وكان كثير الاستحضار قليل النسيان جيد الفهم، وكان يشارك في العربية ويستحضر التنبيه ويكرر عليه إلى آخر وقت وينظم نظماً وسطاص، قال ابن حجى: ما اجتمعت به قط إلا استفدت منه، وقد لازمته ست سنين. وقد ذكره الذهبي في معجمه المختص فقال: الإمام المحدث المفتي البارع، ووصفه بحفظ المتون وكثرة الاستحضار جماعة منهم الحسيني وشيخنا العراقي وغيرهما، وسمع من الحجار والقاسم بن عساكر وغيرهما، ولازم الحافظ المزي وتزوج بابنته، وسمع عليه أكثر تصانيفه، وأخذ عن الشيخ تقي الدين ابن تيمية فأكثر عنه، وصنف التصانيف الكثيرة في التفسير والتاريخ والأحكام. وقال ابن حبيب فيه: إمام ذوي التسبيح والتهليل، وزعيم أرباب التأويل، سمع وجمع وصنف، وأطرب الأسماع بقوله وشنف، وحدث وأفاد، وطارت أوراق فتاويه إلى البلاد، واشتهر بالضبط(1/39)
والتحرير، وانتهت إليه رئاسة العلم في التاريخ والحديث والتفسير. مات بدمشق في خامس عشر شعبان، وقد أجاز لمن أدرك حياته، وهو القائل:
تمر بنا الأيام تترى وإنما ... نساق إلى الآجال والعين تنظر.
فلا عائد ذاك الشباب الذي مضى ... ولا زائل هذا المشيب المكدر.
قلت: ولو كان قال: فلا عائد صفو الشاب إلى آخره، لكان أمتع.
ولما رتب الحافظ شمس الدين بن المحب المعروف بالصامت مسند أحمد على ترتيب حروف المعجم حتى في التابعين المكثرين عن الصحابة أعجب ابن كثير فاستحسنه، ورأيت النسخة بدمشق بخط ولده عمر فألحق ابن كثير ما استحسنه في الهوامش من الكتب الستة ومسندي أبي يعلى والبزار ومعجمي الطبراني ما ليس في المسند، وسمى الكتاب جامع المسانيد والسنن وكتبت منه عدة نسخ نسبت إليه وهو الآن في أوقاف المدرسة المحمودية، المتن ترتيب ابن المحب والإلحاقات بخط ابن كثير في الهوامش والعصافير، وقد كنت رأيت منه نسخة بيضها عمر بن العماد بن كثير مما في المتن والإلحاق، وكتب عليه الاسم المذكور.
إسماعيل بن محمد بن نصر الله بن يحيى بن دعجان بن خلف العدوي، فخر الدين ابن عمر محيي الدين بن فضل الله كاتب السر، سمع من البنديجي مشيخته وحدث، ومات في المحرم وله سبع وسبعون سنة، لأن مولده سنة سبع وتسعين وستمائة، ولو سمع على قدر سنة لأدرك إسناداً عالياً.
أبو بكر بن محمد بن يعقوب الشقاني المعروف بابن أبي حربة، كان فقيهاً(1/40)
عارفاً فاضلاً زاهداً صاحب كرامات شهيرة بلاده، وهو من شقان بضم المعجمة وتشديد القاف وآخره نون من السواحل بين جدة وحلى.
بهادر قلقاس. وكيل السلطان بدمشق، كان من أكابر الظلمة ففرح الناس بموته.
بركة خاتون بنت عبد الله المولدة، والدة الملك الأشرف، تزوجت الجائي في سلطنة ولدها، وماتت في عصكته في ذي القعدة، ولها مدرسة بالتبانة، وكان الأشرف كثير البر لها بحيث أنه أعادها مراراً حتى بالروضة مقابل مصر، وماتت في ذي القعدة، فأراد الأشراف أن يزوج الجاي ابنته، فقيل: لا تحل له، فجمع القضاة فأفنوه بالمنع لأن بنت الربيب ربيبة، فعوضه عنها بسرية له وكان يحبها اسمها بستان فأعتقها وزوجها له، ثم وقع بينهما منافرة بسبب تركة أم الأشراف التي ماتت(1/41)
الحسن بن عبد العزيز بن عبد الكريم بن أبي طالب بن علي بن سيدهم اللخمي التستراويني ثم المصري، أبو محمد بدر الدين، كان جواداً وافر المروءة كثير المكارم محباً في الصالحين، باشر ديوان طبيغا الطويل ودخل معه حلب لما وليها ثم رجع، وكان قد سمع من الحجار وعبد الرحمن بن مخلوف بن جماعة ومحمد بن عبد الحميد الهمداني والجلال بن السلام وجماعة، ولازم سماع الحديث من المتأخرين، وحدث بكتاب المدخل لابن الحاج بسماعه منه، وكتب عدة أجزاء بخطه، وهو عم صهري كريم الدين عبد الكريم بن أحمد بن عبد العزيز، مات في العشرين من جمادى الأولى. وكان قد ركبه الدين الكثير وهو لا يترك طريقته في العطايا والجود فاتفق أن ماتت زوجته وتركت مالاً جزيلاً فمات عقبها فوفى دينه قريبه المذكور بموجوده ولم يأخذ من ميراثه شيئاً بل جاء حقه بحقه، وكذا اتفق لقريبه المذكور لكن على غير هذه الكيفية كما سأذكره إن شاء الله تعالى في ترجمته سنة سبع وثماني مائة. قال الحافظ أبو المعالي ابن عشائر: حدث بحلب بالمائة المنتقاة من الصحيح لابن تيمية بسماعه من الحجار ووزيرة ولم يتحقق لنا سماعه لذلك ولكن قرؤوا عليه بأخباره والمحقق سماعه للحدث الفاصل من ابن مخلوف والمتوكل من ابن الصواف وكلاهما بالإسكندرية.(1/42)
سليمان بن محمد بن حميد بن محاسن الحلبي ثم النيربي الصابوني ولد سنة إحدى وسبعمائة بمصر، وأحضر على الحافظ الدمياطي في الرابعة السيرة النبوية واليقين لابن أبي الدنيا، وحدث عن ست الوزراء والحجار، فقرات بخط محمد بن يحيى بن سعيد في شيوخ حلب سنة ثمان وأربعين أن ذلك لم يكن صحيحاً وإنما له منهما إجازة. قلت: وذكره ابن رافع في معجمه، وكنيته أبو قمر وكانت وفاه بالنيرب في شهر رمضان، سمع منه البرهان محدث حلب.
سنقر بن عبد الله الواسطي، ويقال له عبد الله، كان مولى الحسين الواسطي، سمع من المزي ويحيى بن إسحاق الشيباني قاضي زرع من سنن الدارقطني وحدث، وكان كثير الصدقة والتودد مواظباً على الجماعة، مات في ربيع الآخر.
طاهر بن أبي بكر بن محمد بن محمود بن سعيد التبريزي ثم الدمشقي، الخواجا نجم الدين، سمع من الحجار والمزي والجزري وغيرهم، وكان يكفن الموتى من ماله ثم افتقر ونزل صوفيا بالسميساطية، ومات في أواخر صفر وقد جاوز الثمانين بأربع سنين لأن مولده كان سنة أربعين وستمائة. قال ابن كثير: كان من أحاسن الناس وفيه حشمة ورئاسة وإحسان، وكان قد حظي عند تنكز وولاه أنظاراً كباراً ووظائف، وهو الذي كفن المزي من ماله.
عبد الله بن عمر بن سليمان المصري، المعروف بالسبطين، وأصله مغربي، كان مقيماً بالجامع الأزهر، وللناس فيه اعتقاد، وهو والد صاحبنا شهاب الدين أحمد.(1/43)
عبد الرحمن بن الحضر بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن يوسف بن عثمان السخاوي ثم الحلبي الأديب زين الدين أبو محمد، كاتب الدرج بحلب، أناف على الخمسين، ومن نظمه:
حمام الأراك أراك الهوى ... شجونا غدوت لها مستكينا.
فولا النوى ما عرفت النواح ... ولولا الشجاما ما ألفت الشجونا.
أثنى عليه ابن حبيب.
عبد العزيز بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق، أبو فارس المريني بن أبي الحسن بن أبي سعيد بن أبي يحيى البربري صاحب فاس، لما مات أبوه أبو الحسن اعتقل هو غلى أن غلب الوزير عمر بن عبد الله بن علي على أمر المملكة. ونصب تاشفين بن أبي الحسن أخا عبد العزيز هذا في السلطنة، وذلك في سابع عشر ذي القعدة سنة اثنتين وستين، وقاتل أبا سالم إبراهيم بن أبي الحسن إلى أن قتل، فثار محمد بن أبي عبد الرحمن بن أبي الحسن في صفر من سنة ثلاث وستين، فكانت له حروب آلت إلى خروجه إلى مصر فحج ورجع فمات، فقام أخوه عبد الرحمن بسجلماسه فسجن، وقام أبو الفضل بن أبي سالم بمراكش، وقام عبد الرحمن ابن أبي علي مبادلاً فحاربهم الوزير المذكور ثم توهم من أبي زيان فقتله في المحرم سنة ثمان وستين، وبايع عبد العزيز فأخرجه من الاعتقال وسلطنه ورحل به من فاس في شعبان منها فنازل مراكش فوقع الصلح بينه وبين أبي الفضل ومن معه رجعوا إلى فاس، فشق على أبي فارس استبداد الوزير وساء ما بينهما فهم الوزير بخلعه ولإقامة أخيه عمر فبادر وقتله بغتة واستولى على أمواله وتتبع أهله وحشمه فقتل بعضاً وأسر بعضاً(1/44)
وتوجه من فاس إلى مراكش فنازل أبا الفضل حتى قتله ثم حارب عامر بن محمد المتغلب بفاس حتى هزمه ثم ظفر به فقتله وقتل تاشفين في سنة إحدى وسبعين، ثم ملك تلمسان في يوم عاشوراء سنة اثنتين وسبعين، واستوسق له ملك المغرب الأوسط وثبت قدمه ودفع الثوار والخوارج واستمال العرب، ولم يزل إلى أن طرقه ما لابد منه، فمات بمعسكره من تلمسان في شهر ربيع الآخر، واستقر في السلطنة بعده ولده السعيد محمد ثم خلع سنة ست وسبعين، واستقر السلطان أبو العباس بن أبي سالم.
عثمان بن محمدب ن عيسى بن علي بن وهب القشيري فخر الدين بن دقيق العيد المصري، سمع من عم أبيه تاج الدين أحمد بن علي الأول من مشيخة ابن الممتري وناب في الحكم ونظر في الأوقاف ودرس بجامع آق سنقر والمسرورية والنابلسية، وكان مزجي البضاعة، مات في شهر ربيع الأول.
علي بن إبراهيم بن سعد الأنصاري، أبو الحسن بن معاذ، كان يذكر أنه من ذرية سعد بن معاذ الأوسي، وكان فاضلاً مشاركاً في عدة علوم، متظاهراً بمذهب أهل الظاهر يناضل عنه ويجادل مع شدة بأس وقوة جنان ومعاشرة لأهل الدولة خصوصاً القبط، وكتب بخطه شيئاً كثيراً خصوصاً من كتب الكيمياء، وقد سمع من ابن سيد الناس ولازمه مدة طويلة، وسمع منه البرهان محدث حلب، ومات بمصر في رابع شوال. أخذ عنه الشيخ أحمد القصير مذهب الظاهر وكان يذكر لنا عنه فوائد ونوادر وعجائب والله يسامحه.(1/45)
علي بن الحسن بن خميس البابي الحلبي الشافعي، عني بالعلم وأفتى وانتفع الناس به، ودرس بالسيفية، مات في صفر.
عمر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم بن عبد الله الكناني الصالحي، المعروف بابن النقبي، سمع من عمر بن القواس معجم ابن جميع وجزء ابن عبد الصمد وغير ذلك وتفرد بذلك، مات في ذي القعدة عن نيف وثمانين سنة.
فاطمة بنت نصر الله بن أبي محمد بن محمد السلامي، قرابة بن نافع، ولدت تقريباً سنة عشر، وأسمعت على الواني، وكانت خيرة دينة، ماتت في صفر سنة مات قريبها.
محمد بن أحمد بن إبراهيم الديباجي المعروف ب المنفلوطي، الشيخ ولي الدين الملوي الشافعي، سمع من الحجار وأسماء بنت صصرى وغيرهما بدمشق، ثم تجرد إلى الروم وأخذ عن جماعة من علمائها، ثم رجع إلى دمشق وقدم القاهرة مراراً، ثم استوطنها ودرس بالمنصورية والسلطانية حسن وغيرهما، وكان فاضلاً متواضعاً جداً، قليل التكلف، إذا لم يجد ما يركب مشى، كثير الإنصاف ولو على نفسه، خبيراً بدينه ودنياه، عارفاً بالتفسير والفقه والأصلين والتصوف، صنف عدة تواليف صغار، فيها مشكلات من تصوف الاتحادية. وكان ابن عقيل قد ولي درس مدرسة حسن قبل موت السلطان، فلما قتل أراد يلبغا هدم المدرسة ومنع ابن عقيل من تدريسها وولاها الشيخ ولي الدين، فغضب ابن عقيل وهجر ولي الدين، ثم استرضى(1/46)
يلبغا ابن عقيل بالخشابية واستمر التراضي بينهما، وحدث باليسير. قال ابن حجى: كان يحفظ تنجيز التعجيز وسمع في صباه من الحجار وأسماء بنت صصرى. وكان من ألطف الناس وأظفرهم شكلاً، ويرقص في السماع، ويجيد التدريس، وله توليف بديعة الترتيب، وكان يصغر عمته ويتصوف، مات في شهر ربيع الأول عن بضع وستين سنة، وكان الجمع في جنازته حافلاً متوفراً يقال بلغوا ثلاثين ألفاً. قال العثماني الصفدي: رايته شاباً في حلقة النور الأردبيلي حسن الملبوس مشرق الهيئة ثم رأيته بالقدس بعد ثلاثين سنة وعليه دنسة وبيده عكاز وقد نحف جسمه، قال: وتوجه غلى مصر مجرداً فزار الشافعي فحضر الدرس بجانب القبة فعرفه المدرس وأكرمه وأجلسه معه، ثم سأله أن يدرس فدرس في الموضع الذي كانوا فيه اتفاقاً مما عظم به قدره. ويقال إنه قال عند موته: حضرت ملائكة ربي وبشروني وأحضروا لي ثياباً من الجنة فانزعوا عني ثيابي! فنزعوها، فقال: أرحمتموني. ثم زاد سروره ومات في الحال.
محمد بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الصمد بن مرجان الصالحي المقرئ الحنبلي، سمع من القاضي سليمان وعيسى بن المطعم ويحيى بن سعيد وغيرهم وحدث، مات في شعبان عن سبعين سنة.
محمد بن رافع بن أبي محمد بن شافع بن محمد بن سلام السلامي، الحافظ تقي الدين الصميدي نسبة إلى قرية من قرى دمشق المصري المولد والمنشأ ثم الدمشقي، ولد سنة أربع وسبعمائة، وسمع بإفادة أبيه من علي بن القيم والحسن سبط زيادة نحوهما، وأجاز له الدمياطي، ثم ارتحل به وأبوه إلى الشام سنة أربع عشرة، وأسمعه من التقى سليمان وأبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم وعيسى المطعم وإسماعيل بن مكتوم وست الوزراء، ثم(1/47)
طلب بنفسه بعد العشرين، وتخرج بالقطب الحلبي وأبي الفتح اليعمري، ورحل سنة ثلاث وعشرين إلى دمشق أيضاً، فسمع من القاسم بن عساكر وأبي نصير بن الشيرازي وابن الشحنة، ولازم المزي والبرزالي والذهبي مدة ثم رجع، ثم عاد صحبة القاضي تقى الدين السبكي سنة تسع وثلاثين، وولي درس الحديث بالنورية بعد الذهبي سنة ثمان وعشرين، وخرج لنفسه معجماً حافلاً في أربع مجلدات، وجمع الوفيات التي ذيل بها على البرزالي، وجمع الذيل على تاريخ ابن النجار لبغداد، وكان ذر صلاح وورع ومعرفة بالفن فائقاً، وكان الشيخ تقي الدين السبكي يرجحه على العماد ابن كثير. قال ابن حبيب: إمام مقدام في علم الحديث ودرايته، ومميز بمعرفة أسماء ذوي إسناده وروايته، ورحل وطلب، وسمع بمصر ودمشق وحلب، وأضرم نار التحصيل واجج، وقرأ وكتب وانتقى وخرج، وعني بما روى عن سيد البشر، وجمع معجمه الذي يزيد على ألفي نفر، وكان لا يعنى بملبس ولا مأكل، ولا يدخل فيما أبهم عليه من أمر الدنيا إذا أشكل، ويختصر في الاجتماع بالناس، وعنده في طهارة ثوبه وبدنه أي وسواس، سكن دمشق وباشر التدريس في الحديث بالنورية وغيرها، ومات بها في شهر جمادى الأولى عن سبعين سنة، وكان أبوه من المحدثين فأحضر ابنة هذا على الشيخ علي بن هارون وابن الصواف وغيرهما وأسمعه من جماعة، ثم حبب إليه الطلب، فرحل به إلى دمشق وحلب، فأسمعه من جماعة، واستجار له أبوه من الدمياطي وغيره، وقرأ أبوه تهذيب الكمال على المزي فسمعه معه، وسمع من التقي سليمان وطبقته ومن بعدهم، ثم رجع إلى القاهرة فتخرج بالقطب والفتح، ثم قدم دمشق صحبة السبكي لما قدم قاضياً، وانتقى له الذهبي جزءاً من عواليه، وحدث قديماً. ذكره الذهبي في المعجم المختص وقال فيه: المتقن الرحال، رحل به أبوه فسمعه تهذيب الكمال على مؤلفه، ثم مات والده فحبب إليه هذا الشأن، ورحل مراراً منها في سنة تسع وعشرين إلى حلب وحماة وسمع بها وبغيرها. وقال أيضاً: قدم دمشق مراراً وآخرها سنة تسع(1/48)
وثلاثين فاستوطنها، وحصل وظائف. وذكره في المعجم الكبير أيضاً وأنشد عنه شرعاً أنه أنشده إياه عن الذهبي نفسه فحدث عن واحد عن نفسه بشيء من شعره، ولما توفي المزي أعطاه السبكي مشيخة الحديث النورية وقدمه على ابن كثير وغيره، ولما شغرت الفاضلية عن الذهبي قدمه على من سواه من المحدثين، وذكر لي شيخنا العراقي أن السبكي كان يقدمه لمعرفته بالأجزاء وعنايته بالرحلة والطلب.
قلت: والإنصاف أن ابن رافع أقرب إلى وصف الحفظ على طريقة أهل الحديث من ابن كثير لعنايته بالعوالي والأجزاء والوفيات والمسموعات دون ابن كثير، وابن كثير أقرب إلى الوصف بالحفظ على طريقة الفقهاء لمعرفته بالمتون الفقيهة والتفسيرية دون ابن رافع، فيجمع منهما حافظ كامل، وقل من جمعهما بعد أهل العصر الأول كابن خزيمة والطحاوي وابن حبان والبيهقي، وفي المتأخرين شيخنا العراقي. وكان ابن رافع كثير الإتقان لما يكتبه والتحرير والضبط لما يصنفه، وابتلي بالوسواس في الطهارة حتى انحل بدنه وأفسد ذهنه وثيابه وتأسف هو على ذلك، ولم يزل مبتلي به حتى مات. قال ابن حجى: كان يحفظ المنهاج والألفية ويكرر عليهما إلى أن مات.
محمد بن عبد الله الصوفي الكازروني الشيخ بهاء الدين، قدم مصر فصحب الشيخ أحمد الحريري صاحب الشيخ ياقوت تلميذ أبي العباس المرسي وانقطع بعده في المشتهى من الروضة، وكان الناس يترددون إليه ويعتقدونه وكان الشيخ أكمل الدين كثير التعظيم(1/49)
له، وكان أعجوبة في جذب الناس إليه وإقامتهم عنده وانقطاعهم عن أهلهم خصوصاً المرد فإنه كان لا يحضر عنده أحد منهم ثم يستطيع أحد من أهله أن يستعيده، وممن اتفق له معه ذلك من أصحابنا الشيخ بدر الدين محمد بن إبراهيم البشتكي الشاعر المشهور فيما أخبرني به، وكان يكثر الثناء عليه، وذكر لي أنه نسخ له شيئاً كثيراً خصوصاً من تصانيف محيي الدين ابن العربي، وكان منقطعاً إليه إلى أن مات. واتفق من العجائب ما حكاه لي الشيخ نجم الدين البالسي أنه لما مات حضر جنازته في جملة خلق كثير فهو في أثناء دفنه وإذا باللاحد قد خرج من القبر أمرد جميل الصورة إلى الغاية فاشتغل الناس أو غالبهم بالنظر إليه وقضوا العجب من استمرار ملازمة هذا الجنس للشيخ حتى حين دفنه، ومات في ذي الحجة، أرخه ابن دقماق ليلة الأحد خامس ذي القعدة.
محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن السراج الزبيدي الحنفي، أحد الفضلاء، يكنى أبا يزيد، مات عن ثلاث وخمسين سنة.
محمد بن عبد الكريم بن محمد بن صالح بن هاشم الحلبي، ظهير الدين أبو محمد بن العجمي، سمع صحيح البخاري وسنن ابن ماجه والبعث لابن أبي داود من سنقر الزيني، وسمع مشيخة ابن شاذان من بيبرس العديمي، وسمع من غيرهما وحدث، مات في خامس عشر المحرم عن ثمانين سنة، لأن مولده كان سنة أربع وتسعين وستمائة، سمع منه شيخنا العراقي وأرخه، وسمع منه أيضاً ابن عساكر وأبو إسحاق سبط بن العجمي وهو أقدم شيخ له، والبرهان آخر من روى عنه وآخرون، وطلب بنفسه، كتب الطباق والأجزاء ونسخ كثيراً من الكتب بالأجرة، وكان يسترزق من الشهادة، فإذا طلب منه الإسماع طلب الأجرة لما يفوته من الشهادة بقدر ما يكفيه من القوت.(1/50)
محمد بن عثمان بن موسى بن علي بن الأقرب الحلبي الحنفي، شمس الدين بن فخر الدين، كان فاضلاً متواضعاً، درس بالأتابكية والقليجية، مات في سنة نيف وستين ذكره ابن حبيب. قال ابن كثير: كان من أحاسن الناس، وفيه حشمة ورئاسة وإحسان. وأخوه شهاب الدين أحمد كان فاضلاً، رحل إلى مصر واشتغل بها ومهر في المعقول، وولي قضاء عينتاب، وأخوهما علاء الدين تلذ للقوام الأبزاري ومهر في الفتوى.
محمد بن علي بن أحمد السمرقندي بن العطار، نزيل دمشق، كان زاهداًُ عابداً ديناً عالماً ملازماً للعلم والعمل، أثنى عليه ابن كثير ووصفه بالجمع بين العلم والعبادة، وكان يؤثر على نفسه حتى بقميصه ويغضب في إزالة المنكر لله، وكان حسن الفهم للعلم على عجمة فيه، وكان يعظ على كرسي، وتحصل له حال في تلك الحالة.
محمد بن علي بن إسماعيل الزواري، سمع الصحيح من وزيرة والحجار وحدث به، مات في أوائل السنة عن خمس وسبعين قتيلاً.
محمد بن عوض بن عبد الخالق بن عبد المنعم البكري الفقيه، ناصر الدين الشافعي، ولد سنة سبعمائة، واشتغل كثيراً، وولي تدريس الفيوم مدة طويلة، وكان عارفاً بالأصلين والفقه والعربية والهيئة، وصنف تصانيف مفيدة، وهو والد صاحبنا نور الدين(1/51)
البكري المعروف بابن قييلة، مات بدهروط في شهر رمضان وهو يصلي الصبح. ورأيت بخط ابن القطان وأخبرنيه إجازة قال: سمعت الشيخ يحيى الجزولي المالكي يقول سمعت الشيخ شهاب الدين بن عبد الوارث البكري يقول: كان بيني وبين الشيخ ناصر الدين وقفة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: اصطلح مع محمد البكري، فسافرت في البر واصطلحت معه قلت: واتفق أن ماتا في شهر واحد.
محمد بن محمد بن أحمد بن الصفي الدمشقي، ناصر الدين بن العتال الحنفي الحاسب، كانت لأبيه رواية عن الحافظ الضياء، ونشأ هو في طلب العلم فسمع الحديث، وتمهر في الفقه واشتغل، وبرع في الحساب، وأتقن المساحة إلى أن صار إليه المنتهى في ذلك والمرجع إليه عند الاختلاف، ولم يكن في دمشق من يدانيه في ذلك، وكان يقصد للاشتغال عليه فيه، ثم إنه ترك ذلك بأخرة وأقبل على التلاوة، وكان مأذوناً له بالإفتاء، ولوالده رواية عن الحافظ الضياء، ومات هو سنة أربع وسبعين، ومن شعره وهو نازل:
حديثك لي أخلى من المن والسلوى ... وذكرك شغلي في السريرة والنجوى.
سلبت فؤادي بالتمني وإنني ... صبرت لما ألقى وإن زادت البلوى.
محمد بن محمد بن عبد الكريم بن رضوان، شمس الدين الموصلي، نزيل دمشق، ولد على رأس القرن، وكتب بخطه سنة تسع وتسعين، وكتب الخط المنسوب، ونظم الشعر فأجاد، وكان أكثر مقامه بطرابلس ثم قدم دمشق وولي خطابة جامع يلبغا يسيراً وتصدر بالجامع الأموي. قال العثماني صاحب تاريخ صفد: رافقته إلى دمشق سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وكان لما استقر بدمشق حصل وظائف فعوند فيها فقنع بما تيسر، وصار يتجر في الكتب فحلف تركة هائلة تبلغ ثلاثة آلاف دينار، وشرح نظم(1/52)
المطالع في مجلدة كبيرة اختصرها من المطالع وحررها، وأرخه في سنة ثلاث وسبعين فوهم. وقال فيه ابن حبيب: عالم علت رتبته الشهيرة، وبارع ظهرت في أفق المعارف شمسه المنيرة، وبليغ يثني على قلمه ألسنة الأدب، وخطيب تهتز لفصاحته أعواد المنابر من الطرب، كان ذا فضيلة مخطوبة، وكتابة منسوبة، وخبرة بالفنون الأدبية، ومعرفة بالفقه واللغة العربية، وله نظم المنهاج ونظم المطالع وعدة من القصائد النبوية، وهو القائل في الذهبي لما اجتمع به:
ما زلت بالطبع أهواكم وما ذكرت ... صفاتكم قط إلا همت من طربي.
ولا عجيب إذا ما ملت نحوكم ... فالناس بالطبع قد مالوا إلى الذهب.
ورأيت بخطه نسخة في مجلدة واحدة من صحيح البخاري في غاية الحسن، وتصدر بالجامع الأموي، وولي تدريس الفاضلية بعد ابن كثير، وكان التاج السبكي أسكنه بدار الحديث الأشرفية فاستمر ساكناص بها إلى أن مات.
محمد بن محمد بن الشهاب محمود الحلبي، بدر الدين بن شمس الدين، ناظر الجيش والأوقاف بحلب، سمع على الحجار ومحمد بن أبي بكر بن النحاس وغيرهما وحدث، وولي عدة وظائف، مات وله خمس وسبعون سنة. أخذ عنه شيخنا العراقي وغيره، وكان جواداً مفضالاً ممدحاً.
محمد بن محمد الزفتاوي، ناصر الدين المؤذن، يلقب بساسب، كان عارفاً بالميقات، وباشر الرئاسة في ذلك بالجامع الأزهر وبجامع القلعة، واتصل بالأشراف شعبان وحظي عنده، ومات في شهر رجب.(1/53)
محمد بن أبي محمد أبو عبد الله الطوسي شمس الدين، سمع القاسم بن عساكر وغيره وحدث بدمشق.
محمد بن يوسف بن صالح الدمشقي المالكي، شمس الدين القفصي، سمع من الشيخ شرف الدين البارزي قاضي حماة وغيره، وولي مشيخة الحديث السامرية، وناب في الحكم، مات في ربيع الأول عن ثلاث وسبعين سنة لأن مولده كان سنة إحدى وسبعمائة، وله نظم.
مرجان بن عبد الله الخادم، نائب السلطنة ببغداد لأويس، وكان قد تغلب عليها فقصده أويس من تبريز ثم حضر إليه فعفا عنه وذلك في سنة سبع وستين، واستمر نائباً ببغداد إلى هذه الغاية. وكان شهماً شجاعاً، كانت الطرقات قد فسدت بسبب عزله، فلما أعيد أصلحها.
منكلي بغا بن عبد الله الشمسي، اتابك العساكر بعد قتل اسندمر، وكان قبل ذلك نائب السلطنة بمصر، وولي إمرة دمشق وحلب وصفد وطرابلس في أوقات، وتزوج بنت الملك الناصر ثم بنت ابنه حسين أخت الملك الأشرف، وكان مشكور السيرة. قال ابن كثير: آثر بدمشق آثار حسنة واحبه أهلها، وهو الذي فتح باب كيسان وكان له من عهد نور الدين الشهيد لم يفتح، وجدد خطبة في مسجد الشهر زوري. قلت: وبنى بحلب(1/54)
جامعاً أيضاً، وعمر الخان عند جسر المجامع والخان بقرية سعسع، وهو والد خوند زوج الملك الظاهر برقوق.
يحيى بن الرهوني المالكي، تقدم في السنة الماضية.
يعقوب بن عبد الرحمن بن عثمان بن يعقوب، شرف الدين بن خطيب القلعة الحموي، ولد سنة وأخذ عن ابن جوبر وغيره، ومهر في الفقه والعربية والقراءات إلى أن انتهت إليه رئاسة العلم ببلده، وأخذ عنه أكثر فضلائها، وآخر من بقي ممن أخذ عنه موقع الحكم بحماة شرف الدين بن المغيزل، لقيته في سنة ست وثلاثين وثماني مائة بها، وذكر لي أنه قرأ عليه وأجازه، وذكره ابن حبيب في تاريخه وأثنى عليه وقال: انتهت إليه مشيخة بلده، واشتهر بالعلم والدين والصلاح، وكان خطيباً بليغاً وواعظاً مذكراً، مات في شهر، وأرخه العثماني قاضي صفد في المحرم سنة خمس، فكأنه ببلوغ الخبر له.
يوسف بن محمد بن يوسف بن أحمد بن يحيى بن محمد بن علي القرشي الدمشقي، بهاء الدين أبو المحاسن ابن الزكي، أجاز له في سنة خمس وتسعين أبو الفضل بن عساكر والعقيمي والعز الفراء وآخرون، وأجاز له الرشيد بن أبي القسم وابن وزيرة وابن الطبال وغيرهم من بغداد، عني بالفقه والحساب، وكان يحفظ التنبه، وولي وقف درس وقف درس الكلاسة وباشر نظر الأسرى، مات في ربيع الأول.(1/55)
سنة خمس وسبعين وسبعمائة
فيها في المحرم قتل الجاي اليوسفي، وكان قدتنافر هو والسلطان الأشرف بسبب منازعة وقعت بينهما في تركة والدة السلطان، فركب الجاي واقتتل مع مماليك السلطان بسوق الخيل فكسروه، فانهزم إلى بركة الحبش ثم رجع من وراء الجبل الأحمر إلى قبة النصر، فهرب جماعة من أصحابه إلى السلطان وخامر اينبك عليه، ثم ثار له العسكر السلطاني فهرب فساقوا خلفه إلى الخرقانية من أعمال قيلوب، فرمى بنفسه في بحر النيل فغرق، ثم اطلع من بحر النيل ودفن في ترتبه، وكان أول أمره حاجباً في أول حاجباً في أول دولة يلبغا،(1/56)
ثم استقر خزندارا، ثم حبس في أيام اسندمر، ثم أفرج عنه بعد قتل اسندمر واستقر أمير سلاح، وتزوج أم السلطان وعلت كلمته إلى أن صار هو الحاكم في الدولة كلها، وكان تام الشكل حسن التودد إلى العوام مع هوج فيه أداه إلى أن ركب على العامة بالسيف في سنة سبعين، فلولا أنه كان في آخر النهار لأفنى منهم خلقاً كثيراً، وذكر بعض خواصه أنه كان يتصدق في كل يوم اثنين وخمسين بألف درهم دائماً، وكان استقراره في الأتابكية بعد منكلي بغا، فلم تطل أيامه في ذلك وقبض على جماعة من حواشيه، فقيل إن سبب مخامرته أنه كان يبيت عند السلطان ليلة الموكب فجاءه من أخبره أن السلطان يريد القبض عليه فتأخر وأرسل أحضر ثياب مبيته، فأرسل له السلطان يعاتبه فاعتذر، ثم شرع في تفرقة السلاح على أتباعه، فبلغ السلطان فأمر الأمراء بالاجتماع عنده، فلما كان في السابع من المحرم ركب الجاي ممن معه إلى الرميلة والتقى مع أطلاب الأمراء ومماليك السلطان، فاقتتلوا قتالاً شديداً حتى قيل أنهم التقوا أحد عشر وجهاً وقتل جماعة وجرح جماعة في الأخر انهزم الجاي إلى قبة النصروتفرق عنه الجيش وتردد الناس من عند السلطان إليه في الصلح فلم يتم، وأرسل إليه خلعة بنيابة حماة فلم يقبل، ثم تقلل الجمع عنه إلى أن صار في خمسمائة، فخرج إليه أرغون شاه في جماعة من الخاصكية فقاتلوه فانهزم وتفرق من معه، ونودي(1/57)
بالقاهرة: من أمسك مملوكاً من مماليك الجاي أخذ خلعة، فقبض على أكثرهم وصودر من كان في خدمته، واستقر أيدمر نائب طرابلس أتابك العساكر، أحضره السلطان منها بعد قتل الجاي في صفر، واستقر في نيابة طرابلس يعقوب شاه، واستقر اقتمر عبد الغني في نيابة السلطنة بمصر.
وفيها غضب السلطان على سابق الدين مثقال مقدم المماليك وأمره بلزوم بيته، وولي عوضه مختار الجانمي ثم أعيد سابق الدين إلى وظيفته بعد قليل.
وفيها في شهر رمضان حضر منجك نائب الشام إلى مصر فاستقر نائب السلطة بها، وفوضت إليه جميع أمور المملكة من الكلام في الوزارة والخاص والأوقاف والأحباس وإخراج الأقطاع إلى ستمائة دينار والعزل والولاية لأرباب المناصب بما يقتضيه رأيه، وقرئ تقليده بذلك، وكان النائب قبله اقتمر عبد الغني فنفي إلى الشام في جمادى الأولى، وكانت مدة نيابة أربعة أشهر، ثم قرر نائباً بطرابلس عوضاً عن يعقوب شاه.
وفيها في صفر أبطل الملك الأشرف ضمان المغاني ومكس القراريط التي كانت في بيع الدور وقرأ بذلك مرسوم على المنابر، وكان ذلك بتحريك الشيخ سراج الدين البلقيني وإعانة(1/58)
أكمل الدين وبرهان الدين بن جماعة، ويقال إن السلطان كان توعك فأشاروا عليه بذلك فاتفق أنه عوفي فأمضى ذلك واستمر.
وفيها توقف النيل عن الزيادة وأبطأ الوفاء إلى أن دخل توت أول السنة القبطية، ووقع الناروز قبل كسر الخليج حتى قال بدر الدين ابن الصاحب:
ناروز مصر بلا وفاء ... يعد صفعا بغير ماء.
واستمر التوقف إلى تاسع توت فاجتمع العلماء والصلحاء بجامع عمرو بن العاصي واستسقوا، وكسر ذلك اليوم الخليج عن نقص أربعة أصابع من العادة، ثم توجهوا إلى الآثار وأخذوها إلى المقياس فأقاموا من قبل العصر إلى آخر النهار يتوسلون إلى الله تعالى ويبتهلون ويستسقون، فلم يزدد الأمر إلا شدة، ثم نودي بصيام ثلاثة أيام، وخرجوا في ثالث ربيع الآخر إلى الصحراء مشاة، وحضر غالب الأعيان ومعظم العوام وصبيان المكاتب ونصب المنبر، فخطب عليه شهاب الدين ابن القسطلاني خطيب جامع عمرو وصلى صلاة الاستسقاء ودعا وابتهل وكشف رأسه، واستغاث الناس وتضرعوا، وكان يوماً مشهوداً، وفي صبح هذا اليوم اجتمع العوام بالمصاحف وسألوا أن يعزلوا علاء الدين بن عرب عن الحسبة، فعزل واستقر عوضه بهاء الدين بن المفسر وأضيفت إليه وكالة بيت المال ونظر الكسوة، ثم عزل في أثناء السنة وأعيد علاء الدين، فاتفق وقوع أمطار كثيرة بحيث زرع الناس عليها البرسيم، وكان في الصعيد أيضاً مطر غزير زرع الناس عليه بعض الحبوب،(1/59)
واتفق أيضاً زيادة النيل في سابع هاتور الموافق لنصف جمادى الأولى، واستمر أياماً، ثم نقص بعد أن بلغت الزيادة ثمانية عشر إصبعاً، وابتدأت زيادة الأسعار في الغلال والحبوب من شهر ربيع الأول وهلم جراً إلى أن بلغ سعر الأردب خمسين درهماً تقدير دينارين هرجة ونصف وثلث، ثم تزايد إلى الستين والسبعين، وهذا في ذلك الوقت نحو أربعة دنانير.
وفيها عزل ابن الغنام من الوزارة، وولي عوضه تاج الدين الملكي المعروف بالنشو، وكان استقر ناظر الدولة في هذه السنة عوضاً عن ابن الرويهب بعد نفي ابن الرويهب إلى الشام، واستمر ابن الغنام في نظر المارستان، ثم عزل بالبرهان الحلبي ناظر بيت المال، ثم أعيد ابن الغنام.
وفيها ولي أحمد بن آل مالك نيابة غزة، ثم عزل وولي نظر القدس والخليل، ثم عزل ورجع إلى القاهرة في رمضان.
وفيها في شعبان استقر بهاء الدين أبو البقاء قاضياً بالشام، ونقل قاضيها كمال الدين المعري إلى قضاء حلب عوضاً عن فخر الدين الزرعي بحكم واستقر في تدريس الشافعي بعده ولده بدر الدين، ثم انتزعه منه ابن جماعة.
وفيها في جمادى الآخرة استقر بيدمر الخوارزمي في نيابة السلطنة بحلب، ثم نقل عنها إلى نيابة دمشق في شهر رمضان وأعيد اشقتمر المارديني إلى حلب، ونقل منجك إلى القاهرة كما تقدم، وكان دخول منجك إلى القاهرة في ذي القعدة، وخرج جميع العساكر لملتقاه، ولم يتأخر عنه إلا السلطان، وولاه النيابة، كما تقدم، واستقر شهاب الدين أحمد بن علاء الدين(1/60)
بن فضل الله كاتب السر بدمشق عوضاً عن فتح الدين بن الشهيد.
وفيها وصل حيار بن مهنا أمير آل فضل إلى باب السلطان طائعاً، فخلع عليه واستقر في إمرة العرب، وكان السلطان قد غضب عليه بسبب قشتمر بحلب قبل هذا التاريخ.
وفيها فتحت مدرسة الجاي بعد موته، وكان بقي من عمارتها شيء فأكمله الأوصياء، واستقر في تدريس الشافعية بها الشيخ سراج الدين البلقيني، وفي تدريس الحنفية جمال الدين محمود القيسري.
وفيها لازم شخص من العوام الصياح تحت القلعة: اقتلوا سلطانكم ترخص أسعاركم، فأخذ وضرب بالمقارع وشهر.
وفيها كائنة جمعة البواب، وذلك أنه كان مقيماً بتربة خارج باب النصر، وكان هو وامرأته يأخذان الأطفال اغتيالاً فيخنقانهم لأجل أثوابهم، فقبض عليهما فاعترفا فقتلا شنقاً.
وفي أول جمادى الأولى حدثت زلزلة لطيفة.
وفي هذه السنة ابتدأت قراءة البخاري في رمضان بالقلعة بحضرة السلطان، ورتب الحافظ زين الدين العراقي قارئاً، ثم اشرك معه شهاب الدين أحمد بن علي العرياني يوماً بيوم.(1/61)
وفيها كان الغرق ببغداد، زادت دجلة زيادة عظيمة وتهدمت دور كثيرة حتى قيل إن جملة ما تهدم من الدور ستون دار، وتلف للناس شيء كثير بسبب ذلك، ويقال إنه لم يبق من بغداد عامر إلا قدر الثلث، ودخل الماء الجامع الكبير والمدارس، وصارت السفن في الأزقة تنقل الناس من مكان إلى مكان ثم من تل إلى تل ثم يصل الماء إليهم فيغرقهم، وجرت في بغداد بسببه خطوب كثيرة، وخلا أكثر أهلها، ثم عاد من عاد فصار لا يعرف محلته فضلاً عن داره.
وفيها هبت ريح عاصفة حارة بسنجار فأحرقت أوراق الأشجار.
وفيها ورد إلى حلب سيل عظيم على حين غفلة وارتفع زيادة عن العادة فخرب بسببه دور كثيرة وخربت نواحي كثيرة بالرها والبيرة.
وفيها ولي فخر الدين عثمان البرقي ولاية القاهرة.
وفيها كان غرق بغداد، وامتدت دجلة حتى اختلطت بالفرات وأرسلت إليها الأنهار والعيون والسحب من كل جهة حتى بقيت بغداد في وسط الماء كأنها قصعة في فلاة، وصارت الرصافة ومشهد أحمد ومشهد أبي حنيفة وغيرهما من المشاهد والمزارات لا يوصل إليها إلا المراكب، فصار أهل بغداد في أرغد عيش من كثرة النزه التي حدثت بذلك وانفتح من البستان الأربعين الذي كان الخليفة اتخذه منتزهاً في وسط دوره فتحة على باب الأزج فتدافع أمراء بغداد في سدها ورمى ذلك بعضهم على بعض، وكان الشيخ نجم الدين التستري في تلك الأيام قد عزم على الحج في خمسين نفراً من الصبوفية وقد هيأ من الزاد ما لا مزيد عليه، فاستدعى خادمه وقال: أنفق على سد هذه الفتحة جميع ما معنا حتى الزاد، ففعل،(1/62)
ويقال: انصرف عليها عشرة آلاف دينار، وبلغ السلطان أويس ذلك فاستعظم همته ووعد أنه يكافيه، ثم اكترى من الملاحين على حمل رحله وجماله ورجالته من بغداد إلى الحلة، وكان سفر الناس أجمعين في تلك السنة في المراكب، وخرجوا في خامس شوال فلم يمض لهم إلا خمسة أيام حتى هبت ريح عاصف قصفت سور المدينة، ثم تزايد الماء فانكسر الجسر وغرقت غالب الدور حتى أن امرأة من الخواتين ركبت من مكانها إلى كوم من الكيمان بألف دينار وتقاتل الناس وذهبت أموالهم، وأصبح غالب الأغنياء فقراء، ثم بعد عشرين يوماً نقصت دجلة وانقطع الماء الذي يوصل بغداد من المقطع فبقيت البلد كأنها سفينة غرقت، ثم نقص الماء الذي يوصل بغداد من المقطع فبقيت البلد كأنها سفينة غرقت، ثم نقص الماء فبقيت ملآنة بأهلها ودوابهم الموتى فجافت ونتنت وبقي الماء كأنه الصديد، فوقع الفناء في الناس بأنواع من الأمراض من الاستسقاء وحمى الدق، وغلت الأسعار. وكان أويس بتبريز فلما بلغه غضب على نوابه، فالتزم الوزير عن نائبه أن يعمر بغداد من خالص ماله بشرط أن يطلق الناصر العراق ثلاث سنين للزراع والمعامل وأن لا يطالب أحد أحداً بدين ولا بصداق ولا بإجازة ولا بحق، فقبل السلطان ذلك، فشرع في ذلك ونادى: من أراد عمارة بيته يجيء يأخذ دراهم ويسكن فيه بالأجرة حتى يوفي ما يقترضه ثم يصير البيت له، وأخذ في عمارة السوق والسور. وكان أويس قد عمل العراق وشن الغارات كرهاً على بغداد في هلاكها، ثم آل أمره إلى أن خلع نفسه عن الملك لولده حسين وأوصى، فحبس ابنه الآخر حسن لأنه كان استنابه في سلطانه، فقتل الأمراء وعصى، وأوصى لولده على بغداد وحفر له قبراً، فاتفق أن ضعف يوم الأحد ومات بعد أسبوع، وأقامت بغداد ستة أشهر لا يدخلها سفر ولا يخرج منها سفن(1/63)
والله المستعان.
ذكر من مات
في سنة خمس وسبعين وسبعمائة من الأعيان.
إبراهيم بن أحمد بن عيسى بن عمر بن خالد بن عبد المحسن بن نشوان المخزومي المصري، بدر الدين أبو إسحاق بن أبي البركات بن الخشاب الشافعي، كان يذكر نسباً له إلى خالد بن عمر بن خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، سمع على وزيرة والحجاز والشريف موسى بن علي وعلي بن القيم وغيرهم وحدث، وناب في الحكم بالقاهرة، وكان فصيحاً بصيراً بالأحكام عارفاً بالمكاتب، ثم ولي قضاء حلب ثم قضاء المدينة وخرج منها بسبب مرض أصابه في أثناء هذه السنة راجعاً إلى مصر، فمات في الطريق بين ينبع والعيون وله سبع وسبعون لأن مولده كان في ربيع الأول سنة ثمان وتسعين وستمائة.
أرغون الأحمدي اللالا، أحد أكابر الأمراء، مات بالإسكندرية.
أسن قطلي الإبراهيمي. واسندمر الجوباني. واسن قجا اليلبغاوي، كان رأس نوبة السلحدارية. وآقبغا من مصطفى. وآل ملك الصرغتمشى. وأروس بن عبد الله المحمودي. والجاي اليوسفي، تقدمت ترجمته في الحوادث. وبكتمر الجمالي. وتغرى برمش بن الجاي اليوسفي.(1/64)
أبو بكر بن عبد الله الدوهرطي الفقيه الشافعي السليماني، كان يحفظ الكثير من الشامل لابن الصباغ مع الزهد والخير، وكان لأهل بلاده فيه اعتقاد زائد، وكان يقول إنه جاوز المائة، مات في شوال.
حسن بن محمد بن سرسق بن محمد بن عبد العزيز بن الشيخ عبد القادر الجيلي المارديني السنجاري، بدر الدين، كانت له حرمة ووجاهة بتلك البلاد، مات أبوه سنة تسع وثلاثين وسبعمائة عن سن عالية، وكان قد حج سنة خمس وثمانين وستمائة، وأثنى عليه الشيخ تاج الدين بن الفركاح، ومات بدر الدين هذا في هذه السنة عن سن عالية أيضاً.
زياد بن أحمد الكاملي اليمني، فخر الدين، أحد أكابر الأمراء عند الأفضل، مات بالجثة وكانت أقطاعه. وانجب ولده الأمير بدر الدين محمد الذي تقدم بعد ذلك في دولة الأشراف وولده الناصر.
زينب بنت قاسم بن عبد الحميد بن العجمي، سمعت على الفخر بن البخاري مشيخته، سمع منها بعض شيوخنا وحدثت، ماتت في هذه السنة عن تسعين سنة.
شاكر بن غبريل بن عبد الله بن البقري الكاتي، ناظر الذخيرة، مات في شوال، نسبته إلى دار البقر من الغربية، وكان نصرانياً فأسلم على يد شرف الدين موسى(1/65)
الأزكشي، وباشر نظر الذخيرة في أيام السلطان حسن، وهو الذي بنى المدرسة البقرية بقرب جامع الحاكم، ولما احتضر أبعد من عنده من النصارى وأرسل إلى كمال الدين الدميري وغيره من أهل العلم فلقنوه الشهادة عند موته، ودفن بمدرسته.
صبيح بن عبد الله الخازن النوبي الجنس، كان مقدماً في دولة الأشراف حتى كان لا يقول له إلا: يا أبى! وكان الأكابر يدعونه بذلك، مات في المحرم وخلف ملاً كثيراً جداً وأملاكاً كثيرة، وكان يوصف بخير ودين.
طيبغا الفقيه.
عبد الغفار بن محمد بن عبد الله القزويني الشافعي، رضي الدين، اشتغل بالفقه فمهر، وولي نيابة الحكم ببغداد، ومات في ذي القعدة بعد الغرق من هذه السنة، وكان حسن الخلق والخلق ديناً متواضعاً.
عبد القادر بن محمد بن محمد بن نصر الله بن سالم بن أبي الوفاء الحنفي، أبو محمد محيي الدين القرشي، ولد سنة ست وتسعين وستمائة، وسمع وهو كبير، وأقدم سماع له على ابن الصواف، سمع منه مسموعه من النشاي ومن الرشيد بن المعلم ثلاثيات البخاري، ومن حسن الكردي الموطأ، ومن عبد الله بن علي الصنهاجي وزينب بنت أحمد بن شكر وغيرهم، ولازم الاشتغال فبرع في الفقه ودرس وأفاد وصنف، وشرح الهداية سماه العناية وشرح معاني الآثار للطحاوي، وعمل الوفيات من سنة مولده إلى سنة ستين، وصنف البستان في فضائل النعمان، والجواهر المضيئة في طبقات الحنفية وغير ذلك، مات في شهر ربيع الأول بعد أن تغير وأضر.(1/66)
علي بن أحمد بن كسيرات الحاج علي مهتار الطشتخاناة، كانت له وجاهة، زائدة عند الأشراف، وكان قد خدم الناصر محمداً ومن بعده إلى أن مات في المحرم.
علي بن الحسن الأسناوي، نور الدين، أخو الشيخ جمال الدين، كان فقيهاً فاضلاً، شرح التعجيز. وكان موصوفاً بكثرة المال ولا يظهر عليه مع ذلك أثره، مات في رجب.
علي بن الحسين بن علي بن عبد الله بن الكلاي البغدادي المقرئ الحنبلي، سبط الكمال عبد الحق، ولد سنة ثلاث وتسعين، وأجاز له الدمياطي ومسعود الحارثي وعلي بن عيسى بن القيم وابن الصواف والشريف موسى بن علي بن أبي طالب الموسوي وغيرهم. قال ابن حبيب: كان كثير الخير والتلاوة، حج مراراً وجاور، ومات في هذه السنة، وخرج له ابن حبيب مشيخة.
عمر بن تقي الدين المسعودي، شيخ خانقاه بكتمر، مات في ذي الحجة.
محمد بن عبد الله بن أحمد بن الناصح عبد الرحمن بن محمد بن عياش بن حامد السوادي الأصل الدمشقي الحنبلي، شمس الدين المعروف بقاضي الكفر كان من رؤساء الدمشقيين، أفتى ودرس وحدث مع المروءة التامة والهيئة الحسنة، مات في ذي الحجة، سمع منه ابن ظهيرة.(1/67)
محمد بن عبد الله، بدر الدين الأربلي، الأديب المعمر، ولد سنة ست وثمانين وستمائة، ومهر في الآداب ودرس بمدرسة مرجان ببغداد، ومات في جمادى الآخرة.
محمد بن عبد الله الكركي، تاج الدين، كان قاضياً ببلده ثم بالمدينة النبوية على الحال بها أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام ثم قدم القاهرة وولي نيابة الحكم بمصر عن أبي البقاء ثم عن ابن جماعة وكان منفرداً بذلك فيها إلى أن مات في شعبان، وكان فاضلاً مستحضراً مشكور السيرة.
محمد بن عمر بن علي بن عمر الحسيني القزويني ثم البغدادي، محب الدين، إمام الجامع ببغداد، وكان أبوه آخر المسندين بها، حدث عن أبيه وغيره، واشتغل بعد أبيه على كبر إلى أن صار مفيد البلد مع اللطافة والكياسة وحسن الخلق، وصار يسمع البخاري في كل سنة ويجتمع عنده الخلق الكثير، مات في هذه السنة عن نيف وستين سنة.
محمد بن عيسى اليافعي الفقيه الشافعي، قاضي عدن، كان فاضلاً خيراً، وهو والد صاحبنا الفقيه عمر قاضي عدن أيضاً.
محمد بن قاسم بن محمد بن علي الغساني المالقي، كان عارفاً بالقراءات مع مشاركة في الفنون، وهو من شيوخ شيخنا بالإجازة قاسم بن علي المالقي.
محمد بن محمد البكري صدر الدين الحنفي، قاضي الإسكندرية، كان أصله من الشام، فقدم مصر فولاه السراج الهندي نيابة الحكم، ثم ولي قضاء الإسكندرية إلى أن مات في ذي القعدة.(1/68)
محمد بن مسعود المقرئ المالكي، صلاح الدين، تلا بالسبع علي التقي الصائغ، وكان متصدياً للإقراء حتى أن القاضي محب الدين ناظر الجيش كان يقرأ عليه.
ماجد بن إسحاق بن عبد الوهاب بن عبد الكريم، سعد الدين بن تاج الدين القبطي المصري، ناظر الخاص بدمشق، عظمه ابن حبيب وأثنى عليه.
مارى حاطة بن منشا مغا بن منشا موسى بن أبي بكر التكروري صاحب التكرور، مالك بعد أبيه وهادي الملوك، وكان كثير التبذر والفسق فطرقه مرض النوم فصار ساسا مدة حتى مات في هذه السنة، وملك ابنه منشا موسى.
محمود بن علي بن عبد العزيز بن أبي جرادة، نور الدين الحنفي العقيلي الحلبي، ولد سنة أربع وسبعمائة، ومات في المحرم.(1/69)
محمود بن قطلوشاه السراي الحنفي، أوحد الدين قدم من بلاده وهو كبير فأقام بالشام مدة، فشغل وأفاد. وتخرج به جماعة، ثم أقدمه صرغتمش بعد وفاة القوام الاتقاني فولاه مدرسته فلم يزل بها إلى أن مات. وكان غاية في العلوم العقلية والأصول والعربية والطب مع التودد والسكون والانجماع مع عظم قدره عند أهل الدولة، مات في شهر رجب عن ثمانين سنة أو أزيد.(1/70)
سنة ست وسبعين وسبعمائة
فيها طلع النيل على عادته وأوفى في ربيع الأول رابع عشرى مسرى، واستهلت والغلاء قد تزايد جداً إلى أن بلغ الأردب بمائة وعشرة ثم بلغ في شعبان مائة وخمسة وعشرين، وقيمتها بالذهب إذ ذاك خمسة مثاقيل وربع، وبيع إذ ذاك دجاجة واحدة بأربعة دراهم، وصار أكثر الناس لا يقدر إلا على النخالة كل قرص أسود بنصف درهم، وأكل الفقراء السلق والطين، وكادت الدواب أن تعدم لكثرة الموت بها، وأكلوا الميتات، وأمر السلطان بتفرقة الفقراء على الأغنياء، فكان على الأمير المقدم على الألف مائة فقير، وعلى كل أمير بعدد ممالكيه ونحو ذلك، وعلى الدواوين كل واحد بحسبه، وعلى التجار كذلك، ونودي في البلد بأن من سأل في الأسواق صلب، ومن تصدق عليه ضرب.(1/71)
وفيها عقب الغلاء وزيادة النيل وتكامل الزرع وقع الفناء فتزايد في الفقراء لا سيما لما دخل البرد، وزاد ذلك إلى أن بلغ في اليوم من الحشريين مائتي نفس ومن الطرحاء نحو خمسمائة، ثم بلغوا إلى نحو الألف، وتصدى الأمير ناصر الدين بن آقبغا آص والأمير سودون الشيخوني لدفن الطرحاء من أموالهما. وبلغ ثمن الفروج خمسة وأربعين، والسفرجلة خمسين، والرمانة عشرة، والبطخية سبعين، ثم ارتفع الفناء وتراجع السعر إلى أن بيع القمح في ذي القعدة سعر سبعين وفي آخرها إلى عشرين.
وفيها أعيد ابن الغنام إلى الوزارة في شهر رجب، وسلم له التاج الملكي فصادره إلى ثمانين ألف دينار، ونفاه إلى الشام على حمار، وخرب داره بمصر إلى الأرض.
وفيها صرف كمال الدين المعري من قضاء حلب، وأعيد الفخر الزرعي.
وفيها شغر قضاء الحنفية بموت قاضيه صدر الدين بن التركماني، فطلب الأشرف القاضي شرف الدين بن منصور لذلك من دمشق فحضر فلم يتم له أمر، وعرض السلطان القضاء على الشيخ جلال الدين التباني فامتنع فألح عليه وأحضرت الخلعة فأصر على الامتناع وقال: العجم لا يعرفون أوضاع أهل مصر، فآل الأمر إلى استقرار صدر الدين بن الكشك.(1/72)
وفي ربيع الأول تحدث السلطان بسفر الحجاز وأمر الأمراء بالتجهيز.
وفي آخر السنة قبض على الوزير ابن الغنام وأبطل من الوزارة، واستقر شرف الدين موسى الأزكشي مشيراً، وسعد الدين بن زيشه ناظر الدولة.
وفيها حضر إلى الطاعة أحمد بن يغمر التركماني أحد الشجعان وكان يقطع الطريق على تجار العراق فطلبه السلطان فهرب، فشدد عليه الطلب فاستشفع بأم سالم الدوكاري التركماني، فحضرت صحبته إلى القاهرة وشفعت فيه عند السلطان فقبلها وأقطعه أقطاعاً بمصر وأمره بالإقامة بها.
وفي رابع عشرين ذي الحجة عزل القاضي برهان الدين بن جماعة نفسه من القضاء بسبب تثقيل بعض الأمراء عليه في أمر بعض الموقعين، فراسله السلطان فامتنع، فأرسل إليه بهادر أمير آخور فخلف عنده بالطلاق أن السلطان حلف بالطلاق أنه إن لم يجب إلى العود نزل إلى بيته وألزمه به، ولم يزل به إلى أن ركب معه إلى القلعة فاجتمع بالسلطان فسأله أن يعود وألح عليه، فكان آخر كلامه الإمهال إلى أن يستخير الله تعالى في الليلة، فلما أصبح طلع إلى القلعة في الخامس والعشرين من ذي الحجة واشترط شروطاً أجابه السلطان إليها، ونزل في أبهة عظيمة إلى الغاية، وازدادت مهابته وتصميمه في الأمور.
وفيها أمطرت بشيرز ثعابين على ما قيل.
وفيها أحضر عيسى بن بانجك وإلى الأشمونين، وكان يسكن عند جامع آل(1/73)
ملك بالحسينية إلى الأمير منجك بنتاً له عمرها خمس عشرة سنة فذكر أنها لم تزل بنتاً إلى هذه الغاية فانسد الفرج فظهر لها ذكر وانثيان واحتلمت، فشاهدوها وأمر بإلباسها لبس الرجال وسماها محمداً، وأمرها بلزوم خدمته وأقطعها أقطاعاً، وشاهدها جماعة من أصحابنا.
رأيت بخط ابن دقماق: رأيته غير مرة وتكلمت معه، وقصتها شبيهة بالقصة التي ذكرها ابن كثير في أواخر ذيل تاريخه من وقوع نحو ذلك بدمشق، وأنه كدمها بعد أن صار رجلاً، ووجد في كلامها أنوثة ووفور الحياء الذي طبع عليه النساء باق.
قلت: ووقع في عصرنا نظير ذلك في سنة اثنتين وأربعين وثماني مائة.
وفيها بعد موت السلطان أويس صاحب تبريز وبغداد استقر في السلطنة ولده حسين، وكان له حسن وحسين وأحمد وعلي وغيرهم، وأكبرهم حسن فقتله الأمراء خشية من شره، وسلطنوا حسيناً لضعفه، فتشاغل باللهو واللعب، وصار يخطف النساء من الأعراس وغيرها، فقتلوه أيضاً وسلطنوا أحمد، فجاء أخوهم شيخ على منكراً قتل أخيه حسن، فاجتمع لكل جماعة من الأمراء، فوقعت بينهم مقتلة بناحية أربل، فقتل شيخ علي في المعركة.
وفيها وثب شاه شجاع صاحب شيراز بعد موت أويس إلى تبريز، فملكها وأساء السيرة، فراسل أهل تبريز حسين بن أويس، فتجهز إليه في العساكر، فلما بلغ ذلك شاه شجاع تقهقر عن تبريز ودخلها حسن ومن معه بغير قتال.
وفيها فتحت سيس وكانت قد بقيت في يد الأرمن النصارى على يد اشقتمر المارديني(1/74)
نائب حلب، وكان قد تجهز إليها بعسكر حلب فنازاها شهرين إلى أن قلت عندهم الأقوات، فنصب عليها المجانيق وقدم في القتال التركمان من جميع الأصناف الأرج فيه واليورقية، وكان الذي نصب المنجنيق يقال له: المعلم خليل الغساني، وهو ممن اشتهر بالمعرفة فيه فأبلى فيهم فأحسوا بالبوار، فطلب صاحبها تكفور الأمان وسلم القلعة، فعلت كلمة أهل التوحيد بتلك البقعة بعد دهر طويل، وجهز اشقتمر صاحب سيس وجنده إلى القاهرة، ودقت البشائر بسبب ذلك، ومدح الشعراء اشقتمر فأكثروا فمن ذلك قول أبي بكر بن زين الدين بن الوردي:
يا سيد الأمراء فتحك سيسا ... سر المسيح وأحزن القسيسا.
وبك الإله أعز دين محمد ... وأذل قوماً تابعوا إبليسا.
لله درك من مليك حازم ... ضحك الزمان به وكان عبوساً.
وهي طويلة. وقال جمال الدين سليمان بن داود المصري عم صاحبنا شمس الدين محمد بن الخضر بن داود الموقع.
لقد أذعنت للأخذ سيس وجئتها ... بيوم خميس بينهم سر إلى الصبح.
سفحت دماء المشركين بسفحها ... فسالت بسيف الله في ذلك السفح.(1/75)
وفوض الأشرف نيابة سيس ليعقوب شاه، وهو أول من حكم فيها من ملوك الترك، ثم استقر عوضه في هذه السنة آقبغا عبد الله، واستقر نجم الدين بن الشهيد كاتب السر بها، ثم جعلت مملكة برأسها وسميت الفتوحات الجاهانية وأضيفت إليها طرسوس وأذنة وإياس وغيرها واستقر في إمرتها شرف الدين موسى بن محمد بن شهرى واستقر بها.
وفيها كائنة الشيخ محمد المقارعي، كان عامياً يقول الشعر ويدعى العرفان، ويجتمع إليه العوام فيتكلم بكلمات فظيعة، فثار عليه جماعة من الحنابلة، وادعى عليه عند صدر الدين بن العز قاضي الحنفية بدمشق بأشياء قبيحة تشتمل على الاتحاد والطعن في القرآن والشريعة وإنكار البعث، وشهد عليه ببعضها فسجن، ثم سعى بعض من تعصب له، فنقل إلى القاضي أبي البقاء وجددت عليه الدعوى، فأجاب بأنه أشعري وأن من شهد عليه حنبلي وأنهم تعصبوا عليه، وأحضروا كتاباً زعموا أنه من تأليفه وأنه يشتمل على زندقة، فتأمله القاضي، فذكر أنه ليس فيه شيء من ذلك ورده إلى السجن، ثم أخرج في المحرم من السنة المقبلة وجددت عليه الدعوى وشهد بعض الشهود، ثم آل الأمر إلى أن حقن دمه وأطلق.
وفيها صادف الحاج سيل عظيم بخليص، اتلف شيئاً كثيراً في الذهاب، ثم صادفهم في الرجعة هواء عاصف. وكان الشعير في الطلعة قد غلا جداً حتى بيع الكيل بمائة.
وفيها وقع الغلاء بحلب وأعمالها كنحو ما وقع بمصر.
وفيها كان الطاعون فاشياً بدمشق من رمضان من السنة الماضية، فتزايد في المحرم إلى أن بلغ خمسمائة، ثم تناقص بعد ذلك، ومات فيه جماعة من الأعيان، فذكر الشهاب بن حجى أن يعقوب الدلال بسوق الخيل أخبره أنه رأى الجن عياناً على خيل كالجراد المنتشر(1/76)
بأيديهم رماح في بعض أزقة الصالحية وطاعنهم وطاعنوه، وصار يتحدث بذلك ويحلف، والناس ما بين مصدق ومكذب، فطعن هو ومات عن قرب، ورثى في بدنه أثر طعنات، قال: أخبرني بذلك من ولي غسله.
وفيها ولي سري الدين أبو الوليد إسماعيل بن محمد بن محمد بن عمر الأندلسي المالكي قضاء حلب، وهو أول مالكي قضى بها.
وفيها لما قرأ البخاري أمر السلطان مشايخ العلم أن يحضروا عنده سامعين ليتباحثوا، فحضر جماعة من الأكابر.
وفيها مات من أمراء الترك جماعة، منهم: اسنبغا القوصوني، واسنبغا البهادري، والطنبغا النظامي، وسلطان شاه بن قرا، وطغيتمر دوادار يلبغا الكبير، وقرقماش الصرغتمشي.
وفيها حج الصالح صاحب حصن كيفا وعزم على المجاورة والتخلي عن الملك، فأشار عليه من معه من أمرائه بتأخير ذلك لئلا تضيع المصلحة بأهله وقومه بالحصن، فرجع إلى مقر ملكه، وكان ما سنذكره إن شاء الله تعالى في حوادث 780، من تفويضه حصن كيفا لأخيه سليمان.
ذكر من مات
في سنة ست وسبعين وسبعمائة من الأعيان.
إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم بن محمد بن هبة الله الحلبي، كمال الدين ابن أمين الدولة الحنفي، كان وكيل بيت المال بحلب، ولي بها عدة ولايات،(1/77)
وكان كاتباً مجيداً، وقد سمع من سنقر الزيني البخاري ومشيخته تخريج المقاتلي والذهبي، ومن إبراهيم ابن عبد الرحمن الشيرازي جزء ابن عيينة، ومن أبي بكر أحمد وأبي طالب عبد الرحيم ابني ابن العجمي جزء ابن فارس وحدث، مات في جمادى الأولى عن إحدى وثمانين سنة لأن مولده كان في ربيع الآخر سنة خمس وتسعين، سمع من ابن ظهيرة بحلب ودمشق.
إبراهيم بن حسن بن عمر بن حمود البعلي ثم المرقبي، سمع من الحجار، سمع منه ابن حجى وأرخه في صفر.
إبراهيم بن عبد الله البغدادي، نزيل دمشق، وهو شيخ زاوية البدرية تجاه الأسدية ظاهر دمشق، وكان خيراً معمراً صالحاً مثابراً على الخير، مات في ربيع الآخر.
إبراهيم بن محمد بن أحمد الخطيب، سمع من المطعم وابن سعد، وكان جده قيماً بالسامية بالشام، مات في صفر، ويعرف بالخطيب الخيار، وله إجازة من التقي سليمان وجماعة في سنة ثلاث عشرة.
إبراهيم بن محمد بن غريب البعلبكي، القزاز الحمامي، سمع من الخطيب ضياء الدين عبد الرحمن الأربعين المنتقاه من شرح السنة للبغوي تخريج ابن أبي الفتح سنة اثنتين وسبعمائة، وكانت وفاته في ذي القعدة عن نحو ثمانين سنة.
أحمد بن الحسن بن أبي بكر بن الحسن الرهاوي ثم المصري، المعروف بطفيق، سمع من الحسن الكردي والواني والخنتى والدبوسي وغيرهم، وناب في الحسبة، وحدث، سقط من سلم فمات في ذي القعدة.(1/78)
أحمد بن الحسين بن سليمان بن فزارة بن عبد الله، شرف الدين الدمشقي المعروف بابن الكفري، الحنفي، أخذ عن أبيه وغيره، وناب في الحكم مدة، واشتغل وتقدم، ثم استقل بالحكم مدة أولها سنة ثمان وخمسين، وكان قد ترك القضاء، نزل عنه لولده يوسف سنة ثلاث وستين وأقبل هو على الإفادة والعبادة وإقراء القرآن بالروايات حتى مات عن خمس وثمانين سنة وقد كف بصره، وكان مولده سنة تسعين أو إحدى وتسعين، وقيده البرزالي فيها، وكتب اسمه في إجازة أجاز له فيها التقى الواسطي وأخوه وابن القواس وابن عساكر وابن أبي عصرون والفاروثي والغسولي ونحوهم، وسمع من ابن مشرف وعيسى المغازي والجرائدي، سمع منه ابن رافع والشريف الحسيني وماتا قبله، وسمع منه شيخنا العراقي، والشهاب بن حجى وآخرون.
أحمد بن خضر الدمشقي، أحد مشاهير المؤذنين بالجامع الأموي، مات في المحرم.
أحمد بن سليمان بن محمد بن سليمان الأربدي الدمشقي، تفقه على الشيخ شمس الدين بن خطيب يبرود وغيره، وكان حنبلياً ثم انتقل شافعياً، فمهر في الفقه والأصول والأدب، وكان محبباً إلى الناس، لطيف الأخلاق، قليل الشر، أخذ أيضاً عن الفخر المصري، وسمع من محمد ابن أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم، وكان يذكر أنه سمع الألفية من أحمد بن غانم، وكانت له أسئلة حسنة في فنون من العلم، مات في ليلة الجمعة تاسع عشر صفر.
أحمد بن عبد الله بن علي الحديثي بن السمسار شهاب الدين المقرئ، الملقن بالجامع الأموي بدمشق، كان ذا ثروة، مات في المحرم.
أحمد بن عبد اللطيف بن أيوب الحموي، ولي قضاء طرابلس ثم حلب ثم حماة، ومات بها عن بضع
وستين سنة.(1/79)
أحمد بن عيسى بن عبد الكريم بن مكتوم القيسي، كان خيراً ديناً، وهو أخو العالم بدر الدين الآتي ذكره في هذه السنة، وفيه ذكر لهذا.
أحمد بن محمد بن إبراهيم بن علي، شهاب الدين بن أمين الدين، المعروف بابن عبد الحق، كان مدرس العذراوية بدمشق، مات في شهر ربيع الآخر.
أحمد بن محمد بن أحمد بن المحب عبد الله المقدسي الحنبلي، أحضر علي الحجار وأسمع من غيره وتمهر، وعمل المواعيد فأجاد فيها، وكان لوعظه وقع في القلوب، وكانت له عناية بالحديث وفضيلة، مات في ربيع الآخر، وهو أخو المحب عبد الله الذي ماست سنة 37.
أحمد بن محمد بن الحسام آقوش، الرومي الأصل، اليونيني ثم الدمشقي، المؤذن، سمع من ابن مشرف وإسماعيل بن عمر الحموي والحجار وغيرهم، وأجاز له الدشتي والقاضي وابن مكتوم وجماعة وحدث، مات في المحرم.
أحمد بن محمد بن براغيث، أحد الأعيان بالقاهرة، وكان خال أبي، مات في شوال.
أحمد بن محمد بن محمد بن علي الأصبحي، أبو العباس العنابي النحوي، اشتغل في بلاده، ثم رحل إلى أبي حيان فلازمه واشتهر بصحبته وبرع في زمانه، ثم تحول بعده إلى دمشق، وعظم قدره، واشتهر ذكره، وانتفع به الناس، وصنف كتباً منها شرح التسهيل، وشرح اللباب، ومات بها في تاسع عشر من المحرم وقد جاوز الستين. قال ابن(1/80)
حبيب: عالم حاز أفنان الفنون الأدبية، وفاضل ملك زمام العربية. وقال ابن حجى: كان حسن الخلق، كريم النفس، شافعي المذهب.
أحمد بن إمام الدين محمد بن زين الدين محمد بن أمين الدين محمد بن قطب الدين محمد بن أحمد القسطلاني المكي، الخطيب شهاب الدين، سمع الكثير على الرضي الطبري، وكان خيراً متمولاً، مات بمكة عن ست وستين سنة.
أحمد بن يحيى بن أبي بكر بن عبد الواحد التلمساني المعروف بابن أبي حجلة، نزيل دمشق ثم القاهرة، شهاب الدين أبو العباس، ولد بزاوية جده بتلمسان سنة خمس وعشرين، واشتغل ثم قدم إلى الحج فلم يرجع، ومهر في الأدب، ونظم الكثير، ونثر فأجاد، وترسل ففاق، وعمل المقامات وغيرها، وكان حنفي المذهب حنبلي المعتقد، وكان كثير الحط على الاتحادية، وصنف كتاباً عارض به قصائد ابن الفارض، كلها نبوية، وكان يحط عليه لكونه لم يمدح النبي صلى الله عليه وسلم ويحط على نحلته ويرميه ومن يقول بمقالته بالعظائم، وقد امتحن بسبب ذلك على يد السراج الهندي. قرأت بخط ابن القطان وأجازنيه: كان ابن أبي حجلة يبالغ في الحط على ابن الفارض حتى أنه أمر عند موته فيما أخبرني به صاحبه أبو زيد المغربي أن يوضع الكتاب الذي عارض به ابن الفارض وحط عليه فيه في نعشه ويدفن معه في قبره، ففعل به ذلك، وكان يقول للشافعية إنه شافعي، وللحنفية إنه حنفي، وللمحدثين إنه على طريقتهم. قال: وكان بارعاً في الشعر مع انه لا يحسن العروض، وعارض المقامات فأنكروا عليه. قال: وكان كثير العشرة للظلمة ومدمني الخمر. قال: وكان جده من الصالحين، فأخبرني الشيخ شمس الدين بن مرزوق أنه سمى بابن أبي حجلة لأن حجلة أتت إليه وباضت على كمه. وولي مشيخة الصهريج الذي بناه منجك، وكان كثير النوادر والنكت ومكارم الأخلاق، ومن نوادره أنه لقب ولده جناح الدين وجمع مجاميع حسنة منها: ديوان الصبابة،(1/81)
ومنطق الطير والسجع الجليل فيما جرى من النيل، وسكردان السلطان، والأدب الغض، وأطيب الطيب، ومواصيل المقاطيع، والنعمة الشاملة في العشرة الكاملة، وحاطب ليل عمله كالتذكرة في مجلدات كثيرة، والنحر في أعمدة البحر، وعنوان السعادة، ودليل الموت على الشهادة، وقصيرات الحجال، وهو القائل:
نظمي علا وأصبحت ... ألفاظه منمقة.
فكل بيت قلته ... في سطح داري طبقة.
مات في مستهل ذي الحجة وله إحدى وخمسون سنة.
إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن جماعة، الحموي الأصل المقدسي، وجده عبد الرحمن هو أخو القاضي بدر الدين بن جماعة، ولد سنة عشر وسبعمائة، وناب في تدريس الصلاحية، وخطب بالمسجد الأقصى بعد انتقال ابن عمه برهان الدين إلى قضاء القاهرة، وأفتى ودرس، وكان قد سمع على الختني وابن مزير وغيرهما، ومات في ربيع الأول عن ستين سنة.
إسماعيل القلقشبدي، تقي الدين، مات ببيت المقدس، رحمه الله تعالى.
اسنبغا البوبكري، يأتي في السنة التي تليها.
أويس بن الشيخ حسين بن حسن بن آفبغا المغلي ثم التبريزي، صاحب بغداد وتبريز وما معهما، بويع بالسلطنة سنة ستين، وكان محباً في الخير والعدل، شهماً شجاعاً عادلاً خيراً، دامت ولايته سبع عشرة سنة، وقد خطب له بمكة، راسل عجلان بن رميثة صاحب مكة بمال جليل وقناديل ذهب وفضة للكعبة، فخطب باسمه عدة سنين، عاش بضعاً وثلاثين سنة، قيل إنه رأى في النوم أنه يموت في وقت كذا، فخلع نفسه من الملك وقرر ولده حسين بن أويس وصار هو يتشاغل بالصيد ويكثر العبادة، فاتفق موته في ذلك الوقت بعينه.(1/82)
وكتب إلى المؤرخ حسن بن إبراهيم الحسيني الحصني أنه كان استدعى ولده لذلك، فاتفق موته قبل وصوله إلى بغداد، وكان جده حسين تزوج بغداد بنت النوين جوبان، فبلغ أبو سعيد حسنها فانتزعها منه وأبعده، ولما مات أبو سعيد افترقت مملكة المغل وأخذ كل كبير ناحيةً فملك حسين بغداد، وجرت له حروب وخطوب مع طغاي بن سوتاي ثم مع إبراهيم بن بارنباي بن سوتاي، ورزق النصر واستقام أمره، وكاتب ملوك مصر وهادنهم. وتزوج دلشاد بنت دمشق بن جوبان وهي بنت أخي بغداد المقدم ذكرها، فحظيت عنده حتى كانت هي الحاكمة في مملكة العراق، وعدل في آخر عمره بين الرعية، وظفر في بغداد بخبيئة، قيل إنه وجد فيها خمسمائة ألف مثقال ذهباً، ومات سنة سبع، وخمسين وسبعمائة، فقام بعده ابنه حسين، ومات سنة ستين، فقام بعده أويس.
ايبك بن عبد الله التركي، عز الدين، الكاتب المجود، كان مملوك طوغاي الجاشنكير الناصري فأعتقه، وتعاني الخط جتى فاق أقرانه، برع في الخط المنسوب، وقرر مكتباً في مدرسة أم السلطان الأشرف بالتبانة، مات وقد أسن، وكان خيراً، وشيخه في المنسوب فخرالدين السنباطي.
ايدمر بن عبد الله الناصري الأنوكي، عز الدين، كان دويدارا للناصر، ثم ولي نيابة حلب ثم طرابلس، ثم صار أتابك العساكر بعد الجاي، وكان متواضعاً، جاوز السبعين.
أبو بكر بن حسام الدين الحسن بن أحمد بن الحسن الرازي الحنفي، سمع الصحيح على ابن مشرف، وأجاز له من بغداد عبد الرحمن المكبر وغيره، ومن دمشق عمر بن القواس وأحمد بن عساكر ويوسف الغسولي وغيرهم وحدث عنهم.
أبو بكر عبد المحسن بن معمر، تقي الدين الواسطي الفاروثي المقرئ، كان فاضلاً مشاركاً في عدة فنون، ويقال: اسمه عبد الرحمن وسيأتي.(1/83)
أبو بكر بن علي بن محمد بن بردس الحنفي الدمشقي الشاهد، سمع الحجار وحدث، مات في المحرم.
أبو بكر بن فليح، يأتي في المحمدين.
حسن بن علي بن إسماعيل بن يوسف القونوي، الشيخ بدر الدين ابن الشيخ علاء الدين، ولد سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، وسمع الحجار وغيره، وناب في الحكم عن عز الدين بن جماعة ثم عن برهان الدين بن جماعة، وكان قليل التصدي لذلك، وولي مشيخة سعيد السعداء، ودرس بالشريفية، واختصر الأحكام السلطانية للماوردي فجوده، وكتب شيئاً على التنبيه، مات في شعبان عن خمس وخمسين سنة. وكان له حضور على الدبوسي في الرابعة في القناعة لابن أبي الدنيا.
حسن بن محمد بن أحمد المقدسي الحنبلي، شرف الدين بن صدر الدين ابن قاضي القضاة تقي الدين، كان موقعاً في الإنشاء، ومدرساً بجامع الحاكم، مات في ذي القعدة.
حيار بن مهنا بن عيسى بن مهنا بن مانع بن حديثة بن عقبة بن فضل بن ربيعة، أمير عرب آل فضل بالشام، مات عن بضع وستين سنة، واستقر ولده بعده.
خضر بن عمر بن علي بن عيسى الرومي الحنفي، صلاح الدين بن شهاب الدين، من أهل البلستين، كان فاضلاً خيراً، حسن الشكل، مات بالشام، وكان يعرف بابن السمتوفي، وكان له سماع من أبي بكر بن عنتر، وكانت لديه فضيلة، وجمع كتاباً في الأحكام، وكان شيخ زاوية جده بصالحية دمشق عفا الله تعالى عنهما.
خليل بن أيدغدي، كان حاجباً بدمشق، أستاذاً في لعب الأكره، مات في المحرم.
خليل بن مودود المصري، سمع الصحيح من وزيره والحجار وحدث.
ستيتة بنت الشيخ تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي، أسمعها أبوها من حسن(1/84)
بن عمر الكردي وحدثت، وهي أم بدر الدين بن أبي الفتح وأم سري الدين الملاي، ماتت في ذي القعدة.
عبد الله بن أحمد بن علي بن عبد الكافي السبكي، جمال الدين بن أبي حامد، مات هو وأخوه عبد العزيز وابن عمهم علي بن تاج الدين الثلاثة في يوم واحد خامس عشرين ذي القعدة بالطاعون، وعمتهم ستيتة قبلهم بقليل.
عبد الله بن عبد الرحمن القفصي المالكي، كان مشهوراً بالعلم منصوباً للفتوى، وكان يوقع عند الحكام، مات في ثالث شهر رمضان.
عبد الله بن عمر بن داود الكفيري، أحد الفقهاء النبهاء، مات في ربيع الآخر.
عبد الله بن محمد بن أحمد الحسيني النيسابوري، الشريف جمال الدين، كان بارعاً في الأصول والعربية، وولي تدريس الأسدية بحلب وغيرها، وأقام بدمشق مدة وبالقاهرة مدة، وولي مشيخة بعض الخوانق، وكان يتشيع، عاش سبعين سنة، وهو القائل:
هدب النفس بالعلوم لترقى ... وترى الكل وهو للكل بيت.
إنما النفس كالزجاجة والعقل سراج وحكمة الله زيت.
فإذا أشرقت فإنك حي ... وإذا أظلمت فإنك ميت.
كان أحد أئمة المعقول، حسن الشيبة.
عبد الله بن ياقوت بن عبد الله الشافعي، جمال الدين بن العنبري، اشتغل بالفقه(1/85)
والعربية، وتقدم في الفنون، ودرس وناظر، ثم صحب ابن الغنام فولاه نظر المواريث الحشرية، ولم يكن محمود السيرة، مات في ذي القعدة رحمه الله تعالى.
عبد الرحمن بن الحسين بن عبد الله بن نصر بن المعمر بن عبد الكريم بن المعمر البكري الواسطي ثم الفاروثي، أخو عبد المحسن، ولد سنة إحدى عشرة وسبعمائة، وسمع من الصفي عبد المؤمن وغيره، وتفقه للشافعي وشارك في الفنون، وله نظم حسن، أخذ عنه ابن سند، وكانت وفاته في المحرم بدمشق، وأخوه عبد المحسن مات قبله، وكان صوفياً بالشميساطية، وله سماع من ابن الخباز وابن تبع، ولهما أخوان آخران: عبد الرزاق ومحمد.
عبد الرحمن بن عبد الكريم بن محمد بن صالح بن هاشم بن العجمي، أبو طالب، سمع من قريبه أبي طالب عبد الرحيم بن محمد بن عبد الرحمن بن العجمي الرباعيات ليوسف بن خليل عنه وحدث بها، مات في صفر عن نيف وسبعين سنة.
عبد الرحمن بن علي بن محمد بن هارون الثعلبي المصري، زين الدين المعروف بابن القارئ، سمع من أحمد بن إسحاق الأبرقوهي ومن ابن أبي الذكر وابن الصواف ومن والده وغيرهم وحدث وعمر، خرج له الشيخ زين الدين العراقي مشيخة وحدث بها مراراً، وكان يعمل المواعيد، وقد تفرد بسماع جزء ابن الطلاية من الأبرقوهي وهو في الخامسة، ومات في نصف ذي القعدة، وهو ممن أجاز عموماً لمن أدرك حياته خصوصاً المصريين رحمه الله تعالى. وذكر ابن دقماق أنه سمع منه البخاري ومشيخته.
عبد العزيز بن أحمد بن محمد بن علي الخروبي، عز الدين أبو عمر، كان من أكابر التجار بمصر، ولم يعمر بعد أبيه، وهو صاحب المدرسة المليحة بالقرب من دار(1/86)
النحاس وهي بجوار داره وهي من أحسن الدور، مات وله ستون سنة، وكان أبوه صلاح الدين من مشاهير التجار بمصر وكذا عمه بدر الدين صاحب المدرسة التي تقابل المقياس.
عبد العزيز بن بهاء الدين السبكي، تقدم ذكره مع أخيه عبد الله.
عبد المحسن هو أبو بكر، تقدم في أخيه عبد الرحمن بن الحسين.
عبد الوهاب بن أحمد بن عساف بن وهبة الجمحي الدمشقي، شاهد القيمة، سمع من التقي سليمان ويحيى بن سعد والحجار وغيرهم وحدث، وكان عابداً يحي الليل بالذكر والتلاوة، مات في صفر، وكان يسمى وهبة.
علي بن أيوب الأصبهاني، نزيل القاهرة، حدث بالكاملية عن أبي الحسن الواني، مات في ذي القعدة. وهو أحد من سمع عليه قاضي القضاة جلال الدين البلقيني مع قلة مشايخه.
علي بن عبد الوهاب بن علي السبكي، ولي خطابة الجامع الأموي بعد أبيه وله عشر سنين، وقد درس في حياة أبيه بالأمينية وعمره سبع سنين، مات كما تقدم مع ولدي عمه بهاء الدين في يوم أحد.
علي بن عثمان بن أحمد بن عمر بن أحمد بن هرماس بن نجا بن مشرف البعلي الزرعي ثم الدمشقي، المعروف بابن شمرنوخ، ولد بعد الثمانين، ولم يرزق سماع الحديث في العلو، وكانت له عناية بالعلم، وولي قضاء عدة بلاد بحلب، ثم ولي وكالة بيت المال بدمشق،(1/87)
ثم قضاء حلب مرتين أولهما سنة اثنتين وأربعين، وهو القائل رحمه الله تعالى:
أحسن إلى من أسا ما استطعت واعف إذا ... قدرت واصبر على رزء البليات.
وماء وجهك خير السلعتين فلا ... تبعه بخساً ولو باليوسفيات.
فكل ما كان مقدوراً ستبلغه ... وكل آت على رغم العدى آتي.
وكان يعرف التركي ويتكلم به، ويلقب بالقرع، وقد كان كتب له بقضاء دمشق بعد السبكي الكبير فلم يتم له ذلك، وباشر توقيع الدست ونظر الجامع، وكان حسن الحظ جداً سريع الكتابة بحيث أنه كتب صداقاً بمدة واحدة. وكان مفرط الكرم حتى أنه في الآخر افتقر جداً وانقطع ببستانه خاملاً إلى أن مات في جمادى الآخرة.
علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن أبي الفتح بن هاشم الكناني العسقلاني الحنبلي، علاء الدين، قاضي دمشق، ولد سنة بضع عشرة، وسمع من أحمد بن علي الجزري، وأجاز له ابن الشحنة، وناب أولاً في الحكم بالقاهرة عن موفق الدين، ثم ولي قضاء دمشق بعد موت ابن قاضي الجبل في ذي القعدة سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، وكان فاضلاً متواضعاً ديناً عفيفاً، وكان أعرج، كثير الانجماع حتى يقال: إنه لم يسجل عليه حكم وإنما كان نائبه يتصدى لذلك، مات في نصف شوال وقد نيف على الستين، وهو والد شيخنا جمال الدين عبد الله بن علاء الدين الجندي.
عمر بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة، الكناني الحموي ثم المصري، سراج الدين بن عز الدين بن بدر الدين، ولد سنة تسع عشرة، وأسمعه أبوه من الواني والحجار وابن المصري وست الفقهاء بنت الواسطي وإسحاق الآمدي وغيرهم بمصر والقدس ودمشق، وناب عن أبيه في تدريس جامع ابن طولون، ولم يكن محمود السيرة، مات عن خمس وخمسين سنة.(1/88)
عمر بن منصور بن أبي بكر بن عبد العزيز البعلي، روى عن خاله موسى بن عبد العزيز بن جعفر، ومات في صفر ببعلبك.
محمد بن إبراهيم بن علي بن أحمد بن علي بن يوسف بن إبراهيم الدمشقي، أمين الدين بن القاضي برهان الدين، الشهير بابن عبد الحق الحنفي، ويعرف بابن قاضي الحصن، كان من الأعيان، اشتغل ودرس بالعذراوية والخاتونية وولي الحسبة ونظر الجامع الأموي، مات بدمشق عن بضع وستين سنة في المحرم بالطاعون. وكان فاضلاً ممدحاً ابن نباتة وغيره.
محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد المعطي الخزرجي المكي، جمال الدين، ولد سنة اثنتين وسبعمائة، وسمع الكثير من جده لأنه صفي الدين أحمد الطبري وأخيه الرضي والفخر التوزري وجماعة، وكان عارفاً بالفرائض والفقه، وحدث بالكثير من مسموعاته وتفرد ببعضها، مات في تاسع عشر شهر رجب، وكان يقال له أحياناً: ابن الصفي نسبة لجده لأمه.
محمد بن أحمد بن عبد القوي الكناني الحلبي، خادم الخانقاه الصلاحية بحلب، سمع من سنقر الزيني بحلب، وكان خاتمة من روى عنه بها.
محمد بن أحمد بن عبد الوارث البكري، ناصر الدين، أخو صاحبنا عبد الوارث، كان فاضلاً، اشتغل على جماعة، وولي إعادة تدريس الشافعي، ومات في ثاني شوال، وقد تقدم ذكر أبيه في سنة 774.
محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن جامع الدمشقي، شمس الدين بن اللبان المقرئ، ولد سنة عشر أو سنة ثلاث عشرة، وأخذ القراءات أولاً عن شهاب الدين سبط ابن السلعوس، ثم رحل فأخذ عن ابن السراج وعلي أبي العباس المرادي وعن أبي حيان(1/89)
وغيرهم، وتصدى للإقراء وأكثر الناس عليه، وكان يحفظ كثيراً من الشواذ، وربما قرأ ببعضها في الصلاة فأنكر ذلك عليه، وقد حدث عن ابن الشحنة وعن وجيهة بنت الصعيدي الإسكندرانية وغيرهما، وكان طلب بنفسه وكتب الطباق، ومات في ربيع الآخر وقد جاوز الستين.
محمد بن أحمد بن عمر بن أبي عمر المقدسي الحنبلي، عز الدين بن عز الدين بن عز الدين الحنبلي، سمع مشيخة الكاشغري على الحجار وحدث.
محمد بن ارغون شاه، نائب الشام، كان يشتغل ويحصل الكتب، وله بذلك عناية، مات في المحرم.
محمد بن أبي بكر بن إسماعيل، محب الدين حفيد الشيخ مجد الدين له معرفة جيدة بالحساب، مات في شوال.
الزنكلوني الشافعي، تفقه بأبيه وسمع من الدبوسي وغيره، وكان متواضعاً.
محمد بن ثعلب المصري المالكي، أحد المدرسين بالقمحية بمصر، مات في رابع شوال.
محمد بن حسن بن طلحة المصري، مات في شوال.
محمد بن الحسن بن عبد الله الحسيني الواسطي، نزيل القاهرة، ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة، واشتغل ببلاده، ثم قدم الشام وتميز وأفاد ودرس، وكان بارعاً في الفقه والأصول، شرح مختصر ابن الحاجب، وجمع شيئاً في الرد على التناقض للأسنوي، واختصر الحلية، وكان منجمعاً على الناس، وله تفسير كبير، وخطه مليح، من ستين سنة إلى الآن.
محمد بن حسن بن محمد بن عمار بن متوج بن جرير الحارثي الدمشقي، شمس الدين بن قاضي الزبداني، ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة، وتفقه على كبر على برهان الدين بن الفركاح وابن الزملكاني، وسمع من إسماعيل بن مكتوم وطبقته، وقرأ على علي بن يحيى الشاطبي، وتميز وبرع وأفتى ودرس بالشامية والعادلية والنجيبية والظاهرية والعادلية الصغرى وبالجامع بدمشق، وانتهت إليه رئاسة الفتوى بالشام، حتى قيل: إنه لم يضبط عليه خطأ في فتوى، مات في مستهل المحرم. وكان شيخه البرهان الفزاري يثن على ذكائه وعلى كتابته المحررة في الفتوى، وكان مقصوداً لقضاء حوائج الناس عند القضاة، معظماً عندهم، مقبول القول، كثير التواضع، يخضع له الشيوخ. وقد نقل عنه التاج السبكي في الطبقات في ترجمة ابن الزملكاني، ومن مروياته: مسند الشافعي سمعه على وزيرة، وكتاب البسملة لأبي شامة سمعه على علي بن(1/90)
يحيى الشاطبي بسماعه من مصنفه، وقد طلب بنفسه وقتاً وكتب الطباق. قال العثماني قاضي صفد: انتهت إليه رئاسة العلم بالشام وغيرها، وسمي شيخ المذهب، وتفرد بإجادة الكتابة على الفتوى في زمانه، وأرخ وفاته سنة خمس فوهم.
محمد بن السقاء، الشيخ شمس الدين بن المالكي، أحد الفضلاء كان فاضلاً متواضعاً مطرحاً للتكلف، مات في المحرم.
محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد بن علي السلماني اللوشي الأصل الغرناطي الأندلسي، لسان الدين بن الخطيب، كان أبوه يخدم بني الأحمر على مخازن الطعام، وكان بارعاً فاضلاً، مات سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وولد له ابنه محمد فتأدب واختص بصحبة الحكيم يحيى بن هذيل وتعلم منه الفلسفة وبرز في الطب، ثم قال الشعر وترسل ففاق أقرانه، ومدح أبا الحجاج ملك غرناطة فرقاه إلى خدمته واستكتبه من تحت يد أبي الحسن بن الحباب، فلما مات في الطاعون العام قدمه إلى رئاسة الكتاب، وأضاف إليه الوزارة فاستقل بجميع ذلك، وجمع مالاً كثيراً، وبلغ من اختصاصه ما لم يبلغه(1/91)
أحد، وترسل إلى أبي عنان، فلما قتل أبو الحجاج سنة خمس وخمسين وقام بعده ابنه محمد أفرد ابن الخطيب بوزارته، واتخذ لكتابته غيره ثم استمد أبا عنان وبعثه رسولاً في الوقعة الكائنة بين الفرنج، فمدح أبا عنان فاهتز له وأحسن إليه، فلما تسلطن إسماعيل بن أبي الحجاج وخلع محمد بن أبي الحجاج أخاه نحى الوزير فأرسل أبو سالم بن أبي الحسن فشفع في ابن الخطيب، فأفرج عنه وقدم صحبة سلطانه محمد إلى فاس، فأقبل عليه أبو سالم وقد مدحه، فأجزل صلته، ثم سار إلى مراكش فأتحفه عمالها بما يليق به، ثم شفع له أبو سالم إلى ابن الأحمر أن يرد عليه ضياعه فشفعه فيه، فلما عاد السلطان محمد إلى ملكه لحق به ابن الخطيب فأعاده إلى مكانه فلم يزل حتى وقع بينه وبين عثمان بن يحيى بن عمر شيخ الغزاة منافرة فلم يزل ذلك حتى نكب عثمان في شهر رمضان سنة أربع وسبعين ونفاه، فانفرد ابن الخطيب بتدبير المملكة، وأقبل الملك على اللهو فحسده أهل الدولة، فبلغه ذلك وأنهم سعوا به إلى السلطان ليهلكه، فسعى في الخلاص وراسل صاحب فاس المريني في اللحاق به، وخرج من غرناطة على انه يتفقد الثغور الغربية حتى حاذى جبل الفتح، فركب إلى سبتة ودخل فاس سنة ثلاث وسبعين، فبالغ المريني في إكرامه وأجرى له الرواتب، فاستقرت قدمه واستكثر من شرى الضياع والبساتين، فقام أعداؤه بالأندلس وأثبتوا عليه عند القاضي كلمات منسوبة إليه تقتضي الزندقة، فأثبت ذلك وحكم بزندقته وأرسل بها إلى صاحب فاس ليعمل بها ويقتله، فامتنع وقال: هلا فعلتم ذلك وهو عندكم! وأما أنا فلا يصل إليه أحد ما كان في جواري، فلما مات السلطان اختص ابن الخطيب بعده بالوزير أبي بكر بن غازي، فلم يزل مكرماً إلى أن تسلطن أبو العباس فأغراه به سليمان بن داود بن أعراب كبير بني عسكر، وكان من أكبر أعدائه حتى أجابه أبو العباس إلى القبض على ابن الخطيب فسجن، فلما بلغ ذلك ابن الأحمر أرسل وزيره أبا عبد الله بن زبرك وادعى على ابن الخطيب في مجلس السلطان بالكلمات التي ثبتت عليه وأقيمت البينة، فعزر بالكلام ثم بالعقاب ثم أعيد إلى السجن، واشتوروا في قلته فأفتى بعض الفقهاء بقتله، فطرق عليه السجن ليلاً وقتل في السجن ليلاً، وأخرج من الغد ودفن، فلما كان من الغد وجد على شفير قبره مطروحاً وحوله أحطاب كثيرة، فأضرمت فيها النار فاحترق شعره واسودت بشرته، ثم أعيد إلى حفرته،(1/92)
وكانت له من التصانيف الإحاطة بتاريخ غرناطة وروضة التعريف بالحب الشريف والغيرة على أهل الحيرة وحمل الجمهور على السنن المشهور والتاج على طريقة يتيمة الدهر والإكليل الزاهر فيما ندر عن التاج من الجواهر كالذيل عليه وعائد الصلة في التاريخ وغير ذلك، وكان قتله في سنة ست وسبعين وسبعمائة، واشتهر أنه نظم حين قدم للقتل الأبيات المشهورة التي يقول فيها:
فقل للعدى ذهب ابن الخطيب ... وفات فسبحان من لا يفوت.
فمن كان يشمت منكم به ... فقل يشمت اليوم من لا يموت.
والصحيح في ذلك ما ذكره صديقه شيخنا ولي الدين ابن خلدون أنه نظم الأبيات المذكورة وهو في السجن لما كان يستشعره من الفتك به، وذكر الشيخ محمد العصباني أن ابن الأحمر وجهت رسولاً إلى ملك الفرنج في رسالة، فلما أراد الرجوع أخرج له رسالة من ابن الخطيب بخطه تشتمل على نظم ونثر، قال: فلما قراتها قال لي: مثل هذا كان ينبغي أن يقتل! ثم بكى حتى بل ثيابه. من محاسن نظمه قوله:
طال حزني لنشاط ذاهب ... كنت أسقى زمناً من حانه.
وشباب كان يندى خده ... نزل الثلج على ريحانه.
محمد بن عبد الله بن عبد الباقي بن عبد الأحد الحلبي الصوفي، أبو الفضل، سمع من سنقر الزيني مشيخته وحدث، مات في شعبان وله ست وسبعون سنة.(1/93)
محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن المصري الحنفي، شمس الدين بن تاج الدين، مدرس الأطباء بجامع ابن طولون، وكان فاضلاً، له نظم، مات في ثامن عشر شوال.
محمد بن عبد الله بن عبد الظاهر الإخميني، كان صالحاً معتقداً، مات في رابع شوال.
محمد بن عبد الله بن علي بن عبد القادر، تقي الدين بن الأطرباني المصري، ولد سنة إحدى وسبعمائة تقريباً وأسمع من الشريف الموسوي واب عبد الحميد ووزيرة والحجار وغيرهم، وأجاز له الدمياطي وغيره، وكان يوقع في الإنشاء، مات في صفر.
محمد بن عبد الله بن علي بن عثمان بن إبراهيم بن مصطفى، القاضي صدر الدين بن القاضي جمال الدين بن القاضي علاء الدين التركماني، تفقه واشتغل ومهر في العلم، وناب في الحكم، ولازم الشيخ أكمل الدين، ثم استقل به بعد موت السراج الهندي إلى أن مات في ذي القعدة ولم تكمل أربعون سنة، وكان مهيباً وشكلاً بهياً، وله نظم.
محمد بن عبد الله الهاروني، الفقيه أبو جابر المالكي، مشهور بكنيته، كان ماهراً في مذهبه، كثير المخالفة لأقرانه في الفتوى، كثير الاستحضار على هوج فيه. ومات معه في السنة ولده شرف الدين محمد، وكان فاضلاً أيضاً.(1/94)
محمد بن عبد الله الصفوي الهندي ثم الدمشقي، كان رومي الأصل، أسمعه مولاه صفي الدين الهندي الحديث، وحفظ التنبيه في صغره، وألبسه الخرقة وكان يلبسها عن مولاه، وتفرد برواية جزء البيتوتة على أبي الفضل بن عساكر حضوراً عليه، وأجاز له القواس والعز أحمد الحسيني وعائشة بنت المجد وجماعة، وكان حسن الشيبة، يعرف شد المناكيب ويجودها، وكان يضرب بصنعته المثل، أخذ ذلك عن زين الدين عبد الرحيم البغدادي، أثنى عليه البرزالي وأرخه سنة تسع عشرة وله ثمان وسبعون سنة.
محمد بن عبد الرحمن بن علي بن أبي الحسن الزمردي الشيخ، شمس الدين بن الصائغ الحنفي النحوي، ولد سنة ثمان وسبعمائة أو بعدها بقليل وسمع من الحجار والدبوسي وغيرهما، واشتغل في عدة فنون، ولازم أبا حيان، ومهر في العربية وغيرها، ودرس بجامع ابن طولون للحنفية، وولي قضاء العسكر في سنة ثلاث وسبعين، وكان فاضلاً بارعاً، حسن النظم والنثر، كثير الاستحضار، قوي البادرة، دمث الأخلاق، وهو القائل:
لا تفخرن بما أوتيت من نعم ... على سواك وخف من كسر جبار.
فأنت في الأصل بالفخار مشتبه ... ما أسرع الكسر في الدنيا لفخار.
ومن تصانيفه: شرح الألفية رأيته بخطه في مجلدين، وشرح المشارق وقفت عليه بخطه في ست مجلدات وله فيه مباحث لطيفة، والتذكرة النحوية، والمباني في المعاني، والمنهج القويم في القرآن العظيم، والثمر الجني في الأدب السني، والغمز على الكنز، والاستدراك على المغني لابن هشام استفتحه بقوله الحمد لله الذي لا مغني سواه، أخبرني ناصر الدين محمد بن عبد الرحيم الحنفي إذناً وكتبته من خطه قال أخبرني شمس الدين بن الصائغ أنه شاهد بمصر بجامع عمرو أكثر من خمسين متصدراً يقرأ عليهم الناس العلوم. قلت: وأدركت أنا في الجامع نحو هذا العدد لكنهم لا يحضرون أصلاً بل(1/95)
يأخذون المعلوم من وقف الجامع، ثم قطعوا في آخر دولة الأشرف ثم أعيد بعضهم في دولة الظاهر، وذكرت بما قال ابن الصائغ ما قرأت بخط الفارقي التاجر الزبيدي: أنه كان بمصر في أول دولة الناصر من التجار الكارمية أكثر من مائتي نفس وعد من عبيدهم الذين كانوا يسافرون لهم في التجارة بالسفرات الكبار أكثر من مائة وأنشدني قال أنشدني لنفسه:
بروحي أفدي خاله فوق خده ... ومن أنا في الدنيا فأفديه بالمال.
تبارك من أخلى من الشعر خده ... وأسكن كل الحسن في ذلك الخال.
قال: وما أحسن قول ابن أبي حجلة:
تفرد الخال عن شعر بوجنته ... فليس في الخد غير الخال والخفر.
يا حسن ذاك محيا ليس فيه سوى ... خال من المسك في خال من الشعر.
قلت: وبين المقطوعين كما بين الثريا والثرى، مات في شعبان.
محمد بن عبد الرحيم بن يحيى، أبو البركات، كمال الدين السبكي، سمع من يحيى بن المصري وأحمد بن علي الجزري وغيرهما، واشتغل بالحديث، وقرر مدرساً فيه بالشيخونية بعناية الشيخ بهاء الدين وهو ابن عمته، وقد جمع جزاء فيما وافق فيه عمر بن الخطاب ربه أجاده، واختصر الزهر الباسم لمغلطاي، وولي إفتاء دار العدل، وكان ساكناً منجمعاً على الناس، مات في شوال.
محمد بن علي بن أحمد بن محاسن الدمشقي المؤذن، سمع من عبد الرحيم بن أبي اليسر وغيره من جامع الترمذي، وكان من القراء بالألحان، مات في المحرم.
محمد بن علي بن عبد الله اليمني، شمس الدين، أبو القاسم، أقام بمصر ملازماً لعز الدين بن جماعة، وكان فاضلاً، مات في المحرم. وكان ولي مشيخة(1/96)
الإقراء، بالشيخونية، ووقع بينه وبين الأكمل فنزح إلى الشام فأكرمه تاج الدين السبكي ونزله ببعض الخوانق، ثم ترك ذلك زهداً، ومات مطعوناً. قال ابن حجى: كان فاضلاً مفتياً يستحضر أشياء من غريب الحديث وأسماء الرجال وفقه الشافعية من كتاب البيان، وكان يرويه بإسناد له، وكان يخضب بالحناء، وصنف كتاباً. قلت: وقفت له على عدة تصانيف لطاف دالة على اتساعه في العلم.
محمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن عبد الظاهر السعدي، فتح الدين بن علاء الدين بن فتح الدين بن محيي الدين، نائب موقع الدست، سمع من زينب بنت شاكر والحجار وغيرهما وحدث، مات وله سبع وستون.
محمد بن عيسى بن عبد الكريم بن عساكر بن سعد بن أحمد بن محمد بن سليم بن مكتوم القيسي الدمشقي العطار، بدر الدين بن مكتوم، أحد الفضلاء الشافعية، ولد سنة سبعمائة، وسمع من الشيخ برهان الدين بن الفركاح وصحب الشيخ حماد الزاهد، ومات هو وأخوه أحمد في هذه السنة، ومات هذا في المحرم. وكان مولد أحمد سنة عشر وسبعمائة.
وكان يشهد بالرواحية، وورث من أخيه مالاً فقضى به ديناً كان له عليه، ثم مات هو أيضاً.
محمد بن قليج بن كيكلدي العلائي، ابن أخي الحافظ صلاح الدين، ولد سنة خمس عشرة وسبعمائة، سمع بعناية عمه من القاسم بن عساكر وأبي نصر بن الشيرازي وغيرهما، وله إجازة من حسن الكردي ويونس الدبوسي وغيرهما، وكان فاضلاً ديناً خيراً، مات في شعبان مطعوناً ببيت المقدس، وكان يعاني المباشرات مع جودة وانجماع.(1/97)
محمد بن محمد بن أحمد بن العز إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر، سعد الدين بن صلاح الدين بن تقي الدين، مات مطعوناً في المحرم وكان قد سمع وحدث، وعاش أبوه بعده خمس سنين.
محمد بن محمد بن عبد الله، شرف الدين بن أبي جابر المالكي، تقدم مع أبيه.
محمد بن محمد بن محمد بن عبد القوي المصري، المؤدب، ناصر الدين الكناني، ولد سنة اثنتين وتسعين وستمائة أو ثلاث، وسمع من وزيرة والحجار وهو كبير وحدث، ومات في خامس عشرين رمضان.
محمد بن محمد بن محمد بن يوسف، بدر الدين بن العلاف، سمع من الواني وغيره، وكان مولده سنة ثلاث وتسعين وستمائة وحدث، مات وقد قارب التسعين، ولو سمع صغيراً لكان مسند مصره في عصره.
محمد بن محمد بن محمد بن الكيناني، ناصر الدين، رئيس المؤذنين بالمنصورية، مات في خامس عشرين رمضان بالقاهرة.
محمد بن محمد بن محمد بن محمود بن غازي بن أيوب، كمال الدين، أبو الفضل بن الشحنة، والد العلامة محب الدين أبي الوليد، كان فاضلاً بارعاً، يدرس في مذهب الحنفية، ومات بحلب في ربيع الأول.
محمد بن أبي محمد التبريزي الشافعي، قدم من بلاد العجم وأخذ عن القطب التحتاني وبرع في المعقول، وقرر له منكلي بغا بالقاهرة معلوماً على تدريس بالمرستان(1/98)
المنصوري، ثم قرره في تدريس الفقه بالمنصورية، ثم عزله الجاي، ثم ولي درس جامع المارداني وأعاد تدريس الشافعي وشغل الناس كثيراً وانتفعوا به، مات في مستهل ذي الحجة.
محمد بن أبي محمد بن البقال المعبر الدمشقي، انتهت إليه الرياسة في فنه، مات في شوال.
محمد بن أبي محمد البقاعي المالكي، قاضي طرابلس، وهو أول من ولي قضاء المالكية بها بطريق الاستقلال.
محمد بن أبي محمد، تاج الدين بن تقي الدين بن الهمام، إمام جامع الصالح بالقاهرة. ذكره شيخنا ابن الفرات في تاريخه وقال: كان حسن الوجه، ظاهر النعمة، كريم الشمائل، موقراً عند الكبار. غرق في النيل وهو يريد الروضة في ربيع الأول.
محمد بن محمود بن إسحاق بن أحمد الحلبي ثم المقدسي، أبو موسى، المحدث الفاضل، سمع من ابن الخباز وابن الحموي ونحوهما ولازم صلاح الدين العلائي وأبا محمود وتخرج بهما، وقدم دمشق فلازم ابن رافع، وبرع في هذا الشأن، وجمع تاريخ بيت المقدس، وكان حنفياً فتحول شافعياً بعناية القاضي تاج الدين السبكي. ورأيت بخطه وفيات مختصرة إلى قرب سنة موته، مات في شهر رمضان رحمه الله تعالى.
محمد بن مسلم بن حسين بن مسلم بن عبد الله البالسي ثم المصري، ناصر الدين، أحد كبار التجار، اعجوبة عصره في كثرة المال حتى كان يقال: إنه لا يعلم قدر ماله. وذكر سبطه شهاب الدين بن يسير أن ما له حزر فجاء عشرة آلاف ألف دينار. ويقال: إنه خاصم بدر الدين الخروبي فقال له ابن مسلم: اشتر بمالك كله شكائر وأحضرها أملأها لك مالاً.
ويقال: إنه ما مات له عبد في الغربة، كانوا يدورون في التجارات ولا يتفق موت الواحد منهم إلا بمصر حتى أن واحداً منهم غاب عشرين سنة وعاد فمات عنده. وكان موصوفاً بالإمساك(1/99)
جداً لكن يقال: إنه كان يتصدق سراً. وكان لا يحبس أحداً ولا يوكل به، وأوصى بعمارة مدرسة بستة عشر ألف دينار فعمرت بمصر هي مشهورة وورثت أولاده أمواله بعده، فأما علي وهو الأكبر فأفسدها ما وصل إليه في أسرع مدة وصار فقيراً مدقعاً وربما استعطى في آخر عمره بالورق، وأما ابنه أحمد وكان سماه باسم ولد له آخر كان أكبر أولاده، وكان أنجب فيه، فمات في حياته بقوص في المحرم سنة أربع وسبعين وسبعمائة، ومات ناصر الدين وابنه أحمد الثاني صغير. فرباه خادمه كافور إلى أن كبر وتسلم ماله، فتواردت عليه أيدي الظلمة وسوء التدبير مع شدة إمساكه حتى آل أمره بعد الثلاثين إلى أن صار في عداد المساكين لولا أن لهم بقوص أرضاً تغل في بعض السنين شيئاً، وكانت وفاة ناصر الدين في شوال في ليلة الجمعة ثاني عشره. ومن وجوه البر التي فعلها: المطهرة الكبيرة جوار جامع عمرو بن العاص، وقد حصل الانتفاع بها جداً، وكان جده وأبوه وعمه محمد من التجار حتى كان يقال لعمه شمس الدين: نصف الدنيا، وجده لأمه شمس الدين محمد بن يسير البالسي كان أيضاً من كبار التجار المشهورين، وأعقب ذرية لم ينجب منهم، إلا القليل، وكانت وفاته في المحرم سنة ثمان وستين رحمهم الله أجمعين.
ماجد بن تاج الدين موسى بن أبي شاكر القبطي المصري، فخر الدين، كان صاحب ديوان يلبغا، ثم ولي الوزارة في دولة الأشرف ونظر الخاص، ومات في هذه السنة وأبوه حي.
مثقال بن عبد الله الحبشي سابق الدين صاحب المدرسة السابقية بين القصرين، كان محباً في أهل العلم والخير، وهو مقدم المماليك عند الأشرف.
منجك بن عبد الله التركي، تنقل في الولايات بالبلاد، وولي الوزارة بالقاهرة،(1/100)
واستقر في الآخر نائب السلطنة بمصر وإليه أمور المملكة، وقد عمر خانات نافعة وجوامع وأصلح الجسور والطرقات، مات في تاسع عشرين ذي الحجة وقد جاوز الستين. ومن أحكامه مع ما كان يعني من تعمير المدارس والخوانق والخانات والقناطر أمره بكسر أواني الخمر ومنع عملها، ومنع النساء من الركوب بين الرجال والخروج إلى واضع النزه والخروج في الليل، وتضييق الأكمام، ومنع تعليق الأجراس بأعناق الحمير، وألزم كل من يدخل الحمام بالتستر بالميازر وغيرها.
نصر الله بن أبي بكر بن نصر الله المقرئ، ناصر الدين، تصدر للإقراء بدمشق، وأخذ عنه تاج الدين السبكي، ولم يكن إسناده عالياً إلا أنه كان يرغب فيه لجودة معرفته، مات في جمادى الأولى.
وهبة في عبد الوهاب.
يوسف بن عبد الله الطبيب، صلاح الدين بن المغربي، رئيس الأطباء بالقاهرة، مات في جمادى الآخرة، وهو صاحب الجامع الذي يقابل الخليج الحاكمي بالقرب من باب الخوخة بالقاهرة.
يوسف بن علي بن محمد الدمشقي، جمال الدين بن المهتار، ولد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، واحضر على التقي سليمان ونحوه، وسمع من الحجار وطبقته، وأجاز له الدشتي وغيره، وكان إمام مسجد إلياس، مات في جمادى الآخرة ولحيته سوداء إلا أنه يقال: إنه لم يتزوج.(1/101)
يوسف بن محمد بن مسعود بن محمد بن علي بن إبراهيم الحنبلي جمال الدين السرمري العقيلي الحنبلي، نزيل دمشق، ولد سنة ست وتسعين وستمائة بسر من رأى. وسمع ببغداد من الصفي عبد المؤمن وابن الدقوقي، وبدمشق من أصحاب ابن عبد الدائم وغيرهم، وأخذ الفقه عن سراج الدين حسين بن يوسف بن أبي السري التستري ثم انتقل إلى بغداد سنة تسع وعشرين، وأجاز له ابن الشحنة وابن الدواليبي وغيرهما، وبرع في العربية والفرائض، ونظم وخرج وحدث، واقعد بأخرة، وجاز الثمانين، وله من التصانيف: عقد اللآلي في الأمالي، وغيث السحابة في فضل الصحابة، ونشر القلب الميت بفضل أهل البيت، وعجائب الاتفاق وغرائب ما وقع في الآفاق، والأربعين الصحيحة فيما دون أجر المنيحة، والثمانيات، وغير ذلك، وقد أخذ عنه ابن رافع مع تقدمه وذكره في معجمه وحدث عنه ومات قبله، وذكره الذهبي في المعجم المختص فقال: قدم علينا سنة ست وأربعين، وقرأ علي، وله معرفة بالمذهب ونظم جيد في علوم الحديث وغيرها انتهى. وكان مشاركاً في العربية والفرائض، ويقال: إن مصنفاته بلغت مائة وإنها في نيف وعشرين علماً.
يوسف بن يحيى بن إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد السلام السلمي الدمشقي، جمال الدين بن أبي البركات عز الدين بن أبي الطاهر شمس الدين ابن شيخ الإسلام عز الدين، ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة وسمع على ابن مشرف جزء أبي موسى المديني، وأجاز له ابن الموازيني وابن القيم من مصر، وكان يباشر في الأوقاف، وعلى ذهنه حكايات ونوادر، مات في جمادى الأولى وله ثمان وثمانون سنة، ولو أسمع على قدر سنه لأدرك الإسناد العالي.
يوسف الحاضري الحنفي، نائب الحسبة، مات في شوال.(1/102)
سنة سبع وسبعين وسبعمائة
فيها في المحرم طهر السلطان أولاده وعمل لهم مهماً عظيماً أنفق فيه من الأموال ما لا يحصى. وظهرت فيه من الفواحش والقبائح ما لا مزيد عليه، واستمر ذلك سبعة أيام.
وفي العشرين من المحرم استقر نجم الدين بن الكشك في قضاء الحنفية بالقاهرة نقلاً من دمشق، واستقر عوضه ابن عمه صدر الدين على دمشق، ثم استغنى نجم الدين بعد مائة يوم ونقل إلى دمشق، ونقل ابن عمه إلى القاهرة، واستقر صدر الدين بن منصور في قضاء العسكر، ثم عزل صدر الدين بن الكشك في رمضان واستقر ابن منصور في قضاء الحنفية بالقاهرة.
وفي صفر ابتدئ في عمارة المدرسة الأشرفية تحت قلعة الجبل، وهدم من جوارها(1/103)
عدة أماكن للناس، منها بيت كبير لسنقر الجمالي، ونقل إليها عمودان عظيمان وجدا في بيت خوند الحجازية عمة السلطان برحبة العيد، وكان المشد عليها اينبك.
وفي آخر ربيع الأول عزل ابن الأزكشي من المشورة، وأعيد التاج الملكي إلى الوزارة، فقبض على ابن الغنام وأراد هدم داره جزاء بما عامله، فبادر ابن الغنام وصير داره مدرسة في ليلة واحدة، فاستمرت ولم يجسر الملكي على التعرض لها، ثم قبض عليه في ذي القعدة، واستقر شمس المقسي مشيراً بغير وزير واستقر أمين الدولة خبيص مستوفي الدولة.
وفيها استقر آقتمر الحنبلي في نيابة السلطنة بالقاهرة بعد منجك.
وفيها وقع الغلاء العظيم بدمشق فبلغت الغرارة خمسمائة بعد أن كانت في الرخص بخمسين، واستمرت الشدة حتى أكلوا الميتات، وعمل فيه ابن حبيب: استمر غول الغلاء كاشراً عن أنياب النوائب، ناشراً حبائل مصائد المصائب، وزاد إلى أن نقصت الأقوات، وتزايد فيه أمواج الأموات.
واستمر إلى آخر السنة فتناقص السعر(1/104)
ووقع الغلاء بالقاهرة في اللحم خاصة حتى بيع كل رطل بدرهم ونصف.
وكان الغلاء أيضاً في حلب حتى بيع المكوك بثلاثمائة، ثم زاد إلى أن بلغ الألف حتى أكلوا الميتة والقطاط والكلاب، وباع كثير من المقلين أولادهم، وافتقر خلق كثير، ويقال: إن بعضهم أكل بعضاً حتى أكل بعضهم ولده، ثم عقب بعد ذلك الوباء ففني خلق كثير حتى كان يدفن العشرة والعشرون في قبر بغير غسل ولا صلاة، ويقال: إنه دام بتلك البلاد الشامية ثلاث سنين، لكن أشده كان في الأولى.
وفيها استقر ولي الدين بن أبي البقاء في قضاء الشام والخطابة عوض أبيه، وكان أبو هـ قد سعى أن يكون مستقلاً بذلك في مرض موته فأجيب. ووافاه التوقيع بعد موت أبيه، فولي شمس الدين بن مزهر وكالة بيت المال عوضاً عنه، وذلك في جمادى الأولى.
وفيها وقع حريق كثير بدمشق.
وفيها استقر بدر الدين الأخنائي في قضاء المالكية في رجب.
وفيها وقع الضعف الشديد بالقاهرة بالباردة والنافض.
وفيها توجه إلى الحجاز في رجب جمع كثير، فمات منهم الكثير بالضعف.
وفيها تسلم السلطان سنجار وأحضر صاحبها إلى القاهرة، واستناب السلطان بها حيدر بن يونس المعروف بابن العسكري.(1/105)
وفيها وصلت هدايا صاحب اصطنبول من الروم، وفي جملة الهدية صندوق فيه شخوص لها حركات كلما مضت ساعة من الليل ضربت تلك الشخوص بأنواع الملاهي، وكلما مضت درجة سقطت بندقة.
وفي شعبان اتفقت كائنة عجيبة بدمشق. وهو أن بعض الشرفاء كان ببرزة فوقع بينه وبين خطيب الجامع مخاصمة، فتوجه الشريف إلى الحاجب واستدعى على الخطيب بأنه سبه وأخذ معه جندارية، فتوجه لإحضاره وأخذوا الخطيب وشددوا عليه وساروا به والشريف يستطيل عليه، فاتفق الخطيب، وكان في ذلك عبرة عظيمة.
وفيها ولي المجد إسماعيل الحنفي قضاء العسكر، وناصر الدين الطوسي توقيع الدست.
وفيها استقر بدر الدين بن مزهر في كتابة السر بدمشق عوضاً عن أحمد بن فضل الله بحكم وفاته.
وفيها انتقل سري الدين بن المسلاتي عن مذهب مالك واستقر شافعياً، وناب في الحكم عن ابن جماعة، واستمر على ذلك.
وفي آخر هذه السنة نهب الحاج المصري في رجوعهم، وفي ذلك يقول شهاب الدين بن العطار:
لقد نهب الحجاج في عام سبعة ... وسبعين جهراً بعد ذبح تمكنا.
وصار أمير الركب بورى هارباً ... ولولا قليل كان بورى مكفنا.
وجرى للحاج الشامي أشد مما جرى للمصري فإنهم جاءهم سيل بخليص تلف منهم(1/106)
بسببه شيء كثير، وفي الرجعة هبت عليهم ريح عاصف، ثم اشتد عليهم الغلاء في الطريق حتى بيعت الغرارة الشعير بمائة درهم.
وفيها استولى الأمير صرماً التركماني على الموصل وكان صاحبها بيرم حجا قد وقع بينه وبين التركماني ببروان فكسروه، فلما بلغه استيلائ بيرما على الموصل استنجد بالصالح صاحب الحصن والمظفر صاحب ماردين فأنجداه بعسكرين فحاصر الموصل، وانسلخت السنة وهم على ذلك.
وفيها عثر على رجلين رافقا تاجراً فأطعماه شيئاً فرقد وأخذا ما معه، فعرفا.
وفيها كانت بين أبي زيان بزاي وتحتانية مثقلة، وهو محمد بن السعيد عثمان بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن، وبين أبي حمو بفتح المهملة وتشديد الميم، وهو موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن بتلمسان حروب شديدة قتل فيها عبد الله بن صغير أمير كبير دولة أبي حمو، وكانا يتنازعان المملكة، وأول ما ملكها أبو حمو سنة ستين وسبعمائة.
وفيها استقر تمراز في نيابة القدس، وهو أول من ولي نيابتها، وكانت قبل ذلك يكون فيها وال من جهة والي الولاية دمشق.
وفيها وقف ناصر الدين بن براق داره مدرسة بدمشق، وتقرر فيها شمس الدين الحبتي إماماً.
وفيها غلا البيض بدمشق فبيعت الحبة الواحدة بثلاثة دراهم يكون من حساب ستين بدينار(1/107)
اللهم ارخص أسعار المسلمين.
ذكر من مات
في سنة سبع وسبعين وسبعمائة من الاعيان.
إبراهيم بن حمزة السبكي، سمع من أصحاب النجيب، وطلب بنفسه، ودرس بالجاولية، يأتي ذكره مع أبيه، مات بمكة.
إبراهيم بن بهاء الدين عبد الله الحلي، برهان الدين، كان شكلاً حسناً عاقلاً فاضلاً، ولي نظر الجيش بدمشق والمارستان وبيت المال بالقاهرة.
إبراهيم بن محمد بن أبي بكر الأخنائي، برهان الدين بن علم الدين، كان شافعي المذهب كأبيه وحفظ التنبيه ثم تحول مالكياً كعمه، وقد أسمع على الحجار وغيره، وولي الحسبة ونظر الخزانة، وناب في الحكم، ثم ولي القضاء استقلالاً سنة ثلاث وثلاثين واستمر إلى أن مات، وكان مهيباً صارماً قوالاً بالحق قائماً بنصر الشرع رادعاً للمفسدين، وقد صنف مختصراً في الأحكام، مات في رجب.
أحمد بن ازدمر الجمالي، أحد أمراء طرابلس، كان ذا كرم ومروءة، وهو ابن أخي العلائ، أسمعه عم أبيه صلاح الدين العلائي على فاطمة بنت العز مشيخة أبي مسهر، ومات في ذي القعدة.
أحمد بن سنقر، كان أحد الفضلاء، وله نظم، مات في صفر.
أحمد بن عبد الله المرسي يأتي في مسعود.(1/108)
أحمد بن عبد القادر بن عمر بن أبي القاسم السلاوي، سمع عمه الشيخ محمد بن عمرو البرزالي وغيرهما، وكان شكلاً حسناً، مات في شوال.
أحمد بن عبد الكريم بن أبي بكر بن أبي الحسن البعلبكي الحنبلي الصوفي المسند، سمع صحيح مسلم من زينب كندى، وسمع من اليونيني والتاج عبد الخالق، وأجاز له أبو الفضل بن عساكر وابن القواس، وحدث بالكثير، وارتحلوا إليه، واستدعاه القاضي تاج الدين السبكي سنة إحدى وسبعين وسبعمائة إلى دمشق فقرؤوا عليه الصحيح، قال ابن حجى: كان حسناً خيراً، خرجت له جزأ، ومات في رجب وقد جاوز الثمانين.
أحمد بن علي بن محمد بن يسير البالسي، التاجر الكارمي، شهاب الدين، أحد التجار المصريين، وكان جده من كبارهم، ونشأ هذا في رئاسة لكنه لم يكن بذلك الحازم، ومات في ذي الحجة كهلاً، وخلف ولده مرضعاً وهو أبو القاسم على الذي سيأتي ذكره في سنة تسع وتسعين.
أحمد بن علي بن يحيى بن فضل الله، شهاب الدين بن علاء الدين العدوي المصري ثم الدمشقي، ولد بعد سنة أربعين، ونشأ في حجر السعادة إلى أن ولي كتابة السر بدمشق، فمات بها في شهر المحرم، فكانت مدة مباشرته دون السنة.
أحمد بن لؤلؤ الحاكمي الشاعر، مات في ربيع الأول.
أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر بن إلياس بن الخضر بن علي، جمال الدين بن عز الدين الرهاوي الدمشقي، تفقه على ابن الفركاح، وأخذ عن الأصبهاني وابن نصحان،(1/109)
وسمع من ابن الشحنة، وعني بالعلم حتى فضل، ودرس وأفتى، وناب في الحكم، وتعانى المباشرات والحساب، وكان سريع الإدراك حسن المناظرة، قال ابن حجى: كان الشيخ تقي الدين السبكي يثنى على فهمه وكتب هو من تصانيف السبكي شيئاً كثيراً قراها عليه وقد سمع من الحجار وغيره، ولما ولي البلقيني وازره وتصدى لمخاصمة تاج الدين السبكي فأدى ذلك إلى انحراف كثير من الناس عنه وتحاملوا عليه وكبسوا بيته وأخرجوا منه خمراً قيل إنه كان لبعض غلمانه: فآل أمره إلى الخمول حتى مات في ربيع الأول عن سبع وسبعين سنة.
أحمد بن محمد بن محمد الشبشيري ثم البعلي، كان تعانى الحديث بالعراق، وسمع منه الشيخ نصر الله بن أحمد الحنبلي وأجاز لولده القاضي محب الدين مات في المحرم.
أحمد بن محمد بن أبي المجد بن أبي الوفاء بن المرجاني الهمداني سمع الصحيح من الحجار، وكانت بينه وبين القيراطي مكاتبات أدبية، مات مقتولاً في جمادى الأولى عن ثلاث وستين.
أحمد بن أبي محمد، شهاب الدين بن الشامية.
لأحمد بن يوسف بن فرج الله بن عبد الرحيم، شهاب الدين الشار مساحي، تفقه على الشيخ جمال الدين الأسنوي وغيره برع في الفقه والأصول وولي قضاء المحلة ومنفلوط وغيرهما، وكان موصوفاً بالفضل والعقل.
أحمد المرجاني، كان أحد اللطفاء مقصوداً من الأكابر بالعشرة لظرفه وكان حسن(1/110)
الحظ،
كتب الصحاح بخطه ثم اغتيل في داره في جمادى الأولى ووضع في صندوق وأخذ ماله فاتهم به جماعة ممن يعاشره فاحتيط بهم منهم جمال الدين بن خطيب داريا، ثم ظهر قاتلوه في رمضان وبرئ المتهم.
ارغون المحمدي الأنوكي، والي قلعة الجبل، وكان قد ولي خزندار السلطان.
إسرائيل دوادار بيدمر النائب بدمشق، مات في جمادى الأولى، وكان مشكور السيرة.
اسنبغا بن بكتمر الأمير سيف الدين البوبكري، ولي نيابة حلب، وبنى بالقاهرة مدرسة معروفة واستقر في أيام السلطان أمير آخور ثم حاجب الحجاب، ومات وهو أمير الميسرة في المحرم ويقال إنه أقام مدة لم يشرب ماء، وكان يذكر أن له خمساً وأربعين سنة ما جامع شيئاً ولد سنة ثلاث عشرة.
بهادر، نائب بعلبك، مات في ربيع الأول.
جركتمر بن عبد الله المنجكي أحد أكابر الأمراء بالقاهرة، ثم تنقلت به الأحوال كان منجك تبناه، ثم صار من اكابر الأمراء في أيام اسندمر، ثم ولي نيابة قلعة الروم، ثم نيابة الإسكندرية، ومات في رجب.
حسن بن الرفاعي، شيخ الطائفة الرفاعية بدمشق، مات في جمادى الآخرة.
حسن بن الحناني، شاهد القيمة، كان عارفاً بالحساب في المساحة فرداً في ذلك، مات بدمشق في صفر.(1/111)
الحسين بن عمر بن الحسن بن عمر بن حبيب الحلبي، شرف الدين، رحل وجمع وأفاد وخرج الفهرست والمشيخة، ومن مشايخه أبو طالب العجمي ووالده وسنقر الزيني وغيرهم. وذكره الذهبي في المعجم المختص فقال: شاب متيقظ، سمع وخرج وكتب عني الكاشف، اعتنى به أبوه بحلب، وسمع بنفسه من بنت صصرى وابن أبي التائب، وكان مولده في جمادى الآخرة سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، وأخذ عن والده وعبد الرحمن وإبراهيم ابني صالح وغيرهم.
قلت: وأخذ عنه ابن عشائر ووصفه بالفضل وحسن المحاضرة، وكان يوقع على الحكام، مات بحلب في ذي الحجة.
حسين الهيتي المقيم بمسجد إسحاق، كان صالحاً معمراً، يقال: جاوز التسعين، وكان قال لهم في مرض موته: إن وجدتم معي أزيد من عشرة دراهم فلا تصلوا علي، فلم يجدوا معه سوى عشرة، وبيعت ثيابه بعشرين درهماً فقسم ورثته ميراثه ثلاثين درهماً عشرة عشرة، وكانوا ثلاثة أخوة.
حمزة بن علي بن محمد بن أبي بكر بن عمر بن عبد الله، أبو يعلى السبكي المالكي، سمع من الدبوسي والواني والطبقة، وطلب وكتب ودرس وناب في الحكم، ووقع في الدست وفي الأحباس، وله إلمام بالحديث، وكان يدعى أنه شريف فأخبرني الشيخ زين الدين العراقي أن الشيخ تقي الدين السبكي أنكر ذلك عليه، مات راجعاً من الحج ودفن برابغ عن نحو من ثمانين سنة لأن مولده سنة ثمان وتسعين وستمائة، وكان ابنه إبراهيم صحبته فمات بمكة وكان لطيف الذات حسن المعاشرة فحزن أبوه عليه، وتضعف واستمر إلى أن مات.(1/112)
حمزة، شاد الدواوين بدمشق، مات تحت العقوبة في جمادى الآخرة.
خليل بن أرغون الكاملي، ولد النائب، مات في رجب.
ذو النون بن أحمد بن يوسف السرماري، نزيل عينتاب، يعرف بالفقيه، أخذ عن مشايخ أذربيجان وديار بكر وغيرهم، وقدم عينتاب في حدود الستين فأقام بها يشتغل الطلبة، وشرح مقدمة أبي الليث وقصيدة البستي، وتصدر بجامع النجار بجوار ميدان عينتاب، وكان قائماً بالأمر بالمعروف شديداً في ذلك إلى أن مات في رمضان، نقلت ترجمته من تاريخ العيني.
زاده الشيخ، يأتي في الميم.
سنقر الجمالي مولى ابن الشريشي، له رواية، مات في ذي الحجة بدمشق.
صالح بن أحمد بن عبد الله، علم الدين الأسنوي، اشتغل قليلاً، ووقع في الحكم وناب في الحكم وتقدم عند السلطان إلى أن صار نافذ الكلمة عند كل أحد، وحصل له من الوظائف ما لا مزيد عليه حتى يقال: إن معاليمه في الشهر كانت خمسمائة دينار، فكان مع ذلك في غاية الجهل حتى قيل فيه:
معيد لو كتبت له حرفاً ... وقلت أعد على تلك الحروف.
لقصر في إعادته عليها ... فكيف يعيد في العلم الشريف.
طيبغا الشيخوني، كان أحد أمراء الطبلخانات.
عبد الله بن علي بن عبد الملك بن عبد الله بن أبي حامد بن العجمي ولد سنة ثمان وتسعين وستمائة، وسمع من أبي طالب بن العجمي وغيره وحدث، عاش ثمانين سنة.(1/113)
عبد الله بن محمد بن أبي بكر عبد الله بن خليل بن إبراهيم بن يحيى بن أبي عبد الله بن فارس ابن أبي عبد الله بن يحيى بن إبراهيم بن سعد بن طلحة بن موسى بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان بن عفان العسقلاني ثم المكي، بهاء الدين بن رضي الدين، نزيل الجامع الحاكمي بالقاهرة، ولد في آخر سنة أربع وتسعين وستمائة وطلب العلم صغيراً بمكة فسمع من الصفي والرضي الطبريين والتوزري وغيرهم، وارتحل إلى دمشق فأخذ عن القاضي سليمان وأبي بكر الدشتي وعيسى المطعم وغيرهم بدمشق، وسمع على بيبرس العديمي وعلى علي بن القيم وطبقته بمصر، وتفقه على علاء الدين القونوي وتاج الدين التبريزي وشمس الدين الأصبهاني، وأخذ عن أبي حيان وغيرهم ثم دخل دمشق وأخذ عن ابن الفركاح وغيره، ثم رجع إلى مصر فاستوطنها، وكان قد حفظ المحرر، ومهر في الفقه والعربية واللغة والحديث، وقد بالغ الذهبي في الثناء عليه في كتابه بيان زغل العلم، وفي غيره قال: وكان شيئاً عجيباً في الزهد والانجماع وقول الحق، وقال في المعجم الكبير: المحدث القدوة، وقال: هو لون عجيب في الورع والدين والانقباض وحسن السمت، وهو جيد الفقه قوي المذاكرة كثير العلم، وقال في المعجم المختص: هو الإمام القدوة الرباني، قرأ بالروايات، واتقن الحديث وعني به ورحل فيه، متين الديانة ثخين الورع، كبير القدر مؤثراً للانقطاع، ثم قرأ المنطق وحصل جامكية، ثم ترك ذلك وانقطع مرابطاً بزاوية ظاهر الإسكندرية. وقال الشيخ شهاب الدين بن النقيب: بمكة رجلان صالحان: احدهما يؤثر الخمول وهو ابن خليل، والآخر يؤثر الظهور وهو اليافعي، وكان ابن خليل ربما عرضت له جذبة فيقول فيها أشياء. وكان قد ولي مشيخة الخانقاه الكريمية بالقرافة ثم(1/114)
تركه واشتغل بالعبادة وانقطع في خلوة بسطح جامع الحاكم، وقد تصدى للإسماع في أواخر زامنه، ومع ذلك فلم يحدث بجميع مسموعاته لكثرتها، وكان يرد على كبار المحدثين حال قراءتهم عليه ما يقضون العجب من استحضاره مع طول بعد العهد، وقد اشتهر عند المصريين ب الشيخ عبد الله اليمني، وكان ينكر على من ينسبه لذلك، وعند المحدثين بن ابن خليل، وقد ذكر بعض أصحابه أنه أعطاه دراهم، قال: فاشتريت بها ورقا فما كتبت في شيء منه في حاجة إلا قضيت، وكان يحب سماع غناء العرب الذي كان يقال له قديماً النصب، وأضر بأخرة. قرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري وأجازنيه: كان محدثاً فاضلاً فقيهاً نظاراً بحاثاً ذا قدم راسخ في العلم، تهرع إليه الملوك فمن دونهم، وعنده نفرة من الناس، ودفن بتربة تاج الدين بن عطاء بالقرافة، وأرخه سنة خمس وسبعين غلطاً، فإنه مات في جمادى الأولى من هذه السنة، وشهد جنازته من لا يحصون كثرة رحمه الله تعالى ونفع ببركته.
عبد الرحمن بن سعادة بن إبراهيم الحسباني، يعرف بعبيد، كان أحد الفقهاء بالشام، تفقه بالقدس على تقي الدين إسماعيل القلقشندي، وصار يستحضر كثيراً، ومات في رمضان.
عبد العزيز بن عبد الله، الواعظ الرومي القيسري، قدم دمشق وولي مشيخة الشميساطية فلم يتمكن من مباشرتها لضعفه، ومات في رجب، وكان ماهراً في العربية.
عجلان بن رميثة بن أبي سعد بن علي بن قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن سليمان بن عبد الله بن موسى بن الحسن بن علي الحسني، عز الدين، أمير مكة، وليها شريكاً لأخيه ثقبة سنة أربع وأربعين عوضاً عن أبيها، ثم استولى عجلان على حلى سنة ثلاث وستين، وكان ذا عقل وسياسة، واقتنى من العقار والعبيد شيئاً كثيراً، وكان يحترم أهل السنة مع اعتقاده في الزيدية، وفي أيامه عوض عن المكس الذي كان يأخذه من المأكولات بمكة بألف إردب قمح يحمل إليه من مصر.(1/115)
علي بن إبراهيم بن محمد بن الهمام بن محمد بن إبراهيم بن حسان الأنصاري الدمشقي، علاء الدين بن الشاطر، ويعرف أيضاً بالمطعم الفلكي، كان أوحد زمانه في ذلك، وكان أبوه مات وله ست سنين فكلفه جده وأسلمه لزوج خالته وابن عم أبيه علي بن إبراهيم بن الشاطر فعلمه تطعيم العاج، وتعلم علم الهيئة والحساب والهندسة، ورحل بسبب ذلك لمصر والإسكندرية سنة تسع عشرة، وكان لا يتكثر بفضائله ولا يتصدى للتعليم ولا يفخر بعلومه، وله ثروة ومباشرات ودار من أحسن الدور وضعاً وأغربها، وله الزيج المشهور والأوضاع الغريبة المشهورة وله أوضاع غريبة مشهورة التي منها البسيط الموضوع ف منارة العروس بجامع دمشق.
علي بن غريب البرجمي، أحد المشايخ المعتقدين، وكان بزي الجند، وكان كثير التعصب لابن تيمية وأتباعه، مات في ربيع الآخر.
علي بن محمد بن عقيل البالسي، نو رالدين ابن الشيخ نجم الدين، كان فاضلاً عارفاً بالفقه كثير العبادة والتأله ساذجاً من أمور الدنيا، درس بالطيبرسية وغيرها، ولما نشأ ابنه الشيخ نجم الدين وتقدم في خدم الأمراء كان لا يأكل من بيت ابنه شيئاً تورعاً، مات في ربيع الآخر.
علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن حجر العسقلاني ثم المصري الكناني، ولد في حدود العشرين وسبعمائة، وسمع من أبي الفتح بن سيد الناس وغيره، واشتغل بالفقه والعربية، ومهر في الآداب، وقال الشعر فأجاد، ووقع في الحكم، وناب قليلاً عن ابن عقيل ثم ترك لجفاءنا له من ابن جماعة لما عاد بعد صرف ابن عقيل من أجل تحققه بصحبة ابن عقيل وأقبل على شأنه، وأكثر الحج والمجاورة، وله عدة دواوين، منها ديوان الحرم مدائح نبوية ومكية في مجلدة، وكان موصوفاً بالعقل والمعرفة والديانة والأمانة ومكارم الأخلاق ومحبة الصالحين والمبالغة في تعظيمهم، ومن محفوظاته الحاوي، وله استدراك على الأذكار للنووي فيه مباحث حسنة، وكان ابن عقيل يحبه ويعظمه، ورأيت خطه له بالثناء البالغ، ولما قدم الشيخ جمال الدين بن نباتة أخيراً أنزله عنده ببيت من أملاكه في جواره وطارحه ومدحه(1/116)
بما هو مشهور في ديوانه، ثم انحرف عليه وانتقل إلى القاهرة كعادته مع أصحابه في سرعة تقلبه عفا الله تعالى عنه. وهو القائل ومن خطه نقلته:
يا رب أعضاء السجود عتقتها ... من عبدك الجاني وأنت الواقي.
والعتق يسري بالغنى يا ذا الغنى ... فامنن على الفاني بعتق الباقي.
قرأت بخط ابن القطان وأجازنيه: كان يحفظ الحاوي الصغير وينظم الشعر وكان مجازاً بالفتوى وبالقراءات السبع، حافظاً لكتاب الله تعالى معتقداً في الصالحين وأهل الخير جعله الله تعالى منهم، وكان أوصى أن يكفن في ثياب الشيخ يحيى الصنافيري، قال: ففعلنا به ذلك، مات يوم الأربعاء ثالث عشرين شهر رجب.
قلت: وتركني لم أكمل أربع سنين وأنا الآن أعقله كالذي يتخيل الشيء ولا يتحققه وأحفظ منه أنه قال: كنية ولدي أحمد أبو الفضل رحمة الله تعالى.
عمر بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الحسن الحلبي، كمال الدين بن العجمي الشافعي، ولد سنة أربع وسبعمائة، وسمع من أحمد بن إدريس ابن مزيز وأبي بكر بن العجمي والحجاز والمزي وغيرهم، وعني بهذا الشأن، وكتب الأجزاء والطباق، ورحل إلى مصر والإسكندرية، وسمع بدمشق من أعيان محدثيها الحجار ومن كان هناك وبمصر وغيرها، ودرس وأفتى، وانتهت إليه رئاسة الفتوى بحلب مع الشهاب الأذرعيأ مات في ربيع الأول. ومن مسموعاته من ابن مزيز جزء البيتوتة ومن أبي بكر بن العجمي جزء بكر بن بكار. ذكره الذهبي في المعجم المختص وقال: قدم علينا طالب حديث وله فهم ومشاركة وفضائل انتهى. وأثنى عليه ابن حبيب(1/117)
رحمه الله تعالى.
عمر بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد المؤمن الحلبي بن أمين الدولة، اشتغل بالحديث والأدب، ووقع في الإنشاء ببلده، ثم ترك وأقبل على العبادة، عاش سبعاً وستين سنة.
عمر بن أحمد بن عمر بن مسلم بن عمر بن أبي بكر العوفي الصالحي، زين الدين المؤذن الكتاني الحجار ولد سنة تسعين وستمائة، وسمع من ابن مشرف والتقى سليمان وأبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم ومحمد بن سعد وغيرهم وحدث، مات في المحرم.
غازي بن قطلوبغا التركي، شرف الدين المكتب، جود الخط على شمس الدين بن أبي رقيبة، محتسب مصر، ثم نبغ في زمانه وخالفه في طريقته واخترع طريقة مولدة من طريقة ابن العفيف وابن خطيب بعلبك ومهر فيها، وكتب الناس احتساباً بالمدرسة الظاهرية البيبرس بين القصرين إلى أن مات في شهر رجب، وعاش شيخه بعده سنتين.
قرمان، كاشف الوجه البحري، كان أمير طبلخاناة بمصر.
كلثم بنت محمد بن محمود بن معبد البعلية، روت عن الحجار، وعنها ابن بردس وغيره، ماتت في صفر.
محمد بن أحمد بن أبي بكر بن عرام بن إبراهيم بن ياسين بن أبي القاسم بن محمد بن إسماعيل بن علي الربعي الإسكندراني، سمع من الرشيد بن المعلم والشريف موسى بن أبي طالب والحسن بن عمر الكردي وتاج الدين بن دقيق العيد وعبد الرحمن بن مخلوف وخلق كثير، وعني بهذا الفن وكتب العالي والنازل، وخرج لبعض مشايخه، وكان كثير التخيل من الناس. وذكر لي الشيخ زين الدين العراقي عنه أنه كان يقول ما معناه: إذا سمعت الحديث من شيخ وأجازنيه شيخ آخر سمعه من شيخ والأول عنه بالإجازة فشيخ السماع يروي عن شيخه بالإجازة وشيخ الإجازة يرويه عن ذلك الشيخ بعينه بالسماع كان ذلك في حكم السماع على السماع. وخرج له الكمال الأدفوي مشيخة وحدث بها ومات قبله.(1/118)
محمد بن أحمد بن صفي بن قاسم بن عبد الرحمن، أبو عبد الله الغزولي المصري، ولد سنة سبع أو ثمان وتسعين وستمائة، سمع من علي بن القيم وحسن سبط زيادة وأحمد بن العماد أبي بكر المقدسي وزينب الإسعردية وحدث، وكان حسن الحظ، مات في أوائل السنة، وكان يؤم بالبيبرسية بالقاهرة، وله أخ اسمه محمد أصغر منه بثمان سنين، سمع من الحجار، قرأ عليه بعض الطلبة القطعة المسموعة من مستخرج الإسماعيلي بسماعه من علي بن عيسى بن القيم، والسماع إنما هو لأخيه المذكور ولكن كاتب الطبقة ما قال فيها الكبير ولا الصغير فلعلها لما قرئت لم يكن الثاني ولد رحمه الله تعالى.
محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن سليمان، شمس الدين بن خطيب يبرود، ولد في سنة سبعمائة أو في التي بعدها، واشتغل بالعلم وعني بالفقه والأصول والعربية. ودرس وأفتى، أخذ عن البرهان بن الفركاح وابن الزملكاني وابن قاضي شهبة والشمس الأصبهاني والنجم القجقاري وابن جهبل، وولي التدريس بأماكن كبار كالشامية الكبرى بدمشق ومدرسة الشافعية بالقرافة لأنه دخل القاهرة سنة مات ابن اللبان، فولى تدريس الشافعية بعده ثم نزل عنه لبهاء الدين أبي حامد بن السبكي وتعوض منه الشامية البرانية، وكان استقر فيها بعد موت أخيه حسين بن السبكي. قال ابن حجى: كان من أحسن الناس إلقاء للدروس، ينقب ويحرر ويحقق، وكان الغالب عليه الأصول، مناظراً بحاثاً، وكانت له تنديرات على طريقة شيخه القحفازي. وقال العثماني: كان يضرب بتواضعه المثل، وكان من أئمة المسلمين في كل فن، مجمع على(1/119)
جلالته، وكان مسدداً في فتاويه. وولي قضاء المدينة، وحدث بالإجازة عن التقى سليمان وعن الحجاز وغيرهما، وكان يذكر أنه سمع الصحيح من الحجار، وحدث عن ابن جهبل بمسند الشافعي، وناب عن الجلال القزويني في المنصب، مات في شوال.
محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن، شمس الدين، أبو المعالي ابن الشيخ شهاب الدين العسجدي، سمع على عبد القادر بن الملوك وغيره بعناية أبيه وحدث، مات في رجب.
محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح البعلي، كان مولهاً، مات في شعبان رحمة الله تعالى.
محمد بن أحمد القرشي، ناصر الدين، الموقع، تنقلت به الأحوال إلى أن ولي توقيع الدست ثم نظر الخزانة والأحباس، وكان أحد وجوه القاهريين، مات في شعبان رحمة الله تعالى.
محمد بن أبي بكر بن ناصر القرشي العبدري الشيبي الحجي، جمال الدين، خازن الكعبة، كان ذا حشمة ومروءة، ولي الحجابة نحو الثلاثين سنة من سنة تسع وأربعين إلى أن مات إلا أنه صرف عنها لغيبته بمصر في سنة سبع وخمسن ثم أعيد.
محمد بن سلام الإسكندراني، التاجر المشهور، سكن القاهرة ورأس بها، وهو والد صاحبنا ناصر الدين، مات في رجب.
محمد بن شرف بن عادي بن عبد الله، الشيخ شمس الدين الكلائي الفرضي، كان فاضلاً متقشفاً على طريقة السلف، اشتغل الناس عليه في الفرائض والحساب واشتهر بمعرفتها وصنف فيها التصانيف الفائقة، وكان يقرئ العربية أيضاً. ويقال: إن الناصر أراد أن يعمل في مدرسته درس فرائض فقال له بعض الأكابر ويقال هو البهاء السبكي: هو باب من أبواب الفقه، فأعرض عن ذلك فاتفق وقوع قضية مشكلة في الفرائض(1/120)
سئل عنها السبكي فلم يجب فيها فأرسلوا إلى الكلائي فقال: إذا كان الفرائض باباً من أبواب الفقه فما له لا يجيب؟ فشق هذا الجواب على بهاء الدين وندم على ما قال. وقد قرره أبو غالب القبطي في مدرسته التي على الخليج، ثم مات بالمدرسة القطبية في شهر رجب.
محمد بن عبد الله بن علي بن محمد بن عبد السلام الكازروني ثم المكي، جمال الدين، ولد في سنة ثمان وسبعمائة، وقدم مكة فاستقر مؤذن المسجد الحرام، وسمع من الرضي الطبري، وكان عارفاً بالميقات ونظم فيه، مات في شوال رحمه الله تعالى.
محمد بن عبد البر بن يحيى بن علي بن تمام، بهاء الدين، أبو البقاء السبكي، ولد سنة ثمان وسبعمائة وفي معجم ابن رافع: سنة سبع وسبعمائة، وتفقه على القطب السنباطي والمجد الزنكلوني وعلاء الدين القونوي والزين الكتناني، وأخذ عن أبي حيان ولازمه والجلال القزويني، وسمع من وزيرة والحجار والواني والخنتي وغيرهم وحدث عنهم، وانتقل إلى دمشق سنة تسع وثلاثين، ولي قريبه تقي الدين القضاء وناب عنه في الحكم بدمشق ثم ولي استقلالاً بعد صرف ابنه تاج الدين السبكي مدة شهر واحد وذلك سنة تسع وخمسين، ثم ولي قضاء طرابلس، ثم رجع إلى القاهرة وولي قضاء العسكر ووكالة بيت المال في سنة خمس وستين، ثم ولي قضاءها في سنة ست وستين بعد عز الدين بن جماعة بعد أن كان ينوب عنه وذلك في جمادى الآخرة، ثم ولي قضاء دمشق، ومات بها في ربيع الآخر.(1/121)
وكان الشيخ جمال الدين الأسنوي يقدمه ويفضله على أهل عصره، وكان الشيخ عماد الدين الحسباني يشهد أنه يحفظ الروضة، وكان الشيخ بدر الدين الطبندي يحكي عنه أنه كان يقول: أعرف عشرين علماً لم يسألني عنها بالقاهرة أحد، ومع سعة علمه لم يصنف شيئاً. قال ابن حبيب: شيخ الإسلام وبهاؤه، ومصباح أفق الحق وضياؤه، وشمس الشريعة وبدرها، وحبر العلوم وبحرها، كان إماماً في المذهب، طرازاً لردائه المذهب، رأساً لذوي الرئاسة والرتب، حجة في التفسير واللغة والنحو والأدب، قدوة في الأصول والفروع، رحلة لأرباب السجود والركوع، مشهوراً في البلاد والأمصار، سالكاً طريق من سلف من سلفه الأنصار، درس وأفاد، وهدى بفتاويه إلى سبيل الرشاد، وباشر القضاء بمصر والشام.
قلت: وكان له شعر وسط، أنشدني الإمام أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد البر إجازة قال أنشدنا أبي لنفسه:
قبلته ولثمت باسم ثغره ... مع خده وضممت مائس قده.
ثم انتبهت ومقلتي تبكي دماً ... يا رب لا تجعله آخر عهده.
وذكره الذهبي في المعجم المختص وقال: إمام متبحر مناظر بصير بالعلم، يحكم العربية مع الدين والتصون انتهى. وخرج له أبو الحسين بن أبيك جزءاً من حديثه حدث به ومات قبله بدهر، وكتب عنه ابن رافع في معجمه من نظمه. وقرأت بخط بن القطان وأجازنيه: كان إماماً في العلوم عارفاً بالجدل يؤدي دروسه بتؤدة ولطافة وللفقه من فيه حلاوة وطلاوة، وهو أنظر من رأينا غير أنه كان إذا ظهر المنقول بخلافه أو اتجه عليه البحث تظهر الكراهية في وجهه، وكان يغض من كثير من العلماء لا سيما أهل العصر، قال: وذكر لي الشيخ بهاء الدين بن عقيل أنه كان معيداً عنده في درس القلعة قبل أن يتوجه إلى الشام، وكانت ولايته طرابلس بسعي تاج الدين عند السلطان حسن في إخراجه من الشام، ثم سعى في أيام يلبغا فأذن له في دخول(1/122)
القاهرة، قال: وكان بخيلاً بالوظائف على مستحقيها كثير التخصيص بها لأولاده ومن يختص به، وكان يجيز من يعرض عليه كتاباً في الفقه، ولما عزل من قضاء القاهرة وسعى في قضاء الشام بعد أن كان السلطان الأشرف أمر بإخراجه فاستقر بها، ثم في هذه السنة سعى أشد السعي حتى استقر ولده ولي الدين في قضاء الشام في حياته، وعاش بعد ذلك قليلاً ومات. قلت: وقال ابن حجى: كان إماماً نظاراً جامعاً لعلوم شتى، وقد كتب قطعة من مختصر المطلب، وقطعة من شرح الحاوي، وقطعة من شرح المختصر، وكانت ولايته القضاء أخيراً بالشام سنتين، وأضيفت إليه الخطابة قبل موته بشهر واحد ثم مرض مائة يوم ومات في ربيع الأول.
محمد بن عبد القادر بن الحافظ أبي الحسين علي بن محمد بن عبد الله اليونيني ثم الدمشقي الحنبلي، ولد سنة أربع عشرة، وسمع من أبيه وعمه القطب موسى وغيرهما، واشتغل بالفقه وبرع في الفتيا، وأم بمسجد الحنابلة، وأنشأ بالقرب منه مدرسة للجنابلة ودرس بها، ووقف عليها أوقافاً، وكان لين الجانب وجيهاً متعبداً، وانقطع بأخرة، وكان لا يخرج إلا لشهود الجماعة، وحدث، مات في ذي القعدة عن ثلاث وستين سنة، وهو والد المعين القاضي.
محمد بن عبد الملك، المؤذن الواعظ، المعروف بابن الخطيب، كان له صيت كبير في فنه، مات في رجب.
محمد بن عبيد النابلسي، شمس الدين، قاضي حمص، وكان منشأوه بدمشق، واشتغل ودرس ببعض مدارسها، فلما تولى قضاء حمص نيابة عن القاضي تاج الدين السبكي أخذت وظائفه، ثم جمع مالاً فأخذه مملوك له وهرب، وكان كثير التقتير فعاد يشهد بحلب وبحمص ثم فقد في هذه السنة، ويقال: مات في شهر رمضان.(1/123)
محمد بن علي بن أبي سالم الحلبي، بدر الدين، الموقع، ولد سنة تسع عشرة، وسمع على العز إبراهيم بن صالح وحدث، وكان موقع الدست والدرج، مات في شهر رمضان.
محمد بن عمر بن الحسن بن حبيب، كمال الدين، ولد سنة اثنتين وسبعمائة وكتب بخطه سنة ثلاث، وأحضر على سنقر الزيني، وسمع من بيبرس العديمي وجماعة، وخرج له أخوة الحسين مشيخة، وحدث بالكثير ببلده وبمكة، وكان خيراً، مات في جمادى الآخرة بالقاهرة.
وكان رحل بولده يسمعه فأسمعه بدمشق من ابن أميلة وغيره ثم توجه إلى مصر فأدركه أجاه بها، وكان عنده عن سنقر عدة كتب منها السنن لابن الصباح. أنا الموفق عبد اللطيف بسنده سمعه منه محدث حلب في عصرنا الحافظ برهان الدين سبط ابن العجمي.
محمد بن قيران الحسامي، كان أمير طبلخاناة بمصر.
محمد بن محمد بن عبد الله بن علي بن صورة المصري، صلاح الدين بن قطب الدين، تفقه بالتاج التبريزي والشمس الأصبهاني وبهاء الدين بن عقيل، وناب عنه في الحكم بجامع الصالح، سمع الحديث من عبد الله بن هلال والمزي وغيرهما، وكان من أعيان الشافعية.
محمد بن محمد بن عبد الوهاب الحسني، الشريف عماد الدين، مات بمكة في سلخ رمضان.
محمد بن محمد بن علي بن إبراهيم القيصري الأصل الدمشقي، علاء الدين بن شمس الدين، كان أبوه شيخ الخاتونية وهو شيخ الربوة، ويشهد تحت الساعات، سمع قطعة من مسلم على السلاوي وغيره، ومات في أواخر ربيع الآخر.
محمد بن محمد بن محمد الإسكندراني المالكي، كمال الدين ابن التنيسي، ولد سنة ثمان وثلاثين، وسمع من ابن الصفي والوادي آشى وغيرهما، وولي قضاء بلده.
محمد بن محمد بن محمود بن سلمان بن فهد الحلبي ثم المصري، تقي الدين بن(1/124)
شمس الدين بن الشهاب محمود، موقع الدست بالقاهرة. وقد تقدم ذكر أخيه بدر الدين في سنة أربع وسبعين.
محمد بن أبي محمد الحنبلي، أخو عبد الجليل، قدم القاهرة ودرس بمدرسة السلطان حسن واشتهر بالفضل، ثم أضر بأخرة، ومات في شعبان.
مسعود بن عبد الله المريسي الأسود قيل اسمه أحمد، وكان مجذوباً وللناس فيه اعتقاد زائد، وكان يأكل في رمضان ويبدو منه أمور يتكلم بها فيقع كل ما يقول ويكاشف كثيراً، قرات بخط ابن دقماق أنه كان يغيب أحياناً ويحضر أحياناً، قال: واتفقت لي معه ماجريات ولم ازل في بركته كذا قال.
منجك الناصري، أحد أكابر الأمراء تقدم ذكره في الحوادث، وأول ما ولي إمرة حلب عقب طاز سنة تسع وخمسين، ثم تنقل في الولايات وولي الوزارة وغيرها وله أوقاف كثيرة على وجوه البر وجاوز الستين.
المؤيد بن حمويه، أبو المفاخر علاء الدين الجويني، المعروف بالشيخ زاده شيخ الشميساطية، قال ابن حجى: كان شيخاً حسناً سليم الصدر وكانت المشيخة بيد أسلافه دهراً طويلاً، فخرجت عنهم في سنة إحدى وسبعمائة للبدر بن جماعة ثم تداولها القضاة وكتاب السر إلى سنة إحدى وسبعين فانتزعها هذا إلى أن مات في جمادى الآخرة.
ياقوت مقدم المماليك الأشرفية، كان يلقب افتخار الدين.
يوسف بن فرج بن عبد الرحيم، جمال الدين الشارمساحي، قاضي دمياط، تفقه بالكمال السنباطي وأفتى ودرس، ومات بدمياط.(1/125)
أبو غالب القبطي كان يباشر في دواوين الأمراء، ثم أسلم وحج وبنى مدرسة على شاطئ الخليج، وولي نظر الذخيرة، ومات في شوال.
خوند بنت منكلي بغا زوج الأشرف.(1/126)
سنة ثمان وسبعين وسبعمائة
فيها تمرض السلطان ثم تعافى ثم انتكس، ثم لازمه الشيخ جار الله الحنفي والشيخ أبو البركات المالكي فتعافى فشكر للشيخ جار الله فولاه قضاء الحنفية بعد عزل شرف الدين بن منصور نفسه، وكان أهل الخانقاه سعيد السعداء قد رافعوه فعزل عن المشيخة في المحرم فلم يلبث أن ولي القضاء في شهر رجب منها، وفي أثناء ذلك كان ابن آقبغا آص تكلم في إعادة ضمان المغاني فبلغ ذلك برهان الدين بن جماعة فغضب وامتنع من الحكم فتكلم الشيخ سراج الدين البلقيني وغيره مع السلطان في ذلك فأنكره السلطان وأمر بإبطال ذلك من مصر والشام وقبض بعد مدة يسيرة على ابن آقبغا آص ونفي إلى الشام وصودر، وكان ضمان المغاني من القبائح الشنيعة ما كان أحد يقدر يعمل عرساً حتى يغرم قدر عشرين إلى ثلاثين مثقالاً ذهباً وكانوا بمصر والقاهرة لا تغيب مغنية عن بيتها ولو إلى زيارة أهلها إلا أن أخذ الضامن منها رشوة وأما بلاد الريف فكان للمغاني حارة مفردة يعمل فيها من الفساد جهراً ما يقبح ذكره. ومن اجتاز بها غلطاً ألزم أن يزنى بخاطئه، فإن لم يفعل فدى نفسه بشيء، وأبطل الأشرف أيضاً ضمان القراريط، وكان مكساً يؤخذ من كل باع داراً ولو تكرر بيعها في الشهر الواحد مراراً لا بد أن يأخذ الضامن على ذلك مكساً معلوماً، ولا يستطيع أحد من الشهود أن يكتب خطه في مكتوب دار حتى يرى الختم في المكتوب.
وفيها نفي التاج الملكي إلى الكرك ثم شفع فيه فأعيد، وقرر ابن الغنام في الوزارة.(1/127)
وفيها قرر الشريف بكتمر في ولاية القاهرة ثم عزل وقرر حسين بن علي الكوراني.
وفيها غرق الحسينية ظاهر القاهرة، انقطع من الخليج الحاكمي بجوار بيت ابن قائماز فغرقت الحسينية إلى أن بلغ الماء جامع ابن شرف الدين، فقيل: خربت بسبب ذلك نحو ألف دار.
وفيها تجهز السلطان الملك الأشرف إلى الحج فأرسل أخوته وأولاد أعمامه جميعاً إلى الكرك فسجنوا بها وأرسل معهم سودون الشيخوني ليقيم عندهم محتفظاً بهم، وأرسل آقتمر الحنبلي إلى الصعيد في جماعة أمراء لحفظ البلاد من العرب، وأرسل عدة من الأمراء إلى سائر الثغور لحفظها أيضاً.
وفيها خرج السلطان في تجمل زائد إلى الغاية طالباً للحج فأقام بسر ياقوس يوماً ثم سافر في الثاني والعشرين من شوال، فلما وصل عقبة أيلة في مستهل ذي القعدة خامر عليه الأمراء الذين صحبته وأكثر مماليكه وكانوا طلبوا منه أن ينفق عليهم نفقة اخترعوها فامتنع فداروا على الأمراء فمن أجابهم ألزموه بالركوب معهم ومن امتنع تهددوه بالقتل(1/128)
وركبوا بغتة فناوشهم الخاصكية القتال إلى الليل، فلما بلغه ذلك هرب راجعاً إلى القاهرة، وكان الذين خلفهم بالقلعة قد تواعدوا مع الذين خامروا عليه بالعقبة أنهم يسلطنون ولده علياً ففعلوا ذلك بأن اتفقوا وجاؤوا إلى الزمام فأخبروه أن السلطان مات وطلبوا منه أن يخرج لهم ولده علياً فامتنع فهجموا عليه وكسروا بابه ونهبوا بيته وأمسكوه وأخرجوا الصبي قهراً فأقعدوه بباب الستارة. ثم أركبوه إلى الإيوان وأرسلوا إلى الأمراء الذين بالقاهرة فامتنعوا من الحضور فأنزلوا الصبي إلى الأصطبل ولقبوه بالعادل ثم بعد يومين بالمنصور فصعد إليه الأمراء وأحضروه إليه أكمل الدين وضياء الدين القرمي وحلفوا له، فأمسكهم بعض القائمين بالأمر وهم طشتمر اللفاف وقرطاي وأسندمر وأينبك، وحبسوهم بالقلعة وقروا آقتمر عبد الغني نائب السلطنة، ثم عهد إلى الأمراء الأكابر، ولما أرادوا سلطنة علي عارضهم الضياء القرمي ووعظهم وقال لهم: إن الأشراف أستاذكم قد أحسن إليكم وأخرجكم من السجن وأعطاكم الأموال فكيف تكون هذه مجازاته منكم؟ فلم يقبلوا منه بل هموا بقتله فردهم عنه قرطاي ورجع إلى بيته فتحول إلى القاهرة، وفي غضون ذلك وصل قازان الصرغتمشي فأخبر بكائنه السلطان بالعقبة فأرسلوا إلى قبة النصر فوجدوا أرغون شاه وصرغتمش ويلبغا وغيرهم من الأمراء الذين كانوا صحبة السلطان وهربوا معه قد وصلوا صحبته على الهجن فغلب عليهم النوم هناك فكبسوا عليهم فقتلوهم، وهرب السلطان لما دهموه هو ويلبغا الناصري، ثم استخفى السلطان عند آمنة بنت(1/129)
عبد الله امرأة ابن المستوفي المغينة كان يعرفها قبل ذلك فأخفته، ثم دلهم عليه بعض الناس فكبسوا البيت فوجدوه قد اختفى في البادهنج فأمسكوه واطلعوه إلى القلعة فتولى أينبك تقريقه على الذخائر وضربه تحت رجليه نحواً من سبعين ضربة بالعصي، ثم خنق في خامس ذي القعدة ودفن بالقرب من الست نفيسة ثم نقل إلى تربة أمه. وكان الأشرف هيناً ليناً محباً في المال في أهل الخير والفقراء والصلحاء والعلماء مذعناً للأمور الشرعية، ملك أربع عشرة سنة وشهرين ونصفاً، وكانت الدنيا في زمانه طيبة آمنة.
وفيها ظهر رجل بدمشق يقال له: حسن النووي، يدعى إخراج الضائع فكان يتحيل في الإطلاع على بعض الأمور فيخبر بها، فارتبط عليه الناس إلى أن سئل عن سرقة فدل على رجل فظهرت عند غيره فاستفتى عليه فأفتى بتأديبه فضربه الحاجب وشهره.
وفيها ظهر بدمشق نجم كبير له ذؤابة طويلة من ناحية المغرب وقت العشاء، وفي آخر الليل يظهر مثله في شرقي قاسيون.
وفيها شكى أهل بعلبك من نائبهم فولى نائب دمشق غيره فوصل من مصر نائب غيره، فقيل لهم إنه أخو الذي شكوا عليه وإنه أضمر لهم سوءاً، فباتوا منه وجلين فمات في الطريق قبل أن يصل إليهم وفرج عنهم.(1/130)
وفيها كان بين أبي حمو وبين قريبه أبي زيان حروب بتلمسان، وآل الأمر إلى أن انقضت جموع أبي زيان فنزل بتوزر فأكرمه يحيى بن ملوك ثم لحق بتونس فأكرمه متوليها.
وفيها عقب استقرار على ولد الأشراف في السلطنة لقب الملك المنصور، وعمره إذ ذاك ثمان سنين، واستقر.
واستمر آقتمر الحنبلي نائب السلطنة وطشتمر أتابك العساكر عوضاً عن أرغون شاه وقرطاي رأس نوبه عوضاً عن صرغتمش وأسندمر أمير سلاح وأينبك أمير آخور واستقر قرطائي عوضاً عن صرغتمش واينبك عوضاً عن يلبغا السابقي وأقاموا خليفة من أولاد عم المتوكل لغيبة المتوكل بالعقبة وحمزة بن علاء الدين بن فضل الله عوضاً عن أخيه بدر الدين في كتابة السر ثم أخرج طشتمر الدويدار إلى نيابة الشام وعزل بيدمر.
وفي شعبان منها خسف الشمس والقمر جميعاً فطلع القمر خاسفاً ليلة السبت رابع عشرة ثم انجلى بسرعة قبل الفراغ من صلاة المغرب وكسف من الشمس بين الظهر والعصر يوم السبت ثامن عشرينه أكثر من نصفها واستمرت إلى بعد العصر فصلى للشمس ولم يصل للقمر.
وفيها أبطلت المعاملة بالفلوس العتق من دمشق.
وفيها ولي القاضي محب الدين بن الشحنة الحنفي القضاء بحلب عوضاً عن جمال الدين إبراهيم بن العديم.
وفيها استقر ناصر الدين ابن القاضي سري الدين في قضاء المالكية بحلب ثم عزل قبل وصوله إليها بابن القفصى.(1/131)
وفيها كان الغلاء الشديد بحلب وطرابلس حتى بيع المكوك بستمائة درهم وأكلت الكلاب وغيرها وبيع الشيء الذي كان يباع بدرهم بأربعين درهماً ولما فر السلطان من العقبة اضطرب الناس فانحدر القاضيان برهان الدين الشافعي وجار الله الحنفي إلى القدس فأقاما فيه إلى أن سكنت الفتنة ثم قدما القاهرة يوم الاثنين سادس عشر ذي القعدة ورجع أكثر الرؤساء إلى القاهرة. وتوجه بهادر المشرف بمن بقي إلى مكة وأخذت خزائن السلطان فنهبت ورجع طشتمر والخليفة وتقي الدين بن ناظر الجيش وكان سافر معهم عوضاً عن أبيه لضعفه وبدر الدين كاتب السر وبدر الدين الأخنائي قاضي المالكية والشيخ سراج الدين البلقيني وصحبتهم حريم السلطان إلى أن دخلوا القاهرة فلما دخلوا أنكر طشتمر ما جرى وركب إلى قبة النصر وأراد أن يسلطن الخليفة فلم يوافق على ذلك فاقتتلوا معه فانكسر ثم أعطى النيابة بدمشق وتوجه إليها في عاشر ذي القعدة. وجددت البيعة في ثامن ذي القعدة للملك المنصور ثم ثار المماليك الذين أعانوا الأمراء على قتل الأشرف فطالبوهم بالنفقة التي وعدوهم بها وهي على ما قيل لكل نفر خمسمائة دينار فماطلوهم فجاهروهم بالسوء فلما خشوا على أنفسهم أمروا بمصادرة المباشرين والتجار ودام ذلك مدة وكان ما أخذ من المودع الحكمي مائتي ألف دينار فيما قيل ومن مثقال الجمالي مائة ألف دينار ومن صلاح الدين بن عرام نحو خمسين ألف دينار وما أخذ من الوزير وناظر الخاص وغيرهما من الدواوين جمل مستكثرة. وعمد قرطاي إلى الخزائن فأنفدها النفقات والهبات وكان كثير السخاء وأنفق على المماليك كل واحد خمسمائة دينار عشرة آلاف درهم فضة(1/132)
نقرة وكانت عدتهم ثلاثة آلاف من الأجلاب وغيرهم وقيل بل ألفين وقيل بين ذلك.
قال ابن حجى: رئي هلال شوال بجميع بلاد الشام حتى السواحل ليلة الثلاثاء إلا دمشق فلم ير بها لغيم حال دونه فعيدوا يوم الأبعاء.
وفيها قرر علم الدين البساطي في قضاء المالكية بعد عزل بدر الدين الأخنائي وذلك في سابع عشرين ذي القعدة وكان الذي سعى له في ذلك إبراهيم بن اللبان شاهد ديوان قرطاي فاستنابه البساطي فصار أكبر النواب وتعاظم إلى الغاية، وكان البساطي ينوب عن الأخنائي في الشارع الأعظم وليس من بيت نائب السلطنة آقتمر.
وفيها في العشرين من ذي القعدة ولي جمال الدين محمود القيسري حسبة القاهرة بعد عزل شمس الدين الدميري وكان جمال الدين ولي الخطابة بمدرسة الجاي وكان بدر الدين ابن أبي البقاء لما توجه السلطان إلى الحج توجه إلى دمشق لزيارة أخيه ولي الدين فناب عنه عشرة أيام ووصل الخبر بما جرى للسلطان فبادر إلى الرجوع إلى مصر فآل الأمر إلى ولايته القضاء كما سيأتي.
وفيها أخذ بيرم خواجا الموصل بالأمان بعد حصار أربعة أشهر وزوج ابنته للأمير بيرم الذي كان غلب على الموصل واستناب أخاه بردخجا على الموصل.
وفيها استقر تقي الدين بن محب الدين في نظر الجيش عوضاً عن أبيه والأشرف إسماعيل صاحب اليمن في السلطنة عوضاً عن أبيه(1/133)
والبرهان الصنهاجي في قضاء المالكية بدمشق عوضاً عن الماروني وناصر الدين بن أبي الطيب في كتابة السر بحلب عوضاً عن ابن مهاجر والظاهر عيسى بن المظفر داود صاحب ماردين في السلطنة عوضاً عن أبيه والله المستعان.
ذكر من مات
سنة ثمان وسبعين وسبعمائة من الأعيان.
إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن فلاح الإسكندراني الأصل ثم الدمشقي، ولد سنة خمس وتسعين وستمائة، وأحضر على عمر بن القواس معجم ابن جميع وتفرد به عنه كاملاً، وسمع من محمد بن مشرف الدين الفزاري صحيح البخاري ومن تاج العرب بنت المسلم بن علان فوائد سختام سنة أربع وسبعمائة، وأجاز له ابن عساكر وجماعة، وكان يؤم بمشهد أبي بكر كأبيه وجده، حسن الحظ والقراءة، وعنده سكون وانجماع، مات في ذي الحجة.
إبراهيم بن إسحاق بن يحيى بن إسحاق فخر الدين الآمدي الأصل ثم الدمشقي، ولد بدمشق سنة خمس وتسعين وستمائة أيضاً، وسمع من ابن مشرف والتقي سليمان وابن الموازيني وأبي يعلى بن القلانسي وغيرهم، وأجاز له من بغداد بن رويدة وغيره ومن دمشق بن عساكر وإسماعيل الفراء ومن الإسكندرية الغراقي خرج له صدر الدين ابن إمام المشهد عنهم مشيخة وقد ولي نظر الأوقاف والأيتام ثم نظر الجيش بدمشق والجامع وغير ذلك من المناصب الجليلة وكان مشكور السيرة معظماً عند الناس وحصل له في آخر عمره صمم وحدث بمصر ودمشق، ومات في ربيع الأول.
إبراهيم بن عبد الله العجمي أحد من كان يعتقد بدمشق.
إبراهيم بن مالك التروجي برهان الدين المالكي أحد الفضلاء بالقاهرة ناب في الحكم، ومات في شعبان.(1/134)
أحمد بن سالم بن ياقوت المكي المؤذن شهاب الدين ولد سنة ست أو سبع وتسعين، وسمع من الفخر التوزري وتفرد بالسماع منه ومن الصفي والرضي الطبريين وغيرهما وكان إليه أمر زمزم وسقاية العباس، مات عن ثمانين سنة وأشهر.
أحمد بن سليمان بن عبد الله الصقيلي بفتح المهماة وكسر القاف بعدها تحتانية ساكنة أخذ عن الشيخ شمس الدين بن اللبان وغيره ودرس وأفاد وكان خيراً صالحاً ولي خطابة المدينة ثم رجع إلى القاهرة، مات في ربيع الآخر بجامع الحاكم.
أحمد بن عبد الرحيم التونسي شهاب الدين أبو العباس صاحب الشيخ جمال الدين بن هشام النحوي كان عالماً بالعربية تخرج به الفضلاء ومات في ثالث عشر شعبان.
أحمد بن علي بن محمد بن قاسم العرياني المحدث شهاب الدين، ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة، وسمع بدمشق من أحمد بن علي الجزري والذهبي وبمصر من الميدومي وبالقدس من علي بن أيوب وغيره وحصل الكتب والأجزاء ودار على الشيوخ ورافق الشيخ زين الدين العراقي كثيراً وأسمع أولاده وصنف لغات مسلم وشرح الإلمام ودرس في الحديث بالمنكوتمرية وولي خانقاه الطويل، وناب في الحكم وكان محمود الخصال، مات في جمادى الآخرة. وذكر لنا الشيخ سراج الدين البلقيني أنه رآه في المنام على هيئة حسنة.
أحمد بن عيسى الحرامي بمهملتين أمير حلى كان شجاعاً جواداً ممدحاً وفيه يقول قاسم بن العليف:
أنت من جملة الكرام ولكن ... فيك أشياء لم تنلها الكرام.
تعرف الرمز بالتشكي ومن لم ... يعرف الرمز لم يفده الكلام.(1/135)
أحمد بن محمد بن أحمد بن علي الحسيني كاتب الإنشاد بحلب ونقيب الأشراف بها، وكان مشكور السيرة مات بحلب في هذه السنة وعاش أزيد من سبعين سنة.
أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد، سبعة في نسق سابعهم ابن أبي بكر بن إبراهيم بن جماعة الزهري أبو البركات بن النظام القوصي ثم المصري، ولد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، وسمع من الواني والدبوسي والختني والحجار وغيرهم وحدث، مات في شهر رجب.
إسماعيل بن خليفة بن عبد المعالي الحسباني ثم الدمشقي عماد الدين الفقيه الشافعي أصله من نابلس، ولد سنة ثمان عشرة تقريباً وقدم هو والشيخ علاء الدين حجى بن موسى بن أحمد من حسبان إلى الشام ثم انقطع إسماعيل إلى الشيخ تقي الدين القلقشندي فلازمه بالقدس ثم قدم دمشق سنة ثمان وثلاثين فلازم ابن النقيب وغيره وتقدم وأجازه الفخر المصري بالإفتاء ومهر وسمع من المزي وبنت الكمال والجزري وغيرهم، وكتب على المنهاج وشرحه نحواً من عشرين مجلدة، وكان الشهاب الأذرعي يكاتبه في المشكلات وناب في الحكم بدمشق عن أبي البقاء وعن البلقيني وكانت نفسه قوبة في العلم، وله مشاركة في غير الفقه، ومات في ذي القعدة، وهو والد صاحبنا شهاب الدين قاضي دمشق، قال العثماني قاضي صفد في ترجمته: تفرد بالإفتاء مع وجود الأطواد، قال: وشرحه على المنهاج قدر عشرين مجلدة، وقال ابن حجى: كان ممن قام على تاج الدين السبكي وكان مشاراً إليه بجودة النظر وصحة الفهم وفقه النفس وقوة المناظرة، قال: وقد رأيت مجلداً بخطه من شرحه على المنهاج، وقد نقل الأذرعي(1/136)
وكأنه انتسخه لنفسه ولم يشهر هذا الكتاب فإنه كان ضنيناً به لكثرة ما فيه من النقول والمباحث ثم إن ولده لم يمكن أحد منه حتى احترق في الكائنة العظمى بدمشق، قال: ولما مات أثبت ابن الجزري محضراً بأن شرط واقف جامع التوبة أن يكون الخطيب حافظاً للقرآن وأن شهاب الدين ولد عماد الدين لا يحفظ القرآن فقرر في الخطابة بحكم ذلك في غيبة شهاب الدين بمصر، فقدم ومعه توقيع بالخطابة فانتزعها من ابن الجزري.
إسماعيل بن علي بن الحسن بن سعيد بن صالح القلقشندي، نزيل بيت المقدس، ولد سنة اثنتين وسبعمائة، وتفقه بمصر ودمشق ثم صاهر الحافظ صلاح الدين العلائي على ابنته، ودرس بالصلاحية بعد العلائي وكان العلائي في حياته يراجعه في الفقهيات، وتخرج به العماد الحسباني وعلاء الدين حجى وغيرهما، وكان ديناً خيراً مثابراً على الخيرات فاضلاً مستحضراً للفقه حتى كان يقال إنه يحفظ الروضة وحدث بالصحيح لمسلم عن الشريف موسى وبالصحيح عن الحجار، مات في رجب وأرخه الزبيري سنة سبع.
إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الأيوب عماد الدين بن الملوك، سمع من قريبه عبد القادر ومن أبيه إسماعيل وإبراهيم بن الخيمي وابن سيد الناس وغيرهم وحدث، مات في شهر رجب.
وفيها مات من الأمراء اسنبغا عبد الغني واسنبغا العزي والطنبغا الإبراهيمي وأرغون شاه الجمالي(1/137)
وفخر الدين إياس المارديني وجركتمر الأشرفي وجرجي البالسي.
بهادر التاجي بالمثناة نسبة لتاج الدين ثم سمي عبد الله جمال الدين، كان فاضلاً في الفقه، مات في جمادى الآخرة بدمشق.
أبو بكر المازري المالكي قاضي دمشق وسيأتي في التي بعدها.
حسن بن عبد الله المليكشي المغربي الفقيه المالكي، كان فاضلاً كثير العلم مع هوج فيه أعاد بالناصرية وغيها، مات يوم عرفة.
حسن بن علي البعلبكي الملاعقي كان يجيد صنعة الساعات ويصنع الأرباع، مات في ربيع الآخر.
حماد الأصبهاني المصري، أحد من كان يعتقد بمصر، انقطع بسطح الجامع الأزهر في السطوح، ومات في ذي الحجة.
خليل بن حسين بن محمد بن قلاوون الصالحي الأمير غرس الدين خليل أخو الملك الأشرف، مات قبله في شعبان.
خليل بن قوصون، كان أحد الأبطال بالقاهرة وكان سبط الملك الناصر محمد بن قلاوون.
داود بن صالح الملك المظفر بن الملك الصالح صاحب ماردين، ولي السلطنة(1/138)
بماردين وهو ابن ثمانية أعوام وثمانية أشهر، ومات في ربيع الآخر وله سبع وأربعون سنة، ولما استقر ولده الظاهر عيسى في المملكة مفوضاً لوزير أبيه موسى فقبض عليه الظاهر بعد ثلاثة أشهر، وكان ظالماً غاشماً ففرح أهل البلد بذلك.
ذكي الخوارزمي أخو جرمل دوادار بيدمر، كان موصوفاً بالجودة، مات في جمادى الأولى.
سالم بن إدريس بن أحمد بن محمد الحبوضي صاحب ظفار، كان أحد الفرسان، قتل في شهر رجب.
سليمان بن داود بن يعقوب بن أبي سعيد الحلبي المعروف بابن المصري. كان فاضلاً في النظم والنثر، كتب في الإنشاء ونظك الشعر الحسن، وله الشفعية في مدح خير البرية، وهي التي يقول فيها الشيخ بدر الدين البشتكي:
عصت جنود معانيها الورى وغدت ... مطيعةً لسليمان بن داود.
وهو عم صاحبنا شمس الدين بن المصري.
وفيها مات من الأمراء شاهين أمير علم وصرغتمش الخاصكي، وطاز العثماني، وطيدمر البالسي، وطيغتمر العثماني.(1/139)
شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون الصالحي الملك الأشرف صاحب الديار المصرية وما معها، مات مقتولاً في ذي القعدة، وقد تقدم ذكره في الحوادث، عاش أربعاً وعشرين سنة.
عباس بن علي بن داود بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول اليماني الملك الأفضل بن المجاهد بن المؤيد بن المظفر بن المنصور صاحب زبيد وتعز ولي سنة أربع وستين. وقام في إزالة المتغلبين من بني ميكائيل إلى أن استبد بالمملكة وكان يحب الفضل والفضلاء، ألف كتاباً سماه نزهة العيون، وغير ذلك، وله مدرسة بتعز وأخرى بمكة، مات في شهر ربيع الأول وقيل في شعبان.
عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن أحمد بن سعيد الحلبي ثم المصري جمال الدين بن كمال الدين بن الأثير، ولد سنة ثمان وسبعمائة، وسمع من الحجار ووزيره، وحدث بالصحيح، وكان ماهراً في العربية، وقد ولي كتابة السر بدمشق، ثم انقطع للعبادة بالقاهرة، ومات بها في جمادى الآخرة.
عبد الله بن محمد بن الصائغ تقي الدين بن نور الدين، ولد سنة ثلاث وسبعمائة، وسمع من إسحاق الآمدي والحجار وغيرهما، أجاز له ابن مكتوم وعلي بن هارون وغيرهما، وكان أحد الرؤساء بدمشق منور الشيبة حسن الصورة، مات في رجب.
عبد الله بن مشكور تاج الدين ناظر الجيش بحلب ثم بدمشق، وكان يحسن إلى الفقراء ويحبهم وفيه مروءة، وله بالقدس آثار حسن، مات في جمادى الآخرة.
عبد الرحمن بن سلطان بن الزعبوب. مات في رمضان.(1/140)
عبد الرحيم بن محمد بن علي بن عبد الواحد أبو نعيم بن الشيخ أبي أمامة بن النقاش، مات شاباً لم يبلغ العشرين ومات أبوه وهو صغير ونشأ في صيانة، واشتغل وتمهر، فرأت بخط صهره الشيخ علاء الدين الحلبي أنه لم يحفظ عنه أنه خرج من البيت وحده قط لا لحاجة، ولا لغيرها، وكثر التأسف عليه.
عبد المؤمن بن عبد الله التركي الساقي، كان اسمه آقوش، وكان جيد الحظ، فتقدم إلى أن أمر عشرين بغزة، ثم استقر سلحدارا بالقاهرة، ثم صيره الأشرف رأس نوبة السقاة، مات في هذه السنة بعد الأشرف.
عثمان بن أحمد بن أحمد بن عثمان الزرعي، فخر الدين بن شمرنوخ الشافعي، قاضي حلب وليها غير مرة، ومات بها في شعبان عن ست وخمسين سنة، وكان ولي قضاء طرابلس ثم نقل إلى حلب لما نقل الكمال المعري إلى دمشق، وقيل: إنه بذل في ذلك خمسة آلاف دينار. وأثنى عليه ابن حبيب وقال: حكم بطرابلس ثم بحلب عشرين سنة، وكان موصوفاً بالرئاسة والفضل والإحسان والتواضع والبر ومعرفة الأحوال.
عثمان بن عمر بن عمار بن معمر الجيلي الشافعي، أحد نبهاء الطلبة بدمشق، ولد في حدود الثلاثين، وتعانى الفقه، وسمع الحديث، وكان ملازماً للطلب عديم الشر. وذكر أنه رأى ابن جملة في المنام فسأله عن ثواب القراءة إلى الميت هل يصل إليه؟ قال: نعم، مات في صفر.
علي بن أبي بكر البعلبكي بن اليونيني، نزيل حماة، كان مدرس العصرونية، وكان يفيد ويفتي إلى أن مات عن نيف وستين سنة.(1/141)
علي بن خلف بن كامل بن عطاء الله الغزي، نور الدين، أحد رواة الصحيح عن الشيخين، حدث بغزة، وولي القضاء بها مدة أنا، عنه الشيخ الغزي بالإجازة، ومات في هذه السنة.
علي بن ذي النون الاسعردي ثم الدمشقي، صاحب الخان المشهور بقرب الكسوة كان من كبار التجار وعمر هذا الخان فنفع الناس به، ومات في ذي القعدة.
علي بن عبد الله بن السدار، أحد من كان يعتقد بالقاهرة، مات في رجب، ويحكي عنه عجائب في المكاشفات وغيرها، ودفن بزاويته بخوخة أيدغمش.
علي بن محمد بن أحمد بن محمد بن عثمان بن أسعد بن المنجا التنوخي، علاء الدين بن عز الدين بن شمس الدين بن وجيه الدين، ولد سنة عشر وسبعائة، ومسع من ابن مشرف ووزيره وهي ابنة عم جد والده، وحدث عنهما بالصحيح، وكان خيراً، مات في ربيع الآخر.
قلت: وهو أخو شيختنا فاطمة بنت المنجا التي أكثرت عنها، عاشت بعده بضعاً وعشرين سنة حتى كانت خاتمة المسندين بدمشق.
علي بن محمد بن هاشم بن عبد الواحد بن أبي العشائر الحلبي الخطيب، كان فاضلاً، له ثروة ظاهرة، ولي نظر الأوقاف بحلب وأنشأ بها دار قرآن، وانجب ولده الشيخ ناصر الدين بن عشائر، ومات أبوه محمد بن هاشم سنة ثمان وثلاثين.
علي بن يوسف بن صالح الحسباني، علاء الدين، تفقه بطرابلس، كان مشهوراً بالفضل جيد الفهم، مات في رجب.
عمر بن حسن بن مزيد بن أميلة بن جمعة بن عبد الله المراغي ثم الحلبي ثم الدمشقي ثم المزي،(1/142)
ولد سنة ثمانين على ما كتب بخطه لكن وجد له حضور فيها فيحتمل أن يكون ولد في التي قبلها ولكن وجد بخط البرزالي أن مولده في رجب سنة اثنتين وثمانين، وهذا هو المعتمد ولعل ذاك أخ له وأسمع على الفخر ابن البخاري جامع الترمذي وسنن أبي داود ومشيخة تخريج ابن الظاهري وذيلها للمزي والشمائل، وتفرد بالسنن والجامع والذيل. رحل الناس إليه، وكان صبوراً على السماع، وأم بجامع المزة مدة، وحدث نحواً من خمسين سنة، وسمع من العز الفاروثي بعض الذرية الطاهرة، وسمع أيضاً من الصوري وابن القواس وابن عساكر والعز الفراء وأبو جعفر بن المفسر وجماعة، وخرج له الياسوفي مشيخة لطيفة حدث بها، وكان صبوراً على السماع، ربما أسمع غالب النهار ولا يعتب وقارب المائة، مات في ربيع الآخر. وكان خيراً، ذكر أنه قرأ القراءات على ابن نصحان، وكان عنده فضل ودين وخير، وله شعر وسط وهو القائل:
ولي عصا من جريد النخل أحملها ... بها أقدم في نقل الخطى قدمي.
ولي مآرب أخرى أن أهش بها ... على ثمانين عاماً لا على غنمي.
عمر بن محمد بن أبي بكر بن يوسف الحموي، ولد سنة خمس وسبعمائة، وسمع من نخوة بنت النصيبي الثاني من المستخرج لأبي نعيم علي البخاري وحدث، مات في جمادى الآخرة.
عمر السلفي الشافعي من فقهاء المقادسة، مات في رجب.
عائشة خاتون بنت الملك الناصر محمد بن قلاوون المعروفة بخوند القردمية، عمرت(1/143)
وكان المثل يضرب بكثرة أموالها، فلم تزل تسعى في إتلافها إلى أن ماتت على مخدة من ليف في جمادى الأولى.
قطلوبغا المنصوري، حاجب الحجاب، كان مشكور السيرة.
القطب العجمي، نزيل دمشق، أحد الزهاد، كان مقصوداً لإقراء التصوف، ويعمل بعد الجمعة ميعاداً بالجامع بدمشق، وللناس فيه اعتقاد زائد، ورسائله لا ترد، مكات في شوال.
قبلائ الحاجب بدمشق، مات في ربيع الآخر.
محمد بن أحمد بن عمر بن محمد بن محمد بن محمد بن المظفر بدر الدين السلمي المصري ابن السكري، سمع من وزيره مسند الشافعي وحدث به، وكان خيراً حسن البشر، وله إجازة من جماعة من المصريين سنة ثلاث عشرة، مات في رمضان. وقد ذكره البرزالي فيمن كان بمصر من المسندين في سنة تسع وعشرين وسبعمائة.
محمد بن براق المصري، أحد الموقعين بديوان الإنشاء، كان متقدماً عند بدر الدين بن فضل الله كاتب السر.
محمد شاه بن دنيا، جمال الدين الساقي، كانت أمه من خطايا الناصر فقرره في ديوان المماليك السلطانية بأقطاع ثقيل. وكانت أمه تدعي أنه ابن الناصر ولكن لم يعترف به أخوته، واستمر هو طرخانا، وأحب الاشتغال فلازم موفق الدين الحنبلي وحبب إليه كلام ابن تيمية فكان يتغالى في تحصيله ويتعصب له مع أنه كان شافعي المذهب، مات في ذي الحجة.
محمد بن عبد الغني بن يحيى بن عبد الله الحراني، بدر الدين بن تقي الدين الحنبلي، كان فاضلاً في مذهبه وولي بعض المدارس، وذكر للقضاء فلم يبق، وسمع من علي بن القيم وزينب بنت شكر والشريف الموسوي وغيرهم، مات في رجب وله سبع وسبعون سنة.
محمد بن عبد القاهر بن عبد الرحمن بن الحسن بن عبد القادر بن الحسن بن علي بن المظفر ابن علي بن القاسم الشهرزوري أبو حامد، أخذ عن المزي ولازمه وسمع من جماعة من أصحاب ابن عبد الدائم ونحوهم وحصل وطلب، وكان حسن الخط دقيقه منور الشيبة أعوج العنق، من بيت كبير مشهور كانوا أعيان الموصل،(1/144)
وله شعر نازل فمنه:
أبا من فاق أفضالاً وفضلاً ... علينا وهو للأصحاب محسن.
تفضل واقض شغلي فهو سهل ... عليك وأنت تحسن كيف تحسن.
مات في ربيع الآخر.
محمد بن علي بن أحمد بن أبي رقيبة المصري المجود، ولد بعد سنة سبعمائة، ولازم الشيخ عماد الدين بن العفيف إلى أن مهر في طريقته في الخط المنسوب، وأخذ عن الشيخ شمس الدين ابن صاعد الأكفاني وغيره، وناب في الحسبة، وأدب الملك الكامل شعبان بن الناصر، ثم ولي حسبة مصر، وقرب من قلب الأشرف شعبان جداً، مات في وسط السنة.
محمد بن علي بن أحمد الحسيني الشريف فخر الدين النقيب، وهو ابن قاضي العسكر، كان جواداً كثير اللهو، وقد سمع من أصحاب النجيب وحدث باليسير، مات في رجب كهلاً.
محمد بن علي بن عيسى بن أبي القاسم بن منصور الحلبي ثم الدمشقي بدر الدين بن قوالح، ولد سنة خمس وتسعين وستمائة، وأحضر وهو في الثالثة على أبي الفضل بن عساكر صحيح مسلم، وسمع البخاري من أبي الحسين اليونيني وعلي بن القواس عمل يوم وليلة لبن السني بفوت، ودرس في المعزية أكثر من ستين سنة حتى أن الشيخ نجم الدين القحقازي كان منزلاً عنده، ومات قبله بمدة طويلة وحدث ابن قوالح وتفرد وكان يركب البغلة ويرخي العذبة ويتجمل في ملبسه ولكنه كان قليل الحظ في العلم قاله ابن حجى.
محمد بن علي بن محمد اليونيني البعلبكي، بدر الدين بن اسلار الحنبلي،(1/145)
ولد سنة أربع عشرة وسبعمائة، وسمع من الحجار والقطب اليونيني، وتفقه بابن عبد الهادي وابن القيم وغيرهما، وجلس للشغل بجامع بعلبك، وكان طويل الروح حسن الشكل طوالاً، يخضب بالجناء، فاضلاً كثير الاستحضار، واختصر كتاباً في الفقه سماه السرقيل وعلق بخطه كثيراً، مات في ربيع الأول.
محمد بن عمر ويقال ابن محمود بن أبي بكر بن محمود الخراساني الأصل الدمشقي، شيخ خانقاه القصاعين، سمع من ابن مشرف والحجار صحيح البخاري وحدث، مات في ربيع الأول. قال ابن حجى: رأيت بيده ثبت سماعه للصحيح، وسام أبيه مكشوط، كان عمر، فصير محموداً أو بالعكس، فذكر لي أنه كان يتسمى بهما جميعاً.
محمد بن عمر المصري، شمس الدين بن الجوخي، كان عارفاً بالموسيقا، ويعلم أهل الوعظ الألحان، وينظم وسطاً، وكان يؤدب في سبيل الظاهر بيبرس بين القصرين.
محمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن إبراهيم بن عبد العزيز القرشي نصير الدين أبو المعالي بن المؤرخ شمس الدين الجزري، ولد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، وأسمع من المطعم وابن الشيرازي والقاسم بت مظفر وغيرهم، ثم طلب بنفسه بعد الثلاثين فقرأ الكثير وسمع وكتب الأجزاء واشتغل بالفقه وربما كتب على الفتوى، وكان السبكي فمن دونه يرجعون إلى قوله، وله همة عالية، وولي مباشرة الأيتام، وكان مشكور السيرة، مات في جمادى الآخرة.
محمد بن محمد بن محمد بن عبد الواحد، الأرتاحي الأصل المصري بهاء الدين بن فتح الدين بن وجيه الدين بن المفسر، سمع الناسخ والمنسوخ من ابن مكرم ومن الحجار ووزيرة صحيح البخاري، وولي وكالة بيت المال والحسبة بمصر مراراً وبالقاهرة كذلك، وكان مشكور السيرة مهاباً في مباشرته، مات في رجب وله ثمانون سنة.(1/146)
محمد بن محمد بن الشامية الموقع، تقدم في التي قبلها.
محمد بن أبي محمد بالحمصي التاجر، اشتغل بالفقه وتعانى النظم، كتب عنه ابن حجى من نظمه وأرخ وفاته في المحرم.
محمد بن يوسف بن أحمد بن عبد الدائم الحلبي الأصل محب الدين ناظر الجيش، ولد في سنة سبع وتسعين وستمائة، واشتغل ببلاده ثم قدم القاهرة ولازم أبا حيان والتاج التبريزي والبرهان الرشيدي وغيرهم، وحفظ المنهاج والألفية وبعض التسهيل، وتلا بالسبع على الصائغ، ومهر في العربية وغيرها ودرس فيها وفي الحاوي، وكان قد سمع من الشريف موسى ومن الشيخ علي بن هارون والشيخ نصر المنبجي وست الوزراء وغيرهم، وحدث وأفاد، وخرج له الياسوفي مشيخة، وشرح التسهيل إلا قليلاً واعتنى بالأجوبة الجيدة عن اعتراضات أبي حيان وشرح تلخيص المفتاح شرحاً مفيداً، ودرس بالمنصورية في التفسير بعد الرشيدي، وكانت له في الحساب يد طولى، ثم ولي نظر الجيش، وكان في أول أمره مقلاً وأول مبا باشر عند الأمير حنكلي بن البابا ناظر ديوان، ثم ولي ديوان منكلي بغا الفخري، ثم ولي نظر البيوت في دولة السلطان حسن، ثم ولي نظر الجيوش في سنة تسع وخمسين، ورفع يلبغا منزلته وعظم قدره، وكان عالي الهمة نافذ الكلمة كثير البذل والجود والرفد للطلبة والرفق بهم والمبالغة في السعي في قضاء حوائجهم، وتزايدت مرتبته عند(1/147)
الملك الأشرف، وزادت مروءته وعظمت همته وشاع خيره وبره، وكان من العجائب أنه مع فرط كرمه في غاية البخل على الطعام حتى قال لي القاضي كريم الدين بن عبد العزيز ناظر الجيش عنه إنه سمعه يقول: إذا رأيت شخصاً يأكل طعامي أظن أنه يضربني بسكين هذا أو معناه هذا مع بذله الآلاف، قرأت بخط ابن القطان وأجازنيه أنه بلغت مرتباته لأهل الخير في الشهر ثلاثة آلاف، وكان كثير الظرف واللطف والنوادر.
قلت: لم ألق أحداً ممن لقيه إلا ويحكي عنه في المروءة والجود ما لا يحكيه الآخر حتى من لم يكن بينه وبينه معرفة، وفي الجملة فكان من محاسن الدنيا مع الدين والصيانة وقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري وأجازنيه أنه كان أول أمره شاهداً عند ابن البابا، وكان عالماً بالتفسير ودرس فيه بالمنصورية، وعمل على التسهيل شرحاً، وأول ما ولي نظر البيوت ثم نظر الجيش، ولما تجهز السلطان إلى الحج كان هو وعك من أول شعبان واستمر فجهز ولده تقي الدين عبد الرحمن في خدمة السلطان فاستراح هو من الفتنة التي وقعت، ثم مات بعد قليل في ثاني عشر ذي الحجة.
موسى بن فياض بن موسى بن فياض بن عبد العزيز النابلسي أبو البركات الحنبلي، ولد قبل القرن واشتغل ببلاده ثم قدم دمشق، وسمع من عيسى المطعم ويحيى بن سعد وغيرهما، وولي قضاء حلب سنة ثمان وأربعين وسبعمائة واستمر بها نيفاً وعشرين سنة، وهو أول حنبلي قضى بها استقلالاً، مات في ذي القعدة بعد أن أعرض عن الحكم في سنة أربع وسبعين، واستقر ولده أحمد مكانه وانقطع هو للعبادة.
ومات فيها من الأمراء: محمود شاه بن دنيا، وكان قد ولد على فراش الملك الناصر وأراد الصالح إسماعيل أن يستلحقه فلم يتم ذلك.
ومحمد بن مختار،(1/148)
ومحمد بن قمارى، ومختص الملقب شادروان وخوند الحجازية صاحبة المدرسة برحبة العيد.
يوسف بن الحاج أحمد بن سليمان بن فرنج الصالحي جمال الدين الطحان الحنبلي، أخذ عن ابن قاضي الجبل وشمس الدين بن مفلح وغيرهما، وسمع وحدث ودرس وأفاد مع الدين والورع والانجماع، وكان نبيهاً سريع الإدرام حسن الإيراد، وكان يرتفق من شهادة الجرائد، وكان محبوباً إلى الناس، مات في شوال.
يوسف بن عبد الله بن علي بن حاتم بن محمد بن يوسف البعلي بن الحبال الدمشقي، سمع من التاج عبد الخالق السيرة لابن هشام وتفرد بها عنه، مات في رجب وله ثمان وتسعون سنة لأنه ولد في صفر سنة ثمانين، وسمع أيضاً من الحسين اليونيني وأخيه القطب وابن أبي الفتح والتاج الفزاري.
أبو عبد الله القاري المالكي المغربي، أحد الفضلاء، ناب في الحكم، ومات بالإسكندرية.(1/149)
سنة تسع وسبعين وسبعمائة
فيها وقعت الفتنة بين أينبك وقرطاي، وذلك أن قرطاي لما استقر أتابك العساكر صاهره أينبك فعظم قدره ثم غدر أينبك بصهره وتمالأ مع جماعة من المماليك مثل بركة وبرقوق ومن نضم إليهما، ووعد كلاً من هذين بإمرة طبلخانات، وأركب السلطان فحضر الأمراء إلى الإصطبل فرطب قرطاي ومن معه من الأمراء كسودون الجركسي وقطلوبغا البدري ومبارك شاه الطازي وقطلوبغا جركس وغيرهم، فأحسوا بالغلبة، فهرب قرطاي وأرسل يطلب نيابة حلب وهو بسرياقوس فأجيب إلى ذلك وذلك في أواخر صفر، ثم أمسك جماعة من الأمراء الذين كانوا معه واستمر آقتمر الحنبلي نائب دمشق وآقتمر عبد الغني نائب السلطنة بمصر وأينبك أتابك العساكر ودمرداش اليوسفي رأس(1/150)
نوبة وقطلوبغا أخو أينبك أمير آخور وأطلمش الأرغوني دوادارا كبيراً، وأسكن أينبك مماليكه مدرستي حسن والأشرف، وأعطى كلاً من ولديه أحمد وأبي بكر تقدمه ألف. وكان استقراراً أينبك في ثاني عشرين صفر، وأشاع العوام أن بعض الأمراء ركب على أينبك ولم يكن لذلك حقيقة، فأمر ابن الكوراني الوالي أن يسمر طائفة منهم، فيقال إنه أخرج من الحبس جماعة ممن وجب عليهم القتل فسمرهم ووسطهم بعد أن نادى عليهم: هذا جزاء من يكثر الفضول، ثم التمس من الخليفة أن يولي أحمد بن يلبغا السلطنة لأن أم أحمد كانت تحته فامتنع وقال: ما اعزل ملك ابن ملك وأولى ابن أمير! فقال له: إن أحمد ما هو إلا ابن السلطان حسن فإن أمه كانت حاملاً به منه لما قتل فأخذها يلبغا ولم يشعر بذلك فولد أحمد على فراشه، فقال الخليفة: هذا ما يثبت، فزبره أينبك وغضب منه وأمر بإمساكه ونفاه إلى قوص، وقرر قريبه زكريا بن الواثق في الخلافة ثم لم يلبث إلا نصف شهر حتى جاءت الأخبار من بلاد الشام بمخامرة النواب وموافقتهم لطشتمر وأنهم جمعوا جمعاً كبيراً وكان اتفاقهم على ذلك في ربيع الأول، فتجهز أينبك إلى قتالهم وخرجت مقدمته في سادس عشرين شهر ربيع الأول، وهم أخوة قطلوبغا وأحمد بن أينبك ويلبغا الناصري ودمرداش اليوسفي وبلاط الصغير وتمرباي الحسني وجماعة منهم بركة وبرقوق وبوري الأحمدي في آخرين وأخرج معه السلطان ورضي على الخليفة المتوكل وأعاده إلى الخلافة واستصحبه معه وخرج ببقية العسكر في ربيع الآخر،(1/151)
واتفق أن ذلك كان وقت وفاء النيل فتفاءل المصريون على أينبك بالكسر فإنه خرج في ليلة الكسر فلم يلبث الجاليش أن رجعوا في ثاني ربيع الآخر من بلبيس خوفاً من الأمراء الذين صحبتهم وكان ذلك مكيدة من يلبغا الناصري فإنه قال: يا أخي أينبك! احترز على نفسك فإن بركة وبرقوق يريدان قتلك، فلم يكذبه وفر في الحال. ففر قطلوبغا في ثلاثة أنفس إلى أخيه، ويقال إن كتب الأمراء وردت من الشام إلى من بمصر بتوبيخهم على تامير أينبك فرجعوا إلى أنفسهم وأجابوهم بالاعتذار وأنهم معهم، فأطلع السلطان إلى القلعة ثم ركب قطلقتمر العلائي والطنبغا السلطاني ليلاً ومعهما جمع كثير إلى قبة النصر في ثالث ربيع الأول فتوجه إليهما قطلوبغا في مائتي نفس فأمسكوه وانكسر عسكره، فلما بلغ ذلك أينبك هرب فرجع الأمراء إلى الإصطبل، وتحدث قطلقتمر في المملكة ذي ذلك اليوم خاصة ثم أمسك في اليوم الذي يليه لأنه كان نزع لباس الحرب فاجتمع الأمراء الذين قاموا معه وأشاروا عليه بتقرير سلطان كبير من أولاد الناصر يكون مالك أمره، فامتنع ثم طلع في ذلك اليوم الأمراء الذين كانوا خامروا على أينبك وهم يلبغا الناصري ودمرداش اليوسفي وبلاط الصغير ومن الطبلخانات برقوق وبركة وغير هؤلاء فتكلموا مع قطلقتمر المذكور في أمر المملكة فزاد الكلام ونقص إلى أن قبضوا عليه وأمسك معه الطنبغا السلطاني ومبارك شاه الطازي فأرسلوا إلى الإسكندرية واستقل بالكلام يلبغا الناصري وبرقوق العثماني وبركة الجوباني فركب الثلاثة وأمسكوا دمرداش اليوسفي وتمرباي الحسني ونحوهما فأرسلوا الجميع إلى الإسكندرية(1/152)
ولم يكن في الثلاثة أكبر من يلبغا الناصري وإنما كانت إمرة برقوق وبركة طبلخانات عن قرب ثم تقدما واستقر بركة أمير مجلس وبرقوق أمير آخور أتابكا فحضر من الشام في ثاني شهر جمادى الأولى، وخرج السلطان لتلقيه فاستقر أتابك العساكر وحضر صحبته سودون الشيخوني وتمرباي الدمرداشي وكانا قد نفيا إلى الشام واستقر يلبغا الناصري أمير سلاح وتمر باي الدمرداش رأس نوبة وبرقوق أمير آخور وبركة
أمير مجلس وانتظم الحال على ذلك واستبد برقوق وبركة بالحكم، وانطاع لهما طشتمر وذلك في ثالث جمادى الأولى، وكان ابتداء تقدمة برقوق إلى إمرة مائة في سادس ربيع الآخر، وكذلك بركة، وكان يلبغا الناصري استقر أمير آخور فانتزعه برقوق وسكن الإصطبل وسكن بركة بيت شيخون واستبد بالحكم واستقر في نيابة الشام آقتمر الحنبلي وفي نيابة حلب اشقتمر وفي نيابة حماة منكلي بغا البلدي، وكان كل هؤلاء مع طشتمر لما عزم على التوجه لمصر لنزع أينبك، وفي الخامس من المحرم استقر قرطاي أتابك العساكر عوضاً عن طشتمر اللفاف لما مات، واستقر مبارك شاه الطازي رأس ولي جار الله قضاء الحنفية وانفصل صدر الدين بن منصور من دمشق، وفي العشرين من صفر أحضر أولاد الناصر من الكرك، وكان الأشرف سيرهم إليها لما حج وهم أولاد حسن وأولاد حسين وأولاد حاجي فنزلوا الدور بالقلعة على عادتهم. ير مجلس وانتظم الحال على ذلك واستبد برقوق وبركة بالحكم، وانطاع لهما طشتمر وذلك في ثالث جمادى الأولى، وكان ابتداء تقدمة برقوق إلى إمرة مائة في سادس ربيع الآخر، وكذلك بركة، وكان يلبغا الناصري استقر أمير آخور فانتزعه برقوق وسكن الإصطبل وسكن بركة بيت شيخون واستبد بالحكم واستقر في نيابة الشام آقتمر الحنبلي وفي نيابة حلب اشقتمر وفي نيابة حماة منكلي بغا البلدي، وكان كل هؤلاء مع طشتمر لما عزم على التوجه لمصر لنزع أينبك، وفي الخامس من المحرم استقر قرطاي أتابك العساكر عوضاً عن طشتمر اللفاف لما مات، واستقر مبارك شاه الطازي رأس ولي جار الله قضاء الحنفية وانفصل صدر الدين بن منصور من دمشق، وفي العشرين من صفر أحضر أولاد الناصر من الكرك، وكان الأشرف سيرهم إليها لما حج وهم أولاد حسن وأولاد حسين وأولاد حاجي فنزلوا الدور بالقلعة على عادتهم.
وفيها أمر بنفي بيدمر من صفد إلى طرابلس ثم شفع فيه فأقام بالقدس بطالاً.
وفيها قرر بيدمر الخوارزمي في نيابة الشام بعد موت آقتمر.(1/153)
وفي تاسع عشر شهر ربيع الآخر حضر أينبك وحده إلى بلاط الصغير فتوجه معه إلى يلبغا الناصري فأرسله إلى سجن الإسكندرية، وفي ذلك يقول شهاب الدين بن العطار:
من بعد عز قد ذل أينبكا ... وانحط بعد السمو من فتكا.
وراح يبكي الدماء منفردا ... والناس لا يعرفون أين بكا.
وفي ليلة الرابع من رجب سكر قطلقتمر أخو أينبك وهو في السجن، وقام ليبول فسقط من طاق في المكان فمات سكراناً، ودفن في صبيحة ذلك اليوم من غير غسل ولا صلاة وكان هو رأس هذه الفتنة كلها لأنه أكبر الأسباب في القيام على الأشرف، وأراد بلاط الصيد فغدا إلى الجيزة فأرسل إليه برقوق يخيره في أي نيابة أراد من البلاد فامتنع وأراد إثارة الفتنة فوجد المعادي قد عوقت عليه فتوجه إلى الكرك بطالاً.
وفي ذي الحجة وقعت الوحشة بين الأميرين برقوق وبركة وبين أتابك العساكر طشتمر، وكان يحب السلامة ويكره القتال، وكان يسلم للأميرين جميع ما يختارانه من ولاية وعزل وأمر ونهى وغير ذلك، فطمعا فيه وصارا يقترحان عليه إبعاد واحد بعد واحد من أمرائه وخواصه فيفعل ما يقترحانه عليه إلى أن كان آخر ذلك أن أمراه بنفي كمشبغا رأس نوبته، فأراد تسليمه لهما فامتنع ودخ عليه مماليكه ليلة عرفة ملبسين وقالوا له: إن لم تركب معنا قتلناك، فوعدهم وصرفهم ودخل إلى بيت الحريم ثم أقفل الباب، فركب من كان لبس من مماليكه إلى الرميلة وبلغ ذلك الأميرين فركبا ودقت الكوسات وتكاثر مماليك طشتمر على أولئك فكسروا طلب بركة وعدة من أطلاب الأكراء وظهرت من تقطاي الطواشي خادم طشتمر شجاعة عظيمة وحمل في مائتي نفس فكسرهم وهو يقول: أين أصحاب الخصى؟(1/154)
فاتفق أن جاءت في كمشبغا رأس نوبة طشتمر نشابة فنحرته فحمل إلى طشتمر وهو في السياق فقال له: انظر كيف قاتلت عنك حتى قتلت؟ فقال: قتلت نفسك ورحت إلى النار وخربت بيتي، وفتحت باب فتنة كان قد أغلق، فمات كمشبغا من ساعته وانكسر أصحاب طشتمر بعده لأنه ما كان ركب أصلاً فلما رأى ذلك جعل في رقبته منديلاً وركب من إصطبله إلى برقوق وهو إذ ذاك زوج ابنته بغير سلاح وسلم نفسه له وقال: أنا أحب أن أكون فدى المسلمين فاصنع بي ما شئت، وقبض عليه وعلى أطلمش الدويدار وجماعة من حواشيه، وسيره إلى الإسكندرية ونفى تقطاي وجماعة معه إلى قوص واستقر برقوق في ثالث عشر ذي الحجة أتابك العساكر ولم يتحول من الإصطبل، واستقر أخوه قرادمرداش أمير آخور، وسكن في جانب الإصطبل، ثم قبض برقوق في نصف ذي الحجة على يلبغا الناصري، وسيره إلى الإسكندرية، وقرر أينال اليوسفي رأس نوبة مكان يلبغا الناصري.
وفي هذه السنة تزايد الرخاء بمصر حتى بيع بدرهم واحد أربعة وعشرون رغيفاً بارداً والقنطار الجبن الجاموسي بثلاثين درهماً، وبيع بدرهم أربعون حبة من البيض وأمثال ذلك، وفي ذلك يقول شيخنا بدر الدين بن الصاحب:
إن برقوق لغصن ... كعبة في الناس أخضر.
وفي العشرين من جمادى الأولى استقر الشيخ برهان الدين الأبناسي في مشيخة سعيد السعداء بعد وفاة علاء الدين السراي بعناية شمس الدين المقسي ناظر الخاص، وفي ثالث عشرين جمادى الأولى أعيد القاضي علم الدين البساطي إلى قضاء المالكية فصرف(1/155)
بدر الدين الأخنائي وكان البساطي عزل في صفر، وأعيد البدر ثم صرف البدر في رجب، وأعيد العلم، وفي رجب صرف التاج النشو من الوزارة واستقر كريم الدين بن الرويهب.
وفي صفر قبض على يلبغا النظامي. وفيه استقر سودون الشيخوني حاجباً، وكذلك بلوط الصرغتمشي. وفيه نفي منكلي بغا الأحمدي البلدي وكان نائب طرابلس إلى الكرك ثم نقل إلى دمشق أميراً بها.
وفيها أفرج عن يلبغا الناصري وكان نفي إلى الشام فاستقر أمير طبلخانات، وفي شعبان عزل القاضي برهان الدين بن جماعة نفسه عن القضاء لوقوع هذه الفتن، وكان قد انقطع عن حضور الموكب فعين الأمير طشتمر الشيخ سراج الدين البلقيني مكانه فنزل الشيخ سراج الدين لولده بدر الدين عن ق (ضاء العسكر ونزل ولده بدر الدين لأخيه جلال الدين عن توقيع الدست ولم يتم لطشتمر ما أراد من تولية البلقيني بسعي بدر الدين بن أبي البقاء عند الأميرين بكة وبرقوق فقرراه في الولاية في ثامن عشر شعبان واسترضيا الشيخ سراج الدين بتدريس الشافعي والشيخ ضياء الدين بتدريس الفقه والحديث بالمنصورية عوضاً عن بدر الدين، وتوجه ابن جماعة إلى القدس على الخطابة والتدريس كعادته، وكان طشتمر يميل إلى الشيخ سراج الدين البلقيني فاتفق معه أن يعزل ابن جماعة ويقرره في القضاء فنزل(1/156)
البلقيني عن قضاء العسكر لولده بدر الدين وباتوا ليلة من الليالي يقرروا نواب البلاد والنواب بالقاهرة حتى قيل إن بدر الدين طرق على أبيه الباب نصف الليل فقال له: غلطنا في تولية فلان فإنه جرى منه كذا واتفقنا على تقرير غيره فيما عيناه له فأصبح بدر الدين بن أبي البقاء قاضياً فقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري وأجازنيه لما حضر طشتمر واستقر أتابك العساكر في جمادى الآخرة شرع الشيخ سراج الدين البلقيني في الحط على ابن جماعة واستعان على ذلك بالضياء القرمي فذكرا فيه معائب وأنه يستحق العزل، واستكتبا في ذلك عدة من الفقهاء في محضر وتقرر أن ابن البلقيني يستقر قاضي الشافعية فعورض طشتمر في ذلك، واستقر بدر الدين بن أبي البقاء كما ذكرنا.
وفيها استقر علم الدين القفصي في قضاء المالكية بدمشق عوضاً عن البرهان الصنهاجي وكمال الدين المعري في الحكم بحلب عوضاً عن جلال الدين بن نجم الدين الزرعي.
وفيها استقر في الوزارة كريم الدين بن الرويهب عوضاً عن التاج الملكي، ثم عزل في شوال واستقر في الوزارة صلاح الدين بن عرام الذي كان نائب الإسكندرية، واستقر بالملكي ناظر الدولة.
وفيها استقر في نيابة حلب منكلي بغا البلدي عوضاً عن اشقتمر ثم أقبل كمشبغا واستقر بمرتبته.
وفيها قتل بدر الدين المنشي الذي كان الصالح صاحب حصن كيفا فوض إليه أمر المملكة وكان قتله وهو يصلي التراويح في شهر رمضان ليلة إحدى وعشرين، وكان قد ضعف عن تدبير المملكة وأشرفت البلاد على الخراب فاتفق الجند على قتله فقتلوه بغتة ثم أعلموا(1/157)
الصالح بذلك، فاستقر الرأي على تفويض المملكة للملك العادل عز الدين سليمان، وكان قد حج في تلك السنة فتأخر الأمر إلى حضوره في السنة التي تليها.
وفيها استقر الشيخ زاده بن أبي أويس في سلطنة بغداد واستمر أخوه حسين مقيماً بتبريز.
وفيها ولي قضاء المالكية بحماة رجل يقال له: شمس الدين الأدمي، كان نقيب الحكم عند القفصى فثار يه المالكية بدمشق وعقدوا له مجلساً عند النائب وحرروا أنه جاهل وأنه شاهد زور وأنه كاتب مكس، فكاتب النائب فيه فتوجه إلى مصر ثم رجع بتوقيع بالاستمرار على ولايته فباشر في السنة المقبلة وفي شوال سمر تكا السلحدار بأمر برقوق لأنه كان أخبر طشتمر بأنه يريد أن يقبض عليه وأنكر تكا ذلك وحلف ثم أمر بإطلاقه، وفيه أمر شركس الخليلي وتكلم في أمور المملكة، وفيه استقر عبد الله بن الحاجب والي القاهرة، وصرف تقي الدين بن محب الدين عن نظر الجيش وأضيفت إلى التاج الملكي.
وفيها نازل أبو العباس بن أبي سالم المريني صاحب فاس أبا بكر بن غازي بن يحيى بن الكاس الوزير، وكان غلب على عيتابة واستقل بإمارتها فحاصره أبو العباس إلى أن قبض عليه فقتله طعناً بالخناجر حتى مات،(1/158)
وكان أبو بكر المذكور استوزره عبد العزيز بن أبي الحسن المريني في سنة ثمان وستين فقام بأموره أتم قيام حتى مات سلطانه فقرر في السلطنة ولده محمداً وهو صبي وحجر عليه واستبد بالأمور، فثار عليهم أبو العباس هذا في سنة خمس وسبعين ولم تزل الحري دائرة بينهم إلى أن غلب أبو العباس على فاس في سنة ست وسبعين بعد أن أمر أبا بكر ثم قبض عليه فأخرجه إلى عيتابة فأقام بها مسجوناً فاغتنم الفرصة ووثب على أميرها واستقل بإمارتها إلى أن نازله أبو العباس فخرج عليه بالعساكر في هذه السنة.
ذكر من مات
في سنة تسع وسبعين وسبعمائة من الأعيان
أحمد بن إبراهيم بن وهيبة الصلتي قاضي حمص وبعلبك، ولد سنة ثمان وعشرين واشتغل ومهر، مات في جمادى الآخرة وله إحدى وخمسون سنة رحمه الله.
أحمد بن علي بن عبد الرحمن العسقلاني الأصل المصري الشهير بالبلبيسي الملقب سمكة كان عارفاً بالفقه والعربية والقراءات، وكان الأسنوي يعظمه وهو من أكابر من أخذ عنه، واشتغل وبرع وأذخ عن علماء عصره، وسمع من الميدومي وغيره، ورافق شيخنا العراقي في سماع الحديث، وقرأ بالروايات، وكان خيراً متواضعاً. مات في المحرم.
أحمد بن قوصون التركي أحد الأمراء، وكان ساكناَ خيراً ديناً، مات في ذي الحجة.
أحمد بن يوسف بن مالك الرعيني أبو جعفر الغرناطي الأندلسي ارتحل إلى الحج فرافق أبا عبد الله بن جابر الأعمى فتصاحبا وترافقا إلى أن صارا يعرفان بالأعميين، وسمعا في الرحلة من أبي حيان وأحمد بن علي الجزري والحافظ المزي وغيرهم، وكان أبو جعفر شاعراً ماهراً عارفاً بفنون الأدب، وكان رفيقه عالماً بالعربية مقتدراً على النظم، واستوطنا البيرة من عمل حلب، وانتفع بهما أهل تلك البلاد، ونظم أبو عبد الله البديعية فشرحها(1/159)
أبو جعفر، وصنف أبو جعفر أيضاً في العروض والنحو وكان أبو جعفر كثير العبادة، مات عن سبعين سنة.
أحمد بن أبي الخير اليمني الصياد أحد المشهورين بالصلاح والكرامات من أهل اليمن، كان محافظاً على التقوى معظماً في النفوس، ويقال إنه اجتمع هو ورجل من الزيدية فتوافقا على دخول الخلوة وإقامة أربعين يوماً بغير أكل ولا شرب، فضج الزيدي من رابع يوم فأخرج وثبت ابن الصياد إلى آخر الأربعين فتاب الزيدي على يده هو وجميع من معه، مات في شوال وله أربعون سنة.
إسماعيل بن سلطان الكردي، أحد من كان يعتقد بدمشق. وكان يأكل من كسب يده وله نظم، مات في شوال.
آقتمر الحنبلي الصالحي كان من مماليك الصالح إسماعيل، وولي رأس نوبة في دولة المنصور بن المظفر ثم خازن دار في دولة الأشرف ثم تقدم في سنة سبعين ثم نفاه الجاي إلى الشام ثم أعيد بطالاً ثم استقر رأس نوبة ثم نائب السلطنة بعد منجك، ثم عزل منها في أواخر دولة الأشرف لإنكاره على بعض خواصه ثم أعيد بعد الأشرف ثم نفاه أينبك إلى الشام ثم قرره في نيابة الشام بعد مجيء طشتمر إلى مصر إلى أن توفي في هذه السنة في شهر رجب، وكان يعرف أولاً بالصاحبي، وكان يرجع إلى دين وخير وعنده وسواس كثير في الطهارة وغيرها، فلقب لذلك الحنبلي، وكان يحب الأمر بالمعروف وإزالة المنكر، واتفق في آخر عمره أن بعض مماليكه قبضوا على(1/160)
امرأة أنكروا أمرها فاستغاثت وظن بعض العامة أنهم أرادوا بها الفساد فرجموهم فأدموا وجه أحدهم فشكوا إلى النائب فأمسك من وجد في ذلك المكان وأمر بقطع أيديهم فشفعوا فيهم فأمر بضربهم بالمقارع فضربوا، وغالبهم برئ فابتهلوا بالدعاء عليه فلم يقم إلا دون الشهر ومات، وكانت إمرته على دمشق عاماً واحداً وشهراً، ومات في جمادى الأولى.
أبو بكر بن بهادر بن سنقر الشاعر أسد الدين، كان كثير الهجاء وبلغ ديوانه مجلدات وكان شيعياً وكان يلقب أسد الدين وسيف الدين وكان له أقطاع وكان قد سمع من ابن مشرف ويقال كان صحيح العقيدة إلا أنه يحب أهل البيت وسلك في شعره طريق الإغراب وكان يوسوس عند النية ليقرنها بالتكبير في أول الصلاة فربما كرر التكبير حتى يفرغ الإمام من الرباعية وكان يدعى أنه يجتمع بالجن ويقال إنه اجتمع بابن تيمية فقال له: بلغني أنك تفضل بلالاً على علي، فقال ابن تيمية: أنا ما فضلته ولكن الله فضله، قال: في أين؟ قال: في قوله تعالى: " لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ". فقال له: في الاستدلال بهذه الآية على المدعي نظر، قال: اجلس أقرره لك، فأبى وقال:: بلغني أنك ما ناظرت أحداً فقطعك، ومات في جمادى الأولى.
أبو بكر بن دانيال عماد الدين، مات في ربيع الأول.
أبو بكر بن علي بن عبد الملك الماروني زين الدين المالكي قاضي دمشق بعد موت المسلاتي ثم قاضي حلب ثم عزل واستمر بدمشق بعد ذلك إلى أن مات،(1/161)
وكان سمع من ابن مشرف مشاركاً في العلوم إلا أنه كان بذيء اللسان مع حسن صورته، مات فجاءة في شوال بدمشق وبلغ الستين.
أبو بكر بن يحيى بن غازي بن يحيى بن الكاس وزير صاحب فاس، تقدم ذكره في آخر الحوادث.
أبو بكر بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد الطرسوسي ثم الدمشقي يعرف بابن أبي القاضي، سمع من عمه العماد على ابن أحمد الطرسوسي القاضي الحنفي وأبي نصر بن الشيرازي وغيرهما، مات في شوال.
الحسن بن أحمد بن هلال بن سعد بن فضل الله الصرخدي ثم الصالحي المعروف بابن الهبل الطحان ولد سنة ثلاث وثمانين وستمائة، وسمع من الفخر بن البخاري الجزء الثاني من الحربيات ومن التقى الواسطي الجزء الثاني من مسند أبي بكر لابن صاعد وأجاز له، وسمع بنفسه من التقي سليمان وأخيه ومن فاطمة بنت سليمان والدشتي وعثمان الحمصي وعيسى المغازي وغيرهم، حدث بالكثير ورحل الناس إليه، مات في صفر.
حسن بن عبد الله الكناني رئيس المؤذنين بالجامع الأموي، كان إليه المنتهى في حسن الصوت وطول النفس، مات في عاشوراء بدمشق.
حسن بن علي بن موسى الحمصي بدر الدين، سمع من أبي بكر بن قوام والعلم سليمان المنشد والبرزالي وغيرهم، ودرس بالخاتونية وناب في الحكم، وكان حسن الشيبة والخط، مات في تاسع ذي القعدة.
الحسن بن عمر بن الحسن بن عمر بن حبيب بن عمر بن شويخ بن عمر الدمشقي الأصل الحلبي أبو محمد بدر الدين، ولد بحلب سنة عشر وأحضر في الشهر العاشر(1/162)
من عمره على إبراهيم وعبد الرحمن وإسماعيل بني صالح العجمي عشرة الحداد بسماعهم على يوسف بن خليل وأحضر على بيبرس العديمي وغيره، ورحل فسمع بالقاهرة جزء ابن عرفة على محمد ابن إبراهيم بن معضاد أنا النجيب وسمع بها من محمد بن غالي وعبد المحسن بن الصابوني ويحيى بن المصري وغيرهم، واشتغل وبرع إلى أن صار رأساً في الأدب والشروط، ثم انتقى وخرج وأرخ وتعانى في تواليفه السجع وكتب الشروط على القضاة وناب في الحكم ووقع في الإنشاء وصنف فيها ونسخ البخاري بخطه، واشتهر بالأدب فنظم ونثر وجمع مجاميع مفيدة ثم لزم منزله بأخرة مقبلاً على التصنيف والإفادة فمنها: درة الأسلاك في دولة الأتراك، وتذكرة النبيه في أيام المنصور وبنيه وكل منها منثور، وكان دمث الأخلاق حسن المحاضرة حميد المذاكرة وهو القائل:
وبي من بنات العرب هيفاء قدما ... متى لاح حنى الغصن في الورق الخضر.
إذا مال في الطرف بالكنانة ... يقول منادي خدها يا بني النضر.
مات ضحى يوم الجمعة حادي عشر شهر ربيع الآخر بحلب عن تسع وستين سنة وهو والد الشيخ زين الدين طاهر وقد ذيل على تاريخ أبيه.
خديجة بنت أحمد بن الطنبا المعروف أبوها بابن الحلبة سمعت من العماد البالسي وابن مشرف وهدية بنت عساكر وغيرهم، وحدثت وهي والدة شيخنا عمر البالسي، ماتت بحلب في رجب.
داود الكردي أحد من كان يعتقد بدمشق وكان لا يخالط أحداً ولا يقطع التلاوة يتلو القرآن كلمة كلمة ويتدبرها ويقوم الليل ولا يخرج من جامع تنكز بدمشق إلا نادراً، مات في شوال.
دنيا بنت الأقباعي المغنية الدمشقية، اشتهرت بالتقدم في صناعتها فاستدعاها(1/163)
الملك الناصر حسن على البريد فأكرمها ثم وفدت على الملك الأشرف فحظيت عنده وهي كانت من أعظم الأسباب في إسقاط مكس المغاني، سألت السلطان في ذلك فأجاب إليه ثم أراد ابن آقبغا آص إعادتها فتكلم الشيخ سراج الدين البلقيني والشيخ ضياء الدين مع الأشرف وهو ضعيف فأنكر على ابن آقبغا آص ذلك واستمر إبطاله.
راشد بن عبد الله بن صالح التفتي قرية بعجلون، سكن دمشق، وكان كثير التلاوة جداً يجهرها، ويذكر أنه من ذرية معاذ ويغلط في ذلك فإن معاذاً لم يعقب، وكان يقرئ القآن، قرأ عليه خلق كثير ولم يكن لسانه يفتر، مات في ربيع الآخر.
زينة بنت أحمد بن عبد الخالق بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن يونس الموصلية، سمعت من عيسى المطعم وابن النشو وغيرهم، وحدثت بالكثير، ماتت في شعبان.
صالح بن أحمد بن عمر بن يوسف بن أبي السفاح الحلبي صلاح الدين أبو النسك كان يتعانى الكتابة فباشر وكالة بيت المال ونظر الأوقاف بحلب وكان رئيساً عالي الهمة حسن العشرة مشكور السيرة.
ومن إنشاده وما أدري هل هوله أو لغيره:
لا نلت من الوصال ما أملت ... إن كان متى ما حلت عن يحلت.
أحببتكم طفلاً وها قد شبت ... أبغي بدلاً ضاق على الوقت.
وكان قد تضعف في هذه السنة فخرج إلى الحج فمات ببصرى في شوال وله سبع وستون سنة، أرخه طاهر بن حبيب.(1/164)
طشتمر اللفاف التركي تأمر في أخر دولة الأشراف ثم كان ممن قام مع قرطائ في تلك الفتنة واستقر أتابك العساكر ثم سكن في بيت أرغون شاه واحتاط على جميع موجوده، فلما ضعف في أول هذه السنة وثقل في المرض أوصى أن جميع موجوده ملك ورثة أرغون شاه، مات في ثالث المحرم مطعوناً.
طلحة بن محمد بن عثمان الشرمساحي تقي الدين موقع الحكم، تقدم في صناعته وبرع في فنه وولي ضهادة الخزانة وصاهر أبا البقاء وعظمت منزلته وقد حدث عن بعض أصحاب النجيب، مات في عاشر المحرم، وهو عم صاحبنا عز الدين ابن أبي طلحة.
عبد الله بن العلامة فخر الدين محمد بن علي بن إبراهيم المصري ثم الدمشقي جمال الدين بن الفخر المصري الفقيه الشافعي أبوه، ولد بعد سنة ثلاثين وأسمع على زينب بنت الكمال وجماعة فطلب بنفسه وكتب، مات في شعبان، وكان رئيساً محتشماً كريم النفس، خلف له أبوه مالاً كثيراً فأذهبه في النفقات وعني بالفقه على كبر وكان عند موت أبيه مشتغلاً بالتجارة فاستقر جمال الدين ابن قاضي الزبداني في تدريس الدولعية فباشرها نيابة عنه وشغله في المنهاج وغيره إلى أن تأهل ودرس وقد طلب الحديث بنفسه وقرأ وكتب واسمع أولاده.
عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي أخو العلامة الحافظ شمس الدين، سمع مع أخيه من التقي سليمان كتاب العلم للمروزي ومن المجدي الفرج لابن أبي الدنيا ومن الحجار الأمالي لابن عفان ومن أبي نصر بن الشيرازي وابن سعد، مات في جمادى الآخرة وكان أحد شهود مجلس الحكم الحنبلي ويكتب خطاً حسناً.
عبد السلام بن محمد بن محمود بن روزبه بن إبراهيم الكازروني ثم المدني، أحد الفضلاء بالمدينة على ساكنها أفضل الصلاة والتسليم مات في ربيع الأول.(1/165)
علي بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن تميم البعلبكي المقريزي علاء الدين ولد بدمشق وسمع بها واشتغل حنبلياً ثم قدم القاهرة بدر الدين بن الصائغ ونزوج ابنته أسماء سنة خمس وستين وكتب التوقيع والشهادة بالديوان عند آقتمر عبد الغني المعروف بالحنبلي النائب بديار مصر، وكان عاقلاً سنياً متديناً وهو والد العلامة تقي الدين، ومات في خامس عشرين رمضان.
علي بن الجمال محمد بن أبي بكر العبدري الشيبي، إمام مقام الحنفية بمكة. عني بالعلم في أواخر ذي القعدة بخليص وحمل إلى مكة ودفن بها.
أبو العباس الطرابلسي، كان فاضلاً ببلاده، مات في رمضان.
فاطمة بنت أحمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطبري أم الحسن بنت أبي العباس بن الرضي الإمام، سمعت من جدها الرضي وحدثت، وماتت في هذه السنة.
قرطاي بن عبد الله التركي أكبر القائمين على الأشرف وكان من مماليك طاز ثم كان ممن خدم عند يلبغا، فلما قتل يلبغا وأبعد من كان من جهته إلى أن ولي طشتمر الدويدار، فأعاد جماعة منهم هذا فاستقر رأس نوبة عند ولد السلطان وقدمه الأشرف، ثم كفر نعمته وأزال دولته وقتله وفرق الخزائن فمزقها في أسرع وقت ثم لم يتمتع بذلك بل مات بطرابلس قتيلاً وكان قد اتفق مع جماعة على الخروج على نائب الشام فعلم بذلك فأرسل من خنقه في رمضان.
محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الشامي جمال الدين أبو الفضل نزيل المدينة، تفقه بالعماد الحسباني وأخذ عن أبي العباس العنابي وتقي الدين بن رافع، وسمع من ابن أميلة(1/166)
وغيره، وتخرج بالعفيف المطري وسمع بمصر وغيرها. وكان ترافق هو وعبد السلام الكازروني إلى مكة فيقال إنه دس عليهما سم بسبب من الأسباب فقتلهما فمات الشامي في صفر ثم الكازروني بعده بأيام وقد حدث باليسير ولم يكمل الأربعين.
محمد بن سليمان بن العماد السيرجي، تنقل في الولايات بدمشق ما بين توقيع الدست مكان أبيه والحسبة وغيرها، وكان قد حج في هذه السنة فمات في ذي الحجة قبل أن يصل إلى مكة.
محمد بن علم الدين صالح الأسنوي بدر الدين ناظر الأوقاف، جاور مكة فمات بعد رجوع الحلج في ذي الحجة.
محمد بن عبد الله الطرابلسي الحلبي الشافعي الفروع الحنبلي الأصول، صاحب بن القيم، حمل عنه الكثير، وكان فاضلاً مشهوراً وذهن جيد، وله نظم حسن، وكان قصيراً جداً، ولم يكن يعاشر الفقهاء، ودرس بالظاهرية. مات في رمضان.
محمد بن عبد الله المنوفي الفقيه المالكي، كان أبوه أحد المعتقدين، وكان من الفضلاء، مات في رمضان.
محمد بن علي بن محمد بن الحسن بن زهرة الحلبي مجد الدين أبو سالم، جال في بلاد العجم ولقي العلماء بها واشتغل بالمعاني وغيرها وقال الشعر، وكان يذكر أنه سمع المشارق من محمد بن محمد بن الحسن بن أبي العلاء الفيروزابادي بسماعه من محمد بن الحسين بن أحمد النيسابوري المعروف بالحنفية عنه وحدث بشيء من ذلك بحلب ومن نظمه:
أبا سالم اعمل لنفسك صالحاً ... فما كل من لاقى الحمام بسالم.
مات في ربيع الأول.(1/167)
محمد بن عيسى بن حسن بن حسين بن عبد المحسن الجزري الأصل الياسوفي ثم الدمشقي، سمع من أحمد بن الجزري، وصار نقيباً بالدرس وحدث، قال الشهاب ابن حجى، كان لا بأس به، مات في ربيع الأول وله نحو خمسين سنة.
محمد بن محمد بن إبراهيم البلبيسي مجد الدين الإسكندراني الأصل، موقع الحكم، سمع من الواني والمزي وغيرهما، وتفقه بالمجد الزنكلوني وأخذ عن ابن هشام وعني بالحساب فكان رأساً فيه وفي الشروط، وانتهت إليه معرفة السجلات، وكان يوقع عن المالكية وينوب عن الحنفية، عاش ستين سنة.
محمد بن محمد بن أحمد بن المغربل البصروي نزيل دمشق سمع من الشيخ شرف الدين الفزاري غالب سنن النسائي ومن علاء الدين الوداعي وغيرهما، واعتنى بالفقه والعربية، مات في جمادى الآخرة وقد أسن فإنه أدرك الشيخ برهان الدين الفزاري، وأخذ عن ابن مسلم الحنبلي، وقد حدث قديماً حتى أن الشيخ شهاب الدين بن الشيخ زين الدين القرشي ولي مشيخة الكندية، وحضر عنده أبو البقاء وغيره فحدث في الدرس عن هذا المغربل وهو حاضر وهو لا يشعر: قال ابن حجى: ولم يتفق لي السماع من المغربل إلا بهذه الطريق.
محمد بن محمد بن علي بن الشمس أحمد بن خلكان الأربلي الأصل ثم الدمشقي بدر الدين، سمع من الحجار وغيره، وحدث عن الحيلي بالمنتقي من البيهقي، ومات في ربيع الآخر عن اثنتين وستين سنة كان مولده سنة سبع عشرة وسبعمائة.
محمد بن محمد بن مشرف بن منصور بن محمود شرف الدين الزرعي قاضي عجلون كان من الفضلاء حسن السيرة مات بدمشق في ربيع الأول.(1/168)
محمد بن محمد بن يحيى بن عثمان بن رسلان البعلي شمس الدين بن بدر الدين السلاوي يعرف بابن الشقراء ولد بعد سنة سبعمائة، وسمع في سنة سبع سبعمائة من شمس الدين ابن أبي الفتح وبعد ذلك من القطب اليونيني ومن جماعة، وحدث، أخذ عنه الياسوفي وابن حجى وغيرهما، وكان رجلاً خيراً مات في جمادى الأولى.
محمد بن مكيال اليمني بدر الدين أمير حرض والمهجم وغيرهما من بلاد اليمن زمن المجاهد، ثم خرج عليه وادعى أنه حسني وخطب له بالسلطنة على المنابر ومات المجاهد في غضون ذلك فنهض الأفضل لحربه إلى أن فر فلجأ إلى الإمام الزيدي بصعدة فأقام عنده حتى مات في هذه السنة.
محمود بن أحمد الحلبي الجندي الخلعي إمام فارس اشتغل كثيراً بحلب ومهر وحفظ كتباً وبحث وقرأ ثم قدم دمشق فمت بها وهو شاب وله دون الأربعين.
ميمون أبو وكيل التونسي المالكي أحد الفضلاء بالقاهرة.(1/169)
سنة ثمانين وسبعمائة
في أولها مات أينبك في السجن بالإسكندرية، ووهم من أرخه في الماضية، وكان الوصول بخبر موته في يوم عاشوراء وصودرت زوجته على مال عظيم جداً وأهينت إلى الغاية.
وفيها في المحرم استقر كريم الدين بن مكانس في نظر الدولة عوضاً عن التاج الملكي، ثم استقر في سادس صفر عوضاً عن ابن عرام في الوزارة نقلا من نظر الدولة، واستقر أخوه فخر الدين في نظر الدولة.
وفيها أعيد تقي الدين بن محب الدين إلى نظر الجيش في تاسع عشر صفر وعزل التاج الملكي وصودر. وفي ثامن المحرم قبض على ابن آقبغا آص وصودر على مائة ألف ثم اعتقل بالكرك.
وفيها كان الحريق العظيم بدار التفاح ظاهر باب زويلة فعمل في الفاكهيين والنقليين والبراذعيين ولولا أن السور منع النار النفوذ لاحترق أكثر المدينة فاهتم بأمره بركة وركب بنفسه وركب معه دمرداش الأحمدي وأيتمش وغيرهما إلى أن خمد بعد ثلاثة أيام وأقام الناس في شيل التراب ثلاثة أشهر، وعمل فيه زين الدين طاهر بن حبيب الموقع قطعة منها:
بباب زويلة وافي حريق ... أزال معاني الحسن المصون.
وما برح الخلائق في ابتهال ... لمحى الأرض من بعد المنون.(1/170)
إلى أن قال في لطف خفي ... وفضل عناية يا نار كوني.
وعمل شهاب الدين بن العطار:
حانوت غازي ونائب الحنفي ... قد أشعلا النار في الدجى الساري.
ولا عجيب من احتراقهما ... فقد أتى قاضيان في النار.
وفيها أفرج عن يلبغا الناصري، واستقر في تقدمة ألف بدمشق، ثم نقل إلى نيابة طرابلس.
وفي عاشر صفر استقر تاج الدين الرملي وزيراً بالشام، وقد عاش هذا إلى أن ولي نظر الدولة فدام فيها إلى أن امت بعد أربعين سنة من هذا الوقت.
وفيها قبض على تمرباي رأس نوبة تحيل عليه بركة حتى أمسكه ونفاه إلى الإسكندرية واستقر بركة في وظيفته وباشر نظر المارستان واستناب جمال الدين العجمي عوضاً عن بدر الدين الأفقهسي واستقر دمرداش في وظيفة بركة وهي أمير مجلس، واستقر الطنبغا الجوباني على تقدمة تمرباي وتتبع برقوق مماليك الجاي وحواشيه فنفاهم إلى قوص وإلى الشام وإلى الإسكندرية وغير ذلك وقد قيل كان عدد من نفاه منهم ثماني مائة نفس وأهينوا إلى الغاية فكانوا(1/171)
يجعلون يد هذا ويد هذا في خشبة ويحسبهما في خزانة شمائل، ووسط منهم جماعة وسمر آخرين، ثم قبض على جماعة من مماليك الأمراء أرادوا إثارة فتنة ثم قبض على جماعة من الأشرفية فحبسوا.
وفي سادس ربيع الأول صودر سيف الدين المقدم على مائة ألف دينار فأورد منها قدر النصف ثم شفع فيه واستمر وقبض على محمد بن يوسف المقدم فضرب بحضرته حتى مات.
وفيها أضيفت حسبة مصر لجمال الدين العجمي عوضاً عن الشريف عاصم، فقرر فيها رفيقه سراج الدين عمر الفيومي.
وفيها ولي الشريف مرتضى نظر الأشراف، فطلب من الشريف شرف الدين علي بن فخر الدين نقيب الأشراف كتاب وقف الأشراف فامتنع من إرساله فأهانه الأمير برقوق جداً وعزله عن النقابة، وقرر فيها الشريف عاصماً.
وفي سابع عشر شهر ربيع الآخر كائنة الشيخ سراج الدين بن الملقن وكان ينوب في الحكم، فتكلم برقوق في من يوليه قضاء الشافعية عوضاً عن بدر الدين بن أبي البقاء لسوء سيرته، وكان الشيخ سراج الدين يتردد إلى برقوق فذكره للولاية ومن عزمه أن لا يغرمه شيئاً فذكر ذلك لبعض أصحابه فبلغ الخبر بدر الدين بن أبي البقاء فسعى ببذل(1/172)
مال جزيل فلم يلتفت برقوق لذلك وصمم على ولاية ابن الملقن فبلغه ذلك فأشار عليه بعض أصحابه أن يرضى بركة لئلا يفسد عليه الأمر بسعي ابن أبي البقاء، فكتب له ورقة بأربعة آلاف دينار لبركة فلما شاور برقوق الأمراء في تولية ابن الملقن وأثنى عليه بالدين والفضل فقال له بركة: يا آغا! اصبر علي حتى أقبض منه الذي وعدني به، فتغيظ من ذلك وأخذ الورقة وأمر بإحضار ابن الملقن وجميع العلماء، فتكلم كل أحد بما يهوى، فأخرج برقوق الورقة وقال للشيخ سراج الدين: هذا خطك؟ فقال: لا، وصدق في ذلك فإن الورقة لم تكن بخطه وإنما كتبها الذي أشار عليه على لسانه، فازداد غيظه عليه وأهانه وسلمه للمقدم محمد بن يوسف وأمره أن يخلص منه المال الذي وعده به في الورقة، فاتفق أن المقدم المذكور كان وقع في واقع فرفع أمره إلى ابن الملقن فحكم بحقن دمه فرعى له ذلك، فلما كان يوم الخميس رابع عشرين ربيع الآخر اجتمع البلقيني والركراكي وطائفة من العلماء وسألوا الأمير في الشيخ سراج الدين فوعدهم بأن يطلقه فصمم البلقيني وقال: لا أتوجه إلا به، فسلمه له فنزل به وكان ابن الملقن قد دخل في رأسه دخان المنصب فولي وعزل وعين جماعة لوظائف، فلم يتم له شيء من ذلك، قرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري: كان السبب في سعي ابن الملقن أن برقوق كان طلب من يقرأ عنده عليه البخاري في رمضان سنة تسع وسبعين، فذكروه له فاجتمع به وصارت بينهما صداقة، فلما استقر بدر الدين بن أبي البقاء استنابه في الصالحية وأعطاه الشرقية لقربه من برقوق فتاقت نفسه إلى المنصب، فذكر القصة وذكر أنه أهين في ذلك المجلس وأنه لما سئل أجاب بأنه سعى لتعيين ذلك عليه فأمر برقوق القاضي بدر الدين بعزله وسلمه لشاد الدواوين فبقي عنده إلى أن خلص في أول جمادى الآخرة.
وفي ربيع الأول سعى الشيخ شمس الدين العليمي في مشيخة الخانقاه الأسدية بدمشق(1/173)
وكانت بيد الشيخ صدر الدين الياسوفي، وأعانه على ذلك الشيخ حب الله فانتزعها من الصدر فاتفق أن العليمي قبض عليه والي الشرطة في خامس عشر شهر ربيع الآخر في بيت نصراني وبين يديه باطية خمر فحمله إلى الحاجب فأقام عليه الحد واتفق أن الذين وشوا به كانوا من أتباع الياسوفي فانتصر له النائب فرسم عليهم وعلى الياسوفي وقرر في مشيخة الأسدية الشيخ شمس الدين بن سند.
وفي ربيع الآخر قام جماعة على الشيخ شمس الدين الحنفي القونوي المقيم بالمزة ورفعوا إلى السلطان أنه يقع في العلماء حتى في الصحابة، فرسم أن يعقد له مجلس بدمشق فطلبه النائب وادعى عليه فلم يثبت عليه شيء فأطلق وعظم قدره بعد ذلك.
وفيها استقر أمير غالب بن أمير كاتب همام الدين بن قوام الدين الإتقاني في قضاء الحنفية بدمشق، وكان مذكوراً بالفسق والجهل.
وفيها نازل الفرنج طرابلس في عدة مراكب فالتقاهم يلبغا الناصري فهزمهم فإنه أمر العسكر أن يتأخروا فطمع فيهم الفرنج وتبعوهم إلى أن بعدوا عن البحر فرجع عليهم بالعسكر فهزمهم وقتل منهم جماعة وكان فتحاً مباركاً لأنه استطرد لهم إلى أن صاروا في البر فضرب عليهم مريحاً فقبض على أكثرهم وقتل منهم جمع كثير وفر من بقي إلى المراكب فاقلعوا بها هاربين. وفيها نازل مبارك الطازي نائب البلستين خليل بن دلغادر التركماني ومن معه فانكسروا فتبعهم فردوا عليه فكسروه وأمسكه خليل فضرب عنقه صبراً.(1/174)
وفي جمادى الأولى قبض على الشمس المقسي ناظر الخاص وصودر على مال جزيل ونقل ما في منزله فوجد من جملته ألف بدن سنجاب، وأضيف نظر الخاص لابن مكانس مع الوزارة.
وفيه ظهر كوكب له ذؤابة وبقي يرى في أول الليل من ناحية الشمال وفي آخر الليل من ناحية الجنوب.
وفيها تحدث بركة في نظر الأوقاف وتكلم معه فيها كمال الدين المحتسب وانتزعوا جميع الأوقاف من الشافعي حتى جامع ابن طولون، وذلك في شهر رجب.
وفيها في شعبان سعى شمس الدين ابن أخي جاز الله في مشيخة سعيد السعداء وكانت بيد الشيخ برهان الدين الأبناسي فحج في السنة الماضية، واستناب صديقه الشيخ زين الدين العراقي وجاور، فقام جماعة من أهلها فرافعوا الشيخ برهان الدين وذكروا أنه يهمل أمرها، وقال قوم منهم: أعرض عنها، فقرر بركة شمس الدين المذكور عوضاً عنه، وسعى جماعة ممن يتعصب للشيخ برهان الدين في عقد مجلس وساعدهم الشيخ سراج الدين البلقيني فما أفاد، واستقر ابن أخي الجار.
وفيها أطلق طشتمر من سجن الإسكندرية ونقل إلى دمياط، فأقام بها بطالاً مطلقاً.
وفيها استقر كمشبغا اليلبغاوي في النيابة بدمشق وصرف بيدمر وسجن بالإسكندرية.
وفيها أغار قرط أمير أسوان على أولاد الكنز فأمسك منهم أحد عشر نفساً من أكابرهم وأحضرهم إلى القاهرة فقتلوا، وهو أول من تعرض لهم وكانوا يسكنون خارجاً عنها وهم من ذرية بعض عبيد بني عبيد أصحاب القصر بالقاهرة، وكاتب بذلك كبير الدولة فعلقت الرؤوس بباب زويلة، وأرسل صحبتهم نحو المائتي نفس فاسترقوا وبيعوا فانفتح منهم على(1/175)
أهل البلاد باب شر وآل الأمر إلى أن خربت أسوان بأيديهم وجلا عنها أهلها زماننا هذا واستولى بقاياهم عليها.
وفيها استقر موسى بن قرمان كاشف الوجه القبلي وأمر تقدمة ألف وكوتب بملك الأمراء، وهو أول من صنع له ذلك وذلك بعد قتل مراد الكاشف من عربان البحيرة بدر بن سلام ومن معه.
وفيها استقر تمرباي الدمرداشي في نيابة حماة عوضاً عن كمشبغا.
وفيها أفرج عن قزدمر من المرقب وعن ابن أخيه يلك وأقاما بطرابلس ثم نقلا إلى دمشق ثم عين قزدمر لنيابة حلب فلم يتم ذلك، ثم أعطى إقطاع حطط، ثم استقر حطط في نيابة حماة لما انتقل تمرباي إلى نيابة حلب.
وفيها قبض على اشقتمر نائب حلب وسجن بالإسكندرية ثم أفرج عنه ونقل إلى القدس بطالاً، واستقر في نيابة حلب منكلي بغا الأحمدي، ثم قبض عليه في رجب وسجن بالقلعة، ونقل تمرباي من نيابة حماة إلى نيابة حلب.
وفيها قدم الشيخ أمين الدين الحلواني فأنزل في دار الضيافة، وحصل له من الأمراء فتوح كثير فشرع في عمل السماعات وإنفاق ما يدخل عليه من الفتوح في ذلك فانثال عليه الناس وكثر زائروه ومعتقدوه، وذكر أنه دخل إلى بلاد برغال وأهلها كفار فدعاهم إلى الإسلام فأسلم غالبهم على يده.(1/176)
وفيها توجه شخص من أهل الصلاح يقال له: عبد الله الزيلعي إلى الجيزة، فبات بقرب أبو النمرس فسمع حس الناقوس فسأل عنه فقيل له إن بها كنيسة يعمل فيها ذلك كل ليلة حتى ليلة الجمعة وفي يومها والخطيب على المنبر، فسعى عند جمال الدين المختسب في هدمها فقام في ذلك قياماً تاماً إلى أن هدمها وصيرها مسجداً، وفي جمادى الآخرة تكلم تغرى برمش الحاجب الكبير في الوزير ابن مكانس وشدة عسفه وظلمه، فقال له بركة: أصلح أنت نفسك! فغضب ورمى قباه ولزم بيته، ثم نقل إلى حلب حاجباً فسار إليها.
وفي أواخر شوال قبض على فخر الدين بن مكانس وأخيه الوزير وأهينا وصودرا ثم هربا، واستقر التاج الملكي في الوزارة والشمس المقسي في نظر الخاص، وكان ابن مكانس في مباشرته أهوج شديد الجور وإحداث المظالم حتى أنه قبل القبض عليه بقليل توجه بنفسه إلى بركة الحاج وأمر المقومين أن يحضروا أوراق مكس الجمال التي معهم ومن لم يحضر ورقه ألزم بإعادة المكس، فحصل بذلك للحجاج ضرر كبير، وهو أول من أحدث ذلك فعوجل وكان قبل ذلك بقليل بلغه أن بقيسارية جركس كثيراً من القماش بغير ختم فأغلقها في ليالي العيد ثمانية أيام ففاتهم الموسم وكثر دعاؤهم عليه.
وفيها أمسك ابن التركية أمير عربان البحيرة، فقبض عليه أيدمر والي البحيرة وسجن وتوجه جمع كثير من الأمراء إلى الصعيد لتتبع العربان، فهربوا فرجعوا بغير طائل، وكان الأمير مراد استقر في كشف الصعيد في ثالث عشر صفر، وهو أول من ولي ذلك بتقدمة ألف، فوقع بينه وبين بدر بن سلام أمير عرب البحيرة وقعة انجلت عن قتل مراد فنقل في مركب إلى القاهرة في شعبان. واستقر موسى بن قرمان أمير الأمراء بالوجه القبلي، وهو أول من عملها وقرر في خدمته حاجباً أمير أربعين وذلك في سادس رمضان.(1/177)
وفيها كانت بين تمرباي نائب حلب وبين التركمان وقعة كبيرة فيها كسرة شنيعة، وارتفعت رؤوس التركمان من يومئذ ومنعوا العداد من هذا التاريخ.
وفيها ولي ناصر الدين أحمد بن التنيسي قضاء الإسكندرية وصرف عز الدين بن الريغي، وكان استقر بعد موت أبيه ثم صرف بعد قليل، وعاد ابن الريغي ثم صرف، وعاد ابن التنيسي في ذي الحجة منها، وصارا يتنازعان ذلك مدة إلى أن نقل ابن التنيسي إلى القضاء بالقاهرة كما سيأتي.
وفيها جهز الأشرف صاحب اليمن المحمل إلى مكة ومعه كسوة للكعبة، فحال أمير الركب المصري بينهم وبين كسوة الكعبة وكادت تقع الفتنة ثم خمدت بلطف الله تعالى بعناية صاحب مكة، وحصل له بسبب ذلك من اليمنيين ذكر.
وفيها حمل إلى المارستان رجل كان منقطعاً بين النهرين في عريش، فمرض فبقي ملقى على الطريق أياماً فحمله بعضهم إلى المارستان، فنزل فيه ثم مات فغسل وصلى عليه وحمل إلى المقبة، فلما أدخل القبر عطس فأخرج، ثم عوفي وعاش، وصار يحدث الناس بما رأى وعاين، وكانت هذه كائنة غريبة بدمشق في جمادى الآخرة.
وفي السادس عشر من ذي الحجة كان قد تكلم الأمراء في إبطال الأوقاف من أراضي الديار المصرية بسبب أن الواقفين يشترون الارض بطريق الحيلة ثم يوقفونها، فعقد لذلك مجلس حضره أهل العلم والأعيان، فقال برقوق: ما أضعف عسكر المسلمين إلا هذه الأوقاف، والصواب استرجاعها، فأنكر الشيخ أكمل الدين ذلك وتكلم معه ومع بركة التركي إلى أن نفر فيه بركة وأظهر الغضب، فبدر الشيخ سراج الدين البلقيني وقال: أما أوقاف الجوامع والمدارس وجميع ما للعلماء والطلبة فلا سبيل إليه، ولا يحل لأحد نقضه لأن لهم في الخمس أكثر من ذلك، وأما ما وقف على عويشة وفطيمة واشترى لأمثالهم من بيت المال بالحيلة، فينبغي أن ينقض إذا تحقق أنه أخذ بغير حق، فقال بدر الدين بن أبي البقاء القاضي: الأرض كلها للسلطان يفعل فيها ما يشاء، فرد عليه بدر الدين ابن الشيخ سراج الدين وقال: بل السلطان كآحاد الناس لا يملك من الأرض شيئاً إلا كم كما يملكه غيره، فكثر اللغط وانفصلوا على غير شيء(1/178)
إلا أن الشيخ أكمل الدين بعد ذلك بالغ في الرد على من أراد إبطال شيء من الأوقاف وقبح فعل ذلك، وساعده الشيخ ضياء الدين القرمي إلى أن سكن الحال.
وفيها اسستقر أوحد الدين موقع برقوق في نظر خزانة الخاص بعد موت علاء الدين بن غراب.
وفي شوال رمى ابن الحاجب عبد الله بطيراً فصرعه وادعة لبركة وشرع في تجهيز التقدمة على العادة، والعادة في ذلك أن يقدم من يفعل ذلك للأمير الذي يدعي له تقدمة هائلة تساوي قدر ألفي دينار، فذكر بعض الأمراء لبركة أن عبد الله بن الحاجب هذا قدم لصرغتمش قبل هذا التاريخ أضعاف ذلك، فغضب بركة وأخذ التقدمة وأمر بنفيه هو وولده إلى الشام بطالين، ثم شفع عنده فيهما فأمر بردهما فبذلا عشرة آلاف دينار، فأمر عبد الله أربعين وأقام ابنه بطالا.
وفيها في خامس عشرين ذي الحجة وجدت ورقة عند برقوق فيها أن غلام الله مشد الشربخانات يريد أن يكبس عليكم في صلاة الجمعة مع العبيد، فأمر الخطيب أن يوجز الخطبة، واتفق حضور قرط من أسوان ومعه كتب من غلام الله إلى أولاد الكنز يحرضهم على المجيء فقبض على غلام الله وسجن.
وفيها طغا التركمان وتجمعوا بعد كسر مبارك الطازي وقتله، فأرسل برقوق إلى تمرباي نائب حلب أن يرسل إليهم الجيوش وجهز عسكر دمشق إليهم أيضاً فتوجهوا فكسرهم التركمان وتبعوهم إلى الدربند وتبجحوا في ذلك، وكان التركمان لما أحسوا بالغلبة أرسلوا منهم أربعين نفساً بالتحف والهدايا، واظهروا الطاعة والخضوع قبل الوقعة والتزموا بدرك سائر الطوائف فلم يقبل منهم ذلك، وأمسكت رسلهم وأخذ ما معهم وكبس في الحال على منازلهم ونهبت أموالهم وسبيت نسؤهم فانتهكت محارمهم حتى كان الغلمان والأتباع يقتضون الأبكار بغير إنكار،(1/179)
فلما ألح العسكر في أتباعهم رجعوا عليهم مستقبلين فوقفوا لهم عند مضيق فقتل من العساكر عدد كثير وجرح أكثرهم ونهب ما معهم وهزموهم، فقيل كان جملة ما نهب ثلاثين ألف جمل محملة وثلاثة هشر ألف فرس ونحو ذلك، فحمى التركمان واجتمعوا وأكمنوا لهم عند مضيق يقال له فاز الملك على شاطئ البحر بالقرب من بلدة أناس وطريقه لا يسلكها إلا جمل واحد، فلما مروا بهم أوقعوا بهم فلم ينج منهم إلا الشارد وهلك المعظم، ويقال إن تمرباي أسر فلم يعرف فتحيل حتى أطبق وملك التركمان بلستين واستعدوا لقصد حلب ونهبها.
وفي صفر منها استقر السلطان الملك العادل فخر الدين سليمان بن غازي في مملكة حصن كيفا، فوض إليه ذلك أخوه الملك الصالح بعد أن أشهد على نفسه بالرضا بذلك وخلع نفسه من الملك، وضربت الدراهم والدنانير باسم سليمان، ورسخت قدمه في المملكة.
وفيها أمسك على سابق الدين مثقال الأشرفي زمام الأشرف شعبان كان صودر على مال كثير على يد سيف المقدم فأخذ منه ثلاثة آلاف دينار.
وفي شوال أمر بتبطيل الوكلاء من دور القضاء.
ذكر من مات
في سنة ثمانين وسبعمائة من الأعيان.
إبراهيم بن عبد الله الحكري برهان الدين المصري، ولي قضاء المدينة، وكان عارفاً بالعربية، وشرح الألفية، ثم رجع فمات بالقدس في جمادى الآخرة، وقد ناب في الحكم عن البلقيني في الخليل والقدس وأم عنه نيابة بالجامع بدمشق.
أحمد بن خضر بن أحمد بن سعد بن عمار بن غزوان بن علي بن مشرف بن تركي(1/180)
الحسباني السعدي شهاب الدين نزيل دمشق، كان من أهل حسبان، وسكن دمشق فكانت له جلادة وصرامة، وكان من الشهود، ذكره قريبه شهاب الدين بن حجى، وذكر أنه وجد شهادة عم جد أبيه على المعظم بن العادل في سنة خمس وستمائة في وقف جامع حسبان، شهد بذلك عمار ابن غزوان بن علي السعدي ثم أدى تلك الشهادة عند الحاكم بحسبان عبد الحق بن عبد الرحمن سنة عشرين وستمائة، مات بدمشق.
أحمد بن سليمان بن محمد العدناني أبو العباس البرشكي بكسر الموحدة والراء وسكون المعجمة بعدها كاف والد صاحبنا المحدث زين الدين عبد الرحمن، روى عن الوادياشي والشريغ المغربي واشتغل ومهر، وله حواش على رياض الصالحين للنووي في مجلد، وله تواليف، روى عنه عبد الله بن مسعود بن علي بن القرشية وغيره من أهل تونس، ومات بها في هذه السنة.
أحمد بن عبد الله العجمي المعروف بأبي ذر، قدم مصر بعد أن صحب الشريف حيدر بن محمد فأقام مدة ثم رجع إلى القدس وبه مات، واشتهر على ألسنة العوام باذار أركان يعرف علم الحرف ويدرس كتب ابن العربي، وله اشتغال في المعقول وذكاء، وكان كثير التقشف، وللناس فيه اعتقاد، مات في ذي الحجة وقد أضر، وجاوز السبعين.
أحمد بن محمد بن إسماعيل الطبري المكي، سمع من الرضي الطبري وغيره وحدث.
أحمد بن محمد بن عبد الله بن ملك بن مكتوم العجلوني بن خطيب بيت لهيا شهاب الدين بن فخر الدين، ولد سنة تسع وسبعمائة، وسمع من الحجار وإسماعيل بن عمر الحموي وغيرهما وحدث، وكان رئيساً وجيهاً، وله عدة مشاركات، مات في المحرم.
أحمد بن محمد بن محمد بن حسن العزي بالعين المهملة المكسورة ثم الزاي، كان أحد المؤذنين والقراء بالألحان، فاق أقرانه وكان وجيهاً، يتعانى الشهادة ثم ترك، وكان شريف(1/181)
النفس منجمعاً محبباً إلى الناس، مات في جمادى الأولى وقد جاوز الأربعين، وهو خال الشيخ شهاب الدين بن حجى.
أحمد بن مخلص السخاوي الشيخ شهاب الدين الدمشقي، ولد سنة بضع وسبعمائة، وسمع من السلاوي والمزي والبرزالي وغيرهم، وكان صوفياً بخانقاه خاتون منجمعاً مقتنعاً بملك له وقفه على نفسه ثم على الخانقاه وحدث، مات في جمادى الآخرة.
اطلمش الدوادار، مات بالإسكندرية، وكان يقال له الأرغوني، أمر أربعين بعد قتل الأشرف ثم استقر دويدارا كبيراً، ثم قبض عليه مع طشتمر ثم أعطى تقدمة ألف بالشام، ثم مات في ربيع الآخر.
آقبغا الجمدار خزندار الجاي، كان شجاعاً مقداماً، تقدم في زمن أستاذه ثم نفي بعده إلى الشام ثم أعطى إمرة عشرة بمصر، ثم قبض عليه في صفر وقتل.
بسسى مات بعد رجوعه من القاهرة.
أبو بكر بن الحافظ تقي الدين محمد بن راقع، ولد في رمضان سنة ست وثلاثين، وأسمعه أبوه من زينب بنت الكمال والجزري وغيرهما وحدث، وكان قد درس بالعزيزية بعد أبيه، مات في رجب.
الحسن بن عبد الله الصيرفي المصري كان نقيب الفقراء، وله نظم، مات في صفر.
الحسن بن محمد بن حسن بن أحمد بن عبد الواحد الدمشقي بدر الدين بن الزملكاني، كان من رؤساء الدمشقيين، ومات في رمضان.(1/182)
الحسن بن سالار بن محمود الغزنوي ثم البغدادي الفقيه الشافعي، رحل قديماً فسمع من الحجار وغيره، ثم رجع وحدث ببغداد بصحيح البخاري عن الحجار وبتلخيص المفتاح عن مصنفه الجلال القزويني، مات في شوال.
داود بن إسماعيل القلقيلي نسبة إلى قرية بين نابلس والرملة يلقب بهاء الدين، كان فاضلاً شافعياً يدرس ويفتي، سكن حلب. ومات في هذه السنة ذكره القاضي علاء الدين في تاريخه.
صالح بن محمد بن صالح المناوي أحد المعتقدين بالقاهرة، مات بمنية الشيرج وبها كانت زاويته ويذكر عنه كرامات، وكان كثير الضيافة للواردين، وللنا فيه اعتقاد كثير، مات في رمضان.
ضياء بن سعد الله بن محمد بن عثمان القزويني ويقال له القرمي ويعرف بقاضي القرم ويسمى أيضاً عبد الله، الشيخ ضياء الدين العفيفي، أحد العلماء، تفقه في بلاده وأخذ عن القاضي عضد الدين وغيره، ثم اشتغل على أبيه والبدر التستري والخلخالي، وتقدم في العلم قديماً حتى كان سعد الدين التفتازاني أحد من قرأ عليه، وحج قديماً فسمع من العفيف المطري بالمدينة وكان اسمه عبيد الله فكان لا يرضى أن يكتبه فقيل له في ذلك فقال: لموافقته اسم عبيد الله بن زياد قاتل الحسين، وكان يستحضر المذهبين ويفتي فيهما ويحسن إلى الطلبة بجاهه وماله مع الدين المتين والتواضع الزائد وكثرة الخير وعدم الشر والعظمة الزائدة، وكانت لحيته طويلة جداً بحيث تصل إلى قدميه ولا ينام إلا وهي في كيس، وكان إذا ركب فرقها فرقتين، وكان عوام مصر إذا رأوه قالوا: سبحان الخالق! فكان يقول: عوام مصر مؤمنون حقاً لأنهم يستدلون بالصنعة على الصانع، ولما قدم القاهرة استقر في تدريس الشافعية بالشيخونية وفي مشيخة البيبرسية وغير ذلك، وكان لا يمل من الاشتغال حتى في حال مشيه وركوبه، ويحل الكشاف والحاوي حلا إليه المنتهى حتى يظن أنه يحفظهما أو يقدر على سردهما، وكان يقول: أنا حنفي الأصول شافعي الفروع، وكان يدرس دائماً بغير مطالعة، وعظم قدره جداً في أيام دولة الأشراف، مات في ثالث عشر ذي الحجة،(1/183)
فقرأت بخط قاضي القضاة تقي الدين الزبيري وهو فيما أجازنيه أن سبب موته أنه عقد عند برقوق مجلس بسبب الأوقاف فتكلم الضياء بكلام قوي فغضب منه برقوق وأجابه بجواب خشن خاف منه على نفسه فرجع إلى الشيخونية ثم رجع إلى بيته فمرض واستمر إلى أن مات، كتب إليه زين الدين طاهر بن الحسن بن حبيب:
قل لرب الندى ومن طلب العلم مجداً إلى سبيل السواء.
إن أردت الخلاص من ظلمة الجهل فما تهتدي بغير الضياء.
فأجاب:
قل لمن يطلب الهداية مني ... خلت لمع السراب بركة ماء.
ليس عندي من الضياء شعاع ... كيف تبغي الهدى من اسم الضياء.
طلحة بن عيسى بن إبراهيم بن عيسى الزبيدي المهتار، كان صالحاً، له كرامات، مات في ربيع الآخر.
عارف بن محمد العجمي نزيل القاهرة، كان عارفاً بالموسيقى وانتهت إليه الرئاسة في ذلك، وكان أحد الصوفية بالبيبرسية، مات في ذي القعدة.
عبد الله بن عبد الله الجبرتي صاحب الزاوية بالقرافة، أحد من يعتقد بالقاهرة، مات في سادس عشر المحرم.
عبد الله بن محمد بن سهل المرسي المغربي نزيل الإسكندرية، ويعرف بالشيخ نهار، كان أحد من يعتقد ببلده ويذكر عنه مكاشفات كثيرة، مات في جمادى الأولى.
عبد الله بن محدار شاهد الإصطبل، وكان من الخواص عند ابن الغنام وولي نظر المواريث، وكان شديد السمرة، مات رجوعه من الحج في صفر.(1/184)
عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم، عز الدين أبو محمد بن العجمي الحلبي، سمع من أبي بكر أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن العجمي مجالس ابن عبد كوية الثلاثة، سمع منه ابن ظهيرة والبرهان المحدث وغيرهما، ومات راجعاً من الحج في ثالث المحرم، وكان شيخاً منقطعاً عن الناس، له وقف يرتزق منه وهو من بيت كبير بحلب.
عبد الملك بن عبد الكريم بن يحيى بن محمد بن علي بن محمد بن يحيى القرشي، محيي الدين ابن الزكي الدمشقي، كان من بيت كبير بدمشق، ولد قبيل الثلاثين، وسمع من زينب بنت الكمال وغيرها، وطلب بنفسه واشتغل وحدث، وناب في الحكم ودرس وكان من الرؤساء، مات في ذي القعدة ولم يكمل الخمسين، وكان له نظم.
علي بن صالح بن أحمد بن خلف بن أبي بكر الطيبي ثم المصري، سمع من الحجار ووزيرة، وحدث عن ابن مخلفو بالسادس من الثقفيات سماعاً قال أخبرنا جعفر، مات في سابع عشر المحرم، سمع منه أبو حامد بن ظهيرة بالقاهرة.
علي بن عرب الطنبذي محتسب القاهرة، ولي أيضاً وكالة بيت المال ونظر الخزانة، وحج في هذه السنة فمات بعد قضاء حجه بمكة في ثالث عشر ذي الحجة.
علي بن كلفت، والعامة تقول كلبك شاد الدواوين، كان مشهوراً بالعفة ويقال إنه ما ارتشى قط لكنه كان ظالماً غشوماً، مات بالطريق بين حلب ودمشق في جمادى الآخرة فحمل إلى دمشق فدفن بها، ويقال إنه لما كان بحلب ظلم ظلماً كثيراً فطلبه منكلي بغا النائب وأهانه وضربه فكان ذلك سبب موته عفا الله تعالى عنه.
مبارك شاه الطازي أحد الأمراء، كان من أعيان أتباع طاز وأول ما تأمر أربعين في شوال سنة ثمان وستين، ثم أمر تقدمة في سنة خمس وسبعين ثم كان ممن أعان على قتل الأشرف، واستقر في أول سنة تسع وسبعين رأس نوبة، ثم قبض عليه مع قرطاي وسجن بالإسكندرية ثم أطلق وأعطى إمرة البلستين ثم نقل إلى نيابة غزة في أول سنة ثماني ثم أعيد إلى البلستين فقتل في صفر.(1/185)
محمد بن إبراهيم بن محمد بن يوسف الدمشقي شمس الدين الحسباني، ولد بحسبان وأصله من غزة، وإنما ولي أبوه القضاء بحسبان ونشأ هو بها وكتب بين يدي أبيه ثم ولي كتابة الحلة بدمشق، وكان مشهوراً بالمهارة في ذلك عارفاً بالوثائق، مات في المحرم عن سبعين سنة.
محمد بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي الصالحي، صلاح الدين بن تقي الدين بن العز، مسند الدنيا في عصره، ولد سنة أربع وثمانين، وتفرد بالسماع من الفخر بن البخاري، سمع منه مشيخته وأكثر مسند أحمد والشمائل والمنتقي الكبير من الغيلانيات، وسمع من التقي الواسطي وأخيه محمد وأحمد عبد المؤمن الصوري وعيسى المغري والحسن بن علي الخلال والعز الفراء والتقي بن مؤمن ونصر الله بن عياش في آخرين، وأجاز له في سنة خمس وثمانين جماعة من أصحاب ابن طبرزد والكندي وخرج له الياسوفي مشيخة وحدث بالإجازة عن النجم بن المجاور وعبد الرحمن بن الزين وزينب بنت مكي وزينب بنت العلم، وأسمع الكثير ورحل الناس إليه وتزاحموا عليه وأكثروا عنه، وكان ديناً صالحاً حسن الإسماع، أم بمدرسة جده، وأسمع الحديث أكثر من خمسين سنة، وكان أولاً يتعسر ثم سمع، وقد أجاز لأهل مصر خصوصاً من عموم فدخلنا في ذلك، مات في شوال عن ست وتسعين سنة وأشهر، ونزل الناس بموته درجة، ولد في آخر سنة ثلاث أو أول أربع وثمانين فأكمل ستاً وتسعين سنة وأشهراً.
محمد بن أحمد بن رسول الأبناسي محتسب دمشق وليها مراراً، مات في ذي القعدة.
محمد بن أحمد بن علي بن جابر الهواري الأندلسي أبو عبد الله بن جابر الضرير صاحب البديعية، تقدم ذكره مع رفيقه أبي جعفر الغرناطي ومات هو في هذه السنة.
محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حسن الخراساني، بدر الدين بن ركن الدين بن وحيد الدين، الخراساني الأصل الدمشقي، شيخ خانقاه الطواويس تلقاها عن والده(1/186)
سنة إحدى وأربعين، وكان مولده سنة عشرين وسبعمائة، وسمع من السادجي بعض جامع الترمذي وحدث، ومات في صفر.
محمد بن إسماعيل بن أحمد الدمشقي الفراء الأشقر الملقب بالقزل، سمع المزي وإبراهيم بن الفريسة والبرزالي وجماعة من أصحاب بان الدائم وحدث، وكان دمث الأخلاق يحب أهل الحديث وأصحاب ابن تيمية، حفظ القرآن على كبر وقد حفظ عليه القرآن جماعة، مات في ربيع الآخر.
محمد بن علي بن الجبعاء العادلي، ناصر الدين، نشأ في رياسة وتعانى الفروسية، ومهر في لعب الأكرة، وولي إمرة عشرة ثم طبلخانات، ثم أمر تقدمة في سنة سبع وسبعين، وولي نيابة السلطنة في أول سنة ثمانين ثم ولي نيابة غزة في ربيع الأول منها، ثم استعفى لمرض عرض له ومات في جمادى الآخرة منها.
محمد بن عيسى شمس الدين النابلسي قاضيها وخطيبها، هو سبط القلقشندي، مات في جمادى الآخرة وهو من أبناء الأربعين.
محمد بن محمد بن سعيد بن عمر بن علي الهندي الصنعاني ضياء الدين، نزيل المدينة، ثم كة، كان فاضلاً صاحب فنون، ويدري الفقه والعربية والأصول وله سماع من البدر الفارقي والعفيف المطري، وكان يتعانى التجارة، مات في ذي الحجة وقد جاوز الثمانين، وهو والد صاحبنا شهاب الدين بن الضياء قاضي الحنفية الآبن بمكة، وقد ادعى والده أنهم من ذرية الصنعاني وأن الصنعاني من ذرية عمر بن الخطاب، وكان الضياء قد سمع علي الجمال المطري والقطب بن مكرم والبدر الفارقي، وكان سبب تحوله من المدينة أنه كان كثير المال فطلب منه جماز أميرها شيئاً فامتنع فسجنه ثم أفرج عنه فاتفق أنهما اجتمعا في المسجد فوقع من جماز كلام في حق أبي بكر وعمر فكفره الضياء وقام من المجلس فتغيب وتوصل إلى ينبع واستجار بأميرها أبي الغيث فأرسله إلى مصر فشنع على جماز فأمر السلطان بقتله فقتل(1/187)
في الموسم فنهب آل جماز دار الضياء فتحول إلى مكة وتعصب له يلبغا فقرر له درساً للحنفية في سنة ثلاث وستين فاستمر مقيماً بمكة إلى أن مات، وكان عارفاً بالفقه والعربية شديد التصعب للحنفية كثير الوقيعة في الشافعية.
محمد بن محمد بن عثمان بن الصفي أحمد بن محمد بن أبي بكر الطبري، سمع من جده عثمان وجماعة بدمشق ومكة وحدث، أخذ عنه السراج الدمنهوري وغيره وكتب الكثير وتوجه إلى بلاد الهند سنة ثمان وخمسين فأقام بها إلى أن مات في هذه السنة.
محمود بن علي بن إبراهيم القيصري شيخ الخانقاه الخاتونية ونظر الربوة وولي أيضاً نظر الأسرى، وكان مكيناً عند الناس كثير الإفضال والمكارم، وقد نزل لولده عبد الملك عن المشيخة قبل موته بقليل، وكانت له مكانة عند الناس ومكارم أخلاق، مات في شوال، سمع صحيح مسلم على السلاوي، ونزل له صهره ابن حمويه عن مشيخة الشيوخ فما سعى فيها واستمر بالخاتوينة.
موسى بن عبد الله الأزكشي نائب السلطنة في عدة أقاليم وبالقاهرة ثم الأستادارية والحجوبية والإشارة والكلام في أمور المملكة كلها، مات في المحلة في ذي القعدة، وكان معروفاً بالعفة والديانة.
موسى بن محمد بن شهري بضم المعجمة وسكون الهاء التركماني، أحد أكابر الأمراء بالبلستين والنائب في سيس وغيرها من البلاد الشمالية، مت في رمضان وقد جاوز الأربعين، وكان يحب العلم ويفهم كثيراً ويذاكر(1/188)
ويتمذهب للشافعي، ويقال إن الباريني أذن له في الإفتاء، وكان ذلك في سنة وفاته وقد ولي نيابة.
نهار الذي كان يعتقد بالإسكندرية هو عبد الله تقدم.(1/189)
سنة إحدى وثماني وسبعمائة
فيها وصل الحجاج إلى الأزلم فلم يجدوا بها الإقامة على العادة فوقع فيهم الغلاء الشديد، وكان السبب في تأخير الإقامة أن العرب الذين جرت عادتهم بحملها نقل لهم عن عرب بلى أنهم أرادوا نهب الإقامة فتأخروا بمغارة شعيب، فوصل الحاج إلى المويلحة فلم يجدوا شيئاً ثم إلى عيون القصب فلم يجدوا شيئاً فغلا الشعير حتى بيعت الويبة الشعير باثنين وتسعين درهماً قيمتها حينئذ تزيد على خمسة دنانير هرجة، ومات من الجمال شيء كثير، وقاسى الحجاج مشقة شديدة وتأخروا عن العادة خمسة أيام.
وفي رابع عشرين المحرم استقر قرط نائب السلطنة بالوجه القبلي وابنه حسين والي قوص، وأوقع قرط في ربيع الآخر بالعرب فكسروه وقتلوا عدداً من مماليكه ثم عاد فانتصر عليهم وقتل منهم مقتلة وأرسل رؤوساً إلى القاهرة فعلقت.
وفيها توجه فخر الدين إياس في طلب برهان الدين بن جماعة لشكوى الناس من سيرة ابن أبي البقاء فوصل في أواخر صفر فخرج بركة لملتقاه وطلع صحبته إلى برقوق ونزل في آخر النهار في صهريج منجك، ثم طلب صبيحة قدومه إلى القلعة وخلع عليه ونزل في موكب حافل فيه ثلاثة عشر من الأمراء الكبار وارتجت له القاهرة بحيث كان أعظم من يوم المحمل وباشر بحرمة ومهابة أعظم من المرة الأولى، واستعاد من البلقيني تدريس الشافعي،(1/190)
وكان انتزعه البلقيني لما استقر ابن أبي البقاء في القضاء، ثم إن ابن جماعة اصطلح مع البلقيني وعوضه نظر وقف السيفي ووقف المدرسة الطقجية، وكانت مدة ولاية ابن أبي البقاء هذه الأولى سنة وأربعة أشهر. وقرأت بخط الزبيري أن العظمة المذكورة لابن جماعة كانت من جهة بركة، فلما تلاشى أمره لم ينفق لابن جماعة مثل الصورة التي كانت في أيام الأشرف بعناية ابن آقبغا آص.
وفيها أمر بركة بمسك الكلاب ونفيهم إلى الجيزة وقرر على كل أمير وعلى صاحب دكان منهم شيئاً كثيراً.
وفيها قيس المديان وجعل على كل أمير فدان فأحضر كل أمير رجالاً من عنده فعزقوه وأصلحوه، وفي صفر قبض على مثقال الجمالي الزمام الأشرفي وسئل عن ذخائر الأشرف بعد أن عرض على العقوية فدل على ذخيرة وجدرا فيها ثلاثين ألف دينار ثم هدد فأقر بأخرى فيها نصف الأولى وفيها برنية فصوص من جملتها فص عين هر زنته ستة عش درهماً ثم ضرب وسعط مراراً فلم يقر بشيء، ثم وجدت ورقة بخط الأشرف فيها فهرسة ذخائره فاعتبرت فتحققوا أنه ما بقي عند مثقال شيء فأطلق.
وفي ربيع الآخر أمر بركة بتسمير جماعة من قطاع الطريق فسمروا وكانوا نحو الستة عشر نفساً.
وفيها شاع بين العامة أن بركة يريد أن يركب عليهم فتحدثوا في ذلك فأمر بركة والي(1/191)
القاهرة أن يقبض على الزعر والعبيد فتتبعهم واشتد خوف العامة فأمر برقوق الوالي أن ينادي للعامة بالأمان فاطمأنوا.
وفيها قبض على مملوكين بدمشق كانا يأخذان النساء قهراً فصلبا، وذلك في ربيع الأول.
وفيها ثار آقبغا عبد الله وجماعة معه على نائب الشام وكان قد تجرد مع نائب حلب في عسكري البلدين بسبب التركمان فوقعت بينهم وبين آقبغا المذكور ومن معه وقعة فكسرهم نائب الشام وهرب آقبغا إلى نعير فاستجار به وصادف موت أخيه قارا أمير عرب آل فصل نعير عمه صول بن حيار إلى مصر يطلب الأمان لآقبغا ويخطب الإمرة لنفسه ويلتزم الطاعة فلم يقع ذلك الموقع وسجن صول المذكور.
وفيها أعيد اشقتمر إلى نيابة حلب فسافر في ربيع الآخر أو جمادى الأولى وأمر برفع المكس عن أهس عزاز وأرسل الأمان إلى آقبغا فأرسله نعير فوصل إلى حلب ثم إلى دمشق ثم استقر نائب غزة فأقام بها، وقسمت الإمرة بين نعير وبين ابن عمه زامل.
وفيها أرسل تمر باي نائب حلب إلى الدس بطالا في جمادى الأولى.
وفي جمادى الأولى أرسل بيدمر إلى القدس بطالا أيضاً فوصلا إلى القدس جميعاً في جمادى الآخرة.
وفيها أوفي النيل، فنزل بركة إلى كسر الخليج فحلق العامود بالمقياس ورجع في الحراقة فصدمه مركب مقلع فكسر مقدم الحراقة ووقع شاش بركة عن رأسه فنزل من الحراقة إلى شختور لطيف فكسر الخليج ثم رجع إلى منزله فتشأموا له بذلك.(1/192)
وفيها أمر بركة بسلسلة القناطر لئلا يدخل فيها الشخاتير بالمتفرجين في بركة الرطلى وغيرها فعمل على قنطرة فم الخور سلسلة وعلى قنطرة الفخر أخرى، ووكل بهما من يفتح السلسلة للمراكب الكبار التي تجلب البضائع من الوجه البحري ويمنع المتفرجين. وفي ذلك يقول ابن العطار:
هم سلسلوا البحر لا لذنب ... وأرسلوا للحجاز باشه.
وأشار بذلك إلى إرسال سودون باشا إلى الحجاز لإصلاح الطرقات في هذه السنة.
وفيها أمر بركة بكسر جرار الخمر بحارة الأسارى فكسر منها شيء كثير على يد مأمور الحاجب الكبير.
وفيها فاض الخليج الناصري من يحمون الجمالي فأغرق البساتين وقنطرة الحاجب وكوم الريش والتاج ومنية الشيرج وشبرا وانقطعت الطرق.
وفيها تكلم جار الله قاضي الحنفية في إعادة ما كان السراج الهندي سعى فيه من إحداث مودع للحنفية وفي استنابة القضاة في البر في لبس الطرحة في المواكب، وكان ذلك مما جرت به العادة القديمة بانفراد الشافعي به، واتفق أن السراج أجيب إلى ذلك فشغله الضعف عنه إلى أن مات فأجيب سؤال جار الله إلى ذلك ولبس خلعة لذلك وعين شخصاً يكون أمين الحكم ومكاناً يكون مودعاً، فشق ذلك على برهان الدين بن جماعة وسعى في إبطاله وساعده(1/193)
الشيخ أكمل الدين وغيره من أرباب الدولة فعقد لذلك مجلس حافل عند برقوق في نصف جمادى الأولى، فتكلم أكمل الدين وبالغ في مساعدة الشافعي وجرى بينه وبين جار الله مقالات كثيرة وإساءات، وفي آخر الأمر قال أكمل الدين لبرقوق: إن في هذا الذي يطلبه جار الله شناعة عظيمة على الحنفية وإنهم يطلبون منك ذلك تحيلاًمنهم على إبطال الزكاة، فنفر برقوق من ذلك وأمر بإبطال ذلك، وقام مع الشافعية الشيخ خلف الطوخي وكان برقوق يحبه ويعتقده، فلما كان في الثاني والعشرين من جمادى الأولى خلع على ابن جماعة واستقر على قاعدته وأن لا يخرج شيء من الأوقاف الحكمية والمودع عن أمره وحصل للعجم من ذلك غم عظيم وشنع العامة عليهم بما ذكره أكمل الدين من قصدهم إبطال الزكاة حتى قال ابن العطار:
أمرت تركنا بمودع حكم ... حنفي لأجل منع الزكاة.
رب خذهم فإنهم إن أقاموا ... نخش أن يأمروا بترك الصلاة.
وقال في ذلك أيضاً:
ظهر البرهان لما ... لعبت عجم بترك.
واستقام الدست حتى ... صرف الجار يبكي.
وفيها عزر جمال الدين عبد الرحيم بن الوراق وعزل من نيابة الحكم للحنفية، وذلك أن امرأة أقرت عنده بانقضاء عدتها بسقط مخلق فحكم بذلك، ثم ادعت أنها حامل فكتب لها فرض حمل، فاستفتى عليه فأفتى علماء مذهبه بأن ذلك مخالف لهم فأمر برقوق بعزله وتعزيره.
وفيها أمر برقوق بعزل زين الدين الإسكندري نائب الحكم من الحكم أيضاً أو ذلك بشكوى مأمور الحاجب لبرقوق منه أنه يمنع منه الخصوم، وأمر برقوق بشخص من العامة احتمى عند زين الدين المذكور من مأمور فضرب بالمقارع وجرس.(1/194)
وفيها أحضر قاضي الحنفية جار الله إبراهيم الحلواني الوعظ فعزره وسجنه ومنعه من الكلام، وذلك أنه كان يوماً في ميعاده يقرأ بالجامع الأزهر فأحضر له شخص يقال له القدسي كتاباً فيه من مناقب الشافعي، فقال له: أمرك القاضي برهان الدين بن جماعة أن تقرأ هذا الكتب على الناس، فقرأه فمر فيه أن شخصاً رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقرأ هذه الآية: " فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين "، وأشار عند قوله: " هؤلاء " إلى أبي حنيفة وأصحابه وبقية الآية إلى الشافعي وأصحابه، فبلغ ذلك بعض الحنفية فشكوه إلى جار الله، فأحضره وعزره وأحضر القدسي فحلف أن ابن جماعة لم يأمره بشيء من ذلك وإنما اقترح هو ذلك من قبل نفسه وأراد أن تسمع الناس مناقب الشافعي ولم يعرف أن فيها هذه القصة فعزره الحنفي أيضاً وسجنه، ثم سعى الشيخ سراج الدين البلقيني في أمر الحلواني إلى أن اخرج من السجن وأقام في منزله ممنوعاً من قراءة البخاري، ثم سعى هو حتى أذن له في الكلام على عادته، وأعانه برهان الدين بن جماعة.
وفيها سعى كمال الدين سبط صلاح الدين الخروبي في الوزارة وذلك أنه نشأ يجب الكتابة والمباشرة فتكلم مع فقيه الأمير خضر استادار بركة فأحضره خضر عند بركة وقرر أمره وأن يكون كمال الدين وزيراً وزوج خالته ابن السقطي ناظر الدولة وفقيه خضر ناظر الخاص وكراي بن خاص ترك شاد الدواوين وشخص دلال بالوراقين كان يصحبهم مقدم الدولة وضمن للأمير بركة تكفية الدولة ستة أشهر بشرط أن يسلم له خاله(1/195)
تاج الدين الخروبي وقريبهم ركن الدين الخروبي وغيرهما، وضمن لبركة أن يخلص منهم مائة ألف دينار، فأجابه إلى جميع ذلك، فبلغ ذلك أقاربه فسعوا عليه عند القبط، فوصل الأمر إلى برقوق فأنكر ذلك وطلب المذكور وضرب بحضرته بالمقارع وضرب معه فقيه خضر وجرسا بطراطير، وذلك في أوائل شهر رمضان بمصر والقاهرة، ونودي عليهما جزاء من يتحدث فيما لا يعنيه، وهرب ابن خاص ترك، ثم نفي كمال الدين المذكور إلى قوص فتغرب هناك إلى أن مات.
وفيها ادعى شخص فقير أنه محمد بن عبد الله النبي الأمي فقبض عليه وسجن بالمارستان، وكان سئل عن معجزته فقال: إن أحرف القرآن تنطق لي، وسئل أيضاً فاعترف بنبوة محمد بن عبد الله رسول الله، وأنه أرسل بعده ليقرر شرعه وأنه وعد بالسلطنة والحكم بالعدل، فشهد رؤساء المارستان أن في عقله اختلالاً، فقيد زماناً ثم أطلق، وقد رأيته بعد ذلك بمدة طويلة يستعطي الناس فلا يذكر شيئاً مما تقدم ويتأذى ممن يذكر له ذلك.
وفي جمادى الآخرة عقد مجلس بسبب عز الدين الرازي حين ولي تدريس الحديث بالمنصورية، فقام في ذلك الشيخ برهان الدين الأبناسي والشيخ زين الدين العراقي وغيرهما وقالوا: إن هذا لا يعرف شيئاً من الحديث، فلما حضروا أعطى جزأ من صحيح البخاري ليقرأ فيه بالحاضر فقرأ شيئاً فصحف في مواضع واضحة فافتضح وانفصل الأمر على ذلك، فأراد جمال الدين المحتسب ستر القضية فأخذ التدريس لنفسه من الناظر وخشي الشناعة فأحضر بعض المحدثين إلى منزله وقرأ عليه الحديث، وواظب على سماع الحديث على بعض المشايخ كالآمدي والدجوي فصاروا يحضرون إلى منزله، واستمر تدريس الحديث بيده ثم استقر فيه ولده بعده إلى أن صار إلى كاتبه.(1/196)
وفيها استنجز بركة مرسوماً من السلطان بالاستيلاء على تركة بن الأنصاري قاضي دمنهور وعلى تركة محمد بن سلام التاجر، فاجتمع به برهان الدين بن جماعة فوعظه وسأله أن يترك ذلك لله تعالى ووعده أن الله تعالى يعوضه خيراً من ذلك فأجاب سؤاله.
وفي أوائل ذي القعدة ادعى على الشيخ زين الدين عمر بن مسلم القرشي الواعظ أنه مجسم وشهد عليه جماعة بكلام قاله يتعلق بالصفات، فرسم عليه جمال الدين المحتسب فقام القاضي برهان الدين بن جماعة في أمره إلى أن أطلق بعد ستة أشهر.
وفيها عكر بركة الميضاة المنسوبة له بمكة المشرفة وأمر بإصلاح بئر زمزم وبإجراء الماء في القناة من عين الأرزق إلى الفساقي في باب المعلاة.
وفيها طب بركة الوزراء المعزولين، فنفي ابن الرويهب إلى طرسوس وابن الغنام إلى القدس، وضرب ابن مكانس بالمقارع وهرب أخوه فخر الدين، ثم شفع يلبغا الناصري في ابن مكانس فأطلق.
وفيها في ذي الحجة حضر جماعة من الرجال والناسء وذكروا أنهم كانوا نصارى فأسلموا ثم اختاروا الرجوع إلى دينهم فأرادوا التقرب إلى ربهم بسفك دمائهم ندماً على ما فعلوا، فعرض عليهم القاضي علم الدين المالكي الرجوع إلى الإسلام فامتنعوا، فأمر بعض نوابه بسفك دمائهم فضربت أعناق الرجال عند اللصالحية وأعناق النساء تحت القلعة في الرميلة.(1/197)
وفيها جاء رجل جندي إلى الصالحية فنزل عن فرسه وسأل عن القاضي المالكي وقال: أريد أن يطهرني فإني مرتد عن الإسلام، فأمسك وأحضر إلى جمال الدين المحتسب، فضربه وسجنه وسأل الأطباء أن كان مختل العقل أولاً فيقال، إنهم شهدوا أنه مجنون فسجن بالمارستان.
وفيها في أوائل رجب شاع بين الناس أن شخصاً يتكلم من وراء حائط فافتتن الناس به، واستمر ذلك في رجب وشعبان، واعتقدوا أن المتكلم من الجن أو الملائكة، وقال قائلهم: يا رب سلم! الحيطة تتكلم.
وقال ابن العطار:
يا ناطقاً من جدار وهو ليس يرى ... أظهر وإلا فهذا الفعل فتان.
لم تسمع الناس للحيطان ألسنة ... وإنما قيل للحيطان آذان.
ثم تتبع جمال الدين المحتسب القصة وبحث عن القضية إلى أن وقف على حقيقتها، فتوجه أولاً إلى البيت فسمع الكلام من الجدار فرسم على الجندي جار المكان وضرب غلامه وقرره وأمر بتخريب الدار فخربت، ثم عادوا بعد ذلك وسمعوا الكلام على العادة، فحضر مرة أخرى فأمر من يخاطب المتكلم فقال: هذا الذي تفعله فتنة للناس فإلى متى؟ قال: ما بقي بعد هذا اليوم شيء، فمضى ثم بلغه أنه عاد وقوي الظن وأن القصة مفتعلة، فلم يزل يبحث حتى عرف باطن الأمر وهو أنه وجد شخصاً يقال له الشيخ ركن الدين عمر مع آخر يقال له أحمد الفيشي قد تواطأا على ذلك وصارا يلقنان زوج أحمد الفيشي ما تتكلم به من وراء الحائط من قرعة تصير الصوت مستغرباً لا يشبه صوت الآدميين، فانتهى الأمر إلى برقوق فسمرهم بعد ضرب الرجلين بالمقارع والمرأة تحت رجلها وحصل لكثير من الناس عليهم ألم عظيم، وخلع على جمال الدين خلعة بسبب ذلك، وقيل إن أصل ذلك أن المرأة كانت تغار من زوجها فرتبت مع الشيخ عمر أن يتكلم لها من وراء الحائط من القرعة وينهاه عن أذاها، فنقب الحائط إلى أن لم يصر منه سوى قشرة(1/198)
وركب القرعة وتكلم من ورائها فقال له في الليل بذلك الصوت المنكر: يا أحمد! اتق الله وعاشر زوجتك بالمعروف فإنها امرأة صالحة وكرر ذلك، فارتاع الرجل وصالحها. فلما طالت المدة وتراضيا أطلعته المرأة على الحيلة فانفتح لهم دكان تحصيل فصار الناس يهرعون إلى بيت أحمد الفيشي ليسمعون الكلام واستقرت المرأة هي التي تتكلم وأعان المحتسب على الاطلاع على أمرهم أن الكلام الذي كان يسمع ليس فيه إخبار عن مغيب ولا عن حادث يأتي. وكان الركن عمر قد أقام بجامع عمرو ثلاثين سنة على قدم جيد والناس يتبركون به ويزورونه، وكانت الواقعة منهم في ثاني رجب وكان أحمد المذكور أحد العدول الجالسين بالقرب من الجامع الأزهر وسكن بالقرب من زاوية ابن عطاء.
وفيها وقع الخلف بين الأمراء الثلاثة فتواطأ برقوق وبركة على أينال اليوسفي فبلغه ذلك فأضمر الشر، فاتفق أن خرج بركة في شعبان إلى البحيرة للصيد على العادة فانقطع أينال في بيته وأظهر أنه ضعيف فسلم عليه برقوق مرة بعد مرة ثم إنه ركب مرة إلى المطعم فبلغ ذلك أينال فركب إلى الإصطبل وذلك يوم الاثنين رابع عشرين شعبان فملك الإصطبل ونهب أصحابه بيت برقوق واستولى على ما في خزائن برقوق وألبس من وجده من مماليك برقوق السلاح ووعدهم بالمال والإقطاعات، وقبض على جركس الخليلي وأمر بضرب الكوسات وطلب أينال من الزمام أن ينزل له السلطان إلى الإصطبل فامتنع فطار إلى برقوق فخاف فقوي أيتمش عزمه وأنزله في إصطبله وألبس مماليكه وركبوا في خدمته وطلعوا من باب الوزير وقصدوا القاعة على حين غفلة من أصحاب أينال لاشتغالهم بالنهب فأحرقوا بابا السرو ودخلوا منه واجتمع معهم من العامة ما لا يحصى، فساعدوهم بالعصى والحجارة لما قاتلهم أصحاب أينال فانكسر الأينالية وأظهر أينال من الشجاعة ما لا مزيد عليه، ووقعت في أينال نشابة من بعض مماليك برقوق فجرح فانهزم إلى بيته مكسوراً، فأرسل برقوق في أثره فأسر وأحضر إليه فقرره ليلاً عمن تواطأ معه من الأمراء فلم يعترف بشيء وحلف له أنه ما كان غرضه إلا الذب عن نفسه(1/199)
فأرسل به إلى الإسكندرية فسجنه واطمأن برقوق ونزع السلاح ونادى للعامة بالأمان، وكاتب بركة بما اتفق فأسرع العود وتلاقيا في الميدان وترجلا جميعاً وتعانقا وسارا إلى الرميلة ثم افترقا إلى منازلهما.
وفيها قتل محمد بن مكي الرافض بدمشق بسبب ما شهد به عليه من الانحلال واعتقاد مذهب النصرانية واستحلال الخمر الصرف وغير ذلك من القبايح وذلك في جمادى الأولى، وأرخه بعض أصحابنا في سنة ست وثمانين فالله أعلم وضربت عنق رفيقه عرفة بطرابلس وكان على معتقده.
وفيها حج المحمل اليمني أيضاً أرسله الأشرف بن الأفضل.
وفيها نازل القاهر صاحب أرزن العادل صاحب حصن كيفا فأكرمه وركب معه للصيد، وكان العادل خاله وتوجه العادل إلى اسعرد وقرر أمورها.
ذكر من مات
في سنة إحدى وثمانين وسبعمائة.
إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن عسكر بن مظفر بن بحر بن سادن بن هلال الطائي برهان الدين بن شرف الدين القيراطي، ولد في صفر سنة ست وعشرين، تفقه واشتغل وتعانى النظم ففاق فيه، وله ديوان جمعه لنفسه يشتمل على نظم ونثر(1/200)
في غاية الإجادة، واشتهرت مرثيته في الشيخ تقي الدين السبكي وبالغ الصفدي في تقريظه بسببها وطارحه بأبيات طائية أجاد القيراطي فيها غاية الإجادة، وله في محب الدين ناظر الجيش وفي تاج الدين السبكي غرر المدايح ورسالته التي كتبها للشيخ جمال الدين بن نباتة في غاية الحسن والطول، وكان مع تعانيه النظم والنثر عابداً فاضلاً، درس بالفارسية، وكان مشهوراً بالوسوسة في الطهارة، وقد حدث عن ابن شاهد الجيش بالصحيح وعن ابن ملوك وأحمد بن علي بن أيوب المستولي والحسن بن السديد الأربلي وشمس الدين بن السراج، وحدث عنه من نظمه القاضي عز الدين بن جماعة والقاضي تقي الدين بن رافع وغيرهما ممن مات قبله، وسمع منه جماعة من شيوخنا، وله في أبي مدايح حسنة ومطارحات، مات بمكة مجاوراً في ربيع الآخر، وله خمس وخمسون سنة إلا أشهراً.
إبراهيم بن عبد الله التروجي، كان ديناً عابداً محباً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان يكثر من ذلك فيؤذي فلا يرجع، وكان دمث الأخلاق، وهو الذي قام على الفارعي وكفره وادعى عليه، مات في ربيع الأول.
إبراهيم بن محمد بن المجد البعلي برهان الدين، كان قاضي بعلبك ثم انفصل ثم طلبه النائب طلباً مزعجاً فتحيل ودخل إلى مغارة في بيته هارباً وأطبقها عليه فمات من ضيق النفس وكان معه مملوك له فبادر إلى الخروج فعاش وذلك في رمضان.
أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عسكر البغدادي الشيخ شرف الدين المالكي نزيل القاهرة، كان فاضلاً، قدم دمشق فولي قضاء المالكية بها، ثم قدم القاهرة في دولة يلبغا فعظمه وولاه قضاء العسكر ونظر خزانة الخاص، وقد ولي قضاء دمياط مدة، وحدث عن أبيه وابن الطبال وغيرهما، ولم يكن بيده وظيفة إلا نظر الخزانة فانتزعها منه علاء الدين بن عرب محتسب القاهرة فتألم من ذلك ولزم منزله إلى أن كف بصره، فكان جماعة من تجار بغداد يقومون بأمره إلى أن مات في سادس عشر شعبان وله أربع وثمانون سنة،(1/201)
سمع منه من شيوخنا جماعة ومن آخر من كان يروي عنه شمس الدين محمد بن البيطار الذي مات سنة خمس وعشرين وثمانمائة.
أحمد بن محمد بن عبد الله بن سالم العجلوني العرجاني شهاب الدين بن خطيب بيت لهيا ولد في رمضان سنة سبع وستمائة، وسمع من الضياء إسماعيل بن عمر الحموي وابن الشحنة وحدث، وكان من الرؤساء مات في المحرم.
أحمد بن محمود بن محمد الجعفري النقشواني شيخ الخانقاه الشميساطية بدمشق شهاب الدين بن تقي الدين، كان عالماً ديناً باشر المشيخة أربع سنين ومائة يوم، مات في شوال.
إسماعيل بن زكريا بن حسن الدامغاني ثم البغدادي أحد الأمراء ببغداد، وكانت له في عمارتها بعد الغرق والتخريب اليد البيضاء، مات في نصف رجب.
أبو بكر بن محمد بن أحمد بن أبي غانم بن أبي الفتح بن الجبال ويعرف بابن الصائغ وبابن عريف الصاغة حلبي الأصل دمشقي نشأ بالصالحية ويلقب عماد الدين، مولده في أوائل سنة سبع وسبعمائة، حضر على هدية بنت عسكر وعبد الأحد بن تيمية وغيرهما، وسمع من سليمان وعيسى المطعم وغيرهما وحدث عنهم وعن أحمد بن ضرغام بالقاهرة وغيره، مات في ربيع الآخر، سمع منه بمصر وكان يذاكر بأشياء حسنة وقسم ماله قبل موته بين ورثته وانقطع يحدث ببستانه بالزعيفرية.(1/202)
حاجي بك بن شادي أحد الأمراء بالديار المصرية ولي طبلخانات، ومات في هذه السنة.
حسن بن عبد الله الصبان الشيخ أحد المشايخ المعتقدين، كان يسكن ظاهر باب النصر وأقعد بأخرة وكان أبي يعتقده، وذكر لي شمس الدين الأسوطي أنه غضب عليه فرمى بسهم في الهوى فقال أصابه فلم يلبث إلا يسيراً حتى مات، مات الشيخ حسن في ربيع الآخر.
خضر بن عبد الله الكردي المهلل، كان يدور في الأسواق بدمشق ومعه كعك في عصا يبيعه ويرفع صوته بالتهليل ويذكر بالذكر، المأثور وكان معتقداً للناس فيه اعتقاد وتظهر له كرامات، مات في شهر رمضان وكانت جنازته حافلة جداً.
خطط اليلبغاوي أحد الأمراء ولي نيابة حماة وغيرها.
صالح بن عبد الله الجزيري كان يسكن بجزيرة أروى ويعتقده الناس مات في ربيع الأول وهو غير صالح المناوي المذكور في التي قبلها.
عبد الرحمن بن أحمد بن علي الواسطي نزيل مصر الشيخ تقي الدين البغدادي شيخ القراء قدم القاهرة قديماً وتلا على التقي الصائغ وسمع من حسن سبط زيادة ووزيرة وتاج الدين بن دقيق العيد وجماعة، خرج له عنهم أبو زرعة بن العراقي مشيخة وهو آخر(1/203)
من حدث عن سبط زيادة وتصدر للإقراء مدة وانتفع به الناس ودرس للمحدثين بالشيخونية ودرس القراءات بجامع ابن طولون، مات في تاسع صفر، عاش تسعاً وسبعين سنة، قرأ عليه شيخنا العراقي بعض القراءات وشرح الشاطبية ونظم غاية الإحسان لشيخه أبي حيان أرجوزة ووقف عليها شيخه وقرظها وسميه الشيخ تقي الدين الواسطي المقري رحمهما الله تعالى.
عبد الرحمن بن الحسين بن عبد الله بن المعمر البكري الواسطي نزيل دمشق، قدمها في حدود الأربعين ونزل بالشميساطية، وكان عالي الإسناد في كتاب الإرشاد للعز القلانسي، وكان معمراً.
عبد الواحد بن حسن المغربي الصنهاجي ثم الزرعي نزيل الحرمين، كان عابداً خاشعاً معتقداً.
عثمان بن يوسف بن أحمد الطائي فخر الدين بن القواس الدمشقي، ولد سنة خمس وتسعين وستمائة، وحضر على عمر القواس وتفرد بالرواية عنه، وسمع من جد والده الزين أحمد وغيره، وكان من قدماء الشهود بدمشق، عاش بضعاً وثمانين سنة، ومات في جمادى الآخرة.
عثمان الصرخدي فخر الدين، كان فاضلاً، مات في رجب رحمه الله تعالى.
علي بن إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن طاهر بن نصر الله بن جهبل الحلبي ثم الدمشقي علاء الدين بن تاج الدين، سمع من الحجار وولي قضاء طرابلس، مات في رجب(1/204)
رحمه الله.
علي بن عمر بن منصور الحداد الدمشقي، كان فاضلاً ماهراً في الفقه رحمه الله.
علي بن محمد بن إبراهيم بن نصر الكردي الحاسب، حضر علي الحجار وغيره، وبرع في معرفة الحساب، مات في تاسع شوال عن اثنتين وسبعين سنة رحمه الله.
علي بن محمد بن عرب. تقدم في التي قبلها.
علي بن صالح صاحب ماردين، قتل في شعبان، واستقر بعده أخوه عبد الرحمن.
علي بن عصفور علاء الدين الدمشقي، أحد الرؤساء بها.
عمر بن المحب عبد الله بن المحب المقدسي، عني بالحديث وسمع الكثير، ومات في جمادى الآخرة.
عمر بن أبي القاسم بن معيبد الزبيدي تقي الدين وزير الأفضل صاحب اليمن.
قارا بن مهنا بن عيسى بن مهنا أمير عرب آل فضل، تقدم ذكره في الحوادث، ومات معتقلاً، وكان ينطوي على دين وشجاعة وسلامة باطن، جاوز السبعين.
محمد بن أحمد بن الحسن الحنبلي صلاح الدين بن الشيخ شرف الدين بن شيخ الجبل، سمع الكثير بعناية أبيه وحدث، مات في شهر رجب رحمه الله تعالى.
محمد بن أحمد بن عيسى بن المظر بن محمد عز الدين بن السيجي الأنصاري من بيت مشهور، ولد في شوال سنة ثمان وتسعين وستمائة، وسمع من جماعة وهو كبير وحدث، وكان من قدماء مباشري الجامع الأموي، مات في ذي القعدة، وقد عمر(1/205)
رحمه الله تعالى.
محمد بن أحمد بن مزهر شمس الدين كاتب بيت المال بدمشق، كان أحد الرؤساء بها، ولي وكالة بيت المال مدة وهو أخو بدر الدين بن مزهر الذي ولي كتبة السر بعد هذا بمدة، قالوا: وكانت عنده جرأة ومجازفة في الكلام، مات في شوال رحمه الله.
محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق أبو عبد الله التلمساني المالكي العجيسي ولد بتلمسان سنة إحدى عشرة وسبعمائة وسمع بالمغرب من منصور المشدالي وإبراهيم بن عبد الرفيع وأبي زيد بن الإمام وأخيه أبي موسى ورحل قديماً فسمع بمكة من عيسى الحجي وغيره وبمصر من أبي الفتح بن سيد الناس وأبي حيان وغيرهما وبدمشق من ابن الفركاح وبالمدينة من الحسن بن علي الواسطي خطيب لامدينة ومحمد بن محمد بن خلف المطري وغيرهما، وكان قد تقدم في بلاده وتمهر في العربية والأدب والأصول ثم رحل ثم رجع فتقدم أيضاً ثم قدم مصر سنة ثلاث وسبعين فدرس بالصرغتمشية والشيخونية والنجمية بمصر، وكان يكتب خطاً حسناً، وله شرح الشفاء رأيته بخطه لم يكمله وشرح العمدة في خمس مجلدات جمع فيه بين كلام ابن دقيق العيد وابن العطار والفاكهاني وغيرهم، قال ابن الخطيب: كان مليح الترسل حسن اللقاء كثير التودد طيب الحديث ممزوج الدعابة بالوقار والفكاهة بالتنسك أبو الحسن وأقبل عليه إقبالاً عظيماً، فلما مات أفلت من النكبة في وسط سنة اثنتين وخمسين ودخل الأندلس فاشتمل عليه سلطانها وقلده الخطابة ثم رجع إلى باب أبي عنان في سنة أربع وخمسين، وقد عني بالحديث ولقاء المشايخ وتكثيرهم حتى بلغ عدد شيوخه ألف شيخ ثم تقدم عند أبي سالم ثم وقعت له الكائنة المشهورة فانتهبت أمواله(1/206)
وأقطعت رباعه واصطفيت أمهات أولاده وتمادى به الاعتقال إلى أن وجد الفرصة فركب في البحر إلى المشرق وتقدمه أهله وأولاده في وسط رجب عام أربعة وستين، ثم كتب ابن مرزوق في حاشية تاريخ ابن الخطيب: أنه وصل إلى تونس في رمضان سنة خمس فلقي بها من الإكرام والاحترام أضعاف ما كان يأمله وفوضت إليه الخطابة بجامع السلطان وتداريس أكثر المدارس واستمر بها إلى أن مات السلطان سنة إحدى وسبعين فاستمر مع ولده وابن أخيه على ذلك إلى سنة ثلاث وسبعين فركب البحر في شهر ربيع الأول فقدم القاهرة فاجتمع بالأشرف فأحسن إليه وأجرى عليه راتباً وولي المدارس بالقاهرة، وكان حسن الشكل جليل القدر، مات في ربيع الأول رحمه الله تعالى.
محمد بن أحمد بن هبة الله الشافعي زين الدين بن الأنصاري، كان متجملاً كثير المال عارفاً بصحبة الأكابر وله مكارم وصدقات ومعرفة بأمور الدنيا، وقد ولي قضاء دمنهور والبحيرة وغيرهما ومات في رجب.
محمد بن أبي بكر بن علي بن محمود الجعفري زين الدين الأسيوطي تفقه على الدمنهوري، وكتب الخط الحسن وشارك في الفضائل، وولي قضاء بلده وكان صارماً في أحكامه، وبنى بأسيوط مدرسة تنسب إليه.
محمد بن عبد الله بن محمد بن الفخر عبد الرحمن البعلي شمس الدين بن تقي الدين البعلبكي حضر على عيسى المطعم وأبي الفتح بن النشو وغيرهما بعناية عمه ثم طلب بنفسه فسمع الكثير، وكان فصيح القراءة وقرأ على البرزالي، وجلس تحت الساعات، وكان موثوقاً به بين الشهود، مات في ذي الحجة.
محمد بن عبد الملك بن عبد الله بن محمد بن محمد أبو عبد الله بن أبي مروان ابن الشيخ محمد المرجاني التونسي الأصل الإسكندراني الدار نزيل مكة ولد سنة أربع وعشرين، وكان خيراً صالحاً صاحب عبادة وانجماع ومعرفة بالفقه وعناية بالتفسير، وكان يعرف علم الحرف مات في شوال.(1/207)
محمد بن محمد بن غانم جمال الدين بن ناصر الدين أحد الرؤساء بدمشق رحمه الله تعالى.
محمد بن هبة الله بن عيسى الأنصاري عز الدين بن السيرجي ولد على رأس القرن، وسمع وهو كبير وباشر الجامع وحدث، مات في ذي القعدة.
محمد بن يوسف بن عبد الله بهاء الدين بن يونس شاهد أولاد السلطان حسن كان أحد الرؤساء بالقاهرة مات في جمادى الآخرة.
محمد بن يوسف بن علي بن إدريس الحرازي ناصر الدين الطبردار سبط العماد الدمياطي ولد بدمياط سنة ست وتسعين وستمائة وسمع كتاب الخيل تأليف الدمياطي منه وسمع عليه كتاب العلم للرهبي أيضاً وتفرد بالرواية عنه بالسماع وحدث ورحلوا إليه ومات في شهر ربيع الأول أو في رجب وله أربع وثمانون سنة.
محمود بن أحمد بن صالح شرف الدين الصرخدي نزيل دمشق تفقه على الفخر المصري وأفاد ودرس وكان ناسكاً خاشعاً عابداً يصفر بالحناء وانقطع أخيراً عن حضور المدارس لضعف بصره، قال ابن حجى أخبرني أبي قال كان أول ما قدم علينا كنا نشبه طريقه بطريق النووي، مات في مستهل ذي القعدة.(1/208)
ياقوت الحبشي الرسولي شيخ الخدام بالحرم الشريف النبوي يلقب افتخار الدين، مات في رمضان وقد أقام في المشيخة إحدى وعشرين سنة.
سطلمش أحد الأمراء الكبار بمصر، عمر دهراً وحج بالناس سنة إحدى وخمسين، وكانت له همة وعبادة، يقال إنه قارب التسعين.(1/209)
//الجزء الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم
سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة
قرأت بخط ابن دقماق: في أوائل هذه السنة وصل بريدي من حلب فأخبر أن شخصاً عبث بإمام جماعة وهو يصلي فانقلب وجه العابث وجه خنزير، وأنه كتب بذلك محضر ووصل صحبته، وأنه ممن شاهد ذلك.
وفيها في ربيع الأول عمل برقوق عقيقة ولده محمد، وطلع إليه جماعة من الأمراء فأمسكهم فلبس الباقون السلاح خوفاً على أنفسهم، وتغير خاطر بركة لأنه بلغه أن ايتمش قال: إنه اتفق مع اينال وجماعة من الأمراء على مسك بركة، فالتمس من برقوق أن يمكنه من ايتمش فوعده وماطله، فبلغ ذلك ايتمش فاستشفع إليه بالشيخ أكمل الدين وغيره فرضي عنه وخلع عليه، ثم بلغ برقوق في تاسع عشر صفر أن بركة يريد الركوب عليه فأرسل برقوق القضاة والمشايخ إلى بركة، فسعوا بينهما في الصلح مرات إلى أن أذعن بركة ونودي بالأمان وخلع على من سعى في الصلح من القضاة وغيرهم، واجتمع الأمراء في الميدان ولعبوا بالأكرة، واستقر الصلح، ثم بلغ ايتمش عن بركة ما يسوؤه فركب في يوم الاثنين سابع ربيع الأول في طائفة من الأمراء على بركة، ومان صراي أخو بركة قد اجتمع في ذلك اليوم ببرقوق وأعلمه أن بركة عزم على مسكه يوم الجمعة، فأذن برقوق لأيتمش ومن ممعه بالركوب على بركة ونادى في العوام بنهب داره، فتوجهوا إلى باب بيته فأحرقوا الباب فخرج من الباب الآخر إلى جهة الشارع وأخذ معه الوالي حتى فتح له باب الفتوح لأنه كان أغلق الأبواب أول ما ثارت الفتنة، وشق القاهرة متوجهاً إلى قبة النصر، واجتمع إليه أصحابه فعسكر بهم هناك ونهب العامة كلما وجدوا في بيته، فخرج إليه ايتمش ومن معه فوقعت بينهما وقعات كان غالب(1/210)
الظفر فيها لعسكر بركة حتى حصن برقوق مدرسة حسن ودار الضيافة وصهريج منجك بالفرسان، ثم عزل بهاء الدين الطبردار والي القاهرة، وأعاد ابن الحكوراني، فبالغ في حفظ القاهرة، وفتح حوانيت أصحاب السلاح فأخذ ما فيها، فأمد به البرقوقية، ومنع من يخرج إلى أصحاب بركة بمأكول أو مشروب أو سلاح، وتقدم شهاب الدين بن يغمر في أصحاب بركة فأظهر شجاعة عظيمة وإقداماً وجرأة إلى أن كسروا أصحاب برقوق عشرين مرة، ثم كانت آخر وقعة جرت بينهم عند العروسين، وفي أثناء ذلك أرسل برقوق سودون الشيخوني إلى بركة بخلعة بنيابة الشام فغضب منه وقال: لولا أنك رجل جد شيخ لقتلتك لكن متى عدت ضربت عنقك، ثم استعان برقوق بالزعر فرموا أصحاب بركة بالحجارة، ولولا إعانة البرقوقية برمي الحجارة على أصحاب بركة لأخذوا القلعة لكنهم استظهروا على بركة ومن معه بالزعر ففعلوا فيهم الأفاعيل من الرجم، فلما كان يوم الأربعاء ثاني عشر ربيع الأول حطم بركة بمن معه على ايتمش وأصحابه فانهزموا إلى القلعة، فتقنطر به فرسه فركب غيره ورجع وانهزم أصحابه فتسلل أكثر من معه، والتقى يلبغا الناصري وايتمش فانتصر ايتمش ورجع يلبغا منهزماً، فلما رأى ذلك بركة توجه هو وآقبغا صيوان إلى جامع المقسي فاستخفى عند الشيخ محمد القدسي فنموا عليه فأمسك في يومه، قبض عليه يونس الدوادار وطلع به إلى القلعة فأرسله ليلة الخميس إلى الإسكندرية هو وآقتمر الدويدار وقار مرداش، وخلع في يوم الحميس على ايتمش واستقر رأس نوبة، والطنبغا الجوباني أمير مجلس، وجركس الخليلي أمير آخور، وسلم صيوان وكان استادار بركة، وخضر وكان رأس نوبة عنده إلى سيف المقدم فأهانهما بأنواع العذاب، وعزل جمال الدين المحتسب بعد مسك بركة، واستقر شمس الدين الدميري محتسباً بالقاهرة، والشريف شرف الدين نقيب الأشراف محتسباً بمصر وأفرج عن اينال اليوسفي وأعطى نيابة طرابلس.(1/211)
وفيها قبض على بيدمر نائب دمشق لأنه كان من جهة بركة فأرسل بريدياً إلى الأمراء بدمشق ورأسهم حاجب الحجاب ناصر الدين محمد بك بالقبض على نائب الشام من غير كتاب، فحضر إليه الأمراء بسبب ذلك فامتنع وظن أن ذلك من قبل الحاجب لتعصبه عليه وتمسك بعدم وصول كتاب بالقبض عليه، فاجتمع رأي الأمراء على محاربته فاجتمعوا ووقفوا تحت القلعة، فخرج بيدمر في جماعته فاصطدموا فساعدته العامة فأمر الحاجب من بالقلعة بالرمي عليهم فانهزموا، وقبض على بيدمر فقيد وسجن بالقلعة، ووصل الخبر بذلك مع سيفه في خمسة أيام، ويقال: إنه قتل بينهم في هذه الوقعة أكثر من عشرين نفساً، ثم قبض الحاجب ومن معه على جماعة اتهموا بمباطنة بيدمر ثم أطلقوا، وقرر نائب طرابلس منكلي بغا الأحمدي في نيابة حلب إلى أن مات في جمادى الآخرة، فنقل اينال اليوسفي من نيابة طرابلس إلى نيابة حلب. وقبض ايتمش على جماعة، وقبض على الأمراء الذين قاموا مع بركة مثل قطلبك النظامي ويلبغا المنجكي، وتمربغا الشمسي، وقرابغا الأبو بكري، وأمير حاج بن مغلطاي، والشهاب أحمد بن يغمر وغيرهم، ووجد لبركة في المصطبة التي كان يقعد عليها أحياناً سبعمائة ألف دينار فيما قيل، ووجد له عند جمال الدين محمود وديعة تزيد على عشرين ألف دينار.
وفيها في صفر حضر شخص إفرنجي عند بركة قبل كائنته فادعى على شخص بحق له في زعمه فلم يثبت عليه شيء فأخرج الفرنجي سكيناً فضرب بها الترجمان واسمه عنان فقتله، فأمسك الإفرنجي وأحرق.
وفي الحادي والعشرين من المحرم استقر تقي الدين أبو بكر الآمدي الفقاعي وكيل(1/212)
بيت المال بدمشق وكان يلقن القرآن بالجامع الأموي وله كيزان للفقاع يكريها وكان يشتري مملوكاً بعد مملوك فيعلمه القرآن والكتابة ثم يبيعهم فيربح فيهم كثيراً، فاتفق أنه قدم منهم واحداً لبرقوق فوقع منه موقعاً حسناً فسعى فولاه وكالة بيت المال عوضاً عن النجم السنجاري.
وفيها كثر شر عرب البحيرة وكبيرهم بدر بن سلام فجرد لهم برقوق في جمادى الأولى العساكر منهم أحمد بن يلبغا ومامور وايتمش والجوباني فوصلوا إلى قرب تروجة في جمادى الأولى فوقعت بينهم وقعة، قتل فيها من العرب أكثر من ألف وانهزموا، وكان بلغهم على أن بدر بن سلام عزم على أن يكسبهم فأخلوا له الخيام وكمنوا قريباً منها فكبس بدر الوطاق فلم يجد فيه أحداً فاشتغل أصحابه بالنهب فدهمهم الترك ثم سعى بدر بن سلام في الصلح وأن يتدرك بعمارة ما خرب من البلاد ويتدرك بتعويض ما نهبه العرب، وقام معه ابن عرام في ذلك فتوجه إليه بهادر المنجكي ومعه الأمان وقرئ على المنبر بدمنهور، فأذعن بدر إلى الطاعة ولبس الخلعة، نودي بالأمان، وترافق بهادر مع بدر فحضر صحبته إلى قرب القاهرة وقدم بعد أن لبس خلعة السلطان ورجع إلى بلاده، وقيل: إن ابن عرام نائب الإسكندرية تواطأ مع بدر بن سلام، فلما التقاه ابن عرام قال له ايتمش كبير الأمراء: إن الجاسوس أخبره أن بدر بن سلام عزم على كبس العسكر، فأنكر ذلك ابن عرام وقال: إن ابن سلام لا يتجاسر على ذلك، ثم أشار عليه بالاحتراز، فاتفق رأي الأمراء على أن تركوا الوطاق وافترقوا فرقتين: فرقة فيها ايتمش توجهت إلى الناحية التي أخبرهم ابن عرام أن ابن سلام يأتي منها، وفرقة علان الشعباني(1/213)
أقامت بالقرب من الوطاق فجاء ابن سلام من غير الجهة التي ذكرها ابن عرام فلم يجد بالوطاق إلا القليل فقاتلهم فهزمهم، وفتك العرب فيهم ونهبوا الوطاق، ثم خشي ابن سلام من رجوع العسكر فتوجه على حمية وتخلف بعض النهابة، فدهمهم علان بمن معه، فدارت الحرب بينهم وكسروه مرتين، ثم كسرهم في الثالثة، وأسر بني بدران وأمعن في القتل، وأما ايتمش فإنه استقر في البرية فلم جد أحداً فرجع بمنه معه، فالتقى بدر بن سلام راجعاً من الوطاق فهرب، وتبعه جماعة منهم فلم يدركوه ولكن قتلوا من جماعته خلقاً كثيراً منهم ولد بدر، وراح في هذه الوقعة الطائع بالعاصي، وخربت تروجة خراباً شديداً، وكذا غالب ما حولها وانتهبت أموالها.
وفيها كائنة بيدمر نائب دمشق، أرسل برقوق بإمسكه فامتنع لأنه لم يرد بذلك كتاب، وألبس مماليكه، فحاربه الحاجب فانهزم فنهبت داره وقيد وسجن، وقتل في تلك المعركة نحو عشرين نفساً، ثم قبض على أمراء اتهموا بممالاة بيدمر.
وفيها استقر قرط بن عمير كاشف البحيرة، فاستخدم جنداً من التركمان والعرب وتوجه، فأوقع بالعرب وجرت له بينهم حروب كصيرة، وذلك في شوال، فاتفق أن شاع أن قرط بن عمير قتل واتفق حضور خضر بن موسى من عربان البحيرة فأمر بضربه بالمقارع، ثم حضر حسين بن قرط فأخبر أن أباه في عافية وأن سلاحه نفد، فخلع على حسين وأمد أبوه بالسلاح، وجردت العساكر تقدمهم ستة أمراء، فوقعت لهم وقعات كثيرة في شوال منها.
وفي جمادى الآخرة توقف النيل وانهبط في سادس عشر توت، فوقع الغلاء، فأعيد جمال الدين إلى حسبة القاهرة، واستقر شرف الدين بن عرب سبط بهاء الدين ابن المفسر محتسباً بمصر.(1/214)
وفيه استقر الشريف بكتمر الذي كان والي القاهرة نائباً بالبحيرة، فأقام بتروجة، وكوتب ملك الأمراء وهو أول من كوتب بذلك ممن ولي نيابة البحيرة.
وفيها ولي طشتمر الدويدار نيابة صفد في رجب منها بعد أن أخرج من الإسكندرية إلى دمياط قبل ذلك، فاستمر إلى رمضان سنة أربع وثمانين، فاستعفى وطلب الإقامة ببيت المقدس بطالاً فنقل إليها.
وفيها قتل بركة بسجن الإسكندرية أمر بقتله نائبها بمقتضى مرسوم جاءه من القاهرة، وقيل: إنه كان شاع عن ابن عرام أنه باطن بدر بن سلام فقدم القاهرة ليتنصل من ذلك ومعه هدايا، وتقادم فقبلها منه الأمراء وقبلوا عذره وخلع عليه، واستمر نائباً فواطأه برقوق على قتل بركة سراً فلما رجع دس إليه من قتله وأشاع أنه وجده ميتاً، فلما بلغ ذلك أخوته تنمروا وأرادوا القيام على برقوق فأنكر أن يكون أمر بقتله وأرسل إلى ابن عرام فأحضر في خامس عشرين شهر رجب فقبض عليه يونس الدويدار واحتيط على حواصله وأملاكه ووكل ناسابه، ولما توجه كشف أمر بركة فوجده مدفوناً في المكان الذي قتل فيه، فنبش عنه فوجده قد دفن بثيابه من غير غسل ولا صلاة عليه، ووجد في جسده ضربات إحداهن في رأسه فغسله وكفنه وصلى عليه ودفنه في تربة بناها له. وأرسل ابن عرام في البحر الملح ثم في النيل خشية من عرب بدر بن سلام أن يخلصوه، فأودع أول ما قدم في خزانة شمائل، ثم أمر بتسميره وسلم للوالي فقرره على أمواله، ثم شنع عليه الأمراء فأمر برقوق بضربه بالمقارع ونودي عليه: هذا جزاء من يقتل الأمراء بغير إذن، فيقال: إنه أخرج ورقة من جيبه وقال: هذا خط الأمراء بالإذن في ذلك، فلم يلتفت إليه، ثم سمر وأنزل به، فضربه مماليك بركة بالسيوف وعلقوا رأسه على باب زويلة.(1/215)
وفي المحرم أيضاً سعى الشهاب بن خضر الدمشقي الحنفي في تدريس الركنية عند الهمام بن القوام قاضي الحنفية يومئذ عوضاً عن القاضي صدر الدين بن منصور، وحكم بفسقه تهوراً، فقام عليه حنيفة دمشق ورفعوا الأمر للنائب وأثنوا على القاضي صدر الدين، فرسم بعقد مجلس فعقد وانفصل الأمر على إبطال حكم الهمام، وأعيد صدر الدين إلى وظيفته، وكانت هذه الفعلة من عجائب تهور الهمام.
وفي أوائل السنة مات خطيب إخميم، وكان مشهوراً بكثرة المال، فأرسل بركة محمد بن الدمرداشي للحوطة مع أنه خلف عدة أولاد وأقارب، ففتك الدمرداشي في حاشية الخطيب فتكاً عظيماً. فاتفق مسك بركة، فأمر برقوق بإحضار الدمرداشي وضربه فضرب ضرباً شديداً وأهين وصودر ونفي.
وفيها استقر صدر الدين بديع بن نفيس الطبيب التبريزي ثم البغدادي نزيل القاهرة شريكاً لعلاء الدين بن صغير في رئاسة الطب بالقاهرة بعناية برقوق به، وكان نفيس يهودياً فأسلم، وهو عم فتح الله بن مستعصم بن نفيس الذي ولي كتابة السر في آخر دولة برقوق، وارتغم غالب الناس لابن صغير لتقدمه في صناعته وحسن مباشرته للناس وتودده لهم، حتى عمل الشيخ يدر الدين ابن الصاحب:
قالوا بديع غدا شريكاً ... لابن صغير وذي تعاسة.
قلت شريك بنصف جعل ... ولم يشاركه في الرئاسة.
وعمل ابن العطار:
قالوا بديع غدا شريكاً ... لابن صغير وشال رأسه.
قلت قبيح على بديع ... من أين هاذاك والرئاسة.
وفيها قبض على التاج الملكي وضرب، ثم خلع عليه بالاستمرار، ثم استعفى من الوزارة ولبس الفقيري ولازم جامع عمرو بن العاصي، ثم أمسك في سابع عشرين شهر ربيع الآخر وسلم(1/216)
لبهادر الأعسر المعروف بالشاطر الزردكاش فصادره وعذبه بأنواع العذاب إلى أن مات تحت الضرب، فقال فيه ابن العطار:
الملكي مات واستراحت ... من نجس أغلف الوزارة.
وقالت الميضه أبعدوه ... من أين ذا الكلب والطهارة.
وأضيفت الوزارة لشمس الدين المقسي مع نظر الخاص، وقال فيه أيضاً وكان موته اتفق يوم النيروز:
قضى الملكي في النيروز نحباً ... وراح مصادراً ومضى وسارا.
وعم المسلمين به سرور ... وتم بموته عيد النصارى.
وفي جمادى الآخرة اتفق بدمشق شيء غريب وهو وقوع المطر الغزير برعد وبرق في خامس عشرين أيلول، وسقط برد كبار مثل البندق، وكثر جداً حتى صارت الأرض بيضاء، وكثر الوحل، وجرى الماء في الشوارع، كل ذلك في سنة واحدة ولم يعهد مثل ذلك قبلها.
وفيها نودي أن لا يلعب أحد الناروز، فلعبت جماعة فأمسك منهم أربعة من العامة فضربوا بالمقارع وجرسوا.
وفي يوم الثلاثاء ثامن ذي الحجة وصل أنس بن عبد الله العثماني والد برقوق إلى القاهرة، فخرج ولده والعسكر لملتقاه فالتقاه بعكرشة ووصل صحبته قاضي حلب كمال الدين المعري وقاضي دمشق ولي الدين بن أبي البقاء، ونزل في ذلك بالخانقاه ومد له ولده سماطاً عظيماً وأقعده في صدره، وقعد عن يمينه أيدمر الشمسي وعن يساره آقتمر عبد الغني وقعد برقوق دون أيدمر، وكان أنس أعجمياً لا يعرف بالعربي ولا بالتركي حرفاً، ثم ركب معه إلى القاهرة وأعطاه تقدمة ألف.(1/217)
وفي ربيع الآخر أحدث السلام على النبي صلى الله عليه وسلم تسليماً عقب أذان العشاء ليلة الاثنين مضافاً إلى ليلة الجمعة بدمشق، ثم أحدث بعد عشر سنين عقب كل صلاة إلا المغرب، وسيأتي في مكانه. وفيه أمر بكتابة محضر بسيرة قاضي الحنفية بدمشق، وسار به البريد إلى دمشق فكتبوه، وكان القاضي بمصر يسعى بالمال إلى أن عاد على وظيفته.
وفيها استولى على بلاد الدشت طقتمش خان الجنكزي وقتل خاني، وكان أقام في مملكتها عشرين سنة.
وفي ذي الحجة منها غلت الأسعار بدمشق وتأخر المطر فاستسقوا بعد صيام ثلاثة أيام فسقوا، ووجد شخص بعد النداء مفطراً فعزر.
وفيها أمسك على امرأة تزوجت برجلين شرطت لأحدهما الليل وللآخر النهار بحيلة احتالت بها عليهما، فاطلع عليها فجرست.
وفيها استقر صدر الدين بن منصور في قضاء الحنفية عوضاً عن أخيه شرف الدين، وكان لما مات عرض برقوق القضاء على الشيخ جلال الدين التباني فامتنع، فألح عليه، فأصر وأحضر معه مصحفاً وكتاب الشفاء، وتوسل بهما إليه أن يعفيه من ولاية القضاء فأعفاه واستشاره فيمن يصلح، فعين له ابن جماعة صدر الدين، فأرسل إليه فتشاغل بدمشق بمرض أخيه شرف الدين إلى أن مات في شعبان، فتوجه بعده إلى القاهرة فوصلها في رمضان فولاه في ثامن رمضان.
وفي نصف رمضان أمر أن يخفف من نواب القضاة، وأن يكون لكل قاض أربعة نواب، إلا الحنبلي فلا يزيد على اثنين، فاستقر برهان الدين بن جماعة بأربعة الصدر بن المناوي وابن رزين وجمال الدين الخطيب الأسناوي، والثلاثة بالقاهرة، وفخر الدين القاياتي بمصر، واستقر الحنفي بجمال الدين المحتسب، ومجد الدين إسماعيل البلبيسي، وشمس الدين الطرابلسي، وشهاب الدين الشنشي الأطروشي، واستقر المالكي ببهرام، والشهاب الدفري، وعبيد البشكالسي الثلاثة بالقاهرة، وبجمال الدين التنيسي بمصر،(1/218)
والمتنع الحنبلي من استنابة أحد.
وفيها ابتدأ الوباء بالإسكندرية في شوال واستمر إلى آخر السنة، ويقال: إنه كان يموت بها كل يوم مائة وخمسون نفساً.
وفيها أبطل برقوق ضمان المغاني بحماة والكرك والشوبك ومنية بن خصيب وزفتا، وأبطل ضمان الملح بعينتاب وضمان الدقيق بالبيرة وضمان القمح بدمياط وفارسكور، وأبطل المقرر على أهل البرلس وبلطيم، وأمر بعمارة جسر الشريعة بطريق الشام، وجاء طوله مائة وعشرين ذراعاً، وانتفع الناس به.
وفي الثالث من ذي الحجة أفرد للذخيرة والمتجر وخاص الخاص المستأجرات والأملاك ناظراً، وهو أول من أفرد بذلك.
وفيها مات بيرم خجا صاحب الموصل، واستقر بعده أخوه مراد خجا.
وفيها في رمضان ارتد نصراني كان أسلم وتزوج مسلمة وأولدها، فرفع للقاضي فأنكر، فقامت عليه البينة عند بعض نواب المالكي، فحكم بإسلامه فسجن، فعسى عند مستنسبه فأنكر عليه حكمه وقال: ما أذنت له في الحكم بذلك إلا بعد المشاورة، وأطلق المذكور من السجن، فعزل النائب نفسه، وذلك كله بدمشق، فبلغ السلطان فرسم بعقد مجلس، فحضر النائب وادعى على مستنيبه أنه عزره بالشتم وقال له: يا يهودي! فأنكر فأقام البينة وهي الياسوفي والقرشي عند القاضي شهاب الدين الزهري، فاعتذر بأن للقاضي أن يعزر بالشتم، فثبت ذلك عند الزهري وهو نائب ولي الدين الشافعي في غيبته، وكان ولي الدين يومئذ بالقاهرة، طلب هو وكمال الدين المعري الذي كان قاضياً قبله ثم ولي قضاء حلب ثم سعى في قضاء الشام فطلبا معاً، فلما كان في ثامن عشر الشهر جيء بالنصراني وعقد المجلس ثانياً، فبادر ثانياً إلى الإسلام، فحكم الحنبلي بصحة إسلامه وحقن دمه،(1/219)
وادعى في ذلك المجلس على القاضي المالكي أن نصرانياً آخر من القرينين رفع عليه أنه يستهزئ بالنبي صلى الله عليه وسلم فحبسه نائب المالكي، فأطلقه المالكي فسئل عن ذلك فاعترف وأبدأ شهباً، فطلب النصراني المذكور فاستتيب فقال: لا أرجع عن ديني، فحكم المالكي بقتله إلا إن تاب، فقال الحنبلي: حكمت بقتله ولو تاب، فضربت عنقه وأحرقت جثته.
وفيها في ربيع الآخر ألزمت أهل الذمة بركوب الحمير بغير إرسال الرجل ووضع الخواتيم في أعناقهم ليتميزوا عن المسلمين في الحمام، كل ذلك بدمشق.
وفيها أعيد فتح الدين بن الشهيد إلى وظيفته، وأمر بالترسيم على شهاب الدين أحمد بن نجم الدين بن شهاب الدين بن فضل الله ليورد ما التزم به على كتابة السر، وكانت مباشرته مدة يسيرة منها بنفسه شهرين فقط، فأقام بالعذراوية مدة ثم عجز عن التكملة، فأمر بأن يضرب ليستخلص منه المال، فضرب ضرباً عنيفاً بالعصي بعد أن كان أمر بضربه بالمقارع، فشفع فيه، ثم أمر أن ينادي عليه في البلد: هذا جزاء من يسعى في الوظائف الكبار بما لا يقدر عليه، فنودي عليه بذلك في المدرسة فقط بعد الشفاعة، ونفي إلى سلمية، وكانت كائنة شنيعة جداً، وكان القدر خمسة آلاف دينار.
وفيها أعيد منكلي بغا البلدي إلى نيابة حلب، ونقل اشتقمر إلى نيابة دمشق، واستقر اينال اليوسفي في نيابة حلب ثم صرف، واستقر يلبغا الناصري.
ذكر من مات
في سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة من الأعيان.
إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر المرشدي، مات في شوال، وهو والد صاحبنا جمال الدين وجد عبد الغني بن عبد الواحد المحدث.
أحمد بن إبراهيم بن سالم بن داود بن محمد المنبجي بن الطحان، سمع البرزالي وابن السلعوس وغيرهما، وكان حسن الصوت بالقرآن، وكان الناس يقصدونه لسماع صوته(1/220)
بالتنكزية، وكان إمامها، وكان أخذ القراءات عن الذهبي وابن السلعوس وغيرهما، وكان مولده في المحرم سنة ثلاث وسبعمائة، ومات بدمشق في صفر، والطحان الذي نسب إليه كان زوج أمه، وكان أبوه إسكافا فمات وهو صغير فرباه زوج أمه فنسب إليه، وله نظم فمنه ما سمعه منه الشهاب بن حجى وأخبرنا به إجازة:
طالب الدنيا كظام ... لم يجد إلا أجاجا.
كلما أمعن فيه ... زاده ورداً وهاجا.
أحمد بن حسن بن منيع بن شجاع المصابري، نزيل حلب، حدث بالبخاري.
أحمد بن علي بن منصور بن ناصر الحنفي الدمشقي، شرف الدين بن منصور، ولد سنة سبع عشرة، واشتغل إلى أن ولي قضاء دمشق عوضاً عن صدر الدين بن العز، وكان طلب إلى مصر ليتولى القضاء بعد موت ابن التركماني فقدمها فاتفق أن ولي نجم الدين ابن العز فأقام بمصر مدة يدرس، ثم ولي القضاء في رمضان سنة سبع وسبعين إلى رجب سنة ثمان وسبعين فتركه ورجع إلى دمشق، واختصر المختار في الفقه وسماه التحرير ثم شرحه، وكان مشهوراً بالفضيلة في الأصول والفروع، حسن الطريقة، جميل السيرة، وولي القضاء بمصر سنة سبع وسبعين، ثم انفصل وقدم دمشق في المحرم سنة تسع، وكانت عنده صرامة وتصميم في الأمور، وكان قد سمع من محمد بن يوسف بن دولة،(1/221)
سمع منه المسلسل عن النجيب وجزء ابن عرفة، وسمع من عبد الرحمن بن تيمية وابنه والمزي والبرزالي وآقش الشبلي وحبيبة بنت العز وغيرهم، مات في شعبان وله خمس وستون سنة، وهو أصغر سناً من أخيه صدر الدين وأفقه.
أحمد بن محمد بن عبد الله البدماصي، شهاب الدين، كان فقيهاً فاضلاً ديناً.
أبو بكر بن أحمد بن أبي الفتح بن إدريس بن سامة الدمشقي عماد الدين بن السراج، ولد سنة خمس وسبعمائة، وسمع من الحجار، وتفقه على الشيخ شرف الدين البارزي وأذن له في الإفتاء، وسمع من المزي والبرزالي وغيرهما، وأثنى عليه الذهبي في المعجم المختص بالمحدثين، وكان يعمل المواعيد ويجيد الخط، مات في شوال عن سبع وسبعين سنة، وهو آخر من ترجم له الذهبي في هذا المعجم، وكان يقرأ البخاري في كل سنة بالجامع في رمضان، ويجتمع عنده الجم الغفير، وللناس فيه اعتقاد زائد.
بركة بن عبد الله، الأمير، تقدم في الحوادث، وكان أصله من جماعة يلبغا، وبقي مع مماليك يلبغا الأجلاب، ثم عاد في إمرة طشتمر، وكان لما قتل الأشرف أمير عشرة، ثم كان ممن قام مع اينبك، ثم قام عليه هو وبرقوق، وكان من أمره ما مضى مفصلاً، وكان شجاعاً مفرط الشجاعة مشهوراً بذلك، وكانت مدة عظمته منذ ولي أمير مجلس في جمادى الأولى سنة تسع وسبعين إلى أن قبض عليه بالقاهرة ثلاث سنين إلا شهرين.
بيبغا الصالحي، من أمراء الطبلخانات بدمشق، كان مشكور السيرة رحمه الله تعالى.
جوكان الجركسي، كان من أقدم الجراكسة، واول أمره أنه كان من جماعة إياس ثم ولي نيابة حمص ثم قلعة دمشق ثم حجوبية الحجاب بحلب. ثم خرج مع العسكر(1/222)
إلى التركمان، فقتل في أواخر هذه السنة أو في أوائل التي بعدها، ثم تحرر لي أنه قتل في الوقعة في صفر من السنة المقبلة.
حجى بن موسى بن أحمد بن سعد الحسباني، علاء الدين الشافعي نزيل دمشق، ولد في سنة إحدى وعشرين، وقيل قبل ذلك، وسمع من أحمد بن علي الجزري والبرزالي وغيرهما، وأخذ الفقه أولاً بالقدس عن مشايخها، وحفظ كتباً: التنبيه وابن الحاجب والعمدة، ثم أخذ بدمشق لما قدمها سنة 34، عن الشيخ شمس الدين بن النقيب، وشرف الدين خطيب جامع جراح وشهد له بأنه فقيه المذهب، وتاج الدين السبكي وشهد له بالتقدم في الفقه، وتقدم في التدريس والفتوى وأفاد الناس، وتخرج به أهل بلده بدمشق، وكان كثير الاطلاع، صحيح النقل، غواصاً، نقالاً، عارفاً بحل المشكلات، صحيح الفهم، سريع الإدراك مع الرياضة وحسن الخلق، انتهت إليه رئاسة المذهب بدمشق، وأول ما حدث سنة ثمان وستين وكان متصدياً للأشغال، فارغاً عن طلب المناصب، مواظباً على الصلاة، مطرحاً للتكلف، تاركاً للتردد إلى الأكابر، ساذجاً من أحوال الدنيا لا يعرف صنجة عشرة من عشرين، ولا يحسن براية قلم ولا تكوير عمامة، ومات في صفر بعلة البطن وقد جاوز السبعين.
حسن بن الشياح بمعجمه ثم تحتانية ثقيلة وآخره مهملة الصالحي، أحد من يعتقد بدمشق، وكان له مكاشفات كثيرة، ومات في ربيع الآخر.
خليل بن علي بن عرام الإسكندراني، صلاح الدين، نائب الإسكندرية، وأول ما ولي بها الحجوبية ثم النيابة، ثم ولي بمصر الحجوبية والوزارة مرة، ولما أوقع الفرنج(1/223)
بالإسكندرية كان هو إذ ذاك نائبها لكنه كان قد حج فوقع ذلك في غيبته، ورأيت له تاريخاً جمع فيه فأوعى في التراجم والحوادث وهو في عشر مجلدات، وولي نيابة الإسكندرية مراراً، وصودر بعد قتل الأشرف على مال عظيم، ثم عمل أستادارية بركة، ثم أعيد إلى نيابة الإسكندرية فجرى له ما جرى، وله مدرسة ظاهر القاهرة بالقرب من جامع أمير حسين، وكان مرة قد تجرد عن الإمرة ولبس بالفقيري ومال إلى الفقراء وتجرد معهم، وربما سلك على يد بعضهم وأقام بزاوية ثم رجع، وكان شهماً فاضلاً، مات في رجب.
صراي تمر، كان مع طشتمر لما قام على الأشرف، وولي نيابة الكرك، ثم صفده ثم قبض عليه وسجن بالكرك في سنة ثمانين، ومات في المحرم من هذه السنة.
عاصم بن محمد الحسني، نقيب الأشرف وليها مرتين، ومحتسب مصر وليها مرة.
عباس ين حسين بن بدر التميمي، الشيخ شرف الدين الشافعي، كان ينفع الطلبة في الفقه والقراءات، ودرس بالسابقية بالقاهرة، وخطب بجامع أصلم، مات في ذي الحجة، وكان برجله داء الفيل.
عبد الله بن عمر بن عيسى بن عمر البارنباري، جمال الدين بن تقس الدين، درس عن أبيه بحلب، وباشر نظر الأسرى وغيرها.
عبد الرحمن بن أحمد بن إبراهيم بن جملة، تقي الدين الحجي الصالحي، ابن عمر الخطيب جمال الدين، سمع من الحجار وحدث، وناب في الخطابة عن ابن عمه، وكان أكبر من بقى من بني جملة، وكان من أعيان الشاميين، وفيه بر وإحسان، مات في شعبان عن إحدى وسبعين سنة، وكان خيراً.(1/224)
عبد الرحمن بن يوسف بن سحلول الحلبي، شمس الدين، كان مقرباً عند الإسعردي نائب حماة، وبنى له خانقاه على شط نهر فويق وكان غاية في مكارم الأخلاق، وقد باشر الوظائف الجليلة بحلب، مات في تاسع عشرين المحرم.
عبد الرحيم بن أحمد بن محمد المنهاجي، سبط الشيخ شمس الدين بن اللبان، سمع من ابن عبد الهادي في صحيح مسلم، وحدث عن جده، وكان من أطيب الناس صوتاً بالأذان واشتهر بذلك في زمانه، مات في جمادى الأولى، وهو أخو صاحبنا أمين الدين محمد ووالد صاحبنا شمس الدين محمد أحد الفضلاء الآن.
عبد الوهاب بن يوسف بن إبراهيم بن بيرم بن بهرام بن السلار محمود بن عبيد بن السلار بختيار الدمشقي، أمين الدين ابن السلار، عني بالعلم وأخذ عن التقي الصالح وجماعة، وكانت لديه معرفة بالفرائض والعربية، وله مشاركة في الفقه، وصنف في القراءات مؤلفات مفيدة، وانتهت إليه رئاسة الإقراء بدمشق، وله خطب جياد، وسمع من الحجار وغيره، وطلب الحديث بنفسه، وكتب الطباق بدمشق، وكان ثقة صحيح النقل، وله نظم، وألف مؤلفات محررة، مات في ثامن عشر شعبان عن خمس وثمانين سنة، فإن مولده كان كما كتب بخطه في شوال، ويقال: في ربيع الأول سنة ثمان وتسعين وستمائة، وأخذ عن ابن نضحان والشهاب الحراني، وبمصر عن التقي الصائغ وتفرد به بدمشق، وسمع من أسماء بنت صصرى وأيوب الكحال والمزي، ودخل بغداد والبصرة، وخرج له السرمري مشيخة قرأت عليه، واستقر بعده في الإقراء بتربة أم الصالح شمس الدين بن الجزري لكونه أولى من بقي بذلك، وحضره الأعيان وأثنوا على درسه.(1/225)
علي بن أحمد بن إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن مهدي الفوي ثم المدني المدلجي، نور الدين، عني بالحديث، وجال في البلاد، وسمع بالشام والعراق ومصر من ابن شاهد الجيش وأبي حيان وابن عالي والميدومي وجماعة من أصحاب الفخر بدمشق وببلاد كثيرة، وحدث بالإجازة عن الرضي الطبري والحجار، ومهر في العربية والحديث، ودرس بمدرسة إسماعيل بن زكريا أمير بغداد بها، وحدث عن أصحاب النجيب والفخر، واتفق له وهو ببلاد العجم أن شخصاً حدثه بحديث عن آخر عنه فقال له: أنا الفوي اسمع مني يعلو سندك، وهو نظير ما اتفق للطبراني مع الجعابي، وكان عارفاً بالعربية وغيرها، وأقام بالمدينة النبوية مدة ودرس بها، مات بالقاهرة في ربيع الآخر أو جمادى الأولى، سمع منه أبو حامد بن ظهيرة.
علي بن زياد بن عبد الرحمن القاضي الحبكي، الفقيه الشافعي، عني بالفقه والأصول، ودرس وأفاد، وأخذ عن أبي البقاء وعلاء الدين بن سلام وابن قاضي شهبة وغيرهم، وكان يفتي باخرة بدمشق مع الدين والورع والملازمة للاشتغال بالعلم، وعنده وسواس في الطهارة، مات في ذي القعدة، والحبكي بحاء مهملة ثم موحدة ثم كاف، منسوب إلى قرية من حوران.
علي بن عبد الصمد الحلاوي، نور الدين المالكي الفرائضي، انتهت إليه رئاسة الفرائض وكان مشاركاً في الفنون، عارفاً بالمعاني والبيان والحساب والهندسة، مات في العشر الأخير من ذي الحجة، وكان يدرس بغير مطالعة مع جودة القريحة وسيلان الذهن، انتفع به جماعة.
علي بن عمر بن علي بن محمد الإربلي، سبط الشيخ كمال الدين الشريشي، علاء الدين، كان يشهد على الحكام، مات في رجب.(1/226)
علي بن محمد بن محمد بن إبراهيم الدربندي ثم الدمشقي، ولد قبل سنة تسعين وستمائة، واستقر مؤذناً بالجامع الأموي بعد أن كانت له سياحات، ووجد له إجازة من عمر بن القواس وأحمد بن عساكر وغيرهما، ولم يتفق له أن يحدث بها لكون ذلك لم يظهر إلا بعد موته، ثم وجدت ابن حجى أرخ مولده سنة ثمان وثمانين.
عمر بن حمزة بن يونس بن حمزة بن عباس العدوي الأربلي ثم الصالحي، ابن القطان، نزيل صفد، سمع التقي سليمان وأحمد بن عبد الدائم وابن الزراد وابن شرف، وكان فاضلاً له مذاكرات حسنة مقرئاً للسبع، طلب الحديث، وكتب لاكثير، وحدث، سمع منه ابن رافع وكتب عنه في ظهر معجمه ومات قبله بمدة، وخرج له الياسوفي جزءاً، وعاش ستاً وثمانين سنة سواء.
محمد بن أحمد بن العز محمد بن التقي سليمان الحنبلي الصالحي، خطيب الجامع المظفري، يلقب عز الدين مات في ربيع الأول.
محمد بن أبي بكر بن أحمد الدوالي الزبيدي، جمال الدين الشافعي، كان بارعاً في الأدب مشاركاً في غيره مع الصلاح والعبادة، وأشعاره سائرة باليمن.
محمد بن حامد بن أحمد بن عبد الرحمن المقدسي، ولد سنة اثنتين أو ثلاث وسبعمائة، وسمع من محمد بن يعقوب الجرائدي وزينب بنت شكر وغيرهما وحدث، روى عنه الشهاب ابن حجى بالإجازة وأرخه في شعبان.
محمد بن علي بن عرام، صلاح الدين، نائب الإسكندرية، تنقل في الولايات، وولي تقدمة ألف بالقاهرة، وكان فاضلاً عارفاً، كتب بخطه تاريخاً في عشر مجلدات، وكان يحب الفقراء ويدنيهم، تقدم ذكر قتله في الحوادث، ويقال اسمه: خليل كما تقدم.(1/227)
محمد بن عمر بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن ذؤيب الدمشقي الأسدي، شمس الدين بن نجم الدين بن شرف الدين ابن قاضي شهبة، ولد سنة إحدى وتسعين وستمائة في ربيع الأول كذا وجد بخطه، وتفقه على عمه كمال الدين وبرهان الدين ابن الفركاح، وأخذ العربية عن الشيخ شرف الدين الفزاري، ولما مات عمه كمال الدين سنة ست وعشرين قعد مكانه للأشغال واستمر على ذلك أكثر من خمسين سنة على طريقة واحدة من إيثار الانجماع وعدم الالتفات إلى المناصب، يخدم نفسه ويشتري حاجته ويحملها، ثم ولي في آخر عمره تدريس الشامية البرانية بغير سؤال، وذلك في ذي الحجة سنة 777، ثم تركها بعد سنة وثلاثة أشهر للشهاب الزهري وسمع من ابن الموازيني الأموال لأبي عبيد وغير ذلك، ومسع من ست الأهل بنت علوان وست الوزير وطائفة وناب في الحكم عن السبكي يسيراً وكان لا يتصدى لذلك. وكانوا يثنون عليه بالورع حتى أن الشيخ شرف الدين الغزي ذكر أنه لما اجتمع بالشيخ جمال الدين الأسنوي سأله عن شيوخ دمشق فوصف له ابن قاضي شهبة فقال: هذا مثل الشيخ مجد الدين الزنكلوني عندنا، وكان أقعد الشاميين في الفقه وأقدمهم هجرة حتى كان أكثر الفضلاء بها من تلامذته وتلامذة تلامذته، فمن الطبقة الأولى ممن جضر دروسه ابن خطيب يبرود والعماد بن كثير والشهاب الأذرعي، وكتب الأذرعي بخطه على ظهر مجلد من شرح التوسط لابن الأستاذ هذه المجلدة لسيدي وشيخي شمس الدين ابن قاضي شهبة، وقد حدث، فسمع منه العراقي والهيثمي وابن رجب والياسوفي وابن ظهيرة وابن حجى والبرهان الحلبي وآخرون، مات في ثامن المحرم وقد أكمل تسعين سنة ودخل في عشر المائة، أعاد في حلقة ابن الفركاح، وقرأ الجرجانية على الفزاري، وأول ما جلس للأشغال بعد موت عمه مستقلاً سنة ست وعشرين، وممن جلس عنده ابن خطيب يبرود وابن كثير، وكان اشتهر بمعرفة التنبيه وشروحه وحسن تقريره، وكذا(1/228)
الجرجانية، ولم يكن يحضر المحافل ولا يفتي، وكان يستحضر الرافعي وينزله على مسائل التنبيه تنزيلاً عجيباً، وعنده انجماع وعدم معرفة بأمور الدنيا، وكانت وفاة أبيه بشهبة، وهو قاضيها سنة سبع وعشرين، وقضى بها أربعين سنة، فعاش بعده خمساً وستين سنة.
محمد بن عمر بن محمد بن بنت المغربي، وكان ربيب القاضي بدر الدين بن أبي البقاء، وكان جده صلاح الدين بن المغربي رئيس الأطباء، مات في ذي الحجة.
محمد بن محمد بن عبد الله بن محمود، جلال الدين بن قطب الدين قاضي الحنفية، يلقب جار الله، ويقال له: الجار، تقدم عند الأشرف بالطب، وكان نائباً في الحكم عن صهره السراج الهندي، وكان بارعاً في العلوم العقلية كالطب وغيره، وحظي عند الأشرف، وقد ولي مشيخة سعيد السعداء، ثم ولي القضاء إلى أن مات في رجب، ويقال: إنه جاوز الثمانين، وكان مشاركاً في العربية، وفي الفقه قليلاً، وقد تقدم ف يالحوادث ما اتفق له من إرادة إقامة المودع للحنفية، وقد ناب أولاً عن صهره السراج الهندي، واستقر في تدريس المنصورية بعد موته في رجب سنة ثلاث وسبعين، واستقر في تدريس جامع ابن طولون في سنة ست وسبعين بعد ابن التركماني، واستقر في قضاء الحنفية في رجب سنة ثمان وسبعين.
محمد بن محمد بن عثمان بن أحمد بن عمر بن محمد الزرعي الأصل، يعرف بابن شمرنوح، جلال الدين بن نجم الدين بن فخر الدين، قاضي حلب وابن قاضيها، وهو سبط جمال الدين بن الشريشي، باشر الحكم نيابة بحلب ثم استقلالاً إلى أن مات في ربيع الأول، وكان قليل الكلام، جميل الوجه، قوي المعرفة بالأحكام، وقد ولي بدمشق قضاء العسكر ووكالة بيت المال.
محمد بن محمد بن هبة الله الأنصاري، زين الدين، ناب في الحكم، ومات في ربيع الآخر.
محمد بن محمد الشاذلي زين الدين بن المواز، صهر الشيخ محمد بن وفاء، مات في ربيع الأول.(1/229)
محمد الحكري، شمس الدين المقرئ، قرأ على البرهان الحكري، وناب في الحمن بجامع الصالح، وولي قضاء القدس وغزة، مات في ذي الحجة، وذكر لي الشيخ برهان الدين بن زقاعة الغزي أنه قرأ عليه القراءات وأذن له في الإقراء.
محمد المقدسي المجرد، أحد المؤذنين بدمشق، كان حسن الصوت، مات في رجب.
محمد بك الإسماعيلي حاجب الحجاب بدمشق، وقد ولي نيابة قلعة الروم وغيرها، مات في هذه السنة، وكان عنده أدب وتواضع وخضوع لأهل العلم.
مختار، مقدم المماليك، مات في هذه السنة، واستقر عوضه جوهر الصلاحي.
منكلي بغا البلدي، تنقل في الولايات، فأول ما تأمر عشرة في سنة إحدى وسبعين، ثم أعطي طبلخانات بعد قليل، ثم أعطي تقدمة في جمادى الآخرة سنة أربع وسبعين، ثم أعطي نيابة صفد في رمضان سنة خمس وسبعين، ثم نقل إلى نيابة طرابلس آخر السنة، ثم قبض عليه في أول سنة تسع وسبعين وسجن بالكرك، ثم أطلق في ربيع الأول وجعل أتابك الشام، ثم ولي نيابة طرابلس، ويقال إنه ولي نيابة حماة قبل ذلك، ثم نقل إلى نيابة حلب، ثم قبض عليه وسجن بها، ثم أطلق وقدم في رمضان سنة ثمانين بطالاً، ثم ولي نيابة صفد في المحرم سنة إحدى وثمانين، ثم نقل في شعبان منها إلى طرابلس ثم إلى حلب في ربيع الأول، كما تقدم في هذه السنة، وكان صارماً شجاعاً كبير المروءة، مات في جمادى الآخرة بحلب.
يحيى بن يوسف بن محمد بن يحيى المكي، الشاعر، محي الدين، المعروف بالمبشر مدح أمراء مكة وكتب لهم الإنشاء، كان غاية في الذكاء وسرعة الحفظ، فحظ التنبيه في أربعة أشهر، وكان سمع من نجم الدين الطبري وعيسى الحجي وغيرهما، وعاش سبعين سنة.
أبو القاسم بن أحمد بن عبد الصمد اليماني المقرئ، نزيل مكة، تصدى للقراءات وأتقنها، وأقرأ الناس حتى يقال إن الجن كانوا يقرؤون عليه.(1/230)
سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة
فيها ابتدأ الطاعون بالقاهرة، فأول من مات من الأمراء أيدمر الشمسي، فأعطيت إمرته لأنس والد برقوق في المحرم. ثم مات علي بن قشتمر، فتقرر مكانه تغرى برمش.
وفيها في صفر قبض على الشمس المقسي وتسلمه بهادر المنجكي بخمسمائة ألف درهم وأطلق إلى منزله، واستقر في وظائفه كريم الدين بن مكانس، وكان السبب في ذلك أن برقوق لما استقر في تدبير المملكة أخرج كثيراً من البلاد المتعلقة بالدولة لجماعة من جهته، فضاق الحال على الوزير فاستعفي، فغضب منه وولي غيره وقبض على صهره علم الدين يحيى ناظر الدولة وعلى شمس الدين بن غراب وغيرهما، وانتهز ابن مكانس الفرصة فالتزم بالتكفية، فقرر وزيراً فباشر على هوج فيه.
وفيها قبض على سيف المقدم وصودر على مائتي ألف درهم، واستقر عوضه أحمد العظمة، فقال الشاعر:
مضى المقدم سيف ... بنغمة وبتهمه.
وكان لحماً سميناً ... فأبدلوه بعظمه.
وفيها تزايد الطاعون في صفر، وتناهى في أواخر ربيع الأول، وقرأت بخط صارم الدين بن دقماق أنه سمع الشيخ علياً الروبي حن حضر من الفيوم إلى القاهرة في أواخر صفر وكان للناس فيه اعتقاد زائد، وتهرع الناس إليه للزيارة يقول: إن الطاعةن يرتفع في آخر ربيع الآخر، فوقع كما قال.
وفيها عاد ابن التنسي إلى ولاية القضاء عوضاً عن ابن الريغي، ثم استقر ابن الريغي عوضاً عن ابن التنسي، ثم تكرر ذلك منهما.(1/231)
وفيها استقر سودون الشيخوني مقدم ألف. وفي المحرم خلع على القاضي ولي الدين بن أبي البقاء وأعيد إلى دمشق على وظيفة القضاء فوصل في سادس صفر، وكذا خلع على الكمال المعري واعيد إلى حلب على وظيفة القضاء فوصلها في ثامن صفر.
وفيها استقر الشيخ أصلم في مشيخة سرياقوس عوضاً عن أبيه نظام الدين.
وفيها خرج الحجاج في شهر رجب.
وفيها مات السلطان الملك المنصور علي بن الأشرف شعبان في شهر ربيع الأول، وكانت المملكة باسه وهو محجوب، وعاش ثلاث عشرة سنة منها في المملكة خمس سنين وأربعة أشهر، وقرر مكانه أخوه حاجي بن الأشرف وعمره ست سنين وأربعة أشهر ولقب الصالح.
وفيها ضيق قرط على العرب فحضر إلى ايتمش ومن معه من الأمراء المجردين بالبحيرة خمسة من أمراء العربان ومعهم ستمائة فارس وجماعة من الرجال، فأقبلوا عليهم وطيبوا قلوبهم، ثم أرسل بدر بن لام إلى بلوط نائب الإسكندرية يطلب الأمان وأن يحضر صحبته إلى القاهرة فلم يتم ذلك، ثم حضر رحاب أمير تروجة وجماعة من أمراء البحيرة صحبة قرط إلى القاهرة طائعين فخلع عليهم واستمر قرط بدمنهور يعمر ما خرب منها ويوطن أهلهان ولم يهرب منهم غير بدر بن سلام.
وفيها في رجب جهز برهان الدين إبراهيم الدمياطي الذي كان نقيب الحكم عند المالكية،(1/232)
ثم ولي بعد ذلك نظر المواريث إلى الحبشة رسولاً من قبل السلطان، وكان السبب في ذلك أن بعض الحبشة وصلوا إلى قرب أسوان وأفسدوا في نواحيها وخاف منهم أهلها فطالعوا السلطان بذلك، فأرسل إلى بترك النصارى اليعاقبة متى بن سمعان فتهدده، فأرسل من جهته رسلاً لكشف الخبر، ثم كتب إلى ملك الحبشة ينكر عليه ويأمره أن لا يحدث حادثاً، وجهز إبراهيم المذكور من جهة السلطان بالكتب.
وفي صفر ورد الخبر إلى دمشق بعزل القاضي برهان الدين التادلي قاض المالكية واستقرار الشيخ برهان الدين الصنهاجي عوضه، فامتنع البرهان وصمم فبقي المنصب شاغراً إلى أن استقر علم الدين القفصي في جمادى الأولى.
وفيها هبت ريح عظيمة بدمشق فأتلفت كثيراً من الأشجار وقلعتها بعروشها، وشاهد أهل دمشق من ذلك هؤلاء عظيماً.
وفيها استقر حضر شخص عجمي عند برقوق وأخبره أن النيل يتوقف من مستهل جمادى الأولى فلا يزيد بعد ذلك شيئاً، فأمر بحبسه، فاتفق أن النيل زاد في ذلك اليوم خمسة عشر إصبعاً وفي اليوم الذي يليه ستة عشر فأحضر العجمي وأمر بضربه، فضرب مقترحاً مائة عصى وجرس، فشفع فيه مأمور الحاجب فأطلق، وأوفى النيل في عاشر الشهر المذكور ولله الحمد.
وفيها غضب برقوق على جمال الدين المحتسب وأمر بنفيه فخرج، ثم شفع فيه فأعيد إلى بيته بطالاً، وكان ذلك في أوائل شعبان، وكان السبب فيه أن برقوق تكلم بالتركي في حق القضاة بسبب من الأسباب نقل له عن بعضهم فقال: ما هم مسلمين، فذكر ذلك جمال الدين لصدر الدين بن منصور قاضي الحنفية فذكره ابن منصور لبرهان الدين بن جماعة واستشاره في عزل نفسه فسكنه، وركب ابن جماعة إلى برقوق فذكر له ذلك، فغضب على جمال الدين وعزله، وقرر في الحسبة تاج الدين المليجي ثم أعيد جمال الدين إليها في ذي القعدة.(1/233)
وفيها استقر سعد الدين بن البقري في نظر الخاص والخليلي مشير الدولة، فأحدث فلوساً وأمر الناس بالمعاملة بها، فلم يمش له فيه حال فتركت.
وفيها غضب السلطان على علم الدين البساطي فعزله عن قضاء المالكية، واستشار فيمن يوليه مكانه، فأشار عليه ابن جماعة بجمال الدين عبد الرحمن بن خير الإسكندراني فولاه، وقيل: كان السبب في عزله أنه وقع منه في بعض المجالس كلام تغير منه ابن جماعة فتكلم مع أكمل الدين في أمره وسعى في عزله حتى عزل.
وفيها أمسك كريم الدين بن مكانس وأخوته وأهينوا وصودروا، وتولى الوزارة علم الدين سن إبرة، وكان السبب في ذلك أن ابن مكانس فتك في الناس وبالغ في الظلم وألزم المباشرين كلهم بجامكية شهرين وظلم التجار وأخذ منهم أموالاً جمة، فاستغاثوا بأهل الدولة حتى رفعوا أمورهم للسلطان فعزله في رمضان عن نظر الخاص، واستقر عوضه سعد الدين بن البقري، ثم عزل عن الوزارة واستقر علم الدين سن إبرة، ثم صرف في ذي القعدة فاستقر شمس الدين كاتب آرلان في ديوان برقوق، وكان ابن مكانس أشار بتوليته وزارة الشام خوفاً منه، فأرسل إليها، ثم استعيد واستقر في ديوان برقوق عوضاً عن علم الدين بن قارورة، وارتفع في هذه السنة سعر القمح إلى أربعين فأعيد محمود إلى الحسبة.
وفيها ولي صلاح الدين خليل بن عبد المعطي حسبة مصر بعد أن سعى أن يكون نقيباً عند الحنفية فلم يجب. وفي جمادى الأولى خرج نظر الأوقاف عن القاضي برهان الدين بن جماعة ووليه فخر الدين إياس الحاجب، واستقر سودون الشيخوني حاجباً كبيراً بعد علي بن قشتمر، ومات أمير سلاح علان فأعطى أنس والد برقوق تقدمته.
وفيها استقر شهاب الدبن ابن أبي الرضي الشافعي في قضاء حلب بعد موت المعري.(1/234)
وفيها جردت العساكر إلى الشام بسبب التركمان ومقدم العساكر يونس دوادار برقوق، فكسروا التركمان على مرعش، وقتل منهم خلق كثير، وذلك من ابتداء جمادى الأولى إلى شعبان بعد أن فر خليل بن دلغادر وأخوته وهم كانوا السبب في هذه الحركة لأنهم كانوا جمعوا جموعاً كثيرة فوصلوا إلى العمق وإلى تيزين وخاف أهل حلب منهم، وكاتب اينال اليوسفي، فجردت العساكر من دمشق ومن جميع المماليك، ومشوا على التركمان من حلب إلى عينتاب، ثم إلى مرعش، ثم إلى أبلستين، ثم إلى ملطية، والتركمان تفر منهم وتتحصن بالجبال المنيعة إلى أن وصل هزمهم إلى أطراف بلاد الروم، ولما بلغ العسكر في نهب ما قدروا عليه وانتهوا إلى ملطية كاتبوا بذلك فأذن لهم في الرجوع.
وفيها كانت حلب الوقعة بين العسكر الحلبي والتركمان فانكسر العسكر، ثم وقع بهم نائب حلب اشقتمر وانتصف منهم، ثم لما توجه يونس الدوادار إلى الشام بسلطنة الصالح أمر العسكر الشامي بالتوجه إلى غزو التركمان، فجمعوا العربان والجند وتوجهوا إلى جهة حلب فخرجوا في ربيع الآخر، فلما كان في ثامن جمادى الأولى وهم بمرعش هبط جماعة من التركمان عليهم من مكان عال فوقع بينهم وبين شرف الدين الهدباني ومن معه من الأكراد وعرب بني كلاب مقتلة فانكسر التركمان وجرح الهدباني وأسر، ثم أفلت. ثم وقعت الوقعة الكبرى في حادي عشرة فاستظهر الترك وانكسر التركمان وانهزموا أقبح هزيمة بعد أن قاسى العسكر شدة في سلوك المضايق والأوعار وشدة البرد، وأما كبير التركمان سولى بن دلغادر فنجا وقطع الفرات إلى خرت برت، وانتهبت العسكر من التركمان شيئاً كثيراً، وأرسل خليل بن دلغادر ومن معه يطلبون الأمان.
وفيها فتحت مدينة دوركي واستقر في إمرتها إبراهيم بن محمد بن شهري.(1/235)
وفي رجب نفي مأمور الحاجب ثم أعطي نيابة حماة عوضاً عن طشتمر الشعباني.
وفي رمضان أحضر يلبغا الناصري إلى مصر واستقر أمير سلاح رأس الميسرة، واستقر جركس الخليلي مشير الدولة، ثم في شوال قرر في نيابة حلب عوضاً عن أينال اليوسفي، واستقر يونس الدوادار بأمرة يلبغا وأمر الوزير أن لا يتكلم في شيء إلا بعد مراجعته.
وفي جمادى الأولى عقد الجسر بحجارة مقنطرة على نهر بردى عند جامع يلبغا، وكان قبل ذلك خشباً عمله الطنبغا دوادار قزدمر، ثم عمل نظيره مقابه على نهر الخندق وحصل به رفق كبير.
وفيها في ذي الحجة شاع أن ابن قرنميط وكان رأس ميسرة بالقاهرة، وقد فعل ما لا يحصى فجاء تائباً إلى زاوية الشيخ إسماعيل الأنبابي، فبلغ برقوق فأرسل حسين الكوراني إليه فقبض عليه وعلى اثنين من أتباعه، فسلخوا وحشوا تبنا وعلقوا بباب زويلة.
وفي حادي عشر ذي الحجة وسط قرط رحابا أمير العرب وثلاثة معه وعلقت رؤوسهم بباب زويلة.
وفيها ارتفع السعر بالحجاز حتى بلغت الغرارة أربعمائة درهم.
وفيها كائنة ابن القماح البزاز بقيسارية جركس، وكان قد تعامل هو والبواب فصار يفتح له القيسارية بالليل ويغقل عليه فيفتح حوانيت الناس ويأخذ منها ما يريد إلى أن كثر ذلك وافتضح، فعثروا عليه، فأمسك وضرب بالمقارع هو وولده وسجنا بخزانة شمائل،(1/236)
وكانت سلامته من القطع من العجائب، وفي ذلك يقول بدر الدين بن الصاحب مضمناً وكان بلغه أنه عثر فسقط فانلكسرت يده:
قالوا بأن يد القماح قد كسرت ... فأعلنت أختها بالويل والغير.
تأخر القطع عنها وهي سارقة ... فجاءها الكسر يستقصي عن الخير.
وقد اهتدم ذلك برمته من البيتين السائرين في تاريخ ابن خلكان:
إن العماد بن جبريل أخا علم ... له يد أصبحت مذمومة الأثر.
تأخر القطع إلى آخره.
وفيها في جمادى الأولى حضرت رسل حسين بن أويس صاحب بغداد وتبريز إلى برقوق، وهم: قاضي البلد الشيخ زين الدين علي بن عبد الله بن سليمان بن الشامي المعري المقانعي الآمدي الشافعي، وشرف الدين عطاء بن الحسين الواسطي الوزير، وشمس الدين محمد بن أحمد البرادعي، فأكرموا غاية الغكرام، وذكر المقانعي أنه غرم على سفرته عشرة آلاف دينار وأنه جاء في مائة عليقة، وكان يكثر الثناء على أهل الشام وتردد الكبار للسلام عليهم حتى القضاة، ورتب لهم برقوق رواتب كثيرة، وطلبهم عنده مرة ومد لهم سماطاً حافلاً، وكان تسفيرهم في العشر الآخر من رجب.
وفيها كانت الوقعة بالتركمان وزعيمهم ابن دلغادر، أوقع بهم العسكر الشامي ومعهم نائب حلب ونائب دمشق في جمادى الأولى، فانكسروا كسرة شنيعة وقتل منهم جماعة، ثم رجع العسكر التركماني فهزموا العسكر، وجرح نائب ملطية منطاش وتمرزق الجيش، ووقع التركمان في النهب، وقتل جوبان الجركسي، وكان من قدمائهم، له ذكر في الحوادث سنة خمسين وسبعمائة، وكان من أتباع الفخر إياس، وولي نيابة حمص ثم قلعة دمشق ثم الحجوبية بحلب.(1/237)
وفيها ابتدئ في عمارة المدرسة الظاهرية بين القصرين، فابتدئ بهدم خان الزكاة بين القصرين، وحصل للناس بذلك مشقة زائدة.
وفيها في شهر رمضان أمطرت السماء مطراً عظيماً حتى صار باب زويلة خوضاً إلى بطون الخيل، وخرج سيل عظيم من جهة طرا فغرق زرعها، وأقام الماء أياماً، ولم يعهد الناس ذلك بالقاهرة.
وفيها ظهر نجم له ذؤابة قدر رمحين من جهة القبلة، وذلك في شعبان.
وفيها أمسك شخص يقال له الحاج علي السروري وجد عنده رؤوس بني آدم، فضرب وجرس.
وفيها أجرى الماء إلى الميدان بسوق الخيل وإلى الحوض الذي على بابه، وكان له نحو من سبعين سنة منقطعاً.
وفيها في شهر رمضان قام شخص يقال له ابن نهار إلى ابن جماعة فأمسك بعنان بغلته عند العنبرانيين وقال له: حمت في بغير حكم الشرع، فرجع ابن جماعة إلى برقوق فشكاه إليه، فاتفق أنه كان مفكراً في أمر من أمور المملكة، وزاد ابن نهار في الإساءة على ابن جماعة بحضرة برقوق فلم يرد عليه، فرجع ابن جماعة إلى التربة فأقام بها وعزل نفسه من الحكم، فبلغ ذلك الأمير فأنكر القصة واعتذر بالفكرة التي كان فيها، فأرسل إلى ابن نهار فأحضره، وعقد له مجلس فأفتى البلقيني ووافقه العلماء بتعزيره، فعزر وضرب بحضرة برقوق بالمقارع، وأرسل قطلوبغا الكوكاي وإياس الصرغتمشي إلى ابن جماعة فترضياه، وطلع معهما إلى برقوق، فقام إليه وترضاه، واعتذر إليه وأعاده إلى القضاء وقال له: من تكلم في حقك بكلمة ضربته بالمقارع، فقبل ذلك ونزل.
وقرأت بحط القاضي تقي الدين الزبيري وأجازنيه ما نصه: وفي شهر رمضان تسلط(1/238)
شخص يقال له ابن هار على القاضي ابن جماعة بالإساءة والسب وكتب فيه تصنيفاً، واستمر على ذلك مدة حتى لقي ابن جماعة قد خرج من عند برقوق فشتمه ولعنه، فأمسكه ابن جماعة ودخل به إلى برقوق وقال له: هذا قال لي كذا وكذا، فلم يحبه، فعزل نفسه ونزل إلى تربة الشيخ جمال الدين الأسنائي ظاهر باب النصر يسافر منها إلى القدس فقام الأمراء الذين حضروا ذلك مثل قطلوبغا الكوكاي وسودون الشيخوني وإياس الصرغتمشي وسألوا برقوق في عقد مجلس فذكر قصته، وفي آخرها أنه جرس ونفي.
وفيها ثار جماعة على الملم الأشرف صاحب اليمن فأرادوا الفتك به وتولية خاله المظفر، فعرف بهم وأراد القبض عليهم فهربوا إلى الدملوة فخرج عليهم العرب فأمسكوهم وأحضروهم إليه فاستتابهم وعفا عنهم، وقيل: كان ذلك في السنة التي قبلها.
وفيها وقع بين العادل صاحب الحصن وبين السليمانية ورئيسهم غرز الدين، وأعانه صاحب بدليس وجميع حكام ديار بكر ومن جملتهم سيف الدين اليحي صاحب جزيرة ابن عمر، فعرف غرز الدين بكثرة العساكر فأرسل أباه بهاء الدين في الصلح، فاجتمع أبوه بصاحب أرزن فجمع بينه وبين العادل فأقبل عليه ورحل عنهم.
وفيها في شعبان كائنة الشيخ شمس الدين القونوي، وكان مقيماً بزاويته بالمزة، وللناس فيه اعتقاد، وكان شديد الإنكار على أهل الظلم، ورسائله إلى الحكام لا ترد، فاتفق أن الحاجب يلو نائب الغيبة بدمشق عزل ابن بلبان من ولاية البر وكتب فيه إلى مصر(1/239)
بما يعتمده محضراً، فجاء الجواب بالتنكيل به، فبلغه فهرب إلى زاوية الشيخ شمس الدين القونوي فاستجار به فأجاره ابن الشيخ فغضب الشيخ، وكان الشيخ يشطح في حقه وحق غيره فبلغ الحاجب فغضب وأرسل إليه الجمادرة ليحضروا الشيخ وابنه والوالي فمنعوا أنفسهم ووقع بينهم مقاتلة فشج الشيخ في رأسه، ثم غلبوا فأحضروا إلى الحاجب، فأحضر القضاة وعرضوا عليهم أمرهم، وأحضروا السلاح الذي قاتلوا به، وأمر بكتب محضر بصورة الحال فأنكر الشيخ أن يكون عرف بحضور ابن لبان وإنما ابنه فعل ذلك، فانفصل، الحال على أن ضرب الوالي وابن الشيخ وسجنا بالقلعة، وتوجه الشيخ إلى منزله، وذلك في شعبان، وحصل للشيخ من ذلك غم كثير وأقام في زاويته بالمزة وأقصر مما كان فيه من الإنكار ومراسلة الأمراء، وكان للناس فيه اعتقاد كبير، ورسائله إلى الحكام لا ترد. فلما كان في جمادى الأولى سنة خمس وثمانين وصل المرسوم السلطاني إلى الشيخ بالتعظيم والإكرام وبطلب الذين قاموا عليه وتمكينه من تعزيرهم، ووصل إليه كتاب بالتعظيم والتبجيل والإكرام وبطلب الدعاء منه، فأحضر النائب إليه أربعة فربط واحداً منهم في شجرة وأمر بسجن آخر، وزال ما عند من الانكسار ورجع إليه إلى حالته الأولى.
وفيها كائنة الشيخ شمس الدين محمد بن خليل الجزري الحنبلي المنصفي كان إمام مدرسة الضياء بسبب فتواه بشيء من مسائل ابن تيمية فأحضره ولي الدين قاضي دمشق وأراد ضربه ثم سجنه فشفع فيه الحنبلي ومنعاه من الفتوى، وذلك في رمضان.
ذكر من مات
في سنة ثلاث وثماني وسبعمائة من الأعيان.
إبراهيم بن حسين بن الملك الناصر أخو الملك الأشرف شعبان كان خيراً ديناً، وقد ذكر للسلطنة فلم يتم ذلك، مات في جمادى الآخرة.(1/240)
أحمد بن حمدان بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد الغني بن محمد بن أحمد بن سالم بن داود الأذرعي، شهاب الدين، نزيل حلب، ولد سنة سبع وسبعمائة، وتفقه بدمشق قليلاً، وناب في بعض النواحي في الحكم بها، ثم تحول إلى حلب فقطنها، وناب في الحكم بها، ثم ترك وأقبل على الاشتغال والتصنيف والفتوى والتدريس وجمع الكتب حتى اجتمع عنده منها ما لم يحصل عند غيره، وظفر من النقول ما لم يحصل لأهل عصره وذلك بين في تصانيفه، وتعقب المهات للأسنوي بقدر حجمها، والذي بيضه منها إلى النكاح في أربع مجلدات وهو ثبت في النقل وسط في التصرفات قاصر في غير الفقه وأجاز له القاسم بن عساكر والحجار وغيرهما، وسمع من الكمال بن عبد وطائفة وجمع له شهاب الدين بن حجي مشيخة وتفقه بشيوخ عصره ومهر في الفن وكان اشتغاله على كبر، وله في ذلك حكاية ومنام ذكرها في خطبة كتابه التوسط، وسأل السبكي أسئلة شهيرة اسمها الحلبية وصنف شرحين على المنهاج وجمع على الروضة كتاباً سماه التوسط والفتح بين الروضة والشرح أكثر فيه من النقولات المفيدة، وانتهت إليه رئاسة العلم بحلب، مات في نصف جمادى الآخرة بعد أن حصل له عرج وقليل صمم وضعف بصره، وله شعر فمنه ما حكاه ابنه عبد الرحمن عنه وأخبرني أنه سمعه يقول: رأيت في المنام رجلاً وقف أمامي وهو ينشد:
كيف ترجو استجابة لدعاه ... قد سددنا طريقه بالذنوب.
كيف لا يستجيب ربى دعائي ... وهو سبحانه دعاني إليه.(1/241)
مع رجائي لفضله وابتهالي ... واتكالي في كل خطب عليه.
قال: وانتهبت وأنا أحفظ الأبيات الثلاثة، قرأت بخط الشيخ تقي الدين بن قاضي شهبة أن جمال الدين الطيماني أخبره أنه ذكر في مجلس الشيخ سراج الدين البلقيني شيئاً استغربه فقال: من أين هذا؟ قال فقلت له: من القوت للأذرعي، فطلبه فأحضرته فبقي عنده أياماً، ثم قال لي: رحمه الله لقد أفد، قلت: ولقد كنت أتعجب حين أطالع في تصحيح المنهاج لشيخنا وأجده يوافق الأذرعي في مواضع إلى أن وفقت على هذه الحكاية فعرفت أنه استعان بكلامه.
أحمد بن عبد الله المزي، شهاب الدين، كان رجلاً صالحاً حج ماشياً، وكان يصوم مع ذلك، مات في ربيع الأول سقط من سطح فمات شهيداً.
أحمد بن علي بن عبد الله الفارسي، شهاب، كان فاضلاً خيراً ديناً، مات في شهر ربيع الأول.
أحمد بن محمد بن إبراهيم بن غانم بن واقد، شهاب الدين بن المحدث شمس الدين، سمع من القاسم بن عساكر وأبي نصر بن الشيرازي وغيرهما وحدث، وولي نقابة الحكم، مات بدمشق في رجب.
أحمد بن عبد الله التونسي، أبو العباس، مشهور بكنيته، وكان أحد الفضلاء بزي العجم.
أحمد بن محمد بن عبد المؤمن الحنفي، الشيخ ركن الدين القرمي، ويقال له أيضاً: قاضي قرم، قدم القاهرة بعد أن حكم بالقرم ثلاثين سنة، فناب في الحكم، وولي إفتاء دار العدل، ودرس بالجامع الأزهر وغيره، وجمع شرحاً على البخاري، استمد فيه من شرح شيخنا لبن الملقن، رأيت بعضه، وكان يزن بالهنات، مات في شهر رجب، سمعت الشيخ عز الدين بن جماعة يقول سمعت الشيخ ركن الدين يقول: شرف العلم من ستة أوجه: موضوعه، وغايته، ومائله، ووثوق براهينه، وشدة الحاجة إليه، وخساسة مقابه.(1/242)
قال لنا الشيخ عز الدين: ولما ولي الشيخ ركن الدين التدريس قال: لأذكرن لكم في التفسير ما لم تسمعوه، فعمل درساً حافلاً فاتفق أنه وقع منه شيء فبادر جماعة وتعصبوا عليه وكفروه، فبادر إلى السراج الهندي وكان قد استنابه في الحكم فادعى عليه عنده وحكم بإسلامه، فاتفق أنه بعده حضر درس السراج الهندي ووقع من السراج شيء فبادر الركن وقال: هذا كفر، فضحك السراج حتى استلقى وقال: يا شيخ ركن الدين! تكفر من حكم بإسلامك! قال: فأخلجه.
أحمد بن محمد بن أبي العمران المحزومي الشافعي، أحد الفضلاء، مات شاباً.
أحمد بن محمد الأرموي الصالحي، كان من بقايا الأكابر، مات في رجب.
إسحاق بن عاصم، ويقال لعاصم أيضاً: محمد الهندي، نظام الدين، شيخ الخانقاه الناصرية بسرياقوس، كان ذا همة عالية مع لطاقة الذات وحسن الصفات، مات في ربيع الآخر بسرياقوس، وحمل إلى داره تحت قلعة الجبل فدفن بها.
إسماعيل بن أبي البركات بن أبي العز بن صالح الحنفي، المعروف بابن الكشك، عماد الدين، قاضي دمشق، وليه بعد القاضي جمال الدين بن السراج فباشر دون السنة وتركه لولده نجم الدين. ودرس بعدة مدارس بدمشق، وكان جامعاً بين العلم والعمل وكان مصمماً في الأمور حسن السيرة، عمر حتى جاور التسعين، مات في شوال أو بعده بدمشق من هذه السنة.
آقتمر عبد الغني التركي، تنقل في الإمرة، وتقلبت به الأحوال، وأول ما ولي طبلخاناة في حياة شيخون، ثم أعطى تقدمة ألف واستقر خزندارا، ثم ولي نيابة طرابلس في سلطنة الناصر حسن سنة تسع وخمسين، ثم أعاده يلبغا إلى أن استقر حاجباً كبيراً، ثم ولي نيابة الشام(1/243)
في صفر سنة ثمان وخمسين، ثم أعيد إلى القاهرة حاجباً، ثم استقر في نيابة السلطنة بمصر سنة خمس وسبعين، ثم ولي نيابة طرابلس ثم صفد، ثم عاد إلى الحجوبية سنة ثمان وسبعين، ثم استقر نائب الغيبة لما حج الأشرف، ثم قبض عليه وسجن، ثم أعطي إمرة بغزة، ثم عاد إلى النيابة في سنة تسع وسبعين، ثم قرر أميراً كبيراً إلى أن مات وهو أمير كبير، رأس الميسرة في جمادى الآخرة، وكان ليناً سليم الصدر متواضعاً يرجع إلى خير.
أنس بن عبد الله الجركسي، والد برقوق، كان كثير البر والشفقة لا يمر به مقيد إلا ويطلقه ولا سيما إذا رأى الذين يعمرون في المدرسة التي ابتدأ ابنه بعمارتها، مات في شوال ودفن بتربة يونس ثم نقل إلى المدرسة وأعطي ولده الشيخ جلال الدين التباني ثلاثين ألف درهم فحج عنه وقيمتها إذ ذاك ألف وخمسمائة مثقال ذهباً، ويقال: إنه جاوز التسعين، واستقر في تقدمته قطلوبغا الكوكاي.
ايدمر الشمسي عز الدين، أحد كبار الأمراء، مات في صفر مطعوناً، وكان من أمراء الناصر أمره طبلخاناة، ثم تقدم إلى أن كان رأس الميمنة، وكان لين الجانب.
آلان بن عبد الله الشعباني، أحد كبار الأمراء، مات في رجب، والعامة يقول: علان بالعين المهملة بدل الهمزة، وكان أصله من مماليك حسن، وكان شجاعاً فأمر تقدمة بعد فتنة بركة، واستقر أمير سلاح حتى مات.
أبو بكر بن يوسف بن عبد القادر بن سعد الله بن مسعود الخليلي ثم الصالحي الحنبلي، عماد الدين، ولد سنة خمس وسبعمائة في صفر وسمع بعد العشرين وعني بالحديث، وطلب بنفسه، وقد ذكره الذهبي في المعجم المختص وقال: من فضلاء المقادسة، مليح الكتابة، حسن الفهم، له إلمام بالحديث، وقرأ بنفسه قليلاً، ونسخ لنفسه ولغيره كثيراً انتهى.(1/244)
وحدث عن الحجار وعن أبي نصر بن الشيرازي وأبي الحسن بن هلال وغيرهم، مات في جمادى الأولى بدمشق.
جوكان الجركسي، ذكر في الحوادث وقد تقدم في السنة التي قبلها.
جويرية بنت أحمد بن أحمد بن الحسن بن مسوك الهكاري، تكنى أن أبيها سمعت من ابن الصواف مسموعه من النسائي وسمند الحميدي ومن علي بن القيم ما عنده من صحيح الإسماعيلي، وكانت خيرة دينة، أكثر الطلبة عنها، ماتت في صفر.
حسام بن أبي الفرج أحمد بن عمر بن محمد بن ثابت بن عثمان بن محمد بن عبد الرحمن بن ميمون بن محمد بن حسان بن سمعان بن يوسف بن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة النعمان بن ثابت، الفرغاني النعماني، نزيل بغداد، اشتغل كثيراً، وسمع الحديث من سراج الدين عمر بن علي القزويني، وله من أبي الفضل صالح بن عبد الله بن جعفر بن الصباغ إجازة، وأعاد بمشهد أبي حنيفة ببغداد، نقلت نسبه من خط ابن أخيه القاضي تاج الدين البغدادي لما قدم علينا من بغداد بعد العشرين وثماني مائة، وكان محمد قد قدم في أواخر زمن المؤيد فاراً من ابن قرا يوسف لأنه كان آذاه وجدع أنفه، ففر منه إلى القاهرة وألب عليه، فهم المؤيد بغزو بغداد وصمم على ذلك ثم خانه الأجل، فتحول تاج الدين بعد موت المؤيد إلى دمشق وولي بها بعض المدارس، ومات بها في وكان تاج الدين حدث بمسند أبي حنيفة جمع أبي المؤيد محمد بن محمود بن محمد(1/245)
الخوارزمي بروايته عن عمه عن ابن الصباح عن مؤلفه وبروايته عن عبد الرحمن بن لاحق الفيدي عن علي بن أبي القاسم بن تميم الدهستاني إجازة عن مؤلفه سماعاً.
حسين بن أويس بن حسين، صاحب تبريز وبغداد، قتل بمواطاة أخيه أحمد بإشارة الشيخ خجا الكجحاني، وكان حسين شهماً شجاعاً، واستقر بعده أحمد في السلطنة، وقيل: كان ذلك في ربيع الآخر من السنة التي بعدها، وسيأتي.
داود بن زكريا التكروري، الشيخ زين الدين العباسي، من أصحاب الشيخ أبي العباس الضرير، وكان ممن يعتقد، مات في أواخر ذي الحجة.
سيف بن عبد الله المقدم، كان رأساً في الظلم، مهيناً، مات تحت العقوبة.
طشتمر بن عبد الله الشعباني، كان حاجباً صغيراً بدمشق، وناب في قلعة الروم سنة سبع وستين، وولي الحجوبية بدمشق سنة تسع وسبعين وبعدها، ثم ولي نيابة حماة، ومات بعينتاب في رجب، وكان صارماً شهماً.
عبد الله بن حسين بن طوغان، جمال الدين بن الأوحدي، كان خيراً كثير التلاوة وافر العقل، وانجب ولده شهاب الدين أحمد، مات في صفر.
عبد الله بن علي بن أحمد بن عبد الرحمن بن عتيق الأنصاري، جمال الدين بن حديدة، ولد سنة إحدى عشرة وسبعمائة، وسمع على ابن شاهد الجيش وإسماعيل التفليسي وابن الأخوة وغيرهم، وعني بالحديث وكتب الأجزاء والطباق، وجمع كتاباً سماه المصباح المضيء في معرفة كتاب النبي وكان خازن الكتب بالخانقاه الصلاحية بالقاهرة، وربما سمي(1/246)
محمداً، وكان يذكر أنه سمع من الحجار ولم يظفروا بذلك مع أنه حدث عنه بالثلاثينات بقوله، ومات في شعبان.
عبد الله القبطي، المعروف بالرقيق، كان كاتباً موصوفاً بالمعرفة، خدم عند اينبك، ومات في صفر مطعوناً.
عبد الوهاب بن عبد الله القلعي، مؤذن جامع القلعة وجامع شيخون، كان موصوفاً بحسن الصوت وطيب النغمة، مات هو ومحمد بن حسن البصري جميعاً، وكانا متناظرين.
عثمان بن محمد بن أيوب بن مسافر الإسعردي، الخواجا، التاجر في المماليك، هو الذي أحضر والد برقوق إلى القاهرة، وهو الذي أحضره من قبل أبيه في دولة الأشراف، وكان قد سعى في إبطال مكس الرمان بدمشق، فاجيب إلى ذلك، وكان له جاه وصيت في البلاد، وعمر بدمشق قيسارية مليحة، مات في رجب، وأسف عليه برقوق وصلى عليه وأكثر البكاء عليه.
عرفك بن موسى بن عرفك بن بدر بن محمد بن محمود بن رماح بن محمود المخزومي من عرب المشارقة، المعمر جاوز المائة، فقرؤوا عليه بالإجازة العامة من الفخر بن البخاري وغيره، وكان يكنى أبا حميضة، وكان يذكر أنه رأى الشجاعي ولا جين ويعرف القنص.
عطية بن منصور بن جماز الحسني، أمير المدينة، مات هو وأخوه نعير وابن أخيه هبة بن جماز بن منصور في هذا العام.
علان، تقدم في الهمزة.
علي بن شعبان، تقدم في الحوادث.(1/247)
علي بن عبد الله اللحفي، المعروف بالمكشوف، ويقال له: أبو لحاف، لأنه كان مكشوف الرأس شتاءً وصيفاً، وكان شامياً سكن مصر، ويذكر عنه كرامات كثيرة، مات في صفر.
علي بن أبي الفضل بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن فلاح الإسكندري ثم الدمشقي، العطار، علاء الدين، كان من بيت الرواية والفضل، ولد سنة سبع وتسعين وستمائة، وسمع من القاضي نجم الدين بن صصرى مشيخته تخريج العلائي، ومن علاء الدين بن العطار أربعي النووي، وكان لما كبر نزل الحانوت وافتقر، وانقطع بمسجد إلى أن مات في ربيع الأول وله بضع وثمانون سنة، وحدث، ولو أسمع على قدر سنه لكان من أعلى أهل عصره إسناداً.
علي بن قشتمر التركي، ولي نيابة الكرك ثم الإسكندرية، وأمر تقدمة بمصر بعد الأشرف، واستقر حاجباً ثانياً إلى أن مات في شهر ربيع الأول، واستقر في تقدمته تغرى برمش، وترك لأولاده عدة إقطاعات.
عمر بن إسماعيل بن عمر بن كثير، عز الدين بن عماد الدين، عني بالفقه، وكتب تصانيف أبيه، وولي الحسبة مراراً ونظر الأوقاف، ودرس بعده أماكن، وعاش خمساً وأربعين سنة، مات في رجب.
عمر بن عثمان بن أبي القاسم عبد الله بن معمر، كمال الدين المعري، اشتغل قليلاً، وعني بالفقه، ويقال: إن شرف الدين البارزي أذن له فولي قضاء بلده ثم طرابلس ثم حلب في سنة ثلاث وخمسين، ثم تكررت ولايته لها وأقام مرة من سنة تسع وخمسين إلى سنة إحدى وسبعين، ثم ولي دمشق بعد تاج الدين البكي إلى أن عزل منها سنة خمس وسبعين، ثم أعيد في سنة تسع وسبعين، ثم عزل، ثم أعيد إلى أن مات. قال ابن حجي: سمعنا منه، وكان يحفظ الدرس جيداً، ويذاكر بأشياء حسنة، وخلف مالاً طائلاً، وقد حدث عن الحجار وغيره، ولم يكن مشكوراً في الحكم ولا متورعاً فيه، بل(1/248)
كان يأخذ الرشوة ظاهراً على ما قيل، مع أنه كان يكثر الصوم والحج والعبادة، ومن العجيب أنه ولي دار الحديث الأشرفية انتزعها من الحافظ عماد الدين بن كثير مع أن شرطها أن تكون مع أعلم أهل البلد بالحديث، فمقته الطلبة وعدوا عليه غلطات وفلتات، منها أنه قال: الجهبذ فنطق بها بضم الجيم وفتح الهاء، وكان طلق الوجه كثير السكون كثير المال والسعي، وكان يكتب خطاً حسناً، ونسخ بخطه كتباً، وكان يحفظ الدرس جداً ويذاكر بوفيات وغيرها، وكان عارفاً بالأحكام والمصطلح، كثير التودد والمروءة، عاش إحدى وسبعين سنة، وأول ما ولي قضاء بلده في سنة ثلاث وثلاثين، فكان يقول: ليس في قضاء الإسلام أقدم هجرة مني، مات في رجب.
فاطمة بنت أحمد بن الرضي الطبري، أم الحسن، سمعت على جدها تساعياته وغيرها وحدثت، ماتت في ذي الحجة أو في أوائل شوال.
فاطمة بنت الشهاب أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر الحرازي والدها المكية ثم المدينة، سمعت على جدها لأمها الرضي الطبري الكثير، وسمعت على أخيه الصفي حضوراً، وأجاز لها الفخر التوزري والعفيف الدلاصي وأبو بكر الدشتي والمطعم وآخرون، وكانت خيرة، ماتت في شوال عن ثلاث وسبعين سنة.
فرج بن قاسم بن أحمد بن لب، أبو سعيد الثعلبي الغرناطي، برع في العربية والأصول، وشارك في الفنون، وأقرأ ببلده وأفاد، وولي خطابة الجامع بغرناطة، أخذ عنه شيخنا بالإجازة قاسم بن علي المالقي وذكر أنه مات في هذه السنة تقريباً، ورأيت له تصنيفاً في الباء الموحدة.(1/249)
محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الدمشقي، أمين الدين بن الشماع، ولد سنة ثمان وتسعين وستمائة، وسمع من وزيره مسند الشافعي بفوت يسبر وصحيح البخاري، وسمع على التقي محمد بن عمر الحريري تفسير الكواشي بروايته عنه، ودرس في الفقه، وأذن له الشريف البارزي في الإفتاء، وناب عن عز الدين بن جماعة، وولي قضاء القدس عن السبكي الكبير، ثم ترك وجاور بمكة فمات بها في نصف صفر.
محمد بن حسب الله، الزعيم، التاجر، كان واسع الملاءة كثير الثروة مشهوراً بمعرفة التجارة، إلا أنه كان كثير الربا، مات بمكة.
محمد بن حسن المصري، رئيس المؤذنين بالجامع الأزهر وغيره، وكان مشهوراً بحسن الصوت وطيب النغمة، مات في شهر ربيع الأول، ومات معه رفيقه عبد الوهاب كما مضى.
محمد بن شكر، الشاهد بدمشق، كان يحج كثيراً، يقال: حد خمساً وثلاثين حجة، مات في جمادى الأولى.
محمد بن عبد الله بن العماد بن إبراهيم بن النجم أحمد بن محمد بن خلف، فخر الدين الحاسب، سمع من التقي سليمان والحجار وطبقتهما، واشتغل بالفقه والفرائض والعربية، وأفتى ودرس، وكان حسن الخلق تام الخلق، فيه دين ومروءة ولطف وسلامة باطن، مهر في الفرائض والعربية، وكان عارفاً بالحساب، وذكر لقضاء الحنابلة فلم يتم ذلك، مات راجعاً من القدس بدمشق.
محمد بن عثمان بن حسن بن علي الرقي ثم الصالحي، المؤذن، ولد سنة اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة وسبعمائة، وسمع البخاري على عيسى المطعم وأبي بكر بن عبد الدائم وغيرهما، وحضر على التقي سليمان وسمع وهو كبير من المزي والجزري والسلاوي وغيرهم، وأجاز له الدشتي وطبقته من دمشق، وابن مخلفو ونحوه، وحسن الكردي، وعلي بن عبد العظيم الرسي، وعبد الرحيم الميساوي، وابن المهتار، والوداعي وابن مكتوم، وابن النشو، والشريف موسى،(1/250)
والرشيد بن المعلم وغيرهم من مصر والإسكندرية، وخرج له ابن حجي مشيخة وقال: إنه كان أوحد عصره في التلقين، وكان على طريقة السلف من السكون والتواضع والعفة وكف اللسان، وكان عارفاً بعلم الميقات، ويقرئ الناس متبرعاً، مات في شعبان.
محمد بن علي بن محمد بن نبهان بن عمر بن نبهان بن عباد، شمس الدين، شيخ زاوية قرية جبرين، مات في صفر، سمع من عمر أبيه صافي بن نبهان جزأين وحدث. سمع منه البرهان سبط بن العجمي، وأثنى عليه القاضي علاء الدين في تاريخ حلب.
محمد بن علي بن يوسف بن الحسن بن محمد بن محمود بن عبد الله الزرندي الحنفي، قاضي المدينة بعد أبيه، كان فاضلاً متواضعاً، يكنى أبا الفتح، وهو بها أشهر.
محمد بن عمر بن عيسى بن أبي بكر الكناني المصري، زين الدين، سمع من وزيرة والحجار، وكان خيراً. ولي نيابة الحكم، وسمع منه نور الدين على ابن شيخنا سراج الدين بن الملقن بقراءة أبي زرعة بن العراقي.
محمد بن عمر بن مشرف الأنصاري الشراريبي، الملقب طقطق ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة، وسمع من المزي وغيره وحدث، وكان شيحاً ظريفاً، يحفظ أشعاراً، ويذاكر بأشياء، ويتردد غلى مدارس الشافعية، مات في جمادى الآخرة.
محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن علي بن رشيد الجمالي السرائي الأصل الدمشقي، ولد بسراي في الثاني والعشرين من جمادى الأولى سنة سبع وسبعمائة، وقدم الشام كثيراً، وعني بالحديث على كبر وطلبه وقتاً، وسمع من الميدومي أظنه بالقدس ونحوه، وكتب بخطه وهو خط حسن، ونظم الشعر المقبول، وكتب عنه ابن سند وجماعة، منهم سبط بن العجمي، وكان ديناً خيراً، يكنى أبا حامد، وأبا المجد، وأبا الفياض، وكان فاضلاً، له نظم جيد، ومشاركة في العلم، وورع زائد. ولم يكن يملك شيئاً إلا(1/251)
ما هو لابسه، وكان تارة يمشي بطاقية ولا يتكلف هيئة مع التواضع والبشاشة وحسن الخلق والخلق، وكان العلماء يترددون إليه، ولا يقوم لأحد، ولا يملك شيئاً ولا يقتنيه.
محمد بن محمد بن محمد، شمس الدين بن السيوري، انتهت إليه الرياسة في حسن الضرب بالعود، وكان عارفاً بالموسيقى حسن الخط، مليح العشرة، وله أقطاع تعمل في السنة ألف دينار، وكان يقول إنه من ذرية عمار بن ياسر، رضي الله عنه، مات في صفر.
محمد بن محمد بن دقيق، شمس الدين بن ولي الدين، ناب في الحكم، وولي بعض الخوانق.
محمود القازاني، شاد الاوقاف بدمشق، قتل في تجريدة التركمان في جمادى.
نعير بن منصور. وابن أخيه هبة بن جماز، تقدما في عطية.
يعقوب بن عبد الله المغربي المالكي، كان عارفاً بالفقه والأصول والعربية، انتفع به الناس، ومات في صفر.
يوسف بن ماجد بن أبي المجد بن عبد الخالق المرداوي، ولي الدين الحنبلي، كان فاضلاً في الفقه، وامتحن مراراً بسبب فتياه بمسألة ابن تيمية في الطلاق، وكذا في عدة من مسائله، وقد حدث عن الحجاز وابن الرضي والشرف بن الحافظ وغيرهم، وكان شديد التعصب لمسائل ابن تيمية، وسجن بسبب ذلك، ولا يرجع حتى بلغه أن الشيخ شهاب الدين بن المصري، حط على ابن تيمية في درسه بالجامع فجاء إليه فضربه بيده وأهانه، مات في تاسع عشر صفر.
يوسف بن أبي راجح محمد بن إدريس بن غانم بن مفرح العبدري، جمال الدين الشيبي الحجبي، شيخ الحجبة، مات بمكة.(1/252)
سنة أربع وثمانين وسبعمائة
فيها في المحرم وقع الطاعون بدمشق، وتزايد في صفر حتى قارب الثلاثمائة، ثم تناقص، ويقال: جاوز الأربعمائة، ثم تناقص في ربيع الآخر إلى ثمانين.
وفيها في المحرم وقع الغلاء بمصر، وارتفع السعر إلى أن بيع القمح بمائة درهم الأردب، وعدمت الأقوات، ثم فرج الله تعالى عن قرب، ودخل الشعير الجديد وانحط القمح إلى أربعين.
وفي المحرم استقر كمشبغا الحموي في إمرته.
وفيها لما كثر الغلاء أمر برقوق الحكام أن لا يحبس أحد على دين لأجل الغلاء وأفرج عن المحابيس.
وفيها رضي برقوق على بيدمر ورده إلى نيابة الشام وذلك في صفر، وهي المرة السادسة، وكان الذي أجضره من الإسكندرية بكلمش العلائي فوصل في الحادي والعشرين من المحرم فخلع عليه بنيابة الشام.
وأرسل اشقتمر النائب الذي كان قبله إلى دمشق بطالاً. ودخل بيدمر الشام في شهر ربيع الأول فاحتفل به أهل الشام وفرحوا بولايته جداً، وكان يوم دخوله يوماً مشهوداً وجاوزوا الحد في ذلك.
وفيها شرع جركس الخليلي في عمل جسر بين الروضة ومصر كان طوله مائتي قصبة في عرض عشرة، وحفر في وسط البحر خليجاً إلى فم الخليج الناصري عنده موردة الجيش وكان غرضه بذلك أن يستمر النيل في جهة بر مصر فلم يتم مراده، بل كان ذلك أعظم الأسباب في عكس ما قصده وانطرد النيل عن بر مصر حيث كان ينشف نصفه فنشف كله إلى قرب المقياس. ثم بعد عشرين سنة حفر النيل بغير سعي أحد وصار يلبث قليلاً قليلاً إلى هذه(1/253)
الغاية، ولم يلزم الخليلي أحداً من الناس فيما انفقه على هذا الجسر بغرامة درهم فما فوقه، فأنشد ابن العطار في ذلك:
شكت النيل ارضه ... للخليلي فأحضره.
ورأى الماء خائفاً ... أن يطأها فجسره.
وفيها عمل الخليلي على النيل طاحوناً تدور في الماء فاستأجرها منه بعض الطحانين فحصل منها مالاً عظيماً لكثرة من كان يأتي إليه برسم الفرجة.
وفيها في ثالث المحرم استقر سودون الشيخوني حاجب الحجاب، وأعطى إمرة تغرى برمش وأرسل تغرى برمش إلى القدس بطالاً، واستقر أيدكار حاجب الميسرة.
وفيها حضر الشيخ علي الروبي من الفيوم إلى مصر، وحصل للناس فيه محبة زائدة واعتقاد مفرط، وسارعوا إلى الاجتماع به وهو في الجيزة.
وفيها امتنع القاضي برهان الدين بن جماعة من الحكم، وذلك في صفر، والسبب فيه أن تجراً مات وخلف ملاً كثيراً فثبت عند القاضي برهان الدين أن له ورثة، فمنع أهل المواريث من التعرض للمال فغضب برقوق من ذلك وراسله في تسليم المال، فصمم وبلغه أن برقوق طلب من يوليه القضاء، فذكر له الشيخ برهان الدين الأبناسي، فاختفى، فوقف البرهان عن الحكم بين الناس، وسعى بدر الدين بن أبي البقاء في العود إلى المنصب وبذل مالاً، وأن لا يتعرض للتركة المذكورة فأجيب واستقر في سلخ صفر وتوجه برهان الدين بن جماعة إلى القدس في ثالث عشر ربيع الأول. وقرر ابن أبي البقاء في أمانة الحكم بالقاهرة شهاب الدين الزركشي مضافاً إلى أمانة الحكم بمصر وقرر في نظر(1/254)
الأوقاف بمصر شمس الدين بن الوحيد عوضاً عن زين الدين الزواوي، وفي نظر الأوقاف بالقاهرة جمال الدين العجمي عوضاً عن تقي الدين الأسنائي.
وقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري وأجازنيه: في أول سنة أربع وثمانين سأل برقوق من يختص به أن يطلب له رجلاً جيداً يوليه قضاء الشافعية فذكر له جماعة منهم الشيخ برهان الدين الأبناسي، فطلبه مع موقعه أوحد الدين وعرفه القصة فواعده على أن يجيء إليه ويتوجه معه إلى الإصطبل، فهرب واختفى، فأقام على ذلك أياماً وابن جماعة لا يعرف بشيء من ذلك بل يظن أن ذلك لأمر آخر، فلما أيسوا منه طلب القاضي بدر الدين بن أبي البقاء فأعيد إلى القضاء في يوم الخميس تاسع عشرين صفر، واستمر معه تدريس الشافعي، وتوجه ابن جماعة إلى القدس انتهى.
ويقال: إن برقوق كان يعرف قوة نفس برهان الدين بن جماعة فخشي أن لا يوافقه إذا رام أن يتسلطن ويعارضه فلا ينتظم امره، فعمل على عزله وتولية من لا يخالفه لكونه هو الذي أنشأ ولايته، وكان الشيخ برهان الدين الأبناسي يقول إنه لما واعد أوحد الدين ودخل إلى منزله ففتح المصحف فخرج: " قال رب السجن أحب لي مما يدعونني إليه ". فأطبقه وتغيب.
وفيها صرف همام الدين ابن الشيخ الاتقاني من قضاء الحنفية بدمشق، وأعيد نجم الدين بن الكشك، وكان وصل الخبر بعزله وولاية النجم فامتنع النواب من الحكم، فأنكر عليهم الهمام واستمر يحكم حتى قدم النجم فتوجه الهمام إلى النائب، وكان غائباً عن البلد ثم رجع معزولاً. وكان الهمام من عجائب الدهر في الجهل والخبط وقلة الدين.
وفيها استقر تقي الدين الزبيري في نيابة الحكم بالقاهرة، وقد تولى القضاء استقلالاً بعد ذلك.(1/255)
وفيها انكسر الجسر من جهة المنشية عند المريس فنزل الماء إلى البركة التي هناك، ففاضت على الميدان، فلم يركب السلطان تلك السنة إلا ميدانين خاصة.
وفيها حضر رسل صاحب إشبيلية من عند ملك الكيتلان يسألون السلطان الشفاعة في صاحب سيس، فأرسله إليهم مكرماً.
وفيها حضر رسول سيس ومعه كتاب يخبر فيه بأن الأرمن الذين هناك مات كبيرهم فأمروا عليهم زوجته فحكمت فيهم مدة ثم عزلت نفسها فاتفق رأيهم على أن يفوضوا أمرهم لصاحب مصر فيختار لهم من يوليه عليهم، فانتقى لهم برقوق واحداً من الأرمن الأسارى الذين يسكنون بالكوم ظاهر القاهرة ويبيعون الخمور، فأخذوه معهم فملكوه عليهم.
وفيها في ربيع الآخر ولي بدر الدين محمد بن أحمد بن مزهر كتابة السر بدمشق عوضاً عن فتح الدين بن الشهيد، وهرب ابن الشهيد بعد أن طلب، فأمسك ولده تاج الدين ورسم عليه، ثم ظهر لما ولي بيدمر فقرر عليه مال ورسم عليه بالعذراوية ثم بالدماغية، ثم أطلق وهرب ابن منهال الذي استقر كاتب لكونه ألزم بوزن ما التزم به من المال فلم يقدر على ذلك فاستقر عوضه ابن مزهر.
وفيها ولي القضاء بالقدس خير الدين الحنفي، وهو أول حنفي قضى به.
وولي القضاء بغزة موفق الدين رسول الحنفي، وهو أول حنفي قضى بها، وهذان من طلبه الحنفية بالشيخونية، وكان الثاني أولاً ينوب عن الهمام الاتقاني بدمشق.(1/256)
وفي رمضان من هذه السنة خلع الملك الصالح حاجي من السلطنة، وكانت مدة مملكته سنة ونصفاً ونصف شهر وبويع برقوق بالسلطنة ولقب الملك الظاهر وكني أبا سعيد، ولم تنتطح في ذلك عنزان وكان يعمل في تدبير المملكة من بعد مسك بركة إلى أن أفنى المماليك الأشرفية نفياً وقتلاً، وقرب الجراكسة وأبعد الترك. ثم طلب القضاة والعلماء والأمراء واستشارهم في أمر المملكة وأن الأمور اضطربت لصغر سن السلطان وطمع المفسدون في الأمر، فاجمعوا على طاعته وبايعوه، وذلك يوم الأربعاء تاسع عشر شهر رمضان، وخطب له بالجامع يوم الجمعة حادي عشرة، وتوجه البريد إلى البلاد فبويع له بدمشق في يوم الخميس سابع عشريه، وخطب له يوم الجمعة ثامن عشريه، واستقر أيتمش أتابك العساكر، والجوباني أمير مجلس، وجركس الخليلي أمير آخور وسودون الشيخوني نائب السلطنة، وقزدمر الحسني رأس نوبة ويونس في الدويدارية.
وفي يوم سلطنته انحط سعر القمح فاستبشر الناس بذلك. وأدخل الملك الصالح داخل الدور وقرأ تقليد الظاهر يوم الاثنين رابع عشريه.
وفي ربيع الأول هرب ابن مكانس الوزير من الترسيم، فبلغ برقوق فغضب على شاد الدواوين بهادر الأعسر وحبسه بخزانة شمائل ثم شفع فيه فأطلق، وبالغ في أذية أخوة ابن مكانس وأقاربه، وبسط عليهم العذاب وضربوا بالمقارع وهجموا على حريمهم وهجموا على بيوت معارفهم، واستقصوا في التفتيش عليه من الكنائس والديور فلم يقعوا به.
وفي شعبان أراد جماعة من مماليك برقوق ومماليك أولاد السلاطين الفتك ببرقوق، وأنذره(1/257)
الشيخ الصفوي وهو يكبسه، فقعد، فدخل أحدهم، فوثب برقوق فضربه ضربة انقلب، ثم نزل إلى باب الإصطبل وطلب الأمراء وتتبع الذين أرادوا الفتك به، فسجن منهم ونفي، وغضب على الأبغا العثماني لأنه بلغه أنه اطلع على القضية وأخفاها عنه، فنفاه إلى طرابلس، وأعطى إمرته لشخص من أقاربه قدم عليه من الجراكسة وهو قجماس.
وفي ربيع الآخر منها جهزت التجريدة إلى الفيوم بسبب صد عرب البحيرة عن الدخول إلى الصعيد، فتجهز خمسة أمراء من المقدمين ومن تبعهم، فتوجهوا إلى أن تحققوا أن العرب توجهوا إلى جهة برقة، فرجعوا في جمادى الأولى.
وفيها كائنة الشيخ صدر الدين على ابن العز الحنفي بدمشق، وأولها أن الأديب علي بن أيبك الصفدي عمل قصيدة لامية على وزن بانت سعاد وعرضها على الأدباء والعلماء فقرظوها ومنهم صدر الدين علي بن علاء الدين بن العز الحنفي، ثم انتقد فيها أشياء فوقف عليها علة ابن أيبك المذكور فساءه ذلك ودار بالورقة على بعض العلماء فأنكر غالب من وقف عليها ذلك وشاع الأمر فالتمس ابن أيبك من ابن العز أن يعطيه شيئا ويعيد إليه الورقة فامتنع، فدار على المخالفين وألبهم عليه، وشاع الأمر إلى أن انتهى إلى مصر، فقام فيه بعض المتعصبين إلى أن انتهت القضية للسلطان فكتب مرسوماً طويلاً، منه: بلغنا أن علي بن أيبك مدح النبي صلى الله عليه وسلم بقصيدة وأن علي بن العز اعترض عليه وأنكر أموراً منها التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم والقدح في عصمته وغير ذلك وأن العلماء بالديار المصرية خصوصاً أهل مذهبه من الحنفية أنكروا ذلك، فتقدم بطلبه وطلب القضاة والعلماء من أهل المذاهب ونعمل معه ما يقتضيه الشرع من تعزير وغيره، وفي المرسوم أيضاً بلغنا أن جماعة بدمشق ينتحلون مذهب ابن حزم وداود ويدعون إليه، منهم القرشي(1/258)
وابن الجائي والحسباني والناسوفي، فتقدم بطلبهم فإن ثبت عليهم منه شيء عمل بمقتضاه من ضرب ونفي وقطع معلوم، ويقرر في وظائفهم غيرهم من أهل السنة والجماعة وفيه وبلغنا أن جماعة من الشافعية والحنابلة والمالكية يظهرون البدع ومذهب ابن تيمية فذكر نحو ما تقدم في الظامرية، فطلب النائب القضاة وغيرهم فحضر أول مرة القضاة ونوابهم وبعض المفتين فقرأ عليه المرسوم، وأحضر خط ابن العز فوجد فيه قوله: حسبي الله، هذا لا يقال إلا لله، وقوله: اشفع لي، قال: لا يطلب منه الشفاعة، ومنها: توسلت بك، قال: لا يتوسل به، وقوله: المعصوم من الزلل، قال: إلا من زلة العتاب، وقوله: يا خير خلق الله، الراجع تفضيل الملائكة، إلى غير ذلك فسئل فاعترف ثم قال: رجعت عن ذلك وأنا الآن أعتقد غير ما قلت أولاً: فكتب ما قال وانفصل المجلس، ثم طلب بقية العلماء فحضروا المجلس الثاني وحضر القضاة أيضاً، وممن حضر: القاضي شمس الدين الصرخدي، والقاضي شرف الدين الشريشي، والقاضي شهاب الدين الزهري، وجمع كثير، فأعيد الكلام فقال بعضهم: يعزر، وقال بعضهم: ما وقع معه من الكلام أولاً كاف في تعزير مثله، وقال القاضي الحنبلي: هذا كاف عندي في تعزير مثله، وانفصلوا ثم طلبوا ثالثاً وطلب من تأخر وكتب أسماؤهم في ورقة، فحضر القاضي الشافعي، وحضر ممن لم يحضر أولاً: أمين الدين الأتقى، وبرهان الدين بن الصنهاجي، وشمس الدين بن عبيد الحنبلي وجماعة، ودار الكلام أيضاً بينهم، ثم انفصلوا ثم طلبوا، وشدد الأمر على من تأخر فحضروا أيضاً وممن حضر: سعد الدين النووي، وجمال الدين الكردي، وشرف الدين الغزي، وزين الدين بن رجب، وتقي الدين بن مفلح، وأخوه، وشهاب الدين بن حجي، فتواردوا على الإنكار على ابن العز في أكثر ما قاله ثم سئلوا عن قضية الذين نسبوا إلى الظاهر وإلى ابن تيمية فأجابوا كلهم أنهم لا يعلمون في المسمين من جهة الاعتقاد إلا خيراً، وتوقف ابن مفلح في بعضهم، ثم حضروا خامس مرة واتفق رأيهم على أنه لا بد من تعزير ابن العز إلا الحنبلي،(1/259)
فسئل ابن العز عما أراد بما كتب؟ فقال: ما أردت إلا تعظيم جناب النبي صلى الله عليه وسلم وامتثال أمره أن لا يعطى فوق حقه، فأفتى القاضي شهاب الدين الزهري بأن ذلك كاف في قبول قوله وإن أساء في التعبير، وكتب خطه بذلك، وأفتى ابن الشريشي وغيره بتعزيره، فحكم القاضي الشافعي بحبسه فحبس بالعذراوية، ثم نقل إلى القلعة، ثم حكم برفع ما سوى الحبس من التعزيرات، ونفذه بقية القضاة، ثم كتبت نسخة بصورة ما وقع وأخذ فيها خطوط القضاة والعلماء وأرسلت مع البريد إلى مصر، فجاء المرسوم في ذي الحجة بإخراج وظائف ابن العز، فأخذ تدريس العزية البرانية شرف الدين الهروي، والجوهرية على القليب الأكبر: واستمر ابن العز في الاعتقال إلى شهر ربيع الأول من السنة المقبلة. وأحدث من يومئذ عقب صلاة الصبح التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، أمر القاضي الشافعي بذلك المؤذنين ففعلوه.
وفي الرابع من ذي القعدة طلب ابن الزهري شمس الدين محمد بن خليل الحريري المنصفي فعزره بسبب فتواه بمسألة الطلاق على رأي ابن تيمية وبسبب قوله: الله في السماء، وكان الذي شكاه القرشي فضربه بالدرة وأمر بتطويفه على أبواب دور القضاة، ثم اعتذر ابن الزهري بعد ذلك وقال: ما ظننته إلا من العوام لأنهم أنهوا إلى أن فلاناً الحريري قال كيت وكيت، حكى ذلك ابن حجي، وهذا العذر دال على أنه تهور في أمره ولم يثبت فلله الأمر.
ومن اطرف ما يحكي عن المنصفي أن بعض الناس اغتم له مما جرى فقال: ما أسفي إلا على أخذهم خطي بأني أشعري فيراه عيسى بن مريم إذا نزل.
وفيها كان الحاج بمكة كثيراً بحيث مات من الزحام بباب السلام أربعون نفساً أخبر الشيخ ناصر الدين بن عشائر أنه شاهد منهم سبعة عشر نفساً موتى بعد أن ارتفع الزحام(1/260)
وان شيوخ مكة ذكروا أنهم لم يروا الحاج أكثر منهم في تلك السنة، وكانت الوقفة يوم الجمعة بلا ارتياب عندهم، ولكن وقع للشيخ زين الدين القرشي أنه قيل عنه انه ضحى يوم الجمعة لأجل شهادة من شهد برؤية هلال ذي الحجة ليلة الأربعاء فلم يصم يوم الخميس وضحى يوم الجمعة، وشاع عنه أنه أمر بذلك فبلغ القضاة فشق عليهم ورفعوا أمره للنائب فطلبه النائب فتغيب ثم حضر واخبر بأنه لم يضح واعترف بأنه لم يصم احتياطاً للعبادة واستدل بأشياء تدل على قوة ما ذهب إليه وخالفه جماعة في ذلك وانفصل الحال، وكان استجار بالأمير تمرباي فأرسل إلى القضاة فكفوا عنه، ثم أحضر النقل من مصنف ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي أنهم كانوا يرون صوم يوم عرفة إلا أن يتخوفوا أن يكون يوم النحر وأنه أفطر لذلك الأمر وذكر لهم أن ابن تيمية نقل الإجماع أنه لا يعتبر بذلك الشك وأن هذا الأثر يرد عليه فعورض بأن الأخذ بالأثر المذكور يخالف مذهب الشافعي لعدم قوله بصوم يوم الشك من رمضان ولم يلتفتوا إلى الاحتياط المذكور.
وفي شعبان انتهت زيادة النيل إلى إصبع من أحد وعشرين ذراعاً.
وفي رمضان استعفى طشتمر الدويدار من نيابة صفد فأعفى وتحول إلى القدس بطالاً.
وفيها استقر محمود شاد الدواوين وكان قبل ذلك استادار سودون باق.
وفيها حججت مع زكي الدين الخروبي، وكانت وقفة الجمعة وجاورنا، فصليت بالناس في السنة التي تليها، وقد كنت ختمت من أول السنة الماضية واشتغلت بالإعادة في هذه السنة فشغلنا أمر الحج إلى أن قدر ذلك بمكة، وكانت فيه الخيرة.
وفي تاسع شوال صرف بدر الدين بن فضل الله من كتابة السر بمصر، واستقر أوحد الدين عوضه فيها، وكان أوحد الدين موقع برقوق وله به معرفة قديمة فجازاه.(1/261)
وفيه قدم الشيخ أبو زيد بن خلدون من المغرب فأكرمه السلطان.
وفي ذي القعدة أسلم أبو الفرج الأسعد كاتب الحوائج خاناة فسماه السلطان: موفق الدين، وولاه نظر ديوان أولاده، وتقدم واشتهر ذكره.
وفيها وقع بين الشيخ سراج الدين البلقيني والشيخ بدر الدين بن الصاحب في الخشابية بجامع مصر بحث ألزمه فيه البلقيني بالكفر، فجرى بينهما كلام كثير وتولد منه شر كبير، فقام على ابن الصاحب جماعة وادعوا عليه عند المالكي، فسعى له آخرون عند اكمل الدين، حتى نقل القضية إلى القاضي الشافعي، وأقام مدة في الترسيم حتى حكم بحقن دمه، واستمر في وظائفه وعاش بعدها مدة. فحدثني بعض من سمع الشيخ سراج الدين يجهر بصوته بين القصرين وابن الصاحب مع الرسل الموكلين به سائراً مع البلقيني وهو يقول: يا معشر المسليمن! هذا كفر، فيقول ابن الصاحب: يا معشر المسلمين! هذا رأى الشيخ ذلك عدل إلى قوله: يا معشر المسلمين! هذا قال: غن نبيكم مت هو مدفون بالمدينة، وكان البحث بينهما في شيء من ذلك، وتعصب له جماعة منهم الفاضل محمد النحاس المصري فقال فيه:
لبدر الدين بين الناس فضل ... فمذهبه الصحيح بلا اعوجاج.
فأشرق في سماء العلم بدرا ... فأطفأ نوره نور السراج.
وفي ذي القعدة توجه السلطان إلى بولاق التكرور فاجتاز من الصليبة وقناطر السباع وفم الخور، وكان عادة السلاطين قبله من زمن الناصر لا يظهرون إلا في الأحيان ولا يركبون إلا من طريق الجزيرة الوسطانية، ثم تكرر ذلك منه وشق القاهرة مراراً، وجرى على ما ألف في زمن الإمرة. وأبطل كثيراً من رسوم السلطنة، وأخذ من بعده بطريقته في ذلك إلى أن لم يبق من رسمها في زماننا إلا اليسير جداً.
وفيه استسلم الظاهر أبا الفرج الذي استوزره بعد ذلك، وكان كاتب الحوائج خاناة(1/262)
واللحم، فاتفق أن المعلمين في اللحم ضجروا من تأخر حقهم، فغضب الظاهر على الوزير علم الدين سن إبرة وضربه وأمر بإحضار أبي الفرج فحضر وهو فزع فعرض عليه الإسلام فبادر إليه فلقبه موفق الدين وخلع عليه وأركبه فرساً بكنبوس ذهباً.
وفيه هرب الطنبغا السلطاني نائب البلستين إلى سيواس.
وفيها بنى السلطان قناطر بني منجا فأحكم عمارتها.
وفيها غضب السلطان على قرط فظقر به فأهانه وصادره ونودي على ولده حسين، وذلك في ذي الحجة.
وفيها ولي عبد الرحمن بن رشد المغربي المالكي القضاء بحلب عوضاً عن علم الدين القفصي.
وفيها وقع الخلف بين أحمد بن عجلان صاحب مكة وبين الأشرف صاحب اليمن بسبب المحمل اليمني، فغضب الأشرف عليه ومنع التجار من الاجتياز عليه، فسافروا من جهة سواكن، فضاق ابن عجلان من ذلك فتشفع إليه حتى رضي عنه وأطلقهم.
وفيها قتل حسين بن أويس اغتيالاً اغتاله أحمد بن أويس أخوه سلطان بغداد، وكان استنابه على البصرة وتوجه إلى تبريز فمالأ أحمد الأمراء عليه حتى قتل واستقل بالسلطنة.
ذكر من مات
في سنة أربع وثمانين وسبعمائة من الأعيان.
أحمد بن أحمد بن أحمد بن فضل الله شهاب الدين بن عز الدين بن شهاب الدين، كاتب السر بطرابلس ثم بدمشق، وكان قد اشتغل ومهر، وكان مقداماً، مات في جمادى الأولى، ومات أبوه قبله بشهر.(1/263)
أحمد بن عبد الله بن أحمد بن الناصح عبد الرحمن الحنبلي، شهاب الدين بن تقي الدين، ولد سنة اثنتين وسبعمائة، وسمع من ابن مشرف والتقي سليمان وغيرهما، وله إجازة من جماعة، وكان له حانوت يبيع فيه القز بالصالحية، وكان مباشر الأوقاف، مات في المحرم وله اثنتان وثمانون سنة.
أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن فضل الله، شهاب الدين بن بهاء الدين، كاتب السر بطرابلس ثم بدمشق، وكان قد اشتغل ومهر، مات في جمادى الأولى، ومات أبوه قبله بأشهر، وكان له اشتغال بالفرائض والعربية والأدب، وكان شهماً مقداماً، وعاش أبوه بعده نحو نصف شهر وقد باشر عن ولده كتابة السر.
أحمد بن علي بن يحيى بن عثمان بن نحلة، شرف الدين الدمشقي، ولد سنة أربع وسبعمائة، وحضر على حسين الكردي وسمع من أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم وأبي بكر بن النحاس وغيرهما وحدث، وكان من كبار العدول بدمشق تحت الساعات، ثم انقطع ببستانه، مات في رمضان وله ثمانون سنة.
أحمد بن محمد بن خلف البهوتي المصري، سمع على الواني وحدث، وكان كثير التلاوة.
أحمد بن موسى بن أحمد بن حسن بن يوسف بن محمود القاضي، شهاب الدين العينتابي الحنفي، والد القاضي بدر الدين محمود، رأيت بخط ولده أنه ولد في حدود سنة عشرين، وأنه كان يستحضر الفروع ويعرف أمور السجلات والمكاتيب، وأنه ناب في الحكم نحواً من ثلاثين سنة، وأنه مات في رجب هذه السنة، وقدم ولده بدر الدين محمود إلى القدس سنة ثمان وثمانين وله من العمر ستة وعشرين سنة فصادف الشيخ علاء الدين السيرامي يزور القدس فقدم معه إلى القاهرة فنزله في الظاهرية ثم جعله خادماً بها، فلما مات العلاء أخرجه جركس الخليلي بسبب عرض له ثم صحب جكم بعد موت الظاهر فسعى له في الحسبة فوليها في أول ذي الحجة سنة إحدى وثمانمائة.(1/264)
أمير غالب بن أمير كاتب بن أمير عمر بن العميد بن أمير غالب الفارابي الاتقاني، همام الدين بن قوام الدين، اشتغل قليلاً بالشام، وكان بزي الجند، وله أقطاع ثم ولي الحسبة في ذي الحجة سنة تسع وسبعين فبدت منه عجائب، ثم ولي قضاء الحنفية سنة ثمانين وانتزع التداريس من علماء الحنفية، وكان مع فرط جهله وقلة دينه جواداً سليم الصدر، ويحكى عنه أحكامه أشياء تشبه ما يحكى عن قراقوش وأطم حتى أنه حلف امرأة ادعت وحكم على المدعي عليه أنه يدفع لها ما حلفت عليه، وحكى لي عنه ابن الفصيح وكان نقيباً عنده مساوي من الإسراف على نفسه، وكان ابن جماعة يحكي عنه أنه قدمت له قصة فيها فلان له دعوى شرعية على شخص يسمى أسد فكتب إن كان وحشياً فلا يحضر مات في جمادى الأولى أو ربيع الأول عن خمسين سنة.
إياس الصرغتمشي، تنقلت به الأحوال إلى أن صار دوادار مخدومه، ثم نفي بعده إلى مصنات ثم أعاده يلبغا وجعله مقدم المماليك، ثم جعله سندمر دواداره، ثم رتبه الأشرف لولده على دويدارا ثم نقل إلى الحجوبية وأضيف إليه نظر الأوقاف في السنة الماضية فاستمر فيها إلى أن مات في ربيع الآخر، واستقر بعده سودون الشيخوني.
أمين الدين الحنبلي الحلبي، كان فاضلاً في مذهبه كثير الاستحضار جداً مشهوراً بالعلم والديانة، اتفق أنه في أواخر عمره استغاث به شخص فنزل إليه من بيته فضربه بسكين فقتله وقتل قاتله في الحال.
حسين بن أويس بن الشيخ حسن النوين بن حسين بن آقبغا بن ايلكان بن(1/265)
القان، غياث الدين، ولي السلطنة بالعراق بعد أبيه، واستخلف أخاه أحمد على البصرة، فلما اختلف عليه الأمر وتوجه من بغداد إلى تبريز توجه أحمد ومالأ الأمراء حتى اغتال أخاه حسيناً بتبريز وقام بالسلطنة وذلك في صفر ربيع الآخر، وكان شهماً شجاعاً حسن السياسة.
زبالة البارقاني، نائب قلعة دمشق، تنقل في الولايات، وكان مشكور السيرة متواضعاً، مات في شعبان وقد جاوز السبعين.
صالح بن إبراهيم بن صالح بن عبد الوهاب بن أحمد بن أبي الفتح بن سحنون التنوخي الحنفي، تقي الدين بن خطيب النيرب، ولد سنة عشرين أو قبلها، وحضر على زينب بنت ابن عبد السلام مسند انس للحنيني، ثم سمعه عليها وعلى أبي بكر بن عسر من لفظ البرزالي وغيرهم وحدث، وكان يشهد عند جامع تنكز، وفيه انجماع وسكون، مات مطعوناً في جمادى الأولى.
عباس بن عبد المؤمن بن عباس الكفرماوي الحارمي، قاضي جبة عسال، ولد قبل العشرين، وحضر عند الشيخ برهان الدين بن الفركاح، واشتغل قديماً، وولاه السبكي الكبير قضاء الخليل، وسمع من الجزري وابن النقيب وحدث، وتولى عدة بلاد، ثم ناب بدمشق عن ولي الدين بن أبي البقاء، ثم ولي قضاء صفد في رمضان سنة ثمانين ومات في رجب.
عبد الله بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن راجح، موفق الدين، كان شاباً ذكياً ملازماً للدرس، ومات شاباً بعد والده بسنة.
عبد الله بن محمد الصفدي ثم الدمشقي، شاهد الحكم للحنفية، مات في ربيع الأول، وكان مشكور السيرة.
عبد الله بن موسى بن علي الجبرتي، جمال الدين الفقيه الزاهد، مات في رمضان بالشام، وكان رجلاً صالحاً.
عبد الرحمن بن حمدان، العينتابي زين الدين، ولد بعينتا من نابلس، وقدم(1/266)
الشام لطلب العلم، فتفقه بابن مفلح وغيره، وسمع من جماعة، وتميز في الفقه، واختصر الأحكام للمرادي مع الدين والتعفف.
عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن التقي سليمان المقدسي الحنبلي، ولد سنة اثنتين وثلاثين، وتفقه بابن قاضي الجبل وغيره، وسمع من جماعة، وولي دار الحديث الأشرفية بالجبل، وناب عن ابن قاضي الجبل قليلاً، ومات في ذي الحجة.
عبد العزيز بن عبد المحيي بن عبد الخالق الأسيوطي، عز الدين المصري، سمع علي الدبوسي وغيره، وعني بالفقه، ودرس في حياة ابن عدلان، ويقال إن الشيخ سراج الدين قرأ عليه في بداية أمره، وتفقه به جماعة، ومات في ذي الحجة وجاوز الثمانين.
عبد الكريم بن محمود بن علي بن إبراهيم، جلال الدين القيصري، شيخ خانقاه خاتون بدمشق، كان معروفاً بالكرم، وحج في هذه السنة ورجع مع أمير الحاج المصري، فمات في أواخر ذي الحجة.
عبد الوهاب بن أحمد بن علم الدين بن محمد بن أبي بكر الأخنائي، بدر الدين بن كمال الدين الشافعي ثم المالكي، ولي القضاء، وحدث عن صالح الأشهى وعبد الغفار السعدي وغيرها، وعزل في أواخر عمره سنة تسع وسبعين فأقام معزولاً، ثم حج وجاور في الرجبية سنة ثلاث وسبعين، ثم رجع فتوعك إلى أن مات في سادس عشر رجب، وكان عزل سنة تسع وسبعين بالبساطي.
علي بن تمربغا التركي، ابن نائب الكرك، كان شجاعاً عارفاً بفنون الحرب كلها، مات هو وابنه محمد في ليلة واحدة.(1/267)
علي بن عمر بن محمد بن الشيخ تقي الدين محمد بن علي القشيري، علاء الدين، موقع الحكم، وكان كبير اللحية وفيه يقول الشاعر:
لعلاء الدين ذقن ... تملأ الكف وتفضل.
فاعمل الغربال منها ... لدقيق العيد وانخل.
مات في صفر.
عمر بن علي بن أبي بكر بن الفوي، زين الدين، خطيب طرابلس، ولد سنة ست وعشرين وكان يقرأ الصحيح قراءة حسنة، ويفهم الحديث، وله عناية يضبط رجاله، مات في المحرم بحماة وقد جاوز الستين.
غازي بن محمد بن أحمد بن عمر الشراريبي، الفلاح، نزيل المزة، جاوز المائة فقرؤوا عليه بإجازته العامة عن الفخر علي، وكان جلداً قوي الهمة، يدور البلد ويسأل الناس، مات في جمادى الأولى.
قيس بن يمن بن قيس الصالحي، البياع، سمع من أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم ويحيى بن سعيد وجماعة وحدث، مات في ذي الحجة.
محمد بن إبراهيم بن راضي الصلتي، شمس الدين، ولد سنة عشر، واشتغل وقرأ كتباً، ثم قدم دمشق فاشتغل بالشامية، ثم دخل مصر بعد السبعين وولي القضاء بقوص وغيرها، ثم رجع، ومات بمصر في المحرم وقد جاوز السبعين.
محمد بن إبراهيم الجرماني ثم الدمشقي، ولد قبل الأربعين، وسمع الحديث من جماعة، وتفقه بابن مفلح وغيره حتى برع وأفتى، كان إماماً في العربية مع العفة والصيانة والذكاء وحسن الإيراد، مات في شوال.
محمد بن إبراهيم جمال الدين بن الجلاد الزبيدي، أحد المباشرين بتلك البلاد.(1/268)
محمد بن أحمد بن يحيى بن فضل الله، نجم الدين العدوي، كبير الموقعين بدمشق، وقد سمع من محمد بن أبي بكر بن عبد الدائم وغيره، ومات في شوال، وكان له مند ولي توقيع الدست ثلاثين سنة وساء.
محمد بن طريف، الشيخ شمس الدين الغزي، كان يذكر بالخير والصلاح، مات في ذي الحجة.
محمد بن عبد الله الأرزكاني، شرف الدين، أحد فضلاء العجم، شرح المشارق والكشاف، وانتفع به أهل تلك البلاد، وكان قدم الشام قبل الثمانين أيام أبي البقاء، وقرأ عليه الكشاف وغيره، وقد نقل عنه الشيخ شمس الدين بن الصائغ في شرحه للمشارق شيئاً كثيراً.
محمد بن محمد بن أحمد بن سليمان القفصي، حضر علي الحجار في الرابعة سنة ثمان وعشرين، وكان بزي الجند، وهو والد القاضي علم الدين القفصي الذي ولي قضاء المالكية.
محمد بن محمد بن عبد الله بن الحاسب، موفق الدين بن فخر الدين المقدسي، سبط الشيخ صلاح الدين بن أبي عمر، اشتغل وحفظ المقنع، وكان يستحضره، وكان خيراً متواضعاً، مات في ربيع الآخر.
محمد بن محمد بن علي بن يوسف الأسناوي، الخطيب جمال الدين، قدم مصر سنة إحدى وعشرين، وسمع علي الحجار، وتفقه بالقطب السنباطي وابن القماح وابن عدلان وغيرهم، وأخذ العربية عن أبي الحسن والد شيخنا سراج الدين بن الملقن، ودرس وأفتى، وشرح التعجيز في الفقه، وناب في الحكم، وكان عالماً خيراً ذا مهابة وصيانة وعفاف قائماً بالحق حتى أنه كتب على قصة سئل فيها(1/269)
أن يحضر يلبغا وهو إذ ذاك صاحب المملكة يحضر أو وكيله فلما وقف عليها يلبغا عظم قدره عنده، ويقال: إن ذلك كان بطريق الامتحان من يلبغا، وأنه لما أن جاءه الرسول قال له: " قل له: إني أصالح غريمي " فقال الرسول: " والله ما أقدر إلا أن تروح معي أو وكيل أو الغريم يقول: قد أرضيت فأعجبه ذلك ودفع للرسول ألف درهم، وأرسل إلى القاضي ذهباً وبغلة، فرد ذلك، فاشتد اغتباطه به وعاتقاده فيه، وكان في سمعه ثقل بأخرة ولذلك يقال له: الأطروش، مات في ثامن ربيع الأول.
محمد بن محمد بن ناصر بن أبي الفضل، الفراء الحمصي ثم الحلبي، المعروف بابن رياح، ويعرف أيضاً بالقيم وبالفقيه، ولد بحمص سنة ست وسبعمائة. وكان يحفظ القرآن ويتعانى التجارة في الفراء، وكان مشكوراً في صناعته، وحدث بصحيح البخاري عن ابن الشحنة وكان سماعه منه سنة سبع عشرة بحمص، ومات في جمادى الآخرة في السنة.
محمد بن محمد بن الكامل، ناصر الدين بن صلاح الدين، مات في رمضان بدمشق.
محمد بن محمد بن يوسف المرادي، شرف الدين الحنبلي، سبط القاضي جمال الدين، ولد قبل الأربعين، وأخذ عن جده، ونخرج بابن مفلح، وسمع الحديث من جماعة، ولم يكن بالصين، مات في ربيع الآخر.
محمد بن النظام محمود، جلال الدين، إمام منكلي بغا، كان عارفاً بالفقه والأصول والعربية والنظم. أخذ عن بهاء الدين الإخميمي وأبي البقاء، وتصدر بالجامع، وكان بزي الجند، مات في رمضان، وكان يعرف قديماً بابن صاحب شيراز، وحفظ الحاوي الصغير وغير ذلك.
مفتاح الزيني السبكي، مولى زين الدين عبد الكافي، والد تقي الدين السبكي،(1/270)
كان تقي الدين يركن إليه وكلمته نافذة عنده، وسمع مع أولاده من زينب بنت الكمال وغيرها وحدث، مات في جمادى الآخرة.
همام الدين، هو أمير غالب، تقدم.
شمس الدين بن غراب، الكاتب القبطي، مات في صفر، وهو والد سعد الدين الذي بلغ الرتبة في الآمرية.
كريم الدين عبد الكريم بن عبد الله بن الرويهبة القبطي المصري، ولي الوزارة ثلاث مرات وغيرها، وقد تقدم شرح حاله في الحوادث.
جهان طيي، الجحفلية، والدة الملك الأشرف، قامت بتدبير أمر ولدها قبل أن يترعرع، وكانت حسنة التدبير كثيرة العطاء والإحسان إلى العسكر والتقرب من قلوب الرعية.(1/271)
سنة خمس وثمانين وسبعمائة
فيها في المحرم حضر يلبغا الناصري نائب حلب إلى القاهرة، فخرج سودون النائب إلى ملتقاه في أكثر العسكر، فحضر الموكب بدار العدل، فخلغ السلطان عليه استقراراً، وركب عن يمينه أيتمش وعن يساره الجوباني، ثم توجه إلى بلاده في عاشر الشهر.
وفيها طلب السلطان شمس الدين إبراهيم القبطي، المعروف بكاتب أرلان، فعرض عليه الوزارة فامتنع، فألزمه، فاشترط شروطاً كثيرة أجيب إليها حتى وضع السلطان يده على يد نفسه وقال للأمراء: انظروا إلى يد الوزير فقد جعلتها فوق يدي مبالغة منه في تنفيذ كلمته، فسلك في وزارته مل لم يسلكه أحد قبله في الضبط وترك القبط في أضيق من سم الخياط ودقق عليهم الحساب، ولم يتناول من الرواتب غير شيء يسير جداً، ولم يزل يسوس القضايا إلى أن حصل في بيت المال جملة كثيرة جداً مع تغليق المعاملين وتقديم رواتب المماليك وجوامكهم، وفتح الطواحين بمصر بعد أن كانت مغلقة، وأعاد المخابز السلطانية، وملأ حواصل الحوائج خانات من جميع الأصناف، وكان إذا ركب ركب وحده ولا يترك أحداً يركب معه لا مقدم ولا غيره، وجرى بينه وبين ناظر الخاص ابن البقري وجركس الخليلي مشير الدولة منازعة ومفارضة آل أمره فيها إلى أن منع السلطان الخليلي من الكلام في الدولة، ولما استقر في الوزارة لم يلبس ما جرت به عادة الوزراء يلبسه من القبع الزركش والعنبرية وغير ذلك. وقرر علم الدين الحزين مستوفي الدولة عوضاً عن أمين الدين ابن حنيص.
وفي صفر وصل رسل بغداد أحمد بن أويس، فأحضروا بدار العدل وقدموا هديتهم فخلع عليهم وأنزلوا بدار الضيافة.
وفيه أفرج عن الأمير قرط، فتوجه إلى بيته بطالاً.
وفيه وقعت بين قبلاي نائب الكرك وخاطر أمير العرب بها مقتلة، فانكسر قبلاي وخلص(1/272)
خاطر من كان قبلاي أمسكه قبل ذلك منهم، ثم تحيل قبلاي على خاطر إلى أن حضر عنده فذبحه ولده غدراً.
وفيها حضر سالم الدوكاري التركماني إلى نائب حلب طائعاً فأمره السلطان بإرساله إلى مصر، ولم يكن أطاع ملكاً قبله.
وفي جمادى الأولى نزل السلطان إلى النيل فخلق المقياس وكسر الخليج بحضرته، ولم يباشر ذلك بنفسه سلطان قبله من زمن الظاهر بيبرس.
وفيها أمر السلطان جمال الدين المحتسب أن يتحدث في الأوقاف الحكمية فتحدث فيها فشق ذلك على القاضي الشافعي فتحدث مع أحد الدين فراجع له السلطان فقال: أنا ما وليت جمال الدين وعزلت الشافعي وغنما أمرته أن يتحدث معه في عمارة ما تهدم، ثم شافه السلطان القاضي بذلك وقال له: أنت الناظر وهذا ينوب عنك في ذلك، فسأله المحتسب أن يكون الأمير قديد معه في العمارة، وبالغ من بيده شيء من الأوقاف في إصلاحه خوفاً من الغهانة، وفي ذلك يقول شهاب الدين بن العطار:
يا من أكلتم من جني أوقافنا ... لحماً طرياً فاصبروا لقديد.
وفيه عمل أهل برمة وهم نصارى عرساً بالمغاني والملاهي على عادتهم فقام المؤذن يسبح على العادة فأنزلوا، فبلغ ذلك الخطيب فانتصر للمؤذن وساعده الإمام فأهانهما أهل البلد، فتوجهوا إلى القاهرة وشكوا الأمر للنائب، فأرسلهم إلى صاحب برمة وهو جركس الخليلي فضرب الثلاثة وحبسهم، فبلغ ذلك السلطان من جهة ناصر الدين بن الميلق الواعظ فتغيظ على الخليلي وأمره بإطلاقهم وإنصافهم من غرمائهم، فأحضر من(1/273)
برمة جماعة من المسالمة فشهد عليهم بالزندقة، فضرب القاضي المالكي رقاب ستة أنفس، وسر المسلمون بذلك، وقد قرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري وأجازنيه أن ابن خير حكم بضرب رقابهم بحضور القضاة فضربت في المجلس وكان سودون النائب حاضراً بين القصرين، قال: ثم قام بعض المالكية وادعى أنه خالف مذهبه وبالغ في التشنيع يعني ابن جلال الدميري وجرى على ابن خير ما لا خير فيه، ثم إنه استفتى أهل العلم الموجودين قي ذلك الوقت فأفتوا بتصويب فعله وانتصر على خصمه.
وفي جمادى الآخرة نازل الفرنج بيروت في عشرين مركباً، فراسلوا نائب الشام فتقاعد عنهم واعتل باحتياجه إلى مرسوم السلطان، فقام إينال اليوسفي فنادى الغزاة في سبيل الله، فنفر معه جماعة فحال بين الفرنج وبين البحر وقتل بعضهم، ونزل إليه بقية الفرنج فكسرهم وقبض من مراكبهم ستة عشر مركباً، فسر المسلمون بذلك سروراً عظيماً، ولما بلغ السلطان قبل ذلك تحرك الفرنج جهز عدة أمراء لحفظ الثغور من الفرنج كرشيد ودمياط وغيرهما، فلما توجهوا إلى بيروت وكسروا بها حصلت الطمأنينة منهم، وممن توجه من المطوعة القاضي المالكي ومعه المغارية والشيخ شمس الدين القونوي ومعه خلائق من المطوعة، ثم جمع القاضي الشافعي جمعاً من الفقهاء وتوجه، وكان الفرنج قد دخلوا صيداء فوجدوا المسلمين قد نذروا بهم فأحرزوا أموالهم وأولادهم بقرية خلف الجبل، فوجد الفرنج بعض أمتعتهم فنهبوها وأخذوا ما وجدوا من زيت وصابون وأحرقوا السوق وقصدوا بيروت فتداركهم المسلمون، ثم وصل النائب وانكسر الفرنج بحمد الله تعالى، ثم عاد الفرنج إلى مباهلة بيروت فطرقوها في شعبان، فتيقظ لهم أهلهم فحاربوهم وراموهم، ونزل طائفة من الفرنج فوجدوا بالساحل خمسة عشر نفساً فقتلوهم، ثم قتل من الفرنج جماعة، فوصل النائب من دمشق بعد انقضاء الوقعة ورجوع الفرنج بغيظهم لم ينالوا خيراً.(1/274)
وفيها ابتدأ الأمير أيتمش بإنشاء مدرسته التي بالقرب من القلعة.
وفي صفر عزل القاضي الحنفي بدمشق نوابه بسبب بدر الدين القدسي، ثم أعاد واحداً منهم وهو تقي الدين الكفري، فشاع الخبر أن النائب تعصب للكفري وكاتب فيه ليلى القضاء استقلالاً ثم وصل الخبر بذلك واستقر في ربيع الأول.
وفيها أراد جماعة القيام على السلطان ونزعه من الملك وساعدهم على ذلك الخليفة المتوكل وغيره، فبلغه ذلك فأمسك الخليفة وسجنه وخلعه من الخلافة فوضها لقريبه عمر بن إبراهيم بن الواثق، ورتب له ما كان للمتوكل، ولقب الواثق، أو المستعصم، وسمرقرط بن عمر الكاشف وإبراهيم بن قطلقتمر وغيرهما وكان الذي نم عليهم بذلك صلاح الدين محمد بن محمد بن تنكز وأخبره بأنهم اتفقوا مع الخليفة وجمعوا ثماني مائة نفس وتواعدوا على قتل السلطان إذا نزل للعب الكرة بالميدان، وقيل إن بدر بن سلام كان وافقهم على ذلك فأرسل السلطان لما سمع بذلك إلى سودون النائب فأخبره بما قيل فبرأهم من ذلك وقال: إن الخليفة رجل عاقل لا يصدر منه شيء من ذلك، فأمر السلطان بإحضاره، وإحضار قرط وإبراهيم بن قطلقتمر فقررهم على ما بلغه، فأنكروا فشدد على قرط وهدده فأقر فالتفت إلى الخليفة فقال: ما يقول هذا؟ قال: يكذب، ثم قرر السلطان إبراهيم بن قطلقتمر فأقر بنحو ما أقر به قرط فسأل الخليفة فأنكر، فجعل إبراهيم يحاققه ويذكر أمارات وهو مصر على الإنكار إلى أن غضب السلطان وسل السيف وأراد ضرب عنقه فحال بينهما سودون النائب، ثم أمر بتسمير الثلاثة، فقال له سودون النائب: متى سمرنا الخليفة رجمتنا العامة، فوافقه بعض من حضر، ثم عقد مجلس بالعلماء والقضاة فلم يصرح أحد منهم بوجوب قتل أحد من المذكورين(1/275)
فانفصل المجلس وحبس الخليفة في القلعة وقيد بقيد ثقيل وأمر بتسمير قرط وإبراهيم فتسلمها حسين بن علي الكوراني والي القاهرة فطاف بهما مصر والقاهرة، ثم استأذن عليهما العصر فأمر بتوسيطهما فوسط قرط، ثم وقعت الشفاعة في إبراهيم فحبس بالخزانة وحبس معه حسين بن قرط بن عمير.
وفيها خرج سلام بن التركية مع العرب بالوجه البحري، وتوجهوا إلى جهة الفيوم ومعهم إبراهيم بن اللبان، وكان يوقع عند بعض الأمراء فاتفق مع الذين أرادوا الخروج على السلطان، وأشعر بهم العرب وأظهر للعرب أنه قريب الخليفة وتعمم بزي الخليفة فهرعوا إليه، فصار يأمر وينهى، فجهز السلطان إليهم أربعة أمراء، فلما بلغهم ذلك توجهوا إلى جهة الصعيد وتبعوهم، وكان ما سيأتي ذكره.
وفيها حصر أبو العباس بن أبي سالم المريني مدينة تادلة وخرب قصرها، ثم ملك مراكش وعاد إلى فاس، وخرج لغزو أبي حمو بتلمسان ففر عنه.
وفيها زاد النيل زيادة عظيمة إلى أن تهدمت به بيوت كثيرة وانفتح مقطع بالزريبة فبادر إليه أيدكار الحاجب وحسين الوالي فأحضروا المراكب وسدوه بأبواب وصواري وأخشاب فلم ينسد إلا بعد أيام، ورتب السلطان جماعة من الأمراء والمماليك بالإقامة بجوانب البحر والخلجان لحفظ الجسور.
وفيها حضر رسل صاحب سنجار، ورسل صاحب قيسارية، ورسل صاحب بتكريت بهداياهم، وتضمنت كتبهم سؤال السلطان أن يكونوا تحت حكمه ويخطبوا باسمه، فاجيب سؤالهم وكتب لهم بذلك تقاليد، وخلع على رسلهم.
وفيها قبض على سعد الدين بن البقري ناظر الخاص، وذلك في تاسع رمضان، واتفق أنه كان في بيته عرس بعض بناته، وقد تجمع عندهم النساء بالحلي والحلل، فأحيط بهم، ولم يسمع(1/276)
بمثل كائنته، ونهب جميع ما عنده، وأهين هو وضرب بالمقارع بحضرة السلطان، وباع موجوده إلى أن بلغ ما حمل من منزله ثلاثمائة ألف دينار وأمر السلطان الوزير أن يباشر نظر الخاص فامتنع وأصر، فاستقر في نظر الخاص أبو الفرج موفق الدين الذي تقدم ذكر إسلامه قريباً، ثم أعيد الضرب على ابن البقري في ذي القعدة فضرب تحت رجليه ثلاثمائة عصى وعلى ظهره مقترح مثلها وعلى إسته مثلها، وصار من شدة الضرب يمرغ وجهه في الحصباء إلى أن أثر ذلك في وجهه أثراً لم يزل إلى أن مات بعيد دهر طويل وأثر ذلك ظاهر فيه.
وفي رجب جدد للمحمل ثوب أطلس معدني وصبغ وعمل عليه رنك السلطان، وذلك بعناية الخليلي، وفيه دخل السلطان المارستان المنصوري بين القصرين وعاد المرضى وسأل عن أحواهم.
وفي شوال أطلق إبراهيم بن قطلقتمر فأرسله السلطان إلى والده، وشفع سودون في الخليفة ففك قيده، ثم في ذي الحجة أسطن في بيت الخليلي بالقلعة، وأذن لعياله في الاجتماع به.
وفي رمضان أمر السلطان بإطلاق من في الحبوس من اهل الديون وقام جركس الخليلي في المصالحة بينهم.
وفي صفر ولي مسعود قضاء حلب، وعزل ابن أبي الرضا، فباشر خمسة أشهر ثم رافعوه، فعزل وحبس بالقلعة.
وفيها استقر برهان الدين بن جماعة في قضاء الشام بعد موت ولي الدين بن أبي البقاء، وقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري وأجازنيه أنه استقر فيه مع وظائفه التي بالقدس فاستناب فيها وباشر القضاء بدمشق بعظمة ورئاسة، واشترى بها بستاناً بالمزة، وصرف على عمارته مالاً كثيراً، ووقع بينه وبين إينال اليوسفي فانتصر البرهان انتهى.(1/277)
وذكر لي غيره أن البرهان كان حضر من القدس إلى دمشق ثم رجع فوصل كتاب السلطان إلى نائب الشام بيدمر يذكر فيه أنه يعرض منصب القضاء على البرهان فإن أجاب ألبس الخلعة التي صحبة البريدي، فأرسل إليه بيدمر البريدي فرجع من مرحلتين وعرض عليه ذلك فأجاب وقال لو ولاني السلطان قضاء قرية لقبلتها، وكان سبب ذلك ما تقدم من الإشاعة عنه التي أوجبت عزله أنه لا يوافق على تولية برقوق السلطنة، فألبسه بيدمر الخلعة واستأذنه في التوجه للقدس فأذن له فتوجه مسرعاً وخطب بهم خطبة وداع ورجع هو وأهله فأقام بدمشق إلى أن مات، ويقال إنه لم يجد في المودع الحكمي شيئاً فما زال بحسن سياسته ونزاهته وعفته إلى أن امتلأ ووجد فيه لما مات جملة من الأموال النقد وغيره.
وفيها اشترى السلطان أيتمش البجاسي من ورثة جرجي أستادار بجاس، وذلك أن أستاذه بجاس مات قبل أن يعتقه واستحق ميراثه ورثة أستاذه جرجي فصار أيتمش مرقوقاً لهم، فسأل السلطان في شراه منهم فاشتراه منهم بمائة ألف درهم، ثم أعتقه وأمر له بأربعمائة ألف درهم وعد ذلك من الغرائب فإن جرجي مات سنة اثنتين وسبعين، فأقام أيتمش سبع عشرة سنة في الرق يتصرف الأحرار إلى أن صار أكبر الأمراء بالديار المصرية.
وفيها فوض أمر نقابة الأشرف والنظر عليهم لعبد الرحيم الطباطي، وكان القاضي الشافعي قبل ذلك ينظر فيه.
وفيها خرج سعد الدين بن أبي الغيث صاحب ينبع على ركب المغاربة بوادي العقيق وطلب منهم مالاً، فتكاثروا عليه وقيدوه، فقام العرب الذين كانوا معه فقاتلوهم فقلت بينهم مقتلة عظيمة، ثم جاء التكرور فساعدوا المغاربة فكثرت القتلى، ونهبت من المغاربة والتكرور أموال عظيمة، فبلغ ذلك بهادر أمير المحمل فقام في لم شعث هذه القضية وتسكين هذه الفتنة إلى أن هدأت.(1/278)
وفيها خرج زامل النووي على ركب العراق في ثمانية آلاف نفس فنهبهم ومنعهم من التوجه إلى مكة حتى جبوا له عشرين ألف دينار عراقية.
وانسلخت هذه السنة ومضت في غاية الرخاء حتى بيع اللحم الضأني السليخ بثمانين درهماً القنطار، والبقري بخمسين درهماً القنطار، والسمن بستة عشر القنطار، والقمح من ثمانية إلى خمسة عشر الإردب، والشعير من ستة إلى ثمانية الإردب.
وفيها وقع بين نعير بن حيار بن مهنا وابن عمه عثمان بن قارا فتنة، فساعد يلبغا الناصري عثمان فكسر نعير ونهبت أمواله حتى قيل إن جملة ما نهب له ثلاثون ألف بعير.
وفيها سار يلبغا الناصري بالعساكر الحلبية وبعض الشامية إلى جهة التركمان فنازلوا أحمد بن رمضان التركماني فتواقعوا عند الجسر على الفرات، فانكسر التركمان وأسر إبراهيم بن رمضان وابنه راشد، فوسطهم يلبغا الناصري، ثم تجمع التركمان وواقعوا الناصري عند أذنة فانكسر العسكر وقلعت عين الناصري وجرح، ثم تراجع العسكر ولم يفقد منه إلا العدد اليسير فطردوا التركمان إلى أن كسروهم، فغدر التركمان بنائب حماة وبيتوه، فانهزم، ثم ركب يلبغا الناصري فهزمهم.
وفيها حضر نصراني القاضي ولي الدبن بن أبي البقاء بدمشق فاعترف بأنه أسلم ثم ارتد وسأله بأن يضرب عنقه، فهم بذلك، فلما رأى القتل أسلم، ثم ارتد فحمل إلى المالكي فضرب عنقه بدمشق في صفر.
وفيها قبض على بيدمر نائب الشام وحبس بصفد، وفيه يقول الشاعر:
نائب الشام قد نفى ... صفدا بعد ما اجتهد.
والشيطان لم تزل ... بعد شعبان في صفد.(1/279)
وفيها مات سيف الدين الحبى صاحب جزيرة ابن عمر في رجب، واستقر بعده أخوه عز الدين أحمد، وعلي طنزة ولده عبد الله بن سيف الدين وعلي فيل ولده أبو بكر.
وفيها أوقع العادل صاحب الحصن بالزرقية، وأعانه على ذلك جمع من النجمية وغيرهم.
ذكر من مات
في سنة خمس وثمانين وسبعمائة من الأكابر.
إبراهيم بن خضر بن عبد الله المقدسي ثم الدمشقي، برهان الدين، كان مؤذناً ببيت المقدس، ثم قدم دمشق، وأخذ عن الشيخ صدر الدين بن منصور، وصحب إسندمر نائب الشام، فلما مات ابن الربوة ولاه خطابة جامع يلبغا لأنه كان الناظر عليه لكونه أخا الواقف، ثم نزل عنه لولده تقي الدين فنازعه شمس الدين الكفري ثم اشتركا وانفرد المقدسي بالإمامة إلى أن مات، وكانت وفاة إبراهيم برهان الدين في سادس عشر ذي القعدة.
إبراهيم بن رمضان التركماني، كان مقدماً على العساكر لما واقعهم عسكر حلب مع يلبغا الناصري كما مضى في الحوادث، وكان من تحت يد أخيه أحمد بن رمضان في ثالث العشرين من ذي الحجة.
إبراهيم بن عبد الله، المعروف بابن الفار بالفاء وبتشديد الراء الكركي، كان من الزهاد العباد حسن الآداب، صحبه ناصر الدين بن الغرابيلي ولم يزل معه حتى مات في هذه السنة.
إبراهيم بن علي الصرخدي، برهان الدين، ناب في الحكم بحلب ثم دمشق، ومات في رمضان.(1/280)
أحمد بن عبد الله التهامي، شهاب الدين، قاضي الشرع بزبيد، قضى بها نيفاً وخمسين سنة، ومات في جمادى الآخرة.
أحمد بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الكلبي، أبو بكر بن جزي، أجاز له أبو عبد الله بن رشيد وابن ربيع وابن برطال ومن مصر الحجار وابن جماعة، وسمع من الوادياشي وابن الزيات وأبي عبد الله بن سالم وأبي بكر بن مسعود وغيرهم، وكان عالماً بالفقه والفرائض والعربية والنظم، وشرح الألفية وغيرها، وولي الخطابة بغرناطة والقضاء بها، ونظمه سائر كأبيه.
أحمد بن محمد بن عمر بن الخضر بن مسلم الدمشقي، شهاب الدين الحنفي، المعروف بابن خضر، ولد سنة ست وسبعمائة، كان يدري الفقه والأصول، ودرس بأماكن، وسمع من عيسى المطعم والحجار وغيرهما، وكان فاضلاً، حدث بدمشق، ومات بها في رابع عشر رجب عن ثمانين سنة بنقص يسير، وكان جلداً قوياً، ولي إفتاء دار العدل بدمشق وهو أول من وليه، وشرح الدرر للقونوي في مجلدات.
أحمد بن بحي بن مخلوف بن مري بن فضل الله بن سعد بن ساعد، شهاب الدين الأعرج السعدي، اشتغل بالعلم، وتعاني الأدب ونظم الشعر وهو صغير، وأدب الأطفال، ومن الاتفاق الذي وقع أنه أنشد لما ماتت أم الأشرف وهي إذ ذاك زوج الجاي اليوسفي: ماتت أم الأشرف:
فالله يرحمها ويعظم أجره ... ويكون في عاشور موت اليوسفي.(1/281)
فاتفق أن كان ذلك في سنة ست وسبعين، وهو القائل:
وكيف يروم الرزق في مصر عاقل و ... من دونه الأتراك بالسيف والترس.
وقد جمعته القبط من كل وجهة ... لأنفسهم بالربع والثمن والخمس.
فللترك والسلطان ثلث خراجها ... وللقبط نصف والخلائق في السدس.
وله في علم الدين صالح لما مات:
على كل ميت إذ يموت نوادب ... وما ثم من يبكي على موت صالح.
فإن جميع الناس سروا بموته ... سرور ثمود يوم ناقة صالح.
أرغون دوادار طشتمر، مات بحمص.
إسماعيل بن محمد بن بردس بن نصر بن بردس بن رسلان البعلبكي، المحدث الفاضل، ولد سنة عشرين، وسمع من القطب اليونيني وطائفةوعني بالحديث ورحل في طلبه إلى دمشق فأخذ عن مشايخها وقرأ بنفسه، وكتب الكثير، ونظم النهاية لابن الأثير في غريب الحديث، ونظم طبقات الحفاظ للذهبي وخرج، وألقى المواعيد وحدث، وتخرج به جماعة، ومات في العشر الآخر من شوال.
أمة العزيز بنت الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، حضرت على عيسى المطعم وغيره، وسمعت من الحجار وجماعة وحدثت.
أيدمر بن صديق الخطائي، عز الدين، أخو طغيتمر النظامي، كان أحد الأمراء الكبار بالقاهرة، مات مجرداً بالقاهرة.
بلاط الصغير، أحد أكابر الأمراء بطرابلس، مات في جمادى الأولى.
تمرباي بن عبد الله التركي الحسني، نائب صفد، كان أحد الأمراء الكبار بالقاهرة، تقدم عند الأشرف، وتنقل في الولايات والنيابات،(1/282)
قال ابن حجي: كان شاباً، عنده شهامة، ومات وهو نائب صفد بغتة.
حسن بن منصور بن ناصر، بدر الدين الزرعي، ناب في الحكم عن تاج الدين السبكي ومن بعده، وكان أبوه قاضي نابلس فأرسله إلى القدس ليشتغل فأخذ عن تقي الدين القلقشندي وغيره، ثم تنبه، وولي القضاء في بعض البلاد، ثم استوطن دمشق، وناب في الحكم، وكان عنده تصميم وقوة نفس بحيث كان يعزل نفسه أحياناً، وباشر الأوقاف مباشرة حسنة، وعين مرة لقضاء حلب، مات في صفر.
حيدر بن علي بن أبي بكر بن عمر، قطب الدين الدهقلي الشيرازي، نزيل دمشق، سمع الكثير، واسمع أولاده، وكتب الطباق بخطه، أخذ عن أصحاب الفخر وغيرهم، ثم سكن الهند، ثم مات غريقاً، وهو والد شيخنا عبد الرحمن.
زينب بنت العماد محمد بن الضياء محمد بن علي البالسي، سمعت من أبيها سنة ثمان وسبعمائة، وكانت تذكر أنها سمعت من عمتها ست الخطباء، ماتت في صفر وقد جاوزت الثمانين.
سليمان بن أحمد الكناني العسقلاني، علم الدين الحنبلي، اشتغل بالعلم وبرع في المذهب فافتى ودرس، وصاهر موفق الدين وناب عنه إلى أن صار كبير النواب، مات في جمادى الآخرة.
عائشة بنت الحسن بن علي الدمشقية، ولدت بعد العشرين، وسمعت بإفادة ولدها العلامة شمس الدين بن الجزري من أصحاب الفخر، وماتت في ربيع الآخر من هذه السنة.
عبد الله بن أبي البقاء محمد بن عبد البر السبكي، ولي الدين، أبو ذر بن بهاء الدين، ولد سنة خمس وعشرين بالقاهرة، واحضر على يحيى بن فضل الله ومحمد بن غالي وأبي نعيم الاسعردي وغيرهم، ثم سمع بدمشق من الجزري والمزي وبنت الكمال وغيرهم، واشتغل بالعلم،(1/283)
ومهر في الآداب، وناب في الحكم عن أبيه بالقاهرة ودمشق وعن تاج الدين السبكي، ثم استقل بالقضاء بعد أبيه، وكان ينظم جيداً ويحفظ الحاوي ويذاكر به ويدرس منه، وكان يدرس في الكشاف، وله مشاركة جيدة في العربية، وكان قد باشر توقيع الدست، وحج سنة ثلاث وخمسين وسنة ثلاث وستين، وكان جيد الفهم، فطناً، عارفاً بالأمور، كثير المداراة، لين العريكة، بعيداً من الشر، صبوراً على الأذى، وكان كثير الإحسان للفقراء سراً، قال ابن حجي رحمه الله: كان أديباً بارعاً له نظم وقصائد طنانة وبلغني أن له ديواناً، وكان يحفظ الحاوي الصغير ويذاكر به ويدرس منه، وله مشاركة في العربية، ومات في شوال وله خمسون سنة وزيادة، قرأت بخط ابن القطان وأجازنيه: كان فاضلاً عارفاً بدنياه منتصراً لأصحابه.
عبد الله بن محمد نجم الدين أبي الرضا، ابن أخت القاضي برهان الدين بن جماعة، يقال: مات مسحوراً في جمادى الآخرة.
عثمان بن أحمد الرصدي، فخر الدين، رئيس المؤذنين بجامع طولون، أخذ عن ناصر الدين بن سمعون وصاهره، واشتهر بمعرفة الميقات، مات في جمادى الأولى.
عثمان بن محمد بن محمد بن الحسن بن الحافظ عبد الغني، فخر الدين، سمع من الحجار واشتغل بالفقه وقتاً على التاج المراكشي، وسمع من ابن الرضي وبنت الكمال، وحفظ التسهيل، وحدث وأفاد، ومات في رجب.
علي بن محمد بن عبد المنعم الحنبلي، سبط عبد الرحمن بن صومع، نقيب السبع مات في ربيع الأول.
علي بن محمد العقبي، رئيس المؤذنين بدمشق، مات في جمادى الأولى.
قرط بن عمير الكاشف، تقدم في الحوادث.(1/284)
قطلوبغا الكوكائي، أحد المقدمين من الأمراء، مات وهو صاحب الحجاب بالقاهرة في المحرم.
محمد بن أحمد بن صفر، شمس الدين الغساني، قاضي الأقضية بزبيد وليها في زمن المجاهد واستمر بضعاً وثلاثين سنة.
محمد بن أحمد بن عثمان التشتري ثم المدني، شمس الدين، سمع الشفاء على محمد بن محمد بن حريث وتفرد عنه به، مات في شعبان، وله خمس وسبعون سنة.
محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الحسن المزي الصحراوي، المعروف بابن قطليشا، ولد سنة أربع عشرة، وسمع من ابن الشيرازي وغيره، وكان يشهد قسم الغلات بالمزة وحدث، مات في جمادى الأولى عن ثلاث وسبعين سنة، روى عنه الياسوفي وابن حجي وابن الشرائحي وآخرون.
محمد بن أحمد بن محمد بن علي، تاج الدين الخروبي، أحد التجار الكبار بمصر، وهو صاحب المدرسة بجوار بيته بشاطئ النيل بالشون، مات مجاوراً بمكة في أواخر المحرم.
محمد بن أزبك الفاف، أحد الأمراء، مات بالقاهرة.
محمد بن صالح بن إسماعيل الكناني المدني، سمع من أبي عبد الله القصري وتلا عليه بالسبع، وناب في الخطابة بالمدينة، وكان خيراً، مات في تاسع المحرم عن اثنتين وثمانين سنة.
محمد بن عبيد بن داود بم أحمد بن يوسف، شمس الدين المرادي الحنبلي، كان ذا عناية بالفرائض، وقرأ الفقه، ولازم ابن مفلح حتى فضل، ودرس،(1/285)
قال ابن حجي: كان يحفظ فروعاً كثيرة وغرائب، وله ميل إلى الشافعية، وكان بشع الشكل جداً، مات في ذي القعدة.
محمد بن علي القيسري أحد المعيدي بالبادرائية وله نظم ركيك، وكان يخضب بالسواد، مات في صفر.
محمد بن محمد بن محمد بن محمود الصالحي المنبجي، كان من فضلاء الحنابلة، سمع الحديث، وحفظ المقنع، وأفتى ودرس، وكان يتكسب من حانوت له، على طريق السلف مع الدين والتقشف والتعبد، مات في رمضان، وهو صاحب الجزء المشهور في الطاعون، ذكر فيه فوائد كثيرة عمله في سنة أربع وستين.
محمد البهنسي، الصاحب شمس الدين، ناظر الجامع الأموي، مات في ربيع الأول، وكان فاضلاً، له نظم حسن، وكان محموداً في مباشرته، وولي نظر المارستان، وكان له شرف نفس، يلزم بيته إذا عزل فاتفق موته وهو معزول، وكان بيدمر يكرهه فإذا ولي النيابة عزله.
محمود بن الصفدي الغرابي نسبة إلى غرابة بفتح المعجمة وتشديد الراء ثم موحدة من قري صفد الشافعي، اشتغل بدمشق على الشيخين تاج الدين المراكشي والفخر المصري، وفضل، وتنزل بالمدارس بدمشق ثم رجع إلى صفد فأقام بها يدرس إلى أن مات بها في صفر.
موسى بن محمد بن محمد بن الشهاب محمود، شرف الدين، أبو البركات بن بدر الدين بن شمس الدين بن شهاب الدين، أحد الفضلاء في الأدب والكتابة، مات بالرملة عن ثلاث وأربعين سنة، كتب الإنشاء بحلب وفاق في حسن الخط والنثر والنظم، وناب في الحكم، وهو القائل وكتبهما على مجموع:
ومجموع كعقد الدر نظماً ... على تفضيله الإجماع يعقد.
يطابق كل معنى فيه حسناً ... فمجموعاً تراه وهو مفرد.(1/286)
يوسف بن أحمد بن ذبيان بن أبي الحسن البعلي، جمال الدين، التاجر، المعروف بابن طسان، كان أحد التجار المياسير، وله إحسان وإفضال ومال، ولا يشدد في تقاضي ماله من الدين، ويتصدق، مات في شعبان وله بضع وستون سنة.
يوسف بن محمد بن عبد الرحمن بن سندي بن المصري، العطار، جمال الدين الرسام، سمع من ابن الجزري والمزي وحدث، مات في المحرم.
أمين الدين عبد الله القبطي، مستوفي المرتجع، يعرف بجعيص، مات في المحرم.(1/287)
سنة ست وثمانين وسبعمائة
في أول يوم الجمعة دخل برهان الدين بن جماعة دمشق قاضياً وكان ولي في ذي القعدة سنة خمس بعد موت ولي الدين بن أبي البقاء، فخرج نائب الشام لتلقيه إلى خان العقبة، وهو شيء لم يعهد منذ دهر، ثم لبس الخلعة، ومدحه فتح الدين بن الشهيد بقصيدة قرأت عليه، ومدح بعده بعدة قصائد.
وفيها قدم زكي الدين الخروبي من المجاورة فأهدى للسلطان هدايا جليلة ولغيره من الأمراء، ووقع بينه وبين شهاب الدين الفارقي أحد أعيان التجار اليمنيين وهو أخو شرف الدين وزير صاحب اليمن فترافعا إلى السلطان فنسب الفارقي زكي الدين إلى أمور معضلة فأخرج الخروبي كتاب الأشرف صاحب اليمن إليه وضمنه كتاب من الفارقي يقول فيه: إن مصر آل أمرها إلى الفساد وليس بها صاحب له قيمه فلا ترسل بعد هذه السنة هدية فإن سلطانها اليوم أقل المماليك وأرذلهم فأمر السلطان بالقبض على الفارقي وقطع لسانه فتسلمه شاد الدواوين وصودر ثم شفع في لسانه فأطلق ولم يلبث بعد ذلك أن عمي، وخلع على زكي الدين خلعة معظمة واستقر كبير التجار.
وفيها خرج موسى بن أبي عنان المريني على أبي العباس بن أبي سالم، وكان أبو العباس قد حصر أبا حمو بتلمسان وخرب قصورها فسار عنها فرجع إليها أبو حمو فتنكر له ابنه أبو تاشفين فخرج أبو حمو ليصلح الأعمال فجاهره أبو تاشفين بالعصيان وقبض عليه بتلمسان وسجنه وأخذ ماله واعتقله بوهران.
وفيها قدم بيدمر نائب الشام غلى القاهرة فأكرمه السلطان وقبل منه هديته وتقدمته ورده إلى نيابته مكرماً.(1/288)
وفيها في ربيع الأول ضعف الطنبغا الجوباني أحد الأمراء الكبار فعاده السلطان في بيته.
وفيها شغر منصب القضاء للحنفية بموت صدر الدين بن منصور أكثر من أربعين يوماً، وسعى فيه جماعة من النواب إلى أن ترجع أمر شمس الدين الطرابلسي بعناية أوحد الدين فاستقر بعد أن عرض المنصب مرة ثالثة على الشيخ جلال الدين التباني فامتنع كعادته.
وفيها عاد برهان الدين الدمياطي من الرسيلة إلى الحبشة، وكان قد حصل له من صاحبها اخراق بسبب فساد حصل منه هناك ثم طرده من بلاده.
وفيها راجع السلطان ناظر الجيش تقي الدين عبد الرحمن بن محب الدين في شيء فأجابه فغضب منه فأمر بضربه فبطح فضرب بين يديه نحو ثلاثمائة عصاه فحمل إلى منزله مريضاً فأقام ثلاثة أيام ومات، واستقر في نظر الجيش موفق الدين الذي أسلم قريباً مضافاً لنظر الخاص.
وفيها توجه شهاب الدين الطيلوني لعمارة البرجين بدمياط.
وفيها وقع في دمشق سيل عظيم، ذكروا أنهم لم يشاهدوه مثله.
وفيها ولي بدر الدين بن منهال صهر الشيخ سراج الدين البلقيني زوج ابنته نظر المواريث فباشره أحد عشر يوماً وعزل.
وفيها اعتنى الطنبغا الجوباني بالشيخ ولي الدين بن خلدون إلى أن استقر في قضاء المالكية عوضاً عن جمال الدين بن خير في جمادى الآخرة، وكان قدم قبل ذلك في السنة التي مضت ليحج فلم يتهيأ له في تلك السنة، فأقام وتعرف بالجوباني فراج عليه وجمعه على السلطان،(1/289)
فقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري أنه باشر بقوة وشدة وخروج عن العادة، وعاند الخليلي وغيره من الأكابر فلم تطل مدته.
وفيها نزل بدمشق سيل عظيم وفيها هدمت قبة القاهرة.
وفيها وقع بين الشيخ أكمل الدين وبين الشيخ شمس الدين الركراكي منازعة في الشيخونية فعزله من الدرس، فتشفع إليه بالأمراء فامتنع فتوصل إلى أن تشفع عنده بالسلطان فراسل أكمل الدين في ذلك فلم يجب، فتغير خاطر السلطان على الشيخ أكمل الدين وشكى منه لجلسائه، فبلغ ذلك الشيخ أكمل الدين فطلع إلى القلعة يوم الجمعة وصلى مع السلطان وشكى إليه صورة الحال وأنه لم يرد رسالته إلا لما يترتب على ذلك من بهدلته عند أهل الخانقاه وتدخل عليه إلى أن أرضاه واستمر عزل الركراكي، واستقر تاج الدين بهرام في تدريس المالكية عوضه، ثم لم يلبث أكمل الدين أن مات في رمضان فعاد الركراكي إلى وظيفته، واستقر عز العرب الفزاري في مشيخته الشيخونية نقلاً من البيبرسية، واستقر في مشيخة البيبرسية عوضه شرف الدين عثمان الكرادي المعروف بالأشقر إمام السلطان.
وفيها توجه سودون النائب وبعض القضاة إلى الكنيسة المغلقة بمصر فهدموا منها أماكن جددها النصارى.
وفي شهر رجب ابتدئ بعمارة المدرسة الظاهرية بين القصرين، واستقر جركس الخليلي شاد العمائر بها، وأسست في المكان الذي كان خان الزكاة وهدم في سنة ثلاث وثماني وسبعمائة فلما تكامل شيل التراب شرع في العمارة.
وفيها ورد كتاب من نائب حلب يخبر فيه أن القضاة الأربعة بحلب تخاصموا في شيء فآل أمرهم إلى المماسكة بالذقون، ثم وردت منهم أربعة محاضر من كل قاض محضر يتضمن فسق البقية، فقال الظاهر: لا يحل تولية الفساق، وأمر بعزل الأربعة.(1/290)
وفي رمضان بعد موت أكمل الدين الدعى على برهان الدين الدمياطي عند ابن خلدون وأنه قال: لا رحم الله أكمل الدين! فعزره بالحبس، ورفع عند ابن خلدون على تاج الدين بن الطريف وعز الدين الطيبي أنهما أعانا على بيع وقف بأن محيا الكتابة من المكتوب وقدما تاريخ الإجازة، فلما ثبت ذلك عنده عليهما عزرهما ومنعها من التوقيع، وفي كائنة الطيبي يقول ابن العطار:
سمر الطيبي بتزويره ... وظن ابن خلدون لم يرقب.
وما ساقه الله إلا لأن ... يميز الخبيث من الطيب.
وفيها وصلت مركب من المغرب فيها ولد ابن خلدون وعياله وهدية من صاحب المغرب ورسول صاحب مصر المجهز لذلك بسبب ابن خلدون، فلما وصلت المركب إلى المينا غرقت وغرق أكثر من كان فيها وغرق مسعود رسول صاحب مصر الذي كان توجه إحضارهم، وسلم عبد الله الساسي رسول صاحب المغرب وولدا ابن خلدون وهما محمد وعلي وغرق للقاضي خمس بنات، وبقي من الهدية فرس وبغلة وشيء يسير جداً.
وفيها عاد بدر الدين بن فضل الله إلى كتابة السر بعد موت أوحد الدين وفيها مات بهادر أمير الركب فدفن بعيون القصب في قبة، فأرسل السلطان ابن أخيه أبو بكر بن سنقر أميراً على الحج فأدركهم بمكة وحج بهم.
وفيها قدمت رسل طقتمش خان ابن أزبك سلطان الدشت، واسم كبيرهم جسن بن رمضان، وكان أبوه نائب القرم، أرسل بهم صاحب القرم ومعهم هدية، فقبلت وأرسلت أجوبتهم.
وفيها أوقع العادل صاحب حصن كيفا بالزرقية فصالحوه على ترك الغارة وقطع الطريق.
وفيها راسل قرا محمد من الموصل يخطب بنت القاهر صاحب ماردين، فامتنع فتجهز(1/291)
بعساكر التركمان لقصد ماردين، فاستنجد صاحب ماردين بصاحب الحصن فأنجده بأخيه الصالح المخلوع وأمره أن يشير على صاحب ماردين بالمداراة مع قرا محمد جهد الطاقة، فبلغه ذلك فامتنع وأرسل من فضل من العساكر فأوقع بهم قرا محمد فهزمه أمير العسكر من قبل صاحب ماردين واسمه فياض، ثم وقع الصلح على أنه يزوج أخت صاحب ماردين وهودن مع ذلك بمال جزيل ورحل عنهم.
ذكر من مات
في سنة ست وثمانين وسبعمائة.
إبراهيم بن سرايا الكفرماوي الدمشقي الشافعي، المعروف بالحارمي، عرف بذلك لكونه ولي قضاءها، اشتغل كثيراً وناب في الحكم عن ابن أبي البقاء، قال ابن حجي: كانت عنده فضيلة ويستحضر الحاوي الصغير وناب في عدة بلاد، مات في ذي القعدة.
إبراهيم بن عيسى الحلبي، أحد فقهاء الشافعية، كان معيداً بالبادرائية وبذلك اشتهر، قال ابن حجي: كان على سمت السلف سليم الفطرة، وخطه ضعيف لكنه ألف كثيراً، ووقف كتبه، ومات في رمضان بطرابلس.
أحمد بن محمد بن محمد القيسي، شهاب الدين، ناظر المواريث وغيرها، مات في رجب.
أحمد بن محمد المدني، شهاب الدين، طلب الحديث وحصل الأجزاء وكتب الطباق، واستقر أحد أئمة القصر بالقلعة.
إسماعيل بن محمد بن(1/292)
بردس، تحول من سنة خمس وثمانين.
بهادر بن عبد الله الجمالي، المعروف بالمشرف، كان للناصر الكبير، فتنقلت به الأحوال إلى أن أمر طبلخانات في سلطنة الناصر حسن، ثم تقدم في سلطنة الأشرف، واستقر أمير الحاج من سنة ثمان وسبعين إلى هذه الغاية وصارت له معرفة قوية بالطرقات وأهلها.
حسن بن محمد بن عبد القادر بن الحافظ أبي الحسن علي بن محمد اليونيني، سمع وحدث، ومات في ربيع الأول ببلده.
رضوان بن عبد الله الرومي، شيخ الرباط بالمدرسة الركنية بيبرس مات في ذي الحجة، واستقر ولده علي في المشيخة بعناية السلطان، فراجعه شيخ الخانقاه شرف الدين بن الأشقر بأنه صغير لا يصلح، فأمر بعرضه عليه فلما رآه أعرض عنه فقرره صوفياً واستقر غيره في مشيخة الرباط.
سليمان بن خالد بن نعيم بن مقدم بن محمد بن حسن بن تمام بن محمد الطائي، أبو الربيع، علم الدين البساطي المالكي، كان في ابتداء أمره عريفاً بمكتب السبيل، موقع طشتمر حمص أخضر بحدره البقر، ثم ولي نيابة الحكم بجامع الصالح، ثم استقل بالقضاء، وكان يدعى أنه يجتمع بالخضر وله في ذلك أخبار كثيرة يستنكر بعضها، وكان أصله من شبرابسيون من الغربية، ونزل عمه عثمان بساط وأخوه خالد في كفالته فولد له سليمان بها، ثم قدم القاهرة، واشتغل وتمهر، وناب عن الأخناي، ثم سعى على بدر الدين بجاه قرطاي بعد قتل الأشرف حتى استقل بالقضاء في ذي القعدة سنة ثمان وسبعين(1/293)
وكان متقشفاً، مطرح التكلف واستمر على ذلك، وكان طعامه مبذولاً لكل من دخل عليه، فصرف بعد ثمانين يوماً بالبدر الأخنائي ثم أعيد في رجب سنة تسع وسبعين واشتد في أمره، وعاند ابن جماعة والآكمل فتمالآ عليه حتى صرف في جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين فلزم داره حتى مات في سادس عشر صفر.
شيخ علي شاه زاد بن أويس بن حسن بن حسين بن آقبغا، كان من جملة الأمراء، فلما قتل أحمد بن أويس أخاه حسناً في سنة أربع وثمانين قبض على أمراء الدولة فقتلهم وأقام أولادهم في وظائفهم، فنفرت منه قلوب الرعية وتمالؤا عليه وأقاموا أخاه هذا سلطاناً وتوجهوا به من بغداد إلى تبريز فالتقاهم بمن معه ومعه قرا محمد بن بيرم خوجا صاحب الموصل وهو صهره كانت بنته تحت أحمد فالتقى بمقدمة القوم فراسله خضر شاه بن سليمان شاه الأسلاي وكان أجل أمراء بغداد فانهزم خضر شاه وأصيب شاه زاد بسهم فحمل إلى أخيه أحمد وبه رمق فمات.
طشتمر بن عبد الله الدوادار، مات بالقدس بطالاً.
طقج المحمدي أحد الأمراء المقدمين بالقاهرة، ثم نقل إلى دمشق فمات بها.
عبد الله بن الحاجب بيبرس، تقدم بالقاهرة في دولة أينبك، وكان خيراً متواضعاً، وكان ولي كشف الجسور فأنكر عليه السلطان أمراً فكتب إليه كتاباً يتهدده فيه، فخاف وغلب عليه الخوف فمرض ومات في جمادى الأولى.
عبد الرحمن بن محمد بن يوسف بن أحمد بن عبد الدائم التيمي الحلبي الأصل، تقي الدين بن محب الدين، ناظر الجيش، ولد سنة ست وعشرين وسبعمائة، واشتغل بالعلم، ثم باشر كتابة الدست في حياة أبيه، وتقدم في معرفة الفن، وصنف فيه تصنيفاً لطيفاً، عليه اعتماد الموقعين إلى هذه الغاية، وكانت له عناية بالعلم، وسمع الشفاء على الدلاصي وغيره، ثم ولي نظر الجيش استقلالاً بعد أبيه، ومات في حادي عشر جمادى الأولى.(1/294)
عبد الرحيم بن أحمد بن عبد الرحيم بن الترجمان عماد الدين الحلبي، سمع حضوراً على العز إبراهيم ابن صالح بن العجمي في الثانية من أول عشرة الحداد إلى ترجمة أبي المكارم سنة 31، وسمع وهو كبير على غيره، وكان ذا ثروة، وبنى مكتباً للأيتام ووقف عليه وقفاً، سمع منه الشيخ برهان الدين المحدث، ومات يوم عيد الفطر سنة ست وثمانين.
عبد الواحد بن إسماعيل بن ياسين بن أبي حفص الأفريقي ثم المصري، أوحد الدين، سبط القاضي كمال الدين بن التركماني، اشتغل على مذهب الحنفية قليلاً، وباشر توقيع الحكم، ثم اتصل ببرقوق أول ما تأمر، والسبب في معرفته به أن شخصاً يقال له يونس كان أمير طبلخانات في حياة الأشرف مات وكان أوحد الدين شاهد ديوانه فادعى برقوق أنه ابن عمه عصبته فساعده أوحد الدين على ذلك إلى أن ثبت ذلك بالطريق الشرعي فلما قبض برقوق الميراث ممن وضع يده عليه وهو أحمد بن الملك مولى يونس الميت المذكور أعطى أوحد الدين منها ثلاثة آلاف درهماً وهي إذ ذاك تساوي مائة وخمسون مثقالاً ذهباً فامتنع من أخذها واعتذر أنه ما ساعده إلا لله تعالى، فحسن اعتقاد برقوق فيه، فلما صار أمير طبلخانات استخدمه شاهد ديوانه، ثم لما تأمر جعله موقعاً عنده فاستمر في خدمته وبالغ في نصحه. واستقر موقع الدست مع ذلك إلى أ، تسلطن فصيره كاتب سره وعزل بدر الدين بن فضل الله فباشرها أوحد الدين مباشرة حسنة مع حسن الخلق وكثرة السكون وجمال الهيئة وحسن الصورة والمعرفة التامة بالأمور، وبلغ من الحرمة ونفاذ الكلمة أمراً عجيباً لكن لم تطل مدته بل تعلل وضعف ثم اشتد به الأمر حتى ذهبت عنه شهوة الطعام وابتلي بالقيء فصار لا يستقر في بطنه شيء إلى أن مات في ذي الحجة ولم يكمل الأربعين.
علي بن أحمد الطيبرسي، كان استادار خوند أم الأشرف، وسئل في الإمرة مراراً فامتنع، مات في شوال.(1/295)
علي العريان، الشيخ علي، أحد من كان يعتقد ويزوره الأمراء، وللعوام فيه اعتقاد كبير، وكان يركب الخيول، وله طريقة، مات في شوال.
قرابغا العلائي، نسبة إلى الأمير علي المارديني، ولي حجوبية دمشق مدة ونيابة الرحبة، وحج بالناس سنة سبعين، مات بدمشق في شعبان.
كافور بن محمد بن أحمد بن عبد الله الهندي الطواشي، عمر طويلاً حتى زاد على الثمانين.
محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن القاسم بن عبد الرحمن بن القاسم بن عبد الله النويري نسبة إلى النويرة من عمل القاهرة المكي القاضي، كمال الدين أبو الفضل، كان ينسب إلى عقيل بن أبي طالب وسمع من عيسى بن عبد الله الحجي وجده لأمه القاضي نجم الدين الطبري والزبير بن علي وغيرهم، ورحل إلى دمشق فسمع من المزي والجزري وغيرهم، وبرع في الفقه وغيره، وساد أهل زمانه ببلده، وولي قضاء مكة ثلاثاً وعشرين سنة إلى أن مات في شهر رجب وله أربع وستون سنة، وحدث بالكثير، ودرس وأفاد وأفتى، وكان مشهوراً بالعلم والذكاء، سمعت خطبه وكلامه، وكان مولده في شعبان سنة اثنتين وعشرين، وتفقه بالتقي السبكي والتاج المراكشي وولي الدين الملوي وابن النقيب، وأخذ عن الجمال بن هشام في العربية، وشارك في المعارف، وناب عن الشهاب الطبري في الحكم بمكة، ثم ولي الحكم بعد التقي الحرازي في سنة ثلاث وستين مع الخطابة ونظر الحرم، ومات وهو متوجه إلى الطائف في ثالث عشر رجب فحمل إلى مكة فدفن بها، وكان فصيح العبارة لسناً جيد الخطبة متواضعاً محباً للفقراء، قال ابن حجي: كان يستحضر فقهاً كثيراً، وبلغني أنه كان يستحضر شرح مسلم للنووي، قال: وخلف تركة وافرة، وكان ينسب إلى كرم.(1/296)
محمد بن عبد الله بن أحمد الهكاري ثم الصلتي، شمس الدين، ولي قضاء حمص أخيراً وكان اشتغل على أبيه بالصلت، وكان مدرساً ثم درس بعد أبيه ثم قدم دمشق فسمع بها، وكان لا يمل من الاشتغال بالعلم وتعليق الفوائد، وتنقل في قضاء البر، ولخص ميدان الفرسان في قدر نصفه.
محمد بن علي بن الحسن بن عبد الله أمين الدين الأنفي، بفتحات المالكي، ولد سنة 713 وعني بالحديث وظهر له سماع من الحجار فحدث به وسمع من البندنيجي وأسماء بنت صصرى وغيرهما، فطلبه بنفسه وكتب الكثير، وسمع العالي والنازل، وأخذ عن البرزالي والذهبي، ونسخ كثيراً من مصنفاته وغيرها، وولي قضاء حلب يسيراً، وكان يفتي على مذهب مالك، وناب في الحكم عن السلاي خمس سنين، وولي مشيخة الحديث بالناصرية ومشيخة الخانقاه النجمية، ثم ولي قضاء حلب في شوال سنة سبع وخمسين فأقام أربع سنين، ثم رجع إلى دمشق فناب عن الماروني، ثم ترك، قال ابن حجي: كان حسن العشرة يقصده الناس لحسن محادثته ويطلبه الرؤساء لذلك ويحرصون على مجالسته لفكاهة فيه، مات في شوال عن ثمانين سنة، وقال الذهبي في المعجم المختص: كان يحفظ كثيراً من الفوائد الحديثة والأدبية.
محمد بن علي بن منصرو بن ناصر الدمشقي الحنفي، ولد سنة سبع وسبعمائة أو قبلها، أخذ عن أبيه والبرهان بن عبد الحق والنجم القحفازي وابن الفويرة ورضي الدين المنطقي وجلال الدين الرازي وعلاء الدين القونوي، وسمع من الحجار والبندنيجي وغيرهما، وحدث ودرس في أماكن، وولي قضاء مصر في رمضان سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة، ودرس بالصرغتمشية وغيرهل إلى أن مات في ربيع الأول، وكان بارعاً في الفقه، صلباً في الحكم، متواضعاً، لين الجانب.(1/297)
محمد بن محمد بن محمود بن أحمد الرومي، البابرتي أكمل الدين بن شمس الدين بن جمال الدين، ولد سنة بضع عشرة وسبعمائة واشتغل بالعلم ورحل إلى حلب، فأنزله القاضي ناصر الدين بن العديم بالمدرسة الساوجية، فأقام بها مدة، ثم قدم القاهرة بعد سنة أربعين فأخذ عن الشيخ شمس الدين الأصبهاني وأبي حيان، وسمع من ابن عبد الهادي والدلاصي وغيرهما، وصحب شيخون واختص به، وقرره شيخاً بالخانقاه التي أنشأها وفوض أمورها إليه فباشرها أحسن مباشرة، وكان قوي النفس عظيم الهمة، مهاباً، عفيفاً في المباشرة، عمر أوقافها وزاد معاليمها، وعرض عليه القضاء مراراً فامتنع، وكان حسن المعرفة بالفقه والعربية والأصول، وصنف شرح مشارق الأنوار، وشرح البزدوي والهداية وعمل تفسيراً حسناً وشرح مختصر ابن الحاجب وشرح المنار والتلخيص وغير ذلك، وما علمته حدث بشيء من مسموعاته، وكانت رسالته لا ترد مع حسن البشر والقيام مع من يقصده والإنصاف والتواضع والتلطف في المعاشرة والتنزه عن الدخول في المناصب الكبار، بل كان أصحاب المناصب على بابه قائمين بأوامره مسرعين إلى قضاء مآربه، وكان الظاهر يبالغ في تعظيمه حتى أنه إذا اجتاز به لا يزال راكباً واقفاً على باب الخانقاه إلى أن يخرج فيركب معه ويتحدث معه في الطريق، ولم يزل على ذلك إلى أن مات في ليلة الجمعة تاسع عشر شهر رمضان، وحضر السلطان فمن دونه جنازته، وأراد السلطان حمل نعشه فمنعه الأمراء وحملها أيتمش، وأحمد بن يلبغا وسودون النائب ونحوهم، وتقدم في الصلاة عليه عز الدين الرازي ودفن بالخانقاه المذكورة.(1/298)
محمد بن مكي العراقي عارفاً بالأصول والعربية، فقتل على الرفض ومذهب النصيرية في جمادى الأولى، وقد تقدم ذكره في حوادث سنة إحدى وثمانين، والله أعلم.
محمد بن يوسف بن علي بن عبد الكريم الكرماني الشيخ شمس الدين نزيل بغداد، ولد في سادس عشر جمادى الآخرة سنة سبع عشرة وسبعمائة، واشتغل بالعلم، وأخذ عن والده بهاء الدين، ثم حمل عن القاضي عضد الدين ولازمه اثنتي عشرة سنة، وأخذ عن غيره ثم طاف البلاد فدخل مصر والشام والحجاز والعراق، ثم استوطن بغداد، وتصدى لنشر العلم بها ثلاثين سنة، وكان مقبلاً على شأنه معرضاً عن أبناء الدنيا، وقال ولده: كان متواضعاً باراً لأهل العلم وسقط من علية فكان لا يمشي إلا على عصا منذ كان ابن أربع وثلاثين، قال ابن حجي: كان تصدى لنشر العلم ببغداد ثلاثين سنة، وصنف شرحاً حافلاً على المختصر وشرحاً مشهوراً على البخاري وغير ذلك، وقد حج غير مرة، وسمع بالحرمين ودمشق والقاهرة وذكر أنه سمع بجامع الأزهر على ناصر الدين الفارقي وذكر لي الشيخ زين الدين العراقي أنه اجتمع به في الحجاز، وكان شريف النفس، قانعاً باليسير لا يتردد إلى أبناء الدنيا، مقبلاً على شانه، باراً لأهل العلم، ورأيت في الدعوات أو بعدها من شرحه للبخاري أنه انتهى في شرحه وهو بالطائف البلد المشهور بالحجاز، كأنه لما كان مجاوراً بمكة كان يبيض فيه وما أكمله إلا ببغداد، وذكر لي ولده الشيخ تقي الدين يحيى أنه سمع عليه جميع شرحه، ومات راجعاً من مكة في سادس عشر المحرم بمنزلة تعرف بروض منها، ونقل إلى بغداد فدفن بها، وكان أعد لنفسه قبراً بجوار الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وبنيت عليه قبة، ومات عن سبعين سنة إلا سنة، فإن مولده كان في جمادى الآخرة سنة سبع عشرة.(1/299)
محمود بن عبد الله الانطالي باللام، شرف الدين الحنفي قدم دمشق فأقام بها إلى أن ولي مشيخة السميساطية فباشرها مدة، ودرس بالعزية، وتصدر بالجامع، وكان من الصوفية البسطامية، مات في رمضان، وولي بعده المشيخة القاضي برهان الدين بن جماعة.
معيقل بن فضل بن مهنا أحد أمراء العرب من آل فضل.
موسى بن عبد الله تاج الدين، ابن كاتب السعدي، ولي نظر الخاص مرة أياماً يسيرة.
يلو الشركسي العلاي نسبة إلى علاء الدين ألطنبغا الطويل كان من أتباعه، فلما مات تأمر عشرة بمصر بواسطة قطلوبغا كوكاي، لأنه كان أخا أبيه، ثم ترقى إلى أن أعطى تقدمة ألف، ثم تولى الحجوبية بدمشق ثم ناب في حماة، ثم ولي نيابة صفد في أوائل هذه السنة فمات بها بعد ثلاثة أشهر في شهر رمضان.
يحيى بن الملك الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاون.
تاج الدين ابن وزير بيته ناظر الإسكندرية، مات بها في ربيع الآخر.
تاج الدين العزولي، مستوفي الدولة، مات في ربيع الأول.
هبة بنت أحمد بن محمد بن سالم بن صصرى، ولدت سنة إحدى عشرة أو اثنتي عشرة وأحضرت على ست الوزراء في الثالثة من صحصح البخاري، وحدثت، ماتت في شهر رمضان.(1/300)
سنة سبع وثمانين وسبعمائة
فيها وصل رسل الأسكري صاحب إصطنبول ومعهم الهدايا يسأل أن يكون لهم قنصل بالإسكندرية كالبنادقة فأجيبوا إلى ذلك.
وفيها نفي بلوط الصرغتمشي نائب الإسكندرية إلى الكرك.
وفيها أمر السلطان أن لا يدخل أحد من الأمراء القصر إلا بمملوك واحد ويترك بقية الأتباع خارج القصر، فامتثلوا ذلك.
وفيها ظهرت عمارة المدرسة الظاهرية.
وفي صفر وصل رسيل طقتمش خان ومعهم هدية جهزها تمرلنك مدبر المملكة، وفيها: إنا نحب أن نكون أخوة كما كان أسلافنا مع أسلافكم.
وفيها أضيف نظر الخاص بدمشق إلى وزيرها ابن بشارة.
وفيها في شوال وصل مصر خجا التركماني أخو بيرم خجا عم قرا محمد التركماني طائعاً، وكان له الحكم من ماردين إلى الموصل، وسأل السلطان أن يكون من جهته وأن ينضاف إليه، فأجاب سؤاله، ثم وصل سولى بن دلغادر التركماني إلى حلب ثم رجع هارباً.
وفي ربيع الآخر استقر نعير بن حيار في إمرة آل فضل عوضاً عن عمه.
وفيها اشترى الملك الظاهر منطاش بن عبد الله التركي من أولاد أستاذه وأعتقه، وهو أخو تمرباي الحسني، فما كان بين ذلك وبين أن خامر وأثار تلك الفتن إلا نحو ستين.(1/301)
وفيها أنشأ الأمير الطنبغا الجوباني أغربة وشواني لغزو الفرنج في البحر الرومي، واجتهد في عملهم وإصلاحهم، وساروا إلى دمياط فوجدوا بساحلها غراباً للجنوية فكبسوا عليه وأسروا من فيه وقتل من الفرنج نحو العشرة وأسر منهم فوق الثلاثين نفساً فبذل ثلاثة منهم عن أنفسهم ثلاثمائة نفس قيمتها يومئذ خمسة عشر ألف دينار، ووصلت الأغربة بالأسارى إلى بولاق في جمادى الآخرة فعرضوا على السلطان في ثاني يوم وصولهم.
وفي جمادى الأولى عزل ابن خلدون عن قضاء المالكية وأعيد بن خير، فكانت ولاية ابن خلدون دون السنة.
وفي رجب كبس أولاد الكنز أسوان فقتلوا من وجدوه بها إلا القليل، وهرب واليها إلى قوص، فأمر السلطان حسين بن قرط على أسوان فتوجه إليها.
وفيها كان الطاعون بحلب فزادت عدة الموتى فيه على ألف نفس في كل يوم.
وفيها عزل يلبغا الناصري من حلب وأحضره إلى القاهرة، فتلقاه بهادر المنجكي إلى بلبيس فقيده ووجهه إلى الإسكندرية فسجن بها، وتوجه محمود شاد الدواوين إلى حلب للاحتياط على موجود يلبغا المذكور، واستقر سودون المظفري في نيابة حماة وكان السبب في عزل يلبغا أن سولى بن قراجا بن دلغادر التركماني وهو أخو خليل صاحب الوقائع المشهورة حضر إلى حلب طائعاً صحبة بعض البريدية فأنزله يلبغا عنده، وكاتب السلطان في أمره فأرسل بإمساكه وتجهيزه إلى القاهرة مقيداً، فقيد فأمسك وجعل في القلعة فحضر بريدي وعلى يده مطالعة إلى نائب القلعة بإطلاقه ولم يكن لذلك حقيقة فاغتر نائب القلعة وأطلقه فاجتمع بيلبغا وكان ذلك بتدبيره فأمره بالهرب، ففر ليلاً فأصبح(1/302)
يلبغا فأظهر إنكار ذلك ذلك، وخرج بالعسكر في طلبه، فساروا يوماً في غير الطريق التي توجه فيها، فلم يروا له أثراً، فبلغ ذلك السلطان فاتهمه به، وكان ما كان من عزله.
وفي شعبان زلزلت مصر والقاهرة زلزلة لطيفة، وذلك في ليلة الثالث عشر منه.
وفيه أحضرت إلى أحمد بن يلبغا صغيرة ميتة لها رأسان وصدر واحد ويدان فقط ومن تحت السرة صورة شخصين كاملين كل شخص بفرج أثنى ورجلين، فشاهدها الناس، وأمر بدفنها.
وفي رمضان أمر عبيد البرددار مقدم الدولة أن يلبس بزي الترك ففعل، ثم أذن له بعد فرجع إلى شلكه الأول في السنة التي تليها.
وفيها أمسك الجوباني ثم أطلق في آخر السنة وأعطي نيابة الكرك.
وفيها ثارت فتنة بين عبيد صاحب مكة وبين التجار ونهبوا منهم شيئاً كثيراً.
وفيها استقر محب الدين بن الشحنة في قضاء حلب بعد موت جمال الدين إبراهيم بن العديم.
وفيها وقع الغلاء بمصر إلى بلغ القمح بخمسين درهماً كل أردب.
وفيها أمسك الناصري وحبس بالإسكندرية، واستقر عوضه بحلب سودون المظفري، ثم في السنة المقبلة عصى منطاش عليه فعجز عنه سودون المظفري فأخرج برقوق الناصري من الإسكندرية وأعاده إلى نيابة حلب واستمر سودون المذكور مقيماً بحلب أميراً كبيراً.
وفيها أوقع العادل صاحب الحصن بالتجيبية وكبيرهم عبد الله التجيبي وأعانه صاحب ميافارقين وغرز الدين السلماني وصاحب أرزن ولكنه لم يظهر ذلك وأغار عبد الله المذكور على الطرقات ونهب القوافل فقصده العادل فانهزم إلى قلعة وانحصر بها مدة(1/303)
ثم بنى العادل بمساعدة قرا محمد التركماني قلعة تقابل التجيبي وهي ما بين دجلة وسط الدرب ويقال: إنها كانت قديمة البناء من عهد سليمان النبي عليه السلام ثم خرجت قلعة تل ويقال لها: قافان.
ذكر من مات
في سنة سبع وثمانين وسبعمائة.
إبراهيم بن محمد بن عمر بن عبد العزيز بن محمد بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي الحلبي المعروف بابن العديم جمال الدين بن ناصر الدين بن كمال الدين، سمع من الحجار وحدث عنه، وكان هيناً ليناً ناظراً إلى مصالح أصحابه، ناب عن والده مدة بحلب ثم استقل بعد وفاته ومات عن نيف وسبعين سنة.
أحمد بن أبي بكر بن عبد الله الحضرمي الزبيدي مفتي أهل اليمن في زمانه انتهت إليه الرئاسة في ذلك، مات في شهر رجب.
أحمد بن عبد الرحمن بن محمد المرداوي نزيل حماة، ولد بمردا وقدم دمشق للفقه فبرع في الفنون وتميز، ثم ولي قضاء حماة فباشرها مدة ودرس وأفاد ولازمه علاء الدين بن المغلى وتميز به وله نظم.
أحمد بن عبد الهادي بن أبي العباس الشاطر الدمنهوري شهاب الدين المعروف بابن الشيخ ولد سنة ثلاث وثلاثين وتعانى الأدب، فكان أحد الأذكياء، وكان أديباً فاضلاً، أعجوبة في حل المترجم وهو القائل:
نادى مناد لقرط ... فطاب سمع البريه.
وشنف الأذن منه ... قرط أتى للرعيه.(1/304)
وكان لا يسمع شعراً ولا حكاية إلا ويخبر بعدد حروفها فلا يخطئ، جرب ذلك عليه مراراً، مات في ذي القعدة.
أحمد بن عثمان بن حسن بن عيسى بن حسن بن حسين بن عبد المحسن نجم الدين الياسوفي الأصل الدمشقي المعروف بابن الجابي ولد سنة ست وثلاثين وبرع في الفقه والأصول وسمع من أصحاب الفخر بطلبه، وكان جابي أوقاف الشامية فعرف به، وكان اعتناؤه بالطلب بعد السبعين، فقرأ بنفسه وكتب الطباق ونسخ كثيراً من الكتب الحديثية وصار يفهم فيه، وأخذ عن العماد الحسباني وغيره. قال ابن حجي: كان سريع الإدراك والفهم، حسن المناظرة، كثير الجرأة والإقدام في المحافل، وكان يجيد في بحثه ويخرج على من يباحثه، وكان مع ذلك منصفاً سريع الانتقال وقد درس بالدماغية وأعاد بغيرها وكان أولاً فقيراً ثم تمول واتسع وسافر إلى مصر، وحصلت له وجاهة، وصحب أوحد الدين واختص به، ويقال إنه سم معه وتأخر عمل السم فيه إلى أن مات بدمشق بعد عودة في جمادى الأولى، وقد جاوز الخمسين بدمشق.
أحمد بن محمد بن محبوب الدمشقي، تاج الدين، ولد سنة خمس وسبعمائة، كان عارفاً بالتاريخ، فاضلاً مشاركاً، مات بدمشق في ذي الحجة أو في المحرم وسيعاد.
أهيف بن عبد الله الطواشي المجاهدي، والي زبيد، خدم المؤيد فمن بعده وعمر دهراً.
أبو بكر بن أحمد الجندي، سيف الدين بن ناظر الحرمين، كان شيخاً مباركاً يجتمع عنده للذكر وهو بزي الجند وله أقطاع وعنده كيس وتواضع ولين جانب وقضاء لحاجة من يقصده، وله مكانة عند النائب وغيره، وكان شكلاً حسناً طوالاً يلبس الصوف بزي الجند مع الاعتقاد والحشمة، مات في جمادى الآخرة.(1/305)
أبو بكر بن علي بن أحمد بن محمد الخروبي زكي الدين، التاجر المشهور، كان رئيساً ضخماً، ولد سنة خمس وعشرين تقريباً ونشأ مع أبيه، فكان منقطعاً بزاويته بشاطئ النيل الغربي بالجيزة، فلما مات عمه بدر الدين ثم مات والداه كان عصبتهما فورث مالاً كثيراً فتعانى الرئاسة وعظك قدره في الدولة وصار كبير التجار ورئيسهم وكثرت مكارمه ولم يمش على طريقة التجار في التقتير بل كان جواداً ممدحاً، وله مجاورات بمكة ورأيته يجرد القرآن حفظاً في سنة خمس وثمانين، وكان أبي قد أوصاه بي فنشأت عنده مدة إلى أن مات في المحرم وأنا مراهق ويقال إنه مات مسموماً وأوصى بأشياء كثيرة في وجوه البر والقربات، منها للحرمين بألفي مثقال ذهباً.
أبو بكر بن عمر بن مظفر الحلبي شرف الدين الوردي الفاضل بن الفاضل، مات عن سبعين سنة بحلب.
أبو بكر بن محمد بن أبي بكر بن جميع بفتح الجيم عماد الدين البالسي، سمع من أبي بكر بن عبد الدائم وغيره وحدث مات في شعبان.
بيليك التركي كان والي الأشمونين، مات في ربيع الآخر.
حسن بن محمد بن أبي الحسن بن الشيخ الفقيه أبي عبد الله اليونيني شرف الدين البعلبكي، ولد سنة ثلاثين وسبعمائة وقرأ وسمع الحديث ورحل فيه وأفتى ودرس وأفاد، مات في رمضان.
شاه شجاع بن محمد بن مظفر اليزدي، كان جده مظفر صاحب درك يزد وكرمان في زمن بوسعيد بن خربندا، ثم كان ابنه محمد فقام مقامه وأمنت الطرقات في زمانه، ولم يزل أمره يقوى حتى ملك كرمان عنوة انتزعها من شيخ محمود شاه، ثم تزوج محمد بن مظفر امرأة من بنات الأكابر بكرمان، فقاموا بنصره وفر شيخ إلى شيراز، فحاصره محمد(1/306)
بن مظفر فيها إلى أن ظفر به فقتله واستقل بعد موت بوسعيد بملك العراق كله وأظهر العدل وكان له من الولد خمسة: شاه ولي وشاه محمود وشاه شجاع وأحمد وأبو يزيد، فاتفقوا على والدهم فكحلوه وسجنوه في قلعة سرية من عمل شيراز وذلك سنة ستين وسبعمائة فتولى شاه شجاع شيراز وكرمان ويزد وتولى شاه محمود أصبهان وكروماسان، ومات شاه ولي واستمر أحمد وأبو يزيد في كنف شاه شجاع، ثم وقع الخلف بين شاه محمود ثم استولى شاه شجاع على آذربيجان انتزعها من أويس، ثم قتل شاه شجاع، قتله أخاه لكونه قتل أباه، ولما مات شاه شجاع استقر ولده زين العابدين واستقر أبو يزيد بن محمد بن مظفر عمه أتابكة، واستقر أحمد بن محمد في كرمان وشاه يحيى بن شاه ولي في يزد وشاه منصور أخاه بتستر ثم إنه غلب على شيراز وكحل ابن عمه زين العابدين فخرج عليه اللنك فقبض عليه وقتله وقتل أقاربه، وكان شاه شجاع ملكاً عادلاً عالماً بفنون من العلم، محباً للعلماء والعلم، وكان يقرئ الكشاف والأصول والعربية وينظم الشعر بالعربي والفارسي مع سعة العلم والحلم والإفضال والكرم وكتب الخط الفائق، وكان قد ابتلى بترك الشبع فكان لا يسير إلا والمأكول على البغال صحبته فلا يزال يأكل.
عبد الله بن أحمد التنوسي كان يقول: إنه شريف، وله شعر حسن وأناشيد لطيفة ومات في صعيد مصر في هذه السنة ومن شعره موالياً:
ركبت في جارية ... لم ير فيها عين.
وصحبتي جارية ... تسوى جمل من عين.(1/307)
إلى المرج جارية ... وأنا عليها عين.
من كائنة جارية ... أو من حسد أو عين.
وله:
عذار كظل الغصن في صفحة النهر ... ووجه يريك البدر منتصف الشهر.
قضى لفؤاد الصب ما قد قضت به ... عيون المهابين الرصافة والجسر.
عبد الله بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم الطبري ثم المكي، عفيف الدين، أبو محمد بن الزين أبي الطاهر بن الجمال بن المحب، ولد في المحرم سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة بمكة وسمع من والده وعيسى الحجي والأمين الأقشهري والوادي آشى والزبير بن علي والجمال المطري في آخرين واجاز له الدبوسي والحجار وغيرهما، وطلب بنفسه وقرأ على القطب بن مكرم والجمال محمد بن سالم وغيرهما، وسمع من شهاب الدين بن فضل الله من شعره، ودخل الهند وحدث بها، ودرس في الفقه وخطب ثم رجع وولي قضاء بجيلة وما حولها مدة ومات بالمدينة في جمادى هذه السنة.
عبد اللطيف بن عبد الله المصري، والواعظ المعروف بابن الجعبري، كان يتردد إلى دمشق، وبعظ في الجامع، فتزدحم عليه العامة ويتعصبون له، وكان ظريفاً مطبوعاً غريب الأسلوب في وعظه، وربما مشى بين الصفوف يذهب ويجيء ويقعد في أثناء ذلك، ومات بدمشق في جمادى الأولى.
عبد اللطيف بن محمد بن أبي البركات موسى بن أبي سعيد فضل الله بن أبي الخير نجم الدين الميهني الخراساني، نزيل حلب وشيخ الشيوخ بها، مات وقد جاوز السبعين،(1/308)
ذكره طاهر بن حبيب في ذيله وأثنى عليه في طريقته في الرياضة.
عثمان بن قارا بن مهنا بن عيسى أمير آل فضل كان شاباً كريماً شجاعاً جميلاً يحب اللهو والخلاعة ومات شاباً.
علي بن الجنيد الفيومي الخادم بسعيد السعداء، مات في صفر.
علي بن أبي راجح محمد بن إدريس العبدري الشيبي شيخ الحجبة بمكة، مات في صفر.
علي بن عمر بن معيبد اليمني وزير الملك الأشرف بعد أبيه.
فضل الله بن إبراهيم بن عبد الله الشامكاني الفقيه الشافعي سعد الدين قرأ على القاضي عضد الدين وغيره وحدث عنه بشرح مختصر ابن الحاجب وبالمواقف وغير ذلك وصنف في الأصول والعربية وعلق ةنظم وتقدم في العلوم العقلية، مات في جمادى الأولى.
قر بلاط الأحمدي أحد المقدمين ونائب الإسكندرية في آخر عمره.
محمد بن إبراهيم بن محمد بن محمود البعلي الأصل الدمشقي المعروف بابن مري، محتسب دمشق، مات في صفر عن أربع وستين سنة لأنه ولد سنة اثنتين أو ثلاث وعشرين وأحضر على ابن الشحنة، وكان مليح الخط، باشر بالجامع وغيره، وكان أمثل من ولي الحسبة في هذه الأعصار، وباشر قضاء العسكر للحنفية ثم ركبه الدين وافتقر، ومات في ربيع الآخر.
محمد بن إبراهيم بن وهيبة النابلسي بدر الدين قاضي طرابلس، سمع المزي وابن هلال وغيرهما.(1/309)
محمد بن أبي بكر بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر النصيبي شمس الدين من بيت كبير مشهور بحلب، وولي هذا الإنشاء بحلب، وكان كثير التلاوة حسن الخط، مات في الطاعون بحلب.
محمد بن أبي كبر بن محمد التدمري الأصل الدمشقي المؤذن بدر الدين قاضي القدس، كان ماهراً في الفقه، ولم يكن محمود الولاية، قال ابن حجي: ولي القدس عن البلقيني وكان يكتب على الفتوى بخط حسن وعبارة جيدة إلا أنه يتحمل للمستفتي بما يوافق غرضه، ويأخذ على ذلك جعلا، قال: وقد اجتمعت به فأعجبني فقهه واستنباطه في اللغة واستخراج الحوادث من أصولها وردها إلى القواعد قال: ولكنه كان متساهلاً في الصلاة فربما تركها وكان ضنيناً بنفسه معجباً بها كثير الحط والازدراء لغيره حتى أنه في طول المجلس الذي اجتمعت به فيه ما ذكر أحداً بخير، مات في ربيع الأول وقد قارب السبعين.
محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن زين الدين عمر بن مكي بن عبد الصمد بن أبي بكر بن عطية العثماني الأصل الدمشقي الشافعي علم الدين بن تقي الدين بن المرحل سبط التقي السبكي، ولد سنة سبع وأربعين، وسمع من ابن أبي اليسر وعلي بن العز عمر وغيرهما، وكان له اشتغال وفهم ودرس بالعذراوية، وكان ينوب عن خاله تاج الدين فيها فسعى عليه من الدولة واستقل بها، وكان مع ذلك كثير الرياسة والأدب والتواضع والمروءة والمساعدة لمن يقصده ومات في شوال.
محمد بن عبد الله العبسي شمس الدين القاهري الأديب الفاضل، ولي استيفاء الأحباس، وكتب في التوقيع ونظم الشعر، مات في شعبان، وهو القائل:
بي من بني الترك رشيق اهيف ... مثل الغزال مقبلا ومعرضا.
ما جاءني قط بليل زائرا ... إلا كبرق في الظلام أومضا.
محمد بن محمد بن الحسن صلاح الدين الجواشني، ولد سنة تسع وتسعين وستمائة،(1/310)
وسمع من البدر بن جماعة الشاطبية قرأها عليه الكوتاتي وحدث بها ومات في سابع عشرين ذي القعدة.
محمد بن محمد بن محمد بن ميمون البلوي أبو الحسن الأندلسي، تقدم في معرفة الفرائض والعربية، وسمع بنفسه بالقاهرة ومصر من ابن أميلة وغيره ورافقه الشيخ أبو زرعة بن العارقي في السمع كثيراً ومنهم من أرخه سنة 93.
محمد بن محمد بن يحيى بن سالم الحسني، سمع من الطبري وغيره، وفضل في العلم، وعاش أربعاً وسبعين سنة.
محمد بن محمد المالكي أبو عبد الله الجديدي، أحد الفضلاء الصلحاء، مات بمكة.
محمد بن يوسف بن إبراهيم بن العجيل اليمني جمال الدين، مات في ذي الحجة.(1/311)
سنة ثمان وثمانين وسبعمائة
فيها مات أحمد بن عجلان أمير مكة، واستقر ولده محمد بن أحمد فعمد كبيش بن عجلان إلى أقاربه فكحلهم منهم أحمد بن ثقبة وولده وحسن بن ثقبة ومحمد بن عجلان ففر منه عنان بن مغامس إلى القاهرة فشكى إلى السلطان من صنيعه والتزم بتعمير مكة وسعى في إمرتها فأجيب سؤاله، وكان ما سيأتي ذكره من قتل محمد بن أحمد بن عجلان.
وفيها تأخر وصول المبشرين بالحجاج إلى سادس المحرم، ثم حضر القاصد وأخبر أن صاحب ينبع عاقهم خوفاً عليهم من العرب ولم يتعرض لهم بسوء.
وفيها تزوج السلطان بنت منكلي بغا وأمها أخت الملك الأشرف.
وفيها وصل رسل صاحب ماردين فأخبروا أن تمرلنك قصد تبريز فنازلها، وواقع صاحبها أحمد بن أويس إلى أن كسره فانهزم إلى بغداد ودخل تمرلنك تبريز فأباد أهلها وخربها وجهز أحمد بن أويس إلى صاحب مصر امرأة تخبره بأمر تمرلنك وتحذره منه وتعلمه أنه توجه إلى قرا باغ ليشتي بها ثم يعود في الصيف إلى بغداد ثم إلى الشام، فوصلت المرأة إلى دمشق فجهزها بيدمر صخبة قريبة جبريل.
وفيها تجهز قديد الحاجب وبكتمر العلائي إلى طقتمش خان في الرسلية من صاحب مصر.(1/312)
وفي ربيع الأول أفرج عن يلبغا الناصري من الإسكندرية وأذن له بالإقامة في دمياط.
وفيها قتل خليل بن قراجا بن دلغادر التركماني، فتك به إبراهيم بن يغمر التركماني بمواطأة السلطان وكان قتله خارج مرعش، توجه إليه إبراهيم في جماعة، فلما قرب منه أرسل إليه يعلمه أنه يريد الاجتماع به لإعلامه بأمر له فيه منفعة، فاغتر بذلك ولاقاه فرآه وحده فأمن ونزل عنده فتحدثا طويلاً فخرج جماعة إبراهيم فقتلوه، وركب إبراهيم ومن معه هاربين فاستبطأ أصحاب خليل صاحبهم فوجدوه قتيلاً، فتتبعوا القوم فلم يلحقوهم وذهب دمه هدراً، وكان في ربيع الأول.
وفيها استقر أمر السلطان بتعمير الأغربة وتجهيزها لقتال الفرنج.
وفيها قيل للسلطان أن جماعة أرادوا الثورة عليه، فقيض على تمربغا الحاجب ومعه عشرة مماليك وأمر بتسميرهم وتوسيطهم لكون تمربغا اطلع على أمرهم ولم يعلم السلطان بذلك ثم تتبع السلطان المماليك الأشرفية فشردهم قتلاً ونفياً إلى أن شفع الشيخ خلف في الباقين فقطعت إمرتهم وتركوا بطالين.
وفيها انتهت عمارة السلطان لمدرسته الجديدة بين القصرين في ثالث شهر رجب، وكان الشروع فيها في رجب سنة ست وثمانين، وكان القائم في عمارتها جركس الخليلي وهو يومئذ أمير آخور ومشير الدولة، وقال الشعراء في ذلك كثيراً فمن أحسن ما قيل:
الظاهر الملك السلطان همته ... كادت لرفعتها تسمو على زحل.
وبعض خدامه طوعاً لخدمته ... يدعو الجبال فتأتيه على عجل.
وأخذه ابن العطار فحسنه فقال:
يكفي الخليلي إن جاءت لخدمته ... شم الجبال لها تأتي على عجل.(1/313)
قد أنشأ الظاهر السلطان مدرسة ... فاقت على إرم مع سرعة العمل.
ومن رأى الأعمدة التي بها عرف الإشارة، نزل إليها في الثاني عشر من شهر رجب، وقرر أمورها ومد بها سماطاً عظيماً وتملك فيها المدرسون، واستقر علاء الدين السيرامي مدرس الحنفية بها وشيخ الصوفية بها وبالغ السلطان في تعظيمه حتى فرش سجادته بيده وحضر جميع الأعيان وأخذ الشيخ في قوله تعالى: " قل اللهم ملك الملك تؤتي الملك من تشاء "، ونقل السلطان أولاده ووالده من الأماكن التي دفنوا بها إلى القبة التي أنشأها بها ثم أقيمت بها خطبة في عاشر شهر رمضان، وفوض الخطابة إلى جمال الدين المحتسب وكان قد أمر ابنه صدر الدين أحمد بالصلاة بها في رمضان وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وعمل له مهماً حافلاً.
واستقر بها الشبخ أوحد الدين الرومي السنوي مدرس الشافعية بعناية الشريف الأخلاطي والشيخ شمس الدين بن مكين نائب الحكم بمصر مدرس المالكية والشيخ صلاح الدين بن الأعمى مدرس الحنابلة والشيخ أحمد زاده العجمي مدرس الحديث، والشيخ فخر الدين الضرير إمام الجامع الأزهر مدرس القراءات، فلم يكن فيهم من هو فائق في فنه على غيره من الموجودين غيره، ثم بعد مدة قرر فيها شيخنا البلقيني مدرس التفسير وشيخ الميعاد.(1/314)
وفيها ثار المنتصر وأبو زاين أبناء أبي حمو على أخيهما أبي تاشفين بسبب أبيهما فحصرهما أبو تاشفين بجبل قطري وبعث ولده أبا زيان لقتل أبي حمو بمعتقله بمدينة وهران فلما أحس أبو حمو بذلك نظر من شق في الجدار وصاح بأهل البلد فأتوه من كل جهة فتدلى بحبل وصله بعمامته وسقط إلى الأرض سالماً فبلغ الذين حضروا لقتله فهربوا واجتمع عليه أهل البلد وسار إلى تلمسان فكان ما سنذكره في التي تليها.
وفيها مات الخليفة عمر بن إبراهيم بن الواثق بن محمد بن الحاكم، واستقر في الخلافة أخوه المعتصم زكريا في شوال.
وفي ربيع الأول منها رخص اللحم جداً حتى بلغ الضأني السميط كل قنطار بخمسين درهماً.
وفي جمادى الآخرة زلزلت الأرض زلزلة لطيفة.
وفي ربيع الآخر قبض على بهادر المنجكي الاستادار الكبير.
وفيها وقع الفناء بالإسكندرية فمات في كل يوم مائة نفس.
وفيها تولى كريم الدين بن مكانس نظر الدولة بعد الوزارة، وعلم الدين سن إبرة نظر الأسواق بعد الوزارة أيضاً وتعجب الناس منهما.
وفيها حضر أمير زاد بن ملك الكرج إلى السلطان فادعى أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له: أسلم على يد خادم الحرمين، فأصبح فسأل عن خادم الحرمين فقيل له: إنه صاحب مصر، فهاجر إليه فأخبره بذلك، فتلقاه بالإكرام وأمر بالإسلام،(1/315)
فأسلم بمحضر من القضاة الأربعة في دار العدل، فأعطاه إمرة عشرة وأسكنه القاهرة، وكان ذلك في جمادى الأولى.
وفيها عزل شهاب الدين أحمد بن ظهيرة عن قضاء مكة، ونقل إلى قضائها محب الدين بن أبي الفضل النويري، وقرر في قضاء المدينة عوضاً عنه الشيخ زين الدين العراقي، واستقر الشيخ سراج الدين بن الملقن مدرساً بالكاملية عوضاً عن العراقي.
وفيها توجه نواب الشام إلى قتال التركمان فانكسر العسكر وفتك فيهم التركمان وقتلوا سودون العلائي نائب حماة وغيره، وكان أصل ذلك أن السلطان أمر نواب الشام بالتوجه إلى قتال سولى بن دلغادر ومن معه من التركمان، فوصلوا إلى طنون وهي بين مرعش وابلستين فالتقى بهم سولى، فقتل سودون نائب حماة في المعركة وكذا سودون نائب بهسنا، وكان ذلك في أول جمادى الآخرة فبلغ السلطان فشق عليه ولم يزل يعمل الحيلة حتى دس على سولى من قتله كما قتل أخاه كما سيأتي بيانه.
وفي جمادى الآخرة وصلت رسل الفرنج بهدايا جليلة.
وفي أواخر السنة وصلت رسل الحبشة بهدايا جليلة أيضاً.
وفي أواخر رمضان عز الفستق عزة شديدة إلى أن بيع الرطل منه بمثقال ذهب ونصف، ثم وصل منه شيء كثير إلى أن بيع بعد العيد بربع مثقال الرطل.(1/316)
وفي شعبان أسلم نصراني صبان يقال له ميخائيل من أهل مصر فقرر ناظر المتجر السلطاني وحصل للناس منه ضرر كبير، وسيأتي ما آل إليه أمره في سنة تسع وثمانين.
وفيها أمسك شهاب الدين أحمد بن الرهان ومن معه من الشام، وأحضروا إلى القاهرة وكانوا أرادوا القيام على السلطان فطاف أحمد البلاد داعياً إلى ذلك ثم استقر بدمشق، فدعا الناس إلى القيام فأطاعه خلق كثير إلى أن فطن بهم ابن الحمصي والي قلعة دمشق، فنم عليهم عند السلطان، وكان يبغض بيدمر نائب الشام فوجد من ذلك سبيلاً إلى الافتراء عليه، فكاتب السلطان بالاطلاع على أمرهم وأن بيدمر معهم، فأمره السلطان بالقبض عليهم وعلى بيدمر، فقبض عليهم وجهزهم إلى القاهرة، فعاقب السلطان الشيخ أحمد ومن معه من الفقهاء فضربوا بين يده بالإصطبل بالمقارع وحبسهم في حبس الجرائم بعد أن قررهم على من كان متفقاً معهم في ذلك.
وفيها وصل إبراهيم بن قراجا بن دلغادر إلى القاهرة طائعاً، وكان صاحب خرت برت هي قلعة حصينة بقرب ملطية، وكان له أولاد عدة فعصى عليه بعضهم، ففر منهم فأعطاه السلطان إمرة طلبخاناة، وسكن ظاهر القاهرة، ثم وصلت رأس خليل بن دلغادر من عند نائب حلب، فقبض على إبراهيم وعلى عمه عثمان.
وفيها في صفر سرق الجملون الذي في سوط القاهرة، وأخذ من حوانيت البزازين مال كثير إلى الغاية، فقام حسن بن الكوراني في تتبع الحرامية إلى أن ظفر بعشرين منهم فسمرهم وطاف بهم.(1/317)
وفيها أمر السلطان بإحضار الشيخ شهاب الدين بن الجندي الدمنهوري، فاحضر فضرب بين يديه لأنه كان بدمنهور يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فشكى منه مقطع دمنهور إلى السلطان فأمر بإحضاره فضرب، ثم شفع فيه بعض الأمراء وعرف السلطان قدره وأنه طلب للقضاء فامتنع فخجل السلطان وأرسل إليه فخالله وخلع عليه وأذن له في الرجوع إلى بلده على عادته.
وفيها حج بالناس آقبغا المارداني وحج فيها جركس الخليلي أميراً على الركب الأول، فلما وصل إلى مكة وأراد صاحبها محمد بن أحمد بن عجلان أن يقبل رجل الجمل الذي عليه المحمل السلطاني على العدة، بدر إليه شخص فداوى فقتله وزعم أن السلطان أذن له في ذلك، وفطن كبيش لذلك فجمع عساكره وخرج من مكة بهم خوفاً على نفسه وخوفاً على الحاج من النهب وقرر جركس الخليلي عنان بن مغامس في الإمرة وحج الناس آمنين، ثم التقى كبيش ببطا الخاصكي رأس المبشرين فقال له: اعلم السلطان أنني طائع وإنني منعت العرب من نهب الحاج وأنني لا أرجع عن طلب ثأري من غريمي عنان، وفرق الخليلي بمكة صدقات كثيرة جداً.
وفيها اشتد أذى الوزير للتجار حتى رمى عليهم من القمح مائة ألف أردب وأزيد كل أردب بدينار وكانت خسارتهم فيها جملة مستكثرة.
وفيها سعى شهاب الدين بن الأنصاري في مشيخة سعيد السعداء والتزم بتكفية الخانقاه وعمارة أوقافها وبذل لهم ثلاثين ألف درهم من ماله لذلك من غير رجوع عليهم بها فأجيب(1/318)
سؤاله.
وفيها طرق اللنك شيراز فحاربه شاه منصور وثبت ثباتاً عظيماً وأنكأ في عسكر اللنك وهجم على المكان الذي فيه تمرلنك ففر منه واختفى بين النساء، فوصل شاه منصور في حملته فتلقاه النساء فقلن له: ليس علينا قدرة ونحن في طاعتك، فكف عنهن ورجع فقاتل، فخذله بعض أمرائه ففت في عضده ولم يقاتل حتى ارتث في المعركة وانهزم بقية من معه، فقامت في قيامة اللنك على فقده لأنه لم يجده في القتلى، ثم ظفر به بعض الجند فعرفه فحز رأسه وأحضره إلى اللنك، فلما تحققه فرح في الباطن وأظهر الأسف عليه في الظاهر وأمر بقتل قاتله، واستولى على شيراز وأكرم زين العابدين وقرر له رواتب، ولما بلغ السلطان أحمد صاحب كرمان الخبر راسل اللنك بالطاعة وأرسل مع رسله هدية جليلة وكذلك صنع شاه يحيى صاحب يزد، فقبل الهدية وتوجه بعسكره إلى أصبهان فنازلها وحاصرها، فلما لم يكن لهم به طاقة صالحوه على كال له صورة فتوزعوه بينهم، فأرسل اللنك أعوانه فعاثوا وأفسدوا ومدوا أيديهم إلى الأموال والحرم، فشكوا ذلك إلى ملكهم، فواعدهم أنه يضرب الطبل عند العشاء، فإذا سمعوه قتل كل منهم من عنده من الأعوان، فلما فعلوا ذلك وكانوا نحواً من ستة آلاف عظم ذلك على اللنك، ورجعوا إلى المدينة فتحصنوا فحضرهم حتى اشتد الحصار، فأشار عليهم بعض عسكره أن يجمعوا أطفالهم ويقفوا بهم على طريق اللنك، فاجتاز بهم فسأل عنهم فقال له المشير عليهم: هؤلاء أطفال لا قدرة عليهم ولا عقاب بجناية آبائهم وهم يسترحمونك، فمال بعنان فرسه عليهم وتبعه العسكر فصاروا طعمة لسنابك الخيل، ثم هجم البلد واستخلص الأموال وخرب البلد ورجع إلى سمرقند وحين وصوله أمر حفيده محمد سلطان بن جهانكير إلى أقصى ما يبلغ مملكته وهو من وراء سيحون آخذاً مشرقاً إلى نحو شهر في ممالك المغل والخطا، فمهدوا تلك الأراضي وبنوا فيها عدة قلاع وبنوا مدينة على طرف سيحون من ذلك الجانب سماها اللنك شاه(1/319)
رخيه، وخطب له أحد أمرائه الله داد بعض الملكات وأحضرها إليه صحبته فأولدها شاه رخ الملك المشهور في عصرنا هذا.
ذكر من مات
في سنة ثمان وثمانين وسبعمائة
أحمد بن الناصر حسن بن الناصر محمد بن المنصور قلاون الصالحي كان أكبر أخواته وقد عين للسلطنة مراراً فلم يتفق له ذلك، ومات في رابع عشر جمادى الآخرة.
أحمد بن عبد العزيز بن يوسف بن المرحل المصري نزيل حلب شهاب الدين، سمع من حسن سبط زيادة وتفرد به، سمع منه شمس الدين الزراتيتي المقري وغيره من الرحالة، وأخذ عنه ابن عشائر والحلبيون وأكثر عنه المحدث برهان الدين.
أحمد بن عجلان بن أبي رميثة بن أبي نمى بن أبي سعد بن علي بن قتادة بن إدريس ابن مطاعن شهاب الدين أبو العباس الحسني أمير مكة وما معها، وكان عظيم الرئاسة والحشمة، اقتنى من العقار والعبيد شيئاً كثيراً، وكان يكنى أبا سليمان، ولاه أبوه عجلان إمرة مكة وهو حي في شوال سنة اثنتين وستين، وكان قبل ذلك ينظر في الأمور نيابة عن أبيه أيام مشاركة أبيه وعمه ثقبة، ثم اعتقله السلطان هو وأخوه كبيش وابوهما بالقاهرة، لأن الضياء الحموي كان ولي خطابة الحرم فخرج في شعار الخطبة، فصده أحمد بن عجلان عن ذلك، ومات ثقبة في أوائل شوال سنة اثنتين وستين، ولم يزل أحمد يتقدم في الأمر إلى أن غلب على أبيه، ثم يزل إلى أن أفرده بالسلطنة سنة أربع وسبعين، فاستمر إلى أن اشترك معه ولده محمد سنة ثمانين، وجرت له بمكة خطوب وحروب، وكان يحب العدل والإنصاف، مات في شعبان، واستقر ابنه محمد، ثم قتل في أول ذي الحجة.
أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسين بن إسماعيل بن وهب بن محبوب تاج(1/320)
الدين الحميري المعري ثم البعلي ثم الدمشقي، أحضر على ابن الموازيني وست الأهل، سمع من ابن مشرف وابن النشو والقاسم والمطعم والرضي الطبري وغيرهم، وله إجازة من سنقر الزيني وبيبرس العديمي والشرف الفزاري وإسحاق النحاس والعماد النابلسي وغيرهم، وكان يذاكر بفوائد، وأصيب بأخرة فاستولت عليه الغفلة، ورأيت بخطه تذكرة في نحو الستين مجلدة وعبارته عامية وخطه رديء جداً، مات في المحرم.
أحمد بن محمد بن عبد المعطي، المكي المالكي، شهاب الدين أبو العباس، أخذ عن أبي حيان وغيره، ومهر في العربية وشارك في الفقه، وتخرج به أهل مكة، مات في المحرم وقد جاوز السبعين.
أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد بن سليم بن حنا، الشيخ بدر الدين بن شرف الدين ابن فخر الدين بن الصاحب بهاء الدين المصري المعروف بابن الصاحب، تفقه ومهر في العلم ونظم ونثر وفاق أهل عصره في ذلك وفاق أيضاً في معرفة لعب الشطرنج، وكان جماعاً للمال، لطيف الذات، كثير النوادر، ألف تواليف في الأدب وغيره، وكتب الخط الحسن، وكان يحسن الظن بتصانيف ابن العربي ويتعصب له، ووقعت له محنة مع الشيخ سراج الدين البلقيني وكان يكثر الشطح ويتكلم بما لا يليق بأهل العلم من الفحش ويصرح بالاتحاد وهو القائل:
أميل لشطرنج أهل النهى ... وأسلوه من ناقل الباطل.
وكم رمت تهذيب لعابها ... وتأبى الطباع على الناقل.
مات في تاسع عشرين جمادى الآخرة وله إحدى وسبعون سنة، رأيته واجتمعت به وسمعت من فوائده ونوادره.(1/321)
أحمد بن محمد الزركشي شهاب الدين أمين الحكم بالقاهرة ومصر، مات في ربيع الأول فجأة، وضاع للأيتام عنده أموال عظيمة، قرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري أنها تزيد على ثلاثمائة ألف درهم تكون نحواً من خمسة عشر ألف دينار فبيع موجوده فكان دون النصف، قلت: والذي تحرر لي أن المحاصة وقعت على ربع وسدس عن كل درهم، وبلغ السلطان ذلك فأسرها في نفسه على القاضي الشافعي حتى عزله في السنة التي بعدها.
إسماعيل بن عبد الله الناسخ المعروف بابن الزمكحل، كان أعجوبة دهره في كتبه قلم الغبار مع أنه لا يطمس واواً ولا ميماً، ويكتب آية الكرسي على أرزه وكذلك سورة الإخلاص، وكتب من المصاحف الحمائلية ما لايحصى.
حسن بن علي بن عمر بن أبي بكر بن مسلم الكتاني بدر الدين الصالحي المؤذن بالجامع المظفري، ولد سنة 713، وسمع من الحجار وغيره وحدث بالإجازة عن الدشتي وإبراهيم بن عبد الرحمن بن الشيرازي وجماعة، مات في المحرم عن بضع وسبعين سنة.
خليل بن قراجا بن دلغادر التركماني أمير الأبلستين بعد والده، قتل بيد إبراهيم بن يغمر التركماني بالقرب من مرعش، قال القاضي علاء الدين: كان عارفاً، ذا رأى صائب وله أفعال جميلة وملاطفة حسن وسياسة، وكانت له مدة متحيراً في البلاد لغضب سلطان مصر عليه، وكان قتله بمكيدة احتالها عليه إبراهيم، وجاوز خليل من العمر ستين سنة.(1/322)
داود بن محمد بن داود بن عبد الله الحسني الحمزي صاحب صنعاء من جبال اليمن، حاربه الإمام صاحب صعدة فغلب على صنعاء وانتزعها منه، ففر داود منه إلى الأشرف صاحب زبيد فأكرمه إلى أن مات في ذي القعدة، وهو آخر من وليها من أهل بيته، ودامت مملكتهم لها قريباً من خمسمائة سنة.
سريجا بفتح المهملة وكسر الراء، بعدها تحتانية ساكنة ثم جيم مفتوحة بغير مد بن محمد بن سريجا بن أحمد الملطي ثم المارديني، زين الدين ابن بدر الدين، كان من أعيان علماء تلك البلاد في زمانه في الفقه والقراءات والأدب وغير ذلك، وله تصانيف، منها شرح الأربعين النووية سماه نثر فرائد المربعين النبوية في نشر فوائد الأربعين النووية وجنة الجازع وجنة الجارع صنعه عند موت ولد له سنة إحدى وثمانين وسد باب الضلال وصد ناب الصلال في ترجمة الغزالي ونظم قصيدة في القراءات السبع بوزن الشاطبية، أولها:
يقول سريجا قانتاً متبتلا ... بدأت بنظمي حامداً ومبسمل.
ومن شعره:
خذ بالحديث وكن به متمسكا ... فلطالما ظمئت به الأكباد.
شد الرحال له الرجال إذا سعوا ... لأخطار ما صرت له الآساد.
مات بماردين في المحرم ول ثمان وستون سنة، اخذ عنه ولده عقيل الذي مات سنة أربع عشرة، وبدر الدين بن سلام الذي أخذ عنه سنة سبع وثلاثين وثمانمائة وآخرون.(1/323)
ششك بنت محمد بن الشيخ علي التركماني، سمعت من عبد الله بن علي الصنهاجي وحدثت.
سودون العلائي نائب حماة، مات قتلا بيد التركمان.
صدقة بن الركن عمر بن محمد بن محمد المصري شرف الدين العادلي، سمع من أبي الفتح الميدومي وطبقته، ورافق الشيخ زين الدين العراقي مدة في السمع، ثم ترك لبس الجندية ولبس بالفقيري، وصحب الفقراء القادرية إلى أن صار من كبارهم، مات بالفيوم في جمادى الآخرة، ورأيته مراراً وسمعت كلامه.
عبد الله بن علي بن محمد بن عبد الرحمن بن خطاب الباجي، سمع من محمد بن علي بن ساعد وغيره، مات في شعبان عن بضع وثمانين سنة.
عبد الحميد شيخ زاوية المنيبع، مات في شهر رمضان وقد جاوز الثمانين.
عبد الرحمن بن محمد بن عثمان بن الجمال محمد بن علوان بن زين الدين بن الأستاذ الحلبي الضرير حضر على سنقر الزيني كتاب الصمت لابن أبي الدنيا وتفرد به.
عبد اللطيف بن عبد المحسن بن عبد الحميد بن يوسف السبكي نزيل دمشق قطب الدين ابن أخت التقي السبكي، حضر على ابن الصواف مسموعه من النسائي، وتفرد به، ومن أبي الحسن بن هارون من مشيخة جعفر الهمداني تخرج الزكي البرزالي، وحدث وكان كثير التسري، يقال أنه وطئ أزيد من ألف جارية،(1/324)
مات في خامس جمادى الأولى، روى عنه شيخنا العراقي وابن سند وابن حجي وغيرهم.
عبد المعطي بن عبد الله فتح الدين، كان يؤدب بكتاب المارستان، وكان أحد من قرأ على أبي حيان، وهو والد صلاح الدين محمد، الذي ولي حسبة مصر ونظر المواريث وغير ذلك في حياة والده، مات في رمضان وقد أسن.
عبد الوهاب بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن أسد الإسكندراني القروي، محيي الدين، سمع من عبد الرحمن بن مخلوف عدة كتب منها المحدث الفاصل والدعاء للمحاملي، ومن محمد بن عبد المجيد بن الصواف التوكل، وسمع بمكة من الرضي الطبري مسلسلات ابن شاذان، وقرا على عبد لانصير ابن الشعراء القراءات بكتاب الإعلان عن المكي الأبي وحدث، ومات في ذي القعدة وله ست وثمانون سنة، وقد خرج له الذهبي جزءاً من حديثه.
علي بن أحمد بن علي الحلبي علاء الدين، صاهر أبا أمامة بن النقاش على ابنته، ودرس بجامع أصلم وطلب الحديث وكتب بخطه، مات كهلاً.
علي بن عبد القادر المراغي الصوفي شرف الدين، اشتغل في بلاده ومهر في الفقه والأصول والطب والنجوم، وفاق في العلوم العقلية وشغل في الكشاف وغيره، وقام عليه جماعة من أهل السميساطية، وكان صوفياً بها، فشهدوا عليه بالاعتزال فاستتيب بعد أن عزر، ثم قرر بخانقاه خاتون إلى أن مات، وكان يدري النجوم وأحكامها، وينسب إلى الرفض، وكان من تلامذة السيد المجد، قرأ عليه تقي الدين ابن مفلح ونجم ابن حجي وغيرهما، ومات في شهر ربيع الآخر.
عمر بن إبراهيم بن محمد بن أحمد المستعصم بن الواثق بن المستمسك ابن الحاكم(1/325)
العباسي، ولي الخلافة بعد خلع المتوكل، ومات في هذه السنة واستقر بعده أخوه زكرياء.
عائشة بنت الخطيب عبد الرحيم بن بدر الدين بن جماعة، اخت قاضي القضاة برهان الدين، سمعت علي الواني وغيره وحدثت.
محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر التركستاني الأصل، الشيخ شمس الدين القرمي، نزيل بيت المقدس، ولد بدمشق سنة عشرين، ثم تجرد وخرج منها سنة إحدى وأربعين، وطاف البلاد ودخل الحجاز واليمن، ثم أقام بالقدس وبنيت له زاوية، وكان يقيم في الخلوة أربعين يوماً لا يخرج إلا للجمعة وصار أحد أفراد الزمان عبادة وزهداً وورعاً، وقصد بالزيارة من الملوك يستزورونه وله خلوات ومجاهدات، وسمع بدمشق من الحجار وغيره، وكان يتورع عن التحديث ثم انبسط وحدث، وكان عجباً في كثرة العبادة وملازمة التلاوة حتى بلغ في اليوم ست ختمات، وقيل بلغ ثمان، وسأله الشيخ عبد الله البسطامي فقال له: إن الناس يذكرون عنك القول في سرعة التلاوة، فما القدر الذي تذكر أنك قرأته في اليوم الواحد؟ فقال: اضبط أني قرأت من الصبح إلى العصر خمس ختمات، ويذكر عنه كرامات كثيرة وخوارق مع سعة العلم ومحبة الانفراد وقهر النفس، انتفع به جماعة، ومات في تاسع شهر رمضان.
محمد بن طلحة بن يوسف بن هبة الله الحلبي، سمع من الكمال بن النحاس وغيره، ومات في شوال وقد جاوز الثماني.(1/326)
محمد بن تنبك السوي كان من رؤساء الحلبيين، وانشأ جامعاً بحارة القناصة، ومات بها في مدينة الرها في هذه السنة أو نحوها.
محمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد الشافعي الآسجي بمدة وفتح المهملة بعدها جيم الأديب شمس الدين، نزيل مكة جاور بمكة عدة سنين وباشر بالحرم، واختص بالناس حتى، ومات في شعبان، وكان شاعراً مكثراُ، أكثر عنه صاخبنا نجم الدين المرجاني.
محمد بن تقي الدين عبد الله بن محمد بن محمود بن أحمد بن عزاز الحنبلي، القاضي شمس الدين بن التقي المرداوي، ولد سنة أربع عشرة وسبعمائة فيما قيل، سمع الكثير من أبي بكر بن الرضي والشهاب الصرخدي والشرف بن الحافظ وعائشة ابنة المسلم وجماعة، تفقه وناب في القضاء من سنة ستين وهلم جراً، ثم استقل به سنة ست وسبعين إلى ان مات، وكان محموداً في ولايته إلا أنه في حال نيابته عن عمه كان كثير التصميم بخلافه لما استق، وكان يكتب على الفتاوي كتابة جيدة، وكان كيساً متواضعاً قاضياً لحوائج من يقصده، وكان خبيراً بالأحكام، ذاكراً للوقائع، صبوراً على الخصوم، عارفاً بالإثباتات وغيرها، لا يلحق في ذلك، وكان يركب الحمارة على طريقة عمه، وقد خرج له ابن المحب الصامت أحاديث متبائنة(1/327)
وصلت إلى خمسة عشر حديثاً، وحدث بمشيخة ابن عبد الدائم عن حفيده محمد بن أبي بكر عن جده سماعاً، مات في رمضان عن أربع وأربعين سنة.
محمد بن عطيفة الحسني أمير المدينة.
محمد بن عمر بن محمد بن محمود بن أبي الفخر الزرندي ثم الصالحي، سمع من الحجار وغيره، مات بدمشق عن سبعين سنة.
محمد بن عيسى بن أحمد الزيلعي نزيل اللحية من سواحل اليمن، ويعرف بصاحبها، كان يذكر بالكرامات ومكانه يزار الآن.
محمد بن محمد بن أحمد بن المحب عبد الله المقدسي شمس الدين، ولد في ذي القعدة سنة 731، وسمع من ابن الرضي والجزري وبنت الكمال وغيرهم، وأحضر على أسماء بنت صصرى وعائشة بنت مسلم وغيرهما، وعني بالحديث وكتب الأجزاء والطباق وعمل المواعيد، وأخذ عن إبراهيم بن قيم الجوزية، وكتب بخطه الحسن شيئاً كثيراً، وكان شديد التعصب لابن تيمية، مات في جمادى الأولى، وله سبع وخمسون سنة.
محمد بن محمد بن علي بن حزب الله المغربي، قرأت بخط القاضي برهان الدين بن جماعة: مات الإمام العالم الكاتب البليغ أبو عبد الله بن جزب الله بدمشق، في خامس عشرين شعبان سنة ثمان وثمانين، له نظم وسط وفضائل قلت: منها كتاب سماه عرف الطيب في وصف الخطيب صنفه للبرهان ومن عنوان نظمه قصيدة أولها:
لبريق الأبريق والنقا ... طار مني القلب إذ تألقا.
محمد بن يوسف بن إلياس الحنفي الشيخ شمس الدين القونوي، نزيل المزة، ولد سنة خمس عشرة أو في بعدها، وقدم دمشق شاباً وأخذ عن التبريزي وغيره، وتنزه عن مباشرة الوظائف حتى المدارس، وكان الشيخ تقي الدين السبكي يبالغ في تعظيمه، وكان له(1/328)
حظ من عبادة وعلم وزهد، وكان شديد البأس على الحكام، شديد الإنكار للمنكر، أماراً بالمعروف، يحب الانفراد والانجماع، قليل المهابة للأمراء والسلاطين والحكام، يغلظ لهم كثيراً، وكان قد أقبل على الاشتغال بالحديث بأخرة، والتزم أن لا ينظر في غيره، وصارت له اختيارات يخالف فيها المذاهب الأربعة لما يظهر له من دليل الحديث قال ابن حجي: كانت له وجاهة عظيمة وكان ينهى أولاده وأتباعه عن الدخول في الوظائف. وكان ربما كتب شفاعة إلى النائب، نصها: غلى فلان المكاس أو الظالم أو نحو ذلك، وهم لا يخالفون له أمراً ولايردون له شفاعة، وكان كثير من الناس يتوقعون الاجتماع بع لغلظه في خطابه، وكان مع ذلك يبالغ في تعظيم نفسه في العلم حتى اقل مرة: أنا أعلم من النووي وهو أزهد مني، وكان يتعانى الفروسية وآلات الحرب ويحب من يتعانى ذلك، ويتردد إلى صيدا وبيروت على نية الرباط، وقد باشر القتال في نوبة بيروت، وبنى برجاً على الساحل، وصنف كتاباً سماه الدرر فيه فقه كثير، نظم فيه فقه الأربعة على أسلوب غريب، مات في الطاعون في جمادى الآخرة وقد جاوز السبعين واختصر شرح مسلم للنووي وتعقب عليه مواضع، وشرح مجمع البحرين في عشر مجلدات، وقد قدم القاهرة وأقام بها مدة وأقام بالقدس مدة، ثم رجع إلى دمشق وانقطع بزاويته بالربوة، ثم انقطع بزاويته بالمزة رحمه الله.
محمد بن يوسف بن محمد بن عمر شرف الدين بن جمال الدين بن الشيخ شمس الدين بن قاضي شهبة، اشتغل على جده ثم على أبيه، وتعانى الأدبيات وقال الشعر وكتب الخط الحسن، قال ابن حجي: كان جميل الشكل، حسن الخلق، وافر العقل، كثير(1/329)
التودد، ولي قضاء الزبداني مدة ثم تركه، ومات في عشر الأربعين في ربيع الآخر، ووجد عليه أبوه وجداً كثيراً، حتى مات بعده عن قرب.
محمد الأصبهاني إمام الدين كان عالماً عابداً مشهوراً بالفضل والكرامات، وكان ينذر بوقوع البلاء على يد اللنك ويخبر أنه ما دام حياً لا يصيب أهل أصبهان أذى، فاتفق وفاته في ليالي طروق اللنك لهم في هذه السنة.
موسى بن الفافا شرف الدين استادار أيتمش، كان يتعصب للظاهرية ويميل إلى مذهبهم، مات في شوال.
هيازع بن هبة الحسني قريب أمير المدينة، وهو أخو جماز الذي تأمر بعد ذلك.
يوسف بن المجد أبي المعالي محمد بن علي بن إبراهيم بن أبي القاسم بن جعفر الأنصاري المعروف بابن الصيرفي، ولد في رمضان سنة عشر وسبعمائة، وأسمعه أبوه الكثير من أبي بكر الدشتي والقاضي سليمان وعيسى المطعم وغيرهم، وحدث بالكثير، وكان يزن في القبان ثم كبر وعجز، وكان باخرة يأخذ الأجرة ويماكس في ذلك، مات في ذي الحجة عن ثمانين سنة، وكان له ثبت يشتمل على شيء كثير من الكتب والأجزاء، وآخر من حدث عنه الحافظ برهان الدين محدث حلب.
شمس الدين الغزولي المصري الميقاتي، انتهت إليه الرياسة في هذا العلم في بلده، وكان اطروشاً، مات في رجب.
شمس الدين بن الجندي الخطائي المصري انتهت إليه الرياسة في حل التقاويم ومعرفة الميقات، وكان لكل منهما أعني الغزولي وابن الجندي عصبة، فاتفق أن ماتا في سنة واحدة، مات الغزولي في رجب ومات ابن الجندي في شعبان.(1/330)
سنة تسع وثمانين وسبعمائة
وفيها في تاسع عشر المحرم ولي الجوباني نيابة الشام عوضاً عن اشقتمر.
وفيها أخذ السلطان بلعب الرمح وألزم الأمراء والمماليك بذلك فاستمر.
وفيها ابتدأ أيضاً في رمضان بالحكم بين الناس يومي الأحد والأربعاء، ونودي: من كانت له ظلامة فليحضر إلى الباب، وحصل للناس بسبب ذلك حصر خصوصاً الرؤساء وتشويش كبير وصار من شاء من الأراذل أن يهين الأكابر فعل.
وفيها كثرت الشكاوي من بدر الدين بن أبي البقاء، فعين السلطان ناصر الدين محمد بن عبد الدائم الشاذلي ابن بنت الميلق الواعظ، وطلبه في رابع شعبان وفوض له قضاء الشافعية فاستخار الله بعد صلاة ركعتين وقبل، وكان يعرفه من خطبته بمدرسة حسن، ووصفه له سودون النائب وغيره، فتم أمره، وقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري أن سبب عزل ابن أبي البقاء ما تقدم من قصة أمين الحكم وانضاف إلى ذلك أن بعض مدركي البلاد السلطانية مات في أول هذه السنة، وكان يذكر بالمال الجزيل فجهز القاضي أمين الحكم ليحتاط علة موجوده فذكر ذلك للسلطان فأنكر عليه وأحضر أمين الحكم وضربه وعزل القاضي، وطلب من يوليه عوضه فغرم القاضي في هذه الحركة خمسة آلاف دينار، ثم ما أفاد بل طلب ابن بنت المليق، وولاه فباشره بعزة وعظمه.(1/331)
وفيها جمع كبيش العربان ونهب جدة وأخذ منها للتجار ثلاثة مواكب وتقابل هو وعنان أمير مكة فقتل كبيش في المعركة بعد أن كاد يتم له النصر وذلك بأذاخر بالقرب من مكة.
وفيها سار علي بن عجلان من مكة إلى القاهرة، فقدمها في رمضان فأشرك السلطان علي بن عجلان في إمرة مكة مع عنان فتوجه عنان إلى وادي نخلة ومنع الجلب عن مكة فوقع فيها الغلاء، فوافى قرقماش أمير الركب إلى مكة بتقليد علي بن عجلان، وأمره أن يتجهز إلى عنان، فخرج وأرسل معه طبول المحمل فدقوا بين الأودية فظن عنان أن العساكر دهمته فهرب فدخلت القافلة فباعوا ما معهم برخص حتى انحطت الويبة من القمح إلى عشرة بعد ثلاثين.
وفيها استولى على إمرة المدينة علي بن عطية ثم قتل وذلك أنه طرق المدينة فنهبها وقتل فيها أناساً فأفرج السلطان عن ثابت بن نعير وقلده إمرة المدينة وأمره بالمسير.
وفي رابع ربيع الأول قبض على كريم الدين بن مكانس وضرب بالمقارع وصودر على مائة ألف، ثم عزل عن نظر الدولة في ثاني رمضان.
وفيها خامر منطاش نائب ملطية وهو لقب واسمه تمربغا الأفضلي وجماعة من المماليك الأشرفية الذين نفاهم برقوق، ووافقهم القاضي برهان الدين أحمد صاحب سيواس وقرا محمد التركماني كبير التركمان ويلبغا المنجكي وجمعوا جمعاً كبيراً وبلغ ذلك السلطان فجرد العساكر إليهم فسار اينال الأتابك بدمشق، وقزدمر وسودون(1/332)
باق والطنبغا المعلم ومقدمهم يلبغا الناصري نائب حلب فنازلوا ملطية، فهرب منطاش فتوجهوا إلى سيواس ونازلوها فاستنجد برهان الدين صاحبها الأرمن وغيرهم، فوقعت بينهم وبين عساكر الشام وقعة وقتل فيها من الفريقين جماعة، ثم كان النصر على يد يلبغا الناصري وانهزم برهان الدين ثم أرسل يطلب الأمان ويبذل الطاعة للظاهر فأمنه وصار من جهته وكانت عدة الذي مع الناصر نحو الألف والذين تجمعوا لقتاله عشرين ألفاً.
وفيها قبض على جبريل قريب بيدمر وعلى محمد بن بيدمر وتسلمهما والي القاهرة فصادرهما على مال كثير.
وفيها قتل بدر بن سلام أمير العربان بالبحيرة، قتله بعض العرب غيلة وكان قد قهر السلطان وأعجز العسكر من التجاريد إليه وهو يفر من مكان إلى مكان وفسدت أحوال البحرية.
وفيها في أواخر شعبان استقر في الوازارة علم الدين إبراهيم القبطي بن كاتب سيدي وكان مستوفي المرتجع فوصى ابن كاتب أرلان بأن يستوزره بعده فقبل الظاهر ذلك.
وفي تاسع رمضان نزل جلال الدين البلقيني عن توقيع الدست لزوج ابنته بهاء الدين البرجي، ونزل بدر الدين بن البلقيني أخيه جلال الدين عن إفتاء دار العدل واستمر بيد بدر الدين قضاء العسكر.
وفي ليلة الثلاثاء ثامن عشر جمادى الآخرة ظهر كوكب عظيم من جهة الشمال ثم امتد(1/333)
وتشعب منه ثلاث شعب إحداهما ذنب طويل نحو الرمح ونورها شديد وذلك بعد العشاء بنحو ساعة.
وفي هذه السنة انتهت زيادة النيل إلى أربعة عشر إصبعاً من تسعة عشر ذراعاً وثبتت إلى خامس بابه.
وفي أوائلها ملك ألو حمو تلمسان فحاصره ولده أبو تاشفين إلى أن قبض عليه وسجنه بالقصر فسأله أبو حمو أن يخرجه إلى الديار المصرية ليحج فأسعفه وحمله في مركب فخدع أبو حمو صاحبها حتى أنزله وبعث إلى محمد بن أبي محمد مهدي القائد ببجاية يستنصره، فأنزله عنده وكتب إلى السلطان بتونس، فأمره بمساعدته واستنفر العرب فنفروا معه، فقتل أبو زيان بن أبي تاشفين في الحرب وانقض جمع أبي تاشفين فخرج من تلمسان ودخلها أبو حمو في رجب سنة تسعين.
وفيها كائنة ميخائيل الأسلمي، وكان نصرانياً وأسام في شعبان سنة ثمان وثمانين بحضرة السلطان وعناية محمود فأركب بغلة وعمل تاجر الخاص كما تقدم ثم قرر في نظر الإسكندرية في المحرم من هذه السنة، فلما كان ثالث عشر ربيع الآخر ضربت عنقه بالإسكندرية بعد أن ثبت عليه أنه زنديق وشهد عليه بذلك خمسون إلا واحداً.(1/334)
وفيها ضربت الدراهم الظاهرية، وجعل اسم السلطان في دائرة فتفاءلوا له من ذلك بالحبس فوقع عن قريب، ووقع نظيره لولده الناصر فرج في الدنانير الناصرية.
وفيها كان الغلاء بدمشق وقلة الماء بالقدس حتى بلغت الجرة نصف درهم.
وفيها وقعت بين ابن يغمر نائب الأبلستين وبين ابن دلغادر حرب.
وفي سادس عشر جمادى الآخرة وهو تاسع ابيب توقف النيل ثم نقص ثم رد النقص وزاد في رابع عشريه.
وفي هذه السنة نازل عسكر تمرلنك صحبة ولده آمد ففر منه قرا محمد في مائة فارس إلى ملطية، فاضطرب أول الأمر بالقاهرة، وجمع الظاهر الفقهاء والأمراء وتحدث في إعادة ما وقف من الأراضي الخراجية فطال النتازع وآل الأمر إلى أنه يؤخذ لتجهيز العسكر متحصل سنة، وأمر الظاهر بتجهيز أربعة من الأمراء وهم قرادمرداش ويونس والطنبغا المعلم وسودون باق وغيرهم، فتوجهوا وخرجوا في أول رجب فوصلوا إلى حلب فوجدوا تمرلنك(1/335)
قد رجع إلى بلاده لأمر حدث بها، وأرسل نائب الشام رجلاً اتهم بأنه جاسوس فضرب فأقر على ثلاثة بدمشق فضرب وحبس وكتب إلى دمشق بإحضار رفقته، ولما وصل الأمراء إلى حلب في شعبان كاتبوا بأن اللنك رجع فصادف وصول الخبر بمخامرة منطاش فأمروا أن يتوجهوا إلى محاربته فتوجهوا، وكان ما سنذكره في السنة الآتية.
وفيها عاد اللنك إلى عراق العجم فاستقبله ملوكها وأذعنوا له بالطاعة مثل إسكندر الجلالي وأر سعيد وإبراهيم العمي وأبو إسحاق السيرجاني وسلطان أحمد بن أخي شجاع وابن عمه شاه يحيى، وكان جملة من اجتمع عنده من ملوك العجم سبعة عشر ملكاً، فبلغه أنهم تواعدوا على الفتك به، فسبقهم وأمر بالقبض عليهم، وقد اجتمعوا في خيمة وقرر في ممالكهم أولاده وأحفاده وتتبع ذراري المقتولين فلم يبق منهم أحداً، ثم توجه نحو عراق العرب، فبلغ ذلك أحمد بن أويس فجهز له عسكراً كثيفاً مع أمير يقال له: اسنباي، فتلاقيا على مدينة سلطانية فانهزم جند بغداد فلم يتبعهم اللنك وعطف على همذان وما يليها، فقبض على متوليها واستناب فيها ثم كر راجعاً إلى بغداد فبلغ أحمد بن أويس ذلك فعرف أنه لا طاقة له بلقائه، وكان أحمد بن أويس استولى على مملكة نبريز عوضاً عن أخيه حسين بعد قتله فلم يلبث إلا قليلاً حتى فاجأه عسكر اللنك، فلما بلغ ذلك رحل عنها وترك أهلها حيارى، فهجم عليهم العسكر عنوة فانتهبوها وفعلوا فيها ما لا يمكن شرحه، وأقاموا بها شهر رجب كله في استخلاص(1/336)
الأموال وتخريب الدور وتعذيب ذوي الأموال بالعصر والإحراق والضرب وأنواع العذاب، وانتهكوا الحرمات وسبوا الحريم والذراري، وكان قبل ذلك استولى على تبريز وفعل بها الأفاعيل، وكان أحمد ابن أويس قد أرسل ذخائره وحريمه وأولاده إلى قلعة يقال لها النجاء في غاية الحصانة وقرر فيها أميراً يقال له النون مع ثلاثمائة نفس من أهل النجدة، فنازله اللنك فلم يقدر عليها وقتل في الحصار أميران كبيران من عسكره، ثم ترحل عنها لما بلغه ما طرق بلاده من جهة طقتمش خان وأنه قد تعرض لأطراف بلاده فكر راجعاً أيضاً، ولما بلغه ذلك قرا محمداً التركماني انتهز الفرصة ووصل إلى تبريز فملكها، وقرر فيها ولده مصر خجا ورجع إلى بلاده.
وفي تاسع رجب أمر المحتسب بطلب ذوي الأموال واستخراج زكواتها منها وأن يتولى قاضي الحنفية الطرابلسي تحليفهم، فعمل ذلك في يوم واحد، فلما ورد الخبر برجوع تمر لنك رد على الناس ما اخذ منهم وبطلت مطالبتهم بالزكاة وبالخراج أيضاً.
وفي العشرين من رمضان استقر جمال الدين المحتسب في قضاء العسكر عوضاً عن شمس الدين القرمي بعد وفاته، وسعى تجم الدين بن عرب في الحسبة فبذل فيها خمسين ألف درهم قيمتها يومئذ أكثر من ألفي مثقال ذهباً.(1/337)
وفي نصف شوال أفرج الظاهر عن يلبغا اناصري من دمياط وأعطاه شيئاً كثيراً وقرره في نيابة حلب، وسافر في تاسع ذي القعدة، وقرر سودون المظفري نائب حلب أتابك العساكر بها.
وفي هذه السنة في ذي الحجة صرف تقي الدين الكفري عن قضاء الحنفية وقرر عوضه نجم الدين بن الكشك.
وفي رابع ذي الحجة استقر أمير حاج مغلطاي في نيابة الإسكندرية.
ذكر من مات
في سنة تسع وثمانين وسبعمائة من الأعيان.
إبراهيم بن عبد الله شمس الدين الوزير القبطي المعروف بكاتب أرنان أصله من نصارى القبط فأسلم وخدم الأمراء إلى أن اتصل بالظاهر قبل سلطنته في ديوانه ثم قلده الوزارة فباشر أحسن مباشرة، فتنقلت به الأحوال إلى أن خدم في ديوان برقوق وهو أتابك العساكر فأراد ابن مكانس أن يبعده عنه فيعينه لوزارة الشام، فاستعفى ثم ولاه برقوق الوزارة فنهض فيها نهوضاً تاماً حتى قيل إنه دخل الدولة وليس فيها درهم ولا قدح غلة، وخرج عنها وفيها من النقد ألف ألف درهم ومن الغلة ثلاثمائة ألف أردب وستون ألف أردب ومن الغنم ستة وثلاثون ألف رأس وغير ذلك حتى أنه كتب في مرض موته أوراقاً بحواصله وكان جملة قيمتها خمسمائة ألف دينار، فأرسل بالوراق إلى السلطان ويقال بل عاده السلطان في الليل سراً فناولها له، وكان منذ ولي الوزارة لم يغير ملبوسه ولا شيئاً من حاله وعنده جواري في البيت فيغلق بابه(1/338)
إذا ركب، ويحمل مفتاحه معه ولا يمكن أحداً من الركوب معه سوى غلامه على بغلة ووراءه عبد معه الدواة، ويقال إنه كان في الباطن على النصرانية والله أعلم بغيبه، مات في شعبان.
أحمد بن إبراهيم بن إسحاق بن أبي يحيى شهاب الدين الغزاوي، ناب أبوه في الحكم ونشأ له ولده هذا فتعلق بالمباشرات في الديوان عند الأمراء وخطب بالصالحية وخدم في الإصطبل السلطاني شاهداً، وكان لطيف المعاشرة حسن التودد مات في آخر صفر.
أحمد بن أبي القاسم بن شعيب الأخميمي أبو القاسم المصري، أحد فقهاء القاهرة.
إسماعيل بن مازن الهواري أحد أكابر العرب، مات في هذه السنة وخلف أموالاً كثيرةً جداً، فيقال إن القاضي أمر أمين الحكم أن يتكلم فيها فجر ذلك عزل القاضي وضرب أمين الحكم.
أبو بكر بن أحمد بن أحمد بن طرخان الأسدي، مات في شعبان.
بيدمر بن عبد الله الخوارزمي نائب الشام مراراً، يقال كان اسمه في الأصل زكريا بن عبد الله ابن أيوب.(1/339)
خليل بن فرج بن سعيد الإسرائلي المقدسي ثم الدمشقي القلعي، أسلم ببيت المقدس، وله تسع عشرة سنة، وعني بالعلم ولازم الشيخ ولي الدين المنفلوطي، وانتفع به وقرأ القرآن، ولقب محب الدين، وكان مولده في آخر سنة 712، وتفقه على مذهب الشافعي فمهر وصار أكثر الناس موظبة على الطاعة من قيام الليل وإدامة التلاوة والمطالعة، وولي مشيخة القصاعين ثم تركها لولده وجاور في آخر عمره بمكة، فقدم دمشق ممرضاً فمات حادي عشر صفر.
سليمان بن يوسف بن مفلح بن أبي الوفاء الشيخ صدر الدين الياسوفي الدمشقي، سمع الكثير، وعني بالحديث واشتغل بالفنون، وحدث وأفاد وخرج مع الخط الحسن والدين المتين والفهم القوي والمشاركة الكثيرة، أوذي في فتنة الفقهاء القائمين على الملك الظاهر فسجن، فمات في السجن بعد أيام بالقلعة، مع أنه صنف في منع الخروج على الأمراء تصنيفاً حسناً، وقفت عليه بدمشق، وهو القائل:
ليس الطريق سوى طريق محمد ... فهي الصراط المستقيم لمن سلك.
من يمش في طرقاته فقد اهتدى ... سبل الرشاد ومن يزغ عنها هلك.
وكان مولده تقريباً سنة تسع وثلاثين، وحفظ محفوظات وكان مشهوراً بالذكاء سريع الحفظ ودأب في الاشتغال ولازم العماد الحسباني وغيره، وفضل في مدة يسيرة، وتنزل في المدارس ثم تركها، وقرأ في الأصول على الإخميمي، وترافق هو وبدر الدين بن خطيب الحديثة، فتركا الوظائف جملة وتزهداً وصاراً يأمران بالمعروف وينهيان عن المنكر، وأوذيا بسبب ذلك مراراً، ثم حبب إلى الصدر الحديث فصحب ابن رافع وجد في الطلب، وأخذ عن أصحاب ابن(1/340)
البخاري كثيراً، وخرج لجماعة من الشيوخ، ورحل إلى مصر سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، وسمع بها من جماعة وخرج لناظر الجيش جزءاً وصادف ولاية ابن وهبة قضاء طرابلس عند موت ابن السبكي فولي وظائفه، بعناية ناظر الجيش وهي تدريس الأكرمية ومشيخة الأسدية وغيرهما، ودرس وأفتى واستمر على الاشتغال بالحديث يسمع ويفيد الطلبة القادمين وينوه بهم مع صحة الفهم وجودة الذهن.
قال ابن حجي: وفي آخر أمره صار يسلك مسلك الاجتهاد ويصرح بتخطئة الكبار، واتفق وصول أحمد الظاهري من بلاد الشرق فلازمه فمال إليه، فلما كان كائنة بيدمر مع ابن الحمصي أمر بالقبض على أحمد الظاهري ومن ينسب إليه، فاتفق أنه وجد مع اثنين من طلبة الياسوفي فسئلا فذكرا أنهما من طلبة الياسوفي فقبض على الياسوفي وسجن بالقلعة أحد عشر شهراً إلى أن مات في ثالث عشر شوال.
عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن السجلماسي أبو زيد المعروف بالحفيد بن رشد المالكي، كان بارعاً في مذهبه، وروى عن أبي البركات البلقيني والعفيف المطري والشيخ خليل، وتقدم في الفقه على مذهبه، وولي قضاء حلب ثم غزة ثم سكن بيت المقدس، قرأت بخط القاضي علاء الدين في تاريخ حلب: كان فاضلاً يستحضر لكن كلامه أكثر من علمه، حتى كان يزعم أن ابن الحاجب لا يعرف مذهب مالك، وأما من تأخر(1/341)
من أهل العمل فإنه كان لا يرفع بهم رأساً إلا ابن عبد السلام وابن دقيق العيد، وكان كثير الصخب في بحثه، ووقع بينه وبين شهاب الدين بن أبي الرضا قاضي حلب الشافعي منافرة، فكان كل منهما يقع في حق الآخر وأكثر الحلبيين مع ابن أبي الرضا لكثرة وقوع الحفيد في الأعراض، وسافر في تجارة من حلب إلى بغداد ثم حج وعاد إلى القاهرة، ومات عن ثلاث وسبعين سنة معزولاً عن القضاء ولم يكن محموداً.
عبد الواحد بن عمر بن عباد المالكي تاج الدين بن الجرار، برع في الفقه وشارك في غيره.
علي بن الحسين بن علي بن أبي بكر عز الدين الموصلي، نزيل دمشق كان معتنياً بالآداب، قدم دمشق قديماً، وراسل الصلاح الصفدي ونظم على طريقة ابن نباتة، وعني بالفنون، وكان ماهراً في النظم قاصراً في النثر، نظم البديعية واخترع التورية في كل بيت باسم ذلك النوع وشرح هذه البديعية شرحاً حسناً وكان يشهد تحت الساعات، وله ديوان شعر وشعره سائ، ورثاه علاء الدين بن أيبك بقوله:
يقولون عز الدين وافي لقبره ... فهل هو فيه طيب أو معذب.
فقلت لهم قد كان منه نباتة ... وكل مكان ينبت العز طيب.
علي بن عمر بن عبد الرحيم بن بدر الجزري الأصل الصالحي أبو الحسن النساج، ولد سنة بضع وسبعمائة، وسمع الكثير من التقي سليمان من ذلك الطبقات لمسلم، ومن أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم وابن سعد وغيرهما، وحدث، وكان يقال له أبو الهول وهو بها أشهر من اسمه، عاش نحواً من تسعين سنة، ومات(1/342)
في ربيع الأول وكان سمحاً بالتحديث ثم لحقه في أواخر عمره طرف صمم فكان لا يسمع إلا بمشقة، وقد حدث بالكثير، سمع منه اليشكري وسبط بن العجمي وابن حجي وآخرون.
علي بن عنان البزار الرئيس، تقدم عند الأشرف ورأس بين التجار وجمع مالاً كثيراً، فلما وقعت كائنة الأشرف خاف على نفسه ودفن ماله وأظهر التقلل والفقر، ثم مرض ففاجاه الخرس قبل أن يدل أولاده على موضع ماله ومات على ذلك، فحفروا غالب الأماكن فلم يظفروا بشيء.
علي بن محمد البعلي، مات في جمادى الآخرة.
عائشة بنت الخطيب عبد الرحيم بن بدر الدين بن جماعة، أخت قاضي القضاة برهان الدين بن جماعة، سمعت من الواني وغيره وحدثت.
كبيش بن عجلان، قتل في الوقعة التي تقدم ذكرها في الحوادث.
محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي، شمس الدين أبو المجد الحسني، نقيب الأشراف بحلب، ذكره طاهر بن حبيب في ذيل تاريخ أبيه، وأثنى عليه بالفضل الوافر وحسن المجالسة وطيب المحاضرة، ومات في الطاعون الكائن بحلب سنة تسع وثمانين وسبعمائة، واتفق أنه قبض روحه وهو يقرأ سورة يس وهو أخو شيخنا بالإجازة عزالدين ابن أبي جعفر أحمد النقيب.
محمد بن أبي بكر بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر بن هبة الله النصيبي شمس الدين، أحد الأعيان الحلبيين، أثنى عليه القاضي علاء الدين في الذيل، قال: كان حسن الخط، كثير التلاوة، كتب في الإنشاء في حلب، ومات في هذه السنة بالوباء الكائن بها.
محمد بن المحب عبد الله بن أحمد بن المحب عبد الله الصالحي أبو بكر بن المحب المقدسي الحنبلي المعروف بالصامت، الحافظ شمس الدين، ولد سنة 713، وأحضر(1/343)
على التقي سليمان، وأسمع الكثير ممن بعده وطلب بنفسه فأكثر، وكتب الأجزاء والطباق وكان إليه المنتهى في معرفة العالي والنازل وقد جمع مجاميع ورتب أحاديث المسند على الحروف ونسخ تهذيب الكمال وكتب عليه حواشي مفيدة وبيض من مصنفات ابن تيمية كثيراً، وكان معتنياً به محباً فيمن يحبه، وكان له حظ من قيام الليل والتعبد، دقيق الخط جداً مع كبره، وصنف في الضعفاء كتاباً سماه التذكرة عدم في الفتنة اللنكية، وحدث بالكثير وتخرج به الدماشقة، وكان كثير الانجماع والسكون، فقيل له الصامت لذلك، كثير التقشف جداً بحيث يلبس الثوب أو العمامة فيتقطع قبل أن يبدلها أو يغسلها وربما مشى إلى البيت بقبقاب عتيق وإذا بعد عليه المكان أمسكه بيده ومشى حافياً، وكان يمشي إلى الحلق التي تحت القلعة فيتفرج على أصحابها مع العامة، ولم يتزوج قط، وكانت إقامته بالضيائية، فلما مات باع ابن أخيه كتبه بأبخس ثمن وهو كثير الإسراف على نفسه فبذر الثمن في ذلك بسرعة، مات الشيخ في خامس ذي القعدة.
محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عقيل فتح الدين ابن الشيخ بهاء الدين، مات في صفر، وكان موقعاً في الإنشاء وكان لطيف الخلق.
محمد بن عبد الله القرشي شمس الدين قاضي العسكر، كان وجيهاً عند الملك الظاهر، مقبول الشفاعة، وكان يرتشي الكثير على قضاء الأشغال ويخدم السلطان بذلك، مات وله نيف وأربعون سنة، وكان عرياً عن العلم، وهو الذي قرب الشيخ علاء الدين السيرامي للظاهر وكذلك غيره من العجم.
محمد بن علي بن محمد بن عمر بن خالد بن الخشاب المصري، سمع الصحيح من وزيره والحجار وحدث به، وولي نيابة الحسبة وأضر قبل موته، ومات في شعبان.
محمد بن علي بن محمد بن محمد بن هاشم بن عبد الواحد بن أبي المكارم(1/344)
بن عبد المنعم بن أبي حامد بن أبي العشائر الحلبي الحافظ ناصر الدين، سمع الكثير ببلده ودمشق والقاهرة، وكان خطيب بلده، فقدم القاهرة بسبب وظائف توزع فيها ففاجأته الوفاة في ربيع الآخر، ويقال إنه مات مسموماً وكان بارعاً في الفقه والحديث والأدب، حسن الخط جيد الضبط جمع مجاميع مفيدة وحدث وناظر وألف لم يكمل الخمسين فأنه ولد سنة 742، وأخذ بدمشق عن ابن رافع، وفي العربية عن العناتي وكتب بخطه وقرأ بنفسه وأسمع ولده ولي الدين الكثير وشرع في تاريخ لحلب ذيل على تاريخ ابن العديم ثم جمعه مسودة ذكر ذلك ابن حجي، فظفر بها بعده القاضي علاء الدين فبيضها ونقل عنه كثيراً وأضاف ما تجدد وكمل في أربعة أسفار مرتبة على الحروف يذكر فيها من مات من أهل حلب أو دخلها أو دخل شيئاً من معاملاتها على قاعدة أصله فأفاد وأجاد، قال ابن حجي: وكان رأس ببلده وصار يذكر لقضائها وله ثروة وملك كثير ومشاركة جيدة في الفقه والعربية وخط حسن جداً متقن، وكان حسن المذاكرة، ومات غريباً بالقاهرة.
محمد بن قطب البكري المصري، عني بالفقه ونفع الناس، مات في شوال.
محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر الدمراني الهندي محب الدين الحنفي قدم مكة قديماً، وسمع من العز بن جماعة وهو عالم بارع، وكان يعتمر في كل يوم ويقرأ كل يوم ختمة، ويكتب العلم ولكنه كان شديد العصبية، يقع في الشافعي ويرى ذلك عبادة، نقلت ذلك من خط الشيخ تقي الدين المقريزي، ومات وقد قارب المائة.
محمد بن محمد بن النسفي أمين الدين الحلوي، كان مشهوراً بالصلاح(1/345)
وتربية المريدين، عظمه السلطان ورتب له الرواتب، وولاه نظر المارستان الكبير، وكان حسن السمت مهيباً متنساً، مات في شعبان.
محمد بن الملك الكامل محمد بن الملك السعيد عبد الملك بن الصالح إسماعيل بن العادل بن أيوب، صلاح الدين الدمشقي، كان أحد الأمراء بدمشق، ومولده سنة عشر تقريباً، أجاز له الدشتي والقاضي وغيرهما وحدث، مات في رمضان.
محمد بن الوحيد شمس الدين الدمشقي، قدم القاهرة للسعي في بعض الوظائف بها، وولي نظر المواريث والأوقاف وشهادة الجيش، ومات في ربيع الأول.
محمود بن موسى بن أحمد الأذرعي التاجر. أجاز له التقي سليمان وغيره وحدث.
منشا موسى بن ماري حاطه بن منشا مغا بن منشا موسى بن أبي بكر التكروري ملك التكرور، وليها بعد أبيه سنة خمس وسبعين، وكان عادلاً عاقلاً، مات في هذه السنة.
موسى بن علي بن عبد الصمد المراكشي، نزيل مكة كان خيراً صالحاً مشاركاً في الفقه، وكان للناس فيه اعتقاد زائد بحيث زائد بحيث أنه لما حمل عنان أمير مكة جنازته، وهو والد صاحبنا الحافظ جمال الدين بن موسى.
يوسف بن موسى الجناني، له كرامات، مات في ذي القعدة.
يوسف بن محمد بن عمر بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن ذؤيب الأسدي جمال الدين بن الشيخ شمس الدين ابن قاضي شهبة، ولد في رمضان سنة عشرين وسبعمائة، واشتغل على والده وغيره ومهر، وكان والده برجحه على أقرانه، وولي قضاء الزبداني ثم الكرك ثم نزل له أبوه عن وظائفه فباشرها في حياته ثم ولي تدريس العصرونية، وأفتى وشغل الناس بالجامع، وكان ساكناً منجمعاً ديناً خيراً حسن الشكل، مات في شوال.(1/346)
سنة تسعين وسبعمائة
فيها أصاب الحاج في رجوعهم في ليلة التاسع من المحرم عند ثغرة حامد سيل عظيم، فمات عدد كثير عرف منهم مائة وسبعة وثلاثون نفساً وأما من لم يعرف فكثير جداً، وتلف من الأمتعة شيء كثير جداً.
وفيها في صفر أمر السلطان بعرض الحلقة وكتب إلى جميع البلاد بذلك فقاسوا من ذلك شدة. ثم استعان الأمراء ليلة المولد النبوي بالشيخ سراج الدين البلقيني والشيخ برهان الدين بن زقاعة وكان السلطان يعتقده فشفعا فيهم أعانهما الأمراء فأمر بترك العرض.
وفيها كانت الوقعة بين العسكر المجهز من القاهرة مع عساكر دمشق وحلب وفيهم الطنبغا المعلم وقزدمر وسودون باق وآخرون، فنازلوا سيواس فاستعان عليهم صاحبها بالتتار المقيمين ببلاد الروم، فافترقوا فرقتين فرقة تقابل التتار، وفرقة تقابل التركمان، إلى أن كسروا الطائفتين وحاصورا سيواس وطال عليهم الأمر إلى أن جرح كثير من خيولهم وقلت الأقوات لديهم فأمدهم السلطان بالمال الكثير والجند والخيول والأمتعة وجهز لهم ذلك صحبة ملكتمر الدويدار، وأذن لهم في ترك حصار سيواس والرجوع إلى ملطية، فلما أرادوا الرجوع كبسهم التتار من خلفهم، فأنجدهم يلبغا الناصري نائب حلب ومعه نحو ألف نفس فكسرهم وهم نحو عشرة آلاف، وقيل بل أكثر،(1/347)
وكان السبب في ذلك أن الناصري لما وصل إلى سيواس راسله القاضي برهان الدين صاحبها يطلب الأمان واقترح أن الناصري يرحل بالعسكر إلى الجانب الآخر ليخرج إليه ويسلمه منطاش فخشي الناصري من المكيدة فاحترز ورحل فنزل قريباً فاستمر أكثر العسكر راجعاً إلى حلب، فلما تحقق برهان الدين ذلك ركب في عسكره ومعه منطاش ومن انضوى إليه فحملوا على الناصر فثبت لهم وحمل عليهم بمن معه فانهزموا وطلبوا المدينة واستمر في حصارها إلى أن أذن له في الرجوع إلى حلب فقتل من التتار خلق وأسر منهم نحو الألف وغنموا كثيراً من خيولهم ورجعوا إلى حلب وقتل إبراهيم بن شهري نائب دوركي على سيواس، ثم توجع العسكر إلى حلب ثم إلى القاهرة فدخلوها في ثالث شعبان، وكان توجههم من حلب في ربيع الآخر، وكبيرهم يونس الدوادار وكان خروج المدد لهم مع ملكتمر في جمادى الآخرة.
وفيها أراد الطنبغا الجوباني نائب الشام المخامرة، فطن به بعض الأمراء فكاتب السلطان بأنه ضرب طرنطاي حاجب الحجاب، واستكثر من استخدام المماليك ونحو ذلك، فأذن له بالقبض عليه، فأحسن الطنبغا بذلك فركب جريدة إلى القاهرة مظهراً للطاعة متنصلاً مما نقل عنه، فتلقاه فارس الجوكندار إلى سرياقوس، فسار به إلى الإسكندرية فسجنه بها في شوال، واستقر طرنطاي نائب دمشق، وحمل إليه التقليد مع سودون الطرنطاي الذي ولي نيابة الشام بعد ذلك، وأمر طرنطاي بقبض الأمراء البطالين ببلاد الشام، وبالقبض على كثير ممن يظن به المخامرة، فقبض على عدد كثير وقبض على الطنبغا المعلم أمير سلاح وقزدمر رأس(1/348)
نوبة وسجنا بالإسكندرية أيضاً، وقبض على كمشبغا الحموي نائب طرابلس في شوال بأمر السلطان أيضاً، واستقر اسندمر حاجبها نائباً بها.
وفي المحرم سمر علي بن نجم أمير العرب في عشرين نفساً من أكابر قومه لقتلهم محمداً وعمراً ابني شاد واليهم.
وفيه قدمت رسل أبي يزيد بن عثمان ملك الروم بهدية منه إلى الظاهر فقلبت هديته وردت أجوبته.
وفيه كان الغلاء ببلاد الشام حتى بيعت الغرارة بإثني عشر ديناراً واكثر، وعز الماء في القدس جداً.
وفيها استقر جمال الدين محمود شاد الدواوين استادارا كبيراً بعد موت بهادر المنجكي وأضيف إليه أمر الوزير وناظر الخاص أن لا يخالفاه فيما يراه مصلحة وكان تقريره في اللاستادارية في ثالث جمادى الآخرة. وفي وظيفة المشورة في الخامس منه، واستقر ناصر الدين بن الحسام الصقري شاد الدواوين عوضاً عن محمود المذكور.
وفيها بعد أن رجع تمرلنك إلى الدشت وبلغ ذلك قرا محمداً الرتكماني، فنازل وغلب عليها(1/349)
وخطب فيها باسم السلطان وكتب السكة باسمه، وأرسل الدراهم إليه بذلك ففرح السلطان بذلك وكتب له أجوبته بالشكر.
وفي رجب وقع الخلف بين برهان الدين أحمد صاحب سيواس ومنطاش، فأراد البرهان القبض عليه ففر منه.
وفيها كانت الوقعة بين عنان بن مغامس وعلي بن عجلان، فانكسر عنان وتوجه إلى القاهرة فوصل في شوال.
وفي شهر ربيع الأول هبت ريح عظيمة بمصر وتراب شديد إلى أن كاد يعمي المارة في الطرقات، وكان ذلك صبيحة المولد الذي يعمله الشيخ إسماعيل بن يوسف الأنبابي فيجتمع فيه من الخلق من(1/350)
لا يحصى عددهم بحيث أنه وجد في صبيحته مائة وخمسين جرة من جرار الخمر فارغات إلى ما كان في تلك الليلة من الفساد من الزناء واللواط والتجاهر بذلك فأمر الشيخ إسماعيل بإبطال المولد بعد ذلك فيما يقال، ومات في سلخ شعبان.
وفي صفر ابتدأ الظاهر بشرب التمر والبسر واستمر ذلك كل يوم أربعاء.
وفيها استولى الفرنج على جزيرة جربة انتزعوها من المسلمين.
وفيها عمل إبراهيم بن الجمال المغني المشهور وأخوه خليل المشبب السماع على العادة في المولد لبعض المصريين بمكان بالقرب من رحبة الخروب فسقط البيت الذي هم فيه فمات المغني والمشبب وجماعة تحت الردم وتهشم من عاش منهم حتى أن بعض معارفنا استمر أحدب إلى أن مات، وكان إلى ولدي ابن الجمال المنتهي في صناعتهما.
وفي ربيع الأول استقر فخر الدين بن مكانس في نظر الدولة عوضاً عن أمين الدين عبد الله بن ريشة.
وفيها استقر سري الدين بن المسلاتي، وهو سبط الشيخ تقي الدين السبكي في قضاء الشافعية عوضاً عن برهان الدين بن جماعة، وحمل إليه التقليد إلى دمشق في أواخر شعبان وأعيد تقي الدين الكفري إلى قضاء الحنفية عوضاً عن نجم الدين بن الكشك.(1/351)
وفي تاسع عشر رمضان غضب السلطان على سعد الدين بن البقري ناظر الديوان المفرد، وصادره على خمسة آلاف دينار، وقبض على سعد الدين بن قارورة مستوفي الدولة وصودر على ألف دينار أو أكثر، وقبض على الوزير علم الدين كاتب سيدي في شهر رمضان وقرر عليه عشرة آلاف دينار، فمات بعد ذلك في أواخر ذي الحجة، وقرر في الوزارة عوضه كريم الدين بن الغنام.
وفي عاشر شوال استقر شمس الدين ابن أخي الجار في مشيخة سعيد السعداء عوضاً عن شهاب الدين الأنصاري.
وفي رجب قدم بعض التجار بجماعة من أقارب السلطان الجراكسة، فخرج عليهم طائفة من الفرنج الجنوبية فأسروهم فبلغ الظاهر الخبر، فأمر بالقبض على من بالإسكندرية من الجنوبية وختم على حواصلهم في أواخر شعبان، فبلغهم الخبر فأطلقوا من بأيديهم منهم فقدم الإسكندرية خواجا على أخو الخواجا عثمان بجميع من أسره الفرنج من أقارب السلطان ففك الختم عن حواصل الفرنج، وذلك في أواخر ذي الحجة.
وفيها في ربيع الأول رتب نجم الدين الطنبذي المحتسب من فقراء الفقهاء من يعلم أصحاب الدكاكين من العامة الفاتحة وفرائض الصلاة ونهى قراء المواعيد والوعاظ عن التهتك وأمرهم أن يبدلوه بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيها غضب السلطان على بهادر مقدم المماليك بسبب أنه وجد سكراناً في بيت على البحر فضربه وأمر بنفيه إلى صفد، وقرر عوضه في التقدمة صندل الأسود الملقب شنكل.(1/352)
وفيها بلغ السلطان أن كريم الدين بن مكانس وأبو البركات بن الرويهب صهره نصبا خيمة على شاطئ النيل وأحضرا من يغني وعملا مقاماً حافلاً فأمر بالقبض عليهما وضربهما بالمقارع ومصادرتهما، فأخذ خط ابن مكانس بمائة ألف وابن الرويهب بخمسين ألفاً.
وفيها في رجب ضرب محب الدين السمياطي أمين الحكم بين يدي السلطان نحو مائتي عصاة، لأنه رفع عليه أن تحت يده لإسماعيل بن مازن أمير العرب بالصعيد وديعة ذهب، وأنه لم يطلع السلطان عليها فحصل بسبب ذلك للقاضي بدر الدين بن أبي البقاء إهانة، وعزل عن قرب.
وفيها نازل الفرنج طرابلس الشام فواقعوهم المسلمون فكسروهم وأخذوا منهم ثلاثة مراكب.
وفيها حج جركس الخليلي وعمل في الحجاز خيراً كثيراً.
وفي أواخرها خامر يلبغا الناصري بائب حلب.
وفيها كان الرخص الزائد حتى بيع الأردب القمح بثمانية دراهم.
وفي ربيع الأول تزايد الموت بالأمراض الحادة والطاعون حتى بيعت البطيخة من(1/353)
الصيفي بخمسين درهماً قيمتها يومئذ دينارين وكان أكثر الموت في المماليك السلطانية حتى زاد كل يوم على عشرين نفساً منهم، فندب القاضي برهان الدين بن الميلق جماعة لقراءة البخاري بالجامع الأزهر ودعوا الله عقب ختمه برفع الوباء، ثم اجتمعوا يوم الجمعة بالجامع الحاكمي ففعلوا مثل ذلك، ثم اجتمعوا أكثر من عددهم الأول فاستغاثوا بالجامع الأزهر، وكان وقتاً عظيماً فارتفع الوباء في ثاني جمادى الآخرة بعد أن بلغ في كل يوم ثلاثمائة نفس.
وفيه استقر ايدكار حاجباً كبيراً بعد أن شغرت الوظيفة أربع سنين منذ مات قطلوبغا الكوكائي.
وفي ثالث عشر مسري أوفي النيل بمصر وذلك في أول يوم من شعبان.
وفي ذي الحجة استقر محمد بن عيسى أمير عرب العائد في كشف الشرقية عوضاً عن قطلوبغا التركماني.
وفيها وقع الخلف بين قرا محمد التركماني وبين حسن بن حسن بك وثارت الفتنة بينهما.
وفي ذي الحجة استقر شمس الدين محمد بن أحمد بن مهاجر في قضاء الشافعية بحلب عوضاً عن مسعود، واستقر محب الدين بن الشحنة في قضاء الحنفية بها.(1/354)
ذكر من مات
في سنة تسعين وسبعمائة من الأعيان.
إبراهيم بن عبد الرحيم بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي الأصل ثم المقدسي قاضي الديار المصرية ثم الديار الشامية، برهان الدين بن جماعة الشافعي أبو إسحاق، كان مولده سنة خمس وعشرين، وسمع الكثير بالقاهرة ودمشق، وأخذ عن جده وطبقته وحضر عند الذهبي ولازمه وأثنى الذهبي على فضلئله وناب في الحكم ثم ولي خطابة القدس ثم خطب إلى قضاء الديار المصرية فوليه مرتين بصرامة وشهامة وقوة نفس وكثرة بذل وعزل نفسه مراراً، ثم يسأل ويعاد حتى هم السلطان في بعض المرات أن ينزل إليه بنفسه ليترضاه، وكان حسن الإلقاء لدرسه، محباً في الحديث وأهله، كثير الإنصاف والاعتراف، قوياً في أمر الله، ثم ولي قضاء الشام من سنة خمس وثمانين عقب ولي الدين بن أبي البقاء إلى أن مات، وكان قوالاً بالحق معظماً لحرمات الشرع، مهاباً، محباً في السنة وأهلها، لم يأت بعده له نظير ولا قريب من طريقته، مات في شعبان، وخلف من الكتب النفيسة ما يعز اجتماع مثله، لأنه كان مغرماً بها فكان يشتري النسخة من الكتب التي إليها المنتهى في الحسن، ثم يقع له ذلك الكتاب بخط مصنفه فيشتريه، ولا يترك الأولى إلى أن اقتنى بخطوط المصنفين ما لا يعبر عنه كثرة، ثم صار أكثرها لجمال الدين محمود الاستادار، فوقفها لمدرسته بالموازنيين وانتفع بها الطلبة إلى هذا الوقت، وكان محباً للآداب، مصيغاً للأمداح، كثير البذل للشعراء، مدحه البدر البشتكي بغرر القصائد، فأخبرني شمس الدين الفيومي الكتبي قال سمعت البرهان يقول: ما قارب أحد من أهل العصر ابن نباتة إلا هذا الرجل، ومع ذلك فكان ينظم نظماً عجيباً، فقرأت بخط من أثق به أنه من خطه ذم مصر لما وقع بها الغلاء سنة ست وسبعين:
وماذا بمصر من المؤلمات ... فذو اللب لا يرتضى يكسن.
فترك وجور وطاعون وفرط غلا ... وهم وغم والسراج يدخن.(1/355)
يا رب لطفاً منك في أمرنا ... فالقلب يدعو واللسان يؤمن.
إبراهيم بن محمد بن شهري التركماني صاحب دوركي، قتل في هذه السنة في وقعة سيواس.
إبراهيم بن محمد بن عبد الرحيم بن إبراهيم بن يحيى بن أبي المجد اللخمي جمال الدين الأميوطي ثم المكي، ولد سنة خمس عشرة وسبعمائة، وتفقه على الزنكلوني والتاج التبريزي والكمال النشاي، ولازم الشيخ جمال الدين الأسنوي، وصحب شهاب الدين بن الميلق وأخذ عنه في الأصول وفي التصوف، وسمع صحيح البخاري من الحجار، وصحيح مسلم من الواني، وحدث عنهما وعن الدبوسي ونحوه بالكثير، وسمع بدمشق من الذهبي والمزي وجماعة، واشتغل في الفقهه والعربية والأصول، ومهر في الفنون، وناب في الحكم، ثم جاور بمكة مدة طويلة من سنة سبعين، وتصدى بها للتدريس والتحديث، وكان حسن الخط فصيح اللسان، وكان شرع في الجمع بين الشرح الكبير والروضة والمهمات فبيض من ذلك نصف الكتاب في تسع مجلدات، وله شرح بانت سعاد، ومات بمكة في ثالث شهر رجب وله خمس وسبعون سنة، ذكر لي بعض من أثق به أنني سمعت عليه ولم أتحقق إلى الآن ذلك.
أحمد بن اليمني شهاب الدين الحنفي، عني بالنحو والفقه والقراءات والفرائض، وأقام ببلاده، مات بزبيد.
أحمد بن محمد بن عمر شهاب الدين ابن الشيخ شمس الدين بن قاضي شهبة، وهو والد صاحب طبقات الشافعية، ولد سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، واشتغل على أبيه حتى أذن له ومهر في الفرائض وصنف ودرس(1/356)
وأعاد وجلس مكان أبيه بالجامع يشغل الناس، وكان كثير الإحسان للطلبة ولا يخلو بستانه يوم السبت والثلاثاء من جماعة منهم فيطعمهم ولم يكن من يشابهه في ذلك إلا النجم ابن الجابي، مات في ذي القعدة.
أحمد بن محمد بن غازي بن حاتم التركماني شهاب الدين المعروف بابن الحجازي، ولد سنة ثلاث وسبعمائة، وحضر على أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم وغيره، وأجاز له ابن المهتار وست الوزراء وغيرهما، وهو جد أبيه لأمه، وطلب بنفسه بعد الثلاثين، فسمع من جماعة، وأجاز له جماعة، وكان فاضلاً مشاركاً، أقرأ الناس القراءات، مات في رجب.
أحمد بن مطيع الأنصاري، كان يقرأ المواعيد بالجامع الأزهر ويصحب ناصر الدين بن الميلق، مات في تاسع جمادى الأولى.
إسماعيل بن علي بن المشرف عماد الدين، أحد الرؤساء بالقاهرة، وكان من أتباع جركس الخليلي.
إسماعيل بن يوسف بن محمد الأنبابي، كان أبوه صاحب الزاوية بأنبابة على طريقة السطوحية فنشأ ولده على طريقة حسنة واشتغل بالعلم ثم انقطع بزاويته، ثم صار يعمل عنده المولد كما يعمل بطنتدا ويحصل من المفاسد والقبائح ما لا يعبر عنه، مات في شعبان.
إشقتمر ولي نيابة حلب سبع مرات، ونيابة الشام ثلاث مرات، وهو صاحب المدرسة بحلب داخل باب النيرب، وكان موصوفاً بالمعرفة.(1/357)
أبو بكر بن محمد بن قاسم السنجاري المقانعي الحنبلي، شجاع الدين نزيل بغداد، روى جماع المسانيد ومسند الشافعي ورموز الكنوز للرسغي في التفسير والتوابين لابن قدامة وحدث، مات عن ثمانين سنة، سمع منه نصر الله بن أحمد التستري وولده محب الدين.
بهادر بن عبد الله الرومي المنجكي الأستادار، أحد الأمراء الكبار بالقاهرة، وكان ظالماً جائراً كثير الحرمة مسموع الكلمة مع كثرة صدقاته للفقراء خصوصاً الغرباء.
جلبان الحاجب الأمير سيف الدين، كان متديناً عارفاً.
سبرج بن عبد الله الكمشبغاوي، أحد الأمراء الأربعين بالقاهرة، كان نائب القلعة، وكمشبغا الذي نسب إليه، كان خزندار صرغتمش وسبرج بضم السين والراء المهملتين بينهما موحدة ساكنة وآخره جيم.
سليمان بن فيروز بن عبد الله القرافي علم الدين، كان أعجوبة دهره في شجا الصوت عند الإنشاد، وكان صديق أبي، ولا ينشد غالباً إلا من شعره، وكان أبي ينظم له في وقائع الأحوال وحصل عنده ديوان من نظمه، أخبرني ولده أبو الخير: أنه عاش ثلاثاً وستين سنة.
عبد الله بن فضل الله بن عبد الله أمين الدين بن ريشة ناظر الدولة، مات في جمادى الأولى.
عبد الله بن محمد بن حسن بن مسافر الحراني ثم الدمشقي، محتسب دمشق ومباشر الأوقاف بها، جمال الدين، مات في ذي القعدة.
عبد الله بن محمد بن محمد بن سليمان النيسابوري الأصل، ثم المكي المعروف بالنشاوري، ولد سنة خمس وسبعمائة، وقيل قبل ذلك، وسمع من الرضي الطبري، وأجاز له أخوه الصفي، وحدث بالكثير،(1/358)
سمعت عليه صحيح البخاري بمكة، وتفرد عن الرضي بسماع الثقفيات وغيرها، وقد حضر إلى القاهرة في أواخر عمره وحدث، ثم رجع إلى مكة وتغير قليلاً، مات بها في ذي الحجة.
عبد المحسن بن عبد الدائم بن عبد المحسن بن يحيى الدواليبي البغدادي الحنبلي، ولد سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة، وروى عن جده عفيف الدين عبد المحسن بن محمد وغيره، وكان واعظاً يكنى أبا المحاسن.
عبد الواحد بن عبد الله المغربي المعروف بابن اللوز، كان فاضلاً ماهراً في الطب والهيئة وغير ذلك، مات في شوال.
عبد الوهاب بن عبد الله القبطي المعروف بكاتب سيدي، ولي الوزارة بعد كاتب أرلان، ثم عزل بعد قليل وكان مستضعفاً.
العلاء بن أحمد بن محمد بن أحمد السيرامي بمهملة مكسورة بعدها تحتانية ساكنة علاء الدين، كان من كبار العلماء في المعقولات، قدم من البلاد الشرقية بعد أن درس في تلك البلاد، ثم قدم فأقام في ماردين مدة، ثم فارقها لزيارة القدس فلزمه أهل حلب للإفادة، وبلغ خبره الملك الظاهر فاستدعى به وقرره شيخاً ومدرساً بمدرسة التي أنشأها بين القصرين، وأفاد الناس في علوم عديدة، وكان إليه المنتهى في معرفة علم المعاني والبيان، وكان متودداً إلى الناس محسناً إلى الطلبة قائماً في مصالحهم لا يطوي بشره عن أحد مع الدين المتين والعبادة الدائمة، مات في ثالث جمادى الأولى، وكانت جنازته حافلة، وقد جاوز السبعين.
علي بن عبد الله المؤذن رئيس المؤذنين علاء الدين يعرف بابن الشاطر، مات في ربيع الأول.(1/359)
علي بن محمد بن عبد الرحمن المصري، نزيل حلب المعروف بابن العبي بضم المهملة وسكون الموحدة بعدها تحتانية ثم ياء النسب نشأ بالقاهرة وحصل وظائف وتعانى الأدب وقال الشعر الحسن ولقي الصلاح الصفدي بدمشق وغيره، وسمع بحلب من ابن المرحل وغيره، وولي بها توقيع الدست، وكان جاور قبل ذلك بالمدينة الشريفة، قال البرهان المحدث: كان عارفاً بعيوب الشعر ونظم نظماً حسناً، قلت وأنشد له:
حلاوية ألفاظها سكرية ... قلتى وقوت نار قلبي بالعجب.
ومسير دمعي في خدودي مشبك ... ومن أجل ست الحسن قد زاد السكب.
مات في غرة المحرم.
عمر بن عبد الله الأسناوي سراج الدين، لقبه قنور، وفيه يقول بدر الدين بن الناصح بلقية أولها:
قنور عمر فأر السنداس كله أنجاس.
عمر بن منهال الدمشقي، كاتب السر بدمشق، وليها قليلاً، وكان حسن المحاضرة، وكان موقع القبلية مدة وحصل أموالاً، وكان وهاباً نهاباً وتسحب لما عجز عن الوفاء بما وعد له على كتابة السر فولي غيره واستمر غائباً مدة، ثم ظهر واستمر خاملاً إلى أن مات في رمضان.
محمد بن إبراهيم بن يعقوب شمس الدين شيخ الوضوء الشافعي كان يقرئ بالسبع ويشارك في الفضائل، وقيل له شيخ الوضوء لأنه كان يطوف على المطاهر فيعلم العامة الوضوء، وكان يعاب بالنظر في كلام ابن عربي، ومات في سابع عشرين شعبان، وبخط ابن حجي: مات في جمادى الآخرة وقد جاوز السبعين، قال ابن حجي: قدم من صفد(1/360)
وسمع علي السدجي أحد أصحاب الفخر وتفقه بوالدي وغيره وأذن له ابن خطيب يبرود بالإفتاء، وكان التاج السبكي يثني عليه، وسلك مع ذلك طريق التصوف، وكانت بيده إمامة الطواويس وله فيها وقت للذكر وله راتب على الجامع، ثم دخل القاهرة واجتمع بالسلطان ورتب له راتباً على المارستان المنصوري، وذكر أنه طالع النهاية مرة، وكان حسن الفهم جيد المناظرة، قال: وكان يعتقد ابن العربي، وأقام بالقاهرة تسع سنين.
محمد بن أحمد بن عبد الرحمن المنبجي شمس الدين الأسمري خطيب المزة، سمع الكثير على التقي سليمان ووزيره وابن مكتوم وغيرهم، وتفرد بأشياء وأكثروا عنه، مات في ذي القعدة عن ست وثمانين سنة، وكان آخر من حدث عن ابن مكتوم بالموطأ وعن وزيرة بمسند الشافعي، وولي بأخرة قضاء الزبداني.
محمد بن أحمد بن علي بن القاصح بدر الدين، نشأ في طلب الكتابة فكتب الخط المنسوب وشارك في الفضائل والآداب، ونظم الشعر وخدم ابن فضل الله وكان لطيف الذات حسن الشكل رأيته وسمعت من نظمه ونوادره، مات في جمادى وله نحو الثلاثين سنة.
محمد بن إسماعيل الأربلي بدر الدين بن الكحال عني بالفقه والأصول، وكان جيد الفهم، فقيراً ذا عيال وهو مع ذلك راض قانع، جاوز الأربعين.
محمد بن عبد اللطيف بن محمود بن أحمد الربعي، أبو اليمن عز الدين بن الكويك، أصله من تكريت ثم سكن سلفه الإسكندرية وكانوا تجاراً، وسمع هذا بالإسكندرية من العتبي ووجيهة بنت الصعيدي وبدر الدين بن جماعة وعلي بن قريش وأبي حيان وغيرهم وكان رئيساً، مسموع الكلمة عند القضاة، مات في جمادى الأولى عن خمس وسبعين سنة، فإنه ولد في شعبان سنة خمس عشرة وسبعمائة.
محمد بن علي بن زبا المصري، سمع من السديد بن الأربلي وغيره وحدث، مات في ربيع الآخر، سمع منه أصحابنا.(1/361)
محمد بن فرج المعروف بالجمال بن تقلجلد كان من غلمان أحمد بن عجلان، كثير التردد إلى الرسلية، وكان ممن قام في الفتن والحروب التي بين عنان وبني عجلان حتى قتل كبيش ولما تسلطن علي بن عجلان استنابه فقام بتدبير أمر مكة مدة، ومات في حادي عشر المحرم.
محمد بن قطلوبغا الفخري المعروف بليليك.
محمد بن محمد بن عبد الله المالكي، فتح الدين بن شاش، كان أبوه ينوب في الحكم، وكان متشدداً في الوثائق، فنشأ ولده مشتغلاً ولده بصناعته الإنشاء واتصل في الخدم إلى أن اتصل بيونس الدوادار، فوقع عنده وتولى توقيع الإنشاء الدست ونيابة كتابة السر وعين كتابة السر بعد موت أوحد الدين وركب ليلبس وأحضر تشريفه فاستأذن يونس الدويدار السلطان على ذلك، فأمر بصرفه واستدعى في الوقت القاضي ابن فضل الله، ومات في شعبان.
محمد بن محمد الرحبي بنج الدين، أحد أعيان التجار بدمشق.
محمد بن علي بن رستم الخراساني ثم الدمشقي، نجم الدين، قرأ على ابن اللبان وتصدر للإقراء بالجامع الأموي مدة، ومات في ربيع الآخر.
منشامغا بن ماري حاطه التكروري ملك التكرور، ملكها سنة تسع وثمانين وقيل سنة تسعين هذه السنة.
مطهر بن عبد الله الهروي الزيدي الصنعاني الشاعر، مدح ملوكها وغيرهم.
نافع بن عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز الفيشي، معين الدين الشاهد المالكي، كان مشهوراً بالاحتراز في الشهادات، فكان يقصد لذلك، مات في ثالث عشر شعبان.
يلبغا المحمدي أمير جندار، عمر طويلاً، وأقام في هذه الوظيفة عشرين سنة.
يوسف بن أحمد بن إبراهيم، جمال الدين، سمع الجزري وابن أبي اليسر والذهبي وغيرهم، مات في ذي الحجة عن ثلاث وسبعين سنة.
تقي الدين بن الفحام نقيب الحكم، مات في المحرم فجأة.(1/362)
شرف الدين النويري، شاهد ديوان يونس ونائب الحسبة بالقاهرة.
أم الخير بنت القاضي موفق الدين عبد الله الحنبلي، آخر من مات من أولاده.
أم عمر ألتى بنت ازدمر، حضرت على الحجار، وسمعت من البندنيجي بعناية عم أبيها صلاح الدين العلائي، ماتت في ذي الحجة عن سبع وسبعين سنة.(1/363)
سنة إحدى وتسعين وسبعمائة
في المحرم حضرت رسل على باي بن قرمان صاحب قونية وغيرها من بلاد الروم ومعهم هدية فقبلت وأكرموا.
وفي عاشوراء مطرت السماء على الحجاج مطراً عظيماً واشتد البرد جداً في حال رجوعهم.
وفي تاسع عشر من المحرم حضر رسل صاحب جنوة ومعهم خواجا على أخو عثمان الذي كان الفرنج نهبوا مركبه وأسروا منه أخت قجماس بنت عم السلطان، فأعادوا المركب بما فيه وقدموا هدية فقبلت منهم.
وفيها انكسر منطاش من التركمان وبقي في نفر يسير، وذلك أن ناصر الدين بن خليل بن دلغادر ونائب سيس جمعا التركمان الذين في طاعة السلطان وأوقعا بمنطاش فانهزم فاتفق مع الناصري بحلب، وكان الناصري قد وقع الخلف بينه وبين سودون المظفري أحد الأمراء الكبار بحلب، وكان قبله نائباً بحلب فتكاتبا إلى السلطان وحط كل منهما على الآخر، فأرسل السلطان إلى الناصري هدية جليلة وكتاباً فأمره فيه بالحضور فقبل الهدية وماطل في الحضور وتعلل بالخوف من منطاش والتركمان، فأرسل السلطان إلى تلكتمر المحمدي أن يصلح بين يلبغا الناصري وسودون المظفري بحضرة الأمراء والقضاة، وكتب السلطان إلى سودون في الباطن أن يقبض على يلبغا ويفتك به وكان مملوك الناصري بالقاهرة قد أخر الظاهر أجوبته ليسبقه تلكتمر ففر حتى دخل حلب قبل تلكتمر وأعلم الناصري بصورة الحال فاحترز، ويقال إن تلكتمر كان صهر حسن رأس نوبة يلبغا الناصري، فاطلع يلبغا على القصة من هذه الجهة،(1/364)
فلما وصل تلكتمر إلى حلب تلقاه الناصري وقبل الكتب التي معه وامتثل ما فيها وجمع القضاة والأمراء بدار العدل ليقرأ عليهم مرسوم السلطان، فلما حضر سودون المظفري لذلك لمس قازان أمير آخور الناصري قماش سودون فأحس أنه لابس الحرب فأنكر عليه وقال: من يطلب الصلح يدخل في آلة الحرب، فشتمه سودون فسل قازان سيفه وضرب به سودون في المجلس فقتله ولم يكن الناصري حاضراً بل وقع ذلك قبل أن يخرج من مكانه إلى القاعة التي اجتمعوا فيها وهي القاعة الحمراء فتناوش مماليكه ومماليك الناصري وقامت الفتنة فقتل من مماليك سودون أربعة وأمسك الناصري الحاجب الكبير بحلب وركب بمن معه إلى القلعة فحصنوا عليه قليلاً، ثم سلها له نائبها وانهال الناس عليه بالدخول معه والمخامرة على السلطان ورجع تلكتمر من حلب فأخبر السلطان بما اتفق، فأرسل إلى إينال اليوسفي وهو يومئذ أتابك دمشق أن يتوجه إلى نيابة حلب وأن يمسك الناصري، وتجهز السلطان بالعساكر لقصد حلب واهتم لذلك ولما بلغ من بطرابلس من الأمراء الذين نفاهم السلطان تحالفوا ووثبوا على باب اسندمر نائب طرابلس فامسكوه وقتلوا جماعة من الأمراء وأرسلوا إلى الناصري يعلمونه باتفاقهم على طاعته، فكان ممن قام في ذلك من المشهورين كمشبغا الخاصكي الأشرفي وبزلار العمري ودمرداش اليوسفي وآقبغا قبجق وممن قتل خليل بن سنجر وولده ثم دخل كمشبغا المنجكي نائب بعلبك في طاعة الناصري ثم خرج ثلاثة عشر أميراً من دمشق على حمية طالبين حلب فأوقع بهم النائب فانهزموا بعد أن خرج منهم عدة واستمروا ذاهبين إلى حلب، ثم اتفق من بحماة من المماليك على قتل النائب بها فبلغه ذلك فهرب، فقام بيرم العزي الحاجب فاستولى هو ومن معه على القلعة فتوجه منطاش وكان قد حضر عند الناصري إلى حلب فسار إلى حماة فتسلمها وأرسلوا إلى الناصري بالطاعة، ثم توجه سنقر نائب سيس إلى طاعة الناصري فعارضه خليل بن دلغادر التركماني وقبض عليه وأرسل سيفه إلى السلطان، ثم دخل سوط بن دلغادر أمير التركمان ونعير أمير العرب في طاعة الناصري فأقام سناجق خليفته ودعا إلى نصر الخليفة،(1/365)
ولما تواردت هذه الأخبار إلى السلطان حبس الخليفة في البرج فضيق عليه، ثم أفرج عنه في اليوم الثاني في ربيع الأول واعتذر إليه ووعده بمواعيد جميلة لما بلغه أن الناصري ينقم عليه حبس الخليفة ثم أرسل إليه دراهم وثياباً وضيق على ذرية الناصري بالحوش وأنفق النفقات الكثيرة حتى حمل إلى كل واحد من الأمراء الكبار مائة ألف درهم فضة قيمتها يومئذ أكثر من أربعة آلاف دينار وأحواله مع ذلك مضطربة وتغيرت النيات عليه وشرع في إبطال الرمايات والمظالم، ونادى في هذا الشهر بإبطال السلف على البرسيم والشعير وكان الناس يقاسون من ذلك شدة عظيمة، وأمر بإبطال مكس القصب والقلقاس وقياس ذلك، ثم أعيد بعد قليل وعزل موفق الدين ناظر الخاص عن نظر الجيش، وولاه جمال الدين المحتسب في ربيع الآخر واستقر شرف الدين الأشقر في قضاء العسكر عوضاً عن جمال الدين، فلم تطل مدته بل مات في ربيع الآخر كما سيأتي، فاستقر ابن خلدون عوضه في مشيخته البيبرسية، واستقر سراج الدين محتسب مصر في قضاء العسكر عوضاً عنه أيضاً واستقر في الحسبة همام الدين، واستقر شمس الدين البلالي في مشيخة سعيد السعداء عوضاً عن ابن أخي الجار، ثم توجه
الجاليش السلطاني صحبة ايتمش وجركس الخليلي وينس الدوادار وغيرهم فوصلوا إلى غزة فأمسكوا نائبها آقبغا الصفوي وحبسوه بالكرك، واستقر حسن بن باكيش في نيابة غزة، ثم توجهوا إلى دمشق فتلقاهم نائبها، فأرسلوا جماعة من العلماء غلى الناصري في الصلح فتوجهوا إليه، فأكرمهم وسار من حلب إلى دمشق بمن معه من العساكر، فالتقاهم في تاسع عشر ربيع الآخر على خان لاجين، فانكسر الناصري مرتين، فخامر أحمد بن يلبغا وايدكار الحاجب وجماعة معهما وقاتلوا رفقتهم إلى أن كسروهم، وقتل جاركس الخليلي في المعركة، وفر يونس فقتل بعد ذلك بالخربة، قتله عنقاء بن شطي من آل فضل، ووقع في العسكر المصري النهب الشديد والقتل الذريع، وملك الناصري دمشق وحبس أيتمش بالقلعة واحتاط على موجوده وراسل حسن بن باكيش الناصري بالطاعة، وغمى(1/366)
الناصري الأخبار على السلطان وواطأه مامور نائب الكرك وحسن بن باكيش على ذلك، ومر أينال اليوسفي وأينال أمير آخور وغيرهما بحسن بن باكيش هاربين إلى مصر فأمسكهم وحبسهم بالكرك، وكان أينال اليوسفي قد هرب هو وأينال أمير آخور وصحبتهم نحوثمانين من المماليك فوصلوا إلى غزة، فأكرمهم نائبها ثم كبس عليهم لما رقدوا فأمسكهم جميعاً، ثم راسل الناصري بذلك، ولما بلغ السلطان ذلك أمر الخليفة والقضاة وسودون النائب والحاجب الكبير بالركوب ومعهم موقع حكم يقرأ ورقة فيها أن السلطان رفع المظالم وعرض الصلح على الباغي فامتنع فاحترسوا على أنفسكم واعملوا في كل حارة درباً، ونادى في كل يوم بإبطال مكس من المكوس المشهورة ثم لا يصح شيء من ذلك، وأمر بتحصين القلعة واستعد للحصار وحصل مؤنة شهرين وأجرى الماء إلى الصهريج الذي بناه بالقلعة، وخرج الناصري من دمشق بعد أن قرر في نيابتها جنتمر وهو أخو طاز في سادس جمادى الأولى، فلما شاع ذلك راسل السلطان أمراء العرب من الوجه البحري ومن الوجه القبلي فتباطؤا عنه، ثم حضر بعضهم وشرع في حفر خندق تحت باب القلعة عند باب القراقة، وسدت خوخة أيدغمش وعملت الدروب بالقاهرة فاستكثروا منها وأرسل إلى الأمير محمد بن علي أمير عرب العائد يأمره بتحويل الإقامات التي كان جهزها لأجل العسكر ويخبره أنه وهبها له، وكان مراده أن يلبغا الناصري تضيق عليه الأقوات والعليق فانعكس الأمر ولم يتمكن المذكور من تحويل ذلك، ووصلت العساكر فلم يسعه إلا تمكينهم من ذلك، وكان في الحواصل أربعة عشر ألف إردب شعير وثمانية آلاف حمل تبن ونحو مائتي حمل حطب(1/367)
وخطب في يوم الجمعة عاشر جمادى الأولى باسم الخليفة المتوكل قبل السلطان، وتحالف الخليفة والسلطان على الموالاة والمناصحة، ثم قدم على البشلاقي والي قطية منهزماً من عسكر الناصري في أواخر جمادى الأولى فسد ابن الكوراني باب المحروق وباب الجديد فلما قرب الناصري من الديار المصرية تسلل إليه الأمراء أولاً فأولاً فسار إليه ابن سلار اللفاف رأس نوبة بركة ومحمد بن سندمر وقريبه جبريل وإبراهيم بن قطلقتمر، ثم تسلل إليه محمد بن أيتمش ونزل الناصري بعساكره ظاهر القاهرة في الثالث من جمادى الآخرة فخرج إليه سودون باق وقرقماش الخزندار وجمهور الأمراء حتى لم يبق عند السلطان إلا ابن عمه قجماش وسودون النائب وتمربغا المنجكي وسودون الطرنطاي وأبو بكر بن سنقر وصواب السعدي مقدم المماليك في نفر يسير واختفى حسين بن الكوراني والي القاهرة فعاث أهل الفساد بسبب ذلك وكسروا السجون وخزانة شمائل، وأرسل السلطان إلى الناصري يطلب منه الأمان لنفسه، وذلك في يوم السبت ثالث جمادى الآخرة فجاءه أبو بكر ابن أخت بهادر، فأمره أن يختفي قدر جمعة لينكسر عنه حدة الأعداء ففعل ذلك واختفى ليلة الاثنين خامس جمادى الآخرة، ووقع النهب في الحواصل التي بالقلعة وبالقاهرة وضواحيها قليلاً، وكان أهل مصر أقل نبهاً من أهل القاهرة ودخل منطاش يوم الاثنين إلى القلعة فأخذ الخليفة وتوجه إلى يلبغا الناصري بقبة النصر فطلعوا جميعاً إلى القلعة وعرضوا المملكة على الناصري فامتنع، فاتفق الرأي على إعادة حاجي ابن الملك الأشرف إلى السلطنة، وقيل إنهم رموا قرعة فخرج اسمه فغيروا لقبه الأول ولقب المنصور، واستقر يلبغا الناصري مدبر المملكة وسكن الاصطبل والطنبغا الجوباني رأس نوبة كبير ودمرداش الأحمدي أمير سلاح وأحمد بن يلبغا أمير مجلس وتمرباي الحسني حاجب كبير
وآقبغا الجوهري استادار وقرقماش خزندار وظهر حسين بن الكوراني وأعيد إلى ولاية القاهرة وأمسك جماعة من الأمراء فسجنوا بالإسكندرية، ووقع النهب بالقاهرة يومين فندب الناصري له تنكزبغا فنزل عند الجملون وسط القاهرة، ونزل أبو بكر الحاجب عند باب زويلة فسكن الحال قليلاً، ثم نودي: من نهب من التركمان شيئاً شنق، وظهر بعد ذلك المباشرون والقضاة وهنؤا الناصري والخليفة، ثم ظهر محمود الاستادار وقدم تقاديم عظيمة فأعيد إلى وظيفته، ثم غضب عليه منطاش بعد ذلك فضربه وأهانه وصادره، ثم اشتد الطلب على الملك الظاهر ونودي: من أحضره أعطي ألف دينار، فشاع ذلك فخشي على نفسه فراسل الناصري فأرسل إليه الجوباني فأحضره من بيت شخص خياط مجاور لبيت أبي يزيد صهر أكمل الدين، وكان أبو يزيد حينئذ أمير عشرة فكان الظاهر قد أمن إليه فأخفاه فطلع به الجوباني نهاراً إلى القلعة فحبس بقاعة الفضة، وأراد منطاش قتله فدافع عنه الناصري، وأرسله إلى الكرك، فتوجه في ثاني عشرين جمادى الآخرة صحبة ابن عيسى فسار به على طريق عجرود إلى الكرك، وصحبته ثلاثة صغار من مماليكه وهم قطلوبغا واقباي وسودون فتسلمه حسن الكجكي نائب الكرك، وأنزله في قاعة تعرف بقاعة النحاس، وكان بالقلعة امرأة مامور نائب الكرك وهي بنت يلبغا الكبير فعرفته فخدمته أتم خدمة وأعدت له جميع ما يحتاج إليه، وتلطف به الكجكي نائب الكرك، ووعده بأن يخلصه، ثم خلع على الخليفة في خامس عشر جمادى الآخرة ونزع الأمراء السلاح وأقروا القضاة وأصحاب الوظائف على ما كانوا عليه، واستقر بزلار نائب الشام، وكمشبغا الحموي نائب حلب، وشنجق نائب طرابلس، وأحمد ابن المهمندار نائب حماة، وقطلوبغا الصفوي نائب صفد، واستقر كريم الدين بن مكانس مشير الدولة، وأخوه فخر الدين ناظرها، وأخوهما زين الدين صاحب ديوان الناصري، وأعيدت المكوس كلها كما كانت، ونودي بأمان الجراكسة، ومن ظهر منهم فهو باق على أقطاعه ومن اختفى شنق، ثم قبض على جمع كثير من الأمراء الكبار والصغار وجميع من عرف بالانتماء للملك الظاهر وسجن بالإسكندرية نحو ثلاثين من الأمراء، وبالقلعة خلق كثير من المماليك، وبخزانة شمائل خلق كثير من المماليك أيضاً. االجوهري استادار وقرقماش خزندار(1/368)
وظهر حسين بن الكوراني وأعيد إلى ولاية القاهرة وأمسك جماعة من الأمراء فسجنوا بالإسكندرية، ووقع النهب بالقاهرة يومين فندب الناصري له تنكزبغا فنزل عند الجملون وسط القاهرة، ونزل أبو بكر الحاجب عند باب زويلة فسكن الحال قليلاً، ثم نودي: من نهب من التركمان شيئاً شنق، وظهر بعد ذلك المباشرون والقضاة وهنؤا الناصري والخليفة، ثم ظهر محمود الاستادار وقدم تقاديم عظيمة فأعيد إلى وظيفته، ثم غضب عليه منطاش بعد ذلك فضربه وأهانه وصادره، ثم اشتد الطلب على الملك الظاهر ونودي: من أحضره أعطي ألف دينار، فشاع ذلك فخشي على نفسه فراسل الناصري فأرسل إليه الجوباني فأحضره من بيت شخص خياط مجاور لبيت أبي يزيد صهر أكمل الدين، وكان أبو يزيد حينئذ أمير عشرة فكان الظاهر قد أمن إليه فأخفاه فطلع به الجوباني نهاراً إلى القلعة فحبس بقاعة الفضة، وأراد منطاش قتله فدافع عنه الناصري، وأرسله إلى الكرك، فتوجه في ثاني عشرين جمادى الآخرة صحبة ابن عيسى فسار به على طريق عجرود إلى الكرك، وصحبته ثلاثة صغار من مماليكه وهم قطلوبغا واقباي وسودون فتسلمه حسن الكجكي نائب الكرك، وأنزله في قاعة تعرف بقاعة النحاس، وكان بالقلعة امرأة مامور نائب الكرك وهي بنت يلبغا الكبير فعرفته فخدمته أتم خدمة وأعدت له جميع ما يحتاج إليه، وتلطف به الكجكي نائب الكرك، ووعده بأن يخلصه، ثم خلع على الخليفة في خامس عشر جمادى الآخرة ونزع الأمراء السلاح وأقروا القضاة وأصحاب الوظائف على ما كانوا عليه، واستقر بزلار نائب الشام، وكمشبغا الحموي نائب حلب، وشنجق نائب طرابلس، وأحمد ابن المهمندار نائب حماة، وقطلوبغا الصفوي نائب صفد، واستقر كريم الدين بن مكانس مشير الدولة، وأخوه فخر الدين ناظرها، وأخوهما زين الدين صاحب ديوان الناصري،(1/369)
وأعيدت المكوس كلها كما كانت، ونودي بأمان الجراكسة، ومن ظهر منهم فهو باق على أقطاعه ومن اختفى شنق، ثم قبض على جمع كثير من الأمراء الكبار والصغار وجميع من عرف بالانتماء للملك الظاهر وسجن بالإسكندرية نحو ثلاثين من الأمراء، وبالقلعة خلق كثير من المماليك، وبخزانة شمائل خلق كثير من المماليك أيضاً.
وفي حادي عشرين جمادى الآخرة عرض الجوباني المماليك الظاهرية فأفرد لخدمة السلطان مائة، نزلهم بالطباق وفرق البقية على الأمراء.
وفي وسط جمادى الآخرة ثار آقبغا الصغير بدمشق في أربعمائة فأوقع بهم جنتمر فهزمهم على آقبغا فسجنه.
وفي سادس عشرين جمادى الآخرة أعيد شرف الدين علي بن قاضي العسكر إلى نقابة الأشراف عوضاً عن الطباطبي.
وفي سلخ جمادى الآخرة كسرت جرار الخمر بالرميلة حملت من بيوت أسارى الأرمن التي بالكوم قرب الجامع الطولوني.
وفي رجب جردت العساكر لردع عرب الشرقية الزهيرية لكثرة فسادهم.
وفي أول يوم منه ادعى على ابن سبع شيخ العرب بزفته بأشياء تنافي الشريعة، وشهدت عليه جماعة عند قاضي القضاة ابن خير المالكي، فسعى له جماعة إلى أن خلص ونقل إلى الشافعية فحكم بحقن دمه، ثم سعى به إلى أن(1/370)
عقد له مجلس عند الناصري، فقال له ابن خلدون الذي كان قاضي المالكية: يا أمير أنت صاحب الشوكة وحكمك نافذ، فحكم بحقن دمه وغطلاقه فأطلق، وذلك في سادس هذا الشهر، وكان في الأيام الظاهرية قد وقع له نظير ذلك فيقال إنه برطل بأربعمائة ألف درهم حتى خلص، وكان القائم في أمره كريم الدين بن مكانس وهو يومئذ متولي أمر ديوان الناصري، ومحب الدين ابن الإمام وهو شاهده، وغيرهم من خاصكيته فاخرجوا ابن سبع من حبس ابن خير، وكان ممن حضر المجلس المعقود له في الإصطبل الشيخ سراج الدين البلقيني والقضاة يومئذ ابن الميلق والطرابلسي وابن خير ونصر الله، فجهد بهم الناصري أن يحكم أحد منهم بقبول إسلامه وحقن دمه، فامتنع لكون ابن خير سبق بالحكم بإراقة دمه، فلما أطلق ابن سبع بعد أن حكم الناصري بحقن دمه بحكم إسلامه ونفذه القضاة توجه إلى بلاده، فاتفق إلى بلاده، فاتفق أنه دخل الحمام فدخل عليه جماعة فقتلوه وذهب ذمه هدراً.
وفي هذا الشهر استقر شهاب الدين أحمد بن عمر القرشي في قضاء الشافعية بدمشق عوضاً عن سري الدين.
وفي ربيع الآخر مات الشيخ شرف الدين ابن الأشقر فاستقر في قضاء العسكر عوضاً عنه سراج الدين القيصري، ثم انفصل منه في شهر رجب واستقر بدر الدين محمود الكلستاني، وعزل همام الدين عن حسبة مصر، واستقر شمس الدين بن العلاف فيها، وكان ابن العلاف يؤدب الأطفال بمصر وهو أحد من أقرأني القرآن، ثم سافر إلى حلب واتصل بيلبغا الناصري، واستقر في إمامته ووصل معه إلى القاهرة فولاه الحسبة، واستقر علاء الدين البيري موقع يلبغا الناصري في توقيع الدست.(1/371)
وفي ثامن رجب خلع على نعير أمير العرب خلعة السفر، وكان قد قدم بعد العسكر على السلطان، وكان الظاهر برقوق قد عجز فيه أن يحضر إلى مصر وهو يمتنع فحضر في هذه الدولة طوعاً، وشفع قبل أن يسافر في جماعة من الأمراء فقبلت شفاعته وأطلقوا من السكندرية.
وفي ثامن رجب خلع السلطان على شخص خياط وقرره خياط السلطان، فبلغ ذلك الناصري فأمر بإحضاره فنزع منه الخلعة وضربه ضرباً مبرحاً، فغضب السلطان من ذلك ولم ينفعه غضبه، ثم أمر الناصري بتفرقة المماليك الذين رتبوا في أطباق القلعة لخدمة المنصور على الأمراء، وأبطل المقدمين والسواقين والطواشية ونحو ذلك وأراد انحلال أمر المنصور، فلما أن كان في سادس عشر شعبان أظهر منطاش أنه ضعيف وكان خاطره قد تغير بسبب أشياء سأل فيها فلم يجبه الناصري إليها وفهم من الناصري أنه يطلب السطلنة لنفسه، فلما شاع ضعفه عاده الجوباني فقبض عليه، وركب إلى مدرسة حسن في سبعة وثلاثين نفساً فنهب الخيول التي على باب السلسلة وأركبها المماليك الذين معه فمر من عليهم آقبغا الجوهري، فأمر الزعر أن ينهبوا بيته فهجموا إصطبله ونهبوا جميع ما فيه من خيل وقماش، وفر هو ولم يلبث منطاش إلا وقد اجتمع إليه نحو خمسمائة نفس والتفت عليه من المماليك الأشرفية والظاهرية وساعده العوام والزعر فنهب بيوت من خالفه، واشتد الحصار على من بالإصطبل والقلعة ورموا عليهم من مأذنتي مدرسة حسن. ثم راسله الناصري مع الخليفة في الصلح فامتنع وقال: هو الذي بدأ بالغدر ونكث ما اتفقنا عليه فقويت شوكة منطاش وتابعه أكثر الأمراء فهرب الناصري وملك منطاش الإصطبل وطلع إلى القلعة يوم الخميس تاسع عشر شعبان فاجتمع بالسلطان فقال له: أنا مملوكك(1/372)
ومطيع أمرك، وجلس حيث كان يجلس الناصري، ثم أمسك الناصري من سرياقوس أو من ربهون في ذلك اليوم فأرسل إلى الإسكندرية، وأرسل معه جماعة من الأمراء مثل الطنبغا المعلم ومأمور الحاجب وآقبغا الجوهري وغيرهم، وأنفق منطاش على الذين قاتلوا معه وساعدوه نحو عشرة آلاف درهم فضة جمعها من الحواصل الظاهرية، ومن المصادرات، منها من جهة محمود وحده ألف ألف وخمسمائة ألف، ومن جهة جاركس الخليلي ألف ألف وسبعمائة ألف، وجدت مودوعة له بخان مسرور في حاصل مفرد، وكان أصل منطاش واسمه تمربغا وأخوه تمرباي عند تمراز الناصري وكانا من أولاد الجند فخدما عند تمراز في دولة حسن وتربيا عنده مع أبيهما وكان اسم تمرباي محمداً واسم منطاش أحمد، ثم خدم تمرباي عند الأشرف وكبر في دولته، ثم من بعده إلى أن ولي نيابة حلب، ومات وتولى منطاش نيابة ملطية، وكان الظاهر كلما هم بالقبض عليه فيخلصه منه قجماس ابن عم السلطان لكونه لما مر عليه وهو مع التاجر الذي جلبه بالغ في الإحسان إليه فكافأه، وكان ممن تعصب له أيضاً سودون باق لأنه كان في خدمة تمرباي، ثم كاتب منطاش بالعصيان إلى أن كان منه ما كان، وقد تقدم أن برقوق اشتراه من أولاد أستاذه واعتقه فكان ذلك عند منطاش لم يصادف محلاً لأنه يعرف أصل نفسه.
وفي العشرين من شعبان قبض على ابن مكانس وعصر وصودر واختفى أخوه فخر الدين، ثم ظهر ووعد بمال فأطلق على وظيفته، وأمر منطاش بصندل، فعذب على ذخائر الظاهر، وعصر مراراً حتى دل عليها(1/373)
وأخذ منطاش في تتبع المماليك الظاهرية فأبادهم قتلاً وحبساً، وقرر في ولاية القاهرة حسين بن الكوراني بسؤال العامة في ذلك بعد أن كان اختفى، وتولى نائبه محمد بن ليلى فعظم الضرر بالزعر، فظهر حسين والتزم بتحصيل المماليك الظاهرية، فأعيد خامس شهر رمضان بعد أن سأل العوام منطاش في إعادته بسبب الزعر ثم تتبع الزعر فأبادهم، وكانت شوكتهم قد اشتدت لنصرتهم لمنطاش في قتال الناصري، وكان قربهم وعرف فيهم عرفاء، وأنفق فيهم مالاً، ثم جهز منطاش أحمد البريدي إلى الكرك لقتل برقوق، فلم يوافق النائب حسن الكجكني على ذلك، فاجتمع أهل الكرك على نصر برقوق وبايعوه في تاسع شهر رمضان، فحصن الكرك وحكم بها، فتسامع به أصحابه ومن كان يحبه فتسللوا إليه، فاجتمع له جمع كثير نحو ألف فارس، وكاتبه نعير أمير آل فضل بالطاعة، وحضر إليه العشير من عرب الكرك.
وفي تاسع رمضان خلع على محمود الاستادار، واستقر في وظيفته بعد أن أخذ له من الأموال من عدة ذخائر ما يفوق الوصف ما بين كنابيش ذهب وطرز ذهب وفرى سمور وسنجاب وفضة طوب، ومن الذهب البهرجة والفلوس شيء كثير، فلما رأى ذلك وهو مختفي وفي كل يوم يظهر له ذخيرة ويحول إلى منطاش، ظهر فأمسك وضرب وصودر على ألفي ألف درهم فضة، ثم أفرج عنه وأعيد إلى وظيفته.
وفي سلخ رمضان جاء كتاب ابن باكيش نائب غزة إلى منطاش صحبة بدوي وجندي أرسلهما إليه برقوق يدعوه إلى طاعته فسلمهما منطاش للوالي فقبلهما وعين منطاش خمسة أمراء مقدمين وثلاثمائة مملوك للتوجه إلى الكرك لمحابة برقوق.(1/374)
وفي شوال عصى كمشبغا نائب حلب على منطاش، فركب عليه إبراهيم بن قطلقتمر وشهاب الدين أحمد بن أبي الرضي قاضي حلب مع جماعة من أهل بانقوسا، فانتصر عليهم وقتل الأمير والقاضي صبراً يعد أن أحضره إلى جهة الشام وقتل جماعة ممن ساعدهم.
وفي ذي لبقعدة توجه برقوق من الكرك ومن أطاعه، وقام علاء الدين المقيري الذي ولي بعد ذلك السر، وهو أخو قاضي الكرك، فخدمه ووقع عنه في تلك الأيام، وأعانه أخوه عماد الدين قاضي الكرك بالمال، ثم ندم أخوهما ناصر الدين واجتمع بأخيه عماد الدين وأكابر أهل الكرك وخشوا من عاقبة برقوق وإنكار السلطان عليهم ما فعلوه فاتفقوا على أن يقبضوا على برقوق وأن يكون ذلك عذراً لهم عند السلطنة، فأغلقوا باب الكرك بعد أن أخرج برقوق إيناته وعسكره وتأخر هو ليكمل بقية مهماته، فلما وصل إلى الباب وجده مغلقاً، فاستعان بعلاء الدين على إخوته حتى فتح له، وتوجه إلى جهة غزة في أواخر شوال فالتقاهم حسين بن باكيش نائب غزة فقاتلهم فهزموه، وتوجه برقوق إلى دمشق ليحاصرها، فبلغ ذلك جنتمر نائب الشام فجمع العساكر فالتقى بالظاهر بشقحب فكسره، ثم رجع الظاهر عليهم بكمين فكسرهم وقتلت بينهم مقتله عظيمة، وساق خلفهم إلى دمشق، فهرب جنتمر إلى القلعة وتحصن بها وتوجه خلق كثير من المهزومين إلى جهة القاهرة، واستمر الحصار على دمشق، ونزل الظاهر بقبة يلبغا وهو في غاية الوهن من قلة الشيء، فبلغ كمشبغا نائب حلب خروجه من الكرك، فأرسل إليه مائتي مملوك فقوي بهم ثم حضر ابن باكيش وقد جمع من العشير والترك شيئاً كثيراً، فواقعه الظاهر فكسره واحتوى على جميع أثقاله، فقوي بذلك قوة ظاهرة وتسامع به مماليكه، ومن كان له فيه هوى فتواتره عليه حتى كثر(1/375)
جمعه ثم هجم برقوق ومن معه على دمشق فدخلوها، فرمى عليهم العوام الحجارة والمماليك السهام فكسروهم، ونهب العامة وطاقه في الميدان حتى لم يبق لهم خيمة واحدة، وباتوا في تلك الليلة تحت السماء، وكل واحد قد أمسك عنان فرسه بيده، فأصبحوا في شدة عظيمة ويئسوا من أنفسهم، فوصل إليهم في تلك الحالة إينال اليوسفي وقجماس ابن عم السلطان ومعهم نحو مائتي نفس من مماليك الظاهر مستعدين بالسلاح وصلوا إليه من صفد، وكان السبب فيه أن يلبغا السالمي وهو من مماليك الظاهر خدم دوادارا عند قطلوبك النظامي النائب بصفد، فلما بلغه توجه الظاهر من الكرك ووقعته بشقحب وتوجهه إلى دمشق اتفق مع من كان هناك من مماليك الظاهر أنهم يتوجهون إلى الظاهر، فتجهزوا وأعانهم، فبلغ ذلك النائب فخرج من ورائهم ليردهم، فعمد يلبغا إلى الحبس فأخرج منه اينال اليوسفي وجمعاً من المسجونين فملكوا القلعة فلما رجع النائب سقط في يده وهرب، فنهبوا حواصله وتوجهوا إلى برقوق فوجدوه نازلاً على قبة يلبغا في الحالة المذكورة فكانوا له فرجاً عظيماً، فقوي بهم ورجعوا إلى حصار دمشق.
وفي الثاني عشر من ذي الحجة وصل كمشبغا الحموي من حلب فنزل مرج دمشق، فتلقاه مماليك الظاهر فحضر عند الظاهر وقدم له أشياء كثيرة، فقويت أحوال الظاهر بعد أن كادت تتلاشى، ومن جملة من قدم معه بكلمش العلاي وبهادر مقدم المماليك.
وفي شعبان قبض منطاش على عنان بن مغامس أمير مكة وحبسه مقيداً، ولما بلغ نعير بن حيار أمير العرب مسك الناصري اتفق هو وسولى بن دلغادر وخرجا عن الطاعة.
وفي عاشر رمضان قتل أهل الكرك الشهاب أحمد البريدي، وكان من أولاد أهل الكرك، فتزوج بنت العماد أحمد بن عيسى قاضي الكرك، ثم طلقها أبوها منه، فوصل حتى خدم عند منطاش، فجهزه بعد أن حكم بقتل برقوق، فقدم الكرك فتوعد قاضيها وأهلها بكل سوء،(1/376)
فاتفق أن النائب بها لم يوافق على قتل الظاهر، وماطله بذلك أياماً، فبلغ ذلك أهل الكرك، فتعصبوا للظاهر وهجموا على أحمد البريدي، فقتلوه واشتد الأمر على منطاش لما سمع هذه الأخبار وتهيأ للتجهيز وخرج بجمع عظيم من القاهرة، واخرج معه القضاة والخليفة والسلطان وفرق الحواصل وباع جميع الغلال وغيرها بأبخس ثمن وحصل للناس من ذلك شر كبير، ثم اقترض من مال الأيتام خمسمائة ألف درهم، ورتبت فتيا صورتها: رجل خرج على الخليفة والسلطان وشق العصا وقتل شريفاً في الحرم الشريف واستحل الأموال والأنفس إلى غير ذلك، فكتب عليها العلماء والقضاة بجوار قتاله ودفعه عن ذلك، وامتنع الركراكي من الكتابة، وناظر على ذلك فغضب منه منطاش وأهله وسجنه في البرج مع مماليك الظاهر بالقلعة.
وفي ذي الحجة استقر عبد الله العجمي في قضاء العسكر عوضاً عن سراج الدين عمر.
وفيها اعتقل زكريا الذي كان الظاهر عمله خليفة، وكتبوا عليه إشهاداً بأنه لا يسعى في الخلافة بعد، وانسلخت هذه السنة والظاهر على حصار دمشق ومنطاش سائر بالعساكر إلى جهته، وبالغ القاضي شهاب الدين القرشي في التحريض على برقوق، وكان يرتب من يسبه على الأسوار، وكان لا ينزل من مخيمه، بل كان اينال اليوسفي ومن معه يباشرون القتال وخرب ما حول دمشق.
وفي غضون ذلك وصل إليهم كمشبغا من حلب ومعه عسكر ضخم، فنزل بالمرج شرقي دمشق، ثم وصل إلى برقوق في ثاني عشر ذي الحجة كما تقدم، ففرح به وقدم له خيمة سلطانية وخيولاً وأمتعة وجمالاً فاستقام أمره.(1/377)
وفيها كانت الوقعة بين التركمان فتحارب كبيرهم قرا محمد صاحب تبريز وقرا حسن بن حسين بك، فقتل قرا محمد في المعركة، وانهزم أصحابه وغنم يار حسين ومن معه ما كان معهم وذلك في ربيع الآخر، وتأمر يار حسين على التركمان، ثم اجتمع الكل وأمروا عليهم نصر خجا بن قرا محمد واستنجدوا بصاحب ماردين وغيره.
وفي ثالث عشرين المحرم استقر جلال الدين بن نصر الله البغدادي في تدريس الحديث بالظاهرية الجديدة عوضاً عن الشيخ زاده، واستقر ولي الدين بن خلدون في تدريس الحديث بالصرغتمشية عوضاً عن ابن نصر الله المذكور.
وفي أول شعبان أمر نجم الدين الطنبذي المحتسب أن يزاد بعد كل أذان الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، كما يصنع ذلك ليلة الجمعة بعد العشاء فصنعوا ذلك إلا في المغرب لضيق وقتها بزعمهم.
وفي سادس شعبان وهو سادس مسرى أو في نيل مصر.
وفيها اجتمع الأمراء والمماليك الذين نفوا إلى قوص، فأمسكوا والي قوص وساعدهم حسين بن قرط والي أسوان ومبارك شاه الكاشف، فأرادوا التوجه من البر الشرقي إلى جهة السويس ليتوصلوا إلى الكرك، لما بلغهم خروج الظاهر وخلاصه من السجن، وكان ذلك في شوال، ففر منهم حسين بن قرط ووصل في سادس ذي القعدة وأخبر أن مبارك شاه إنما وافقهم خوفاً على نفسه، وانه فر منهم، وأرسل منطاش جماعة من الأمراء إليهم فأمسكوا نحو الثلاثين(1/378)
منهم، وتفرق من بقي شذر مذر وأحضروا المأسورين، فأمر بحبسهم وتجهز منطاش بالعساكر في أواخر ذي القعدة، وكان سفرهم في سادس عشر ذي الحجة.
وفي الحادي عشر من شوال اجتمع العوام فشكوا من المحتسب، فأحضره منطاش وضربه مائتي عصا وعزله، وقرر عوضه سراج الدين عمر القيصري.
وفي شوال تزوج منطاش ستيتة بنت الملك الأشرف أخت السلطان المنصور فزفت عليه، وكان جهازها على خمسمائة جمال، وعلق برأسها ليلة الزفاف ديناراً زنته مائتا مثقال، ثم ديناراً زنته مائة مثقال.
وفي ثالث عشر شوال استقر شمس الدين السلاوي الدمشقي في قضاء الشافعية بالمدينة عوضاً عن الشيخ زين الدين العراقي.
وانتهت زيادة النيل هذه السنة إلى ثمانية عشر إصبعاً من عشرين ذراعاً وثبت إلى تاسع بابه، وذلك في شوال منها.
وفي ثالث عشرين شوال قبض على نور الدين الحاضري، وضرب وعصر وسجن لكونه كان مباشراً عند أخت الملك الظاهر وأفحش حسين الوالي ابن الكوراني في أخت الملك الظاهر وأولادها، ومن يقوم من جهتهم.
وفي حادي عشرين شوال استقر أبو الفرج في الوزارة وكريم الدين بن الغنام في نظر الخاص بعد استدعاء شمس الدين بن المقسي، وعرضت عليه الوظيفتان معاً فامتنع، ثم استعفى ابن الغنام وقبض عليه وصودر على ثلاثمائة ألف وأضيف نظر الخاص إلى موفق الدين.(1/379)
وفي إمارة منطاش ثارت الفتنة بين أمراء العرب وأمراء التركمان والمماليك المنفيين، ثم اتفقوا كلهم على العصيان فقاتلهم مبارك شاه نائب الوجه القبلي فهزمهم.
وفي سلخ شوال استقر القاضي صدر الدين المناوي أحد نواب الشافعية في القضاء عوضاً عن ناصر الدين ابن بنت الميلق، وقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري، وأجازنيه أن السبب في ذلك أن ديناراً اللالا الأشرفي كان وقف رزقه على جامع المارداني، وكان القاضي ناصر الدين يومئذ يعمل فيه الميعاد للعامة ففوض إليه نظرها، فلما غلب منطاش على الملك استعظمها لأنها كانت قديماً أقطاعه فعارضه فيها القاضي وكرر السؤال في أمرها، فقيل لمنطاش إن الحدود التي في كتاب الوقف مغايرة لحدود الطين المذكور، فعرض ذلك على القاضي فصمم على أنها وقف، فغضب وعزله وولي المناوي وكان أحد من ينوب في الحكم عن ابن بنت الميلق فأقام أربعين يوماً، ثم حصلت حركة منطاش إلى الشام فرام من المناوي أن يقترض ما في المودع من الأموال فامتنع فعزله، وقرر بدر الدين بن أبي البقاء بعد أن كان بدر الدين سعى في قضاء دمشق وكتب توقيعه عوضاً عن سري الدين وأفردت لسري الدين المشيخة وخطابة الجامع، ثم بطل أمر بدر الدين عن دمشق، واستقر في قضاء الشم شهاب الدين القرشي، قرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري، عزل المناوي بعد أن نزل منطاش بالريدانية، وخلع على بدر الدين هناك، فدخل القاهرة وهو بالخلعة، واستناب صدر الدين ابن رزين في غيبته، وكان صاهر عنده وقرر ولده جلال الدين في إفتاء دار العدل فكانت مدة ولاية المناوي وهي الأولى نحو أربعين يوماً.(1/380)
وفيها مات المنتصر ابن أبي حمو موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن عبد الواد، وكان تأمر وأبوه حي، ووقع بينه وبين أخيه أبي تاشفين لما أن خرج على أبيهما حروب.
وفي ذي الحجة سنة إحدى وتسعين بعث أبو العباس المريني ملك فاس ولده أبا فارس عبد العزيز والوزير محمد بن يوسف بن علان نصرة لأبي تاشفين لاستنقاذ تلمسان من يد أبي حمو والد أبي تاشفين وكان أبو تاشفين انتصر به على أبيه، فسلم موسى بن يحلف عسان من قبل أبي تاشفين، ثم أسل والده أبو حمو عميراً إلى تلمسان فسلمها له أهل البلد، فقبض على موسى بن يحلف فقتل، فواقعه الوزير بن علان في عساكر بني مرين فانهزم منهم، فكبا به فرسه فسقط فقتل في أول السنة الآتية.
ذكر من مات
في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة من الأعيان.
إبراهيم بن علي بن إبراهيم الشامي المعروف بابن الحلوى الواعظ، كان أبوه بالقاهرة يبيع الحلوى، وأصله من الشام، فنشأ ولده هذا فولع بعمل المواعيد من صباه فمهر، وكان حسن الصوت، طيب النغمة، جيد الأداء، مليح الوجه، قوي الذهن، فراج سوقه وحج مراراً وجاور وامتحن بيد الجار الهندي ثم خلص، ولم يزل على حاله في الكلام على الكرسي إلى أن مات في تاسع صفر منها.
إبراهيم بن قطلقتمر كان ممن يتعصب على الظاهر فقتله كمشبغا بحلب صبرا.
أحمد بن إسماعيل بن محمد بن أبي العز بن صالح بن أبي العز القاضي نجم الدين بن الكشك، ولي الحكم بالقاهرة عاضاً عن ابن التركماني ثم عزل بابن عمه صدر الدين، ثم ولي الحكم بدمشق سنة سبع وسبعين، ثم عزل ثم أعيد ثم قتل بالصالحية بيد شخص مجنون وذلك في مستهل ذي الحجة.
أحمد بن عمر بن محمد أبي الرضا(1/381)
شهاب الدين أبو العباس ابن أبي الرضا الشافعي الحلبي أصله من. كان من أعاجيب الزمان في الذكاء وولي قضاء حلب في سنة. بالغ الحافظ برهان الدين محدث حلب في الثناء على فضائله فقال: كان أوحد العلماء، مشاركاً في علوم كثيرة، شرح العضد ونظم غريب القرآن، وكان يحافظ على الجلوس في الجامع لا يخرج منه إلا لحاجة، ويكاد يستحضر شرح مسلم للنووي، ومعالم السنن للخطابي، ويستحضر مذاهب غريبة مع حسن محاضرة ولطافة شكل وتنزه نفس، وكان يعظم أهله ولا يستكثر عليهم شيئاً ولا يقدم عليهم أحداً، ومن إنشائه غريب القرآن منظوم سماه عقد البكر في نظم غريب الذكر أجاد فيه ورثاه الشيخ حميد العابر بخمس يعاد فيه، وكان قد ولي القضاء بحلب فاشتهرت فضائله، وفاق الأقران، فلما كانت كائنة برقوق وخروج يلبغا الناصري عليه ثم عاد من سجن الكرك إلى أن تسلطن ثانياً ذكر له كمشبغا الكبير ما كان يبدو من هذا القاضي وغيره في حقهم، فنقم عليه وأمر بحمله إلى القاهرة فاغتيل في الطريق وقتل ظلماً بخان شيخون بين المعرة وكفر طاب فقرأت بخط العيني في تاريخه: قتل شر قتله. وكان ذلك أقل جزائه لأن الظاهر هو الذي جعله من أعيان الناس وولاه القضاء من غير بذل ولا سعي، فجازاه بأن أفتى في حقه بما أفتى وقام في نصر أعدائه بما قام، وشهر السيف وركب بنفسه والمنادي بين يديه ينادي: قوموا انصروا الدولة المنصورية بأنفسكم وأموالكم، فإن الظاهر من المفسدين العصاة الخارجين، فإن سلطنته ما صادفت محلاً إلى غير ذلك، قال: فجازاه الله بالإهانة والذل والإخراج من وطنه بهيئة قطاع الطريق والرمي في البرية بغير غسل ولا كفن ولا صلاة، وقال في حقه أيضاً: إنه كان عنده بعض شيء من العلم ولكنه كان يرى نفسه في مقام عظيم، وكان مولعاً بثلث أعراض الكبار، وكان باطنه رديئاً وقلبه خبيثاً، قال: وسعت أنه كان يقع في حق الإمام أبي حنيفة.
أحمد بن عمر بن محمود بن سلمان بن فهد، شهاب الدين بن زين الدين بن الشهاب، الحلبي الأصل الدمشقي المعروف بالقنبيط، ولد سنة عشر أو نحوها، وسمع من أمين الدين محمد بن أبي بكر بن النحاس وغيره، ووقع في الدست وكان أكبرهم سناً وأقدمهم،(1/382)
مات في ربيع الأول عن ثمانين سنة وزيادة، ولم يحدث شيئاً، وهو الذي أراد صاحبنا شمس الدين بن الجزري بقوله:
باكر إلى دار عدل جلق يا ... طالب خير فالخير في البكر.
فالدست قد طاب واستوى وغلا ... بالقرع والقنبيط والجزر.
وأشار بالقنبيط إلى هذا وبالجزر إلى نفسه وبالقرع إلى أبي كبر بن محمد الآتي ذكره سنة أربع وتسعين، وقال ابن حجي: كان سمح النفس، كثير التبسط في المآكل والملابس.
أحمد بن محمد بن عمر، شهاب الدين، إمام الشامية البرانية، كان من نبلاء الطلبة الشافعية، مات في ذي الحجة.
أحمد بن محمد، محب الدين المعروف بالسبتي، انقطع بمصلى خولان ظاهر مصر بالقرافة، وكان معتقداً ويشار إليه بعلم الحرف والزيجات، مات في العشرين من صفر عن سن عالية، أظنه جاوز الثمانين، رأيته بالمصلى في يوم عيد، وكان حسن السمت.
أحمد بن موسى بن علي، شهاب الدين بن الوكيل، عني بالفقه والعربية وقال النظم فأجاد، وكان سمع بمكة من الجمال ابن عبد المعطي المكي، وبدمشق من الصلاح ابن أبي عمر، ومن شيوخه في العلم: صلاح الدين العفيفي، ونحم الدين ابن الجابي، وجمال الدين الأسيوطي، وشمس الدين الكرماني، أخذ عنهم بمكة، وكان يتوقد ذكاء، مات بالقاهرة في صفر.
أحمد بن أبي يزيد بن محمد السراي الشهير بمولانا زاده الحنفي شهاب الدين بن ركن الدين، قال الشيخ بدر الدين الكلستاني في حقه ومن خطه لخصت: ولد في عاشوراء(1/383)
سنة 754 وكان والده كثير المراعاة للعلماء والتعهد للصالحين، وكان السلاطين من بلاد سراي قد فوضوا إليه النظر على أوقافهم، فكان تحمل إليه الأموال من أقطار البلاد ولا يتناول لنفسه ولا لعياله شيئاً وكان يقول: إنما أتحدث لهم وأتجنبه ليرزقني الله ولداً صالحاً، ثم مات الشيخ سنة ثلاث وستين، وخلف ولده هذا ابن تسع سنين، وقد لاحت آثار النجابة عليه، فلازم الاشتغال حتى اتقن كثيراً من العلوم، وتقدم في التدريس والإفادة وهو دون العشرين، ثم رحل من بلاده فما دخل بلداً إلا عظمه أهلها لتقدمه في الفنون ولا سيما فقه الحنفية ودقائق العربية والمعاني، وكانت له مع ذلك يد طولى في النظم والنثر، ثم حبب إليه السلوك فبرع في طريق الصوفية، وحج وجاور ورزق في الخلوات فتوحات عظيمة، واخبر عن نفسه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تسليما في المنام فاستقرأه أوائل سورة البقرة، ثم قدم القاهرة، ثم رجع إلى المدينة فجاور بها ثم رجع فأقام بخانقاه سعيد السعداء، واستقر مدرساً للمحدثين بالظاهرية الجديدة أول ما فتحت بين القصرين، وقرر مدرساً بالصرغتمشية في الحديث أيضاً، قال الكلستاني: ثم إن بعض الحسدة دس إليه سماً فتناوله فطالت علته بسببه إلى أن مات في المحرم، ومن كلامه الدال على ذكائه قوله: أعجب الأشياء عندي البرهان القاطع الذي لا مجال فيه للمنع والشكل الذي يكون لي فيه فكر ساعة.
ومات فيها من الترك ونحوهم أرنبغا التركي مقدم البريدية، مات في صفر.
واشقتمر المارداني نائب حلب وليها مراراً، وولي تقدمة الشام مرتين، ثم أصيب بوجع رجليه فعزل وأقام بحلب بطالاً إلى أن مات في شوال،(1/384)
وكان أصله لصاحب ماردين فقدمه للناصر حسن، وكان عارفاً بتحصيل الأموال، محباً في العمائر وله مدرسة بحلب، ولي نيابة طرابلس وحلب ودمشق مراراً، وقيل إنه كان يحسن ضرب العود.
وبزلار العمري، كان من مماليك الناصر حسن، فرباه مع أولاده ثم تقدم، وولي النيابة بدمشق، وكان شجاعاً فطناً مشاركاً، مات بقلعة دمشق مسجوناً.
وتلكتمر كاشف الجسور في أول السنة.
جركس بن عبد الله الخليلي كان تركماني الأصل، أصله من مماليك يلبغا، وتقدم عند الظاهر، وكان حسن الشكل مهيباً مع الرأي الرصين والعظمة، وكان له في كل يوم خبز يتصدق به على بغلين يدور بهما أحد مماليكه بالقاهرة على الفقراء وبمكة والمدينة، وولاه الظاهر أمير آخور بتقدمة ألف، وقرره مشير الدولة وخلف أموالاً كثيرة جداً، وكان بإحدى رجليه داء الفيل، قتل في المعركة بالربوة ظاهر دمشق.
حسن بن علي بن قشتمر أحد أمراء العشرات بالقاهرة، لم يتأمر من أخوته غيره، وكان شاباً حسن الشكل.
الحسين بن عبد الله الحبار بالمهملة ثم الموحدة الشيخ المشهور بالشاذلي، كان يتكلم على الناس، وحفظت عنه كلمات فيها إشكال وكان للناس فيه اعتقاد زائد. مات في ربيع الأول.
صراي الطويل، أخو بركة، تقدم ذكره في الحوادث وأنه نم على أخيه عند برقوق وحظي عند فأقره على إمرته إلى أن مات في ربيع الأول.
سودون المظفري نائب حماة ثم حلب، تقدم ذكره في الحوادث، وكان أصله عند قطلوبغا المظفري نائب حلب، وباشر عند جرجي الإدريسي خزندار ثم انتقل إلى أن ولي نيابة حماة ثم نيابة حلب في سنة سبع وثمانين، ثم اتصل بيلبغا الناصري واستقر أتابكا بها إلى أن وقع بينه وبين الناصري فقتل سودون المذكور،(1/385)
وكان خيراً عارفاً يحب العلماء وأهل الخير ويقربهم ويكثر البر والمعروف ويكره الشر جملة مع العبادة وكثرة السكون رحمه الله تعالى.
عبد الله بن محمد بن تاج الدين بن قطب الدين بن صورة، ولد قبل العشرين، واشتغل وناب في الحكم وخطب، وكان بهي الشكل وقوراً، مات في.
عبد الله بن العلامة علاء الدين مغلطاي التركي المسند جمال الدين، سمع بإفادة أبيه الكثير من مشايخ عصره، وحدث، سمع منه أصحابنا.
عب الخالق بن محمد بن محمد الشعيبي بالمعجمة والموحدة مصغراً الإسفراييني أبو المعالي صدر الدين، ويقال له أيضاً: محمد، ولد سنة أربع وثلاثين، وكان عارفاً بالفقه على مذهب الشافعي، وحدث بكتاب المناسك تصنيف أبيه عنه، وشرح منه قطعة، وجمع هو كتاباً في المناسك أيضاً كثير الفائدة. وكان مشهوراً ببغداد، مات بفيد منصرفاً من الحج في المحرم.
عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن سليمان الإسكندراني المالكي القاضي جمال الدين خير، سمع من ابن المصفى والوادياشي وغيرهما، وكان عارفاً بالفقه، ديناً، خيراً، ولي الحكم فحمدت سيرته، قرأت عليه شيئاً، مات في سابع عشر رمضان، واستقر بعده تاج الدين بهرام الدميري في قضاء المالكية بعناية الخليفة المتوكل.
عبد الرحيم بن عبد الكريم بن عبد الرحيم بن رزين، نجم الدين الحموي الأصل، القاهري، سمع الصحيح من وزيرة والحجار وسمع من غيرهما وحدث، سمعت عليه بمصر، مات في جمادى الأولى وله إحدى وتسعون سنة.
عبد السلام السلاوي، المعروف بالهندي.(1/386)
عبد القادر بن سبع، تقي الدين البعلبكي، عني بالعلم وحصل ودرس وألف مختصراً في الأحكام، وولي قضاء بعلبك فلم يحمد في القضاء، مات بدمشق.
عبد الوهاب بن إبراهيم بن حراز، تاج الدين الوزير، وزر بدمشق سنة خمس وسبعين، ومات في صفر.
عبد الوهاب بن عبد الله الوزير علم الدين المعروف بابن كاتب سيدي القبطي، كان كاتباً مطيقاً، باشر الوزارة بلين زائد، ولكن مشت أحواله، لأنه ولي عقب شمس الدين ابن كاتب ارلان، وكان أراد القبض على كريم الدين، ابن الغنام فسعى ابن الغنام واستقر في الوازارة عوضه وقبض عليه وصادره، وذلك في شهر رمضان سنة تسعين، فمات في المحرم سنة إحدى.
علي بن أحمد بن محمد بن التقي سليمان بن حمزة المقدسي ثم الصالحي، فخر الدين، ولد سنة أربعين، وسمع الكثير، ولازم ابن مفلح فتفقه عنده وخطب بالجامع المظفري، وكان أديباً ناظماً ناثراً منشئاً، له خطب حسان ونظم كثير وتعاليق في فنون، وكان حسن المباشرة، لطيف الشمائل، وهو القائل:
حماة حماها الله من كل آفة ... وحيا بها قوماً هم بغية القاصي.
لقد لطفت ذاتاً ووصفاً ألا ترى ... دواليبها خشب تبكي على العاصي.
مات في جمادى الآخرة.
علي بن الجمال محمد بن عيسى اليافعي، كان عارفاً بالنحو ببلاد اليمن مات بعدن في صفر.
عثمان بن سليمان بن رسول بن يوسف بن خليل بن نوح الكرادي، الشيخ شرف الدين الأشقر الحنفي، أصله من تركمان البلاد الشمالية، واشتغل في بلاده قليلاً، ثم قدم القاهرة(1/387)
في دولة الأشرف فصحب الملك الظاهر قبل أن يتأمر، وكانت له به عناية، يعرفه من بلاده فلما كبر قرره إماماً عنده، وتقدم في دولته، وولاه قضاء العسكر ومشيخة الخانقاه البيبرسية، وكان حسن الهيئة، مشاركاً في الفضائل، جيد المحاضرة، مات في رابع عشري ربيع الآخر عن نحو خمسين سنة.
علم دار الناصري، خدم الملك الناصر محمداً فمن بعده، ثم مات بطالاً بدمشق، وكان ملازماً لحضور الجماعات والخوانق، كثير التلاوة والذكر، وله أثار حسنة بمصر ودمشق في ترميم السبل والخانات، جاوز الثمانين وهو آخر من مات من مماليك الناصر.
عيسى بن الجمال محمد بن عيسى اليافعي أخو علي الماضي قريباً، كان عارفاً فالفرائض، مات في عدن.
مثقال الساقي سابق الدين الزمام، كان أصله من خدم المجاهد صاحب اليمن، ثم صار لحسين بن الناصر وخدم عند زوجته أم الأشرف إلى أن ماتت، فاستقر لال أمير حاج بن الأشرف، ثم صار مشيد الحوش ثم استقر زماماً وعظم قدره في دولة الأشرف، وعمر المدرسة المشهورة بالقاهرة، فلما قتل الأشرف صودر وأهين ثم استوطن المدينة بعد التردد إلى مكة وإلى القدس مراراً، ومات في آخر ذي القعدة ببدر طالباً للحج.
محمد بن عبد الله بن محمد بن فرحون، محب الدين بن بدر الدين اليعمري المغربي ثم المدني المالكي، كانت له عناية بالعلم، وولي قضاء بلده ولم يجاوز الخمسين.
محمد بن عبد القادر بن علي بن سبع البعلي، تقي الدين، اشتغل ودرس مكان عمه أحمد في الأمينية وغيرها، وأفتى ودرس وولي قضاء بعلبك وطرابلس ولم يكن مرضياً في سيرته، وجمع كتاباً في الفقه مع قصور في فهمه، وكان يكتب خطاً حسناً ويقرأ في المحراب قراءة جيدة ويخطب بجامع رأي العين، مات في المحرم.(1/388)
محمد بن علي بن أحمد بن عبد الغفار عز الدين بن كسيرات الكاشف، سمع المطعم والحجار وغيرهما.
محمد بن عمر بن رسلان البلقيني بدر الدين أبو اليمن ابن الشيخ سراج الدين، كان أعجوبة في الذكاء والفطنة، ولد سنة نيف وخمسين ونشأ محباً في الاشتغال، فمهر وهو صغير ودرس وناظر، وكان لطيف الشكل حسن الصورة جداً جميل المعاشرة، وكان أبوه معجباً به، مات في سابع عشرين شعبان وتألم أبوه عليه كثيراً وقد باشر قضاء العسكر وإفتاء دار العدل وعدة تداريس.
محمد بن محمد بن محمد بن محمد الهندي ثم المكي الحنفي، سمع من عز الدين بن جماعة وغيره، وكان فاضلاً في مذهبه كثير الخروج إلى الحل للعمرة، وله حظ من خير وعبادة، مات فيها أو في التي قبلها.
محمد بن محمد بن محمد الشعيبي، تقدم في عبد الخالق.
محمد بن محمود بن عبد الله النيسابوري، شمس الدين، ابن أخي جار الله الحنفي، قدم القاهرة ولازم عمه وغيره في الاشتغال، وولي إفتاء دار العدل ومشيخة سعيد السعداء، وكان بشوشاً حسن الأخلاق عالماً بكثير من المعاني والبيان والتصوف، مات في ربيع الآخر ولم يكمل الخمسين.
محمد بن مسعود الشريف الحسني الينبعي.
محمود بن عمر بن عبد الله العجمي الشيخ سعد الدين التفتازاني، ولد(1/389)
سنة 712، وأخذ عن القطب وغيره وتقدم في الفنون، واشتهر ذكره وطار صيته وانتفع الناس بتصانيفه، وله شرح العضد وشرح التلخيص وأخر أطول منه، وشرح على المفتاح وشرح على التنقيح، وحاشية على الكشاف وغير ذلك، مات بسمرقند.
منهاج الدين الرومي الحنفي، كان أعجوبة في قلة العلم والتلبيس على الترك في ذلك، قدم القاهرة فولي تدريس الحنفية بمدرسة أم الأشرف، قال لنا شيخنا ناصر الدين بن الفرات: حضرت درسه مراراً فكان لا ينطق بكلمة بل إذا قرأ القارئ شيئاً استحسنه وربما تكلم بكلام لا يفهم منه شيء، مات في رابع عشرين ربيع الأول.
نوغاي العلاي كان من أمراء الطبلخاناة، ثم ولاه الظاهر أمير علم فاستقر في ذلك إلى أن مات.
يونس بن عبد الله التركي الدوادار، كان من عتقاء جرجي نائب حلب، ثم خدم عند يلبغا ثم اسندمر ثم تقدم عند برقوق، وتنقل إلى أن أعطى تقدمة ألف وباشر الدويدارية في إمرته، ثم في سلطنته بمهابة عظيمة وحرمة، وكان ديناً، كثير الصلاة والصيام، مكرماً للفقهاء وللفقراء، وهو صاحب خان يونس بطريق الشام بالسلفة بالقرب من غزة، قتل بعد الوقعة المقدم ذكرها في ثاني عشرين ربيع الآخر، وله بضع وستون سنة، وترك ملقى على قارعة الطريق، فدفنه بعد ذلك شخص من أصاغر مماليكه على ما أخبرني به في الطريق، وكان قد بنى تربة معظمة بمصر وأخرى بالشام فلم يقدر دفنه في واحدة منهما، وكان مقدم العساكر المصرية في سنة ثمان وثمانين وسبعمائة لما حاصروا برهان الدين بسيواس، ثم كان مقدم العساكر في هذه الكائنة فقتل على يد عنقاء بن شطي أمير آل مري.(1/390)
//الجزء الثالث
بسم الله الرحمن الرحيم
سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة
استلهت وبرقوق محاصر دمشق والعسكر المصري متوجه صحبة منطاش ومعه السلطان المنصور والخليفة والقضاة إلى دمشق، وكان وصول العسكر المصري إلى غزة في ثاني المحرم، وفي السادس منه أمر نائب الغيبة صراي تمر أن تؤخذ خيول الناس من الربيع فتجهز إلى منطاش فأخذ شيء كثير وجهز، وفي الثامن منه نودي بزينة القاهرة ومصر، ووصل في الصورة الظاهرة بريدي معه كتب تتضمن أن برقوق هرب، وفي هذا الشهر بلغ النائب أن جماعة من المماليك الظاهرية أرادوا القيام عليه فكبس عليهم بالبرقية فأمسك منهم جماعة ثم تتبع المماليك الظاهرية وألزم الوالي التنقيب عليهم فبالغ في ذلك، وأفرط إلى أن كان ذلك أعظم الأسباب وانحراف الظاهر عنه وغضبه عليه بعد ذلك، وكان قد كبس على أخت الظاهر وأخذ ولدها منها فحبسه بالقلعة وأخرجها بين العامة إلى باب زويلة إلى أن وقعت فيها الشفاعة وفي حادي عشر المحرم وصل العسكر المنصوري إلى وادي شقحب فرجع إليهم برقوق من دمشق فالتقوا فحمل منطاش على ميسرة الظاهر فهزمها وحمل بعض أصحابه على الميمنة فهزمها أيضاً واشتغل الجهتان ومن تبعهما باتباع المنهزمين فخلا القلب من مقاتل فحمل برقوق ومن معه على من بقي فانهزموا فاحتوى على الخليفة والسلطان والقضاة وجميع أهل الدولة ونهب من معه جميع الأثقال واحتوى على الخزائن كلها،(1/391)
وأما منطاش وأصحابه فلججوا في اتباع المنهزمين إلى أن ظفروا بمن ظفروا به منهم وفاتهم من فاتهم واستمر كمشبغا وكان فيمن انهزم ومعه جمع كثير إلى أن وصل إلى حلب فبادر وملك القلعة ولما رجع العسكر المصري إلى معسكرهم وجدوا برقوق قد احتوى عليه فتناوشوا القتال أيضاً فعمد برقوق فأقام جاليش منطاش وجمع الذين احتوى عليهم تحته فصار كل من يأتي من العسكر يظن أن منطاش هناك تحت العصائب فأما أن يوافق فيسلم وأما أن يخالف فيقتل، فلما وصل منطاش ورأى صورة الحال ناوشهم القتال نهاره أجمع، فلما دخل الليل أقبل أكثر من معه إلى الظاهر فرجع منطاش إلى جهة دمشق وأقام الظاهر بشقحب أياماً فعدمت الأقوات حتى بيعت البقسماطة بخمسة دراهم ورخصت الأمتعة من كثرة ما نهب حتى بيع الفرس بعشرين درهماً، فلما رأى الظاهر ذلك رحل إلى جهة مصر بعد أن خلع المنصور نفسه من السلطنة باختياره، وأشهد عليه الخليفة والقضاة وأكثر من حضر من الأمراء وبايعوا الجميع برقوق وأقر لقبه الظاهر على ما كان عليه، وتردد في التوجه إلى دمشق ومحاصرة منطاش بها أو الرجوع إلى مصر، ثم اتفق رأيه ومن معه على التوجه إلى مصر، فاستناب في صفد فخر الدين إياس، وفي الكرك قديداً، وفي غزة آقبغا الصغير، وكان منصور الحاجب بها قد قبض على نائبها حسين بن باكيش، وجهزه إلى الظاهر فعذبه قبل أن يتوجه، ثم وصل إلى غزة في أواخر المحرم راجعاً، وأرسل في مستهل صفر إلى نائب قطية أن يحفظ الطرقات، وكان اسمه علاء الدين بن البشلاقي، فامتثل الأمر وأرسل من الفور إلى القاهرة قاصداً بكتاب يخبر فيه بما اتفق للظاهر من النصر، فصادف وصول قاصده نصرة مماليك الظاهر المسجونين على أصحاب منطاش(1/392)
وغلبهم على القلعة وجميع المملكة، فكان ذلك يعدّ من عجائب الاتفاق، حتى لو كانوا على ميعاد ما وقعت هذه الموافقة، وكان السبب في نصرة مماليك السلطان الظاهر أن منطاش أودع منهم السجون جملة كثيرة، وكان الكثير منهم في السجن بالقلعة، فضاق عليهم الأمر واشتد بهم الخطب، فتحيلوا إلى أن فتحوا باباً مسدوداً وجدوه في سرداب عندهم، فخرجوا منه بغتة على نائب الغيبة، فهرب منهم، فنهبوا بيته واحتلوا خيله وقماشه، وكان كبيرهم يقال له: بُطا، فبلغ ذلك نائب القلعة فقاتلهم، ثم عجز فهرب، فاجتمع صريتمر وقطلوبغا الحاجب وبقية المماليك فصعدوا إلى مدرسة حسن، وبادر بطا فأخرج سودون النائب من الحبس فرتبه في القلعة، وتسامع مماليك الظاهر فتكاثروا عند بطا وتناوشوا القتال مع المنطاشية، وساعدهم عليهم العامة حتى هزموهم، وكان العوام قد قاموا مع منطاش على الناصري إلى أن غلب كما تقدم، لكن ظهر بعد ذلك منه هوج وسوء تدبير وعدم معرفة، فرجعوا عنه وأحبوا عود دولة برقوق فساعدوا أصحابه، وكان ذلك كله في أوائل صفر، وكان ابتداء ذلك في ليلة الثاني منه وانتهاء ذلك في رابع صفر.
وقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري فيما أجازنيه: أن المحبوسين كانوا في خزانة الخاص القديمة المجاورة لباب القصر ووكل بهم جماعة يحرسونهم بالنوبة وبالغوا في التضييق عليهم، فلما كان في أواخر المحرم وهم يستغيثون من الحر والضيق ويتوقعون القتل كل وقت وأشاعوا أنهم عزموا على أن يرموا عليهم خبزاً ويمنعوهم الماء ليهلكوا أجمعين بذلك، فاتفق أن واحداً منهم جلس في مكان، فعبث ببلاطة تحته فقلعها فأزالها فأحس بهواء فأراد ما تحتها واستعان ببعض رفقته فوجدوا سراب الحمام، فمشوا فيه إلى أن انتهوا إلى باب من أبواب الاصطبل، فاتفق أنهم وجدوه مفتوحاً كان البواب نسي أن يغلقه، فأخذ كل منهم قيده في(1/393)
يده وصاحوا صيحة واحدة في وسط الاصطبل بالدعاء للأمير تكا فظن صراي تمر أن تكا خامر وأراد القبض عليه فرمى بنفسه من السور وتبعه أتباعه فطلع المماليك إلى أماكنهم من الاصطبل فانتهبوها ولبسوا الأسلحة وركبوا الخيول وقدموا كبيرهم بطا وكان ما كان، فجهز بطا عنان بن مغامس صاحب مكة - وكان مسجوناً معه - إلى الظاهر يعلمه بما اتفق فالتقاه في الطريق فرد معه آقبغا أخا بطا، فوصلا إلى القاهرة في ثامن صفر فنادوا للعامة بالأمان وتزيين البلد وتجهيز الإقامات، وشكر السلطان لعنان هذه البشارة، فشركه مع عجلان في إمرة مكة، وكان ذلك في أوائل شهر ربيع الآخر بعد أن استقر برقوق بالقاهرة، وسار عنان إلى مكة في ثاني عشرين ربيع الآخر بعد أن استخدم عدة من الترك.
وفي عاشر صفر قبض بطا على حسين بن الكوراني، وصودر فوصل كتاب السلطان في ثاني عشر صفر على حسين بعمل شيء من الأمور السلطانية فأفرج عنه بطا وخلع عليه وأعاده للولاية وقال له: حصل لنا المنطاشية كما كنت تصنع معنا إلى أن يرد أمر السلطان بما يرد، ثم قبض عليه بعد ذلك، ودخل الظاهر بالعسكر يوم الثلاثاء رابع عشر صفر إلى القلعة على طريق الصحراء، وتلقاه الناس للسلام والفرجة على سائر طبقاتهم وكان يوماً مشهوداً، وأركب الملك المنصور المخلوع بجانبه والخليفة أمامه والقضاة قدامه وباقي الأمراء إلى أن جلس على تخت الملك وجددت له البيعة بالإصطبل وأدخل المنصور إلى بيته بالحوش عند أهله وأقاربه.
وفي صبيحة هذا اليوم استقر كريم الدين بن عبد العزيز - الذي تزوجت أنا ابنته بعد(1/394)
هذا بست سنين - في نظر الجيش نقلاً من صحابة الديوان عوضاً عن جمال الدين الذي كان محتسباً، لأنه كان تقدم مع منطاش إلى دمشق فلم يستطع العود، واستقر موفق الدين أبو الفرج في الوزارة والخاص واستقر فخر الدين بن مكانس في نظر الدولة ثم أمسك وصودر ثم ضرب فأخذ وأهين، ثم أفرد الخاص لسعد الدين بن تاج الدين موسى كاتب السعدي عن قرب وأفردت الوزارة لموفق الدين ثم قبض عليه في ربيع الآخر. واستقر في الوزارة سعد الدين بن البقري زوج ابنة موفق الدين، واستقر محمود الاستادار مشيراً عليهما، واستقر قرقماس استاداراً كبيراً إلى أن مات في جمادى الأولى فأعيد محمود إلى الاستادارية، واستقر حسين بن علي الكوارني في ولاية القاهرة على عادته، ثم قبض عليه عن قرب في سادس عشرين صفر - وسلم لمشد الدواوين محمد بن آقبغا آص فعاقبه وشدد عليه العذاب - واستقر بطا دويداراً كبيراً وسودون الشيخوني في النيابة على عادته واينال اليوسفي اتابك العساكر لانقطاع أيتمش بقلعة دمشق مسجوناً وكان الظاهر لما غلب على العسكر - المنطاشي وتوجه إلى القاهرة دخل منطاش إلى دمشق فأقام بها يعزل ويولي ويصادر وكان قاضي الشافعية حينئذ شهاب الدين ابن القرشي وكان الناصري ولاه فاستمر وكان قبل دخول منطاش قام في صد برقوق عن دخول دمشق وصار يلبس آلة الحرب ويصعد الأسوار ويحفظها بالرجال والآلات ويطلق لسانه في برقوق وبرقوق يسمع، فلما رجع منطاش إلى دمشق من وقعة شقحب عزله وولى شهاب الدين الزهري وحبس القرشي وضيق على جمال الدين ناظر الجيش على بدر الدين كاتب السر وكانا رجعا من شقحب مقهورين وسجن جماعة من الأمراء ممن أسر في الوقعة منهم ايتمش، واستقر الطباطبي في نقابة الأشراف والنظر عليهم عوضاً عن الشريف شرف الدين ابن قاضي العسكر(1/395)
واستقر علاء الدين على الكركي في كتابة السر عوضاً عن بدر الدين ابن فضل الله لانقطاعه أيضاً بدمشق واستقر أبو عبد الله الركراكي في قضاء المالكية عوضاً عن بهرام، لأن الظاهر شكر له ما اتفق عليه بسبب امتناعه من الكتابة في الفتوى المرتبة عليه، وكان قد سجن إلى أن خلص مع بطا واستقر نجم الدين الطنبدي في الحسبة بالقاهرة عوضاً عن سراج الدين القيسري، واستقر نور الدين علي بن عبد الوارث في الحسبة بمصر عوضاً عن همام الدين.
وفي تاسع عشرين صفر جلس السلطان ليحكم على عادته بالإصطبل يومي الأربعاء والأحد، فهرع الناس إليه واشتد خوف الرؤساء من البهدلة.
وفي صفر قبض بكلمش على كريم الدين ابن مكانس وضربه بالمقارع بسبب ما استأداه من دواوينه في أيام الناصري، فهرب فقبض على أخويه فخر الدين وزين الدين وجماعة من حواشيه، واستقر علم الدين سن إبرة في نظر الدولة، واستقر تاج الدين المليحي في نظر الأحباس عوضاً عن شمس الدين الدميري، واستقر عماد الدين الكركي أحمد بن عيسى أخو علاء الدين الذي استقر في كتابة سر الشام في قضاء الشافعية عوضاً عن بدر الدين ابن أبي البقاء، وكان عماد الدين وأخوه هذا قد بالغا في خدمة الظاهر بالكرك، فعظمهما وقدمهما، وكانت ولاية عماد الدين للقضاء في ثالث شهر رجب، والسبب فيه أنه لم يحضر من الكرك إلا بعد أن استهل رجب، فخرج إليه أخوه لتلقيه وخرج معه الأعيان، فحضر عند السلطان في ثاني رجب، فعظمه جداً ومشى له خطوات وعانقه ثم خلع عليه بولاية القضاء في صبيحة ذلك اليوم.(1/396)
وفي ثامن جمادى الأولى بعد إطلاق أكثر الأمراء المحبوسين استقر الطنبغا الجوباني نائب السلطنة بدمشق، وجهزت صحبته العساكر لقتال منطاش، فوصلوا في جمادى الآخرة، فبرز لهم منطاش فقاتلهم ثم انهزم، ثم بلغه أن ايتمش ومن معه في الحبس بقلعة دمشق وثبوا على نائبها، فأمسكوه وملكوا القلعة، فكر راجعاً إلى دمشق، فقتل من قدر عليه وأخذ ما أمكنه من الأموال وتوجه إلى الجهة الشمالية، وتسلل أكثر من كان مع منطاش إلى الظاهر، فدخلوا القاهرة أرسالاً واستولى الطنبغا الجوباني على دمشق وقبض على ما أمكنه من أصحاب منطاش، فلما وصلت الأخبار إلى القاهرة بذلك زينت عشرة أيام، ثم قدم عسكر طرابلس باستدعاء منطاش فوجدوه قد هرب، فقبض على أعيانهم أخذاً باليد وجهزت سيوفهم إلى القاهرة.
وفي العشرين حضر السلطان دار العدل، ولم يدخلها المنصور منذ خلع الظاهر، ولما فرغ الموكب دخل السلطان القصر فحضر الخليفة ومعه القضاة. فقريء عهد السلطنة بحضرتهم وحضور الأمراء وخلع على الخليفة وركب من باب القصر حجرة بسرج ذهب وكنبوش مزركش، وكان الحنفي ضعيفاً فلم يحضر، وحضر المناوي وهو معزول فجلس تحت الحنبلي.
وفي الثاني عشر من شهر رجب وصل بدر الدين ابن فضل الله وجمال الدين العجمي إلى القاهرة فأمرا بلزوم بيوتهما وأغرم كل منهما مالاً كثيراً.
وفيه استقر علاء الدين ابن الطبلاوي في ولاية القاهرة.
وفيه قوى كمشبغا بحلب على النائب الذي بها من جهة منطاش، وكان كمشبغا(1/397)
لما انهزم في وقعة شقحب سار إلى حلب في البرية، فوصل في ثامن عشر المحرم فدخلها مختفياً، ثم التفت عليه جماعة من الظاهرية فحاصروا القلعة وقد قبضوا على ولد نائبها حسين ابن الفقيه فهددوه بقتل ولده ففتح لهم الباب، فدخلوها وأرسلوا إلى كمشبغا فملكها، فحاصره النائب من قبل منطاش وهو تمنتمر وعاونه أهل بانقوسا، فأحرقوا باب القلعة والجسر الواصل، ونقبوا من ثلاثة مواضع، فرمى عليهم كمشبغا بالمكاحل وصار يتخطفهم بالكلاليب، فدام ذلك نحو شهرين أو أكثر، فلما سمع تمنتمر هرب منطاش من دمشق خاف على نفسه، فهرب، فبلغ ذلك كمشبغا فعمر الجسر وخرج فقاتل أهل بانقوسا، وعمر أسوار حلب أحسن عمارة في أسرع وقت، وكانت من وقعة قازان خراباً. فلما انتصر كمشبغا عليهم قتل غالب أهلها، وهم زيادة على أربعة آلاف نفس، وقتل كبيرهم أحمد بن الحرامي، وخربها إلى أن جعلها دكا، وقتل قاضي حلب وغيره صبراً، كما سيأتي في الوفيات، فلما بلغ ذلك كله السلطان أعجبه، وأرسل إلى كمشبغا يطلب منه الحضور إلى القاهرة فحضر، وكان ما سنذكره.
وفي العشرين من رجب كان شاع أن بطا يريد أن يثير الفتنة فحل سيفه بحضرة السلطان في القصر وعمل في عنقه منديلاً واستسلم للموت، فشكر الظاهر فعله وبرأه مما نقل عنه، وجمع الأمراء وحلفهم وحلف المماليك وطيب خواطرهم وأحضر مملوكاً يقال إنه الذي أثار الفتنة فضربه وسجنه.
وفي رجب خرج يلبغا الناصري والطنبغا الجوباني بالعساكر من قبل الظاهر وقد قرر في نيابة دمشق الطنبغا الجوباني وقرادمرداش في نيابة طرابلس ومأموراً في نيابة حماة(1/398)
وتوجه عليهم يلبغا الناصري ومعه جماعة من المماليك الظاهرية وغيرهم، فتوجهوا إلى دمشق، فبلغ ذلك منطاشا وكان قد جبا من الأموال من أهل دمشق شيئاً كثيراً فخرج بها وهي نحو من سبعين حملاً في ثالث عشر جمادى الآخرة بعد أن قتل ممن هو من جهة الظاهر نحو مائة وعشرين نفساً، واستصحب معه ابن جنتمر وابن اينال اليوسفي، وسار من دمشق فخرج ايتمش من الحبس فملك القلعة وراسل الجوباني، فدخل الجوباني دمشق وهرب محمد بن اينال اليوسفي ونحو مائتي نفر من منطاش، فرجعوا إلى دمشق، ثم خرج الطنبغا الجوباني والناصري ومن معهم وانضم إليهم في طلب منطاش فالتقوا به بين حمص وقوسا فانكسرت الميمنة وفيها الناصري، فانهزم وثبت الجوباني فخامر عليه بعض من معه فجرح في رأسه فسقط فقتله نعير بيده وتمت الهزيمة، واتفق أن ميسرة العسكر كسرت منطاشاً ففر في طائفة فلما بلغه قتل الجوباني رجع فقتل آقبغا الجوهري ومأموراً، ووقع النهب في العسكر من العرب والتركمان ورجع الناصري إلى دمشق فبلغت هذه الأخبار السلطان فساءه قتل الجوباني، وقرر يلبغا الناصري في نيابة دمشق، وجهز أبا يزيد الذي كان اختفى عنده لما هرب وصحبته شمس الدين الصوفي لكشف الأخبار، وكان الصوفي من العباسة - بلدة معروفة بالشرقية، وكان قد اتصل بالظاهر لما كان بالكرك، وشهد معه وقعة شقحب، وتزيا له بزي الخليفة وانتسب عباسياً فحصلت لبرقوق بذلك منه نوع مساعدة وفي رمضان نزل نعير على سرمين فثار عليه أحمد بن المهمندار في عسكر كبير من التركمان فأسروا ابنه علياً وهزموه وأرسلوا ابنه إلى كمشبغا فاعتقله.
وفي ثامن رمضان استقر ناصر الدين محمد بن رجب في شد الدواوين عوضاً عن ابن آقبغا آص.(1/399)
وفي سابع عشر رمضان استقر مجد الدين إسماعيل الكناني البلبيسي الحنفي في قضاء الحنفية عوضاً عن شمس الدين الطرابلسي بحكم عزله.
وفي العشرين من رمضان أعيد أبو الفرج إلى الوزارة وقبض على سعد الدين ابن البقري.
وفيها غلب ابن أبان التركمان على طرابلس في أثناء الفتنة بين الظاهر ومنطاش، فأرسل إليها الظاهر قرادمرداش فغلب عليها ثم نقله الظاهر إلى نيابة حلب، وأمر كمشبغا بالتوجه إلى القاهرة فاستقر بها أميراً كبيراً.
وفيها وصل رسل صاحب تونس أبي العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر الحفصي ومقدمهم محمد بن علي بن أبي هلال صحبة الركب القاصد إلى الحج، وحج معهم أبو عبد الله بن عرفة الفقيه المشهور وقد أجاز إلى المذكور بعد أن رجع من الحج في السنة المقبلة.
وفيها نازل منطاش ونعير حلبا فتحصن كمشبغا من أول رمضان إلى العشر الأخير منه فراسل نعير كمشبغا يعتذر، فبلغ ذلك منطاشاً، فأخذ حذره من نعير وخدعه بأن طلب منه جماعة من العرب يغيرون معه على بعض التركمان فأرسل معه جماعة، فلما بعدوا ونزلوا بالليل أخذ خيولهم وتوجه إلى البلاد الشمالية، وكان نعير ملّ من الحرب فأرسل يعتذر إلى السلطان ويطلب منه الأمان فقبل ذلك منه وأرسل إليه بما يرغب فيه، فسار منطاش إلى مرعش وهرب معه عنقا ابن شطى واجتاز باعزاز فانتهبها، ثم نازل منطاش عيتاب ومعه سولى بن دلغادر. وذلك في شوال فغلب عليها وأوقع فيها النهب والتخريب إلى أن تفرق أهلها شذر مذر بعد أن كان نادى لهم بالأمان، ثم غدر بهم، ثم حاصر القلعة وتحصن نائبها محمد بن شهري التركماني بقلعتها، ثم كبس على منطاش فقتل أكثر من معه، ومع ذلك فدام الحصار إلى آخر السنة إلى أن تجهز يلبغا الناصري نائب الشام ونائب حلب إليه، وقبل وصولهم بيوم هرب منطاش، وقدم محمد بن بيدمر(1/400)
الذي كان أبوه نائب الشام وسندمر رأس نوبة منطاش مستأمنين في طائفة من المنطاشية فأكرمهم السلطان.
وفيها قتل الأمير بردوباك بن ارتنا صاحب الروم واستقر بعده في مملكة الروم أبو يزيد بن عثمان.
وفي شوال عطش الحاج بعجرودا حتى بلغت القربة مائة درهم فضة، ووقع بين عمالهم العرب الكثير لما رجعوا وكان أمير الأول بيسق أمير آخور وأمير المحمل عبد الرحيم بن منكلى بغا.
وفي أواخر ذي الحجة استقر ناصر الدين ابن الحسام وزيراً عوضاً عن أبي الفرج فاستخدم الوزراء الذين كانوا قبله وهم شمس الدين المقسي وسن إبرة في نظر الدولة وفخر الدين بن مكانس وسعد الدين ابن البقري في استيفاء الدولة، وأعيد محمد بن آقبغا آص إلى شد الدواوين ونقل ناصر الدين ابن رجب إلى كشف المعاصر عوضاً عن خاله ناصر الدين ابن الحسام المذكور، وكان ابن الحسام أولاً يخدم عند سعد الدين ابن البقري دويداراً واقفاً في خدمته لما كان ناظر الخاص فانعكس الحال وصار ابن البقري تحت أمره وربما يكلمه الكلام الفض، فلله الأمر.
وفي شوال جهزت عائشة خوند أخت الملك الظاهر للحجرة الشريفة كسوة حرير منقوش بالغت في تحسينها وطرزت بابها بالزركش.
وفي رمضان توجه ابن الحسام إلى الصعيد فحصل بها الأموال السلطانية فكبس عليه ابن التركية ونهب جميع ما حصله، فبلغ ذلك السلطان فأرسل إليه عسكراً.(1/401)
وفيها اختلفت كلمة التركمان وتحزبوا أحزاباً بعد قتل قرا محمد، ووقع بينهم وقائع كثيرة إلى أن أصلح بينهم سالم الدوكاري.
وفي رمضان نزل الفرنج على طرابلس فلما أشرفوا على المينا أرسل الله عليهم ريحاً فرقت مراكبهم وغرق الكثير منهم فردوا عن طرابلس، فقصدوا البسكرية فنازلوها وبها أبو العباس صاحب تونس ففتح لهم البلد فدخلوها فقاتلهم وكسرهم بعد أن قتل منهم خلائق.
وفيها قتل صاحب تلمسان أبو حمو بن يوسف بن عبد الرحمن ابن يحيى، قتله ولده وغلب على ملكه، وكانت دولة أبي حمو إحدى وثلاثين سنة.
وفي ذي الحجة استقر قرا دمرداش في نيابة حلب نقلاً من طرابلس واستقر في طرابلس اينال ابن خجا علي وسولى بن دلغادر في نيابة الأبلستين، وتوجه كمشبغا من حلب إلى جهة القاهرة.
وفيه منع من تلبس العمامة ومن ركوب الخيل إلا الوزير وكاتب السر وناظر الخاص، وأذن لهم في ركوب البغال ونودي أن الطحانين لا يستعملون الخيل الصحاح، وكذلك الحمارة.
وفيها مات فخر الدين ابن سبع الخولى فأرسل السلطان قرقماش الخزندار إلى زفتا بلد المذكور للحوطة على ماله وكان المذكور نصرانياً فأسلم ثم وقع في واقع كما تقدم في الحوادث أولاً وثانياً فاتفق أن بعض أعدائه قتله في الحمام غيلة، فيقال إنه(1/402)
حمل من ماله ألف ألف ومائتي ألف درهم، ووجد له من الغلال والمواشي والرقيق ما يساوي ألفي ألف وكان يزرع في كل سنة ألف فدان، ويطعم كل ليلة مائة نفس، وكان قتله في جمادى الآخرة.
ذكر من مات
في سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة من الأعيان
إبراهيم بن عبد الله الواسطي أحد من كان يعتقد بالقاهرة، مات في جمادى الآخرة.
إبراهيم بن محمد بن إسماعيل الحراني الخواجا برهان الدين التاجر، سمع الصحيح على الحجار وحدث، مات في ربيع الآخر.
أحمد بن ظهيرة بن أحمد بن عطية بن ظهيرة بن محمد بن علي بن عليان بن هاشم بن مرزوق المخزومي المكي الشافعي القرشي القاضي شهاب الدين، ولد سنة ثماني عشرة وسمع من نجم الدين الطبري وعيسى الحجي والأقشهري والوادي آشي وغيرهم، وحدث وتفقه على النجم الأصفوني والعلائي وأذن له في الإفتاء، وأخذ القراآت عن البرهان المسروري مقريء مكة وتقدم في العلم، ودخل بلاد المغرب فأخذ عن بعض الشيوخ هناك ودرس وأفتى وأقرأ، ثم ولي قضاء مكة بعد أبي الفضل النويري، ثم عزل بولد أبي الفضل ومات وهو معزول في شهر ربيع الأول عن أربع وسبعين سنة، وكانت مدة ولايته سنة وتسعة أشهر، وكان جليلاً مهاباً وقد ولي قضاء مكة بعده ابن أخيه الشيخ جمال الدين ثم ولده أبو البركات بن الشهاب ثم ولده أبو السعادات.(1/403)
أحمد بن عبد الله بن فرحون المدني المالكي قاضي المدينة، مات في رمضان.
أحمد بن موسى بن علي شهاب الدين ابن الحداد الزبيدي الحنفي، كان عارفاً بالفرائض، مات في ذي الحجة.
إسماعيل بن حاجي الهروي شرف الدين الفقيه كان من العلماء الشافعية ببغداد في المستنصرية، ودرس في الحاوي، ثم قدم دمشق في حدود السبعين، فأفاد بها بالجامع وغيره ودرس بالمعينية وغيرها، وكان ديناً خيراً تصدق بما يملكه في مرض موته، ومات في صفر.
آقبغا بن عبد الله الجوهري اليلبغاوي قتل في وقعة حمص وقد قارب الستين، وكان كثير المعرفة يذاكر بمسائل فقهية مع حدة خلق.
الطنبغا بن عبد الله الجوباني التركي أحد كبار الأمراء تنقل في الولايات إلى أن قتل بدمشق وهو نائبها، وكان يحب العلماء خصوصاً الأدباء ويجمعهم عنده ويسمع كلامهم ويختبر مدائحهم.
خليل بن إبراهيم الحافظي روى عن أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم وغيره وحدث وتفرد، مات في ربيع الأول.
سرحان بن عبد الله الفقيه المالكي كان عارفاً بمذهبه، مات في ذي الحجة بالقاهرة وكان أكولاً مشهوراً بذلك.
عبد الرحمن بن إسماعيل بن عمر بن كثير البصروي ثم الدمشقي، كتب الكثير بخطه من تصانيف أبيه وكان بزي الجند، وقد ذيل على تاريخ أبيه قليلاً، مات في ذي القعدة.
عبد المؤمن بن أحمد بن عثمان المارداني ثم الدمشقي الشافعي، قدم دمشق فاشتغل(1/404)
ومهر واستنابه التاج السبكي في إمامة الجامع والخطابة فاستمر ينوب في ذلك إلى أن مات، وكان ديناً خيراً ملازماً للجامع يشغل الطلبة، مات في ربيع الآخر.
عثمان بن عبد الله الأبار نزيل جامع عمرو بن العاصي، كان أحد من يعتقده المصريون، مات في رجب.
علي بن خلف بن كامل بن عطاء الله الشافعي الغزي قاضي غزة، ولد سنة تسع وسبعمائة وحدث عن الحجار بالصحيح سماعاً وأخذ عنه الرحالة، وسمع من أبي بكر بن عنبر وزينب بنت يحيى بن عبد السلام وغيرهما، وتفقه على أخيه الشيخ شمس الدين صاحب ميدان الفرسان وعلى العماد الحسباني وغيرهما، وولي قضاء غزة فرأس بها، قرأت في تاريخ ابن حجي: كان له اشتغال قديم بدمشق وأخذ عن ابن الفركاح وهو أسن من أخيه ويقال إن أخاه قرأ عليه أولاً وكذلك العماد الحسباني، وكان يفتخر بذلك ثم تقدما وتأخر هو ومات بغزة في أحد الربيعين، ويقال في جمادى الأولى ويقال في صفر ويقال في شعبان، وسمع أيضاً من زينب السلمية.
علي بن عبد الله المغربل أحد من كان يعتقد بالقاهرة، مات في جمادى الأولى بزاويته التي بالقرب من المقس.
علي بن أبي علي الجعيدي سلطان الحرافيش، مات في سادس عشر جمادى الأولى ولم يأت بعده في فنه مثله.
عمر بن سعيد بن عمر بن بدر بن مسلّم بن سعيد الكتاني - بالمثناة المشددة ثم النون - زين الدين القرشي البلخي الأصل القبيباتي، ولد سنة أربع وعشرين وسبعمائة واشتغل كثيراً وسمع الكثير وعني بالحديث والفقه والأصول والعربية وكان يعمل المواعيد وللناس فيه محبة واعتقاد وقد امتحن مرة بسبب المذهب التيمي كما تقدم في الحوادث، ثم امتحن بصحبة ولده لمنطاش وكان مسجوناً بقلعة دمشق في جمادى الآخرة.(1/405)
قرأت بخط المحدث برهان الدين: بحلب اجتمعت به فوجدته عالماً كثير الاستحضار في فنون منها التفسير والفقه والأصول يحفظ متوناً كثيرة جداً وألفاظ التفسير كما هي ويجود غرائب من المتون وزيادات غريبة يعزوها ويعرف أسماء الرجال وطبقاتهم ويتكلم في الصحيح والضعيف ولم يكن عنده مكر ولا غش مع الدين والخير وملازمة السنة.
وقرأت في تاريخ ابن حجي: ورد إلى دمشق بعد الأربعين فنزل القبيبات وقرأ وأخذ عن خطيب جامع جراح شرف الدين قاسم وعن البهاء الإخميمي واشتغل بعلم الحديث وبعمل المواعيد النافعة للعامة والخاصة حتى إن كثيراً من العوام انتفعوا به وصارت لديهم فضيلة مما استفادوا منه، وكان مع ذلك يتصدى للإفتاء والإفادة ودرس بالمسرورية والناصرية، ولما ولي القاضي برهان الدين بن جماعة وقع بينهما بسبب الناصرية ووكل به لاستعادة المعلوم مدة، فذهب إلى مصر فردوه من الطريق وسجن بالقلعة ثم اصطلح مع ابن جماعة وعوضه الأتابكية ثم لما ولي ولده القضاء أعطاه الخطابة والناصرية والأتابكية ودار الحديث الأشرفية، فلما عادت دولة الظاهر أخذ وسجن بالقلعة وكان التاج السبكي هو الذي أدخله بين الفقهاء فلما امتحن تاج الدين كان هو أشد من قام عليه، وكان مشهوراً بقوة الحافظة ودوام المحفوظ، قل أن ينسى شيئاً حفظه، وكان كثير الإنكار على أرباب التهم، شجاعاً مقداماً كثير المساعدة لطلبة العلم لا يحابي ولا يداهن، واقتنى من الكتب النفيسة شيئاً كثيراً وكان لا يمل من الاشتغال، مات في ثالث عشر ذي الحجة مسجوناً بقلعة دمشق.(1/406)
محمد بن أحمد بن علي المصري شمس الدين المعروف بالرفاء، عني بالعلم قليلاً. وسمع الحديث فأكثر وسمع العالي والنازل وجاور كثيراً فكان يلقب حمامة الحرم وكان يسكن الناصرية بين القصرين، صحبته قليلاً، ومات في جمادى الأولى.
محمد بن أحمد بن عمر بن عبد الكريم بن محبوب فخر الدين ابن مجد الدين سبط شرف الدين ابن الحافظ، سمع من يحيى بن سعيد وابن الشحنة والتقي ابن تيمية وغيرهم، وكان مكثراً من الحديث وقد تفقه على جده وأذن له في الإفتاء وكان فاضلاً ذكياً يتعانى كل شيء يراه حتى الخياطة والنجارة والبناء والموسيقى مع حسن الشكالة ولطف المعاشرة ورقة النظم، مات في ربيع الأول عن ثمان وثمانين سنة.
محمد بن إسماعيل الافلاقي المالكي، كان فاضلاً ينظم الشعر نظماً وسطاً، مات في سادس جمادى الأولى.
محمد بن بلبان الناصري ابن المهمندار أحد أكابر الأمراء بحلب، ثم ولاه الظاهر برقوق نيابة القلعة، فلما خامر يلبغا الناصري على الظاهر سلمه ابن بلبان القلعة، ثم لما غلب الناصري ومنطاش على الملك وسجن الملك الظاهر برقوق وثار منطاش على الناصري صادر ابن بلبان هذا على مال كثير ثم قتله في هذه السنة وخلف ولدين: أحمد ولي نيابة حماة بعد ذلك ومحمداً كان حاجباً بحلب.
محمد بن عبد الله ابن أبي بكر الحثيثي - بمهملة ومثلثتين مصغر الصردفي جمال الدين الريمي - بفتح الراء بعدها تحتانية ساكنة - نسبة إلى ريمة ناحية اليمن - اشتغل بالعلم وتقدم في الفقه فكانت(1/407)
إليه الرحلة في زمانه، وصنف التصانيف النافعة، منها شرح التنبيه في أربعة وعشرين سفراً أثابه الملك الأشرف على إهدائه إليه أربعة وعشرين ألف دينار ببلادهم يكون قدرها ببلادنا أربعة آلاف مثقال ذهباً، وله " المعاني الشريفة " و " بغية الناسك في المناسك " و " خلاصة الخواطر " وغير ذلك، ولي قضاء الأقضية بزبيد دهراً من ذي الحجة سنة تسع وثمانين إلى أن مات في أواخر المحرم، وقيل في أول صفر، قال لي الجمال المصري: كان الريمي كثير الازدراء بالنووي، فرأيت لسانه في مرض موته وقد اندلع واسود فجاءت هرة فخطفته فكان ذلك آية للناظرين، رب سلم.
محمد بن عبد الله الصرخدي شمس الدين كان عارفاً بأصول الفقه، مات بدمشق، وكان قد أخذ عن العنابي في العربية وتفنن حتى صار أجمع أهل دمشق للعلوم، فأفتى ودرس وشغل وصنف، وكان يقال إن قلمه أقوى من لسانه، وكان متقللاً لم يتفق أنه حصل له شيء من المناصب إلا أنه تصدر بالجامع وناب في عدة مدارس عن الصبيان الذين تقرروا مدرسين بغير تأهل، وكان شديد التعصب للأشعرية. كثير المعاداة للحنابلة، وله اختصار إعراب السفاقسي واعترض عليه في مواضع وشرح المختصر في ثلاثة أسفار واختصر قواعد العلائي ومهمات الأسنوي، وكان كثير العيال مقلاً من الدنيا، مات في ذي القعدة.
محمد بن علي بن محمد بن محمد بن أبي العز الحنفي الصالحي ابن الكشك صدر الدين ابن علاء الدين، اشتغل قديماً وتمهر، ودرس وأفتى وخطب بحسبان مدة ثم ولي قضاء دمشق في المحرم سنة تسع وسبعين، ثم ولي قضاء مصر(1/408)
بعد ابن عمه فأقام شهراً ثم استعفى ورجع إلى دمشق على وظائفه، ثم بدت منه هفوة اعتقل بسببها، ثم مات في هذه السنة بعد أن أقام مدة فقيراً خاملاً إلى أن جاء الناصري فرفع إليه أمره فأمر برد وظائفه إليه، فلم تطل مدته بعد ذلك، ومات في ذي القعدة.
محمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن فلاح الإسكندراني ثم الدمشقي شمس الدين ابن شرف الدين، سمع من الحجار وحدث، وكان ينسب إلى غفلة.
محمد بن محمد بن عمر الأنصاري البلبيسي صلاح الدين، نزيل مصر، سمع صحيح مسلم على الشريف الموسوي موسى بن علي بن أبي طالب والعز محمد بن عبد الحميد وتفرد به عنهما بالسماع، وقد تأخر بعده رفيقه محمد بن ياسين لكنه كان حاضراً، وقد اجتمعت بصلاح الدين هذا مراراً، وأشك هل سمعت عليه شيئاً أو أجازني أم لا؟ مات في رمضان عن سبع وثمانين سنة.
محمد بن موسى بن محمد بن سند بن تميم اللخمي الدمشقي المحدث شمس الدين، ولد في ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وسبعمائة، وعني بالحديث وطلب من سنة بضع وأربعين، فسمع من فاطمة بنت العز خاتمة أصحاب إبراهيم بن خليل ومن جماعة من أصحاب ابن عبد الدائم، وصنف وخرج وكتب العالي والنازل وعنده عن أبي الفتح الميدومي ومن بعده كابن الملوك وأحمد بن المظفر، وكان يقول إنه تخرج به وأخذ أيضاً عن الذهبي، وذكره في المعجم المختص وهو آخر من ذكر فيهم وفاة وكان حسن القراءة جداً مع الذكاء المفرط، وله محفوظات، وأخذ العربية عن المراكشي، وأذن له في الإقراء في العربية سنة خمسين، وصحب العلائي وابن كثير والسبكي، وأخذ أيضاً عن شرف الدين خطيب جامع جراح وناب عن بعض القضاة(1/409)
الشافعية كالتاج السبكي، وكان شديد اللزوم له وقارئاً لتصانيفه في دروسه، وناب عنه في مشيخة دار الحديث الأشرفية وغيرها، ثم تحول مالكياً، فناب عن بعض المالكية ثم رجع، فناب عن ولي الدين ابن أبي البقاء، ومات شافعياً في خامس صفر، ووهم من أرخه سنة إحدى، وهو القائل:
الحافظ الفرد إن أحببت رؤيته ... فانظر إلي تجدني ذاك منفردا
كفى لهذا الدليل أنني رجل ... لولاي أضحى الورى لم يعرفوا سننا
أنشدناه عنه شرف الدين القدسي.
وقرأت بخط البرهان المحدث أنه اختلط قبل موته بسنة بسبب مرض طال به اختلاطاً فاحشاً، قال: وكان عالماً، له يد في النحو والحديث، حسن الشكل، كيساً، متواضعاً، لين الجانب، وكان يعمل الميعاد فيسرده من غير تلعثم ويعمل أشياء حسنة.
وقرأت بخط ابن حجي أنه تغير في آخر عمره تغيراً شديداً، ونسي بعض القرآن، فكان يقال إن ذلك لكثرة وقيعته في الناس.
موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمر اسن التلمساني من بني عبد الواد بطن من زناتة يكنى أبا حمو، وهو بها أشهر، ملك تلمسان بعد أبيه، وجرت له مع جماعة حروب وخطوب مع ولده أبي تاشفين، وقد ذكرت بعضها في الحوادث، وكان قتله في ثالث المحرم هذه السنة.
يعقوب بن عيسى الأقصراي شرف الدين ثم الدمشقي ولد سنة عشرين، وسمع من الحجار والمزي وغيرهما، وحدث وخطب ودرس وناب في الحكم، وكان رجلاً خيراً، مات في دمشق في ذي الحجة.(1/410)
سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة
في صفر حضر كمشبغا من حلب فأمر السلطان بتلقيه.
وفي المحرم احتال الناصري وايتمش فأظهرا التنافس وألبس الناصري مماليكه وأظهر الخروج عن طاعة السلطان وأمر مناديه فنادى: من كان من جهة منطاش فليحضر، فحضر إليه ألف ومائتا نفس فقبض عليهم وسجنهم.
وفيها توجه منطاش في جمادى الآخرة من مرعش إلى العمق، ثم سار منها إلى سرمين ثم إلى حماة ثم إلى حمص ثم إلى بعلبك، فبلغ ذلك الناصري فخرج إليه من طريق الزبداني فخالفه منطاش إلى دمشق، فنزل القصر الأبلق، وذلك في رجب، وسار أحمد شكر بجماعة البيدمرية ودخل دمشق من باب كيسان، ولاقى منطاش بالخيول، فرجع الناصري فاقتتلا قتالاً كثيراً، وكاتب الناصري السلطان يستحثه على الوصول لدمشق، فاتفق خروج السلطان في العساكر في أواخر شعبان إلى أن بلغ دمشق في رمضان، فلما قرب من دمشق هرب منطاش، فدخل في العشر الأخير من رمضان، ثم توجه إلى حلب فدخلها في العشر الأخير من شوال، وكان الناصري في أول السنة أظهر الخروج عن طاعة السلطان ونادى: من كان من جهة منطاش فليحضر إلي أستخدمه، فحضر إليه أكثر من ألف نفس فحبسهم، فلما بلغ السلطان ذلك شكره، وكان طروق منطاش البلاد الشامية في جمادى الآخرة، فأول ما طرق سرمين، فبلغ ذلك نائب حماة فخاف منه فهرب فدخل حماة بغير قتال، ثم كثر جمعه فتوجه إلى(1/411)
حمص، فهرب صاحبها إلى دمشق، فملكها أيضاً ثم توجه إلى دمشق، فلما وصل إلى بعلبك هرب نائبها أيضاً، فدخلها بغير قتال ولم يشوش على أحد من أهل هذه البلاد، ثم توجه إلى دمشق فخرج إليه الناصري بعساكر دمشق من جهة الزبداني، وكان منطاش قد توجه إلى جهة طرابلس فخالف شكر أحمد التركماني، وكان من جهة منطاش الطريق التي توجه منها الناصري في العسكر، فدخل دمشق فالتفت عليه جماعة من البيدمرية فأخذ منها خيولاً كثيرة وتوجهوا بها إلى منطاش، فقوي بهم ورجع إلى دمشق من طريق أخرى ونزل القصر الأبلق، وبلغ ذلك الناصري فرجع وحاصره بدمشق ودام القتال بينهما وقتل من الطائفتين جماعة ونهبت دور كثيرة وخربت، فلما طال الحصار ترك منطاش دمشق وتوجه إلى بعلبك، فوصل نعير فيمن معه من العرب والتركمان فقاتل الناصري وكاتب السلطان واستحثه على المجيء إلى الشام، فخرج في العساكر واستخلف في غيبته كمشبغا في الاصطبل وسودون النائب بالقلعة والصفوي حاجب الحجاب، واستصحب معه الخليفة والقضاة والمباشرين وجماعة من القضاة والمباشرين المعزولين، فوصل دمشق في الثاني والعشرين من شهر رمضان، فدخل في طاعته جميع المخالفين من العرب والتركمان ولم يشهر في وجهه سيف، وكان يلبغا الناصري التقاه فترجل له السلطان وأركبه من مراكيبه الخاصة وصلى الجمعة ثاني يوم قدومه، ونادى في البلد بالأمان وأن الماضي لا يعاد، فكثر الدعاء له، وولي القاضي شهاب الدين الباغوني قضاء الشام والخطابة وعزل الزهري وكان بدر الدين ابن أبي البقاء أخذ الخطابة عن سري الدين، فلما دخل الناصري مصر وغلب على المملكة نزل عنها ابن أبي البقاء لابن القرشي فأضافها إلى القضاء، فلما عزل منطاش ابن القرشي عن القضاء وولاه الزهري استمر حتى دخل برقوق دمشق فعزله، وولى الباغوني(1/412)
وأرسل إليه نعير بالطاعة والاعتذار عما جرى منه والتزم له بإحضار منطاش بعد أن طلب لنفسه الأمان ولأصحابه فأجيب سؤاله، ووصل إليه رسول سولى بن دلغادر يتنصل من الذي جرى منه وأرسل هدية جليلة، منها مائتا اكديش واستناب في قلعة دمشق سودون باق فظلم الناس بالمصادرة وسفك الدماء فلم يفلح وقتل بعد ذلك، وبرز السلطان إلى برزة في سابع شوال، وسار في تاسعه طالباً للبلاد الحلبية، وقرر فخر الدين ابن مكانس وزيراً بالشام فوصل إلى حلب في الثاني والعشرين منه فقرر بدر الدين ابن فضل الله في كتابه السر عوضاً عن علاء الدين الكركي بحكم ضعفه وكان استصحب ابن فضل الله معه بطالاً، وأمر الكركي بالعود إلى دمشق فأقام بها متمرضاً من أول غيبة السلطان في سفرته إلى حلب، فلما عاد وجده على حاله من الضعف فتوجه صحبته إلى مصر فاستمر بها ضعيفاً إلى أن مات، ووصل إلى السلطان كتاب من صاحب ماردين يتضمن أنه اجتمع عنده ثلاثة عشر أميراً من الأشرفية وجملة من المماليك فجهز إليه اينال اليوسفي فتسلمهم وأحضرهم صحبته بعد أيام قلائل وكان كبيرهم قشتمر الأشرفي فشكر السلطان ذلك لصاحب ماردين، ووصل أيضاً كتاب من سالم الدوكاري التركماني يخبر السلطان الظاهر أن منطاش في قبضته فجهز السلطان دمرداش نائب حلب في جريدة من إحدى الجهات وجهز يلبغا الناصري نائب دمشق في جريدة أخرى من جهة أخرى، فوصل دمرداش إلى سالم وأقام عنده أربعة أيام
يماطله في تسليم منطاش، فلما طال عليه الأمر ركب عليه ونهب بيوته وقتل جماعة من أصحابه فهرب سالم ومنطاش إلى جهة سنجار ثم قدم يلبغا الناصري بعد الهزيمة، فتفاوض هو ودمرداش إلى أن غضب الناصري وجرد الدبوس على دمرداش ثم أصلح الحاضرون بينهما فرجعا إلى السلطان فأخبره دمرداش بأن الناصري هو الذي كاتب منطاش أولاً حتى حضر إلى دمشق وأنه هو الذي يخذل عنه في أول الأمر وآخره وأحضر إليه كتاباً من عند سالم التركماني أن الناصري أرسل إليه يعرفه فيه أنه لا يسلم منطاش ولا يخذله ويقول فيه بأنه ما دام موجوداً فنحن موجودون، فلما وقف السلطان على ذلك خلا بالناصري فعاتبه على ذلك عتاباً كثيراً، ثم أفضى به الأمر إلى أن أمر بذبحه، فذبح بحضرته، وذلك في ذي القعدة، ثم تتبع جماعة من أصحابه بالقتل والحبس، منهم أحمد بن المهمندار نائب حماة وقرر في نيابة دمشق بطا الدويدار، وفي نيابة حلب جلبان عوضاً عن قرا دمرداش، واستصحب قرا دمرداش إلى القاهرة، وفي نيابة طرابلس فخر الدين إياس، وفي نيابة حماة دمرداش المحمدي، واستقر أبو يزيد دويداراً عوضاً عن بطا، ثم رجع السلطان إلى دمشق فدخلها في ثالث عشر ذي الحجة، فقتل بها جماعة من الأمراء، منهم أحمد بن بيدمر، وكان شاباً حسن الشكل فحزن عليه جميع من بدمشق، ومحمد بن أمير علي المارداني، وكمشبغا المنجكي، وقرابغا الأشرفي وغيرهم، وخرج منها في ثالث عشرين ذي الحجة متوجهاً إلى القاهرة. طله في تسليم منطاش، فلما طال عليه الأمر ركب عليه ونهب بيوته وقتل جماعة من أصحابه فهرب سالم ومنطاش إلى جهة سنجار(1/413)
ثم قدم يلبغا الناصري بعد الهزيمة، فتفاوض هو ودمرداش إلى أن غضب الناصري وجرد الدبوس على دمرداش ثم أصلح الحاضرون بينهما فرجعا إلى السلطان فأخبره دمرداش بأن الناصري هو الذي كاتب منطاش أولاً حتى حضر إلى دمشق وأنه هو الذي يخذل عنه في أول الأمر وآخره وأحضر إليه كتاباً من عند سالم التركماني أن الناصري أرسل إليه يعرفه فيه أنه لا يسلم منطاش ولا يخذله ويقول فيه بأنه ما دام موجوداً فنحن موجودون، فلما وقف السلطان على ذلك خلا بالناصري فعاتبه على ذلك عتاباً كثيراً، ثم أفضى به الأمر إلى أن أمر بذبحه، فذبح بحضرته، وذلك في ذي القعدة، ثم تتبع جماعة من أصحابه بالقتل والحبس، منهم أحمد بن المهمندار نائب حماة وقرر في نيابة دمشق بطا الدويدار، وفي نيابة حلب جلبان عوضاً عن قرا دمرداش، واستصحب قرا دمرداش إلى القاهرة، وفي نيابة طرابلس فخر الدين إياس، وفي نيابة حماة دمرداش المحمدي، واستقر أبو يزيد دويداراً عوضاً عن بطا، ثم رجع السلطان إلى دمشق فدخلها في ثالث عشر ذي الحجة، فقتل بها جماعة من الأمراء، منهم أحمد بن بيدمر، وكان شاباً حسن الشكل فحزن عليه جميع من بدمشق، ومحمد بن أمير علي المارداني، وكمشبغا المنجكي، وقرابغا الأشرفي وغيرهم، وخرج منها في ثالث عشرين ذي الحجة متوجهاً إلى القاهرة.
ذكر بقية الحوادث
الكائنة في هذه السنة
في المحرم أمسك أبو الفرج موفق الدين الوزير وصهره سعد الدين ابن البقري فصودرا.
وفي ثامن صفر أمر الظاهر بهدم سلالم البوابة التي لمدرسة السلطان حسن والبسطة التي قدام الباب إلى العتبة، وقفل الباب وسد من داخله وأمر بفتح شباك مقابل باب الإصطبل(1/414)
وجعل باباً إلى المدرسة فصار الناس يستطرقون منه، وكان أحد قاعات المدرسين، وسدت الطرق إلى الأسطحة والمؤاذن وأبطل الأذان على المنارتين، وجعل على الباب الذي فتح، كل ذلك لما حدث من منطاش ومن بعده من اتخاذهم المدرسة المذكورة عدة لمن يحاصر القلعة، ودام ذلك دهراً طويلاً إلى أن أمر الأشرف قبل الثلاثين وثمانمائة بفتح الباب الكبير وإعادة السلم والبسطة فأعيد جميع ذلك.
وفيه ضرب حسين بن باكيش بالمقارع، واستمر في الحبس إلى أن وسط في شعبان، واستقر يلبغا المجنون كاشف الوجه القبلي، وضرب القاضي شمس الدين بن الحبال قاضي طرابلس تأديباً بسبب فتيا أفتى بها لمنطاش في حق السلطان.
وفي ثالث عشر ربيع الأول توجه يلبغا السالمي على البريد لتقليد نعير إمرة العرب، فسمع في هذه السفرة على أبي هريرة ابن الذهبي الأربعين التي أخرجها له أبوه، وحدث بها بعد ذلك.
وفي رابع جمادى الأولى وصل ايتمش من دمشق إلى القاهرة، فتلقاه نائب السلطنة وأكرمه السلطان ومن دونه، ووصل صحبته جمع كثير من الأمراء المسجونين بدمشق الذين كانوا قد خرجوا عن الطاعة وقاتلوه ومنعوه من دخول دمشق وأساؤا في حقه، منهم آلابغا الدوادار وجنتمر أخوطاز، وأمير ملك بن أخت جنتمر، ودمرداش اليوسفي وتمام سنة وثلاثين أميراً فسجنوا، ثم أطلق منهم جبريل الخوارزمي بشفاعة نعير، ووصل صحبته أيضاً(1/415)
شهاب الدين أحمد بن عمر القرشي قاضي دمشق، وفتح الدين ابن الشهيد كاتب السر بها، وتاج الدين مشكور ناظر الجيش بها، الثلاثة في الترسيم والجميع في القيود، فصودر ناظر الجيش على مال وأطلق وسجن القاضي وكاتب السر، وكان ابن القرشي أفحش في أمر الظاهر جداً حتى كان يقف على الأسوار ويصيح: إن قتال برقوق أوجب من صلاة الجمعة! ثم قدم جبريل الخوارزمي فاراً من منطاش فأكرمه السلطان، ثم قبض عليه وعلى كثير من الأمراء وقتل أكثرهم توسطاً وخنقاً.
وفيه استقر قطلوبغا الصفوي حاجب الحجاب.
وفيه شرع في عمارة الوكالة الظاهرية بجوار وكالة قوصون.
وفي جمادى الآخرة استقر كمال الدين ابن العديم قاضي العسكر بحلب عوضاً عن جمال الدين بن الحافظ بحكم استقراره في قضاء حلب عوضاً عن محب الدين ابن الشحنة، والبرهان الشاذلي المالكي في قضاء دمشق عوضاً عن البرهان القفصي.
وفيه قبض على جماعة من الأمراء الذين كان هواهم مع منطاش فسلموا للوالي فسمرهم، ثم أمر بتوسيطهم فوسطوا منهم: اسندمر اليونسي وآقبغا الظريف، وصربغا وإسماعيل التركماني وكزل القرمى في آخرين.
وفي نصف جمادى الآخرة ادعى رجل عجمي على القاضي شهاب الدين ابن القرشي قاضي دمشق بين يدي السلطان بأن له في جهته مالاً فأحضره السلطان من البرج فأنكر الدعوى(1/416)
فلم يحتج خصمه إلى إقامة بنية بل أمر السلطان بضربه فضرب بحضرته بالمقارع نحو الخمسين شيباً وسلم للوالي وكان قد بالغ في الإساءة على الظاهر لما حاصر دمشق فحقد عليه فأمر الوالي بضربه عنده فكرر عليه الضرب مرات، وبالغ في إهانته وآل أمره إلى أن ضرب بالمقارع مرة نحو المائتي شيب - ثم حبس فمات بعد قليل، قيل إنه خنق وادعى جمال الدين الهذباني على أمير ملك بن جنتمر قريب بيدمر بمال فأمر السلطان بضربه، فضرب بين يديه بالمقارع وتسلمه الوالي - فمات في يده.
وفي هذا الشهر استقر قاسم ابن كمشبغا أمير طبلخاناة وهو ابن سبع سنين أو نحوها.
وفيه تتبع الوالي المماليك الأشرفية ممن كان مع بركة ثم منطاش فأفناهم قتلاً وخنقاً، فمن قتل صرى تمر نائب الغيبة لمنطاش وتكا الأشرفي ودمرداش اليوسفي ودمرداش القشتمري وعلي الجركتمري وجنتمر أخو طاز الذي كان نائب الشام في أيام منطاش وتقطاي الطواشي الطشتمري الرومي أحد الشجعان، ضربت رقابهم بالصحراء ظاهر القاهرة.
وفي شعبان أيضاً قتل فتح الدين ابن الشهيد كاتب السر أحد الفضلاء، رحمه الله وقتل حسين ابن الكوراني بخزانة شمائل في هذا الشهر أيضاً، وممن قتل أيضاً أحمد ومحمد ابنا بيدمر وأحمد ابن محمد بن المهمندار وأرغون شاه وآقبغا المارداني وآقبغا الدباج وآلابغا العثماني.(1/417)
وفي نصف رجب ادعى عند الركراكي قاضي المالكية بحضرة بتخاص الحاجب بالصالحية على الطنبغا الحلبي والطنبغا دويدار جنتمر بأمور تقتضي الكفر، فحكم القاضي بإراقة دمهما، فضربت أعناقهما بين القصرين.
وفي نصف شعبان استقر جمال الدين المحتسب في قضاء الحنفية عوضاً عن شيخنا مجد الدين إسماعيل بن إبراهيم الكناني، فكانت مدة مباشرته دون السنة.
وفي ثالث شعبان استقر شمس الدين ابن الجزري في قضاء الشافعية بدمشق وكتب توقيعه بالقاهرة، وخرج مع العسكر عوضاً عن مسعود، ثم فتر أمره فإن السلطان لما دخل دمشق سعى مسعود وأعيد.
وفي رمضان استقر بهاء الدين ابن البرحي في الحسبة عوضاً عن نجم الدين الطنبذي.
وفيه أمر كمشبغا نائب الغيبة أن لا يخرج النساء إلى الترب بالقرافة وغيرها، وشدد في ذلك، ومنع المتفرجين في الشخاتير، وهدد على ذلك بالتغريق والتوسيط، فحصل لأهل الخير بذلك فرح، ولأهل الشر بذلك ترح، ثم منع النساء من لبس القمصان الواسعة الأكمام، وشدد في ذلك إلى أن رتب ناساً يقطعون أكمام من يوجد أكمامها واسعة، وساس الناس سياسة حسنة حتى لم يتمكن أحد في مدة مباشرته الحكم في هذه الغيبة أن يتظاهر بفسق ولا فجور من هيبته.(1/418)
وفي شوال نازل ابن عثمان قيسارية فملكها.
وفيها سافرت إلى قوص وغيره من بلاد الصعيد ولم أستفد منها شيئاً من المسموعات الحديثية بل لقيت جماعة من أهل العلم، منهم ناصر الدين قاضي هو وابن السراج قاضي قوص وجماعة من أهل الأدب، سمعنا من نظمهم.
وفيها مات فير حسن الذي كان تأمر على التركمان بعد قتل قرا محمد، وأقاموا بعده ابنه حسين بك.
وفيها كمل تعمير المدرسة الفخرية.
وفيها مات عمر بن يحيى الأرتقي من أولاد الملوك بماردين بحصن كيفا، وكان قد لجأ إلى العادل بحصن كيفا وأقام عنده مغاضباً لابن عمه، فمات في هذه السنة.
وفي ثامن عشر المحرم بعد موت صدر الدين بن رزين استقر العراقي في تدريس الظاهرية العتيقة، والقاياتي في الحكم بايوان الصالحية.
وفي تاسع صفر قدم كمشبغا من حلب فتلقاه النائب فهاداه السلطان فمن دونه بشيء كثير جداً، وحضر صحبته حسن الكجكني.
وفي تاسع عشر صفر استقر يلبغا المحنون كاشف الوجه القبلي.(1/419)
وفي آخر صفر أحضر شهاب الدين أحمد بن محمد بن الحبال قاضي الحنابلة بطرابلس، وضرب بين يدي السلطان الظاهر بسبب قيامه مع منطاش وفتواه لأهل طرابلس بقتال الظاهر، وأمر بسجنه ثم شفع فيه فأطلق، وقد ولى هذا قضاء الشام في دولة الملك الظاهر ططر بعناية علم الدين ابن الكويز كاتب السر إذ ذاك بصحبته إياه من طرابلس.
وفيها قدم رسول سولى بن دلغادر بهدية ومفاتيح سيس وكتاب اعتذار عن أخذها، ويسأل عمن يسلمها له.
وفي شوال أعيد ابن فضل الله إلى كتابة السر واستقر ناصر الدين محمد الفاقوسي في توقيع الدست عوضاً عن ناصر الدين محمد بن علي بك الطوسي.
وفيها أرسل السلطان الشيخ شمس الدين الصوفي ناظر المارستان يستكشف أخبار منطاش، فوصل إلى حلب ورجع في ربيع الأول فأخبر أن منطاش توجه إلى صنبوا شارداً من العساكر.
وفيها في جمادى الآخرة ادعى شخص مسخرة عند السلطان على أمير يلك بن أخت جنتمر أخو طاز بأنه غرمه ستمائة ألف درهم وأغرى به منطاش حتى ضربه بالمقارع فأمر به الظاهر فجرد وضرب بالمقارع نحو المائتي شيب وسلمه لوالي القاهرة فأرسل إلى الخزانة ودس عليه من خنقه، فمات في ليلته ليلة خامس عشرية.
وفي جمادى الآخرة منها ظهر كوكب كبير بذؤابة طول رمحين أو ثلاثة رماح، قليل النور، فصار يظهر من أول الليل إلى أن يغيب نصف الليل، وكان قد ظهر مثله في سنة(1/420)
ثمان وسبعين في أواخر دولة شعبان، فتفاءل بعض الناس بذلك على الظاهر فلم يؤثر فيه.
وأوفى النيل عاشر مسرى وانتهت زيادته إلى أصبع من عشرين.
وفي هذه السنة كثر تتبع السلطان لعرب الزهور، وكانوا قد أفسدوا في الشرقية وبالغوا في ذلك، وأحضر ابن فضالة شيخ عرب الزهور فضرب بحضرته بالمقارع، وأحضر خالد بن بغداد، فضرب بين يديه بالعصي، فشفع فيه بكلمش أمير آخور فرده، ثم عاد فغضب منه وضربه بالنمجاة ضربتين وأمر بإمساكه فأمسك، ثم شفع فيه الأمراء آخر النهار فأطلقه واستمر على إمرته.
وفي شعبان قبض على محمد بن آقبغا آص شاد الدواوين وسلم لابن الطبلاوي لعصارة فبالغ في عقوبته، واستمر في شد الدواوين ناصر الدين محمد بن رجب، وسار صحبة العسكر فأعيد إلى القاهرة وعلى يده مثال إلى محمود الاستادار، فإذا المثال يتضمن أن يقبض عليه ويلزمه بوزن مائة وستين ألف درهم، فقبض عليه فحمل سبعين ألفاً.
وفي رمضان وسط أحمد بن علي البشلاقي والي قطية.
وفي سادس عشرين شوال استقر الشريف شهاب الدين أحمد بن محمد بن حسين بن حيدر ابن بنت عطاء في حسبة مصر.(1/421)
وفيها غلب أبو يزيد بن عثمان على قيسارية.
وفيها أمر الظاهر أن يعزل جميع ولاة الأعمال بالريف وأن لا يولى عليها أحد ممن كان قد تولى، فاختار سودون النائب ثلاثة أنفس فولاهم بغير رشوة، فاستقر شاهين الكلفتي في الغربية، وطرقجي في البهنسا، وقجماس في المنوفية، واستقر يلبغا المجنون نائب الوجه القبلي، وأسنبغا السيفي والي الفيوم وكشف البهنسا، وتقطائي الشهابي والي الأشمونين، ودمرداش السيفي نائب الوجه البحري.
ذكر من مات
في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة من الأعيان
أحمد بن آل ملك بن عبد الله الجوكندار، تأمر في أيام الناصر الكبير، ثم تقدم في سلطنة حسن، ثم تنقل في الولايات بغزة وغيرها، ثم رمى الإمرة في سنة تسع وسبعين ولبس بالفقيري وصار يمشي في الطرقات، وحج كثيراً وجاور إلى أن توفي في جمادى الآخرة.
أحمد بن زيد اليمني الفقيه أحد المصلحين في بلاد المخلاف، سخط عليه الإمام صلاح الدين بن علي في قصة جرت له فأمر بقتله فبلغه ذلك فحمل المصحف مستجيراً به على رأسه فلم يغن عنه ذلك، وقتل في تلك الحالة فأصيب الإمام بعد قليل، فقيل كان ذلك بسببه.
أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن خير المالكي، ولي الدين، ولد قاضي القضاة، قرر في بعض وظائف أبيه بعد موته، منها درس الحديث بالشخيونية، ومات شابا في جمادى الآخرة.
أحمد بن عبد الله الدمنهوري شهاب الدين ابن الجندي أحد الفضلاء المشهورين بالخير، تقدم ما جرى له مع برقوق في الحوادث وكان معظماً عند أهل بلده وغيرهم.(1/422)
أحمد بن عمر بن مسلم بن سعيد بن عمرو بن بدر بن مسلم القرشي الدمشقي القاضي شهاب الدين ابن الشيخ زين الدين، كان فاضلاً، تشاغل بالوعظ على طريقة أبيه، وكان العوام يعجبون به جداً ويعتقدونه، ثم ولي قضاء الشام في أيام الناصري لأنه كان ممن يعتقده، فلما حاصر الظاهر دمشق قام القرشي في صده عنها، وحرض عليه العامة، ثم قبض عليه منطاش وسجنه، فلما ظفر الظاهر قبض عليه على يد أيتمش وأحضره إلى القاهرة فبالغ في إهانته، ثم أقام شخصاً ادعى عليه بحضرته أنه أخذ له مالاً وفعل به أفعالاً قبيحة، فجرده الظاهر وضربه بالمقارع وسلمه لوالي القاهرة فوالى ضربه مراراً وعصره، ثم دس عليه من خنقه، فيقال إنه لما حضر عنده بادر فقال: " تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين " فلم يرق له وأمر بحبسه فحبس إلى أن قتل خنقاً في محبسه في ليلة تاسع شهر رجب.
قرأت بخط البرهان المحدث: اجتمعت به مراراً وكان أفضل أولاد أبيه، وكان كثير الفوائد والمجون.
أحمد بن قطلو العلاي الحلبي، سمع من إبراهيم بن صالح بن العجمي شيئاً من عشرة الحداد وحدث، ومات في شعبان وقد جاوز السبعين.
أحمد بن محمد الأنصاري المصري شهاب الدين شيخ الخانقاه السعيدية كان يجلس في الشهود ويكتسب فأثرى وكثر ماله ولم يتزوج وتقرب إلى القاضي برهان الدين، فعمل درساً بجامع الأزهر، وقف عليه ريعاً يغل مالاً كثيراً، وطلب منه أن يدرس فيه ففوضه لبرهان الدين الأنباسي، ثم بذل مالاً لأهل سعيد السعداء، حتى عمل شيخها وعمر أوقافها وأنشأ بها مأذنة وبالغ في ضبط أحوالها فأبغضوه وقاموا عليه حتى صرفوه وكان موسراً والتزم أن لا يأخذ لها معلوماً، ثم عزل بابن أخي الجار، ومات في ذي القعدة.(1/423)
جلال بن أحمد بن يوسف بن طوع رسلان الثيري - بكسر المثلثة وسكون التحتانية بعدها راء - الشيخ العلامة جلال الدين التباني، وقيل اسمه رسولا قدم القاهرة قديماً، وذلك في أواخر دولة الناصر وأقام بمسجد بالتبانة، فغلبت عليه النسبة إليها، وكان يذكر أنه سمع صحيح البخاري على علاء الدين التركماني، وتلمذ للشيخين جمال الدين ابن هشام وبهاء الدين ابن عقيل، فبرع في العربية وصنف فيها وتفقه على القوام الأتقاني والقوام الكاشي وانتصب للإفادة مدة، وشرح المنار، ونظم في الفقه منظومة، وشرحها في أربع مجلدات، وعلق على البزودي، واختصر شرح البخاري لمغلطاي، وعلق على المشارق والتلخيص، وصنف في منع تعدد الجمعة، وفي أن الإيمان يزيد وينقص، ودرس بالصرغتمشية والالجهية وغير ذلك، وعرض عليه القضاء مراراً فامتنع، وأصر على الامتناع، ومات في ثالث عشر شهر رجب، وهو والد صاحبنا العلامة شرف الدين يعقوب.
جنتمر ويقال جردمر أخوطاز، تنقلت به الأحوال في الخدم إلى أن استقر أتابكاً بدمشق، وحبس في صفد مدة، ثم أطلقه الناصري وناب عنه بدمشق في غيبته، ثم أمسكه منطاش بعد إمساك بزلار، ثم كان ممن قام على برقوق لما حاصر دمشق، ثم تغير عليه منطاش وسجنه، فلما استقام الأمر للظاهر طلبه إلى مصر فقتل مع عشرة، وكان شكلاً حسناً شجاعاً حسن الرأي والتدبير محمود السيرة رحمه الله.
صلاح بن علي بن محمد بن علي العلوي الزيدي الإمام، ولي الإمامة بصعدة وحارب صاحب اليمن مراراً، وكاد أن يغلب على المملكة كلها، فإنه ملك لحج وأبين، وحاصر عدن وهدم أكثر سورها وحاصر زبيد فكاد أن يملكها ورحل عنها، ثم هادنه الأشراف وصار يهاديه(1/424)
وكان فاضلاً عالماً عادلاً، سقط من بغلته بسبب نفورها من طائر طار فتعلل، حتى مات بعد ثلاثة أشهر في ذي القعدة.
عامر بن عبد الله المسلمي المصري الشيخ، أحد من كان يعتقده المصريون، مات في صفر.
عائشة بنت السيف أبي بكر بن عيسى بن منصور بن قواليج الدمشقية، روت عن القاسم بن مظفر والحجار وغيرهما وحدثت، ماتت في شوال، وهي بنت عم بدر الدين ابن قواليج.
عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد بن بهرام الحلبي الشروطي، حفيد القاضي شمس الدين محمد بن بهرام، ولد سنة اثنتي عشرة وسبعمائة واشتغل وتفقه ووقع في الحكم وتعانى الشروط وصنف فيه، ولي قضاء عين تاب، وكان حسن الخط، قدوة في فنه.
عبد القادر بن محمد بن عبد القادر النابلسي ثم الدمشقي شرف الدين قاضي الحنابلة بدمشق كان فاضلاً، مات شاباً في ذي القعدة أو ذي الحجة، وكان مولده بنابلس سنة سبع وخمسين، وكان قد صحب الركراكي فسعى له في القضاء، وانفصل به ابن المنجا بعد أن كان هو في خدمته فلم تطل مدته في القضاء، ثم مات بعد أشهر في ذي القعدة، وبلغ أباه موته فانزعج لذلك واختلط عقله وما زال مختلطاً حتى مات في سنة.
علي بن طيبغا الحلبي علاء الدين الموقت، اشتغل في الهيئة والحساب والجبر والمقابلة والأصلين، ومهر في ذلك واشتهر حتى صار موقت البلد من غير منازع في ذلك، وكان يسكن جامع الطنبغا،(1/425)
قرأ عليه جماعة من شيوخ حلب كأبي البركات وشمس الدين النابلسي وشرف الدين الدادنجي وعز الدين الحاضري، وذكر القاضي علاء الدين في تاريخه: أن جمال الدين ابن الحافظ قال له يوماً: يا كافر! فقال له ابن طنبغا: بما عرفت الله؟ فسكت، فقال علاء الدين: فمن هو الكافر الذي يعرف الله أو لا يعرفه؟ قال: وكان يعرف بفساد العقيدة، وينسب إلى ترك الصلاة وشرب الخمر، ولم يكن عليه وضاءة الدين والعلم، وكان أكثر الأمراء يعتمد عليه في أحكام النجوم.
علي بن عبد الله الروبي - بالباء الموحدة نسبة إلى موضع بالفيوم - كان مجذوباً وتظهر منه أشياء خوارق للعادة، وللناس فيه اعتقاد زائد، مات في في ذي الحجة.
علي بن عبد الله الحراني علاء الدين قاضي المحلة، مشهور، مات في المحرم.
عمر بن عبد المحسن بن عبد اللطيف صدر الدين ابن رزين، سمع الدبوسي والقطب الحلبي وغيرهما، وأجاز له الحجاز وابن الزراد وطائفة، وحدث وناب في الحكم بصلابة ومهابة، ودرس بأماكن، مات في المحرم، وكان بيده تدريس الحديث بالظاهرية البيرسية وبالفاضلية، فاستقر فيهما شيخنا العراقي بعده.
فاطمة بنت عمر بن يحيى المدنية تعرف ببنت الأعمى، أجاز لها الدشتى والقاضي والمطعم ونحوهم، وحدثت بمصر مدة، ماتت في آخر السنة.
فاطمة بنت محمد بن عبد الرحيم الأميوطي أخت الشيخ جمال الدين، سمعت من وزيرة والحجار.
محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن محمد بن أبي الكرم النابلسي الأصل، ثم الدمشقي، فتح الدين ابن الشهيد أبو بكر، أحد أفراد الدهر ذكاء وعلماً ورياسة ونظماً، تفقه ومهر في التفسير والفقه، وبرع في الأدب والفضائل وإقراء الكشاف وغيره، ونظم السيرة النبوية(1/426)
نظماً مليحاً إلى الغاية وحدث بها، لما قدم القاهرة سنة إحدى وتسعين قرأها عليه شيخنا الغماري وهو أسن منه وأثنى هو وجميع فضلاء القاهرة على فضله، وأثنى عليه ينظمها قبل ذلك الحافظ شمس الدين ابن المحب ومدحه بقصيدتين فأجابه عنهما، وكانت له دروس حافلة عظيمة، وكان رئيساً عالي الرتبة رفيع المنزلة، له آثار حميدة وسجايا جميلة ومحاضرة حسنة، ولي كتابة السر بدمشق مراراً ومشيخة الشيوخ بها، ودرس وتقدم إلى أن قتل ظلماً في شعبان من سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، وذلك أنه لما خرج منطاش ويلبغا الناصري وملكا الأمر ونفى برقوق إلى الكرك ثم خلص منها وحاصر دمشق قام ابن الشهيد وجمع لمحاربته، فلما آل الأمر إلى برقوق حقد عليه فأمر بالقبض عليه فحمل إلى القاهرة مقيداً، فأودع السجن مع أهل الجرائم ثم أمر به فأخرج إلى ظاهر القاهرة فضربت عنقه بالقرب من القلعة، وذلك قبل رمضان بيوم، وكان بينه وبين بيدمر شر كبير، فإذا ولي بيدمر النيابة سعى في أذاه بكل طريق وصودر غير مرة واختفى وعزل مراراً، ثم يعود، وكان أعظم ذنوبه عند الظاهر أن منطاش لما سجن الشهاب القرشي أعطاه الخطابة، فكان يحرض في خطبته على الظاهر.
محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن محمد النابلسي الأصل ثم الدمشقي شمس الدين ابن الشهيد أخو الذي كان قبله، كان مقيماً بالقاهرة، فمات قبل قتل أخيه فتح الدين ودفن أخوه عنده.
محمد بن إبراهيم النابلسي ثم الدمشقي، نجم الدين ابن الشهيد أخو اللذين قبله، تنقل في البلاد وولي كتابة السر بسيس عشرين سنة، ثم قدم القاهرة فمات بها بعد أخويه في ذي القعدة، واتفق أن دفن الثلاثة في قبر واحد بعد الشتات الطويل.(1/427)
محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الدمشقي تقي الدين ابن الظاهري، سمع من الحجار ومحمد بن محمد بن عرب شاه وتفقه، مات في صفر سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة.
محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حاتم تقي الدين المصري ابن إمام جامع ابن الرفعة، ولد سنة سبع عشرة، وسمع على الحجار والواني والدبوسي وغيرهم، وكان عارفاً بالفقه، درس بالشريفية ودرس للمحدثين بقبة بيبرس، وحدث وأفاد، مات في ذي القعدة.
محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد العسقلاني، فتح الدين أبو الفتح المصري إمام جامع طولون، ولد سنة أربع وسبعمائة، وتلا بالسبع على التقي الصائغ وسمع عليه الشاطبية، فكان خاتمة أصحابه بالسماع وأقرأ الناس بأخرة فتكاثروا عليه، مات في المحرم.
محمد بن أحمد بن أبي الوليد محمد بن أحمد بن أبي محمد القرطبي أبو الوليد ابن الحاج ثم الغرناطي نزيل دمشق، أم بالجامع، وكان فاضلاً، مات في ذي الحجة.
محمد بن أحمد بن محمد بن مزهر بدر الدين الدمشقي كاتب السر، وليها مرتين قدر عشر سنين، وكان قد تفقه على ابن قاضي شهبة وهو الذي قام معه في تدريس الشامية البرانية، ونشأ على طريقة مثلى وباشر بعفة ونزاهة.
محمد بن أحمد بن موسى بن عيسى البطرني الأنصاري أبو الحسن، سمع من والده كثيراً وأجاز له أبو جعفر بن الزين وقاضي فاس أبو بكر محمد بن محمد بن عيسى بن منتصر وتفرد بذلك، وكان آخر المسندين ببلاد افريقية، وكان زاهداً مقبلاً على القراءات والخير، مات بتونس في ذي القعدة عن تسعين سنة وأشهر.
محمد بن إسماعيل بن سراج الكفربطناني، حدث بالصحيح عن الحجار بمصر وغيرها، وكان من فقهاء المدارس بدمشق، وأذن له ابن النقيب، مات في أحد الجمادين ببيسان راجعاً من القاهرة.(1/428)
محمد بن الحسن الأسدي شمس الدين، كان إمام خانقاه سعيد السعداء، مات راجعاً من الحج.
محمد بن عبد الله بن أبي العلج زين الدين المصري، كان ممن يعتقد بمصر، مات في جمادى الأولى.
محمد بن عبد الله المحلى القاضي الشيخ موفق الدين العابد، كان كثير القدر معتقداً عند أهل بلده.
محمد بن علي بن أحمد بن محمد اليونيني البعلي الحنبلي شمس الدين ابن اليونانية، ولد سنة سبع وسبعمائة، وسمع من الحجار وتفقه، وسمع الكثير وتميز ولخص تفسير ابن كثير في أربع مجلدات وانتفع به، ومات في شوال.
محمد بن أمير علي المارديني، مات بدمشق في ذي الحجة.
محمد بن علي الطوسي المصري ناصر الدين موقع الدست، ولد بعد العشرين وسمع من ابن عبد الهادي وغيره، واشتغل حتى مهر، وكان يستحضر كثيراً من التاريخ والأدبيات، وكان في أول أمره من صوفية الخانقاه بسرياقوس، ثم تنقلت به الأحوال إلى أن ولي شهادة الخاص ثم التوقيع، وكان حسن المذاكرة، جميل المحاضرة، وصار من وجوه الموقعين ويشار إليه بالفضل دون كثير منهم، مات في شوال وقد قارب السبعين بحلب لما توجه السلطان الظاهر إليها بعد عوده إلى السلطنة.
محمد بن محمد بن عبد الله بن عمر بن عوض الصالحي ناصر الدين البيطار حضر على ابن مشرف وسمع على القاضي وابن عبد الدائم وأجاز له الدمياطي والموازيني والشرف الفزاري وآخرون، مات في شعبان عن تسع وثمانين سنة.
محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد القادر بن عبد الله بن سوار عز الدين(1/429)
الزبيري الملبحي، سمع من الحسن بن عمر الكردي، وتفرد عنه بالسماع، وسمع الصحيح على الحجار وحدث به، مات في جمادى الآخرة.
محمد بن محمد بن النجيب عبد الخالق الحنبلي قاضي بعلبك، أمين الدين سبط فخر الدين ابن أبي الحسين اليونيني، كان فاضلاً وهو أول من ناب في الحكم عن الحنابلة ببعلبك، قتل في فتنة منطاش في رمضان وله تسع وأربعون سنة.
محمد بن محمد بن محمد بن ميمون البلوي أبو الحسن الأندلسي، تقدم في سنة 787.
محمد بن يوسف الزيلعي يكنى أبا عبد الله، حدث بالبخارى عن عبد الرحيم بن شاهد الجيش وكان أحد من يعتقد.
محمد بن يوسف أبو عبد الله الركراكي المالكي شمس الدين، كان عالماً بالأصول والمعقول، وينسب لسوء الاعتقاد وقد امتحن بسبب ذلك ونفي إلى الشام، ثم تقدم عند الظاهر وولاه القضاء وسافر معه في هذه السنة، فمات بحمص في رابع شوال.
ورثاه عيسى بن حجاج العالية بقوله:
لهفي على قاضي القضاة محمد ... إلف العلوم الفارس الركراكي
قد كان رأساً في القضا فلأجل ذا ... أسفت عليه عصابة الأتراك
ولما سمع شيخنا سراج الدين بموته قال: لله در عقارب حمص، وكانت هذه تعد(1/430)
في نوادر شيخنا إلى أن وجد في ربيع الأبرار أن أرض حمص لا يعيش بها العقارب وإن دخلت فيها عقرب غريبة ماتت من ساعتها.
موسى بن عمر بن منصور بن رجل بن نجدة شرف الدين اللوبياني الشامي، ولد بعد سنة عشرين وسمع من الحجار وكان فقيهاً نبيهاً، مات في ربيع الأول، وكان ابن النقيب هو الذي أذن له، وكان يدرس ويفتي ويرتزق من الشهادة، ومات في ربيع الأول.
منصور بن عبد الله الحاجب بغزة.
يلبغا بن عبد الله الناصري أحد كبار الأمراء وقد حكم في المملكة أياماً قلائل، ثم ثار عليه منطاش كما تقدم في الحوادث وكان سبباً لبقاء مهجة برقوق ثم جازاه أن ولاه نيابة دمشق ثم حلب، ثم قبض عليه وقتله كما تقدم.(1/431)
سنة أربع وتسعين وسبعمائة
في أولها وصل بهادر مقدم المماليك بحريم السلطان فتجهز نائب الغيبة في حادي عشر المحرم لملتقى السلطان إلى بلبيس ودخل السلطان القاهرة يوم الجمعة سابع عشر المحرم وكان يوماً مشهوداً، واستقر شهاب الدين النحريري في قضاء المالكية عوضاً عن الركراكي وكان كمشبغا أذن لشهاب الدين الدفري أن يتكلم في الأمور إلى أن يحضر السلطان.
وفي صفر قبض على دمرداش نائب حلب وحبس بالبرج وعلى قزدمر الحسني.
وفيه استقر ركن الدين عمر بن قايماز في الوزارة عوضاً عن ابن الحسام.
وفي نصف صفر استقر الشريف مرتضى بن إبراهيم بن حمزة الحسني في نظر القدس والخليل.
وفيه هجم على بطا النائب بدمشق خمسة أنفس منهم آقبغا دوادار فقتلوه وأخرجوا من في الحبس من المناطشية وهم نحو مائة نفر وملكوا القلعة فحاصرهم الحاجب في عسكر دمشق وضيق عليهم إلى أن غلبوا فأحرقوا عليهم الباب وأمسكوا الثائرين فلم يبقوا منهم إلا من هرب،(1/432)
ولما بلغ السلطان ذلك قرر في نيابة دمشق سودون الطرنطاي فخرج إليها في ثامن ربيع الأول ودخلها في العشر الأخير منه فلم يلبث أن مات في رمضان وكانت ولايته سبعة أشهر واستقر مكانه كمشبغا الأشرفي، ومات من مماليكه وجماعته نحو مائة نفس بالطاعون.
وفي سادس ربيع الأول ولي جمال الدين القيصري قاضي الحنفية مشيخة الشيخونية بعد وفاة العز الرازي.
وفي نصف ربيع الأول أمر السلطان القضاة بتخفيف النواب وكان القاضي عماد الدين الكركي قد استكثر منهم جداً حتى استناب من لم تجر له عادة بالنيابة مثل جمال الدين ابن العرياني وولي الدين ابن العراقي وعز الدين عبد العزيز البلقيني ونحوهم، فعزل من نوابه أكثر من عشرين نفساً، وأبقى تقي الدين الزبيري وتقي الدين الأسنائي وفخر الدين القاياتي خاصة، فهؤلاء الثلاثة في إيوان الصالحية بالنوبة وأذن لبهاء الدين أبي الفتح البلقيني بالجلوس في القبة وآخر معه بالنوبة واستقر القاضي المالكي بخمسة من النواب أيضاً وهم ابن الجلال وجمال الدين الأقفهسي وشهاب الدين الدفري وخلف الطوخي وقد ولى الأولان القضاء استقلالاً بعد ذلك، وناب عنه بمصر جمال الدين العبسي.
وفي هذا اليوم أمر السلطان أن ينقل محب الدين ابن الشحنة قاضي حلب من عند محمود فتسلمه والي القاهرة، وكذلك تسلم علاء الدين البيري موقع الناصري وكان قبض(1/433)
عليهما بالشام فقتل البيري واعتقل ابن الشحنة ثم أفرج عنه في أواخر هذا الشهر بعناية محمود الاستادار.
وفيها خلع السلطان على يوسف بن علي بن غانم أحد أمراء العرب لما رجع من الحج وتوجه إلى بلاده في ربيع الأول.
وفيها عزل ناصر الدين ابن الخطيب عن قضاء حلب واستقر شرف الدين الأنصاري.
وفي آخر ربيع الآخر عزل ابن البرخي عن الحسبة وأعيد نجم الدين الطنبدي.
وفي هذا الشهر قتل ايدكار الحاجب وقراكسك وأرسلان اللفاف وسنجق وغيرهم من الأمراء.
وفي المحرم مات ناصر الدين ابن الحسام بعد مرض طويل.
وفي ثاني عشرين صفر استقر محمد بن محمود في نيابة الإسكندرية.
وفيه جهز حسن الكجكنبي بهدية إلى صاحب الروم.
وفيه أعيد نظر جامع طولون إلى القاضي الشافعي، وكان الحاجب قد تحدث فيه نحو سنة.(1/434)
وفيه أمر السلطان الدويدار وكاتب السر أن يتكلما في الأوقاف الحكمية لما بلغه من تخريب الأوقاف فأمر نصر الله بن شطية كاتب المرتجع باسترجاع الحساب من مباشري الأوقاف وألزمهم بعمل حساب المودع مدة عشر سنين.
وفي تاسع عشر جمادى الآخرة استقر كمشبغا أتابكاً بموت أينال اليوسفي واستقر ايتمش رأس نوبة.
وفي رجب ثار جماعة من المماليك على محمود الأستادار وطالبوه بالكسوة والنفقة ورجموه من الطباق وضربوا بعض مماليكه بالدبابيس وأرادوا قتله فمنعه منهم أيتمش.
وفيها عزل ابن قايماز عن الوزارة واستقر عوضه تاج الدين ابن أبي شاكر، واستقر ابن قايماز في الأستادارية كسراً لشوكة المماليك ثم أنفق محمود على المماليك وكساهم فأعيد إلى وظيفته في نصف شعبان، وكان ذلك أول وهن دخل عليه.
وفي شعبان قدم عنان بن مغامس أمير مكة وشريكه علي بن عجلان فقعد علي لصغر سنه تحت عنان فرفعه السلطان على عنان، ثم خلع عليه في رمضان وأفرده بالإمرة واعتقل عناناً بالقاهرة.
وفي رمضان شكا تاج الدين النصراني معلم أولاد كريم الدين بن مكانس الكتابة أنه مختف في بيته فأرسل معه بكلمش أمير آخور جماعة من الوجاقية فدق تاج الباب فخرج إليه ابن مكانس فقال له: ما هذا؟ قال: تاج، ففتح مطمئناً به لكثرة دخوله عليه فهجم عليه الأوجاقية فحولوه إلى بكلمش فعرضه على السلطان فأمر الوالي أن يتسلمه فخاف تاج أن يتخلص ابن مكانس فأسلم على يد بكلمش ولبس بالجندية وخدم عنده شاداً في بعض بلاده.(1/435)
وفي ذي القعدة قبض جماعة من المماليك بسرياقوس على شاب من العامة قهراً فارتكبوا فيه الفاحشة فأمعنوا في ذلك إلى أن مات فرفع الأمر إلى السلطان فأمر بالقبض عليهم وسلمهم لوالي القاهرة.
وفي هذه السنة عصى طغيتمر نائب سيس فبلغ ذلك الظاهر فتحيل عليه فدس لأهل الكرك أن يقفوا له يوم المحاكمة ويشكوا من نائبهم ويسألوه أن يولي عليهم طغيتمر ففعلوا ذلك، وخفيت هذه المكيدة على بكلمش، وكان طغيتمر من جهته فكاتبه بما جرى فاطمأن وحضر إلى القاهرة فقبض عليه السلطان.
وفي شعبان مات سودون الطرنطاي نائب دمشق وقرر بعده كمشبغا الخاصكي الأشرفي وكان سودون محباً في الخير، عديم الهزل، كارهاً في الخمر جداً والمظالم، ولكنه كان متعاظماً جداً، ولم يبلغ ثلاثين سنة، وكان مهاباً، ويقال إنه قال لما ولي النيابة: كيف أعمل في الأحكام بين الناس وأنا لا أدري شيئاً من الأمور الشرعية وكان يتنزه عن الرشوة، وحصل له قبل موته برسام فكانت تصدر منه أفعال لا تشبه أفعال العقلاء، وعزله الملك الظاهر قبل موته بعشرة أيام.
وفي نصف رمضان أمر تغرى بردى تقدمة ألف.
وفيه قرر بدر الدين الطوخي في وزارة دمشق عوضاً عن ابن مكانس بحكم انفصاله ورجوعه إلى القاهرة.
وفي شعبان كان الحريق العظيم بدمشق. فاحترقت المأذنة الشرقية وسقطت واحترقت(1/436)
الصاغة والدهيشة وتلف من الأموال ما لا يحصى، وعمل في ذلك صاحبنا الأديب تقي الدين ابن حجة الحموي مقامة في نحو عشر أوراق من رائق النثر وفائق النظم وهي أعجوبة في فنها.
وفيها كان الغلاء المفرط بدمشق.
وأوفى النيل ثالث مسرى وانتهى إلى عشرين اصبعا من عشرين ذراعاً.
وفي شعبان وقع الوباء في البقر حتى كاد إقليم مصر أن يفنى منها.
وفيها استقر بدر الدين الأقفهسي شاهد الجاي ناظر الدولة.
وفيها شكا أهل خانقاه سرياقوس من شيخهم فأمر السلطان بإحضاره فسأله عما أنهى عنه، فأومأ بيده فلمح بعض الناس فيها أحرفاً مقطعة فأعلم السلطان بذلك فسأله فاضطرب، فقيل للسلطان إنه ساحر، فعزله عن المشيخة وسلمه لشاد الدواوين وولاها الشريف فخر الدين، وقيل إن الظاهر كان أودع عنده خمسة آلاف دينار قبل أن يقع قصة الناصري، فلما(1/437)
عاد طالبه فأجاب بأنه تصدق بها وأصر على ذلك فأسرّها الظاهر في نفسه إلى هذه الغاية.
وفي العشرين من شوال استقر جمال الدين في نظر الجيش مضافاً إلى القضاء ومشيخة الشيخونية وعظم شأنه وكثر تردد الناس إليه، ويقال إنه بذل في ذلك مالاً كثيراً.
وفيها كائنة سعيد المغربي وكان مقيماً بقبة جامع طولون، وللناس فيه اعتقاد زائد، وكان السلطان يزوره ويعظمه ويقبل شفاعته، فكثر تردد الأكابر عليه ثم إنه سافر إلى العراق، فلما عاد دخل للسلام على السلطان، وذلك في العشرين من جمادى الآخرة، فلما انصرف ذكر بعض البازدارية أنه رآه عند نعير أمير العرب، فغضب السلطان وتخيل أنه جاسوس، فأرسل إليه من قبض عليه وكان آخر العهد به.
وفي آخر شوال استقر تاني بك أمير آخور ونقل بكلمش إلى مرتبة أخرى فاستقر أمير سلاح.
وفي سلخ شوال أمر أصحاب العاهات والقطعان أن يخرجوا من القاهرة ثم أذن للقطعان بالعود.
وفي آخر ذي الحجة عزل الشهاب النحريري عن قضاء المالكية، واستقر ناصر الدين ابن التنسي نقلاً من قضاء الإسكندرية.(1/438)
وفي أواخر ذي القعدة قتل جماعة من الأمراء المعتقلين، منهم طغيتمر وقرادمرداش.
وفي ثامن عشرين ذي القعدة استقر تقي الدين الكفري في قضاء الشام عوضاً عن نجم الدين ابن الكشك.
وفي خامس عشرين ذي الحجة وصل المبشر من الحجاز.
وفي آخر ذي الحجة عزل القاضي عماد الدين الكركي من قضاء الشافعية وأمر بلزوم بيته بسبب أن المكيين رافعوا فيه فشغر فضاء الشافعية إلى أن انسلخت السنة.
وفيها أرسل السلطان نائب الكرك أمير حسن الكجكني إلى ابن عثمان صاحب الروم بهدايا جليلة.
وفيها ضربت بالإسكندرية فلوس ناقصة الوزن عن العادة طمعاً في الربح، فآل الأمر فيها إلى أن كانت أعظم الأسباب في فساد الأسعار ونقص الأموال.
وفي أواخر هذه السنة قبض علي بن عجلان على سبعين نفساً من الأشراف، فقامت حرمته لذلك.
وفيها وقع الحرب بين قرا يوسف بن قرا محمد أمير التركمان وبين حسين بك فقتل(1/439)
قرا يوسف أحد أمراء التركمان غدراً واستولى على امرأته، وكانت من أجمل النساء، فخلا بها في ليلته، وقال: مات عنك شيخ وتزوجك شاب.
وفيها نازل قرا يوسف ماردين، فخادعه صاحبها والتمس الصلح على مال يحمله إليه، ثم راسله بما أراد وراسل أمراءه حتى أفسدهم وأغار عليهم عسكر ماردين بغتة، فتخلى عنه عامة أصحابه فانهزم، واتفق رأي التركمان على تأمير حسين بك، ومات في تلك الأيام بعد عمه قرا يوسف.
وفيها رجع تمر إلى بلاد العراق في جمع عظيم فملك أصبهان وكرمان وشيراز، وفعل بها الأفاعيل المنكرة، ثم قصد شيراز فتهيأ منصور شاه لحربه، فبلغ تمرلنك اختلاف من بسمرقند فرجع إليها، فلم يأمن منصور من ذلك بل استمر على حذره، ثم تحقق رجوع تمرلنك فأمن، فبغته تمرلنك فجمع أمواله وتوجه إلى هرمز، ثم انثنى عزمه وعزم على لقاء تمرلنك، فالتقى بعسكره وصبروا صبر الأحرار لكن الكثرة غلبت الشجاعة فقتل شاه منصور في المعركة، ثم استدعى ملوك البلاد فأتوه طائعين فجمعهم في دعوة وقتلهم أجمعين.
ذكر من مات
في سنة أربع وتسعين وسبعمائة من الأعيان
إبراهيم بن أبي بكر بن عمر بن أبي بكر بن إسماعيل بن عمر بن بختيار الصالحي ناصر الدين الدمشقي ابن السلار، سمع من عبد الله بن أحمد بن تمام وابن الزراد وست الفقهاء بنت الواسطي والنجدي وهو آخر من روى عن الدمياطي بالإجازة وكان له نظم ونباهة، مات في شعبان وله تسعون سنة سواء، لأن مولده كان(1/440)
سنة أربع، وكان كتب الكثير بخطه، وله فوائد ومجاميع مشتملة على غرائب مستحسنة، وكان موت والده في المحرم سنة ست عشرة وسبعمائة.
أحمد بن أيوب بن إبراهيم المصري القرافي شهاب الدين ابن المنفر، سمع الواني والدبوسي والختني وحدث، مات في ربيع الأول.
أحمد بن محمد بن علي الدنيسري شهاب الدين ابن العطار القاهري، ولد سنة ست وأربعين وقرأ القرآن، واشتغل بالفقه على مذهب الشافعي ثم تولع بالأدب ونظم فأكثر، وأجاد المقاطيع في الوقائع، ومدح الأكابر بالقصائد، ونظم بديعية، ولم يكن ماهراً في العربية فيوجد في شعره اللحن، وقد تهاجى هو وعيسى بن حجاج وله " نزهة الناظر في المثل السائر " وكان حاد البادرة، وله ديوان قصائد نبوية نظمها بمكة سماها " فتوح مكة " وديوان في مدائح ابن جماعة سماه " قطع المناظر بالبرهان الحاضر " و " الدر الثمين في التضمين " وهو القائل:
أتى بعد الصبا شيبي وظهري ... رمى بعد اعتدال باعوجاج
كفى إن كان لي بصر حديد ... وقد صارت عيوني من زجاج
مات في ربيع الآخر.
أحمد بن محمد الدفري شهاب الدين المالكي، ناب في الحكم، ومات في آخر السنة.
اينال اليوسفي، مات في هذه السنة وهو أكبر الأمراء مطلقاً، ومشى السلطان في جنازته، وكان شكلاً حسناً شجاعاً مهيباً، مشهوراً بالفروسية، كثير المودة لأصحابه، لكنه لا يطاق عند الغضب بل تظهر له أخلاق شرسة، وكان قد قارب السبعين.(1/441)
بطا الدويدار صار نائب الشام، ومات بها في المحرم، واستقر بعده سودون الطرنطاي، ومات في سنته في شعبان.
أبو بكر بن محمد الدمشقي الملقب بالقرع النحوي، أخذ عن ابن عبد المعطي وغيره وبرع في العربية، وكان شافعي المذهب.
أبو بكر بن يوسف النشائي المصري خادم الشيخ عبد الله بن خليل، لازمه فأكثر عنه، وقد سمع من العرضي وغيره، واعتنى بالحديث وكان معيداً بالبيرسية ولم ينجب.
تلكتمر التركي، تنقل في الولايات بالقاهرة وغيرها، مات في بيته بطالاً.
طلحة بن عبد الله المغربي ثم المصري، كان مجذوباً وكان للناس فيه اعتقاد يجاوز الوصف، وكان ربما بطش ببعض من يزوره، أقام مدة بالجامع الجديد، ثم بمسجد بالقرب منه، ثم بدار ابن التمار النصراني، مات في رابع عشرين شوال ودفن بالصحراء جنب المكان الذي صار خانقاه للملك الظاهر.
عبد الله بن أبي بكر بن محمد الدماميني، ثم الإسكندراني شهاب الدين، سمع الموطأ من الجلال بن عبد السلام وتفرد به، وسمع من محمد بن سليمان المراكشي الرابع وثلاثة أجزاء بعده من الثقفيات وتفرد به أيضاً، ومات في ربيع الآخر وكان فاضلاً أديباً.
عبد الله بن خليل بن عبد الرحمن جلال الدين البسطامي نزيل بيت المقدس، صاحب الأتباع، كان للناس فيه اعتقاد كثير، مات بالقدس، وزاويته هناك معروفة، وهو والد صاحبنا عبد الهادي، وكان نشأ ببغداد وتفقه بمذهب الشافعي إلى أن أعاد بالنظامية، فاتفق(1/442)
قدوم الشيخ علاء الدين على العشقي البسطامي - وعشق من عمل بامان - فلازمه وانتفع به وصار من مريديه، فسلكه وهذبه وتوجه معه لزيارة القدس، فطاب للشيخ المقام به فأقام وكثر أتباعه واستمر الشيخ عبد الله يتعانى المجاهدات وأنواع الرياضات والخلوات إلى أن حضرت شيخه الوفاة، فعهد إليه أن يقوم مقامه فقام أتم قيام ورزقه الله القبول وكثر أتباعه وكان كثير التواضع، مهيباً، مات في 22 المحرم.
عبد الله ويدعى محمد بن أبي زبا، قيم المدرسة المنصورية، سمع الحديث وحدث، ومات في شعبان.
عبد الله بن ظهيره بن أحمد بن عطية بن ظهيرة المخزومي. والد قاضي مكة وأخو قاضيها، ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وسمع من عيسى الحجي وعيسى بن الملوك وغيرهما، وكان ديناً خيراً، له نظم وعبادة، مات في شهر ربيع الآخر سنة أربع وتسعين، حدث عنه ولده.
عبد الله بن محمد الفيشي المالكي جمال الدين، ناب في الحكم ولم يكن مرضياً، مات في ربيع الأول.
عبد الخالق بن علي بن الحسن بن الفرات المالكي، موقع الحكم، برع في الفقه وشرح مختصر الشيخ خليل، وحمل عن الشيخ جمال الدين ابن هشام، وكتب الخط المنسوب، ودرس، ووقع على القضاة، رأيته مراراً، وكان سمع من أبي الفتح الميدومي وحدث، وهو والد صاحبنا شهاب الدين أحمد، مات في جمادى الآخرة.
عبد الرحمن بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن مكانس فخر الدين الكاتب، ولي نظر الدولة مراراً، وتنقل في الولايات، وولي وزارة دمشق أخيراً، ثم استدعى إلى القاهرة ليستقر(1/443)
وزيراً بها، فاغتيل بالسم في الطريق، فدخل القاهرة ميتاً، وكان ماهراً في الكتابة، عارفاً بصناعة الحساب، أعجوبة في الذكاء، له الشعر الفائق والنظم الرائق، ما طرق سمعي أحسن من قوله في الرسالة التي كتبها للبشتكي لما صاد السمكة وهي الرسالة الطويلة جاء فيها: وقعد لصيد السمك بالمرصاد، وأطاعه حروف النصر، فكلما تلا لسان البحر نون، تلا لسان العزم صاد.
وهو القائل:
علّقتها معشوقة خالها ... قد عمها بالحسن بل خصصا
يا وصلها الغالي ويا جسمها ... لله ما أغلى وما أرخصا
مات في خامس عشر ذي الحجة، سمعت من لفظه شيئاً من الشعر، وكانت بيننا مودة.
عبد الرحيم بن محمد الطباطبي الشريف الحسني، كان مؤذن الملك الظاهر.
علي بن عبد الله بن يوسف بن حسن البيري علاء الدين الموقع، خدم الناصري بحلب وقدم معه القاهرة فولى توقيع الدست واستمر إلى أن أمر الظاهر بقتله في هذه السنة، فقتل، وكان الناصري يعتمد عليه والكتب ترد على الملك الظاهر بخطه في تلك الفتنة، فحقد عليه، ولما عاد إلى الملك لم يهجه بل استمر في التوقيع، وأمره بمساعدة علاء الدين الكركي لقلة معرفة الكركي بصناعة الديوان فباشر إلى أن سافر الملك الظاهر إلى حلب، وقتل الناصري وأمر بالقبض على البيري فقيد وحمل إلى القاهرة فقتل خنقاً في رابع عشر ربيع الأول وأوصى أن يكتب على قبره:
بقارعة الطريق جعلت قبري ... لأحظى بالترحم من صديق
فيا مولى الموالي أنت أولى ... برحمة من يموت على الطريق
وكان بينه وبين أمين الدين الحمصي مكاتبات ومراسلات، ولم يكن نظمه ونثره بالفائق، بل كان مكثراً مقتدراً، حتى كان يكتب في شيء أنشأ غيره وينشيء في غيره،(1/444)
وهو أخو علم الدين سليمان، وقد عاش بعده أكثر من ثلاثين سنة، وكانا سمعا جميعاً على الأعميين ابن جابر وأبي جعفر الغرناطي، وهو القائل:
بشاهين عيني صاد قلبي متيم ... ومن لامني في لامه فهو واقع
وكيف خلاصي فيه من جارح الحشى ... وطائر قلبي نحو شاهين واقع
علي بن البهاء عبد الرحمن ابن العز محمد بن التقي سليمان بن حمزة المقدسي، حضر على جد أبيه، وسمع من ابن سعد والحجار وكان نبيهاً في العلم، رئيساً، مات في شعبان عن ثمانين سنة. قال ابن حجي: وكانت عنده وجاهة وكرم وقد بقي صدر آل بيته، وكان شيخ دار الحديث المقدسية وناظرها، معروفاً بالصيانة.
علي بن عصفور أحد كبار التجار، مات فيها في شوال.
علي بن عيسى بن موسى بن عيسى بن سليم الكركي علاء الدين كاتب السر، خدم الظاهر وهو في سجن الكرك، وقام معه بنفسه وماله ورجاله لما خرج، فشكر له ذلك فولاه كتابة السر، واستمر فيها إلى أن خرج مع السلطان في سفرته إلى الشام فضعف بدمشق، فأذن له السلطان في الرجوع إلى مصر، وقرر ابن فضل الله في كتابة السر، فلما عاد السلطان سلم عليه وهو ضعيف فوعده أن يعيده إلى وظيفته، فازداد بعد ذلك ضعفاً، ثم عوفي ثم انتكس ثم مات في ربيع الأول، وكان شكلاً، حسناً، جميل الخلق.
علي بن مجاهد المجدلي علاء الدين، اشتغل ببلده، ثم قدم القدس فلازم التقي القلقشندي ثم قدم دمشق فاشتغل، وقدم مصر سنة ثمانين فأخذ عن الضياء القرمي، وعاد إلى دمشق وتصدر بالجامع وشغل الناس، واختص بالقاضي سري الدين وأضاف إليه قضاء(1/445)
المجدل ثم وقع بينهما فأخذت وظائفه ثم غرم مالاً حتى استعادها وولي مشيخة النجيبية بأخرة وسكنها، وكان جيداً متوسطاً في الفقه، مات في شهر رمضان.
قرا دمرداش نائب حلب في أيام الظاهر برقوق، مات في ذي الحجة مقتولاً.
قطلوبغا الصفوي أحد كبار الأمراء، مات في ربيع الأول.
قطلوبغا الخزندار، مات في صفر.
محمد بن أحمد بن عبد الله الحلبي شمس الدين ابن مهاجر، ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وكان حنفياً فاضلاً، ورأس فيهم حتى كان يقصد للفتوى، ثم ولي كتابة السر بحلب مدة، ثم صرف سنة سبع وثمانين فدخل القاهرة، وتحول فصار شافعياً وولي قضاء حماة ثم حلب، ثم عزل بابن أبي الرضا، وكان ذا فضيلة في النظم والنثر، أثنى عليه فتح الدين ابن الشهيد، وكان فاضلاً خيراً مهيباً، حسن الخط، مات في ربيع الأول.
محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي بدر الدين المنهاجي، ولد بعد الأربعين، ثم رأيت بخطه سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وسمع من مغلطاي وتخرج به في الحديث، وقرأ على الشيخ جمال الدين الأسنوي وتخرج به في الفقه، ورحل إلى دمشق فتفقه بها، وسمع من عماد الدين ابن كثير، ورحل إلى حلب فأخذ عن الأذرعي وغيره، وأقبل على التصنيف فكتب بخطه ما لا يحصى لنفسه ولغيره، ومن تصانيفه: تخريج أحاديث الرافعي في خمس مجلدات وخادم الرافعي في عشرين مجلدة، وتنقيحه للبخاري في مجلدة، وشرع في شرح كبير لخصه من شرح ابن الملقن، وزاد فيه كثيراً، ورأيت منه المجلد الأول بخطه، وشرح جمع الجوامع في مجلدين وشرح المنهاج في عشرة، ومختصره في مجلدين، والبحر في أصول الفقه في ثلاث مجلدات، وغير ذلك،(1/446)
ورأيت بخطه شرح الأربعين النووية، وأحكام المساجد وفتاوى جمعه وحواشي الروضة للبلقيني، و " نظم الجمان في محاسن أبناء الزمان " ومجلد من شرح البخاري له مسودة، ومن تذكرته أربع مجلدات والمعتبر في تخريج ابن الحاجب، والمختصر والكلام على علوم الحديث، وله استدراك عائشة على الصحابة، والفوائد المنثورة في الأحاديث المشهورة، والديباج على المنهاج، والفوائد على الحروف وعلى الأبواب، ومختصر الخادم وسماه تحرير الخادم وقيل لب الخادم، وله على العمدة كذا ورأيت أنا بخطه من تصنيفه البرهان في علوم القرآن من أعجب الكتب وأبدعها مجلدة، ذكر فيه نيفاً وأربعين علماً من علوم القرآن وتخرج به جماعة، وكان مقبلاً على شأنه، منجمعاً عن الناس، وكان بيده مشيخة الخانقاه الكريمية وكان يقول الشعر الوسط، مات في ثالث رجب.
محمد بن عبد الله بن الخباز صلاح الدين رئيس القراء بالجوق، وكان مقدماً على أبناء جنسه لتقدم سنه، معظماً في الدول، كف في آخر عمره ويقال إنه جاوز المائة.
محمد بن عبد الله الركراكي المغربي أبو عبد الله نزيل المقس، كان مشهوراً بالخير، معتقداً في العامة، قارب المائة.
محمد بن عبد الحميد بن محمد بن عبد الرحمن بن بركات اللخمي ابن الشيرازي شمس الدين الملقب بالقاضي، ولد في جمادى الأولى سنة سبعمائة وسمع من جدته ست الفخر بنت عبد الرحمن بن أبي نصر مشيخة كريمة بسماعها منها، وتفرد بذلك، وكان يذكر أنه سمع البخاري من ابن الشحنة بحضور ابن تيمية، وكان من الرؤساء المعتبرين، وله مال جزيل وثروة ووقف متسع وأنفق غالب ذلك على نفسه ومن يلوذ به قبل موته، ومات في جمادى الآخرة في عشر المائة.
محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عمر بن أبي عمر الحنبلي شمس الدين ابن الرشيد، سمع القاضي والمطعم وابن سعد وغيرهم وحدث، مات في شوال عن أربع وثمانين سنة.
محمد بن عمر بن إسماعيل السبكي شمس الدين، اعتنى قليلاً بالحديث، وباشر الحسبة بدمشق، ومات في ليلة عرفة.
محمد بن قاسم بن محمد بن مخلوف الصقلي، نزيل الحرمين، كان خيراً، سمع من الزيادي وابن أميلة وغيرهما، ولازم قراءة الحديث بمكة، مات في شوال.
محمد بن محمد بن إسماعيل ابن أمين الدولة الحلبي الحنفي شمس الدين المرغياني، ذكره طاهر بن حبيب وقال: سكن القاهرة، وكان من الفضلاء على مذهب الحنفية، ناب في الحكم وولي مشيخة خانقاه طقزدمر بالقرافة، مات في شوال.(1/447)
محمد بن محمد بن عبد المجير بدر الدين ابن الصائغ الدمياطي، سمع من الميدومي ومن بعده، واعتنى بالحديث، وحصل كتباً كثيرة وتنبه قليلاً ولم ينجب، مات في ربيع الآخر.
محمد بن محمد بن النجيب نصر الله بن إسماعيل الأنصاري جمال الدين ابن النحاس، ولد سنة تسع عشرة وسبعمائة سنة موت أبيه، وسمع من ابن الشيرازي وابن عساكر والحجار وغيرهم وأحضر على والده من مشيخة قريبه العماد ابن النحاس، واعتنى به أخوه فأسمعه الكثير، وخرج له ابن الشرايحي مشيخة فمات قبل أن يحدث بها، وكانت عنده معرفة وعلى ذهنه فوائد ويذاكر بتاريخ، مات في شوال عن خمس وسبعين سنة.
محمد بن نصر الله بن بصاقة الدمشقي بدر الدين، سمع على أسماء بنت صصري ومهر في العربية وأحسن الخط، ولازم العنابي وابن هشام، مات في رمضان.
محمد بن لاجين الصقري ناصر الدين المعروف بابن الحسام، كان دويدار ابن البقري، ثم خدم استاداراً عند سودون باق، ثم عمل شد الدواوين إلى أن ولي الوزارة فباشرها بهيبة وصولة ويقظة، واستخدم عنده أستاذه الأول ابن البقري في استيفاء الدولة، ورتب معه ثلاثة ممن ولي الوزارة، وشرك بينهم في الوظيفة المذكورة، وكان ذكياً عارفاً مفرط الكرم، مات في صفر، وهو والد صاحبنا إبراهيم الذي ولي الحسبة بعد ثلاثين سنة من هذا الوقت، ومات بعد أن رجع مع السلطان من حلب.
محمود بن محمد بن إبراهيم بن سنبكي بن أيوب ابن قراجا الحلبي الحنفي، جمال الدين ابن الحافظ قاضي حلب، مات بها.(1/448)
موسى بن ناصر بن خليفة الباعوني شرف الدين أخو القاضي شهاب الدين، قدم دمشق وتنزل بالبادرائية وقرأ بالسبع على ابن اللبان، وسمع من ابن أميلة وغيره، وطلب بنفسه وكتب بعض الأجزاء وكان أسن من أخيه فأسمع أخاه معه قليلاً، ولما ولي أخوه استنابه وقرر له بعض جهات، مات عن قرب في رمضان.
ناصر بن أبي الفتح الحنبلي تقي الدين أخو القاضي ناصر الدين، ولي نقابة الحكم عند القاضي موفق الدين، وانقطع بأخرة إلى أن مات في ربيع الآخر.
يحيى بن يوسف بن يعقوب بن يحيى بن زعيب الرحبي محيي الدين التاجر، ولد سنة خمس عشرة وسبعمائة، وسمع الصحيح من الحجار والمزي وحدث به، وكان معتنياً بالعلم، وله رئاسة وحشمة، وقد أكثر عن الجزري وغيره وطلب بنفسه، ولازم ابن كثير وأخذ عنه فوائد حديثية، وأخذ عن كثير من أصحاب ابن تيمية، وكان تاجراً، فلما كبر دفع ماله لولده محمد وأقبل على الإسماع وكان يقصد لسماع الصحيح، وله به نسخة قد أتقنها، وكان البرهان بن جماعة قد صاهر إليه، فكان له بذلك جاه كبير وأصيب في رجليه بالمفاصل، وحج مراراً، ومات في ربيع الأول.(1/449)
سنة خمس وتسعين وسبعمائة
في ثامن المحرم استقر صدر الدين المناوي في قضاء الشافعية عوضاً عن القاضي عماد الدين الكركي، وكان عزل في سادس عشرين ذي الحجة.
وفي التاسع منه أعيد موفق الدين إلى الوزراة وصرف تاج الدين ابن أبي شاكر.
وفيها استقر قلمطاي دويداراً عوضاً عن أبي يزيد بحكم انتقاله إلى نيابة دمشق ومات أبو يزيد فيها.
وفيها هجم جنتمر أمير الركب الشامي على بعض أهل المدينة من الجند الأشراف بسبب صقر يصطاد به فدافعوه عنه فوقع الشر وقتل منهم اثنان فركب ثابت بن نعير فسكن الفتنة.
وفيها عاث تمرلنك بالعراق وخرب بغداد وتبريز وشيراز وغيرها كما سيأتي، واتصل شرر فتنته إلى الشام ووصل خبر ضرره إلى مصر، فارتاع لما يحكى عنه كل قلب، فكان مسيره إلى السلطانية فنازل السلطانية فقتل صاحبها، ثم قصد تبريز فدخلها عنوة ونهبها كعادته، وأرسل إلى جميع البلاد نواباً من قبله، ثم طلب بغداد، وذلك في أواخر شوال فنازلها في ذي القعدة، فلم يلبث صاحبها أحمد أن أخذ حريمه وخزائنه وهرب، فبلغ ذلك تمر فأرسل ابنه مرزا في طلبه فأدركه، فلما كاد أن يقبض عليه رمى بنفسه في الماء، فسبح إلى الجهة الأخرى فسلم هو ومن(1/450)
معه، واحتيط بأهله وخزائنه، وهجم تمر على بغداد فملكها قهراً، ثم شن الغارات على بلاد بغداد وما حولها وما داناها، ثم تمادوا إلى البصرة والكركر والحلة وغيرها، وأوسعوا القتل والفتك والسبي والأسر والنهب والتعذيب، وفر من نجا من أهل بغداد، فوصل الشيخ غياث الدين العاقولي إلى حصن كيفا هارباً فأكرمه صاحبها، ثم سار عسكر تمر إلى إربل فحاصروها فأطاعه صاحبها، ثم صاروا إلى تكريت، فعصت عليهم فنازلها فصبر لهم أهلها فراسلوا تمرلنك بذلك فأمدهم بأمير شاه ملك وأردفه بخواجا مسعود صاحب خراسان وأقام هو ببغداد إلى آخر السنة، وكان دخول اللنك بغداد في شوال، ثم توجه نحو الشمال فوصل إلى ديار بكر، وعصت عليه قلعة تكريت فحاصرها من ذي الحجة إلى أن أخذها بالأمان في صفر سنة ست وتسعين.
وفيها مات كمشبغا الأشرفي نائب الشام فاستقر عوضه تاني بك الحسني.
وفي أول هذه السنة عصى نعير على السلطان لكونه أجار منطاش لما استجار به فاجتمع عليهما من العرب والتركمان عسكر كثير فقصدوا سلمية، فخرج إليهم محمد بن قارا التركماني فقتل منهم جماعة، وجرح منطاش وسقط وهو لا يعرف، لأنه كان حلق شواربه فأردفه ابن نعير خلفه وانهزموا، ثم طرق منطاش ونعير حماة فنهبوها، فبلغ ذلك نائب حلب وكان قد استقر آقبغا الصغير فكبس على بيوت العرب وسبى نساءهم وساق أموالهم وأكمن لهم في بيوتهم الكمناء، فلما بلغهم سبي نسائهم رجعوا على وجوههم إلى بيوتهم فخرج عليهم الكمناء فقتلوهم وأسروا خلقاً كثيراً وانهزم الباقون،(1/451)
فلما رأى أولاد نعير ذلك جنحوا إلى طاعة السلطان وملوا من الحرب وكرهوا منطاشاً لما فيه من الهوج فراسلوا السلطان في طلب الأمان والتزموا له بمسك منطاش فأكرم رسلهم، فلما بلغ ذلك أباهم أذعن للطاعة وراسل نائب حلب ليسلم له منطاش، فلما تحقق منطاش ذلك ضرب نفسه ليقتلها فلم تمت، وتسلمه قصاد نائب حلب، ثم تسلمه نائب القلعة، ثم أرسل السلطان فأمر بقتله وحمل رأسه فحملت بعد أن طيف بها جميع البلاد الشامية التي يقع المرور عليها، فلما وصلت إلى القاهرة طاف بها الوالي ابن الطبلاوي على قناة ثم علقها على باب زويلة ثلاثة أيام، ثم دفنت وأرسل السلطان إلى نعير بالخلع وبتحليفه على الطاعة.
وفي شعبان وصل عامر بن ظالم بن حيار بن مهنا ابن أخي نعير مغاضباً لعمه، فأكرمه السلطان، ثم قدم أبو بكر وعمر ولدا نعير مفارقين لأبيهما فأكرما بدمشق.
وفي شوال أمطرت السماء مطراً غزيراً حتى خاض الناس في المياه، وذلك في أول يوم من توت والشمس في برج السنبلة.
وفيها حضر رسل صاحب دهلك ومعه فيل وزرافة وغير ذلك هدية.
وفي شعبان وصل رسل تمرلنك إلى الظاهر يظهر له الوداد والكتب على لسان طقتمش خان سلطان الدشت.
وفيها هرب أحمد بن أويس من بغداد، وذلك لأنه كان شديد العسف بالرعية والأمراء، فلما قصده تمرلنك كان إذا أرسل أحداً من الأمراء بكشف خبره يعيد إليه جوابا غير شاف،(1/452)
فعميت عليه الأخبار إلى أن دهمه فلم يكن له به طاقة فخرج من أحد أبواب البلد، وفتح أهل البلد الباب الآخر لتمرلنك، فأرسل في طلب أحمد ففات الطلب ودخل الشام، وكان تمرلنك قد غلب قبل ذلك على تبريز وكاتب أحمد أن يذعن له بالطاعة ويخطب باسمه، فأجاب لذلك لعلمه بأن لا طاقة له بمحاربته، فكاتب أهل بغداد تمرلنك في الوصول إليهم فوصل، وكان أحمد أرسل الشيخ نور الدين الخراساني إلى تمر فأكرمه، وقال أنا أتركها لأجلك ورحل، فكتب الشيخ نور الدين الخراساني إلى أحمد يبشره بذلك، وسار تمر من ناحية أخرى فلم يشعر أحمد وهو مطمئن إلا وتمر قد نزل بغداد في الجانب الغربي فأمر أحمد بقطع الجسر ورحل وهرب أحمد لكن لم يعامل تمرلنك البغداديين بما قصدوه، فإنه سطا عليهم واستصفى أموالهم وهتك عسكره حريمهم، وخلا عنها كثير من أهلها وأرسل عسكراً في أثر ابن أويس فأدركه بالحلة فنهبوا ما معه وسبوا حريمه وهرب هو ووضع السيف في أهل الحلة ليلاً ونهبوها وأضرم فيها النار، ولما وصل أحمد في هربه إلى الرحبة أكرمه نعير وأنزله في بيوته ثم تحول إلى حلب فنزل الميدان وأكرمه نائبها وطالع السلطان بخبره، فأذن له في دخوله القاهرة.
وفي ذي القعدة رجع حسن الكجكني من بلاد الروم من عند أبي يزيد بن عثمان بعد أن أصلح بينه وبين ابن قرمان بأمر السلطان ووصل صحبته بهدايا ابن عثمان مع رسله فأكرمهم السلطان وأرسل صحبتهم بسؤالهم محمد بن محمد الصغير الطبيب وجهز صحبته كثيراً من العقاقير وغيرها، ثم جهز اللنك ولده بعسكر حافل إلى صالح ابن جيلان صاحب البصرة والبحرين فقاتلوه فهزمهم وأسر ولد تمرلنك(1/453)
وخرج في إحضاره عز الدين ازدمر وجهز السلطان إليه ثلاثمائة ألف درهم فضة برسم النفقة فبعث إليه عسكراً آخر فظفر بهم.
وفيها كانت وقعة عظيمة للفرنج بنستروه، طرقوها في رمضان في أربعة غربان فنهبوها وقتلوا النساء والأطفال وأقاموا بها ثلاثة أيام.
وفيها كانت وقعة عظيمة بالمدينة بين جماز بن شيحة الذي كان أمير المدينة النبوية وبين ثابت بن نعير المستقر فيها، وقتل بينهم خلق كثير.
وفيها في شوال كانت محنة القاضي ناصر الدين ابن الميلق، فقرأت بخط قاضي القضاة تقي الدين الزبيري وأجازنيه قال: لما كان ابن الميلق قاضياً طلب أمين الحكم وقت الصرّ إلى الحجاز وكان من بالقاهرة من أهل الحجاز شكوه للقاضي وقالوا إنه يقول إنه ما يصرّ إلا بحكم النصف، فأنكر عليه القاضي وقال تعمل هذا في أيامي وألزمه بتكملة الصرّ ولم يكن عنده ما يكمل به الصرّ لتأخر حضور مال الوقف من الشام، وكان منطاش ختم على مودعي الحكم بالقاهرة والحسينينة وصار يحط على القاضي لامتناعه من إقراضه مال المودع فحضر بدر الدين القلقشندي أمين الحكم وأخوه جمال الدين موقع الحكم وذكرا للقاضي أنه حضر من وقف البرج والغازية قدر أربعين ألفاً من جهة علم دار وهي في جهة شخص هو زوج ابنة تمنتمر ناظر المارستان وأنهم لم يجتمعوا به والمبلغ حاضر معه لا غيبة له وسألوه أن يقترضوا الأربعين من مودع مصر وكان لم يختم ليكمل بذلك الصر ويعيدوها إذا قبضوها من القاصد فأذن لهم فكتبوا قصة سألوا فيها أن تنقل أربعين ألفاً(1/454)
من مودع مصر إلى مودع القاهرة فكتب لهم بالنقل على الوجه الشرعي فقبضوه وصرّره وطالبوا القاصد فمطلهم وخرج منطاش والعسكر وذاك متجوه عليهم بتمنتمر إلى أن انفصل ابن الميلق ولما استقر عماد الدين الكركي أوفوا من المبلغ عشرة آلاف، فلما أن ولى المنادي ذكروا له ذلك فأمر أمين الحكم بمصر وهو شهاب الدين البيدقي أن يرفع الأمر إلى السلطان فقدم قصة قرئت فأمر بإحضار ابن الميلق فحضر فأوقفه ثم عقد له مجلس وهو واقف فألزموه بغرامتها فخرج فباع من وظائفه وأملاكه واقترض إلى أن وفاها " وعند الله تجتمع الخصوم " انتهى ما نقلته، وبلغني أنه في أول حضوره المجلس على تلك الصورة أنه خرّ مغشياً عليه فما أفاق حتى رشوا عليه الماء، ومع ذلك لم يرحمه أحد ممن حضر ولم ينصفه أحد من هذه المظلمة ولعل ذلك يكون كفارة له وتوجع لابن الميلق بسبب ذلك جماعة كانوا يكرهون المناوي لبأو كان فيه فبسطوا ألسنتهم فيه وذموه بكل وجه فلم ينزعج لهم وصار ينتقم منهم واحداً بعد واحد ولله الأمر.
وفي ذي الحجة شكا بعض التجار لنائب الكرك نوف القشتمري أن جماعة من العشير أخذوا لهم مالاً من الغنم وغيرها فركب وتحدث معهم وسألهم أن يعيدوا ما أخذوا فأخذوا البعض فطلب البقية فذكروا أنهم لم يأخذوا إلا ذلك، فجمع مشايخهم ليحلفهم فاجتمعوا فقبض عليهم فغضب الباقون فوقعوا فيه فقتلوه وكان في ناس قلائل.(1/455)
وفي ربيع الآخر حصل سيل عظيم بحلب فساق جملة كثيرة من الوحوش والأفاعي فوجد فيها ثعبان عظيم يسع فمه ابن آدم إذا ابتلعه وكان طوله نحو سبعة أذرع أو أكثر.
وفيه وقع الفناء بالإسكندرية فيقال مات في مدة يسيرة عشرة آلاف.
وفيها استقر الشيخ سيف الدين السيرامي في تدريس الفقه والمشيخة بالشيخونة عوضاً عن جمال الدين محمود لاشتغاله بوظيفة نظر الجيش، وأذن له السلطان أن يستنيب عنه من يحضر وقت العصر في الظاهرية ويحضر هو بالشيخونية ويدرس بالمكانين ولم يتفق ذلك لغيره.
وفيها استقر أبو يزيد الدويدار في نظر جامع ابن طولون انتزعه من القاضي المناوي، فلما مات استعاده المناوي ولبس لأجله خلعة.
وفيها كان الطاعون الشديد بحلب فقرأت في تاريخها للقاضي علاء الدين: بلغت عدة الموتى كل يوم خمسمائة نفس وأكثر، ثم تناقص في أواخر السنة، قال: ومات فيه جمع من الأعيان ولكن كان غالبه في الصغار.
وفي هذه السنة أكملت مدرسة أينال اليوسفي خارج باب زويلة، ونقل إليها فدفن بها.
وفي تاسع عشرين ذي الحجة نودي بأمر السلطان في الناس بمصر والقاهرة أن يتجهزوا إلى القتال لتمرلنك وطرده عن بلاد الإسلام فإنه قتل العباد وأخرب البلاد وهتك الحريم وقتل(1/456)
الأطفال وخرب الديار، وركب سودون النائب وجماعة معه ومعهم ورقة يقرأ فيها من ذكر مساويه وسيرته القبيحة الأمور الفظيعة فاشتد خوف الناس وعظم ضجيجهم وبكاؤهم وكان يوماً مهولاً.
وفي هذه السنة اجتمع بالقدس أربعة أنفس من الرهبان ودعوا الفقهاء لمناظرتهم، فلما اجتمعوا جهروا بالسوء من القول وصرحوا بذم الإسلام والقائم به وأنه ساحر كذاب فثار الناس عليهم وقتلوهم وأحرقوهم.
وأوفى النيل سادس عشر مسرى.
وفي ذي القعدة قبض على تاج الدين ابن أبي شاكر الوزير وسلم لوالي القاهرة، فضربه بالمقارع وأخرجه على حمار وفي عنقه الحديد فترامى على الناس وطرح نفسه على الأبواب يستعطي ما يستعين به في مصادرته ثم أفرج عنه واستقر ناظر الإصطبل.
ذكر من مات
في سنة خمس وتسعين وسبعمائة من الأعيان
إبراهيم بن خليل بن عبد الله بن محمود بن يوسف بن بدر البعلي الشرايحي كان يقال له ابن سمول، سمع من القطب اليونيني وغيره وحدث وهو والد صاحبنا الحافظ جمال الدين ابن الشرايحي.
أحمد بن إبراهيم الكتبي الصالحي من فضلاء الحنفية، وكان يشارك في فنون ويفتي ويناظر، وكان يلازم أبا البقاء السبكي مدة ويقرأ عليه في الكشاف وهو المشار إليه في كتابة السجلات، مات في رجب.(1/457)
أحمد بن صالح بن أحمد بن خطاب بن رقم البقاعي شهاب الدين المعروف بالزهري الدمشقي الفقيه الشافعي، ولد سنة اثنتين أو ثلاث وعشرين، وأخذ عن النور الأردبيلي والفخر المصري وابن قاضي شهبة وأبي البقاء السبكي والبهاء الإخميمي ولازم الاشتغال إلى أن مهر في الفقه وغيره، وسمع الحديث من ابن أبي التائب والبرزالي والمزي وغيرهم، ودرس كثيراً، وأفتى وتخرج به النبهاء وناب في الحكم عن البلقيني وغيره، ودرس بالشامية وبالقليجية والعادلية، وولي إفتاء دار العدل، واستقل بالقضاء في ولاية منطاش وأوذى بسبب ذلك، وكانت مدة ولايته شهراً ونصفاً، وعد الناس ذلك من زلات العقلاء فإنه كان وافر العقل فلما صرف انقطع، قال ابن حجي: كان مشهوراً بحل " المختصر " في الأصول و " التمييز " في الفقه، وله نظم، وكان له حظ من عبادة مع حفظ لسانه وترك الوقيعة في الناس، وكان مهيباً مقتصداً في معاشه كثير التلاوة وكان قد انتهت إليه رياسة الشافعية في زمانه بدمشق، مات في المحرم عن إحدى وسبعين سنة.
أحمد بن صالح البغدادي الحنبلي شهاب الدين خطيب جامع القصر ببغداد كان من الفضلاء، قتل لما دخل تمرلنك بغداد.
أحمد بن عبد الغالب بن محمد بن عبد القاهر بن محمد بن ثابت الماكسيني الخابوري الأصل ثم الدمشقي، ولد سنة عشر وسبعمائة، وسمع من القاسم بن عساكر والحجار والبندنيجي وابن تيمية وغيرهم وحدث، مات في ربيع الأول وله خمس وثمانون سنة، وكان جيداً منزلاً بمدارس الشافعية وعنده معرفة بأحوال الناس.
أحمد بن عمر بن هلال الإسكندراني ثم الدمشقي الفقيه المالكي شهاب الدين،(1/458)
أخذ عن الأصبهاني وغيره، وشرح ابن الحاجب في الفقه وكان حسن الخط والعبارة ماهراً في الأصول، فاضلاً، إلا أنه كان يرتشي على الإذن في الإفتاء، ويأذن لمن ليس بأهل فعيب بذلك، وكان أخذ عن أبي حيان والأصبهاني ودرس بالقمحية بمصر، وكان حسن الخط، جيد العبارة، وشاع عنه أنه قال وهو في النزع: قولوا لابن الشريشي يلبس ثيابه ويلاقينا إلى الدرس، فمات شرف الدين ابن الشريشي عقب ذلك.
أحمد بن محمد بن إبراهيم بن إسحاق المناوي شهاب الدين ابن الضياء الشافعي، ابن عم القاضي صدر الدين ناب عنه في الحكم، وولي مشيخة الخانقاه الجاولية، ومات في ربيع الأول.
أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن عشائر ولي الدين أبو حامد بن الحافظ ناصر الدين أبي المعالي خطيب حلب وابن خطيبها، ولد سنة..... وأسمعه أبوه الكثير بحلب وغيرها ورحل به إلى القاهرة واشتغل ومهر ونظم الشعر وخطب بعد أبيه مدة، ومات في ذي الحجة بها بالطاعون شاباً.
أحمد بن محمد بن مخلوف نقيب الحكم بالقاهرة للشافعية مات فيها.
الخضر بن يوسف بن سحلول الحلبي، كان فاضلاً، له نظم. قال القاضي علاء الدين الحلبي في تاريخه: كان عنده ظرف وأدب، وباشر التوقيع بحلب، وكان بعد من الأعيان وهو أخو الرئيس شمس الدين عبد الرحمن الماضي في سنة 782 ومات بالمدينة في ذي الحجة.
سليمان بن أحمد بن أحمد بن مبارك بن إبراهيم الصالحي الملقن، سمع من أبي بكر بن الرضا، ومات في ذي القعدة عن نحو من خمس وستين سنة.(1/459)
سليمان بن داود بن سليمان المزي - بالزاي - المعروف بالعاشق حضر على ابن الشيرازي وغيره، وحدث، وكان كثير الحج، مات في مستهل صفر.
عبد الله بن أحمد بن أحمد الحسني الحلبي، ناب عن والده في نقابة الأشراف بحلب، ومات في كفاية في شوال.
عبد الله بن عبد الكريم بن الغنائم، كان جميل القامة، جميل الوجه باشر وفرح به أبوه، ثم فجع به، وعاش بعده قريباً من ثلاثين سنة.
عبد الله بن المقسي شمس الدين كان يقال له " شمس " وهو نصراني، فلما أسلم لقب شمس الدين وسمي عبد الله، ويقال: إنه كان حسن الإسلام، ومن أدلة ذلك أن أمه ماتت فحضر الخلق جنازتها، فخرج إليهم فقال: إن لها أهل دين غيركم وتجديده الجامع بباب البحر وأوصى أن يدفن بجواره، وكان يقرب العلماء ويحب الصلحاء، مات في ثالث شعبان وقد أسن، سمعت كلامه.
عبد الرحمن بن أحمد بن رجب البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي الحافظ زين الدين، بن رجب ولد ببغداد سنة ست وثلاثين وسبعمائة، وسمع بمصر من الميدومي، وبالقاهرة من ابن الملوك، وبدمشق من ابن الخباز، وجمع جمّ، ورافق شيخنا زين الدين العراقي في السماع كثيراً، ومهر في فنون الحديث أسماء ورجالاً وعللاً وطرقاً واطلاعاً على معانيه، صنف شرح الترمذي فأجاد فيه في نحو عشرة أسفار وشرح قطعة كبيرة من البخاري وشرح الأربعين للنووي في مجلد، وعمل وظائف الأيام سماه " اللطائف " وعمل طبقات الحنابلة ذيلاً على طبقات أبي يعلى، وكان صاحب عبادة وتهجد، ونقم عليه إفتاؤه بمقالات ابن تيمية، ثم أظهر الرجوع عن ذلك فنافره التيميون فلم يكن مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، وكان قد ترك الإفتاء بأخرة،(1/460)
وقال ابن حجي: أتقن الفن وصار أعرف أهل عصره بالعلل، وتتبع الطرق وكان لا يخالط أحداً ولا يتردد إلى أحد، مات في رمضان رحمه الله، تخرج به غالب أصحابنا الحنابلة بدمشق.
عبد الرحيم بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن الفصيح الهمذاني الأصل، ثم الكوفي ثم الدمشقي الحنفي، قدم أبوه وعمه دمشق فأقام بها وأسمع أحمد أولاده من شيوخ العصر بعد الأربعين، وقدم عبد الرحيم هذا القاهرة في سنة خمس وتسعين وسبعمائة هذه السنة فحدث عن أبي عمرو بن المرابط بالسنن الكبرى للنسائي بسماعه منه في ثبت كان معه، وقد وقفت على الأصل بخط والده وفيه سماعه وسماع ولده بخطه وليس فيهم عبد الرحيم فلعله في نسخة أخرى، وحدث عن محمد بن إسماعيل بن الخباز بمسند الإمام أحمد كله والاعتماد على ثبته أيضاً، وسمع منه غالب أصحابنا، ثم رجع إلى دمشق فمات بها في شوال هذه السنة وهو والد صاحبنا شهاب الدين بن الفصيح.
علي بن ايدغدي التركي الأصل الدمشقي الحنبلي البعلي كان يلقب حنبل، سمع الكثير وطلب بنفسه وجمع معجم شيوخه وترجم لهم، قال ابن حجي: علقت من معجمه تراجم وفوائد، قال: ولا يعتمد على نقله، مات في رجب.
علي بن محمد بن عبد المعطي بن سالم المصري علاء الدين ابن السبع - بفتح المهملة وسكون الموحدة - حضر بعض البخاري على وزيره والحجار، وسمع من يحيى بن فضل الله والدلاصي ومحمد بن غالي وغيرهم وكان ممن يخشى لسانه، وحدث،(1/461)
وكان أبوه قاضي المدينة، مات هو في رمضان وقد اختلط عقله.
علي بن محمود بن علي بن محمود بن علي بن محمود - ثلاثة على نسق - علاء الدين بن العطار الحراني، سبط الشيخ زين الباريني، ولد بعد الستين وتفقه بالشيخ أبي البركات الأنصاري وغيره، وبرع في النحو والفرائض وتصدى لنفع الناس وتصدر بأماكن، وكانت دروسه فائقة وكان يتوقد ذكاء، ذكر القاضي علاء الدين في تاريخ حلب أنه حفظ ربع ألفية العراقي في يوم واحد، ولو عمر لفاق الأقران لكن مات عن نيف وثلاثين سنة في شهر رمضان سنة خمس وتسعين وسبعمائة.
علي بن محمد بن عبد الرحيم الأقفهسي الشيخ علاء الدين المصري، قدم من بلده سنة إحدى وثلاثين وهو كبير، واشتغل وأخذ عن ابن عدلان والكمال النسائي وغيرهما ومهر في الفقه، وشارك في غيره وكان ديناً مع فكاهة فيه، درس بأماكن بالقاهرة وأعاد وولي مشيخة خانقاه يشبك، وناب في الحكم، مات في شوال، انتفع به جمع كثير من الطلبة رحمه الله تعالى.
عمر بن نجم بن يعقوب البغدادي نزيل الخليل يعرف بالمجرد كان مشهوراً بالخير والعبادة، مات في ذي الحجة وله ثلاث وستون سنة.
قال ابن حجي: رأيته شيخاً طوالاً يلبس قبعاً بلا عمامة، وكان محباً في فعل الخير، كلما جاءه فتوح يفرقه. وكان يكفي الذين يقرؤن عنده، ولا يترك أحداً يقيم عنده بطالاً، وكان لا يضع جنبه بالأرض.
كمشبغا الخاصكي، ولي نيابة دمشق أربعة أشهر ومات بها وهو كمشبغا الحموي الذي كان نائب حلب ثم صار أكبر الأمراء بمصر وتأخر موته فلذلك كان يقال له الكبير ليتميز عن هذا.(1/462)
محمد بن إبراهيم بن الشيخ أحمد شاه الخلخالي ثم التبريزي، كان متمولاً فعمل عليه أحمد بن أويس حتى قتله في صفر وذلك لعظم قدره وطواعية أهل ناحيته له، فكأنه خاف من ناحيته وطمع في ماله، وله خانقاه بالشرف الأعلى بدمشق وكان لأبيه خانقاه بالخلخال.
محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي ثم المقدسي نجم الدين، ناب في تدريس الصلاحية ثم استقل بها بعد موت القاضي برهان الدين، ومات في ذي القعدة بالقاهرة، وكان قدمها في شوال.
محمد بن أحمد بن الرضي إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم الطبري، محب الدين أبو البركات المكي ولد سنة بضع وعشرين، وسمع من عيسى الحجي وطائفة وسمع أيضاً على الوادي آشي والأمين الأقشهري، وأجاز له الحجار وآخرون، مات في ذي القعدة، واجتمعت به وصليت خلفه مراراً، وكان أعرج لأنه سقط فكسرت رجله، وباشر العقود، وعمر بعده أخوه أبو اليمن دهراً.
محمد بن أحمد بن علي بن عمر شمس الدين التاجر، المعروف بابن حق الدين المصري، نزيل مكة، كان له اختصاص بأحمد بن عجلان، وولي الوكالة عن الأمير جركس الخليلي، وكان يتولى صدقاته بنفسه، رأيته مراراً بمكة سنة خمس وثمانين، ومات في المحرم.
محمد بن حسن بن سليمان بن حسن بن حمزة الحسيني جمال الدين الطرابلسي المعروف بالبلدي، كان وكيل بيت المال بطرابلس، وكان ينسب إلى حشمة ومروءة وإحسان للواردين، مات في شعبان بالطاعون.
محمد بن عمر بن منهال الأذرعي أحد أعيان الموقعين بدمشق، مات في ذي الحجة.
محمد بن محمد بن أحمد بن علي بن أحمد الدمشقي الحنفي أمين الدين ابن الأدمي، ولد سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، وأخذ عن زوج أمه الفخر ابن الفصيح، وسمع من ابن الخباز وابن تبع وغيرهما،(1/463)
عني بالعربية وأخذ عن الصلاح الصفدي وغيره، وكانت له وجاهة بدمشق وباشر بها أماكن، وهو والد صاحبنا القاضي صدر الدين علي، مات في جمادى الأولى فجأة، قال ابن حجي: لم يكن بالمحمود بالنسبة إلى الوقيعة في الناس، وكان مع ذلك أحد أوصياء تاج الدين السبكي، ثم صار من أخصاء البرهان ابن جماعة ودرس بالإقبالية، وحصل دنيا واسعة وأموالاً جمة، وعرض عليه بعض الحكام نيابه فلم يقبل.
محمد بن محمد بن آقبغا آص، تقدم ذكره في الحوادث.
محمد بن محمد بن سالم بن عبد الرحمن الحنبلي صلاح الدين ابن الأعمى المصري المقدسي الأصل، مدرس الظاهرية الجديدة بين القصرين، وكان بارعاً في مذهبه، أفاد ودرس وتعين لقضاء الحنابلة، ومات في ربيع الأول، قال الشيخ تقي الدين المقريزي: كان أبوه وعمه عبد الجليل مشهورين بالعلم والفقه والدين فاقتدى بهما وأربى عليهما، قال: وكان سمحاً كريماً حسن الملتقى، جميل المحيا، وكان يتعصب لابن تيمية.
محمد بن محمد بن عبد الله الصوفي زين الدين المصري نادرة عصره في النوادر الطيبة ولقبه زوين، وكان يكثر الكون عند ابن الغنام فغضب عليه مرة فأمر بحبسه فكان كل من دخل عليه الحبس من أصحابه يسأله عن سبب غضب الصاحب عليه فيشير إلى قنينة فارغة علقها وكان ابن الغنام يلقب قنينة في صباه، فبلغه ذلك فبادر إلى إطلاقه.
محمد بن يحيى بن سليمان السكسوني جمال الدين المغربي المالكي كان عارفاً بالمعقولات إلا أنه طائش العقل، ولي قضاء حماة وطرابلس فلم يحمد، ثم ولي قضاء دمشق شهرين(1/464)
بعد غلبة الظاهر فبدأ منه طيش أهين بسببه، وذلك أنه تصدى لأذى الكبار وتعزيز بعضهم، فكوتب فيه السلطان وعرفوه بثبوت فسقه فقدم مصر، ثم نفي إلى الرملة فمات بها في أوائل هذه السنة، قال ابن حجي: كان كثير الدعوى، ولما عزل عن القضاء وقف للسلطان بمصر وتشكى من غرمائه فقال له: أنا ما عزلتك، هم حكموا بعزلك فأخذ يعرض ببعض الأكابر فعملوا عليه حتى أخرجوه.
محمود بن أبي بكر بن أحمد ابن أبي بكر الوائلي شرف الدين ابن كمال الدين بن جمال الدين الشريشي، ولد سنة تسع وعشرين بحمص وأبوه قاضيها إذ ذاك، وأخذ عن والده وابن قاضي شهبة، حتى مهر في العلوم وتصدى للتدريس والإفتاء وكثر النفع به وقد حدث عن الحجار بالإجازة، ونشأ في عبادة وتقشف وسكون وأدب وانجماع، ودرس بالبادرائية وبالرواحية قليلاً وكان يكتب على الفتاوي كتابة حسنة حتى كان يقصد لذلك من الجهات البعيدة، وانتهت إليه وإلى رفيقه الشهاب الزهري رياسة الإفتاء، وله نظم ونثر.
قال ابن حجي: لم أر أحسن من طريقته ولا أجمع لخصال الخير منه، وكان يلعب بالشطرنج، مات في تاسع صفر عن خمس وسبعين سنة.
مقبل الرومي الشهابي شيخ الخدام بالمدينة، أصله من خدم الصالح إسماعيل بن الناصر ثم اختص بشيخو ثم يحسن، ثم انقطع بالمدينة ثم ولي المشيخة بها حتى مات.
منصور بن مظفر بن محمد بن المظفر اليزدي، ويقال له شاه منصور وهو ابن أخي شاه شجاع صاحب بلاد فارس، قتل في حروب وقعت بينه وبين تمرلنك وقتل معه أخوه شاه يحيى بن المظفر.
منطاش التركي الأشرفي، تقدم ذكره في الحوادث.(1/465)
موسى بن أحمد بن منصور العبدوسي المالكي، كان عالماً عابداً صالحاً على طريقة السلف، نزل دمشق وعين للقضاء فامتنع ودرس وأفاد، ثم تحول على القدس وله أسئلة مفيدة واعتراضات واستنباطات حسنة، وكان على طريقة السلف، ومات ببلد الخليل بزاوية الشيخ عمر المجرد في جمادى.
نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم الكناني الحنبلي ناصر الدين قاضي الحنابلة بنابلس، سمع من عبد الله بن يوسف الحنبلي جزء ابن ملاس بإجازته من سبط السلفي، وبدمشق من أحمد بن علي الجزري، وبمصر من الحسن بن السديد الأريلي وإبراهيم القطبي وغيرهم، وتفقه ومهر في مذهبه، وناب في الحكم عن صهره نحواً من عشرين سنة، ثم استقل بعد وفاة حموه موفق الدين سبعا وعشرين سنة إلى أن مات في شعبان عن سبع وسبعين سنة، وكان دينا عفيفاً مصوناً صارماً مهيباً، محباً في الطاعة والعبادة، حدث ودرس وأفاد وأجاز لي بعد أن قرأت عليه شيئاً، قرأت بخط قاضي القضاة تقي الدين الزبيري وهو في جملة ما أجازنيه، قال: توفي القاضي ناصر الدين في نصف شعبان، وأقام قاضي الحنابلة بعد وفاة صهره القاضي موفق الدين ما يزيد على خمس وعشرين سنة، لم ينكب فيها يوماً ولا عزل ولا مرض بل يضحك على الناس كلما عزل أحد أو مات، إلى أن جاءه أمر الله فلم يضعف غير هذه الضعفة فمات فيها.
يحيى بن عبد الله بن بشارة الوزير تاج الدين أسلم هو وأخوه وأبوهما وكان اسمه يحنا - بضم أوله وفتح المهملة وتشديد النون - فسمي يحيى، وباشر نظر الخاص مدة ثم ولي الوزارة بسعي منه على والده، ثم صرف في دولة الظاهر،(1/466)
ولما قدم الظاهر سنة ثلاث وتسعين اختفى، ثم قبض عليه في هذه السنة وسجن بالقلعة، فمات في جمادى الأولى، ومات أبوه في سنة ثلاث وتسعين.
شاه يحيى بن المظفر تقدم قريباً مع أخيه منصور.
أبو بكر بن عثمان بن العجمي زين الدين الحلبي نزيل القاهرة، سمع الحديث ببلده واشتغل بالآداب فمهر فيها وطارح الصلاح الصفدي بقصيدة شهيرة أجابه عنها وهي في " ألحان السواجع " للصفدي، وولي التوقيع بالقاهرة، وكان يكتب خطاً حسناً وينظم شعراً وسطاً ونثره كذلك مع دين وخير ومحبة في العلم، مات عن سبعين سنة أو أكثر.
أبو الطيب بن علي بن أحمد الفوّي سمع الكثير بعناية أبيه من أصحاب الفخر، وتفقه قليلاً، ثم دخل في أمر الدولة فقطع لسانه ثم بقية أعضائه، ثم مات عن أربعين سنة.
أبو تاشفين ابن أبي حمو موسى بن يوسف التلمساني من بني عبد الواد، خرج على أبيه وحاربه وجرت له معه خطوب وحروب إلى أن قتل أبوه في المحرم سنة 92، وأسر أخوه أبو عمر فقتله هو وملك تلمسان وصار يخطب لصاحب فاس لكونه نصره على أبيه ويقوم له كل سنة بمال إلى أن قام أبو زيان بن أبي حمو فجمع جموعاً ونزل على تلمسان وحصرها فكاده أخوه وفرق جمعه ووفد على صاحب فاس فجهز معه عسكراً في هذه السنة، فمات أبو تاشفين في شهر رمضان، فأقام وزيره أحمد ابن العز ولده فسار إليهم يوسف بن أبي حمو فقتل الصبي والوزير فخرج صاحب فاس إلى تلمسان فملكها وانقضت دولة بني عبد الواد بتلمسان وصارت لصاحب فاس.(1/467)
أبو يزيد الدوادار كان خامل الذكر فاتفق أن السلطان استخفى عنده لما نازله الناصري ومنطاش، فلما عاد إلى السلطنة عظمه ثم قربه ثم رتبه في الدويدارية بعد بطا إلى أن مات في رجب.
أمة الرحيم ويقال أمة العزيز بنت الحافظ صلاح الدين العلائي أسمعها من الحجار وغيره وحدثت، ماتت في تاسع شوال، وكذلك أسماء أختها ماتت في العشرين منه.
فاطمة بنت تقي الدين الجعبري، حضرت على أسماء بنت صصري وسمعت من ابن الرضي وكان المزي جد أمها، وحدثت بدمشق.(1/468)
سنة ست وتسعين وسبعمائة
فيها وصل أحمد بن أويس إلى القاهرة في ربيع الأول فتلقاه الأمراء وخرج له السلطان إلى الريدانية فقعد بالمسطبة المبنية له هناك، فترجل له أحمد بن أويس من قدر رمية سهم فأمر السلطان الأمراء بالترجل له، ثم لما قرب منه قام له ونزل من المسطبة يمشي إليه فالتقاه وأراد أحمد تقبيل يده فامتنع، فطيب السلطان خاطره وأجلسه معه على مقعده، ثم خلع عليه وأركبه صحبته إلى القلعة فأنزله في بيت طقزدمر على بركة الفيل، ونزل جميع الأمراء في خدمته ثم أرسل له السلطان مالاً كثيراً وقماشاً ومماليك للخدمة، يقال قيمة ذلك نحو عشرة آلاف دينار، ثم حضر الموكب السلطاني فأذن له السلطان بالجلوس وأركبه معه إلى الجيزة للصيد، ثم تزوج السلطان بنت أخيه خوندتندي بنت حسين بن أويس وبنى عليها قرب السفر، ثم أمر السلطان بالتجهيز إلى الغزاة وطلب من القاضي الشافعي أن يقرضه ما في المودع من أموال الأيتام، فامتنع فسعى بدر الدين بن أبي البقاء في القضاء وبذل مالاً، وذلك في ربيع الآخر فعزل المناوي بعد أن خرج السلطان إلى الريدانية، وأعيد ابن أبي(1/469)
البقاء في يوم الاثنين الرابع عشر من شهر ربيع الآخر وخلع عليه بالريدانية ودخل القاهرة ومعه قلمطاي الدويدار وغيره من الأمراء، وسافر مع السلطان في رابع عشريه بعد أن بذل ما أرادوا منه فقيل: كان ستمائة ألف، وعوض السلطان أصحابها أرضاً يستغلون خراجها إلى الآن، واقترض السلطان من ثلاثة من التجار ألف ألف درهم فضة، وهم برهان الدين المحلى ونور الدين الخروبي وشهاب الدين ابن مسلم، وكتب لهم بذلك مسطوراً ضمنه فيه محمود الاستادار، وكان ذلك بتدبيره، واستصحب السلطان معه القضاة والخليفة وشيخ الإسلام البلقيني، واستأذن البلقيني بعد وصوله إلى دمشق لولده جلال الدين في الرجوع لأنه كان قاضي العسكر، فأذن له فرجع وتوجه الشيخ صحبة الركاب إلى حلب، وخرج إلى السلطان وهو معسكر ظاهر القاهرة شخص يقال له أحمد بن عباس الحريري، فذكر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تسليماً في المنام وأنه قال له: رح إلى برقوق وقل له إنك منصور بأمارة أنك تقرأ سورة الفاتحة على أصابعك العشرة عشر مرات عند الركوب ثم تقول " إن ينصركم الله فلا غالب لكم " فصدق الأمارة وبكى وأمر للرأي بمال فلم يقبل منه إلا نذراً يسيراً، والذي يظهر لي كذب هذا الرأي، وكأنه بلغ الأمارة من بعض خواص السلطان المطلعين على سره، وإلا فلو كان صدقاً لكان قد انتصر، والواقع أنه لم يقع له قتال مع أحد، وعزل موفق الدين عن الوزارة واستقر ناصر الدين ابن رجب فقرر في نظر الدولة سعد الدين ابن البقري.
وفيها كائنة الشريف العنابي - بضم العين المهملة والنون - كان السلطان يعتقده فاتفق مع جماعة من مماليك بركة على القيام عليه، فنم عليه موسى بن محمد بن عيسى العائدي شيخ عرب العائد، وكان في الحبس فأرسل إلى الوالي ورقة بخط العنابي، يقول فيها: يا موسى(1/470)
أرسل إليّ عربك يجتمعوا ويعسكروا قرب القاهرة فإذا جاز السلطان قطية أركب أنا ومن معي من المماليك فنملك القاهرة وتخلص من الحبس ونتساعد على ذلك فإذا غلبنا قررنا سلطاناً نتفق عليه، وأستقر أنا خليفة وأحمد بن قايماز أتابك العساكر، فتوجه الوالي بالورقة إلى السلطان فأرسل يلبغا السالمي إلى الشريف العنابي ليسأله عن ذلك فأحس الشريف فهرب ثم أمسك الوالي عبداً من عبيده فأقر بأن سيده في بيت الصارم الحلبي بسويقة السباعين، فبادر الوالي فقبض عليه وعلى أحمد بن قايماز فأحضرهما إلى السلطان وهو بالريدانية قد برز بالعسكر للتوجه فاعترف العنابي بأن الورقة بخطه وأن ابن قايماز هو الذي رتبه فيما يفعل، فأنكر ذلك ابن قايماز وتبرأ منه فأمر السلطان بالتوكيل بهما، فسعى عمر بن قايماز أخو أحمد عند أخت السلطان حتى شفعت في أخيه على مال جزيل بذله وأطلق، وأمر السلطان بتوسيط الشريف العنابي فوسطه الوالي، وكذلك وسط موسى بن محمد بن عيسى بن موسى العائدي وعمه مهنا بن عيسى وجماعة من نفره كانوا في القبضة، وذلك بعد سفر السلطان، ووصل السلطان إلى دمشق في العشرين من جمادى الأولى فوصل له قاصد طقتمش خان ملك القفجاق يتضمن السؤال أن يكونوا يداً واحدة على الطاغي تمرلنك، فكتب أجوبتهم ثم وصلت إليه رسل أبي يزيد بن عثمان صاحب الروم تتضمن استئذان السلطان على الحضور إلى نصره على قصد تمرلنك لما بلغهم من سوء سيرته، فكتب أجوبته أيضاً.
وفي أول هذه السنة سار تمرلنك بنفسه وعساكره إلى تكريت فحاصرها بقية المحرم(1/471)
كله ودخلها عنوة في آخر هذا الشهر فقتل صاحبها، وبنى من رؤوس القتلى منارتين وثلاث قباب، وخرب البلد حتى صارت قفرة، وكان استولى على قلعة تكريت وأميرها حسن بن يغمور ونزل بالأمان فأرسله اللنك إلى دار ثم دس عليه من هدمها، فمات تحت الهدم، ثم أثخن في قتل الرجال وأسر النساء والأطفال، ثم نازل الموصل وصاحبها يومئذ يار علي بن برد خجا فصالحه وصار في خدمته، ثم نزل إلى رأس عين فملكها، ونازل الرها فأخذها بغير قتال، ووقع النهب والأسر والسبي، وذلك في آخر صفر واتفق هجوم الثلج والبرد، ولما بلغ ذلك صاحب الحصن جمع خواصه وما عنده من التحف والذخائر وقصد تمرلنك ليدخل في طاعته فقرر ولده شرف الدين أحمد نائباً عنه، وسار إلى أن اجتمع به بالرها فقبل هديته وأكرم ملتقاه ورعى له لكونه راسله قبل جميع تلك البلاد، ثم خلع عليه وأذن له في الرجوع إلى بلاده وأصحبه بشحنة من عنده، ثم قصده صاحب ماردين فتنكر له لكونه تأخرت عنه رسله وتربص به حتى قرب منه فوكل به فصالحه على مال فوعده بإرساله إذا حضر المال فلما حضر زاد عليه في التوكيل والترسيم، ثم أخذ في نهب تلك البلاد بأسرها، واستولى على بلاد الجزيرة والموصل وسار فيهم سيرة واحدة من القتل والأسر والسبي والنهب والتعذيب ثم أقام على نصيبين في شدة الشتاء، فلما أتى الربيع نازل ماردين في جمادى الآخرة فحاصرها وبنى قدامها جواسق فحاصرها منها ففتحها عن قرب، وقتل من الناس من لا يحصى عددهم، وعصت عليه القلعة فرحل عنها(1/472)
ثم رحل إلى آمد فحاصرها إلى أن ملكها وفعل بها نحو ذلك، ثم توجه إلى خلاط ففعل بها نحو ذلك، وسبب رجوعه عن البلاد الشامية أنه بلغه أن طقتمش خان صاحب بلاد الدشت والسراي وغيرها مشى على بلاده فانثنى رأيه فقصد تبرين وصنع في بلاد الكرج عادته في غيرها من البلاد، ثم رحل راجعاً إلى تبريز فأقام بها قليلاً، ثم توجه قاصداً إلى قتال طقتمش خان صاحب السراي والقفجاق، وكان طقتمش قد استعد لحربه فالتقيا جميعاً ودام القتال، وكانت الهزيمة على القفجاق والسراي فانهزموا وتبعهم الجقطاي في آثارهم إلى أن ألجؤهم إلى دخل بلادهم، وراسل اللنك صاحب سواس القاضي برهان الدين أحمد يستدعى منه طاعته فلم يجبه وأرسل نسخة كتابه إلى الظاهر صاحب مصر وإلى أبي يزيد ملك الروم.
وفي شوال غلب على غالب القلاع، وتوجه في ذي القعدة إلى جهة بلاده وأمر بسجن الطاهر في مدينة سلطانية، وفي غضون ذلك خرج من حلب أميران مقدمان ومعهما نحو ألف فارس لحفظ الرها فوجدوا اللنكية فتحوها، فوقع بهم جمع كبير من اللنكية، فحصل بينهم وقعة انهزم فيها اللنكية، وقتل منهم جمع عظيم، وصادف ذلك رحيل اللنك عن الرها، ورجع أهل حلب بالأسرى ورؤس القتلى، ووصل الخبر بذلك إلى الظاهر في ربيع الأول، ففرح به وأخذ في التجهيز بالعسكر المصري فخرج في ربيع الآخر وصحبته في هذه السفرة الشيخ سراج الدين البلقيني والشيخ شهاب الدين ابن الناصح وأبو عبد الله الكركي والشيخ محمد المغربي والشيخ إبراهيم بن زقاعة وغيرهم.
وفيها وصلت رسل تمرلنك إلى الظاهر يتضمن الإنكار على إيواء أحمد بن أويس والتهديد إن لم يرسل إليه فجهز السلطان إليهم من أهلكهم قبل أن يصلوا إليه وأحضر إليه ما معهم من الهدايا، فكان فيها ناس بزي المماليك، فسألهم السلطان عن أحوالهم، فقالوا إنهم من(1/473)
أهل بغداد، ومن جملتهم ابن قاضي بغداد، وإن تمرلنك أسرهم واسترقهم، فسلمهم السلطان لجمال الدين ناظر الجيش فألبس ابن قاضي بغداد بزي الفقهاء، وكان في كتاب تمرلنك إيعاد وإرعاد وأوله: " قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون " اعلموا " أنا جند الله "، خلقنا من سخطه وسلطنا على من حل عليه غضبه لا نرق لشاكي ولا نرحم عبرة باكي " وهو كتاب طويل وفيه " ودعاؤكم علينا لا يستجاب فينا ولا يسمع، فكيف يسمع الله دعاؤكم وقد أكلتم الحرام وأكلتم أموال الأيتام وقبلتم الرشوة من الحكام " قلت: وأكثر هذا الكتاب منتزع من كتاب هولاكو إلى الخليفة ببغداد وإلى الناصر بن العزيز بدمشق وهو من إنشاء النصير الطوسي، وكتب جواب اللنك كاتب السر ابن فضل الله وهو كلام ركيك ملفق غالبه غير منتظم لكنه راج على أهل الدولة، وقريء بحضرة السلطان والأمراء فكان له عندهم وقع عظيم وعظموه جداً وأعادوه، وكان النائب بحلب أرسل رجلاً بعث به سالم الدوكاري فلما وصل إلى القاهرة أخبر السلطان أن المقاتلة مع اللنك عشرون ألفاً وأن له أختاً معه تضرب بالرمل، ثم حضر شخص آخر كان من مماليك الأشرف وخدم شكر أحمد التركماني وأنه توجه معه إلى اللنك فهرب منه فأخبر بمثل ما أخبر به التتري المذكور.
وفي رابع عشرين ربيع الأول قبض على شخص من الططر فعرض على السلطان فضربه فأقر على عدة جواسيس فقبض منهم على سبعة أنفس ما بين تجار وغيرهم وتجهز السلطان إلى السفر وأنفق في المماليك في ثالث ربيع الآخر لكل واحد ألفي درهم، فبلغه أنه تمنعوا فجلس بنفسه وأمر بالنفقة فأخذوا ولم يتكلم أحد منهم وأعطى لكل مقدم ألف ستين ألفاً وللخليفة عشرة آلاف، ويقال كان جملة النفقة تسعة آلاف ألف، كان ثمنها من الذهب الهرجة ثلاثمائة ألف وستين ألف دينار،(1/474)
وكان اقترض من التجار ألف ألف، ومن موجود جركس الخليلي ثماني مائة ألف، ومن موجود أرغون شاه نحو النصف من ذلك، ومن موجود إينال اليوسفي نحو ذلك أو أكثر، فبرز في سابع الشهر وخرج من القلعة في عاشره وسافر من الريدانية في ثاني عشري الشهر وترك في الاصطبل بيبرس أمير آخور، وبالقاهرة سودون النائب ونائباه، وبالقلعة ارسطاي ومعه ثلاثمائة مملوك، ودخل دمشق ثاني عشرين جمادى الأولى فأقام بدمشق خمسة أشهر وعشرة أيام، واستبرأ الأخبار فتحقق رجوع اللنك فجهز أحمد بن أويس إلى بغداد ودفع له حين السفر خمسمائة ألف درهم قيمتها عشرون ألف دينار وخمسمائة فرس وستمائة جمل وجهزه أحسن جهاز، فخرج في مستهل شعبان وسافر في ثالث عشره وسار معه عدة من الأمراء الكبار إلى أطراف البلاد صحبه سالم الدوكاري، ثم جهز السلطان كمشبغا وجماعة من الأمراء إلى حلب فتوجهوا قبله ثم توجه بعدهم في أول ذي القعدة فدخلها في العاشر وأقام إلى عيد الأضحى، ورجع إلى الديار المصرية في الثاني عشر منه وكان أمر بعرض أجناد الحلقة وتجهز من له خبز ثقيل بعبرة ثقيلة إلى السفر وألزم مباشرو الخاص وغيرهم أن يؤخذ من كل واحد بغلة أو ثمنها ثم اختار من أجناد الحلقة أربعمائة فارس انتقاهم، ثم نادى للأجناد البطالين بالحضور لينفق فيهم ليسافروا فحضر منهم نحو الخمسمائة، فقبض قلطاي منهم بأمر السلطان على ثلاثمائة وسبعين فسجنهم وهرب الباقون، ثم عرضهم ابن الطبلاوي عند محمود وأفرج عن مائتين منهم، ولما دخل الشام شكوا من الباعوني فعزله ونكّل به وخلع على علاء الدين ابن أبي البقاء وأقام الظاهر بدمشق خمسة أشهر، وعزل المنجا الحنبلي، وولى عوضه شمس الدين النابلسي وعزل ابن الكشك، وولى عوضه ابن الكفري ثم وصل السلطان إلى حلب فوصل إليه ابن نعير فأخبره أن أباه غلب على بغداد بعد رحيل تمرلنك عنها وخطب فيها باسم الملك الظاهر فجهز أحمد بن أويس بجماعته إلى بغداد بعد أن جهزه جهازاً حسناً فأرسل عسكراً كثيراً فيهم كمشبغا الأتابكي وأحمد بن يلبغا وبكلمش وغيرهم إلى أطراف المملكة، وأقام، السلطان نازلاً على الفرات إلى أن وصل قاصد أحمد(1/475)
بن أويس يخبره بأنه دخل بغداد وجلس على تخت ملكه وخطب باسم السلطان بها، فرجع السلطان إلى حلب وحضر إليه وهو بها سالم الدوكاري التركماني طائعاً فخلع عليه وعظمه وألبسه بزي الترك، ووصل إليه كتاب القاضي برهان الدين أحمد صاحب سيواس يبذل له الطاعة، وذكر أحمد بن أويس في كتابه أنه لما وصل إلى ظاهر بغداد خرج إليه نائب تمر فقاتله وأطلق الماء على عسكر ابن أويس فأعانه الله وتخلص، وفي هذه السفرة استقر بدر الدين محمود بن عبد الله الكلستاني العجمي في كتابة السر بعد موت بدر الدين بن فضل الله، وكان السلطان استدعى به من القاهرة بعد أن سافر ليقرأ له كتاباً ورد عليه من بلاد العجم بالعجمي، وذلك بإشارة جمال الدين ناظر الجيش، فتوجه وهو في غاية الخوف ظناً منه أنه وشى به بعض أعدائه، وما درى أنه نقل أمره إلى العز الزائد بعد الذل المفرط واستقر في نيابة حلب بعد رحيل السلطان بإمرة تغري بردى وفي نيابة طرابلس أرغون شاه، وفي نيابة صفد آقبغا الجمالي.
وفي هذه السنة كان بالقاهرة من الرخص ما يضرب به المثل حتى أن عنوانه أن البطيخ العبدلاوي بيع كل قنطار بدرهم، وقس على ذلك.
ثم في آخرها توقف النيل حتى مضى نصف أبيب ثم مضى نصف مسرى الأول، ثم فتح الله تعالى فزاد في أسبوع واحد نحو عشرة أذرع وتزايد بسبب التوقف سعر القمح إلى أن بلغ أربعين درهماً كل أردب ثم زاد ضعفها.
وفيها أرسل أبو فارس ابن أبي العباس المريني، بعد موت أبيه إلى تلمسان أبازيان بن(1/476)
أبي حمو بعد أن أخرجه من محبسه بفاس وصار أميراً على تلمسان من قبله وأرسل إلى بني عامر مالاً فغدروا بيوسف ابن أبي حمو وأرسلوه إلى أبي فارس، فقتله وبعث برأسه إلى أخيه أبي زيان واستمر أبو زيان في إمرة تلمسان عن أبي فارس.
وفي رجب أخذت الفرنج عدة مراكب تحمل الغلال إلى الشام.
وفي هذه السنة أشيع أن امرأة طال رمدها فرأت النبي صلى الله عليه وسلم تسليماً فأمرها أن تأخذ من حصى أبيض في سفح المقطم أشيافاً وتكتحل به بعد سحقه ففعلت فعوفيت، فتكاثر الناس على استعماله وشاع ذلك ثم بطل.
وأوفى النيل ثامن عشرين مسرى وانتهت الزيادة في ذى الحجة إلى الحادي عشر من الثاني عشر فارتفعت الأسعار فأمر سودون النائب أن يتحدث ابن الطبلاوي في الأسعار ففعل فلم يزدد الأمر إلا شدة.
ذكر من مات
في سنة ست وتسعين وسبعمائة من الأعيان
إبراهيم بن خليفة بن خلف، خطيب برزة، كان خيراً معتقداً، مات في شعبان.
إبراهيم بن عبد الله بن عمر الصنهاجي المالكي برهان الدين القاضي، ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة، وسمع من الوادي آشي وغيره، وتفقه بدمشق على القاضي بدر الدين الغماري المالكي، وتزوج بنته بعده وكان يحفظ الموطأ وولي قضاء دمشق غير مرة، أولها سنة ثلاث وثمانين، فلما جاء التوقيع لم يقبل وصمم على عدم المباشرة وامتنع من لبس الخلعة فولى غيره، ثم ولى في ربيع الأول سنة ثمان وثمانين فامتنع أيضاً فلم يزالوا به حتى قبل، فباشر ثلاث سنين، ثم صرف(1/477)
ومات في ربيع الآخر فجأة بعد أن خرج من الحمام وقد ناهز الثمانين وهو صحيح البنية حسن الوجه واللحية، قال ابن حجي: كان فاضلاً في علوم وكان يخالط الشافعية أكثر من المالكية ويعاشر الأكابر بحسن محاضرته وحلو عبارته.
أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المريني السلطان أبو العباس بن أبي سالم بن أبي الحسن صاحب فاس ولقبه المستنصر بالله أمير المسلمين ثم اعتقل بطنجة فلم يزل حتى بعث ابن الأحمر صاحب غرناطة إلى محمد بن عثمان أمير سبتة أن يخرجه ويساعده، فركب إلى طنجة فأخرجه وبايع له وحمل الناس على طاعته وبايعه أهل جبل الفتح وأمده ابن الأحمر بعساكر، وكتب ابن الأحمر إلى الأمير عبد الرحمن بن أبي يغمراسن بموافقته ومعاضدته وكان بينهما بون فتصافيا ونازلوا فاس فجرح السعيد محمد بن عبد العزيز بن أبي الحسن سلطانها فاختل أمره وانهزم، وركب أبو العباس وحصر البلد في سنة خمس وسبعين إلى أن دخل سنة ست وسبعين، واستقل السلطان أبو الحسن بملك فاس والمغرب وأمر عبد الرحمن على مراكش، واستوزر أبو العباس محمد بن عثمان بن العباس وألقى إليه المقاليد، ثم غدر عبد الرحمن فأخذ من بلاد أبي العباس اربونة، فترددت الحرب بينهما إلى أن قتل عبد الرحمن في آخر جمادى الآخرة سنة أربع وثمانين، ثم ملك تلمسان وهرب منها صاحبها أبو حمو ثم ثار موسى بن أبي عنان على أبي العباس ونزل دار الملك بفاس، فرجع أبو العباس فنزل تازي فتركه أهل عسكره وتوجهوا إلى موسى فآل الحال إلى أن غلب موسى وقيده وحمله إلى الأندلس فأكرمه ابن الأحمر ولم ينشب موسى أن مات فأقيم المستنصر بن أبي العباس في الملك فبلغ(1/478)
ذلك ابن الأحمر فأخرج أبا العباس ليرسله إلى فاس، ثم بذا له فرده إلى الاعتقال فأرسل الواثق محمد بن أبي الفضل ابن السلطان أبي الحسن فتوجه إلى فاس فملكها في شوال سنة ثمان وثمانين وقبض على المنتصر فبعثه إلى ابن الأحمر ثم أرسل عسكراً فأخذوا سبتة فبلغ ابن الأحمر فغضب وطلب أبا العباس فأركبه البحر من مألقة إلى سبتة فوصلها في صفر سنة تسع وثمانين فاضطرب من فيها، واستولى على سبتة ثم سار إلى طنجة فملكها، ثم نازل فاس فملكها، وكان القائم في تلك الأمور كلها الوزير مسعود فقبض عليه وعذبه ثم قطعه قطعاً ولم يزل السلطان أبو العباس تتقلب به الأمور إلى أن مات في المحرم سنة ست وتسعين، فقام بعده ابنه أبو فارس فلم تطل مدته، ومات سنة ثمان وتسعين فقام أخوه ومات في يوم الفطر سنة تسع وتسعين، ثم قام أخوهما أبو سعيد عثمان.
أحمد بن أبي سالم بن أبي الحسن بن أحمد بن أبي عنان المريني، صاحب فاس، كان يلقب المستنصر أمير المسلمين، هو الذي قبله.
أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن أبي العباس الدمنهوري الأديب المعروف بالشاطر، صاحب النظم الفائق، تقدم في سنة 788.
أحمد بن محمد بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الواحد ابن أبي حفص الحفصي الهنتاتي، صاحب بلاد تونس وافريقية وغير ذلك من بلاد المغرب، والهنتاتي - بفتح الهاء وسكون النون بعدها مثناة وبعد الألف مثناة أخرى - يكنى أبا العباس - وكان يقال له: أبو السباع، ولي المملكة سنة اثنتين وسبعين في ربيع الأول، وكل من ذكر في عمود نسبه ولي السلطنة إلا أباه وجد أبيه، مات في شعبان، واستقر بعده ولده أبو فارس عبد العزيز.
أحمد بن يعقوب الغماري المالكي، كان فاضلاً في مذهبه، درس وأفتى وولي قضاء حماة، ثم صرف فأقام بدمشق إلى أن مات في ذي القعدة عن نحو من ستين سنة.
أبو بكر بن محمد بن الزكي عبد الرحمن المزي تقي الدين ابن أخي الحافظ جمال الدين، سمع الحجار والمزي وغيرهما وحدث، مات في المحرم عن خمس وسبعين سنة.(1/479)
راشد بن عبد الله التكروري أحد المشايخ المجذوبين الذين يعتقدهم العامة، كان مقيماً بجامع راشدة الذي عند بركة الحبش، رأيته هناك وعنده سكون ويصيح أحياناً، مات بالمارستان.
رسلان بن أحمد بن إسماعيل الصالحي الذهبي، سمع من محمد بن يعقوب الجرائدي وأبي العباس الحجار وحدث بدمشق.
زكريا بن محمد بن أبي بكر الأمير أبو يحيى، لما مات أخوه السلطان أبو العباس أحمد واستقر في السلطنة بعده ولده أبو فارس عبد العزيز كان خشي من عمه فاستدعاه في مرض أبيه فدخل عليه فخشي عليه أخوه وأمره بالانصراف، فعاقه أبو فارس حتى مات أبوه وبويع بالسلطنة فقتل عمه في نصف ذي القعدة.
زينب بنت القاضي زين الدين البسطامي، والدة القاضي صدر الدين المناوي، كانت مقيمة بجامع الحاكم، ماتت في المحرم، ومشى الناس في جنازتها من هناك إلى المصلى الذي بالقرب من جامع المارداني لأجل ولدها.
زينب بنت أبي البركات البغدادية، كانت صالحة فبنى لها رباط بجوار خانقاه بيبرس بنته لها الست تذكار بنت الملك الظاهر بيبرس وصار كالمودع للنساء الأرامل وهو المعروف برواق البغدادية.
سلامة بن محمد بن سليمان بن فائد الخفاجي، أمير العرب بالبحيرة وهو المعروف بابن التركية، كان شجاعاً بطلاً، وقد ذكر في الحوادث، مات في ربيع الآخر.(1/480)
عامر بن ظالم بن حيار بن مهنا، مات غريقاً بالفرات ومعه سبعة عشر نفساً من آل مهنا في وقعة بينه وبين عرب زبيد وقتل معه خلق كثير جداً.
عبد الله العمري كاتب السمسرة والد صاحبنا شمس الدين العمري موقع الدست.
عبد الرحمن المناوي خادم الشيخ صالح بمنية الشيرج، وكان ممن يعتقده المصريون، مات في جمادى الأولى.
عبد الرزاق بن عبد الله بن عبد الرزاق المصري كمال الدين ابن المطوع الشاهد، ولد سنة عشر أو بعدها، وسمع من أبي الفتح الميدومي وغيره واعتنى بالشروط وكتب الخط الحسن ونظم ونثر وأرخ الوقائع التي شاهدها، مات ثالث رجب سمعت من فوائده.
علي بن عبد الواحد بن محمد بن صغير علاء الدين بن نجم الدين بن شرف الدين رئيس الأطباء بالديار المصرية، كان فاضلاً مفنناً انتهت إليه المعرفة، وكان ذا حدس صائب جداً يحفظ عنه المصريون من ذلك أشياء، وكان حسن الصورة بهي الشكل جميل الشيبة، مات بحلب في ذي الحجة، ثم نقلته ابنته إلى مصر فدفنته بتربتهم، أخذ عنه شيخنا عز الدين ابن جماعة وكان يثني على فضائله وقد اجتمعت به مراراً وسمعت فوائده، وكان له مال قدر خمسة آلاف دينار قد أفره للقرض، فكان يقرض من يحتاج إلى ذلك برهن من غير استفضال بل ابتغاء للثواب.
قرأت بخط الشيخ تقي الدين المقريزي: كان يصف الدواء للموسر بأربعين ألفاً ويصف الدواء في ذلك الداء بعينه للمعسر بفلس، قال: وكنت عنده فدخل عليه رجل شيخ فشكا شدة(1/481)
ما به من السعال فقال له: لعلك تنام بلا سراويل؟ قال: إي والله! قال: فلا تفعل، ثم بسراويلك، فمضى، قال: فصادفت ذلك الشيخ بعد أيام فسألته عن حاله، فقال لي: عملت ما قال لي فبرئت، قال: وكان لنا جار حدث لابنه رعاف حتى أفرط فانحلت قوى الصغير، فقال له: شرّط أذنيه، فتعجب وتوقف، فقال: توكل على الله وافعل، ففعل ذلك فبرأ، قال: وله من هذا النمط أشياء عجيبة.
محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن علي الحسني الفاسي، ثم المكي أبو الفتح المالكي، سبط الخطيب بهاء الدين محمد بن التقي عبد الله بن المحب الطبري، سمع على عثمان بن الصفي أحمد بن محمد الطبري وغيره، وبالمدينة على الزين بن علي الأسواني والجمال الطبري وخالص البهائي وغيرهم، وأجاز له جماعة من مصر والشام وحدث، وكان مولده في ذي القعدة سنة 732 بمكة ومات بها في خامس صفر.
محمد بن أبي بكر الدمشقي بدر الدين ابن المصري، اشتغل بالعلم وأخذ عن التاج المراكشي، وكان أكبر الشهود بمجلس القاضي المالكي.
محمد بن بيبرس شاه الخادم بالشميساطية بدمشق، كانت له وجاهة، وكان حسن الخط، وولي مشيخة خانقاه الطواويس، ومات في جمادى الأولى.
محمد بن علي بن سالم الفرغاني، أحد شهود الحكم بدمشق، اشتغل بالقراآت وتلا بالسبع على اللبان وأقرأ، ومات في ذي الحجة.
محمد بن علي بن يحيى بن فضل الله بن مجلى العدوي المصري بدر الدين بن علاء الدين، كاتب السر، ولي كتابة السر وهو شاب بعد والده وباشرها وأبوه في مرض(1/482)
موته وذلك في رمضان سنة تسع وستين، ولم يكمل حينئذ عشرين سنة، واستمر إلى أن عزل في أول الدولة الظاهرية بأوحد الدين، ثم أعيد بعد سنتين، ثم عزل بعلاء الدين الكركي، ثم أعيد ثم مات في هذه السنة في شوال، فباشر الوظيفة نيفاً وعشرين سنة، وكان مهيباً ساكناً قليل الكلام جداً قليل الاجتماع بالناس قصير البضاعة في البلاغة جداً إلا أن خطه حسن، وكان يستر نفسه بقلة الكلام وقلة الاجتماع. وكان يدعي أن ذلك من شأن وظيفته، وكانت له محاسن عديدة، وقام في مواطن محمودة، ونصيحته لمن يخدمه مشهورة، وعنوان شعره ما كتبه للملك الظاهر من دمشق لما تخلف مع منطاش:
يقبل الأرض عبد بعد خدمتكم ... قد مسه ضرر ما مثله ضرر
والشغل يقضى لأن الناس قد ندموا ... إذ عاينوا الجور من منطاش ينتشر
والله إن جاءهم من عندكم أحد ... قاموا لكم معه بالروح وانتصروا
وقرأت بخط ابن القطان وأجازنيه أنه قرأ على الشيخ بهاء الدين بن عقيل، وعلى الحاوي في الفقه وفي ألفية ابن مالك حتى صار يعرب في القرآن وأنا حاضر والشيخ فخر الدين الضرير فيجيد ذلك، وكان والده قد حرص على أن يكون عالماً فشغلته الخدمة عن التمهر في ذلك، وكان واسع الجاه لكنه لا يملك نفسه عند الغضب وتصدر منه أمور صعبة رحمه الله تعالى.
محمد بن محمد بن داود بن حمزة بن أحمد بن عمر بن الشيخ أبي عمرو المقدسي الصالحي الحنبلي ناصر الدين، ولد سنة ثمان وسبعمائة وأحضر على محمد بن علي بن عبد الله النحوي جزء ابن ملاس وسمع على عم أبيه التقي سليمان شيئاً كثيراً وغيره وأجاز له الكمال إسحاق النحاس وأولاد ابن العجمي الثلاثة وتفرد بالرواية عنهم مات في رجب.(1/483)
محمد بن أبي المكارم محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحسني الفاسي ثم المكي المالكي، سمع على الزين بن علي الأسواني والجمال المطري، وأجاز له ابن الرضى وزينب بنت الكمال ويحيى بن المصري وآخرون، وكان صالحاً له عناية بالعلم ومعرفة بالأدب، وله نظم كثير، وقد حدث بمكة.
محمد بن محمد المليحي تاج الدين يعرف بصائم الدهر، ولي نظر الأحباس والجوالي والحسبة، وخطب بمدرسة السلطان حسن، مات في صفر، وكان ساكناً قليل الكلام جميل السيرة.
محمد بن مقبل التركي، تفقه في صباه وأحب مذهب الظاهرية فتظاهر به، وكان يحف شاربه ويرفع يديه في كل خفض ورفع، وكتب بخطه كثيراً جداً.
محمد بن موسى بن رقطاي الناصري ناصر الدين، أحد أمراء العشراوات، كان أبوه نائب السلطنة، وكان الولد نجيباً سريا جميل الصورة ضخماً خيراً، يحب سماع الحديث ويحضر عنده المشايخ في داره فتجتمع الطلبة عنده ويحسن إلى الشيخ عند ختم الكتاب وللقاريء سمعنا بمنزله على بعض شيوخنا، ومات في ذي القعدة منها.
مراد بن اورخان بن أردن علي بن عثمان بن سلمان بن عثمان التركماني صاحب الروم يقال إن أصلهم من عرب الحجاز وكان أول من نبه منهم سلمان فكان يغزو ومعه نفر من المطوعة وكان شجاعاً بطلاً فاشتهر بذلك وكثر أتباعه ثم مات، فقام ابنه عثمان مقامه، وفتح برسا واستوطنها في حدود الثلاثين ثم مات، فقام ابنه عثمان مقامه، وفتح برسا واستوطنها في حدود الثلاثين ثم قام ابنه أردن على مقامه فأربى على أبيه في الجهاد، وقرب العلماء والصلحاء وعمر الخوانك والزوايا ثم مات، فقام ابنه أورخان مكانه(1/484)
ثم مات، فقام ابنه مراد فركب البحر ونازل ما وراء خليج القسطنطينة وأذلهم حتى بذلوا له الجزية ونشر العدل في بلاده، ولم يزل مجاهداً في الكفرة حتى اتسعت مملكته، ومات في حرب وقعت بينه وبين الكفار وعهد لابنه أبي يزيد، وكانت مدة مملكته عشرين سنة.
يحيى بن محمد بن علي الكناني العسقلاني أمين الدين الحنبلي، عم شيخنا عبد الله ابن علاء الدين، سمع الميدومي وغيره وحدث، ورأيته ولم يتفق لي أن أسمع منه.
يوسف بن أبي عبد الله محمد بن يوسف بن إسماعيل أبو الحجاج ابن الأحمر صاحب غرناطة وليها في سنة 2000.
أبو الفرج القبطي موفق الدين، ولي نظر الخاص وأضيف إليه نظر الجيش فباشرهما أحسن مباشرة، ثم ولى الوزارة فلم يحمد فيها وكان يسكن مصر.(1/485)
سنة سبع وتسعين وسبعمائة
استهلت السنة والغلاء موجود وبلغ سعر القمح إلى سبعين، ثم انحط في ربيع الآخر إلى ستة وستين درهماً، وفي المحرم توجه غلمان أحمد بن أويس وحريمه إلى بغداد، وفي السابع منه دخل السلطان إلى دمشق فأقام بها عشرة أيام بعد أن قبض على عدة من الأمراء بحلب، وهرب آل مهنا في البرية وشكا بعض العامة من القاضي الشافعي شهاب الدين الباعوني فعزله السلطان وقرر علاء الدين ابن أبي البقاء، ودخل الحاج في الثالث والعشرين من المحرم وأميرهم قديد ودخل حريم السلطان في خامس صفر وفيهن عدة من بنات الأمراء والناس بعضهم أبكار وبعضهن ثيبات ليختار السلطان منهن من يتزوج بها وكان خروجه من دمشق في سابع عشر المحرم وزار القدس في طريقه وتصدق به وبالخليل بمال كثير ودخل غزة في ثالث عشرين المحرم فأقام بها إلى ثالث صفر، ودخل جمال الدين الاستادار ورخص السعر بعد دخوله قليلاً، ثم رجع بسبب الرمايات وتزايد الظلم من المباشرين، ووقع بعض وباء،(1/486)
ودخل السلطان القاهرة وزار والده في مدرسته خامس عشر صفر، ثم جاء النيل الجديد وبلغ في آخر السنة إلى عشرين ذراعا وبعض ذراع، ومع ذلك فلالأسعار في ازدياد إلى أن بلغ القمح ثمانين درهماً كل أردب، والحمص والشعير بخمسين، والفول أربعة وخمسين، والتبن كل حمل بعشرة، وفي استقر فارس في الحجونية عوضاً عن بتخاص لاستقراره في نيابة الكرك، وفيه استعفى سودون النائب من النيابة لمرض تغير منه حاله لكبره، فأعفي وأعطي خبره لبعض الأمراء ورتب له رواتب، وأقام في داره، وفيه أمر علاء الدين الوالي طبلخاناه ورتب حاجباً، واستقر أخوه محمد نائباً عنه في الولاية، وفيه أمر شيخ المحمودي الذي صار بعد ذلك سلطاناً أربعين، وأمر نوروز تقدمة ألف، وعمل السلطان المولد في ليلة الجمعة ثامن شهر ربيع الأول.
وفيها بدأ الظاهر بشرب الشراب التمربغاوي وصفته أن يعمل لكل رطل زبيب أربعون رطل ماء ويدفن في زبل الخيل إلى أن يشتد ولم يكن الظاهر قبل ذلك يتظاهر بشرب المسكر.(1/487)
وفيها وقع بين الشيخ شرف الدين يعقوب ابن الشيخ جلال الدين التباني وبين الشيخ مصطفى القرماني شيخ المدرسة الفخارية بحث وقع من الشيخ مصطفى في حق إبراهيم الخليل عليه السلام شيء أنكره الشيخ شرف الدين، وتفصيل ذلك أن الشيخ جلال الدين لما مات رام الشيخ شرف الدين أن يستقر مكان أبيه فغلب عليه مصطفى واستقر فيها فبقي في نفسه، فاتفق أنه ظفر بشرح مقدمة أبي الليث جمع مصطفى المذكور فوجده ذكر في دليل كراهة التوجه عند البول إلى الشمس والقمر: أنهما معظمان، ولذلك قال إبراهيم الخليل لما رأى الشمس بازغة " قال هذا ربي " فقال شرف الدين: هذا كفر وبالغ في التشنيع على مصطفى، فشكا امره إلى قديد الحاجب فأهان الشيخ شرف الدين، فلما وصل السلطان وقف إليه الشيخ شرف الدين وطلب منه أن يعقد لهما مجلساً، فأجابه وأحضر القضاة والعلماء وشيخ الإسلام سراج الدين، فادعى شرف الدين على مصطفى أنه وقع في حق الخليل عليه السلام فقال في كلام له فيما ادعاه عليه إنه قال: ولا يبول أحد في الشمس والقمر لأنهما عبدا من دون الله، وذكر إبراهيم في قوله " فلما رآ القمر بازغاً " ووقع اللغط فالتفت السلطان إلى القضاة يستفتيهم، فقال له ابن التنسي القاضي المالكي: إن حكمتني فيه ضربت عنقه، فبادر أكثر الأمراء وسألوا السلطان أن يحكم فيه القاضي الحنفي، فأجابهم فكشف الحنفي رأسه وأرسله إلى الحبس ثم أحضره بعد ثلاثة أيام فضربه وحبسه ثانية، ثم أفرج عنه بعد أن حكم بإسلامه؛ وكان ذلك في شهر ربيع الأول.
وفيها وقع الوباء ببغداد فخلا منها أكثر أهلها فدخل سلطانها إلى الحلة فأقام بها وأعقب الوباء غلاء فلذلك تحول.(1/488)
وفيها وقع بين طقتمش خان وبين تمرلنك وقائع كان النصر فيها لتمرلنك وجهز ولده لقمان إلى كيلان فملكها وفر طقتمش خان إلى بلاد الروس، ثم توجه إلى القرم فملكها، ثم إلى كافا فملكها أيضاً وخربها، ووصلت رسل الملك الظاهر إليه المجهزون إلى طقتمش خان في آخر هذه السنة بهذه الأخبار في ذي الحجة ورئيسهم طولو فذكر أن اللنك طرفة بعد قدومهم بيسير فخامر جماعة من أصحاب طقتمش خان فانكسر وهرب طولو إلى يراي، ثم توجه إلى القرم، ثم إلى الكفا، ثم توجه منها إلى شمعون، فبلغهم أن اللنك غلب على القرم ونزل على الكفا وحاصرها وفتحها وتوصل طولو حتى دخل القاهرة.
وفي شهر ربيع الأول منها ابتدأ جمال الدين محمد الاستادار في الخمول فإنه شكا إلى السلطان قلة المتحصل وكثرة المصروف فرافع فيه بعض المباشرين فأمر السلطان بمصادرته على خمس مائة ألف دينار، ثم استشفع إلى أن قررت مائة وخمسين ألف دينار بعد أن ضربه ثم خلع عليه، وفيه شكا شخص نصراني بعض نواب الحكم وهو شمس الدين محمد بن شهاب الدين أحمد الدفري للسلطان فضربه بحضرته بطحاً ورسم عليه، وتألم الناس له.
وفي رابع شعبان حضر الظاهر مجلس دار العدل بعد تعطلها ثلاث سنوات ونصف.
وفي شوال غير الظاهر الحكم بين الناس من يومي الأحد والأربعاء إلى يومي السبت والثلاثاء وخص الأحد والأربعاء بالشرب.(1/489)
وفيها اعتنى السلطان بأمر البريد فجهز الخيول اللائقة بذلك وفرضها على الأمراء، فعلى كل مقدم عشرة أكاديش وعلى الطبلخاناه كل واحد اثنين وعلى العشراوات كل واحد واحداً فجهزت على ذلك الحكم.
وفيها كانت الوقعة بين الفرنج وصاحب غرناطة، فقتل من الفرنج مقتلة عظيمة ونصر الله المسلمين، وذلك أن الفرنج نازلت غرناطة فاستعان ابن الأحمر بصاحب فاس المريني، فسار إليه في عساكره إلى جبل الفتح فتقهقر الفرنج لمجيئه ووقعت الحرب.
وفيها كانت الوقعة بين نعير والتركمان، فقتل من نعير جماعة من أصحابه ومات كثير من جماله، فرحل نعير إلى القاهرة، ودخل إلى السلطان وفي رقبته منديل فعفا عنه السلطان وخلع عليه، ثم قدم ولده عمر إلى السلطان فعفا عنه ثم قبض عليه وسجن بالإسكندرية.
وفيها حضر قاصد الملك الصالح صاحب ماردين يبذل الطاعة للملك الظاهر فأرسل له تقليداً وخلعة.
وفيها ترافع شهاب الدين المالقي ترجمان الإسكندرية وزين الدين الموازيني مدولب دار الضرب بها إلى السلطان فصادرهما على ألف ألف درهم فضة.(1/490)
وفيها ضرب يلبغا الزيني والي الأشمونين بالمقارع بحضرة السلطان لكثرة ما شكاه أهل البلاد التي كان كاشفها.
وفيها في ربيع الآخر قدم سلطان شاه ولد جلال الدين حسن ابن أويس إلى القاهرة وهو ابن أخي أحمد الذي كان قدم قبل ذلك بمدة فأكرمه الظاهر ثم طلق بنت عمه وأمره أن يتزوجها فتزوجها، وكان أبوه صاحب تبريز وكان قدومه بأمر عمه لأنه بلغه أنه قبض على جماعة من أقاربه وأصحابه فأقام بالقاهرة، وقدم مسعود من محمد الكححاني من تبريز هارباً من تمر فيما زعم، ثم ظهر بعد مدة بأنه جاسوس من قبل اللنك ولم يفطن له حينئذ.
وفيها حضر طولو الذي كان توجه رسولاً إلى طقتمش خان، وذلك أن اللنك وصل إليهم بعد قدومه بيسير، فذكر ما تقدم وهرب طولو إلى سراي.
وفيها وقع الخلف بين ملوك الروم، وذلك أن مراد بن عثمان لما قتل في السنة الماضية عهد لابنه أبي يزيد بالمملكة، وأمر بقتل ابنه الآخر صوجي لأن أمه أمة نصرانية فقتل، فبلغ ذلك ملوك الروم وكانت منقسمة بيد ستة ملوك منهم ابن قرمان وعيسى بك وغيرهما، فاجتمعوا وحاربوه وكانت النصرة له، وأسر الجميع فأوقفهم بين يديه ولم يعاقب منهم سوى عيسى بك الملك أبا سلوق وكان عريقاً في المملكة لديه علم، ثم أفرج عنهم جميعاً وأمرهم أن يتوجهوا بأحمالهم وأهاليهم وأموالهم إلى أن أنزلهم بمدينة أربك ولم يتعرض لشيء مما معهم، وولى في ممالكهم أناساً من جهته إلا ابن قرمان، فإن أخته كانت تحته فشفعت فيه،(1/491)
ثم لما استقرت قدمه في المملكة عمر جامع برصا ورخمه من ظاهره وباطنه وجعل الماء في سطحه ينزل منه فيجري في عدة أماكن، وعمر المارستان وأنشأ نحو ثلاثمائة غراب وملأها بالأسلحة والأزودة فصارت بحيث أراد أن يركبها خرجت في يومها، ورتب بالساحل من يعمل الأزودة دائماً بحيث لا يتعذر عليه إذا أراد الغزو شيء، واشتهر بالجهاد في الكفار حتى بعد صيته وكاتبه الظاهر وهادنه وأرسل إليه أميراً بعد أمير ولم يبق أحد من الملوك حتى كاتبه وهاداه، حتى كان الظاهر يخاف من غائلته ويقول: لا أخاف من اللنك فإن كل أحد يساعدني عليه وإنما أخاف عثمان وسمعت ابن خلدون مراراً يقول: ما يخشى على ملك مصر إلا من ابن عثمان، ولما مات الملك الظاهر كثرت الأراجيف بأنه سيقدم لأخذ مصر، ثم قدر أن اللنك لما دخل الشام ورجع تعرض لمملكة ابن عثمان، فلم يزل يكايده حتى طرقه وأسره ومات في أسره قاتله الله، وسأذكر شيئاً من أخياره وسيرته في سنة وفاته إن شاء الله تعالى.
وفيها استقر يلبغا السالمي علي سعيد السعداء فقطع منها جماعة من الأغنياء وعمل فيها بشرط الواقف، وشدد في ذلك حتى قال فيه الشاعر:
يا أهل خانقة الصلاح أراكم ... ما بين شاك للزمان وسالم
يكفيكم ما قد أكلتم باطلاً ... أوقافها وخرجتم بالسالمي
ثم جمع السالمي القضاة والمشايخ وقرأ عليهم شرط الواقف وسألهم عن الحكم الشرعي في ذلك، فطال بينهم النزاع فتكلم زين العابدين القمني، وكان ممن أخرج منها بكلام كثير ثم تكلم شهاب الدين العبادي موقع الحكم، وأحد الفضلاء الحنفية فبسط لسانه في السالمي، وافترق المجلس فأشاع العبادي أن السالمي قال لمن شفع عنده في بعض من أخرجه: لو جاء جبريل وميكائيل يشفعان عندي في العبادي ما قبلتهما! وأكثر من الشناعة عليه،(1/492)
فاتفق أن السالمي لقي العبادي ماشياً عند الركن المخلق فنزل عن فرسه وأمسك كمه وقال له: طلبتك إلى الشرع، فقال العبادي: بل أتوجه معك إلى السلطان فجره بكمه، فقال له: كفرت! ثم دخلا المدرسة الحجازية وحضرهما ابن الطبلاوي وغيره فكثر بينهما الكلام ففض ابن الطبلاوي المجلس وقال للسالمي: متى طلبت الشيخ شهاب الدين أحضرته لك، وطلع يلبغا إلى السلطان وسأله في عقد مجلس، فعقد له في ثامن رجب، فادعى السالمي على العبادي أنه كفره، فأنكر، فأقام عليه البينة، فحكم المالكي بتعزيره، وعزله الحنفي من نيابته، ثم اختلفوا في صورة تعزيره، فقال علاء الدين ابن الرصاص قاضي القدس الحنفي التعزير للسلطان فانفض المجلس، ثم أرسله إلى الحنفي فكشف رأسه قدام السلطان وأمر بإخراجه كذلك إلى حبس الديلم ثم إلى حبس الرحبة ثم ضرب بحضرة ابن الطبلاوي تسعاً وثلاثين ضربة تحت رجليه وهما في القلعة، ثم شفع الشيخ سراج الدين البلقيني فيه عند السالمي فأفرج عنه.
وفي رجب استقر تاج الدين الميموني شيخ القوصونية عوضاً عن الشيخ نور الدين الهوريني، وفي شعبان أعاد السلطان على موادع الأيتام ما كان افترضه منهم عند توجهه إلى السفرة المقدم ذكرها، وفي حادي عشر شعبان أعيد القاضي صدر الدين المناوي إلى القضاء وصرف بدر الدين ابن أبي البقاء، ونزل الصدر في موكب حافل ومعه أكثر الأمراء وكان برهان الدين المحلي كبير التجار قد تعصب له وسعى إلى أن التزم عنه بمال جزيل.
وفيه أحضر من دمياط قطعة من مخ سمكة يدخل في كل عين منها رجل ضخم.(1/493)
وفيه توجه جماعة من الأمراء الكبار إلى الصعيد لتمهيد العربان به فكسبوا على جماعة ما بين النويرة إلى ببا، وأمسكوا نحو خمسمائة نفس وخمسين فرساً أو أكثر ورجعوا، فأمر السلطان بحبس المأسورين في الخزانة؛ وذلك في رمضان.
وفيه توجه تاج الدين ابن أبي شاكر الذي ولي الوزارة إلى الشام وزيراً وصرف بدر الدين الطوخي.
وفي رمضان استقر شرف الدين الماميني في الحسبة بالقاهرة عوضاً عن ابن البجي، وفيه حج بعض ملوك البربر فعظمه السلطان، وكان يلازم اللثام ومعه ترجمان مغربي، وقدم السلطان هجينيين أبيضين عجيبين.
وفي تاسع شوال أوفي النيل موافقاً لثالث مسرى واتفق أنه زاد في ثمانية أيام قريباً من ثمانية أذرع منها في بعض الأيام اثنان وستون أصبعاً ولم يعهد مثل ذلك منذ دهر.
وفيها وصلت طائفة من التتر إلى بلاد التركمان من جهة اللنك، فوقع بينهم وبين قرا يوسف بن قرا محمد التركماني وقعة انتصر عليهم فيها وكانوا نحو العشرين ألفاً.
وفيها وضع المنبر الذي جهزه السلطان برقوق وحج بالناس فيها محمد بن الأمير أيتمش ويقال له: جمق، وأزيل المنبر الذي وضعه الظاهر بيبرس فجعل في حاصل الحرم بعد أن أقام(1/494)
مائة سنة واثنتين وثلاثين سنة، وكان السبب في ذلك أن الأرضة كانت قد أثرت فيه كثيراًن فنقل ذلك للسلطان فأمر بعمل منبر جديد وجهزه في هذه السنة.
وفيها كانت الوقعة بيت تمرلنك وبين طقتمش خان فدام القتال ثلاثة أيام، ثم انكسر طقتمش خان ودخل بلاد الروس واستولى تمرلنك على القرم وحاصر بلد كافا ثمانية عشر يوماً ثم استباحها وخربها.
وفيها وقع بين بني حسن وقواد مكة وقعة في الوادي بمر، فقتل علي بن عجلان أمير مكة في المعركة فأفرج السلطان عن حسن بن عجلان في ذي القعدة وقرره في سلطنة مكة وخلع عليه وأذن له في لحاق الحاج، وأرسل صحبته يلبغا السالمي فسافرا في السابع من ذي القعدة.
وفي أواخر ذي القعدة عاد السلطان استاداره جمال الدين في بيته بالموارثين، فقدم له تقادم كثيرة فأخذ بعضها ورذ الباقي، وفي أواخر هذه السنة رحلت إلى ثغر الإسكندرية فسمعت بها من تقي الدين ابن موسى آخر من كان بها يروي حديث السلفي بالسماع المتصل، وسمعت من جماعة من أصحاب ابن الصفي وطبقته، وأقمت بها إلى أن رحلت هذه السنة ودخل في التي يليها عدة أشهر.
وانتهت زيادة لنيل إلى أصابع من عشرين ولم يزدد الأمر إلا شدة ولا السعر إلا غلو فبلغ القمح ثمانين درهماً، قيمتها من الذهب أكثر من ثلاثة مثاقيل، والفول والشعير أربعة وخمسين، والتبن عشرة الحمل، والأرز كل قدح درهمين، والخبز درهمين كل رطل.(1/495)
ذكر من توفى
من الأعيان سنة سبع وتسعين وسبعمائة
إبراهيم بن داود الآمدي ثم الدمشقي أبو محمد نزيل القاهرة، أسلم على يد الشيخ تقي الدين ابن تيمية وهو دون البلوغ، وصحبه إلى أن مات، وأخذ عن أصحابه، ثم قدم القاهرة فسمع بطلبه بنفسه من أحمد ابن كشتغدي والحسن بن عبد الرحمن الأربلي وشمس الدين ابن السراج الكاتب وإبراهيم ابن الخيمي وأبي الفتح الميدومي ونحوهم وكان شافعي الفروع حنبلي الأصول ديناً خيراً متألهاً، قرأت عليه عدة أجزاء، وأجازني قبل ذلك، قلت له يوماً: حال القراءة رضي الله عنكم وعن والديكم، فنظر إلي منكراً ثم قال: ما كانا على الإسلام.
إبراهيم بن عدنان بن جعفر بن محمد بن عدنان الحسيني برهان الدين نقيب الأشراف بمشق، مات في ذي الحجة وقد جاوز الثمانين لأنه ولد في ليلة الثاني من ربيع الأول سنة سبع عشرة، وكان رئيساً نبيلاً، ولي الحسبة في دمشق فحمدت سيرته، وهو والد المسند علاء الدين كاتب السر بدمشق، وقد ولي الحسبة بها مرة، وله سماع من أبي بكر ابن بحيرا.
إبراهيم بن علي بن منصور الحنفي أخو القاضي صدر الدين كان يتعانى الشهادة، وولي قضاء بعض البلاد الشمالية، ثم ولي الحسبة مدة، وكان لا بأس به قال ابن حجي، قال: ومات في ربيع الأول.
إبراهيم بن محمد القلقشندي جمال الدين أخو بدر الدين أمين الحكم، وكان جمال الدين موقع الحكم ومباشر أوقاف الحرمين وغيرها؛ مات في شعبان عن ستين سنة.
أحمد بن الحسن بن الزين محمد بن محمد بن القطب القسطلاني ثم المكي شهاب الدين، سمع من عيسى الحجي والنجم الطبري وغيرهما، وحدث وتكسب بكتب الوثائق، مات في رجب بطريق مكة عن نحو من سبع وسبعين سنة.(1/496)
أحمد بن علي بن عثمان الفيشي المصري شهاب الدين الضرير المقرئ، أتقن القراآت على الشيخ تقي الدين البغدادي وغيره مات في صفر.
أحمد بن عمر بن يحي بن عمر بن يحي الكرجي شهاب الدين الدمشقي، ولد في صفر سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وأحضر على الحجار وحدث عنه، مات في المحرم.
أحمد بن...... البشبيشي والد صاحبنا جمال الدين عبد الله، قرأت بخطه أنه ولد سنة عشرة وسبعمائة، قال: ومات في سابع عشر ذي الحجة سنة 797.
إسماعيل بن شعبان بن حسين بن محمد بن قلاون زين الدين ابن الملك الأشراف، مات في رمضان.
الطنبغا بن عبد الله الأشرفي أحد الأبطال المشهورين، مات مسموماً بحلب.
بديع بن نفيس التبريزي صدر الدين الطبيب، قدم القاهرة وخدم الظاهر فرتبه في رياسة الطب شريكاً لعلاء الدين بن صغير، ومات في ربيع الأول.
أبو بكر بن عبد الله البجائي ثم المصري، قدم من بلاده واشتغل بالعلم، وقرأ المدونة وحصلت له جذبة فانقطع بقرب الجامع الأزهر بالأبارين، وكان للناس فيه اعتقاد يفوق الوصف، مات في سادس جمادى الآخرة ودفن بتربة الظاهر بجانب الشيخ طلحة، قرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري: كانت له جنازة عظيمة كيوم العيد أو الاستسقاء أو أكثر.
أبو بكر بن عبد الله الموصلي ثم الدمشقي نزيل دمشق، اشتغل بالفقه والحديث ونظر في كلام الصوفية، مات في القدس في شوال وقد جاوز الستين،(1/497)
قال ابن حجي: قدم من الموصل وهو شاب فكان يتكسب من الحياكة ويشتغل في أثناء ذلك بالعلم ويعاشر الصوفية، ولازم الشيخ قطب الدين مدة، وأدمن النظر في الحديث فعلق بذهنه شيء كثير منه، ثم اشتهر أمره وصار له أتباع وعلا ذكره وبعد صيته وتردد إليه الأكابر وحج مراراً، ثم اتصل أمره بالسلطان فبالغ في تعظيمه وزاره في داره بالقدس وصعد إليه إلى العلية وأمر له بمال فأبى أن يقبله، وكان يكاتب السلطان بالشفاعات الحسنة فلا يرده، وكان الشهاب الزهري ممن يلازم حضور مجلسه ويبالغ في تعظيمه، وكذلك الشيخ شمس الدين الصرخدي، ومن طريقته أنه لا يعامل أحداً من أصحابه ولا يأكل بعضهم لبعض شيئاً ولا لغيرهم، وكان يتكلم على الناس فيبدئ الفوائد العجيبة والنكت الغريبة، وكان يشغل في التنبيه ومنازل السائرين، وكان والده عبد الملك يذكر عنه أنه قال: كنت في المكتب ابن سبع سنين فربما لقيت فلساً أو درهماً في الطريق فأنظر أقرب دار فأعطيهم إياه، فأقول لقيته قرب داركم وله نثر ونظم.
أبو بكر محمد بن عيسى بن أبي المجد البعلي الأنصاري، قاضي بعلبك، مات في المحرم.
بلاط بن عبد الله المنجكي، أحد الأمراء بالقاهرة، مات في هذه السنة من شوال.
حمزة بن علي بن يحيى بن فضل الله العدوي عز الدين ابن كاتب السر، كان في حياة أبيه يلبس بالجندية، ثم ناب عن أبيه في كتابة السر ثم عن أخيه، وكان أكبر موقعي الدست، ومات بعده بدمشق يوم تاسوعاء، أنشدني عيسى بن حجاج لنفسه لما بلغه موت حمزة بعد موت أخيه بدر الدين:
قضى البدر بن فضل الله نحبا ... ومات أخوه حمزة بعد شهر
فلا تعجب لذا الأجلين يوماً ... فحمزة مات حقاً بعد بدر(1/498)
وكان حسن الوجه، كثير التجمل، وكان بعد موت أخيه قد عين لكتابة السر، وقرأ على الظاهر الكتب والقصص فبغته الموت وانقضى به بيتهم.
خليل بن محمد بن عبد الله الأقباعي الحلبي عتيق شهاب الدين ابن العجمي، سمع من إبراهيم ابن العجمي، ومات في شوال.
رشيد بن عبد الله الهبي بضم الهاء وتشديد الموحدة وكان من أكابر الكارم، ثم رق حاله ومات في جمادى الأولى، وكان محباً في الصالحين.
سعيد بن نصر بن علي الشريف الحنبلي، كان من قدماء الفقهاء بدمشق، أفاد ودرس وأفتى وحدث، ومات في المحرم عن نيف وستين سنة.
عبد الله بن فرج بن كمال الدين النويري المصري جمال الدين، أحد نواب المالكي، مات في ربيع الآخر.
عبد الرحمن بن أسعد اليافعي، ولد الشيخ عفيف الدين اشتغل بفنون من العلم وحفظ الحاوي، وكانت تعتريه حدة وفيه صلاح وله شعر فمنه:
ألا إن مرآة الشهود إذا انجلت ... أرتك تلاشي الصد والبعد والقرب
وصانت فؤاد الصب عن ألم الأسى ... وعن ذلة الشكوى وعن منة الكتب
وله سماع من أبيه، وبالشام من ابن أميلة، وبمصر من البهاء ابن خليل، مات غريقاً بالرحبة بين الشام والعراق، وله ست وأربعون سنة لأنه كان لزم السياحة والتجريد.
عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي الخير الشماخي الزبيدي محدث زبيد، مات في شعبان، أخذ عنه نفيس الدين العلوي وغيره.
عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد الإسفراييني الصوفي نور الدين(1/499)
بن أفضل الدين ولد سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، وكان عارفاً بالفقه والتصوف، وله أتباع ومريدون، وقد حدث بالمشارق عن عمر بن علي القزويني عن أحمد بن غزال الواسطي عن الصغاني بالسماع وعن صالح ابن الصباغ إجازة عن الصغاني إجازة، وهو القائل:
زعم الدين تشرقوا وتغربوا ... أن الغريب وإن أعز ذليل
فأجبتهم أن الغريب إذا اتقى ... حيث استقل به الركاب جليل
مات وله خمس وسبعون سنة.
عبد الواحد بن ذي النون بن عبد الغفار بن موسى بن إبراهيم تاج الدين الصردي، سمع من علي بن عمر الواني جزء سفيان بن عبينة وصحيح مسلم بفوت، وولي القضاء بعض بلاد الريف، مات في جمادى الآخرة سمعت منه جزء سفيان وقليلاً من الصحيح.
علي بن عبد الله البندقداري الشافعي، مات في رجب.
علي بن عبد الرحمن بن عبد المؤمن الهوريني نور الدين، سمع من ال زين بن علي الأسواني الشفاء للقاضي عياض، وحدث عنه وعن الوادي آشي، وقد ولي أبوه القضاء بالمدينة، وولي مشيخة خانقاه قوصون وكان مشكوراً، وتزوج بنت القاضي فخر الدين القاياتي، وعاش القاياتي بعده مدة، ولم أجد لي عنه سماعاً ما واستبعد أن يكون أجاز لي وناب في الحكم وولي أمانة الحكم،(1/500)
مات في رجب، واستقر عوضه في مشيخة القوصونية تاج الدين عبد الله بن الميموني، وكان قد حفظ كتباً منها الشفاء والمقامات والإلمام وعرضها.
علي بن عبد الرحمن الخراساني، أحد العباد، أقام ببغداد مدة، وللناس فيه اعتقاد كبير، ثم وصل إلى القاهرة في ربيع الآخر فمات بها في هذه السنة.
علي بن عجلان بن رميثة بن أبي نمي بن أبي سعد بن الحسن بن قتادة بن أدريس الشريف أبو الحسن الحسني أمير مكة وابن أميرها، ولي في أول شعبان سنة تسع وثمانين، فامتنع عنان من تسليم الأمر إليه وتقاتلوا في سلخ شعبان، فقتل كبيش بن عجلان وجماعة، ومضى إلى مصر فاستقر شريكاً لعنان ففر عنان إلى نخلة فتبعه علي فتقاتلوا فقتل مبارك بن عبد الكريم واستمر عنان بوادي مر وتوجه حسن بن عجلان إلى مصر، فأخذ عسكراً من الترك ورجع إلى أخيه، ثم وقع بينه وبين أخيه وشاركه محمد، ثم استقر عنان في نصف الإمرة وأن يكون القواد مع عنان والأشراف مع علي بن عجلان وأن يقيم كل منهما بمكة ماشياً ولا يدخلها إلا لضرورة فلم يتمش لهم حال ونهب ركب اليمن وبعض المصريين، ثم آل الأمر إلى أن اجتمعا بمصر وأجلس علي فوق عنان وأعطي الظاهر علياً مالاً وخيلاً ومن الفول والشعير شيئاً كثيراً، فرجع إلى مكة وسار سيرة حسنة، ولكن أفسد الأشراف بجدة فساداً كبيراً، ثم نازعه أخوه حسن، وتوجه إلى مصر ليلي أمر مكة فقبض عليه وعلى علي بن مبارك فلم ينشب علي أن قتل، قتله كردي أبن عبد الكريم بن معيط وجماعة من آل بيتهم وهربوا فخرجوا إليه ودفنوه بالمعلى، وذلك في شوال، واستقر بعده أخوه حسن، وكان علي شاباً جميل الصورة كريماً عاقلاً رزين العقل واستقر في إمرة مكة بعده أخوه حسن بن عجلان فطالت مدته كما سنذكره.
علي بن محمد الركاب الحنفي، ناب في الحكم، مات في رجب.(1/501)
علي بن محمد القليوبي ثم المصري، أحد المهرة في مذهب الشافعي كان بالشيخونية، مات في رجب أيضاً.
عمر بن محمد بن أبي بكر الكومي سراج الدين ولد في صفر سنة 714 سمع بدمشق من أحمد بن علي الجزري، وعلي ابن عبد المؤمن بن عبد وغيرهما، وحدث ومات بمصر وقد جاوز الثمانين ولم يتهيأ لي السماع منه مع حرصي على ذلك.
عيسى بن غانم المقدسي، مات بها في شوال.
محمد بن أحمد بن سلامة المصري المعروف بابن الفقيه، أحد فضلاء المالكية، مات في ربيع الأول.
محمد بن أحمد بن علي بن عبد العزيز المهدوي ثم المصري، البزاز بسوق الفاضل أبو علي بابن المطرز، سمع من ألواني والحبتي والدبوسي، وحدث بالكثير وأجاز له اسماعيل بن مكتوم والمطعم ووزيره وأبو بكر بن عبد الدائم وغيرهم من دمشق، قرأت عليه الكثير، ومات في جمادى الأولى.
محمد بن أحمد بن عيسى بن عبد الكريم بن عساكر بن سعد بن أحمد بن محمد بن سليم بن مكتوم السويدي الأصل القيسي الدمشقي بدر الدين، ولد سنة بضع وأربعين وعني بالفقه والعربية وتصدى للتدريس والإفتاء، وحدث عن عبد الرحيم بن أبي اليسر بالحضور، قال ابن حجي: ورأيت له سماعاً في سنة خمس وخمسين وسبعمائة علي أحمد وعلي ابني إبراهيم ابن علي الصهيوني؛ وكان يقرأ البخاري في رمضان بعد الظهر، وكان(1/502)
يفتي في الآخر، ودرس بأماكن، وكان خيراً ديناً له عبادة، وكان يستحضر الحاوي إلى آخر وقت مع الإحسان إلى الطلبة والبر للفقراء والصلة لأقاربه والتقلل في خاصة نفسه والانجماع عن الناس، وجرى على طريقة السلف في شراء الحوائج بنفسه وحملها، مات في جمادى الآخرة عن خمس وخمسين سنة.
محمد بن برقوق بن أنس الأمير ناصر الدين ابن الملك الظاهر، ولد وأبوه أمير فأعطاه أبوه أقطاع بركة بعد مسك بركة وهو ابن شهر واحد، ثم حصل له في رجله داء الخنزير فأعيا الأطباء إلى أن مات في ذي الحجة هذه السنة، وأسف أبوه عليه أسفاً كثيراً.
محمد بن عبد الدائم بن محمد بن سلامة الشاذلي ناصر الدين ابن بنت الميلق، سمع من أحمد بن كشتغدي وأحمد بن محمد الحلبي وغيرهما من أصحاب النجيب وغيره، واعتنى بالعلم وعانى طريق التصوف، وفاق أهل زمانه في حسن الأداء في المواعيد وإنشاء الخطب البليغة، وقال الشعر الرائق، والتفت عليه جماعة من الأمراء والعامة إلى أن ولي القضاء فباشره بمهابة وصرامة، ولم يحمد مع ذلك في ولايته وأهين بعد عزله بمدة رأيته وسمعت كلامه ولم أسمع عليه شيئاً، ومات في أواخر جمادى الأولى أو أول جمادى الآخرة وقد جاوز الستين، قرأت بخط ابن القطان: كان شديد البخل بالوظائف، وكان أيام هو واعظاً خيراً من أيام هو قاضياً، كذا قال، استغفر الله.
محمد بن عبد القادر بن عثمان بن عبد الرحمن بن أحمد الجعفري النابلسي شمس الدين، رعالم أهل نابلس، كان حنبلياً، وقد سمع الحديث من شمس الدين بن يوسف بإجازته من السبط، وسمع من ابن الخباز وغيره، وحدث وأفتى وانتفع به الناس، وكانت له عناية بالحديث ويقظة فيه، مات في شوال، وقد اختلط عقب وفاة ولده شرف الدين.(1/503)
محمد بن علي بن صلاح الحريري الحنفي إمام الصرغتمشية، سمع من الوادي آشي ومحمد بن غالي في آخرين، واعتنى بالقراآت والفقه، وأخذ عن قوام الدين الأتقاني وغيره، وله إلمام بالحديث، وناب في الحكم سمعت منه، ومات في رجب.
محمد بن عمر القليجي الحنفي شمس الدين، موقع الحكم كان مزجى البضاعة في العلم إلا أنه داخل أهل الدولة وباشر الوظائف الجليلة مثل إفتاء دار العدل، وكان حسن الخط عارفاً بالوثائق، ناب في الحكم، ومات في رجب.
محمد بن محمد بن أحمد بن سفري الحلبي شمس الدين، أصله من قرية من قرى عزاز ثم قدم حلب فسكن بانقوسا، واشتغل بحلب على أبن الأقرب، وأفتى ودرس، وكان ديناً عاقلاً، ولما وقعت الفتنة بين كمشبغا الحموي وأهل بانقوسا، وظفر بهم كمشبغا أراد أذية شمس الدين ابن سفري هذا فمنعه منه القاضي كمال الدين ابن العديم، وأنزله بالمدرسة الجاولية فصار مدرساً بها إلى أن مات ونشأ له ابنه شهاب الدين صاحبنا فقام مع جكم لما تسلطن وولاه نظر الجيش، فلما قتل جكم قبض عليه الملك الناصر وأقدمه مصر، فأقام بها مدة ثم نفاه الملك المؤيد بعد قتل نوروز إلى القدس، فأقام هناك إلى أن مات، وسيأتي ذكره في سنة وفاته.
محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن حماد بن ثابت الواسطي ثم البغدادي غياث الدين بن صدر الدين بن محي الدين أبي الفضل المعروف بابن العاقولي الشافعي، مدرس المستنصرية ببغداد، ولد ببغداد في رجب سنة 732؛ واشتغل حتى انتهت إليه الرئاسة(1/504)
في المذهب هناك مع التوسع من الدنيا، ودرس وأفتى وبرع في الفقه والأدب والعربية، وشارك في الفنون وشرح المصابيح وخرج لنفسه جزءأ حديثياً وأربعين حديثاً عن أربعين شيخاً، وشرح أيضاً منهاج البيضاوي والغاية القصوى له، وحدث بمكة وبيت المقدس وأنشد لنفسه بالمدينة:
يا دار خير المرسلين ومن بها ... شغفي وسالف صبوتي وغرامي
نذر علي لئن رأيتك ثانياً ... من قبل أن أسقى كؤوس حمامي
لأعفرن على ثراك محاجري ... وأقول هذا غاية الأنعامي
قال ابن حجي: كان بارعاً في علمي المعاني والبيان وفي أربعينه أوهام وأسقاط رجال من الأسناد ومع ذلك فكان عند أهل بلده أنه شيخ الحديث في الدنيا، وكان فهمه جيداً ونفسه قوية ويقال أنه كان مفرط الكرم، ولما نازل اللنك بغداد نهبت أمواله وسبيت حريمه فدخل الشام وحدث بها وكتبوا عنه من نظمه، فلما رجع أحمد بن أويس إلى بغداد رجع معه، فمات بعد وصوله بخمسة أشهر في صفر عن أربع وستين سنة، وكان عالماً فاضلاً ديناً حسن الشكل والأخلاق جواداً ممدحاً، وكان دخله في كل عام نحو خمسة آلاف دينار ينفقها في وجوه الخير؛ ذكر الأسنوي في طبقات الفقهاء وحدث الغياث بمكة والمدينة ودمشق وحلب وأقام بها قبل الحج عدة أشهر، وكان وقع بينه وبين أحمد ابن أويس وحشة ففارقه إلى تكريت، ثم توجه إلى حلب، وكان إسماعيل وزير بغداد بنى له مدرسة فأراد أن يأخذ الآجر من إيوان كسرى فشق على الغياث ذلك وقال: هذا من بقايا المعجزات النبوية، ودفع له ثمن الآجر من ماله ومن شعره:
لا تقدح الوحدة في عارف ... صان بها في موطن نفسا(1/505)
فالليث يستأنس في غابه ... بنفسه أصبح أو أمسى
أنست بالوحدة في منزلي ... فصارت الوحشة لي أنا
سيان عندي بعد ترك الورى ... وذكرهم أذكر أم أنسي
محمد بن أبي محمد الأقصرائي نزيل القاهرة، درس بمدرسة أيتمش للحنفية، ومات في جمادى الأولى، وهو والد صاحبنا بدر الدين محمود وأخيه أمين الدين يحيى.
محمد بن أبي يعقوب القدسي شمس الدين نزيل جامع المقسي، كان ظاهر الصلاح من طلبة العلم، واختصر الاستيعاب وسماه الإصابة، وجمع مجاميع، وكان ينسب إلى غفلة وللناس فيه اعتقاد، مات في رمضان.
محمد بن أبي محمد السملوطي بفتح المهملة وتخفيفها وتخفيف الميم وتخفيف اللام المضمومة كان يتعانى الصلاح وينقطع في التنظف، وكان لسودون النائب فيه اعتقاد، ولبعضهم فيه انتقاد، ومات في شهر رمضان أيضاً.
محمد بن القيسراي أمين الدين وكيل بيت المال بدمشق، مات في ذي القعدة.
معروف بن الشيخ إسماعيل بن إبراهيم الجبرتي ثم الزبيدي، مات في ربيع الآخر وفجع به أبوه.
موسى بن أبي بكر بن سلار شرف الدين، أحد الأمراء بالقاهرة، مات في ذي الحجة.
يوسف بن عبد الله النحريري جمال الدين المالكي، أحد الشهود المعروفين، مات في ذي الحجة.(1/506)
سنة ثمان وتسعين وسبعمائة
فيها في المحرم تناقص سعر القمح إلى أن وصل إلى ستين، ثم طلع بسبب الرمايات إلى مائة وعشرة فعزل المحتسب نفسه فأعاده السلطان وأمره أن يرميه بمائة، وكثر أسف الناس لذلك، وآل الأمر في جمادى الأولى إلى أن عدم الناس الخبز سبعة أيام، واستسقى الناس بالجامع الأزهر، تقدمهم الشيخ سراج الدين البلقيني بسبب منام رآه بعض من يعتقد فيه الصلاح، فعجب أكثر الناس لموافقة الشيخ على ذلك لكنه بالغ في الدعاء والابتهال والتضرع وضج معه الناس في ذلك، وكانت ساعة عظيمة، وكان ذلك في نصف جمادى الأولى، فاتفق وصول غلال كثيرة في صبيحة ذلك اليوم فانحط السعر قليلاً، ثم ازداد الغلاء إلى أن سمر الوالي جماعة من الطحانين وضرب المحتسب أربعة منهم بالسياط وشهرهم، ولم يزدد الأمر إلا شدة، فعزل شرف الدين الدماميني واستقر شمس الدين البجاسي محتسباً في جمادى الآخرة، وفي ثامن ربيع الآخر عمل السلطان في كل يوم خبزاً يفرق على الفقراء والحبوس والزوايا نحو عشرين أردباً قمحاً، وحضر باب الأسطبل السلطاني نحو من خمسمائة فقير، ففرق السلطان فيهم، لكل نفر خمسون درهماً، فتسامع الفقراء بذلك فحضر في الجمعة المقبلة(1/507)
ما لا يحصى عدده، فمنعوا من باب الأصطبل فازدحموا فمات منهم من الزحمة سبعة وأربعون نفساً، وأكثر السلطان في هذه السنة من الصدقات، ثم انحط السعر في جمادى الآخرة بعد أن بلغ مائة وسبعين فرجع كل إردب قمح إلى خمسين ثم ارتفع وعدم الخبز من الحوانيت مدة بسبب انقطاع الجالبين لأنهم كانوا قد خسروا، وتزاحم الناس على الأفران، فأمر السلطان علاء الدين ابن الطبلاوي أن يتحدث في السعر، ففعل ذلك فتزايد القحط، واختفى المحتسب وانتهى سعر القمح إلى مائة وعشرين ثم تراجع إلى الخمسين ثم عاد إلى الثمانين، ثم انحط وزاد النيل فأوفى في سابع ذي القعدة، ثم استقر إلى أن جاوز العادة في الزيادة وتأخر حتى خافوا فوات الزرع ثم فرج الله تعالى.
وفيه استقر قلمطاي الدويدار ناظراً على المدرسة الظاهرية الجديدة، وفي المحرم بطل كشف الوجه البحري واستقر نيابة بتقدمة ألف واستقر فيها يلبغا الأحمدي، وفي صفر استقر نور الدين الجيزي المعروف بالعور محتسب القاهرة عوضاً عن شرف الدين الدماميني ثم عزل بعد أيام وأعيد شرف الدين،(1/508)
وفي سادس صفر قبض على زوجتي محمود وولده محمد وكاتبه سعد الدين بن غراب وعوقوا بالقلعة، وحمل من دار محمود وهو ضعيف مائة ألف دينار وخمسون ألف دينار أخرجت من خبئتين في داره، وفي حادي عشريه استقر قطلوبك العلائي أستادار السلطان عوضاً عن محمود وكان قبل ذلك أستادار أيتمش، واستقر علاء الدين الطبلاوي أستادار الخاص عوضاً عن محمود أيضاً.
وفيها استقر قديد الحاجب نائب الإسكندرية عوضاً عن مبارك شاه، واستقر مبارك شاه وزيراً، وفي هذا الشهر وصل اطلمش قريب تمرلنك فقبض عليه قرا يوسف التركماني صاحب تبريز فأرسله إلى الملك الظاهر فاعتقله، وكانت هذه الفعلة أعظم الأسباب في حركة تمرلنك إلى البلاد الشامية، كما سيأتي شرح ذلك، وفي ربيع الأول قبض على سعد الدين ابن كاتب السعدي وعلى ولده أمين الدين وسلما لابن الطبلاوي، ثم شفع فيهما فخلع عليهما ثم سلم له محمد بن محمود وأمر أن يستخلص منه مائة ألف دينار فيقال إنه عراه وأراد ضربه بالمقارع فخدعه بأن قال له: يا أمير! قد رأيت عزاً فزال فعزك أيضاً لا يدوم، فاستعفى ابن الطبلاوي منه فسلم لشاهين الحسني ثم أعيد إليه وتسلم والدته أيضاً،(1/509)
ثم قبض على محمود وسلم لابن الطبلاوي في جمادى الأولى، وشرع في تتبع ذخائر محمود إلى أن حصل للسلطان منها بعناية سعد الدين ابن غراب كاتب محمود، ودلالته ما ينيف على ألف ألف دينار ما بين ذهب وفضة وغير ذلك، ثم سلم محمود لفرج شاد الدواوين في جمادى الآخرة فعصره ثم تسلمه ابن الطبلاوي فعصره أيضاً فأصر على عدم البذل.
وفيها استقر أبو الفرج درهم قيمتها إذا ذاك ستة آلاف دينار.
وفيها وقع بين الشريف الملكي الذي كان صيرفياً بقطياً ناظراً بها وواليا وضمنها في كل شهر بمائة ألف وخمسين ألف حسن بن عجلان أمير مكة وبين بني حسن وقعة هائلة كسرهم فيها وشتت شملهم وعظمت منزلته يومئذ، وقام في قمع المفسدين وإصلاح أحوال بلاد الحجاز، وفي جمادى الأولى هرب الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن محمد ابن الجزري الدمشقي من القاهرة إلى بلاد الروم، وكانت بيده عدة وظائف بدمشق وتدريس الصلاحية ببيت المقدس وكان السبب في هروبه انه كان يتحدث عن قطلوبك بالشام في مستأجراته ومتعلقاته بدمشق، فزعم أنه تأخر عنده مال كثير فتحاكم معه عند السلطان فرسم عليه فهرب، ولما تحقق هربه استقر في تدريس الصلاحية الشيخ زين الدين أبو بكر القمني، وتفرق الناس وظائفه، ووصل هو في هربه إلى أبي يزيد بن عثمان صاحب الروم، فاتفق أنه وجده عنده تلميذاً هناك يقال له شيخ حاجي، كان قد قرأ عليه القرآن بدمشق، فعرف الملك بمقداره فعظمه وأكرمه ورتب له في كل يوم مائتي درهم، وساق له عدة خيول ومماليك، وفي جمادى الآخرة استقر الشيخ زاده الخرستاني شيخ الشيخونية عوضاً عن بدر(1/510)
الدين الكلستاني إلى تدريس الصرغتمشية عوضاً عن بدر الدين الكلستاني كاتب السر، وعاد الكلستاني إلى تدريس الصرغتمشية عوضاً عن جمال الدين ناظر الجيش، وفيه نفى أحمد بن يلبغا إلى طرابلس، واستقر في فارس الحاجب ناظراً على الشيخونية والصرغتمشية.
وفي أوائل رجب استقر سعد الدين ابن البقري في الوزارة عوضاً عن مبارك شاه، واستقر علاء الدين ابن المنجا الحنبلي في قضاء الحنابلة بدمشق عوضاً عن ابن مكنون، واستقر شرف الدين الدماميني ناظر الكسوة، وفي وسط هذه السنة أمر يشبك الذي صار الأمر في دولة الناصر بن الظاهر إمرة عشرة، وفي صفر استقر ابن الطبلاوي أستادار خاص الخاص والذخيرة والأملاك وناظر الكسوة مع الحجوبية والولاية والتحدث في دار الضرب والمتجر.
وفي ربيع الآخر استقر تاج الدين عبد الرزاق بن أبي الفرج الملكي في ولاية قطيا مضافاً إلى نظرها، والتزم في كل شهر بحمل مائتين وخمسين ألف درهم، وكان أولاً صيرفياً ثم ترقى إلى المباشرة ثم إلى النظر ثم إلى الإمرة.(1/511)
وفي رمضان خسف جرم القمر بعد العشاء حتى أظلم الجو وأوفى النيل في ثاني عشر مسري وانتهت الزيادة إلى تسعة عشر ذراعاً.
وفي ذي الحجة استقر علاء الدين ابن الطبلاوي في نظر المارستان عوضاً عن كمشبغا.
وفيها رجع اللنك بعساكره من بلاد الدشت بعد أن أثخن فيهم، فوصل إلى سلطانية في شعبان، ثم توجه إلى همذان فأمر بالإفراج عن الملك الطاهر صاحب ماردين، فوصل إليه في رمضان، فتلقاه واعتذر إليه وأضافه أياماً، ثم خلع عليه وأعطاه مائة فرس وجمالاً وبغالاً وخلعاً كثيرة، وعقد له لواء، وكتب له ستة وخمسين منشوراً، كل منشور بتولية بلد من البلاد التي كان تمر فتحها في سنة ست وتسعين ما بين أذربيجان إلى الرها، وشرط عليه أنه يلبي دعوته كلما طلبه، فتوجه في ثالث عشرين رمضان، فدخل ماردين في حادي عشر شوال، فخشي نائب القلعة الطنبغا أن يقبض عليه ويسيره إلى اللنك ففر منه؛ فتوجه المنصور أخو السلطان يخبر الظاهر، فأكرمه وقرر له راتباً وأقام بمصر.
وفيها اشتد الغلاء بالقاهرة وأكثر السلطان من الصدقات وعمل الخير وفرق الذهب والفضة، وخرج البلقيني بالناس إلى الجامع الأزهر فدعا برفع الغلاء وكانت ساعة عظيمة وكان ذلك في نصف جمادى الأولى، وصادف وصول غلال كثيرة وفي صبيحة ذلك اليوم، وانحط السعر قليلاً ثم انحط إلى أن بيع الإردب بخمسين، ثم انقطع الجلابة للخسارة فتزاحم الناس على الخبز، فأمر ابن الطبلاوي بالتحدث في السعر، ثم تزايد القحط واختفى المحتسب ورجع القمح إلى مائة وعشرين فاستقر البخانسي.
وفي شهر ربيع الآخر توجه نوروز الحافظي رأس نوبة إلى الصعيد، فأحضر علي بن غريب أمير هوارة وأولاده وأهله وإخوته وأقاربه وتمام أربعة وثلاثين نفراً من أكابر عربانه، فأمر السلطان بسجنهم فلما تسامع بذلك عربانه وثبوا على قطلوبغا الطشتمري النائب بالوجه القبلي، فقتلوه وتجمعوا وتوجهوا إلى أسوان وتوافقوا مع أولاد الكنوز ودخلوا أسوان على حين غفلة، فهرب واليها حسين إلى النوبة فنهبوا بيته ونهبوا البلد،(1/512)
فلما بلغ السلطان ذلك ولي عمر بن الياس النيابة بالوجه القبلي وأمره بالتوجه إلى أسوان وطلب العرب المذكورين وأرسل إلى عمر بن عبد العزيز الهواري أن يساعده، فتوجها فلم يظفرا من العرب المذكورين بشيء.
وفي شعبان استقر ناصر الدين بن كلفت نقيب الجيش.
وفي ذي القعدة استقر سعد الدين ابن غراب في نظر الخاص وانفصل سعد الدين بن كاتب السعدي، وفي أواخر ذي القعدة استقر ابن الطبلاوي في نظر المارستان عوضاً عن كمشبغا الكبير، وفي شعبان عقد لي علي بنت القاضي كريم الدين بن عبد العزيز الذي كان ناظر الجيش.
وفيها غلب قرا يوسف على الموصل في جمادى الآخرة، وأمر عليها أخاه يار علي بن قرا محمد.
وفيها قدم مرزا شاه بن تمر والياً على تبريز خليفة لأبيه فملكها وملك خلاط وغيرها، فراسله العادل صاحب الحصن وهاداه، فأجابه بما أحب.(1/513)
ذكر من مات
في سنة ثمان وتسعين وسبعمائة
إبراهيم بن الشيخ عبد الله المنوفي برهان الدين ابن الشيخ المالكي كان صالحاً خيراً، وأبوه من مشاهير العباد، وهو خطيب الحسينية ظاهر القاهرة، وكان عند الناس وجيهاً، مات في رجب.
إبراهيم بن عبد الله الأدمي، كانت له وجاهة عند القضاة، مات في جمادى الآخرة.
أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الدائم الحلبي المصري ولي الدين ابن تقي الدين بن محب الدين ولد ناظر الجيش كان موقع الدست؛ ومات في جمادى الآخرة شاباً.
أحمد بن عبد الوهاب المصري شهاب الدين ابن تاج الدين ابن الشامية من أكابر الموقعين في الحكم وكان مشكوراً، مات في شعبان.
أحمد بن علي بن أيوب بن رافع الحنفي إمام القلعة بدمشق، سمع من أبي بكر ابن الرضي وغيره وحدث، ومات في شوال وله ثمانون سنة أجاز لي غير مرة.
أحمد بن محمد بن إبراهيم بن علي ابن قاضي الحصن شهاب الدين اشتغل وهولا صغير ودرس بالعذراوية ولم يكن بالماهر، ومات في رمضان ذكره ابن حجي.
أحمد بن محمد بن بيبرس شهاب الدين بن الركن، قرأ بالسبع على ابن السراج المقرئ الكاتب ثم على الشيخ تقي الدين البغدادي، واعتنى بعلم الميقات ومهر فيه، مات في صفر عن خمس وسبعين سنة.
أحمد بن محمد بن طريف الشاوي شهاب الدين، كان كحالاً بالمارستان ثم خدم في دار الضرب ثم ولي نظرها، وداخل علاء الدين ابن الطبلاوي فير أمر المتجر فظهر منه من الجور والظلم ما لم يبلغه أكابر القبط فعوجل وتمرض واستمر إلى أن مات في جمادى الأولى.(1/514)
أحمد بن محمد بن موسى بن سند أبو سعد بن شمس الدين، ولد سنة سبع وأربعين، وأحضره أبوه على ابن الخباز وابن الحموي وغيرهما، وأسمعه من ابن القيم وغيره، واشتغل في العربية وغيرها، ووعظ الناس، مات في شعبان.
أحمد بن أبي بكر بن أحمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف ابن محمد بن عبد الله بن قدامة بن مقدام أبو العباس المقدسي شهاب الدين ابن العماد بن العز الحنبلي، ولد سنة سبع وسبعمائة، واشتغل بالفقه وأحضر وهو صغير على هدية بنت عسكر وتفرد بذلك، وأجاز له إسحاق النحاس في مطلق إجازته لأهل الصالحية والتورزي وطائفة من أهل مكة وابن رشيق وطائفة من أهل مصر، وسمع الكثير من القاضي سليمان والمطعم وابن عبد الدائم وابن سعد وفاطمة بنت جوهر وغيرهم، وحدث بالكثير وعمر، أجاز لي غير مرة مات في ربيع الآخر أو الأول وهو آخر من حدث عن الجرائدي والتقي سليمان بإسماع وكان خاتمة المسندين بالشام وغيرها، وأقعد في آخر عمره.
إسماعيل بن أحمد بن علي عماد الدين الباريني الحلبي الفقيه الشافعي، ولد سنة تسع عشرة، وقدم من حلب إلى دمشق وهو طالب علم فقرأ على الشيخ على المنفلوطي، وولاه البلقيني قضاء بعلبكن ثم ولي خطابة القدس، ثم توجه إلى مصر، وكان ممن قام على التاج السبكي مع البلقيني، ثم ولي قضاء القدس، ومن قبله الشوبك، وحدث وافتى ودرس، ومات في(1/515)
ربيع الأول ببيت المقدس، وقد جاوز الثمانين.
آمنة بنت علي بن عبد العزيز الدمشقية، حضرت على أسماء بنت صصري وعبد الله بن أبي التائب وغيرهما وحدثت، وماتت في أول السنة.
بهادر بن عبد الله المشرف سيف الدين الأعسر كان مشرفاً بمطبخ قجا ثم صار زردكاشاً عند يلبغا الكبير، ثم تنقلت به الأحوال إلى أن استقر أحد الأمراء الكبار بالديار المصرية، ومات في شوال.
تمر بن عبد الله الحاجب كان ديناً خيراً محباً في العلم محترزاً في أحكامه، مهما أشكل عليه راجع العلماء، مات مجروحاً من العرب نزلوا عليه في مركب رجع فيها من جهة الإسكندرية.
جار الله بن حمزة بن راجح بن أبي نمي الحسني المكي، قريب صاحب مكة، قتل في الوقعة التي وقعت بين حسن بن عجلان والحسنيين، وكان من وجوه بني حسن.
حسن بن عمر بن محمد بن مكي الشهرزوري حسام الدين، ولد في رمضان سنة اثنتين وسبعمائة، وكلن أبوه جندياً، خدم وولي شد الواحات وكان يذكر من عجائبها أشياء، ومات في ذي الحجة وقد كف.
حمود بن علي الأقفهسي الحنفي كان مشاركاً في الفنون وولي نقابة الحكم للحنفيةن مات في جمادى الآخرة.
خليل بن محمد بن عبد الله بن سليمان بن علي الناسخ بدر الدين الحلبي، ولد بدمشق بعد العشرين وأحضره أبوه عند بن تيمية فمسح رأسه بيده ودعا له(1/516)
واشتغل فمهر في عدة فنون ثم سكن حلب، ووقع في الحكم واشتهر، ومات في ربيع الأول وكان يذكر أنه سمع من الوادي آشي وابن النقيب الشافعي.
خليل بن محمد الشنطوفي صلاح الدين موقع الحكم، مات في رمضان.
ست الركب بنت علي بن محمد بن حجر أخت كاتبه، ولدت في رجب سنة سبعين في طريق الحج، وكانت قارئة كاتبة أعجوبة في الذكاء، وهي أمي بعد أمي أصبت بها في جمادى الآخرة من هذه السنة.
سعد بن إبراهيم الطائي الحنبلي البغدادي، كان فاضلاً وله نظم فمنه:
خانني ناظري وهذا دليل ... لرحيلي من بعده عن قليل
وكذا الركب إن أرادوا قفولاً ... قدموا ضوءهم أمام الحمول
سودون بن عبد الله الفخري الشيخوني، كان من أتباع شيخون ثم تنقلت به الأحوال في دولة حسن إلى أن تزوج بنت أستاذه وولي النيابة مده، وكان محباً في الصالحين مع غفلة فيه حتى أن بعض الناس جمع من أحكامه شيئاً يحاكي المجموع من أحكام قراقوش وكان الملك الظاهر يحترمه ويعظمه ولم يتظاهر بالمنكرات إلا بعد أن خمل ولزم بيته، ومات في جمادى الآخرة.
سفر شاه بن عبد الله الرومي الحنفي تقدم في العلم ببلاده، وتقدم عند أبي يزيد بن عثمان، وقدم القاهرة رسولاً من صاحب الروم فأخذ عن فضلائها وأكرمه السلطان وحصل له وعك واستمر إلى أن بغته الأجل بالقاهرة، مات في جمادى الآخرة.
صدقة بن محمد فتح الدين أبو ذقن المصري ناظر المواريث، كان مشكوراً في مباشرته، مات في جمادى الآخرة.(1/517)
طقتمش خان التركي صاحب بلاد الدشت، قتل في هذه السنة بعد أن انكسر من اللنك، قتله أمير من أمراء التتار يقال له تمر قطلو.
عبد الله بن عمر بن محلي بن عبد الحافظ البيتليدي بفتح الموحدةوسكون التحتانية وفتح المثناة الفوقية بعدها لام مكسورة خفيفة ثم مثناه تحتانية ساكنة الوراق الدمشقي، سمع من أبي بكر ابن الرضي وشرف الدين ابن الحافظ وأحمد بن علي بن الجزري وغيرهم، أجاز لي غير مرة، ومات في ذي القعدة.
عبد الرحمن بن محمد الشريسي زين الدين الميقاتي الرئيس، كان ماهراً في فنه، مات في رمضان.
عثمان بن عبد الله العامري فخر الدين أخو تقي الدين، كان شافعياً بارعاً في الفقه، مات كهلاً دون الأربعين، وهو منسوب إلى كفر عامر قرية بالزبداني فربما له الكفر عامري، أخذ عن الشرف الشريسي، أثنى عليه ابن حجي بحسن الفهم وصحة الذهن، وهو ممن أذن له البلقيني في الإفتاء، مات في ذي الحجة.
علي بن عبد الله بن عبد العزيز بن عمر بن عوض المالكي، أخو القاضي بهرام، كان شيخ القراآت بالشيخونية، مات في رمضان.
علي بن عبد الله النشادري الزبيدي موفق الدين اليمني، كان بارعاً في الفقه والصلاح مع الدين والتواضع، وعرض عليه القضاء فامتنع، مات في صفر.
علي بن قاضي القدس ابن الرصاص علاء الدين، ولي القضاء في القدس غير مرة جاوز التسعين.(1/518)
فاطمة بنت يحيى بن العفيف بن عبد السلام بن محمد بن مزروع المضري - بالمعجمة - البصري ثم المدني، حدثت بالإجازة عن أحمد بن علي الجزري وغيره، وعمرت أختها رقية بعدها دهراً طويلاً.
فرج بن عبد الله الشرفي الحافظي الدمشقي مولى القاضي شرف الدين ابن الحافظ، سمع من يحيى بن محمد بن سعد وابن الزراد وغيرهما، مات في شوال وقد قارب التسعين، أجاز لي غير مرة.
قطلوبغا الأحمدي أمير جندار وهو أخو آقبغا الجلب.
قطلوبغا الطشتمري نائب الوجه القبلي، قتله العرب كما تقدم.
محمد بن أحمد بن عبد الله المقدسي شمس الدين ابن المؤذن، كان يتعانى الصلاح وخدم الشيخ محمداً القرمي وسكن مكة من حدود سنة سبعين إلى أن مات قافلاً من اليمن على أميال من مكة في شعبان، وكان حسن الهيئة مقبولاً محمد بن أحمد بن محمد بن عماد المصري ثم المقدسي محب الدين ابن الهاثم، ولد سنة ثمانين أو إحدى وثمانين وحفظ القرآن وهو صغير جداً، وكان من آيات الله في سرعة الحفظ وجودة القريحة، اشتغل بالفقه، والعربية والقراآت والحديث ومهر في الجميع في أسرع مدة، ثم صنف وخرج لنفسه ولغيره، رافقني في سماع الحديث كثيراً، وسمعت بقراءته المنهاج على شيخنا برهان الدين، وهو أذكى من رأيت من البشر مع الدين والتواضع ولطف الذات، وحسن الخلق والصيانة، مات في شهر رمضان، وأصيب به أبوه وأسف عليه كثيراً، عوضه الله الجنة.(1/519)
محمد بن جركس الخليلي كان جميل الصورة تام القامة، مات في صفر وقد جاوز العشرين.
محمد بن رجب بن محمد بن كلفت التركماني الأصل ناصر الدين الوزير، تنقلت به الأحوال إلى أن ولي شد الخاص ثن انتقل إلى الوزارة فباشرها مباشرة حسنة، وذلك في رابع عشر ربيع الآخر سنة سبع وتسعين، وقرر الوزراء المنفصلين في خدمته ما بين ناظر ومستوف، فباشروا معه على قاعدة خاله ناصر الدين بن الحسام، وكان رئيساً محتشماً حسن الوجه، مات في صفر وكثر الثناء عليه، وكان قد جاور بمكة سنة ثلاث وثمانين، محمد بن عبد الله بن عبد العزيز شمس الدين النستراوي الأصل ناظر ديوان الجيش، وكان بيده عدة مباشرات، وكان رئيساً له حظ من عبادة، ومن كلامه " البطالون أعداء الدول " مات في صفر وكان لطيفاً كيساً.
محمد بن محمد بن أحمد القاياتي تقي الدين الحنفي موقع الحكم وشاهد دار الضرب، كان من الرؤساء بالقاهرة، مات في جمادى الأولى.
محمد بن محمد بن محمد بن عثمان الأماسي عز الدين الدمشقي سمع من الحجاز صحيح البخاري وحدث، أجاز لي وكان ناظر الأيتام بدمشق ويتكسب بالشهادة تحت الساعات ويوقع على الحكام، أقام على ذلك اكثر من ستين سنة، مات في ربيع الآخر وقد ناهز الثمانين لأنه ولد سنة ثماني عشرة على ما كتبه بخطه.
محمد بن محمد بن موسى بن عبد الله الشنشي(1/520)
الحنفي، ناب في الحكم، وكان أحد طلبة الصرغتمشية، وكان فاضلاً جاور بمكة سنة ثلاث وثمانين، مات في جمادى الأولى.
محمد بن محمد المصري الشيخ شمس الدين الصوفي، أحد القراء في الجوق، انتهت إيه رئاسة فنه، ومات في شعبان.
محمد بن مقبل الصرغتمشي، كان عارفاً بعلم الميقات، مات في رجب.
مرتضى بن إبراهيم بن حمزة الحسني العراقي صدر الدين، كان أبوه معظماً عند أصحاب بغداد ثم دخل القاهرة فعظم في الدولة الناصرية الحسنية، مات سنة أربع وستين، فأحسن يلبغا إلى مرتضى المذكور وعظمه، ثم استمر معظماً وقد ولي نقابة الأشراف مرة ونظر القدس مرة والخليل أخرى، وكان حسن الشكل مليح الوجه طلق اللسان فصيحاً بالعربية والتركية، اجتمعت به في داره ورأيته يجيد لعب الشطرنج، مات في ربيع الآخر.
مقبل بن عبد الله الصرغتمشي، تفقه وتقدم في العلم وصنف وشرح وشارك بالعربية، مات في رمضان، وأنجب ولده محمد فشارطك في الفضائل ومهر في الحساب، وكان قصير القامة أحدب، مات قبل أبيه بشهرين.
ميكائيل بن حسين بن إسرائيل التركماني الحنفي نزيل عينتاب، قدمها فأخذ عن الشيخ فخر الدين إياس وغيره، وباشر بها بعض المدارس ولازم الإفادة، فأخذ عنه القاضي بدر الدين العيني، وهو ترجمه فقال إنه عاش أكثر من سبعين سنة، مات في سابع عشر ذي الحجة.
يوسف بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي الحنبلي أبو المحاسن جمال الدين بن تقي الدين بن العز أخو مسند عصره صلاح الدين الصالحي، سمع من الحجار وابن الزراد وغيره، ومهر في مذهبه، وكان يعاب بفتواه بمسألة الطلاق التيمية أجاز لي، وكان إمام مدرسة ابن أبي عمر، أثنى عليه ابن حجي بالفضل وجودة الذهن وصحة الفهم، مات في شهر رمضان.
أبو سعد ابن سند، اسمه أحمد.
أبو ذقن اسمه صدقة وقد تقدما.(1/521)
سنة تسع وتسعين وسبعمائة
فيها حضر الطنبغا المارداني نائب صاحب ماردين إلى القاهرة فأكرمه السلطان، فقد قدمت شرح حاله في السنة الماضية، وكان قدومه في المحرم.
وفيها وصلت كتب من جهة تمرلنك فعوقت رسله بالشام وأرسلت الكتب التي معهم إلى القاهرة، ومضمونها التحريض على إرسال قريبه اطلمش الذي أسره قرا يوسف كما تقدم فيه بما هو عليه من الخير والإحسان بالديار المصرية، وأرسل ذلك السلطان مع أجوبته ومضمونها أنك إذا أطلقت من عندك من جهتي أطلقت من عندي من جهتك والسلام.
وفي صفر سأل محمد الأستادار الحضور بين يدي السلطان فترافع هو وكاتبه سعد الدين بن غراب الذي استقر ناظر الخاص فلم يفده ذلك شيئاً وتسلمه شاد الدواوين، ورجع فبالغ في أذيته وعقوبته تم حبسه في خزائن شمائل في أوائل جمادى الأولى حتى مات في تاسع رجب منهان ويقال إنه خنق، وأنه لما تحقق أنه أمر بسجنه في الخزانة وأن ذلك يفضي به إلى القتل استدعى بقجة كبيرة وفيها وثائق بديون له على كثير من الناس كان قد استوفى أكثرها فغسلها كلها، ويقال إن جملة ما أخذ من موجوده قبل وفاته ألف ألف دينار ومائتا ألف دينار، فلعاها كانت تساوي قدر الفضة، وكان في أول أمره يخدم عند أمراء الإسكندرية كالجندار، ثم صار يتولى شاد الأقطاعات عند بعض الأجناد ثم عند الأمراء، ثم ترقى إلى أن استقر شاد الدواوين، ثم ولاه الظاهر الاستادارية الكبرى، فباشرها بمعرفة ودهاء إلى أن خضع له أكابر أهل الدولة ثم تقلبت به الأحوال إلى هذه الغاية.(1/522)
وفي سادس ربيع الأول استقر سعد الدين ابن الصاحب شمس الدين المقيسي في نظر الجيزة عوضاً عن سعد الدين بن قارورة، واستمر ابن قارورة ناظر الدواليب رفيقاً لابن سمحل.
وفيه استقر تاج الدين البولاقي مشير الدولة عوضاً عن تاج الدين ابن الرملي واستقر أناط كاشف الوجه القبلي عوضاً عن عمر ابن أخي قرط واستقر عوضه في أمارة قوص ناصر الدين ابن العادلي، وفيه مات بطرك النصارى الملكية، واستقر عوضه واحد منهم، وفيه استقر علم الدين كاتب ابن يلبغا في استيفاء الدولة عوضاً عن علم الدين الطنساوي، واستقر تاج الدين رزق الله بن سماقة ناظر الإسكندرية عوضاً عن فخر الدين ابن غراب، وفيه نفى طشبغا وإلى دمياط إلى قوص، وفيه استقر كريم الدين بن مكانس.
وفي شوال اعتقل الجبغا الجمالي وأمد بن يلبغا بطرابلس.
وفيها حاصر ولد تمرلنك بلاد الجزيرة والموصل فتشتت اهلها وفر قرا يوسف إلى الشام وغيره.
وفيها قدم تاني الحسني نائب الشام المعروف بتنم إلى الديار المصرية باستدعاء السلطان أرسل إليه سودون طاز في المحرم فأحضره في ثالث صفر ولاقاه السلطان إلى الريدانية فجلس في المصطبة وتلقاه أكبر العسكر حتى حضر بين يدي السلطان فأكرمه وأقعده إلى جانبه ثم ركبا إلى القلعة وأمره بالنزول بالميدان الكبير وأجرى له الرواتب والخلع(1/523)
ثم أرسل هو تقدمته إلى السلطان قيل فقومت بخمسين ألف دينار وقيل إنها تساوي أكثر من ذلك.
وفي يوم الإثنين سابع عشر صفر عمل السلطان الموكب بدار العدل، وأحضر تنم بمنزلة النيابة وخلع عليه خلعة استمرار، وخلع على القاضي شمس الدين النابلسي الحنبلي بقضاء الحنابلة، وكان حضر مع تنم وسافروا في أواخر الشهر المذكور، وفيه رضي السلطان على جلبان قراسقل الكمشبغاوي وافرج عنه من دمياط واستقر أميراً كبيراً بالشام وقبض على إياس الذي استقر جلبان عوضه وصودر على مائة الف دينار.
وفي ربيع الأول استقر بدر الدين محمد بن محمد الطوخي في الوزارة، وصرف سعد الدين ابن البقري وصودر ابن البقري على مال كثير جداً أفضى به الطلب إلى إهلاكه فباشر الطوخي الوزارة بصرامة ومهابة وفي ولايته هذه ابطل مكس الغلة، واستقر سعد الدين ابن الهيصم ناظر الديوان المفرد عوضاً عن ابن الطوخي، وفي صفر أعيد شرف الدين الدماميني إلى الحسبة مضافاً إلى الوكالة ونظر الكسوة وصرف البجاسي، ثم استقر ابن الدماميني في نظر الجيش في ربيع الأول بعد موت جمال الدين، واستقر ابن البرجي في الحسبة فاتفق ان الأسعار غلت فتشاءم الناس به ولم يلبث إلا يسيراً حتى وقف العامة فيه للسلطان فعاندهم وخلع عليه فرجموه فعزله عنهم وأعاد البجاسي.(1/524)
وفيه استقر شمس الدين الطرابلسي في قضاء الحنفية بالديار المصرية بعد جمال الدين، ثم مات في آخر السنة.
وفيها كانت الوقعة بين الملك أبي يزيد بك بن عثمان صاحب الروم وبين الفرنج فكسرهم كسرة عظيمة.
وفيها قدمت هدية صاحب الروم صحبة قاصد السلطان واسمه طولو، وهو االذي ولي إمرة الحاج بعد ذلك في سنة ست وثمانمائة، واخبر أنه رأى شمس الدين ابن الجزري مقيماً في بلد ابن عثمان في غاية الإكرام، وكان ابن الجزري يتحدث في تعلقات الأمير قطلوبك الذي كان في خدمة الأمير الكبير أيتمش، ثم ولي بعد ذلك الاستادارية فحاسب ابن الجزري فادعى أنه يستحق عليه شيئاً كثيراً فخشي منه ففر فركب البحر إلى الإسكندرية ثم إلى انطاكية ثم إلى برصا فلقي شيخاً كان يقرأ عليه في دمشق يقال له: كامورا موبر فعرف ابن عثمان بمقداره فأكرمه وأرسل إليه خيولاً ورقيقاً وثياباً ورتب له مرتباً جيداً. ثم قدمت له هدية أخرى صحبة قصاد من عنده ومن جملتها جماعة من الفرنج كانوا يقطعون الطريق على المسلمين في البحر فأسرهم وأرسلهم فأسلم منهم اثنان.(1/525)
وفيها قدمت هدية صاحب اليمن صحبة عبده فأخر الطواشي وبرهان الدين ابن المحلي، ويقال إنها قومت بستين ألف دينار.
وفيها استقر نحمد بن عمر بن عبد العزيز الهواري أبو السنون في إمرة العرب بالصعيد الأعلى عوضاً عن أبيه.
وفيها استأذن كاتب السر بدر الدين الكلستاني السلطان له ولجميع المتعممين أن يلبسوا الصوف الملون في المواكب فأذن لهم وكانوا لا يلبسون إلا الأبيض خاصة، وفي ربيع الأول ولدت امرأة بظاهر القاهرة أربعة ذكور أحياء.
وفي يوم الخميس ثالث عشرين جمادى الأولى استقر القاضي تقي الدين الزبيري في قضاء الشافعية وصرف صدر الدين المناوي.
وفيها كانت الوقعة العظمى بين طقتمش خان صاحب بلاد الدشت وبين الفرنج الجنوية.
وفي جمادى الآخرة وصل القاضي سري الدين إلى القاهرة مصروفاً عن قضاء دمشق، وكان عين لقضاء الشافعية بالقاهرة، فاتفقت ولاية الزبيري قبل أن يقدم فلما قدم لم يلبث أن مات، واستقر عماد الدين الكركي الذي كان قاضي الشافعية بالقاهرة في خطابة القدس بعد موت ابن جماعة واستقر الشيخ زين الدين العراقي في تدريس الحديث بجامع ابن طولون مكانه بحكم سفره،(1/526)
واستقر الشيخ سراج الدين ابن الملقن في تدريس قبة الصالح وشهاب الدين النحريري في النظر عليه مكانه أيضاً، وفيه خرج أهل دمشق للاستسقاء لما كان أصابهم من الغلاء فلما رجعوا وجدوا ابن النشو فرجموه حتى مات، وكان يحتكر الغلال بالجاه وراح دمه هدراً، وكان ابن النشو هذا يقال له ناصر محمد متولي شد المراكز وولي إمرة طبلخاناه، وكان أصله سمساراً فلما تأمر صار يحتكر ولا يبيع أحد شيئ من الحبوب إلا بعد مراجعته، وكان قتله والنائب في الصيد، فلما رجع كوتب من عند السلطان بتتبع من فعل ذلك وتوسيطه، فحصل لكثير من الشاميين أذى وكتبوا فيه محضراً بما يبدو من المذكور من الفجور وكلمات الكفر والجور المفرط والظلم الظاهر، فلطف النائب القضية حتى أعفى الناس من ذلك.
وفي رجب شرع يلبغا السالمي في تجديد عمارة الأقمر فأقام منارته وعمل فيه فسقية وجدد فيه خطبة في رابع رمضان.
وفي ثامن شعبان الموافق الحادي عشر بشنس أمطرت السماء برعد وبرق حتى صارت القاهرة خوضاً فكان من العجائب ودام ذلك في ليالي متعددة، وقد وقع مثل ذلك بل أعظم منه في مثل زمانه في سنة سبع عشرة وثمانمائة في سلطنة الملك المؤيد، وفي شعبان صرف قديد من نيابة الإسكندرية إلى القدس بطالاً،(1/527)
واستقر شيخ المحمودي وهو الذي ولي السلطنة بعد ذلك في أقطاع صرغتمش وهي تقدمة، واستقر طغنجي في أقطاع شيخ، واستقر يشبك العثماني الذي دبر المملكة بعد ذلك أمير طبلخاناه عوضاً عن صلاح الدين تنكز، وأمر صلاح الدين بالإقامة بالإسكندرية بطالاً ثم شفع فيه فتوجه إلى دمشق، واستقر علاء الدين الطبلاوي مكانه في استادارية الذخيرة والأملاك.
وفي أواخر شعبان استقر شعبان بن داود الآثاري في حسبة مصر عوضاً عن شيخه نور الدين البكري وكان يوقع بين يديه، وفي رمضان استقر يلبغا المجنون الأحمدي الذي كان كاشف الوجه القبلي في الاستادارية عوضاً عن قطلوبك.
وفي أوائل شوال توجه تمربغا المنجكي حاجب الميسرة على البريد للإصلاح بين التركمان، وفيه اعتقل عنان أمير مكة وأولاد عمه مبارك ابن رميثة وابن عطية وجماز وهبة أمير المدينة بالإسكندرية، وفيه وصل تاج الدين ابن أبي شاكرمن بلاد الروم وكان فر إليها فأقام قليلاً ثم رجع فأسره الفرنج فاشتراه شخص شوبكي وأحضره إلى مصر فسأله السلطان عن سبب هروبه فذكر أنه خاف من سعد الدين ابن البقري فعفا عنه وأمره بلزوم بيته.(1/528)
وفي هذه السنة أمطرت السماء في حادي عشر بشنس من الأشهر القبطية مطراً غزيراً برعد وبرق ودام ذلك في ليالي متعددة، وأوفى النيل عاشر مسرى وانتهت الزيادة إلى خمسة عشر من مسرى.
وفيها نازل جماعة من أصحاب تمرلنك ارزنكان وهي بين المملكة الشامية والمملكة الرومية فأمر السلطان تمربغا المنجكي بالخروج إلى الشام لتجريد العساكر إلى أزركان.
وفيها غضب بكلمش أمير سلاح على دويداره مهنا بمرافعة موقعه صفي الدين الدميري فصادره وصرفه، واستقر كريم الدين ابن مكانس ناظر ديوانه وأحمد بن قايماز استاداره، فآل الأمر إلى أن غضب بكلمش على موقعه المذكور فضربه بالمقارع فمات تحت الضرب.
وفي العشرين من شوال رافع جماعة من صوفية الخانقاه القوصونية شيخهم تاج الدين الميموني، وكان استقر فيها بعد جده لأمه نور الدين الهوريني ورموه بعظائم وفواحش، فأمر السلطان بعزله من المشيخة المذكورة فعزل منها ومن نيابة الحكم، واستقر في المشيخة الشيخ شمس الدين ابينا التركماني الحنفي، وفي يوم الجمعة ثامن شوال الموافق لعاشر مسرى زاد النيل في يوم واحد ستة وستين أصبعاً وكسر فيه الخليج ثم انتهت زيادته إلى خمسة عشر من عشرين.
وفي العشرين من ذي القعدة قتل الأمير أبو بكر بن الأحدب أمير عرب عرك شرف الخصوص من الوجه القبلي، واستقر عوضه في إمرة العرب أخوه عثمان.(1/529)
وفي أوائل ذي الحجة توعك السلطان إلى يوم عرفة فعوفي.
وفيها وقع الرخاء بالمدينة الشريفة حتى بيع اللحم كل رطل مصري بنصف درهم.
وفيها توجهت إلى اليمن من طريق الطور فركبت البحر في ذي القعدة فوصلت إليها في السنة المقبلة.
وفيها أعيد علاء الدين ابن البقاء إلى قضاء الشافعية بدمشق، وطلب سري الدين إلى القاهرة ليستقر في القضاء بها فمات قبل أن يلي كما تقدم شرحه.
ذكر من مات
في سنة تسع وتسعين وسبعمائة من الأعيان.
إبراهيم بن عبد الله الحلبي الصوفي الملقن، كان يذكر أنه كان بتفليس سنة غازان رجلاً وعمر إلى هذه الغاية وقدم دمشق وهو كبير فأقرا القرآن بالجامع وصارت له حلقة مشهورة، يقال إنه قرأ عليه اكثر من ألف ممن اسمه محمد خاصة، وكان الفتوح ترد عليه فيفرقها في أهل حلقته، وكان أول من يدخل الجامع وآخر من يخرج منه، واستسقوا به مرة بدمشق، وكان شيخاً طوالاً كامل البنية وافر الهمة كثير الأكل، ومات في شعبان، وكانت جنازته حافلة جداً، ويقال أنه عاش مائة وعشرين سنة.(1/530)
إبراهيم بن عبد الله الخلاطي الشريف، ولد قبل سنة عشرين، ونشأ في بلاد العجم، وتعلم صناعة اللازورد فكان يحترف منها، وقدم الديار المصرية فعظمه أهل الدولة، وكان ينسب إلى الكيمياء؛ وكان لا يخرج من منزله وأكثر الناس يترددون إليه، وكان السلطان يمر بداره وهي بفم الخور فيكلمه وهو راكب ويتحدث هو معه من فوق منزله، مات في جمادى الأولى، وحضر جنازته أكثر الأمراء، وقرأت في تاريخ العينتابي أنه الشريف حسين الأخلاصي الحسيني، قال: وكان منقطعاً في منزله ويقال: إنه كان يصنع اللازورد واشتهر بذلك قال: وكان يعيش عيش الملوك ولا يتردد لأحد، وكان ينسب إلى الرفض لأنه كان لا يصلي الجمعة ويدعي بعض من يتبعه انه المهدي، وكان في أول أمره قدم حلب فنزل بجامعها منقطعاً عن الناس، فذكر للظاهر أنه يعرف الطب معرفة جيدة، فأحضره إلى القاهرة ليداوي ولده محمداً فأقبل عليه السلطان وشرع في مداواة ولده فلم ينجع، واستمر مقيماً بمنزله على شاطئ النيل إلى أن مات في أول جمادى الأولى وقد جاوز الثمانين، وخلف موجوداً كثيراً ولم يوص بشيء فنزل قلماي الدويدار الكبير فاحتاط على موجوده فوجد عنده جام ذهب وقوارير فيها خمر وزنانير للرهبان ونسخة من الإنجيل، وكتب تتعلق بالحكمة والنجوم والرمل وصندوق فيه فصوص مثمنة على ما قيل.
إبراهيم بن علي بن محمد بن محمد بن أبي القاسم بن محمد ابن فرحون اليعمري المالكي المدني، سمع بها من الوادي آشي ومن الزبير بن علي الأسواني والجمال المطري، وتفرد عنه بسماع تاريخ المدينة وغيرهم وتفقه وولي القضاء بالمدينة، وألف كتاباً نفيساً في الأحكام وآخر في طبقات المالكية مات في عيد الأضحى وقد قارب السبعين.
إبراهيم بن يوسف الكاتب ابن الأندلسي، وزير صاحب المغرب، كان خالف عليه مع أخيه أبي بكر فظفر به أبو فارس فصلبه في هذه السنة.
أحمد بن إسماعيل بن محمد بن أبي العز بن صالح بن أبي العز بن وهيب الأذرعي ثم الدمشقي الحنفي نجم الدين ابن الكشك، ولد سنة عشرين، وسمع من الحجار وحدث(1/531)
عنه، وتفقه وولي قضاء مصر سنة سبع وسبعين فلم تطب له فرجع، وكان ولي قضاء دمشق مراراً، آخرها سنة اثنتين وتسعين فلزم داره، وكان خبيراً بالمذهب، درس بأماكن وهو أقدم المدرسين والقضاة، كان عارفاً صارماً، ومات في ذي الحجة، أجاز لي وأجاز له سنة مولده وبعدها القاسم بن عساكر ويحيى بن سعد وابن الزراد وابن شرف وزينب بنت شكر وغيرهم ضربه ابن أخته وكان مختلاً بسكين فقتله.
أحمد بن محمد بن إبراهيم شهاب الدين الصفدي نزيل مصر، وكانت له عناية بالعلم، وكان يعرف بشيخ الوضوء، مات في ربيع الأول وهو والد الشيخ شهاب الدين وعرف بشيخ الوضوء لأنه كان يتعاهد المطاهر فيعلم العوام الوضوء.
أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز النويري محب الدين ابن أبي الفضل قاضي مكة وابن قاضيها، ولد سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وأسمعه أبوه علي العز بن جماعة وغيره، وتفقه بأبيه وغيره، وقد ناب عن أبيه وولي قضاء المدينة في حياته ثم تحول إلى قضاء مكة في سنة سبع وثمانين فمات بها وكان بارعاً في الأحكام مشكوراً.
أحمد بن محمد بن راشد بن قطليشا القطان، شهاب الدين، ولد سنة بضع وعشرين وسبعمائة، وحدث عن زينب بنت الكمال وأبي بكر ابن الرضى وغيرهما، أجاز لي غير مرة، ومات في ربيع الأول وقد جاوز السبعين.
أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد الظاهري شهاب الدين أبن تقي الدين الدمشقي، ابن أخت القاضي سري الدين، أحد الفضلاء، درس بأماكن وأفاد.
أحمد بن محمد بن محمد البأد المالكي إمام المالكية بدمشق، وكان ينوب بالحكم ومات بالقدس في صفر.
أحمد بن محمد بن مظفر الدين موسى بن رقطاي.(1/532)
أرغون دوادار النائب سودون، كان اشتراه ورباه ثم اعتقه وزوجه ابنته، وجعل استاداره ودواداره وحاكم بيته، وعمل النيابة نيابة عن أستاذه في مدة غيبة السلطان في سنة ست أو سبع وتسعين، وباشر بعد موته شد الخاص إلى أن مات في شهر ربيع الأول.
إسماعيل بن حسن بن محمد بن قلاون عماد الدين بن السلطان الناصر بن الناصر، كان ذكياً فطناً عارفاً بالحساب والكتابة، أمره ابن عمه الأشرف شعبان بن حسين واختص به، ثم تقدم عند الملك الظاهر ونادمه، مات في شوال.
إياس بن عبد الله فخر الدين الجرجاوي، نائب طرابلس، وقد تقدم في الديار المصرية، مات في هذه السنة.
أبو بكر بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي المقدسي ثم الصالحي، سمع من الحجاز وحدث، وكان به صمم، مات في المحرم وقد جاوز الثمانين، أجاز لي.
أبو بكر بن أبي العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر الحفصي أخو السلطان أبي فارس عبد العزيز صاحب المغرب يكنى أبا يحيى، كان ممن خال على أخيه بقسطنطينية فحاصره أبو فارس حتى قبض عليه، ومات في الاعتقال في ذي القعدة منها.
أبو بكر بن الأحدب العركي، قتل في ذي القعدة، كما تقدم في الحوادث رأيته غير مرة.
حافظ العجمي خادم الصوفية بالبيرسية ثم الشيخونية، وكان صهر الشيخ ضياء الدين.(1/533)
حسن بن عبد الله التستري الصوفي رفيق يوسف العجمي في الطريق، وكان مقيماً بالحكر، وللناس فيه اعتقاد، مات في جمادى الأولى.
درويش بن عبد الله العباسي، أحد من كان يعتقد بالقاهرة، مات في رجب.
زينب بنت عبد الله بن عبد الحليم بن تيمية ابنة أخي الشيخ تقي الدين، سمعت من الحجاز وغيره، حدثت وأجازت لي..
زينب بنت محمد بن عثمان بن عبد الرحمن الدمشقية، يعرف أبوها بابن العصيدة، زاد عمرها على المائة وعشر سنين بإخبار من يوثق به من اهل دمشق، فقرأ عليها بعض أصحابنا بالإجازة العامة عن الفخر بن البخاري وغيره، وأجازت لي غير مرة.
سعد بن عبد الله البهائي السبكي مولى أبي البقاء، سمع من زينب بنت الكمال والجزري بدمشق، ومن العلامة شمس الدين بن القماح وإسماعيل بن عبد ربه بالقاهرة ومن غيرهم، مات في رمضان أجاز لي.
عبد الله بن علي السنجاري قاضي صور وهي بلدة بين حصن كيفا وماردين، تفقه بسنجار وماردين والموصل وأربل، وحمل عن علماء تلك البلاد، وقدم دمشق فأخذ بها عن القونوي الحنفي، ثم قدم مصر فأخذ عن شمس الدين الأصبهاني وأفتى ودرس وتقدم ونظم المختار على مذهب الحنفية وغير ذلك، وكان يصحب أمير علي المارداني فأقام معه بمصر مدة، وناب في الحكم عن الحنفية، ثم ولي وكالة بيت المال بدمشق، ودرس بالصالحية، وقدم مصر بأخرة، ورأيته وسمعت كلامه عند القاضي صدر الدين المناوي، وقد حدث عن الصفي الحللي بشيء من شعره، وكان مولده سنة اثنتين وعشرين، وكان حسن الأخلاق لين الجانب لطيف الذات، ومن نظمه:
لكل امرئ منا من الدهر شاغل ... وما شغل ما عشت إلا المسائل
قال ابن حجي في تاريخه: صحب البرهان ابن جماعة بدمشق، وسامره وكان يحفظ شيئاً كثيراً من الحكايات والنوادر وعنده سكون وتواضع، مات في ربيع الآخر بدمشق.(1/534)
عبد الرحمن بن احمد بن مبارك بن حماد بن تركي بن عبد الله الغزي ثم القاهري أبو الفرج ابن الشيخة نزيل القاهرة، ولد سنة أربع عشرة أو خمس عشرة، وسمع من الدبوسي والواني والختني وعلي ابن إسماعيل بن قريش وابن سيد الناس وخلق كثير، وأجاز له ابن الشيرازي والقاسم بن عساكر والحجار وخلق كثير أيضاً، وطلب بنفسه وتيقظ وأخذ الفقه عن السبكي وغيره، وكان يقظاً نبيهاً مستحضراً، وكان يتكسب في حانوت بزاز ظاهر باب الفتوح، ثم ترك، وكان صالحاً عابداً قانتاً، وكان بينه وبين أبي مودة وصحبة، فكان يزورنا بعد موت أبي وأنا صغير ثم اجتمعت به لما طلبت الحديث فأكرمني، وكان يديم الصبر لي على القراءة إلى أن أخذت عنه أكثر مروياته، وقد تفرد برواية المستخرج على صحيح مسلم لأبي نعيم قرأته عليه كله، وحدث بالكثير، من مسموعاته وقال لي شيخنا زين الدين العراقي مراراً: عزمت على أن اسمع عليه شيئاً، مات في تاسع عشرين شهر ربيع الآخر، وقد تغير قليلاً من أول هذه السنة، قرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري وأجازنيه، كان لا يدخل في الوظائف، ولما فتح الحانوت في البركان يديم الاشتغال والعبادة، فاتفق أن شخصاً أودع عنده مائتي دينار فوضعها في صندوق بالحانوت، فنقب اللصوص الحانوت واخذوا ما فيه، فبلغ صاحب الذهب فطابت نفسه ولم يكذب الشيخ ولا اتهمه، فاتفق أن الشيخ رأى في النوم بعد نحو ستة أشهر من يقول له: عن اللص لما أخذه وقع منه في الدورند، فأصبح فجاء إلى الحانوت فوجد الصرة كما هي قد غطى عليها التراب فغابت فيه، فأخذها وجاء إلى صاحب الذهب فقال له: خذ ذهبك، فقال: ما علمت منك إلا الصدق والأمانة وقد نقب حانوتك وسرق الذهب فلم كلفت نفسك واقترضت هذا الذهب؟ فحدثه بالخبر فقال: أنت في حل منه، وامتنع من أخذه(1/535)
منه وقال: وهبته لك، فعالجه حتى أعياه، فامتنع من أخذه، فحج الشيخ وجاور مدة حتى انفق ذلك الذهب، واتفق أنه عدم من بيته هاون فتوجه إلى السوق ليجده فوجد في الطريق صرة فالتقطها ليعرفها، ووجد في السوق الهاون بعينه فسأل الذي وجده عنده عن قدر ثمنه فأخبره ولم يقل له: إنه سرق من بيته وترك عنده الصرة حتى يتوجه بالهاون إلى منزله، فلما رأى الرجل الصرة قال: هذه الصرة التي دفعتها في ثمن هذا الهاون إلى منزله، فلما رأى الرجل الصرة قال: هذه الصرة التي دفعتها في ثمن هذا الهاون، فقص عليه قصته فقال: هذا هاونك وهذه فضتي، فاخذ كل منهما الذي له.
عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز بن عبد الله التركماني الأصل الدمشقي أبو هريرة، ابن الحافظ أبي عبد الله الذهبي مسند الشام في عصره، أحضره أبوه على وزيرة بنت المنجا والقاضي سليمان وإسماعيل ابن مكتوم ثم علي أبي بكر بن عبد الدائم وأسمعه من عيسى المطعم وابن الشيرازي وابن مشرف ويحيى بن سعد والقاسم ابن عساكر وأهل عصره فأكثر عنهم، وخرج له أبوه أربعين حديثاً، وحدث بها في حياة أبيه سنة سبع وأربعين وسبعمائة، وحدث في غالب عمره، وكان صبوراً على الأسماع محباً لأهل الحديث والروايات ويذاكر بأشياء حسنة، وأم بجامع كفر بطنا عدة سنين، وأضر بأخرة، وتفرد بكثير من الشيوخ والروايات، وأجاز لي غير مرة، مات في ربيع الأول بقرية كفر بطنا، وله إحدى وثمانون سنة.
عبد القادر بن محمد بن علي بن حمزة العمري المدني المعروف بالحجار، روى عن جده، وسمع من أصحاب الفخر، وعني بالعلم وتنبه قليلاً، مات في عيد الأضحى، وذكر لنا اليشكري أنه راى سماعه للموطأ على الوادي آشي.
عبد الكريم بن محمد بن أحمد نجم الدين السنجاري ناظر الأوصياء بدمشق، وقد ولي الحسبة ووكالة بيت المال، وكان كيساً منطبعاً ذا خلاعات ومجون، مات في جمادى الآخرة وقد جاوز الستين.(1/536)
عثمان بن محمد بن وجيه الشيشني سمع جامع الترمذي من العرضي ومظفر الدين العسقلاني بسندهما المعروف، قرأت عليه من أوله إلى باب ما جاء في الصلاة بعد الفجر، وأجاز لي غير مرة، وكان يباشر في الشهادات وينوب في الحكم في بعض البلاد، مات يوم النصف من ربيع الآخر، قرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري: كانت له مروءة ومواساة لأصحابه لا ينقطع عنهم ويتفقدهم ويهدي إليهم ويقرضهم.
علي بن احمد بن عبد العزيز النويري ثم المكي المالكي، سمع من عيسى الحجي والزبير بن علي والوادي آشي وغيرهم، ومولده سنة أربع وعشرين، وتفقه وولي إمامة مقام المالكية بمكة خمساً وثلاثين سنة، وناب في الحكم عن أخيه أبي الفضل ثم عن أبن أخيه وكان ذا مروءة وعصبية وحدث، رأيته وصليت خلفه مراراً، وكان يتصلب في الأحكام مع المهابة.
علي بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن إسماعيل بن بشير البالسي ثم المصري أبو القاسم ابن شهاب الدين ابن شمس الدين ابن شهاب الدين بن نور الدين بن نجم الدين ابن فخر الدين، من أولاد التجار الكارمية، وكان جده شمس الدين من أكابر التجار، مات سنة ثلاث وستين وسبعمائة، واشتغل أبو القاسم فسمع معي الكثير من المشايخ، وتفقه وتنبه ولازم حضور الدروس الفقهية وغيرها، ثم توجه إلى الإسكندرية في التجارة فمات هناك في رمضان غريباً فريداً، وكان حسن الأخلاق والخلق لطيف الشمائل، عاش ثلاثاً وعشرين سنة عوضه الله تعالى الجنة.
علي بن حامد بن أبي بكر البويطي نور الدين الحاسب، ولد سنة عشرين وبرع في معرفة الأوضاع الميقاتية، وكان كثير الفوائد حسن الخط مات عن نحو الثمانين.
علي بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن بقاء الملقن الدمشقي، روى عن داود خطيب بيت الآبار، مات في المحرم، أجاز لي.(1/537)
علي بن قاضي الكرك زين الدين عمر بن عامر بن حصن بن ربيع العامري علاء الدين، ولي قضاء القدس غير مرة، جاوز السبعين، وكان من أعيان الموقعين في حسن الخط وسرعة الكتابة، وكان سمع من البرزالي وغيره.
علي بن محمد بن أحمد بن منصور البعلي القبيباتي، روى عن الحجار الأربعين تخريج ابن الفخر البعاي، وحدث بها، مات في ذي القعدة، أجاز لي.
علي بن محمد النوساي شيخ صندفا من الغربية، كان جواداً كثير البر والمعروف والصدقات، وكان يحج فيحمل معه جمعاً كثيراً من الفقهاء والفقراء مات في شوال، وخلف أموالاً كثيرة من جملتها ألف جاموسة.
علي بن نجم الكيلاني ثم المصري الخواجا، كان وجيهاً في الدول، مات بمكة.
عيسى بن عثمان بن عيسى بن غازي شرف الدين الغزي الشافعي، ولد سنة تسع وثلاثين وقدم دمشق وهو كبير وأخذ عن ابن حجي والحسباني وابن قاضي شهبة، وشمس الدين الغزي وغيرهم، وعني بالفقه والتدريس وناب في الحكم، وولي قضاء داريا، وأخذ عن ابن الخابوري، لقيه بطرابلس وأذن له في الفتوى، وكان بطيء الفهم متساهلاً في الأحكام مع المعرفة التامة، وله تصنيف في أدب القضاء، جوده وهو حسن في بابه، وكان أول أمره فقيراً، ثم تزوج فماتت الزوجة فحصل له منها مال له صورة، ثم تزوج اخرى كذلك ثم اخرى إلى أن كثر ماله وأثرى قال ابن حجي: كان أكثر الناس يمقتونه، مات في رمضان، وقد جاوز الستين.
قاسم بن محمد بن إبراهيم بن علي النويري المالكي الشيخ زين الدين، تفقه وقرأ المواعيد وأعاد للمالكية بأماكن وتصدر بالجامع الأزهر وغيره، وكان صالحاً ديناً متواضعاً، سمعت بقراءته الكثير على شيخنا سراج الدين وغيره، مات في المحرم عن نحو من ستين سنة.(1/538)
محمد بن احمد بن أبي بكر الحنفي القاضي شمس الدين الطرابلسي، تفقه ببلده على شمس الدين ابن إيمان التركماني وغريب الطرابلسي وبدمشق على صدر الدين ابن منصور، وقدم القاهرة قديماً فتقرر طالباً بالصرغتمشية واخذ عن السراج الهندي وناب عنه في الحكم، وسمع على الشيخ جمال الدين الأميوطي بمكة، وولي القضاء بالقاهرة مرتين استقلالاًوكان خبيراً بالأقضية عافاً بالوثائق، مات في ذي الحجة قبل أن ينسلخ الشهر بيوم وثد زاد على السبعين، قال العينتابي في تاريخه: كان شيخاً مهيباً مليح الشيبة فقيهاً مشاركاً في الفنون عرفاً بالشعر وطرق أحوال الحكام.
محمد بن احمد بن سليمان الكفرسوسي اللبان المعمر، زاد على المائة فقرؤوا عليه بإجازته العامة من الآبرقوهي ونحوه وأجاز لي.
محمد بن احمد بن محمد بن احمد بن سلامة بن المسلم بن البهاء الحراني ثم الصالحي المؤذن المعروف بابن البهاء، سمع من القاسم ابن عساكر والحجار وغيرهما، وحدث في سنة ست وثمانين بالصحيح، قرأه عليه بدر الدين ابن مكتوم وأشك هل أجاز لي، مات في هذه السنة.
محمد بن أحمد بن الموفق الإسكندري ناصر الدين المحتسب بالإسكندرية، سمع من أحمد بن المصفي وعلي بن الفرات وغيرهما وحدث، سمعت منه بالإسكندرية، ومات في ثاني شهر رجب.
محمد بن الحسن الحصني جمال الدين، كان ينوب في الحكم، ثم امتحن بسبب وديعة نسبت إليه من قبل امرأة فجحدها، فضرب عند الحاجب، ثم قرر عليه مبلغ معين بسب ذلك، فباع ملكه ونزل عن وظائفه وساءت حاله، ثم اقعده المالكي عنده شاهداً على الخطوط إلى أن مات في شعبان.(1/539)
محمد بن عبد الله بن يوسف بن هشام محب الدين ابن العلامة جمال الدين، حضر على الميدومي وغيره وسمع ممن بعده، وقرأ العربية على ألبيه وغيره وشارك في غيرها قليلاً، وكان إليه المنتهى في حسن التعليم مع الدين المتين، مات في رجب عن نحو من خمسين سنة.
محمد بن عبد الله بن النشو الدمشقي، كان شاد المراكز بدمشق، وكان يحتكر الغلال، فلما وقع الغلاء بدمشق وخرجوا للاستسقاء وجدوه فرجمه العوام حتى سقط وجروه برجليه وأحرقوه وذهب دمه هدراً، وتقدم خبره في الحوادث.
محمد بن عبد الله المصري الناسخ المعروف بابن البغدادي، كان فاضلاً شاعراً، مات....
محمد بن عبد الله الزرعي تاج الدين الحنبلي، مات في شوال.
محمد بن علي بن حسب الله بن حسنون المصري الشيخ شمس الدين، سمع القلانسي وغيره، وتفقه قليلاً، وله تخاريج ومختصرات، وتقدم في الفنون، وكان فاضلاً ديناً خيراً، مات في شعبان.
محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن علي بن عبد الملك الدمشقي سري الدين ابن القاضي جمال الدين المسلاتي الأصل الدمشقي أبو الخطاب سبط التقي السبكي، ولد في رمضان سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وأحضر علي ابن الخباز وغيره، وأجاز له ابن الملوك وجماعة من المصريين، وكان أبوه قاضي المالكية، ثم تحول هو شافعياً مع أخواله السبكية ونشأ بينهم طريقهم وولي إفتاء دار العدل وناب في الحكم عن برهان الدين ابن جماعة نحو سنة بعد أن صاهره على ابنته بعده فصرف عن قرب؛ ثم استقل بالحكم بعده، وولي خطابة المسجد الأقصى بعد وفاة ولد البرهان ابن جماعة ثم طلب للقاهرة لتولي القضاء فأدركه اجله بها في شهر رجب(1/540)
وكان عفيفاً صارماً مع لين الجانب شريف النفس حسن المباشرة للأوقاف مقتصداً في مأكله وملبسه.
محمد بن محمد بن البرهان النويري علم الدين، مات في ذي الحجة.
محمد بن محمد الطريني الأصل المصري محب الدين، تفقه للمالكية واختص بالبرهان الأخناي، ثم انتقل شافعياً وناب في الحكم، مات في المحرم.
محمد بن.... النبراوي الشيخ أبو عبد الله، قرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري: كان كبير المقدار عظيم الشأن في العبادة، وله كرامات ومكاشفات مع التقشف والتواضع وعدم الاجتماع مع الأكابر، حج مراراً آخرها سنة ثمان وتسعين، وقدم في أول سنة تسع مع نور الدين علي بن محمد النوساي فنزل الحسينية وهرع الناس للسلام عليه، مات في مستهل شهر ربيع الأول وله سبع وتسعون سنة لن مولده على ما سمعه منه القاضي تقي الدين كان في سنة اثنتين وسبعمائة، ولو كان له سماع لأدرك إسناداً عالياً.
محمد بن علي القيصري الرومي جمال الدين المعروف بالعجمي، قدم القاهرة قديماً واشتغل بالفنون ومهر وولي الحسبة مراراً ثم نظر الأوقاف ودرس بالمنصورية في التفسير، وولي مشيخة الشيخونية وقضاء الحنفية ونظر الجيش، قرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري أن جمال الدين المذكور قدم القاهرة في دولة حسن فتعرف بالأمير ملكتمر الفقيه وصار عنده فقيهاً حتى عرف به، وكان حسن الشكل وله اشتغال وفضيلة فلما كان بعد قتل الأشرف توصل إلى قرطاي وقرابغا البدري وغيرهما ممن تكلم في المملكة فولي الحسبة وباشرها مباشرة حسنة، وناب في الحكم عن جار الله، ثم(1/541)
ولي نظر الأوقاف عن الشافعية، واستقر في تدريس الحديث بالمنصورية وامتحن في أثناء ذلك حتى أمر بنفيه وأخرجت وظائفه ثم أعيد إلى الحسبة في سنة تسع وثمانين ثم عزل عن الحسبة، واستقر في نظر الجيش وسافر مع منطاش وخطب في غزة خطبة عرض فيها ببرقوق فبقي في نفسه عليه واتفق عبوره إلى دمشق فبقي في الحصار ثم توصل إلى القاهرة فوجد السلطان متغيظاً عليه فلم يزل يتلطف حتى ولي قضاء الحنفية في شعبان، وسافر مع السلطان إلى حلب وابن عبد العزيز الذي أخذ عنه نظر الجيش معهم مولياً لنظر الجيش ولم يزل جمال الدين يسعى حتى عاد إلى نظر الجيش مضافاً إلى القضاء وولي تدريس الصرغتمشية، ثم نزعت منه للكلستاني وأعطي الشيخونية، ثم نزعت منه للشيخ زاده وأعيد جمال الدين إلى الصرغتمشية وقرأت في تاريخ العينتابي أن جمال الدين أول ما قدم نزل في الصرغتمشية قال: إنه سمعه يقول: هذا الذي حصل لي غلطة من غلطات الدهر، قال: وكان عنده دهء مع حشمة زائدة وسخاء وذكاء وكان فصيحاً بالعربية والتركية والفارسية وكان كثير التأنق في ملبسه ومأكله مات في سابع شهر ربيع الأول وصلي عليه في الثامن منه.
محمود بن علي بن أصفر عينه السودني جمال الدين الأستادار تقدم ذكره في الحوادث مفصلاً.
مسعود بن عبد الله المغربي القاضي الركراكي، كان يتفقه، ومات في رمضان.
معين بن عثمان بن خليل المصري الضرير، نزيل دمشق، الحنبلي كان ثم الشافعي رئيس القراء بالنغم، وله صيت في ذلك وكان يحفظ أشياء مليحة ويصحح ما يورده ولا يودر في المحافل إلا الأشياء المناسبة للوقت والحال، وكان مقدماً على جميع أهل فنه بمصر والشام، وسمع من عبد الحمن ابن تيمية وأبي عبد الله الخباز وغيرهما مجلس ختم الترمذي، وولي إمامة مشهد ابن عروة، مات في جمادى الآخرة وقد جاوز الثمانين، أجاز لي.(1/542)
مظفر بن أبي بكر المقرئ كان عابداً متقشفاً طارحاً للتكلف كثير الانجماع عارفاً بالقراآت، انتفع به جماعة، وكان يتزيا بزي الحمالين فيحمل للناس الأمتعة بالأجرة، ويتقوت بذلك وعياله من غير أن يعرف به.
نصر الله بن عبد الله القبطي سعد الدين ابن البقري، ولي الولايات الوزارة وغيرها، وكان مشهوراً بالعفة عافاً بالكتابة غاية في مباشراته إلا أنه كان مبخلاً، تولى الوزارة غير مرة وصودر، ومات في جمادى الآخرة خنقاً على ما قيل.
يحيى بن علي بن تقي الدين بن دقيق العيد محي الدين، مات في ثاني رجب.
يوسف بن أمين الدين عبد الوهاب بن يوسف بن السلار الشماع، حضر على الحجاز وغيره وحدث، ومات فيالمحرم عن سبعين سنة، أجاز لي.
تقي الدين الزواوي المالكي المعروف بالشامي، صهر ابن النقاش، مات في جمادى الآخرة.
أبو عبد الله الدكالي أعجوبة الدهر في عظمة الزهد والدين وخشونة العيش والسير على طريقة السلف، مات بالإسكندرية.(1/543)
سنة ثمانمائة
كان أولها يوم الاثنين سابع عشرين توت من أشهر القبط، وأخذ النيل في النقص وانتهت زيادته إلى اثني عشر إصبعاً من عشرين، وفي الثامن من المحرم خرج السلطان إلى سرياقوس ثم رجع، وفي أولها وصل ناصر النوبي صاحب بلاد النوبة إلى القاهرة واجتمع بالسلطان فأكرمه وخلع عليه وتوجه إلى بلاده وقبض على كمشبغا الكبير وعلى بكملش أمير آخور وأرسلا إلى الإسكندرية وفيه صرف تغري بردى نائب حلب واستقر بها أرغون شاه نائب طرابلس واستقر في نيابة طرابلس آقبغا الجمالي نائب صفد والشهاب أحمد بن الشيخ علي نائب غزة في نيابة صفد وقرر شيخ الصفوي في نيابة غزة ثم صرف عنها واستقر بقجاه الشرفي، ولما وصل تغري بردى خرج السلطان إلى السرحة فتلقاه فدخل في نصف ربيع الأول وكانت في تقدمته مائة وثلاثون فرساً وسبعون جملاً ومائة حمل قماش، وفي سلخ المحرم استقر أيتمش أتابك العساكر عوضاً عن كمشبغا وزاده من أقطاعه(2/7)
بلداً، واستقر سودوم قريب السلطان على أقطاع كمشبغا وقرر أقطاع سودون لعبد العزيز ابن السلطان ووصل تغري بردى الذي كان نائب حلب، فأعطى أقطاع شيخ الصفوي ونفى الشيخ إلى القدس بطالاً، واستقر بيبرس ابن أخت السلطان أمير مجلس عوضاً عن الصفوي، وفي المحرم لما رجع الحاج إلى العقبة وجدوا ودائعهم قد نهبت فقيل أخذ لهم ما يساوي عشرين ألف دينار، وقبض أمير الحاج على صاحب الدرك فصولح على بعض وترك بعض، وفي آخر صفر أمر يلبغا السالمي إمرة عشرة، وفيه صرف شعبان عن حسبة مصر واستقر شمس الدين الشاذلي الذي كان بلانا بالإسكندرية مكانه، ثم عزل الشاذلي وأعيد شعبان ثم عزل شعبان وأعيد الشاذلي ووقف جماعة من المصريين في شعبان. فشكوا منه إلى بيبرس الدويدار وذلك في ذي القعدة فأهانوه إهانة شديدة حتى صفعه بعضهم بحضرة الدويدار وأمر أن ينادى عليه، فآل الأمر إلى أن هرب شعبان إلى اليمن.
وفي ربيع الأول وقع الوباء بالوجه البحري ووصل منه إلى مصر فمرض أكثر الناس، وفي صفر وسط شاهين رأس نوبة كمشبغا بعد القبض على أستاذه وقد حكم شاهين(2/8)
هذا في القاهرة في ولاية أستاذه نيابة الغيبة وكان قتله على سبيل القصاص منه لأجل قتيل عليه أنه قتله وكان إمساك كمشبغا في آخر المحرم وأرسل هو وبكلمش إلى الإسكندرية فسجنا وأمسك بعدهما شيخ الخاصكي وأرسل إلى القدس وكان من أخص الناس بالظاهر وبه يضرب المثل في حسن الصورة ثم تغير منه وأمسكه ومات بالقدس في هذه السنة واستقر نوروز الحافظي أمير آخور بدل تاني بك وبيبرس ابن أخت الظاهر دويدار عوضاً عن قلمطاي وتغري بردى نائب حلب بدل بكلمش وآفبغا الكبير أمير مجلس بدل بيبرس المذكور وعلي باي بدل نوروز رأس نوبة.
وفي هذه السنة انتهت المواذين بقصور سرياقوس، فكان آخر ما ركب إليها الظاهر في هذه السنة ولم يخرج إليها منهم بعده.
وفيها نازل تمرلنك الهند فغلب علي دلي كرسي المملكة وفتك على عادته وخرب وكان قد توجه إليها من طريق غزنة على البر ووصل رجيفة إلى اليمن، والسبب المحرك له على ذلك أن فيروز شاه ملك الهند مات فبلغه ذلك فسمت نفسه إلى الاستيلاء على أمواله فتوجه في عساكره، وكان فيروز شاه لما مات قام بالأمر بعده ملو الوزير ثم عصى عليه أخوه شارنك صاحب ملتان، ففي أثناء ذلك طرقتهم اللنكية فحاصروا ملتان فملكها اللنك وقصد ملو في دلي وكان ملو بلغه أمر أخيه فجد واجتهد وجمع العساكر فاستقبل اللنك بجد وصدر أمامهم الفيلة عليها المقاتلة، فلما استقبلتها الخيل نفرت منها فبادر اللنك وأمر باستعمال قطعات من الحديد على صفة الشوك وألقاها في المنزلة التي كان بها، فلما أصبحوا واصطفوا(2/9)
للقتال أمر عساكره يتقهقرون إلى خلف فظنوا أنهم انهزموا فتبعوهم، فاجتازت الفيلة على ذلك الشوك الكامن في الأرض فجفلت منه أعظم من جفل الخيل منها ورجعت القهقرى من ألم الحديد، فكانت أشد عليهم من عدوهم فإنها من حرارة الشوك ولت على أدبارها وهاجت حتى طحنت المقاتلة الرجالة والفرسان، فانهزموا بغير قتال؛ ثم توجه اللنكية بعد الهزيمة إلى حصار البلد.
وفي العشرين من ربيع الأول استقر جمال الدين يوسف بن موسى ابن محمد الملطي ثم الحلبي في قضاء الحنفية وكان المنصب نحو أربعة أشهر من حين مات شمس الدين الطرابلسي شاغراً، وكان قدومه في ثامن عشر ربيع الأول وخلع عليه في العشرين منه لكن كان السلطان أذن لنواب الطرابلسي أن يحكموا بعد مضي شهر من وفاته، وفي سابع عشر صفر الموافق لثالث عشر هاتور أمطرت السماء مطراً غزيراً توحلت منه الأرض ووكفت البيوت، وفي ثامن جمادى الأولى أمر علي باي تقدمة ألف وكذلك ببشبك الخازندار،(2/10)
وفي العشرين منه استقر صدر الدين احمد بن القاضي جمال الدين العجمي في توقيع الدست عوضاً عن ناصر الدين الفاقوسي لغضب كاتب السر عليه، وفي تاسع عشر استقر نوروز الحافظي أمير آخور وعلي باي رأس نوبة وفي جمادى الأولى صرف علاء الدين بن أبي البقاء عن قضاء الشافعية بدمشق واستقر شمس الدين الأخناي.
وفي جمادى الآخرة صرف تاج الدين بن الدماميني عن قضاء المالكية واستقر ابن الريغي وصرف القفصي عن قضاء حلب ونقل قضاء المالكية بدمشق عوضاً عن البرهان التادلي، وفي خامس عشر ربيع الآخر ادعى شخص على شهاب الدين العبادي في مجلس السلطان فحصلت منه إساءة في مجلسه، فأمر بضربه فشفع فيه فأمر بحبسه، فحبس في خزانة شمائل إلى ثاني يوم من رجب فأطلق.(2/11)
وفي ليلة الجمعة ثامن شعبان عزم سعد الدين ابن غراب على علاء الدين الطبلاوي لحضور ختم في منزله بسبب مولود ولد له، فحضر هو وابن عمه ناصر الدين وجماعة من العيان، فأرسل ابن غراب بهاء الدين نقيب الجيش فأمسك ناصر الدين الوالي وهو أخو علاء الدين وابن عمه الخطيب وقريبهم ابن قرلها وجماعة من حواشيهم فقبض على الجميع، وفي أثناء ذلك حضر يعقوب شاه الخازندار إلى بيت ابن غراب فوجدهم قد أكلوا السماط فقبض على علاء الدين وهرب علاء الدين الحجازي ثم قبض عليه أيضاً، فلما كان يوم السبت اجتمع جمع كثير من العوام فطلعوا بالختمات والصناجق وسالوا السلطان في إطلاق ابن الطبلاوي، فأمر السلطان الوجاقية فضربوهم فتفرقوا وسلم ابن الطبلاوي ليلبغا المجنون فاستخلص منه أموالاً جمة منها في يوم واحد مائة وخمسون ألف دينار وأخرجت ذخائره على النحو الذي كان هو يدبره في أمر محمود سواء وقرر على كل واحد من مال المصادرة ما يناسبه، ثم لما كان سادس عشر شعبان سأل الحضور بين يدي السلطان فأحضر، فسال ان يشافه السلطان بكلام سر فقربه منه، فسأل ان يكون الكلام في أذنه فتخيل منه وأمر بإخراجه فلما خرج ضرب نفسه بسكين معه ضربتين ليقتل نفسه فكانتا سالمتين، فأعلم السلطان بذلك فخشي أن يكون أراد أن يضربه بالسكين فغضب وأمر الأستادار أن يعاقبه، فعاقبه بعد أن حلفه أنه لم يبق عنده شيء من المال، فاعترف لما عصر بذخيرة عنده فأخذت، وعزل أخوه من الولاية واستقر بهاء الدين رسلان وصودر أخوه على مائتي ألف درهم وبقية الحواشي على ثلاثمائة ألف درهم.
وفي شعبان صرف ابن البخانسي من الحسبة وأعيد بهاء الدين ابن البرجي.(2/12)
وفيها خطب للسلطان الملك الظاهر بماردين وصل بذلك منكلي بغا الدوادار في أوائل السنة الآتية ومعه دراهم عليها أسم السلطان، وأوفى النيل عاشر مسرى.
وفيها حضر رسول الطاهر عيسى صاحب ماردين يعتذر عما جرى منه ويشكو من أسر تمرلنك له ويسأل ان يستمر على طاعته فأرسل له تقليداً وثلاثين ألف دينار هدية.
وفيها استولى المذكور على الموصل وسنجار.
وفيها في رمضان وصل قطلوبغا الخليلي من بلاد المغرب وصحبته الخيول التي كان توجه لمشتراها للسلطان وهي مائة وعشرون رأساً وحضر صحبته رسول صاحب فاس ورسول صاحب تلمسان ورسول صاحب تونس والأمير يوسف بن علي أمير عرب تلك البلاد وقدموا هداياهم فقبلت وخلع عليهم وتوجهوا إلى الحج، وفي رمضان طرق اللنك بغداد فحاصرها فلم ينالوا منها غرضاً فرجعوا عنها إلى همذان وفرحوا بذلك،(2/13)
وفي خامس عشر شوال طهر السلطان أولاده وهو فرج وعبد العزيز وجماعة من أولاد الأمراء وعمل لهم وليمة عظيمة، وفي ثامن عشرة نقل ابن الطبلاوي إلى خزانة شمائل بعد المعاقبة الشديدة.
وفيها استقر محي الدين بن نجم الدين بن الكشك في قضاء الحنفية عوضاً عن تقي الدين ابن الكفري.
وفي شوال كان الحريق بدمشق بالحريريين والقواسيين والسيوفيين والصراف وبعض النحاسين، ووصلت النار إلى حائط الجامع وإلى قرب النورية، واحترقت الجوزية وحمام نور الدين وزقاق العميان، واحترق بيت القاضي شمس الدين الأخناي، ووصل الحريق إلى نصف الخضراء، وأقام من يوم السبت العشرين من شوال إلى يوم الثلاثاء ثالث عشريه ولكن يعدم للناس إلا القليل.(2/14)
وفي أوائل ذي القعدة استقر ابن غراب في نظر الجيش مضافاً لنظر الخاص انتزعها من القاضي شرف الدين محمد بن محمد بن عبد الله ابن أبي بكر ابن الدماميني وكان باشرها بعد جمال الدين العجمي، ولما أخذت دواته والمزبر بلغ ذلك شعبان محتسب مصر فأظهر الشماتة ونادى في مصر بولاية ابن غراب وعزل ابن الدماميني وعمل في ذلك شعراً مدح به ابن غراب وهجا ابن الماميني وضج به ابن غراب، فاتفق أنه في ذلك اليوم استقر الشاذلي في الحسبة وصرف شعبان، وفي وسط هذا الشهر وقع الحريق بدار التفاح بالقاهرة فبادروا لإطفائه فلم يحصل منه من المفسدة ما حصل في المرة الأولى قديماً.
وفي ثاني عشر ذي القعدة كان المهم المشهور في اصطبل السلطان لأنه كان لعب بالأكرة مع الأمير الأتابك أيتمش فغلب أيتمش فأخرج مائتي ألف درهم ليعمل بها السماط وأنعم بها السلطان عليه وأمر الوزير ابن الطوخي والأستادار يلبغا بعمل المهم، فضربوا الخيم في الميدان وعملوا عشرين ألف رطل لحم ومائتي زوج إوز وألف طير دجاج وعشرين فرساً، وقيل بل كانت خمسين فرساً وثلاثين قنطاراً من السكر وستين إردباً من الدقيق عمل بها بوزة وعملت في الدنان، وقيل كان فيها مائة إردب وأضيف إليها عشرة قناطير حشيش فطحنت وخلطت بها وعمل من الزبيب ستون قنطاراً نبيذاً، ونزل السلطان فمد السماط، ونهب العوام ما عمل، وصاح فقير تحت القلعة بإنكار هذه الوليمة، فقبض عليه وضرب وجرس.
وفيها استقر الشريف شرف الدين علي بن قاضي العسكر في نقابة الأشراف عوضاً عن الشريف جمال الدين الطباطبي.(2/15)
وفي ذي القعدة كانت الفتنة من علي باي الخازندار فانكسر وقتل، وكان ابتداء ذلك أن المذكور كان من أحسن أبناء جنسه شكلاً وقامة فقدمه الملك الظاهر إلى أن جعله مقدم ألف وقدمه في أكثر الأمور على غيره، وكان لعلي باي مملوك من أحب الناس إليه فاتفق أن بعض الأمراء وهو آقباي وجده عند بعض حظاياه فقبض عليه وضربه ضرباً مبرحاً وأطلقه فشكاه لسيده فشكاه سيده إلى السلطان فاعتذر آقباي عما صدر منه لما لحقه من الغيرة فلم يؤاخذه السلطان فأضمرها علي باي في نفسه وعزم على إثارة الفتنة فتضاعف مدة، ثم اتفق مع جمع غير كثير على أن السلطان إذا عاده متك به، فلم يتفق أن السلطان يعوده حتى أوفي النيل فنزل للكسر على العادة وأشاع أنه إذا رجع عاده وكان ساكناً عند الكبش، فلما رجع السلطان بعد الكسر وكان ذلك في تاسع عشر ذي القعدة وركب تلقاه شخص من مماليك يلبغا يسمى سودون الأعور كان رفيقه في خدمة يلبغا فأطلعه على باطن علي باي، فأرسل السلطان في الحال أرسطاي ليتحقق الخبر، فساق إلى اصطبل علي باي فأعلمهم أن السلطان على عزم المجيء إليهم فاطمأنوا لذلك ومنع السلطان الشاويشية من النطق، فلما قرب من الكبش نادته امرأة من فوق أن لا تدخل فإنهم بلبوس الحرب، فجازهم السلطان إلى جهة القلعة، فلما تحققوا أنه توجه عنهم أعلموا كبيرهم علي باي، فتغيظعلى الذي أقامه في الباب لعدم إعلامه بمرور السلطان(2/16)
وضربه بطبر فقطع رأسه، وتتبع مماليك السلطان فقتل بيسق الخاصكي وكان يعرف بالمصارع، وساق آقباي غريمهم خلف السلطان فاجتمع عليه عدة من المماليك فقطعوه بالسيوف فركب علي باي وساق خلف السلطان، فأسرع السلطان ففاته ودخل من باب الاصطبل وطلع القلعة وألبس من معه آلة الحرب وأغلق باب الاصطبل، فوصل علي باي إلى الرميلة فتلقاه بعض حاشية السلطان فقاتلوه حتى انكسر، وبلغ من بمصر من الناس هذه الفتنة فوقع لهم خوف على أنفسهم فاستخفى أكثرهم وأغلقت الدكاكين وتفرق ذلك الشمل كله ومن جملة من كان في المركب يلبغا السالمي الأستادار والوزير فبادر يلبغا فلبس آلة الحرب وتوجه إلى القلعة، فلما رأوه المماليك لكموه وأرادوا ذبحه، فصاح وصرخ بأنه جاء نجدة للسلطان وانه في الطاعة، فصدهم السلطان عنه وأمرهم باعتقاله، ثم قبضوا على المملوك الذي كان رأس الفتنة فأمرهم السلطان بقتله، ولما عرب علي باي هدم العوام داره ونهبوا ما فيها حتى رخامها وأخشابها، ثم سمعوا باعتقال يلبغا الأستادار فصنعوا بها مثل ذلك، ثم أمر السلطان بالتفتيش على علي باي وهدد من وجده عنده، فأحضروه من مستوقد الحمام، فأحضره السلطان وسأله عمن كان معه على رأيه، فلم يقر على أحد، فسأله عن يلبغا الأستادار، فبرأه وحلف على ذلك فأمر بإطلاقه ثم خلع عليه، فاستمر في وظيفته ثم نزل إلى داره وهي عند جامع الإسماعيلي فوجدها خراباً ووجد فيها ناساً، فقتلهم وانتقل فسكن داخل القاهرة بجنب الكافوري،(2/17)
ثم قرر السلطان على علي باي بالضرب والتسعيط وعصره في رجليه إلى أن كسرهما، وضربه على ركبتيه إلى أن تفسختا، ثم ضربه بدبوس كان بيده في صدره فخسفه، ولم يقر مع ذلك على أحد، فأمر بإنزاله بعد المغرب إلى الاصطبل؛ ثم أمر أرسطاي بقتله؛ وأمر السلطان أن ينزع آلة الحرب واطمأن، ثم شكا يلبغا الأستادار إلى السلطان ما صنع العوام بمنزله، فشاع بينهم أن السلطان أمره بالركوب عليهم، فخافوا وأصبحوا في رابع عشري ذي القعدة وقد أغلقوا الدكاكين، فبلغ ذلك السلطان فأمر بالنداء لهم بالأمان والطمأنينة فسكنوا، فلما كان في الحادي والعشرين من ذي القعدة حضر السلطان، الموكب ودخل بع الخدمة إلى الحريم فهجم عليه بعض المماليك ودخلوا من باب السر بخيولهم وكسروه حتى وصلوا إليه فاستغاثوا به، فحصلت له رجفة وشاع ذلك في الناس فانزعجوا، فخرج السلطان لابساً السلاح ودخل القصر وكشف عن سبب ذلك وأرسل إلى قبة النصر فلم يجد أحداً فصرف الناس، وباتوا وأكثر الناس في وجل وجاءت الأمراء وغيرهم ملبسين آلة الحرب، فلما كان في يوم الخميس رابع عشر ذي القعدة أنفق على المماليك لكل واحد ستمائة فسخطوها؛ فحضر إليهم بنفسه وترضاهم وبكى فأبكاهم فرضوا وقبضوا النفقة وسكنت الفتنة، ويقال إن يلبغا المجنون تولى إنفاق ذلك من حاصله وأحضر للسلطان بعد ذلك مائة ألف وثمانين ألف دينار وقال: هذا آخر ما
كان عندي، وذكر أن بيته لما نهب رمى خازنداره الذهب المذكور في الخلاء فسلم. كان عندي، وذكر أن بيته لما نهب رمى خازنداره الذهب المذكور في الخلاء فسلم.
وفيها رجع العسكر الشامي من سيواس وكانوا جردوا في العام الماضي لما بلغهم أن ابن اللنك قصد البلاد فلما تحققوا رجوعه أمر برجوعهم.(2/18)
وفيها استقر أرسطاي في تقدمة علي باي وفي وظيفته وهي رأس نوبة الكبير، وفي سادس عشرين ذي القعدة قبض على يلبغا الاستادار ونفي إلى دمياط بطالاً واستقر ناصر الدين بن سنقر في وظيفة الاستادارية الكبرى.
وفي رابع ذي الحجة سمر من أتباع علي باي أربعة أنفس وطيف بهم.
وفيها قتل سولي بن دلغادر التركماني وهو سكران وبرهان الدين أحمد القاضي صاحب سيواس في المعركة.
وفيها قبض على شيخ الصفوي واعتقل بقلعة المرقب بسبب أنه كان بطالاً بالقدس فكان يتعرض لحريم الناس وأولادهم بالإكراه، فشكوا منه فأمر بنفيه واعتقاله، وكان شيخ هذا من أجمل أهل عصره وأقربهم من السلطان منزلة ثم تغير عليه فنفاه.
وفيها نقل بكلمش من حبس الإسكندرية إلى القدس بطالاً.
وفيها استولى قرايوسف على الموصل لما رجع من الشام بعد رحيل عسكر تمرلنك عن سنجار وأقام ولد تمر بتبريز ثم طلب بغداد فبلغ ذلك احمد بن أويس فجمع العساكر، فلما قرب منه ميران شاه أظهر الهزيمة وأكمن عسكره ففطن بهم ميران شاه فتواجهوا، ثم رأى الجقطاي الغلبة فأوقدوا النيران ليلاً وانهزموا فهلك أكثرهم عطشاً وجوعاً، فأدركهم أحمد وعسكره وهم بآخر رمق فوضعوا فيهم السيف فنجا ميران شاه ومن معه نحو من ثلاثمائة نفس خاصة ناجياً بنفسه إلى تبريز ورجع أحمد منصوراً، ودخل ميران شاه إلى تبريز ففتك في أهلها وقتل أكابرها حتى القضاة وقتل من جملتهم الدوستكي صاحب بدليس.(2/19)
وفيها مات أبو عامر عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المريني صاحب فاس وبلاد المغرب في جمادى الآخرة، وملك بعده أخوه أبو سعيد عثمان، ودبر أمره الشيخ أحمد بن علي الفياضي كما كان يدبر أمر أخيه من قبله.
وفي أواخر ذي الحجة ضعف السلطان ضعفاً شديداً حتى إنه صلى العيد بالجامع واستمر به الإسهال إلى ثالث عشرين ذي الحجة وكثر الإرجاف بموته مراراً فأكثر من التصدق عنه وأكثر من ذلك جداً حتى قيل إن جملة ما تصدق به مائتا ألف وخمسون ألف مثقال من الذهب ومن الفضة والفلوس والغلال والقماش نحو ذلك: وفي سابع عشرين ذي الحجة عوفي قليلاً فنودي بالزينة وحضر ذلك اليوم المبشر من الحجاز بأخبار الحجاج، وفي السابع والعشرين من ذي الحجة كانت العرب أفسدت بالشرقية فقبض الكاشف على جماعة منهم فأمر السلطان بتوسيطهم، ففعل بهم ذلك وزفوا من القاهرة إلى بلبيس وكانوا أكثر من مائتي نفس، وفي الثامن من ذي الحجة أمر السلطان بعرض مماليك على باي وكانوا سبعين فأطلق بعضهم، ورد بعضهم على تجارهم الذي اشتراهم منهم على باي، وأمر بضرب الخواص منهم بالعصي تقريراً ليخبروه بجلية الأمر، وسمر منهم أربعة ووسطوا، وفرق الكتابية الصغار على الأمراء،(2/20)
وفي أول يوم من ذي الحجة قرر الاستادار كاشفاً على الوجه البحري فجاء إلى الدويدار الكبير ليقبل يده على العادة فأنكر ذلك وأمر بنزع خلعته وضربه، وبلغ ذلك الاستادار فشكا للسلطان فغضب السلطان وأمر بإحضار دويدار الدويدار وهو أزدمر فضرب بحضرته وأمره بلزوم بيته، فلما كان الثامن من ذي الحجة العصر خلع عليه وأعيد.
وفي يوم الخميس أول يوم من شهر ربيع الأول عمل المولد السلطاني وحضر المشايخ والقضاة على العادة، وجلس شيخنا البلقيني رأس الميمنة وإلى جانبه الشيخ برهان الدين بن زقاعة وإلى جنبه القاضي جلال الدين ابن شيخنا، وجلس رأس الميسرة أبو عبد الله الكركي ودونه القاضي الشافعي وبقية القضاة، وفي جمادى الأولى انتزع السلطان الإسكندرية من ابن الطبلاوي وأعيدت لناظر الخاص واستقر أخوه فخر الدين ماجد بن غراب في نظر الإسكندرية مع مشاورة يشبك الخازندار بسؤال ناظر الخاص في ذلك، وأرسل أمير فرج إلى الثغر بالكشف على ابن الطبلاوي وبالكشف على تاج الدين قاضي الإسكندرية ثم رسم بإحضاره، فلما قدم بين يدي السلطان وقف الشكاة فيه وبالغوا فيه فأمر بضربه، فضرب يوم الجمعة سادس عشر رجب بالعصى بعد العصر ورسم عليه، وفي ربيع الأول وقع الفناء بالباردة والحمى بالشرقية والغربية حتى كانوا لا يلحقون دفن الموتى فيجعل كل عشرين في حفرة، ومنهم من يحمل الموتى إلى البحر فيلقيهم فيه، ودام ذلك ثلاثة أشهر، ثم هبت ريح شديدة بالقاهرة حتى اتفق الشيوخ العتق أنهم(2/21)
لم يسمعوا بمثلها وقالوا: إنها ريح برقة لأنها ألقت تراباً أصفر أشبه بتراب برقة وفيها وقع بين نعي أمير العرب من آل فضل وبين ابن عمه سليمان بن عنقا بن مهنا بقرب الرحبة، فكانت أولاً على نعير ثم انقلبت على ابن عمه فقتل من أتباعه من لا يحصى ونهب كل شيء وجد لهم.
ذكر من مات
في سنة ثمانمائة من الأعيان
إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الصالحي حضر في الرابعة على الحجار وسمع من ابن الرضي وغيره وأجاز له جماعة من المصريين كالواني والختني وأجاز لي غير مرة.
إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المؤمن بن سعيد بن علوان بن كامل التنوخي البعلي الأصل ثم الشامي نزيل القاهرة شيخ الإقراء ومسند القاهرة، ولد سنة تسع أو عشر وسبعمائة وأجاز له إسماعيل بن مكتوم وأبو بكر بن أحمد بن عبد الدائم وعيسى بن عبد الرحمن بن المطعم وأبو نصر بن الشيرازي والقاسم بن عساكر ومحمد بن مشرف وست الفقهاء بنت الواسطي وزينب بنت شكر وجمع كثير يزيدون على الثلاثمائة، ثم طلب الحديث بنفسه فسمع الكثير من أبي العباس الحجار وعبد الله بن الحسين بن أبي التائب والحافظين البرزالي والمزي والبندنيجي وخلق كثير يزيدون على المأتين وعني بالقراآت فأخذ عن البرهان الجعبري وابن نصحان والرقي، ثم رحل فأخذ من أبي حيان وابن السراج وأبي العباس المرادي، ومهر في القراآت وكتب هؤلاء له خطوطهم بها، وتفقه على البارزي بحماة وابن النقيب بدمشق وابن القماح بالقاهرة وغيرهم وأذنوا له وأفاد وحدث قديماً(2/22)
وسمع منه شيخه الحافظ الذهبي بعد الأربعين، رأيت ذلك بخط القاضي برهان الدين ابن جماعة، وكان شيخنا أخبرني بذلك فكنت أتعجب منه حتى رأيت الطبقة ثم وجدته حدث عنه في ترجمة أبي العباس المرادي من سير النبلاء فقال: أخبرني إبراهيم بن علوان، فنسبه إلى جده الأعلى فذكر عنه قصة، وذكر لي شيخنا قصة الذهبي مع ابن نصحان وأنه كان بينهما في ذلك، ثم رأيت الجزري نقلها في معجمه عن شيخنا وتفرد بكثير من مسموعاته قرأت عليه الكثير ولازمته طويلاً وصار سهل النقياد للسماع بملازمتي له بعد أن كان عسراً جداً فإنني خرجت له عشاريات مائة ثم خرجت له المعجم الكبير في أربعة وعشرين جزءاً فصار يتذكر به مشايخه وعهده القديم فانبسط للسماع وحبب إليه، فأخذ عنه أهل البلد والرحالة فأكثروا عنه، وكان قد أضر بأخرة وحصل له خلط ثقل منه لسانه فصار كلامه قد يخفى بعضه بعد أن كان لسانه كما يقال كالمبرد ومات فجأة من غير علة في جمادى الأولى.
إبراهيم بن محمد بن محمد بن محمد بن علي بن همام محب الدين بن تقي الدين المعروف بابن الإمام، سمع على أبيه وكان يتعانى التجارة ويكثر الحج وكان إمام الجامع الصالح، مات في صفر وقد بلغ السبعين.
أحمد بن عبد الله الحرضي الفقيه كان بواسط اليمن بين المهجم وأبيات حسين وله كرامات وأتباع، مات في ذي الحجة.
أحمد بن عبد الوهاب بن عبد الرحيم شهاب الدين بن الخباز، ولد في رجب(2/23)
سنة سبع وثلاثين وسبعمائة وتفقه قليلاً وتصدى للتدريس وكان يحج ويغزو ولأهل صيداء فيه اعتقاد كبير وكان قد صحب التاج السببكي فنوه به وصحب القونوي فكان يرسله في المعضلات والشفاعات وكان فيه إحسان وفروسية ومروءة وقد حج كثيراً وصار ينهى عن المنكر في الطريق ويعلم الناس أمور حجهم ودينهم ومات في رابع ذي القعدة وهو متوجه إلى الحج.
أحمد بن قايماز المصري شهاب الدين الأستادار، مات في ربيع الأول.
أحمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد الدمشقي تاج الدين ابن القاضي فتح الدين بن أبي بكر بن أبي الكرم محمد ابن الشهيد تفقه على مذهب الشافعي وشارك في الفنون وفي النظم والنثر وولي نظر الأسوار وغير ذلك وباشر قضاء العسكر ودرس في أماكن وكان محبوباً إلى الناس، ومات في ذي القعدة.
أحمد بن محمد بن عثمان صفي الدين الدميري موقع الحكم وباشر شهادة ديوان بكلمش وكانت له وجاهة، تقدم ذكر قتله في آخر السنة.
أحمد بن محمد بن موسى الدمشقي شهاب الدين الشويكي نزيل مكة كان عارفاً بالفقه والعربية مع الدين والورع وأتقن القراآت وجاور بمكة نحو عشر سنين فقرأوا عليه، ومات بها في ربيع الأول وهو في عشر الشتين وكانت جنازته حافلة جداً.(2/24)
أحمد بن محمد البكتمري الميقاتي رئيس المؤذنين، مات في جمادى الأولى.
تاني بك اليحياوي الظاهري تقدم عند الملك الظاهر إلى أن أستقر أمير آخور وكان توجه هو وقلمطاي الدويدار إلى الصيد فرجعا ضعيفين فمات هذا في ربيع الأول ومشى السلطان في جنازته من الأصطبل إلى المصلى وركب إلى أن حضر دفنه وبكى عليه حتى قيل إنه ما بكى على أحد مثل ذلك.
الحسن بن علي بن مسرور بن سليمان بدر الدين الرمثاوي ابن خطيب الحديثة، عني بالعلم مع الفهم الجيد مات في رمضان عن أربع وستين سنة، قال ابن حجي: اشتغل وحصل وذكر في النبهاء من بعد الخمسين وقرر في عدة وظائف ثم تركها وأقبل على العبادة والمواظبة على الأوراد الشاقة ولم يغير زي الفقهاء وكان شكلاً حسناً نير الوجه منبسطاً ولا يكون في الخلوة إلا مصلياً أو تالياً أو ذاكراً أو مطالعاً في كتاب وكان يبدئ مسائل ومشكلات ويحسن الجواب، قال ابن حجي: لم يكن في عصره من الفقهاء أعبد منه وكان أخوه القاضي شرف الدين قد كفاه هم الدنيا، مات في سلخ رمضان.
زينب بنت عثمان بن محمد بن لؤلؤ الدمشقية، سمعت من الحجار، ولي منها إجازة.
عبد بن أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المريني، صاحب فاس وبلاد المغرب، ويكنى أبا عامر، وتقدم ذكره في الحوادث، مات في جمادى الآخرة واستقر بعده أخوه أبو سعيد عثمان ودبر أمر المملكة أحمد بن علي القبائلي على عادته في أيام أخيه.(2/25)
عبد الله بن خليل المصري جمال الدين العباسي شيخ زاوية أبي العباس بباب الخرق، وكان صالحاً لطيف الذات، سمعت من لفظه شعراً لغيره، مات في جمادى الأخرة.
عبد الله بن عبد الكافي بن علي بن عبد الله بن عبد الكافي بن قريش ابن عبد الله بن عباد بن طاهر بن موسى بن محمد بن علي بن قاسم ابن موسى الجليس بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسين بن الحسن بن علي الشريف الحسني الطباطبي جمال الدين نقيب الأشراف، وليها غير مرة، منها في ذي القعدة سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة، ومات في ذي القعدة، وكان حسن الطريقة، أقام بالمدينة زماناً وكان عفيفاً نزهاً.
عبد الله بن علي بن عمر السنجاري قاضي صور، تقدم في السنة التي قبلها.
عبد الرحمن بن أحمد بن المقداد بن أبي القاسم بن هبة الله بن المقداد القيسي الصقلي الأصل الدمشقي، سمع من الحجار وحفيد العماد والمزي وهلال بن أحمد البصراوي وأيوب بن نعمة الكحال وغيرهم وحدث وكان مقيماً بقرية بلقاتا وهو رجل جيد، أجاز لي غير مرة وكان قد انفرد بسماع مسند الحميدي، مات في سنة ثمانمائة.
عبد الرحمن بن مكي الأقفهسي مجد الدين المالكي، تفقه وناب في الحكم، ومات في جمادى الأولى.(2/26)
عبد اللطيف بن محمد بن علي بن سالم المكي الأصل ثم الزبيدي مستبد زبيد، وليها عشرين سنة ونمى الأموال وكان شديد الوطأة، مات في ذي القعدة وله سبعون سنة وكان مع ذلك عالي الهمة قوي الحرمة.
علي بن صلاح الدين محمد بن زين الدين محمد بن المنجا بن محمد ابن عثمان الحنبلي التنوخي علاء الدين قاضي الشام، تقدم في العلم إلى أن صار أمثل فقهاء الحنابلة في عصره، ونشأ في صيانة وديانة، وناب عن ابن قاضي الجبل، واستقل بالقضاء سنة ثمان وثمانين بعد موت ابن التقي ثم صرف مراراً وأعيد إلى أن مات معزولاً في رجب بالطاعون، ولم يكن للحنابلة في عصره أنبل منه رياسة ونبلاً وفضلاً.
علي بن محمد بن محمد بن أبي المجد بن علي الدمشقي سبط القاضي نجم الدين الدمشقي ويعرف بابن الصائغ وبابن خطيب عين ترما، وكان أبوه إمام مسجد الجوزة بدمشق فيقال له الجوزي لذلك، ولد في ربيع الأول سنة سبع وسبعمائة وسمع ابت تيمية والقاسم بن عساكر وإسحاق الآمدي وعلي بن المظفر الوداعي ووزيره والحجار ومحمد بن مشرف في آخرين تفرد بالسماع منهم، وخرجت له عنهم مشيخة، وأجاز له في سنة ثلاث عشرة التقي سليمان والمطعم والدمشقي وابن سعد وابن الشيرازي، وظهر سماعه للصحيح من ست الوزراء بأخرة، فقرأوا عليه بدمشق ثم قدم القاهرة فحدث به مراراً، قرأت وسمعت عليه سنن ابن ماجة ومسند الشافعي وتاريخ أصبهان وغير ذلك من الكتب الكبار والأجزاء الصغار فأكثرت عنه،(2/27)
وكان صبوراًعلى التسميع ثابت الذهن ذاكراً ينسخ بخطه وقد جاوز التسعين، صحيح السمع والبصر، ورجع إلى بلده فأقام بمنزله إلى أن مات في شهر ربيع الأول، وقد قرأت عليه أكثر مسموعاته وسمعت عليه الصحيح ووصلت عليه بالإجازة شيئاً كثيراً.
عمر بن سالم بن سليمان البصروي مات في ذي القعدة عن ثمانين سنة.
عيسى بن عبد الله الفرنوي أحد الصالحين.
قلماي بن عبد الله العثماني الدويدار كان شجاعاً بطلاً، توجه للصيد فرجع ضعيفاً فمات في جمادى الأولى، فنزل السلطان فصلى عليه وحضر دفنه بالقرب من صهريج منجك؛ وكان مشكور السيرة قليل الشر، وكان استقر في شعبان سنة خمس وتسعين، وكان طويلاً جميلاً بلغ الثلاثين أو جاوزها بقليل.
قجماس بن عبد الله القشيري الصيري كان من نقباء الدسوقية، ويقال إنه كان داعياً إلى مقالة ابن العربي ويباحث معه.
طوغان الذي كان نقيب الأحمدية وقد تقدم ذكره، ويقال أنه كان شديد البطش بحيث كان يلطم الثور فيصرعه قراكسك الخاصكي.
كمشبغا الكبير، مات فيسجن الإسكندرية، تقدم ذكره في الحوادث، قال العينتابي في تاريخه: كان سبب غضب الظاهر عليه أنه أصابه رمد فحضر عنده كحال(2/28)
أرسله السلطان فواظبه فلم ينجع، فقال له: ما بعثك السلطان إلا حتى تعميني، فبلغه ذلك فتغيظ منه، وكان بلغه ما صنعه بكلمش مع موقعه حين ضربه، فصار يتشفع عنده بالله ورسوله فيقول: ها أنا أضربك حتى يجيئ الليث يخلصك من الذئب، فاستمر إلى أن مات، وكان كتب للسلطان قصة في بكلمش يقول فيها: أتأكلني الذئاب وأنت ليث! فبلغه ذلك أيضاً فتغيظ وأمسكها بعد الخدمة في القلعة.
محمد بن أحمد بن حازم النقيب.....
محمد بن أبي بكر بن عيسى الهرستاني الصحراوي شمس الدين، سمع من أبي الفتح الميدومي وغيره وحدث، سمعت منه، مات في المحرم.
محمد بن بشير البعلبكي شمس الدين المعروف بابن الأقرع الحنبلي الأعجوبة، اشتغل كثيراً وتمهر وكان جيد الذهن قوي الحفظ يعمل المواعيد عن ظهر قلب، وله عند العامة بدمشق قبول زائد، وكان طلق اللسان حلو الأيراد، مات في شهر رمضان مطعوناً.
محمد بن حجي الحباني الشافعي بهاء الدين أبو البقاء أخو قاضي الشام الآن نجم الدين عمر والشيخ شهاب الدين، عني بالعلم مات شاباً، فإن مولده كان في سنة ثلاث وستين، وكان حسن الصوت بالقرآن جداً، وكان قد شارك في عدة فنون، مات في شوال.
محمد بن سلامة التوروزي المغربي أبو عبد الله الكركي نزيل القاهرة كان فاضلاً مستحضراً لكثير من الأصول والفقه، صحب السلطان في الكرك فارتبط عليه واعتقده، ثم قدم عليه فعظمه جداً، وكان يسكن في مخزن في الاصطبل التابع للأمير قلماي الدويدار، وإذا ركب إلى القلعة ركب على فرس بسرج ذهب وكنبوش ذهب من مراكيب السلطان،(2/29)
وكان داعية إلى مقالة ابن العربي الصوفي يناضل عنها ويناظر عليها، ووقع له مع شيخنا البلقيني الشيخ سراج الدين مقامات، مات في الخامس والعشرين من شهر ربيع الأول، اجتمعت به وسمعت كلامه وكنت أبغضه في الله تعالى، وكان قد حج في السنة الماضية ووقع بينه وبين ابن النقاش وغيره ممن حج من أهل الدين وقائع وكتبوا عليه محضراً بأمور صدرت منه منها ما يقتضي الكفر، ولم يتمكنوا من القيام عليه لميل السلطان إليه، ولما مات أمر السلطان ليلبغا السالمي بمائتي دينار ليجهزه بها فتولى غسله وتجهيزه وأقام على قبره خمسة أيام بالمقرئين على العادة.
محمد بن عبد اللطيف بن محمد بن يوسف الزرندي كمال الدين المدني، عني بالفقه والحديث وبرع في مذهب الحنفية، مات بين مكة والمدينة.
محمد بن علي بن عبد الله الطيبرسي، ولد سنة أربع وعشرين وسبعمائة، وأم بالجامع الطيبرسي وفتن بصناعة الكيمياء فأفنى عمره وزمانه فيها ولم يحصل على طائل، مات في أول السنة.
محمد بن علي الطبنذا نجم الدين ابن أخت ابن عرب المحتسب، ناب في الحكم وولي الحسبة مرات ووكالة بيت المال، مات في ربيع أول.(2/30)
محمد بن محمد بن احمد بن مسعود السراج ناصر الدين القونوي، ولد سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، وحفظ مجمع البحرين وتفقه، وناب عن أبيه وولي قضاء العسكر ودرس بالخاتونية وغيرها، وكان كثير المروءة، مات في ذي القعدة.
محمد بن محمد بن علي الأنصاري الدمشقي أمين الدين الحمصي الحنفي تقدم في الأدب، واخذ الفقه عن رمضان الحنفي والعربية عن تقي الدين ابن الحمصية، وولي كتابة السر بحمص ثم بدمشق، وقدم القاهرة مع نائبها تنم فاجتمعت به وسمعت عليه قطعة من نظمه وأجاز لي، وكان شكلاً حسناً مع التواضع والأدب، وكان له في النظم والنثر اليد البيضاء، طارح فتح الدين ابن الشهيد وعلاء الدين البيري وفخر الدين ابن مكانس وغيرهم، قال البيري: كتب إلى أن مات في ربيع الأول ولم يكمل الخمسين، أثنى عليه طاهر بن حبيب وقال: كان له مشاركة جيدة في الفنون وكتابة فائقة وعبارة رائقة، ومن نظمه ولم أسمعه منه قال في الغزل:
كلما قلت قد نصرت عليه ... لاح من عسكر اللحاظ كمينا
خنت فيه مع التشوق صبري ... ليت شعري فكيف أدعى أمينا
محمد بن محمد بن يحيى السنديسي تاج الدين الشافعي، عني بالعلم والعربية.(2/31)
محمد بن محمد محب الدين إمام جامع الصالح وابن إمامه، مات فيها.
محمد بن المبارك بن عثمان السعاني شمس الدين الحلبي الرومي الأصل، أصله من قرية يقال لها فنري قرأ ببلاده الهداية على التاج ابن البرهان، ثم قدم حلب فأخذ عن الشيخ شمس الدين بن الأقرب وقطنها، وكان صالحاً خيراً متعبداً وهو آخر فقهاء حلب المتعبدين العاملين كثير التلاوة والخير والعبادة والإيثار، وقدم القاهرة فأخذ عن شيخنا العراقي وعن ابن الملقن والجلال التباني، وحج وجاور، وكان مشاركاً في النحو والأصول، مات في ثامن عشر شهر رمضان.
محمد بن يوسف بن أحمد بن الرضي عبد الرحمن الحنفي بدر الدين اشتغل وبرع وسمع من ابن الخباز وسمع من ابن عبد الكريم، وكان أعرف من بقي من الحنفية بنقل الفقه مع جودة النباهة، وقد درس بأماكن وأفتى وناب في الحكم وكان هو المعتمد عليه في المكاتيب بدمشق، مات في ذي الحجة.
محمد بن يوسف بن أبي المجد شمس الدين الحكار، سمع من الميدومي وابن الهادي وغيرهما وأجاز له جماعة من المصريين والشاميين وحدث، سمعت منه، مات في شهر رجب.(2/32)
محمد بن البعلبكي المعروف بابن الأقرع، هو محمد بن بشير تقدم ذكره.
محمد بن..... الزرزاري المالكي، كان ينوب في الحكم ثم ترك ذلك ونزل عن وظائفه حتى عن بيته الذي بالصالحية وتحول إلى التربة فأقام بها وتزوج فمات بعد قليل في شعبان.
محمود بن أحمد بن يوسف العينتابي كان يقال له أخي محمود، قال العينتابي: كان صالحاً جواداً وله زاوية يضيف فيها من يرد عليه ويأكل من طعامه كل يوم فوق المائتي نفس وينفق من كد يمينه وكانت زاويته من إنشائه، وقف عليها أوقافاً كثيرة، وكان يعمل سماعاً في كل ليلة جمعة، وإذا مد السماط وأكل الناس يأخذ بيده اللحم ويدور على الأعيان فيطعمهم بعد فراغهم ويقول: هذه لقمة تبيح أواربه، وكان حسن المخاطبة طيب المحاضرة، لا تمل مجالسته؛ ولما مات خلفه في زاويته على طريقته ولده أحمد وطالت مدته بعده نحو أربعين سنة.
أسماء بنت الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن الصائغ الحنفي أبوها؛ ولدت في رجب سنة سبع وأربعين وزوجت برجل يقال له الرملي، ثم تزوجها علاء الدين المقريزي سنة خمس وستين، وكانت عاقلة فاضلة دينة، عمل لها ولدها الشيخ تقي الدين ترجمة جيدة وحدث عنها وعن أبيها بشيء من شعره؛ ماتت في ثاني عشر شهر ربيع الأول.
ذكر من مات
في سنة ثمانمائة من الأجناد
ملكستر الطشتمري، كان دويداراً عند قلماي الدويدار الكبير وكان قبل ذلك دويدار طشتمر ولم تطل مدته بعده؛ مات في ثالث عشر ربيع الأول يوم مات تاني بك المذكور.(2/33)
جاني بك، كان من خواص الملك الظاهر فغرق في رجب من هذه السنة في بحر النيل، قال العينتابي في تاريخه: مر بي وأنا عند مدرسة ام السلطان فدخل اصطبله عند جامع المارداني وتوجه إلى جزيرة مبارك وكان إقطاعه فيها فضيفه الفلاح ثم هم بأن يغتسل في البحر فحذره صاحب له من البحر وقال: احترز أن تغرق، فقال: أنا صغير، ودخل الماء فغطس فلم يطلع، فغطسوا عليه فلم يوجد إلا بعد أيام بشطنوف وقد انتفخ، فنقل ودفن، ووجد له من الذهب والفضة نحو عشرة آلاف دينار ومائة ألف درهم.
يلبغا السودوني، كان أمير طبلخاناه أو بلاط، كان أمير عشرة.
عمر بن أخت قرط الكاشف، قتل هو وابن سعيد الدولة ناظر منفلوط بيد العرب العصاة.
سولي بن قراجا بن دلغادر التركماني، قتله رجل يقال له علي خان بسكين في خاصرته وهو نائم قرب مرعش وهرب، وكان الملك الظاهر دسه عليه، وكان على هذا في خدمة صدقة بن سولي فكان سولي يثق إليه، وكان لسولي صيت عظيم حتى كان يسمى هيكل التركمان، وكان يتحرى العدل في أحكامه وبيده من البلاد مرعش وأبلستي(2/34)
ن وغير ذلك وهو الذي اعتمد عليه منطاش أيام فراره من الملك الظاهر، وهو الذي طرق عينتاب فنهب أموال أهلها وجرى من التركمان الذين معه من الفسق والفجور وقتل الأنفس ما لم يسمع به قبل ذلك، قال العينتابي في تاريخه: اجتمعت به ووعظته فكان يظهر القبول ويضمر خلافه وكان يدمن على شرب الخمر واللواط، ولم قتل حضر ولده بهدية إلى الملك الظاهر فقرره في إمرة أبيه، وكان ناصر الدين محمد بن خليل بن دلغادر قد استقر عوض عنه قبل أن يقتل، فوقع بين ناصر الدين وبين ابن عمه مقتلة عظيمة قتل فيها خلق كثير من تركمان الطائفتين.
طوعان احد الأمراء، وكان يصحب الفقراء الأحمدية(2/35)
//الجزء الرابع
أول القرن التاسع من الهجرة
سنة إحدى وثمانمائة
وسلطان مصر والشام والحجاز الملك الظاهر أبو سعيد برقوق، وسلطان الروم أبو يزيد بن عثمان، وسلطان اليمن من نواحي تهامة الملك الأشرف إسماعيل بن الأفضل بن المجاهد، وسلطان اليمن من نواحي الجبال الإمام الزيدي الحسني علي بن صلاح، وسلطان المغرب الأدنى أبو فارس عبد العزيز بن.... الحفصي، وسلطان المغرب الأوسط المريني، وسلطان المغرب الأقصى.......بن الأحمر، وصاحب البلاد الشرقية تيمور كوركان المعروف باللنك، وصاحب بغداد أحمد بن أويس، وصاحب تبريز.......، وأمير مكة حسن بن عجلان ابن رميثة الحسني، وأمير المدينة ثابت بن نعير، والخليفة العباسي أبو عبد الله محمد المتوكل على الله ابن المعتضد بالله أبي بكر ويدعى أمير المؤمنين ونازعه في هذا الأسم الإمام الزيدي وبعض ملوك المغرب وصاحب اليمن ولكن خطيبها يدعو في خطبته للمستعصم العباسي أحد الخلفاء ببغداد(2/36)
وكان نائب دمشق يومئذ تنم الحسني، وبحلب أرغون شاه، وبطرابلس آقبغا الجمالي وبحماة يونس القلمطاي، وبصفد شهاب الدين ابن الشيخ علي وبغزة طيفور.
ذكر الحوادث
فيها كان أولها يوم الجمعة وكان أهل الهيئة ذكروا أنه يقع في أول منها زلزلة وشاع ذلك في الناس فلم يقع شيء من ذلك وأكذبهم الله سبحانه وتعالى وكانت البلد مزينة لعافية السلطان لأنه كان حضر المركب في يوم الاثنين الماضي فحلفوا الأمراء والمماليك وغيرهم على العادة ونودي بالزينة فزينت البلد عشرة أيام. وفي سابع عشر المحرم قبض على آقبغا الفيل وكان من أتباع علي باي فأمر بتسميره فسمر هو وخمسة معه ممن كان على رأيه وجماعة من العرب المفسدين وقبض على ثلاثة من الجند ومعهم جماعة نسوة ينحن عليهم، فأنزلوا في مركب ليغرقوا، وفي الرابع والعشرين من المحرم دخل المحمل السلطاني فتأخر عن العادة يومين. وفي هذه السنة ارتفع سعر الذهب بالإسكندرية إلى أن صار باثنين وثلاثين ونش، وأما بالقاهرة فكان من ثلاث إلى أحد وثلاثين. وفي هذه السنة غزا اللنك بلاد الهند واستولى على دلي وسبى منها خلقاً كثيراً، ولما رجع إلى سمرقتد بيع السبي الهندي برخص عظيم لكثرته.
وفيها ارتد إبراهيم بن برينية وكان نصرانياً ثم أسلم فقبض عليه وعرض عليه الإسلام فأصر فضربت عنقه بباب القلعة.(2/37)
وفي أوائل صفر وعك السلطان الملك الظاهر فأفرط عليه الإسهال والقيء من ليلة الثالث من صفر إلى العاشر منه فقوي الإرجاف بموته فتجلد ولازم القصر إلى أن توجه للعافية بعد أن كان غضب على جمال الدين بن صغير وأمر بحبسه فأمر أن يتصدق بمال، فجمع الفقراء بالاصطبل فمات منهم في الزحمة نحو الخمسين نفساً وقيل أكثر من ذلك من الرجال والنساء، وفيه: وقيل في الثامن عشر من صفر مات بكلمش بالقدس بطالاً.
وفيها أعيد شمس الدين البجاسي إلى الحسبة بالقاهرة وصرف بهاء الدين ابن البرجي في التاسع من المحرم.
وفي التاسع من المحرم استقر ناصر الدين بن أبي الطيب في كتابة السر بدمشق وباشرها قبل وصول التوقيع له وذلك بعد موت أمين الدين الحمصي وكان بيد أمين الدين نظر النورية ببعلبك فأخذها بدر الدين الكلستاني كاتب السر لنفسه.
وفي صفر وقع بظاهر المدرسة الصلاحية حريق عظيم، فبادر الأمراء إلى طفيه بعد أن احترق أماكن كثيرة. وفيه كائنة نوروز الحافظي وكان السلطان أمره وكبره وجعله أمير آخور فأراد الوثوب على السلطان فاتفق مع جماعة فنم عليهم قانباي الجمدار لأنه كان مؤاخياً للجمدار الذي كان من مماليك تاني بك أمير آخور وكان السلطان قد اتخذه جمداراً بعد القبض على تاني بك فكانت له نوبة يبيت فيها عند السلطان فوافقه نوروز على أنه يفتك بالسلطان وأنه إذا تمكن من ذلك أطفأ الثريا التي بالمقعد وتلك علامة بينهما لركوب نوروز ومن وافقه،(2/38)
فذكر هذا المملوك لقانباي، فذكره قانباي للسلطان، فبادر السلطان وأرسل إلى نوروز بعد العصر فقبض عليه، وذلك في يوم الجمعة ثالث عشر صفر بعد أن فرغ من الحكم وقام من المقعد يمشي في الاصطبل وبين يديه الأمراء، فأمر بالقبض على نوروز، فأخذ سيفه فهربت مماليكه إلى الرميلة، فنفر الغلمان من خيل الأمراء، فثارت هجة بالقاهرة وأرسل نوروز إلى الإسكندرية فسجن بها في الحال، وكان شاع في البلد أن الترك ركبوا على السلطان فنهبت المأكولات من الحوانيت، وفتحت أبواب البلد بعد أن أغلقت، واستقر تمراز الناصري على أقطاع نوروز وسودون قريب السلطان في وظيفته أمير آخور.
وفيها استقر آقبغا الكاش في نيابة الكرك ثم صرف عنها لما وصل إلى غزة وسجن بالصبيبة وقرر في وظيفته وعلى أقطاعه سودون المارداني.
وفي الثاني من شهر ربيع الأول استقر أمين الدين عبد الوهاب ابن القاضي شمس الدين بن أبي بكر الطرابلسي في وظيفة قضاء العسكر الحنفي.
وفي حادي عشره استقر دمرداش المحمدي في نيابة حماة، وفي الثامن والعشرين من صفر كسفت الشمس في أول طلوعها ولم يشعر بها أكثر الناس لأن الكسوف كان في نحو نصفها وانجلى بسرعة فكانت مدة لبثه على ما زعم أهل الفلك ساعة واحدة ولم تصل من أجل ذلك صلاة الكسوف.(2/39)
وفيها قتل القاضي برهان الدين أحمد بن عبد الله السيواسي أمير سيواس وكان قرايلك التركماني عثمان بن قطلبك أغار على سيواس فقتل وسبى وغنم ورجع فتقدمه برهان الدين فأحرز قرايلك الغنيمة ووقع بينهما مناوشات كثيرة إلى أن حصر قرايلك في كهف قديم نحو أربعين يوماً وله في أثناء ذلك عيون تعرفه أحوال برهان الدين فاغتنم غفلة برهان الدين يوماً وقد اشتغل بالشرب فخرج ومعه طائفة فكبسوا عليه فقتل هو ومن كان بحضرته، ثم أوقع بالعسكر فقاتلوه، فلما تحققوا قتل صاحبهم انهزموا، فسار في آثارهم حتى ملك سيواس، ومضى ولد برهان الدين إلى ملك الروم فأمده بنجدة فحاصر قرايلك بسيواس، فلما طال عليه الحصار هرب منها واستقر ولد برهان الدين في إمرتها، وكان برهان الدين السيواسي واسمه أحمد الحنفي اشتغل ببلاده ثم قدم حلب فلازم الاشتغال ودخل القاهرة فأخذ عن فضلائها، ثم رجع إلى بلده فصاهر صاحبها، ثم عمل عليه حتى قتله واستقل بالحكم وتزيا بزي الأمراء، ووقعت له مع العسكر المصري وقعة عظيمة في سنة تسع وثمانين، ثم نازله عسكر الظاهر لما دخل حلب سنة سبع وتسعين، ثم نزل بالأمان واستمر في بلاده، ثم نازله جماعة من الططر النازلين بآذربيجان في سنة ثمانمائة، فاستنجد بالظاهر فأرسل إليه جريدة من عسكر حلب فانهزم الططر عنه.(2/40)
وفي ثالث عشر ربيع الآخر أمر السلطان بالتجهيز إلى مكة في رجب ونودي لمن أراد أن يتوجه من الناس، فشرع جماعة في التجهيز وكان لهم من سنة ثلاث وثمانين ما توجهوا في رجب وكان السبب في ذلك ما وقع في المسجد الحرام من الاستهدام، فجهز السلطان من عنده أميراً واسمه بيسق وهو حينئذ أمير آخور صغير ومعه مال بسبب العمارة؛ وفي هذا الشهر أمر بكتمر جلق أربعين وطبلخاناه، وفيه عود السلطان الحكم بين الناس في السبت والثلاثاء بعد أن كان ترك ذلك لما وعك.
وفي خامس عشري هذا الشهر حضر عند السلطان وهو في الاصطبل شخص عجمي فقعد معه في المقعد فاغتنم غفلة الحاضرين فأمسك هو بلحية السلطان وسبه، فبادر بعض المماليك فأقامه واستمر هو على شتم السلطان، فتسلمه أحمد بن الزين الوالي فأنزله إلى بيته وعاقبه ضرباً وخنقاً فمات بعد أيام ولم يطلع على حقيقة أمره.
وفيها استقر تاج الدين عبد الرزاق بن أبي الفرج الأرمني في الوزارة وكان أبوه نصرانياً صيرفياً بمنية عقبة من جيزة مصر ثم أسلم واستقر صيرفياً بقطية، فلما مات استقر استقر ولده هذا في وظيفته. ثم ترقى إلى أن صار عامل البلد ثم صار مستوفياً ثم ولي نظرها ثم إمرتها وجمع له بين الولاية والنظر ولبس بزي الجند،(2/41)
فاتفق أن الوزير بدر الدين الطوخي غضب منه مرة فأرسل إليه أحمد بن الزين والي القاهرة فصادره وضرب ولده عبد الغني بحضرته وأخذ منهما مالاً كثيراً يقال إنه ألف ألف درهم، فأرسل تاج الدين بعد ذلك من سعى له في الدخول إلى القاهرة فأذن له وساعده عبد الرحمن المهتار عند السلطان إلى أن جمع بينهما، فوعده بأشياء كثيرة إلى أن قرره في الوزارة، وذلك في سلخ ربيع الآخر، وعزل الطوخي واستقر عبد الغني في ولاية قطيا عوض والده وسلم الطوخي لشاد الدواوين فصادره، ويقال إنه أخذ منه عشرة آلاف دينار وجدت مدفونة، ثم تسلمه سعد الدين ابن الغراب ناظر الخاص على سبعمائة ألف درهم فضة فشرع في حملها، ولما ولي تاج الدين الوزارة قبض على برهان الدين الدمياطي ناظر المواريث والأهراء وضربه وصادره، وفي جمادى الأولى بعد موت بدر الدين الكلستاني استقر في كتابة السر فتح الدين فتح الله بن مستعصم بن نفيس التبريزي ثم البغدادي نقلاً من رياسة الطب واستقر بعده فيها كمال الدين عبد الرحمن ابن ناصر بن صغير وشمس الدين بن عبد الحق بن فيروز شريكين.
وفيها جردت الأمراء إلى الصعيد بسبب الفتنة الواقعة بين الهوارة من عرب محمد بن عمر وبين عرب علي بن غريب، ثم ورد أبو بكر ابن الأحدب وأخبر باتفاق العرب وبطلت التجريدة.(2/42)
وفي يوم الاثنين خامس عشر شهر رجب استقر في قضاء الشافعية القاضي صدر الدين محمد بن إبراهيم المناوي وهي الولاية الثالثة وصرف القاضي تقي الدين عبد الرحمن بن محمد الزبيري ولم يعد الزبيري إلى المنصب بعدها وكان محمود السيرة في ولايته، وكان السبب في ولايته أن أصيل الدين محمد بن عثمان الأشلمي كان ولي قضاء الشام وصرف شمس الدين الأخناي واستناب أصيل الدين شهاب الدين ابن حجي في الحكم والخطابة ومشيخة الشيوخ فباشر عنه من نصف رمضان ثم توجه الأصيل، ويقال إنه بذل في ذلك مالاً كثيراً جداً استدان أكثره ثم حضر أصيل الدين وباشر بنفسه ثم صرف فسعى في هذه الأيام في قضاء الشافعية بالقاهرة، وقيل إن ذلك كان بمواطأة القاضي صدر الدين لينفتح له باب السعي في العودة، فلما كاد أمر أصيل الدين يتم قيل للملك الظاهر إن كان ولا بد من عزل الزبيري فاعد صدر الدين فهو أمثل من أصيل الدين، فوقع ذلك واجتمع له من لا يحصى فرحاً به بحيث امتلأت القلعة والقصبة من الفقهاء والجند وغيرهم وأظهروا من الفرح به ما لا يعبر عنه.
وقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري: لم يزل فتح اله من حين ولي كتابة السر يعمل على عزلي وأعانه على ذلك ابن غراب بعناية المحلي التاجر إلى أن أجابهم السلطان، وكان يقول: أنا أعرف أن الزبيري رجل جيد ولكني أريد أخذ مال المناوي ولما استقر شرع في التنقيب علي في أسام مباشرتي، وحصل منه الضرر لكثير من الناس لا سيما من يلوذ بي، وفاوض السلطان في شيء من ذلك فأذن له.(2/43)
وفي الثاني والعشرين من شهر رجب قرر أمير فرج بن الخطيري في نيابة الإسكندرية عوضاً عن.....نقلاً من استادرية الأملاك السلطانية، وقرر فيها عوضه ناصر الدين ابن سنقر نقلاً من الاستادارية الكبرى، وقرر في الاستادارية الكبرى يلبغا المجنون على قاعدته وفي رجب استقر بدر الدين القدسي قاضي الحنفية بدمشق عوضاً عن.... تقي الدين إبراهيم بن الشيخ شمس الدين بن مفلح قاضي الحنابلة بها عوضاً عن....
وفي شعبان في ليلة الاثنين رابع عشرة خسف القمر جميعه واستمر من بعد العشاء إلى نصف الليل وصلى الناس صلاة الخسوف بدمشق. وفيه أمر الملك الظاهر القضاة أن يعرضوا الشهود فعرض كل قاض شهود الحوانيت التي تنسب إليه، فمن كان معروفاً أقره ومن لم يكن له به معرفة سأل عنه إلى أن يقف أمره على أحد وجهين إما الإذن وإما المنع.
وفي العاشر منه أعيد القاضي ولي الدين عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي المالكي إلى قضاء المالكية بعد موت القاضي ناصر الدين ابن التنسي وكان القاضي شرف الدين ابن الدماميني قد تعين لذلك، فيقال إن القاضي شرف الدين ابن الدماميني قد تعين لذلك، فيقال إن القاضي نور الدين ابن الجلال نائب الحكم سعى في تبطيل ذلك وأعانه سعد الدين ابن غراب فبطل واستقر ابن خلدون.(2/44)
وفي السابع والعشرين من رمضان أفرج عن الأمير علاء الدين ابن الطبلاوي ونقل من الحبس إلى بيت يلبغا المجنون الأستادار ثم أمر بنفيه إلى الكرك فأخرج إليها فتوجه إلى القدس، فلما بلغه وفاة السلطان شفع فيه فأقر بالقدس، وفيه نم بعض الناس على الشريف محمد اللحفي أنه يضرب الزغل فكبس منزله بدمشق فوجد فيه الآلات فطيف به، وفيه سعى المهتار عبد الرحمن لصهره ابن السنجاري في وكالة بيت المال بدمشق فأذن له السلطان في ذلك فلبس الخلعة وحضر ليقبل يد السلطان فاحتقر السلطان شكله وكان صغير السن خفيف اللحية فأمر بنزع الخلعة عنه فنزعت وتغيظ علي عبد الرحمن بسبب ذلك وكان اللحفي المقدم ذكره لما بلغه ذلك، سعى فيها فاتفق ما جرى له في قصة الزغل فبطل سعيه.
وفي هذه السنة صرف تغري بردى من ولاية حلب ونقل إلى القدس بطالاً واستقر في نيابتها أرغون الإبراهيمي وكان أكبر الأمراء وكان قد ناب في طرابلس قبلها فلم تطل مدته بحلب بل مات بها في صفر من هذه السنة، قال القاضي علاء الدين: كان شاباً حسن الصورة كثير الحشمة مع العقل والعدل والشجاعة والكرم بحيث أنه تخاصم إليه شخصان في جمل قبل صلاة الجمعة فأمر بتأخيرهما إلى بعد الصلاة فمات الجمل فأمر للذين ثبت لهم بقيمته من عنده وقال: نحن فرطنا فيه.(2/45)
ذكر من عزل من الأمراء
في ثالث عشر صفر قبض على نوروز أمير آخور الكبير ومعه جرباش أمير آخور الرماح وقبض على آقبغا اللكاش وكان قرر في نيابة الكرك وقرر عوضه أمير مجلس أرغون شاه البيدمري واستقر سودون قريب السلطان عوض نوروز واستقر في تقدمة اللكاش تمراز الناصري واستقر في تقدمة نوروز سودون المارداني وكان حينئذ شاد الشربخانات ونقل آقبغا الجمالي من نيابة طرابلس إلى نيابة حلب لما مات أرغون شاه الخازندار الإبراهيمي نائب حلب وقرسودون بلطا في نيابة حسبة طرابلس نقلاً من نيابة حماة واستقر في نيابة حماة دمرداش نقلاً من أتابكية حلب واستقر في نيابة الكرك سودون الظريف عوضاً عن اللكاش واعتقل اللكاش بقلعة الصبيبة ونقل صريتمر إلى الأتابكية بحلب واستقر فرج الحلبي في نيابة الإسكندرية عوضاً عن صرغتمش بحكم وفاته واستقر في تقدمة حسن الكجكني بعد موت يلبغا المجنون واستقر فارس الحاجب الكبير في نيابة صفد بعد القبض على أحمد ابن الشيخ علي(2/46)
وفيها مات تقي الدين وهبة وكان يباشر قبض لحم الدور فوجد له أكثر من عشرين ألف دينار وخلف أربع بنات، فقام الوزير تاج الدين حتى أثبت أنهن نصرانيات، فمنعهن من الميراث وحمل المال كله إلى الملك الظاهر فوقع منه موقعاً وخلع عليه خلعة هائلة.
وفي النصف من ربيع الآخر صرف شهاب الدين رسلان الصفدي عن ولاية القاهرة واستقر شهاب الدين أحمد بن الزين عمر الحلبي.
وفيها أرسل صاحب أربل يخبر بأن اللنك توجه إلى جهة هذه البلاد ثم توجه إلى بغداد، وفيها مات أحمد ابن الشيخ علي الذي كان نائب صفد وحمل موجوده إلى السلطان وقيمته عشرة آلاف دينار أكثرها مماليك وخيل وجمال وسلاح.
وفي رمضان استقر يلبغا السالمي في نظر الشيخونية عوضاً عن الأمير فارس وكانوا كرروا الشكوى بسبب انقطاع جوامكهم كما صنع في خانقاه سعيد السعداء قبل ذلك بمدة وقطع جمع كثير منهم لاتصافهم بغير شرط الواقف وضيق على المباشرين وألزمهم بعمل الحساب وصرف المعاليم بنفسه وفرح به أهلها.
وفي أواخر رمضان قبض على أوصياء الكلستاني وذكر أن الوصية التي أخرجوها زوروها، فحضروا عند السلطان فضرب بعضهم ثم ردهم إلى القاضي المالكي، فحبسهم ثم أحضر(2/47)
الشهود فكشف رأس زين الدين عبد الرحمن بن علي التفهيني وكان ملازماً للكلستاني فشهد في وصيته فوجد ابن خلدون فيها ما أنكره السلطان ملحقاً، فتغيظ على الشهود لأنه رأى الملحق بخطه ولم يعتذر عنه، ثم حكم ابن خلدون بابطال الوصية وأطلق الشهود من الحبس بعد ذلك.
وفيها كان الرخص المفرط بالبلاد الشمالية فذكر العينتابي أن القمح بيع بدون العشرة كل مد وهو أردب وسدس مصري والشعير بثلاثة دراهم، وفي آخر جمادى الأولى استقر بيبرس ابن أخت السلطان دويداراً عوضاً عن قلماي ونوروز أمير آخور عوضاً عن تاني بك وعلي باي رأس نوبة عوضاً عن نوروز ويشبك خزنداراً عوض علي باي واللكاش أمير مجلس عوض بيبرس وتغري بردى أمير سلاح وفي جمادى الآخرة انتزع السلطان الإسكندرية من ابن الطبلاوي وأعادها لناظر الخاص واستقر أخوه فخر الدين ابن غراب في نظرها واسمه ماجد وكان ذلك بعناية يشبك الخازندار واشترط على فخر الدين أن يشاوره في الأمور، وأرسل أمير فرج الخطيري بالكشف عن ابن الطبلاوي وعلى تاج الدين قاضي الإسكندرية ثم رسم بإحضاره، فلما قدم بين يدي السلطان قام الشكاة في حقه وبالغوا في الشكوى منه فأمر السلطان بضربه فضرب بالعصى على رجليه بعد العصر يوم الجمعة وكل به،(2/48)
واتفق أن شوال كان يوم الجمعة ... الذين ينظرون في النجوم ... عظيمة منها ففي غضون الشهر فإن نجا نجا إلى آخر السنة فإن نجا منها طال عمره جداً وبلغه شيء من ذلك وكان كثير التنقيب عن ذلك فقلق وتوهم وصلى العيد وهو في غاية التوهم فلما فرغ سالماً تصدق بأشياء، ثم في الخامس من شوال ابتدأ بالسلطان الضعف وذلك لأنه لعب بالرمح في ذلك اليوم يوم الثلاثاء ورجع فقدم إليه عسل نحل كختاوي فأمعن في الأكل منه فأصابته حمىً حادة فانغمر وواظبه الأطباء فأرجف بموته يوم السبت تاسعه وتصدق في مدة ضعفه بصدقات كثيرة جداً ووقعت بالقاهرة هجة عظيمة وقفلت الحوانيت واشتهر أن الأمراء ركبوا ثم ظهر فساد ذلك، ثم في يوم الأربعاء وقعت هجة عظيمة أعظم من تلك وأرجفوا بموته ثم ظهر أنه أصابه الفواق وظهر عليه الورشكين وأحس بالموت فطلب الخليفة والقضاة والأمراء وعهد بالسلطنة لولده فرج يوم الخميس ثم من بعده لولده الآخر عبد العزيز ثم من بعده لولده الثالث إبراهيم وكتب العهد وأوصى بعطايا كثيرة وقرر أيتمش أتابك العساكر القائم بالأمر ويربى السلطان الجديد إلى أن يكبر.
من أصحاب الوظائف
كان من يذكر يومئذ من أصحاب الوظائف(2/49)
فالدوادار الكبير بيبرس، ابن أخت السلطان وأمير آخور سودون قريبه ويشبك خازندار وتغري بردى أمير سلاح، فلما دخلت ليلة الجمعة دخل في النزع إلى أن مات وقت التسبيح، فأصبح الأمراء والخليفة والقضاة مجتمعين في القصر فأحضر ولي العهد فأقعد على الكرسي وخلعت عليه خلع السلطنة وبايعه الخليفة والقضاة ولقب الناصر وكني أبا السعادات، ثم شرعوا في تجهيز الملك الظاهر وتقدم في الصلاة عليه خارج باب القلعة قبيل الزوال قاضي القضاة الشافعي صدر الدين المناوي وأخرج بجنازته إلى الصحراء فدفن بتربته التي أنشأها، وكان في جملة وصيته أنها تكمل وعين القدر الذي يصرف عليها ففعل ذلك بعده، وكان من جملة أوصيائه يلبغا السالمي والقاضي الشافعي وسعد الدين ابن غراب ناظر الخاص، وكانت جنازته مشهودة لم ير بعد جنازة الناصر محمد بن قلاوون جنازة سلطان مثلها، وخطب للناصر على المنابر بمصر والقاهرة في هذا اليوم وفي صبيحة هذا اليوم بشر أمين النيل ابن أبي الدرداء بزيادة النيل واستمر أيتمش بالولاة في البلاد فكان تنم بدمشق ودمرداش المحمدي بحماة وآقبغا الجمالي بحلب والطنبغا العثماني بصفد ويونس الظاهري بطرابلس وسودون الظريف بالكرك،(2/50)
وكان أول ما تغير عليه من الأحوال أن الأستادار يلبغا المجنون قبض عليه ونهب داره واستقر عوضه مبارك شاه ثم صرف واستقر عوضه في الأستادارية تاج الدين ابن أبي الفرج مضافاً إلى الوزارة وحضر القضاة للبس الخلع بسبب السلطنة فخلع على بعض الأمراء فقامت هجة فنزل القضاة ومن معهم هاربين وظهر أنهم أمسكوا أربعة أمراء مقدمين وهم رسطاي وتمراز وتمربغا المنجكي ويلبغا المجنون وجماعة دونهم وخلع على الأمير الكبير وأمير سلاح والدويدار.
وفي الخامس والعشرين من شوال جددوا الأيمان للسلطان والأمير الكبير وتولى يلبغا السالمي تحليف المماليك مع بعض الموقعين حتى استوفاهم في عدة أيام وكان عدة من أنفق عليهم من المماليك المشترين ومماليك الخدمة المختصة بالسلطان أربعة ألاف ماءة وثلاثين وكان قدر ما أعطي لكل واحد منهم بوصية من الظاهر أنفق على المماليك كل واحد ألف درهم هؤلاء الخواص، وأما من دونهم فكل واحد خمسمائة درهم وذلك في حادي عشرين شوال، ثم قبض على جماعة من الأمراء منهم رسطاي وتمراز وتمربغا وبلاط وطولو، وفي آخر شوال أشار يلبغا السالمي على الأمير أيتمش أن يقرر ما يرتجع من مال من يقبض عليه من الأمراء على شيء معين لأن الأمير كان إذا قبض عليه قاسى من كان يباشر(2/51)
عليه بسبب المرتجع من تركته البلاء المبرم فاستقر الحال على أن يكون على الأمير المقدم خمسين ألف درهم وعلى أمير الطبلخاناه عشرين ألف درهم وعلى من معه إمرة عشرين عشرة آلاف درهم وعلى أمير عشرة خمسة آلاف درهم وكتبت بذلك مراسيم وخلدت في الدواوين واستقر الحال على ذلك، وفيه صرف الشهاب أحمد بن الزين الشامي من ولاية القاهرة واستقر عيسى الشامي وكان ابن الزين هرب ثم ظفر به فضربه بالمقارع وصودر.
وفيها ثار تنم نائب الشام فأظهر الخلاف وملك القلعة وطرد النائب بها واستمر على الخطبة للناصر فرج وكان المتكلم في الدولة الناصرية بالقاهرة أرسل نائباً يحفظ القلعة فاتفق وصوله بعد أن ملك تنم القلعة فلم يمكنه دخولها، ثم أظهر أن رجلاً فداوياً أراد الفتك به فقبض عليه ومعه سكين وقرره بحضرة الناس فأقر أن كبير الأمراء المصريين أرسله لذلك فتنمر وأظهر ما كان يبطن وكاتب نواب البلاد فأطاعوه ووثب نائب حماة فتملك القلعة وكذلك نائب صفد وأما نائب قلعة حلب فأخذ حذره فلم يمكن نائب حلب من قلعتها، ولما قبض المماليك النفقة تصرفوا فيها وكان أكثرها دنانير فرخص سعر الذهب لكثرة وجوده في أيدي الناس إلى أن صار الهرجة بخمسة وعشرين والأفرنجي بعشرين، ثم نودي في ثامن ذي القعدة أن سعر الإفرنجي بثمانية وعشرين والهرجة بثلاثين، وتوجه علاء الدين الطبلاوي من القدس إلى دمشق فاستقر به الأمير تنم في خدمته وكان استدعاه إليه.
وفي رابع عشر ذي القعدة سعى الشيخ أصلم في وظيفة المشيخة بالخانقاه بسرياقوس(2/52)
وكان الذي قرر عوضه فيها وهو الشريف فخر الدين مات فأجيب إلى سؤاله واستقر.
وفي ي لقعدة صرف يلبغا السالمي عن النظر في المدرسة الشيخونية وما معها وقرر مكانه أرغون شاه البيدمري وكان السالمي قد شدد على أهل الشيخونية ومدرسيها خصوصاً مدرس الشافعية وهو قاضي القضاة صدر الدين المناوي وأشاع السالمي عنه أنه فرح بموت الملك الظاهر وأنه لما سمع بموته سجد شكراً لله تعالى، فلما باغه ذلك تأذى به وخشي ما يترتب عليه فركب إلى شيخ الإسلام البلقيني وخضع له وشكا إليه حاله مع السالمي وكان السالمي قد تسلط على الشيخ بأمر آخر فركب الشيخ معه وطافا على الأمراء إلى أن عزل السالمي واصطلح الشيخ والقاضي وكان ما بينهما قبل ذلك متباعداً.
وفي سابع عشر من ذي القعدة عقد مجلس بشيخ الإسلام والقضاة عند الأمير الكبير وسئلوا عن المال الذي خلفه الملك الظاهر بالخزانة هل يورث عنه أو هو لبيت المال؟ فقال البلقيني: ما كان محصل له من إقطاعه ومن تجاراته فهو لورثته وما عدا ذلك فهو في بيت المال فقيل له إنه مختلط فقال: يجعل لورثته منه جزء فاختلفوا من الثلث إلى السدس، وقيل أن الشيخ قال: يجعل له الخمس، ولم يثبت ذلك.
وفي الثالث عشرين من ذي القعدة ولي السالمي الأستادارية وصرف تاج الدين ابن أبي الفرج، فكان منذ وفاة الظاهر قد وليها أربعة أنفس في مدة شهر وثمانية أيام وكانت مباشرة ابن أبي الفرج منها دون الشهر(2/53)
وفيه قبض على سودون أمير آخور قريب السلطان بسبب أنه امتنع من تسليم الاصطبل ليسكنه الأمير الكبير واستقر عوضه أمير آخور سودون الطيار وفيه في الثالث عشر منه صرف تاج الدين بن ابي الفرج من الوزارة واستقر عوضه شهاب الدين بن قطينة وتسلم تاج الدين المذكور وكانت مدة ولايته الوزارة دون الشهر.
وفي سلخ ذي القعدة صرف شمس الدين الشاذلي عن حسبة مصر وأعيد الشيخ نور الدين علي بن محمد بن عبد الوارث إليها، وفي مستهل ذي القعدة صرف الشيخ تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي عن وظيفة الحسبة بالقاهرة واستقر عوضه الشيخ بدر الدين محمود بن أحمد الحنفي، وهي أول ولاياته لها وكان قبل ذلك طالباً بالظاهرية فأخرج منها فتوجه لبلاده ثم عاد وهو في غاية القلة، فتردد إلى الأمراء فسعى له بعضهم وهو جكم في حسبة القاهرة فوليها في هذا التاريخ سابع ذي الحجة فلم تقم معه سوى بقية الشهر، فلما استهل المحرم استقر جمال الدين محمد ابن عمر الطبنذي وصرف العينتابي وكان القائم في ذلك كزل دوادار أيتمش.
قرأت ذلك في تاريخ العينتابي ثم اعيد العينتابي في رابع عشر ربيع الآخر من سنة اثنتين ثم عزل منها بعد شهر وأعيد المقريزي،(2/54)
وفي الرابع من ذي الحجة صرف ابن قطينة عن الوزارة واستقر عوضه فخر الدين ابن غراب وكان يباشر نظر الإسكندرية.
وفيها وصل قاصد نائب الشام يذكر أن طائع وسأل استمراره على نيابة الشام وتحليف الأمراء له، ففعلوا له ذلك وحلف الأمير الكبير ومن معه بحضرة القضاة وشيخ الإسلام ووضعوا خطوطهم بذلك وتوجه قاصده إليه بذلك، وفي ذي الحجة وصل اسنبغا الدويدارإلى سلمية فلبس نعير أمير العرب خلعة السلطان وأظهر الطاعة وجهز التقدمة وكان قبل ذلك قد اتفق مع قرا يوسف أمير التركمان وحاصر الأمير دمشق بن سالم الدوكاري التركماني مدة طويلة ثم اصطلحوا، وفي هذه السنة حاصر أبو يزيد بن عثمان ملطية والأبلتين وتسلمهما وحاصر درنده(2/55)
وورد الخبر بذلك في هذا الشهر فجهزوا سودون الطيار لكشف هذه الأخبار.
وفي ذي الحجة أبطل السالمي مكس العرصة والأخصاص بمنية بن خصيب ثم أبطل وفرالشون السلطانية وكتب به مرسوم وأبطل ما كان على البرددار ومقدم المستخرج من المشاهرة التي تتحصل من المصادرة وألزمها بترك ذلك ورفع الظلم عن الناس أجمعين وأحضر السماسرة وقرر لهم عن كل إردب نصف درهم من غير زيادة على ذلك عن السمسرة والكيالة والأمانة وشدد عليهم في ذلك وكثر دعاء أهل الخير له بسبب ذلك.
ذكر من مات
في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن إبراهيم بن عبد العزيز بن علي الموصلي الأصل الدمشقي شهاب الدين بن الخباز نزيل الصالحية سمع من أبي بكر بن الرضي وزينب بنت الكمال وغيرهما وحدث،(2/56)
سمع منه صاحبنا الحافظ غرس الدين وأظنه استجازه لي، ومات فيشهر ربيع الأول عن بضع وثمانين سنة.
أحمد بن أحمد بن عبد الله الزهوري العجمي نزيل دمشق ثم القاهرة وكان بزي الفقراء وحصل له جذبة فصار يهذي في كلامه ويخلط ويقع له مكاشفات، منها انه لما كان بدمشق وكان الملك الظاهر حينئذ بها جندياً فرأى في منامه أنه ابتلع القمر بعد أن رآه قد صار في صورة رغيف خبز، فلما اجتاز بالشيخ أحمد، فصاح به: يا برقوق! أكلت الرغيف، فاعتقده، فلما ولي السلطنة أحضره وعظمه، وصار يشفع عنده فلا يرده، ثم أفرط حتى كان يحضر مجلسه العام فيجلس معه على المقعد الذي هو عليه ويسبه بحضرة الأمراء وربما بصق في وجهه فلا يتأثر لذلك، وكان يدخل على حريمه فلا يحتجبن منه، وحفظت عنه كلمات كان يقولها، فيقع الأمر كما يقول، وكان للناس فيه اعتقاد كبير.
أحمد بن محمد بن أحمد الطولوني شهاب الدين كبير المهندسين كان عارفاً بصناعته، وتقدم فيها قديماً، وكان شكلاً حسناً طويل القامة، وعظمت منزلته عند الملك(2/57)
الظاهر فقرره من الخاصكية، ولبس بزي الجند، ثم أمره عشرة وتزوج ابنته، وكانت له ابنة أخرى تحت جمال الدين القيصري ناظر الجيش، ثم طلق الظاهر البنت المذكورة وتزوجها نوروز بأمر السلطان، وتزوج السلطان بنت أخيها؛ ومات شهاب الدين المذكور في شهر رجب من هذه السنة.
أحمد بن إسماعيل بن عمر بن كثير البصروي ثم الدمشقي شهاب الدين ابن الحافظ عماد الدين ولد سنة خمس وستين وأحضر علي ابن الشيرجي أحد الرواة عن الفخر وتزيا بزي الجند وحصل له إقطاع، قال القاضي شهاب الدين ابن حجي في تاريخه: كان أحسن أخوته سمتاً وكان عارفاً في الأمور، مات في شهر ربيع الأول.
أحمد بن أبي بكر بن محمد العبادي شهاب الدين الحنفي تفقه على السراج الهندي وفضل ودرس وأشغل ثم صاهر القليجي وناب في الحكم ووقع على القضاة ودرس بمدرسة الناصر حسن وكان يجمع الطلبة ويحسن إليهم وحصلت له محنة مع السالمي ثم أخرى مع الملك الظاهر تقدم ذكرها في الحوادث، مات في ثامن عشر أو تاسع عشر ربيع الآخر.(2/58)
أحمد بن سليمان بن محمد بن سليمان بن مروان الشيباني البعلبكي ثم الصالحي أحد رواة الصحيح عن الحجار وسمع أيضاً من غيره، وله إجازة من أبي بكر بن محمد بن عنتر المسلمي وغيره وحدث، مات في ذي الحجة.
أحمد بن شعيب خطيب بيت لهيا كان عابداً قانتاً كثير التهجد والذكر.
قال القاضي شهاب الدين ابن حجي قل من كان يلحقه في ذلك، مات في شهر المحرم.
أحمد بن عبد الله السيواسي برهان الدين قاضي سيواس الحنفي قدم حلب فاشتغل بها ودخل القاهرة ثم رجع إلى سيواس فصاهر صاحبها ثم عمل عليه حتى قتله وصار حاكماً بها، وقد تقدم ما اتفق له مع عسكر الظاهر سنة تسع وثمانين، فلما كان سنة تسع نازله التتار الذي كانوا بآذربيجان فاستنجد بالظاهر، فأرسل إليه جريدة من عساكر الشام، فلما أشرفوا على سيواس انهزم التتار منهم فقصده قرايللك بن طور علي التركماني في أواخر سنة ثمانمائة فتقاتلا، فانكسر عسكر سيواس وقتل برهان الدين في المعركة؛ وكان جواداً فاضلاً له نظم أحمد بن علي بن محمد الحسيني شهاب الدين المصري ويعرف بابن شقائق كان شريفاً معروفاً يتعانى الشهادة، مات في جمادى الآخرة.(2/59)
أحمد بن عيسى بن موسى ابن سليم بن جميل المقيري الكركي العامري الأزرقي أبو عيسى القاضي عماد الدين الشافعي ولد في شعبان سنة إحدى وأربعين، وحفظ المنهاج وجامع المختصرات وغيرهما واشتغل بالفقه وغيره وسمع الحديث من البياني ةغيره وممن سمع منهم بالقاهرة أبو نعيم ابن الحافظ تقي الدين عبيد الإسعردي ويوسف بن محمد الدلاصي وغيرهما وحدث ببلده قديماً سنة ثمان وثمانين ولما قدم القاهرة قاضياً خرج له الحافظ أبو زرعة مشيخة سمعتها عليه وكان أبوه قاضي الكرك فلما مات استقر مكانه وقدم القاهرة سنة اثنتين وسبعين ثم قدمها سنة اثنتين وثمانين(2/60)
وكان كبير القدر في بلده محبباً إليهم بحيث أنهم كانوا لا يصدرون إلا عن رأيه فاتفق أن الظاهر لما سجن بالكرك قام هو وأخوه علاء الدين على خدمته فحفظ لهما ذلك فلكا تمكن أحضرهما إلى القاهرة وولي عماد الدين قضاء الشافعية وعلاء الدين كتابة السر وذلك في شهر رجب سنة اثنتين وتسعين فباشر بحرمة ونزاهة واستكثر من النواب وشدد في رد رسائل الكبار وتصلب في الأحكام فتمالأوا عليه فعزل في آخر سنة أربع وتسعين واستقر صدر الدين المناوي في رابع المحرم سنة خمس وأبقى السلطان مع القاضي عماد الدين من وظائف القضاء تدريس الفقه بالمدرسة الصلاحية المجاورة للشافعي ودرس الحديث بالجامع الطولوني ونظر ووقف الصالح بين القصرين فاستمر في ذلك إلى أن شغرت الخطابة بالمسجد الأقصى وتدريس الصلاحية فقررهما السلطان لعماد الدين وذلك في سنة تسع وتسعين فتوجه إلى القدس وباشرهما وانجمع عن الناس وأقبل على العبادة والتلاوة إلى أن مات في سابع عشر ربيع الأول من هذه السنة ونزل عن خطابة القدس في مرضه لولده شرف الدين عيسى فلم يمض النزول واستقر خطيب نابلس في الوظيفة بعناية نائب الشام وحضر ولد القاضي عماد الدين إلى القاهرة في طلب الخطابة فمنع واتفق أن نائب الكرك كاتب فيه يشكو منه فرسم عليه ثم أفلاج عنه وأعيد إلى الكرك قاضياً وهو أول من كتب له القضاة عن السلطان الجناب العالي وذلك بعناية أخيه لما ولي كتابة السر فاستأذن السلطان في ذلك فأذن له واستمر ذلك للقضاة وكانوا يكاتبون بالمجلس وهي كانت في غاية الرفعة للمخاطب بها في الدولة الفاطمية ثم انعكس ذلك في الدولة التركية وصار الجناب أرفع رتبة في المجلس.(2/61)
وذكر لي الشيخ تقي الدين المقريزي أنه حلف له أنه في طول ولايته القضاء بالكرك والديار المصرية ما تناول رشوة ولا تعمد حكماً باطلاً رحمه الله تعالى.
أحمد بن محمد بن إسماعيل المجدلي الحنفي لقبه ينوص لشدة شقرة شعره وكان مباشر أوقاف الحنفية وكان حسن المباشرة، مات في ربيع الأول.
أحمد بن محمد بن أبي بكر بن السلار الصالحي شهاب الدين ابن أخي الشيخ ناصر الدين إبراهيم ولد سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة وأحضر علي أبي العباس ابن الشحنة وأجاز له أيوب بن نعمة الكحال والشرف ابن الحافظ وعبد اله بن أبي التائب وآخرون وحدث، سمع منه الحافظ غرس الدين وأجاز لي؛ مات في أواخر ذي الحجة.
أحمد بن محمد بن عبد الرحمن البلبيسي الخطيب تاج الدين أبو العباس ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة واشتغل وتفقه ولم يحصل له من سماع الحديث ما يناسب سنه لكنه لما جاور بمكة سمع من الكمال ابن حبيب عدة كتب حدث بها عنه كمعجم ابن قانع وأسباب النزول وسنن ابن ماجة وولي أمانة الحكم بالقاهرة ودرس بجامع الخطيري وخطب به وناب في الحكم ببولاق ومات في شهر ربيع الأول.(2/62)
أحمد بن محمد بن محمد بن عطاء اله بن عواض بن نجا بن حمود بن نهار بن يونس بن حاتم بن ببلي بن جابر المالكي الإسكندراني الزبيري القاضي ناصر الدين ابن جمال الدين بن شمس الدين ابن رشيد الدين سبط ابن التنسي بفتح المثناة والنون بعدها مهملة كان ينسب إلى الزبير ابن العوام وفيه يقول الدماميني من أبيات يخاطبه:
وأجاد فكرك في بحار علومه ... سبحاً لأنك من بني العوام
وكانوا يزعمون أن جابراً المذكور في نسبه ولد هشام بن عروة ابن الزبير، وفي ذلك نظر لا يخفى فليس في ولد هشام المذكور عند أهل الأنساب من اسمه جابر، وببلي بضم الموحدة وسكون مثلها ثم لام اسم بربري، ولد سنة.... وتفقه ببلده واشتغل ومهر وفاق الأقران في العربية وشرع في شرح التسهيل وولي قضاء بلده سنة إحدى وثمانين وسبعمائة ثم صرف بابن الريغي ثم عاد وتناوبا في ذلك مراراً ثم قدم القاهرة وظهرت فضائله إلى أن ولي قضاء المالكية في رابع عشر ذي القعدة سنة أربع وتسعين ونقا أهله وأولاده وناب عنه القاضي بدر الدين الدماميني وباشر القاضي ناصر الدين بعفة ونزاهة(2/63)
وكان عاقلاً متودداً موسعاً عليه في المال، وله تعليق على مختصر ابن الحاجب، وكان ممن يتعانى التجارة، وعاشر الناس بجميل فأحبوه، وكان سليم الصدر طاهر الذيل قليل الكلام لم يعرف أنه آذى أحداً بقول ولا فعل، مات في شهر رمضان واستقر عوضه ابن خلدون وكان حين مات ابن التنسي بالفيوم فأرسل إليه البريدي فأحضره فباشر في نصف رمضان وقدر أن ولده بدر الدين ولي القضاء بعده في رمضان سنة إحدى وأربعين، فكان بين موته وولاية ولده أربعون سنة سواء كما سيأتي بيانه.
أحمد بن محمد الدمشقي شهاب الدين ابن العطار مستوفي الجامع الأموي كان من أجل من بقي من مباشري الجامع وقد طلب الحديث في وقت، ورافق شمس الدين ابن سند وابن إمام المشهد، مات في شوال.
أحمد بن موسى الحلبي شهاب الدين الحنفي قدم من بلده ونزل في الصرغتمشية وشارك في مذهبه وفي الفضائل وناب في الحكم، مات في شهر ربيع الأول.(2/64)
أرغون شاه الإبراهيمي المنجكي نائب السلطنة بحلب كان أصله لإبراهيم بن منجك فتقدم إلى أن صار جمداراً عند السلطان ثم ولي نيابة صفد ثم طرابلس ثم حلب وكان حسن السيرة، مات بحلب في العشر الأخير من صفر فيما قيل، وكان خازندار السلطان فأرسله أيام يلبغا الناصري إلى حلب حاجباً فلم يمكنه الناصري وكاتب في الإعفاء فأجيب فلما قتل الناصري ولاه الظاهر نيابة صفد ثم طرابلس ثم حلب في العام الماضي فسار أحسن سيرة ويقال إن بعض الأكابر سقاه ويقال إن بعض العرب أغار على جمال له فتوجه في طلبهم ففروا منه فلج في إثرهم وغرر بنفسه فأصابه عطش ومات بعض من معه وشيء من الخيول وضعف هو من ذلك واستمر إلى أن مات، وكان شاباً حسناً عاقلاً عادلاً شجاعاً كريماً، ومن عدله أن غلمانه توجهوا لتحويل الملح الذي في إقطاع النيابة فاستكروا جمالاً فخرج عليهم العرب فنهبوهم فغرم لأصحابها ثمنها وأن شخصاً ادعى عنده في جمل عند صلاة الجمعة فاستمهله إلى أن يصلي فمات الجمل فغرم لمستحقه ثمنه.
إسماعيل بن عمر بن عبد الله بن جعفر الدمشقي العاملي الصفار، روى عن الحجار وغيره وحدث، ومات في جمادى الأولى وقد جاوز الثمانين.(2/65)
أمير حاج بن مغلطاي، ناب في الإسكندرية مدة ثم ولي الاستادارية في سلطنة المنصور حاجي بن الأشرف شعبان، ثم نفاه برقوق إلى دمياط فمات بها بطالاً في ربيع الأول.
أبو بكر بن أحمد بن عمر العجلوني نزيل مكة المشرفة يأتي فيمن اسمه محمد.
برقوق بن آنص بن عبد الله الجركسي العثماني، ذكر الخواجا عثمان الذي أحضره من بلاد الجركس أنه اشتراه منه يلبغا الكبير واسمه حينئذ الطنبغا فسماه برقوقاً لنتو في عينيه فكان في خدمة يلبغا من جملة المماليك الكتابية، ثم كان فيمن نفي إلى الكرك بعد قتل بلبغا، ثم اتصل بخدمة منجك نائب الشام، ثم حضر معه إلى مصر واتصل بخدمة الأشرف شعبان، فلما قتل الأشرف ترقى برقوق إلى أن أعطي إمرة أربعين وكان هو وجماعة من إخوته في خدمة أينبك، ثم لما قام طلقتمر على أينبك وقبض عليه ركب برقوق وبركة ومن تابعهما على المذكور وأقاما طشتمر العلاي مدبر المملكة أتابكاً، واستمروا في خدمته إلى أن قام عليه مماليكه في أواخر سنة تسع وسبعين فآل الأمر إلى استقرار برقوق وبركة في تدبير المملكة بعد القبض على طشتمر، فلم تطل الأيام حتى اختلفا وتباينت أغراضهما وقد سكن برقوق في الاصطبل السلطاني، فأول شيء صنعه أن قبض على ثلاثة من أكابر الأمراء كانوا من أتباع بركة، فبلغه ذلك فركب على برقوق فدام الحرب بينهما أياماً إلى أن قبض على بركة وسجن بالإسكندرية، وانفرد برقوق بتدبير أمور المملكة إلى أن دخل شهر رمضان سنة أربع وثمانين وهو في غضون ذلك يدبر أمر الستقلال بالسلطنة إلى أن تم له ذلك، فجلس على تخت الملك في ثامن عشر الشهر المذكور ولقب بالملك الظاهر،(2/66)
وبايعه الخليفة وهو المتوكل محمد بن المعتضد والقضاة والأمراء ومن تبعهم، وخلعوا الصالح حاجي بن الأشرف وأدخل به إلى دور أهله بالقلعة؛ فلما كان بعد ذلك بمدة خرج عليه يلبغا الناصري واجتمع إليه نواب البلاد كلها وانضم إليه منطاش وكاتب أمير ملطية ومعه جمع كثير من التركمان، فجهز إليهم الظاهر عسكراً بعد عسكر فانكسروا، فلما قرب الناصري من القاهرة تسلل الأمراء المصرية إليه إلى أن لم يبق عند الظاهر إلا القليل، فتغيب واختفى في دار بالقرب من المدرسة الشيخونية ظاهر القاهرة، فاستملى الناصري ومن معه على المملكة واستقر الناصري أتابكاً بمصر وأعيد حاجي إلى السلطنة ولقب المنصور، وأراد منطاش قتل برقوق فمنعه الناصري وأرسله إلى الكرك وسجنه بها، ثم لم يلبث منطاش أن ثار على الناصري فحاربه إلى أن قبض عليه وسجنه بالإسكندرية واستقل بتدبير المملكة وكان أهوج فلم ينتظم له أمر وانتقضت عليه الأطراف، فجمع العساكر وخرج إلى جهة الشام، فاتفق خروج الظاهر من الكرك وانضم إليه جمع قليل فالتقوا بمنطاش، فاتفق أنه انكسر وانهزم إلى جهة الشام واستولى الظاهر على جميع الأثقال وفيهم الخليفة والقضاة وأتباعهم فساقهم إلى القاهرة، واتفق خروج المسجونين من مماليكه بقلعة الجبل فغلبوا على نائب الغيبة فدخل الظاهر واستقرت قدمه بقلعة الجبل وأعاد ابن الأشرف مكانه من دور أهله، وكل ذلك في أوائل سنة اثنتين وتسعين؛ ثم جمع العساكر وتوجهوا إلى الشام فحصرها وذلك في شعبان من السنة المقبلة وهرع إليه الأمراء وتعصب أهل الشام لمنطاش فما أفاد ودامت الحرب بينهم مدة إلى أن هزم منطاش وقد تقدم بيان ذلك في الحوادث مفصلاً، ووصل في تلك السنة إلى حلب وقرر أمراء البلاد ونوابها، ورجع إلى القاهرة في المحرم سنة أربع وتسعين(2/67)
واستقرت قدمه في المملكة إلى أن مات على فراشه في ليلة النصف من شعبان سنة إحدى وثمانمائة وعهد بالسلطنة إلى ولده فرج وله يومئذ من العمر عشر سنين لأنه ولد عند خروجه من الكرك ولذلك سماه ذا الأسم ويقال أنه بلغ ستين سنة.
ومن آثاره المدرسة الفائقة بين القصرين لم يتقدم بناء مثلها في القاهرة وسلك في ترتيب من قرره فيها مسلك شيخون في مدرسته فرتب فيها أربعة من المذاهب وشيخ تفسير وشيخ إقراء وشيخ حديث وشيخ ميعاد بعد صلاة الجمعة إلى غير ذلك.
ومن آثاره عمل جسر الشريعة، انتفع به المسافرون كثيراً وأبطل ضمان المغاني بعدة بلاد وكان الأشرف أبطله من الديار المصرية، وأبطل مكس القمح بعدة بلاد، وكانت مدة استقلاله بأمور المملكة من غير مشاركة تسع عشر سنة وأشهراً، ومدة سلطنته في المرتين ست عشرة سنة ونحو نصف سنة، وكان شهماً شجاعاً ذكياً خبيراً بالأمور إلا أنه كان طماعاً جداً لا يقدم على جمع المال شيئاً ولقد أفسد أحوال المملكة بأخذ البذل على الولايات حتى وظيفة القضاء والأمور الدينية، وكان جهوري الصوت كث اللحية واسع العينين عارفاً بالفروسية خصوصاً اللعب بالرمح، وكان يحب الفقراء ويتواضع لهم ويتصدق كثيراً ولا سيما إذا مرض، وأبطل في ولاياته كثيراً من المكوس منها ما كان يؤخذ من أهل البرلس وما حولها وهو في(2/68)
السنة ستون ألفاً وعلى القمح بدمياط وعلى الفاريج بالغربية وعلى الملح بعينتاب وعلى الدقيق بالبيرة وعلى الدريس والحلفاء بباب النصر وضمان المعاني بمنية بني خصيب وبالكرك والشوبك، ولم عهد لولده استحلف القاضي الشافعي جميع الأمراء فبدأ بالخليفة ثم بأيتمش ثم ببقيتهم فحلف من حضر ثم أرسلوا إلى من غاب فلم يتأخر أحد وخلع على الخليفة على العادة ونودي في البلد بالأمان.
بكلمش العلاي أحد الأمراء الكبار بالديار المصرية تقدم ذكره في الحوادث، مات بالقدس بطالاً في صفر وكان من قدماء جماعة الظاهر وتقدم في الدول كثيراً، قال العينتابي كان عتيق بعض الجند ثم انتمى إلى طنبغا الطويل فقيل له العلائي قال: وكان مقداماً جسوراً عنده نوع كبر وعسف مع أنه كان شجاعاً شهماً مهيباً وعقيدته صحيحة ويحب العلماء ويجلس إليهم ويذاكر بمسائل ويتعصب للحنفية جداً.
حسن بن علي بن أحمد الكجكني حسام الدين الحلبي البانقوسي نائب السلطنة بالكرك ترقى في الخدم إلى أن أمر بطرابلس وقدم مع يلبغا الناصري لما انتزع الملك من برقوق فأمره بالكرك، وتقدم عند الملك الظاهر لكونه خدمه بالكرك ثم قربه وأمره بمصر وبعثه رسولاً إلى الروم، مات في رجب عن ستين سنة، قال الشيخ تقي الدين المقريزي: كان تام المعرفة بالخيل وجوارح الطير محباً لأهل السنة عاقلاً مزاحاً.(2/69)
حسن بن محمد الغيثاوي أحد الطلبة المشهورة، ذكر ابن حجي أنه كان أفضل أهل طبقته جاوز الثلاثين ومات في أول السنة.
حسين بن علي الفارقي ثم الزبيدي شرف الدين وزير الأشرف وليها سنة سبع وثمانين ثم عزل بعد أربع سنين بالشهاب أحمد بن عمر ابن معيبد وكان يدري الطب، رأيته بزبيد في الرحلة الأولى ومات بعدنا في ليلة النصف من شعبان حيدر بن يونس المعروف بابن العسكري أحد الشجعان الفرسان، مات في شوال بدمشق بطالاً وقد شاخ وولي إمرة سنجار للأشرف.
خديجة بنت أبي بكر بن يوسف بن عبد القادر بن يوسف الحلبية الأصل الدمشقية ماتت في........
خلف بن حسن بن عبد الله الطوخي أحد المعتقدين بمصر، مات في تاسع عشر ربيع الأخر، وكان كثير التلاوة ملازماً لداره والخلق يهرعون إليه، وشفاعاته مقبولة عند السلطان ومن دونه.
خلف بن عبد المعطي المصري صلاح الدين ناظر المواريث والحسبة، مات في ربيع الأول.
خلف خليل بن حسن بن حرز الله قاضي الفلاحين كانوا يرجعون إليه في أمور(2/70)
الفلاحة وكان شاهداً ببعض المراكز وقد حضر علي الحجار وغيره، مات في جمادى الآخرة.
خليل بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد الجليل المصري المقرئ المعروف بالمشبب، سمع من البدر ابن جماعة على ما قيل، وأقرأ الناس بالقرافة دهراً طويلاً، وكان منقطعاً بسفح جبل، وللملك الظاهر وغيره فيه اعتقاد كبير، مات في ربيع الأول، اجتمعت به مراراً وسمعت قراءته وصليت خلفه، وما سمعت أشجى من صوته في المحراب.
زكريا بن أبراهيم بن محمد بن أحمد بن الحسن أبو يحيى المستعصم بالله العباسي ولي الخلافة في أيام اينبك بعد قتل الأشرف عوضاً عن المتوكل ثم خلع ثم اعاده الظاهر بعد القبض على المتوكل في سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، ثم صرف عنها في جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين فلزم داره إلى أن مات في جمادى الأولى، وكان عامياً صرفاً بحيث يبدل الكاف همزة.
زينب بنت عمر بن سعد الله بن النحنخ الحرانية سمعت من..... وماتت في ربيع الأول.
ست القضاة بنت عبد الوهاب بن عمر بن كثير ابنة أخي الحافظ عماد الدين حدثت بالإجازة عن القاسم بن عساكر وغيره من شيوخ الشام وعن علي الواني وغيره من شيوخ مصر، وخرج لها صلاح الدين أربعين حديثاً عن شيوخها،(2/71)
ماتت في جمادى الآخرة وقد جاوزت الثمانين.
شيخ الخاصكي كان أجمل مماليك الظاهر وأقربهم إلى خدمته وأخصهم به وكان القاضي فتح الدين فتح اله زوج والدته، قرأت بخط المقريزي: كان بارع الجمال فائق الحسن لديه معرفة وفيه حشمة ومحبة للعلماء وفهم جيد، تائهاً صلفاً معجباً منهمكاً في اللذات، توجه إلى الكرك فمات في أوائل السنة.
شيخ الصفوي أحد الأمراء الكبار، تنقلت به الأحوال إلى أن نفي إلى القدس في سنة ثمان، ثم حبس بقلعة المرقب فمات بها في هذه السنة في شهر ربيع الآخر.
صرغتمش المحمدي، ولي نيابة الإسكندرية في سنة تسع وتسعين وسبعمائة، مات في جمادى الأولى.
صفية بنت القاضي عماد الدين إسماعيل بن محمد بن العز الصالحية ولي أبوها القضاء وحدثت هي بالإجازة عن الحجار وأيوب الكحال وغيرهما وسمعت من عبد القادر الأيوبي، ماتت في المحرم.
صندل بن عبد الله المنجكي الطواشي الخازندار كان من أخص الناس عند الظاهر، وكان يعتقد في الجودة والأمانة، وكانت أكثر الصدقة تجري على يده مع كثرتها، مات في رمضان.
عبد الله بن أحمد بن صالح بن أحمد بن خطاب الزهري الشافعي جمال الدين ابن القاضي شهاب الدين ولد في جمادى الآخرة سنة تسع وستين وحفظ التمييز وأذن له أبوه في الإفتاء سنة إحدى وتسعين ودرس بالقليجية وغيرها وناب في الحكم وكان عالي الهمة، ومات في المحرم.(2/72)
عبد الله بن سعد بن عبد الكافي المصري ثم المكي المعروف بالحرفوش وبعبيد جاور بمكة أكثر من ثلاثين سنة، وكان للناس فيه اعتقاد زائد، واشتهر عنه أنه أخبر بواقعة الإسكندرية قبل وقوعها، مات في أوائل هذه السنة، رأيته بمكة وثيابه كثياب الحرافيش وكلامه كذلك، جاوز الستين.
عبد الله بن ابي عبد الله السكسوني جمال الدين أحد المدرسين في مذهبهم، مات في ربيع الآخر، كان بارعاً في العلم مع الدين والخير، أخبر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم لما تجهز الأشرف للحج في المنام وعمر يقول له: يا رسول الله! شعبان بن حسين يريد أن يجيئ إلينا، فقال: لا ما يأتينا أبداً! قال: فلم يلبث الأشرف أن رجع من العقبة؛ ودرس جمال الدين بالأشرفية بعد بهادر المنجكي إلى أن مات.
عبد الرحمن بن أحمد بن الموفق إسماعيل بن أحمد الصالحي الذهبي الحنبلي(2/73)
ناظر المدرسة الصاحبية بالصالحية، حدث عن ابن أبي التائب ومحمد أبن أيوب بن حازم وزينب الكمال وغيرهم وأجاز له ابن الشحنة مات في جمادى الأولى وقد جاوز السبعين؛ قال ابن حجي: بلغني انه تغير بآخره ولم يحدث في حال تغيره عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن داود الكفيري صدر الدين الشافعي عني بالفقه وناب في الحكم بدمشق ومات بها في المحرم عن أربعين سنة، وكانت له همة في طلب الرياسة قاله ابن حاجي.
عبد الرحمن بن عبد الكافي بن علي بن عبد الله بن عبد الكافي ابن قريش بن عبد اله بن عباد بن طاهر بن موسى الشريف الطباطبي الحسني زين الدين مؤذن الركاب السلطاني، وبقية نسبه في ترجمة نقيب الأشراف الطباطبي، كان يجالس الملك الظاهر فاتفق أن جمال الدين لما كان ناظر الجيش أنف أن يجلس دونه فذكر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم فعتبه على ذلك، قرأت ذلك بخط الشيخ تقي الدين المقريزي أنه سمعه من صاحبنا شمس الدين العمري الموقع يذكر أنه حضر ذلك.
عبد الرحمن بن محمد بن أبي عبد الله بن سلامة الماكسيني الدمشقي المؤذن بجامع دمشق روى عن الزين عبد الغالب بن محمد الماكسيني وابن أبي التائب وغيرهما، ومات في جمادى الأولى، وكان رئيس الجامع كأبيه.(2/74)
عبد الرحمن بن موسى بن راشد بن طرخان الملكاوي ابن أخي شيخنا شهاب الدين اشتغل بالفقه وحفظ المنهاج ونظر في الفرائض، واعترته في آخر أمره غفلة وكان مع ذلك ضابطاً لأمره، مات في المحرم ولم يكمل الخمسين.
علي بن أحمد بن الأمير بيبرس الحاجب المعروف بأمير علي بن الحاجب المقرئ تلا بالسبع، وكان حسن الآداء مشهوراً بالمهارة في العلاج، يقال عالج بمائة وعشرة أرطال، مات في ربيع الآخر وقد شاخ.
علي بن أيبك بن عبد الله الدمشقي الشاعر اشتهر بالنظم قديماً، وطبقته متوسطة، وله مدائح نبوية وغيرها، وقد يقع له المقطوع النادر كقوله مضمناً:
مليح قام يجذب غصن بان ... فمال الغصن منعطفاً عليه
وميل الغصن نحو أخيه طبع ... وشبه الشيء منجذب إليه
ولد سنة ثمان وعشرين ومات في ثاني عشر ربيع الأول، كتب إلي بالإجازة وعلق تاريخاً لحوادث زمانه.
علي بن علي بن أبي بكر بن يوسف بن الخصيب الداراني خادم الشيخ أبي سليمان الداراني روى عن شاكر بن التقي أبي النشو وغيره،(2/75)
مات في المحرم بداريا وكان معمراً، تغير قليلاً بآخره.
علي بن سالم الرمثاوي البهنسي، مات بدمشق في ذي الحجة.
علي بن سنقر العينتابي نقيب الجيش، مات في ربيع الآخر.
علي بن عثمان بن محمد ابن الشمس لؤلؤ الحلبي ثم الدمشقي حدث عن الحجار وغيره، مات في المحرم عن خمس وسبعين سنة ببيت لهيا.
علي بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد المنعم بن عمر بن عذير القواس علاء الدين بن شرف الدين بن بدر الدين الطائي وعم جده عمر ابن القواس هو آخر من حدث عن السندي بالإجازة، مات في المحرم.
علي بن محمد بن محمد بن النعمان الأنصاري الهوى نور الدين بن كريم الدين ابن زين الدين ولد في حدود الأربعين واشتغل بالفقه ثم تعانى التجارة ثم انقطع وكان كثير المحبة في أهل الصلاح يحفظ كثيراً من مناقبهم لاسيما أهل الصعيد وكان يكثر التردد للقاهرة اجتمعت به بمصر وفي مدينته التي يقال لها هو؛ وهي بالقرب من قوص بالصعيد الأعلى، وكان يذكر عن ابن السراج قاضي قوص وكان وجيهاً في زمانه ومكانه أنه كان في منزله فخرج عليه ثعبان مهول المنظر ففزع منه فضربه فقتله، فاحتمل في الحال من مكانه ففقد من أهله فأقام مع الجن إلى أن حملوه إلى قاضيهم فادعى عليه ولي المقتول، فأنكر فقال له القاضي: على أي صورة كان المقتول؟ فقيل: في صورة ثعبان،(2/76)
فالتفت القاضي إلى من بجانبه فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من تزيا لكم فاقتلوه؛ فأمر القاضي بإطلاق المذكور فرجعوا به إلى منزله، وذكر لي بعض أقاربه أن مات في هذه السنة ببلده، وهو عم كريم الدين محتسب القاهرة في سلطنة الناصر فرج.
علي بن محمد الميقاتي نور الدين ابن الشاهد المنجم انتهت إليه الرياسة في عمل الزيج وكتابة التقاويم وقد راج بآخره على الملك الظاهر وقربه وصار شيخ الطرقية وكانت له معرفة بالرمل وغيره، ومات في المحرم.
علي بن محمد بن القاصح نور الدين المقرئ قرأ على المجد الكفتي ونظم قصيدة في القراآت وكان يقرأ في جامع المارداني، مات في ذي الحجة، عمر بن إبراهيم بن القواس الدمشقي السكري العابر كان يجيد تعبير المنامات ويجلس على كرسي بالجامع وقد طلب الحديث كثيراً وقرأ وسمع، مات فجأة وهو في الخلاء ولم يشعروا به إلا في ثاني يوم وذلك في ذي القعدة.(2/77)
عمر بن إيدغمش الحلبي عتيق بني النصيبي المسند المعروف بالكبير ولد سنة تسع عشرة وسمع من العز إبراهيم بن صالح ابن العجمي وكان خاتمة أصحابه بالسماع كما أنه خاتمة أصحاب مشيخة يوسف بن خليل بالسماع، مات في تاسع عشر المحرم، وكنت لما رحلت إلى دمشق سنة اثنتين وثمانمائة عزمنا على الرحلة إلى حلب لأجله وأنا أظن أنه حي فبلغني وفاته فتأخرت عنها لأنه كان مسندها ودهم الناس اللنك فرجعت إلى القاهرة ولم يحصل لي منه إجازة فيما أعلم(2/78)
وقد أجاز ابن صالح المذكور لشيخنا برهان الدين التنوخي وقرأت عليه بها من مسموعات ابن صالح وسمعت عشرة الحداد علي الحافظ برهان الدين الطرابلسي بسماعه من عمر المذكور وغيره وكان جندياً عارفاً بالصيد ثم ترك ذلك واستمر في صناعة الفراء المصيص حتى مات وقد سمع الشمائل وأكثر عنه الحلبيون والرحالة.
عمر بن محمد البعلي المعروف بابن التركماني أحد الشهود ببعلبك وله نظم نازل وكان لا يشاقق رفقته ولا يشاطط في الأجرة، مات في ثامن عشر المحرم وقد جاوز الثمانين.
عمر بن يوسف البالسي المؤذن اشتغل بالحديث ومهر فيه وسمع الكثير مع الخير والدين، مات بوادي الصفراء وهو متوجه إلى مكة في آخر ذي القعدة.
عمر القرمي ثم الحلبي كان ماهراً في العلم عارفاً بالأدب والنظم، قدم من بلاده فأقام بحلب ثم تحول إلى دمشق فأقام بها مدة ثم توجه منها إلى مصر فمات بها في الطريق.
عمر بن سراج الدين عبد اللطيف القوي ولد سنة أربعين وسبعمائة وأخذ بالقاهرة عن جمال الدين الأسناي وشمس الدين الكلاي وغيرهما ثم دخل دمشق فأقام بها مدة وصحب القاضي ولي الدين ابن أبي البقاء وفتح الدين ابن الشهيد ثم ارتحل إلى حلب فأقام بها واستمر يشغل بالجامع الكبير وولي القضاء للعسكر وتدريس الظاهرية قال الشيخ شهاب الدين ابن حجي: كان فاضلاً وله معرفة بالأدب وصار من علماء الحلبيين وذكر لي جمال الدين ابن العراقي أنه كان يعتني في دروسه بشيء خفي وهو أن الدرس مثلاً إذا كان في باب من أبواب الفقه يعتني بما يتعلق بنظير تلك المسألة من باب(2/79)
آخر فيصرف وجه مطالعته إليه حتى يتقنه إتقاناً بالغاً فإذا شرع في درس ذلك الباب وشورك فيه انتقل إلى النظير فأبهت الحاضرين من قوة استحضاره ما يتعلق بذلك النظير وكان ماهراً في الفرائض مشاركاً في غيرها سريع الإدراك كثير الاشتغال، واتفق أنه خرج من حلب إلى دمشق في أواخر المحرم وخرج منها قاصداً القاهرة فاغتيل في خان غباغب ولم يعرف قاتله وذهب دمه هدراً، ويقال إنه تتبع من حلب وكان جال في البلاد ونظم نظماً حسناً ورحلا من حلب إلى دمشق ففقد الطريق وكان قد درس بحلب وحصل بها وظائف، مات في ربيع الأول وقد جاوز الستين.
فاطمة بنت محمد بن أحمد بن السيف محمد بن احمد بن عمر بن أبي عمر المقدسية ثم الصالحية سمعت من جدها أربعي أبي الأسعد وأجاز لها ابن الشحنة وأيوب الكحال وغيرهما وماتت في شهر رمضان.
قنبر بن عبد الله العجمي الشرواني الأزهري كان شافعي المذهب اشتغل في بلاده وقدم الديار المصرية قبل التسعين فأقام بالجامع الأزهر وكان معرضاً عن الدنيا(2/80)
قانعاً باليسير. وكان ملبوسه في الصيف والشتاء سواء قميص ولباد وعلى رأسه كوفية لبد، وكان لا يتردد إلى أحد ولا يسأل من أحد شيئاً، وإذا فتح عليه بشيء أنفقه على من حضر، وكان يحب السماع والرقص ويتنزه في أماكن النزهة على هيئته، وتمهر في الفنون العقلية وتصدر بالجامع الأزهر وشغل الطلبة، وكان حسن التقرير جيد التعليم مذكوراً بالتشيع، وشوهد مراراً يمسح على رجليه من غير خف، مات في شعبان اجتمعت به مراراً وسمعت درسه.
كمشبغا بن عبد اله الحموي اشتراه ابن صاحب حماة وهو صغير ورباه ثم قدمه للناصر حسن، ثم أخذه يلبغا العمري بعد قتل حسن وصيره رأس نوبة عنده، وسجن بعد مسك يلبغا ثم أفرج عنه في دولة الأشرف وخدم في بيت السلطان، فلما قتل الأشرف أمر بحلب نائباً ثم عمل بدمشق تقدمة ثم نيابة حماة ثم عمل نيابة الشام ثمانين ثم ناب في صفد ثم طرابلس وتنقلت به الأحوال، وعمل نيابة طرابلس مدة ثم قبض عليه وسجن بها ثم أفرج عنه يلبغا الناصري وتوجه معه لمصر وولاه نيابة حلب، وقاتل معه ورجع إلى حلب، فلما استقر الظاهر في السلطنة أحضره إلى القاهرة واستقر أتابك العساكر، ثم غضب عليه في أول سنة ثمانمائة واعتقله بالإسكندرية إلى أن مات في رمضان، ولم يعش الظاهر بعده إلا أياماً يسيرة دون العشرين، وكان شكلاً حسناً مهاباً عالي الهمة، وهو الذي جدد سور حلب وأبوابها وكانت خراباً من وقعة هولاكو، ولما قام عليه أهل حلب فتك في أهل بانقوسا، ثم(2/81)
لما انتصر الظاهر على منطاش قبض على القاضي شهاب الدين ابن أبي الرضى واستصحبه معه كالأسير إلى أن هلك معه من غير سبب ظاهر، فاتهم بأنه دس عليه من خنقه وذلك أنه كان أشد من ألب عليه في تلك الفتنة فانتقم منه لما قوي عليه رحمه الله تعالى. قال العينتابي: كان مشتغلاً بنفسه قضى أكثر عمره في ملاذ الدنيا ولم يشهر عنه من الخير إلا القليل مع العسف والظلم وسفك الدماء انتهى ملخصاً.
محمد بن أحمد بن عبد الحميد بن محمد بن غشم بفتح الغين وسكون السين المعجمتين المقدسي ثم الصالحي شمس الدين، روى عن زينب بنت الكمال بالحضور، مات في رابع شوال وهو في عشر السبعين.
محمد بن أحمد ابن أبي العز بن أحمد بن أبي العز بن صالح بن وهيب الأذرعي الأصل الدمشقي الحنفي شمس الدين بن النشو ولد سنة إحدى وعشرين وأسمع علي الحجار وأسحق الآمدي وعبد القادر بن الملوك وغيرهم وحدث، وكان أحد العدول بدمشق، مات في صفر.
محمد بن أحمد بن عمر العجلوني شرف الدين أبو بكر نزيل حلب المعروف بخطيب سرمين وكان اصله من عجلون ثم سكن أبوه عزاز وولي أبو بكر خطابة سرمين، وقرأ بحلب علي الباريني وسمع من ظهير الدين ابن العجمي، وغيره وحج وجاور ووعظ على الكرسي بحلب ثم في آخر عمره جاور حتى مات بمكة، وكان ينتسب جعفرياً ويقول إنه من ذرية جعفر بن أبي طالب، وكانت له عناية بقراءة الصحيحين ويحفظ أشياء تتعلق بذلك ويضبطها، وكتب عن أبي عبد اله بن جابر الأعمى المغربي قصيدته البديعية وحدث بها عنه، سمعتها منه لما اجتمعت به بمكة في أول هذه السنة،(2/82)
وجاور بمكة مراراً، مات بها في سادس عشري صفر، وقد تقدم في أبي بكر وكأنها كانت كنيته ولكنه كان بها أشهر.
محمد بن أحمد بن محمد بن علي المصري شمس الدين المعروف بابن النجم الصوفي نزيل مكة تسلك على يد الشيخ يوسف العجمي وتجرد وجاور بمكة ثم بالمدينة بضع عشرة سنة، ومات بها في ربيع الأول، وكان كثير العبادة. قال ابن حجي: على طريقة ابن العربي جاوز الستين.
محمد بن أحمد بن مسلم الناهي الحنبلي شمس الدين.
محمد بن أحمد بن موسى الدمشقي الفقيه الشافعي بدر الدين الرمثاوي اشتغل كثيراً ونسخ بخطه الكير ودرس بالعصرونية، ومات في ربيع الأول، وكان قد أفتى ودرس وكان منجمعاً قليل الشر جاوز الأربعين.
محمد بن حاجي بن محمد بن قلاوون الصالحي الملك المنصور بن الملك المظفر بن الناصر ولد سنة ثمان وأربعين وولي السلطنة بعد عمه الناصر حسن في جمادى الأولى سنة اثنتين وستين ومدبر المملكة يومئذ يلبغا، وسار معه إلى الشام وكان عمره إذ ذاك نحو خمس عشرة سنة فترعرع بعد أن رجع من السفر وكثر أمره ونهيه، فخشي يلبغا منه فأشاع أنه مجنون وخلعه من السلطنة في شعبان سنة أربع وستين فكانت مدة سلطنته سنتين وشهرين وخمسة أيام، واعتقل في الحوش في المكان الذي به ذرية الملك الناصر إلى الآن، مات في المحرم في تاسعه، وحضر الصلاة عليه الملك الظاهر برقوق وقرر مرتباً لأولاده وعدتهم عشرة أنفس.(2/83)
محمد بن سعيد بن مسعود بن محمد بن مسعود بن محمد بن علي بن أحمد بن عمر بن إسماعيل بن الحسن بن علي بن محمد بن إسحاق بن عبد الرحيم ابن أحمد أبو عبد الله نسيم الدين بن سعد الدين النيسابوري ثم الكازروني الفقيه الشافعي نشأ بكازرون وكان يذكر أنه من ذرية أبي علي الدقاق وأنه ولد سنة خمس وثلاثين وأن المزي أجاز له، اشتغل بكازرون على أبيه وبرع في العربية وشارك في الفقه وغيره مشاركة حسنة مع عبادة ونسك وخلق رضي، وأقام بمكة مدة طويلة وحج سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة فجاور بها إلى أن رجع في سنة ثمان وتسعين، وكان حسن التعليم غاية في الورع في عصرنا وانتفع به أهل مكة، ومات ببلاده بلار في هذه السنة وله خمس وستون سنة.
محمد بن علي بن عثمان ابن التركماني بهاء الدين ابن المصري خازن كتب النورية وغيرها بدمشق، أحضر على أصحاب الفخر وغيرهم، ولم يكن مرضياً، مات في صفر.
محمد بن علي بن عطاء الدمشقي أمين الدين كان فاضلاً بارعاً عارفاً(2/84)
بالتصوف والعقليات، درس بالأسدية، وكان يسجل على القضاة وإليه النظر على وقف جده الصاحب شهاب الدين ابن تقي الدين، مات في ذي الحجة.
محمد بن علي بن محمد بن علي بن ضرغام بن عبد الكافي البكري شمس الدين أبو عبد الله بن سكر الحنفي المصري نزيل مكة، ولد سنة ثمان عشرة وسبعمائة، وقال مرة: في ربيع الأول سنة تسع عشرة، وطلب الحديث والقراآت فسمع من ابن المصري وصالح بن مختار وعبد القادر الأيوبي وجمع جم من أصحاب النجيب وابن عبد الدائم ثم من أصحاب الفخر ونحوه ثم من أصحاب الأبرقوهي ونحوه ثم من أصحاب الحجار وهلم جرا إلى أن سمع من أصاغر تلامذته وجمع شيئاً كثيراً بحيث كان لا يذكر له جزء حديثي إلا ويخرج سنده من ثبته عالياً أو نازلاً، وذكر لي أن سبب مروياته وشيوخه أنه كان إذا قدم الركب مكة طاف على الناس في رحالهم ومنازلهم يسأل عمن له رواية أو له حظ من علم فيأخذ عنه مهما استطاع، وكتب بخطه ما لا يحصى من كتب الحديث والفقه والأصول والنحو وغيرها، وخطه رديء وفهمه بطيء وأوهامه كثيرة، سمعت منه بمكة وقد قرأ القراآت بها، وكان كثير التخيل وتغير بآخره تغيراً يسيراً، وكان ضابطاً للوفيات محباً للمذاكرة، مات في صفر.
محمد بن علي بن يعقوب النابلسي الأصل شمس الدين نزيل حلب ولد سنة بضع وخمسين، وكان فقيهاً مشاركاً في العربية والأصول والميقات، وكان قد حفظ أكثر المنهاج والتمييز للبارزي وأكثر الحاوي والعمدة والشاطبية والتسهيل ومختصر ابن الحاجب ومنهاج البيضاوي وغيرها وكان يكرر عليها، قال البرهان المحدث بحلب: كان سريع الإدراك وكان محافظاً على الطهارة سليم اللسان(2/85)
صحيح العقيدة، لا أعلم بحلب أحداً من الفقهاء على طريقته، مات في تاسع شهر ربيع الآخر.
محمد بن محمد بن أحمد بن طوق بدر الدين الكاتب الطواويسي، سمع بعناية زوج أخته الحافظ شمس الدين الحسيني من أصحاب الفخر ونحوهم وحدث عن زينب بنت الخباز وغيرها وأجاز له جماعة، مات في أواخر ذي الحجة، وكان مباشر ديوان الأسرى والأسوار مع الشهرة بالكفاءة، قارب السبعين.
محمد بن محمد بن محمد الحسيني الشريف إمام مسجد العقيبة وناظر الجامع بها، وحصلت له إهانة في أيام حصار الظاهر دمشق بعد خروجه من الكرك من أيدي المنطاشة، فلما ظهر الظاهر رحل هو إلى القاهرة فادعى على الذي أهانه ولم يزل به حتى ضربت عنقه لأمر أوجب ذلك، وولاه السلطان نظر الجامع، ومات يوم تاسوعاء وله نحو الخمسين.
محمد بن محمد بن محمد الرملي ناصر الدين المجود صاحب الخط المنسوب، مات وله بضع وثمانون سنة وكان كتب على القلندري وكتب الناس دهراً طويلا، كتب عليه بدر الدين بن قليج العلائي وابن عمه أبو الخير بالقدس، ثم انتقل إلى الشام فأقام بد دهراً ثم تحول إلى القدس وأقام به، وكتب بخطه شيئاً كثيراً من المصاحف وغيرها، مات في ذي الحجة.(2/86)
محمد بن محمد بن ميمون الجزائري المعروف بالفخار المالكي أبو عبد الله شارك في الفنون وتقدم في الفقه مع الدين والصلاح وذكرت عنه كرامات ومات في تاسع عشرى رمضان بمكة وقد بلغ الستين، وكان ابن عرفة يعظمه، وأظن أني اجتمعت به أول السنة.
محمد بن محمد الجديدي القيرواني أبو عبد الله تقدم في محمد ابن سعيد.
محمد بن يحيى الخراساني إمام القليجية بدمشق، كان يفهم جيداً، وقال ابن حجي: كان من خيار الناس، مات في صفر.
محمد بن يلبغا اليحياوي ناصر الدين أحد الأمراء الصغار بدمشق وكان ينظر أحياناً في أمر الجامع الأموي، مات في المحرم.
محمد الكلائي صلاح الدين أحد المذكرين على طريق الشاذلية، كان شاهداً بحانوت خارج بابي زويلة ثم صحب الشيخ حسيناً الحبار وخلفه في مكانه وصار يذكر الناس، وبدت منه ألفاظ منكرة فيها جرأة عظيمة على كتاب الله وضبطت عليه أشياء مستقبحة فامتحن مرة،(2/87)
ذكر لي الحافظ صلاح الدين الأقفهسي أنه سمعه يقول في تفسير قوله تعالى " من ذا الذي يشفع عنده " من ذل ذل نفسه، ذي إشارة للنفس، يشف يحصل له الشفاء، عوا يعني افهموا، قال: فذكرت ذلك للشيخ زين الدين الفاسكوري فمشى معي إلى الشيخ سراج الدين البلقيني فأرسل إليه وعزره ومنعه من الكلام على الناس، فأقام بعدها قليلاً ومات في مستهل ربيع الأول.
محمود بن عبد الله الكلستاني السيرامي الحنفي بدر الدين اشتغل ببلاده ثم ببغداد وقدم دمشق خاملاً فسكن باليعقوبة ثم قدم مصر فتقرب عند الجوباني فلما ولي نيابة الشام قدم معه وولي تدريس الظاهرية ثم ولي مشيخة الأسدية بعد الياسوفي وأعطي تصديراً بالجامع اأيوبي ثم رجع إلى مصر فأعطاه الظاهر وظائف كانت لجمال الدين محمود القيسري كتدريس الشيخونية والصرغتمشية فلما رضي عن جمال الدين استعاد بعضها منها تدريس الشيخونية واستمر بدر الدين في تدريس الصرغتمشية وغيرها، ثم لما سار السلطان إلى حلب احتاج إلى من يقرأ له كتاباً بالتركي ورد عليه من اللنك فلم يجد من يقرأه فاستدعى به وكان قد صحبهم في الطريق فقرأه وكتب الجواب فأجاد فأمره أن يكون صحبة قلماي الدوادار، فلما اتفقت وفاة بدر الدين بن فضل الله ولاه مكانه فباشر الوظيفة بحشمة ورياسة، وكان يحكي عن نفسه انه(2/88)
أصبح في ذلك اليوم لا يملك الدرهم الفرد فما أمسى ذلك اليوم إلا وعنده من الخيل والبغال والجمال والمماليك والملابس والآلات ما لا يوصف كثرة، وكانت ولايته في ثاني عشري شوال، وكان حسن الخط جداً مشاركاً في النظم والنثر والفنون مع طيش وخفة، مات في عاشر جمادى الأولى وخلف أموالاً جمة، ويقال إنها وجدت مدفونة في كراسي المستراح، وكانت مدة ضعفه ستة وأربعين يوماً فاستمر في كتابة السر القاضيفتح الدين فتح الله بن مستعصم نقلاً من رياسة الطب، ويقال إن السلطان اختاره لذلك فقرره فيها بغير سعي منه، وقال العينتابي: كان الكلستاني فاضلاً ذكياً فصيحاً بالعربية والفارسية والتركية، ونظم السراجية في الفرائض وغيرها وكان في رأسه خفة وطيش وعجلة وعجب ثم وصفه بخفة العقل والبخل المفرط وأنه قاسى في أول أمره من الفقر شدائد، فلما رأس وأثرى أساء لكل من أحسن إليه وجمع مالاً كثيراً لم ينتفع منه بشيء، وقد انتفع به من استولى عليه بعده وكانت ولايته لكتابة السر بعد موت البدر بن فضل الله في شوال سنة ست وتسعين، وجرى بعده في وصيته كائنة لشهودها منهم القاضي زين الدين التقهني الذي ولي القضاء بعده، قرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري أن السلطان أمر ابن خلدون أن يفصل المنازعة التي وقعت بين الأوصياء والحاشية، فعزل الأمراء أنفسهم، فعزر ابن خلدون التفهني ورفيقه بالحبس وأبطل الوصية بطريق باطل لظنه أن ذلك يرضي السلطان، فلما بلغ السلطان ذلك أنكره وأمر بإبقاء الوصية على حالها،(2/89)
ووصفه العيني كما تقدم بالطيش والبخل والعجب وبالغ في ذمه، وليس كما قال فقد أثنى عليه طاهر بن حبيب في ذيل تاريخ والده ووصفه بالبراعة في الفنون العلمية، وقد قرأت بخطه لغزاً في القلم في غاية الجودة خطاً ونظماً، وكان كثير الوقيعة في حق كتاب السر لاقتصارهم على ما رسمه لهم شهاب الدين بن فضل الله وتسميتهم ذلك المصطلح وغضهم ممن لا يعرف ذلك، وحاول مراراً أن يغير المصطلح على طريقة أهل البلاغة ويعتني بمراعاة المناسبة،(2/90)
وكان ممن قام في إنكار ذلك والتشنيع عليه القاضي ناصر الدين ابن الفاقوسي كبير الموقعين، فلما رأى ذلك منه غضب عليه وعزله وقرر عوضه صدر الدين أحمد بن القاضي جمال الدين القيسري المعروف بابن العجمي، فلما مات الكلستاني عاد الفاقوسي إلى وظيفته.
همام الدين همام الرومي الحنفي وقد ولي قضاء الإسكندرية وكان فاضلاً خيراً، وشمس الدين بن منهال وإمام الصالحية شمس الدين الغزاوي وضياء الدين الأخنائي، وشمس الدين المصري قيم الأحباس، وأخو القزويني نقيب الحنفي، ومحمد الكبير خادم الشيخ صالح وعبد القادر الحنبلي الذي شنق نفسه بسبب قضية اتفقت له مع السالمي فأخرج المناوي وظيفته بالزاوية وقد قرأت ذلك بخط الزبيري.
سنة اثنتين وثمانمائة
في ثاني المحرم صرف بدر الدين العيني عن الحسبة واستقر جمال الدين محمد بن عمر الطنبذي الشهير بابن عرب فباشرها إلى نصف ربيع الآخر، ثم صرف وأعيد العيني ثم ناب في القضاء في أواخر ربيع الآخر عن الملطي.
وفيه بدأ تنم نائب الشام بإظهار العصيان وكان كاتب الأمراء، فأطاعه نائب صفد ونائب طرابلس كما تقدم وتأخر عنه نائب حلب، وأطلق جماعة من الأمراء المحبوسين وتقوى بهم.
وفيه وقع بين العشير وهم عربان الشام اختلاف، فقتل منهم في المعركة نحو عشرة آلاف نفس على ما قيل.
وفي الحادي والعشرين من المحرم وصل الحاج وأميرهم شيخ المحمودي الذي ولي السلطنة بعد وكانت السنة شديدة المشقة للحر وموت الجمال وكثر الفقراء في الركب، فتحيل عليهم المذكور بأن نادى بينبع: من كان فقيراً فليحضر خيمة أمير الركب ليأخذ عشرة دراهم وقميصاً فلما حضروا أعطاهم ورسم عليه من جهة صاحب ينبع وألزمه بإقامتهم عنده إلى أن يجهزهم في المراكب؛(2/91)
ووقع في الركب الشامي من الموت فجأة أمر عجيب حتى كان الرجل يمشي بعد ما أكل وشرب واستراح فيرتعد، ويقع ميتاً، فمات منه خلق كثير.
وفي المحرم استقر ابن السائح الرملي في خطابة القدس، بذل فيها ثمانين ألفاً فصرف ابن غانم النابلسي.
وفي ليلة السابع عشر من المحرم زلزلت دمشق لكنها كانت لطيفة.
وفي الثامن من صفر قبض الأمير تنم على أحمد بن خاص ترك شاد الدواوين بالقاهرة، وكان الملك الظاهر جهزه لتحصيل الأموال المتعلقة بالسلطنة في البلاد الشامية، فتسلمه علاء الدين الطبلاوي واستصفى جميع ما معه من مال وغنم وغير ذلك، ثم بسط يده في الظلم والمصادرة ورمي السكر وغيره على التجار وذوي الأموال حتى الفقهاء والأيتام، فكثر الدعاء على الأمير تنم بهذا السبب وأبغضته عوام الناس والأمراء وخواصهم.
وفي الثاني عشر من صفر حلف الأمير تنم الأمراء وكان أطلق جلبان وآقبغا اللكاش وغيرهما من المحبوسين وأرسل إلى نائب طرابلس بأن يجهز مركباً إلى دمياط لإحضار من بها محبوساً من الأمراء وفي صفر قبض على بدر الدين الطوخي وألزم بمائة ألف درهم ثمن لحم تأخر عنده في أيام وزارته للأمير أيتمش فتسلمه شد الدواوين وعصره فباع وافترض إل(2/92)
ى أن حصل الأكثر وضمنه المهتار عبد الرحمن بالباقي فأطلق فهرب فوزن عبد الرحمن عنه المتأخر.
وفي نصف صفر صرف الشيخ نور الدين البكري عن الحسبة وأعيد محمد الشاذلي.
وفي الثامن والعشرين منه خسفت الشمس، وصلي بدمشق صلاة الكسوف بعد العصر وخطب.
وفي العشر الأخير من صفر انحل سعر الحبوب وكان ارتفع بسبب نقص النيل قبل عادته، وفيه توجه آقبغا اللكاش ومعه جماعة إلى غزة من جهة نائب الشام فملكها في ربيع الأول وتوجه جلبان ومعه جماعة إلى حلب ليحاربوا نائبها ثم تبعهم الأمير تنم بمن تأخر معه فلما دخل إلى حمص تسلمها وتسلم القلعة ولم يشوش على النائب بل قرر غيره في النيابة، ثم وصل إلى حماة فحاصرها فاتصل به وصول أيتمش ومن معه فرجع عنها إلى دمشق ووصل إليه نائب طرابلس فبلغه بعد أن خرج من طرابلس أن أهلها وثبوا على نائبه وقتلوه وقفلوا أبواب البلد الجدد فرجع عليهم ودخلها عنوة وقتل من أهلها مقتلة عظيمة حتى قيل إن أقل من قتل منهم ألف نفس منهم: مفتي البلد وقاضياها ومحدثها وهرب أكثر أهلها، ومن تأخر إما قتل وإما صودر،(2/93)
وممن هرب إلى الديار المصرية قاضي طرابلس الشافعي مسعود ونفقيب الأشراف بدر الدين ابن جمال الدين البلدي وأخبرا أن يونس الرماح نائب طرابلس أراد إحراق البلد فاشتريت منه بثلاثمائة وخمسين ألف درهم حبيت ممن بقي بها من أهلها وكان أسم نائب النائب المقتول قجقار، والسبب في قتله وصول مركب من جهة مصر وفيها أميران أحدهما قرر نائباً والآخر حاجباً فدخلوا في الليل إلى المينا وظنوا أنهم فرنج فخرج أهل البلد مستعدين للقتال فوجدوهم مسلمين فانحلت عزائمهم، ولما علم قجقار أنهم مخالفون لما هو عليه قاتلهم فقتل منهم جماعة، ثم ثار العوام فنهبوا بيت نائب الغيبة فهرب إلى جهة حمص وكسر العوام أبواب القلعة وغلب الذين جاءوا من مصر وولوا وعزلوا وأخذوا ثقل الأمراء الغائبين، فلما بلغ النائب أرسل ناساً في الصلح فتهيأوا لقتالهم، ثم قدم نائب الغيبة قجقار ومعه صرق وجماعة فدام القتال أياماً إلى أن جاء النائب، ولما هرب القاضي الشافعي استقر في القضاء صلاح الدين ابن العفيف وكان يلبس بالجندية ثم باشر في الديوانية وافتقر جداً فتوجه إلى قاضي طرابلس يستمنحه، فولي مكانه وقبض نائب الشام على بتخاص قبل توجهه إلى حلب، فلما رجع أطلقه بعد شهر.
وفي سادس ربيع الأول ظهر الاختلاف بين الأمراء الخاصكية والأمراء الظاهرية القدم، وذلك أن أيتمش الأتابك كان معه أكابر الأمراء وعندهم التثبت في الأمور وترك العجلة وكراهة الظلم وغير ذلك وكان الأمراء الجدد بخلاف ذلك فلم يتوافقوا، ودبت(2/94)
عقارب التشاحن بينهم إلى أن دبر الأمراء الجدد الأمر فكادوا أيتمش ومن معه بأن علموا السلطان أن يدعي أنه بلغ فطلب الخليفة في هذا اليوم وقال له بحضرة أيتمش: إني قد بلغت وأريد أن ترشدني فأحضر القضاة وأهل الفتوى وادعى ابن غراب على أيتمش وشهد جماعة من الأمراء وأعذر أيتمش فحكموا برشده وخلع على الجماعة، فتحول أيتمش حينئذ من الاصطبل الكبير إلى بيته وافترق العسكر فرقتين إحداهما جراكسة وهم الأمراء الجدد ومن معهم، والأخرى ترك وروم وبعض جراكسة مع الأتابك، وأظهر يشبك الخازندار رأس الأمراء الجدد أنه ضعيف وعزم على مسك أيتمش إذا أعاده، فبلغ ذلك أيتمش فحذر منه وألبس مماليكه ومن أطاعه وملكوا الأشرفية التي على باب القلعة وقف أيتمش بالقرب من منزله وقف تغري بردى برأس الرميلة من جهة الشيخونية وفارس من جهة مدرسة حسن، فلما بلغ ذلك يشبك ركب فيمن أطاعه ودقت الكوسات تحت القلعة ووقف بيبرس قريب السلطان عند حدرة البقر وطلع إلى القلعة سودون طاز وسودون المارداني ويلبغا(2/95)
الناصري وإينال باي وابن قجماس وغيرهم من الأمراء الجدد وقد حصنوا القلعة، ووقع القتال بين الطائفتين من ليلة عاشر ربيع الأول فلم يلبث أيتمش أن انهزم هو ومن كان معه وثبتت الهزيمة على الباقين، فتوجهوا من يومهم وأخذوا خيولاً خواص من سرياقوس للسلطان وتوجهوا إلى بلبيس فباتوا بها وأفسد المماليك السلطانية بعد هرب أيتمش، وتبعهم الزعر والعوام فنهبوا مدرسة أيتمش ووكالته ورموا النار في الربع جانباً، ونهبوا جامع آقسنقر المجاور لبيته ونهبوا تربة خوند زهرا بنت الناصر وسرى النهب في بيوت الأمراء الهاربين حتى كادوا أن ينهبوا الدهيشة التي عمرت في أيام أيتمش للمارستان وكسر الزعر حبسي القضاة وأخرجوا من كان فيهما واستمر مع أيتمش في الهزيمة تغري بردى وأرغون شاه وفارس ويعقوب شاه ودونهم من الطبلخانات شادي خجا وآقبغا المحمودي وغيرهما ودونهم من العشراوات، وكثر النهب من الزعر وأوباش الترك في بيوت الناس بعلة الهاربين ونهبوا بعض زرائب الفلاحين بصنافير ونهبوا جمال جماعة.
وفي يوم الثلاثاء حادي عشر ربيع الأول صرف أحمد بن الزين من ولاية القاهرة واستقر قرابغا مفرق فمات ثاني يوم فاستقر بلبان الجركسي ثم صرف في يومه(2/96)
وأعيد ابن الزين، ثم كثر النهب داخل القاهرة فنزلت جماعة من الأمراء وحابوهم، فعمد ابن الزين إلى جماعة من المحبوسين في خزانة شمائل فقطع أيدي بعض وضرب جماعة بالمقارع وأشهرهم ونادى عليهم جزاء من ينهب بيوت الناس، فسكن الحال قليلاً ثم فتحت أبواب القاهرة ونزعوا السلاح، واستمر هرب أيتمش ومن معه إلى الشام بدار النيابة، وتوجه فارس الحاجب إلى الشام تقدمة لهم يخبر نائب الشام بأخبارهم، فرجع نائب الشام إلى دمشق ثم وصل أيتمش ومن معه في خامس ربيع الآخر فتلقاهم النائب وبالغ في إكرامهم، وبلغ ذلك نائب حماة ونائب حلب فراسلا أيتمش بالطاعة وعرض النائب على أيتمش الحكم وبذل الطاعة، فامتنع وقال: كلنا لك تحت الطاعة، ثم وصل دمرداش نائب حماة في نصف ربيع الآخر إلى دمشق فبالغ تنم في إكرامه فأقام خمسة أيام ثم رجع إلى حماة فتجهز ورجع إليهم، وبرز نائب حلب إلى جهة الشام فخالف الحاجب وركب عليه في جماعة فكسره النائب وقبض عليه وتوجه بالعسكر إلى دمشق فوصل في نصف جمادى الآخرة، وكان الأمراء بمصر قد ظنوا أن نائب حلب معهم فأرسلوا إليه مدداً من المال صحبة قاصد في مركب فألقتها الريح بمكة، فبلغهم مخامرة النائب فراسلوا نائب الشام فأرسل إليهم من تسلم المال منهم وقبض بعد هرب أيتمش على جمع كثير ممن كان ينسب إلى هواه فحبسوا بالقلعة وبالإسكندرية وغيرهما، وأطلق سودون قريب السلطان من الإسكندرية وأحضر تمراز ونوروز من دمياط واستقر بيبرس قريب السلطان أتابكاً وسودون طاز أمير آخور(2/97)
ونوروز رأس نوبة وسودون دويدار وتمراز أمير مجلس، ثم اتفق رأيهم على غزو الشام وخالفهم في ذلك بعض المماليك.
وفي تاسع عشر ربيع الأول قبض على سعد الدين بن غراب ناظر الخاص وأخيه الوزير وابن قطينة وعلاء الدين شاد الدواوين وقطلوبك الاستادار وكان ابن غراب زوج ابنته، واستقر بدر الدين ابن الطوخي في الوزارة وشرف الدين ابن الدماميني في نظر الجيش والخاص ثم صرفا بعد سبعة أيام وأعيد ابن غراب وأخوه إلى وظائفهما وتسلما الطوخي وابن الدماميني، ثم استقر ابن الدماميني في قضاء الإسكندرية واستقر أخوه محتسباً، ثم أفرج عن قطلوبك وابن قطينة وشاد الدواوين على مال.
وفي آخر ربيع الآخر استقر الشيخ أبينا التركماني في مشيخة سرياقوس عوضاً عن أصلم بن نظام الدين الأصبهاني واستقر الشيخ شرف الدين بن التباني في مشيخة القوصونية عوضاً عن أبينا؟ وفي ليلة الخميس العاشر من جمادى الأولى حصل بمكة مطر عظيم انصب كأفواه القرب، ثم هجم السيل فامتلأ المسجد حتى بلغ إلى القناديل وامتلأت ودخل الكعبة من شق الباب وكان في جهة الصفا مقدار قامة وبسطة، فهدم من الرواق الذي يلي دار العجلة عدة أساطين وخربت منازل كثيرة ومات في السيل جماعة.
وفي هذا الشهر تجهز تنم ومن معه للسفر إلى جهة الديار المصرية فبلغ ذلك أهل مصر فحصنوا القاهرة بالدروب، وتوجه عسكر الشام في العشر الأوسط من جمادى الآخرة، إلى غزة.(2/98)
وفي ثامن جمادى الآخرة استقر نور الدين الحكري في قضاء الحنابلة وصرف موفق الدين ابن نصر الله.
وفيها أرسل الأمراء من مصر المهتار عبد الرحمن إلى الكرك نائباً بها وأمر بالقبض على سودون الظريف من غير أن يعلم فأظهر أنه حضر بسبب أمر اخترعه، فلما وصل إليها استشعر النائب بذلك فركب عليه، فهرب فكبس منزله فوجد فيه التقليد، فوقعت فتنة كبيرة قتل فيها قاضي الكرك وموسى ابن القاضي علاء الدين وجماعة من أكابر البلد.
وفي صفر وقع الوباء بالباردة والسعال ومات منه جماعة واستمر إلى نصف السنة.
وفي الرابع رجب خرج الملك الناصر فرج ومن معه من عساكر مصر إلى جهة الشام لمحاربة المخالفين فسار السلطان في ثامن الشهر المذكور، واتفق خروج نائب الشام من دمشق بعد من تقدمه من العساكر في تاسع رجب وسار من قبة يلبغا في الحادي عشر منه فوصل إلى غزة في ثامن عشره فالتقى جاليش السلطان بجاليش(2/99)
نائب الشام، وخرج آقبغا اللكاش وخامر دمرداش المحمدي نائب حلب ودخل في طاعة السلطان، وكذلك النبغا العثماني نائب صفد وغيرهما لتمام ثمانية عشر أميراً وجمع جم من المماليك فتمت الكسرة على الباقين وكان ذلك قبل تل العجول، فلما وصلت المنهزمة إلى نائب الشام تغيظ عليهم وأراد مسك بعض أكابرهم فهربوا منه إلى السلطان منهم بتخاص والمنقار وفرج ابن منجك، ودخل العسكر المصري إلى غزة منتصراً وكانوا في قلة من العليق فوجدوا بها ما يفوق الوصف فاطمأنوا وطابت أنفسهم واستمرت هزيمة المنهزمة من الشاميين إلى الرملة، فوجدوا نائب الشام قد نزل بها فأخبروه بما اتفق لهم فعنفهم، فاعتذروا بأن سبب ذلك مخامرة من خامر من الأمراء فعذرهم، ثم لم يلبث أن وافاه قاضي القضاة الشافعي صدر الدين المناوي رسولاً من السلطان في الصلح يعرض عليه نيابة الشام على ما كان عليه في الأيام الظاهرية وما ينبغي من زيادة على ذلك أو الوصول إلى باب السلطان ويكون أكبر الأمراء بمصر، فأظهر الإجابة ووعظه القاضي وخوفه وحذره من التعرض لفساد الأحوال والشقاق، فانتظره بالجواب أياماً وصرفه بجميل وبالغ في إكرامه، وكان ذلك في يوم الثلاثاء تاسع عشر رجب، فرجع القاضي يوم الخميس فوصل يوم الجمعة وأخبر العسكر بما اتفق، ثم وصل كتاب نائب الشام يقول: أنا مستمر على طاعة السلطان وما أريد إلا أن أكون نائب الشام لكن يشترط أن يعود أيتمش على ما كان عليه بالقاهرة وأن يسلم السلطان لي يشبك وجركس المصارع وسودون طاز ونحوهم من المماليك الذين على رأيه وأن يعاد جميع الأمراء الذين مات عنهم الملك الظاهر على ما كانوا عليه فلما تحقق السلطان ذلك أرسل الجواب بالاستعداد للقتال، فركب نائب الشام من(2/100)
الرملة إلى جهة غزة وركب السلطان من غزة إلى جهة الرملة، فالتقى العسكران بأم حسن من بريد واحد على غزة فلم يلبث العسكر الشامي أن انهزم، ومن أعظم أسباب ذلك مخامرة من خامر من الأجناد، فأمسك نائب الشام وأكثر الأمراء وهرب أيتمش وتغري بردى ويعقوب شاه وأرغون شاه وطيفور إلى الشام، فلما حصلوا بها وانضم إليهم عدد كثير ممن انهزم أولاً وثانياً وأرادوا التحصن بالقلعة وافى كتاب من نائب الشام إلى نائب غيبته بأن لا يمكنهم من ذلك، وكان السلطان لما أمسك نائب الشام في الوقعة أمره بكتابة هذا الكتاب بتدبير يشبك وطائفته، فوصل الكتاب إلى نائب الغيبة فقبض على الأمراء المذورين وقيدهم، وكان ذلك في سادس عشر رجب ونودي في البلد بالأمان والاطمئنان وأن السلطان انتصر وهو واصل إليكم، ثم توجه السلطان من الرملة بعد أن حصل بها قليل أذى لبعض أهلها بسبب ودائع كانت عندهم، وحصل للمصريين من أثقال المنهزمة ما لا يحيط به الوصف واستغنى الكثير منهم خصوصاً الأتباع والغلمان وأول من دخل دمشق من العسكر ناظر الخاص ابن غراب، دخلها في سلخ رجب ثم دخل جكم وهو رأس نوبة في أول يوم من شعبان فنقل الأمراء المقيدين إلى القلعة وأنصف الناس من المماليك ومنعهم من التعرض والنهب ومن النزول داخل البلد(2/101)
ودخل في هذا اليوم سودون قريب السلطان نائباً على الشام ونادى بالأمان ثم وصل تنم ومن معه في القيود في ليلة ثاني شعبان فحبسوا بالقلعة أيضاً، ثم وصل في ضحى النهار السلطان ومن معه فأمسك ابن الطبلاوي وصودر من كان من جهة تنم وهرب صلاح الدين تنكز.
وفي خامس شعبان خلع على سودون المذكور بنيابة الشام وعلى دمرداش بنيابة حلب وعلى دقماق بنيابة حماة وعلى الطنبغا العثماني بنيابة صفد وعلى شيخ المحمودي بنيابة طرابلس وهو الذي تسلطن بعد ذلك وتلقب بالمؤيد، واستقر شرف الدين مسعود في قضاء الشام عوضاً عن ابن الاخناي وكان قد استقر وكتب توقيعه في جمادى الأولى لما هرب من طرابلس إلى مصر فلم يقدر أنه يباشر ذلك بل سعى الأخناي إلى أن أعيد إلى وظيفته في يوم الخميس خامس شعبان وأعيد مسعود إلى قضاء طرابلس، واستقر تقي الدين عبد الله ابن الكفري في قضاء الحنفية عوضاً عن بدر الدين المقدسي وشمس الدين النابلسي في قضاء الحنابلة عوضاً عن شمس الدين ابن مفلح وعلاء الدين بن إبراهيم بن عدنان نقيب الأشراف في كتابة السر عوضاً عن ناصر الدين ابن أبي الطيب واستقر يشبك دويداراً كبيراً.
وفي ليلة رابع شعبان ذبح أيتمش وأتباعه ومنهم آقبغا اللكاش وجلبان الكمشبغاوي وأرغون شاه ويعقوب شاه وفارس وطيفور وأحمد ابن يلبغا وبيغوت، وأرسلت رأس أيتمش وفارس خاصة إلى القاهرة(2/102)
فعلقا بباب زويلة في تاسع عشر شعبان أو في العشرين منه ثلاثة أيام ثم سلما لأهلهما ثم قتل تنم نائب الشام ويونس الرماح نائب طرابلس بعد ذلك في رابع رمضان خنقا بالقلعة وتسلمهما أهلهما ودفنوهما واستمر بالحبس تغري بردى وآقبغا الجمالي ثم أفرج عنهما في آخر السنة، ووصل قاصد نعير يبذل الطاعة وأرسل القدر الذي جرت عادته بإرساله، ووصلت قصاد نواب البلاد كلها بالطاعة في سادس عشرين شعبان.
وفي صبيحة الرابع من رمضان رجع السلطان من دمشق، فلما وصل إلى غزة قتل علاء الدين الطبلاوي في ثاني عشر شهر رمضان ووصل السلطان إلى القاهرة في السادس والعشرين منه وفي جمادى الآخرة وسط شعبان ابن شيخ الخانقاه البكتمرية بسبب أنه خدع امرأة فخنقها في تربة وأخذ سلبها وكانت له قيمة فظهر أمره بعد أن أخذ أبوه وحبس بالخزانة، فلما قبض على شعبان ضرب فاعترف فقتل بعد أن سمر ثم وسط.
وفي هذه الأشهر غلت الأسعار في الأشياء المجلوبة من بلاد الشام فبلغ سعر اللوز القلب خمس مثقال وثمن الفستق خمسي مثقال.
وفي رابع عشر رجب أمسك شرف الدين ابن الدماميني وحبس بالقلعة بسببأنه افتعل عليه أنه كان سبب مخامرة يلبغا المجنون وكانت تلك من مكايد ابن غراب.(2/103)
وفيها كائنة عمر الدمياطي، قبض عليه يلبغا السالمي وضربه مقترح؟ وطوف به على حمار مقلوب وسجن بالخزانة أياماً ثم أطلق بسبب أنه كان بالشيخونية، فلما ورد كتاب السلطان بما وقع له من النصر بغزة حلف بالطلاق الثلاث أن ذلك لا صحة له، ففعل ذلك به.
وفي شعبان جرس بدمشق شخص كان ينجم لنائب الشام ويعده أنه يتسلطن، ونقل عن الباعوني وابن أبي دمين نحو ذلك وكذلك ناصر الدين أبن أبي الطيب كاتب السر قولاً وفعلاً وسلم لناظر الخاص، فصادره على مال، وسعى صدر الدين الآدمي في الوظيفة بمال كثير، فكاد أمره أن يتم ثم عدل عنه إلى علاد الدين نقيب الأشراف وأطلق ابن أبي الطيب بعد مدة، ثم أعيد إلى الترسيم وأخرج يوم الخميس ثالث روضان من دمشق على حمار موكلاً به.
وفي رجب بعد خروج العساكر ثار يلبغا المجنون الأستادارا بالوجه البحري فأطلق الأمراء الذين كانوا محبوسين بدمياط وكان السلطان أمر بنقلهم إلى الإسكندرية فالتقاهم يلبغا بالعطف فأطلقهم وقبض على الأمير الذي كان موكلاً بهم وهو سودون الماموري ثم وصل في تلك الحالة إلى ديروط سودون السدمري ومعه كمشبغا الحضري وأياس الكمشبغاوي وآخران معه فأطلقهم سودون أيضاً، وعمد يلبغا إلى خيل الطواحين بديروط فأخذها وتوجه هو ومن معه إلى دمنهور فقبض على نائبها والتف عليه جمع من المفسدين فنادى في إقليم البحيرة. بحط الخراج عنهم واحتاط على ما للسلطان هناك من خراج وغيره، فلما بلغ ذلك نائب(2/104)
الغيبة بيبرس قريب السلطان جرد إليهم بأمر السلطان جماعة منهم آقباي حاجب الحجاب وتمام أربعمائة من مماليك السلطان، فلما خشي يلبغا أن يدركوه فر إلى الغربية ثم إلى المحلة فنهب بيت الوالي ثم توجه إلى الشرقية ثم إلى العباسة، وخشي الأمير بيبرس على خيل السلطان وخيول الناس فأمر بطلوعها من الربيع بالجيزة وسدت غالب أبواب القاهرة خشية من هجوم يلبغا، ثم بلغ بيبرس النائب في الغيبة أن يلبغا توجه إلى جهة قطيا، فأرسل إليه أماناً صحبة مؤمن البريدي، فلما قرأه أمر بتقييد البريدي ثم توجه إلى جهة القاهرة، فبرز لملتقاه الأمراء الذي بالقاهرة فالتقوا بالمطرية، فحمل عليهم فتكاثروا عليه وكاد أن يؤخذ فاتفق أنه خرق القلب وتوجه نحو الجبل الأحمر وتمت الهزيمة على أصحابه واتبعوهم فأمسك بعضهم وفر بعضهم واستمر يلبغا وراء القلعة ساعة ينتظر أصحابه فلم يتبعم منهم إلا عشرون نفساً، فعلم أنه لا طاقة له في الحرب فاستمر هارباً وتبعه بعض العسكر إلى تربة الحبش فلم يلحق به.
وفي ربيع الآخر درس الباعوني في وظائف ابن سري الدين بحكم عدم أهليته.
وفي هذه السنة زاد احتراق بحر النيل إلى أن صار الحوض من بولاق إلى أنبابة واشتد الحر والعطش وتزاحم الناس على السقايين وصار أكثر الناس يستقي لنفسه على الحمير بالجرار ولم يكن لهم بذلك عهد.
وفي أول شوال قبض على الطنبغا والي العرب وكان نائب الوجه القبلي لكونه من جهة يلبغا المجنون، وفيه أفرج عن ناصر الدين ابن أبي الطيب كاتب سر الشام.(2/105)
وفي ثالث عشر شوال جردت الأمراء إلى الصعيد بسبب يلبغا المجنون وكان مملوكه وصل منه بكتاب يسأل في أن يكون نائب الوجه القبلي ويتدرك جميع الأمور فلم يجب إلى سؤاله ثم ورد كتاب والي الأشمونين يخبر فيه بأن محمد بن عمر حارب يلبغا المجنون وكسره واستمر في هزيمته إلى أن اقتحم فرسه البحر فغرق فطلعوا به ميتاً وقد أكل السمك وجهه ثم أشيع أنه لما انهزم من المعركة لم يعرف له خبر.
وفي رابع عشر شوال استقر شمس الدين البجاسي في الحسبة عوضاً عن جمال الدين بن عرب وكان جمال الدين استقر في غيبة السلطان في عاشر شعبان عوضاً عن تقي الدين المقريزي.
وفي يوم الجمعة رابع عشري شوال وقع بالقاهرة ضجة عظيمة وقت صلاة الجمعة بسبب مملوكين تضاربا فشهرا السيوف، فشاع بين الناس أن الأمراء اختلفوا وركبوا فهرب الناس من الجوامع ومنهم من خفف الصلاة جداً وراح لهم في الزحمة عدة عمائم وغيرها وخطفوا الخبز من الحوانيت والأفران، فبادر بن الزين الوالي وأمسك جماعة من المفسدين فشهرهم بالضرب ونادى عليهم: هذا جزاء من يسكر ويكثر الفضول وسكنت الفتنة ثم نودي بالأمان، وقيل إن أصل ذلك رجلاً ربط حماره إلى دكة بجوار جامع شيخون فجذب الحمار الدكة فنفرت خيول الأمراء الذي يصلون في الجامع وأقبل ناس من جهة الرميلة فرأوا شدة الحركة فظنوا أنها وقعة فرجعوا هاربين فتركبت الإشاعة من ثم إلى أن طارت في جميع البلد ثم خمدت.(2/106)
وفي هذا الشهر دبت العداوة بين يشبك الدويدار وبين سودون طاز أمير آخور.
وفي شوال استقر ناصر الدين بن السفاح في نظر الأحباس ونظر الجوالي وتوقيع الدست بعناية الدويدار وكان قد صودر بالشام، وفي آخره وقع بالحرف الشريف المكي حريق عظيم أتى على نحو ثلث الحرم ولولا العمود الذي سقط من السيل الآتي في أول السنة لاحترق جميعه واحترق من العد مائة وثلاثون عموداً صارت كلساً.
وفي شوال بلغ أهل بغداد عزم تمرلنك إلى التوجه إليهم ففر أحمد سلطانها واستنجد بقرا يوسف وأخذه ورجع إلى بغداد وتحالفاعلى القتال وأعطاه مالاً كثيراً وأقام عنده إلى آخر السنة، ثم توجه هو وقرا يوسف إلى بلاد الروم قاصدين لأبي يزيد بن عثمان وكان أبو يزيد المذكور قد حاصر في هذه السنة ملطية بعد أن ملك سيواس وولى بها ولده محمداً جالبي ورتب في خدمته الطواشي ياقوت ثم غلب على ملطية ثم رجع إلى برصا، فوصل اللنك إلى قراباغ في شهر ربيع الأول وقصد بلاد الكرج فغلب على تفليس ثم قصد بغداد، فبلغه توجه أحمد ابن أويس إلى جهة الشام فقصد بلاد قرا يوسف فعاث فيها(2/107)
وأفسد، وبلغ قرايلك حال النك وذلك بعد أن غلب على صاحب سيواس كما تقدم وغلبه عليها سليمان ولد أبي يزيد ملك الروم فسار إلى اللنك فخدمه ودله على مقاصده وعرفه الطرقات واستقر من أعوانه فدخل اللنك سيواس عنوة فأفسد فيها عسكره على العادة وخربوا فرد آخر السنة وقد كثر أتباعه من المفسدين فنازل بهنسا في السنة المقبلة وفي ثامن ذي الحجة أوفى النيل وكسر الخليج الأمير يشبك وكان السلطان أراد أن يباشر ذلك بنفسه ثم خشي وقوع فتنة فتراجع وفي السابع والعشرين من ذي الحجة استقر موفق الدين نصر الله في قضاء الحنابلة عوضاً عن بدر الدين الحكري بحكم عزله.
وفي هذه السنة كان ابتداء حركة تمرلنك إلى البلاد الشامية، وأصل ذلك أن أحمد بن أويس صاحب بغداد ساءت سيرته وقتل جماعة من الأمراء وعسف على الباقين، فوثب عليه الباقون فأخرجوه منها وكاتبوا نائب تمرلنك بشيراز ليتسلمها فتسلمها، وهرب أحمد إلى يوسف التركماني بالموصل فسار معه إلى بغداد، فالتقى به أهل بغداد فكسروه، واستمر هو وقرا يوسف منهزمين إلى قرب حلب فكاتبا نائب حلب، وقيل بل غلب على بغداد وجلس على تخت الملك ثم سار صحبة قرايوسف أو بعده زائراً له فوصلا جميعاً إلى أطراف حلب فكاتبا نائب حلب وسألاه أن يطالع السلطان بأمرهما، فكاتب أحمد بن أويس يستأذن في زيارته بمصر، فأجيب بتفويض الأمر إلى حسن رأيه، فخشي دمرداش نائب حلب أن يقصد هو وقرا(2/108)
يوسف حلب، فسار دمرداش نائب حلب ومعه طائفة قليلة منهم نائب حماة ليكبس أحمد بن أويس بزعمه، فكانت الغلبة لأحمد فانكسر دمرداش وقتل من عسكره جماعة ورجع منهزماً، وأسر نائب حماة ثم فدى نفسه بمائة ألف درهم، ثم جمع نعير والنائب ببهنسا والتقوا مع أحمد بن أويس فكسروه واستلبوا منه سيفاً يقال له سيف الخلافة وصحفاً وأثاثاُ كثيراً، فوصلت الأخبار بذلك إلى القاهرة، فسكن الحال بعد أن كان السلطان أمر بتجريد العساكر لما بلغته هزيمة دمرداش نائب حلب وأرسل بريداً إلى الشام بالتجهيز إلى جهة حلب فراجع النائب في ذلك حتى سكن الحال.
وفي خامس عشر من ذي الحجة أعم نوروز بعض مماليكه أن جماعة منهم اتفقوا على قتله في الليل فحذر منهم فلم يخرج في تلك الليلة من قصره، فلما طال عليهم السهر ولم يخرج في الوقت الذي جرت عادته بالخروج فيه أتوا إلى باب القصر ونادوا زمام الدار وقالوا له: أعلم الأمير أن العسكر ركب، فبلغ ذلك نوروز فأمره أن لا يجيبهم وتحقق ما أخبروه به عنهم، فلما أصبح افتقد منهم جماعة هربوا فقبض على آخرين فقررهم فأقروا على بعضهم، فغرق بعضاً ونفى بعضاً.
وفي آخر ذي القعدة وصل كتاب نائب الرحبة يخبر فيه أنه صادف ناساً عند خان لاجين يقطعون الطريق، فقبض منهم جماعة وسأل نجدة ليسلمهم لهم إلى دمشق، فقام النائب في ذلك وقعد وانزعج الناس لذلك فظنوه أمراً عظيماً وصاروا في هرج ومرج وأشاعوا أن تمرلنك قصد البلاد، وكنت يومئذ بصالحية دمشق؛(2/109)
ثم انجلت القصة آخر النهار عن هذه القضية؛ وكان ذلك تفاؤلاً جرى على الألسنة بذكر تمرلنك، فإن الأيام لم تمض قليلاً حتى طرق البلاد، فلا قوة إلا بالله.
وفي ثالث شعبان نزل شهاب الدين الحسباني لولده تاج الدين عن درس الإقبالية وعمره يومئذ خمس عشرة سنة وحضره قضاة مصر والشام إلا حنبلي مصر وحفظ الخطبة جيداً وأداها أداءً حسناً وشرع في تفسير سورة الكهف وأعجبهم وأثنوا عليه.
وفي هذه السنة أثبت هلال شعبان ليلة السبت بحلب مع اتفاق أهل العلم بالنجوم أنه لا يمكن رؤيته فلما كان ليلة الأحد شهد اثنان برؤية هلال رمضان وهو أيضاً لا يمكن، وأصبحوا ليلة الإثنين فلم يروا شيئاً فأفطروا يوم الثلاثاء وهو سلخ رمضان في الحقيقة فأفطروا يوماً من آخر رمضان بمقتضى ذلك.
وفي شوال ضرب صدر الدين الأدمي في محاكمة بينه وبين بعض الناس بسبب إجازة لوقف الخاتونية فخرج ليحلف ثم اختلف كلامه وفهم منه الحاجب الاختلاف فغضب منه فكلمه بكلام غليظ ثم أمر بضربه فضرب على مقعدته بضعة عشر عصى وكان قد سعى في كتابة السر وكاد أمره أن يتم وجهزت خلعته ثم بطل ذلك فسعى في النيابة عن القاضي الحنفي فاستنابه فعن قريب وقع له ما وقع.
وفيها سعى القاضي بدر الدين ابن أبي البقاء في قضاء الشام وكتب توقيعه بذلك بشرط أن يستقر تدريس الشافعي لولده فلم يجب إلى ذلك فسعى في إبطال توليته لقضاء الشام واستقر فيها أخوه علاء الدين.(2/110)
وفيها توجه اللنك إلى جهة العراق فوصل قراباغ في شهر ربيع الأول منها ثم جمع العساكر في جمادى الآخرة وقصد بلاد الكرج فملك تفليس وسار إلى جهة بغداد ففر منه أحمد بن أويس فلما بلغ اللنك أنه اتفق مع قرايوسف وتوجها إلى بلاد الروم توجه إلى بلاد قرايوسف فعاث فيها وأفسد وبلغ ذلك ابن عثمان قرايلوك التركماني وكان قد فتك بالقاضي برهان الدين صاحب سيواس وقتله غدراً وأراد التغلب على سيواس فمنعه أهلها واستعانوا عليه بالتتار الذين في بلاد الروم فهزموه ففي أثناء ذلك بلغه قصد اللنك البلاد فتوجه إليه ووقف في خدمته وصار يدله على الأماكن ويعرفه بالطرق ويسير في خدمته كالدليل وكان أهل سيواس كاتبوا أبا يزيد بن عثمان فأرسل إليهم ولده سليمان فملكها فلما بلغ قصد اللنك لهم كاتبوا أبا يزيد فطرقهم اللنك في الجنود في ذي الحجة فحاصرها ودخلها عنوة في الثامن عشر فبالغ عسكره في الفساد والتخريب وتوجه منها في البحر وقد ازداد عدة عساكره من غالب المفسدين النهاية المؤذين ونازل بهنسا وكان ما سنذكره إن شاء الله.
ذكر من مات
في سنة اثنتين وثمانمائة من الأعيان
إبراهيم بن أبي بكر بن محمد الفرضي صاحب الكلائي، أصله من البرلس وسكن القاهرة ثم مكة فانتفع المكيون به في فن الفرائض، مات في المحرم.
إبراهيم بن عبد الله العربي المعروف بالحطاب المعلة سكن المدينة طويلاً مع خير واستقامة وللناس فيه اعتقاد.
إبراهيم بن عبد الرحمن بن سليمان السرائي الشافعي، قدم القاهرة وولي مشيخة الرباط بالبيبرسية وكان يعرف بإبراهيم شيخ، واعتنى بالحديث كثيراً ولازم الشيخ زين الدين العراقي وحصل النسخ المليحة فاعتنى بضبطها وتحسينها وكان يحفظ الحاوي ويدرس غالبه مع الخير والدين.
ومن لطائفه قوله: كان أول خروج تمرلنك في سنة عذاب، يشير إلى أن أول ظهوره سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، لأن العين بسبعين والذال المعجمة بسبعمائة والألف والباء بثلاثة، سمعت من فوائده ومن نظمه، وكان يحسن عمل صنائع عديدة مع الدين والصيانة، مات في ربيع الأول.
إبراهيم بن محمد بن عثمان ابن إسحاق الدجوي ثم المصري أخذ عن الشهاب بن المرحل وجمال الدين بن هشام وغيرهما في العربية فمهر وشغل فيها، وكان جل(2/111)
ما عنده حل الألفية الخلاصة، وكان يتكسب بالشهادة والعقود، وفيه دعابة، وأظنه قد بلغ الثمانين، مات في ربيع الأول.
إبراهيم بن موسى بن أيوب الأبناسي الشافعي برهان الدين أبو محمد نزيل القاهرة، ولد في أول سنة خمس وعشرين وسبعمائة وسمع من الوادي آشي وأبي الفتح الميدومي وأخذ عن اليافعي والشيخ خليل بمكة وعن عمر بن اميلة وغيره بدمشق واشتغل في الفقه والعربية والأصول والحديث وتخرج بمغلطاي وتفقه على الأسنوي والمنفلوطي وغيرهما، ودرس بمدرسة السلطان حسن وبالآثار وغير ذلك، واتخذ بظاهر القاهرة زاوية فأقام بها يحسن إلى الطلبة ويجمعهم على التفقه ويرتب لهم ما يأكلون ويسعى لهم في الأرزاق حتى كان أكثر الطلبة بالقاهرة من تلامذته، سمعت منه كثيراً وقرأت عليه في الفقه، وكان يتقشف ويتعبد ويطرح التكلف، وعين مرة للقضاء فلما بلغه ذلك توارى، وذكر أنه فتح المصحف في تلك الحال فخرج له " قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه " وولي مشيخة سعيد السعداء مدة ولم يزل مستمراً على طريقته في الإفادة بنفسه وعلمه إلى أن حج في سنة إحدى وثمانمائة، فمات راجعاً في المحرم سنة اثنتين ودفن بعيون القصب، ورثاه الشيخ زين الدين العراقي بأبيات على قافية الدال.(2/112)
إبراهيم بن نصر الله بن أحمد بن أبي الفتح الكناني العسقلاني ثم القاهري سبط علاء الدين الحراني، ولد في رجب أو شعبان سنة ثمان وستين، وولي القضائ بعد والده وعمره سبع وعشرون سنة، وسلك طريق أبيه في العفة والتثبت في الأحكام مع بشاشة ولين جانب، وكان الظاهر يعظمه ويرى له، مات في ربيع الأول.
أحمد بن إسحاق بن مجد الدين بن عاصم بن سعد الدين محمد بن عبد الله الأصبهاني جلال الدين ابن نظام الدين المعروف بالشيخ أصلم شيخ خانقاه سرياقوس وابن شيخها، مات في ربيع الأول وكان مذكوراً بمعرفة علم الحرف وقد تقدم في الحوادث شيء من ذلك وتقدمت وفاة أبيه سنة ثمانين.
أحمد بن أويس الجبرتي المصري الشافعي مدرس تربة الست بالصحراء، مات في ربيع الأول.
أحمد بن خلف المصري شهاب الدين ناظر المواريث، كان أبو مهتاراً عند ابن فضل الله، مات في جمادى الآخرة.(2/113)
أحمد بن خليل بن كيكلدي العلائي المقدسي أبو الخير، سمع بإفادة أبيه من الكبار كالحجار وغيره من المسندين والمزي وغيره من الحفاظ بدمشق وزحل به إلى القاهرة فأسمعه من أبي حيان ومن عدة من أصحاب النجيب، وسكن بيت المقدس إلى أن صار من أعيانه وكانت الرحلة في سماع الحديث بالقدس إليه فحدث بالكثير، وظهر له في أواخر عمره سماع ابن ماجة علي الحجار، ورحلتإليه من القاهرة بسببها في هذه السنة فبلغني وفاته وأنا بالرملة فعرجت على القدس إلى دمشق، وكان موته في ربيع الآول وله ست وسبعون سنة وقد أجاز لي غير مرة.
أحمد بن داود بن محمد الدلاصي شهاب الدين شاهد الطرحي، كان من الأعيان المعتبرين بالقاهرة، مات في ربيع الأول.
أحمد بن عبد الله التركماني أحد من كان يعتقد بمصر، مات في ربيع الأول.
أحمد بن عبد الخالق بن محمد بن خلف الله المجاصي وهي إحدى قرى المغرب، كان شاعراًماهراً، طاف البلاد وتكسب بالشعر، وله مدايح وأهاجي كثيرة، مات بالقاهرة في ربيع الآخر وقد ناهز الثمانين وكان حينئذ صوفياً بسعيد السعداء.(2/114)
أحمد بن علي بن أيوب المنوفي شهاب الدين إمام الصالحية بالقاهرة، اشتغل كثيراً وكان كثير المزاح حتى رماه بعضهم بالزندقة، مات في صفر وله ستون سنة.
أحمد بن علي بن محمد بن علي بن يوسف الدمشقي الحنفي كمال الدين المعروف بابن عبد الحق ويعرف قديماً بابن قاضي الحصن، وعبد الحق جده لأمه وهو ابن خلف الحنبلي سمع الكثير بإفادة جده لأمه شمس الدين الرقي من علي بن محمد البندنيجي وأبي محمد بن أبي التائب وغيرهما حضوراً ومن عائشة ابنة المسلم الحرانية والمزي وخلق كثير من أصحاب ابن عبد الدائم سمعت عليه كثيراً وكان قد تفرد بكثير من الروايات وكان عسراً في التحديث؛ مات في ثاني ذي الحجة وأنا بدمشق وقد جاوز السبعين.
أحمد بن محمد بن أحمد بن السيف شهاب الدين الصالحي الحنبلي، سمع من علي بن العز عمر وفاطمة بنت العز إبراهيم وغيرهما وحدث، مات في جمادى الآخرة، ولي منه إجازة.
أحمد بن محمد بن أحمد بن التقي سليمان بن حمزة المقدسي الحنبلي شهاب الدين بن عز الدين سمع من العز محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر وغيره مات في المحرم وله إحدى وستون سنة، ولي منه إجازة.(2/115)
أحمد بن محمد بن عبد البر السبكي شهاب الدين ابن قاضي القضاة بهاء الدين بن أبي البقاء ناظر بيت المال بالقاهرة، ناب في الحكم عن أخيه بدر الدين؛ ومات في ربيع الآخر.
أحمد بن محمد الأخوي الخجندي أبو طاهر الحنفي نزيل المدينة، حدث بجزء عن عز الدين ابن جماعة وشغل الناس بالمدينة أربعين سنة، وانتفع الناس به لدينه وعلمه، مات وقد جاوز الثمانين.
أحمد بن محمد الطولوني المهندس كان كبير الصناع في العمائر ما بين بناء ونجار وحجار ونحوهم، ويقال له المعلم، وكان من أعيان القاهرة حتى تزوج الملك الظاهر ابنته فعظم قدره، وكان قد حج بسبب عمارة المسجد الحرام فمات راجعاً بين مر وعسفان.
أحمد بن محمد الطوخي الناسخ شهاب الدين كان جيد الخط حسن الضبط سريع الكتابة جداً يقال إنه كان يكتب بالمدة الواحدة عشرين سطراً، وأنجب عدة أولاد منهم محب الدين، اشتغل كثيراً ومهر ثم ترك وتشاغل بالمباشرة عند كبير التجار برهان الدين المحلي، ثم انكسر عليه مال(2/116)
فضيق عليه فأظهر الجنون، وتمادى به الحال إلى أن صار جداً فانخبل عقله وصار يمشي في الأسواق وبيده هراوة ويقف فيذكر جهراً وتمادى على ذلك مدة بحيث كثر من يعتقده، واستمر على ذلك نحواً من أربعين سنة، وفي بعض الأحيان يتراجع وينقطع وينسخ بالأجرة ثم يرجع لتلك الحالة وهو في حال تسطير هذه الأسطر في قيد الحياة سنة تسع وأربعين ثم مات بعد الخمسين وذكر لي أن مولده سنة أربع وسبعين.
إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن علي بن موسى الكناني البلبيسي ثم المصري القاضي مجد الدين ولد سنة ثمان أو تسع وعشرين وسبعمائة وسمع من أصحاب النجيب والعز الحرانيين ولازم الزيلعي في الطلب فأكثر من سماع الكتب والأجزاء وتخرج بمغلطاي والتركماني، واشتغل في الفقه والفرائض فمهر فيها ونظم الشعر وشارك في الأدب وباشر توقيع الحكم وناب في القضاء، وشجر بينه وبين شمس الدين الطرابلسي شيء فلم يثبت له بل صبر حتى اشتغل بالقضاء ثم عزل، وله تأليف في الفرائض، سمعت تاج الدين بن الظريف يطريه، واختصر الأنساب للرشاطي وتذكرة فيها فنون كثيرة ولما ولي القضاء كان معتكفاً في جوار الجامع الأزهر في رمضان فباشره فلم يرزق في السعد ثم أشاع عنه جمال الدين العجمي أنه يتبرم بالسقر مع السلطان ويدعي العجز عن الحركة واتفق أنه كان ثقيل البدن، فكان إذا حضر الموكب وأراد القيام اعتمد على الأرض وقام بمشقة، فكان السلطان يعاين منه ذلك فصدق ما قيل عنه فعزله ولم يتم له سنة واستمر إلى أن مات بعد أن ازداد ضعفه وانهزم وساءت حاله جداً مات في أول ربيع الأول ومن شعره:(2/117)
لا تحسبن الشعر فضلاً بارعاً ... ما الشعر إلا محنة وخبال
الهجر قذف والرثاء نياحة ... والعتب ضغن والمديح سؤال
أيتمش البجاسي كان ممن قام مع برقوق في ابتداء أمرته فأبلى في كائنته بلاء حسناً فحفظ له ذلك، وصار عنده مقرباً، ثم كان هو مقدم العساكر التي جهزها الظاهر لقتال يلبغا الناصري لما خرج عليه، فكسره الناصري وحبسه في دمشق، فلما خرج الظاهر من الكرك خلص واجتمع بالظاهر لما توجه لمصر فقرره أميراً كبيراً لما حضر الظاهر الموت أوصاه على ولده وجعله المتكلم في الدولة، فآل أمره إلى أن قتل كما تقدم.
أبو بكر بن عثمان بن الناصح الكفرسوسي المؤدب صحب الشيخ علياً البناء وأخذ طريقته، وكان قد تصدى للعمل في البساتين مع النصيحة في عمله، ثم حفظ القرآن على الكبر وتصدى لتعليمه فكان يعلم الصبيان ويتورع، وكانت عنده وسوسة في الطهارة وسكن لما كبر المزة، مات في جمادى الأولى وقد جاوز الستين.
أبو بكر بن يحيى بن محمد بن بلول بلامين أمير توزر حاصره صاحب إفريقية أبو فارس حتى قبض عليه فصلبه حتى مات في هذه السنة.(2/118)
بركة بنت سليمان بن جعفر الأسنائي زوج القضي تقي الدين الأسنائي، سمعت علي عبد الرحمن بن عبد الهادي وحدثت، ماتت في سلخ المحرم.
بهادر بن عبد الله مقدم المماليك كان ليلبغا وولي التقدمة من قبل سلطنة الظاهر إلى أن مات وخرج من تحت يده خلق كثير من أكابر الأمراء آخرهم شيخ المحمودي الذي ولي السلطنة؛ وكان بهادر المذكور محتشماً محترماً كثير المال محباً في جمعه؛ مات في رجب بالقاهرة وهو هرم.
تنم الظاهري تنقل في خدمة يرقوق إلى أن ولاه نيابة دمشق بعد وفاة كمشبغا الخاصكي، وفي سنة تسع وتسعين قاد الجيوش الإسلامية إلى سيواس نجدة لصاحبها برهان الدين بأمر الظاهر أظهر لهم المخامرة وطلب السلطنة فأطاعه نواب المماليك، ثم وصل إليه أمير العسكر المصري أيتمش ومن معه فتقوى بهم، ثم كان في محاربة الناصر ومن معه لهم ما تقدم وكانت الكسرة على تنم ومن معه فأسروا ثم قتلوا، وكان شجاعاً مهيباً جواداً حسن التدبير وله خان سبيل بالقرب من القلعة وتربة بدمشق.
جلبان، تنقل في خدمة الظاهر إلى أن ولاه نيابة حلب عوضاً عن قرا دمرداش سنة ثلاث وتسعين، وجرت له وقعة مع التركمان بالباب فانتصر عليهم، ثم جرت له أخرى مع نعير وانتصر عليه أيضاً ثم قبض عليه الظاهر سنة ست وحبسه مدة بالقاهرة ثم أطلقه، واستقر أميراً كبيراً بدمشق، ثم كان ممن قام مع تنم فقتل.(2/119)
خديجة بنت العماد أبي بكر بن يوسف بن عبد القادر الخيلية ثم الصالحية، روت عن عبد الله بن قيم الضيائية وماتت في أواخر السنة ولي منها إجازة.
سليمان بن أحمد بن عبد العزيز الهلالي المغربي ثم المدني المعروف بالسقا، سمع من أحمد بن علي الجزري وفاطمة بنت العز إبراهيم وابن الخباز وغيرهم، وحدث، سمعت منه بالمدينة الشريفة، وكان مباشر أوقاف الصدقات بالمدينة وسيرته مشكورة ثم أضر بآخرته، ومات في أواخر هذه السنة وقد ناهز الثمانين.
سليمان القرافي المجذوب كان للناس فيه اعتقاد زائد مات في ربيع الأول.
شيرين الرومية خوند والدة الملك الناصر فرج، كانت كثيرة المعروف والبر في شؤونها بعد سلطنة ولدها؛ ماتت في ذي الحجة.
صدقة بن عبد الله المغربي، مات بدمشق في جمادى الأولى.
عبد الله بن أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن محمد بن هاشم ابن عبد الواحد بن عبد الله بن عشائر تاج الدين الحلبي الشافعي ولد سنة ثمان وعشرين وسمع بها علي التقي إبراهيم بن عبد الله بن العجمي وغيره وأجاز له جماعة من دمشق(2/120)
منهم زينب ابنة الكمال، وحدث وسمع منه البرهان المحدث وذكره القاضي علاء الدين في تاريخه. وقال: كان عاقلاً ديناً يعد من أعيان الحلبيين، مات في سادس عشر ربيع الآخر سنة اثنتين وثمانمائة بحلب ودفن بمقبرتهم خارج باب المقام.
عبد اللطيف بن أحمد الفوي نزيل حلب سراج الدين ولد سنة أربعين تقريباً وقدم القاهرة فاشتغل بالفقه على الأسنوي وغيره وأخذ الفرائض عن صلاح الدين العلائي فمهر فيها، ثم دخل حلب فولي بها قضاء العسكر ثم عزل، ثم ولي تدريس الظاهرية ثم نوزع في نصفها وكان يقرأ بمحراب الجامع الكبير ويذكر الميعاد بعد صلاة الصبح بمحراب الحنابلة، وكان ماهراً في علم الفرائض ومشاركاً في غيرها، وله نظم ونثر ومجاميع وطارح الشيخ زادة لما قدم عليهم بنظم ونثر فأجابه، ولم يزل مقيماً بحلب إلى أن خرج منها طالباً القاهرة، فلما وصل إلى خان غباغب أصبح مقتولاً وذهب دمه هدراً ولم يعرف قاتله.
عبد اللطيف بن أبي بكر بن أحمد بن عمر الشرجي نزيل زبيد كان عارفاً في العربية مشاركاً في الفقه، ونظم مقدمة ابن بابشاد في ألف بيت وشرح ملحة الإعراب وله تصنيف في النجوم، اجتمعت به بزبيد وسمع علي شيئاً من الحديث وكان السلطان الأشرف يشتغل عليه،(2/121)
وأنجب ولده أحمد وكان حنفياً.
عبد المنعم بن عبد اله المصري الحنفي اشتغل بالقاهرة ثم قدم حلب فقطنها وعمل المواعيد وكان آية في الحفظ، يحفظ ما يلقيه في الميعاد دائماً من مرة أو مرتين، شهد له بذلك البرهان المحدث، فقال: كان يجلس مع الشهود ثم رحل إلى بغداد فأقام بها، ثم عاد إلى حلب فمات بها في الثالث من صفر.
عثمان بن إدريس بن إبراهيم بن عمر التكروري صاحب بروونوزغاي، ملك بعد أخيه إدريس بن إدريس، وكان أخوه ملك بعد أخيه داود وداود بعد والدهم إبراهيم، وهو أول من ملك من آل بيتهم وجدهم الأعلى كان ينتمي إلى الملثمين وهم إلى الآن على تلك الطريقة في ملازمة اللثام، ويقال إنه جمع من العسكر مائة ألف فارس ورحل يقاتل بهم من يليه من الكفار، والإسلام غالب في بلادهم، مات في هذه السنة.(2/122)
علي بن أحمد بن عبد الله الإسكندراني الحاسب كان يتعانى علم الميقات فبرع في معرفة حل الزيج وكتابة التقاويم وأقبل على الكيميا فأفنى عمره في أعمالها ما بين تصعيد وتقطير وغير ذلك ولم يصعد معه شيء، مات في آخر السنة عن نحو خمسين سنة.
علي بن أيبك بن عبد الله التقصباوي الدمشقي علاء الدين الأديب، ولد سنة ثمان وعشرين وتعانى الأدب فقال الشعر الفائق ولكنه بالنسبة إلى طبقة من فوقه متوسط وهو القائل:
في حلب الشهباء ظبي سطا ... بحاجب أفتك من طرفه
لقوسه في جوشي أسهم ... والقصد عسر النيل من ردفه
أجاز لي، ومات في سنة إحدى وثمانمائة.
علي بن عبد الرحمن الدماصي الكاتب المجود جاور بمكة كثيراً وكتب الناس، وكان يشهد ببعض الحوانيت ظاهر القاهرة.
علي بن عبد العزيز بن أحمد الخروبي تقي الدين بن عز الدين بن صلاح الدين من أعيان التجار بمصر حج مراراً، وكان ذا مروءة وخير عفيفاً عن الفواحش ديناً متصوناً، أوصى بمائة ألف درهم فضة لعمارة الحرم الشريف المكي فعمر بها بعد الاحتراق، وكان والدي قد تزوج أخته التي ماتت قبله، وكان عمي زوج عمته وعمه زوج عمتي، فكانت بيننا مودة أكيدة، وكان بي براً محسناً شفوقاً جزاه الله خيراً؛ مات في رجب وقد أكمل الستين.
علي بن محمد بن علي بن عرب علاء الدين سبط القاضي كمال الدين التركماني ناب في الحكم ببعض البلاد وولي قضاء العسكر، مات في صفر.
علي بن محمود بن أبي بكر بن إسحاق بن أبي بكر بن سعد الله بن جماعة الكناني علاء الدين الحموي ابن القباني اشتغل بحماة ثم قدم دمشق في حدود الثمانين(2/123)
وولي إعادة البادرائية ثم تدريسها عوضاً عن شرف الدين الشريشي، وكان ربما خطب وأم بالجامع الأموي، وكان يفتي ويدرس ويحسن المعاشرة، وكان طويلاً بعيد ما بين المنكبين، حج مراراً وجاور، وكان قليل الشر كثير البشر، مات في ذي القعدة؛ وقد شارك علاء الدين ابن المغلي قاضي حماة في أسمه وأسم أبيه وجده ونسبته حموياً، وسمع صاحب الترجمة مع الشيخ برهان المحدث بحلب وبدمشق سنة ثمانين، وليس هو ابن مغلي فليعلم لأنه لا يتميز في ثبت الشيخ برهان الدين.
عيسى بن عبد الله المهجمي المعروف بابن الهليس كان من أعيان التجار، ولاه الأشرف نظر عدن، وجاور بمكة مدة سنسن؛ مات في رجب.
محمد بن أحمد بن أبيالفتح بن إدريس الدمشقي شمس الدين ابن السراج أخو المحدث عماد الدين، سمع من الحجار الصحيح ومن محمد بن حازم والمزي والبرزالي والجزري وغيرهم؛ مات في رجب وقد قارب الثمانين.
محمد بن أحمد بن محمد المصري السعودي شمس الدين يعرف بابن شيخ السنيين برع في مذهب الحنفية ودرس وأفتى وناب في الحكم وأحسن في إيراد مواعيده بجامع الحاكم وكتب الخط الحسن وخرج الأربعين النووية وجمع مجاميع مفيدة؛ مات في سلخ صفر وهو في الأربعين وتأسف الناس عليه.(2/124)
محمد بن أحمد بن محمد الطوخي.
محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الحنفي ولد شيخنا القاضي مجد الدين مات قبل أبيه بشهرين، وكان قد اشتغل ومهر.
محمد بن حسب الله جمال الدين الزعيم التاجر المكي، مات في ثالث جمادى الأولى، وكان واسع المال جداً معروفاً بالمعاملات وضبط من ماله بعده أكثر من عشرين ألف دينار سوى ما أخفى.
محمد بن حسين بن علي بن أحمد بن عطية بن ظهيرة المخزومي المكي الشافعي أبو السعود سمع من العز ابن جماعة واشتغل بالفقه والفرائض ومهر فيها، وناب في الحكم عن صهره القاضي شهاب الدين وهو والد أبي البركات الذي ولي الحكم في زماننا، مات في صفر عن نيف وستين سنة وكان مولده سنة خمس وأربعين.
محمد بن عبد الله بن بكتمر ناصر الدين ابن جمال الدين بن الحاجب تقدم في ولاية صهره بطا الدويدار، مات في ربيع الأول.
محمد بن عبد الله بن نشابة الأشعري الحرضي ثم العريشي نسبة إلى قرية يقال لها عريش من عمل حرض، وحرض آخر بلاد اليمن من جهة الحجاز وبينها وبين حلي مفازة(2/125)
وكان محمد المذكور فقهياً شافعياً، ذكره ابن الأهدل في ذيل تاريخ الجندي وقيد وفاته فيها أو في التي بعدها، قال خلفه ولده عبد الرحمن: وكان مولده سنة أربع وسبعين وتفقه بأبيه وبأحمد مفتي مور، وذكر أنه اجتمع به بعد الثلاثين بأبيات حسين وهو مفتي بلده ومدرسها وينوب في الحكم فيها.
محمد بن عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن محب الدين ابن شيخنا يكنى أبا حاتم، أسمعه ابوه الكثير، واشتغل ودرس ثم ترك وكان فاضلاً وشكله حسن، قليل الاشتغال، وكان قد توجه إلى مكة في رجب ثم رجع قبل الحج لمرض أصابه فاستمر إلى أن مات في صفر.
محمد بن عبيدان الدمشقي بدر الدين ولد قبل الخمسين وتفقه وشهد عند الحكام وتميز فيهم، وأجازه الشيخ سراج الدين البلقيني بالإفتاء قديماً، ولي قضاء بعلبك عن البرهان ابن جماعة ثم ولي قضاء حمص، مات في ربيع الأول.
محمد بن عجلان بن رميثة بن أبي نمى الحسني المكي ناب في إمرة مكة ثم أكحل بعد موت أخيه أحمد واستمر خاملاً وقد دخل اليمن مسترقداً صاحبها ثم جهز معه المحمل في سنة ثمانمائة فرافقته وسلمنا من العطش الذي أصاب أكثر الحجاج في تلك السنة بمرافقة محمد هذا، لأنه سار بنا من جهة وخالفه أمير الركب فسار من الجهة المعتادة، فلم يجدوا ماء فهلك الكثير منهم.(2/126)
محمد بن عمر بن إبراهيم العجمي شمس الدين بن جمال الدين الحلبي وسمع المسلسل بالأولوية من الشيخ تقي الدين السبكي ومن محمد بن يحيى بن سعد وحدث به عنهما بسماع الأول على الموازيني أنا البهاء عبد الرحمن أنا ابن الجوزي وابن حمدي والثاني علي ابن دوالة أنا النجيب أنا ابن الجوزي قالا أنا إسماعيل بن أبي صالح بسنده وكان مولد شمس الدين هذا في سنة أربع وثلاثين واشتغل في شبيبته وحفظ الحاوي ونزل في المدارس وجلس مع الشهود ثم ولي تدريس بعض المدارس بعد والده ونازعه الأذرعي ثم الفوي ثم استقر ذلك بيده، وكان سليم الفطرة نظيف اللسان خيراً لا يغتاب احداً وله إجازة حصلها له أبوه فيها المزي وتلك الطبقة ولم يحدث بشيء منها والله أعلم؛ مات في رمضان ذكره القاضي علاء الدين.
محمد بن عمر بن علي بن إبراهيم الجمال المعابدي الوكيل كان من كبار التجار كثير المال جداً كثير القرى والمعروف؛ مات في ربيع الآخر.
محمد بن محمد بن أحمد المقدشي بالشين المعجمة سمع أكثر صحيح مسلم على ابن عبد الهادي وحدث، وكان ذا خير وعبادة وفيه سلامة فكان أصحابه يقولون له: ادع لفلان، فيقول: وليته قضاء العسكر، فكثر ذلك منه فلقبوه قاضي القضاة سمعت منه؛ مات في سادس عشرى شهر رجب وقد قارب التسعين.
محمد بن محمد بن عبد العزيز بن عبد الله ناصر الدين ولد سنة ستين أو نحوها وتعانى الكتابة وولي التوقيع وباشر في الجيش وصحب حمزة أخا كاتب السر وكان جميل الوجه وسيماً محباً في الرياسة لكنه لم يرزق من الحظ إلا الصورة، مات مقلاً في صفر.(2/127)
محمد بن محمد بن علي بن عبد الرزاق الغماري ثم المصري المالكي شمس الدين أخذ العربية عن ابي حيان وغيره، وسمع الكثير من مشايخ مكة كاليافعي والفقيه خليل، وسمع بالإسكندرية من النويري وابن طرخان وحدث بالكثير، وكان عارفاً باللغة والعربية، كثير المحفوظ للشعر لا سيما الشواهد، قوي المشاركة في فنون الأدب، تخرج به الفضلاء، وقد حدثنا بالبردة بسماعه من أبي حيان عن ناظمها، وأجاز لي غير مرة عاش اثنتين وثمانين سنة.
محمد بن محمد بن محمد بن عبد الدائم الباهي نجم الدين الحنبلي اشتغل كثيراً وسمع من شيوخنا ونحوهم، وعني بالتحصيل ودرس وأفتى، وكان له نظر في كلام ابن العربي فيما قيل، مات في شعبان عن ستين سنة، قال ابن الحجي: كان أفضل الحنابلة بالديار المصرية بالقاهرة وأحقهم بولاية القضاء.
محمد بن محمد بن محمد بن عثمان الغلفي ابن شيخ المعضمية، سمع من الحجار وحضر على إسحق الآمدي، وأجاز له أيوب الكحال وعلي بن محمد البندنيجي، مات في جمادى الآخرة، أجاز لي غير مرة.(2/128)
محمد بن محمد الجديدي القيرواني، تفقه ثم تزهد وانقطع وظهرت له كرامات، وكان يقضي حوائج الناس، وحج سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة فجاور بمكة إلى أن مات، وكان ورعه مشهوراً، وقيل مات سنة إحدى وثمانمائة.
محمد الكردي الصوفي الزاهد المعمر، كان بخانقاه عمر شاه بالقنوات بدمشق، وكان ورعاً جداً لا يرزأ أحداً شيئاً ويؤثر بما عنده، ويؤثر عنه كرامات وكشف، وكان لا يخالط أحداً ويخضع لكل أحد، جاوز الثمانين، مات في شوال.
مفتاح بن عبد الله عتيق المهتار نعمان، كان مهتار الطشتخاناة، مات في هذه السنة.
مقبل بن عبد الله الرومي عتيق الناصر حسن، طلب العلم واشتغل على الفقه على مذهب الشافعي، ثم تعمق في مقالة الصوفية التحادية، وكتب الخط المنسوب إلى الغاية، وأتقن الحساب وغيره، مات في أوائل السنة، رأيته مراراً وقد قارب الستين.
ملكة بنت الشرف عبد الله بن العز إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي ثم الصالحي، أحضرت علي الحجار وعلي محمد بن الفخر ابن البخاري، واحضرت علي أبي بكر ابن الرضي وزينب بنت الكمال وغيرهم، وأجاز لها ابن الشيرازي وابن عساكر وابن سعد وإسحاق الآمدي وغيرهم وحدثت بالكثير وسمع منها الفضلاء، ماتت في تاسع عشر جمادى الأولى وقد جاوزت الثمانين وأجازت لي.(2/129)
يوسف بن أحمد بن غانم المقدسي النابلسي، ولي قضاء نابلس زماناً ثم قضاء صفد ثم خطابة المقدس لما مات عماد الدين الكركي، ثم سعى عليه ابن السائح قاضي الرملة بمال كثير فعزل فقدم دمشق متمرضاً، ومات فيها في جمادى الأولى، وهو سبط الشيخ تقي الدين القلقشندي.
يوسف بن الحسن بن محمود السرائي ثم التبريزي عز الدين الحلوائي، قرأت في تاريخ حلب لابن خطيب الناصرية أنه نقل ترجمة يوسف هذا عن ولده بدر الدين لما قدم عليهم في سنة تسع وعشرين فقال: ولد سنة ثلاثين وسبعمائة وأخذ عن جلال الدين القزويني وشهاب الدين الخونجي والعضد، ورحل إلى بغداد فقرأ على الكرماني ثم رجع إلى تبريزفأقام بها ينشر العلم ويصنف إلى أن بلغه أن ملك الدعدع قصد تبريز لكون صاحبها أساء السيرة مع رسول أرسله إليه في أمر طلبه منه وكان الرسول جميل الصورة إلى الغاية فتولع به صاحب تبريز فلما رجع إلى صاحبه أعلمه بما صنع معه وأنه اغتصبه نفسه أياماً وهو لا يستطيع الطواعية وتفلت منه، فغضب أستاذه وجمع عسكره وأوقع بأهل تبريز فأخربها، وكان أول ما نازلها سأل عن علمائها فجمعوا له فآواهم في مكان وأكرمهم فسلم معهم ناس كثير ممن اتبعهم، ثم لما نزح عنهم تحول عز الدين إلى ماردين فأكرمه صاحبها وعقد له مجلساً حضره فيه علماءها مثل شريحا الهمام والصدر فأقروا له بالفضل، ثم لما ولي إمرة تبريز أميرزاه ابن اللنك طلب عز الدين المذكور وبالغ في إكرامه(2/130)
وأمره بالستقرار بها وتكملة ما كان شرع في تصنيفه، ثم انتقل بآخرته إلى الجزيرة فقطنها إلى أن مات في هذه السنة؛ ومن سيرته أنه لم يقع منه كبيرة ولا لمس بيده ديناراً ولا درهماً، وكان لا يرى إلا مشغولاً بالعلم أو التصنيف، وشرح منهاج البيضاوي وعمل حواشي علي الكشاف وشرح الأسماء الحسنى، وكان يذكر أنه لما حج ثم أتى المدينة جلس على المنبر فرأى وهو جالس بجانب المنبر بالروض الشريفة مغمض العينين أن امنبر على أرض الزعفران قال: ففتحت عيني فرأيت المنبر على ما عهدت أولاً، فأغمضت عيني فرأيته على الزعفران وتكرر ذلك؛ قال القاضي علاء الدين: قدم علينا ولده الآخر جمال الدين فذكر أن والده مات سنة أربع وثمانمائة والله أعلم.
يوسف بن عبد الله المقرئ كان مقيماً بمشهد ابن أبي بكر بمصر وللناس فيه اعتقاد، مات في ربيع الأول.
يوسف بن عثمان بن عمر بن مسلم بن عمر الكتابي الصالحي، سمع من الحجار حضوراً ومن الشرف ابن الحافظ وأحمد بن عبد الرحمن الصرخدي وعائشة بنت مسلم الحرانية وغيرهم، وأجاز له الرضى الطبري وهو خاتمة أصحابه، وأجاز له أيضاً ابن سعد وابن عساكر وآخرون، وحدث بالكثير وكان خيراً؛ مات في نصف صفر عن ثلاث وثمانين سنة، أجاز لي غير مرة.
يوسف بن مبارك بن أحمد جمال الدين الصالحي بواب المجاهدية(2/131)
كان يقرأ بالألحان في صباه هو وعلاء الدين عصفور الموقع وذلك قبل الطاعون الكبير، ولكل منهما طائفة تتعصب له، ثم انتقل يوسف إلى الصالحية وعصفور إلى القاهرة؛ ومات يوسف في ربيع الأول وله ثلاث وستون سنة.
يوسف الهدباني الكردي من قدماء الأمراء تأمر في أيام الناصر محمد بن قلاوون، وكان مولده تقريباً سنة أربع وسبعمائة، وتنقل في الولايات وولي تقدمة الف وصودر غير مرة، وفي الأخير كان نائب القلعة عند موت الظاهر فتحيل النائب تنم وأخذها منه، فلما غلب الناصر فرج صودر، وكان يكثر شتم الأكابر على سبيل المزاح ويحتملون ذلك له، مات في ذي الحجة.
.....بنت الشيخ تقي الدين اليونيني ماتت في شعبان.(2/132)
سنة ثلاث وثمانمائة
خرجت من دمشق في أول يوم منها وفي الثاني وصل توقيع القاضي علاء الدين بن أبي البقاء وقرئ وباشر قضاء دمشق، ودخلت هذه السنة، والناس في أمر مريج من اضطراب البلاد الشمالية بطروق تمرلنك، وفي كل وقت ترد أخبار مغائره لما قبلها، وكان وصوله إلى سيواس في السنة الماضية كما تقدم، فحاصرها مدة ونقب سورها وقتل جمعاً ونهب الأموال، وذلك في أول يوم في هذه السنة حتى قيل أنه دفن من أهل سيواس ثلاثة آلف نفس وهم بالحياة، ثم نازل بهنسا في صفر ثم توجه إلى ملطية فأباد من فيها، ثم إلى قلعة الروم فقوي عليه أهلها فتركها وتوجه إلى جهة حلب فوصل عينتاب في أواخره وراسل نائب حلب نائب الشام يستحثه على القدوم بعساكر الشام لدفع تمرلنك، ثم وصل كتابه إلى نائب حلب يقول فيه: إنا وصلنا في العام الماضي إلى البلاد الحلبية لأخذ القصاص ممن قتل رسلنا بالرحبة ثم بلغنا موت الظاهر وبلغنا أمر الهند وما هم عليه من الفساد فتوجهنا إليهم وأظفرنا الله تعالى بهم ثم رجعنا إلى الكرج فأظفرنا الله بهم ثم بلغتنا قلة أدب هذا الصبي ابن عثمان فأردنا عرك أذنه ففعلنا بسيواس وغيرها من بلاده ما بلغكم أمره ونحن نرسل الكتب إلى مصر فلا يعود جوابها فنعلمهم أن يرسلوا قريبنا أطلمش وإن لم يفعلوا فدماء المسلمين في أعناقهم والسلام،(2/133)
وفي أواخر المحرم عقد مجلس بالقضاة والخليفة والأمراء واشتوروا فيما بلغهم من أمر العدو وهل يجوز أن يأخذوا من التجار نصف أموالهم أو ثلثها للاعانة على تجهيز الجيوش لملتقاه، فتكلم القاضي الحنفي جمال الدين الملطي وقال: إن فعلتم بأيديكم فالشوكة لكم وإن أردتم ذلك بفتوانا فهذا لا يجوز لأحد أن يفتي به والعسكر يحتاج لمن يدعو له فلا ينبغي أن يعمل شيء يستجلب الدعاء عليه، ثم اشتوروا ثانية في ارتجاع الأوقاف وإقصاعها لمن يستخدم، فعارضهم الملطي أيضاً وقال: القدر الذي يتحصل منها قليل جداً والأجناد البطالة لا يستنصر بهم إلا مع من غلب ووظيفتهم النهب، فانفصل المجلس على ذلك فكانت هذه من حسنات الملطي، ووعى هذا المجلس يلبغا السالمي فلم يرجع عنه حتى عمل ما منعهم منه الملطي، بعد ذلك وجرى له عقب ذلك ما لا خير فيه، ثم تواردت الأخبار بأخذ تمرلنك غالب البلاد الشمالية، فاضطرب أهل حلب ونقلوا أموالهم إلى القلعة ومنهم من فر إلى البلاد القريبة وغلت أسعار الجمال والحمير وتجهز نائب حلب بعسكرها ومن انضاف إليهم من العرب والتركمان ولما بلغت هذه الأخبار أهل الدولة بمصر أرسلوا إلى النواب بالبلاد بجمع العساكر والتوجه إلى حلب فاجتمعوا كلهم بحلب وهو نائب صفد ونائب حماة دقماق ونائب دمشق سودون قريب السلطان ونائب طرابلس شيخ الذي ولي السلطنة بعد ونائب غزة ومعهم من العسكر تقدير ثلاثة آلاف فارس، ثم شرع السلطان في التجهيز فأرسل تمرلنك إلى دمرداش نائب حلب يعده بأن يبقيه على نيابته بشرط أن يمسك سودون نائب الشام، فاطلع دمرداش على ذلك سودون فوثب على الرسول فضرب عنقه، فلما بلغ ذلك تمرلنك نازل حلب وذلك في العشر الأول من ربيع الأول، واشتور الأمراء فأشار بعضهم بالبروز إلى ظاهر البلد والقتال هناك وأشار البعض بالإقامة والقتال على الأسوار إلى أن يحضر العسكر المصري وأشار دمرداش لأهل البلد بإخلائها والتوجه حيث شاؤوا، فغلب أهل الرأي الأول وضربوا الخيام ظاهر البلد(2/134)
والتقى الجمعان يوم السبت حادي عشر شهر ربيع الأول فزحف اللنك بجنوده ومعهم الفيلة وصاحوا صيحة واحدة فولى أكثر الناس فزعاً، فأبلى نائب طرابلس في الحرب وأزدمر ويشبك بن أزدمر وغيرهم من الفرسان حتى كوثر أزدمر بالفرسان ففقد ووقع ولده يشبك بن أزدمر بين القتلى، فسلم بعد ذلك وتمت الهزيمة على العسكر الإسلامي، ورجعوا طالبين أبواب حلب فقتل من الزحام من لا يحصى، واللنكية في آثارهم بالسيوف وانحشر الأمراء في القلعة وهجم عسكر تمرلنك البلد فأضرموا فيها النار وأسروا النساء والصبيان وبذلوا السيف في الرجال والأطفال حتى صار المسجد الجامع كالمجزرة وربطت الخيول في المساجد وافتضت الأبكار فيها. بمحضر من أهلها، وكان من شأن عسكر تمرلنك عدم الاحتشام من الوطء بمحضر من الناس ولو زنوا، ثم حوصرت القلعة وردم خندقها فلم يصبروا إلا يومين والثالث وطلب دمرداش ومن معه الأمان فأجيبوا إلى ذلك، ثم استنزلوهم من القلعة ونظموا كل
نائب وطائفته في قيودهم، ثم استحضرهم تمرلنك بعد أن طلع القلعة في ناس قليل بين يديه وعنفهم، وامتدت الأيدي لنهب أموال الناس التي حصنت بالقلعة لظن أصحابها أنها تسلم فكأنهم جمعوا ذلك للعدو حتى لا يتعب في تحصيلها، وعرضت عليه الأموال ومن أسر من الأبكار والشباب ففرق ذلك على أمرائه وكان بالقلعة من الأموال والذخائر والحلي والسلاح ما تعجب اللنك من كثرته حتى أخبر بعض أخصائه أنه قال: ما كنت أظن أن في الدنيا قلعة فيها هذه الذخائر، ثم تعدى أصحابه إلى نهب القرى المجاورة والمتقاربة والإفساد فيها بقطع الأشجار وتخريب الديار وجافت النواحي من كثرة القتلى حتى كادت الأرجل أن لا تطأ إلا على جثة إنسان وبني من رؤوس القتلى عدة مواذن منها ثلاث في رابية بن جاجا وهلك من الأطفال التي أسرت أماتهم بالجوع أكثر ممن قتل، وذكر القاضي محب الدين ابن الشحنة عن الحافظ الخوارزمي أنه أخبره أن ديوان اللنك اشتمل على ثمانمائة ألف مقاتل، وذكر أيضاً أن اللنك لما جلس في القلعة وطلب علماء البلد ليسألهم عن علي ومعاوية فقال له القاضي القفصي المالكي: كلهم مجتهدون، فغضب وقال: أنتم تبع لأهل الشام وكلهم يريدون ويحبون قتلة الحسين، وذكر أنه قرر في نيابة حلب لما توجه لدمشق الأمير موسى بن حاجي طغاي وكان رحيله عنها في أول يوم من شهر ربيع الآخر؛ ويقال إن أعظم الأسباب من خذلان العسكر الإسلامي ما كان دمرداش نائب حلب اعتمده من إلقاء الفتنة بين التركمان والعرب حتى أغار بعض التركمان على أموال نعير فنهبها، فغضب نعير من ذلك وسار قبل حضور تمرلنك فلم يحضر الوقعة أحد من العرب، وقال بعضهم: إن دمرداش كان قد باطن تمرلنك لكثرة ما كان تمرلنك قد خدعه ومناه. وطائفته في قيودهم، ثم استحضرهم تمرلنك بعد أن طلع القلعة في ناس قليل بين يديه وعنفهم، وامتدت الأيدي لنهب أموال الناس التي حصنت بالقلعة لظن أصحابها أنها تسلم فكأنهم جمعوا ذلك للعدو حتى لا يتعب في تحصيلها، وعرضت عليه الأموال ومن أسر من الأبكار والشباب ففرق ذلك على أمرائه وكان بالقلعة من الأموال والذخائر والحلي والسلاح ما تعجب اللنك من كثرته حتى أخبر بعض أخصائه أنه قال: ما كنت أظن أن في الدنيا قلعة فيها هذه الذخائر، ثم تعدى أصحابه إلى نهب القرى المجاورة والمتقاربة والإفساد فيها بقطع الأشجار وتخريب الديار وجافت النواحي من كثرة القتلى حتى كادت الأرجل أن لا تطأ إلا على(2/135)
جثة إنسان وبني من رؤوس القتلى عدة مواذن منها ثلاث في رابية بن جاجا وهلك من الأطفال التي أسرت أماتهم بالجوع أكثر ممن قتل، وذكر القاضي محب الدين ابن الشحنة عن الحافظ الخوارزمي أنه أخبره أن ديوان اللنك اشتمل على ثمانمائة ألف مقاتل، وذكر أيضاً أن اللنك لما جلس في القلعة وطلب علماء البلد ليسألهم عن علي ومعاوية فقال له القاضي القفصي المالكي: كلهم مجتهدون، فغضب وقال: أنتم تبع لأهل الشام وكلهم يريدون ويحبون قتلة الحسين، وذكر أنه قرر في نيابة حلب لما توجه لدمشق الأمير موسى بن حاجي طغاي وكان رحيله عنها في أول يوم من شهر ربيع الآخر؛ ويقال إن أعظم الأسباب من خذلان العسكر الإسلامي ما كان دمرداش نائب حلب اعتمده من إلقاء الفتنة بين التركمان والعرب حتى أغار بعض التركمان على أموال نعير فنهبها، فغضب نعير من ذلك وسار قبل حضور تمرلنك فلم يحضر الوقعة أحد من العرب، وقال بعضهم: إن دمرداش كان قد باطن تمرلنك لكثرة ما كان تمرلنك قد خدعه ومناه.
وفي أواخر ربيع الأول عرض يشبك الدويدار أجناد الحلقة فقرر بعضهم وقطع بعضهم وسافر سودون من زاده في سلخه على هجين لكشف الأخبار، ثم تحققت أخبار حلب بوصول قاصد أسنبغا الذي توجه قبل ذلك لكشف الأخبار، فخرج السلطان في ثالث ربيع الآخر واستقر تمراز نائب الغيبة، ورحل السلطان من الريدانية عاشر ربيع الآخر فوصل غزة في العشرين منه، وتوجه منها في السادس والعشرين منه بعد أن قرر نواب البلاد عوضاً عن المأسورين، فولي تغري بردى نيابة دمشق وآقبغا الجمالي نائب طرابلس وتمر بغا المنجكي نائب صفد وطولو نائب غزة، ووصل السلطان دمشق في سادس جمادى الأولى، فوافاهم جاليش تمرلنك في نحو ألف فارس فالتقى معه بعض العسكر فكسروه في ثامن الشهر المذكور،(2/136)
ثم نازل تمرلنك الشام وراسل السلطان أن يطلق له أطلمش قريبه على أن يطلق جميع من عنده من الأسارى ويرحل من البلاد، فامتنعوا من ذلك وظنوا أن ذلك لعجزه عنهم، فكرر الطلب مراراً فأصروا، ثم وقعت الحرب بينهم واقتتلوا مراراً لكن لم يقع بينهم وقعة جامعة بل مناوشة.
فلما كان في الثاني عشر من الشهر المذكور وقع الاختلاف بين أمراء العسكر المصري فخاف بعضهم من بعض فاختفى، فظن من أقام أن الذي اختفى قد توجه إلى القاهرة ليتملكها، فاخذوا السلطان وتوجهوا به إلى نحو صفد ثم إلى غزة فتركوا الناس في فوضى، ووصل السلطان إلى مصر في خامس من جمادى الآخرة وصحبته الخليفة وهم في غاية من الذل ليس معهم خيل ولا جمال ولا قماش ولا عدة، وصار الجيش بعد هرب السلطان يخرجون من دمشق إلى جهة مصر فيسلبهم العشير أثوابهم وربما قتلوا بعضهم، ومنهم من ركب البحر الملح حتى وصل إليهم إلى القاهرة في أسوء حال، ولما تحقق تمرلنك فرار العسكر أمر عسكره باتباعهم فصاروا يلتقطون منهم من تخلف فأغلق أهل دمشق أبوابها وركبوا أسوارها وتراموا مع اللنكية فقتل منهم جماعة، فأرسل تمرلنك يطلب من أهل البلد رجلاً عاقلاً يتكلم معه في الصلح، فأرسلوا إليه القاضي برهان الدين ابن الشيخ شمس الدين ابن مفلح، فرجع وأخبر أنه تلطف معه في القول وسأله في الصلح فأجابه، فأطاعه كثير من الناس وأبى كثير منهم فأصبحوا في يوم السبت نصف جمادى الآخرة وقد غلب رأي من أراد الصلح وأخرجوا إلى تمرلنك الضيافة جبوها من مياسير الناس، فكتب لهم أماناً قرء على المنبر يتضمن أنهم آمنون على أنفسهم وأهاليهم، ثم فتح الباب الصغير واستحفظ عليه بعض أمراء تمرلنك لئلا ينهب التتار البلد،(2/137)
واستقر الصلح على ألف ألف دينار فوزعت على أهل البلد، ثم روجع تمرلنك فتسخطها وقال: إنه إنما طلب ألف تومان والتومان عشرة آلاف دينار، فتزايد البلاء على أهل البلد وندموا حيث لا ينفع الندم، ثم أول شيء فعله اللنك من القبائح تعطيل الجمعة من الجامع الأموي فإنه نزل فيه شاه ملك وزعم أنه نائب تمرلنك على دمشق فسكنه بأهله وخيوله وأسبابه ومنع الناس من دخوله وتعطلت من المساجد الصلوات والأسواق من المعائش وشرع اللنكية في حصار القلعة واستكتب تمرلنك من بعض أهل دمشق أسماء الحارات وقسمها في أصحابه وأقطعها لهم، فنزل كل أمير حيث أقطع وطلب سكان ذلك الخط فكان الرجل يقوم في أسوء هيئة على باب داره ويطلب منه المال الجزيل فإن امتنع عوقب إلى أن يخرج جميع ما عنده فإذا لم يبق له شيء أحيط على نسائه وبناته وبنيه فيفجر بهم حتى قيل إنهم يفعلون ذلك بهم بحضرته مبالغة في الإهانة ثم بعد وطئهم يبالغون في عقوبتهم لإحضار المال، فأقاموا على ذلك سبعة عشر يوماً فهلك تحت الضرب والعقوبة من لا يحصى، ثم خرج منها الأمراء المذكورون وصبح البلد في سلخ رجب المشاة والرجالة في أيديهم السيوف المصلتة فانتهبوا ما بقي من المتاع وألقوا الأطفال من عمر يوم إلى خمس تحت الأرجل وأسروا أمهاتهم وآباءهم ثم أطلقت النار في البيوت إلى أن أحترق أكثر البلد وخصوصاً الجامع وما حواليه، ثم رحل تمرلنك بعساكره في ثالث شعبان فأعقب رحيله جراد كثير إلى الغاية ودام أياماً،(2/138)
ومات في هذا الشهر من أهل الشام من لا يحصى عدده إلا الله تعالى، فمنهم من حريقاً، ومنهم عن عجز من الهرب فمات جوعاً، ومنهم من توجه هارباً فمات إعياء، ومنهن من كان ضعيفاً فاستمر إلى أن مات، وبلغ الأمر بأهل دمشق قبل رحيل العسكر عنهم ان الواحد من التمرية كان يدخل إلى البيت وفيه العدد الكثير فيصنع بهم ما أراد من نهب وقتل وإحراق وإفساد وفسق، ولا تمتد إليه يد ولا تخاطبه لسان لما غلب على القلوب من الخوف منهم، وبيع القمح بعد رحيلهم كل مد بأربعين درهماً، واخذ الناس في ضم الجراد وبيعه وصار هو غالب القوت بالبلد، وبيع الرطل منه بأربعة ونصف، وصار من بقي حفاة عراة، وأعيانهم عليهم العبي والجلود وهم يبيعون الجراد، وينادون عليه ويتتبعون ما بقي من خلق المتاع ويبيعونه ليشتروا به الجراد، واستمر الحريق في البلد لعجز من بقي عن طفيه حتى عم جميعها، ومن بعد رحيل تمرلنك عن الشام قصد ماردين فنازلها، ووصل إله في تلك الأيام العادل صاحب حصن كيفا فأكرمه وكان وصوله إلى حلب راجعاً في سابع عشر شعبان ولم يدخلها بل امر المقيمين بها من جهته بتخريبها وتحريقها ففعلوا ثم لحقوا به وحدث كثير ممن كان أسر معهم..... وسار هو قاصد البلاد الشمالية، وذكر بعض من يوثق به انه قرأ في الحائط القبلي بالجامع النوري بحماة منقوشاً على رخامة بالفارسي ما نصه: إن الله يسر لنا فتح البلاد والممالك
حتى انتهى استخلاصنا إلى بغداد فجاورنا سلطان مصر والشام فراسلناه لتتم بيننا المودة فقتلوا رسلنا وظفرت طائفة من التركمان بجماعة من أهلنا فسجنوهم فتوجهنا لاستخلاص متغلبينا من أيدي مخالفينا، واتفق في ذلك نزولنا بحماة في العشرين من شهر ربيع الآخر، وكان لما وصل إلى حمص لم يتعرض لها إكراماً لخالد بن الوليد، ولما تكامل الجند بمصر قام بأمرهم يلبغا السالمي فصار يكسوا العرايا منهم ويحما إليهم الأموال والأمتعة والسلاح وقام في تحصيل الأموال لتجهيز العساكر إلى الشام لدفع تمرلنك بزعمه عن دمشق، فبسط يده في أخذ أموال الناس بغير رضاهم، فمن حضر قاسمه ماله قسمة صحيحة، ومن غاب أخذ نصف ما يجده له ويترك النصف وعم ذلك حتى في اموال الأيتام والأوقاف وفرض على البيوت كل بيت كراء شهر، وعلى كل فدان حبوب عشرة دراهم، وعلى كل فدان قلقاس أو قصب مائة درهم، وعلى البساتين كل فدان، مائة درهم، وفرض على الإقطاع عن عبرة كل ألف دينار ثمن فرس خمسمائة درهم. انتهى استخلاصنا إلى بغداد فجاورنا سلطان مصر والشام فراسلناه لتتم بيننا المودة فقتلوا رسلنا وظفرت طائفة من التركمان بجماعة من أهلنا فسجنوهم فتوجهنا لاستخلاص متغلبينا من أيدي مخالفينا،(2/139)
واتفق في ذلك نزولنا بحماة في العشرين من شهر ربيع الآخر، وكان لما وصل إلى حمص لم يتعرض لها إكراماً لخالد بن الوليد، ولما تكامل الجند بمصر قام بأمرهم يلبغا السالمي فصار يكسوا العرايا منهم ويحما إليهم الأموال والأمتعة والسلاح وقام في تحصيل الأموال لتجهيز العساكر إلى الشام لدفع تمرلنك بزعمه عن دمشق، فبسط يده في أخذ أموال الناس بغير رضاهم، فمن حضر قاسمه ماله قسمة صحيحة، ومن غاب أخذ نصف ما يجده له ويترك النصف وعم ذلك حتى في اموال الأيتام والأوقاف وفرض على البيوت كل بيت كراء شهر، وعلى كل فدان حبوب عشرة دراهم، وعلى كل فدان قلقاس أو قصب مائة درهم، وعلى البساتين كل فدان، مائة درهم، وفرض على الإقطاع عن عبرة كل ألف دينار ثمن فرس خمسمائة درهم.
وفي ذي الحجة منها حاصر نعير أمير العرب حلب وأميرها إذ ذاك دمرداش النائب والعساكر بها قليلة جداً فغلا السعر عندهم واشتد عليهم الخطب فاستنجد دمرداش بابن رمضان فحضر إليه بخيله ورجاله ووقع القتال فرأى نعير الغلبة وقد أشرف دمرداش وابن رمضان على كسرهم ففر ليلاً بمن معه فساروا في أثرهم فلم يدركوهم ورجع ابن رمضان إلى بلده وقد فرج الله عن الحلبيين به.
وفي ليلة الإثنين النصف من صفر طلع القمر خاسفاً فصلى ابن أبي البقاء بدمشق صلاة الخسوف وخطب وفرغ عند وقت العشاء وانجلى القمر عند غياب الشفق.(2/140)
ومن الحوادث غير قصة تمرلنك في أول يوم منها ولي تغري برمش ولاية القاهرة عوضاً عن أحمد بن الزين.
وفي تاسعه استقر نور الدين ابن الجلال في قضاء المالكية عوضاً عن ابن خلدون.
وفي أواخره صرف تقي الدين الكفري عن قضاء الحنفية بدمشق وأعيد بدر الدين القدسي.
وفي خامس عشرى المحرم قرئ على المحدث جمال الدين عبد الله ابن الشرائحي بالجامع كتاب الرد على الجهمية لعثمان الدارمي فحضر عندهم زين الدين عمر الكفيري فأنكر عليهم وشنع وأخذ نسخة من الكتاب وذهب بها إلى القاضي المالكي فطلب القارئ وهو إبراهيم الملكاوي فأغلظ له ثم طلب ابن الشرائحي فآذاه بالقول وأمر به إلى السجن وقطع نسخه ابن الشرائحي ثم طلب القاري ثانياً فتغيب ثم أحضره فسأله عن عقيدته فقال: الإيمان بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانزعج القاضي لذلك وأمر بتعزيره فعزر وضرب وطيف به، ثم طلبه بعد جمعة وكان بلغه عنه كلام أغضبه فضربه ثانياً ونادى عليه وحكم بسجنه شهراً.(2/141)
وفي ثاني عشر المحرم عزل ابن خلدون عن قضاء المالكية وأهين وطلب بالنقباء من عند آقباي الحاجب ماشياً من القاهرة إلى بيت الحاجب بالكيش وأوقف بين يديه ورسم عليه وحصل له إخراق زائد وأطلق بعض من سجنه ثم بعد مدة من عزله أعطي تدريس المالكية بوقف الصالح.
وفي الرابع والعشرين منه كسر يلبغا السالمي من شبرى نحو من خمسين ألف جرة خمر.
وفي عاشر ربيع الآخر استقر بدر الدين العيني في الحسبة عوضاً عن البجاسي ثم عزل بعد رجوع السلطان من دمشق وأعيد البجاسي في سابع جمادى الآخرة.
وفي أواخر ربيع الآخر خلع تمراز نائب الغيبة على منكلي بغا الزيني بكشف البهسنا فنزل إلى يلبغا السالمي الأستادار فعراه الخلعة وضربه بالمقارع، فبلغ ذلك نائب الغيبة فغضب، فدخل النائب بينهما إلى أن أعاد السالمي على المذكور خلعته واستمر به.
وفي نصف جمادى الأولى منع يلبغا السالمي اليهود والنصارى من دخول الحمامات إلا بشعار يعرفون به نساء ورجالاً وشدد في ذلك فبلغ ذلك نائب الغيبة فنادى بإبطاله ثم وصل كتاب السلطان في أوائل جمادى الأولى وفيه أن يلبغا السالمي لا يحكم إلا فيما يتعلق بالديوان المفرد خاصة وكان السالمي عند سفر السلطان استنجز مرسوماً بأنه يحكم في الأحكام الشرعية وكتب له عليه قضاة القضاة، فلما وقع الخلاف بينه وبين نائب الغيبة سعى عليه في إبطال ذلك فتم له ما أراد وأمر بان ينادى في البلد: من وقف ليلبغا السالمي في شكوى عوقب ومن له على السالمي ظلامة يرفعها لنائب الغيبة ثم أمر بكتابة محضر بأحوال السالمي وما هو فيه من الهوج، وكان السالمي يومئذ غائباً فلما رجع وبلغه ذلك أهان الذي كتب(2/142)
المحضر وأحضر دويدار الوالي فضربه بسبب إشهاره النداء، فبلغ ذلك الوالي فهرب إلى بيت نائب الغيبة ثم وصل السلطان فتمكن يلبغا السالمي من التحكم في البلد ونودي له بذلك فصنع ما تقدم شرحه قريباً.
وفي ثاني عشر جمادى الآخرة استقر القاضي أمين الدين عبد الوهاب ابن القاضي شمس الدين الطرابلسي في قضاء الحنفية عوضاً عن القاضي جمال الدين الملطي وكان قد تعوق عن السفر إلى الشام لضعفه فمات في غيبتهم وتعطل المنصب بعده إلى هذه الغاية واستقر القاضي جمال الدين عبد الله بن مقداد الأقفهسي في قضاء المالكية عوضاً عن نور الدين ابن الجلال لأنه كان مات في غزة لما توجه العسكر إلى الشام ثم عزل بعد يسير واستقر القاضي ولي الدين ابن خلدون في رمضان.
وفي ثالث رجب استقر علم الدين أبو كم في الوزارة عوضاً عن فخر الدين ابن غراب.
وفي رجب وقع بحسبان من الشام برد كبار مثل الكف ومنه مثل الخيار وزن الواحدة سبعة وعشرون درهماً ولم يعهدوا مثل ذلك من قبل.
وفي رجب حضر رسول تمرلنك يطلب أطلمش ويعدهم أنهم إذا أرسلوه يرسل كل من عنده من الأسرى أميراً كان أو فقيهاً وكانوا قد أسروا قاضي القضاة صدر الدين المناوي وشغر المنصب عنه ابتداء هرب السلطان من دمشق، فلما وصل الكتاب لم يسعهم المخالفة فأخرجوا أطلمش وأعطوم مالاً وأرسلوا رسلاً يخبرون تمرلنك بإكرامه وإعزازه؛ وفي ثامن عشر رجب استقر سعد الدين ابن غراب استاداراً مضافاً إلى ما بيده من نظر(2/143)
الخاص والجيش وشرط أن لا يغير ملبوسه، وسلم له السالمي ليحاسبه على الأموال التي أخذها من الناس، فسلمه لناصر الدين بن كلفت شاد الدواوين فأهانه وهدده وعصره، ثم أطلق في أول يوم من شوال ولقد عدته مهنئاً بسلامته فوجدته مصراً على تحسين أفعاله المستقبحة المقدم ذكرها ويوجه ذلك بانه لولا أشيع عنه تحصيل الأموال وتجهيز العساكر بها ما رحل تمرلنك عن دمشق، وهذا من غلطاته الظاهرة فإن رحيل اللنك إنما كان لضيق العيش على من معه فخشي أن يهلكوا جوعاً وإلا فما الذي يمنعه من اتباعهم إلى مصر؛ ثم قبض عليه مرة أخرى في ذي القعدة وتسلمه أحمد بن رجب شاد الدواوين فضربه وعصره حتى أشيع موته، ثم أفرج عنه في نصف الشهر.
وفي سابع شعبان وصل نائب طرابلس شيخ المحمودي إلى القاهرة وكان قد هرب من أسر تمرلنك، فتلقاه يشبك وبقية الأمراء وأرسلوا إليه الخيول والمال، ثم خلع عليه في رمضان بنيابة طرابلس على عادته؛ وفي تاسع عشره حضر دقماق نائب حماة فاراً أيضاً من أسر تمرلنك.
وفي أواخر شعبان نودي بالقاهرة: لا يقيمن عجمي بها ومن أقام لا يلومن إلا نفسه! فشرعوا في الخروج منها ثم فتر ذلك وشفع فيهم.(2/144)
وفي تاسع عشرين شعبان استقر ناصر الدين الصالحي في قضاء الشافعية عوضاً عن صدر الدين المناوي بعد السأس منه وشغر المنصب عنه أكثر من شهرين، وفيه أخذ الذهب في الأرتفاع لكثرة من يطلبه لأن الفضة كانت في غاية الغلاء وغالب نقد الناس الفلوس وهي مثقلة لمن يقتنيها ولا سيما من يخاف على نفسه.
وفي أوائل شوال عمل يشبك الدويدار على جماعة من الخاصكية والأمراء ليخرجهم من القاهرة وقرر السلطان أن يؤمرهم في دمشق وغيرها فلما علم بذلك جكم ونوروز وغيرهما من كبار أهل الدولة تفطنوا لمقصود يشبك فعاكسوه واتفقوا مع الذين عينوا أن يردوا المناشير فدا بينهم وبين يشبك كلام فأغلظ لهم فخرجوا عليه فضربوا قطلوبغا الكركي وأخاه الخازندار بالرميلة وجرح قطلوبغا في وجهه ووقف المماليك إلى الليل وانضاف إليهم جكم ووقع بينهم وبين جركس المصارع الدويدار الثاني ثم توجه جكم ومعه جمع كثير نحو الخمسمائة إلى جهة بركة الحبش ثم سودون طاز أمير آخور وأخذ معه الخيل التي في الاصطبل والطبول وأتلف أشياء كثيرة من آلات الاصطبل كالقرب والوايا، فأرسل السلطان لهم نوروز وصحبته القاضي الشافعي في الحادي عشر يستخبرهم عن سبب نفرتهم ويأمرهم بالرجوع إلى الطاعة فأعلموهم بباطن القضية فرجع القاضي إلى السلطان فأطلعه على ما سمع وتأخر نوروز موافقاً لهم فخشي السلطان أن يتفلل من بقي عنده فنزل إلى الاصطبل وأمر رؤوس النوب بمنع المماليك من مساعدة أحد الفريقين وأرسل إلى يشبك يعلمه بانهم ليس لهم قصد غيره ويقول له: قاتل عن نفسك.
فلما كان حادي عشر شوال التقى الجمعان فانكسر يشبك وقبض على أخوته وهم آقباي وقطلوبغا الكركيان وجركس المصارع وأرسلوا إلى الإسكندرية ثم قبض على(2/145)
يشبك وأرسل أيضاً واستقر جكم دويداراً وسودون من زاده خازندار ثم استعفي منها في سادس ذي الحجة واستقر شاد الشربخاناه وطلب المماليك الإنفاق بسبب النصرة فامر ناظر الخاص بتحصيل مال النفقة فشرع في الاقتراض من التجار وطلع في أول ذي القعدة لينفق لكل مملوك ألف درهم فثارت عليه المماليك فأمسكوه وضربوه فهرب واختفى عند الزمام ثم توجه إلى مصر ومعه النفقة وعدا من مصر إلى الجيزة وتمادى سائراً إلى تروجة وذلك في سادس عشري ذي القعدة وفي أثناء ذلك قبض يشبك على الشيخ لاجين شيخ الجراكسة فأخرجه إلى بلبيس وقبض على سودون الفقيه أحد دعاة الشيخ لاجين وسجنه بالإسكندرية.
وفي السادس من ذي الحجة قرر السلطان ناصر الدين ابن سنقر أستاداراً واستقر أبو كم الوزير في نظر الخاص واستقر سعد الدين ابن بنت الملكي صاحب ديوان الجيش في نظر الجيش.
فلما كان في تاسع ذي الحجة وصل قاصد من مشايخ تروجة يخبر أن ابن غراب حضر إليهم وعلى يده مثال شريف باستخراج الأموال وأن يتوجهوا صحبته إلى الإسكندرية لإخراج يشبك وإخوته فكتب جوابه بعدم تمكينه من المال وأن يقبض عليه ثم جاء من مشايخ تروجة قاصد يطلب الأمان لابن غراب فكتب له عن لسان السلطان.
وفيها بلغ رسطاي نائب الإسكندرية أن ابن غراب أرسل إلى كبير الزعر أبي بكر غلام الخدام أن يجمع له الزعر ويحضر إلى تروجة ووعد كل واحد بخمسمائة درهم وأنهم يفتكون بنائب الإسكندرية فلما علم بذلك أمسك أبا بكر المذكور فضربه بالمقارع ثم وصل إليه كتاب ابن غراب يقول له إحذر أن تتعرض ليشبك أو لأحد من أخوته يصبك مثل ما أصاب ابن عرام فأرسل الكتاب إلى القاهرة ثم أظهر ابن غراب أنه يسافر إلى بلاد المغرب فهيأ حاله وركب متوجهاً ثم انفتل إلى جهة مصر فحضر إلى القاهرة في ليلة(2/146)
الحادي والعشرين من ذي الحجة فدخل على جمال الدين يوسف البيري أستادار بجاس وهو يومئذ بخدمة سودون طار فأنزله عنده إلى يوم الخميس ثالث عشريه فطلع به إلى السلطان فخلع عليه واستقر في الأستادارية على عادته مضافاً إلى نظر الخاص والجيش ونزل فسلم على جميع الأمراء فلما وصل إلى بيت جكم حجبه ومنعه من الدخول إليه ثم توجه إليه بعد أيام مع سودون من زاده فشفع فيع عنده حتى باس يده ولم يكلمه بكلمة واحدة.
ثم انفق ابن غراب النفقة على المماليك فثار به جماعة منهم ورجموه ففر إلى بيت نوروز الحافظي فتركوه ورجع إلى بيته إلى أن أرضى أعيانهم وأكابرهم وأكمل النفقة واستمر حاله.
وفي ذي القعدة بعد إمساك يشبك وإخوته سافر شيخ المحمودي نائب طرابلس ودقماق نائب حماة إلى بلادهما بعد أن استقر دقماق في نيابة صفد والتقى دقماق مع متيريك بن قاسم بن متيريك أمير عربان حارثة فانكسر دقماق وقتل ممن معه اثنا عشر مملوكاً وأسرت والدته فبلغ ذلك شيخ المحمودي فلاجع إليه وحارب متيريك وقومه فكسروهم وأسروا منهم جماعة ثم قبضوا على ولدي متيريك فأمر بتوسيطهما وأخذ لمتيريك ستة آلاف جمل وأرسل نائب صفد يطالع بذلك فعاكسه الأمير جكم وأمر بأن يكتب إليه وإلى شيخ بالإعراض عن متيريك المذكور ورد ما أخذه منه.(2/147)
وفي شوال كان تمرلنك قد وصل ماردين فقعد بها وأرسل من عنده رسولاً في خمسة آلاف نفس إلى بغداد يطلب من متوليها مالاً كان وعد به وطلب من يتسلمه منه، فلما وصل الرسول رآه أهل بغداد في قلة فطمعوا فيه فقتلوا غالب من معه، فأرسل الرسول إلى تمرلنك يطلب منه نجدة، فتوجه بالعساكر فوصل في أواخر شوال فملكها وبذل فيها السيف ثلاثة أيام، ثم أمر أن يأتيه كل فارس من عسكره برأس فشرعوا في قتل الأسرى حتى أحضروا إليه مائة ألف رأس فبناها مواذن أربعين، ثم أمر بنهب الحلة فنهبوها وخربوها ورحل عن العراق آخر ذي الحجة متوجهاً بعد أن أمر بخراب بغداد.....
وفي أولها رحل قرا يوسف وأحمد بن أويس إلى جهة حلب طالبين بلاد الروم، فصدهما دمرداش نائب حلب عن ذلك، فهرب أحمد ونهب وتوجه هو وقرايوسف إلى ملطية، ثم أن بعض الجند نصح أحمد وعرفه أن قرايوسف يريد الغدر به، فلما تحقق ذلك فر منهم فنهب ما خلفه وأساء في حق أخيه ورجع أحمد بن أويس إلى سيواس ثم توجه إلى برصا واجتمع بابن عثمان، ومن بعد وصول أحمد بقليل وصل تمرلنك إلى سيواس فحاصرها وذلك في المحرم فطلبوا الأمان فأمنهم. وأوفى النيل في سلخ ذي الحجة في هذه السنة وكسر الخليج في أول يوم من السنة المقبلة وفرح الناس لأنه كان توقف.
وفي هذه السنة سار أبو فارس عبد العزيز صاحب تونس إلى طرابلس الغرب فأخذ(2/148)
يحيى وعبد الواحد ابني أبي بكر بن محمد بن ثابت بن عمار العجيسي أميريها وانتهت إمرتهم عليها وكا أول من غلب عليها جدهم ثابت بن عمار من نحو سبعين سنة بعد موت سعيد بن طاهر البروعي أميرها، ثم ولي ابنه محمد بن ثابت مكانه سنة ست وعشرين، وكان يمشي في السوق ويتجر ثم قتل بعد عشرين سنة، فقام ابنه ثابت ابن محمد ثم قتل سنة ثلاث وأربعين بالبادية واستولى الفرنج على طرابلس، ولحق أولاد ثابت بن عمار بالإسكندرية تجاراً، فجمع أبو بكر محمد ابن ثابت جيشاً ونازل طرابلس سنة إحدى وسبعين فأخذ البلد عنوة واستعادها من الفرنج وخطب لصاحب تونس إلى أن مات سنة اثنتين وسبعين، فولي مكانه علي بن عمار بن محمد بن ثابت فحاصره أخو السلطان ثم خالف على أخيه فقبض عليه أبو فارس، ثم قبض على ابن عمار سنة ثمانمائة وأقيم مكانه يحيى بن أبي بكر وأخوه عبد الواحد إلى أن استولى أبو فارس بعده، فقبض عليهما وانتهت مملكة آل عمار.(2/149)
ذكر من مات
في سنة ثلاث وثمانمائة من الأعيان
إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي بدر الدين النابلسي كان ينوب عن القاضي الحنبلي، مات في رمضان وقد ناهز الستين وكان يستحضر فقهاً جيداً ويتقن الفرائض وكان مشكور السيرة.
إبراهيم بن محمد بن علي التادلي برهان الدين يكنى أباساً لم قاضي المالكية بدمشق كان جريئاً مهاباً، مات بعد أن حضر الوقعة مع اللنكية وجرح جراحات فحمل فمات قيل سفر السلطان من دمشق في جمادى الأولى وقد جاوز السبعين لأن مولده كان سنة اثنتين وثلاثين وقد ولي قضاء الشام من سنة ثمان وسبعين إلى هذه المدة عشر مرار يتعاقب هو والقفصي وغيره، فكانت مدة مباشرته ثلاث عشرة سنة ونصفاً وقد ولي قضاء حلب سنة إحدى وسبعين استقلالاً وكان ناب في الحكم بها وكان قوي النفس مصمماً في الأمور ويلازم تلاوة القرآن في الأسباع وقد تقدم ما جرى منه على ابن الشرائحي وغيره في أول السنة.
إبراهيم بن محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج الصالحي الحنبلي تقي الدين ابن العلامة شمس الدين ولد سنة إحدى وخمسين، وحفظ كتباً واشتغل حتى مهر وأخذ عن أبيه والجمال المرداوي وأبي البقاء وجماعة ثم ولي قضاء الحنابلة وكان بارعاً عالماً بمذهبه وأفتى وجمع وشاع اسمه واشتهر ذكره، ولما طرق اللنك الشام كان ممن تأخر بدمشق فخرج إلى اللنك وسعى في الصلح وتشبه بابن تيمية مع غازان ثم رجع إلى دمشق وقرر مع أهلها أمر الصلح فلم يتم لم أمر وكثر ترداده إلى اللنك ليدفع عن المسلمين فلم يجب سؤاله وضعف عند رجوعهم،(2/150)
ولقيته وسمعت منه قليلاً ومات بعد الفتنة بأرض البقاع في أواخر شعبان ولم يخلف بعده في مذهبه ببلده مثله.
إبراهيم التملوشقي أحد الفضلاء بدمشق في مذهب الشافعي مع الدين والخط الحسن والنجماع، مات في شوال.
أحمد بن إبراهيم بن عبد الله الكردي الصالحي المعروف بابن معتوق حدثنا علي بن أبي بكر بن حصن الحراني مات في عيد الفطر.
أحمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن محمد الممدوح بن أحمد ابن محمد بن الحسن بن إسحاق بن جعفر الصادق بن محمد بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الحسيني ثم الإسحاقي الحلبي أبو جعفر عز الدين نقيب الأشراف الحلبية ولد سنة إحدى وأربعين وسمع من جده لأمه الجمال إبراهيم بن الشهاب محمود والقاضي ناصر الدين ابن العديم وغيرهما وأجاز له من مصر أبو حيان والواديى أشي والميدومي وآخرون من دمشق وغيرها واشتغل كثيراً واعتنى بالأدب ونظم الشعر فأجاد قال القاضي علاء الدين: كان من حسنات الدهر زهداً وورعاً ووقاراً ومهابة وسمتاً لا يشك من رآه أنه من السلالة النبوية، حتى انفرد في زمانه برياسة حلب فكانت كلمته مسموعة والرؤساء حتى القضاة يترددون إليه، وباشر مشيخة الخانقاه العديمية بحلب ونزل في بعض المدارس، وكان حسن المحاضرة جميل الصورة حلو الحديث شريف النفس مقتفياً آثار السلف الصالح شافعي المذهب متمسكاً بالسنة وطريق السلف،(2/151)
وقد حدث بالاستيعاب بإجازته من الوادي آشي سمعه عليه جماعى منهم شيخنا الخضر بن المصري وقد قرأته عليه بقراءة الحافظ برهان الدين، قلت: وأجاز لنا من حلب قبل موته بسنة وخرجت عنه في بعض التخاريج أنشدنا الشريف أبو جعفر بن أحمد إجازة فيما أنشده لنفسه وكتب عنه بحلب مقتبساً:
يا رسول الله كن لي ... شافعاً في يوم عرضي
فأولوا الأرحام نصا ... بعضهم أولى ببعض
وقد قال مضمناً
وذي ضغن يفاخر إذ وردنا ... لزمزم لا بجد بل بجد
فقلت تنح ويح أبيك عنها ... فإن الماء ماء أبي وجدي
وقد قال مفتخراً
يا سائلي عن محتدي وأرومتي ... البيت محتدنا القديم وزمزم
والحجر والحجر الذي أبداً ترى ... هذا يشير له وهذا يلثم
ولنا بأبطح مكة وشعابها ... أعلام مجد أنت منها الأنجم
القانتون العابدون الحامدون ... السائحون الراكعون القوم
الآمرون الناس بالمعروف وال ... ناهون عما ينكرون ويحرم
العاطفون زمان ما من عاطف ... والمطعمون زمان أين المطعم
وكان الشريف تحول في الكائنة العظمى إلى تيزين وهي من أعمال حلب بينهما مرحلتان إلى جهة الفرات فمات بها في شهر رجب فنقل إلى حلب فدفن عند أهله.(2/152)
أحمد بن آقبرص بن بلغان بن كجك الخوارزمي ثم الصالحي سمع من إسحق بن يحيى الآمدي ومحمد بن عبد الله بن المحب وزينب بنت الكمال أخذت عنه بالصالحية كثيراً وكان خيراً ومات في الفتنة.
أحمد بن خليل بن يوسف بن عبد الرحمن العينتابي الحنفي الضرير المقرئ، كان يسكن بحارة البساتين بعينتاب ويقرئ الناس، وكان عارفاً بالقراآت وله يد طولى في حل الشاطبية ونونية السخاوي ومنظومة النسفي في الفقه قال البدر العينتابي في تاريخه: قرأت عليه سنة ست وسبعين، وأرخه في صفر سنة خمس وثمانمائة، وقال في آخر ترجمته: إنه توفي قبل ذلك بسنتين أيام تمرلنك.
أحمد بن راشد بن طرخان الدمشقي الشافعي المعروف بالملكاوي شهاب الدين، برع في الفقه وشارك في غيره ودرس وأفتى وأجاد وناب في الحكم وكان يحب الحديث والسنة، سمعت منه قليلاً وكان ديناً خيراً، قال شهاب الدين الزهري في حياة شرف الدين الشريشي وغيره: ليس في البلد من أخذ العلوم على وجهها غيره وقال ابن حجي: كان ملازماً للأشغال والإشتغال ويكتب على الفتاوى كتابة جيدة محررة واشتهر بذلك فصار يقصد من الأقطار، قال: وكان في ذهنه وقفة، وكان يلازم الجامع الأموي في(2/153)
الصلوات وله حلقة يشفل فيها به، ودرس بالدماغية وغيرها، وكان يميل إلى ابن تيمية ويعتقد رجحان كثير من مسائله، وكانت عند حدة وعنده نفرة من كثير من الناس، انفصل من الوقعة وهو سالم وحصل له جوع فتغير مزاجه وتعلل إلى أن مات في رمضان.
أحمد بن ربيعة المقرئ، أحد المجودين للقراآت العرفين بالعلل، أخذ عن ابن اللبان وغيره، وانتهت إليه رياسة هذا الفن بدمشق وكان مع ذلك خاملاً لمعاناة ضرب المندل واستحضار الجن، مات في شعبان وقد جاوز الستين.
أحمد بن الزين الوالي كان ظالماً غاشماً لمن كان للمفسدين به ردع ما.
أحمد بن عبد الله النحريري شهاب الدين القاضي المالكي قدم إلى القاهرة وهو فقير جداً، فاشتغل وأقرأ الناس في العربية ثم ولي قضاء طرابلس فسار إليها، فنالته محنة من منطاش ضربه فيها بالمقارع وسجنه بدمشق، فلما فر منطاش رجع إلى القاهرة وقد تمول، فسعى إلى أن ولي قضاء المالكية في المحرم سنة أربع وتسعين، بعد موت الشمس الركراكي فلم تحمد سيرته فصرف في ذي القعدة منها واستمر إلى أن مات معزولاً في رجب، وكان بيده نظر وقف الصالح تلقاه عن العماد الكركي في رجب سنة تسع وتسعين وسبعمائة فلم تحمد سيرته فيه أيضاً؛ ومات في رجب.
أحمد بن عبد الوهاب بن داود بن علي بن محمد المحمدي القوصي سعد الدين، ولد بقوص وتفقه ثم دخل القاهرة واشتغل ثم دخل الشام فأقام بها ثم دخل(2/154)
العراق فأقام بتبريز وأصبهان ويزد وشيراز، ثم استمر مقيماً بشيراز بالمدرسة البهائية إلى أن مات في شهر ربيع الآخر منها.
أحمد بن علي بن يحيى بن تميم الحسيني الدمشقي وكيل بيت المال بها، سمع الكثير من الحجار وابن تيمية والمزي وغيرهم، وقد ولي نظر المارستان النوري قديماً ووكالة بيت المال ونظر الأوصياء، وكان بيدمر يعتني به ويقدمه، وكان مشكوراً في مباشرته ثم ترك المباشرة وانقطع في بيته يسمع الحديث إلى أن مات، قرأت عليه كثيراً، وكان ناصر الدين بن عدنان يطعن في نسبه؛ مات في رابع ربيع الآخر وله سبع وثمانون سنة واستراح من رعب الكائنة العظمى.
أحمد بن علي القبائلي وزير صاحب المغرب، كان سلفه من خواص بني عبد المؤمن وقتل أبوه أبو الحسن سنة اربع وسبعين بيد يعقوب بن عبد الحق المريني، وكان كاتباً، مطيقاً، ونشأ ولده فأتقن الكتابة وباشر الأعمال السلطانية وكانت له معرفة في الحساب وصناعة الديوان، فلما ظهر السلطان أبو العباس امتحن ثم خدمه ولزم خدمته وناصحه وقام بعده بولاية ولده أبي الفارس ثم عقد لأخيه أبي عامر ثم ببيعة أخيه أبي سعيد ثم أوقع أهل الشر بينهما فأرسل إليه وإلى أبنه عبد الرحمن فسجنهما ثم ذبحهما في شوال سنة ثلاث وثمانمائة، وكان عارفاً حسن السياسة.
أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عمر الأيلي الفارسي نزيل بيت المقدس ثم الرملة يلقب زغلش بمعجمتين أوله زاي الحنبلي أبو العباس ويعرف(2/155)
بابن العجمي وبابن المهندس، سمع من ابن الميدومي فمن بعده بالقدس والشام وطلب بنفسه فحصل كثيراً من الأجزاء والكتب وتمهر قليلاً ثم افتقر وانخمل، سمعت منه بالرملة فوجدته حسن المذاكرة لكنه عانى الكدية واستطابها وصار زري الملبس والهيئة، سمعت منه في ثامن عشر رمضان سنة اثنتين وثمانمائة، وقد سمع أبوه من الفخر علي وحدث؛ مات شهاب الدين هذا في وسط السنة وتمزقت كتبه مع كثرتها.
أحمد بن محمد بن عماد شهاب الدين أبو العباس ويقال له أحمد الضرير وأصله من الديار المصرية وسكن حلب وكان ينظم الشعر حسناً ويعبر الرؤيا ويعلم الوعاظ ما يقولون في المشاهد والمجامع، ودخل الشام فأقام بها ثم استوطن حلب، ثم توجه منها في الفتنة العظمى فمات؛ وهو الذي رثى القاضي شهاب الدين ابن أبي الرضا قاضي حلب بالموشح المشهمر.
أحمد بن محمد بن محمد بن محمد الخجندي الحنفي، ولد سنة تسع عشرة واشتغل كثيراً وسمع الحديث وحدث وله تصانيف، وكان مقيماُ بالمدينة النبوية ومات بها، نقلت تاريخ وفاته من تاريخ العيني.
أحمد بن موسى الحنبلي شهاب الدين ابن الضياء نقيب القاضي الحنبلي،(2/156)
مات في صفر، وهو والد صاحبنا شمس الدين ابن الضياء الشاهد بباب البحر ظاهر القاهرة.
أحمد بن نصر الله بن أبي الفتح الحنبلي القاضي موفق الدين بن القاضي ناصر الدين، ولد سنة تسع وستين في المحرم وولي القضاء مرتين وسافر مع العسكر المصري ثم رجع بعد الهزيمة إلى أن مات في رمضان.
أحمد بن يوسف البانياسي ثم الدمشقي المقرئ قرأ بالروايات وسمع الحديث من سنة سبعين من بعض أصحاب الفخر وغيرهم مات في شعبان عن ستين سنة.
أحمد الطنبشي إمام السلطان تقدم في دولة الناصر وصار يقضي الأشغال.
أسعد بن محمد من محمود جلال الدين الشيرازي قدم بغداد صغيراً فاشتغل على الشيخ شمس الدين السمرقندي في القرآن وفي مذهب الحنفية ثم حضر مجلس الشيخ شمس الدين الكرماني وقرأ عليه صحيح البخاري أكثر من عشرين مرة وجاور معه بمكة سنة خمس وسبعين وكان يقرأ ولديه ويشغلهما في النحو والصرف وغيرهما ودرس وأعاد وحدث وأفاد، وكانت عند سلامة باطن ودين وتعفف وتواضع وكان يكتب خطاً حسناً، كتب البخاري في مجادين وأخرى في مجلد وكتب(2/157)
الكشاف وتفسير البيضاوي وغير ذلك وولي في الآخر إمامة الخانقاه السميساطية ومات بدمشق في جمادى الآخرة وقد جاوز الثمانين.
إسماعيل بن عباس بن علي بن داود بن يوسف بن عمر بن علي ابن محمد ابن رسول الملك الأشرف بن الأفضل بن المجاهد ابن المؤيد بن المظفر بن المنصور الغساني االيمني ممهد الدين ويقال إن اسم رسول محمد بن هارون بن أبي الفتح بن يوحي بن رستم التركماني الأصل ولي السلطنة بعد أبيه فأقام بها خمساً وعشرين سنة، وكان فيابتداء أمره طائشاً ثم توقر وأقبل على العلم والعلماء وأحب جمع الكتب، وكان يكرم الغرباء ويبلغ في الإحسان إليهم، امتدحته لما قدمت بلده فأثابني أحسن الله جزاءه! مات في ربيع الأول بمدينة تعز ودفن بمدرسته التي أنشأها بها ولم يكمل الخمسين.
إسماعيل بن عبد الله المغربي المالكي نزيل دمشق كان بارعاً في مذهبه وناب في الحكم وأفتى وتفقه به الشاميون، مات في شعبان عن نحو سبعين سنة، وقد ضعف بصره.
أبو بكر بن إبراهيم بن العز محمد بن العز إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي ثم الصالحي عماد الدين الحنبلي المعروف بالفرائضي وسمع الكثير على الحجار وابن الزراد وغيرهما، وأجاز له أبو نصر ابن الشيرازي والقاسم ابن عساكر وأخرون،(2/158)
أكثرت عليه وكان قبل ذلك عسراً في التحديث فسهل الله تعالى لي خلقه؛ مات في أيام الحصار عن نحو من ثمانين سنة.
أبو بكر بن إبراهيم بن معتوق الكردي الهكاري ثم الصالحي روى لنا عن علي بن أبي بكر الحراني، ومات في الحصار أيضاً، وقد تقدم ذكر أخيه أحمد.
أبو بكر بن سليمان بن صالح الشيخ شرف الدين الدادبخي نسبة إلى دادبخ وهي قرية من قرى سرمين، قرأ بحلب الفقه على الباريني والنحو على الأندلسيين، وأخذ بدمشق عن ابن كثير والسبكي والموصلي، وبرع ودرس وأفتى ونفع الناس، وولي القضاء بحلب مدة وشغل بها، وكان ديناً عالماً؛ مات في الكائنة العظمى باللنكية في جمادى الأولى سنة ثلاث.
أبو بكر بن سنقر الجمالي سيف الدين أحد الأمراء الحجاب بالقاهرة، ولي إمرة الحج مراراً بعد موت خاله بهادر الجمالي، وكانت فيه مداراة ولم تكن له حرمة.(2/159)
أبو بكر بن عبد الله بن العماد أبي بكر بن أحمد بن عبد الحميد ابن عبد الهادي بن محمد بن يوسف بن قدامة بن التقي المقدسي ثم الصالحي الحنبلي ولد سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة ثنا عن أحمد ابن عبد الله بن جبارة والبهاء علي بن العز عمر وغيرهما، وحدث سمع منه شيخنا وذكره في معجمه وإنبائه مات في الحصار.
أبو بكر بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة شرف الدين الحموي الأصل المصري، سمع الكثير من جده اتلميدومي ويحيى بن فضل الله وغيرهم وسمع من احمد بن مسعود الشاعر قصيدته التي أولها:
سلوا ظبية الوعساء فقدت إلفاً
وكان مولده في ذي الفعدة سنة ثمان معشرين وأجاز له مشايخ مصر والشام إذ ذاك بعناية أبيه واشتغل مدة، وناب عن أبيه في الحكم والتدريس، ثم ترك وخمل لاشتغاله بما لا يليق بأهل العلم، وكان يدري أشياء عجيبة صناعية، رأيته يجعل الكتاب في كمه ويقرأ ما فيه من غير أن يكون شاهده؛ مات في رابع عشر جمادى الأولى في مصر، وأنجب ولده الإمام عز الدجين محمد بن أبي بكر.
أبو بكر بن الجندي الساعاتي الدمشقي، كان عارفاً بحساب النجوم، مات في شعبان؛ أخذ عن ابن القماح، وكان ابن القماح يقدمه على نفسه.(2/160)
بجاس وهو الأمير الذي ينسب إليه جمال الأستادار، وتزوج ابنته سارةوهو بجاس النوروزي النحوي سيف الدين، قدم القاهرة وهو كلبير فاشتراه الظاهر برقوق وترقى عنده إلى أن أمره: وكان من كبار الجراكسة في بلاده؛ مات في رجب.
البدر بن الشجاع عمر الكندي ثم المالكي من بني مالك بطن من كندة الظفاري ملك ظفار، غلب أبوه على مملكة ظفار في حدود الستين وسبعمائة، وكان وزير صاحبها المغيث بن الواثق من ذرية علي بن رسول فوثب عليه فقتله وتملك ظفار، ثم مات عن قرب وولي ولده البدر المذكور، فطالت مدته وغلب على أعدائه ومهد بلاده وعدل فيها واشتهر، وكان جواداً مهاباً؛ مات في هذ السنة واستقر ولده أحمد ودبر المملكة معه جماعة من إخوته، ثم وقعت بينهم الفتنة وتفرق شملهم وغلب بعضهم على بعض حتى تفانوا، وكان من آخر أمرهم تشتتهم في الأرض فحضر بعضهم القاهرة فاقام بها غريباً طريداً إلى أن خرج منها في سنة ثمان مائة وخمس وعشرين.
جكم بالجيم والكاف وزن قمر الجركسي الظاهري.
حسن بن علي بن سرور الدمشقي شرف الدين ابن خطيب جبرين، مات في رمضان عن خمس وستين سنة بدمشق.
الحسن بن محمد بن علي العراقي نزيل حلب، كان شاعراً ماهراً يمدح الأكابر(2/161)
ويتكسب بذلك وبالشهادة، وكانت فيه شيعية فكان خاملاً بسببها رث الحال، صنف الدر النفيس في أجناس التجنيس في مدح البرهان ابن جماعة يشتمل على سبع قصائد أولها.
لولا الهلال الذي في حيكم سفراً ... ما كنت أنوي إلى مغناكم سفرا
ومن نظمه:
جرى در دمع من عيون أحبتي ... وسالت دموعي كالعقيق بهم حمرا
فراحوا وفي أعناقهم من دمائنا ... عقيق وفي أعناقنا منهم درا
مات في سابع عشر المحرم.
حسن بن محمد بن شمس الدين محمد بن أبي الفتح البعلي ثم الدمشقي الحنبلي بدر الدين بن بهاء الدين ابن العلامة الشمس سمع من زينب بنت الكمال والجزري، مات في شعبان وقد جاوز الستين.
خديجة بنت إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم ابن سلطان البعلية ثم الدمشقية أحضرت علي القاسم ابن عساكر وأجاز لها أبو نصر ابن الشيرازي والدبابيسي وآخرون، أكثرت عنها؛ ماتت وقد قاربت التسعين وهي آخر من حدث عن القاسم بالسماع في الدنيا.(2/162)
خديجة بنت أبي بكر بن علي بن أبي بكر بن عبد الملك الصالحية المعروفة ببنت الكوري حدثتنا عن زينب بنت الكمال وماتت في حصار دمشق.
خديجة بنت الإمام نور الدين محمد بن أبي بكر بن محمد بن قوام البالسية ثم الصالحية سمعت من زينب بنت الخباز وحدثت ماتت في شوال.
داود بن أحمد بن علي بن حمزة البقاعي الدمشقي الحنبلي حدثنا عن الحجار مات في شعبان.
داود بن علي الكردي نزيل حلب أخذ الفقه عن الزين الباريني وتكسب بالشهادة وكان كثير التلاوة مات بها.
دريب بن أحمد بن عيسى الحرامي أمير حلى قتل في حرب وقعت بينه وبين بني كنانة وكان شهماً كريماً واستقر بعده أخوه موسى.
رسلان بن أبي بكر بن رسلان بن نصير بن صالح البلقيني بهاء الدين أبو الفتح بن أخي شيخ الإسلام سراج الدين اشتغل في الفقه كثيراً ومهر(2/163)
وشارك في غيره وناب في الحكم وتصدى للإفتاء والتدريس وانتفع الناس به في جميع ذلك، مات في آخر جمادى الأولى وله سبع وأربعون سنة وكثر التأسف عليه مع الوقار وحسن الخلق والشكل وكان كثير المنازعة لعمه في اعتراضاته على الرافعي، وقال الشيخ شهاب الدين ابن حجي: كان من أكابر العلماء وحمدت سيرته في القضاء.
رقية بنت علي بن محمد بن أبي بكر بن مكي الصفدية ثم الصالحية روت لنا عن زينب بنت الخباز سماعاً ماتت في رمضان.
زينب بنت العماد أبي بكر بن أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عباس ابن جعوان سمعت من الحجار وعبد القادر بن الملوك وغيرهما، ماتت في شوال سمعت عليها أيضاً.
ست الكل بنت أحمد بن محمد بن الزين القسطلانية ثم المكية حدثت بالإجازة عن يحيى بن فضل الله ويحيى بن المصري وابن الرضي وغيرهم من الشاميين والمصريين سمعت عليها جزءاً بمكة.
شعبان بن علي بن إبراهيم المصري الحنفي شرف الدين سمع من أصحاب الفخر وكان بصيراً بمذهبه ودرس في العربية وحصل له خلل في عقله ومع ذلك يدرس ويتكلم في العلم، مات في شوال.
شمس الملوك بنت ناصر الدين محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن يعقوب ابن الملك العادل الدمشقية روت عن زينب بنت الكمال وماتت في شعبان ولي منها إجازة.(2/164)
ططر بنت عز الدين محمد بن أحمد بن محمد بن عثمان بن المنجا التنوخية الدمشقية أخت شيختنا فاطمة سمعت من آقوش الشبلي وحدثت بالإجازة عن الجزري وبنت الكمال، وماتت في شعبان.
عبد الله بن سالم بن سليمان بن عمر ابن البصروي ثم الدمشقي جمال الدين ولد سنة ست وأربعين وسلك طريق الفقراء وأحضر على بعض الشيوخ ثم سمع بنفسه وتجرد ثم تزوج وتنزل في المدارس ومات في شعبان.
عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبيد الله بن محمد بن أحمد ابن عبيد الله المقدسي ثم الصالحي تقي الدين سمع من الحجار وغيره، قرأت عليه الكثير بالصالحية مات بعد الوقعة.
عبد الله بن محمد بن عبد الأحد الحراني الأصل الحلبي ولد سنة بضع عشرة وتفقه على الفخر عثمان بن خطيب جبرين وناب في الحكم وكان خيراً ومات في الكائنة العظمى بحلب.
عبد الله بن نجيب بن عبد الله الحلبي شرف الدين النجيب ولي نظر الجيش بحلب مدة ثم أضاف إليه يلبغا نظر ديوانه لما ولي نيابة حلب فاستمر في خدمته إلى أن ملك الديار المصرية وهو معه ثم رجع معه لما أطلق من حبس الإسكندرية بعد رجوع الظاهر من الكرك وتولية الناصري النيابة بحلب، فلما قدم الظاهر وأمسك الناصري وقتله طلب شرف الدين المذكور فهرب واستمر في الأختباء إلى أن مات برقوق(2/165)
فلما ولي دمرداش النيابة بحلب ظهر شرف الدين المذكور فاستخدمه دمرداش في ديوانه أيضاً واستمر إلى الوقعة العظمى وكان فيمن فر من حلب إلى قلعة الروم فأقام بها فاتفقت وفاته في آخر السنة، ذكره القاضي علاء الدين في تاريخه وقال: كان عاقلاً رئيساً يحب الصالحين ويبرهم.
عبد الله بن يوسف بن أحمد بن الحسين بن سليمان بن فزارة بن بدر الدمشقي الحنفي تقي الدين المعروف بابن الكفري قاضي الحنفية وابن قاضيهم بدمشق ولد سنة ست وأربعين واشتغل وتمهر وتنبه وسمع على أصحاب ابن عبد الدائم وإسماعيل بن أبي اليسر وأحضر على السلاوي في الثالثة وعلى ابن الخباز في الخامسة وحضر في العربية عند العتابي وفي الأصول عند بهاء الدين المصري وفي المعقول عند القطب التحتاني وولي قضاء العسكر مدة ثم ناب في الحكم ثم استقل سنة خمس وثمانين، وكان يذاكر بأشياء ويحفظ أيام الناس، سمعت عليه يسيراً فيما أحسب وأجاز لي، وقد درس وحدث في حياة أبيه وخطب، وخرج له أنس بن علي المحدث أربعين حديثاً، ولم يكن يحمد في حكمه مع سياسة كانت عنده ومداراة، وجمع بين الخبرة بالأحكام والحشمة؛ مات وله بضع وخمسون سنة في ذي الحجة بعد أن أوذي في المحنة وسكن بعض المدارس.(2/166)
عبد الأحد بن محمد بن عبد الأحد الحراني الأصل الحلبي ولد سنة بضع عشرة واشتغل بالفقه وقرأ القراآت على الفخر خطيب جبرين وعلى غيره وناب في الحكم بحلب، وقال القاضي علاء الدين في تاريخه: كان ديناً ظريفاً حسن المحاضرة مع كبرسنه، ثم وقع في يد الططر فعاقبوه فمات في شهر ربيع الأول.
عبد الرحمن بن أحمد بن علي القبائلي تقدم ذكره في هذه السنة مع والده.
عبد الرحمن بن عبد اله بن محمد بن الفخر عبد الرحمن البعلي الدمشقي الحنبلي وثنا عن المزي وغيره، مات في رجب.
عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أحمد بن عثمان بن أبي الرجاء بن أبي الزهر التنوخي بن السلعوس الدمشقي سمع من عبد الرحيم بن أبي اليسر وداود(2/167)
بن العطار وابن الخباز وغيرهم وحدث، مات في شعبان أو في رمضان وله نحو السبعين.
عبد الرحمن بن فخر الدين الحسني تقي الدين أخو نقيب الأشراف وابن نقيبهم، مات في ربيع الأول.
عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن لاجين الرشيدي ثم المصري زين الدين سمع علي الميدومي ومحمد بن إسماعيل الأيوبي وغيرهما وسمع بدمشق من عمر بن زباطر وابن أميلة وغيرهما وحدث، وكان بارعاً في الفرائض وفي الحساب والميقات، وله مجاميع حسنة وشرح الجعبرية والأشنهية والياسمينية ولم يكن ماهراً؛ قال القاضي تقي الدين الشهبي: وقفت على شرحه وفيه أوهام عجيبة، مات في مستهل جمادى الأولى وله اثنتان وستون سنة، قرأت عليه قليلاً عن الأيوبي وسمعت منه المسلسل.
عبد الرحمن الطنتداي المعروف بالخليفة شيخ الطائفة السطوحية كان ينزل المدرسة الفارسية من القاهرة ويعمل بها بعد صلاة الجمعة عنده السماع فيحضر الخلائق وكان متودداً قل أن ترد شفاعته، مات في جمادى الآخرة.(2/168)
عبد الرحيم بن عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد بن بهرام الحلبي كان فاضلاً، أتقن الشروط ورأس فيها، وكان مشكور السيرة؛ مات في شعبان بمدينة الشغر.
عبد العزيز بن محمد بن محمد بن الخضر المصري عز الدين المعروف بالطيبي ولد قبل سنة ثلاثين وأسمع علي يحيى بن فضل الله وصالح بن مختار وأحمد بن منصور بن الجوهري في آخرين، ووقع في الحكم عند أبي البقاء فمن بعده وباشر نظر الأوقاف، ولم يكن محموداً في معرفته بالشروط، سمعت عليه شيئاً وخرجت له جزءاً؛ مات في ثالث عشر المحرم.
عبد القادر بن محمد بن علي بن عمر بن نصر الله الدمشقي الفراء المعروف بابن القمر سبط الحافظ الذهبي، سمع بإفادة جده منه ومن زينب بنت الكمال وأحمد بن علي الجزري في آخرين، حدثنا في حانوته وكان نعم الرجل مات في الكائنة.
عبد الكريم بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن مكانس أبو الفضائل كريم الدين ولي الوزارة وغيرها مراراً، وكان مهاباً مقداماً متهوراً؛ مات في جمادى الآخرة، وكان ابتداء(2/169)
ولايته الوزارة في أواخر دولة الأشرف؛ ثم لما قتل الأشرف وقبض على الشمس المقسي تولى كريم الدين مصادرته واستقر في نظر الجيش بدله في سنة ثمانين، ثم قبض عليه بسبب تهوره وصودر ثم ضرب، ثم عاد في دولة يلبغا الناصري وتقلبت به الأمور، ولم يكن فيه ما في أخيه فخر الدين من الإنسانية والأدب إلا أنه كان مفضالاً كثير الجود لأصحابه.
عبد اللطيف بن أحمد بن علم الأسنائي تقي الدين ابن أخت الشيخ جمال الدين اشتغل على خاله قليلاً وناب عنه في الحسبة وعن غيره ثم ناب في الحكم، وقد سمع على الميدومي وغيره وحدث يسيراً، أخذ عنه أبو زرعة ابن العراقي والطلبة مات في ربيع الآخر وقد جاوز الستين، وكان مشكوراً في الأحكام، ولم أجد لي عنه شيئاً.
عثمان بن محمد بن عثمان بن محمد بن موسى بن جعفر تأنصاري السعدي العبادي فخر الدين الكركي ثم الدمشقي الشافعي الكاتب المجود ولد بالكرك سنة سبع وعشرين وقدم دمشق سنة إحدى وأربعين، فسمع بها من أحمد بن علي الجزري والسلاوي ثم عاد إلى بلده، ثم استوطن دمشق من سنة خمس وأربعين، واشتغل في التنبيه وسمع أيضاً من زينب ومحمد ابني اسماعيل بن الخباز وفاطمة بنت العز، ثم دخل مصر فأقام بها مدة وتزوج بنت العلامة جمال الدين ابن هشام(2/170)
ثم جاور بمكة، ثم عاد إلى دمشق وحدث، وسمع منه الياسوفي وغيره من القدماء؛ مات في شعبان.
علي بن إبراهيم بن علي بن علي بن يعقوب بن محمد بن صقر الكلبي الكاتب كان من روؤساء الحلبيين ومن أهل بيت فيهم، سمع على محمد وصافي ابني نبهان الأربعين المخرجة لابن المحبر؟ بسماعهما منه، وأجاز لي في سنة اثنتين وثمانمائة، وفي هذه السنة حدث بالأربعين المذكورة فسمعها منه قاضي حلب العلائي وذكره في ذيل تاريخ حلب وأثنى عليه وقال: مات في الكائنة العظمى في هذه السنة بحلب، قلت: وقد حدثت أنا والقاضي علاء الدين بهذه الأربعين في سنة ست وثلاثين وثمانمائة أنا بالإجاوة والمكاتبة عنه وهو بالسماع وخرجت عليها بأسانيدي إلى من في أثناء كل حديث منها وبعلو.
علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمود المرداوي ثم الصالحي الحنبلي علاء الدين كاتب الحكم للحنابلة أسمع الكثير على زينب بنت الكمال وعائشة بنت المسلم وابن أبي التائب وابن الرضي وغيرهم سمعت منه كثيراً؛ مات في رمضان وقد جاوز السبعين، قال ابن حجي: كان أقدم من بقي من شهود الحكم وشهد علي المرداوي الكبير وكان خيراً جيداً.(2/171)
علي بن أيوب الماحوزي النساج الزاهد كان يسكن بقرب قبر عاتكة وينسج بيده، ويباع ما ينسجه بأغلا ثمن فيتقوت منه هو وعائلته ولا يرزأ أحداً شيئاً، وكانت له مشاركة في العلم، قال ابن جي: هو عندي خير من يشار إليه بالصلاح في وقتنا؛ مات في عاشر ربيع الآخر، وللناس فيه اعتقاد زائد ويذكر عنه كرامات ومكاشفات، وكان طلق الوجه حسن العشرة.
علي بن عبد الله بن محمد الطبلاوي علاء الدين بن سعد الدين أصله من طبلاوة قرية بالوجه البحري، وكان عنه بهاء الدين تاجراً بقيسارية جركس في البر فمات فحصل له من ميراثه مال فسعى في شد المارستان فباشره واستمر، ثم ولي شد الدواوين وولاية القاهرة في سنة اثنتين وتسعين، واتفق أن الظاهر بعد رجوعه إلى الملك والحكم بين الناس صار يقف في خدمته ويراجعه في الأمور فعظم أمره واشتهر ذكره واستناب أخاه محمداً في الولاية ومحموداً في الحسبة في سنة ست وتسعين ثم أمر في سنة سبع وتسعين طبلخاناه واستقر حاجباً، وفي شعبان استقر في النظر على المتجر السلطاني ودار الضرب، وخرج على محمود ورافعه وساعده ابن غراب حتى نكب واستقر ابن الطبلاوي استاداراً خاص للسلطان والذخيرة والأملاك ثم في نظر الكسوة في المحرم سنة ثمان وتسعين ثم ولي نظر المارستان في آخر السنة فعظم أمره وصار رئيس البلد والمعول عليه في الجليل والحقير واستقر استادار الأملاك والذخيرة،(2/172)
فلما كان في جمادى الآخرة استقر سعد الدين ابن غراب في نظر الخاص فانتزع من ابن الطبلاوي الكلام على الإسكندرية، ثم قبض عليه في سادس عشر شعبان منها في بيت ابن غراب وكان عمل وليمة مولود ولد له فلما مد السماط قبض عليهما يعقوب شاه الخازندار وعلى ابن عمه ناصر الدين شاد الدواوين وأرسل ابن غراب إلى أخيه والي القاهرة وإلى جميع حواشيه فأحيط بهم فسلم ليلبغا المجنون، فاجتمعت العامة ورفعوا المصاحف والأعلام واجتمعوا بالرميلةوسألوا إعادة ابن الطبلاوي، فأجيبوا بالضرب والشتم فتفرقوا، وأرسله يلبغا راكباً على فرس وفي عنقه باشة وخنزير حديد وشق القاهرة فوصل إلى منزله فأخرج منه اثنين وعشرين حملاً من القماش والصوف والحرير والفرش وغير ذلك ومن الذهب مائة وستين ألف دينار ونحو ستمائة ألف فلوس، وفي سادس عشرى شعبان طلب الحضور بين يدي السلطان فأذن له فسأل أن يسر إليه كلاماً فامتنع وأخرج فرأى خلوة فضرب نفسه بسكين معه فانجرح في موضعين فنزعت من يده، وتحقق السلطان أنه كان أراد أن يضربه بالسكين إذا سارره، فنزل يلبغا وعاقبه فأظهر مائة وأربعين ألف دينار وبيع عقاره وأثاثه وأخذ من حواشيه نحواً من خمسمائة ألف درهم وسجن بالخزانة، ثم أفرج عنه في رمضان وفرح به العامة وزينوا له البلد وأكثروا من الخلوق بالزعفران فأمر السلطان بنفيه إلى الكرك فأخرج إليها في شوال، فبلغه موت السلطان وهو بالخليل فأقام بالقدس وأرسل يسأل الأمير أيتمش في الإقامة بالقدس فأذن له ثم أمر بإحضاره إلى مصر، فوجدوا الأمير تنم قد طلبه إلى الشام فوافاه البريد بطلبه إلى مصر فاستجار بالجامع وتزيا بزي الفقراء، فلما خامر تنم عمله أستادار الشام فباشر على عادته في التعسف والظلم وحصل اتنم أموالاً من التجار وغيرهم، فلما كسر تنم قبض عليه وقيد وأخذ جميع ما وجد له وأهين جداً ثم قتل في ثاني عشر شهر رمضان بمدينة غزة.(2/173)
علي بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن محمد الشريف زين الدين الحسيني سبط زين الدين علي كان من أعيان الحلبيين وجرت له مع اللنكية أعجوبة وهو أنهم أمسكوه ليعاقبوه فملأوا سطلاُ نحاساً ماء وملحاً ليسعطوه وهو مربوط معهم، فجاء ثور فشرب السطل فلما رأوا ذلك أطلقوه، ولم يتعرضوا له بعد ذلك؛ واتفقت وفاته في آخر السنة سنة ثلاث.
علي بن محمد بن علي بن عباس بن فتيان البعلي ثم الدمشقي الحنبلي علاء الدين المعروف بابن اللحام ولد بعد الخمسين وتفقه ببلده على شمس الدين ابن اليونانية ثم انتقل إلى دمشق وبرع في مذهبه ودرس وأفتى وناب في الحكم ووعظ بالجامع الأموي في حلقة ابن رجب بعده وكان يعمل مواعيد نافعة ويذكر مذاهب المخالفين وينقلها من كتبهم محررة، وكان حسن المجالسة كثير التواضع، وترك الحكم بأخره وانجمع على الاشتغال ويقال عرض عليه قضاء الشام استقلالاً فامتنع، وتلمذ لابن رجب وغيره وشارك في الفنون وقدم القاهرة بعد الكائنة العظمى بدمشق مع من جفل عند أخذ تمرلنك حلب فسكنها وولي تدريس المنصورية ثم نزل عنها وكان أبوه لحاماً فمات وعلاء الدين رضيع فرباه خاله وعلمه صنعة الكتابة ثم حبب إليه الطلب فطلب بنفسه وأنجب إلى أن صار شيخ الحنابلة بالشام مع ابن مفلح فانتفع الناس به، وعين للقضاء بعد موت موفق(2/174)
الدين بن نصر الله فامتنع على ما قيل؛ ومات بعد ذلك بيسير في يوم عيد الأضحى وقد جاوز الخمسين.
علي بن محمد بن علي الكفرسوسي مات في رمضان وقد ناهز السبعين.
علي بن محمد بن يحيى الصرخدي الشيخ علاء الدين نزيل حلب تفقه وهو صغير وسمع من المزي وغيره، وجالس الأذرعي وكان يبحث معه ولا يرجع إليه، وكان يلازم بيته غالباً ولا يكتب على الفتاوى إلا نادراً، ثم درس بجامع تغري بردى الذي بناه وهو نائب مات في أيدي اللنكية، قال القاضي علاء الدين قاضي حلب في تاريخه: قرأت عليه وانتفعت به كثيراً، وكان قد ناب في الحكم عن ابن أبي الرضى وغيره، قال: وكان البلقيني لما قدم حلب ومجالسه يثني عليه.
علي بن يحيى الطائي الصعدي بسكون المهملة المعروف بابن جميع - بالتصغير - أحد أعيان التجار باليمن، ولاه الأشرف الإشراف على المتجر بعدن(2/175)
ثم فوض إليه جميع أمورها فكان الأمير والناظر من تحت أمره، وكان محباً للغرباء مفرطاً في الإحسان إليهم محبباً إلى الرعية، اجتمعت به وسر بي كثيراً لأنه كان صديق خالي قديماً وبالغ في الإحسان إلي وكان زيدي المعتقد لكنه يخفي ذلك؛ مات في ليلة عيد الفطر وقد جاوز الستين.
علي بن يوسف بن مكي بن عبد الله الدميري ثم المصري نور الدين ابن الجلال أصله من حلب وكان جده مكي يعرف بابن نصر ثم قدم مصر وسكن دميرة فولد له بها يوسف فاشتغل بفقه المالكية، ثم سكن القاهرة وناب عن البرهان الأخناي وعرف بجلال الدميري وولد له هذا فاشتغل حتى برع في مذهب مالك ولم يكن يدري من العلوم شيئاً سوى الفقه وكان كثير النقل لغرائب مذهبه شديد المخالفة لأصحابه إلى أن اشتهر صيته بذلك، وناب في الحكم مدة ثم ولي القضاء استقلالاً في أوائل سنة ثلاث وعيب، بذلك لأنه اقترض مالاً بفائدة حتى بذله للولاية وكان حنق من ابن خلدون في شيء فحمله ذلك على هلاك نفسه بما صنعه من بذل الرشوة ليلي الحكم، وكان منحرف المزاج مع المعرفة التامة بالأحكام فاتفق أنه حضر مع القاضي صدر الدين المناوي مجلساً فعرضه في قضية فغضب الصدر وكلمه بكلام فاحش فتأثر منه ولم يقدر على أن يجاوبه فحصل له انكسار(2/176)
من ذلك الوقت؛ ثم سافر مع العسكر إلى قتال اللنك فمات قبل أن يصل في جمادى الآخرة ودفن باللجون ولم يحصل له سعد في استقلاله بالحكم.
عمران بن أدريس بن معمر الجلجولي ثم الدمشقي الشافعي ولد سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، وعني بالقراآت فقرأ على ابن اللبان وابن السلار ولازم القاضي تاج الدين السبكي وقرأ، وحصل له في لسانه ثقل فكان لا يفصح بالكلام إلا إذا قرأ فإنه يقرأ جيداً، واشتغل في الفقه، وكان يحج على قضاء الركب الشامي، وقد سمع من بعض أصحاب الفخر؛ مات في رجب أو شعبان لما أخرجت وقد قارب الستين بل جاوزها؛ قال ابن حجي: لم يكن مشكوراً في ولاياته ولا شهاداته، وكان يلبس دلقاً ويرخي عذبة عن يساره وينظم نظماً ركيكاً، وكان فقير النفس لا يزال يظهر الفاقة وإذا حصلت له وظيفة نزل عنها، وكان كثير الأكل جداً، وكان يقرأ حسناً؛ مات بعد الكائنة العظمى ومعمر جده " بالتشديد ".
عمر بن أبي بكر بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر بن هبة الله بدر الدين ابن النصيبي الحلبي وكان من أعيان الحلبيين ولي قضاء العسكر بحلب والحسبة بها مراراً وباشرها بحرمة وافرة؛ ومات بعد الكائنة بأيام.(2/177)
عمر بن براق الدمشقي ولد سنة سبعماية وإحدى وخمسين في أولها وكان سريع الحفظ قوي الفهم حنبلي المذهب على طريقة ابن تيمية، وكان له ملك وإقطاع، وكان ممن أوذي في الفتنة وأخذ ماله وأصيب في أهله وولده فصبر واحتسب؛ ثم مات في عاشر شوال.
عمر بن عبد الله بن عمر بن داود الكفري الفقيه الشافعي زين الدين ابن جمال الدين اشتغل كثيراً حتى قيل إنه كان يستحضر الروضة، وعرض عليه الحكم فامتنع، وأفتى بدمشق ودرس وتصدر بالجامع، وكان قوي النفس يرجع إلى دين ومروءة، قتل في الفتنة التمرية وقد تقدم ما جرى منه في حق ابن الشرائحي في أول هذه السنة.
عمر بن عبد الله العلبي اشتغل كثيراً وانقطع بالجامع الأموي يشغل الأولاد في القرآن وفي الفقه ويشرح لهم، وانتفع به جماعة، وكان عنده سكون وانجماع؛ مات في شهر رمضان.
عمر بن محمد بن أحمد بن سلمان البالسي ثم الصالحي الملقن زين الدين(2/178)
أسمعه أبوه الكثير من ابن أبي التائب حضوراً ومن المزي والذهبي والبرزالي وبنت الكمال وخلق كثير، وكان مكثر جداً كثير البر للطلبة شديد العناية بأمرهم، يقوم بأحوالهم ويأويهم ويدور بهم على المشايخ ويفيدهم، وكان لا يضجر من التسميع، قرأت عليه الكثير وسمعت عليه ومعه؛ مات في شعبان وقد جاوز السبعين بشيء يسير.
عمر بن محمد بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي ثم الصالحي الحنبلي زين الدين ابن الحافظ شمس الدين وهو ابن أخت المسندة فاطمة بنت عبد الهادي حدثنا عن زينب بنت الكمال؛ مات في شعبان وقد ناهز التسعين.
عمر بن محمد الحمصي ثم الدمشقي زين الدين أحد الفضلاء بدمشق في مذهب الشافعي، وكان يستحضر الكثير من الروضة وكان يتكسب من أنوال حرير يدولبها مع الخير والدين؛ مات في شوال.
عائشة بنت أبي بكر بن الشيخ أبي عبد الله محمد بن عمر بن قوام البالسية ثم الصالحية، روت لنا عن أبي بكر بن أحمد بن أبي بكر المغاري، ماتت في ثالث عشر شعبان.
عائشة بنت محمد بن أحمد بن عمر بن سلمان البالسية ثم الصالحية أخت شيخنا عمر، روت لنا عن الجزري؛ ماتت بعد أخيها.(2/179)
فاطمة بنت محمد بن أحمد بن محمد بن عثمان بن المنجا أم الحسن بنت عز الدين التنوخية الدمشقية سمعت من عبد الله بن الحسين بن أبي التائب وغيره وأجاز لها أبو بكر الدشتي والتقي سليمان وعيسى المطعم وإسماعيل بن مكتوم ووزيرة بنت عمر بن المنجا وأبو بكر بن عبد الدائم وانفردت بالرواية عنهم في الدنيا، قرأت عليها الكثير من الكتب الكبار والجزاء؛ ماتت بدمشق في ربيع الآخر أو الذي بعده وقد قاربت التسعين.
فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي المقدسية ثم الصالحية أم يوسف، كان أبوها محتسب الصحالية وهو عم الحافظ شمس الدين ابن عبد الهادي، اسمعت الكثير على الحجار وغيره وأجاز لها أبو نصر ابن الشيرازي ويحيى بن سعيد وآخرون من الشام وحسن الكردي وعبد الرحيم النشاوي وآخرون من مصر،(2/180)
قرأت عليها من الكتب والأجزاء بالصالحية ونعم الشيخة كانت، ماتت في شعبان وقد جاوزت الثمانين قطلوبغا التركي الحنفي أحد مشايخهم، مات بالقاهرة.
محمد بن إبراهيم بن إسحق بن إبراهيم بن عبد الرحمن السلمي المناوي ثم القاهري قاضي القضاة صدر الدين أبو المعالي ولد في رمضان سنة اثنتين وأربعين وأبوه حينئذ ينوب في القضاء عن عز الدين ابن جماعة، وأمه بنت قاضي القضاة زين الدين عمر البسطامي، فنشأ في حجر السعادة وحفظ التنبيه، وأسمع من الميدومي والحسن بن السديد وابن عبد الهادي وغيرهم يجمعهم مشيخته التي خرجها له أبو زرعة في خمسة أجزاء وسمعناها عليه، وناب في الحكم وهو شاب ودرس وأفتى وولي إفتاء دار العدل وتدريس الشيخونية والمنصورية: وخرج احاديث المصابيح وتكلم على مواضع منه وحدث به، سمعت منه قطعة منه وكتب شيئاً على جامع المختصرات ثم ولي القضاء استقلالاً كما في الحوادث وكان كثير التودد إلى الناس معظماً عند الخاص والعام ومحبباً إليهم، وكان قبل الاستقلال بالقضاء يسلك طريق ابن جماعة في التعاظم، فلما استقل ألان جانبه كثيراً، وكانت له عناية بتحصيل الكتب النفيسة على طريق ابن جماعة فحصل منها شيئاً كثيراً، وكان يهاب الملك الظاهر فلما مات أمن على نفسه وظن أنه لا يعزل لما تقرر له في القلوب من المهابة، فسافر مع العسكر فأسر مع اللنكية فلم يحسن المداراة مع عدوه فأهانه وبالغ في إهانته حتى مات معهم وهو في القيد غريقاً، غرق في نهر الفرات في شوال بعد أن قاسى أهوالاً، عسى الله أن يكون قد كفر بها عنه(2/181)
لما جناه عليه القضاء، وكان شديد الخوف من ركوب البحر إما لمنام رآه أو رئي له أو اعتماداً على قول بعض المنجمين فكان لا يركب بحر النيل إلا نادراً، فاتفق أنه مات غريقاً في غيره وكان بعض التمرية قد أسره فلما جاوزا نهر الفرات خاض الأمير في النهر هو وأتباعه لأجل ازدحام غيرهم على القنطرة فغرق القاضي لتقصيرهم في حقه.
محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي الجزري ثم الدمشقي شمس الدين ابن الظهير سمع من ابن الخباز وغيره وأكثر عن أًحاب الفخر بطلبه، وكان خيراً إلا أنه يتغالى في مقالات ابن تيمية؛ مات في تاسع عشر شوال عن ستين سنة.
محمد بن احمد بن إسماعيل بن يحيى التركماني العبطيني ثم الحلبي نزيل مصر ناصر الدين آغا، ذكر العينتابي في تاريخه: أنه كان فاضلاً اشتغل في علوم كثيرة وحصل كتباً كثيرة وكان بزي الجند وله اتصال بالأمير منكلي بغا الشمسي وتحدث عنه في المارستان لما كان ناظره في دولة الأشراف، وذكر أنه تلقن الذكر ولبس الخرقة من الشيخ أمين الدين الحلواي عن أبي الكشف محمد بن أوحد المروزي عن أبي الفيض عاصم بن أحمد ابن عبد العزيز عن علي بن محمد بن عثمان المدعو بسلطان عن أحمد بن يوسف ابن محمود بن مسعود بن سعد المعروف بمولانا عن محمد بن محمد النعماني عن الشيخ نجم الدين أبي الحباب أحمد بن عمر الخيوفي بسنده، وقال إن المذكور فقد بالشام في الكائنة العظمى وكان توجه مع العسكر وكان استنابه الجمال الملطي لضعفه لما سافر السلطان في وقعة اللنك ففقد مع من فقد.
محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن عبد الله بن الفضل الهاشمي عماد الدين(2/182)
شيخ الشيوخ بحلب، وليها بعد أبي الخير الميهني وباشر مدة وكان من بيوت الحلبيين وأحد الأعيان بها، مات في الكائنة العظمى مع اللنكية في الأسر.
محمد بن أحمد بن علي بن سليمان المعري ثم الحلبي الشيخ شمس الدين ابن الركن كان ينسب إلى أبي الهيثم التنوخي عن ابي العلاء المعري، ولد سنة بضع وثلاثين، وتفقه وأخذ عن الزين الباريني والتاج بن الدريهم، وأخذ بدمشق عن التاج السبكي، وكتب بخطه من الكتب الكبار شيئاً كبيراً وهو ضعيف لكنه متقن، وخطب بجامع حلب مدة، وكان حاد الخلق مع كثرة البر والصدقة، وله خطب في مجلدة أنشأها، وله نظم وسط، فمنه قوله في معالج:
جسمي سقيم من هوى ... مهفهف يعالج
كيف تزول علتي ... وممرضي معالج
وله أيضاً:
أحببت رساماً كبدر الدجى ... بل فاق في الحسن على البدر
فقلت: ما ترسم يا سيدي ... قال: بتعذيبك بالهجر
قلت: وهو شعر نازل؛ مات في الكائنة العظمى، اخذ عنه القاضي علادء الدين وابن الرسام.(2/183)
محمد بن أحمد بن محمد بن الشيخ أحمد بن المحب عبد الله المقدسي الصالحي الحنبلي سمع بعناية أبيه من ابن الخباز وغيره وكان يعمل المواعيد مات في سلخ رمضان عن ثلاث وخمسين سنة.
محمد بن إسماعيل بن الحسن بن صهيب بن خميس شمس الدين البابي ثم الحلبي ولد بالباب ثم قدم حلب، وكان يسمى سالماً فتسمى محمداً، وقرأ على عمه العلامة علاء الدين علي البابي والزين الباريني، وبرع في الفرائض والنحو وشارك في الفنون، وشغل الطلبة وأفتى ودرس وكان ديناً عفيفاً، وولاه القاضي شرف الدين الأنصاري قضاء ملطية، فلما حاصرها ابن عثمان عاد هذا إلى حلب إلى أن عدم في الكائنة العظمى.
محمد بن إسماعيل بن عمر ابن كثير البصروي ثم الدمشقي بدر الدين ابن الحافظ عماد الدين ولد سنة تسع وخمسين، واشتغل وتميز وطلب فسمع الكثير من بقية أصحاب الفخر ومن بعدهم وسمع معي بدمشق، ورحل إلى القاهرة فسمع من بعض شيوخها وتميز في هذا الشأن قليلاً، وتخرج بابن المحب وشارك في الفضائل مع خط حسن معروف جيد الضبط، ودرس في مشيخة الحديث بعد أبيه بتربة أم الصالح ومات في ربيع الآخر فاراً عن دمشق بالرملة وله أربع وأربعون سنة، وكان قد علق(2/184)
تاريخاً للحوادث التي في زمنه ذكر فيه أشياء غريبة قال ابن حجي: لم يكن محمود السيرة.
محمد بن أبي بكر بن احمد بن أبي الفتح بن السراج أمين الدين الدمشقي شمس الدين ابن العماد وهو ابن أخي شمس الدين المذكور في السنة الماضية، روى لنا عن عبد الرحيم بن أبي اليسر وزينب بنت الخباز؛ ومات في رمضان أو شوال.
محمد بن بهادر المسعودي الصلاحي حدثنا عن الحجار، مات في الكائنة العظمى، سمعت منه.
محمد بن بيليك التركي شمس الدين موقع الحكم وهو أخو أحمد خازندار بيبرس قريب السلطان، مات في صفر.
محمد بن حسن بن أبي بكر بن منصور الفارقي السلاوي، كان شمس الدين العطار السمرقندي زوج امه وجيهاً عند تمر فصار لهذا وجاهة في هذه الأيام، فلما رحل تمرلنك عن البلد أخذ هذا وعوقب فمات في رجب.
محمد بن حسن بن عبد الرحيم الصالحي الدقاق حدثنا عن الحجار، سمعت عليه أجزاء.
محمد بن خليل بن محمد بن طوغان الدمشقي الحريري الحنبلي المعروف بابن المنصفي ولد سنة ست وأربعين، واشتغل في الفقه وشارك في العربية والأصول،(2/185)
وطلب بنفسه فسمع الكثير من بقية أصحاب الفخر فمن بعدهم وسمع بالقاهرة من بعض شيوخنا وقد حصلت له محنة بسبب مسألة الطلاق المنسوبة لابن تيمية ولم يرجع عن اعتقاده، وكان خيراً صيناً ديناً سمعت منه شيئاً؛ مات في شعبان بعد أن عوقب واستمر متألماً حتى مات، قال ابن حجي: كان فقيهاً محدثاً حافظاً قرأ الكثير وضبط وحرر وأتقن وألف وجمع مع المعرفة التامة، تخرج بابن المحب وابن رجب، وكان يفتي ويتقشف مع الانجماع ولم يكن الحنابلة ينصفونه، قال: وكان في حال طلبه يعمل الأزرار في حانوت ثم ترك وأقام بالضيائية ثم بالجوزية.
محمد بن سليم بن كامل الحوراني ثم الدمشقي شمس الدين الشافعي تفقه وتمهر واعتنى بالأصول والعربية وكان من عدول دمشق وقرأ الروضة على علاء الدين بن حجي وكتب عليها حواشي مفيدة وأذن له في الافتاء ودرس واعاد وتصدر وأفاد وكان أكثر اقرانه استحضاراً للفقه مات في رجب بعد أن عوقب بأيدي اللنكية وقارب الستين وليس في لحيته شعرة بيضاء وكان أسمر شديد السمرة، وكان يكتب الحكم وكتب من مصنفات تاج الدين السبكي له كثيراً.
محمد بن عبد الله بن سلام الدمشقي أخو علاء الدين وهو الأصغر(2/186)
مات في رجب بعد انفصال التمرية.
محمد بن عبد الله ناصر الدين التروجي أحد نواب الحكم للمالكية كان مشكوراً.
محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن احمد بن التقي سليمان بن حمزة المقدسي ثم الصالحي ناصر الدين المعروف بابن زريق تصغير أزرق سمع الكثير من بقية أصحاب الفخر ومن بعدهم تخرج بابن المحب وتمهر وكان يقظاً عارفاً بفنون الحديث ذاكراً للأسماء والعلل ولم يكن له اعتناء بصناعة الرواية من تمييز العالي والنازل بل على طريق المتقدمين مع حظ من الفقه والعربية رتب المعجم الأوسط على الأبواب فكتبه بخط متقن حسن جداً ورتب صحيح ابن حبان ورافقني كثيراً وأفادني من الشيوخ والأجزاء وكان ديناً خيراً صيناً لم أر من يستحق أن يطلق عليه اسم الحافظ بالشام غيره، مات أسفاً على ولده احمد في رمضان ولم يكمل الخمسين وكان اللنكية قد أسروه وهو شاب له نحو العشر.
محمد بن عبد الرحمن بن الحافظ ابي عبد الله الذهبي شمس الدين بن أبي هريرة الكفر بطناوي سمع بإفادة جده منه ومن زينب بنت الكمال وغيرهما سمعت منه وكان من شيوخ الرواية(2/187)
قتل بالعقوبة في حادي عشر جمادى الأولى وقيل بل ضربت عنقه صبراً وكان ببلده كفر بطنا فأخذه العسكر التمري فعوقب ثم قتل.
محمد بن عثمان بن عبد الله بن شكر البعلي ثم الدمشقي الحنبلي شمس الدين النبحالي سمع من ابن الخباز وغيره وأجاز له الميدومي وغيره وكان صالحاً خيراً ديناً متواضعاً أفاد وحدث وجمع مجاميع حسنة منها كتاب في الجهاد وكان خطه حسناً ومباشرته محمودة ومات في رمضان عن ثمان وسبعين سنة وكان قد سافر فمات في غزة قال ابن حجي: جمع وألف وعباراته جيدة في تصانيفه.
محمد بن علي بن إبراهيم بن أحمد الصالحي البزاعي بواب الناصرية بالصالحية حدثنا عن زينب بنت الخباز ومات في السادس عشر من شوال.
محمد بن عمر بن محمد بن محمد بن هبة الله بن عبد المنعم بن محمد ابن الحسن بن علي بن أبي الكتائب العجلي النهاوندي الأصل المشقي ناصر الدين ابن ابي الطيب ولد سنة ست وأربعين، وأول ما ولي نظر الخزانة بدمشق بعد والده سنة تسع مستين ثم ولي كتابة السر بحلب ثم بدمشق،(2/188)
مات في رجب عن بضع وخمسين سنة وكان يكتب بخطه العمري العثماني لأن أمه من بني فضل الله وقيل هي بنت شهاب الدين أحمد بن يحيى بن فضل الله وكان هو يزعم أنه من نسل عثمان بن عفان ولم يصب في ذلك وإنما هو من بني عجل، وكان يلبس بزى الجند وهو شاب، وأول ما ولي بعد موت أبيه تدريس بعض المدارس ثم ولي كتابة السر بحلب سنة ثمان وسبعين عوضاً عن شمس الدين بن مهاجر ثم بطرابلس ثم ولي كتابة السر بحلب أيضاً عوضاً عن انصر الدين ابن السفاح في سنة سبع وتسعين، ثم عزل في أخر القرن فسافر إلى دمشق فأقام بها إلى أن ولي كتابة السر في المحرم سنة إحدى وثمانمائة ثم عزل في شعبان سنة اثنتين وثمانمائة في فتنة تنم وأهين وأخذ إلى مصر موكلاً به ثم أطلق فقدم مع العسكر لقتال التتر، فلما فر السلطان عن الشام توصل إلى أن ولي كتابة السر عن اللنكية ثم عوقب إلى أن مات في من مات في شهر رجب في العقوبة.
محمد بن محمد بن إسماعيل البكري شمس الدين ابن مكين المصري المالكي اشتغل في الفقه فبرع فيه وكان قليل المشاركة في غيره وسمع من ابن عسكر(2/189)
وعبد الرحمن بن القاري وغيرهما وولي تدريس الظاهرية بين القصرين وعين للقضاء فامتنع مع استمراره في نيابة الحكم إلى أن مات في ربيع الأول وقد بلغ الستين.
محمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن محمد المخزومي الدماميني ثم الإسكندراني شرف الدين ابن معين الدين ولد في خامس.... وتفقه واشتغل بالعربية والأصول وكان ذكياً وتعنى الكتابة وكان أبوه معين الدين ناظر الإسكندرية ونشأ هو فباشر في أعمال الدولة في الإسكندرية ثم سكن القاهرة وكان حاد الذهن فاشتغل بالمباشرة عند محمود الستادار واشتغل بالعلم في غضون ذلك فبرع في الفقه والأصول وولي حسبة القاهرة سنة سبع وتسعين وتكرر فيها مراراً، ثم ولي وكالة بيت المال مع الكسوة في رجب سنة ثمان وكان سعى بعد موت الكلستاني في كتابة السر بقنطار من الذهب وهو عشرة ألاف دينار فلم يسعفه برقوق بذلك ثم ولي نظر الجيش في ثامن ربيع الأول سنة تسع وتسعين بعد جمال الدين القيصري ثم عزل برفيقه عند محمود كان هو سعد الدين ابن غراب في سابع ذي القعدة في سنة ثمانمائة وولي قبل ذلك وكالة بيت المال والكسوة وسعى في القضاء وعين له فقام عليه المالكية فلم يتم له ذلك ثم استقر في نظر الجيش ونظر الخاص جميعاً لما هرب ابن غراب ثم عاد ابن غراب فقبض عليه عن قرب ثم أفرج عنه فولي قضاء الإسكندرية إلى أن مات وكان فيه مع حدته وذكاءه كرم وطيش وخفة رحمه الله تعالى وكان يعادي ابن غراب فعمل عليه إلى أن أخرجه من القاهرة لقضاء الإسكندرية فلم يلبث أن مات بها مسموماً على ما قيل وذلك في المحرم منها.(2/190)
محمد بن محمد بن الخيار الدمشقي تقي الدين التاجر ولد سنة ثمان وأربعين وتفقه شافعياً ثم رجع حنفياً ولم ينجب واشتغل بالتجارة وولي الحسبة والوكالة وهرب أيام الفتنة ثم رجع ومعه مال فصار يشتري المتاع برخص فكسب كسباً جزيلاً فلم يلبث أن مات في شوال وتمزق ماله.
محمد بن محمد بن عبد البر بن يحيى بن علي بن تمام السبكي الخزرجي بدر الدين بن أبي البقاء الشافعي، سمع في صغره من عبد الرحيم ابن أبي اليسر ونفيسة بنت الخباز وعلي بن العز عمر وغيرهم، واشتغل بالفقه والأصول، وولي القضاء مراراً وفوض له قضاء الشام لكن عزل قبل أن يتوجه إليه، وولي خطابة الجامع بعد ابن جماعة، ودرس بالأتابكية بدمشق قديماً وأول ما ولي القضاء بعد ابن جماعة في شعبان سنة تسع وسبعين وهو دون الأربعين فباشر سنة وأربعة أشهر، ثم أعيد ابن جماعة واستمر هو بطالاً بغير وظيفة إلى أن أعيد بصفر سنة أربع وثمانين، سمعت منه، وكان لين الجانب في مباشرته قليل الحرمة، وفي الآخر فسد حاله بسبب ابنه جلال الدين واستقر في تدريس الشافعي بعد عزله الأخير فاستمر إلى أن مات في ربيع الآخر وقد جاوز السبعين، وقد تقدم تاريخ ولايته في الحوادث، وقد ناب في الحكم عن أبيه، ودرس في الحديث، بالمنصورية ثم درس بالفقه بها بعد أبيه(2/191)
وبالشافعي فلما ولي القضاء انتزعت منه المنصورية للشيخ ضياء الدين والشافعي للشيخ سراج الدين وكان بخيلاُ بالوظائف وغيرها مع حسن خط وفكاهة قرأت بخط ابن القطان وأجازنيه كان كثير الإنصاف وإذا وقع عليه البحث لا يغضب بخلاف والده رحمهما الله تعالى.
محمد بن محمد بن عبد الله الصالحي الحنفي احد نواب الحكم بدمشق.
محمد بن محمد بن محمد بن عرفة الورغمي التونسي المالكي أبو عبد الله شيخ الإسلام بالمغرب، سمع من ابن عبد السلام والوادي آسي وابن سلمة وابن برلال واشتغل وتمهر بالفنون، وأتقن المعقول إلى أن صار إليه المرجع في الفتوة ببلاد المغرب، وكان معظماً عند السلطان فمن دونه مع الدين المتين والخير والصلاح وله تصانيف منها كتاب المبسوط في المذهب في سبعة أسفار إلا أنه شديد الغموض، وله مختصر الحوفي في الفرائض ونظم قراءة يعقوب، مات في جمادى الاخرة وله سبع وثمانون سنة، أجاز لي وكتب لي خطه لما حج بعد التسعين بالإجازة عنه، وعلق عنه بعض أصحابه كلاماً في التفسير كثير الفؤاد في مجلدين وكان يلتقطه في حال قراءتهم عليه ويدونه أولاً فأولاً، وكلامه فيه دال على التوسع في الفنون وإتقان وتحقق.(2/192)
محمد بن محمد بن محمد بن عمر بن القدوة أبي بكر بن قوام الصالحي بدر الدين كان ديناً خيراً به طرش يسير سمع الكثير من الحجار وإسحق الآمدي وغيرهما فقرأنا عليه شبيهاً بالأذان وكنا نتحقق أنه يسمع ما نقرأه بامتحانه تارة، وبصلاته على النبي صلى الله عليه وسلم تسليماً أخرى، وبالترضي عن الصحابة كذلك، مات في شعبان محترقاً بدمشق، وقد جاوز الثمانين.
محمد بن محمد بن محمد ابن منيع الصالحي الموقت المعروف بالوراق محب الدين، سمع من ابن أبي التائب وابن الرضي وغيرهما، سمعت منه الكثير، ومات في حصار دمشق.
محمد بن محمد بن محمد الشرمساحي ثم المصري عز الدين ابن قطب الدين المعروف بابن أخي موقع الحكم وكان وجيهاً عند الرؤساء وكان بيته مجمعاً لهم وأحضر على الميدومي وسمع على غيره، سمعت منه يسيراً، ومات في رجب ولم يكمل الخمسين.
محمد بن محمد بن محمود الحنفي صائن الدين الدمشقي أحد شهود الحكم بدمشق وكان يفتي ويذاكر، مات في ذي الحجة.
محمد بن محمد بن مقلد المقدسي ثم الدمشقي بدر الدين الحنفي،(2/193)
ولد سنة سبعمائة وأربع وأربعين وبرع في الفقه والعربية والمعقول، ودرس وأفتى، وناب فيالحكم بدمشق، وولي القضاء استقلالاً نحو سنة ثم عزل ولم تحد مباشرته ثم سار إلى القاهرة فسعى في العود فأعيد فوصل إلى الرملة فمات بها في ربيع الآخر.
محمد بن محمد البصروي ثم الدمشقي الضرير، قرأ بالروايات واشتغل في الفقه، مات في رجب.
محمد بن محمود بن أحمد بن رميثة بن أبي نمى الحسني المكي من بيت الملك وقد ناب في إمرة مكة، وكان خاله علي بن عجلان لا يقطع امراً دونه وكانت لديه فضيلة، وينظم الشعر مع كرم وعقل، مات في شوال وقد جاوز الأربعين.
محمد بن محمود بن إسحاق الزرندي ثم الصالحي السمسار يلقب زقي، حدثنا عن زينب بنت الكمال، مات في شعبان.
محمد الزيلعي شمس الدين الكاتب المجود، وكان عارفاً بالخط المنسوب وبالميقات، تعلم الناس منه وأخذ عنه غالب أهل البلد، وانتهت إليه رياسة الفن بدمشق، وكان ماهراً في معرفة الأعشاب أخذ ذلك عن ابن القماح، وكان ابن القماح يقول: إنه أفضل منه في ذلك، مات في شعبان.
محمد بدر الدين الأقفاصي ثم المصري صاحب ديوان الجاي كان من الأعيان بمصر، مات في ربيع الآخر.(2/194)
موسى بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن جمعة الأنصاري القاضي شرف الدين قاضي حلب، ولد سنة ثمان وأربعين ونشأ في حجر عمه شهاب الدين خطيب حلب، واشتغل كثيراً وتفقه بالذرعي وقدم دمشق سنة سبعين، ودخل مصر وأخذ عن الآسناي والمنفلوطي، وسمع الحديث من جماعة، منهم احمد بن محمد الأيكي المعروف بزغلش، ورجع وق دصار فاضلاً في الفنون وفهم من كل علم طرفاً جيداً، وأدمن الاشتغال حتى مهر، وأفتى ودرس، وخطب بجامع حلب واشتهر، ثم ولي القضاء في زمن الملك الظاهر مراراً ثم أسر مع اللنكية، فلما رجع اللنك عن بلاد الشام أمر بإطلاق جماعة هو منهم فأطلق من أسرهم في شعبان فتوجه إلى أريحا وهو موعوك فمات بها، وكان فاضلاً ديناً كثير الحياء قليل الشر، وكتب قطعة على الغاية القصوى للبيضاوي.
يوسف بن إبراهيم بن عبد الله الأذرعي نزيل حلب اشتغل كثيراً في الفقه وغيره بدمشق ثم قدم حلب فقرره الناصري في قضاء الباب ثم قضاء(2/195)
تيزين فمات فيالكائنة العظمى، وكان فاضلاً في الفقه مقتصراً عليه، قاله القاضي علاء الدين في تاريخ حلب.
يوسف بن موسى بن محمد بن أحمد بن أبي تكين بن عبد الله الملطي ثم الحلبي الحنفي اصله من خرت برت ونشأ بملطية، ولد سنة ست وعشرين أو في التي بعدها، واشتغل بحلب حتى مهر ثم رحل إلى الديار المصرية وهو كبير فأخذ عن علمائها، وسمع من عز الدين بن جماعة ومغلطاي وحدث عنه بالسيرة النبوية وذكر أنه سمعها منه سنة ستين، واشتغل وحصل وأفتى ودرس، وكان يستحضر الكشاف والفقه على مذهبهم، فاستدعاه الظاهر برقوق لما مات شمس الدين الطرابلسي فحضر من حلب في ربيع الآخر سنة ثمانمائة ونزل عند بدر الدين الكلستاني كاتب السر، وخلع عليه في العشرين من الشهر واستقر في قضاء الحنفية، فكانت مدة الفترة مائة وعشرة أيام، فباشر مباشرة عجيبة فإنه قرب الفساق واستكثر من استبدال الأوقاف وقتل مسلماً بنصرني ثم لما مات الكلستاني استقر بعده في تدريس الصرغتمشية ووقع في ولايته أمور منكرة، منها ما قدم من الأبخاس في الاستبدال، ومنها أنه قتل مسلماً بنصراني واشتهر أنه كان يفتي باكل الحشيش وبوجوه من الحيل في أكل الربا وأنه كان يقول: من نظر(2/196)
في كتاب البخاري تزندق، وعمل فيه محب الدين ابن الشحنة أبياتاً هجاه بها كان يزعم أن أنشدها له بلفظه موهماً أنها لبعض الشعراء القدماء في بعض القضاة، وقد أثنى عليه ابن حجي في علمه ولم يكن محموداً في مباشرته، مات في ربيع الآخر بالقاهرة وشغر منصب القضاء عن الحنفية بعده قليلاً إلى أن استقر أمين الدين الطرابلسي، قال العيني: كان يتصدق في كل يوم بخمسة وعشرين درهماً يصرف بها فلوساً ويعطيها للفقراء لا يخل بذلك، وكان عنده بعض شح وطمع وتغفيل وكان قد حصل بحلب مالاً كثيراً فنهب في اللنكية، قال: وكان ظريفاً ربع القامة، وقال: وهو أحد مشايخي قرأت عليه بحلب سنة ثمانين وقرأت بخط القاضي علاء الدين ابن خطيب الناصرية في تاريخه أن الملطي هذا سمع من مغلطاي السيرة النبوية والدر المنظوم من كلام المعصوم، قال: وقرأتهما عليه بروايته عنه، قال: وأخذ عن جمال الدين ابن هشام وغيره، قال: وكان فاضلاً كثير الاشتغال والإشغال وله ثروة زائدة حصلها بحيلة العينة وقرره تغري بردى في التدريس بجامع حلب ثم ولي قضاء الديار المصرية ولما هجم اللنكية البلاد عقد مجلس بالقضاء والعلماء لمشاطرة الناس في اموالهم فقال الملطي: إن كنتم تعملون بالشوكة فالأمر لكم وأما نحن فلا نفتي بهذا ولا نحل أن يعمل، فوقف الحال وعدت من حسناته،(2/197)
قال: ولما طلب إلى مصر على رأس القرن قال: أنا الآن ابن خمس وسبعين، مات في شهر ربيع الآخر من هذه السنة، وقرأت بخط البرهان المحدث بحلب: مات من الفقهاء الشافعية في الكائنة وبعدها في السنة علاء الدين الصرخدي وشرف الدين الدادبخي وشهاب الدين ابن الضعيف وشمس الدين البابي وبهاء الدين داود الكردي وشمس الدين ابن الزكي الجعبري.(2/198)
//الجزء الخامس
بسم الله الرحمن الرحيم
سنة أربع وثمانمائة
في المحرم منها أعرس نوروز بسارة بنت الملك الظاهر في الحادي والعشرين منه وكانت الوليمة هائلة يقال إنه ذبح فيها ثلاثمائة رأس من الغنم.
وفيه كائنة تغرى بردى مع أهل دمشق فهرب إلى حلب واتفق مع دمرداش واستقر في نيابة دمشق بعده آقبغا الجمالي في صفر، وكان أصل ذلك أن الأعراب أفسدت في الطرقات كثيراً حتى نهب القفل القادم من مصر فخرج النائب لقتالهم بالعسكر فلم يدركهم فرجع بغير نفع ووصل الأمر بالقبض عليه من مصر فأراد الحاجب القبض عليه ليلة الجمعة ثاني عشر المحرم فهرب إلى ناحية حلب فوصل إلى دمرداش وكان دمرداشه قد قبض على علي بك بن خليل بن دلغادر التركماني وعلى خمسين نفراً من قومه وحبسهم، فلما وصل تغرى بردى استشفعوا به فشفع فيهم عند دمرداش فأطلقهم.
وفي صفر نازل الفرنج طرابلس واستولوا على مراكب كثيرة للمسلمين في المينا ففزع إليهم أهل البلد وقاتلوهم قتالاً شديداً فأسر من المسلمين جماعة فدخل الناس بينهم في الصلح والفداء فغدروا بمن طلع إليهم من الرسل في ذلك وأسروه ثم أسروا طائفة أخرى من قرية بقرب طرابلس ثم توجه طائفة منهم إلى قرية أخرى فحال بينهم وبين ذلك أميرها فقبضهم وجاء بهم إلى طرابلس فسجنوا وأخذا المسلمون مراكبهم.
وفيها وقع دمرداش ومن اجتمع معه وبين دقماق نائب حلب حرب فكسره دمرداش فاستعان دقماق بنعير ومن معه من العرب فوقع بينهم وقعة عظيمة انكسر فيها دمرداش(2/199)
ومن اتبعه، والسبب في ذلك أن دمرداش جمع العساكر بعد أن خامر وجاء إليه تغرى بردى فجمع دقماق الذي قرر في حلب العساكر بحماة ثم استنجد بأهل دمشق ثم توجه إلى جهة حلب فخامر بعض من معه من التركمان فرجع دقماق يطلب النجدة من عسكر دمشق فنودي بالقاهرة للخروج فوصل دمرداش إلى ظاهر حلب ووصل جاليشه إلى المعرة فتوجه من دمشق آسن باي وبكتمر ومعهما جماعة ثم التقوا في جمادى الأولى ظاهر حلب فانكسر دمرداش واستولى ابن دلغادر على حلب فكاتب السلطان بذلك وسلمها لدقماق نائبها من جهة السلطان ثم جمع دمرداش جمعاً من التركمان ومعهم ابن رمضان فخرج إليهم نائب حلب والعسكر وجاءهم نعير فردوا هاربين فأدركت آثارهم وأخذ منهم شيء كثير واستمر ابن رمضان ودمرداش منهزمين وأدركهم بعض من يعادي ابن رمضان فنالهم منه جراح وغير ذلك.
وفيها أوقع جنتمر الطرنطاي التركماني كاشف الوجه القبلي عرب ابن عمر الهواري.
وفيها نودي بدمشق بمنع العمارة ظاهر البلد، ومن عمر ظاهر البلد خربت عمارته، وكانوا بعد حريق دمشق قد سكنوا في العمران الذي بقي في ظاهرها فاكثروا فيه العمارة، واستولى كثير من الناس على كثير من الأوقاف؛ فرفع الأمر للسلطان فأمر بالنداء بذلك في جمادى الأولى.
وفيه استقر شمس الدين بن عباس الصلتي في قضاء الشافعية بدمشق وصرف الإخناي ورسم عليه وأمر بالكشف عما استولى عليه من الأوقاف والأموال وأمر بالنداء(2/200)
عليه فنودي عليه في أرجاء البلد ثم بالصالحية وجاء الناس أفواجاً أفواجاً يشكون منه وعقد له مجلس عند النائب وبهدل كثيراً، وفيه عزل ابن منجا من قضاء الحنابلة واستقر النابلسي.
وفي صفر عزل ابن القطب من قضاء الحنفية واستقر شهاب الدين الجواشني، وفيه كثر الجراد ببلاد الشام كالسنة الماضية، وفيه ولي القاضي نجم الدين ابن حجي قضاء حماة.
وفيها في صفر كثرت الفتن والأقاويل بين سودون الحمزاوي وسودون بقجة وأزبك وقانباي الخازندار وغيرهم فغضب أكابر الأمراء من ذلك مثل نوروز وجكم وسودون طاز وتمربغا المشطوب فعين سودون الحمزاوي لنيابة صفد ومشوا بينهم في الصلح إلى أن اصطلحوا على ذلك وأنهم لا يحضرون للخدمة حتى يسافر الحمزاوي وأن جماعة من المماليك سموهم لا يطلعون إلى القلعة أصلاً، وخلع على نوروز وكان له مدة أشهر لم يطلع للخدمة، وخلع على جكم وكان له مدة شهرين كذلك وذلك في شهر ربيع الأول.
وفي المحرم استقر شمس الدين ابن البنا شاهد ديوان جكم في نظر الأحباس، ثم مات في السابع من صفر.
واستقر بدر الدين العيني ثم صرف في أواخر ذي القعدة بناصر الدين الطناحي فقيه السلطان.
وفي أواخر ربيع الآخر استقر مبارك شاه في الوزارة عوضاً عن أبي كم.(2/201)
وفي صفر توارى أبو كم الوزير علم الدين يحيى من كثرة الكلف على الوزارة ثم ظهر فخلع عليه بالاستمرار. وفيها استقر شمس الدين محمد الشاذلي في حسبة القاهرة عوضاً عن شمس الدين البجاسي.
وفي أواخر صفر خلع على فخر الدين ابن غراب ناظر الخاص عوضاً عن أخيه سعد الدين باختياره.
وفيه خلص الطنبغا العثماني من أسر تمرلنك فقرر نائباً في غزة.
وفي ذي القعدة استقر حسن بن الآمدي في مشيخة سرياقوس وصرف أبينا التركماني.
وفي رابع جمادى الآخرة عزل ناصر الدين الصالحي عن قضاء الشافعية واستقر الإمام جلال الدين ابن شيخ الإسلام البلقيني عوضاً عنه بمال كثير بذله بعناية سودون طاز، وغضب جكم من ذلك وأساء له القول لما جاء إلى بيته فلاطفه شيخ الإسلام والده وخرج هو وولده.
ثم لم يلبث إلاّ يسيراً حتى دبت العداوة بين جكم وسودون طاز فانقطع نوروز وجكم عن الخدمة مدة فبرز جكم إلى بركة الحبش فأقام أياماً واجتمع العسكر على سودون طاز ثم خامر نوروز ويشبك بن ازدمر ومن معهما إلى جكم ووقع بينهما عدة وقعات فانقطع نوروز وجكم عن الخدمة مدة، فلما كان ثاني عيد الفطر وقعت الحرب بينهم ثم نزل الناصر إلى الاصطبل ومعه سودون طاز وبعث طائفة إلى بيت نوروز ليكبسوا عليه فركب وركبت الجماعة فقتل جماعة في المعركة وجرح آخرون.
وممن فقد في الوقعة قانباي فلم يعرف له خبر مع أنه كان خلع عليه بنيابة حماة فامتنع وتغير وهرب جكم ومن اتبعه وأسر سودون من زاده جريحاً مع أن جهة نوروز(2/202)
كانت راجحة إلا أن سودون طاز تحيل فأمر الناصر أن يبعث الخليفة والقضاة إلى نوروز في طلب الصلح فوصلوا إليه فانقاد لهم وتبعه جكم وغيره وتركوا الحرب، فدار القضاة والخليفة وحلفوا الأمراء بالسمع والطاعة للسلطان وأخمدوا الفتنة، وطلع نوروز إلى الخدمة فخلع عليه، ثم طلع جكم فلم يخلع عليه، ثم طلب منه جماعة من الأمراء الذين كانوا معه فجحد معرفة أمكنتهم وبرز هو ومن معه من الأمراء والخاصكية إلى بركة الحبش، ثم جاء تمربغا المشطوب وغيره إلى نوروز فأركبوه إلى بركة الحبش واجتمع عندهم ما يقارب ألفي نفس.
فلما كان يوم الرابع عشر من شوال نزل السلطان وجميع من معه وخرجوا من باب القرافة وجكم ومن معه لا خبر عندهم من ذلك لأنهم كانوا سمعوا بأنه نودي بعرض الأجناد فبنوا الأمر على أن الحرب تقع بينهم يوم النصف، فبادر سودون طاز بالسلطان ومن معه عقب العرض يوم الأربعاء رابع عشره فالتقوا فانكسرت مقدمة نوروز وجكم وأسر تمربغا المشطوب وعلي بن ينال وأرغون، وولى جكم ونوروز هاربين أيضاً، وسفر تمربغا ومن أسر إلى الإسكندرية واستقر بيبرس قريب السلطان أتابك العساكر وأمر أن يخرج يشبك من الحبس فسار إليه القاصد يوم النصف من الشهر فوصلها رابع عشريه فاستقر دويداراً على عادته ثم ظهر نوروز وراسل بيبرس من الجيزة فأمنه وحلف له بالطلاق أنه يستقر نائب الشام فركب إليه وخرج ليلاً بغير علم أحد فحضر عنده فأمسك وقيد ثم أرسل إلى الإسكندرية ثم قبض على جكم أيضاً وقيد وأرسل إلى قلعة المرقب وغضب بيبرس من مخالفة رأيه وحنث يمينه فأرضي بالمال.(2/203)
وفي جمادى الآخرة عصى صرق نائب غزة وذلك أنه كان بلغه أن بعض الحرامية يقطع الطريق فخرج إليه في عسكره وأوقع بهم وأحضر منهم إلى غزة جماعة فوسطهم وأخذ منهم شيئاً كثيراً فلما رجع بلغه أن كتاب السلطان جاء إلى حاجب غزة سلامش بالقبض على صرق فأظهر المخالفة فواقعه سلامش ومعه جركش نائب الكرك فكسرهم صرق وبدد شملهم وقبض على جركش وهرب سلامش فاستغاث عرب آل جرم فأعانه عمر بن فضل الجرمي ورجع بهم إلى غزة فواقعوا صرق فكسرهم ثم تكاثروا فكسروه فهرب وذلك في نصف الشهر فأدركوه وقبض عليه وأحضروه إلى سلامش فقيد وحصل النهب في بعض غزة ولولا أن عمر بن فضل رد العرب عن النهب لم يبق فيها دار إلا نهبت وقتل في الوقعة أكثر من خمسين نفساً وجرح أكثر من ثلاثمائة ثم جاءت من مصر لصرق ولاية الكشف بالغور ثم كشف الكشاف فباشر في شوال.
وفي جمادى الآخرة باشر علاء الدين ابن المغلي قاضي حماة الحنبلي قضاء حلب.
وفي رجب رخصت الأسعار بدمشق بالنسبة إلى ما كان عقب الكائنة العظمى.
وفيه قبض على كثير من المفسدين بدمشق وشنقوا بكلاليب معلقة في أفواههم وكانوا قد كثروا بعد الكائنة وهجموا على الناس وأبادوهم قتلاً وخنقاً ونهباً ووجد عندهم من قماش الناس ما لا يحصى كثرة فأحضر بدار النيابة فصار من عرف شيئاً أخذه.
وفي شعبان وقعت صاعقة على رجل تحت القلعة بدمشق فقتلته.(2/204)
وفي سادس عشر شعبان أقيمت الجمعة بالجامع الأموي وكان لها مدة قد عطلت ثم نودي في الناس بالاجتماع للعمل فيه وتنظيفه.
وفيه زكا الزرع بأعمال دمشق حتى عد من حبة واحدة أنبتت مائتي سنبلة وسنبلة حكى ذلك ابن حجي أنه شاهده مع الأمير ناصر الدين محمّد ابن الأمير إبراهيم بن منجك.
وفي شعبان عزل ابن خلدون من قضاء المالكية بمصر واستقر جمال الدين البساطي وهو شاب.
وفيه كانت وقعة الفيل ظاهر القاهرة وذلك أنهم اجتازوا به بقنطرة بعد قنطرة الفخر فانخسفت فاشتبك فيها وعجز عن النهوض وصار معلقاً فلم يقدروا على تخليصه حتى مات وهو كذلك وأنشدوا فيه أشعاراً وغنوا بسبب قصته هذه أغاني.
وفيه أغار ابن صوجي التركماني على بعض عمال طرابلس فخرج شيخ نائبها في إثره فأظهر الهزيمة إلى أن بعد عن البلد وهو يتبعه فلما كاد يهجم عليه وافاه كتاب نائب حلب دقماق يشفع فيه فقبل شفاعته ورجع وتفرق العسكر فاغتنم ابن صوجي الفرصة وقاطع على شيخ وهو بعسكر جرار وشيخ في نحو الخمسين فقط، فكر عليهم شيخ فهزمهم وقتل منهم جماعة وفر الباقون ورجع سالماً.
وفي شوال قبض سودون الحمزاوي بصفد على متيريك البدوي أمير بني حارثة(2/205)
من العربان وكان قد تمرد وكثر فساده فاعتقله إلى أن قتله في صفر من السنة المقبلة وسلخه ومثل به.
وفي رجب منها ظهر كوكب كبير قدر الثريا له ذؤابة ظاهرة النور جداً فاستمر يطلع ويغيب ونوره قوي يرى مع ضوء القمر حتى رؤي بالنهار في أوائل شعبان فأوله بعض الناس بظهور ملك شيخ المحمودي فانه نقل في هذه السنة بعد خلاص يشبك إلى نيابة دمشق عوضاً عن آقبغا الجمالي في ذي القعدة وقرر نيابة طرابلس بعده دمرداش، واستقرت قدم شيخ بدمشق فلم يزل بترقي بعد ذلك حتى ولي السلطنة واستمر بعد هذه الحادثة عشرين سنة كما سيأتي تفصيله أميراً وسلطاناً ونقل آقبغا الجمالي إلى دمشق بطالاً وطلب تغرى بردى إلى القاهرة.
وفي ذي القعدة عزل تغرى بردى نائب الشام عن نيابة الشام وصرف إلى القدس بطالاً، واستقر في نيابة الشام شيخ المحمودي نقلاً من نيابة طرابلس فوصل في نصف ذي الحجة.
وفيها استقر تقي الدين ابن الشيخ شمس الدين الكرماني في قضاء العسكر بدمشق وإفتاء دار العدل وكان يؤم بالنائب ففوض له ذلك.
وفيها في ذي الحجة تجمعت التركمان مع ابن رمضان ووافقهم قرا يوسف واجتمعوا على دمرداش ونازلوا حلب وجمع نائب حلب دقماق العسكر وجاء إليه نائب حماة وأمير العرب نعير وبلغ ذلك نائب دمشق فأرسل إلى دمرداش ينهاه عن ذلك فلم يصل إليه رسولاً.(2/206)
وفيها رجع تمرلنك بعساكره عن سيواس قاصد الجهة الشمالية لبلاد ابن عثمان.
وفيها نازل السلطان أبو فارس عبد العزيز صاحب المغرب مدينة بسكرة وأسر صاحبها أبا العباس أحمد بن يوسف بن منصور بن فضل ابن علي بن أحمد بن الحسن بن علي بن مزنى بفتح الميم وسكون الزاي بعدها نون وياء ثقيلة فأسره أبو فارس وحمله إلى تونس فسجنه بها حتى مات بعد مدة وزالت بزواله دولة بني مزني وكان لها نحو أمن سبعين سنة يتنقلون فيها وكان ولده ناصر بن أحمد وهو من أبناء العشرين قد حج في هذه السنة فبلغه ما جرى على أبيه وأهله فأقام بالقاهرة بعد أن حج واشتغل بها ومهر في التاريخ وأسماء الرجال وجمع من ذلك مجاميع فسدت بعده ومات بعد مدة.
وفيها قتل جنتمر النظامي كاشف الوجه القبلي في حرب جرت بينه وبين محمد بن عمر بن عبد العزيز الهواري أمير العربان هناك.
وفيها أبطل السالمي مقسم اللحم.
وفي ثامن ذي القعدة اجتمع الأمراء في بيت بيبرس يلعبون الكرة فترصد جماعة من المماليك نحو الألف لسودون طاز وهاشوا عليه وأرادوا قتله فخلصه منهم الأمير بشبك وحماه إلى أن وصل إلى باب السلسلة واستقر يشبك في الدويدارية في رابع عشري ذي القعدة.
فيه خرج الأمراء عن بكرة أبيهم إلى عرب تروجة فأوقعوا بهم ثم قدموا ليلة عيد الأضحى.(2/207)
وفي سادس عشري ذي الحجة أواخر النهار استقر ولي الدين ابن خلدون في قضاء المالكية وصرف البساطي واستقر جمق الدويدار في نيابة الكرك عوضاً عن سلمان التركماني واستقر علان في نيابة حماة عوضاً عن يونس الحافظي وكان من أعيان أصحاب سودون طاز وقيل أرادوا بذلك قص جناحه وكان اللنك لما رحل من الشام وصل إلى ماردين فتحصن أهلها بالقلعة فحاصرها اللنك وراسل صاحبها الطاهر عيسى فما أجابه بشيء فلما أعياه أمرها أظهر أنه متوجه إلى جهة بغداد في أواخر رمضان فخرب نصيبين والموصل وصور فوهبها لحسين بك بن بابي حسن، وجهز ما حصل من الأموال صحبة الشيخ زاده إلى سمرقند ثم وجه إلى بغداد عشرين ألف مقاتل وأمر عليهم أمير زاه رستم وأمره إذا غلب على بغداد أن يستقر فيها أميراً وتوجهوا، وكان أحمد بن أويس قد رحل عنها وأمر عليها أميراً، وأوصاه أن لا يغلق بابها إذا قدم اللنك عليهم فلما وصل العسكر استعد أميرها واسمه فرج للقتال، فبلغ ذلك اللنك فسار إليهم ممداً لهم فأخذ بغداد عنوة يوم الأضحى فضحى بذبح المسلمين إلى أن جرت بدمائهم دجلة وبنيت برؤوسهم عدة منارات حتى يقال بلغت عدة القتلى صبراً تسعين ألفاً، وكان قد وظف على كل أمير من عسكره أن يحضر له عدداً من الرؤوس فكان إذا لم يقدر على توفية العدة من أهل بغداد يقطع رؤوس من معه من الأسرى من جميع البلاد، ثم أمر اللنك بتخريب بغداد كعادته في غيرها وأبلغ في ذلك ثم رحل عنها راجعاً إلى البلاد الشمالية.(2/208)
ذكر من توفي
في سنة أربع وثمانمائة من الأعيان
إبراهيم بن عبد الله الرفا كان مقيماً بزاوية بمصر قرب جامع عمرو وللناس فيه اعتقاد كبير ويحكى عنه كرامات، مات في جمادى الأولى.
إبراهيم بن محمّد بن راشد الملكاوي برهان الدين الشافعي أحد الفضلاء بدمشق اشتغل وحصل ومهر في القراآت، وقد تقد في الحوادث في السنة الماضية ما جرى له مع القاضي المالكي وكان يشغل في الفرائض بين المغرب والعشاء بالجامع، مات في جمادى الآخرة.
أحمد بن الحسن بن محمّد بن محمّد بن زكريا بن يحيى المقدسي المصري شهاب الدين السويداوي اعتنى به أبوه فأسمعه الكثير من يحيى ابن المصري وجماعة من أصحاب ابن عبد الدائم والنجيب ونحوهم وأكثر له من الشيوخ والمسموع واشتغل في الفقه وبحث في الروضة وكان يتعانى الشهادات ثم أضر بأخرة وانقطع بزاوية الست زينب خارج باب النصر، قرأت عليه الكثير ونعم الشيخ كان وقد حدث قديماً قبل الثمانين وتفرد بمرويات كثيرة(2/209)
وكان الشيخ جمال الدين الحلاوي يشاركه في أكثر مسموعاته، مات في تاسع عشر ربيع الآخر وقد قارب الثمانين أو أكملها.
أحمد بن عبد الخالق بن علي بن الحسن بن عبد العزيز بن محمّد بن الفرات شهاب الدين ابن صدر الدين المالكي اشتغل بالفقه والعربية والأصول والطب والأدب وتمهر في الفنون ونظم الشعر الحسن وكان بيننا مودة وهو القائل:
إذا شئت أن تحيا حياةً سعيدة ... ويستحسن الأقوام منك المقبحا
تزيّ بزيّ الترك واحفظ لسانهم ... وإلا فجانبهم وكن متصولحا
مات في شوال ولم يكمل الأربعين.
أحمد بن علي بن محمّد بن أبي الفتح نور الدين الدمشقي نزيل حلب المعروف بالمحدث، سمع الكثير من أصحاب الفخر ومن غيرهم بدمشق وحلب، واشتغل في علم الحديث وأقرأ فيه مدة بحلب ودمشق وكان حسن المحاضرة، ومن شيوخه في الأدب صلاح الدين الصفدي، ذكره لي القاضي علاء الدين ابن خطيب الناصرية.(2/210)
أحمد بن محمّد بن محمّد بن المنجا بن عثمان بن أسعد بن المنجا التنوخي الدمشقي الحنبلي قاضي الحنابلة بدمشق تقي الدين ابن صلاح الدين ابن شرف الدين تفقه قليلاً وناب عن أخيه ودرس وكان هو القائم بأمر أخيه وولي القضاء في أواخر العام الماضي فلم تطل مدته وكان شهماً نبيهاً؛ مات معزولاً ولم يكمل الخمسين.
أحمد بن محمّد بن محمّد المصري نزيل القرافة الشيخ شهاب الدين ابن الناصح، سمع من الميدومي وذكر أنه سمع من ابن عبد الهادي وحدث عنه بمكة بصحيح مسلم وحدث عن الميدومي بسنن أبي داود وجامع الترمذي سماعاً ومن لفظ نور الدين الهمذاني. أخذت عنه قليلاً وكان للناس فيه اعتقاد ونعم الشيخ كان سمتاً وعبادةً ومروءة، مات في أواخر رمضان وتقدم في الصلاة عليه الخليفة.
أسماء بنت أحمد بن محمّد بن عثمان الحلبي ثم الصالحي روت لنا عن الحجار سماعاً، ماتت في ثالث عشر المحرم عن نحو من ثمانين سنة.
أبو بكر بن عثمان بن خليل الحوراني تقي الدين المقدسي الحنفي، سمع من الميدومي وحدث عنه وناب في الحكم، مات في أواخر السنة ببيت المقدس.(2/211)
أبو بكر بن أبي المجد بن ماجد بن أبي المجد بن بدر بن سالم السعدي الدمشقي ثم المصري الحنبلي عماد الدين، ولد سنة ثلاثين وسبعمائة وسمع من المزي والذهبي وغيرهما وأحب الحديث فحصل طرفاً صالحاً منه، وسكن مصر قبل الستين فقرر في طلب الشيخونية فلم يزل بها حتى مات، وجمع الأوامر والنواهي من الكتب الستة وجوده وكان مواظباً على العمل بما فيه، وله اختصار تهذيب الكمال، وقد حدث عن الذهبي بترجمة البخاري بسماعه منه، اجتمعت به وأعجبني سمته وانجماعه وملازمته للعبادة، مات في آخر جمادى الأولى جنتمر بن عبد الله التركماني الطرنطاي، كان قد ولي نيابة حمص ونيابة بعلبك وأسر في المحنة العظمى ثم خلص من الأسر بعد مدة وحضر إلى مصر فتولى كشف الصعيد، وكان حسن المحاضرة بشوشاً كريماً مع ظلم كثير وعسف.
خليل بن علي بن أحمد بن بوزبا الشاهد المصري وسمع من ابن نمير السراج وغيره، سمعت منه قليلاً وكان معمراً فإنه ولد سنة خمس عشرة وسبعمائة فلو كان سماعه على قدر سنه لأتى بالعوالي مات في سابع عشري شعبان وله ثمان وثمانون سنة.
سعد ابن أبي الغيث بن قتادة بن إدريس بن حسن بن قتادة الحسني أمير ينبع، عزل عن إمرتها فأقام بمصر حتى مات في ذي القعدة عن ستين سنة.(2/212)
شقراء بنت حسين بن الناصر محمد بن قلاوون أخت الأشرف شعبان، ماتت في ثامن عشر المحرم.
صالح بن خليل بن سالم بن عبد الناصر بن محمد بن سالم الغزي الشافعي، سمع من الميدومي وحدث عنه وناب في الحكم، مات في ذي القعدة ببيت المقدس.
عبد اللطيف بن محمد بن عبد الكريم بن عبد النور بن منير الحلبي ثم المصر زين الدين بن تقي الدين بن الحافظ قطب الدين أحضر على ابن عبد الهادي وسمع من الميدوى سمعت منه وكان وقوراً خيراً، مات في وسط صفر.
عبد المؤمن العينتابي المعروف، بمؤمن كان فاضلاً في عدة علوم منها الفقه على مذهب الحنيفة. وكان حسن الوجه مليح الشكل، درس بعينتاب ثم تحول إلى حلب فأقام بها إلى أن مات في هذه السنة نقلته من تاريخ العيني.
عبد الوهاب بن محمّد بن محمّد بن عبد المنعم البرنباري شرف الدين ابن تاج الدين كان أبوه كاتب السر بطرابلس وناب هو في توقيع الدرج عند علاء الدين ابن فضل الله إلى أن مات في خامس عشر ذي الحجة سنة أربع عن نحو الثمانين سنة.(2/213)
عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان المخزومي البلبيسي ثم المصري الشافعي فخر الدين المقرئ الضرير إمام الجامع الأزهر تصدى للاشتغال بالقراءة فأتقن السبع وصار أمة وحده، وأخبرني أنه لما كان ببلبيس كان الجن يقرؤن عليه، وقرأ عليه خلق كثير، وكان صالحاً خيراً أقام بالجامع الأزهر يؤم فيه مدة طويلة، وقد حدث عنه خلق كثير في حياته، وانتفع به من لا يحصى عددهم في القراءة وانتهت إليه الرياسة في هذا الفن، وعاش ثمانين سنة، يقال مات في أول سنة خمس، وأرخه المقريزي والبغدادي في ثاني ذي القعدة سنة أربع وثمانمائة أخبرني محمّد بن علي بن ضرغام إجازة قال حدثني الشيخ فخر الدين عثمان المقرئ في سنة وأربعين أن بعض الجن أخبره أن الفناء يقع في مصر بعد سنة ويكون عامّاً في أكثر الناس، قال: وكنت عزمت على الحج فلم أرجع من مكة وأقمت بها مجاوراً إلى هذه الغاية ووقع الطاعون العام سنة تسع وأربعين كما قيل.
علي بن بهادر بن عبد الله الداوداري النائب بصفد علاء الدين كان جواداً ممدحاً عارفاً بالمباشرة ودارى عن صفد أيام تمرلنك حتى سلمت من النهب، ويقال إنه أحصى ما أنفقه في تلك الأيام فبلغ عشرة آلاف دينار وأكثر من ذلك، وكان ينفق على الواردين إليها من قبل الكائنة والهاربين إليه بعدها، واستقر بعد ذلك حاجباً بصفد فعمل عليه نائب صفد الآتي ذكره سودون الحمزاوي(2/214)
وضربه ضرباً مبرحاً واستأصل أمواله ومات من العقوبة في أواخر السنة وقد قتل به سودون قصاصاً بعد ذلك كما سيأتي.
علي بن عبد الله التركي نزيل القرافة بالجبل المقطم كان للناس فيه اعتقاد كثير ويحكى عنه كرامات وكانت شفاعته لا ترد مات في ربيع الأول، وكان أبوه من المماليك السلطانية فنشأ هو في بيت الملك الناصر الكبير، فلما كبر خرجت في وجهه قوبا فتألم منها وعالجها فلم ينجع فيها دواء فوجد شيخاً يقال له عمر المغربي فطلب منه الدعاء فاستدناه ولحس القوبا بلسانه فشفاه الله سريعاً فاعتقده ورمى الجندية وتبع الشيخ المذكور وتسلك على يديه وانقطع إلى الله ولم يترك زي الجندية ولا أخذ في يده سبحة ولا لبس مرقعه بل كان مقتصداً في ملبسه ومأكله وكلما يفتح عليه يتصدق به ويؤثر غيره، ومات وله أربع وثمانون سنة، وكان يقول: ما رأيت أورع من الشيخ عمر ولا أهيب من الناصر، وكان يقول: أعرف الناس من أيام الناصر، ما رأيت لهم عناية بأمر الدين لكن كان فيهم حياء وحشمة تصدهم عن أمور كثيرة صارت تبدو من رئيس الرؤساء الآن، قلت: فكيف لو أدرك زماننا! يقال بلغ التسعين، وذكر لي أنه كان يذكر ما يدل على أن عمره أربع وثمانون سنة، وقد زرته وأنا صغير وسمعت كلامه ودعا لي ولكني لا أتذكر أني زرته وأنا كبير فالله أعلم.(2/215)
علي بن عبيد بن داود المرداوي ثم الصالحي الحنبلي سمع من أحمد بن عبد الرحمن المرداوي وحدثنا عنه وكان يكتب خطاً حسناً ويعتمد الحكام عليه في الشهادة بالصالحية وهو أخو الفقيه شمس الدين ابن عبيد، مات في جمادى الآخرة.
علي بن غازي بن علي بن أبي بكر بن عبد الملك الصالحي عرف بالكوري سمع من زينب بنت الكمال وحدثنا عنها بالصالحية، مات في شوال.
عمر بن الشرف الغزولي الحنبلي، مات في سادس عشر ذي القعدة منها بحلب.
عمر بن علي بن أحمد بن محمّد بن عبد الله الأنصاري الأندلسي ثم المصري سراج الدين ابن أبي الحسن المعروف بابن الملقن ولد سنة ثلاث وعشرين في رابع عشري ربيع الأول منها، وكان الملقن واسمه عيسى زوج أمه فنسب إليه، ومات أبوه أبو الحسن وهو صغير، وكان عالماً بالنحو وأصله من الأندلس، رحل أبوه منها إلى التكرور وأقرأ أهليها القرآن فحصل له مال، ثم قدم القاهرة فولد له هذا فمات وله سنة وأوصى به إلى الشيخ(2/216)
عيسى المغربي وكان يلقن القرآن في الجامع الطولوني فتزوج بأمه فعرف به، وحفظ القرآن والعمدة وشغله في مذهب مالك، ثم أشار عليه بعض أصحاب والده أن يقرئه المنهاج فحفظه وأنشأ له وصيه ربعاً فكان يكتفي بأجرته ويوفر له بقية ماله وكان يقتني الكتب، بلغني أنه حضر في الطاعون العام بيع كتب شخص من المحدثين فكان وصيه لا يبيع إلا بالنقد الحاضر، قال: فتوجهت إلى منزلي فأخذت كيساً من الدراهم ودخلت الحلقة فصببته فصرت لا أزيد في الكتاب شيئاً إلا قال: بع له، فكان فيما اشتريت مسند الإمام أحمد بثلاثين درهماً، وكان ربما عرف بابن النحوي وربما كتب بخطه كذلك فلذلك اشتهر بها ببلاد اليمن، عني في صغره بالتحصيل، فسمع من ابن سيد الناس والقطب الحلبي وأكثر عن أصحاب النجيب وابن عبد الدائم وتخرج بزين الدين الرحبي ومغلطاي وكتب عنهما الكثير، وتفقه بشيوخ عصره ومهر في الفنون، واعتنى بالتصنيف قديماً فشرح كثيراً من الكتب المشهورة كالمنهاج والتنبيه والحاوي على كل واحد منها عدة تصانيف، وخرج أحاديث الرافعي وشرح البخاري ثم شرح زوائد مسلم عليه ثم زوائد أبي داود عليهما ثم زوائد الترمذي على الثلاثة ثم النسائي كذلك ثم ابن ماجه كذلك،(2/217)
واشتهر بكثرة التصانيف حتى كان يقول إنها بلغت ثلاثمائة تصنيفاً واشتهر اسمه وطار صيته، وكانت كتابته أكثر من استحضاره فلهذا كثر القول فيه من علماء الشام ومصر حتى قرأت بخط ابن حجي كان ينسب إلى سرقة التصانيف فإنه ما كان يستحضر شيئاً ولا يحقق علماً ويؤلف المؤلفات الكثيرة على معنى النسخ من كتب الناس، ولما قدم دمشق نوه بقدرة تاج الدين السبكي سنة سبعين وكتب له تقريظاً على كتابه تخريج أحاديث الرافعي وألزم عماد الدين ابن كثير فكتب له أيضاً، وقد كان المتقدمون يعظمونه كالعلائي وأبي البقاء ونحوهما فلعله كان في أول أمره حاذقاً، وأما الذين قرؤا عليه ورأوه من سنة سبعين فما بعدها فقالوا: لم يكن بالماهر في الفتوى ولا التدريس وإنما كان يقرأ عليه مصنفاته غالباً فيقرر على ما فيها، وجرت له محنة بسبب القضاء تقدمت في الحوادث وكان ينوب في الحكم فترك، وكان موسعاً عليه في الدنيا وكان مديد القامة، حسن الصورة، يحب المزاح والمداعبة مع ملازمة الاشتغال والكتابة، وكان حسن المحاضرة جميل الأخلاق كثير الإنصاف شديد القيام مع أصحابه، واشتهر بكثرة التصانيف حتى كان يقال إنها بلغت ثلاثمائة مجلدة ما بين كبير وصغير. وعنده من الكتب ما لا يدخل تحت الحصر منها ما هو ملكه ومنها ما هو من أوقاف المدارس لا سيما الفاضلية، ثم إنها احترقت مع أكثر مسوداته في أواخر عمره ففقد أكثرها،(2/218)
وتغير حاله بعدها فحجبه ولده نور الدين إلى أن مات في سادس عشري ربيع الأول وقد جاوز الثمانين بسنة وكان حسن المحاضرة ويحب المداعبة مع جميل الأخلاق وكثرة الإنصاف وجمال الصورة والقيام مع أصحابه.
فضل الله بن أبي محمّد التبريزي أحد المتقشفين من المبتدعة وكان من الاتحادية ثم ابتدع النحلة التي عرفت بالحروفية فزعم أن الحروف هي عين الآدميين إلى خرافات كثيرة لا أصل لها، ودعا اللنك إلى بدعته فأراد قتله فبلغ ذلك ولده أمير زاده لأنه فر مستجيراً به فضرب عنقه بيده فبلغ اللنك فاستدعى برأسه وجثته فأحرقهما في هذه السنة، ونشأ من أتباعه واحد بلقب: نسيم الدين، فقتل بعد ذلك وسلخ جلده في الدولة المؤيدية سنة إحدى وعشرين بحلب.
محمّد بن إبراهيم بن محمّد بن إبراهيم الأرموي ثم الصالحي سمع من فاطمة بنت العز وحدثنا عنها، مات بدمشق.
محمّد بن رسلان بن نصير بن صالح البلقيني ناصر الدين أخو شيخ الإسلام سراج الدين ولد سنة خمس عشرة وسبعمائة، ولم يرزق من العلم ما رزق أخوه ولا ما يقاربه، وكان مقيماً ببلده يتعانى الزراعة ويقدم على أخيه أحياناً، ولو اتفق له سماع الحديث لكان عالي الإسناد،(2/219)
رأيته قبل موته بقليل، وهو شيخ جلد صحيح البنية يظهر للناظر أن الشيخ أسن منه لأن الشيخ قد سقطت أسنانه كلها بخلاف هذا، وكانت لهما أخت عاشت إلى سنة ثلاث وجاوزت التسعين.
محمّد بن عثمان الأشليمي ثم المصري أصيل الدين ولد بعد سنة أربعين، ولما ترعرع تعانى القرآن، ثم اشتغل قليلاً في الفقه وتكسب بالشهادة ولازم صدر الدين ابن رزين ثم ناب في الحكم بالقاهرة ثم سعى في قضاء القضاة على القاضي تقي الدين الزبيري بتحسين القاضي صدر الدين المناوي له ذلك وتحريضه عليه وإظهاره الرضا به، فلما شرع في ذلك وجد المناوي السبيل إلى السؤال في العود فأعيد وقرر الأصيل في قضاء دمشق، فوليه في شعبان سنة إحدى وثمانمائة في أواخر دولة الظاهر بمال اقترضه وافر فباشر قليلاً فلم تحمد سيرته، فلم يلبث الظاهر أن مات فسعى الأخناي حتى عاد ورجع الأصيل إلى مصر واستمر معزولاً، ونالته بالقاهرة محنة بسبب الديون التي تحملها وسجن بالصالحية مدة ثم أطلق، وكان له استحضار يسير من السيرة النبوية ومن شرح مسلم فكان يلقي درسه غالباً من ذلك ولا يستحضر من الفقه إلا قليلاً، مات عن ستين سنة أو أكثر في أواخر ذي الحجة من السنة.
محمّد بن علي بن محمّد بن عقيل بن محمّد بن الحسن بن علي أبو الحسن البالسي ثم المصري نجم الدين ابن نور الدين ابن العلامة نجم الدين، تفقه كثيراً ثم تعانى الخدم عند الأمراء ثم ترك ولزم بيته، ودرس بالطيبرسية إلى أن مات(2/220)
وقد أضر قبل موته بيسير، ونعم الشيخ كان خيراً واعتقاداً جيداً ومروءة وفكاهة، لزمته مدة وحدثني عن ابن عبد الهادي ونور الدين الهمذاني وغيرهما؛ مات في عاشر المحرم وله أرع وسبعون سنة.
محمّد بن محمّد بن عنقة - بنون وقاف وفتحات - أبو جعفر البسكري - بفتح الموحدة بعدها مهملة - ثم المدني كان يسكن المدينة ويطوف البلاد وقد سمع من جمال الدين ابن نباتة قديماً ثم طلب بنفسه فسمع الكثير من بقية أصحاب الفخر بدمشق وحمل عن ابن رافع وابن كثير وحصل الأجزاء وتعب كثيراً ولم ينجب، سمعت منه يسيراً وكان متودداً رجع من الإسكندرية إلى مصر فمات بالساحل - غريباً - رحمه الله.
محمّد بن نشوان بن محمّد بن أحمد بن نشوان بن محمّد بن أحمد الحجاوي والد الشيخ شهاب الدين كان خيراً كثير التلاوة؛ مات في رجب وعاش ستاً وسبعين سنة.
محمّد بن.... بن البناء ناظر ديوان الأمير جكم وولي بعنايته نظر الأحباس؛ ومات في خامس ربيع الآخر.
لاجين بن عبد الله الجركسي كان معظماً عند الجراكسة وكانوا يتحاكون بينهم أنه يلي المملكة وهو لا يكتم ذلك ويتظاهر به وكان السلطان والأكابر يبلغهم ذلك(2/221)
فلا يكترثون به ويعدون كلامه من سقط المتاع، وكان قد عين جماعة لعدة وظائف وكان يعد أنه إذا تملك أن يبطل الأوقاف كلها، وأن يخرج الإقطاعات كلها، وأن يعيد الأمر إلى ما كان عليه في عهد الخلفاء، وأن يحرق كتب الفقهاء كلها، وأول من يعاقب شيخ الإسلام البلقيني، فحال الله بينه وبين ذلك، ومات قبل البلقيني بسنة، وكان له إقطاع تغل في كل سنة عشرة آلاف كانت في ذلك الوقت قدر ثلاثمائة دينار ورزقة أخرى تغل هذا القدر أو أكثر منه، وكان منقطعاً في بيته وأكابر الأمراء يترددون إليه وغيرهم يفعل ذلك تبعاً لهم، وشاع أن الظاهر أراد أن يقرره في نيابة السلطنة ولم يتم ذلك، وقيل: بل كان الامتناع منه، وكان مشهوراً بسوء العقيدة يفهم طريق ابن العربي ويناضل عنها وله أتباع في ذلك، واشتهر عنه أنه سيلي الأمر استقلالاً فيغير معالم الشريعة ويحرق كتب المسلمين، وكان يتهدد الأعيان كالبلقيني بالقتل والعقوبة إلى أن قدر الله موته في رابع ربيع الأول من هذه السنة قبل البلقيني بسنة ونصف وكفى الله شره وكان قد قارب الثمانين أو جاوزها.
يوسف بن الحسن بن محمود السرائي الأصل التبريزي عز الدين الشهير بالحلوائي - بفتح أوله وسكون اللام مهموزاً - الفقيه الشافعي، ولد سنة ثلاثين وسبعمائة وتفقه ببلاده، وقرأ على الشيخ جلال الدين القزويني والشيخ بهاء الدين الخونجي والقاضي عضد(2/222)
الدين، واجتمع في بغداد بالشيخ شمس الدين الكرماني وأخذ عنه الحديث وشرحه للبخاري ومهر في أنواع العلوم، وأقبل على التدريس وشغل الطلبة، وعمل على البيضاوي شرحاً، فلما دخل الدعادعة وهم أتباع طقتمش خان تبريز وخربوها تحول الشيخ عز الدين إلى ماردين فأقام بها مدة، ثم راسله مرزا ابن اللنك فقدم عليه تبريز فبالغ في إكرامه فأقام بها، وكتب على الكشاف حواشي وشرح الأربعين للنووي، وكان زاهداً عابداً معرضاً عن أمور الدنيا مقبلاً على العم، وكان قد حج ثم زار المدينة فجاور بها سنة وكان لا يرى مهموماً قط، وكانت وفاته سنة أربع وثمانمائة بالجزيرة فإنه رجع إليها لما كثر الظلم في تبريز فقطنها إلى أن مات، وخلف ولدين بدر الدين محمّدا وجمال الدين محمدا، وحج بدر الدين سنة تسع وعشرين وأقام بحصن كيفا فشغل الناس بالعلم، وحج جمال الدين سنة ثلاث وثلاثين، وقدم القاهرة سنة أربع وثلاثين وأقام بها مدة وتوجه وقد تقدم ذكره في سنة اثنتين وثمانمائة.
يوسف بن الحسين الكردي الشافعي نزيل دمشق كان عالماً صالحاً معتقداً تفقه وحصل، قال الشيخ شهاب الدين الملكاوي: قدمت من حلب سنة أربع وستين وهو كبير يشار إليه(2/223)
وكان يميل إلى الأثر والسنة وينكر على الأكراد في عقائدهم وبدعتهم؛ وكانت له اختيارات، منها المسح على الجوربين مطلقاً وكان يفعله، وله مؤلف لطيف جمع فيه أحاديث وآثاراً، ومنها تزويج الصغيرة التي لا أب لها ولا جد. وقال ابن حجي كان يميل إلى ابن تيمية ويعتقد صواب ما يقوله في الفروع والأصول، وكان من يحب ابن تيمية يجتمع إليه، وكان قد ولي مشيخة الخانقاه الصلاحية وأعاد بالظاهرية وكان الشهاب الملكاوي يقول: قدمت من حلب سنة أربع وستين وهو كبير يشار إليه وكان وقع بينه وبين ولده الشيخ زين الدين عبد الرحمن الواعظ بسبب العقيدة وتهاجرا مدة إلى أن وقعت فتنة اللنكية فتصالحا، ثم جلس مع الشهود وأحسن إليه ولده في فاقته فلم يلبث أن مات في شوال.(2/224)
سنة خمس وثمانمائة
في أولها استولى اللنك على أبي يزيد ابن عثمان وأسره وأسر ولده موسى ثم قتل أبو يزيد، وكان من أكبر ملوك الإسلام وأيمنهم نقيبة وأكثرهم غزواً في الكفار، وكان ينكر على ملوك عصره تقاعدهم عن الجهاد وأخذهم المكوس فلما رجع تمرلنك في سنة ثلاث من البلاد الشامية إلى جهة الشرق ثم عرج على بغداد عاد إلى جهة الروم فوصل إليها في أواخر السنة الماضية وأرسل إلى صاحب ماردين يأمره بالحضور إليه فلم يكن له بد من موافقته فتوجه إليه وراسل أبا يزيد في الصلح على عادته في المكر والدهاء، وكان أبو يزيد قد جمع العساكر لما بلغه قصده إلى بلاده واستكثر فيها فلم يجبه إلى الصلح ورحل بعسكره إلى جهة تمرلنك ليطرده عن بلاده فسار خمسة عشر يوماً فراسله تمر أيضاً يقول له إنك رجل مجاهد في سبيل الله وأنا لا أحب قتلك ولكن انظر إلى البلاد التي كانت معك من أبيك وجدك فاقنع بها وسلم لي البلاد التي كانت مع أرطنا صاحب الروم في زمن الملك أبي سعيد، فمال ابن عثمان إلى ذلك، فبلغه أن التمرية أغاروا على كماخ ونهبوها فتحقق أبو يزيد أن تمر لا يحب الصلح ولا يذكره إلا تخذيلاً، فلما تقارب العسكران أظهر تمر الهزيمة خديعة فلم يفطن ابن عثمان لذلك وساق خلفه إلى مكان يسمى الآن المكسورة فلما قربوا منهم أخرج تمرلنك طائفة كانوا مستريحين وأراح المنهزمين فتلاقوا مع عسكر ابن عثمان وهم كالموتى من التعب، فلاقاهم أولئك على الفور فقتل منهم مقتلة عظيمة، ثم هجم عليهم كمين لتمرلنك فهزمهم،(2/225)
وتوجه سليمان بن أبي يزيد بن عثمان إلى جهةٍ برصا منهزماً ثم عدا إلى القسطنطينية ومعه أكثر العسكر، وأحاط التمرية ببقية العسكر وفيهم أبوه فأسروه وأتوا به إلى تمر وتفرقت العساكر شذر مذر، وخاض التمرية في بلاد الروم فأفسدوا ونهبوا وأحرقوا عدة قرى وأقاموا بالروم أربعة أشهر في الإفساد، ومات أبو بن مراد بن أردخان بن عثمان في أسر تمرلنك وكان مطلقاً فأدركه أجله إما من القهر أو من غيره، وفرق تمر ممالكه على من كانت بيده قبل انتزاع ابن عثمان لها منهم، ورجع تمرلنك إلى بلاده في شعبان من السنة بعد أن صنعوا في الروم نحو ما صنعوا في الشام، فمات السلطان محمود خان وكان تمر يدبر مملكته والاسم والفعل لهم وهو من ذرية جنكيز خان وكان حضر واقعة الشام مع تمر، وكان أبو يزيد بن عثمان من خيار ملوك الأرض ولم يكن يلقب ولا أحد من آبائه وذريته ولا دعي بسلطان ولا ملك وإنما يقال الأمير تارة وخوند خان تارة، وكان مهاباً يحب العلم والعلماء ويكرم أهل القرآن؛ وقرأت بخط الشيخ تقي الدين المقريزي أنه سمع الأمير حسن الكجكني يقول دخلت معه لما توجهت إليه رسولاً الحمام فكان الحوض الذي يغتسل منه جميعاً فضة وكذا كانت أوانيه التي يأكل فيها ويشرب ويستعملها،(2/226)
قال: وأخبرني شمس الدين ابن الصغير الطبيب وكان الملك الظاهر وجهه إليه بسؤاله في طبيب حاذق فلما وصل إليه أكرمه وأعطاه، قال: فكان بعد أن رجع يحكي أن ابن عثمان كان يجلس بكرة النهار في براح متسع ويقف الناس بالبعد منه بحيث يراهم فمن كانت له ظلامة رفعها إليه فأزالها في الحال، وكان الأمن في بلاده فاشياً بحيث يمر الرجل بالحمل مطروحاً بالبضاعة فلا يتعرض له أحد، وكان يشرط على كل من يخدمه أن لا يكذب ولا يخون، ولكنه كان يصنع من الشهوات ما أراد، قال: وكان الزنا واللواط وشرب الخمر والحشيش فاشياً في بلادهم يتظاهرون به، ويكرمون كل من ينسب إلى العلم غاية الإكرام، وكان أبو يزيد لا يمكن أحداً من التعرض لمال أحد من الرعية حياً ولا ميتاً، وإن مات ولا وارث له يودع ماله عند القاضي، وكل من غزا معه لا يتعرض لشيء مما يحصل في يده؛ وترك لما مات من الأولاد سليمان ومحمداً وموسى وعيسى فاستقل بالملك سليمان وسار على طريقة أبيه، ثم ثار عليه أخوه عيسى فقتل ثم ثار أخوه موسى فغلب وقتل سليمان ثم ثار محمّد فقتل موسى، واستقل محمّد بالملك إلى أن مات في سنة ... وقام بعده ولده مراد بن محمّد بن أبي يزيد بن عثمان.(2/227)
وكان السبب في قصد اللنك بلاد ابن عثمان أن أحمد بن أويس وقرا يوسف كانا قد فرا إليه فأجارهما فراسله اللنك بعد أن غلب على بغداد فيهما فامتنع فجعل ذلك ذريعة إلى قتاله فتوجه إليه، وكان ابن عثمان قوي النفس فجمع العساكر ولم يقنع بالانتظار فكان ما كان.
وأول ما ملك اللنك قلعة كماخي وكانت في غاية الحصانة ثم راسل التتار الترك بالروم ومتّ إليهم بالجنسية ومنّاهم ووعدهم فوعدوه بالمعاونة، فمن الرأي الفاسد أن ابن عثمان أراد أن يدهم عسكر اللنك على غرة، فسلك بعسكره الجرار في مهامه وقفار ليصير من وراء العسكر ويظفر بهم فسار مجداً فتعبوا ولغبوا وجاعوا وعطشوا واستمر اللنك سائراً لا يرده أحد عن قرية ولا بلد بل سار بعسكره متمهلاً وقد بلغه ما صنعه ابن عثمان من جواسيسه فتباطأ في سيره وأراح جيوشه، فاتفق أنهم التقوا فتناجزوا القتال فانهزم التتار الذين كان قد خدعهم وانهزم الباقون بهزيمتهم، وكان ملتقاهم بمدينة أنقرة، فسار سليمان بن أبي يزيد بن عثمان بمن معه إلى جهة الساحل وركبوا البحر إلى القسطنطينية، وقبض على أبيه ابن عثمان فأحضر بين يدي اللنك فلامه وعنفه واستمر معه في الأسر وكانت الوقعة في ذي الحجة من هذه السنة.
وفيها أرسل تمرلنك رسلاً من عنده إلى صاحب ماردين بكتاب يرسله صحبة من يثق به من عنده إلى القاهرة ثم أرسل رسلاً في البحر من بلاد الروم منهم مسعود الكجحاني يستنجز إرسال أطلمش ويهددهم إن لم يرسلوه يقصدهم، فوصل إلى دمشق رسول صاحب ماردين وهو بدر الدين محمّد بن تاج الدين حسين بن بدر الدين(2/228)
حسن بن شمس الدين بن حسام الدين عبد العزيز بن محمّد بن عبد العزيز ابن الشيخ عبد القادر الجيلي وهو ممن له حرمة في تلك البلاد ومكارم وإحسان وكلمة مسموعة وذكر أنه لم يحمله على المجيء في هذه الرسالة إلا قصد النصيحة للمسلمين، وقد تقدم ذكر أبيه في سنة خمس وسبعين، ولما وصلوا إلى مصر بادر المصريون بتجهيزه إليه وصحبته هدية جليلة في جمادى الآخرة، وكان مسعود المذكور قد صحب تمرلنك لما طرق المملكة الشامية فجاء في الرسلية منه، وفي كتاب تمرلنك الآتي على يد مسعود أن مهما يقول مسعود ويقع الاتفاق معه عليه فهو بإذني، ومهما حلف عليه فهو لازم لي. وأرسل مع مسعود لواء مذهباً عليه اسم تمرلنك ووصل مع مسعود ولد ابن الجزري وأخبر أن أباه كان مع ابن عثمان فأسر وأحضر عند تمرلنك، فأكرمه لاشتهاره بعلم القراآت، ووصل أطلمش دمشق في جمادى الآخرة ووصل إلى حلب في رجب، ثم توجه إلى تمرلنك فالتقيا بعد رجوع تمر من بلاد الروم ورجعت الرسل الذين كانوا مع أطلش فوصلوا في شوال وحققوا توجهه إلى بلاد الدشت، ثم وصل من عند مسعود المذكور رسولاً ومعه هدية فيل وغيره وكتاب يشكر الأمراء على إرسال أطلش. وقرأت بخط الشيخ برهان الدين المحدث بحلب ما نصه(2/229)
ورد رسول تمر مسعود بن محمود الكجحاني وصحبته شهاب الدين أحمد بن خليل وخاصكي من جهة الناصر فرج يقال له قانباي في ثاني ذي القعدة سنة خمس وصحبتهم هدية من تمر إلى الناصر فرج من جملتها فيل وفهد وبازي وسنقر وصقر وقبا قصيركم مزركش مريش وخوقاني؟ مزركش مريش مفرّى بقاقم وسولق وبند وقبع قال وكان الثلاثة المذكورون توجهوا في العام الماضي إلى تمر وصحبتهم الأمير أي أطلش الذي كان مسجوناً بالقاهرة من جهة تمر، قال وكان سبب وقوعه لأهل مصر أنه كان أميراً على بعض القلاع فنازله قرا محمّد فأمسكه وأرسل به إلى القاهرة فحبس بها، فلما دخل تمر الشام أرسل طلبه وتكررت رسله بطلبه فأرسلوه مكرماً وتوجهوا به من جهة طرسوس إلى أن اجتمعوا به وهو في أرض الروم ثم قدر بعد ذلك مجيء مسعود إلى هذه البلاد وباشر نظر الأوقاف في الدولة المؤيدية ومات بها.
وفي المحرم استقر صدر الدين الأدمي في كتابة السر بدمشق وعلاء الدين ابن أبي البقاء في القضاء بدمشق وزين الدين الكفري في قضاء الحنفية بها.
وفي صفر ضرب الحاجب فقيهاً ادعى عليه بمال عنده فأنكر ثم صالح عليه غريمه، فظن الحاجب أنه كاذب في إنكاره فعزره، فبلغ ذلك القاضي الشافعي فأرسل إلى الغريم وعزره وطيف به فبلغ ذلك الحاجب فشكي إلى النائب فسلمه الشاهد المذكور والشهود الذين عينهم فضربهم وطوف بهم ونادى عليهم جزاء من يرمي الفتن بين الحكام وتألم الناس لذلك.
وفي يوم الاثنين ثاني عشر صفر برز سودون طاز إلى ناحية المرج والزيات فنزل هناك بجماعته وأخوته منافراً ليشبك بسبب أنه ذكر له أنه قصد القبض عليه، فلم يخرج أحد إليه إلا أن بعض المماليك أغلظوا ليشبك في الرميلة وأفحشوا في القول(2/230)
وساق بعضهم ليضربه فدخل بيت الأتابك بيبرس وأقام فيه أياماً ثم تراسلوا فأرسل السلطان إلى سودون طاز يترضاه فما رضي فلما كان يوم الاثنين تاسع عشره خلع على إينال باي بن قجماس بوظيفة سودون طاز واستقر أمير آخور وأخرجت إقطاعات مماليك سودون طاز ومن يلوذ به ثم استعد السلطان لتحصين القلعة بالرماة ليخرج إليه فحصل بين بعض المماليك خلف، ثم اتفقوا ولبسوا السلاح يوم الأحد ثالث شهر ربيع الآخر ثم خرجوا إليه في يوم الأربعاء سادسه فلما علم سودون طاز بتوجه السلطان ركب لجهة خليج الزعفران ثم خرج إلى جهة النيل حتى وصل إلى بولاق وسار إلى الميدان الكبير بالقرب من قناطر السباع، وأما العسكر فوصلوا إلى جهة المرج فقيل لهم إنه توجه إلى جهة البحر فرجعوا مسرعين فتلاقوا عند الكبش فانكسر وانهزم راجعاً فأمسك قانباي أخوه وجرح هو وجماعة من الطائفتين ومات من جراحه خازنداره فلما كان في اليوم الثالث من حربه قبض عليه وجيء به إلى بيت يشبك فرسم بحبسه في دمياط مكرماً ونزل على فرس إلى البحر وشيعه الأمراء إلى نزل إلى الحراقة وساروا به إلى دمياط مكرماً واستقر آقباي الكركي الخازندار على إقطاع سودون طاز فلم يلبث أن مات من جراحة كانت أصابته ليلة السبت رابع عشر جمادى الأولى، واستقر إقطاعه لسودون الحمزاوي وهو يومئذٍ شاد الشربخاناه.
وفي ثالث عشر جمادى الآخرة وصل سودون الجلب إلى دمياط واجتمعت أخوة سودون طاز وأشاروا عليه بأن يسافر إلى الشام، فأرسل إلى والي دمياط فقبض عليه وهجم هو ومن معه على الطواحين فأخذوا منها ما شاءوا من الخيول وتوجهوا فنزلوا(2/231)
على بكتمر بن بقر أمير العربان بالشرقية، فبلغ ذلك السلطان من بقر فأرسل إليه عسكراً فأحاطوا به وقبضوا عليه وعلى من معه وسمر سودون الجلب وبعض المماليك متاعه بالرميلية تسمير سلامة ثم أطلقوا وسجن سودون طاز بالإسكندرية وذلك في ثالث شهر رجب، ثم قبض على قانباي وحبس بالإسكندرية، ثم أمر في شهر رمضان بإرسالهم مفرقين إلى الحبوس في قلاع الشام.
وفي شعبان حبس نوروز وقانباي في الصبيبة وجكم في قلعة حصن الأكراد وسودون طاز في قلعة المرقب ثم حول إليها جكم.
وفي سادس عشر رجب استقر كمال الدين بن العديم في قضاء الحنفية بالقاهرة بعد صرف أمين الدين الطرابلسي، وكان كمال الدين قد قدم في أوائل السنة من حلب بعد أن أسره اللنك وأهانه فقدم ليسعى في أمور تنفعه بحلب فلقي الأمر بالقاهرة معدوفاً بالأمراء فداخلهم حتى استقر بالقاهرة.
وفيها أطلق جماز بن هبة الحسيني الذي كان أمير المدينة من سجن الإسكندرية وكان له به سبع سنين، وقرر في إمرة المدينة عوضاً عن ثابت بن نعير.
وفيها أمسك ابن غراب وأخوه فخر الدين الوزير وسلما للركن ابن قايماز، واستقر الركن أستاداراً وتاج الدين ابن البقري ناظر الخاص وعلاء الدين الأخميمي المعروف بالشريف وزيراً، وأصل ذلك أن سودون الحمزاوي تفاوض هو وابن غراب بحضرة الناصر في أواخر شعبان، فلما خرج ابن غراب من القلعة ضربه بعض المماليك ورموا عمامته، فهرب وألقى نفسه وحمل إلى باب السلسلة عند الأمير إينال(2/232)
باي بن قجماس أمير آخور وانقطع عن الخدمة أياماً إلى أن أمر الناصر بمسكه في ثامن عشر رمضان وأمسك أخوه وجماعة من ألزامهما وعوق جمال الدين يوسف أستادار بجاس بباب يشبك ثم أطلق بعد قليل وعمل أستادارية الأمير بيبرس الأتابك مضافاً لأستادارية سودون الحمزاوي.
وفي مستهل شوال وصل يلبغا السالمي إلى القلعة وكان قد أمر بعد مسك ابن غراب بإطلاقه، واستقر في الوزارة مبارك شاه في رابع شوال وعزل الأخميمي ثم عزل في ثامن عشري شوال وقرر تاج الدين عبد الرزاق والي قطيا واستقر بالسالمي مشير الدولة فقط وسعر السالميّ الذهب الهرجة بستين والأفلوري بخمسة وأربعين وتسلم ابن غراب وأخاه فلم يمكن من ضربهما، ثم تسلّمهما ابن قايماز وضرب فخر الدين بن غراب بعض شيء ثم شفع فيهما يشبك وأطلقا في أواخر ذي القعدة.
وفي سلخ شوال عزل تاج الدين ابن الدماميني من نظر الجيش باستعفائه وأضيف إلى ابن البقري.
وفي سابع ذي القعدة استعفى تاج الدين والي قطيا من الوزارة واستقر كاشفا بالبحيرة، وفي سابع عشري ذي القعدة السالمي أستاداراً مع الإشارة.
وفي أول استقرار السالمي في الإشارة عزل ابن البلقيني من القضاء وأعاد ابن الصالحي في ليالي خروج الحاج، ويقال إنه التزم في ذلك بمال جزيل يزيد على ستة آلاف دينار.(2/233)
وفي أواخر شوال استقر سودون الحمزاوي رأس نوبة كبيرا عوضاً عن سودون المارداني، واستقر المارداني أمير مجلس عوضاً عن تمراز، واستقر تمراز أمير عوضاً عن بكتمر، واستقر طوخ خازنداراً عوضاً عن سودون الحمزاوي.
وفيها نازل الإفرنج الإسكندرية فاهتم أهل الدولة لذلك وجهزوا عسكراً فيهم يلبغا الناصري وبكتمر وجركس المصارع وآقباي الحاجب وسودون المارداني وتمراز وتغرى بردى وغيرهم، وقدموا فيه برهان الدين المحلى بسؤاله في ذلك طلباً لنباهة الذكر فأنفق عليهم جملة كثيرة من ماله وتوجهوا في أواخر هذه السنة.
وفيها في أواخر السنة قفل المماليك أبواب القلعة على الأمراء بسبب النفقة، فنزل الأمراء من باب السر إلى الإصطبل وركبوا من خيوله إلى منازلهم، وتغيّب السالمي ثم حصلوه وعوّقوه في القلعة بسبب النفقة ثم تسلّمه أمير آخور إينال باي ابن قجماس.
وفي جمادى الأولى مات آقباي الخازندار.
وفيها في أثناء السنة كائنة ابن دقماق وجد بخطه حط صعب على الإمام الشافعي فطولب بذلك من مجلس القاضي الشافعي فذكر أنه نقله من كتاب عند أولاد الطرابلسي فعزره القاضي جلال الدين بالضرب والحبس ولم يكن المذكور يستأهل ذلك.
وفيها استقر دمرداش في نيابة طرابلس وأحضر تغرى بردى إلى القاهرة وكذلك سودون الحمزاوي وقرر عوضه في نيابة صفد شيخ السليماني، واستقر سودون في وظيفة شيخ السليماني شاد الشربخاناه ثم قرر خازنداراً بعد موت آقباي الكركي في جمادى الآخرة ثم تزوج ابنة ابنة السلطان برقوق في رجب،(2/234)
وفي ربيع الأول أعيد أبينا التركماني إلى مشيخة سرياقوس بعد موت حسن ابن الأمدي.
وفي جمادى الأولى استقر كريم الدين محمد الهوى في حسبة القاهرة عوضاً عن شمس الدين الشاذلي ثم صرف واستقر محمد بن شعبان في شعبان ثم ضرب بعد أيام بحضرة يشبك وعزل.
وفيها في رجب ارتفعت الأسعار فبلغ القمح سبعين والشعير أكثر من ذلك والفول تسعين والتبن خمسين، وارتفعت أسعار سائر المأكولات وكذلك الملابس.
وفي ذي الحجة قدم دمشق ابن الحربي المصري الذي ولي وزارة دمشق بسبب محاسبة الوزير المستقر على ما عنده ومحاسبة أهل الأوقاف على ما استفادوه، وشرع في مظالم كثيرة بدمشق، فبلغ ذلك نائبها وهو غائب فأرسل بمنعه فمنع وتوجه إلى القاهرة فأرسل في أمره فرجع وضربه ضرباً مبرحاً وسجنه بالقلعة بعد أن نودي عليه، ففرح الناس بذلك ودعوا له.
وفي جمادى الآخرة صرف علاء الدين على ابن أبي البقاء عن قضاء الشافعية واستقر شمس الدين بن عنان.
وفي ذي القعدة صرف ابن الآدمي عن كتابة السر وأعيد علاء الدين نقيب الأشراف فسعى ولده ناصر الدين بالقاهرة، واستنجز لشهاب الدين ابن حجي نظر الحرمين والغزالية وتدريسها.(2/235)
وفيها استقر بدر الدين حسن الجابي في قضاء المالكية عوضاً عن الأُموي، ثم وصل توقيع عيسى قبل أن يباشر حسن فاستمر عيسى واستناب حسناً المذكور ورسم على الأموي بسبب ما تأخر عليه من الرشوة.
وفي رجب أغار التركمان أصحاب سالم الدوكاري على قارا وما حولها من القرى فاستباحوها ونهبوا حوالي ثلث البلد ولم يخرج إليهم نائب حلب ولا أزعجهم، وذكروا أنهم عاقبوا الناس على المال كصنيع التمرية.
وفي رجب أكملت عمارة دار السعادة بدمشق بعد إلزام النائب أهل البلد بعمارتها ومرمة ما يحتاج إليه السكنى منها وتحول إليها فسكنها.
وفي شعبان ولي شهاب الدين الأموي قضاء المالكية بدمشق وكان قبل ذلك قاضي طرابلس وقد ولي بعد ذلك قضاء مصر.
وفيه استقر كمال الدين بن جمال الدين عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن الخشاب في قضاء الحنفية بدمشق عوضاً عن عبد الرحمن بن الكفري، وفي رمضان ولي فتح الدين بن شمس الدين الجزري وكالة بيت المال بدمشق وتدريس الأتابكية انتزعها من جلال الدين ابن أبي البقاء.
وفي رمضان قتل نائب القدس، قتله العشير وكان خرج إليهم ليكبسهم فاستعدوا له فقتلوه.
وفي شوال ولي محيى الدين بن الأمدي كتابة السر بطرابلس.
وضرب قاضي حلب ابن(2/236)
يحيى فقتل، ضربه رجل بسكين فمات، واستقر عوضه شمس الدين محمد بن أحمد البيري أخو جمال الدين الأستادار.
وفي شوال عزل عز الدين عبد الرحمن ابن الكفري عن قضاء الحنفية بدمشق، واستقر عوضاً عنه جمال الدين ابن القطب، قال ابن حجي وهو أحسن سيرة من ابن الكفري وإن اشتركا في الجهل.
وفيه هرب نجم الدين ابن حجي من حماة مغاضباً لنائبها علان لأنه اطلع منه على إرادة العصيان فكاتب فيه فاطلع علان على كتابه فأراد قتله ففر منه إلى دمشق.
وفيها استشهد سعد الدين أبو البركات محمد بن أحمد بن علي، بن كذا، بن صير الدين بن ولوى بن منصور بن عمر الملقب ولسمع، استقر في مملكة الحبشة للمسلمين بعد أخيه حق الدين، فسار على سيرته في جهاد الكفرة وكانت عنده سياسة وكثرت عساكره وتعددت غاراته واتسعت مملكته حتى وقع له مرة أن يبيع الأسرى الذين أسرهم من الحبشة كل عبدين بتفصيلة، وبلغ سهمه من بعض الغنائم أربعين ألف بقرة فيقال إنه لم تبت عنده بقرة واحدة بل فرّقها، وله في مدة ولايته وقائع وأخبار يطول ذكرها، فلما كان في هذه السنة جمع الحطى صاحب الحبشة جمعاً عظيماً وجهز عليهم أميراً يقال له باروا فالتقى الجمعان فاستشهد من المسلمين جمع كثير منهم أربعمائة شيخ من الصلحاء أصحاب العكاكيز، وتحت يد كل واحد منهم عدة فقراء مسلكون عنده، واستحر القتل في المسلمين حتى هلك أكثرهم وانهزم من بقي، ولجأ سعد الدين إلى جزيرة زيلع في وسط البحر، فحصروه فيها إلى أن وصلوا إليه، فأصيب في جبهته بعد وقوفه في الماء ثلاثة أيام فطعنوه فمات، وكانت مدة ملكه ثلاثين سنة، واستولى الكفار(2/237)
على بلاد المسلمين وخربوا المساجد وبنوا بدلها الكنائس وأسروا وسبوا ونهبوا، وفرّ أولاد سعد الدين وهم صير الدين علي ومعه تسعة من أخوته إلى البر الآخر فدخلوا مدينة زبيد، فأكرمهم الناصر أحمد بن الأشرف وأنزلهم وأعطاهم خيولاً ومالاً فتوجهوا إلى مكان يقال له سيارة، فلحق بهم بعض عساكرهم، واستمر صير الدين على طريقة أبيه وكسر عدة من جيوش الحطى وحرق عدة من الكنائس وغنم عدة غنائم، وسيأتي خبر صير الدين في سنة خمس وعشرين.
وفي العشر الأخير من شوال سعى السالمي في إبطال مكس الذبيحة من الغنم والبقر وغيرهما، والسبب أن غالب المتجوهين أخذوا مراسيم بمساميح، بعضهم ببقرة وبعضهم بشاة أو أكثر، فما بقي لجهة الدولة شيء يتحصل من الجهة فنودي بإسقاط ذلك، ثم أعيد بعد مدة لكن بصورة أخرى وهي ترك الصوف والجلد لجهة الدولة.
وفيه سعر اللحم فالسليخ بدرهم ونصف، والسميط بدرهم وربع، والبقري بدرهم.
وفي أواخر ذي الحجة ثار الجند بالأستادار يلبغا السالمي وأغلق باب القلعة فهرب من باب السر، ثم أخرج من طاحون بالقرافة ورسم عليه السلطان وألزمه بتكفية العليق والنفقة وانسلخت السنة على ذلك.
وفيها خرج طاهر بن أحمد بن أويس على أبيه وحاربه وكسر جمعه وأطاعه العسكر بغضاً منهم في أبيه لسوء سيرته، ففرّ أحمد إلى الحلّة فتبعه ولده وحاربه ففرّ إلى بغداد ليأخذ وديعة له، فهجم عليه طاهر واستنقذ منه المال فاستنجد أحمد بقرا يوسف من تبريز فأعانه فاجتمعا على حرب طاهر فانهزم، واتفق أنه اقتحم فرسه في حال الهزيمة جانباً من دجلة لينجو منه إلى البر الآخر فغرق.(2/238)
وفي سنة خمس وثمانمائة تزوج سودون الحمزاوي زينب بنت الملك الظاهر وعمرها يومئذ نحو عشر سنين.
وفيها ضرب ابن شعبان المحتسب بحضرة يشبك لسوء سيرته.
ذكر من مات
في سنة خمس وثمانمائة من الأعيان
إبراهيم بن داود السرحموشي الدمشقي، كان رجلاً حسناً يحب الفقراء وكان كثير الضيافة مع فقره، وولي في آخر عمره مشيخة الخانقاه النجيبية وسكنها إلى أن مات في رمضان وله ستون سنة.
أحمد بن عبد الله بن الحسن البوصيري شهاب الدين، تفقّه ولازم الشيخ ولي الدين الملوي وبرع في الفنون ودرس مدة، وأفاد وتعانى التصوّف، وتكلم على مصطلح المتأخرين فيه، وكان ذكيّاً، سمعت من فوائده، ومات في جمادى الأولى.
أحمد بن عبد الله الحلبي ثم الدمشقي شهاب الدين قاضي كرك نوح، قال ابن حجي: كان من خيار الفقهاء وولي قضاء القدس، مات في ذي الحجة، قال ابن حجي: ولي الخطابة والقضاء بكرك نوح ثم القدس وناب في الخطابة بالجامع الأموي وفي تدريس البادرائية.
أحمد بن عبد الله العرجاني الدمشقي، اشتغل قليلاً وكتب خطّاً حسناً وتعانى الإنشاء والنظم وباشر أوقاف السميساطية وكان يحب السنّة والآثار، مات في المحرّم.
أحمد بن محمد بن عثمان بن عمر بن عبد الله الخليلي، نزيل غزة، سمع من الميدومي ومحمد بن إبراهيم بن أسد وأكثر عن العلائي وغيره، وكان ديِّناً صالحاً خيِّراً بصيراً ببعض المسائل، سكن غزة واتخذ بها جامعاً وكان للناس فيه اعتقاد، اجتمعت به ونعم الشيخ كان، قرأت عليه عدّة أجزاء، ومات في صفر وله اثنتان وسبعون سنة.
أحمد بن محمد بن عيسى بن الحسن الياسوفي ثم الدمشقي المعروف بالثوم، بمثلثة مضمومة، روى عن أحمد بن علي الجزري وغيره، ومات في جمادى الآخرة عن ست وستين سنة، وكان له مال وثروة ثم افتقر بعد الكائنة وصارت أمواله حججاً لا تحصيل منها.
أحمد بن محمد الحلبي ثم الدمشقي شهاب الدين قاضي كرك نوح والخطيب بها، قال ابن حجي: كان من خيار الفقهاء، وقد ولي قضاء القدس وولي تدريس المدرسة البادرائية بدمشق، مات في ذي الحجة.(2/239)
أحمد بن يحيى العثماني المعرّي - من معرة سرمين - شهاب الدين اشتغل ومهر وولي قضاء الشافعية بحلب في مستهل شوال سنة خمس وثمانمائة، وكان حسن(2/240)
السيرة، فلم يلبث أن قتل ليلة الأربعاء ثاني عشري الشهر المذكور، هجم عليه شخص فضربه في خاصرته بسكين فمات منها في الثاني والعشرين منه، نقلت ذلك من خط مجهول وجدته في هامش جزء من مسودّة تاريخ حلب لابن العديم، ثم وجدته في تاريخ القاضي علاء الدين فقال: أحمد بن يحيى بن أحمد بن مالك السرميني - من معرة سرمين - كان قاضي بلده مدة ثم ولي قضاء حلب بعد الفتنة العظمى دون الشهر، فاغتيل بعد صلاة الصبح ثالث عشر شوال، قال: وكانت له مروءة وفيه سكون وسيرته حسنة.
أبو بكر بن محمد بن عبد الله بن مقبل زين الدين المعروف بالتاجر، ناب في الحكم وكان فاضلاً في مذهبه وكان في أوله سمساراً في قيسارية الشرب فانكسر عليه مال كثير فترك صناعته واشتغل بالعلم فتنبّه، ولازم الاشتغال حتى استنابه جمال الدين التركماني بعناية محب الدين ناظر الجيش، ولم يزل ينوب عن القضاة إلى أن مات، وكان مشهوراً بالديانة غير متقيد بزينة الحياة الدنيا مطرحاً للتكلّف في ملبسه وهيئته مع المهابة وقلّة الكلام، ثم مات في ثالث ذي الحجة عن نحو الثمانين،(2/241)
وهو غير زين الدين السكندري الحنفي نائب الحكم أيضاً الأديب الفاضل تأخر عن الأول، ولهم ثالث وهو زين الدين المخدوم الحنفي ناب في الحكم أيضاً وتأخر عن الثاني.
بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز بن عمر بن عوض بن عمر الدميري المالكي تاج الدين، كان فاضلاً في مذهبه، أخذ عن الشيخ خليل وغيره وبرع وأفتى ودرس بالشيخونية وغيرها، وشرح مختصر الشيخ خليل فلم يفت منه إلا الدلائل والعلل وهو في مجلدة واحدة، وولي تدريس الشيخونية وقضاء المالكية بعد موت ابن خير في ثاني عشري شهر رمضان سنة إحدى وتسعين أيام قيام منطاش، وتوجه مع القضاة إلى الشام لحرب الظاهر، فلما عاد الظاهر عزله في ثاني عشر ربيع الأول بالركراكي، ومات معزولاً في سابع جمادى الآخرة وقد جاوز السبعين لأنه ولد سنة أربعٍ وثلاثين، وله سماع من البياني وتفقه على الرهوني وله نظم وكان محمود السيرة.
الحسن بن علي الأمدي - بفتحتين من غير مدّة - كان بزيّ الجند، من أهل الحسينية، ثم توصّل بصحبة بعض الأمراء حتى ولي مشيخة سرياقوس، وترك لبس الجند ولبس بالفقيري ومات في شعبان.(2/242)
سعد بن يوسف بن إسماعيل بن يوسف بن يعقوب بن سرور بن نصر بن محمد سعد الدين بن صدر الدين النووي ثم الخليلي، ولد سنة تسع وعشرين وقدم دمشق بعد الأربعين فاشتغل بها ثم مهر ودرس واشتغل على ابن قاضي شهبة، وناب في الحكم بها وحمل عن التاج المراكشي وابن كثير، وقرأ عليه مختصره في علم الحديث وأذن له، وسمع الحديث من الذهبي وعبد الرحيم بن أبي اليسر وشمس الدين ابن نباتة وغيرهم، وحدّث وأفتى ودرّس بأم الصالح وأعاد بالناصرية، ثم ولي قضاء بلد الخليل بعد كائنة تمرلنك فمات هناك في جمادى الأولى عن ست وسبعين سنة وكان أسن من بقي من الشافعية، قال ابن حجي: كان ذا ثروة جيدة فاحترقت داره في الفتنة وأخذ ماله، فافتقر فاحتاج أن يجلس مع الشهود، ثم ولي قضاء بعض القرى وقضاء بلده الخليل.
سلمان بن عبد الحميد بن محمد بن مبارك البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي، سمع من ابن الحموي وغيره، وكان بصيراً ببعض المسائل، متعبِّداً خيِّراً.
سودون طاز، تقدم ذكره في الحوادث وكان مسجوناً بقلعة المرقب، مات في هذه السنة.(2/243)
سارة بنت علي بن عبد الكافي السبكي، أسمعت من أحمد بن علي الجزري وزينب بنت الكمال وغيرهما، وسمعت على أبيها أيضاً، وتزوجها أبو البقاء فلما مات تحولت إلى القاهرة ثم رجعت إلى دمشق في أيام سري الدين وكان صاهرها، ثم رجعت إلى القدس ثم إلى القاهرة، فسمعنا منها قديماً ثم في سنة موتها، ماتت بالقاهرة في ذي الحجة بعد مرض طويل وقد جاوزت السبعين.
عبد الله بن خليل بن الحسن بن ظاهر بن محمد بن خليل بن عبد الرحمن الحرستاني ثم الصالحي المؤدب، سمع من الشرف ابن الحافظ وغيره وأجاز له الحجار، سمعت منه.
عبد الجبار بن عبد الله المعتزلي الحنفي عالم الدشت عند تمرلنك، قدم معه دمشق ودخل معه الروم ورجع فمات، أخبر بموته في هذه السنة مسعود الكجحاوي.
وفيها أرخه القاضي علاء الدين في تاريخ حلب وذكر أنه اجتمع به بقلعة حلب لما طرقتها اللنكية في شهر ربيع الأول سنة ثلاث، قال: فوجدته ذكيّاً فاضلاً، وسألته عن مولده فقال: يكون لي الآن نحو الأربعين، وتكلم مع علماء حلب بحضرة اللنك وكان معظماً عنده، ورأيت شرح الهداية لأكمل الدين وقد طالعه عبد الجبار المذكور وعلّم على مواضع منه وذكر أنها غلط، وختم ترجمته بأنه كان عالم الدشت في زمانه.
عبد الرحمن بن أبي الخير محمد بن أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحسني أبو الفضل الفاسي ثم المكي المالكي، سمع من تاج الدين ابن بنت أبي سعد وشهاب الدين الهكاري وغيرهما، وعني بالفقه فمهر فيه وأفتى ودرس أكثر من أربعين سنة، وكان نبيهاً في الفقه مشاركاً في غيره، مات بمكة في نصف ذي القعدة عن خمس وستين سنة.
عبد الكريم بن محمد النووي تقي الدين، اشتغل قديماً ثم ترك واشتغل بالسعي في القضاء بالبلاد فولي نوى، ثم باشر قضاء أذرعات مدّة، ولم يكن مرضياً، وكان جواداً بالقرى، مات في رجب.(2/244)
عبد الوهاب بن عبد الله بن أسعد بن علي اليافعي المكي تاج الدين ابن الشيخ عفيف الدين، اشتغل بالفقه وأذن له شيخنا الأبناسي ودرس بالحرم، مات في رجب عن خمس وخمسين سنة لأنه ولد سنة خمسين، وسمع من أبيه وجماعة بمكة، ورحل إلى دمشق فسمع من ابن أميلة وغيره، وتفقّه بالأميوطي وغيره، وكان خيِّراً عابداً ورعاً قليل الكلام فيما لا يعنيه، أمَّ في مقام إبراهيم نيابة، اجتمعت به وسمعت كلامه.
عثمان بن عبد الله الملقب بالفيل أحد من كان يعتقد بمصر، مات في جمادى الأولى.
عمر بن رسلان بن نصير بن صالح السراج البلقيني شيخ الإسلام ابن شهاب الدين ابن عبد الخالق بن عبد الحق الكناني البلقيني نزيل القاهرة، ولد سنة أربعٍ وعشرين في شعبان، وحفظ القرآن وله سبع سنين ببلده، وحفظ المحرر والكافية لابن مالك ومختصر ابن الحاجب الأصلي والشاطبية، وقدم مع أبيه القاهرة في طلب العلم سنة ست وثلاثين، وعرض على القزويني والسبكي بعض محفوظاته ثم قدمها سنة ثمان وثلاثين فاستوطنها واخذ عن نجم الدين الأسواني وشمس الدين بن عدلان ومشايخ العصر، وأفتى ودرّس وهو شاب، وناظر الأكابر وظهرت فضائله وبهرت فوائده وطار في الآفاق صيته من قبل الطاعون، وسمع الحديث من جماعة من مشايخ عصره كمحمد بن غالي وأحمد بن كشتغدي وإسماعيل التفليسي(2/245)
وشمس الدين بن القماح وابن عبد الهادي والميدومي وغيرهم، وأجاز له الذهبي والمزي والجزري وابن نباتة وآخرون، وأخذ النحو عن أبي حيان، وأذن له في إقرائه وأطراه فيما كتبه له، وأخذ الأصول عن الأصبهاني، ولازم ابن عقيل وتزوج بنته سنة اثنتين وخمسين، وانتهت إليه الرياسة في الفقه والمشاركة في غيره حتى كان لا يجتمع به أحد من العلماء إلا ويعترف بفضله ووفور علمه وحدة ذهنه، قال القاضي جلال الدين في ترجمته كان يلقى الحاوي في الأيام اليسيرة وبلغ من أمره في ذلك أن أقرأه في ثمانية أيام بالجامع الأزهر، وكان معظّماً عند الأكابر عظيم السمعة عند العوام، إذا ذكر البلقيني خضعت الرقاب حتى كان الشيخ جمال الدين الأسنوي يتوقّى الإفتاء مهابة له لكثرة ما كان ينقب عليه في ذلك، وقد ولي قضاء الشام بعد صرف تاج الدين السبكي في سنة تسع وستين، وجرت له معه أمور مشهورة ولم يقم في ذلك إلا دون السنة وعاد إلى القاهرة متوفراً على الاشتغال والإفتاء والتصنيف، وقد عيّن مرّات لقضاء الشافعية فلم يتفق ذلك إلاّ بعد دهر طويل لولده، ولم يكمل من مصنفاته إلا القليل لأنه كان يشرع في الشيء فلسعة علمه يطول عليه الأمر، حتى كتب من شرح البخاري على نحو من عشرين حديثاً مجلّدين، وكتب على الروضة عدة مجلدات تعقبات وعلق بعض طلبته من خطه من حواشي نسخته باروضة خاصة مجلدين، وقد عمل له ولده جلال الدين ترجمة جمع فيها أسامي تصانيفه وأشياء من اختياراته أجادها، سمعتها كلها منه، وخرجت أنا له أربعين حديثاً عن أربعين شيخاً، حدّثت بها مراراً، وقرأت عليه دلائل النبوّة للبيهقي فشهد لي بالحفظ في المجلس العام، وقرأت عليه دروساً من الروضة، وأذن لي بخطه وكتب لي بخطه على جزء من تعليق التعليق الذي وصلت فيه تعاليق البخاري،(2/246)
وكنت رأيت في هذه السنة أنني دخلت مدرسة وهو يصلي الظهر فأحس بداخل فتمادى في الركوع فأدركت معه صلاة الظهر، فعبرتها عليه فقال لي يحصل لك ظهور كثير، قلت: وبقية المنام أنك تأخرت لي أدركتك فأخذت عنك وأذنت لي، فأقر ذلك وكان الأمر كذلك، وكانت آلة الاجتهاد في الشيخ كاملة إلا أن غيره في معرفة الحديث أشهر وفي تحرير الأدلة أمهر، وكان عظيم المروءة جميل المودّة كثير الاحتمال مهيباً مع كثرة المباسطة لأصحابه والشفقة عليهم والتنويه بذكرهم، وله نظم كثير شائع نازل الطبقة جداً، وأقبل على عمل المواعيد بأخرة فكان يحصل له فيها خشوع وخضوع، قال ابن حجّي: كان أحفظ الناس لمذهب الشافعي واشتهر بذلك، وطبقة شيوخه موجودون، قدم علينا دمشق قاضياً وهو كهل فبهر الناس بحفظه وحسن عبارته وجودة معرفته، وخضع له الشيوخ في ذلك الوقت واعترفوا بفضله، ثم رجع وتصدّى للفتيا فكان معول الناس عليه في ذلك وكثرت طلبته فنفعوا وأفتوا ودرسوا وصاروا شيوخ بلادهم وهو حيّ. قال: وله اختيارات في بعضها نظر، وله نظم وسط وتصانيف كثيرة لم تتم، يبتدئ كتاباً فيصنف منه قطعة ثم يتركه وقلمه لا يشبه لسانه، مات في عاشر ذي القعدة وكثر أسف الناس عليه، وبلغني وفاته وأنا مع الحجيج بعرفة فعملت فيه مرثية تزيد على مائة بيت وهي مشهورة، وعاش إحدى وثمانين سنة وربع سنة، رحمه الله تعالى.
عميد بن عبد الله الخراساني الحنفي قاضي تمرلنك مات بعد رجوعه من الروم في هذه السنة.(2/247)
عنان بن مغامس بن رميثة بن أبي نمى الحسني المكي يكنى أبا نما ولد بمكة سنة اثنتين وأربعين، ورباه عمه سند بن رميثة لما قتل أبوه، فلما مات استولى على خيله وسلاحه وأثاثه فأراد عجلان نزع ذلك منه لأنه وارث سند ففر عنان منه، ثم أرسل يؤمنه فعاد إليه فأكرمه، وبالغ عنان في خدمته حتى كان عجلان يقول: هنيئاً لمن ولد له مثل عنان ثم تزوج بابنة ابن عمه أم المسعود واختص بوالدها أحمد بن عجلان، ثم تنكر له أحمد فذهب عنه عنان إلى صاحب حلى، ثم توجه عنان وحسن بن ثقبة إلى مصر وبالغا في الشكوى من أحمد بن عجلان واتفق كون كبيش بن عجلان بمصر فساس المر إلى أن رجع عنان ومعه مراسيم السلطان بإعطائه ولحسن ما التمساه، فلم يوافق أحمد بن عجلان على ذلك، ففر عنان وحسن بن ثقبة منه فردهما أبو بكر بن سنقر أمير الحاج، فلما عادا ورجع أبو بكر بالحاج قبض عليهما أحمد بن عجلان وعلى أخيه محمّد وعلى أحمد بن ثقبة وابنه علي، وسجن الخمسة، ففر عنان وتوصل إلى مصر وذلك في سنة ثمان وثمانين، وجرت له في هربه خطوب، فاتفق موت أحمد بن عجلان وولاية ابنه محمّد، فبادر إلى كحل المسجونين، فبلغ ذلك الظاهر فغضب فأرسل إلى محمّد بن أحمد بن عجلان من فتك به لما دخل الحاج مكة، واستقر عنان أمير مكة ودخل مع آقباي المار داني أمير الحاج، ووقع الحرب بينه وبين بني عجلان فهزمهم، فلما رجع الحاج تجمع كبيش بني عجلان ومن معه وكبسوا جدة ونهبوا أموال التجار، فلم يقاومهم عنان واحتاج إلى تحصيل مال أخذه من المقيمين من أهل مكة من التجار وغيرهم ليرضي به من معه، وأشرك معه في الإمارة أحمد بن نعير وعقيل بن مبارك ودعا لدفعه، ثم أشرك معهم علي بن مبارك، فتفرق الأمر وكثر الفساد فبلغ السلطان ذلك فأمر علي بن عجلان على مكة فقاتله عنان خارج مكة في رمضان سنة تسع وثمانين، فقتل في الوقعة كبيش وجماعة وانهزم علي ومن معه إلى الوادي، فلما قدم الحاج فر عنان إلى نخلة وقام علي بن عجلان(2/248)
بإمرة مكة، فلما رجع الحاج عكف عنان على وادي مرّ وعلى جدة وكاتب السلطان، فكتب بأن يشترك مع علي بن عجلان في الإمرة، فلم يتم ذلك، وقدم مصر سنة تسعين فلم يقبل عليه السلطان وسجن في أيام تغلب منطاش، فلما عاد الظاهر إلى الملك أعاده إلى الإمرة شريكاً لعلي بن عجلان، فسار إلى ينبع فحاربه وبير بن مخبار أمير ينبع، فظهر عليهم ونزل الوادي في شعبان سنة اثنتين وتسعين ثم دخل مكة ودعي له إلى رابع صفر سنة أربع وتسعين، ثم وثبوا عليه ليقتلوه وهو في الطواف ففر، وفي غضون ذلك فسدت الطرقات بالحجاز، فأرسل السلطان فأحضر عناناً وعلياً فدخلا مصر في جمادى الآخرة، فأفرد علياً بالإمرة وأمر عناناً بأن يقيم بمصر ورتب له ما يقوم به، ثم سجن بالقلعة في سنة خمس وتسعين، ثم نقل في أواخر سنة تسع وتسعين إلى الإسكندرية هو وجماز بن هبة أمير المدينة ومعهما علي بن مبارك بن ثقبة، ثم أعيد عنان إلى القاهرة في آخر سنة أربع وثمانمائة، فمرض بها ومات يوم الجمعة أول شهر ربيه الأول، وكان شجاعاً كريماً، له نظم، قليل الحظ في الإمارة، وافر الحظ من الخلاص من المهالك إلى أن حضر أجله في ربيع الأول وله ثلاث وستون سنة.
عيسى بن محمّد بن محمّد الحجاجي أبو الروح الصوفي ولد في ثالث عشر جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين وسبعمائة، وكان لطيفاً ظريفاً معروفاً بذلك.
كلثم بنت الحافظ تقي الدين محمّد بن رافع السلامي الدمشقية تكنى أم عمر سمعت من عبد الرحيم بن أبي اليسر حضوراً وغيره، أجازت لي قديماً، وماتت في ربيع الأول.(2/249)
محمّد بن أحمد بن أحمد بن إبراهيم بن حمدان الأذرعي شمس الدين سمع على صالح الأشنهي والميدومي وغيرهما، وولي خطابة جامع شيخون ومشيخة الجامع الجديد بمصر، وكان حسن السمت، مات في رابع عشري ذي القعدة وله بضع وستون سنة، سمعت منه.
محمّد بن أحمد بن محمود النابلسي ثم الصالحي شمس الدين الحنبلي ولي قضاء الحنابلة بدمشق، ثم أسر مع اللنكية ثم نجا من بغداد وعاد فتولى قضاءها ثم مات وكان له اشتغال في لعربية وغيرها، وكان في أول أمره خياطاً بنابلس، ثم اشتغل على علي شمس الدين ابن عبد القادر، وقدم دمشق بعد السبعين وحضر درس أبي البقاء، ثم شهد على القضاة واشتهر فصار يقصد في الأشغال واستقر كبير الشهود، ثم وقع بينه وبين القاضي علاء الدين ابن المنجا فسعى عليه في القضاء فولي سنة ست وتسعين وسبعمائة واستمر القضاء نوباً بينهما ثم دخل مع التمرية في أذى الناس ونسبت إليه أمور منكرة وأخذ أسيراً معهم، فهرب من بغداد وكانوا قد حكموا بفسقه لما يتعاطاه مع التمرية من الأمور المنكرة، فعاد في المحرم سنة أربع فلم يبال بذلك وسعى في القضاء، فعزل به تقي الدين أحمد ابن المنجا ومات بعده بأيام يسيرة، ولم يكن مرضياً في الشهادة ولا في القضاء، وهو أول من أفسد أوقاف دمشق وباع أكثرها بالطرق الواهية، مات في المحرم.
محمّد بن أحمد الهاروني المصري كان ممن يعتقد بمصر وكان مجذوباً، وكان أهل مصر يلقبونه خفير البحر، مات في صفر.
محمّد بن أحمد البهنسي ثم الدمشقي جمال الدين الشافعي، اشتغل بالقاهرة وحفظ المنهاج واتصل بالقاضي برهان الدين ابن جماعة، فلما ولي قضاء الشام استنابه(2/250)
واعتمد عليه في أمور كثيرة، وكان حسن المباشرة مواظباً عليها وعنده ظرف ونوادر وكان مقلاً مع العفة، ولما وقعت الكائنة العظمى بدمشق فر إلى القاهرة فاستنابه القاضي جلال الدين، ومات في ذي القعدة.
محمّد بن إسحاق بن أحمد بن إسحاق الأبرقوهي ثم الشيرازي غياث الدين نزيل مكة كان عارفاً بالطب وله فيه تصنيف، مات بمكة في جمادى الأولى وله ثمانون سنة، وكانت له قبل ذلك مكانة عند شاه شجاع وهو الذي تولى له عمارة الرباط بمكة.
محمّد بن أيوب بن عبد القادر بن بركات بن أبي الفتح بدر الدين الحنفي ...
محمّد بن عبد الله الخواص أحد من كان يعتقد بمصر، مات بالوراريق في جمادى الآخرة.
محمّد بن محمّد بن عبد المحسن بن عبد اللطيف بن قاضي القضاة تقي الدين بن رزين العامري الحموي ثم المصري علاء الدين سمع من جده لأمه سراج الدين الشطنوفي وحدثنا عنه قليلاً ولم يكن متصاوناً، خطب بالجامع الأزهر وباشر أوقافاً، ومات في رمضان.(2/251)
محمّد بن محمّد بن محمّد الدمشقي المالكي علم الدين ابن ناصر الدين القفصي، ولي قضاء دمشق إحدى عشرة مرة في مدة خمس وعشرين سنة أولها في رجب سنة تسع وسبعين باشر فيها ثمان سنين وعشرة أشهر، ومات وهو قاض وقد ولي قضاء حلب وحماة مراراً، وكان عفيفاً، له عناية بالعلم مع قصور فهم ونقص عقل، وكان جده قد قدم دمشق في سنة تسع عشرة فناب في الحكم وكان أبوه جندياً ثم ألبس ولده كذلك، ثم شغله بالعلم وهو كبير ودار في الدروس واشتغل كثيراً، قال القاضي علاء الدين في ذيل تاريخ حلب: أصيب في الوقعة الكبرى بماله، وأسرت ابنته، سكن عقيب الفتنة قرية من قرى سمعان إلى أن انزاح الططر عن البلاد فرجع إلى حلب على ولايته، قال: وكان بيننا صحبة وكان يكرمني وولاّني عدة وظائف علمية، ثم توجه من حلب إلى دمشق فقطنها وولي قضاءها، ومات بها في المحرم ولم يكمل الستين وهو قاضي دمشق.
محمّد بن محمّد بن محمود بن السلعوس شمس الدين الدمشقي التاجر كان رجلاً خيراً، حدثنا عن ابن أبي النائب بجزءين سمعهما منه بدمشق.
محمّد بن يوسف الإسكندراني المالكي كان فقيه أهل الثغر ودرس وأفتى، وانتهت إليه الرياسة في العلم، وكان عارفاً بالفقه مشاركاً في غيره مع الدين والصلاح.
محمود بن عبد الله الصامت أحد من كان يعتقد بمصر، وكان شكلاً بهياً حسن الصورة منور الشيبة، وكان لا يتكلم البتة، وأقام بالجيزة مدة طويلة وللناس فيه اعتقاد كبير، مات في ذي القعدة.(2/252)
محمود بن محمّد بن إبراهيم بن محمود بن عبد الحميد بن هلال الدولة واسمه عمر بن منير الحارثي الدمشقي موقع الدست بدمشق، كان كاتباً مجوداً ناظماً ناثراً ولم يكن ماهراً، وكان ابن الشهيد يعتمد عليه، وكان مشهوراً بالخفة والرقاعة والضنانة بنفسه، أخذ عن صلاح الدين الصفدي وغيره وسمع من إبراهيم بن الشهاب محمود، وأجازت له زينب بنت الكمال، مات بالقاهرة فجأة وله فوق الستين، فإن مولده سنة ثلاثين أو إحدى وثلاثين، وعنوان شعره أن بعض الرؤساء أعطاه فرجية خضراء فأنشده:
مدحت إمام العصر صدقاً بحقه ... وما جئت فيما قلت بدعاً ولا نكرا
تبعت أبا ذر بمصداق لهجتي ... فمن أجل هذا قد أظلتني الخضرا
محمود بن عبد الله العينتابي بدر الدين الحنفي العابد الواعظ، أخذ في بلاد الروم عن الشيخ موفق الدين وجمال الدين الأقصرائيين، وقدم عينتاب(2/253)
فنزل بجامع مؤمن مدة يذكر الناس، وكان يحصل للناس في مجلسه رقة وخشوع وبكاء، وتاب على يده جماعة، ثم توجه إلى القدس زائراً فأقام مدة، ثم رجع إلى حلب فوعظ الناس بالجامع العتيق، قال البدر العينتابي: أخذت عنه في سنة ثمانين تصريف العزى والفرائض السراجية وغير ذلك. وذكره فيمن مات في هذه السنة ثم قال: ذكرته في هذه السنة تبركاً، وقد مات قبل ذلك بكثير كما تقدم.
محمود خان الطقتمشي المغلي كانت السلطنة باسمه وهو مع اللنك ليس له من الأمر شيء، ولما رجعوا مات محمود في هذه السنة.
مريم بنت أحمد بن أحمد بن قاضي القضاة شمس الدين محمّد بن إبراهيم الأذرعي أم عيسى، سمعت الكثير من علي بن عمر الواني وأبي أيوب الدبوسي والحافظ قطب الدين الحلبي وناصر الدين بن سمعون وغيرهم وأجاز لها التقي بن الصائغ وغيره من المسندين بمصر والحجاز وغيره من الأئمة بدمشق، خرجت لها معجماً في مجلدة.
وقرأت عليها الكثير من مسموعاتها وأشياء كثيرة بالإجازة، وهي أخت الشيخ شمس الدين المقدم ذكره في هذه السنة، عاشت أربعاً وثمانين سنة، ونعمت الشيخة كانت(2/254)
ديانة وصيانة ومحبة في العلم، وهي آخر من حدث عن أكثر مشايخها المذكورين، وقد سمع أبو العلاء الفرضي من أيوب الدبوسي وسمعت هي منه وبينهما في الوفاة مائة وبضع سنين.
أبو يزيد بن مراد بك بن أردخان بك بن علي بن سليمان بن عثمان تقدم ذكره في الحوادث، وكانت مملكته قد اتسعت إلى أن ملك سيواس بعد برهان الدين أحمد، واستولى على البلاد القرمانية أيضاً، وحاصر ملطية بعد موت الظاهر فأخذها بالأمان ورفق بأهلها فسلموا من النهب وغيره، وكان يؤثر العدل ويحب العلماء ويكرمهم، ثم قصده اللنك كما قدمنا فمات في أسره، وقسم اللنك البلاد على من كانت بيده قبل استيلاء بن عثمان عليها، ثم رجع إلى بلاد الشرق، وكان هذا دأبه إذا بلغه عن مملكة كبيرة أو ملك كبير لا يزال يبالغ في الاستيلاء عليها إلى أن يحصل مقصوده فيتركها بعد أن يخربها ويرجع، فعل ذلك بالشرق كله وبالهند وبالشام وبالروم إلى أن أهلكه الله تعالى.
يوسف بن أحمد الملكاوي جمال الدين أحد الفضلاء بدمشق، وكان يميل إلى اعتقاد الحنابلة مع الدين والخير، درس وخطب. مات في شوال.(2/255)
سنة ست وثمانمائة
في ثالث المحرم وصلت رسل تمرلنك الذين قدمنا ذكرهم وفي رابع المحرم بعد أن أمسك السالمي قرر ركن الدين عمر بن قايماز في الأستادارية وتوارى ابن البقري فطلب جمال الدين ليستقر وزيراً، فاستعفى من ذلك وصمم وأشار بأن يستقر أبو كُمّ في الوزارة ونظر الخاص، فأقام خمسة عشر يوماً، ثم ظهر ابن البقري فأعيد إلى الوزارة ونظر الخاص مضافاً إلى نظر الجيش، ثم أرسل إلى الإسكندرية في صفر بعد أن كان سلم لابن قايماز، فحبسه في مكان كان السالمي أعده لحبس من يصادره وكان ابن قايماز سكن في بيت السالمي بإذن من السلطان، ثم نقل السالمي إلى الأصطبل عند أمير آخور، فعرضت عليه آلات العقوبة بحضرة السلطان فكتب خطه بمال جزيل فسلم لشاد الدواوين ليستخلصه منه وكانت ولايته لذلك في هذه الأيام مضافة إلى ولاية القاهرة والحجوبية، وشرع السالمي في بيع ثيابه وكتبه ورفق به الوالي فحمل ما قدر عليه، وفي الثالث من المحرم وصلت الرسل المتوجهة بأطلمش إلى اللنك ومعهم علمان أخضران وهدية للسلطان وهي فيل كبير وفهدان وصقران وملبوس للسلطان على صورة الخلعة له من اللنك بأن يكون نائبه على الديار المصرية والشامية فدخلوا القاهرة وكان بعض الرسل ينشر العلمين الأخضرين بيده وهو راكب الفيل.
ولما كان في السادس من المحرم عملت الخدمة بالإيوان وعرضت الهدية، فأمر للرسل بالنزول في دار الضيافة ولم يخلع عليهم ولا لبس الخلعة ومنع الناس من الدخول عليهم، ثم أذن لهم في الركوب والتصرف في شوارع البلد والتنزه في مواضع النزه، وكان من جملة(2/256)
الرسالة أن يتزوج الناصر بنت ملك من ملوك الشرق لتكمل المودة والمحبة فأقاموا مدة ثم كتب لهم الأجوبة وتوجهوا مقهورين.
وفي أواخر المحرم رجم المماليك السلطانية الوزير بسبب تأخر معاليمهم ثم هرب في جمادى الأولى واستقر في الوزارة تاج الدين والي قطيا، وأعيد ابن غراب إلى الأستادارية وأضيف له نظر الجيش وذلك..... وقرر في الخاص بدر الدين حسن بن نصر الله في خامس جمادى الأولى، ثم أعيدت الوظيفتان الوزارة ونظر الخاص إلى ابن البقري في أواخر جمادى الآخرة، ثم هرب ثم أمسك في سابع عشر شوال منها واستقر بدر الدين بن نصر الله في الوظيفتين.
وفي ثالث عشر المحرم استقر شمس الدين الإخنائي قاضي الشام في قضاء الشافعية بالقاهرة عوضاً عن الصالحي لما مات.
وفي أول جمادى الأولى استقر كريم الدين ابن النعمان الهوى في حسبة القاهرة وكان اتصل بالسلطان ونادمه فولاه الحسبة عوضاً عن البجاسي فاتفق أن البجاسي مات بعد ثلاثة أيام، ثم صرف الهوى عن الحسبة بعد أيام واستقر شمس الدين الشاذلي، ثم صرف في شعبان واستقر محمّد بن شعبان، وفي رابع ربيع الأول صرف الإخنائي عن قضاء الشافعية بالقاهرة واستقر القاضي جلال الدين البلقيني وهي المرة الثانية، وصرف ابن خلدون في سادس ربيع الأول عن قضاء المالكية واستقر جمال الدين يوسف البساطي، ثم أعيد الإخنائي في شعبان ثم صرف في ذي الحجة وأعيد البلقيني وهي الثالثة للبلقيني.(2/257)
وفيها زاد فساد مماليك السلطان وأضروا بالمسلمين جداً واستلبوا النساء من الحمامات والصبيان من الطرقات للفساد بهم.
وفيها وصل الذين جردوا إلى الإسكندرية بسبب الفرنج سالمين.
وفيها نازل الفرنج طرابلس فأقاموا عليها ثلاثة أيام فبلغ ذلك نائب الشام فنهض إليهم مسرعاً فانهزموا وأوقع بهم وكان ذلك مبدأ سعادته ثم توجه الفرنج إلى بيروت وكانوا في نحو من أربعين مركباً فواقعهم دمرداش ومن معه من الجند والمطوعة وقتل بعض الناس من الفريقين وجرح الكثير وكان نائب الشام ببعلبك فجاءه الخبر فتوجه من وقته وأرسل إلى العسكر يستنجده ومضى على طريق صعبة مشقة إلى أن وصل إلى طرابلس في المحرم، ثم توجه من فوره إلى بيروت فوجده قد نهبوا ما فيها وأحرقوها وكان أهلها قد هربوا إلى الجبال إلا المقاتلة منهم فوقع بين الفريقين مقتلة عظيمة فأمر النائب بإحراق قتلى الفرنج ثم توجه إلى صيدا ومعه العساكر فوصل إليها وقد أخذ الفرنج من البهار الذي للكيتلان شيئاً كثيراً فوصل النائب بالعسكر فوجدهم في القتال مع أهل صيدا ولم يتقدمه أحد بل كان معه عشرة أنفس لا غير فحمل على الفرنج فكسرهم وفروا إلى مراكبهم وفروا راجعين إلى ناحية بيروت ثم نزلوا لأخذ الماء فمانعهم بعض أصحاب النائب فغلبوه على الماء وأخذوا حاجتهم وتوجهوا إلى جهة طرابلس ثم مروا عنها إلى الماعوضة فركز النائب طائفة بصيدا وطائفة ببيروت وتوجه إلى دمشق وكانت مدة غيبته دون نصف شهر، ولما رجع لاقاه الناس فلام القضاة على تأخرهم عن الغزاة فأجابه الحنفي بجواب أغضبه فأهانه واستهزأ به.(2/258)
وفيها في ليلة الرابع عشر من المحرم توقف النيل بمصر مدة أيام فاتفق خسوف القمر بتمامه وهو في برج الدلو بحيث لم يبق من ضوئه شيء أصلاً فاستشعر الناس عدم الزيادة فأمر الخطباء أن يستسقوا في الخطب ففعلوا فزاد في الجمعة التي تليها واطمأن الناس بعد أن اضطربوا ثم توقف فمضت مسرى من شهور القبط ولم يوف ثم نزل إصبعين في أيام النسيم ثم إصبعين فبادروا في أول يوم من توت وهو في العشرين من صفر وخلّقوا المقياس وكسروا السد بغير وفاء ثم لم يزد بعد ذلك سوى نصف ذراع ثم انهبط دفعة واحدة فلم يصبح في الخلجان ماء وشرق غالب البلاد وذعر الناس بسبب ذلك وذلك في صفر وخرج القاضي جلال الدين ماشياً إلى الجامع الأزهر بعد الظهر فاستمر فيه إلى العصر في الدعاء والتضرع والقراءة وانضم إليه جمع كبير على ذلك فبلغ ذلك القضاة وشيوخ الخوانق فاستمروا إلى قريب المغرب وذلك في تاسع صفر ثم توجه إلى الآثار يوم السبت ثالث عشر صفر فوضعها على رأسه وهو واقف في المحراب يتضرع ويبكي ويدعو ثم رجع.
وفي أول ربيع الأول وقع الغلاء في القمح واشتد الأمر وشرق غالب البلاد وقدر الله تعالى أن الذي وقع في الري من البلاد زكت الأرض بالزرع حتى جاء الفدان الواحد من الشعير في الفيوم إحدى وسبعين إردباً بكيل الناحية يكون بالكيل المصري مائة إردب وجاء الفدان في غير الفيوم بثلاثين إردباً إلى عشرة(2/259)
وثمانية وخرج الناس إلى الصحراء يستسقون بعد صيام ثلاثة أيام فخطب فيهم الحافظ زين الدين العراقي أوائل ربيع الآخر ثم رجعوا فتزايد السعر في القمح وجميع الغلال إلا أن المأكولات كثيرة جداً والبيع والشراء ماش الحال وأعيد البجاسي في هذه الحالة إلى الحسبة.
وفي ربيع الأول منها استقر شمس الدين البيري أخو جمال الدين يوسف الأستادار في قضاء الشافعية بحلب وهي أول نيابة أخيه جمال الدين بالقاهرة وذلك أنه كان عمل أستادارية سودون طاز ثم أستادارية سودون الحمزاوي ثم عمل أستادارية بيبرس ابن عم السلطان في سنة خمس وثمانمائة فظهرت حسن مباشرته وأهل للوظائف الكبار وعين للوزارة فامتنع وأصر على ذلك وصارت له كلمة نافذة وأحبه الناس.
وفي جمادى الآخرة حدث بالقاهرة سعال عقب هبوب ريح جنوبية شديدة البرد كثيرة الرطوبة وفشا السعال ثم الحمى وجاء الشتاء شديداً أزيد من العادة ففشا الموت في أهل المسكنة وكان يموت بالجوع والبرد في كل يوم فوق الألف وقام أهل المروءة بتكفين من يموت منهم مثل سودون المارداني وسعد الدين ابن غراب خارجاً عما يكفن من المارستان ووقف الطرحي فيقال كان عدة من تكفل ابن غراب بمواراته إلى سلخ شوال اثني عشر ألف نفس وسبعمائة نفس.
وفي شوال تزايد هبوب الريح المريسي وكثرت الأمراض ووقع الطاعون والأمراض الحادة وغلت الأدوية حتى بيع القدح من لب القرع بمائة درهم وبيع الرطل الشيرشخت(2/260)
بمائة وثلاثين، والقنطار البطيخ الصيفي بثمانمائة درهم والفروج الواحد بسبعين درهماً والزهرة الواحدة من النيلوفر بدرهم والخيارة الواحدة البلدية بدرهم ونصف.
وفي رجب غلت الأسعار جداً حتى وصل القمح إلى أربعمائة وهو بالذهب خمسة مثاقيل والفول والشعير إلى مائتين وخمسين ونحو ذلك.
وفي ذي الحجة غلت الأنعام لأجل النحر حتى بيع العجل الصغير بألفي درهم.
وفي أوائل هذه السنة عزل دقماق عن نيابة حلب وأمر بمجيئه إلى القاهرة واستقر عوضه آقبغا الجمالي الأطروش فهرب دقماق ثم مات آقبغا في وسط هذه السنة فجاء دقماق وقد جمع جمعاً كثيراً من التركمان واستولى على حلب فقرر السلطان دمرداش نائب طرابلس في نيابة حلب وقرر في نيابة طرابلس شيخ السليماني وكان نائب صفد وقرر في نيابة صفد بكتمر جلق وكان من أمراء دمشق، ولما استقر دمرداش بحلب كاتب نعير فيه إلى الناصر بأنه جمع جماعة وعصب عصبة وكذلك دقماق وأن كلاً منهما لا يصلح للإمرة وأن نعيراً التزم أنه لا ينصر واحداً منهما ويشير بأن يولى غيرهما ليكون معه من جهة السلطان. وفي رجب تجهزت رسل تمرلنك.(2/261)
وفيها توجه تمرلنك بعساكره إلى سمرقند بسبب جماعة خانوه في أموال أرسلها معهم إلى بعض القلاع فعصوا عليه وكان بعد رجوع اللنك من بلاد الروم أغار على بلاد الكرج فنازلهم وأبادهم ولم يزل يحاصرهم إلى أن غلب عليهم فطلبوا الأمان فأمنوا وشفع فيهم الشيخ إبراهيم الحاكم بشيروان فشفعه فصالحهم على مال ورحل عنهم.
وفيها توجه منكلي بغا رسولاً بهدية إلى تمر من الناصر فرج وفيها زرافة فدخلوا حلب يوم عيد الفطر سنة ست وكان الناصر لما وردت عليه هدية تمر بالفيل وغيره وتوجهوا في شوال.
وفيها في الثامن من شعبان زلزلت بحلب وأعمالها زلزلة شديدة وأخربت أماكن كثيرة وزلزلت قبل ذلك في يوم الجمعة ثالث جمادى الآخرة وقت الاستواء ثم سكنت ثم زلزلت زلازل كثيرة متفرقة في طول السنة وكانت الزلازل بالجهة الغربية منها أكثر، وفي ذي الحجة أفرج دمرداش لما تحول من طرابلس إلى حلب عن سودون طاز وجكم الدويدار وكان دمرداش أخرج جكم من السجن بالمرقب وصحبه معه في حركاته ثم سجنه لما حارب التركمان بالقصر ثم أفرج عنه وأخذه معه إلى حلب ثم فر منه إلى حماة ثم إلى أنطاكية، فلما أوقع دمرداش بأمير أنطاكية ورجع إلى حلب وصل الأمر السلطاني بالإفراج عن جكم وأن يسكن حيث شاء من البلاد، فتوجه إلى طرابلس واستولى عليها وأخرج شيخ السليماني نائباً عنها، ثم نازل حلب فهزم دمرداش ودخلها عنوة واستقرت قدمه بها إلى أن اتفقت حركة يشبك في ركوبه على السلطان ثم انهزم ومن معه إلى الشام واقتضى رأيهم خلع الناصر من الملك، فكاتبوا نواب البلاد فأطاعوهم إلا دمرداش،(2/262)
ثم كانت وقعة السعيدية فتفرقوا ورجع جكم إلى حلب فاستولى عليها وكسر التركمان ودعا أهل حلب إلى مبايعته بالسلطنة فأجابوه، وذلك في تاسع شوال وكان قطع الخطبة للناصر من جمادى الآخرة وتلقب العادل ولم يتسلطن إلا في شوال، وخطب له على المنابر ولبس خلعة السلطان في عاشره وركب من دار العدل إلى القلعة، وكتب إلى نواب الشامات فأطاعوه إلا القليل، وبلغ ذلك الناصر فخرج طالباً قتاله فقتل سودون طاز، قتله دويدار دمرداش بغير أمره وهرب جكم.
وفيها هرب قانباي العلائي من محبسه بقلعة الصبيبة وكان مع نوروز وغيره.
وفي ذي الحجة تقلد القاضي عز الدين عبد العزيز البغدادي الحنبلي قاضي القدس سيفاً ووقف بالمسجد الأقصى وجمع الناس وأشهد على نفسه أنه حكم بزندقة القاضي شهاب الدين الباعوني خطيب المسجد الأقصى ومنع الناس من الصلاة خلفه، فسئل عن مستنده في ذلك فذكر أنه سمعه يقول إنه رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم يقبل يد الباعوني، فاستفتى الباعوني عند ذلك العلماء بالقدس، فأفتوا بأن ذلك لا يقتضي كفراً ولا زندقة، فوصل الباعوني إلى دمشق في المحرم من السنة المقبلة فشكاه إلى نائب دمشق فأرسل إليه ليحكم بينهما ففر إلى العراق.
وفيها حاصر قرا يوسف التركماني صاحب تبريز بغداد فهرب صاحبها أحمد بن أويس إلى جهة الشام فوصل إلى دمشق فغلب قرا يوسف على بغداد، فجهز إليه تمرلنك طائفة فكسرهم، فبلغ ذلك تمرلنك فجهز إليه ولده مرزا شاه في مائة ألف، فنازلوا قرا يوسف فهزموه فهرب إلى الرحبة ولم يمكن من دخولها، وتعصب عليه جماعة من جهة نعير فهرب أيضاً إلى جهة الشام، فوقع بينه وبين نعير وقعة فانكسر قرا يوسف ووصل إلى الشام في ربيع الآخر، فأكرمه النائب وكان قد تعب وجهد منذ(2/263)
توجه من الرحبة إلى دمشق في البرية بلا ماء ولا زاد حتى وصل إلى بيروت وهو لا يشعر فلم يفجأه إلا وقاصد النائب يطلبه فتوجه إليه فبلغ ذلك الأمراء بمصر فأرسلوا بطلبه، فشفع فيه نائب الشام شيخ المحمودي فقبلت شفاعته، واستقر بالشام أميراً يركب في خدمة النائب، واعتقل أحمد بن أويس ملك بغداد بدار السعادة، وكان وصوله إلى بعلبك بعد وصول قرا يوسف إلى دمشق وذلك في ربيع الآخر، ودخل دمشق في سادس جمادى الأولى، وتلقاه النائب فأنزله بدار السعادة وكاتب فيهما فوصل الجواب بالقبض عليهما، والسبب في ذلك ما وقع من الاتفاق مع تمرلنك أن من جاء من عنده يحبس حتى يكاتب فيه وكذا من جاء من عندنا إليه، فقيد أحمد وقرا يوسف وسجن أحدهما ببرج السلسلة والآخر ببرج الحمام، ثم وصل مرسوم السلطان في شعبان بقتلهما، فتوقف النائب وراجع في ذلك، ثم وصل كتاب تمر في شوال إلى نائب الشام يعاتبه على إكرامه قرا يوسف ويستبطئ مجيء رسوله مسعود وكان قد توجه في رمضان من حلب، وكان وصل كتاب نعير يخبر فيه أن تمرلنك أرسل إليه يهدده إن أمكن قرا يوسف من دخول الشام فانزعج الناس لذلك، ومع ذلك فلم يذكر النائب لقرا يوسف ذلك وكان السلطان قد جهز مسعوداً ومن معه من رسل اللنك وصحبتهم منكلى بغا الحاجب وصحبته هدية جليلة وتوجهوا في رجب وصحبتهم زرافة، وكان وصولهم إلى حلب يوم عيد الفطر، وتوجهوا منها إلى جهة الشرق.
وفيها شرع نائب الشام في إعادة عمارة الجامع الأموي.
وفي المحرم عزل عز الدين الحنبلي عن قضاء الشام بابن عبادة، ثم أعيد في ربيع الآخر، ثم عزل في جمادى الأولى بابن عبادة، ثم أعيد في شعبان.
وفي ربيع الأول أعيد زين(2/264)
الدين الكفري إلى قضاء الحنفية عوضاً عن ابن القطب، ثم عزل في ربيع الأول بمحيي الدين بن العز ولم يباشر فباشر ابن القطب ثم عزل بابن الكفري في رمضان ثم أعيد ابن القطب في ذي القعدة.
وفي جمادى الآخرة استقر علاء ابن أبي البقاء في قضاء الشافعية بدمشق عوضاً عن ابن خطيب يبرين وكان، ابن الخطيب استقر في ذي القعدة في العام الماضي عوضاً عن شمس الدين بن عباس وكان الحصفاوي الذي ولى قضاء حلب قد سعى في قضاء الشافعية بدمشق وكتب توقيعه، فسعى ابن العديم في الحط عليه وعقدت له مجالس فبطلت قضيته، ووصل كتاب النائب يشفع في عود علاء الدين ابن أبي البقاء فأعيد، ثم وصل مرسوم السلطان إلى النائب أن يقبض من ابن أبي البقاء مائتي ألف درهم وهي التي جرت عادة القضاة بدمشق ببذلها للسلطان وأن السلطان أنعم بها على إينال حطب وأن إينال كتب إلى ناظر الجيش أن يقبضها ويشتري له بها أمتعة، فكانت هذه الكائنة من أقبح ما نقل ثم وصل الخبر باستقرار أبي العباس أحمد الحمصي قاضي حمص في قضاء دمشق ولم يصل فكاتب النائب أيضاً فيه.
وفي ربيع الآخر قدم الشهاب أحمد الأموي على قضاء المالكية بدمشق عوضاً عن عيسى، فلم يمكن من المباشرة وكوتب فيه فأعيد شرف الدين، ثم عزل في شوال بحسن الجابي وكان النائب توقف عن إمضاء ولايته وأهانه ثم أمضاها ثم أعيد في ذي القعدة.
وفي سابع جمادى الأولى صرف الهوى عن الحسبة واستقر الشاذلي، ثم صرف في ثالث عشري شعبان واستقر ابن شعبان.(2/265)
وفيها استقر عبد الله المجادلي في وكالة بيت المال عوضاً عن فتح الدين بن الشيخ شمس الدين الجزري.
وفيها باشر شمس الدين محمّد بن يوسف الحلاوي وكالة بيت المال ونظر الكسوة بالقاهرة.
وفي رمضان باشر الشيخ شهاب الدين ابن حجي خطابة الجامع بدمشق ومشيخة السميساطية انتزعتا من القاضي الشافعي وهو ابن خطيب يبرين.
وفي ذي الحجة أوقع نائب الشام بعرب آل فضل وكان كبيرهم علي بن فضل قد قسم بلاد الشام سنة ثلاث وثمانمائة فطمع أن يفعل ذلك في هذه السنة، فبلغ ذلك النائب فاحتال عليه إلى أن قبض عليه وكبس بيوته ونهب ما فيها.
وفيها وقع بين نعير أمير عرب آل فضل وبين دمشق خجا بن سالم الدوكاري التركماني وقعة عظيمة قتل فيها ابن سالم وانكسر عسكره وغلب نعير وأرسل برأس ابن سالم إلى القاهرة وكان ذلك في رمضان، قرأت في تاريخ القاضي علاء الدين أن دمشق خجا كان أمير جعبر وأن محمّد ابن شهري لما أراد القيام على دقماق نائب حلب استعان به فوصل في جمعه وحاصرا دقماق إلى أن هرب وطاف عسكر دمشق خجا في أعمال حلب وأفسدوا فيها الفساد الفاحش أشد من فعلات اللنكية ولم يرحموا أحداً بل بالغوا في النهب والعقوبة والفسق وذلك في بلاد عزاز وغيرها، ثم رجع المذكور إلى جعبر في رجب فدهمه نعير أمير آل فضل(2/266)
وكان يعاديه فتواقعا فيها بين جعبر وبالس واستمر القتال أياماً إلى أن قتل دمشق خجا في سابع عشر شهر رمضان، قال: وكان من المفسدين في الأرض كهفاً للصوص وقطاع الطريق فأراح الله البلاد والعباد منه برأفته ورحمته.
وفي جمادى الأولى أبطل النائب من دمشق مكس الخضراوات وكاتب في إبطاله إلى مصر، فجاء التوقيع بحسب ما رسم به واستمر ذلك وكتب في صحيفته.
وفيها جهز النائب المحمل المكي وطيف به في شهر رجب على العادة وقد كان تعطل الحج من طريق دمشق إلى مكة، وخروج المحمل سنة ثلاث واللتين بعدها، فاهتم النائب بأمره في هذه السنة وجهزه فخرجوا في نصف شوال وأمير الحاج فارس دويدار تنم وحج من الأمراء برش باي أحد الأمراء ويحيى بن لاقي وكان نقيب الجيش.
وفي رمضان كمل الجامع الذي بناه سودون من زاده ظاهر القاهرة وخطب به ابن الطرابلسي ودرس به عز الدين البلقيني للشافعية وبدر الدين المقدسي للحنفية.
وفيه عزل الشريف النسابة من مشيخة الخانقاه البيبرسية واستقر شهاب الدين النبراوي إمام السلطان في المشيخة، وفي النظر شاهين السعدي.
وفيها رسم بإبطال القاضيين المالكي والحنبلي من القدس فأبطلا منه ومن غزة فعزل عبد العزيز البغدادي فجاء إلى دمشق في ذي القعدة فسعى في العود.(2/267)
وفي ذي القعدة نقب برج الخيالة بقلعة دمشق وهرب منه قطاع الطريق وكانوا أمسكوا بعد أن قطعوا الطريق على ابن المغربل التاجر وباعوا بدمشق بعض الأمتعة ورجعوا إلى نابلس ففطن بهم فقبض عليهم ثم هربوا إلا واحداً منهم ضخماً لم يستطع الخروج فقتل، وأرسل في آثارهم فأخذوا من عكا فوسطوا إلا واحداً منهم هرب ووسط معهم السجان.
وفي ذي الحجة بلغ نائب دمشق شيخ المحمودي أن سودون الحمزاوي تعين لنيابة الشام فشق عليه ذلك وتوجه إلى نوروز وهو في سجن الصبيبة ليتفق معه فلم يقع ذلك وانسلخت السنة والأمر على ذلك.
وفي أواخرها وقع بين دمرداش والتركمان وقعة عظيمة فانكسر دمرداش، وكان النيل في هذه السنة احترق حتى أنهم اعتبروا المقياس في أواخر يوم على العادة: جاء القاع ذراعاً واحداً ونصفاً بنقص إصبعين ولم يسمع بمثل ذلك قبلها، فزاد إلى أن انسلخت السنة أربعة أذرع وثلثي ذراع، ونقص سعر القمح من ثلاثمائة إلى مائتين وخمسين.
وفيها مات محمد سلطان ابن خان تنكز بن اللنك وكان ولي عهده وكان يحب العدل ويلوم جده على القتل، ويحب العلماء والفضلاء فاتفق أن اللنك لما عزم على الدخول لبلاد لروم أرسل إليه أن يحضر هو وجنوده فحضر إليه فمات بعد الوصول والظفر بابن عثمان فبدّل فرح اللنك ترحاً وحزناً عظيماً بحيث أنه جعله في تابوت وحمله إلى سمرقند فدفنه بمدرسته التي أنشأها هناك، واتفق وفاة محمد سلطان ووفاة أبي يزيد بن عثمان في وقت واحد، ويقال: إن ابن عثمان قال للّنك: إني أعرف أني لا أبقى معك ولكني أوصيك بثلاث: لا تسفك دماء الروم فإنهم ردء الإسلام، ولا تترك التتار بهذه البلاد فإنهم من أهل الفساد، ولا تخرب قلاع المسلمين وحصونهم(2/268)
فتسلط الكفرة عليهم، فقبل وصيته في الأمور الثلاثة وعمل حيلة قتل بها غالب رجال التتار.
وفيها بعد قتل اللّنك ابن عثمان أخرج محمداً وعليّاً ولدي ابن قرمان من حبس ابن عثمان، وخلع عليهما، فاستولى كل منهما على جهة، ووصل اسفنديار أحد ملوك الروم وكان ممن يعادي ابن عثمان فأكرمه أيضاً، ومن ممالكه سبتيون وتلقب جزيرة العشاق يضرب بظرفها المثل، فأقبل اللّنك عليه وأكرمه.
وفيها زلزلت بحلب زلزلة عظيمة فخرب من الجهة الغربية أماكن كثيرة ثم كثرت الزلازل فيها، وفي السنة التي بعدها زلزلت بحلب أيضاً وكانت عظيمة وبقيت ساعة، وذلك في جمادى الأولى، وجأر الناس بالدعاء والتوبة.
وفيها انضم جكم بعد هروبه إلى فارس ابن صاحب الباز التركماني بإنطاكية، فبلغ ذلك دمرداش فحاصرهم مدة ولم يظفر بطائل، وراسل جكم الحاجب بطرابلس فقبض على النائب بها وهو شيخ السليماني ودخلها جكم فغلب عليها ثم كان ما سنذكره في سنة سبع.(2/269)
ذكر من مات
في سنة ست وثمانمائة من الأعيان
إبراهيم بن عمر بن علي المحلى برهان الدين التاجر الكبير، كان يذكر أنه طلحي النسب، وهو سبط الشيخ شمس الدين ابن اللبّان، تقدم شيء من ذكره في الحوادث من تجديده مقدمة جامع عمرو، وذلك في سنة أربع وثمانمائة، ومن تجهيز العسكر من ماله إلى الإسكندرية، وكان معظماً عند الدولة، عارفاً بأمور الدنيا، وكان في آخر أمره قد تموّل جدّاً وأنجب ابنه أحمد فبلغ الغاية في المعرفة بأمور التجارة، ومات برهان الدين في ربيع الأول بمصر، وولده إذ ذاك باليمن فوصل إلى مكة ومعه من الأموال ما لا يدخل تحت الحصر حتى أنه كان معه في تلك السنة ستة آلاف زكيبة من أصناف البهار، فتفرّقت أموالهما شذر مذر بأيدي العباد في جميع البلاد، وقد سمعت من برهان الدين عدّة فوائد وسمع على ترجمة البخاري من جمعي، وكان يقول ما ركبت في مركب قط فغرقت، وسمعته يقول: أحضرت عند جدي لما ولدت فبشّر أبي بأني أصير ناخوذه ثم سمعت ذلك من جدي وأنا ابن أربع سنين وكان أبوه مملقاً فرزق هو من المال ما رقى سماه.
إبراهيم بن محمد بن صديق بن إبراهيم بن يوسف الدمشقيّ المؤذِّن المعروف بالرّسام، وكان أبوه بوّاب الظاهريّة مسند الدنيا من الرجال، سمع من الحجار الكثير ومن إسحاق الآمدي والشيخ تقي الدين ابن تيمية وطائفة تفرّد بالرواية(2/270)
عنهم، ومتع بسمعه وعقله، سمعت منه بمكة وحدّث بها بسائر مسموعاته، وقد رحل في السنة الماضية إلى حلب ومعه ثبت مسموعاته فأكثروا عنه وانتفعوا به، وألحق جماعة من الأصاغر بالأكابر ورجع إلى دمشق ولم يتزوج، ومات في شوال وله خمس وثمانون سنة وأشهراً.
أحمد بن إبراهيم بن عمر المحلى أبو الفضل التاجر، كان شابّاً حسناً كريم الشمائل عفيف الفرج، مات بعد موت أبيه بمكة في أواخر ذي القعدة.
أحمد بن داود بن إبراهيم بن داود الصالحي القطان، روى عن عبد الرحيم ابن أبي اليسر، مات في رجب.
أحمد بن عبد الكافي بن عبد الوهاب البليني، كان أبوه قاضي البلينة، واشتغل وتفقّه وأقام بالقاهرة، وناب في الحكم بالحسينية، وولي الإعادة بالشافعي، وكان فاضلاً خيّراً ديِّناً، مات كهلاً.
أحمد بن علي بن محمد بن علي بن ضرغام بن علي بن عبد الكافي البكري الغضائري المؤذّن المعروف بابن سكَّر، أخو شيخنا شمس الدين المقدم ذكره، سمع بإفادة أخيه من يحيى بن يوسف بن المصري وغيره، وحدّث، سمعت منه بالقاهرة، ومات في رجب وقد جاوز السبعين.(2/271)
أحمد بن علي التركماني، يعرف بابن الشيخ، ولي نيابة الكرك وصفد واستقرّ في الآخر أميراً كبيراً بدمشق، مات في ذي القعدة بمصر.
إسماعيل بن إبراهيم الجبرتي الزبيدي، ولد سنة 722 على ما ذكر، وتعانى الاشتغال ثم تصوّف، وكان خيراً عابداً حسن السمت والملبوس مغري بالسماع محبّاً في مقالة ابن العربي، وكنت أظن أنه لا يفهم الاتحاد حتى اجتمعت به فرأيته يفهمه ويقرره ويدعو إليه حتى صار من لم يحصل كتاب الفصوص من أصحابه لا يلتفت إليه، وكان السلطان الأشرف قد عظّمه بسبب أنه قام معه عند حصار الإمام صلاح، الزيدي زبيد فاعتقده، وصار أهل زبيد يقترحون له كرامات، وكان يداوم قراءة سورة يس في كل حالة ويعتمد فيه حديثاً موضوعاً، وأراني جزءاً جمعه له شيخنا مجد الدين الشيرازي في ذلك، وقام عليه مرّة الشيخ صالح المصري فتعصّبوا عليه حتى نفوه إلى الهند، ثم كان الفقيه أحمد الناشري عالم زبيد يقوم عليه وعلى أصحابه ولا يستطيع أن يغيِّرهم عمّا هم فيه لميل السلطان إليهم، وقد حدث الشيخ إسماعيل بالإجازة العامة عن القاسم بن عساكر وبالخاصة عن أبي بكر بن(2/272)
المحب، ومات في نصف رجب وله بضع وثمانون سنة لأنه ذكر أن مولده سنة 722.
إسماعيل بن علي بن محمد البقاعي ثم الدمشقي الناسخ، كان يشتغل بالعلم ويصحب الحنابلة ويميل إلى معتقدهم مع كونه شافعيّاً، وكان يقرأ الحديث للعامّة وينصحهم ويعظهم ويكتب للناس مع الدين والخير، وله نظم حسن أنشدني منه بدمشق، وقد كتب بخطه صحيح البخاري في مجلدة واحدة معدومة النظير سلمت من الحريق إلاّ اليسير من حواشيها فبيعت بأزيد من عشرين مثقالا، وفرَّ في الكائنة إلى طرابلس فأقام بها إلى آخر سنة خمس، ورجع فمات بدمشق في المحرّم.
أقبغا الهدباني الظاهري، كان من عتقاء الظاهر برقوق، وتنقل في الخدمة إلى أن ولي الحجوبية بحلب بعد رجوع الظاهر إلى السلطنة من الكرك ثم نيابة صفد ثم نيابة طرابلس ثم نيابة حلب في سنة إحدى وثمانمائة سنة وفاة الظاهر، ثم كان ممن أعان تنم نائب دمشق، فلما انكسر تنم أسر أقبغا فيمن أسر ثم أطلق وولي نيابة طرابلس سنة أربع، ثم ولي نيابة حلب بعد دقماق فدخلها في جمادى الأولى سنة ست وثمانمائة فأقام بها أربعين يوماً، ومات ليلة الجمعة سابع عشري جمادى الآخرة، وكان عاقلاً كثير السكون، وأنشأ بحلب جامعاً وداخله تربة له دفن فيها.(2/273)
أبو بكر بن داود الصالحي أحد من كان يعتقد ويزار بالصالحية بدمشق، وله زاوية هناك، وكان على طريقة السلف وله إلمام بالعلم، مات في سابع عشري رمضان.
أبو بكر بن قاسم بن عبد المعطي بن أحمد بن عبد المعطي الخزرجي المكي، سمع من عثمان ابن الصفي أحمد الطبري بمكة ومن غيره، ودخل بلاد التكرور فاتفق أنهم كانوا احتاجوا أن يستسقوا فاستسقوا به فسقوا وذلك ببلد ماني، ثم رجع إلى مصر فأقام بها، وكان يكثر زيارة الصالحين بالقرافة ويشارك في قليل من الفقه ويدري التاريخ، اجتمعت به مراراً، مات وله سبع وسبعون سنة وكان يعرف عند أهل مصر بالفقيه أبي بكر الحجازي.
أبو بكر بن محمد الحبشي العدني قاضي عدن وليه بها مراراً، وكان نبيهاً في الفقه، مات في أواخر السنة.
دمشق خجا بن سالم الدوكاري التركماني، تقدم ذكره في الحوادث، قتل في رمضان من هذه السنة.(2/274)
عبد الله بن عبد الله الدكاري المغربي المالكي نزيل المدينة، أقرأ بها ودرّس وأفاد وناب في الحكم في بعض القضايا، وكان يتجرّأ على العلماء سامحه الله.
عبد الله بن عثمان بن محمد الصالحي المعروف بابن حمية، روى لنا عن البرزالي، سمع من محيى الدين ابن خطيب بعلبك وحدّثنا عن الحافظ علم الدين البرزالي.
عبد الله بن الشيخ بن أحمد بن عبد الرحمن، ويقال: ابن عثمان بن عمر التركستاني المعروف بالقرمي، هو ولد الشيخ المشهور ببيت المقدس اشتغل قليلاً وقدم حلب ثم دخل بغداد وأسر مع اللنكية ثم خلص، ويقال إنه جرت له محنة فخنق نفسه بسببها، على ما استفاض بين الناس، ومات في سنة ست وثمانمائة في أواخرها.
عبد الله بن محمد المارديني، جمال الدين المعروف بتمنّع، كان من أولاد الأغنياء فورث مالاً جزيلاً فأنفقه في الخيرات ثم افتقر فصار يكدى بالأوراق وينظم البيتين في ذلك أحياناً وكان يعاشر الرؤساء، وللشيخ عز الدين الموصلي فيه نظم، مات في رمضان بدمشق.
عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم المهرانيّ المولد العراقي الأصل الكرديّ الشيخ زين الدين العراقي حافظ العصر، ولد في جمادى(2/275)
الأولى سنة خمس وعشرين، وحفظ التنبيه في الفقه، واشتغل بالفقه والقرآآت، ولازم المشايخ في الرواية وسمع في غضون ذلك من عبد الرحيم بن شاهد الجيش وابن عبد الهادي وعلاء الدين التركماني، وقرأ بنفسه على الشيخ شهاب الدين ابن البابا، وتشاغل بالتخريج ثم تنبه للطلب بعد أن فاته السماع من مثل يحيى بن المصري آخر من روى حديث السلفي عالياً بالإجازة ومن الكثير من أصحاب ابن عبد الدائم والنجيب وابن علاق ولكنه أدرك أبا الفتح الميدومي فأكثر عنه وهو من أعلى مشايخه إسناداً، وسمع أيضاً من ابن الملوك وابن القطرواني، ثم رحل إلى دمشق فسمع من ابن الخبّاز ومن أبي العباس المرداوي ونحوهما، وعني بهذا الشأن ورحل فيه مرّاتٍ إلى دمشق وحلب والحجاز، وأراد الدخول إلى العراق ففترت همّته من خوف الطريق ورحل إلى الإسكندرية، ثم عزم على التوجّه إلى تونس فلم يتم له ذلك، وصنّف تخريج أحاديث الإحياء وأكمل مسودته الكبرى قديماً ثم بيّضه في نحو نصفه ولم يكمل تبييضه، ثم اختصره في مجلد واحد ولم يبيِّضه، وكتبت منه النسخ الكثيرة، وشرع في إكمال شرح الترمذيّ لابن سيد الناس، ونظم علوم الحديث لابن الصلاح ألفيّة وشرحها وعمل عليه نكتاً، وصنّف أشياء أخر كباراً وصغاراً، وصار المنظور إليه في هذا الفن من زمن الشيخ جمال الدين الأسناي وهلمّ جرّا، ولم نر في هذا الفن أتقن منه، وعليه تخرّج غالب أهل عصره، ومن أخصهم به صهره شيخنا نور الدين الهيثمي، وهو الذي درّبه وعلًمه كيفية(2/276)
التخريج والتصنيف، وهو الذي يعمل له خطب كتبه ويسميها له، وصار الهيثمي لشدّة ممارسته أكثر استحضاراً للمتون من شيخه حتى يظن من لا خبرة له أنه أحفظ منه، وليس كذلك لأن الحفظ المعرفة، وولي شيخنا قضاء المدينة سنة ثمان وثمانين فأقام بها نحو ثلاث سنين ثم سكن القاهرة، وأنجب ولده قاضي القضاة ولي الدين، لازمت شيخنا عشر سنين تخلّل في أثنائها رحلاتي إلى الشام وغيرها، قرأت عليه كثيراً من المسانيد والأجزاء وبحثت عليه شرحه على منظومته وغير ذلك، وشهد لي بالحفظ في كثير من المواطن، وكتب لي خطه بذلك مراراً وسئل عند موته عمّن بقي بعده من الحفّاظ فبدأ بي وثنّى بولده وثلّث بالشيخ نور الدين، وكان سبب ذلك ما أشرت إليه من أكثريّة الممارسة، لأن ولده تشاغل بفنون غير الحديث، والشيخ نور الدين كان يدري منه فنّاً واحداً، وكان السائل للشيخ عن ذلك القاضي كمال الدين ابن العديم، ثم سأله الشيخ نور الدين الرشيدي على ما أخبرني بذلك بعد ذلك فقال: في فلان كفاية، وذكر أنه عناني وصرّح بذلك، مات الشيخ عقب خروجه من الحمّام في ثامن شعبان وله إحدى وثمانون سنة وربع سنة نظير عمر شيخنا شيخ الإسلام سراج الدين، وفي ذلك أقول في المرثيّة:
لا ينقضي عجبي من وفق عمرهما ... العام كالعام حتى الشهر كالشهر
عاشا ثمانين عاماً بعده سنة ... وربع عام سوى نقص لمعتبر(2/277)
والإشارة بذلك إلى أنهما لم يكملا الربع بل ينقص أيّاماً، وقد ألممت برثائه في الرائية التي رثيت بها شيخ الإسلام البلقيني وخصصته بمرثية قافيّة وهي:
مصاب لم ينفس للخناق ... أصار الدّمع جاراً للمآقي
فروض العلم بعد الزهو ذاوٍ ... وروح الفضل قد بلغ التراقي
وبحر الدّمع يجري في اندفاق ... وبدر الصبر يسري في المحاق
وللأحزان بالقلب اجتماع ... ينادي الصبر حتى على الفراق
وكان الصبّ أن يدفع لصبرٍ ... يهون عليه مع رجوي التّلاقي
فأما بعد يأسٍ من تلاقٍ ... فهذا صبره مرُّ المذاق
لقد عظمت مصيبتنا وجلّت ... بسوق أولى العلوم إلى السياق
وأشراط القيامة قد تبدّت ... وأذن بالنّوى داعي الفراق
وكان بمصر والشام البقايا ... وكانوا للفضائل في استباق
فلم تبق الملاحم والرّزايا ... بأرض الشام للفضلاء باق
وطاف بأرض مصر كلّ عام ... بكأس الحين للعلماء ساق
فأطفأت المنون سراج علمٍ ... ونور ناره لأولي النفاق
وأخلفت الرجا في ابن الحسين ... الإمام فألحقته بالمساق
فيا أهل الشآم ومصر فابكوا ... على عبد الرحيم ابن العراقي
على الحبر الذي شهدت قروم ... له بالانفراد على اتّفاق
على حاوي علوم الشرع جمعاً ... بحفظ لا يخاف من الإباق
ومن فتحت له قدما علومٍ ... غدت عن غيره ذات انغلاق
وجارى في الحديث قديم عهدٍ ... فأحرز دونه خصل السباق(2/278)
وبالسبع القراآت العوالي ... رقى قدماً إلى السبع الطّباق
فسل إحيا علوم الدين عنه ... أما وافاه مع ضيق النطاق
فصير ذكره يسمو وينمو ... بتخريج الأحاديث الرقاق
وشرح الترمذي لقد ترقى ... به قدماً إلى علي المزاق
ونظم ابن الصلاح له صلاح ... وهذا شرحه في الأفق راق
وفي نظم الأصول له وصول ... إلى منهاج حق باشتياق
ونظم السيرة الغرّا يجازى ... عليها الأجر من راقي البراق
دعاه بحافظ العصر الإمام الكبير الأسنوي لدى الطباق
وعلاّ قدره السبكي وابن العلاي والأئمة باتفاق
ومن ستين عاماً لم يجار ... ولا طمع المجاري في اللحاق
يقضي اليوم في تصنيف علم ... وطول تهجد في الليل واقي
فبالصحف الكريمة في اصطباح ... وبالتحف الكريمة في اغتباق
فما فتنته كأس بالتثام ... ولا ألهاه ظبي باعتناق
فتى كرم يزيد وشيخ علم ... لدى الطلاب مع حمل المشاق
فيقري طالبي علم ويقري ... قرى وقراءة ذات اتساق
فيا أسفي عليه لحسن خلق ... أرق من النسيمات الرقاق
ويا أسفي عليه لحفظ ود ... إذا نسيت مودات الرفاق
ويا أسفي لتقييدات علم ... تولت بعده ذات انطلاق
عليه سلام ربي كل حين ... يلاقيه الرضا فيما يلاقي
وأسقت لحده سحب الغوادي ... إذا انهملت همت ذات انطباق
وذاقت روحه في كل يوم ... تحيات إلى يوم التلاق(2/279)
عبد الصادق بن محمّد الحنبلي الدمشقي كان من أصحاب ابن المنجا ثم ولي قضاء طرابلس وشكرت سيرته ثم قدم دمشق وتزوج بنت السلاوي زوجة مخدومه تقي الدين ابن المنجا، وسعى في قضاء دمشق، ومات في المحرم، سقط عليه سقف بيته فهلك تحت الردم.
علي بن خليل بن علي بن أحمد بن عبد الله بن محمّد المصري الحنبلي نور الدين الحكري كان فاضلاً نبيهاً، درس وأفاد وعمل المواعيد بالجامع الأزهر، ثم ولي قضاء الحنابلة قليلاً عوضاً عن موفق الدين أحمد بن نصر الله في يوم الخميس ثاني جمادى الآخرة سنة اثنتين وثمانمائة فاكثر من النواب، وسافر مع العسكر في وقعة تنم ثم رجع فأعيد الموفق في ذي الحجة منها، واستمر مفصولاً إلى أن مات في تاسع المحرم، وهو والد بدر الدين الحكري الذي ناب في الحكم بعد ذلك بمدة وسيأتي في سنة أربع وثلاثين وثمانمائة.
علي بن عمر بن سليمان الخوارزمي أبو الحسن علاء الدين ولد سنة ست وستين بمصر، وكان أبوه من الأجناد فنشأ ولده على أجمل طريقة وأحسن سيرة وأكب على الاشتغال بالعلم، ثم طالع في كتب ابن حزم فقوي كلامه واشتهر بمحبته والقول بمقالته وتظاهر بالظاهر، وكان حسن العبارة كثير الإقبال على التضرع والدعاء والابتهال، ونزل عن إقطاعه في سنة بضع وثمانين، وأقام بالشام مدة ثم عاد إلى مصر وباشر عند بعض الأمراء وقرأت بخط الشيخ تقي الدين المقريزي أن المذكور باشر شد الأقصر لبعض الأمراء فذكر أن مساحتها أربعة وعشرون ألف فدان، وأنه لما باشرها في سنة إحدى وتسعين لم يكن يزرع بها إلا نحو ألف فدان وباقيها خرس وبور(2/280)
، وكان حسن العبارة شديد الإقبال على الله، مات في تاسع صفر.
علي بن محمّد بن عبد الوارث بن جمال الدين محمّد بن زين الدين عبد الوارث بن عبد العظيم بن عبد المنعم بن يحيى بن حسن بن موسى بن يحيى بن يعقوب بن محمّد بن عيسى بن شعبان بن عيسى بن داود بن محمّد بن نوح بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي البكري الشيخ نور الدين اشتغل بالعلم ومهر في الفقه خاصة، وكان كثير الاستحضار قائماً بالمعروف شديداً على من يطلع منه على أمر منكر، فجره الإكثار من ذلك إلى أن حسن له بعض أصحابه أن يتولى الحسبة، فولي حسبة مصر مراراً وامتحن بذلك حتى أضر ذلك به؛ ومات في ذي القعدة مفصولاً وله ثلاث وستون سنة.
عمر بن إبراهيم بن سليمان الرهاوي الأصل ثم الحلبي زين الدين كاتب الإنشاء بحلب قرأ على الشيخ شمس الدين الموصلي وأبي المعالي ابن عشائر. وتعانى الأدب وبرع في النظم وصناعة الإنشاء وحسن الخط، وولي كتابة السر بحلب عوضاً عن ناصر الدين ابن أبي الطيب ثم ولي خطابة الجامع الأموي بعد وفاة أبي البركات الأنصاري، وكان فاضلاً ذا عصبية ومروءة وهو القائل:
يا عائبين وفي سرّي محلّهم ... دم الفؤاد بسهم البين مسفوك
أشتاقكم ودموع العين جارية ... والقلب في ربقة الأشواق مملوك
ومن شعره:
وحائك يحكيه بدر الدجى ... وجهاً ويحكيه القنا قدّا
ينسج أكفاناً لعشّاقه ... من غزل جفنيه وقد سدا(2/281)
وفيه يقول زين الدين عبد الرحمن بن الخراط رحمه الله:
وفي الرهاوي لي مديح ... مسيّر أعجز الحلاوي
قد أطرب السامعين طرا ... وكيف لا وهو في الرهاوي
مات في ثاني شهر ربيع الآخر من السنة.
عمر بن علي بن طالوت بن عبد الله بن سويد النابتي ثم الدمشقي ركن الدين ناظر البادرائية بدمشق وكان بزي الجند، مات في ذي الحجة.
عوض بن عبد الله الزاهد كان منقطعاً بجامع عمرو بن العاص وللناس فيه اعتقاد؛ مات في رمضان.
فارح بن مهدي المريني القائد كان مدبر دولة بني مرين في سلطنة أبي سعيد عثمان بن أحمد بن إبراهيم بفاس، ومات في أواخر السنة بفاس.
قطلبك بن عبد الله عمل أستادارية أيتمش واشتهر به، ثم ولي الأستادارية للسلطان مراراً، مات في ربيع الأول.
محمّد بن إبراهيم بن عمر البيدمري نشأ نشأة حسنة وقرأ القرآن العظيم ونظم الشعر وتأمر وباشر الخواص، وكانت له معرفة بالأمور، مات في ربيع الآخر.
محمّد بن أحمد بن علي بن محمّد أمين الدين المنهاجي سبط الشيخ شمس الدين ابن اللبان ولد سنة بضع وثلاثين واشتغل بالعلم وحفظ التنبيه، وأسمع على(2/282)
ابن عبد الهادي في صحيح مسلم وعلى جده لأمه، وكان معه عدة جهات يباشر فيها من الأوقاف الجكمية، وانقطع إلى القاضي صدر الدين المناوي فاشتهر بصحبته وصارت له وجاهة، ثم تعانى التجارة واتخذ له مطبخ سكر وكثر ماله؛ ومات في شهر رمضان منها، سمعت منه قليلاً.
محمّد بن أحمد بن علي بن موسى الصحب فخر الدين سليمان بن الشيرجي كان يعرف بالأنصاري، صحب الشيخ أبا بكر الموصلي وتلمذ له، حج فمات بمكة في ذي الحجة.
محمّد بن حسن بن علي المصري الصوفي المقرئ المعروف بالفرسيسي سمع من الحافظ أبي الفتح بن سيد الناس ومن أحمد بن كشتغدي وغيرهما وحدث، ولم يظهر سماعه إلا بأخرة فانه حضر السماع على الشيخ تقي الدين ابن حاتم في السيرة فقرئت الطبقة فوجد اسمه فيها، فأقيم من السامعين فاجلس مع المسمع ووجد سماعه بفوت، ثم وجد في بعض النسخ ما يدل على أنه أكمل له، وإلى الآن لم أتحقق ذلك، مات في شهر رجب وله سبع وثمانون سنة.
محمّد بن حسن بن الشيخ مسلم السلمي أحد المشايخ المعتقدين بمصر، مات في ربيع الأول.
محمّد بن حيان بن العلامة أبي حيان محمّد بن يوسف بن علي الغرناطي ثم المصري أبو حيان بن فريد الدين بن أثير الدين ولد سنة 34 وسمع من جده ومن ابن عبد الهادي وغيرهما وكان شيخاً حسن الشكل منور الشيبة بهي المنظر حسن المحاضرة أضر بأخرة سمعت منه يسيراً ومات في ثالث رجب.(2/283)
محمّد بن سعد بن محمّد بن علي بن عثمان بن إسماعيل بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب بن علي بن هبة الله بن ناجية شمس الدين الطائي ابن خطيب الناصرية ولد سنة ثلاث وأربعين وتفقه بعد أن حفظ التنبيه على أبي الحسن علي البابي والكمال عمر بن العجمي والجمال ابن الحكم التيزيني وسمع الحديث من بدر الدين ابن حبيب وغيره وولي خطابة الناصرية واشتهر بها إلى أن مات وكان كثير التلاوة والعبادة سليم الصدر مات في جمادى الأولى وهو والد قاضي قضاة حلب علاء الدين أبقاه الله.
محمّد بن سلمان بن عبد الله شمس الدين الحراني الفقيه الشافعي الحموي نزيل حلب أصله من الشرق وأقدمه أبوه طفلاً فسكن حماة وعلمه صناعة الخرط ثم ترك وأقبل على الاشتغال فاخذ عن شرف الدين يعقوب خطيب القلعة والجمال يوسف ابن خطيب المنصورية وصاهره ثم رحل إلى دمشق وأخذ عن زين الدين القرشي ودأب وحصل وشارك في الفنون ثم قدم حلب سنة ثلاث وتسعين وناب في الحكم عن ناصر الدين ابن القطب ثم عن أبي البركات ثم ولي قضاء الرها ثم ولي قضاء بزاعة ثم ناب في الحكم بحلب أيضاً وولي عدة تداريس وكان فاضلاً مفنناً مشكوراً في أحكامه ومات في سابع شهر ربيع الأول بالفالج.
محمّد بن عبد الملك بن عبد الكريم بن يحيى ناصر الدين ابن القاضي محي الدين ابن شيخ الشيوخ تقي الدين ابن قاضي القضاة محي الدين ابن الزكي ولد بعد(2/284)
الخمسين وسمع من الفرضي وابن الجوخي وغيرهما من أصحاب الفخر وكان يرجع إلى دين وعقل وهو أسن أخوته خرج مع القاضي علاء الدين ابن أبي البقاء في قسم بعض المغلات فقطع عليهم الطريق فقتل هذا وجرح علاء الدين فسقط فظنوا أنه مات فسلم وذلك في المحرم من هذه السنة.
محمّد بن علي بن عبد الله الحرفي بفتح المهملة وسكون الراء بعدها فاء الشيخ شمس الدين المعري مات في شوال.
محمّد بن مبارك الآثاري شمس الدين شيخ الآثار مات في المحرم عن ثمانين سنة وكان مغرى بالمطالب والكيمياء كثير النوادر والحكايات المعجبة أعجوبة في وضعها والله يغفر له ولي.
محمّد بن محمّد بن أبي بكر بن عبد العزيز المقدسي الشيخ شرف الدين أبو الفضل، ولد بعد الأربعين، وسمع من الميدومي على ما كان يزعم ثم حبب إليه الطلب فسمع الكثير من أصحاب الفخر وابن عساكر والأبرقوهي ثم من أصحاب وزيرة والقاضي والمطعم ونحوهم، ثم من أصحاب الواني والدبوسي والختني ونحوهم، ثم من أصحاب ابن قريش وابن كشتغدي والتفليسي ونحوهم، وعني بتحصيل الأجزاء وإفادة الطلبة وكتابة الطباق والدلالة على المشايخ وتسميع أولاده والإحسان إلى من يقدم عليه من الغرباء خصوصاً الشاميين وكتب بخطه الحسن ما لا يحصى، وكان يحبس عن الناس أسمعتهم فلم يمتع بما سمع، ولا عاش له ولد ذكر بعد(2/285)
أن كان يبالغ في تسميتهم ويجتهد في التحصيل لهم، وكان يتعانى نظم الشعر فيأتي منه بما يضحك إلا أنه كان ربما وقع له ديوان غير شهير فيأخذ منه ما يمدح به الأعيان خصوصاً القضاة إذا ولوا ويستعين بمن يغير له بعض الأسماء وربما عثر على القصيدة في ديوان صاحبها. وأعجب ما وقع له أنه أنشد لنفسه عندما ولي ناصر الدين ابن الميلق القضاء:
إن ابن ميلق شيخ رب زاوية ... غر من الناس بالأحوال غير دري
قد ساقه قدر نحو القضاء ومن ... يسطيع رد قضاء جاء عن قدر
فوجد البيتان بعينهما للقاضي بدر الدين ابن جماعة وقد غير منهما بعض الشطر لأول من البيت الأول فقط وهما والعبد فهو فقير رب زاوية إلى آخرهما ومات في شوال بعد أن جرت له محنة مع القاضي جلال الدين لكونه مدح القاضي الذي عزل به فضربه أتباعه وأهانوه فرجع متمرضاً فمات، وتفرقت كتبه وأجزاؤه شذر مذر.
محمّد بن محمّد بن عبد الرحمن بن فريج المصري القاضي ناصر الدين ابن الصالحي من الصالحية التي بظاهر القاهرة ولد سنة بضع وخمسين، وسمع على ما ذكر من الشيخ جمال الدين ابن نباتة وغيره، وتعانى الأدب فنظم الشعر الوسط وكتب الخط الحسن، ووقع عن القضاة ثم ناب في الحكم عن الحنفية ثم عن الشافعية، ثم وثب على منصب القضاء لما غاب المناوي فتم له ذلك عشرة أشهر ثم عزل ثم أعيد بعناية السالمي في شوال فاستمر فيه أربعة أشهر، ومات بعلة القولنج الصفراوي، وأسف أكثر الناس عليه لحسن تودده وكرم نفسه وطيب عشرته ومشاركته في العلم ولأنهم ألفوا(2/286)
من المناوي ذلك البأو المفرط فألان لهم الصالحي جانبه وتواضع وتكرم، مات في ثاني عشر شهر الله المحرم، وتقدم في الصلاة عليه القاضي الحنفي وكان كثير البر للفقراء والأغنياء لا يرد سائلاً وكان ذلك يؤدي إلى حرمان بعض المستحقين لأن الذي تحت يده المال لا يرد خطه فيدفع لمن يكتب له من أموال الأيتام والأوقاف فيضيع ذلك على مستحقه من بعده، وقد أكثر في ولايته الأولى هذه من النواب بالشفاعات من الأكابر، ومنهم شمس الدين محمّد بن يحيى المقري الصالحي، كان استقر إماماً عند قطلوبغا الكركي فكلم القاضي حتى قرره في الحكم بإيوان الصالحية في نوبة عز الدين البلقيني وشق ذلك على كثير من نواب الحكم.
محمّد بن محمّد بن محمّد بن الحسن المصري الصوفي القمني، سمع من شمس الدين بن القماح صحيح مسلم بفوت وسمع من غيره وحدث، سمعت منه قليلاً، مات وله سبع وسبعون سنة فإنه كتب لي بخطه أن مولده سنة 729.
محمّد بن محمّد البخانسي شمس الدين، ولي الحسبة مراراً، وكان جائراً في الحكم، قليل العلم، مبالغاً في السطوة بالناس إلا أن أعف من غيره، مات في رابع جمادى الأولى.
محمّد بن ويسف بن إبراهيم بن عبد الحميد المقدسي ثم الدمشقي المقرئ المؤذن، روى لنا عن زينب بنت الخباز، ومات بطرابلس.
مسرور الحبشي، المعروف بالشبلي، شيخ الخدام بالمدينة النبوية، مات معزولاً لعجزه.(2/287)
يحيى بن عبد الله بن محمّد بن محمّد بن زكريا الغرناطي، أبو بكر، كان إماماً في الفرائض والحساب، وشارك في الفنون، وصنف في الفرائض كتاب المفتاح، وولي القضاء ببلده، ومات في ربيع الأول سنة ست وثمانمائة.
يوسف بن إبراهيم بن أحمد الصفدي، كان شيخاً حسناً معظماً معتقداً، وله كلام على طريق الصوفية، مات في ذي الحجة بصفد.(2/288)
سنة سبع وثمانمائة
فيها أوفى النيل وزاد زيادة حسنة وباشر الناصر كسر الخليج بنفسه ومنع الناس من الدخول إلى بركة الرطلي في الشخاتير وعمل على رأسها جسراً بقنطرة وباشر ذلك باشباي فنسب إليه واستمر ذلك وتراجع السعر كثيراً ثم رجع عند التحضير وحصل الفناء في الصعاليك وغيرهم، ووقع الغلاء في كل شيء حتى اشترى بعض الناس زوج إوز بألف ومائتي درهم، وبلغ سعر الشيرخشك كل رطل بثلاثمائة درهم، وخرج من الإسكندرية خمس سفن ملأى ناساً هاربين من الغلاء فتفرقوا أجمعين.
وفيها ظهر من الجانب الغربي من مصر وفي القليوبية على شاطئ النيل بالليل في المزارع شبيه الفئران يشعل مثل المشاعل.
وفي المحرم ولي سويدان، واسمه محمّد بن سعيد الصالحي نسبة إلى الملك الصالح صالح بن التنكزية وكان أحد قراء الجوق بالقاهرة حسبتها عوضاً عن الهوى.
وفي ثالث صفر صرف بدر الدين ابن نصر الله عن نظر الخاص وأعيد إلى فخر الدين ابن غراب.
وفي أوائلها أشيع أن نائب الشام شيخ المحمودي عزم على الخروج عن الطاعة فأرسلوا إليه الأمير طولو الذي كان أمير الركب في العام الماضي ليكشف أخباره وفي الباطن(2/289)
هو معه على هواه، فقرر أمره ورجع سريعاً وكان النائب تلقاه وبالغ في إكرامه ورجع في ربيع الأول.
وفيها غلب جكم على حلب وهرب دمرداش ثم غلب على حماة وحمص وأطاعه خلق كثير من التركمان والعرب والترك، وكان شهماً مهاباً فكاتبه الناصر يطلب منه الدخول في الطاعة وأن يؤمر على البلاد التي غلب عليها فامتنع، ثم كاتبه نائب الشام ومن معه فأجاب إلى الدخول معهم، ثم وقعت بين جكم وقرا يلك التركماني وقعة انتصر فيها جكم وأسروا قرا يلك وفر دمرداش في البحر إلى دمياط فأذن له في دخول القاهرة فاستقر بها أحد الأمراء واستقر جكم بحلب وغلب عليها.
وفي أولها أوقع نائب الشام بالعرب من بني العزارى فهدم دورهم واستاق ما لهم من الأنعام وكانوا قد هربوا منه لما قصد عجلون ظناً منهم أن ذلك ينجيهم منه ففعل بهم ذلك فرجعوا فطلبوا الأمان.
وفيها في ثالث جمادى الأولى تزلزلت مدينة حلب وقت الظهر، وكانت ساعة مهولة وضج الناس بالدعاء ثم سكنت وانتشرت في عدة من تلك البلاد، ذكر لي ذلك القاضي علاء الدين.
وفي هذا الشهر تعصب أكثر الأمراء على يشبك واتفقوا مع الناصر أن يقبض عليه فلما أحس بذلك جمع أخوته ومن أطاعه فوافقه تمراز ويلبغا الناصري وإينال حطب(2/290)
وقطلوبغا الكركي وسودون الحمزاوي وطولو وتوثب على مدرسة حسن فصعد إليها لأنها كانت مجاورة بيته ورتب فيها آلات الحرب ثم أظهر الشقاق وأراد أخذ المملكة فقام عليه باقي الأمراء فدامت الحرب بينهم أياماً من رابع جمادى الأولى إلى سابعه، ثم كانت الكسرة على يشبك وأتباعه فهرب في الليل هو وأكثر من أطاعه وهرب معه سعد الدين ابن غراب واستمرت هزيمتهم إلى الشام فوصلوها في آخر جمادى الأولى ودخلوا دمشق في أول رجب فتلقاهم نائب الشام وبالغ في إكرامهم حتى قيل إن جملة ما ألزمه عليهم مائتا ألف دينار، وكان شيخ النائب قد أخرج نوروز من قلعة الصبيبة وأحسن إليه، ووصل إليهم أسن باي من صفد وكان مسجوناً بها ووصل إليهم قنباي العلائي الذي كان هرب من السجن فأرسلوه إلى جكم فاستماله حتى استمال معهم وتوجه إلى دمشق فتلقوه وأنزل في الميدان وأرسل إليه شيخ بهدايا جليلة ثم أفرج عن قرا يوسف من السجن فركب معه وجمع جمع جم من التركمان وأنعم شيخ على نوروز بالدورة التي جرت العادة بها في بلاد الشام فحصل جملة مستكثرة، ولما فر يشبك كان قد أغلقت أبواب القاهرة في هذه الفتنة أياماً ففتحت وزاد الكلام ونقص ثم استقر الأمر وقرر إينال باي بن قجماس قريب السلطان أمير آخور وسكن الاصطبل واستقر بيبرس قريب السلطان أتابكاً ويشبك ابن ازدمر رأس نوبة كبيراً وسودون المارداني في الدويدارية الكبرى ووصل دقماق نائب حلب إلى دمشق بحسب تفويض السلطان ذلك إلى اختياره والإذن له في المقام بأي بلد شاء، واستقر أبو كم في نظر الجيش وابن قيماز في الإستادارية عوضاً عن ابن غراب ثم صرف أبو كم واستقر بدر الدين ابن نصر الله في ثاني عشري جمادى الآخرة، فكانت مدة أبو كم في نظر الجيش عشرة أيام ثم صرف ابن البقري عن الوزارة ونظر الخاص(2/291)
وأضيفتا لابن نصر الله وقبض على ابن البقري ثم صرفتا عنه ووليهما ناصر الدين قريب ابن الطبلاوي في رمضان وكان قبل ذلك شاد الدواوين.
وفي رابع رجب صرف ابن قيماز من الأستادارية واستقر جمال الدين يوسف البيري أستاداراً بجاس.
وفي شعبان أفرج عن يلبغا السالمي أيضاً من الإسكندرية وقدم في رمضان واستقر مشير الدولة، ثم لما اجتمعت الأمراء على العصيان على الناصر هرب منهم دقماق واحتاج نائب الشام إلى الأموال فأخذ من التجار عشرة آلاف دينار ومن الغوطة من كل بستان دينارين واستولى على كل شعير بدمشق ولما استقر يشبك بدمشق كاتب جكم فجمع العساكر وجاء إلى دمشق واجتمعت كلمة غالب النواب على ذلك وخرج معهم قرا يوسف بمن معه من التركمان فاجتمع من لا يحصى وأنفق فيهم نائب الشام شيخ من الأموال ما لا يدخل تحت الحصر، وساروا أولاً إلى صفد فحاصروها وبها بكتمر جلق فصالحوه ثم توجهوا جميعاً بعد قدوم جكم من الشام إلى مصر وبلغ ذلك الأمراء بمصر فتجهزوا فخرجوا في ثامن ذي الحجة، وكان يشبك لما خرج على السلطان أرسل بالإفراج عن السالمي وأعيد إلى الإشارة فباشرها بشدة عظيمة وسطوة وصار الوزير وغيره لا يقطعون أمراً دونه وخلص من سجن الإسكندرية سودون من زاده والمشطوب وصرق فاستقر سودون من زاده حاجباً كبيراً وصرق كاشفاً وجمال الدين أستادار بجاس في الأستادارية في شهر رجب من هذه السنة وأضيف إليه كشف الوجه البحري(2/292)
وخرج العسكر إلى الريدانية في الثاني من ذي الحجة ثم ساروا إلى جهة الشام، فلما انتهوا إلى منزلة السعيدية في رابع عشر ذي الحجة وجدوا العسكر الشامي قد وصل، وكانوا خرجوا من رمضان وهلم جرا فالتقى الجمعان ليلاً بغير تعبية، فأشار قرا يوسف على الشاميين بالمبيت على العسكر المصري، فدهمهم ما لم يكن في حسابهم فانهزموا لا يلوي أحد على أحد إلى أن انتهوا إلى القاهرة. وأما الناصر فأركبه سودون طاز وغيره الهجن وشق به البرية إلى أن انتهى به إلى القلعة بعد معاناة عظيمة ومقاساة جهد بعد يأس شديد، واجتمع إليه من انهزم وتحايوا وتهيئوا للقتال، ووقع في القاهرة هرج عظيم وغلقت أبواب البلد والدروب وانقطعت المعايش وتباطأ الشاميون بسبب النهب فأخذوا من العسكر المصري ما لا يدخل تحت الوصف من الأقمشة والجمال والخيول، ووقع صرق في قبضة نائب الشام فضرب عنقه صبراً، ولما عزموا في الرحيل إلى جهة القاهرة استعجل جكم فالتمس منهم أن يبايعوه بالسلطنة قبل دخول القاهرة فأنفوا من ذلك واختلفت الكلمة، وكانوا قد حاصروا القلعة وكادوا أن يملكوا البلد فراسلوا الناصر فاقتضى رأي شيخ ومن وافقه الرجوع إلى الشام، واقتضى رأي يشبك ومن وافقه الدخول إلى مصر خفية، واقتضى رأي كراي ويلبغا الناصري وسودون الحمزاوي الدخول تحت طاعة الناصر، فوصلوا إليه وتفرق بقية الناس فدخل أكثرهم القاهرة خفية، ورجع جكم لما رأى الخذلان إلى جهة الشام حمية بمن معه، واستمرت الهزيمة على الشاميين فتفرقوا، ثم اجتمع جكم وشيخ وقرا يوسف ومن بقي معهم ببلبيس ورجعوا ولم يظفروا بطائل فنودي(2/293)
بالقاهرة على أعيان الأمراء الذين اختفوا ثم سكن الحال واحتيط على موجود الأمراء الهاربين وقرر على مباشري يشبك مائة ألف دينار وعلى مباشري سودون الحمزاوي ثلاثين ألف دينار، وكان جملة من فرّ من مماليك السلطان مائتي نفر، وصودر شمس الدين الحلاوي وعصر لأنه كان يباشر عند يشبك، وسلم الشيخ زين الدين القمني لشادي الدواوين لأنه كان أعان يشبك بقسي وسهام ومال، وسعى ابن غراب إلى أن أمنوه فظهر هو وكثير من الأمراء في العام الآتي ثم ظهر يشبك وأعيدت إليه وظائفه وعفا السلطان عنه. ويقال: إن سبب ذلك أن العسكر المصري لما كبس ركب السلطان فأبصره يشبك وقد أراد بعض المماليك أن يقتله فحماه منه إلى أن نجا فرعى له ذلك.
وفي آخر هذه السنة سجن الأمراء الذين استأمنوا إلى الناصر وكان يشبك لما انهزم أرسل طولو إلى الشيخ يخبره بأمرهم ويستأذنه في قدومهم عليه فأذن وجهز له الإقامة ثم تلقاه وترجل له فترجل يشبك أيضاً ودخل دمشق بمن معه في رابع رجب، ثم راسل شيخ خلف نوروز فحضر إليهم من الصبيبة وكان معتقلا بها وكذا حضر دقماق نائب حلب وأفرج شيخ عن قرا يوسف وكان معتقلاً بقلعة دمشق، وأنفق فيهم ما يزيد على مائتي ألف دينار وراسله بكتمر جلق نائب صفد بأنه يوافقهم واتفق خروج المحمل فركب في موكب جليل وركب معه جميع الأمراء القادمين، وهم يشبك وسودون الحمزاوي وجركس المصارع وتمراز وقطلوبغا الكركي وإينال حطب ويلبغا(2/294)
الناصري وابن غراب وابن سنقر في آخرين، ثم قدم عليه جكم فوافقهم بعد أن كان اجتاز بحلب ففرّ منه دمرداش ثم سار بالعساكر من الشام وخلف بدمشق تمراز ويلبغا الناصري وجماعة معهما وانضم إلى شيخ أحمد ابن بشارة بعشيره وعيسى الكابولي بعشيره والتركان مع قرا يوسف ونزلوا كلهم على صفد فأرسلوا قاضي العسكر تقي الدين يحيى ابن الكرماني إلى بكتمر يدعوه إلى الموافقة فلم يقبل، فحاصروه إلى أن طلب الأمان، وخربت في تلك المدة صفد خراباً شنيعاً، ثم إنهم رجعوا إلى دمشق، وأعطى شيخ الأمير نوروز الدورة في بلاد حوران والرملة فغدر به وتوجّه إلى القاهرة ومعه جماعة فدخلوا في طاعة الناصر، وقطعت الخطبة من دمشق للناصر، ثم أفرج عن أحمد بن أويس من الاعتقال، وخرجت العساكر من دمشق في يوم الإثنين ثاني عشر ذي القعدة إلى قبّة يلبغا، وخلف بدمشق سودون الظريف، وتقدم الجاليش ثم تبعه بقيّة الأمراء ففرّ منهم دقماق إلى صفد، ولما وصلوا غزّة استناب فيها الطنبغا العثماني، واستناب بالقدس الشهاب ابن اليغموري فوصلوا إلى الصالحية يوم التروية فاستولوا على ما كان للسلطان بها من إقامة، فلما رحل من الصالحية أخبر بأن السلطان جمع العساكر ونزل بلبيس ثم التقت كشّافة الفريقين، ثم نزل السلطان بعساكره السعيدية، ونزل شيخ بمن معه قريباً فلما جنَّ عليهم الليل كبسهم شيخ ومن معه فانكسر عسكر الناصر وقاموا لا يلوي أحد على أحد من الدهشة وانهزموا، فنجا الناصر بنفسه مع الهجانة إلى بلبيس ثم إلى قلعة الجبل، واستولى شيخ على الخليفة والقضاة وجماعة من المماليك والأمراء ثم ركب بمن معه إلى أن وصل إلى الرّيدانيّة فوقف عند تربة الظاهر وما بقي إلا الظفر، فاختلفت الآراء فيمن يكون سلطاناً، وتنمّر لهم جكم وصرّح بإرادة السلطنة فأنِفوا من ذلك ففرّ خلق كثير إلى الناصر وطلبوا الأمان، منهم إينال حطب وجمق ويلبغا الناصري وسودون الحمزاوي،(2/295)
ودخل يشبك ومن معه وطائفة ليلاً إلى القاهرة فتوزّعوا في البيوت، ورجع شيخ ومن معه لما رأوا ذلك إلى دمشق، وخلص الخليفة والقضاة ومن معهم فتوجهوا إلى منازلهم وذلك بعد أن وقع القتال بينهم تحت القلعة من جهة دار الضيافة فخامر إينال حطب وجمق وأسن باي ويلبغا الناصري والحمزاوي، وقتل في هذه الكائنة صرق وأسن بيه وأقباي الحاجب الكبير، ولما تفرّق الأمراء بعد إشرافهم على الظفر خلص من كان أسر منهم من الخليفة والقضاة والجند ثم أمر السلطان بحبس الأمراء الذين خامروا بالإسكندرية ولما فر الأمراء أحبط على موجودهم فقرر على مباشري يشبك مائة ألف دينار وعلى مباشري سودون الحمزاوي ثلاثون ألف دينار، وكان جملة من فرّ من المماليك السلطانية مائتي نفس من المنزلين في ديوان السلطان.
وفي أول هذه السنة حاصر دمرداش نائب حلب أنطاكية وبها فارس ابن صاحب الباز التركماني، فأقام مدة ولم يظفر منها بطائل، وكان جكم مع فارس فتوجه جكم بعده إلى طرابلس فغلب عليها وطرد عنها نائبها وهو شيخ السليماني، ثم توجه إلى حلب فنازلها وبها دمرداش وذلك في شعبان فالتقيا وجرى بينهما قتال كبير فانكسر دمرداش وخرج من حلب فركب البحر إلى القاهرة وملكها جكم ودخل من باب أنطاكية ثم خرج إلى جهة البيرة فقطع الفرات وأوقع بالتركمان وغلب على مواشيهم وأسر منهم جمعاً كثيراً، ورجع في سلخ شعبان ثم توجه إلى طرابلس ثم إلى دمشق.
وفيها في جمادى الأولى زلزلت مدينة حلب زلزلة عظيمة ففزع الناس لها ولجأوا إلى الله، فسكنت ثم عاودت مراراً ولم تفسد شيئاً ولله الحمد.
وفيها توجه شهاب الدين أحمد بن كندغدي رسولاً إلى اللّنك من المصريين فاتفق وفاته بحلب في ليلة السبت رابع عشر ربيع الآخر من هذه السنة.
وكان الغلاء قد اشتد فيها فخرجوا(2/296)
إلى الاستسقاء فاستسقوا في شهر رجب فخطب بهم في اليوم الثاني أبو زرعة ابن القاضي شرف الدين الأنصاري، ثم عادوا في الثالث فخطب بهم شمس الدين ابن الحدّاد الطوفي، فلما انصرفوا حصل مطر لكنه غير غزير لكنهم استبشروا به ثم جاء المطر بعد ذلك.
وفي هذه السنة نودي على الفلوس أن يتعامل بها بالميزان وذلك في شعبان وسعّرت كل رطل بستة دراهم وكانت فسدت إلى الغاية بحيث صار وزن الفلس ربع درهم بعد أن كان مثقالاً.
وفي يوم عيد النحر والعسكر خارج البلد أمر السالمي أن ينادى على الفلوس كل رطل بأربعة دراهم، فحصل للناس من ذلك تشويش عظيم وأكثروا الدعاء عليه، فبلغ ذلك السلطان فكاتب السالمي بالمنع من ذلك وأمر بإعادة الفلوس إلى ستة كل رطل، ثم أرسل السلطان بإمساك السالمي، فأمسك ليلة كبس السلطان بالسعيدية، ثم سجن بالإسكندرية في نصف ذي الحجة بعد أن سلّمه السلطان لجمال الدين فعوقب بالعصي بسبب أنه كاتب السلطان أنه حصل له ثلاثة آلاف دينار فطلبت منه، وفي سابع عشر ذي الحجة نقل إلى دمياط، ثم في تاسع عشر ذي الحجة بعد استقرار السلطان بمملكته وظهور ابن غراب أعيد أخوه فخر الدين إلى الوزارة ونظر الخاص.
وفي الرابع والعشرين من ذي الحجة استقر نوروز في نيابة الشام، ووصل شيخ وجكم وقرا يوسف إلى الشام في ثامن عشري ذي الحجة، واستقر بكتمر الجركسي في نيابة صفد، وسعد الدين بن غراب مشيراً، ولبس بزيّ الأمراء حينئذ، واستمر جمال الدين في الأستاداريّة.
وفي ذي الحجة هرب أحمد بن أويس من دمشق إلى جهة بلاده، وكان النائب قد أطلقه من السجن، فخشي أن ينكسروا فيقبض عليه فهرب.(2/297)
وفيه أحدث بمكة قاضيان مالكي وحنفي، فالحنفي شهاب الدين أحمد بن الضياء محمد بن محمد بن سعيد الهندي، والمالكي المحدّث تقي الدين محمد بن أحمد بن علي الفاسي، وذلك بعناية السالمي، وكنت ممن ساعد الفاسي في ذلك.
وفي أوّلها وصل اللنك إلى سمرقند، واستقبله ملوك تلك البلاد وقدّموا له الهدايا، وأمر بعد قدومه بتزويج ولده شاه رخ، وعمل له عرساً عظيماً بلغ فيه المنتهى، وراعى وصية ابن عثمان في التتار فاستصحبهم معه في جملة العسكر إلى أن فرّقهم في البلاد ولم يجعل لهم رأساً فتمزّقوا، ثم عزم اللنك على الدخول إلى بلاد الخطا، فأمر أن يصنع له خمسمائة عجلة وتضبب بالحديد، وبرز في شهر رجب ورحل إلى تلك الجهة، فلما وصل إلى أترار فجأه الأمر الحق فوعك فاستمر في توعّكه أيّاما، ولم ينجع فيه الطب إلى أن قبض في سابع عشر شعبان، وحمل حينئذ إلى سمرقند.
وفيه في جمادى الأولى جهزت بنت تنم، وهي أخت الناصر لأمه إلى الشام، وتلقّاها زوجها نائب الشام شيخ، فدخلت في جمادى الآخرة فدخل بها وأولدها ومات عنها، وتزوجت بعده بعض الأمراء الصغار، وماتت في عصمته سنة ست وثلاثين.
وفي ثامن عشر من جمادى الآخرة صرف جلال الدين البلقيني من قضاء الشافعية، واستقرّ شمس الدين الأخنائي وهي الثالثة للأخنائي، ثم صرف الأخنائي في ثالث عشري ذي القعدة، واستقر جلال الدين وهي الرابعة له وصرف جمال الدين البساطي عن قضاء المالكية واستقر ولي الدين ابن خلدون في حادي عشر رجب، ثم صرف في أواخر ذي القعدة واستقر جمال الدين عبد الله بن مقداد الأقفهسي.
وفي أول يوم من المحرم وصل أبو العباس الحمصي دمشق على قضاء الشافعية بها.
وفي ربيع الأول صرف أبو العباس الحمصي عن قضاء دمشق وكان قبيح السيرة متجاهراً بأخذ الرشوة، وولي علاء الدين ابن أبي البقاء.
وفي صفر وصل عبد العزيز البغدادي من القدس فعقد له مجلس مع الباعوني فزعم(2/298)
عبد العزيز أنه قطع عليه الطريق وأخذ قماشه ونهب ما معه من الورق والمستندات فادعى عليه الباعوني أنه حكم عليه بما حكم به مع ثبوت العداوة بينهما، وكان قد أثبت ذلك على قاضي القدس الشافعي ونفذها له المالكي بدمشق فأنكر عبد العزيز العداوة، فحكم عليه المالكي بثبوتها عنده واقتضى الحال تعزيره فعزر فكشف رأسه ثم توجه المذكور إلى بغداد فأقام بها وولي قضاءها وكان ما سنذكره.
وفيها مات الطاغية تمرلنك الخارجي في سابع عشر شعبان بعلة الإسهال القولنجي وله تسع وسبعون سنة وكان بصفه بطالا وقد أباد البلاد والعباد، وأكثر في الأرض الفساد، ولم يكن له في عراق العجم منازع، ثم ملك عراق العرب ودخل البلاد الشامية فملكها إلا اليسير منها، ثم دخل الروم فحارب المسلمين بها وترك الفرنج ودخل الهند قبل ذلك، فحارب المسلمين بها وترك الكفار، وعزم في آخر عمره على الدخول إلى الصين فمضى في الشتاء فهلك من عسكره أمم لا يحصون، فرجع إلى سمرقند فأخذه أسر البول فتمادى به حتى هلك بالقولنج، وأراح الله منه.
وفي أواخر هذه السنة وعك السلطان إلى أن أشرف على الموت ثم فرج الله تعالى عنه وتعافى.
ذكر من مات
في سنة سبع وثمانمائة
أحمد بن عبد الله بن محمّد بن محمّد بن محمّد الأنصاري أبو اليسر محي الدين ابن تقي الدين بن نور الدين ابن الصائغ الدمشقي نزيل الصالحية ولد سنة تسع وثلاثين في جمادى الآخرة، وسمع من الواد آشى وأحمد ابن علي الجزري وزينب بنت الكمال بعناية أبيه فاكثر وسمع من زين الدين ابن الوردي، وعني بالأدب والتاريخ وطلب بنفسه وكتب الطباق وتخرج بابن سعد وتفرد بأشياء سمعها، كان حسن المذاكرة سمعت منه بدمشق وكان عسراً في الرواية، مات في شهر رمضان.(2/299)
أحمد بن كندغدي التركي أحد الفضلاء المهرة من الحنفية، اشتغل في عدة علوم وفاق فيها، وكان قد اتصل بالملك الظاهر في أواخر دولته ونادمه ثم توجه رسولاً من ولده الناصر إلى تمرلنك في أواخر سنة ست فقدرت وفاته بحلب في ربيع الأول من هذه السنة في الرابع عشر منه، أرخه البرهان المحدث وأثنى عليه بالعلم والمروءة ومكارم الأخلاق رحمه الله تعالى لقيته مراراً وسمعت من فوائده وقرأ عليه صديقنا مجد الدين بن مكاس المقامات فكان يجيد تقريرها على ما أخبرني به المجد وقال القاضي علاء الدين ابن خطيب الناصرية في تاريخه: كان عالماً ديناً تمرض لما دخل إلى حلب؛ فعزم على الرجوع فأدركه الأجل المحتوم في شهر ربيع الأول، ودفن خارج باب المقام، وقد جاوز الستين.
أنس بن علي بن محمّد بن أحمد بن سعيد بن سالم الأنصاري أبو حمزة الدمشقي سمع بعناية قريبه صدر الدين ابن إمام المشهد من عبد الله بن القيم واستجاز له القلانسي وغيره وطلب بنفسه فسمع من جماعة من أصحاب القاضي سليمان فمن بعدهم وقرأ بنفسه وانتقى على بعض الشيوخ وكان متيقظاً نبيهاً عارفاً بالوثائق والأدبيات مع المروءة والديانة، وكان في بدايته بزي الأجناد ثم لبس زي الفقهاء، مات في رجب وله ثمان وخمسون سنة، سمعت منه قليلاً، وكتب عني من نظمي، وسمع معي كثيراً وأفادني.(2/300)
أبو بكر بن داود بن أحمد الحنفي الدمشقي أحد الفضلاء في مذهبه، ناب في الحكم ودرس، مات في جمادى الأولى.
تاج بن محمود بن محمّد الأصفهندي الشيخ تاج الدين العجمي نزيل حلب، قدم من بلاد العجم حاجاً ثم رجع فسكن في حلب بالمدرسة الرواحية وأقرأ بها النحو، ثم انثالت عليه الطلبة فلم يكن يتفرغ لغير الاشتغال بل يقرئ من بعد صلاة الصبح إلى الظهر بالجامع ومن الظهر إلى العصر بجامع منكلى بغا، ويجلس من العصر إلى المغرب بالرواحية للإفتاء، وكان عفيفاً ولم يكن له حظ ولا تطلع إلى أمر من أمور الدنيا، وأسر مع اللنكية فاستنقذه الشيخ إبراهيم صاحب شماخي وأحضره إلى بلده مكرماً، فاستمر عنده إلى أن مات في ربيع الأول، أخذ عنه غالب أهل حلب وانتفعوا به، وقد شرح المحرر في الفقه، وأقرأ الحاوي، قرأت بخط القاضي علاء الدين في تاريخه سألته عن مولده في سنة إحدى وثمانمائة فقال لي: الآن اثنتان وسبعون سنة.
تيمور اللنك بن ططرغان الجقطاي، قد قدمت أوليته في هذا المجموع كان من اتباع طقتمش خان آخر الملوك من ذرية جنكز خان، فلما مات وقرر في السلطنة ولده محمود استقر تيمور أتابكه وكان أعرج وهو اللنك بلغتهم، فعرف بتمر اللنك، ثم خفف فقيل: تمرلنك، وتزوج أم محمود وصار هو المتكلم في المملكة، وكانت له همة(2/301)
عالية وتطلع إلى الملك، فأول ما جمع عسكراً ونازل بخارى فانتزعها من يد أميرها حسن المغلي، ثم نازل خوارزم فاتفق وفاة أميرها حسن المغلي، واستقر أخوه يوسف فانتزعها اللنك أيضاً، ولم يزل إلى أن انتظم له ملك ما وراء النهر، ثم سار إلى سمرقند وتملكها ثم زحف إلى خراسان فملك هراة، ثم ملك طبرستان وجرجان بعد حروب طويلة سنة أربع وثمانين، فنجا صاحبها شاه وتعلق بأحمد بن أويس صاحب العراق فتوجه اللنك إليهم فنازلهم بتبريز وأذربيجان، فهلك شاه في الحصار وملكها اللنك، ثم ملك أصبهان وفي غضون ذلك خالف عليه أمير من جماعته يقال له قمر الدين وأعانه طقتمش خان صاحب صراي فرجع إليهم ولم يزل يحاربهم إلى أن أبادهم واستقل بمملكة المغل، وعاد إلى أصبهان سنة أربع وتسعين فملكها، ثم تحول إلى فارس وبها أعيان بني المظفر اليزدي فملكها ثم رجع إلى بغداد سنة خمس وتسعين فنازلها إلى أن غلب عليها، وفر أحمد بن أويس صاحبها إلى الشام واتصلت مملكة اللنك بعد بغداد بالجزيرة وديار بكر، فبلغت أخباره الظاهر برقوق فاستعد له وخرج بالعساكر إلى حلب فرجع إلى أذربيجان فنزل بقراباغ، فبلغه رجوع طقتمش إلى صراي فسار خلفه ونازله إلى أن غلبه على ملكه في سنة سبع وتسعين، ففر إلى دلغادر، وانضم عسكر المغل إلى اللنك فاجتمع معه فرسان المغل وغيرهم ثم رجع إلى بغداد، وكان أحمد فر منها ثم عاد إليها فنازلها إلى أن ملكها وهرب أحمد ثانيا فسار إلى أن وصل إلى سيواس فملكها ثم حاصر بهسنا مدة، وبلغ ذلك أهل حلب ومن حولها فانجفلوا، ونازل حلب في ربيع الأول فملكها، وفعل فيها الأفاعيل الشنيعة،(2/302)
ثم تحول إلى دمشق فسار من حلب في أول ربيع الآخر، فكان من أمر الناصر ورجوع العساكر إلى مصر ما تقدم، وتوجه من دمشق في شعبان، فلما كان في سنة أربع وثمانمائة قصد بلاد الروم فغلب عليها وأسر صاحبها، ومات في الاعتقال. ودخل الهند فنازل مملكة المسلمين حتى غلب عليها، وكان مغرى بغزو المسلمين وترك الكفار، وصنع ذلك في بلاد الروم، ثم في بلاد الهند؛ وكان شيخاً طوالاً شكلاً مهولاً طويل اللحية، حسن الوجه، بطلاً شجاعاً، جباراً، غشوماً، ظلوماً سفاكاً للدماء، مقداماً على ذلك، وكان أعرج، شلت رجله في أوائل أمره، وكان يصلي من قيام، وكان جهير الصوت، وكان يسلك الجد مع القريب والبعيد، ولا يحب المزاح، ويحب الشطرنج وله فيها يد طولى، وزاد فيها جملاً وبغلاً وجع رقعته عشرة في أحد عشر، وكان فيها ماهراً وكان لا يلاعبه به إلا الأفراد، وكان يقرب العلماء والصلحاء والشجعان والأشراف وينزلهم منازلهم ولكن من خالف أمره أدنى مخالفة استباح دمه، فكانت هيبته لا تدانى بهذا السبب، وما اخرب البلاد إلا بذلك لأنه كان من أطاعه في أول وهلة أمن، ومن خالفه أدنى مخالفة وهن. وكان له فكر صائب ومكايد في الحرب عجيبة وفراسة قلَّ أن تخطئ، وكان عارفاً بالتواريخ لإدمانه على سماعه، لأنه لا يخلو مجلسه عن قراءة شيء منها سفراً وحضراً، وكان مغرى بمن له معرفة بصناعة ما إذا كان حاذقاً بها، وكان أمياً لا يحسن الكتابة، وكان حاذقاً باللغة الفارسية والتركية والمغلية خاصة، وكان بقدم قواعد جنكز خان ويجعلها أصلاً ولذلك أفتى جمع جم بكفره مع أن شعائر الإسلام في بلاد ظاهرة، وكان له جواسيس في جميع البلاد التي ملكها والتي لم يملكها وكانوا ينهون إليه الحوادث الكائنة على جليتها ويكاتبونه بجميع ما يروم فلا يتوجه إلى جهة إلا وهو على(2/303)
بصيرة من أمرها، وبلغ من دهائه أنه كان إذا أراد قصد جهة جمع أكابر الدولة وتشاوروا إلى أن يقع الرأي على التوجه في الوقت الفلاني إلى الجهة الفلانية فيكاتب جواسيس تلك الجهات فيأخذ تلك الجهة المذكورة حذرها ويأمن غيرها فإذا ضرب النفير وأصبحوا سائرين ذات الشمال عرج بهم ذات اليمين فإلى أن يصل الخبر الثاني دهم هو الجهة التي يريد وأهلها غافلون. وكان أنشأ بظاهر سمرقند بساتين وقصوراً عجيبة، فكانت من أعظم النزه، وبنى
عدة قصبات سماها بأسماء البلاد الكبار كحمص ودمشق وبغداد وشيراز، ولما مات كان له من الأولاد أمير زاه شاه وشاه رخ وبنت له اسمها سلطان بخت، وكان له ثلاث زوجات، ومن السراري شيء كثير، وكان يجمع العلماء ويأمرهم بالمناظرة ويعنتهم في المسائل؛ وأخباره مطولة. قصبات سماها بأسماء البلاد الكبار كحمص ودمشق وبغداد وشيراز، ولما مات كان له من الأولاد أمير زاه شاه وشاه رخ وبنت له اسمها سلطان بخت، وكان له ثلاث زوجات، ومن السراري شيء كثير، وكان يجمع العلماء ويأمرهم بالمناظرة ويعنتهم في المسائل؛ وأخباره مطولة.
حرمي بن سليمان البباءي ثم القاهري، ولد قبل الخمسين وتفقه قليلاً، وسمع من الشيخ بهاء الدين ابن خليل وغيره، وناب في الحكم ودرس بالشريفية، وولي الإعادة في المنصورية، نزل له عنها بعض العجم وفي ذلك يقول الشاعر:
قالوا توالى الببائي مع جهالته ... وكان أجهل منه النازل العجمي
فأنشد الجهل بيتاً ليس تنكره ... ما سرت من حرم إلا إلى حرمي
واتفق أن جركس الخليلي غضب على شاهد عنده مرة فصرفه واستخدم عنده حرمي هذا فنقم عليه أمراً فأنشده:
ما سرت من حرم إلا إلى حرمي
وأشبع فتح الراء فعد ذلك من نوادر الخليلي، مات في رمضان وقد جاوز الستين.(2/304)
عبد الله بن عمر بن علي بن مبارك، جمال الدين أبو المعالي الهندي السعودي الأزهري، المعروف بالحلاوي بمهملة ولام خفيفة أسمع الكثير من يحيى ابن المصري وأحمد بن علي المستولي وإبراهيم ابن علي الخيمي وجمع جم من أصحاب النجيب وابن علاف وابن عزوز وابن عبد الدائم فأكثر، وكان ساكناً خيراً صبوراً على الإسماع قل أن يعتريه نعاس، قرأت عليه مسند أحمد في مدة يسيرة في مجالس طوال، وكان لا يضجر وكان جده الشيخ مبارك معتقداً فبنى له بالأبارين بقرب الجامع الأزهر زاوية يسكن بها أولاده، وكانت موعداً لإسماع المشايخ، فلذلك كثرت سماعات شيخنا وأكثر ما حدث به فمن أصوله، وفي الجملة لم يكن في شيوخ الرواية من شيوخنا أحسن أداء ولا أصغى للحديث منه، مات في صفر وقد قارب الثمانين، لأن مولده في وسط سنة ثمان وعشرين وسبعمائة.
عبد الله بن عمر المدني التواتي كان من أهل الخير والصلاح وأقام بالمدينة مجاوراً إلى أن مات، وكان يتردد إلى مصر والشام، مات بالقاهرة.
عبد الله بن محمّد بن إبراهيم بن محمّد بن إدريس بن نصر النحريري جمال الدين المالكي، ولد سنة أربعين واشتغل بالعلم بدمشق وبمصر وفضل وسمع من الظهير ابن العجمي وشمس الدين محمّد بن حسن الأنفي وغيرهما ثم ناب في الحكم بحلب، ثم ولي قضاء حلب سنة سبع وستين فبعث إلى القيام مع ابن أبي الرضا على الملك الظاهر، وقدم مرسوم الظاهر إلى حلب بإمساكه، وذلك بعد أن رجع الظاهر من حلب بعد قتل الناصري فأحس بذلك، فخشي منه ففر إلى بغداد فأقام بها على صورة فقير فلم يزل(2/305)
هناك إلى أن وقعت الفتنة اللنكية ففر إلى تبريز، ثم تحول إلى حصن كيفا فأكرمه صاحبه فأقام عنده، وكان قد سمع الكثير من أصحاب الفخر، وكانت على ذهنه فوائد حديثية وفقهية، وكان يحب الفقهاء الشافعية ويعجبه مذاكرتهم، ثم رجع من الحصن إلى حلب فدخلها في صفر فحدث بها وأقام بها أياماً ثم توجه إلى دمشق سنة ست فحج، ثم رجع قاصداً الحصن، فلما كان بسرمين مات في بكرة يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الأول منها. قرأت بخط حاكم البلاد الحلبية القاضي علاء الدين في تاريخها: كان إماماً فاضلاً فقيهاً يستحضر كثيراً من التاريخ ويستحضر مختصر ابن الحاجب في الفقه، وكان يحب العلم وأهله، وكان من أعيان الحلبيين، وقرأت بخط البرهان المحدث بحلب أنه سأل نور الدين ابن الجلال عن فرعين منسوبين للمالكية فلم يستحضرهما وأنكر أن يكونا في مذهب مالك، قال: فسألت الشيخ جمال الدين فاستحضرهما وذكر أنهما يخرجان من كلام ابن الحاجب الفرعي.
عبد الله بن محمّد بن إبراهيم بن محمّد بن لاجين الرشيدي، سمع من الميدومي وابن الملوك وغيرهما، وكان يلازم قراءة صحيح البخاري، وسمعنا بقراءته، وكان حسن الأداء، وسمعت منه من المعجم الكبير أجزاء، مات في رجب وقد جاوز السبعين بأشهر.
عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أحمد بن عثمان ابن أبي الرجاء بن أبي الأزهر الدمشقي المعروف بابن السلعوس، يُكنى أبا بكر، سمع من زينب بنت ابن الخباز وحدث عنها، أجاز لي.
عبد الكريم بن أحمد بن عبد العزيز النستراوي الأصل المصري، ولد في ربيع الأول سنة ست وثلاثين، وتنقلت به الأحوال في المباشرات إلى أن ولي صحابة ديوان الجيش، ثم ولي نظر الجيش. ثم عزل واستمر خاملاً إلى أن مات، وكان قد سمع من جمال الدين ابن نباتة(2/306)
وعمه بدر الدين بن عبد العزيز وابن البوري بالإسكندرية، وكان محباً في الصالحين وفي أهل الخير، اختل حاله في أواخر عمره ومات فلم يخلف إلا نزراً يسيراً إلا أنه لم يخلف عليه ديناً فشابه عمه من جهة وفارقه من جهة، فإن عمه مات وخلف ديناً كثيراً وتركة زوجته فجاء ما يحصل من تركة زوجته من نصيبه بقدر وفاء دينه، وهذا لما مات لم يخلف إلا ستمائة درهم فاخرج منها ولم يخلف فرساً ولا حماراً ولا داراً إلا قليلاً من الثياب الملبوسة وأثاثاً يسيراً، وخلف خمس بنات وزوجة وابني أخ، فلم تبلغ تركته إلا شيئاً يسيراً، وهو جد أولادي لأمهم؛ مات في آخر ربيع الأول، سمعت منه قليلاً.
عبد المنعم بن سليمان بن داود الشيخ شرف الدين البغدادي الحنبلي ولد ببغداد واشتغل بها، وتفقه ومهر وأفتى ودرس وصحب تاج الدين السبكي وغيره، وأخذ الفقه عن الموفق الحنبلي، وتعين للقضاء غير مرة فلم يتفق ذلك وكان صاحب نوادر وفكاهة، وقد درس للحنابلة بالمنصورية وإفتاء دار العدل، ثم دخل القاهرة فاستوطنها، وولي تدريس أم الأشرف بعد حسن النابلسي سنة اثنتين وسبعين؛ ومات في شوال.
عبيد الله - بالتصغير - بن عبد الله الإردبيلي جلال الدين الحنفي لقي جماعة من الكبار بالبلاد العراقية وغيرها، وقدم القاهرة فولي قضاء العسكر ودرس(2/307)
بمدرسة أم الأشرف بالنيابة وغير ذلك، وكانت لديه فضيلة في الجملة مات في أواخر شهر رمضان.
علي بن إبراهيم بن علي القضامي علاء الدين الحموي تفقه بالقاضي صدر الدين ابن منصور وأخذ النحو عن سري الدين المالكي وبرع في الأدب وكتب في الحكم عن البارزي ثم ولي القضاء بحماة وكان من أهل العلم والفضل والذكاء مع الدين والخير والرياسة سمعت من فوائده لما قدم القاهرة في آخر سنة ثلاث وثمانمائة وكتب عني من نظمي ومن شعره:
عين على المحبوب قد قال لي ... راح إلى غيرك يبغي اللجين
فجئته بالتير مستدركاً ... وقلت ما جئتك إلا بعين
وكانت وفاته في ثامن عشر شهر ربيع الآخر من السنة.
علي بن عمر بن علي الأنصاري نور الدين ابن سراج الدين ابن الملقن ولد في سابع شوال سنة ثمان وستين وتفقه قليلاً، وسمع من أبيه وبعض المشايخ بالقاهرة ورحل مع أبيه إلى دمشق وحماة وأسمعه هناك، ثم ناب في الحكم ودرس بمدارس أبيه بعده وكان عنده سكون وحياء وتمول في الآخر وكثرت معاملاته، مات في شعبان.
علي بن محمّد بن محمّد بن وفا أبو الحسن الشاذلي الصوفي ولد بالقاهرة سنة تسع وخمسين وسبعمائة وكان يقظاً حاد الذهن اشتغل بالأدب والوعظ وحصل له أتباع وأحدث ذكراً بألحان وأوزان يجمع الناس عليه وكان له نظم كثير واقتدار على جلب الخلق مع خفة ظاهرة، اجتمعت به مرة في دعوة فأنكرت على أصحابه إيماءهم إلى جهته بالسجود، فتلا هو وهو في وسط السماع يدور " فأينما تولوا فثم وجه الله " فنادى من كان حاضراً من الطلبة كفرت كفرت فترك المجلس وخرج هو وأصحابه وكان أبوه معجباً به وأذن له في الكلام على الناس وهو دون العشرين وكان أكثر إقامته بالروضة قريب المشتهى، ومات بها في ذي الحجة وله من التصانيف الباعث على الخلاص في أحوال الخواص، والكوثر المترع في الأبحر الأربع، وشعره ينعق(2/308)