وَقَالَ عُمَرُ «1»
بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: «سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُلَاةُ الْأَمْرِ بَعْدَهُ سُنَنًا.. الْأَخْذُ بِهَا تَصْدِيقٌ بِكِتَابِ اللَّهِ واستعمال لطاعة اللَّهِ.. وَقُوَّةٌ عَلَى دِينِ اللَّهِ، لَيْسَ لِأَحَدٍ تَغْيِيرُهَا، وَلَا تَبْدِيلُهَا، وَلَا النَّظَرُ فِي رَأْيِ مَنْ خَالَفَهَا.. مَنِ اقْتَدَى بِهَا فَهُوَ مُهْتَدٍ..
وَمَنِ انْتَصَرَ بِهَا مَنْصُورٌ.. وَمَنْ خَالَفَهَا وَاتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَّاهُ اللَّهُ مَا تَوَلَّى.. وَأَصْلَاهُ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا» «2» .
وَقَالَ «3» الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ «4» «عَمَلٌ قَلِيلٌ فِي سُنَّةٍ خَيْرٌ مِنْ عَمَلٍ كَثِيرٍ فِي بِدْعَةٍ» .
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ «5» : بَلَغَنَا عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ «6» قالوا:
«الاعتصام بالسنّة نجاة» «7» ..
__________
(1) عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الاموي القرشي. وأمه ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وهو تابعي جليل وامام عظيم وقاضى الخلفاء على ما قيل. روى عن عبد الله بن جعفر وأنس وابن المسبب وجماعة.. وعنه ابناه والزهري وعدة.. أخرج له أصحاب الكتب الستة. مات بدير سمعان من أرض حمص سنة احدى ومئة وله من العمر اربعون. ومدة ولايته سنتان وخمسة أشهر وأيام.. ومناقبه ظاهرة متواترة.
(2) هذا الحديث رواه عنه اللالكائي في السنة.
(3) قد سبق هذا الحديث مرفوعا.. ولعله جاء عنه أيضا موقوفا ولذا ذكره المصنف مكررا.
(4) هو الحسن البصري وقد مر ذكره. في ص «60» رقم «8»
(5) ابن شهاب الزهري: تقدمت ترجمته في ص «251» رقم «4» .
(6) من الصحابة والتابعين.
(7) أخرجه اللالكائي في السنة.(2/30)
وكتب عمر «1» بن الخطاب رضي الله عنه إِلَى عُمَّالِهِ «2» بِتَعَلُّمِ السُّنَّةِ «3» وَالْفَرَائِضِ «4» وَاللَّحْنِ «5» - أَيِ اللُّغَةِ «6» - وَقَالَ»
:
إِنَّ نَاسًا يُجَادِلُونَكُمْ- يَعْنِي بِالْقُرْآنِ- فَخُذُوهُمْ «8» بِالسُّنَنِ، فَإِنَّ أَصْحَابَ السُّنَنِ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ.
وَفِي خَبَرِهِ «9» حِينَ صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ «10» رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ: أَصْنَعُ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ.
وَعَنْ عَلِيٍّ «11» حين قرن «12» فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ «13» : تَرَى أَنِّي أَنْهَى النَّاسَ عَنْهُ وَتَفْعَلُهُ؟ .. قَالَ: لَمْ أَكُنْ أَدَعُ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ «14» .
وَعَنْهُ «15» أَلَا إِنِّي لَسْتُ بنبي ولا يوحى إلي، ولكني أعمل
__________
(1) عمر بن الخطاب: تقدمت ترجمته في ص «113» رقم «4» .
(2) كما رواه سعيد بن منصور في سننه.
(3) وهي ما روي عنه صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله وتقريراته.
(4) لانها نصف العلم وفقدها من أشراط الساعة وهي قسمة المواريث.
(5) وقال الزمخشري: معنى اللحن في كلام عمر رضي الله عنه علم الغريب الواقع في القرآن والحديث، ومن لم يعرفه لم يعرف أكثر كلام اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.. واللحن من الاضداد.
(6) أي اللغة- تفسير من الراوي أو من المؤلف
(7) وقال عمر أيضا على ما رواه الدارمي.
(8) فخذوهم: أي حاجوهم واغلبوهم
(9) خبر عمر الذي رواه عنه مسلم.
(10) ذو الحليفة ميقات أهل المدينة والشام على ستة أميال من المدينة جهة الشام.
(11) تقدمت ترجمته في ص «54» رقم «4» .
(12) بين الحج والعمرة.
(13) عثمان بن عفان وهو خليفة انذاك.
(14) رواه البخاري ومسلم والنسائي.
(15) أي عن علي ولا يعرف من رواه.(2/31)
بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اسْتَطَعْتُ.
وَكَانَ ابْنُ «1» مَسْعُودٍ يَقُولُ «2» : الْقَصْدُ فِي السُّنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الِاجْتِهَادِ فِي الْبِدْعَةِ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ «3» : صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ.. مَنْ خَالَفَ السُّنَّةَ كَفَرَ «4» .
وَقَالَ «5» أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ «6» : عَلَيْكُمْ بِالسَّبِيلِ وَالسُّنَّةِ.. فَإِنَّهُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ عَبْدٍ عَلَى السَّبِيلِ وَالسُّنَّةِ ذَكَرَ اللَّهَ فِي نَفْسِهِ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ مِنْ حشية رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ أَبَدًا، وَمَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ عَبْدٍ عَلَى السَّبِيلِ وَالسُّنَّةِ ذَكَرَ اللَّهَ فِي نَفْسِهِ فَاقْشَعَرَّ «7» جِلْدُهُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ إلا كان كَمَثَلِ شَجَرَةٍ قَدْ يَبِسَ وَرَقُهَا فَهِيَ كَذَلِكَ إذ أصابتها ريح شديدة فتحاتّ «8» عنها ورقها الاحطّ عنه خطاياه كما تحاتّ عن
__________
(1) ابن مسعود
(2) في اثر رواه الدرامي والطبراني عن أبي الدرداء.
(3) ابن عمر: تقدمت ترجمته في ص «182» رقم «1» .
(4) رواه عبد بن حميد في مسنده بسند صحيح. ومعنى كفر اي قارب الكفر او كفر بالنعمة.
(5) فيما رواه الاصبهاني في ترغيبه واللالكائي في سننه.
(6) أبي بن كعب: هو المنذر البخاري الانصاري الصحابي توفي سنة تسع عشرة- على الاصح- وقيل سنة اثنين وثلاثين في خلافة عثمان.
(7) اقشعر أصابته قشعريرة وهي الرعدة.
(8) تحات: حته فركه وقشره فانحت وانحات، والورق سقطت كانحت.(2/32)
الشَّجَرَةِ وَرَقُهَا. فَإِنَّ اقْتِصَادًا فِي سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ خير من اجتهاد في خلاف سبيل الله وَسُنَّةٍ وَمُوَافَقَةِ بِدْعَةٍ.. وَانْظُرُوا أَنْ يَكُونَ عَمَلُكُمْ- إن كان اجتهادا أو اقتصادا- أَنْ يَكُونَ عَلَى مِنْهَاجِ الْأَنْبِيَاءِ وَسُنَّتِهِمْ.
وَكَتَبَ بَعْضُ عُمَّالِ عُمَرَ بْنِ «1» عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عُمَرَ بِحَالِ بَلَدِهِ «2» وَكَثْرَةِ لُصُوصِهِ.. هَلْ يَأْخُذُهُمْ «3» بِالظِّنَّةِ «4» أَوْ يَحْمِلُهُمْ عَلَى الْبَيِّنَةِ وَمَا جَرَتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ؟. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ.. خُذْهُمْ بِالْبَيِّنَةِ وَمَا جَرَتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ فَإِنْ لَمْ يُصْلِحْهُمُ الْحَقُّ فَلَا أَصْلَحَهُمُ اللَّهُ.
وَعَنْ عَطَاءٍ «5» فِي قَوْلِهِ «فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله والرسول» «6» أَيْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ «7» : «لَيْسَ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إلا
__________
(1) عمر بن عبد العزيز الخليفة الزاهد الراشد سار على نهج الخلفاء الاربعة فعد خامسهم توفي في رجب لسنة (101) هو كان موته يوم الجمعة.
(2) قيل هي حمص.
(3) وفي نسخة (وهل نأخذهم) .
(4) الظنة: بكسر الظاء المعجمة وتشديد النون أي بمجرد الظن أنهم لصوص.
(5) عطاء: هو عطاء بن أبي رباح المفسر، كان من كبار التابعين توفي سنة خمس عشرة ومئة.
(6) «إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا» النساء آية «58» .
(7) الشافعي: هو الامام المشهور امام الائمة وسلطان الامة روى عن مالك وروى عنه أحمد واخرج له اصحاب السنن الاربعة، وذكره البخاري في موضعين من صحاحه في الركاز والعرية ولد سنه 150 هـ يوم مات أبو حنيفة رحمه الله. ومات سنة أربع ومئتين(2/33)
اتِّبَاعُهَا «1» وَقَالَ «2» عُمَرُ «3» وَنَظَرَ إِلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ: إِنَّكَ حَجَرٌ لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ.. وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقبلك ما قبلتك ثم قبله.
ورؤي عَبْدُ اللَّهِ «4» بْنُ عُمَرَ يُدِيرُ نَاقَتَهُ فِي مَكَانٍ فَسُئِلَ عَنْهُ فَقَالَ «5» :
لَا أَدْرِي إِلَّا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ فَفَعَلْتُهُ..
وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ «6» الْحِيرِيُّ: «مَنْ أَمَّرَ السُّنَّةَ عَلَى نَفْسِهِ قَوْلًا وَفِعْلًا نَطَقَ بِالْحِكْمَةِ وَمَنْ أَمَّرَ الْهَوَى عَلَى نَفْسِهِ نَطَقَ بِالْبِدْعَةِ» .
وَقَالَ سَهْلٌ «7» التُّسْتَرِيُّ: «أُصُولُ مَذْهَبِنَا ثَلَاثَةٌ:
- الِاقْتِدَاءُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَخْلَاقِ وَالْأَفْعَالِ.
- وَالْأَكْلِ مِنَ الْحَلَالِ.
- وَإِخْلَاصِ النية في جميع الأعمال «8» » .
__________
(1) وكان رضي الله عنه يقول: «اذا صح الحديث فهو مذهبي. واذا خالف قولي الحديث فاضربوا به عرض الحائط» وهكذا تبعه أئمتا الشافعية رضي الله تعالى عنهم.
(2) كما رواه الشيخان.
(3) عمر بن الخطاب تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4»
(4) عبد الله بن عمر: تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «1» .
(5) رواه احمد بن حنبل والبزار بسند صحيح.
(6) أبو عثمان الحيري: هو سعيد بن اسماعيل شيخ الصوفية بنيسابور توفي سنة ثمان وتسعين ومئتين وهو من كبار الزهاد والمشايخ الصوفية، وهو صاحب أبي حفص النيسابوري كما قاله ابن ماكولا والذهبي، وذكره القشيري في رسالته ونقل ما ذكره المصنف عنه وقال: انه صاحب شاه الكرماني ويحيى بن معاذ الرازي ثم ورد نيسابور مع شاه الكرماني على أبي حفص الحداد فتخرج عليه وزوجه ابنته.
(7) سهل التستري: هو سهل بن يونس بن عيسى بن عبد الله بن رفيع. شيخ الصوفية الزهاد. تقدمت ترجمته في ج 1 ص «58» رقم «6» .
(8) وهذه اصول الشريعة.(2/34)
وَجَاءَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى «وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ» »
إِنَّهُ الِاقْتِدَاءُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَحُكِيَ عَنْ «2» أَحْمَدَ «3» بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: «كُنْتُ يَوْمًا مَعَ جَمَاعَةٍ تَجَرَّدُوا وَدَخَلُوا الْمَاءَ.. فَاسْتَعْمَلْتُ الْحَدِيثَ «4» : «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَدْخُلِ الْحَمَّامَ إِلَّا بِمِئْزَرٍ «5» .. وَلَمْ أَتَجَرَّدْ.
فَرَأَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ قَائِلًا لِي يَا أَحْمَدُ.. أَبْشِرْ «6» فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ بِاسْتِعْمَالِكَ السُّنَّةَ، وَجَعَلَكَ إِمَامًا يُقْتَدَى بِكَ.. قُلْتُ من أنت؟
قال جبريل» .
__________
(1) «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ.. وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ» . سورة فاطر آية «10»
(2) وفي نسخة «أن» .
(3) احمد بن حنبل: وحنبل اسم جده فانه احمد بن محمد بن حنبل.. بن هلال الشيباني المروزي ثم البغدادي لانه تربى فيها ودفن فيها ثاني عشر ربيع الاول سنة إحدى وأربعين ومئتين وهو امام السنة صاحب المذهب روى عن البخاري وغيره وعنه ابناه وجمع.
(4) رواه مسلم والترمذي
(5) مئزر: بكسر الميم وهمزة ساكنة وتبدل ياء بمعنى الازار وهو ما يستر به نصف المرء الاسفل.
(6) وفي نسخة (أبشر يا أحمد) .(2/35)
الفصل الخامس حظر مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ
وَمُخَالَفَةُ أَمْرِهِ وَتَبْدِيلُ سُنَّتِهِ ضَلَالٌ وبدعة متوعّد من الله عليه بالخذلان والعذاب.
قال الله تعالى: «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ «1» أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» «2» .
وَقَالَ «وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى..» «3» الاية
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «4» أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم «5» : خرج إلى المقبرة
__________
(1) الضمير في أمره يعود على النبي صلى الله عليه وسلم كما أراد المؤلف بذكر الاية
(2) سورة النور آية «63» .
(3) النساء آية «114» وتتمتها (ونصله جهنم وساءت مصيرا) . واستدل بهذه الاية في كتب الاصول على حجية الاجماع مأخوذا من قوله تعالى: (ويتبع غير سبيل المؤمنين) .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «31» رقم «5»
(5) رواه مسلم والامام مالك مسندا وأبو داود والنسائي.(2/36)
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي صِفَةِ «1» أُمَّتِهِ وَفِيهِ- «فَلَيُذَادَنَّ «2» رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ فأناديهم: ألا هلمّ، أَلَّا هَلُمَّ، أَلَّا هَلُمَّ «3» ، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بدلوا بعدك «4» .. فأقول: فَسُحْقًا «5» فَسُحْقًا» وَرَوَى أَنَسٌ «6» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم قال «7» : «فمن رَغِبَ «8» عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي..»
وَقَالَ «9» «مَنْ أَدْخَلَ «10» فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ «11» » .
وَرَوَى ابْنُ أَبِي «12» رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ «13» عن «14» النبي صلى الله عليه وسلم
__________
(1) يعني قوله: (لكم سيما ليست لاحد من الامم.. تردون علي غرا محجلين من آثار الوضوء.
(2) يذادن: مبني للمجهول مع نون توكيد بذال معجمة وألف بعدها دال مهملة ونون توكيد مشددة والذود هنا بمعنى الطرد والمنع وهذه رواية ابن القاسم ورواية غيره فلا يذادن ولا نافية او ناهية أي لا يفعل أحدكم فعلا يطرد بسببه عن حوضي على معنى التحذر والاشفاق.
(3) هلم: اسم فعل أمر بمعنى اقبل ... وكررت هنا لاظهار شدة العناية والرحمة المحمدية وهلم: بفتح الهاء وضم اللام وقد تفتح.
(4) وفي نسخة إنهم قد تبدلوا بعدك.
(5) وفي نسخة بحذف الفاء من (فسحقا) وهو بضم السين والحاء المهملتين وتسكن تخفيفا فنصبه على المصدرية او هو مفعول به واذا كان دعاء فعامله محذوف وجوبا تعقرا وجدعا.
(6) أنس بن مالك تقدمت ترجمته في ج 1 ص «47» رقم «1»
(7) رواه الشيخان.
(8) اذا تعدى فعل رغب (بعن) يكون للترك واذا تعدي (بفي) يكون للميل الى الشيء.
(9) صلى الله عليه وسلم في حديث رواه الشيخان.
(10) وروي (من احدث) . وفي رواية مسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا) وفي رواية (من ادخل في ديننا) .
(11) وهذا الحديث من قواعد الدين، وقال الطوفي إنه نصف الدين.
(12) ابن أبي رافع: واسمه عبيد الله.
(13) ابو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
(14) وفي نسخة: ان النبي صلى الله عليه وسلم.(2/37)
قال «1» «لا ألقينّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ الله اتبعناه..»
زاد «2» في الحديث المقدام «3» أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ «4» .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «5» وَجِيءَ بِكِتَابٍ فِي كَتِفٍ «6» «كَفَى بِقَوْمٍ حُمْقًا أَوْ قَالَ- ضَلَالًا «7» - أَنْ يَرْغَبُوا عَمَّا جَاءَ بِهِ نَبِيُّهُمْ أَوْ كِتَابٍ غَيْرِ كِتَابِهِمْ.. فَنَزَلَتْ «أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ» »
الاية.
__________
(1) أخرجه ابو داود والترمذي وابن ماجه.
(2) اي الراوي ابو داود والترمذي والحاكم.
(3) المقدام بن معدي كرب الكندي.. المكنى بابي صالح ممن وفد عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كنده، وتوفي بالشام سنة سبع وثمانين وهو ابن احدى وسبعين سنة
(4) فيه اشارة الى ان الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم في أقواله وأفعاله من ناحية التبليغ.
(5) كما رواه أبو داود في مراسيله والدارمي والفرباني وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن يحي بن جعده.
(6) عظم الكتف اذ كان يكتب عليه. والجائي به عمر او ابنته حفصه او عائشة رضي الله تعالى عنهم.
(7) والشك من الراوي. والحمق الغباوة وعدم الفهم والضلال ضد الهداية.
(8) سورة العنكبوت آية «51» قيل في أسباب نزولها ان بعض المشركين طلبوا معجزات وآيات مثل ايات الانبياء فنزلت الاية.(2/38)
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» : «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ «2» .»
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ «3» الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «4» : لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ بِهِ إِلَّا عَمِلْتُ بِهِ.. إِنِّي أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ أمره أن أزيغ «5» .
__________
(1) رواه مسلم عن ابن مسعود.
(2) المتنطعون: أصلها من النطع وهو الفك الاعلى من الفم.. والمتنطع من يبالغ ويعالي في الامور ويتشدق بالكلام. وقال الخطابي: «المتنطع» المتعمق المتكلف للبحث عن مذاهب أهل الكلام الخائض فيما لم يبلغه عقله ومناسبته لما نحن فيه أن من تنطع خرج عن ظاهر السنة.
(3) ابو بكر الصديق تقدمت ترجمته في ج 1 ص «156» رقم «6»
(4) كما رواه ابو داود والبخاري وغيرهما.
(5) الزبغ: الميل عن الاستقامة (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم)(2/39)
الْبَابُ الثَّانِي فِي لُزُومِ مَحَبَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم وفيه ستّة فصول(2/41)
الفصل الأوّل لُزُومِ مَحَبَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها.» «1» الْآيَةَ فَكَفَى بِهَذَا حَضًّا وَتَنْبِيهًا وَدَلَالَةً وَحُجَّةً على التزام مَحَبَّتِهِ وَوُجُوبِ فَرْضِهَا، وَعِظَمِ خَطَرِهَا، وَاسْتِحْقَاقِهِ لَهَا صلّى الله عليه وسلم، إذ قرّع الله تَعَالَى مَنْ كَانَ مَالُهُ وَأَهْلُهُ وَوَلَدُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَوْعَدَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى «فتربصوا حتّى يأتي الله بأمره» ثُمَّ فَسَّقَهُمْ بِتَمَامِ الْآيَةِ وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُمْ مِمَّنْ ضل ولم يهده الله.
عَنْ أَنَسٍ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ الله صلّى الله عليه وسلم قال «3» :
__________
(1) سورة التوبة آية «25» وتتمتها (وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) .
(2) أنس بن مالك تقدمت ترجمته في ج 1 ص «47» رقم «1»
(3) فيما رواه البخاري ومسلم والنسائي.(2/43)
«لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ «1» حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» .
وَعَنْ أَبِي هريرة «2» رضي الله عنه: نَحْوَهُ «3» .
وَعَنْ أَنَسٍ «4» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «5» : «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ:
- أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا «6» سِوَاهُمَا.
- وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ.
- وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ وَعَنْ عُمَرَ «7» بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «8» : أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا نَفْسِي الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيَّ.. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَنْ يُؤْمِنَ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ..
فَقَالَ عُمَرُ: وَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيَّ.. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْآنَ يا عمر» .
__________
(1) وفي رواية مسلم (عبد) وفي رواية غيرهما (أحد) . وفي رواية ابن حبان (لا يكمل إيمان أحد
(2) أبو هريرة تقدمت ترجمته في ج 1 ص «31» رقم «5»
(3) أي روي عن أبي هريرة حديث بمعناه.
(4) أنس تقدمت ترجمته في ج 1 ص «47» رقم «1»
(5) كما في الصحيحين.
(6) استعمل عليه الصلاة والسلام (مما) ولم يستعمل ممن لعموم (ما) أي من كل شيء
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4»
(8) كما رواه البخاري عن عبد الله بن هشام.(2/44)
قَالَ سَهْلٌ «1» : مَنْ لَمْ يَرَ وِلَايَةَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَيَرَى نَفْسَهُ فِي مِلْكِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَذُوقُ حَلَاوَةَ سُنَّتِهِ.. لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أحب اليه من نفسه..» الحديث
__________
(1) سهل بن عبد الله التستري تقدمت ترجمته في ج 1 ص «58» رقم «6» .(2/45)
الفصل الثّاني ثواب محبّته صلّى الله عليه وسلّم
عَنْ أَنَسٍ «1» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ «2» رَجُلًا «3» أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
مَتَى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ .. قَالَ: مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ .. قَالَ:
مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ وَلَا صَدَقَةٍ.. وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.. قَالَ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أحببت «4» » .
__________
(1) أنس تقدمت ترجمته في ج 1 ص «47» رقم «1»
(2) رواه البخاري وهذه الطريق التي اخرجها القاضي عن البخاري هي في الادب واخرجه من طريق اخرى في الاحكام أيضا.. واخرجه مسلم في الادب، وليس لسالم ابن ابي الجعد في الكتب الستة عن أنس رضي الله تعالى عنه غير هذا الحديث.
(3) قيل هو عمر بن الخطاب وقيل ابو موسى وقيل ابو ذر وقيل غيرهم.. والله تعالى أعلم.
(4) وقال الصحابة رضوان الله عليهم: ما فرحنا بعد الاسلام بشيء فرحنا بهذا الحديث. وقد نظم الحافظ ابن حجر رحمه الله معنى الحديث في بيتين من بحر الرجز هما:
وقائل هل عمل صالح ... أعددته ينفع عند الكرب
فقلت حسبي خدمة المصطفى ... وحبه فالمرء مع من أحب
وقال الخفاجي صاحب شرح الشفا بيتين من بحرهما الوافر:
وحق المصطفى لي فيه حب ... إذا مرض الرجاء يكون طبا
ولا أرضى سوى الفردوس مأوى ... إذا كان الفتى مع من أحبا(2/46)
وَعَنْ صَفْوَانَ «1» بْنِ قُدَامَةَ: هَاجَرْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ..
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ.. نَاوِلْنِي يَدَكَ أُبَايِعْكَ.. فَنَاوَلَنِي يَدَهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّكَ.. قَالَ: الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ «2» .»
وَرَوَى هَذَا اللَّفْظَ «3» عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدُ اللَّهِ «4» بْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو مُوسَى «5» وَأَنَسٌ «6» .. وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ «7» بِمَعْنَاهُ.
وَعَنْ عَلِيٍّ «8» : «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ فَقَالَ «9» مَنْ أَحَبَّنِي وَأَحَبَّ هَذَيْنِ وَأَبَاهُمَا وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة «10» ..»
__________
(1) صفوان بن قدامة: الصحابي التميمي المرادي كما قاله الذهبي.. وله ولابنه عبد الرحمن صحبة وقيل ان الابن تابعي ولابيه صفوان صحبة.
(2) رواه الترمذي والنسائي.
(3) في الجامع الصغير (المرء مع من أحب) رواه احمد والشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي عن أنس رضي الله عنه، وفي الصحيحين عن ابن مسعود في رواية الترمذي (المرء مع من أحب وله ما اكتسب) وفي هذه الزيادة اشارة الى ان قرب المعية على قدر كسب الجمعية كما يشير اليه قوله تعالى في سورة النساء آية (68) «وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» فلناقص في الصلاح مع محبة أكمل الصالحين يحشر معهم كما نظم بعضهم بيتين من الشعر من بحر الوافر هما:
أحب الصالحين ولست منهم ... لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من بضاعته المعاصي ... ولو كنا سواء في البضاعة
(4) عبد الله بن مسعود تقدمت ترجمته في ج 1 ص «214» رقم «2» .
(5) ابو موسى تقدمت ترجمته في ج 1 ص «118» رقم «4» .
(6) أنس تقدمت ترجمته في ج 1 ص «47» رقم «1» .
(7) ابو ذر تقدمت ترجمته في ج 1 ص «285» رقم «1»
(8) علي بن أبي طالب تقدمت ترجمته في ج 1 ص «54» رقم «4»
(9) وفي نسخة (وقال) .
(10) رواه عنه الترمذي.(2/47)
وَرُوِيَ»
أَنَّ رَجُلًا «2» «أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي وَمَالِي.. وَإِنِّي لَأَذْكُرُكَ فَمَا أَصْبِرُ حَتَّى أَجِيءَ فَأَنْظُرَ إِلَيْكَ.. وَإِنِّي ذَكَرْتُ مَوْتِي وَمَوْتَكَ فَعَرَفْتُ أَنَّكَ إِذَا دَخَلْتَ الْجَنَّةَ رُفِعْتَ مَعَ النَّبِيِّينَ وَإِنْ دَخَلْتُهَا لَا أَرَاكَ..
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى» وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رفيقا» «3» .. فَدَعَا بِهِ فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «4» «كَانَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ لَا يَطْرِفُ فَقَالَ: مَا بالك؟ قال «5» : بأبي أنت وَأُمِّي أَتَمَتَّعُ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْكَ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ رَفَعَكَ اللَّهُ بِتَفْضِيلِهِ..» فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ «6» ..
وَفِي حَدِيثِ «7» أَنَسٍ «8» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «من أحبني كان معي في الجنة..»
__________
(1) روى الطبراني وابن مردودية عن عائشة وابن عباس رضي الله تعالى عنهم
(2) قال البغوي في تفسيره انه ثوبان مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وقيل هو صاحب الاذان أي عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه الانصاري الحارثي.
(3) سورة النساء أية «68» .
(4) لا يعرف مخرجه.
(5) وفي نسخة (فقال) .
(6) أي المذكورة يعني قوله تعالى «من يطع الله والرسول»
(7) كما رواه الاصفهاني في ترغييه.
(8) أنس بن مالك تقدمت ترجمته في ج 1 ص «47» رقم «1»(2/48)
الفصل الثالث ما رُوِيَ عَنِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ مَحَبَّتِهِمْ لِلنَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم وشوقهم له
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «1» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رسول الله قَالَ «2» : «مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي.. يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وماله..»
ومثله عن أبي ذر «3» . وتقدم حَدِيثُ عُمَرَ «4» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي» وَمَا تَقَدَّمَ عَنِ الصَّحَابَةِ «5» فِي مِثْلِهِ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «6» رَضِيَ اللَّهُ عنه «ما كان
__________
(1) ابو هريرة تقدمت ترجمته في ج 1 ص «31» رقم «5»
(2) في حديث صحيح رواه مسلم.
(3) ابو ذر الغفاري تقدمت ترجمته في ج 1 ص «285» رقم «1»
(4) عمر بن الخطاب تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4»
(5) كثوبان وصفوان وغيرهما.
(6) عمرو بن العاص قرشي من دهاة العرب الأربعة معاوية وعمرو والمغيرة وزياد عبقري في القيادة العسكرية توفي ليلة عيد الفطر سنة «43» للهجرة.(2/49)
أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» »
وَعَنْ عَبْدَةَ «2» بِنْتِ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ قَالَتْ: مَا كَانَ خَالِدٌ «3» يَأْوِي إلى فراش إلا، هو يَذْكُرُ مِنْ شَوْقِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى أَصْحَابِهِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ يُسَمِّيهِمْ وَيَقُولُ: هُمْ أَصْلِي «4» وَفَصْلِي وَإِلَيْهِمْ يحن قلبي.. طال شوقي إليهم.. فعجل رب اقبضي إِلَيْكَ.. حَتَّى يَغْلِبَهُ النَّوْمُ..»
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «6» :
وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَإِسْلَامُ أَبِي طَالِبٍ كَانَ أَقَرَّ «7» لِعَيْنِي مِنْ إسلامه
__________
(1) حديث صحيح رواه مسلم. وفيه أنه بكى عند موته وقال بعد ما ذكر مبايعته لرسول الله صلّى الله عليه وسلم وطلب منه ان يدعو له بمغفرة ما صدر منه، وانه كان أبغض الناس له واحرصهم على قبله وبعد ما بايعه وأسلم قال: مَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ الله. وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ. وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنِي مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ حق لو قيل لي صفه.. ما استطعت أن أصفه. الخ
(2) المعروف عبدة بنت خالد بن صفوان روت عن أبيها ذكرها ابن حبان في ثقاته أما بنت خالد بن معدان قال البرهان الحلبي لا أعرفها.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «336» رقم «2»
(4) الاصل والفصل: قبا، هما النسب واللسان وعن ثعلب قال: الاصل الوالد والفصل الولد.
(5) ابو بكر تقدمت ترجمته في ج 1 ص «156» رقم «6»
(6) لما أسلم والده ابو قحافة كما رواه ابن عساكر في تاريخه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.
(7) أقر: من القر وهو البرد لان دمع السرور بارد ودمع الحزن حار، او من القرار وهو الثبات لان العين إذا رأت ما يسرها سكنت.(2/50)
- يَعْنِي أَبَاهُ أَبَا قُحَافَةَ «1» - وَذَلِكَ أَنَّ إِسْلَامَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ أَقَرَّ لِعَيْنِكَ.. وَنَحْوَهُ «2» عَنْ عمر «3» بن الخطاب قال للعباس «4» :
أن تسلم أحب إلي أَنْ يُسْلِمَ الْخَطَّابُ لِأَنَّ ذَلِكَ أَحَبُّ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن ابن إسحق «5» أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ «6» قُتِلَ أَبُوهَا وَأَخُوهَا وَزَوْجُهَا يَوْمَ أُحُدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟. قَالُوا: خَيْرًا هُوَ بِحَمْدِ اللَّهِ كَمَا تُحِبِّينَ.. قَالَتْ:
أَرِنِيهِ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ.. فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: كُلُّ مُصِيبَةٍ بَعْدَكَ «7» جَلَلٌ «8» .
وَسُئِلَ «9» عَلِيُّ بْنُ أَبِي طالب «10» رضي الله عنه.. كيف كان
__________
(1) ابو قحافة: وهو أبو الصديق، عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد ابن تميم.. أسلم يوم الفتح وحسن اسلامه، وبقي بعد وفاة ابنه حتى توفي سنة أربع عشرة. وليس في الصحابة من اسمه ابو قحافة غيره وغير أبي قحافة المزني كما ذكره الذهبي
(2) كما رواه البيهقي والبزار عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.
(3) عمر بن الخطاب تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «5»
(4) العباس: تقدمت ترجمته في ج 1 ص «181» رقم «1»
(5) ابن اسحق: صاحب السيرة تقدمت ترجمته في ج 1 ص «73» رقم «7»
(6) هي من بني دينار ولكن لم يسمها كما في رواية ابن اسحق.
(7) جلل: أي صغير هين. وكلمة جلل من الاضداد إذ تأتي بمعنى عظيم. وجلل بفتح الجيم واللام الاولى.
(8) رواه ابن اسحق ورواه أيضا البيهقي عن اسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص مرسلا.
(9) لم يذكر من رواه عنه.
(10) علي بن أبى طالب تقدمت ترجمته في ج 1 ص «54» رقم «4»(2/51)
حُبُّكُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟. قَالَ: كَانَ وَاللَّهِ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْ أَمْوَالِنَا وَأَوْلَادِنَا وَآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَمِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ عَلَى الظَّمَإِ..
وَعَنْ «1» زَيْدِ»
بْنِ أَسْلَمَ خَرَجَ عُمَرُ «3» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْلَةً يَحْرُسُ النَّاسَ «4» فَرَأَى مصباحا في بيت عَجُوزٌ «5» تَنْفُشُ صُوفًا وَتَقُولُ «6»
عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَاةُ الْأَبْرَارْ ... صَلَّى عَلَيْهِ الطَّيِّبُونَ الْأَخْيَارْ
قَدْ كُنْتَ قَوَّامًا بُكًا «7» بِالْأَسْحَارْ ... يَا لَيْتَ شِعْرِي «8» وَالْمَنَايَا أَطْوَارْ «9»
هَلْ تَجْمَعُنِي وَحَبِيبِيَ الدَّارْ
!! تَعْنِي- النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَلَسَ عُمَرُ «10» رَضِيَ الله عنه يبكي وفي الحكاية طول «11» ..
__________
(1) رواه عنه ابن المبارك في الزهد.
(2) زيد بن أسلم: الفقيه العمري تابعي جليل روى عن ابن عمر وجابر وعنه مالك وغيره.. أخرج له أصحاب الكتب الستة وله ترجمة في الميزان توفي سنة ست وثلاثين ومئة
(3) عمر بن الخطاب تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4»
(4) على عادته..
(5) لم يذكر اسمها
(6) أي تنشد شعرا من بحر «السريع» .
(7) بكا: بضم الموحدة مقصورا منونا لغة في الممدود أي ذو بكاء وأريد به المبالغة كرجل عدل يعني لكثرة بكائه كأنه عين البكاء.
(8) شعري: أي علمي وهو اسم ليت وخبره محذوف تقديره حاصل.
(9) أي له أسباب مختلفة.
(10) عمر بن الخطاب تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4»
(11) ومنها: فما زال عمر رضي الله عنه يبكي وطرق عليها الباب فقالت: من هذا؟ فقال: عمر بن الخطاب فقالت: مالي ولعمر في هذه الساعة!! فقال: افتحي يرحمك الله فلا بأس عليك ففتحت له فدخل عليها وقال ردي الكلمات التي قلتيها آنفا فردتها فقال: أدخليني معكما وقولي: (وعمر فاغفر له يا غفار) .(2/52)
وَرُوِيَ «1» : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ «2» بْنَ عُمَرَ خَدِرَتْ «3» رِجْلُهُ.. فَقِيلَ لَهُ: اذْكُرْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيْكَ يَزُلْ عَنْكَ.. فَصَاحَ يَا مُحَمَّدَاهْ فَانْتَشَرَتْ «4» .
وَلَمَّا احْتُضِرَ «5» بِلَالٌ «6» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَادَتِ امْرَأَتُهُ «7» :
وَاحُزْنَاهْ.. فَقَالَ: وَاطَرَبَاهْ.. غَدًا أَلْقَى الْأَحِبَّهْ مُحَمَّدًا وَحِزْبَهْ «8» .
وَيُرْوَى «9» أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِعَائِشَةَ «10» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: اكْشِفِي لِي قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فَكَشَفَتْهُ لَهَا فَبَكَتْ حَتَّى مَاتَتْ..
وَلَمَّا أَخْرَجَ «11» أَهْلُ مَكَّةَ زَيْدَ «12» بن الدّثنّة من الحرم ليقتلوه.
__________
(1) اي في عمل اليوم والليلة لابن السني.
(2) عبد الله بن عمر تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «1»
(3) خدرت: بفتح معجمة وكسر مهملة أي فترت عن الحركة وضعفت باجتماع عصبها
(4) فانتشرت: أي امتدت لزوال خدرها وهذا يقتضي صحة ما جربوه.. وقد روي انه وقع مثله لابن عباس رضي الله عنهما.. وذكره النووي رحمه الله في أذكاره.. وفيه يقول أبو العتاهية:
وتخدر في بعض الاحايين رجله ... فان لم يقل يا عتب لم يذهب الخدر
(5) احتضر: بالمبني للمجهول أي حضرته الملائكة.
(6) بلال بن أبي رباح سابق الحبشة الى الاسلام. أسلم وهو في رق أمية فكان يعذبه اشتراه أبو بكر وأعتقه. صار مؤذن النبي صلّى الله عليه وسلم. مات في الشام.
(7) وهي صحابية على ما ذكره الذهبي في آخر النساء من التجريد ما لفظه: زوجة بلال أناها رسول الله صلّى الله عليه وسلم فسأل عن بلال: أئمة بلال؟
(8) وفي نسخة (وصحبه) وهذا بيت من مجزوء بحر الوافر وفيه زحف.
(9) وهذا لم يخرجوه.
(10) عائشة رضي الله عنها تقدمت ترجمتها في ج 1 ص «146 رقم «5»
(11) كما رواه البيهقي عن عروة.
(12) زيد بن الدثنة: ابن معاوية بن عبيد بن معاوية بن عامر بن بياضة الخزرجي الصحابي البدوي الاحدي أسر يوم الرجيع مع خبيب وبيعا في مكة.(2/53)
قال له أبو سفيان «1» ابن حَرْبٍ: أَنْشُدُكَ «2» اللَّهَ يَا زَيْدُ «3» ..
أَتُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا الْآنَ عِنْدَنَا مَكَانَكَ يُضْرَبُ عُنُقُهُ وَأَنَّكَ فِي أَهْلِكَ..
فَقَالَ زَيْدٌ «3» : وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا الْآنَ فِي مَكَانِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ تُصِيبُهُ شَوْكَةٌ وَإِنِّي جَالِسٌ فِي أَهْلِي فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ أَحَدًا يُحِبُّ أَحَدًا كَحُبِّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا.
وَعَنِ «4» ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَتِ الْمَرْأَةُ «5» إِذَا أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَّفَهَا بِاللَّهِ مَا خَرَجَتْ مِنْ بُغْضِ زَوْجٍ وَلَا رَغْبَةً بِأَرْضٍ عَنْ أَرْضٍ، وَمَا خَرَجَتْ إِلَّا حُبًّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ.
وَوَقَفَ ابْنُ عُمَرَ «6» عَلَى ابْنِ الزبير «7» رضي الله عنهما بعد قتله
__________
(1) أبو سفيان بن حرب: ابن أمية، وهو أبو معاوية، اسلم عام الفتح، وهذا الكلام قبل الاسلام تقدمت ترجمته في ج 1 ص «229» رقم «1»
(2) انشدك: نشد فلانا عرفه وبالله استحلفه وقال له أنشدتك الله أي سألتك بالله.
(3) زيد بن الدثنة تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «12»
(4) رواه ابن جرير والبزار.
(5) أي التي أتت مهاجرة من مكة الى المدينة.
(6) ابن عمر: تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «1»
(7) ابن الزبير: تقدمت ترجمته في ج 1 ص «157» رقم «4»(2/54)
فاستغفر له وقال «1» كنت والله فيما «2» علمت- صواما قواما تحب الله ورسوله «3» .
__________
(1) رواه ابن سعد
(2) وفي نسخة (ما علمت) أي مدة علمي بك.
(3) ولقد جذبته هذه المحبة الى عند حبيبه المصطفى صلّى الله عليه وسلم.. فانه لما حاصره الحجاج وقتله سنة ثلاث وسبعين يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الاولى فانه لما أنزلوه عن جذعه الذي صلب عليه غسلته أمه اسماء بنت ابي بكر الصديق رضي الله عنهما بعد أن قطعت مفاصله وحنطته وكفنته وصلت عليه وحملته الى المدينة ودفنته في دار صفية أم المؤمنين رضي الله عنها.. وهذه الدار زيدت في المسجد النبوي على ساكنه افضل الصلاة والسلام.(2/55)
الفصل الرابع عَلَامَةِ مَحَبَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
اعْلَمْ أَنَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا آثَرَهُ وَآثَرَ مُوَافَقَتَهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ صَادِقًا فِي حُبِّهِ، وَكَانَ مُدَّعِيًا»
..
فَالصَّادِقُ فِي حُبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَظْهَرُ عَلَامَةُ ذَلِكَ عَلَيْهِ..
1- وَأَوَّلُهَا الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَاسْتِعْمَالُ سُنَّتِهِ وَاتِّبَاعُ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَامْتِثَالُ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ وَالتَّأَدُّبُ «2» بِآدَابِهِ فِي عُسْرِهِ وَيُسْرِهِ وَمَنْشَطِهِ «3» وَمَكْرَهِهِ
وَشَاهِدُ هَذَا قوله تعالى: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ» «4» .
__________
(1) كما قال الشاعر من بحر (الوافر) :
وكل يدعي وصلا بليلى ... وليلى لا تقر له بذاكا
وقال غيره من بحر (الطويل) :
ولما ادعيت الحب قالت كذبتني ... فما لي أرى الاعضاء منك كواسيا
فما الحب حتى يلصق القلب الحشا ... وتذهل حتى لا تجيب المناديا
(2) الادب هو حسن تناول الامور والتلطف فيها.
(3) منشطه: أي نشاطه.
(4) سورة آل عمران آية «31» .(2/56)
2- وَإِيثَارُ مَا شَرَعَهُ وَحَضَّ عَلَيْهِ عَلَى هَوَى نَفْسِهِ وَمُوَافَقَةِ شَهْوَتِهِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ «1» مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ» «2» .
3- وإسخاط العباد في رضا الله تعالى.
قَالَ أَنَسُ «3» بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «4» : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا بُنَيَّ إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ لَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لِأَحَدٍ فَافْعَلْ» .. ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا بُنَيَّ وَذَلِكَ مِنْ سُنَّتِي وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي.. وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ» . فَمَنِ اتَّصَفَ لهذه الصفة فهو كامل المحبة لله وَمَنْ خَالَفَهَا فِي بَعْضِ هَذِهِ الْأُمُورِ فَهُوَ نَاقِصُ الْمُحَبَّةِ وَلَا يَخْرُجُ عَنِ اسْمِهَا.
وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «5» : لِلَّذِي «6» حَدَّهُ في الخمر فلعنه بعضهم «7»
__________
(1) جعل الايمان كالدار يتبوأ فيه وذلك لتمكنهم منه واستيطانهم فيه.
(2) الخصاصة: الحاجة والفاقة سورة الحشر اية «9» .
(3) أنس بن مالك تقدمت ترجمته في ج 1 ص «47» رقم «1»
(4) رواه الترمذي.
(5) في حديث رواه البخاري عن عمر رضي الله عنه.
(6) قيل هو عبد الله الملقب (بحمار) . وقيل هو ابن نعيمان او نعيمان نفسه بن عمرو بن رفاعة البدري الذي حد في الخمر مرارا وهو صاحب الدعابة والذي كان صلّى الله عليه وسلم يضحك منه توفي في زمن معاوية.
(7) هو عمر بن الخطاب على ما رواه البيهقي.(2/57)
وَقَالَ: مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ!! .. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَلْعَنْهُ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ «1» » .
4- وَمِنْ عَلَامَاتِ مَحَبَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثْرَةُ ذِكْرِهِ له «2» .. فمن أحب شيئا أكثر من ذِكْرَهُ..
5- وَمِنْهَا كَثْرَةُ شَوْقِهِ إِلَى لِقَائِهِ.. فَكُلُّ حَبِيبٍ يُحِبُّ لِقَاءَ حَبِيبِهِ «3» .
وَفِي حَدِيثِ الْأَشْعَرِيِّينَ «4» عِنْدَ قُدُومِهِمُ الْمَدِينَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرْتَجِزُونَ (غَدًا نَلْقَى الْأَحِبَّةْ مُحَمَّدًا وَصَحْبَهْ) وَتَقَدَّمَ قَوْلُ بِلَالٍ «5» .
ومثله قال عمار «6» قبل قتله «7» ..
__________
(1) فيه دليل على أن المسلم وان ارتكب الكبائر لا يجوز لعنه. وفيه أن محبة الله ورسوله من أعظم المنجيات.. وفيه رد على المعتزلة في أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار
(2) ومنه يعلم فضل المحدثين وأهل الحديث لكثرة ذكرهم له صلّى الله عليه وسلم في علمهم.
(3) وعلى هذا قول ابن رواحة
ان كان يحلو لديك ظلمي ... فزد من الهجر في عذابي
عسى يطيل الوقوف بيني ... وبينك الله في الحساب
(4) يعني ابا موسى الاشعري واصحابه المنسوبين الى أشعر أبو قبيلة باليمن وكانوا قدموا على النبي صلّى الله عليه وسلم سنة سبع من الهجرة.. وكان صلّى الله عليه وسلم قال لاصحابه (يقدم عليكم قوم أرق قلوبا منكم) فقدم الاشعريون.
(5) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «52» رقم «6»
(6) عمار بن ياسر تقدمت ترجمته في ج 1 ص «659» رقم «10»
(7) قتله أهل الشام اذ كان يقاتل مع علي بصفين. وكان مقتله سنة ست وثلاثين فيما رواه ابن سلمة قال: كأني انظر الى عمار يوم صفين وقد استسقى.. فأتته امرأة بشربة من لبن فشربها ثم قال: اليوم القى الاحبه.. ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم عهد إلي أن آخر شربة اشربها من الدنيا شربة لبن.. ثم قاتل حتى قتل.. رضي الله عنه.(2/58)
وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قِصَّةِ خَالِدِ «1» بْنِ مَعْدَانَ.
6- وَمِنْ عَلَامَاتِهِ مَعَ كَثْرَةِ ذِكْرِهِ تَعْظِيمُهُ لَهُ وَتَوْقِيرُهُ عِنْدَ ذِكْرِهِ، وَإِظْهَارُ الْخُشُوعِ وَالِانْكِسَارِ مَعَ سماع اسمه.
وقال إسحق «2» التُّجِيبِيُّ: كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُ لَا يَذْكُرُونَهُ إِلَّا خَشَعُوا وَاقْشَعَرَّتْ جُلُودُهُمْ وَبَكَوْا.. وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مَحَبَّةً لَهُ وَشَوْقًا إِلَيْهِ.. وَمِنْهُمْ مَنْ يَفْعَلُهُ تَهَيُّبًا وَتَوْقِيرًا.
7- وَمِنْهَا مَحَبَّتُهُ لِمَنْ أَحَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ هُوَ بِسَبَبِهِ مِنْ آلِ بَيْتِهِ وَصَحَابَتِهِ «3» مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ.. وَعَدَاوَةُ مَنْ عَادَاهُمْ وَبُغْضُ مَنْ أَبْغَضَهُمْ وَسَبَّهُمْ.. فَمَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَحَبَّ من يحب..
وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ «4» : «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا» وَفِي رِوَايَةٍ فِي الْحَسَنِ «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ» .
__________
(1) خالد بن معدان مر ذكره وذكر قصته حين يأوي الى فراشه في ج 2 ص «50»
(2) امام المحدثين أبو ابراهيم اسحق بن ابراهيم النجيبي توفي في ذي القعدة سنه اثنين وخمسين وثلاثمئة. وهو منسوب لقبيلة من كندة تدعى تجيب.
(3) الصحابي: هو كل من لقي النبي صلّى الله عليه وسلم مسلما ومات على ذلك.. والصحابة لا يحصون كثرة.. وقيل ان الرسول صلّى الله عليه وسلم قبض وعدد الصحابة مئة واربعة وعشرين الفا.
(4) رواه البخاري.(2/59)
وَقَالَ: «مَنْ أَحَبَّهُمَا فَقَدْ أَحَبَّنِي. وَمَنْ أَحَبَّنِي فَقَدْ أَحَبَّ اللَّهَ.
وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي، وَمَنْ أَبْغَضَنِي فَقَدْ أَبْغَضَ اللَّهَ.»
وَقَالَ «1» : «اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي.. لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا «2» بَعْدِي فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني.. ومن آذاني فَقَدْ آذَى اللَّهَ.. وَمَنْ آذَى اللَّهَ يُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ «3» » .
وَقَالَ «4» فِي فَاطِمَةَ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «إِنَّهَا بَضْعَةٌ مِنِّي، يُغْضِبُنِي مَا أَغْضَبَهَا» .
وَقَالَ «6» لِعَائِشَةَ «7» فِي أُسَامَةَ «8» بْنِ زَيْدٍ: «أَحِبِّيهِ فَإِنِّي أُحِبُّهُ.»
وَقَالَ «9» : «آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُهُمْ» .
وَفِي حَدِيثِ «10» ابْنِ عُمَرَ: 1»
«من أحب العرب فبحبي أحبهم ومن
__________
(1) فيما رواه الترمذي.
(2) الغرض: هو الهدف الذي ترمي اليه السهام.
(3) ولذا ذهب بعض المالكية كما سيأتي الى قتل من سبهم لانه كسبه صلّى الله عليه وسلم
(4) في حديث رواه البحاري وغيره.
(5) تقدمت ترجمتها في ج 1 ص «63» رقم «12»
(6) في حديث رواه الترمذي عن عائشة وحسنه.
(7) تقدمت ترجمتها في ج 1 ص «147» رقم «5»
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «412» رقم «3»
(9) فيما رواه الشيخان.
(10) أخرجه البيهقي في دلائله.
(11) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «1»(2/60)
أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ «فَبِالْحَقِيقَةِ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَحَبَّ كُلَّ شَيْءٍ يُحِبُّهُ، وَهَذِهِ سِيرَةُ السَّلَفِ حَتَّى فِي الْمُبَاحَاتِ وَشَهَوَاتِ النَّفْسِ.
وَقَدْ قَالَ أَنَسٌ «1» حِينَ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ «2» مِنْ حَوَالَيِ الْقَصْعَةِ «3» .. «فَمَا زِلْتُ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ «4» » .
وَهَذَا الْحَسَنُ بْنُ «5» عَلِيٍّ، وَعَبْدُ اللَّهِ «6» بْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ «7» جَعْفَرٍ أَتَوْا سَلْمَى «8» وَسَأَلُوهَا أَنْ تَصْنَعَ لَهُمْ طعاما مما كان يعجب رسول
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «47» رقم «1»
(2) الدباء: بضم الدال المهملة وتشديد الموحدة والمد والهمزة في اخره للالحاق والواحدة دباء وهو اليقطين او القرع والدباء نوح خاص منه مستدير.
(3) السنة في الطعام أن يأكل الانسان مما يليه. الا في الفاكهة فله ان يتخير (وفاكهة مما يتخيرون) والا في الدباء. وكان الذي دعا الرسول صلّى الله عليه وسلم الى طعام الدباء خباط. وقال ابن حجر: ولم اقف على اسمه.
(4) هذا الحديث اخرجه الشيخان. وروي عن أنس أنه ما صنع له طعاما ويوجد الدباء ألا وقد جعل فيه. وقد روي في مجلس أبي يوسف انه عليه الصلاة والسلام كان يحب الدباء.. فقال رجل: أنا لا أحب الدباء. فسل السيف وقال: جدد الاسلام وإلا قتلتك.. نظرا إلى ظاهر معارضته له عليه الصلاة والسلام.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «192» رقم «2»
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6»
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «600» رقم «8»
(8) سلمى: خادمته صلّى الله عليه وسلم ومولاة عمته صفية زوجة أبي رافع قابلة ابنه ابراهيم، وداية ابنته فاطمة وغاسلتها مع أسماء بنت عميس.. قال الحلبي: في الصحابياب وسلمى غير هذه خمس عشرة امرأة. وأنما يدل على انها المراد هنا.. ما اخرجه الترمذي في الشمائل بسنده عنها أنهم أتوها(2/61)
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ «2» يَلْبَسُ النِّعَالَ «3» السَّبْتِيَّةَ «4» وَيَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ «5» إِذْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ نَحْوَ ذَلِكَ.
6- وَمِنْهَا بُغْضُ مَنْ أَبْغَضَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمُعَادَاةُ مَنْ عَادَاهُ وَمُجَانَبَةُ مَنْ خَالَفَ سُنَّتَهُ وَابْتَدَعَ فِي دِينِهِ، وَاسْتِثْقَالَهُ كُلَّ أَمْرٍ «6» يخالف شريعته
قال تَعَالَى: «لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ..» «7»
وَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَتَلُوا «8» أَحِبَّاءَهُمْ وَقَاتَلُوا آبَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ فِي مَرْضَاتِهِ «9» ..
__________
(1) وتتمة الحديث (فقالت: يا بني لا تشتهيه اليوم. فقالوا بل اصنعيه لنا، فقامت وطبخت شيئا من شعير وجعلته في قدر وصبت عليه شيئا من زيت وفلفل وتوابل وقربته إليهم) .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «82» رقم «1»
(3) الحديث رواه الشيخان.
(4) السبتية: بكسر السين المهملة وسكون الموحدة وتاء مثناة فوقية وياء نسبة الى السبت وهو جلد البقر دبغ بالقرظ وازيل شعره من سبته اذا قطعه لازالة شعره.
(5) نقل عن مالك جواز ليس ما صبغ بالزعفران وفيه أحاديث كثيرة صحيحة اما ما ورد من النهي عنه ففي الحج وعممه بعضهم.
(6) وفي نسخة (واستثقال كل من يخالف شريعته) .
(7) سورة المجادلة آ «22»
(8) وروي (قلوا) أي أبغضوا.
(9) أبو عبيدة بن الجراح قتل والده في بدر وعمر قتل خاله العاص. ومصعب بن عمير قتل أخاه.. وغيرهم.(2/62)
وَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ «1» بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ: «لَوْ شِئْتَ لَأَتَيْتُكَ بِرَأْسِهِ» - يَعْنِي أَبَاهُ «2» -
8- وَمِنْهَا أَنْ يُحِبَّ الْقُرْآنَ الَّذِي أَتَى بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَدَى بِهِ وَاهْتَدَى وَتَخَلَّقَ بِهِ..
حَتَّى قَالَتْ عَائِشَةُ «3» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «كَانَ خَلْقُهُ الْقُرْآنُ «4» » .
- وَحُبُّهُ لِلْقُرْآنِ تِلَاوَتُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ وَتَفَهُّمُهُ وَيُحِبُّ سُنَّتَهُ وَيَقِفُ عِنْدَ حُدُودِهَا.
قَالَ سَهْلُ «5» بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَامَةُ حُبِّ اللَّهِ: «حُبُّ الْقُرْآنِ.. وَعَلَامَةُ حُبِّ الْقُرْآنِ حُبُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،.. وَعَلَامَةُ حُبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُبُّ السُّنَّةِ.. وَعَلَامَةُ حُبِّ السُّنَّةِ حُبُّ الْآخِرَةِ.. وَعَلَامَةُ حُبِّ الْآخِرَةِ بُغْضُ الدُّنْيَا.. وَعَلَامَةُ بُغْضِ الدنيا ألا يدّخر منها إلا زادا «6»
__________
(1) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ: الابن من الصحابة المخلصين والوالد كان زعيم المنافقين
(2) رواه البخاري.. والقصة جرت في أعقاب غزوة بني المصطلق لما تكلم عبد الله بن أبي وقال (لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الاذل) .. ونقل زيد بن أرقم الخبر إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلم عبد الله ولده فقال للرسول صلّى الله عليه وسلم لو شئت اتيتك برأسه.. والقصة في السير مطولة
(3) تقدمت ترجمتها في ج 1 ص «146» «5»
(4) في تفسير قوله تعالى (وانك لعلى خلق عظيم) سوره القلم آية «4»
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «58» رقم «6»
(6) كما قال ابو العتاهية:
(يكفيك مما تبتغيه القوت ... ما أكثر القوت لمن يموت) ..(2/63)
وَبُلْغَةً إِلَى الْآخِرَةِ» وَقَالَ «1» ابْنُ مَسْعُودٍ «2» : «لَا يَسْأَلُ أَحَدٌ عَنْ نَفْسِهِ إِلَّا الْقُرْآنَ فَإِنْ كَانَ يُحِبُّ الْقُرْآنَ فَهُوَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» .
وَمِنْ عَلَامَاتِ حُبِّهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
9- شَفَقَتُهُ عَلَى أُمَّتِهِ وَنُصْحُهُ لَهُمْ وَسَعْيُهُ فِي مَصَالِحِهِمْ وَرَفْعُ الْمَضَارِّ عَنْهُمْ، كَمَا كَانَ صلّى الله عليه وسلم عليه وسلم بالمؤمنين رؤوفا رَحِيمًا..
وَمِنْ عَلَامَةِ تَمَامِ مَحَبَّتِهِ:
10- زُهْدُ مُدَّعِيهَا في الدنيا وإيثاره الفقر واتصافه به «3» .
وقد قال صلّى الله عليه وسلم «4» لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «5» : «إِنَّ الْفَقْرَ إِلَى مَنْ يُحِبُّنِي مِنْكُمْ أَسْرَعُ مِنَ السَّيْلِ «6» مِنْ أَعْلَى الْوَادِي «7» - أَوِ الْجَبَلِ إِلَى أَسْفَلِهِ»
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ «8» . قَالَ رَجُلٌ»
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّكَ.. فَقَالَ: انْظُرْ مَا تَقُولُ.. قَالَ:
__________
(1) وفي نسخه (وعن) .. والحديث رواه البيهقي في الأدب وابن الضريس في فضل القرآن.
(2) ابن مسعود تقدمت ترحمته في ج 1 ص «214» رقم «2»
(3) وسئل الزهري عن الزهد فقال: «هو أن لا يغلب الحلال شكره ولا الحرام صبره» .
(4) هذا بعض من الحديث الذي بعده وقد رواه الترمذوي حسنه.
(5) ابو سعيد الخدري مر ذكره أنفا.
(6) اذا انحدر ونزل
(7) الوادي: وهو الموضع الذي يسيل فيه الماء من ودى بمعنى سال ويسمى لفرجة بين جبلين واديا ويستعار للطريقة والمذهب كما قال تعالى: (ألم تر أنهم في كل واد يهيمون) لسرعة افتقارهم
(8) عبد الله بن مغفل: بضم الميم وفتح الغين المعجمة وتشديد الفاء المفتوحة ولام وهو صحابي مزني من اصحاب الشجرة.. روى عنه الحسن البصري وغيره وتوفي بالبصرة سنة ستين.. قال الحسن رحمه الله تعالى: «ما نزل البصرة أشرف منه» .
(9) لم يذكر اسمه.(2/64)
وَاللَّهِ إِنِّي أُحِبُّكَ- ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- قَالَ: إِنْ كُنْتَ تُحِبُّنِي فَأَعِدَّ لِلْفَقْرِ تِجْفَافًا «1» ثُمَّ ذَكَرَ نحو حديث «2» أبي سعيد «3» بمعناه.
__________
(1) تجفافا: بكسر المثناة الفوقية وسكون الجيم وفائين بينهما ألف وتاء مزيدة من جف إذا يبس وهو شيء يوضع على الخيل ليقيها أذى الحرب. أي أعد للفقر وقاية لأن النفوس لا تتحمله وروي (جلبابا) بدل تجفافا.
(2) يعني قوله في الحديث السابق: «ان الفقر إلى من يحبني منكم أسرع من السيل من أعلى الوادي» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «63» رقم «1»(2/65)
الفصل الخامس مَعْنَى الْمَحَبَّةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَقِيقَتِهَا
اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَفْسِيرِ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَمَحَبَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَثُرَتْ عِبَارَاتُهُمْ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَتْ تَرْجِعُ بِالْحَقِيقَةِ «1» إِلَى اخْتِلَافِ مَقَالٍ، وَلَكِنَّهَا اخْتِلَافُ أَحْوَالٍ «2» .
فَقَالَ سُفْيَانُ «3» : «الْمَحَبَّةُ اتِّبَاعُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .. كَأَنَّهُ الْتَفَتَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي» «4» الْآيَةَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «مَحَبَّةُ الرَّسُولِ اعْتِقَادُ نُصْرَتِهِ وَالذَّبُّ «5» عَنْ سُنَّتِهِ، وَالِانْقِيَادُ لَهَا، وَهَيْبَةُ مُخَالَفَتِهِ» .
__________
(1) وفي نسخة (في الحقيقة)
(2) كما قال القائل:
عباراتنا شتى وحسنك واحد ... وكل الى ذاك الجمال يشير
(3) سفيان: يحتمل ان يكون الثوري او ابن عبينه.. والاول أقرب لطول باعه في علوم القوم والعلوم الظاهرة أيضا فانه كان مجتهدا وصاحب مذهب مستقل.
(4) «يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ» سورة آل عمران آية «31» .
(5) الذب: بالمعجمة: المنع والطرد(2/66)
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «الْمَحَبَّةُ دَوَامُ الذِّكْرِ لِلْمَحْبُوبِ» .
وَقَالَ آخَرُ: «إِيثَارُ الْمَحْبُوبِ» .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «الْمَحَبَّةُ الشَّوْقُ إِلَى الْمَحْبُوبِ» .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «الْمَحَبَّةُ مُوَاطَأَةُ «1» الْقَلْبِ لِمُرَادِ الرَّبِّ يُحِبُّ مَا أَحَبَّ «2» وَيَكْرَهُ مَا كَرِهَ «3» » .
وَقَالَ آخَرُ: «الْمَحَبَّةُ مَيْلُ الْقَلْبِ إِلَى مُوَافِقٍ لَهُ» .
وَأَكْثَرُ الْعِبَارَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ إِشَارَةٌ إِلَى ثَمَرَاتِ الْمَحَبَّةِ دُونَ حَقِيقَتِهَا وَحَقِيقَةُ الْمَحَبَّةِ الْمَيْلُ إِلَى مَا يُوَافِقُ الْإِنْسَانَ وَتَكُونُ مُوَافَقَتُهُ لَهُ إما لا ستلذاذه بِإِدْرَاكِهِ كَحُبِّ الصُّوَرِ الْجَمِيلَةِ وَالْأَصْوَاتِ الْحَسَنَةِ وَالْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ اللَّذِيذَةِ وَأَشْبَاهِهَا مِمَّا كُلُّ طَبْعٍ سَلِيمٍ مائل إليها لموافقتها له ولاستلذاذه بِإِدْرَاكِهِ بِحَاسَّةِ عَقْلِهِ وَقَلْبِهِ مَعَانِيَ بَاطِنَةً شَرِيفَةً كحب الصالحين والعلماء وأهل المعروف. والمأثور عَنْهُمُ السِّيَرُ الْجَمِيلَةُ وَالْأَفْعَالُ الْحَسَنَةُ.. فَإِنَّ طَبْعَ الإنسان مائل إلى الشغف «4» بأمثال
__________
(1) مواطأة: بضم الميم وطاء مهملة تليها همزة ومعناها الموافقة وأصله أن يطأ الرجل برجله موطىء مصاحبه قال الله تعالى «ليواطؤوا عدة ما حرم الله» سورة التوبة آية «38» أي موافقة القلب.
(2) وفي نسخة (ما يحب) .
(3) وفي نسخة ما يكره.
(4) من شغفه الحب أي وصل الى شغاف قلبه وهو الغلاف المحيط بالقلب.(2/67)
هَؤُلَاءِ حَتَّى يَبْلُغَ التَّعَصُّبُ بِقَوْمٍ لِقَوْمٍ. وَالتَّشَيُّعُ مِنْ أُمَّةٍ فِي آخَرِينَ مَا يُؤَدِّي إِلَى الْجَلَاءِ عَنِ الْأَوْطَانِ، وَهَتْكِ «1» الْحُرَمِ، وَاخْتِرَامِ «2» النُّفُوسِ.. أَوْ يَكُونُ حُبُّهُ إِيَّاهُ لِمُوَافَقَتِهِ لَهُ مِنْ جِهَةِ إِحْسَانِهِ لَهُ، وَإِنْعَامِهِ عَلَيْهِ.. فَقَدْ جُبِلَتِ «3» النُّفُوسُ عَلَى حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهَا «4» .. فَإِذَا تقرر لك هذا نظرت لهذه الْأَسْبَابَ كُلَّهَا فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلِمْتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَامِعٌ لِهَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَحَبَّةِ.
أَمَّا جَمَالُ الصُّورَةِ وَالظَّاهِرِ، وَكَمَالُ الْأَخْلَاقِ وَالْبَاطِنِ، فَقَدْ قررنا منها قبل فيما مر من الْكِتَابِ مَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى زِيَادَةٍ..
وَأَمَّا إِحْسَانُهُ وَإِنْعَامُهُ عَلَى أُمَّتِهِ فَكَذَلِكَ قَدْ مَرَّ مِنْهُ فِي أَوْصَافِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ مِنْ رَأْفَتِهِ بِهِمْ، وَرَحْمَتِهِ لَهُمْ، وَهِدَايَتِهِ إِيَّاهُمْ، وَشَفَقَتِهِ عَلَيْهِمْ، وَاسْتِنْقَاذِهِمْ بِهِ مِنَ النَّارِ، «وَأَنَّهُ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ» «5» ..
و «رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ» «6» ، «وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً، وَداعِياً «7» إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ» «8» ،
__________
(1) هتك الحرم: الهتك هو كشف الستر وتمزيقه.
(2) الاخترام: هو استئصال الشيء وقطعه.
(3) جبلت: طبعت وخلقت.
(4) رواه ابن عدي وأبو نعيم في الحلية والبيهقي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وصححه وورد في الدعاء: «اللهم لا تجعل لفاجر علي يدا فيحبه قلبي..» .
(5) في قوله تعالى: «حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ، بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ» سورة التوبة آية «128»
(6) في قَوْلُهُ تَعَالَى: «وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ» سورة الأنبياء آية «107»
(7) والنصب على تقدير كونه مبشرا ونذيرا وداعيا أو حكاية عن الاية الكريمة.
(8) في قوله تَعَالَى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً» سورة الاحزاب اية «45- 46» .(2/68)
«يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ، وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ» «1» ، «وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» «2» ..
فَأَيُّ إِحْسَانٍ أَجَلُّ قَدْرًا، وَأَعْظَمُ خَطَرًا «3» ، مِنْ إِحْسَانِهِ إِلَى جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ!! وَأَيُّ إِفْضَالٍ أَعَمُّ مَنْفَعَةً وَأَكْثَرُ فَائِدَةً مِنْ إنعامه إلى كَافَّةِ «4» الْمُسْلِمِينَ!!. إِذْ كَانَ ذَرِيعَتَهُمْ «5» إِلَى الْهِدَايَةِ، وَمُنْقِذَهُمْ مِنَ الْعَمَايَةِ «6» ، وَدَاعِيَهَمْ إِلَى الْفَلَاحِ وَالْكَرَامَةِ، وَوَسِيلَتَهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ، وَشَفِيعَهُمْ، وَالْمُتَكَلِّمَ عَنْهُمْ، وَالشَّاهِدَ لَهُمْ، وَالْمُوجِبَ لَهُمُ الْبَقَاءَ الدَّائِمَ وَالنَّعِيمَ السَّرْمَدَ «7» .
فَقَدِ اسْتَبَانَ لَكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَوْجِبٌ لِلْمَحَبَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ شَرْعًا بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ صَحِيحِ الْآثَارِ، وَعَادَةً وَجِبِلَّةً بِمَا ذَكَرْنَاهُ آنفا «8» لإفاضة الإحسان وعموم الإجمال «9» .
__________
(1) في قوله تعالى: «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ» سورة الجمعة اية «2»
(2) «يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» سورة المائدة اية «16»
(3) خطرا: بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة أي قدرا او شرفا.
(4) كافة تلزم التنكير والنصب على الحالية واستعمالها على خلاف ذلك خطأ وسمع عن بعضهم خلاف ذلك.
(5) ذريعتهم: وسيلتهم
(6) العماية: بفتح العين المهملة وهي الغواية والجهالة.
(7) السرمد: أي المستمر الذي لا نهاية له.
(8) آنفا اي قريبا وهو منصوب على الظرفية. وهو من أنف أي تقدم. ومنه الأنف لأنه مقدم في الوجه.
(9) الاجمال: أي تعميم الجميل منه لكل أحد.(2/69)
فَإِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ يُحِبُّ مَنْ مَنَحَهُ فِي دُنْيَاهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ مَعْرُوفًا أَوِ اسْتَنْقَذَهُ مِنْ هَلَكَةٍ «1» . أَوْ مَضَرَّةٍ «2» مُدَّةُ، التَّأَذِّي بِهَا قَلِيلٌ مُنْقَطِعٌ.. فَمَنْ مَنَحَهُ مَا لَا يَبِيدُ مِنَ النَّعِيمِ وَوَقَاهُ مَا لَا يَفْنَى مِنْ عَذَابِ الْجَحِيمِ أَوْلَى بِالْحُبِّ، وَإِذَا كَانَ يُحَبُّ بِالطَّبْعِ مَلِكٌ لِحُسْنِ سِيرَتِهِ، أَوْ حَاكِمٌ لِمَا يُؤْثَرُ مِنْ قِوَامِ طَرِيقَتِهِ، أَوْ قَاصٌّ بَعِيدُ الدار لما يشار مِنْ عِلْمِهِ أَوْ كَرَمِ شِيمَتِهِ، فَمَنْ جَمَعَ هَذِهِ الْخِصَالَ عَلَى غَايَةِ مَرَاتِبِ الْكَمَالِ أَحَقُّ بِالْحُبِّ وَأَوْلَى بِالْمَيْلِ.
وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ»
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي صِفَتِهِ «4» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ.. وَمَنْ خَالَطَهُ معرفة أحبه وذكر عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ «5» أَنَّهُ كَانَ لَا يَصْرِفُ بصره عنه محبّة فيه..
__________
(1) هلكة: بفتح الهاء واللام: أي أمر مهلك.
(2) مضرة: بفتح الميم والضاد أمر يضره ويؤذيه.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «541» رقم «4»
(4) في حديث الحلية وقد مر ذكره.
(5) وهو ثوبان رضي الله عنه وهو مولى النبي صلّى الله عليه وسلم وقد مرت ترجمته في ج 1 ص «403» رقم «7»(2/70)
الفصل السّادس وُجُوبِ مُنَاصَحَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَلا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» «1» .
قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: «إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ» .. إِذَا كَانُوا مُخْلِصِينَ مُسْلِمِينَ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ..
عَنْ تَمِيمٍ «2» الدَّارِيِّ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم «إن الدين «3»
__________
(1) سورة التوبة آية «92» .
(2) تميم الداري: نسبة الى جده الدار ويقال له الديري أيضا نسبة الى دير كان يتعبد به قبل الاسلام. أسلم سنة تسع من الهجرة وكان نصرانيا قبل ذلك وتوفي سنة أربعين ومن مناقبة الفخام أنه عليه الصلاة والسلام روى عنه حديث الجساسة على المنبر كما في آخر صحيح مسلم، وفيها رواية الفاضل عن المفضول والمتبوع عن التابع وقبول خبر الواحد وذكر الدارقطني انه روى عن الشيخين وروى أيضا عن محرز كما في الصحيح وعن امرأة كما في المسند. وروي عنه في السنن ومسند أحمد.
(3) وفي رواية: «انما الدين النصيحة» .(2/71)
النصحية، إِنَّ الدِّينَ «1» النَّصِيحَةُ، إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ.. قَالُوا:
لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ.»
قَالَ أَئِمَّتُنَا «2» : «النَّصِيحَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ وَاجِبَةٌ «3» » .
قَالَ الإمام أبو «4» سُلَيْمَانُ الْبُسْتِيُّ: «النَّصِيحَةُ» كَلِمَةٌ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جُمْلَةِ إِرَادَةِ الْخَيْرِ لِلْمَنْصُوحِ لَهُ، وَلَيْسَ يُمْكِنُ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْهَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ تَحْصُرُهَا.. وَمَعْنَاهَا فِي اللُّغَةِ «الْإِخْلَاصُ» مِنْ قَوْلِهِمْ (نَصَحْتُ الْعَسَلَ) إِذَا خَلَّصْتُهُ مِنْ شَمْعِهِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بن اسحق «5» الخفّاف: «النصح» فعل الشيء
__________
(1) قد ساق المصنف هذا الحديث بسند أبي داود. وقد اخرجه ابو داود في الادب ولفظه (الدين النصيحة) من غير تكرار، وأخرجه مسلم في الايمان بنحوه وليس فيه تكرار ولفظه (الدين النصيحة) بغير (ان) وأخرجه النسائي في البيعة ولفظه في الطريق الاول (أن الدين النصيحة) من غير تكرار. وفي نسخة (انما الدين النصيحة) مرة.
(2) أي من المالكية لان المؤلف مالكي المذهب.
(3) أي فرض عين على كل مكاف.. ونقل النووي انها فرض كفاية.
(4) أبو سليمان البستي: نسبة الى بلدة بسجستان. وهو أبو سليمان بن محمد بن ابراهيم ابن خطاب المعروف بالخطابي الامام المشهور.. واختلف في اسمه فقيل: أحمد وقيل حمد توفي ببست في ربيع الاول سنة ثمان وثلاثين وثلاثمئة.
(5) ابو بكر بن اسحق الخفاف: هو امام من أئمة اللغة ترجمته مذكورة في التاريخ وفي نسخة (ابن اسحق) وهو ابو بكر احمد بن عمر بن يوسف الشافعي. وهو صاحب كتاب الخصال في مذهب الشافعية كما قاله الرافعي.(2/72)
الَّذِي بِهِ الصَّلَاحُ وَالْمُلَاءَمَةُ مَأْخُوذٌ مِنَ «النِّصَاحِ» «1» : وَهُوَ الْخَيْطُ الَّذِي يُخَاطُ بِهِ الثَّوْبُ.
وَقَالَ أبو إسحق «2» الزَّجَّاجُ نَحْوَهُ..
1- فَنَصِيحَةُ اللَّهِ تَعَالَى صِحَّةُ الِاعْتِقَادِ لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَوَصْفُهُ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ.. وَتَنْزِيهُهُ عَمَّا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ.. وَالرَّغْبَةُ فِي مَحَابِّهِ «3» ، وَالْبُعْدُ مِنْ مَسَاخِطِهِ، وَالْإِخْلَاصُ فِي عِبَادَتِهِ..
2- وَالنَّصِيحَةُ لِكِتَابِهِ الْإِيمَانُ بِهِ، وَالْعَمَلُ بِمَا فِيهِ وَتَحْسِينُ تلاوته.. والتخشع عنده.. والتعظم لَهُ، وَتَفَهُّمُهُ، وَالتَّفَقُّهُ فِيهِ..
وَالذَّبُّ عَنْهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْغَالِينَ «4» .. وَطَعْنِ الْمُلْحِدِينَ.
3- وَالنَّصِيحَةُ لِرَسُولِهِ، التَّصْدِيقُ بِنُبُوَّتِهِ، وَبِذْلُ الطَّاعَةِ لَهُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ ونهى عنه..
قال أبو سليمان «5» وقال أبو بكر «6» وموازرته «7» ونصرته
__________
(1) النصاح: بكسر النون وتخفيف الصاد.
(2) أبو اسحق الزجاج: امام العربية والتفسير تلميذ المبرد وشيخ أبي علي الفارسي وهو ابراهيم بن سهل الزجاج منسوب لعمل الزجاج لانه كان حرفته، توفي في جمادى الاخرة من سنة احدى عشرة وثلاثمئة وقد أناف على الثمانين.
(3) محابه: بفتح الميم جمع محب اسم مفعول أحب بمعنى محبوب أي يرغب في كل ما يحبه ويرضاه.
(4) الغالين: بالغين المعجمة من الغلو أي المجاوزين عن الحد.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «64» رقم «6»
(6) ابو بكر هو ابن أبي اسحق الخفاف الذي مر ذكره. وهو الظاهر الذي ذكره الثقات.
(7) موازرته: بواو مفتوحة أو همزة من الازر وهو القوة أن من الوزر وهو الملجأ أي معاضدته ومعاونته.(2/73)
وَحِمَايَتُهُ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَإِحْيَاءُ سُنَّتِهِ بِالطَّلَبِ، وَالذَّبِّ عَنْهَا وَنَشْرِهَا، وَالتَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِهِ الْكَرِيمَةِ، وَآدَابِهِ الْجَمِيلَةِ.
وقال أبو إبراهيم إسحق «1» النجيبي: «نَصِيحَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التصديق بما جاء به والاعتصام بسنتا وَنَشَرِهَا وَالْحَضُّ عَلَيْهَا، وَالدَّعْوَةُ إِلَى اللَّهِ، وَإِلَى كِتَابِهِ، وَإِلَى رَسُولِهِ، وَإِلَيْهَا. وَإِلَى الْعَمَلِ بِهَا» .
قال أَحْمَدُ «2» بْنُ مُحَمَّدٍ: «مِنْ مَفْرُوضَاتِ الْقُلُوبِ اعْتِقَادُ النَّصِيحَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ «3» وَغَيْرُهُ «النُّصْحُ لَهُ يَقْتَضِي نُصْحَيْنِ.
نُصْحًا فِي حَيَاتِهِ. وَنُصْحًا بَعْدَ مماته.
أ- فَفِي حَيَاتِهِ.. نُصْحُ أَصْحَابِهِ لَهُ بِالنَّصْرِ، وَالْمُحَامَاةِ عَنْهُ، وَمُعَادَاةِ مَنْ عَادَاهُ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لَهُ.. وَبَذْلِ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ دُونَهُ.. كَمَا قَالَ تَعَالَى «رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ» «4» الاية.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «59» رقم «2»
(2) هو الامام المشهور أحمد بن حنبل. تقدمت ترجمته في ج 1 ص «165» رقم «1»
(3) أبو بكر الاجري تقدم ذكره.
(4) سورة الاحزاب آية «23» وهذه الاية كما في الصحيحين نزلت في أنس بن النضر وكان شق عليه انه لم يحضر بدرا وقال: «اول مشهد من مشاهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم غبت عنه لئن أراني الله تعالى مشهدا بعده ليرى الله ما أصنع.» فلما كان من العام المقبل وقعة أحد استقبله سعد بن مالك فقال له: يا أبا محمد الى أين؟ قال: «واها لريح الجنة اجدها دون أحد» فقاتل حتى قتل رضي الله تعالى عنه. ووجد فيه بضعا وثمانين ما بين طعنة وضربه..(2/74)
وقال: «وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» «1» الاية.
ب- وَأَمَّا نَصِيحَةُ الْمُسْلِمِينَ لَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَالْتِزَامُ التَّوْقِيرِ وَالْإِجْلَالِ، وَشِدَّةُ الْمَحَبَّةِ لَهُ، وَالْمُثَابَرَةُ عَلَى تَعَلُّمِ سُنَّتِهِ، وَالتَّفَقُّهُ فِي شَرِيعَتِهِ، وَمَحَبَّةُ آلِ بَيْتِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمُجَانَبَةُ مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِهِ وَانْحَرَفَ عَنْهَا، وَبُغْضُهُ وَالتَّحْذِيرُ مِنْهُ وَالشَّفَقَةُ عَلَى أُمَّتِهِ، وَالْبَحْثُ عَنْ تَعَرُّفِ أَخْلَاقِهِ وَسِيَرِهِ وَآدَابِهِ.. وَالصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ.
فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ، تَكُونُ النَّصِيحَةُ إِحْدَى ثَمَرَاتِ الْمَحَبَّةِ، وَعَلَامَةٌ مِنْ عَلَامَاتِهَا كما قدمناه..
وَحَكَى الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ «2» الْقُشَيْرِيُّ: أَنَّ عَمْرَو بْنَ اللَّيْثِ «3» أَحَدَ مُلُوكِ خُرَاسَانَ وَمَشَاهِيرِ الثُّوَّارِ المعروف بالصفّار «4» رؤي في
__________
(1) سورة الحشر اية «8» نزلت في المهاجرين الذين خرجوا من ديارهم ابتغاء رضوان الله.
(2) ابو القاسم القشيري: عبد الملك بن هوازن بن عبد الملك النيسابوري صاحب الرسالة وشيخ الطريقة فريد دهره علما وعملا وعمدة اهل السنة وفقهاء الشافعية الجامع بين الشريعة والحقيقة، توفي سنة خمس وستين وأربع مئة وعمره تسع وثمانون سنة.
(3) عمرو الليث: هو اخو يعقوب الصفار، وكان يعقوب هذا كما قال المسعودي في خلافة المعتضد بالله صفارا فتغلب وصار له جيوش عظيمة فنسلطن ثم توفي سنة خمس وستين ومتين، وخلف اموالا كثيرة خلفه عليها اخوه عمرو المذكور.. والصفار الذي يصنع اوان من النحاس.
(4) الصفار: تشديد الفاء أي منسوب لعمل الصفر وهو نوع من النحاس تعمل منه الاواني.(2/75)
النَّوْمِ «1» ، فَقِيلَ لَهُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟!. فَقَالَ: غَفَرَ لِي فَقِيلَ:
بِمَاذَا؟ .. قَالَ: صَعِدْتُ «2» ذُرْوَةَ جَبَلٍ يَوْمًا فَأَشْرَفْتُ عَلَى جُنُودِي فَأَعْجَبَتْنِي كَثْرَتُهُمْ فَتَمَنَّيْتُ أَنِّي حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعَنْتُهُ وَنَصَرْتُهُ.. فَشَكَرَ اللَّهُ لِي ذَلِكَ وَغَفَرَ لِي.
4- وَأَمَّا النُّصْحُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَطَاعَتُهُمْ فِي الْحَقِّ وَمَعُونَتُهُمْ فِيهِ وَأَمْرُهُمْ بِهِ، وَتَذْكِيرُهُمْ إِيَّاهُ عَلَى أَحْسَنِ وَجْهٍ، وَتَنْبِيهُهُمْ على ما غفلوا عنه وكتم عنه مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، وَتَرْكُ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ وَتَضْرِيبِ «3» النَّاسِ وَإِفْسَادِ قُلُوبِهِمْ عَلَيْهِمْ..
5- وَالنُّصْحُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، إِرْشَادُهُمْ إِلَى مَصَالِحِهِمْ، وَمَعُونَتُهُمْ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَتَنْبِيهُ غَافِلِهِمْ، وَتَبْصِيرُ جَاهِلِهِمْ، وَرَفْدُ «4» مُحْتَاجِهِمْ، وَسَتْرُ عَوْرَاتِهِمْ، وَدَفْعُ الْمَضَارِّ عَنْهُمْ، وجلب المنافع إليهم..
__________
(1) وفي نسخة في المنام.
(2) بكسر العين في الماضي وبفتحها في المضارع أي ارتقيت وعلوت.
(3) تضريب: بمثناة فوقية مفتوحة وسكون الضاد المعجمة وكسر الراء المهملة ومثناة ساكنة وموحدة تحتيتين مجرد رأي ترك تضريبهم وهو اغراؤهم وتحريكهم عليهم يقال ضربه اذا أغراه.
(4) رفد: بفتح الراء المهملة أي أعاننه ويجوز كسرها فان الرفد بمعنى العطاء والصلة وكل شيء عروته وجعلت له عونا فقد رفدته ومنه الرفادة التي كانت لقريش في الجاهلية.(2/76)
الْبَابُ الثَّالِثُ فِي تَعْظِيمِ أَمْرِهِ وَوُجُوبِ تَوْقِيرِهِ وبرّه وفيه سبعة فصول(2/77)
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ
قَالَ الله تَعَالَى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ» «1» .
وقال: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» «2» و «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ» الثلاث آيات.
وَقَالَ تَعَالَى: «لَا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً» »
فأوجب تعالى تعزيره وتوقيره.. وألزم إكرامه وتعظيمه
__________
(1) الفتح آية 7 و 8 هكذا الاية في أكثر النسخ وليس موافقا للتلاوة لأن آية الاحزاب المصدرة بيا أيها النبي ليس فيها لتؤمنوا الخ، والتي في الفتح (انا أرسلناك دون يا أيّها النبي.. وكأن المصنف بدا باية الاحزاب وثنى باية الفتح وسقط الفاصل بينهما
(2) الحجرات آية «1» .
(3) النور آية «63» .(2/79)
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «1» : «تُعَزِّرُوهُ» تُجِلُّوهُ.
وَقَالَ الْمُبَرِّدُ «2» : «تُعَزِّرُوهُ» تُبَالِغُوا فِي تَعْظِيمِهِ.
وَقَالَ الْأَخْفَشُ «3» : تَنْصُرُونَهُ.
وقال الطبري «4» : تعينونه. وقرىء «5» : «تعزّزوه» بزائين مِنَ الْعِزِّ وَنُهِيَ عَنِ التَّقَدُّمِ بَيْنَ يَدَيْهِ بِالْقَوْلِ وَسُوءِ الْأَدَبِ بِسَبْقِهِ بِالْكَلَامِ عَلَى قَوْلِ ابن عباس «1» وغيره وهو اختيار ثعلب «6» .
__________
(1) ابن عباس تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «271» رقم «7»
(3) الأخافشة ثلاثة اصغر وهو ابو الحسن علي بن سليمان بن الفضل المعروف بالاخفش (الصغير) النحوي كان عالما. روى عن المبرد وثعلب وغيرهما، وروى عنه الحريري وغيره، وهو ثقة توفي في شعبان سنة خمس عشرة وثلاثمئة فجاة ببغداد. وأما (الاوسط) فهو ابو الحسن سعيد بن مسعده المجاشعي بالولاء النحوي البلخي المعروف بالاخفش النحوي أحد نحاة البصرة من أئمة العربية واخذ النحو عن سيبويه وكان أكبر منه وكان يقول: ما وضع سيبويه في كتابه شيئا الا وعرضه علي- رحمه الله تعالى- وكان يرى انه اعلم به مني وأنا اليوم أعلم به منه. وهذا الذي زاد في العروض بحر الخبب، وله تصانيف كثيرة منها (الاوسط) في النحو. وتفسير معاني القرآن. وغير ذلك، توفي سنة خمس عشرة ومائتين أما الاكبر فهو عبد الحميد بن حميد من أهل هجر من مواليهم وكان نحويا لغويا وله ألفاظ لغوية انفرد بنقلها، وأخذ عن سيبويه وأبي عبيدة. ومعنى الاخفش هو الصغير العين مع سوء بصره.. ومراد القاضي هو الاوسط.
(4) محمد بن جرير الطبري تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «2» .
(5) في الشواذ.
(6) ثعلب: هو العلامة المحدث شيخ اللغة والعربية أبو العباس أحمد بن يزيد الشيبانى مولاهم البغدادي المقدم في النحو على طريقة الكوفيين مولده سنة مئتين توفي سنة احدى وتسعين ومئتين.(2/80)
قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ «1» : لَا تَقُولُوا قَبْلَ أَنْ يَقُولَ.. وَإِذَا قَالَ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وأنصتوا.. ونهوا عن التقدم والنعجل بِقَضَاءِ أَمْرٍ قَبْلَ قَضَائِهِ فِيهِ، وَأَنْ يَفْتَاتُوا «2» بِشَيْءٍ فِي ذَلِكَ مِنْ قِتَالٍ أَوْ غَيْرِهِ من أمر دينهم إلا بأمره، وَلَا يَسْبِقُوهُ بِهِ وَإِلَى هَذَا يَرْجِعُ قَوْلُ الحسن «3» مجاهد «4» وَالضَّحَّاكِ «5» وَالسُّدِّيِّ «6» وَالثَّوْرِيِّ «7» ثُمَّ وَعَظَهُمْ وَحَذَّرَهُمْ مُخَالَفَةَ ذَلِكَ فَقَالَ «وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» «8» قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ «9» «اتَّقُوهُ» يَعْنِي فِي التَّقَدُّمِ.
وَقَالَ السُّلَمِيُّ «10» : «اتَّقُوا اللَّهَ» فِي إِهْمَالِ حَقِّهِ، وَتَضْيِيعِ حُرْمَتِهِ، إِنَّهُ سُمَيْعٌ لِقَوْلِكُمْ عَلِيمٌ بِفِعْلِكُمْ ثُمَّ نَهَاهُمْ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فَوْقَ صَوْتِهِ وَالْجَهْرِ لَهُ بِالْقَوْلِ كَمَا يَجْهَرُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ..
وَقِيلَ كَمَا يُنَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِاسْمِهِ.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «58» رقم «6» .
(2) يفتاتوا: أي يستبدوا ويستقلوا.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «60» رقم «8» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «70» رقم «1» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «75» رقم «6» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «112» رقم «3» .
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «186» رقم «3» .
(8) الحجرات: آية «1» .
(9) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «61» رقم «3» .
(10) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «61» رقم «4» .(2/81)
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ مَكِّيٌّ «1» : أَيْ لَا تُسَابِقُوهُ بِالْكَلَامِ وَتُغْلِظُوا لَهُ بِالْخِطَابِ، وَلَا تُنَادُوهُ بِاسْمِهِ نِدَاءَ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ، وَلَكِنْ عَظِّمُوهُ وَوَقِّرُوهُ وَنَادُوهُ بِأَشْرَفِ مَا يُحِبُّ أَنْ يُنَادَى بِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ:
يَا نَبِيَّ اللَّهِ.
وَهَذَا كَقَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: «لَا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً» «2» وعلى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ لَا تُخَاطِبُوهُ إِلَّا مُسْتَفْهِمِينَ «3» ، ثُمَّ خَوَّفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِحَبْطِ أَعْمَالِهِمْ ان هم فعلوا ذلك.. وحذرهم منه.
قيل: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ «4» .
وَقِيلَ: فِي غَيْرِهِمْ.. أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَادَوْهُ.. يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ. اخْرُجْ إِلَيْنَا. فَذَمَّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْجَهْلِ، وَوَصَفَهُمْ بِأَنَّ أكثرهم لا يعقلون.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص «67» رقم «7» .
(2) النور «63» .
(3) وفي نسخة (الا مشفقين) .
(4) بنو تميم: قبيلة مشهورة وفدت على النبي صلّى الله عليه وسلم عام الوفود سنة تسع. وكان صلّى الله عليه وسلم أرسل لهم سرية فهجموا عليهم واخذوا مواشيهم واسارى قدموا بها المدينة فحبسوا في دار رملة بنت الحارث. فأرسلوا عدة من رؤسائهم فجاؤوا بابه صلّى الله عليه وسلم ونادوا: يا محمد اخرج الينا ... كما فصل في السير.(2/82)
وَقِيلَ: نَزَلَتِ الْآيَةُ الْأُولَى فِي مُحَاوَرَةٍ كَانَتْ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ «1» وَعُمَرَ «2» بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتِلَافٍ جَرَى بَيْنَهُمَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا «3» .
وَقِيلَ: نَزَلَتْ «4» فِي ثَابِتِ «5» بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ خَطِيبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُفَاخَرَةِ بَنِي تَمِيمٍ، وَكَانَ فِي أُذُنَيْهِ صَمَمٌ.. فَكَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ.
فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَقَامَ فِي مَنْزِلِهِ وَخَشِيَ أَنْ يَكُونَ حَبِطَ عَمَلُهُ..
ثُمَّ أَتَى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نَبِيَّ اللَّهِ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ هَلَكْتُ.. نَهَانَا اللَّهُ أَنْ نَجْهَرَ بِالْقَوْلِ.. وَأَنَا امْرُؤٌ جَهِيرُ الصَّوْتِ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا ثَابِتُ.. أَمَّا تَرْضَى أَنْ تَعِيشَ حَمِيدًا وَتُقْتَلَ شَهِيدًا وَتَدْخُلَ الْجَنَّةَ..» فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ «6» .
وَرُوِيَ «7» أَنَّ أَبَا بَكْرٍ «1» لَمَّا نَزَلَتْ هذه الاية قال: والله
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «156» رقم «6» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4» .
(3) كما في البخاري عن الزبير رضي الله عنه.
(4) كما روي عن ابن عباس.
(5) ثابت بن قيس بن شماس بن مالك بن امره القيس الخزرجي الانصاري وكان خطيبا الانصار.
(6) أي وقعة اليمامة زمن أبي بكر الصديق سنة ثنتي عشرة في ربيع الاول وهي وقعة مسيلمة المشهورة. واليمامة اسم مدينة على مرحلتين من الطائف.
(7) رواه طارق بن شهاب.(2/83)
يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ بَعْدَهَا إِلَّا كَأَخِي السِّرَارِ «1» ..
وَأَنَّ عُمَرَ كَانَ إِذَا حَدَّثَهُ كَأَخِي السِّرَارِ مَا كَانَ يَسْمَعُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ:
«إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ» «2»
وَقِيلَ: نَزَلَتْ «إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ» «3» فِي غَيْرِ بَنِي تَمِيمٍ.. نَادَوْهُ بِاسْمِهِ.
وَرَوَى «4» صَفْوَانُ بْنُ عَسَّالٍ»
بَيْنَا «6» النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم في سفر اذ نَادَاهُ أَعْرَابِيٌّ بِصَوْتٍ لَهُ جَهْوَرِيٌّ أَيَا مُحَمَّدُ، أيا محمد، أيا محمد «7» ..
فقلنا لَهُ: اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ فَإِنَّكَ قَدْ نُهِيتَ عن رفع الصوت..
وقال الله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا
__________
(1) أي كلاما خفيا كالمسارة وهي الكلام بخفية.
(2) الحجرات آية «3» .
(3) الحجرات آية «4» .
(4) رواه الترمذي والنسائي.
(5) صفوان بن عسال: ابن الربض بن زاهد المرادي الكوفي الصحابى المشهور روى عنه الستة.
(6) وفي نسخة (بينما) .
(7) وفي نسخة ناداه مرتين.(2/84)
«1» راعِنا «2» » قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: هِيَ لُغَةٌ كَانَتْ فِي الْأَنْصَارِ نُهُوا عَنْ قَوْلِهَا تَعْظِيمًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبْجِيلًا لَهُ.. لِأَنَّ مَعْنَاهَا ارْعَنَا نَرْعَكَ فَنُهُوا عَنْ قَوْلِهَا إِذْ مُقْتَضَاهَا كَأَنَّهُمْ لَا يَرْعَوْنَهُ إِلَّا بِرِعَايَتِهِ لَهُمْ..
بَلْ حَقُّهُ أَنْ يُرْعَى عَلَى كُلِّ حَالٍ..
وَقِيلَ: كَانَتِ الْيَهُودُ تُعَرِّضُ بِهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرُّعُونَةِ «3» فَنُهِيَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ قَوْلِهَا قطعا للذريعة «4» ، ومنعا للتشبه بِهِمْ فِي قَوْلِهَا لِمُشَارَكَةِ اللَّفْظَةِ وَقِيلَ: غَيْرُ هذا.
__________
(1) راعنا: كلمة تقال للمتكلم اذا لم يفهم كلامه وهي بمثابة تأن وراع مقامنا فانا لسنا فهما مثلك.. وهي من لغة الانصار في محاوراتهم واستغلها اليهود لانها كانت شتما في لغتهم
(2) البقرة اية «104» .
(3) الرعونة: وهي الخفة والحمافة.
(4) الذريعة: في اللغة هي الوسيلة والسبب. وسد الذرائع قاعدة مشهورة في مذهب الامام مالك وهي ليست مختصة بمذهب مالك كما هو المشهور.(2/85)
الفصل الثّاني عادة الصّحابة في تعظيمه وتوقيره وإجلاله صلّى الله عليه وسلّم
عن عمرو بن العاص «1» قَالَ «2» : وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ.. وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنِي «3» مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ.. وَلَوْ سُئِلْتُ «4» أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنِي مِنْهُ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ «5» عَنْ أَنَسٍ «6» : «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ عَلَى أَصْحَابِهِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَهُمْ جُلُوسٌ، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ.. فَلَا يَرْفَعُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَيْهِ بَصَرَهُ إِلَّا أبو بكر وعمر
__________
(1) تقدمت ترجمة في ج 2 ص «49» رقم «6» .
(2) كما رواه مسلم.
(3) وفي نسخة (عيني) بالتثنية.
(4) وفي نسخة ولو (شئت) .
(5) صاحب السنن لا الحكيم الترمذي.
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «47» رقم «1» .(2/86)
فَإِنَّهُمَا كَانَا يَنْظُرَانِ إِلَيْهِ وَيَنْظُرُ إِلَيْهِمَا، وَيَتَبَسَّمَانِ إِلَيْهِ وَيَتَبَسَّمُ لَهُمَا «1» .
وَرَوَى أُسَامَةُ «2» بْنُ شَرِيكٍ قَالَ «3» : «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه حوله كأنما على رؤوسهم الطَّيْرُ..
وَفِي حَدِيثِ صِفَتِهِ «4» : إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطَّيْرُ.
وَقَالَ عُرْوَةُ «5» بْنُ مَسْعُودٍ حِينَ «6» وَجَّهَتْهُ قُرَيْشٌ عَامَ الْقَضِيَّةِ «7» إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَأَى مِنْ تَعْظِيمِ أَصْحَابِهِ لَهُ مَا رَأَى، وَأَنَّهُ لَا يَتَوَضَّأُ إِلَّا ابْتَدَرُوا «8» وَضَوْءَهُ وَكَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَيْهِ.. وَلَا يَبْصُقُ بُصَاقًا وَلَا يَتَنَخَّمُ «9» نُخَامَةً إِلَّا تَلَقَّوْهَا بِأَكُفِّهِمْ فدلكوا «10»
__________
(1) قال الحلبي اخرجه الترمذي في مناقب أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وقال: غريب لا نعرفه الا من حديث الحاكم، وقد تكلم بعضهم فيه.
(2) اسامة بن شريك ثعلبي كوفي صحابي، وقد روى عنه أصحاب السنن الأربعة.
(3) صححه الترمذي، ورواه الأربعة.
(4) روي عن هند بنت أبي هالة وفد تقدم في حديث الحلية، وأخرجه الترمذي في الشمائل.
(5) عروة بن مسعود بن معتب الثقفي.
(6) كما رواه البخاري عن مسور بن مجزمة ومروان بن الحكم بن أبي العاص.
(7) عام القضية اي عام الحديبية سنة ست: وليست القضية بمعنى القضاء أي قضاء العمرة كما يسميها اصحاب السير لأنها حدثت عام سبع، وعروة جاء في عام الحديبية. والقضية هنا بمعنى الحادث الذي جرى في عام الحديبية.
(8) ابتدروا: اسرعوا وأخذوا.
(9) نخامة: بضم النون لأن فعالة وضعها لكل قليل الفضل من شيء والتنخيم: خراجة من الفم والفرق بين البصاق والنخامة أن الأول ما يخرج من الفم والثاني ما يخرج من أقصى الحلق.
(10) دلكوا: أي بالغوا في المسح.(2/87)
بِهَا وُجُوهَهُمْ وَأَجْسَادَهُمْ، وَلَا تَسْقُطُ مِنْهُ شَعْرَةٌ إِلَّا ابْتَدَرُوهَا..
وَإِذَا أَمَرَهُمْ بِأَمْرٍ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ.. وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ «1» إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنِّي جِئْتُ كِسْرَى فِي مُلْكِهِ، وَقَيْصَرَ فِي مُلْكِهِ، وَالنَّجَاشِيَّ فِي مُلْكِهِ.. وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مَلِكًا فِي قَوْمٍ قَطُّ مِثْلَ مُحَمَّدٍ فِي أَصْحَابِهِ..
وَفِي رِوَايَةٍ «2» إِنْ «3» رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ مُحَمَّدًا أَصْحَابُهُ.. وَقَدْ رَأَيْتُ قَوْمًا لَا يُسْلِمُونَهُ أَبَدًا «4» .
وَعَنْ «5» أَنَسٍ «6» : لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والحلاق «7» يحلقه.. وأطاف بِهِ أَصْحَابُهُ، فَمَا يُرِيدُونَ أَنْ تَقَعَ شَعْرَةٌ إِلَّا فِي يَدِ رَجُلٍ.
وَمِنْ هَذَا: لَمَّا أَذِنَتْ قُرَيْشٌ لِعُثْمَانَ فِي الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ حِينَ
__________
(1) يحدون: أي لا ينظرون إليه نظرا حديدا أي قويا أو لا يبلغ نظرهم إليه حده ومنتهاه بل ينظرون إليه من طرف خفي.
(2) اي (اخرى) كما في نسخة.
(3) إن بكسر وتخفيف نافيه بمعنى ما.
(4) من حديث طويل رواه البخاري.
(5) كما رواه مسلم.
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «47» رقم «1» .
(7) واختلف في اسم من حلق رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلم والصحيح المشهور أنه معمر بن عبد العزيز العدوي كما ذكره النووي في شرح مسلم. وفي صحيح البخاري: زعموا انه معمر. وعن ابن عبد البر ان خراشا حلقه يوم الحديبية.. 1 هـ أما في عمرة الجعرانة فقيل حلقه ابو هند. والله اعلم.(2/88)
وَجَّهَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فِي الْقَضِيَّةِ «1» أَبَى وَقَالَ: «مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ حَتَّى يَطُوفَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» «2» .
وَفِي حَدِيثِ»
طَلْحَةَ «4» : «أَنَّ أَصْحَابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لِأَعْرَابِيٍّ جَاهِلٍ: سَلْهُ عَمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ «5» - وَكَانُوا يَهَابُونَهُ وَيُوَقِّرُونَهُ.
فَسَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ. إِذْ طَلَعَ طَلْحَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«هَذَا مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ» .
وَفِي حَدِيثِ «6» قَيْلَةَ «7» : «فَلَمَّا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم
__________
(1) وهنا تصريح واضح يبين أن المؤلف يقصد (بالقضية) عام الحديبية كما مر.
(2) رواه الترمذي عن طلحة رضي الله عنه وقال: «انه حسن غريب» .
(3) رواه الترمذي وحسنه.
(4) طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن كعب بن سعد التيمي احد العشرة المبشرين بالجنة. وفي الصحابة طلحة تيمي غيره وهو الذي نزل فيه قوله تَعَالَى: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ الله) . وروى ابو نعيم انه صلّى الله عليه وسلم تلا هذه الاية على المنبر فسأله رجل: من هؤلاء؟ فأقبل طلحة بن عبيد الله فقال: هذا منهم.. وفي تفسير ابن أبي حاتم ان عمارا منهم. وفي تفسير يحيى بن سلام: هم حمزة واصحابه.. وطلحة هذا ملقب بطلحة الخير والفياض وانما قال عنه صلّى الله عليه وسلم ذلك لأنه غاب عن بدر فقال: لئن حضرت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم مشهدا آخر ليرين الله ما أصنع: فلما كان يوم احد ابلى بلاء حسنا ووقى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يومئذ بنفسه واتقى النبل عنه بيده حتى شلت اصابعه وحمل رسول الله صلّى الله عليه وسلم على ظهره حتى استعلى الصخرة.
(5) أي في قوله تعالى: (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ.. وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) سورة الاحزاب آية (23) .
(6) رواه ابو داوود والترمذي
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «146» رقم «4»(2/89)
جَالِسًا الْقُرْفُصَاءَ «1» أَرْعَدْتُ «2» مِنَ الْفَرَقِ «3» وَذَلِكَ هَيْبَةً لَهُ وَتَعْظِيمًا»
وَفِي حَدِيثِ «4» الْمُغِيرَةِ «5» : «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَعُونَ بابه بالأظافير «6» .»
وَقَالَ «7» الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ «8» : «لَقَدْ كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْأَمْرِ فَأُؤَخِّرُ «9» سِنِينَ «10» مِنْ هَيْبَتِهِ» .
***
__________
(1) القرفصاء: بضم القاف والواء المهملة هو نوع من الجلوس.. يجلس على إليتيه ويلصق فخذيه ببطنه ويحتبي بيديه ويضعهما على ساقيه.
(2) أرعدت: أي حصل لي رعدة واضطراب.
(3) الفرق: بفتحتين هو الحوف.
(4) رواه الحاكم في علوم الحديث والبيهقي في المدخل.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «285» رقم «4»
(6) أظافير: جمع ظفر على غير قياس وفي نسخة «بالاظفار» . واختلفوا في في هذا الحديث هل هو مرفوع ام موقوف وقال الحافظ العراقي في الفتية.
ولكن حديث كان باب المصطفى ... يقرع بالاظفار مما. وقفا
حكما لدى الحاكم والخطيب ... والرفع عند الشيخ ذو تصويب
والمراد «بالشيخ» ابن الصلاح رحمه الله.
(7) رواه ابو يعلى وصححه.
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «146» رقم «4»
(9) وفي نسخة «فأؤخره»
(10) وفي نسخة «سنتين» .(2/90)
الْفَصْلُ الثَّالِثُ حُرْمَتُهُ وَتَوْقِيرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَاعْلَمْ أَنَّ حُرْمَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَتَوْقِيرَهُ وَتَعْظِيمَهُ لَازِمٌ كَمَا كَانَ حَالَ حَيَاتِهِ.. وَذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذِكْرِ حَدِيثِهِ وَسُنَّتِهِ، وَسَمَاعِ اسْمِهِ وَسِيرَتِهِ، وَمُعَامَلَةِ آلِهِ وَعِتْرَتِهِ «1» ، وَتَعْظِيمِ أهل بيته وصحابته.
قال أَبُو إِبْرَاهِيمَ «2» التُّجِيبِيُّ «3» : «وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ مَتَّى ذَكَرَهُ أَوْ ذُكِرَ عِنْدَهُ أَنْ يَخْضَعَ وَيَخْشَعَ، وَيَتَوَقَّرَ وَيُسَكِّنَ مِنْ حَرَكَتِهِ، وَيَأْخُذَ فِي هَيْبَتِهِ وَإِجْلَالِهِ بِمَا كَانَ يَأْخُذُ بِهِ نَفْسَهُ لَوْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ.. وَيَتَأَدَّبُ بِمَا أَدَّبَنَا الله به.
__________
(1) عترته: بكسر العين وسكون المثناة. وهم نسله ورهطه وعشيرته الأدنون.
(2) وزيد في نسخة (اسحق) .
(3) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «59» رقم «2»(2/91)
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ «1» : «وَهَذِهِ كَانَتْ سِيرَةَ سَلَفِنَا الصَّالِحِ وَأَئِمَّتِنَا الْمَاضِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ» .
قال أبو حميد «2» : نَاظَرَ أَبُو جَعْفَرٍ «3» أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَالِكًا «4» فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ «4» : «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَدَّبَ قَوْمًا فَقَالَ: «لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ «5» » الْآيَةَ. وَمَدَحَ قَوْمًا فَقَالَ:
«إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ «6» » الْآيَةَ وَذَمَّ قَوْمًا فَقَالَ: «إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ.. «7» » الْآيَةَ. وَإِنَّ حُرْمَتَهُ مَيِّتًا كَحُرْمَتِهِ حَيًّا.. فَاسْتَكَانَ «8» لَهَا أَبُو جَعْفَرٍ «3» وَقَالَ: «يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ «9» .. أَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَأَدْعُو أَمْ أَسْتَقْبِلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» فَقَالَ: «وَلِمَ تَصْرِفُ وَجْهَكَ عَنْهُ وَهُوَ وَسِيلَتُكَ وَوَسِيلَةُ أَبِيكَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ القيامة!! بل استقبله «10» واستشفع
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «21»
(2) ابو حميد: بالتصغير هو ابن ثعلبة احد رواة مالك.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «620» رقم «1»
(4) مالك إمام المدينة.
(5) سورة الحجرات آية «2»
(6) سورة الحجرات آية «3» .
(7) سورة الحجرات آية «4»
(8) استكان: خضع وذل.
(9) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7»
(10) وفي هذا الحديث رد على من قال بأن استقبال القبر الشريف في الدعاء عند الزيارة أمر منكر لم يقل به أحد ولم يرو إلا في حكاية مفتراة على الامام مالك يعني هذه(2/92)
بِهِ فَيُشَفِّعَهُ اللَّهُ» .. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ» «1» الْآيَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ «2» وَقَدْ سُئِلَ عَنْ أَيُّوبَ «3» السَّخْتِيَانِيِّ: «مَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ أَحَدٍ إِلَّا وَأَيُّوبُ أفضل منه» .. قال: «وَحَجَّ حَجَّتَيْنِ فَكُنْتُ أَرْمُقُهُ وَلَا أَسْمَعُ مِنْهُ.. غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا ذُكِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَى حَتَّى أَرْحَمُهُ.. فَلَمَّا رَأَيْتُ مِنْهُ مَا رَأَيْتُ وَإِجْلَالَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبْتُ عَنْهُ «4» » .
وَقَالَ مُصْعَبُ «5» بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: «كَانَ مَالِكٌ إِذَا ذُكِرَ «6» النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَغَيَّرُ لَوْنُهُ وَيَنْحَنِي حَتَّى يَصْعُبَ ذَلِكَ عَلَى جُلَسَائِهِ» . فَقِيلَ
__________
القصه وقد اوردها المؤلف ولله الحمد بسندها الصحيح وذكر أنه تلقاها عن عدة من من ثقات مشايخه. فهذا مذهب مالك وأحمد والشافعي رضي الله عنهم استحباب استقبال القبر الشريف في السلام والدعاء وهو مسطر في كتبهم، وصرح به النووي في اذكاره وايضاحه.. وقال السبكي: (صرح اصحابنا بأنه يستحب أن يأتي القبر ويستقبله ويستدبر القبلة بعيدا من رأس القبر نحو اربع أذرع فيسلم عليه صلّى الله عليه وسلم ثم يتأخر ويسلم على أبي بكر رضي الله عنه ثم يتأخر ويسلم على عمر رضي الله عنه ثم يرجع لموقفه الاول مستقبلا للقبر ويدعو بما أراد..) وعن أبي حنيفة رضي الله عنه انه يستقبله صلّى الله عليه وسلم في الزيارة ثم يستقبل القبلة بعده ويدعو كما ذكره السروجي.
(1) «جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً» النساء آية «64» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(3) ايوب السختياني: (هو الامام أبو بكر البصري التابعي سيد الفقهاء والمحدثين) روى عنه مالك والثوري وغيره. والسختياني نسبة لعمل السختيان وهو الجلد المدبوغ معرب.. اخرج له الستة، وتوفي سنة احدى وثلاثين ومئة وقيل غير ذلك.
(4) وهذا يدل على تدقيق مالك رحمه الله وورعه في كتابة الحديث.
(5) مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت الزبيري يروي عن مالك وغيره وعنه الشيخان وغيرهما.
(6) وفي نسخة بصيغة المعلوم، وفي نسخة اخرى (فاذا ذكر عنده النبي) .(2/93)
لَهُ يَوْمًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ: «لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ لَمَا أَنْكَرْتُمْ عَلَيَّ مَا تَرَوْنَ» .
وَلَقَدْ كُنْتُ أَرَى مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ «1» وَكَانَ سَيِّدَ الْقُرَّاءِ، لَا نَكَادُ نَسْأَلُهُ عَنْ حَدِيثٍ أَبَدًا إِلَّا يَبْكِي حَتَّى نَرْحَمَهُ.. وَلَقَدْ كُنْتُ أرى جعفر بن محمد «2» .. وَكَانَ كَثِيرَ الدُّعَابَةِ وَالتَّبَسُّمِ فَإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اصْفَرَّ وَمَا رَأَيْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم إلا على طهارة.. ولقد اخْتَلَفَتْ إِلَيْهِ زَمَانًا، فَمَا كُنْتُ أَرَاهُ إِلَّا عَلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ.. إِمَّا مُصَلِّيًا وَإِمَّا صَامِتًا، وَإِمَّا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ.. وَلَا يَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ.. وَكَانَ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْعُبَّادِ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ..
وَلَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ «3» يَذْكُرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُنْظَرُ إِلَى لَوْنِهِ كَأَنَّهُ نَزَفَ مِنْهُ الدَّمُ، وَقَدْ جَفَّ لِسَانُهُ فِي فَمِهِ هَيْبَةً مِنْهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..
وَلَقَدْ كُنْتُ آتِي عَامِرَ «4» بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بن الزبير، فإذا ذكر
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «231» رقم «1» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «55» رقم «6» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «3» .
(4) عامر بن عبد الله بن الزبير: بن العوام الكبير القدر سمع اباه وجماعة. وعنه: مالك وطائفة.. قال ابن عينيه: «اشترى نفسه من الله تعالى ست مرات» . توفي بعد عشرين ومئة.(2/94)
عِنْدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَى حَتَّى لَا يَبْقَى فِي عَيْنَيْهِ دُمُوعٌ.
وَلَقَدْ رَأَيْتُ الزُّهْرِيَّ «1» وَكَانَ مِنْ أَهْنَإِ النَّاسِ وَأَقَرَبِهِمْ، فَإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنَّهُ مَا عَرَفَكَ وَلَا عَرَفْتَهُ.
وَلَقَدْ كُنْتُ آتِي صَفْوَانَ «2» بْنَ سُلَيْمٍ، وَكَانَ مِنَ الْمُتَعَبِّدِينَ الْمُجْتَهِدِينَ فَإِذَا ذُكِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَى فَلَا يَزَالُ يَبْكِي حَتَّى يَقُومَ النَّاسُ عَنْهُ وَيَتْرُكُوهُ.
وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ «3» : «أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ الْحَدِيثَ أَخَذَهُ الْعَوِيلُ «4» وَالزَّوِيلُ «5» » . وَلَمَّا كَثُرَ عَلَى مَالِكٍ النَّاسُ قِيلَ لَهُ: «لَوْ جَعَلْتَ مُسْتَمْلِيًا «6» يُسْمِعُهُمْ» فَقَالَ: (قَالَ الله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ» «7» وَحُرْمَتُهُ حَيًّا وَمَيِّتًا سَوَاءٌ) .
وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ «8» ربما يضحك.. فإذا ذكر عنده حديث
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص 251 رقم «4» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «196» رقم «5» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «62» رقم «3» .
(4) العويل: بكاء مع الصوت.
(5) الزويل: الانزعاج والقلق. يقال زال زويله في الدعاء أي ذهب ذعره مأخوذ من الزوال وهو التغير.
(6) مستمليا: أي رجلا يملي عليه الحديث ويقوم بتبليغه.
(7) سورة الحجرات آية «2» .
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «456» رقم «7» .(2/95)
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَشَعَ. وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ «1» بْنُ مَهْدِيٍّ إِذَا قَرَأَ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ بِالسُّكُوتِ وَقَالَ: «لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ» .. وَيَتَأَوَّلُ أَنَّهُ يَجِبُ لَهُ مِنَ الْإِنْصَاتِ عِنْدَ قِرَاءَةِ حَدِيثِهِ مَا يَجِبُ لَهُ عِنْدَ سَمَاعِ قوله..
__________
(1) عبد الرحمن بن مهدي: بن حسان ابو سعيد الحافظ الثقة البصري المعروف باللؤلؤي احد أعلام الحديث. وقال ابن المديني: «اعلم الناس بالحديث ابن مهدي» . وقال الزهري: «ما رأيت في يده كتابا» . يعني كان حافظا. روى عنه احمد. وأخرج له أصحاب الكتب الستة توفي سنة ثمان وتسعين ومئة.(2/96)
الفصل الرابع تعظيم السّلف لرواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه
عَنْ «1» عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ «2» قَالَ: «اخْتَلَفْتُ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ «3» سَنَةً فَمَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أَنَّهُ حَدَّثَ يَوْمًا فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ثم عَلَاهُ كَرْبٌ حَتَّى رَأَيْتُ الْعَرَقَ يَتَحَدَّرُ «4» عَنْ جَبْهَتِهِ ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ أو فوق ذَا أَوْ مَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْ ذَا» «5» .
وفي رواية فتربد «6» وجهه.
__________
(1) كما في رواية الدارمي..
(2) عمرو بن ميمون: العابد التابعي الأزدي. أدرك زمنه صلّى الله عليه وسلم ولم يلقه وهو ثقة.. حج مئة حجة، وتوفي سنة أربع وسبعين ومئة.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «214» رقم «2»
(4) وفي نسخة «ينحدر» .
(5) وهذا فيه اشارة على عدم جواز الرواية بالمعنى، وفيه خلاف مشهور في كتاب ابن الصلاح.
(6) تربد: تغير لونه لكموده من شدة الكرب.(2/97)
وفي رواية تغر غرت «1» عَيْنَاهُ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ «2» .
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ «3» بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرَيْمٍ الْأَنْصَارِيُّ قَاضِي الْمَدِينَةِ:
«مَرَّ مَالِكُ «4» بْنُ أَنَسٍ عَلَى أَبِي حَازِمٍ «5» وَهُوَ يُحَدِّثُ فَجَازَهُ وَقَالَ:
إِنِّي لَمْ أَجِدْ مَوْضِعًا أَجْلِسُ فِيهِ.. فَكَرِهْتُ أَنْ آخُذَ حَدِيثَ رَسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا قَائِمٌ» .
وَقَالَ مَالِكٌ «6» : (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ الْمُسَيَّبِ «7» فَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيثٍ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ فَجَلَسَ وَحَدَّثَهُ.. فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: «وَدِدْتُ أَنَّكَ لَمْ تَتَعَنَّ» «8» .. فَقَالَ: «إني كرهت أن أحدثك عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا مضطجع) ..
__________
(1) تغرغرت: تردد الماء فيهما والاصل للماء في الفم ثم نقل للعين مجازا.
(2) أوداجه: جمع ودج بفتحتين وهو عرق غليظ في العنق وينتفخان عند احتقان الدم فيهما.
(3) إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرَيْمٍ الْأَنْصَارِيُّ: ذكر في التهذيب والميزان واخرج له الترمذي فقط في علل جامعة ولم يترجموه. وروى عن مالك..
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «384» رقم «2» .
(5) ابو حازم: هو سلمة بن دينار الاعرج أحد الاعلام يروي عن سهل بن سعد وابن المسيب وعنه: مالك وابو حمزة.. قال ابن خزيمة: «ثقة لم يكن في زمانه مثله» . توفي سنة أربعين ومئة أخرج له الستة.
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «252» رقم «3» .
(8) تتعن: أي تنعب نفسك.(2/98)
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ «1» أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ يَضْحَكُ فَإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَشَعَ.
وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ «2» : كَانَ مَالِكُ «3» بْنُ أَنَسٍ لَا يُحَدِّثُ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ إِجْلَالًا لَهُ.
وَحَكَى مَالِكٌ «3» ذَلِكَ عَنْ جَعْفَرِ «4» بْنِ مُحَمَّدٍ وَقَالَ مصعب «5» بن عبد الله: «وكان مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ إِذَا حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَتَهَيَّأَ وَلَبِسَ ثِيَابَهُ ثُمَّ يُحَدِّثُ» . قَالَ مُصْعَبٌ «5» : فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: «إِنَّهُ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ..
قَالَ مُطَرِّفٌ «6» : (كَانَ إِذَا أَتَى النَّاسَ مَالِكًا خَرَجَتْ إِلَيْهِمُ الْجَارِيَةُ فَتَقُولُ لَهُمْ: يَقُولُ لَكُمُ الشَّيْخُ: تُرِيدُونَ الْحَدِيثَ أَوِ الْمَسَائِلَ؟
فَإِنْ قَالُوا الْمَسَائِلَ.. خَرَجَ إِلَيْهِمْ وإن قالوا الحديث دخل مغتسله
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «456» رقم «7» .
(2) ابو مصعب: هو أحمد بن أبي بكر بن القاسم بن الحارث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف ابو مصعب الزهري العوفي قاضي المدينة وعالمها. سمع مالكا وطائفة. وعنه: جماعة. وهو ثقة حجة ولا عبرة بقول أبي خيثمة لابنه أحمد: لا تكتب عن أبي مصعب واكتب عمن شئت.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «384» رقم «2» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «55» رقم «6» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «93» رقم «5» .
(6) مطرف بن عبد الله بن مطرف بن سليمان بن يسار أبو مصعب اليساري المدني مولى ميمونة الهلالية وهو ابن أخت الامام مالك بن أنس. يروي عن خاله ونافع القاري وعنه: البخاري وأبو زرعة.. توفي سنة عشرين ومئتين. وترجمته في الميزان.(2/99)
وَاغْتَسَلَ وَتَطَيَّبَ وَلَبِسَ ثِيَابًا جُدُدًا، وَلَبِسَ سَاجَهُ «1» ، وتعمم، ووضع على رأسه رداءه «2» ، وَتُلْقَى لَهُ مِنَصَّةٌ فَيَخْرُجُ فَيَجْلِسُ عَلَيْهَا وَعَلَيْهِ الخشوع.. ولا يزال يتبخر بِالْعُودِ حَتَّى يَفْرَغَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
قَالَ غَيْرُهُ: «وَلَمْ يَكُنْ يَجْلِسُ عَلَى تِلْكَ الْمِنَصَّةِ إِلَّا إِذَا حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
قَالَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ «3» : فَقِيلَ لِمَالِكٍ «4» في ذلك.. فقال: «إني أُحِبُّ أَنْ أُعَظِّمَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا أُحَدِّثُ بِهِ إِلَّا على طَهَارَةٍ مُتَمَكِّنًا» .
قَالَ: وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُحَدِّثَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ وَهُوَ قَائِمٌ أَوْ مُسْتَعْجِلٌ.. وَقَالَ: أُحِبُّ أَنْ أَفْهَمَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ضِرَارُ «5» بْنُ مرة: «وكانوا يكرهون أن يحدثوا على غير وضوء» .
__________
(1) ساجه: الساج هو الطيلسان مطلقا أو الاخضر او الاسود منه وهو شيء كالبرنس
(2) على عادة أشراف العرب.
(3) ابن أبي اويس: هو اسماعيل بن عبد الله بن أويس الاصبحي، ابن أخت مالك ابن أنس يروي عن خاله مالك وأبيه وجماعة.. وعنه: الشيخان وعلي البغوي وطائفة. وقال أبو حاتم محله الصدق. وضعفه النسائي لغفلته كما قال أبو حاتم.. وتوفي سنة ست أو سبع وعشرين ومئتين في رجب.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(5) ضرار بن مرة: ابو سنان الشيباني الكوفي يروي عن سعيد بن جبير. وعنه: شعبة ونحوه كان من العباد والثقات. اخرج له أصحاب السنن.(2/100)
وَنَحْوَهُ عَنْ قَتَادَةَ «1» . وَكَانَ الْأَعْمَشُ «2» إِذَا حَدَّثَ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ تَيَمَّمَ..
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ «3» : (كُنْتُ عِنْدَ مَالِكٍ «4» وَهُوَ يحدثنا فلدغه عَقْرَبٌ سِتَّ عَشْرَةَ مَرَّةً وَهُوَ يَتَغَيَّرُ لَوْنُهُ وَيَصْفَرُّ، وَلَا يَقْطَعُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْمَجْلِسِ وتفرق عنه الناس قلت: «يا أبا عبد الله.. لقد رأيت منك اليوم عجبا» قال:
نعم.. إنما صَبَرْتُ إِجْلَالًا لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ «5» : (مَشَيْتُ يَوْمًا مَعَ مَالِكٍ «4» إِلَى الْعَقِيقِ «6» ..
فَسَأَلْتُهُ عَنْ حَدِيثٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ لِي: «كُنْتَ فِي عَيْنِي أَجَلَّ مِنْ أَنْ تَسْأَلَ عَنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَمْشِي» .
وَسَأَلَهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ «7» الْقَاضِي عَنْ حَدِيثٍ وهو قائم
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص «918» رقم «1» .
(2) تقدمت ترجمته في ص «544» رقم «3» .
(3) عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي التميمي من أئمة الحديث وقد وصف بأنه جمع من أبواب الخير كثيرا ولد سنة ثماني عشرة ومائة وقال ابن سعيد «مات بهيت منصرفا من الغزو سنة إحدى وثمانين ومائة وله ثلاث وستون سنة» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (341) رقم (7)
(5) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (96) رقم (1) .
(6) العقيق: هو اسم لمواضع كثيرة والمراد به هنا واد قرب المدينة. وفي اللغة كل واد شقه السيل فهو عقيق.
(7) جرير بن عبد الحميد القاضي: الضبي الثقة المحدث.. صاحب المصنفات الجليلة روى عنه البخاري وغيره من أصحاب الكتب الستة توفي سنة ثمان وثمانين ومئة.(2/101)
فَأَمَرَ بِحَبْسِهِ.. فَقِيلَ لَهُ. إِنَّهُ قَاضٍ!!! قَالَ: الْقَاضِي: أَحَقُّ مَنْ أُدِّبَ.. وَذَكَرَ أَنَّ هِشَامَ بْنِ الْغَازِي «1» سَأَلَ مَالِكًا عَنْ حَدِيثٍ وَهُوَ وَاقِفٌ فَضَرَبَهُ عِشْرِينَ «2» سَوْطًا، ثُمَّ أَشْفَقَ عَلَيْهِ فَحَدَّثَهُ عِشْرِينَ حَدِيثًا فَقَالَ هِشَامٌ «1» : «وَدِدْتُ لَوْ زَادَنِي سِيَاطًا وَيَزِيدُنِي حَدِيثًا» .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ: «3» «كَانَ مَالِكٌ «4» وَاللَّيْثُ «5» لَا يَكْتُبَانِ الْحَدِيثَ إِلَّا وَهُمَا طَاهِرَانِ» ..
وَكَانَ قَتَادَةُ «6» يَسْتَحِبُّ أن لا يَقْرَأَ أَحَادِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا على
__________
(1) هشام بن الغازي: وفي نسخة (الغاز) بلاياء. قال الحلبي: «هذا هشام بن الغاز بن ربيعة الجوشني يروي عن مكحول وعطاء» ، وقد توفي سنة ست وخمسين ومئة فهو معاصر لمالك وقد توفي قبل مالك رحمه الله تعالى.. وانما الحكاية عن هشام بن عمار الدمشقي.. ونقل ذلك عن الحافظ الرشيد العطار. اهـ فأخطأ الدلجي بجزمه بقوله: وصوابه هشام بن عمار خطيب جامع دمشق.. ثم قوله: وأما ابن الغاز فتابعي لم يرو عن مالك لموته قبل مالك.. غير صحيح لما ثبت قبل ذلك انه كان معاصرا لمالك وهو لا ينافي موته قبل مالك.. ثم لا يبعد انه سمع مالكا ولم يرو عنه.
(2) وهذا بناء على أنه يجوز أن يزاد التعزير على عشرة اسواط في غير الحدود كما هو مذهب أبي حنيفة..
(3) عبد الله بن صالح: الظاهر انه أبو صالح الجهني كاتب الليث. روى عنه ابن معين والبخاري.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (341) رقم (7) .
(5) الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهري المصري الفقيه البارع الذي قيل فيه: «أنه كان أفقه من مالك إلا ان اصحابه اضاعوه» . وهو من تبع التابعين توفي سنة خمس وسبعين ومئة.. وحيث قال مالك: «اخبرني من أرضى به من أهل العلم فهو الليث»
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (62) رقم (3) .(2/102)
وُضُوءٍ وَلَا يُحَدِّثُ إِلَّا عَلَى طَهَارَةٍ.
وَكَانَ الْأَعْمَشُ «1» إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحَدِّثَ وَهُوَ عَلَى غير وضوء تيمم.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (544) رقم (3) .(2/103)
الْفَصْلُ الْخَامِسُ بِرُّ آلِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ
وَمِنْ تَوْقِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِرِّهِ بِرُّ آلِهِ «1» وَذُرِّيَّتِهِ وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَزْوَاجِهِ.. كَمَا حَضَّ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَكَهُ السَّلَفُ الصَّالِحُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ..
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ «2» أَهْلَ الْبَيْتِ.» «3» الاية.
وقال تعالى: «وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ «4» » .
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم «6» :
__________
(1) في آله خلاف فقيل: أنهم ذوو القربى، ومن تحرم عليهم الصدقة، وهم المؤمنون من بني هاشم وبني المطلب دون غيرهم كما بينه الفقهاء.
(2) الرجس: أصل معناه القذر الحسي ثم استعير للاثم والذنب.
(3) (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) .. الاحزاب آية (33) .
(4) الاحزاب آية (6) .
(5) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (404) رقم (12) .
(6) هذا الحديث صحيح في مسلم أخرجه في الفضائل. وأخرجه النسائي في المناقب ولو اخرجه القاضي من مسلم لوقع له اعلى من الطريق الذي ساقه، وكذا لو(2/104)
«أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ أَهْلَ بَيْتِي- ثَلَاثًا- قُلْنَا لِزَيْدٍ: مَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ؟. قَالَ: آلُ عَلِيٍّ «1» وَآلُ جَعْفَرٍ «2» وَآلُ عَقِيلٍ «3» . وَآلُ الْعَبَّاسِ «4» .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «5» : «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَمْ تَضِلُّوا كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي «6» أَهْلَ بَيْتِي.. فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا.»
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «7» «مَعْرِفَةُ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ وَحُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ جَوَازٌ عَلَى الصِّرَاطِ والولاية لال محمد أمان من العذاب «8» .»
__________
اخرجه من النسائي الا انه أراد التنويع في الروايات، لان من شأن الحفاظ ان الحديث اذا كان في الكتب الستة أو احدها يخرجونه من غيرها لكن في العالب إنما يصنعون هذا طلبا للعلو او الزيادة فيه. او تصريح مدلس بالسماع، أو الاخبار أو التحديث أو لكون الطريق أسلم، أو لغير ذلك مما هو معروف عند أربابه.
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «54» رقم «4» .
(2) جعفر بن أبي طالب صحابي هاشمي من شجعانهم يقال له «جعفر الطيار» وهو أخو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وكان أسن من علي بعشر سنين وهو من السابقين الى الاسلام حضر وقعة مؤتة ووقع بهما شهيدا وفي جسمه تسعون طعنة ورمية فقيل ان الله عوضه عن يديه جناحين في الجنة: توفي سنة 8 هـ.
(3) عقيل: بفتح اوله وهو ابن أبي طالب خو علي وجعفر وكان الاسن يكنى أبا يزيد تأخر إسلامه الى عام الفتح وهاجر في اول سنة ثمان، وكان أسر يوم بدر ففداه عمه العباس وكان عالما بأنساب قريش وماثرها ومثالبها. وكان من ذوي المشورة وفي تاريخ البخاري الاصغر بسند صحيح أنه مات في اول خلافة يزيد قبل الحرة وقيل مات في خلافة معاوية.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «181» رقم «1» .
(5) في حديث رواه الترمذي عن زيد بن أرقم وجابر وحسنه.
(6) عترتي: أهل البيت.
(7) في حديث لم يخرجوه.
(8) وقد الف السمهودي كتابا خاصا في فضائل أهل البيت.(2/105)
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: «مَعْرِفَتُهُمْ.. هِيَ مَعْرِفَةُ مَكَانِهِمْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا «1» عَرَفَهُمْ بِذَلِكَ عَرَفَ وُجُوبَ حَقِّهِمْ وَحُرْمَتِهِمْ بِسَبَبِهِ» وَعَنْ «2» عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ «3» : (لَمَّا نَزَلَتْ «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ..» «4» الاية وَذَلِكَ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ «5» دَعَا فَاطِمَةَ «6» وَحَسَنًا «7» وَحُسَيْنًا «8» فَجَلَّلَهُمْ بِكِسَاءٍ وَعَلِيٌّ «9» خَلَفَ ظَهْرِهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي، فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا) ..
وَعَنْ سَعْدِ «10» بْنِ أبي وقاص: لما «11» نزلت آية المباهلة «12»
__________
(1) وفي نسخة (فاذا) .
(2) كما رواه الترمذي.
(3) عمر بن أبي سلمة: هو الصحابي المخزومي ربيبه صلّى الله عليه وسلم وابن أخيه من الرضاع أرضعتهما ثويبة مولاة عمه أبي لهب أمه أم سلمة أم المؤمنين ولد بالحبشة في السنة الثانية وقيل قبل ذلك وقبل الهجرة الى المدينة. ولي البحرين زمن علي وكان قد شهد معه الجمل ووهم من قال إنه قتل فيها قاله أبو عمر بل مات بالمدينة سنة ثلاث وثمانين في خلافة عبد الملك بن مروان.
(4) سورة الاحزاب آية «33» .
(5) أم سلمة: أي زوجه عليه الصلاة والسلام وهي آخر امهات المؤمنين موتا توفيت في امارة يزيد.. والجملة معترضة من الراوي.
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «63» رقم «12» .
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (192) رقم (2) .
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (309) رقم (2) .
(9) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (54) رقم (4) .
(10) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (215) رقم (1) .
(11) الحديث رواه مسلم في صحيحه.
(12) المباهلة: مفاعلة من البهلة وهي اللعنة أي الملاعنة وهي أن يقول كل من المتخاصمين في المجادلة لعنة الله على الظالم منا والمراد من اية المباهلة قوله تعالى (فمن حاجك(2/106)
دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا وَفَاطِمَةَ.. وَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي» .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» فِي عَلِيٍّ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ «2» مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ.»
وَقَالَ فِيهِ «3» : «لَا يُحِبُّكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يَبْغَضُكَ إِلَّا مُنَافِقٌ.»
وَقَالَ «4» لِلْعَبَّاسِ «5» : «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَدْخُلُ قَلْبَ رَجُلٍ الْإِيمَانُ حَتَّى يُحِبَّكُمْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ.. وَمَنْ آذَى عَمِّي فَقَدْ آذَانِي وَإِنَّمَا عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ «6» أَبِيهِ» .
وَقَالَ «7» لِلْعَبَّاسِ: «اغْدُ عَلَيَّ يَا عَمِّ مَعَ وَلَدِكَ «8» .. فَجَمَعَهُمْ
__________
من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) سورة ال عمران اية (61) وذلك لما وفد عليه نصارى نجران ودعاهم الى الاسلام فلم يسلموا.
(1) رواه احمد عن أبي أيوب الانصاري.
(2) وكان السبب في هذا الحديث أن أسامة بن زيد قال لعلي لست مولاي انما مولاي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلّى الله عليه وسلم الحديث.
(3) كما في مسلم.
(4) أي وقال صلّى الله عليه وسلم. والحديث صحيح رواه الترمذي وابن ماجة
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (180) رقم (1) .
(6) صنو: اي مثل. بكسر الصاد المهملة وضمها وهو هنا بمعنى المثل.
(7) في حديث رواه البيهقي.
(8) كان للعباس عشرة ذكور منهم الفضل- وعبد الله- وقثم- وعبيد الله- ومعبد- وعبد الرحمن- واشهرهم عبد الله ترجمان القرآن وحبر الأمة وابو الخلفاء.(2/107)
وجلّلهم بملاءته «1» .. وقال: هذا عمي وصنوا أَبِي.. وَهَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي.. فَاسْتُرْهُمْ مِنَ النَّارِ كَسَتْرِي إِيَّاهُمْ..» فَأَمَّنَتْ أُسْكُفَّةُ «2» الْبَابِ وَحَوَائِطُ الْبَيْتِ آمين آمين..»
وكان «3» يأخذ بيد أُسَامَةَ «4» بْنَ زَيْدٍ وَالْحَسَنَ «5» وَيَقُولُ:
«اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا» .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ «6» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «ارْقُبُوا مُحَمَّدًا فِي أَهْلِ بَيْتِهِ» .
وَقَالَ «7» أَيْضًا: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي» .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم «8» : «أحبّ الله من أحب حسنا «9» .
__________
(1) بملاءته: بضم الميم ولام وهمزة ممدودة وهو رداء او ملحفة.
(2) أسكفة: بضم الهمزة وسكون السين المهملة وضم الكاف وتشديد الفاء بزنة طرطبة ويقال أسكوفة فأبدل أحد حرفي التضعيف واوا وتخفف فاؤه أيضا وفسر بالعتبا التي في أسفل الباب وتطلق على ما يقابلها من أعلاه أيضا.
(3) كما في حديث رواه البخاري.
(4) أسامة بن زيد بن حارثة الحب بن الحب يكنى أبا محمد ويقال أبو زيد وأمه أم أيمن حاضنة النبي صلّى الله عليه وسلم ولد في الاسلام ومات النبي وله عشرون سنة وكان أمره على جيش عظيم وأنفذ ابو بكر ذلك ومات في سنة أربع وخمسين.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «192» رقم «2» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «156» رقم «6» .
(7) كما في الصحيحين.. والقائل ابو بكر رضي الله عنه.
(8) كما روى الترمذي وحسنه وابن ماجه عن يعلى بن مرة.
(9) وفي رواية (وحسينا) .(2/108)
وَقَالَ «1» : «مَنْ أَحَبَّنِي وَأَحَبَّ هَذَيْنِ- وَأَشَارَ إِلَى حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ- وَأَبَاهُمَا وَأُمَّهُمَا كَانَ مَعِي فِي دَرَجَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ..»
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : «مَنْ أَهَانَ قُرَيْشًا أَهَانَهُ اللَّهُ» .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» : «قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا «4» » .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «5» لِأُمِّ سَلَمَةَ «6» : «لَا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ.»
وَعَنْ «7» عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ «8» : «رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَعَلَ الْحَسَنَ عَلَى عُنُقِهِ وَهُوَ يَقُولُ بِأَبِي شَبِيهٌ بِالنَّبِي لَيْسَ شَبِيهًا بِعَلِي» وَعَلِيٌّ رضي الله عنه يضحك.
__________
(1) تقدم تخريجه.
(2) رواه الترمذي وحسنه عن سهل بن أبى وقاص بلفظ (من يرد هوان قريش أهانه الله) .
(3) كما روى البزار عن علي وابن أبي شيبة عن سهل بن ابي خيثمة.
(4) لا تقدموها: بفتح المثناة والدال المهملة المشددة واصله تتقدموا بتامين حذفت إحداهما تخفيفا وهو فعل مؤكد للامر قبله.
(5) كما في البخاري.
(6) أم سلمة: تقدم ذكرها.. وروي ان الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة يبتغون بذلك مرضاة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ نساء النبي صلّى الله عليه وسلم كن حزبين، فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة والحزب الاخر ام سلمة وسائر نسائه عليه الصلاة والسلام، فكلم حزب أم سلمة أم سلمة ان كلمي رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول للناس من أراد ان يهدي الى النبي صلّى الله عليه وسلم فليهده حيث كان فكلمته فقال: «لا تؤذوني في عائشة فان الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة الا عائشة» وتمام الحديث في المصابيح.
(7) كما في البخاري.
(8) عقبة بن الحارث: مكي قرشي: أسلم يوم الفتح روى عن النبي صلّى الله عليه وسلم مات في خلافة ابن الزبير.(2/109)
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ «1» بْنِ حَسَنِ بْنِ حُسَيْنٍ قَالَ: «أَتَيْتُ عُمَرَ «2» بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ في حاجة.. فقال لي: «إذا كان لَكَ حَاجَةٌ فَأَرْسِلْ إِلَيَّ أَوِ اكْتُبْ فَإِنِّي أستحيي مِنَ اللَّهِ أَنْ يَرَاكَ «3» عَلَى بَابِي» ..
وَعَنِ «4» الشَّعْبِيِّ «5» قَالَ: صَلَّى زَيْدُ «6» بْنُ ثَابِتٍ عَلَى جِنَازَةِ أُمِّهِ «7» ثُمَّ قُرِّبَتْ لَهُ بَغْلَتُهُ لِيَرْكَبَهَا فَجَاءَ ابْنُ «8» عَبَّاسٍ فَأَخَذَ بِرِكَابِهِ فَقَالَ زَيْدٌ خلّ عنك يا ابن عم رسول الله.. فَقَالَ: هَكَذَا نَفْعَلُ بِالْعُلَمَاءِ.. فَقَبَّلَ زَيْدٌ يَدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ: هَكَذَا أُمِرْنَا «9» أَنْ نَفْعَلَ بأهل بيت نبينا..
__________
(1) عبد الله بن الحسن بن حسين: بن علي بن أبي طالب يروي عن أبيه وأمه فاطمة بنت الحسين وعنه: مالك وابن علية، اخرج له أصحاب السنن الاربعة. مات سنة خمس وأربعين ومئة.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «30» رقم «1» .
(3) وفي نسخة (ان أراك) .
(4) فيما رواه الحاكم وصححه البيهقي وغيره.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «553» رقم «8» .
(6) زيد بن ثابت: بن قيس بن شماس الانصاري الصحابي المشهور كان كاتب الوحي ورأس القضاء والفتوى والقراءة والفرائض بالمدينة توفي سنة 45 هـ.
(7) وأمه هي النوار بنت مالك بن معاوية بن عدي بن عامر الانصارية. روت عن النبي صلّى الله عليه وسلم. تزوجها بعد ثابت عمارة بن حزم فولدت له مالكا.
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(9) قول الصحابي (أمرنا) له حكم المرفوع في مصطلح الحديث على كلام فيه.(2/110)
وَرَأَى ابْنُ «1» عُمَرَ مُحَمَّدَ بْنَ «2» أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَقَالَ «3» : لَيْتَ هَذَا عَبْدِي «4» فَقِيلَ لَهُ: هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ أُسَامَةَ.. فَطَأْطَأَ ابْنُ عُمَرَ رَأْسَهُ وَنَقَرَ بِيَدِهِ الْأَرْضَ وَقَالَ: لَوْ رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَحَبَّهُ..
وَقَالَ «5» الْأَوْزَاعِيُّ «6» دَخَلَتْ بِنْتُ «7» أُسَامَةَ «8» بْنِ زَيْدٍ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ «9» عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَعَهَا مَوْلًى لَهَا يُمْسِكُ بِيَدِهَا.. فَقَامَ لَهَا عُمَرُ وَمَشَى إليها حتى جعل يديها بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَدَاهُ فِي ثِيَابِهِ، وَمَشَى بِهَا حَتَّى أَجْلَسَهَا عَلَى مَجْلِسِهِ، وَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهَا وما ترك لها حاجة «10» إلا قضاها.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «1» .
(2) محمد بن اسامة بن زيد: بن حارثة مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ روى عن أبيه توفي في خلافة الوليد بن عبد الملك.
(3) الحديث في صحيح البخاري.
(4) وفي نسخة (عندي) وهي الاصح.. أي ليعلمه ويؤدبه، ولان الرسول صلّى الله عليه وسلم نهى ان يقول الانسان عبدي وأمتي بل يقول فتاي وفتاتي.
(5) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
(6) الأوزاعي: الامام العابد الزاهد الحافظ، صاحب المذهب الذي كان عليه أهل المغرب قبل اتباع مذهب الامام مالك.. سكن الشام حتى مات مرابطا في ثغر بيروت.. وهو منسوب للاوزاع بطن من حمير او همدان.
(7) وابنته تسمى فاطمة وكانت تسكن المزه بالشام كما ذكره ابن عبد البر.
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «412» رقم «3» .
(9) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «30» رقم «1» .
(10) قال لها: ما حاجتك يا فاطمة؟ قالت: تحملني الى أخي. فجهزها وحملها اليه(2/111)
وَلَمَّا فَرَضَ «1» عُمَرُ بْنُ «2» الْخَطَّابِ لِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ «3» فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ وَلِأُسَامَةَ «4» بْنِ زَيْدٍ في ثلاثة آلاف وخمسمئة. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لِأَبِيهِ لِمَ فَضَّلْتَهُ؟ .. فَوَاللَّهِ مَا سَبَقَنِي إِلَى مَشْهَدٍ.. فَقَالَ لَهُ: لِأَنَّ زَيْدًا «5» كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَبِيكَ، وَأُسَامَةَ «6» أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْكَ، فَآثَرْتُ حُبَّ «7» رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حُبِّي.
وَبَلَغَ «8» مُعَاوِيَةَ «9» أَنَّ كَابِسَ «10» بْنَ رَبِيعَةَ يُشَبَّهُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ الدَّارِ قَامَ عَنْ سَرِيرِهِ وَتَلَقَّاهُ وقبّل بين عينيه وأقطعه المرغاب «11» لِشَبَهِهِ صُورَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.
__________
(1) رواه الترمذي وحسنه.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «1» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «412» رقم «3» .
(5) زيد بن حارثة بن شراحيل (أو شرجيل) الكلبي: صحابي اختطف في الجاهلية صغيرا واشترته خديجة بنت خويلد فوهبته إلى النبي صلّى الله عليه وسلم حين تزوجها، فتبناه- قبل الاسلام- واعتقه وزوجه بنت عمته، واستمر الناس يسمونه «زيد بن محمد» حتى نزلت آية «دعوهم لابائهم» وهو من أقدم الصحابة: إسلاما، وكان النبي صلّى الله عليه وسلم لا يبعثه في سرية الا أمره عليها، وكان يحبه ويقدمه، وجعل له الامارة في غزوة مؤتة، فاستشهد فيها.
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «412» رقم «3» .
(7) حب: بكسر الحاء فيها بمعنى المحبوب ويجوز أن تكون مضمومة مصدر حب
(8) رواه ابن عساكر.
(9) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «359» رقم «2» .
(10) كابس بن ربيعة: بن مالك بن لؤي السامي البصري.
(11) أرض بمرو الشاهجان: او قرية بهراة كانت ذات غلة كثيرة يرغب فيها وهو بكسر الميم وغين معجمة وألف وياء موحدة قبلها راء مهملة.(2/112)
وَرُوِيَ أَنَّ مَالِكًا «1» رَحِمَهُ اللَّهُ لَمَّا ضَرَبَهُ جَعْفَرُ بْنُ «2» سُلَيْمَانَ، وَنَالَ مِنْهُ مَا نَالَ «3» ، وَحُمِلَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، دَخَلَ عَلَيْهِ النَّاسُ فَأَفَاقَ فَقَالَ «4» : أُشْهِدُكُمْ أَنِّي جَعَلْتُ ضَارِبِي فِي حِلٍّ.. فَسُئِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: خِفْتُ أَنْ أَمُوتَ فَأَلْقَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْتَحِي مِنْهُ أَنْ يَدْخُلَ بَعْضُ آلِهِ النَّارَ بِسَبَبِي.
وَقِيلَ: إِنَّ الْمَنْصُورَ أَقَادَهُ «5» مِنْ جَعْفَرٍ فَقَالَ لَهُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ، وَاللَّهِ مَا ارْتَفَعَ مِنْهَا سَوْطٌ عَنْ جِسْمِي إِلَّا وَقَدْ جَعَلْتُهُ فِي حِلٍّ لِقَرَابَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ «6» بْنُ عَيَّاشٍ: لو أتاني أبو بكر «7»
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(2) جعفر بن سليمان. ابن علي بن عبد الله بن عباس. فهو ابن عم أبي جعفر المنصور وكان واليا على المدينة من قبل أبي جعفر المنصور.
(3) ضرب حتى خلعت يده وذلك لان بعضهم قال له ان مالكا لا يرى الايمان لبيعتكم شيئا لان يمين المكره لا تلزم فغضب جعفر ودعاه وجرده.
(4) وفي نسخة (وقال) .
(5) اقاده: أي طلب منه ان يقتص منه.
(6) ابو بكر بن عياش: ابن سالم الاسدي الحناط المقرىء أحد ألاعلام.. اختلف في اسمه على احد عشر قولا.، وصحح أبو زرعة ان اسمه شعبة ووافقه الشاطبي.. وصحح ابن الصلاح والمزي ان اسمه كنيته.. يروي عن حبيب ابن أبي ثابت وعاصم وأبي اسحق.. وعنه: أحمد وعلي واسحق. وابن معين، والعطاردي، قال أحمد: صدوق ثقة ربما غلط.. وقال أبو حاتم: هو وشريك في الحفظ سواء.. وفي الميزان اثنان غيره يقال لكل منهما ابو بكر بن عياش.. قال الانطاكي: مات في جمادى الاولى سنة ثلاث وتسعين ومئتين وله ست وتسعون سنه، اخرج له البخاري والاربعة.
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «156» رقم «6» .(2/113)
وَعُمَرُ «1» وَعَلِيٌّ «2» لَبَدَأْتُ بِحَاجَةِ عَلِيٍّ قَبْلَهُمَا لِقَرَابَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولئن أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ أَحَبُّ إِلَيَّ من أن أقدمهما عليه «3» .
وَقِيلَ «4» لِابْنِ عَبَّاسٍ «5» . مَاتَتْ فُلَانَةُ- لِبَعْضِ «6» أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَجَدَ فَقِيلَ لَهُ: أَتَسْجُدُ هَذِهِ السَّاعَةَ؟. فَقَالَ: أَلَيْسَ قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم.. إذا رَأَيْتُمْ آيَةً فَاسْجُدُوا.. وَأَيُّ آيَةٍ أَعْظَمُ مِنْ ذَهَابِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَزُورَانِ أُمَّ أَيْمَنَ «7» مَوْلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولَانِ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يزورها..
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «54» رقم «4» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4» .
(3) هذا الرأي لابن عياش.. والا فالجمهور على ان الافضلية في السبق للاسلام وفي التقوى.. ولذا أذن عمر رضي الله عنه بالدخول لبلال وسلمان قبل العباس وأبي سفيان رضي الله تعالى عنهم حين اجتمعوا على بابه فقال أبو سفيان للعباس: أتريد ان يقدم علينا الموالي؟! فقال العباس: الذنب منا حيث تأخرنا فيما كان يجب التقدم علينا.
(4) رواه ابو داود والترمذي وحسنه.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(6) قيل هي ميمونة وقيل زينب.
(7) تقدمت ترجمتها في ج 1 ص «158» رقم «5» .(2/114)
وَلَمَّا وَرَدَتْ «1» حَلِيمَةُ «2» السَّعْدِيَّةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ وَقَضَى حَاجَتَهَا.. فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَفَدَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وعمر فصنعا بها مثل ذلك.
__________
(1) كما روى ابن سعد عن عمرو بن سعد بن أبي وقاص مرسلا.
(2) حليمة السعدية: من بني سعد أمه صلّى الله عليه وسلم من الرضاعة. وأنكر الدمياطي اسلامها وقال: هذه الفصة بحق الشيماء ابنتها.. فرد عليه مفلطاي بتأليف كتاب سماه (التحفة الجسيمة في اسلام حليمة) . وقد تقدمت ترجمتها في ج 1 ص «727» رقم «9» .(2/115)
الفصل السادس توقير أصحابه وبرّهم وَمَعْرِفَةُ حَقِّهِمْ
وَمِنْ تَوْقِيرِهِ وَبِرِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوْقِيرُ أَصْحَابِهِ وَبِرُّهُمْ، وَمَعْرِفَةُ حَقِّهِمْ، وَالِاقْتِدَاءُ بِهِمْ، وَحُسْنُ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمْ، وَالْإِمْسَاكُ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ «1» وَمُعَادَاةُ مَنْ عَادَاهُمْ، والإضطراب عَنْ أَخْبَارِ الْمُؤَرِّخِينَ، وَجَهَلَةِ الرُّوَاةِ، وَضُلَّالِ الشِّيعَةِ وَالْمُبْتَدِعِينَ الْقَادِحَةِ فِي أَحَدٍ مِنْهُمْ.. وَأَنْ يُلْتَمَسَ لَهُمْ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُمْ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ فِيمَا كَانَ بَيْنَهُمْ مِنَ الْفِتَنِ أَحْسَنُ التَّأْوِيلَاتِ «2» . ويخرّج لهم أصوب المخارج، إذهم أَهْلُ ذَلِكَ. وَلَا يُذْكَرَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِسُوءٍ، ولا يغمص «3» عَلَيْهِ أَمْرٌ.. بَلْ تُذْكَرَ حَسَنَاتُهُمْ وَفَضَائِلُهُمْ وَحَمِيدُ سيرهم.. ويسكت عما وراء ذلك.
__________
(1) ففي الحديث فيما رواه الطبراني وابن اسامة (اذا ذكر أصحابى فأمسكوا) . وفي حديث آخر (اياكم وما شجر أصحابي) تخريج الحديث.
(2) لان الصحابة كلهم عدول بشهادة الله لهم (وكذلك جعلنا كم أمة وسطا) أي عدولا.
(3) يغمص: يعاب. وفي نسخة (يغمض) . والظاهرة أنه تصحيف.(2/116)
كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» : «إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا» .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ.. «2» » إِلَى آخِرِ السُّورَةِ.
وَقَالَ «وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ «3» » وقال تَعَالَى: «لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ «4» » .
وقال تَعَالَى: رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ «5» » الاية.
عن حذيفة «6» قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم «7» : «اقتدوا
__________
(1) فيما رواه الطبراني وابن أسامة عن ابن مسعود رضي الله عنه.
(2) سورة الفتح آية «29» وتتمتها (تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ.. وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كزرع أخرج شطأه فازره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما.
(3) سورة التوبة آية «100» وتتمتها (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ. وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ، خالِدِينَ فِيها أَبَداً، ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
(4) سورة الفتح آية «18» وتسمى بيعة الرضوان.
(5) الاحزاب آية «23» تتمتها (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) .
(6) حذيفة: ابن اليمان أبو عبد الله العبسي أسلم هو وأبوه روى عن النبي صلّى الله عليه وسلم وعن عمر استعمله عمر على المدائن وكان صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلم. ومناقبه كثيرة وسكن الكوفة ومات بعد سته 36.
(7) اخرجه المصنف من عند الترمذي واخرجه الترمذي في المناقب به ورواه أيضا من طريق اخرى واخرجه ابن ماجه في السنة من طريقين، وقد أخرجه ابن حبان والحاكم من حديث حذيفة. ورواه الحاكم من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنهم وصحح اسناده.(2/117)
بالّذين مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» .
وَقَالَ «1» : «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ.»
وَعَنْ أَنَسٍ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» :
«مَثَلُ أَصْحَابِي «4» كَمَثَلِ الْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ لَا يَصْلُحُ الطَّعَامُ إِلَّا بِهِ «5» »
وَقَالَ «6» : اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه» .
__________
(1) كما روى عبد بن حميد عن ابن عمر وقال البزار منكر لا يصح. ورواه ابن عدي في الكامل باسناده عن نافع عن ابن عمر بلفظ (فأيهم أخذتم بقوله) بدل اقتديتم واسناده ضعيف.. ورواه البيهقي في المدخل من حديث عمر، ومن حديث ابن عباس بنحوه. ومن وجه آخر مرسلا وقال: متنه مشهور واسانيده ضعيفة.. قال الحلبي: وكان ينبغي للقاضي ان لا يذكره بصيغة الجزم لما عرف عند أهل الصناعة، وقد سبق له مثله مرارا أقول: يحتمل انه ثبت باسناد عنده، أو حمل كثرة الطرق على ترقيه من الضعيف الى الحسن بناء على حسن ظنه مع ان الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الاعمال. ولكن لا وجه هنا لفضائل الاعمال.. بل انه امر بالاتباع في كل شيء.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «47» رقم «1» .
(3) في رواية البزار وأبي يعلى.
(4) زاد البغوي في المصابيح وشرح السنة (في امتي) .
(5) وهذا الحديث رواه ابن ابي حاتم وغيره من طرق مختلفة.. وقال الحسن البصري: قد ذهب ملحنا فكيف يصلح..
(6) في حديث تقدم.(2/118)
وَقَالَ «1» : «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي.. فَلَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ «2» أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ «3» » .
وَقَالَ «4» : «مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.. لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا «5» وَلَا «6» عَدْلًا..»
وَقَالَ «7» : «إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا» .
وَقَالَ «8» فِي حَدِيثِ جَابِرٍ «9» : «إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَ أَصْحَابِي عَلَى جَمِيعِ الْعَالَمِينَ سِوَى النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، وَاخْتَارَ لِي مِنْهُمْ أَرْبَعَةً: أبا بكر «10» ، وعمر «11» ، وعثمان «12» وعليا «13» .. فجعلهم
__________
(1) في حديث رواه مسلم وغيره.
(2) المد هو ربع صاع عادة وهو اقل ما يتصدق به وهو عند الشافعي رطل عراقي وثلث عراقي ورطلان عند أبي حنيفة.
(3) نصيفه: بفتح النون وكسر الصاد المهملة بمعنى النصف بتثليث النون وقيل النصيف مكيال معروف وهو دون المد.
(4) رواه الديلمي وأبو نعيم في الحلية عن جابر.
(5) صرفا: بفتح الصاد المهملة وسكون الراء أي توبة أو نافلة.
(6) عدلا: بفتح العين المهملة وسكون الدال أي فدية أو فريضة.
(7) رواه الطبراني عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه.
(8) رواه البزار والديلمي.
(9) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «154» رقم «1» .
(10) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «156» رقم «6» .
(11) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4» .
(12) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «569» رقم «6» .
(13) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «54» رقم «4» .(2/119)
خَيْرَ أَصْحَابِي. وَفِي أَصْحَابِي كُلِّهِمْ خَيْرٌ» وَقَالَ «1» : «مَنْ أَحَبَّ عُمَرَ فَقَدْ أَحَبَّنِي وَمَنْ أَبْغَضَ عُمَرَ فَقَدْ أَبْغَضَنِي» .
وَقَالَ مَالِكُ «2» بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُهُ «3» : مَنْ أَبْغَضَ الصَّحَابَةَ وَسَبَّهُمْ فَلَيْسَ لَهُ فِي فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَقٌّ.. وَنَزَعَ بِآيَةِ الْحَشْرِ «وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ» «4» الْآيَةَ.
وَقَالَ مَنْ غَاظَهُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ فَهُوَ كَافِرٌ «5» . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
«لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ «6» » وقال عبد «7» الله بن المبارك: خصلتان
__________
(1) رواه الطبراني في الاوسط بسند حسن.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(3) لم يسبق الى هذا الاستنباط بل سبقه اليه ابن عباس كما نقل ابن تيمية في كتاب رد الروافض.
(4) الحشر آية «10» تتمتها (يقولون: ربنا اغفر لنا ولا خواننا الذين سبقونا بالايمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا الذين آمنوا. ربنا انك رؤوف رحيم) . والمراد أن الله تعالى قد بين له الحد في الفيء في هذه الاية ورتبهم على ثلاث منازل للفقراء المهاجرين، والذين تبوؤا الدار يعني المدينة وهم الانصار والذين جاؤوا من بعدهم يعني التابعين الذين يجيئون بعد المهاجرين والانصار الى يوم يقولون ربنا اغفر لنا الى قوله تعالى ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا أي بغضا قال فمن لم يكن من التابعين بهذه الصفة كان خارجا من أقسام المؤمنين.
(5) هذا رواه الخطيب البغدادى عن عروة الزبيري قال: كنا عند مالك بن أنس فذكر عنده رجل انتقص الصحابة فتلا قوله تعالى (محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار.. الخ) . وقال: من أصبح في قلبه غيظ على اصحاب محمد فقد أصابته هذه الاية لانها صدرت بلام التعليل (ليغيظ بهم الكفار) .
(6) سورة الفتح آية «29» .
(7) عبد الله بن المبارك أحد الأئمة الاعلام كانت أمه خوارزمية وأبوه تركيا كان رجلا صاحب حديث وفقه وأدب ونحو ولغة وشعر وفصاحة وزهد وورع وانصات وقيام ليل وعبادة وحج وغزو وفروسية وشجاعة وله تصانيف كثيرة توفي سنة 181(2/120)
مَنْ كَانَتَا فِيهِ نَجَا، الصِّدْقُ وَحُبُّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ أَيُّوبُ «1» السَّخْتِيَانِيُّ: مَنْ أَحَبَّ أَبَا بَكْرٍ فَقَدْ أَقَامَ الدِّينَ.
وَمَنْ أَحَبَّ عُمَرَ فَقَدْ أَوْضَحَ السَّبِيلَ، وَمَنْ أَحَبَّ عُثْمَانَ فَقَدِ اسْتَضَاءَ بِنُورِ اللَّهِ، وَمَنْ أَحَبَّ عَلِيًّا فَقَدْ أَخَذَ «2» بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى.. وَمَنْ أَحْسَنَ الثَّنَاءَ عَلَى أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عليه وسلم فقد برىء مِنَ النِّفَاقِ، وَمَنِ انْتَقَصَ «3» أَحَدًا مِنْهُمْ فَهُوَ مبتدع مخالف للسنة والسلف الصالح..
وأخاف أن لا يَصْعَدَ لَهُ عَمَلٌ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى يُحِبَّهُمْ جَمِيعًا وَيَكُونَ قَلْبُهُ «4» سَلِيمًا.
وَفِي حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ «5» سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَاضٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ «6» فَاعْرِفُوا لَهُ ذَلِكَ.. أَيُّهَا النَّاسُ.. إني
__________
(1) وفي نسخة (أبو أيوب) وهي غير صحيحة.
(2) وفي نسخة (فقد استمسك) .
(3) وفي نسخة (ابغض) .
(4) وفي نسخة (لهم سليما)
(5) خالد بن سعيد: ابن العاص بن أمية بن عبد شمس الصحابي وهو ثالث او رابع أو خامس من أسلم وسبق غيره.. وليس في الصحابة من أسمه خالد بن سعيد غيره.. ولم يرو عنه حديثا في الكتب الستة. وهذا الحديث رواه الطبراني وابن منده وذكره ابن عبد البر في الاستيعاب.. وخالد بن سعيد ان كان غير المذكور (لانه لم يشتهر عنه الرواية) فالحديث مرسل والا فمعضل.. وأول هذا الحديث انه صلّى الله عليه وسلم لما قدم من حجة الوداع المدينة صعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال: أيها الناس. الخ
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «156» رقم «6» .(2/121)
رَاضٍ عَنْ عُمَرَ «1» وَعَنْ عَلِيٍّ «2» وَعَنْ عُثْمَانَ «3» وَطَلْحَةَ «4» وَالزُّبَيْرِ «5» وَسَعْدٍ «6» وَسَعِيدٍ «7» وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ «8» بْنِ عَوْفٍ فَاعْرِفُوا «9» لَهُمْ ذَلِكَ.. أَيُّهَا النَّاسُ.. إِنَّ الله غفر لأهل بدر والحديبة «10» .. أَيُّهَا النَّاسُ احْفَظُونِي فِي أَصْحَابِي وَأَصْهَارِي «11» ، وَأَخْتَانِي «12» .. لَا يُطَالِبَنَّكُمْ «13» أَحَدٌ مِنْهُمْ بِمَظْلَمَةٍ «14» فَإِنَّهَا مَظْلَمَةٌ
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «54» رقم «4» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «569» رقم «6» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «591» رقم «4» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «59» رقم «5» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «25» رقم «1» .
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «591» رقم «10» .
(8) عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي صحابي من أكابرهم وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة وأحد الستة أصحاب الشورى وأحد السابقين الى الاسلام وكان من الاجواد الشجعان العقلاء توفي سنة 32 هـ.
(9) ولم يذكر أبا عبيدة مع انه عاشرهم ولعله سقط من الراوي.
(10) هي قرية سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة.، بينها وبين مكة مرحلة. وقد جاء في الحديث وهي بئر.. قال ابو حنيفة ومالك: وهي من الحرم.. وخالفهما الشافعي رحمهم الله تعالى.. وقال ابن القصار والواحدي: بعضها من الحل.. وفي صحيح البخاري: والحديبية خارج الحرم.. أي باعتبار بعضها فلا ينافي ما تقدم.
(11) اصهاري: مثل أبي بكر وعمر وأبي سفيان رضي الله عنهم والاصهار جمع صهر بكسر الصاد المهملة وهم أهل المرأة.
(12) اختاني: هم أزواج بناته عثمان وعلي، وأبو العاص بن ربيعة وأختاني جمع ختن بفتحتين.
(13) أي لا يكون لاحد منهم عليكم حق يستحق ان يطالبكم به ويدعيه عليكم.
(14) مظلمة: بكسر اللام وفتحها وهي ما يؤخذ ظلما وجورا فيطالب به ويشكي ممن أخذه والكسر فيها أكثر وأشهر.(2/122)
لَا تُوهَبُ «1» فِي الْقِيَامَةِ غَدًا «2» » .
وَقَالَ رَجُلٌ «3» لِلْمُعَافَى «4» بْنِ عِمْرَانَ: أَيْنَ عُمَرُ «5» بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ «6» مُعَاوِيَةَ «7» ؟! .. فَغَضِبَ وَقَالَ: لَا يُقَاسُ بِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ.. مُعَاوِيَةُ صَاحِبُهُ وَصِهْرُهُ «8» وَكَاتِبُهُ وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِ اللَّهِ..
وَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «9» بِجِنَازَةِ رَجُلٍ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ وَقَالَ: كَانَ يُبْغِضُ عُثْمَانَ «10» فَأَبْغَضَهُ اللَّهُ.»
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «11» فِي الْأَنْصَارِ: اعْفُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ. وَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ. وَقَالَ «12» : «احْفَظُونِي فِي أَصْحَابِي وأصهاري فإنه من
__________
(1) أي لا يهبها الله لانها حق العبد ما لم يرض صاحبها.
(2) الحديث رواه الطبراني في معجمه الكبير من رواية علي بن محمد بن يوسف بن شيبان بن مسمع.
(3) الرجل القائل غير معروف.
(4) المعافي بن عمران: ابو مسعود الأزدي الموصلي أحد الاعلام، يروي عنه بشر الحافي وغيره. قال شيخه الثوري رحمه الله: هو ياقوتة العلماء. أخرج له البخاري وغيره توفي سنة خمس وثمانين ومئة.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «274» رقم «2» .
(6) والسائل يطلب معرفة أيهما أفضل.
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «43» رقم «6» .
(8) صهره لانه اخو زوجته ام حبيبة بنت أبي سفيان ام المؤمنين رضي الله عنها
(9) كما رواه الترمذي عن جابر وضعفه.
(10) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «569» رقم «5» .
(11) رواه الشيخان. وفي البخاري (اوصى الخليفة من بعدي بالمهاجر والانصار أن يقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم.)
(12) حديث رواه ابو تعيم والديلمي عن عياض الانصاري وابن منيع عن أنس.(2/123)
حَفِظَنِي فِيهِمْ حَفِظَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، ومن لم يحفظني فيهم تخلى الله عنه، ومن تخلى الله عنه يُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ..»
وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» : «مَنْ حَفِظَنِي فِي أَصْحَابِي كُنْتُ لَهُ حَافِظًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.» وَقَالَ «2» : «مَنْ حَفِظَنِي فِي أَصْحَابِي وَرَدَ عَلَيَّ الْحَوْضَ وَمَنْ لَمْ يَحْفَظْنِي فِي أَصْحَابِي لَمْ يَرِدْ عَلَيَّ الْحَوْضَ وَلَمْ يَرَنِي إِلَّا مِنْ بَعِيدٍ.»
قَالَ مَالِكٌ «3» رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا النَّبِيُّ مُؤَدِّبُ الْخَلْقِ الَّذِي هَدَانَا اللَّهُ بِهِ وَجَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، يَخْرُجُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ إِلَى الْبَقِيعِ «4» فَيَدْعُو لَهُمْ، وَيَسْتَغْفِرُ لهم كَالْمُوَدِّعِ لَهُمْ «5» . وَبِذَلِكَ أَمَرَهُ اللَّهُ، وَأَمَرَ النَّبِيُّ بِحُبِّهِمْ وَمُوَالَاتِهِمْ، وَمُعَادَاةِ مَنْ عَادَاهُمْ.
وَرُوِيَ عَنْ كَعْبٍ «6» : لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا لَهُ شَفَاعَةٌ يَوْمَ القيامة.
__________
(1) فيما روى سعيد بن منصور عن عطاء بن أبي رباح مرسلا.
(2) كما رواه الطبراني بسند ضعيف.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(4) البقيع: في الاصل اسم لكل مكان متسع فيه شجر. وبقيع المدينة يقال له بقيع الفرقد والفرقد نوع من شجر العضاة كان به ثم أزيل.. وفي البقيع أحاديث مشهورة بفضله.. وهو مقبرة أهل المدينة ودفن فيه كثير من الصحابة رضوان الله عليهم
(5) كما في حديث عائشة رضي الله عنها.
(6) كعب الاحبار كما ذكره الحلبي وهو التابعي المشهور وتقدمت ترجمته في ج 1 ص «58» رقم «3» . وهذا رواه عنه بن سعد.(2/124)
وَطَلَبَ «1» مِنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ «2» نَوْفَلٍ أَنْ يَشْفَعَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ «3» اللَّهِ التُّسْتَرِيُّ: لَمْ يُؤْمِنْ بِالرَّسُولِ مَنْ لَمْ يوقّر أصحابه ولم يعزّ أوامره..
__________
(1) وطلب كعب الاحبار. وهذا يدل على صحة اعتقادة فيهم.
(2) لمغيرة بن نوفل: ابن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الصحابي.. ولد على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة، وكان من أنصار علي رضى الله عنه. وقيل: انه لم يدرك من حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلم الا ست سنين، وكان قاضيا في خلافة عثمان رضي الله عنه وعد من الصحابة رضي الله عنه.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «58» رقم «6» .(2/125)
الفصل السّابع إعزاز ماله من صلة بالنبي صلى الله عليه وسلّم من امكنة ومشاهد
وَمِنْ إِعْظَامِهِ وَإِكْبَارِهِ إِعْظَامُ جَمِيعِ أَسْبَابِهِ، وَإِكْرَامُ مَشَاهِدِهِ وَأَمْكِنَتِهِ مِنْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَمَعَاهِدِهِ «1» . وَمَا لَمَسَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عُرِفَ به.
عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ نَجْدَةَ «2» قَالَتْ: كَانَ لِأَبِي مَحْذُورَةَ «3» قُصَّةٌ «4» فِي مُقَدَّمِ رَأْسِهِ إِذَا قَعَدَ وأرسلها أصابت الأرض.. فقيل له:
__________
(1) أي الامكنة التي عهد أنه صلى الله عليه وسلم كان يألفها كالاساطين التي كان يصلي عندها ويجلس اليها.
(2) صفية بنت نجدة: في الحواشي التلمسانية ان هذه المرأة زوجة أبي محذورة وقد روى عنها ايوب بن ثابت، وروت هي عن زوجها أبي محذورة، واختلف في اسم أبيها نجدة فقيل نجدة وقيل نجراه وقيل الصواب بجره.
(3) أبو محذورة بن معير بن لوزان القريشي مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ولم يزل الأذان في عقبه وهو جهمي صحابي توفي سنة تسع وخمسين او سبعين اخرج له مسلم واحمد واصحاب السنن
(4) قصة: هو ما أقبل على الجبهة من شعر الرأس. وهو شعر الناصية. وقصة: بضم القاف وتشديد الصاد المهملة.(2/126)
أَلَا تَحْلِقُهَا؟! فَقَالَ: لَمْ أَكُنْ بِالَّذِي أَحْلِقُهَا وَقَدْ مَسَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ.
وَكَانَتْ «1» فِي قَلَنْسُوَةِ «2» خَالِدِ بْنِ «3» الْوَلِيدِ شَعَرَاتٌ مِنْ شَعَرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فَسَقَطَتْ قَلَنْسُوَتُهُ فِي بَعْضِ حُرُوبِهِ «4» فَشَدَّ عَلَيْهَا شَدَّةً أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثْرَةَ مَنْ قُتِلَ فِيهَا.. فَقَالَ: لَمْ أَفْعَلْهَا بِسَبَبِ الْقَلَنْسُوَةِ، بَلْ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ شَعَرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِئَلَّا أُسْلَبَ «5» بَرَكَتَهَا وَتَقَعَ فِي أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ.
ورؤي ابْنُ «6» عُمَرَ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى مَقْعَدِ «7» النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمِنْبَرِ ثُمَّ وضعها على وجهه «8» .
__________
(1) في حديث رواه أبو يعلى.
(2) القلنسوة: ما يوضع على الرأس تحت العمامة وقلنسوة بفتح القاف وضمها وضم السين وكسرها ففيه لغات ويقال قلنسوة.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «637» رقم «9» .
(4) قيل هي غزوة اليمامة.
(5) وفي نسخة لئلا (تسلب) .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «1» .
(7) مقعد: أي مكان قعوده
(8) هذا رواه ابن سعد وسيأتي الكلام على هذا الحديث الذي يدل على جواز التبرك بالانبياء والصالحين وآثارهم وما يتعلق بهم ما لم يؤد الى فتنة او فساد عقيدة فاذا خشي ذلك لقرب عهد بالجاهلية او لانتشار الجهل بالدين سرت الذرائع كما فعل عمر عند ما قطع الشجرة التي وقعت تحتها البيعة لئلا يفتتن بها الناس لقرب عهدهم بالجاهلية. فلا منافاة بينهما ولا عبرة لمن أنكر ذلك من جهلة عصرنا.. وفي معناه أنشدوا من بحر الوافر:
أمر على الديار ديار ليلى ... أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبى ... ولكن حب من سكن الديارا(2/127)
وَلِهَذَا «1» كَانَ مَالِكٌ «2» رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَرْكَبُ بالمدينة دابة وكان يقول: أستحيي مِنَ اللَّهِ أَنْ أَطَأَ تُرْبَةً فِيهَا رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلم بِحَافِرِ دَابَّةٍ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ وَهَبَ لِلشَّافِعِيِّ «3» كُرَاعًا «4» كَثِيرًا كَانَ عِنْدَهُ.
فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ: أَمْسِكْ مِنْهَا دَابَّةً.. فَأَجَابَهُ بِمِثْلِ هَذَا الْجَوَابِ.
وَقَدْ حَكَى أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ «5» السُّلَمِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ «6» فَضْلَوَيْهِ الزَّاهِدِ وَكَانَ مِنَ الْغُزَاةِ الرُّمَاةِ أَنَّهُ قَالَ:
مَا مَسَسْتُ الْقَوْسَ بِيَدِي إِلَّا عَلَى طَهَارَةٍ مُنْذُ بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْقَوْسَ بِيَدِهِ.
وَقَدْ أَفْتَى مَالِكٌ «7» : فِيمَنْ قَالَ: تُرْبَةُ الْمَدِينَةِ رديئة.. يُضْرَبُ ثَلَاثِينَ دِرَّةً «8» وَأَمَرَ بِحَبْسِهِ، وَكَانَ لَهُ قَدْرٌ وَقَالَ: مَا أَحْوَجَهُ إِلَى ضَرْبِ عُنُقِهِ.. تربة دفن فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم يزعم أنها
__________
(1) أي للتبرك باثاره صلّى الله عليه وسلم.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «155» رقم «8» .
(4) كراعا: بوزن غراب وهو جماعة الخيل. وله معان أخر فيطلق على الخيل والسلاح وما استدق من الساق واسم موضع.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «61» رقم «4» .
(6) أحمد بن فضلويه: كان مكثرا من المجاهدة في سبيل الله ومتقنا للرماية بالسهام
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(8) الدرة: بكسر الدال وتشديد الراء مع فتحها آية من جلد غليظ يضرب بها.(2/128)
غَيْرُ طَيِّبَةٍ «1» !!!.
وَفِي الصَّحِيحِ «2» أَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَدِينَةِ: «مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا «3» ، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.. لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» .
وَحُكِيَ «4» أَنْ جَهْجَاهًا «5» الْغِفَارِيَّ أَخَذَ قَضِيبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَدِ عُثْمَانَ «6» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَتَنَاوَلَهُ لِيَكْسِرَهُ عَلَى رُكْبَتِهِ «7» ..
فَصَاحَ بِهِ النَّاسُ، فَأَخَذَتْهُ الْآكِلَةُ فِي رُكْبَتِهِ فَقَطَعَهَا وَمَاتَ قَبْلَ الْحَوْلِ.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «8» : «مَنْ حلف على «9» منبري كاذبا فليتبوأ مقعده
__________
(1) وقال البوصيري رحمه الله:
لا طيب يعدل تربا ضم أعظمه ... طوبى لمستنشق منه وملتثم
(2) في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان عن أنس.
(3) حدثا: أي من فعل فيها أمرا قبيحا ابتدعه فيها كالمظالم.
(4) حكاه ابن عبد البر.
(5) جهجاها: وفي نسخة بلا تنوين هو بن سعد بن حرام. قال الطبري: كذا رواه المحدثون والصواب جهجا بلا هاء.. وقال الذهبي: هو جهجاه بن قيس.. وقيل: ابن سعيد وهو مدني صحابي شهد بيعة الرضوان وبعض الغزوات وتوفي بعد عثمان بسنة.. وقد تقدم.
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «569» رقم «6» .
(7) وذلك في الفتنة لما حصب الناس عثمان وهو على المنبر فلما نزل تقدم جهجاه وأخذ القضيب
(8) في حديث رواه مالك، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، عن أبي هريرة
(9) المراد على المنبر انه عنده ويجوز ابقاؤه على ظاهره بأن يصعد عليه ويحلف وقد نص عليه الشافعية وانه يجوز له أن يؤمر بصعوده ولكن الاصح الاول. وهذا بناء على ان اليمين. تغلظ بالمكان والزمان فيذهب للحلف بالمسجد.. وقد كان في حياته صلّى الله عليه وسلم يحلف عند المنبر ما بينه وبين القبر.(2/129)
مِنَ النَّارِ. وَحُدِّثْتُ أَنَّ أَبَا الْفَضْلِ «1» الْجَوْهَرِيَّ لَمَّا وَرَدَ الْمَدِينَةَ زَائِرًا وَقَرُبَ مِنْ بُيُوتِهَا تَرَجَّلَ وَمَشَى بَاكِيًا مُنْشِدًا «2» :
وَلَمَّا رَأَيْنَا رَسْمَ «3» مَنْ لَمْ يَدَعْ لَنَا ... فُؤَادًا لِعِرْفَانِ «4» الرُّسُومِ وَلَا لُبَّا «5»
نَزَلْنَا عَنِ الْأَكْوَارِ «6» نَمْشِي كَرَامَةً ... لِمَنْ بَانَ «7» عَنْهُ أَنْ نُلِمَّ «8» بِهِ رَكْبَا «9»
وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُرِيدِينَ «10» أَنَّهُ لَمَّا أَشْرَفَ على مدينة الرسول
__________
(1) ابو الفضل الجوهري: ليس هو عبد الله بن الحسن المصري الواعظ بجامع مصر في حدود السبعين واربعمائة وكان من العلماء الصالحين يتبرك به ويقتدى به في السلوك وانما هو كما في تاريخ الاندلس عبد الله بن الحكيم الرندي الاندلسي ذو الوزارتين، له فضل وحسب وفضل باهر وأدب: عالم بالقرآن والحديث والعربية. وله شعر رائق ونثر فائق، وارتحل للمشرق فأخذ بها عن ابن عساكر واكثر الرواية عنه وله رئاسة في عصره ولكنه خلع ونهبت أمواله وكتبه وقتل شهيدا.
(2) والأبيات لابي الطيب المتنبي من قصيدة له في مدح سيف الدولة ولقد أجاد في تمثله به ونقله لمحل لائق به.
(3) الرسم آثار الديار الدارسة والمراد آثاره صلّى الله عليه وسلم في معاهده ورسالته
(4) عرفان: المعرفة.
(5) اللب: العقل الخالص من الشوائب سمي به لانه خالس ما في الانسان في قواه
(6) الاكوار: جمع كور وهو رحل الناقة بمنزلة السرج.
(7) بان: ظهر.
(8) فلم: ننزل أي لا يليق به اذ أتى النبي صلّى الله عليه وسلم وقد قرب مقامه أن يأتيه راكبا.
(9) ركبا: أي راكبين من أسماء الجمع كرهط أو جمع راكب كصحب صاحب.
(10) المريدين للزيارة.(2/130)
صلّى الله عليه وسلم أنشأ «1» يَقُولُ مُتَمَثِّلًا «2» :
رُفِعَ الْحِجَابُ لَنَا فَلَاحَ لِنَاظِرٍ ... قَمَرٌ تَقَطَّعَ «3» دُونَهُ «4» الْأَوْهَامُ
وَإِذَا الْمَطِيُّ «5» بِنَا بلغن محمدا ... فظهورهن على الرجال «6» حرام
قربتنا من خير من وطيء الثَّرَى ... فَلَهَا عَلَيْنَا حُرْمَةٌ وَذِمَامُ «7»
وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ: أَنَّهُ حَجَّ مَاشِيًا.. فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ: فَقَالَ: الْعَبْدُ الْآبِقُ «8» يَأْتِي إِلَى بَيْتِ مَوْلَاهُ رَاكِبًا؟!!.
لَوْ قَدَرْتُ أَنْ أَمْشِيَ عَلَى رَأْسِي «9» مَا مَشَيْتُ عَلَى قَدَمَيَّ.
قَالَ القاضي «10» : وجدير بمواطن عمّرت بالوحي والتنزيل
__________
(1) ويروي (أنشد) والشعر من قصيدة لابي نوأس بن هانىء في مدح محمد الامين بن الرشيد وأول القصيد قوله:
يا دار ما فعلت بك الايام ... لم يبق فيك بشاشة فتسام
(2) التمثل: انشاد شعر الغير في مقام يناسبه.
(3) تقطع: بحذف إحدى التامين.
(4) دونه: عنده.
(5) المطي: جمع مطية وهي ما يمطى ظهرها أي يركب أي كناقة او فرس.
(6) وفي نسخة (الرحال) بالحاء المهملة جمع رحل وهو للابل كالسراج للخيل وبرواية الجيم جمع رجل ذكر من بني آدم والمعنى متقارب أي اذا أوصلتهم لمقاصدهم كان لها حرمة تقتضي رعايتها وراحتها فلا يركبها بعد ذلك رجل ولا يوضع على ظهرها رحل بل تترك سارحة منعمة في مرعاها.
(7) الذمام: العهد والامان.
(8) الابق: الفار من سيده. واراد هنا المذنب المقصر.
(9) كناية عن غاية التذلل.
(10) المصنف رحمه الله.(2/131)
وَتَرَدَّدَ بِهَا «1» جِبْرِيلُ «2» وَمِيكَائِيلُ، وَعَرَجَتْ مِنْهَا الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ، وَضَجَّتْ «3» عَرَصَاتُهَا «4» بِالتَّقْدِيسِ وَالتَّسْبِيحِ وَاشْتَمَلَتْ تُرْبَتُهَا عَلَى جَسَدِ سَيِّدِ الْبَشَرِ، وَانْتَشَرَ عَنْهَا مِنْ دِينِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ مَا انْتَشَرَ، مَدَارِسُ «5» وآيات، وَمَسَاجِدُ وَصَلَوَاتٌ، وَمَشَاهِدُ الْفَضَائِلِ وَالْخَيْرَاتِ، وَمَعَاهِدُ الْبَرَاهِينِ وَالْمُعْجِزَاتِ، وَمَنَاسِكُ الدِّينِ، وَمَشَاعِرُ الْمُسْلِمِينَ، وَمَوَاقِفُ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَمُتَبَوَّأُ «6» خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، حَيْثُ انْفَجَرَتِ النُّبُوَّةُ، وَأَيْنَ «7» فَاضَ عُبَابُهَا «8» ، وَمُوَاطِنُ طُوِيَتْ «9» فِيهَا الرِّسَالَةُ، وأول أرض مسّ جلد المصطفى تراثها «10» ، أَنْ تُعَظَّمَ عَرَصَاتُهَا، وَتُتَنَسَّمَ نَفَحَاتُهَا، وَتُقَبَّلَ رُبُوعُهَا وجدرانها..
__________
(1) وفي نسخة (منها) .
(2) أما تردد جبريل عليه الصلاة والسلام فظاهر وأما ميكائيل عليه الصلاة والسلام فكان ينزل عليه أحيانا.
(3) ضجت: بتشديد الجيم أي صوتت.
(4) عرصاتها: بفتحتين جمع عرصة وهي الارض والساحة المتسعة من غير بناء والمراد هنا الأرض مطلقا.
(5) مدارس: جمع مدرس مفعل من الدرس وهو مكانه أي محال يدرس فيها القرآن
(6) متبوأ: أي مساكن.
(7) اين: اسم يستفهم به عن المكان فجرد عن الاستفهام لمجرد المكان. قيل انها نافية على اصلها. أي هي جواب من سأل وقال: اين فاض عباب النبوة؟ فيقال: هذه الاماكن.
(8) العباب: بضم العين المهملة معظم السيل وارتفاعه وكثرة تموجه.
(9) وفي نسخة (مهبط) بدون أي) مواطن مهبط الرسالة) .
(10) أي بعد الوفاة.(2/132)
يَا «1» دَارَ خَيْرِ الْمُرْسَلِينَ وَمَنْ بِهِ ... هُدِيَ الْأَنَامُ وَخُصَّ بِالْآيَاتِ
عِنْدِي لِأَجْلِكِ لَوْعَةٌ «2» وَصَبَابَةٌ «3» ... وَتَشَوُّقٌ مُتَوَقِّدُ الْجَمَرَاتِ
وَعَلَيَّ عَهْدٌ إِنْ مَلَأْتُ محاجري «4» ... من تلكم الجدران وَالْعَرَصَاتِ
لَأُعَفِّرَنَّ «5» مَصُونَ شَيْبِيَ بَيْنَهَا ... مِنْ كَثْرَةِ التَّقْبِيلِ وَالرَّشَفَاتِ «6»
لَوْلَا الْعَوَادِي «7» وَالْأَعَادِي زُرْتُهَا ... أَبَدًا وَلَوْ سَحْبًا عَلَى الْوَجَنَاتِ «8»
لَكِنْ سَأُهْدِي مِنْ حفيل «9» تحيتي ... لقطين «10» تلك الدار والحجرات «11»
__________
(1) وهذه الابيات من شعر المصنف عياض رحمه الله.
(2) اللوعة: شدة الحب.
(3) الصبابة: رقة الشوق.
(4) محاجر: جمع محجر وهو جوانب العين.
(5) لاعفرن: التعفير هو التمريغ بالتراب.
(6) الرشفات: جمع رشفة وهو مص الريق ونحوه وفسر هنا بالتقبيل أيضا.
(7) العوادي: جمع عادية وهي الأمور التي تمنع عن زيارتها والعوائق والعوائق والعادية الغائرة الظالمة.
(8) الوجنات: جمع وجنة وهي أعلى الخد.
(9) حفيل: بحاء مهملة وفاء وياء تحتية ساكنة ولام بمعنى كثير نفيس يحتفل به.
(10) قطين: بمعنى المقيم.. ويطلق على الاتباع والخدم.
(11) وكان الشيخ احمد بن الرفاعي رحمه الله يرسل كل عام مع الحجاج سلامه الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلما كتب الله له الزيارة وقف امام القبر الشريف وقال:
في حالة البعد روحي كنت أرسلها ... تقبل الارض عني وهي نائبني
وهذه نوبة الاشباح قد حضرت ... فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي
فقيل ان اليد الشريفة بدت له فقبلها فهنيئا له ثم هنيئا..(2/133)
أَزْكَى مِنَ الْمِسْكِ الْمُفَتَّقِ «1» نَفْحَةً ... تَغْشَاهُ بِالْآصَالِ وَالْبَكَرَاتِ
وَتَخُصُّهُ بِزَوَاكِي الصَّلَوَاتِ ... وَنَوَامِيَ التَّسْلِيمِ وَالْبَرَكَاتِ «2»
__________
(1) المفتق: ما خلط بغيره ليزداد طيبه كماء الورد.
(2) والبيت فاسد الوزن وصوابه ان يقول:
وتخصه ازكى صلاة دائما ... بنوامي التسليم والبركات
وروي ان المصنف رحمه الله لم يحج ولم يزره صلّى الله عليه وسلم فقال هذه ألابيات متحسرا.(2/134)
الْبَابُ الرَّابِعُ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالتَّسْلِيمِ وفرض ذلك وفضيلته وفيه عشرة فصول(2/135)
الفصل الأوّل معنى الصّلاة عليه
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ «1» » الْآيَةَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «2» مَعْنَاهُ: «إِنَّ اللَّهَ وملائكته يباركون على النبي» فقيل: «إِنَّ اللَّهَ يَتَرَحَّمُ عَلَى النَّبِيِّ، وَمَلَائِكَتَهُ يَدْعُونَ لَهُ» .
قَالَ الْمُبَرِّدُ «3» : «وَأَصْلُ الصَّلَاةِ.. التَّرَحُّمُ.. فَهِيَ مِنَ اللَّهِ رَحْمَةٌ وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ رِقَّةٌ وَاسْتِدْعَاءٌ لِلرَّحْمَةِ مِنَ اللَّهِ» .
وَقَدْ وَرَدَ «4» فِي الْحَدِيثِ «5» صِفَةُ صَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى مَنْ جَلَسَ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ» «6» فَهَذَا دعاء.
__________
(1) «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً» الأحزاب آية (56) .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «271» رقم «7» .
(4) وفي نسخة وقد (روي) .
(5) الذي رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه
(6) ولفظ الحديث في مسلم (لا يزال العبد في صلاة ما دام في مصلاه ينتظر الصلاة والملائكة تقول: اللهم اغفر له اللهم ارحمه حتى ينصرف او يحدث.) .(2/137)
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ «1» الْقُشَيْرِيُّ: «الصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمَنْ دُونَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةٌ، وَلِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْرِيفٌ وَزِيَادَةُ تَكْرِمَةٍ» .
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ «2» : «صَلَاةُ اللَّهِ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ، وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ الدُّعَاءُ» .
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ «3» : وَقَدْ فَرَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ تعليم الصلاة عليه بَيْنَ لَفْظِ الصَّلَاةِ وَلَفْظِ الْبَرَكَةِ فَدَلَّ أَنَّهُمَا بِمَعْنَيَيْنِ..
وَأَمَّا التَّسْلِيمُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عِبَادَهُ:
فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ «4» بْنُ بُكَيْرٍ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ اللَّهُ أَصْحَابَهُ أَنْ يُسَلِّمُوا عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ بَعْدَهُمْ أُمِرُوا أَنْ يُسَلِّمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ حُضُورِهِمْ قَبْرَهُ وَعِنْدَ ذِكْرِهِ.
وَفِي مَعْنَى السَّلَامِ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ «5» :
أَحَدُهُمَا: السَّلَامَةُ لَكَ ومعك، ويكون السلام مصدرا
__________
(1) وفي نسخة (بكر القشيري) .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «67» رقم «3» .
(3) المصنف القاضي أبو الفضل عياض.
(4) أبو بكر بن بكير بالتصغير هو أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن بكير التميمي المالكي البغدادي الفقيه الثقة صاحب التأليف الجليلة التي منها احكام القرآن، وهو عراقي من أقران بن الجهم، وقيل اسمه أحمد بن محمد بكير وقيل محمد بن بكير لا غير.
(5) وفي نسخة (ثلاثة أوجه) .(2/138)
كَاللَّذَاذِ وَاللَّذَاذَةِ «1» ..
الثَّانِي: أَيِ السَّلَامُ عَلَى حِفْظِكَ وَرِعَايَتِكَ مُتَوَلٍّ لَهُ وَكَفِيلٌ بِهِ، وَيَكُونُ هُنَا السَّلَامُ اسْمَ اللَّهِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ السَّلَامَ بِمَعْنَى الْمُسَالَمَةِ لَهُ وَالِانْقِيَادِ..
كَمَا قَالَ: «فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً «2» »
***
__________
(1) مصدران بمعنى اللذة ومثله كثير كالملام والملامة والمقال والمقالة.
(2) سورة النساء آية (65) .(2/139)
الفصل الثّاني حكم الصّلاة عليه
اعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْضٌ عَلَى «1» الْجُمْلَةِ غَيْرُ مُحَدَّدٍ بِوَقْتٍ.. لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ.. وَحَمْلِ «2» الْأَئِمَّةِ وَالْعُلَمَاءِ لَهُ عَلَى الْوُجُوبِ.. وَأَجْمَعُوا عَلَيْهِ.
وَحَكَى أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ «3» أَنَّ مَحْمِلَ الْآيَةِ عِنْدَهُ عَلَى النَّدْبِ، وَادَّعَى فِيهِ الْإِجْمَاعَ- وَلَعَلَّهُ فِيمَا زَادَ عَلَى مَرَّةٍ.
وَالْوَاجِبُ مِنْهُ الَّذِي يَسْقُطُ بِهِ الْحَرَجُ وَمَأْثَمُ تَرْكِ الْفَرْضِ مَرَّةً، كَالشَّهَادَةِ لَهُ بِالنُّبُوَّةِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَمَنْدُوبٌ مُرَغَّبٌ فِيهِ مِنْ سُنَنِ الْإِسْلَامِ، وَشِعَارِ أَهْلِهِ.
__________
(1) وفي نسخة (في الجملة) .
(2) يحتمل ان يكون مصدرا او فعل ماض كما في نسختين صحيحتين.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «2» .(2/140)
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ «1» بْنُ الْقَصَّارِ: «الْمَشْهُورُ عَنْ أَصْحَابِنَا «2» أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ فِي الْجُمْلَةِ «3» على الإنسان وفرض «4» عليه عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا مَرَّةً مِنْ دَهْرِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ» .
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ «5» بْنُ بُكَيْرٍ: «افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَى خَلْقِهِ أَنْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ لِوَقْتٍ مَعْلُومٍ..
فَالْوَاجِبُ أَنْ يُكْثِرَ الْمَرْءُ مِنْهَا، وَلَا يَغْفُلَ عَنْهَا» .
قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدِ «6» بْنُ نَصْرٍ: «الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجِبَةٌ فِي الْجُمْلَةِ» .
قال القاضي أبو عبد الله محمد «7» بن سعيد: «ذهب
__________
(1) أبو الحسن بن القصار هو علي بن عمر بن أحمد الفقيه الثقة له كتاب في الخلاف كثير الفوائد لم نصنف في بابه أحسن منه. وهو من ائمة المالكية منسوب لصنعة قصار الثياب وهو تبييضها.
(2) اي المالكية.
(3) أي من دون تعيين وقت له على الانسان.
(4) اشارة الى ان الفرض والواجب بمعنى واحد عنده كالشافعية خلافا للحنفية.
(5) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (138) رقم (4) .
(6) أبو محمد بن نصر المالكي وهو القاضي عبد الوهاب بن نصر بن أحمد بن حسين وقيل: بن الحسن بن احمد بن هارون بن مالك أدركه الشيرازي وسمع منه في النظر، كان فقيها شاعرا أديبا له شعر كثير وكتب كثيرة في كل فن، وارتحل في آخر عمره لمصر فحصلت له ثروة، وتوفي سنة احدى وعشرين واربعمائة.
(7) القاضي ابو عبد الله محمد بن سعيد قيل: هو محمد بن سعيد بن شرحبيل الفقيه. كتب في حداثته للقاضي مصعب بن عمران ثم رحل الى المشرق فلقي مالكا رضي الله تعالى عنه، قرأ عليه ثم انصرف للاندلس والتزم ضيعقته ساحة الى ان توفي سنة ثمان وتسعين ومائة كما قاله القاضي في المدارك.(2/141)
مَالِكٌ «1» وَأَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض بالجملة بقصد الْإِيمَانِ، لَا يَتَعَيَّنُ فِي الصَّلَاةِ. وَأَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ عُمُرِهِ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ «2» : «الْفَرْضُ مِنْهَا الذي أمر الله تعالى وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ فِي الصَّلَاةِ» . وَقَالُوا: «وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا، فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ» .
وَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَحَكَى الْإِمَامَانِ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ «3» وَالطَّحَاوِيُّ «4» وَغَيْرُهُمَا إِجْمَاعَ جَمِيعِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَشَذَّ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: «مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَعْدِ التَّشَهُّدِ الْآخِرِ قَبْلَ السَّلَامِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ «5» ، وَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تُجْزِهِ» .
وَلَا سَلَفَ لَهُ فِي هَذَا الْقَوْلِ، وَلَا سُنَّةَ يَتَّبِعُهَا، وَقَدْ بَالَغَ فِي إِنْكَارِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عليه.. لمخالفته فيها من تقدمته جماعة، وشنّعوا
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «340» رقم «7» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «155» رقم «8» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «2» .
(4) الطحاوي أحمد بن محمد بن سلامة وقد تقدم.
(5) لأنهار كن من أركان الصلاة فتفسد بتركها في التشهد الأخير فقط.(2/142)
عَلَيْهِ الْخِلَافَ فِيهَا. مِنْهُمُ الطَّبَرِيُّ «1» وَالْقُشَيْرِيُّ «2» ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ «3» : «يُسْتَحَبُّ أن لا يُصَلِّيَ أَحَدٌ صَلَاةً إِلَّا صَلَّى فِيهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ ترك ذلك تارك فصلاته مجزئة مَذْهَبِ مَالِكٍ «4» وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَسُفْيَانَ «5» الثَّوْرِيِّ، وَأَهْلِ الْكُوفَةِ مِنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ «6» وَغَيْرِهِمْ.. وَهُوَ قَوْلُ جُمَلِ «7» أَهْلِ الْعِلْمِ» .
وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ: «أَنَّهَا فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ مُسْتَحَبَّةٌ، وَأَنَّ تَارِكَهَا فِي التَّشَهُّدِ مُسِيءٌ» وَشَذَّ الشَّافِعِيُّ فَأَوْجَبَ عَلَى تاركها في في الصلاة الإعادة.
وأوجب إسحق «8» الإعادة مع تعمد تركها دون النسيان «9» .
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «2» .
(2) القشيري قيل المراد به أبو ناصر بن صاحب الرسالة، وأبو بكر بن العلاء القشيري المالكي واما الامام القشيري صاحب الرسالة فهو شافعي لم ينقل عليه شيء مما ذكر
(3) ابو بكر بن المنذر هو الامام الأوحد ابو بكر محمد بن ابراهيم النيسابوري الثقة الحجة إمام عصره، وشيخ الحرم، توفي بمكة سنة تسع او عشرة وثلاثمئة.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «186» رقم «3» وقد صرح به لأنه مجتهد صاحب مذهب
(6) المراد بالرأي القياس في عرف الفقهاء، والمالكية والشافعية يريدون بهذه العبارة اتباع أبي حنيفة.
(7) وفي نسخة (جل) .
(8) اسحق ابن ابراهيم بن مخلد، وهو الامام الجليل ابو يعقوب بن راهويه عالم خراساني ومحدثها توفي سنة ثمان وثلاثين ومائتين وسنه سبع وتسعون سنة، روى عنه الجماعة خلا ابن ماجة.
(9) ووافقه الحزقي من الحنابلة.(2/143)
وَحَكَى أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي «1» زَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ «2» أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرِيضَةٌ
قَالَ أَبُو محمد «3» : «يريد ليست من فرائض الصلاة «4» » .
وقال مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ «5» الْحَكَمِ وَغَيْرُهُ وَحَكَى ابْنُ القصار «6» وعبد الوهاب «7» : «أن محمد بن الموازيراها فَرِيضَةً فِي الصَّلَاةِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ «8» »
وَحَكَى أَبُو يَعْلَى «9» الْعَبْدِيُّ الْمَالِكِيُّ عَنِ الْمَذْهَبِ «10» فِيهَا ثَلَاثَةَ أقوال:
1- الوجوب 2- والسنة 3- والندب.
__________
(1) أبو محمد بن أبي يزيد هو صاحب الرسالة المشهورة، وهو من أئمة المالكية.
(2) محمد بن المواز هو الامام محمد بن ابراهيم، ومن أجل الأئمة في مذهب مالك وعليه المعول فيه وهو اسكندراني «توفي ببعض حصون الشام وكان قد اختفى به هربا من فتنة، ووفاته سنة احدى وثمانين ومائتين» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (141) رقم (6) .
(4) بل هي فرض في الجملة كما تقدم وسيأتي ما يخالقه.
(5) محمد بن عبد الحكم هو أبو عبد الله محمد بن عبد الحكم المصري صاحب الشافعي، لم يكن في عصره اجل منه ولا أعرف بأقوال الصحابة والتابعين ولد سنة اثنين وثمانين ومئة، وتوفي لليلة خلت من ذي القعدة سنة ثمان او تسع وستين ومئتين. واخرج له النسائي. يروي عن ابن وهب وظائفه، وعنه النسائي وابن خزيمة والأصم وآخرون.
(6) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «141» رقم «1» .
(7) عبد الوهاب من أئمة المالكية.
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «155» رقم «8» .
(9) أبو يعلى العبدي المالكي.
(10) أي مذهب مالك.(2/144)
وَقَدْ خَالَفَ الْخَطَّابِيُّ «1» مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ «2» وَغَيْرُهُ الشَّافِعِيَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ «1» : «وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فِي الصَّلَاةِ.. وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ إِلَّا الشَّافِعِيَّ «2» وَلَا أَعْلَمُ لَهُ فِيهَا قُدْوَةً» .
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ عَمَلُ السَّلَفِ الصَّالِحِ قَبْلَ الشَّافِعِيِّ وَإِجْمَاعُهُمْ عَلَيْهِ، وقد شنّع الناس عليه هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جِدًّا.
وَهَذَا تَشَهُّدُ ابْنِ «3» مَسْعُودٍ «4» الَّذِي اخْتَارَهُ «5» الشَّافِعِيُّ وَهُوَ الَّذِي عَلَّمَهُ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِيهِ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ رَوَى التَّشَهُّدَ عَنِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم كأبي «6» هريرة،
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «64» رقم «6» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «155» رقم «8» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «214» رقم «2» .
(4) وتشهده هو أصح الفاظ التشهد حيث رواه اصحاب الكتب الستة ولهذا اختاره بعض العلماء والمشايخ من الشافعية أيضا، وقد ذكر ابن الملقن التشهدات الواردة عنه صلّى الله عليه وسلم في تخريج احاديث الرافعي فبلغت ثلاثة عشر تشهدا. ثم اجمعوا على جواز جميع الفاظ التشهد الوارد. وإنما الخلاف في الاختيار، فاختار أبو حنيفة تشهد ابن مسعود لكونه اصح سندا، واختار الشافعي تشهد ابن عباس، واختار مالك تشهد عمر الذي قرأه فوق منبر النبي صلّى الله عليه وسلم.
(5) بل اختار تشهد ابن عباس لأن فيه زيادة لفظ المباركات.
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «31» رقم «5» .(2/145)
وَابْنِ عَبَّاسٍ «1» ، وَجَابِرٍ «2» ، وَابْنِ «3» عُمَرَ، وَأَبِي سَعِيدٍ «4» الْخُدْرِيِّ، وَأَبِي مُوسَى «5» الْأَشْعَرِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزبير «6» ، لم لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ صَلَاةً عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «7» .
وَقَدْ قَالَ «8» ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ» .
ونحوه عن أبي سعيد الخدري.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «كَانَ «9» أَبُو بَكْرٍ «10» يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ عَلَى الْمِنْبَرِ كَمَا يُعَلِّمُونَ الصِّبْيَانَ فِي الْكُتَّابِ» .
وَعَلَّمَهُ أَيْضًا عَلَى الْمِنْبَرِ عُمَرُ بْنُ الخطاب «11» رضي الله عنه.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (52) رقم (6) .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (154) رقم (1) .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (182) رقم (1) .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (63) رقم (1) .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (118) رقم (2) .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (157) رقم (4) .
(7) هذا لأنهم انما تعلموه قبل نزول الاية فلما نزلت (يا أيها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) امرهم به كما هو مصرح في الحديث وسيأتي نقله قريبا.
(8) في حديث رواه مسلم عن ابن عباس، رواه الحاكم والنسائي عن جابر.
(9) كما رواه ابن شيبة في مصنفه.
(10) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (156) رقم (6) .
(11) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (113) رقم (4) .(2/146)
وَفِي الْحَدِيثِ «1» : «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» .
قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ «2» : مَعْنَاهُ (كَامِلَةً) . أَوْ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ مَرَّةً فِي عُمُرِهِ وضعّف أهل الحديث كلهم هَذَا الْحَدِيثِ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي «3» جَعْفَرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» :
«مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يُصَلِّ فِيهَا عَلَيَّ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِي لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ» .
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ «5» : الصَّوَابُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي جَعْفَرٍ «6» مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: «لَوْ «7» صَلَّيْتُ صَلَاةً لَمْ أُصَلِّ فِيهَا عَلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم
__________
(1) رواه ابن ماجه، والحاكم في مستدركه وقال: وليس على شرطهما اذ لم يخرجاه.. والطبراني والدارقطني.. قال: وليس عندهم بقوي.. واليعمري والبيهقي بلفظ (لا صلاة لمن لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولا صلاة لمن لم يصل على نبيه، ولا صلاة لمن لم يحب الانصار) .
(2) ابن القصار هو ابو الحسن علي بن أحمد البغدادي قاضيها الفقيه الأصولي النظار صاحب تصانيف وكان ثقة قليل الحديث مات سنة ثمان وتسعين وثلثمائة.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (413) رقم (1) .
(4) وقد روي موقوفا من قبل ابن مسعود رضي الله تعالى عنه.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (158) رقم (1) .
(6) تقدم آنفا.
(7) وعلى ذلك أي على كونه مرفوعا يكون منقطعا أيضا لأن أبا جعفر لم يدرك ابن مسعود وزيد في بعض النسخ (وروايه) أي ناقل هذا الحديث عن أبي جعفر (جابر الجعفي) (وهو ضعيف) . وعلى كل فقد ذكر القاضي رحمه الله كل أدلة المانعين فرضية الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلم في الصلاة ولم يذكر أدلة الشافعي رحمه الله كاملة وافية. اذ ان للشافعي رحمه الله أدلة قوية جدا اعتمد عليها في ايجاب فرضية الصلاة على رسول الله في الصلاة وهذه الدلالة مبسوطة في كتبه رحمه الله. ولقد بسط الخفاجي رحمه الله كلاما طويلا حول هذه المسألة سنختصر بعضه وهذا يوافق ما قاله الامام الشافعي ففيه تأييد له دون ما قاله المصنف، واعلم أن الامام الخضري(2/147)
وَلَا عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ لَرَأَيْتُ أَنَّهَا لَا تتم.
***
__________
صنف في هذه المسألة كتابا سماه (زهر الرياض في رد ما شنعه القاضي عياض) طالعته بتمامة وتلخيصه أن الامام الشافعي رضي الله تعالى عنه قال في الأم: (فرض الله تعالى الصلاة على رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم فقال جل شأنه: (إن الله وملائكته يصلون على النبي الاية) فلم يكن فرض الصلاة عليه في موضع أولى منه في الصلاة ووجدنا الدلالة بما وصفت عنه صلّى الله عليه وسلم ثم ساق بإسناده إلى أبي هريرة أنهم قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك- يعني في الصلاة- قال: تقولون اللهم صلي على محمد الخ.. وساق بسنده أيضا إلى كعب بن عجرة عنه صلّى الله عليه وسلم أنه كان يقول في الصلاة اللهم صلي على محمد الخ.. فلما روي أنه كان يعلمهم التشهد في الصلاة وأنه علمهم كيف يصلون عليه فيها لم يجز أن يقول التشهد واجب والصلاة غير واجبة والخبر فيها عنه صلّى الله عليه وسلم فعلى كل مسلم وجبت عليه الفرائض أن يتعلم التشهد والصلاة عليه فمن صلّى عليه ولم يتشهد ولم يصل عليه صلّى الله عليه وسلم فعليه اعادتها انتهى. ثم ذكر ما قاله المصنف رحمه الله وقال: هذا قول لا ينبغي الاعتماد عليه ولا الاستناد اليه وساق أدلة وبراهين تؤيد ما ذهب اليه.(2/148)
الفصل الثالث المواطن التي يستحبّ فيها الصّلاة والسّلام عليه
فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ فِيهَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَيُرَغَّبُ مِنْ ذَلِكَ فِي تَشَهُّدِ الصَّلَاةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وذلك بعد التشهد وقبل الدعاء.
عن فضالة «1» بن عبيد قال «2» : «سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. عَجِلَ «3» هَذَا.. ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ «4» .. إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ يتحميد اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لْيَدْعُ بَعْدُ بما شاء.
__________
(1) فضالة بن عبيد: بن فاقد بن قيس الانصارى الأوسي أبو محمد الصحابي ولي قضاء دمشق لمعاوية. شهد أحدا والحديبية. توفي سنة ثلاث وخمسين ومئة، وأخرج له احمد وغيره.
(2) الحديث اخرجه الترمذي في الدعوات وقال: صحيح.. واخرجه أبو داود ونحوه في الصلاة وكذا النسائي وابن حبان والحاكم.
(3) عجل بتخفيف الجيم وكسرها وفي نسخة (عجل) بتشديدها وفتحها.
(4) وفي نسخة (او لغيره) .(2/149)
وَيُرْوَى مِنْ غَيْرِ هَذَا السَّنَدِ «1» «بِتَمْجِيدِ اللَّهِ» وَهُوَ أَصَحُّ «2» ..
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ «3» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ «4» : الدُّعَاءُ وَالصَّلَاةُ «5» مُعَلَّقٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَلَا يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى يُصَلَّى «6» عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَعَنْ عَلِيٍّ «7» عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «8» : بِمَعْنَاهُ..
وَعَنْ عَلِيٍّ: وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ..
وَرُوِيَ أَنَّ الدُّعَاءَ مَحْجُوبٌ حَتَّى يُصَلِّيَ الدَّاعِي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنِ»
ابْنِ «10» مَسْعُودٍ. إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ شَيْئًا فَلْيَبْدَأْ بِمَدْحِهِ «11» وَالثَّنَاءِ عليه بما هو أهله ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم.. ثم ليسأل فإنه أجدر أن ينجح..
__________
(1) أي برواية ابن ماجة بسند آخر.
(2) لقوة سنده لا من حيث المعنى.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4» .
(4) كما رواه الترمذي.
(5) لفظ (الصلاة) غير موجود عند الترمذي.
(6) وفي نسخة (يصلي) مبني للمعلوم.
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «54» رقم «4» .
(8) رواه ابو الشيخ في الثواب عنه والبيهقي. في الشعب ولفظه «محجوب حتى يصلي على محمد وأهل بيته» وابن عساكر.
(9) رواه عبد الرزاق والطبراني بسند صحيح عنه.
(10) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «214» رقم «2» .
(11) وفي نسخة (بحمده)(2/150)
وَعَنْ جَابِرٍ «1» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» :
لَا تَجْعَلُونِي كَقَدَحِ الرَّاكِبِ.. فَإِنَّ الرَّاكِبَ يَمْلَأُ قَدَحَهُ «3» ثُمَّ يَضَعُهُ وَيَرْفَعُ مَتَاعَهُ.. فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى شَرَابٍ شَرِبَهُ أَوِ الْوُضُوءِ تَوَضَّأَ وَإِلَّا هَرَاقَهُ «4» .. وَلَكِنِ اجْعَلُونِي فِي أَوَّلِ الدُّعَاءِ، وَأَوْسَطِهِ وَآخِرِهِ..
وَقَالَ ابْنُ عَطَاءٍ «5» لِلدُّعَاءِ أَرْكَانٌ، وَأَجْنِحَةٌ، وَأَسْبَابٌ، وَأَوْقَاتٌ.. فَإِنْ وَافَقَ أَرْكَانَهُ قَوِيَ، وَإِنْ وَافَقَ أَجْنِحَتَهُ طَارَ فِي السَّمَاءِ، وَإِنْ وَافَقَ مَوَاقِيتَهُ فَازَ.. وَإِنْ وَافَقَ أَسْبَابَهُ أَنْجَحَ.
- فَأَرْكَانُهُ: حُضُورُ الْقَلْبِ، وَالرِّقَّةُ، وَالِاسْتِكَانَةُ، وَالْخُشُوعُ، وَتَعَلُّقُ الْقَلْبِ بِاللَّهِ وَقَطْعُهُ مِنَ الْأَسْبَابِ.
- وَأَجْنِحَتُهُ: الصِّدْقُ.
- وَمَوَاقِيتُهُ: الْأَسْحَارُ.
- وَأَسْبَابُهُ: الصَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «154» رقم «1» .
(2) رواه البزار وأبو يعلى والبيهقي في شعب الايمان.
(3) قدح الراكب: اناء صغير من خشب يشرب به.
(4) هراقة: بفتح الهاء صبه، والهاء بدل من الهمزة. وفي نسخة (اهراقه) .
(5) ابن عطاء: أبو العباس احمد بن محمد بن سهل الادمي. وهو من اجل مشايخ الصوفية توفي سنة تسع وثلاثمئة.(2/151)
وَفِي الْحَدِيثِ «1» «الدُّعَاءُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لَا يُرَدُّ» .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «2» «كُلُّ دُعَاءٍ مَحْجُوبٌ دُونَ السَّمَاءِ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّلَاةُ عَلَيَّ صَعِدَ الدُّعَاءُ» .
وَفِي دُعَاءِ ابْنِ عَبَّاسٍ «3» الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ حَنَشٌ «4» فَقَالَ فِي آخِرِهِ «5» : وَاسْتَجِبْ دُعَائِي.. ثُمَّ تَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكِ وَنَبِيِّكِ وَرَسُولِكِ أَفْضَلَ مَا صَلَّيْتَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ أَجْمَعِينَ آمِينَ.
وَمِنْ مُوَاطِنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عِنْدَ ذِكْرِهِ وَسَمَاعِ اسْمِهِ أَوْ كِتَابَتِهِ «6» أَوْ عِنْدَ الْأَذَانِ.
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «7» : «رَغِمَ «8» أَنْفُ رجل ذكرت عنده فلم يصلي
__________
(1) لم يذكر من رواه.
(2) وهو مضمون حديث الترمذي عن عمر.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(4) حنش: هو ابن عبد الله بن عمرو بن حنظلة بن مهد أبو راشد التابعي الصفاني. أحد الداخلين الى الاندلس في صدر الاسلام، وله رواية عن علي وابن عباس وغيرهم.
(5) هذا الحديث لم يرو عنه في الكتب والذي لحنش عن ابن عباس حديث (يا غلام اني اعلمك كلمات احفظ الله يحفظك) الحديث اخرجه الترمذي في الزهد.. وحديث آخر عند ابن ماجه انه عليه السلام قال لابن مسعود (معك ماء؟ قال لا نبيذ في سطيحه) اخرجه ابن ماجة في الطهارة. وليس له عن ابن عباس شيء في بقية الكتب.. والحاصل ان هذا الحديث ليس له أصل.
(6) وفي نسخة (او كتابه)
(7) كما في رواية مسلم عن أبي هريرة. وتتمته (ورغم انف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ فيها قبل ان يغفر له. ورغم أنف رجل ادرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة» ورواه الحاكم وقال: هو صحيح الاسناد.
(8) رغم من الرغام بمعنى التراب والمقصود رغم انف فلان أي اذله الله.(2/152)
عَلَيَّ» وَكَرِهَ ابْنُ حَبِيبٍ «1» ذِكْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الذَّبْحِ «2» .
وَكَرِهَ سَحْنُونٌ «3» الصَّلَاةَ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّعَجُّبِ «4» .
وَقَالَ: لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إِلَّا عَلَى طَرِيقِ الِاحْتِسَابِ وَطَلَبِ الثَّوَابِ وقال أَصْبَغُ «5» عَنِ ابْنِ «6» الْقَاسِمِ: مَوْطِنَانِ لَا يُذْكَرُ فِيهِمَا إِلَّا اللَّهُ الذَّبِيحَةُ وَالْعُطَاسُ فَلَا تَقُلْ فِيهِمَا بَعْدَ ذِكْرِ اللَّهِ.. مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.. وَلَوْ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ على محمد لم يكن
__________
(1) ابن حبيب: هو عبد الملك بن حبيب بن سيمان بن هارون السلمي من ولد عباس بن مرداس الصحابي.. وقيل: عبد الملك بن سليمان. وهو فقيه نحوي طبيب مفسر محدث الا انه لم يكن له نقد ونظر تام في الحديث توفي سنة ثمان أو تسع وثمانين ومئتين.
(2) وهو مذهب مالك. وقال غيره يستحب وانما ذكره لئلا يكون مما اهل به لغير الله والى هذا ذهب الحنفية كما في المحيط.
(3) سحنون: الفقيه المشهور المالكي واسمه عبد السلام بن عبد السلام بن سعد بن حبيب بن حسان التنوخي وهو بمرتبته من الكمال فضلا. وزهدا وسماحة ولد في رمضان سنة ستين او احدى وستين ومئة وتوفي لتسع خلون من رجب سنة اربعين ومئتين وعمره ثمانون سنة كما في الميزان.
(4) أي عند رواية أمر عجيب وهو مذهب مالك. واليه ذهب الشافعية كما فى الاذكار للنووي.
(5) اصبغ: هو ابن فرج بن سعيد بن نافع أبو عبد الله الاموي مولى عمر بن عبد العزيز المصري الفقيه يروي عن ابن وهب والداوردي وطائفة. وعنه البخاري وجماعة.. قال ابن معين: كان اعلم خلق الله برأي مالك.. صدوق عالم ورع توفي سنة خمس وعشرين ومئتين.
(6) ابن القاسم: عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جبارة المصري امام الفقه صاحب الامام مالك وهو ثقة حجة. توفى سنة احدى وتسعين ومئة، وارتحل الى الامام مالك اثنى عشر مرة. أنفق فى كل مرة الف دينار:(2/153)
تسمية له مع الله «1» .
وقال أَشْهَبُ «2» قَالَ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُجْعَلَ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ اسْتِنَانًا «3» .
وَرَوَى النَّسَائِيُّ «4» عَنْ أَوْسِ «5» بْنِ أَوْسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْأَمْرَ بِالْإِكْثَارِ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
وَمِنْ مواطن الصلاة والسلام دخول المسجد «6» .
__________
(1) ولكنه صلاة عليه بقية التقرب الى الله بالصلاة عليه فلا يكره، وعن أبي سعيد الخدري عنه صلّى الله عليه وسلم قال: «من عطس فقال الحمد لله على كل حال وصلّى الله على محمد وعلى أهل بيته أخرج الله عز وجل من منخره الايسر طائرا يقول: اللهم اغفر لقائلها أخرجه الديلمى في الفردوس بسند لا بأس به وعطس رجل عند ابن عمر فحمد الله فقال له: لقد خلت هلا حيث حمدت الله صليت على نبيه ولذا رجح البيهقى استحباب الصلاة عليه عند العطاس، واليه ذهب جماعة وقال الاخرون لا يستحب ولكل موطن ذكر يخصه واستدلوا بحديث لا تذكروني فى ثلاث مواطن عند العطاس والذبيحة والتعجب وروي بعد تسمية الطعام بدل التعجب أخرجه لديلمي في مسنده وفيه من اتهم بالوضع.
(2) اشرب: هو ابن عبد العزيز بن داود ابو عمرو بن القيسي المصري الفقيه ويروي عن الليث ومالك وطائفة، وعنه سحنون وجماعة توفي بعد الشافعي بثمانية عشر يوما وله أربع وستون سنة، اخرج له ابو داود والنسائي.. قال ابن يونس: هو احد فقهاء مصر وذوي رأيها. وقال ابن عبد البر: كان فقيها حسن الرأي والنظر فضله ابن عبد الحكم على ابن القاسم في الرأي.
(3) استنانا: أي سنة وطريقة لأنه تشريع فيما لم ينقل
(4) وابو داود وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه.
(5) اوس بن اوس: الثقفي الصحابي.
(6) والخروج منه كما في الاذكاء للنووي.(2/154)
قال ابو اسحق «1» بْنُ شَعْبَانَ: وَيَنْبَغِي لِمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَنْ يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وَعَلَى آلِهِ وَيَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ، وَيُبَارِكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، وَيُسَلِّمَ تَسْلِيمًا وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغفرلي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ.. وَإِذَا خَرَجَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ وَجَعَلَ مَوْضِعَ رَحْمَتِكَ فَضْلِكَ.
وَقَالَ عَمْرُو «2» بْنُ دِينَارٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ «3» » قَالَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ فَقُلْ السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ.. السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
قَالَ «4» ابْنُ عَبَّاسٍ»
: الْمُرَادُ بِالْبُيُوتِ هُنَا الْمَسَاجِدُ.
وَقَالَ النَّخَعِيُّ «6» : إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ أَحَدٌ فَقُلْ: السَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ فَقُلْ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصالحين.
__________
(1) ابو اسحق بن شعبان: المصري المالكي وقد تقدم. هو محمد قاسم المصري.
(2) عمرو بن دينار: هو أبو محمد مولى قيس الامام المكي التابعي توفي في سنة ست وعشرين ومائه وله ترجمة في الميزان.
(3) سورة النور آية «61» .
(4) فيما رواه عند ابن أبي حاتم.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «361» رقم «11» .(2/155)
وَعَنْ عَلْقَمَةَ «1» : إِذَا دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ أَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَمَلَائِكَتُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ.
وَنَحْوُهُ عَنْ كَعْبٍ «2» : إِذَا دَخَلَ وَإِذَا خَرَجَ وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّلَاةَ.
وَاحْتَجَّ ابْنُ شَعْبَانَ «3» لِمَا ذَكَرَهُ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ «4» بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «5» أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يَفْعَلُهُ.. إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ.
وَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ «6» بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَذَكَرَ السَّلَامَ والرحمة وقد ذكر هَذَا الْحَدِيثَ آخِرَ الْقِسْمِ وَالِاخْتِلَافَ فِي أَلْفَاظِهِ.
ومن مواطن الصلاة عليه الصلاة «7» على الجنائز. وذكر عن «8»
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «545» رقم «5» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «58» رقم «3» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «155» رقم «1» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «630» رقم «12» .
(5) أخرج حديثها الترمذي في الصلاة وفيه ارسال فاطمة بنت الحسين. ولم يذكر فَاطِمَةَ بِنْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأخرجه ابن ماجة في الصلاة أيضا.
(6) أبو بكر بن عمرو بن حزم: وهو محمد بن عمرو بن حزم قاضي المدينة وأميرها ولد قبل وفاة النبي صلّى الله عليه وسلم بسنتين فسماه صلّى الله عليه وسلم محمدا. وقيل: انه ولد بنجران وأبوه عامل عليها من قبله صلّى الله عليه وسلم في سنة عشر من الهجرة فسماه أبو سليمان. وكتب بذلك الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأمره ان يسميه محمدا ويكنيه بعبد الملك ففعل. وتوفي سنة عشرين ومئة واخرج له الستة.
(7) وهو عند الشافعي من أركانها بعد التكبيرة الثانية، ويقرأ بعد الاولى سورة الفاتحة
(8) رواه النسائي بسند صحيح.(2/156)
أَبِي «1» أُمَامَةَ: أَنَّهَا مِنَ السُّنَّةِ.
وَمِنْ مَوَاطِنِ الصَّلَاةِ الَّتِي مَضَى عَلَيْهَا عَمَلُ الْأُمَّةِ وَلَمْ تُنْكِرْهَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ فِي الرَّسَائِلِ، وَمَا يُكْتَبُ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَأُحْدِثَ عِنْدَ وِلَايَةِ بَنِي هَاشِمٍ، فَمَضَى بِهِ عَمَلُ النَّاسِ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ.. وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتِمُ بِهِ أَيْضًا الْكُتُبَ.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ فِي كِتَابٍ لَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تَسْتَغْفِرُ لَهُ مَا دَامَ اسْمِي فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ» .
وَمِنْ مَوَاطِنِ السَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَشَهُّدُ الصلاة.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ «3» عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» قَالَ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عليك أيها النبي
__________
(1) ابو أمامة: قال الحلبي: أبو أمامة هذا الظاهر انه سعد بن سهل بن حنيف بن واهب بن الحكم بن ثعلبة ابو امامة الانصاري. ولد في زمان رسول الله صلّى الله عليه وسلم وسماه عليه السلام وكناه وبرك عليه، وحديثه مرسل. وروي عن عمر. وعنه: الزهري ويحي بن سعد وخلق. توفى سنة مئة وأخرج له الستة.
(2) رواه الطبراني في الاوسط بسند حسن والخطيب في شرف اصحاب الحديث وأبو الشيخ في الثواب والمستغفري وصاحب الترغيب بسند ضعيف وأورده ابن الجوزي في الموضوعات، وقال ابن كثير إنه لم يصح.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «214» رقم «2» .
(4) وقد رواه اصحاب الكتب الستة عنه.(2/157)
وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.. السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) هَذَا أَحَدُ مَوَاطِنِ التَّسْلِيمِ عَلَيْهِ وَسُنَّتُهُ أَوَّلُ التَّشَهُّدِ.
وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ «1» عَنِ ابْنِ عُمَرَ «2» أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ: إِذَا فَرَغَ مِنْ تَشَهُّدِهِ وَأَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ.
وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ «3» أَنْ يُسَلِّمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ قَبْلَ السَّلَامِ «4» .
قَالَ مُحَمَّدُ «5» بْنُ مَسْلَمَةَ: أَرَادَ مَا جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ «6» وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ عِنْدَ سَلَامِهِمَا.. السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.. السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ.
وَاسْتَحَبَّ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنْ يَنْوِيَ الْإِنْسَانُ حِينَ سَلَامِهِ «7» كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ والأرض من الملائكة، وبني آدم، والجن.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «180» رقم «1» .
(3) اسم كتاب له وفي نسخة (المبسوطة) .
(4) قال الدلجي: وليس هذا من مشهور مذهبه.
(5) محمد بن مسلمة: وهو محمد بن مسلمة بن هشام بن الوليد بن المغيرة توفي سنة ست عشرة ومئتين.
(6) تقدمت ترجمته في ج ص «146» رقم «5» .
(7) وفي نسخة (عند سلامه)(2/158)
قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَأُحِبُّ لِلْمَأْمُومِ إِذَا سَلَّمَ إِمَامُهُ أَنْ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.. السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ الله الصالحين.. السلام عليكم..(2/159)
الفصل الرابع كيفية الصّلاة عليه والتسليم
عن أبي حُمَيْدٍ «1» السَّاعِدِيُّ: أَنَّهُمْ قَالُوا «2» : يَا رَسُولَ اللَّهِ..
كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: قُولُوا «3» : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ.. وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ «4» عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ «5» الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قُولُوا:
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وبارك
__________
(1) أبو حميد الساعدي: هو عبد الرحمن بن عمرو بن سعد وقيل: المنذر بن سعد وهو خزرجي مدني له صحبة، أخرج له الستة وأحمد في مسنده. وتوفى في حدود الستين
(2) الحديث اخرجه القاضي من موطأ لعلو السند لان بينه وبين مالك فيه ستة أشخاص من غير اجازة في الطريق.
(3) يستدل الشافعية به على فرضية الصلاة عليه في الصلاة.. لان الأصل في الأمر الوجوب. والاجماع قد قام على عدم وجوبها في غير الصلاة.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «199» رقم «4» .(2/160)
عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.. وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عُلِّمْتُمْ..
وَفِي رِوَايَةِ «1» كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ «2» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ.. وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ.. إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
وَعَنْ عُقْبَةَ «3» بْنِ عَمْرٍو فِي حَدِيثِهِ «4» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ..
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ «5» الْخُدْرِيِّ «6» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عبدك ورسولك.. وذكر معناه.
عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ»
قَالَ: عَدَّهُنَّ «8» فِي يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) رواية الأئمة الستة.
(2) كعب بن عجرة: هو ابو محمد. او أبو عبد الله، أو ابو اسحق من بني سالم بن عوف او من غيرهم صحابي شهد بيعة الرضوان وتوفي سنة اثنتين او احدى وخمسين، واخرج له الستة وغيرهم روى عنه الشعبي وابن سيرين وغيرهما. وهذا الحديث رواه عنه الأئمة الستة مرفوعا.
(3) عقبة بن عمرو: عبد الله الانصاري الصحابي توفي في المدينة سنة احدى وأربعين في ايام علي أو معاوية، وكان علي استخلفه على الكوفة لما خرج لصفين.
(4) الذي رواه احمد وابن حبان والدارقطني والبيهقي ومسلم بدون لفظ (النبي الامي)
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «63» رقم «1» .
(6) اخرجه الحاكم بسند في بعض رجاله كلام.. ورواه البخاري ايضا أورده من طريق آخر مسلسل وهو هنا (العد باليد) .
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «54» رقم «4» .
(8) عدهن: أي الكلمات الانية فالضمير مبهم مفسر بما بعده.(2/161)
وَقَالَ: عَدَّهُنَّ فِي يَدِي جِبْرِيلُ. وَقَالَ: هَكَذَا نَزَلَتْ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْعِزَّةِ.. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ محمد كما باركت على إبراهيم وعلى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ وَتَرَحَّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا تَرَحَّمْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ وَتَحَنَّنْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا تَحَنَّنْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إنك حميد مجيد، وسلم على محمد وعلى آل محمد كما سلمت عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ «1»
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «2» عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» . مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ الْأَوْفَى إِذَا صَلَّى عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فليقل: اللهم صلّى على
__________
(1) قال السبوطي في الجامع الكبير: قال الحاكم هكذا بلغنا هذا الحديث واسناده ضعف واخرجه الديلمي وابن منده والترمذي وقال العراقي: ضعيف جدا.. وعمرو ابن خالد كذاب وضاع، وكذا ابن مساور وحرب بن الحسن اورده الأزدي في الضعفاء وقال: حديثه لبس بذلك!. وقال ابن حجر في اماليه: اعتقادي انه موضوع.. وفي سنده ثلاثة ضعفاء وبعضهم من نسب الى الوضع والكذب. قلت: وجدت له متابعات تجبره وان لم يخل من الضعف. ووجدت له طريقا آخر عن أنس في مسنده، وذكر البرهان أنه رواه مسندا أيضا فتعدد هذه الطرق يقتضي انه غير موضوع غاية ما يقال فيه انه ضعيف فاعرفه، وقد علمت ان الحديث مسلسل وتقدم ان المسلسل ما توارد رواته على حالة واحدة او صفة في اسناده او صيغ أدائه.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «31» رقم «5» .
(3) كما رواه ابو داود والطبراني وهو حديث صحيح.(2/162)
مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَأَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ بيته كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
وَفِي رِوَايَةِ «1» زَيْدِ بْنِ «2» خَارِجَةَ الْأَنْصَارِيِّ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: صَلُّوا وَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، ثُمَّ قُولُوا: اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
وَعَنْ سَلَامَةَ الْكِنْدِيِّ «3» : كَانَ عَلِيٌّ «4» يُعَلِّمُنَا «5» الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم «6» : اللهم داحي المدحوات «7» وبارىء «8» المسموكات «9»
__________
(1) رواه الديلمي في الفردوس، وأبو نعيم والنسائي والطحاوي والبغوي.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «616» رقم «3» .
(3) سلامة الكندي: هو سلامة بن قيصر الحضرمي التابعي ذكره ابن حبان في الثقات
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «61» رقم «4» .
(5) وفي رواية (يعلم الناس) وهي من رواية ابن كثير في تفسيره عن طريق سعيد بن منصور.
(6) والحديث موقوف وقد صح سنده. قال الدلجي لكن اعل وان صحح سنده بأن روايته عنه مرسلة اذ لم يدرك عليا.. اهـ.. وهو مردود بما ذكره ابن حبان انه روى عن علي وروى عنه نوح بن قيس الطاحي.. اهـ.. ومثل هذا لا يقال في الارسال.. ثم رأيت ان الشيخ ابن كثير في تفسيره يقول: روينا من طريق سعيد ابن منصور وزيد بن الحباب ويزيد بن هارون ثلاثتهم عن نوح بن قيس. حدثنا سلامة الكندي ان عليا كان يعلم الناس. (الحديث) .
(7) وروي (المدحيات) ودحى بمعنى بسط قال تعالى «والارض بعد ذلك دحاها سورة النازعات آية «30» .
(8) بارىء: اسم فاعل من برأ بمعنى خلق على غير مثال. وروي (سامك) بدل بارىء.
(9) المسموكات: بمعنى المرفوعات، والمراد بها السماوات.(2/163)
اجْعَلْ شَرَائِفَ «1» صَلَوَاتِكَ، وَنَوَامِيَ «2» بَرَكَاتِكَ، وَرَأْفَةَ تَحَنُّنِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، الْفَاتِحِ لِمَا أُغْلِقَ، وَالْخَاتَمِ لِمَا سَبَقَ، وَالْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ، وَالدَّامِغِ لِجَيْشَاتِ «3» الْأَبَاطِيلِ، كَمَا حُمِّلَ فَاضْطَلَعَ بِأَمْرِكَ لِطَاعَتِكَ، مُسْتَوْفِزًا «4» فِي مَرْضَاتِكَ، وَاعِيًا لِوَحْيِكَ، حَافِظًا لِعَهْدِكَ، مَاضِيًا عَلَى نَفَاذِ أَمْرِكَ، حَتَّى أَوْرَى «5» قَبَسًا «6» لِقَابِسٍ آلَاءُ «7» اللَّهِ، تَصِلُ بِأَهْلِهِ أَسْبَابَهُ، بِهِ هديت القلوب بعد خوضات «8» الفتن والإثم، وأنهج «9» موضحات «10» الأعلام «11» ،
__________
(1) شرائف: جمع شريفة وهي العالية رفيعه المقدار.
(2) نوامي: زيادات.
(3) جيشات: جمع جيشة وهي المرة من جاش يجيش اذا فار وارتفع.
(4) مستوفزا: حال من الضمير في حمل أو اضطلع. والاستيفاز الوثوب والانتصاب من قعود. والمراد هنا أي مسرعا مستعجلا في ما أمرته به.
(5) أورى: الزند قدحه لخروج النار شررا توقد منه.
(6) القبس: ما يتناول من الشعلة. (لعلي آتيكم بقبس أو اجد على النار هدى) سورة طه آية (10) والمراد أن النبي صلّى الله عليه وسلم لم يزل مجاهدا قائما على الحق حتى أظهره الله أبلج نيرا فاهتدى بنوره من كان في ظلمات الجهالة وقوله لقابس أي لقابل وطالب للحق.
(7) آلاء: جمع الى وفيه لغات بكسر الهمزة وبفتحها وبالتنوين فيهما والخامسة إلي بكسر فسكون فتنوين ومعناها النعم الالهية والسعادة الابدية في الدارين بواسطته صلّى الله عليه وسلم.
(8) خوضات: جمع خوضة وهي المرة من الخوض وهو الدخول في الماء ويستعار للدخول في كل أمر يذم.
(9) انهج: أي فتح نهجا وهو الطريق وفي نسخة (ابهج) بمعنى انار واشرق.
(10) موضحات: جمع موضحة اسم فاعل من الايضاح وهو الكشف والبيان.
(11) الاعلام: جمع علم وهو العلامة. أي صارت القلوب بما رزقت من الهداية منشورات الاعلام.(2/164)
وَنَائِرَاتِ «1» الْأَحْكَامِ، وَمُنِيرَاتِ «2» الْإِسْلَامِ فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ، وَخَازِنُ عِلْمِكَ الْمَخْزُونِ وَشَهِيدُكَ «3» يَوْمَ الدِّينِ، وَبَعِيثُكَ «4» نعمة، ورسولك بالحق رحمة.. اللهم افسخ لَهُ فِي عَدْنِكَ «5» ، وَاجْزِهِ مُضَاعَفَاتِ الْخَيْرِ مِنْ فَضْلِكَ، مُهَنَّئَاتٍ «6» لَهُ غَيْرَ مُكَدَّرَاتٍ.
مِنْ فَوْزِ ثَوَابِكَ الْمَحْلُولِ «7» ، وَجَزِيلِ عَطَائِكَ الْمَعْلُولِ» .
اللَّهُمَّ أَعْلِ عَلَى بِنَاءِ النَّاسِ بِنَاءَهُ، وَأَكْرِمْ مَثْوَاهُ لَدَيْكَ ونزله، وأتم له نوره، وأجزه من اتبعائك لَهُ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ، وَمَرَضِيَّ الْمَقَالَةِ، ذَا مَنْطِقٍ عدل، وخطة «9» فصل «10» ، وبرهان عظيم «11» .
__________
(1) نائرات الاحكام: جمع نائرة اسم فاعل من النور والضياء من نار لازم بمعنى ظهر والفتح والاحكام أحكام الشريعة من الحلال والحرام وغيرهما.
(2) منيرات الاسلام: أي مظهرات أحكامه.
(3) شهيد: فعيل بمعنى فاعل: أي شاهد.
(4) بعيث: فعيل بمعنى مفعول. اي مبعوثك.
(5) عدنك: عدن بسكون الدال اسم للجنة ومعناها دار الاقامة والخلود. من عدن بمعنى اقام.
(6) مهنئات: جمع مهنأة بتشديد النون اسم مفعول من الهنىء وهو السائغ. وكل ما أتى من غير تضييق وتعب وهو حال من (مضاعفات) .
(7) المحلول: اسم مفعول من حل المكان إذا نزل أي الكائن في الجنة.
(8) المعلول: المضاعف من العلل وهو الشرب مرة بعد اخرى. ويقابله النهل وهو الشرب مرة. قال كعب: كأنه منهل بالراح منهول. فشبه عطاءه بمنهل عذب يرده العطاش. فهو استعارة والمراد أنه كثير لا ينقطع.
(9) خطة: بضم الخاء وتشديد الطاء وهي الامر والشأن.
(10) فصل: الفاصل بين الحق والباطل.
(11) وزاد أبو بكر في رواية فيها مجهول: (اللهم اجعلنا سامعين مطيعين، وأولياء مخلصين، ورفقاء مصاحبين. اللهم ابلغه منا السلام، واردد عليه منا السلام..) .(2/165)
وَعَنْهُ «1» أَيْضًا فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ على النبي «3» ..» الْآيَةَ لَبَّيْكَ «4» اللَّهُمَّ رَبِّي وَسَعْدَيْكَ «5» .. صَلَوَاتُ اللَّهِ الْبَرِّ الرَّحِيمِ، وَالْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَالنَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ، وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَمَا سَبَّحَ لَكَ مِنْ شَيْءٍ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، وَسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ، وَرَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الشَّاهِدِ الْبَشِيرِ، الدَّاعِي إِلَيْكَ بِإِذْنِكَ، السِّرَاجِ الْمُنِيرِ، وَعَلَيْهِ السَّلَامُ «6» .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ «7» .. اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ، وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ، مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، إِمَامِ الْخَيْرِ وَرَسُولِ الرَّحْمَةِ.. اللَّهُمَّ ابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا يَغْبِطُهُ «8» فِيهِ الْأَوَّلُونَ والاخرون، اللهم صل على محمد وعلى
__________
(1) أي عن علي أيضا.
(2) قال الحافظ السخاوي: انه لم يقف على أصله.
(3) سورة الاحزاب (56) أي وتلا الاية كلها لتقع الجملة بعدها امتثالا لأمر الله
(4) لبيك: أي اجابة بعد اجابة.
(5) سعديك: أي اسعادا بعد اسعاد في طاعتك
(6) كما رواه ابن ماجة والبيهقي في شعب الايمان.
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «204» رقم «2» .
(8) يغبطه: أي يتمنى. والغبطة هي تمني النعمه دون تمني زوالها عن غيره.(2/166)
آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
وَكَانَ الْحَسَنُ «1» الْبَصْرِيُّ يَقُولُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْرَبَ بِالْكَأْسِ الْأَوْفَى مِنْ حَوْضِ الْمُصْطَفَى فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ «2» وَأَصْحَابِهِ وَأَوْلَادِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَأَصْهَارِهِ وَأَنْصَارِهِ وَأَشْيَاعِهِ وَمُحِبِّيهِ وَأُمَّتِهِ وَعَلَيْنَا مَعَهُمْ أَجْمَعِينَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
وَعَنْ طَاوُسٍ «3» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «4» أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ «5» : اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ شَفَاعَةَ مُحَمَّدٍ الْكُبْرَى وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ الْعُلْيَا وَآتِهِ سُؤْلَهُ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى كَمَا آتَيْتَ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى..
وَعَنْ وُهَيْبِ «6» بْنِ الْوَرْدِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُحَمَّدًا أَفْضَلَ مَا سَأَلَكَ لِنَفْسِهِ، وَأَعْطِ مُحَمَّدًا أَفْضَلَ مَا سَأَلَكَ له أحد من
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «60» رقم «8» .
(2) ويروي (وعلى آل محمد) .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «196» رقم «3» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(5) في رواية عبد بن حميد وعبد الرزاق بسند جيد، واسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس.
(6) وهيب بن الورد وفي بعض النسج (وهب) ، ويقال: ابن أبي الورد المخزومي المكي الزاهد الثقة مولاهم، واسمه عبد الوهاب. ووهيب لقبه وكنيته أبو عثمان. روى عن عطاء مرسلا. وغيره. ورى عنه كثير. واخرج له مسلم واصحاب السنن، وله احاديث ومواعظ، توفي سنة ثلاث وخمسين ومئة.(2/167)
خلقك، وأعط محمدا أفضل ما أنت مسؤول لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ «1» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ «2» : إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْسِنُوا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ لَعَلَّ ذَلِكَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ وَقُولُوا: اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَبَرَكَاتِكَ عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ، وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ، مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، إِمَامِ الْخَيْرِ وَقَائِدِ الْخَيْرِ وَرَسُولِ الرَّحْمَةِ. اللَّهُمَّ ابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا يَغْبِطُهُ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ.. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ على آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ.. إِنَّكَ حميد مجيد.
وما يؤثر من تَطْوِيلِ الصَّلَاةِ وَتَكْثِيرِ الثَّنَاءِ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِمْ كَثِيرٌ.
وَقَوْلُهُ «3» وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ.. هو ما علّمهم فِي التَّشَهُّدِ مِنْ قَوْلِهِ «السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «214» رقم «2» .
(2) رواه عنه ابن ماجه والبيهقي، والديلمي، والدارقطني.
(3) قوله أي قول ابن مسعود.. موقوفا او مرفوعا.(2/168)
وَفِي تَشَهُّدِ «1» عَلِيٍّ: السَّلَامُ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ السَّلَامُ عَلَى رسول الله، السَّلَامُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ. مَنْ غَابَ مِنْهُمْ ومن شهد.. اللهم اغفر لأهل بيته، واغفرلي وَلِوَالِدَيَّ «2» وَمَا وَلَدَا وَارْحَمْهُمَا..
السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
جَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَلِيٍّ: الدُّعَاءُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغُفْرَانِ وَفِي حَدِيثِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عَنْهُ أَيْضًا قَبْلَ الدُّعَاءِ لَهُ بِالرَّحْمَةِ وَلَمْ يَأْتِ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ الْمَعْرُوفَةِ.
وَقَدْ ذَهَبَ أَبُو عُمَرَ «3» بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ، إِلَى أَنَّهُ لَا يُدْعَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّحْمَةِ، وَإِنَّمَا يُدْعَى لَهُ بِالصَّلَاةِ وَالْبَرَكَةِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِهِ، وَيُدْعَى لِغَيْرِهِ بِالرَّحْمَةِ والمغفرة.
__________
(1) روى التشهد من روايات كثيرة صحيحة ومعروفة ومسندة وهذا غير معروف سنده.
(2) أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وهي اول هاشمية ولدت هاشميا.. أسلمت وتوفيت في المدينة وكفنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قميصة، واضطجع في قبرها وقال: جزاك الله من أم خيرا.. لانها ربته واحسنت صنيعها معه.. كما ذكره الطبري (في الرياض النضرة) .. وانما اضطجع في قبرها ليخفف عنها ضغطة القبر كما صرح به في الحديث.. وأبو طالب توفي كافرا على بعض الروايات فكيف يستغفر له وقد نهي عن الاستغفار للمشركين!. وارتضى السهيلي. ان استغفار علي لأبويه بناء على اسلامهما.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «30» رقم «4» .(2/169)
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدِ «1» بْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
اللَّهُمَّ ارْحَمْ مُحَمَّدًا وَآلَ مُحَمَّدٍ، كَمَا تَرَحَّمْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ وَلَمْ يَأْتِ هَذَا فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ «2» وَحُجَّتُهُ قَوْلُهُ فِي السَّلَامِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وبركاته.
__________
(1) ابو محمد بن أبي زيد: الامام في مذهب مالك صاحب الرسالة المشهورة.
(2) قال الدلجي: اذ ما ورد بزيادتهما كله ضعيف.. وفيه: انه يعمل بالضعيف في فضائل الاعمال وانما يحتاج الى الحديث الصحيح او الحسن في الاحكام من الاقوال.. وقد ذكر النووي في شرح مسلم المختار ان الرحمة لا تذكر- وهذا مسلم لانه خلاف الاولى- وقد جزم في الاذكار بأنها بدعة ويقول القاري بان ما ورد من بعض الطرق ولو ضعيفا لا يعد بدعة لا سيما وهي لا تنافي السنة.(2/170)
الفصل الخامس فضيلة الصّلاة والسّلام عليه والدّعاء له
عن عبد الله «1» بن عمر قال «2» : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا.. ثُمَّ سَلُوا لِي الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ.. فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ..
وَرَوَى «3» أَنَسُ بْنُ «4» مَالِكٍ.. أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحَطَّ عَنْهُ عَشْرَ خَطِيئَاتٍ، وَرَفَعَ لَهُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ. وَفِي رِوَايَةٍ «5» وكتب له عشر حسنات..
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «1» .
(2) أسنده من طريق النسائي وهو عند مسلم وأبو داود والترمذي.
(3) كما في شعب الايمان للبيهقي بلفظه والنسائي والحاكم نحوه.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «47» رقم «1» .
(5) رواه أبو يعلى.(2/171)
وَعَنْ «1» أَنَسٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ جِبْرِيلَ نَادَانِي فَقَالَ: مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا، وَرَفَعَهُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ..
وَمِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ»
بْنِ عَوْفٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» : لَقِيتُ جِبْرِيلَ فَقَالَ لِي: إِنِّي أُبَشِّرُكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: مَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلَّيْتُ عَلَيْهِ «4» ..
وَنَحْوَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ «5» وَمَالِكِ «6» بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ،
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة في مسنده.
(2) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «122» رقم «8» .
(3) كما رواه الحاكم والبيهقي وصححها.
(4) الحديث صحيح روي من طرق، وسببه أن عبد الرحمن بن عوف كان يلازم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ويخدمه ليلا ونهارا فاتبعه ليلة وقد خرج من منزله فدخل حائطا وسجد سجودا طويلا حتى ظن انه قبض روحه. فبكى.. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم مالك؟ .. فأخبره بما خطر بباله.. فقال له: جاءني جبريل وأخبرني بان الله يقول لي من سلم عليك سلمت عليه، ومن صلّى عليك صليت عليه فسجدت شكرا له.. وهو حديث صحيح المتن والسند وقال الحاكم: لا أعلم في سجدة الشكر أصح منه
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «31» رقم «5» .
(6) مالك بن اوس بن الحدثان: وهو هوازني مخضرم، أدرك الجاهلية والاسلام، واخرج له الستة. واختلف فيه هل هو صحابي رأى النبي صلّى الله عليه وسلم وروى عنه أحاديث مرفوعة، او تابعي روايته مرسلة.. والاصح عند الذهبي وغيره انه تابعي وتوفي سنة اثنين وتسعين. والحديث هذا رواه عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه انه صلّى الله عليه وسلم خرج يتبرز ولم يجد من يتبعه ففزع عمر واتبعه بمظهره فوجده ساجدا في شربة فتنحى عنه حتى رفع رأسه فقال له: أحسنت يا عمر- لتنحيته عنه تادبا- ثم قال لي: ان جبريل أتاني فقال: من صلّى عليك واحدة صلّى الله عليه عشرا ورفعه عشر درجات) اخرجه البخاري في الأدب وغيره.(2/172)
وَعُبَيْدِ «1» اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ. وَعَنْ زَيْدِ «2» بْنِ الْحُبَابِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَنْزِلْهُ الْمَنْزِلَ الْمُقَرَّبَ عِنْدَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي..
وَعَنِ «3» ابْنِ مَسْعُودٍ «4» : أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «5» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «6» : مَنْ صَلَّى عَلَيَّ فِي كِتَابٍ لَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تَسْتَغْفِرُ لَهُ مَا بَقِيَ «7» اسْمِي فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ.
وَعَنْ عَامِرِ «8» بْنِ رَبِيعَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «9» :
__________
(1) عبيد الله بن أبي طلحة: الانصاري. وعبيد الله بالتصغير. وفي نسخة (عبد الله) مكبرا. قال البرهان وهو الاصح. بل الصواب.. وهو عبد الله بن أبي طلحة زيد بن سهل الانصاري اخو أنس لأمه ووالد اسحق واخويه وهو تابعي له رواية توفي في زمن الوليد وحنكه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وسماه. وحديثه رواه احمد والحاكم وابن حبان والنسائي.
(2) زيد بن الحباب: هو ابو الحسين الحافظ الخراساني توفي سنة ثلاث ومائتين. فزيد هذا ليس من الصحابة ولا من التابعين. فقوله (سمعت) وهم او سقط من الكاتب وهذا الحديث رواه ابن الحباب عن ابن لهيعة عن بكر بن سوادة عن زياد بن نعيم عن ابن شريح الحضرمي عن رويفع بن ثابت الصحابي عنه صلّى الله عليه وسلم.. ولا يعلم لماذا حذف المصنف السند وأسند السماع الى زيد ابن الحباب.
(3) حديث صحيح رواه الترمذي وابن حبان.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «214» رقم «2» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «30» رقم «5» .
(6) رواه الطبراني في الاوسط وابو الشيخ في الثواب بسند ضعيف لكنه يعتبر في هذا الباب.
(7) ويروى (ما دام) .
(8) عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك حليف الخطاب صحابي مشهور أسلم قديما وهاجر وشهد بدرا ومات ليالي قتل عثمان.
(9) رواه احمد وابن ماجة والطبراني في الاوسط بسند حسن.(2/173)
مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ مَا صَلَّى عَلَيَّ.. فَلْيُقْلِلْ مِنْ ذَلِكَ عَبْدٌ أَوْ لِيُكْثِرْ..
وَعَنْ «1» أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «2» : كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ربع «3» الليل قام فقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ.. جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ «4» تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ «5» .. جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ.. فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟.
فقال: مَا شِئْتَ.. قَالَ: الرُّبُعَ؟! قَالَ: مَا شِئْتَ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ.. قَالَ: الثُّلُثَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ..
قَالَ: النِّصْفَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ.. قَالَ الثُّلُثَيْنِ؟
قَالَ: مَا شِئْتَ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ.. قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَجْعَلُ صَلَاتِي كُلَّهَا لَكَ؟!. قَالَ: إِذًا تُكْفَى «6» ويغفر ذنبك..
__________
(1) رواه الترمذي وحسنه.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «581» رقم «3» .
(3) وفي رواية المصابيح (اذا ذهب ثلثا الليل) .
(4) الراجفة: من الرجفة وهي الحركة بشدة والرعدة معها صوت واضطراب ولذا قيل للبحر رجاف والمراد بالراجفة هنا ما يكون بين يدي الساعة من الفتن والهرج والمرج والزلازل.
(5) الرادفة: من ردف بمعنى تبع والمراد الساعة أو الصيحة أو النفخة أو زلزلة أخرى والمراد اخبارهم بقرب الساعة وأشراطها.
(6) وفي رواية (تكفي همك) .(2/174)
وَعَنْ «1» أَبِي طَلْحَةَ «2» : دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُ مِنْ بِشْرِهِ وَطَلَاقَتِهِ ما لم أره قط، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِي؟!! وَقَدْ خَرَجَ جِبْرِيلُ آنِفًا فَأَتَانِي بِبِشَارَةٍ مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، إن الله تعالى بَعَثَنِي إِلَيْكَ أُبَشِّرُكَ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أمتك يصلي عليك إلا صلّى الله عَلَيْهِ وَمَلَائِكَتُهُ بِهَا عَشْرًا.
وَعَنْ جَابِرِ «3» بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» : مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا «5» مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ..
وَعَنْ «6» سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ «7» : مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ:
وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأن محمدا عبده ورسوله رضيب بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا غُفِرَ له.
__________
(1) رواه النسائي وابن حبان والبيهقي في شعب الايمان بسند صحيح.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «438» رقم «3» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «54» رقم «1» .
(4) في حديث رواه البخاري.
(5) وروي (المقام المحمود) بالتعريف كما قاله النووي.
(6) في حديث صحيح رواه مسلم.
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «205» رقم «1» .(2/175)
وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ «1» أَنَّ «2» النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ سَلَّمَ عَلَيَّ عَشْرًا فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَ رَقَبَةً.
وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ لَيَرِدَنَّ عليّ أفوام مَا أَعْرِفُهُمْ «3» إِلَّا بِكَثْرَةِ صَلَاتِهِمْ عَلَيَّ وَفِي آخَرَ «4» : إِنَّ أَنْجَاكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَهْوَالِهَا وَمَوَاطِنِهَا أَكْثَرُكُمْ عَلَيَّ صَلَاةً.
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ «5» الصِّدِّيقِ: الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْحَقُ لِلذُّنُوبِ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ لِلنَّارِ، السلام عليه أفضل من عتق الرقاب» .
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «23» رقم «1» .
(2) في حديث منقطع.
(3) ويروى (لا أعرفهم) .
(4) رواه الاصبهاني في ترغيبه عن أنس..
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «156» رقم «6» .
(6) رواه الاصبهاني في ترغيبه بلفظ (الصلاة عليه افضل من عتق الرقاب، وحبه عليه الصلاة والسلام أفضل من مهج الانفس أو من ضرب السيف في سبيل الله.) وفي الجامع الصغير (الصلاة علي نور على الصراط.. فمن صلّى علي يوم الجمعة ثمانين مرة غفرت له ذنوب ثمانين عاما) على ما رواه الطبراني والدارقطني في الافراد عن أبي هريرة رضي الله عنه.(2/176)
الفصل السّادس ذَمِّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلّم واثمه
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «1» قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : رَغِمَ «3» أَنْفُ رَجُلٍ ذكرت عنده فلم يصل عليّ.. رغم أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ «4» قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ. وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ.
قَالَ عبد الرحمن «5» وأظنه قال «6» - أو أحدهما-
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «31» رقم «5» .
(2) الحديث مسند رواه الترمذي.
(3) رغم: أصله لصق انفه بالرغام وهو التراب كناية عن الذل. والانف اعز عضو عند العرب.
(4) انسلخ: اصل الانسلاخ نزع جلد الحيوان ثم استعير لمجرد الخروج. أو للخروج مع شيء من الكراهية والالم.. (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها) سورة الاعراف آية «175» .
(5) عبد الرحمن: بن اسحق، بن عبد الله بن الحارث بن كنانة القرشي العامري المدني ويقال له عباد بن اسحق وثقوه وضعفه بعضهم وله ترجمة في الميزان.
(6) القائل اما رسول الله صلّى الله عليه وسلم أو ابو هريرة.(2/177)
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «1» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ «2» فَقَالَ: آمِينَ ثُمَّ صَعِدَ فَقَالَ: آمِينَ، ثُمَّ صَعِدَ فَقَالَ: آمِينَ، فَسَأَلَهُ مُعَاذٌ «3» عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ.. مَنْ سُمِّيتَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ قُلْ: آمِينَ فَقُلْتُ: آمِينَ وَقَالَ فِيمَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ فَمَاتَ مِثْلَ ذَلِكَ.. وَمَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يَبِرَّهُمَا فَمَاتَ مِثْلَهُ.
وَعَنْ عَلِيِّ «4» بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «5» : الْبَخِيلُ «6» الَّذِي ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يصل علي..
__________
(1) رواه الحاكم وصححه عن كعب بن عجرة بطريق اطول من هذا كما رواه الطبراني عن ابن عباس، وانس، وعبد الله بن الحارث بن جزء وكعب بن عجرة، ومالك بن الحويرث، ورواه البزار عن جابر بن سمرة، وأبي هريرة، وعمار بن ياسر. قال ابن حجر في الزواجر: ولهذا الوعيد بتكرير الدعاء عليه بالبعد والحق، وعده أبخل الناس عدوا ترك الصلاة عند ذكره من الكبائر بناء على وجوبه كلما سمع ذكره كما ذهب اليه طائفة من الحنفية وغيرهم، ويمكن حمله على من ترك الصلاة لاشتغاله بلهو ولعب على وجه يشعر بالاستخفاف بحقه صلّى الله عليه وسلم فيكون الترك حينئذ كبيرة مفسقة فلا منافاة بين هذا وبين القول المتقدم بالوجوب.
(2) المنبر: مفعل بكسر الميم اسم آلة من نبر أي ارتفع.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «379» رقم «3» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «54» رقم «4» .
(5) حديث صحيح رواه الترمذي والبيهقي والنسائي رحمهم الله.
(6) تعريف البخيل ب (ال) ملائكة يفيد حصره أي لا بخيل الا هذا، والبخل هو الامساك عن بذل ما ينبغي شرعا أو مروءة.(2/178)
وَعَنْ جَعْفَرِ «1» بْنِ مُحَمَّدٍ «2» عَنْ أَبِيهِ «3» قَالَ «4» : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من ذكرت عنده فلم يصل علي أخطيء بِهِ طَرِيقُ الْجَنَّةِ..
وَعَنْ عَلِيِّ «5» بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «6» قَالَ:
إِنَّ الْبَخِيلَ كُلَّ «7» الْبَخِيلِ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «8» قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم «9» : أيّما «10» قوم جلسوا ثُمَّ تَفَرَّقُوا قَبْلَ أَنْ يَذْكُرُوا اللَّهَ وَيُصَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ عَلَيْهِمْ مِنَ اللَّهِ تِرَةٌ «11» إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وإن شاء غفر لهم..
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «55» رقم «6» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «55» رقم «6» .
(3) ابوه: محمد الباقر وهو تابعي.
(4) فالحديث مرسل كما في شعب الايمان للبيهقي.. ورواه الطبراني في الكبير متصلا عن الحسين بن علي جده.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «54» رقم «4» .
(6) الحديث اخرجه البخاري في تاريخه، والنسائي والبيهقي.
(7) و (كل) هنا صفة للبخيل للمبالغة كأنه جمع افراده كلها. ويجب حينئذ اضافته لظاهر مماثل لموصوفه لفظا ومعنى كما قال الشاعر.
وان الذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد
وقد يضاف لما يماثله معنى فقط.
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «31» رقم «5» .
(9) رواه ابو داود والترمذي وحسنه، والحاكم وصححه.
(10) أي هنا للعموم وما مزيدة أي كل قوم.
(11) ترة: لها معان منها: الظلم، والذنب، والنقص، والتبعة، وقد فسرت بالحيرة وهو اقربها لأنه ورد في رواية كما سيأتي.. وهي هنا اسم كان اما خبرها فتعلق الجار والمجرور عليهم. والهاء الاخيرة عوض عن فاء الفعل المحذوفة مثل عده وزنه.(2/179)
وَعَنْ «1» أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَنْ نَسِيَ «2» الصَّلَاةَ عَلَيَّ نَسِيَ طَرِيقَ الْجَنَّةِ» .
وَعَنْ قَتَادَةَ «3» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» : «مِنَ الْجَفَاءِ أَنْ أُذْكَرَ عِنْدَ الرَّجُلِ «5» فَلَا يُصَلِّي عَلَيَّ» .
وَعَنْ جَابِرٍ «6» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «7» : «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا ثُمَّ تَفَرَّقُوا عَلَى غَيْرِ صَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا تَفَرَّقُوا عَلَى أَنْتَنَ مِنْ رِيحِ الْجِيفَةِ.»
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ «8» عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ»
: لَا يَجْلِسُ قَوْمٌ «10» مَجْلِسًا لَا يُصَلُّونَ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ حسرة «11» وإن
__________
(1) رواه البيهقي في الشعب.
(2) نسي: بضم اوله وتشديد السين مبني للمجهول. وفي نسخة (نسي) للمعلوم. ولكن ضبطه الدلجي وتبعه الانطاكي بضم اوله وتشديد ثانيه.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «62» رقم «3» .
(4) من رواية عبد الرزاق عن معمر والحديث مرسل يستدل به في الفضائل دون الاحكام.
(5) لم يرد به رجلا معينا فهو نكرة في المعنى وان كان معرفة في المبنى. و (أل) هنا للجنس مثل (ولقد أمر على اللئيم يسبني) .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «154» رقم «1» .
(7) في حديث رواه البيهقي والطيالسي والنسائي والضيا في المختار بسند صحيح الا انه فيه ذكر الله مع الصلاة.
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «63» رقم «1» .
(9) رواه البيهقي وسعيد بن منصور وغيرهما من طرق صحيحة.
(10) القوم: الجماعة. وقيل من الرجال فقط لقوله: اقوم آل حصن أم نساء ويطلق على ما يشملهم تغليبا وقيل: انه عام لكل جماعة. وهو المناسب هنا.
(11) الحسرة: هي في الاصل الانقطاع من حسرة الناقة اذا انقطعت عن البشر ثم اطلق على الندامة الشديدة.(2/180)
دَخَلُوا الْجَنَّةَ لِمَا يَرَوْنَ مِنَ الثَّوَابِ..
وَحَكَى أَبُو عِيسَى «1» التِّرْمِذِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ: إِذَا صَلَّى الرَّجُلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً فِي الْمَجْلِسِ أَجْزَأَ عنه ما كان في ذلك المجلس «2» ..
***
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «181» رقم «4» .
(2) فائدة: وقد ورد عنه صلّى الله عليه وسلم أن من قال اذا قام من مجلسه: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ان لا اله الا انت استغفرك وأتوب اليك غفر الله له ما كان في مجلسه ذلك، فاذا ضم اليها الصلاة عليه حاز فضلا عظيما وكفر عنه ما صدر عنه وعن أهل مجلسه.. والله اعلم.(2/181)
الفصل السّابع تَخْصِيصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَبْلِيغِ صَلَاةِ
مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ أَوْ سَلَّمَ مِنَ الْأَنَامِ عَنْ «1» أَبِي هُرَيْرَةَ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ «3» .
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرِ «4» بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أبي هريرة «2» قال: قال
__________
(1) الحديث رواه احمد وابو داود والبيهقي بسند حسن.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «31» رقم «5» .
(3) قيل انه مخصوص بوقت الزيارة وقيل بل في كل وقت ومكان. وفيه دليل على انه صلّى الله عليه وسلم حي حياة مستمرة لان الكون لا يخلو من مسلم عليه في كل لحظة هذا وقد ثبت بالاحاديث الصحيحة انه وسائر الانبياء أحياء حياة حقيقية كالشهداء وان كان حال البرزخ لا يقاس على حال الدنيا. والحديث فيه اقوال كثيرة بالنسبة للكيفية ورد الروح وما المقصود منها.. وقد فسر الخفاجي هذا الاشكال بقوله: ان الانبياء والشهداء أحياء وحياة الانبياء اقوى واذا لم يسلط عليهم الارض فهم كالنائمين، والنائم لا يسمع ولا ينطق حتى ينبه كما قال تعالى (والتي لم تمت في منامها) الاية سورة الزمر آية 42 فالمراد (بالرد) الارسال الذي في الاية، فحينئذ فمعناه انه اذا سمع الصلاة والسلام بواسطة أو بدونها تيقظ ورد لا ان روحه تقبض قبض الممات ثم تنفخ وتعاد كموت الدنيا وحياتها لان روحه مجردة نورانية وهذا لمن زاره ومن بعد عنه تبلغه الملائكة سلامه.
(4) أبو بكر بن أبي شيبة: هو الحافظ الكبير الحجة، صاحب التصانيف، روي عن ابن المبارك وجماعة، وروى عنه الشيخان وطائفة، ووثقه الجماعة. قال الذهبي: ابو بكر ممن قفز القنطرة واليه المنتهى في الثقة. توفي سنة خمس وثلاثين ومئتين.(2/182)
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ عِنْدَ قَبْرِي سَمِعْتُهُ «2» .. وَمَنْ صلّى علي نائيا بلّغته..»
وعن ابن مسعود «3» أن لله ملائكته سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ يُبَلِّغُونِي عَنْ أُمَّتِي السَّلَامَ «4» .
وَنَحْوُهُ «5» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «6» ..
وَعَنِ «7» ابْنِ عُمَرَ «8» أَكْثِرُوا مِنَ السَّلَامِ عَلَى نَبِيِّكُمْ كُلَّ جُمُعَةٍ فَإِنَّهُ يُؤْتَى بِهِ مِنْكُمْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ «9» .
وَفِي رِوَايَةٍ: فَإِنَّ أَحَدًا لَا يُصَلِّي عَلَيَّ إِلَّا عُرِضَتْ صَلَاتُهُ عَلَيَّ حِينَ يَفْرُغُ مِنْهَا..
وَعَنِ الْحَسَنِ «10» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «11» : حيثما «12» كنتم فصلوا عليّ
__________
(1) رواه البيهقي في الشعب وأبو الشيخ في الثواب.
(2) وبما ان السماع أفضل من البلاغ ففيه دليل على استحباب زيارة قبره صلّى الله عليه وسلم والصلاة والسلام عليه عنده.
(3) وفي نسخة (ابي مسعود) وهو الصواب وهو عقبة بن عمرو الانصاري.
(4) رواه احمد والنسائي وابن حسان والحاكم والبيهقي في الشعب.
(5) أي بمعناه كما رواه في الترغيب.
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «31» رقم «5» .
(7) لم يخرجوا هذا الحديث.
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «1»
(9) قال السحاوي: هذا الحديث لم أقف عليه. وهناك احاديث كثيرة صحيحة عن فضل الصلاة عليه يوم الجمعة.
(10) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «192» رقم «2»
(11) هذا الحديث رواه ابن أبي شيبة والطبراني وابو يعلى بسند صحيح.
(12) حيثما: حيث اذا اتصلت بما فهي شرطية وهي ظرف مكان. وتأتي للزمان كما في قوله:
حيثما تستقم يقدر لك الله ... نجاحا في غابر الازمان(2/183)
فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي.. وَعَنِ «1» ابْنِ عَبَّاسٍ «2» لَيْسَ أحد من أمة محمد صلّى الله عليه وسلم يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ إِلَّا بَلَغَهُ.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ «3» أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرِضَ عَلَيْهِ اسْمُهُ.
وَعَنِ «4» الْحَسَنِ «5» بْنِ عَلِيٍّ إِذَا دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم.. فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَتَّخِذُوا بَيْتِي عِيدًا وَلَا تَتَّخِذُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا وَصَلُّوا عَلَيَّ حَيْثُ كُنْتُمْ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ..
وَفِي حَدِيثِ أَوْسٍ «6» أَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ «7» .
وَعَنْ سُلَيْمَانَ «8» بْنِ سُحَيْمٍ «9» رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
__________
(1) في حديث موقوف رواه البيهقي في الشعب وابن راهويه في مسنده.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(3) قيل المراد ببعضهم النميري عن حماد.
(4) أخرجه الطبراني وأبو يعلى بسند حسن عن زين العابدين علي بن الحسين وكما رواه ابن أبي شيبة عن الحسن بن علي.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «192» رقم «2» .
(6) اوس: هو اوس بن اوس الثقفي صحابى.. وفي الصحابة خمسة واربعون نفرا يسمون أوسا.
(7) رواه ابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
(8) سليمان بن سحيم: هو مولى أبي العباس، وقيل: ابي الحسيم. وهو من علماء الحجاز المشهورين. وحيث اطلق في النقل فهو المراد، ولهم سليمان بن سحيم آخر يشهر النقل عنه. وهو ثقة توفي في خلافة المنصور.
(9) وهذا الحديث رواه عنه ابن أبي الدنيا، والبيهقي في حياة الانبياء.(2/184)
النَّوْمِ «1» .. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ.. هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْتُونَكَ فَيُسَلِّمُونَ عَلَيْكَ.. أَتَفْقَهُ سَلَامَهُمْ؟ .. قَالَ: نَعَمْ وَأَرُدُّ عَلَيْهِمْ.
وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ «2» : بَلَغَنَا أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال»
:
أَكْثِرُوا مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيَّ فِي اللَّيْلَةِ الزَّهْرَاءِ وَالْيَوْمِ الْأَزْهَرِ فَإِنَّهُمَا يُؤَدِّيَانِ عَنْكُمْ.. وَإِنَّ الْأَرْضَ لَا تَأْكُلُ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ.. وَمَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصَلِّي عَلَيَّ إِلَّا حَمَلَهَا مَلَكٌ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا إِلَيَّ وَيُسَمِّيهِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ إِنَّ فُلَانًا يقول كذا وكذا.
***
__________
(1) من رآه في النوم فقد رآه حقا فان الشيطان لا يتمثل في صورته.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «521» رقم «4» .
(3) رواه عنه النمري مرسلا.(2/185)
الفصل الثامن الِاخْتِلَافِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ
قَالَ الْقَاضِي وَفَّقَهُ اللَّهُ: عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ متفقون «1» على جواز الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
وَرُوِيَ «2» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «3» : أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَرُوِيَ «4» عَنْهُ لَا تَنْبَغِي الصَّلَاةُ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا النَّبِيِّينَ..
وَقَالَ سُفْيَانُ «5» يُكْرَهُ أَنْ يصلّى إلا على نبي «6» .
__________
(1) دعواه بالاتفاق مطلقا غير مسلم به. وقد قال النووي في الاذكار: على سائر الانبياء والملائكة استقلالا وعلى غيرهم ابتداء الجمهور على منعه، فقال بعض أصحابنا أنه حرام والاكثر على انه مكروه كراهة تنزيه، وذهب كثير الى انه خلاف الأولى وليس مكروها. والصحيح الذي عليه الأكثر كراهة تنزيها.
(2) رواه البيهقي في شعب الايمان، وسعيد بن منصور في سننه، والطبراني وابن أبي شيبة وعبد الرزاق.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(4) رواه القاضي اسماعيل في كتاب فضل الصلاة.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «186» رقم «2» .
(6) وهذه الرواية احدى روايتين عن سفيان رواها عبد الرزاق والبيهقي، والآخرى تفرد بها البيهقي (يكره ان يصلّى على غير النبي صلّى الله عليه وسلم) .(2/186)
وَوَجَدْتُ بِخَطِّ بَعْضِ شُيُوخِي: مَذْهَبُ مَالِكٍ «1» أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلَّى عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ سِوَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ مِنْ مَذْهَبِهِ.
وَقَدْ قَالَ مالك «1» في المبسوط «2» ليحيى «3» بن اسحق: أَكْرَهُ الصَّلَاةَ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ. وَمَا يَنْبَغِي لنا أن نتعدى ما أمرنا به.
قال يَحْيَى «4» بْنُ يَحْيَى: لَسْتُ آخُذُ بِقَوْلِهِ «5» .. وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ.. واحتج بحديث ابن «6» عمر «7» وبما جاء من حَدِيثِ تَعْلِيمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ- وَفِيهِ- وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَعَلَى آلِهِ «8» . وقد وجدت «9» معلقا «10» عن أبي
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(2) المبسوط: اسم كتاب له كالمدونة. وفي نسخة صحيحة (المبسوطة) .
(3) يحيى بن اسحق عالم وراوي المبسوط عن مالك رحمه الله. وهو يحيى بن اسحق بن عبد الله بن اسحق بن المهلب بن جعفر ويكنى أبا بكر وله نسب شريف بقرطبة.
(4) يحيى بن يحيى الليثي عالم الاندلس وراوى الموطأ عن مالك رحمه الله.
(5) أي بقول الامام مالك
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «1» .
(7) حديث ابن عمر الاتي أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وعلى أبي بكر وعمر تباعا.
(8) وهذا يدل على ان الصلاة على غير الانبياء جائزة، الا ان هذا بطريق التبعية. والخلاف في الصلاة على غيره استقلالا وحينئذ ما ذكر لا ينافي ما قاله يحيى بن يحيى.
(9) الضمير في وجدت عائد الى يحيى بن يحيى. وكلمة وجدت في اصطلاح المحدثين في الاجازة أن يجد حديثا بخط من يعرفه سواء عاصره ام لا مسندا فيرويه عنه.
(10) معلقا: بمعنى (مكتوبا) أو بمعنى الاصطلاح عند أهل الحديث من ذكر حديث طوي سنده.(2/187)
عِمْرَانَ «1» الْفَاسِيِّ رَوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَرَاهَةَ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَبِهِ نَقُولُ «3» . وَلَمْ يَكُنْ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا مَضَى.
وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ «4» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «6» : «صَلُّوا عَلَى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ..
فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَهُمْ كَمَا بَعَثَنِي..»
قَالُوا: وَالْأَسَانِيدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «7» لَيِّنَةٌ «8» .
«وَالصَّلَاةُ» فِي لِسَانِ الْعَرَبِ بِمَعْنَى التَّرَحُّمِ وَالدُّعَاءِ.. وَذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ حَتَّى يَمْنَعَ مِنْهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَوْ إِجْمَاعٌ..
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ «9» ..» الاية»
__________
(1) أبو عمران الفاسي وفي نسخة (القابسي) وهو موسى بن عيسى الغثجوسي نسبة لقبيلة من البربر، والفاسي نسبة لفاس مدينة بالمغرب، وهو فقية المغرب توفي سنة ثلاثين واربعمائة في ثالث عشر شهر رمضان.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(3) وفي نسخة وبه (أقول) .
(4) عبد الرزاق هو امام الحديث ابو بكر بن همام بن نافع الحمري وله تصانيف جليلة توفي سنة احد عشر ومائتين.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «31» رقم «5» .
(6) رواه احمد الطبراني، والقاضي اسماعيل بسند ضعيف والتميمي في الترغيب وعبد الرزاق في جامعه وغيرهم بسند صحيح.
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(8) أي التي وردت في منع الصلاة على غيره صلّى الله عليه وسلم واللين ليس ضعفا في اصطلاح المحدثين بل نوع من الحديث لا يصلج الاحتجاج به.
(9) الاحزاب آية «43»(2/188)
وقال تعالى: «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ «1» ..» الْآيَةَ.
وَقَالَ: «أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ «2» ..»
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» : «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى «4» .»
وَكَانَ إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى فُلَانٍ.
وَفِي حَدِيثِ الصَّلَاةِ «5» : «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى محمد وعلى أزواجه وذريته» .
وفي آخَرَ «6» : «وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ» .. قِيلَ: أَتْبَاعُهُ وَقِيلَ أمته.
وقيل: آل بيته.. وَقِيلَ الْأَتْبَاعُ وَالرَّهْطُ»
وَالْعَشِيرَةُ..
وَقِيلَ: آلُ الرَّجُلِ وَلَدُهُ، وَقِيلَ: قَوْمُهُ، وَقِيلَ: أَهْلُهُ الَّذِينَ حَرُمَتْ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ.
وَفِي رِوَايَةِ «8» أَنَسٍ «9» سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ آلُ مُحَمَّدٍ؟ قال:
كل تقي..
__________
(1) التوبة آية «103» .
(2) البقرة آية «157» .
(3) في حديث رواه الشيخان عن عبد الله بن أبي أوفى.
(4) ابو أوفى علقمة بن خالد بن الحارث الاسلمي الصحابي، وهو آخر من مات من الصحابة بالكوفة سنة سبع وثمانين، وابنه صحابي أيضا شهد مع ابيه بيعة الرضوان. وهذا الحديث من أقوى ما استدل به على جواز الصلاة على غير الأنبياء استقلالا.
(5) وقد تقدم بيانه.
(6) روي في صلاة التشهد.
(7) الرهط: في الاصل ما دون العشرة ثم عم.
(8) حديث صحيح روي من طرق، رواه الطبراني والديلمي وشيبان وابن مردويه وغيرهم.
(9) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «47» رقم «1» .(2/189)
وَيَجِيءُ عَلَى مَذْهَبِ الْحَسَنِ «1» أَنَّ الْمُرَادَ بِآلِ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدٌ نَفْسُهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي صلاته عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ- يُرِيدُ نفسه. لأنه كان لا يخل بالفرض الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ هُوَ الصَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ نَفْسِهِ.
وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : لَقَدْ أُوتِيَ مِزْمَارًا مِنْ مزامير آل داوود- يُرِيدُ مِنْ مَزَامِيرِ دَاوُدَ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ «3» السَّاعِدِيِّ فِي الصَّلَاةِ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ، وَذُرِّيَّتِهِ «4» .
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «5» أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ «6» وَعُمَرَ «7» ذَكَرَهُ مالك «8» في الموطأ من رواية يحيى «9»
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «60» رقم «8» .
(2) لما سمع أبا موسى الاشعري يقرأ القرآن.. والحديث رواه الشيخان.
(3) أبو حميد الساعدي: ابو عبد الرحمن بن عمرو بن سعد الخزرجي كما تقدم.
(4) هذا الحديث يدل عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم ولكن بالتبعية.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «180» رقم «1» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «156» رقم «6» .
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4» .
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(9) يحيى الاندلسي: قيده بالاندلسي احترازا عن يحيى بن يحيى النيسابوري. ولأن الموطأ رواه عن مالك اثنان كل واحد اسمه يحيى بن يحيى. احدهما يحيى بن يحيى بن كثير الاندلسي الليثي مات سنة اربع وثلاثين ومائتين، والاخر ابو بكر يحيى بن يحيى ابن بكر بن عبد الرحمن التميمي النيسابوري توفي سنة ست وعشرين ومائتين وله رواية في الصحيحين كما قاله السيوطي في مناقب مالك.(2/190)
الْأَنْدَلُسِيِّ وَالصَّحِيحُ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ وَيَدْعُو لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.
وَرَوَى «1» ابْنُ «2» وَهْبٍ عَنْ أَنَسِ «3» بْنِ مَالِكٍ كُنَّا نَدْعُو لِأَصْحَابِنَا بِالْغَيْبِ فَنَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ مِنْكَ عَلَى فُلَانٍ صَلَوَاتِ قَوْمٍ أَبْرَارٍ، الَّذِينَ يَقُومُونَ بِاللَّيْلِ وَيَصُومُونَ بِالنَّهَارِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَأَمِيلُ إِلَيْهِ مَا قَالَهُ مَالِكٌ «4» وَسُفْيَانُ «5» رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ «6» عَبَّاسٍ وَاخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ عِنْدَ ذِكْرِهِمْ «7» .. بَلْ هُوَ شَيْءٌ يَخْتَصُّ به الأنبياء توقيرا وَتَعْزِيزًا، كَمَا يُخَصُّ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ ذِكْرِهِ بِالتَّنْزِيهِ وَالتَّقْدِيسِ وَالتَّعْظِيمِ وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ.
كَذَلِكَ يَجِبُ تَخْصِيصُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وسائر الأنبياء بالصلاة والتسليم، ولا يشارك «8» فِيهِ سِوَاهُمْ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ بِقَوْلِهِ: «صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً» «9» .. وَيُذْكَرُ مَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِمْ بِالْغُفْرَانِ والرضى.
__________
(1) لم يخرجه السيوطي.
(2) ابن وهب: المصري العلم.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «47» رقم «1» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «186» رقم «3» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(7) اي افرادا ويجوز اتباعا.
(8) وفي نسخة (ولا يشاركهم) .
(9) الاية سورة الاحزاب آية «56» .(2/191)
كَمَا قَالَ تَعَالَى: «يَقُولُونَ: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ» «1» .
وَقَالَ: «وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ» «2» .
وَأَيْضًا فَهُوَ أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ كَمَا قَالَ أَبُو عِمْرَانَ، «3» وَإِنَّمَا أَحْدَثَهُ الرَّافِضَةُ «4» وَالْمُتَشَيِّعَةُ فِي بَعْضِ الْأَئِمَّةِ فَشَارَكُوهُمْ عِنْدَ الذِّكْرِ لَهُمْ بِالصَّلَاةِ، وَسَاوَوْهُمْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ التشبه بِأَهْلِ الْبِدَعِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَتَجِبُ مُخَالَفَتُهُمْ فِيمَا التزموه من ذلك، ذَلِكَ، وَذِكْرُ الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ وَالْأَزْوَاجِ مَعَ النبي صلّى الله عليه وسلم بحكم التبع وَالْإِضَافَةِ إِلَيْهِ لَا عَلَى التَّخْصِيصِ.
قَالُوا: وَصَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مَجْرَاهَا مَجْرَى الدُّعَاءِ وَالْمُوَاجَهَةُ.. لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى التَّعْظِيمِ وَالتَّوْقِيرِ.
قَالُوا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: «لَا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ
__________
(1) الاية سورة الحشر آية «10» .
(2) الاية سورة التوبة آية «100» .
(3) ابو عمران: موسى بن عيسى الفاسي. فقيه القيروان.
(4) الرافضة: طائفة من اهل البدع والاهواء المخالفين لاهل السنن. وسموا رافضة من الرفض وهو الترك لانهم رفضوا زين العابدين بن علي بن الحسين لما طلبوا منه أن يتبرأ من الشيخين فأبى. وتقدم الحديث عنهم في ج 1 ص «665» رقم «8» .(2/192)
بَعْضِكُمْ بَعْضاً «1» » .. فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ لَهُ مُخَالِفًا لِدُعَاءِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ.
وَهَذَا اخْتِيَارُ الْإِمَامِ أَبِي الْمُظَفَّرِ «2» الْإِسْفَرَائِينِيِّ مِنْ شُيُوخِنَا وَبِهِ قَالَ أبو عمر «3» بن عبد البر «4» ..
__________
(1) الاية سورة النور آية «63» .
(2) أبو المظفر الاسفرائيني: من كبار علماء أهل السنة. واسفرائن بلدة يخراسان معروفة. وابو المظفر كنية طاهر بن احمد، وهو الملقب بشاه.
(3) ابو عمر بن عبد البر: حافظ المغربي.
(4) واعلم أن التصليه والتسليم على نبينا صلّى الله عليه وسلم مطلوبة امرنا بالتعبد بها فهي واجبة على اختلاف محل الوجوب- كما تقدم- والصلاة على غيره من الانبياء عليهم الصلاة والسلام استقلالا مستحبة، وما نقل عن مالك انها منهي عنها مخالف للقول الصحيح. فقال القرطبي انه مجمع عليه. والصلاة على غير الانبياء تبعا لنبينا صلّى الله عليه وسلم مستحبة أيضا كما في التشهد فلا عبرة لمن خالف فيه ايضا.. فلم يبق محل الخلاف غير الصلاة على غير الانبياء بانفرادهم- فالصحيح- انه مكروه. وأن كرامته كراهة تنزيه لا تحريم لانه اختص به صلّى الله عليه وسلم كما اختص عز وجل بالله تعالى فلا يقال: محمد عز وجل وان كان عزيزا جليلا.. هذا هو الصحيح وقد قيل ان السلام مثل الصلاة مخصوص بالانبياء أيضا فلا يقال على غيره (عليه السلام) كما صرح به الفقهاء، فهو مكروه تنزيها» اهـ كلام الخفاجي.(2/193)
الفصل التاسع حُكْمِ زِيَارَةِ قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَضِيلَةِ مَنْ زَارَهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَكَيْفَ يُسَلِّمُ عليه
وَزِيَارَةُ قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الْمُسْلِمِينَ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا، وَفَضِيلَةٌ «1» مُرَغَّبٌ فيها.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» «مَنْ
__________
(1) زيارة القبور فيها فوائد منها آ- التذكر للموت والاتعاظ وهذا يجري في جميعها ب- الدعاء لاهلها المسلمين كما زار صلّى الله عليه وسلم اهل البقيع.. وهذا مستحب ج- التبرك بمن فيها من الانبياء والصالحين فينتفع بزيارتهم.. فذهب بعض المالكية الى انه مخصوص بالانبياء وانه في غيرهم بدعة. واما في الانبياء فهي مشروعة. وتوقف فيه السبكي. د- يقصد بالزيارة برهم ورضاهم واكرامهم كزيارة قبر الوالدين ومن عليه حق لا كرامه فان الميت يكرم كالحي. هـ- يقصد بزيارة الميت تأنيسه ورحمته وهو مستحب أيضا لما روي عنه صلّى الله عليه وسلم ان الميت آنس ما يكون اذا زاره من كان يحبة في دار الدنيا.. وزيارته صلّى الله عليه وسلم جامعة لهذا كله فلذا كانت سنة وان كان غنيا عن الدنيا.. وما عدا ذلك بدعة كتقبيل القبور وغيره.
(2) ابن عمر: تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «1» .
(3) فيما رواه ابن خزيمة في صحيحه متوقفا في ثبوته والبزار والطبراني وله طرق وشواهد حسنه الذهبي لاجلها. وقول البيهقي بانه منكر.. أي انه انفرد به رواته.. والفرد قد يطلق عليه ذلك كما قاله احمد في حديث الاستخارة مع انه في الصحيحين.(2/194)
زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ»
لَهُ شَفَاعَتِي» .
وَعَنْ أَنَسِ «2» بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ زَارَنِي فِي الْمَدِينَةِ مُحْتَسِبًا «3» كَانَ فِي جِوَارِي، وَكُنْتُ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ «4» »
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «5» : «مَنْ زَارَنِي بَعْدَ مَوْتِي فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي..» وَكَرِهَ مَالِكٌ «6» أَنْ يُقَالَ: زُرْنَا قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ فَقِيلَ: كَرَاهِيَةُ الِاسْمِ لِمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «7» : «لَعَنَ اللَّهُ زوارات القبور» .
وهذا يروه قوله «8» : «نهيتكم عن زيارة القبور فزورها» .
وَقَوْلُهُ «9» : «مَنْ زَارَ قَبْرِي» .. فَقَدْ أَطْلَقَ اسْمَ الزيادة..
__________
(1) وجبت وفي رواية (حلت) .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «47» رقم «1» .
(3) محتسبا: أي ناديا وجه الله تعالى ليس له غرض آخر.
(4) رواه العيلي وغيره بلفظ (من زارني متعمدا كان في جواري يوم القيامة) ورواه البيهقي ولفظه (من زارني محتسبا الى المدينة كان في جواري يوم القيامة) وروى ابو عوانه (من زارني بالمدينة محتسبا كنت له شهيدا وشفيعا يوم القيامة) .
(5) رواه البيهقي، وسعيد بن منصور في سننهما، والدارقطني والطبراني وأبو يعلى وابن عساكر عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(7) رواه احمد والترمذي وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
(8) رواه مسلم عن بريدة.
(9) صلّى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.(2/195)
وَقِيلَ لِأَنَّ ذَلِكَ لِمَا قِيلَ: إِنَّ الزَّائِرَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَزُورِ، وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ بِشَيْءٍ إِذْ لَيْسَ كُلُّ زَائِرٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَلَيْسَ هَذَا عُمُومًا.
وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَهْلِ الْجَنَّةِ زِيَارَتُهُمْ لِرَبِّهِمْ وَلَمْ يُمْنَعْ هَذَا اللَّفْظُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى.
وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ «1» رَحِمَهُ اللَّهُ: إِنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ «2» أَنْ يُقَالَ:
طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَزُرْنَا قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِاسْتِعْمَالِ النَّاسِ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَكَرِهَ تَسْوِيَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ النَّاسِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَحَبَّ أَنْ يُخَصَّ بِأَنْ يُقَالَ: سَلَّمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..
وَأَيْضًا فَإِنَّ الزِّيَارَةَ مُبَاحَةٌ بَيْنَ النَّاسِ.. وَوَاجِبٌ شَدُّ الْمَطِيِّ «3» إِلَى قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. يُرِيدُ بِالْوُجُوبِ هُنَا وُجُوبَ نَدْبٍ وَتَرْغِيبٍ وَتَأْكِيدٍ لَا وُجُوبَ فَرْضٍ.
وَالْأَوْلَى والذي عندي أنّ منعه وكراهة مالك لإضافته لقبر «4»
__________
(1) ابو عمران: أي القاسي.. وفي كثير من النسخ (ابو عمر) وهو ابن عبد البر.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(3) وفي نسخة شد (الرحال) .
(4) ولكن هذا يرده حديث ابن عمر (من زار قبري وجبت له شفاعتي) الا ان يقال انه ضعيف، وان الصحيح حديث انس (من زارني) بدون ذكر القبر.. الا انه غير مسلم لان عبد الحق رواه في أحكام القرآن ولم يتعقبه.(2/196)
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. وَأَنَّهُ لَوْ قال: زرنا النبي صلّى الله عليه وسلم لَمْ يَكْرَهْهُ. لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ بَعْدِي اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أنبياءهم مساجد «1» .
فمحى إِضَافَةَ هَذَا اللَّفْظِ إِلَى الْقَبْرِ، وَالتَّشَبُّهَ بِفِعْلِ أُولَئِكَ قَطْعًا لِلذَّرِيعَةِ «2» وَحَسْمًا لِلْبَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قال اسحق «3» بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَقِيهُ: وَمِمَّا لَمْ يَزَلْ مِنْ شَأْنِ مَنْ حَجَّ الْمُرُورُ بِالْمَدِينَةِ وَالْقَصْدُ، إِلَى الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّبَرُّكُ بِرُؤْيَةِ رَوْضَتِهِ وَمِنْبَرِهِ وَقَبْرِهِ، ومجلسه، وملامس يديه، ومواطيء قَدَمَيْهِ، وَالْعَمُودِ الَّذِي كَانَ يَسْتَنِدُ إِلَيْهِ، وَيَنْزِلُ جِبْرِيلُ بِالْوَحْي فِيهِ عَلَيْهِ.. وَبِمَنْ عَمَرَهُ، وَقَصَدَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَالِاعْتِبَارِ بِذَلِكَ كُلِّهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ «4» : سَمِعْتُ بَعْضَ مَنْ أَدْرَكْتُ يَقُولُ:
بَلَغَنَا أَنَّهُ مَنْ وَقَفَ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَلَا هذه الاية «إِنَّ اللَّهَ
__________
(1) رواه مالك في الموطأ عن عطاء بن يسار مرسلا وعبد الرزاق في مصنفه عن معمر بن زيد بن أسلم مرسلا.
(2) الذريعة: الوسيلة.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «104» رقم «2» .
(4) ابن ابي فديك: محمد ابن اسماعيل بن مسلم بن أبي اوفى فديك، وكان الامام الثقة روى عنه الستة واحمد، وتوفي سنة مائتين. وله ترجمة في الميزان.(2/197)
وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ» «1» ثُمَّ قَالَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ.
مَنْ يَقُولُهَا سَبْعِينَ مَرَّةً نَادَاهُ مَلَكٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ يَا فُلَانُ وَلَمْ تَسْقُطْ لَهُ حَاجَةٌ «2» .
وَعَنْ يَزِيدَ «3» بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَهْرِيِّ: قَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ «4» بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَلَمَّا وَدَّعْتُهُ قَالَ: لِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ.. إِذَا أَتَيْتَ الْمَدِينَةَ سَتَرَى قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فأقره مني السلام.
قال غَيْرُهُ «5» وَكَانَ يُبْرِدُ إِلَيْهِ الْبَرِيدَ مِنَ الشَّامِ.
قَالَ بَعْضُهُمْ رَأَيْتُ أَنَسَ «6» بْنَ مَالِكٍ أَتَى قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَفَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم انصرف.
قال مَالِكٌ «7» فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ «8» إِذَا سَلَّمَ على النبي صلّى الله عليه وسلم
__________
(1) الاية سورة الاحزاب آية «56» .
(2) رواه البيهقي من طريق ابن أبي الدنيا.
(3) يزيد بن أبي سعيد المهري: نسبة الى مهرة وهي قبيلة. محدث مشهور، اخرج له مسلم رحمه الله تعالى وغيره.
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «30» رقم «1» .
(5) والقائل هو حاتم بن وردان كما ذكر البيهقي في شعب الايمان.
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «47» رقم «1» .
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «332» رقم «1» .(2/198)
ودعا، يقف ووجهه إلى القبر لَا إِلَى الْقِبْلَةِ، وَيَدْنُو وَيُسَلِّمُ وَلَا يَمَسُّ الْقَبْرَ بِيَدِهِ.
وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لَا أَرَى أَنْ يَقِفَ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو، وَلَكِنْ يُسَلِّمُ وَيَمْضِي.
قَالَ ابن أبي ملكية «1» مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقُومَ «2» وِجَاهَ «3» النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم فليجعل القنديل الذي في القبلة عند القبر من رَأْسِهِ.
وَقَالَ «4» نَافِعٌ «5» : كَانَ ابْنُ عُمَرَ «6» يُسَلِّمُ على القبر.. رأيته مئة مَرَّةٍ وَأَكْثَرَ يَجِيءُ إِلَى الْقَبْرِ فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..
السَّلَامُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ السَّلَامُ عَلَى أَبِي «7» ثُمَّ ينصرف.
ورؤي»
ابْنُ عُمَرَ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى مَقْعَدِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم من
__________
(1) ابن أبي مليكه: هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكه بالتصغير، وهو من اعلام التابعين، وابوه أبو مليكه صحابي جليل وابنه توفي سنة سبع عشرة ومائة، واخرج له اصحاب الكتب الستة.
(2) وفي نسخة ان (يكون) .
(3) وجاه: أي في مواجهة.
(4) رواه البيهقي ومالك.
(5) نافع: هو ابن هرمز مولى ابن عمر اشتراه سبي خراسان وهو تابعي جليل توفي بالمدينة سنه سبع عشرة، وهو غير نافع بن عبد الرحمن المدني المقري. وهذا رواه البيهقي وغيره.
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «1» .
(7) وفي نسخة على (أبي حفص) وهي كنية عمر.
(8) رواه ابن سعد عن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عبد القاري.(2/199)
الْمِنْبَرِ ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى وَجْهِهِ.
وَعَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ «1» وَالْعُتْبِيِّ «2» كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم إذا خلا المسجد جسّوا «3» رُمَّانَةَ الْمِنْبَرِ الَّتِي تَلِي الْقَبْرَ بِمَيَامِنِهِمْ ثُمَّ اسْتَقْبَلُوا الْقِبْلَةَ يَدْعُونَ «4» .
وَفِي الْمُوَطَّأِ مِنْ رِوَايَةِ يحيى «5» بن اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقِفُ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ وعلى أبي بكر وعمر.
وعند ابْنِ الْقَاسِمِ «6» وَالْقَعْنَبِيِّ «7» : وَيَدْعُو لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.
قَالَ مَالِكٌ «8» فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ «9» يَقُولُ الْمُسْلِمُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وبركاته..
__________
(1) هو يزيد بن عبد الله بن قسيط مات بالمدينة سنة اثنتين وعشرين ومائة وكان ثقة كثير الحديث.
(2) العتبي نسبة لعتبة بن أبي سفيان وهو فقيه الاندلس محمد بن أحمد بن عبد العزيز ابن عتبة القرطبي وتوفي في منتصف ربيع سنة خمسين أو أربع وخمسين ومائتين وأخذ عن يحيى بن يحيى الليثي. وفي تاريخ الاندلس محمد العتبي هو أحمد بن محمد بن عتبة من أهل قرطبة وقيل هو رسول لال عتبة بن أبي سفيان وهو الاصح وقد جمع كتابا سماه المستخرجة أكثر فيه من الشواذ والمسائل الغريبة وقال ابن وضاح في المستخرجة خطأ كثير.
(3) جسوا: بفتح الجيم وتشديد السين المهملة أي مسوا رمانة المنبر أي العقدة المشابهة للرمانة التي كان يأخذها النبي صلّى الله عليه وسلم بيمينه.
(4) رواه ابن سعد.
(5) يحيى بن يحيى الليثي: رواه مالك في الموطأ.
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «3» .
(7) القعنبي: هو عبد الله بن سلمة بن قضيب الحارثي أبو عبد الرحمن أحد الاعلام روى عنه البخاري وأبو داود وغيرهما، وهو ثقة حجة توفي سنة عشرين او احدى وعشرين ومائتين، اخرج له الشيخان وغيرهما، وفي روايتهما عن مالك.
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(9) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «332» رقم «1» .(2/200)
قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَيُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ «1» وَعُمَرَ «2» ..
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ «3» الْبَاجِيُّ: وَعِنْدِي أَنَّهُ يَدْعُو لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظِ الصَّلَاةِ، وَلِأَبِي بَكْرٍ «4» وَعُمَرَ «5» كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «6» مِنَ الْخِلَافِ.
وَقَالَ ابْنُ حبيب «7» ويقول إذا دخل مسجد الرسول: باسم اللَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ.. السَّلَامُ عَلَيْنَا مِنْ رَبِّنَا. وَصَلَّى اللَّهُ وَمَلَائِكَتُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ.. اللهم اغفرلي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَجَنَّتِكَ، وَاحْفَظْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.
ثُمَّ اقْصِدْ إِلَى الرَّوْضَةِ وَهِيَ مَا بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ فَارْكَعْ فِيهَا رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ وُقُوفِكَ بِالْقَبْرِ تَحْمَدُ اللَّهَ فِيهِمَا، وَتَسْأَلُهُ تَمَامَ مَا خَرَجْتَ إِلَيْهِ، وَالْعَوْنَ عَلَيْهِ.. وَإِنْ كَانَتْ رَكْعَتَاكَ فِي غَيْرِ الرَّوْضَةِ أَجْزَأَتَاكَ وَفِي الرَّوْضَةِ أَفْضَلُ. وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم «8» : «ما بين بيتي ومنبري
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «156» رقم «6» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4» .
(3) ابو الوليد الباجي: نسبة لباجة بلدة بالمغرب وهو الحافظ من أئمة المالكية.
(4) أبو بكر: تقدم آنفا.
(5) عمر: تقدم آنفا.
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «1» .
(7) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «1» .
(8) رواه هكذا بلفظه وتمامه الدارقطني عن عمر ورواه بتمامه لكن بلفظ بيتي بدل قبري احمد عن جابر والبزار عن أبي بكر ورواه بلفظ قبري لكن بدون الجملة الاخيرة البيهقي عن أبي هريرة والطبراني في الاوسط عن ابن عمر وروى الجملة الاخيرة فقط أحمد وابو عوانه عن سهل بن سعد.(2/201)
رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ.. وَمِنْبَرِي عَلَى تُرْعَةٍ «1» من ترع الجنة» .
ثم يقف بالقبر مُتَوَاضِعًا مُتَوَقِّرًا، فَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَتُثْنِي بِمَا يَحْضُرُكَ، وَتُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ «2» وَعُمَرَ «3» ، وَتَدْعُو لَهُمَا، وَأَكْثِرْ مِنَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَلَا تَدَعْ أَنْ تَأْتِيَ مَسْجِدَ قُبَاءٍ «4» وَقُبُورَ الشُّهَدَاءِ.
قَالَ مَالِكٌ «5» فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ «6» : وَيُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ وَخَرَجَ- يَعْنِي فِي الْمَدِينَةِ- وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَإِذَا خَرَجَ جَعَلَ آخِرَ عَهْدِهِ الْوُقُوفَ بالقبر.. وكذلك من خرج مسافرا.
__________
(1) الترعة: هي الروضة تكون في مكان مرتفع مطمئن، أو مكان تجمع الاشجار والرياحين، وهي أيضا مدخل الماء.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «156» رقم «6» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4» .
(4) قباء: يمد ويقصر ويذكر ويؤنث فيجوز صرفه ومنع صرفه، وهو اسم موضع قريب من المدينة بنى فيه عمرو بن عوف الانصاري مسجدا اتاه النبي صلّى الله عليه وسلم وصلّى فيه وهو المراد بقوله تَعَالَى (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ، فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ سور التوبة آية (108) وكان صلّى الله عليه وسلم يزوره كل سبت راكبا او ماشيا. وقال: صلاة ركعتين فيه وكان صلّى الله عليه وسلم يزوره كل سبت راكبا او ماشيا. وقال: صلاة وركعتين فيه كعمرة) .. ويقال له مسجد الفتح، وكان عمر يأتيه كل اثنين وخميس وقال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم واصحابه ينقلون حجارته على بطونهم، فلو كان في طرف الارض لضربنا اليه اكباد الابل.. وقال: صلاة ركعتين فيه احب الي من أن نأتي بيت المقدس مرتين.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(6) محمد: واحد من أصحاب مالك، ولعله محمد بن الحسن من اصحاب أبي حنيفة فانه روى عنه الموطأ.(2/202)
وروى ابن وهب «1» عن فاطمة «2» بنت محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «3» : «إِذَا دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ فَصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقل: اللهم اغفرلي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ.. وَإِذَا خَرَجْتَ فَصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقل: اللهم اغفرلي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ:
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «4» : «فَلْيُسَلِّمْ» مَكَانَ فَلْيُصَلِّ فِيهِ، وَيَقُولُ إِذَا خَرَجَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ.
وَفِي أُخْرَى: اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.
وَعَنْ مُحَمَّدِ «5» بْنِ سِيرِينَ: كَانَ النَّاسُ يَقُولُونَ إِذَا دَخَلُوا الْمَسْجِدَ:
صَلَّى اللَّهُ وَمَلَائِكَتُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ.. السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.. بِاسْمِ اللَّهِ دَخَلْنَا وَبِاسْمِ اللَّهِ خَرَجْنَا، وَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا.
وَكَانُوا يَقُولُونَ إِذَا خَرَجُوا: مِثْلَ ذَلِكَ.
وَعَنْ «6» فَاطِمَةَ «2» أَيْضًا: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ:
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «332» رقم «1» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «630» رقم «12» .
(3) هذا الحديث رواه أصحاب السنن على انه سنة لدخول كل مسجد، وليس مخصوصا بالمسجد النبوي كما ذكره الخيضري في اللواء المعلم.
(4) لابي داود عن أبي حميد وأسيد.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «456» رقم «7» .
(6) أخرجه أحمد والبيهقي في الدعوات.(2/203)
صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ «1» وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ فَاطِمَةَ قَبْلَ هَذَا وَفِي رِوَايَةٍ: حَمِدَ اللَّهَ وَسَمَّى وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَكَرَ مِثْلَهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ «2» باسم الله والسلام»
على رسول الله..
وَعَنْ غَيْرِهَا «4» : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ:
اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَيَسِّرْ لِي أَبْوَابَ رِزْقِكَ.
وَعَنْ أَبِي «5» هُرَيْرَةَ: إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي «6» ..
وَقَالَ مَالِكٌ «7» فِي الْمَبْسُوطِ: وَلَيْسَ يَلْزَمُ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَخَرَجَ مِنْهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْوُقُوفُ بِالْقَبْرِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلْغُرَبَاءِ.
وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا: لَا بأس لمن قدم من سفر أو خرج إلى سَفَرٍ أَنْ يَقِفَ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَيَدْعُوَ لَهُ ولأبي بكر «8» وعمر «9» .
__________
(1) وفي نسخة (صلّى الله عليه وسلم) .
(2) للترمذي وابن ماجة.
(3) وفي نسخة (الصلاة) .
(4) أي روي عن غير فاطمة من الصحابة. ومن طرق متعددة. فلا يضر قول الدلجي لم اقف عليه لان من حفظ حجة على غيره، وكذا لا التفات الى قول الحلبي: لا أعرفه بعينه. لانه يكفي أن المصنف رواه وهو حافظ ثقة حجة.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «31» رقم «5» .
(6) يعني ما تقدم بتمامه. ورواه ابن حبان وابن خزيمة وابن ماجة والنسائي في اليوم والليلة.
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «156» رقم «6» .
(9) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4» .(2/204)
فقيل له: إن نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَا يَقْدِمُونَ مِنْ سَفَرٍ وَلَا يُرِيدُونَهُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي الْيَوْمِ مَرَّةً أَوْ أَكْثَرَ وَرُبَّمَا وَقَفُوا فِي الْجُمُعَةِ أو في الأيام المرة أو المرتين أَوْ أَكْثَرَ عِنْدَ الْقَبْرِ فَيُسَلِّمُونَ وَيَدْعُونَ سَاعَةً، فَقَالَ: لَمْ يَبْلُغْنِي هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ بِبَلَدِنَا وَتَرْكُهُ وَاسِعٌ «1» .. وَلَا يُصْلِحُ آخر هذه الأمة إلا ما صلح أَوَّلَهَا وَلَمْ يَبْلُغْنِي عَنْ أَوَّلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَصَدْرِهَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَيُكْرَهُ إِلَّا لِمَنْ جَاءَ مِنْ سَفَرٍ أَوْ أَرَادَهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ «2» : وَرَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ إِذَا خَرَجُوا مِنْهَا أَوْ دَخَلُوهَا أَتَوُا الْقَبْرَ فَسَلَّمُوا- قَالَ- وَذَلِكَ رَأْيٌ.
قَالَ الْبَاجِيُّ «3» : فَفَرْقٌ بَيْنَ أَهْلِ المدينة والغرباء، لأن الغرباء
__________
(1) واسع أي جائز. ولو فعله فسائغ شائع، لانه كما قال ابن مسعود: ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، والقياس بوقت الوفاة على حال الحياة صحيح، ولا شك أن الصحابة كانوا يكثرون السلام عليه في حال حياته ويتشرفون بتكرار ملاقاته ويتبركون بأخذ الفيض من انوار بركاته فأي مانع من التردد على بابه والتوسل الى جنابه على أنه قد ثبت من صلّى علية نائيا بلغه ومن صلّى عليه عند قبره سمعه.. نعم ان كانت الكثرة توجب الملالة فلا شك أن يقال في حقها الكراهة كما يشير اليه حديث: (زر غبا تزدد حبا) وأما عند كثرة الشوق ومزيد الذوق فلا سبيل الى المنع من تلك الحفرة ولو على سبيل المداومه كما يدل عليه حديث أبي بن كعب في تكثير الصلاة والسلام عليه، والحاصل ان تكثيرها مستحب بالاجماع فايقاعها أولى في أفضل البقاع.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (341) رقم (3) .
(3) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (201) رقم (3) .(2/205)
قصدوا ذلك وَأَهْلَ الْمَدِينَةِ مُقِيمُونَ بِهَا لَمْ يَقْصِدُوهَا مِنْ أَجْلِ الْقَبْرِ وَالتَّسْلِيمِ «1» .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ.. اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ «3» .
وَقَالَ «4» لَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا «5» .
وَمِنْ كِتَابِ أَحْمَدَ «6» بْنِ سَعِيدٍ الْهِنْدِيِّ فِيمَنْ وَقَفَ بِالْقَبْرِ: لَا يَلْصَقُ بِهِ، وَلَا يَمَسُّهُ «7» ولا يقف عنده طويلا.
__________
(1) قال السبكي في كتابه شفاء السقام بعد نقل ما هنا: مذهب مالك ان الزيارة قربة لكنه كره الاكثار منها للمقيم بالمدينة على قاعدته في سد الذرائع.. وغيره من أهل المذاهب قالوا باستحباب الاكثار منها مطلقا واتفقوا عليه وهو الحق الذي لا شبهة فيه والذريعة ليست بمسموعة من كل مقام.
(2) في حديث رواه عبد الرزاق، ومالك في الموطأ عن عطاه بن يسار
(3) أي سجدوا لها كما يسجدون لله.
(4) في حديث رواه ابن أبي شيبة واسماعيل القاضي عن علي وسعيد بن منصور في سننه من طريقين مرسلين.
(5) أي كالعيد باجتماع الناس عنده.. أو لا تقللوا الزيارة مرة في العام كالعيد بل زوروه دائما.. ولا حجة في هذا الحديث لمن ادعى منع الزيارة بل اجمعت الامة على خلافه وهذا يقتضي تفسيره بغير ما فهموه.
(6) أحمد بن سعيد الهندي: عالم الاندلس توفي سنة تسع وتسعين وثلاثمائة وعمره سبع وسبعون سنة وترجمته مبسوطة في التواريخ وفي نسخة (سعد الهندي) والصحيح الاول.
(7) وهذا امر غير مجمع عليه، ولذا قال أحمد والطبري لا بأس بتقبيله والتزامه، وروي أن ابا أيوب الانصاري كان يلزم القبر الشريف.. وقيل وهذا لغير من لم يغلبه الشوق والمحبة، وهو كلام حسن.(2/206)
وَفِي الْعُتْبِيَّةِ «1» يَبْدَأُ بِالرُّكُوعِ «2» قَبْلَ السَّلَامِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحَبُّ مَوَاضِعِ التَّنَفُّلِ فِيهِ مُصَلَّى النَّبِيِّ حَيْثُ الْعَمُودُ الْمُخَلَّقُ «3» وَأَمَّا فِي الْفَرِيضَةِ فَالتَّقَدُّمُ إِلَى الصُّفُوفِ.. وَالتَّنَفُّلُ فِيهِ لِلْغُرَبَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ التَّنَفُّلِ في البيوت.
__________
(1) اسم كتاب ويعرف أيضا بالمستخرجة من الاسمعة أي مما سمع من مالك من مسائل المدونة، وصاحبها يسمى العتبي نسبة لعتبة بن أبي سفيان، وهو فقيه الاندلس محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن عتبة بن أبي سفيان القرطبي، وتوفي في منتصف ربيع سنة خمسين، أو أربع وخمسين ومائتين وأخذ عن يحيى بن يحيى الليثي وطبقته. ويقال انه من موالي عتبة. وله رحلة الى المشرق.
(2) والمراد بالركوع الصلاة.
(3) المخلق: الذي عليه الخلوق وهو نوع من الطيب أصفر فيه زعفران. ومن اراد مزيدا من المعرفة بالمدينة المنورة وأماكنها فليطالع كتاب تاريخ المدينة الكبير للسيد السمهوري.(2/207)
الفصل العاشر آداب دخول المسجد النّبوي الشريف وفضله وفضل المدينة ومكة
فِيمَا يَلْزَمُ مَنْ دَخَلَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَدَبِ سِوَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَفَضْلِهِ، وَفَضْلِ الصَّلَاةِ فِيهِ، وَفِي مَسْجِدِ مَكَّةَ.. وَذِكْرِ قَبْرِهِ وَمِنْبَرِهِ وَفَضْلِ سُكْنَى الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ..
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ «1» » ..
رُوِيَ «2» : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ مَسْجِدٍ هُوَ؟ قَالَ: مَسْجِدِي هَذَا. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيَّبِ «3» وَزَيْدِ «4» بْنِ ثَابِتٍ وابن عمر «5»
__________
(1) الاية سورة التوبة آية (108) .
(2) حديث رواه مسلم عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه وأحمد عن سهل بن سعد وأبي بن كعب رضي الله تعالى عنهما وكان ينبغي ان يقول المؤلف صح عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا روي.. لانها للتمريض غالبا.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «252» رقم «3» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «110» رقم «6» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «1» .(2/208)
وَمَالِكِ «1» بْنِ أَنَسٍ وَغَيْرِهِمْ.
وَعَنِ «2» ابْنِ عَبَّاسٍ «3» أنه مسجد قباء «4» ..
عن أبي هريرة «5» رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «6» :
«لا تشد الرحال «7» إلا إلى ثلاث مَسَاجِدَ. الْمَسْجِدِ»
الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى..»
وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْآثَارُ فِي الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «9» عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ..
وَعَنْ «10» عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو «11» بْنِ الْعَاصِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ: «أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرجيم..»
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(2) رواه ابن أبي حاتم.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(4) وهو الذي ارتضاه المفسرون.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «31» رقم «5» .
(6) اخرجه البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود.
(7) الرحال جمع راحلة وهي الصالحة لان ترحل أو يشد الرحل عليها، والرحل للبعير كالسرج للفرس.
(8) وفي نسخة (مسجد الحرام)
(9) ويروى (للتسليم) .
(10) رواه ابو داود.
(11) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (72) رقم (2) .(2/209)
وَقَالَ مَالِكٌ «1» رَحِمَهُ اللَّهُ «2» : سَمِعَ عُمَرُ بْنُ الخطاب «3» صَوْتًا فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَا بِصَاحِبِهِ فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ «4» .
قَالَ: لَوْ كُنْتَ مِنْ هَاتَيْنِ الْقَرْيَتَيْنِ «5» لَأَدَّبْتُكَ «6» .. إِنَّ مَسْجِدَنَا لا يرفع فيه الصوت.
قال مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ «7» : لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَمِدَ «8» الْمَسْجِدَ بِرَفْعِ الصَّوْتِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنَ الْأَذَى، وَأَنْ يُنَزَّهَ عَمَّا يُكْرَهُ.»
قَالَ الْقَاضِي: حَكَى ذَلِكَ كُلَّهُ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ «9» فِي مَبْسُوطِهِ فِي بَابِ فَضْلِ مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم.
والعلماء كلهم متفقون أَنَّ حُكْمَ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ هَذَا الْحُكْمُ.
قَالَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ «9» وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: وَيُكْرَهُ
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (341) رقم (7) .
(2) في حديث رواه البخاري والنسائي.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (113) رقم (4) .
(4) ثقيف قبيلة مشهورة من هوازن.
(5) أي مكة والمدينة.
(6) وفي نسخة (لاذيتك) وفي اخرى (لعلوتك بالدرة) .
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (446) رقم (3) .
(8) يعتمد: أي يعتمد يقال عمده واعتمده اذا قصده.
(9) القاضي اسماعيل ابن اسحق بن اسماعيل الازدي البصري العلامة الرحالة في سائر الفنون والادب وكان ممن له معرفة في كتاب سيبويه حتى عد من اقران المبرد وحتى قيل: لولا اشتغاله بالقضاء اندرس ذكر المبرد، ومات سنة اثنين وثمانين ومائتين ببغداد فجأة.(2/210)
فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجهر على المصلين فيما يخلّط عليهم صلاتهم.
وَلَيْسَ مِمَّا يُخَصُّ بِهِ الْمَسَاجِدُ رَفْعُ الصَّوْتِ.. قد كُرِهَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَمَسْجِدَنَا.
وَقَالَ أَبُو «1» هُرَيْرَةَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» .. «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ»
قَالَ الْقَاضِي: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ.
فَذَهَبَ مَالِكٌ «3» فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ «4» عَنْهُ وَقَالَهُ ابْنُ «5» نَافِعٍ صَاحِبُهُ وَجَمَاعَةُ أَصْحَابِهِ إِلَى أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ، أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ بِأَلْفِ صَلَاةٍ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ بِدُونِ الْأَلْفِ.
وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عمر بن «6» الخطاب رضي الله عنه.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (3) رقم (5) .
(2) في حديث رواه الشيخان.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(4) اشهب: بن عبد العزيز أبو عمرو القيسي المصري تلميذ مالك في مرويانه.
(5) ابن نافع: صاحب الامام مالك الذي يروي عنه.
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4» .(2/211)
«صلاة في المسجد الحرام خير من مئة صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ «1» » فَتَأْتِي فَضِيلَةُ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صلّى الله عليه وسلم بتسعمئة وَعَلَى غَيْرِهِ بِأَلْفٍ.
وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْضِيلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ، عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ «2» بْنِ الْخَطَّابِ، وَمَالِكٍ «3» ، وَأَكْثَرِ الْمَدَنِيِّينَ.
وذهب أهل مكة والكوفة إِلَى تَفْضِيلِ مَكَّةَ..
وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ «4» ، وَابْنِ وَهْبٍ «5» ، وَابْنِ حَبِيبٍ «6» .
مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ.
وَحَكَاهُ الساجي «7» عَنِ الشَّافِعِيِّ «8» .
وَحَمَلُوا الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أفضل.
__________
(1) ورد بان هذه الرواية شاذة رواها الحميدي في مسنده والمحفوظ ما رواه سليمان بن عتيق عن ابن الزبير عن عمر بلفظ (صلاة في المسجد الحرام أفضل من الف صلاة فيما سواه الا مسجد الرسول فان فضله عليه بمئة صلاة) وقد روي من طرق.
(2) تقدمت ترجمته آنفا.
(3) تقدمت ترجمته آنفا.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «31» رقم «4» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «332» رقم «1» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «1» .
(7) الساجي: نسبة الى ساج بلدة. وهو أبو يحيى زكريا بن يحيى العيني البصري توفي بالبصرة سنة سبع وثلاثمائة. وله كتاب جليل في علل الحديث «وكتاب في اختلاف الفقهاء، وهو حجة وان ضعفه بعضهم، وله ترجمة في الميزان.
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «155» رقم «8» .(2/212)
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ «1» بْنِ الزُّبَيْرِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» :
بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «3» - وَفِيهِ- وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أفضل من الصلاة في مسجدي هذا بمئة صَلَاةٍ.
وَرَوَى قَتَادَةُ «4» مِثْلَهُ «5» ..
فَيَأْتِي فَضْلُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى هَذَا عَلَى الصَّلَاةِ في سائر المساجد بمئة أَلْفٍ..
وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَوْضِعَ قَبْرِهِ أَفْضَلُ بِقَاعِ الْأَرْضِ» .
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ «7» الْبَاجِيُّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْحَدِيثُ مُخَالَفَةُ حُكْمِ مَسْجِدِ مَكَّةَ لِسَائِرِ الْمَسَاجِدِ، وَلَا يُعْلَمُ مِنْهُ حُكْمُهَا مَعَ المدينة.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «157» رقم «4» .
(2) رواه احمد وابن حبان وروى أبو هريرة صدره وعمر آخره.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «31» رقم «5» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «62» رقم «3» .
(5) وفي نسخة (وروي عن قتادة مثله) .
(6) بل هي افضل من السماوات والعرش والكعبة كما نقله السبكي رحمه الله تعالى لشرفه وعلو قدره. وقال القرافي في القواعد: للتفضيل أسباب، فقد يكون للذات كتفضيل العلم، وقد يكون بكثرة العبادة له او لما وقع فيه.. وقد يكون بالمجاورة كتفضيل جلد المصحف، وقد يكون بالحلول كتفضيل قبره صلّى الله عليه وسلم على البقاع، ووافقه السبكي فقال: الاجماع على ان قبره صلّى الله عليه وسلم أفضل البقاع وهو مستثنى من تفضيل مكة على المدينة كما قيل:
جزم الجميع بأن خير الارض ما ... قد حاط ذات المصطفى وحواها
ونعم لقد صدقوا، بساكنها علت ... كالنفس حين زكت زكا مأواها
(7) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «201» رقم «3» .(2/213)
وَذَهَبَ الطَّحَاوِيُّ «1» : إِلَى أَنَّ هَذَا التَّفْضِيلَ إِنَّمَا هُوَ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ.
وَذَهَبَ مُطَرِّفٌ «2» مِنْ أَصْحَابِنَا: إِلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي النَّافِلَةِ «3» أَيْضًا.
قَالَ: وَجُمُعَةٌ خَيْرٌ مِنْ جُمُعَةٍ، وَرَمَضَانُ خَيْرٌ مِنْ رَمَضَانَ.
وَقَدْ ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ «4» فِي تفضيل رمضان بالمدينة وغيرها- حديثا «5» نحوه-.
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «6» : «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ..»
وَمِثْلَهُ «7» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «8» ، وَأَبِي سَعِيدٍ «9» ، وَزَادَ «10» - وَمِنْبَرِي على حوضي..
__________
(1) الطحاوي: الامام أبو جعفر احمد بن محمد الحنفي كما تقدم.
(2) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «99» رقم «6» .
(3) وهو المختار عند الشافعي اذ لا داعي للتخصيص.
(4) عبد الرزاق: بن همام المحدث الحافظ.
(5) وهو ما رواه الطبراني وغيره عن بلال انه صلّى الله عليه وسلم قال (صيام شهر رمضان في المدينة كصيام ألف ألف شهر فيما سواها) .
(6) رواه الشيخان.
(7) بلفظه ومعناه.
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «31» رقم «5» .
(9) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «63» رقم «1» .
(10) زاد فيه أبو سعيد كما في الموطأ.(2/214)
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «1» : «مِنْبَرِي عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ الْجَنَّةِ..»
قَالَ الطَّبَرِيُّ «2» : فِيهِ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَيْتِ.. بَيْتٌ سُكْنَاهُ عَلَى الظَّاهِرِ، مَعَ أَنَّهُ رُوِيَ مَا يُبَيِّنُهُ «بَيْنَ حُجْرَتِي وَمِنْبَرِي» .
وَالثَّانِي: أَنَّ الْبَيْتَ هُنَا الْقَبْرُ وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ «3» فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
كَمَا رُوِيَ: «بَيْنَ قَبْرِي «4» وَمِنْبَرِي..»
قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَإِذَا كَانَ قَبْرُهُ فِي بَيْتِهِ اتَّفَقَتْ مَعَانِي الرِّوَايَاتِ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهَا خِلَافٌ.. لِأَنَّ قَبْرَهُ فِي حُجْرَتِهِ، وَهُوَ بَيْتُهُ.
وَقَوْلُهُ: «وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي» .
قِيلَ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْبَرُهُ بِعَيْنِهِ الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا.. وَهُوَ أَظْهَرُ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لَهُ هُنَاكَ مِنْبَرٌ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ قَصْدَ منبره والحضور عنده لملازمة الأعمال
__________
(1) تقدم.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «2» .
(3) زيد بن أسلم: الفقيه العمري.
(4) اذا كانت الرواية (بين قبري ومنبري) فهو من معجزاته صلّى الله عليه وسلم باخباره عن احدى المغيبات الخمس (وما تدري نفس بأي أرض تموت) . سورة لقمان آية (34) .(2/215)
الصَّالِحَةِ يُورِدُ الْحَوْضَ، وَيُوجِبُ الشُّرْبَ مِنْهُ. قَالَهُ الْبَاجِيُّ «1» .
وَقَوْلُهُ: «رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» .. يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مُوجِبٌ لِذَلِكَ.. وَأَنَّ الدُّعَاءَ وَالصَّلَاةَ فِيهِ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ مِنَ الثَّوَابِ- كَمَا قِيلَ «2» - الْجَنَّةُ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ تلك البقعة يَنْقُلُهَا اللَّهُ فَتَكُونُ فِي الْجَنَّةِ بِعَيْنِهَا..
قَالَهُ الدَّاوُدِيُّ «3» .
وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ «4» ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «5» الْمَدِينَةِ.. «لَا يَصْبِرُ عَلَى لَأْوَائِهَا «6» وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَهِيدًا- أَوْ شَفِيعًا «7» - يَوْمَ القيامة.»
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (201) رقم (3) .
(2) في حديث صحيح. رواه الشيخان عن عبد الله بن أبي اوفى.
(3) الداودي: هو احمد بن نصر شارح البخاري، وهو أبو جعفر الاسدي التسكري التلمساني توفي بتلمسان سنة أربعين وأربعمائة.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (182) رقم (1) .
(5) رواه مسلم.
(6) لأوائها: بفتح اللام وسكون الهمزة وواو بعدها من الشدة والمشقة والضيق.
(7) قال المصنف رحمه الله والنووي (او) هنا ليست للشك من الراوي لانه رواه نحو عشرة من الصحابة كذا، ولا يظهر اتفاقهم على الشك، فهو صلّى الله عليه وسلم قاله هكذا ف (أو) للتقسيم، أي شهيدا لبعض وشفيعا لبعض.. وتأتي (أو) بمعنى واو العطف احيانا.(2/216)
وَقَالَ «1» فِيمَنْ تَحَمَّلَ «2» عَنِ الْمَدِينَةِ.. «وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ.»
وَقَالَ «3» : «إِنَّمَا الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ «4» تَنْفِي خَبَثَهَا، وَيَنْصَعُ «5» طِيبُهَا» .
وَقَالَ «6» : «لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنَ الْمَدِينَةِ رَغْبَةً عَنْهَا إِلَّا أبد لها اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ.»
وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «7» : «مَنْ مَاتَ فِي أَحَدِ الْحَرَمَيْنِ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا بَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ وَلَا عَذَابَ.»
وَفِي طَرِيقٍ آخر «8» : «بعث من الامنين يوم القيامة..»
__________
(1) صلّى الله عليه وسلم في حديث رواه الشيخان وهو حديث طويل وفيه معجزة له صلّى الله عليه وسلم باخباره بفتح الشام واليمن لانها فتحت في عهد الخلفاء واختاروا سكناها.
(2) تحمل: بمعنى رحل عنها وفارقها لسكنى غيرها عليها ومعنى تحمل رفع حمله وأمتعته معها فكني به عما ذكر وفي نسخة (يحتمل) وهما بمعنى واحد.
(3) صلّى الله عليه وسلم في حديث رواه الشيخان عن جابر.
(4) الكير: بكسر الكاف وسكون المثناة التحتية وراء مهملة وهو آلة للحداد معروفة ينفخ بها النار لا يقادها على الحديد والكور البناء من طين ونحوه يوضع عليه وقيل هما بمعنى واحد والياء منقلبة عن الواو.
(5) ينصع: يصبح لونه خالصا ولا يقال الا صفة للابيض.
(6) وفي نسخة (وروي عنه) صلّى الله عليه وسلم كما في مسلم رواه عن جابر.
(7) في حديث رواه البيهقي والدارقطني عن عائشة رضي الله عنها بسند ضعيف.
(8) لهذا الحديث للبيهقي والطبراني.(2/217)
وعن «1» ابن عمر»
: «من استصاع أَنْ يَمُوتَ «3» بِالْمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ بِهَا، فَإِنِّي أَشْفَعُ لِمَنْ يَمُوتُ بِهَا «4» » .
وَقَالَ تَعَالَى: «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً «5» ..» إِلَى قوله: «آمنا»
قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: آمِنًا مِنَ النَّارِ.
وَقِيلَ: كَانَ يَأْمَنُ مِنَ الطَّلَبِ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا خَارِجًا عَنِ الْحَرَمِ وَلَجَأَ إِلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ: «وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً «6» » عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ «7» .
وَحُكِيَ أَنَّ قَوْمًا أَتَوْا سعدون «8» الخولاني بالمنستير «9»
__________
(1) رواه ابن ماجه وابن حبان والترمذي وصححه.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (182) رقم (1) .
(3) أي يقيم بها حتى يموت.
(4) لانه في جواره صلّى الله عليه وسلم وهو قد اوصى بالجار وما زال جبريل يوصيه صلّى الله عليه وسلم بالجار حتى ظن انه سيورثه.
(5) الاية سورة آل عمران آية (96) .
(6) الاية سورة البقرة آية (125) .
(7) بعضهم: أي من العلماء الحنفية.
(8) سعدون الخولاني: نسبة لخولا قبيلة من اليمن مشهورة، واسمه ابكل بن احمد ابن مالك، وهو من أهل القيروان وعظماء علمائها. وسعدون لقب له.
(9) المنستير: وهو لفظ رومي معناه عندهم خانقاه للرهبان على الطريق لينزل فيه أبناء السبيل وهو كما في القاموس بلدة في افريقية أهله من قريش بينه وبين القيروان ستة مراحل والصحيح أنها بلدة على الساحل التونسي بين القيروان وبين نابل والحمامات الى الشمال من جزيرة جربة ولا تزال تحمل هذا الاسم للان. ولها سور بناه هرثمة بن اعين حين بعثه الرشيد لافريقية سنة تسع وسبعين ومائة.(2/218)
فأعلموه أن كتامة «1» قتلوا رجلا وأضموا عَلَيْهِ النَّارَ طُولَ اللَّيْلِ، فَلَمْ تَعْمَلْ فِيهِ شيئا، وبقي أبيض البدن..
فَقَالَ: لَعَلَّهُ حَجَّ ثَلَاثَ حِجَجٍ؟!!
قَالُوا: نَعَمْ
قَالَ: حُدِّثْتُ «2» أَنَّ مَنْ حَجَّ حَجَّةً أَدَّى فَرْضَهُ وَمَنْ حَجَّ ثَانِيَةً دَايَنَ رَبَّهُ. وَمَنْ حَجَّ ثَلَاثَ حِجَجٍ حَرَّمَ اللَّهُ شَعْرَهُ وَبَشَرَهُ عَلَى النَّارِ.
وَلَمَّا نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْكَعْبَةِ «3» قَالَ «4» : «مَرْحَبًا بِكِ مِنْ بَيْتٍ.. مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ» .
وَفِي الْحَدِيثِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ وَكَذَلِكَ عند الميزاب «5» » .
__________
(1) كتامة: اسم لقبيلة من البربر وأصلهم كما قيل من حمير.
(2) وهذا الحديث لا يعرف من رواه.
(3) لما هاجر، او في حجة الوداع، أو يوم الفتح.
(4) كما رواه الطبراني في الاوسط عن جابر رضي الله عنه.
(5) لا يعرف مخرجه الا انه قد روى الحسن البصري في رسالة الى أهل مكة ان الدعاء يستجاب في حرمها وعند البيت والركن الاسود، والملتزم. وتحت الميزاب. وقال الحسن البصري: وسمعت ان عثمان بن عفان اقبل ذات يوم فقال لاصحابه: ألا تسألوني من اين جئت؟! .. قالوا: من اين جئت يا أمير المؤمنين؟. قال: ما زلت قائما على باب الجنة. وكان رضي الله عنه قائما تحت الميزاب يدعو الله تعالى.. وذكر الازرقي في تاريخه عن عطاء قال: من قام تحت ميزاب الكعبة فدعا استجيب له وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.(2/219)
وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عند الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَحُشِرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الامنين «1» ..»
وعن ابن عباس «2» قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«مَا دَعَا أَحَدٌ بِشَيْءٍ فِي هَذَا الْمُلْتَزَمِ إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ» .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «2» : وَأَنَا فَمَا دَعَوْتُ اللَّهَ بِشَيْءٍ فِي هَذَا الْمُلْتَزَمِ مُنْذُ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا اسْتُجِيبَ لِي..
وَقَالَ عَمْرُو «3» بْنُ دِينَارٍ وَأَنَا فَمَا دَعَوْتُ اللَّهَ بِشَيْءٍ فِي هَذَا الْمُلْتَزَمِ مُنْذُ سَمِعْتُ هذا من ابن عباس إلا استجيب.
وقال سفيان «4» : وأنا ما دَعَوْتُ اللَّهَ بِشَيْءٍ فِي هَذَا الْمُلْتَزَمِ مُنْذُ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ عَمْرٍو «3» إِلَّا اسْتُجِيبَ لِي.
قَالَ الْحُمَيْدِيُّ «5» وَأَنَا فَمَا دَعَوْتُ اللَّهَ بِشَيْءٍ في هذا الملتزم منذ
__________
(1) رواه الديلمي واين النجار ولفظهما (من طاف بالبيت سبعا وصلّى خلف المقام ركعتين وشرب من ماء زمزم غفر الله ذنوبه كلها بالغة ما بلغت) لكن قال السخاوي لا يصح. وقد ذكره المنوفي في مختصره وقال فيه: انه باطل لا أصل له. والله تعالى أعلم. ثم على تقدير صحته فهو محمول على تكفير الصغائر لقوله تعالى (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) . سورة هود آية (114)
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(3) عمرو بن دينار: راوي الحديث عن ابن عباس.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «191» رقم «5» .
(5) الحميدي: بالتصغير هو عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبد الله القرشي الاسدي المكي صاحب الشافعي ورفيقه في رحلته لمصر، وهو شيخ البخاري، وهو لاهل الحجاز كأحمد بن حنبل لاهل العراق، توفي سنة تسع عشرة ومائتين.(2/220)
سَمِعْتُ هَذَا مِنْ سُفْيَانَ «1» إِلَّا اسْتُجِيبَ لِي.
وَقَالَ مُحَمَّدُ «2» بْنُ إِدْرِيسَ: وَأَنَا فَمَا دَعَوْتُ الله بشيء في هَذَا مِنَ الْحُمَيْدِيِّ «3» إِلَّا اسْتُجِيبَ لِي.
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ «4» مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: وَأَنَا فَمَا دَعَوْتُ اللَّهَ بِشَيْءٍ فِي هَذَا الْمُلْتَزَمِ مُنْذُ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ إِلَّا اسْتُجِيبَ لِي.
قَالَ أَبُو أُسَامَةَ «5» : وَمَا أَذْكُرُ الْحَسَنَ «6» بْنَ رَشِيقٍ قَالَ فِيهِ شَيْئًا «7» - وَأَنَا ما دَعَوْتُ اللَّهَ بِشَيْءٍ فِي هَذَا الْمُلْتَزَمِ مُنْذُ سَمِعْتُ هَذَا مِنَ الْحَسَنِ «6» بْنِ رَشِيقٍ إِلَّا اسْتُجِيبَ لِي مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يُسْتَجَابَ لِي مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ.
قَالَ العذري «8» : فَمَا دَعَوْتُ اللَّهَ بِشَيْءٍ فِي هَذَا الْمُلْتَزَمِ مُنْذُ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ أَبِي أُسَامَةَ «5» إِلَّا استجيب لي.
__________
(1) تقدم آنفا.
(2) محمد بن ادريس: أبو بكر غير محمد بن ادريس الشافعي.. وهو محمد بن ادريس بن عمر، وهو من أهل مكة..
(3) تقدمت ترجمته آنفا.
(4) ابو الحسن محمد بن الحسن: بن راشد، وفي الميزان محمد بن الحسن بن علي بن راشد الانصاري. وفيه كلام.
(5) ابو أسامة: محمد بن أحمد الهروي.
(6) الحسن بن رشيق: عبد الغني بن سعيد العسكري الحافظ العالي السند وترجمته في الميزان.
(7) انقطع التسلسل عند الحسن بن رشيق.
(8) العذري: أبو العباس.(2/221)
قال أبو علي «1» : وأنا قد دَعَوْتُ اللَّهَ فِيهِ بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ اسْتُجِيبَ لِي بعضها وأنا أرجو مِنْ سَعَةِ فَضْلِهِ أَنْ يَسْتَجِيبَ لِي بَقِيَّتَهَا..
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ «2» : ذَكَرْنَا نُبَذًا مِنْ هَذِهِ النُّكَتِ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْبَابِ لِتَعَلُّقِهَا بِالْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَهُ حِرْصًا عَلَى تَمَامِ الْفَائِدَةِ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ برحمته.
__________
(1) ابو علي: هو القاضي الحافظ ابن سكرة.
(2) المصنف رحمه الله.(2/222)
القسم الثالث في مَا يَجِبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّهِ
أَوْ يَجُوزُ عَلَيْهِ وَمَا يَمْتَنِعُ أَوْ يَصِحُّ مِنَ الْأَحْوَالِ الْبَشَرِيَّةِ أو يضاف إليه.
في بابين وخمسة وعشرين فضلا(2/223)
مُقَدِّمَةُ الْقِسْمِ الثَّالِثِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ.. «1» » الْآيَةَ
وَقَالَ تَعَالَى: «مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ.. «2» »
وَقَالَ: «وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ.. «3» »
وَقَالَ تَعَالَى: «قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ.. «4» » الْآيَةَ فَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الْبَشَرِ أُرْسِلُوا إِلَى الْبَشَرِ..
وَلَوْلَا ذلك لما أطاق النَّاسُ مُقَاوَمَتَهُمْ»
، وَالْقَبُولَ عَنْهُمْ، وَمُخَاطَبَتَهُمْ.
قَالَ اللَّهُ تعالى: «وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً.. لَجَعَلْناهُ رَجُلًا «6» » .
__________
(1) سورة آل عمران آية «144» .
(2) سورة المائدة «75» .
(3) سورة الفرقان آية «20» .
(4) سورة الكهف آية «110»
(5) مقاومتهم: أي مقابلتهم فى الأمور الدينوية.
(6) سورة الانعام آية «9» .(2/224)
أي ما كان إلا في صورة البشر الذين يمكنكم مخالطتهم إذ لا تطيقون مقاومة الملك، ومخاطبتهم، وَرُؤْيَتَهُ، إِذَا كَانَ عَلَى صُورَتِهِ..
وَقَالَ تَعَالَى: «قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا «1» » ..
أَيْ لَا يُمْكِنُ فِي سُنَّةِ اللَّهِ إِرْسَالُ الْمَلَكِ إِلَّا لِمَنْ هُوَ مِنْ جِنْسِهِ، أَوْ مَنْ خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاصْطَفَاهُ وَقَوَّاهُ عَلَى مُقَاوَمَتِهِ كَالْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ.
فَالْأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَسَائِطُ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ خَلْقِهِ، يُبَلِّغُونَهُمْ أوامره ونواهيه ووعده ووعيده، ويعرفوهم بِمَا لَمْ يَعْلَمُوهُ مِنْ أَمْرِهِ وَخَلْقِهِ، وَجَلَالِهِ وَسُلْطَانِهِ وَجَبَرُوتِهِ وَمَلَكُوتِهِ..
فَظَوَاهِرُهُمْ وَأَجْسَادُهُمْ وَبِنْيَتُهُمْ مُتَّصِفَةٌ بأوصاف البشر، طاريء عَلَيْهَا مَا يَطْرَأُ عَلَى الْبَشَرِ مِنَ الْأَعْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ، وَالْمَوْتِ وَالْفَنَاءِ وَنُعُوتِ الْإِنْسَانِيَّةِ..
وَأَرْوَاحُهُمْ وَبَوَاطِنُهُمْ مُتَّصِفَةٌ بِأَعْلَى مِنْ أَوْصَافِ الْبَشَرِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَلَأِ الْأَعْلَى، مُتَشَبِّهَةٌ بِصِفَاتِ الْمَلَائِكَةِ سَلِيمَةٌ مِنَ التَّغَيُّرِ والافات..
__________
(1) سورة الاسراء آية «95» .(2/225)
لَا يَلْحَقُهَا غَالِبًا عَجْزُ الْبَشَرِيَّةِ، وَلَا ضَعْفُ الْإِنْسَانِيَّةِ.. إِذْ لَوْ كَانَتْ بَوَاطِنُهُمْ خَالِصَةً لِلْبَشَرِيَّةِ كَظَوَاهِرِهِمْ لَمَا أَطَاقُوا الْأَخْذَ عَنِ الْمَلَائِكَةِ، وَرُؤْيَتَهُمْ، وَمُخَاطَبَتَهُمْ، وَمُخَالَّتَهُمْ «1» . كَمَا لَا يُطِيقُهُ غَيْرُهُمْ مِنَ البشر.
ولو كانت أجسادهم وَظَوَاهِرُهُمْ مُتَّسِمَةً بِنُعُوتِ الْمَلَائِكَةِ وَبِخِلَافِ صِفَاتِ الْبَشَرِ لَمَا أَطَاقَ الْبَشَرُ وَمَنْ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ مُخَالَطَتَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى «2» .
«فَجُعِلُوا مِنْ جِهَةِ الْأَجْسَامِ وَالظَّوَاهِرِ مَعَ الْبَشَرِ، وَمِنْ جِهَةِ الْأَرْوَاحِ وَالْبَوَاطِنِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ.
كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم «3» «لو كنت متخذا من أمتي خليلا لا تخذت أَبَا بَكْرٍ «4» خَلِيلًا، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ.. لَكِنْ صاحبكم «5» خليل الرحمن..
__________
(1) مخالتهم: بتشديد اللام أي مخالطتهم كما في نسخة مخالاتهم بالفك وهي موادتهم ومصاحبتهم.
(2) يعني من الاية «وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا» سورة الأنعام آية «9» .
(3) في حديث رواه البخاري وغيره.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «156» رقم «6» .
(5) يعني نفسه صلّى الله عليه وسلم.(2/226)
وَكَمَا قَالَ «1» : «تَنَامُ عَيْنَايَ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» .
وقال «2» : «إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ.. إِنِّي أَظَلُّ «3» يُطْعِمُنِي رَبِّي ويسقيني» فبواطنهم منزهة عن الافات، مطهرة عن النقائص والإعتلالات..
وهذه جملة لن يكنفي بِمَضْمُونِهَا كُلُّ ذِي هِمَّةٍ.. بَلِ الْأَكْثَرُ يَحْتَاجُ إِلَى بَسْطٍ وَتَفْصِيلٍ عَلَى مَا نَأْتِي بِهِ بعد هذا في البابين بعون الله تعالى وهو حسبي ونعم الوكيل..
__________
(1) فيما رواه ابن سعد عن الحسن مرسلا.
(2) كما رواه الشيخان عن ابن عمر وأبي هريرة وأنس وعائشة جوابا لقولهم انك تواصل فكيف تنهانا.
(3) وفي رواية: «ابيت عند ربي يطعمني ويسقيني» .(2/227)
الباب الأوّل في ما يَخْتَصُّ بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَالْكَلَامُ فِي عِصْمَةِ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عليهم أجمعين. وفيه ستة عشر فصلا(2/228)
تَمْهِيدٌ
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ
إعلم أن الطواريء من التغيرات والافات عَلَى آحَادِ الْبَشَرِ لَا يَخْلُو أَنْ تَطْرَأَ عَلَى جِسْمِهِ، أَوْ عَلَى حَوَاسِّهِ بِغَيْرِ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ، كَالْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ، أَوْ تَطْرَأَ بِقَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ.. وَكُلُّهُ فِي الْحَقِيقَةِ عَمَلٌ وَفِعْلٌ.. وَلَكِنْ جَرَى رَسْمُ الْمَشَايِخِ بِتَفْصِيلِهِ إِلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ:
عَقْدٍ بِالْقَلْبٍ.. وَقَوْلٍ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلٍ بِالْجَوَارِحِ. وَجَمِيعُ الْبَشَرِ تَطْرَأُ عَلَيْهِمُ الْآفَاتُ وَالتَّغَيُّرَاتُ بِالِاخْتِيَارِ وَبِغَيْرِ الِاخْتِيَارِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا.. وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِنْ كَانَ مِنَ الْبَشَرِ. وَيَجُوزُ عَلَى جِبِلَّتِهِ مَا يَجُوزُ عَلَى جِبِلَّةِ الْبَشَرِ- فَقَدْ قَامَتِ الْبَرَاهِينُ الْقَاطِعَةُ، وَتَمَّتْ كَلِمَةُ الْإِجْمَاعِ عَلَى خُرُوجِهِ عَنْهُمْ، وَتَنْزِيهِهِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الافات التي تقع على الاختيار.. وعلى غير الِاخْتِيَارِ، كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا نَأْتِي بِهِ مِنَ التَّفَاصِيلِ.(2/229)
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ عَقْدِ قَلْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَقْتِ نُبُوَّتِهِ
اعْلَمْ مَنَحَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ تَوْفِيقَهُ أَنَّ مَا تَعَلَّقَ مِنْهُ بِطَرِيقِ التَّوْحِيدِ وَالْعِلْمِ بِاللَّهِ وَصِفَاتِهِ، وَالْإِيمَانِ بِهِ وَبِمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ، فَعَلَى غَايَةِ الْمَعْرِفَةِ، وَوُضُوحِ الْعِلْمِ وَالْيَقِينِ، وَالِانْتِفَاءِ عَنِ الْجَهْلِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، أَوِ الشَّكِّ أَوِ الرَّيْبِ فِيهِ، وَالْعِصْمَةِ مِنْ كُلِّ مَا يُضَادُّ الْمَعْرِفَةَ بِذَلِكَ.. وَالْيَقِينَ..
هَذَا مَا وَقَعَ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ.
وَلَا يَصِحُّ بِالْبَرَاهِينِ الْوَاضِحَةِ أَنْ يَكُونَ فِي عُقُودِ الْأَنْبِيَاءِ سِوَاهُ.
وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «قَالَ:
بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي.. «1» إِذْ لَمْ يَشُكَّ إِبْرَاهِيمُ فِي إِخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ بِإِحْيَاءِ الْمَوْتَى.. ولكن إرادة طمأنينة القلب،
__________
(1) سورة البقرة آية «260» .(2/230)
وَتَرْكَ الْمُنَازَعَةِ لِمُشَاهَدَةِ الْإِحْيَاءِ.. فَحَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ الْأَوَّلُ بِوُقُوعِهِ وَأَرَادَ الْعِلْمَ الثَّانِيَ بِكَيْفِيَّتِهِ وَمُشَاهَدَتِهِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّمَا أَرَادَ اخْتِبَارَ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ.. وَعَلِمَ إِجَابَتَهُ «1» دَعَوْتَهُ بِسُؤَالِ ذَلِكَ مِنْ رَبِّهِ..
وَيَكُونُ «2» قَوْلُهُ تعالى «أَوَلَمْ تُؤْمِنْ «3» » أَيْ تُصَدِّقْ بِمَنْزِلَتِكَ مِنِّي وَخُلَّتِكَ وَاصْطِفَائِكَ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ سَأَلَ زِيَادَةَ يَقِينٍ، وَقُوَّةَ طُمَأْنِينَةٍ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَوَّلِ شَكٌّ.. إِذِ الْعُلُومُ الضَّرُورِيَّةُ «4» ، وَالنَّظَرِيَّةُ «5» ، قَدْ تَتَفَاضَلُ فِي قُوَّتِهَا، وَطَرَيَانُ الشُّكُوكِ عَلَى الضَّرُورِيَّاتِ مُمْتَنِعٌ، وَمُجَوَّزٌ «6» فِي النظريات فأراد الانتقال من النظر أو الخبر إلى المشاهدة والترقي من علم القين إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ.. فَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ.
وَلِهَذَا قَالَ سَهْلُ «7» بْنُ عَبْدِ اللَّهِ «سَأَلَ كَشْفَ غِطَاءِ الْعِيَانِ، لِيَزْدَادَ بِنُورِ الْيَقِينِ تَمَكُّنًا فِي حاله» .
__________
(1) وفي نسخة (اجابة دعوته) .
(2) وفي نسخة (فيكون) .
(3) سورة البقرة اية (260) «وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي» .
(4) العلوم الضرورية: أي البديهية وهي التي لا تحتاج الى برهان ودليل
(5) النظرية: أي الفكرية. وهي التي تحتاج الى برهان ودليل
(6) وفي نسخة (ويجوز)
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «58» رقم «6» .(2/231)
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَمَّا احْتَجَّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِأَنَّ رَبَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ طَلَبَ ذَلِكَ مِنْ ربه ليصبح احْتِجَاجُهُ عِيَانًا..
الْوَجْهُ الْخَامِسُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: هُوَ سؤال عن طريق الأدب..
المراد: أَقْدِرْنِي عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى.. وَقَوْلُهُ «لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي» عَنْ هَذِهِ الْأُمْنِيَةِ..
الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّهُ أَرَى مِنْ نَفْسِهِ الشَّكَّ وَمَا شَكَّ.. لَكِنْ لِيُجَاوَبَ «1» فيزداد قربه «2» .
وقول نبينا صلّى الله عليه وسلم: «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ..»
نَفْيٌ «3» لِأَنْ يكون إبراهيم شك.. وإبعادا لِلْخَوَاطِرِ الضَّعِيفَةِ أَنْ تَظُنَّ هَذَا بِإِبْرَاهِيمَ.. أَيْ نَحْنُ مُوقِنُونَ بِالْبَعْثِ وَإِحْيَاءِ اللَّهِ الْمَوْتَى.. فَلَوْ شَكَّ إِبْرَاهِيمُ لَكُنَّا أَوْلَى بِالشَّكِّ مِنْهُ.. إِمَّا عن طَرِيقِ الْأَدَبِ.. أَوْ أَنْ يُرِيدَ أُمَّتَهُ الَّذِينَ يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الشَّكُّ.. أَوْ عَلَى طَرِيقِ التَّوَاضُعِ وَالْإِشْفَاقِ إِنْ حَمَلَتْ قِصَّةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَى اخْتِبَارِ حاله أو زيادة يقينه..
__________
(1) وفي نسخة (ليجاب)
(2) وفي نسخة (قربة)
(3) هذه اجابة المزني صاحب الشافعي(2/232)
فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: «فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ «1» » الْآيَتَيْنِ.
فَاحْذَرْ- ثَبَّتَ اللَّهُ قَلْبَكَ- أَنْ يَخْطُرَ ببالك ما ذكره فيه بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «2» أَوْ غَيْرِهِ من إثبات شك لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ.. وَأَنَّهُ مِنَ الْبَشَرِ!!
فَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ جُمْلَةً..
بَلْ قَدْ قَالَ «3» ابْنُ عباس: لَمْ يَشُكَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَسْأَلْ.
وَنَحْوُهُ عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ «4» وَالْحَسَنِ «5» .
وَحَكَى «6» قَتَادَةُ «7» : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا أَشُكُّ «8» وَلَا أَسْأَلُ.. وَعَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى هَذَا.
وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْآيَةِ فقيل المراد.. قل يا محمد للشاك إن كنت في شك.. الاية..
__________
(1) الاية سورة يونس اية (94)
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6»
(3) فيما رواه ابن أبي حاتم في تفسيره وصحت روايته عنه.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «58» رقم «4» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «60» رقم «8»
(6) كما رواه ابن جرير.
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «62» رقم «3»
(8) وفي رواية (لا اشك) .(2/233)
قَالُوا: وَفِي السُّورَةِ نَفْسِهَا مَا دَلَّ عَلَى هذا التأويل.
قوله «قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي «1» » الْآيَةَ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْخِطَابِ الْعَرَبُ وَغَيْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كَمَا قَالَ «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ «2» » الْآيَةَ. الْخِطَابُ لَهُ وَالْمُرَادُ غَيْرُهُ.
وَمِثْلُهُ «فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ» »
وَنَظِيرُهُ كَثِيرٌ.
قَالَ بَكْرُ «4» بْنُ الْعَلَاءِ: أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ «وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ «5» » الْآيَةَ.. وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْمُكَذَّبَ فِيمَا يَدْعُو إِلَيْهِ، فَكَيْفَ يَكُونُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِهِ!!.
فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخِطَابِ غَيْرُهُ..
وَمِثْلُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ: «الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً «6» » .
المأمور ههنا غَيْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَسْأَلَ النَّبِيَّ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الخبير المسؤول، لَا الْمُسْتَخْبِرُ السَّائِلُ.
وَقَالَ: إِنَّ هَذَا الشَّكَّ الَّذِي أُمِرَ بِهِ غَيْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بسؤال
__________
(1) سورة يونس آية (104) .
(2) سورة الزمر آية (65) .
(3) سورة هود آية (109) .
(4) بكر بن العلاء: وهو القاضي بكر بن العلاء من علماء المالكية الاجلاء.
(5) سورة يونس آية (95) .
(6) سورة الفرقان آية (59) .(2/234)
الذين يقرؤون الْكِتَابَ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا قَصَّهُ اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِ الْأُمَمِ..
لَا فِيمَا دَعَا إِلَيْهِ مِنَ التوحيد والشريعة
ومثل هذا قوله تعالى: «وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا.. «1» » الاية المراد الْمُشْرِكُونَ وَالْخِطَابُ مُوَاجَهَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قاله القتبي «2» ..
وَقِيلَ مَعْنَاهُ.. سَلْنَا عَمَّنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ. فَحُذِفَ الْخَافِضُ وَتَمَّ الْكَلَامُ.. ثُمَّ ابْتَدَأَ «أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ.. «3» »
إِلَى آخِرِ الْآيَةِ عَلَى طَرِيقِ الْإِنْكَارِ.. أَيْ مَا جَعَلْنَا.. حَكَاهُ مَكِّيٌّ «4» ..
وَقِيلَ: أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْأَلَ الْأَنْبِيَاءَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ عَنْ ذَلِكَ.. فَكَانَ أَشَدَّ يَقِينًا مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى السُّؤَالِ.. فَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لَا أَسْأَلُ قَدِ اكْتَفَيْتُ «5» قَالَهُ ابْنُ زيد «6» .
__________
(1) سورة الزخرف اية (45) .
(2) القتبي: اختلفت النسخ هنا ففي اكثرها قتبي، وفي بعضها فتيبي والمراد به هنا امام أهل اللغة والتفسير ابن قتيبة بن سعيد بن طريف بن جميل صاحب التاليف الجليلة المشهورة.. وفي بعضها العتبي.. وهو عمدة مذهب مالك فقيه الاندلس محمد بن احمد بن عبد العزيز القرطبي العتبي نسبة لعتبة بن أبي سفيان لانه من مواليه وهو صاحب العتبية المشهورة في مذهب مالك وتسمى المستخرجة وقد رجح البرهان الحلبي الاسم الاول (القتبي)
(3) سورة الزخرف اية (45) .
(4) مكي: بن أبي طالب الامام المفسر صاحب التاليف الجليلة، ولد بالقيروان واقام بالاندلس بعد اقامته بمكة ولذا نسب اليها كما تقدم.
(5) وفي نسخة (قد كفيت) .
(6) ابن زيد: هو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.(2/235)
وقيل: سل امم من أرسلنا.. هل جاؤوهم بِغَيْرِ التَّوْحِيدِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ «1» ، وَالسُّدِّيِّ «2» ، والضحاك «3» ، وقتادة «4» ، والمراد بهذا بِهَذَا وَالَّذِي قَبْلَهُ إِعْلَامُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا بُعِثَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَأْذَنْ فِي عِبَادَةِ غَيْرِهِ لِأَحَدٍ.. رَدًّا عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ «إِنَّمَا نَعْبُدُهُمْ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى «5» » . وَكَذَلِكَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: «وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ.. «6» أي في علمهم بِأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ.. وَإِنْ لَمْ يُقِرُّوا بِذَلِكَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ شَكَّهُ فِيمَا ذُكِرَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ.. وَقَدْ يَكُونُ أَيْضًا عَلَى مِثْلِ مَا تَقَدَّمَ.
أَيْ قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِمَنِ امْتَرَى فِي ذَلِكَ: لَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ.
بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَوَّلَ الْآيَةِ «أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً. «7» »
الاية وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَاطِبُ بذلك غيره..
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «70» رقم «1» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «112» رقم «3» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «75» رقم «6» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «62» رقم «3» .
(5) الاية سورة الزمر اية (3) والصحيح: ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى
(6) الاية سورة الانعام اية (114) .
(7) الاية سورة الانعام اية (114) .(2/236)
وقيل: هو تقرير كقوله «أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ.. «1» » وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ.. مَا كُنْتَ فِي شَكٍّ.. فَاسْأَلْ تَزْدَدْ طُمَأْنِينَةً وَعِلْمًا إِلَى عِلْمِكَ وَيَقِينِكَ.
وَقِيلَ: إِنْ كُنْتَ تشك فيما شرفناك وفضّلناك به فاسألهم عَنْ صِفَتِكَ فِي الْكُتُبِ وَنَشْرِ فَضَائِلِكَ..
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ «2» : أَنَّ الْمُرَادَ.. إِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِنْ غَيْرِكَ فِيمَا أَنْزَلْنَا. فَإِنْ قِيلَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ «حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا «3» » عَلَى قِرَاءَةِ التَّخْفِيفِ «4» .
قُلْنَا: الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ مَا قَالَتْهُ عَائِشَةُ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا..
مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ تَظُنَّ ذَلِكَ الرُّسُلُ بِرَبِّهَا.. وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الرُّسُلَ لَمَّا اسْتَيْأَسُوا ظَنُّوا أنّ من وعدهم النصر من أتباعهم
__________
(1) الاية سورة المائدة اية (116) .
(2) أبو عبيدة: معمر بن المثنى التميمي، امام أهل اللغة توفي سنة عشر أو احدى عشرة ومائتين وقد قارب المائة.. وكان معاصرا للاصمعي وبينهما منافسة علمية واسعة وجميلة
(3) الاية سورة يوسف اية (110) .
(4) وهي قراءة عاصم وحمزة والكسائي وغيرهم.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «146» رقم «5» .(2/237)
كَذَّبُوهُمْ «1» .. وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ.
وَقِيلَ: إِنَّ ضمير ظَنُّوا عَائِدٌ عَلَى الْأَتْبَاعِ وَالْأُمَمِ لَا عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ «2» ، وَالنَّخَعِيِّ «3» وَابْنِ جُبَيْرٍ «4» ، وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ..
وَبِهَذَا الْمَعْنَى قرأ مجاهد «5» : «كذبوا» فَلَا تَشْغَلْ بَالَكَ مِنْ شَاذِّ التَّفْسِيرِ بِسِوَاهُ مِمَّا لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِ الْعُلَمَاءِ، فَكَيْفَ بِالْأَنْبِيَاءِ!! وكذلك ما ورد في حديث السيرة ومبدإ الْوَحْيِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَدِيجَةَ «6» : «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي «7» » لَيْسَ مَعْنَاهُ الشَّكَّ فِيمَا آتَاهُ اللَّهُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْمَلَكِ، ولكن لعله خشي أن لا تحتمل قوته مقاومة
__________
(1) وفيما نقله المصنف عن عائشة رضي الله عنها نظر، فان المروي عنها في صحيح البخاري ان عروة بن الزبير سألها عن هذه الاية فقال لها وقد تلا الاية أهي كذبوا أم كذبوا- أي بالتشديد او بالتخفيف- فقالت: كذبوا- بالتشديد- فقال: اجل لعمري لقد استيقنوا بذلك وظنوا انهم قد كذبوا. قالت: معاذ الله! لم تكن الرسل تظن ذلك بربها! .. فقال لها: فما هذه الاية؟ .. قالت: هم اتباع الرسل الذين امنوا بربهم عز وجل وصدقوهم وطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر حتي استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم فظنث بالرسل أن اتباعهم قد كذبوهم فجاءهم نصر الله عند ذلك.. اهـ. ولا منافاة بين ما نقله المصنف وبين هذه الرواية اذ المعنى واحد في قراءة التشديد والتخفيف
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «361» رقم «11» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «580» رقم «40» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «70» رقم «1» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «261» رقم «5» .
(7) رواه الشيخان.(2/238)
الْمَلَكِ وَأَعْبَاءِ الْوَحْيِ.. فَيَنْخَلِعَ قَلْبُهُ، أَوْ تَزْهَقَ نفسه.
هذا عَلَى مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَهُ بَعْدَ لِقَائِهِ الْمَلَكَ أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ قَبْلَ لقائه، واعلام الله تعالى لَهُ بِالنُّبُوَّةِ لِأَوَّلِ مَا عُرِضَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْعَجَائِبِ، وَسَلَّمَ عَلَيْهِ الْحَجَرُ وَالشَّجَرُ، وَبَدَأَتْهُ الْمَنَامَاتُ وَالتَّبَاشِيرُ.
كَمَا رُوِيَ فِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الحديث: أن ذلك كان أولا في فِي الْمَنَامِ، ثُمَّ أُرِيَ فِي الْيَقَظَةِ مِثْلَ ذَلِكَ تَأْنِيسًا لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِئَلَّا يَفْجَأَهُ الأمر مشاهدة ومشافهة، فلا يحمله لِأَوَّلِ حَالَةٍ بِنْيَةُ الْبَشَرِيَّةِ.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عائشة «1» رضي الله عنها «2» : «أول ما بديء بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ «3» . قَالَتْ.. ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ.. وَقَالَتْ إِلَى أَنْ جَاءَهُ الْحَقُّ وهو في غار حراء»
وَعَنِ»
ابْنِ عَبَّاسٍ «5» مَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً يَسْمَعُ الصَّوْتَ «6» ، وَيَرَى: الضَّوْءَ «7» سَبْعَ سِنِينَ، وَلَا يَرَى
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «146» رقم «5»
(2) وهذا الحديث رواه الشيخان وهو من مرسل الصحابة لانها رضي الله عنها لم تكن معه صلّى الله عليه وسلم حينئذ.. أو هو متصل اذا سمعته منه ثم حدثت به.
(3) وروي (الصالحة) .
(4) فى حديث مسند رواه ابن سعد.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(6) أي صوت الملك.
(7) أي نور الملك من غير رواية ذاته لان الملائكة انوار مجردة.(2/239)
شيئا وثماني سنين يوحى اليه «1» ..
وقد روى «2» ابن اسحق «3» عَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
- وَذَكَرَ جِوَارَهُ بِغَارِ حِرَاءٍ- قَالَ: «فَجَاءَنِي «4» وَأَنَا نَائِمٌ فَقَالَ اقْرَأْ..
فَقُلْتُ مَا أَقْرَأُ..» وَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي غَطِّهِ «5» له واقرائه له «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ «6» » السُّورَةَ قَالَ: فَانْصَرَفَ عَنِّي.. وَهَبَبْتُ مِنْ نَوْمِي «7» كَأَنَّمَا صُوِّرَتْ فِي قَلْبِي، وَلَمْ يَكُنْ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ شَاعِرٍ أَوْ مَجْنُونٍ، قُلْتُ: لَا تَحَدَّثُ «8» عَنِّي قُرَيْشٌ بِهَذَا أَبَدًا..
لِأَعْمِدَنَّ إِلَى حَالِقٍ «9» مِنَ الْجَبَلِ فَلَأَطْرَحَنَّ نَفْسِي مِنْهُ فَلَأَقْتُلَنَّهَا..
فَبَيْنَا أَنَا عَامِدٌ لِذَلِكَ، إِذْ سَمِعْتُ مُنَادِيًا ينادي من السماء: يا محمد..
__________
(1) قال البرهان الحلبي: هذا على القول المرجوح انه عاش خمسا وستين سنة، والصحيح انه عاش ثلاثا وستين منها بمكة ثلاث عشرة بعد الوحي وبالمدينة عشرة.
(2) وهذه الرواية لم تخرج.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «73» رقم «7» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (146) رقم (5)
(5) الغط: بفتح الغين المعجمة وتشديد الطاء المهملة مصدر بمعنى شدة خنقه وضمه وغمه ليصرفه عن الدنيا ويوقظه لما يلقيه له واستدل به على تأديب المعلم المتعلم منه.
(6) سورة العلق اية (1) .
(7) رواية ابن اسحق هذه تدل على ان الوحي اتاه في منامه وكذلك القرآن وقد قسم العلماء النزول الى أقسام منها ما نزل عليه سفرا وحضرا وقل منهم من تعرض الى نزوله يقظة ومناما.
(8) بفتح الفوقية على انه حذف منه احدى التاءين وأصله مضارع مرفوع تتحدث
(9) حالق: بالحاء المهملة واللام المكسورة والقاف أي مكان مرتفع منه وقيل انه الجبل المرتفع من قولهم حلق الطائر اذا ارتفع.(2/240)
أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا جِبْرِيلُ.. فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا جِبْرِيلُ عَلَى صُورَةِ رَجُلٍ.. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ..
فَقَدْ بَيَّنَ فِي هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ لِمَا قَالَ، وَقَصْدَهُ لِمَا قَصَدَ، إِنَّمَا كَانَ قَبْلَ لقاء جبريل عليهما السلام، وقيل إِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ بِالنُّبُوَّةِ، وَإِظْهَارِهِ وَاصْطِفَائِهِ لَهُ بِالرِّسَالَةِ.
وَمِثْلُهُ حَدِيثُ عَمْرِو «1» بْنِ شُرَحْبِيلَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» قَالَ لِخَدِيجَةَ «3» :
«إِنِّي إِذَا خَلَوْتُ وَحْدِي سَمِعْتُ نِدَاءً، وَقَدْ خَشِيتُ وَاللَّهِ أَنْ يَكُونَ هَذَا لِأَمْرٍ «4» » .
وَمِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ «5» بْنِ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «6» قَالَ لِخَدِيجَةَ «3» :
«إِنِّي لَأَسْمَعُ صوتا، وأرى ضوآ، وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ بِي جُنُونٌ وَعَلَى هَذَا يُتَأَوَّلُ- لَوْ صَحَّ قَوْلُهُ فِي بَعْضِ هَذِهِ الأحاديث- أن
__________
(1) عمرو بن شرحبيل: تابعي جليل وعابد توفي سنة ثلاث وستين ومائه، وهو ابو ميسرة الهمداني وهناك عمرو بن شرحبيل آخر خزرجي وليس بمراد هنا.
(2) رواه البيهقي.
(3) تقدمت ترجمتها في ج 1 ص «261» رقم «5» .
(4) اي لامر يصيا بني مما لم أحط به خبرا فقالت له معاذ الله ما كان الله ليضل بك ذلك انك لتؤدي الامانة وتصل الرحم وتصدق منه الحديث.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «31» رقم «2» .
(6) رواه الطبراني وابن منيع في مسنده موصولا عن حماد عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.(2/241)
الْمَلَكُ يَا ابْنَ عَمِّ فَاثْبُتْ وَأَبْشِرْ. وَآمَنَتْ بِهِ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مُسْتَثْبِتَةٌ بِمَا فَعَلَتْهُ لِنَفْسِهَا، وَمُسْتَظْهِرَةٌ لِإِيمَانِهَا لَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَوْلُ مَعْمَرٍ «1» فِي فَتْرَةِ الْوَحْيِ «2» : فَحَزِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما بلغنا- حزنا غدا منه «3» مرارا كي يتردّى من شواهق الجبال..
ولا يَقْدَحُ فِي هَذَا الْأَصْلِ لِقَوْلِ مَعْمَرٍ عَنْهُ- فِيمَا بَلَغَنَا- وَلَمْ يُسْنِدْهُ وَلَا ذَكَرَ رُوَاتَهُ، وَلَا مَنْ حَدَّثَ «4» بِهِ، وَلَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ، وَلَا يُعْرَفُ مِثْلُ هَذَا «5» إِلَّا مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «6» ، مَعَ «7» أَنَّهُ قَدْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ الْأَمْرِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، أَوْ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِمَا أَخْرَجَهُ مِنْ تَكْذِيبِ مَنْ بَلَّغَهُ.
كَمَا قَالَ تَعَالَى: «فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً «8» » .
وَيُصَحِّحُ مَعْنَى هَذَا التَّأْوِيلِ حَدِيثٌ رَوَاهُ «9» شَرِيكٌ «10» عن
__________
(1) معمر: بن راشد اليماني.
(2) كما رواه عنه أحمد والبيهقي.
(3) وفي نسخة (به) .
(4) الا ان ابن سيد الناس رواه مسندا مر طريق الدولابي ولم يذكر فيه معمرا بل رواه عن الزهري عن عروة عن عائشة فقال: لم يثبت ورقة ان توفي وفتر الوحي
(5) وفي نسخة مثل (ذلك) .
(6) لان مثله لا يقال بالرأي فهو في حكم المرفوع وان كان منقطعا.
(7) وفي نسخة (على انه) .
(8) الاية سورة الكهف آية (6) .
(9) رواه البزار وأخرج الطبراني نحوه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
(10) شريك: بن عبد الله النحفي، الامام الثقة. وقد وثقه ابن معين. وقال غيره: لا بأس به. وقد قيل انه كان سيء الحفظ. توفي سنة سبع وسبعين ومائة. وسنة ثمانون سنة. وله ترجمة في الميزان.(2/244)
عبد الله «1» بن محمد بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرِ «2» بْنِ عَبْدِ اللَّهِ:
أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا اجْتَمَعُوا بِدَارِ النَّدْوَةِ «3» لِلتَّشَاوُرِ فِي شَأْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاتَّفَقَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ يَقُولُوا إِنَّهُ سَاحِرٌ.. اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَتَزَمَّلَ فِي ثِيَابِهِ وَتَدَثَّرَ فيها.. فأتاه جبريل فقال: يا أيها المزمل يا أيها الْمُدَّثِّرِ» .
أَوْ خَافَ أَنَّ الْفَتْرَةَ لِأَمْرٍ أَوْ سَبَبٍ مِنْهُ فَخَشِيَ أَنْ تَكُونَ عُقُوبَةً مِنْ رَبِّهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ.. وَلَمْ يَرِدْ بَعْدُ شَرْعٌ بِالنَّهْي عَنْ ذَلِكَ فَيُعْتَرَضَ بِهِ وَنَحْوُ هَذَا فِرَارُ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَشْيَةَ تَكْذِيبِ قَوْمِهِ لَهُ لِمَا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ.
وَقَوْلُ اللَّهِ فِي يُونُسَ: «فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ «5» » معناه أن لن نضيّق عليه
__________
(1) عبد الله بن محمد بن عقيل: ابن أبي طالب بن عبد المطلب. توفي بعد الاربعين ومائة. وهو لين الحديث حتى قيل انه لا يحتج بروايته.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «154» رقم «1» .
(3) الندوة: بفتح النون وسكون الدال المهملة والندوة بمعنى الاجتماع ومنه النادي ودار الندوة دار كانت بمكة تجتمع فيها قريش للمشاورة والحكومة بناها قصي بن كلاب فكانت ديوان رؤسائهم.
(4) وهذا مخالف للرواية الصحيحة من ان اجتماعهم بدار الندوة كان وقت الهجرة ونزول (يا ايها المزمل) (يا ايها المدثر) كان في ابتداء الوحي عليه كما في البخاري.. فان صحت هذه الرواية تكون نزلت علية مرتين.
(5) الاية (87) سورة الانبياء.(2/245)
فأستغفر الله كل «1» يوم مئة مَرَّةٍ» - وَفِي طَرِيقٍ «2» - «فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً» .
فَاحْذَرْ أَنْ يَقَعَ بِبَالِكَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْغَيْنُ وَسْوَسَةً أَوْ رَيْبًا وَقَعَ في قلبه صلّى الله عليه وسلم، بَلْ أَصْلُ الْغَيْنِ فِي هَذَا مَا يَتَغَشَّى الْقَلْبَ وَيُغَطِّيهِ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ «3» - وَأَصْلُهُ مِنْ «غَيْنِ السَّمَاءِ» وَهُوَ إِطْبَاقُ الْغَيْمِ عَلَيْهَا
وَقَالَ غَيْرُهُ «وَالْغَيْنُ» شَيْءٌ يُغَشِّي الْقَلْبَ وَلَا يُغَطِّيهِ كُلَّ التَّغْطِيَةِ كَالْغَيْمِ الرَّقِيقِ الَّذِي يَعْرِضُ فِي الْهَوَاءِ فَلَا يَمْنَعُ ضَوْءَ الشَّمْسِ..
وَكَذَلِكَ لَا يُفْهَمُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُغَانُ عَلَى قَلْبِهِ مئة مرة أو اكثر من سبعين فِي الْيَوْمِ.. إِذْ لَيْسَ يَقْتَضِيهِ لَفْظُهُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ.. وَإِنَّمَا هَذَا عَدَدٌ لِلِاسْتِغْفَارِ لَا لِلْغَيْنِ. فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهَذَا الْغَيْنِ إِشَارَةً إِلَى غَفَلَاتِ قَلْبِهِ، وَفَتَرَاتِ نَفْسِهِ وَسَهْوِهَا عَنْ مُدَاوَمَةِ الذِّكْرِ، وَمُشَاهَدَةِ الْحَقِّ، بِمَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُفِعَ إِلَيْهِ مِنْ مُقَاسَاةِ الْبَشَرِ، وَسِيَاسَةِ الْأُمَّةِ، وَمُعَانَاةِ الْأَهْلِ، وَمُقَاوَمَةِ الولي، والعدو، ومصلحة النفس، وما كلفه مِنْ أَعْبَاءِ أَدَاءِ الرِّسَالَةِ، وَحَمْلِ الْأَمَانَةِ.. وَهُوَ في كل هذا في طاعة ربه،
__________
(1) وفي نسخة (في كل يوم) .
(2) أي للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(3) أبو عبيد: القاسم بن سلام. وفي نسخة (ابو عبيدة) .(2/248)
وَعِبَادَةِ خَالِقِهِ.. وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْفَعَ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ مَكَانَةً، وَأَعْلَاهُمْ دَرَجَةً، وَأَتَمَّهُمْ بِهِ مَعْرِفَةً، وَكَانَتْ حَالُهُ عند خلوص قلبه، وخلو همه، وتفرده بربه، واقباله بكليته، وَمُقَامِهِ هُنَالِكَ أَرْفَعَ حَالَيْهِ «1» .. رَأَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَالَ فَتْرَتِهِ عَنْهَا، وَشُغْلِهِ بِسِوَاهَا، غَضًّا «2» مِنْ عَلِيِّ حَالِهِ، وَخَفْضًا مِنْ رَفِيعِ مَقَامِهِ، فَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ مِنْ ذَلِكَ.. هَذَا أَوْلَى وُجُوهِ الْحَدِيثِ وَأَشْهَرِهَا.
وَإِلَى مَعْنَى مَا أَشَرْنَا بِهِ مَالَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَحَامَ حَوْلَهُ..
فَقَارَبَ وَلَمْ يَرِدْ «3» .. وَقَدْ قَرَّبْنَا غَامِضَ مَعْنَاهُ.. وَكَشَفْنَا لِلْمُسْتَفِيدِ مُحَيَّاهُ «4» .. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ الفترات والفضلات، وَالسَّهْوِ فِي غَيْرِ طَرِيقِ الْبَلَاغِ عَلَى مَا سيأتي..
__________
(1) اى حالة اشتغاله بالظاهر وحالة كونه مع الله عالم السرائر وكل منهما رفيعة ولكن هذه أرفع.
(2) غضا: وهو معقول ثان لرأي او حال وغض الطرف ارخاؤه واطرافه ويكون بمعنى النقصان كما يقال غض صوته وهو المراد هنا وكني به عن التنزل عما ذكر.
(3) اي لم يصل، استعارة من ورد الماء اذا اتاه ليستقي منه.
(4) محياه: بالضم والفتح والتشديد بمعنى الوجه وفيه استعارة مكنية تخييلية بتشبيهه بحسان مخدرة والكشف للحديث هنا لرفع غينه واظهار محياه تعينه، وفي نسخة (مخباه) بخاء معجمة وتشديد موحدة أي مخفية وأصله الهمز كما في قوله تعالى «الا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء» سورة النمل اية 20 فكأنه ابدل التخفيف مراعاة للسمع.(2/249)
إِذْ فِيهِ إِثْبَاتُ الْجَهْلِ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ.. وَالْمَقْصُودُ وعظهم أن لا يتسبهوا فِي أُمُورِهِمْ بِسِمَاتِ الْجَاهِلِينَ.
كَمَا قَالَ: «إِنِّي أعظك» وليس في آية منها دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهِمْ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ الَّتِي نَهَاهُمْ عَنِ الْكَوْنِ عَلَيْهَا.. فَكَيْفَ وَآيَةُ نُوحٍ قبلها «فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ» «1» فَحَمْلُ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا أَوْلَى، لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا قَدْ يَحْتَاجُ إِلَى إِذْنٍ، وتجوز إِبَاحَةُ السُّؤَالِ فِيهِ ابْتِدَاءً، فَنَهَاهُ اللَّهُ أَنْ يسأله عما طوى عنه علمه، واكنّه في غَيْبِهِ مِنَ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِهَلَاكِ ابْنِهِ.. ثُمَّ أَكْمَلَ اللَّهُ تَعَالَى نِعْمَتَهُ عَلَيْهِ بِإِعْلَامِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ «إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ «1» » حكاه مَعْنَاهُ مَكِّيٌّ «2» .
كَذَلِكَ أُمِرَ نَبِيُّنَا فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى بِالْتِزَامِ الصَّبْرِ عَلَى إِعْرَاضِ قَوْمِهِ وَلَا يُحْرَجُ عِنْدَ ذَلِكَ فَيُقَارِبُ حَالَ الْجَاهِلِ بِشِدَّةِ التحسر..
حكاه أبو بكر «3» بن فورك.. وقيل معنى الخطاب لأمة محمد.
__________
(1) قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ «هود آية 46» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «67» رقم «7» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «119» رقم «4» .(2/252)
أي فلا تكونوا من الجاهلين حكاه مَكِّيٌّ «1» وَقَالَ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ.
فَبِهَذَا الفصل وَجَبَ الْقَوْلُ بِعِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْهُ بَعْدَ النُّبُوَّةِ قَطْعًا.
فَإِنْ قُلْتَ: فَإِذَا قَرَّرْتَ عِصْمَتَهُمْ مِنْ هَذَا وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.. فَمَا مَعْنَى إِذًا وَعِيدِ اللَّهِ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ إِنْ فَعَلَهُ وَتَحْذِيرِهِ مِنْهُ.
كَقَوْلِهِ «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ «2» » الْآيَةَ.
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ.. «3» » الْآيَةَ.
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: «إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ.. «4» » الاية.
وقوله: «لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ «5» » و «إِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ «6» .
__________
(1) تقدم آنفا.
(2) ولقد أوحي اليك والى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين. الزمر آية «65»
(3) وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ يونس آية «106»
(4) إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً الاسراء آية «75» .
(5) الحاقة آية «45» .
(6) إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ الانعام آية «116» .(2/253)
وقوله: «اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ «1» » .
فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَطَاعَهُمْ.. وَاللَّهُ يَنْهَاهُ عَمَّا يَشَاءُ وَيَأْمُرُهُ بِمَا يَشَاءُ كَمَا قَالَ: «وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ «2» » الْآيَةَ.
وَمَا كَانَ طَرَدَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، ولا كان من الظالمين.
__________
(1) « ... » وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً. الاحزاب اية «1»
(2) « ... » بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ. الانعام اية «52»(2/256)
الْفَصْلُ الثَّانِي عِصْمَتُهُمْ مِنْ هَذَا قَبْلَ النُّبُوَّةِ
وَأَمَّا عِصْمَتُهُمْ مِنْ هَذَا الْفَنِّ قَبْلَ النُّبُوَّةِ فَلِلنَّاسِ فِيهِ خِلَافٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ قَبْلَ النبوة من الجهل بالله وصفاته والتشكيك «1» فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَدْ تَعَاضَدَتِ الْأَخْبَارُ وَالْآثَارُ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ بِتَنْزِيهِهِمْ عَنْ هَذِهِ النَّقِيصَةِ مُنْذُ وُلِدُوا، وَنَشْأَتِهِمْ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ.. بَلْ عَلَى إِشْرَاقِ أَنْوَارِ الْمَعَارِفِ، وَنَفَحَاتِ أَلْطَافِ السَّعَادَةِ، كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَلَمْ يَنْقُلْ أحد من أهل الأخبار أن أحدا نبيء «2» وَاصْطُفِيَ مِمَّنْ عُرِفَ بِكُفْرٍ وَإِشْرَاكٍ قَبْلَ ذَلِكَ. وَمُسْتَنَدُ هَذَا الْبَابِ النَّقْلُ
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْقُلُوبَ تَنْفِرُ عَمَّنْ «3» كَانَتْ هَذِهِ سَبِيلُهُ
__________
(1) وروي (او التشكك) . والاول أولى.
(2) ويروى (تنبأ) .
(3) ويروى (عن كل من) .(2/257)
وَأَنَا أَقُولُ: إِنَّ قُرَيْشًا قَدْ رَمَتْ نَبِيَّنَا بِكُلِّ مَا افْتَرَتْهُ.. وَعَيَّرَ كُفَّارُ الْأُمَمِ أَنْبِيَاءَهَا «1» بِكُلِّ مَا أَمْكَنَهَا «2» وَاخْتَلَقَتْهُ مِمَّا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ.. أَوْ نَقَلَتْهُ إِلَيْنَا الرُّوَاةُ.. وَلَمْ نَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَعْيِيرًا لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ بِرَفْضِهِ آلِهَتَهُ، وَتَقْرِيعِهِ بِذَمِّهِ بِتَرْكِ مَا كَانَ قَدْ جَامَعَهُمْ عَلَيْهِ.
وَلَوْ كَانَ هَذَا.. لكانوا بذلك مبادرين وبتلوّنه «3» فِي مَعْبُودِهِ مُحْتَجِّينَ.. وَلَكَانَ تَوْبِيخُهُمْ لَهُ بِنَهْيِهِمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ قَبْلُ أَفْظَعَ «4» وَأَقْطَعَ فِي الْحُجَّةِ مِنْ تَوْبِيخِهِ بِنَهْيِهِمْ عَنْ تَرْكِهِمْ آلِهَتَهُمْ وَمَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ..
فَفِي إِطْبَاقِهِمْ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا سَبِيلًا إِلَيْهِ.. إِذْ لَوْ كَانَ لَنُقِلَ وَمَا سَكَتُوا عَنْهُ.. كَمَا لَمْ يَسْكُتُوا عن «5» تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ وَقَالُوا: «مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها «6» » كَمَا حَكَاهُ اللَّهُ عَنْهُمْ.
__________
(1) وفي نسخة (انبياءهم) .
(2) وفي نسخة (بكل ما امكنهم) .
(3) بتلونه: اي تغييره وانتقاله.
(4) أفظع: بفاء وظاء معجمة أي أشد فظاعة وهي الشناعة والقباحة.
(5) وفي نسخة (عند) .
(6) «.. قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ البقرة «142»(2/258)
وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْقَاضِي الْقُشَيْرِيُّ «1» عَلَى تَنْزِيهِهِمْ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ «2» » الْآيَةَ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ.. «3» » إلى قوله «لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ..»
قال فطهره اللَّهُ فِي الْمِيثَاقِ.. وَبَعِيدٌ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الميثاق قبل خلقه.. ثم يأخذ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَنَصْرِهِ قَبْلَ مَوْلِدِهِ بِدُهُورٍ وَيَجُوزُ عَلَيْهِ الشِّرْكُ أَوْ غَيْرُهُ مِنَ الذُّنُوبِ، هَذَا مَا لَا يُجَوِّزُهُ إِلَّا مُلْحِدٌ.. هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ.. وَكَيْفَ يَكُونُ»
ذَلِكَ وَقَدْ أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ «5» ، وَشَقَّ قَلْبَهُ صَغِيرًا، وَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، وَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ وَمَلَأَهُ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، كَمَا تظاهرت به أخبار المبدأ.. ولا يشبه عليه بقول إبراهيم..
__________
(1) القشيري: هو الامام عبد الرحيم بن الامام عبد الكريم بن هوارن الاستاذ أبو نصر بن الاستاذ أبي القاسم القشيري صاحب (الرسالة) المجمع على جلالته وعلمه وزهده وامامته، تخرج على امام الحرمين، توفي سنة أربع عشرة وخمسمائة بنيسابور، وله عدة أولاد كما فصله البرهان الحلبي وقال: انه لم يل هو ولا احد من أولاده القضاء. فقول المصنف رحمه الله له (القاضي) لا أصل له.
(2) «.. وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً الاحزاب آية «7»
(3) «.. لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ. آل عمران آية «81» .
(4) وفي نسخة (وكيف ذلك) وفي أخرى (فكيف) .
(5) كما تقدم عن أنس وفى رواية مسلم.(2/259)
في الكواكب وَالْقَمَرِ وَالشَّمْسِ هَذَا رَبِّي.
فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ: كَانَ هَذَا فِي سَنِّ الطُّفُولِيَّةِ «1» وَابْتِدَاءِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَقَبْلَ لُزُومِ التَّكْلِيفِ.
وَذَهَبَ مُعْظَمُ الْحُذَّاقِ «2» من العلماء والمفسرين إِلَى أَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مُبَكِّتًا «3» لِقَوْمِهِ، وَمُسْتَدِلًّا عَلَيْهِمْ.
وَقِيلَ مَعْنَاهُ: الِاسْتِفْهَامُ الْوَارِدُ مَوْرِدَ الافكار.. وَالْمُرَادُ فَهَذَا رَبِّي!
قَالَ الزَّجَّاجُ «4» : قَوْلُهُ «هَذَا ربّي» أي على قولكم «5» .. كما قال «أبن شركائي» «6» : أَيْ عِنْدَكُمْ.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْبُدْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا أَشْرَكَ قَطُّ بِاللَّهِ
__________
(1) الطفولية: مصدر طفل، ولكن الذي ذكره الراغب وغيره ممن يعتمد عليه من أهل اللغة ان يقال طفل طفولة، فاذا كانت الطفالة مصدرا لا يحتاج لياء النسبة التي تصبر بها الجوامد مصادر فان مثله سماعي كالخصوصية.. الا ان المصنف رحمه الله تعالى ثقة فلعله وقف عليه.
(2) الحذاق: جمع حاذق وهو من له ذكاء وفهم.
(3) وفي نسخة (تبكيتا) والتبكيت بالمثناة الفوقية والموحدة وكاف ومثناة تحتية ساكنة وآخره مثناة فوقية وهو اللوم والتقريع يقال بكته اذا غضبه واستقبله بمكروه او غلبه بحجة وكله صحيح هنا.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «88» رقم «8» .
(5) وفي نسخة (قولهم)
(6) «.. وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ «القصص اية 74»(2/260)
طَرْفَةَ عَيْنٍ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ.
«إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ «1» » ؟ .. ثُمَّ قَالَ:
«أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ «2» » .
وقال: «إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ «3» أَيْ مِنَ الشِّرْكِ..
وَقَوْلُهُ: «وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ «4» » .
فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: «لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ «5» ؟
قيل: إنه إن لم يؤيدني بِمَعُونَتِهِ أَكُنْ مِثْلَكُمْ فِي ضَلَالَتِكُمْ وَعِبَادَتِكُمْ عَلَى مَعْنَى الْإِشْفَاقِ وَالْحَذَرِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَعْصُومٌ فِي الْأَزَلِ مِنَ الضَّلَالِ.
فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ «وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا «6» »
ثُمَّ قَالَ بَعْدُ عَنِ الرُّسُلِ: «قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا
__________
(1) الشعراء اية «70» .
(2) الشعراء الايات «75، 76، 77» .
(3) الصافات اية «84» .
(4) «.. وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ «ابراهيم اية 35» .
(5) الانعام اية «77» .
(6) «.. فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ «ابراهيم ايه 13» .(2/261)
فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها «1» » .
فَلَا يُشْكِلُ عَلَيْكَ لَفْظَةُ الْعَوْدِ وَأَنَّهَا تَقْتَضِي أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَعُودُونَ إِلَى مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ مِلَّتِهِمْ.
فَقَدْ تَأْتِي هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لِغَيْرِ مَا لَيْسَ لَهُ ابْتِدَاءٌ، بِمَعْنَى الصَّيْرُورَةِ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الْجَهَنَّمِيِّينَ «2» عَادُوا حُمَمًا «3» ، وَلَمْ يَكُونُوا قَبْلُ كَذَلِكَ.
وَمِثْلُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ «4» :
تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانِ مِنْ لَبَنٍ ... شِيبَا بِمَاءٍ فَعَادَا بَعْدُ أَبْوَالَا
وَمَا كانا قَبْلُ كَذَلِكَ..
فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ «وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى «5» » ؟ فليس
__________
(1) الاعراف اية «89» .
(2) أي الحديث الذي في حق أهل جهنم المروي في الصحيحين عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
(3) حمما: بضم الحاء المهملة وفتح الميم بزنة صدد أي سوادا كالفحم جمع حمة.
(4) وهو أمية بن ابي الصلت من قصيدة مدح بها سيف بن ذي يزن ملك اليمن لما ظفر بالحبشة وقد غلبوا على ملكه فغزاهم ونفاهم عن بلاده وذلك بعد مولد النبي صلّى الله عليه وسلم بسنتين فأتته وفود العرب تهنئه وفيهم قريش وعبد المطلب فأنشده أمية:
لا تطلب الثأر الا كابن ذي يزن ... يتمم البحث للأعداء جوالا
فاشرب هنيئا عليك الناج مرتفعا ... في رأس غمدان دارا منك محلالا
والقط بالمسك اذ سالت نعامتهم ... وسائل اليوم من يرديك اسبالا
تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
(5) الضحى اية «7» .(2/262)
هُوَ مِنَ الضَّلَالِ الَّذِي هُوَ الْكُفْرُ..
قِيلَ: ضَالًّا عَنِ النُّبُوَّةِ، فَهَدَاكَ إِلَيْهَا.. قَالَهُ الطَّبَرِيُّ «1» .
وَقِيلَ: وَجَدَكَ بَيْنَ أَهْلِ الضَّلَالِ فَعَصَمَكَ مِنْ ذَلِكَ، وَهَدَاكَ لِلْإِيمَانِ وَإِلَى إِرْشَادِهِمْ.
وَنَحْوُهُ عَنِ السُّدِّيِّ «2» وَغَيْرِ وَاحِدٍ.
وَقِيلَ: ضَالًّا عَنْ شَرِيعَتِكَ أي لا تعرفها «3» . فهداك إليها.
و «الضلال» ههنا التَّحَيُّرُ. وَلِهَذَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فِي طَلَبِ مَا يَتَوَجَّهُ به إلى ربه ويتشرع به حتى هداه الله إِلَى الْإِسْلَامِ قَالَ مَعْنَاهُ الْقُشَيْرِيُّ «4» .
وَقِيلَ: لَا تَعْرِفُ الْحَقَّ فَهَدَاكَ إِلَيْهِ..
وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ تعالى: «وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ
«5» قاله علي «6» بن عيسى.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «2» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «112» رقم «3» .
(3) وقد ورد ذلك في قوله تعالى (ان تضل احداهما فتذكر احداهما الآخرى) .
(4) القشيري: تقدم ذكره انفا.
(5) « ... وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً «النساء اية 113» .
(6) علي بن عيسى: المعروف بالرماني الامام في العربية والكلام شارح الكتاب.(2/263)
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «1» لَمْ تَكُنْ لَهُ ضَلَالَةُ مَعْصِيَةٍ.
وَقِيلَ: «هَدَى» أَيْ بَيَّنَ أَمْرَكَ بِالْبَرَاهِينِ.
وَقِيلَ: وَجَدَكَ ضَالًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَهَدَاكَ إِلَى الْمَدِينَةِ.
وَقِيلَ: الْمَعْنَى: وَجَدَكَ فَهَدَى بِكَ ضالا.
وعن جعفر «2» بن محمد: ووجدك ضَالًّا عَنْ مَحَبَّتِي لَكَ فِي الْأَزَلِ.
أَيْ لَا تَعْرِفُهَا.. فَمَنَنْتُ عَلَيْكَ بِمَعْرِفَتِي..
وَقَرَأَ الْحَسَنُ «3» بن علي ووجدك ضال «4» فَهَدَى.. أَيِ اهْتَدَى بِكَ وَقَالَ ابْنُ عَطَاءٍ «5» : ووجدك «ضالا» أي مُحِبًّا لِمَعْرِفَتِي..
«وَالضَّالُّ» الْمُحِبُّ كَمَا قَالَ «إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ «6» » أي محبتك القديمة.. ولم يريدوا ههنا في الدين.. إذ قَالُوا ذَلِكَ فِي نَبِيِّ اللَّهِ لَكَفَرُوا..
وَمِثْلُهُ عِنْدَ هَذَا قَوْلُهُ: «إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ «7» » أي محبة بيّنة
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «55» رقم «6» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «192» رقم «2» .
(4) وهي قراءة شاذة.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «63» رقم «6» .
(6) « ... قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ «يوسف اية 95» .
(7) « ... وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ» يوسف «30» .(2/264)
وَقَالَ الْجُنَيْدُ»
: وَوَجَدَكَ مُتَحَيِّرًا فِي بَيَانِ مَا أنزل إليك، فهداك لبيانه.
لقوله: «وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ.. «2» » الْآيَةَ.
وَقِيلَ: وَوَجَدَكَ لَمْ يَعْرِفْكَ أَحَدٌ بِالنُّبُوَّةِ حَتَّى أَظْهَرَكَ فَهَدَى بِكَ السُّعَدَاءَ..
وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ فِيهَا: ضَالًّا عَنِ الْإِيمَانِ.
وَكَذَلِكَ فِي قِصَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.
قوله «فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ «3» » أَيْ مِنَ الْمُخْطِئِينَ الْفَاعِلِينَ شَيْئًا بِغَيْرِ قَصْدٍ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ «4» .
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ «5» : مَعْنَاهُ مِنَ النّاسين.
__________
(1) الجنيد: هو أبو القاسم بن محمد الزاهد العابد شيخ وقته ووحيد عصره. وأصله من نهاوند ونشأ بالعراق، وتفقه يأخذه عن الثوري رحمه الله تعالى عنه وسفيان، واخذ الطريقة عن السري السقطي والمحاسبي، وتوفي سنة سبع وتسعين ومائتين، وهو من فقهاء الشافعية كما في طبقات السبكي، ودفن في الشوينزية عند خاله السري ببغداد.
(2) «.. لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ «النحل اية 44» .
(3) الشعراء آية «20» .
(4) ابن عرفة: وهو الحسن العبدري المؤدب المحدث الثقة الذي روى عنه الترمذي وغيره وهو معمر عاش مائة وسبع أو عشر، وتوفي سنة سبع وخمسين ومائتين، وهو المراد هنا لا ابن عرفة الذي هو عبد الله بن ابراهيم بن محمد بن عرفة المعروف بنفطويه.
(5) الازهري: أبو منصور محمد بن أحمد امام اهل اللغة صاحب التهذيب توفي سنة سبعين وثلاثمائة.(2/265)
وَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: «وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى «1» » أَيْ نَاسِيًّا كَمَا قَالَ تَعَالَى: «أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما «2» ..» فإن قلت فما معنى قوله «مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ «3» » ..
فَالْجَوَابُ أَنَّ السَّمَرْقَنْدِيَّ «4» قَالَ: مَعْنَاهُ: مَا كُنْتَ تَدْرِي قَبْلَ الْوَحْيِ أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَلَا كيف تدعو الخلق إلى الإيمان.
وقال أبو بَكْرٌ «5» الْقَاضِي نَحْوَهُ.
قَالَ: وَلَا الْإِيمَانَ الَّذِي هُوَ الْفَرَائِضُ وَالْأَحْكَامُ.
قَالَ: فَكَانَ قَبْلُ مُؤْمِنًا بِتَوْحِيدِهِ ثُمَّ نَزَلَتِ الْفَرَائِضُ الَّتِي لَمْ يَكُنْ يَدْرِيهَا قَبْلُ فَزَادَ بِالتَّكْلِيفِ إِيمَانًا وَهُوَ أَحْسَنُ وُجُوهِهِ..
فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ؟ ..
«وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ «6» » ..
فَاعْلَمْ: أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ «وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ «7» »
__________
(1) الضحى اية «7» .
(2) «.. فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى.. البقرة اية «28» .
(3) «.. وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. الشورى اية «52» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «51» رقم «2» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «234» رقم «4» .
(6) «.. نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ» يوسف اية «3» .
(7) «إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ» يونس اية «7» .(2/266)
بَلْ حَكَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ «1» الْهَرَوِيُّ: أَنَّ مَعْنَاهُ: لَمِنَ الْغَافِلِينَ عَنْ قِصَّةِ يُوسُفَ.. إِذْ لَمْ تَعْلَمْهَا إِلَّا بِوَحْيِنَا.
وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ «2» الَّذِي يَرْوِيهِ عُثْمَانُ «3» بْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدِهِ عَنْ جابر «4» أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كَانَ يَشْهَدُ مَعَ الْمُشْرِكِينَ مَشَاهِدَهُمْ..
فَسَمِعَ مَلَكَيْنِ خَلْفَهُ أَحَدُهُمَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ حَتَّى تَقُومَ خَلْفَهُ.
فَقَالَ الْآخَرُ.. كَيْفَ أَقُومُ خَلْفَهُ وَعَهْدُهُ باستلام الأصنام.. فلم يشهدهم بعد..
فهذا الحديث أَنْكَرَهُ أَحْمَدُ «5» بْنُ حَنْبَلٍ جِدًّا.. وَقَالَ: هُوَ مَوْضُوعٌ أَوْ شَبِيهٌ بِالْمَوْضُوعِ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ «6» : يُقَالُ: إِنَّ عُثْمَانَ «3» وَهِمَ فِي إِسْنَادِهِ.
وَالْحَدِيثُ بِالْجُمْلَةِ مُنْكَرٌ غَيْرُ مُتَّفَقٌ عَلَى إِسْنَادِهِ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ..
وَالْمَعْرُوفُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ.
مِنْ قَوْلِهِ «بغضت إلى الأصنام» .
__________
(1) أبو عبد الله الهروي: امام أهل اللغة.
(2) أخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده.
(3) عثمان بن أبي شيبة: وهو من المحدثين الا انه ضعيف على ما يأتي لانه نسب له أوهام ولكن ابن معين قال: انه ثقة مأمون. توفي سنة تسع وثلاثين ومائتين.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «154» رقم «1» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «165» رقم «1» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «158» رقم «1» .(2/267)
وَقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «1» الَّذِي رَوَتْهُ أُمُّ أَيْمَنَ «2» حِينَ كَلَّمَهُ عَمُّهُ وَآلُهُ فِي حُضُورِ بَعْضِ أَعْيَادِهِمْ.. وَعَزَمُوا عَلَيْهِ فِيهِ بَعْدَ كَرَاهَتِهِ لِذَلِكَ.. فَخَرَجَ مَعَهُمْ وَرَجَعَ مَرْعُوبًا.. فَقَالَ: «كُلَّمَا دَنَوْتُ مِنْهَا مِنْ صَنَمٍ تَمَثَّلَ لِي شَخْصٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ يَصِيحُ بِي- وَرَاءَكَ- لَا تَمَسَّهُ..» فَمَا شَهِدَ بَعْدُ لَهُمْ عِيدًا.
وَقَوْلُهُ فِي قِصَّةِ بَحِيرَا «3» حِينَ اسْتَحْلَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى.
إِذْ لَقِيَهُ بِالشَّامِ فِي سَفْرَتِهِ مَعَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ صبي ورأى عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فَاخْتَبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسْأَلْنِي بِهِمَا فَوَاللَّهِ مَا أَبْغَضْتُ شَيْئًا قَطُّ بُغْضَهُمَا فَقَالَ لَهُ بَحِيرَا: فَبِاللَّهِ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ.. فَقَالَ: سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ..»
- وَكَذَلِكَ الْمَعْرُوفُ مِنْ سِيرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوْفِيقِ اللَّهِ لَهُ، أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نُبُوَّتِهِ يُخَالِفُ الْمُشْرِكِينَ فِي وُقُوفِهِمْ بِمُزْدَلِفَةَ فِي الْحَجِّ.. فَكَانَ يَقِفُ هُوَ بِعَرَفَةَ لِأَنَّهُ كَانَ موقف إبراهيم «4» عليه السلام
__________
(1) رواه ابن سعد عن ابن عباس عن أم أيمن.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (158) رقم (5) .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (719) رقم (2) .
(4) كما في صحيح البخاري.(2/268)
الفصل الثالث معرفة الأنبياء بأمور الدّنيا
قَدْ بَانَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ عُقُودُ الْأَنْبِيَاءِ فِي التوحيد، والإيمان، والوحي، وعصمتهم في ذلك على مَا بَيَّنَاهُ.
فَأَمَّا مَا عَدَا هَذَا الْبَابَ مِنْ عُقُودِ قُلُوبِهِمْ، فَجِمَاعُهَا أَنَّهَا مَمْلُوءَةٌ عِلْمًا ويقينا على الجملة.. وأنها احْتَوَتْ مِنَ الْمَعْرِفَةِ وَالْعِلْمِ بِأُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا مالا شَيْءَ فَوْقَهُ..
وَمَنْ طَالَعَ الْأَخْبَارَ، وَاعْتَنَى بِالْحَدِيثِ وَتَأَمَّلَ مَا قُلْنَاهُ وَجَدَهُ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا مِنْهُ في حق نبينا صلّى الله عليه وسلم فِي الْبَابِ الرَّابِعِ- أَوَّلَ قِسْمٍ مِنْ هَذَا الكتاب- ما بينه عَلَى مَا وَرَاءَهُ.. إِلَّا أَنَّ أَحْوَالَهُمْ فِي هذه المعارف تختلف..
- فأما ما يتعلق منها بأمر «1» الدنيا، فلا يشترط في حق
__________
(1) مثل حادثة تأبير النخل التي رجع فيها صلّى الله عليه وسلم عن رأي أبداه، ومثل رجوعه لقول الحباب بن المنذر في معركة بدر.(2/269)
الْأَنْبِيَاءِ الْعِصْمَةُ مِنْ عَدَمِ مَعْرِفَةِ الْأَنْبِيَاءِ بِبَعْضِهَا، أَوِ اعْتِقَادِهَا عَلَى خِلَافِ مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَلَا وَصْمَ عَلَيْهِمْ فِيهِ.. إِذْ هِمَمُهُمْ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْآخِرَةِ وَأَنْبَائِهَا.. وَأَمْرِ الشَّرِيعَةِ وَقَوَانِينِهَا.. وَأُمُورُ الدُّنْيَا تضادها.
- بخلاف غيرهم من أهل الدنيا الذبن «يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ «1» » كَمَا سَنُبَيِّنُ هَذَا فِي الْبَابِ الثَّانِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ.. وَلَكِنَّهُ.. لَا يُقَالُ إِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا!!. فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى الْغَفْلَةِ وَالْبَلَهِ، - وَهُمُ الْمُنَزَّهُونَ عَنْهُ.
بَلْ قَدْ أُرْسِلُوا إِلَى أَهْلِ الدُّنْيَا، وَقُلِّدُوا سِيَاسَتَهُمْ وَهِدَايَتَهُمْ، وَالنَّظَرَ فِي مَصَالِحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَهَذَا لَا يَكُونُ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِأُمُورِ الدُّنْيَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَأَحْوَالِ الْأَنْبِيَاءِ وَسِيَرُهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ مَعْلُومَةٌ، وَمَعْرِفَتُهُمْ بِذَلِكَ كُلِّهِ مَشْهُورَةٌ..
- وَأَمَّا إِنْ كَانَ هَذَا الْعَقْدُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ فَلَا يَصِحُّ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا الْعِلْمُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ جَهْلُهُ جُمْلَةً..
لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ حَصَلَ عِنْدَهُ ذَلِكَ عَنْ وحي من الله..
__________
(1) الروم اية (7) .(2/270)
فهو ما لَا يَصِحُّ الشَّكُّ مِنْهُ فِيهِ..- عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ- فَكَيْفَ الْجَهْلُ..
بَلْ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ الْيَقِينُ أَوْ يَكُونُ فَعَلَ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِهِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ- عَلَى الْقَوْلِ بِتَجْوِيزِ وُقُوعِ الِاجْتِهَادِ مِنْهُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ الْمُحَقِّقِينَ-. وَعَلَى مُقْتَضَى حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ «1» : إِنِّي «إِنَّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ بِرَأْيِي فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهِ شَيْءٌ.» خَرَّجَهُ الثِّقَاتُ «2» .
وَكَقِصَّةِ أَسْرَى بَدْرٍ «3» ، وَالْإِذْنِ لِلْمُتَخَلِّفِينَ «4» ، عَلَى رَأْيِ بَعْضِهِمْ- فَلَا يَكُونُ أَيْضًا مَا يَعْتَقِدُهُ مِمَّا يُثْمِرُهُ اجْتِهَادُهُ إِلَّا حَقًّا وَصَحِيحًا..
هَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يُلْتَفَتُ إِلَى خِلَافِ مَنْ خَالَفَ فِيهِ مِمَّنْ أَجَازَ عَلَيْهِ الْخَطَأَ فِي الِاجْتِهَادِ.
لَا عَلَى الْقَوْلِ بِتَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ الَّذِي هُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ عِنْدَنَا.. وَلَا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ بأن الحق في طرف واحد..
لعصمة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ.
- وَلِأَنَّ الْقَوْلَ فِي تَخْطِئَةِ الْمُجْتَهِدِينَ إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الشَّرْعِ.
وَنَظَرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجْتِهَادُهُ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ.. ولم يشرع له قبل.
__________
(1) تقدمت ترجمتها في ج 1 ص (286) رقم (1) .
(2) أي رواه مسندا من يوثق به كأبي داود وغيره. فهو حديث صحيح.
(3) كما في صحيح مسلم.
(4) في غزوة تبوك.(2/271)
هَذَا فِيمَا عَقَدَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قلبه.
- فأما مالم يَعْقِدْ عَلَيْهِ قَلْبَهُ مِنْ أَمْرِ النَّوَازِلِ الشَّرْعِيَّةِ، فَقَدْ كَانَ لَا يَعْلَمُ مِنْهَا أَوَّلًا إِلَّا ما علمه الله شيئا، حتى استقر علم جملتها عِنْدَهُ إِمَّا بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ، أَوْ إِذْنٍ أَنْ يَشْرَعَ فِي ذَلِكَ وَيَحْكُمَ بِمَا أَرَاهُ اللَّهُ.
وَقَدْ كَانَ يَنْتَظِرُ الْوَحْيَ فِي كَثِيرٍ منها، ولكنه لم يمت حتى استفرغ عِلْمُ جَمِيعِهَا عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. وَتَقَرَّرَتْ مَعَارِفُهَا لَدَيْهِ عَلَى التَّحْقِيقِ وَرَفْعِ الشَّكِّ وَالرَّيْبِ، وَانْتِفَاءِ الْجَهْلِ.. وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ الْجَهْلُ بِشَيْءٍ مِنْ تَفَاصِيلِ الشَّرْعِ الَّذِي أُمِرَ بِالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ.. إِذْ لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ إِلَى مَا لَا يَعْلَمُهُ.
- وَأَمَّا مَا تَعَلَّقَ بِعَقْدِهِ من ملكوت السماوات والأرض، وخلق الله، وَتَعْيِيِنِ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَآيَاتِهِ الْكُبْرَى، وَأُمُورِ الْآخِرَةِ، وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ، وَأَحْوَالِ السُّعَدَاءِ وَالْأَشْقِيَاءِ. وَعَلِمَ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ «1» مِمَّا لَمْ يَعْلَمْهُ إِلَّا بِوَحْيٍ.. فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ..
مِنْ أَنَّهُ مَعْصُومٌ فِيهِ لَا يَأْخُذُهُ فِيمَا أَعْلَمُ مِنْهُ شَكٌّ وَلَا رَيْبٌ.. بَلْ هُوَ فِيهِ عَلَى غَايَةِ الْيَقِينِ.. لَكِنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ لَهُ الْعِلْمَ بِجَمِيعِ تفاصيل ذلك.
__________
(1) كما في حديث حذيفة المشهور.(2/272)
وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ عِلْمِ ذَلِكَ مَا ليس عند جميع البشر.
لقوله صلّى الله عليه وسلم «1» : «إِنِّي لَا أَعْلَمُ إِلَّا مَا عَلَّمَنِي رَبِّي» .
وَلِقَوْلِهِ «2» : وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» .
«فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ» «3» .
وَقَوْلِ مُوسَى لِلْخَضِرِ»
: «هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً» «5» .
وقوله صلّى الله عليه وسلم «6» : «أسألك بأسمائك الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم» وَقَوْلِهِ «7» : «أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ به نفسك أو استأثرت بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ.»
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ «8» » .
قَالَ زَيْدُ «9» بْنُ أَسْلَمَ وَغَيْرُهُ: حَتَّى يَنْتَهِيَ العلم إلى الله..
__________
(1) في حديث رواه البيهقي.
(2) في حديث روي في الصحيحين وهو حديث قدسي.
(3) «.. جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (السجدة 17) .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «523» رقم «1» .
(5) الكهف اية (66) .
(6) في حديث صحيح رواه الديلمي عن أنس رضي الله عنه في بعض الادعية المأثورة
(7) في حديث رواه أحمد في مسنده.
(8) يوسف اية (76) .
(9) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (52) رقم (2) .(2/273)
وَهَذَا مَا لَا خَفَاءَ بِهِ، إِذْ مَعْلُومَاتُهُ تعالى لَا يُحَاطُ بِهَا وَلَا مُنْتَهَى لَهَا.
هَذَا حُكْمُ عَقْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْحِيدِ وَالشَّرْعِ وَالْمَعَارِفِ وَالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ.(2/274)
الْفَصْلُ الرَّابِعُ الْعِصْمَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى عِصْمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَكِفَايَتِهِ مِنْهُ، لَا فِي جِسْمِهِ بِأَنْوَاعِ الْأَذَى، وَلَا عَلَى خَاطِرِهِ بالوساوس.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ «1» بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم «2» :
«ما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ، وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ.. قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ .. قَالَ: وَإِيَّايَ..
وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ «3» » .
زَادَ غَيْرُهُ عَنْ مَنْصُورٍ «4» «فلا يأمرني إلا بخير..»
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (214) رقم (2) .
(2) في حديث رواه مسلم عن سالم بن أبي الجعد عن أبيه عن ابن مسعود، وواه من طريق آخر لعلو سنده فيه وعظم رجاله.
(3) فأسلم: اما بصيغة الماضي والضمير فيه يعود على الشيطان اي دخل الشيطان في الاسلام واستبعد بعضهم هذا لان الشيطان لا يسلم قط، أو بصيغة المضارع والضمير فيه يعود على النبي صلّى الله عليه وسلم اي أسلم من شروره.
(4) منصور: المعتمد من رواة هذا الحديث.(2/275)
وعن عائشة «1» بمعناه روي: «فَأَسْلَمُ» بِضَمِّ الْمِيمِ.. أَيْ فَأَسْلَمُ «2» أَنَا مِنْهُ.
وَصَحَّحَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ «3» وَرَجَّحَهَا.
وَرُوِيَ «فَأَسْلَمَ «4» » يَعْنِي الْقَرِينَ أَنَّهُ انْتَقَلَ مِنْ حَالِ كُفْرِهِ إِلَى الْإِسْلَامِ فَصَارَ لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِخَيْرٍ كَالْمَلَكِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ..
وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ «فَاسْتَسْلَمَ..»
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ. فَإِذَا كَانَ هَذَا حُكْمَ شَيْطَانِهِ وَقَرِينِهِ الْمُسَلَّطِ عَلَى بَنِي آدَمَ «5» فَكَيْفَ بِمَنْ بَعُدَ مِنْهُ «6» وَلَمْ يَلْزَمْ صُحْبَتَهُ وَلَا أُقْدِرَ عَلَى الدُّنُوِّ مِنْهُ!! ..
وَقَدْ جَاءَتِ الْآثَارُ بِتَصَدِّي الشَّيَاطِينِ لَهُ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ «7» رَغْبَةً فِي إِطْفَاءِ نُورِهِ، وَإِمَاتَةِ نفسه، وإدخال شغل عليه، إذ يئسوا
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (146) رقم (5) .
(2) وفي رواية اي (اسلم منه) .
(3) وحديث عائشة موجود في مسلم
(4) ورواية (فاسلم) يشهد لها ما روي: كان شيطان ادم كافرا وشيطاني مسلما كما قال ابن الاثير.. وقد رجح القاضي عياض الفتح وقد قال الخطابي رحمه الله ان الفتح هو المختار عندهم، ويؤيد هذا ما أخرجه البيهقي وابن الجوزي في الوفاء عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فضلت على ادم بخصلتين، كان شيطاني كافرا فأعانني الله عليه حتى اسلم وكن أزواجي عونا لي، وكان شيطان ادم كافرا، وكانت زوجته عونا على خطيئاته.
(5) وفي نسخة (على كل أحد من بني آدم) .
(6) ويروى (عنه) .
(7) وفي نسخة في (كل موطن) .(2/276)
مِنْ إِغْوَائِهِ فَانْقَلَبُوا خَاسِرِينَ.. كَتَعَرُّضِهِ لَهُ فِي الصلاة فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسَرَهُ «1» .
فَفِي الصِّحَاحِ «2» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ «3» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ عَرَضَ «4» لِي..» قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ «5» «فِي صُورَةِ هِرٍّ.. فَشَدَّ عَلَيَّ يَقْطَعُ عَلَيَّ الصَّلَاةَ فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ فَذَعَتُّهُ «6»
وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُوثِقَهُ إِلَى سَارِيَةٍ حَتَّى تُصْبِحُوا تَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً..» «7» الْآيَةَ.. فَرَدَّهُ اللَّهُ خَاسِئًا.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ «8» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «9» : «إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ جَاءَنِي بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ» وَذَكَرَ تَعَوُّذَهُ بِاللَّهِ مِنْهُ ولعنه له.. «ثم أردت أن آخذه» «10» وذكر
__________
(1) ويروى (فأسره) .
(2) أي الاحاديث الصحيحة المروية في البخاري ومسلم وغيرهما.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «31» رقم «5» .
(4) وفي نسخة (تعرض لي) .
(5) عبد الرزاق:
بن همام الامام الحافظ ... وذلك من زيادته على الصحيحين
(6) ذعته: أي خنقته خنقا شديدا، او دفعته دفعا عنيفا، او معكته في التراب كالغطس في الماء.
(7) « ... لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ سورة ص آية (35)
(8) أبو الدرداء: هو عويمر واختلف في اسم أبيه على اقوال فقيل عامر وقيل مالك وقيل قيس وقيل ثعلبة وهو أنصاري خزرجي أسلم عقب بدر وتوفي سنة 32 هـ واخرج له أحمد والستة وله مناقب مشهورة.
(9) رواه البيهقي عن عبد الرحمن بن جيش.
(10) وفي نسخة (اردت اخذه) .(2/277)
نحوه وقال: «لأصبح موثقا بتلاعب بِهِ وِلْدَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ..
وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِهِ فِي الْإِسْرَاءِ: وَطَلَبِ عِفْرِيتٍ لَهُ بِشُعْلَةِ نَارٍ فَعَلَّمَهُ جِبْرِيلُ مَا يَتَعَوَّذُ بِهِ مِنْهُ» ذَكَرَهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَمَّا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَذَاهُ بِمُبَاشَرَتِهِ تَسَبَّبَ بِالتَّوَسُّطِ إِلَى عِدَاهُ كَقَضِيَّتِهِ مَعَ قُرَيْشٍ فِي الِائْتِمَارِ بِقَتْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَصَوُّرِهِ فِي صُورَةِ الشَّيْخِ النَّجْدِيِّ.
- ومرة أخرى في غزوة يوم بَدْرٍ «1» فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ «2» بْنِ مَالِكٍ وَهُوَ قوله: «وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ..» «3» الْآيَةَ.
- وَمَرَّةً يُنْذِرُ بِشَأْنِهِ عِنْدَ بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ.. وكل هذا فقد كفاه أَمْرَهُ، وَعَصَمَهُ ضُرَّهُ وَشَرَّهُ.
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» : «إِنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كُفِيَ مِنْ لَمْسِهِ، فَجَاءَ لِيَطْعَنَ بِيَدِهِ فِي خاصرته حين ولد فطعن في الحجاب «5» » .
__________
(1) في حديث رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس كما قاله السيوطي رحمه الله تعالى ولم يورد في الحديث.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «130» رقم «5» .
(3) «.. وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ.» الانفال (48) .
(4) في حديث رواه الشيخان عن ابي هريرة.
(5) الحجاب: قيل هو المشيمية وقيل حجبه الله بحجوب خاص. وقيل ما حجبته امه به والحديث في مسلم (ما من مولود يولد الا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسه) قال القرطبي في شرحه أي في اول وقت ولادته يسلط عليه بنخسه الا مريم وابنها عليهما السلام لدعوة ام مريم.(2/278)
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ لُدَّ»
في مرضه «2» ، وفيل لَهُ: خَشِينَا أَنْ يَكُونَ بِكَ ذَاتُ الْجَنْبِ.. فَقَالَ: «إِنَّهَا مِنَ الشَّيْطَانِ وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيُسَلِّطَهُ عَلَيَّ «3» ..
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: «وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ «4» ..» الاية!! ..
فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى قوله: «وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ «5» » ثُمَّ قَالَ: «وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ» أَيْ يَسْتَخِفَّكَ غَضَبٌ يَحْمِلُكَ عَلَى تَرْكِ الْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ..
وقيل: «النزغ» هنا الفساد.
كما قال «مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي «6» ..»
وَقِيلَ «يَنْزَغَنَّكَ» يُغْرِيَنَّكَ وَيُحَرِّكَنَّكَ «وَالنَّزْغُ» أَدْنَى الْوَسْوَسَةِ «7»
__________
(1) لد: أي وضع له دواه بمائع من ماء واجزاء حارة في احد شقي الفم يتغرغر به ثم يشربه.
(2) في مرضه الذي مات فيه: ولما أرادوا ان يلدوه صلّى الله عليه وسلم أشار عليهم أن لا تفعلوا فظنوه لكراهة المريض الدواء فلما أفاق قال: لم يبق أحد في البيت لا لد) عقوبة لهم لما تألم..
(3) وهذا الحديث في الموطأ..
(4) «.. إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» الاعراف اية (200) .
(5) «.. خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ» الاعراف (199)
(6) «.. إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ» يوسف (100) .
(7) الوسوسة: الصوت الخفي. ويقال لصوت الحلي وسوسة، والعامة تقول وشوشة بدل وسوسة.(2/279)
فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ مَتَى تَحَرَّكَ عَلَيْهِ غَضَبٌ عَلَى عَدُوِّهِ أَوْ رَامَ الشَّيْطَانُ مِنْ إغرائه به وخواطر أدنى وساوسه ما لَمْ يُجْعَلْ لَهُ سَبِيلٌ إِلَيْهِ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْهُ. فَيُكْفَى أَمْرُهُ وَيَكُونُ سَبَبَ تَمَامِ عِصْمَتِهِ إِذْ لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنَ التَّعَرُّضِ له.. ولم يجعل له قُدْرَةٌ عَلَيْهِ.
وَقَدْ قِيلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ غَيْرُ هَذَا..
وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَصَوَّرَ لَهُ الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ الْمَلَكِ وَيُلَبِّسَ عَلَيْهِ لَا فِي أَوَّلِ الرِّسَالَةِ وَلَا بَعْدَهَا.. وَالِاعْتِمَادُ فِي ذَلِكَ دَلِيلُ الْمُعْجِزَةِ بَلْ لَا يَشُكُّ النَّبِيُّ أَنَّ مَا يَأْتِيهِ مِنَ اللَّهِ الْمَلَكُ وَرَسُولُهُ حَقِيقَةً.. إِمَّا بِعِلْمٍ ضَرُورِيٍّ يَخْلُقُهُ اللَّهُ لَهُ.. أَوْ بِبُرْهَانٍ يُظْهِرُهُ لَدَيْهِ لِتَتِمَّ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا.. لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ..
فَإِنْ قِيلَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: «وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى «1» أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ «2» » الْآيَةَ!!
فَاعْلَمْ أَنَّ لِلنَّاسِ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ أَقَاوِيلَ «3» ، مِنْهَا السَّهْلُ وَالْوَعْثُ «4» ، وَالسَّمِينُ، وَالْغَثُّ «5» .
__________
(1) التمني: هنا بمعنى التلاوة وذكر الكسائي والفراء انه يقال تمنى اذا حدث نفسه، قال القرطبي وهو المعروف في اللغة.
(2) : فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» الحج (52)
(3) أقاويل: جمع اقوال فهو جمع الجمع.
(4) الوعث: المكان الكثير الرمل الذي يشق المشي فيه ثم استعمل لمعنى الشاق ومنه دعاؤه صلّى الله عليه وسلم (اللهم اني أعوذ بك من وعثاء السفر)
(5) الغث: الناقة الهزيلة.(2/280)
وَأَوْلَى مَا يُقَالُ فِيهَا مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ من المفسرين: أن «التمني» ههنا التِّلَاوَةُ.. وَإِلْقَاءَ الشَّيْطَانِ فِيهَا إِشْغَالُهُ بِخَوَاطِرَ وَأَذْكَارٍ من أمور الدنيا للتّالي، حَتَّى يُدْخِلَ عَلَيْهِ الْوَهْمَ وَالنِّسْيَانَ فِيمَا تَلَاهُ، أَوْ يُدْخِلَ غَيْرَ ذَلِكَ عَلَى أَفْهَامِ السَّامِعِينَ مِنَ التَّحْرِيفِ، وَسُوءِ التَّأْوِيلِ، مَا يُزِيلُهُ اللَّهُ وَيَنْسَخُهُ، وَيَكْشِفُ لَبْسَهُ، وَيُحْكِمُ آيَاتِهِ.
وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ على هذه الاية بعد بِأَشْبَعَ مِنْ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَقَدْ حكي السمرقندي «1» إنكار قول من قال بتسلط الشيطان على ملك سليمان وغلبته.. وَأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَصِحُّ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قِصَّةَ سُلَيْمَانَ مُبَيَّنَةً بَعْدَ هَذَا، وَمَنْ قَالَ إِنَّ الْجَسَدَ هُوَ الْوَلَدُ الَّذِي وُلِدَ لَهُ..
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ «2» مَكِّيٌّ فِي قِصَّةِ أَيُّوبَ وقوله: «أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ «3» » : إِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَأَوَّلَ أَنَّ الشَّيْطَانَ هُوَ الَّذِي أَمْرَضَهُ، وَأَلْقَى الضُّرَّ فِي بَدَنِهِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بِفِعْلِ اللَّهِ وأمره ليبتليهم ويثيبهم «4» ..
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «51» رقم «2» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «67» رقم «7» .
(3) «.. وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ سورة ص اية (41) .
(4) وفي نسخة (ويثبتهم) .(2/281)
قال مكي: وقيل: إن الذي أصابه الشَّيْطَانُ مَا وَسْوَسَ بِهِ إِلَى أَهْلِهِ فَإِنْ قلت: فما معنى قوله تعالى في يوشع «1» : «وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ «2» ..» وَقَوْلِهِ عَنْ يُوسُفَ: «فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ «3» » وَقَوْلِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نام عن الصَّلَاةِ يَوْمَ الْوَادِي «4» : «إِنَّ هَذَا وَادٍ بِهِ شَيْطَانٌ.. وَقَوْلِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي وَكْزَتِهِ «5» : «هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ «6» » !!
فَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ قَدْ يَرِدُ فِي جميع هَذَا عَلَى مَوْرِدِ مُسْتَمِرِّ كَلَامِ الْعَرَبِ فِي وَصْفِهِمْ كُلَّ قَبِيحٍ مِنْ شَخْصٍ أَوْ فِعْلٍ بالشيطان أو فعله.
__________
(1) يوشع بن نون بن افرائيم بن يوسف بن يعقوب وهو نبي وكان في زمن موسى عليه السلام، وهو الذي اقام لبني اسرائيل احكام التوراة بعده وقاتل الجبارين وردت له الشمس، وهو فتى موسى المذكور في سورة الكهف.
(2) «.. أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً» الكهف اية (63) .
(3) «.. فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ» يوسف (42) .
(4) كما في الموطأ.. وفي البخاري عن عمران بن حصين: (كنافي سفر مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى كنا في اخر الليل. رقدنا رقدة لا أحلى منها عند المسافر فما ايقظنا الا حر الشمس فكبر عمر حتى استيقظ رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكانوا قالوا له لو عرشت بنا يا رسول الله.. فقال: اخاف أن تناموا عن الصلاة فقال بلال: انا اوقظكم فاضطجعوا وأسند بلال ظهره لراحلته فغلبته عيناه فنام حتى طلعت الشمس وقال: ما ألقيت علي نومة مثلها قط، فأمرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالارتحال عن؟؟؟ ثم نزل وتوضأ وصلّى بهم) وفي مصنف عبد الرزاق عن عطاء بن يسار انه كان ببطن تبوك.. ونحوه في دلائل البيهقي، وقيل انه بغزوة مؤتة.
(5) وفي نسخة (وكزه) .
(6) «.. إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ» القصص (15)(2/282)
كما قال تعالى: «طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ «1» » .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : «فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» .
وَأَيْضًا «3» فَإِنَّ قَوْلَ يُوشَعَ لَا يَلْزَمُنَا الْجَوَابُ عَنْهُ، إِذْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ نُبُوَّةٌ مَعَ مُوسَى.
قَالَ الله تعالى: «وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ «4» » .
والمروي أنه إنما نبيء بَعْدَ مَوْتِ مُوسَى. وَقِيلَ: قُبَيْلَ «5» مَوْتِهِ.
وَقَوْلُ مُوسَى كَانَ قَبْلَ نُبُوَّتِهِ بِدَلِيلِ الْقُرْآنِ وَقِصَّةُ يُوسُفَ قَدْ ذُكِرَ أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ نُبُوَّتِهِ.
وقد قال المفسرون في قوله: «فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ» «6» قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الَّذِي أَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ أَحَدُ صَاحِبَيِ السِّجْنِ «وَرَبُّهُ» الْمَلِكُ.. أَيْ أَنْسَاهُ أَنْ يَذْكُرَ لِلْمَلِكِ شَأْنَ يُوسُفَ عَلَيْهِ السلام.
__________
(1) الصافات. (65) وقد عرض هذا الاشكال على ابي عبيدة معمر بن المثنى في ان العرب لا تعرف رؤوس الشياطين فلم شبه ثمر شجرة الزقوم بشيء لا تعرفه العرب» فقال: ان العرب تشبه القبيح من الشيء او القول او الفعل بشيء قبيح اخر وان لم يروه وذلك مثل قول امرىء القيس: ومسنونة زرق كأنياب اغوال.. مع انهم لم يروا الغول حتما ولا أنيابه، ولكن لما توارد قبحه عنده في قصصهم شبهوا به
(2) في حديث رواه الشيخان رحمهما الله في المار بين يدي المصلي.
(3) أيضا: مشتقة من آضي يئيض اذا رجع.
(4) «.. لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً.. الكهف (60)
(5) وفي نسخة (قبل) .
(6) «.. ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ» يوسف (42) .(2/283)
وَأَيْضًا.. فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا مِنْ فِعْلِ الشَّيْطَانِ ليس فيه تسلط على يوسف عليه السلام وَيُوشَعَ بِوَسَاوِسَ وَنَزْغٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بِشَغْلِ خَوَاطِرِهِمَا بأمور أخر، وتذكير هما من أمور هما مَا يُنْسِيهِمَا مَا نَسِيَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا وَادٍ بِهِ شَيْطَانٌ» فَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ تَسَلُّطِهِ عَلَيْهِ وَلَا وَسْوَسَتِهِ لَهُ.. بَلْ إِنْ كَانَ بِمُقْتَضَى ظَاهِرِهِ فَقَدْ بَيَّنَ أَمْرَ ذَلِكَ الشَّيْطَانِ بِقَوْلِهِ «1» : «إِنَّ الشَّيْطَانَ أَتَى بِلَالًا فَلَمْ يَزَلْ يُهَدِّئُهُ كَمَا يُهَدَّأُ الصَّبِيُّ حَتَّى نَامَ..»
فَاعْلَمْ أَنَّ تَسَلُّطَ الشَّيْطَانِ فِي ذَلِكَ الْوَادِي إِنَّمَا كَانَ عَلَى بِلَالٍ الْمُوَكَّلِ بِكَلَاءَةِ «2» الْفَجْرِ. هَذَا إِنْ جَعَلْنَا قَوْلَهُ: «إِنَّ هَذَا وَادٍ بِهِ شَيْطَانٌ» تَنْبِيهًا عَلَى سَبَبِ النَّوْمِ عَنِ الصَّلَاةِ.
وَأَمَّا إِنْ جَعَلْنَاهُ تَنْبِيهًا عَلَى سَبَبِ الرَّحِيلِ عَنِ الْوَادِي، وَعِلَّةً لِتَرْكِ الصَّلَاةِ بِهِ، وَهُوَ دَلِيلُ مَسَاقِ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ «3» ، فَلَا اعْتِرَاضَ بِهِ في هذا الباب لبيانه وارتفاع اشكاله..
__________
(1) في رواية مالك والبيهقي عن زيد بن أسلم.
(2) وفي نسخة (بكلاءته) .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «770» رقم «7» .(2/284)
الْفَصْلُ الْخَامِسُ صِدْقُ أَقْوَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم في جميع أحواله
وأما أقواله صلّى الله عليه وسلم، فقد قامت الدَّلَائِلُ «1» الْوَاضِحَةُ بِصِحَّةِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى صِدْقِهِ، وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ فِيمَا كَانَ طَرِيقُهُ الْبَلَاغَ أَنَّهُ مَعْصُومٌ فِيهِ مِنَ الْإِخْبَارِ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا بِخِلَافِ مَا هُوَ بِهِ لَا قَصْدًا وَلَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا وَلَا غَلَطًا.
أَمَّا تَعَمُّدُ الْخُلْفِ فِي ذَلِكَ فَمُنْتَفٍ بِدَلِيلِ الْمُعْجِزَةِ الْقَائِمَةِ مَقَامَ قَوْلِ اللَّهِ: صَدَقَ فِيمَا قَالَ اتِّفَاقًا، وَبِإِطْبَاقِ أَهْلِ الْمِلَّةِ إِجْمَاعًا.
وَأَمَّا وُقُوعُهُ عَلَى جِهَةِ الْغَلَطِ فِي ذَلِكَ فَبِهَذِهِ السَّبِيلِ عِنْدَ الْأُسْتَاذِ»
أبي إسحق «3» الإسفرائيني، ومن قال بقوله، ومن جهة الإجماع
__________
(1) الدلائل: لا يجمع الدليل على دلائل. ولكن الدلالة تجمع على دلائل.
(2) الاستاذ: كلمه معربة معناها الرئيس في علم او صناعة.
(3) أبو اسحق الاسفرائيني: هو ابراهيم بن محمد بن ابراهيم بن مهران، واسفرائن بلدة بخراسان. وهو امام جليل متبحر في علوم الدين كلاما وفروعا واصولا، توفي في بنيسابور في يوم عاشوراء سنة ثمان عشرة وأربعمائة.(2/285)
فقط. وورود الشرع بانتفاء ذلك وعصمة النبي لَا مِنْ مُقْتَضَى الْمُعْجِزَةِ نَفْسِهَا عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ «1» الْبَاقِلَّانِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ لِاخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي مُقْتَضَى دَلِيلِ الْمُعْجِزَةِ لَا نُطَوِّلُ بِذِكْرِهِ فنخرج عن غرض الكتاب، فلنعتمد مَا وَقَعَ عَلَيْهِ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ.
- أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ خُلْفٌ فِي الْقَوْلِ فِي إِبْلَاغِ الشَّرِيعَةِ وَالْإِعْلَامِ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ رَبِّهِ، وَمَا أَوْحَاهُ إِلَيْهِ مِنْ وَحْيِهِ، لَا عَلَى الْعَمْدِ وَلَا عَلَى غَيْرِ عَمْدٍ، وَلَا فِي حَالَيِ الرِّضَى وَالسَّخَطِ، وَالصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ.
وَفِي حَدِيثِ «2» عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو «3» : «قُلْتُ يَا رَسُولَ الله..
أأكتب كُلَّ مَا أَسْمَعُ مِنْكَ؟ قَالَ: نَعَمْ.. قُلْتُ: فِي الرِّضَى وَالْغَضَبِ؟ .. قَالَ نَعَمْ فَإِنِّي لَا أَقُولُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَّا حَقًّا، وَلْنَزِدْ «4» مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ دَلِيلِ الْمُعْجِزَةِ عَلَيْهِ بَيَانًا.
- فَنَقُولُ: إِذَا قَامَتِ الْمُعْجِزَةُ عَلَى صِدْقِهِ وَأَنَّهُ لَا يَقُولُ إِلَّا حَقًّا، وَلَا يُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ إِلَّا صِدْقًا، وَأَنَّ الْمُعْجِزَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَ قَوْلِ اللَّهِ لَهُ:
صَدَقْتَ فِيمَا تَذْكُرُهُ عني.. وهو يقول: «اني رسول الله إليكم
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «385» رقم «1» .
(2) هذا الحديث رواه عنه الامام احمد وأبو داود والحاكم وصححوه.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «72» رقم «1» .
(4) وفي نسخة (ولنرد) من الورود أي الذكر.(2/286)
لأبلّغكم ما أرسلت به اليكم وأبيّن لَكُمْ مَا نُزِّلَ عَلَيْكُمْ» .. «وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى «1» » «قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ «2» » «وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا «3» » فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ خَبَرٌ بِخِلَافِ مُخْبَرِهِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ.
فَلَوْ جَوَّزْنَا عَلَيْهِ الْغَلَطَ وَالسَّهْوَ لَمَا تميّز لنا من غيره، ولاختلط الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ.
فَالْمُعْجِزَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى تَصْدِيقِهِ جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ خُصُوصٍ..
فَتَنْزِيهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَاجِبٌ برهانا وإجماعا كما قاله أبو إسحق «4»
__________
(1) «.. سورة النجم الايتان (3 و 4)
(2) «.. فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً. النساء (170) .
(3) «.. وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ» سورة الحشر اية (7) .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «584» رقم «2» .(2/287)
الفصل السّادس دفع بعض الشبهات
وقد توجهت ههنا لبعض الطاعنين سؤالات:
منها ما رُوِيَ «1» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قرأ سورة «النجم» وَقَالَ:
«أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ «2» وَالْعُزَّى «3» وَمَناةَ «4» الثَّالِثَةَ الْأُخْرى «5» ..»
قَالَ: «تِلْكَ الْغَرَانِيقُ «6» الْعُلَى وَإِنَّ شَفَاعَتَهَا لِتُرْتَجَى» وَيُرْوَى تُرْتَضَى.. وَفِي رِوَايَةٍ: إِنَّ شَفَاعَتَهَا لَتُرْتَجَى وَإِنَّهَا لَمَعَ الْغَرَانِيقِ الْعُلَى وَفِي أُخْرَى وَالْغَرَانِقَةُ العلى، تلك الشفاعة ترتجى.. فلما ختم
__________
(1) أي فيما أخرجه ابن جرير وابن المنذر وأبو حاتم بسند منقطع عن سعيد بن جبير
(2) اللات: صنم كان لثقيف بالطائف أو بنخلة.
(3) العزى: تأنيث الاعز كانت لغطفان تعبدها بعث اليها رسول الله صلّى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقطعها.
(4) مناة: بالقصر ويمد صخرة كانت لهذيل وخزاعة تعبدها وتتقرب بها وتعتكف لديها
(5) سورة النجم الايتان (19 و 20) .
(6) الغرانيق: جمع غرنوق ويقال غرنيق، وهي في الاصل الذكور من طير الماء طويل العنق.. قيل: هو الكركي، ويقال للشاب الممتلىء شبابا وحسنا وبياضا، أريد بها ههنا الاصنام فشبهوها بالطير الذي يعلو في الهواء ويرتفع الى السماء لانها تقربهم الى الله زلفى.(2/288)
السورة سجد وسجد الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ لَمَّا سَمِعُوهُ أَثْنَى عَلَى آلِهَتِهِمْ.
وما وقع في بعض الروايات أن شيطانا أَلْقَاهَا عَلَى لِسَانِهِ. وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَمَنَّى أَنْ لَوْ نَزَلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ يُقَارِبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: أَنْ لَا يَنْزِلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ يُنَفِّرُهُمْ عَنْهُ- وَذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ وَأَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام جاءه فَعَرَضَ عَلَيْهِ السُّورَةَ..
فَلَمَّا بَلَغَ الْكَلِمَتَيْنِ قَالَ لَهُ: مَا جِئْتُكَ بِهَاتَيْنِ، فَحَزِنَ لِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَسْلِيَةً لَهُ: «وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ «1» ..» الاية وقوله: «وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ «2» .. الاية.
فَاعْلَمْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ أَنَّ لَنَا فِي الْكَلَامِ عَلَى مُشْكَلِ هَذَا الْحَدِيثَ مَأْخَذَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي تَوْهِينِ أَصْلِهِ وَالثَّانِي عَلَى تَسْلِيمِهِ..
أَمَّا الْمَأْخَذُ الْأَوَّلُ: فَيَكْفِيكَ أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ «3» لَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الصِّحَّةِ «4» وَلَا رَوَاهُ ثِقَةٌ بِسَنَدٍ سَلِيمٍ مُتَّصِلٍ «5» ..
وَإِنَّمَا أُولِعَ بِهِ وَبِمِثْلِهِ المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب
__________
(1) «.. إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. الحج (52) .
(2) «.. عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا. الاسراء (73) .
(3) حديث منكر من جهة الرواية والدراية.
(4) أي من أصحاب الكتب الستة.
(5) بل رواه جماعة باسانيد ضعيفة واهية مقطوعة او موضوعة أو مرفوعة.(2/289)
الْمُتَلَقِّفُونَ «1» مِنَ الصُّحُفِ كُلَّ صَحِيحٍ وَسَقِيمٍ «2» .
وَصَدَقَ الْقَاضِي بَكْرُ «3» بْنُ الْعَلَاءِ «4» الْمَالِكِيُّ حَيْثُ قَالَ: لَقَدْ بُلِيَ النَّاسُ بِبَعْضِ «5» أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالتَّفْسِيرِ.. وَتَعَلَّقَ بِذَلِكَ الْمُلْحِدُونَ مَعَ ضَعْفِ نَقَلَتِهِ، وَاضْطِرَابِ رِوَايَاتِهِ «6» ، وَانْقِطَاعِ إِسْنَادِهِ «7» ، وَاخْتِلَافِ كَلِمَاتِهِ فَقَائِلٌ يَقُولُ: إِنَّهُ فِي الصَّلَاةِ، وَآخَرُ يَقُولُ. قَالَهَا فِي نَادِي قَوْمِهِ حِينَ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ السُّورَةُ، وَآخَرُ يَقُولُ: قَالَهَا وَقَدْ أَصَابَتْهُ سِنَةٌ وَآخَرُ يَقُولُ بَلْ حَدَّثَ نَفْسَهُ فَسَهَا، وَآخَرُ يَقُولُ: إِنَّ الشَّيْطَانَ قَالَهَا عَلَى لِسَانِهِ.. وَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عَرَضَهَا عَلَى جِبْرِيلَ قَالَ: مَا هَكَذَا أَقْرَأْتُكَ وَآخَرُ يَقُولُ: بَلْ أَعْلَمَهُمُ الشَّيْطَانُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَهَا فَلَمَّا بَلَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ قَالَ:
وَاللَّهِ مَا هَكَذَا أنزلت.
- إلى غير ذلك من اختلاف الرواة.
__________
(1) وفي نسخة (الملفقون) .
(2) وان ابا الفتح اليعمري قال في سيرته الكبرى ما لفظه (بلغني عن الحافظ عبد العظيم المنذري انه كان يرد هذا الحديث من جهة الرواة بالكلية) وذكر الحلبي انه قال بعض شيوخي فيما قرأته عليه حين ذكر هذا الكلام انه باطل لا يصح منه شيء لا من جهة النقل ولا من جهة العقل.
(3) وفي نسخة (أبو بكر) .
(4) أبو بكر بن العلاء المالكي: وهو المشهور بابن العربي.
(5) وفي نسخة (ببغض) وفي أخرى (بتقصي) .
(6) وفي نسخة (روايته) .
(7) وفي نسخة (أسانيده) .(2/290)
- وَمَنْ حُكِيَتْ هَذِهِ الْحِكَايَةُ عَنْهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ «1» وَالتَّابِعِينَ «2» لَمْ يُسْنِدْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ وَلَا رَفَعَهَا إِلَى صَاحِبٍ. وَأَكْثَرُ الطُّرُقِ عَنْهُمْ فِيهَا ضَعِيفَةٌ وَاهِيَةٌ.
وَالْمَرْفُوعُ فِيهِ «3» حَدِيثُ شُعْبَةَ «4» عَنْ أَبِي بِشْرٍ»
عَنْ سَعِيدِ «6» بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «7» قَالَ: فِيمَا أَحْسَبُ «8» - الشَّكُّ فِي الْحَدِيثِ «9» أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بِمَكَّةَ- وَذَكَرَ الْقِصَّةَ-.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ «10» الْبَزَّارُ: هذا لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ يَجُوزُ ذِكْرُهُ إِلَّا هَذَا.. وَلَمْ يُسْنِدْهُ عَنْ شُعْبَةَ «4» إِلَّا أُمَيَّةُ «11» بْنُ خَالِدٍ. وَغَيْرُهُ يُرْسِلُهُ عَنْ سَعِيدِ «6» بْنِ جبير.. وإنما
__________
(1) أي المعتبرين كابن جرير وأبي حاتم وابن المنذر.
(2) أي المعتمدين كالزهري وقتادة وأمثالهما.
(3) وفي نسخة (فيها) وفي أخرى (منه) .
(4) شعبة: هو ابن الجراح أحد الائمة الفضلاء.
(5) أبو بشر: هو جعفر بن أبي وخشية اياس التابعي الثقة توفي سنة خمس وعشرين ومئة واخرج له أصحاب الكتب الستة، وله ترجمة في الميزان.
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «58» رقم «4» .
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(8) أي أظن، ومثله يستعمل للشك فيما فاته.
(9) أي في متنه واصله لا في سنده.
(10) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «355» رقم «4» .
(11) امية بن خالد: وهو ثقة اخرج له مسلم وغيره وتوفي سنة احدى وثمانين وترجمته في الميزان.(2/291)
يُعْرَفُ عَنِ الْكَلْبِيِّ «1» عَنْ أَبِي صَالِحٍ «2» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «3» .
فَقَدْ بَيَّنَ لَكَ أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ مِنْ طَرِيقٍ يَجُوزُ ذِكْرُهُ سِوَى هَذَا، وَفِيهِ مِنَ الضَّعْفِ مَا نَبَّهَ عَلَيْهِ مَعَ وُقُوعِ الشَّكِّ فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ الَّذِي لَا يُوثَقُ بِهِ وَلَا حقيقة معه.
أما حديث الكلبي «1» فمما لا تجوز الرواية عَنْهُ «4» وَلَا ذِكْرُهُ لِقُوَّةِ ضَعْفِهِ وَكَذِبِهِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْبَزَّارُ «5» رَحِمَهُ اللَّهُ.
- وَالَّذِي مِنْهُ فِي الصَّحِيحِ. أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ «وَالنَّجْمِ» وَهُوَ بِمَكَّةَ فَسَجَدَ مَعَهُ المسلمون والمشركون والجن والإنس هذا
__________
(1) الكلبي: نسبة لكلب قبيلة معروفة، وهو أبو النصر محمد بن السائب المفسر النسابة الاخباري الراوي المشهور. والاكثرون على أنه غير ثقة خصوصا اذا روى
(2) أبو صالح: وهو باذان وهو يروي عن مولاته أم هانىء وعلي كرم الله وجهه، وروى عنه السدي وغيره، اخرج عنه أصحاب السنن الاربعة وقال أبو حاتم: انه لا يحتج به.. وهو لم يسمع من ابن عباس هذا الحديث فالحديث منقطع.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «355» رقم «4» .
(4) أي عن الكلبي.
(5) فانه وغيره من المحدثين قالوا: انه كذاب وضاع لا يوثق به وان كان اماما في اللغة والتفسير، وقد قال الجرجاني وابن معين وغيرهما: انه يضع الاحاديث وكذاب لا يحتج به، وروى عن أبي صالح عن ابن عباس، وأبو صالح لم يرو عن ابن عباس. وقال ابن حبان: انه في الدين غير متين وكذبه أظهر من أن يذكر، ولم يسمع من أبي صالح.(2/292)
توهينه «1» من طريق النقل.
- أما مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَقَدْ قَامَتِ الْحُجَّةُ وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى عِصْمَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَزَاهَتِهِ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الرَّذِيلَةِ إِمَّا مِنْ تَمَنِّيهِ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا مِنْ مَدْحِ آلِهَةٍ غَيْرِ اللَّهِ وَهُوَ كُفْرٌ أَوْ يَتَسَوَّرَ «2» عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ وَيُشَبِّهَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ حَتَّى يَجْعَلَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ وَيَعْتَقِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مِنَ الْقُرْآنِ مَا لَيْسَ مِنْهُ حَتَّى يُنَبِّهَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَذَلِكَ كُلُّهُ مُمْتَنِعٌ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..
أَوْ يَقُولُ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ عَمْدًا وَذَلِكَ كُفْرٌ..
أَوْ سَهْوًا وَهُوَ مَعْصُومٌ مِنْ هَذَا كُلِّهِ.
وَقَدْ قَرَّرْنَا بِالْبَرَاهِينِ وَالْإِجْمَاعِ عِصْمَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَرَيَانِ الْكُفْرِ عَلَى قَلْبِهِ أَوْ لِسَانِهِ لَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا.. أَوْ أَنْ يَتَشَبَّهَ عَلَيْهِ مَا يلقيه الملك مما يُلْقِي الشَّيْطَانُ، أَوْ يَكُونَ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ، أو
__________
(1) قد قال الحافظ ابن حجر: قول أبي بكر بن العربي ان طرق هذا الحديث كلها باطلة. وقول عياض في الشفاء انه لم يخرجه أحد من أهل الصحة وليس له سند متصل مع ضعف نقلته واضطراب رواياته وان من نقله من المفسرين وغيرهم لم يسنده أحد منهم ولا يرفعه لصاحب.. لا وجه له.. فان له طرقا متعددة كثيرة متتابعة المخارج وكل ذلك يدل على أن له أصلا، ومن هذه الاسانيد ما هو على شرط الصحيح، وهي وان كانت مراسيل يحتج بها من يحتج بالمرسل كما لك ومن لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض فتبين بهذا ان المبالغة من المصنف رحمه الله غير مرضية. وانظر أيضاص (295) لتحليل هذا الموضوع
(2) يتسور: أصلها التسلق والصعود وجاءت هنا بمعنى التسلط.(2/293)
أَنْ يَتَقَوَّلَ عَلَى اللَّهِ لَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا مَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ «1» ..» الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى: «إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ «2» » ووجه ثان: هو اسْتِحَالَةُ هَذِهِ الْقِصَّةِ نَظَرًا وَعُرْفًا. وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَوْ كَانَ كَمَا رُوِيَ لَكَانَ بعيد الالتئام، مُتَنَاقِضَ الْأَقْسَامِ، مُمْتَزِجَ الْمَدْحِ بِالذَّمِّ، مُتَخَاذِلَ التَّأْلِيفِ وَالنَّظْمِ، وَلَمَّا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مَنْ بِحَضْرَتِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَصَنَادِيدِ «3» الْمُشْرِكِينَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ.. وَهَذَا لَا يَخْفَى عَلَى أَدْنَى مُتَأَمِّلٍ فَكَيْفَ بِمَنْ رَجَحَ حِلْمُهُ، وَاتَّسَعَ فِي بَابِ الْبَيَانِ وَمَعْرِفَةِ فَصِيحِ الْكَلَامِ عِلْمُهُ!!
وَوَجْهٌ ثَالِثٌ: أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِنْ عَادَةِ الْمُنَافِقِينَ، وَمُعَانِدِي الْمُشْرِكِينَ، وَضَعَفَةِ الْقُلُوبِ، والجهلة من المسلمين، نفور هم لِأَوَّلِ وَهْلَةٍ، وَتَخْلِيطُ الْعَدُوِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَقَلِّ فِتْنَةٍ، وَتَعْييرُهُمُ الْمُسْلِمِينَ، وَالشَّمَاتَةُ «4» بِهِمُ الْفَيْنَةَ بَعْدَ الْفَيْنَةِ. وَارْتِدَادُ مَنْ فِي قَلْبِهِ مَرْضٌ مِمَّنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ لِأَدْنَى شُبْهَةٍ..
وَلَمْ يَحْكِ أَحَدٌ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ شيئا سوى هذه الرواية الضعيفة
__________
(1) «.. لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ.. الحاقة الايتان 44 و 45.
(2) «.. ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً. الاية «75» .
(3) صناديد: جمع صنديد وهو السيد الشجاع والحليم والجواد والشريف والمراد خواص رؤسائهم.
(4) وفي نسخة (والشمات) .(2/294)
الْأَصْلِ.. وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَوَجَدَتْ قُرَيْشٌ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ الصَّوْلَةَ «1» وَلَأَقَامَتْ بِهَا الْيَهُودُ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةَ، كَمَا فَعَلُوا مُكَابَرَةً فِي قِصَّةِ الْإِسْرَاءِ، حَتَّى كَانَتْ فِي ذَلِكَ لِبَعْضِ الضُّعَفَاءِ رِدَّةٌ.
وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ فِي قِصَّةِ الْقَضِيَّةِ «2» ، وَلَا فِتْنَةَ أَعْظَمُ مِنْ هَذِهِ الْبَلِيَّةِ لَوْ وُجِدَتْ، ولا تشغيب «3» المعادي حِينَئِذٍ أَشَدُّ مِنْ هَذِهِ الْحَادِثَةِ لَوْ أَمْكَنَتْ.
فَمَا رُوِيَ عَنْ مُعَانِدٍ فِيهَا كَلِمَةٌ، وَلَا عَنْ مُسْلِمٍ بِسَبَبِهَا بِنْتُ «4» شَفَةٍ.. فَدَلَّ عَلَى بُطْلِهَا، وَاجْتِثَاثِ «5» أَصْلِهَا..
- وَلَا شَكَّ فِي إِدْخَالِ بَعْضِ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ أَوِ الْجِنِّ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى بَعْضِ مُغَفَّلِي الْمُحَدِّثِينَ لِيُلَبِّسَ بِهِ عَلَى ضعفاء المسلمين «6»
__________
(1) الصولة: الاستطالة والقهر.
(2) أي قضية الحديبية وانه صلّى الله عليه وسلم رأى انه دخل هو واصحابة مكة.. وكانت هذه الرؤيا فتنة للناس والقصة في السير وفي شروح البخاري.
(3) تشغيب: هو تهييج الشر.
(4) بنت شفه: هي الكلمة شبه اخراجها من الشفة باخراج المولود من بطن امه.
(5) اجتثاث: هو قلع الشجرة من اصلها.
(6) وقد قال القرافي في شرح الاربعين للامام الرازي ان الجواب السديد فيه على تسليم صحته مع ان الله تعالى قد عصمه، وان الله أمره بترتيل القرآن وكان يفعل ذلك فتمكن من ترصده من الشياطين في حال سكوته بين الايات من دس ما اختلقه من هذه الكلمات محاكيا صوته صلّى الله عليه وسلم، وقد سجد من دنا من الكفار معه فظنوها من كلامه صلّى الله عليه وسلم واشاعوها.. فلم يقدح ذلك عند المسلمين لحفظهم السورة على ما نزلت قبل ذلك ومعرفتهم من حاله صلّى الله عليه وسلم ما علم من ذم الاوثان.. وحزن(2/295)
وَوَجْهٌ رَابِعٌ: ذَكَرَ الرُّوَاةُ لِهَذِهِ الْقَضِيَّةِ أَنَّ فيها نزلت «وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ.. «1» الْآيَتَيْنِ.
وَهَاتَانِ الْآيَتَانِ تَرُدَّانِ الْخَبَرَ الَّذِي رَوَوْهُ.. لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ أَنَّهُمْ كَادُوا يَفْتِنُونَهُ حتى يفتري، وأنه لولا أن ثبته لكادير كن إِلَيْهِمْ.
فَمَضْمُونُ هَذَا وَمَفْهُومُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَصَمَهُ مِنْ أَنْ يَفْتَرِيَ، وَثَبَّتَهُ حَتَّى لَمْ يَرْكَنْ إِلَيْهِمْ قَلِيلًا فَكَيْفَ كَثِيرًا وَهُمْ يَرْوُونَ في أَخْبَارَهُمُ الْوَاهِيَةَ أَنَّهُ زَادَ عَلَى الرُّكُونِ وَالِافْتِرَاءِ بِمَدْحِ آلِهَتِهِمْ. وَأَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: افْتَرَيْتُ عَلَى اللَّهِ وَقُلْتُ مَا لَمْ يَقُلْ.. وَهَذَا ضِدُّ مَفْهُومِ الْآيَةِ وَهِيَ تُضْعِفُ «2» الْحَدِيثَ لَوْ صَحَّ فَكَيْفَ وَلَا صِحَّةَ لَهُ وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: «وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ، وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ. وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ
«3» »
__________
صلّى الله عليه وسلم من هذه الاشاعة والقاء الشبهة وهو مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ.. الى قوله.. القى الشيطان في امنيته) وقوله (فينسخ الله ما يلقي الشيطان) فالقصة كما قدم ابن حجر لها أصل ثابت في الجملة لكنها ليس فيها ما ينقص من مقامه صلّى الله عليه وسلم، فابطالها بالكلية كما قاله المصنف رحمه الله تعالى لا ينبغي.
(1) «.. عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا. الاسراء «73» .
(2) وعند المحدثين اذا ورد في الحديث ما ينافي القرآن ولم يكن تأويله ولا الجمع بينه وبينه حكم بضعفه وقد علمت أن الحديث رواه مسلم.
(3) «.. النساء آية (113) وقد استشهد المصنف بها استشهادا لان الاية لم تنزل في هذه الحادثة وانما نزلت في بني ظفر.(2/296)
وَقَدْ رُوِيَ «1» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «2» : كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ «كَادَ» فَهُوَ مَا لَا يَكُونُ «3» .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «يَكادُ سَنا «4» بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ «5» » وَلَمْ يَذْهَبْ وَ «أَكَادُ أُخْفِيهَا» وَلَمْ يَفْعَلْ.
قَالَ الْقُشَيْرِيُّ «6» الْقَاضِي: وَلَقَدْ طَالَبَهُ «7» قُرَيْشٌ وَثَقِيفٌ إِذْ مَرَّ بِآلِهَتِهِمْ أَنْ يُقْبِلَ بِوَجْهِهِ إِلَيْهَا وَوَعَدُوهُ الْإِيمَانَ بِهِ إِنْ فَعَلَ فَمَا فَعَلَ، وَلَا كَانَ «8» لِيَفْعَلَ..
قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ «9» : مَا قارب الرسول ولا ركن.
__________
(1) الراوي له ابن أبي حاتم وغيره.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «22» رقم «6» .
(3) وفي نسخة (لا يكون) بحذف (ما) و (فهو) .
(4) سنا: بالقصر الضوء وبالمد العلو والشرف.
(5) النور آية «43» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «470» رقم «5» .
(7) ويروي (ولقد طالبته) .
(8) وفي نسخة (وما) .
(9) ابن الانباري: هو الامام الحافظ أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار النحوي كان من أعلم الناس بالادب والنحو ولد سنة احدى وسبعين ومائتين، روى عنه الدارقطني وابن حيوة والبزار وغيرهم، كان صدوقا دينا من أهل السنة. صنف التصانيف الكثيرة وصنف في القرآن والغريب والمشكل والوقف والابتداء، روي عنه انه قال: احفظ ثلاثة عشر صندوقا، وقيل: انه كان يحفظ مائة وعشرين تفسيرا بأسانيدها، وقيل انه يحفظ ثلاثمائة شاهد في القرآن، وقد أملى كتاب غريب الحديث قيل انه خمس وأربعون الف ورقة، وكتاب شرح الكافي وهو نحو الف ورقة، وكتاب الاضداد وهو كبير جدا، وكتاب الجاهليات وهو سبعمائة ورقة، وكان رأسا في نحو الكوفيين توفي ليلة عيد النحر ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة.(2/297)
وَقَدْ ذُكِرَتْ «1» فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ تَفَاسِيرُ أُخَرُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ نَصِّ اللَّهِ عَلَى عِصْمَةِ رَسُولِهِ تَرُدُّ سِفْسَافَهَا «2» .
فَلَمْ يَبْقَ فِي الْآيَةِ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى امْتَنَّ عَلَى رسوله بعصمته وتثبيته بما كَادَهُ بِهِ الْكُفَّارُ وَرَامُوا مِنْ فِتْنَتِهِ.
وَمُرَادُنَا مِنْ ذَلِكَ تَنْزِيهُهُ وَعِصْمَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَفْهُومُ الْآيَةِ.
- وَأَمَّا الْمَأْخَذُ الثَّانِي فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَسْلِيمِ الْحَدِيثِ لَوْ صَحَّ.. وَقَدْ أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ صِحَّتِهِ. وَلَكِنْ عَلَى كل حال فقد أجاب عن ذَلِكَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا الْغَثُّ وَالسَّمِينُ..
فَمِنْهَا مَا رَوَى قَتَادَةُ «3» وَمُقَاتِلٌ «4» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابَتْهُ سِنَةٌ «5» عِنْدَ قِرَاءَتِهِ هَذِهِ السُّورَةَ فَجَرَى هَذَا الْكَلَامُ عَلَى لِسَانِهِ بِحُكْمِ النَّوْمِ.
- وَهَذَا لَا يَصِحُّ إِذْ لَا يَجُوزُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ فِي حَالَةٍ مِنْ أَحْوَالِهِ، وَلَا يَخْلُقُهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِهِ، وَلَا يَسْتَوْلِي الشَّيْطَانُ عليه في
__________
(1) وفي نسخة (ذكر) .
(2) سفسافها: أي رديئها. وأصله ما يطير من غبار الدقيق اذا نخل والتراب اذا أثير.. وفي الحديث (ان الله يحب معالي الامور ويبغض سفسافها) .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «62» رقم «3» .
(4) مقاتل: هو ابن حبان الخراساني العابد المفسر الثقة، روى عنه أصحاب السنن وغيرهم. توفى قبل خمسين ومئة.. ولهم مقاتل آخر وهو مقاتل بن سليمان، وهو محدث مفسر الا انه اتهم بالكذب.. والظاهر هنا انه الاول.
(5) سنة: وهو فتور مع أوائل النوم قبل الاستغراق فيه المانع عن الحس والادراك وهي قريبة من النعاس وليسا بمعنى..(2/298)
نَوْمٍ وَلَا يَقَظَةٍ لِعِصْمَتِهِ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ جَمِيعِ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ..
وَفِي قَوْلِ الْكَلْبِيِّ «1» : إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَ نَفْسَهُ فَقَالَ ذَلِكَ الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ.
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ شِهَابٍ «2» عَنْ أَبِي بَكْرِ «3» بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ:
وَسَهَا.. فَلَمَّا أُخْبِرَ «4» بِذَلِكَ قَالَ: إِنَّمَا ذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ..
وَكُلُّ هَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا سَهْوًا وَلَا قَصْدًا وَلَا يَتَقَوَّلَهُ الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ.
وَقِيلَ: لَعَلَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلم قاله أَثْنَاءِ تِلَاوَتِهِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّقْرِيرِ وَالتَّوْبِيخِ لِلْكُفَّارِ.. كقول إبراهيم عليه السلام «هذا رَبِّي «5» » عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَاتِ وَكَقَوْلِهِ «بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا «6» » بعد
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «292» رقم «1» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «251» رقم «4» .
(3) أبو بكر بن عبد الرحمن: وفي نسخة (أبو عبد الرحمن) وكلاهما صحيح، وهو أبو بكر بن عبد الرحمن بن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي التابعي الامام احد الفقهاء السبعة على قول، وهو من سادات قريش ويسمى (الراهب) لزهده. قيل: اسمه أبو بكر وكنيته (أبو عبد الرحمن) . وقال النووي: اسمه محمد وكنيته أبو عبد الرحمن والصحيح أن اسمه كنيته، وتوفي سنة أربع وتسعين.. وقيل غير ذلك.
(4) وفي نسخة (أحس) .
(5) «.. فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ. الانعام «76» .
(6) الاية: قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ. الانبياء «63» .(2/299)
السكت وبيان الفصل بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى تِلَاوَتِهِ وَهَذَا ممكن مع بيان الفصل وَقَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْمَتْلُوِّ.
وَهُوَ أَحَدُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ «1» .. وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِمَا رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَقَدْ كَانَ الْكَلَامُ قَبْلُ فِيهَا غَيْرَ مَمْنُوعٍ..
وَالَّذِي يَظْهَرُ وَيَتَرَجَّحُ «2» فِي تَأْوِيلِهِ عِنْدَهُ «3» وَعِنْدَ غَيْرِهِ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ- عَلَى تَسْلِيمِهِ- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ كَمَا أَمَرَهُ رَبُّهُ يُرَتِّلُ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا «4» ، وَيُفَصِّلُ الْآيَ تَفْصِيلًا فِي قِرَاءَتِهِ «5» ، كَمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ «6» عَنْهُ- فَيُمْكِنُ تَرَصُّدُ الشَّيْطَانِ لِتِلْكَ السَّكَتَاتِ وَدَسُّهُ فِيهَا مَا اخْتَلَقَهُ مِنْ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ، مُحَاكِيًا نَغْمَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ مَنْ دَنَا إِلَيْهِ مِنَ الْكُفَّارِ فَظَنُّوهَا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَشَاعُوهَا.. وَلَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ بِحِفْظِ السُّورَةِ قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى مَا أَنْزَلَهَا اللَّهُ، وَتَحَقُّقِهِمْ مِنْ حَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَمِّ الْأَوْثَانِ وَعَيْبِهَا ما عرف منه.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «385» رقم «1» .
(2) كما اختاره القرافي.
(3) أي عند القاضي أبي بكر.
(4) والترتيل قراءة القرآن بتؤده.
(5) وفي نسخة (في تلاوته) .
(6) كما قالت عائشة رضي الله عنها وقد سئلت عن قراءته عليه الصلاة والسلام (لو أراد سامع أن يعد حروفه عدها) لتأنيه فيها وتجويد حروفها وبيان حركاتها ومدها.(2/300)
وَقَدْ حَكَى مُوسَى «1» بْنُ عُقْبَةَ فِي مَغَازِيهِ نَحْوَ هَذَا وَقَالَ: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَسْمَعُوهَا، وَإِنَّمَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ ذَلِكَ فِي أَسْمَاعِ الْمُشْرِكِينَ وَقُلُوبِهِمْ، وَيَكُونُ مَا رُوِيَ مِنْ حُزْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهَذِهِ الْإِشَاعَةِ وَالشُّبْهَةِ وَسَبَبِ هَذِهِ الْفِتْنَةِ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ «2» ..» الْآيَةَ فَمَعْنَى «تَمَنَّى» تَلَا «3» .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ «4» » أَيْ تِلَاوَةً وَقَوْلُهُ: «فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ «5» أَيْ يُذْهِبُهُ وَيُزِيلُ اللَّبْسَ بِهِ، وَيُحْكِمُ آيَاتِهِ.
وَقِيلَ: مَعْنَى الْآيَةِ هُوَ مَا يَقَعُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ السَّهْوِ إِذَا قرأ
__________
(1) موسى بن عقبة: وفي بعض النسخ (محمد بن عقبة) وهذا خطا صريح. وقال الحافظ الحلبي انه مما لا شك فيه هو موسى بن عقبة ابن عباس مولى آل الزبير، وقيل مولى ام خالد روى عنه خلق كثير وهو ثبت ثقة توفي سنة احدى او اثنين واربعين ومائة، وأخرج له الستة ومغازيه من أصح المغازي كما قاله الامام مالك وقد ألف كتابا في مغازي النبي صلّى الله عليه وسلم. ومحمد بن عقبة أخو موسى. ولعقبة أولاد كلهم فقهاء محدثون لكل واحد منهم حلقة فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وترجمتهم مشهورة.
(2) «.. إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. الحج (52) .
(3) وقد قال الشاعر:
تمنى كتاب الله أول ليلة ... تمنى داود الزبور على رسل
(4) الاية: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ» البقرة «78»
(5) الاية.. الحج «52» .(2/301)
فَيَنْتَبِهُ لِذَلِكَ، وَيَرْجِعُ عَنْهُ، وَهَذَا نَحْوُ قَوْلِ الْكَلْبِيِّ «1» فِي الْآيَةِ أَنَّهُ حَدَّثَ نَفْسَهُ وَقَالَ «إِذَا تَمَنَّى» أَيْ حَدَّثَ نَفْسَهُ.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ «2» بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَحْوُهُ
وَهَذَا السَّهْوُ فِي الْقِرَاءَةِ إِنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا لَيْسَ طَرِيقُهُ تَغْيِيرَ الْمَعَانِي، وَتَبْدِيلَ الْأَلْفَاظِ، وَزِيَادَةَ مَا لَيْسَ مِنَ الْقُرْآنِ، بَلِ السَّهْوُ عَنْ إِسْقَاطِ آيَةٍ مِنْهُ أَوْ كَلِمَةٍ وَلَكِنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى هَذَا السَّهْوِ بَلْ يُنَبَّهُ عَلَيْهِ، وَيُذَكَّرُ بِهِ لِلْحِينِ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي حُكْمِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مِنَ السَّهْوِ وَمَا لَا يَجُوزُ وَمِمَّا يَظْهَرُ فِي تَأْوِيلِهِ أَيْضًا أَنَّ مُجَاهِدًا «3» رَوَى هَذِهِ الْقِصَّةَ «وَالْغَرَانِقَةُ الْعُلَى» فَإِنْ سَلَّمْنَا الْقِصَّةَ قُلْنَا لَا يَبْعُدُ أَنَّ هَذَا كَانَ قُرْآنًا وَالْمُرَادُ بِالْغَرَانِقَةِ الْعُلَى وَأَنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجَى «الْمَلَائِكَةُ» عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ.
وَبِهَذَا فَسَرَّ الْكَلْبِيُّ «1» «الْغَرَانِقَةَ» أَنَّهَا الْمَلَائِكَةُ.. وَذَلِكَ أَنَّ الْكُفَّارَ كانوا يعتقدون أنّ الْأَوْثَانَ وَالْمَلَائِكَةَ بَنَاتِ اللَّهِ.
كَمَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ بِقَوْلِهِ: «أَلَكُمُ الذَّكَرُ
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «292» رقم «1» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «299» رقم «3» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «70» رقم «1» .(2/302)
وَلَهُ الْأُنْثى «1» فَأَنْكَرَ اللَّهُ كُلَّ هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ، وَرَجَاءُ الشَّفَاعَةِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ صَحِيحٌ.. فَلَمَّا تَأَوَّلَهُ الْمُشْرِكُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الذِّكْرِ آلِهَتَهُمْ، وَلَبَّسَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ ذَلِكَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِهِمْ وَأَلْقَاهُ إِلَيْهِمْ نَسَخَ اللَّهُ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ وَأَحْكَمَ آيَاتِهِ، وَرَفَعَ تِلَاوَةَ تِلْكَ اللَّفْظَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَجَدَ الشَّيْطَانُ بِهِمَا سَبِيلًا لِلْإِلْبَاسِ.. كَمَا نُسِخَ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ وَرُفِعَتْ تِلَاوَتُهُ.. وَكَانَ فِي إِنْزَالِ اللَّهِ تَعَالَى لِذَلِكَ حِكْمَةٌ وَفِي نَسْخِهِ حِكْمَةٌ «لِيُضِلَّ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، وما يضلّ به إلّا الفاسقين «2» » لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ.. وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ، وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ «3» » الْآيَةَ.
وَقِيلَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لما قرأ هذه السورة ذِكْرَ اللَّاتِ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةِ الْأُخْرَى، خَافَ الْكُفَّارُ أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَمِّهَا فَسَبَقُوا إِلَى مَدْحِهَا بِتِلْكَ الْكَلِمَتَيْنِ لِيُخَلِّطُوا فِي تِلَاوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُشَنِّعُوا عَلَيْهِ على عادتهم
__________
(1) «.. النجم آية «21»
(2) الصواب: يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ» سورة البقرة
(3) «.. لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي.. الحج الايتان «53 و 54» .(2/303)
وَقَوْلِهِمْ «لَا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ «1» » وَنُسِبَ هَذَا الْفِعْلُ إِلَى الشَّيْطَانِ لِحَمْلِهِ لَهُمْ عَلَيْهِ وَأَشَاعُوا ذَلِكَ وَأَذَاعُوهُ.. وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ فَحَزِنَ لِذَلِكَ مِنْ كَذِبِهِمْ وَافْتِرَائِهِمْ عَلَيْهِ.. فَسَلَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: «وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ «2» ..» الْآيَةَ وَبَيَّنَ لِلنَّاسِ الْحَقَّ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْبَاطِلِ وَحَفِظَ الْقُرْآنَ وَأَحْكَمَ آيَاتِهِ، وَدَفَعَ مَا لَبَّسَ بِهِ الْعَدُوُّ.. كَمَا ضَمِنَهُ تَعَالَى مِنْ قَوْلِهِ: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ «3» » .
وَمِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ مِنْ «4» قِصَّةِ يُونُسَ عليه السلام أنه وَعَدَ قَوْمَهُ الْعَذابَ عَنْ رَبِّهِ، فَلَمَّا تَابُوا كُشِفَ عَنْهُمُ الْعَذَابُ فَقَالَ:
لَا أَرْجِعُ إِلَيْهِمْ كَذَّابًا أَبَدًا فَذَهَبَ مُغَاضِبًا.
فَاعْلَمْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ أَنْ «5» لَيْسَ فِي خَبَرٍ مِنَ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لَهُمْ: إِنَّ اللَّهَ مُهْلِكُكُمْ وَإِنَّمَا فِيهِ أنه دعا عليهم بالهلاك.. والدعاء ليس بخير يُطْلَبُ صِدْقُهُ مِنْ كَذِبِهِ، لَكِنَّهُ قَالَ لَهُمْ: إن العذاب مصبّحكم وقت كذا وكذا..
__________
(1) سورة فصلت آية 267» .
(2) «.. وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. الْحَجِّ: 52.
(3) سورة الحجر آية «9» .
(4) وفي نسخة (في) .
(5) وفي نسخة (انه) .(2/304)
فَكَانَ ذَلِكَ كَمَا قَالَ.. ثُمَّ رَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمُ الْعَذَابَ وَتَدَارَكَهُمْ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ «1» » الْآيَةَ..
وَرُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ. أَنَّهُمْ رَأَوْا دَلَائِلَ الْعَذَابِ وَمَخَايِلَهُ «2» ..
قَالَهُ «3» ابْنُ مَسْعُودٍ «4» .
وَقَالَ سَعِيدُ «5» بْنُ جُبَيْرٍ: غَشَّاهُمُ الْعَذَابُ كَمَا يُغَشِّي الثَّوْبُ «6» الْقَبْرَ. فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا مَعْنَى مَا رُوِيَ «7» أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ «8» بْنَ أَبِي سَرْحٍ كَانَ يكتب لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. ثُمَّ ارْتَدَّ مُشْرِكًا وَصَارَ إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُمْ: إِنِّي كُنْتُ أصرّف محمدا حيث أريد.. كان
__________
(1) «.. فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ يونس «98» .
(2) مخايله: جمع مخيلة وهي المظنة من خاله بمعنى ظنه.
(3) رواه عنه ابن مردويه مرفوعا وابن أبي حاتم موقوفا.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «214» رقم «2» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «58» رقم «4» .
(6) وفي نسخة (كما يغشي النوء القمر) .
(7) رواه ابن جبير عن عكرمة مولى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
(8) عبد الله بن أبي سرح: وهو عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث العامري القرشي الصحابي كاتب النبي صلّى الله عليه وسلم، اسلم قبل الفتح وهاجر ثم ارتد واسلم بعد ذلك وحسن اسلامه كما تقدم وولي في خلافة عثمان فلما قتل اعتزل الناس والتزم العبادة ودعا الله تعالى أن يتوفاه بعد الصلاة فمات بعد تسليمه من صلاة الصبح كما ذكره السهيلي.(2/305)
يُمْلِي عَلَيَّ «عَزِيزٌ حَكِيمٌ» فَأَقُولُ أَوْ «عَلِيمٌ حَكِيمٌ» ؟ فَيَقُولُ نَعَمْ كُلٌّ صَوَابٌ.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «1» فَيَقُولُ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكْتُبْ كَذَا فَيَقُولُ:
أَكْتُبُ كَذَا؟ فَيَقُولُ اكْتُبْ كَيْفَ شِئْتَ. وَيَقُولُ اكْتُبْ «عَلِيمًا حَكِيمًا» فَيَقُولُ أَكْتُبُ «سَمِيعًا بَصِيرًا» ؟ فَيَقُولُ لَهُ اكْتُبْ كَيْفَ شِئْتَ.
وَفِي الصَّحِيحِ «2» عَنْ أَنَسٍ «3» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ نَصْرَانِيًّا «4» كَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم بعد ما أَسْلَمَ، ثُمَّ ارْتَدَّ «5» ، وَكَانَ يَقُولُ:
مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلَّا مَا كَتَبْتُ لَهُ.
فَاعْلَمْ ثَبَّتَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ عَلَى الْحَقِّ، وَلَا جَعَلَ لِلشَّيْطَانِ وَتَلْبِيسَهُ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ إِلَيْنَا سَبِيلًا، أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْحِكَايَةِ أَوَّلًا لَا تُوقِعُ فِي قَلْبِ مُؤْمِنٍ رَيْبًا.. إِذْ هِيَ حِكَايَةٌ عَمَّنِ ارْتَدَّ وَكَفَرَ بِاللَّهِ.
وَنَحْنُ «6» لَا نَقْبَلُ خَبَرَ الْمُسْلِمِ المتّهم فكيف بكافر افترى هو ومثله
__________
(1) أي في رواية اخرى لهذا الحديث رواها السدي.
(2) أي في الحديث الذي رواه البخاري والصحيح اذا اطلق أريد به صحيح البخاري
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «47» رقم «1» .
(4) قال البرهان: لا أعرفه باسمه.. وفي مسلم انه رجل من بني النجار.
(5) ومات مرتدا فدفنوه فلفظته الارض فقالوا: هذا من فعل محمد فحفروا واعمقوا فلفظته ثانيا. وفعلوه ثالثا فلفظته.. فتركوه..
(6) أي علماء الدين او الحديث.(2/306)
على الله ورسوله مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا.
وَالْعَجَبُ لِسَلِيمِ الْعَقْلِ يَشْغَلُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْحِكَايَةِ سِرَّهُ، وَقَدْ صَدَرَتْ مِنْ عَدُوٍّ كَافِرٍ مُبْغِضٍ لِلدِّينِ.. مُفْتَرٍ على الله ورسوله..
ولم يرد عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا ذَكَرَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ شَاهَدَ مَا قَالَهُ وَافْتَرَاهُ على نبي الله، «وإِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ «1» » .
وَمَا وَقَعَ مِنْ ذِكْرِهَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَظَاهِرِ حِكَايَتِهَا. فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ شَاهَدَهَا، وَلَعَلَّهُ حَكَى مَا سَمِعَ..
وَقَدْ عَلَّلَ الْبَزَّارُ «3» حَدِيثَهُ ذَلِكَ وَقَالَ: رَوَاهُ ثَابِتٌ «4» عَنْهُ وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ.. ورواه حميد «5» عن أنس «2» ، قال: وأظن حميدا إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ ثَابِتٍ «4» .
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ: وَلِهَذَا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- لَمْ يُخَرِّجْ أَهْلُ الصَّحِيحِ حَدِيثَ ثَابِتٍ «4» وَلَا حُمَيْدٍ «6» .
__________
(1) «.. وصوابها: إِنَّما يَفْتَرِي.. النحل (105) .
(2) تقدم آنفا.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «355» رقم «4» .
(4) أحد الرواة.
(5) حميد: بن عبد الرحمن وكان له طول في يديه توفي وهو قائم يصلي سنة اثنين وأربعين ومائة ووثقوه وقيل انه مدلس، اخرج له الستة.. ولا يخفى ان حديثه الذي رواه المصنف رواه البخاري.
(6) بل روى حديثه البخاري ورد المصنف له غير صحيح، والذي ينبغي له ان يقول: ان من قاله كذب وافترى ولا يقدح في أصل القصة وصحتها فانها مروية في الصحيحين(2/307)
والصحيح حديث عبد الله «1» بن عزيز بْنِ رَفِيعٍ عَنْ أَنَسٍ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، الَّذِي خَرَّجَهُ أَهْلُ الصِّحَّةِ، وَذَكَرْنَاهُ وَلَيْسَ فِيهِ عَنْ أَنَسٍ «2» قَوْلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ إِلَّا مِنْ حِكَايَتِهِ عَنِ الْمُرْتَدِّ النَّصْرَانِيِّ..
وَلَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَمَا كَانَ فِيهَا قَدْحٌ، وَلَا تَوْهِيمٌ «3» لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ، وَلَا جَوَازٌ لِلنِّسْيَانِ وَالْغَلَطِ عَلَيْهِ، وَالتَّحْرِيفِ فِيمَا بَلَّغَهُ، وَلَا طَعْنٌ فِي نَظْمِ الْقُرْآنِ وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.. إِذْ لَيْسَ فِيهِ- لَوْ صَحَّ- أَكْثَرُ مِنْ أن الكاتب قال له: «عليم حكيم» أو كتبه فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ هُوَ.. فَسَبَقَهُ لِسَانُهُ أَوْ قَلَمُهُ لِكَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَتَيْنِ مِمَّا نَزَلَ عَلَى الرَّسُولِ قَبْلَ إِظْهَارِ الرَّسُولِ لَهَا.. إِذْ كَانَ مَا تَقَدَّمَ مِمَّا أَمْلَاهُ الرَّسُولُ يَدُلُّ عَلَيْهَا، وَيَقْتَضِي وُقُوعَهَا بِقُوَّةِ قُدْرَةِ الْكَاتِبِ عَلَى الْكَلَامِ، وَمَعْرِفَتِهِ بِهِ، وَجَوْدَةِ حِسِّهِ وَفِطْنَتِهِ، كَمَا يَتَّفِقُ ذَلِكَ لِلْعَارِفِ إِذَا سَمِعَ الْبَيْتَ أَنْ يَسْبِقَ إِلَى قَافِيَّتِهِ، أَوْ مُبْتَدَأَ الْكَلَامِ الْحَسَنِ إِلَى مَا يَتِمُّ به.. ولا يتفق ذلك في جملة الكلام
__________
(1) عبد الله بن عزيز بن رفيع: تابعي جليل ثقة روى عن ابن عباس وابن عمرو عنه شعبة وأبو بكر بن عياش توفي سنة ثلاث ومائة وأخرج له الائمة الستة.
(2) تقدم ذكره.
(3) وفي نسخة (توهين) .(2/308)
كَمَا لَا يَتَّفِقُ ذَلِكَ فِي آيَةٍ وَلَا سُورَةٍ.. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن صح «كل صواب» فقد يكون هذا فيما فِيهِ مِنْ مَقَاطِعِ الْآيِ «1» وَجْهَانِ وَقِرَاءَتَانِ أُنْزِلَتَا جَمِيعًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأملى إحداهما، وَتَوَصَّلَ الْكَاتِبُ بِفِطْنَتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِمُقْتَضَى الْكَلَامِ إِلَى الْأُخْرَى، فَذَكَرَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَوَّبَهَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَحْكَمَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحْكَمَ، وَنَسَخَ مَا نَسَخَ، كَمَا قَدْ وُجِدَ ذَلِكَ في بعض مقاطيع الْآيِ، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: «إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ «2» » وَهَذِهِ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ «3»
وَقَدْ قَرَأَ جَمَاعَةٌ «4» «فَإِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» وَلَيْسَتْ مِنَ الْمُصْحَفِ وَكَذَلِكَ كَلِمَاتٌ جَاءَتْ عَلَى وَجْهَيْنِ فِي غَيْرِ الْمَقَاطِعِ قرأ بهما معا الْجُمْهُورُ، وَثَبَتَتَا فِي الْمُصْحَفِ مِثْلَ: «وَانْظُرْ إِلَى العظام كيف ننشرها «5» .. وَنُنْشِزُهَا «6» ، «وَيَقْضِي «7» الْحَقَّ» «وَيَقُصُّ الْحَقَّ «8» » وَكُلُّ هَذَا لا يوجب ريبا، ولا يسبب
__________
(1) وفي نسخة (الايات) .
(2) سورة المائدة آية (18) .
(3) وهي القراءة المتواترة.
(4) وهي قراءة شاذة.
(5) ننشرها: من النشر أي نحييها وهي قراءة أبي عمرو وغيره.
(6) ننشزها: أي نحركها ونرفع بعضها على بعض من النشز وهو المكان المرتفع.
(7) يقضي الحق: وهي قراءة أبي عمرو وغيره.
(8) وهي قراءة نافع وغيره أي يتبع الحق.(2/309)
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلَطًا وَلَا وَهْمًا.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا يَكْتُبُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّاسِ غَيْرَ الْقُرْآنِ فَيَصِفُ الله ويسمّيه في ذلك كيف شاء..(2/310)
الفصل السّابع حالته صلّى الله عليه وسلّم في أخبار الدّنيا
هَذَا الْقَوْلُ فِيمَا طَرِيقُهُ الْبَلَاغُ.. وَأَمَّا مَا ليس سبيله سبيل البلاغ مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي لَا مُسْتَنَدَ لَهَا إِلَى الْأَحْكَامِ، وَلَا أَخْبَارِ الْمَعَادِ، وَلَا تُضَافُ إِلَى وَحْيٍ، بَلْ فِي أُمُورِ «1» الدُّنْيَا وَأَحْوَالِ نَفْسِهِ.
فَالَّذِي يَجِبُ اعْتِقَادُهُ تَنْزِيهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم عن أَنْ يَقَعَ خَبَرُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ مُخْبَرِهِ، لَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا وَلَا غَلَطًا وَأَنَّهُ مَعْصُومٌ مِنْ ذَلِكَ فِي حَالِ رضاه، وفي حال سَخَطِهِ، وَجَدِّهِ، وَمَزْحِهِ «2» ، وَصِحَّتِهِ، وَمَرَضِهِ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ اتِّفَاقُ السَّلَفِ وَإِجْمَاعُهُمْ عَلَيْهِ.
وَذَلِكَ أَنَّا نَعْلَمُ مِنْ دِينِ الصَّحَابَةِ وَعَادَتِهِمْ مُبَادَرَتَهُمْ إِلَى تَصْدِيقِ جَمِيعِ أَحْوَالِهِ وَالثِّقَةِ بِجَمِيعِ أَخْبَارِهِ فِي أَيِّ باب كانت وعن «3» أي
__________
(1) وفي نسخة (أحوال) .
(2) وكان صلّى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول الا حقا كقوله للعجوز (لا تدخل الجنة عجوز) . وقوله للاعرابي (أحملك على ابن الناقة) . وقوله للمرأة (وهل زوجك في عينيه بياض) .
(3) وفي نسخة (وفي أي شيء) .(2/311)
شَيْءٍ وَقَعَتْ، وَأَنَّهُ «1» لَمْ يَكُنْ لَهُمْ تَوَقُّفٌ وَلَا تَرَدُّدٌ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، وَلَا اسْتِثْبَاتٍ عَنْ حَالِهِ عِنْدَ ذَلِكَ.. هَلْ وَقَعَ فِيهَا سَهْوٌ أَمْ لَا وَلَمَّا احْتَجَّ ابْنُ أَبِي «2» الْحُقَيْقِ الْيَهُودِيُّ «3» عَلَى عُمَرَ «4» حِينَ أَجْلَاهُمْ مِنْ خَيْبَرَ بِإِقْرَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لهم، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَيْفَ بِكَ إِذَا أُخْرِجْتَ مِنْ خَيْبَرَ؟! فَقَالَ الْيَهُودِيُّ:
كَانَتْ هَزِيلَةً «5» مِنْ أَبِي الْقَاسِمِ.. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ «6» : كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ وَأَيْضًا فَإِنَّ أَخْبَارَهُ وَآثَارَهُ، وَسِيَرَهُ وَشَمَائِلَهُ، مُعْتَنًى بِهَا مُسْتَقْصًى تَفَاصِيلُهَا.. وَلَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا اسْتِدْرَاكُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغَلَطٍ فِي قَوْلٍ قَالَهُ، أَوِ اعْتِرَافُهُ بِوَهْمٍ فِي شَيْءٍ أَخْبَرَ بِهِ.. وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَنُقِلَ كَمَا نُقِلَ «7» مِنْ قِصَّتِهِ «8» عليه السلام ورجوعه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا أَشَارَ بِهِ عَلَى الْأَنْصَارِ فِي تَلْقِيحِ النَّخْلِ.. وَكَانَ ذَلِكَ رأيا لا خبرا..
__________
(1) وفي نسخة (وانهم) .
(2) ابن أبي الحقيق: من يهود بني خيبر وليس هو كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق زوج صفية بنت حبي بن أخطب ام المؤمنين رضي الله عنها لأن هذا قتل في زمنه صلّى الله عليه وسلم.
(3) هذا الحديث رواه البخاري في حديث اجلاء يهود خيبر عن ابن عمر. ورواه مسلم أيضا.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4» .
(5) هزيلة: تصغير هزلة وهي المرة من الهزل ضد الجد كما في النهاية.
(6) تقدم ذكره.
(7) فيما رواه مسلم عن طلحة وأنس وغيرهما.
(8) وفي نسخة (من قصة رجوعه عليه الصلاة والسلام) .(2/312)
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ هذا الباب.
كقوله «1» : «وَاللَّهِ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا فَعَلْتُ الَّذِي حَلَفْتُ عَلَيْهِ وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي» .
وَقَوْلِهِ «2» : «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ» .. الْحَدِيثَ «3» .
وَقَوْلِهِ «4» : «اسْقِ «5» يَا زُبَيْرُ «6» حَتَّى يَبْلُغَ الْمَاءُ «7» الْجَدْرَ «8» » ..
كَمَا سَنُبَيِّنُ كُلَّ مَا فِي هذا الحديث مِنْ مُشْكِلِ مَا فِي هَذَا الْبَابِ وَالَّذِي بَعْدَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَعَ أَشْبَاهِهِمَا «9» .
- وَأَيْضًا فَإِنَّ الْكَذِبَ مَتَى عُرِفَ مِنْ أَحَدٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَخْبَارِ بِخِلَافِ مَا هُوَ عَلَى أي وجه كان، استريب بخبره، واتّهم
__________
(1) عليه الصلاة والسلام في حديث رواه الشيخان عن أبي موسى الاشعري رضي الله تعالى عنه في غزوة تبوك لما سأله صلّى الله عليه وسلم بعض الصحابة أن يحملهم فقال: (والله ما عندي ما احملكم عليه) فأتي بعد ذلك بإبل فأعطاها السائل وقال: ما أنا حملتكم ولكن الله تعالى حملكم) ثم قال: والله لا أحلف الحديث.
(2) في حديث رواه الشيخان عن ام سلمة رضي الله عنها.
(3) وتمامه (ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن اقتطعت له من حق أخيه شيئا فكأنما اقتطع له قطعة من النار) .
(4) فيما رواه الائمة الستة عن الزبير.
(5) أسق: بفتح الهمزة.
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «591» رقم «5» .
(7) الجدر: بفتح الجيم وكسرها وسكون الدال المهملة وبالراء لفة في الجدار والمراد ههنا أصل الحائط كما ذكره النووي. وفي نسخة الجدر بضمتين وهو جمع الجدار..
(8) وكان رجل من الانصار تخاصم مع الزبير بسبب ماء السقي.. وحكم بينهما الرسول صلّى الله عليه وسلم فقال الرجل ان كان ابن عمتك.. فتلون وجه النبي صلّى الله عليه وسلم وقال: الحديث.. وفي هذا الرجل نزل قوله تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) .
(9) ويروي (اشباهها) .(2/313)
فِي حَدِيثِهِ، وَلَمْ يَقَعْ قَوْلُهُ فِي النُّفُوسِ مَوْقِعًا..
وَلِهَذَا تَرَكَ الْمُحَدِّثُونَ وَالْعُلَمَاءُ الْحَدِيثَ عَمَّنْ عُرِفَ بِالْوَهْمِ وَالْغَفْلَةِ، وَسُوءِ الْحِفْظِ، وَكَثْرَةِ الْغَلَطِ مَعَ ثِقَتِهِ «1» ..
- وَأَيْضًا فَإِنَّ تَعَمُّدَ الْكَذِبِ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا مَعْصِيَةٌ..
وَالْإِكْثَارَ مِنْهُ كَبِيرَةٌ بِإِجْمَاعٍ، مسقط المروءة، وَكُلُّ هَذَا مِمَّا يُنَزَّهُ عَنْهُ مَنْصِبُ النُّبُوَّةِ..
والمرة الواحدة منه فيما يستبشع ويستشنع مما يخلّ بصاحبها ويزري بقائلها لا حقة بِذَلِكَ..
وَأَمَّا فِيمَا لَا يَقَعُ هَذَا الْمَوْقِعَ، فَإِنْ عَدَدْنَاهَا مِنَ الصَّغَائِرِ فَهَلْ تَجْرِي عَلَى حُكْمِهَا فِي الْخِلَافِ فِيهَا؟!. مُخْتَلَفٌ فِيهِ..
وَالصَّوَابُ تنزيه النبوة عن قليله وكثيره، وسهوه وَعَمْدِهِ..
إِذْ عُمْدَةُ النُّبُوَّةِ الْبَلَاغُ وَالْإِعْلَامُ وَالتَّبْيِينُ، وَتَصْدِيقُ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَجْوِيزُ شَيْءٍ مِنْ هَذَا قَادِحٌ في ذلك ومشكك فيه مناقض للمعجزة..
__________
(1) وقد حكي ان البخاري قصد رجلا في مكان بعيد لاخذ حديث عنه فلما وصله بعد السفر الطويل وجده آخذا بذيله وهو يشير الى دابته النافرة تحديبا لها وموهما اياها ان في حجره شعيرا ولم يكن به ذلك فرجع عنه البخاري ولم يأخذ منه حديثا لانه رآه يكذب على دابة.(2/314)
فَلْنَقْطَعْ عَنْ «1» يَقِينٍ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ خُلْفٌ «2» فِي الْقَوْلِ فِي وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ لَا بِقَصْدٍ وَلَا بِغَيْرِ قَصْدٍ، وَلَا نتسامح «3» مع من تسامح في تجويز ذلك عليهم حال السهو فيما «4» لَيْسَ طَرِيقُهُ الْبَلَاغَ.. نَعَمْ «5» وَبِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الْكَذِبُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وَلَا الِاتِّسَامُ بِهِ فِي أُمُورِهِمْ، وَأَحْوَالِ دُنْيَاهُمْ.. لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ يزري ويريب بهم، وَيُنَفِّرُ الْقُلُوبَ عَنْ تَصْدِيقِهِمْ بَعْدُ.
وَانْظُرْ أَحْوَالَ عَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأُمَمِ، وَسُؤَالِهِمْ عَنْ حَالِهِ فِي صِدْقِ لِسَانِهِ، وَمَا عُرِفُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ وَاعْتَرَفُوا بِهِ مِمَّا عُرِفَ، وَاتَّفَقَ النَّقْلُ «6» عَلَى عِصْمَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ قَبْلُ وَبَعْدُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنَ الْآثَارِ فِيهِ فِي الْبَابِ الثَّانِي أَوَّلَ الْكِتَابِ مَا يبين لك صحة ما أشرنا «7» اليه..
***
__________
(1) وفي نسخة (على) .
(2) وفي نسخة (تخلف)
(3) وفي نسخة (لا يتسامح) بالمبني للمجهول.
(4) وفي نسخة (مما) .
(5) جواب سؤال تقديره: هل هذا شامل لما قبل النبوة؟.
(6) ويروى (واتفق أهل النقل)
(7) ومن جملته قَوْلُهُ تَعَالَى: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يقولون فانهم لا يكذبونك) بالتشديد والتخفيف أي لا ينسبونك الى الكذب.(2/315)
الْفَصْلُ الثَّامِنُ رَدُّ بَعْضِ الِاعْتِرَاضَاتِ
فَإِنْ قُلْتَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ «1» السَّهْوِ الَّذِي حَدَّثَنَا بِهِ الْفَقِيهُ أبو إسحق «2» إبراهيم بن جعفر..
قال أبو هريرة «3» رضي الله عنه: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعَصْرِ «4» فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ.. فَقَامَ ذُو اليدين «5» فقال: يا رسول
__________
(1) هذا الحديث رواه الشيخان ومالك والترمذي وغيرهم، ولم يرده المصنف رحمه الله من طريق الصحيحين بل من طريق غيرهما.. وأخرجه المصنف من الموطأ لان بينه وبين مالك سبعة اشخاص. وكذلك في مسلم ولكن الموطأ مقدم عند المغاربة. ولو أخرجه من النسائي كان يقع له أعلى من الموطأ عن أبي هريرة.
(2) هو ابراهيم بن جعفر المكنى بأبي اسحاق اشتهر في التضلع بالفقه، وهو عالم مشهور تقي ورع
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «31» رقم «5» .
(4) وقيل الظهر كما في رواية مسلم.
(5) ذو اليدين: وسمي به لان في يديه او في احداهما طولا.. ووهم هنا الزهري مع سعة علمه فقال: ذو الشمالين ولا يصح لان ذا الشمالين استشهد ببدر وذو اليدين شهد قصة أبي هريرة واسلام أبي هريرة بعد خيبر.. وقد تأخر موته حتى روى عنه متأخر والتابعين كمطير. والقول بأنهما واحد لا يصح لان ذا الشمالين خزاعي وذا اليدين سلمي(2/316)
أقصرت «1» الصلاة أم نسيت؟. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ.»
وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: «ما قصرت الصلاة وما نسيت-» الحديث بقصته فأخبر بِنَفْيِ الْحَالَتَيْنِ وَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَقَدْ كَانَ أَحَدُ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ ذُو الْيَدَيْنِ «2» . «قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ..»
فَاعْلَمْ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ أَجْوِبَةً بَعْضُهَا بِصَدَدِ الْإِنْصَافِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ بِنِيَّةِ «3» التَّعَسُّفِ «4» وَالِاعْتِسَافِ..
وَهَا أَنَا أَقُولُ: أَمَّا على القول الأول.. بتجويز الوهم والغلط مما لَيْسَ طَرِيقُهُ مِنَ الْقَوْلِ الْبَلَاغُ وَهُوَ الَّذِي زَيَّفْنَاهُ «5» مِنَ الْقَوْلَيْنِ.
فَلَا اعْتِرَاضَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَشِبْهِهِ..
وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَمْنَعُ السَّهْوَ والنسيان فِي أَفْعَالِهِ جُمْلَةً وَيَرَى أَنَّهُ فِي مِثْلِ هَذَا عَامِدٌ لِصُورَةِ النِّسْيَانِ لِيَسُنَّ، فَهُوَ صَادِقٌ فِي خَبَرِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْسَ وَلَا قَصُرَتْ، وَلَكِنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَعَمَّدَ هَذَا الْفِعْلَ في هذه الصورة ليسنه لِمَنِ اعْتَرَاهُ مِثْلُهُ.. وَهُوَ قَوْلٌ مَرْغُوبٌ عَنْهُ،
__________
(1) اقصرت: روي بفتح القاف بمعنى النقص، وروي بضم القاف من القصر ضد الاتمام وقال النووي كلاهما صحيح.. والثاني أشهر واصح.
(2) تقدم ذكره آنفا.
(3) وفي نسخة (بتيه) .
(4) التعسف هو الخروج عن الجادة وركوب الامر بالمنقة وفي معناه الاعتساف وانما جمع بينهما للمبالغة.
(5) أي ضعفناه.(2/317)
نذكره «1» فِي مَوْضِعِهِ.. وَأَمَّا عَلَى إِحَالَةِ السَّهْوِ عَلَيْهِ.. فِي الْأَقْوَالِ وَتَجْوِيزِ السَّهْوِ عَلَيْهِ فِيمَا لَيْسَ طَرِيقُهُ الْقَوْلَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ «2» فَفِيهِ أَجْوِبَةٌ:
مِنْهَا: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ عَنِ اعْتِقَادِهِ وَضَمِيرِهِ، - أَمَّا إِنْكَارُ الْقَصْرِ فَحَقٌّ وَصِدْقٌ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَأَمَّا النِّسْيَانُ فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اعْتِقَادِهِ وَأَنَّهُ لَمْ ينس في ظنه فكأنه قصد الخبر بهذا عَنْ ظَنِّهِ وَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ، وَهَذَا «3» صِدْقٌ أَيْضًا.
وَوَجْهٌ ثَانٍ: «أَنَّ قَوْلَهُ «وَلَمْ أَنْسَ» رَاجِعٌ إِلَى السَّلَامِ أَيْ إِنِّي سَلَّمْتُ قَصْدًا وَسَهَوْتُ عَنِ الْعَدَدِ.. أَيْ لَمْ أَسْهُ فِي نَفْسِ السَّلَامِ..
وَهَذَا مُحْتَمَلٌ.. وَفِيهِ بُعْدٌ» ..
وجه ثالث: (وهو أبعدها.. مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُهُمْ وَإِنِ احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ مِنْ قَوْلِهِ، كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ.. أَيْ لَمْ يَجْتَمِعِ الْقَصْرُ وَالنِّسْيَانُ بَلْ كَانَ أَحَدُهُمَا.. وَمَفْهُومُ اللَّفْظِ خِلَافُهُ مَعَ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الصَّحِيحَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ «مَا قَصُرَتِ الصَّلَاةُ وَمَا «4» نَسِيتُ» ) .
- هَذَا مَا رَأَيْتُ فِيهِ لِأَئِمَّتِنَا.. وَكُلٌّ مِنْ هذه الوجوه محتمل
__________
(1) وفي نسخة (ونذكره) .
(2) أي على القول الاصح.
(3) ويروى (وهو) .
(4) وفي نسخة (ولا نسيت) .(2/318)
لِلَّفْظِ «1» عَلَى بُعْدِ بَعْضِهَا «2» ، وَتَعَسُّفِ الْآخَرِ «3» مِنْهَا
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ «4» وَفَّقَهُ اللَّهُ: وَالَّذِي أَقُولُ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ هَذِهِ الوجوه كلها أن قوله: «لَمْ أَنْسَ» إِنْكَارٌ لِلَّفْظِ الَّذِي نَفَاهُ عَنْ نفسه وأنكره على غيره بقوله «5» : «بِئْسَمَا لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَذَا وكذا، ولكنه نسّي «6» .» وبقوله في في بعض «7» رواية، الحديث الاخر: «لست أنسى ولكن «8» أنسّى» ..
فَلَمَّا قَالَ لَهُ السَّائِلُ.. أَقْصُرَتِ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ.. أَنْكَرَ قَصْرَهَا كَمَا كَانَ وَنِسْيَانُهُ هُوَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ.. وَأَنَّهُ إِنْ كَانَ جَرَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ نَسِيَ حَتَّى سَأَلَ غَيْرَهُ، فَتَحَقَّقَ أَنَّهُ نَسِيَ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِيُسَنَّ.
فَقَوْلُهُ عَلَى هَذَا «لَمْ أَنْسَ» «وَلَمْ تَقْصُرْ» ، «وَكُلُّ «9» ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ» ، صِدْقٌ وَحَقٌّ، لَمْ تَقْصُرْ، وَلَمْ يَنْسَ حَقِيقَةً، وَلَكِنَّهُ نُسِّيَ.
__________
(1) وفي نسخة (اللفظ) .
(2) وهو الوجه الثاني.
(3) وهو الوجه الثالث.
(4) أبو الفضل المصنف.
(5) فيما رواه الشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنهما.
(6) ولأبي عبيد (بئسما لاحدكم أن يقول نسيت آية كيت وكيت، ليس هو نسي ولكنه نسي) . ولكن ظاهر الحديث يخص النسيان بأي القرآن فلا يعم سائر الاقوال والافعال.
(7) وفي نسخة (في رواية الحديث الاخر) بدون (بعض) .
(8) وفي نسخة (ولكني) .
(9) وفي نسخة (اذ كل ذلك) .(2/319)
وَوَجْهٌ آخَرُ اسْتَثَرْتُهُ «1» مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ:
إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْهُو وَلَا يَنْسَى وَلِذَلِكَ نَفَى عَنْ نَفْسِهِ النِّسْيَانَ قَالَ: لِأَنَّ النِّسْيَانَ غفلة وآفة، والسهو إنما هو شغل «2» .. قَالَ:
فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْهُو فِي صِلَاتِهِ وَلَا يَغْفَلُ عَنْهَا.. وَكَانَ يَشْغَلُهُ عَنْ حَرَكَاتِ الصَّلَاةِ مَا فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا بِهَا لَا غَفْلَةً عَنْهَا..
فَهَذَا إِنْ تَحَقَّقَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى.. لَمْ يَكُنْ فِي قوله «ما قصرت» و «ما نَسِيتُ» خُلْفٌ فِي قَوْلٍ.
وَعِنْدِي أَنَّ قَوْلَهُ: «مَا قَصُرَتِ الصَّلَاةُ وَمَا نَسِيتُ» بِمَعْنَى التَّرْكِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ وَجْهَيِ النِّسْيَانِ أَرَادَ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنِّي لَمْ أُسَلِّمْ مِنْ رَكْعَتَيْنِ تَارِكًا لِإِكْمَالِ الصَّلَاةِ. وَلَكِنِّي نَسِيتُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي.. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ.
قَوْلُهُ صلّى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إني لا أنسى أو أنسى لأسنّ» والله الموفق «3» للصواب. أما قصة كلمات إبراهيم المذكورة «4» أنها
__________
(1) استثرته: أي استخرجته ومنه قوله تعالى (فأثرن به نقعا) وأصله استثار الغبار حركه حتى يضطرب.
(2) ولذا قال تعالى (فلا تنسى) أي باختيارك (الا ما شاء الله) بان ينسيك من غير تقصير منك.
(3) هذه الجملة ساقطة من بعض النسخ وموجودة في أخرى.
(4) وفي نسخة (الواردة في الحديث) أي الصحيح الذي رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (انه لم يكذب ابراهيم الا ثلاث كذبات) الخ.(2/320)
كِذْبَاتُهُ الثَّلَاثُ الْمَنْصُوصَةُ فِي الْقُرْآنِ مِنْهَا اثْنَتَانِ قوله «إِنِّي سَقِيمٌ «1» » «بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا «2» » وَقَوْلُهُ «3» لِلْمَلِكِ عَنْ زَوْجَتِهِ إِنَّهَا أُخْتِي.
فَاعْلَمْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ أَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا خَارِجَةٌ عَنِ الْكَذِبِ، لَا فِي الْقَصْدِ وَلَا فِي غَيْرِهِ.. وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي بَابِ الْمَعَارِيضِ «4» الَّتِي فِيهَا مَنْدُوحَةٌ «5» عَنِ الْكَذِبِ «6» .. أَمَّا قَوْلُهُ «إِنِّي سَقِيمٌ «7» »
فَقَالَ الْحَسَنُ «8» وَغَيْرُهُ: مَعْنَاهُ «سَأَسْقَمُ» أَيْ إِنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ مُعَرَّضٌ لِذَلِكَ فَاعْتَذَرَ لِقَوْمِهِ مِنَ الْخُرُوجِ مَعَهُمْ إِلَى عِيدِهِمْ بِهَذَا.
وَقِيلَ: «بَلْ سَقِيمٌ بِمَا قُدِّرَ عَلَيَّ مِنَ الْمَوْتِ» .
وَقِيلَ: «سَقِيمُ الْقَلْبِ بِمَا أُشَاهِدُهُ «9» مِنْ كُفْرِكُمْ وَعِنَادِكُمْ» .
وَقِيلَ: بَلْ كَانَتِ الْحُمَّى تَأْخُذُهُ عِنْدَ طُلُوعِ نجم معلوم.. فلما
__________
(1) «.. فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ. الصافات آية رقم «89» .
(2) «.. قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ. الانبياء (63) .
(3) وهذه الذي ذكرت في الحديث.
(4) معاريض: جمع معراض وهو من التعرض خلاف التصريح. وهو نوع من الكناية كالتورية بأن يتكلم ما يوهم خلاف مراده
(5) مندوحة: أي سعة من ندح أي توسع وهي بكسر الميم
(6) وفي الحديث الذي رواه البخاري في الادب المفرد مسندا موقوفا (أي في معاريض الكلام مندوحة عن الكذب) واخرجه الطبراني والبيهقي من طريق آخر عن قتادة مرفوعا. وحسنه العراقي.
(7) الصافات آية رقم «89» .
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 «60» رقم «8» .
(9) وفي نسخة بما (شاهدته) .(2/321)
رَآهُ اعْتَذَرَ بِعَادَتِهِ» . وَكُلُّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ كذب.. بل خَبَرٌ صَحِيحٌ صِدْقٌ..
وَقِيلَ: «بَلْ عَرَّضَ بِسَقَمِ حُجَّتِهِ عَلَيْهِمْ، وَضَعْفِ مَا أَرَادَ بَيَانَهُ لَهُمْ، مِنْ جِهَةِ النُّجُومِ الَّتِي كَانُوا يَشْتَغِلُونَ بِهَا، وأنه أثناء نظره في ذلك» .. وقيل: «اسْتِقَامَةِ حُجَّتِهِ عَلَيْهِمْ فِي حَالِ سَقَمٍ وَمَرَضٍ» ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَشُكَّ هُوَ، وَلَا ضَعُفَ إِيمَانُهُ.. وَلَكِنَّهُ ضَعُفَ فِي اسْتِدْلَالِهِ عَلَيْهِمْ.. وَسَقِمَ نَظَرُهُ.. كَمَا يُقَالُ: (حُجَّةٌ سَقِيمَةٌ) (وَنَظَرٌ مَعْلُولٌ) .. حَتَّى أَلْهَمَهُ اللَّهُ بِاسْتِدْلَالِهِ وَصِحَّةِ حُجَّتِهِ عَلَيْهِمْ بِالْكَوَاكِبِ وَالشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ، مَا نَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدَّمْنَا بَيَانَهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: «بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا «1» » الاية..
فإن عَلَّقَ خَبَرَهُ بِشَرْطِ نُطْقِهِ كَأَنَّهُ قَالَ: إِنْ كَانَ يَنْطِقُ فَهُوَ فِعْلُهُ..
عَلَى طَرِيقِ التَّبْكِيتِ لِقَوْمِهِ.. وَهَذَا صِدْقٌ أَيْضًا وَلَا خُلْفَ فِيهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: «أُخْتِي» .. فَقَدْ بَيَّنَ فِي الْحَدِيثِ «2» وَقَالَ:
فَإِنَّكِ أُخْتِي فِي الْإِسْلَامِ.. وَهُوَ صِدْقٌ.
والله تعالى يقول: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ «3» » .
__________
(1) «.. قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ. الانبياء آية «63»
(2) الذي رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(3) «.. فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» . الحجرات آية «10»(2/322)
فَإِنْ قُلْتَ: فَهَذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَمَّاهَا كِذْبَاتٍ.
وَقَالَ: «لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا ثَلَاثَ كِذْبَاتٍ «1» »
وَقَالَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ «2» وَيَذْكُرُ كِذْبَاتِهِ..
فَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِكَلَامٍ صُورَتُهُ صُورَةُ الْكَذِبِ وَإِنْ كَانَ حَقًّا فِي الْبَاطِنِ إِلَّا هَذِهِ الْكَلِمَاتِ. وَلَمَّا كَانَ مَفْهُومُ ظَاهِرِهَا خِلَافَ بَاطِنِهَا أَشْفَقَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السلام بمؤاخذته «3» بِهَا.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ «4» : «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ غَزْوَةً وَرَّى بِغَيْرِهَا.»
فَلَيْسَ فِيهِ خُلْفٌ فِي الْقَوْلِ.. إِنَّمَا هُوَ سَتْرُ مَقْصِدِهِ لِئَلَّا يَأْخُذَ عَدُوُّهُ حِذْرَهُ.. وَكَتَمَ وَجْهَ ذَهَابِهِ بِذِكْرِ السُّؤَالِ عَنْ مَوْضِعٍ آخَرَ.
وَالْبَحْثِ عَنْ أَخْبَارِهِ وَالتَّعْرِيضِ بِذِكْرِهِ. لَا أَنَّهُ يَقُولُ: تَجَهَّزُوا إِلَى غَزْوَةِ كَذَا، أَوْ وِجْهَتُنَا إِلَى مَوْضِعِ كَذَا خِلَافَ مَقْصِدِهِ، فَهَذَا لَمْ يكن.
__________
(1) وفي مسلم: «اثنتين في ذات الله وواحدة في شأن سارة» .
(2) يشير الى ما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنهم يأتون ابراهيم عليه الصلاة والسلام ويقولون: انت نبي الله وخليله اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليوم غضبا لم يغضب قبله ولا بعده مثله واني قد كنت كذبت ثلاث كذبات (ويذكرهن) اذهبوا الى غيري، الحديث:
(3) وفي نسخة (من مؤاخذته) .
(4) الحديث الذي رواه الشيخان عن كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه وفي نسخة (وكذلك الحديث) .(2/323)
والأول ليس فيه خبر يدخله الخلف.
وَالْأَوَّلُ لَيْسَ فِيهِ خَبَرٌ يَدْخُلُهُ الْخُلْفُ.
فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَدْ سُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ «1» ؟ .. فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ.. فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ! الْحَدِيثَ وَفِيهِ قَالَ بَلْ عَبْدٌ «2» لَنَا بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ أَعْلَمُ مِنْكَ.
وَهَذَا خبر قد أنبأ الله أنه ليس كذلك، فاعلم أنه وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ بَعْضِ طُرُقِهِ الصَّحِيحَةِ عَنِ ابْنِ «3» عَبَّاسٍ.
«هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ؟»
فَإِذَا كَانَ جَوَابُهُ عَلَى عِلْمِهِ فَهُوَ خَبَرُ حَقٍّ وَصِدْقٍ لَا خُلْفَ فِيهِ وَلَا شُبْهَةَ.
وَعَلَى الطَّرِيقِ الْآخَرِ فَمَحْمَلُهُ عَلَى ظَنِّهِ وَمُعْتَقَدِهِ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ لِأَنَّ حَالَهُ فِي النُّبُوَّةِ وَالِاصْطِفَاءِ يَقْتَضِي ذَلِكَ، فَيَكُونُ إِخْبَارُهُ بِذَلِكَ أَيْضًا عَنِ اعْتِقَادِهِ وَحُسْبَانِهِ صِدْقًا لَا خُلْفَ فِيهِ.
وَقَدْ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ: «أَنَا أعلم» بما تقتضيه وظائف النبوة من
__________
(1) الحديث مروي في الصحيح عن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه. ورواه الشيخان
(2) والعبودية أعلى مراتب الاصطفاء لقوله تعالى (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) . الاسراء آية (1) وذكر الخفاجي بيتين للقاضي عياض رحمه الله.
ومما زادني شرفا وتيها ... وكدت بأخمصي اطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي ... وجعلك خير خلقك لي نبيا
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .(2/324)
عُلُومِ التَّوْحِيدِ، وَأُمُورِ الشَّرِيعَةِ، وَسِيَاسَةِ الْأُمَّةِ، وَيَكُونُ الْخَضِرُ «1» أَعْلَمَ مِنْهُ بِأُمُورٍ أُخَرَ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ إِلَّا بِإِعْلَامِ اللَّهِ مِنْ عُلُومِ غَيْبِهِ، كَالْقَصَصِ الْمَذْكُورَةِ فِي خَبَرِهِمَا. فَكَانَ مُوسَى أَعْلَمَ عَلَى الْجُمْلَةِ بِمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا أَعْلَمُ عَلَى الْخُصُوصِ بِمَا أُعْلِمَ.. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ:
قَوْلُهُ تعالى «وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً «2» » .
وعتب «3» الله عَلَيْهِ- فِيمَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ- إِنْكَارُ هَذَا الْقَوْلِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ.. كَمَا قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ «لَا عِلْمَ لَنا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنا «4» » أَوْ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ قَوْلَهُ شَرْعًا.. وَذَلِكَ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- لِئَلَّا يَقْتَدِيَ بِهِ فِيهِ من لم يبلغ كما له فِي تَزْكِيَةِ نَفْسِهِ، وَعُلُوِّ دَرَجَتِهِ مِنْ أُمَّتِهِ، فَيَهْلِكَ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ مَدْحِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ، وَيُورِثُهُ ذَلِكَ مِنَ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ وَالتَّعَاطِي وَالدَّعْوَى، وَإِنْ نُزِّهَ عَنْ هَذِهِ الرَّذَائِلِ الْأَنْبِيَاءُ فَغَيْرُهُمْ بِمَدْرَجَةِ سَبِيلِهَا، وَدَرْكِ لَيْلِهَا، إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ الله.
فالتحفظ منها أولى لنفسه، وليقتدى به،
ولهذا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحَفُّظًا مِنْ مِثْلِ هَذَا مِمَّا قَدْ عُلِمَ بِهِ «5» : «أَنَا سيد
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «523» رقم «1» .
(2) «.. فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً الكهف «6» .
(3) عتب: بفتح العين المهملة وسكون التاء المثناة الفوقية.
(4) «.. إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ البقرة «32» .
(5) ورواية الصحيحين «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر» .(2/325)
وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ» وَهَذَا الْحَدِيثُ إِحْدَى حُجَجِ الْقَائِلِينَ بِنُبُوَّةِ الْخَضِرِ لِقَوْلِهِ فِيهِ: «أَنَا أَعْلَمُ مِنْ مُوسَى» وَلَا يَكُونُ الْوَلِيُّ أَعْلَمَ من مِنَ النَّبِيِّ.
وَأَمَّا الْأَنْبِيَاءُ فَيَتَفَاضَلُونَ فِي الْمَعَارِفِ..
وَبِقَوْلِهِ «وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي «1» » .
- فَدَلَّ أَنَّهُ يوحي.. وَمَنْ قَالَ إِنَّهُ لَيْسَ بِنَبِيٍّ قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَهُ بِأَمْرِ نَبِيٍّ آخَرَ.. وَهَذَا يَضْعُفُ لِأَنَّهُ مَا عَلِمْنَا أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِ مُوسَى نَبِيٌّ غَيْرُهُ إِلَّا أَخَاهُ هَارُونَ. وَمَا نَقَلَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَخْبَارِ فِي ذَلِكَ شَيْئًا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ..
- وَإِذَا جَعَلْنَا «أَعْلَمَ مِنْكَ» لَيْسَ عَلَى الْعُمُومِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْخُصُوصِ، وَفِي قَضَايَا مُعَيَّنَةٍ، لَمْ يَحْتَجْ إِلَى إِثْبَاتِ نُبُوَّةِ الْخَضِرِ.
- وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: كَانَ مُوسَى أَعْلَمَ مِنَ الْخَضِرِ فِيمَا أَخَذَ عَنِ اللَّهِ، وَالْخَضِرُ أَعْلَمُ فِيمَا دُفِعَ إِلَيْهِ من موسى..
وقال آخر إنما ألجىء موسى إلى الخضر للتأديب لا للتعليم..
***
__________
(1) «.. ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً» الكهف آية رقم «82» .(2/326)
الفصل التاسع عصمتهم في الأعمال من الفواحش والموبقات
وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَوَارِحِ مِنَ الْأَعْمَالِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ جُمْلَتِهَا الْقَوْلُ بِاللِّسَانِ فِيمَا عَدَا الخبر الذي وقع فيه الكلام، ولا الاعتقاد بالقلب فيما عدا التوحيد بما قَدَّمْنَاهُ مِنْ مَعَارِفِهِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ.
- فَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الْفَوَاحِشِ وَالْكَبَائِرِ الْمُوبِقَاتِ.
- وَمُسْتَنَدُ الْجُمْهُورِ فِي ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ «1» .
وَمَنَعَهَا غَيْرُهُ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ مَعَ الْإِجْمَاعِ.. وَهُوَ قَوْلُ الْكَافَّةِ..
واختاره الأستاذ أبو إسحق «2» .
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «385» رقم «1» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «584» رقم «2» .(2/327)
- وَكَذَلِكَ لَا خِلَافَ أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ كِتْمَانِ «1» الرِّسَالَةِ وَالتَّقْصِيرِ فِي التَّبْلِيغِ.
لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي الْعِصْمَةَ مِنْهُ الْمُعْجِزَةُ مَعَ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذلك من الكافة.
والجمهور قائل بِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ مُعْتَصِمُونَ بِاخْتِيَارِهِمْ وَكَسْبِهِمْ.. إِلَّا حُسَيْنًا «2» النَّجَّارَ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى الْمَعَاصِي أَصْلًا.
- وَأَمَّا الصَّغَائِرُ.. فَجَوَّزَهَا جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَغَيْرُهُمْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي جَعْفَرٍ «3» الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ.
وَسَنُورِدُ بَعْدَ هَذَا مَا احْتَجُّوا بِهِ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى إِلَى الْوَقْفِ.. وَقَالُوا: الْعَقْلُ لَا يُحِيلُ وُقُوعَهَا مِنْهُمْ.. وَلَمْ يَأْتِ فِي الشَّرْعِ قَاطِعٌ بِأَحَدِ الوجهين.
__________
(1) وفي نسخة (عن كتم الرسالة) .
(2) حسين النجار: وفي نسخة «حسن النجار» وهو حسن بن محمد النجار الذي تنسب له الطائفة النجارية، وهم فرقة من المبتدعة الضالة، وافقوا أهل السنة في بعض أصولهم ووافقوا القدرية في نفي الرؤية، ووافقوا المعتزلة فى بعض المسائل ولهم مقالات كفروا بها، والمشهور منهم ثلاث فرق. البرغوثية والزعفرانية والمستدركة.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «2» .(2/328)
وذهبت طائفة أخرى من المحققين من الفقهاء وَالْمُتَكَلِّمِينَ إِلَى عِصْمَتِهِمْ مِنَ الصَّغَائِرِ كَعِصْمَتِهِمْ مِنَ الْكَبَائِرِ.. قَالُوا: «لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الصَّغَائِرِ وَتَعْيِينِهَا مِنَ الْكَبَائِرِ وَإِشْكَالِ ذَلِكَ» .
وَقَوْلِ ابْنِ «1» عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ: «إِنَّ كُلَّ مَا عُصِيَ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَأَنَّهُ إِنَّمَا سُمِّيَ مِنْهَا الصَّغِيرُ بِالْإِضَافَةِ «2» إِلَى مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ وَمُخَالَفَةُ الباري في أي أَمْرٍ كَانَ يَجِبُ كَوْنُهُ كَبِيرَةً.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ «3» عَبْدُ الْوَهَّابِ: «لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ فِي مَعَاصِي اللَّهِ صَغِيرَةً إِلَّا عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا تُغْتَفَرُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، وَلَا يَكُونُ لَهَا حُكْمٌ مَعَ ذَلِكَ. بِخِلَافِ الْكَبَائِرِ إِذَا لَمْ يُتَبْ مِنْهَا فَلَا يُحْبِطُهَا «4» شَيْءٌ، وَالْمَشِيئَةُ فِي الْعَفْوِ عَنْهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى «وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي «5» بَكْرٍ وَجَمَاعَةِ أَئِمَّةِ الأشعرية وكثير من أئمة الفقهاء.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(2) وفي نسخة (باضافة) .
(3) القاضي ابو محمد عبد الوهاب: المالكي البغدادي الاديب لعلامة وهو من شعراء اليتيمة وقصيدته الميمية التي منها:
ولو ان أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظموه في النفوس لعظما
وله تصانيف في مذهبه جليلة كالتلقين والمعونة. وارتحل الى مصر وتوفي بها ودفن بالقرافة بجانب الشافعي في عام اثنين وأربعمائة رابع عشر صفر.
(4) يحبطها: يمحوها.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «385» رقم «5» .(2/329)
وقال بعض أئمتنا: «لا يَجِبُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَنْ يَخْتَلِفَ أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ عَنْ تَكْرَارِ الصَّغَائِرِ وَكَثْرَتِهَا، إِذْ يُلْحِقُهَا ذَلِكَ بِالْكَبَائِرِ، وَلَا فِي صَغِيرَةٍ أَدَّتْ إِلَى إِزَالَةِ الْحِشْمَةِ، وَأَسْقَطَتِ الْمُرُوءَةَ وَأَوْجَبَتِ الْإِزْرَاءَ وَالْخَسَاسَةَ، فَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يُعْصَمُ عَنْهُ الْأَنْبِيَاءُ إِجْمَاعًا..
لِأَنَّ مثل هذا يحط منصب الْمُتَّسِمَ «1» بِهِ، وَيُزْرِي بِصَاحِبِهِ، وَيُنَفِّرُ الْقُلُوبَ عَنْهُ.
وَالْأَنْبِيَاءُ مُنَزَّهُونَ عَنْ ذَلِكَ، بَلْ يَلْحَقُ بِهَذَا مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَاحِ فَأَدَّى إِلَى «2» مِثْلِهِ لِخُرُوجِهِ بِمَا أَدَّى إِلَيْهِ عَنِ اسْمِ الْمُبَاحِ إِلَى الْحَظْرِ» . وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى عِصْمَتِهِمْ مِنْ مُوَاقَعَةِ الْمَكْرُوهِ قَصْدًا
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ عَلَى عِصْمَتِهِمْ مِنَ الصَّغَائِرِ بِالْمَصِيرِ إِلَى امْتِثَالِ أَفْعَالِهِمْ، وَاتِّبَاعِ آثَارِهِمْ وَسِيَرِهِمْ مُطْلَقًا، وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ «3» ، وَالشَّافِعِيِّ «4» ، وَأَبِي حَنِيفَةَ «5» ، مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِ قَرِينَةٍ.. بَلْ مُطْلَقًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ.. وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي حكم ذلك «6» .
__________
(1) المتسم به: أي المتصف به.
(2) من باب سد الذرائع عند الامام مالك، فان عنده ما ادى الى منهي عنه منهي عنه وان كان مباحا.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «155» رقم «8» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «499» رقم «6» .
(6) فقال الغزالي انه يستحب اتباعه في الامور الجبلية كغيرها، وذهب اليه كثير من الفقهاء والمحدثين. وقال غيرهم انه مباح احسن من غيره. وفي قول ضعيف انه واجب(2/330)
وَحَكَى ابْنُ خُوَيْزَ «1» مِنْدَاذْ وَأَبُو الْفَرَجِ «2» عَنْ مَالِكٍ «3» .
الْتِزَامَ ذَلِكَ وُجُوبًا.. وَهُوَ قَوْلُ الْأَبْهَرِيِّ «4» وَابْنِ الْقَصَّارِ «5» وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا.. وَقَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَابْنِ سُرَيْجٍ «6» وَالْإِصْطَخْرِيِّ «7» ، وَابْنِ خَيْرَانَ «8» مِنَ الشافعية.
__________
(1) ابن خويز منداذ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عبد الله، وقيل: أبو بكر تلميذ الابهري، من أئمة المالكية والاصول، وله تصانيف في مذهبه وعلم الخلاف الا أن اقواله مرجوحة عندهم، كقوله: ان العبيد لا يدخلون في الخطاب، وان خبر الواحد موجب العلم. توفي في حدود الاربعمائه. وهو من أهل البصرة كما في التمهيد لابن عبد البر
(2) ابو الفرج: عمر بن محمد بن عمر الليثي المالكي صاحب كتاب الحاوي في فقه مالك توفي سنة ثلاثين او احدى وثلاثين وثلثمائة.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «4» .
(4) الابهري: نسبة لبلدة عظيمة بين قزوين وزنجان ولهم اخرى باصبهان، والابهري من علماء المالكية اثنان: أبو بكر محمد بن عبد الله بن صالح، والاخر ابو سعيد عبد الرحمن بن يزيد بن عبد السلام فمحمد الابهري من علماء المالكية من أهل طليطلة ويلقب بأبي تمام وهو المراد هنا.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «141» رقم «1» .
(6) ابن سريج: ابو العباس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي الشافعي، حامل لواء المذهب صاحب التصانيف الجليلة. كانوا يفضلونه على جميع أصحاب الشافعي، ويلقب بالباز الاشهب، تولى قضاء شيراز، وتوفي في جمادى الاولى سنة ست وثلاثمائة
(7) الاصطخري: أبو سعيد الحسن بن أحمد بن زيد بن عيسى الامام المشهور عند الشافعية وكذا تصانيفه، توفي سنة أربع وثمانين وثلاثمائة على أحد الاقوال وترجمته مفصلة في الطبقات والميزان وغيرهما.
(8) ابن خيران: ابو الحسين بن صالح بن خيران البغدادي الامام الزاهد الجليل قدره صاحب التصانيف المفيدة في فقه الشافعية. طلبه الوزير ابن الفرات ليوليه القضاء فلم يجبه فسمر بابه عليه اياما فلم يجب فأفرج عنه ثم قال: انما فعلت ذلك به ليعلم ان ما في بلدنا مثله. توفي رحمه الله تعالى سنة عشرين وثلاثمائة.(2/331)
وأكثر الشافعية على أن ذلك ندب..
وذهبت طَائِفَةٌ إِلَى الْإِبَاحَةِ وَقَيَّدَ بَعْضُهُمُ الِاتِّبَاعَ فِيمَا كَانَ مِنَ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَعُلِمَ بِهِ مَقْصِدُ الْقُرْبَةِ.
وَمَنْ قَالَ بِالْإِبَاحَةِ فِي أَفْعَالِهِ لَمْ يُقَيِّدْ.. قَالَ: «فَلَوْ جَوَّزْنَا عَلَيْهِمُ الصَّغَائِرَ لَمْ يُمْكِنِ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ فِي أَفْعَالِهِمْ إِذْ لَيْسَ كل فعل من أفعاله يتميز مقصده به مِنَ الْقُرْبَةِ أَوِ الْإِبَاحَةِ أَوِ الْحَظْرِ أَوِ الْمَعْصِيَةِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُؤْمَرَ الْمَرْءُ بِامْتِثَالِ أَمْرٍ لَعَلَّهُ مَعْصِيَةٌ لَا سِيَّمَا عَلَى مَنْ يَرَى مِنَ الْأُصُولِيِّينَ تَقْدِيمَ الْفِعْلِ عَلَى الْقَوْلِ إذا تعارضا.
ونزيد هَذَا حُجَّةً بِأَنْ نَقُولَ: مَنْ جَوَّزَ الصَّغَائِرَ وَمَنْ نَفَاهَا عَنْ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى مُنْكَرٍ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَأَنَّهُ مَتَى رَأَى شَيْئًا فَسَكَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلَّ عَلَى جَوَازِهِ.. فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا حَالَهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ثُمَّ يَجُوزُ وُقُوعُهُ مِنْهُ فِي نَفْسِهِ؟!
- وَعَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ تَجِبُ عصمته من مواقعة المكروه كما قيل..
وإذ الخطر أَوِ النَّدْبُ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِفِعْلِهِ يُنَافِي الزَّجْرَ وَالنَّهْيَ عَنْ فِعْلِ الْمَكْرُوهِ.
- وَأَيْضًا فَقَدْ عُلِمَ من دين «1» الصحابة قطعا الاقتداء بأفعال
__________
(1) دين: هنا معناها العادة.(2/332)
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف توجهت، وفي كُلِّ فَنٍّ كَالِاقْتِدَاءِ بِأَقْوَالِهِ.. فَقَدْ نَبَذُوا خَوَاتِيمَهُمْ حِينَ نَبَذَ خَاتَمَهُ «1» .. وَخَلَعُوا نِعَالَهُمْ حِينَ خَلَعَ «2» .. وَاحْتِجَاجُهُمْ «3» بِرُؤْيَةِ ابْنِ عُمَرَ «4» إِيَّاهُ جَالِسًا لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ.. وَاحْتَجَّ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي غَيْرِ شَيْءٍ «5» مِمَّا بَابُهُ الْعِبَادَةُ أَوِ الْعَادَةُ بِقَوْلِهِ «6» : «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ» وَقَالَ «7» : «هَلَّا خَبَّرْتِيهَا أَنِّي أُقَبِّلُ وَأَنَا صَائِمٌ» ..
وَقَالَتْ عَائِشَةُ «8» مُحْتَجَّةً «9» : «كنت أفعله أنا ورسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الَّذِي أُخْبِرَ بمثل هذا عنه فقال «10» : «يحلّ الله لرسوله ما يشاء» .
__________
(1) وهو اشارة الى حديث رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.
(2) اشارة لحديث رواه احمد وابو داود والحاكم عن أبي سعيد الخدري.
(3) حديث رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما استدلوا به على انه يجوز استقبال القبلة واستدبارها بالبول والغائط.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «1» .
(5) في غير شيء: أي في اشياء كثيرة.
(6) أي بقول ابن عمر.
(7) اشارة الى حديث في الموطأ عن عطاه بن يسار ان رجلا قبل امرأته وهو صائم في رمضان فخاف وأرسل امرأته تسأل أمهات المؤمنين فسألت أم سلمة فقالت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله فأتته فأخبرته بما قالت فقال لسنا كرسول الله صلّى الله فأتتها وأخبرتها بما قال زوجها فوجدت عندها رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: ما لهذه المرأة فأخبرته أم سلمة فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلم ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك فقالت أم سلمة قد أخبرتها فذهبت الى زوجها فأخبرته فزاده ذلك بشرا الى آخره فقال: «اني لاتقاكم لله وأعلمكم بحدوده» .
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «146» رقم «5» .
(9) لجوازه وعدم افساده الصوم.
(10) أي الصحابي المخبر بذلك.(2/333)
وَقَالَ: «إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِهِ» . وَالْآثَارُ في هذا أعظم من أن يحيط بها. لَكِنَّهُ يُعْلَمُ مِنْ مَجْمُوعِهَا عَلَى الْقَطْعِ اتِّبَاعُهُمْ أَفْعَالَهُ وَاقْتِدَاؤُهُمْ بِهَا وَلَوْ جَوَّزُوا عَلَيْهِ الْمُخَالَفَةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لَمَا اتَّسَقَ هَذَا، وَلَنُقِلَ عَنْهُمْ، وَظَهَرَ بَحْثُهُمْ عَنْ ذَلِكَ. وَلَمَا أَنْكَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْآخَرِ قَوْلَهُ وَاعْتِذَارُهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ.
- وَأَمَّا الْمُبَاحَاتُ «1» فَجَائِزٌ وُقُوعُهَا مِنْهُمْ إِذْ لَيْسَ فِيهَا قَدْحٌ.
بَلْ هِيَ مَأْذُونٌ فِيهَا وَأَيْدِيهِمْ «2» كَأَيْدِي غَيْرِهِمْ مُسَلَّطَةٌ عَلَيْهَا.
- إِلَّا أَنَّهُمْ بِمَا خُصُّوا بِهِ مِنْ رَفِيعِ المنزلة، وبما شرحت لَهُ صُدُورُهُمْ مِنْ أَنْوَارِ «3» الْمَعْرِفَةِ، وَاصْطُفُوا بِهِ من تعلق بالهم بِاللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ.. لَا يَأْخُذُونَ مِنَ الْمُبَاحَاتِ إِلَّا الضَّرُورَاتِ مِمَّا يَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى سُلُوكِ طَرِيقِهِمْ وَصَلَاحِ دِينِهِمْ وَضَرُورَةِ دُنْيَاهُمْ.
وَمَا أُخِذَ عَلَى هَذِهِ السَّبِيلِ الْتَحَقَ طَاعَةً وَصَارَ قُرْبَةً كَمَا بَيَّنَّا مِنْهُ- أَوَّلَ الْكِتَابِ طَرَفًا فِي خِصَالِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَبَانَ لَكَ عَظِيمُ فَضْلِ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَى سَائِرِ أَنْبِيَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، بِأَنْ جَعَلَ أَفْعَالَهَمْ قُرُبَاتٍ وَطَاعَاتٍ بَعِيدَةً عَنْ وَجْهِ الْمُخَالَفَةِ وَرَسْمِ المعصية.
__________
(1) المباح هو ما يجوز فعله وتركه من غير ترجيح لجانب لتوسعهم فيه مأخوذ من باحة الدار أي عرصتها.
(2) اليد مجاز عن الكسب والتصرف لانها الة الفعل غالبا لقوله بيده الملك أي له وبقبضته التصرف فيه.
(3) وفي نسخة (انواع) .(2/334)
الفصل العاشر عصمتهم من المعاصي قبل النبوّة
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي عِصْمَتِهِمْ مِنَ الْمَعَاصِي قَبْلَ النُّبُوَّةِ فَمَنَعَهَا قَوْمٌ وَجَوَّزَهَا آخَرُونَ.
وَالصَّحِيحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَنْزِيهُهُمْ مَنْ كُلِّ عَيْبٍ وَعِصْمَتُهُمْ مِنْ كُلِّ مَا يُوجِبُ الرَّيْبَ.. فَكَيْفَ وَالْمَسْأَلَةُ تَصَوُّرُهَا كَالْمُمْتَنِعِ.. فَإِنَّ الْمَعَاصِي وَالنَّوَاهِي إِنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ تَقَرُّرِ الشَّرْعِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي حَالِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ..
هَلْ كَانَ مُتَّبِعًا لِشَرْعٍ قَبْلَهُ، أَمْ لَا؟؟ فَقَالَ جَمَاعَةٌ لَمْ يَكُنْ مُتَّبِعًا لِشَيْءٍ.. وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ.
فَالْمَعَاصِي عَلَى هَذَا الْقَوْلِ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ، وَلَا مُعْتَبَرَةٍ فِي حَقِّهِ حِينَئِذٍ، إِذِ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بالأوامر والنواهي،(2/335)
وَتَقَرُّرِ «1» الشَّرِيعَةِ، ثُمَّ اخْتَلَفَتْ حُجَجُ الْقَائِلِينَ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ عَلَيْهَا..
فَذَهَبَ سَيْفُ السُّنَّةِ وَمُقْتَدَى فِرَقِ الْأُمَّةِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ «2» إِلَى أَنَّ طَرِيقَ الْعِلْمِ بِذَلِكَ النَّقْلُ، وَمَوَارِدُ الْخَبَرِ مِنْ طَرِيقِ السَّمْعِ..
وَحُجَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَنُقِلَ، وَلَمَا أَمْكَنَ كَتْمُهُ وَسَتْرُهُ فِي الْعَادَةِ..
إِذْ كَانَ مِنْ مُهِمِّ أَمْرِهِ وَأَوْلَى مَا اهْتُبِلَ «3» بِهِ مِنْ سِيرَتِهِ، وَلَفَخَرَ بِهِ أَهْلُ تِلْكَ الشريعة ولا حتجوا بِهِ عَلَيْهِ.. وَلَمْ يُؤْثَرْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ جُمْلَةً.. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى امْتِنَاعِ ذَلِكَ عَقْلًا.. قَالُوا:
لِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَتْبُوعًا مَنْ عُرِفَ تَابِعًا وَبَنَوْا «4» هَذَا عَلَى التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ «5» ، وَهِيَ طَرِيقَةٌ غَيْرُ سَدِيدَةٍ.
وَاسْتِنَادُ ذَلِكَ إِلَى النَّقْلِ- كَمَا تَقَدَّمَ لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ- أَوْلَى وَأَظْهَرُ وَقَالَتْ فِرْقَةٌ أُخْرَى: «بِالْوَقْفِ فِي أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرْكِ قَطْعِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي ذَلِكَ إِذْ لَمْ يُحِلْ أحد الوجهين منها العقل ولا
__________
(1) أي تحققها وظهورها
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «385» رقم «1» . وانما مدحه المؤلف اشارة الى ترجيح هذا المذهب وان لا ينبغي العدول عنه وهو أيضا على مذهبه لأنه مالكي لا شافعي كما قد يتوهم من اشعريته.
(3) اهتبل: بهاء وتاء مثناة فوقية موحدة ومبني للمجهول من الاهتبال وهو شدة الاعتناء.
(4) (وبنوا) في بعض النسخ غير موجودة.
(5) أي على التحسين والتقبيح العقليين وهو مذهب المعتزلة وهو عبارة عن تعلق المدح والذم عاجلا والثواب والعقاب آجلا. وأهل السنة يقولون: لا يعرف حسن امر او قبحه الا من جهة الشرع اذ لا دخل للعقل فيه.(2/336)
استبان عندها فِي أَحَدِهِمَا طَرِيقُ النَّقْلِ.. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي الْمَعَالِي «1»
وَقَالَتْ فِرْقَةٌ ثَالِثَةٌ: «إِنَّهُ كَانَ عَامِلًا بشرح مَنْ قَبْلَهُ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا- هَلْ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ الشَّرْعُ أَمْ لَا؟. فَوَقَفَ بَعْضُهُمْ عَنْ تَعْيِينِهِ وَأَحْجَمَ وَجَسَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى التَّعْيِينِ وَصَمَّمَ» .
ثُمَّ اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْمُعَيَّنَةُ فِيمَنْ كَانَ يَتْبَعُ فَقِيلَ: نُوحٌ «2» وَقِيلَ:
إِبْرَاهِيمُ «3» . وَقِيلَ: مُوسَى «4» . وَقِيلَ: عِيسَى «5» صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. فَهَذِهِ جُمْلَةُ الْمَذَاهِبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
وَالْأَظْهَرُ فِيهَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ «6» وَأَبْعَدُهَا مَذَاهِبُ الْمُعَيَّنِينَ.. إِذْ لَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَنُقِلَ كَمَا قدمناه، وَلَمْ يَخْفَ جُمْلَةً.. وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي أَنَّ عِيسَى آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ فَلَزِمَتْ شَرِيعَتُهُ مَنْ جَاءَ بَعْدَهَا.. إِذْ لَمْ يَثْبُتْ عُمُومُ دَعْوَةِ عِيسَى «7» .. بَلِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِنَبِيٍّ دَعْوَةٌ عَامَّةٌ إِلَّا لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، ولا حجة
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «475» رقم «3» .
(2) لانه اول الرسل اصحاب الدعوة العامة في الجملة كما في البخاري.
(3) لانه أفضل الرسل غير النبي صلّى الله عليه وسلم بالاتفاق وأبو الانبياء وعليهم الصلاة والسلام.
(4) لان كتابه أجل الكتب قبل القرآن.
(5) لانه اقرب الرسل زمانا اليه صلّى الله عليه وسلم.
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «382» رقم «1» .
(7) لقوله تعالى (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ) . سورة الصف آية رقم (6) .(2/337)
أيضا للاخرين «1» فِي قَوْلِهِ: «أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً «2» » وَلَا لِلْآخَرِينَ «3» فِي قَوْلِهِ تَعَالَى «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً «4» » فمجمل «5» هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى اتِّبَاعِهِمْ فِي التَّوْحِيدِ.
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: «أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ «6» » ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ مَنْ لَمْ يبعث، ولم تكن له شريعته تَخُصُّهُ، كَيُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ- عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ لَيْسَ بِرَسُولٍ-..
وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى جَمَاعَةً مِنْهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ شَرَائِعُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ مَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ مِنَ التَّوْحِيدِ وَعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى..
وَبَعْدَ هَذَا فَهَلْ يَلْزَمُ مَنْ قَالَ بِمَنْعِ الِاتِّبَاعِ هَذَا الْقَوْلُ فِي سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ غَيْرِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو يخالفون بينهم؟ ..
أَمَّا مَنْ مَنَعَ الِاتِّبَاعَ عَقْلًا فَيَطَّرِدُ أَصْلُهُ في كل رسول بلا مرية..
__________
(1) القائلين باتباعه لشريعة ابراهيم عليه السلام.
(2) «.. ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» النمل آية (123) .
(3) القائلين بانه صلّى الله عليه وسلم كان على شريعة نوح.
(4) «.. شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ» الشورى آية (13)
(5) وفي نسخة (مجمل) .
(6) «.. قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ» الانعام آية (90) .(2/338)
وأما من قال إِلَى النَّقْلِ فَأَيْنَمَا تُصُوِّرَ لَهُ وَتُقُرِّرَ اتَّبَعَهُ وَمَنْ قَالَ بِالْوَقْفِ فَعَلَى أَصْلِهِ..
وَمَنْ قَالَ بوجوب الاتباع لمن قبله يلتزمه بمساق صحبته في كل نبي «1» ..
__________
(1) وفي نسخة (في كل شيء) .(2/339)
الفصل الحادي عشر السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ فِي الْأَفْعَالِ
هَذَا حُكْمُ مَا تَكُونُ الْمُخَالَفَةُ فِيهِ مِنَ الْأَعْمَالِ عَنْ قَصْدٍ، وَهُوَ مَا يُسَمَّى مَعْصِيَةً وَيَدْخُلُ تَحْتَ التَّكْلِيفِ.. وَأَمَّا مَا يَكُونُ بِغَيْرِ قَصْدٍ وَتَعَمُّدٍ، كَالسَّهْوِ، وَالنِّسْيَانِ فِي الْوَظَائِفِ الشَّرْعِيَّةِ، مِمَّا تَقَرَّرَ الشَّرْعُ بِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْخِطَابِ بِهِ، وَتَرْكِ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَيْهِ.. فَأَحْوَالُ الْأَنْبِيَاءِ فِي تَرْكِ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ وَكَوْنِهِ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ لَهُمْ مَعَ أُمَمِهِمْ سَوَاءٌ.
ثُمَّ ذَلِكَ عَلَى نَوْعَيْنِ:
- مَا طَرِيقُهُ الْبَلَاغُ وَتَقْرِيرُ الشَّرْعِ وَتَعَلُّقُ الْأَحْكَامِ وَتَعْلِيمُ الْأُمَّةِ بِالْفِعْلِ وَأَخْذُهُمْ بِاتِّبَاعِهِ فِيهِ.
- وَمَا هُوَ خَارِجٌ عَنْ هَذَا مِمَّا يَخْتَصُّ بِنَفْسِهِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَحُكْمُهُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ حُكْمُ السَّهْوِ فِي الْقَوْلِ فِي هَذَا الْبَابِ.. وَقَدْ ذَكَرْنَا الِاتِّفَاقَ عَلَى امْتِنَاعِ ذَلِكَ فِي حَقِّ(2/340)
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِصْمَتَهُ مِنْ جَوَازِهِ عَلَيْهِ قَصْدًا أَوْ سَهْوًا، فَكَذَلِكَ قَالُوا: الْأَفْعَالُ فِي هَذَا الْبَابِ لَا يَجُوزُ طُرُوُّ الْمُخَالَفَةِ فِيهَا، لَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا، لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْقَوْلِ مِنْ جِهَةِ التَّبْلِيغِ وَالْأَدَاءِ.. وَطُرُوُّ هَذِهِ الْعَوَارِضِ عَلَيْهَا يُوجِبُ التَّشْكِيكَ، وَيُسَبِّبُ الْمَطَاعِنَ..
وَاعْتَذَرُوا عَنْ أَحَادِيثِ السَّهْوِ «1» بِتَوْجِيهَاتٍ نَذْكُرُهَا بَعْدَ هذا.
وإلى هذا مال أبو اسحق «2» وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ إِلَى أَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي الْأَفْعَالِ الْبَلَاغِيَّةِ، وَالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، سَهْوًا وعن غير قصد منه، جائز عَلَيْهِ كَمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَحَادِيثِ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ «3» وَفَرَّقُوا بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْأَقْوَالِ الْبَلَاغِيَّةِ لِقِيَامِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى الصِّدْقِ فِي الْقَوْلِ.. وَمُخَالَفَةُ ذلك تناقضها، فأما السَّهْوُ فِي الْأَفْعَالِ فَغَيْرُ مُنَاقِضٍ لَهَا وَلَا قَادِحٍ فِي النُّبُوَّةِ.. بَلْ غَلَطَاتُ الْفِعْلِ، وَغَفَلَاتُ الْقَلْبِ مِنْ سِمَاتِ الْبَشَرِ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي» نَعَمْ «5» .. بَلْ حالة النسيان والسهو
__________
(1) الثابتة في صلاته صلّى الله عليه وسلم.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «584» رقم «2» .
(3) الذي ذكر في الصحيحين.
(4) في حديث رواه الشيخان عن ابن مسعود.
(5) العرب كثيرا ما تزيد (نعم) في كلامهم اذا القي لمصغ له وكأنه جواب سؤال مقدر كقول جحدر: نعم وارى الهلاك كما تراه.(2/341)
هُنَا فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَبُ إِفَادَةِ عِلْمٍ وَتَقْرِيرِ شَرْعٍ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» «إِنِّي لَأَنْسَى أَوْ أُنَسَّى لِأَسُنَّ» بَلْ قَدْ رُوِيَ: «لَسْتُ أَنْسَى ولكن أنسّى لأسن»
وهذه الحالة زيادة له فِي التَّبْلِيغِ، وَتَمَامٌ عَلَيْهِ فِي النِّعْمَةِ.. بَعِيدَةٌ عن سمات النقص «2» ، وأغراض الطَّعْنِ.
فَإِنَّ الْقَائِلِينَ بِتَجْوِيزِ ذَلِكَ يَشْتَرِطُونَ أَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقَرُّ عَلَى السَّهْوِ وَالْغَلَطِ.. بَلْ يُنَبَّهُونَ عَلَيْهِ، وَيَعْرِفُونَ حُكْمَهُ بِالْفَوْرِ- عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ- وَهُوَ الصَّحِيحُ «3» .. وَقَبْلَ انْقِرَاضِهِمْ- عَلَى قَوْلِ الاخرين- أما مَا لَيْسَ طَرِيقُهُ الْبَلَاغَ، وَلَا بَيَانَ الْأَحْكَامِ مِنْ أَفْعَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمَا يختص به من أمور دينية، وأذكار قلبية، مِمَّا لَمْ يَفْعَلْهُ لِيُتَّبَعَ فِيهِ فَالْأَكْثَرُ مِنْ طَبَقَاتِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ عَلَى جَوَازِ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ عَلَيْهِ فِيهَا، وَلُحُوقِ الْفَتَرَاتِ «4» وَالْغَفَلَاتِ بِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ بِمَا كُلِّفَهُ مِنْ مُقَاسَاةِ الْخَلْقِ، وَسِيَاسَاتِ الْأُمَّةِ، ومعاناة «5» الأهل،
__________
(1) فى حديث رواه في الموطأ.
(2) ولهذا قال بعض المشايخ الحنفية أن هذه السجدة سجدة سهو للامة وسجد شكر له صلّى الله عليه وسلم ومدح في حقه وان لم يمدح بها سواه.
(3) عند أئمة الاصول.
(4) الفترات: جمع فترة وهي كما قال الراغب سكون بعد حدة، ولين بعد شدة وضعف بعد قوة.
(5) معاناة: من العناية أو العناء وهو الاشتغال بهم.(2/342)
وَمُلَاحَظَةِ الْأَعْدَاءِ.. وَلَكِنْ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ التَّكْرَارِ، وَلَا الِاتِّصَالِ.. بَلْ عَلَى سَبِيلِ النُّدُورِ.
كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» : «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي فَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ..»
وَلَيْسَ فِي هَذَا شَيْءٌ يَحُطُّ مِنْ رُتْبَتِهِ، وَيُنَاقِضُ مُعْجِزَتَهُ.
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ: إِلَى مَنْعِ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ وَالْغَفَلَاتِ وَالْفَتَرَاتِ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُمْلَةً.. وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةِ الْمُتَصَوِّفَةِ «2» . وَأَصْحَابِ عِلْمِ الْقُلُوبِ وَالْمَقَامَاتِ «3» . وَلَهُمْ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَذَاهِبُ نَذْكُرُهَا بعد هذا إن شاء الله..
__________
(1) في حديث تقدم.
(2) المتصوفة: هذه الصيغة يراد بها احيانا تكلف الشيء ولكنها هنا للمبالغة كالمتوحد
(3) المقامات: المراتب التي يقطعها الانسان في اخلاص قلبه وسيره الى الله.(2/343)
الفصل الثاني عشر الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورِ فِيهَا السَّهْوُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُولِ قَبْلَ هَذَا مَا يَجُوزُ فِيهِ عَلَيْهِ السَّهْوُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَمْتَنِعُ.. وَأَحَلْنَاهُ «1» فِي الْأَخْبَارِ جُمْلَةً وَفِي الْأَقْوَالِ الدِّينِيَّةِ قَطْعًا وَأَجَزْنَا وُقُوعَهُ فِي الْأَفْعَالِ الدِّينِيَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي رَتَّبْنَاهُ وَأَشَرْنَا إِلَى مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ ونحن نبسط القول فيه.
والصحيح من الأحاديث الوارة في سهوه «2» صلّى الله عليه وسلم ثلاثة «3» أحاديث.
أولها: حديث ذو الْيَدَيْنِ «4» فِي السَّلَامِ مِنَ اثْنَتَيْنِ «5» .
الثَّانِي: حَدِيثُ ابن بحينة «6» في القيام من اثنتين.
__________
(1) احلناه: جعلناه محالا.
(2) في الصلاة.
(3) وقال المصنف في الاكمال: احاديث السهو كثيرة، الصحيح منها خمسة
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «316» رقم «5» .
(5) وقد تقدم الحديث عنه.
(6) ابن بحينة: عبد الله بن بحينه، وبحينة أمه، وقيل بحينة زوجة مالك والد عبد الله الازدي وعبد الله هذا حليف بني المطلب اسلم هو وابوه، ولهما صحبة. وأنكر الحافظ الدمياطي صحبه مالك والد عبد الله وأن يكون له رواية واسلام، وانما ذلك لعبد الله، وفي تجريد الذهبي: «مالك بن بحينة أبو عبد الله روى عنه حديث.» وصوابه عبد الله الازدي وأمه بحينة قريشية. وبحينة أم عبد الله زوج مالك لا ام مالك.(2/344)
الثَّالِثُ: حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «1» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «2» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى انظهر خَمْسًا «3» ..
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى السَّهْوِ فِي الْفِعْلِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ..
وَحِكْمَةُ اللَّهِ فِيهِ لِيُسْتَنَّ بِهِ، إِذِ الْبَلَاغُ بِالْفِعْلِ أَجْلَى مِنْهُ بِالْقَوْلِ، وَأَرْفَعُ لِلِاحْتِمَالِ.. وَشَرْطُهُ أَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى السَّهْوِ بَلْ يَشْعَرُ بِهِ لِيَرْتَفِعَ الِالْتِبَاسُ وَتَظْهَرَ فائدة الحكمة كما قدمناه..
وأنّ النِّسْيَانَ وَالسَّهْوَ فِي الْفِعْلِ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ مُضَادٍّ لِلْمُعْجِزَةِ، وَلَا قَادِحٍ فِي التَّصْدِيقِ..
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» : «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي» .
وَقَالَ «5» : «رَحِمَ اللَّهُ فُلَانًا «6» لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا «7» وَكَذَا آيَةً كُنْتُ أسقطتهن» ويروى «أنسيتهن» .
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «214» رقم «2» .
(2) الذي رواه عنه الشيخان مسندا.
(3) .. فقيل له: أزيد في الصلاة؟! .. فقال: وما ذاك؟ قالوا: صليت خمسا. فسجد بعد ما سلم ... » وليس قوله (بعد ما سلم) في رواية البخاري.
(4) فى الحديث الذي تقدم بيانه.
(5) في حديث رواه الشيخان عن عائشة.
(6) كناية عن علم لم يرد التصريح باسمه. وهذا الرجل هو عباد بن بشر الصحابي. وقيل: هو عبد الله بن يزيد الانصاري رضي الله عنه.
(7) كذا وكذا كناية عن عدد. والعدد هنا مجهول، وللفقهاء خلاف في مقداره كما لو قال علي كذا وكذا درهما لفلان. فبعضهم قال: يلزمه احد وعشرون وبعضهم قال: درهمان(2/345)
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» : إِنِّي لَأَنْسَى- أَوْ أُنَسَّى- لِأَسُنَّ.
قِيلَ: هَذَا اللَّفْظُ «2» شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي. وَقَدْ رُوِيَ إِنِّي لَا أَنْسَى وَلَكِنْ أُنَسَّى لِأَسُنَّ.
وَذَهَبَ ابْنُ نَافِعٍ «3» وَعِيسَى «4» بن دينار إنه ليس بشك، وأن مَعْنَاهُ التَّقْسِيمُ، أَيْ أَنْسَى أَنَا أَوْ يُنْسِينِي اللَّهُ..
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ «5» الْبَاجِيُّ: «يَحْتَمِلُ ما قالاه وأن يُرِيدَ أَنِّي أَنْسَى فِي الْيَقَظَةِ وَأُنَسَّى فِي النَّوْمِ «6» .. أَوْ أَنْسَى عَلَى سَبِيلِ عَادَةِ الْبَشَرِ من الذهول عن الشيء والسهو، أو أنسّى مَعَ إِقْبَالِي عَلَيْهِ وَتَفَرُّغِي لَهُ. فَأَضَافَ أَحَدَ النِّسْيَانَيْنِ إِلَى نَفْسِهِ إِذْ كَانَ لَهُ بَعْضُ السَّبَبِ فِيهِ، وَنَفَى الْآخَرَ عَنْ نَفْسِهِ إِذْ هُوَ فِيهِ كَالْمُضْطَرِّ» .
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمَعَانِي «7» وَالْكَلَامُ عَلَى الْحَدِيثِ إِلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْهُو فِي الصلاة ولا ينسى «8» .. لأن النسيان
__________
(1) وقد تقدم ان الحديث في الموطأ.
(2) اي لفظ (أو أنس) .
(3) ابن نافع: عبد الله بن الصايغ المالكي وليس هو قانع بقاف ونون.. وهو مع اشهب يقال لهما (القرينان) كما يقال لمطرف وابن الماجشون (الاخوان) كما قاله ابن مرزوق
(4) عيسى بن دينار: الفقيه الزاهد العابد الطليطلي الذي تفقه به أهل الاندلس، واخذ الفقه عن ابن القاسم، وتوفي بطليطلة سنة اثنتي عشرة ومائتين.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «201» رقم «3» .
(6) وهو قول بعيد لانه صلّى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه.
(7) الذين تقيدوا ببيان معاني الحديث وشرحه كالبفوي والخطابي.
(8) بناء على قول من فرق بين السهو والنسيان.(2/346)
ذُهُولٌ وَغَفْلَةٌ وَآفَةٌ قَالَ «1» : وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَزَّهٌ عَنْهَا، وَالسَّهْوُ شُغْلٌ..
فَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْهُو فِي صِلَاتِهِ، وَيُشْغِلُهُ عَنْ حَرَكَاتِ الصَّلَاةِ مَا فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا بِهَا لَا غَفْلَةً عَنْهَا.
وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ «2» فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «3» : «إِنِّي لَا أَنْسَى» وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ «4» إِلَى مَنْعِ هَذَا كُلِّهِ عَنْهُ. وَقَالُوا: «إِنَّ سَهْوَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ عَمْدًا وَقَصْدًا لِيَسُنَّ» .. وَهَذَا قَوْلٌ مَرْغُوبٌ عَنْهُ مُتَنَاقِضُ الْمَقَاصِدِ «5» لَا يُحْلَى «6» مِنْهُ بِطَائِلٍ.. لِأَنَّهُ
كَيْفَ يَكُونُ مُتَعَمِّدًا سَاهِيًا فِي حَالٍ؟! وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّهُ أُمِرَ بِتَعَمُّدِ صُورَةِ النِّسْيَانِ لِيَسُنَّ لِقَوْلِهِ إِنِّي لَأَنْسَى أَوْ أُنَسَّى» ..
وَقَدْ «7» أَثْبَتَ أَحَدَ الْوَصْفَيْنِ وَنَفَى مُنَاقَضَةَ التَّعَمُّدِ وَالْقَصْدِ وَقَالَ:
«إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ.»
وَقَدْ مَالَ إِلَى هَذَا عَظِيمٌ مِنَ المحققين من أئمتنا وهو أبو «8» المظفر
__________
(1) وفي نسخة (قالوا) .
(2) صلّى الله عليه وسلم.
(3) لهذا الحديث.
(4) منهم الصوفية كما صرح به في آخر الفصل الذي قبل هذا.
(5) لانه لو فعل ذلك في صلاته عمدا بطلت صلاته فكيف يسن بما لا يجوز.
(6) يحلى: يقال ما حليت وما حلوت منه بطائل اي ظفرت والطائل الفائدة
(7) وفي نسخة (فقد) .
(8) أبو المظفر الاسفرائيني، كذا في الشرح الجديد بناء على أن أبا المظفر هو أبو اسحق ابراهيم وان المصنف رحمه الله تعالى كناه بذلك بغير كنيته المشهورة وقد تقدمت ترجمته في ج 1 ص «584» رقم «2»(2/347)
الإسفرائيني وَلَمْ يَرْتَضِهِ غَيْرُهُ مِنْهُمْ.. وَلَا أَرْتَضِيهِ. وَلَا حُجَّةَ لِهَاتَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ فِي قَوْلِهِ «إِنِّي لَا أَنْسَى وَلَكِنْ أُنَسَّى» .. إِذْ لَيْسَ فِيهِ نَفْيُ حُكْمِ النِّسْيَانِ بِالْجُمْلَةِ وَإِنَّمَا فِيهِ نَفْيُ لَفْظِهِ.. وَكَرَاهَةُ لَقَبِهِ
كَقَوْلِهِ «1» : «بِئْسَمَا لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ نسيت آية كذا ولكنه نُسِّيَ «2» » .. أَوْ نَفْيُ الْغَفْلَةِ وَقِلَّةِ الِاهْتِمَامِ بِأَمْرِ الصَّلَاةِ عَنْ قَلْبِهِ لَكِنْ شُغِلَ بِهَا عَنْهَا «3» وَنَسِيَ بَعْضَهَا بِبَعْضِهَا كَمَا تَرَكَ الصَّلَاةَ «4» يَوْمَ الْخَنْدَقِ «5» حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا وَشُغِلَ «6» بِالتَّحَرُّزِ مِنَ الْعَدُوِّ عَنْهَا فَشُغِلَ بِطَاعَةٍ عَنْ طَاعَةٍ «7»
وَقِيلَ «8» : «إِنَّ الَّذِي تُرِكَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَرْبَعُ صَلَوَاتٍ الظهر والعصر والمغرب والعشاء «9» » .
__________
(1) صلّى الله عليه وسلم في حديث مشهور.
(2) نسي بالتشديد.. ورواه مسلم مخففا مع ضم النون. ومعناه نسيه الله.
(3) وقيل: ان هذه المرتبة لا تليق بارباب التمكين.
(4) كما ثبت ذلك في الصحيحين.
(5) وتسمى الغزوة غزوة الاحزاب وسميت بالخندق لان سلمان أشار بحفره حول المدينة ليمنعها من المشركين وخندق تعريب كنده وهي الحفرة. وحدثت الغزوة سنة أربع أو خمس من الهجرة.
(6) ولم تكن صلاة الخوف قد شرعت بعد.
(7) ولم يكن صلّى الله عليه وسلم ساهيا في هذه الحالة وانما بدأ بدرء المفسدة عن جلب المصلحة.
(8) القائل له ابن مسعود كما رواه الترمذي والنسائي.
(9) والصحيح على ما في الصحيحين انها صلاة العصر، وفي الموطأ انه صلّى الله عليه وسلم فاتته صلاتان الظهر والعصر. وقال النووي: «يجمع بين الروايات بالخندق كانت في أيام وتعدد تركه للصلاة فيها» . وقيل: «ان تأخرها كان نسيانا كما في رواية عند أحمد» ولكنها ضعيفة.(2/348)
وَبِهِ احْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ فِي الْخَوْفِ إِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ أَدَائِهَا إِلَى وَقْتِ الْأَمْنِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّامِيِّينَ «1» وَالصَّحِيحُ أَنَّ حُكْمَ صَلَاةِ الْخَوْفِ كَانَ بَعْدَ هَذَا فَهُوَ نَاسِخٌ لَهُ «2» ..
فَإِنْ قُلْتَ فَمَا تَقُولُ فِي نَوْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» عَنِ الصَّلَاةِ «4» يَوْمَ الْوَادِي «5» وَقَدْ قَالَ «6» : «إِنَّ عَيْنِي تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» .
فَاعْلَمْ أَنَّ لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ أَجْوِبَةً..
مِنْهَا: أَنَّ الْمُرَادَ بأن هذا حكم قلبه عند نومه وغيبته «7» فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ.. وَقَدْ يَنْدُرُ مِنْهُ غَيْرُ ذَلِكَ.. كَمَا يَنْدُرُ مِنْ غَيْرِهِ خِلَافُ عَادَتِهِ.
وَيُصَحِّحُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ «8» «إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أرواحنا» وقول بلال «9» : «مَا أُلْقِيَتْ عَلَيَّ نَوْمَةٌ مِثْلُهَا قَطُّ.
وَلَكِنْ مِثْلُ هَذَا إِنَّمَا يَكُونُ مِنْهُ لِأَمْرٍ يُرِيدُهُ اللَّهُ مِنْ إِثْبَاتِ حُكْمٍ وَتَأْسِيسِ سُنَّةٍ وَإِظْهَارِ شرع.
__________
(1) وهم يروون ان صلاة الخوف كانت مشروعة قبل ذلك.
(2) وهو مذهب أبي حنيفة والجمهور.
(3) كما رواه البخاري وغيره.
(4) الصلاة هي صلاة الصبح.
(5) الوادي بطريق مكة، وقيل ببطن تبوك.. وكان بلال موكلا بايقاظ القوم فنام. وقد تقدم الحديث.
(6) كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها.
(7) وفي نسخة (وعينيه) فتكون معطوفة على (قلبه) .
(8) أي في حديث الوادي.
(9) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «53» رقم «6» .(2/349)
وكما قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «1» : «لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَيْقَظَنَا وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ بَعْدَكُمْ» .
الثَّانِي: أَنَّ قَلْبَهُ لَا يَسْتَغْرِقُهُ النَّوْمُ حَتَّى يَكُونَ مِنْهُ الْحَدَثُ فِيهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ مَحْرُوسًا، وَأَنَّهُ كَانَ يَنَامُ حَتَّى يَنْفُخَ وَحَتَّى يُسْمَعَ غَطِيطُهُ «2» ، ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ.
وحديث ابن عباس «3» المذكور «4» فيه وضوؤه عِنْدَ قِيَامِهِ مِنَ النَّوْمِ فِيهِ نَوْمُهُ مَعَ أهله «5» فلا يمكن الاحتجاج به على وضوءه بِمُجَرَّدِ النُّوَّمِ.. إِذْ لَعَلَّ ذَلِكَ لِمُلَامَسَةِ الْأَهْلِ.. أَوْ لِحَدَثٍ آخَرَ.
فَكَيْفَ وَفِي آخِرِ الْحَدِيثِ نَفْسِهِ.. ثُمَّ نَامَ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ.. ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
وَقِيلَ: «لَا يَنَامُ قَلْبُهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ في النوم» ..
وليس قصة الوادي إلا نوم عينيه عَنْ رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ فِعْلِ القلب.
__________
(1) الوارد في النوم عن الصلاة.
(2) الغطيط: كالخطيط وهو اخراج النائم صوتا متواليا مع نفسه.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(4) روي في الصحيحين.
(5) وهي في هذا الحديث زوجه ميمونة بنت الحارث خالة ابن عباس رضي الله تعالى عنهم وأهل معناه في الاصل الاقارب والاتباع ثم اطلق على الزوجة اطلاقا صار به حقيقة عرفية.(2/350)
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا وَلَوْ شَاءَ لَرَدَّهَا إِلَيْنَا فِي حِينٍ غَيْرِ هَذَا» .
فَإِنْ قِيلَ فَلَوْلَا عَادَتُهُ مِنَ اسْتِغْرَاقِ النَّوْمِ لَمَا قَالَ لِبِلَالٍ «اكْلَأْ «1» لَنَا الصُّبْحَ» .
فَقِيلَ فِي الْجَوَابِ: «إِنَّهُ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّغْلِيسُ «2» بِالصُّبْحِ.
وَمُرَاعَاةُ أَوَّلِ الْفَجْرِ لَا تَصِحُّ مِمَّنْ نَامَتْ عَيْنُهُ إِذْ هُوَ ظَاهِرٌ يُدْرَكُ بالجوارح الظاهرة فَوَكَّلَ بِلَالًا بِمُرَاعَاةِ أَوَّلِهِ لِيُعْلِمَهُ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ شُغِلَ بِشُغْلٍ غَيْرِ النَّوْمِ عَنْ مُرَاعَاتِهِ» ..
فَإِنْ قِيلَ: «فَمَا مَعْنَى نَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْقَوْلِ «نَسِيتُ» وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنِّي أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي.» !! وَقَالَ:
لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا؟.
فَاعْلَمْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ..
أَمَّا نَهْيُهُ عَنْ أَنْ يُقَالَ: نَسِيتُ آيَةَ كذا فمحمول على ما نسخ فعله «3» مِنَ الْقُرْآنِ.. أَيْ إِنَّ الْغَفْلَةَ فِي هَذَا لَمْ تَكُنْ مِنْهُ.. وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اضْطَرَّهُ إليها ليمحو ما يشاء ويثبت..
__________
(1) إكلأ: من الكلأة وهي المراقبة والحفظ.
(2) التغليس: من الغلسة وهي ظلمة تخالط أفول ضوء الفجر في آخر الليل.
(3) وفي نسخة (حفظه) . أي لفظه وتلاوته. وفي نسخة اخرى (نقله) .(2/351)
وَمَا كَانَ مِنْ سَهْوٍ أَوْ غَفْلَةٍ مِنْ قِبَلِهِ تَذَكَّرَهَا صَلَحَ أَنْ يُقَالَ فِيهِ أَنْسَى..
وقد قيل: «إن هذا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ أَنْ يُضِيفَ الْفِعْلَ إِلَى خَالِقِهِ، وَالْآخَرَ عَلَى طَرِيقِ الْجَوَازِ لِاكْتِسَابِ الْعَبْدِ فِيهِ، وَإِسْقَاطُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا أَسْقَطَ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ جَائِزٌ عَلَيْهِ بَعْدَ بَلَاغِ مَا أُمِرَ بِبَلَاغِهِ، وَتَوْصِيلِهِ إِلَى عِبَادِهِ، ثُمَّ يَسْتَذْكِرُهَا «1» مِنْ أُمَّتِهِ، أَوْ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، إِلَّا مَا قَضَى اللَّهُ نَسْخَهُ وَمَحْوَهُ مِنَ الْقُلُوبِ وَتَرْكَ اسْتِذْكَارِهِ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَنْسَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هَذَا سَبِيلُهُ كَرَّةً، وَيَجُوزُ أَنْ يُنَسِّيَهُ مِنْهُ قَبْلَ الْبَلَاغِ مَا لَا يُغَيِّرُ نَظْمًا وَلَا يُخَلِّطُ حُكْمًا «2» مِمَّا لَا يُدْخِلُ خَلَلًا فِي الْخَبَرِ ثُمَّ يُذَكِّرُهُ إِيَّاهُ.. وَيَسْتَحِيلُ دَوَامُ نِسْيَانِهِ لَهُ لَحِفْظِ الله كتابه «3» وتكليفه بلاغه «4» ..
__________
(1) وفي نسخة (يتذكرها.) وفي أخرى (يستدركها) .
(2) كحرام بحلال.
(3) لقوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) .
(4) لقوله تعالى (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك.)(2/352)
الفصل الثالث عشر الردّ على من أجاز عليهم من الصّغائر
فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ أَجَازَ عَلَيْهِمُ الصَّغَائِرَ وَالْكَلَامِ عَلَى مَا احْتَجُّوا بِهِ فِي ذَلِكَ. اعْلَمْ أَنَّ الْمُجَوِّزِينَ لِلصَّغَائِرِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَمَنْ شَايَعَهُمْ «1» عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ «2» احْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِظَوَاهِرَ كَثِيرَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ.. إِنِ الْتَزَمُوا ظَوَاهِرَهَا أَفْضَتْ «3» بِهِمْ إلى تجويز الكبائر وخرق الإجماع، وما لَا يَقُولُ بِهِ مُسْلِمٌ.
فَكَيْفَ وَكُلُّ مَا احتجو بِهِ مِمَّا اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَاهُ وَتَقَابَلَتِ «4» الاحتمالات في مقتضاه، وجاءت أقاويل «5» فيها
__________
(1) وفي نسخة (تابعهم) .
(2) المتكلمين: من علم الكلام وهو العلم الباحث عن العقائد الدينية، وسمي علم الكلام اما لان الكلام من اجل مباحثه أو لكثرة دوران الكلام فيه بين السلف وغيرهم أو لانهم تعرضوا لصفة الكلام بالنسبة لله تعالى، أو لان لديهم من الحجج القوية ما يعجب والعربي اذا اعجب بالكلام قال: «هذا هو الكلام. أي لا كلام غيره» .
(3) أفضت: من الافضاء وهو الادخال وأصل معناه من الفضاء ثم شاع فيما ذكر.
(4) أي تخالفت وتعارضت.
(5) اقاويل: جمع أقوال وأقوال جمع قول.(2/353)
للسلف بخلاف ما التزموا مِنْ ذَلِكَ. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَذْهَبُهُمْ إِجْمَاعًا وَكَانَ الْخِلَافُ فِيمَا احْتَجُّوا بِهِ قَدِيمًا، وَقَامَتِ الدَّلَالَةُ «1» عَلَى خَطَأِ قَوْلِهِمْ، وَصِحَّةِ غَيْرِهِ، وَجَبَ تَرْكُهُ وَالْمَصِيرُ إِلَى مَا صَحَّ.
وَهَا نَحْنُ نَأْخُذُ فِي النَّظَرِ فِيهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ: فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ «2» وقوله: «وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ «3» » .
وَقَوْلُهُ: «وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ «4» » .
وَقَوْلُهُ: «عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ «5» » .
وَقَوْلُهُ: «لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ «6» » .
وقوله: «عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى «7» » الْآيَةَ.
وَمَا قَصَّ مِنْ قَصَصِ غَيْرِهِ مِنَ الأنبياء.
كقوله: «وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى «8» » .
__________
(1) وفي نسخة (الادلة) وفي اخرى (الدلائل) .
(2) «.. وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً.» الفتح آية «20»
(3) (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ) . سورة محمد آية «19»
(4) سورة الانشراح آية «2 و 3» .
(5) «.. حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ» التوبة آية «43»
(6) سورة الانفال آية «68» .
(7) سورة عبس آية «2 و 3»
(8) سورة طه آية (121) .(2/354)
وَقَوْلِهِ: «فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما.. «1» »
وقوله عنه: «رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا.. «2» » الاية.
وَقَوْلِهِ عَنْ يُونُسَ: «سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ.. «3» » .
وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ قِصَّةِ دَاوُدَ وَقَوْلِهِ: «وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ «4» » إلى قوله «ماب» .
وقوله: «وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها.. «5» » .
وَمَا قَصَّ مِنْ قِصَّتِهِ مَعَ إِخْوَتِهِ.
وَقَوْلِهِ عَنْ مُوسَى: «فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ، قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ «6» »
وقوله النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُعَائِهِ «7» : «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ..» وَنَحْوِهِ مِنْ أَدْعِيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذِكْرِ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْمَوْقِفِ ذُنُوبَهُمْ- فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ «8» -
وَقَوْلِهِ: «إِنَّهُ ليغان على قلبي فأستغفر الله «9» » .
__________
(1) «.. فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ» الاعراف آية «19»
(2) «.. قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ» الاعراف آية «23» .
(3) الانبياء آية «87» .
(4) ص آية 24 و 25 «فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ» .
(5) يوسف آية «24» .
(6) «.. إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ» القصص آية «15»
(7) وهو من دعاء طويل رواه الشيخان.
(8) وحديث الشفاعة مشهور طويل رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه
(9) تقدم شرح الحديث.(2/355)
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «1» : «إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ «2» مَرَّةً» .
وَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ نُوحٍ: «وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي «3» » الْآيَةَ.
وَقَدْ كَانَ قَالَ اللَّهُ لَهُ: «وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ «4» » .
وَقَالَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ «5» .
وقوله عن موسى: «تُبْتُ إِلَيْكَ «6» » .
وقوله: «وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ «7» » .
إِلَى مَا أَشْبَهَ هَذِهِ الظَّوَاهِرَ..
فَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِهِ: «لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ «8» » فَهَذَا قَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُفَسِّرُونَ.
فَقِيلَ: «الْمُرَادُ ما كان قبل النبوة وبعدها» .
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «31» رقم «5» .
(2) وروي مائة مرة فالعدد ليس على ظاهره وانما المراد الكثرة.
(3) «.. أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ» هود اية «47» .
(4) هود آية «37» .
(5) الشعراء آية «82» .
(6) «.. فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ» الاعراف آية «143»
(7) «.. وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ» ص آية «34» .
(8) الفتح آية «2»(2/356)
وَقِيلَ: «الْمُرَادُ مَا وَقَعَ لَكَ مِنْ ذَنْبٍ وَمَا لَمْ يَقَعْ.. أَعْلَمَهُ أَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ» .
وَقِيلَ: ( «الْمُتَقَدِّمُ» مَا كَانَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وَالْمُتَأَخِّرُ عِصْمَتُكَ بَعْدَهَا) حَكَاهُ أَحْمَدُ «1» بْنُ نَصْرٍ.
وَقِيلَ: «المراد بذلك أمته صلّى الله عليه وسلم» .
وَقِيلَ: «الْمُرَادُ مَا كَانَ عَنْ سَهْوٍ وَغَفْلَةٍ وَتَأْوِيلٍ» حَكَاهُ الطَّبَرِيُّ «2» وَاخْتَارَهُ الْقُشَيْرِيُّ «3» .
وَقِيلَ: ( «مَا تَقَدَّمَ» لِأَبِيكَ آدَمَ «وَمَا تَأَخَّرَ» مِنْ ذُنُوبِ أُمَّتِكَ) حَكَاهُ السَّمَرْقَنْدِيُّ «4» وَالسُّلَمِيُّ «5» عَنِ ابْنِ عَطَاءٍ «6» وَبِمِثْلِهِ وَالَّذِي قَبْلَهُ يُتَأَوَّلُ قَوْلُهُ: «وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وللمؤمنين والمؤمنات»
قَالَ مَكِّيٌّ «7» «: مُخَاطَبَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ههنا هِيَ مُخَاطَبَةٌ لِأُمَّتِهِ» ..
وَقِيلَ: (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أُمِرَ أَنْ يَقُولَ: «وَما أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ «8» » سرّ بذلك الكفار) .
__________
(1) احمد بن نصر: الخزاعي الزاهد الشهيد قتله الواثق في محنة خلق القرآن سنة احدى وثلاثين ومائتين.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «1» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «470» رقم «5» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «51» رقم «2» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «61» رقم «4» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «63» رقم «6» .
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «67» رقم «7» .
(8) «.. إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ» الاحقاف آيه «9»(2/357)
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: «لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ «1» » الْآيَةَ.
وَبِمَآلِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى بَعْدَهَا «2» قَالَهُ «3» ابْنُ عَبَّاسٍ «4» فَمَقْصِدُ الْآيَةِ إِنَّكَ مَغْفُورٌ لَكَ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِذَنْبٍ أَنْ لَوْ كَانَ «5»
قال بعضهم: «المغفرة ههنا تَبْرِئَةٌ مِنَ الْعُيُوبِ»
وَأَمَّا قَوْلُهُ: «وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ «6» »
فَقِيلَ: «مَا سَلَفَ مِنْ ذَنْبِكَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ» وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ زَيْدٍ «7» وَالْحَسَنِ «8» وَمَعْنَى قَوْلِ قَتَادَةَ «9» .
وَقِيلَ: «مَعْنَاهُ أَنَّهُ حُفِظَ قَبْلَ نُبُوَّتِهِ مِنْهَا وَعُصِمَ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَثْقَلَتْ ظَهْرَهُ «10» » حَكَى مَعْنَاهُ السَّمَرْقَنْدِيُّ «11» .
وَقِيلَ: «الْمُرَادُ بِذَلِكَ مَا أَثْقَلَ ظهره من أعباء الرسالة حتى
__________
(1) الفتح اية «2» .
(2) أي قوله تعالى «لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ.. الاية» .
(3) وهو قول قتادة والحسن وغيرهما.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(5) أي وجد فهي تامة.
(6) الانشراح آية «2 و 3» .
(7) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «246» رقم «3» .
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «60» رقم «8» .
(9) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «62» رقم «3» .
(10) وفي نسخة (ظهرك) .
(11) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «51» رقم «2» .(2/358)
بَلَّغَهَا» حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ «1» وَالسُّلَمِيُّ «2» .
وَقِيلَ: «حَطَطْنَا عَنْكَ ثقل الْجَاهِلِيَّةِ» حَكَاهُ مَكِّيٌّ «3» .
وَقِيلَ: «ثِقَلُ شُغْلِ سِرِّكَ وَحَيْرَتِكَ وَطَلَبِ شَرِيعَتِكَ حَتَّى شَرَعْنَا ذَلِكَ لَكَ» حكى معناه القشيري «4» .
وقيل: «معناه.. خَفَّفْنَا عَلَيْكَ مَا حُمِّلْتَ بِحِفْظِنَا لِمَا اسْتُحْفِظْتَ وَحُفِظَ عَلَيْكَ» .
- وَمَعْنَى «أَنْقَضَ ظَهْرَكَ» أَيْ كَادَ يَنْقُضُهُ «5» فَيَكُونُ الْمَعْنَى عَلَى مَنْ جَعَلَ ذَلِكَ لما قبل النبوة.. اهتمام النبي بِأُمُورٍ فَعَلَهَا قَبْلَ نُبُوَّتِهِ، وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ فَعَدَّهَا أَوْزَارًا وَثَقُلَتْ عَلَيْهِ وَأَشْفَقَ مِنْهَا.
- أَوْ يَكُونُ «الْوَضْعُ» عِصْمَةَ اللَّهِ لَهُ وَكِفَايَتَهُ مِنْ ذُنُوبٍ لَوْ كَانَتْ لَأَنْقَضَتْ ظَهْرَهُ.
- أَوْ يَكُونُ مِنْ ثِقَلِ الرِّسَالَةِ.
- أَوْ مَا ثَقُلَ عَلَيْهِ وَشَغَلَ قَلْبَهُ مِنْ أُمُورِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِعْلَامِ الله
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «61» رقم «3» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «61» رقم «4» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «67» رقم «7» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «470» رقم «5» .
(5) ينقضه: أي يعيبه ويثقله.(2/359)
تَعَالَى لَهُ بِحِفْظِ مَا اسْتَحْفَظَهُ مِنْ وَحْيِهِ..
وَأَمَّا قَوْلُهُ: «عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ «1» » .
فَأَمْرٌ لَمْ يَتَقَدَّمْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى نَهْيٌ فَيُعَدُّ معصية..
ولا عده الله تعالى مَعْصِيَةً.. بَلْ لَمْ يَعُدَّهُ أَهْلُ الْعِلْمِ مُعَاتَبَةً وَغَلَّطُوا مَنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ.
قَالَ نِفْطَوَيْهِ «2» : «وَقَدْ حَاشَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ.. بَلْ كَانَ مُخَيَّرًا فِي أَمْرَيْنِ.
قَالُوا: «وَقَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا شَاءَ «3» فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فِيهِ وَحْيٌ.. فَكَيْفَ وَقَدْ قَالَ الله تعالى: «فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ «4» » فَلَمَّا أَذِنَ لَهُمْ أَعْلَمَهُ اللَّهُ بِمَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ مِنْ سِرِّهِمْ.. أَنَّهُ لَوْ لَمْ يأذن لَقَعَدُوا وَأَنَّهُ لَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِيمَا فَعَلَ.
وليس «عفا» هنا بمعنى غفر.. بل قال النبي صلّى الله عليه وسلم «5» :
__________
(1) «.. حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ» التوبة آية «43» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «80» رقم «4» .
(3) مما يرى انه مناسب، لانه اذن له في الاجتهاد كما تقرر في الاصول.
(4) «.. وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» النور اية «62» .
(5) في حديث رواه أبو داود والترمذي والنسائي عن علي كرم الله وجهه والمصنف رحمه الله رواه بهذا اللفظ أما ما رواه هؤلاء فهو «قد عفوت لكم زكاة الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقيقة..» ومثل المصنف رحمه الله لا يقرع له بالعصا. فاندفع قول من قال: لم أقف على هذه الرواية» .(2/360)
«عَفَا اللَّهُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ» وَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ قَطُّ. أَيْ لَمْ يُلْزِمْكُمْ ذَلِكَ وَنَحْوُهُ لِلْقُشَيْرِيِّ «1» قَالَ: «وَإِنَّمَا يَقُولُ «الْعَفْوُ» لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ ذَنْبٍ مَنْ لَمْ يعرف كلام العرب قال: وَمَعْنَى «عَفَا» اللَّهُ عَنْكَ» أَيْ لَمْ يُلْزِمْكَ ذنبا» .
قال الداودي «2» : «روي أنها كانت تكرمه» .
قال مَكِّيٌّ «3» : «هُوَ اسْتِفْتَاحُ كَلَامٍ مِثْلَ- أَصْلَحَكَ اللَّهُ- وَأَعَزَّكَ» وَحَكَى السَّمَرْقَنْدِيُّ «4» : «أَنَّ مَعْنَاهُ- عَافَاكَ اللَّهُ-..»
وأما قوله في أسارى بدر «5» : «ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى «6» » الايتين. فَلَيْسَ فِيهِ إِلْزَامُ ذَنْبٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..
بَلْ فِيهِ بَيَانُ مَا خُصَّ بِهِ وَفُضِّلَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ. فَكَأَنَّهُ قال: ما كان هذا لنبي غيرك
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «470» رقم «5» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «206» رقم «3» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «67» رقم «7» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «51» رقم «2» .
(5) بدر: مكان معروف على طريق المدينة وسميت بدرا من اسم رجل من قريش حفر فيها بئرا فسميت باسمه.
(6) «.. حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» . الانفال اية «67» .(2/361)
كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» : «أُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ «2» .. وَلَمْ تَحِلَّ لِنَبِيٍّ قَبْلِي» .
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: «تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا. «3» »
الْآيَةَ. قِيلَ: الْمَعْنَى الْخِطَابُ لِمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ منهم، وتجرّد غرضه لعرض الدُّنْيَا وَحْدَهُ وَالِاسْتِكْثَارِ مِنْهَا. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَذَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عِلْيَةَ «4» أَصْحَابِهِ بَلْ قَدْ رُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ «5» : «أَنَّهَا نَزَلَتْ حِينَ انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ بَدْرٍ وَاشْتَغَلَ النَّاسُ بِالسَّلْبِ «6» وَجَمْعِ الْغَنَائِمِ عَنِ الْقِتَالِ حَتَّى خَشِيَ عُمَرُ «7» أَنْ يَعْطِفَ عَلَيْهِمُ الْعَدُوُّ» .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: «لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ» «8» .
فَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ..
فَقِيلَ: مَعْنَاهَا «9» : «لَوْلَا أَنَّهُ سَبَقَ مِنِّي أَنْ لَا أُعِذِّبَ أَحَدًا إِلَّا بَعْدَ النَّهْيِ لَعَذَّبْتُكُمْ.. فَهَذَا يَنْفِي أن يكون أمر الأسرى معصية» .
__________
(1) في الحديث الصحيح.
(2) وروي (المغانم) .
(3) «.. وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» . الانفال اية (67)
(4) علية: بكسر العين المهملة وسكون اللام وفتح التحتية جمع علي كصبي يجمع على صبية أي أشرافهم ورؤساؤهم.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «75» رقم «6» .
(6) السلب: بسين مهملة ولام مفتوحتين ما يسلب أي يؤخذ من القتيل من لباسه وما معه. وقد بينه الفقهاء واختلفوا فيمن يستحقه ممن له حق في الغنيمة أو القاتل مطلقا أو أن شرط له الامام.
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (113) رقم (4)
(8) «.. لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ» الانفال اية (68) .
(9) كما نقل الطبري ما قاله مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بن أبي طالب.(2/362)
وَقِيلَ الْمَعْنَى: «لَوْلَا إِيمَانُكُمْ بِالْقُرْآنِ وَهُوَ الْكِتَابُ السَّابِقُ فَاسْتَوْجَبْتُمْ بِهِ الصَّفْحَ لَعُوقِبْتُمْ عَلَى الْغَنَائِمِ «1» » .
ويزداد هَذَا الْقَوْلُ تَفْسِيرًا وَبَيَانًا.
بِأَنْ يُقَالَ: «لَوْلَا مَا كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بِالْقُرْآنِ وَكُنْتُمْ مِمَّنْ أُحِلَّتُ لَهُمُ الْغَنَائِمُ لَعُوقِبْتُمْ كَمَا عُوقِبَ مَنْ تَعَدَّى» .
وَقِيلَ: «لَوْلَا أَنَّهُ سَبَقَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَنَّهَا حَلَالٌ لَكُمْ لَعُوقِبْتُمْ فَهَذَا كُلُّهُ يَنْفِي الذَّنْبَ وَالْمَعْصِيَةَ.. لِأَنَّ مَنْ فَعَلَ مَا أُحِلُّ لَهُ لَمْ يَعْصِ» .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً «2» » .
وَقِيلَ: بَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خُيِّرَ فِي ذَلِكَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ «3» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَ: خَيِّرْ أَصْحَابَكَ في الأسارى إن شاؤوا القتل وإن شاؤوا الفداء على أن يقتل فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ مِثْلُهُمْ.. فَقَالُوا: الْفِدَاءَ وَيُقْتَلُ مِنَّا «4» ..»
وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا إِلَّا مَا أُذِنَ لَهُمْ فيه.. لكن بَعْضَهُمْ مَالَ إِلَى أَضْعَفِ الْوَجْهَيْنِ مِمَّا كَانَ الأصلح غيره
__________
(1) وهذا حكاه ابن عطية في تفسيره.
(2) «.. وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) . الانفال اية (69) .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (54) رقم (4) .
(4) رغبة في الشهادة.(2/363)
مِنَ الْإِثْخَانِ وَالْقَتْلِ فَعُوتِبُوا عَلَى ذَلِكَ، وَبُيِّنَ لَهُمْ ضَعْفُ اخْتِيَارِهِمْ وَتَصْوِيبُ اخْتِيَارِ غَيْرِهِمْ، وَكُلُّهُمْ غَيْرُ عُصَاةٍ وَلَا مُذْنِبِينَ.
وَإِلَى نَحْوِ هَذَا أَشَارَ الطَّبَرِيُّ «1» . وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ «2» :
«لَوْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ عَذَابٌ مَا نَجَا مِنْهُ إِلَّا عُمَرُ «3» » إِشَارَةً إِلَى هَذَا مِنْ تَصْوِيبِ رَأْيِهِ وَرَأْيِ مَنْ أَخَذَ بِمَأْخَذِهِ فِي إِعْزَازِ الدِّينِ، وَإِظْهَارِ كَلِمَتِهِ، وَإِبَادَةِ عَدُوِّهِ، وَأَنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ لَوِ اسْتَوْجَبَتْ عَذَابًا نَجَا مِنْهُ عُمَرُ «3» وَمِثْلُهُ «4» - وَعَيَّنَ عُمَرَ- لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَشَارَ بِقَتْلِهِمْ «5» وَلَكِنَّ اللَّهَ لَمْ يُقَدِّرْ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ عَذَابًا لِحِلِّهِ لَهُمْ فِيمَا سَبَقَ.
وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ «6» وَالْخَبَرُ بِهَذَا لَا يَثْبُتُ، وَلَوْ ثَبَتَ لَمَا جَازَ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ بِمَا لَا نَصَّ فِيهِ، وَلَا دَلِيلَ مِنْ نَصٍّ، وَلَا جُعِلَ الْأَمْرُ فِيهِ إِلَيْهِ وَقَدْ نَزَّهَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْقَاضِي بَكْرُ «7» بْنُ الْعَلَاءِ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ تَأْوِيلَهُ وَافَقَ مَا كَتَبَهُ لَهُ مِنْ إِحْلَالِ الْغَنَائِمِ وَالْفِدَاءِ وقد
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (182) رقم (2) .
(2) وفي نسخة (في هذه القصة) .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (113) رقم (4) .
(4) ومثل عمر في رأيه وهو سعد بن معاذ رضي الله عنه.
(5) كما في صحيح مسلم عند ما سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترى يا ابن الخطاب؟ فقال: ما أرى رأي أبي بكر ولكن أرى ان نختار ضرب أعناقهم الحديث
(6) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (216) رقم (3) .
(7) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (234) رقم (4) .(2/364)
كَانَ قَبْلَ هَذَا فَادَوْا فِي سَرِيَّةِ عَبْدِ اللَّهِ «1» بْنِ جَحْشٍ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا ابْنُ الحضرمي «2» والحكم بْنِ كَيْسَانَ «3» وَصَاحِبِهِ «4» فَمَا عَتَبَ اللَّهُ ذَلِكَ عليم.. وَذَلِكَ قَبْلَ بَدْرٍ بِأَزْيَدَ مِنْ عَامٍ «5» .
فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَأْنِ الْأَسْرَى كَانَ عَلَى تَأْوِيلٍ وَبَصِيرَةٍ. وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ قَبْلُ مِثْلُهُ.. فَلَمْ يُنْكِرْهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ.. لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ لِعِظَمِ أَمْرِ بَدْرٍ، وَكَثْرَةِ أَسْرَاهَا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- إِظْهَارَ نِعْمَتِهِ، وَتَأْكِيدَ مِنَّتِهِ بتعريفهم ما كتبه في فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مِنْ حِلِّ ذَلِكَ لَهُمْ، لَا عَلَى وَجْهِ عِتَابٍ وَإِنْكَارٍ وَتَذْنِيبٍ.. هَذَا معنى كلامه.
وأما قوله: «عَبَسَ وَتَوَلَّى «6» ..» الْآيَاتِ فَلَيْسَ فِيهِ إِثْبَاتُ ذَنْبٍ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ إِعْلَامُ اللَّهِ أَنَّ ذلك المتصدّى «7» له ممن لا يتزكى
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (643) رقم (2) .
(2) عمرو بن الحضرمي كان مع المشركين ضد سرية المسلمين بقيادة سيدنا عبد الله ابن جحش وقد قتله الصحابي وافد بن عبد الله بسهم رماه به.
(3) الحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة المخزومي أسر في هذه السرية أسره المقداد بعد قتل ابن الحضرمي فأراد عبد الله بن جحش قتله فقال المقداد دعه يقدم به عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما قدم أسلم وحسن اسلامه وقتل ببئر معونة.
(4) وهو عثمان بن عبد الله أسر ومات كافرا.
(5) وهذا سهو لان غزوة بدر بعد هذه السرية بثلاثة أشهر فقط.
(6) سورة عبس اية «1» .
(7) المتعدي: أي بصيغة اسم المفعول ونائب فاعله قوله له. أي المتعرض له بالتوجه والاقبال وأصل التعدي مقالة الشيء كما يقابله الصدى وهو الصوت الراجع اليه من جبل ونحوه وفي التعبير به نكتة وهي أن كلام هؤلاء لا عبرة به.(2/365)
وَأَنَّ الصَّوَابَ وَالْأَوْلَى كَانَ- لَوْ «1» كُشِفَ لَكَ «2» حَالُ الرَّجُلَيْنِ- الْإِقْبَالُ عَلَى الْأَعْمَى «3» .
وَفِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا فَعَلَ، وَتَصَدِّيهِ لذاك الْكَافِرِ، كَانَ طَاعَةً لِلَّهِ، وَتَبْلِيغًا عَنْهُ، وَاسْتِئْلَافًا لَهُ، كَمَا شَرَعَهُ اللَّهُ لَهُ، لَا مَعْصِيَةً ومخالفة لَهُ.
- وَمَا قَصَّهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ إِعْلَامٌ بِحَالِ الرَّجُلَيْنِ، وَتَوْهِينِ أَمْرِ الْكَافِرِ عِنْدَهُ، وَالْإِشَارَةِ إِلَى الْإِعْرَاضِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: «وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى» .
وَقِيلَ: (أَرَادَ «بِعَبَسَ» «وَتَوَلَّى» الْكَافِرَ الَّذِي كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ: أَبُو تَمَّامٍ «4» ) .
وَأَمَّا قِصَّةُ آدَمَ عليه السلام وقوله تعالى: «فَأَكَلا مِنْها «5» »
__________
(1) وفي نسخة ما لو كشف.
(2) وفي نسخة له.
(3) وهو عبد الله بن أم مكتوم أسلم قديما بمكة قبل الهجرة وكان مع النبي صلّى الله عليه وسلم بمكة والمدينة وكان فقد البصر.
(4) أبو تمام: حبيب بن أوس الطائي.. ولد بقرية جاسم من اعمال حوران ثم ذهب الى مصر وصار يعمل في مسجد عمرو بن العاص ساقيا للماء ومستمعا لحلقات العلم والادب حتي نبغ في الشعر وكان حاضر البديهة سريع البادرة درس العلوم وتعمق فيها فظهر اثر ذلك على شعره حتى قيل عنه (أبو تمام والمتنبي حكيمان والشاعر البحتري) . وهو اظهر من هز عمود الشعر.. وله اختيار جميل من أشعار العرب سماه (الحماسة) قيل عنه أن أبا تمام في اختياره اشعر منه في اشعاره) والمصنف ينقل عن عالم من علماء طليطلة يسمى الابهري ويلقب بأبي تمام والاكثر انه المقصود هنا لا الشاعر الاديب
(5) «فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ.. سورة طه اية (121)(2/366)
بَعْدَ قَوْلِهِ: «وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ «1» »
وقوله: «أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ «2» » وَتَصْرِيحُهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِالْمَعْصِيَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى «3» » أَيْ جَهِلَ. وَقِيلَ: (أَخْطَأَ) . فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ بِعُذْرِهِ بِقَوْلِهِ: «وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً «4» »
قَالَ ابْنُ زَيْدٍ «5» : «نَسِيَ عَدَاوَةَ إِبْلِيسَ لَهُ، وَمَا عَهِدَ اللَّهُ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ» .
بِقَوْلِهِ: «إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ «6» ..» الاية.
قيل: «نَسِيَ ذَلِكَ بِمَا أَظْهَرَ لَهُمَا» .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «7» : (إِنَّمَا سُمِّيَ الْإِنْسَانُ إِنْسَانًا لِأَنَّهُ عُهِدَ إِلَيْهِ فَنَسِيَ) .
وَقِيلَ: «لَمْ يَقْصِدِ الْمُخَالَفَةَ اسْتِحْلَالًا لَهَا، وَلَكِنَّهُمَا اغْتَرَّا بِحَلِفِ إِبْلِيسَ لَهُمَا «إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ «8» » وتوهما أن
__________
(1) سورة البقرة الاية «35»
(2) سورة الاعراف الاية «22»
(3) سورة طه الاية «121»
(4) سورة طه الاية «115»
(5) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «246» رقم «3» .
(6) سورة طه الاية «117»
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(8) سورة الاعراف الاية «21»(2/367)
أَحَدًا لَا يَحْلِفُ بِاللَّهِ حَانِثًا. وَقَدْ رُوِيَ عُذْرُ آدَمَ بِمِثْلِ هَذَا فِي بَعْضِ الْآثَارِ
وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ «1» : «حَلَفَ بِاللَّهِ لَهُمَا حَتَّى غرّهما.. والمؤمن يخدع «2» .
وقيل: (نسي ولم يَنْوِ الْمُخَالَفَةَ فَلِذَلِكَ قَالَ: «وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا «3» » أَيْ قَصْدًا لِلْمُخَالَفَةِ) ..
وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أن «العزم» هنا الحزم وَالصَّبْرُ.
وَقِيلَ: «كَانَ عِنْدَ أَكْلِهِ سَكْرَانَ وَهَذَا فِيهِ ضَعْفٌ «3» » .
لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ خَمْرَ الْجَنَّةِ أَنَّهَا لَا تُسْكِرُ «4» .. فَإِذَا كَانَ نَاسِيًا لَمْ تَكُنْ مَعْصِيَةً، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ مُلَبَّسًا عَلَيْهِ غَالِطًا إِذِ الِاتِّفَاقُ عَلَى خُرُوجِ النَّاسِي والساهي عن حكم التكليف.
وقال الشَّيْخُ أَبُو بَكْرِ «5» بْنُ فُورَكٍ وَغَيْرُهُ: (إِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَدَلِيلُ ذلك قوله: «وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى «6» » فذكر أن
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «58» رقم «4» .
(2) كما قيل: «ان الكريم اذا خادعته انخدعا» .
(3) لان خمر الاخرة لا تسكر كخمور الدنيا وهذا القول في غاية الضعف والاولى تركه الا انه قول سعيد بن المسيب كما نقله عنه البغوي. ولكن ما ذكره غير مسلم به.
(4) لقوله تعالى (لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون) فسر بأنها لا تنزف عقولهم، من نزف عقله اذا ذهب.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «119» رقم «4» .
(6) سورة طه الاية «122»(2/368)
الِاجْتِبَاءَ وَالْهِدَايَةَ كَانَا بَعْدَ الْعِصْيَانِ) .
وَقِيلَ: «بَلْ أَكَلَهَا مُتَأَوِّلًا، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا الشَّجَرَةُ الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا.. لِأَنَّهُ تَأَوَّلَ نَهْيَ اللَّهِ عَنْ شَجَرَةٍ مَخْصُوصَةٍ لَا عَلَى الْجِنْسِ» .
وَلِهَذَا قِيلَ: «إِنَّمَا كَانَتِ التَّوْبَةُ مِنْ تَرْكِ التَّحَفُّظِ لَا مِنَ الْمُخَالَفَةِ»
وَقِيلَ: «تَأَوَّلَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَنْهَهُ عَنْهَا نَهْيَ تَحْرِيمٍ» .
فَإِنْ قِيلَ: (فَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى «وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى «1» » .
وقال: «فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى «2» » .
وقوله في حديث الشفاعة «3» : «- ويذكر ذنبه- وإني نُهِيتُ عَنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُ» . فَسَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُ وَعَنْ أَشْبَاهِهِ مُجْمَلًا آخِرَ الْفَصْلِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَأَمَّا قِصَّةُ يُونُسَ «4» : فَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَى بَعْضِهَا آنِفًا «5» ، وَلَيْسَ فِي قِصَّةِ يُونُسَ نَصٌّ عَلَى ذَنْبٍ وَإِنَّمَا فِيهَا (أَبَقَ) (وذهب مغاضبا) وقد تكلمنا عليه..
__________
(1) سورة طه آية «121»
(2) سورة طه آية «122»
(3) وقد تقدم الحديث.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (265) رقم (3) .
(5) آنفا: أي قريبا من قوله استأنفت الشيء اذا بدأته، وآتف اسم فاعل منه بمعنى قريب.(2/369)
وقيل: (إنما نقم الله خُرُوجَهُ عَنْ قَوْمِهِ فَارًّا مِنْ نُزُولِ الْعَذَابِ)
وَقِيلَ: «بَلْ. لَمَّا وَعَدَهُمُ الْعَذَابَ، ثُمَّ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ:
وَاللَّهِ لَا أَلْقَاهُمْ بِوَجْهِ كَذَّابٍ أَبَدًا» .
وَقِيلَ: «بَلْ كَانُوا يَقْتُلُونَ مَنْ كَذَبَ فَخَافَ ذَلِكَ» .
وَقِيلَ: «ضَعُفَ عَنْ حَمْلِ أَعْبَاءِ الرِّسَالَةِ.»
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ أَنَّهُ لَمْ يَكْذِبْهُمْ «1» .. وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ عَلَى مَعْصِيَةٍ إِلَّا عَلَى قَوْلٍ مَرْغُوبٍ عَنْهُ.
وَقَوْلُهُ: «أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ
«2» ْمَشْحُونِ «3» قَالَ الْمُفَسِّرُونَ:
تَبَاعَدَ «4» .
وَأَمَّا قَوْلُهُ: «إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ «5» » «5» «فَالظُّلْمُ» وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ «6» فَهَذَا اعتراف منه عند بعضهم بذنبه..
__________
(1) بل صدق لهم وقد شاهدوا صدق كلامه باثار العذاب ومقدمة العقاب فامنوا فارتفع الحجاب كما اخبر الله تعالى عنه بقوله: «فلولا كانت قرية آمنت فنفعها ايمانها الا قوم يونس آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي..»
(2) الفلك: يكون مفردا وجمعا ومعناه السفينة والمشحون بمعنى المملوء.
(3) الصافات آية «140» .
(4) تفسير أبق بتباعد مذهب المبرد.
(5) الاية
(6) حتى قيل عن وضع حب غير ربه في صدره وقلبه هو ظالم لنفسه ومنه قول العارف ابن الفارض:
عليك بها صرفا وان شئت مزجها ... فعدلك عن ظلم الحبيب هو الظلم
بل عد الصوفية رضي الله تعالى عنهم الغفلة عن الله تعالى وارادة ما سواء ظلما وشركا وقد قال الله تعالى (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) سورة لقمان آية «13» . وقال العارف ابن الفارض أيضا.
ولو خطرت لي في سواك ارادة ... على خاطري سهوا حكمت بردتي(2/370)
فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِخُرُوجِهِ عَنْ قَوْمِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ رَبِّهِ أَوْ لِضَعْفِهِ عَمَّا حُمِّلَهُ، أَوْ لِدُعَائِهِ بِالْعَذَابِ عَلَى قَوْمِهِ.
وَقَدْ دَعَا نُوحٌ هلاك قَوْمِهِ فَلَمْ يُؤَاخَذْ.
وَقَالَ الْوَاسِطِيُّ «1» فِي مَعْنَاهُ: «نَزَّهَ رَبَّهُ عَنِ الظُّلْمِ، وَأَضَافَ الظُّلْمَ إِلَى نَفْسِهِ اعْتِرَافًا وَاسْتِحْقَاقًا» .
وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُ آدَمَ وحواء: «رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا «2» » إِذْ كَانَا السَّبَبُ فِي وَضْعِهِمَا فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي أُنْزِلَا فِيهِ وَإِخْرَاجِهِمَا مِنَ الْجَنَّةِ، وإنزالهما إلى الأرض.
وأما قصة داوود «3» عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَلَا يَجِبُ «4» أَنْ يُلْتَفَتَ إِلَى ما سطره فيه الإخباريون عن أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ بَدَّلُوا وَغَيَّرُوا، وَنَقَلَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ.. وَلَمْ يَنُصَّ اللَّهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ. وَالَّذِي نص الله عليه
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (91) رقم (4) .
(2) سورة الاعراف اية (23) .
(3) وذلك قولهم: ان داود صلّى الله عليه وسلم كتب الى أيوب قائد جيشه ان ابعث (أورياء) اي زوج المرأة الحسناء التي راها داود وهو يصلي في محرابه فتعلق قلبه بها فأمر بتقديم زوجها الى وجه العدو قبل التابوت وكان من يتقدم على التابوت لا يجوز له ان يرجع حتى يفتح على يديه أو يستشهد فقدمه ففتح على يديه فكتب له ثانيا ابعثه لموضع كذا مرة بعد مرة حتى قتل فتزوج امرأته.
(4) الاحسن أن يقال فلا يجوز أو لا يصح او فيجب أن لا يلتفت.(2/371)
قوله: «وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ «1» ..» إلى قوله: «وحسن ماب» وقوله فيه: «أوّاب» فمعنى (فتناه) اختبرناه و «أواب»
قال قتادة «2» : «مطيع» .. وهذا التفسير أولى.
قال ابْنُ عَبَّاسٍ «3» وَابْنُ مَسْعُودٍ «4» : «مَا زَادَ دَاوُدُ أَنْ قَالَ لِلرَّجُلِ: انْزِلْ لِي عَنِ امْرَأَتِكَ وأكفلينها فَعَاتَبَهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ وَنَبَّهَهُ عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ علة شُغْلَهُ بِالدُّنْيَا» . وَهَذَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِهِ.
وَقِيلَ: «خَطَبَهَا عَلَى خِطْبَتِهِ «5» » وَقِيلَ: «بَلْ أَحَبَّ بِقَلْبِهِ أَنْ يُسْتَشْهَدَ «6» » .
وَحَكَى السَّمَرْقَنْدِيُّ «7» : «أَنَّ ذَنْبَهُ الَّذِي اسْتَغْفَرَ مِنْهُ قَوْلُهُ لأحد الخصمين «8» : «لقد ظلمتك «9» » فظلّمه «10» بقول
__________
(1) سورة ص اية «24- 25» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (62) رقم (3) .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (52) رقم (6) .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (214) رقم (2) .
(5) خطبته: بكسر الخاء المعجمة وهي طلب الزوجة وهي من الخطابة بالضم، وكان داود عليه السلام لم يعلم بخطبته فلا ذنب أصلا.
(6) ليتزوج بامرأته لانه صرح به وباشر أسبابه كما مر وهو ميل قلبي لا يؤخذ به.
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (51) رقم (2) .
(8) أي اللكين اللذين أتياه في صورة رجلين متخاصمين له.
(9) بسؤال نعجتك الى نعاجه.
(10) فظلمه: بتشديد اللام أي نسبه للظلم.(2/372)
خصمه «1» وقيل لَمَّا خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ، وَظَنَّ مِنَ الْفِتْنَةِ بِمَا بُسِطَ لَهُ مِنَ الْمُلْكِ وَالدُّنْيَا، وَإِلَى نَفْيِ مَا أُضِيفَ فِي الْأَخْبَارِ إِلَى دَاوُدَ ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ «2» وَأَبُو تَمَّامٍ «3» وَغَيْرُهُمَا من المحققين.
قال الدَّاوُدِيُّ «4» : «لَيْسَ فِي قِصَّةِ دَاوُدَ وَأُورِيَا خَبَرٌ يَثْبُتُ، وَلَا يُظَنُّ بِنَبِيٍّ مَحَبَّةُ قَتْلِ مُسْلِمٍ» .
وَقِيلَ: «إِنَّ الْخَصْمَيْنِ اللَّذَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَيْهِ رَجُلَانِ فِي نِتَاجِ «5» غَنَمٍ عَلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ» .
وَأَمَّا قصة يوسف وإخوته فليس على يوسف منها تَعَقُّبٌ، وَأَمَّا إِخْوَتُهُ، فَلَمْ تَثْبُتْ نُبُوَّتُهُمْ فَيَلْزَمُ الْكَلَامُ عَلَى أَفْعَالِهِمْ.. وَذِكْرُ الْأَسْبَاطِ وَعَدُّهُمْ فِي القرآن عند ذكر الأنبياء.
__________
(1) أي بمجرد قوله من غير كشف لحال خصمه وتثبت في أمره وهو خلاف الاولى. وقد قال ابن العربي: «انه لا يجوز في ملة من الملل فما قاله السمرقندي لا يجدي هنا» فأجيب عنه: «فانه انما قاله لانه رأى خصمه مسلما له مقالته ولم ينكر عليه فظنه رضي بما قاله وكلام الله مبني على غاية الايجاز فكأنه قال تمهل وعلم بسكوته رضاه او هو بتقدير ان كان كما تقول فقد ظلمك.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (357) رقم (1) .
(3) ابو تمام: قال البرهان: أبو تمام حبيب بن اوس الشاعر المعروف، ولكن لم تر من عده من علماء الحديث والتفسير فهو غلط من اشتراط الاسم، وقد نقل المصنف رحمه الله تعالى في هذا الكتاب كثيرا عن الأبهري من علمه المالكية من أهل طليطلة وهو ملقب بابي تمام وهو المراد هنا ويؤيده قوله بعد ذلك (وغيرهم من المحققين) .
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (216) رقم (3) .
(5) وفي نسخة (نعاج) .(2/373)
قال المفسرون: «يريد من نبىء مِنْ أَبْنَاءِ الْأَسْبَاطِ» .
وَقَدْ قِيلَ: «إِنَّهُمْ كَانُوا حِينَ فَعَلُوا بِيُوسُفَ مَا فَعَلُوهُ صِغَارَ الْأَسْنَانِ وَلِهَذَا لَمْ يُمَيِّزُوا يُوسُفَ حِينَ اجْتَمَعُوا بِهِ، ولهذا قالوا:
«أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ «1» .» وإن ثبتت لهم نبوة فبعد هذا الفعل- وَاللَّهُ أَعْلَمُ-.
وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ: «وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ «2» » .
فعلى مذهب كَثِيرٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ أَنَّ هَمَّ النَّفْسِ لا يؤاخذ به وليست سَيِّئَةً.
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَبِّهِ «3» : «إِذَا هَمَّ عَبْدِي بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ..» فَلَا مَعْصِيَةَ فِي هَمِّهِ إذن.
وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْمُحَقِّقِينَ «4» مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ: فَإِنَّ الْهَمَّ إِذَا وُطِّنَتْ عَلَيْهِ النَّفْسُ سَيِّئَةٌ.. وأما مالم تُوَطَّنْ عَلَيْهِ النَّفْسُ مِنْ هُمُومِهَا وَخَوَاطِرهَا فَهُوَ المعفو عنه.. وهذا هُوَ الْحَقُّ.
فَيَكُونُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ هَمُّ يوسف من هذا.
__________
(1) سورة يوسف آية (2) .
(2) سورة يوسف آية (24) .
(3) أي في الحديث القدسي الذي رواه مسلم في صحيحه وهو حديث طويل.
(4) كأبي بكر الباقلاني والذين رأوا تعارض النصوص فدققوا النظر في التوفيق فيها(2/374)
ويكون قوله: «وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي «1» ..» الْآيَةَ.. أَيْ مَا أُبَرِّئُهَا مِنْ هَذَا الْهَمِّ.
أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ التَّوَاضُعِ والاعتراف بمخالفة النفس لما زكّي قبل وبرىء.. فَكَيْفَ وَقَدْ حَكَى أَبُو حَاتِمٍ «2» عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ «3» أَنَّ يُوسُفَ لَمْ يَهُمَّ وَأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ.
أَيْ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ.. وَلَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ لَهَمَّ بِهَا.
ولقد قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْمَرْأَةِ «وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ «4» » .
وقد قال تعالى: «كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ «5» »
وَقَالَ تَعَالَى: «وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ،» قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ «6» » الْآيَةَ.
قِيلَ: فِي «رَبِّي» اللَّهُ وَقِيلَ: الْمَلِكُ.
وَقِيلَ: «هَمَّ بِهَا» أَيْ بِزَجْرِهَا وَوَعْظِهَا وَقِيلَ: «همّ بها»
__________
(1) سورة يوسف آية (53) .
(2) ابو حاتم: قيل: ولعله ابن أبي حاتم- وأبو حاتم الرازي هو الامام الحافظ الجليل محمد بن ادريس بن المنذر الحنظلي احد الاعلام في التفسير والحديث، ولد سنة خمس وتسعين ومائة وتوفي في شعبان سنة سبع وسبعين ومائتين.
(3) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (237) رقم (2) .
(4) سورة يوسف آية (32) .
(5) سورة يوسف آية (24) .
(6) سورة يوسف آية (23) .(2/375)
أَيْ غَمَّهَا «1» امْتِنَاعُهُ عَنْهَا وَقِيلَ: «هَمَّ بِهَا» نَظَرَ إِلَيْهَا وَقِيلَ: هَمَّ بِضَرْبِهَا وَدَفْعِهَا وَقِيلَ: «هَذَا كُلُّهُ كَانَ قَبْلَ نُبُوَّتِهِ» .
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ: «مَا زَالَ النِّسَاءُ يَمِلْنَ إِلَى يُوسُفَ مَيْلَ شَهْوَةٍ حَتَّى نَبَّأَهُ اللَّهُ فَأَلْقَى عَلَيْهِ هَيْبَةَ النُّبُوَّةِ فَشَغَلَتْ هَيْبَتُهُ كُلَّ مَنْ رَآهُ عَنْ حُسْنِهِ» .
وَأَمَّا خَبَرُ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَتِيلِهِ «2» الَّذِي وَكَزَهُ «3» .. وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ مِنْ عَدُوِّهِ.
وَقِيلَ: «كَانَ مِنَ الْقِبْطِ «4» الَّذِينَ عَلَى دِينِ فِرْعَوْنَ،، وَدَلِيلُ السُّورَةِ فِي هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ قَبْلَ «5» نُبُوَّةِ مُوسَى» .
وَقَالَ قَتَادَةُ «6» : «وَكَزَهُ بِالْعَصَا وَلَمْ يَتَعَمَّدْ قَتْلَهُ، فَعَلَى هَذَا لَا مَعْصِيَةَ فِي ذلك» .
__________
(1) أي عن معاملتها بما أرادته فهو من الهم بمعنى الغم والباء للتعدية بمعنى أهمها اذا أوقعها في هم وحزن وهو بعيد وان كان فيه مشاكلة وتجنيس. للتعقيد المعنوي فيه، وقيل انه بعيد من اللغة لانه متعد بنفسه يقال: همه الامر اذا أحزنه.
(2) وهو رجل كافر كان طباخ فرعون لعنه الله تعالى وكان يسخر الناس لحمل الحطب لمطبخ فرعون فسخر رجلا من بني اسرائيل فاستغاث منه بموسى عليه السلام وكان موسى قويا في جسمه فنهاه عن تسخيره فلم ينته فضربه بيده لدفع ظلمه فمات.
(3) الوكز واللكز بمعنى واحد وهو الدفع.
(4) القبط بكسر القاف هم نبط مصر وقوم فرعون وهم جيل من الناس معروفون
(5) فانه لما قتله فر خائفا فكان ما كان له مع شعيب عليه السلام وتزوج ابنته ثم تنبا لما فارقه كما قصه الله تعالى وقبل النبوة لم يكن معصوما من الخطأ فصدر عنه مثل هذا وان لم يكن معصية لانه لم يعذبه بالة جارحة فهو خطأ شبه عمد ولم يكن ثمة شرع
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (62) رقم (3) .(2/376)
وقوله: «هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ «1» » وقوله: «ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي «2» » .
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ «3» : «قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَقْتُلَ حَتَّى يُؤْمَرَ» .
وَقَالَ النَّقَّاشُ «4» : (لَمْ يَقْتُلْهُ عَنْ عَمْدٍ مُرِيدًا لِلْقَتْلِ، وَإِنَّمَا وَكَزَهُ وَكْزَةً يُرِيدُ بِهَا دَفْعَ ظُلْمِهِ) .
قَالَ «5» وَقَدْ قِيلَ: (إِنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَهُوَ مُقْتَضَى التِّلَاوَةِ) وَقَوْلُهُ تعالى في قصته: «وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً «6» » أَيِ ابْتَلَيْنَاكَ ابْتِلَاءً بَعْدَ ابْتِلَاءٍ.
قِيلَ: «فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَمَا جَرَى لَهُ «7» مَعَ فِرْعَوْنَ.
__________
(1) القصص آية (15) .
(2) القصص آية (16) .
(3) ابن جريج: هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج أبو الوليد او أبو خالد القرشي مولاهم احد الفقهاء الاعلام.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص () رقم () .
(5) أي النقاش
(6) سورة طه آية (40) .
(7) وذلك ان فرعون لعنه الله تعالى رأى رؤيا هالته فعبرها المعبرون والكهان بمولود من بني اسرائيل يكون على يديه زوال ملكه ودينه فأمر القوابل بان كل ذكر ولد منهم يأتونه به ويذبحونه ففعلوا ذلك حتى وقع في بني اسرائيل موتان عظيمان فقال له القبط نخشى فناء بني اسرائيل فلا يبقى لنا خدم فتحتاج الى استخدامنا فأمر ان يقتل الذكور منهم سنة ويتركون سنة فولد هارون في سنة العفو ثم ولد موسى في سنة الذبح فخافت عليه أمه فأوحي اليها وحي الهام وقيل وحيا جاءها فيه جبريل عليه السلام وإن لم تكن نبية لان الملك كان يراه غير الانبياء كمريم عليها السلام ثم ارتفع ذلك بعد مجيء(2/377)
وَقِيلَ: «إِلْقَاؤُهُ فِي التَّابُوتِ «1» وَالْيَمِّ «2» » وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَخْلَصْنَاكَ إِخْلَاصًا «3» قَالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ «4» وَمُجَاهِدٌ «5» مِنْ قَوْلِهِمْ: «فَتَنْتَ الْفِضَّةَ فِي النَّارِ» إِذَا خَلَّصْتَهَا. وَأَصْلُ «الْفِتْنَةِ مَعْنًى» الِاخْتِبَارُ وَإِظْهَارُ مَا بَطَنَ إِلَّا أَنَّهُ اسْتُعْمِلَ فِي عُرْفِ الشرع في اختيار أَدَّى إِلَى مَا يُكْرَهُ.
وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ فِي الْخَبَرِ الصَّحِيحِ «6» مِنْ أَنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ جَاءَهُ فَلَطَمَ عَيْنَهُ فَفَقَأَهَا..
الْحَدِيثَ لَيْسَ فِيهِ ما يحكم على موسى عليه السلام بالتعدي وفعل ما لا يجب.. إِذْ هُوَ ظَاهِرُ الْأَمْرِ، بَيِّنُ الْوَجْهِ، جَائِزُ الْفِعْلِ، لِأَنَّ مُوسَى دَافَعَ عَنْ نَفْسِهِ مَنْ أَتَاهُ لِإِتْلَافِهَا.. وَقَدْ تُصُوِّرَ لَهُ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ، وَلَا يُمْكِنُ أَنَّهُ عَلِمَ حِينَئِذٍ أَنَّهُ ملك
__________
النبي صلّى الله عليه وسلم وضعته أمه في صندوق وألقته في النيل فدخل بيت فرعون فالنقطه ال فرعون واستوهبته امرأته آسية وكان له معه ما اشتهر من ذلك وهو المراد بالفتون أي ما وقع له من الشدائد حتى نبأه الله واتخذه كليما وصفيا وسمته اسية حين اتخذته وليدا موسى ومعناه ماء شجر بالقبطية لانه وجد في صندوق ملقى في الماء.
(1) التابوت: أي الصندوق التي اتخذته له أمه من خشب والذي صنعه لها حزقيل وهو مؤمن آل فرعون.
(2) اليم: البحر والمراد به النيل.
(3) أي ابتليناه بأمور شاهدتها قدرة الله تعالى ولطفه حتى صار صفوة له خالصا من كل أمر لا يليق برسله عليهم السلام فقربه واصطفاه لان الفتنة أصل معناها أن يذاب الذهب حتى يصفى.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (58) رقم (4) .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (70) رقم (1) .
(6) الذي رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه كما قاله السيوطي رحمه الله تعالى(2/378)
الْمَوْتِ، فَدَافَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ مُدَافَعَةً. أَدَّتْ إِلَى ذَهَابِ عَيْنِ تِلْكَ الصُّورَةِ الَّتِي تُصُوِّرَ لَهُ فِيهَا الْمَلَكُ، امْتِحَانًا مِنَ اللَّهِ، فَلَمَّا جَاءَهُ بَعْدُ وَأَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ رَسُولُهُ إِلَيْهِ استسلم.
وللمتقدمين وللمتأخرين عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ أَجْوِبَةٌ. هَذَا أَسَدُّهَا عِنْدِي، وَهُوَ تَأْوِيلُ شَيْخِنَا الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ «1» الْمَازِرِيِّ.
وَقَدْ تَأَوَّلَهُ قَدِيمًا ابْنُ عَائِشَةَ «2» وَغَيْرُهُ عَلَى صَكِّهِ «3» وَلَطْمِهِ بِالْحُجَّةِ وَفَقْءِ عَيْنِ حُجَّتِهِ، وَهُوَ كَلَامٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي هَذَا الْبَابِ فِي اللغة ومعروف.
وَأَمَّا قِصَّةُ سُلَيْمَانَ وَمَا حَكَى فِيهَا أَهْلُ التَّفَاسِيرِ مِنْ ذَنْبِهِ وَقَوْلُهُ: «وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ «4» » فمعناه ابتليناه، وابتلاؤه
__________
(1) أبو عبد الله المازري: امام الرحلة الفقيه المحدث البارع في سائر العلوم وهو مالكي المذهب واسمه أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر التميمي شارح المحصول، وله شرح مسلم الذي بنى عليه المصنف رحمه الله تعالى شرحه المسمى بالاكمال، وله تاليف كثيرة مفيدة جليلة وهو منسوب الى مازر بفتح الزاي وكسرها توفي في ثامن ربيع الاول من سنة ست وثلاثين وخمسمائة وعمره ثلاث وثمانون سنة رحمه الله تعالى.
(2) ابن عائشة: هو عبيد الله بن محمد بن حفص بن عمر بن موسى بن عبد الله بن معمر القرشي التميمي البصري المعروف بالعيشي نسبة لعيشة وهي لغة فى عائشة، أو من تفسيرات النسب لانه من ولد عائشة بنت طلحة بن عبد الله وهو احد العلماء الاشراف المحدثين المحتشمين وهو ثقة روى عنه البغوي وخلق كثير، توفي سنة مائتين وثمان وعشرين، فهو متقدم على المازري بزمان كثير فلذا قال المصنف رحمه الله تعالى (قديما)
(3) اصل الصك واللطم الضرب بالوجه او بشيء عريض وجاء بمعنى مطلق الضرب
(4) سورة ص اية (34) .(2/379)
مَا حُكِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم «1» أنه قال: (لأطوفن الليلة على مئة «2» امْرَأَةٍ أَوْ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ «3» كُلُّهُنَّ يَأْتِينَ بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ «4» : قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَمْ يَقُلْ.. فَلَمْ تحمل منهن إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ جَاءَتْ بِشَقِّ رُجُلٍ قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بِيَدِهِ.
لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ) .
قَالَ أَصْحَابُ الْمَعَانِي «5» : «وَالشِّقُّ» هُوَ الْجَسَدُ «6» الَّذِي أُلْقِيَ عَلَى كُرْسِيِّهِ حِينَ عُرِضَ عَلَيْهِ.. وَهِيَ عُقُوبَتُهُ وَمِحْنَتُهُ.
وَقِيلَ: «بَلْ مَاتَ فَأُلْقِيَ عَلَى كُرْسِيِّهِ مَيِّتًا» .
وَقِيلَ: «ذَنْبُهُ حِرْصُهُ عَلَى ذَلِكَ وَتَمَنِّيهِ «7» ..»
وَقِيلَ: «لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ لِمَا اسْتَغْرَقَهُ مِنَ الْحِرْصِ وَغَلَبَ عَلَيْهِ من التمني» .
__________
(1) الحديث صحيح روي في الصحيحين وغيرهما.
(2) وفي عدد النساء خلاف في الروايات.
(3) كان قد تزوج بهن وكان ذلك جائزا في شريعته.
(4) أي ملك كان معه أو قرينة أو رجل كان يصحبه وقيل هو خاطره وهو بعيد وقيل هو آصف بن برخيا بفتح الموحدة وسكون الراء المهملة وكسر الخاء المعجمة ومثناة تحتية تليها الف.
(5) والمراد باصحاب المعاني الذين يفسرون الحديث ويقفون على معانيه.
(6) وهو ولده الذي ولد ميتا.
(7) على ان يرزقه الله مائة ولد يجاهدون في سبيل الله وليس مثله ذنبا حقيقيا كما توهموه.(2/380)
وقيل: عقوبته أن سلب «1» ملكه وذنبه أنه أَحَبَّ بِقَلْبِهِ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ لِأَخْتَانِهِ «2» عَلَى خصمهم.
وَلَا يَصِحُّ مَا نَقَلَهُ الْأَخْبَارِيُّونَ مِنْ تَشَبُّهِ الشَّيْطَانِ بِهِ وَتَسَلُّطِهِ عَلَى مُلْكِهِ وَتَصَرُّفِهِ فِي أُمَّتِهِ بِالْجَوْرِ، فِي حُكْمِهِ لِأَنَّ الشَّيَاطِينَ لَا يُسَلَّطُونَ عَلَى مِثْلِ هَذَا، وَقَدْ عُصِمَ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ مِثْلِهِ «3» .
وَإِنْ سُئِلَ لِمَ لَمْ يَقُلْ سليمان في القصة المذكور إن شاء الله؟؟
فعنه «4» أجوبة «5» : أحدهما: مَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ نَسِيَ أَنْ يَقُولَهَا، وَذَلِكَ لِيَنْفُذَ مُرَادَ «6» اللَّهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ صَاحِبَهُ «7» وَشُغِلَ عَنْهُ.
وَقَوْلُهُ: «وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي «8» »
__________
(1) أي حكمه في رعيته وفي هذا امتحان من الله تعالى لأرباب الجاه.
(2) أختانه: جمع ختن بزته جبل وهو الصهر أو كل ما يكون من قبل المرأة كالأب والاخ وذلك كما قيل انه كانت له امرأة يقال لها جرادة وكان مغرما بحبها فقالت له: إن فلانا من أهلي له حق عند آخر وأنا أحب أن تحكم له اذا جاءك فأجابها عليه السلام لذلك ولكنه لم يفعل فعاقبه الله تعالى على مجرد الميل فكان ما كان من زوال ملكه عقوبة على هذا الميل.
(3) قال السيوطي رحمه الله «ما قال المصنف أنه من خرافات الاخباريين أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عباس موقوفا لكنه مأخوذ من الاسرائيليات» وفيه نظر لان اول كلامه ينافي آخره.
(4) وفي نسخة (ففيه) .
(5) وفي نسخة (جوابان) وهو الصحيح لانه لم يذكر غيرهما.
(6) وفي نسخة «أمر» .
(7) أي الذي قال له قل ان شاء الله تعالى.
(8) سورة ص آية «35» .(2/381)
لَمْ يَفْعَلْ هَذَا سُلَيْمَانُ غَيْرَةً «1» عَلَى الدُّنْيَا، وَلَا نَفَاسَةً «2» بِهَا، وَلَكِنْ مَقْصِدُهُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ أَنْ لَا يُسَلَّطَ عَلَيْهِ أَحَدٌ كَمَا سُلِّطَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ الَّذِي سَلَبَهُ إِيَّاهُ مُدَّةَ امْتِحَانِهِ- عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ «3» - وَقِيلَ: بَلْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنَ اللَّهِ فَضِيلَةٌ، وَخَاصَّةٌ يَخْتَصُّ بِهَا، كَاخْتِصَاصِ «4» غَيْرِهِ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ بِخَوَاصَّ «5» مِنْهُ.
وَقِيلَ: «لِيَكُونَ ذَلِكَ دَلِيلًا وَحُجَّةً عَلَى نُبُوَّتِهِ كَإِلَانَةِ الْحَدِيدِ لِأَبِيهِ، وَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى لِعِيسَى، وَاخْتِصَاصِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشَّفَاعَةِ، وَنَحْوِ هَذَا» ..
وَأَمَّا قِصَّةُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَظَاهِرَةُ الْعُذْرِ، وَأَنَّهُ أَخَذَ فِيهَا بِالتَّأْوِيلِ، وَظَاهِرِ اللفظ لقوله تعالى «وأهلك «6» » فَطَلَبَ مُقْتَضَى هَذَا اللَّفْظِ، وَأَرَادَ عِلْمَ مَا طوي عنه مِنْ ذَلِكَ لَا أَنَّهُ شَكَّ فِي وَعْدِ الله.
__________
(1) غيرة: بفتح الغين المعجمة وتكسر في لغة وهي محبة أمر يأبى ان يكون لغيره
(2) نفاسة: بفتح النون رغبة.
(3) وهم الذين اخذوا هذا من الاسرائيليات. وفي صحة الاسرائيليات كلام للمحدثين
(4) أي كَاخْتِصَاصِ غَيْرِهِ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ بِخَوَاصَّ كالخلة لابراهيم وكالتكليم لموسى وكالمحبة لمحمد صلّى الله عليه وسلم ونحو ذلك وما خص الله به نبيا من الانبياء دون غيره لا ينافي الافضلية لانه قد يكون في المفضول ما ليس في الفاضل.
(5) وقد تقرر انه لم يكن لنبي من الانبياء معجزة وخاصة الا لنبينا صلّى الله عليه وسلم مثلها وأعظم منها كما فصله الامام الخيضري فى الخصائص وهو من أجل ما ألف في هذا الباب.
(6) «حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ» . سورة هود آية «40»(2/382)
فَبَيَّنَ «1» اللَّهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ الَّذِينَ وَعَدَهُ بِنَجَاتِهِمْ لِكُفْرِهِ، وَعَمَلِهِ، الَّذِي هُوَ غَيْرُ صَالِحٍ، وَقَدْ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ مُغْرِقُ الَّذِينَ ظَلَمُوا، وَنَهَاهُ عَنْ مُخَاطَبَتِهِ فِيهِمْ، فَأُوخِذَ بِهَذَا التَّأْوِيلِ، وَعَتَبَ عَلَيْهِ، وَأَشْفَقَ هُوَ مِنْ إِقْدَامِهِ عَلَى رَبِّهِ لِسُؤَالِهِ مَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي السُّؤَالِ فِيهِ.
وَكَانَ نُوحٌ- فِيمَا حَكَاهُ النقاش «2» - لا يعلم بكفرابنه وَقِيلَ فِي الْآيَةِ: غَيْرُ هَذَا.. وَكُلُّ هَذَا لَا يَقْضِي عَلَى نُوحٍ بِمَعْصِيَةٍ سِوَى مَا ذكرناه من تأويله وإقدامه بالسؤال فيمن «3» لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ وَلَا نُهِيَ عَنْهُ..
وَمَا رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ «4» مِنْ أَنَّ نَبِيًّا قَرَصَتْهُ «5» نَمْلَةٌ فَحَرَقَ قَرْيَةَ «6» النَّمْلِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنْ «7» قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنَ الأمم تسبّح «8» ؟!!.
__________
(1) بين لا تتعدى (بعلى) فلعله ضمن بين معنى نبه أو بنى أو هو تحريف من الناسخ
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «90» رقم «1» .
(3) وفي نسخة (فيما)
(4) كما رواه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
(5) وفي رواية البخاري (لدغته) .
(6) قرية: أصله محل الاجتماع مطلقا من قرى الماء في الحوض اذا جمعه فهو حقيقة لغوية ويقال لمقر الانسان وطن وبلد. ومقر الابل عطن، وللاسد عرين وغابة، وللظباء كماس، والمذئب والضبع وجاء وللطائر والزنبور عش ووكر، ولليربوع والنمل قرية
(7) أن: بفتح الهمزة وسكون النون أي لان.
(8) وذلك لقوله تعالى: «وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ» سورة الأنعام آية «28» «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ» سورة الاسراء آية «44»(2/383)
فَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا الَّذِي أَتَى مَعْصِيَةً بَلْ فَعَلَ مَا رَآهُ مَصْلَحَةً وَصَوَابًا بِقَتْلِ مَنْ يُؤْذِي جِنْسُهُ وَيَمْنَعُ الْمَنْفَعَةَ بما أَبَاحَ اللَّهُ.
أَلَا تَرَى أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ كان نازلا تحت الشجرة. فلما آذته انملة تحول برحله عَنْهَا مَخَافَةَ تَكْرَارِ الْأَذَى عَلَيْهِ..
وَلَيْسَ فِيمَا أوحى الله إليه ما يوجب عليه مَعْصِيَةً.. بَلْ نَدَبَهُ إِلَى احْتِمَالِ الصَّبْرِ، وَتَرْكِ التَّشَفِّي.
كَمَا قَالَ تَعَالَى: «وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ «1» » إِذْ ظَاهِرُ فِعْلِهِ إِنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ أَنَّهَا آذَتْهُ هُوَ فِي خَاصَّتِهِ فَكَانَ انتقساما لِنَفْسِهِ، وَقَطْعَ مَضَرَّةٍ يَتَوَقَّعُهَا مِنْ بَقِيَّةِ النَّمْلِ هناك، ولم يأت في كل هذا أمرا نُهِيَ عَنْهُ فَيُعَصَّى بِهِ، وَلَا نَصَّ فِيمَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ بِذَلِكَ وَلَا بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ مِنْهُ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ-
فَإِنْ قِيلَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «2» : مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا أَلَمَّ بِذَنْبٍ أَوْ كَادَ، إِلَّا يَحْيَى بْنَ زكريا أو كما قال «3» عليه السلام فَالْجَوَابُ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ ذُنُوبِ الْأَنْبِيَاءِ الَّتِي وَقَعَتْ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَعَنْ سَهْوٍ وغفلة.
__________
(1) سورة النحل آية «126»
(2) وهذا الحديث رواه الامام احمد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعا بلفظ (ما من احد الا وقد اخطأ او هم بخطيئة) وسنده ضعيف، وأخرجه البزار عن ابن عمر مرفوعا كما قاله السيوطي في (مناهل الصفا) .. ويقول الخفاجي: ومتابعته تقويه في الجملة فلا عبرة بمن أنكره.
(3) اشارة الى انه وقع فيه روايات مختلفة كما قال الخفاجي عن تقويه بالمتابعة.(2/384)
الفصل الرابع عشر حالة الانبياء في خوفهم واستغفارهم
فَإِنْ قُلْتَ: فَإِذَا نَفَيْتَ عَنْهُمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الذُّنُوبَ وَالْمَعَاصِي بِمَا ذَكَرْتَهُ مِنَ اخْتِلَافِ الْمُفَسِّرِينَ وَتَأْوِيلِ الْمُحَقِّقِينَ.. فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: «وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى «1» » وَمَا تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مِنَ اعْتِرَافِ الْأَنْبِيَاءِ بِذُنُوبِهِمْ، وَتَوْبَتِهِمْ، وَاسْتِغْفَارِهِمْ، وَبُكَائِهِمْ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُمْ، وَإِشْفَاقِهِمْ؟؟!!
وَهَلْ يُشْفَقُ وَيُتَابُ وَيُسْتَغْفَرُ مِنْ لَا شَيْءَ؟!!
فَاعْلَمْ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ دَرَجَةَ الْأَنْبِيَاءِ فِي الرِّفْعَةِ وَالْعُلُوِّ، وَالْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ وَسُنَّتِهِ فِي عِبَادِهِ، وَعِظَمِ سُلْطَانِهِ وَقُوَّةِ بَطْشِهِ، مِمَّا يَحْمِلُهُمْ عَلَى الْخَوْفِ مِنْهُ جَلَّ جَلَالُهُ، وَالْإِشْفَاقِ مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ بِمَا لَا يُؤَاخَذُ بِهِ غَيْرُهُمْ، وَأَنَّهُمْ فِي تَصَرُّفِهِمْ بِأُمُورٍ لَمْ يُنْهَوْا عَنْهَا، ولا
__________
(1) سورة طه آية «121» .(2/385)
أُمِرُوا بِهَا، ثُمَّ وُوخِذُوا «1» عَلَيْهَا، وَعُوتِبُوا بِسَبَبِهَا، وَحُذِّرُوا «2» مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ بِهَا.. وَأَتَوْهَا عَلَى وَجْهِ التَّأْوِيلِ، أَوِ السَّهْوِ، أَوْ تَزَيُّدٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا الْمُبَاحَةِ، خَائِفُونَ وَجِلُونَ.
وَهِيَ ذُنُوبٌ بِالْإِضَافَةِ إِلَى عَلِيِّ مَنْصِبِهِمْ. وَمَعَاصٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَمَالِ طَاعَتِهِمْ.
لَا أَنَّهَا كَذُنُوبِ غَيْرِهِمْ وَمَعَاصِيهِمْ. فَإِنَّ الذنب مأخوذ «3» من الشيء الدنيء الرَّذْلِ «4» ، وَمِنْهُ «ذَنَبُ «5» كُلِّ شَيْءٍ» أَيْ آخِرُهُ وأذناب الناس رذّا لهم «6» فَكَأَنَّ «7» هَذِهِ أَدْنَى أَفْعَالِهِمْ وَأَسْوَأُ مَا يَجْرِي مِنْ أَحْوَالِهِمْ، لِتَطْهِيرِهِمْ، وَتَنْزِيهِهِمْ، وَعِمَارَةِ بَوَاطِنِهِمْ وَظَوَاهِرِهِمْ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالْكَلِمِ الطَّيِّبِ، وَالذِّكْرِ الظَّاهِرِ وَالْخَفِيِّ، وَالْخَشْيَةِ لِلَّهِ وَإِعْظَامِهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ..
وَغَيْرُهُمْ يَتَلَوَّثُ مِنَ الْكَبَائِرِ وَالْقَبَائِحِ وَالْفَوَاحِشِ مَا تَكُونُ
__________
(1) وفي نسخة «أو خذوا» أي لامهم الله عليها مع أنها مباحة جائزة.
(2) وفي نسخة «أحذروا» بتشديد الذال المعجمة على بناء المجهول أي خوفوا
(3) الأخذ هنا هو الاشتقاق البعيد وهو معنى قولهم دائرة الأخذ أوسع من دائرة الاشتقاق.
(4) الرذل: بفتح الراء المهملة وسكون الذال المعجمة أي المذموم الرديء.
(5) ذنب: بفتحتين وهو الذنب المعروف.
(6) رذلهم: بضم أوله وتخفيف ثانيه جمع رذل وهو جمع على فعال جاء في كلمات معدودات أي أرذلهم.
(7) وفي نسخة (فكانت) . وفي نسخة (فكأن) بتشديد النون.(2/386)
بالإضافة إلى «1» هَذِهِ الْهَنَاتِ «2» فِي حَقِّهِ كَالْحَسَنَاتِ.
كَمَا قِيلَ «3» : «حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ، سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ» .
أَيْ يَرَوْنَهَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى عَلِيِّ أَحْوَالِهِمْ كَالسَّيِّئَاتِ وَكَذَلِكَ «الْعِصْيَانُ» التَّرْكُ وَالْمُخَالَفَةُ، فَعَلَى مُقْتَضَى اللَّفْظَةِ كَيْفَمَا كَانَتْ مِنْ سَهْوٍ، أَوْ تَأْوِيلٍ، فَهِيَ مُخَالَفَةٌ وَتَرْكٌ. وَقَوْلُهُ: «غوى» أي أَنَّ تِلْكَ الشَّجَرَةَ هِيَ الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا.. «وَالْغَيُّ» الْجَهْلُ وَقِيلَ:
أَخْطَأَ مَا طَلَبَ مِنَ الْخُلُودِ إِذْ أَكَلَهَا.. وَخَابَتْ أُمْنِيَّتُهُ «4» .
وَهَذَا يُوسُفُ عليه السلام قد ووخذ «5» بِقَوْلِهِ لِأَحَدِ صَاحِبَيِ السِّجْنِ «6» : «اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ، فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ «7» » .
قِيلَ: «أُنْسِيَ يُوسُفُ ذِكْرَ اللَّهِ» .
وَقِيلَ: «أُنْسِيَ صاحبه أن يذكره لسيده الملك» .
__________
(1) وفي نسخة (إليه) .
(2) الهنات: جمع هنة وهي خصلة السوء. قال لبيد:
«أكرمت عرضي أن ينال بنحوه ... إن البريء من الهنات سعيد»
وما في بعض النسخ من الهيئات جمع هيئة باء ساكنة وهمزة تحريف من الناسخ
(3) وهو من كلام أبي سعيد الخراز من كبار مشايخ الصوفية.
(4) أمنيته: بضم الهمزة وكسر النون وتشديد الياء وهي ما يتمنى وجمعها أماني بالتشديد والتخفيف.
(5) وفي نسخة «أوخذ» .
(6) وفي نسخة «بقوله لصاحب السجن» .
(7) سورة يوسف آية 42(2/387)
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» : «لَوْلَا كَلِمَةُ يُوسُفَ مَا لَبِثَ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ» قَالَ ابْنُ دِينَارٍ «2» : لَمَّا قَالَ ذَلِكَ يُوسُفُ قِيلَ لَهُ: اتَّخَذْتَ «3» مِنْ دُونِي وَكِيلًا!! .. لَأُطِيلَنَّ حَبْسَكَ.. فَقَالَ: يَا رَبِّ أَنْسَى قَلْبِي كَثْرَةُ «4» الْبَلْوَى.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «يُؤَاخَذُ الْأَنْبِيَاءُ بِمَثَاقِيلِ «5» الذَّرِّ «6» لِمَكَانَتِهِمْ عِنْدَهُ وَيُجَاوِزُ عَنْ سَائِرِ الْخَلْقِ لِقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ «7» بِهِمْ فِي أَضْعَافِ مَا أَتَوْا به
__________
(1) في حديث رواه ابن جرير والطبراني عن ابن عباس. وابن مردويه عن أبي هريرة.. وأبو الشيخ عن أبي الحسن مرسلا. وكذا عن عكرمه. فهو حديث صحيح
(2) ابن دينار: مالك، أبو يحيي البصري، أحد الأعلام، الزاهد الثقة، أخرج له الأربعة وعلق له البخاري، وتوفي سنة مائة واثنين وثلاثين، واسمه محمد بن ابراهيم، وله ترجمة في الميزان، وهذا رواه الامام البغوي عنه في تفسيره، وأخرجه ابن أبي حاتم عن أنس مرفوعا.
(3) بهمزة الاستفهام الانكاري مقررا أو مقدرا.
(4) أي كثرة المصائب وهي تبدأ من حين ألقي في الجب إلى أن دخل السجن، فهذا ذنب عد عليه وعوقب به مع أنه ليس بمعصية شرعية لكن على مقامه يقتضي أن لا يذكر في الشدة غير الله ولا يعول على مخلوق وقد قال الخليل لجبريل عليهما السلام حين ألقي في النار وقال له ألك حاجة قال أما إليك فلا، حسبي من سؤالي علمه بحالي.
(5) المثاقيل: جمع مثقال وهو في العرف الدينار وليس بمراد هنا. بل هو وزن كل شيء ومقداره.
(6) الذر: جمع ذرة وهي أصغر النمل ويقال للهباء الذي يرى في شعاع الشمس ولا زنة له أصلا.
(7) مبالاته: قال ابن فارس: اشتبه علي اشتقاق (لا أبالي) حتى رأيت قول ليلى الاخيلية:
تبالي رواياهم وهبالة بعد ما ... وردن وحول الماء بالحم يرتمى
وقد قالوا فيه التبالي المبادرة للاستقاء عند قلة الماء فيستقي أحدهم وينتظره غيره فمعنى (لا أبالي) لا أبادر له ولا أنتظره لعدم اعتدادي به.. اهـ.(2/388)
مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ. وَقَدْ قَالَ الْمُحْتَجُّ لِلْفِرْقَةِ «1» الْأُولَى. عَلَى سِيَاقِ مَا قُلْنَاهُ.. إِذَا كَانَ الْأَنْبِيَاءُ يُؤَاخَذُونَ بِهَذَا مِمَّا لَا يُؤَاخَذُ بِهِ غَيْرُهُمْ مِنَ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا ذَكَرْتَهُ وَحَالُهُمْ أرفع فحالهم «2» إذن فِي هَذَا أَسْوَأُ «3» حَالًا مِنْ غَيْرِهِمْ.
فَاعْلَمْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ: أَنَّا لَا نُثْبِتُ لَكَ الْمُؤَاخَذَةَ فِي هَذَا عَلَى حَدِّ مُؤَاخَذَةِ غَيْرِهِمْ.. بَلْ نَقُولُ: «إِنَّهُمْ يُؤَاخَذُونَ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا لِيَكُونَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي دَرَجَاتِهِمْ، وَيُبْتَلُونَ بِذَلِكَ لِيَكُونَ اسْتِشْعَارُهُمْ «4» لَهُ سَبَبًا لِمَنْمَاةِ «5» رُتَبِهِمْ كَمَا قَالَ: «ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى «6» » .
وقال لداود: «فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ «7» » الْآيَةَ وَقَالَ بَعْدَ قَوْلِ مُوسَى: «تُبْتُ إِلَيْكَ «8» » «إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ «9» » .
وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ فِتْنَةِ سُلَيْمَانَ وَإِنَابَتِهِ: «فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ. إلى
__________
(1) القائلين بأن الأنبياء معصومون من جميع الذنوب، وأن السهو والنسيان لا يؤاخذون به كغيرهم.
(2) وفي بعض النسخ (وحالهم) .
(3) وفي نسخة (أشق) .
(4) الاستشعار: طلب الشعور، والمراد به مقاساته.. أو هو من الشعار وهو اللباس الملاصق للبدن. وفي نسخة (استغفارهم) .
(5) منماه: مصدر ميمي يعني النمو وهو الزيادة.
(6) آية: 122 سورة طه.
(7) آية: 25 سورة ص.
(8) آية: 143 سورة الأعراف.
(9) آية: 144 سورة الأعراف.(2/389)
وَحُسْنُ مَآبٍ «1» » وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ: «زَلَّاتُ الْأَنْبِيَاءِ فِي الظَّاهِرِ زَلَّاتٌ وَفِي الْحَقِيقَةِ كَرَامَاتٌ وَزُلَفٌ «2» . وَأَشَارَ إِلَى نَحْوٍ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ.
وَأَيْضًا فَلْيُنَبَّهْ غَيْرُهُمْ مِنَ البشر منهم، أو ممن ليس من دَرَجَتِهِمْ بِمُؤَاخَذَتِهِمْ بِذَلِكَ فَيَسْتَشْعِرُوا الْحَذَرَ وَيَعْتَقِدُوا الْمُحَاسَبَةَ لِيَلْتَزِمُوا الشُّكْرَ عَلَى النِّعَمِ، وَيُعِدُّوا الصَّبْرَ عَلَى الْمِحَنِ «3» بِمُلَاحَظَةِ مَا وَقَعَ بِأَهْلِ هَذَا النِّصَابِ «4» الرَّفِيعِ الْمَعْصُومِ. فَكَيْفَ بِمَنْ سِوَاهُمْ.
وَلِهَذَا قَالَ صَالِحٌ «5» الْمُرِّيُّ: «ذِكْرُ دَاوُدَ بَسْطَةٌ «6» لِلتَّوَّابِينَ» .
قَالَ ابْنُ عَطَاءٍ «7» : «لَمْ يَكُنْ مَا نَصَّ اللَّهُ تعالى من قصة صاحب «8»
__________
(1) آية: 40 سورة ص.
(2) زلف: بضم الزاي وفتح اللام جمع زلفة أي قرب من الله تعالى بإعلاء مقاماتهم عنده.
(3) المحن: جمع محنة وهي البلية التي يمتحن الله تعالى بها صبره ورضاه كما قيل:
لله در النائبات فإنها ... صدأ اللئام وصيقل الأحرار
والمحنة كالفتنة بتصفية المعادن من غشها فنقلت لما ذكر وصارت فيه حقيقة
(4) النصاب: المقام.
(5) صالح المري: نسبة الى مرة قبيلة وهو ابن بشير الواعظ الزاهد توفي سنة اثنين وسبعين ومائة كما قال ابن ماكولا.
(6) بسطة: أي توسعة لمن يتوب ويكثر التوبة والاستغفار.
(7) إبن عطاء: أبو العباس محمد بن سهل بن عطاء الاربلي شيخ الصوفيه، وله في فهم القرآن لسان اختص به.. توفي سنة تسع أو إحدى عشرة وثلاثمائة. تقدمت ترجمته في ج 1 ص «63» رقم «3» .
(8) يونس ابن متى نبي الله صلّى الله عليه وسلم.(2/390)
الْحُوتِ نَقْصًا «1» لَهُ، وَلَكِنِ اسْتِزَادَةً «2» مِنْ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَيْضًا.
فَيُقَالُ لَهُمْ: فَإِنَّكُمْ وَمَنْ وَافَقَكُمْ تَقُولُونَ بِغُفْرَانِ الصَّغَائِرِ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، وَلَا خِلَافَ فِي عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الْكَبَائِرِ..
فَمَا جَوَّزْتُمْ مِنْ وُقُوعِ الصَّغَائِرِ عَلَيْهِمْ هِيَ مَغْفُورَةٌ عَلَى هَذَا، فَمَا مَعْنَى الْمُؤَاخَذَةِ بها إذن عِنْدَكُمْ!! .. وَخَوْفِ الْأَنْبِيَاءِ وَتَوْبَتِهِمْ مِنْهَا وَهِيَ مَغْفُورَةٌ لَوْ كَانَتْ!! ..
فَمَا أَجَابُوا بِهِ فَهُوَ جَوَابُنَا عن المؤاخذة بأفعال السَّهْوِ وَالتَّأْوِيلِ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ كَثْرَةَ اسْتِغْفَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوْبَتِهِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى وَجْهِ مُلَازِمَةِ الْخُضُوعِ وَالْعُبُودِيَّةِ وَالِاعْتِرَافِ بِالتَّقْصِيرِ شُكْرًا لِلَّهِ عَلَى نِعَمِهِ.
كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» وَقَدْ أَمِنَ من المؤاخذة بما تقدم وما تأخر «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا..» !!
وَقَالَ «4» : «إِنِّي أَخْشَاكُمْ لله وأعلمكم بما أتقي» .
__________
(1) أي تضيعا له بكونه ولى مغاضبا ولم يصبر حتى يأذن الله تعالى فيما أراد.
(2) أي طلب منه أن يزيد صبره على قومه وقيل المراد انه زيادة في علمه بما جرى للأنبياء عليهم الصلاة والسلام طلبها من ربه والصحيح الأول لأنه المناسب لقوله تعالى: «ولا تكن كصاحب الحوت» أي في ضجره وفراق قومه حتى كان ما ذكره الله تعالى في قصته.
(3) والحديث قد تقدم. والمذكور في الصحيحين عن المغيرة بن شعبة.
(4) في الحديث الذي رواه البخاري كما تقدم.(2/391)
قَالَ الْحَارِثُ بْنُ أَسَدٍ «1» : «خَوْفُ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ خَوْفُ إِعْظَامٍ وَتَعَبُّدٍ لِلَّهِ لِأَنَّهُمْ آمِنُونَ» .
وَقِيلَ «2» : فَعَلُوا ذَلِكَ لِيُقْتَدَى بِهِمْ وَتَسْتَنَّ بِهِمْ أُمَمُهُمْ.
كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ مَعْنًى آخَرَ لَطِيفًا أَشَارَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ اسْتِدْعَاءُ مَحَبَّةِ اللَّهِ «4» .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ «5» » .
فَإِحْدَاثُ «6» الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ الِاسْتِغْفَارَ وَالتَّوْبَةَ وَالْإِنَابَةَ وَالْأَوْبَةَ فِي كُلِّ حِينٍ اسْتِدْعَاءٌ لِمَحَبَّةِ اللَّهِ وَالِاسْتِغْفَارُ فِيهِ مَعْنَى التَّوْبَةِ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صلّى الله عليه وسلم بَعْدَ أَنْ غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ: «لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ «7» .»
الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى: «فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً «8» » .
__________
(1) الحارث بن أسد: المشهور بالمحاسبي لكثرة ما كان يحاسب نفسه ولزهده. وهو العالم الرباني الذي فاق أهل عصره في علم الظاهر والباطن.. وقد مات أبوه وخلف له مالا عظيما لم يأخذ منه شيئا مع احتياجه لأن أباه كان قدريا.. وقال: لا يتوارث أهل ملتين، ترجمته مفصلة في الميزان.. توفي سنة ثلاثة وأربعين ومائتين.
(2) وفي نسخة (وقد) .
(3) رواه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أنس وروى الحاكم عن أبي ذر وزاد: «لما ساغ لكم الطعام والشراب» . ورواه الطبراني والحاكم والبيهقي عن أبي الدرداء. وزاد «لخرجتم الى الصعدات- بضمتين الطرفات- تجأرون الى الله تعالى لا تدرون تنجون أو لا تنجون» .
(4) لما في الحديث: «إن الله يفرح بتوبة عنده المؤمن» ، والفرح في حقه بمعنى الرضا عنه.
(5) آية 222 سورة البقرة.
(6) أحداث: تجديد.
(7) آية: 117 سورة التوبة.
(8) آية 3 سورة النصر.(2/392)
الفصل الخامس عشر فائدة مامرّ من الفصول التي بحثت مسألة العصمة
قد استبان لك أيها الناظر بما «1» قَرَّرْنَاهُ مَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِصْمَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجَهْلِ بِاللَّهِ، وَصِفَاتِهِ، أَوْ كَوْنِهِ عَلَى حَالَةِ تُنَافِي الْعِلْمَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ جُمْلَةً بَعْدِ النُّبُوَّةِ عَقْلًا وإجماعا، وقبلها سماعا ونقلا، ولا بشي مما قرره مِنْ أُمُورِ الشَّرْعِ، وَأَدَّاهُ عَنْ رَبِّهِ مِنَ الْوَحْيِ قَطْعًا وَعَقْلًا وَشَرْعًا، وَعِصْمَتِهِ عَنِ الْكَذِبِ، وَخُلْفِ الْقَوْلِ، مُنْذُ نَبَّأَهُ اللَّهُ، وَأَرْسَلَهُ قَصْدًا أَوْ غَيْرَ قَصْدٍ، وَاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ شَرْعًا وإِجْمَاعًا وَنَظَرًا وَبُرْهَانًا، وَتَنْزِيهِهِ عَنْهُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ قَطْعًا، وَتَنْزِيهِهِ عَنِ الْكَبَائِرِ إِجْمَاعًا «2» وَعَنِ الصَّغَائِرِ تَحْقِيقًا، وَعَنِ اسْتِدَامَةِ السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ، وَاسْتِمْرَارِ الْغَلَطِ وَالنِّسْيَانِ عَلَيْهِ فِيمَا شَرَعَهُ لِلْأُمَّةِ، وَعِصْمَتِهِ فِي كل حالاته من رضا، وغضب، وجد، ومزح،
__________
(1) وفي نسخة (ما) .
(2) ولا ينافي الاجماع تجويز الحشوية له كما قيل لعدم الاعتداد بخلافهم.(2/393)
فَيَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَلَقَّاهُ بِالْيَمِينِ «1» ، وَتَشُدَّ عَلَيْهِ يَدَ الضَّنِينِ «2» ، وَتُقَدِّرَ «3» هَذِهِ الْفُصُولَ حَقَّ قَدْرِهَا، وَتَعْلَمَ عَظِيمَ فَائِدَتِهَا وَخَطَرِهَا، فَإِنَّ مَنْ يَجْهَلُ مَا يَجِبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو يجوز، أَوْ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ، وَلَا يَعْرِفُ صُوَرَ أَحْكَامِهِ، لَا يَأْمَنُ أَنْ يَعْتَقِدَ فِي بَعْضِهَا خِلَافَ مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَلَا يُنَزِّهُهُ عَمًّا لَا يَجِبُ «4» أَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ، فَيَهْلِكَ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي، وَيَسْقُطَ فِي هُوَّةِ «5» الدَّرْكِ «6» الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ.. إِذْ ظَنَّ الْبَاطِلَ بِهِ وَاعْتِقَادُ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ يُحِلُّ بِصَاحِبِهِ دَارَ البوار، ولهذا احْتَاطَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ رَأَيَاهُ لَيْلًا وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ صَفِيَّةَ «7» .. فقال لهما: «إنها صفية» .. ثم قال: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدم وإني
__________
(1) أي بالقبول واليمن والبركة والعرب تقول لما تمدح به اخذه بيمينه كما قال الشماخ:
اذا ما راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين
(2) الضنين: بضاد معجمة ونونين كالبخيل وزنا ومعنى من الضنة وهي شدة البخل والمعنى: أي البخيل الممسك للشيء الثمين وهذا نظير ما يقال عضوا عليه بالنواجذ من قبيل الاستعارة التمثيلية.. والضنين فيه مع اليمين مراعاة النظير.
(3) تقدر: بكسر الدال المهملة من القدر وهو المنزلة الرفيعة كما في قوله تعالى: (وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ)
(4) وفي بعض النسخ (عما لا يجوز) وهو الاحسن.
(5) هوة: بضم الهاء وتشديد الواو الوهدة العميقة.
(6) الدرك: بفتحتين وقد تسكن الراء وهو ما ينزل به الى الاسفل ضد الدرج.
(7) صفية: بنت حيي بن الاخطب بن سعيه وكانت تحت أبي الحقيق اليهودي فلما قتله النبي صلّى الله عليه وسلم واسلمت فتزوجها عليه الصلاة والسلام.(2/394)
خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا فَتَهْلِكَا «1» » ..
- هَذِهِ أَكْرَمَكَ اللَّهُ إِحْدَى فَوَائِدِ مَا تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ.
وَلَعَلَّ جَاهِلًا لَا يَعْلَمُ بِجَهْلِهِ.. إِذَا سَمِعَ شَيْئًا مِنْهَا يَرَى أَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا جُمْلَةً مِنْ فُضُولِ الْعِلْمِ، وَأَنَّ السُّكُوتَ أَوْلَى..
وَقَدِ اسْتَبَانَ لَكَ أَنَّهُ مُتَعَيَّنٌ لِلْفَائِدَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَفَائِدَةٌ ثَانِيَةٌ يُضْطَرُّ إِلَيْهَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَيُبْتَنَى «2» عَلَيْهَا مَسَائِلُ لَا تَنْعَدُّ «3» مِنَ الْفِقْهِ، وَيَتَخَلَّصُ بِهَا مِنْ تشغيب «4» مُخْتَلِفِي الْفُقَهَاءِ فِي عِدَّةٍ مِنْهَا، وَهِيَ:
- الْحُكْمُ فِي أَقْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَفْعَالِهِ، وَهُوَ بَابٌ عَظِيمٌ، وَأَصْلٌ كَبِيرٌ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ بِنَائِهِ عَلَى صِدْقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَخْبَارِهِ وَبَلَاغِهِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ السَّهْوُ فِيهِ، وَعِصْمَتُهُ مِنَ الْمُخَالَفَةِ فِي أَفْعَالِهِ عَمْدًا، وَبِحَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي وُقُوعِ الصَّغَائِرِ وَقَعَ خِلَافٌ «5» فِي امْتِثَالِ الْفِعْلِ بُسِطَ بَيَانُهُ فِي كُتُبِ ذَلِكَ الْعِلْمِ، فَلَا نُطَوِّلُ بِهِ..
وَفَائِدَةٌ ثَالِثَةٌ: يَحْتَاجُ إِلَيْهَا الْحَاكِمُ «6» وَالْمُفْتِي فِيمَنْ أَضَافَ إِلَى
__________
(1) والحديث في الصحيحين عن صفية.
(2) وفي نسخة (وينبني) .
(3) تنعد: لغة في تعد ولكنها ضعيفة.
(4) تشغيب: في الخصومة تفعيل من الشغب بفتح الغين المعجمة وسكونها وهو تهييج الشر والصياح.
(5) وفي نسخة (اختلاف) .
(6) أي القاضي.(2/395)
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ وَوَصَفَهُ بِهَا فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ مَا يَجُوزُ، وَمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ، وَمَا وَقَعَ الْإِجْمَاعُ فِيهِ، وَالْخِلَافُ كَيْفَ يُصَمِّمُ فِي الْفُتْيَا فِي ذَلِكَ!! وَمِنْ أَيْنَ يَدْرِي هَلْ مَا قاله فيه نقص أو مدح!!. فإما أن يجترىء عَلَى سَفْكِ دَمِ مُسْلِمٍ حَرَامٍ، أَوْ يُسْقِطَ حقا ويضيّع حُرْمَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» .. وَبِسَبِيلِ هَذَا مَا قَدِ اخْتَلَفَ أَرْبَابُ الْأُصُولِ وَأَئِمَّةُ العلماء والمحققين في عصمة الملائكة..
__________
(1) وقد قال صاحب العقائد العضدية: (لا تكفر احدا من أهل القبلة الا بما فيه نفي الصانع المختار، او بما فيه شرك، أو انكار النبوة، او انكار ما علم من الدين بالضرورة أو انكار مجمع عليه قطعا، أو استحلال محرم.. واما غير ذلك فالقائل به مبتدع وليس بكافر.. وقد قال عليه الصلاة والسلام: «من كفر مسلما بغير حق فقد كفر» ) .(2/396)
الفصل السّادس عشر عصمة الملائكة
فِي الْقَوْلِ فِي عِصْمَةِ الْمَلَائِكَةِ: أَجْمَعَ «1» الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ «2» مُؤْمِنُونَ فُضَلَاءُ، وَاتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ حُكْمَ الْمُرْسَلِينَ مِنْهُمْ حُكْمُ النَّبِيِّينَ سَوَاءً فِي الْعِصْمَةِ، مِمَّا ذَكَرْنَا عِصْمَتَهُمْ مِنْهُ، وَأَنَّهُمْ فِي حُقُوقِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالتَّبْلِيغِ إِلَيْهِمْ، كَالْأَنْبِيَاءِ مَعَ الْأُمَمِ..
وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ الْمُرْسَلِينَ مِنْهُمْ، فَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى عِصْمَةِ جَمِيعِهِمْ عَنِ الْمَعَاصِي «3» ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: «لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ «4» » وبقوله: «وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ
__________
(1) وفي نسخة (اتفق) .
(2) الملائكة: جمع ملك والتاء لتأنيث الجمع وفي اشتقاق الملك خلاف لاهل اللغة المشهورين من أنه من الالوكة وهي الرسالة لانهم رسل الله يرسلهم لما يرى وأصله مألك ثم أخرت بدليل جمعه على ملائكة.
(3) لان الله تعالى لم يخلق فيهم شهوة ولا داعية لها.
(4) سورة التحريم آية «6» .(2/397)
مَقامٌ مَعْلُومٌ، وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ «1» وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ «2» »
وَبِقَوْلِهِ: «وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لَا يَفْتُرُونَ» «3» .
وَبِقَوْلِهِ: «إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ «4» » الاية وبقوله: «كِرامٍ بَرَرَةٍ «5» » و: «لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ «6» » وَنَحْوِهِ مِنَ السَّمْعِيَّاتِ «7» .
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ: إِلَى أَنَّ هَذَا خُصُوصٌ «8» لِلْمُرْسَلِينَ مِنْهُمْ وَالْمُقَرَّبِينَ وَاحْتَجُّوا بِأَشْيَاءَ ذَكَرَهَا أَهْلُ الْأَخْبَارِ وَالتَّفَاسِيرِ نَحْنُ نَذْكُرُهَا إِنْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بَعْدُ، وَنُبَيِّنُ الْوَجْهَ فِيهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَالصَّوَابُ: عِصْمَةُ جَمِيعِهِمْ، وَتَنْزِيهُ نِصَابِهِمُ «9» الرَّفِيعِ عَنْ جَمِيعِ مَا يَحُطُّ مِنْ رُتْبَتِهِمْ وَمَنْزِلَتِهِمْ عَنْ جَلِيلِ مِقْدَارِهِمْ. وَرَأَيْتُ بَعْضَ شيوخنا أشار «10» بأن «11» لَا حَاجَةَ بِالْفَقِيهِ إِلَى الْكَلَامِ فِي عِصْمَتِهِمْ «12» .
__________
(1) أي الواقفون صفوفا كصفوف الصلاة في المقام المعين لنا.
(2) سورة الصافات آية «165- 166» .
(3) سورة الانبياء آية «19- 20» .
(4) سورة الأعراف آية «206» ..
(5) سورة عبس آية «16» .
(6) سورة الواقعة آية «79» .
(7) السمعيات: أي ما هو مسموع من القرآن أو السنة.
(8) وفي نسخة (مخصوص) .
(9) أي تبرئة ساحة منصبهم وقدرهم.
(10) أشار: أى قال وهي تطلق بهذا المعنى كثيرا.
(11) وفي نسخة (إلى أن) .
(12) لأننالم نؤمر باتباعهم، ولأن الكلام فيهم أمر مشكل لا يتكلم فيه إلا بدليل قطعي(2/398)
وَأَنَا أَقُولُ إِنَّ لِلْكَلَامِ فِي ذَلِكَ مَا لِلْكَلَامِ فِي عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الْفَوَائِدِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا سِوَى فَائِدَةِ الْكَلَامِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، فهي ساقطة ههنا «1» .
فَمِمَّا احْتَجَّ بِهِ مَنْ لَمْ يُوجِبْ عِصْمَةَ جَمِيعِهِمْ «2» قِصَّةُ هَارُوتَ وَمَارُوتَ «3» وَمَا ذَكَرَ فِيهَا أَهْلُ الْأَخْبَارِ وَنَقَلَةُ الْمُفَسِّرِينَ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ «4» وَابْنِ عَبَّاسٍ «5» فِي خَبَرِهِمَا وَابْتِلَائِهِمَا.
فَاعْلَمْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ- أَنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ لَمْ يُرْوَ مِنْهَا شَيْءٌ لَا سَقِيمٌ وَلَا صَحِيحٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «6» . وَلَيْسَ هُوَ شَيْئًا يُؤْخَذُ بِقِيَاسٍ.. وَالَّذِي مِنْهُ فِي الْقُرْآنِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَاهُ، وَأَنْكَرَ مَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ كَمَا سنذكره.
__________
(1) أي في حق الملائكة عليهم الصلاة والسلام.
(2) وقال بوجوب عصمة الرسل منهم فقط.
(3) هاروت وماروت علمان للمكين ببابل ممنوعان من الصرف للعلمية والعجمة. ولو كانا عربيين من الهرت والمرت صرفا.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «54» رقم «4» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(6) وهذا الذي ذكره من إنه لم يرد فيه حديث ضعيف ولا صحيح ردوه كما نقله السيوطي في مناهل الصفا في نخريج أحاديث الشفا بأنه ورد من طرق كثيرة منها ما في مسند أحمد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما مرفوعا، ورواه ابن حبان والبيهقي وابن جرير وابن حميد في مسنده، وابن أبي الدنيا وغيرهم من طرق عديدة.. وقال ابن حجر في شرح البخاري إن له طرقا تفيد العلم بصحته.. وكذا في حواشي البرهان الحلبي وذكره مسندا عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.. وقد جمع الجلال السيوطي طرق هذا الحديث في تأويل مستقل فبلغت نيفا وعشرين طريقا.(2/399)
وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ مِنْ كُتُبِ الْيَهُودِ وَافْتِرَائِهِمْ، كَمَا نَصَّهُ اللَّهُ أَوَّلَ الْآيَاتِ مِنَ افْتِرَائِهِمْ بِذَلِكَ عَلَى سُلَيْمَانَ وَتَكْفِيرِهِمْ إِيَّاهُ.
وَقَدِ انْطَوَتِ الْقِصَّةُ على شنع «1» عظيمة. وها نحن نحبر «2» فِي ذَلِكَ مَا يَكْشِفُ غِطَاءَ هَذِهِ الْإِشْكَالَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
فَاخْتُلِفَ أَوَّلًا فِي هَارُوتَ وَمَارُوتَ.. هَلْ هُمَا مَلَكَانِ أَوْ إِنْسِيَّانِ وَهَلْ هُمَا الْمُرَادُ بِالْمَلَكَيْنِ أَمْ لَا.. وَهَلِ الْقِرَاءَةُ «مَلَكَيْنِ» «3» أَوْ «مَلِكَيْنِ» «4» .
وَهَلْ مَا فِي قَوْلِهِ «وَما أُنْزِلَ «5» » و «ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ «6» » نَافِيَةٌ أَوْ مُوجِبَةٌ..
فَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى امْتَحَنَ النَّاسَ بِالْمَلَكَيْنِ لِتَعْلِيمِ السِّحْرِ وَتَبْيِينِهِ.. وَأَنَّ عَمَلَهُ «7» كُفْرٌ.. فَمَنْ تَعَلَّمَهُ كَفَرَ وَمَنْ تركه آمن «8» » .
__________
(1) شنع: بضم الشين المعجمة وفتح النون وعين مهملة جمع شنعة أي قبيحة شائعة. من شنع عليه أي أشاع قبائحه.
(2) أي تحرر تحريرا حسنا من صبره بمهملتين بينهما موحدة إذا حسنه وزينه وفيه تورية لأنه يقال حبره إذا كتب بالحبر ففيه إيهام لمعنى نكتبه لنبينه.
(3) القراءة بالفتح قراءة السبعة.
(4) بالكسر قراءة شاذة منقولة عن الحسن البصري وغيره.
(5) سورة البقرة آية «102» .
(6) سورة البقرة آية «102»
(7) وفي نسخة (علمه) .
(8) وهو مذهب مالك وعزاه المصنف في شرح مسلم الى احمد بن حنبل أيضا فهو عندهما كافر يقتل ولا يستتاب كالزنديق عنده، وعند الشافعي كبيرة ان لم يكن فيه ما يقتضي الكفر فلا يقتل وتقبل توبته.. فان قتل بكفره قتل قصاصا عنده.(2/400)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ «1» » وَتَعْلِيمُهُمَا النَّاسَ لَهُ تَعْلِيمُ إِنْذَارٍ.. أَيْ يَقُولَانِ لِمَنْ جَاءَ يَطْلُبُ تَعَلُّمَهُ لَا تَفْعَلُوا «2» كَذَا فَإِنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ، وَلَا تَتَخَيَّلُوا «3» بِكَذَا فَإِنَّهُ سِحْرٌ. فَلَا تَكْفُرُوا.
فَعَلَى هَذَا: فِعْلُ الْمَلَكَيْنِ طَاعَةٌ، وَتَصَرُّفُهُمَا فِيمَا أُمِرَا بِهِ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ.. وَهِيَ لِغَيْرِهِمَا فِتْنَةٌ.
وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ «4» عَنْ خَالِدِ «5» بْنِ أَبِي عِمْرَانَ: أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ هَارُوتُ وَمَارُوتُ، وَأَنَّهُمَا يُعَلِّمَانِ السِّحْرَ فَقَالَ: نَحْنُ نُنَزِّهُهُمَا عَنْ هَذَا.. فَقَرَأَ بَعْضُهُمْ «وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ «6» » فَقَالَ خَالِدٌ:
لَمْ يُنْزَلْ عَلَيْهِمَا) .
فَهَذَا خَالِدٌ عَلَى جَلَالَتِهِ وَعِلْمِهِ نَزَّهَهُمَا عَنْ تَعْلِيمِ السِّحْرِ الذي قد ذكره غَيْرُهُ أَنَّهُمَا «7» مَأْذُونٌ لَهُمَا فِي تَعْلِيمِهِ بِشَرِيطَةِ أَنْ يُبَيِّنَا أَنَّهُ كُفْرٌ، وَأَنَّهُ امْتِحَانٌ مِنَ اللَّهِ وَابْتِلَاءٌ.. فَكَيْفَ لَا يُنَزِّهُهُمَا عَنْ كَبَائِرِ «8»
__________
(1) الاية 102 سورة البقرة وهي دليل مالك.
(2) وفي نسخة (لا تفعل)
(3) وفي نسخة (لا تتحيلوا) من الحيلة وهو الاحسن ويؤيده تعديها بالباء.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «332» رقم «1» .
(5) خالد بن أبي عمران: التجيبي التونسي قاضي افريقيا ومحدثها. توفي سنة مائة وتسعة وثلاثين.. أخرج له اصحاب السنن ووثقوه، وهو مستجاب الدعوة. وله تفسير
(6) الاية 102 سورة البقرة.
(7) وفي نسخة (انه) .
(8) كشرب الخمر وقتل النفس والزنا.(2/401)
الْمَعَاصِي وَالْكُفْرِ الْمَذْكُورَةِ فِي تِلْكَ الْأَخْبَارِ.
وَقَوْلُ خَالِدٍ: «لَمْ يُنْزَلْ» يُرِيدُ أَنَّ مَا «نَافِيَةٌ» وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ «1» .
قَالَ مَكِّيٌّ «2» : «وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ.. وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ- يُرِيدُ بِالسِّحْرِ الَّذِي افتعلته عليه الشياطين واتبعتهم فِي ذَلِكَ الْيَهُودُ» .
وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ. قَالَ مَكِّيٌّ «2» : «هُمَا جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ.
ادَّعَى الْيَهُودُ عَلَيْهِمَا الْمَجِيءَ بِهِ كَمَا ادَّعَوْا عَلَى سُلَيْمَانَ فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ.. «وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ. بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ «3» » قِيلَ: «هُمَا رَجُلَانِ تَعلَّمَاهُ» .
قَالَ الْحَسَنُ «4» : «هَارُوتُ وَمَارُوتُ عِلْجَانِ «5» مِنْ أَهْلِ بابل وقرأ «وما أنزل على الملكين «6» بِكَسْرِ اللَّامِ، وَتَكُونُ «مَا» إِيجَابًا عَلَى هَذَا.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «67» رقم «7» .
(3) الاية 102 سورة البقرة.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «60» رقم «8» .
(5) عنجان: مثنى علج وهو الغليظ من كفار العجم. من قولهم هو مستعلج الوجه أي غليظة.
(6) وهي قراءة شاذة كما تقدم.(2/402)
وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «1» بْنِ أَبْزَى بِكَسْرِ اللام، ولكنه قال: «الملكان هنا داوود وَسُلَيْمَانُ» .. وَتَكُونُ «مَا» نَفْيًا «2» عَلَى مَا تَقَدَّمَ..
وَقِيلَ: كَانَا مَلِكَيْنِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَمَسَخَهُمَا اللَّهُ.. حَكَاهُ السَّمَرْقَنْدِيُّ «3» ، وَالْقِرَاءَةُ بِكَسْرِ اللَّامِ شَاذَّةٌ فَمَحْمَلُ الْآيَةِ عَلَى تَقْدِيرِ أَبِي مُحَمَّدٍ مَكِّيٍّ حَسَنٌ.. يُنَزِّهُ الْمَلَائِكَةَ، وَيُذْهِبُ الرِّجْسَ عَنْهُمْ..
وَيُطَهِّرُهُمْ تطهيرا..
وقد وصفهم الله بأنهم «مطهّرون «4» » و «كِرامٍ بَرَرَةٍ «5» » و «لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ «6» » .
وَمِمَّا يَذْكُرُونَهُ: قِصَّةُ إِبْلِيسَ وَأَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَرَئِيسًا فِيهِمْ، وَمِنْ خُزَّانِ الْجَنَّةِ.. إِلَى آخِرِ مَا حَكَوْهُ وَأَنَّهُ اسْتَثْنَاهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بِقَوْلِهِ: «فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ «7» » .
__________
(1) عبد الرحمن بن ابزي: صحابي كما جزم به النووي والذهبي واختلف في أبيه فقيل انه صحابي أدرك النبي صلّى الله عليه وسلم وصلّى خلفه، وقيل «انه تابعي لم يدركه» . وأبزي أي أوسع خطوه.. وقد اخرج له الستة وغيرهم كأحمد في مسنده. وهو خزاعي.
(2) ولا يجوز ان تكون موصوله لعصمتها كما تقدم.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «51» رقم «2» .
(4) على قول انهم الملائكة في (لا يمسه الا المطهرون) .
(5) سورة عبس اية «16» .
(6) سورة التحريم اية «6» .
(7) سورة البقرة اية «24» .(2/403)
وَهَذَا أَيْضًا لَمْ يُتَّفَقْ عَلَيْهِ.. بَلِ الْأَكْثَرُ ينفون ذلك، وأنه أبو الجن كما آدَمَ أَبُو الْإِنْسِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ «1» وَقَتَادَةَ «2» ، وَابْنِ زَيْدٍ «3» وَقَالَ شَهْرُ «4» بْنُ حَوْشَبٍ: «كَانَ مِنَ الْجِنِّ الَّذِينَ طَرَدَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ فِي الْأَرْضِ حِينَ أَفْسَدُوا.. وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ «5» شَائِعٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ سَائِغٌ» .
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ» ومما رووه في الْأَخْبَارِ «6» : «أَنَّ خَلْقًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَصَوُا اللَّهَ فَحُرِّقُوا «7» ، وَأُمِرُوا أَنْ يَسْجُدُوا لِآدَمَ فَأَبَوْا فَحُرِّقُوا، ثُمَّ آخَرُونَ كَذَلِكَ، حَتَّى سَجَدَ لَهُ مَنْ ذَكَرَ اللَّهُ إِلَّا إِبْلِيسَ.. فِي أَخْبَارٍ لَا أَصْلَ لَهَا تَرُدُّهَا صِحَاحُ الْأَخْبَارِ.. فَلَا يُشْتَغَلُ بها والله أعلم.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «60» رقم «8» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «62» رقم «3» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «246» رقم «3» .
(4) شهر بن حوشب: بزمة فكر. وهو ممن رووا عنه ووثقوه، وضعفه بعضهم وتوفي سنة احدى عشرة ومائة.. وقيل في تاريخ موته غير ذلك، وله ترجمة في الميزان
(5) ويسمى الاستثناء المنقطع.
(6) كما رواه ابن جرير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وابن أبي حاتم عن يحيى بن كثير.
(7) وفي نسخة (فحرفوا) اي طردوا وصرفوا عن مقامهم.(2/404)
الباب الثّاني في ما يخصتهم الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَيَطْرَأُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعَوَارِضِ الْبَشَرِيَّةِ
وفيه تسعة فصول(2/405)
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ حَالَةُ الْأَنْبِيَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَوَارِضِ الْبَشَرِيَّةِ
قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَائِرَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ مِنَ الْبَشَرِ..
وَأَنَّ جِسْمَهُ وَظَاهِرَهُ خَالِصٌ لِلْبَشَرِ يَجُوزُ عَلَيْهِ مِنَ الْآفَاتِ وَالتَّغْيِيرَاتِ وَالْآلَامِ وَالْأَسْقَامِ وَتَجَرُّعِ كَأْسِ الْحِمَامِ مَا يَجُوزُ عَلَى الْبَشَرِ. وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِنَقِيصَةٍ فِيهِ.. لِأَنَّ الشَّيْءَ إِنَّمَا يُسَمَّى نَاقِصًا بِالْإِضَافَةِ إلى ما هو أتم فيه وأكمل من نوعه وقد كتب الله عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الدَّارِ فِيهَا يَحْيَوْنَ، وَفِيهَا يَمُوتُونَ، وَمِنْهَا يُخْرَجُونَ.
وَخَلَقَ جَمِيعَ الْبَشَرِ بِمَدْرَجَةِ «1» الْغِيَرِ «2» .
فَقَدْ مَرِضَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَاشْتَكَى وَأَصَابَهُ الْحَرُّ وَالْقَرُّ، وَأَدْرَكَهُ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَلَحِقَهُ الْغَضَبُ وَالضَّجَرُ، وَنَالَهُ الْإِعْيَاءُ وَالتَّعَبُ، وَمَسَّهُ الضَّعْفُ وَالْكِبَرُ، وَسَقَطَ فَجُحِشَ «3» شِقُّهُ» وَشَجَّهُ الْكُفَّارُ «4»
__________
(1) مدرجة: اسم مكان بمعنى الطريق.
(2) الغير: حوادث الدهر المتغيرة.
(3) جحش: أي خدش. وقال الخليل هو كالخدش أو أكثر.
(4) والذي شجه هو ابن قميئة والفعل للواحد وأسنده للكل.(2/406)
وَكَسَرُوا رُبَاعِيَّتَهُ «1» ، وَسُقِيَ السُّمُّ «2» ، وَسُحِرَ «3» ، وَتَدَاوَى «4» وَاحْتَجَمَ «5» ، وَتَنَشَّرَ «6» وَتَعَوَّذَ، ثُمَّ قَضَى نَحْبَهُ فَتُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَحِقَ بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى، وَتَخَلَّصَ مِنْ دَارِ الِامْتِحَانِ «7» وَالْبَلْوَى.
وَهَذِهِ سِمَاتُ الْبَشَرِ الَّتِي لَا مَحِيصَ عَنْهَا. وَأَصَابَ غَيْرَهُ مِنَ الأنبياء ما هو أعظم فَقُتِّلُوا قَتْلًا «8» ، وَرُمُوا فِي النَّارِ «9» ، وَنُشِرُوا بِالْمَنَاشِيرِ «10» ، وَمِنْهُمْ مَنْ وَقَاهُ اللَّهُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَصَمَهُ كَمَا عُصِمَ «11» بَعْدُ «12» نبينا «13» من الناس.
__________
(1) الرباعية: هي السن التي بين الثنية والناب.
(2) وذلك بعد خيبر اهدت له زينب بنت الحارث اليهودية شاة مسمومة واكثرت السم في الذراع لما كانت علمت من محبته لها. وقد مات في هذه الحادثة بشر بن البراء فقد أكل منها.
(3) الساحر هو لبيد بن الاعصم وكان ذلك في مرجعه من الحديبية سنة سبع. وقد أخبره جبريل عن مكان السحر فاستخرجه.
(4) كما في مسند ابن أبي شيبة عن ابن مسعود عند ما لدغنه عقرب في اصبعه صلّى الله عليه وسلم فوضع عليها ماء وملحا.
(5) في كنفه لما أكل من الشاة المسمومة.
(6) تنشر: بمعنى الرقية والتعوذ والتحقيق ان النشرة ما يقرأ عليه ادعية وتعاويذ ثم يغسل بها من به مرض ونحوه وسميت نشرة لنشر الماء فيها.
(7) وفي نسخة (المحن) .
(8) كما وقع ليحيى عليه السلام.
(9) كما وقع للخليل صلّى الله عليه وسلم.
(10) كما وقع لزكريا عليه الصلاة والسلام.
(11) وفي نسخة (عصموا) .
(12) وفي نسخة (بعض) .
(13) وفي نسخة (الانبياء) .(2/407)
فَلَئِنْ لَمْ يَكْفِ نَبِيَّنَا رَبُّهُ يَدَ ابْنِ قميئة «1» يَوْمَ أُحُدٍ، وَلَا حَجَبَهُ عَنْ عُيُونِ عِدَاهُ عِنْدَ دَعْوَتِهِ أَهْلَ الطَّائِفِ فَلَقَدْ أَخَذَ عَلَى عُيُونِ قُرَيْشٍ عِنْدَ خُرُوجِهِ إِلَى ثَوْرٍ «2» ، وَأَمْسَكَ عَنْهُ سَيْفَ غَوْرَثٍ «3» ، وَحَجَرَ أَبِي جَهْلٍ «4» ، وَفَرَسَ سُرَاقَةَ «5» .
وَلَئِنْ لَمْ يَقِهِ مِنْ سِحْرِ ابْنِ الْأَعْصَمِ «6» ، فَلَقَدْ وَقَاهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ سُمِّ الْيَهُودِيَّةِ..
وَهَكَذَا سَائِرُ أَنْبِيَائِهِ، مُبْتَلًى وَمُعَافًى، وَذَلِكَ مِنْ تَمَامِ حِكْمَتِهِ لِيُظْهِرَ شَرَفَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَقَامَاتِ، وَيُبَيِّنُ أَمْرَهُمْ، وَيُتِمُّ كَلِمَتَهُ فِيهِمْ، وليحقق بامتحانهم بشربتهم، ويرتفع «7» الالتباس عن أهل الضعف
__________
(1) ابن قمئة: قمئة بكسر القاف وسكون الميم فهمزة وقيل بفتح أوله وكسر ثانيه وزيادة ياء فيه على وزن سفينة وهو من قميء بمعنى ذليل وصغير، وهو عبد الله بن قمئة الذي جرح وجهه الشريف صلّى الله عليه وسلم لما رماه وقال له: خذها وأنا ابن قمئة. فقال لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أقماك الله. أي أذلك، فرماه الله من شاهق جبل معروف لما انصرف فتقطع قطعا. وقصته في السير.
(2) ثور: جبل معروف على يمين مكة.
(3) غورث: بن الحارث الفطفاني الاعرابي كما في البخاري أنه عليه الصلاة والسلام نزل بمكان كثير العضاة فعلق سيفه بشجرة ونام في ظلها فجاء غورث فاخترطه وقال للنبي عليه الصلاة والسلام من يمنعك مني فقال الله فسقط السيف من يده، وقد أسلم بعد ذلك وتقدمت ترجمته في ج ص «681» رقم «7» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «270» رقم «3» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «130» رقم «5» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «224» رقم «4» .
(7) وفي نسخة (ويرفع) .(2/408)
فِيهِمْ لِئَلَّا يَضِلُّوا بِمَا يَظْهَرُ مِنَ الْعَجَائِبِ على أيديهم، ضلال «1» النصارى بعيسى بن مريم، وليكون في محنتهم تَسْلِيَةٌ لِأُمَمِهِمْ وَوُفُورٌ لِأُجُورِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ.. تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ إِلَيْهِمْ.
قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: «وهذه الطواريء والتغييرات الْمَذْكُورَةُ إِنَّمَا تَخْتَصُّ بِأَجْسَامِهِمُ الْبَشَرِيَّةِ الْمَقْصُودِ بِهَا مُقَاوَمَةُ الْبَشَرِ وَمُعَانَاةُ بَنِي آدَمَ لِمُشَاكَلَةِ الْجِنْسِ.
وَأَمَّا بَوَاطِنُهُمْ فَمُنَزَّهَةٌ غَالِبًا عَنْ ذَلِكَ مَعْصُومَةٌ مِنْهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَلَأِ «2» الْأَعْلَى وَالْمَلَائِكَةِ لِأَخْذِهَا عَنْهُمْ.. وَتَلَقِّيهَا الْوَحْيَ مِنْهُمْ» قَالَ:
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» : «إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» .
وَقَالَ «4» : «إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ.. إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي..» وَقَالَ «5» : «لَسْتُ أَنْسَى وَلَكِنْ أُنَسَّى لِيُسْتَنَّ بِي» .
فَأَخْبَرَ أَنَّ سِرَّهُ وَبَاطِنَهُ وَرُوحَهُ بِخِلَافِ جِسْمِهِ وَظَاهِرِهِ وَأَنَّ الْآفَاتِ الَّتِي تَحِلُّ ظَاهِرَهُ مِنْ ضَعْفٍ وَجُوعٍ وَسَهَرٍ وَنَوْمٍ، لَا يَحِلُّ مِنْهَا شَيْءٌ بَاطِنَهُ بِخِلَافِ غيره من البشر في حكم الباطن.
__________
(1) وقد الفت كتب كثيرة عن ضلالهم.
(2) وفي نسخة (بالرفيق) .
(3) والحديث تقدم.
(4) في حديث رواه البخاري في وصاله الصوم ونهي غيره عنه.
(5) وقد تقدم الحديث.(2/409)
لِأَنَّ غَيْرَهُ إِذَا نَامَ اسْتَغْرَقَ النَّوْمُ جِسْمَهُ وَقَلْبَهُ، وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَوْمِهِ حَاضِرُ الْقَلْبِ كَمَا هُوَ فِي يَقَظَتِهِ.. حَتَّى قَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ أَنَّهُ كان محروسا من الحدث في نومه ليكون قَلْبِهِ يَقْظَانَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ إِذَا جَاعَ ضَعُفَ لِذَلِكَ جِسْمُهُ، وَخَارَتْ قُوَّتُهُ، فَبَطَلَتْ بِالْكُلِّيَّةِ جُمْلَتُهُ.. وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أخبر أنه لا يعتر به ذلك، وأنه بخلافهم.
لقوله: «إني لست كهيئكم.. إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي» .
وَكَذَلِكَ أَقُولُ: «إِنَّهُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، مِنْ وَصَبٍ «1» ومرض، وسحر «2» وغضب، لم يجر على باطنه ما يخلّ بِهِ، وَلَا فَاضَ مِنْهُ عَلَى لِسَانِهِ وَجَوَارِحِهِ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ، كَمَا يَعْتَرِي «3» غَيْرَهُ مِنَ الْبَشَرِ مِمَّا نَأْخُذُ بَعْدُ فِي بَيَانِهِ» ..
__________
(1) الوصب: الالم الدائم او التعب.
(2) وفي نسخة (وضجر) .
(3) وفي نسخة (كما يتعرض لغيره) .(2/410)
الْفَصْلُ الثَّانِي حَالَتُهُمْ بِالنِّسْبَةِ لِلسِّحْرِ
فَإِنْ قُلْتَ: فَقَدْ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ «1» أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم سحر
فعن عَائِشَةَ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ «3» : «سُحِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ» .
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي النِّسَاءَ وَلَا يَأْتِيهِنَّ» الْحَدِيثَ.
وَإِذَا كَانَ هَذَا مِنَ الْتِبَاسِ الْأَمْرِ عَلَى الْمَسْحُورِ فَكَيْفَ حَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ؟!
وَكَيْفَ جَازَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَعْصُومٌ؟!.
فَاعْلَمْ: وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ هَذَا الحديث صحيح، متفق عليه
__________
(1) كما في حديث رواه البخاري.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «146» رقم «5» .
(3) كما في الصحيحين.(2/411)
وقد طعنت فيه الملحدة، وتذرعت «1» بِهِ لِسُخْفِ عُقُولِهَا، وَتَلْبِيسِهَا عَلَى أَمْثَالِهَا، إِلَى التَّشْكِيكِ فِي الشَّرْعِ..
وَقَدْ نَزَّهَ اللَّهُ الشَّرْعَ وَالنَّبِيَّ عَمَّا يُدْخِلُ فِي أَمْرِهِ لَبْسًا وَإِنَّمَا السِّحْرُ مَرَضٌ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَعَارِضٌ «2» مِنَ الْعِلَلِ يَجُوزُ عَلَيْهِ كَأَنْوَاعِ الْأَمْرَاضِ «3» مِمَّا لَا يُنْكَرُ وَلَا يَقْدَحُ فِي نُبُوَّتِهِ..
وَأَمَّا مَا وَرَدَ من أَنَّهُ كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ الشَّيْءَ وَلَا يَفْعَلُهُ فَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يُدْخِلُ عَلَيْهِ دَاخِلَةً فِي شَيْءٍ مِنْ تَبْلِيغِهِ أَوْ شَرِيعَتِهِ، أَوْ يَقْدَحُ فِي صِدْقِهِ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ وَالْإِجْمَاعِ عَلَى عِصْمَتِهِ مِنْ هَذَا.
وَإِنَّمَا هَذَا فِيمَا يَجُوزُ طُرُوُّهُ عَلَيْهِ فِي أَمْرِ «4» دُنْيَاهُ الَّتِي لَمْ يُبْعَثْ بِسَبَبِهَا، وَلَا فُضِّلَ مِنْ أجلها، وهو فيها عرضة لِلْآفَاتِ كَسَائِرِ الْبَشَرِ، فَغَيْرُ بَعِيدٍ أَنْ يُخَيَّلَ إليه من أمورها مالا حَقِيقَةَ لَهُ ثُمَّ يَنْجَلِي عَنْهُ كَمَا كَانَ..
وَأَيْضًا فَقَدْ فَسَّرَ هَذَا الْفَصْلَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ
__________
(1) تذرعت وتوسلت.
(2) عارض: هو عند الاطباء ما يزول بسرعة من الامراض. وعند الحكماء المتكلمين ما لا يقوم بنفسه.
(3) فالسحر بهذا له حقيقة مؤثرة ينشأ عنه تغيرات وامراض وهو مذهب الجمهور ويشهد له القرآن والسنة خلافا لمن قال انه تخيل لا حقيقة له. واليه ذهب ابن حزم وغيره. والسحر اذا لم تكن له حقيقة سمي شعبذة.
(4) وفي نسخة (امور) . وفي أخرى (من امور) .(2/412)
مِنْ قَوْلِهِ: «حَتَّى يُخَيَّلَ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَأْتِي أهله ولا يأتيهن» .
وقال سفيان «1» : «هذا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ السِّحْرِ «2» » ..
وَلَمْ يَأْتِ فِي خَبَرٍ مِنْهَا أَنَّهُ نُقِلَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ بِخِلَافِ مَا كَانَ أَخْبَرَ أَنَّهُ فعله ولم يفعله، وإنما كانت خواطر وتخييلات.
وَقَدْ قِيلَ: «إِنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ يَتَخَيَّلُ الشَّيْءَ أَنَّهُ فَعَلَهُ وَمَا فَعَلَهُ لَكِنَّهُ تَخْيِيلٌ لَا يَعْتَقِدُ صِحَّتَهُ، فَتَكُونُ اعْتِقَادَاتُهُ كُلُّهَا عَلَى السَّدَادِ وَأَقْوَالُهُ عَلَى الصِّحَّةِ» .
هَذَا مَا وقفت عليه من الأجوبة لأئمتنا عن «3» هذا الحديث مع ما أوضحنا مِنْ مَعْنَى كَلَامِهِمْ، وَزِدْنَاهُ بَيَانًا مِنْ تَلْوِيحَاتِهِمْ «4» وَكُلُّ وَجْهٍ مِنْهَا مُقْنِعٌ، لَكِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ لي في الحديث تأويل أجلى وأبعد عن مَطَاعِنِ ذَوِي الْأَضَالِيلِ، يُسْتَفَادُ مِنْ نَفْسِ الْحَدِيثِ وَهُوَ أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ «5» قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ «6» عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ «7» وَعُرْوَةَ «8» بْنِ الزُّبَيْرِ وقال فيه عنهما، سحر يهودي بني زريق
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «191» رقم «5» .
(2) ولذا قالت عائشة رضي الله عنها حتى يخيل.. و (حتى) حرف غابة. فلا غاية بعدها.
(3) وفي نسخة (في) .
(4) تلويحات: هي الاشارات بغير تصريح.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «379» رقم «5» .
(6) في مصنفه عن الزهري عن ابن المسيب.
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «252» رقم «3» .
(8) عروة بن الزبير بن العوام تابعي ثقة كثير الحديث كان نقيا عالما ثقا مأمونا ولد لست خلون من خلافة عثمان وتوفي في سنة أربع وتسعين من الهجرة.(2/413)
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلُوهُ «1» فِي بِئْرٍ «2» حَتَّى كَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم يُنْكِرَ بَصَرَهُ.. ثُمَّ دَلَّهُ اللَّهُ عَلَى مَا صَنَعُوا فَاسْتَخْرَجَهُ «3» مِنَ الْبِئْرِ.
وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنِ الْوَاقِدِيِّ «4» ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «5» بْنِ كَعْبٍ، وَعُمَرَ «6» بْنِ الْحَكَمِ.
وَذُكِرَ: عَنْ عَطَاءٍ «7» الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ يَحْيَى «8» بْنِ يَعْمُرَ: حُبِسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَائِشَةَ سَنَةً فَبَيْنَا هُوَ نَائِمٌ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِهِ وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ. الْحَدِيثَ
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ «9» : حُبِسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَائِشَةَ خَاصَّةً سَنَةً حَتَّى أَنْكَرَ بَصَرَهُ.
وَرَوَى «10» مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ «11» عَنِ ابْنِ عباس «12» مرض رسول
__________
(1) أي السحر.
(2) بئر ذروان.
(3) كما في رواية. وقيل انه صلّى الله عليه وسلم امر بدفنه ولم يخرجه من البئر
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «155» رقم «3» .
(5) عبد الرحمن بن كعب بن مالك السلمي يروي عن أبيه وعائشة وعنه الزهري وهشام بن عروة. ثقة مكثر اخرج له اصحاب الكتب الستة توفي في خلافة سليمان بن عبد الملك.
(6) عمر بن الحكم: تابعي جليل مات سنة سبع عشرة ومائة وله ثمانون سنة
(7) عطاء الخراساني بن أبي مسلم: من أكابر التابعين روى عنه الاوزاعي ومالك وشعبه. قال ابن جابر. كنا نغزو معه وكان يحيي الليل صلاة الى نومة السحر. اخرج له الأئمة الستة مات سنة خمس وثلاثين ومائة
(8) يحيى بن يعمر: قاضي مرو. يروي عن عائشة وابن عباس مقرىء ثقة. مات سنة تسع وعشرين ومائه
(9) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «379» رقم «5» .
(10) رواه البيهقي بسند ضعيف.
(11) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «155» رقم «2» .
(12) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .(2/414)
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحُبِسَ عَنِ النِّسَاءِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَهَبَطَ عَلَيْهِ مَلَكَانِ..
وَذَكَرَ الْقِصَّةَ.
- فَقَدِ اسْتَبَانَ لَكَ مِنْ مَضْمُونِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ السِّحْرَ إِنَّمَا تَسَلَّطَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَجَوَارِحِهِ، لَا عَلَى قَلْبِهِ. وَاعْتِقَادِهِ وَعَقْلِهِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا أَثَّرَ فِي بَصَرِهِ وَحَبَسَهُ عَنْ وَطْءِ نِسَائِهِ وَطَعَامِهِ، وَأَضْعَفَ جِسْمَهُ وَأَمْرَضَهُ، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَأْتِي أَهْلَهُ وَلَا يَأْتِيهِنَّ أَيْ يَظْهَرُ لَهُ مِنْ نَشَاطِهِ وَمُتَقَدَّمِ عَادَتِهِ الْقُدْرَةُ عَلَى النِّسَاءِ، فَإِذَا دَنَا مِنْهُنَّ أَصَابَتْهُ أَخْذَةُ السِّحْرِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِتْيَانِهِنَّ كَمَا يَعْتَرِي مَنْ أُخِذَ وَاعْتُرِضَ «1» وَلَعَلَّهُ لِمِثْلِ هَذَا أَشَارَ سُفْيَانُ «2» بِقَوْلِهِ:
وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ السِّحْرِ، وَيَكُونُ قَوْلُ عَائِشَةَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: «إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ» مِنْ بَابِ مَا اخْتَلَّ مِنْ بَصَرِهِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ فَيَظُنُّ أَنَّهُ رَأَى شَخْصًا مِنْ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ أَوْ شَاهَدَ فِعْلًا مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى مَا يُخَيَّلُ إِلَيْهِ لِمَا أَصَابَهُ فِي بَصَرِهِ وَضَعْفِ نَظَرِهِ لَا لِشَيْءٍ طَرَأَ عَلَيْهِ فِي مَيْزِهِ «3» .
وَإِذَا كَانَ هَذَا لَمْ يَكُنْ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ إِصَابَةِ السِّحْرِ لَهُ وَتَأْثِيرِهِ فِيهِ مَا يُدْخِلُ لَبْسًا، وَلَا يَجِدُ بِهِ الْمُلْحِدُ المعترض أنسا..
__________
(1) اعترض: أي اصابه العارض.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «191» رقم «5»
(3) ميزه: تمييزه.(2/415)
الفصل الثالث أحواله في أمور الدّنيا
هذا حَالُهُ فِي جِسْمِهِ، فَأَمَّا أَحْوَالُهُ فِي أُمُورِ الدنيا فنحن نسبرها «1» على أسلوبها «2» الْمُتَقَدِّمِ بِالْعَقْدِ «3» وَالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ.
أَمَّا الْعَقْدُ مِنْهَا: فَقَدْ يَعْتَقِدُ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا الشَّيْءَ عَلَى وَجْهٍ وَيَظْهَرُ خِلَافُهُ، أَوْ يَكُونُ مِنْهُ عَلَى شك أو ظن، بخلاف أمور الشرع.
قال رافع «4» بن خديج «5» قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة وهم يؤبّر «6» النخل فقال: ما تصنعون؟ قالوا: كما نَصْنَعُهُ..
قَالَ: لَعَلَّكُمْ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ خيرا فتركوه فنقصت. فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ.. فَقَالَ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ.. إذا أمرتكم بشيء من دينكم
__________
(1) نسبرها: نختبرها.
(2) ويروى (اسلوبنا) .
(3) العقد: الاعتقاد.
(4) رافع بن خديج: أنصاري شهد أحدا. اخرج له الستة وتوفي سنة أربع وتسعين من الهجرة.
(5) كما رواه مسلم.
(6) أي يلقحونها وهو ان يؤخذ من طلع النخلة الذكر ويوضع على طلع غيرها حين ينشق فتلقح.(2/416)
فخذوا به وإذا أمرتكم بشيء من رأي فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ.
وَفِي رِوَايَةِ «1» أَنَسٍ «2» : أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «3» إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ «4» عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ الْخَرْصِ «5» : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «6» : «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ.. فَمَا حَدَّثْتُكُمْ عَنِ اللَّهِ فَهُوَ حَقٌّ، وَمَا قُلْتُ فِيهِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِي فَإِنَّمَا أنا بشر، أخطىء وَأُصِيبُ وَهَذَا عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِيمَا قَالَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا، وَظَنِّهِ مِنْ أَحْوَالِهَا، لَا مَا قَالَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي شَرْعٍ شَرَعَهُ، وَسُنَّةٍ سَنَّهَا.
وَكَمَا حَكَى ابْنُ إِسْحَاقَ «7» : أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَ بِأَدْنَى مِيَاهِ بَدْرٍ قَالَ لَهُ الْحُبَابُ «8» بْنُ الْمُنْذِرِ: أَهَذَا مَنْزِلٌ أَنْزَلَكَهُ اللَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدَّمَهُ.. أَمْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ قَالَ: لَا.. بَلْ هو
__________
(1) لمسلم عن أنس.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «47» رقم «1» .
(3) رواه مسلم عن طلحة رضي الله تعالى عنه في هذه القصة.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(5) الخرص: هو الحذر والتخمين لما على النخل والكرم من الرطب والعنب.
(6) كما رواه البزار بسند حسن.
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «72» رقم «2» .
(8) الحباب بن المنذر: بن جموج بن زيد بن جز بن حرام بن غنم بن كعب بن سلمة الخزرجي الانصاري الصحابي الذي يقال له: ذو الرأي. توفي كهلا في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه.(2/417)
الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ.. قَالَ: فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلٍ.. انْهَضْ حَتَّى نَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ مِنَ الْقَوْمِ فَنَنْزِلَهُ، ثُمَّ نُغَوِّرَ مَا وَرَاءَهُ مِنَ الْقَلْبِ «1» . فَنَشْرَبَ وَلَا يَشْرَبُونَ. فَقَالَ: «أَشَرْتَ بِالرَّأْيِ» وَفَعَلَ مَا قَالَهُ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: «وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ «2» » . وأراد مصالحة بعض عدوه على ثلث تمر الْمَدِينَةِ «3» فَاسْتَشَارَ الْأَنْصَارَ «4» .
فَلَمَّا أَخْبَرُوهُ بِرَأْيِهِمْ رَجَعَ عَنْهُ. فَمِثْلُ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا الَّتِي لَا مَدْخَلَ فِيهَا لِعِلْمِ دِيَانَةٍ، وَلَا اعتقادها، ولا تعليمها يجوز عليه فيها مَا ذَكَرْنَاهُ.. إِذْ لَيْسَ فِي هَذَا كُلِّهِ نَقِيصَةٌ وَلَا مَحَطَّةٌ، وَإِنَّمَا هِيَ أُمُورٌ اعْتِيَادِيَّةٌ يَعْرِفُهَا مَنْ جَرَّبَهَا وَجَعَلَهَا هَمَّهُ. وَشَغَلَ نَفْسَهُ بِهَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَشْحُونُ الْقَلْبِ بِمَعْرِفَةِ الرُّبُوبِيَّةِ، مَلْآنُ الْجَوَانِحِ «5» بِعُلُومِ الشَّرِيعَةِ، قصيد الْبَالِ بِمَصَالِحِ الْأُمَّةِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ.
وَلَكِنْ هَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ وَيَجُوزُ فِي النادر.
وفيما سَبِيلُهُ التَّدْقِيقُ فِي حِرَاسَةِ الدُّنْيَا وَاسْتِثْمَارِهَا، لَا في الكثير المؤذن بالعلة، والغفلة.
__________
(1) القلب: جمع قليب وهو البئر الذي لم تبن أطرافه بالحجارة.
(2) الاية 159 آل عمران.
(3) وذلك في غزوة الخندق.
(4) المستشار منهم سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رضي الله تعالى عنهم.
(5) الجوانح: جمع جانحة وهي الضلوع التي تلي الصدر.(2/418)
وَقَدْ تَوَاتَرَ «1» بِالنَّقْلِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَعْرِفَةِ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَدَقَائِقِ مَصَالِحِهَا، وَسِيَاسَةِ فِرَقِ أَهْلِهَا مَا هُوَ مُعْجِزٌ فِي الْبَشَرِ مِمَّا قَدْ نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِي بَابِ معجزاته من هذا الكتاب.
__________
(1) أي تواترا معنويا على الجملة لا في مادة بخصوصها كتواتر كرم حاتم وشجاعة علي كرم الله وجهه.(2/419)
الْفَصْلُ الرَّابِعُ أَحْكَامُ الْبَشَرِ الْجَارِيَةُ عَلَى يَدَيْهِ
وأما ما يعتقده من أُمُورِ أَحْكَامِ الْبَشَرِ الْجَارِيَةِ عَلَى يَدَيْهِ وَقَضَايَاهُمْ، وَمَعْرِفَةِ الْمُحِقِّ مِنَ الْمُبْطِلِ وَعِلْمِ الْمُصْلِحِ مِنَ الْمُفْسِدِ فَبِهَذِهِ السَّبِيلِ.
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ.. وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ «2» بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ.. فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِشَيْءٍ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قطعة من النار.»
عن أُمِّ سَلَمَةَ «3» قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» : الْحَدِيثَ وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ «5» عَنْ عُرْوَةَ «6» «فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ
__________
(1) في حديث رواه الشيخان مسندا وابو داود عنه واختاره المصنف لعلو سنده كما مر.
(2) الحن: افصح واقدر على اظهار حجته.
(3) تقدمت ترجمتها في ج 1 ص «286» رقم «1» .
(4) كما رواه الشيخان ورواية المصنف عن أبي داود لعلو سنده.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «251» رقم «4» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «413» رقم «8» .(2/420)
مِنْ بَعْضٍ فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ فَأَقْضِيَ لَهُ» .
ويجري أَحْكَامُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الظَّاهِرِ وموجب غلبات الظن، بشهادة الشاهدين وَيَمِينِ الْحَالِفِ وَمُرَاعَاةِ الْأَشْبَهِ «1» ، وَمَعْرِفَةِ الْعِفَاصِ «2» وَالْوِكَاءِ «3» مَعَ مُقْتَضَى حِكْمَةِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ.
فَإِنَّهُ تَعَالَى- لَوْ شَاءَ- لَأَطْلَعَهُ عَلَى سَرَائِرِ عِبَادِهِ ومخبئات «4» ضَمَائِرِ أُمَّتِهِ فَتَوَلَّى الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ بِمُجَرَّدِ يَقِينِهِ وَعِلْمِهِ.. دُونَ حَاجَةٍ إِلَى اعْتِرَافٍ أَوْ بَيِّنَةٍ، أَوْ يَمِينٍ، أَوْ شُبْهَةٍ.. وَلَكِنْ لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ أُمَّتَهُ بِاتِّبَاعِهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي أَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ، وَقَضَايَاهُ، وَسَيَرِهِ..
وَكَانَ هَذَا لَوْ كَانَ مما يخص بِعِلْمِهِ وَيُؤْثِرُهُ اللَّهُ بِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْأُمَّةِ سَبِيلٌ إِلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا قَامَتْ حُجَّةٌ بِقَضِيَّةٍ مِنْ قَضَايَاهُ لِأَحَدٍ فِي شَرِيعَتِهِ، لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ مَا أُطْلِعَ عَلَيْهِ هُوَ فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ بِحُكْمِهِ هو إذن فِي ذَلِكَ بِالْمَكْنُونِ مِنْ إِعْلَامِ اللَّهِ لَهُ بِمَا أَطْلَعَهُ عَلَيْهِ مِنْ سَرَائِرِهِمْ.. وَهَذَا مَا لَا تَعْلَمُهُ الْأُمَّةُ.
فَأَجْرَى اللَّهُ تَعَالَى أَحْكَامَهُ عَلَى ظَوَاهِرِهِمُ الَّتِي يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ هُوَ
__________
(1) الاشبه: ما هو اكثر شبها بالحق.
(2) العقاص: وعاء من جلد ونحوه يؤخذ فيه ما التقط.
(3) الوكاء: ما يربط به.
(4) وهي جمع مخبأة اسم مفعول شدد الباء أي مكنونه غير ظاهرة.(2/421)
وَغَيْرُهُ مِنَ الْبَشَرِ لِيَتِمَّ اقْتِدَاءُ أُمَّتِهِ بِهِ في تعيين «1» قضاياه وتنزيل أحكامه.. ويأتوا مَا أَتَوْا مِنْ ذَلِكَ عَلَى عِلْمٍ وَيَقِينٍ مِنْ سُنَّتِهِ إِذِ الْبَيَانُ بِالْفِعْلِ أَوْقَعُ مِنْهُ بالقول وأرفع لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ وَتَأْوِيلِ الْمُتَأَوِّلِ، وَكَانَ حُكْمُهُ عَلَى الظاهر أحلى فِي الْبَيَانِ، وَأَوْضَحَ فِي وُجُوهِ الْأَحْكَامِ، وَأَكْثَرَ فَائِدَةً لِمُوجِبَاتِ التَّشَاجُرِ وَالْخِصَامِ وَلِيَقْتَدِيَ بِذَلِكَ كُلِّهِ حُكَّامُ أُمَّتِهِ، وَيُسْتَوْثَقَ بِمَا يُؤْثَرُ عَنْهُ، وَيَنْضَبِطُ قَانُونُ شَرِيعَتِهِ.. وَطَيُّ ذَلِكَ عَنْهُ مَنْ عِلْمِ الْغَيْبِ الَّذِي اسْتَأْثَرَ بِهِ عَالَمُ الْغَيْبِ «فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ «2» » فَيُعْلِمُهُ مِنْهُ بِمَا شَاءَ وَيَسْتَأْثِرُ بِمَا شَاءَ، وَلَا يَقْدَحُ هَذَا فِي نُبُوَّتِهِ ولا يفصم «3» عروة «4» من عصمته.
__________
(1) وفي نسخة (يقين) .
(2) الاية 26 سورة الجن.
(3) بفصم: بالفاء والصاد المهملة يكسر من غير اباتة.
(4) العروة: ما يدخل فيه الزر وما يعقد به شبه عصمته وحفظه بلباس ساتر له عرى وأزرار تمسكه بطريق الاستعارة المكنية التخييلية لان العصمة جهات يتمسك بها.(2/422)
الفصل الخامس أخباره الدّنيوية
وَأَمَّا أَقْوَالُهُ الدُّنْيَوِيَّةُ مِنْ أَخْبَارِهِ عَنْ أَحْوَالِهِ وَأَحْوَالِ غَيْرِهِ وَمَا يَفْعَلُهُ أَوْ فَعَلَهُ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْخُلْفَ فِيهَا مُمْتَنِعٌ عَلَيْهِ فِي كُلِّ حَالٍ، وَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ مِنْ عَمْدٍ أَوْ سَهْوٍ أَوْ صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ رِضًى أَوْ غَضَبٍ، وَأَنَّهُ مَعْصُومٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هَذَا فِيمَا طَرِيقُهُ الْخَبَرُ الْمَحْضُ «1» مِمَّا يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ.
- فَأَمَّا الْمَعَارِيضُ «2» الْمُوهِمُ ظَاهِرُهَا خِلَافَ بَاطِنِهَا فَجَائِزٌ وُرُودُهَا مِنْهُ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ لَا سِيَّمَا لِقَصْدِ الْمَصْلَحَةِ..
كَتَوْرِيَتِهِ «3» عَنْ وَجْهِ مَغَازِيهِ لِئَلَّا يَأْخُذَ الْعَدُوُّ حذره..
__________
(1) المحض: الصريح الذي ليس من قبيل التوراة.
(2) المعاريض: جمع معراض من التعريض خلاف الصريح.
(3) التوراة: هي لفظة لها معنيان احدهما قريب غير مقصود والاخر بعيد وهو المقصود. وهي تفعله من الوراء كأنه يستر شيئا وراءه.(2/423)
وَكَمَا رُوِيَ مِنْ مُمَازَحَتِهِ وَدُعَابَتِهِ لِبَسْطِ أُمَّتِهِ وَتَطْيِيبِ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ صَحَابَتِهِ «1» وَتَأْكِيدًا فِي تَحَبُّبِهِمْ وَمَسَرَّةِ نُفُوسِهِمْ..
كَقَوْلِهِ «2» : «لَأَحْمِلَنَّكِ عَلَى ابْنِ النَّاقَةِ» .
وَقَوْلِهِ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي سَأَلَتْهُ عَنْ زَوْجِهَا «3» «أَهُوَ الَّذِي بِعَيْنِهِ بَيَاضٌ..»
وَهَذَا كُلُّهُ صِدْقٌ، لِأَنَّ كُلَّ جَمَلٍ ابْنُ نَاقَةٍ، وَكُلَّ إِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ بَيَاضٌ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» : «إِنِّي لَأَمْزَحُ وَلَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا «5» ..»
هَذَا كُلُّهُ فِيمَا بَابُهُ الْخَبَرُ.
- فَأَمَّا مَا بَابُهُ غَيْرُ الْخَبَرِ مِمَّا صُورَتُهُ صُورَةُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ، فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ أَيْضًا وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَ أَحَدًا بِشَيْءٍ، أَوْ يَنْهَى أَحَدًا عَنْ شَيْءٍ، وَهُوَ يُبْطِنُ خِلَافَهُ.
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «6» : «مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خائنة الأعين.»
__________
(1) وفي نسخة (من أصحابه) .
(2) صلّى الله عليه وسلم في حديث رواه ابو داود والترمذي عن أنس رضي الله تعالى عنه وصححاه.
(3) والحديث رواه ابن أبي حاتم وغيره.
(4) في حديث رواه احمد والترمذي والطبراني عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم بسند حسن.
(5) ولفظ الحديث انهم قالوا: يا رسول الله انك تداعبنا.. فقال: اني اذا داعبتكم لا أقول الا حقا،» فالنهي عنه في قوله: «لا تمار أخاك ولا تمازحه» . وفي قول عمر رضي الله تعالى عنه: «من مزح استخف به» وقول ابن العاصي: «يا بني لا تمازح الشريف فيحقد عليك، ولا الدنيء فيجترىء عليك» . محمول على الكثرة منه في غير محله وعلى غير سنته صلّى الله عليه وسلم.
(6) هذا من حديث رواه الحاكم والنسائي وابو داود.(2/424)
فَكَيْفَ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ قَلْبٍ.
فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِي قِصَّةِ زَيْدٍ «1» : «وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ «2» » الاية
فَاعْلَمْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ، وَلَا تَسْتَرِبْ فِي تَنْزِيهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذَا الظَّاهِرِ وَأَنْ يَأْمُرَ زَيْدًا بِإِمْسَاكِهَا وَهُوَ يُحِبُّ تَطْلِيقَهُ إِيَّاهَا كَمَا ذُكِرَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ..
وَأَصَحُّ مَا فِي هَذَا مَا حَكَاهُ «3» أَهْلُ التَّفْسِيرِ عَنْ عَلِيِّ «4» بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ أَعْلَمَ نَبِيَّهُ أَنَّ زَيْنَبَ سَتَكُونُ مِنْ أَزْوَاجِهِ..
فَلَمَّا شَكَاهَا إِلَيْهِ زَيْدٌ.. قَالَ لَهُ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ.
وأخفى منه فِي نَفْسِهِ مَا أَعْلَمَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ أَنَّهُ سَيَتَزَوَّجُهَا «5» مِمَّا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَمُظْهِرُهُ بِتَمَامِ التزويج وطلاق زيد لها «6» .
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «112» رقم «5» .
(2) «.. وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا» آية 37 من سورة الاحزاب.
(3) وفي نسخة (رواه) .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «433» رقم «4» .
(5) وفي نسخة (سيزوجها الله له) .
(6) كما قال تعالى: (لكيلا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ) الاية.(2/425)
وَرَوَى نَحْوَهُ عَمْرُو «1» بْنُ فَائِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ «2» قَالَ: «نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْلِمُهُ أَنَّ اللَّهَ يُزَوِّجُهُ زَيْنَبَ «3» بِنْتَ جَحْشٍ، فَذَلِكَ الَّذِي أَخْفَى فِي نَفْسِهِ» .
وَيُصَحِّحُ هَذَا قَوْلُ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى بعد هذا «وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا «4» » أَيْ لَا بُدَّ لَكَ أَنْ تَتَزَوَّجَهَا.. وَيُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُبْدِ مِنْ أَمْرِهِ مَعَهَا غَيْرَ زَوَاجِهِ لَهَا، فَدَلَّ أَنَّهُ الَّذِي أَخْفَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا كَانَ أَعْلَمَهُ بِهِ تَعَالَى.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْقِصَّةِ: «مَا كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ.. سُنَّةَ اللَّهِ.. «5» » الْآيَةَ فَدَلَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَرَجٌ في الأمر.
__________
(1) عمرو بن فائد: وفي الاكمال انه بالفاء والقاف، وذكره الذهبي فقال: عمرو بن قائد الاسواري. وقال القرطبي وغيره انه ضعيف متروك الحديث معتزلي قدري لا يفهم الحديث، وهو بصري يكني ابا علي. قال البرهان: «وهو فى النسخ التي وقفت عليها بالقاف» وفيه نظر.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «51» رقم «4» .
(3) زينب بنت جحش: وقيدها ببنت جحش ليخرج غيرها، فان من أمهات المؤمنين زينب أخرى هي بنت خزيمة أم المساكين وقد تقدمت ترجمتها في ج 1 ص «566» رقم «5» .
(4) الاية: 27 سورة الاحزاب.
(5) «.. فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً» الاية: 38 سورة الاحزاب.(2/426)
قَالَ الطَّبَرِيُّ «1» : «مَا كَانَ اللَّهُ لِيُؤَثِّمَ نَبِيَّهُ فِيمَا أَحَلَّ لَهُ مِثَالَ فِعْلِهِ لِمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ» .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ «2» » أَيْ مِنَ النَّبِيِّينَ فِيمَا أَحَلَّ لَهُمْ..
وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ «3» قَتَادَةَ «4» مِنْ وُقُوعِهَا مِنْ قَلْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم عند ما أَعْجَبَتْهُ، وَمَحَبَّتِهِ طَلَاقَ زَيْدٍ لَهَا لَكَانَ فِيهِ أَعْظَمُ الْحَرَجِ وَمَا لَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ مدعينيه لِمَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.. وَلَكَانَ هَذَا نَفْسَ الْحَسَدِ الْمَذْمُومِ الَّذِي لَا يَرْضَاهُ، وَلَا يَتَّسِمُ بِهِ الْأَتْقِيَاءُ.. فَكَيْفَ سَيِّدُ الْأَنْبِيَاءِ!!!
قَالَ الْقُشَيْرِيُّ «5» : «وَهَذَا إِقْدَامٌ عَظِيمٌ مِنْ قَائِلِهِ وَقِلَّةُ مَعْرِفَةٍ بِحَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِفَضْلِهِ وَكَيْفَ يُقَالُ: رَآهَا فَأَعْجَبَتْهُ، وهي بنت عمته «6» ، وَلَمْ يَزَلْ يَرَاهَا مُنْذُ وُلِدَتْ، وَلَا كَانَ النِّسَاءُ يَحْتَجِبْنَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. وهو زوّجها لزيد.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «2» .
(2) الاية: 38 سورة الاحزاب.
(3) عبد بن حميد عن قتادة.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «62» رقم «3» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «470» رقم «5» .
(6) لانها بنت أميمة بنت عبد المطلب.(2/427)
- وإنما جعل الله طلاق زيد لها، وتزوج النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا لِإِزَالَةِ حُرْمَةِ التَّبَنِّي وَإِبْطَالِ سُنَّتِهِ..
كَمَا قَالَ: «مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ «1» » .
وَقَالَ: «لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ «2» » . وَنَحْوُهُ لِابْنِ «3» فُورَكٍ.
وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ «4» السَّمَرْقَنْدِيُّ: فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْفَائِدَةُ فِي أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْدٍ بِإِمْسَاكِهَا؟ فَهُوَ أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمَ نَبِيَّهُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ، فَنَهَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ طَلَاقِهَا إِذْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمَا أُلْفَةٌ وَأَخْفَى فِي نَفْسِهِ مَا أَعْلَمَهُ اللَّهُ بِهِ.. فَلَمَّا طَلَّقَهَا زَيْدٌ خَشِيَ قَوْلَ النَّاسِ: يَتَزَوَّجُ امْرَأَةَ ابْنِهِ فَأَمَرَهُ اللَّهُ بِزَوَاجِهَا لِيُبَاحَ مِثْلُ ذَلِكَ لِأُمَّتِهِ..
كَمَا قَالَ تَعَالَى: «لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ «5» .»
وَقَدْ قِيلَ: كَانَ أَمْرُهُ لِزَيْدٍ بِإِمْسَاكِهَا قَمْعًا للشهوة وردا للنفس عن هواها «6» ..
__________
(1) الاية 40 سورة الاحزاب.
(2) الاية 37 سورة الاحزاب.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «119» رقم «4» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «51» رقم «2» .
(5) الاية: 37 سورة الاحزاب.
(6) وحاشاه صلّى الله عليه وسلم عن مثله.(2/428)
وَهَذَا إِذَا جَوَّزْنَا عَلَيْهِ أَنَّهُ رَآهَا فَجْأَةً وَاسْتَحْسَنَهَا وَمِثْلُ هَذَا لَا نُكْرَةَ فِيهِ لِمَا طبع عليه ابن آدم من استحسانه الحسن، ونظرة الفجأة مَعْفُوٌّ عَنْهَا ثُمَّ قَمَعَ نَفْسَهُ عَنْهَا وَأَمَرَ زيدا بإمساكها..
وإنما تنكر تلك الزيادات التي فِي الْقِصَّةِ.
وَالتَّعْوِيلُ وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ علي «1» بن الحسين وحكاه السمرقندي «2» وهو قول ابن عطاء «3» وَاسْتَحْسَنَهُ الْقَاضِي الْقُشَيْرِيُّ «4»
وَعَلَيْهِ عَوَّلَ أَبُو بَكْرِ «5» بْنُ فُورَكٍ وَقَالَ: إِنَّهُ مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ.. قَالَ.. وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَزَّهٌ عَنِ اسْتِعْمَالِ النِّفَاقِ فِي ذَلِكَ وَإِظْهَارِ خِلَافِ مَا فِي نَفْسِهِ.. وَقَدْ نَزَّهَهُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: «مَا كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ «6» »
قال: «وَمَنْ ظَنَّ ذَلِكَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ أَخْطَأَ.
قَالَ: وَلَيْسَ مَعْنَى الْخَشْيَةِ هُنَا الْخَوْفَ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ «7» الِاسْتِحْيَاءُ..
أَيْ يَسْتَحْيِي مِنْهُمْ أَنْ يَقُولُوا: تَزَوَّجَ زَوْجَةَ ابْنِهِ.. وَأَنَّ خشيته
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «344» رقم «4» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «51» رقم «2» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «63» رقم «6» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «470» رقم «5» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «119» رقم «4» .
(6) الاية: 38 سورة الاحزاب.
(7) وفي نسخة (معناها) .(2/429)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّاسِ كَانَتْ مِنْ إِرْجَافِ الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودِ، وَتَشْغِيبِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِمْ: تَزَوَّجَ زَوْجَةَ ابْنِهِ بَعْدَ نَهْيِهِ عَنْ نِكَاحِ حَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ كَمَا كَانَ.. فَعَتَبَهُ اللَّهُ على هذا ونزهه عن الإلتفات إِلَيْهِمْ فِيمَا أَحَلَّهُ لَهُ.. كَمَا عَتَبَهُ عَلَى مُرَاعَاةِ رِضَى أَزْوَاجِهِ فِي سُورَةِ التَّحْرِيمِ بِقَوْلِهِ: «لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ «1» ..» الاية
كذلك قوله له ههنا «وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ «2» »
وَقَدْ رُوِيَ «3» عَنِ الْحَسَنِ «4» وَعَائِشَةَ «5» : لَوْ كَتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا لكتم هَذِهِ الْآيَةَ لِمَا فِيهَا مِنْ عَتَبِهِ وَإِبْدَاءِ ما أخفاه.
__________
(1) «.. تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» الاية 1 سورة التحريم.
(2) الاية 3 سورة الاحزاب.
(3) رواه الترمذي وصححه.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «60» رقم «8» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «146» رقم «5» .(2/430)
الْفَصْلُ السَّادِسُ حَدِيثُ الْوَصِيَّةِ
فَإِنْ قُلْتَ قَدْ تَقَرَّرَتْ عِصْمَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَقْوَالِهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ فِيهَا خُلْفٌ وَلَا اضْطِرَابٌ فِي عَمْدٍ وَلَا سَهْوٍ، وَلَا صِحَّةٍ وَلَا مَرَضٍ، وَلَا جد ولا مزح، وَلَا رِضًى وَلَا غَضَبٍ. وَلَكِنْ مَا مَعْنَى الْحَدِيثِ «1» فِي وَصِيَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فعن ابْنِ عَبَّاسٍ «2» قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلُمُّوا أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ» .. فَقَالَ بَعْضُهُمْ «3» : «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غَلَبَهُ الْوَجَعُ» الْحَدِيثَ
وَفِي رِوَايَةٍ: «آتُونِي أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أبدا»
__________
(1) الذي روي عنه صلّى الله عليه وسلم في الصحيحين.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «2» .
(3) هو عمر رضي الله تعالى عنه كما سيأتي.(2/431)
فتنازعوا.. فقالوا «1» : «ماله؟ أهجر؟ إستفهموا «2» فَقَالَ: «دَعُونِي فَإِنَّ الَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ» .
وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهْجُرُ «3» .
وَفِي رِوَايَةٍ: هَجَرَ وَيُرْوَى: أَهْجُرٌ؟ وَيُرْوَى: أَهُجْرًا؟ ..
وَفِيهِ فَقَالَ عُمَرُ «4» : إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اشْتَدَّ بِهِ الْوَجَعُ وَعِنْدَنَا كِتَابُ اللَّهِ حَسْبُنَا، وَكَثُرَ اللَّغَطُ «5» فَقَالَ: قُومُوا عَنِّي «6» .
وَفِي رِوَايَةٍ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ وَاخْتَصَمُوا فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عمر «4» قال أئمتنا في هذا الْحَدِيثِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ مَعْصُومٍ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَمَا يَكُونُ مِنْ عَوَارِضِهَا مِنْ شِدَّةِ وَجَعٍ وَغَشْيٍ «7» وَنَحْوِهِ مِمَّا يَطْرَأُ عَلَى جِسْمِهِ.
- مَعْصُومٌ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مِنَ الْقَوْلِ أَثْنَاءَ ذَلِكَ مَا يَطْعَنُ فِي
__________
(1) كما في البخاري.
(2) استفهموا: بكسر الهاء أي استخبروا القائل بمنعه او النبي صلّى الله عليه وسلم عما أراده أفعله أولى أم تركه.
(3) يهجر: الهجر هو الهذيان.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4» .
(5) اللغط: بفتحتين هو ارتفاع الاصوات واختلافها حتى لا تكاد تفهم.
(6) وقال ابن عباس: ان الرزية كل الرزية ما حال بين رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ ان يكتب لاختلافهم ولفظهم.
(7) غشي: بفتح فسكون هو اغماء خفيف.(2/432)
مُعْجِزَتِهِ وَيُؤَدِّي إِلَى فَسَادٍ فِي شَرِيعَتِهِ مِنْ هذيان أو اختلال في كَلَامٍ.
- وَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ ظَاهِرُ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى فِي الْحَدِيثِ «هَجَرَ» إِذْ مَعْنَاهُ هَذَى، يُقَالُ: «هَجَرَ هُجْرًا» إِذَا هَذَى، «وَأَهْجَرَ هُجْرًا» إِذَا أَفْحَشَ. «وَأَهْجَرَ» تَعْدِيَةُ «هَجَرَ» ..
وَإِنَّمَا الْأَصَحُّ وَالْأَوْلَى أَهَجَرَ؟ عَلَى طَرِيقِ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ قَالَ:
لَا يَكْتُبُ..
وَهَكَذَا رِوَايَتُنَا فِيهِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «1» مِنْ رِوَايَةِ جَمِيعِ الرُّوَاةِ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ «2» الْمُتَقَدِّمِ.
وَفِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ «3» بن سلام عن ابن عُيَيْنَةَ «4» وَكَذَا ضَبَطَهُ الْأَصِيلِيُّ «5» بِخَطِّهِ فِي كِتَابِهِ «6» ، وَغَيْرُهُ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ.
وَكَذَا رَوَيْنَاهُ عَنْ مسلم «7» في حديث «8» شفيان وغيره وقد
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «158» رقم «3» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «251» رقم «4» .
(3) محمد بن سلام: هو الامام الحافظ الذي روى عنه البخاري وغيره، وتوفي سنة خمس وعشرين وثمانمائة. وسلام بتخفيف اللام عند الاكثر كما قاله الذهبي والمزي وغيرهما، وجوز بعضهم تشديدها أيضا.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «191» رقم «5» .
(5) عبد الله بن ابراهيم ابو محمد الأموي المعروف بالأصيلي عالم بالحديث والفقه من أهل أصيله في المغرب رحل في طلب العلم فطاف في الأندلس والمشرق ومات بقرطبة سنة 392 هـ له كتاب «الدلائل على أمهات المسائل» في اختلاف مالك والشافعي وأبي حنيفة
(6) كنايه: أي صحيح البخاري الذي رواه وضبطه بقلمه.
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «158» رقم «2» .
(8) كما رواه البخاري(2/433)
تُحْمَلُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ مَنْ رَوَاهُ «هَجَرَ» ؟ عَلَى حَذْفِ أَلِفِ الِاسْتِفْهَامِ وَالتَّقْدِيرُ «أَهَجَرَ» .. أَوْ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الْقَائِلِ هَجَرَ أَوْ أَهَجَرَ دَهْشَةً مِنْ قَائِلِ ذَلِكَ.. وَحَيْرَةً لِعَظِيمِ مَا شَاهَدَ مِنْ حَالِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشدّة وجعه والمقام الَّذِي اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَيْهِ، وَالْأَمْرُ الَّذِي هَمَّ بِالْكِتَابِ فِيهِ، حَتَّى لَمْ يَضْبِطْ هَذَا الْقَائِلُ لَفْظَهُ وَأَجْرَى «الْهُجْرَ» مَجْرَى شِدَّةِ الْوَجَعِ.. لَا أَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْهُجْرُ..
كَمَا حملهم الإشفاق على حراسته والله يقول: «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ «1» » وَنَحْوِ هَذَا.
وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ «أَهُجْرًا» وَهِيَ رواية أبي إسحق «2» المستملى في الصحيح حَدِيثِ ابْنِ جُبَيْرٍ «3» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «4» مِنْ رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ «5» . فَقَدْ يَكُونُ هَذَا رَاجِعًا إِلَى الْمُخْتَلِفِينَ عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُخَاطَبَةً لَهُمْ مِنْ بَعْضِهِمْ.. أَيْ جِئْتُمْ بِاخْتِلَافِكُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ يديه هجرا ومنكرا من القول!!.
__________
(1) الاية: 67 سورة المائدة.
(2) ابو اسحق المستملي: احد رواة الصحيح. وفي نسخة (السلمي) ولم يبينوه والمعروف انما هو الاول.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «58» رقم «4» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (52) رقم (6) .
(5) قتيبة: ابن سعيد احد شيوخ البخاري.(2/434)
و «الهجر» بِضَمِّ الْهَاءِ الْفُحْشُ فِي الْمَنْطِقِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ وَكَيْفَ اخْتَلَفُوا بعد أمره صلّى الله عليه وسلم أَنْ يَأْتُوهُ بِالْكِتَابِ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَوَامِرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْهَمُ إِيجَابُهَا مِنْ ندبها من إباحتها بقرائن.
فلعل قَدْ ظَهَرَ مِنْ قَرَائِنِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَعْضِهِمْ مَا فَهِمُوا أَنَّهُ لَمْ تَكُنْ مِنْهُ عَزْمَةٌ بَلْ أَمْرٌ رَدَّهُ إِلَى اخْتِيَارِهِمْ. وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَفْهَمْ ذَلِكَ فَقَالَ: اسْتَفْهِمُوهُ.. فلما اختلفوا كفّ عنه إذ لَمْ يَكُنْ عَزْمَةً وَلِمَا رَأَوْهُ مِنْ صَوَابِ رَأْيِ عُمَرَ «1» .
ثُمَّ هَؤُلَاءِ قَالُوا: «وَيَكُونُ امْتِنَاعُ عُمَرَ «1» إِمَّا إِشْفَاقًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَكْلِيفِهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ إِمْلَاءَ الْكِتَابِ. وَأَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم اشتد عليه الْوَجَعُ..
وَقِيلَ: (خَشِيَ عُمَرُ «1» أَنْ يَكْتُبَ أُمُورًا يَعْجِزُونَ عَنْهَا فَيَحْصَلُونَ فِي الْحَرَجِ بِالْمُخَالَفَةِ.. وَرَأَى أنّ الأرفق بِالْأُمَّةِ فِي تِلْكَ الْأُمُورِ سَعَةُ الِاجْتِهَادِ، وَحُكْمُ النظر، وطلب الصواب، فيكون المصيب والمخطيء مأجورا وقد علم عمر «1» تقرّر الشرع،
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4» .(2/435)
وَتَأْسِيسَ الْمِلَّةِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ «1» » وَقَوْلُهُ «2» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُوصِيكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَعِتْرَتِي «3» » .
وَقَوْلُ عُمَرَ «4» : «حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ» رَدٌّ عَلَى مَنْ نَازَعَهُ لَا عَلَى أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ قِيلَ: «إِنَّ عُمَرَ «4» خَشِيَ تَطَرُّقَ الْمُنَافِقِينَ وَمَنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ لِمَا كُتِبَ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ في الخلوة، وأن يتقولوا في ذلك الأوقاويل.. كَادِّعَاءِ الرَّافِضَةِ الْوَصِيَّةَ «5» وَغَيْرِ ذَلِكَ..
وَقِيلَ: «إِنَّهُ كَانَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم على طريق المشورة «6» والاختيار، وهل يَتَّفِقُونَ عَلَى ذَلِكَ أَمْ يَخْتَلِفُونَ.. فَلَمَّا اخْتَلَفُوا تَرَكَهُ» ..
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى: «إِنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مُجِيبًا فِي هَذَا الْكِتَابِ لِمَا طُلِبَ مِنْهُ، لا أنه ابتدأ بالأمر به.. بل
__________
(1) الاية: 3 سورة المائدة.
(2) حديث صحيح رواه مسلم.
(3) عترته: أهل بيته الذين تحرم عليهم الزكاة.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4» .
(5) أي أن النبي صلّى الله عليه وسلم أوصى لعلي كرم الله وجهه وتسمينهم له الوصي لذلك وان بعض الصحابة كتب ذلك.
(6) المشورة: بفتح الميم وضم الشين المعجمة وسكون الواو بزنة مثوبة في الافصح ويجوز سكون الشين المعجمة وفتح الواو. وهي من شرت العسل: اذا اجتنيته.(2/436)
اقْتَضَاهُ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، فَأَجَابَ رَغْبَتَهُمْ، وَكَرِهَ ذَلِكَ غَيْرُهُمْ لِلْعِلَلِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا» .
وَاسْتَدَلَّ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ بِقَوْلِ الْعَبَّاسِ «1» لَعَلِيٍّ «2» : (انْطَلِقْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ فِينَا عَلِمْنَاهُ، وَكَرَاهَةِ عَلِيٍّ «2» هَذَا وَقَوْلِهِ: «وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ» الْحَدِيثَ «3» .
وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ: «دَعُونِي فَإِنَّ الَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ» .. أَيِ الَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِنْ إِرْسَالِ الْأَمْرِ، وَتَرْكِكُمْ وَكِتَابَ «4» اللَّهِ وَأَنْ تَدَعُونِي مِمَّا طَلَبْتُمْ..
وَذُكِرَ أَنَّ الَّذِي «طُلِبَ» كِتَابَةُ أمر الخلافة بعده وتعيين ذلك
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (181) رقم (1) .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (54) رقم (4) .
(3) رواه البخاري مسندا.
(4) منصوب على انه مفعول معه أي مصاحبين بكتاب الله والتمسك به فاياكم أن تختلفوا فتهلكوا كمن كان قبلكم من الامم وتفشلوا ان تنازعتم فيه.(2/437)
الفصل السّابع دراسته أَحَادِيثَ أُخْرَى
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا وَجْهُ حَدِيثِهِ
عن أبي هريرة «1» قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «2» :
«اللَّهُمَّ إِنَّمَا مُحَمَّدٌ بَشَرٌ، يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ وَإِنِّي قَدِ اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لن نخلفنيه.. فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ.. أَوْ سَبَبْتُهُ، أَوْ جَلَدْتُهُ فاجعلها له كفارة وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.»
وَفِي رِوَايَةٍ «3» : «فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ دَعْوَةً»
وَفِي رِوَايَةٍ: «لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ» .
وَفِي رِوَايَةٍ: «فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ أَوْ لَعَنْتُهُ أَوْ جلدته فاجعلها له زكاة وصلاة» . وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَلْعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ اللَّعْنَ!!، وَيَسُبُّ من لا يستحق «4» السبّ!! ويجلد
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (31) رقم (5) .
(2) رواه مسلم.
(3) عن أنس وليست عن أبي هريرة.
(4) لقوله في رواية (ليس لها بأهل) .(2/438)
مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْجَلْدَ!! أَوْ يَفْعَلُ مِثْلَ ذلك عند الغضب وهو معصوم من هَذَا كُلِّهِ!!.
فَاعْلَمْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَكَ.. أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلًا «لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ» أَيْ عِنْدَكَ يَا رَبِّ فِي بَاطِنِ أَمْرِهِ فَإِنَّ حُكْمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الظَّاهِرِ كَمَا قَالَ.
وَلِلْحِكْمَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَحَكَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَلْدِهِ أَوْ أَدَّبَهُ بِسَبِّهِ أَوْ لَعْنِهِ بِمَا اقْتَضَاهُ عنده حال ظاهره، ثم دعا له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِشَفَقَتِهِ عَلَى أُمَّتِهِ وَرَأْفَتِهِ، وَرَحْمَتِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ الَّتِي وَصَفَهُ اللَّهُ بِهَا، وَحَذَّرَهُ أَنْ يَتَقَبَّلَ اللَّهُ فِيمَنْ دَعَا عَلَيْهِ دعوته أن يجعل دعاءه وفعله له رحمة وهو مَعْنَى قَوْلِهِ «لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ» .. لَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِلُهُ الْغَضَبُ وَيَسْتَفِزُّهُ الضَّجَرُ لِأَنْ يَفْعَلَ مِثْلَ هَذَا بِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ مُسْلِمٍ.
وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ. وَلَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: «أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ» أَنَّ الْغَضَبَ حَمَلَهُ عَلَى مَا لَا يَجِبُ.. بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَذَا أَنَّ الغضب لله حمله على ما لا يجب.. بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَذَا أَنَّ الْغَضَبَ لِلَّهِ حَمَلَهُ عَلَى مُعَاقَبَتِهِ بِلَعْنِهِ أَوْ سَبِّهِ وَأَنَّهُ مِمَّا كَانَ يَحْتَمِلُ، وَيَجُوزُ عَفْوُهُ عَنْهُ أَوْ كَانَ مِمَّا خُيِّرَ بَيْنَ الْمُعَاقَبَةِ فِيهِ وَالْعَفْوِ عَنْهُ.
- وَقَدْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْإِشْفَاقِ وَتَعْلِيمِ أُمَّتِهِ الْخَوْفَ وَالْحَذَرَ مِنْ تَعَدِّي حُدُودِ اللَّهِ.(2/439)
- وَقَدْ يُحْمَلُ مَا وَرَدَ مِنْ دُعَائِهِ هُنَا، وَمِنْ دَعَوَاتِهِ عَلَى غَيْرِ وَاحِدٍ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ، عَلَى غَيْرِ الْعَقْدِ وَالْقَصْدِ، بَلْ بِمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْعَرَبِ «1» .. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا الْإِجَابَةَ كَقَوْلِهِ «2» : «تَرِبَتْ «3» يَمِينُكَ» «وَلَا أَشْبَعَ اللَّهُ بطنك «4» » و «5» عقرى «6» حَلْقَى «7» » وَغَيْرِهَا مِنْ دَعَوَاتِهِ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي صِفَتِهِ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ «8» أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم لم يكن فحاشا.
__________
(1) أي بما جرت به عادة العرب في محاوراتهم يدعون على مخاطبهم بنحو قاتله الله وويل أمه ولا أب له لمن قصد مدحه وتحسين فعله وهو مشهور في غير لسان العرب أيضا
(2) في حديث رواه الشيخان.
(3) قال في النهاية: «ترب الرجل اذا افتقر كأنه التصق بالتراب وأترب اذا استغنى اما على همزة السلب او على معنى صار ماله كالتراب كثرة» .
(4) قاله صلّى الله عليه وسلم لمعاوية رضي الله عنه فيما رواه مسلم عن ابن عباس ولفظه: «كنت مع الصبيان فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم فتواريت خلف الباب فقال اذهب فادع لي معاوية قال: فجئته وقلت هو يأكل فقال ثانيا اذهب فادعه فجئته وقلت هو يأكل فأمرني فجئنه وقلت هو يأكل فقال صلّى الله عليه وسلم: «لا أشبع الله بطنه» قال البيهقي في الدلائل: «فما شبع بطنه أبدا» .
(5) وهذا قاله صلّى الله عليه وسلم لصفية بنت حيي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها فى حجة الوداع وهو في البخاري بسنده عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم للحج فلما كانت ليلة النفر حاضت صفية فقال صلّى الله عليه وسلم ما أراها ألا حاسبتكم: الخ» .
(6) عترى: دعاء عليها من العقر وهو عرقبة الدواب وألفه للتأنيث كسكرى. أو من العقرة وهو رفع الصوت.
(7) خالقى: دعاء عليها وهو وجع في حلقها. وقيل معناه دعاء الاستئصال كما يستأصل الحالق الشعر.
(8) وبعضها في صحيح البخاري.(2/440)
وَقَالَ «1» أَنَسٌ «2» : «لَمْ يَكُنْ سَبَّابًا وَلَا فَاحِشًا وَلَا لَعَّانًا» ..
وَكَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتَبَةِ «3» : «مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ «4» » فَيَكُونُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى ثُمَّ أَشْفَقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُوَافَقَةِ أَمْثَالِهَا إِجَابَةً فَعَاهَدَ رَبَّهُ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ أَنْ يَجْعَلَ ذلك للمقول له زَكَاةً وَرَحْمَةً وَقُرْبَةً.
- وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ إِشْفَاقًا على المدعو عليه وتأنيا لَهُ لِئَلَّا يَلْحَقَهُ مِنَ اسْتِشْعَارِ الْخَوْفِ وَالْحَذَرِ مِنْ لَعْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَبُّلِ دُعَائِهِ مَا يَحْمِلُهُ عَلَى الْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ.
- وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ سُؤَالًا مِنْهُ لِرَبِّهِ لِمَنْ جَلَدَهُ أَوْ سَبَّهُ عَلَى حَقٍّ وَبِوَجْهٍ صَحِيحٍ أن يجعل ذلك كَفَّارَةً لِمَا أَصَابَهُ وَتَمْحِيَةً لِمَا اجْتَرَمَ، وَأَنْ تَكُونَ عُقُوبَتُهُ لَهُ فِي الدُّنْيَا سَبَبَ الْعَفْوِ وَالْغُفْرَانِ.
كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «5» . «وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ لَهُ كَفَّارَةٌ» ..
فَإِنْ قُلْتَ: «فَمَا مَعْنَى حَدِيثِ «6» الزُّبَيْرِ «7» وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم
__________
(1) فيما رواه البخاري.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «؟؟ 4» رقم «1»
(3) المعتبة: مصدر ميمي من العتاب وهو بالتاء المثناة من فوق مفتوحة ومكسورة من عتب عليه عند الغضب اذا لامه.
(4) وفي نسخة (يمينه) .
(5) الذي رواه الشيخان عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
(6) الحديث رواه البخاري.
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «591» رقم «5» .(2/441)
له حِينَ تَخَاصُمِهِ مَعَ الْأَنْصَارِيِّ فِي شِرَاجِ «1» الْحَرَّةِ «2» اسق يا زبير حتى يبلغ الماء الكعبين فقال له الأنصاري: أن كان يا رسول الله ابن عمتك! فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: «اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسْ حَتَّى يَبْلُغَ الْجَدْرَ «3» » الْحَدِيثَ..
فَالْجَوَابُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَزَّهٌ أَنْ يَقَعَ بِنَفْسِ مُسْلِمٍ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَمْرٌ يُرِيبُ.. وَلَكِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَدَبَ الزُّبَيْرَ أَوَّلًا إِلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى بَعْضِ حَقِّهِ عَلَى طَرِيقِ التَّوَسُّطِ وَالصُّلْحِ، فَلَمَّا لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ الْآخَرُ، وَلَجَّ، وَقَالَ مَا لَا يَجِبُ، اسْتَوْفَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ.
وَلِهَذَا تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ «4» عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ: بَابٌ إِذَا أَشَارَ الْإِمَامُ بِالصُّلْحِ فَأَبَى حَكَمَ عَلَيْهِ بِالْحُكْمِ وَذَكَرَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فَاسْتَوْعَى «5» رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ.
وَقَدْ جَعَلَ الْمُسْلِمُونَ هَذَا الحديث أصلا في قضيته وفيه الاقتداء
__________
(1) شراج: بكسر الشين المعجمة وراء مهملة وألف بعدها جيم مسيل صغير في السهل كالقناة جمع شرجة أو شرج.
(2) الحرة: بفتح الحاء وتشديد الراء المهملتين أرض صلبة تعلوها حجارة سود وهي مكان معروف بطيبة كان فيها وقعة يزيد المشهورة.
(3) الجدر: بفتح الجيم وسكون الدال وبالراء المهملتين بمعنى الجدار وروي بضم الجيم جمع جدار وروي بفتح الجيم وكسرها وذال معجمة من جذر الحساب وجذر كل شيء أصله والمراد به الحائط.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «158» رقم «3» .
(5) استوعى: استكمل.(2/442)
بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ مَا فَعَلَهُ فِي حَالِ غَضَبِهِ وَرِضَاهُ، وَأَنَّهُ وَإِنْ نَهَى أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ، فَإِنَّهُ فِي حُكْمِهِ فِي حَالِ الْغَضَبِ وَالرِّضَى سَوَاءٌ لِكَوْنِهِ فِيهِمَا مَعْصُومًا.
وَغَضَبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا إِنَّمَا كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى لَا لِنَفْسِهِ كَمَا جَاءَ فِي الحديث الصحيح.
وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ «1» فِي إِقَادَتِهِ «2» عُكَاشَةَ «3» مِنْ نَفْسِهِ لم يكن لتعمّد حَمَلَهُ الْغَضَبُ عَلَيْهِ.. بَلْ وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ أَنَّ عُكَاشَةَ قَالَ لَهُ: «وَضَرَبْتَنِي بِالْقَضِيبِ فَلَا أَدْرِي أَعَمْدًا أَمْ أَرَدْتَ ضَرْبَ النَّاقَةِ» فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُعِيذُكَ بِاللَّهِ يَا عُكَاشَةُ أَنْ يَتَعَمَّدَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم»
وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِهِ «4» الْآخَرِ مَعَ الْأَعْرَابِيِّ حِينَ طَلَبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الِاقْتِصَاصَ مِنْهُ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: «قَدْ عَفَوْتُ عَنْكَ» وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ضَرَبَهُ بِالسَّوْطِ لِتَعَلُّقِهِ بِزِمَامِ نَاقَتِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَاهُ وَيَقُولُ لَهُ: «تُدْرِكُ حَاجَتَكَ» وَهُوَ يَأْبَى.. فَضَرَبَهُ بَعْدَ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ.
وَهَذَا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ لَمْ يقف عند نهيه صواب، وموضع أدب،
__________
(1) الذي رواه ابو نعيم في الحلية. ولم يقل انه موضوع. بينما ذكره ابن الجوزي في الموضوعات.
(2) اقادته: الافادة في الاصل سوق الدابة ثم استعمل في الاقتصاص بالنفس وغيرها لان الجاني يقاد ليستوفى منه غالبا فأريد به لازم معناه فصار حقيقة فيه.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «64» رقم «5» .
(4) هذا الحديث لا يعرف من رواه، ويحتمل انه حديث عكاشة نفسه.(2/443)
لكنه عليه السَّلَامُ أَشْفَقَ إِذْ كَانَ حَقَّ نَفْسِهِ مِنَ الْأَمْرِ حَتَّى عَفَا عَنْهُ
وَأَمَّا حَدِيثُ سَوَادِ «1» بْنِ عَمْرٍو أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وأنا متخلق «2» فقال: وَرْسٌ «3» وَرْسٌ حُطَّ «4» حُطَّ وَغَشِيَنِي «5» بِقَضِيبٍ فِي يَدِهِ فِي بَطْنِي فَأَوْجَعَنِي.. قُلْتُ: الْقَصَاصُ يَا رسول الله.. فكشف لي عن بطنه، إنما ضَرَبَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُنْكَرٍ رَآهُ بِهِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يُرِدْ بِضَرْبِهِ بِالْقَضِيبِ إِلَّا تَنْبِيهَهُ، فَلَمَّا كَانَ مِنْهُ إِيجَاعٌ لَمْ يَقْصِدْهُ طلب التحلل منه على ما قدمناه.
__________
(1) سواد بن عمرو: انصاري صحابي، وليس هو سواد بن غزية الا انه وقع نقل مثل هذه القصة عنه وأنه صلّى الله عليه وسلم طعنه بالعصا في خاصرته لكن لا على هذا الوجه كما يأتي اذ ان سواد بن غزية حدث معه ذلك قبل معركة بدر. وقال ابن الملقن في شرح البخاري بعد ما نقل ما في الشفاء: هذا لم يدرك النبي صلّى الله عليه وسلم فانه صاحب ابن وهب.. فان ثبت هذا فلعله صحابي آخر وافق اسمه واسم أبيه. لكن القصة معروفة بسواد بن عمرو.. وذكر ابن عبد البر رحمه الله تعالى انه سوادة بزيادة الهاء
(2) متخلق: متضمخ بالخلوق وهو نوع من الطيب يخلط بالزعفران. ولونه بين الحمرة والصفرة، وهو منهي عنه في بعض الاحاديث للرجال.
(3) ورس: الورس نبت أصفر باليمن يصبغ به ويتعطر وهو منهي عنه كالخلوق نهي تحريم.
(4) حط: كرد فأصله احطط كاردود.
(5) غشيني: بمعنى ضربني.(2/444)
الفصل الثامن أفعاله الدّنيويّة
قال القاضي رحمه الله تعالى: وَأَمَّا أَفْعَالُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّنْيَوِيَّةُ فَحُكْمُهُ فِيهَا مِنْ تَوَقِّي الْمَعَاصِي وَالْمَكْرُوهَاتِ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَمِنْ جَوَازِ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ فِي بَعْضِهَا مَا ذَكَرْنَاهُ، وَكُلُّهُ غَيْرُ قَادِحٍ فِي النُّبُوَّةِ بَلْ إِنَّ هَذَا فِيهَا عَلَى النُّدُورِ، إِذْ عَامَّةُ أَفْعَالِهِ عَلَى السَّدَادِ وَالصَّوَابِ، بَلْ أَكْثَرُهَا أَوْ كُلُّهَا جَارِيَةٌ مَجْرَى الْعِبَادَاتِ وَالْقُرَبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. إِذْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْخُذُ مِنْهَا لِنَفْسِهِ إِلَّا ضَرُورَتَهُ وَمَا يُقِيمُ رَمَقَ جِسْمِهِ، وَفِيهِ مَصْلَحَةُ ذَاتِهِ التي يَعْبُدُ رَبَّهُ، وَيُقِيمُ شَرِيعَتَهُ، وَيَسُوسُ أُمَّتَهُ، وَمَا كَانَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ فَبَيْنَ مَعْرُوفٍ يَصْنَعُهُ، أَوْ بِرٍّ يُوَسِّعُهُ، أَوْ كَلَامٍ حَسَنٍ يَقُولُهُ أَوْ يُسْمِعُهُ، أَوْ تَأَلُّفِ شَارِدٍ، أَوْ قَهْرِ مُعَانِدٍ، أَوْ مُدَارَاةِ حَاسِدٍ، وكل هذا لا حق بصالح أعماله، منتظم في وظائف عباداته.(2/445)
وَقَدْ كَانَ يُخَالِفُ فِي أَفْعَالِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، وَيُعِدُّ لِلْأُمُورِ أَشْبَاهَهَا، فَيَرْكَبُ فِي تَصَرُّفِهِ لِمَا قَرُبَ الْحِمَارَ وَفِي أَسْفَارِهِ الرَّاحِلَةَ، وَيَرْكَبُ الْبَغْلَةَ فِي مَعَارِكَ الْحَرْبِ دَلِيلًا عَلَى الثَّبَاتِ وَيَرْكَبُ الْخَيْلَ وَيُعِدُّهَا لِيَوْمِ الْفَزَعِ وَإِجَابَةِ الصَّارِخِ.. وَكَذَلِكَ فِي لِبَاسِهِ وَسَائِرِ أَحْوَالِهِ بِحَسَبِ اعْتِبَارِ مَصَالِحِهِ وَمَصَالِحِ أُمَّتِهِ.
وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ الْفِعْلَ من أُمُورِ الدُّنْيَا مُسَاعَدَةً لِأُمَّتِهِ وَسِيَاسَةً وَكَرَاهِيَةً لِخِلَافِهَا.. وإن كان قديرى غَيْرَهُ خَيْرًا مِنْهُ، كَمَا يَتْرُكُ الْفِعْلَ لِهَذَا، وَقَدْ يَرَى فِعْلَهُ خَيْرًا مِنْهُ.. وَقَدْ يَفْعَلُ هَذَا فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ مِمَّا لَهُ الْخِيَرَةُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْهِ.. كَخُرُوجِهِ مِنَ الْمَدِينَةِ لِأُحُدٍ وَكَانَ مَذْهَبُهُ التَّحَصُّنَ بِهَا. وَتَرْكِهِ قَتْلَ الْمُنَافِقِينَ وَهُوَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَمْرِهِمْ مُؤَالَفَةً لِغَيْرِهِمْ، ورعاية للمؤمنين من قرابته، وَكَرَاهَةً لِأَنْ يَقُولَ النَّاسُ: «إِنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «1» .
وَتَرْكِهِ بِنَاءَ الكعبه على قواعد إبراهيم، مراعاة القلوب قريش، وتعظيمهم لتغيّرها، وحذارا مِنْ نِفَارِ قُلُوبِهِمْ لِذَلِكَ، وَتَحْرِيكِ مُتَقَدِّمِ عَدَاوَتِهِمْ للدين وأهله.
__________
(1) رواه البخاري في عبد الله بن أبي بن سلول.(2/446)
فَقَالَ لِعَائِشَةَ «1» فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «2» : «لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ، لَأَتْمَمْتُ الْبَيْتَ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ» .
وكان يفعل الْفِعْلَ ثُمَّ يَتْرُكُهُ لِكَوْنِ غَيْرِهِ خَيْرًا مِنْهُ، كَانْتِقَالِهِ مِنْ أَدْنَى مِيَاهِ بِدْرٍ إِلَى أَقْرَبِهَا لِلْعَدُوِّ مِنْ قُرَيْشٍ.
وَكَقَوْلِهِ «3» : «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أمري ما استدبرت اسقت الْهَدْيَ «4» » .
وَيَبْسُطُ وَجْهَهُ لِلْكَافِرِ وَالْعَدُوِّ رَجَاءَ اسْتِئْلَافِهِ وبصبر لِلْجَاهِلِ وَيَقُولُ «5» : «إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ مَنِ اتَّقَاهُ النَّاسُ لِشَرِّهِ..» وَيَبْذُلُ لَهُ الرَّغَائِبَ «6» لِيُحَبِّبَ إِلَيْهِ شَرِيعَتَهُ وَدِينَ رَبِّهِ..
وَيَتَوَلَّى فِي مَنْزِلِهِ مَا يَتَوَلَّى الْخَادِمُ مِنْ مِهْنَتِهِ، وَيَتَسَمَّتُ «7» فِي ملاءته «8»
__________
(1) تقدمت ترجمتها في ج 1 ص «146» رقم «5» .
(2) الذي رواه الشيخان وغيرهما.
(3) صلّى الله عليه وسلم في حجة الوداع كما رواه الشيخان.
(4) وذلك انه صلّى الله عليه وسلم كان محرما بالحج مفردا وقد ساق الهدي بينما كان الصحابة متمتعين فأصابهم شىء من الذم عند ما رأوا أنفسهم خلاف رسول الله صلّى الله عليه وسلم متمتعين فلما شعر عليه الصلاة والسلام بكراهيتهم لتمتعهم قال الحديث.. «أي وددت أني مثلكم متمتعا لو لم بمعني سوق الهدي والنية» ، والامران جائزان.. وفي أيهما أفضل خلاف في كتب الفقه.
(5) كما في حديث رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها.
(6) الرغائب: جمع رغيبة وهي ما يرغب فيه من العطايا.
(7) يتسمت: من السمت وهي الهيئة أي يتخذ هيئة حسنة
(8) وفي نسخة في (ملائه) أي في جمع من الناس.(2/447)
حتى لا يبدو منه شيء من أطرافه، وحتى كأن على رؤوس جُلَسَائِهِ الطَّيْرَ. وَيَتَحَدَّثُ مَعَ جُلَسَائِهِ بِحَدِيثِ أَوَّلِهِمْ، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ، وَيَضْحَكُ «1» مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ.
وَقَدْ وَسِعَ النَّاسَ بِشْرُهُ وَعَدْلُهُ. لَا يَسْتَفِزُّهُ الْغَضَبُ، وَلَا يُقَصِّرُ عَنِ الْحَقِّ، وَلَا يُبْطِنُ عَلَى جُلَسَائِهِ.
يَقُولُ: «مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ «2» » .
فَإِنْ قُلْتَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ «3» لِعَائِشَةَ «4» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي الدَّاخِلِ عَلَيْهِ «5» : «بِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ» .. فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الْقَوْلَ وَضَحِكَ مَعَهُ، فَلَمَّا خرج سَأَلَتْهُ عَنْ ذَلِكَ قَالَ: «إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ مَنِ اتَّقَاهُ النَّاسُ لِشَرِّهِ» . وَكَيْفَ جَازَ أَنْ يُظْهِرَ لَهُ خِلَافَ مَا يُبْطِنُ، وَيَقُولُ فِي ظَهْرِهِ مَا قَالَ؟.
فَالْجَوَابُ أَنَّ فِعْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اسْتِئْلَافًا لِمِثْلِهِ. وتطبيقا لِنَفْسِهِ لِيَتَمَكَّنَ إِيمَانُهُ، وَيَدْخُلَ فِي الْإِسْلَامِ بِسَبَبِهِ أَتْبَاعُهُ، وَيَرَاهُ مِثْلُهُ فَيَنْجَذِبَ بِذَلِكَ إِلَى الْإِسْلَامِ، ومثل هذا على هذا الوجه قد
__________
(1) وضحكه صلّى الله عليه وسلم هو التبسم.
(2) أي لا ينبغي له ان يغمز ويشير بطرف عينيه لاحد أن يفعل شيئا اخفاه ولم يتكلم به والحادثة كانت عند الفتح بسبب ابن أبي سرح الذي كان مهدر الدم ثم جاء ليبايع النبي صلّى الله عليه وسلم.
(3) في الحديث الذي رواه الشيخان وغيرهما.
(4) تقدمت ترجمتها في ج 1 ص «146» رقم «5» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «701» رقم «7» .(2/448)
خَرَجَ مِنْ حَدِّ مُدَارَاةِ الدُّنْيَا إِلَى السِّيَاسَةِ الدينية، وقد كان يَسْتَأْلِفُهُمْ بِأَمْوَالِ اللَّهِ الْعَرِيضَةِ فَكَيْفَ بِالْكَلِمَةِ اللَّيِّنَةِ.
قَالَ صَفْوَانُ «1» : «لَقَدْ أَعْطَانِي وَهُوَ أَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَيَّ، فَمَا زَالَ يُعْطِينِي حَتَّى صَارَ أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَيَّ» .
وَقَوْلُهُ فِيهِ: «بِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ هُوَ» غَيْرُ غِيبَةٍ، بَلْ هُوَ تَعْرِيفُ مَا عَلِمَهُ مِنْهُ لِمَنْ لَمْ يَعْلَمْ لِيَحْذَرَ حَالَهُ وَيُحْتَرَزَ مِنْهُ، وَلَا يُوثَقَ بِجَانِبِهِ كُلَّ الثِّقَةِ، لا سِيَّمَا وَكَانَ مُطَاعًا مَتْبُوعًا.
وَمِثْلُ هَذَا إِذَا كَانَ لِضَرُورَةٍ وَدَفْعِ مَضَرَّةٍ لَمْ يَكُنْ بِغِيبَةٍ، بَلْ كَانَ جَائِزًا، بَلْ وَاجِبًا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ كَعَادَةِ الْمُحَدِّثِينَ فِي تَجْرِيحِ الرُّوَاةِ، وَالْمُزَكِّينَ فِي الشُّهُودِ «2» .
فَإِنْ قِيلَ فَمَا مَعْنَى الْمُعْضِلِ «3» الْوَارِدِ فِي حَدِيثِ «4» بِريرَةَ «5» مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ «6» وَقَدْ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ موالي بريرة أبوا بيعها إلا
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «232» رقم «5» .
(2) وقد جمع بعضهم الصور التي تجوز فيها الغيبة في قوله:
القدح ليس بغيبة في ستة ... متظلم ومعرف ومحذر
ولمظهر فسقا ومستفت ومن ... طلب الاعانة في ازالة منكر
(3) المعضل: اسم فاعل من أعضل أي أشكل.
(4) الذي رواه الشيخان.
(5) تقدمت ترجمتها في ج 1 ص «187» رقم «3» .
(6) تقدمت ترجمتها في ج 1 ص «146» رقم «5» .(2/449)
أن يكون لهم الولاء «1» ، فقال لها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اشْتَرِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ» .. فَفَعَلَتْ ثُمَّ قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ.. كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَهَا بِالشَّرْطِ لَهُمْ.. وَعَلَيْهِ بَاعُوا، وَلَوْلَاهُ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- لَمَا بَاعُوهَا مِنْ عَائِشَةَ كَمَا لَمْ يَبِيعُوهَا قَبْلُ حَتَّى شَرَطُوا ذَلِكَ عَلَيْهَا، ثُمَّ أَبْطَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَدْ حَرَّمَ الْغِشَّ وَالْخَدِيعَةَ!!
فَاعْلَمْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ.. أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَزَّهٌ عَمَّا يَقَعُ فِي بَالِ الْجَاهِلِ مِنْ هَذَا، وَلِتَنْزِيهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ مَا قَدْ أَنْكَرَ قَوْمٌ هَذِهِ الزِّيَادَةَ قوله: «إشترطي لهم الولاء» إذ ليس فِي أَكْثَرِ طُرُقِ الْحَدِيثِ «2» .
وَمَعَ ثَبَاتِهَا «3» فَلَا اعْتِرَاضَ بِهَا، إِذْ يَقَعُ «لَهُمْ» بِمَعْنَى «عَلَيْهِمْ» .
قال الله تعالى: «أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ «4» » وقال: «وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها «5» » .. فَعَلَى هَذَا اشْتَرِطِي عَلَيْهِمُ الْوَلَاءَ لَكِ وَيَكُونُ قِيَامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَعْظُهُ لما سلف لهم مِنْ شَرْطِ الْوَلَاءِ لِأَنْفُسِهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ.
وَوَجْهٌ ثَانٍ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إشترطي لهم الولاء» ليس على
__________
(1) الولاء: أي ولاء العتاقة.
(2) هذا ما ذكره الخطابي.
(3) وهذا ما عليه الاكثر ورواه الثقات من طرق متعددة صحيحة فلا وجه لانكارها
(4) الاية: 25 سورة الرعد.
(5) الاية: 7 سورة الاسراء.(2/450)
مَعْنَى الْأَمْرِ، لَكِنْ عَلَى مَعْنَى التَّسْوِيَةِ وَالْإِعْلَامُ، بِأَنَّ شَرْطَهُ لَهُمْ لَا يَنْفَعُهُمْ بَعْدَ بَيَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ قَبْلُ أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ..
فَكَأَنَّهُ قَالَ: «اشْتَرِطِي أولا تَشْتَرِطِي، فَإِنَّهُ شَرْطٌ غَيْرُ نَافِعٍ» . وَإِلَى هَذَا ذهب الداوودي «1» وَغَيْرُهُ.
وَتَوْبِيخُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ وَتَقْرِيعُهُمْ عَلَى ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عِلْمِهِمْ بِهِ قَبْلَ هَذَا.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ «اشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ» أَيْ أَظْهِرِي لَهُمْ حكمه، وبيّني عندهم سنته أن الْوَلَاءَ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ أَعْتَقَ ثُمَّ بَعُدَ هَذَا قَامَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَيِّنًا ذَلِكَ، وَمُوَبِّخًا عَلَى مُخَالَفَةِ مَا تَقَدَّمَ منه.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى فِعْلِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَخِيهِ إِذْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِهِ وَأَخَذَهُ بِاسْمِ سَرِقَتِهَا، وَمَا جَرَى عَلَى إِخْوَتِهِ في ذلك وقوله «إنكم لسارقون» وَلَمْ يَسْرِقُوا؟.
فَاعْلَمْ: أَكْرَمَكَ اللَّهُ، أَنَّ الْآيَةَ تدلّ على أن فعل يوسف كان من أَمْرِ اللَّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: «كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ مَا كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ «2» » فإذا كان كذلك فلا
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «219» رقم «3» .
(2) الاية 76 سورة يوسف.(2/451)
اعْتِرَاضَ بِهِ، كَانَ فِيهِ مَا فِيهِ «1» وَأَيْضًا فَإِنَّ يُوسُفَ كَانَ أَعْلَمَ أَخَاهُ بِأَنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ.. فَكَانَ مَا جَرَى عَلَيْهِ بَعْدَ هَذَا مِنْ وَفْقِهِ «2» وَرَغْبَتِهِ، وَعَلَى يَقِينٍ مِنْ عُقْبَى الْخَيْرِ لَهُ بِهِ، وَإِزَاحَةِ السُّوءِ وَالْمَضَرَّةِ عَنْهُ بِذَلِكَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: «أَيَّتُهَا الْعِيرُ «3» إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ» «4» ، فَلَيْسَ مِنْ قَوْلِ يُوسُفَ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ جَوَابٌ يَحِلُّ شُبَهَهُ، وَلَعَلَّ قَائِلَهُ إِنْ حُسِّنَ لَهُ التَّأْوِيلُ كَائِنًا مَنْ كَانَ، ظَنَّ عَلَى صُورَةِ الْحَالِ ذَلِكَ.
وَقَدْ قِيلَ «: قَالَ ذَلِكَ لِفِعْلِهِمْ قَبْلُ بِيُوسُفَ وَبَيْعِهِمْ لَهُ» .
وَقِيلَ: غَيْرُ هَذَا. وَلَا يَلْزَمُ أَنْ نُقَوِّلَ الْأَنْبِيَاءَ مَا لَمْ يَأْتِ أَنَّهُمْ قَالُوهُ حَتَّى يُطْلَبَ الْخَلَاصُ مِنْهُ، ولا يلزم الاعتذار عن زلات غيرهم..
__________
(1) وبه استدل من الائمة من ذهب الى جواز الحيل كأبي حنيفة وأصحابه خلافا للشافعية.
(2) وفقه: أي اتفاقه.
(3) العير: الدواب والابل من عار بمعنى ذهب وجاء
(4) سورة يوسف آية: «70» .(2/452)
الفصل التاسع حكمة المرض والابتلاء لهم
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْحِكْمَةُ فِي إِجْرَاءِ الْأَمْرَاضِ وَشِدَّتِهَا عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى جَمِيعِهِمُ السَّلَامُ؟!.
وَمَا الْوَجْهُ فِيمَا ابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْبَلَاءِ، وَامْتِحَانِهِمْ بِمَا امْتُحِنُوا بِهِ كَأَيُّوبَ، وَيَعْقُوبَ، وَدَانْيَالَ، وَيَحْيَى، وَزَكَرِيَّا، وَعِيسَى، وَإِبْرَاهِيمَ، وَيُوسُفَ وَغَيْرِهِمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَهُمْ خِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ وَأَحِبَّاؤُهُ وَأَصْفِيَاؤُهُ؟!
فَاعْلَمْ- وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ- أَنَّ أَفْعَالَ اللَّهِ تَعَالَى كُلَّهَا عَدْلٌ، وَكَلِمَاتِهِ جَمِيعَهَا صِدْقٌ، «لَا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ «1» » ، يَبْتَلِي عباده كما قال لهم «لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ «2» » .. و «لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا «3» » .. و «وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا «4» »
__________
(1) الاية: 115 سورة الانعام.
(2) الاية: 14 سورة يونس.
(3) الاية: 2 سورة الملك.
(4) الاية: 140 سورة آل عمران.(2/453)
و. «لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ «1» » و.. «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ «2» » ..
فَامْتِحَانُهُ إِيَّاهُمْ بِضُرُوبِ الْمِحَنِ زِيَادَةٌ فِي مَكَانَتِهِمْ «ورفعة في فِي دَرَجَاتِهِمْ، وَأَسْبَابٌ لِاسْتِخْرَاجِ حَالَاتِ الصَّبْرِ وَالرِّضَى، وَالشُّكْرِ وَالتَّسْلِيمِ، وَالتَّوَكُّلِ وَالتَّفْوِيضِ، وَالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ مِنْهُمْ، وَتَأْكِيدٌ لِبَصَائِرِهِمْ فِي رَحْمَةِ الْمُمْتَحَنِينَ وَالشَّفَقَةِ عَلَى المبتلين، وتذكرة لغيرهم وموعظة لسواهم، ليتاسسوا فِي الْبَلَاءِ بِهِمْ، وَيَتَسَلَّوْا فِي الْمِحَنِ بِمَا جَرَى عَلَيْهِمْ، وَيَقْتَدُوا بِهِمْ فِي الصَّبْرِ، وَمَحْوٌ لِهِنَاتٍ «3» فَرَطَتْ مِنْهُمْ، أَوْ غَفَلَاتٍ سَلَفَتْ لَهُمْ لِيَلْقَوُا اللَّهَ طَيِّبِينَ مُهَذَّبِينَ، وَلِيَكُونَ أَجْرُهُمْ أَكْمَلَ وثوابهم أوفر وأجزل.
عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ «4» عَنْ أَبِيهِ قَالَ «5» : «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ:
أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بلاء؟ قال: الأنبياء، ثم الأمثل «6» فالأمثل،
__________
(1) الاية: 142 سورة آل عمران.
(2) الاية: 31 سورة محمد صلّى الله عليه وسلم.
(3) هنات: جمع عنه وهي الهفوة الصغيرة.
(4) مصعب بن ابي وقاص ثقة نزل بالكوفة وتوفي سنة ثلاث عشر ومئة وأخرج له الستة. وأبوه سعد أحد العشرة المبشرين بالجنة.
(5) الحديث رواه الترمذي.
(6) الامثل: الافضل.(2/454)
يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ.»
وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: «وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ «1» » الْآيَاتِ الثَّلَاثَ.
وَعَنْ «2» أَبِي هُرَيْرَةَ «3» : «مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ»
وَعَنْ «4» أَنَسٍ «5» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا. وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،»
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «6» «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا بتلاه لِيَسْمَعَ تَضَرُّعَهُ.»
وَحَكَى السَّمَرْقَنْدِيُّ «7» : «أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى كَانَ بَلَاؤُهُ أَشَدَّ، كَيْ يَتَبَيَّنَ فَضْلُهُ، وَيَسْتَوْجِبَ الثَّوَابَ»
كَمَا رُوِيَ عَنْ لُقْمَانَ «8» أَنَّهُ قَالَ: «يَا بُنَيَّ.. الذهب والفضة
__________
(1) الاية: 146 سورة آل عمران.
(2) في حديث رواه الترمذي وحسنه.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «31» رقم «5» .
(4) في حديث رواه الترمذي أيضا وحسنه.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «47» رقم «1» .
(6) رواه الديلمي عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «51» رقم «2» .
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «187» رقم «6» .(2/455)
يُخْتَبَرَانِ بِالنَّارِ وَالْمُؤْمِنُ يُخْتَبَرُ بِالْبَلَاءِ»
وَقَدْ حُكِيَ: «أَنَّ ابْتِلَاءَ يَعْقُوبَ بِيُوسُفَ كَانَ سَبَبُهُ الْتِفَاتَهُ في صلاته إِلَيْهِ وَيُوسُفُ نَائِمٌ مَحَبَّةً لَهُ «1» »
وَقِيلَ: «بَلِ اجْتَمَعَ يَوْمًا هُوَ وَابْنُهُ يُوسُفُ عَلَى أَكْلِ حَمَلٍ «2» مَشْوِيٍّ وَهُمَا يَضْحَكَانِ، وَكَانَ لَهُمْ جَارٌ يَتِيمٌ فَشَمَّ رِيحَهُ وَاشْتَهَاهُ وَبَكَى.. وَبَكَتْ لَهُ جَدَّةٌ لَهُ عَجُوزٌ لِبُكَائِهِ وَبَيْنَهُمَا جِدَارٌ، وَلَا عِلْمَ عِنْدَ يَعْقُوبَ وَابْنِهِ، فَعُوقِبَ يَعْقُوبُ بِالْبُكَاءِ أَسَفًا عَلَى يُوسُفَ إِلَى أَنْ سَالَتْ حَدَقَتَاهُ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ، فَلَمَّا عَلِمَ بِذَلِكَ بَقِيَّةَ حَيَاتِهِ يَأْمُرُ مُنَادِيًا يُنَادِي عَلَى سَطْحِهِ: ألا من كان مفطرا فليتغدّ عِنْدَ آلِ يَعْقُوبَ «3» .» وَعُوقِبَ يُوسُفُ بِالْمِحْنَةِ الَّتِي نَصَّ اللَّهُ عَلَيْهَا وَرُوِيَ عَنِ اللَّيْثِ «4» أَنَّ سَبَبَ بَلَاءِ أَيُّوبَ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ أَهْلِ
__________
(1) وهذا رواه القرطبي في تفسيره غير مسند.
(2) الحمل: بفتح الحاء والسين المهملتين الصغير من الضأن لسنة او أقل.
(3) وقد ذكره هذه القصة الدميري في (حياة الحيوان) وقال: لا ينبغي له ذكره فانه لا صحة له وان رواه الطبراني عن أنس عن شيخه ابن الجهم الباهلي، وهو ضعيف الرواية جدا.. ورواه البيهقي في شعب الايمان.. ومما يدل على عدم صحته ان قوله سالت حدقتاه لا أصل له. وانه مع قوله (لا علم لهما) كيف يصح ان يعاقبا على ما لم يعلما.. كما ان قوله (ابيضت عيناه) بعد قوله (سالت حدقتاه) كلام متناقض وجعله تفسيرا للسيلان تعسف بارد.. والصحيح أنه لم يعم لان العمى لا يجوز على الانبياء عليهم الصلاة والسلام.
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «102» رقم «5» .(2/456)
قربته عَلَى مَلِكِهِمْ، فَكَلَّمُوهُ فِي ظُلْمِهِ وَأَغْلَظُوا لَهُ إِلَّا أَيُّوبَ فَإِنَّهُ رَفَقَ بِهِ مَخَافَةً عَلَى زَرْعِهِ، فَعَاقَبَهُ اللَّهُ بِبَلَائِهِ «1» .
- وَمِحْنَةُ سُلَيْمَانَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ نِيَّتِهِ فِي كَوْنِ الْحَقِّ فِي جَنْبَةِ «2» أَصْهَارِهِ «3» ، أَوْ لِلْعَمَلِ بِالْمَعْصِيَةِ فِي دَارِهِ وَلَا عِلْمَ عِنْدَهُ.
- وَهَذِهِ فَائِدَةُ شِدَّةِ الْمَرَضِ وَالْوَجَعِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَتْ «4» عَائِشَةُ «5» : «مَا رَأَيْتُ الْوَجَعَ عَلَى أَحَدٍ أَشَدَّ مِنْهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَعَنْ «6» عَبْدِ اللَّهِ «7» : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ يُوعَكُ وَعْكًا شديدا فقلت: إنك لتوعك وَعْكًا شَدِيدًا قَالَ: أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يوعك رجلان منكم.. قلت ذلك أنّ لك الأجر مرتين!!.
قال: أجل.. ذلك كذلك..
__________
(1) وهذا لا ينبغي مطلقا في حق الانبياء عليهم الصلاة والسلام. فليت المصنف رحمه الله تعالى تركه.. كما ذكر الخفاجي.
(2) جنبة: بفتح الجيم والنون وبسكونها أيضا وموحدة بمعنى الجانب. والناحية وفي نسخة (جهته) وفي أخرى (ختة) بنقطة فوق وهو تحريف من الناسخ.
(3) الصهر: الختن وأهل بيت المرأة يقال لهم أصهار وكل محرم كذلك.
(4) في حديث رواه الشيخان.
(5) تقدمت ترجمتها في ج 1 ص «149» رقم «5» .
(6) رواه الشيخان.
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «214» رقم «2» .(2/457)
وَفِي حَدِيثِ «1» أَبِي سَعِيدٍ «2» أَنَّ رَجُلًا وَضَعَ يَدَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «وَاللَّهِ مَا أُطِيقُ أَضَعُ يَدِي عَلَيْكَ مِنْ شِدَّةِ حُمَّاكَ» .. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ يُضَاعَفُ لَنَا الْبَلَاءُ.. إِنْ كَانَ النَّبِيُّ لَيُبْتَلَى بِالْقَمْلِ «3» حَتَّى يَقْتُلَهُ، وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ لَيُبْتَلَى بِالْفَقْرِ وَإِنْ كانوا ليفرحون بالبلاء كما يفرحون «4» بِالرَّخَاءِ.»
وَعَنْ أَنَسٍ «5» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «6» : «إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ.. وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَى وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ» .
وَقَدْ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ «7» » إِنَّ الْمُسْلِمَ يُجْزَى بِمَصَائِبِ الدُّنْيَا فَتَكُونُ لَهُ كَفَّارَةً «8» ..
وَرُوِيَ «9» هَذَا عَنْ عَائِشَةَ «10» وَأُبَيٍّ «11» وَمُجَاهِدٍ «12» .
__________
(1) رواه ابن ماجه والحاكم.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «63» رقم «1» .
(3) القمل: بفتح فسكون أو بضم فتشديد وهو معروف.
(4) وفي نسخة (تفرحون) .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «47» رقم «1» .
(6) رواه الترمذي وحسنه.
(7) الاية: 123 سورة النساء.
(8) وهذا التفسير مروي عن أبي بكر رضي الله عنه.
(9) رواه الحاكم.
(10) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «146» رقم «5» .
(11) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «32» رقم «6» .
(12) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «70» رقم «1» .(2/458)
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ «1» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ «3» مِنْهُ..»
وَقَالَ «4» فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ: «مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلَّا يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ، حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا» .
وَقَالَ «5» فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ: «مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ نَصَبٍ «6» ولا وصب «7» وَلَا هَمٍّ وَلَا حَزَنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ.»
وَفِي حَدِيثِ «8» ابْنِ مَسْعُودٍ «9» : «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى إِلَّا حَاتَّ «10» اللَّهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا يُحَتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ.»
وَحِكْمَةٌ أُخْرَى أَوْدَعَهَا اللَّهُ فِي الْأَمْرَاضِ لِأَجْسَامِهِمْ وتعاقب الأوجاع عليها وشدتها عند مماتهم.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «31» رقم «5» .
(2) رواه البخاري.
(3) ويروى (يصب) بالبناء للمفعول. واختلف في أي الروايتين أصح فقال ابن الجوزي: «أن الاصح البناء للفاعل» وقال ابن حجر: «ان الاصح البناء للمفعول اذ فيها أدب مع الله بعدم نسبة المصائب اليه» . وأما الاولى ففيها تسليم وتوكيل الامور كلها اليه.
(4) في حديث رواه الشيخان.
(5) في حديث رواه الشيخان.
(6) النصب: التعب.
(7) الوصب: الوجع.
(8) رواه الشيخان.
(9) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «214» رقم «2» .
(10) حات: وحت بمعنى ازال.(2/459)
لِتَضْعُفَ قُوَى نُفُوسِهِمْ فَيَسْهُلَ خُرُوجُهَا عِنْدَ قَبْضِهِمْ وتخفّ عليهم موتة النَّزْعِ وَشِدَّةُ السَّكَرَاتِ بِتَقَدُّمِ الْمَرَضِ وَضَعْفِ الْجِسْمِ وَالنَّفْسِ لِذَلِكَ. خِلَافُ مَوْتِ الْفُجْأَةِ وَأَخْذِهِ كَمَا يُشَاهَدُ مِنَ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمَوْتَى فِي الشِّدَّةِ وَاللِّينِ، وَالصُّعُوبَةِ وَالسُّهُولَةِ..
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» : «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ خَامَةِ «2» الزَّرْعِ تُفَيِّئُهَا «3» الرِّيحُ هَكَذَا وَهَكَذَا» .
وَفِي «4» رِوَايَةِ أَبِي هريرة «5» مِنْ حَيْثُ أَتَتْهَا الرِّيحُ تَكْفِؤُهَا «6» فَإِذَا سَكَنَتِ اعتدلت، وكذلك المؤمن يكفؤ بِالْبَلَاءِ، وَمَثَلُ الْكَافِرِ كَمَثَلِ الْأَرْزَةِ «7» صَمَّاءَ مُعْتَدِلَةً حتى يقصمه الله معناه أن المؤمن مرزّأ مُصَابٌ بِالْبَلَاءِ وَالْأَمْرَاضِ، رَاضٍ بِتَصْرِيفِهِ بَيْنَ أَقْدَارِ اللَّهِ تَعَالَى، مُنْطَاعٌ «8» لِذَلِكَ، لَيِّنُ الْجَانِبِ بِرِضَاهُ وقلة سخطه كطاعة خامة الزرع وانقيادها للرباح، وتمايلها لهبوبها، وترنحها
__________
(1) في حديث رواه الشيخان عن كعب بن مالك وجابر رضي الله تعالى عنهما.
(2) خامة: بخاء معجمة وميم العود اللين الذي ليس بغليظ والقصبة الطرية.
(3) تفيئها: بضم التاء الفوقية وكسر الفاء يليها مثناة تحتية ساكنة ثم همزة والمشهور تسديد الياء التحتية وروى بياء تحتية في أوله أي تميعها.
(4) صحيح مسلم.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «31» رقم «5» .
(6) تكفؤها: أي تميلها أيضا.
(7) الارزة: هو شجر الارز المعروف ويكثر في الجبال.
(8) منطاع: منقاد.. والفعل يقبل المطاوعة.(2/460)
مِنْ حَيْثُ مَا أَتَتْهَا، فَإِذَا أَزَاحَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِ رِيَاحَ الْبَلَايَا وَاعْتَدَلَ صَحِيحًا كَمَا اعْتَدَلَتْ خَامَةُ الزَّرْعِ عِنْدَ سُكُونِ رِيَاحِ الْجَوِّ رَجَعَ إِلَى شُكْرِ رَبِّهِ وَمَعْرِفَةِ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ بِرَفْعِ بَلَائِهِ مُنْتَظِرًا رَحْمَتَهُ وَثَوَابَهُ عَلَيْهِ. فَإِذَا كَانَ بِهَذِهِ السَّبِيلِ لَمْ يَصْعُبْ عَلَيْهِ مَرَضُ الْمَوْتِ وَلَا نُزُولُهُ، وَلَا اشْتَدَّتْ عَلَيْهِ سَكَرَاتُهُ ونزعه لعادته بما تقدّمه من الالام، ومعرفة ماله فِيهَا مِنَ الْأَجْرِ وَتَوْطِينِهِ نَفْسَهُ عَلَى الْمَصَائِبِ وَرِقَّتِهَا وَضَعْفِهَا بِتَوَالِي الْمَرَضِ أَوْ شِدَّتِهِ.
وَالْكَافِرُ بِخِلَافِ هَذَا، مُعَافًى فِي غَالِبِ حَالِهِ، مُمَتَّعٌ بِصِحَّةِ جِسْمِهِ، كَالْأَرْزَةِ الصَّمَّاءِ حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللَّهُ هَلَاكَهُ قَصَمَهُ لِحِينِهِ عَلَى غِرَّةٍ «1» وَأَخَذَهُ بَغْتَةً مِنْ غَيْرِ لُطْفٍ وَلَا رِفْقٍ، فَكَانَ مَوْتُهُ أَشُدَّ عَلَيْهِ حَسْرَةً، وَمُقَاسَاةُ نَزْعِهِ مَعَ قُوَّةِ نَفْسِهِ وَصِحَّةِ جِسْمِهِ أَشَدَّ أَلَمًا وَعَذَابًا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ كَانْجِعَافِ «2» الْأَرْزَةِ.
وَكَمَا قَالَ تعالى: «فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ «3» »
وَكَذَلِكَ عَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَعْدَائِهِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: «فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ «4» .» الْآيَةَ فَفَجَأَ جَمِيعَهُمْ بِالْمَوْتِ عَلَى حَالِ عُتُوٍّ
__________
(1) غرة: الغفلة.
(2) انجعاف: هو انفعال من الجعف وهو القلع بشدة.
(3) الاية: 95 سورة الاعراف.
(4) الاية: 40 سورة العنكبوت.(2/461)
وَغَفْلَةٍ، وَصَبَّحَهُمْ بِهِ عَلَى غَيْرِ اسْتِعْدَادٍ بَغْتَةً.
وَلِهَذَا ذُكِرَ عَنِ السَّلَفِ «أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ مَوْتَ الْفُجْأَةِ» وَمِنْهُ فِي حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ «1» : «كَانُوا يَكْرَهُونَ أَخْذَةً كَأَخْذَةِ الْأَسَفِ» أَيِ الْغَضَبِ يُرِيدُ مَوْتَ الْفُجْأَةِ «2» .
وَحِكْمَةٌ ثَالِثَةٌ: أَنَّ الْأَمْرَاضَ نَذِيرُ الْمَمَاتِ، وَبِقَدْرِ شِدَّتِهَا شِدَّةُ الْخَوْفِ مِنْ نُزُولِ الْمَوْتِ، فَيَسْتَعِدُّ مَنْ أَصَابَتْهُ وَعَلِمَ تَعَاهُدَهَا لَهُ لِلِقَاءِ رَبِّهِ وَيُعْرِضُ عَنْ دَارِ الدُّنْيَا الْكَثِيرَةِ الْأَنْكَادِ «3» ، وَيَكُونُ قَلْبُهُ مُعَلَّقًا بِالْمَعَادِ، فَيَتَنَصَّلُ مِنْ كُلِّ مَا يَخْشَى تِبَاعَتَهُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ وَقِبَلِ الْعِبَادِ، وَيُؤَدِّي الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا وَيَنْظُرُ فِيمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ وَصِيَّةٍ فِيمَنْ يَخْلُفُهُ أَوْ أَمْرٍ يَعْهَدُهُ.
وَهَذَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْفُورُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ، قَدْ طَلَبَ التَّنَصُّلَ «4» فِي مَرَضِهِ مِمَّنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ مَالٌ أَوْ حَقٌّ فِي بَدَنٍ. وَأَقَادَ مِنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَأَمْكَنَ مِنَ الْقِصَاصِ مِنْهُ عَلَى مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ «5»
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «361» رقم «11» .
(2) ولكنه ليس على اطلاقه اذ هو راحة للمؤمن وعذاب للكافر.
(3) الانكاد: جمع نكد وهو ما يغم المرء ويسوؤه.
(4) في خطبة خطبها قبل مرضه بأيام.
(5) من انه صلّى الله عليه وسلم ضرب أعرابيا بقضيبه، فلما خطب الناس وقال: من كان له علي حق فليطلبه فقام الاعرابي وقال: يا رسول الله القصاص، فلما كشف له عن بطنه الشريف التزمه وقبله وقال: «انما اردت هذا» .(2/462)
الْفَضْلِ «1» وَحَدِيثِ الْوَفَاةِ، وَأَوْصَى بِالثَّقَلَيْنِ بَعْدَهُ: كِتَابِ اللَّهِ وَعِتْرَتِهِ وَبِالْأَنْصَارِ عَيْبَتِهِ «2» ، وَدَعَا إِلَى كَتْبِ كِتَابٍ لِئَلَّا تَضِلَّ أُمَّتُهُ بَعْدَهُ، إِمَّا فِي النَّصِّ عَلَى الْخِلَافَةِ، أَوِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ، ثُمَّ رَأَى الْإِمْسَاكَ عَنْهُ أَفْضَلَ وَخَيْرًا.. وَهَكَذَا سِيرَةُ عِبَادِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَوْلِيَائِهِ الْمُتَّقِينَ وَهَذَا كُلُّهُ يُحْرَمُهُ غَالِبًا الْكُفَّارُ لِإِمْلَاءِ اللَّهِ لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا، وَلِيَسْتَدْرِجَهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ، فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ «3»
وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» فِي رَجُلٍ مَاتَ فُجْأَةً: «سُبْحَانَ اللَّهِ كَأَنَّهُ عَلَى غَضَبٍ.. الْمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَ وَصِيَّتُهُ..»
وَقَالَ «5» «مَوْتُ الفجأة راحة للمؤمن وأخذة أسف للكافر أو «6» الفاجر» .
__________
(1) الفضل بن عباس الهاشمي القرشي من شجعان الصحابة ووجوههم، كان أمن ولد العباس ثبت يوم جنين، وأردفه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وراءه في حجة الوداع فلقب «ردف رسول الله» وخرج بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وسلم مجاهدا إلى الشام فاستشهد في وقعة اجنادين «بفلسطين» وقيل مات بناصية الاردن في طاعون عمواس له (24) حديثا توفي سنة (13) هـ.
(2) عيبته: بعين مهملة مفتوحة وياء ساكنة وموحدة وهو ما يجعل المرء فيه نفيس متاعه. لانهم موضع سره وأمانته ومحل رعايته وعنايته وحراسته ووقايته كعيبة الثياب التي يضع فيها الشخص متاعه النفيس.
(3) الاية: 49 و 50 سورة يس.
(4) في حديث تقدم وروي عن أنس رضي الله تعالى عنه.
(5) في حديث صحيح رواه أحمد عن عائشة رضي الله تعالى عنها.
(6) الشك من الراوي. وجوز بعضهم كونه من الحديث.(2/463)
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَأْتِي الْمُؤْمِنَ وَهُوَ غَالِبًا مُسْتَعِدٌّ لَهُ مُنْتَظِرٌ لِحُلُولِهِ، فَهَانَ أَمْرُهُ عَلَيْهِ كَيْفَمَا جَاءَ. وَأَفْضَى إِلَى رَاحَتِهِ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا.
كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» : «مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ» .
وَتَأْتِي الْكَافِرَ وَالْفَاجِرَ مَنِيَّتُهُ عَلَى غَيْرِ اسْتِعْدَادٍ وَلَا أُهْبَةٍ وَلَا مُقَدِّمَاتٍ مُنْذِرَةٍ مُزْعِجَةٍ، بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ «2» فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون.. فَكَانَ الْمَوْتُ أَشَدَّ شَيْءٍ عَلَيْهِ، وَفِرَاقُ الدُّنْيَا أَفْظَعَ أَمْرٍ صَدَمَهُ وَأَكْرَهَ شَيْءٍ لَهُ..
وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ «3» : «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لقاءه» .
__________
(1) في حديث رواه الشيخان عن أبي قتادة رضي الله عنه في جنازة مرت به فقال تقسيما للموتى عند موتهم.
(2) تبهتهم: تدهشهم.
(3) في حديث رواه الشيخان عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه.(2/464)
القسم الرابع في تعرّف وُجُوهِ الْأَحْكَامِ فِيمَنْ تَنَقَّصَهُ أَوْ سَبَّهُ عَلَيْهِ الصّلاة والسّلام
في بابين وخمسة عشر فصلا وباب ثالث يبحث فيما يتعلّق بالله والرّسل والملائكة والال(2/465)
مُقَدِّمَةُ
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ: قَدْ تَقَدَّمَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ مَا يَجِبُ مِنَ الْحُقُوقِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا يَتَعَيَّنُ لَهُ مِنْ بِرٍّ وَتَوْقِيرٍ، وَتَعْظِيمٍ وَإِكْرَامٍ، وَبِحَسَبِ هَذَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى أَذَاهُ فِي كِتَابِهِ، وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى قتل متنقّصه مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَسَابِّهِ..
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً «1» » .
وقال: «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ «2» » .
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً «3» » .
وقال تعالى في تحريم التعريض له: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا «4» » الاية.
__________
(1) سورة الاحزاب آية 57.
(2) سورة التوبة آية 61.
(3) سورة الاحزاب آية 53.
(4) «وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ» سورة البقرة آية 104.(2/467)
وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَقُولُونَ «رَاعِنَا» يَا مُحَمَّدُ. أَيْ أَرْعِنَا سَمْعَكَ وَاسْمَعْ مِنَّا، وَيُعَرِّضُونَ بِالْكَلِمَةِ يُرِيدُونَ الرُّعُونَةَ «1» ، فَنَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ التَّشَبُّهِ بِهِمْ، وَقَطَعَ الذَّرِيعَةَ بِنَهْيِ الْمُؤْمِنِينَ عَنْهَا لِئَلَّا يَتَوَصَّلَ بِهَا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ إِلَى سَبِّهِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِهِ..
وَقِيلَ: «بَلْ لِمَا فِيهَا مِنْ مُشَارَكَةِ اللَّفْظِ، لِأَنَّهَا عِنْدَ الْيَهُودِ بِمَعْنَى اسْمَعْ لَا سَمِعْتَ» .
وَقِيلَ: (بَلْ لِمَا فِيهَا مِنْ قِلَّةِ الْأَدَبِ، وَعَدَمِ تَوْقِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَعْظِيمِهِ، لِأَنَّهَا فِي لُغَةِ الْأَنْصَارِ بِمَعْنَى «ارْعُنَا نَرْعَكَ» فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ.. إِذْ مُضَمَّنُهُ أَنَّهُمْ لَا يَرْعَوْنَهُ إِلَّا بِرِعَايَتِهِ لَهُمْ.. وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجِبُ الرِّعَايَةِ بكل حال «2» .
وهذا هو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَى عَنِ التَّكَنِّي بِكُنْيَتِهِ فَقَالَ:
«تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلَا تَكَنُّوا بِكُنْيَتِي» . صِيَانَةً لِنَفْسِهِ وَحِمَايَةً عَنْ أَذَاهُ. إِذْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» اسْتَجَابَ لِرَجُلٍ نَادَى: «يَا أَبَا الْقَاسِمِ» فَقَالَ: «لَمْ أَعْنِكَ.. إِنَّمَا دَعَوْتُ هَذَا» .. فَنَهَى حِينَئِذٍ عَنِ التَّكَنِّي بِكُنْيَتِهِ لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِإِجَابَةِ دَعْوَةِ غَيْرِهِ لِمَنْ لم يدعه..
__________
(1) الرعونة: خفة العقل.
(2) وهذا القول فيه نسبة ما لا يليق بالصحابة وهم اعرف الناس بمقام النبوة واجل عن وقوع تقصير منهم في التأدب معه.
(3) كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم.(2/468)
ويجد بذلك المنافقون والمستهزؤون ذَرِيعَةً إِلَى أَذَاهُ وَالْإِزْرَاءِ بِهِ فَيُنَادُونَهُ، فَإِذَا الْتَفَتَ قَالُوا: إِنَّمَا أَرَدْنَا هَذَا- لِسِوَاهُ- تَعْنِيتًا لَهُ وَاسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِ عَلَى عَادَةِ الْمُجَّانِ «1» وَالْمُسْتَهْزِئِينَ. فَحَمَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَى أَذَاهُ بِكُلِّ وَجْهٍ «فَحَمَلَ مُحَقِّقُو الْعُلَمَاءِ نَهْيَهُ عَنْ هَذَا عَلَى مُدَّةِ حَيَّاتِهِ، وَأَجَازُوهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ لِارْتِفَاعِ الْعِلَّةِ» .
وَلِلنَّاسِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَذَاهِبُ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا وَمَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ مَذْهَبُ الجمهور والصواب- إن شاء الله- وأن ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ تَعْظِيمِهِ وَتَوْقِيرِهِ، وَعَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ لَا عَلَى التَّحْرِيمِ.
وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْهَ عَنِ اسْمِهِ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ اللَّهُ مَنَعَ مِنْ نِدَائِهِ بِهِ بِقَوْلِهِ:
«لَا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً «2» » وإنما كان المسلمون يدعونه يا رسول الله يا نبي الله، وقد يدعونه «3» بكنيته أبا القاسم بعضهم فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ.
وَقَدْ رَوَى «4» أَنَسٌ «5» رَضِيَ الله عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مَا يَدُلُّ على كراهة
__________
(1) المجان جمع ماجن من المجون وهو الهزل والسخرية.
(2) الاية: 63 سورة النور.
(3) وروي (يدعوه) بالافراد قيل ووجهه يدعوه الداعي.
(4) في حديث رواه الحاكم والبزار وأبو يعلى وحسنوه.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «47» رقم «1» .(2/469)
التَّسَمِّي بِاسْمِهِ وَتَنْزِيهِهِ عَنْ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يُوَقَّرْ فَقَالَ: «تُسَمُّونَ أَوْلَادَكُمْ مُحَمَّدًا ثُمَّ تَلْعَنُونَهُمْ» .
وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ «1» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ..
«لَا يُسَمَّى أَحَدٌ بِاسْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» حَكَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ «2» الطَّبَرِيُّ «3» وَحَكَى مُحَمَّدُ «4» بْنُ سَعْدٍ أَنَّهُ «5» نَظَرَ إِلَى رَجُلٍ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَرَجُلٌ يَسُبُّهُ وَيَقُولُ لَهُ فَعَلَ اللَّهُ بِكَ يَا مُحَمَّدُ وَصَنَعَ» فَقَالَ عُمَرُ لِابْنِ أَخِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ. «لَا أَرَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَبُّ بِكَ وَاللَّهِ لَا تُدْعَى مُحَمَّدًا مَا دُمْتَ حَيًّا» وَسَمَّاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ «6» وَأَرَادَ أَنْ يَمْنَعَ لِهَذَا أَنْ يُسَمَّى أَحَدٌ بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ إِكْرَامًا لَهُمْ بِذَلِكَ وَغَيَّرَ أَسْمَاءَهُمْ وَقَالَ: «لَا تُسَمُّوا بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ ثُمَّ أَمْسَكَ» ..
- وَالصَّوَابُ جَوَازُ هَذَا كُلِّهِ «7» بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلِيلِ إِطْبَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ سَمَّى جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ ابْنَهُ مُحَمَّدًا وكناه بأبي القاسم.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «2» .
(3) الا ان عمر رجع عنه لما روى له انه صلّى الله عليه وسلم سمى ابن أبي طلحة محمدا وغيره فقال: «لا سبيل اليكم» .. يعني في المنع.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «155» رقم «3» .
(5) أي عمر.
(6) فهو عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب العدوي، وأمه بنت أبي لبانه، ولد في عهد النبي صلّى الله عليه وسلم وسمي محمدا فغير عمر اسمه. روى عن أبيه وعمه عمر ورجال من الصحابة وعنه ابنه عبد الحميد وأبو القاسم حسين بن حريث وغيرهما، مات في زمن ابن الزبير.
(7) أي التسمية باسمه مع الكنية وبدونها. وكذا التسمية بأسماء الانبياء والملائكة(2/470)
وَرُوِيَ «1» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ فِي ذَلِكَ لِعَلِيٍّ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» أَنَّ ذَلِكَ اسْمُ الْمَهْدِيِّ وَكُنْيَتُهُ.
وَقَدْ سَمَّى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدَ «4» بْنَ طَلْحَةَ، وَمُحَمَّدَ «5» بْنَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَمُحَمَّدَ «6» بْنَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، وَغَيْرَ وَاحِدٍ وَقَالَ: «مَا ضَرَّ أَحَدَكُمْ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِهِ مُحَمَّدٌ، وَمُحَمَّدَانِ وَثَلَاثَةٌ» !!
وَقَدْ فَصَّلْتُ الْكَلَامَ فِي هذا القسم في بابين كما قدمناه.
***
__________
(1) في حديث رواه ابو داود والترمذي عن علي رضي الله عنه.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «54» رقم «4» .
(3) والحديث رواه أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: «يصيب هذه الامة بلاء حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ اليه من الظلم فيبعث الله رجلا من عترتي- وفي رواية من أهل بيتي- يوافق اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي وكنيته كنيتي فيملأ الارض عدلا وقسطا. ويكثر المطر والنبات. ويعيش؟؟؟ سبع سنين، او ثمان، او تسع» . وفيه أحاديث كثيرة أفردت بالتأليف.
(4) محمد بن طلحة التميمي جيء به له صلّى الله عليه وسلم فمسح رأسه وسماه باسمه وكناه بكنيته.. وهو المعروف بالسجاد.. قتل في وقعة الجمل.
(5) محمد بن عمرو بن حزم ابن زيد بن لوذان الانصاري، ولد سنة عشر وقتل في وقعة الحرة سنة ثلاث وستين.. وهو من الفقهاء. وروي عنه أحاديث في السنن
(6) محمد بن ثابت بن قيس بن شماس الخزرجي، أنى به أبوه النبي صلّى الله عليه وسلم فحنكه وسماه محمدا، وهو ممن قتل بالحرة أيضا، وروي عنه أحاديث في السنن.(2/471)
الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ مَا هُوَ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبٌّ أَوْ نقص مِنْ تَعْرِيضٍ أَوْ نَصٍّ
وَفِيهِ عَشَرَةُ فُصُولٍ(2/472)
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ فِيمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ تَنَقَّصَهُ
اعْلَمْ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ جَمِيعَ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَابَهُ أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا فِي نَفْسِهِ أَوْ نَسَبِهِ، أَوْ دِينِهِ أَوْ خَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِهِ أَوْ عَرَّضَ بِهِ أَوْ شَبَّهَهُ بِشَيْءٍ عَلَى طَرِيقِ السَّبِّ لَهُ أَوِ الْإِزْرَاءِ عَلَيْهِ، أَوِ التَّصْغِيرِ لِشَأْنِهِ، أَوِ الْغَضِّ مِنْهُ وَالْعَيْبِ لَهُ فَهُوَ سَابٌّ لَهُ.
وَالْحُكْمُ فِيهِ حُكْمُ السَّابِّ يُقْتَلُ كَمَا نُبَيِّنُهُ. وَلَا نَسْتَثْنِي فَصْلًا مِنْ فُصُولِ هَذَا الْبَابِ عَلَى هَذَا الْمَقْصِدِ، وَلَا نَمْتَرِي «1» فِيهِ تَصْرِيحًا كَانَ أَوْ تَلْوِيحًا.
وَكَذَلِكَ مَنْ لَعَنَهُ أَوْ دَعَا عَلَيْهِ، أَوْ تَمَنَّى مَضَرَّةً لَهُ، أَوْ نَسَبَ إِلَيْهِ مَا لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ، أَوْ عَبَثَ فِي جِهَتِهِ الْعَزِيزَةِ بِسُخْفٍ مِنَ الْكَلَامِ، وَهَجْرٍ «2» ومنكر من القول وزور. أو
__________
(1) نمتري: نشك ونتردد
(2) هجر: بضم الهاء وفتحها وهو الفحش والقبح.(2/473)
عَيَّرَهُ بِشَيْءٍ مِمَّا جَرَى مِنَ الْبَلَاءِ وَالْمِحْنَةِ عَلَيْهِ، أَوْ غَمَصَهُ «1» بِبَعْضِ الْعَوَارِضِ الْبَشَرِيَّةِ الْجَائِزَةِ وَالْمَعْهُودَةِ لَدَيْهِ، وَهَذَا كُلُّهُ إِجْمَاعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّةِ الْفَتْوَى مِنْ لَدُنِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عليهم إلى هلم «2» جرا
قال أَبُو بَكْرِ «3» بْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ عَوَامُّ «4» أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْتُلُ.
وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ: «مَالِكُ «5» بْنُ أَنَسٍ، وَاللَّيْثُ «6» وَأَحْمَدُ «7» وَإِسْحَاقُ «8» وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ» «9» .
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ «10» : «وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ «11» الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عنه ولا تقبل توبته عند هؤلاء» .
__________
(1) غمصه: بغين معجمة وميم وصاد مهملة أي نقص من قدره صلّى الله عليه وسلم
(2) وفي نسخة (وهلم جرا) وهو من الجر بمعنى السحب والمعنى استمر الاجماع واتصل من عصرهم الى الان وكذا الى ما بعده من الزمان وانتصب حرا على المصدر او الحال او التمييز.
(3) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «143» رقم «3» .
(4) عوام: وهو جمع عامة بمعنى جماعة كثيرة.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «102» رقم «5» .
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «165» رقم «1» .
(8) اسحق بن راهوية بن مخلد الحنظلي التميمي المروزي أبو يعقوب عالم خراسان في عصره من سكان (مرو) قاعدة خراسان أحد كبار الحفاظ طاف في البلاد لجمع الحديث وأخذ عنه الامام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم استوطن بنيسابور ومات بها (238) هـ.
(9) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «155» رقم «8» .
(10) المصنف وترجمته في المقدمة.
(11) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «156» رقم «6» .(2/474)
وَبِمِثْلِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ «1» وَأَصْحَابُهُ «2» وَالثَّوْرِيُّ «3» وَأَهْلُ الْكُوفَةِ وَالْأَوْزَاعِيُّ «4» فِي الْمُسْلِمِينَ «5» لَكِنَّهُمْ قَالُوا هِيَ ردة «6» .
وروى مِثْلَهُ الْوَلِيدُ «7» بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ «8»
وَحَكَى الطَّبَرِيُّ «9» مِثْلَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ فِيمَنْ تنقصه صلّى الله عليه وسلم أو برىء مِنْهُ أَوْ كَذَّبَهُ.
وَقَالَ سُحْنُونٌ «10» فِيمَنْ سَبَّهُ: «ذَلِكَ رِدَّةٌ كَالزَّنْدَقَةِ وَعَلَى هَذَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي اسْتِتَابَتِهِ وَتَكْفِيرِهِ، وَهَلْ قَتْلُهُ حَدٌّ أَوْ كُفْرٌ. كَمَا سَنُبَيِّنُهُ فِي الْبَابِ الثَّانِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي اسْتِبَاحَةِ دَمِهِ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ وَسَلَفِ الْأُمَّةِ.
وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى قَتْلِهِ وتكفيره.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «499» رقم «6» .
(2) أي محمد، وأبو يوسف، وزفر.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «186» رقم «3» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «111» رقم «6» .
(5) وفي نسخة (في المسلم) .
(6) ونقل هذا عن عمر.
(7) الوليد بن مسلم: أبو العباس الدمشقي مولى بني أمية عالم أهل الشام. ولد سنة عشر ومائة وتوفي سنة خمس او أربع وتسعين ومائه.
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(9) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «2» .
(10) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «3» .(2/475)
وَأَشَارَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ «1» وَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ «2» عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْفَارِسِيُّ إِلَى الْخِلَافِ فِي تَكْفِيرِ الْمُسْتَخِفِّ بِهِ وَالْمَعْرُوفُ مَا قَدَّمْنَاهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ «3» بْنُ سُحْنُونٍ: «أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ شَاتِمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَنَقِّصَ «4» لَهُ كَافِرٌ، والوعيد جار عليه بعذاب الله له، وَحُكْمُهُ عِنْدَ الْأُمَّةِ الْقَتْلُ.. وَمَنْ شَكَّ فِي كُفْرِهِ وَعَذَابِهِ كَفَرَ «5» » .
وَاحْتَجَّ إِبْرَاهِيمُ «6» بْنُ حُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ الْفَقِيهُ فِي مِثْلِ «7» هَذَا بِقَتْلِ خالد «8» بن الوليد مالك «9» بن نويرة بقوله عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَاحِبُكُمْ «10» »
__________
(1) أي من كان على مذهب داود الظاهري الذي يرى وجوب الاخذ بظاهر النص والحديث من غير تأويل.
(2) ابو محمد علي بن أحمد الفارسي: هو الامام العالم العلامة المتبحر الحافظ المعروف بابن حزم بن غالب ويتصل نسبه بأبي سفيان بن حرب رضي الله عنه، فهو فارسي أموي الاصل، قرطبي ظاهري، كتابه في مذهب داود المسمى (المحلى) كبير. ولد بقرطبة سنة أربع وثمانين وثلاثمائة.. وقيل: لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان.. لانه كان كثير الطعن في الفقهاء وغيرهم.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «609» رقم «10» .
(4) لو عطف بالواو كان أحسن.
(5) وهذا فيه خلاف.
(6) ابراهيم بن خالد الفقيه البغدادي روى عن ابن عينية وأبي معاوية ووكيع والشافعي وصحبه ووى عنه أبو داود وابن ماجة ومسلم خارج الصحيح قال النسائي ثقة مأمون مات سنة (240) .
(7) وفي نسخة (على مثل هذا) .
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «637» رقم «9» .
(9) مالك بن نويرة: وهو التميمي اليربوعي كان فارسا شاعرا مطاعا في قومه. قدم على النبي صلّى الله عليه وسلم وأسلم واستعمله عليه الصلاة والسلام على صدقات قومه بني يربوع. ونويرة تصغير نار أو نورة وقتله خالد بن الوليد في حروب الردة لانكاره الزكاة.
(10) ولكن عمل خالد هذا لا دليل فيه لمثل هذا الامر.. لان عمله أثار بعض الصحابة ويحتاج الى تأويل.(2/476)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ «1» الْخَطَّابِيُّ: «لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفَ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ إِذَا كَانَ مُسْلِمًا» .
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ «2» عَنْ مَالِكٍ «3» فِي كِتَابِ ابْنِ سُحْنُونٍ «4» وَالْمَبْسُوطِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَحَكَاهُ ابن مُطَرِّفٌ «5» عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ «6» : «مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ» .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ «7» : «مَنْ سَبَّهُ أَوْ شَتَمَهُ، أَوْ عَابَهُ أَوْ تَنَقَّصَهُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ، وَحُكْمُهُ عِنْدَ الْأُمَّةِ الْقَتْلُ كَالزِّنْدِيقِ وَقَدْ فَرَضَ اللَّهُ تعالى توقيره وبره» .
وفي المبسوطة «8» عَنْ عُثْمَانَ «9» بْنِ كِنَانَةَ: «مَنْ شَتَمَ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلم من
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «64» رقم «6» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «3» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم (7) .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «609» رقم «10» .
(5) عبد الله بن مطرف: وهو ابن أخت الامام مالك كما قدمناه. أبو حزه البصري روى عن أبي برزة الاسلمي وعنه حميد بن هلال مات قبل مطرف ومات مطرف سنة 78 هـ.
(6) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «1» .
(7) العتبية: اسم كتاب منسوب لمحمد بن أحمد بن عبد العزيز بن عتبة الاموي القرطبي الفقيه أحد أعلام أئمة الاندلس.
(8) وفي نسخة: (المبسوط) .
(9) عثمان بن كنانة: هو ابو عمر اسم رجل من أئمة المالكية له كتاب اسمه المبسوطة لم يشتهر توفي سنة ست وثمانين ومائة بعد مالك بسنتين.(2/477)
الْمُسْلِمِينَ، قُتِلَ أَوْ صُلِبَ حَيًّا وَلَمْ يُسْتَتَبْ، وَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِي صَلْبِهِ حَيًّا أَوْ قَتْلِهِ» .
وَمِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْمُصْعَبِ «1» وَابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ «2» سَمِعْنَا مَالِكًا يَقُولُ: «مَنْ سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ شَتَمَهُ أَوْ عَابَهُ أَوْ تَنَقَّصَهُ قُتِلَ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا وَلَا يُسْتَتَابُ» «3» .
وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ «4» : (أَخْبَرَنَا أَصْحَابُ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ غَيْرَهُ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ» ) .
وَقَالَ أَصْبَغ «5» : «يُقْتَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، أَسَرَّ ذَلِكَ أَوْ أَظْهَرَهُ وَلَا يُسْتَتَابُ لِأَنَّ تَوْبَتَهُ لَا تُعْرَفُ» .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ «6» بْنُ الْحَكَمِ: «مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ» . وَحَكَى الطَّبَرِيُّ «7» مِثْلَهُ عَنْ أَشْهَبَ «8» عَنْ مالك «9» .
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «99» رقم «2» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «100» رقم «3» .
(3) لا يستتاب بالنسبة للمسلم أما الكافر اذا تاب وتوبته اسلام فتقبل لان الاسلام يجب ما قبله.
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «142» رقم «2» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «5» .
(6) عبد الله بن عبد الحكم: بن أعين الفقيه المصري ثقة يروي عن مالك والليث وغيرهما. توفي سنة اربع عشر ومائتين.
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «2» .
(8) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (154) رقم (2) .
(9) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (341) رقم (7) .(2/478)
وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ «1» عَنْ مَالِكٍ: «مَنْ قَالَ إِنَّ رِدَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُرْوَى زِرَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسخ أراد به عَيْبَهُ قُتِلَ» .
وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: «أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ دَعَا عَلَى نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بِالْوَيْلِ «2» أَوْ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَكْرُوهِ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ» .
وَأَفْتَى أَبُو الْحَسَنِ «3» الْقَابِسِيُّ: (فِيمَنْ قَالَ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَمَّالُ «4» يَتِيمُ أَبِي طَالِبٍ» بِالْقَتْلِ) .
وَأَفْتَى أَبُو مُحَمَّدِ «5» بْنُ أَبِي زَيْدٍ: (بِقَتْلِ رَجُلٍ سَمِعَ قَوْمًا يَتَذَاكَرُونَ صِفَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ مَرَّ بِهِمْ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ وَاللِّحْيَةِ فَقَالَ لَهُمْ:
«تُرِيدُونَ تَعْرِفُونَ صِفَتَهُ؟. هِيَ فِي صِفَةِ هَذَا الْمَارِّ فِي خَلْقِهِ وَلِحْيَتِهِ» .
قَالَ: «وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَقَدْ كَذَبَ لَعَنَهُ اللَّهُ، وَلَيْسَ يَخْرُجُ مِنْ قَلْبٍ سَلِيمِ الإيمان» ) .
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (332) رقم (1) .
(2) اي قال له ويلا له. والويل الهلاك والبلاء والمصيبة.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (76) رقم (2) .
(4) لانه كان من سنته صلّى الله عليه وسلم انه اذا اشترى شيئا من السوق حمله بنفسه واذا اراد احدهم حمله عنه قال: (رب المتاع اولى بحمله) .
(5) ابو محمد بن أبي زيد: عبد الله القيرواني المالكي الذي انتهت اليه رياسة مذهب مالك بالمغرب، ورحل اليه من الاقطار، وكثر الاخذون عنه، وقال المصنف رحمه الله في حقه انه حاز رياسة الدين والدنيا حتى سمي مالك الاصغر توفي في نصف شعبان سنة تسع وثمانين وثلاثمائة.(2/479)
وَقَالَ أَحْمَدُ «1» بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ صَاحِبُ سُحْنُونٍ «2» مَنْ قَالَ: «إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَسْوَدَ، يُقْتَلُ» .
وَقَالَ فِي رَجُلٍ قِيلَ لَهُ: «لَا وَحَقِّ رَسُولِ «3» اللَّهِ» ..
فَقَالَ: «فعل الله برسول الله كذا» - وَذَكَرَ كَلَامًا قَبِيحًا- فَقِيلَ لَهُ:
«مَا تَقُولُ يَا عَدُوَّ اللَّهِ» ؟. فَقَالَ أَشَدَّ مِنْ كَلَامِهِ الْأَوَّلِ ثُمَّ قَالَ «: إِنَّمَا أَرَدْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ الْعَقْرَبَ» «4» فَقَالَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ لِلَّذِي سَأَلَهُ «5» :
«اشْهَدْ عَلَيْهِ وَأَنَا شَرِيكُكَ» - يُرِيدُ فِي قَتْلِهِ وَثَوَابِ ذَلِكَ-
قَالَ حَبِيبُ «6» بْنُ الرَّبِيعِ لِأَنَّ ادِّعَاءَ التَّأْوِيلِ فِي لَفْظٍ صُرَاحٍ لَا يُقْبَلُ «7» لِأَنَّهُ امْتِهَانٌ وَهُوَ غَيْرُ مُعَزِّرٍ «8» لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مُوَقِّرٍ لَهُ. فَوَجَبَ إِبَاحَةُ دَمِهِ.
وَأَفْتَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ «9» بن عتّاب في عشّار «10» قال لرجل:
__________
(1) أحمد بن أبي سليمان: من علماء المالكية المعروفين عندهم.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (153) رقم (3) .
(3) وهو ليس يمينا شرعيا وانما جاء على عرف التخاطب.
(4) وفي نسخة (الصعق) وهي الصاعقة.. وهما مرسلان من الله ومسلطان على الخلق حسب المفهوم اللغوي.
(5) سأله مستفتيا.
(6) حبيب بن الربيع: ابن يحيى بن حبيب الفروي.
(7) كما لو قال: أنت طالق ثم ادعى انه يقصد انها محلولة غير مربوطة فلا يلتفت لمثله.
(8) معزر: موقر ومعظم.
(9) ابو عبد الله بن عتاب: من فقهاء المالكية.
(10) العشار: هو الذي يأخذ المكس وهي الضريبة.(2/480)
أَدِّ وَاشْكُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» ، وَقَالَ إِنْ سَأَلْتُ أَوْ جَهِلْتُ فَقَدْ جَهِلَ وَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. بِالْقَتْلِ.
وَأَفْتَى فُقَهَاءُ الْأَنْدَلُسِ بِقَتْلِ ابْنِ حَاتِمٍ «2» الْمُتَفَقِّهِ الطُّلَيْطِلِيِّ وَصَلْبِهِ بِمَا شُهِدَ عَلَيْهِ بِهِ مِنَ اسْتِخْفَافِهِ بِحَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَسْمِيَتِهِ إِيَّاهُ أَثْنَاءَ مُنَاظَرَتِهِ بِالْيَتِيمِ «3» وَخَتَنِ حيذرة «4» ، وَزَعْمِهِ أَنَّ زُهْدَهُ لَمْ يَكُنْ قَصْدًا، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الطَّيِّبَاتِ أَكَلَهَا.. إِلَى أَشْبَاهٍ لِهَذَا.
وَأَفْتَى فُقَهَاءُ الْقَيْرَوَانِ «5» وَأَصْحَابُ سُحْنُونٍ «6» بِقَتْلِ إِبْرَاهِيمَ «7»
__________
(1) لان المتضرر قال له: اشكوك الى النبي صلّى الله عليه وسلم.
(2) ابن حاتم: لم يوقف على ترجمته كما قال الخفاجي.
(3) قالها على وجه الاستخفاف، اما اذا لم تكن على هذا الوجه جاز كقول البوصيرى رحمه الله:
كفاك بالعلم فى الامي معجزة ... في الجاهلية والتأديب في اليتم
واليتيم من الادمي ولد صغير لا أب له، ومن الحيوان ما لا أله، ومن الطير ما لا أله ولا أب.. وقيل لبعضهم: لم كان صلّى الله عليه وسلم يتيما؟ فقال: لئلا يكون لمخلوق عليه منة.. وحكمة أخرى وهي ان من شأن اليتيم الذل وقلة الادب. بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلم نشأ يتيما ومع ذلك كان مكملا بالادب وعزيزا وكما قال أدبني ربي فأحسن تأديبي. ولذا كانت تربيته ربانية لا بشرية.
(4) ختن حيدرة.. قال الطليطلي انه ختن حيدرة اي أبو زوجته يعني عليا زوج فاطمة، فصير بهذا استخفافا به، والختن كل قريب لامرأة رجل كأب وأخ. والعامة تطلقه على زوج البنت وحيدرة معناه الاسد، وهو هنا اسم رجل أندلسي. وهو لقب علي رضي الله عنه، وكانت أمه سمته أسدا في غيبة ابيه لما ولد. باسم أبيها لانها فاطمة بنت أسد، فلما قدم أبوه من السفر سماه عليا. ولذا كان يقول رضي الله عنه أنا الذي سمتني أمي حيدرة.
(5) القيروان: مدينة في تونس وهي معرب كاربان بمعنى القافلة العظيمة.
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «188» رقم «1»
(7) ابراهيم الغزاري: نسبة لغزارة قبيلة مشهورة.(2/481)
الغزاري، وَكَانَ شَاعِرًا مُتَفَنِّنًا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْعُلُومِ، وَكَانَ مِمَّنْ يَحْضُرُ مَجْلِسَ الْقَاضِي أَبِي الْعَبَّاسِ «1» بْنِ طَالِبٍ لِلْمُنَاظَرَةِ، فَرُفِعَتْ عَلَيْهِ أُمُورٌ مُنْكَرَةٌ مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي الِاسْتِهْزَاءِ بِاللَّهِ وَأَنْبِيَائِهِ وَنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَحْضَرَ لَهُ الْقَاضِي يَحْيَى «2» بْنَ عُمَرَ وَغَيْرَهُ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ وَصَلْبِهِ فَطُعِنَ بِالسِّكِّينِ وَصُلِبَ مُنَكَّسًا، ثُمَّ أُنْزِلَ وَأُحْرِقَ بِالنَّارِ «3»
وَحَكَى بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ أَنَّهُ لَمَّا رُفِعَتْ خَشَبَتُهُ وَزَالَتْ عَنْهَا الْأَيْدِي اسْتَدَارَتْ وَحَوَّلَتْهُ عَنِ الْقِبْلَةِ، فَكَانَ آيَةً لِلْجَمِيعِ وَكَبَّرَ النَّاسُ وَجَاءَ كَلْبٌ فَوَلَغَ «4» فِي دَمِهِ.
فَقَالَ يَحْيَى «2» بْنُ عُمَرَ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ حَدِيثًا عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يلغ الكلب في دم مسلم «5» .
قال الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ «6» بْنُ الْمُرَابِطِ: مَنْ قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) عبد الله بن أحمد بن طالب التميمي أبو العباس قاض مالكي ولي قضاء القيروان مرتين وأنكر على ابراهيم بن الاغلب بعض سيرته فعزل وسجن ومات في السجن سنة 276 هجرية وله تاليف كثيرة.
(2) يحيى بن عمر: قاضي القيروان وعالمها.
(3) وهذا مما أجازه السبكي في كتابه (السيف المسلول على من سب الرسول)
(4) ولغ: الكلب أي لعق بلسانه.
(5) الحديث لا يعرفه الحفاظ فالظاهر أنه لا أصل له لانه لم ينقله الثقات، ونقل عن ابن حجر أيضا انه قال: لا أصل له.. ونقل المصنف له عن القاضي المذكور لعدم وقوفه عليه في كلام غيره.
(6) أبو عبد الله بن المرابط: هو ابو مصعب، ويقال المصعب بن محمد بن خلف ابن سعيد بن وهب، توفي بعد ثمانين وأربع مائة، وهو من أجل أئمة المالكية بالمغرب.(2/482)
هُزِمَ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ «1» وَإِلَّا قُتِلَ لِأَنَّهُ تَنَقُّصٌ، إِذْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي خَاصَّتِهِ إِذْ هُوَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِهِ، وَيَقِينٍ مِنْ عِصْمَتِهِ.
وَقَالَ حَبِيبُ «2» بْنُ رَبِيعٍ الْقَرَوِيُّ مَذْهَبُ مَالِكٍ «3» وَأَصْحَابِهِ أَنَّ مَنْ قَالَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فِيهِ نَقْصٌ قُتِلَ دُونَ اسْتِتَابَةٍ «4» .
وَقَالَ ابْنُ «5» عَتَّابٍ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مُوجِبَانِ أَنَّ مَنْ قَصَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَذًى أَوْ نَقْصٍ مُعَرِّضًا أَوْ مُصَرِّحًا وَإِنْ قَلَّ فَقَتْلُهُ وَاجِبٌ «6»
- فَهَذَا الْبَابُ كُلُّهُ مِمَّا عَدَّهُ الْعُلَمَاءُ سَبًّا أَوْ تَنَقُّصًا يَجِبُ قَتْلُ قَائِلِهِ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ مُتَقَدِّمُهُمْ وَلَا مُتَأَخِّرُهُمْ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ قَتْلِهِ عَلَى مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ وَنُبَيِّنُهُ بَعْدُ.
وَكَذَلِكَ أَقُولُ حُكْمُ مَنْ غَمَصَهُ أَوْ عَيَّرَهُ بِرِعَايَةِ الْغَنَمِ أَوِ السَّهْوِ أَوِ النِّسْيَانِ أَوِ السِّحْرِ أَوْ مَا أَصَابَهُ مِنْ جرح «7» أو هزيمة لبعض
__________
(1) وهذا مخالف لمذهبه لانه عندهم يقتل ولا يستتاب، فاما يكون ابن المرابط خالف مذهبه في هذا أو يقول ان مما ظنه كثير من الناس فان تاب اندرأ عنه الحد لما فيه من الشبهة، وانه لا تنقيص فيه مع كثرة العدو وقوته.
(2) حبيب بن ربيع القروي: من أئمة مذهب مالك كما تقدم.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (341) رقم (7) .
(4) هذا تعقيب على ابن المرابط
(5) ابن عتاب: من المالكية أيضا.
(6) على كل حاكم رفع أمره اليه.
(7) وفي بعض النسخ (حرج) .(2/483)
جُيُوشِهِ، أَوْ أَذًى مِنْ عَدُوِّهِ، أَوْ شِدَّةٍ مِنْ زَمَنِهِ، أَوْ بِالْمَيْلِ إِلَى نِسَائِهِ، فَحُكْمُ هَذَا كُلِّهِ لِمَنْ قَصَدَ بِهِ نَقْصَهُ الْقَتْلُ، وَقَدْ مَضَى مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ ويأتي ما يدل عليه.(2/484)
الفصل الثّاني الْحُجَّةِ فِي إِيجَابِ قَتْلِ مَنْ سَبَّهُ أَوْ عابه عليه الصّلاة والسّلام
فَمِنَ الْقُرْآنِ لَعْنُهُ تَعَالَى لِمُؤْذِيهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَقِرَانُهُ تَعَالَى أَذَاهُ بِأَذَاهُ.
وَلَا خِلَافَ فِي قَتْلِ مَنْ سَبَّ اللَّهَ، وَأَنَّ اللَّعْنَ إِنَّمَا يَسْتَوْجِبُهُ مَنْ هُوَ كَافِرٌ، وَحُكْمُ الْكَافِرِ الْقَتْلُ
فَقَالَ: «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ..» «1» الْآيَةَ وَقَالَ فِي قَاتِلِ الْمُؤْمِنِ: مِثْلَ ذَلِكَ، فَمِنْ لَعْنَتِهِ فِي الدُّنْيَا الْقَتْلُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا» «2»
وَقَالَ فِي الْمُحَارِبِينَ وَذَكَرَ عُقُوبَتَهُمْ: «ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا» «3» وقد يقع القتل بمعنى اللعن.
__________
(1) «لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً» اية: 57 سورة الاحزاب.
(2) الاية: 61 سورة الاحزاب.
(3) الاية: 45 سورة المائدة.(2/485)
قال: «قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ» «1» و «قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ» «2» أَيْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ.
وَلِأَنَّهُ فَرْقٌ بَيْنَ أَذَاهُمَا وَأَذَى الْمُؤْمِنِينَ. وَفِي أَذَى الْمُؤْمِنِينَ مَا دُونُ الْقَتْلِ مِنَ الضَّرْبِ وَالنَّكَالِ «3» فَكَانَ حُكْمُ مُؤْذِي اللَّهِ وَنَبِيِّهِ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْقَتْلُ.
وقال الله تَعَالَى: «فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ» «4» الْآيَةَ فَسَلَبَ اسْمَ الْإِيمَانِ عَمَّنْ وُجِدَ فِي صَدْرِهِ حَرَجًا مِنْ قَضَائِهِ وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ، وَمَنْ تَنَقَّصَهُ فَقَدْ نَاقَضَ هَذَا.
وَقَالَ اللَّهُ تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ» إلى قوله «أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ «5» » وَلَا يُحْبِطُ الْعَمَلَ إِلَّا الْكُفْرُ «6» ، وَالْكَافِرُ يُقْتَلُ.
وقال تعالى: «وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ.» «7»
__________
(1) الاية: 11 سورة الذاريات.
(2) الاية: 32 سورة التوبة.
(3) النكال: العقوبة بغير قتل.
(4) «ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً» سورة النساء اية: 65.
(5) سورة الحجرات آية 3.
(6) وهذا عند أهل السنة اما المعتزلة فيقولون: ان الكبيرة تحبط العمل.
(7) سورة المجادلة آية 9 يعني اليهود والمنافقين الذين كانوا يقولون: السام عليك يعنون الدعاء بالموت.(2/486)
ثُمَّ قَالَ: «حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ» «1»
وَقَالَ تَعَالَى: «وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ» «2»
ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» «3»
وَقَالَ تَعَالَى: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ» «4»
إلى قوله: «قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ» «5»
قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: «كَفَرْتُمْ» بِقَوْلِكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فقد ذكرناه وأما الاثار فعن الحسين «6» عَلِيٍّ
عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «7» : «مَنْ سَبَّ نَبِيًّا فاقتلوه. ومن أَصْحَابِي فَاضْرِبُوهُ» وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «8» أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ كَعْبِ «9» بْنِ الْأَشْرَفِ وَقَوْلِهِ: مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فَإِنَّهُ يُؤْذِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟!. وَوَجَّهَ إِلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ غِيلَةً دُونَ دَعْوَةٍ «10» ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.. وَعَلَّلَ قَتْلَهُ بِأَذَاهُ لَهُ، فَدَلَّ أَنَّ قَتْلَهُ إياه لغير
__________
(1) سورة المجادلة آية 9
(2) سورة التوبة آية 63.
(3) سورة التوبة آية 63.
(4) سورة التوبة الايات 67- 68
(5) سورة التوبة الايات 67- 68
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «309» رقم «2» .
(7) رواه الطبراني والدارقطني عن علي رضي الله عنه.. ولكنهم قالوا: «إن سنده ضعيف ولم يروه أصحاب الكتب لكنه اعتضد بالاجماع.
(8) الذي رواه البخاري وغيره مسندا.
(9) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «621» رقم «7» .
(10) دون دعوة للاسلام والرجوع عن الكفر.(2/487)
الْإِشْرَاكِ، بَلْ لِلْأَذَى.. وَكَذَلِكَ قَتَلَ أَبَا رَافِعٍ «1» .
قَالَ الْبَرَاءُ «2» وَكَانَ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُعِينُ عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ أَمْرُهُ يَوْمَ الْفَتْحِ بِقَتْلِ ابْنِ خَطَلٍ «3» وَجَارِيَتَيْهِ «4» اللَّتَيْنِ كَانَتَا تُغَنِّيَانِ بِسَبِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «5» : أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَسُبُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ يَكْفِينِي عَدُوِّي؟. فَقَالَ خَالِدٌ «6» :
أَنَا، فَبَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَتَلَهُ.
وَكَذَلِكَ أَمَرَ بِقَتْلِ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ كَانَ يُؤْذِيهِ مِنَ الْكُفَّارِ وَيَسُبُّهُ، كَالنَّضْرِ بْنِ «7» الْحَارِثِ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي «8» مُعَيْطٍ وَعَهِدَ بِقَتْلِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ قَبْلَ الْفَتْحِ وَبَعْدَهُ فَقُتِلُوا إِلَّا مَنْ بَادَرَ بِإِسْلَامِهِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عليه.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «312» رقم «2» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «146» رقم «4» .
(3) ابن خطل: وكانت له قنيتان تغنيان بهجاء المسلمين وذمهم، واسمه عبد الله وقبل هلال، وقيل عبد العزيز.
(4) واسمهما فرتنا وقريبة.
(5) لا يعرف من رواه.
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «637» رقم «9» .
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «570» رقم «8» .
(8) عقبة بن أبي معيط: وكان شديد العداوة للنبي صلّى الله عليه وسلم وأسر ببدر فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم عاصما أن يضرب عنقه بمكان يقال له عرق الظببة فقال: لم تقتلني با محمد؟. قال: بعداوتك لله ورسوله. فقال: من للصبية؟ قال: النار، فلما ضربت عنقه قال صلّى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي قتلك وأقر عيني منك. وهو من بني أمية بن عبد شمس، وهو الذي القى سلام الجزور عليه صلّى الله عليه وسلم(2/488)
وَقَدْ رَوَى الْبَزَّارُ «1» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «2» : أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ نَادَى «3» : يَا مَعَاشِرَ قريش.. مالي أقتل من بينكم صيرا «4» ! فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِكُفْرِكَ وَافْتِرَائِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَذَكَرَ عَبْدُ «5» الرَّزَّاقِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّهُ رَجُلٌ فَقَالَ: مَنْ يَكْفِينِي عَدُوِّي؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ «6» : أَنَا فَبَارَزَهُ فَقَتَلَهُ الزُّبَيْرُ.
وَرَوَى «7» أَيْضًا: أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَسُبُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ يكفيني عدوي؟ فَخَرَجَ إِلَيْهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَقَتَلَهَا.
وَرُوِيَ «8» : أَنَّ رَجُلًا كَذَبَ «9» عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ عَلِيًّا «10» وَالزُّبَيْرَ إِلَيْهِ لِيَقْتُلَاهُ.
وَرَوَى ابْنُ قَانِعٍ «11» : أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رَسُولَ اللَّهِ.. سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ فِيكَ قَوْلًا قَبِيحًا فَقَتَلْتُهُ.. فَلَمْ يَشُقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «355» رقم «4» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(3) الحديث سنده ضعيف.
(4) صيرا: أي من دون حرب. حبسا.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «379» رقم «5» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «591» رقم «؟؟؟» .
(7) عبد الرزاق في جامعه عن عكرمة.
(8) رواه عبد الرزاق أيضا في جامعه عن سعيد بن جبير.
(9) كذب هنا معناها افترى كلاما كاذبا فيه تنقيص.
(10) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (54) رقم (4) .
(11) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (340) رقم (1) .(2/489)
وَبَلَغَ «1» الْمُهَاجِرَ «2» بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ أَمِيرَ الْيَمَنِ لِأَبِي بَكْرٍ «3» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ امْرَأَةً هُنَاكَ فِي الرِّدَّةِ غَنَّتْ بِسَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَطَعَ يَدَهَا، وَنَزَعَ ثَنِيَّتَهَا «4» ، فَبَلَغَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ: لَوْلَا مَا فَعَلْتَ لَأَمَرْتُكَ بِقَتْلِهَا، لِأَنَّ حَدَّ الْأَنْبِيَاءِ لَيْسَ يُشْبِهُ الْحُدُودَ.
وَعَنِ ابْنِ «5» عَبَّاسٍ: هَجَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَطْمَةَ «6» النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ لِي بِهَا؟ .. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهَا: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فَنَهَضَ فَقَتَلَهَا، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَا يَنْتَطِحُ فِيهَا عنزان «7» .
__________
(1) في اثر رواه ابن سعد وابن عساكر.
(2) المهاجر بن أبي أمية: كان اسمه الوليد فكرهه النبي صلّى الله عليه وسلم وسماه المهاجر، لان الوليد اسم فرعون مصر.. والمهاجر أخو ام المؤمنين ام سلمة رضي الله عنها، أرسله رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى اليمن الى الحارث بن عبد كلال الحميري، واستعمله على الصدقات، ثم بعثه ابو بكر رضي الله عنه في خلافته لقتال المرتدين باليمن ففتح الفتوح وله آثار عظيمة في اليمن.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (156) رقم (1) .
(4) ثنيتها: السن المتقدمة
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (52) رقم (6) .
(6) خطمة: اسم قبيلة، أبناء سعد بن ثعلبة، وخطمة من الانصار بنو عبد الله بن مالك بن أوس وهذه المرأة هي عصماء بنت مروان من بني أمية، والذي قتلها عمير بن عدي ابن فراشة بن أبيه الخطمي وكان أعمى، وهو امام قومه وقارئهم دخل عليها وهي ترضع ولدها فنحاه عنها ثم أغمد سيفه في بطنها حتى أخرجه من ظهرها.
(7) مثل ضربة رسول الله صلّى الله عليه وسلم للامر الذي يقع من غير خلف فيه.. والعنزان لا ينتطحان وانما يتشامان ثم يفترقان.(2/490)
وَعَنِ «1» ابْنِ عَبَّاسٍ «2» : «أَنَّ أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ تَسُبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ، فَلَمَّا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ جَعَلَتْ تَقَعُ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وتشتمه فقتلها، وعلم النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَأَهْدَرَ دَمَهَا» .
وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ «3» الْأَسْلَمِيِّ: «كُنْتُ «4» يَوْمًا جَالِسًا عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَغَضِبَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ- وَحَكَى الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ «5» وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ سَبَّ أَبَا بَكْرٍ.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ «6» : أَتَيْتُ أبا بكر وقد أغلظ رجل فَرَدَّ عَلَيْهِ قَالَ- فَقُلْتُ «7» يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَهُ.. فَقَالَ:
اجْلِسْ.. فَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدِ «8» بْنُ نصر: «ولم يخالف عليه أحد،
__________
(1) رواه ابو داود والحاكم والبيهقي وصححه.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (152) رقم (6) .
(3) ابو برزة الاسلمي: وهو نفلة بن عبيد بن الحارث أسلم قديما، وشهد مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المشاهد وتوفي بالبصرة سنة أربع وستين.
(4) رواه ابو داود والحاكم والبيهقي وصححوه.
(5) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (210) رقم (9) .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (195) رقم (7) .
(7) والقائل هو أبو برزة.
(8) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (141) رقم (6) .(2/491)
فَاسْتَدَلَّ الْأَئِمَّةُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى قَتْلِ مَنْ أَغْضَبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكُلِّ مَا أَغْضَبَهُ، أَوْ أَذَاهُ، أَوْ سَبَّهُ» .
وَمِنْ ذَلِكَ كِتَابُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ «1» الْعَزِيزِ إِلَى عَامِلِهِ «2» بِالْكُوفَةِ:
«وَقَدِ اسْتَشَارَهُ فِي قَتْلِ رَجُلٍ سَبَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عمر.. إنه لا يحل قتل امريء مُسْلِمٍ بِسَبِّ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا رَجُلًا سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ سَبَّهُ فَقَدْ حَلَّ دَمُهُ» .
وَسَأَلَ الرَّشِيدُ «3» مَالِكًا «4» فِي رَجُلٍ شَتَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ لَهُ أَنَّ فُقَهَاءَ الْعِرَاقِ أَفْتَوْهُ بِجِلْدِهِ، فَغَضِبَ مَالِكٌ وَقَالَ: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. مَا بَقَاءُ الْأُمَّةِ بَعْدَ شَتْمِ نَبِيِّهَا؟! مَنْ شَتَمَ الْأَنْبِيَاءَ قُتِلَ وَمَنْ شَتَمَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُلِدَ «5» » .
قَالَ الْقَاضِي أَبُو «6» الْفَضْلِ: كَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْحِكَايَةِ- رَوَاهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ مَنَاقِبِ مَالِكٍ، وَمُؤَلِّفِي أَخْبَارِهِ وَغَيْرِهِمْ.
وَلَا أَدْرِي مَنْ هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءُ بِالْعِرَاقِ الَّذِينَ أَفْتَوُا الرَّشِيدَ بِمَا
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «30» رقم «1» .
(2) هو عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب.
(3) الرشيد: هارون الخليفة العباسي المشهور. وكان قد أخذ الحديث عن الامام مالك.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(5) وهذا هو مذهبه من غير تفريق بين مسلم وكافر وبين التائب وغيره.
(6) ابو الفضل: المصنف.(2/492)
ذُكِرَ.. وَقَدْ ذَكَرْنَا مَذْهَبَ الْعِرَاقِيِّينَ بِقَتْلِهِ.. وَلَعَلَّهُمْ مِمَّنْ لَمْ يُشْهَرْ بِعِلْمٍ.. أَوْ مَنْ لَا يُوثَقُ بِفَتْوَاهُ.. أَوْ يَمِيلُ بِهِ هَوَاهُ.. أَوْ يَكُونُ مَا قَالَهُ يُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ السَّبِّ.. فَيَكُونُ الْخِلَافُ هَلْ هُوَ سَبٌّ أَوْ غَيْرُ سب.. أو يكون رجع وتاب عن سَبِّهِ فَلَمْ يَقُلْهُ لِمَالِكٍ «1» عَلَى أَصْلِهِ وَإِلَّا فَالْإِجْمَاعُ عَلَى قَتْلِ مَنْ سَبَّهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَيَدُلُّ عَلَى قَتْلِهِ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ «2» وَالِاعْتِبَارِ «3» .. أن من سبّه وتنقّصه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ ظَهَرَتْ عَلَامَةُ مرض قلبه، وبرهان سرطويته وكفره، ولهذا حَكَمَ لَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِالرِّدَّةِ.
وَهِيَ رِوَايَةُ الشَّامِيِّينَ عَنْ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ «4» . وَقَوْلُ الثَّوْرِيِّ «5» وَأَبِي «6» حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيِّينَ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: «أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى الْكُفْرِ فَيُقْتَلُ حَدًّا، وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِالْكُفْرِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَمَادِيًا عَلَى قَوْلِهِ غَيْرَ مُنْكِرٍ لَهُ، وَلَا مُقْلِعٍ عَنْهُ. فَهَذَا كَافِرٌ» . وَقَوْلُهُ إِمَّا صَرِيحُ كُفْرٍ كَالتَّكْذِيبِ ونحوه، أو من كلمات الاستهزاء والذم.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(2) النظر: أي التفكر فيما يدل عليه عقلا.
(3) الاعتبار: أي التأمل في موجبات القتل شرعا. والقياس يسمى اعتبارا أيضا من قوله تعالى: «فاعتبروا يا أولى الابصار» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «111» رقم «6» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «186» رقم «3» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «466» رقم «6» .(2/493)
فَاعْتِرَافُهُ بِهَا، وَتَرْكُ تَوْبَتِهِ عَنْهَا، دَلِيلُ اسْتِحْلَالِهِ لِذَلِكَ، وَهُوَ كُفْرٌ أَيْضًا.. فَهَذَا كَافِرٌ بِلَا خِلَافٍ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مِثْلِهِ: «يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قالُوا، وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ «1» » .
قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: هِيَ قَوْلُهُمْ: «إِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقًّا «2» لَنَحْنُ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ» .
وَقِيلَ بَلْ قَوْلُ بَعْضِهِمْ «3» : «مَا مِثْلُنَا وَمِثْلُ مُحَمَّدٍ إِلَّا قَوْلُ الْقَائِلِ سَمِّنْ كَلْبَكَ يأكلك.. ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعن منها الأذل» .
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ قَائِلَ مِثْلِ هَذَا إِنْ كَانَ مُسْتَتِرًا «4» بِهِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الزِّنْدِيقِ يقتل.. ولأنه قد غيّر دينه.
__________
(1) سورة التوبة آية 76.
(2) من فتح حصون الشام، وكان القائل لذلك الجلاس بن سويد، أو وديعة بن ثابت، فقال له عامر بن قيس الانصاري: أجل والله ان محمدا لصادق مصدق، وأنت شر من الحمير، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم وجاء الجلاس فحلف بالله عند منبر النبي صلّى الله عليه وسلم أنه ما قال وان عامرا لكاذب وحلف عامر لقد قال. وقال: اللهم انزل على نبيك الصادق شيئا يصدقني. فنزلت الاية فتاب الجلاس وحسنت توبته.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «224» رقم «7» .
(4) وفي رواية (مستسرا) .(2/494)
وَقَدْ قَالَ «1» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ.» وَلِأَنَّ لِحُكْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحُرْمَةِ مَزِيَّةً عَلَى أُمَّتِهِ، وَسَابُّ الْحُرِّ مِنْ أُمَّتِهِ يُحَدُّ، فَكَانَتِ الْعُقُوبَةُ لِمَنْ سَبَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَتْلَ لِعَظِيمِ قَدْرِهِ وَشُفُوفِ «2» مَنْزِلَتِهِ عَلَى غيره.
__________
(1) رواه أحمد والبخاري والاربعة بلفظ: «من بدل دينه فاقتلوه» . فلعل الحديث نقله القاضي بالمعنى أو أن هناك رواية له بالمعنى المذكور.
(2) شفوف: زيادة، يقال شف عليه اذا زاد وهو، بمعنى النقص أيضا فهو من الاضداد(2/495)
الفصل الثالث أسباب عفو النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَعْضِ مَنْ أَذَاهُ
فَإِنْ قُلْتَ:
فَلِمَ لَمْ يَقْتُلِ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلم اليهودي الذي لَهُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ «1» وَهَذَا دُعَاءٌ عَلَيْهِ؟، وَلَا قَتَلَ الْآخَرَ «2» الَّذِي قَالَ لَهُ: «إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ «3» مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ «4» » ، وَقَدْ تَأَذَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: «قَدْ أُوذِيَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ؟ وَلَا قَتَلَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا يُؤْذُونَهُ فِي أَكْثَرِ الْأَحْيَانِ؟
فَاعْلَمْ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ يَسْتَأْلِفُ عَلَيْهِ النَّاسَ وَيُمِيلُ قلوبهم إليه، ويحبب إليهم الإيمان ويزينه في
__________
(1) وهذا رواه البخاري وغيره، وقالوا ان عائشة رضي الله عنها تفطنت له فكانوا اذا قالوا: «السام عليكم يا أبا القاسم. قالت: «عليكم السام والذام واللعنة. ولذا قال صلّى الله عليه وسلم: «اذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم. ردا لمقلتهم عليهم»
(2) هو ذو الخويصرة.
(3) وفي نسخة (القسمة) .
(4) وهذا في حديث رواه البخاري أيضا. فلم يقتله رسول الله صلّى الله عليه وسلم(2/496)
قلوبهم، ويداريهم ويقول لأصحابه: إنما بعثتم ميسّرين ولم تبعثوا منفرين ويقول «1» «بشروا «2» وتعسروا وسكّتوا «3» وَلَا تُنَفِّرُوا» .
وَيَقُولُ: «لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ «4» .»
وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدَارِي الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَيُجْمِلُ صُحْبَتَهُمْ، وَيُغْضِي عَنْهُمْ، وَيَحْتَمِلُ مِنْ أَذَاهُمْ، وَيَصْبِرُ عَلَى جَفَائِهِمْ، مَا لَا يَجُوزُ لَنَا الْيَوْمَ الصَّبْرُ لَهُمْ عَلَيْهِ. وَكَانَ يُرْفِقُهُمْ «5» بِالْعَطَاءِ وَالْإِحْسَانِ «6» ، وَبِذَلِكَ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
فَقَالَ تَعَالَى: «وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ، فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» «7» .
__________
(1) رواه أحمد والشيخان والنسائي عن أنس رضي الله عنه بلفظ: «يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا» .
(2) وفي نسخة (يسروا) .
(3) سكنوا: أي اقروا الناس على ما هم عليه، وهذا فيما لم يجب عليهم، والا فمثله لا يتسامح فيه.
(4) وهذا قاله لعمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قال في قصة أبي بن سلول: «دعني أضرب عنقه» .
(5) يرفقهم: يصلهم وينفعهم.
(6) وقد ورد «رأس العقل بعد الايمان بالله التحبب الى الناس رواه الطبراني فى الاوسط عن علي كرم الله وجهه ورواه البزار والبيهقي عن أبي هريرة بلفظ؟
(7) سورة المائدة آية 15 وهذه الاية منسوخة نزلت في اليهود الذين كانوا في زمن نبينا صلّى الله عليه وسلم بيانا لانهم من شأنهم الخيانة وأنه موروث آبائهم وأمره بالعفو عنهم بشرط المعاهدة أو نحوها.(2/497)
وَقَالَ تَعَالَى «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ» «1» .
وَذَلِكَ لِحَاجَةِ النَّاسِ لِلتَّأَلُّفِ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ، وَجَمْعِ الْكَلِمَةِ عَلَيْهِ.
- فَلَمَّا اسْتَقَرَّ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ قَتَلَ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَاشْتَهَرَ أَمْرُهُ كَفِعْلِهِ بِابْنِ خَطَلٍ «2» وَمَنْ عَهِدَ بِقَتْلِهِ يَوْمَ الْفَتْحِ. وَمَنْ أَمْكَنَهُ قَتْلُهُ غِيلَةً مِنْ يَهُودَ وَغَيْرِهِمْ، أَوْ غَلَبَةً مِمَّنْ لَمْ يُنْظِمْهُ قَبْلُ سِلْكَ صُحْبَتَهِ، وَالِانْخِرَاطَ «3» فِي جُمْلَةِ مُظْهِرِي الْإِيمَانِ بِهِ مِمَّنْ كَانَ يُؤْذِيهِ، كَابْنِ الْأَشْرَفِ «4» وأبي «5» رافع والنضر «6» وعقبة «7» .
- وكذلك هدر «8» دم جماعة سواهم ككعب «9» بن زهير.
__________
(1) سورة فصلت آية 35 وقيل نسخت باية السيف.
(2) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «488» رقم «7» .
(3) الانخراط: فسر بالدخول، وقد وقع ذلك في كلام الفصحاء الثقات كالسكاكي والزمخشري ولكنه في كتب اللغة لا يوجد بمثل هذا المعنى بل عكسه كخرط القتاد واخترط السيف اذا سله.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «621» رقم «7» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «312» رقم «2» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «270» رقم «8» .
(7) عقبة بن أبي معيط: من أشد الذين أذوا محمدا عليه الصلاة والسلام وكان الجار الثاني لرسول الله صلّى الله عليه وسلم وفيه أنزل الله قوله «يوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا.» انظر كتاب نور اليقين بحث الايذاء.
(8) وفي نسخة (نذر)
(9) كعب بن زهير: بن أبي سلمى ربيعة بن رياح المزني، وهو وأخوه شاعران مجيدان غير مكثرين، وأخوه أسلم قبله، وكان كعب قال بعد اسلام أخيه شعرا يعرض فيه بالنبي صلّى الله عليه وسلم فكتب اليه أخوه كتابا يذكر له فيه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أهدر دماء أعدائه. فضافت به الارض فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم تائبا فقبله فأنشده قصيدته المشهورة: بانت سعاد فألبسه صلّى الله عليه وسلم بردته.(2/498)
وَابْنِ الزَّبَعْرِيِّ «1» ، وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ آذَاهُ حَتَّى أَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ وَلَقُوهُ مُسْلِمِينَ.
- وَبَوَاطِنُ الْمُنَافِقِينَ مُسْتَتِرَةٌ وَحُكْمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الظَّاهِرِ..
وَأَكْثَرُ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ إِنَّمَا كَانَ يَقُولُهَا الْقَائِلُ مِنْهُمْ خُفْيَةً، وَمَعَ أَمْثَالِهِ وَيَحْلِفُونَ عَلَيْهَا إِذَا نُمِيَتْ «2» وَيُنْكِرُونَهَا، وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ.
- وَكَانَ مَعَ هَذَا يَطْمَعُ فِي فَيْأَتِهِمْ «3» ، وَرُجُوعِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَتَوْبَتِهِمْ، فَيَصْبِرُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَنَاتِهِمْ وَجَفْوَتِهِمْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ «4» ، حَتَّى فَاءَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ بَاطِنًا كَمَا فَاءَ ظَاهِرًا وَأَخْلَصَ سِرًّا كَمَا أَظْهَرَ جَهْرًا، وَنَفَعَ اللَّهُ بَعْدُ بِكَثِيرٍ مِنْهُمْ، وَقَامَ مِنْهُمْ لِلدِّينِ وُزَرَاءُ وَأَعْوَانٌ وحماة وأنصار كما جاءت به الأخبار.
__________
(1) ابن الزبعرى: هو عبد الله بن الزبعرى بن سعيد بن سهم القرشي كان شاعرا مجيدا شجاعا، من أشد الناس عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بطول لسانه وسفهه، ولا عقب له أسلم بعد الفتح وحسن اسلامه.
(2) نميت: نقلت وبلغت.
(3) وفي نسخت (فئتهم) أي جماعتهم.
(4) واختلف في اولي العزم منهم فقيل هم خمسة: نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وقيل هم المذكورون في (الشعراء) و (الاعراف) وهم نوح وهود وصالح وسليمان ولوط وموسى، لصبرهم على أذى قومهم، وقيل ثمانية عشر ذكروا في الانعام وعقبهم الله بقوله (اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) . وقيل كل الرسل ما عدا أيوب.(2/499)
وَبِهَذَا أَجَابَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ عَنْ هذا السؤال «1» . قال:
ولعله لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَقْوَالِهِمْ مَا رُفِعَ وَإِنَّمَا نَقَلَهُ الْوَاحِدُ «2» ومن لم يصل رتبة الشهادة في هَذَا الْبَابِ مِنْ صَبِيٍّ أَوْ عَبْدٍ أَوِ امرأة.
والدماء لا تستباح إلا بعد لين، وعلى هذا يحمل أمر اليهودي «3» في السلام «4» ، وأنهم لووا به أَلْسِنَتَهُمْ وَلَمْ يُبَيِّنُوهُ. أَلَا تَرَى كَيْفَ نَبَّهَتْ عَلَيْهِ عَائِشَةُ وَلَوْ كَانَ صَرَّحَ بِذَلِكَ لَمْ تَنْفَرِدْ بِعِلْمِهِ.. وَلِهَذَا نَبَّهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ عَلَى فِعْلِهِمْ وَقِلَّةِ صِدْقِهِمْ فِي سَلَامِهِمْ وَخِيَانَتِهِمْ فِي ذَلِكَ لَيًّا «5» بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ.. فَقَالَ: إِنَّ الْيَهُودَ إِذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمْ فَإِنَّمَا يَقُولُ السَّامُ عَلَيْكُمْ فَقُولُوا: عَلَيْكُمْ «6» .
وَكَذَلِكَ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ «7» .. إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْتُلِ الْمُنَافِقِينَ بِعِلْمِهِ فِيهِمْ.. وَلَمْ يَأْتِ أَنَّهُ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى نِفَاقِهِمْ فَلِذَلِكَ تَرَكَهُمْ.. وَأَيْضًا.. فَإِنَّ الْأَمْرَ كَانَ سِرًّا وَبَاطِنًا، وَظَاهِرُهُمُ الْإِسْلَامُ وَالْإِيمَانُ. وإن كان من أهل الذمة «8» والعهد والجوار. والناس
__________
(1) السابق عن قول اليهود السام عليكم.
(2) والشهادة لا تتم الا باثنين.
(3) وفي نسخة (اليهود) .
(4) وفي نسخة (في السام) .
(5) ليا بألسنتهم: أي تحريفا بها.
(6) وقد قال الفقهاء: لا تبدؤوا بالسلام الكفرة، وانما يرد سلامهم بقول: وعليكم وفي رواية عن الشافعي جوازه.
(7) كالقاضي عبد الوهاب البغدادي المالكي.
(8) أهل الذمة: هم أهل العهد والامان.(2/500)
قريب عهدهم بالإسلام لم يَتَمَيَّزْ بَعْدُ الْخَبِيثُ مِنَ الطِّيبِ، وَقَدْ شَاعَ عَنِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْعَرَبِ كَوْنُ مَنْ يُتَّهَمُ بِالنِّفَاقِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَصَحَابَةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَأَنْصَارِ الدِّينِ بِحُكْمِ ظَاهِرِهِمْ.. فَلَوْ قَتَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنِفَاقِهِمْ وَمَا يَبْدُرُ مِنْهُمْ، وَعِلْمِهِ بِمَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ لَوَجَدَ المنفّر ما يقول، ولارتاب الشَّارِدُ، وَأَرْجَفَ «1» الْمُعَانِدُ، وَارْتَاعَ مِنْ صُحْبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَلَزَعَمَ الزَّاعِمُ وَظَنَّ الْعَدُوُّ الظَّالِمُ أَنَّ الْقَتْلَ إِنَّمَا كَانَ لِلْعَدَاوَةِ وَطَلَبِ أَخْذِ التِّرَةِ «2» .
وَقَدْ رَأَيْتُ مَعْنَى مَا حَرَّرْتُهُ مَنْسُوبًا إِلَى مَالِكِ «3» بْنِ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» «لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مْحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ»
وَقَالَ «5» أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي اللَّهُ عَنْ قَتْلِهِمْ. وَهَذَا بِخِلَافِ إِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ عَلَيْهِمْ مِنْ حُدُودِ الزِّنَا وَالْقَتْلِ وَشِبْهِهِ «6» لِظُهُورِهَا «7» وَاسْتِوَاءِ النَّاسِ فِي عِلْمِهَا.
وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ «8» بْنُ الْمَوَّازِ: لَوْ أَظْهَرَ الْمُنَافِقُونَ نِفَاقَهُمْ لَقَتَلَهَمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.
__________
(1) أرجف: أتى بالاقوال الكاذبة.
(2) الترة: الثار.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(4) قال صلّى الله عليه وسلم لعمر والحديث تقدم في الصحيحين.
(5) لم يخرج هذا الحديث.
(6) شبهه: أي كحد الفذف وشرب الخمر والسرقة.
(7) بالشهادة الشرعية.
(8) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «144» رقم «2» .(2/501)
وقال الْقَاضِي أَبُو «1» الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ وَقَالَ قَتَادَةُ «2» فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى «لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا، مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا. سُنَّةَ اللَّهِ» «3» الْآيَةَ قَالَ: مَعْنَاهُ إِذَا أَظْهَرُوا النِّفَاقَ.
وَحَكَى مُحَمَّدُ بْنُ «4» مَسْلَمَةَ فِي الْمَبْسُوطِ «5» عَنْ زَيْدِ «6» بن أسلم أن قوله تعالى «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ» «7» نسخت «8» مَا كَانَ قَبْلَهَا «9» .
وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: «لَعَلَّ الْقَائِلَ «10» «هَذِهِ قِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ» وَقَوْلَهُ «اعْدِلْ» لَمْ يَفْهَمِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ الطَّعْنَ عَلَيْهِ وَالتُّهْمَةَ لَهُ، وَإِنَّمَا رَآهَا مِنْ وَجْهِ الْغَلَطِ فِي الرأي وأمور الدنيا،
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «141» رقم «1» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «62» رقم «3» .
(3) سورة الاحزاب الايات 62- 63.
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «158» رقم «5» .
(5) المبسوط: اسم كتاب له
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «77» رقم «7» .
(7) سورة التوبة آية 75.
(8) وفي كثير من النسخ (نسخها) .
(9) من العفو والصفح.
(10) هو واحد من الانصار كما في صحيح البخاري، او مغيث بن قشير كما قاله بعضهم لاذو الخويصره كما توهم الدلجي. وقال الحلبي الذي قال اعدل وذو الخويصرة.(2/502)
وَالِاجْتِهَادِ فِي مَصَالِحِ أَهْلِهَا فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ سببا «1» ، وَرَأَى أَنَّهُ مِنَ الْأَذَى الَّذِي لَهُ الْعَفْوُ عَنْهُ وَالصَّبْرُ عَلَيْهِ» فَلِذَلِكَ لَمْ يُعَاقِبْهِ.
- وَكَذَلِكَ يقال في اليهود إذ قَالُوا «السَّامُ عَلَيْكُمْ» لَيْسَ فِيهِ صَرِيحُ «2» سَبٍّ، ولا دعاء الا بما لابد مِنْهُ مِنَ الْمَوْتِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْ لَحَاقِهِ جَمِيعَ الْبَشَرِ.
وَقِيلَ: بَلِ الْمُرَادُ «تَسْأَمُونَ دِينَكُمْ» وَالسَّأْمُ وَالسَّآمَةُ «الْمَلَالُ» وَهَذَا دُعَاءٌ عَلَى سَآمَةِ الدِّينِ لَيْسَ بِصَرِيحِ سَبٍّ.
وَلِهَذَا تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ «3» عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ: بَابٌ إِذَا «عَرَّضَ» الذي أَوْ غَيْرُهُ بِسَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.
قال بعض علمائنا: «ليس هَذَا بِتَعْرِيضٍ بِالسَّبِّ، وَإِنَّمَا هُوَ تَعْرِيضٌ بِالْأَذَى»
قَالَ الْقَاضِي أَبُو «4» الْفَضْلِ قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَذَى وَالسَّبَّ فِي حَقِّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوَاءٌ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو «5» مُحَمَّدِ بْنُ نصر مجيبا عن هذا الحديث ببعض
__________
(1) وفي نسخة (شيئا) .
(2) وفي نسخة (تصريح) .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «158» رقم «3» .
(4) أبو الفضل: المصنف.
(5) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «141» رقم «6» .(2/503)
مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ هَلْ كَانَ هَذَا الْيَهُودِيُّ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ وَالذِّمَّةِ أَوِ الْحَرْبِ؟!، وَلَا يُتْرَكُ مُوجِبُ الأدلة للأمر الْمُحْتَمَلِ، وَالْأَوْلَى فِي ذَلِكَ «1» كُلِّهِ وَالْأَظْهَرُ مِنْ هذه الوجوه مقصد الإستئلاف والمداراة عَلَى الدِّينِ لَعَلَّهُمْ يُؤْمِنُونَ.
وَلِذَلِكَ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ «2» عَلَى حَدِيثِ الْقِسْمَةِ وَالْخَوَارِجِ: بَابٌ مِنْ تَرْكِ قِتَالِ الْخَوَارِجِ لِلتَّأَلُّفِ وَلِئَلَّا يَنْفِرَ النَّاسُ عَنْهُ، وَلِمَا ذَكَرْنَا مَعْنَاهُ عَنْ مَالِكٍ «3» وَقَرَّرْنَاهُ قَبْلُ.
وَقَدْ صَبَرَ لَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سِحْرِهِ وَسَمِّهِ وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ سَبِّهِ إِلَى أَنْ نَصَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَأَذِنَ لَهُ في قتل من عيّنه مِنْهُمْ، وَإِنْزَالِهِمْ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، وَكَتَبَ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمُ الْجَلَاءَ وَأَخْرَجَهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ، وَخَرَّبَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ، وَكَاشَفَهُمْ بِالسَّبِّ فَقَالَ: «يَا إِخْوَةَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ» .. وَحَكَّمَ فِيهِمْ «4» سُيُوفَ الْمُسْلِمِينَ وَأَجْلَاهُمْ مِنْ جِوَارِهِمْ، وَأَوْرَثَهُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ «5» .. لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَكَلِمَةُ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى.
__________
(1) وفي نسخة (هذا) .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «158» رقم «3» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(4) في بني قريظة.
(5) كما حدث لبني النضير.(2/504)
فَإِنْ قُلْتَ: فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «1» عَنْ عَائِشَةَ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ قَطُّ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ» .
فَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِمْ مِمَّنْ سَبَّهُ أَوْ آذَاهُ أَوْ كَذَّبَهُ، فَإِنَّ هَذِهِ مِنْ حُرُمَاتِ اللَّهِ الَّتِي انْتَقَمَ لَهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ ما لا ينتقم منه لَهُ فِيمَا تَعَلَّقَ بِسُوءِ أَدَبٍ، أَوْ مُعَامَلَةٍ من القول والفعل بِالنَّفْسِ «3» وَالْمَالِ مِمَّا لَمْ يَقْصِدْ فَاعِلُهُ بِهِ أَذَاهُ لَكِنْ مِمَّا جُبِلَتْ عَلَيْهِ الْأَعْرَابُ مِنَ الْجَفَاءِ وَالْجَهْلِ «4» ، أَوْ جُبِلَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ مِنَ السفه «5» كجبذ «6» الأعرابي رداءه حَتَّى أَثَّرَ فِي عُنُقِهِ «7» ، وَكَرَفْعِ صَوْتِ الْآخَرِ «8» عِنْدَهُ، وَكَجَحْدِ الْأَعْرَابِيِّ «9» شِرَاءَهُ مِنْهُ فَرَسَهُ «10» الَّتِي شهد فيها
__________
(1) من رواية البخاري وغيره.
(2) تقدمت ترجمتها في ج 1 ص «146» رقم «5» .
(3) وفي نسخة (في النفس) .
(4) كما قال تعالى: (الاعراب أشد كفرا ونفاقا واجدر الا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله) .
(5) وروي (الغفلة) .
(6) جبذ: أي جذب.
(7) وقال: «- كما في البخاري- مرلي من مال الله الذي عندك» .
(8) قال الحلبي: «يحتمل ان يكون ثابت بن قيس بن شماس» .
(9) وهو سواد بن قيس المحاربى، وقيل: «سواد بن الحارث» .
(10) المسمى بالمرتجز وكان ابيض، وقيل النجيب.(2/505)
خُزَيْمَةُ «1» .. وَكَمَا كَانَ مِنْ تَظَاهُرِ زَوْجَيْهِ «2» عَلَيْهِ، وَأَشْبَاهِ هَذَا مِمَّا يَحْسُنُ الصَّفْحُ عَنْهُ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: «إِنَّ أَذَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَامٌ لَا يَجُوزُ بِفِعْلٍ مُبَاحٍ وَلَا غَيْرِهِ» .
وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَجُوزُ بِفِعْلٍ مباح مما يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ فِعْلُهُ وَإِنْ تَأَذَّى بِهِ غَيْرُهُ، وَاحْتَجَّ بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» «3» .
وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ «4» فَاطِمَةَ «5» : «إِنَّهَا بِضْعَةٌ مِنِّي يُؤْذِينِي مَا يُؤْذِيهَا.. أَلَا وَإِنِّي لَا أُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ. وَلَكِنْ لَا تَجْتَمِعُ ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ وَابْنَةُ عَدُوِّ «6» اللَّهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَبَدًا»
أَوْ يَكُونُ هذا مما آذاه به كافر رجا «7» بَعْدَ ذَلِكَ إِسْلَامُهُ كَعَفْوِهِ عَنِ الْيَهُودِيِّ الَّذِي سحره وعن الأعرابي «8» الذي أراد قتله
__________
(1) خزيمة: بن ثابت الانصاري بن عمارة. وقد جَعَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهادته بشهادتين.
(2) وهما عائشة وحفصة رضي الله عنهما.
(3) سورة الاحزاب آية 58.
(4) رواه البخاري
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «63» رقم «12» .
(6) وهي بنت أبي جهل واسمها جويرية.
(7) وفي نسخة (وجاء) بالواو.
(8) وهو غورث بن الحارث.(2/506)
وَعَنِ الْيَهُودِيَّةِ الَّتِي سَمَّتْهُ. وَقَدْ قِيلَ: «قَتَلَهَا» «1»
وَمِثْلُ هَذَا مِمَّا يَبْلُغُهُ مِنْ أَذَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُنَافِقِينَ فَصَفَحَ «2» عَنْهُمْ رَجَاءَ اسْتِئْلَافِهِمْ وَاسْتِئْلَافِ غيرهم كما قررناه قبل وبالله التوفيق
__________
(1) أي آخرا ببشر بن البراء بعد ما عفا عنها أولا لاسلامها او لاعتذارها في كلامها
(2) وفي جمله (وصفح) .(2/507)
الْفَصْلُ الرَّابِعُ حُكْمُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ دُونَ قصد أو اعتقاد
قَالَ الْقَاضِي:
تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي قَتْلِ الْقَاصِدِ لِسَبِّهِ وَالْإِزْرَاءِ بِهِ وَغَمْصِهِ «1» بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ مِنْ مُمْكِنٍ أَوْ مُحَالٍ. فَهَذَا وَجْهٌ بَيِّنٌ لا إشكال فيه.
الوجه الثاني:
لا حق بِهِ فِي الْبَيَانِ وَالْجَلَاءِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ لِمَا قَالَ فِي جِهَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلسَّبِّ وَالْإِزْرَاءِ وَلَا مُعْتَقَدٍ لَهُ، وَلَكِنَّهُ تَكَلَّمَ فِي جِهَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ مِنْ لَعْنِهِ أَوْ سَبِّهِ أَوْ تَكْذِيبِهِ أَوْ إِضَافَةِ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ، أَوْ نَفْيِ مَا يَجِبُ لَهُ مِمَّا هُوَ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَقِيصَةٌ، مِثْلُ أَنْ يَنْسُبَ إِلَيْهِ إِتْيَانَ كَبِيرَةٍ، أَوْ مُدَاهَنَةً فِي تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، أَوْ فِي حُكْمٍ بَيْنَ النَّاسِ.. أَوْ يَغُضَّ من مرتبته، أو شرف
__________
(1) غمصه: بغين معجمة مفتوحة وسكون الميم وصاد مهملة أي ازدرائه.(2/508)
نَسَبِهِ، أَوْ وُفُوِرِ عِلْمِهِ، أَوْ زُهْدِهِ، أَوْ يُكَذِّبَ بِمَا اشْتَهَرَ مِنْ أُمُورٍ أَخْبَرَ بِهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوَاتَرَ الْخَبَرُ بِهَا عَنْ قَصْدٍ لِرَدِّ خَبَرِهِ، أَوْ يَأْتِي بِسَفَهٍ من القول، أو قبيح من الكلام، ونوع من السب في جهة، وإن ظهر بدليل حاله أنه لم يعتمد ذَمَّهُ وَلَمْ يَقْصِدْ سَبَّهُ، إِمَّا لِجَهَالَةٍ حَمَلَتْهُ عَلَى مَا قَالَهُ، أَوْ لِضَجَرٍ، أَوْ سُكْرٍ اضْطَرَّهُ إِلَيْهِ أَوْ قِلَّةِ مُرَاقَبَةٍ وَضَبْطٍ لِلِسَانِهِ، وَعَجْرَفَةٍ وَتَهَوُّرٍ فِي كَلَامِهِ، فَحُكْمُ هَذَا الْوَجْهِ حُكْمُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الْقَتْلُ دُونَ تَلَعْثُمٍ، إِذْ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ فِي الْكُفْرِ بِالْجَهَالَةِ وَلَا بِدَعْوَى زَلَلِ اللِّسَانِ، وَلَا بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، إذا كَانَ عَقْلُهُ فِي فِطْرَتِهِ سَلِيمًا، إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ، وَبِهَذَا أَفْتَى الْأَنْدَلُسِيُّونَ عَلَى ابْنِ «1» حَاتِمٍ فِي نَفْيِهِ الزُّهْدَ عَنْ رسول الله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ «2» بْنُ سُحْنُونٍ فِي الْمَأْسُورِ يَسُبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَيْدِي الْعَدُوِّ يُقْتَلُ، إِلَّا أَنْ يعلم تنصره أَوْ إِكْرَاهُهُ.
وَعَنْ أَبِي «3» مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ لَا يُعْذُرُ بِدَعْوَى زَلَلِ اللِّسَانِ فِي مثل هذا.
__________
(1) وهو ابن حاتم الطليطلي قال الخفاجي: (لم أقف على ترجمته)
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «609» رقم «10» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «144» رقم «1» .(2/509)
وَأَفْتَى أَبُو الْحَسَنِ «1» الْقَابِسِيُّ فِيمَنْ شَتَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سُكْرِهِ يُقْتَلُ.. لأنه يظنّ به أنه يعتقد هذا ويفعله فِي صَحْوِهِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ حَدٌّ لَا يُسْقِطُهُ السُّكْرُ كَالْقَذْفِ وَالْقَتْلِ وَسَائِرِ الْحُدُودِ. لِأَنَّهُ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ.
لِأَنَّ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ زَوَالِ عَقْلِهِ بِهَا، وَإِتْيَانِ مَا يُنْكَرُ مِنْهُ فَهُوَ كَالْعَامِدِ لِمَا يَكُونُ بِسَبَبِهِ، وَعَلَى هَذَا أَلْزَمْنَاهُ الطَّلَاقَ وَالْعِتَاقَ، وَالْقِصَاصَ، وَالْحُدُودَ.
وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِحَدِيثِ «2» حَمْزَةَ «3» وَقَوْلِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَهَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لِأَبِي» قَالَ.. فَعَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ثَمِلٌ فَانْصَرَفَ. لِأَنَّ الْخَمْرَ كَانَتْ حِينَئِذٍ غَيْرَ مُحَرَّمَةٍ فَلَمْ يَكُنْ فِي جِنَايَاتِهَا إِثْمٌ. وَكَانَ حُكْمُ مَا يَحْدُثُ عَنْهَا مَعْفُوًّا عَنْهُ كَمَا يَحْدُثُ مِنَ النَّوْمِ وشرب الدواء المأمون..
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «76» رقم «2» .
(2) رواه الشيخان عن علي رضي الله عنه.
(3) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «691» رقم «5» .(2/510)
الفصل الخامس حقيقة قائل ذلك هل هو كافر أو مرتدّ
الْوَجْهُ الثَّالِثُ:
أَنْ يَقْصِدَ إِلَى تَكْذِيبِهِ فِيمَا قاله أو أتى به، أو ينفي نبوته، أو رسالته، أو وجوده، أو يكفر بِهِ.. انْتَقَلَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ إِلَى دِينٍ آخَرَ غَيْرِ مِلَّتِهِ أَمْ لَا؟.
فَهَذَا كَافِرٌ بِإِجْمَاعٍ، يَجِبُ قَتْلُهُ. ثُمَّ يُنْظَرُ- فَإِنْ كَانَ مُصَرِّحًا بِذَلِكَ كَانَ حُكْمُهُ أَشْبَهَ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّ «1» . وَقَوِيَ الْخِلَافُ فِي اسْتِتَابَتِهِ
وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لَا تُسْقِطُ الْقَتْلَ عَنْهُ تَوْبَتُهُ لِحَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كَانَ ذَكَرَهُ بِنَقِيصَةٍ فيما قاله من كذب أو غيره.
__________
(1) خلافا لاصحاب مالك.(2/511)
- وَإِنْ كَانَ مُتَسَتِّرًا بِذَلِكَ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الزِّنْدِيقِ لَا تُسْقِطُ قَتْلَهُ التَّوْبَةُ عِنْدَنَا «1» كَمَا سَنُبَيِّنُهُ.
قال أبو «2» حنيفه وأصحابه: «من برىء مِنْ مُحَمَّدٍ أَوْ كَذَّبَ «3» بِهِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ حَلَالُ الدَّمِ إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ» .
وَقَالَ ابْنُ «4» الْقَاسِمِ فِي الْمُسْلِمِ إِذَا قَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا لَيْسَ بِنَبِيٍّ أَوْ لَمْ يُرْسَلْ أَوْ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ قُرْآنٌ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ تَقَوَّلَهُ «5» يُقْتَلُ.
قَالَ: «وَمَنْ كَفَرَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْكَرَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَدِّ» .
وَكَذَلِكَ مَنْ أَعْلَنَ بِتَكْذِيبِهِ أَنَّهُ كَالْمُرْتَدِّ يُسْتَتَابُ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِيمَنْ تَنَبَّأَ وَزَعَمَ أنه يوحى إليه.
وقال سحنون «6» وقال ابْنُ «7» الْقَاسِمِ: «دَعَا إِلَى ذَلِكَ سِرًّا أَوْ جَهْرًا» وَقَالَ أَصْبَغُ «8» : «وَهُوَ كَالْمُرْتَدِّ لِأَنَّهُ قَدْ كَفَرَ بِكِتَابِ اللَّهِ مَعَ الْفِرْيَةِ عَلَى اللَّهِ» .
__________
(1) أي عند المالكية.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «499» رقم «6» .
(3) وفي نسخة (كذبه)
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «6» .
(5) فقوله: افتراه واختلقه
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «188» رقم «1» .
(7) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «6» .
(8) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «5» .(2/512)
وَقَالَ أَشْهَبُ «1» فِي يَهُودِيٍّ تَنَبَّأَ- أَوْ زَعَمَ أَنَّهُ أُرْسِلَ إِلَى النَّاسِ- أَوْ قَالَ: بَعْدَ نَبِيِّكُمْ نَبِيٌّ، أَنَّهُ يُسْتَتَابُ إِنْ كَانَ مُعْلِنًا بِذَلِكَ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: «لَا نَبِيَّ بَعْدِي» مُفْتَرٍ عَلَى اللَّهِ فِي دَعْوَاهُ عَلَيْهِ الرِّسَالَةَ وَالنُّبُوَّةَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ «2» سُحْنُونٍ: «مَنْ شَكَّ فِي حَرْفٍ مِمَّا جاء به محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللَّهِ فَهُوَ كَافِرٌ جَاحِدٌ» .
وَقَالَ: «مَنْ كَذَّبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حُكْمُهُ عِنْدَ الْأُمَّةِ الْقَتْلَ» .
وَقَالَ أَحْمَدُ «3» بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ صَاحِبُ سُحْنُونٍ «4» : «مَنْ قَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْوَدُ قُتِلَ. لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَسْوَدَ.
وَقَالَ نَحْوَهُ أَبُو عُثْمَانَ «5» الْحَدَّادُ قَالَ: «لَوْ قَالَ إِنَّهُ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَلْتَحِيَ «6» أَوْ إِنَّهُ كَانَ بِتَاهَرْتَ «7» وَلَمْ يَكُنْ بِتِهَامَةَ «8» قُتِلَ لِأَنَّ هَذَا نفي.
__________
(1) أشهب: بن عبد العزيز المصري.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «609» رقم «10» .
(3) احمد بن أبي سليمان من أصحاب سحنون كان فقيها عالما ورعا
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «188» رقم «1» .
(5) ابو عثمان الحداد: اسمه سعيد، وكان أولا مالكيا ثم صار شافعيا.
(6) أي قبل أن تنبت لحيته.
(7) تاهرت: مكان في أقصى المغرب.
(8) تهامة: هي هنا مكة أو أرض الحجاز.. وقد اطلقها الجغرافيون الان على الاراضي المحصورة بين جبال الحجاز وبين البحر الاحمر.(2/513)
قال حبيب «1» بن الربيع: تَبْدِيلُ صِفَتِهِ وَمَوَاضِعِهِ كُفْرٌ، وَالْمُظْهِرُ لَهُ كَافِرٌ وَفِيهِ الِاسْتِتَابَةُ، وَالْمُسِرُّ لَهُ زِنْدِيقٌ يُقْتَلُ دُونَ استتابة
__________
(1) حبيب بن الربيع: من أئمة المالكية. في الفقه وكان ورعا تقيا(2/514)
الفصل السّادس الحكم فيما لو كان الكلام يحتمل السّبّ وغيره
الْوَجْهُ الرَّابِعُ:
أَنْ يَأْتِيَ مِنَ الْكَلَامِ بِمُجْمَلٍ وَيَلْفِظُ مِنَ الْقَوْلِ بِمُشْكِلٍ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره أَوْ يَتَرَدَّدُ فِي الْمُرَادِ بِهِ مِنْ سَلَامَتِهِ من المكروه، أو شرّه فههنا مُتَرَدِّدُ النَّظَرِ، وَحَيْرَةُ الْعِبَرِ، وَمَظِنَّةُ اخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَوَقْفَةِ اسْتِبْرَاءِ الْمُقَلِّدِينَ، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ فَمِنْهُمْ مَنْ غَلَّبَ حُرْمَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَمَى حِمَى عِرْضِهِ فَجَسَرَ عَلَى الْقَتْلِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ عَظَّمَ حُرْمَةَ الدَّمِ وَدَرَأَ الْحَدَّ بِالشُّبْهَةِ لِاحْتِمَالِ الْقَوْلِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا فِي رَجُلٍ أَغْضَبَهُ غَرِيمُهُ فَقَالَ لَهُ: صَلِّ عَلَى محمد صلّى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ الطَّالِبُ لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ.(2/515)
فَقِيلَ لِسُحْنُونٍ «1» : هَلْ هُوَ كَمَنْ شَتَمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم؟ أو شتم الملائكة الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: لَا إِذَا كَانَ عَلَى مَا وَصَفْتَ مِنَ الْغَضَبِ.. لِأَنَّهُ لَمْ يكن مضمرا الشتم.
وقال أبو اسحق «2» الْبَرْقِيُّ وَأَصْبَغُ «3» بْنُ الْفَرَجِ لَا يُقْتَلُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا شَتَمَ النَّاسَ. وَهَذَا نَحْوُ قَوْلِ سُحْنُونٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْذُرْهُ بِالْغَضَبِ فِي شَتْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ الْكَلَامَ عِنْدَهُ وَلَمْ تَكُنْ مَعَهُ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى شَتْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ شَتْمِ الْمَلَائِكَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَلَا مُقَدِّمَةٌ يُحْمَلُ عَلَيْهَا كَلَامُهُ، بَلِ الْقَرِينَةُ تَدُلُّ على أن مراده الناس غير هؤلا. لِأَجْلِ قَوْلِ الْآخَرِ لَهُ صَلِّ عَلَى النَّبِيِّ، فَحُمِلَ قَوْلُهُ وَسَبُّهُ لِمَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ الْآنَ لِأَجْلِ أَمْرِ الْآخَرِ لَهُ بِهَذَا عِنْدَ غَضَبِهِ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ سُحْنُونٍ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِعِلَّةِ صاحبه.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «188» رقم «1» .
(2) أبو اسحق البرقي: ابراهيم بن عبد الرحمن بن عمرة بن أبي الفياض، توفي سنة خمس واربعين ومائة.
(3) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «5» .(2/516)
وَذَهَبَ الْحَارِثُ بْنُ «1» مِسْكِينٍ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: فِي مِثْلِ هَذَا إِلَى الْقَتْلِ.
وَتَوَقَّفَ أَبُو الْحَسَنِ «2» الْقَابِسِيُّ فِي قَتْلِ رَجُلٍ قَالَ: كُلُّ صَاحِبِ فُنْدُقٍ قَرْنَانُ «3» وَلَوْ كَانَ نَبِيًّا مُرْسَلًا، فَأَمَرَ بِشَدِّهِ بِالْقُيُودِ، وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِ حَتَّى يُسْتَفْهَمَ الْبَيِّنَةُ عَنْ جُمْلَةِ أَلْفَاظِهِ، وَمَا يَدُلُّ عَلَى مَقْصِدِهِ، هَلْ أَرَادَ أَصْحَابَ الْفَنَادِقِ الْآنَ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمْ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ فَيَكُونُ أَمْرُهُ أَخَفَّ.
قَالَ: وَلَكِنْ ظَاهِرُ لَفْظِهِ الْعُمُومُ لِكُلِّ صَاحِبِ فُنْدُقٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَدْ كَانَ فِيمَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ مَنِ اكْتَسَبَ الْمَالَ.
قَالَ: «وَدَمُ الْمُسْلِمِ لَا يُقْدَمُ عَلَيْهِ إِلَّا بأمر بيّن، وما تردّ إليه التأويلات لابد مِنْ إِمْعَانِ «4» النَّظَرِ فِيهِ.» هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ.
__________
(1) الحارث بن مسكين: قال الحلبي: هذا فقيه مشهور أموي، مولى مروان، مصري، أخذ عن ابن عينية وابن وهب وابن القاسم وسأل الليث. وعنه أبو داود والنسائي وجماعة.. ثعة حجة.. عاش نيفا وتسعين سنة قال الخطيب: كان ثبتا في الحديث فقيها على مذهب مالك. حمله المأمون الى بغداد أيام المحنة لانه لم يجب الى القول بخلق القرآن، فلم يزل محبوسا الى ان ولى الخلافة المتوكل فأطلقه فحدث ببغداد ورجع الى مصر وكتب اليه المتوكل بعهده على قضاء مصر.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «76» رقم (2) .
(3) قرنان: نعت سوء للرجل الذي يتغافل عن فجور امرأته وابنته واخته وقرابته وهو المسمى بالديوث.
(4) وفي نسخة (انعام) .(2/517)
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي «1» مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْعَرَبَ. وَلَعَنَ اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَعَنَ اللَّهُ بَنِي آدَمَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدِ الْأَنْبِيَاءَ، وَإِنَّمَا أَرَدْتُ الظَّالِمِينَ مِنْهُمْ، أَنَّ عَلَيْهِ الْأَدَبَ بِقَدْرِ اجْتِهَادِ السُّلْطَانِ.
وَكَذَلِكَ أَفْتَى فِيمَنْ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ حَرَّمَ الْمُسْكِرَ، وَقَالَ:
لَمْ أَعْلَمْ مَنْ حَرَّمَهُ.
وَفِيمَنْ لَعَنَ حَدِيثَ «لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ» وَلَعَنَ مَا جَاءَ بِهِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ وَعَدَمِ مَعْرِفَةِ السُّنَنِ فَعَلَيْهِ الْأَدَبُ الْوَجِيعُ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا لَمْ يَقْصِدْ بِظَاهِرِ حَالِهِ سَبَّ اللَّهِ وَلَا سَبَّ رَسُولِهِ وَإِنَّمَا لَعَنَ مَنْ حَرَّمَهُ مِنَ النَّاسِ عَلَى نَحْوِ فَتْوَى سُحْنُونٍ «2» وَأَصْحَابِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ المتقدمة.
ومثل هذا يجري في كلام سفهاء الناس من قَوْلِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ يَا ابْنَ أَلْفِ خِنْزِيرٍ ويا ابن مئة كَلْبٍ وَشِبْهِهِ مِنْ هُجْرِ «3» الْقَوْلِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مِثْلِ هَذَا الْعَدَدِ مِنْ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَعَلَّ بَعْضَ هَذَا الْعَدَدِ مُنْقَطِعٌ إِلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فينبغي الزجر
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (144) رقم (1) .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (188) رقم (1) .
(3) هجر: فحش.(2/518)
عنه، وتبيين ما جهل قَائِلُهُ مِنْهُ، وَشِدَّةُ الْأَدَبِ فِيهِ.
وَلَوْ عُلِمَ أَنَّهُ قَصَدَ سَبَّ مَنْ فِي آبَائِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى عِلْمٍ لَقُتِلَ.
وَقَدْ يَضِيقُ الْقَوْلُ فِي نَحْوِ هَذَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ هَاشِمِيٍّ: لَعَنَ اللَّهُ بَنِي هَاشِمٍ، وَقَالَ: أَرَدْتُ الظَّالِمِينَ مِنْهُمْ، أَوْ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ ذُرِّيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلًا قَبِيحًا فِي آبَائِهِ أَوْ مِنْ نَسْلِهِ أَوْ وَلَدِهِ عَلَى عِلْمٍ مِنْهُ أَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ تَقْتَضِي تَخْصِيصَ بَعْضِ آبَائِهِ وَإِخْرَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ سَبَّهُ مِنْهُمْ، وَقَدْ رَأَيْتُ لِأَبِي مُوسَى عِيسَى بْنِ «1» مَنَاسَ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ لَعَنَكَ اللَّهُ إِلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
أَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ قتل.
قال القاضي وفقه الله: وَقَدْ كَانَ اخْتَلَفَ شُيُوخُنَا فِيمَنْ قَالَ لِشَاهِدٍ شَهِدَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ: تَتَّهِمُنِي؟ فقال لَهُ الْآخَرُ..
الْأَنْبِيَاءُ يُتَّهَمُونَ فَكَيْفَ أَنْتَ!
فَكَانَ شيخنا أبو إسحق «2» بْنُ جَعْفَرٍ يَرَى قَتْلَهُ لِبَشَاعَةِ ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَكَانَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدِ «3» بْنُ مَنْصُورٍ يَتَوَقَّفُ عَنِ الْقَتْلِ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ خبرا عمّن اتهمهم من الكفار.
__________
(1) عيسى بن مناس أبو موسى من أصحاب سحنون وهو من أهل قيروان
(2) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (316) رقم (2) .
(3) ابو محمد بن منصور: عبد الله بن محمد بن منصور، ولد سنة ثمان وخمسين واربعمائة، وتوفي في شعبان سنة ثلاث عشر وخمسمائة. وهو امام محدث مالكي المذهب(2/519)
وَأَفْتَى فِيهَا قَاضِي قُرْطُبَةَ أَبُو عَبْدِ «1» اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا وَشَدَّدَ الْقَاضِي أبو محمد «2» تصفيده وأطال سجنه ثم استحلفه بَعْدُ عَلَى تَكْذِيبِ مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ إذ دَخَلَ فِي شَهَادَةِ بَعْضِ مِنْ شَهِدَ عَلَيْهِ وَهَنٌ ثُمَّ أَطْلَقَهُ.
وَشَاهَدْتُ شَيْخَنَا الْقَاضِي أَبَا عَبْدِ «3» اللَّهِ بْنَ عِيسَى أَيَّامَ قَضَائِهِ أُتِيَ بِرَجُلٍ هَاتَرَ «4» رَجُلًا اسْمُهُ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ قَصَدَ إِلَى كَلْبٍ فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ، وَقَالَ لَهُ قُمْ يَا مُحَمَّدُ فَأَنْكَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَكُونَ قَالَ ذَلِكَ، وَشَهِدَ عَلَيْهِ لَفِيفٌ مِنَ النَّاسِ فَأَمَرَ بِهِ إِلَى السِّجْنِ، وَتَقَصَّى عَنْ حَالِهِ، وَهَلْ يَصْحَبُ مَنْ يُسْتَرَابُ بِدِينِهِ فَلَمَّا لَمْ يَجِدْ مَا يُقَوِّي الرِّيبَةَ بِاعْتِقَادِهِ ضَرَبَهُ بِالسَّوْطِ وَأَطْلَقَهُ.
__________
(1) أبو عبد الله بن الحاج محمد بن أحمد بن خلف بن ابراهيم التجيبي المالكي العلامة المحدث الشهيد. ولد سنة ثمان وخمسين واربعمائة، وقتل وهو ساجد بجامع قرطبة، قتله رجل مجنون يقال أنه ضربه بسكين في خاصرته فقتله، ودفنه في الموضع الذي قتله فيه وكان ذلك يوم الجمعة سادس عشر شهر رمضان سنة تسع وعشرين وخمسمائة، وهو غير ابن الحاج صاحب المدخل.
(2) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «519» رقم «3» .
(3) أبو عبد الله بن عيسى: بن حسين التيمي، ولد سنة تسع وعشرين واربعمائة
(4) هاتر: قال سفها من القول.(2/520)
الْفَصْلُ السَّابِعُ حُكْمُ مَنْ وَصَفَ نَفْسَهُ بِصِفَةٍ من صفات الأنبياء رفعا لشأنه أو استصغارا لشأنهم صلوات الله عليهم
الْوَجْهُ الْخَامِسُ:
أَنْ لَا يَقْصِدَ نَقْصًا وَلَا يَذْكُرَ عَيْبًا وَلَا سَبًّا لَكِنَّهُ يَنْزِعُ «1» بِذِكْرِ بَعْضِ أَوْصَافِهِ، أَوْ يَسْتَشْهِدُ بِبَعْضِ أَحْوَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَائِزَةِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا عَلَى طَرِيقِ ضَرْبِ الْمَثَلِ وَالْحُجَّةِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ، أَوْ عَلَى التَّشَبُّهِ بِهِ، أَوْ عِنْدَ هَضِيمَةٍ «2» نَالَتْهُ، أَوْ غَضَاضَةٍ لَحِقَتْهُ، لَيْسَ عَلَى طَرِيقِ التَّأَسِّي وَطَرِيقِ التَّحْقِيقِ، بَلْ عَلَى مَقْصِدِ التَّرْفِيعِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ وَعَدَمِ التَّوْقِيرِ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أو قصد الهزل والتندير «3» بقوله:
__________
(1) ينزع: يميل.
(2) هضيمة: نقيصة عظيمه
(3) التندير: مصدر ندر معناه قصد الساقط من القول.(2/521)
كَقَوْلِ الْقَائِلِ: إِنْ قِيلَ فِي السُّوءِ فَقَدْ قيل في النبي، أو إن كُذِّبْتُ فَقَدْ كُذِّبَ الْأَنْبِيَاءُ، أَوْ إِنْ أَذْنَبْتُ فَقَدْ أَذْنَبُوا. أَوْ أَنَا أَسْلَمُ مِنْ أَلْسِنَةِ النَّاسِ، وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ أَنْبِيَاءُ اللَّهِ وَرُسُلُهُ، أَوْ قَدْ صَبَرْتُ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ، أَوْ كَصَبْرِ أَيُّوبَ، أَوْ قَدْ صَبَرَ نَبِيُّ الله على عِدَاهُ وَحَلُمَ عَلَى أَكْثَرِ مِمَّا صَبَرْتُ وَكَقَوْلِ المتنبي «1»
أنا في أمة تداركها الل ... هـ غَرِيبٌ كَصَالِحٍ فِي ثَمُودِ
وَنَحْوِهِ مِنْ أَشْعَارِ الْمُتَعَجْرِفِينَ فِي الْقَوْلِ الْمُتَسَاهِلِينَ فِي الْكَلَامِ كَقَوْلِ الْمَعَرِّيِّ «2» :
كَنْتُ مُوسَى وَافَتْهُ بِنْتُ شُعَيْبٍ ... غَيْرَ أَنْ لَيْسَ فِيكُمَا مِنْ فَقِيرِ «3»
عَلَى أَنَّ آخر البيت شديد وداخل في الْإِزْرَاءِ وَالتَّحْقِيرِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتفضيل حال غيره عليه.
وكذلك قوله:
__________
(1) المتنبي: ابو الطيب الجعفي الكوفي الشاعر، له من بدائع الشعر وحكمه أشياء عجيبة مشتملة على آداب وغيرها. ولد بالكوفة سنة ثلاث وثلاثمائة ونشأ بالشام والبادية، اتصل بسيف الدولة ثم سار الى عضد الدولة بفارس بعد اتصاله بكافور أمير مصر وعاد الى بغداد فقتل بالقرب من النعمانية في شهر رمضان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة.
(2) المعري: أبو العلاء اللغوي الشاعر المشهور، كان متضلعا في فنون الادب، وله من النظم (لزوم ما لا يلزم) وذكر ان له كتابا في الادب اسمه (أيك الغصون) في مئة مجلد، وكان يرى رأي الحكماء في الامتناع عن أكل اللحوم. توفي ليلة الجمعة ثالث شهر ربيع الاول سنة تسع وأربعين واربعمائة بالمعرة.
(3) أي انه شبه ممدوحه وزوجته بموسى عليه السلام وزوجته وهي بنت نبى جهلا منه برفيع شأنهم وبديع مكانهم.(2/522)
لَوْلَا انْقِطَاعُ الْوَحْيِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ ... قُلْنَا مُحَمَّدُ عَنْ أَبِيهِ بَدِيلُ
هُوَ مِثْلُهُ فِي الْفَضْلِ إِلَّا أَنَّهُ ... لَمْ يَأْتِهِ بِرِسَالَةٍ جِبْرِيلُ
فَصَدْرُ الْبَيْتِ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْفَصْلِ شَدِيدٌ لِتَشْبِيهِهِ غَيْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَضْلِهِ بِالنَّبِيِّ، وَالْعَجْزُ مُحْتَمِلٌ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ نَقَصَتِ الْمَمْدُوحَ
وَالْآخَرُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْهَا، وهو أَشَدُّ.
وَنَحْوٌ مِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ «1» :
وَإِذَا مَا رُفِعَتْ رَايَاتُهُ ... صَفَّقَتْ بَيْنَ جَنَاحَيْ جَبْرِينْ
وَقَوْلُ الْآخَرِ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ «2»
فَرَّ مِنَ الْخُلْدِ وَاسْتَجَارَ بِنَا ... فَصَبَّرَ اللَّهُ قَلْبَ رَضْوَانِ
وَكَقَوْلِ حَسَّانَ «3» الْمِصِيصِيِّ مِنْ شُعَرَاءِ الْأَنْدَلُسِ فِي مُحَمَّدِ
__________
(1) قال الحلبي: لا أعرفه. وقال الخفاجي: هو الاديب زيد بن عبد الرحمن بن معانا الاسيوفي المغربي من شعراء الذخيرة. وهو من شعراء المغرب الشهيرين، وهذا البيت من قصيدة له في مدح ابن حموده أولها:
البرق لايح من أنذرين ... ذرفت عيناك بالدمع المعين
(2) أي من عصر المصنف.. وقال الحلبي: لا أعرفه.
(3) حسان المصيصي: نسبة لمصيصة بلدة بالاندلس، وقال أبو بسام في الذخيرة: هو الوزير الكاتب ابو الوليد حسان ابن المصيصي رفيق الوزير ابن عمار من عظماء الدولة العبادية. وله اشعار بديعة. اكثر قصائده في مديح المعتمد، وله تصانيف جليلة ومعان رائعة كقوله:
اذا المرء لم يزهد وقد صبغت له ... بعصفر الدنيا فليس بزاهد(2/523)
بْنِ «1» عَبَّادٍ الْمَعْرُوفِ بِالْمُعْتَمِدِ وَوَزِيرِهِ أَبِي بَكْرِ «2» بْنِ زَيْدُونٍ:
كَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَبُو بَكْرِ الرّضى ... وَحَسَّانَ حَسَّانٌ وَأَنْتَ مُحَمَّدُ
إِلَى أَمْثَالِ هَذَا.
وَإِنَّمَا أَكْثَرْنَا بِشَاهِدِهَا مَعَ اسْتِثْقَالِنَا حِكَايَتَهَا لِتَعْرِيفِ أَمْثِلَتِهَا، وَلِتَسَاهُلِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ فِي وُلُوجِ هَذَا الْبَابِ الضَّنْكِ «3» ، وَاسْتِخْفَافِهِمْ فَادِحَ هَذَا الْعِبْءِ وَقِلَّةِ عِلْمِهِمْ بِعَظِيمِ مَا فِيهِ مِنَ الْوِزْرِ، وَكَلَامِهِمْ مِنْهُ بِمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ. «وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ» «4» لا سيما الشُّعَرَاءُ.. وَأَشَدُّهُمْ فِيهِ تَصْرِيحًا وَلِلِسَانِهِ تَسْرِيحًا ابْنُ هانىء «5» الْأَنْدَلُسِيُّ، وَابْنُ «6» سُلَيْمَانَ الْمَعَرِّيُّ.. بَلْ قَدْ خَرَجَ كَثِيرٌ مِنْ كَلَامِهِمَا إِلَى حَدِّ الِاسْتِخْفَافِ وَالنَّقْصِ وَصَرِيحِ الْكُفْرِ.
وَقَدْ أَجَبْنَا عَنْهُ.. وَغَرَضُنَا الْآنَ الكلام في هذا الفصل الذي
__________
(1) محمد بن عباد: تولى الخلافة بعد ان كان قاضيا، وهو القاسم بن محمد بن ذي الوزارتين الوليد بن اسماعيل، وكان أصلهم من حمص.
(2) أبو بكر بن زيدون: هو ذو الوزارتين والشاعر البليغ، وكان مع ابن عمار فرسي رهان.
(3) الضنك: الضيق.
(4) سورة النور آية 16.
(5) ابن هانيء: الاندلسي ابو القاسم محمد بن هانيء الاندلسي الاشبيلي ولد باشبيلية ونشأ فيها واشتغل بعلوم الادب والعربية ففاق فيها أهل عصره الا أنه كان يميل الى مذهب الفلاسفة. ارتحل الى مصر ثم عاد منها فلما نزل برقة وجد ميتا ولا يعرف من قتله وكان ذلك يوم الاربعاء لسبع بقين من رجب سنة اثنين وسبعين وثلاثمائة.
(6) ابن سليمان: أبو العلاء المعري. وقد تقدمت ترجمته في ج 2 ص «522» رقم «2»(2/524)
سُقْنَا أَمْثِلَتَهُ.. فَإِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا وَإِنْ لَمْ تَتَضَمَّنْ سَبًّا وَلَا أَضَافَتْ إِلَى الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ نَقْصًا..- وَلَسْتُ أَعْنِي عَجُزَيْ بَيْتَيِ الْمَعَرِّيِّ «1» - وَلَا قَصَدَ قَائِلُهَا إِزْرَاءً وَغَضًّا، فَمَا وَقَّرَ النُّبُوَّةَ ولا عظّم الرسالة، ولا عزّر حُرْمَةَ الِاصْطِفَاءِ، وَلَا عَزَّزَ حُظْوَةَ الْكَرَامَةِ، حَتَّى شَبَّهَ مَنْ شَبَّهَ فِي كَرَامَةٍ نَالَهَا أَوْ معرّة قصد الانتفاء مِنْهَا، أَوْ ضَرْبِ مَثَلٍ لِتَطْيِيبِ مَجْلِسِهِ، أَوْ إِغْلَاءٍ فِي وَصْفٍ لِتَحْسِينِ كَلَامِهِ بِمَنْ عَظَّمَ اللَّهُ خَطَرَهُ وَشَرَّفَ قَدْرَهُ، وَأَلْزَمَ تَوْقِيرَهُ وَبِرَّهُ، وَنَهَى عَنْ جَهْرِ الْقَوْلِ لَهُ، وَرَفْعِ الصَّوْتِ عنده، فحقّ هذا إن درىء عَنْهُ الْقَتْلُ الْأَدَبُ، وَالسِّجْنُ وَقُوَّةُ تَعْزِيرِهِ بِحَسَبِ شُنْعَةِ مَقَالِهِ، وَمُقْتَضَى قُبْحِ مَا نَطَقَ بِهِ، وَمَأْلُوفِ عَادَتِهِ لِمِثْلِهِ، أَوْ نُدُورِهِ، وَقَرِينَةِ كَلَامِهِ أَوْ نَدَمِهِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْهُ.
- وَلَمْ يَزَلِ الْمُتَقَدِّمُونَ يُنْكِرُونَ مِثْلَ هَذَا مِمَّنْ جَاءَ بِهِ وَقَدْ أَنْكَرَ الرَّشِيدُ «2» عَلَى أَبِي نُوَاسٍ «3» قَوْلَهُ:
فَإِنُ يَكُ بَاقِي سِحْرِ فِرْعَوْنَ فِيكُمُ ... فإن عصا موسى بكفّ خصيب
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «522» رقم «2» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «492» رقم «3» .
(3) أبو نواس: كان والده مولى الجراح بن عبد الله الحكمي والي خراسان، ولد بالبصرة ونشأ بها ثم خرج الى الكوفة ثم صار الى بغداد، توفي سنة خمس وتسعين ومائة ببغداد.(2/525)
وقال له: يا ابن اللخناء «1» .. أنت المستهزىء بِعَصَا مُوسَى!! ..
وَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ عَنْ عَسْكَرِهِ مِنْ ليلته وذكر القتيبي «2» :
أَنَّ مِمَّا أُخِذَ عَلَيْهِ أَيْضًا وَكُفِّرَ فِيهِ أَوْ قَارَبَ.. قَوْلُهُ فِي مُحَمَّدٍ «3» الْأَمِينِ، وَتَشْبِيهِهِ إِيَّاهُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ:
تَنَازَعَ الْأَحْمَدَانِ الشَّبَهَ فَاشْتَبَهَا ... خَلْقًا وَخُلُقًا كما قدّ «4» الشراكان «5»
كما أَنْكَرُوا عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلَهُ:
كَيْفَ لَا يُدْنِيكَ مِنْ أَمَلٍ ... مَنْ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ نَفَرِهِ
لأن حقّ رسول الله وموجب تعظيمه وإنافة مَنْزِلَتِهِ أَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ وَلَا يُضَافُ.
- فَالْحُكْمُ فِي أَمْثَالِ هَذَا مَا بَسَطْنَاهُ فِي طَرِيقِ الْفُتْيَا عَلَى هَذَا الْمَنْهَجِ جَاءَتْ فُتْيَا إِمَامِ مَذْهَبِنَا مَالِكِ «6» بْنِ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَصْحَابِهِ.
فَفِي النَّوَادِرِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ «7» أَبِي مَرْيَمَ فِي رَجُلٍ عَيَّرَ رَجُلًا بِالْفَقْرِ فَقَالَ: «تُعَيِّرُونِي بِالْفَقْرِ وَقَدْ رَعَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الغنم» !
__________
(1) اللخناء: المنتنة، واللحن النتن.
(2) القتيبي: قال الحلبي: وقد تقدمت ترجمته في ج 1 ص «470» رقم «4»
(3) محمد الامين: بن هارون الرشيد بن المهدي بويع بالخلافة سنة ثلاث وتسعين ومائة صبيحة وفاة الرشيد وقتل سنة ثمان وتسعين ومائة وكانت خلافته أربع سنين وثمانية أشهر.
(4) قد: قطع
(5) الشراكان: الشراك سير النعل.
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(7) ابن أبي مريم: الجمحي البصري أبو محمد الحافظ يروي عن الليث وطائفة، وعنه ابن معين وأبو حاتم وجماعة، ثقة أخرج له الائمة السته.(2/526)
فَقَالَ مَالِكٌ «1» : «قَدْ عَرَّضَ بِذِكْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ.
أَرَى أن يؤدب» وقال: (وَلَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الذُّنُوبِ إِذَا عُوتِبُوا أَنْ يقولوا: أَخْطَأَتِ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَنَا) .
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ «2» عَبْدِ الْعَزِيزِ لِرَجُلٍ: «انْظُرْ لَنَا كَاتِبًا يَكُونُ أَبُوهُ عربيا» . فقال كاتب له: «كَانَ أَبُو النَّبِيِّ كَافِرًا» . فَقَالَ: «جَعَلْتَ هَذَا مَثَلًا! فَعَزَلَهُ» وَقَالَ: «لَا تَكْتُبْ لِي أَبَدًا»
وَقَدْ كَرِهَ سُحْنُونٌ «3» أَنْ يُصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ التَّعَجُّبِ إِلَّا عَلَى طَرِيقِ الثَّوَابِ وَالِاحْتِسَابِ تَوْقِيرًا لَهُ وَتَعْظِيمًا كَمَا أَمَرَنَا اللَّهُ.
وَسُئِلَ الْقَابِسِيُّ «4» عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ قَبِيحٍ: كَأَنَّهُ وَجْهُ نَكِيرٍ «5» وَلِرَجُلٍ عَبُوسٍ: كَأَنَّهُ وَجْهُ مَالِكٍ «6» الْغَضْبَانِ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَرَادَ بِهَذَا؟ ..- وَنَكِيرٌ أَحَدُ فَتَّانَيِ الْقَبْرِ، وَهُمَا مَلَكَانِ- فَمَا الَّذِي أَرَادَ؟ .. أَرَوْعٌ دَخَلَ عَلَيْهِ حِينَ رَآهُ مِنْ وَجْهِهِ أَمْ عَافَ
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (274) رقم «2» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «3» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «76» رقم «2» .
(5) نكير: اسم لاحد ملائكه القبر والاخر اسمه منكر.
(6) مالك: وهو خازن النار (ونادوا يا مالك لبقض علينا ربك.)(2/527)
النَّظَرَ إِلَيْهِ لِدَمَامَةِ خَلْقِهِ؟. فَإِنْ كَانَ هَذَا فهو شديد. لأنه جرى مجرى التحقير والتهوبن، فهو أشد عقوبة.
وليس فيه تَصْرِيحٌ بِالسَّبِّ لِلْمَلَكِ، وَإِنَّمَا السَّبُّ وَاقِعٌ عَلَى الْمُخَاطَبِ وَفِي الْأَدَبِ بِالسَّوْطِ وَالسِّجْنِ نَكَالٌ «1» لِلسُّفَهَاءِ قَالَ: وَأَمَّا ذَاكِرُ مَالِكٍ خَازِنِ النَّارِ فَقَدْ جفا الذي ذكره عند ما أَنْكَرَ «2» حَالَهُ مِنْ عُبُوسِ الْآخَرِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعَبَّسُ لَهُ يَدٌ فَيَرْهَبُ بِعُبْسَتِهِ فَيُشَبِّهُهُ الْقَائِلُ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ لِهَذَا فِي فِعْلِهِ، وَلُزُومِهِ فِي ظُلْمِهِ صِفَةَ مَالِكٍ الْمَلَكِ الْمُطِيعِ لِرَبِّهِ فِي فِعْلِهِ فَيَقُولُ: كَأَنَّهُ لِلَّهِ يَغْضَبُ غَضَبَ مَالِكٍ فَيَكُونُ أَخَفَّ.
وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ التَّعَرُّضُ لِمِثْلِ هَذَا، وَلَوْ كَانَ أَثْنَى عَلَى الْعَبُوسِ بِعُبْسَتِهِ وَاحْتَجَّ بِصِفَةِ مَالِكٍ كَانَ أَشَدَّ وَيُعَاقَبُ الْمُعَاقَبَةَ الشَّدِيدَةَ، وَلَيْسَ فِي هَذَا ذَمٌّ لِلْمَلَكِ، وَلَوْ قَصَدَ ذَمَّهُ لَقُتِلَ.
وَقَالَ أَبُو «3» الْحَسَنِ أَيْضًا فِي شَابٍّ مَعْرُوفٍ بِالْخَيْرِ قال لرجل شيئا فقال له الرَّجُلُ: اسْكُتْ فَإِنَّكَ أُمِّيٌّ.. فَقَالَ الشَّابُّ أَلَيْسَ
__________
(1) نكال: عبرة.
(2) وفي نسخة (رأى) .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «76» رقم «2» .(2/528)
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِّيًّا! فَشُنِّعَ عَلَيْهِ مَقَالُهُ وَكَفَّرَهُ النَّاسُ، وَأَشْفَقَ الشَّابُّ مِمَّا قَالَ. وَأَظْهَرَ النَّدَمَ عَلَيْهِ فَقَالَ أَبُو الحسن: أما إطلاق الكفر عليه فخطأ لكنه مخطىء فِي اسْتِشْهَادِهِ بِصِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَوْنُ النَّبِيِّ أُمِّيًّا آيَةٌ لَهُ، وَكَوْنُ هَذَا أُمِّيًّا نَقِيصَةٌ فِيهِ وَجَهَالَةٌ، وَمِنْ جَهَالَتِهِ احْتِجَاجُهُ بِصِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَكِنَّهُ إِذَا اسْتَغْفَرَ وَتَابَ وَاعْتَرَفَ وَلَجَأَ إِلَى اللَّهِ فَيُتْرَكُ.. لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يَنْتَهِي إِلَى حَدِّ الْقَتْلِ.
وَمَا طَرِيقُهُ الْأَدَبُ فَطَوْعُ فَاعِلِهِ بِالنَّدَمِ عَلَيْهِ يُوجِبُ الْكَفَّ عَنْهُ.
وَنَزَلَتْ أَيْضًا مَسْأَلَةٌ اسْتَفْتَى فِيهَا بَعْضُ قُضَاةِ الْأَنْدَلُسِ شَيْخَنَا الْقَاضِيَ أَبَا مُحَمَّدِ «1» بْنَ مَنْصُورٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رَجُلٍ تَنَقَّصَهُ آخَرُ بِشَيْءٍ فَقَالَ لَهُ: إِنَّمَا تُرِيدُ نَقْصِي بِقَوْلِكَ، وَأَنَا بَشَرٌ وَجَمِيعُ الْبَشَرِ يَلْحَقُهُمُ النَّقْصُ حَتَّى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفْتَاهُ بِإِطَالَةِ سِجْنِهِ وَإِيجَاعِ أَدَبِهِ، إِذْ لَمْ يَقْصِدِ السَّبَّ. وَكَانَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الأندلس أفتى بقتله.
__________
(1) هو شيخ القضاة في عصره اشتهر عنه البراعة في القضاء والدقة في العلم والزهد في الدنيا.(2/529)
الفصل الثامن حكم النّاقل والحاكي لِهَذَا الْكَلَامِ عَنْ غَيْرِهِ
الْوَجْهُ السَّادِسُ:
أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ ذَلِكَ حَاكِيًا عَنْ غَيْرِهِ، وَآثِرًا «1» لَهُ عَنْ سِوَاهُ فَهَذَا يُنْظَرُ فِي صُورَةِ حِكَايَتِهِ، وَقَرِينَةِ مَقَالَتِهِ، وَيَخْتَلِفُ الْحُكْمُ بِاخْتِلَافِ ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ وُجُوهٍ: الْوُجُوبِ، وَالنَّدْبِ، وَالْكَرَاهَةِ، وَالتَّحْرِيمِ.
- فَإِنْ كَانَ أَخْبَرَ بِهِ عَلَى وَجْهِ الشَّهَادَةِ وَالتَّعْرِيفِ بِقَائِلِهِ وَالْإِنْكَارِ وَالْإِعْلَامِ بِقَوْلِهِ وَالتَّنْفِيرِ مِنْهُ وَالتَّجْرِيحِ لَهُ فَهَذَا مِمَّا يَنْبَغِي امْتِثَالُهُ وَيُحْمَدُ فَاعِلُهُ.
وَكَذَلِكَ إِنْ حَكَاهُ فِي كِتَابٍ أَوْ في مجلس على طريق الردله والنقض
__________
(1) آثرا: ناقلا.(2/530)
على قائله. والفتيا بِمَا يَلْزَمُهُ.. وَهَذَا مِنْهُ مَا يَجِبُ وَمِنْهُ مَا يُسْتَحَبُّ بِحَسَبِ حَالَاتِ الْحَاكِي لِذَلِكَ وَالْمَحْكِيِّ عَنْهُ.
فَإِنْ كَانَ الْقَائِلُ لِذَلِكَ مِمَّنْ تَصَدَّى لِأَنْ يُؤْخَذَ عَنْهُ الْعِلْمُ أَوْ رِوَايَةُ الْحَدِيثِ، أَوْ يُقْطَعَ بِحُكْمِهِ أَوْ شَهَادَتِهِ أَوْ فُتْيَاهُ فِي الْحُقُوقِ، وَجَبَ عَلَى سَامِعِهِ الْإِشَادَةُ بِمَا سَمِعَ مِنْهُ، وَالتَّنْفِيرُ لِلنَّاسِ عَنْهُ، وَالشَّهَادَةُ- عَلَيْهِ بِمَا قَالَهُ، وَوَجَبَ عَلَى مَنْ بَلَغَهُ ذَلِكَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ إِنْكَارُهُ، وَبَيَانُ كُفْرِهِ، وَفَسَادِ قَوْلِهِ لِقَطْعِ ضَرَرِهِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، وَقِيَامًا بِحَقِّ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعِظُ الْعَامَّةَ، أَوْ يُؤَدِّبُ الصِّبْيَانَ فَإِنَّ مَنْ هَذِهِ سَرِيرَتُهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَى إِلْقَاءِ ذَلِكَ- فِي قُلُوبِهِمْ.. فَيَتَأَكَّدُ فِي هَؤُلَاءِ الْإِيجَابُ لِحَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِحَقِّ شَرِيعَتِهِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْقَائِلَ بِهَذِهِ السَّبِيلِ، فَالْقِيَامُ بِحَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجِبٌ وَحِمَايَةُ عرضه متعين، ونصرته على الْأَذَى حَيًّا وَمَيِّتًا مُسْتَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ لَكِنَّهُ إِذَا قَامَ بِهَذَا مَنْ ظَهَرَ بِهِ الْحَقُّ، وَفُصِلَتْ بِهِ الْقَضِيَّةُ، وَبَانَ بِهِ الْأَمْرُ. سَقَطَ عَنِ الْبَاقِي الْفَرْضُ وَبَقِيَ الِاسْتِحْبَابُ فِي تَكْثِيرِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ، وَعَضْدِ التَّحْذِيرِ مِنْهُ.. وَقَدْ أَجْمَعَ السَّلَفُ عَلَى بَيَانِ حَالِ الْمُتَّهَمِ فِي الحديث «1» فكيف بمثل هذا.
__________
(1) حتى رؤي يحيى بن معين على جلالة قدره طائفا بالبيت المكرم يقول: «فلان كذاب فلان وضاع في روايته» .(2/531)
وَقَدْ سُئِلَ أَبُو مُحَمَّدِ «1» بْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنِ الشَّاهِدِ يَسْمَعُ مِثْلَ هَذَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَيَسَعُهُ أَلَّا يُؤَدِّيَ شَهَادَتَهُ قَالَ: «إِنْ رَجَا نَفَاذَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ فَلْيَشْهَدْ، وَكَذَلِكَ إِنْ عَلِمَ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَرَى الْقَتْلَ بِمَا شَهِدَ بِهِ وَيَرَى الِاسْتِتَابَةَ وَالْأَدَبَ فَلْيَشْهَدْ وَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ» .
- وَأَمَّا الْإِبَاحَةُ لِحِكَايَةِ قَوْلِهِ لِغَيْرِ هَذَيْنِ الْمَقْصِدَيْنِ فَلَا أَرَى لَهَا مَدْخَلًا فِي هَذَا الْبَابِ، فَلَيْسَ التَّفَكُّهُ بِعِرْضِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّمَضْمُضُ بِسُوءِ ذِكْرِهِ لِأَحَدٍ، لَا ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا «2» لِغَيْرِ غَرَضٍ شَرْعِيٍّ بِمُبَاحٍ، وَأَمَّا لِلْأَغْرَاضِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَمُتَرَدَّدٌ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالِاسْتِحْبَابِ وَقَدْ حَكَى اللَّهُ تَعَالَى مَقَالَاتِ الْمُفْتَرِينَ عَلَيْهِ وَعَلَى رُسُلِهِ فِي كِتَابِهِ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ لِقَوْلِهِمْ، وَالتَّحْذِيرِ مِنْ كُفْرِهِمْ، وَالْوَعِيدِ عَلَيْهِ، وَالرَّدِّ عَلَيْهِمْ بِمَا تَلَاهُ اللَّهُ عَلَيْنَا فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ.
وَكَذَلِكَ وَقَعَ مِنْ أَمْثَالِهِ فِي أَحَادِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحِيحَةِ عَلَى الْوُجُوهِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
وَأَجْمَعَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى عَلَى حِكَايَاتِ مَقَالَاتِ الْكَفَرَةِ وَالْمُلْحِدِينَ فِي كُتُبِهِمْ وَمَجَالِسِهِمْ لِيُبَيِّنُوهَا لِلنَّاسِ وَيَنْقُضُوا
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «479» رقم «5» .
(2) آثرا: حاكيا وناقلا.(2/532)
شُبَهَهَا عَلَيْهِمْ.. وَإِنْ كَانَ وَرَدَ لِأَحْمَدَ بْنِ «1» حَنْبَلٍ إِنْكَارٌ لِبَعْضِ هَذَا عَلَى الْحَارِثِ «2» بْنِ أَسَدٍ. فَقَدْ صَنَعَ أَحْمَدُ «1» مِثْلَهُ فِي رَدِّهِ على الجهمية «3» والقائلين بالمخلوق «4»
وهذه الْوُجُوهُ السَّائِغَةُ الْحِكَايَةُ عَنْهَا.
- فَأَمَّا ذِكْرُهَا عَلَى غَيْرِ هَذَا مِنْ حِكَايَةِ سَبِّهِ وَالْإِزْرَاءِ بِمَنْصِبِهِ عَلَى وَجْهِ الْحِكَايَاتِ وَالْأَسْمَارِ «5» وَالطُّرَفِ وَأَحَادِيثِ النَّاسِ وَمَقَالَاتِهِمْ فِي الْغَثِّ وَالسَّمِينِ وَمَضَاحِكِ الْمُجَّانِ «6» وَنَوَادِرِ السُّخَفَاءِ، وَالْخَوْضِ فِي قِيلَ وَقَالَ وَمَا لَا يَعْنِي فَكُلُّ هَذَا مَمْنُوعٌ، وَبَعْضُهُ أَشَدُّ فِي الْمَنْعِ وَالْعُقُوبَةِ مِنْ بَعْضٍ.
فَمَا كَانَ مِنْ قَائِلِهِ الْحَاكِي لَهُ عَلَى غَيْرِ قَصْدٍ، أَوْ معرفة بمقدار ما
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «165» رقم «1» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «392» رقم «1» . وذلك بما حكاه في كتاب الرعاية
(3) الجهمية: طائفة من أصحاب جهم بن صفوان من المبتدعة بل من الكفرة المخترعة، وأصله من سمرقند، ومن مذهبه القول: بان الجنة والنار يفتيان، وان الايمان هو المعرفة فقط دون الاقرار وسائر الطاعات، وأنه لا فعل لاحد غير الله. وان العباد فيما ينسب اليهم من الافعال كالشجرة تحركها الرياح باختلاف الاحوال. والانسان مجبر في كل أفعاله لا ارادة له ولا اختيار.
(4) المخلوق: اما هو القرآن والقائلين بذلك المعتزلة، أو بالعمل المخلوق للانسان وهو قول المعتزلة والقدرية او بالمخلوق القديم وهو قول الفلاسفة والدهرية.
(5) الاسمار: جمع سمر وهو حديث الليل وأصله في ظل القمر.
(6) المجان: جمع ماجن وهو من لا يبالي بكلامه في اللهو والسخرية.(2/533)
حَكَاهُ، أَوْ لَمْ تَكُنْ عَادَتُهُ، أَوْ لَمْ يَكُنِ الْكَلَامُ مِنَ الْبَشَاعَةِ حَيْثُ هُوَ، وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَى حَاكِيهِ اسْتِحْسَانُهُ وَاسْتِصْوَابُهُ، زُجِرَ عَنْ ذَلِكَ وَنُهِيَ عَنِ الْعَوْدَةِ إِلَيْهِ. وَإِنْ قُوِّمَ بِبَعْضِ الْأَدَبِ فَهُوَ مُسْتَوْجِبٌ لَهُ.
وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ مِنَ الْبَشَاعَةِ حَيْثُ هُوَ.. كَانَ الْأَدَبُ أَشَدَّ وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ مَالِكًا «1» عَمَّنْ يَقُولُ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ.. فَقَالَ مَالِكٌ: كَافِرٌ فَاقْتُلُوهُ.. فَقَالَ: إِنَّمَا حَكَيْتُهُ عَنْ غَيْرِي.. فَقَالَ مَالِكٌ: إِنَّمَا سَمِعْنَاهُ مِنْكَ «2» .
وَهَذَا مِنْ مَالِكٍ رحمه الله عَلَى طَرِيقِ الزَّجْرِ «3» وَالتَّغْلِيظِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يُنَفِّذْ قَتْلَهُ، وَإِنِ اتُّهِمَ هَذَا الْحَاكِي فِيمَا حَكَاهُ أَنَّهُ اخْتَلَقَهُ وَنَسَبَهُ إِلَى غَيْرِهِ، أَوْ كَانَتْ تِلْكَ عَادَةً لَهُ، أَوْ ظَهَرَ اسْتِحْسَانُهُ لِذَلِكَ، أَوْ كَانَ مُولَعًا بِمِثْلِهِ وَالِاسْتِخْفَافِ لَهُ، أَوِ التَّحَفُّظِ لِمِثْلِهِ وَطَلَبِهِ وَرِوَايَةِ أَشْعَارِ هَجْوِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَبِّهِ، فَحُكْمُ هَذَا حُكْمُ السَّابِّ نَفْسِهِ.. يُؤَاخَذُ بِقَوْلِهِ وَلَا تَنْفَعُهُ نِسْبَتُهُ إِلَى غَيْرِهِ، فَيُبَادَرُ بِقَتْلِهِ وَيُعَجِّلُ إِلَى الهاوية أمه.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «» رقم «» .
(2) وهذا الامر من مالك بقتل السائل بمجرد اتهامه انه القائل بمخلوقيته بدون اثبات اعتقاد مخلوقيته عجب. مع انه ممن يقول: لا نكفر احدا من أهل القبلة- قاله الدلجي-
(3) قال الدلجي: وهذا أيضا عجيب بل أعجب لان القتل زجرا من السؤال لم يقل به أحد.(2/534)
وَقَدْ قَالَ أَبُو عَبِيدٍ «1» الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِيمَنْ حَفِظَ شَطْرَ بَيْتٍ مِمَّا هُجِيَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ كُفْرٌ.
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ مَنْ أَلَّفَ فِي الْإِجْمَاعِ إِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَحْرِيمِ رِوَايَةِ مَا هُجِيَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكِتَابَتِهِ وَقِرَاءَتِهِ وَتَرْكِهِ مَتَى وُجِدَ دُونَ مَحْوٍ، وَرَحِمَ اللَّهُ أَسْلَافَنَا الْمُتَّقِينَ الْمُتَحَرِّزِينَ لِدِينِهِمْ، فَقَدْ أَسْقَطُوا مِنْ أَحَادِيثِ الْمَغَازِي وَالسِّيَرِ مَا كَانَ هَذَا سَبِيلَهُ، وَتَرَكُوا رِوَايَتَهُ إِلَّا أَشْيَاءَ ذَكَرُوهَا يَسِيرَةً وَغَيْرَ مُسْتَبْشَعَةٍ عَلَى نَحْوِ الْوُجُوهِ الْأُوَلِ لِيُرُوا نِقْمَةَ اللَّهِ مِنْ قَائِلِهَا وَأَخْذَهُ الْمُفْتَرِيَ عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ.
وَهَذَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ «1» بْنُ سَلَّامٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ تَحَرَّى فِيمَا اضْطُرَّ إِلَى الِاسْتِشْهَادِ بِهِ مِنْ أَهَاجِي أَشْعَارِ الْعَرَبِ فِي كُتُبِهِ، فَكَنَّى عَنِ اسْمِ الْمَهْجُوِّ بِوَزْنِ اسْمِهِ اسْتِبْرَاءً لِدِينِهِ، وَتَحَفُّظًا مِنَ الْمُشَارَكَةِ فِي ذَمِّ أحد بروايته أَوْ نَشْرِهِ. فَكَيْفَ بِمَا يَتَطَرَّقُ إِلَى عِرْضِ سيد البشر صلّى الله عليه وسلم!
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «507» رقم «3» .(2/535)
الفصل التاسع ذكر الْحَالَاتِ الَّتِي تَجُوزُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم على طريق التّعليم
الْوَجْهُ السَّابِعُ:
أَنْ يَذْكُرَ مَا يَجُوزُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ يُخْتَلَفُ فِي جَوَازِهِ عَلَيْهِ، وَمَا يَطْرَأُ مِنَ الْأُمُورِ الْبَشَرِيَّةِ بِهِ وَيُمْكِنُ إِضَافَتُهَا إِلَيْهِ أَوْ يَذْكُرَ مَا امْتُحِنَ بِهِ وَصَبَرَ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَلَى شِدَّتِهِ مِنْ مُقَاسَاةِ أَعْدَائِهِ وَأَذَاهُمْ لَهُ وَمَعْرِفَةِ ابْتِدَاءِ حَالِهِ وَسِيرَتِهِ، وَمَا لَقِيَهُ مِنْ بؤس زمنه ومر عليه من معاناة عيشته.. كُلُّ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الرِّوَايَةِ، وَمُذَاكَرَةِ الْعِلْمِ، وَمَعْرِفَةِ مَا صَحَّتْ مِنْهُ الْعِصْمَةُ لِلْأَنْبِيَاءِ، وَمَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ.
فَهَذَا فَنٌّ خَارِجٌ عَنْ هَذِهِ الْفُنُونِ السِّتَّةِ.. إِذْ لَيْسَ فِيهِ غَمْصٌ «1» ، وَلَا نَقْصٌ، وَلَا إِزْرَاءٌ، وَلَا اسْتِخْفَافٌ لَا فِي ظَاهِرِ اللَّفْظِ. وَلَا فِي مَقْصِدِ اللَّافِظِ.. لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ فِيهِ مَعَ أَهْلِ العلم
__________
(1) غمص: عيب.(2/536)
وَفُهَمَاءِ طَلَبَةِ الدِّينِ مِمَّنْ يَفْهَمُ مَقَاصِدَهُ، وَيُحَقِّقُونَ فَوَائِدَهُ، وَيُجَنِّبُ ذَلِكَ مَنْ عَسَاهُ لَا يَفْقَهُ أَوْ يُخْشَى بِهِ فِتْنَتُهُ.
- فَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ السّلف تعليم النساء سورة يُوسُفَ لِمَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْقَصَصِ لِضَعْفِ مَعْرِفَتِهِنَّ وَنَقْصِ عُقُولِهِنَّ وَإِدْرَاكِهِنَّ.
فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْبِرًا عَنْ نَفْسِهِ باستئجاره «1» لِرِعَايَةِ الْغَنَمِ فِي ابْتِدَاءِ حَالِهِ وَقَالَ «2» : «مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ رَعَى الْغَنَمَ»
وَأَخْبَرْنَا اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهَذَا لَا غَضَاضَةَ فِيهِ جُمْلَةً وَاحِدَةً لِمَنْ ذَكَرَهُ عَلَى وَجْهِهِ.
- بِخِلَافِ مَنْ قَصَدَ بِهِ الْغَضَاضَةَ وَالتَّحْقِيرَ، بَلْ كَانَتْ عَادَةُ جَمِيعِ الْعَرَبِ.
نَعَمْ فِي ذَلِكَ لِلْأَنْبِيَاءِ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ وَتَدْرِيجٌ لِلَّهِ تَعَالَى لَهُمْ إِلَى كَرَامَتِهِ، وَتَدْرِيبٌ بِرِعَايَتِهَا لِسِيَاسَةِ أُمَمِهِمْ مِنْ خَلِيقَتِهِ بِمَا سَبَقَ لَهُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ فِي الْأَزَلِ وَمُتَقَدِّمِ الْعِلْمِ.
وَكَذَلِكَ قَدْ ذَكَرَ اللَّهُ يُتْمَهُ، وَعَيْلَتَهُ عَلَى طَرِيقِ الْمِنَّةِ عَلَيْهِ وَالتَّعْرِيفِ بِكَرَامَتِهِ لَهُ.
فَذِكْرُ الذَّاكِرِ لَهَا عَلَى وَجْهِ تَعْرِيفِ حَالِهِ، وَالْخَبَرِ عَنْ مبتدئه
__________
(1) أي بايجاره نفسه لقريش في صغره.
(2) كما رواه الشيخان عن جابر، والبخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.(2/537)
وَالتَّعَجُّبِ مِنْ مِنَحِ اللَّهِ قِبَلَهُ. وَعَظِيمِ مِنَّتِهِ عِنْدَهُ لَيْسَ فِيهِ غَضَاضَةٌ، بَلْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى نُبُوَّتِهِ وَصِحَّةِ دَعْوَتِهِ، إِذْ أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا عَلَى صَنَادِيدِ الْعَرَبِ وَمَنْ نَاوَأَهُ «1» مِنْ أَشْرَافِهِمْ شَيْئًا فَشَيْئًا وَنَمَى أَمْرُهُ حَتَّى قَهَرَهُمْ، وَتَمَكَّنَ مِنْ مِلْكِ مَقَالِيدِهِمْ، وَاسْتِبَاحَةِ مَمَالِكِ كَثِيرٍ مِنَ الْأُمَمِ غَيْرِهِمْ بِإِظْهَارِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ وَتَأْيِيدِهِ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَإِمْدَادِهِ بِالْمَلَائِكَةِ الْمُسَوِّمِينَ «2» .
وَلَوْ كَانَ ابْنَ مَلِكٍ أَوْ ذَا أَشْيَاعٍ مُتَقَدِّمِينَ لِحَسِبَ كَثِيرٌ مِنَ الْجُهَّالِ أَنَّ ذَلِكَ مُوجِبُ ظُهُورِهِ، وَمُقْتَضَى عُلُوِّهِ.
وَلِهَذَا قَالَ هِرَقْلُ «3» حِينَ سَأَلَ أَبَا سُفْيَانَ «4» عَنْهُ: «هَلْ فِي آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ» ؟! ثُمَّ قَالَ: «وَلَوْ كَانَ فِي آبَائِهِ مَلِكٌ لقلنا: رجل يطلب ملك أبيه» ، وإذا «اليتيم» مِنْ صِفَتِهِ وَإِحْدَى عَلَامَاتِهِ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَأَخْبَارِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ. وَكَذَا وَقَعَ ذِكْرُهُ فِي كتاب
__________
(1) ناواه: مفاعله من النوء وهو النهوض فأصله الهمز وابدل أي عاداه.
(2) مسومين: بكسر الواو أي معلمين بسيما خاصة.
(3) هرقل: عظيم الروم وكان في حمص من بلاد الشام عند ما كانت تحت الروم. وقيل كان بابليا.
(4) أبو سفيان: ويكنى بأبي حنظلة، واسمه صخر بن حرب بن أمية. ولد قبل الفيل بعشر سنين وأسلم ليلة الفتح وشهد الطائف وحنينا، وفقئت احدى عينيه يوم اليرموك وتوفي بالمدينة سنة احدى او اربع وثلاثين وهو ابن ثمان وثمانين سنة وصلّى عليه عثمان رضي الله عنهما.(2/538)
أَرْمِيَاءَ «1» ، وَبِهَذَا وَصَفَهُ ابْنُ «2» ذِي يَزَنٍ لِعَبْدِ «3» الْمُطَّلِبِ..
وَبَحِيرَا «4» لِأَبِي «5» طَالِبٍ.
وَكَذَلِكَ إِذَا وُصِفَ بأنه أمي كما وصفه الله فَهِيَ مِدْحَةٌ لَهُ وَفَضِيلَةٌ ثَابِتَةٌ فِيهِ، وَقَاعِدَةُ معجزته.. إذ معجزته العظمى من الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ إِنَّمَا هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِطَرِيقِ الْمَعَارِفِ وَالْعُلُومِ مَعَ مَا مُنِحَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفُضِّلَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَوُجُودُ مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَقْرَأْ وَلَمْ يَكْتُبْ وَلَمْ يُدَارِسْ وَلَا لُقِّنَ.. مُقْتَضَى الْعَجَبِ وَمُنْتَهَى الْعِبَرِ، وَمُعْجِزَةُ الْبَشَرِ. وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ نَقِيصَةٌ، إِذِ الْمَطْلُوبُ مِنَ الْكِتَابَةِ وَالْقِرَاءَةِ الْمَعْرِفَةُ، وَإِنَّمَا هِيَ آلَةٌ لَهَا، وَوَاسِطَةٌ مُوَصِّلَةٌ إِلَيْهَا غَيْرُ مُرَادَةٍ فِي نَفْسِهَا،.. فَإِذَا حَصَلَتِ الثَّمَرَةُ وَالْمَطْلُوبُ اسْتُغْنِيَ عَنِ الْوَاسِطَةِ وَالسَّبَبِ.
وَالْأُمِّيَّةُ فِي غَيْرِهِ نَقِيصَةٌ لِأَنَّهَا سَبَبُ الْجَهَالَةِ، وَعُنْوَانُ الْغَبَاوَةِ.
فَسُبْحَانَ مَنْ بَايَنَ «6» أَمْرَهُ مِنْ أَمْرِ غَيْرِهِ، وَجَعَلَ شَرَفَهُ فِيمَا فيه
__________
(1) ارميا: هو ابن حلقيا وهو من انبياء بني اسرائيل.
(2) ابن ذي يزن: واسمه سيف وهو ملك اليمن استولت الحبشة على بلاده فاستعان بالروم في اخراجهم.
(3) عبد المطلب: جد النبي صلّى الله عليه وسلم.
(4) بحيرا: هو الراهب الذي أبصر النبي صلّى الله عليه وسلم في بلاد الشام عند بصرى، وقد عد من الصحابه عند بعض الاعلام.
(5) أبو طالب: عم النبي صلّى الله عليه وسلم. وقد آزره ونصره على قومه وتحمل معه الايذاء عند ما عزل المسلمون في الشعب وقوطعوا.
(6) باين: غاير.(2/539)
محطة سواه، وحياته فِيمَا فِيهِ هَلَاكُ مَنْ عَدَاهُ.. هَذَا شَقُّ قَلْبِهِ، وَإِخْرَاجُ حُشْوَتِهِ «1» كَانَ تَمَامَ حَيَاتِهِ، وَغَايَةَ قُوَّةِ نَفْسِهِ، وَثَبَاتَ رَوْعِهِ، وَهُوَ فِيمَنْ سِوَاهُ مُنْتَهَى هَلَاكِهِ، وَحَتْمُ مَوْتِهِ وَفَنَائِهِ، وَهَلُمَّ جَرَّا إِلَى سَائِرِ مَا رُوِيَ مِنْ أَخْبَارِهِ وَسِيَرِهِ، وَتَقَلُّلِهِ مِنَ الدُّنْيَا، وَمِنَ الْمَلْبَسِ وَالْمَطْعَمِ وَالْمَرْكَبِ.. وَتَوَاضُعِهِ وَمِهْنَتِهِ نَفْسَهُ فِي أُمُورِهِ وَخِدْمَةِ بَيْتِهِ زُهْدًا وَرَغْبَةً عَنِ الدُّنْيَا، وَتَسْوِيَةً بَيْنَ حَقِيرِهَا وَخَطِيرِهَا لِسُرْعَةِ فَنَاءِ أُمُورِهَا، وَتَقَلُّبِ أَحْوَالِهَا.. كُلُّ هَذَا مِنْ فَضَائِلِهِ وَمَآثِرِهِ وَشَرَفِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ.. فَمَنْ أَوْرَدَ شَيْئًا مِنْهَا مَوْرِدَهُ، وَقَصَدَ بِهَا مَقْصِدَهُ كَانَ حَسَنًا، وَمَنْ أَوْرَدَ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ بِذَلِكَ سُوءُ قَصْدِهِ، لَحِقَ بِالْفُصُولِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا،..
وَكَذَلِكَ مَا وَرَدَ مِنْ أَخْبَارِهِ وَأَخْبَارِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فِي الْأَحَادِيثِ مِمَّا فِي ظَاهِرِهِ إِشْكَالٌ يَقْتَضِي أُمُورًا لَا تَلِيقُ بِهِمْ بِحَالٍ وَتَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ، وَتَرَدُّدِ احْتِمَالٍ، فَلَا يَجِبُ أَنْ يَتَحَدَّثَ مِنْهَا إِلَّا بِالصَّحِيحِ وَلَا يُرْوَى مِنْهَا إِلَّا الْمَعْلُومُ الثَّابِتُ.. وَرَحِمَ اللَّهُ مَالِكًا «2» فَلَقَدْ كَرِهَ التحدث بمثل ذلك من الأحاديث الموهمة
__________
(1) حشوته: ما حشي به صدره، والمراد هنا العلقة السوداء كما فى البخاري وهي حظ الشيطان.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .(2/540)
للتشبيه «1» والمشكلة المعنى «2» وقال: ما يدعو الناس إِلَى التَّحَدُّثِ بِمِثْلِ هَذَا؟ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ ابْنَ «3» عَجْلَانَ يُحَدِّثُ بِهَا.. فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ من الفقهاء، وليست النَّاسَ وَافَقُوهُ عَلَى تَرْكِ الْحَدِيثِ بِهَا وَسَاعَدُوهُ عَلَى طَيِّهَا فَأَكْثَرُهَا لَيْسَ تَحْتَهُ عَمَلٌ.
وَقَدْ حُكِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ.. بَلْ عَنْهُمْ عَلَى الْجُمْلَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْكَلَامَ فِيمَا لَيْسَ تَحْتَهُ عَمَلٌ.
وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْرَدَهَا عَلَى قَوْمٍ عَرَبٍ يَفْهَمُونَ كَلَامَ الْعَرَبِ عَلَى وَجْهِهِ. وَتَصَرُّفَاتِهِمْ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، واستعارته وبليغه وإيجازه
__________
(1) المحتاجة الى التأويل المقتضية للتنزيه.
(2) المبنية على استعارة في المبنى كحديث البخاري وغيره «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة الى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الاخير فيقول: هل من داع فأستجيب له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فاغفر له..» فان نزوله سبحانه وتعالى كناية عن تنزلات رحمته وموجبات اجابة دعوته وأسباب مغفرته. أو يقال: انه سبحانه وتعالى له نزول يليق بشأنه مع اعتقاد التنزيه له عن انتقال وتغير ووجود مكان وزمان في ذته. وكذا الحكم في الايات المتشابهات وسائر الاحاديث المشكلات فللسلف والخلف مذهبان.. فالمتقدمون على التسليم والتوكيل. ومنهم أبو حنيفة ومالك وأحمد ابن حنبل. والمتأخرون على التاويل. والكل قائلون بالتنزيه ومانعون عن التشبيه.. وبالغ الامام مالك حتى منع السؤال عن ذلك كما صرح بقوله: «الاستواء معلوم والكيف مجهول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة» .
(3) ابن عجلان: كان شيخ مالك، ومن أعلام التابعين بالمدينة وروى عن أبيه وأنس بن مالك وغيرهما.. وعنه شعبه ويحيى بن سعيد القطان ونحوهما.. وثقة احمد وابن معين. وقال غيرهما. سيء الحفظ روى انه حملت به أمه ثلاثة أعوام فشق بطنها لما ماتت فاخرج وقد نبتت أسنانه.(2/541)
فَلَمْ تَكُنْ فِي حَقِّهِمْ مُشْكِلَةً.. ثُمَّ جَاءَ مَنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْعُجْمَةُ وَدَاخَلَتْهُ الْأُمِّيَّةُ، فَلَا يَكَادُ يَفْهَمُ مِنْ مَقَاصِدِ الْعَرَبِ إِلَّا نَصَّهَا وصريحها. ولا يتحقق إشارتها إِلَى غَرَضِ الْإِيجَازِ وَوَحْيِهَا وَتَبْلِيغِهَا وَتَلْوِيحِهَا..
فَتَفَرَّقُوا في تأويلها أو حملها عَلَى ظَاهِرِهَا شَذَرَ «1» مَذَرَ.. فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ.
فَأَمَّا مَا لَا يَصِحُّ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَوَاجِبٌ أَلَّا يُذْكَرَ مِنْهَا شَيْءٌ فِي حَقِّ اللَّهِ، وَلَا فِي حَقِّ أَنْبِيَائِهِ، وَلَا يُتَحَدَّثُ بِهَا، وَلَا يُتَكَلَّفُ الْكَلَامُ عَلَى مَعَانِيهَا، وَالصَّوَابُ طَرْحُهَا، وَتَرْكُ الشُّغْلِ بِهَا، إِلَّا أَنْ تُذْكَرَ عَلَى وَجْهِ التَّعْرِيفِ بِأَنَّهَا ضَعِيفَةُ الْمَقَادِ، وَاهِيَةُ الْإِسْنَادِ.
وَقَدْ أَنْكَرَ الْأَشْيَاخُ عَلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ «2» فُورَكٍ تَكَلُّفَهُ فِي مُشْكِلِهِ الْكَلَامَ عَلَى أَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ مَوْضُوعَةٍ «3» لَا أَصْلَ لَهَا، أَوْ مَنْقُولَةٍ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يُلَبِّسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ.. كَانَ يَكْفِيهِ طرحها ويغنيه عن الكلام عليها التنبيه على ضعفها.. إذ المقصود
__________
(1) شذر مذر: اسمان جعلا اسما واحدا فبنيا على الفتح كخمسة عشر. ومحلهما النصب على الحال أي تفرقوا متشتتين.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «119» رقم «4» .
(3) كان الاولى به أن يقول: أو موضوعة.. لان الضعيف خلاف الموضوع يعمل به في فضائل الاعمال.(2/542)
بِالْكَلَامِ عَلَى مُشْكِلِ مَا فِيهَا إِزَالَةُ اللَّبْسِ بها، وَاجْتِثَاثُهَا «1» مِنْ أَصْلِهَا وَطَرْحُهَا أَكْشَفُ لِلَّبْسِ وَأَشْفَى للنفس.
__________
(1) اجتثاثها: اقتلاعها.(2/543)
الْفَصْلُ الْعَاشِرُ الْأَدَبُ اللَّازِمُ عِنْدَ ذِكْرِ أَخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَمِمَّا يَجِبُ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ فِيمَا يَجُوزُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا لَا يَجُوزُ، وَالذَّاكِرُ مِنْ حَالَاتِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْفَصْلِ قَبْلَ هَذَا عَلَى طَرِيقِ الْمُذَاكَرَةِ وَالتَّعْلِيمِ أَنْ يَلْتَزِمَ فِي كَلَامِهِ عِنْدَ ذِكْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذِكْرِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ الْوَاجِبِ مِنْ تَوْقِيرِهِ وَتَعْظِيمِهِ، وَيُرَاقِبُ حَالَ لِسَانِهِ وَلَا يُهْمِلُهُ وَتَظْهَرُ عَلَيْهِ عَلَامَاتُ الْأَدَبِ عِنْدَ ذِكْرِهِ، فَإِذَا ذَكَرَ مَا قَاسَاهُ مِنَ الشَّدَائِدِ ظَهَرَ عَلَيْهِ الْإِشْفَاقُ وَالِارْتِمَاضُ «1» وَالْغَيْظُ عَلَى عَدُوِّهِ، وَمَوَدَّةُ الْفِدَاءِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَالنُّصْرَةُ لَهُ لَوْ أَمْكَنَتْهُ.. وَإِذَا أَخَذَ فِي أَبْوَابِ الْعِصْمَةِ، وَتَكَلَّمَ عَلَى مَجَارِي أَعْمَالِهِ وَأَقْوَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحَرَّى أَحْسَنَ اللَّفْظِ، وَأَدَبَ الْعِبَارَةِ مَا أَمْكَنَهُ.. وَاجْتَنَبَ بَشِيعَ ذَلِكَ..
وَهَجَرَ مِنَ الْعِبَارَةِ مَا يَقْبُحُ، كَلَفْظَةِ الْجَهْلِ وَالْكَذِبِ والمعصية..
__________
(1) الارتماض: القلق والشدة. وأصله من الاحتراق ومنه الرمضاء.(2/544)
فَإِذَا تَكَلَّمَ فِي الْأَقْوَالِ قَالَ: هَلْ يَجُوزُ عليه الخلف في القول، والإحبار بِخِلَافِ مَا وَقَعَ سَهْوًا أَوْ غَلَطًا؟ .. وَنَحْوَهُ مِنَ الْعِبَارَةِ.. وَيَتَجَنَّبُ لَفْظَةَ الْكَذِبِ جُمْلَةً وَاحِدَةً.. وَإِذَا تَكَلَّمَ عَلَى الْعِلْمِ قَالَ: هَلْ يَجُوزُ ألا يعلم إلا ما علّم؟ وهل يمكن ألا يَكُونَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ حَتَّى يُوحَى إِلَيْهِ..؟ وَلَا يَقُولَ: بِجْهَلٍ لِقُبْحِ اللَّفْظِ وَبَشَاعَتِهِ.. وَإِذَا تَكَلَّمَ فِي الْأَفْعَالِ قَالَ: هَلْ يَجُوزُ مِنْهُ الْمُخَالِفَةُ فِي بَعْضِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَمُوَاقَعَةُ الصَّغَائِرِ؟ .. فَهُوَ أَوْلَى وَآدَبُ مِنْ قَوْلِهِ:
هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَعْصِيَ، أَوْ يُذْنِبَ، أَوْ يَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا مِنْ أَنْوَاعِ الْمَعَاصِي.
فَهَذَا مِنْ حَقِّ تَوْقِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَجِبُ لَهُ مِنْ تَعْزِيزٍ وَإِعْظَامٍ وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَتَحَفَّظْ مِنْ هَذَا فَقُبِّحَ مِنْهُ، وَلَمْ أَسْتَصْوِبْ عِبَارَتَهُ فِيهِ، وَوَجَدْتُ بَعْضَ الْجَائِرِينَ قَوَّلَهُ- لِأَجْلِ تَرْكِ تَحَفُّظِهِ فِي الْعِبَارَةِ- مَا لَمْ يَقُلْهُ، وَشَنَّعَ عَلَيْهِ بِمَا يَأْبَاهُ وَيَكْفُرُ قَائِلُهُ.
وَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا بَيْنَ النَّاسِ مُسْتَعْمَلًا فِي آدَابِهِمْ وَحُسْنِ مُعَاشَرَتِهِمْ وَخِطَابِهِمْ. فَاسْتِعْمَالُهُ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْجَبُ.. وَالْتِزَامُهُ آكَدُ..
فَجَوْدَةُ الْعِبَارَةِ تُقَبِّحُ الشيء أو تحسّنه.. وتحريرها وتهذيبها يعظّم الأمر أو يهوّنه.(2/545)
وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» : «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا «2» » فَأَمَّا مَا أَوْرَدَهُ عَلَى جِهَةِ النَّفْيِ عَنْهُ وَالتَّنْزِيهِ. فَلَا حَرَجَ فِي تَسْرِيحِ «3» الْعِبَارَةِ، وَتَصْرِيحِهَا فِيهِ كَقَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْكَذِبُ جُمْلَةً.. وَلَا إِتْيَانُ الْكَبَائِرِ بِوَجْهٍ وَلَا الْجَوْرُ فِي الْحُكْمِ عَلَى حَالٍ.. وَلَكِنْ مع هذا يجب ظهور توقيره وتعظيمه، وتعزيزه عِنْدَ ذِكْرِهِ مُجَرَّدًا فَكَيْفَ عِنْدَ ذِكْرِ مِثْلِ هَذَا
وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ تَظْهَرُ عَلَيْهِمْ حَالَاتٌ شَدِيدَةٌ عِنْدَ مُجَرَّدِ ذِكْرِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي القسم الثاني.
وكان بَعْضُهُمْ يَلْتَزِمُ مِثْلَ ذَلِكَ عِنْدَ تِلَاوَةِ آيٍ مِنَ الْقُرْآنِ حَكَى اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا مَقَالَ عِدَاهُ، وَمَنْ كَفَرَ بِآيَاتِهِ وَافْتَرَى عَلَيْهِ الْكَذِبَ.
فَكَانَ يَخْفِضُ بِهَا صَوْتَهُ إِعْظَامًا لِرَبِّهِ وَإِجْلَالًا لَهُ، وَإِشْفَاقًا مِنَ التَّشَبُّهِ بِمَنْ كَفَرَ «4» بِهِ.
***
__________
(1) رواه مالك، وأحمد، والبخاري، وأبو داود، والترمذي، عن ابن عمر.
(2) والحديث يحتمل معنيين الذم أو المدح. وقد أورده الامام مالك تحت باب ما يكره من الكلام، ولعله اختار المعنى الاول والله أعلم.
(3) تسريح: ارسال.
(4) فعن ابراهيم النخعي انه كان اذا قرأ قوله تعالى «وقالت اليهود يد الله مغلولة» يخفض بها صوته أي بمقولهم وأمثال ذلك من كفرياتهم.(2/546)
الْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِ سَابِّهِ وَشَانِئِهِ وَمُتَنَقِّصِهِ ومؤذيه وعقوبته وذكر استتابته ووراثته
وفيه خمسة فصول(2/547)
الفصل الأوّل الأقوال والاراء في حكم مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو تنقصه
قَدْ قَدَّمْنَا مَا هُوَ سَبٌّ وَأَذًى فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرْنَا إِجْمَاعَ العلماء على قتل فاعل ذلك وقائله وتخيير الْإِمَامِ فِي قَتْلِهِ أَوْ صَلْبِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَرَّرْنَا الْحُجَجَ عَلَيْهِ.
وَبَعْدُ فَاعْلَمْ:
أَنَّ مَشْهُورَ مَذْهَبِ مَالِكٍ «1» وَأَصْحَابِهِ وَقَوْلِ السَّلَفِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ «2» قَتْلُهُ حَدًّا لَا كُفْرًا إِنْ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ مِنْهُ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ عِنْدَهُمْ تَوْبَتُهُ، وَلَا تَنْفَعُهُ اسْتِقَالَتُهُ وَلَا فَيْأَتُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَبْلُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الزِّنْدِيقِ وَمُسِرِّ الْكُفْرِ فِي هَذَا الْقَوْلِ «3» .
وَسَوَاءٌ كَانَتْ تَوْبَتُهُ عَلَى هَذَا بعد القدرة عليه والشهادة على قوله.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(2) أي المالكية.. لان الجمهور على خلاف رأي مالك المشهور.
(3) المشهور من مذهب مالك. وقال غيره تقبل توبته ولا يقتل.(2/548)
أَوْ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ.. لِأَنَّهُ حد وجب لَا تُسْقِطُهُ التَّوْبَةُ كَسَائِرِ الْحُدُودِ
قَالَ الشَّيْخُ الْقَابِسِيُّ «1» رَحِمَهُ اللَّهُ إِذَا أَقَرَّ بِالسَّبِّ وَتَابَ مِنْهُ وَأَظْهَرَ التَّوْبَةَ قُتِلَ بِالسَّبِّ لِأَنَّهُ هُوَ حَدُّهُ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ «2» بْنُ أَبِي زَيْدٍ مِثْلِهِ وَأَمَّا مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فَتَوْبَتُهُ تَنْفَعُهُ «3»
وَقَالَ ابْنُ «4» سُحْنُونٍ: «مَنْ شَتَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ ثُمَّ تَابَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ تُزِلْ تَوْبَتُهُ عَنْهُ الْقَتْلَ. وَكَذَلِكَ قَدِ اخْتُلِفَ «5» فِي الزِّنْدِيقِ إِذَا جَاءَ تَائِبًا» .
فَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ «6» بْنُ الْقَصَّارِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ:
قَالَ 1- مِنْ شُيُوخِنَا مَنْ قَالَ: اقْتُلْهُ بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى سَتْرِ نَفْسِهِ، فَلَمَّا اعْتَرَفَ خِفْنَا أَنَّهُ خَشِيَ الظُّهُورَ عَلَيْهِ فَبَادَرَ لِذَلِكَ.
2- وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَقْبَلُ تَوْبَتَهُ، لِأَنِّي أَسْتَدِلُّ عَلَى صِحَّتِهَا بمجيئه
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «76» رقم «2» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «479» رقم «5» .
(3) اجماعا
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «609» رقم «10» .
(5) اي اختلف المالكية.
(6) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «141» رقم «1» .(2/549)
فَكَأَنَّنَا وَقَفْنَا عَلَى بَاطِنِهِ بِخِلَافِ مَنْ أَسَرَّتْهُ الْبَيِّنَةُ..
قَالَ الْقَاضِي أَبُو «1» الْفَضْلِ: وَهَذَا قَوْلُ أَصْبَغَ «2» وَمَسْأَلَةُ سَابِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْوَى لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا الْخِلَافُ عَلَى الْأَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ.
لِأَنَّهُ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم ولأمته بسببه لَا تُسْقِطُهُ التَّوْبَةُ كَسَائِرِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ.
وَالزِّنْدِيقُ «3» إِذَا تَابَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَعِنْدَ مَالِكٍ «4» والليث «5» واسحق «6» وَأَحْمَدَ «7» لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ «8» تُقْبَلُ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ «9» وَأَبِي يُوسُفَ «10» وحكى ابن
__________
(1) ابو الفضل: المصنف
(2) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «5» .
(3) الزنديق: هو الثنوي، أو القائل ببقاء الدهر او المسر للكفر وهذا المعروف عند الفقهاء. وأصل كلمة الزندنق (زندافستا) وهو اسم كتاب دين المجوس اهل فارس
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «340» رقم «7» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «102» رقم «5» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «474» رقم «8» .
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «165» رقم «1» .
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «155» رقم «8» .
(9) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «499» رقم «6» .
(10) أبو يوسف: أحد اتباع الامام أبي حنيفة. يعقوب بن ابراهيم بن حبيب بن خنيس بن سعد بن حتبه، وقد روى عن عطاه بن السائب وهشام بن عروة وغيرهما، وكان من أهل الكوفة. وروى عنه محمد بن الحسن الشيباني وبشر بن الوليد الكندي، وعلي بن الجعد، وأحمد بن حنبل، وابن معين، ولد سنة ثلاث عشرة ومائه وتوفي يوم الخميس سنة اثنين وثمانين ومائة ببغداد.(2/550)
الْمُنْذِرِ «1» عَنْ عَلِيِّ بْنِ «2» أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُسْتَتَابُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ «3» سُحْنُونٍ: «وَلَمْ يَزُلِ الْقَتْلُ عَنِ الْمُسْلِمِ بِالتَّوْبَةِ مِنْ سَبِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ مِنْ دِينٍ إِلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا فَعَلَ شَيْئًا حَدُّهُ عِنْدَنَا الْقَتْلُ لَا عَفْوَ فِيهِ لِأَحَدٍ كَالزِّنْدِيقِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ مِنْ ظَاهِرٍ إِلَى ظَاهِرٍ.»
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدِ «4» بْنُ نَصْرٍ مُحْتَجًّا لِسُقُوطِ اعْتِبَارِ تَوْبَتِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى مَشْهُورِ القول باستتابة أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ، وَالْبَشَرُ جِنْسٌ تَلْحَقُهُ الْمَعَرَّةُ إِلَّا مَنْ أَكْرَمَهُ الله بنبوته
والباري تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ جَمِيعِ الْمَعَايِبِ قَطْعًا وَلَيْسَ مِنْ جِنْسٍ تَلْحَقُ الْمَعَرَّةُ بِجِنْسِهِ، وَلَيْسَ سَبُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالِارْتِدَادِ الْمَقْبُولِ فِيهِ التَّوْبَةُ لِأَنَّ الِارْتِدَادَ مَعْنًى يَنْفَرِدُ بِهِ الْمُرْتَدُّ لَا حَقَّ فِيهِ لِغَيْرِهِ مِنَ الْآدَمِيِّينَ فَقُبِلَتْ تَوْبَتُهُ.. وَمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَلَّقَ فِيهِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ فَكَانَ كَالْمُرْتَدِّ يُقْتَلُ حِينَ ارْتِدَادِهِ أَوْ يُقْذَفُ.. فَإِنَّ تَوْبَتَهُ لَا تُسْقِطُ عَنْهُ حَدَّ الْقَتْلِ وَالْقَذْفِ وَأَيْضًا فَإِنَّ تَوْبَةَ الْمُرْتَدِّ إِذَا قُبِلَتْ لَا تُسْقِطُ ذنوبه
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «143» رقم «3» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «54» رقم «4» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «609» رقم «10» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (141) رقم (1) .(2/551)
من زنى وَسَرِقَةٍ وَغَيْرهَا.. وَلَمْ يُقْتَلْ سَابُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُفْرِهِ، لَكِنْ لِمَعْنًى يَرْجِعُ إِلَى تَعْظِيمِ حُرْمَتِهِ وَزَوَالِ الْمَعَرَّةِ بِهِ وَذَلِكَ لَا تُسْقِطُهُ التَّوْبَةُ.
قَالَ الْقَاضِي «1» أَبُو الْفَضْلِ: - يُرِيدُ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- لِأَنَّ سَبَّهُ لَمْ يَكُنْ بِكَلِمَةٍ تَقْتَضِي الْكُفْرَ، وَلَكِنْ بِمَعْنَى الْإِزْرَاءِ وَالِاسْتِخْفَافِ، أَوْ لِأَنَّ بِتَوْبَتِهِ وَإِظْهَارِ إِنَابَتِهِ ارْتَفَعَ عَنْهُ اسْمُ الْكُفْرِ ظَاهِرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِسَرِيرَتِهِ، وَبَقِيَ حُكْمُ السَّبِّ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو «2» عِمْرَانَ الْقَابِسِيُّ: مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ، لِأَنَّ السَّبَّ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ الَّتِي لَا تَسْقُطُ عَنِ الْمُرْتَدِّ.
وَكَلَامُ شُيُوخِنَا هَؤُلَاءِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِقَتْلِهِ حَدًّا لَا كُفْرًا وَهُوَ يَحْتَاجُ إِلَى تَفْصِيلٍ.
وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ «3» مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ «4» وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ مِمَّنْ ذَكَرْنَاهُ وَقَالَ بِهِ مِنْ أَهْلِ العلم فقد صرخوا بأنه ردة قالوا:
__________
(1) ابو الفضل: المصنف
(2) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (188) رقم (1) .
(3) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (475) رقم (7) .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .(2/552)
وَيُسْتَتَابُ مِنْهَا فَإِنْ تَابَ نُكِّلَ، وَإِنْ أَبَى قُتِلَ.. فَحُكِمَ لَهُ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّ مُطْلَقًا فِي هَذَا الْوَجْهِ.
وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَأَظْهَرُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ. وَنَحْنُ نَبْسُطُ الْكَلَامَ فِيهِ فَنَقُولُ: مَنْ لَمْ يَرَهُ رِدَّةً فَهُوَ يُوجِبُ الْقَتْلَ فِيهِ حَدًّا، وَإِنَّمَا نَقُولُ ذَلِكَ مَعَ فَصْلَيْنِ: إِمَّا مَعَ إِنْكَارِهِ مَا شُهِدَ عَلَيْهِ بِهِ، أَوْ إظهاره الاقلاع والتوبة عند فَنَقْتُلُهُ حَدًّا لِثَبَاتِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَيْهِ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْقِيرِهِ مَا عَظَّمَ اللَّهُ مِنْ حَقِّهِ.. وَأَجْرَيْنَا حُكْمَهُ فِي مِيرَاثِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ حُكْمُ الزِّنْدِيقِ، إِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ أَوْ تَابَ.
فَإِنْ قِيلَ: فكيف ثثبتون عَلَيْهِ الْكُفْرَ وَيُشْهَدُ عَلَيْهِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ وَلَا تَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِحُكْمِهِ مِنَ الِاسْتِتَابَةِ وَتَوَابِعِهَا.؟!
قُلْنَا: نحن وإن أثبتنا له حكم الكافر في القتل، فَلَا نَقْطَعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ لِإِقْرَارِهِ بِالتَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ، وَإِنْكَارِهِ مَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ زَعَمَهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ وَهَلًا «1» وَمَعْصِيَةً، وَأَنَّهُ مُقْلِعٌ عَنْ ذَلِكَ نَادِمٌ عَلَيْهِ.. وَلَا يَمْتَنِعُ إِثْبَاتُ بَعْضِ أَحْكَامِ الْكُفْرِ عَلَى بَعْضِ الْأَشْخَاصِ، وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ خَصَائِصُهُ، كَقَتْلِ تَارِكِ الصلاة «2» .. وأما من علم
__________
(1) وهلا: خطأ وذهولا.
(2) كسلا وتهاونا وهذا عند الشافعي، أما تاركها جحدا لها فكافر بالاجماع.(2/553)
أنه سبه معتقدا لاستحلاله.. فَلَا شَكَّ فِي كُفْرِهِ بِذَلِكَ.. وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ سَبَّهُ فِي نَفْسِهِ كَفَرَ كَتَكْذِيبِهِ، أَوْ تَكْفِيرِهِ وَنَحْوِهُ، فَهَذَا مِمَّا لَا إِشْكَالَ فِيهِ. وَيُقْتَلُ- وَإِنْ تَابَ مِنْهُ- لِأَنَّا لَا نَقْبَلُ تَوْبَتَهُ وَنَقْتُلُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ حَدًّا لِقَوْلِهِ وَمُتَقَدِّمِ كُفْرِهِ. وَأَمْرُهُ بَعْدُ إِلَى اللَّهِ الْمُطَّلِعِ عَلَى صِحَّةِ إِقْلَاعِهِ الْعَالِمِ بِسِرِّهِ.
وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يُظْهِرِ التَّوْبَةَ وَاعْتَرَفَ بِمَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ وَصَمَّمَ عَلَيْهِ فَهَذَا كَافِرٌ بِقَوْلِهِ وَبِاسْتِحْلَالِهِ هَتْكَ حُرْمَةِ اللَّهِ، وَحُرْمَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْتَلُ كَافِرًا بِلَا خِلَافٍ.
فَعَلَى هَذِهِ التَّفْصِيلَاتِ خُذْ كَلَامَ الْعُلَمَاءِ، وَنَزِّلْ مُخْتَلَفَ عِبَارَاتِهِمْ فِي الِاحْتِجَاجِ عَلَيْهَا، وَأَجْرِ اخْتِلَافَهُمْ فِي الْمُوَارَثَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى تَرْتِيبِهَا تَتَّضِحُ لَكَ مَقَاصِدُهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.(2/554)
الْفَصْلُ الثَّانِي حُكْمُ الْمُرْتَدِّ إِذَا تَابَ
إِذَا قلنا بالاستتابة حيث تصح فالاختلاف عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي تَوْبَةِ الْمُرْتَدِّ.. إِذْ لَا فرق بينهما وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي وُجُوبِهَا وَصُورَتِهَا وَمُدَّتِهَا.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُسْتَتَابُ. وَحَكَى ابْنُ «1» الْقَصَّارِ: أَنَّهُ إِجْمَاعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى تَصْوِيبِ قَوْلِ عُمَرَ «2» فِي الِاسْتِتَابَةِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ «3» ، وَعَلِيٍّ «4» ، وَابْنِ مَسْعُودٍ «5» . وَبِهِ قَالَ عَطَاءُ بْنُ «6» أبي رياح، والنخعي «7» ،
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «141» رقم «1» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «569» رقم «9» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «54» رقم «4» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «214» رقم «2» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «31» رقم «4» .
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «361» رقم «11» .(2/555)
والثوري «1» ، ومالك «2» وأصحابه، والأوزاعي «3» ، والشافعي «4» وأحمد «5» ، وإسحق «6» ، وأصحاب الرأي «7» .
وذهب طاووس «8» ، وَعُبَيْدُ «9» بْنُ «10» عُمَيْرٍ، وَالْحَسَنُ «11» ، فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُسْتَتَابُ.
وَقَالَهُ: عَبْدُ الْعَزِيزِ «12» بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَذَكَرَهُ عَنْ مُعَاذٍ «13» وَأَنْكَرَهُ سحنون «14» عن معاذ «15» .
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «186» رقم «3» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «111» رقم «6» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «155» رقم «8» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «165» رقم «1» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «474» رقم «8» .
(7) أصحاب الرأي: قال النووي: المراد بأصحاب الرأي في عرف أهل خراسان من الشافعية ابو حنيفة وأصحابه وهي عبارة غير لائقة ان قصدوا بها انهم يتبعون آراءهم ولا يتقيدون بنصوص الاحاديث. فان أريد بها شدة ذكائهم في استنباط الاحكام كما قال المتنبي:
الرأي قبل شجاعة الشجعان ... هو أول وهي المحل الثاني
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «648» رقم «5» .
(9) وزيد في نسخة (ومحمد بن الحسن) وهو من أصحاب أبي حنيفة.
(10) عبيد بن عمير: ابو قتادة الليثي يروي عن ابن عمر وعائشة، وعنه ابنه وابن أبي مليكة وعمرو بن دينار وآخرون وثقة ابو زرعة وجماعة، توفي سنة أربع وسبعين وأخرج له الستة.
(11) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «60» رقم «8» .
(12) عبد العزيز بن أبى سلمة: الماجشون كان اماما معظما توفي سنة أربع وستين ومائة، أخرج له الائمة الستة روى عن الزهري وابن المنكدر ولم يدرك نافعا وليس بالمكثر
(13) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «379» رقم «3» .
(14) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم (3) .
(15) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (142) رقم (4) .(2/556)
وَحَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ «1» عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ «2» قَالُوا: وَتَنْفَعُهُ تَوْبَتُهُ عِنْدَ اللَّهِ، ولكن لا تدرأ الْقَتْلَ عَنْهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» : «من بدل دينه فاقتلوه» .
وحكي عن عطاء: أنه إِنْ كَانَ مِمَّنْ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُسْتَتَبْ وَيُسْتَتَابُ الْإِسْلَامِيُّ.
وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ وَالْمُرْتَدَّةَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ «4» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ. وتسترقّ. قاله عَطَاءٌ «5» وَقَتَادَةُ «6» .
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ «7» عَبَّاسٍ: لَا تُقْتَلُ النِّسَاءُ فِي الرِّدَّةِ «8» وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ «9» قَالَ مَالِكٌ: وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالذَّكُرُ وَالْأُنْثَى في ذلك سواء وأما مدتها
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (142) رقم (4) .
(2) أهل الظاهر أ؟؟؟ مذهب داود وابن حزم.
(3) رواه الشيخان عن ابن عباس.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «54» رقم «4»
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «30» رقم «4» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «62» رقم «3» .
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(8) لما روى في الحديث عن النهي من قتل النساء.
(9) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «499» رقم «6» .(2/557)
فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ «1» أَنَّهُ يُسْتَتَابُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يُحْبَسُ فِيهَا وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ عُمَرَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ «2» وَقَوْلِ أَحْمَدَ «3» ، وَإِسْحَاقَ «4» وَاسْتَحْسَنَهُ مَالِكٌ «5» وَقَالَ: لَا يَأْتِي الِاسْتِظْهَارُ «6» إِلَّا بِخَيْرٍ وَلَيْسَ عَلَيْهِ جَمَاعَةُ النَّاسِ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ «7» بْنُ أَبِي زَيْدٍ: يريد من الِاسْتِينَاءِ «8» ثَلَاثًا
وَقَالَ مَالِكٌ أَيْضًا: الَّذِي آخُذُ بِهِ فِي الْمُرْتَدِّ قَوْلُ عُمَرَ: يُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَيُعْرَضُ عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ.
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ «9» بْنُ الْقَصَّارِ: فِي تَأْخِيرِهِ ثَلَاثًا رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ.. هَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ.
وَاسْتَحْسَنَ الِاسْتِتَابَةَ وَالِاسْتِينَاءَ ثَلَاثًا أَصْحَابُ الرَّأْيِ «10» وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ «11» الصِّدِّيقِ: أَنَّهُ اسْتَتَابَ امْرَأَةً «12» فَلَمْ تَتُبْ فَقَتَلَهَا
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4» .
(2) والقول الاخر انه يستتاب في الحال فان تاب والا قتل.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «165» رقم «1» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «474» رقم «8» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(6) الاستظهار هو الاحتياط بالتأخير والتثبت حتى يظهر الاولى.
(7) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «479» رقم «5» .
(8) الاستيناء: التأخير
(9) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «141» رقم «1»
(10) أهل القياس
(11) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (156) رقم (6) .
(12) واسمها أم قرفة وهي من بني فزاره.(2/558)
وقال الشافعي «1» : مرة «2» فقال: إن لم يتب مكانه قتل وَاسْتَحْسَنَهُ الْمُزَنِيُّ «3» وَقَالَ الزُّهْرِيُّ «4» : يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنْ أَبَى قُتِلَ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يُسْتَتَابُ شَهْرَيْنِ وَقَالَ النَّخَعِيُّ «6» يُسْتَتَابُ أَبَدًا- وَبِهِ أَخَذَ الثَّوْرِيُّ «7» - مَا رُجِيَتْ تَوْبَتُهُ.
وَحَكَى ابْنُ الْقَصَّارِ «8» عَنْ أَبِي «9» حَنِيفَةَ: أَنَّهُ يُسْتَتَابُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ ثَلَاثِ جُمَعٍ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ جمعة مرة.
وفي كتاب محمد «10» عن ابن «11» الْقَاسِمِ يُدْعَى الْمُرْتَدُّ إِلَى الْإِسْلَامِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.. فإن أبى ضربت عنقه.
واختلف في هَذَا هَلْ يُهَدَّدُ، أَوْ يُشَدَّدُ عَلَيْهِ أَيَّامَ الاستتابة ليتوب أم لا.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (155) رقم (8) .
(2) أي يستتاب مرة.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (154) رقم (1) .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «251» رقم «4» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (54) رقم (4) .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (361) رقم (11) .
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (186) رقم (3) .
(8) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «141» رقم «1» .
(9) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «499» رقم «6» .
(10) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (144) رقم «2» .
(11) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «153» رقم «6»(2/559)
فَقَالَ مَالِكٌ «1» : «مَا عَلِمْتُ فِي الِاسْتِتَابَةِ تَجْوِيعًا وَلَا تَعْطِيشًا..
وَيُؤْتَى مِنَ الطَّعَامِ بِمَا لَا يَضُرُّهُ» .
وَقَالَ أَصْبَغُ «2» : «يُخَوَّفُ أَيَّامَ الِاسْتِتَابَةِ بِالْقَتْلِ وَيُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ» . وَفِي كِتَابِ أَبِي الْحَسَنِ «3» الطَّابِثِيِّ: «يُوعَظُ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ وَيُذَكَّرُ بِالْجَنَّةِ ويخوّف بالنار» .
وقال أَصْبَغُ: «وَأَيُّ الْمَوَاضِعِ حُبِسَ فِيهَا مِنَ السُّجُونِ مَعَ النَّاسِ أَوْ وَحْدَهُ إِذَا اسْتُوثِقَ مِنْهُ سَوَاءٌ، وَيُوقَفُ مَالُهُ إِذَا خِيفَ أَنْ يُتْلِفَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَيُطْعَمُ مِنْهُ وَيُسْقَى. وَكَذَلِكَ يُسْتَتَابُ أبدا كلما رجع وارتد» .
وَقَدِ اسْتَتَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» نَبْهَانَ «5» الَّذِي ارْتَدَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَوْ خمسا.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «5» .
(3) ابو الحسن الطابثي: نسبة لطابث وهي قربة قريبة من البصرة وهو من جملة العلماء المشهورين
(4) وقد رواه البيهقي بسند مرسل وقال: «استتاب رجلا ارتد اربع مرات اسمه نبهان» .
(5) نبهان: قال الحلبي: في الصحابة نبهان التمار أبو مقبل، ونبهان أبو سعد. ونبهان الانصاري. وجزم التلمساني أنه نبهان التمار روي أنه أتنه امرأة حسناء تبتاع منه تمرا فقال لها ان هذا التمر ليس بجيد وفي البيت أجود منه فذهب بها الى البيت فضمها الى نفسه وقبلها فقالت له: اتق الله فتركها وانصرف فأتى النبي صلّى الله عليه وسلم فأخبره فنزل قوله تعالى: «وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ(2/560)
قال ابْنُ «1» وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ يُسْتَتَابُ أَبَدًا كُلَّمَا رَجَعَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ «2» ، وَأَحْمَدَ «3» ، وَقَالَهُ ابْنُ القاسم، وقال إسحق «4» :
«يُقْتَلُ فِي الرَّابِعَةِ» .
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: «إِنْ لَمْ يَتُبْ فِي الرَّابِعَةِ قُتِلَ دُونَ اسْتِتَابَةٍ وَإِنْ تَابَ ضُرِبَ ضَرْبًا وَجِيعًا، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنَ السِّجْنِ حَتَّى يَظْهَرَ عَلَيْهِ خُشُوعُ التَّوْبَةِ» .
قَالَ ابْنُ «5» الْمُنْذِرِ: «وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَ عَلَى الْمُرْتَدِّ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى أَدَبًا إِذَا رَجَعَ» . وَهُوَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ «6» ، وَالشَّافِعِيِّ «7» ، وَالْكُوفِيِّ «8» .
هَذَا حُكْمُ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِمَا يَجِبُ ثُبُوتُهُ مِنْ إِقْرَارٍ أَوْ عُدُولٍ لَمْ يدفع فيهم.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (332) رقم (1) .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (155) رقم (8) .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (165) رقم (1) .
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (474) رقم (8) .
(5) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (143) رقم (3) .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (341) رقم (7) .
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (155) رقم (8) .
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (499) رقم (6) .(2/561)
الفصل الثالث حكم المرتد إذا اشتبه ارتداده
قال القاضي أبو الفضل: هَذَا حُكْمُ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِمَا يَجِبُ ثُبُوتُهُ مِنْ إِقْرَارٍ أَوْ عُدُولٍ لَمْ يُدْفَعْ فِيهِمْ فَأَمَّا مَنْ لَمْ تَتِمَّ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِمَا شَهِدَ عَلَيْهِ الْوَاحِدُ أَوِ اللَّفِيفُ مِنَ النَّاسِ، أَوْ ثَبَتَ قَوْلُهُ لَكِنِ احْتُمِلَ وَلَمْ يَكُنْ صَرِيحًا وَكَذَلِكَ إِنْ تَابَ..- عَلَى الْقَوْلِ «1» بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ-
فَهَذَا يُدْرَأُ عَنْهُ الْقَتْلُ، وَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ اجْتِهَادُ الْإِمَامِ بِقَدْرِ شُهْرَةِ حَالِهِ، وَقُوَّةِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ وَضَعْفِهَا، وَكَثْرَةِ السَّمَاعِ عَنْهُ، وصورة حاله من التهمة في الدين، والنّبز «2» بِالسَّفَهِ وَالْمُجُونِ.
فَمَنْ قَوِيَ أَمْرُهُ أَذَاقَهُ مِنْ شديد النكال من التضييق في السجن
__________
(1) المنقول عن مالك برواية الوليد بن مسلم.
(2) النبز: من الدعاء والنداء بلقب السوء.(2/562)
وَالشَّدِّ فِي الْقُيُودِ إِلَى الْغَايَةِ الَّتِي هِيَ منتهى طاقته مما لَا يَمْنَعُهُ الْقِيَامُ لِضَرُورَتِهِ، وَلَا يُقْعِدُهُ عَنْ صَلَاتِهِ، وَهُوَ حُكْمُ كُلِّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ لَكِنْ وُقِفَ عَنْ قَتْلِهِ لِمَعْنًى أَوْجَبَهُ، وَتُرُبِّصَ بِهِ لِإِشْكَالٍ وَعَائِقٍ اقْتَضَاهُ أَمْرُهُ، وَحَالَاتُ الشِّدَّةِ فِي نَكَالِهِ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ حَالِهِ
وَقَدْ رَوَى الْوَلِيدُ «1» عَنْ مَالِكٍ «2» وَالْأَوْزَاعِيِّ «3» أَنَّهَا رِدَّةٌ.
فَإِذَا تَابَ نُكِّلَ.
وَلِمَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَكِتَابِ مُحَمَّدٍ «4» مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ «5» إِذَا تَابَ الْمُرْتَدُّ فَلَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِ. وَقَالَهُ سُحْنُونٌ «6» .
وَأَفْتَى أَبُو «7» عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَتَّابٍ فِيمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ- عُدِّلَ أَحَدُهُمَا- بِالْأَدَبِ الْمُوجِعِ وَالتَّنْكِيلِ وَالسَّجْنِ الطَّوِيلِ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ.
وَقَالَ الْقَابِسِيُّ «8» فِي مِثْلِ هَذَا: وَمَنْ كَانَ أَقْصَى أَمْرِهِ الْقَتْلَ
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «475» رقم «7» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «111» رقم «6» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «144» رقم (2) .
(5) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (154) رقم (2) .
(6) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (153) رقم (3) .
(7) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (483) رقم (5) .
(8) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (188) رقم (1) .(2/563)
فَعَاقَ عَائِقٌ أَشْكَلَ فِي الْقَتْلِ لَمْ يَنْبَغِ أَنْ يُطْلَقَ مِنَ السِّجْنِ، وَيُسْتَطَالُ سِجْنُهُ وَلَوْ كَانَ فِيهِ مِنَ الْمُدَّةِ مَا عَسَى أَنْ يُقِيمَ، وَيُحْمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْقَيْدِ مَا يُطِيقُ.
وَقَالَ فِي مِثْلِهِ مِمَّنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ: يُشَدُّ فِي الْقُيُودِ شَدًّا وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ فِي السِّجْنِ حَتَّى يُنْظَرَ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى مِثْلِهَا: وَلَا تُهْرَاقُ الدِّمَاءُ إِلَّا بالأمر الواضح، في الْأَدَبِ بِالسَّوْطِ وَالسِّجْنِ نَكَالٌ لِلسُّفَهَاءِ وَيُعَاقَبُ عُقُوبَةً شَدِيدَةً.
فَأَمَّا إِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ سِوَى شَاهِدَيْنِ فَأُثْبِتَ مِنْ عَدَاوَتِهِمَا، أَوْ جَرْحَتِهِمَا مَا أَسْقَطَهُمَا عَنْهُ، وَلَمْ يَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمَا، فَأَمْرُهُ أَخَفُّ لِسُقُوطِ الْحُكْمِ عَنْهُ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يشهد عليه إلا أن يكون ممن يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ، وَيَكُونُ الشَّاهِدَانِ مِنْ أَهْلِ التَّبْرِيزِ «1» فَأَسْقَطَهُمَا بِعَدَاوَةٍ.
فَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَنْفُذِ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمَا فَلَا يَدْفَعُ الظَّنُّ صِدْقَهُمَا وَلِلْحَاكِمِ هُنَا فِي تَنْكِيلِهِ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ.
وَاللَّهُ ولي الإرشاد «2» .
__________
(1) التبريز: الظهور.
(2) وروي (الرشاد) وهو الصواب والسداد.(2/564)
الفصل الرابع حكم الذمّي في ذلك
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ: هَذَا حُكْمُ الْمُسْلِمِ.
فَأَمَّا الذِّمِّيُّ إِذَا صَرَّحَ بِسَبِّهِ أَوْ عَرَّضَ أَوِ اسْتَخَفَّ بِقَدْرِهِ، أَوْ وَصَفَهُ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي كَفَرَ بِهِ.
فَلَا خِلَافَ عِنْدِنَا فِي قَتْلِهِ إِنْ لَمْ يُسْلِمْ، لِأَنَّا لَمْ نُعْطِهِ الذِّمَّةَ أَوِ الْعَهْدَ عَلَى هَذَا.
وَهُوَ قَوْلُ عامة العلماء إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ «1» ، وَالثَّوْرِيَّ «2» ، وَأَتْبَاعَهُمَا مِنْ أَهْلِ الكوفة فإنهم قالوا: لا يقتل.. لأن مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ أَعْظَمُ وَلَكِنْ يؤدّب ويعذّر.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (499) رقم (6) .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (186) رقم (3) .(2/565)
وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ شُيُوخِنَا عَلَى قَتْلِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ «1» ..» الْآيَةَ.
وَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا بِقَتْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ الْأَشْرَفِ «2» وَأَشْبَاهِهِ وَلِأَنَّا لَمْ نُعَاهِدْهُمْ، وَلَمْ نُعْطِهِمُ الذِّمَّةَ عَلَى هَذَا.. ولا يجوز أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ مَعَهُمْ.
فَإِذَا أَتَوْا مَا لَمْ يُعْطَوْا عَلَيْهِ الْعَهْدَ وَلَا الذِّمَّةَ، فَقَدْ نقضوا ذمتهم، وصاروا كفارا أهل حرب يُقْتَلُونَ لِكُفْرِهِمْ.. وَأَيْضًا..
فَإِنَّ ذِمَّتَهُمْ لَا تُسْقِطُ حُدُودَ الْإِسْلَامِ عَنْهُمْ مِنَ الْقَطْعِ فِي سَرِقَةِ أَمْوَالِهِمْ وَالْقَتْلِ لِمَنْ قَتَلُوهُ مِنْهُمْ.. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حَلَالًا عِنْدَهُمْ.
فَكَذَلِكَ سَبُّهُمُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْتَلُونَ بِهِ. وَوَرَدَتْ لِأَصْحَابِنَا ظَوَاهِرُ تَقْتَضِي الْخِلَافَ إِذَا ذَكَرَهُ الذِّمِّيُّ بِالْوَجْهِ الَّذِي كَفَرَ بِهِ سَتَقِفُ عَلَيْهَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ «3» الْقَاسِمِ وَابْنِ «4» سُحْنُونٍ بَعْدُ..
وَحَكَى أَبُو «5» الْمُصْعَبِ الْخِلَافَ فِيهَا عَنْ أَصْحَابِهِ الْمَدَنِيِّينَ وَاخْتَلَفُوا إذا سبه ثم أسلم.
__________
(1) الاية: 14 سورة التوبة.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (621) رقم (7) .
(3) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (153) رقم (6) .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (629) رقم (10) .
(5) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (99) رقم (2) .(2/566)
فَقِيلَ: يُسْقِطُ إِسْلَامُهُ قَتْلَهُ. لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ.. بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ إِذَا سَبَّهُ ثُمَّ تَابَ.. لِأَنَّا نَعْلَمُ بَاطِنَةَ الْكَافِرِ فِي بُغْضِهِ لَهُ، وَتَنَقُّصِهِ بِقَلْبِهِ، لَكِنَّا مَنَعْنَاهُ مِنْ إِظْهَارِهِ.. فَلَمْ يَزِدْنَا مَا أَظْهَرَهُ إِلَّا مُخَالَفَةً لِلْأَمْرِ، وَنَقْضًا لِلْعَهْدِ.. فَإِذَا رَجَعَ عَنْ دِينِهِ الْأَوَّلِ إِلَى الْإِسْلَامِ سَقَطَ مَا قَبْلَهُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ «1» » وَالْمُسْلِمُ بِخِلَافِهِ.. إِذْ كَانَ ظَنُّنَا بِبَاطِنِهِ حُكْمَ ظَاهِرِهِ وَخِلَافَ مَا بَدَا مِنْهُ الْآنَ فَلَمْ نَقْبَلْ بَعْدُ رُجُوعَهُ وَلَا اسْتَنَمْنَا إِلَى بَاطِنِهِ إِذْ قَدْ بَدَتْ سَرَائِرُهُ وَمَا ثَبَتَ عَلَيْهِ من الأحكام باقية عليه لم يُسْقِطُهَا شَيْءٌ.
وَقِيلَ: لَا يُسْقِطُ إِسْلَامُ الذِّمِّيِّ السَّابِّ قَتْلَهُ، لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبَ عَلَيْهِ لِانْتِهَاكِهِ حُرْمَتَهُ، وَقَصْدِهِ إِلْحَاقَ النَّقِيصَةَ وَالْمَعَرَّةَ بِهِ.. فَلَمْ يَكُنْ رُجُوعُهُ إِلَى الْإِسْلَامِ بِالَّذِي يُسْقِطُهُ كَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلِ إِسْلَامِهِ مِنْ قَتْلٍ وَقَذْفٍ.
وَإِذَا كُنَّا لَا نَقْبَلُ تَوْبَةَ المسلم فأن لا نقبل توبة الكافر أولى.
__________
(1) الاية: 40 سورة الانفال.(2/567)
قال مَالِكٌ «1» فِي كِتَابِ ابْنِ «2» حَبِيبٍ وَالْمَبْسُوطِ «3» ، وَابْنِ «4» القاسم، وابن الماجشون «5» وابن «6» عبد الحكم، وأصبغ «7» :
فِيمَنْ شَتَمَ نَبِيَّنَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ أحدا من الأنبياء عليهم السلام إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ.
وَقَالَهُ ابْنُ «8» الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ «9» . وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ «10» وَابْنِ سُحْنُونٍ «11» . وَقَالَ سُحْنُونٌ وَأَصْبَغُ: لَا يُقَالُ لَهُ «أَسْلِمْ» وَلَا «لَا تُسْلِمْ» وَلَكِنْ إِنْ أَسْلَمَ فَذَلِكَ لَهُ تَوْبَةٌ.
وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا أَصْحَابُ مَالِكٍ أَنَّهُ قال: «من سبّ
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (341) رقم (7) .
(2) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (153) رقم (1) .
(3) المبسوط: اسم كتاب في الفقه.
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (153) رقم (6) .
(5) ابن الماجشون: عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون التميمي الفقيه صاحب مالك- توفي سنة اثنين أر أربع عشرة ومائتين. وأخرج له الستة، واسمه ميمون أو يعقوب ومعنى الماجشون الابيض المشرب بالحمرة معرب ماه كون معناه لون القمر.
(6) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «144» رقم «5» .
(7) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «5» .
(8) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «6» .
(9) العتبية: كتاب مشهور في فقه مالك.
(10) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «144» رقم «2» .
(11) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «3» .(2/568)
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ غَيْرَهُ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ
وَرُوِيَ لَنَا عَنْ مَالِكٍ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ الْكَافِرُ وَقَدْ رَوَى ابْنُ «1» وَهْبٍ عَنِ ابْنِ «2» عُمَرَ أَنَّ رَاهِبًا تَنَاوَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ:
«فَهَلَّا قَتَلْتُمُوهُ!» .
وَرَوَى عِيسَى «3» عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: فِي ذَمِّيٍّ قَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُرْسَلْ إِلَيْنَا إِنَّمَا أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ. وَإِنَّمَا نَبِيُّنَا مُوسَى أَوْ عِيسَى. وَنَحْوُ هَذَا.. لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ.. لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَقَرَّهُمْ عَلَى مِثْلِهِ.
وَأَمَّا إِنْ سَبَّهُ فَقَالَ: لَيْسَ بِنَبِيٍّ.. أَوْ لَمْ يُرْسَلْ.. أَوْ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ قُرْآنٌ.. وإنما هو شيء تقوّله أو نحو هذا.. فيقتل.
قال ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا قَالَ النَّصْرَانِيُّ: دِينُنَا خَيْرٌ من دينكم، إنما دِينُكُمْ دِينُ الْحَمِيرِ، وَنَحْوُ هَذَا مِنَ الْقَبِيحِ.. أَوْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: كَذَلِكَ يُعْطِيكُمُ اللَّهُ.. فَفِي هَذَا.. الْأَدَبُ الْمُوجِعُ، وَالسِّجْنُ الطَّوِيلُ.
قَالَ: وَأَمَّا إن شتم النبي صلى الله عليه وسلم شتما يعرف فإنه يقتل إلا أن
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «332» رقم «1» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «1» .
(3) عيسى بن ابراهيم الغافقي الامام الفقيه المحدث توفي سنة احدى وستين ومائتين(2/569)
يُسْلِمَ قَالَهُ مَالِكٌ «1» غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَمْ يَقُلْ يُسْتَتَابُ قَالَ ابْنُ «2» الْقَاسِمِ:
وَمَحْمَلُ قَوْلِهِ عِنْدِي.. إِنْ أَسْلَمَ طَائِعًا.
وَقَالَ ابْنُ سُحْنُونٍ «3» فِي سؤالات سليمان «4» بن سالم الْيَهُودِيِّ يَقُولُ لِلْمُؤَذِّنِ إِذَا تَشَهَّدَ «كَذَبْتَ» يُعَاقَبُ الْعُقُوبَةَ الْمُوجِعَةَ مَعَ السِّجْنِ الطَّوِيلِ.
وَفِي النَّوَادِرِ «5» مِنْ رِوَايَةِ سُحْنُونٍ «6» عَنْهُ «7» مَنْ شَتَمَ الْأَنْبِيَاءَ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي بِهِ كَفَرُوا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سُحْنُونٍ: فَإِنْ قِيلَ لِمَ قَتَلْتَهُ فِي سَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ دِينِهِ سَبُّهُ وَتَكْذِيبُهُ؟! .. قِيلَ: لِأَنَّا لَمْ نُعْطِهِمُ الْعَهْدَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا عَلَى قَتْلِنَا، وَأَخْذِ أَمْوَالِنَا.. فَإِذَا قَتَلَ وَاحِدًا مِنَّا قَتَلْنَاهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ دِينِهِ اسْتِحْلَالُهُ فَكَذَلِكَ إِظْهَارُهُ لسب نبينا صلّى الله عليه وسلم.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «341» رقم «7» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «6» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «609» رقم «10» .
(4) سليمان بن سالم اليهودي.
(5) النوادر: اسم كتاب لابن أبي زيد صاحب الرسالة المالكي.
(6) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «3» .
(7) عنه أي عن مالك.(2/570)
قَالَ سُحْنُونٌ: «كَمَا لَوْ بَذَلَ لَنَا أَهْلُ الْحَرْبِ الْجِزْيَةَ عَلَى إِقْرَارِهِمْ عَلَى سَبِّهِ لَمْ يَجُزْ لَنَا ذَلِكَ فِي قَوْلِ قَائِلٍ.
كَذَلِكَ يَنْتَقِضُ عَهْدُ مَنْ سَبَّ مِنْهُمْ وَيَحِلُّ لَنَا دمه.. وكما لَمْ يُحْصِنِ الْإِسْلَامُ مَنْ سَبَّهُ مِنَ الْقَتْلِ كَذَلِكَ لَا تُحْصِنُهُ الذِّمَّةُ.
قَالَ الْقَاضِي «1» أَبُو الْفَضْلِ: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ سُحْنُونٍ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أَبِيهِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَا خَفَّفَ عُقُوبَتَهُمْ فِيهِ مِمَّا بِهِ كَفَرُوا فَتَأَمَّلْهُ.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ «2» خِلَافَ مَا رُوِيَ عَنِ الْمَدَنِيِّينَ «3» فِي ذَلِكَ فَحَكَى أَبُو الْمُصْعَبِ «4» الزُّهْرِيُّ قَالَ: أُتِيتُ بِنَصْرَانِيٍّ قَالَ: وَالَّذِي اصْطَفَى عِيسَى عَلَى مُحَمَّدٍ، فَاخْتُلِفَ عَلَيَّ فِيهِ، فَضَرَبْتُهُ حَتَّى قَتَلْتُهُ، - أَوْ عَاشَ يَوْمًا وَلَيْلَةً-.. وَأَمَرْتُ مَنْ جَرَّ بِرِجْلِهِ، وَطُرِحَ عَلَى مَزْبَلَةٍ، فَأَكَلَتْهُ الْكِلَابُ.
وَسُئِلَ أَبُو الْمُصْعَبِ عَنْ نَصْرَانِيٍّ قَالَ: عِيسَى خلق محمدا..
فقال: يقتل..
__________
(1) أبو الفضل: المصنف
(2) أي ما قاله سحنون وابنه.
(3) أي أصحاب مالك.
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «99» رقم «2» .(2/571)
وَقَالَ ابْنُ «1» الْقَاسِمِ: سَأَلْنَا مَالِكًا «2» عَنْ نَصْرَانِيٍّ بِمِصْرَ شُهِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: مِسْكِينٌ مُحَمَّدٌ.. يُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ!. مَا لَهُ لَمْ يَنْفَعْ نَفْسَهُ إِذْ كَانَتِ الْكِلَابُ تَأْكُلُ سَاقَيْهِ! لَوْ قَتَلُوهُ اسْتَرَاحَ مِنْهُ النَّاسُ.
قَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ تُضْرَبَ عُنُقُهُ.. قَالَ: وَلَقَدْ كِدْتُ أن لا أَتَكَلَّمَ فِيهَا بِشَيْءٍ ثُمَّ رَأَيْتُ أَنَّهُ لَا يَسَعُنِي الصَّمْتُ.
قَالَ ابْنُ «3» كِنَانَةَ فِي الْمَبْسُوطَةِ: مَنْ شَتَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَأَرَى لِلْإِمَامِ أَنْ يُحْرِقَهُ بِالنَّارِ «4» وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُ ثُمَّ حَرَقَ جُثَّتَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ حَيًّا «5» إِذَا تَهَافَتُوا فِي سَبِّهِ.
وَلَقَدْ كُتِبَ إِلَى مَالِكٍ مِنْ مِصْرَ- وَذَكَرَ «6» مَسْأَلَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمُتَقَدِّمَةَ- قَالَ: فأمرني مالك فكتبت بأن يقتل وتضرب عنقه
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «6» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(3) ابن كنانة: بكسر الكاف من فقهاء المالكية.
(4) وهذا مما لم يجزه علماء الشرع لما ورد في الحديث إنه لا يعذب (بالنار الا الله أو خالقها) .
(5) وهذا مذهب مالك وغيره من العلماء يأباه ومذهب الشافعي انه لا يجوز الا فصاصا لحديث: من حرق حرقناه ومن غرق غرقناه. واستدل مالك لما قاله بأن عليا كرم الله وجهه فعله، وبقوله عليه السلام في حق من ارتد: ان وجدتموه فاحرقوه. وغيره يقول أنه منسوخ كما نسخت المثلة لقوله تعالى (فعاقبوا بمثل ما عوقبتم) وهو مذهب أبي حنيفة.
(6) ذكر ابن كنانة.(2/572)
فَكَتَبْتُ.. ثُمَّ قُلْتُ يَا أَبَا عَبْدِ «1» اللَّهِ، وَأَكْتُبُ.. ثُمَّ يُحْرَقُ بِالنَّارِ.. فَقَالَ: إِنَّهُ لَحَقِيقٌ بِذَلِكَ، وَمَا أَوَّلَاهُ بِهِ فَكَتَبْتُهُ بِيَدِي بَيْنَ يَدَيْهِ، فَمَا أَنْكَرَهُ وَلَا عَابَهُ، وَنَفَذَتِ الصَّحِيفَةُ بِذَلِكَ، فَقُتِلَ وَحُرِقَ.
وَأَفْتَى عُبَيْدُ «2» اللَّهِ بْنُ يَحْيَى وَابْنُ لُبَابَةَ «3» فِي جَمَاعَةِ سَلَفِ أَصْحَابِنَا الأندلسيين بقتل نصرانية استهلت «4» بنفي الربوبية وبنوة «5» عيسى لله.. وتكذيب مُحَمَّدٍ فِي النُّبُوَّةِ، وَبِقَبُولِ إِسْلَامِهَا، وَدَرْءِ الْقَتْلِ عنها به.
قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمُ الْقَابِسِيُّ «6» ، وَابْنُ «7» الْكَاتِبِ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ «8» بْنُ الْجَلَّابِ فِي كِتَابِهِ «9» مَنْ سَبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ مسلم أو كافر، قتل ولا يستتاب.
__________
(1) أبو عبد الله: كنية مالك.
(2) عبيد الله بن يحيى: المكنى بأبي مروان الليثي. فقيه، ثقة، عمدة في مذهب مالك، وهذا هو يحيى بن يحيى الذي روى عنه الموطأ كما سبق وقد تقدمت ترجمته في ج 2 ص (187) رقم (4)
(3) ابن لبابة: محمد بن يحيى بن عمر بن لبابة القرطبي ولد سنة خمس وعشرين ومائتين ومات سنة أربع عشر وثلاثمائة.
(4) استهلت: رفعت صوتها.
(5) وفي نسخة (نبوة) .
(6) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «188» رقم «1» .
(7) ابن الكاتب: أبو القاسم عبد الرحمن بن علي بن محمد الامام المالكي الجليل، عرف بابن الكاتب.
(8) أبو القاسم بن الجلاب: إمام جليل اشتهر بكنيته، وهو صاحب القاضي أبي بكر الابهري، وله تاليف جليلة، توفي سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة، وهو عبد الله أو عبد الرحمن بن الحسين البصري.
(9) الذي صنفه في فقه مالك.(2/573)
وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ «1» فِي الذِّمِّيِّ يَسُبُّ ثُمَّ يُسْلِمُ رِوَايَتَيْنِ فِي دَرْءِ الْقَتْلِ عَنْهُ بِإِسْلَامِهِ.
وَقَالَ ابْنُ «2» سُحْنُونٍ: وَحَدُّ الْقَذْفِ وَشِبْهُهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ لَا يُسْقِطُهُ عَنِ الذِّمِّيِّ إِسْلَامُهُ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِإِسْلَامِهِ حُدُودُ اللَّهِ.
فَأَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ فَحَقٌّ لِلْعِبَادِ، كَانَ ذَلِكَ لِنَبِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ.
فَأَوْجَبَ عَلَى الذِّمِّيِّ إِذَا قَذَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَسْلَمَ حَدَّ الْقَذْفِ وَلَكِنِ انْظُرْ مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ هَلْ حَدُّ الْقَذْفِ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْقَتْلُ لِزِيَادَةِ حُرْمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غَيْرِهِ؟ .. أَمْ هَلْ يَسْقُطُ الْقَتْلُ بِإِسْلَامِهِ وَيُحَدُّ ثمانين؟ .. فتأمله.
***
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «141» رقم «6» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «609» رقم «10» .(2/574)
الفصل الخامس فِي مِيرَاثِ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغُسْلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مِيرَاثِ مَنْ قُتِلَ بِسَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَذَهَبَ سُحْنُونٌ «1» إِلَى أَنَّهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ شَتْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفْرٌ يُشْبِهُ كُفْرَ الزِّنْدِيقِ.
وَقَالَ أَصْبَغُ «2» : مِيرَاثُهُ لِوَرَثَتِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِنْ كَانَ مُسْتَسِرًّا بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُظْهِرًا لَهُ مُسْتَهِلًّا بِهِ فَمِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، ويقتل على كل حال ولا يستتاب.
قال أَبُو الْحَسَنِ «3» الْقَابِسِيُّ: إِنْ قُتِلَ وَهُوَ مُنْكِرٌ لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِ فَالْحُكْمُ فِي مِيرَاثِهِ عَلَى مَا أظهر مِنْ إِقْرَارِهِ- يَعْنِي لِوَرَثَتِهِ- وَالْقَتْلُ حَدٌّ ثَبَتَ عليه ليس من الميراث في شيء.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «3» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «5» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «188» رقم «1» .(2/575)
وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِالسَّبِّ وَأَظْهَرَ التَّوْبَةَ لَقُتِلَ إِذْ هُوَ حَدُّهُ. وَحُكْمُهُ فِي مِيرَاثِهِ وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ.
وَلَوْ أَقَرَّ بِالسَّبِّ وَتَمَادَى عَلَيْهِ وَأَبَى التَّوْبَةَ مِنْهُ فَقُتِلَ عَلَى ذَلِكَ، كَانَ كَافِرًا وَمِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ. وَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا يُكَفَّنُ، وَتُسْتَرُ عَوْرَتُهُ، وَيُوَارَى كَمَا يُفْعَلُ بِالْكُفَّارِ.
وَقَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ- فِي الْمُجَاهِرِ الْمُتَمَادِي- بَيِّنٌ لَا يُمْكِنُ الْخِلَافُ فِيهِ. لِأَنَّهُ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ غَيْرُ تَائِبٍ وَلَا مُقْلِعٍ. - وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِ أَصْبَغَ «1» .
وَكَذَلِكَ فِي كِتَابِ ابْنِ سُحْنُونٍ «2» فِي الزِّنْدِيقِ يَتَمَادَى عَلَى قَوْلِهِ وَمِثْلُهُ لِابْنِ «3» الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ.
وَلِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ «4» فِي كِتَابِ ابْنِ «5» حَبِيبٍ فِيمَنْ أَعْلَنَ كُفْرَهُ- مِثْلُهُ- قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وحكمه حكم المرتد لا ترثه وَرَثَتُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا مِنْ أَهْلِ الدِّينِ الَّذِي ارْتَدَّ إِلَيْهِ، وَلَا تَجُوزُ وَصَايَاهُ وَلَا عتقه.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «5» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «609» رقم «10» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «3» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «1» .(2/576)
وَقَالَهُ أَصْبَغُ «1» : «قُتِلَ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ مَاتَ عليه» . وقال أبو محمد «2» ابن أَبِي زَيْدٍ: «وَإِنَّمَا يُخْتَلَفُ فِي مِيرَاثِ الزِّنْدِيقِ الَّذِي يَسْتَهِلُّ بِالتَّوْبَةِ فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ. فَأَمَّا الْمُتَمَادِي، فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُورَثُ» .
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ «2» : «فِيمَنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ تُعَدَّلْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ..، أَوْ لَمْ تُقْبَلْ. إِنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ» .
وَرَوَى أَصْبَغُ «1» عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ «3» فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ «4» : «فِيمَنْ كَذَّبَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو أعلن دِينًا مِمَّا يُفَارِقُ بِهِ الْإِسْلَامَ. أَنَّ مِيرَاثَهُ للمسلمين» .
وقال يقول مَالِكٍ «5» : إِنَّ مِيرَاثَ الْمُرْتَدِّ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَرِثُهُ وَرَثَتُهُ، رَبِيعَةُ «6» ، وَالشَّافِعِيُّ «7» ، وَأَبُو «8» ثَوْرٍ، وَابْنُ أَبِي «9» لَيْلَى.
وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ أَحْمَدَ «10» . وَقَالَ عَلِيُّ بن «11» أبي طالب رضي
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (153) رقم (5) .
(2) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (479) رقم (5) .
(3) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (153) رقم (6) .
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (153) رقم (1) .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (341) رقم (7) .
(6) ربيعة: بن أبي عبد الرحمن بن فروخ، فقيه المدينة ومحدثها الذي روى عنه مالك والليث وغيرهما، وأخرج له الستة ووثقه أحمد وغيره، توفي سنة ست وثلاثين ومائة
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «155» رقم «8» .
(8) أبو ثور: ابراهيم بن خالد الكلبي البغدادي أحد المجتهدين، الثقة المحدث، روى عنه خلق كثير وأخرج له أصحاب السنن توفي سنة أربعين ومائتين.
(9) ابن أبي ليلى: القاضي أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الانصاري أحد أعلام الدين في الفقه والحديث وأخرج عنه أربعة من أصحاب السنن ووثقوه. وقال بعضهم: انه سيء الحفظ، توفي سنة ثمان وأربعين ومائة وله ترجمة في الميزان
(10) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «165» رقم «1» .
(11) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «54» رقم «4» .(2/577)
اللَّهُ عَنْهُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ «1» ، وَابْنُ الْمُسَيَّبِ «2» ، وَالْحَسَنُ «3» وَالشَّعْبِيُّ «4» ، وَعُمَرُ بْنُ «5» عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَكَمُ «6» ، وَالْأَوْزَاعِيُّ «7» والليث «8» ، وإسحق «9» ، وأبو «10» حنيفة: يرثه وَرَثَتُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
وَقِيلَ: «ذَلِكَ فِيمَا كَسَبَهُ قَبْلَ ارْتِدَادِهِ، وَمَا كَسَبَهُ فِي الِارْتِدَادِ فَلِلْمُسْلِمِينَ» .
وَتَفْصِيلُ أَبِي الْحَسَنِ «11» فِي بَاقِي جَوَابِهِ حَسَنٌ بَيِّنٌ، وَهُوَ عَلَى رَأْيِ أَصْبَغَ «12» وَخِلَافُ قَوْلِ سُحْنُونٍ «13» ، وَاخْتِلَافُهُمَا عَلَى قَوْلَيْ مَالِكٍ «14» فِي مِيرَاثِ الزِّنْدِيقِ، فَمَرَّةً وَرَّثَهُ وَرَثَتَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَامَتْ
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «214» رقم «2» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «252» رقم «3» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «60» رقم «8» .
(4) الشعبي: معاوية بن حفص الكوفي- نزيل حلب قال أبو حاتم- صدوق ليس به بأس (وذكره ابن الشيبان الثقات) .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «24» رقم «2» .
(6) الحكم بن عتيبة الكندي فقيه الكوفه، الامام، العابد، الزاهد، توفي سنة خمس عشر ومائة وأخرج له الستة، ويوافقه في اسمه واسم ابيه دون جده الحكم قاضي الكوفة وليس من رواة الحديث.
(7) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «111» رقم «6» .
(8) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «102» رقم «5» .
(9) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «474» رقم «9» .
(10) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «499» رقم «6» .
(11) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «188» رقم «1» .
(12) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «5» .
(13) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «3» .
(14) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .(2/578)
عليه بَيِّنَةٌ فَأَنْكَرَهَا، أَوِ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ وَأَظْهَرَ التَّوْبَةَ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَمُحَمَّدُ بْنُ «1» مَسْلَمَةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ لِأَنَّهُ مُظْهِرٌ لِلْإِسْلَامِ بِإِنْكَارِهِ أَوْ تَوْبَتِهِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَرَوَى ابْنُ «2» نَافِعٍ عَنْهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَكِتَابِ مُحَمَّدٍ «3» أَنَّ مِيرَاثَهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ مَالَهُ تَبَعٌ لِدَمِهِ.
وَقَالَ بِهِ أَيْضًا جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَقَالَهُ أَشْهَبُ «4» ، وَالْمُغِيرَةُ «5» وَعَبْدُ «6» الْمَلِكِ، وَمُحَمَّدٌ، وسحنون وذهب ابن «7» قاسم في العتبة إِلَى أَنَّهُ إِنِ اعْتَرَفَ بِمَا شُهِدَ عَلَيْهِ بِهِ وَتَابَ فَقُتِلَ فَلَا يُورَثُ، وَإِنْ لَمْ يقرّ حتى مات أو قتل وُرِّثَ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ أَسَرَّ كُفْرًا فَإِنَّهُمْ يَتَوَارَثُونَ بِوِرَاثَةِ الْإِسْلَامِ وَسُئِلَ أَبُو «8» الْقَاسِمِ بْنُ الْكَاتِبِ عَنِ النَّصْرَانِيِّ يَسُبُّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «158» رقم «5» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «211» رقم «5» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (144) رقم (2) .
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (154) رقم (2) .
(5) المغيرة: بن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش توفي سنة ثمان وثمانين ومائة، وولد سنة أربع وعشرين ومائة.
(6) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (568) رقم (5) .
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (341) رقم (3) .
(8) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (573) رقم (7) .(2/579)
فَيُقْتَلُ هَلْ يَرِثُهُ أَهْلُ دِينِهِ أَمِ الْمُسْلِمُونَ؟ فأجاب: إنه لِلْمُسْلِمِينَ لَيْسَ عَلَى جِهَةِ الْمِيرَاثِ لِأَنَّهُ لَا تَوَارُثَ بَيْنَ أَهْلِ مِلَّتَيْنِ «1» ، وَلَكِنْ لِأَنَّهُ مِنْ فيئهم لنقضه العهد.. هذا معنى قوله واختصاره.
__________
(1) كما ورد في الحديث الصحيح.(2/580)
الْبَابُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ مَنْ سَبَّ اللَّهَ تعالى وملائكته وأنبياء وَكُتُبَهُ وَآلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأزواجه وصحبه
وفيه عشرة فصول(2/581)
الفصل الأوّل حكم سابّ الله تعالى وحكم استتابته
قال القاضي أبو الفضل:
لَا خِلَافَ أَنَّ سَابَّ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَافِرٌ حَلَّالُ الدَّمِ، وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِتَابَتِهِ.
فَقَالَ ابْنُ «1» الْقَاسِمِ فِي الْمَبْسُوطِ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ «2» سُحْنُونٍ وَمُحَمَّدٍ «3» وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مالك «4» في كتاب إسحق «5» بْنِ يَحْيَى مَنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ بِارْتِدَادِهِ إِلَى دِينٍ دَانَ بِهِ وَأَظْهَرَهُ فَيُسْتَتَابُ.. وَإِنْ لَمْ يُظْهِرْهُ لَمْ يستتب.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (341) رقم (3) .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (109) رقم (10) .
(3) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (144) رقم (2) .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (341) رقم (7) .
(5) اسحق بن يحيى سرقسطي من فقهائها ومشاوريها ومدرسيها سمع منه وضاح بن محمد الرعيني وغيره وتوفي سنة احدى وعشرين وأربعمائة. رحمه الله.(2/582)
وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطَةِ مُطَرِّفٌ «1» وَعَبْدُ «2» الْمَلِكِ مِثْلَهُ.. وقال المخزومي «3» وَمُحَمَّدُ بْنُ «4» مَسْلَمَةَ وَابْنُ «5» أَبِي حَازِمٍ: لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالسَّبِّ حَتَّى يُسْتَتَابَ «6» ، وَكَذَلِكَ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ فَإِنْ تَابُوا قُبِلَ مِنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يتوبوا فتلوا. وَلَا بُدَّ مِنَ الِاسْتِتَابَةِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ كَالرِّدَّةِ، وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي ابْنُ نَصْرٍ «7» عَنِ الْمَذْهَبِ.
وَأَفْتَى أَبُو مُحَمَّدِ «8» بْنُ أَبِي زَيْدٍ فِيمَا حُكِيَ عَنْهُ فِي رَجُلٍ لَعَنَ رَجُلًا وَلَعَنَ اللَّهَ فَقَالَ: إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَلْعَنَ الشَّيْطَانَ فَزَلَّ لِسَانِي فَقَالَ:
يُقْتَلُ بِظَاهِرِ كُفْرِهِ، وَلَا يُقْبَلُ عُذْرُهُ، وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَمَعْذُورٌ.
وَاخْتَلَفَ فُقَهَاءُ قُرْطُبَةَ فِي مَسْأَلَةِ هَارُونَ «9» بْنِ حَبِيبٍ أَخِي عَبْدِ الْمَلِكِ الْفَقِيهِ وَكَانَ ضَيِّقَ الصَّدْرِ كَثِيرَ التَّبَرُّمِ، وَكَانَ قد شهد عليه
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (99) رقم (6) .
(2) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (153) رقم (1) .
(3) (المخزومي) : المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي فقيه المدينة بعد مالك ولد سنة أربع وعشرين ومائة وتوفي سنة ثمان وثمانين ومائة.
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (158) رقم (7) .
(5) ابن أبي حازم: عبد العزيز بن سلمة بن دينار بن أبي حازم. توفي سنة أربع أو خمس أو ست وثمانين ومائة وهو ساجد فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.
(6) فان تاب والا قتل، واليه ذهب الشافعي وغيره.
(7) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (141) رقم (6) .
(8) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (479) رقم (5) .
(9) هارون بن حبيب: ليس من العلماء بل هو من الامراء وهو أخو عبد الملك ابن حبيب.(2/583)
بشهادات منها أنه قال عند استقلاله «1» مِنْ مَرَضٍ: لَقِيتُ فِي مَرَضِي هَذَا مَا لَوْ قَتَلْتُ أَبَا بَكْرٍ «2» وَعُمَرَ «3» لَمْ أَسْتَوْجِبْ هَذَا كُلَّهُ.
فَأَفْتَى إِبْرَاهِيمُ «4» بْنُ حُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ بِقَتْلِهِ، وَأَنَّ مُضَمَّنَ قَوْلِهِ تَجْوِيرٌ «5» لِلَّهِ تَعَالَى وَتَظَلُّمٌ مِنْهُ، وَالتَّعْرِيضُ فِيهِ كَالتَّصْرِيحِ «6» .
وَأَفْتَى أَخُوهُ عَبْدُ الْمَلِكِ «7» بْنُ حَبِيبٍ، وَإِبْرَاهِيمُ «8» بْنُ حُسَيْنِ بْنِ عَاصِمٍ، وَسَعِيدُ بْنُ «9» سُلَيْمَانَ الْقَاضِي يطرح الْقَتْلِ عَنْهُ إِلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ رَأَى عَلَيْهِ التَّثْقِيلَ فِي الْحَبْسِ وَالشِّدَّةَ فِي الْأَدَبِ لِاحْتِمَالِ كَلَامِهِ وَصَرْفِهِ إِلَى التَّشَكِّي.
فَوَجَّهَ مَنْ قَالَ فِي سَابِّ اللَّهِ بِالِاسْتِتَابَةِ أَنَّهُ كُفْرٌ وَرِدَّةٌ مَحْضَةٌ، لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ لِغَيْرِ اللَّهِ فَأَشْبَهَ قَصْدَ الْكُفْرِ بِغَيْرِ سَبِّ اللَّهِ وَإِظْهَارَ الِانْتِقَالِ إِلَى دِينٍ آخَرَ مِنَ الْأَدْيَانِ الْمُخَالِفَةِ للإسلام.
__________
(1) استقلاله: هنا معناها افاقته وقيامه.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (156) رقم (6) .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (113) رقم (4) .
(4) ابراهيم بن حسين بن خالد: من أجلاء فقهاء المالكية بقرطبة توفي سنة ثمان وخمسين ومائتين.
(5) تجوير: نسبة للجور وهو الظلم.
(6) عند المالكية فقط وليس الشافعية كذلك.
(7) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (153) رقم (1) .
(8) ابراهيم بن حسين بن عاصم: وهو الفقيه الجليل القرطبي، توفي في رمضان سنة سبع ومائتين.
(9) سعيد بن سليمان بن نوفل بن مساحق بن محزمة كان من جلساء مالك وأصحابه وهو أول قاض استقضاه المهدى بالمدينة وأقره الرشيد صدرا من ولايته مات سعيد وهو عند العباس.(2/584)
وَوَجْهُ تَرْكِ اسْتِتَابَتِهِ: أَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ مِنْهُ ذَلِكَ بَعْدَ إِظْهَارِ الْإِسْلَامِ قَبْلُ اتَّهَمْنَاهُ وَظَنَنَّا أَنَّ لِسَانَهُ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ إِلَّا وَهُوَ مُعْتَقِدٌ لَهُ.. إِذْ لَا يَتَسَاهَلُ فِي هَذَا أَحَدٌ، فَحُكِمَ لَهُ بِحُكْمِ الزِّنْدِيقِ، وَلَمْ تُقْبَلْ توبته وإذا انتقل من دين إلى دين آخَرَ وَأَظْهَرَ السَّبَّ بِمَعْنَى الِارْتِدَادِ فَهَذَا قَدْ أَعْلَمَ أَنَّهُ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ، بخلاف الأول المستمسك بِهِ وَحُكْمُ هَذَا حُكْمُ الْمُرْتَدِّ يُسْتَتَابُ عَلَى مشهور مذاهب أكثر العلماء «1» .
وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ قبل وذكرنا الخلاف في فصوله.
***
__________
(1) من الحنفية والشافعية والحنبلية.(2/585)
الْفَصْلُ الثَّانِي حُكْمُ إِضَافَةِ مَا لَا يَلِيقُ به تعالى عن طريق الاجتهاد والخطأ
وَأَمَّا مَنْ أَضَافَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لَا يَلِيقُ بِهِ. لَيْسَ عَلَى طَرِيقِ السَّبِّ وَلَا الرِّدَّةِ وَقَصَدَ الْكُفْرَ.. وَلَكِنْ عَلَى طَرِيقِ التَّأْوِيلِ وَالِاجْتِهَادِ وَالْخَطَأِ الْمُفْضِي إِلَى الْهَوَى وَالْبِدْعَةِ.. مِنْ تَشْبِيهٍ، أَوْ نَعْتٍ بِجَارِحَةٍ، أَوْ نَفْيِ صِفَةِ كَمَالٍ.
فَهَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ فِي تَكْفِيرِ «1» قَائِلِهِ وَمُعْتَقِدِهِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ «2» وَأَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي قِتَالِهِمْ إِذَا تَحَيَّزُوا «3» فِئَةً.. وَأَنَّهُمْ يُسْتَتَابُونَ فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا.
وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْمُنْفَرِدِ مِنْهُمْ. فأكثر قول مالك وأصحابه ترك
__________
(1) فذهب الاشعري الى عدم تكفير أهل الاهواء والمذاهب المردودة. وعلى ذلك أكثر الفقهاء من الحنفية والشافعية ولكن ليس على اطلاقه.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(3) أي فارقوا أهل السنة وانفردوا بمكان مختص بهم لاظهارهم المخالفة وخشية إضلال العامة والخروج اذا قويت شوكتهم.(2/586)
الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِهِمْ «1» ، وَتَرْكُ قَتْلِهِمْ وَالْمُبَالَغَةُ فِي عُقُوبَتِهِمْ، وَإِطَالَةُ سِجْنِهِمْ حَتَّى يَظْهَرَ إِقْلَاعُهُمْ، وَتَسْتَبِينَ تَوْبَتُهُمْ.
كَمَا فَعَلَ عُمَرُ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِصَبِيغٍ «3» وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ «4» الْمَوَّازِ فِي الْخَوَارِجِ «5» وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ «6» الْمَاجِشُونِ وَقَوْلُ سُحْنُونٍ «7» فِي جَمِيعِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَبِهِ فُسِّرَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ وَمَا رَوَاهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ «8» عَبْدِ الْعَزِيزِ وَجَدِّهِ «9» وَعَمِّهِ «10» مِنْ قَوْلِهِمْ فِي القدرية «11» : يستتابون، فإن تابوا وإلا قتلوا.
__________
(1) للنهي عن تكفير أهل القبلة.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4» .
(3) صبيغ: رجل من بني يربوع اسمه صبيغ بن شريك بن عسل. قال ابن ماكولا: كان يتتبع مشكل القرآن ومتشابهه فأمر عمر رضي الله عنه بضربه ومنع الناس من مجالسته.
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «144» رقم «2» .
(5) الخوارج: جماعة كانوا مع علي كرم الله وجهه في صفين ثم خالفوه وخرجوا عليه لانكارهم التحكيم وقولهم: لا حكم الا لله.. ولهم عقائد مخالفة للسنة كتكفير مرتكب الكبيرة ووجوب الخروج على الامام اذا خالف السنة ومع ذلك كان لهم من العبادة والشجاعة والتصلب فيما يعتقدونه أمورا عجيبة.
(6) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «568» رقم «5» .
(7) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «3» .
(8) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «30» رقم «1» .
(9) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «381» رقم (2) .
(10) عبد الملك بن مروان بن الحكم الاموي القرشي من أعاظم خلفاء بني أمية ودهاتهم ولد في سنة 21 هـ وتوفي سنة 86 هـ.
(11) القدرية: هم طائفة قالوا بنفي القدر وان الامر أنف لم يسبق تقديره، فنسبتهم للقدر للملابسة السلبية وقد ورد في الحديث أنهم مجوس هذه الامة.(2/587)
وَقَالَ عِيسَى «1» عَنِ ابْنِ «2» الْقَاسِمِ: فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ مَنِ الْإِبَاضِيَّةِ «3» وَالْقَدَرِيَّةِ وَشِبْهِهِمْ مِمَّنْ خَالَفَ الْجَمَاعَةَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالتَّحْرِيفِ لِتَأْوِيلِ كِتَابِ اللَّهِ.. يُسْتَتَابُونَ.. أَظْهَرُوا ذَلِكَ أَوْ أَسَرُّوهُ فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا، وَمِيرَاثُهُمْ لِوَرَثَتِهِمْ.
وَقَالَ مِثْلَهُ أَيْضًا ابْنُ «4» الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ «5» فِي أَهْلِ الْقَدَرِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ: وَاسْتِتَابَتُهُمْ أَنْ يُقَالَ لهم: أتركوا ما أنتم عليه.
ومثله فِي الْمَبْسُوطِ فِي الْإِبَاضِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَسَائِرِ أَهْلِ الْبِدَعِ قَالَ:
وَهُمْ مُسْلِمُونَ.. وَإِنَّمَا قُتِلُوا لِرَأْيِهِمُ السُّوءِ.
وَبِهَذَا عَمِلَ عُمَرُ بْنُ «6» عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا.. اسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ.
وَابْنُ «7» حَبِيبٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا يرى تكفيرهم وتكفير
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (569) رقم (3) .
(2) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (153) رقم (6) .
(3) الاباضية: جماعة من الخوارج أصحاب عبد الله بن اباض ظهروا في خلافة مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية وزعموا أن من خالفهم كافر غير مشرك يجوز مناكحته
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (153) رقم (6) .
(5) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (144) رقم (2) .
(6) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (30) رقم (1) .
(7) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (153) رقم (1) .(2/588)
أَمْثَالِهِمْ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ «1» .
وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ سُحْنُونٍ «2» مِثْلُهُ.. فِيمَنْ قَالَ: لَيْسَ لِلَّهِ كَلَامٌ.. أَنَّهُ كَافِرٌ.
وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْ مَالِكٍ «3» . فَأَطْلَقَ فِي رِوَايَةِ الشَّامِيِّينَ أَبِي «4» مُسْهِرٍ وَمَرْوَانَ بْنِ «5» مُحَمَّدٍ الطَّاطِرِيِّ الْكُفْرَ عَلَيْهِمْ..
وَقَدْ شُووِرَ «6» فِي زَوَاجِ الْقَدَرِيِّ.. فَقَالَ: لَا تُزَوِّجْهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى.. «وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ «7» » .
وروي عنه أيضا: «أهل الأهوا كُلُّهُمْ كُفَّارٌ» وَقَالَ: «مَنْ وَصَفَ شَيْئًا مِنْ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَشَارَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ جده يَدٍ أَوْ سَمْعٍ أَوْ بَصَرٍ قُطِعَ ذَلِكَ منه. لأنه شبّه الله بنفسه» .
__________
(1) المرجئة: من الارجاء وهو التأخير والامهال وهم فرق خمس ذهبوا الى أنه لا تضر معصية مع الايمان كما لا تنفع طاعة مع الكفر وتكفيرهم لانكارهم النصوص المتواترة وما علم من الدين بالضرورة.
(2) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (153) رقم (3) .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (341) رقم (7) .
(4) أبو مسهر: عبد الله بن مسهر الغسائي المالكي. روى عن مالك الموطأ وغيره من المسائل والحديث الكثير قال ابن معين: (فيه ثقة) ولد سنة أربعين ومائة وتوفي سنة ثمان عشرة ومائتين.
(5) مروان بن محمد الطاطري: الدمشقي، والطاطري نسبة الى ثياب بيض كان يبيعها، وهو امام محدث ثقة أخرج له مسلم وغيره، وله ترجمة في الميزان، وهو من زهاد العلماء توفي سنة ست عشر ومائتين.
(6) شوور: أي شاور بعض الناس مالكا.
(7) الاية: 222 سورة البقرة(2/589)
وَقَالَ: فِيمَنْ قَالَ «الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ» كَافِرٌ فَاقْتُلُوهُ. وَقَالَ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ ابْنِ «1» نَافِعٍ: يُجْلَدُ وَيُوجَعُ ضَرْبًا وَيُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ.
وَفِي رِوَايَةِ بِشْرِ «2» بْنِ بَكْرٍ التِّنِّيسِيِّ عَنْهُ: يُقْتَلُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ «3» البرتكاني وَالْقَاضِي أَبُو عَبْدِ «4» اللَّهِ التُّسْتَرِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ العراقيين «5» : جوابه مختلف.. يقتل المستبصر «6» الدّعية وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي إِعَادَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُمْ «7» .
وَحَكَى ابْنُ «8» الْمُنْذِرِ عَنِ الشَّافِعِيِّ «9» : لَا يُسْتَتَابُ الْقَدَرِيُّ وَأَكْثَرُ أَقْوَالِ السَّلَفِ تَكْفِيرُهُمْ.
وممن قال به الليث «10» ، وابن عينية «11» ، وابن لهيعة «12» ، وروي
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «346» رقم «3» .
(2) بشر بن بكر التنيسي: امام محدث جليل ثقة. أخرج له أصحاب السنن وتوفي سنة خمس ومائتين، وله ترجمة في الميزان.
(3) أبو عبد الله البرتكاني لم نعثر على ترجمته.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «58» رقم «6» .
(5) أي من أصحاب مالك في العراق.
(6) وفي نسخة المستنصر) أي طالب النصر وهذه أولى.
(7) ومذهب أبي حنيفة والشافعي صحة الاقتداء بأهل البدع والاهواء مطلقا.
(8) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «143» رقم «3» .
(9) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «155» رقم «8» .
(10) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «102» رقم «5» .
(11) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «191» رقم «5» .
(12) ابن لهيعة الفزاري لم نعثر على ترجمته.(2/590)
عَنْهُمْ ذَلِكَ فِيمَنْ قَالَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَقَالَهُ ابْنُ «1» الْمُبَارَكِ، وَالْأَوْدِيُّ «2» ، وَوَكِيعٌ «3» ، وَحَفْصُ «4» بْنُ غِيَاثٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ «5» الْفَزَارِيُّ، وَهُشَيْمٌ «6» ، وَعَلِيُّ «7» بْنُ عَاصِمٍ فِي آخَرِينَ
وَهُوَ مِنْ قَوْلِ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ، وَالْفُقَهَاءِ، وَالْمُتَكَلِّمِينَ فِيهِمْ، وَفِي الْخَوَارِجِ، وَالْقَدَرِيَّةِ، وَأَهْلِ الْأَهْوَاءِ الْمُضِلَّةِ، وَأَصْحَابِ الْبِدَعِ الْمُتَأَوِّلِينَ.
وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ «8» بْنِ حَنْبَلٍ. وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي الْوَاقِفَةِ «9» والشّاكّة في هذه الأصول.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «101» رقم «3» .
(2) الاودي: عثمان بن الحكم مشهور من أصحاب مالك المصريين توفي سنة ثلاث وستين ومائة.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «613» رقم «3» .
(4) حفص بن غياث: أبو عمرو النخعي قاضي الكوفة الامام الحافظ، أخرج له الستة وترجمته في الميزان توفي سنة أربع عشر ومائة.
(5) أبو اسحق الفزاري: ابراهيم بن الحارث بن أسماء بن خارجة الفزاري أحد الاعلام أخرج له الستة وتوفي ست أو ثمان وثمانين ومائة.
(6) هشيم: بن بشر السلمي الواسطي الحافظ الثقة توفي سنة ثلاث وثمانين ومائة، أخرج له الستة وترجمته في الميزان.
(7) علي بن عاصم: بن صهيب الواسطي أحد الائمة الاعلام الذي أخرج له أصحاب السنن كما في ترجمته في الميزان وتوفي سنة احدى ومائة وعمره سبع وتسعون
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «165» رقم «1» .
(9) الواقفة: قوم توقفوا عن الحكم لعدم معرفتهم أو لتعارض الادلة عليهم. ويجوز أنه يقصد فرقة معينة من الامامية توقفوا في كثير من الاحكام وأخرجوها عن اصولها.(2/591)
وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ مَعْنَى الْقَوْلِ الْآخَرِ بِتَرْكِ تَكْفِيرِهِمْ عَلِيُّ بْنُ «1» أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ «2» عُمَرَ، وَالْحَسَنُ «3» الْبَصْرِيُّ وَهُوَ رَأْيُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ «4» النظّار «5» وَالْمُتَكَلِّمِينَ «6» .
وَاحْتَجُّوا بِتَوْرِيثِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَرَثَةَ أَهْلِ حَرُورَاءَ «7» وَمَنْ عُرِفَ بِالْقَدَرِ مِمَّنْ مَاتَ مِنْهُمْ، وَدَفْنِهِمْ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَجَرْيِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِمْ.
قَالَ إِسْمَاعِيلُ «8» الْقَاضِي: وَإِنَّمَا قَالَ مَالِكٌ «9» فِي الْقَدَرِيَّةِ وَسَائِرِ أَهْلِ الْبِدَعِ يُسْتَتَابُونَ. فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا، لِأَنَّهُ مِنَ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ. كَمَا قَالَ فِي الْمُحَارِبِ إِنْ رَأَى الْإِمَامُ قَتْلَهُ، وَإِنْ لَمْ يُقْتَلْ قَتَلَهُ.. وَفَسَادُ الْمُحَارِبِ إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَمْوَالِ وَمَصَالِحِ الدُّنْيَا وَإِنْ كَانَ قَدْ يَدْخُلُ أَيْضًا فِي أَمْرِ الدِّينِ مِنْ سَبِيلِ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ.. وَفَسَادُ أَهْلِ الْبِدَعِ مُعْظَمُهُ عَلَى الدِّينِ.. وَقَدْ يَدْخُلُ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا بِمَا يَلْقَوْنَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ العداوة.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «54» رقم «4» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «1» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «60» رقم «8» .
(4) منهم الشافعي رضي الله عنه لقوله: «لا أكفر أحدا من أهل القبلة الا الخطابية كما حكاه النووي في الروضة» .
(5) النظار: أصحاب النظر.
(6) المتكلمين: علماء أصول الدين.
(7) حروراء: قرية على ميلين من الكوفة اجتمع فيها الخوارج فنسبوا اليها.
(8) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (210) رقم (9) .
(9) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (341) رقم (7) .(2/592)
الفصل الثالث فِي تَحْقِيقِ الْقَوْلِ فِي إِكْفَارِ الْمُتَأَوِّلِينَ
قَدْ ذكرنا مذاهب السلف في إكفار أصحاب الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ الْمُتَأَوِّلِينَ.. مِمَّنْ قَالَ قَوْلًا يُؤَدِّيهِ مَسَاقُهُ إِلَى كُفْرٍ هُوَ إِذَا وُقِفَ عَلَيْهِ لَا يَقُولُ بِمَا يُؤَدِّيهِ قَوْلُهُ إِلَيْهِ. وَعَلَى اخْتِلَافِهِمُ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ وَالْمُتَكَلِّمُونَ فِي ذَلِكَ.
فَمِنْهُمْ مَنْ صَوَّبَ التَّكْفِيرَ الَّذِي قَالَ بِهِ الْجُمْهُورُ مِنَ السَّلَفِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَاهُ وَلَمْ يَرَ إِخْرَاجَهُمْ مِنْ سَوَادِ الْمُؤْمِنِينَ «1» ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ.
وَقَالُوا هُمْ فُسَّاقٌ عُصَاةٌ ضْلَّالٌ، ونورّثهم من المسلمين وتحكم لهم بأحكامهم.
__________
(1) وفي نسخة (المسلمين) .(2/593)
وَلِهَذَا قَالَ سُحْنُونٌ «1» : «لَا إِعَادَةَ عَلَى مَنْ صَلَّى خَلْفَهُمْ» . قَالَ- وَهُوَ قَوْلُ جَمِيعِ أَصْحَابِ مَالِكٍ «2» ، الْمُغَيَّرَةِ «3» ، وَابْنِ «4» كِنَانَةَ وَأَشْهَبَ «5» قَالَ: لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ، وَذَنْبُهُ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنَ الْإِسْلَامِ.
وَاضْطَرَبَ آخرون في ذلك ووقفوا عن الْقَوْلِ بِالتَّكْفِيرِ أَوْ ضِدِّهِ. وَاخْتِلَافُ قَوْلَيْ مَالِكٍ «2» فِي ذَلِكَ وَتَوَقُّفُهُ عَنْ إِعَادَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُمْ مِنْهُ.
وَإِلَى نَحْوٍ مِنْ هَذَا ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ «6» إِمَامُ أَهْلِ التَّحْقِيقِ وَالْحَقِّ وَقَالَ إنها من المعوصات «7» ، إذ القوم لم يصرحوا باسم الكفر، وَإِنَّمَا قَالُوا قَوُلًا يُؤَدِّي إِلَيْهِ.
وَاضْطَرَبَ قَوْلُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى نَحْوِ اضْطِرَابِ قَوْلِ إِمَامِهِ «8» مَالِكِ «2» بْنِ أَنَسٍ.
حَتَّى قَالَ فِي بَعْضِ كَلَامِهِ إِنَّهُمْ عَلَى رَأْيِ مَنْ كَفَّرَهُمْ بِالتَّأْوِيلِ لا
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «3» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(3) المعيزة: من أصحاب مالك وقد تقدمت ترجمته في ج 2 ص «583» رقم «3» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «572» رقم «3» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «154» رقم «2» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (385) رقم (1) .
(7) المعوصات: بضم الميم وكسر الواو المخففة وصاد مهملة والعويص ما لا يفهم من الشعر وغيره وبصعب استخراجه والمقصود هنا المشكلات الصعبة لقوة الاراء المتعارضة فيها.
(8) وهذا دليل أن أبا بكر الباقلاني مالكي المذهب.(2/594)
تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَلَا أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ، وَلَا الصَّلَاةُ عَلَى مَيِّتِهِمْ، وَيُخْتَلَفُ فِي مُوَارَثَتِهِمْ عَلَى الْخِلَافِ فِي مِيرَاثِ الْمُرْتَدِّ.
وَقَالَ أَيْضًا: «نُوَرِّثُ مَيِّتَهُمْ وَرَثَتَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا نُوَرِّثُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» .. وَأَكْثَرُ مَيْلِهِ إِلَى تَرْكِ التَّكْفِيرِ بِالْمَآلِ.
وَكَذَلِكَ اضْطَرَبَ فِيهِ قَوْلُ شَيْخِهِ أَبِي «1» الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَأَكْثَرُ قَوْلِهِ تَرْكُ التَّكْفِيرِ.. وَأَنَّ الْكُفْرَ خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ الْجَهْلُ بِوُجُودِ الْبَارِي تَعَالَى.
وَقَالَ مَرَّةً: «مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ، أَوِ الْمَسِيحُ أَوْ بَعْضُ مَنْ يَلْقَاهُ فِي الطُّرُقِ فَلَيْسَ بِعَارِفٍ بِهِ وَهُوَ كَافِرٌ» .
وَلِمِثْلِ هَذَا ذَهَبَ أَبُو «2» الْمَعَالِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَجْوِبَتِهِ لِأَبِي «3» مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْحَقِّ وَكَانَ سَأَلَهُ عن المسألة فاعتذر لَهُ بِأَنَّ الْغَلَطَ فِيهَا يَصْعُبُ..
لِأَنَّ إِدْخَالَ كافر في الملة وإخراج مُسْلِمٍ عَنْهَا عَظِيمٌ فِي الدِّينِ.
وَقَالَ غَيْرُهُمَا مِنَ الْمُحَقِّقِينَ: «الَّذِي «4» يَجِبُ الِاحْتِرَازُ مِنَ التَّكْفِيرِ فِي أَهْلِ التَّأْوِيلِ، فَإِنَّ اسْتِبَاحَةَ دِمَاءِ الْمُصَلِّينَ «5» الموحدين خطر..
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «381» رقم «7» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «475» رقم «3» .
(3) أبو محمد عبد الحق: قال الحلبي: ليس هو عبد الحق الحافظ الاشبيلي صاحب كتاب الاحكام وغيره لانه من أهل المائة الخامسة وامام الحرمين من أهل الرابعة. وقال التلمساني: هو عبد الحق بن محمد بن هارون السهمي توفي سنة ست وتسعين واربعمائة.
(4) الذي: اسم موصول مبتدأ خبره الاحتراز، أي القول الذي يجب أن يقال هو الاحتراز من التكفير في أهل التأويل.
(5) وفي نسخة: (المسلمين) .(2/595)
وَالْخَطَأُ فِي تَرْكِ «1» أَلْفِ كَافِرٍ أَهْوَنُ مِنَ الْخَطَأِ فِي سَفْكِ مِحْجَمَةٍ «2» مِنْ دَمٍ مُسْلِمٍ وَاحِدٍ.
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» : «فَإِذَا قَالُوهَا- يَعْنِي الشَّهَادَةَ «4» - عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ..»
فَالْعِصْمَةُ مَقْطُوعٌ بِهَا مَعَ الشَّهَادَةِ وَلَا تَرْتَفِعُ وَيُسْتَبَاحُ خِلَافُهَا إِلَّا بِقَاطِعٍ وَلَا قَاطِعَ مِنْ شَرْعٍ وَلَا قِيَاسٍ عَلَيْهِ.. وَأَلْفَاظُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةُ فِي الْبَابِ مُعَرَّضَةٌ لِلتَّأْوِيلِ.. فَمَا جَاءَ مِنْهَا فِي التَّصْرِيحِ بِكُفْرِ الْقَدَرِيَّةِ، وَقَوْلُهُ: «لَا سَهْمَ لَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ» وَتَسْمِيَتُهُ الرَّافِضَةَ بِالشِّرْكِ، وَإِطْلَاقُ اللَّعْنَةِ عَلَيْهِمْ.. وَكَذَلِكَ فِي الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، فَقَدْ يَحْتَجُّ بِهَا مَنْ يَقُولُ بِالتَّكْفِيرِ.
وقد يجيب الاخر بأنه قد ورد مثل هذه الألفاظ في الحديث في غير الكفرة على طريق التغليظ «5» .. وَكُفْرٌ «6» دُونَ كُفْرٍ، وَإِشْرَاكٌ دُونَ إِشْرَاكٍ.
وَقَدْ وَرَدَ مِثْلُهُ فِي الرِّيَاءِ وَعُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ، وَالزَّوْجِ، والزّور
__________
(1) ترك: فتل
(2) محجمة: بكسر الميم اسم الالة التي يؤخذ فيها دم الحجامة.
(3) في حديث صحيح رواه البخاري وغيره (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة) .
(4) مع متعلقاتها من بقية الاركان
(5) أي المبالغة والتشديد في الزجر تخويفا لهم كقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه أحمد والحاكم عن أبي هريرة «من أنى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد» .
(6) أي كفر خفي دون كفر جلي.(2/596)
وَغَيْرِ مَعْصِيَةٍ «1» .. وَإِذَا كَانَ مُحْتَمَلًا لِلْأَمْرَيْنِ فَلَا يُقْطَعُ عَلَى أَحَدِهِمَا إِلَّا بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ.
وَقَوْلُهُ «2» فِي الْخَوَارِجِ: «هُمْ مِنْ شَرِّ الْبَرِيَّةِ..» وَهَذِهِ صِفَةُ الْكُفَّارِ «3» وَقَالَ: «شَرُّ قَبِيلٍ «4» تَحْتَ أَدِيمِ «5» السَّمَاءِ، طُوبَى «6» لِمَنْ قَتَلَهُمْ «7» أَوْ قَتَلُوهُ..»
وَقَالَ «8» : «فَإِذَا وَجَدْتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ قَتْلَ عَادٍ «9» .» وَظَاهِرُ هَذَا الْكُفْرُ، لَا سِيَّمَا مَعَ تَشْبِيهِهِمْ بِعَادٍ فَيَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَرَى تَكْفِيرَهُمْ.
فَيَقُولُ لَهُ الْآخَرُ، إِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ قَتْلِهِمْ لِخُرُوجِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَبَغْيِهِمْ عَلَيْهِمْ، بِدَلِيلِهِ مِنَ الْحَدِيثِ نَفْسِهِ «يَقْتُلُونَ أهل الإسلام» .
فقتلهم ههنا حَدٌّ لَا كُفْرٌ.. وَذِكْرُ عَادٍ تَشْبِيهٌ لِلْقَتْلِ وَحِلِّهِ لَا لِلْمَقْتُولِ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ حُكِمَ بقتله يحكم بكفره، ويعارضه بقول خالد «10»
__________
(1) أي وفي غير معصية أي متفق عليها أي جاء في حق معاص كثيرة وصفها في الحديث بأنها كفر وشرك مع علم كل أحد بأن فاعلها لا يكفر فدل هذا على أن المراد تغليظ زجره لا أنه كفر حقيقة.
(2) من حديث في الصحيحين وغيرهما ورواه أحمد عن عائشة بلفظ (الخوارج شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي) وفي مسلم: «هم أبغض الخلق» .
(3) لقوله تعالى في القرآن سورة البينة (ان الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين..) الى قوله (اولئك هم شر البرية) .
(4) قبيل: الجماعة والقبيلة.
(5) الأديم: الجلد والنطع منه وهو تشبيه للسماء بجلد ممدود أي تحت السماء وهو يستعار للارض أيضا.
(6) طوبى: كلمة مدح وقد يراد بها التبشير بالجنة.
(7) وقد قتلهم سيدنا علي كرم الله وجهه يوم النهروان.
(8) في حديث رواه الشيخان عن أبي سعيد الخدري
(9) وفي رواية (ثمود)
(10) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «657» رقم «9» .(2/597)
فِي الْحَدِيثِ «1» : «دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَهُ «2» يَا رَسُولَ اللَّهِ» فَقَالَ:
«لَعَلَّهُ يُصَلِّي» ..
فَإِنِ احْتَجُّوا
بِقَوْلِهِ صلّى الله عليه وسلم «3» : «يقرؤون الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ «4» .»
فَأَخْبَرَ أَنَّ الْإِيمَانَ لَمْ يَدْخُلْ قُلُوبَهُمْ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ «5» ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ حَتَّى يَعُودَ «6» السَّهْمُ عَلَى «7» فُوقِهِ «8» »
وَبِقَوْلِهِ «9» : «سَبَقَ الْفَرْثَ «10» وَالدَّمَ..» يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ مِنَ الْإِسْلَامِ بِشَيْءٍ.
أَجَابَهُ الْآخَرُونَ: إِنَّ مَعْنَى «لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ» لَا يَفْهَمُونَ مَعَانِيَهُ بِقُلُوبِهِمْ، وَلَا تَنْشَرِحُ لَهُ صُدُورُهُمْ وَلَا تعمل به جوارحهم.
__________
(1) الذي رواه الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي لله عنه في حق رجل أخبر النبي صلّى الله عليه وسلم بأنه سيصدر عنه شيء من أمر الخوارج.
(2) والرجل هو ذو الخويصرة.
(3) في الحديث الذي رواه البخاري في حق الخوارج.
(4) يفسره رواية مسلم (لا يجاوز ايمانهم حلا قيمهم) . فهم مؤمنون باللسان دون القلب.
(5) الرمية: على وزن فعيله بمعنى مفعوله أي ما يرمى من صيد ونحوه. والظاهر أن المراد به القوس أو الوتر وما يرمى به ويفسره ما يعده.
(6) وفي بعض النسخ: (حتى لا يعود) خطأ فاحش.
(7) وفي نسخة (الى) .
(8) فوقه: الفوق هو موضع السهم من الوتر.
(9) في حديث رواه الشيخان.
(10) الفرث: ما في الكرش. يقال فرث كبده أي فتتها وأفرث فلان أصحابه أي أوقعهم في بلية جارية مجرى الفرث يعني أنه لا تعلق لهم بالاسلام ايماء لسرعة خروجهم منه كما أن السم النافذ من حيوان رمي به يخرج قبل ما في باطنه من الفرث والدم فانه يخرج بعده.(2/598)
وَعَارَضُوهُمْ بِقَوْلِهِ «وَيَتَمَارَى فِي الْفُوقِ «1» » وَهَذَا يَقْتَضِي التشكك في حاله.
وإن احتجوا بِقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ «2» الْخُدْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَخْرُجُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ..» وَلَمْ يَقُلْ «مِنْ هَذِهِ» وَتَحْرِيرُ أَبِي سَعِيدٍ الرِّوَايَةَ وَإِتْقَانُهُ اللَّفْظَ.
أَجَابَهُمُ الْآخَرُونَ: بِأَنَّ الْعِبَارَةَ «بِفِي» لَا تَقْتَضِي تَصْرِيحًا بِكَوْنِهِمْ مِنْ غَيْرِ الْأُمَّةِ، بِخِلَافِ لَفْظَةِ «مِنَ» الَّتِي هِيَ لِلتَّبْعِيضِ، وَكَوْنِهِمْ مِنَ الْأُمَّةِ.. مَعَ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ «3» وَعَلِيٍّ «4» ، وَأَبِي «5» أُمَامَةَ وَغَيْرِهِمْ فِي هَذَا الحديث: «يخرج من أمتي» و «سيكون من أمتي» وحروف المعاني مشتركة فلا تقويل عَلَى إِخْرَاجِهِمْ مِنَ الْأُمَّةِ بِ «فِي» وَلَا عَلَى إِدْخَالِهِمْ فِيهَا بِ «مِنْ» .
لَكِنَّ أَبَا سَعِيدٍ «6» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَجَادَ مَا شَاءَ فِي التَّنْبِيهِ الَّذِي نَبَّهَ عَلَيْهِ.. وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى سَعَةِ فِقْهِ الصَّحَابَةِ، وَتَحْقِيقِهِمْ لِلْمَعَانِي،
__________
(1) أي في السهم هل فيه أثر علق به شيء من الفرث والدم أم لا.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «63» رقم «1» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «285» رقم «1» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «54» رقم «4» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «262» رقم (4) .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (63) رقم «1» .(2/599)
وَاسْتِنْبَاطِهَا مِنَ الْأَلْفَاظِ، وَتَحْرِيرِهِمْ لَهَا، وَتَوَقِّيهِمْ فِي الرِّوَايَةِ «1» .
- هَذِهِ الْمَذَاهِبُ الْمَعْرُوفَةُ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَلِغَيْرِهِمْ مِنَ الْفِرَقِ فِيهَا مَقَالَاتٌ كَثِيرَةٌ مُضْطَرِبَةٌ سَخِيفَةٌ.
أَقْرَبُهَا قَوْلُ جَهْمٍ «2» ، وَمُحَمَّدِ بْنِ «3» شَبِيبٍ: «إِنَّ الْكُفْرَ بِاللَّهِ الْجَهْلُ بِهِ. لَا يَكْفُرُ أَحَدٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ» «4» .
وَقَالَ أَبُو الْهُذَيْلِ «5» : «إِنَّ كُلَّ مُتَأَوِّلٍ كَانَ تَأْوِيلُهُ تَشْبِيهًا لِلَّهِ بِخَلْقِهِ وَتَجْوِيرًا «6» لَهُ فِي فِعْلِهِ، وَتَكْذِيبًا لِخَبَرِهِ فَهُوَ كَافِرٌ.. وَكُلُّ مَنْ أَثْبَتَ شَيْئًا قَدِيمًا لَا يُقَالُ لَهُ اللَّهُ فَهُوَ كَافِرٌ» .
وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ: «إِنْ كَانَ مِمَّنْ عَرَّفَ الْأَصْلَ وَبَنَى عَلَيْهِ، وَكَانَ فِيمَا هُوَ مِنْ أَوْصَافِ اللَّهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَفَاسِقٌ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَمْ يَعْرِفِ الأصل فهو مخطىء غير كافر» .
__________
(1) ورواية «من» و «في» كلاهما في الصحيحين.
(2) جهم بن صفوان من المعتزلة.
(3) محمد بن شبيب: وهو من المعتزلة أيضا. وقيل مرجيء قدري.
(4) وهو قول غير صحيح ان حمل على ظاهره. لانه يقتضي أن من عرف الله ووحده وأنكر نبوة محمد صلّى الله عليه وسلم أو أنكر شريعته وكتابه المنزل عليه لا يكفر، فان اراد الجهل بالله وما يستلزمه لم يكن مخالفا لغيره.
(5) أبو الهذيل: بن أحمد بن العلاف شيخ المعتزلة. أخذ عن عثمان بن خالد الطويل وعن واصل بن عطاء رئيس المعتزلة، وهو القائل بفناء مقدورات الله تعالى، وان الجنة والنار يفنيان لانهما حادثان، وما ليس له آخر قديم عنده، كما أن ما ليس له أول قديم أيضا، توفي سنة ست وعشرين ومائتين، وقد أربى على المئة، وهو بصري.
(6) تجويرا: تفعيلا من الجور بجيم وراء مهملة ضد العدل وأصله الميل عن الاستقامة وضمير له لله أي تشبه الله الى الجور في تأويله.(2/600)
وَذَهَبَ عُبَيْدُ اللَّهِ «1» بْنُ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيُّ إِلَى تَصْوِيبِ أَقْوَالِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي أُصُولِ الدِّينِ فِيمَا كَانَ عُرْضَةً لِلتَّأْوِيلِ، وَفَارَقَ فِي ذَلِكَ فِرَقَ الْأُمَّةِ.. إِذْ أَجْمَعُوا- سِوَاهُ- عَلَى أَنَّ الْحَقَّ في أصول الدين في واحد والمخطىء فِيهِ آثِمٌ عَاصٍ فَاسِقٌ.. وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي تَكْفِيرِهِ.
وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ «2» الْبَاقِلَّانِيُّ مثل قول عبيد «1» الله عن داوود «3» الأصبهاني.
قال: وَحَكَى قَوْمٌ عَنْهُمَا «4» أَنَّهُمَا قَالَا ذَلِكَ فِي كُلِّ مَنْ عَلِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ حَالِهِ اسْتِفْرَاغَ الْوُسْعِ فِي طَلَبِ الْحَقِّ مِنْ أَهْلِ ملتنا، أو من غيرهم.
__________
(1) عبيد الله بن الحسن العنبري: منسوب لبني العنبر قوم من تميم، ويقال لهم في غير النسب بلعنبر. وهو عبيد الله بن الحسن بن الحسين بن مالك بن الخشخاش. ومالك والخشخاش صحابيان، وللخشخاش رواية دون مالك، وعبد الله فقيه بصري تولى القضاء في البصرة بعد سوار بن عبد الله، وكان عالما ثقة، روى عنه غير واحد، واخرج له مسلم، توفي سنة ثمان وستين ومائه، وكان يرى جواز التقليد في العقائد والعقليات وخالف في ذلك العلماء.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «385» رقم «1» .
(3) داود الاصبهاني: بن علي بن خلف أبو سليمان الاصفهاني البغدادي وطنا صاحب مذهب الظاهرية ولد سنة مائتين، أو اثنين ومائتين، وتوفي سنة سبعين. وكان اماما جليلا زاهدا ورعا قلد الشافعي رضي الله عنه أولا ثم صار صاحب مذهب مستقل وكان صدرا في عصره حتى رجح على بعض المجتهدين. واختلفوا في أنه هل يعتد بخلافه أم لا على أقوال في الاصول. ومن أجل اتباعه ابن حزم.
(4) أي عن داود والعنبري.(2/601)
وَقَالَ نَحْوَ هَذَا الْقَوْلِ الْجَاحِظُ «1» ، وَثُمَامَةُ «2» ، فِي أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْعَامَّةِ، وَالنِّسَاءِ، وَالْبُلْهِ. وَمُقَلِّدَةِ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ لَا حُجَّةَ لِلَّهِ عَلَيْهِمْ.. إِذْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ طِبَاعٌ يُمْكِنُ مَعَهَا الاستدلال «3»
وقد نحا «4» الغزالي «5» قريبا من هذا المنحى في كتاب التفرقة «6»
__________
(1) الجاحظ: عمرو بن بحر بن محبوب أبو عثمان الكناني الليثي البصري العالم المشهور، صاحب التصانيف الجليلة وجامع العلوم الغريبة وهو معتزلي صاحب مذهب في أصول الدين من أجل تصانيفه كتاب البيان والتبيين وكتاب الحيوان.. لقب بالجاحظ لجحوظ عينيه.. وأصابه في آخر عمره داآن الفالج والنقرس. وتوفي سنة خمس وخمسين ومائة بالبصرة.
(2) ثمامة: بن أشرس بن معن النميري، كان- كما قال الذهبي- من كبار المعتزلة ورؤوس الضلالة وله نوادر وملح، واتصل بالرشيد والمأمون، ومن مذهبه أن المقلدين من أهل الكتاب وعباد الاصنام لا يدخلون النار، وانهم يصيرون ترابا، وان الاطفال كذلك يصيرون، وهو أحد الاقوال العشرة في أطفال المشركين.
(3) وهو قول باطل، لانهم مكلفون عقلا لا سيما من نشأ بدار الاسلام، وعلى كل حال فهم متمكنون من النظر ومعرفة الادلة والتفكر في خلق السماوات والارض. وقد قرع أسماعهم ما تواتر من ارسال الله رسله، وما ظهر من المعجزات الباهرة الظاهرة ظهور الشمس لمن له عينان فأي عذر لهم يدحض حجة الله عليهم؟.
(4) نحا: ذهب واتجه.
(5) الغزالي: الامام العلامة الزاهد العابد أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد الغزالي الطوسي صاحب المؤلفات الجليلة الذي كان على كاهله ففه الشافعي. ولد بطوس سنة خمسين واربعمائة واشتغل بها ثم جال في البلاد لاخذ العلم، ودخل بغداد فصار مدرسا بالنظامية، وأقام بدمشق بجامعها بالمنارة الغربية عشر سنين بعد ما أخذ العلم عن امام الحرمين وأخذ عن الشيخ نصر المقدسي بزوايته المعروفة بالغزالية ثم انتقل لمصر والاسكندرية ثم رجع الى بغداد وعقد بها مجلس وعظ، وتوفي يوم الاثين رابع عشر من جمادي الاخرة سنة خمس وخمسمائة عن خمس وخمسين سنة ودفن بطوس.
(6) التفرقة: كتاب أصول له.. وما ذكره المصنف عن الغزالي مردود- كما قال ابن حجر. «وما نسبه المصنف رحمه الله تعالى للغزالي صرح الغزالي في كتابه الاقتصاد بما؟؟؟» .(2/602)
وَقَائِلُ هَذَا كُلِّهِ كَافِرٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى كُفْرِ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْ أَحَدًا مِنَ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ، وَكُلَّ مَنْ فَارَقَ دِينَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ وَقَفَ فِي تَكْفِيرِهِمْ، أَوْ شَكَّ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو «1» بكر.. لأن التوقيف «2» والإجماع اتفقا عَلَى كُفْرِهِمْ، فَمَنْ وَقَفَ فِي ذَلِكَ فَقَدْ كَذَّبَ النَّصَّ وَالتَّوْقِيفَ، أَوْ شَكَّ فِيهِ. وَالتَّكْذِيبُ أَوِ الشَّكُّ فِيهِ لَا يَقَعُ إِلَّا مِنْ كافر.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «385» رقم «1» .
(2) أي بالسماع من الله ورسوله.(2/603)
الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي بَيَانِ مَا هُوَ مِنَ الْمَقَالَاتِ كُفْرٌ وَمَا يُتَوَقَّفُ أَوْ يُخْتَلَفُ فِيهِ وَمَا لَيْسَ بِكُفْرٍ
اعْلَمْ أَنَّ تَحْقِيقَ هَذَا الْفَصْلِ وَكَشْفَ اللَّبْسِ فِيهِ مَوْرِدُهُ الشَّرْعُ، وَلَا مَجَالَ لِلْعَقْلِ فِيهِ.
وَالْفَصْلُ الْبَيِّنُ فِي هَذَا أَنَّ كُلَّ مَقَالَةٍ صَرَّحَتْ بِنَفْيِ الرُّبُوبِيَّةِ، أَوِ الْوَحْدَانِيَّةِ، أَوْ عِبَادَةِ أَحَدٍ غَيْرِ اللَّهِ أو مع الله فهي كُفْرٌ.. كَمَقَالَةِ الدَّهْرِيَّةِ «1» وَسَائِرِ فِرَقِ أَصْحَابِ الِاثْنَيْنِ «2» من الديصانية «3»
__________
(1) الدهرية: طائفة من الملحدين المعطلين ينسبون الامور للدهر كأصحاب الطبيعة
(2) أصحاب الاثنين: هم الذين اتخذوا الهين اثنين كالمانوية القائلين بالنور والظلمة، والمراد هنا مطلق التعدد.
(3) الديصانية: نسبة لاسم رجل من المجوس نسب له هذا المذهب من القول بالنور والكلمة، وخالق الخير وخالق الشر الا انه يقول: ان الظلمة ميت والنور حي.(2/604)
وَالْمَانَوِيَّةِ «1» وَأَشْبَاهِهِمْ مِنَ الصَّابِئِينَ «2» وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ «3» وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، أَوِ الْمَلَائِكَةِ أَوِ الشَّيَاطِينِ، أَوِ الشَّمْسِ، أَوِ النُّجُومِ، أَوِ النَّارِ أَوْ أَحَدٍ غَيْرِ اللَّهِ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَأَهْلِ الْهِنْدِ وَالصِّينِ، وَالسُّودَانِ، وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا يَرْجِعُ إِلَى كِتَابٍ.
وَكَذَلِكَ الْقَرَامِطَةُ «4» وَأَصْحَابُ الْحُلُولِ «5» ، وَالتَّنَاسُخِ «6» من الباطنية «7» ، والطيارة «8» من الروافض، والبيانية «9» والغرابية «10» وكذلك من اعترف بإلاهية اللَّهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ، وَلَكِنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّهُ غَيْرُ حَيٍّ أَوْ غَيْرُ قَدِيمٍ، وَأَنَّهُ مُحْدَثٌ، أَوْ مُصَوَّرٌ، أو ادعى له ولدا، أو صاحبة
__________
(1) المانوية: أصحاب ماني الحكيم الذي ظهر في زمن شابور بن اردشير بعد عيسى عليه السلام زعم أن موجد العالم اثنان النور خالق الخير والظلمة خالق الشر وانهما أزليان حيان وقد رد المتنبي على هذه الفكرة بقوله:
وكم لظلام الليل عندي من يد ... تخبر ان المانوية تكذب
(2) الصابئين: وفي نسخة (الصبائية) والصابيء كل من خرج من دين الى آخر ثم خص بطائفة عبدوا الملائكة أو عبدوا الكواكب وهو المراد هنا.
(3) المجوس: أهل فارس عبده النار والقائلين بالهين «يزدان واهرمن» أي النور والظلمة
(4) القرامطة: فرقة من الاسماعيلية المثبتون لامامة اسماعيل بن جعفر الصادق
(5) أصحاب الحلول من النصارى والباطنية وبعض جهلة المتصوفة.
(6) وهم القائلون بان الارواح اذا فارقت الابدان تحل في غيرها، وهو مذهب بعض الفلاسفة.
(7) الباطنية: قوم ادعوا أن للقرآن ظاهر غير مقصود وباطن وهو المقصود يفهمه الخلص من الناس.
(8) وهم ينتسبون الى جعفر الطيار وهم من غلاة الشيعة.
(9) البيانية نسبة لبيان بن سمعان اليمني يقولون روح الله حلت في علي كرم الله وجهه ثم في ابنه محمد بن الحنفية ثم في ابنه هاشم ثم في بيان وكذا الطيارة والجناحية يقولون ما سبق.
(10) الغرابية: قوم يقولون ان جبريل عليه الصلاة والسلام نزل بالرسالة من عند الله لعلي فأعطاها لمحمد غلطا منه لانه يشبهه كما يشبه الغراب الغراب.(2/605)
أَوْ وَالِدًا أَوْ أَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ شَيْءٍ، أَوْ كَائِنٌ عَنْهُ، أَوْ أَنَّ مَعَهُ فِي الْأَزَلِ شَيْئًا قَدِيمًا «1» غَيْرَهُ، أَوْ أَنَّ ثَمَّ صَانِعًا لِلْعَالَمِ سِوَاهُ.. أَوْ مُدَبِّرًا غَيْرَهُ.. فَذَلِكَ كُلُّهُ كُفْرٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.
كَقَوْلِ الْإِلَهِيِّينَ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ «2» وَالْمُنَجِّمِينَ «3» وَالطَّبَائِعِيِّينَ «4» وَكَذَلِكَ مَنِ ادَّعَى مُجَالَسَةَ اللَّهِ وَالْعُرُوجَ إِلَيْهِ وَمُكَالَمَتَهُ أَوْ حُلُولَهُ فِي أَحَدِ الْأَشْخَاصِ، كَقَوْلِ بَعْضِ الْمُتَصَوِّفَةِ «5» وَالْبَاطِنِيَّةِ، وَالنَّصَارَى، وَالْقَرَامِطَةِ، وَكَذَلِكَ نَقْطَعُ عَلَى كُفْرِ مَنْ قَالَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ أَوْ بَقَائِهِ، أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ بَعْضِ الْفَلَاسِفَةِ وَالدَّهْرِيَّةِ، أَوْ قَالَ بِتَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ وَانْتِقَالِهَا أَبَدَ الْآبَادِ فِي الأشخاص وتعذيبها أو
__________
(1) اشارة الى قول الفلاسفة بقدم العالم.
(2) والفلاسفة على أنواع ثلاثة الهيين وطبيعيين ورياضيين.. والذين ضلوا منهم هم الالهيون عند ما تعرضوا لمباحث تاهت فيها عقولهم.
(3) القائلين بتأثير الكواكب في حوادث الحياة.. أما الدارسون لها على أنها خلق من خلق الله وتنظيم يدل على حكمته تعالى فلا شيء عليهم بل هو من العلم الموصل الى معرفة الله.
(4) الطبايعيين: القائلين بتأثير الطبيعة وانها هي التي تولد الاشياء بنفسها.
(5) أما ما نسب الى أجلة التصوف منهم من هذا الباب فاما أن يكون مدسوسا عليهم أو هي اصطلاحات يعرفونها هم ولم يخاطبوا بها الا الخاصة فالاولى بالمسلم الابتعاد عن كل تجريح فيهم لانهم رضي الله عنهم اما أن يكونوا في غاية الصلاح فتجريحهم ضرر بليغ.. واما أن يكونوا غير ذلك وقد ذهبوا الى بارئهم وقدموا الى ما عملوا فلا حاجة ولا منفعة لنا في الخوض فيهم.. وكل من يحاول التشهير بهم والتعرض لسيرتهم فهو مغرض يحاول اشغال الناس والعامة عن الخطر العظيم الذي حاق بالمسلمين في مختلف بقاع الارض في دينهم ودنياهم.(2/606)
تنعهما فِيهَا بِحَسَبِ «1» زَكَائِهَا وَخُبْثِهَا وَكَذَلِكَ مَنِ اعْتَرَفَ بِالْإِلَهِيَّةِ وَالْوَحْدَانِيَّةِ وَلَكِنَّهُ جَحَدَ النُّبُوَّةَ مِنْ أَصْلِهَا عُمُومًا. أَوْ نُبُوَّةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم خصوصا، أو أحد مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ نَصَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ بِلَا رَيْبَ.
كَالْبَرَاهِمَةِ «2» ، وَمُعْظَمِ الْيَهُودِ، وَالْأُرُوسِيَّةِ مِنَ النَّصَارَى وَالْغُرَابِيَّةِ مِنَ الرَّوَافِضِ الزَّاعِمِينَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ الْمَبْعُوثَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ، وَكَالْمُعَطِّلَةِ «3» ، وَالْقَرَامِطَةِ، وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ «4» وَالْعَنْبَرِيَّةِ مِنَ الرَّافِضَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ قَدْ أَشْرَكُوا فِي كُفْرٍ آخَرَ مَعَ مَنْ قَبْلَهُمْ.
وَكَذَلِكَ مَنْ دَانَ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَصِحَّةِ النُّبُوَّةِ وَنُبُوَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ جَوَّزَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ الْكَذِبَ فِيمَا أَتَوْا بِهِ. ادَّعَى فِي ذَلِكَ الْمَصْلَحَةَ- بِزَعْمِهِ- أَوْ لَمْ يَدَّعِهَا فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعٍ كَالْمُتَفَلْسِفِينَ، وَبَعْضِ الْبَاطِنِيَّةِ. وَالرَّوَافِضِ، وَغُلَاةِ الْمُتَصَوِّفَةِ، وَأَصْحَابِ الْإِبَاحَةِ «5» فَإِنَّ هَؤُلَاءِ زَعَمُوا أَنَّ ظَوَاهِرَ الشَّرْعِ وَأَكْثَرَ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِنَ الْأَخْبَارِ عَمَّا كَانَ وَيَكُونُ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ، وَالْحَشْرِ، وَالْقِيَامَةِ، وَالْجَنَّةِ، وَالنَّارِ، لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ على مقتضى لفظها ومفهوم خطابها.
__________
(1) أي طيبها وطهارتها.
(2) البراهمة: وهم الهنود عبدة النار والعجل.
(3) الذين جحدوا الالوهية والرسالة والاحكام وما أكثرهم في زماننا وان تغيرت الاسماء.
(4) وهم من الباطنية أثبتوا امامة اسماعيل بن جعفر الصادق.
(5) الذين أباحوا المحرمات وادعوا أن من كمل نفسه لا يضره المعصية.(2/607)
وَإِنَّمَا خَاطَبُوا بِهَا الْخَلْقَ عَلَى جِهَةِ الْمَصْلَحَةِ لَهُمْ.. إِذْ لَمْ يُمْكِنْهُمُ التَّصْرِيحُ لِقُصُورِ أَفْهَامِهِمْ، فَمُضَمَّنُ مَقَالَاتِهِمْ إِبْطَالُ الشَّرَائِعِ، وَتَعْطِيلُ الْأَوَامِرِ، وَالنَّوَاهِي، وَتَكْذِيبُ الرُّسُلِ، وَالِارْتِيَابُ فِيمَا أَتَوْا بِهِ..
وَكَذَلِكَ مَنْ أَضَافَ إِلَى نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَمُّدَ الْكَذِبَ فِيمَا بَلَّغَهُ وَأَخْبَرَ بِهِ، أَوْ شَكَّ فِي صِدْقِهِ، أَوْ سَبَّهُ، أَوْ قَالَ: إِنَّهُ لَمْ يُبَلِّغْ أَوِ اسْتَخَفَّ بِهِ، أَوْ بِأَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ أَزْرَى عَلَيْهِمْ.. أَوْ آذَاهُمْ.. أَوْ قَتَلَ نَبِيًّا، أَوْ حَارَبَهُ.. فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعٍ.
- وَكَذَلِكَ نُكَفِّرُ مَنْ ذَهَبَ مذهب بعض الْقُدَمَاءِ فِي أَنَّ فِي كُلِّ جِنْسٍ مِنَ الحيوان نذيرا ونبيا من القردة والخنازير والدواب والدود وغير ذلك، وَيَحْتَجُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى «وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ «1» » إِذْ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى أَنْ يُوصَفَ أَنْبِيَاءُ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ بِصِفَاتِهِمُ الْمَذْمُومَةِ وَفِيهِ مِنَ الْإِزْرَاءِ عَلَى هَذَا الْمَنْصِبِ الْمُنِيفِ مَا فِيهِ.. مَعَ إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى خِلَافِهِ. وَتَكْذِيبِ قَائِلِهِ.
- وَكَذَلِكَ نُكَفِّرُ مَنِ اعْتَرَفَ مِنَ الْأُصُولِ الصَّحِيحَةِ بِمَا تقدم وَنُبُوَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ قَالَ: كَانَ أَسْوَدَ أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يلتحي، أو ليس الَّذِي كَانَ بِمَكَّةَ، وَالْحِجَازِ، أَوْ لَيْسَ بِقُرَشِيٍّ.. لأن
__________
(1) الاية: 25 سورة فاطر.(2/608)
وَصْفَهُ بِغَيْرِ صِفَاتِهِ الْمَعْلُومَةِ نَفْيٌ لَهُ وَتَكْذِيبٌ بِهِ.. وَكَذَلِكَ مَنِ ادَّعَى نُبُوَّةَ أَحَدٍ مَعَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بَعْدَهُ كَالْعِيسَوِيَّةِ «1» مِنَ الْيَهُودِ الْقَائِلِينَ بِتَخْصِيصِ رِسَالَتِهِ إِلَى الْعَرَبِ، وَكَالْخُرَّمِيَّةِ «2» الْقَائِلِينَ بِتَوَاتُرِ الرُّسُلِ، وَكَأَكْثَرِ الرَّافِضَةِ الْقَائِلِينَ بِمُشَارَكَةِ عَلِيٍّ فِي الرِّسَالَةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم وبعده.. فكذلك كُلُّ إِمَامٍ عِنْدَ هَؤُلَاءِ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي النبوة والحجة.. وكالبزيعيّة «3» وَالْبَيَانِيَّةِ مِنْهُمُ الْقَائِلِينَ بِنُبُوَّةِ بَزِيعٍ وَبَيَانٍ «4» وَأَشْبَاهِ هَؤُلَاءِ أَوْ مَنِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ لِنَفْسِهِ.. أَوْ جَوَّزَ.
اكْتِسَابَهَا وَالْبُلُوغَ بِصَفَاءِ الْقَلْبِ إِلَى مَرْتَبَتِهَا كَالْفَلَاسِفَةِ وَغُلَاةِ الْمُتَصَوِّفَةِ
- وَكَذَلِكَ مَنِ ادَّعَى مِنْهُمْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ النُّبُوَّةَ أو أنه يصعد إلى السماء. ويدخل الْجَنَّةِ، وَيَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَيُعَانِقُ الْحُورَ الْعِينَ.. فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ كُفَّارٌ مُكَذِّبُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم.. لأنه
__________
(1) العيسوية: نسبوا لعيسى بن اسحق بن يعقوب الاصبهاني اليهودي وكان في زمن بني مروان وادعي النبوة في زمن مروان الحمار وتبعه كثير من اليهود وكان من مذهبه تجويز حدوث النبوة بعد نبينا صلّى الله عليه وسلم.
(2) الخرمية: بضم الخاء المعجمة وتشديد الراء المفتوحة. أنهم تبعوا بابك الخرمي فنسبو اليه وهم قوم اباحيون ظهروا زمن بني العباس في نواحي أزربيجان وظلوا نحو عشرين سنة، في جموع وعساكر كثيرة جدا حتى أسر بابك وصلب بسامراء أيام المعتصم
(3) البزيعية والبيانية: طائفتان من غلاة الرافضة تزعمان أن النبوة بل الالهية تحل في بعض أئمتهم.
(4) بيان: بن اسماعيل الهندي، وهو يزعم أن الله عز وجل حل في علي وأولاده ويقولون بنبوة بعض أئمتهم.(2/609)
أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ.. وَأَخْبَرَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَأَنَّهُ أُرْسِلَ كَافَّةً لِلنَّاسِ، وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى حَمْلِ هَذَا الْكَلَامِ على ظاهره، وأن مفهومه المراد به دُونَ تَأْوِيلٍ وَلَا تَخْصِيصٍ فَلَا شَكَّ فِي كُفْرِ هَؤُلَاءِ الطَّوَائِفِ كُلِّهَا قَطْعًا إِجْمَاعًا وَسَمْعًا.
- وَكَذَلِكَ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَكْفِيرِ كُلِّ مَنْ دَافَعَ نَصَّ الْكِتَابِ أَوْ خَصَّ حَدِيثًا مُجْمَعًا عَلَى نَقْلِهِ مَقْطُوعًا بِهِ، مُجْمَعًا عَلَى حَمْلِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ، كَتَكْفِيرِ الْخَوَارِجِ بِإِبْطَالِ «1» الرَّجْمِ. وَلِهَذَا نكفر من لم يكفر مَنْ دَانَ بِغَيْرِ مِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمِلَلِ.. أَوْ وَقَفَ فِيهِمْ، أَوْ شَكَّ، أَوْ صَحَّحَ مَذْهَبَهُمْ.. وَإِنْ أَظْهَرَ مَعَ ذَلِكَ الْإِسْلَامَ وَاعْتَقَدَهُ وَاعْتَقَدَ إِبْطَالَ كُلِّ مَذْهَبٍ سِوَاهُ.. فَهُوَ كَافِرٌ بِإِظْهَارِهِ مَا أَظْهَرَ مِنْ خِلَافِ ذَلِكَ.
- وَكَذَلِكَ نقطع بتكفير كل قائل قَوْلًا يَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى تَضْلِيلِ الْأُمَّةِ، وَتَكْفِيرِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ.. كَقَوْلِ الْكُمَيْلِيَّةِ «2» مِنَ الرَّافِضَةِ بِتَكْفِيرِ جَمِيعِ الْأُمَّةِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ لَمْ تُقَدِّمْ عَلِيًّا «3» .. وَكَفَّرَتْ عَلِيًّا إِذْ لَمْ يَتَقَدَّمْ وَيَطْلُبْ حَقَّهُ فِي التَّقْدِيمِ.
__________
(1) للزاني والزانية المحصنين فانه مجمع عليه صار معلوما من الدين بالضرورة.
(2) الكميلية: فرقة من غلاة الرافضة قالوا بالتناسخ والحلول وان النبوة نور ينتقل من رجل لاخر وانه حق علي كرم الله وجهه وان الصحابة كفروا لما بايعوا أبا بكر وعلي كفر لما ترك حقه ولم يقاتل وهم منسوبون لابي كامل فكان الاولى أن يقال الكمالية. وربما كان كميل تصغير كامل للتحقير.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «54» رقم «4» .(2/610)
- فَهَؤُلَاءِ قَدْ كَفَرُوا مِنْ وُجُوهٍ، لِأَنَّهُمْ أَبْطَلُوا الشَّرِيعَةَ بِأَسْرِهَا، إِذْ قَدِ انْقَطَعَ نَقْلُهَا وَنَقْلُ الْقُرْآنِ، إِذْ نَاقِلُوهُ كَفَرَةٌ عَلَى زَعْمِهِمْ.
وَإِلَى- هَذَا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَشَارَ مَالِكٌ «1» فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ بِقَتْلِ مَنْ كَفَّرَ الصَّحَابَةَ.
- ثُمَّ كَفَرُوا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِسَبِّهِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ وَزَعْمِهِمْ أَنَّهُ عَهِدَ إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَكْفُرُ بَعْدَهُ- عَلَى قَوْلِهِمْ- لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ-. وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَآلِهِ.
- وَكَذَلِكَ نُكَفِّرُ بِكُلِّ فِعْلٍ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ لَا يَصْدُرُ إِلَّا مِنْ كَافِرٍ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مُصَرِّحًا بِالْإِسْلَامِ مَعَ فِعْلِهِ ذَلِكَ الْفِعْلَ..
كَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ، وَلِلشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ، وَالصَّلِيبِ، وَالنَّارِ، وَالسَّعْيِ إِلَى الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ مَعَ أَهْلِهَا، وَالتَّزَيِّي بِزِيِّهِمْ من شد الزنانير وفحص «2» الرؤوس.
فَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ هَذَا لَا يُوجَدُ إِلَّا مِنْ كَافِرٍ وَأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ عَلَامَةٌ عَلَى الْكُفْرِ، وَإِنْ صَرَّحَ فَاعِلُهَا بِالْإِسْلَامِ.
- وَكَذَلِكَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَكْفِيرِ كُلِّ مَنِ اسْتَحَلَّ القتل،
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(2) فحص الرؤوس: أي حلق أو ساطها وتركها كمفاحص القطا.(2/611)
أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ، أَوِ الزِّنَا، مِمَّا حَرَمَ اللَّهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِهِ كَأَصْحَابِ الْإِبَاحَةِ مِنَ الْقَرَامِطَةِ وَبَعْضِ غُلَاةِ الْمُتَصَوِّفَةِ «1» .
- وَكَذَلِكَ نَقْطَعُ بِتَكْفِيرِ كُلِّ مَنْ كَذَّبَ وَأَنْكَرَ قَاعِدَةً مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ، وَمَا عُرِفَ يَقِينًا بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ مِنْ فعل الرسول صلّى الله عليه وسلم وَوَقَعَ الْإِجْمَاعُ الْمُتَّصِلُ عَلَيْهِ. كَمَنْ أَنْكَرَ وُجُوبَ الصلوات الخمس، وعدد رَكَعَاتِهَا وَسَجَدَاتِهَا وَيَقُولُ: إِنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْنَا فِي كِتَابِهِ الصَّلَاةَ عَلَى الْجُمْلَةِ وَكَوْنَهَا خَمْسًا.. وَعَلَى هَذِهِ الصِّفَاتِ وَالشُّرُوطِ لَا أَعْلَمُهُ إِذْ لَمْ يَرِدْ فِيهِ فِي الْقُرْآنِ نَصٌّ جَلِيٌّ، وَالْخَبَرُ بِهِ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم خبر واحد..
- وكذلك أجمع عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ قَالَ مِنَ الْخَوَارِجِ إِنَّ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ.
- وَعَلَى تَكْفِيرِ الْبَاطِنِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ الْفَرَائِضَ أَسْمَاءُ رِجَالٍ أُمِرُوا بِوِلَايَتِهِمْ.. والخبائث والمحارم أسماء رجال أمروا بالبراءة منهم.
__________
(1) الذين يزعمون أن الواصل الى الله يرفع عنه التكليف. وهؤلاء يقال لهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أفضل مخلوق على الاطلاق لم يزدد بعد الوصول إلا مواصلة للعبادة والاجتهاد ويقول بَعْدَ أَنْ غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذنبه وما تأخر (أفلا أكون عبدا شكورا) .(2/612)
وَقَوْلُ بَعْضِ الْمُتَصَوِّفَةِ.. إِنَّ الْعِبَادَةَ. وَطُولَ الْمُجَاهِدَةِ إِذَا صَفَتْ نُفُوسُهُمْ أَفْضَتْ بِهِمْ إِلَى إِسْقَاطِهَا وَإِبَاحَةِ كُلِّ شَيْءٍ لَهُمْ وَرَفْعِ عَهْدِ الشَّرَائِعِ عَنْهُمْ.
- وَكَذَلِكَ إِنْ أَنْكَرَ مُنْكِرٌ مَكَّةَ، أَوِ الْبَيْتَ، أَوِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَوْ صِفَةَ الْحَجِّ.. أَوْ قَالَ: الْحَجُّ وَاجِبٌ فِي الْقُرْآنِ وَاسْتِقْبَالُ القبلة كذلك، ولكن كونه على هذه الهيأة المتعارفة، وأنّ تِلْكَ الْبُقْعَةَ هِيَ مَكَّةُ وَالْبَيْتُ وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ لا أدري هل هِيَ تِلْكَ أَوْ غَيْرُهَا! وَلَعَلَّ النَّاقِلِينَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَرَّهَا بِهَذِهِ التفاسير غلطوا ووهموا.
فهذا ومثله لامرية فِي تَكْفِيرِهِ إِنْ كَانَ مِمَّنْ يُظَنُّ بِهِ علم ذلك، وممن خالط الْمُسْلِمِينَ وَامْتَدَّتْ صُحْبَتُهُ لَهُمْ.. إِلَّا أَنْ يَكُونَ حديث عهد بالإسلام فَيُقَالُ لَهُ: سَبِيلُكَ أَنْ تُسْأَلَ عَنْ هَذَا الَّذِي لَمْ تَعْلَمْهُ بَعْدَ كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا تَجِدُ بَيْنَهُمْ خِلَافًا، كَافَّةً عَنْ كَافَّةٍ إِلَى معاصر الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ كَمَا قِيلَ لَكَ، وَأَنَّ تِلْكَ الْبُقْعَةَ هِيَ مَكَّةُ..
وَالْبَيْتُ الَّذِي فِيهَا هُوَ الْكَعْبَةُ، وَالْقِبْلَةُ الَّتِي صَلَّى لَهَا الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ وَحَجُّوا إِلَيْهَا وَطَافُوا بِهَا، وأنّ تلك الأفعال هي صفات عِبَادَةِ الْحَجِّ وَالْمُرَادُ بِهِ.. وَهِيَ الَّتِي فَعَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ.
وَأَنَّ صفات الصلوات الْمَذْكُورَةِ.. هِيَ الَّتِي فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم،(2/613)
وَشَرَحَ مُرَادَ اللَّهِ بِذَلِكَ، وَأَبَانَ حُدُودَهَا.. فَيَقَعُ لَكَ الْعِلْمُ كَمَا وَقَعَ لَهُمْ.. وَلَا تَرْتَابُ بذلك بعد.. والمرتاب في ذلك والمنكر بعد البحث وصحبة المسلمين كافر باتفاق ولا يُعْذَرُ بِقَوْلِهِ «لَا أَدْرِي» ، وَلَا يُصَدَّقُ فِيهِ.. بَلْ ظَاهِرُهُ التَّسَتُّرُ عَنِ التَّكْذِيبِ، إِذْ لَا يُمْكِنُ أَنَّهُ لَا يَدْرِي وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إِذَا جَوَّزَ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ الْوَهْمَ وَالْغَلَطَ فِيمَا نَقَلُوهُ مِنْ ذَلِكَ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ قَوْلُ الرَّسُولِ وَفِعْلُهُ وَتَفْسِيرُ مُرَادِ اللَّهِ بِهِ أَدْخَلَ الِاسْتِرَابَةَ فِي جَمِيعِ الشَّرِيعَةِ. إِذْ هُمُ النَّاقِلُونَ لَهَا وَلِلْقُرْآنِ، وَانْحَلَّتْ عُرَى الدِّينِ كَرَّةً.. وَمَنْ قَالَ هَذَا كَافِرٌ.
- وَكَذَلِكَ مَنْ أَنْكَرَ الْقُرْآنَ أَوْ حَرْفًا مِنْهُ، أَوْ غَيَّرَ شَيْئًا مِنْهُ، أَوْ زَادَ فِيهِ- كَفِعْلِ الْبَاطِنِيَّةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ- أَوْ زَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ وَلَا مُعْجِزَةٌ.
كَقَوْلِ هِشَامٍ «1» الْفُوطِيِّ، وَمَعْمَرٍ «2» الصَّيْمَرِيِّ إِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى اللَّهِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِرَسُولِهِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى ثَوَابٍ وَلَا عِقَابٍ وَلَا حُكْمٍ.. وَلَا مَحَالَةَ فِي كُفْرِهِمَا بِذَلِكَ الْقَوْلِ.
__________
(1) هشام الفوطي: قال في التبصرة: هشام ابن عمرو الفوطي من القدرية وزاد في مذهبهم أمورا باطلة وقال لجهله انه لا يسمي الله الوكيل ولم يعرف أنه بمعنى الكافي والحفيظ وأنكر المعجزات.
(2) معمر الصيمري: في التبصرة: معمر بن عباد تنسب له المعمرية ونسبت له خرافات يملها السمع.(2/614)
- وكذلك نكفر هما بإنكار هما أَنْ يَكُونَ فِي سَائِرِ مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةٌ لَهُ، أَوْ فِي خلق السموات وَالْأَرْضِ «1» دَلِيلٌ عَلَى اللَّهِ لِمُخَالَفَتِهِمُ الْإِجْمَاعَ وَالنَّقْلَ الْمُتَوَاتِرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاحْتِجَاجِهِ بِهَذَا كُلِّهِ، وَتَصْرِيحَ الْقُرْآنِ بِهِ.
- وَكَذَلِكَ مَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِمَّا نَصَّ فِيهِ الْقُرْآنُ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ الَّذِي فِي أَيْدِي النَّاسِ، وَمَصَاحِفِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَكُنْ جَاهِلًا بِهِ، وَلَا قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ، وَاحْتَجَّ لِإِنْكَارِهِ إِمَّا بِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ النَّقْلُ عِنْدَهُ، وَلَا بلغه العلم به، أو لتجويز الوهم على ناقله، فَنُكَفِّرُهُ بِالطَّرِيقَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ «2» لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلْقُرْآنِ، مُكَذِّبٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَكِنَّهُ تَسَتَّرَ بِدَعْوَاهُ.. وَكَذَلِكَ مَنْ أَنْكَرَ الْجَنَّةَ، أَوِ النَّارَ، أَوِ الْبَعْثَ، أَوِ الْحِسَابَ، أَوِ الْقِيَامَةَ، فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعٍ لِلنَّصِّ عَلَيْهِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى صِحَّةِ نَقْلِهِ مُتَوَاتِرًا.
- وَكَذَلِكَ مَنِ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ وَلَكِنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَالْحَشْرِ وَالنَّشْرِ، وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، مَعْنًى غَيْرُ ظَاهِرِهِ، وَإِنَّهَا لَذَّاتٌ رُوحَانِيَّةٌ، وَمَعَانٍ بَاطِنَةٌ كَقَوْلِ النَّصَارَى، وَالْفَلَاسِفَةِ،
__________
(1) وقد قال: ان الله- تعالى- لم يخلق شيئا من الاعراض، وأن الاجسام تفعلها بطبائعها..) ما أشبه الامس باليوم!. ولا عجب فملة الكفر واحدة وان غيرت ثيابها
(2) أي مخالفة الاجماع، والنقل الصحيح عنه صلّى الله عليه وسلم.(2/615)
والباطنية، وبعض المتصوفة «1» ، وزعم أَنَّ مَعْنَى الْقِيَامَةِ الْمَوْتُ أَوْ فَنَاءٌ مَحْضٌ، وَانْتِقَاضُ هَيْئَةِ الْأَفْلَاكِ، وَتَحْلِيلُ الْعَالَمِ.. كَقَوْلِ بَعْضِ الْفَلَاسِفَةِ.
- وَكَذَلِكَ نَقْطَعُ بِتَكْفِيرِ غُلَاةِ الرَّافِضَةِ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْأَئِمَّةَ أَفْضَلُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ. فَأَمَّا مَنْ أَنْكَرَ مَا عُرِفَ بِالتَّوَاتُرِ مِنَ الْأَخْبَارِ والسير والبلاد، لا يرجع إلى إبطال شريعة ولا يفضي إِلَى إِنْكَارِ قَاعِدَةٍ مِنَ الدِّينِ كَإِنْكَارِ غَزْوَةِ تَبُوكَ «2» ، أَوْ مُؤْتَةَ «3» ، أَوْ وُجُودِ أَبِي «4» بَكْرٍ، وعمر «5» ، أو قتل عثمان «6» ، أو خلافة عَلِيٍّ «7» مِمَّا عُلِمَ بِالنَّقْلِ ضَرُورَةً وَلَيْسَ فِي إِنْكَارِهِ جَحْدُ شَرِيعَةٍ فَلَا سَبِيلَ إِلَى تَكْفِيرِهِ. بِجَحْدِ ذَلِكَ وَإِنْكَارِ وُقُوعِ الْعِلْمِ لَهُ إِذْ ليس في ذلك أكثر
__________
(1) المتصوفة: معناها هنا الزنادقة فهم المتسمون بسماتهم فقط أما أكابر الصوفية فحاشاهم من هذه الاضاليل. ولذلك سمى الاوائل (متصوفة) وهم المدعون.
(2) غزوة تبوك: تبوك اسم ماء من أرض الشام يقرب مدين وقد غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجب سنة تسع فصالح أهلها على الجزية من غير قتال.
(3) مؤتة: قرية من أرض البلقاء بطرف الشام قريبة من الكرك على مرحلتين من القدس كان بها تلك الغزوة لانهم قتلوا رسولا أرسله رسول الله صلّى الله عليه وسلم فجهز اليهم جيشا في سنة ثمان وقيل سبع فقتل بها زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «156» رقم «6» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «569» رقم «6» .
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «54» رقم «4» .(2/616)
مِنَ الْمُبَاهَتَةِ.. كَإِنْكَارِ هِشَامٍ «1» وَعِبَادٍ «2» وَقْعَةَ الْجَمَلِ «3» وَمُحَارَبَةَ عَلِيٍّ مَنْ خَالَفَهُ.
- فَأَمَّا إِنْ ضَعَّفَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ تُهْمَةِ النَّاقِلِينَ وَوَهَّمَ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعَ.. فَنُكَفِّرُهُ بِذَلِكَ لِسَرَيَانِهِ «4» إِلَى إِبْطَالِ الشَّرِيعَةِ.
فَأَمَّا مَنْ أَنْكَرَ الْإِجْمَاعَ «5» الْمُجَرَّدَ الَّذِي لَيْسَ طَرِيقُهُ النَّقْلَ الْمُتَوَاتِرَ عَنِ الشَّارِعِ، فَأَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالنُّظَّارِ فِي هَذَا الْبَابِ قَالُوا بِتَكْفِيرِ كُلِّ مَنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ الصَّحِيحَ الْجَامِعَ لشروط الإجماع المتفق عليه عموما.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «614» رقم «1» .
(2) وهو عباد الصيمري.
(3) وقعة الجمل: كانت بين علي ومعاوية وخرجت عائشة رضي الله عنها على جمل لتصلح بينهما فكان ما كان. وكانت الوقعة سنة ست وثلاثين.
(4) سريانه: إفضائه وتعديه.
(5) الاجماع: حقيقته العزم كما قال تعالى (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ) ثم شاع في (الاتفاق) ومعناه اتفاق مجتهدي هذه الأمة بعد عصر النبي صلّى الله عليه وسلم وقال البغوي: هو نوعان: عام- كاجماع الأمة على الصلاة وعدد ركعاتها مما يعرفه العامة والخاصة فانكاره كفر إلا أن يكون منكره حديث عهد بالاسلام. وخاص- وهو ما يعرفة الخاصة كبطلان نكاح المتعة. ولا يكفر جاحده وانما يحكم بخطئه وكذا كل إجماع لا يعرفه إلا العلماء كحرمة نكاح المرأة على عمتها.. والاجماع واقع ويمكن الاطلاع عليه على الصحيح وهو حجة.. ولم يخالف في حجيته إلا من لا يعتد به كالنظام وبعض الشيعة.(2/617)
وَحُجَّتُهُمْ قَوْلُهُ تَعَالَى: «وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى.» «1» الْآيَةَ
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : «مَنْ خَالَفَ الْجَمَاعَةَ قَيْدَ «3» شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ «4» الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ.»
وَحَكُوا الْإِجْمَاعَ عَلَى تَكْفِيرِ من خالف الإجماع وذهب آخرون إلى الوقف عَنِ الْقَطْعِ بِتَكْفِيرِ مَنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ الَّذِي يَخْتَصُّ بِنَقْلِهِ الْعُلَمَاءُ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى التَّوَقُّفِ فِي تَكْفِيرِ مَنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ الْكَائِنَ عَنْ نَظَرٍ، كَتَكْفِيرِ النَّظَّامِ «5» بِإِنْكَارِهِ الْإِجْمَاعَ لِأَنَّهُ بِقَوْلِهِ هَذَا مُخَالِفٌ إِجْمَاعَ السَّلَفِ عَلَى احْتِجَاجِهِمْ بِهِ خَارِقٌ لِلْإِجْمَاعِ.
قَالَ الْقَاضِي «6» أَبُو بَكْرٍ: الْقَوْلُ عندي أن الكفر بالله هو
__________
(1) «وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً» . الاية 115 سورة النساء.
(2) رواه ابو داود في سننه وصححه.
(3) القيد: القيد والقاد القدر.
(4) ربقة: حبل يوضع في عنق البعير إذا تملص منه هرب وشرد.
(5) النظام: إبراهيم بن سيار أو ابن شيبان، أبو إسحق، مولى بني الحارث ابن قيس بن ثعلبة أحد فرسان المتكلمين من المعتزلة، وله إحاطة بالفنون العقلية وله شعر رقيق وكان في دولة المعتصم. توفي سنة «231» هـ.
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «385» رقم «1» .(2/618)
الْجَهْلُ بِوُجُودِهِ وَالْإِيمَانَ بِاللَّهِ هُوَ الْعِلْمُ بِوُجُودِهِ. وَأَنَّهُ لَا يَكْفُرُ أَحَدٌ بِقَوْلٍ وَلَا رَأْيٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْجَهْلُ بِاللَّهِ فَإِنْ عَصَى بِقَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ نَصَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، أَوْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ إِلَّا مِنْ كَافِرٍ.. أَوْ يَقُومُ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ كَفَرَ.
لَيْسَ لِأَجْلِ قَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ. لَكِنْ لِمَا يُقَارِنُهُ مِنَ الْكُفْرِ فَالْكُفْرُ بِاللَّهِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ:
أَحُدُهَا: الْجَهْلُ بِاللَّهِ تَعَالَى.
وَالثَّانِي: أَنْ يَأْتِيَ فِعْلًا، أَوْ يَقُولَ قَوْلًا يُخْبِرُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَوْ يُجْمِعُ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ كَافِرٍ كَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ، وَالْمَشْيِ إِلَى الْكَنَائِسِ بِالْتِزَامِ الزِّنَّارِ مَعَ أَصْحَابِهَا فِي أَعْيَادِهِمْ. أَوْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَوْلُ أَوِ الْفِعْلُ لَا يُمْكِنُ معه العلم بالله.. قَالَ: فَهَذَانِ الضَّرْبَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا جَهْلًا بِاللَّهِ، فَهُمَا عِلْمٌ أَنَّ فَاعِلَهُمَا كَافِرٌ مُنْسَلِخٌ مِنَ الْإِيمَانِ.
فَأَمَّا مَنْ نَفَى صِفَةً مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الذَّاتِيَّةِ، أَوْ جَحَدَهَا مُسْتَبْصِرًا فِي ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: لَيْسَ بِعَالِمٍ وَلَا قَادِرٍ وَلَا مُرِيدٍ وَلَا مُتَكَلِّمٍ(2/619)
وَشِبْهِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ الْوَاجِبَةِ لَهُ تَعَالَى فَقَدْ نَصَّ أَئِمَّتُنَا عَلَى الْإِجْمَاعِ عَلَى كُفْرِ مَنْ نَفَى عَنْهُ تَعَالَى الْوَصْفَ بِهَا وَأَعْرَاهُ عَنْهَا.
وَعَلَى هَذَا حُمِلَ قَوْلُ سُحْنُونٍ «1» مَنْ قَالَ: «لَيْسَ لِلَّهِ كَلَامٌ فَهُوَ كَافِرٌ» وَهُوَ لَا يُكَفِّرُ الْمُتَأَوِّلِينَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
فَأَمَّا مَنْ جَهِلَ صِفَةً مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ فَاخْتَلَفَ العلماء ههنا فَكَفَّرَهُ بَعْضُهُمْ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي «2» جَعْفَرٍ الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ
وَقَالَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ «3» الْأَشْعَرِيُّ مَرَّةً
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ هَذَا لَا يُخْرِجُهُ عَنِ اسْمِ الْإِيمَانِ.. وَإِلَيْهِ رَجَعَ الْأَشْعَرِيُّ قَالَ: لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ اعْتِقَادًا يَقْطَعُ بصوابه، ويراه دينا وشرعا وإنما يكفر مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ مَقَالَهُ حَقٌّ.
وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ السَّوْدَاءِ «4» وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا طَلَبَ مِنْهَا التَّوْحِيدَ لَا غَيْرَ.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «153» رقم «3» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «251» رقم «4» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «381» رقم «2» .
(4) والحديث رواه أبو داود في سننه.(2/620)
وَبِحَدِيثِ الْقَائِلِ «1» : لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ- وَفِي رِوَايَةٍ فِيهِ- لَعَلِّي أُضِلُّ اللَّهَ- ثُمَّ قَالَ- فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ
قَالُوا: وَلَوْ بُوحِثَ أَكْثَرُ النَّاسِ عَنِ الصِّفَاتِ وَكُوشِفُوا عَنْهَا، لَمَا وُجِدَ مَنْ يَعْلَمُهَا إِلَّا الْأَقَلُّ.
وَقَدْ أَجَابَ الْآخَرُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِوُجُوهٍ:
مِنْهَا: أَنَّ «قَدَرَ» بِمَعْنَى «قَدَّرَ» وَلَا يَكُونُ شَكُّهُ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى إِحْيَائِهِ بَلْ فِي نَفْسِ الْبَعْثِ الَّذِي لا يعلم إلا بشرع، ولعله لم يكن وَرَدَ عِنْدَهُمْ بِهِ شَرْعٌ يُقْطَعُ عَلَيْهِ فَيَكُونَ الشك فيه حينئذ كفرا فأما ما لم يرد به شَرْعٌ فَهُوَ مِنْ مُجَوَّزَاتِ الْعُقُولِ.. أَوْ يَكُونُ «قَدَرَ» بِمَعْنَى «ضَيَّقَ» وَيَكُونُ مَا فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ إزراء عليها، وغضبا لعصيانها.
__________
(1) رواه الشيخان عن أبي هريرة. وهذا القائل كان نباشا إلا أنه لم يذكر اسمه: وروي أيضا عن حذيفة بن اليمان قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن رجلا حضره الموت فلما يئس من الحياة أوصي أهله إذا أنا مت فاجمعوا لي حطبا كثيرا وأوقدوا فيه نارا حتى إدا أكلت لحمي وخلصت الى عظمي فامتحشت فخذوها فاطحنوها ثم انظروا يوما رايحا فذروها في اليم.. ففعلوا فجمعه الله عز وجل وقال له: لم فعلت ذلك؟ فقال: من خشيتك. فغفر الله عز وجل له.(2/621)
وَقِيلَ: «قَالَ مَا قَالَهُ وَهُوَ غَيْرُ عَاقِلٍ لِكَلَامِهِ وَلَا ضَابِطٍ لِلَفْظِهِ مِمَّا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ مِنَ الْجَزَعِ وَالْخَشْيَةِ الَّتِي أَذْهَبَتْ لُبَّهُ فَلَمْ يُؤَاخَذْ بِهِ»
وَقِيلَ: «كَانَ هَذَا فِي زَمَنِ الْفَتْرَةِ. وَحَيْثُ يَنْفَعُ مُجَرَّدُ التَّوْحِيدِ» وَقِيلَ: (بَلْ هَذَا مِنْ مَجَازِ «1» كَلَامِ الْعَرَبِ الَّذِي صُورَتُهُ الشَّكُّ وَمَعْنَاهُ التَّحْقِيقُ.. وَهُوَ يُسَمَّى تَجَاهُلَ الْعَارِفِ.. وَلَهُ أَمْثِلَةٌ فِي كَلَامِهِمْ.
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: «لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى «2» »
وَقَوْلِهِ: «وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ «3» » ) فَأَمَّا مَنْ أَثْبَتَ الْوَصْفَ، وَنَفَى الصِّفَةَ «4» فَقَالَ: أَقُولُ عَالِمٌ وَلَكِنْ لَا عِلْمَ لَهُ، وَمُتَكَلِّمٌ وَلَكِنْ لَا كَلَامَ لَهُ. وَهَكَذَا فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ. فَمَنْ قَالَ بِالْمَآلِ لِمَا يُؤَدِّيهِ إِلَيْهِ قَوْلُهُ وَيَسُوقُهُ إِلَيْهِ مَذْهَبُهُ كَفَّرَهُ.. لِأَنَّهُ إِذَا نَفَى الْعِلْمَ انْتَفَى وَصْفُ عَالِمٍ.. إِذْ لَا يُوصَفُ بِعَالِمٍ إِلَّا مَنْ لَهُ عِلْمٌ فَكَأَنَّهُمْ صَرَّحُوا عِنْدَهُ بِمَا أَدَّى إليه قولهم.
__________
(1) المجاز ليس هنا بمعناه الاصطلاحي عند أهل البلاغة بل المراد أنه من طرقهم في الكلام التي يتوسعون فيها.
(2) الاية: 45 سورة طه.
(3) الاية: 25 سورة سبأ.
(4) وهم المعتزلة وبعض الفلاسفة.(2/622)
وَهَكَذَا عِنْدَ هَذَا سَائِرُ فِرَقِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مِنَ الْمُشَبِّهَةِ، وَالْقَدَرِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَمَنْ لَمْ يَرَ أَخْذَهُمْ بِمَآلِ قَوْلِهِمْ وَلَا أَلْزَمَهُمْ مُوجِبَ مَذْهَبِهِمْ لَمْ يَرَ إِكْفَارَهُمْ.
قَالَ: لِأَنَّهُمْ إِذَا وُقِّفُوا عَلَى هَذَا قَالُوا: لَا نَقُولُ لَيْسَ بِعَالَمٍ، ونحن ننتفي من القول بالمال الذي ألزمتموه لَنَا، وَنَعْتَقِدُ نَحْنُ وَأَنْتُمْ أَنَّهُ كُفْرٌ. بَلْ نقول: إن قولنا لا يؤول إِلَيْهِ عَلَى مَا أَصَّلْنَاهُ.
فَعَلَى هَذَيْنِ الْمَأْخَذَيْنِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي إِكْفَارِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ.
وَإِذَا فَهِمْتَهُ اتَّضَحَ لَكَ الْمُوجِبُ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي ذلك.
والصواب ترك إكفارهم، والإعراض عن الختم عَلَيْهِمْ بِالْخُسْرَانِ، وَإِجْرَاءِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِمْ فِي قِصَاصِهِمْ، وَوِرَاثَاتِهِمْ، وَمُنَاكَحَاتِهِمْ، وَدِيَاتِهِمْ، وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ، وَدَفْنِهِمْ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَسَائِرِ مُعَامَلَاتِهِمْ. لَكِنَّهُمْ يُغَلَّظُ عَلَيْهِمْ بِوَجِيعِ الْأَدَبِ. وَشَدِيدِ الزَّجْرِ وَالْهَجْرِ حَتَّى يَرْجِعُوا عَنْ بِدْعَتِهِمْ.
وَهَذِهِ كَانَتْ سِيرَةَ الصَّدْرِ الأول فيهم.
فقد كان نشأ على زمن الصَّحَابَةِ وَبَعْدَهُمْ فِي التَّابِعِينَ مَنْ قَالَ بِهَذِهِ(2/623)
الْأَقْوَالِ مِنَ الْقَدَرِ، وَرَأْيِ الْخَوَارِجِ وَالِاعْتِزَالِ «1» ، فَمَا أزاحوا لَهُمْ قَبْرًا، وَلَا قَطَعُوا لِأَحَدٍ مِنْهُمْ مِيرَاثًا، لَكِنَّهُمْ هَجَرُوهُمْ. وَأَدَّبُوهُمْ بِالضَّرْبِ. وَالنَّفْيِ، وَالْقَتْلِ، عَلَى قَدْرِ أَحْوَالِهِمْ لِأَنَّهُمْ فُسَّاقٌ ضُلَّالٌ عُصَاةٌ أَصْحَابُ كَبَائِرَ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَأَهْلِ السُّنَّةِ مِمَّنْ لَمْ يَقُلْ بِكُفْرِهِمْ مِنْهُمْ، خِلَافًا لِمَنْ رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ «2» : وَأَمَّا مَسَائِلُ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ «3» ، وَالرُّؤْيَةِ «4» وَالْمَخْلُوقِ «5» ، وخلق الأفعال، وبقاء الأعراض «6» ،
__________
(1) أما القدرية والخوارج فقد ظهروا زمن الصحابة، وأما الاعتزال فلم يظهر إلا زمن التابعين.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «385» رقم «1» .
(3) الوعد الوعيد: من آراء المعتزلة وانه لا يجوز عندهم تخلفهما فهو واجب عليه سبحانه إذا وعد أو أوعد أن يمضيهما.
(4) المعتزلة ينكرون رؤبة الله في الاخرة. بينما أجمع الجمهور عليه.
(5) أي قول المعتزلة إن العبد يخلق أفعاله.
(6) الاعراض: جمع عرض وهو ما لا يقوم بنفسه كالألوان وقد قال الأشعري إن الاعراض لا تبقى وذهب الى خلافه كثير من أهل السنة. وزاد الشيخ الاكبر في الفصوص من أن الأجسام لا تبقى زمانين أيضا. وفسر به قوله تعالى (بل هم في لبس من خلق جديد) وبه فسر أهل الكشف قوله تعالى (كل شيء هالك إلا وجهه) ... لأنها من ابتداء ظهورها الى ظهور فنائها في تبدل وتغير مستمرين ولكن دون أن يقع ذلك واضحا أمام الحواس.. وها هو العلم الحديث وعلم الذرة خاصة يؤيد ما ذهب إليه الأشعري رضي الله عنه والشيخ الأكبر وأهل الكشف رضي الله عنهم.(2/624)
وَالتَّوَلُّدِ «1» ، وَشِبْهِهَا مِنَ الدَّقَائِقِ، فَالْمَنْعُ فِي إِكْفَارِ الْمُتَأَوِّلِينَ فِيهَا أَوْضَحُ.. إِذْ لَيْسَ فِي الْجَهْلِ بِشَيْءٍ مِنْهَا جَهْلٌ بِاللَّهِ تَعَالَى.. وَلَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى إِكْفَارِ مَنْ جَهِلَ شَيْئًا مِنْهَا. وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ مِنَ الْكَلَامِ وَصُورَةِ الْخِلَافِ فِي هَذَا مَا أَغْنَى عَنْ إعادته بحول الله تعالى.
__________
(1) التولد: الذي ذهب إليه المعتزلة والحكماء كتولد العلم من الدليل وحصوله عقبه كحركة المفتاح بحركة اليد.(2/625)
الْفَصْلُ الْخَامِسُ حُكْمُ الذِّمِّيِّ إِذَا سَبَّ اللَّهَ تعالى
هَذَا حُكْمُ الْمُسْلِمِ السَّابِّ لِلَّهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا الذِّمِّيُّ
فَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ «1» اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي ذَمِّيٍّ «2» تَنَاوَلَ مِنْ حُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ دِينِهِ وَحَاجَّ فِيهِ.. فَخَرَجَ ابْنُ عُمَرَ عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ فَطَلَبَهُ فَهَرَبَ.
وَقَالَ مَالِكٌ «3» فِي كِتَابِ ابْنِ «4» حَبِيبٍ وَالْمَبْسُوطَةِ وَابْنِ الْقَاسِمِ «5» فِي الْمَبْسُوطِ، وَكِتَابِ مُحَمَّدٍ «6» وابن سحنون «7» : «من شتم الله من
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «1» .
(2) لم يذكر من رواه عنه.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «1» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «6» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «144» رقم «2» .
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «609» رقم «10» .(2/626)
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي كَفَرَ بِهِ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ.»
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطَةِ طَوْعًا.
قَالَ أَصْبَغُ «1» : «لِأَنَّ الْوَجْهَ الَّذِي بِهِ كَفَرُوا هُوَ دِينُهُمْ وَعَلَيْهِ عُوهِدُوا مِنْ دَعْوَى الصَّاحِبَةِ وَالشَّرِيكِ وَالْوَلَدِ وَأَمَّا غَيْرُ هَذَا مِنَ الْفِرْيَةِ وَالشَّتْمِ فَلَمْ يُعَاهِدُوا عَلَيْهِ فَهُوَ نَقْضٌ لِلْعَهْدِ» .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ «2» : «وَمَنْ شَتَمَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْأَدْيَانِ اللَّهَ تَعَالَى بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذُكِرَ فِي كِتَابِهِ قُتِلَ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ.
وَقَالَ الْمَخْزُومِيُّ «3» فِي الْمَبْسُوطَةِ.، وَمُحَمَّدُ بْنُ «4» مَسْلَمَةَ وَابْنُ «5» أَبِي حَازِمٍ: «لَا يُقْتَلُ حَتَّى يُسْتَتَابَ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ» .
وَقَالَ مُطَرِّفٌ «6» وَعَبْدُ «7» الْمَلِكِ: مثل قول مالك «8» وقال
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «5» .
(2) أي محمد بن سحنون وقد تقدمت ترجمته في ج 1 ص «609» رقم «10» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (583) رقم (3)
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «158» رقم «5» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (583) رقم (5) .
(6) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «99» رقم «6» .
(7) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «556» رقم «12» .
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .(2/627)
أَبُو مُحَمَّدِ «1» بْنُ أَبِي زَيْدٍ: «مَنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي بِهِ كَفَرَ قُتِلَ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ» .
وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ ابْنِ الْجَلَّابِ «2» قَبْلُ. وَذَكَرْنَا قَوْلَ عُبَيْدِ «3» اللَّهِ، وَابْنِ «4» لُبَابَةَ، وَشُيُوخِ الْأَنْدَلُسِيِّينَ فِي النَّصْرَانِيَّةِ، وَفُتْيَاهُمْ بِقَتْلِهَا لِسَبِّهَا- بِالْوَجْهِ الَّذِي كَفَرَتْ بِهِ- اللَّهَ وَالنَّبِيَّ وَإِجْمَاعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ نَحْوُ الْقَوْلِ الْآخَرِ فِيمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ بِالْوَجْهِ الَّذِي كَفَرَ بِهِ.
وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ سَبِّ اللَّهِ وَسَبِّ نبيه لأنّا عاهدناهم على أن لا يظهروا لنا شيئا من كفرهم وأن لا يُسْمِعُونَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَمَتَى فَعَلُوا شَيْئًا مِنْهُ فَهُوَ نَقْضٌ لِعَهْدِهِمْ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الذِّمِّيِّ إِذَا تَزَنْدَقَ فَقَالَ مَالِكٌ وَمُطَرِّفٌ، وَابْنُ «5» عَبْدِ الْحَكَمِ، وَأَصْبَغُ «6» : «لَا يُقْتَلُ لِأَنَّهُ خَرَجَ من كفر إلى كفر» .
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «144» رقم «1» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «573» رقم «8» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «573» رقم «2» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «573» رقم «3» .
(5) عبد الحكم بن عبد الله بن عبد الحكم أبو عثمان كان فقيها جيدا وخيرا فاضلا من أصحاب ابن وهب توفي بمصر في سجن يزيد التركي وعذابه سنة سبع وثلاثين ومائتين.
(6) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «5» .(2/628)
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ «1» بْنُ الْمَاجِشُونِ: «يُقْتَلُ لِأَنَّهُ دين لا يقرّ عليه أحد.. ولا يؤخذ عليه جزية» .
قال ابن «2» حبيب: «وما أعلم من قاله غيره» .
***
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج ص «556» رقم «12» .
(2) تقدمت ترجمته في ج ص «153» رقم «1» .(2/629)
الْفَصْلُ السَّادِسُ حُكْمُ ادِّعَاءِ الْإِلَهِيَّةِ أَوِ الْكَذِبِ والبهتان عَلَى اللَّهِ
هَذَا حُكْمُ مَنْ صَرَّحَ بِسَبِّهِ وَإِضَافَةِ مَا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ.
فَأَمَّا مُفْتَرِي الْكَذِبِ عَلَيْهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِادِّعَاءِ الْإِلَهِيَّةِ أَوِ الرِّسَالَةِ، أَوِ النَّافِي أَنْ يَكُونَ اللَّهُ خَالِقُهُ، أَوْ رَبُّهُ.. أَوْ قَالَ: «لَيْسَ لِي رَبٌّ» ، أَوِ الْمُتَكَلِّمُ بِمَا لَا يُعْقَلُ مِنْ ذَلِكَ فِي سُكْرِهِ، أَوْ غَمْرَةِ جُنُونِهِ، فَلَا خِلَافَ فِي كُفْرِ قَائِلِ ذَلِكَ وَمُدَّعِيهِ مَعَ سلامة عقله كما قدمناه. لَكِنَّهُ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَتَنْفَعُهُ إِنَابَتُهُ، وتنجيه من القتل فيأته، لَكِنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ عَظِيمِ النَّكَالِ، وَلَا يُرَفَّهُ «1» عَنْ شَدِيدِ الْعِقَابِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ زَجْرًا لِمِثْلِهِ عَنْ قَوْلِهِ، وَلَهُ عَنِ الْعَوْدَةِ لِكُفْرِهِ أو جهله إِلَّا مَنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ وَعُرِفَ اسْتِهَانَتُهُ بما أتى به، فهو دليل على
__________
(1) يرفه: ينفس عنه ويخفف.(2/630)
سُوءِ طَوِيَّتِهِ، وَكَذِبِ تَوْبَتِهِ،، وَصَارَ كَالزِّنْدِيقِ الَّذِي لَا نَأْمَنُ بَاطِنَهُ، وَلَا نَقْبَلُ رُجُوعَهُ.. وَحُكْمُ السَّكْرَانِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الصَّاحِي.. وَأَمَّا الْمَجْنُونُ وَالْمَعْتُوهُ فَمَا عُلِمَ أَنَّهُ قَالَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي حَالِ غَمْرَتِهِ، وَذَهَابِ مَيْزِهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا نَظَرَ فِيهِ، وَمَا فَعَلَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي حَالِ مَيْزِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَقْلُهُ وَسَقَطَ تَكْلِيفُهُ أُدِّبَ عَلَى ذَلِكَ لِيَنْزَجِرَ عَنْهُ كَمَا يُؤَدَّبُ عَلَى قَبَائِحِ الْأَفْعَالِ وَيُوَالَى أَدَبُهُ على ذلك حتى ينكفّ عَنْهُ، كَمَا تُؤَدَّبُ الْبَهِيمَةُ عَلَى سُوءِ الْخُلُقِ حَتَّى تُرَاضَ.
- وَقَدْ أَحْرَقَ عَلِيُّ «1» بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنِ ادَّعَى «2» لَهُ الْإِلَهِيَّةَ.
- وَقَدْ قَتَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ «3» بْنُ مَرْوَانَ الْحَارِثَ «4» الْمُتَنَبِّي وَصَلَبَهُ وَفَعَلَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ من الخلفاء والملوك بأشباههم وأجمع علماء
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «54» رقم «4» .
(2) وهو كما في تاريخ الصفدي نصير مولى علي رضي الله عنه لما قال له أنت إله فحرقه بالنار فقال وهو يحترق بالنار: لو لم تكن إلها لم تعذب بالنار. واليه تنسب النصيرية.
(3) عبد الملك بن مروان: أحد ملوك بني مروان توفي سنة 86 هـ وولد سنة 26 هـ ولكنه في هذه المسائل لا يستدل بأقواله وأفعاله فلعل المصنف استأنس به لأنه في عصر السلف ولم ينكروا عليه ذلك.
(4) الحارث المتنبي: ادعى النبوة وهو الحارث بن سعيد الكذاب.(2/631)
وَقْتِهِمْ عَلَى صَوَابِ فِعْلِهِمْ.. وَالْمُخَالِفُ فِي ذَلِكَ مِنْ كُفْرِهِمْ كَافِرٌ.
وَأَجْمَعَ فُقَهَاءُ بَغْدَادَ أَيَّامَ الْمُقْتَدِرِ «1» مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَاضِي قُضَاتِهَا أَبُو عُمَرَ «2» الْمَالِكِيُّ عَلَى قَتْلِ الْحَلَّاجِ «3» وَصَلْبِهِ لِدَعْوَاهُ الْإِلَهِيَّةَ «4» ، وَالْقَوْلِ بِالْحُلُولِ «5» وَقَوْلِهِ «أَنَا الْحَقُّ» مَعَ تَمَسُّكِهِ في الظاهر بالشريعة، ولم يقبلوا توبته.
__________
(1) المقتدر: بالله أبو الفضل جعفر بن المعتضد بالله أبو العباس احمد بن طلحة الموفق بن جعفر المتوكل بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد. وقد توفي المقتدر مقتولا سنة عشرين وثلاثمائة.
(2) أبو عمر المالكي: محمد بن يوسف بن يعقوب بن اسماعيل بن حماد بن زيد. كان من خيار القضاة جلالة وقدرا توفي سنة عشرين وثلاثمائة.
(3) الحلاج: الحسين بن منصور، ولقب بالحلاح لأنه جلس يوما على حانوت حلاج واستفضاه حاجة فقال الحلاج أنا مشتغل الحلج فقال له: اقض لي حاجتي حتى أحلج لك، فمضى الحلاج في حاجته فلما عاد وجد قطنه كله محلوجا، وكان لا يحلجه عشرة رجال في أيام متعددة. وقد صحب الجنيد والسري والمشايخ ولزوم العبادة ببغداد. ووقع بينه وبين الشبلي وداود الظاهري والوزير علي بن عيسى خلاف فاتهم بالسحر وقتل..
(4) أي قوله: أنا الله كما هو مشهور عنه.
(5) الحلول: أي قولهم إن الله يحل في بعض الناس ويظهر بصورته كما ظهر جبريل عليه الصلاة والسلام بصورة دحية رضي الله عنه.، وليس هذا وحدة الوجود التي ذهب إليها بعض الصوفية كما بينه السيد الشريف في شرح التجديد.(2/632)
وَكَذَلِكَ حَكَمُوا فِي ابْنِ أَبِي «1» الْفَرَاقِيدِ، وَكَانَ عَلَى نَحْوِ مَذْهَبِ الْحَلَّاجِ بَعْدَ هَذَا أَيَّامِ الرَّاضِي «2» بِاللَّهِ.. وَقَاضِي قُضَاةِ بَغْدَادَ يَوْمَئِذٍ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ «3» أَبِي عُمَرَ الْمَالِكِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ «4» الْحَكَمِ فِي الْمَبْسُوطِ: «مَنْ تَنَبَّأَ قُتِلَ» .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ «5» وَأَصْحَابُهُ: «مَنْ جَحَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُهُ أَوْ رَبُّهُ أَوْ قَالَ: لَيْسَ لِي رَبٌّ فَهُوَ مُرْتَدٌّ» .
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ «6» فِي كِتَابِ ابْنِ «7» حَبِيبٍ وَمُحَمَّدٍ «8» فِي
__________
(1) ابن أبي الفراقيد: وفي نسخة (الفراقير) . والأول أصوب وهو محمد ابن علي بن أبي الفراقيد شاع أمره في بغداد وادعى الألوهية وأنه يحيي الموتى فطلبه الراضي فهرب سنين ثم عاد فهجم عليه ابن مقلة وامسكه فأثبت كفره وكتب عليه القضاة وأمتوا بقتله فقتل وأحرقت جثته سنة اثنين وعشرين وثلاثمائة. وتبعه على حاله ابن أبي عون صاحب كتاب التنبيه فقتل معه.
(2) الراضي بالله بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد بالله أحمد أبو العباس، الراضي بالله خليفة عباسي دامت خلافته ست سنين وعشرة أيام توفي سنة (329) هـ.
(3) أبو الحسين بن أبي عمر قاضي القضاة واسمه عمر بن أبي عمر قاضي القضاة كان ذكيا فطنا حاذقا بالمذهب المالكي ولي قضاء بغداد وتوفي لثمان خلون من ذي القعدة سنة ست وخمسين وثلاثمائة.
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (628) رقم (5) .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «499» رقم «6» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «152» رقم «6» .
(7) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «1» .
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «609» رقم «10» .(2/633)
الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ تَنَبَّأَ يُسْتَتَابُ أَسَرَّ ذَلِكَ أَوْ أعلنه، وهو كالمرتد..
وقاله سُحْنُونٌ «1» وَغَيْرُهُ وَقَالَهُ أَشْهَبُ «2» فِي يَهُودِيٍّ تَنَبَّأَ وَادَّعَى أَنَّهُ رَسُولٌ إِلَيْنَا.. إِنْ كَانَ مُعْلِنًا بِذَلِكَ اسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ «3» بْنُ أَبِي زَيْدٍ فِيمَنْ لَعَنَ بَارِئَهُ وَادَّعَى أَنَّ لِسَانَهُ زَلَّ.. وَإِنَّمَا أَرَادَ لَعْنَ الشَّيْطَانِ يُقْتَلُ بِكُفْرِهِ وَلَا يُقْبَلُ عُذْرُهُ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ مِنْ أَنَّهُ لَا تقبل توبته.
وقال أبو الحسين «4» الْقَابِسِيُّ فِي سَكْرَانَ قَالَ: أَنَا اللَّهُ أَنَا اللَّهُ.
إِنْ تَابَ أُدِّبَ فَإِنْ عَادَ إِلَى مِثْلِ قَوْلِهِ طُولِبَ مُطَالَبَةَ الزِّنْدِيقِ لِأَنَّ هَذَا كفر المتلاعبين.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «3» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «154» رقم «3» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «144» رقم «1» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «76» رقم «2» .(2/634)
الفصل السّابع حكم من تعرّض بساقط قوله وسخيف لفظه لجلال ربّه دُونَ قَصْدٍ
وَأَمَّا مَنْ تَكَلَّمَ مِنْ سَقْطِ الْقَوْلِ وَسُخْفِ اللَّفْظِ مِمَّنْ لَمْ يَضْبِطْ كَلَامَهُ وَأَهْمَلَ لِسَانَهُ بِمَا يَقْتَضِي الِاسْتِخْفَافَ بِعَظَمَةِ رَبِّهِ، وَجَلَالَةِ مَوْلَاهُ..
أَوْ تَمَثَّلَ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ بِبَعْضِ مَا عَظَّمَ اللَّهُ مِنْ مَلَكُوتِهِ.. أَوْ نَزَعَ مِنَ الْكَلَامِ لِمَخْلُوقٍ بِمَا لَا يَلِيقُ إِلَّا فِي حَقِّ خَالِقِهِ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلْكُفْرِ وَالِاسْتِخْفَافِ وَلَا عَامِدٍ لِلْإِلْحَادِ.
فَإِنْ تَكَرَّرَ هَذَا مِنْهُ، وَعُرِفَ بِهِ دَلَّ عَلَى تَلَاعُبِهِ بِدِينِهِ، وَاسْتِخْفَافِهِ بِحُرْمَةِ رَبِّهِ، وَجَهْلِهِ بِعَظِيمِ عِزَّتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ.
- وهذا كفر لامرية فِيهِ. وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ مَا أَوْرَدَهُ يُوجِبُ الِاسْتِخْفَافَ وَالتَّنَقُّصَ لِرَبِّهِ.(2/635)
وَقَدْ أَفْتَى ابْنُ حَبِيبٍ «1» وَأَصْبَغُ «2» بْنُ خَلِيلٍ مِنْ فُقَهَاءِ قُرْطُبَةَ بِقَتْلِ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ أَخِي عَجَبٍ «3» ، وَكَانَ خَرَجَ يَوْمًا فَأَخَذَهُ الْمَطَرُ فَقَالَ: «بَدَأَ الْخَرَّازُ «4» يَرُشُّ جُلُودَهُ» .
وَكَانَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِهَا.. أَبُو زَيْدٍ «5» صَاحِبُ الثَّمَانِيَةِ «6» ، وَعَبْدُ الْأَعْلَى «7» بن وهب، وأبان «8» بن عيسى. وقد تَوَقَّفُوا عَنْ سَفْكِ دَمِهِ، وَأَشَارُوا إِلَى أَنَّهُ عَبَثٌ مِنَ الْقَوْلِ. يَكْفِي فِيهِ الْأَدَبُ.
وَأَفْتَى بِمِثْلِهِ الْقَاضِي حِينَئِذٍ مُوسَى «9» بْنُ زِيَادٍ. فَقَالَ ابن حبيب:
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «152» رقم «1» .
(2) اصبغ بن خليل يكنى أبا القاسم قرطبي هو من أهل العلم والفقه والورع والرياسة. توفي سنة ثلاث وسبعين ومائتين وعمره ثمان وثمانون سنة..
(3) عجب: اسم زوجة عبد الرحمن الأموي أمير قرطبة.
(4) الخراز: من يثقب الجلود للخياطة والجلود تبل ويرش عليها الماء عند خرزها لتلين.
(5) أبو زيد: وهو محمد بن زيد بن عبد الرحمن بن زيد بن خارجة صاحب الثمانية ولم يفسروه
(6) الثمانية: بوزن العدد المعروف وقيل بمثلثة مضمومة وياء مشدد ولعلها بلدة أو قرية وكان أميرا عليها.
(7) عبد الأعلى بن وهب مولى قريش قرطبي سمع من مطرف بن عبد الله بالمدينة ومن اصبغ وعلي بن معبد بمصر ومن سحنون بافريقيه توفي سنة إحدى وستين في صفر.
(8) إبان بن عيسى سكن قرطبة يكنى أبا القاسم كان فاضلا زاهدا ورعا وهو قاض من قضاة المدينة توفي سنة اثنين وستين ومائة نصف ربيع الأول.
(9) موسى بن زياد: قاض من قضاة المدينة كان معاصرا لابان بن عيسى وعبد الأعلى بن وهب وغيرهما.(2/636)
دمه في غيض.. أَيُشْتَمُ رَبٌّ عَبَدْنَاهُ ثُمَّ لَا نَنْتَصِرُ لَهُ.. إنا إذا لعبيد سوء ما نَحْنُ لَهُ بِعَابِدِينَ وَبَكَى. وَرُفِعَ الْمَجْلِسُ إِلَى الْأَمِيرِ بِهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ «1» بْنِ الْحَكَمِ الْأُمَوِيِّ وَكَانَتْ عَجَبُ «2» عَمَّةَ هَذَا الْمَطْلُوبِ مِنْ حَظَايَاهُ «3» ، وَأُعْلِمَ بِاخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فَخَرَجَ الْإِذْنُ مِنْ عِنْدِهِ بِالْأَخْذِ بِقَوْلِ ابْنِ «4» حَبِيبٍ وَصَاحِبِهِ وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، فَقُتِلَ وَصُلِبَ بِحَضْرَةِ الْفَقِيهَيْنِ.. وَعُزِلَ الْقَاضِي لِتُهْمَتِهِ بِالْمُدَاهَنَةِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ.
وَوَبَّخَ بَقِيَّةَ الْفُقَهَاءِ وَسَبَّهُمْ.
- وَأَمَّا مَنْ صَدَرَتْ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ الهنة الواحدة، والفلتة الشاردة ما لم يكن تَنَقُّصًا وَإِزْرَاءً فَيُعَاقَبُ عَلَيْهَا، وَيُؤَدَّبُ بِقَدْرِ مُقْتَضَاهَا، وَشُنْعَةِ مَعْنَاهَا، وَصُورَةِ حَالِ قَائِلِهَا، وَشَرْحِ سَبَبِهَا وَمُقَارِنِهَا.
وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ «5» الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ عن رجل نادى رجلا باسمه
__________
(1) عبد الرحمن بن الحكم: بن هشام صاحب الاندل وكان عادلا منقيا مجاهدا توفي سنة ثمان وثلاثين ومائتين.
(2) تقدمت ترجمتها في ج 2 ص «636» رقم «3» .
(3) حظايا: جمع حظية كهيئة وهي المرأة المقربة عند زوجها وعجب هذه من زوجات عبد الرحمن أمير الاندلس.
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «1» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (13) رقم «6» .(2/637)
فأجابه لبيك اللهم لبيك. قال: فإن كَانَ جَاهِلًا، أَوْ قَالَهُ عَلَى وَجْهِ سَفَهٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو «1» الْفَضْلِ: وَشَرْحُ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا قَتْلَ عَلَيْهِ. وَالْجَاهِلُ يُزْجَرُ وَيُعَلَّمُ. وَالسَّفِيهُ يُؤَدَّبُ. وَلَوْ قَالَهَا عَلَى اعْتِقَادِ إِنْزَالِهِ مَنْزِلَةَ رَبِّهِ لَكَفَرَ. هَذَا مُقْتَضَى قَوْلِهِ.
وَقَدْ أَسْرَفَ كَثِيرٌ مِنْ سُخَفَاءِ الشُّعَرَاءِ وَمُتَّهِمِيهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ وَاسْتَخَفُّوا عَظِيمَ هَذِهِ الْحُرْمَةِ فَأَتَوْا مِنْ ذَلِكَ بِمَا نُنَزِّهُ كِتَابَنَا وَلِسَانَنَا وَأَقْلَامَنَا عَنْ ذِكْرِهِ، وَلَوْلَا أَنَّا قَصَدْنَا نص مسائل حكيناها لما ذَكَرْنَا شَيْئًا مِمَّا يَثْقُلُ ذِكْرُهُ عَلَيْنَا مِمَّا حكيناه في هذه الفصول. وأما مَا وَرَدَ فِي هَذَا مِنْ أَهْلِ الْجَهَالَةِ وَأَغَالِيطِ اللِّسَانِ كَقَوْلِ بَعْضِ الْأَعْرَابِ
رَبَّ الْعِبَادِ ما لنا ومالكا ... قَدْ كُنْتَ تَسْقِينَا فَمَا بَدَا لَكَا
أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ لَا أَبَا لَكَا.
فِي أَشْبَاهٍ لِهَذَا مِنْ كَلَامِ الْجُهَّالِ، وَمَنْ لَمْ يُقَوِّمْهُ ثِقَافُ «2» تَأْدِيبِ الشَّرِيعَةِ وَالْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ. فَقَلَّمَا يَصْدُرُ إِلَّا مِنْ جَاهِلٍ يَجِبُ تَعْلِيمُهُ وَزَجْرُهُ وَالْإِغْلَاظُ لَهُ عَنِ الْعَوْدَةِ إِلَى مِثْلِهِ.
__________
(1) أبو الفضل المصنف
(2) ثقاف: في الأصل معناها تقويم الرماح والخشب المعوج بالنار فاستعير لما يقوم الانسان.(2/638)
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ «1» الْخَطَابِيُّ: وَهَذَا تَهَوُّرٌ مِنَ الْقَوْلِ. وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ.
وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَوْنِ «2» بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: «لِيُعَظِّمْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَهُ في كل شيء. حتى لا يَقُولَ. أَخْزَى اللَّهُ الْكَلْبَ.
وَفَعَلَ بِهِ كَذَا وكذا» .
وَكَانَ بَعْضُ مَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ مَشَايِخِنَا قَلَّمَا يَذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا فِيمَا يَتَّصِلُ بِطَاعَتِهِ.
وَكَانَ يَقُولُ لِلْإِنْسَانِ: جُزِيتَ خَيْرًا. وَقَلَّمَا يَقُولُ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا. إِعْظَامًا لِاسْمِهِ تَعَالَى أَنْ يُمْتَهَنَ فِي غَيْرِ قُرْبَةٍ.
وَحَدَّثَنَا الثِّقَةُ «3» أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا بَكْرٍ «4» الشَّاشِيَّ كَانَ يَعِيبُ على
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «64» رقم «6» .
(2) عون بن عبد الله: بن عتبة الهزلي الكوفي الزاهد الفقيه المحدث النابعي توفي في حدود العشرين ومائة.
(3) توثيق المجهول لا فائدة فيه إلا إذا علم بالقرينة كقول أبي بكر بن العربي وسيبويه حدثنا الثقة يعني أبا زيد.
(4) أبو بكر الشاشي: وحيد دهره الامام أبو بكر محمد بن علي بن اسماعيل القفال الشاشي نسبة لشاش مدينة فيما وراء النهر، وهو إمام عظيم له تأليفات جليلة، وهو عمدة في مذهبه واختلف في وفاته فقيل سنة ست وستين وثلاثمائة وقيل سنة ست وثلاثين، وقيل إنه كان أول أمره معتزليا ثم رجع عنه.(2/639)
أَهْلِ الْكَلَامِ كَثْرَةَ خَوْضِهِمْ فِيهِ تَعَالَى وَفِي ذِكْرِ صِفَاتِهِ إِجْلَالًا لِاسْمِهِ تَعَالَى.
وَيَقُولُ: هَؤُلَاءِ يَتَمَنْدَلُونَ «1» بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.. وَيُنَزِّلُ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْبَابِ تَنْزِيلَهُ فِي بَابِ سَابِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عَلَى الْوُجُوهِ الَّتِي فصلناها.. والله الموفق.
__________
(1) يتمندلون: فعل من المنديل وهو الخرقة التي يمسح بها الأيدي، واشتق الفعل منه وأنكرها بعضهم وقال هذا مولد غير فصيح.(2/640)
الْفَصْلُ الثَّامِنُ حُكْمُ سَبِّ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ
وَحُكْمُ مَنْ سَبَّ سَائِرَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَلَائِكَتَهُ وَاسْتَخَفَّ بِهِمْ، أَوْ كَذَّبَهُمْ فِيمَا أَتَوْا بِهِ، أَوْ أَنْكَرَهُمْ وَجَحَدَهُمْ.. حُكْمُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَسَاقِ مَا قَدَّمْنَاهُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ. «1» » الْآيَةَ
وَقَالَ تَعَالَى: «قُولُوا: آمَنَّا بِاللَّهِ، وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا، وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ. «2» » الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ «لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ «3» »
وَقَالَ: «كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ. لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ «4» »
__________
(1) «وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً» . الاية: 150 سورة النساء
(2) الايات 137 سورة البقرة.
(3) الايات 137 سورة البقرة.
(4) الاية: 286 سورة البقرة.(2/641)
قَالَ مَالِكٌ «1» فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ «2» وَمُحَمَّدٍ «3» ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ «4» وَابْنُ الْمَاجِشُونِ «5» ، وَابْنُ «6» عَبْدِ الْحَكَمِ، وَأَصْبَغُ «7» وَسُحْنُونٌ «8» فِيمَنْ شَتَمَ الْأَنْبِيَاءَ أَوْ أَحَدًا مِنْهُمْ أَوْ تَنَقَّصَهُ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ. وَمَنْ سَبَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ قُتِلَ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ.
وَرَوَى سُحْنُونٌ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: «من سب الْأَنْبِيَاءَ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي بِهِ كَفَرَ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ» .
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي هَذَا الْأَصْلِ.. وَقَالَ الْقَاضِي بِقُرْطُبَةَ سَعِيدُ بْنُ «9» سُلَيْمَانَ فِي بَعْضِ أَجْوِبَتِهِ: «مَنْ سَبَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ قُتِلَ» .
وَقَالَ سُحْنُونٌ «10» : «مَنْ شَتَمَ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَعَلَيْهِ القتل» .
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (153) رقم (1) .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «609» رقم «10» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «6» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «556» رقم «12» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «628» رقم «5» .
(7) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «5» .
(8) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «3» .
(9) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «584» رقم «9» .
(10) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «6» .(2/642)
وَفِي النَّوَادِرِ «1» عَنْ مَالِكٍ «2» : «فِيمَنْ قَالَ: إِنَّ جِبْرِيلَ أَخْطَأَ بِالْوَحْيِ وَإِنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ عَلِيَّ بْنَ «3» أَبِي طَالِبٍ. اسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ» .
وَنَحْوُهُ عَنْ سُحْنُونٍ. وَهَذَا قَوْلُ الْغُرَابِيَّةِ «4» مِنَ الرَّوَافِضِ..
سُمُّوا بِذَلِكَ لِقَوْلِهِمْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْبَهَ بِعَلِيٍّ مِنَ الْغُرَابِ بِالْغُرَابِ»
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ «5» وَأَصْحَابُهُ عَلَى أَصْلِهِمْ: «مَنْ كَذَّبَ بِأَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ تنقّص أحدا منهم أو برىء مِنْهُ فَهُوَ مُرْتَدٌّ» .
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ «6» الْقَابِسِيُّ: فِي الَّذِي قَالَ لِآخَرَ: كَأَنَّهُ وَجْهُ مَالِكٍ «7» الْغَضْبَانِ.. لَوْ عُرِفَ أَنَّهُ قَصَدَ ذَمَّ الْمَلَكِ قُتِلَ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو «8» الْفَضْلِ: وَهَذَا كُلُّهُ فيمن تكلم فيهم بما قلناه
__________
(1) النوادر: كتاب لابن أبي زيد.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «340» رقم (7) .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «54» رقم «4» .
(4) الغرابية: فرقة من الرافضة قالوا علي أشبه بمحمد من الغراب بالغراب. والذباب بالذباب.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (499) رقم (6) .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (76) رقم (2) .
(7) مالك خازن النار.
(8) أبو الفضل القاضي عياض مؤلف الكتاب(2/643)
عَلَى جُمْلَةِ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ، أَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ مِمَّنْ حَقَّقْنَا كَوْنَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ مِمَّنْ نَصَّ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ، أَوْ حَقَّقْنَا عِلْمَهُ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ وَالْمُشْتَهِرِ الْمُتَّفِقِ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ الْقَاطِعِ، كَجِبْرِيلَ «1» وَمِيكَائِيلَ وَمَالِكٍ، وَخَزَنَةِ الْجَنَّةِ، وَجَهَنَّمَ وَالزَّبَانِيَةِ وَحَمَلَةِ الْعَرْشِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَمَنْ سُمِّيَ فِيهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَكَعِزْرَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ وَرِضْوَانَ، وَالْحَفَظَةِ وَمُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ «2» مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَى قَبُولِ الْخَبَرِ بِهِمَا.. فَأَمَّا مَنْ لم تثبت الأخبار بتعيينه كَهَارُوتَ وَمَارُوتَ فِي الْمَلَائِكَةِ، وَالْخَضِرِ «3» وَلُقْمَانَ «4» وَذِي الْقَرْنَيْنِ «5» وَمَرْيَمَ «6» وَآسِيَةَ «7» وَخَالِدِ بْنِ «8» سِنَانَ (الْمَذْكُورِ أنه نبي أهل
__________
(1) جبريل: إيل بالعبرانية اسم من أسماء الله ومعنى جبرائيل عبد الله.
(2) ورد ذكرهما في الصحيحين، وقال السيوطي إن حديث ملكي السؤال متواتر.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (923) رقم (1) .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (187) رقم (6) .
(5) ذو القرنين: كان في زمن الخليل عليه الصلاة السلام.
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (209) رقم (4) .
(7) آسية: إمرأة فرعون وكانت مؤمنة صالحة.
(8) خالد بن سنان: روي تصته الحاكم في مستدركه وله طرق أخرى تقتضي أنه غير موضوع وكان هو وقومه يسكنون عدن فخرجت نار عظيمة فالتجأ إليه قومه فطردها بعصاه ثم أوصى قومه بوصايا فيها خير فلم ينفذوها.(2/644)
الرس) وزرادشت «1» الذي تدعي المجوس والمؤرخون نُبُوَّتَهُ، فَلَيْسَ الْحُكْمُ فِي سَابِّهِمْ وَالْكَافِرِ بِهِمْ كَالْحُكْمِ فِيمَنْ قَدَّمْنَاهُ.. إِذْ لَمْ تَثْبُتْ لَهُمْ تِلْكَ الْحُرْمَةُ.. وَلَكِنْ يُزْجَرُ مَنْ تَنَقَّصَهُمْ وَآذَاهُمْ، ويؤدب بقدر حال المقول فيه، لَا سِيَّمَا مَنْ عُرِفَتْ صِدِّيقِيَّتُهُ وَفَضْلُهُ مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ نُبُوَّتُهُ.
وَأَمَّا إِنْكَارُ نُبُوَّتِهِمْ، أَوْ كَوْنِ الْآخَرِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَإِنْ كَانَ الْمُتَكَلِّمُ فِي ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلَا حَرَجَ، لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَوَامِّ النَّاسِ زُجِرَ عَنِ الْخَوْضِ فِي مِثْلِ هَذَا. فَإِنْ عَادَ أُدِّبَ إِذْ لَيْسَ لَهُمُ الْكَلَامُ فِي مِثْلِ هَذَا.
وَقَدْ كَرِهَ السَّلَفُ الْكَلَامَ فِي مِثْلِ هَذَا مِمَّا لَيْسَ تحته عمل لأهل العلم، فكيف للعامة!
__________
(1) زرادشت: تدعي المجوس نبوته، وقيل إنه كان نبيا ولكن قومه حرفوا شريعته بعده.(2/645)
الفصل التاسع الحكم بالنسبة للقرآن
وَاعْلَمْ أَنَّ مَنِ اسْتَخَفَّ بِالْقُرْآنِ، أَوِ الْمُصْحَفِ، أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ، أَوْ سَبَّهُمَا، أَوْ جَحَدَهُ، أَوْ حَرْفًا مِنْهُ، أَوْ آيَةً أَوْ كَذَّبَ به، أو بشيء منه.. أو بِشَيْءٍ مِمَّا صُرِّحَ بِهِ فِيهِ مِنْ حُكْمٍ، أَوْ خَبَرٍ، أَوْ أَثْبَتَ مَا نَفَاهُ، أَوْ نَفَى مَا أَثْبَتَهُ.. عَلَى عِلْمٍ مِنْهُ بِذَلِكَ، أَوْ شَكَّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَهُوَ كَافِرٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِإِجْمَاعٍ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ. «1» »
عَنْ أَبِي «2» هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «3» : «الْمِرَاءُ «4» فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ» تؤوّل بمعنى «الشك» وبمعنى «الجدال»
__________
(1) الاية: 42-- 43 سورة فصلت
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (31) رقم (5) .
(3) في حديث رواه أبو دأود واحمد بن حنبل في مسنده.
(4) المراء: بكسر الميم وراء مهملة قبل مد التردد والمماراة المحاجة.(2/646)
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «1» عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : «مَنْ جَحَدَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَدْ حَلَّ ضَرْبُ عُنُقِهِ..»
وَكَذَلِكَ إِنْ جَحَدَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَكُتُبَ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةَ أَوْ كَفَرَ بِهَا، أَوْ لَعَنَهَا، أَوْ سَبَّهَا، أَوِ اسْتَخَفَّ بِهَا فَهُوَ كَافِرٌ.
وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْقُرْآنَ الْمَتْلُوَّ فِي جَمِيعِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ الْمَكْتُوبَ فِي الْمُصْحَفِ بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ مِمَّا جَمَعَهُ الدَّفَّتَانِ مِنْ أَوَّلِ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ «3» ) إلى آخر (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ، وَوَحْيُهُ الْمُنَزَّلُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. وَأَنَّ جَمِيعَ مَا فِيهِ حَقٌّ. وَأَنَّ مَنْ نَقَصَ مِنْهُ حَرْفًا قَاصِدًا لِذَلِكَ، أَوْ بَدَّلَهُ بِحَرْفٍ آخَرَ مَكَانَهُ، أَوْ زَادَ فِيهِ حَرْفًا مِمَّا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَيْهِ الْمُصْحَفُ الَّذِي وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ وَأَجْمَعَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْقُرْآنِ عَامِدًا لِكُلِّ هَذَا. أَنَّهُ كَافِرٌ
وَلِهَذَا رَأَى مَالِكٌ «4» قَتْلَ مَنْ سَبَّ عَائِشَةَ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِالْفِرْيَةِ لِأَنَّهُ خَالَفَ الْقُرْآنَ، وَمَنْ خَالَفَ القرآن قتل.. أي لأنه كذّب بما فيه.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (52) رقم (1) .
(2) في حديث رواجه ابن ماجه
(3) الحمد لله رب العالمين: كأنها أصبحت علما على سورة الفاتحة.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (341) رقم (7) .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (146) رقم (5) .(2/647)
وَقَالَ ابْنُ «1» الْقَاسِمِ: «مَنْ قَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا يُقْتَلُ» .
وَقَالَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ «2» بْنُ مَهْدِيٍّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ «3» سُحْنُونٍ:
فِيمَنْ قَالَ: «الْمُعَوِّذَتَانِ لَيْسَتَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ يُضْرَبُ عُنُقُهُ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ كَذَّبَ بِحَرْفٍ مِنْهُ» .
قَالَ: «وَكَذَلِكَ إِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا، وَشَهِدَ آخَرُ عليه أنه قال: إن الله لم يتخذ إِبْرَاهِيمَ خَلَيِلًا لِأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا عَلَى أَنَّهُ كَذَّبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
وَقَالَ أَبُو عثمان «4» الْحَدَّادِ: «جَمِيعُ مَنْ يَنْتَحِلُ التَّوْحِيدَ مُتَّفِقُونَ أَنَّ الْجَحْدَ لِحَرْفٍ مِنَ التَّنْزِيلِ كُفْرٌ» .
وَكَانَ أَبُو «5» الْعَالِيَةِ إِذَا قَرَأَ عِنْدَهُ رَجُلٌ لَمْ يَقُلْ لَهُ: لَيْسَ كَمَا قَرَأْتَ وَيَقُولُ: أَمَّا أَنَا فأقرأ كذا. فبلغ ذلك إبراهيم «6» فقال:
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (153) رقم (6) .
(2) عبد الرحمن بن مهدي: بن حسان أبو سعيد البصري اللؤلؤي الحافظ أحد الأعلام في الحديث. قال ابن المديني: كان أعلم الناس بالحديث ولد في سنة خمس وثلاثين ومائة، وتوفي سنة ثمان وتسعين ومائة وأخرج له الستة.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (609) رقم (10) .
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (503) رقم (5) .
(5) أبو العالية متعدد ولا يعرف المراد هنا.
(6) إبراهيم: الظاهر أنه النخعي لشهرته ويحتمل أنه التميمي وقد تقدمت ترجمته في ج 1 ص (361) رقم (11) .(2/648)
أَرَاهُ سَمِعَ أَنَّهُ مَنْ كَفَرَ بِحَرْفٍ مِنْهُ فقد كفر به كلية.
وقال عبد الله بن «1» مسعود «2» : من كفر باية من القرآن فَقَدْ كَفَرَ بِهِ كُلِّهِ.
وَقَالَ أَصْبَغُ بْنُ «3» الْفَرَجِ: مَنْ كَذَّبَ بِبَعْضِ الْقُرْآنِ فَقَدْ كَذَّبَ بِهِ كُلِّهِ وَمَنْ كَذَّبَ بِهِ فَقَدْ كَفَرَ بِهِ، وَمَنْ كَفَرَ بِهِ فَقَدْ كَفَرَ بِاللَّهِ.
وَقَدْ سُئِلَ الْقَابِسِيُّ «4» عَمَّنْ خَاصَمَ يَهُودِيًّا فَحَلَفَ لَهُ بِالتَّوْرَاةِ..
فَقَالَ الْآخَرُ: لَعَنَ اللَّهُ التَّوْرَاةَ، فَشَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شَاهِدٌ ثُمَّ شَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنِ الْقَضِيَّةِ فَقَالَ إِنَّمَا لَعَنْتُ تَوْرَاةَ الْيَهُودِ.. فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: الشَّاهِدُ الْوَاحِدُ لَا يُوجِبُ الْقَتْلَ، وَالثَّانِي عَلَّقَ الْأَمْرَ بِصِفَةٍ تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ.. إِذْ لَعَلَّهُ لَا يَرَى الْيَهُودَ مُتَمَسِّكِينَ بِشَيْءٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِتَبْدِيلِهِمْ، وَتَحْرِيفِهِمْ، وَلَوِ اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ عَلَى لَعْنِ التَّوْرَاةِ مُجَرَّدًا لَضَاقَ التَّأْوِيلُ.
وَقَدِ اتَّفَقَ فُقَهَاءُ بَغْدَادَ عَلَى استتابة ابن شنبوذ «5» المقرىء أحد
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (214) رقم (2) .
(2) رواه عبد الرزاق عنه.
(3) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (153) رقم (5) .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (76) رقم (2) .
(5) ابن شنبوذ: هو أبو الحسن محمد بن أحمد بن أيوب بن صلت بن شنبوذ وهو من أعلام القراء من أقران ابن مجاهد، وكان بينهما منافة. وكان من أعيان العلماء الرؤساء مع غفلته. أنكرت عليه بعض القراآت.(2/649)
أَئِمَّةِ الْمُقْرِئِينَ الْمُتَصَدِّرِينَ بِهَا مَعَ ابْنِ مُجَاهِدٍ «1» لقراءته وإقراءه بِشَوَاذَّ مِنَ الْحُرُوفِ مِمَّا لَيْسَ فِي الْمُصْحَفِ.. وعقدوا عليه- بالرجوع عنه، والتوبة منه- سِجِلًّا أَشْهَدَ فِيهِ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ فِي مَجْلِسِ الْوَزِيرِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ «2» مُقْلَةَ سَنَةَ ثلاث وعشرين وثلاثمئة.
وَكَانَ فِيمَنْ أَفْتَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ «3» الْأَبْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَفْتَى أَبُو مُحَمَّدِ «4» بْنُ أَبِي زَيْدٍ بِالْأَدَبِ فِيمَنْ قَالَ لِصَبِيٍّ: لَعَنَ اللَّهُ معلمك وما علمك.. وقال: أَرَدْتُ سُوءَ الْأَدَبِ وَلَمْ أُرِدِ الْقُرْآنَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَمَّا مَنْ لَعَنَ الْمُصْحَفَ فَإِنَّهُ يقتل.
__________
(1) ابن مجاهد: أحمد بن موسى بن العباس بين مجاهد التميمي الأستاذ أبو بكر البغدادي رئيس القراء وهو أول من جمع القراآت ولد سنة خمس وأربعين ومائتين.
(2) أبو علي بن مقلة: الوزير الكاتب المشهور استوزره الخليفة المقتدر بالله واتهمه فأمره فاستعفاه من الوزراة. فلما تولى الراضي بالله استؤزره ثم غضب عليه وقطع يده وسجنه.
(3) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (331) رقم (4) .
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (479) رقم (5) .(2/650)
الْفَصْلُ الْعَاشِرُ الْحُكْمُ فِي سَبِّ آلِ الْبَيْتِ والأزواج والأصحاب
وسبّ آل بيته وأزواجه أمهات المؤمنين وأصحابه صلّى الله عليه وسلم وثنقصها حرام ملعون فاعله.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ «1» مُغَفَّلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : «اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فَقَدْ آذَى اللَّهَ.. وَمَنْ آذَى اللَّهَ يُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ..»
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَمَنْ سَبَّهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا.»
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (64) رقم (8) .
(2) في حديث صحيح رواه الترمذي.(2/651)
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَإِنَّهُ يَجِيءُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَسُبُّونَ أَصْحَابِي فَلَا تُصَلُّوا عَلَيْهِمْ، وَلَا تُصَلُّوا مَعَهُمْ، وَلَا تُنَاكِحُوهُمْ، وَلَا تُجَالِسُوهُمْ، وَإِنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ.»
وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَاضْرِبُوهُ.» وَقَدْ أَعْلَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ سَبَّهُمْ وَأَذَاهُمْ يُؤْذِيهِ وَأَذَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرام»
فقال: «لا تؤذوا أَصْحَابِي، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي..
وَقَالَ: «لَا تُؤْذُونِي فِي عَائِشَةَ «1» .» وَقَالَ فِي فَاطِمَةَ «2» : «بِضْعَةٌ مِنِّي يُؤْذِينِي مَا آذَاهَا «3» ..»
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا فَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ «4» فِي ذَلِكَ:
الِاجْتِهَادُ وَالْأَدَبُ الْمُوجِعُ قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَنْ شَتَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُتِلَ وَمَنْ شَتَمَ أَصْحَابَهُ أُدِّبَ.
وَقَالَ أَيْضًا: مَنْ شَتَمَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم أبا بكر «5»
__________
(1) تقدمت ترجمتها في ج 1 ص (146) رقم (5) .
(2) تقدمت ترجمتها في ج 1 ص (412) رقم (2) .
(3) والحديث في الصحيحين.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «156» رقم «6» .(2/652)
أَوْ عُمَرَ «1» ، أَوْ عُثْمَانَ «2» ، أَوْ مُعَاوِيَةَ «3» ، أَوْ عَمْرَو «4» بْنَ الْعَاصِ فَإِنْ قَالَ: كَانُوا عَلَى ضَلَالٍ وَكُفْرٍ قُتِلَ، وَإِنْ شَتَمَهُمْ بِغَيْرِ هَذَا مِنْ مُشَاتَمَةِ النَّاسِ نُكِّلَ نَكَالًا شَدِيدًا.
وَقَالَ ابْنُ «5» حَبِيبٍ: مَنْ غَلَا مِنَ الشِّيعَةِ إِلَى بُغْضِ عُثْمَانَ وَالْبَرَاءَةِ مِنْهُ أُدِّبَ أَدَبًا شَدِيدًا، وَمَنْ زَادَ إِلَى بُغْضِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فالعقوبة عليه أشد ويكرر ضربه، ويطال جنه حَتَّى يَمُوتَ، وَلَا يُبْلَغُ بِهِ الْقَتْلُ إِلَّا فِي سَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ سُحْنُونٌ «6» : مَنْ كَفَّرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا «7» أَوْ عُثْمَانَ، أَوْ غَيْرَهُمَا يُوجَعُ ضَرْبًا.
وَحَكَى أَبُو محمد «8» بن أبي زيد عن سحنون فيمن قَالَ فِي أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ إنهم كانوا على ضلال وَكُفْرٍ قُتِلَ، وَمَنْ شَتَمَ غَيْرَهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ بمثل هذا نكّل النكال الشديد.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «569» رقم «6» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «359» رقم «2» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «49» رقم «6» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «1» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «3» .
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «54» رقم «4» .
(8) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «479» رقم «5» .(2/653)
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: مَنْ سَبَّ أَبَا بَكْرٍ جُلِدَ، وَمَنْ سَبَّ عَائِشَةَ «1» قُتِلَ.. قِيلَ لَهُ: لِمَ؟ قَالَ: مَنْ رَمَاهَا فَقَدْ خَالَفَ الْقُرْآنَ.
وَقَالَ ابْنُ «2» شَعْبَانَ عَنْهُ: لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ «يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ «3» » فَمَنْ عَادَ لِمِثْلِهِ فَقَدْ كَفَرَ.
وَحَكَى أَبُو الْحَسَنِ «4» الصَّقَلِّيُّ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرِ بْنَ «5» الطَّيِّبَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا ذَكَرَ فِي الْقُرْآنِ مَا نَسَبَهُ إِلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ سَبَّحَ نَفْسَهُ لِنَفْسِهِ كَقَوْلِهِ: «وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً «6» » فِي آيٍ كَثِيرَةٍ، وَذَكَرَ تَعَالَى مَا نَسَبَهُ الْمُنَافِقُونَ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَ: «وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ: مَا يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ «7» » سَبَّحَ نَفْسَهُ فِي تَبْرِئَتِهَا مِنَ السُّوءِ كَمَا سَبَّحَ نَفْسَهُ فِي تَبْرِئَتِهِ مِنَ السُّوءِ، وَهَذَا يَشْهَدُ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِي قَتْلِ مَنْ سَبَّ عائشة.
__________
(1) تقدمت ترجمتها في ج 1 ص «146» رقم «5» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «702» رقم «3» .
(3) الاية: 18 سورة النور.
(4) تقدمت ترجمته في ج ص «» رقم «»
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «385» رقم «1» .
(6) الاية: 118 سورة البقرة.
(7) الاية: 17 سورة البقرة.(2/654)
وَمَعْنَى هَذَا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّ اللَّهَ لَمَّا عَظَّمَ سَبَّهَا كَمَا عَظَّمَ سَبَّهُ وَكَانَ سَبُّهَا سَبًّا لِنَبِيِّهِ، وَقَرَنَ سَبَّ نَبِيِّهِ وَأَذَاهُ بِأَذَاهُ تَعَالَى، وَكَانَ حُكْمُ مُؤْذِيهِ تَعَالَى الْقَتْلَ كَانَ مُؤْذِي نَبِيِّهِ كَذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
- وَشَتَمَ رَجُلٌ عَائِشَةَ بِالْكُوفَةِ، فَقُدِّمَ إِلَى مُوسَى «1» بْنِ عِيسَى الْعَبَّاسِيِّ فَقَالَ: مَنْ حَضَرَ هَذَا؟ فَقَالَ ابْنُ أبي «2» ليلى: أنا..
فجلد ثمانين، وحلق رأسه وأسلمه للحجامين.
وَرُوِيَ «3» عَنْ عُمَرَ بْنِ «4» الْخَطَّابِ أَنَّهُ نَذَرَ قَطْعَ لِسَانِ عُبَيْدِ «5» اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إِذْ شَتَمَ الْمِقْدَادَ «6» بْنَ الْأَسْوَدِ. فَكُلِّمَ فِي ذَلِكَ..
فَقَالَ: دَعُونِي أَقْطَعْ لِسَانَهُ حَتَّى لَا يَشْتُمَ أَحَدٌ بَعْدُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَرَوَى أَبُو ذَرٍّ «7» الْهَرَوِيُّ أَنَّ عُمَرَ بن الخطاب أتي بأعرابي
__________
(1) موسى بن عيسى: الذي في التواريخ انه عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، وأول من ولي الخلافة من بني العباس السفاح وجعل ولي العهد بعده أخاه المنصور وبعده عيسى بن موسى فمات قبل المهدي سنة ثمان وستين ومائة وكان قد خلع نفسه كرها ولان المنصور أراد لابنه المهدي الخلافة بعده.
(2) ابن أبي ليلى: محمد بن عبد الرحمن الانصاري الفقيه المشهور كان صاحب قراءة وعنه أخذ حمزة أحد القراء السبعة وكان أفقه أهل عصره وأعلمهم بالسنة حتى وصل لمرتبة الاجتهاد.
(3) رواه الخطيب وابن عساكر في التاريخ عن أبي ذر الغفاري.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4» .
(5) تقدمت ترجمته في ج ص «» رقم «» .
(6) المقداد بن الاسود: بن عمرو بن ثعلبة النهرواني والحضرمي شهد المقداد بدرا وما بعدها ومات ببلده فحمل للمدينة ودفن بها وصلّى عليه عثمان سنة ثلاث وثلاثين وهو ابن سبعين وكان رضي الله عنه من كبار الصحابة ولذلك غضب عمر على عبيد الله.
(7) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «267» رقم «1» .(2/655)
يَهْجُو الْأَنْصَارَ فَقَالَ: لَوْلَا أَنَّ لَهُ صُحْبَةً لَكَفَيْتُكُمُوهُ قَالَ مَالِكٌ «1» :
مَنِ انْتَقَصَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيْسَ لَهُ فِي هَذَا الْفَيْءِ حَقٌّ.. قَدْ قَسَمَ اللَّهُ الْفَيْءَ فِي ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ فَقَالَ: «لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ «2» » الاية ثم قال: «وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ «3» » الْآيَةَ وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْأَنْصَارُ.. ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ.. «4» » الْآيَةَ فَمَنْ تَنَقَّصَهُمْ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ.
وَفِي كِتَابِ ابْنِ «5» شَعْبَانَ: مَنْ قَالَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِنَّهُ ابْنُ زَانِيَةٍ وَأُمُّهُ مَسْلَمَةٌ حُدَّ عِنْدِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا حَدَّيْنِ.. حَدًّا لَهُ وَحَدًّا لِأُمِّهِ وَلَا أَجْعَلُهُ كَقَاذِفِ الْجَمَاعَةِ فِي كَلِمَةٍ لِفَضْلِ هَذَا عَلَى غَيْرِهِ.
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَاجْلِدُوهُ» .
قَالَ: وَمَنْ قَذَفَ أُمَّ أَحَدِهِمْ وَهِيَ كَافِرَةٌ حُدَّ حَدَّ الْفِرْيَةِ لِأَنَّهُ سَبٌّ لَهُ.. فَإِنْ كَانَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ هَذَا الصحابي حيّا قام بما يجب
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(2) الاية: 9 سورة الحشر.
(3) الاية: 10 سورة الحشر.
(4) الاية: 11 سورة الحشر.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «702» رقم «3» .(2/656)
له، وإلا فمن قام مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ عَلَى الْإِمَامِ قَبُولُ قِيَامِهِ.
قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا كَحُقُوقِ غَيْرِ الصَّحَابَةِ لِحُرْمَةِ هَؤُلَاءِ بِنَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ سَمِعَهُ الْإِمَامُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ كَانَ وَلِيَّ الْقِيَامِ بِهِ قَالَ: وَمَنْ سَبَّ غَيْرَ عَائِشَةَ «1» مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِيهَا قَوْلَانِ.
أَحَدُهُمَا: يُقْتَلُ لِأَنَّهُ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم يسب حَلِيلَتِهِ «2»
وَالْآخَرُ: أَنَّهَا كَسَائِرِ الصَّحَابَةِ يُجْلَدُ حَدَّ الْمُفْتَرِي
قَالَ: وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ.
وَرَوَى أَبُو «3» مُصْعَبٍ عن مالك «4» .: فيمن سب من انْتَسَبَ إِلَى بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضْرَبُ ضَرْبًا وَجِيعًا، وَيُشْهَرُ وَيُحْبَسُ طَوِيلًا حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ، لِأَنَّهُ اسْتِخْفَافٌ بِحَقِّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَفْتَى أَبُو الْمُطَرِّفِ «5» الشَّعْبِيُّ فَقِيهُ مَالِقَةَ فِي رَجُلٍ أَنْكَرَ تَحْلِيفَ
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج ص «146» رقم «5» .
(2) حليلته: زوجته من الحلال.
(3) أبو مصعب: أحمد بن أبي بكر القاسم بن الحارث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن الزهري المدني قاضي المدينة كما تقدم.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (341) رقم (7) .
(5) ابو المطرف الشعبي محمد بن عبد السلام قرشي رحمه الله سمع من الاعناقي بوان لبابة وكان حافظا للفقه والوثائق مفتيا.(2/657)
امْرَأَةٍ بِاللَّيْلِ وَقَالَ: لَوْ كَانَتْ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ «1» الصِّدِّيقِ مَا حُلِّفَتْ إِلَّا بِالنَّهَارِ.
وَصَوَّبَ قَوْلَهُ بَعْضُ الْمُتَّسِمِينَ بِالْفِقْهِ فَقَالَ أَبُو الْمُطَرِّفِ: ذِكْرُ هَذَا لِابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ فِي مِثْلِ هَذَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الضَّرْبَ الشَّدِيدَ وَالسِّجْنَ الطَّوِيلَ.
والفقيه الذي صوّب قوله هو أخص باسم الفسق من اسم الفقه فيتقدّم إليه فِي ذَلِكَ وَيُزْجَرُ وَلَا تُقْبَلُ فَتْوَاهُ، وَلَا شَهَادَتُهُ، وَهِيَ جُرْحَةٌ ثَابِتَةٌ فِيهِ، وَيُبْغَضُ فِي اللَّهِ.
وَقَالَ أَبُو «2» عِمْرَانَ فِي رَجُلٍ قَالَ: لَوْ شَهِدَ عَلَيَّ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَنَّهُ إِنْ كَانَ أَرَادَ أَنَّ شَهَادَتَهُ فِي مِثْلِ هَذَا لَا يَجُوزُ فِيهِ الشَّاهِدُ الْوَاحِدُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَ أَرَادَ غَيْرَ هَذَا فَيُضْرَبُ ضَرْبًا يَبْلُغُ بِهِ حَدَّ الْمَوْتِ وَذَكَرُوهَا رِوَايَةً.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو «3» الْفَضْلِ: هُنَا انْتَهَى الْقَوْلُ بِنَا فِيمَا حَرَّرْنَاهُ وَانْتَجَزَ الْغَرَضُ الَّذِي انتحيناه، واستوفي الشرط الذي شرطناه مما
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (56) رقم (6) .
(2) تقدمت ترجمته في ج 2 ص () رقم () .
(3) أبو الفضل: المصنف(2/658)
أرجو أنّ فِي كُلِّ قِسْمٍ مِنْهُ لِلْمُرِيدِ مَقْنَعٌ وَفِي كُلِّ بَابٍ مَنْهَجٌ إِلَى بُغْيَتِهِ وَمَنْزَعٌ.
وَقَدْ سَفَرْتُ فِيهِ عَنْ نُكَتٍ تُسْتَغْرَبُ وَتُسْتَبْدَعُ، وَكَرَعْتُ فِي مَشَارِبَ مِنَ التَّحْقِيقِ لَمْ يُورَدْ لَهَا قَبْلُ فِي أَكْثَرِ التَّصَانِيفِ مَشْرَعٌ وَأَوْدَعْتُهُ غَيْرَ مَا فَصْلٍ وَدِدْتُ لَوْ وَجَدْتُ مَنْ بَسَطَ قبلي الكلام فيه، أو مقتدى يفيد فيه عَنْ كِتَابِهِ أَوْ فِيهِ «1» ، لِأَكْتَفِيَ بِمَا أَرْوِيهِ
وإلى الله تعالى جزيل الضراعة والمنة بِقَبُولِ مَا مِنْهُ لِوَجْهِهِ، وَالْعَفْوِ عَمَّا تَخَلَّلَهُ مِنْ تَزَيُّنٍ وَتَصَنُّعٍ لِغَيْرِهِ، وَأَنْ يَهَبَ لَنَا ذَلِكَ بِجَمِيلِ كَرَمِهِ وَعَفْوِهِ، لِمَا أَوْدَعْنَاهُ مِنْ شَرَفِ مُصْطَفَاهْ وَأَمِينِ وَحْيِهِ وَأَسْهَرْنَا بِهِ جُفُونَنَا لِتَتَبُّعِ فَضَائِلِهِ، وَأَعْمَلْنَا فِيهِ خَوَاطِرَنَا مِنْ إِبْرَازِ خَصَائِصِهِ وَوَسَائِلِهِ، وَيَحْمِيَ أَعْرَاضَنَا عَنْ نَارِهِ الْمُوقَدَةِ لِحِمَايَتِنَا كَرِيمَ عِرْضِهِ، وَيَجْعَلَنَا مِمَّنْ لَا يُذَادُ إِذَا ذِيدَ الْمُبَدِّلُ عَنْ حَوْضِهِ، وَيَجْعَلَهُ لَنَا وَلِمَنْ تَهَمَّمَ بِاكْتِتَابِهِ، وَاكْتِسَابِهِ سَبَبًا يَصِلُنَا بِأَسْبَابِهِ، وَذَخِيرَةً نَجِدُهَا يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا نَحُوزُ بِهَا رِضَاهُ وجزيل ثوابه، ويخصّنا بخصّيص زُمْرَةِ نَبِيِّنَا وَجَمَاعَتِهِ، وَيَحْشُرَنَا فِي الرَّعِيلِ الْأَوَّلِ، وأهل الباب الأيمن ومن أهل شفاعته.
__________
(1) فيه: هنا معناها فمه(2/659)
وَنَحْمَدُهُ تَعَالَى عَلَى مَا هَدَى إِلَيْهِ مِنْ جَمْعِهِ، وَأَلْهَمَ وَفَتَحَ الْبَصِيرَةَ لِدَرْكِ حَقَائِقِ مَا أَوْدَعْنَاهُ وَفَهَّمَ، وَنَسْتَعِيذُهُ جَلَّ اسْمُهُ مِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ، وَعِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَعَمَلٍ لَا يُرْفَعُ، فَهُوَ الْجَوَادُ الَّذِي لَا يُخَيِّبُ مَنْ أَمَّلَهُ وَلَا يُنْتَصَرُ مَنْ خَذَلَهُ.. وَلَا يَرُدُّ دَعْوَةَ الْقَاصِدِينَ، وَلَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ.
وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَصَلَاتُهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ..(2/660)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
مسرد الفصول والأبواب والعناوين الجانبية
الصفحة الموضوعات
1 الجزء الثاني
3 القسم الثاني: فيما عَلَى الْأَنَامِ مِنْ حُقُوقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
5 مقدسة القسم الثاني
(الْبَابُ الْأَوَّلُ) فِي فَرْضِ الْإِيمَانِ بِهِ وَوُجُوبِ طاعته واتباع سنته
9 الفصل الاول: فرض الايمان به- لا يتم الايمان إلا به- الايمان تصديق بالقلب واقرار باللسان- لم يجعل للبشر سبيل الى السرائر- تصديق القلب دون اللسان- الشهادة انشاء عقد والتزام إيمان.
16 الفصل الثاني: وجوب طاعته- وجوب طاعته من الايمان به- طاعة الرسول وكيف تكون- من أطاعني دخل الجنة- تصوير نبوي جميل- صورة أخرى.
21 الفصل الثالث: وجوب اتباعه وامثال سننه والاقتداء به- سبب نزول «قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني» - المحبة هي الطاعة- من رضي بقولي فقد رضي بالقرآن.(2/661)
الصفحة الموضوعات 29 الفصل الرابع: مَا وَرَدَ عَنِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنِ اتِّبَاعِ سنته والاقتداء بهديه وسيرته- نفعل كما رأيناه يفعل- الاعتصام بالسنة نجاة- اصحاب السنن اعلم بكتاب الله- قول عمر للحجر الاسود- اتباع وتدقيق- استجلاب الحكمة- اقتداء بالنبي- أكل من حلال- اخلاص النية- غفر له باستعمال السنة.
36 الفصل الخامس: خطر مخالفة امره- الذي يذادون عن المرض- تحذير منكر السنة- المتنطعون.
41 (الْبَابُ الثَّانِي) فِي لُزُومِ مَحَبَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم 43 الفصل الاول: لزوم محبته صلّى الله عليه وسلم- المحبة ومداها- لذة المحبة- الان يا عمر- صلاة السنة.
46 الفصل الثاني: ثواب محبته صلّى الله عليه وسلم- حكمة الرسول في تحويل الجواب بسؤال آخر- المرء مع من أحب- صورة من محبة الصحابة- سبب نزولها.
49 الفصل الثالث: ما رُوِيَ عَنِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ مَحَبَّتِهِمْ لِلنَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم وشوقهم له- أشد الناس حبا له. محبة عمر. محبة عمر بن العاص- صورة من المحبة رائعة جميلة. محبة ابي بكر- كل مصيبة بعده جلل.
محبة علي- محبة عجوز وبكاء عمر- اذكر أحب الناس اليك- محبة بلال.
امرأة قتلتها المحبة- زيد بن الوثنة عند مقتله- المهاجرات.
56 الفصل الرابع: علامة محبته صلّى الله عليه وسلم- الاقتداء- ايثاره شرع الله على هواه(2/662)
الصفة الموضوعات
- إنه يحب الله ورسوله- كثرة ذكره- شوقه للقياه- توقيره عند ذكره- حالة الصحابة عند ذكره صلّى الله عليه وسلم- حبيب الحبيب محبوب- محبته الاصحاب- من محبته لفاطمة- محبته لاسامة- حب الانصار- ما زلت أحب الدباء- تقليده في ملبسه- بغض من ابغض الله ورسوله- حب القرآن- من علامات محبته الزهد في الدنيا- المحبة والابتلاء.
66 الفصل الخامس: مَعْنَى الْمَحَبَّةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحقيقتها- المحبة اتباع- المحبة انقياد ودفاع- المحبة دوام الذكر- الايثار- الشوق- اخضاع القلب- ميل القلب- حقيقتها الميل- يقويها لمحبة الاحسان- وسيلتنا الى ربنا- من خالطه معرفة أحبه.
71 الفصل السادس: وجوب منا صحته صلّى الله عليه وسلم- معنى النصيحة- نصيحة الله تعالى- النصيحة لكتابه- النصيحة لرسوله- معنى آخر- معنى آخر- نصحه في حياته- نصحه بعد وفاته- قصة الذي غفر له بمحبته وتمنيه نصرته. نصيحة ائمة المسلمين- نصيحة عامة المسلمين.
77 (الباب الثالث) في تنظيم أَمْرِهِ وَوُجُوبِ تَوْقِيرِهِ وَبِرِّهِ
79 الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: مَا ورد في ذلك- تعزروه- ادب القول والاستماع- ادب النداء- في من نزلت- راعنا.
86 الفصل الثاني: عادة الصحابة في تعظيمه وتوقيره واجلاله صلّى الله عليه وسلم- لا يملأ عينه منه اجلالا- كأنما على رؤوسهم الطير- يتبادرون وضوءه- حتى يطوف رسول الله صلّى الله عليه وسلم.(2/663)
الصفحة الموضوعات
91 الْفَصْلُ الثَّالِثُ: حُرْمَتُهُ وَتَوْقِيرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بعد موته- حرمته صلّى الله عليه وسلم ميتا كحرمته حيا- ابو جعفر المنصور ومالك- بل استقبله واستشفع به- حالة ايوب السختياني عند ذكره- يبكي حتى نرحمه- اصفرّ- على طهارة- كأنه نزف منه الدم- لا يبقى في عينيه دموع- كأنه ما عرفك- فلا يزال يبكي- خشع- أدب قراء الحديث.
97 الفصل الرابع: تعظيم السلف لرواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه- ورع عبد الله بن مسعود- كراهة أخذ الحديث قائما- كراهة الحديث مضطجعا- على وضوء- توضأ وتهيأ ولبس- حالة مالك عند الحديث- العقرب ومالك- ونحن نمشي- وهو قائم- وهو واقف- لو زادني سياطا.
104 الفصل الخامس: يرّا له وذريته وامهات المؤمنين- هؤلاء أهل بيتي- آية المباهلة- علي- عمه العباس- زيد والحسن- الحسن والحسين- استحيي من الله أن يراك على بابي- آثرت حُبَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم مالك وجعفر بن سليمان- لبدأت بحاجة علي.
116 الفصل السادس: توقير اصحابه وبرهم ومعرفة حقهم- احسن التأويلات ويسكت عما وراء ذلك- كالنجوم- هم كمثل الملح في الطعام- من احبهم فبحبي احبهم- ولا نصيغه- امسكوا- خصلتان منجيتان- براءة من النفاق- لا يقاس بهم احد- أحفظوني في اصحابي- شفاعة الصحابة.
126 الفصل السابع: اعزاز ماله من صلة بالنبي صلّى الله عليه وسلم من امكنة ومشاهد- لا أَحْلِقُهَا وَقَدْ مَسَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- قلنسوة خالد- ابن عمر يتبرك(2/664)
الصفحة الموضوعات
بالمنبر- مالك لا يركب بالمدينة دابة- فضل المدينة- قضيب النبي صلّى الله عليه وسلم ترجل ومشى باكيا- ما مشيت على قدمي- فضائل المدينة- شعر للمصنف-.
(الْبَابُ الرَّابِعُ) فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالتَّسْلِيمِ وفرض ذلك وفضيلته 137 الفصل الاول: معنى الصلاة عليه- البركة- الترحم والدعاء- معنى السلام.
140 الفصل الثاني: حكم الصلاة عليه- فرض على الجملة- فرض أن يأتي بها مرة- هي فرض في الصلاة.
149 الفصل الثالث: الْمَوَاطِنِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ فِيهَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي التَّشَهُّدِ- في الدعاء- أول الدعاء وأوسطه وآخره- أركان الدعاء- أجنحة الدعاء- مواقيت الدعاء- أسباب الدعاء- مواطن الصلاة عليه- مواطن الكراهة- يوم الجمعة- دخول المسجد- على الجنائز- في الرسائل- تشهد الصلاة.
160 الفصل الرابع: كيفية الصلاة عليه والتسليم- المكيال الأوفى- صلاة علي رضي الله عنه- صلاة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- حسنوا الصلاة عليه.
171 الفصل الخامس: فضيلة الصلاة والسلام عليه والدعاء له- الواحدة عشرة- حلت عيه الشفاعة- عشر درجات- ما شئت وان زدت فهو خير تكفى ويغفر ذنبك- بشارة- ماحقة الذنوب.
177 الفصل السادس: ذَمِّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم وإثمه- رغم أنف امرىء- البخيل الذي إذا ذكرت عنده فلم يصل علي- نسي طريق الجنة- جفاء.(2/665)
الفصل الموضوعات
182 الفصل السابع: تَخْصِيصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَبْلِيغِ صَلَاةِ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ أَوْ سَلَّمَ مِنَ الْأَنَامِ- سماعه الصلاه عليه- الملائكة السياحون- غرض الصلاة عليه- رد السلام عليهم.
186 الفصل الثامن: الِاخْتِلَافِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- الصلاة لغة- الرسول جد كل تقي- كراهة الصلاة على غير الأنبياء- الصلاة على الال بحكم التبع لا التخصيص.
194 الفصل التاسع: حُكْمِ زِيَارَةِ قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَضِيلَةِ مَنْ زَارَهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَكَيْفَ يُسَلِّمُ عليه- فضيلة مرغب بها- وجوب ندب وترغيب- سلام أنس- يقف ووجهه إلى القبر- سلام ابن عمر- التبرك باثاره صلّى الله عليه وسلم- دخول المسجد- الصلاة في الروضة أفضل- الواداع عند السفر- آداب دخول المسجد- آداب الخروج منه- مصلّى النبي صلّى الله عليه وسلم
208 الفصل العاشر: آداب دخول المسجد النبوي الشريف وفضله وفضل المدينة ومكة- مسجد أسس على التقوى- لا يرفع فيه الصوت- ثواب الصلاة فيه- الذين فضلوا مكة- موضع قبره أفضل بقاع الأرض- منبري على حوضي- معنى الروضة- فضائل المدينة- كرامة- ثلاث حجج- الركن الأسود- الميزاب- ركعتا المقام- استجابة الدعاء عند الملتزم.
(القسم الثالث) في مَا يَجِبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّهِ أَوْ يَجُوزُ عَلَيْهِ وَمَا يَمْتَنِعُ أَوْ يَصِحُّ مِنَ الْأَحْوَالِ الْبَشَرِيَّةِ أو يضاف إليه
224 مقدمة القسم الثالث- أجساد الأنبياء- أرواحهم- بواطنهم منزهة عن الافات.(2/666)
الصفحة الموضوعات (الباب الأول) في ما يَخْتَصُّ بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَالْكَلَامُ فِي عِصْمَةِ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عليهم أجمعين
230 الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي حُكْمِ عَقْدِ قَلْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَقْتِ نُبُوَّتِهِ) - الرسول صلّى الله عليه وسلم على غاية المعرفة بالله- لم يشك إبراهيم- أراد الكيفية والمشاهدة- أراد اختبار منزلته- سأل زيادة يقين- عين اليقين- ليزداد تمكنا- تقوية حجته- طلبا للجواب- لا يجوز الشك على النبي جملة- لم يشك ولم يسأل- المراد غيره- السؤال في الأخبار لا في التوحيد والشريعة- كان صلّى الله عليه وسلم أشد يقينا من أن يحتاج إلى سؤال- كذبوا من اتباعهم- بداءة الوحي- أما الان فلا- فعل خديجة لاختبار أمر الملك- توهين هذا الحديث- حمل هَذَا الْحَدِيثِ- النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يجهل صفة من صفات الله- مغاضبا لقومه لا لربه- الحادثة قبل نبوته- الغين- العدد للاستغفار- سهو النفس عن مشاهدة الحق بمقاساة البشر- توجيه الحديث- ما يهمه من أمر أمته- استغفاره تعليم- المقصود وعظهم.
257 الْفَصْلُ الثَّانِي: عِصْمَتُهُمْ مِنْ هَذَا قَبْلَ النُّبُوَّةِ- نشأ الأنبياء على التوحيد والايمان- لم يشرك الانبياء قبل النبوة- استخراج حظ الشيطان- ابراهيم والكواكب- ضال عن النبوة- الضلال التحير- مننت عليك بمعرفتي- زاد بالتكليف إيمانا- حديث موضوع أو شبيه به- أنكر هذا الحديث أحمد.
269 الفصل الثالث: معرفة الأنبياء بأمور الدنيا- لا يَصِحُّ مِنْهُ الْجَهْلُ بِشَيْءٍ مِنْ تَفَاصِيلِ الشَّرْعِ.
257 الفصل الرابع: العصمة من الشيطان- عصمة على الجسم والخاطر-(2/667)
الصفحة الموضوعات
تعرض الشيطان له صلّى الله عليه وسلم- طريقة غير مباشرة- العرب توجه كل ضر إلى الشيطان.
285 الْفَصْلُ الْخَامِسُ: صِدْقُ أَقْوَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في جميع أحواله- قامت المعجزة على صدقه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الخوف في القول في إبلاغ الشريعة- تنزيه النبي صلّى الله عليه وسلم واجب برهانا واجماعا.
288 الفصل السادس: دفع بعض الشبهات- شبهات- توحيد الحديث من جهة النقل- اضطرابات الروايات- توهين الحديث من جهة المعنى- عِصْمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الكفر عمدا أو سهوا- استحالة ذلك نظرا وعرفا- ما روي عن معاند فيها كلمة- ما قارب الرسول صلّى الله عليه وسلم ولا ركن- هذا لا يصح لأنه لا يجوز في حقه صلّى الله عليه وسلم ذلك- لا يصح هذا القول سهوا ولا عمدا- الشيطان يقلد صوت النبي- توجيه آخر- يونس عليه السلام وقومه- كاتب الرسول- شبهات أخرى- نصراني كان يكتب ثم ارتد- رواية المسلم المتهم لا يقبلها فكيف بالمرتد- افتراء وكذب.
311 الفصل السابع: حالته صلّى الله عليه وسلم في أخبار الدنيا- أخباره وآثاره وشمائله وسيره معتنى بها- لا يجوز عليهم الخلف في القول عمدا ولا غير عمد- قريش تعترف بصدقه قبل النبوة.
316 الفصل الثامن: رد بعض الاعتراضات- السهو في الصلاة- تجويز الوهم فيما ليس طريقه البلاغ- عامد ليسنّ- قول مرغوب عنه- الحق أنها لم تقتصر- لم ينس في (ظنه) وهو صدق- توجيه آخر- لم أنس ولكن نسيت فهو إنكار للفظ- اجري عليه ذلك ليسن- النبي صلّى الله عليه وسلم يسهو ولا ينسى- السهو شغل- النسيان غفلة- يشغله عن الصلاة ما في الصلاة- الدليل- ما قيل عن إبراهيم- باب المعاريض- توجيه إني سقيم- على طريق التبكيت- تورية النبي صلّى الله عليه وسلم عند غزواته-(2/668)
الصفحة الموضوعات
جوابه على علمه- الجىء مُوسَى إِلَى الْخَضِرِ لِلتَّأْدِيبِ لَا لِلتَّعْلِيمِ.
327 الْفَصْلُ التاسع: عصمتهم في الأعمال من الفواحش والموبقات- عصمة الانبياء من الكبائر- الإجماع- العقل والإجماع- الصغائر- عصمته من الكبائر والصغائر- قول الاشعرية وغيرهم- حالتهم في المباحات- لا يأخذون إلا الضرورات.
335 الفصل العاشر: عصمتهم من المعاصي قبل النبوة- امتنع ذلك نقلا- الامتناع عقلا- التوقن- إنه كان عاملا بشرع من قبله- مذهب القاضي أبي بكر هو الأصح- بالنسبة لبقية الانبياء.
340 الفصل الحادي عشر: السهو والنسيان في الافعال- جواز ذلك سهوا- السهو أفاده علم وتقرير شرع- ينبهون عليه ليعرف حكمه على النور- ما ليس طريقه البلاغ فيجوز النسيان على سبيل الندور- أصحاب القلوب يمنعون سهوه ونسيانه جملة.
344 الفصل الثاني عشر: الاحاديث المذكورة فِيهَا السَّهْوُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- السهو في الاخبار محال- ذو اليدين- حديث ابن بجينه- حديث ابن مسعود- حكمة السهو وشرطه- لا حجة لهم في قولهم.
353 الفصل الثالث عشر: الرد على من أجاز عليهم من الصغائر- احتجوا بما اختلف المفسرون في معناه- معنى: ما تقدم من ذنبك وما تأخر- معنى الغفران- الوزر- أنقض ظهرك- لم أذنت عليهم- لم يعده أهل العلم معاتبة- كان مخيرا- عنا ليس بمعنى غفر- عرض الدنيا- لولا كتاب من الله سبق- ما نجا منه إلا عمر- عبس وتولى- قصة آدم- قبل النبوة- يونس- أبق- الظلم- قصة داود لا تؤخذ عن أهل الكتب المبدلين- يوسف واخوته- خبر موسى- فتنة سليمان- هب لي ملكا- قصة نوح- النبي والنملة- توجيه.(2/669)
الصفحة الموضوعات
385 الفصل الرابع عشر: حالة الانبياء في خوفهم واستغفارهم- اعترافهم بذنوبهم- معنى الذنب- هي ذنوب بالاضافة الى علي منزلتهم- حسنات الابرار سيئات المقربين- اذكرني عند ربك- عطاء بعد عتاب.
393 الْفَصْلُ الْخَامِسَ عَشَرَ: فَائِدَةُ مَا مَرَّ مِنَ الفصول التي بحثت مسألة العصمة- فائدة للأصوليين- فائدة للحكام والمفتين.
397 الفصل السادس عشر: عصمة الملائكة- حكم المرسلين منهم حكم النبيين في العصمة- اختلاف في غير المرسلين- الصواب عصمة جميعهم- هاروت وماروت- لم يرو شيء منها عن الرسول صلّى الله عليه وسلم- ما أنا فيه- الأقوال في الملكين- أكثر ينفون أن إبليس كان من الملائكة- فيكون الاستثناء من غير الجنس.
(الباب الثاني) في فيما يخصهم من الأمور الدنيوية وما يطرأ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعَوَارِضِ الْبَشَرِيَّةِ 406 الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: حَالَةُ الأنبياء بالنسبة للعوارض البشرية- درجة الغير- العوارض التي أصابته صلّى الله عليه وسلم- الأنبياء يبتلون ويعصمون- وهو في نومه صلّى الله عليه وسلم حاضر القلب.
411 الفصل الثاني: حالتهم بالنسبة للسحر- قد يخيل إليه ولكن في غير الشريعة والتبليغ- اعْتِقَادَاتُهُ كُلُّهَا عَلَى السَّدَادِ وَأَقْوَالُهُ عَلَى الصِّحَّةِ- تسلط السحر على ظاهره وجوارحه لا قلبه صلّى الله عليه وسلم.
416 الفصل الثالث: أحواله في أمور الدنيا- حادثة تأبير النخل- نزوله في بدر- المصالحة على ثمار المدينة- هذا يجوز في القليل لا الكثير المؤذن بالعلة.
420 الْفَصْلُ الرَّابِعُ: أَحْكَامُ الْبَشَرِ الْجَارِيَةُ عَلَى يَدَيْهِ- وإنكم تختصمون إلي- الحكمة في كون الحكم على الظاهر.(2/670)
الصفحة الموضوعات
423 الفصل الخامس- أخباره الدنيوية- توريته عن وجه مغازيه والممازحة- أمسك عليك زوجك- خطأ المفسرين- توجيه جميل وحق- إبطال الشبهات- الحكمة في زواجها- الخشية هنا الاستحياء.
431 الفصل السادس: حديث الوصية- اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده
438 الفصل السابع: دراسة أحاديث أخرى- حُكْمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الظَّاهِرِ- دعوة بغير قصد على عادة العرب- تأنيسا للمدعو عليه.
445 الفصل الثامن: أفعاله الدنيوية- لهم بمعنى عليهم- معنى التسوية- أظهري لهم حكمه- أمر من الله.
453 الفصل التاسع: حكمة الابتلاء والمرض لهم- أعمال الله جل جلاله كلها عدل- فائدة البلاء- زيادة مكانة ورفعه درجة- سبب ابتلاء يعقوب- سبب بلاء أيوب- محنة سليمان- شدة مرض الرسول صلّى الله عليه وسلم- الأخذ بغته.
القسم الرابع في تعريف وُجُوهِ الْأَحْكَامِ فِيمَنْ تَنَقَّصَهُ أَوْ سَبَّهُ عَلَيْهِ الصلاة والسلام
467 مقدمة- توفير اسم محمد
الباب الاول بَيَانِ مَا هُوَ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبٌّ أَوْ نَقْصٌ مِنْ تَعْرِيضٍ أَوْ نَصٍّ 473 الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ فِيمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ تنقصه- مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقتل- الاجماع على ذلك- مذهب الشافعي- سب النبي صلّى الله عليه وسلم- ردة- لا خلاف في استباحة دمه- هو كافر- لم يستتب.
485 الفصل الثاني: الْحُجَّةِ فِي إِيجَابِ قَتْلِ مَنْ سَبَّهُ أَوْ عابه عليه الصلاة والسلام- اللعن في القرآن- اللعن للكافر- النصوص في ذلك- الاثار في ذلك- قتل كعب بن الأشرف- قتل أبي رافع- قتل أبي خطل- قتل(2/671)
الصفحة الموضوعات
جماعة أخرى- من جهة النظر أو الاعتبار- سبه صلّى الله عليه وسلم ردة- من سبه صلّى الله عليه وسلم يقتل حدا- أو كفرا.
496 الفصل الثالث: أسباب عفو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَعْضِ مَنْ آذاه- بعض الذين عفا عنهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم- استئلاف النبي صلّى الله عليه وسلم الناس- حُكْمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الظَّاهِرِ- حرمة النبي صلّى الله عليه وسلم من حرمة الله تعالى.
408 الْفَصْلُ الرَّابِعُ: حُكْمُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ دُونَ قصد أو اعتقاد- الحكم هو القتل- لا يعذر بزلل اللسان- ويقتل السكران بذلك- حد لا يسقطه السكر.
511 الفصل الخامس: حقيقة قائل ذلك هل هو كافر أو مرتد- مرتد عند أبي حنيفة.
515 الفصل السادس: الحكم فيما لو كان الكلام يحتمل السب وغيره- الخلاف هنا- الذي غلب الحرمة قتل- دم الْمُسْلِمِ لَا يُقْدَمُ عَلَيْهِ إِلَّا بِأَمْرٍ بَيِّنٍ.
521 الْفَصْلُ السَّابِعُ: حُكْمُ مَنْ وَصَفَ نَفْسَهُ بِصِفَةٍ من صفات الأنبياء رفعا لشأنه أو (استضعافا) أو استصغارا لشأنهم صلوات الله عليهم- المتنبي- المعري- ابن هانىء أشدهم تصريحا- المعري- الأدب والسجن إن درىء عنه القتل- ورع الرشيد- عمر بن عبد العزيز وكاتبه.
530 الفصل الثامن: حكم الناقل والحاكي لهذا الكلام عن غيره- الحكم على أربعة وجوه- للبيان والرد- صنع أحمد مثله- مالك يكفر من يقول بخلق القرآن- حكاية عن غيره- ولكن لم ينفذ قتله- من روى شَطْرَ بَيْتٍ مِمَّا هُجِيَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم كفر.
536 الفصل التاسع: ذكر الْحَالَاتِ الَّتِي تَجُوزُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم على طريق التعلم- معجزته العظمى والقرآن- يكره الكلام فيما ليس تحته عمل- الذي لا يفهم إلا النص والصريح يعد قريبا من الأمية.
544 الْفَصْلُ الْعَاشِرُ: الْأَدَبُ اللَّازِمُ عِنْدَ ذِكْرِ أَخْبَارِهِ صلّى الله عليه وسلم.(2/672)
(البال الثاني) في حكم سابه وشائنه وَمُتَنَقِّصِهِ وَمُؤْذِيهِ وَعُقُوبَتِهِ وَذِكْرِ اسْتِتَابَتِهِ وَوِرَاثَتِهِ
548 الْفَصْلُ الاول: الأقوال والاراء في حكم مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو تنقصه- إن تاب قتل حدا لا كفرا عند مالك وجمهور العلماء- حق لا تسقطه التوبة- الارتداد معنى يتعلق بنفس صاحبه- أما سب النبي صلّى الله عليه وسلم فهو حق تعلق به مخلوق آخر- القتل حدا.
555 الفصل الثاني: حكم المرتد إذا تاب- المرتد يستتاب- تنفعه توبته تنفعه توبته عند الله ولكن لا تدرأ القتل عنه.
562 الفصل الثالث: حكم المرتد إذا اشتبه ارتداده.
565 الفصل الرابع: حكم الذمي في ذلك.
575 الفصل الخامس: فِي مِيرَاثِ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغُسْلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ.
(الْبَابُ الثَّالِثُ) فِي حُكْمِ مَنْ سَبَّ اللَّهَ تعالى وملائكته وأنبياءه وَكُتُبَهُ وَآلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وزواجه وَصَحْبَهُ 582 الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: حُكْمُ سَابِّ اللَّهِ تَعَالَى وحكم استتابته.
586 الْفَصْلُ الثَّانِي: حُكْمُ إِضَافَةِ مَا لَا يَلِيقُ به تعالى عن طريق الاجتهاد والخطأ- لا خلاف في قتالهم إذا تحيزوا لفئة- المشبهون- من قال بخلق القرآن- القدري لا يستتاب.
593 الفصل الثالث: في تحقيق القول في اكفار المتأولين- الكفر هو الجهل بوجود الباري تعالى.
604 الْفَصْلُ الرَّابِعُ: فِي بَيَانِ مَا هُوَ مِنَ الْمَقَالَاتِ كُفْرٌ وَمَا يُتَوَقَّفُ أَوْ يُخْتَلَفُ فِيهِ وما ليس بكفر- لا مجال للعقل فيه.(2/673)
626 الفصل الخامس: حكم الذي إذا سب الله تعالى.
630 الْفَصْلُ السَّادِسُ: حُكْمُ ادِّعَاءِ الْإِلَهِيَّةِ أَوِ الْكَذِبِ والبهتان على الله- السكران كالصاحي.
635 الفصل السابع: حكم من تعرض بساقط قوله وسخيف لفظه لجلال ربه دون قصد.
641 الْفَصْلُ الثَّامِنُ: حُكْمُ سَبِّ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ.
646 الفصل التاسع: الحكم بالنسبة للقرآن.(2/674)
الفهارس العامة
آ- فهارس الجزء الأول
1- مسرد الايات القرآنية الكريمة
2- مسرد الأحاديث النبوية
3- مسرد الأعلام
4- مسرد الأمكنة(2/675)
مسرد الايات القرآنية
ملاحظات:
في مسرد الايات القرآنية راعينا الأمور التالية:
أ- لم نسقط «ال» التعريف من مطلع بعض الايات بل احتسبناها حزآ من الكلمة ووضعت في حرف الهمزة
ب- لم نزاع في ترتيب الايات التي تبدأ بحرف واحد أن نرتبها حسب الحروف الأبجدية بل حسب تسلسل أرقام صفحات الكتاب لتكون مراجعتها أسهل
ج- اذا كانت الاية طويلة فاننا اجتزأنا القسم الاخير منها
د- يورد المؤلف الاية أحيانا مبتورة من أولها وكذلك أوردناها كما هي تحت الحرف الاول الذي بدأها به المؤلف لا حسب اولها في المصحف.(2/676)
(مسرد الايات القرآنية الكريمة) الصفحة الاية رقمها السورة
- ا- 52 إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى 23 الشورى
58 اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ 25 النور
60 أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ 1 الانشراح
60 إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً 46 الاحزاب
64 آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ 136 النساء
65 إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ 56 الاحزاب
67 اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ 6- 7 الفاتحة
70 أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ 28 الرعد
75 الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ 157 الاعراف
92 الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ 1- 2 البقرة
101 إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ 19 التكوير
105 أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ 15 القلم
108 إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ 4 الشعراء
112 إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما 162 النساء
119 إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ 56 الاحزاب
120 أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ 36 الزمر
121 وأَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ 62 الانفال
121 وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ 67 المائدة
121 إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ 56 الاحزاب
122 إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً 1 الفتح
124 إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً 45 الاحزاب
126 إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ 10 الفتح
130 إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ 40 التوبة
131 إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ 1- 3 الكوثر
131 إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ 3 الكوثر
134 النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ 6 الاحزاب
197 إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً 23 ص
209 إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ 30 مريم
241 إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ 53 الاحزاب
246 ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ 34 فصلت
293 إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً 54 ص
293 أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ 39 آل عمران
293 إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ 33- 34 آل عمران
293 إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً 3 الاسراء
294 إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ 45 آل عمران
294 إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ 30- 31 مريم
294 إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ 107 الشعراء
295 إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ 26 القصص
296 إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ 54 مريم
296 إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً 51 مريم
296 إِنَّهُ أَوَّابٌ 17 ص
الصفحة الاية رقمها السورة
297 اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ 55 يوسف
297 إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ 90 الانبياء
326 إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ 33 الاحزاب
335 إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً 1 الفتح
352 إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ 15 النجم
352 إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ 15 النجم
381 أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ 1 الانشراح
411 أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ
14 التغابن
416 إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ 33 الاحزاب
440 إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ
140 الصَّافَّاتِ
440 إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً 87 الانبياء
446 اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ 124 الانعام
448 أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ 2 يُونُسَ
462 إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً 46 الاحزاب
463 الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً 59 الفرقان
464 إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ 19 الانفال
465 إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً 3 الاسراء
467 إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ 55 المائدة
467 النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ 6 الاحزاب
469 إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ 56 القصص
472 أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى 39 آل عمران
476 إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ 40 النمل
493 إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ 1 الكوثر
504 أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ 31 يونس
505 إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ 25 المدثر
505 إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ 24 المدثر
505 إِفْكٌ افْتَراهُ 4 الفرقان
505 أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ 5 الفرقان
506 إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ 90 النحل
509 ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ 34 فصلت
518 إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ 1 النصر
519 إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ 9 الحجر
521 إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ 35- 36- 37 الطور
530 أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ 9 الحجر
533 إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ 95 الحجر
533 إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً 1- 2 الجن
537 أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ 81 يس
539 إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ 76 النمل
543 اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ 1- 2 القمر
546 اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ 1 القمر
680 أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ 36 الزمر
680 إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ 95 الحجر(2/677)
الصفحة الاية رقمها السورة
689 إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا 8- 9 يس
705 أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ 5 الفرقان
705 إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ 103 النحل
708 إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ 12 الانفال
709 إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ 9- 10 الانفال
735 إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ 1 الكوثر
736 إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ 1 الكوثر
736 إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ 1 الكوثر
- ب- 451 بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ 128 التوبة
460 بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ 128 التوبة
472 بِكَلِمَةٍ مِنْهُ 45 آل عمران
- ت- 114 تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ 253 البقرة
290 تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ 253 البقرة
383 تُبْتُ إِلَيْكَ 143 الأعراف
442 تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا 253 البقرة
529 تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ 23 الزمر
684 تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ 1 المسد
- ث- 388 ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى 8 النجم
- ج- 592 جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ 81 الاسراء
593 جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ 49 سبأ
- ح- 461 حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ 29 الزخرف
531 حم كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ 1- 2 فصلت
- خ- 468 خُذِ الْعَفْوَ 199 الاعراف
468 خُذِ الْعَفْوَ 199 الاعراف
- د- 390 دَنا فَتَدَلَّى 8 النجم
- ذ- 57 ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ 21 التكوير
467 ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ 21 التكوير
513 ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً 11 المدثر
524 ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ 29 الفتح
547 ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ 38 يس
- ر- 222 رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ 26 نوح
714 رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً 35 ص
- س- 105 سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ 16 القلم
الصفحة الاية رقمها السورة
296 سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ 102 الصَّافَّاتِ
297 سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً 69 الكهف
297 سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ 27 الْقَصَصِ
343 سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ 1 الاسراء
362 سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ 1 الاسراء
368 سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ 1 الاسراء
505 سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ 2 القمر
520 سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ 45 القمر
- ص- 68 صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ 7 الفاتحة
68 صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ 7 الفاتحة
531 صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ 137 فصلت
- ط- 106 طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ 1- 2 طه
448 طه 1 طه
- ع- 79 عَفَا اللَّهُ عَنْكَ 43 التوبة
251 عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ 128 يونس
418 عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ 79 الاسراء
419 عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ 79 الاسراء
466 عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ 73 الانعام
503 عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ 42 فصلت
- ف- 58 فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ 91 الواقعة
68 فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ 256 البقرة
75 فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ 159 آلُ عمران
76 فَكَيْفَ إِذا جِئْنا 41 النساء
100 فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى
10 النجم
101 فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ 15- 16 التكوير
105 فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ 5 القلم
105 فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ 8 القلم
108 فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ 6 الكهف
108 فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ 94 الحجر
109 فَتَوَلَّ عَنْهُمْ 54 الذاريات
109 فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ 54 الذاريات
127 فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ 17 الانفال
209 فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ 79 الانبياء
220 فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ 35 الاحقاف
246 فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ 159 آلُ عمران
269 فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ 33 الانعام
294 فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً 21 الشعراء
295 وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ 28 الذاريات
295 فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ 35 الاحقاف
339 فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ 27 البقرة
385 فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ 143 الاعراف
389 فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى
10 النجم(2/678)
الصفحة الاية رقمها السورة
415 فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ 32 آل عمران
415 فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ 9 النجم
461 فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ 5 الانعام
468 فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ 13 المائدة
490 فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا 11 مريم
505 فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ 5 فصلت
507 فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ 94 الحجر
507 فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ 80 يوسف
509 فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ 40 العنكبوت
526 فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ 94 البقرة
527 فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ 61 آل عمران
528 فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا 240 البقرة
685 فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ 8 الحاقة
725 فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ 28 يونس
- ق- 28 قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ 91 الانعام
60 قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ 15 المائدة
66 قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ 31 آلِ عِمْرَانَ
67 قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ 32 آل عمران
82 قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ 33 الانعام
93 ق، وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ 1- 2 ق
133 قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ 158 الاعراف
396 قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى 9 النجم
414 قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ 30 آلِ عِمْرَانَ
461 قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ 170 النساء
461 قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ 15 المائدة
504 قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ 88 الاسراء
504 قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ 13 هود
505 قُلُوبُنا غُلْفٌ 88 البقرة
520 قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ 14 التوبة
525 قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ 93 آل عمران
526 قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ 94 البقرة
537 قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها 79 يس
- ك- 54 كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا 151 البقرة
109 كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ 52 الذاريات
120 كهيعص 1 مريم
357 كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ 15 المطففين
417 كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ 84 الاسراء
691 كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى 7 العلق
- ل- 30 لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ 31 المدثر
51 لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ 128 التوبة
53 لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ 164 آل عمران
86 لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ 72 الحجر
98 لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى 18 النَّجْمِ
الصفحة الاية رقمها السورة
100 لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى 18 النَّجْمِ
108 فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ 3 الشعراء
117 لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا 25 الفتح
382 لَنْ تَرانِي 143 الاعراف
383 لَنْ تَرانِي 143 الاعراف
384 لَنْ تَرانِي 143 الاعراف
401 لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ 16 المؤمن
415 لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ 2 الفتح
447 لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ 33 التوبة
448 لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ 147 البقرة
461 لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ 44 النحل
465 لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ 7 ابراهيم
471 لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ 2 الفتح
474 لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ 11 الشورى
481 لِيَزْدادُوا إِيماناً 5 الفتح
506 لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا 31 الانفال
518 لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ 27 الفتح
518 لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ 9 الصف
520 لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً 111 آل عمران
530 لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ 21 الحشر
537 لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ 22 الانبياء
705 لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ 103 النحل
709 لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ 18 النجم
742 لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ 55 البقرة
- م- 66 مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ 80 النساء
66 مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ 80 النساء
77 ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ 19 المائدة
96 ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى 3 الضحى
101 ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى 11 النجم
101 ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى 17 النجم
102 مُطاعٍ ثَمَّ 21 التكوير
103 ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ 2 القلم
107 ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى 2 طه
107 مَا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى 2 طه
208 مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ 3 آل عمران
209 مِنْ تَحْتِهَا 24 مريم
268 مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ 21 التكوير
297 ما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ 88 هود
354 ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى 10 النجم
363 ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى 16 النجم
373 ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى 10 النجم
373 ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى 16 النجم
374 ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى 10 النجم
377 ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى 10 النجم
470 مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ 21 التكوير
521 مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ 46 النساء
537 مَا فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ 38 الْأَنْعَامِ(2/679)
الصفحة الاية رقمها السورة- ن- 102 ن. وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ 1- 2 القلم
296 نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ 30 ص
- هـ- 54 هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ 2 الجمعة
520 هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ 33 التوبة
529 هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً 138 آل عمران
- و 27 وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى 73 الاسراء
55 وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ 119 الشعراء
56 وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً 107 الانبياء
56 وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً 107 الانبياء
61 وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ 3 الانشراح
61 وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ 4 الانشراح
64 وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ 32 آل عمران
69 وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ 34 ابراهيم
69 وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ 33 الزمر
75 وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً 143 البقرة
76 وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ 78 الحج
77 وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ 2 يونس
81 وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ 74 الاسراء
83 وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ 33 الانعام
83 وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها 14 النمل
84 وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ 34 الانعام
89 وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ 2- 3 يس
91 وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ 3 التين
92 وَوالِدٍ وَما وَلَدَ 3 البلد
94 وَالنَّجْمِ إِذا هَوى 1 النجم
94 وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ 1 الفجر
95 وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى 1- 2 الضحى
96 وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى 1- 2 الضحى
97 وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ 5 الضحى
98 وَالنَّجْمِ إِذا هَوى 1 النجم
98 وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ 11 الضحى
99 وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ 1- 2- 3 الطارق
101 وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى 3 النجم
101 وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ 25 التكوير
102 وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ 24 التكوير
103 وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ 3 القلم
103 وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ 4 القلم
108 وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ 97 الحجر
108 وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ 32 الرعد
109 وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ 4 فاطر
110 وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ 48 الطور
111 وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ 18 آل عمران
112 وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ 7 الاحزاب
113 وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ 7 الاحزاب
الصفحة الاية رقمها السورة
115 وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ 252 البقرة
115 وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ 83 الصافات
117 وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ 33 الانفال
117 وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ 33 الانفال
117 وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ 25 الفتح
118 وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ 33 الانفال
118 وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ 33 الانفال
118 وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ 34 الانفال
119 وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً 106 الانبياء
120 وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً 2 الفتح
121 وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ 67 المائدة
121 وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ 4 التحريم
123 وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ 2 الفتح
124 وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ 9 الفتح
129 وَالنَّجْمِ 1 النجم
129 وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ 67 المائدة
130 وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ 30 الانفال
132 وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً 87 الحجر
133 وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ 44 النحل
133 وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً 28 سبأ
133 وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا 4 ابراهيم
135 وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ
113 النساء
135 وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ
113 النساء
162 وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ 219 الشعراء
198 وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ 45 آل عمران
208 وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا 12 مريم
211 وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ 51 الانبياء
212 وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ 15 يوسف
213 وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى 14 القصص
220 وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ 17 لقمان
220 وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا 22 النور
220 وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ 43 الشورى
228 وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ 24 الفتح
251 وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً 107 الانبياء
290 وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ 32 الدخان
295 وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ 84- 90 الانعام
295 وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ 17- 18 الدخان
296 وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ 45- 47 ص
296 وَشَدَدْنا مُلْكَهُ 20 ص
297 وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً 74 الانبياء
299 وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ 11 سبأ
326 وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ 13 الحجرات
335 وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ 29 الانبياء
335 وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ 4 ابراهيم
335 وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً 28 سبأ
340 وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما 82 الكهف
342 وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا 53 الاحزاب
343 وَالنَّجْمِ إِذا هَوى 1 النجم
358 وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ 82 يوسف
358 وَما كانَ لِبَشَرٍ 51 الشورى(2/680)
الصفحة الاية رقمها السورة
360 وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا 59 الاسراء
368 وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا 59 الاسراء
385 وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ 142 الاعراف
390 وَما كانَ لِبَشَرٍ 51 الشورى
410 وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى 18 المائدة
415 وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ 75 الانعام
415 وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي 82 الشعراء
416 وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ 87 الشعراء
416 وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ 84 الشعراء
416 وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ 4 الانشراح
416 وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ 35 ابراهيم
427 وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى 5 الضحى
442 وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ 55 الاسراء
447 وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ 40 الاحزاب
451 وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً 107 الانبياء
452 وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ 17 البلد
461 وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ 89 الحجر
462 وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً 142 البقرة
462 وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ 4 القلم
466 وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ
113 النساء
466 وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ 7 الاحزاب
466 وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ 151 البقرة
468 وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ 25 يونس
469 وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ 52 الشورى
469 وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ 46 الاحزاب
471 وَيُزَكِّيهِمْ 2 الجمعة
471 وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ 16 المائدة
472 وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ 8 المنافقون
486 وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ 517 الشورى
490 وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ 2 الانعام
490 وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى 7 القصص
490 وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ 52 الشورى
504 وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا 23 البقرة
504 وَلَنْ تَفْعَلُوا 23 البقرة
506 وَلَنْ تَفْعَلُوا 23 البقرة
507 وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ 52 النور
508 وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى 7 القصص
509 وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ 179 البقرة
509 وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ 51 سبأ
509 وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ 44 هود
518 وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ 3 الروم
518 وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ 55 النور
520 وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ 8 المجادلة
520 وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا 7 الانفال
521 وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى 67 المائدة
521 وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ 42 المائدة
528 وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ 240 البقرة
537 وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ 89 النمل
537 وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ 58 الروم
540 وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ 17 القمر
الصفحة الاية رقمها السورة
592 وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ 90 الانعام
680 وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ 70 النساء
680 وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ 48 الطور
680 وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا 30 الانفال
681 وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ 70 النساء
704 وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ 48- 49 العنكبوت
708 وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ 4 التحريم
709 وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً 29 الاحقاف
742 وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ 157 النساء
- لا- 91 لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ 1- 2 البلد
209 أَلَّا تَحْزَنِي 24 مريم
228 لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ 92 يوسف
382 لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ 103 الانعام
476 لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ 23 الانبياء
505 لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ 26 فصلت
533 لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ 42 فصلت
687 لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا 40 التوبة
- ي- 59 يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ 35 النور
59 يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ 35 النور
71 يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ 45 الاحزاب
72 يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ 45 الاحزاب
85 يا آدَمُ 23 البقرة
85 يا أَيُّهَا الرَّسُولُ 67 المائدة
85 يا أَيُّهَا النَّبِيُّ 45 الاحزاب
85 يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ 10 المزمل
85 يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ 1 المدثر
78 يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ 1- 2 يس
114 يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ 66 الاحزاب
115 يا أَيُّهَا الرَّسُولُ 67 المائدة
115 يا أَيُّهَا النَّبِيُّ 45 الاحزاب
122 يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ 10 الفتح
126 يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ 10 الفتح
293 يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ 12- 15 مريم
294 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا 69 الاحزاب
416 يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ 8 التحريم
416 يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ 64 الانفال
448 يس 1 يس
451 يُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ 2 الجمعة
451 وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ 16 المائدة
470 يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ 61 التوبة
472 يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ 21 التوبة
485 يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ 35 النور
520 يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ 154 آل عمران
525 يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا 15 المائدة
682 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا 12 المائدة
683 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا 12 المائدة
689 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا 12 المائدة(2/681)
مسرد الأحاديث النبوية في الجزء الأول
ملاحظات على مسرد الاحاديث:
أ- في هذا المسرد اكتفينا بتسجيل الجزء الاول من الحديث
ب- لم نسجل سوى الاحاديث القولية المنسوبة للرسول صلّى الله عليه وسلم وتركنا تسجيل أحاديث الوصف والتقرير والاحاديث التي قالها الصحابة ولم يرفعوها للرسول صلّى الله عليه وسلم وان كان بعضها له حكم المرفوع
ج- لم نثبت في المسرد رتبة الحديث ولا رواته ومن أراد ذلك فليرجع الى الكتاب
د- رتبنا الاحاديث التي تنضوي تحت حرف واحد حسب تسلسل أرقام الصفحات لا حسب الابجدية
هـ- الكلمة المبدوة ب (أل) التعريف وضعت في حرف الهمزة(2/682)
(مسرد الأحاديث النبوية الشريفة) الصفحة الحديث
- أ- 56 اذا أراد الله رحمة بأمة قبض بنبيّها..
63 اتاني جبريل فقال: أتدري..
90 انا سيد ولد آدم ولا فخر
118 انزل الله علي أمانين لأمتى
119 أنا امان لأصحابي
162 اني لأراكم من وراء ظهري
163 اني لأبصر من فقاي كما..
163 اني لأنظر من ورائي كما انظر..
168 ان لكم فراعها ووهاطها
169 اللهم بارك لهم في محضها
173 المسلمون تتكافؤ دماؤهم
174 الناس كاسنان المشط..
174 المرء مع من أحب
174 الناس معادن
174 المستشار مؤتمن
174 اسلم تسلم.. اسلم يؤتك الله..
175 اتق الله حيث كنت
175 ان احبكم الي واقربكم..
175 احبب حبيبك هونا ما..
176 الظلم ظلمات يوم القيامة
176 اللهم اني اسألك رحمة من عندك
178 السعيد من وعظ بغيره
178 انا افصح العرب بيد اني من قريش
181 إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِهِمْ
181 ان الله اصطفى من ولد ابراهيم.
182 ان الله عز وجل اختار خلقه
187 الم ار البرمة فيها لحم؟.
188 اما أنا فلا آكل متكأ..
188 إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ
189 ان عيني تنامان ولا ينام قلبي
203 الان استرحت
221 اني لم أبعث لعانا
222 اللهم اغفر لقومي فانهم لا يعلمون
225 المال مال الله وأنا عبده ويقاد منك
227 انا وهو كنا الى غير هذا منك احوج
228 اقول كما قال أخي يوسف
239 انا اقتلك أن شاء الله.
245 أما ان تركب واما ان تنصرف
245 اركب امامي فصاحب الدابة أولى بمقدمها.
252 احسنت اليك؟ ..
254 ايما رجل سببته او لعنته..
255 أُؤَخِّرُ عَنْ أُمَّتِي لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتُوبَ عليهم
258 انها كانت تأتينا أيام خديجة
258 ان آل بني فلان ليسوا باولياء
259 إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين.
الصفحة الحديث
263 إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ
263 اجْلِسِي يَا أُمَّ فُلَانٍ فِي أَيِّ طُرُقِ المدينة..
264 اللهم اجعله حجا مبرورا لا رياء فيه
272 ابلغوا حاجة من لا يستطيع ابلاغي
278 اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا
279 اني عرض عني ان يجعل لي بطحاء مكة ذهبا
285 إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لا تسمعون
288 اني لاستغفر الله في اليوم مئة مرة
289 المعرفة رأس مالي
292 ان اول زمرة يدخلون الجنة
298 إِنَّمَا الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنُ الكريم
299 احب الصلاة الى الله صلاة داود
313 اذا رايتم صاحب الحاجة يطلبها فارفدوه
325 ان الله قسم الخلق قسمين فجعلني
326 إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلَ
327 أَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ عَلَى رَبِّي وَلَا فخر
327 انا اكرم الأولين والاخرين ولا فخر
327 اتاني جبريل عليه السلام فقال: قلبت
329 أعطيت خمسا..
331 اني فرط لكم وانا شهيد عليكم
331 أَنَا مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ لَا نَبِيَّ بَعْدِي
334 ان الله حبس عن مكة الفيل
334 اني عبد الله وخاتم النبيين
344 أتيت بالبراق وهو دابة..
366 ان جبريل عليه السلام حملني..
366 أتيت فانطلقوا بي الى زمزم
398 انا اول الناس خروجا اذا بعثوا
399 انا سيد ولد آدم يوم القيامة..
400 أَنَا حَامِلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فخر
400 انا اول الناس يشفع في الجنة
400 انا سيد الناس يوم القيامة
400 اطمع ان اكون اعظم الانبياء اجرا
401 أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ وَعِيسَى فِيكُمْ
401 انا سيد الناس يوم القيامة
402 آتي باب الجنة يوم القيامة
403 أحدهما من ذهب والاخر من ورق
419 انه قيامه عن يمين العرش
420 اني لقائم المقام المحمود
421 أريت ما تلقى امتي من بعدي
434 إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ..
435 الوسيلة اعلى درجة في الجنة
442 إِنَّ لِلنُّبُوَّةِ أَثْقَالًا وَإِنَّ يُونُسَ تَفَسَّخَ مِنْهَا
448 انا العاقب الذي ليس بعدي نبي
452 أمة مرحومة
452 ان الله يحب من عباده الرحماء
452 ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمُكُمْ مَنْ فِي السماء(2/683)
الصفحة الحديث
457 اذود الناس عنه بعصاي لاهل اليمن
462 انا أكرم ولد آدم
465 افلا أكون عبدا شكورا
467 انا أول من تنشق الأرض عنه
467 انا ولي كل مؤمن
471 انا أمنة لأصحابي
483 ان الحمد لله نحمده ونستعينه..
489 ان الانبياء مئة الف وأربعة وعشرون الف
529 إِنَّ الْقُرْآنَ صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ عَلَى مَنْ كَرِهَهُ
547 إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآنَ آمِرًا وَزَاجِرًا
539 اني منزل عليك توراة حديثة
548 أصليت يا علي؟ ..
558 احفظ علي ميضاتك..
559 اذهبي فانا لم نأخذ من مائك..
563 ادع ثلاثين من اشراف الانصار
575 انقادي علي باذن الله
577 انها استأدنت ان تسلم على
578 ادع تلك الشجرة..
579 اللَّهُمَّ أَرِنِي آيَةً لَا أُبَالِي مَنْ كَذَّبَنِي
580 ارني آية لا أبالي من كذبني
580 أرأيت ان دعوت هذا العذق
583 إِنَّ هَذَا بَكَى لِمَا فَقَدَ مِنَ الذِّكْرِ
584 ان شئت أردك الى الحائط
591 اثبت أحد فانما عليك..
591 احصب وجوهها فان الله..
589 إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ
601 انه شكى كثرة العمل وقلة العلف
601 انه شكى لي انكم أردتم ذبحه
605 املكها وما أراك..
606 إِنَّ الَّذِي جَاءَ بِهَا هُوَ الَّذِي ذَهَبَ بها
608 اخبرتني به هذه الذراع
608 ان فخذها تكلمني انها مسمومة
622 اللهم اشفه
625 اللهم اكثر ماله وولده وبارك له
628 افلح وجهك
629 اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل
631 اللهم نور له
632 اللهم سلط عليه كلبا من كلابك
633 اكلك الأسد
634 اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ كَاذِبًا فَلَا تُبَارِكْ لَهُ فيها
642 اضرب به
661 الْخِلَافَةُ فِي قُرَيْشٍ وَلَنْ يَزَالَ هَذَا الْأَمْرُ
662 إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ بَدَأَ نُبُوَّةً وَرَحْمَةً ثُمَّ يكون..
671 إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ
674 اثبت أحد فانما عليك نبي وصديق
676 انك تجده يصيد البقر
683 اللهم اكفنيه بما شئت
692 أفضالة؟ قلت: نعم. قال: ما كنت..
696 الرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ.. وَهِيَ عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ
الصفحة الحديث
696 الرؤيا ثلاث رؤيا حق
697 إِذَا تَقَارَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ تكذب
697 اصل كل داء البردة
697 المعدة حوض البدن
700 ان الزمان قد استدار كهيئة
701 انا افرس بالخيل منك
702 الق الدواة وحرف القلم
703 اشكنب دردم
714 ان شيطانا تفلت البارحة
731 اني نهيت عن التعري
- ب- 65 بئس خطيب القوم انت قم
134 بعثت الى الأحمر والأسود
180 بعثت من خير قرون بني آدم
207 بعثت لاتمم مكارم الأخلاق
255 بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ
230 بعثت الى الأحمر والأسود
331 بعثت بين يدي الساعة
332 بشرني أول من يدخل
354 بينا أَنَا قَاعِدٌ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ دَخَلَ جِبْرِيلُ
364 بينا انا نائم في الحجر
435 بينا انا اسير في الجنة
570 بقيت انا وأنت..
- ت- 190 تناكحوا تناسلوا فاني مباه بكم
577 تعالى يا شجرة
603 تطلق هذه الظبية
675 تبنى مدينة بين دجلة ودجيل
691 تلك الملائكة لو دنا لاختطفته
712 تقدم يا مصعب..
- ث- 337 ثم ضموني الى صدورهم وقبلوا راسي
349 ثم عرج بي حتى ظهرت بمستوى
349 ثم انطلق بي حتى اتيت سدرة
350 ثم سار حتى اتى بيت المقدس
364 ثم عرج بي حتى ظهرت بمستوى
367 ثم رجعت الى خديجة وما تحولت
369 ثم استيقظت وانا في المسجد الحرام
369 ثم استيقظت وانا في المسجد الحرام
- ح- 177 حمي الوطيس
194 حبب إلى من دنياكم
277 حبب إلى من دنياكم(2/684)
الصفحة الحديث
402 حوضي مسيرة شهر
699 حمير رأس العرب ونابها
الصفحة الحديث
- خ- 175 خير الأمور أوساطها
299 خفف على داود القرآن
420 خيرت بين ان يدخل نصف امتي
664 خيركم قرني ثم الذين يلونهم
- ذ- 175 ذُو الْوَجْهَيْنِ لَا يَكُونُ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا
265 ذاك ابراهيم
439 ذاك ابراهيم
688 ذاك جبريل لو دنا لأخذه
- ر- 174 رحم الله عبدا قال خيرا فغنم
379 رأيت ربي
387 رأيت نورا
699 رجل ولد عشرة تيامن منهم ستة
- ز- 519 زويت لي الارض فأريت مشارقها
700 زواياه سواء..
- س- 287 سبحان ذي الجبروت والملكوت
675 سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ..
703 سنه سنه
- ش- 421 شفاعتي ان شهد ان لا اله الا الله
- ص- 267 صاحب الشيء أحق بشيئه
366 صليت ليلة أسري بي
613 صدقت بارك الله فيك
- ض- 668 ضِرْسُ أَحَدِكُمْ فِي النَّارِ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ
701 ضع القلم على أذنك فانه اذكر للمحل
- ط- 403 طوله ما بين عمان إلى إيله
الصفحة الحديث
- ع- 75 عبدي أحمد المختار مولده بمكة
256 عليك بالرفق
291 على خلق رجل واحد
395 عرج بي جبريل إلى سدرة المنتهى
676 عسى ان يقوم مقاما يسرك
678 عمران بيت المقدس خراب يثرب
- ف- 159 فانه لا يرى أحد عورتي إلا..
173 فان اليد العليا هي المنطية
183 فاهبطني الله الى الأرض
198 فضلت على الناس بأربع
326 فانا اتقى ولد آدم
338 فما هو إلا أن وليا عني
348 فرج سقف بيتي
350 فلما جاوزته بكى فنودي..
352 فقيل لي هذه سدرة المنتهى
362 فأخذ بعضدي فجرني
366 فرج سقف بيتي وأنا بمكة
390 فارقني جبريل فانقطعت الأصوات
394 فارقني جبريل فانقطعت الأصوات
413 فاذا أحببته كنت سمعه
419 فيمشي حتى يأخذ بحلق الجنة
436 فاذا هو يجري ولم يشق
591 فانما عليك نبي أو صديق
619 فانطلق فتوضأ ثم صل ركعتين
673 فيها مضجعه
- ق- 332 قال الله تعالى: سل يا محمد
408 قد سمعت كلامكم وعجبكم
574 قل لتلك الشجرة رسول الله يدعوك
596 قم فحدثهم..
- ك- 215 كل الخلال يطبع عليها المؤمن الا..
292 كأحسن ما أنت راء
294 كان موسى رجلا حييا ستيرا
351 كُلُّكُمْ أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ وَأَنَا أَثْنَى عَلَيَّ ربي
403 كما بين المدينة وصنعاء
466 كنت اول الانبياء في الخلق
571 كلن واطعمن من غشيكن
610 كلوا بسم الله
632 كل بيمينك
632 كذلك كن
673 كيف بك اذا أخرجت منه..(2/685)
الصفحة الحديث
674 كيف بك إذا لبست سواري كسرى
- ل- 88 لي عند ربي عشرة اسماء
156 لما تجلى الله عز وجل لموسى..
175 لعله كان يتكلم بما لا يعنيه
213 لما نشأت بغضت الى الأوثان
226 لَنْ تُرَاعَ لَنْ تُرَاعَ وَلَوْ أَرَدْتَ ذَلِكَ..
238 لن تراعوا
245 لولا ان اشق على امتي
284 لو تعلمون ما أعلم..
301 لقد كان الانبياء قبلي
309 ليبلغ الشاهد منكم الغائب
328 لما خلق الله آدم اهبطني
340 لما اسري بي الى السماء
366 لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني
407 لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر
411 لو كنت متخذا خليلا..
412 لو كنت متخذا خليلا غير ربي..
431 لاشفعن يوم القيامة لأكثر مما
432 لكل دعوة يدعو بها
432 لكل نبي دعوة دعا بها
432 لكل نبي دعوة مستجابة
448 لي خمسة اسماء
448 لي عشرة اسماء
450 لي في القرآن سبعة اسماء
- م- 31 من سئل عن علم فكتمه
174 ما هلك امرؤ عرف قدره
177 مات حتف أنفه
186 مَا مَلَأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بطنه
191 من كان ذا طول فليتزوج
203 ما يسرني ان لي أحدا ذهبا
233 ما عندي شيء ولكن ابتع علي
242 ما بال اقوام يصنعون
253 مثلي ومثل هذا رجل له ناقة
273 مَا هَمَمْتُ بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ
282 ما فرشتموا لي الليلة
292 مَا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ بَعْدِ لُوطٍ نبيا
333 مَا مِنْ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا وَقَدْ اعطي
342 مَا ضَرَّ أَحَدَكُمْ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِهِ محمد
397 مَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا
438 مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ من يونس
438 ما ينبغي لعبد أن يقول انا..
439 مَنْ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ متى
445 ما لم يعط غيره
468 من كنت مولاه فعلي مولاه
600 ما بين السماء والارض شيء الا
الصفحة الحديث
603 ما حاجتك؟
607 ما حملك على ما صنعت؟
608 ما كان الله ليسلطك على ذلك
609 ما زالت أكلة خيبر تعادني
613 من أنا؟
683 من شاء فليخذلني.
699 مَا مَلَأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بطن
739 ما من نبي إلا أعطي من الايات
- ن- 45 نسبا وصهرا وحسبا ليس في..
234 نصفه قضاء ونصفه نائل..
330 نصرت بالرعب واوتيت جوامع
336 نعم انا دعوة ابي ابراهيم
387 نور إني أراه
553 ناد بجفنة الركب
701 نعم موضع الحمام هذا
713 نغمة الجن..
- هـ- 57 هل أصابك من هذه الرحمة شيء
187 هو لها صدقة ولنا هدية
199 هون عليك فاني لست بملك
266 هون عليك فاني لست بملك
267 هذا تفعله الاعاجم بملوكها
420 هو المقام الذي اشفع لامتي فيه
576 هل ترى من نخل او حجارة
668 هاجت لموت منافق..
- و 120 وجعلت قرة عيني في الصلاة
178 وما يمنعني وانما أنزل القرآن بلساني
223 ويحك فمن يعدل ان لم اعدل
229 ويحك يا أبا سفيان
269 والله اني لأمين في السماء
271 ويحك فمن يعدل أن لم اعدل
285 وددت اني شجرة تعضد
292 وانا أشبه ولد ابراهيم به
298 وكذلك الانبياء تنام أعينهم
326 وآدم بين الروح والجسد
330 وقيل لي سل تعطه
330 وعرض علي امتي
350 وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء
351 وانتهي بي الى سدرة المنتهى
407 وان صاحبكم خليل الله
407 وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا
424 وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الفم
435 ومجراه على الدر والياقوت
439 وَلَا أَقُولُ إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلَ مِنْ يُونُسَ
444 ولي خمسة اسماء(2/686)
الصفحة الحديث
447 وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ
447 وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي
526 وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَقُولُهَا رَجُلٌ مِنْهُمْ
538 ولا يختلف ولا يتشان
583 والذي نفسي بيده لو لم التزمه
636 وجدنا فرسك بحرا
652 وانتم اليوم خير منكم يومئذ
654 ويل للعرب من شر قد اقترب
659 وَيْلٌ لِلنَّاسِ مِنْكَ وَوَيْلٌ لَكَ مِنَ النَّاسِ
700 وان الحسنة بعشر امثالها
703 ويكثر الهرج
- لا- 64 لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ فلان
174 لا خَيْرَ فِي صُحْبَةِ مَنْ لَا يَرَى لَكَ ما ترى له
177 لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين
225 لا لئلا يتحدث الناس ان محمدا يقتل اصحابه
253 لا يبلغني احد منكم عن احد
263 لا تقوموا كما يقوم الاعاجم
263 لا تطروني كما اطرت النصارى
265 لا تفضلوني على يونس بن متى
439 لا تفضلوا بين الأنبياء
439 لا تخيروني على موسى
439 لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ
606 لا تبرح بارك الله فيك
632 لا استطعت
655 لا يزال أهل الغرب ظاهرين..
الصفحة الحديث
655 لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين..
664 لَا يَأْتِي زَمَانٌ إِلَّا وَالَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ منه
675 لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان..
702 لا تمدوا بسم الله الرحمن الرحيم
- ي- 155 يا عائشة او ما علمت أن الارض تبتلع
199 يا مسكينة عليك السكينة
257 يا فتى لقد شققت علي
280 يَا جِبْرِيلُ إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ مَنْ لَا دار له
283 يا عائشة مالي وللدنيا
342 يا معشر اهل الايمان أن الله فضلني
356 يا جبريل من هذا؟
365 يا أم هانيء.. لقد صليت معكم
396 ينزل ربنا الى سماء الدنيا
419 يحشر الناس يوم القيامة فاكون انا
424 يجمع الأولين والاخرين
556 يُوشِكُ يَا مُعَاذُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ
573 يا أعرابي أين تريد؟
575 يا جابر قل لهذه الشجرة..
579 يَا رَبِّ عَلِمْتُ أَنْ لَا مَخَافَةَ عَلَيَّ
592 يمجد الجبار نفسه يقول..
595 يا ضب
614 يا فلانة اجيبي باذن الله
661 يكون في ثقيف كذاب ومبير
664 يوشك أن يكثر فيكم العجم..
681 يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني..(2/687)
ارقام الصفحات التي ذكر فيها الاعلام من الجزء الاول ابو
أبو اسحق الزجاج 526
أبو اسحق (عمرو بن عبد الله) 236 م
ابو امامة 215 هـ- 262 م- 279 هـ- 281 م- 404- 579 هـ- 624 هـ- 655- 726 هـ-
أبو اوفى 600 هـ-
أبو أيوب الانصاري 269 هـ- 563 م- 563- 563 هـ-
أبو بكر الصديق 58 هـ- 68- 69- 113 هـ 121- 156 م- 168 هـ- 334- 365- 405- 405- 406 هـ- 411 هـ- 412 هـ- 429 506 هـ- 548 هـ- 560- 569- 569- 588- 590- 599- 605 هـ- 615-- 616- 616 هـ- 637 هـ 641 هـ- 656 هـ- 662 هـ- 662 هـ- 674 هـ- 676 هـ- 676 هـ- 684- 684- 686- 687- 687- 687 هـ- 687 هـ- 687 هـ- 690- 709 هـ- 719 هـ- 732 هـ-
أبو بكر (الباقلاني) 385 م- 498 هـ- 611-
أبو بكر البزار 291 م-
أبو بكر بن سابق المالكي 156 م-
أبو بكر الشافعي 188 هـ- 328 هـ
أبو بكر بن طاهر 56 م- 209 هـ-
أبو بكر بن فورك 119 م- 251- 410- 415- 498
أبو بكر محمد بن بكر 30-
أبو بكر بن العربي 385 هـ-
أبو بكر الهزلي 384 م-
أبو بكره 405 م- 700 هـ-
أبو برزة الاسلمي 404 م- 404 هـ-
أبو جحيفة 146 م-
أبو جعفر الطبري 273-
أَبُو جَعْفَرٍ (مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ) 356 م-
أبو جهل 82- 105 هـ- 166 هـ- 166 هـ- 196 هـ- 229 هـ- 234 هـ- 270 م- 270- 511- 545- 598- 622 هـ- 627- 627 هـ- 688- 688 هـ- 688 هـ- 690- 691 هـ-
أبو جعفر المنصور 555 هـ- 586 هـ-
أبو الجوزاء 86 هـ- 87 م-
أبو جهم (بن حذيفة) 685 م- 685-
أبو حاتم 55 هـ- 112 هـ 339 هـ- 547 هـ- 562
هـ- 571 هـ- 585 هـ- 586 هـ- 604 هـ-
أبو حازم 586 م-
أبو حبان 585 هـ-
أبو حبة البدري 361 م-
أبو حذيفة الارحبى 545 م-
أبو الحسن الاشعري 381 م- 381 هـ- 515- 611- 612-
أبو الحسن بن الضحاك 233 هـ-
أبو الحسن القابسي 76 م- 111-
أبو الحسن (الماوردي) 67-
أبو الحسين بن أسيد 213 هـ-
أبو الحكم 270-
أبو الحمراء 340 م-
أبو حنيفة 31 هـ- 423 هـ- 499 م- 499 هـ-
أبو حية 585 م-
أبو داود المازني 711 هـ-
ابو داود 30 هـ- 30 هـ- 30 هـ- 31 هـ- 64 هـ- 65 هـ- 90 هـ- 156 هـ- 159 هـ- 165 هـ- 166 هـ- 173 هـ- 175 هـ- 196 هـ- 196 هـ- 199 هـ- 221 هـ- 228 هـ- 241 هـ- 242 هـ- 245 هـ- 248 هـ- 248 هـ- 253 هـ- 254 هـ- 257 هـ- 260 هـ- 260 هـ- 260 هـ- 262 هـ- 264 هـ- 265 هـ- 265 هـ- 272 هـ- 274 هـ- 275 هـ- 276 هـ- 277 هـ- 277 هـ- 287 هـ- 288 هـ- 299 هـ- 341 هـ- 348 هـ- 351 هـ- 371 هـ- 399 هـ- 404 هـ- 404 هـ- 434 هـ- 434 هـ- 434- 434 هـ- 434 هـ- 438 هـ- 439 هـ- 439 هـ- 444 هـ- 452 هـ- 452 هـ- 483 هـ- 546 هـ- 568 هـ- 586 هـ- 591 هـ- 600 هـ- 607 هـ- 608- 610 هـ- 632 هـ- 637 هـ- 650 هـ- 650 هـ- 652 هـ- 668 هـ- 669 هـ- 678 هـ- 691 هـ- 696 هـ- 698 هـ- 698 هـ- 700 هـ- 732 هـ-
أبو الدرداء 272 هـ- 284 هـ- 406 هـ- 656 هـ-
أبو ذر (الغفاري) 175 هـ- 248 هـ- 284 هـ- 285 م- 285- 285 هـ- 288 هـ- 329- 330 هـ- 330 هـ- 336- 338- 340 هـ- 348- 336- 371 هـ- 372- 376 هـ- 378- 386- 387- 403- 489- 513- 513 هـ- 514- 589- 651- 663 هـ- 672- 703 هـ- 703 هـ-
أبو رافع 196 م- 196 هـ- 269 هـ- 605- 605 هـ- 701 هـ
أبو ركانة 166-
أبو رمته لتيمي 483 م-
أبو رهم الغفاري 620 هـ-
أبو زرعة 405 هـ- 433 م- 577 هـ- 585 هـ- 585 هـ- 585 هـ- 586 هـ-
أبو زيد القرشي 636 هـ-
أبو سعيد الخدري 63 م- 78- 90 هـ- 157 هـ- 241- 266- 266 هـ- 274- 301 هـ- 399- 405- 407- 429- 582- 586- 595- 597- 601 هـ- 610- 611 هـ- 617 هـ- 618- 618 هـ- 618 هـ- 641 هـ- 652 هـ- 661- 697 هـ- 697 هـ-
أبو سفيان بن الحارث 236- 237- 711 م-
بن عبد المطلب
أبو سفيان بن حرب 229 م- 229- 232 هـ- 270- 421 هـ- 597- 597- 660 هـ- 683 هـ-
أبو سلمة 286 م- 286 هـ- 326- 607 هـ- 608- 610 هـ
أبو سلمة بن عبد الاسد المخزومي 286 هـ-
أبو سليمان (الخطابي) 65- 65-
أبو شامة 90 هـ-
أبو شيب (غرقدة) 630 هـ-
أبو الشحم 203 هـ-(2/688)
أبو الشيخ 118 هـ- 174 هـ- 220 هـ- 238 هـ-
أبو صالح (ذكوان) 52 هـ- 432 م- 432- 526 هـ- 585- 633 هـ-
أبو طالب 560 م- 707 هـ- 729- 729-
أبو الطفيل (عمر بن واتلة) 87 هـ- 260- 713 هـ-
أبو الطفيل 147 م-
أبو طلمة 238 م- 561- 572 هـ- 636-
أبو العاص بن الربيع 258 هـ- 259 هـ- 259 هـ-
أبو العالية (ربيع بن مهران) 67 م- 67 هـ- 67 هـ- 68- 376- 464-
أبو العباس العزفي 120 هـ-
أبو العباس المبرد 271 م-
أبو عبد الرحمن (السلمي) 68- 88- 454- 547-
أبو عبد الله الحاكم 421 هـ-
أبو عبيدة بن الجراح 667 هـ- 367 هـ- 662 هـ-
أبو عبيد 207 هـ
أبو عبيدة القاسم بن سلام 507 م- 670 هـ-
أبو عبس بن جبير 621 هـ-
أبو عثمان المازني 271 هـ-
أبو عثمان الهندي 31 هـ-
أبو علي الحافظ بن سكرة 313 هـ-
أبو علي 638 م-
أبو علي النيسابوري 158 هـ-
أبو عمرة بشير بن عمرو 564 م-
أبو عمرو الجرمي 271 هـ-
أبو عمر الطلمنكي 379 م- 380-
أبو عمرو بن العلاء 102 هـ- 209 هـ-
أبو عمرو النمري 30-
أبو عوانة 405 هـ-
ابن أبي داود 429 هـ- 429 هـ
ابن أبي الدنيا 78 هـ- 215 هـ- 220 هـ- 406 هـ- 615 هـ- 616 هـ- 698 هـ- 728 هـ- 733 هـ-
ابن أبي شيبة 64 هـ- 188 هـ- 215 هـ- 269 هـ- 300 هـ- 539 هـ- 565 هـ- 620 هـ- 620 هـ- 622 هـ- 622 هـ- 622 هـ- 712 هـ-
ابن أبي طلحة 86 هـ-
ابن أبي عمر العدني 54 هـ- 182 هـ- 328 هـ-
ابن أبي عمرة المخزومي 585 هـ-
ابن أبي كبشة 544 هـ-
ابن أبي مالك 600 هـ-
ابن أبي هالة 146 م- 150- 237 هـ- 246- 248 هـ- 276- 288- 304- 315 هـ-
ابن ام عبد 5256-
ابن الاثير 616 هـ- 657 هـ- 657 هـ- 676 هـ- 701 هـ
ابن أخطب (حيي) 721 م-
ابن اسحق 73 م- 96- 97- 239 هـ- 260 هـ- 265 هـ- 268- 270 هـ- 270 هـ- 336 هـ- 359 هـ- 364 هـ 365 هـ- 372 هـ- 376- 380- 439 هـ- 506 هـ- 531 هـ- 549- 556- 579- 609- 609- 617 هـ- 621 هـ- 622 هـ- 631 هـ- 632 هـ- 660 هـ- 670 هـ- 676 هـ- 682 هـ- 684- 685 هـ- 688- 689- 692 هـ- 692 هـ- 711 هـ- 711 هـ- 721 هـ- 727 هـ-
ابن اسلم 68 هـ-
ابن الاشرف 621 م-
ابن الاعرابي 607 هـ-
ابن الانباري 272 هـ- 317-
ابن بريدة 405 م-
ابن جبير 58 م- 448 هـ-
ابن جريج 31 هـ- 159 م- 361-
ابن جرير 67 هـ- 70 هـ- 77 هـ- 88 هـ- 92 هـ- 112 هـ- 197 هـ- 215 هـ- 220 هـ- 270 هـ- 292 هـ- 359 هـ- 365 هـ- 372 هـ- 378 هـ- 387 هـ- 394 هـ- 437 هـ- 545 هـ- 631 هـ- 634 هـ- 683 هـ-
ابن الجزري 675 هـ-
ابن الجنيد 432 هـ-
ابن الجوزي 66 هـ- 213 هـ- 549 هـ- 604 هـ- 713 هـ- 713 هـ-
ابن حارثة 616 هـ-
ابن حبان 31 هـ- 63 هـ- 112 هـ- 149 هـ- 152 هـ- 159 هـ- 164 هـ- 186 هـ- 298 هـ- 371 هـ- 404 هـ- 623 هـ- 627 هـ- 632- 675 هـ- 697 هـ- 727 هـ- 727 هـ-
ابن حجر 107 هـ- 446 هـ- 581 هـ- 611 هـ- 692 هـ- 697 هـ- 719 هـ- 720 هـ- 733 هـ-
ابن حزم الاندلسي 379 هـ-
ابن حنبل (أحمد) 361- 376 هـ- 697 هـ-
ابن الحنفية 8 م
ابن حيدر 447 هـ-
ابن خالوية 272 م-
ابن خزيمة 195 هـ- 483 هـ- 559 هـ- 581 هـ-
ابن خلصة 724 م-
ابن خيتمة 164 هـ-
ابن داسة 30 هـ-
ابن دحية 155 هـ- 450 هـ- 454 هـ- 594 هـ- 613 هـ
ابن دريد 102 هـ- 317-
ابر راهوية 268 هـ- 273 هـ- 673-
ابن رجب 727 هـ-
ابن رواحة (عبد الله) 485 م- 620 هـ-
ابن الزبير 647 هـ- 662 هـ- 685 هـ-
ابن زحر 398 م- 398 هـ- 398 هـ-
ابن زنجويه 228 هـ-
ابن زياد (محمد) 433- 645 هـ-
ابن زيد (عبد الرحمن) 361-
ابن سبع 24- 732 هـ-
ابن سحنون 609 م-
ابن سعد بن حرام 638 هـ-
ابن سعد 55 هـ- 159 هـ- 159 هـ- 188 هـ- 199 هـ- 199 هـ- 203 هـ- 228 هـ- 238 هـ- 246 هـ- 261 هـ- 269 هـ- 280 هـ- 342 هـ- 453 هـ- 483 هـ- 564 هـ- 567 هـ- 585 هـ- 586 هـ- 602 هـ- 602 هـ- 605 هـ- 609 هـ- 618 هـ- 633 هـ- 637 هـ- 643 هـ- 643 هـ- 644 هـ- 712- 729 هـ- 730 هـ- 721 هـ- 731-
ابن سعيد 304 هـ- 638 هـ-
ابن السكن 616 هـ- 623 هـ- 638 هـ- 728 هـ-
ابن سلام (عبد الله) 243- 718-
ابن سلول 722 هـ-
ابن السمعاني 175 هـ-
ابن السني 697 هـ-
ابن سوقة 652 هـ-
ابن سيد الناس 377 هـ- 622 هـ- 682 هـ- 689 هـ- 692 هـ-
ابن السيد 657 هـ-
ابن سيرين 456 م- 696 هـ- 696 هـ- 696 هـ- 697 هـ
ابن شاذان 304 هـ-
ابن شاهين 549 هـ- 643 هـ-
ابن شعبان (محمد) 702 م-
ابن شهاب (الزهري) 164 هـ- 251 م- 251 هـ- 252- 348- 349- 361- 557- 617-
ابن الصلاح (عمرو) 157 هـ- 406 هـ- 549 هـ- 581 هـ- 729 هـ-
ابن صوريا 524 م- 721 م
ابن صياد 663 هـ-
ابن الضريس 539 هـ-
ابن عامر 209 هـ-
ابن عباد 458 هـ-
ابن عباس 31 هـ- 51 هـ- 52 م- 52 هـ- 52 هـ- 52 هـ- 52 هـ- 55- 57- 58 هـ- 59 هـ- 60- 66 هـ- 67 هـ 75 هـ- 86 هـ- 86 هـ- 87- 88- 88 هـ- 89 هـ- 92-(2/689)
92 هـ- 93 هـ- 104 هـ- 105 هـ- 106 هـ- 118 هـ- 125 هـ- 132 هـ- 146- 159 هـ- 159 هـ- 160- 160 هـ- 176 هـ- 182- 190- 197- 208 هـ- 210 هـ- 225 هـ- 229 هـ- 231 هـ- 270 هـ- 277 هـ- 280 هـ- 281- 281- 286- 286 هـ- 292 هـ- 301 هـ- 325- 327- 328- 329- 335- 340- 340- 349- 360- 364- 376- 376- 378- 378- 380- 380 381- 383- 386- 390- 390- 393- 394 394- 400- 406 هـ- 408- 422 هـ- 429- 436 هـ- 437- 438- 452 هـ- 454 هـ- 456 هـ- 506 هـ- 512 هـ- 526 هـ- 545 هـ- 546- 546 هـ- 552 هـ- 555 هـ- 578- 580- 585 هـ- 586- 592- 610- 623- 627 هـ- 629- 631 هـ- 631 هـ- 633 هـ- 658 هـ- 659 هـ- 662 هـ- 666 هـ- 671 هـ- 688 هـ- 688 هـ- 698 هـ- 698 هـ- 699 هـ- 702- 702 هـ- 710- 710 هـ-- 710 هـ- 725 هـ- 726 هـ- 729 هـ- 730 هـ- 731 هـ-
ابن عبد البر 30 هـ- 199 هـ- 379 هـ- 431 هـ- 446 هـ- 506 هـ- 616 هـ- 640 هـ- 647 هـ-
ابن عدي 163 هـ- 174 هـ- 188 هـ- 605 هـ- 615 هـ 617 هـ- 673 هـ-
ابن عرفة 351 هـ-
ابن عساكر 147 هـ- 154 هـ- 210 هـ- 210 هـ- 280 هـ- 300 هـ- 332 هـ- 588 هـ- 604 هـ- 613 هـ- 660 هـ هـ- 713 هـ- 717 هـ- 731 هـ-
ابن عطاء (أبو عبد الله) 63 م- 63 هـ- 91- 93- 94- 125- 211- 381-
ابن عمر 73 هـ- 132 هـ- 182 م- 182 هـ- 187 هـ- 188 هـ- 190 هـ- 191 هـ- 192- 237- 248 هـ- 299 هـ- 329- 331- 336 هـ- 338 هـ- 376- 404- 404- 418- 418 هـ- 419- 452 هـ- 545- 547- 555 هـ- 573- 577- 585- 592- 605 هـ- 627 هـ- 634 هـ- 652 هـ- 658 هـ- 658 هـ- 658 هـ- 659 هـ- 700 هـ- 701 هـ-
ابن عمر بن قتادة (عاصم) 618 هـ-
ابن عمرو 585 هـ- 633 هـ-
ابن العواد 30 هـ-
ابن عينيه 191 م- 549 هـ-
ابن فديك (حبيب) 620 هـ-
ابن فرحون 23- 23-
ابن فهيرة 678 م-
ابن فورك (أبو بكر) 498 هـ- 578- 604 هـ-
ابن القاسم 341 م-
ابن قانع 339 هـ- 340 م- 340 هـ- 482- 605-
ابن قتيبة 696 هـ- 729 هـ-
ابن قرقول 703 هـ-
ابن القطان 632 هـ-
ابن قيس 638 هـ-
ابن القيم 288 هـ- 406 هـ- 618 هـ- 632 هـ-
ابن كثير 102 هـ- 112 هـ- 209 هـ- 406 هـ- 435 هـ- 602 هـ-
ابن الكلبي 54- 646 هـ-
ابن لال 114 هـ- 174 هـ-
ابن ماجه 31 هـ- 90 هـ- 156 هـ- 242 هـ- 248 هـ- 262 هـ- 266 هـ- 268 هـ- 277 هـ- 278 هـ- 281 هـ- 282 هـ- 284 هـ- 285 هـ- 299 هـ- 334 هـ- 399 هـ- 405 هـ- 420 هـ- 449 هـ- 462 هـ- 482 هـ- 552 هـ- 570 هـ- 578 هـ- 581 هـ- 590 هـ- 591 هـ- 601 هـ- 618 هـ- 628 هـ- 630 هـ- 637 هـ- 639 هـ- 654 هـ- 658 هـ- 696 هـ- 699 هـ- 700 هـ- 703 هـ- 704 هـ-
ابن ماكولا 712 هـ-
ابن المبارك 652 هـ-
ابن محيض 51 هـ-
ابن مخيرير 653 هـ-
ابن المديني 585 هـ- 655 م-
ابن مردودية 60 هـ- 78 هـ- 87 هـ- 107 هـ- 190 هـ- 220 هـ- 365 هـ- 366 هـ- 429 هـ- 549 هـ-
ابن مريم (ص) 263-
ابن مسعود 74- 102 هـ- 132 هـ- 152 هـ- 253 هـ- 256 م- 265 هـ- 269 هـ- 269 هـ- 334- 351- 352 هـ- 354 هـ- 361- 376- 376 هـ- 379- 380- 381- 390- 404- 404 هـ- 406 هـ- 407 هـ- 419- 420- 423- 439- 538- 543- 543 هـ- 544- 544 هـ- 544 هـ- 545- 545- 545- 545 هـ- 545 هـ- 550- 551- 570 هـ- 577- 577- 578- 588- 588- 592 هـ- 593- 628- 631 هـ- 638 هـ- 709 هـ-
ابن المسيب 361- 444 هـ- 585-
ابن معين 55 هـ- 61 هـ- 75 هـ- 348 هـ- 432 هـ- 547 هـ- 549 هـ- 562 هـ- 585 هـ- 586 هـ- 604 هـ
ابن المقري 24-
ابن المقفع (عبد الله) 531 م-
ابن ملاعب الاسنة 619-
ابن الملقن 697 هـ-
ابن منبه 698 هـ-
ابن منده 257 هـ- 406 هـ- 549 هـ- 616 هـ- 676 هـ-
ابن المنذر 60 هـ- 66 هـ- 162 هـ-
ابن المنكدر 68 هـ- 231 م- 231 هـ- 255-
ابن الناطور 719 هـ-
ابن هشام 223 هـ-
ابن وهب 332 م- 341 م- 434 هـ- 597- 601- 622-
ابن يامين 718 م-
ام ام أبي هريرة 630 م-
ام أيمن 158 م- 159 هـ- 412 هـ- 412 هـ- 562 هـ- 730-
ام جندب 622 هـ-
ام جميل العوراء 683 هـ-
ام حبيبة 158 هـ- 421 م- 690 هـ-
ام سلمة 60 هـ- 286 م- 286 هـ- 406 هـ- 582- 602- 602 هـ- 647 هـ-
ام سليم (رميلة) 238 هـ- 571 م- 625 هـ-(2/691)
ام عثمان بن أبي العاص 727 م- 728 هـ-
ام الفضل 671 م-
ام قيس 698 هـ-
ام كلثوم 616 هـ- 630 هـ-
ام مالك 639 م-
ام مالك البهزية 639 هـ-
ام مالك الانصارية 639 هـ-
ام معبد 146 م- 150- 178- 316- 643-
ام موسى (ص) 490-
ام هانيء 365 م- 365- 373- 373 م-
ام يحيى (ص) 209-
آدم (ص) 54- 85- 90- 92- 114- 182- 182- 183- 200- 262- 291- 293- 323- 326- 326- 327- 328- 334- 338- 339- 339- 339- 345- 349- 356- 398- 399- 399- 399- 408- 408- 423- 424- 424- 439- 455- 462- 489- 489- 713 هـ-
آدم بن علي العجلي 418 م-
ابراهيم (ص) 85- 92- 115- 115- 181- 183- 211- 211- 211 هـ- 212- 212- 212- 212 هـ- 265- 265- 292- 293- 296- 296 هـ- 326- 328- 332- 334- 336- 345- 349- 351- 351- 353- 377- 401- 401- 408- 408- 408 هـ- 410- 410- 411- 412- 415- 416 هـ- 425- 425- 426 هـ- 439- 441 هـ- 459- 492 هـ- 515 هـ- 523- 715 هـ- 730 هـ-
ابراهيم بن محمد (ص) 457 م-
ابراهيم بن محمد 649 هـ-
ابراهيم بن حماد 604 م-
ابراهيم النخعي 361 م-
ابرويز بن هرمز 631 هـ- 672 هـ-
أبي بن خلف 238 م- 239- 671-
أبي بن كعب 134 هـ- 209 هـ- 406 هـ- 581 م- 583 م- 583- 583-
الاجري 571 م-
أحمد بن حنبل 75 هـ- 90 هـ- 146 هـ- 149 هـ-
165 م- 174 هـ- 175 هـ- 186 هـ- 207 هـ- 208 هـ- 215 هـ- 224 هـ- 234 هـ- 237 هـ- 249 هـ- 259 هـ- 262 هـ- 268 هـ- 268 هـ- 276 هـ- 277 هـ- 280 هـ- 284 هـ- 288 هـ- 298 هـ- 299 هـ- 300 هـ- 300 هـ- 300 هـ- 301 هـ- 301 هـ- 331 هـ- 331 هـ- 334 هـ- 336 هـ- 342 هـ- 348 هـ- 449 هـ- 363 هـ- 379 هـ- 380 هـ- 380- 380- 399 هـ- 404 هـ- 405 هـ- 405 هـ- 406 هـ- 419 هـ- 419 هـ- 419 هـ- 420 هـ- 423 هـ- 424 هـ- 429 هـ- 431 هـ- 432 هـ- 444 هـ- 452 هـ- 457 هـ- 482 هـ- 489 هـ- 526 هـ- 543 هـ- 544 هـ- 545 هـ- 547 هـ- 565 هـ- 568 هـ- 576 هـ- 582 هـ- 582 هـ- 590 هـ- 592 هـ- 592 هـ- 594 هـ- 595 هـ- 596 هـ- 599 هـ- 600 هـ- 600 هـ- 602 هـ- 622 هـ- 625 هـ- 627 هـ- 640 هـ- 640 هـ- 641 هـ- 646 هـ- 648 هـ- 651 هـ- 652 هـ- 654 هـ- 656 هـ- 657 هـ- 659 هـ- 661 هـ- 671 هـ- 672 هـ- 673 هـ- 675 هـ- 675 هـ- 675 هـ- 675 هـ- 675 هـ- 685 هـ- 691 هـ- 693 هـ- 697 هـ- 699 هـ- 699 هـ- 699 هـ- 703 هـ- 726 هـ-
أحمد بن صالح (الطبري) 549 م-
الاحمصي 271 هـ-
الاحنف بن قيس 494 م-
أخطب 524 م-
الاخفش 86 هـ-
الاخنس بن شريق 105 هـ- 270 م-
ادريس (ص) 345- 441 هـ-
اربد بن قيس 692 م- 692 هـ-
أردشير بن بابك 675 هـ-
الارقم 548 هـ-
ازد بن غوث 700 هـ-
اسامة بن زيد 260 هـ- 406 هـ- 412 م- 452 هـ- 562 هـ- 575- 578- 710- 710 هـ-
اسحق (ص) 212 م- 295- 296- 459-
اسحق بن راهويه 154 م-
اسحق بن عبد الله 583 م- 585- 637 هـ- 727 هـ-
اسرائيل 524-
اسرافيل 262- 280 هـ- 709 م-
الاسفرائيني 584 م- 601-
أسماء 332 هـ- 405 م- 637- 661 هـ- 684 هـ-
أسماء بنت عميس 548 م- 548- 549-
اسماعيل بن ابراهيم (ص) 181- 212 هـ- 212 هـ- 296- 326- 326- 459- 459- 463-
اسماعيل بن ابراهيم 118 هـ-
اسماعيل بن أبي حبيبة 729 هـ-
الاسود 543 هـ-
الاسود بن يزيد 544 م-
آسية 726 هـ-
اسيد بن حضير 406 هـ- 631 هـ- 712 هـ-
الاشعث بن قيس 168 م-
الاشعري (أبو موسى) 390-
الاشعري (أبو حسن) 612 هـ-
أصبع 68 هـ-
الاصبهاني 309 هـ-
الاصمعي 508 م-
الاعمش (سليمان) 544 م- 544 هـ-
افعى نجرران 724 م-
الاقرع بن حابس 701 م-
اكيدر 676 م-
الياس بن مضر 328 هـ-
أمامة بنت بنته (ص) 259 م-
آمنة بنت وهب 159 م- 212- 726 هـ-
امية بن خلف 686 م-
أمية بن عبد شمس 717 هـ-
أميمة بنت عبد المطلب 643 هـ-
اميمة (بنت صبيح) 630 هـ-(2/692)
اميمة 159 هـ-
أنس (بن مالك) 31 هـ- 47- 47 هـ- 47 هـ-
62 هـ- 146- 153- 153- 159 هـ- 163- 163 هـ- 172- 186 هـ- 195- 195- 195 هـ- 195 هـ- 198- 207- 225- 228- 231- 231 هـ- 232- 233 هـ- 234- 239- 242- 247- 248- 248 هـ- 249- 254 هـ- 257- 263- 264- 264 هـ- 265 هـ- 266- 277 هـ- 281- 284 هـ- 286- 286 هـ- 292- 298 هـ- 300 هـ- 327- 327- 331 هـ- 336- 344- 347- 347- 347- 348- 349- 352 هـ- 354- 354- 360- 360- 362- 364- 366- 371- 371- 371- 376 هـ- 390- 395- 395 هـ- 398- 398 هـ- 398 هـ- 398 هـ- 400- 400- 402- 403- 404- 424- 424- 425- 427- 428 هـ- 430- 433- 435- 457- 545- 546- 550- 550- 550 هـ- 551- 551- 552- 562- 566- 571- 571 هـ- 571 هـ- 572 هـ- 578- 578- 581- 582- 583- 585- 588- 590- 599- 602- 602 هـ- 608 هـ- 609- 610- 615- 615 هـ- 616 هـ- 672 هـ- 696 هـ- 697 هـ- 702 هـ- 733-
الانطاكي 632 هـ-
انوشروان 631 هـ-
انيس الاشهلي 431 م-
انيس الغفاري 513 م- 514-
اهبان بن اوس 597 م-
اورياء 197-
اوزاعي 31 هـ- 675 هـ-
الاوس 715 م-
أويس القرني 663 م-
اياد بن لقيط 483 هـ-
أيمن بن عبيد الحبشي 158 هـ- 562 م- 585 م-
أيوب (ص) 293 م- 459-
ب الباقر 567 هـ-
الباقلاني 381 هـ-
بهيرا 707 هـ- 719 م-
البخاري 31 هـ- 31 هـ- 31 هـ- 52 هـ- 66 هـ- 72 هـ- 73 هـ- 77 هـ- 153 هـ- 154- 156 هـ- 158 م- 163 هـ- 164 هـ- 174 هـ- 175 هـ- 177 هـ- 180 هـ- 188 هـ- 190 هـ- 195 هـ- 195 هـ- 195 هـ- 195 هـ- 195 هـ- 199 هـ- 200 هـ- 203 هـ- 223 هـ- 223 هـ- 231 هـ- 231 هـ- 232 هـ- 236 هـ- 246 هـ- 257 هـ- 258 هـ- 263 هـ- 265 هـ- 266 هـ- 266 هـ- 270 هـ- 271 هـ- 276 هـ- 278 هـ- 279 هـ- 279 هـ- 279 هـ- 281 هـ- 284 هـ- 284 هـ- 286 هـ- 288- 292 هـ- 298 هـ- 298 هـ- 298 هـ- 299 هـ- 341 هـ- 347 هـ- 348 هـ- 348 هـ- 349 هـ- 364 هـ- 375 هـ- 375 هـ- 376 هـ-
392 هـ- 395 هـ- 397- 398 هـ- 404 هـ- 406 هـ- 407 هـ- 411 هـ- 413 هـ- 418 هـ- 428 هـ- 436 هـ- 436 هـ- 438 هـ- 439 هـ- 444 هـ- 444 هـ- 454 هـ- 468 هـ- 523 هـ- 524 هـ- 543 هـ- 549 هـ- 552 هـ- 562 هـ- 564 هـ- 568 هـ- 569- 580 هـ- 581 هـ- 581 هـ- 581 هـ- 585 هـ- 588 هـ- 588 هـ- 590 هـ- 597 هـ- 602 هـ- 618 هـ- 625 هـ- 628 هـ- 630 هـ- 631 هـ- 640 هـ- 648 هـ- 651 هـ- 651 هـ- 653 هـ- 655 هـ- 661 هـ- 662 هـ- 664 هـ- 667 هـ- 667 هـ- 672 هـ- 673 هـ- 681 هـ- 691 هـ- 697 هـ- 698 هـ- 703 هـ- 709 هـ- 733 هـ- 739 هـ-
البراء بن عازب 146 م- 149- 236- 236 هـ- 405- 556- 557-
برة (زينب بنت جحش) 566 هـ- 647 هـ-
بركة 158 م- 159-
البرهان الحلبي 446 هـ- 446 هـ- 446 هـ- 619 هـ- 646 هـ- 682 هـ- 688 هـ- 719 هـ- 721 هـ- 728 هـ-
بريدة 406 هـ- 431 هـ- 574 هـ- 577 هـ- 582- 584- 640 هـ- 732 هـ-
بريدة 187 م-
البزار 55 هـ- 56 هـ- 156 هـ- 157 هـ- 159 هـ- 159 هـ- 188 هـ- 188 هـ- 203 هـ- 207 هـ- 248 هـ- 248 هـ- 281 هـ- 330 هـ- 340 هـ- 342 هـ- 354 هـ- 355 هـ- 356 هـ- 406 هـ- 559 هـ- 573 هـ- 574 هـ- 580 هـ- 589 هـ- 589 هـ- 592 هـ- 594 هـ- 595 هـ- 596 هـ- 599 هـ- 599 هـ- 600 هـ- 602 هـ- 602 هـ- 604 هـ- 610- 640- 659 هـ- 659 هـ- 662 هـ- 664 هـ- 665 هـ- 686 هـ- 699 هـ-
بشر بن البراء 607 م- 608 هـ- 608 هـ- 608 هـ- 610- 611 هـ- 611 هـ-
بشر بن معاوية 643 هـ- 643 هـ-
البغوي 112 هـ- 157 هـ- 207 هـ- 250 هـ- 339 هـ- 531 هـ- 596 هـ- 620 هـ-
بقي بن مخلد 163 م-
بكر بن العلاء 464 م-
بلال بن أبي رباح 233 هـ- 571- 686 هـ- 686 هـ-
بلعام 705 هـ- 706-
بهرام جوز 519 هـ-
البيقوني 421 هـ-
البيهقي 57 هـ- 62 هـ- 87 هـ- 89 هـ- 150 هـ- 155 هـ- 156 هـ- 157 هـ- 157 هـ- 159 هـ- 159 هـ- 159 هـ- 162 هـ- 163 هـ- 166 هـ- 166 هـ- 173 هـ- 175 هـ- 175 هـ- 175 هـ- 177 هـ- 177 هـ- 177 هـ- 181 هـ- 196 هـ- 199 هـ- 207 هـ- 215 هـ- 221 هـ- 223 هـ- 223 هـ- 224 هـ- 225 هـ- 229 هـ- 237 هـ- 238 هـ- 248 هـ- 256 هـ- 259 هـ- 260 هـ- 262 هـ- 264 هـ- 265 هـ- 265 هـ- 270 هـ-(2/693)
270 هـ- 273 هـ- 280 هـ- 284 هـ- 304 هـ- 325 هـ- 327 هـ- 330 هـ- 332 هـ- 334 هـ- 335 هـ- 338 هـ- 339 هـ- 350 هـ- 354 هـ- 365 هـ- 371 هـ- 404 هـ- 404 هـ- 404 هـ- 405 هـ- 405 هـ- 405 هـ- 406 هـ- 409 هـ- 419 هـ- 421 هـ- 421 هـ- 429 هـ- 430 هـ- 447 هـ- 448 هـ- 452 هـ- 457 هـ- 483 هـ- 506 هـ- 506 هـ- 512 هـ- 526 هـ- 543 هـ- 544 هـ- 545 هـ- 552 هـ- 557 هـ- 559 هـ- 563 هـ- 563 هـ- 564 هـ- 565 هـ- 568 هـ- 669 هـ- 570 هـ- 573 هـ- 575 هـ- 576 هـ- 578 هـ- 579- 579 هـ- 580 هـ- 580 هـ- 582 هـ- 582 هـ- 589 هـ- 589 هـ- 590 هـ- 592 هـ- 593 هـ- 594 هـ- 594 هـ- 595 هـ- 596 هـ- 597 هـ- 599 هـ- 600 هـ- 600 هـ- 600 هـ- 602 هـ- 602 هـ- 602 هـ- 603 هـ- 604 هـ- 604 هـ- 605 هـ- 608 هـ- 610 هـ- 613 هـ- 613 هـ- 614 هـ- 615 هـ- 615 هـ- 617 هـ- 617 هـ- 618 هـ- 618 هـ- 620 هـ- 620- 621 هـ- 622 هـ- 622 هـ- 622 هـ- 623 هـ- 624 هـ- 626 هـ- 627 هـ- 628 هـ- 628 هـ- 630 هـ- 630 هـ- 631 هـ- 631 هـ- 632 هـ- 632 هـ- 633 هـ- 634 هـ- 637 هـ- 637 هـ- 638 هـ- 639 هـ- 642 هـ- 643 هـ- 644 هـ- 645 هـ- 646 هـ- 646 هـ- 647 هـ- 655 هـ- 656 هـ- 656 هـ- 656 هـ- 656 هـ- 658 هـ- 659 هـ- 659 هـ- 659 هـ- 660 هـ- 661 هـ- 662 هـ- 665 هـ- 669 هـ- 670 هـ- 671 هـ- 671 هـ- 672 هـ- 673 هـ- 673 هـ- 673 هـ- 674 هـ- 675 هـ- 676 هـ- 676 هـ- 677 هـ- 684 هـ- 685 هـ- 688 هـ- 692 هـ- 697 هـ- 710 هـ- 710 هـ- 711 هـ- 711 هـ- 711 هـ- 712 هـ- 712 هـ- 713 هـ- 713 هـ- 726 هـ- 726 هـ- 727 هـ- 727 هـ- 728 هـ- 730 هـ- 730 هـ- 731 هـ- 732 هـ- 732 هـ- 732 هـ- 732 هـ- 732 هـ- 732 هـ- 732 هـ- 733 هـ-
ت تبع 715 م-
تبعية بن ذؤيب 634 هـ-
الترمذي 31 هـ- 47 هـ- 54 هـ- 54 هـ- 82 هـ- 90 هـ- 90 هـ- 95 هـ- 118 هـ- 147 هـ- 149 هـ- 150 هـ- 152 هـ- 165 هـ- 166 هـ- 166 هـ- 166 هـ- 174 هـ- 175 هـ- 175 هـ- 175 هـ- 175 هـ- 176 هـ- 181 م- 181 هـ- 186 هـ- 186 هـ- 199 هـ- 203 هـ- 228 هـ- 231 هـ- 233 هـ- 234 هـ- 234 هـ- 234 هـ- 242 هـ- 242 هـ- 243 هـ- 244 هـ- 245 هـ- 247 هـ- 247 هـ- 248 هـ- 248 هـ- 249 هـ- 253 هـ- 254 هـ- 265 هـ- 269 هـ- 269 هـ- 271 هـ- 271 هـ- 272 هـ- 274 هـ- 275 هـ- 275 هـ- 277 هـ- 277 هـ- 278 هـ- 279 هـ- 281 هـ- 281 هـ- 282 هـ- 282 هـ- 284 هـ- 285 هـ- 286 هـ- 286 هـ- 286 هـ- 288 هـ- 288 هـ- 288 هـ- 292 هـ- 304 هـ- 310 هـ- 323 هـ- 323 هـ- 326 هـ- 327 هـ- 327 هـ- 331 هـ- 334 هـ- 384 هـ- 375 هـ- 378 هـ- 379 هـ- 398 هـ- 398 هـ- 398 هـ- 399 هـ- 399 هـ- 400 هـ- 404 هـ- 406 هـ- 407 هـ- 408 هـ- 429 هـ- 432 هـ- 434 هـ- 435 هـ- 439 هـ- 444 هـ- 452 هـ- 452 هـ- 465 هـ- 465 هـ- 468 هـ- 482 هـ- 482 هـ- 536 هـ- 537 هـ- 543 هـ- 545 هـ- 552 هـ- 554- 563 هـ- 569 هـ- 570 هـ- 580 هـ- 581 هـ- 582- 588 هـ- 588 هـ- 589 هـ- 590 هـ- 591 هـ- 591 هـ- 593 هـ- 618 هـ- 627 هـ- 627 هـ- 652 هـ- 652 هـ- 652 هـ- 653 هـ- 654 هـ- 655 هـ- 656 هـ- 658 هـ- 658 هـ- 658 هـ- 661 هـ- 661 هـ- 655 هـ- 665 هـ- 681 هـ- 696 هـ- 697 هـ- 698 هـ- 699 هـ- 699 هـ- 701 هـ- 701 هـ- 709 هـ- 710 هـ- 731 هـ- 731 هـ-
تميم الداري 601 هـ- 720 م-
توربشتي 639 هـ-
التيجاني 210 هـ- 210 هـ-
ث ثابت بن ارقم 406 هـ-
ثابت البناني 347 م- 347- 349- 551- 551- 562- 585-
ثابت بن قيس بن شماس 65 هـ- 164 هـ- 615 م- 722 هـ-
ثابت بن منقذ 483 هـ-
الثعالبي 495 هـ-
ثعلب 456 م- 456-
ثعلبة بن مالك 600 م-
الثعلبي 97 هـ- 105 هـ-
ثوبان 336 هـ- 403 م- 519 هـ- 654 هـ-
ثور بن عبد مناف 686 هـ-
ثوبية 261 م- 728 هـ-
ج جابر (بن عبد الله) 31- 31 هـ- 154 م- 154- 186 هـ- 223 هـ- 231 هـ- 231- 248- 276- 329- 329 هـ- 360- 367- 406 هـ- 423- 531 هـ- 550- 552- 552- 553- 553 هـ- 553- 561- 562-- 562- 62- 568- 574- 575- 577 هـ- 581- 582- 585- 589- 592 هـ- 599- 600- 601 هـ-- 608- 610- 621 هـ- 636 هـ- 639 هـ- 652 هـ- 668 هـ- 681 هـ- 682 هـ- 730 هـ-
جابر بن سمرة 146 م- 149- 153- 275- 404- 589- 657 هـ-
الجارود 719 م-
جالوت 197-
جامع بن شداد (أبو حمزة) 483 م-
الجبائي 162 م
جبريل (ع) 47- 63- 63 هـ- 82- 93- 99- 102- 102- 107 هـ- 164 هـ- 164 هـ- 220- 231- 255- 280- 280- 327- 327- 327 327- 327- 337- 344- 344- 344- 344- 345- 345- 347- 348-(2/694)
- 350- 354- 354- 355- 355- 356- 357- 364- 364- 366- 366- 376- 381- 389- 389- 390- 393- 393 هـ- 394- 395- 395- 397- 410- 435- 457- 462- 468- 578- 579- 589- 590- 661 هـ- 669 هـ- 688- 690- 708- 709- 709- 710- 710- 710- 710 هـ- 710 هـ- 710 هـ- 711- 721 هـ- 723 هـ- 741 هـ-
جبر 705 هـ- 706-- 545- 546-
جبير بن محمد بن جبير بن مطعم 546 م
الجد بن قيس 126 هـ-
جذامة (الشيماء) 259 هـ-
جذل بن جذل الكندي 724 م-
جريج (العابد) 614 هـ-
جرير 57 هـ-
جرير بن عبد الله البجلي 247 م- 568- 649- 675 هـ-
الجزري 611 هـ-
الجعبري 90 هـ-
الجعد بن عبد الله 643 هـ-
جعفر بن أبي طالب 485 هـ- 548 هـ- 672 هـ-
جعفر بن محمد 55 م- 57- 63- 88- 94- 99- 125- 133 هـ- 341- 385- 389- 395- 395- 396- 449- 567- 590-
جعيل الاشجعي 637 م-
جلال الدين السيوطي 24- 265 هـ- 613-
الجلندي 484 م- 484-
جنادة بن جندب 146 هـ-
جندب 95 هـ- 405-
جندع بن عمرو 492 هـ- 492 هـ-
الجنيد 91 هـ- 104 هـ-
الجهجاه 664 هـ-
جهجاه الغفاري 638 م-
الجواليقي 729 هـ-
الجوهري 176 هـ- 636 هـ- 729 هـ-
جويرية (ض) 279 هـ- 432 هـ-
الجويني 604 هـ-
جيش بن خالد 150 هـ-
ح حاتم الطائي 494 م- 715 هـ-
الحارث بن أبي اسامة 56 هـ-
الحارث بن أوس 621 هـ- 621 هـ-
الحارث بن ابي شمر الغساني 719 هـ-
الحارث بن الصمة 239 م-
الحارث بن عبد العزى 259 هـ- 260 هـ- 643 هـ- 727 هـ-
الحارث بن كلدة 698 هـ-
الحارث 653 هـ-
الحارث بن هشام 232 هـ-
حارثة بن وهب 403 م- 404-
حاطب بن أبي بلتعه 670 م- 670 هـ-
الحاكم (ابو عبد الله) 31 هـ- 51 هـ- 82 هـ- 87 هـ- 95- 157 هـ- 157 هـ- 159 هـ- 159 هـ- 173 هـ- 174 هـ- 175 هـ- 194 هـ- 197 هـ- 197 هـ- 199 هـ- 208 هـ- 258 هـ- 265 هـ- 268 هـ- 268 هـ- 277 هـ- 284 هـ- 284- 298 هـ- 301 هـ- 334 هـ- 377 هـ-- 421 هـ- 422 هـ- 429 هـ- 442 هـ- 449 هـ- 452 هـ- 452 هـ- 482 هـ- 483 هـ- 489 هـ- 538 هـ- 600 هـ- 602 هـ- 605 هـ- 611 هـ- 611 هـ- 618 هـ- 627 هـ- 632 هـ- 652 هـ- 655 هـ- 656 هـ- 657 هـ- 658 هـ- 662 هـ- 671 هـ- 676 هـ- 698 هـ- 699 هـ- 717 هـ- 727 هـ- 733 هـ- 733 هـ-
حبيب بن فديك 620 م-
حبيب بن يساف 622 م-
الحجاج 58 هـ- 157 هـ- 405 هـ- 661 م- 661 هـ- 661 هـ- 661 هـ- 661 هـ-
الحجازي 56 هـ- 73 هـ-
حذيفة بن أسيد 406 هـ-
حذيفة زاد الراكب 647 هـ-
حذيفة بن اليمان 64 م- 287- 332- 360- 363- 404- 421- 429- 431- 437- 452- 545- 545- 547- 625- 650- 650- 658 هـ-- 659 هـ- 660-
الحربي (ابراهيم) 154 م- 450- 453-
الحريري 729 هـ-
حسان بن ثابت 336 هـ- 460 م-
الحسن البصري 60 م- 67- 68- 77- 78- 88 هـ- 132 هـ- 165 هـ- 209 هـ- 214- 233 هـ- 266- 266 هـ- 266 هـ- 272- 359- 361- 364- 376 هـ- 379- 380- 381- 394- 394 هـ- 420- 551- 579- 580 هـ- 584- 585- 608- 614- 614 هـ- 634 هـ-
الحسن بن علي 191 هـ- 192- 266 هـ- 272 هـ- 304- 304- 309- 309 هـ- 313 هـ- 406 هـ- 630 هـ- 631 هـ- 639- 655- 662- 662 هـ- 662 هـ- 671-
الحسن بن محمد 676 هـ-
الحسين بن علي 272 هـ- 309 م- 309- 313 هـ- 630 هـ- 639- 622 هـ- 673 هـ-
الحسين بن الفضل 53 هـ-
الحسين بن محمد 30-
حصن بن خذافة 282 هـ-
حصين 73 هـ-
حفض بن عبيد الله 585 م-
حفصة 282 م- 403 هـ- 708 هـ-
الحكم بن أبي العاص 633 م- 684 م-
الحكم بن عمير 529 هـ-
حكيم بن حزام 147 م- 232 هـ-
الحكيم 156 هـ-
الحلبي 166 هـ- 233 هـ- 279 هـ- 395 هـ- 398 هـ- 434 هـ- 475- 553 هـ- 567 هـ- 621 هـ- 632 هـ- 632 هـ- 652 هـ- 668 هـ-(2/695)
701 هـ- 729 هـ- 729 هـ- 731 هـ- 732 هـ-
حليمة السعدية 259 هـ- 347 هـ- 643 م- 711 هـ- 727- 727 هـ- 727 هـ- 728 هـ- 728 هـ- 731 هـ-
حمّاد بن سلمة 31 م 347- 644-
حمدان بن قرمط 519 هـ-
حمزة الزيات 84 هـ-
حمزة بن عبد المطلب 196 هـ- 406 هـ- 406 هـ-- 691 م- 691 هـ- 691 هـ- 691 هـ- 691 هـ-- 711-
حمزة بن عمرو الاسلمي 631 هـ-
حميد 551 م- 551-
حنش بن عقيل 641 م- 641 هـ-
حنظلة بن حزيم 647 م- 647-
حنظلة الفسيل 660 م-
حنفية بنت عليبة 275 هـ-
الحنفية 89-
حويطب بن عبد العزى 705 هـ-
حيوة بن شريح 434 هـ-
حيي بن اخطب 524 هـ- 690 م- 690-
خ خارجة بن زيد 274 م-
خالد بن عبد العزى 570- 570- 571-
خالد بن عبد الله القسري 586 هـ-
خالد بن عقبة 506 هـ-
خالد بن معدان 336 م- 336 هـ-
خالد بن الوليد 223 هـ- 506 هـ- 506 هـ- 616 هـ- 637 م- 672 هـ- 676- 676 هـ- 713-
خباب بن الأرث 406 هـ-
خديجة بنت خويلد 146 هـ- 147 هـ- 232 هـ- 232 هـ- 258- 258- 258- 258- 261- 367- 373- 570 هـ- 630 هـ- 671 هـ- 707 هـ-- 731- 731 هـ-
الخرائطي 257 هـ-
خريمة بن اوس بن حارثة 328-
خريم بن فاتك 147 م-
خزيمة بن سواد بن الحارث 646 هـ-
خزيمة 634 م- 634 هـ- 634 هـ-
الخضر 523 م- 733- 733 هـ- 733 هـ- 733 هـ- 733 هـ- 733 هـ- 733- 733 هـ- 733 هـ-
الخطابي 64 م- 65 هـ- 172 هـ- 683-
الخطيب 159 هـ- 340 هـ- 675 هـ- 676 هـ-
الخفاجي 566 هـ- 601 هـ- 613 هـ- 657 هـ-- 675 هـ-
الخليل (ابراهيم ص) 614 هـ-
خنافر 724 م
الخنساء (تماضر) 598 هـ-
خولة بنت حكيم 406 هـ-
خولة بنت قيس 406 م-
خويلد بن أسد 717 هـ-
الدارقطني 155 هـ- 157 هـ- 157 هـ- 158 م- 159 هـ- 215 هـ- 248 هـ- 292- 310 هـ- 564 هـ- 594 هـ- 697 هـ- 698- 721 هـ-
الدارمي 73 هـ- 74 هـ- 231 هـ- 237 هـ- 323 هـ- 327 هـ- 335 هـ- 336 هـ- 337 هـ- 338 هـ- 400 هـ- 408 هـ- 552 هـ- 573 هـ- 578 هـ- 580 هـ- 581 هـ- 582 هـ- 582 هـ-
589 هـ- 600 هـ-
الداني 735 هـ-
داود (ص) 20 هـ- 85- 187 هـ- 197 م- 210- 210 هـ- 210 هـ- 210 هـ- 210 هـ- 210 هـ- 210 هـ- 296- 299- 299- 299- 351- 353- 441 هـ- 442 هـ- 450- 463- 541- 714-
داود بن علية 703 هـ- 703 هـ-
الدبوسي 499 هـ-
دحيبية بنت عليبة 275 هـ-
دحية 719 هـ- 719 هـ- 720 هـ-
دحية الكلبي 710 م-
دعثور (بن الحارث) 223 هـ- 682 م-
دكين الاحمسي 568-
الدلجي 66 هـ- 82 هـ- 155 هـ- 164 هـ- 166 هـ- 187 هـ- 221 هـ- 280 هـ- 282 هـ- 292 هـ- 340 هـ- 398- 570 هـ- 590 هـ- 601 هـ- 603 هـ- 604- 611 هـ- 614 هـ- 620 هـ- 630 هـ- 632 هـ- 648 هـ- 652 هـ- 668 هـ- 675 هـ- 729 هـ- 732 هـ-
الدولابي 571 م-
الديلمي 97 هـ- 171 هـ- 174 هـ- 177 هـ- 188 هـ- 208 هـ- 450 هـ- 529 هـ- 702 هـ- 702 هـ-
ذ ذكوان 731 هـ-
الذهبي 55 هـ- 70 هـ- 157 هـ- 395 هـ- 450 هـ- 605 هـ- 616 هـ- 619 هـ- 620 هـ- 632 هـ- 632 هـ- 652 هـ- 657 هـ- 658 هـ- 673 هـ- 674 هـ- 675 هـ- 703 هـ- 719 هـ- 721 هـ- 727 هـ-
ذو الخويصرة 222 هـ- 666 هـ-
ذو القرنين 523 م- 524-
ذو المشعار الهمداني 168 م-
ذو النون المصري 58 هـ- 476 م-
ذياب بن الحارث 725 هـ-
ر الرازي (فخر الدين) 393 م-
راشد بن سعد 656 هـ-
الراغب الاصفهاني 454 هـ-
رافع 444 هـ-
رافع بن خديج 668 هـ-
الرافعي 152 هـ-
الرافعي (مصطفى صادق) 532 هـ-
الربيع 376 هـ- 398 هـ-(2/696)
الربيع بن أنس 107 م- 107 هـ- 352 م- 378- 398- 398 هـ- 464-
الربيع بن خيثم 269 م-
الربيع بن معوز 234 هـ-
الرحال بن عفوة 669 هـ-
الرشاطي 113 هـ-
الرشيد (هارون) 613 هـ-
رفاعة بن زيد بن الثابوت 668 هـ-
رفيع بن مهران 67 هـ-
ركانة 165 م- 166 هـ- 579 م-
ركانة بن يزيد 166 هـ-
رميلة (ام سليم) 625 هـ-
الرهاوي 698 هـ-
روح بن زنباع 661 هـ-
ريطة بنت منبه 72 هـ-
ز الزبير بن باطيا 722 م-
الزبير بن بكار 164 هـ- 582 هـ- 649 هـ-
الزبير بن العوام 591 م- 659- 674- 674 هـ- 727 هـ-
الزجاج (أبو اسحق) 88 م-
زكريا (ص) 85- 192 هـ-
الزنجي 655 هـ-
الزهري 208 هـ- 231 هـ- 270 هـ- 348 هـ 372- 677 هـ- 697 هـ- 697 هـ- 698 هـ- 698 هـ- 726 هـ- 729 هـ-
زياد بن أبيه 563 هـ-
زياد النمري 430 م
زيد بن أبي أنيسه 698 هـ-
زيد بن أرقم 31 هـ- 404 م- 602- 602 هـ-
زيد بن أسلم 77 م- 454 هـ-
زيد بن ثابت 406 هـ- 605 هـ- 701 هـ- 702 هـ-
زيد بن حارثه 158 هـ- 485 هـ- 566 هـ- 672 هـ- 730 هـ-
زيد بن خارجة 616 م-
زيد بن خالد الجهني 669 هـ-
زيد بن سعنة 226 م-
زيد بن صوحان 673 م- 673 هـ- 674 هـ-
زيد بن عمرو بن نفيل 717 م-
زيد بن اللصيب 669 هـ
زيد بن معاذ 621- 621 هـ- 621 هـ- 621 هـ-
زينب بنت ام سلمة 647 م-
زينب بنت جحش 566 م- 566 هـ- 654 هـ- 654 هـ- 673- 673 هـ-
زينب بنت الحارث بن سلام 224 هـ-
زينب بنت علي 630 هـ
زينب بنت محمد (ص) 258 هـ- 259 م- 259 هـ- 259 هـ-
- س- السائب- بن يزيد 645 م-
سارة 212 هـ-
سالم بن أبي الجعد 552 م- 644 هـ-
السامري 741 م-
سبأ 699 م-
السبكي 632 هـ-
سحنون 188 م-
السخاوي 549 هـ-
السدي 112 م 182 هـ- 270 هـ-
سراقة بن مالك 130 م- 674- 674- 686-
سريج بن يونس 339 م-
سطيح 723 هـ-
سعيد 245- 605 هـ-
سعد بن أبي وقاص 146 هـ- 168 هـ- 215 م- 215 هـ- 585 هـ- 591- 617- 627- 627 هـ- 655 هـ- 672- 674- 674 هـ- 710-
سعد بن بنت كريز 724 م-
سعد بن العاص 656 هـ-
سعد بن عبادة 637 م-
سعد بن معاذ 712 هـ-
سعية 718 م-
سعيد بن أيوب 434 هـ-
سعيد بن بردة 119 هـ-
سعيد بن جبير 52 هـ- 88- 88 هـ- 88 هـ- 131 هـ- 209 هـ- 361- 380- 436- 547 هـ-
سعيد بن زيد 591 م-
سعيد بن عبد العزيز 632 هـ-
سعيد بن المسيب 252 م- 655 هـ- 671 هـ- 675 هـ- 675 هـ- 675 هـ-
سعيد بن منصور 215- 292 هـ-
سعيد بن ميناء 562 م- 562 هـ
سعيد بن هشام 207 هـ-
سفيان الثوري 186 م- 297-
سفيان بن مجاشع 716 م-
سفيان بن معاوية المهلبي 531 هـ-
سفيان بن وكيع 310 م- 313-
سفينة (رومان) 603 م-
السقا 223 هـ-
السقلي الحافظ 658 هـ-
سلطان بن سلامة 621 هـ-
سلمى 196 م-
سلمان الفارسي 496 هـ- 640 م- 640 هـ-
640 هـ- 640 هـ- 673 هـ- 705 م- 705- 705 هـ 705 هـ- 706- 720-
سلمة بن الأكوع 556 م- 557- 559- 564- 565- 597- 621 م- 632 هـ- 648 هـ-
السلمي 61 م- 78- 99- 449-
سليمان 406 هـ-
سليمان (ص) 164 هـ- 192 هـ- 196- 197- 208- 209- 210- 210 هـ- 210 هـ- 210 هـ- 210 هـ- 296- 298- 332- 351- 353- 714 م- 714 هـ
سليمان بن الاشعث 30 م-
سليمان بن أيوب 377 هـ-(2/697)
سليمان بن بريدة 405 هـ-
سليمان بن صرد 667 هـ-
سليمان بن عبد الملك 546 هـ-
سمرة بن جندب 406 هـ- 563 م- 660- 660- 660 هـ- 660 هـ-
السمرقندي 51 م- 57- 61- 75- 77- 79- 80 هـ- 93- 114- 115- 378- 545- 688- 689-
السمعاني 174 هـ- 519 هـ-
السمنطاري 341 م-
سهل بن حنيف 711 هـ-
سهل الساعدي 231 م- 231 هـ- 405- 582- 583- 583- 586- 621 هـ- 651 هـ- 660 هـ-
سهل بن عبد الله (التستري) 58 م- 60- 69- 78- 92- 93- 96- 191-
سهل بن وهب 618 هـ-
سهيل بن عمرو 676 م- 711 هـ-
السهيلي 159 هـ- 604 هـ- 604 هـ-
سواد بن قارب 723 هـ-
سواد بن قيس 634 هـ-
سويد بن جبلة 405 م-
سيبويه 717 هـ-
السيرافي 272 هـ-
سيف بن ذي يزن 717 م-
سيف بن وهب 87 هـ-
السيوطي 57 هـ- 59 هـ- 196 هـ- 199 هـ- 212 هـ- 221 هـ- 232 هـ- 243 هـ- 280 هـ- 280 هـ- 288 هـ- 450 هـ- 592 هـ- 549 هـ- 579 هـ- 590 هـ- 594 هـ- 598 هـ- 603 هـ- 604 هـ- 644 هـ- 647 هـ- 647 هـ- 658 هـ- 697 هـ- 701 هـ- 702 هـ- 711 هـ- 720 هـ- 731 هـ- 732 هـ-
- ش- شاصونه 613-
شافع بن كليب 623 م-
الشافعي 54 هـ- 55 هـ- 154 هـ- 155 م- 155 هـ- 164 هـ- 165 هـ- 195 هـ- 341 هـ- 499- 499 هـ- 507 هـ- 553 هـ- 581 هـ- 732 هـ- 733 هـ-
شامول 717 م-
الشحاوي 544 هـ-
شداد بن اوس 213 هـ- 336 م- 365-
شرحبيل الجعفي 623 م-
شريح 361 هـ-
شريك بن أبي نمر 347 م- 347- 354 م- 371- 371 هـ- 371 هـ- 378- 395 هـ- 395 هـ-
شعبة 31 هـ-
الشعبي 300 هـ- 553 م- 673 هـ
الشعيب (ص) 297-
؟؟؟ عبد الرحمن) 727 م- 727 هـ-
؟؟؟ 723 هـ-
الشمني 112 هـ-
شيبة بن عثمان الحججي 691 م-
الشيماء 259 م
- ص- صالح (ص) 492 هـ-
صعصعة بن صوحان 673 هـ-
صفوان بن امية 232 م- 232 هـ- 252- 252- 597- 670 م- 670 هـ- 670 هـ- 670 هـ-
صفوان بن سليم 196 م-
صفوان بن عسال 87 هـ
صفية (بنت حيي) 196 هـ- 524 هـ- 566 هـ- 690 هـ- 721 هـ- 721 هـ-
صهيب 657 هـ-
- ض- الضحاك بن مزاحم 75 م- 361- 545-
ضغاطر 719 م-
ضماد بن ثعلبة 483 م
- ط- طارق بن حرام 725 هـ-
طارق بن عبد الله 483 م-
طاووس (اليماني) 196 م- 648 م- 648 هـ-
الطبراني 52 هـ- 57 هـ- 74 هـ- 152 هـ- 157 هـ- 157 هـ- 159 هـ- 165 هـ- 172 هـ- 178 هـ- 182- 186 هـ- 186 هـ- 190 هـ- 191 هـ- 198 هـ- 225 هـ- 229 هـ- 234 هـ- 237 هـ- 267- هـ- 268 هـ- 268 هـ- 270 هـ-- 272 هـ- 280 هـ- 284 هـ- 288 هـ- 298 هـ- 304 هـ- 325 هـ- 327 هـ- 328 هـ- 338 هـ- 339 هـ- 340 هـ- 342 هـ- 365 هـ- 377 هـ-- 405 هـ- 405 هـ- 406 هـ- 431 هـ- 452 هـ-- 548 هـ- 549 هـ- 565 هـ- 571 هـ- 576 هـ-- 589 هـ- 592 هـ- 594 هـ- 594 هـ- 597 هـ-- 598 هـ- 601 هـ- 602 هـ- 602 هـ- 602 هـ-- 602 هـ- 605 هـ- 616 هـ- 620 هـ- 620 هـ-- 620 هـ- 624 هـ- 624 هـ- 639 هـ- 643 هـ-- 645 هـ- 645 هـ- 651 هـ- 655 هـ- 657 هـ- 660 هـ- 664 هـ- 668 هـ- 670 هـ- 684 هـ-- 697 هـ- 697 هـ- 699 هـ-
701 هـ- 727 هـ- 727 هـ- 733 هـ-
الطبري- 182 م- 210- 214- 302- 361- 558- 563 هـ-
الطحاوي 548 م- 549- 549 هـ-
الطفيل بن أبي 586 م-
الطفيل بن عمرو 631 م- 631 هـ- 687 هـ-
طلحة بن ام سليم 646 هـ-
طلحة بن عبد الله 591 م- 674- 674 هـ-
طهفة النهدي 168 م- 169 هـ-
الطيالسي 231 هـ- 371 هـ- 387 هـ- 423 هـ- 623 هـ-
- ع- عائذ بن عمرو 406 هـ- 645 م-
عائشة 31 هـ- 51 هـ- 87 هـ- 104 هـ-(2/698)
146 م- 152 هـ- 152 هـ- 155- 155- 155 هـ- 159- 163- 163- 187- 187 هـ- 188 هـ- 203 هـ- 207- 221- 226- 242- 242- 243- 247- 255- 256- 256 هـ- 258- 258 هـ- 265 هـ- 266- 271- 271 هـ- 276- 278- 278 هـ- 279- 279- 280- 281- 282 282- 283- 286- 288- 288 هـ- 327- 360- 361- 372- 372- 372- 372- 373- 373- 375- 375- 376- 405- 405 هـ- 413- 435- 545 هـ- 589- 594- 594 هـ- 609 هـ- 658 هـ- 659 هـ- 659 هـ- 659 هـ- 662 هـ- 665 هـ- 665 هـ- 671 هـ- 673 هـ- 677 هـ- 681- 698 هـ- 708 هـ- 710 هـ- 732 هـ- 732 هـ- 732 هـ-
عاتكة بنت خالد 146-
عاصم بن عمر بن قتادة 68 هـ- 617 م- 617 هـ- 617 هـ- 618- 660 هـ-
عامر بن الاضبط 634 هـ- 634 هـ
عامر بن الطفيل 692 م-
عامر بن مالك بن جعفر 239 هـ- 239 هـ-
عامر بن مالك (ملاعب الاسة) 619 هـ-
عامر بن واثلة 260 هـ-
العامري 173 م-
عباد بن بشر 621 هـ- 621 هـ- 631 هـ-
عباد بن وهب 618 هـ-
عباس الدوري 21 هـ-
العباس بن سهل 586 م-
العباس بن عبد المطلب 164 هـ- 181 م- 183-- 233- 236- 328- 470- 590- 656- 671- 671 هـ- 733 هـ-
عباس بن مرداس 598 م 598- 598 هـ- 598 هـ-
عبد الحافظ أبو الفضل 590 هـ-
عبد الحق 632 هـ-
عبد الرحمن بن أبي بكر 564 م- 633 هـ-
عبد الرحمن بن زيد 68 م- 649 م- 649 هـ-
عبد الرحمن السلمي 336 هـ-
عبد الرحمن بن صخر 31 هـ-
عبد الرحمن بن ابي عمرة 564 م-
عبد الرحمن بن عوف 281 م- 379 هـ- 406 هـ- 591- 626- 626- 686 هـ- 712 هـ- 717 هـ- 717 هـ- 727 هـ- 727 هـ- 727 هـ-
عبد الرحمن بن قيس 731 هـ-
عبد الرزاق 163 هـ- 203 هـ- 238 هـ- 379 م-
عبد الله بن أبي اوفى 600 م-
عبد الله بن أحمد بن حنبل 381- 655 هـ-
عبد الله بن أبي بن مشلول؟؟؟ 66 هـ- 224 م- 225 هـ-
عبد الله بن أنيس 620 م-
عبد الله بريدة 586-
عبد الله جحش 643 م-
عبد الله بن جعفر 600 م- 629- 727 هـ-
عبد الله بن حفص 585-
عبد الله بن حميد 370 م- 683-
عبد بن حميد 107 هـ- 621 هـ-
عبد الله بن الحارث (الزبيري) 249 م- 278-
عبد الله بن الحارث (بن عبد العزى) 260 هـ
عبد الله بن الحمساء 257 م-
عبد الله بن دينار 652 هـ-
عبد الله بن رواحة 672 هـ-
عبد الله بن الزبير 157 م- 405 هـ- 405 هـ- 659 هـ-
عبد الله بن زيد بن ثعلبة 404 م-
عبد الله بن رمقة 647 هـ-
عبد الله بن أبي سلمة 376 هـ-
عبد الله بن سعد 52 هـ-
عبد الله بن سرجس 62 هـ-
عبد الله بن سلام 73 م- 482- 524 هـ-
عبد الله بن الشخير 288 م-
عبد الله انصنابحي 405 م-
عبد الله بن عبد الرحمن 649 هـ-
عبد الله بن عباس 582
عبد الله بن عبد الله بن عتبة 546 م-
عبد الله بن عبد المطلب 159 هـ-
عبد الله بن عتيك 177 هـ-
عبد الله بن عبيد الله الانصاري 615-
عبد الله بن عمر 403 هـ- 418 هـ- 468 هـ- 581-
عبد الله بن عمرو بن العاص 31 هـ- 72 م- 243- 254 هـ- 331- 402- 434- 435- 585 هـ- 700 هـ-
عبد الله بن قرط 602 م-
عبد الله بن مسعود 214 م- 276- 342- 407- 545- 577- 632- 644- 709- 712-
عبد المطلب 717 هـ- 717 هـ- 717 هـ- 717 هـ-
عبيدة بن الحارث 513 هـ-
عبيد بن عمير 200 هـ-
عبد الملك بن سعيد ابجر 698 هـ-
عبد الملك بن مروان 187 هـ- 552 هـ- 553 هـ-- 661 هـ- 661 هـ-
عتبة بن أبي لهب 632 م- 632 هـ- 671-
عتبة بن ربيعة 105 هـ- 513 م- 513 هـ- 531- 531- 531- 531-
عتبة بن عبد السلمي 336 هـ- 406 هـ-
عتبة بن فرقد 645 م-
عتيبة بن أبي لهب 632 هـ- 632 هـ-
عثكلان الحميري 717 م-
عثمان بن حنيف 618 م-
عثمان بن عفان 58 هـ- 126 هـ- 135 هـ- 404 هـ- 412 هـ- 556 هـ- 569- 589- 590- 591- 615- 616- 621 هـ- 633 هـ-(2/699)
633 هـ- 633 هـ- 638- 638 هـ- 658- 658 هـ- 658 هـ- 658 هـ- 658 هـ- 658 هـ- 658 هـ-- 662 هـ- 674- 674 هـ- 684 هـ- 719 هـ- 720 هـ- 724 هـ- 724 هـ-
عثمان العمري 342 هـ-
عثمان بن مظعون 406 هـ-
العجلي 586 هـ-
العداء بن خالد 147 م-
العدني 732 هـ-
عدي بن حاتم 494 هـ- 651 هـ-
العراقي 152 هـ- 243 هـ- 249 هـ- 288 هـ- 302 هـ- 371 هـ- 549 هـ- 733 هـ-
العرباض بن سارية 334 م- 406 هـ- 726 هـ-
العرفي 398 هـ-
عروة 619 هـ- 632 هـ- 671 هـ- 692 هـ-
عروة بن ابي الجعد 629 م-
699 هـ-
عطاء (بن أبي رباح) 31 م- 52 هـ- 280 هـ
العسقلاني (ابن حجر) 371 هـ- 546 هـ-- 376- 547 هـ-
عطاء بن يسار 72 م- 73- 73 هـ-
عطة السعدي 173 م-
عقبة بن أبي معيط 238 هـ-
عقبة بن عامر 331 م- 404- 404 هـ- 429-
العقيلي 277 هـ- 620 م- 656 هـ-
عكاشة 642 م- 642 هـ- 642 هـ-
عكرمة (بن عبد الله) 51 هـ 60 هـ- 160 م- 160- 361- 376 هـ- 379- 380- 381- 506 هـ- 621 هـ- 625-
عكرمة بن أبي جهل 622 هـ-
العلاء 577 هـ-
علقمة 543 هـ- 545 م- 551-
علي بن أبي طالب 54 م- 69- 82- 89- 97 هـ- 107 هـ- 112- 112 هـ- 121- 132 هـ-- 146 هـ- 146- 146- 147 هـ- 150- 156- 159- 191 هـ- 192- 207- 222 هـ- 237- 244- 259 هـ- 268 هـ- 271- 273- 273 هـ- 288- 310 هـ- 334- 339 هـ- 340 هـ- 355- 361 هـ- 365 هـ- 365 هـ- 391- 412 هـ- 536 هـ- 537 هـ- 545- 545- 545 هـ- 548- 548- 548 هـ- 564 هـ- 565- 567- 567- 567- 567 هـ- 567 هـ- 571- 578- 579- 579 هـ- 589- 591- 621- 621- 630- 630 هـ- 634 هـ- 651- 651 هـ- 652 هـ- 657- 657 هـ- 657 هـ- 657 هـ- 657 هـ- 657 هـ- 657 هـ- 657 هـ- 659 هـ- 659 هـ- 659 هـ- 662 هـ- 663 هـ- 66 هـ- 666 هـ- 669 هـ- 670 هـ- 670 هـ- 674- 674 هـ- 674 هـ- 676 هـ- 697 هـ- 711 هـ- 732 هـ- 733 هـ-
علي بن زيد بن جدعان 655 هـ-
علي بن الحسين (زين العابدين) 423 م-
علي بن الحكم 31 م- 621-
علي بن عيسى 102 م-
علي بن هارون 24-
عمار بن سيف 675 هـ-
عمار بن ابي عمار 586 م-
عمار بن ياسر 277 هـ- 334- 657 هـ- 659 م- 711 هـ-
عمران بن الحصين 164 هـ- 238 م- 464 هـ-
554- 558- 558- 559- 630 هـ- 709 هـ-
عمران 292-
عمر بن الخطاب 45 هـ- 52 هـ- 54 هـ- 58 هـ- 64 هـ- 66- 68- 70 هـ- 77 هـ- 113 م- 121- 126 هـ- 132 هـ- 156 هـ- 168 هـ-- 215- 221- 221 هـ- 223 هـ- 227- 227- 227- 233- 247 هـ- 252 هـ- 263- 270 هـ-- 334- 340 هـ- 360- 366- 367- 405- 406 هـ- 412 هـ- 446 هـ- 507- 559- 560 هـ-- 564- 567- 568 هـ- 568 هـ- 569- 576 هـ-- 580- 581 هـ- 589- 590- 594- 599- 615- 616- 627- 627- 627 هـ- 627 هـ- 628- 628- 637 هـ- 637 هـ- 640 هـ- 640 هـ-- 641 هـ- 641 هـ- 641 هـ- 641 هـ- 644 هـ- 644 هـ- 644 هـ- 645 هـ- 649 هـ- 659- 659 هـ- 662 هـ- 666 هـ- 667 هـ- 674- 674- 674 هـ- 675 هـ- 675 هـ- 676- 676 هـ-- 676 هـ- 685- 685- 685- 690- 712- 719 هـ- 725 هـ- 733-
عمر بن شعيب 560 م-
عمر بن عبد العزيز 251 هـ- 546 هـ
عمر بن عبد العزيز بن وهيب 274 م-
عمر بن قتادة 618 هـ- 660 هـ-
عمرو بن أمية بن خويلد 690 م-
عمرو بن ثعلبة الجهني 646 م-
عمرو بن جبلة 725 هـ-
عمرو بن حجاش 689 م-
عمرو بن الحارث 279 م-
عمرو بن السائب 157 هـ- 260 م-
عمرو بن الصلاح 729 هـ-
عمرو بن عتبة 645 هـ-
عمرو بن مرة الجهني 699 هـ-
عمير بن سعد 644 م- 644 هـ-
عمير بن وهب 670 م- 670 هـ- 671-
عنترة بن شداد 494 م-
عوف بن مالك 287 م- 287 هـ- 667 هـ-
عون بن عبد الله 79 م-
عياض 21- 23- 23- 24- 30 هـ- 590 هـ- 729 هـ-
عيسى (ص) 66- 85- 192 م- 192 هـ- 192 هـ- 193- 195- 197 هـ- 198- 208- 209- 209 209- 209 هـ- 291- 300- 301- 334- 336- 345- 351- 353- 401- 401- 401- 408- 408- 414- 426- 426- 441 هـ- 441 هـ- 441 هـ- 444 هـ- 449 هـ- 459- 492 هـ- 507- 515 هـ-(2/700)
524- 524 هـ- 614 هـ- 653 هـ- 656 هـ- 663 هـ- 737-
عيسى بن علي 531 هـ-
عيينة بن حصن 701 م-
- غ- غرقده (أبو شبيب) 630 م-
الغزالي 475 هـ-
غورث بن الحارث 223- 223 هـ- 224 هـ- 681- 682 هـ- 683-
غيلان بن سلمة الثقفي 576 م- 729 هـ-
- ف- فاطمة (الزهراء) 51 هـ- 54 هـ- 196 هـ- 259 هـ- 412 م- 567- 571- 630- 662-
فاطمة بنت عمر 649 هـ-
فاطمة بنت النعمان 724 م-
الفخر الرازي 377 هـ-
الفراء 84 م- 116-
فرعون 208 هـ- 211 م- 211 هـ- 295- 614 هـ- 675- 741-
فرقد السنجي 298 هـ-
فصالة بن عمرو 692 م- 692-
فنحاص 439 هـ-
فهد بن عطيه 613-
فيروز 672 م- 672-
- ق- القابسى 703 هـ- 703 هـ-
القاري (ملا على) 603 هـ- 604 هـ- 714 هـ-
قاسم بن ثابت 641 هـ-
قتادة بن دغامة 62 م- 66 هـ- 69 هـ- 77- 112- 114- 165- 195 هـ- 292- 292- 348- 361- 428- 546- 546- 551- 711 هـ-
قتادة بن ملحان 646 م-
(قتادة بن النعمان) 617 هـ- 617 هـ- 618 م- 618- 618- 631 هـ- 641-
قتيبة 68 هـ-
القتيبي (عبد الله) 470 م-
القرطبي 271 هـ- 663 هـ-
قزمان 660 م-
قس بن ساعدة 716 م-
القسطلاني (ابن حجر) 590 هـ- 594 هـ-
قسطنطين 678 هـ-
القشيري 63 هـ-
القضاعي 288 هـ-
قطن بن حارثة العليمي 168 م-
قيس 199 هـ- 621 هـ-
قيس ابن أبي حازم 627 هـ-
قيس بن زيد 646 م-
قيس بن سعد 244 م- 245- 245-
قيصر 652- 653- 653-
قيلة (بنت مخرمة) 199 م- 275 م-
- ك- كامل بن عدي 215 هـ-
كثير بن زيد 586 م-
كريب 585 م-
الكسائي 82 هـ- 84 م- 84 هـ- 102 هـ-
كسرى 272- 631 م- 652- 653- 653- 672 م- 672 هـ- 672 هـ- 674- 674- 728-
كعب الاحبار 58 م- 73- 74 هـ- 89 هـ- 89- 89- 89- 357- 378- 378- 378- 420- 456- 529- 529 هـ- 719 م-
كعب بن أسد 721 م-
كعب بن الاشرف 621 هـ- 621 هـ-
كعب بن عجرة 406 هـ-
كعب بن علقمة 434 هـ-
كعب بن لؤي 716 م-
كعب بن مالك 419 م-
الكلبي 52 هـ- 115- 526 هـ- 631 هـ- 633 هـ
كلثوم بن الحصين 620-
الكواشي 211 هـ-
- ل- لبابة بنت أبي لبابة 649 هـ-
لبيد بن الاعصم 224 م- 224 هـ- 677-
لبيد بن ربيعة 692 هـ- 692 هـ-
لقمان (الحكيم) 187 م- 187 هـ- 523-
لقبط بن عامر 406 هـ-
لوط (ص) 292- 297-
الليث 31 هـ-
ليث بن سعد 703 هـ-
ليلى بنت الحطية 633 هـ- 633 هـ-
- م- المأمون 155 هـ-
مارية القبطية 457 هـ- 721 هـ-
مالك (بن أنس) 31 هـ- 31 هـ- 155 هـ- 155 هـ- 156 هـ- 164 هـ- 188 هـ- 207 هـ- 221 هـ- 248 هـ- 248 هـ- 340 هـ- 341 م- 341 هـ- 384 م- 499- 499 هـ- 550 هـ- 555- 555 هـ- 585 هـ-
مالك بن سنان 157 م-
مالك بن صعصعة 348 م- 350- 360- 371- 371-
مالك بن النضر 571 هـ- 572 هـ-
مالك بن بخامر 379 م-
الماوردى 64 هـ- 68- 104 هـ- 377- 394-
مبارك اليمامة 614 م- 614 هـ-
مجاهد 66 هـ- 70 م- 92- 93 هـ- 134 هـ- 162- 209 هـ- 211- 300 هـ- 300 هـ- 301 هـ- 361- 423- 452 هـ- 470 هـ- 544- 547- 547 هـ- 577- 703 هـ- 703 هـ- 729 هـ-
المحاربى 703 هـ-
المحب الطبري 658 هـ-
محصن بن ثعلبة 158 هـ-
محلم بن جثامه 634 م- 634 هـ- 634 هـ- 634 هـ- 634 هـ-
محمد بن احيحة 446 م-
محمد بن اسحق 359-(2/701)
محمد براء البكري 446 م-
محمد بن بشار 482 هـ-
محمد بن بشر بن معاوية 643 هـ-
محمد بن جبير بن مطعم 546 م-
محمد بن جريو الطبري 209 هـ- 273 هـ-
محمد بن حاطب 623 م-
محمد بن الحسن الاصبهاني 119-
محمد بن حمدان الجعفي 446 م-
محمد بن حميد الرازي 285 هـ-
محمد بن الحنفية 662 هـ-
محمد بن خزاعي 446 م-
محمد بن زياد 432 م-
محمد بن السائب الكلبي 54-
محمد بن سعد 155 م-
محمد بن سفيان 446 م- 446-
محمد بن سيرين 31 هـ- 660 هـ-
محمد بن علي الترمذي 78 م-
محمد بن عمر (القوطية) 384 هـ-
محمد بن كرام 489 هـ-
محمد بن كعب القرظي 197 هـ- 378 م- 378 هـ- 387 هـ- 395- 531 هـ-
محمد بن لبيد 618 هـ-
محمد بن مسلمة 446 م- 621 هـ-
محمد بن اليحمد 446 م-
المختار الثقفي 661 م- 661 هـ- 661 هـ-
المخدج 666 م-
مخزوم بن هانىء 728 هـ-
مخيريق 718 م-
المدائني 691 هـ-
مدعم 669 هـ-
مدلوك (أبو سفيان) 645 م-
مذحج 700 م-
المرتضي 675 هـ-
مرداس 598 هـ-
مروان بن الحكم 380 م- 684 هـ-
مروان بن عبد شمس 633 هـ-
المروزي الحافظ 56 هـ-
مريم 209- 412 هـ- 614 هـ- 726 هـ-
المزني (أبو ابراهيم) 154 م- 548 هـ- 583 هـ-
المزي 594 هـ-
المستنصر 527 هـ-
المستورد (بن شداد) 404 م- 404 هـ-
مسروق بن اجدع 361 م- 375- 543 هـ- 544-
مسعر 423 هـ
المسعودي 721 هـ-
مسلم 23- 31 هـ- 56 هـ- 56 هـ- 65 هـ- 90 هـ- 90 هـ- 95 هـ
- 119 هـ- 152 هـ- 152 هـ- 153 هـ- 158 م- 163 هـ
- 165 هـ- 174 هـ- 177 هـ- 181 هـ- 187 هـ- 188 هـ
- 197 هـ- 223- 223 هـ- 223 هـ- 223 هـ- 228 هـ-
231 هـ- 231 هـ- 231 هـ- 232 هـ- 232 هـ- 236- 236
هـ- 237 هـ- 247 هـ- 249 هـ- 254 هـ- 256 هـ- 263 هـ
- 264 هـ- 265 هـ- 275 هـ- 277 هـ- 278 هـ- 278 هـ- 279 هـ- 281 هـ- 284 هـ- 287 هـ- 288 هـ- 301 هـ- 326 هـ- 329 هـ- 331 هـ- 339 هـ- 344 هـ- 348 هـ- 348 هـ- 353 هـ- 366 هـ- 371- 375
هـ- 376 هـ- 387 هـ- 387 هـ- 387 هـ- 399 هـ- 400 هـ- 400 هـ- 401 هـ- 402 هـ- 403 هـ- 403 هـ- 404 هـ- 404 هـ- 405 هـ- 406 هـ- 407 هـ- 423 هـ- 428 هـ- 234 هـ- 434 هـ- 434 هـ- 438 هـ- 439 هـ- 444 هـ- 451 هـ- 457 هـ- 471 هـ- 483 هـ- 513 هـ- 519 هـ- 543 هـ- 545 هـ- 553- 553 هـ- 555 هـ- 558 هـ- 561 هـ- 562 هـ- 566 هـ- 566 هـ- 574 هـ- 575 هـ- 581 هـ- 582 هـ- 589 هـ- 591 هـ- 591 هـ- 592 هـ- 600 هـ- 603 هـ- 614 هـ- 618 هـ- 625 هـ- 630 هـ- 632 هـ- 632 هـ- 637 هـ- 639 هـ- 644 هـ- 648 هـ- 654 هـ- 655 هـ- 661 هـ- 661 هـ- 662 هـ- 663 هـ- 663 هـ- 668 هـ- 671 هـ- 673 هـ- 673 هـ- 674 هـ- 674 هـ- 677 هـ- 677 هـ- 678 هـ- 681 هـ- 690 هـ- 696 هـ- 709 هـ- 711 هـ- 728 هـ- 739 هـ-
مسلم بن أبي عمران الازدي 547 م-
مسور بن مخرمة 641 هـ- 641 هـ-
المسيح بن مريم (ص) 318-
مسيلمة (الكذاب) 506 م- 662-
مصعب بن الزبير 662 هـ-
مصعب بن شيبة 152 هـ-
مصعب بن عميز 712 م- 712- 712- 712 هـ- 712 هـ-
مصعب بن الوليد 211 هـ-
مضر بن محمد 51 هـ-
المطلب بن أبي وداعة 582 م- 583- 583- 586-
معاذ بن جبل 208 هـ- 379 م- 379 هـ- 386- 406 هـ- 555- 556- 602- 604 هـ- 662 هـ- 724 هـ-
معاذ بن عفراء 270 هـ- 622 هـ-
معاذ بن هشام 195 هـ-
معاوية بن أبي سفيان 147 هـ- 157 هـ- 232 هـ- 232 هـ- 244 هـ- 336 هـ- 359 م- 412 هـ- 419 هـ- 513 هـ- 574 هـ- 579 هـ- 597 هـ- 602 هـ- 616 هـ- 618 هـ- 627-
معاوية بن ثور 643 م- 643 هـ-
معتب بن أبي لهب 632 هـ-
معرض بن معيقيب 147 م- 613-
معقل بن سيار 732 هـ-
معمر 208 م- 546-
معوذ بن عفراء 234 م- 270 هـ- 622-
مغيث بن سمي 539 هـ-
المغيرة بن شعبة 113 هـ- 285 م- 602- 602 هـ-
المغيرة بن عبد الله 688 هـ-
المغيرة بن نوفل 259 هـ-
مقاتل 69 هـ- 88 هـ-
المقداد بن عمرو 629 م- 644 م-
المقدام بن معدي كرب 186 م- 256 هـ- 699 هـ-
المقوقس 670 هـ- 721 م
مكي (أبو محمد) 67 م- 67 هـ- 91- 108- 116- 123- 394- 448-(2/702)
ملاعب الاسنة 619 هـ-
ملا علي القاري 93 هـ- 590 هـ- 611 هـ- 614 هـ-
المنسائي 88 هـ- 89 هـ- 90 هـ-
المنذري 602 هـ-
المنصور (أبو جعفر) 499 هـ-
المهدي 656 م-
المهلب بن قبالة 647 م- 647 هـ-
موسى (ص) 54 هـ- 85- 135- 165- 208- 211 م- 211 هـ- 265- 291- 292- 294- 294- 296- 297- 301- 302- 332- 345- 346- 346- 346- 346- 350- 351- 253- 354- 354- 364- 377- 377- 377- 378- 378- 381- 382- 383- 385- 385- 385- 386- 391- 392- 392 هـ- 408- 408- 408 هـ- 426- 426- 426 هـ- 426 هـ- 439- 439- 441 هـ- 441 هـ- 459- 492 هـ- 515 هـ- 523- 523- 675 هـ- 736- 736- 741 هـ- 741 هـ- 742 هـ-
موسى بن اسماعيل 30 م
موسى بن عقبة 641 هـ-
ميسرة 731 م-
ميكائيل 710 م-
ميمونة 340 هـ-
- ن- نائل بن قيس 646 هـ-
النابغة (قيس بن عبد الله) 628 م- 628 هـ-
النابغة الذبياني 628 هـ-
نافع 31 هـ- 82 هـ- 84 هـ- 164 هـ- 348 هـ- 585- 618 هـ-
النجاشي 164 م- 164 هـ- 259- 672- 690 هـ- 720-
النسائي 64 هـ- 65 هـ- 173 هـ- 186 هـ- 194 هـ- 195 م- 195 هـ- 195 هـ- 196 هـ- 203 هـ- 224 هـ- 228 هـ- 228 هـ- 236 هـ- 237 هـ- 245 هـ- 265 هـ- 277 هـ- 284 هـ- 286 هـ- 287 هـ- 288 هـ- 288 هـ- 299 هـ- 341 هـ- 348 هـ- 375 هـ- 377 هـ- 406 هـ- 407 هـ- 418 هـ- 421 هـ- 432 هـ- 434 هـ- 439 هـ- 444 هـ- 483 هـ- 483 هـ- 543 هـ- 543 هـ- 547 هـ- 562 هـ- 563 هـ- 585 هـ- 591 هـ- 591 هـ- 592 هـ- 604 هـ- 618 هـ- 623 هـ- 631 هـ- 637 هـ- 655 هـ- 669 هـ-- 690 هـ- 709 هـ- 713 هـ-
نصطور الحبشنة 719 م-
النضر بن الحارث 270 م- 513- 706-
النظام 491 هـ-
النعمان بن بشير 616 م-
النعمان بن مقرن 568 م-
نغطوية 80 م- 485-
نفيسة بنت منية 731 هـ-
النقاش 90 م- 197- 342- 380- 390- 394- 394 هـ- 450- 721 هـ-
النواس بن سمعان 406 هـ-
نوح (ص) 85- 112- 113- 114- 116- 183- 293- 294- 328- 328 هـ- 332- 356- 425- 425- 441 هـ- 441 هـ- 459- 465- 465 هـ- 713 م
النووي 72 هـ- 165 هـ- 166 هـ- 223 هـ- 348 هـ- 428 هـ- 470 هـ- 640 هـ- 661 هـ- 663 هـ- 677 هـ- 729 هـ- 729 هـ- 733 هـ-
النويري 484 هـ-
- هـ- هاجر 212 هـ-
هارون (ص) 54 هـ- 345-
هاشم 52- 677 م-
هالة بنت خويلد 258 هـ-
هامة بن الهيم 713-
هانيء 165 هـ-
هبار بن الاسود 632 هـ-
هذيل بن بلال 674 هـ-
هرقل 270- 293- 719 هـ- 719 هـ- 720 م-
هشام 68 هـ-
هشام بن حسان 661 هـ-
هشام بن عبد الملك 418 هـ- 675 هـ-
هلال بن الحارث 340 هـ-
همام بن يحيى العوذي 370 م-
هند بن أبي هالة 245 هـ- 263 هـ- 272 هـ- 304-
هند بن خديجة 633 هـ-
هند بنت عتبة 513-
- ووائلة بن الاسقع 181 م- 326-
وائل بن خجر الكندي 168 م- 171- 172- 648 هـ-
وائل الحضرمي 639 هـ-
الواسطي 91 م- 104- 106- 135- 389- 396- 449- 474-
الواقدي 155 م- 238 هـ- 261 هـ- 361 هـ- 606- 610- 619 هـ- 621 هـ- 676 هـ- 713- 731 هـ-
ورقة بن نوفل 232 م- 717-
وكيع (بن الجراح) 375 هـ- 613 م-
الوليد (فرعون) 675- 675 هـ-
الوليد بن عبادة 552 م-
الوليد بن عبد الملك 675 هـ-
الوليد بن المعيزة 105 هـ- 506 م- 506 هـ- 511- 513- 513 هـ- 688 هـ-
الوليد بن يزيد 675 هـ-
وهب بن عبد الله 146
وهب بن منيه 73 هـ- 162 م- 300 هـ- 302- 442 هـ- 608-
- ي- ياسر بن أخطب 721 هـ- 721 هـ-
يحيى (ص) 85- 192 م- 193- 193- 195- 208- 208- 209- 293- 293- 301- 345- 441 هـ- 459- 472- 614 هـ-
يحيى بن آدم 61 م- 375 هـ-
يحيى بن حكم الغزال 532 م-
يزيد بن ركانة 166 هـ-
يزيد بن شهاب 605 م-(2/703)
يزيد بن عياض 618 م- 618 هـ-
يزيد الفقير 423 م-
يزيد بن معاوية 232 هـ- 286 هـ- 563 هـ- 564 هـ- 574 هـ- 649 هـ-
يزيد بن مهران 632 هـ-
يزيد بن الوليد بن عبد الملك 675 هـ-
يسار 705 هـ- 706-
اليسير بن رزام 620 هـ-
يعقوب (ص) 212 هـ- 295- 296-
اليعقوبي 700 هـ-
يعلى بن سيابة 576 م- 577- 578- 600-
يعيش 705 هـ- 706-
يوسف بن يعقوب (ص) 73 هـ- 212 م- 228- 265- 297- 298- 299- 459- 510- 523-
614 هـ-
يونس بن بكير 549 م-
يونس بن متى (ص) 265 م- 265 هـ- 438- 439- 439- 440- 443- 443-
يونس بن ميسرة 453 هـ-
يونس بن يزيد الايلي 348 م-
انتهى فهرس اعلام الجزء الأول من الشفاء(2/704)
مسرد الأمكنة والبلاد «1»
في الجزء الأول- ا- أحد 64 هـ- 146 هـ- 157- 157 هـ- 203- 221- 404 هـ- 419 هـ- 563 هـ- 591 هـ- 620- 620 هـ- 620 هـ- 637 هـ- 643 هـ- 643 هـ- 659 هـ- 660 هـ- 660 هـ- 660 هـ- 668- 668 هـ- 670 هـ- 690 هـ- 691 هـ- 712- 712 هـ- 712 هـ- 718 هـ-
اسفرايين: 584 هـ-
اسكندرية: 404 هـ- 670 هـ-
أصبهان: 675 هـ-
أصيلة: 527 هـ-
افريقية: 52 هـ- 188 هـ- 556 هـ- 621 هـ
الاندلس: 21- 21- 21 هـ- 22 هـ- 67 هـ- 527 هـ- 532- 532 هـ- 638 هـ-
انطاكية: 720 هـ-
اهواز: 675 هـ-
الايكة: 297 هـ-
ايلة: 403- 403-
ايوان كسرى: 728-
- ب- بئر ذروان: 677-
بئر معونة: 239 هـ- 690 هـ-
بدر: 64 هـ- 147 هـ- 154 هـ- 181 هـ- 199 هـ- 214 هـ- 234 هـ- 256 هـ- 259 هـ- 261 هـ- 270- 270 هـ- 270 هـ- 270 هـ- 281 هـ- 282 هـ- 379 هـ- 419 هـ- 446 هـ- 513 هـ- 521- 563 هـ- 574 هـ- 582 هـ- 591 هـ- 591 هـ- 607 هـ- 616 هـ- 622 هـ- 622 هـ- 633- 642- 644 هـ- 659 هـ- 670 هـ- 671- 671 هـ- 676 هـ- 691 هـ- 691 هـ- 709 هـ- 710 هـ- هـ- 711- 711 هـ- 712 هـ-
بست: 64 هـ-
بصرى: 336- 719- 719 هـ-
البصرة: 30 هـ- 47 هـ- 58 هـ- 60 هـ- 271 هـ- 391 هـ- 494 هـ- 508 هـ- 508 هـ- 531 هـ- 563 هـ- 568 هـ- 618 هـ- 645 هـ- 659- 659 هـ- 668- 668 هـ- 719 هـ- 727 هـ-
بغداد: 88 هـ- 102 هـ- 154 هـ- 155 هـ- 155 هـ- 158 هـ- 158 هـ- 165 هـ- 272 هـ- 456 هـ- 498- 571 هـ- 675- 675 هـ-
البقيع: 55 هـ- 63 هـ- 146 هـ- 192 هـ- 229 هـ- 281 هـ- 727 هـ-
البلقاء: 558 هـ-
بواط: 496- 553-
بيت المقدس: 164- 336 هـ- 344- 348- 350- 362- 363- 365- 651- 655- 667 هـ- 677- 678- 729 هـ-
- ت- تبوك: 54- 168 هـ- 181 هـ- 226 هـ- 248 هـ- 419 هـ- 496- 496 هـ- 555- 558 هـ-
نستر: 58-
التنعيم: 228-
تهامة: 280 هـ- 717 هـ-
- ث- ثبير 591- 591 هـ-
- ج- الجزيرة: 341 هـ-
جزيرة العرب: 203
الجعرانة: 260 هـ-
الجماجم: 87 هـ-
الجودي: 509 هـ-
جيان: 705 هـ-
- ح- الحبشة: 158 هـ- 600 هـ- 647 هـ- 703 هـ- 703 هـ- 717 هـ- 719- 720- 720 هـ-
الحجاز: 167- 203- 328 هـ- 661 هـ- 669 هـ-
الحجر: 366- 670 هـ- 670 هـ-
حجر اليمامة: 669 هـ-
الحديبية: 126 هـ- 285 هـ- 368- 444 هـ- 496- 556- 556 هـ- 557- 574 هـ- 618 هـ- 618 هـ- 637 هـ-
حراء: 546- 591- 591- 592- 674- 674 هـ-
الحربية 154
الحسا 519 هـ-
حضرموت: 168- 168 هـ- 715 هـ-
حلب: 272 هـ
حمص: 58 هـ- 186 هـ- 262 هـ- 340 هـ-- 403 هـ- 616 هـ- 637 هـ- 644 هـ- 719 هـ-
الحميمة: 356 هـ-
حنين: 181 هـ- 229 هـ- 232 هـ- 252- 270 هـ- 556 هـ- 562 هـ- 572 هـ- 577- 618 هـ- 645- 648- 691- 691 هـ- 691 هـ-
حواب: 659-
حوران: 558 هـ- 637-
- خ- خراسان: 341- 352 هـ- 470 هـ- 574 هـ- 584 هـ-
__________
(1) الحرف (هـ) بجانب الرقم يدل على ذكر المكان في هامش الصفحة.(2/705)
خيبر: 238 هـ- 549- 556 هـ- 599- 607- 609- 618 هـ- 618 هـ- 620 هـ- 621- 645 هـ- 651- 689 هـ-
- د- دار القطن 158 هـ-
دجلة: 675- 675 هـ-
دجيل: 675-
دمشق: 403 هـ-
- ذ- ذو امر: 682
ذو المجاز: 560
- ر- الربذة: 285 هـ- 672 هـ-
الرقة: 147 هـ-
الرملة: 391 هـ- 403 هـ-
روضة خاخ: 670 هـ-
رومة: 720
رومية: 720 هـ-
الري: 84 هـ- 393 هـ- 544 هـ-
- س- سبأ: 699 هـ
سبته: 21- 21- 22- 23- 23- 56-
السد: 112 هـ-
سرف: 240
سرقسطة: 638 هـ-
سرمرا: 102 هـ-
سفاقس: 76 هـ-
سفط: 249-
سمرقند: 51-
- ش- شاطبة: 30
الشام: 168 هـ- 228 هـ- 287 هـ- 336- 336 هـ- 359 هـ- 403 هـ- 405 هـ- 419 هـ- 496 هـ- 572 هـ- 637 هـ- 637 هـ- 644 هـ- 645 هـ- 646 هـ- 651 هـ- 661 هـ- 662 هـ- 671 هـ- 672 هـ- 673 هـ- 673 هـ- 675 هـ- 676 هـ- 699 هـ- 705 هـ- 707 هـ- 717 هـ- 718 هـ- 719- 719 هـ- هـ- 719 هـ- 719 هـ 719 هـ- 719 هـ- 719 هـ- 720 هـ- 727 هـ- 729 هـ- 731 هـ-
الشمال الافريقي: 21
- ص- الصراة: 675
الصفا: 685
صفين: 564 هـ- 634 هـ- 659 هـ- 659 هـ- 663 هـ- 676 هـ-
صنعاء: 33- 403- 403- 699 هـ- 699 هـ-
الصين: 699 هـ-
- ط- الطائف: 52 هـ- 123- 130 هـ- 232 هـ- 405 هـ- 560 هـ- 576 هـ- 578- 633 هـ- 661 هـ- 691 هـ- 709-
طبرستان: 393 هـ-
طرابلس: 76 هـ-
الطف: 673
طنجة: 654 هـ-
طيبة: 75
- ع- العراق: 168 هـ- 361 هـ- 531 هـ- 545 هـ- 584 هـ- 586 هـ- 613 هـ- 618 هـ- 637 هـ- 651- 675 هـ- 675 هـ- 675 هـ-
العرج: 571 هـ- 641 هـ-
العقبة: 181- 199 هـ- 419 هـ- 563 هـ- 607 هـ- 637 هـ-
العقيق: 215 هـ-
عمان: 403- 484 هـ-
عمواس: 667 هـ- 667 هـ- 676 هـ-
عمورية: 705 هـ-
عين النهر: 616 هـ-
- غ- الغار: 130- 130- 130 هـ-
الغرب: 655
غرناطة: 23
غزة: 155 هـ-
غزنة: 119 هـ-
- ف- فاس: 21- 21- 21- 719 هـ-
فارس: 729
الفرات: 673 هـ-
فلسطين: 72 هـ-
- ق- قابس: 76 هـ- 76 هـ-
القادسية: 247 هـ-
القاهرة: 732 هـ-
قباء: 659 هـ-
القدس: 489 هـ- 663 هـ-
قرطبة: 67 هـ- 67 هـ- 379 هـ- 527 هـ-
القسطنطينية: 563 هـ- 563 هـ- 678-
قطربل: 675
القيروان: 67 هـ- 76 هـ- 609 هـ-
- ك- كربلاء: 309 هـ- 673 هـ-
كرمان: 741 هـ-
الكعبة: 157 هـ- 164- 228 هـ- 268- 652- 691 هـ- 711- 730-
الكوفة 118 هـ- 146 هـ- 146 هـ- 168 هـ- 247 هـ- 378 هـ- 404- 404 هـ- 404 هـ- 483 هـ- 499- 519 هـ- 544 هـ- 544 هـ- 545 هـ- 553 هـ- 553- 563 هـ- 568 هـ- 597 هـ- 613 هـ- 616 هـ- 623 هـ- 629 هـ- 645 هـ- 651 هـ- 659 هـ 662 هـ- 673 هـ-
- م- مارب 699 هـ-
ماوراء النهر 51 هـ-(2/706)
المدائن 675 هـ-
مدين 297 هـ- 301-
المدينة 31- 63 هـ- 64 هـ- 72 هـ- 73 هـ- 75- 89 هـ- 112 هـ- 130 هـ- 146 هـ- 147 هـ- 154 هـ- 160 هـ- 164 هـ- 164 هـ- 165 هـ- 181 هـ- 192 هـ- 215 هـ- 228 هـ- 231 هـ- 252 هـ- 256 هـ- 261 هـ- 264- 266- 274- 282 هـ- 282 هـ- 286 هـ- 256 هـ- 356 هـ- 373- 378 هـ- 378 هـ- 384 هـ- 403- 403 هـ- 412 هـ- 423 هـ- 446 هـ- 460 هـ- 484- 484- 496 هـ- 496 هـ- 524 هـ- 546 هـ- 546 هـ- 553 هـ- 556 هـ- 559 هـ- 563 هـ- 569 هـ- 571 هـ- 579 هـ- 585 هـ- 586 هـ- 591 هـ- 600 هـ- 605 هـ- 616- 618 هـ- 621 هـ- 624- 637 هـ- 639- 642 هـ- 644 هـ- 644 هـ- 645 هـ- 651- 655 هـ- 659 هـ- 660 هـ- 662 هـ- 663 هـ- 668- 670 هـ- 670 هـ- 670 هـ- 670 هـ- 672 هـ- 677 هـ- 678 هـ- 689- 690- 690 هـ- 691 هـ- 692 هـ- 705 هـ- 712 هـ- 715 هـ- 718 هـ- 719 هـ- 720 هـ- 721 هـ- 723 هـ- 723 هـ-
مراكش 24-
مرو 574 هـ- 557 هـ-
المروة 685- 705-
مزدلفة 591 هـ-
المسجد الاقصى 129 هـ- 343 هـ- 362- 362- 362- 366-
المسجد الحرام 129 هـ- 343- 360- 360-- 362- 362- 369- 369- 369- 518- 561 هـ- 673-
المشرق 22- 154 هـ- 638 هـ- 654- 701- 701 هـ- 726 هـ- 727 هـ-
مصر 72 هـ- 155 هـ- 249 هـ- 341 هـ- 403 هـ- 404 هـ- 675 هـ- 721-
المغرب 21- 21- 21- 22- 22- 30 هـ- 76 هـ- 527 هـ- 654 هـ- 655- 701- 701 هـ-
726 هـ- 727 هـ-
مكة: 58 هـ- 70 هـ- 75- 84 هـ- 91- 113 هـ- 117- 117- 118- 118- 118 هـ- 123- 130 هـ- 155 هـ- 155 هـ- 155 هـ- 180- 181 هـ- 191 هـ- 195 هـ- 196 هـ- 228 هـ- 228 هـ- 228 هـ- 229 هـ- 229 هـ- 232 هـ- 238 هـ- 240- 240 هـ- 259 هـ- 261 هـ-
273- 273- 279- 279 هـ- 334- 342- 483 هـ- 496 هـ- 521 هـ- 544- 546- 564 هـ- 568 هـ- 569 هـ- 571 هـ- 571 هـ- 589- 589- 623 هـ- 632 هـ- 637 هـ- 648 هـ- 649 هـ- 651- 651- 659 هـ- 660 هـ- 663 هـ- 667 هـ- 670 هـ- 670 هـ- 670 هـ- 676- 677 هـ- 688- 691 هـ- 692 هـ- 707- 712 هـ- 712 هـ- 717 هـ- 717 هـ- 725 هـ-
منى 591 هـ-
مؤتة 485 هـ- 558- 672-
الموصل 645 هـ- 645 هـ- 705 هـ-
- ن- ناعم 228 هـ-
نجد 167- 642 هـ- 692 هـ-
نجران 527- 720- 720 هـ- 724 هـ- 724 هـ-
تصنيبين 705- 709 هـ-
نعمان 228 هـ-
نعيم 228 هـ-
نهاوند 674 هـ- 719 هـ-
النهروان 222 هـ-
نيسابور 119 هـ- 470 هـ- 584 هـ- 584 هـ- 651 هـ-
- هـ- هجر 519-
هراة 507- 675 هـ-
الهند 341- 654-
- وواسط 102 هـ- 661 هـ-
واسطة 91 هـ-
- ي- يثرب 678- 678-
اليرموك 670 هـ- 676 هـ-
اليمامة 147 هـ- 506 هـ- 613- 613 هـ- 616 هـ- 631 هـ- 669- 669 هـ- 669 هـ-
اليمن 22- 58 هـ- 118 هـ- 155 هـ- 168- 168 هـ- 168 هـ- 169 هـ- 203- 208 هـ- 208 هـ- 247 هـ- 291 هـ- 379- 446- 446 هـ- 603- 651- 699 هـ- 699 هـ- 699 هـ- 699 هـ- 700 هـ- 715 هـ- 715 هـ- 717 هـ- 717 هـ- 717 هـ- 720 هـ-
ينبع 553-
- الرموز- هـ- بجانب الرقم تدل على ان العلم المذكور موجود في الهامش
م- بجانب الرقم تدل على ان العلم مترجم في الصفحة المذكورة.
واذا ترك الرقم بلا حرف فذلك دلالة على ان العلم مذكور في المتن.(2/707)
بسم الله الرّحمن الرّحيم مسرد الايات القرآنية الكريمة الصفحة الاية رقمها السورة
أ 9 إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً 8 الفتح
9 الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ 157 الاعراف
11 إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ 1 المنافقين
38 أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ 51 العنكبوت
84 إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ 3 الحجرات
84 إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ 4 الحجرات
104 إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ 33 الاحزاب
106 إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ 33 الاحزاب
137 إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ 56 الاحزاب
148 هـ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ 56 الاحزاب
166 إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ 56 الاحزاب
189 أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ 157 البقرة
197 إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ 56 الاحزاب
218 إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ 96 آل عمران
231 أَوَلَمْ تُؤْمِنْ 260 البقرة
234 الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً 59 الفرقان
235 أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ 45 الزخرف
236 أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً 114 الانعام
237 أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي 116 المائدة
240 اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ 1 العلق
246 إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً 87 الانبياء
249 هـ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ 25 النمل
252 إِنِّي أَعِظُكَ 46 هود
253 إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ 75 الاسراء
253 هـ إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ 75 الاسراء
253 هـ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ 116 الانعام
254 اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ 1 الاحزاب
254 هـ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ 24 الشورى
254 هـ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً 1 الاحزاب
254 هـ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ 67 المائدة
255 إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ 75 الاسراء
255 إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا 149 آل عمران
255 هـ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ 106 الانعام
الصفحة الاية رقمها السورة
256 اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ 1 الاحزاب
260 أَيْنَ شُرَكائِيَ 74 القصص
261 إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ 70 الشعراء
261 أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ 75 76 77 الشعراء
263 هـ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ 282 البقرة
264 إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ 95 يوسف
264 إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ 30 يوسف
266 أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما 282 البقرة
279 اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 200 الاعراف
279 إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ 100 يوسف
281 أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ 41 ص
282 هـ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ 63 الكهف
282 هـ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ 15 القصص
289 هـ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ 52 الحج
294 إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ 75 الاسراء
297 أَكادُ أُخْفِيها
301 هـ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ 52 الحج
302 أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى 21 النجم
304 إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ 9 الحجر
305 إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا 98 يونس
307 إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ 105 النحل
309 إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ 18 المائدة
320 هـ إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ 7 الاعلى
321 إِنِّي سَقِيمٌ 189 الصافات
322 إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ 10 الحجرات
325 هـ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ 32 البقرة
338 أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ 123 النمل
238 أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ 90 الانعام
352 هـ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ 9 الحجر
355 هـ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ 15 القصص
356 هـ أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ 47 هود
357 هـ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى 9 الأحقاف
359 أَنْقَضَ ظَهْرَكَ 3 الانشراح
367 أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ 22 الاعراف
367 إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ 117 طه
367 إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ 21 الاعراف
370 أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ
140 الصافات
370 إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ 87 الأنبياء
370 هـ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ 13 لقمان
374 أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ 2 يوسف(2/708)
الصفحة الاية رقمها السورة
387 اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ 42 يوسف
389 إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ 144 الاعراف
392 إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ 222 البقرة
398 إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ 206 الاعراف
401 إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ 102 البقرة
436 الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ 3 المائدة
450 أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ 25 الرعد
451 إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ 76 يوسف
451 أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ 70 يوسف
467 إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ 57 الاحزاب
485 إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ 57 الاحزاب
486 أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ 3 الحجرات
498 ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ 35 فصلت
499 هـ أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ
505 هـ الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً
506 إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ 58 الاحزاب
597 إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ
641 هـ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ 150 النساء
647 م الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ 1 الفاتحة
ب 68 بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ 128 التوبة
231 بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي 260 البقرة
256 بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ 52 الانعام
299 بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا 63 الانبياء
321 بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا 63 الانبياء
322 بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا 63 الانبياء
624 هـ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ
ت 117 تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ 29 الفتح
356 تُبْتُ إِلَيْكَ 143 الاعراف
362 تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا 67 الانفال
389 تُبْتُ إِلَيْكَ 143 الاعراف
430 هـ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ 1 التحريم
ث 294 هـ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً 75 الاسراء
338 هـ ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ 123 النمل
389 ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ 122 طه
ج 273 هـ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ 17 السجدة
ح 68 هـ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ 128 التوبة
الصفحة الاية رقمها السورة
237 حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا 110 يوسف
354 هـ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا 43 التوبة
360 هـ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا 43 التوبة
361 هـ حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ 67 الانفال
382 هـ حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا 40 هود
487 حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها 9 المجادلة
خ 189 خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً 103 التوبة
279 هـ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ 199 الاعراف
ذ 283 هـ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ 42 يوسف
326 هـ ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ 82 الكهف
485 ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا 45 المائدة
ر 68 رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ 107 الانبياء
74 رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ 23 الاحزاب
277 رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي 35 ص
371 رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا 23 الاعراف
س 324 هـ سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ 1 الاسراء
427 سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا 38 الاحزاب
ش 338 شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ 13 الشورى
338 هـ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ 13 الشورى
ص 22 صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ 7 الفاتحة
191 صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً 56 الاحزاب
ط 283 طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ 65 الصافات
ظ 377 ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي 16 القصص
ع 289 عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ 73 الاسراء
296 هـ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ 73 الاسراء
354 عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ 43 التَّوْبَةِ
354 عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ 1/ 2 عبس
360 عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ 43 التَّوْبَةِ(2/709)
الصفحة الاية رقمها السورة
365 عَبَسَ وَتَوَلَّى 1 عبس
ف 9 فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ 8 التغابن
9 فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ 157 الاعراف
21 فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ 157 الاعراف
21 فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ 64 النساء
33 فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ 58 النساء
36 فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ 63 النور
39 هـ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ
43 فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ
106 هـ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ 61 آل عمران
117 هـ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ 23 الاحزاب
139 فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ 65 النساء
155 فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا 61 النور
232 فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا 94 يونس
234 فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ 109 هود
244 فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى 6 الكهف
245 فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ 87 الانبياء
247 فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ 147 الصافات
247 فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ 50 القلم
250 فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ 40 التوبة
251 فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ 46 هود
252 فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ 46 هود
255 فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ 24 الشُّورَى
255 فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى 24 الشورى
265 فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ 20 الشعراء
266 فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى 282 البقرة
273 فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ 17 السجدة
280 فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ 52 الحج
282 فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ 42 يوسف
282 هـ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ 42 يوسف
283 فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ 42 يوسف
287 هـ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا 170 النساء
296 هـ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ 52 الحج
299 هـ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ 76 الانعام
301 فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ 52 الحج
305 هـ فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ 98 يونس
313 هـ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى 65 النساء
320 هـ فَلا تَنْسى 6 الاعلى
321 هـ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ 89 الصافات
322 هـ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ 10 الحجرات
الصفحة الاية رقمها السورة
325 هـ فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا 65 الكهف
354 هـ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ 19 محمد
355 فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا 19 الاعراف
355 فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ 15 القصص
355 هـ فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ 19 الاعراف
355 هـ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ 25 ص
356 هـ فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ 143 الاعراف
360 فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ 62 التوبة
363 فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا 69 الانفال
366 فَأَكَلا مِنْها 121 طه
366 هـ فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما 121 طه
369 فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى 121 طه
370 هـ فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ 98 يونس
389 فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ 40 ص
392 فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ 3 النصر
403 فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ 24 البقرة
422 فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً 26 الجن
426 هـ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ 28 الاحزاب
461 فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ 95 الاعراف
461 فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ 40 العنكبوت
486 فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى 65 النساء
493 هـ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ
572 هـ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ
ق 16 قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ 54 النور
21 قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي 31 آلِ عمران
22 قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ 31 آلِ عِمْرَانَ
43 قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ 25 التوبة
56 قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي 31 آلِ عمران
66 قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي 31 آلِ عمران
224 قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ 110 الكهف
225 قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ 95 الاسراء
234 قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ 104 يونس
251 هـ قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ 46 هود
252 هـ قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ 46 هود
258 هـ قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ 142 البقرة
261 قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً 89 الاعراف
264 هـ قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي 95 يوسف
287 قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ 170 النساء
299 هـ قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ 63 الانبياء
315 هـ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي
321 هـ قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ 63 الانبياء(2/710)
الصفحة الاية رقمها السورة
322 هـ قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ 63 الانبياء
338 هـ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ 90 الانعام
355 هـ قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا 23 الاعراف
486 قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ 11 الذاريات
486 قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ 32 التوبة
487 قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ 68 التوبة
567 قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا 40 الانفال
647 م قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ 1 الناس
641 م قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ 136 البقرة
ك 375 كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ 24 يوسف
398 كِرامٍ بَرَرَةٍ 16 عبس
403 كِرامٍ بَرَرَةٍ 16 عبس
451 كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ 76 يوسف
641 هـ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ 286 بقرة
624 هـ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ 286 البقرة
ل 21 لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ 64 النساء
67 لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ 38 التوبة
117 لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ 18 الفتح
164 لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ 30 طه
202 هـ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى 108 التوبة
208 لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى 108 التوبة
234 لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ 65 الزمر
253 لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ 65 الزمر
253 لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ 45 الحاقة
255 لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ 65 الزمر
259 لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ 81 آلُ عِمْرَانَ
261 لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ 77 الانعام
265 هـ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ 44 النحل
294 هـ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ 45 الحاقة
303 لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ 53 الحج
354 لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ 68 الانفال
356 لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ 2 الفتح
358 لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ 2 الفتح
358 لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ 5 الفتح
362 لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ 68 الانفال
362 هـ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ 68 الانفال
392 لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ 117 التوبة
425 لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ 37 الاحزاب
428 لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ 37 الاحزاب
430 لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ 1 التَّحْرِيمِ
453 لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ 14 يونس
453 لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا 2 الملك
453 لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا 140 آل عمران
485 هـ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ 57 الاحزاب
502 لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ 62 الاحزاب
الصفحة الاية رقمها السورة
622 م لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى 45 طه
656 م لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ 9 الحشر
م 16 مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ 79 النِّسَاءِ
68 مُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً 45/ 46 الاحزاب
120 هـ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ
224 مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ 75 المائدة
258 ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي 142 البقرة
266 ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ 52 الشورى
279 مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ 100 يوسف
404 ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ
426 ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ 38 الأحزاب
428 ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ 40 الاحزاب
429 ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ 38 الاحزاب
458 مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ 123 النساء
463 ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ 49/ 50 يس
485 مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا 61 الاحزاب
ن 23 نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ 20 المائدة
266 نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ 3 يوسف
هـ 273 هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ (66) الكهف
282 هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ (15) القصص
299 هذا رَبِّي (76) الانعام
377 هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ (15) القصص
و9 وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ 13 الفتح
16 وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ 132 آلِ عِمْرَانَ
16 وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا 54 النور
16 وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ 7 الحشر
16 وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ 68 النساء
17- وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ 63 النساء
18 وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ 7 الحشر
24 هـ وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ
26 وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ 7 الحشر
36 وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ 114 النساء
47 هـ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ 68 النساء
48 وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ 68 النساء
57 وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ 9 الحشر
68 هـ وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً 107 الانبياء
71 وَلا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ 92 التوبة(2/711)
الصفحة الاية رقمها السورة
75 وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ 8 الحشر
81 وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 1 الْحُجُرَاتِ
104 وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ 6 الاحزاب
116 هـ وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً
117 وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ 100 التوبة
117 هـ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ 100 التوبة
120 وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ 10 الحشر
163 هـ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها 30 النازعات
177 هـ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ 175 الاعراف
192 وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ 100 التوبة
215 هـ وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ 34 لقمان
218 وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً 125 البقرة
224 وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ 144 آل عمران
224 وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ 20 الفرقان
244 وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا 9 الانعام
266 هـ وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا 9 الانعام
231 وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ 260 البقرة
234 وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا 95 يونس
235 وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ 45 الزخرف
236 وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ 114 الانعام
242 هـ وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا 51 القلم
247 وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ 48 القلم
251 وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ 75 الانعام
251 وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُ
253 وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما 106 يونس
253 وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ 116 الانعام
253 هـ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى 65 الزمر
253 هـ وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما 106 يونس
254 وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ 67 المائدة
255 وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ 44 الحاقة
255 وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ 116 الانعام
255 هـ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ 24 الشورى
255 هـ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ 65 الزمر
255 هـ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ 75 الاسراء
256 وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ 52 الانعام
256 هـ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً 1 الاحزاب
259 وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ 7 الاحزاب
259 وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ 81 آلِ عِمْرَانَ
259 هـ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى 7 الاحزاب
260 هـ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي 74 القصص
261 وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ 35 ابراهيم
261 وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ 13 ابراهيم
261 هـ وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ 35 ابراهيم
262 وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى 7 الضحى
الصفحة الاية رقمها السورة
263 وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ
113 النساء
263 هـ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ
113 النساء
264 وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ 30 يوسف
260 وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ 44 النحل
266 وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى 7 الضحى
266 وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ 3 يوسف
226 وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ 7 يونس
226 هـ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً 52 الشورى
226 هـ إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ 7 يونس
273 وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ 76 يوسف
278 وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ 48 الانفال
279 وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ 200 الاعراف
279 وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ 199 الاعراف
280 وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ 52 الحج
281 هـ وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى 41 ص
282 وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ 63 الكهف
283 وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ 60 الكهف
287 وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى 3/ 4 النجم
287 ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ 7 الحشر
287 هـ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ 7 الحشر
289 وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ 52 الحج
289 وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ 73 الاسراء
294 وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ 44 الحاقة
296 وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ 73 الاسراء
296 وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ
143 النساء
296 هـ وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ 52 الحج
301 وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ 52 الحج
301 هـ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ 78 البقرة
304 وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ 52 الحج
304 هـ وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ 52 الحج
309 وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها 259 البقرة
325 وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً 65 الكهف
326 وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي 82 الكهف
337 هـ وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ 6 الصف
354 وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ 19 محمد
354 وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ 1/ 3 الانشراح
354 وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى 121 طه
355 هـ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ 20 الفتح
355 وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ 24/ 25 ص
355 وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها 24 يوسف
356 وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي 47 هود
356 وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا 37 هود(2/712)
الصفحة الاية رقمها السورة
356 وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي 82 الشُّعَرَاءِ
356 وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ 34 ص
356 هـ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً 34 ص
357 وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ 20 الفتح
357 وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي 9 الاحقاف
358 وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ 2/ 3 الانشراح
360 هـ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ 62 التوبة
362 هـ وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ 67 الانفال
363 هـ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ 69 الانفال
366 وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى 7 عبس
367 تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ 35 البقرة
367 وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى 121 طه
367 وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ 115 طه
368 وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً
368 وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ 121 طه
369 وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ 121 طه
369 ذَهَبَ مُغاضِباً
372 وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ 24/ 25 ص
374 وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها 24 يُوسُفَ
375 وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي 53 يوسف
375 وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ 32 يوسف
375 وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ
377 وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً 40 طه
379 وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ 34 ص
381 وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ 35 ص
382 وَأَهْلَكَ 40 هود
383 هـ وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ 1/ 2 الانعام
383 هـ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ 44 الاسراء
384 وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ 126 النحل
389 هـ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ
394 هـ وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ
397 وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ 165/ 166 الصافات
398 وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ 19/ 20 الانبياء
400 وَما أُنْزِلَ 102 البقرة
400 وَما يُعَلِّمانِ 102 البقرة
401 وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ 102 البقرة
402 وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا 102 البقرة
418 وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ 159 آل عمران
425 وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ 37 الاحزاب
425 هـ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ 37 الاحزاب
426 وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا 37 الاحزاب
430 وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ 37 الاحزاب
434 وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ 67 المائدة
450 وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها 7 الاسراء
الصفحة الاية رقمها السورة
455 وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ 146 آلِ عِمْرَانَ
454 وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا 142 آل عمران
454 وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ 3 محمد صلى الله عليه وسلم
467 وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ 61 التوبة
467 وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ 53 الاحزاب
467 هـ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ 104 البقرة
486 وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ 9 المجادلة
487 وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ 63 التوبة
487 وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ 63 التوبة
487 وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما 67 التوبة
497 وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ 15 المائدة
524 وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ 16 التوبة
527 هـ وَنادَوْا يا مالِكُ
546 هـ وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ
560 هـ وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً
589 وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ 222 البقرة
608 وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها 25 فاطر
646 م وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ 42- 43- فصلت
622 م وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ 24 سبأ
656 م وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ 10 الحشر
656 م وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا 11 الحشر
618 م وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى 115 النساء
لا 62 لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ 22 المجادلة
79 لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ 63 النور
82 لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ 63 النور
96 لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ 2 الْحُجُرَاتِ
192 لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ 63 النور
277 هـ لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي 35 ص
283 هـ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ 60 الكهف
301 لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ 78 البقرة
304 لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ 267 فصلت
325 لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا 32 البقرة
397 لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ 6 التحريم
398 لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ 79 الواقعة
403 لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ 6 التحريم
403 هـ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ 79 الواقعة(2/713)
الصفحة الاية رقمها السورة 453 لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ 115 الانعام
469 لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ 63 النور
ي 18 يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ 66 الاحزاب
19 هـ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا
عَنْ أَشْياءَ
68 هـ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ 45/ 46 الاحزاب
69 يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ 2 الجمعة
69 هـ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ 16 المائدة
79 يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ 7/ 8 الفتح
79 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا 1 الحجرات
79 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا 2 الحجرات
84 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا 104 البقرة
95 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا 2 الحجرات
الصفحة الاية رقمها السورة 120 هـ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا 10 الحشر
137 هـ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا 56 الاحزاب
192 يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا 10 الحشر
245 يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ 1 المزمل
245 يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ 1 المدثر
270 يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ 7 الروم
297 يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ 43 النور
303 يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي 26 البقرة
352 هـ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ
467 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا 104 البقرة
486 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ 3 الحجرات
494 يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا 76 التوبة
498 هـ يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ
502 يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ 75 التوبة(2/714)
مسرد الأحاديث النبوية الشريفة- ا- 10- أمرت ان اقتل الناس حتى يشهدوا
11- أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
12 هـ- اقتلته بعد أن أسلم
19- اذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه
19 هـ- ان الله قد فرض عليكم الحج
25- القرآن صعب مستصعب على من كرهه
26- ان احسن الحديث كتاب الله
26- العلم ثلاثة فما سوى ذلك
27- ان الله تعالى يدخل العبد الجنة
27- المتمسك بسنتي عند فساد أمتي
27- ان بني اسرائيل افترقوا
47- المرء مع من احب
53 هـ- اثمة بلال
59- اللهم اني احبهما فاحبهما
59- اللهم اني احبه فاحب من يحبه
60- انها بضعة مني
60- الله الله في اصحابي
60- احبيه فاني احبه
60- آية الايمان حب الانصار
64- ان الفقر الى من يحبني
64- انظر ما تقول
65- ان كنت تحبني فاعد للفقر
71- ان الدين النصيحة
621 هـ- ان رجلا حضره الموت فلما يئس من الحياة اوصى أهله اذا انا مت فاجمعوا لي حطبا ...
646 م- المراء في القرآن كفر..
651 م- اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا
105- انشدكم الله أهل بيتي
105- اني تارك فيكم ما ان أخذتم
106- اللهم هؤلاء أهل بيتي
107- اللهم هؤلاء اهلي
107- اغد علي يا عم مع ولدك
108- اللهم اني احبهما فأحبهما
108- احب الله من أحب حسنا
116 هـ- اذا ذكر أصحابي فامسكوا
116 هـ- اياكم وما شجر أصحابي
117- اذا ذكر أصحابي فامسكوا
117- اقتدوا بالذين من بعدي
118- اصحاب كالنجوم
118- الله الله في اصحابي
119- اذا ذكر اصحابي فامسكوا
119- ان الله اختار اصحابي
121- أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَاضٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ
123- اعفوا عن مسيئهم
123- احفظوني في اصحابي واصهاري
123 هـ- اوصى الخليفة من بعدي بالمهاجرين
137- اللهم اغفر له
149- اذا صلى احدكم فليبدا بتحميد الله
152- الدعاء بين الصلاتين لا يرد
157- اذا صلى احدكم فليقل التحيات
161- اللهم صلي على محمد وآل محمد
171- اذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول
173- اولى الناس بي يوم القيامة
176- ان انجاكم يوم القيامة من اهوالها
178- آمين
178- الْبَخِيلُ الَّذِي ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ
179- إِنَّ الْبَخِيلَ كُلَّ الْبَخِيلِ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ
179- ايما قوم جلسوا ثم تفرقوا
183- ان لله ملائكة سياحين
184- اكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة
185- أَكْثِرُوا مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيَّ فِي اللَّيْلَةِ الزَّهْرَاءِ
189- اللهم صلي على آل أبي أوفي
189- اللهم صلي على فلان
189- اللهم صلي على محمد وعلى أزواجه
190- اللهم اجعل صلواتك وبركاتك
190- اللهم صلي على محمد وأزواجه
197- اللهم لا تجعل قبري وثنا
203- اذا دخلت المسجد فصلي علي النبي
203- اللهم اني أسألك من فضلك
203- اللهم احفظني من الشيطان الرجيم
204- اللهم افتح لي أبواب رحمتك
206- اللهم لا تجعل قبري وثنا
209- أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم
216- الجنة تحت ظلال السيوف
217- انما المدينة كالكير
227- انما لست كهيئتكم
227 هـ- ابيت عند ربي يطعمني
239- اول ما بدىء به رسول الله(2/715)
241- اني اذا خلوت وحدي سمعت نداء
241- اني لا سمع صوتا، وأرى ضوآ
247- انه ليفان على قلبي
251- افلا اكون عبدا شكورا
251- انه ليفان على قلبي
284- ان هذا واد به شيطان
284- ان هذا واد به شيطان
284- ان الشيطان أتى بلا
298- ان الله يحب معالي الامور
299- انما ذلك من الشيطان
312- انكم لتختصمون الى
313- اسق يا زبير
320- اني لانسى او انسى
320 هـ- انه لم يكذب ابراهيم الا ثلاث
323- انت نبي الله وخليله
325- انا سيد ولد آدم
325 هـ- انا سيد ولد آدم
333 هـ- اني لاتقاكم لله واعلمكم بحدوده
341- انما انا بشر انسى كما تنسون
342- اني لأنسى أو أنسى
343- انه ليفان على قلبي
345- انما انا بشر
346- اني لانسى أو أنسى لأسن
347- انى لا أنسى
347- انما انا بشر
349- ان عيني تنامان ولا ينام قلبي
349- ان الله قبض ارواحنا
351- ان الله قبض ارواحنا
351- أكلا لنا الصبح
351- اني أنسى كما تنسون
355- اللهم اغفر لي ما قدمت
355- انه ليغان على قلبي
356- اني لأستغفر الله وأتوب اليه
362- احلت لي الغنائم
374- اذا هم عبدي بسيئة
391- افلا أكون عبدا شكورا
391- اني اخشاكم لله واعلمكم
394- انها صفية
394- ان الشيطان يجري من ابن آدم
408- اقماك الله
409- ان عيني تنامان
409- اني لست كهيئتكم
410- اني لست كهيئتكم
417- انتم اعلم بامر دنياكم
417- انما ظننت ظنا
417- انما انا بشر
418- اشرت بالرأي
420- انما انا بشر
424- اهو الذي بعينه بياض
424- اني لأمزح ولا أقول الا حقا
424- اني اذا داعبتكم
431- اتوني اكتب لكم كتابا
436- اوصيكم بكتاب الله وعترتي
438- اللهم انما محمد بشر
442- اسق يا زبير
442- اسق يا زبير
243- اعيذك بالله يا عكاشة
446- ان محمدا
447- ان من شر الناس
448- ان من شر الناس
450- اشتريها واشترطي
455- اذا اراد الله بعبد سوآ
455- اذا احب الله عبدا
457- اجل اني أدعك
458- انا معاشر الأنبياء
458- ان عظم الجزاء
471 هـ- ادبني ربي فاحسن تأديبي
488 هـ- الحمد لله الذي قتلك واقر عيني
496 هـ- اذا سلم عليكم اهل الكتاب
497- انما بعثتم ميسرين
500- ان اليهود اذا سلم احدهم
506- انها بضعة مني
546- ان من البيان لسحرا
572 هـ- ان وجدتموه فاحرقوه
596 هـ- امرت أن اقاتل
597 هـ- الخوارج شرار امتي
ب 215- بين قبري ومنبري
267- بغضت الى الاصنام
448- بئس ابن العشيرة
449- بئس ابن العشيرة
489- بكفرك وافترائك
497- بشروا ولا تعسروا
652 م- بضعة مني يؤذيني ما آذاها
ت 148- هـ- تقولون اللهم صلي على محمد
227- تنام عيناي ولا ينام قلبي
440- تربت يمينك
443- تدرك حاجتك
468- تسموا بأسمي ولا تكنوا
470- تسمون أولادكم محمدا
ث 44- ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ
ح 183- حيثما كنتم فصلوا على
204- حمد الله وسمى وصلي على النبي(2/716)
411- حتى كان يخيل اليه انه كان
413- حتى يخيل اليه انه يأتي
خ 440 هـ- خرجنا مع رسول الله
د 19 هـ- دعوني ما تركتكم
432- دعوني فان الذي انا فيه خير
437- دعوني فان الذي انا فيه خير
498- دعني اضرب عنقه
ر 152- رغم أنف رجل
177- رغم انف رجل
345- رحم الله فلانا
479- رب المتاع أولى بحمله
ز 205- زر غبا تزدد حبا
س 411- سمر رسول الله
463- سبحان الله كأنه على غضب
598- سبق الفرث والدم
599- سيكون من أمتي
ش 597- شر قبيل تحت اديم السماء
ص 163- صلوا واجتهدوا في الدعاء
188- صلوا على انبياء الله ورسله
202 هـ- صلاة ركعتين فيه كعمرة
204- صلى الله على محمد وسلم
211- صلاة في مسجدي هذا
214 هـ- صيام شهر رمضان
ع 27- عمل قليل في سنة
262- عادوا حمما
361- عفا الله لكم صدقه الخيل والرقيق
440- عقري
ف 24- فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء
37- فليزادن رجال عن حوضي
37- فمن رغب عن سنتي فليس مني
240- وجاءني وأنا نائم فقال
596- فاذا قالوها
597- فاذا وجدتموهم فاقتلوهم
ق 79- قدموا قريشا ولا تقدموها
160- قولوا اللهم صلي على محمد وأزواجه
286- قلت يا رسول أأكتب كل ما اسمع منك
324- قال بل عبد لنا بمجمع البحرين
360 هـ- قد عفوت لكم زكاة الخيل
454- قلت يا رسول الله اي الناس
ك 19- كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى
19 هـ- كلكم يدخل الجنة الا من أبى
19- كل امتي يدخل الجنة الا من أبى
38- كفى بقوم حمقا أن يرغبوا
152- كل دعاء محجوب دون السماء
189- كل تقي
268- كلما دنوت منها من صنم
317- كل ذلك لم يكن
440- كنت مع الصبيان
ل 37 هـ- لكم سيما ليست لاحد من الامم
44- لَنْ يُؤْمِنَ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ
172- لقيت جبريل فقال أبشرك
176- ليرون على اقوام ما أعرفهم
190- لَقَدْ أُوتِيَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ
195- لعن الله زوارات القبور
226- لو كنت متخذا من امتي خليلا
238- لقد خشيت على نفسي
323- لم يكذب ابراهيم الا ثلاث
350- لو شاء الله لا يقظنا
351- لقد اذكرني كذا
364- لو نزل من السماء عذاب
380- لأطوفن بالليل على
388- لَوْلَا كَلِمَةُ يُوسُفَ مَا لَبِثَ فِي السِّجْنِ
392- لو تعلموا ما اعلم لضحكتم قليلا
409- لست انسى ولكن انسى
424- لا حملنك على ابن الناقة
447- لولا حدثان قومك
447- لو استقبلت من أمري
م 18- من اطاعني فقد اطاع الله
19- مثلي ومثل ما بعثني الله به
25- ما بال قوم يتنزهون عن الشيء
26- من اقتدى بي فهو مني
28- من احيا سنتي فقد احياني
28- من احيا سنة من سنتي
35- من كان يؤمن بالله واليوم الاخر
37- من ادخل في أمرنا ما ليس فيه فهو رد
37 هـ- من عمل عملا ليس عليه أمرنا
37 هـ- من أدخل في ديننا
46- ما اعددت لها(2/717)
47- من احبني واحب هزيمة واباهما
48- ما بالك
48- من احبني كان معي في الجنة
49- مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بعدي
60- من احبهما فقد احبني
60- من احب العرب فبحبي احبهم
105- مَعْرِفَةُ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
107- من كنت مولاه فعلي مولاه
109- من احبني واحب هذين
109- من اهان قريشا اهانه الله
109 هـ- من يرد هوان قريش اهانه الله
118- مثل أصحابي كمثل الملح
119- من سب اصحابي فعليه لعنة الله
120- من أحب عمر فقد احبني
124- من حفظني في اصحابي كنت
124- من حفظني في اصحابي ورد
149- من احدث فيها حدثا
129- من حلف على منبري كاذبا
147- من صلى صلاة لم يصل علي
154 هـ- من عطس فقال الحمد لله
157- من صلى عليّ في كتاب
162- من سره أن يكتال بالمكيال
171- من صلى على صلاة صلى الله
172- من صلى عليك صلاة صلى الله
173- من قال اللهم صلي على محمد
173- من صلى علي في كتاب لم نزل
174- من صلى علي صلاة صلت
175- من قال حين يسمع النداء
176- من سلم علي عشرا
179- من ذكرت عنده فلم يصل
180- من نسي الصلاة علي
180- من الجفاء أن اذكر عند الرجل
180- ما جلس قوم مجلسا
182- ما من أحد يسلم علي
183- من صلى علي عند قبري
194- من زار قبري وجبت له شفاعتي
195- من زارني في المدينة محتسبا
195- من زارني بعد موتي
195- من زار قبري
201- ما بين بيتي ومنبري
208- مسجدي هذا
214- ما بين بيتي ومنبري
215- منبري على ترعة من ترع الجنة
217- من مات في احد الحرمين
219- مرحبا بك من بيت
219- مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ الركن
220- من صلى عند المقام ركعتين
220- مَا دَعَا أَحَدٌ بِشَيْءٍ فِي هَذَا الْمُلْتَزَمِ
313- ما انا حملتكم ولكن الله حملكم
317- ما قصرت الصلات ولا نسيت
333 هـ- ما لهذه المراة
384- ما من أحد الا الم بذنب
384 هـ- ما من أحد الا وقد اخطأ
396 هـ- من كفر مسلما بغير حق
416- ما تصنعون
424- مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ
441- ما له ترب جبينة
448- مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ
450- ما بال أقوام يشترطون
459- من يرد الله بر حيرا
459- ما من مصيبة تصيب المسلم
459- ما يصيب المؤمن من نصب
459- ما من مسلم يصيب أذى
460- مثل المؤمن مثل خامة الزرع
462 هـ- من كان له على حق
463- موت الفجاة راحة للمؤمن
464- ستريح وستراح منه
464- مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ
487- من سب نبيا
487- من لكعب بن الاشرف
488- من يكفيني عدوي
488- من يكفيني عدوي
490- من لي بها
495- من غير دينه فاضربوه
495 هـ- من بدل دينه فاقتلوه
537- مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ رَعَى الْغَنَمَ
557- من بدل دينه فاقتلوه
596 هـ- من اتى عرافا
618 م- مَنْ خَالَفَ الْجَمَاعَةَ قَيْدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ ربقة الاسلام من عنقه
647 م- من مجد آية من كتاب الله ... »
652 م- من سب اصحابي فاضربوه ... »
656 م- من سب اصحابي فاجلدوه..»
ن 195- نهتكم عن زيارة القبور فزوروها
232- نحن أحق بالشك بابراهيم
243- نعم
هـ 12- هلا شققت عن قلبه
39- هلك المتنطعون
431- هلموا اكتب لكم
597- هم من شر البرية
و24- وكل ضلالة في النار
107- وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَدْخُلُ قَلْبَ رَجُلٍ الايمان
175- وما يمنعني وقد خرج جبريل
213- وصلاة في المسجد الحرام
215- ومنبري على حوضي
217- والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون
313- والله لا أحلف على يمين
313 هـ- والله ما عندي ما أحملكم عليه
313 هـ- ولعل بعضكم الحن بحجته
380- والذي نفسي بيده(2/718)
440- ولا اشبع الله بطنك
441- ومن أصاب من ذلك شيئا
444- ورس ورس
لا 17 هـ- لا الفين احدكم متكئا على أريكته
25- لا الفين احدكم متكئا على أريكته
38- لا الفين أحدكم متكئا على أريكته
44- لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ
45- لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ من نفسه
58- لا تلعنه فانه يحب الله ورسوله
107- لا يحبك الا مؤمن
109- لا تؤذيني في عائشة
109 هـ- لا تؤذنني في عائشة
119- لا تسبوا اصحابي
137 هـ- لا يزال العبد في صلاة
147- لا صلاة لمن لم يصل عليها
151- لا تجعلوني كقدح الراكب
154 هـ- لا تذكروني في ثلاث مواضع
180- لا يجلس قوم مجلسا
184- لا تتخذوا بيتي عيدا
206- لا تجعلوا قبري عيدا
209- لا تشد الرحال الى ثلاث
216- لا يصبر علي لأوائها
217- لا يخرج احد من المدينة
235- لا أسال قد اكتفيت
417- لا بل هو
424- لا ثمار اخاك ولا تمازحه
482- لا يلغ الكلب في دم مسلم
490- لا ينتطح فيها عنزان
497- لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه
501- لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه
513- لا نبي بعدي
518- لا يبع حاضر لباد
598- يقرؤون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم
651 م- لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَمَنْ سَبَّهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله..
652 م- لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَإِنَّهُ يَجِيءُ قَوْمٌ فِي آخر الزمان ...
652 م- لا تؤذوني في عائشة..»
ي 13- يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ
57- يَا بُنَيَّ إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ
57- يا بني وذلك من سنتي
83- يا تأبت اما ترضى أن تعيش حميدا.
152- يا غلام اني اعلمك كلمات
174- يا أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة
333- يحل الله لرسوله ما يشاء
471 هـ- يصيب هذه الامة بلاء
504- يا اخوة القردة والخنازير
541 هـ- ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة الى سماء الدنيا
597- يقتلون أهل الاسلام
598- يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم
598- يمرقون من الدين
599- يخرج من هذه الامة
599- يخرج من أمتي(2/719)
ارقام الصفحات التي ذكر فيها الاعلام من الجزء الثاني بسم الله الرحمن الرحيم 1- أبو ابراهيم التجيبي: 59 هـ- 74- 191
2- أبو أسامة الهروي: 221 م «1»
3- أبو اسحق: 618 هـ «2»
4- أبو اسحق الاسفرائيني: 285 م
5- أبو اسحق ابراهيم بن جعفر: 316 م- 519
6- أبو اسحق البرقي: 516 «3»
7- أبو اسحق بن شعبان المصري: 155 م
8- أبو اسحق الزجاج: 73 م
9- أبو اسحق المستملي: 434 م
10- أبو امامة الانصاري: 157 م- 599
11- أبو اوفى الاسلمي: 189 م
12- أبو أيوب الانصاري: 206
13- أبو بشر: 291 م
14- أبو برزة الاسلمي: 477 هـ- 491 م
15- أبو بكر القاضي: 615 م
16- أبو بكر الاجري: 74- 74 هـ
17- أبو بكر الاعصري: 650 م
18- أبو بكر الباقلاني: 286- 327- 329- 374 هـ 601- 603
19- أبو بكر البغدادي: 650 هـ
20- أبو بكر ابن أبي شيبة: 182 م
21- أبو بكر بن اسحق الخفاف: 72 م
22- أبو بكر بن زيدون: 524 م
23- أبو بكر بن عبد الرحمن المخزومي: 299 م
24- أبو بكر ابن العربي: 293 هـ 639 هـ
25- أبو بكر بن عمرو بن حزم: 156 م
26- أبو بكر بن عياش الخياط: 113 م 115
27- أبو بكر بن فورك: 252- 368- 542
28- أبو بكر بن المنذر: 474
أبو بكر التيمي: 138 م- 141
أبو بكر الشاشي: 639 م- 639 هـ
أبو بكر الصديق: 39- 39- هـ- 50- 50 هـ- 53 هـ- 83- 83 هـ- 86- 87 هـ- 108- 109- 114- 115- 118- 119- 122 هـ- 146- 165 هـ 176- 190- 191- 200- 201- 202- 204- 250 هـ- 458 هـ- 490- 490 هـ- 491- 558- 584- 610 هـ- 616- 652 م- 653 م- 653 م- 658 م- 658 م
أبو بكر القشيري: 138
أبو بكر النيسابوري: 143 م
أبو ثور بن أبي عبد الرحمن: 577 م
أبو جعفر الطبري: 140- 142- 143- 169 هـ- 328- 470
أبو جعفر المنصور: 92- 92 هـ
أبو جهل: 408
أبو حاتم: 113 هـ- 228 هـ- 289- 292 هـ- 375 م- 578
أبو حازم: 98- 98 هـ
أبو الحسن: 649 م
أبو الحسن الاشعري: 595
أبو الحسن الاخفش: 80 م
أبو الحسن بن القصار: 141 م 502- 549- 558
أبو الحسن الطالبتي: 560 م
أبو الحسن القابسي: 479- 510- 517- 575
أبو الحسن المجاشعي: 80 م
أبو الحسين بن أبي عمر: 633 هـ
أبو الحسين القابسي: 634 م- 634 م
أبو حميد الساعدي 160 م- 190 م
أبو حنيفة: 33 هـ- 102 هـ- 122 هـ 143 هـ- 330 349 هـ 433 هـ 542 هـ 475- 493- 512- 541 هـ 550- 550 هـ 556 هـ 557- 559- 565- 572- 578- 633 م- 643 م
أبو داود: 24 هـ- 25 هـ- 36 هـ- 38 هـ 39 هـ
47 هـ 89 هـ- 114- 129 هـ 149 هـ 154 هـ 162 هـ
171 هـ 179 هـ 182 هـ 184 هـ 209 هـ 271 هـ 286 هـ
333 هـ 360 هـ 383 هـ 420 هـ 424 هـ 471 هـ 476 هـ
491 هـ 517 هـ 546 هـ- 646 هـ-
أبو الدرداء: 26 هـ 32 هـ 277 م 392 هـ
أبو ذر: 46 هـ- 47- 47 هـ- 49- 392 هـ- 599
أبو رافع بن الحقيق: 488- 498
أبو زرعة: 113 هـ
أبو زيد: 636 م- 636 هـ
أبو سعيد الابهري: 331 هـ
أبو سعيد الخدري: 64- 64 هـ 146- 154 هـ
180- 214- 262 هـ 333- 471 هـ 597- 598 هـ
599
أبو سعيد الخراز: 387 م
أبو سفيان: 54 م- 144- 324 هـ- 538 م
أبو سليمان البستي: 72 م
أبو سليمان الخطابي: 477- 639 م
أبو الشيخ: 25- 150 هـ 157 هـ 173 هـ 183 هـ
388 هـ
أبو صالح: 292 م
أبو طالب: 169 هـ 268- 539 م
أبو طلحة: 175
أبو الطيب المتنبي: 130 هـ
أبو العالية: 648 م- 648 هـ
أبو العباس: 632 هـ
أبو العباس الاربلي: 390
__________
(1) م: مترجم
(2) هـ: هامش
(3) الرقم المجرد: الاصل(2/720)
أبو عبد الرحمن السلمي: 128
أبو عبد الله: 141 م
أبو عبد الله بن الحاج: 520 م
أبو عبد الله بن سكرة: 222 م
أبو عبد الله بن عتاب: 480 م- 563
أبو عبد الله بن عيسى اليتمي: 520 م- 520 م
أبو عبد الله التستري: 590 م
أبو عبد الله مالك: 573 م
أبو عبد الله المازري: 379 م
أبو عبد الله المرابط: 482 م
أبو عبد الله الهروي: 267 م
أبو عبيدة: 62 م 122 هـ
أبو عبيدة الاصمعي: 237 م
أبو عبيد القاسم بن سلام: 248 م- 319- 535
أبو العتاهية: 530 هـ
أبو عثمان الحداد: 513 م 648 م
أبو علي الفارسي 73 هـ
أبو علي بن مقلة: 650 م- 650 هـ
أبو عمر بن عبد البر: 169- 193 م
أبو عمران: 658 م
أبو عمران الفاسي: 188 م 192 م 196 م
أبو عمر المالكي: 632 م- 632 هـ- 633 م
أبو عوان: 195 هـ 201 هـ
أبو الفتح اليعمري: 290 هـ
أبو الفرج الليثي: 331
أبو الفضل الجوهري: 130 م
أبو الفضل (عياض) : 10- 10 هـ 92- 138- 222- 276- 307- 319- 474- 492- 503- 550- 552- 562- 565- 571- 582- 632 هـ- 638 م- 643 م- 658 م- 658 هـ-
أبو القاسم بن الجلاب: 573 م- 579
أبو القاسم القشيري: 75 م
أبو قتادة: 464
أبو قحافة: 50 هـ- 51- 51 هـ
أبو كامل: 610 هـ
أبو الليث السمرقندي: 428
أبو محذ وروة مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم 126 م
أبو محمد: 650 م
أبو محمد بن أبي زيد: 144 م 170 م 509- 518-
532- 549- 558- 577- 628 م 634 م 650 م 653 م
أبو محمد بن أبي زيد القيرواني: 479 م
أبو محمد بن منصور: 519 م- 520- 529
أبو محمد بن نصر: 141 م 491- 551- 574
أبو محمد عبد الحق: 595 م
أبو محمد عبد الوهاب: 329 م
أبو محمد الفارسي: 476 م
أبو محمد مكي: 82
أبو مسهر الغساني: 589 م
أبو مصعب: 657 م- 657 هـ
أبو مصعب القاسم: 99 م- 478- 566- 571
أبو المطرف الشعبي: 657 م- 657 هـ 658 م
أبو المظفر الاسفرائيني: 193 م- 347 م
أبو المعالي: 337- 595
أبو موسى الاشعري: 46 هـ- 47- 47 هـ- 58 هـ- 146- 190 هـ 313 هـ
أبو موسى عيسى بن مناس: 519 م
أبو نعيم: 25 هـ 68 هـ 119 هـ 123 هـ 163 هـ 242 هـ 243 هـ
أبو نواس: 525 م
أبو الهزيل بن احمد بن العلاف: 600 م
أبو هريرة: 10- 10 هـ 19- 19 هـ- 26- 26 هـ- 27- 36- 44- 44 هـ 49- 49 هـ 129 هـ 137 هـ 145- 148 هـ 162- 172- 173- 176 هـ- 177- 177 هـ 178- 179- 180- 181- 182- 188- 209- 213- 214- 227 هـ 248 هـ- 251 هـ- 277- 278 هـ 316- 316 هـ 320 هـ- 322 هـ 323 هـ 355 هـ 378 هـ 383 هـ 388 هـ 424 هـ 438- 596 هـ 438 هـ 455- 455 هـ- 459- 460- 497 هـ 537 هـ 621 هـ 646 هـ
أبو الوليد الباجي: 201 م- 213- 346
أبو يوسف: 61 هـ- 475- 550- 550 هـ 557
أبو يعلى: 90 هـ- 118 هـ 144- 144 هـ- 151 هـ- 171 هـ- 183 هـ- 184 هـ- 195 هـ 267 هـ- 469 هـ
أم أيمن: 108- 114- 268- 268 هـ
أم حبيبة: 123 هـ
أم سلمة: 106 م 109- 109 هـ 242- 271- 333 هـ- 420- 490 هـ
أم قرفة: 558 م
أم هانيء: 292(2/721)
بسم الله الرحمن الرحيم الابناء ابن أبي أويس: 100 م 478
ابن أبي حاتم: 38 هـ 118 هـ 154 هـ 297 هـ 305 هـ
381 هـ 388 هـ 404 هـ 424
ابن أبي حازم: 583 م 627 م
ابن أبي الدينا: 184 هـ 399
ابن أبي رافع: 37 هـ
ابن أبي زيد: 643 هـ
ابن أبي الفراقيد 633 م- 633 هـ
ابن أبي سرح: 448 هـ
ابن أبي سليمان: 480
ابن أبي شيبة: 26 هـ 172 هـ 183 هـ 184 هـ 186 هـ 206 هـ 407 هـ
ابن أبي طلحة: 470 هـ
ابن أبي عجيب: 636 م
ابن أبي فديك: 197 م
ابن أبي ليلى: 577 م
ابن أبي مريم: 526 م
ابن أبي مليكة: 199 م
ابن الأثير: 276 هـ
ابن أسامة: 116 هـ- 117 هـ
ابن اسحق: 51 م- 242- 242 هـ- 243 هـ- 417
ابن الاشرف: 498- 566
ابن الاعصم: 408
ابن الانباري: 297 م
ابن بحينة: 344 م
ابن جبير: 238- 305- 368- 378- 434
ابن جريج: 377 م
ابن جرير: 288 هـ 291 هـ 388- 399 هـ 404
ابن الجهم: 138 هـ- 456 هـ
ابن الجوزي: 157 هـ 276 هـ 443 هـ
ابن حاتم: 481 م
ابن الحباب: 173 م
ابن الجلاب: 628 م
ابن حبان: 44 هـ 50 هـ 154 هـ 161 هـ 163 هـ 172 هـ
175 هـ 183 هـ 195 هـ 204 هـ 218 هـ 243 هـ 292 هـ 399 هـ
ابن حبيب: 629 م- 633 م- 636 م- 637 م- 642 م 653 م
ابن حجر: 46 هـ 61 هـ 162 هـ 178 هـ 293- 296- 399- 459 هـ 482- 602 هـ
ابن حزم: 412- 601 هـ
ابن الحضرمي: 365 م
ابن حميد: 399 هـ
ابن حبوة: 297
ابن خزيمة: 194- 204 هـ
ابن خويز: 331 م
ابن خيران: 331 م
ابن دينار: 388 م
ابن ذي يزن: 539 م
ابن راهويه: 184 هـ
ابن رواحة: 58 هـ
ابن الزبعري: 499 م
ابن الزبير: 212 هـ 470 هـ
ابن زيد: 235 م- 246 م- 358- 367- 404
ابن سحنون: 477- 566- 568- 570- 576- 582- 626 م- 627 م- 633 م- 648 م
ابن سريج: 331 م
ابن سعد: 115 هـ 127 هـ 199- 200 هـ 239 هـ- 268 هـ 490
ابن سعيد: 55 هـ
ابن سلمة: 58 هـ
ابن سليمان: 524 م
ابن سيد الناس: 244 هـ
ابن سيرين: 95 هـ 161 هـ
ابن شريح: 173 هـ
ابن شعبان: 156
ابن شهاب الزهري: 30- 30 هـ- 185
ابن شنبوذ: 649 م- 949 هـ
ابن شيبان: 618 هـ 656 م
ابن الصلاح: 90 هـ 113 هـ
ابن الضريس: 64 هـ
ابن عائشة: 379 م
ابن عباس: 48 هـ 53 هـ 54 م 80 م 83 هـ 110- 114- 118 هـ 137- 145 هـ 146- 146 هـ 152- 156- 167- 167 هـ 184- 186- 188- 209- 220- 223- 238- 239- 241 هـ 244 هـ 246- 247- 264- 268 هـ 278- 291- 292- 292- هـ 297- 324- 329- 350- 350 هـ 358- 367- 372- 381 هـ 384 هـ 388 هـ 399- 402- 404 هـ 414- 414 هـ 417- 431- 432 هـ 434- 440 هـ 489- 490- 491- 557- 557 هـ- 647 م
ابن عبد البر: 88 هـ 121 هـ 129 هـ 154 هـ 444 هـ 950
ابن عبد الحكم: 154 هـ 568- 633 م- 628 م- 642 م
ابن عبد ربه الانصاري: 16 هـ
ابن عتاب: 483 م
ابن عدي: 68 هـ 118 هـ
ابن العربي: 250 هـ
ابن عرفة: 265 م
ابن عساكر: 50 هـ 111 هـ 112 هـ 130 هـ 150 هـ
195 هـ 444 هـ 590
ابن عطاء: 151 م 264- 357
ابن عمار: 523 هـ- 524 هـ
ابن عمر: 32- 32 هـ 50 هـ 52 هـ 60- 62- 111- 118 هـ 127 هـ 154 هـ 158- 183- 187- 187 هـ 190- 194- 195 هـ 199- 201- 208- 216- 218- 227 هـ 276 هـ 333 هـ 384 هـ 399 هـ 424- 546 هـ 556- 592
ابن الفارض: 370 هـ(2/722)
ابن فورك: 428
ابن القاسم: 153 م 154 هـ 200- 205- 277- 412- 517 هـ 559- 561- 566- 568- 569- 570- 571- 572- 577- 582- 588- 627 م- 633 م- 637 م- 642 م- 642 م- 648 م
ابن قانع: 489
ابن قسيط: 200 م
ابن القصار: 122 هـ 144- 147 م 331- 555- 559
ابن قميئة: 406 هـ- 408 م
ابن كثير: 157 هـ 163 هـ
ابن كنانة: 572 م 594
ابن لبابة: 573 م- 628 م
ابن لهيعة: 590 م
ابن الماجشون: 346 هـ- 568 م- 642 م
ابن ماجه: 24 هـ 25 هـ 26 هـ 28 هـ 29 هـ 38 هـ 107 هـ 108 هـ 117 هـ 127 هـ 143 هـ 147- 150 هـ 152 هـ 154 هـ 156 هـ 166 هـ 168 هـ 173 هـ 204 هـ 218 هـ 383 هـ 392- 458 هـ 476- 647 هـ
ابن ماكولا: 34 هـ 390 هـ 587 هـ
ابن المبارك: 52 هـ 591
ابن مجاهد: 649 هـ 650 م 650 هـ
ابن مردويه: 198 هـ- 305 هـ 388 هـ
ابن مسادر: 162 هـ
ابن مسعود: 26 هـ 32- 39 هـ 64 م 97- 117 هـ 119 هـ 1345- 145 هـ 147- 147 هـ 150- 152 هـ 168- 183- 183 م 205 هـ 305- 319- 345- 348 هـ- 372- 407 هـ 459- 555- 578
ابن المسيب: 89- 208 هـ 413- 413 هـ 578
ابن اللدينيي: 648 هـ
ابن معين: 102 هـ 113 هـ 153 هـ 292 هـ 541- 550 هـ 579
ابن الملقن: 145 هـ- 444
ابن مندة: 162 هـ
ابن المنذر: 38 هـ 288 هـ 291 هـ 561- 590
ابن منيع: 123 هـ
ابن مهدي: 101
ابن نافع: 346 م- 590
ابن النجار: 220 هـ
ابن هاني: 524 م
ابن وضاح: 200 هـ
ابن وهب: 176- 191 م- 198- 200- 203- 212- 401- 444 هـ 479- 517 هـ 561- 569- 628 هـ
ابن يونس: 154 هـ
الأعلام آسية: 644 م 644 هـ
ابراهيم بن حسين: 476 م
ابراهيم بن حسين بن خالد: 584 م
ابراهيم بن حسين بن عاصم: 584 م
ابراهيم بن سيار: 618 هـ
ابراهيم بن عبد الله: 98 م
ابراهيم: 481 م- 648 م
ابراهيم النخعي: 546 هـ- 648 م- 648 هـ-
أبان بن عيسى: 636 م- 636 هـ
أبي بن سلول: 497
أبي بن كعب: 174
الأبهري: 331 م- 366 هـ
أحمد أبو العباس: 633 هـ-
أحمد بن حنبل: 24 هـ 26 هـ 34 هـ 35 م 47 هـ 71 هـ 74 هـ 93 هـ 113 هـ 128- هـ 160 هـ 161 هـ 208 هـ 244 هـ 267- 273- 286 هـ 392- 399 هـ 400 هـ 403 هـ 424- 474- 474 هـ 495- 533- 521 هـ 546 هـ 550 هـ 556- 558- 561- 577 هـ 591- 596 هـ 597 هـ 646 هـ
أحمد بن الرفاعي: 133
أحمد بن سعيد الهندي: 202 م
أحمد بن أبي بكر: 657 هـ
أحمد بن أبي سليمان: 480 م 513 م
أحمد بن طلحة: 632 هـ
أحمد بن موسى: 650 هـ
ارمياء: 539 م
الاعناقي: 657 هـ
الازرقي: 219 هـ
الازهري: 265 م
أسامة بن زيد: 12 هـ 60- 107 هـ 108 م 111- 112
اسامة بن شريك: 87 م
اسحق بن ابراهيم بن مخلد: 143 م- 197
اسحق بن راهوية: 474 م 556- 558- 561
اسحق بن يحيى سرقسطي: 582 م
اسحق التيجيبي: 59 م
اسرافيل: 644 م
أسماء بنت عميس: 61 هـ
اسماعيل بن أبي حكيم: 243 م
اسماعيل بن اسماعيل الازدي: 210 م 592
اسماعيل بن جعفر الصادق: 605 هـ 607 هـ
اسماعيل القاضي: 167 هـ 186 هـ
الاشعري: 586 هـ- 620 م- 624 هـ
أشهب بن عبد العزيز القيسي: 154 م 211- 346 هـ 478- 513 م- 563
أصبغ: 627 م- 627 م 636 م 363 هـ 642 م- 649 م
أصبغ بن فرج: 153 م 550- 560- 568- 575- 576- 577- 578- 579
الاصطخري: 331 م
الاصمعي: 237 هـ
الاعز المزني: 247 م
الاعمش: 103
امية بن أبي الصلت: 262 هـ
امية بن خالد: 291 م(2/723)
امية بن خلف: 53 هـ
امية بن عبد الله: 29 هـ
اميمة بنت عبد المطلب: 427
أنس بن مالك: 10 هـ 37- 37 هـ 43 هـ 44- 46- 47- 47 هـ 48- 48 هـ- 57 هـ 61- 61 هـ 86- 88- 118- 162 هـ 171- 172- 178 هـ 189- 191- 195- 198- 227 هـ 259- 273 هـ 307- 308- 312- 417- 417 هـ 424 هـ 438- 441- 455- 463- 469- 497.
الانطاكي: 180 هـ
الاودي: 591 م
الاوزاعي: 111 م 414 هـ 475- 493- 556- 563
أوس بن أوس الثقفي: 154 م 184 م
أيوب بن ثابت: 126 هـ
أيوب السختياني: 93 م
السيد الشريف: 632 هـ
حرف الباء بابك الحزمي: 609 هـ
الباجي: 205- 216
بحيرا: 268- 539 م
البخاري 12 هـ 19 هـ 25 هـ 31 هـ 33 هـ 35 هـ 37 هـ 43 هـ 44 هـ 57 هـ 59 هـ 83 هـ 87 هـ 88 هـ 99 هـ هـ 102 هـ 108 هـ 109 هـ 111 هـ 122 هـ 123 هـ 153 هـ 161 هـ 172 هـ 175 هـ 179 هـ 209 هـ 211 هـ 226 هـ 238 هـ 248 هـ 251 هـ 268 هـ 282 هـ 306 هـ 307 هـ 314 هـ 321 هـ 337 هـ 345 هـ 348 هـ 383 هـ 388 هـ 391 هـ 409 هـ 411 هـ 433- 433 هـ 437 هـ 440 هـ 441- 442- 444 هـ 446 هـ 459 هـ 468 هـ 474 هـ 487 هـ 495 هـ 496 هـ 500 هـ 502 هـ 503- 504- 505 هـ 506 هـ 537 هـ 540 هـ 541 هـ 546 هـ 596 هـ 598 هـ
البراء بن عازب: 90- 488
البرهان الحلبي: 162 هـ 173 هـ 240 هـ 306 هـ
بريرة: 449
البزار: 51 هـ 54 هـ 109 هـ 118 هـ 151 هـ 178 هـ 201 هـ 244 هـ 292- 297 هـ 307- 384 هـ 417 هـ 469 هـ 497-
بشر بن البراء: 407 هـ 507 هـ
بشر بن بكر التنيسي: 590
بشر بن الوليد الكندي: 550 هـ
بشر الحافي: 123 هـ
البغوي: 48 هـ 118 هـ 163 هـ 346 هـ 388 هـ- 617 هـ
بكر بن العلاء 234 م 290
بلال بن الحارث المزني 28 هـ
بلال بن أبي رباح: 53 هـ 114 هـ 214 هـ 349 هـ
البوصيري: 129 هـ
بيان بن سمعان: 605 م
البيهقي 12 هـ 26 هـ 51 هـ 53 هـ 60 هـ 64 هـ 68 هـ 90 هـ 110 هـ 118 هـ 147 هـ 150 هـ 151 هـ 154 هـ 161 هـ 166 هـ 168 هـ 171 هـ 172 هـ 175 هـ 178 هـ 182 هـ 183 هـ 186 هـ 194 هـ 195 هـ 198 هـ 199 هـ 201 هـ 203 هـ 217 هـ 242 هـ 243- 244- 273 هـ 276 هـ 277 هـ 282 هـ 321 هـ 399 هـ 440 هـ 491 هـ 497 هـ 560 هـ
حرف التاء الترمذي: 24 هـ 25 هـ 27 هـ 28 هـ 35 هـ 38 هـ 47 هـ 57 هـ 60 هـ 61 هـ 64 هـ 84 هـ 86 هـ 87 هـ 89 هـ 98 هـ 105 هـ 108 هـ 109 هـ 114 هـ 117 هـ 123 هـ 149 هـ 150 هـ 152 هـ 156 هـ 171 هـ 173 هـ 174 هـ 177 هـ 178 هـ 204 هـ 218 هـ 265- 346 هـ 360 هـ 392 هـ 424 هـ 430 هـ 454 هـ 455 هـ 456 هـ 471 هـ 474 هـ 546 هـ 651 هـ
التلمساني: 29 هـ 560 هـ 595 هـ
تميم الداري: 71 م
التيمي: 188 هـ 648 هـ
حرف الثاء ثابت بن قيس بن شماس: 83 م 505 هـ
ثعلب بن يزيد الشيباني: 80 م
ثمامة بن اشرس بن معن النميري: 602 م
ثوبان 17 هـ 48 هـ 70 هـ
الثوري: 81- 123 هـ 265- 475- 493- 556- 559- 565
حرف الجيم جابر: 26 هـ 52 هـ 119- 146- 146 هـ 151- 180- 217 هـ 245- 267- 460 هـ 537 هـ
جبريل: 632 هـ- 644 م- 644 هـ
الجاحظ: 602 م
الجرجاني: 292 هـ
جرير بن عبد الحميد القاضي: 101 م
جعفر بن أبي طالب: 105 م 616 هـ
جعفر الطيار: 605 هـ
جعفر بن محمد 94- 179- 264
جعفر بن سليمان بن علي: 113 م
جعفر بن المعتضد بالله: 632 هـ 133 هـ
الجنيد: 265 م- 632 هـ
جهجاه: 129 م
جهم بن صفوان: 533- 600 م
جويرية بنت أبي جهل: 506 هـ
حرف الحاء حاتم الطائي: 419
حاتم بن ودان 198 هـ
الحاكم: 19 هـ 38 هـ 90 هـ 110 هـ 117 هـ 146 هـ 147 هـ 149 هـ 152 هـ 154 هـ 162 هـ 171 هـ 172 هـ 173 هـ 178 هـ 179 هـ 268 هـ 333 هـ 442 هـ 458 هـ 469 هـ 491 هـ 596 هـ 644 هـ
الحارث بن أسد: 392 م 533
الحارث بن مسكين: 517 م(2/724)