.........
- ومنها: أن الحر بن الصياح النخعي أخذه عن أبي معبد كما أخذه ولده عنه.
وقال ابن كثير: قصة أم معبد مشهورة، مروية من طرق كثيرة يشد بعضها بعضا.
وله طريق أخرى أخرجه البزار في مسنده [2/ 300 كشف الأستار] رقم 1742، من حديث عبد الرحمن بن عقبة بن جابر بن عبد الله، عن أبيه، عن جده عن جابر بن عبد الله بنحوها.
قال البزار: لا نعلمه يروي بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد، وعبد الرحمن بن عقبة لا نعلم حديث عنه إلا يعقوب وإن كان معروفا في النسب، اه.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد [6/ 55] : وفيه من لم أعرفه.
وله طريق أخرى، فأخرجه الطبراني في معجمه الكبير [7/ 123] رقم 6510، ومن طريقه أبو نعيم في المعرفة [3/ 1433] رقم 3630، (اختصره) ، وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات برقم 1138، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه [3/ 314- 316] ، جميعهم من حديث عبد العزيز بن يحيى المديني- كذبه غير واحد- قال: حدثنا محمد بن سليمان بن سليط الأنصاري، عن أبيه، عن جده، القصة بنحوها.
وأخرجها البيهقي أيضا [2/ 491] من وجه آخر، من حديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا عبد الرحمن بن الأصبهاني قال:
سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى يحدث عن أبي بكر الصديق قال:.. فذكر شيئا من القصة، قال البيهقي عقبه: وهذه القصة وإن كانت تنقص عما روينا في قصة أم معبد ويزيد في بعضها فهي قريبة منها، ويشبه أن تكونا واحدة.
قال: وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار من قصة أم معبد شيئا يدل على أنها وهذه واحدة ثم أسندها من طريق يونس بن بكير، عن ابن إسحاق تعليقا القصة بنحوها ثم قال: فيحتمل أن يكون أولا- أي التي في كسر-(2/363)
564- قال أنس رضي الله عنه: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة أظلم فيها كل شيء، فلما دخل المدينة أضاء منها كل شيء.
قال أنس: رأيت يوم دخل عليها ويوم قبض فما رأيت يومين شبيهين بهما.
- الخيمة كما روينا في حديث أم معبد- ثم رجع ابنها بأعنز كما روينا في حديث ابن أبي ليلى، ثم لما أتى زوجها وصفته له، وهذا منه يدل على قبوله لأسانيد وألفاظ القصة حتى دعاه ذلك لأن يجمع بينها، وإن كان في بعضها ضعف شديد أو إرسال أو إنقطاع، وهذا هو عمل أهل العلم في أحاديث السير والشمائل، والله أعلم.
وأخرج ابن سعد وأبو نعيم من حديث الواقدي قال: حدثني حزام بن هشام، عن أبيه، عن أم معبد قالت: بقيت الشاة التي لمس ضرعها النبي صلى الله عليه وسلم عندنا حتى كان زمان الرمادة- زمان عمر بن الخطاب- وكنا نحلبها صبوحا وغبوقا وما في الأرض قليلا ولا كثيرا.
(564) - قوله: «قال أنس رضي الله عنه» :
بسطت تخريجه وألفاظه في مقدمة المسند الجامع، للحافظ أبي محمد الدارمي، تحت رقم 94، فتح المنان، ومن ألفاظه: لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء، وما نفضنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيدي وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا، ذكرنا طرقه وتصحيح ابن حبان والحاكم له فانظره وانظر الحديث الآتي برقم: 609، والتعليق عليه.(2/364)
[118- باب ذكر مقدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم قباء، وبناء المسجد]
118- باب ذكر مقدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم قباء، وبناء المسجد 565- قال: فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قام إليه المنذر بن عمرو وأبو دجانة وجماعة من أشرافهم يقولون: هلمّ يا رسول الله إلى العز والثروة، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بارك الله عليكم، خلّوا سبيلها فإنها مأمورة، حتى جاء إلى باب أبي أيوب فبركت ناقته هناك، فجاء جبار بن صخر فنخسها بالرحل فقال أبو أيوب: أعن منزلي تنحّيها، فما؟
والذي بعثه بالحق لولا الإسلام لضربتك بالسيف.
وجاء القوم يكلمونه في النزول عليهم، فحطت أم أيوب رحله، وأدخلته بيتها فقال صلى الله عليه وسلم لما رأى ذلك: المرء مع رحله، ونزل في سفل بيت أبي أيوب.
وذكر أبو أيوب أنه لم يزل تلك الليلة ساهرا حتى أصبح، فقال: يا رسول الله إني أخشى أن أكون ظلمت نفسي؛ أن أمشي فوق (565) - قوله: «فجاء جبار بن صخر» :
أخرجه محمد بن الحسن بن زبالة في تاريخ المدينة له- كما في الإمتاع للمقريزي [8/ 329]-، ومن طريقه- كما في الوفا للسمهودي [1/ 260]- يحيى بن الحسين في أخبار المدينة له- معوّل المصنف في هذا الباب، فهو مسند عنه بالإسناد الآتي برقم 576-، من حديث محمد بن كعب القرظي.
قلت: وفي السياق نكارة، لأن جبار بن صخر هذا كان ممن أسر يوم بدر فيما ذكره أصحاب المغازي والسير، ومحمد بن الحسن ممن يضعف في الحديث، وانظر التعليق التالي.(2/365)
رسول الله صلى الله عليه وسلم فينتثر التراب من تحت أقدامنا، ونحن أطيب نفسا إن كنا تحتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: السفل أرفق بنا ولمن يغشانا، قال: فلم يزل به أبو أيوب يتضرع إليه حتى انتقل إلى العلو.
566- وعن عبد الرحمن بن عبد العزيز قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «فلم يزل به أبو أيوب» :
أشار الحافظ في الفتح إلى القصة [7/ 297] ، عزاها للمصنف، وسيأتي أن أصل قصة مقدمه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين؛ فعند البخاري من حديث ابن شهاب، عن عروة، وأخرج مسلم قصة نزوله في السفل من دار أبي أيوب ثم تحوله إلى العلو في الأشربة، باب إباحة أكل الثوم، من حديث أفلح مولى أبي أيوب، عن أبي أيوب، وانظر ألفاظ وسياق مقدمه صلى الله عليه وسلم المدينة في:
طبقات ابن سعد [1/ 235- 238] ، سيرة ابن هشام [1/ 492- 499] .
(566) - قوله: «وعن عبد الرحمن بن عبد العزيز» :
هو ابن عبد الله بن عثمان- وفي الأصول: ابن ثابت- ابن حنيف الأنصاري، العلامة الإخباري: أبو محمد المدني، يقال: إنه من ولد أبي أمامة بن سهل بن حنيف، ولذلك يقال له: عبد الرحمن بن عبد العزيز الأمامي، أحد أئمة السيرة، من شيوخ الواقدي في المغازي والسير، اختلف فيه، فوثقه يعقوب بن شيبة وابن حبان، وقال ابن عدي: ليس هو بذاك، وقال ابن معين: شيخ مجهول، وقال ابن سعد: كان عالما بالسيرة وغيرها، كثير الحديث، انظر عنه في:
طبقات ابن سعد [/ 467- الجزء المتمم] ، تهذيب الكمال [17/ 253] ، التاريخ الكبير [5/ 320] ، الصغير [1/ 1] ، الجرح والتعديل [5/ 260] ، ثقات ابن حبان [7/ 75] ، الكامل لابن عدي [4/ 1597] ، تاريخ يحيى برواية الدارمي الترجمة رقم 463، الديوان [2/ 102] ، المغني في الضعفاء [2/ 383] ، تهذيب التهذيب [6/ 199- 200] ، التقريب [/ 345] الترجمة رقم 3933، الجمع بين رجال الصحيحين [1/ 298] .(2/366)
على سعد بن خيثمة، وأخذ من كلثوم بن الهدم مربده، فجعله مسجدا، وأسسه، وصلى فيه إلى بيت المقدس، وكان مدخله قباء يوم الاثنين، قوله: «على سعد بن خيثمة» :
قال ابن إسحاق: ومنهم من يقول: إنه صلى الله عليه وسلم نزل على كلثوم بن الهدم، وكان مجلسه للناس عند سعد بن خيثمة، وذلك أنه كان عزبا لا أهل له [1/ 493- ابن هشام] .
قوله: «يوم الإثنين» :
لأربع عشرة من ربيع الأول، ذكر هذا العلامة الصالحي في سبل الهدى [3/ 269] ، عزاه للمصنف، غير أنه قال: لثلاث عشرة! وقال أيضا: من طريق أبي بكر بن حزم!! وابن حزم شيخ عبد الرحمن راوي الحديث، وقد تبع في هذا الحافظ ابن حجر، انظر التنبيه الآتي آخر هذا الباب.
وقد أخرج البخاري في صحيحه قصة مقدمه صلى الله عليه وسلم ونزوله في بني عمرو بن عوف في كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، فساق الخبر بطوله من طريق ابن شهاب عن عروة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجارا قافلين من الشام، فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثياب بياض، وسمع المسلمون بالمدينة مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة، فانقلبوا يوما بعدما أطالوا انتظارهم، فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر رسول الله وأصحابه مبيّضين يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: يا معاشر العرب، هذا جدّكم الذي تنتظرون، فثار المسلمون إلى السلاح فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرة، فعدّل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الإثنين من شهر ربيع الأول، فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتا، فطفق من جاء من الأنصار- ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم- يحيّي أبا بكر، حتى أصابت الشمس-(2/367)
وخروجه منه الجمعة، الثامن عشر من ربيع الأول.
- رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه، فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك، فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسّس المسجد الذي أسس على التقوى، وصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ركب راحلته فسار يمشي معه الناس، حتى بركت عند مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مربدا للتمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر سعد بن زرارة، فقال حين بركت به راحلته: هذا إن شاء الله المنزل، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا، فقالا: لا، بل نهبه لك يا رسول الله، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما، ثم بناه مسجدا، وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم اللبن في بنيانه ويقول- وهو ينقل اللبن-:
هذا الحمال لا حمال خيبر ... هذا أبرّ ربنا وأطهر
ويقول:
اللهمّ إن الأجر أجر الآخرة ... فارحم الأنصار والمهاجرة
فتمثل بشعر رجل من المسلمين لم يسمّ لي.
قال ابن شهاب: ولم يبلغنا- في الأحاديث- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمثل ببيت شعر تام غير هذه الأبيات.
قوله: «وخروجه منه يوم الجمعة» :
قاله ابن إسحاق [1/ 494- ابن هشام] ، ابن سعد في الطبقات.
قال ابن سعد [1/ 236] : ويقال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني عمرو بن عوف أربع عشرة ليلة، وهو قول شيخه الواقدي، وقد روي عن ابن إسحاق أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام فيهم ثماني عشرة ليلة، وأخرج البخاري من طريق الزهري عن عروة أنه صلى الله عليه وسلم أقام فيهم بضع عشرة ليلة، وحكى موسى بن عقبة عن مجمع بن يزيد أنه صلى الله عليه وسلم أقام فيهم اثنتين وعشرين ليلة.(2/368)
567- قال: ولما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني عمرو بن عوف- وقد كان بين الأوس والخزرج ما كان من العداوة- كانت الخزرج تخاف أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأوس، وكانت الأوس تخاف أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الخزرج، وكان أسعد بن زرارة قد قتل نبتل بن الحارث يوم بعاث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين أسعد بن زرارة؟ فقال سعد بن خيثمة ومبشر بن عبد المنذر ورفاعة بن عبد المنذر: يا رسول الله أصاب منا رجلا يوم بعاث.
فلما كانت ليلة الأربعاء جاء أسعد بن زرارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم متقنعا بين المغرب والعشاء، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا أمامة جئت من منزلك إلى ما هاهنا وبينك وبين القوم ما بينكما؟ فقال أبو أمامة:
لا والذي بعثك بالحق، ما كنت لأسمع بك في مكان إلا جئتك، ثم بات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح ثم غدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن خيثمة ورفاعة ومبشر ابني عبد المنذر: أجيروه، قالوا: أنت يا رسول الله (567) - قوله: «ولما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم» :
هو مسند عن المصنف من طريق طاهر بن يحيى، - عمدة المصنف في فضائل المدينة يأتي ترجمة رجال الإسناد- عن أبيه بإسناده إلى عبد العزيز بن عبيد الله بن عثمان بن حنيف قال: لما نزل ... أفاده السمهودي في الوفا [1/ 249] .
قلت: في السياق نكارة لأن نبتل بن الحارث هذا كان أحد المنافقين، قال ابن إسحاق: وكان يأتي رسول الله يتحدث إليه فيسمع منه، ثم ينقل حديثه إلى المنافقين، قال: وهو الذي قال: إنما محمد أذن، من حدثه شيئا صدقه، فأنزل الله عزّ وجلّ فيه: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ ... أُذُنٌ الآية، قال: وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث، والله أعلم.(2/369)
فأجره فجوارنا من جوارك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجيره بعضكم، فقال سعد بن خيثمة: هو في جواري، ثم ذهب سعد بن خيثمة إلى أسعد بن زرارة في بيته فجاء به مخاصرة يده في يده ظهرا حتى انتهى به إلى عمرو بن عوف، ثم قالت الأوس: يا رسول الله كلنا لك جار.
قال: فكان أسعد بن زرارة بعد يغدو ويروح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزل من قباء.
568- وقال عبد الله بن سلام: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه، قال: فأتيته فلما نظرت إليه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعته يقول: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلّوا بالليل والناس نيام.
(568) - قوله: «وصلوا بالليل والناس نيام» :
وتمامه: «تدخلوا الجنة بسلام» .
خرجناه في المسند الجامع للحافظ أبي محمد الدارمي تحت رقم 1581، 2796- فتح المنان، فيراجع هناك.
تنبيه: وقفنا في بعض المصادر على غير نص معزو للمصنف في هذا الباب، أعني: باب مقدمه (قباء والدينة) لا ندري مدى دقة العزو وصحة نسبته، إذ لم نجده في النسخ الثلاث، وللمصنف عدة كتب غيره، وقد وجدنا الحافظ ابن حجر رحمه الله ذكر حديثا في الإصابة، وذكر إخراج المصنف له مسندا، ثم أورد طريقه، وهو عندنا في باب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم معلقا، فالتبس علينا، لظننا أنه في هذا الكتاب، وبالبحث وجدناه عند المصنف مسندا من الوجه الذي ذكره الحافظ لكن في كتابه تهذيب الأسرار كما سيأتي بيانه هناك إن شاء الله، ولمسنا عدم دقة العزو أيضا في ترجمة زمل بن ربيعة-(2/370)
.........
- كما بيناه في أبواب بشائره صلى الله عليه وسلم، إذا تبين لك هذا عرفت القصد من ترددنا في دقة العزو وصحة النسبة.
وإليك ما وقفنا عليه من النصوص المعزوة للمصنف في باب قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة:
1- قال الحافظ في الفتح [7/ 305] ، كتاب مناقب الأنصار، باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة، أثناء تأييده لقول من قال بنزوله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة على سعد بن خيثمة، قال: ويؤيد قول التيمي ما أخرجه أبو سعيد- كذا- في شرف المصطفى، من طريق أبي بكر بن حزم قال: قدم الرسول صلى الله عليه وسلم قباء يوم الاثنين فنزل على سعد بن خيثمة.. وأشار إليه في الفتح أيضا [7/ 278] ، وهذا الحديث هو عين الثاني في هذا الباب لكن من حديث تلميذ ابن حزم: عبد الرحمن بن عبد العزيز الأمامي، وكأن الشيخ الصالحي اعتمد قول الحافظ فعزاه في سبل الهدى [3/ 296] للمصنف من هذا الوجه.
2- وقال في نفس الموضع: ويقوي قول ابن شهاب ما أخرجه أبو سعيد- كذا- في شرف المصطفى من طريق الحاكم، من طريق ابن مجمع:
لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على كلثوم بن الهدم هو وأبو بكر وعامر بن فهيرة، قال كلثوم: يا نجيح- لمولى له- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنجحت، اه.
قلت: اختصر الحافظ السياق، وهو في كتاب يحيى بن الحسين العلوي- عمدة المصنف في هذا الباب كما سترى- بإسناد معضل عن محمد بن إسماعيل بن مجمع قال: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على كلثوم بن الهدم وأبو بكر وعامر بن فهيرة قال: يا نجيح- لمولى له-، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والتفت إلى أبي بكر: أنجحت- أو: أنجحنا-، فقال: أطعمنا رطبا، قال:
فأتوا بقنو من أم جرذان فيه رطب منصف وفيه زهو، فقال صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟
قال: عذق أم جرذان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهمّ بارك في أم جرذان. -(2/371)
.........
- فإن صح عزو الحافظ وأن المصنف أخرجه في كتابه هذا، فينبغي أن يكون من هذا الطريق لاعتماد المصنف فيما يتعلق بتاريخ المدينة في الغالب على شيخه إمام مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بإسناده إلى يحيى بن الحسين صاحب أخبار المدينة، لكن لم نجده في الأصول لا من هذا الوجه، ولا من طريق الحاكم، ولا هو عند البيهقي- وهو المكثر عن الحاكم-، وقد أشار الحافظ في ترجمة نجيح من الإصابة إلى إخراج المصنف للرواية، وعزاها أيضا لابن زبالة في أخبار المدينة له، ولم يذكر أنها عند المصنف من طريق الحاكم، ولا ذكر إسنادها كما هي عادته، وكأن السمهودي اعتمد قول الحافظ في الفتح فقال في الوفا [1/ 245] : أخرجه أبو سعيد- كذا- في شرف المصطفى، من طريق الحاكم، اه. وقد أسندها أبو نعيم في المعرفة [5/ 2391] برقم 5855، من طريق مجمع عن أبيه عن ابن جارية به.
3- قال الحافظ في نفس الكتاب والباب [7/ 307] : وأخرج أبو سعيد- كذا- في شرف المصطفى، ورويناه في فوائد الخلعي من طريق عبيد الله ابن أبي عائشة منقطعا: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جعل الولائد يقلن:
طلع البدر علينا من ثنية الوداع ... وجب الشكر علينا ما دعا الله داع
قال: وهو سند معضل، ولعل ذلك كان في قدومه من غزوة تبوك. اه.
قلت: وهذا من هذا الوجه وبهذا السياق أخرجه ابن الجوزي في الوفا [1/ 252]- غير أنه وقع في المطبوع منه: عن عائشة! - وعزاه السمهودي في الوفا [1/ 262] لرزين.
4- قال السمهودي في الوفا [1/ 262] : وفي شرف المصطفي: لما بركت الناقة على باب أبي أيوب خرج جوار من بني النجار يضربن بالدفوف ويقلن:
نحن جوار من بني النجار ... يا حبذا محمد من جار
-(2/372)
.........
- هكذا ساقه دون ذكر اسم الراوي وبصورة الحكاية، وتبعه الشيخ الصالحي في سبل الهدى [3/ 274] ، عزاه للمصنف والحاكم.
وعندي- والله أعلم- أنّ السمهودي عنى بشرف المصطفى كتاب ابن الجوزي: الوفا بأحوال المصطفى، سماه بذلك في بعض المواضع- وقد أطلق عليه بعض أهل العلم ذلك-، والنص في كتاب ابن الجوزي [1/ 252] ، من حديث أنس، وما وقفت عليه في مستدرك الحاكم، فيحرر هذا مع ما تقدم، والله أعلم.(2/373)
[119- باب ما جاء في إتيان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد قباء، وفضله]
119- باب ما جاء في إتيان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد قباء، وفضله 569- أخبرنا أبو علي: حامد بن محمد بن عبد الله بن محمد الرفّاء، الهروي، أنا علي بن عبد العزيز، ثنا القعنبي، (569) - قوله: «أنا علي بن عبد العزيز» :
هو ابن المرزبان بن سابور، الإمام الحافظ الصدوق: أبو الحسن البغوي، نزيل مكة، ممن جمع وصنف، له المسند الكبير، قال الدارقطني: ثقة مأمون، وزعم الذهبي في تاريخه أنه ليس بحجة، وانظر أخباره في:
سير أعلام النبلاء [13/ 348] ، تذكرة الحفاظ [2/ 622] ، الجرح والتعديل [6/ 196] ، العبر [2/ 77] ، تاريخ الإسلام [وفيات سنة 286- ص 227] ، البداية والنهاية [11/ 82] ، الشذرات [2/ 363] ، الميزان [4/ 63] ، اللسان [4/ 241] ، معجم الأدباء [14/ 11] ، العقد الثمين [6/ 185] ، ثقات ابن حبان [8/ 477] ، الإنباه للقفطي [2/ 292] ، مرآة الجنان [2/ 213] .
قوله: «ثنا القعنبي» :
هو الإمام الحافظ، الثبت، العابد، الجليل، عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، أبو عبد الرحمن المدني، نزيل البصرة، من جلة أصحاب مالك، قال العجلي: بصري ثقة رجل صالح قرأ مالك عليه نصف الموطأ، وقرأ هو على مالك النصف الباقي، وانظر أخباره في:
تهذيب الكمال [16/ 136] ، طبقات ابن سعد [7/ 302] ، سير أعلام النبلاء [10/ 257] ، تهذيب التهذيب [6/ 28] ، الكاشف [2/ 177] ، التقريب [/ 323] ، الترجمة رقم 3620، ثقات ابن حبان [8/ 353] .(2/374)
ثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى قباء راكبا وماشيا.
570- وعن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي قباء راكبا وماشيا، وكان يأتي قباء كل سبت ماشيا.
571- وعن سهل بن حنيف، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من توضأ قوله: «ثنا مالك» :
هكذا هو في رواية يحيى بن يحيى، عن مالك، باب العمل في جامع الصلاة، وقال عامة الرواة عن مالك: عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قاله ابن عبد البر في التمهيد، قال: والحديث صحيح لمالك عنهما جميعا.
أخرجه مسلم بالرواية المشهورة عن مالك في المناسك، باب فضل مسجد قباء، رقم 1399 (518) .
وأخرجاه في الصحيحين من طرق عن نافع وعبد الله بن دينار، كلاهما عن ابن عمر، انظر التعليق على الآتي بعده.
(570) - قوله: «وكان يأتي قباء كل سبت» :
أخرجه الإمام البخاري في فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب مسجد قباء رقم 1191، وفي باب من أتى مسجد قباء كل سبت، رقم 1193، وفي الاعتصام، باب ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحض على اتفاق أهل العلم، رقم 7326، وأخرجه مسلم في الحج، باب فضل مسجد قباء، رقم 1399 (515، 516، 517، 518، 519، 520، 521، 522) .
(571) - قوله: «وعن سهل بن حنيف» :
أخرج حديثه الإمام أحمد في المسند [3/ 487] ، - وليس فيه تحديد عدد الركعات-، وابن أبي شيبة في المصنف [2/ 373]- وفيه: أربع ركعات-، -(2/375)
فأسبغ الوضوء، وجاء مسجد قباء وصلى فيه ركعتين كان له أجر عمرة» ، وفي بعض الأخبار: عدل عمرة.
572- وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أتى مسجد قباء كان عدل رقبة.
- والنسائي في المساجد، باب فضل مسجد قباء الصلاة فيه، رقم 699- لم يذكر فيه عدد الركعات-، وابن ماجه في الإقامة، باب ما جاء في الصلاة في مسجد قباء، رقم 1412، والبيهقي في الشعب [3/ 499- 500] رقم 4191، والطبراني في معجمه الكبير [6/ 90، 91] الأرقام: 5558، 5559، 5561، 5562، وابن شبة في تاريخ المدينة [1/ 40، 41] ، وصححه الحاكم [3/ 12] .
(572) - قوله: «كان عدل رقبة» :
هكذا يقول موسى بن عبيدة- وهو ضعيف-، عن يوسف بن طهمان- وهو واه-، عن أبي أمامة بن سهل، عن أبيه مرفوعا، ولفظه: من توضأ فأحسن وضوءه، ثم دخل مسجد قباء فركع فيه أربع ركعات كان ذلك عدل رقبة، أخرجه الطبراني في معجمه الكبير [6/ 91] رقم 5560.
وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف [2/ 373، 12/ 210- 211] ، من الوجه المذكور فقال: عدل عمرة، وهكذا هو عند ابن شبة في تاريخ المدينة [1/ 41] من طريقه.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد [4/ 11] : فيه موسى بن عبيدة، وهو ضعيف.
قلت: آفتة يوسف بن طهمان؛ فقد روي عنه أيضا أنها بمنزلة حجة، أخرجه البخاري في تاريخه الكبير [8/ 379]- ولم يسق المتن-، والعقيلي في الضعفاء [4/ 450] ، والبيهقي في الشعب [3/ 500] ، عقب رقم 4191.(2/376)
573- وعن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء صبيحة سبعة عشر من شهر رمضان.
574- وكان صلى الله عليه وسلم يصلي إلى الأسطوان الثالثة لمسجد قباء التي في الرحبة.
(573) - قوله: «وعن جابر» :
أخرج حديثه ابن شبة في تاريخه [1/ 44] ، من طريق عبد العزيز بن سمعان، عن أبي النضير، عنه به.
ورواه ابن المنكدر فاختلف عليه فيه.
فقيل: عنه، كان النبي صلى الله عليه وسلم ... مرسلا، أخرجه ابن شبة [1/ 44] .
وقيل: عنه، عن جابر به.. أخرجه رزين- كما في الوفا للسمهودي [2/ 803] .
ورواه رزين أيضا، عن ابن المنكدر قوله: أدركت الناس يأتون مسجد قباء صبيحة سبع عشرة رمضان.
(574) - قوله: «يصلي إلى الأسطوان الثالثة» :
أخرجه ابن زبالة في تاريخ المدينة كما في وفا السمهودي [2/ 805] ، قال:
رواه يحيى- يعني: ابن الحسين في أخبار المدينة- عمدة المصنف في هذا الباب، فهو مسند عنه بالإسناد الآتي برقم: 576- واقتصر فيه على رواية ابن زبالة في بيان مصلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: وقد أخرج ابن شبة [1/ 51] عن الواقدي، عن مجمع بن يعقوب، عن سعيد بن عبد الله بن رقيش قال: كان المسجد في موضع الأسطوانة المخلقة الخارجة في رحبة المسجد، قال ابن رقيش: فحدثني نافع:
أن ابن عمر كان بعد إذا جاء مسجد قباء صلى إلى الإسطوانة المخلقة، يقصد بذلك مسجد النبي صلى الله عليه وسلم الأول.(2/377)
575- وعن عائشة بنت سعد قالت: سمعت أبي يقول: والله لأن أصلي في مسجد قباء ركعتين أحب إليّ من أن آتي بيت المقدس مرتين، ولو يعلمون ما فيه لضربوا إليه أكباد الإبل.
576- قرأت على أبي الحسين: يحيى بن الحسين المطلبي، إمام المسجد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنا أبو عثمان: محمد بن عثمان العثماني، أنا طاهر بن يحيى بن الحسين رضي الله عنه ...
(575) - قوله: «وعن عائشة بنت سعد» :
أخرج حديثها ابن أبي شيبة في المصنف [2/ 373] ، وابن شبة في تاريخ المدينة [1/ 42] ، والبيهقي في السنن الكبرى [5/ 249] ، وصححه الحاكم في المستدرك [3/ 12] ، وأقره الذهبي في التلخيص، وتبعهما الحافظ في الفتح [3/ 69] .
تابعهما عامر بن سعد، عن سعد، أخرجه الحاكم في المستدرك، والبيهقي في السنن الكبرى.
(576) - قوله: «إمام المسجد» :
يعني: مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم أجده فيما لدي من المصادر.
قوله: «العثماني» :
نسبة إلى أمير المؤمنين: عثمان بن عفان رضي الله عنه، إما نسبا، أو ولاء، أو اتباعا وهوى كأهل الشام قديما، قاله الحافظ السمعاني في الأنساب، ولم أر من أفرده بترجمة.
قوله: «طاهر بن يحيى بن الحسين» :
الحسيني، العلوي، راوي أخبار المدينة وتاريخها عن أبيه، ذكره الحافظ الذهبي في تاريخ الإسلام وقال: يروي عن أبيه، روى عنه أبو بكر بن المقرىء، زاد الحافظ في التحفة اللطيفة في الرواة عنه: ابنيه. -(2/378)
قال: حدثني أبي: يحيى بن الحسين، ثنا بكر بن عبد الوهاب قال: - تاريخ الإسلام [وفيات سنة: 314- ص: 478] ، التحفة اللطيفة [2/ 257] ، الترجمة رقم 1857.
قوله: «يحيى بن الحسين» :
هو ابن جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب العلوي، العلامة النسابة، صاحب تاريخ المدينة، عن الزبير بن بكار، وأبي مصعب الزهري، وبكر بن عبد الوهاب، وغيرهم، عوّل المصنف على تاريخه كثيرا كما سترى، ذكر الحافظ السخاوي في ترجمة ابنه أنه ترجم له في الياء التحتية، وهو ضمن الجزء المفقود من التحفة اللطيفة، وذكره الحافظ المزي في تراجم شيوخه من التهذيب ووصفه في غير موضع بالعلامة النسابة والسيد، وليس فيما لدي من المصادر ترجمة مفردة له، وممن عوّل على تاريخه أيضا: العلامة السمهودي في الوفاء كما سترى عند تخريج الأحاديث والآثار.
تنبيه: وقع اسم والد يحيى في المطبوع من تهذيب الحافظ المزي بفتح الحاء والسين المهملتين وحذف التحتية، والذي في ترجمة ابنه طاهر من المصادر التي أشرنا إليها، ووفاء السمهودي، والحجج المبينة للسيوطي موافق لما وقع عندنا: بضم الحاء وتحتية بعد السين المهملة المفتوحة.
انظر مواضع ذكره في تراجم شيوخه من تهذيب الكمال للحافظ المزي:
أحمد ابن أبي بكر الزهري راوي الموطأ عن مالك [1/ 280] ، بكر بن عبد الوهاب ابن أخت الواقدي [4/ 221] ، الزبير بن بكار [9/ 296] ، هارون بن موسى الفروي [30/ 115] .
قوله: «ثنا بكر بن عبد الوهاب» :
هو ابن محمد بن الوليد بن نجيح المدني، الحافظ الصدوق، ابن أخت محمد بن عمر الواقدي، ومن شيوخ ابن ماجه، قال أبو حاتم: صدوق، سمعت أحمد بن صالح أثنى عليه خيرا. -(2/379)
حدثني عيسى بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، ...
- تهذيب الكمال [4/ 220] ، تهذيب التهذيب [1/ 425] ، الكاشف [1/ 108] ، التقريب [/ 127] : الترجمة رقم 745.
قوله: «حدثني عيسى بن عبد الله» :
هو ابن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل [6/ 280] ، نقل عن أبيه قوله: لم يكن بقوي الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، مع أنه قال في المجروحين: يروي عن آبائه أشياء موضوعة، وقال الدارقطني: متروك الحديث.
الجرح والتعديل [6/ 280] ، الثقات [8/ 492] ، الميزان [4/ 235] ، المجروحين [2/ 122] ، اللسان [4/ 399] .
قوله: «عن أبيه» :
هو عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب القرشي، الهاشمي، أبو محمد المدني، من رجال أبي داود والنسائي، قال ابن المديني: وسط، ووثقه ابن حبان والدارقطني وابن خلفون والذهبي، وقال ابن حجر في التقريب: مقبول!
تهذيب الكمال [16/ 93] ، تهذيب التهذيب [6/ 16] ، الكاشف [2/ 114] ، الثقات [7/ 1- 2] ، التقريب [/ 321] : الترجمة رقم 3595، الميزان [3/ 198] .
قوله: «عن جده» :
هو محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب القرشي، الهاشمي، أبو عبد الله المدني، أحد المقلين، من رجال الأربعة، قال الذهبي في الميزان:
ما علمت به بأسا، ولا رأيت لهم فيه كلاما، وقد روى له أصحاب السنن الأربعة فما استنكر له حديث، ووثقه في الكاشف، وقال ابن حجر:
صدوق. -(2/380)
عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم: هو مسجد قباء، قال الله جلت عظمته: فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ.
- تهذيب الكمال [26/ 172] ، تهذيب التهذيب [9/ 321] ، الكاشف [3/ 73] ، الميزان [5/ 114] ، طبقات ابن سعد الثقات [5/ 353] ، التقريب الترجمة رقم 6170.
قوله: «عن أمير المؤمنين» :
مع كون الرواية منقطعة وضعيفه الإسناد إلا أن هذا هو قول الجمهور، لرواية البخاري المتقدمة ولظاهر قوله تعالى: فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا الآية، إذ لا خلاف أنها نزلت في أهل قباء، ولا ينافي هذا ما صح عنه صلى الله عليه وسلم عند مسلم وغيره، من حديث أبي سعيد الخدري قال:
دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائه، فقلت: يا رسول الله أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفا من حصباء فضرب به الأرض ثم قال: هو مسجدكم هذا، أخرجه مسلم.
قال الحافظ في الفتح: السر في جوابه صلى الله عليه وسلم هذا رفع توهم أن ذلك خاص بمسجد قباء، قال: والجمهور على أن المراد به مسجد قباء لظاهر الآية، قال الداوودي وغيره: ليس هذا اختلافا لأن كلا منهما أسس على التقوى، قال: وكذا قال السهيلي، وزاد غيره: إن قوله تعالى: مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ، يقتضي أن يكون مسجد قباء لأن تأسيسه كان في أول يوم حل النبي صلى الله عليه وسلم بدار الهجرة، والله أعلم. اه.
والحديث أورده العلامة السمهودي في الوفا [2/ 799] ، قال: أخرجه يحيى بن الحسين- عمدة المصنف في الباب، فهو موصول عنه بالإسناد الماضي إليه في أخبار المدينة- ثم ذكر السمهودي إسناده فوهم في ترجمة عيسى بن عبد الله فجعل جده مالكا وقال: مالك يروي عن علي وابن عمر وهو شيخ مقبول!.(2/381)
577- وعن عروة قال: المسجد الذي أسس على التقوى مسجد عمرو بن عوف.
578- وبه قال عطاء.
(577) - قوله: «وعن عروة» :
أخرج الطبراني في معجمه الكبير [5/ 137] رقم 4828، من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن زيد بن ثابت في المسجد الذي أسس على التقوى: مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عروة: مسجد النبي صلى الله عليه وسلم خير منه، إنما أنزلت في مسجد قباء، إسناده صحيح.
وأخرج ابن سعد في الطبقات [1/ 244] ، من حديث أبي كدينة، عن هشام بن عروة، عن أبيه في قوله تعالى: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى الآية، قال: مسجد قباء، تابعه الزهري، عن عروة، أخرجه ابن جرير [11/ 28] .
(578) - قوله: «وبه قال عطاء» :
وهو قول ابن عباس أيضا، أخرجه ابن جرير في تفسيره من طريقين [11/ 27] ، ابن أبي حاتم [6/ 1881] رقم 10076.(2/382)
[120- باب ما جاء في بناء مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم]
120- باب ما جاء في بناء مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم 579- أخبرنا أبو الحسين يحيى بن الحسين المطلبي رضي الله عنه إمام مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أخبرنا أبو عثمان محمد بن عثمان العثماني، ثنا أبو القاسم طاهر بن يحيى بن الحسين قال: حدثني أبي، قال: حدثني الزبير بن بكار قال: حدثني محمد بن الحسن، قال: ...
(579) - قوله: «حدثني الزبير بن بكار» :
هو ابن مصعب الزبيري، العلامة الحافظ، قاضي مكة وعالمها، الإخباري الثبت: أبو عبد الله المدني، المكي، قال الخطيب: كان ثقة ثبتا عالما بالنسب وأخبار المتقدمين، له مصنف في نسب قريش. وانظر أخباره في:
تهذيب الكمال [9/ 293] ، سير أعلام النبلاء [12/ 311] ، الجرح والتعديل [3/ 585] ، وفيات الأعيان [2/ 311] ، تذكرة الحفاظ [2/ 528] ، العقد الثمين [4/ 427] ، مرآة الجنان [2/ 167] ، تهذيب التهذيب [3/ 269] ، الكاشف [1/ 248] ، التقريب [/ 214] الترجمة رقم 1991.
قوله: «حدثني محمد بن الحسن» :
هو ابن زبالة القرشي، المخزومي، المدني، صاحب تاريخ المدينة، وأحد المضعفين في الحديث، بل اتهمه أحمد بن صالح بالوضع، وابن معين بسرقة الحديث، ووهاه أبو حاتم وقال: وليس بمتروك. انظر عنه في:
تهذيب الكمال [25/ 60] ، تهذيب التهذيب [9/ 101] ، الكاشف [3/ 29] ، الميزان [4/ 434] ، التقريب [/ 474] الترجمة رقم 5815، الكامل لابن عدي [6/ 2180] ، ضعفاء أبي نعيم، الترجمة رقم 218، المجروحين-(2/383)
حدثني عبد العزيز بن محمد، عن موسى بن عقبة، عن مجمع بن يزيد قال: بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده ثمامات وخشبات، فطفق هو وأصحابه ينقلون اللبن ويقولون:
هذا الحمال لا حمال خيبر ... هذا أبر ربنا وأطهر
- لابن حبان [2/ 274] ، المغني [2/ 569] ، الديوان [2/ 290] .
قوله: «حدثني عبد العزيز بن محمد» :
هو الدراوردي الحافظ الصدوق: أبو محمد الجهني مولاهم، المدني، من رجال الجماعة، وقرنه البخاري بآخر تثبيتا له، فعن الإمام أحمد: أنه كان إذا حدث من حفظه يهم. وانظر عنه في:
سير أعلام النبلاء [8/ 366] ، تهذيب الكمال [18/ 187] ، تهذيب التهذيب [6/ 315] ، الكاشف [2/ 178] ، التقريب [/ 358] الترجمة رقم 4119، التاريخ الكبير [6/ 25] ، الجرح والتعديل [5/ 395] ، الميزان [3/ 347] ، تذكرة الحفاظ [1/ 269] .
قوله: «بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده ثمامات وخشبات» :
اقتصر الحافظ في الفتح [7/ 291] من هذه الرواية على ذكر الأبيات، وعزاها للزبير بن بكار من هذا الوجه، وأشار السمهودي في الوفا [2/ 329] إلى أنها من طريق ابن زبالة.
وأخرج ابن النجار سياق بناء مسجده صلى الله عليه وسلم وفيه: فقالوا: يا رسول الله، لو أمرت بالمسجد فطين، فقال: عريش كعريش موسى، ثمام وخشبات والأمر أعجل من ذلك» ، وقد تقدم قريبا عزو قصة البناء للبخاري من حديث الزهري، عن عروة في قصة هجرته صلى الله عليه وسلم من مكة وقدومه المدينة.
والثمام: ما يبس من الأغصان، والثمام أيضا: شجر يصلح به سقف البيت، يقال: بيت مثموم، أي: مغطى بالثمام.(2/384)
ويقول صلى الله عليه وسلم: اللهمّ لا خير إلّا خير الآخرة، فارحم الأنصار والمهاجرة.
580- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم فقال قائل من المسلمين:
لئن قعدنا والنبي يعمل ... ذاك إذا العمل المضلل
581- وكان المسجد مربدا لسهل وسهيل، غلامين يتيمين، فاشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهما، فتركا الثمن، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبل منهما حتى وفر عليهما الثمن.
582- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل اللبن ويقول:
اللهمّ لا عيش إلّا عيش الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة
فلقيه أسيد بن حضير فقال: اعطنيه يا رسول الله، قال: اذهب فاحمل أنت، فلست بأفقر مني إلى الله.
(581) - قوله: «وكان المسجد مربدا لسهل وسهيل» :
تقدم عزو القصة للبخاري من حديث الزهري، عن عروة.
وأخرجا سياق مقدمه صلى الله عليه وسلم وبنائه المسجد أيضا من حديث أبي التياح، عن أنس.
أخرجه البخاري في صحيحه ففرقه: في الصلاة، باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد وفي الوصايا، باب إذا وقفت جماعة أرضا مشاعا فهو جائز وفي باب إذا قال الواقف: لا نطلب ثمنه إلّا إلى الله، وأخرجه في مناقب الأنصار، باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة.
وأخرجه مسلم في المساجد، باب ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
وانظر ألفاظه الأخرى وطرقه في:
طبقات ابن سعد [1/ 239] ، سيرة ابن هشام [1/ 496] ، تاريخ المدينة لابن النجار [/ 67] .(2/385)
583- ولما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بناءه قيل له: عريش كعريش موسى سبعة أذرع- فقال صلى الله عليه وسلم: ثمام وخشبات، إن الأمر أعجل من ذلك- وظلة كظلة موسى، فقيل: وما ظلة موسى؟ قال: إذا قام أصاب رأسه السقف.
قوله: «فلست بأفقر مني» :
للأجر والثواب، أخرجه طاهر بن يحيى، عن أبيه في أخبار المدينة له- عمدة المصنف في هذا الباب، فهو موصول عن المصنف بإسناده إليه-، من طريق أسامة بن زيد، عن أبيه، أفاده السمهودي في الوفا [1/ 333] ، وعزاه أيضا لرزين.
وأخرج الطبراني في معجمه الكبير [17/ 317، 318] رقم 801، 802 من حديث الشموس بنت النعمان قالت: نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة ونزل وأسس هذا المسجد- مسجد قباء-، فرأيته يأخذ الحجر أو الصخرة حتى يهصره الحجر، وأنظر إلى بياض التراب على بطنه وسرته، فيأتي الرجل من أصحابه ويقول: بأبي وأمي يا رسول الله أعطني كفك، فيقول: لا، خذ حجرا مثله ... الحديث.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد [4/ 11] : رجاله ثقات.
قلت: فيه غير إشكال، يأتي بيانه عند الكلام على تحويل القبلة.
قوله: «فقيل: وما ظلة» :
السائل هو: إسماعيل بن مسلم، وفاعل قال هو: الحسن البصري، والحديث مرسل، أخرجه طاهر بن يحيى، عن أبيه في أخبار المدينة له- عمدة المصنف في هذا الباب كما سترى، فهو موصول عنه بإسناده إليه- عزاه ليحيى بن الحسين: السمهودي في الوفا [1/ 326- 327] .
وأخرجه أيضا: البيهقي في الدلائل [2/ 541- 542] ، وابن النجار في تاريخه [/ 70] .(2/386)
.........
- تابعه أيوب عن الحسن، أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف [1/ 309] .
وفي الباب عن أبي بن كعب، وأبي الدرداء، وابن سمعان، ومكحول، وراشد بن سعد.
أما حديث أبي بن كعب وأبي الدرداء: أخرجه الحافظ عبد الرزاق في المصنف [3/ 154] رقم 5135 من حديث ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان عنهما:
أنهما ذرعا المسجد ثم أتيا النبي صلى الله عليه وسلم بالذراع فقال: بل عريش كعريش موسى: ثمام وخشبات، فالأمر أعجل من ذلك.
قال سفيان: وبلغنا أن عريش موسى إذا قام مس رأسه، أخرجه أيضا ابن زبالة- كما في وفا السمهودي [1/ 339]- وصورة شطره الأخير- وهو قول سفيان- صورة المرفوع، والأشبه ما تقدم.
وأخرج الحافظ عبد الرزاق أيضا برقم 5130 من حديث ابن سمعان قال: بلغني أنه أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن اتخذ مسجدا: عرشا كعرش موسى، يبلغ ذراعا في السماء.
وأما حديث مكحول: فأخرج طاهر بن يحيى، عن أبيه في أخبار المدينة- كما في وفا السمهودي [1/ 333] ، عن مكحول قوله: لما كثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: اجعل لنا مسجدا، فقال: خشبات وثمامات، عريش كعريش أخي موسى، الأمر أعجل من ذلك.
وأما حديث راشد بن سعد: فأخرجه الجندي في فضائل المدينة برقم 47، قال راشد بن سعد: وجد النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة وأصحابا له معهم قصبة أو جريدة وهم يمسحون بها المسجد، فقال عبد الله بن رواحة:
يا رسول الله لو بنينا مسجدنا هذا على بناء مسجد الشام، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الجريد أو القصبة وهجل بها- يعني: رمى بها- وقال: خشيبات وثمام، وعريش كعريش موسى، والأمر أعجل من ذلك.
كثرة طرقه وألفاظه تدل على وجود أصل له في هذا، والله أعلم، وسيأتي في التعليق بعد هذا من حديث عبادة بن الصامت.(2/387)
[121- فصل: ذكر توسعة مسجده صلى الله عليه وسلم وزيادته وبنائه البناء الثّاني بعد خيبر، وما وقع فيه من دلائل نبوّته صلى الله عليه وسلم]
121- فصل:
ذكر توسعة مسجده صلى الله عليه وسلم وزيادته وبنائه البناء الثّاني بعد خيبر، وما وقع فيه من دلائل نبوّته صلى الله عليه وسلم 584- قال: ثم إن المسلمين كثروا، فقيل له: يا رسول الله لو أمرت نزيد فيه؟ فقال: نعم، فأمر فزيد فيه.
ثم اشتد عليهم الحر، فقيل: يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فظلل؟ فقال: نعم، فأمر به فأقيمت فيه السواري، وطرحت عليه خصف الأوادي وإذخره، فقيل له لما أصابهم المطر وجعل المسجد يكف عليهم: لو أمرت بتطيينه؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، عريش كعريش موسى.
(584) - قوله: «ثم إن المسلمين كثروا» :
هو في أخبار المدينة ليحيى بن الحسين- عمدة المصنف في هذا، فهو مسند عنه بالإسناد الماضي برقم: 579-، أفاده السمهودي في الوفا [1/ 335] ، فقال: أخرجه من حديث جعفر بن محمد، عن أبيه، وعزاه أيضا لابن زبالة في تاريخه، ولرزين أيضا.
وأخرج البيهقي في الدلائل [2/ 542] من حديث يعلى بن شداد، عن عبادة بن الصامت: أن الأنصار جمعوا مالا فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ابن لنا هذا المسجد وزينه، إلى متى نصلي تحت هذا الجريد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بي رغبة عن أخي موسى، عريش كعريش موسى، قال ابن كثير في تاريخه [3/ 215] : غريب من هذا الوجه.(2/388)
585- وقال صلى الله عليه وسلم: ما أمرت بتشييد المساجد.
586- قال: فلم يزل كذلك حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان جداره- قبل أن يظلل- قدر قامة، وبنى صلى الله عليه وسلم بيتين لزوجتين.
(585) - قوله: «ما أمرت بتشييد المساجد» :
علقه البخاري في الصلاة من صحيحه، باب بنيان المسجد، عقب حديث رقم 445، للاختلاف في رفعه ووقفه عن ابن عباس.
أخرج المرفوع منه: الحافظ عبد الرزاق في المصنف [3/ 152] رقم 5172، وأبو داود في الصلاة برقم 448، ومن طريقه البغوي في شرح السنة برقم 463، والبيهقي في السنن الكبرى [2/ 438- 439] ، والطبراني في معجمه الكبير الأرقام: 13000، 13001، 13002، 13003 وصححه ابن حبان برقم 1615- إحسان.
وأخرجه الحافظ ابن أبي شيبة في المصنف [1/ 309] عن ابن عباس موقوفا عليه من قوله.
(586) - قوله: «وبنى بيتين لزوجتين» :
هو في تاريخ يحيى بن الحسين- عمدة المصنف في هذا الباب، فهو مسند عنه بالإسناد الماضي-، من حديث عبد العزيز بن عمر، عن يزيد بن السائب، عن خارجة بن زيد بن ثابت قال: بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده سبعين في ستين ذراعا- أو: يزيد-، ولبّن لبنه من بقيع الخبخبة، وجعله جدارا، وجعل سواريه خشبا شقة شقة، وجعل وسطه رحبة، قال: وبنى بيتين لزوجتيه. وفا السمهودي [1/ 334] .
وأخرجه ابن النجار في أخبار المدينة معلقا [/ 73] ، وسمى الزوجتين:
عائشة وسودة رضي الله عنهما، وذكر أن البناء على نعت بناء المسجد، من لبن وجريد النخل.
وانظر تمام حديث خارجة في الباب الآتي عند الكلام على موضع الخبخبة.(2/389)
587- قال: وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقلون لبنة لبنة، وعمار بن ياسر يحمل لبنتين، لبنة لنفسه، ولبنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام إليه النبي صلى الله عليه وسلم ومسح ظهره فقال: يا ابن سمية لك أجران وللناس أجر، وآخر زادك شربة من لبن، وتقتلك الفئة الباغية.
588- وقال صلى الله عليه وسلم: إنّ عمّار بن ياسر جلدة ما بين عيني وأنفي- ووضع يده بين عينيه-، وذلك حين بلغه خشونة بين عمار وبين بعض الصحابة، فاجتمعت الصحابة وقالوا: يا عمار إن رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب عليك، ونخاف أن ينزل فيك القرآن، فقال: أنا أرضيه كما غضب، فأتاه فقال: يا رسول الله ما لي ولأصحابك، قال: ما لك ولهم، قال: (587) - قوله: «وعمار بن ياسر يحمل لبنتين» :
هو بهذا السياق عند الحافظ عبد الرزاق في المصنف [11/ 240] رقم 20426، ومن طريقه البيهقي في الدلائل [2/ 550] من حديث معمر عمن سمع الحسن يحدث عن أم سلمة.
وهو في السيرة لابن إسحاق [1/ 496- 497- ابن هشام] .
(588) - قوله: «ما بين عيني وأنفي» :
أخرجه بطوله يحيى بن الحسين في أخبار المدينة له- كما في الوفا للسمهودي [1/ 330] ، فهو مسند عن المصنف بالإسناد الماضي، ورواه ابن إسحاق في السيرة وزاد: فإذا بلغ ذلك من الرجل فلم يستبق فاجتنبوه.
[1/ 497- ابن هشام] .
قوله: «وبين بعض الصحابة» :
قال ابن هشام: وقد سمى ابن إسحاق الرجل، اه. وقال السهيلي في الروض: كره ابن هشام أن يسميه كي لا يذكر أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكروه قال: فلا ينبغي أبدا البحث عنه.(2/390)
يريدون قتلي، يحملون لبنة لبنة، ويحملون عليّ اللبنتين والثلاث، فأخذ بيده صلى الله عليه وسلم ورضي فقال: تقتلك الفئة الباغية.
وقيل: إن الكلام يبن عمار بن ياسر وبين خالد بن الوليد.
قوله: «وبين خالد بن الوليد» :
يعني للرواية الآتية في فضائله رضي الله عنه خرجناها هناك، لكن قال أبو ذر: قد سمى ابن إسحاق الرجل فقال: وهذا الرجل هو عثمان بن عفان، وفي مواهب القسطلاني أنه عثمان بن مظعون!! وهو بعيد.(2/391)
[122- فصل: ذكر مؤاخاة النّبيّ صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار حين قدم المدينة]
122- فصل:
ذكر مؤاخاة النّبيّ صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار حين قدم المدينة 589- وعن سعيد بن عامر الجمحي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: يا أبا بكر تعال، ويا عمر تعال، إني أمرت أن أؤاخي قوله: «ذكر مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم»
قال ابن سعد في الطبقات [1/ 238] : أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا محمد بن عبد الله، عن الزهري.
قال: وحدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه.
قال: وحدثنا عبد الرحمن ابن أبي الزناد عن إبراهيم بن يحيى بن زيد بن ثابت.
قال: وحدثنا موسى بن ضمرة بن سعيد، عن أبيه، قالوا: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة آخى بين المهاجرين بعضهم لبعض، وآخى بين المهاجرين والأنصار، آخى بينهم على الحق والمؤاساة ويتوارثون بعد الممات دون ذوي الأرحام، وكانوا تسعين رجلا، خمسة وأربعون من المهاجرين، وخمسة وأربعون من الأنصار، ويقال: كانوا مائة، خمسون من المهاجرين، وخمسون من الأنصار، وكان ذلك قبل بدر، فلما كانت وقعة بدر وأنزل الله تعالى: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، فنسخت هذه الآية ما كان قبلها، وانقطعت المؤاخاة في الميراث، ورجع كل إنسان إلى نسبه وورثه ذوو رحمه.
أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا حماد بن سلمة، عن عاصم الأحول، عن أنس ابن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حالف بين المهاجرين والأنصار في دار أنس. -(2/392)
بينكما بما أنزل عليّ من السماء، أنتما أخوان في الدنيا، وأخوان في الجنة، فليسلم كل واحد منكما على صاحبه وليصافحه، فأخذ أبو بكر بيد عمر، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا بكر تكون قبله، وتموت قبله.
ثم قال: يا زبير ويا طلحة تعالا أؤاخي بينكما، أنتما أخوان في الدنيا، وأخوان في الجنة، فليسلم كل واحد منكما على صاحبه وليصافحه، ففعلا.
ثم قال لأبيّ عبيدة بن الجراح ولسالم مولى أبي حذيفة مثل ذلك، ففعلا.
ثم قال لأبي بن كعب ولابن مسعود مثل ذلك، ففعلا.
ثم قال لمعاذ ولثوبان مثل ذلك، ففعلا.
ثم قال لأبي طلحة ولبلال مثل ذلك، ففعلا.
ثم قال لأبي الدرداء وسلمان مثل ذلك، ففعلا.
ثم قال لسعد بن أبي وقاص ولصهيب مثل ذلك، ففعلا.
ثم قال لأبي ذر ولهلال- مولى المغيرة بن شعبة- مثل ذلك، ففعلا.
ثم قال لأبي أيوب الأنصاري ولعبد الله بن سلام مثل، ففعلا.
- قال غير واحد من أهل السير والمغازي: كانت هذه المؤاخاة في السنة الأولى بعد مقدمه صلى الله عليه وسلم المدينة بخمسة أشهر، وقيل: ثمانية وهو يبني المسجد، وقيل: قبله، وقيل: بعده.(2/393)
ثم قال صلى الله عليه وسلم لأبي هند وأسامة- وكان أبو هند حجاما، حجم النبي صلى الله عليه وسلم فشرب دمه من حبه- فقال لهما مثل ذلك، ففعلا.
قال: فالتفت عبد الرحمن بن عوف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنهما فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، هلكنا، ما لنا لا يلتفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ نعوذ بالله من مقته، وموجدة رسوله، فالتفت إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: والله ما الله لكما بماقت، ولا رسوله عليكما بواجد، إنكما لتكرمان على الله ورسوله وعلى ملائكته، ولكن كلما أردت أن أدعوكما نهاني الملك الذي نزل بهذا الأمر من عند الله عزّ وجلّ فقال: أخرهما فإنهما غنيان، فلذلك أخرتكما، وكذلك يحاسب الناس يوم القيامة، يعجل حساب الفقراء، ويؤخر حساب الأغنياء وهم في الحبس الشديد، وأنتما أخوان في الدنيا، وأخوان في الجنة، فليسلم كل واحد منكما على صاحبه، ففعلا، ثم قال صلى الله عليه وسلم: أرضيتما؟، قالا: نعم، فالحمد لله الذي لم يفضحنا، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ألا أزيدكما؟، قالا: بلى يا رسول الله، فقال: فأنتما أخوان في هذه الدنيا وأخوان في الجنة كأخي إلياس ومؤمن آل ياسين، إن إلياس كان أحب الناس إلى مؤمن آل ياسين، فبعث الله جبريل إلى إلياس: إن الله قد آخى بينك وبين عبده المقتول ظلما، فأنا أشهد الله، فأشهدكم أني قوله: «لأبي هند وأسامة» :
وفي المطبوع من تاريخ ابن عساكر: ثم قال صلى الله عليه وسلم: يا أخي أسامة تعال، ويا هند- كذا- تعال.
قوله: «ومؤمن آل ياسين» :
وفي رواية ابن عساكر: ومؤمن فرعون آل ياسين.(2/394)
قد آخيتكما جميعا في هذه الدار وفي الدار الآخرة، فأنتم خير الناس اليوم» .
وقال صلى الله عليه وسلم: وأمرت أن أؤاخي بين فاطمة بنت محمد وأم سليم، هنيئا لأم سليم بلطفها برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرت أن أؤاخي بين عائشة بنت أبي بكر وبين امرأة أبي أيوب الأنصاري، ألا جزى الله آل أبي طلحة وآل أبي أيوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا.
قوله: «فأنتم خير الناس اليوم» :
وفي رواية ابن عساكر: فأنتم خير الناس مأدبة وموالي.
قوله: «وآل أبي أيوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا» :
وفي رواية ابن عساكر: وآل أبي أيوب كما صلى على محمد وآل إبراهيم، أخرجه بطوله في ترجمة زيد بن سهل بن الأسود [19/ 416- 418] بإسناده إلى أبي الفضل: رزق الله بن موسى: أنا شبابة بن سوار، أنا جعفر بن مرزوق الباهلي، عن عتاب بن بشير، عن عبد الرحمن بن سابط المخزومي عن سعد- أو: سعيد- بن عامر الجمحي به مرفوعا.
تابعه الحسن بن علي، عن شبابة، أخرجه ابن أبي عاصم في السنة برقم 1165، مختصرا، مقتصرا منه على المؤاخاة بين أبي بكر وعمر.
وجعفر بن مرزوق الباهلي إن كان هو المدائني الذي يروي عن الأعمش فقد جهله أبو حاتم، وقال العقيلي: منكر الحديث.
وعلقه تبعا للمصنف: الحافظ أبو حفص الموصلي في الوسيلة [5- ق 2/ 295- 296] ، وهو في ثقات ابن حبان [1/ 139- 142] .(2/395)
[123- باب ما جاء في تحويل القبلة]
123- باب ما جاء في تحويل القبلة 590- أخبرنا أبو الحسين: يحيى بن الحسين المطلبي نضّر الله وجهه، إمام مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أخبرنا العثماني، ثنا أبو القاسم: طاهر بن يحيى العلوي قال: حدثني أبي، ثنا أبو مصعب: أحمد بن أبي بكر الزهري، ثنا مالك، عن يحيى بن (590) - قوله: «أخبرنا العثماني» :
هو أبو عثمان: محمد بن عثمان العثماني، تقدم.
قوله: «أحمد بن أبي بكر الزهري» :
واسم أبي بكر: القاسم بن الحارث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف القرشي، الإمام الحافظ الثقة، من جلة أصحاب مالك، قال الخليلي في الإرشاد: آخر ما روي عن مالك موطأ أبي مصعب. اه. وهو أحد شيوخ البخاري ومسلم في الصحيح، وروى عنه الحافظان أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان، اتفق على توثيقه والاحتجاج به. انظر عنه في:
تهذيب الكمال [1/ 278] ، التاريخ الكبير [2/ 5- 6] ، الجرح والتعديل [2/ 43] ، الثقات لابن حبان [8/ 21] ، إكمال مغلطاي [1/ 28] ، تهذيب التهذيب [1/ 17] ، الكاشف [1/ 14] ، التقريب [/ 78] الترجمة رقم 17، وسير أعلام النبلاء [11/ 436] ، تذكرة الحفاظ [2/ 60] ، الوافي بالوفيات [6/ 269] ، العبر [1/ 436] .
قوله: «ثنا مالك» :
هو في الموطأ برواية أبي مصعب [1/ 215] رقم 547 هكذا مرسلا، -(2/396)
سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه كان يقول: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قدم المدينة نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم حولت القبلة.
قال أبو سعد صاحب الكتاب أعانه الله على طاعته: أول ما صلّيت الجمعة ...
- وهكذا هو في روايات الموطأ الأخرى، وهو موافق لما رواه الشيخان من حديث أبي إسحاق السبيعي عن البراء الآتي في باب شرفه صلى الله عليه وسلم في القرآن.
قال ابن عبد البر في التمهيد [23/ 134] : هكذا هذا الحديث في الموطأ مرسلا، ورواه عبد الرحمن بن خالد بن نجيح- وهو ضعيف- عن محمد بن خالد بن عثمة، عن مالك فأسنده عن أبي هريرة. اه باختصار.
قوله: «أول ما صليت الجمعة» :
لا أدري هل مراده التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة أو أول جمعة صليت فيها قبل قدومه؟؟ ظاهر السياق أن المراد: الأول، وقد أخرج يحيى بن الحسين- معوّل المصنف في الباب- كما في وفا السمهودي [1/ 256]-:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما شخص- يعني: من قباء- اجتمعت بنو عمرو بن عوف فقالوا: يا رسول الله أخرجت ملالا لنا أم تريد دارا خيرا من دارنا؟
قال: إني أمرت بقرية تأكل القرى، فخلوها- أي: ناقته- فإنها مأمورة، فخرج صلى الله عليه وسلم من قباء، فعرض له قبائل الأنصار كلهم يدعوه ويعدوه النصرة والمنعة فيقول: خلوها فإنها مأمورة، حتى أدركته الجمعة في بني سالم، فصلى في بطن الوادي الجمعة- وادي ذي صلب- قال السمهودي: قيل:
كانت هذه أول جمعة صلاها صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وقيل: إنه كان يصلي الجمعة في مسجد قباء في إقامته هناك. اه.
قلت: هذا إن ثبت أنه أقام أكثر مما تقدم ذكره من الأقوال، ومما يؤيد أن الجمعة التي صلاها صلى الله عليه وسلم في مسجد بني سالم هي أول جمعة له بالمدينة-(2/397)
.........
- ما رواه الزبير بن بكار- كما في الدر المنثور [8/ 160] من حديث ابن شهاب قال: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة من قباء فمر على بني سالم فصلى فيهم الجمعة ببني سالم- وهو المسجد الذي في بطن الوادي-، وكانت أول جمعة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، علقه ابن إسحاق في السيرة [1/ 494- ابن هشام] .
وأخرج ابن شبة في تاريخ المدينة [1/ 68] من حديث كعب بن عجرة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم جمّع في أول جمعة حين قدم المدينة في مسجد بني سالم، مسجد عاتكة.
وأخرج من حديث ابن أبي فديك عن غير واحد من أهل العلم ممن نثق به من أهل البلد: أن أول جمعة جمعها النبي صلى الله عليه وسلم حين أقبل من قباء في مسجد بني سالم الذي يقال له: مسجد عاتكة.
وأخرج أبو داود في الصلاة برقم 1069، وابن ماجه في الجمعة برقم 1082، من حديث عبد الرحمن ابن كعب، عن أبيه: أنه كان إذا خرج إلى الجمعة فسمع الأذان استغفر لأبي أمامة أسعد بن زرارة ودعا له، فمكثت حينا أسمع ذلك منه، ثم قلت في نفسي إن ذا لعجز، إني أسمعه كلما سمع النداء يستغفر لأبي أمامة ويصلي عليه ولا أسأله عن ذلك، لم هو؟ فخرجت به كما كنت أخرج به إلى الجمعة، فلما سمع الأذان استغفر كما كان يفعل، فقلت له: يا أبتاه، أرأيتك صلاتك على أسعد بن زرارة كلما سمعت النداء بالجمعة، لم هو؟ قال: أي بني، كان أول من صلى بنا صلاة الجمعة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم من مكة في نقيع الخضمات في هزم من حرة بني بياضة، قلت: كم كنتم يومئذ؟ قال: أربعين رجلا، صححه ابن حبان.
وأخرج الدارقطني- كما في الدر المنثور [8/ 159]- عن ابن عباس قال:
أذن النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة قبل أن يهاجر، ولم يستطع أن يجمع بمكة، فكتب إلى مصعب بن عمير: أما بعد، فانظر اليوم الذي تجهر فيه بالزبور فاجمعوا-(2/398)
ببقيع الخبخبة وهو فوق بقيع الغرقد.
591- قال: فصلى بعد أن قدم المدينة نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا- وقيل: سبعة عشر- ثم حولت القبلة بعد بدر بشهرين.
- نساءكم وأبناءكم، فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة فتقربوا إلى الله بركعتين، قال: فهو أول من جمع، حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم فجمع بعد الزوال من الظهر وأظهر ذلك، يؤيده رواية أبي مسعود الأنصاري عند الطبراني في الكبير [17/ 267] رقم 733 لكن في إسناده صالح ابن أبي الأخضر، قال الهيثمي: وفيه كلام.
قوله: «ببقيع الخبخبة» :
هذا الموضع له ذكر في سنن أبي داود في آخر كتاب الخراج والامارة، قبيل الجنائز، باب ما جاء في الركاز في حديث لضباعة بنت الزبير، وقد اختلف في ضبطه، فعند السهيلي أنه بجيمين، وعند ابن الأثير في النهاية بخائين معجمتين بينهما موحدة، وعند المجد الفيروز آبادي في المغانم أن الأولى بالخاء المعجمة والثانية بالجيم الموحدة بينهما، ولم يختلفوا أنه شجر ينبت هناك.
أما موضعه ففي حديث عبد العزيز بن عمر المتقدم في بناء المسجد النبوي قال: سألت زيدا: أين بقيع الخبخبة؟ قال: بين بئر أبي أيوب وتلك الناحية، ثم سئل عبد العزيز عنه فقال: يسار بقيع الغرقد حين تقطع الطريق وتلقاها عند مسجد يحيى، قيل: ومن يحيى؟ قال: يحيى بن طلحة بن عبيد الله، ذكره السمهودي وقال: بقيع الخبخبة لا يعرف اليوم، كما ذكره شيخنا المراغي، ثم حكى موضعه على التقريب والاحتمال.
(591) - قوله: «قال» :
يعني: ابن المسيب لما سيأتي.
قوله: «بعد بدر بشهرين» :
هكذا قال: «بعد» ولعله سبق قلم منه رحمه الله، فقد أخرج يحيى بن الحسين-(2/399)
592- قال ابن عباس رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وقف يصلي انتظر أمر الله عزّ وجلّ في القبلة حتى أنزل الله تعالى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها الآية.
- عمدة المصنف في الباب- الروايتين، وأشار إلى الثانية منهما هنا بقوله:
وقيل، وهما جميعا من حديث ابن المسيب.
فلفظ الأولى عن ابن المسيب: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قدم المدينة نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا، ثم حولت القبلة قبل بدر بشهرين.
وصله ابن فضيل، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب قال: سمعت سعد بن أبي وقاص يقول.. فذكره، أخرجه البيهقي في الدلائل [2/ 574] .
ولفظ الثانية عن ابن المسيب: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس سبعة عشر شهرا، وصرفت القبلة قبل بدر بشهرين، والثبت عندنا أنها صرفت في الظهر في مسجد القبلتين، أوردهما السمهودي رحمه الله في الوفا [1/ 361] ، وعليه فالأثران موصولان عن المصنف بالإسناد الماضي إلى يحيى بن الحسين في أخبار المدينة له.
(592) - قوله: «قال ابن عباس رضي الله عنه» :
هو بنحوه عند ابن مردويه في التفسير- كما في الدر المنثور [1/ 354]-، ورواه يحيى بن الحسين- وهو عمدة المصنف في هذا الباب فهو مسند عنه بالإسناد الماضي إليه- عن أبيه في أخبار المدينة، وسياقه هناك أطول منه، أورده السمهودي في الوفا [1/ 360] فقال: وأسند يحيى، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وقف يصلي انتظر أمر الله في القبلة، وكان يفعل أشياء مما لم يؤمر بها ولم ينه عنها من فعل أهل الكتاب، قال:
فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فأشار له جبريل: يا محمد صلّ إلى البيت، وصلى جبريل عليه السّلام إلى البيت، قال: فدار النبي صلى الله عليه وسلم إلى البيت، قال:
فأنزل الله تعالى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها إلى قوله تعالى: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ، قال: فقال المنافقون: حنّ-(2/400)
593- يقال: نزل جبريل عليه السّلام فرفع ما بينه وبين مكة من الجبال والحيطان، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الظهر وقد صلى البعض منها، فأشار جبريل عليه السّلام بالتوجه نحو ميزاب البيت فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
594- فقيل: لما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة نحو بيت المقدس رفع رأسه إلى السماء، فأنزل الله عزّ وجلّ: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ الآية، فأقام رهطا على زوايا المسجد لتعديل القبلة، - محمد إلى أرضه وقومه، وقال المشركون: أراد محمد أن يجعلنا له قبلة، وأن يجعلنا له وسيلة، وعرف أن ديننا أهدى من دينه، وقالت اليهود للمؤمنين: ما صرفكم إلى مكة وتركتم قبلة موسى ويعقوب والأنبياء؟ والله ما أنتم إلا تعبثون، وقال المؤمنون: لقد ذهب منا قوم ماتوا ما ندري أكنا نحن وهم على قبلة أم لا؟ فأنزل الله تعالى في ذلك: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ إلى قوله: إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ.
93 5- قوله: «نزل جبريل عليه السّلام» :
انظر ما قبله ...
94 5- قوله: «فقيل: لما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم» :
رواه يحيى بن الحسين في أخبار المدينة له- عمدة المصنف في هذا الباب، فهو مسند عنه بالإسناد الماضي إليه- من حديث ابن زبالة وغيره، عن الخليل بن عبد الله الأزدي- مستور-، عن رجل من الأنصار به، قاله السمهودي في الوفا [1/ 366] .
ورواه ابن النجار في تاريخه [/ 70] معلقا في سياق بناء مسجده صلى الله عليه وسلم بلفظه، وأخرجه أيضا الزبير بن بكار كما في الحجج المبينة [/ 53] .
وأخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة- كما في الحجج المبينة [/ 52]- ومن طريقه يحيى بن الحسين في أخبار المدينة- كما في وفا السمهودي [1/ 366] من حديث عبد الله بن نافع، عن داود بن قيس، -(2/401)
فأتاه جبريل عليه السّلام فقال: يا رسول الله، ضع القبلة وأنت تنظر إلى الكعبة، ثم قال بيده هكذا، فأماط كل جبل بينه وبين القبلة، فوضع تربيع المسجد وهو ينظر إلى الكعبة لا يحول دون نظره شيء.
فلما فرغ قال جبريل عليه السّلام بيده هكذا، فأعاد الجبال والشجر إلى حالها، وصارت القبلة إلى الميزاب، والله أعلم، وكفى به عليما.
- عن نافع بن جبير بن مطعم، قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
ما وضعت قبلة مسجدي هذا حتى رفعت إليّ الكعبة فوضعتها أؤمها.
وأسند يحيى بن الحسين، عن ابن عجلان قال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلة مسجده وجبريل قائم ينظر إلى الكعبة، ثم كشف له ما بينه وبينها، أخرجه الزبير بن بكار من طريق ابن زبالة، كلاهما في أخبار المدينة عن سليمان بن داود بن قيس، عن أبيه: أنه بلغه، الحجج المبينة [/ 53] .
قال السمهودي في الوفا [1/ 366] : وأسند العراقي في ذيله من طريق علي بن شاذان بسنده عن إبراهيم بن دينار، عن مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم قال: قال ابن عمر: وضع جبريل عليه السّلام القبلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، تفرد به عن مالك، قال السمهودي: قلت: وهو ثقة.
وفي البيان والتحصيل [17/ 129- 130] قال مالك: سمعت أن جبريل هو الذي أقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبلة المسجد- مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، مسجد المدينة-.
قال ابن رشد: يريد أنه أقام له قبلة المسجد، أي: أعلمه بحقيقة سمت القبلة، وأراه إياها حين حولت القبلة إلى الكعبة، فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاته إلى الكعبة، فقبلته قبالة الميزاب. اه.
باختصار.(2/402)
قال أبو سعد: فليس في الدنيا مسجد إلّا بالاجتهاد بني، إلّا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين.
قوله: «فليس في الدنيا مسجد إلّا بالاجتهاد بني» :
أي: تجاه القبلة، لا يعارض هذا ما أخرجه الطبراني في معجمه الكبير [17/ 317، 318] رقم 801، 802 من حديث الشموس بنت النعمان قالت: نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة ونزل وأسس هذا المسجد- مسجد قباء- فرأيته يأخذ الحجر أو الصخرة حتى يهصره الحجر، وأنظر إلى بياض التراب على بطنه وسرته، فيأتي الرجل من أصحابه ويقول: بأبي وأمي يا رسول الله أعطني أكفك. فيقول: لا، خذ حجرا مثله، حتى أسسه، ويقول: إن جبريل عليه السّلام هو يؤم الكعبة، قالت فكان يقال: إنه أقوم مسجد قبلة، قال الهيثمي في مجمع الزوائد [4/ 11] :
رجاله ثقات.
فقوله في الحديث مسجد قباء، أخشى أن يكون من تفسير الراوي لأن المشهور أن ذلك في مسجده صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ في الإصابة: استشكل ابن الأثير قوله في حديث شبابة: يؤم الكعبة، بأن القبلة حينئذ كانت إلى بيت المقدس ثم حولت إلى الكعبة بعد ذلك.
قال الحافظ: وخطر لي في جوابه أنه أطلق الكعبة وأراد القبلة- أو الكعبة على الحقيقة-، وإذا بين له جهتها كان إذا استدبرها استقبل بيت المقدس، وتكون النكتة فيه أنه سيحول إلى الكعبة فلا يحتاج إلى تقويم آخر. اه. كذا قال، وهذا إنما يتجه في البناء الأول قبل التحويل، والتخلص من الإشكال في حديث الشموس بأن يقال: قوله في الحديث: مسجد قباء: تفسير من أحد رواته مدرج في الحديث.
وإشكال آخر وهو تسمية السهيلي لراوية الحديث في الروض [2/ 247] بالشفاء بنت عبد الرحمن الأنصارية.(2/403)
595- قال: فصرفت القبلة يوم الاثنين للنصف من رجب على رأس سبعة عشر شهرا.
(595) - قوله: «فصرفت القبلة» :
فاعل قال هو: عمرو بن عوف، حديثه عند يحيى بن الحسين في أخبار المدينة- عمدة المصنف في الباب، فهو موصول عنه بالإسناد الماضي إليه-، من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عن أبيه، عن جده، وفا السمهودي [1/ 361] .
وطرفه الأول عند الطبراني في المعجم الكبير [17/ 18] رقم 17، والبزار في مسنده [1/ 210 كشف الأستار] رقم 417، ولفظه: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة فصلى نحو بيت المقدس سبعة عشر شهرا، ثم حولت إلى الكعبة، ضعفه الهيثمي في مجمع الزوائد [13/ 2] بكثير بن عبد الله.(2/404)
[124- باب: في فضل تربة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي المدينة، وتسمّى: طيبة]
124- باب:
في فضل تربة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي المدينة، وتسمّى: طيبة 596- حدثنا أبو الحسن: محمد بن علي بن سهل الماسرجسي الفقيه رحمه الله، ثنا أبو الوفاء: المؤمل بن الحسن بن عيسى بن (596) - قوله: «الماسرجسي الفقيه» :
العلّامة، شيخ الشافعية، ومن أصحاب الوجوه، قال الحاكم: كان أعرف الأصحاب بالمذهب وترتيبه، عقد مجلس النظر، ومجلس الإملاء فأملى زمانا.
وانظر أخباره في:
سير أعلام النبلاء [16/ 446] ، الوافي بالوفيات [4/ 115] ، وفيات الأعيان [4/ 202] ، طبقات الأسنوي [2/ 380] ، حسن المحاضرة [1/ 313] ، طبقات ابن هداية الله [/ 99] ، العبر [3/ 26] ، طبقات الشيرازي [/ 116] ، اللباب [3/ 148] ، الشذرات [3/ 235] ، تاريخ الإسلام [وفيات سنة 384- ص 85] ، مرآة الجنان [2/ 421] ، الأنساب [5/ 170] .
قوله: «المؤمل بن الحسن بن عيسى» :
وصفه الحافظ الذهبي في السير بالرئيس المحدث المتقن، صدر خراسان، ممن يضرب به المثل في الشجاعة والسخاء، أسلم أبوه على يد ابن المبارك، وهو خال أبي الحسن المتقدم. انظر أخباره في:
النجوم الزاهرة [3/ 231] ، سير أعلام النبلاء [15/ 21] ، العبر [2/ 177] ، الأنساب [5/ 169] ، تاريخ الإسلام [وفيات سنة 319- ص 592] ، تذكرة الحفاظ [3/ 803] ، الشذرات [2/ 483] .(2/405)
ماسرجس، ثنا عبد الله بن حمزة الزبيري قال: حدثني عبد الله- هو ابن نافع-، عن محمد بن عبد الرحمن بن ردّاد، عن يحيى بن سعيد، قوله: «ثنا عبد الله بن حمزة الزبيري» :
أخو إبراهيم بن حمزة، ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل [5/ 39] ، وقال: أدركته، توفي قبل قدومنا المدينة بأشهر، وذكره المزي في تلاميذ عبد الله بن نافع من تهذيبه [16/ 209] ، وأغرب الحافظ الهيثمي بقوله في مجمع الزوائد [2/ 157] : لم أجد من ترجمه.
قوله: «هو ابن نافع» :
الصائغ، المخزومي مولاهم، أبو محمد القرشي، المدني، من رجال الجماعة سوى البخاري، كان بارعا في الفقه، لزم مالكا، وروى عنه غرائب، وهو صدوق صحيح الكتاب، ليّن من قبل حفظه، كان إذا حدث من حفظه ربما أخطأ، فضعف من قبل ذلك.
تهذيب الكمال [16/ 208] ، تهذيب التهذيب [6/ 46- 47] ، الكاشف [2/ 121] ، الميزان [3/ 227] ، الجمع بين رجال الصحيحين [1/ 279] ، تهذيب الأسماء واللغات [1/ 291] ، سير أعلام النبلاء [10/ 371] ، طبقات ابن سعد [5/ 438] ، ترتيب المدارك [1/ 356] ، الثقات [8/ 348] .
قوله: «عن محمد بن عبد الرحمن بن رداد» :
المدني، من ولد ابن أم مكتوم، ذكره الذهبي في الميزان وقال: قال أبو حاتم: ليس بقوي، وقال أبو زرعة: لين، وقال ابن عدي: رواياته ليست محفوظة.
الميزان [5/ 69] ، اللسان [5/ 249] ، الكامل [6/ 2198] ، الجرح والتعديل [7/ 315] ، مجمع الزوائد [3/ 299، 5/ 324] .
قوله: «عن يحيى بن سعيد» :
الإمام الفقيه المشهور، أحد الأثبات، وعمرة بنت عبد الرحمن بن سعد-(2/406)
عن عمرة بنت عبد الرحمن: أن مروان بن الحكم خطب الناس بمكة، فذكر من فضلها، وما جعل الله فيها من الخير فأكثر- ورافع ابن خديج بجنب المنبر يسمع كلامه- فقام قائما فقال: يا أيها المتكلم، سمعتك ذكرت مكة، وذكرت فضلها فأطنبت، وهي كما قلت، ولم أسمعك ذكرت المدينة، وأشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المدينة أفضل من مكة.
- ابن زرارة، الأنصارية، التابعية، المدنية المشهورة، ممن أكثر عن عائشة رضي الله عنها.
قوله: «أفضل من مكة» :
كذا في روايتنا ورواية الجندي في فضائل المدينة برقم 12، وعند غيرهما:
خير من مكة، وهو الأشبه، أخرجه الطبراني في معجمه الكبير [4/ 343] رقم 4450، والدارقطني في الأفراد [3/ 63] رقم 2057، وابن عدي في الكامل [6/ 2198] .
وقد أعله ابن عدي، والدارقطني والهيثمي في مجمع الزوائد [3/ 299] بمحمد بن عبد الرحمن المتقدم، وقال الذهبي في الميزان: ليس بصحيح، وقد صح في مكة خلاف هذا. اه.
قال أبو عاصم: كأن الحفاظ ذهلوا عن دقيقة في الحديث، وهو أن مسلم بن الحجاج أخرج هذا الحديث بعينه في المناسك، باب فضل المدينة رقم 1361 (457) ، من طريق سليمان بن بلال، عن عتبة بن مسلم، عن نافع بن جبير: أن مروان بن الحكم ... الحديث، وفيه: فناداه رافع بن خديج فقال: ما لي أسمعك ذكرت مكة وأهلها وحرمتها، ولم تذكر المدينة وأهلها وحرمتها، وقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتيها، وذلك عندنا في أديم خولاني إن شئت أقرأتكه، قال: فسكت مروان ثم قال: قد سمعت بعض ذلك. -(2/407)
597- وعن أبي هريرة مسندا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة قال: اللهمّ إنك أخرجتني من أحب البلاد إليّ، فأسكني أحب البلاد إليك، فأسكنه الله عزّ وجلّ المدينة.
- فقد تأملنا المتن فوجدناه كما أخبر به ابن الردّاد لكن ليس فيه ذكر التفضيل، فالنكارة من هذه الناحية، وأصل المتن ثابت بدونها، والله أعلم.
ولتمام البحث انظر ما كتبناه تعليقا على حديثه صلى الله عليه وسلم عند خروجه من مكة وقوله: والله إنك لخير أرض الله، في كتابنا فتح المنان شرح مسند الحافظ عبد الله بن عبد الرحمن [9/ 200] تحت رقم 2669.
(597) - قوله: «وعن أبي هريرة مسندا» :
أخرجه قرين المصنف: الحاكم في المستدرك [3/ 3] ، ومن طريقه البيهقي في الدلائل [2/ 519] ، قال الحاكم: أخبرني أبو الوليد وأبو بكر بن عبد الله قالا: حدثنا الحسن بن سفيان، ثنا أبو موسى الأنصاري، ثنا سعد بن سعيد قال: حدثني أخي، عن أبي هريرة به مرفوعا.
قال الحاكم: هذا حديث رواته مدنيون من بيت أبي سعيد المقبري، وتعقبه الذهبي في التلخيص بأنه موضوع، وبأنه ثبت أن أحب البلاد إلى الله مكة، قال: وسعد ليس بثقة، وقال ابن كثير في تاريخه: غريب جدّا، والمشهور أن مكة أفضل من المدينة. اه. وقد نقل بعضهم عن مالك قوله- وسئل عن هذا الحديث-: لا ينبغي أن يكذب على رسول الله.
قال أبو عاصم طالب العلم الفقير إلى الله محققه: أقول بقول إمام الأئمة محمد ابن إدريس الشافعي، في تفضيل مكة على المدينة؛ لتفضيل الله وخليليه إبراهيم ومحمّد صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي، وقد بسطت الكلام على المسألة في كتابنا فتح المنان شرح المسند الجامع للحافظ أبي محمد الدارمي.
نعم، والحديث في اصطلاح المحدثين ليس بموضوع بل انقلب متنه على سعد لما لم يكن من أهل الحديث، وفيه تأويل آخر إن ثبت متنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعنى في هذا التأويل: فأسكني أحب البلاد إليك بعد-(2/408)
598- والمدينة حرم، حرّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين جبل عير إلى ثور.
599- وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرّم ما بين لابتيها، وجعل حول المدينة اثنا عشر ميلا حمى.
- مكة مما ارتضيت لي إذ كان خروجي في سبيلك وابتغاء مرضاتك، دليل هذا التأويل القرآن الكريم، في قوله تعالى: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ المدينة، وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ مكة، في تفسير قتادة.
انظر تمام الكلام على الحديث والمسألة في كتابنا المشار إليه [9/ 200- 205] تحت رقم 2669.
(598) - قوله: «ما بين جبل عير إلى ثور» :
أخرجاه في الصحيحين، غير أن البخاري أبهم ثورا، لشبهة الوهم في تسميته، فأخرجه بلفظ: ما بين عير إلى كذا، وسماه مسلم في روايته، حديث البخاري في فضائل المدينة، باب حرم المدينة، رقم 1870، وفي الجزية، باب ذمة المسلمين وجوارهم واحدة، رقم 3172، وباب إثم من عاهد ثم غدر، رقم 3179، وفي الفرائض، باب إثم من تبرأ من مواليه، رقم 6755، وفي الاعتصام، باب ما يكره من التعمق والتنازع والغلو في الدين، رقم 7300.
وأخرجه مسلم في الحج، باب فضل المدينة، رقم 1370 (467، 468) ، كلاهما من حديث التيمي، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب قال: من زعم أن عندنا شيئا نقرأه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة (قال: وصحيفه معلقة في قراب سيفه) فقد كذب، فيها أسنان الإبل وأشياء من الجراحات، وفيها قول النبي صلى الله عليه وسلم: المدينة حرم ما بين عير إلى ثور ... الحديث.
(599) - قوله: «وجعل حول المدينة اثنا عشر ميلا» :
أخرجاه في الصحيحين، وهذا لفظ مسلم وزاد فيه: قال أبو هريرة:
فلو وجدت الظباء ما بين لابتيها ما ذعرتها، أخرجه البخاري في فضائل-(2/409)
600- وعن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله تعالى سمى المدينة طابة.
601- قال: وكان اسمها القديم: يثرب، حتى سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم: طيبة.
- المدينة، باب لابتي المدينة، رقم 1873 ولم يذكر فيه حد الحمى، وأخرجه مسلم في الحج برقم 1372 (472) .
(600) - قوله: «وعن جابر بن سمرة» :
أخرج حديثه من طرق عنه: ابن أبي شيبة في المصنف [12/ 179] ، والإمام أحمد في المسند [5/ 89، 94، 96، 97، 97- 98، 101- 102، 106، 108] ، وعبد الله في زوائده على المسند [5/ 97، 98] ، ومسلم في المناسك من صحيحه برقم 1385، وابن حبان في صحيحه- كما في الإحسان- برقم 3726، وأبو داود الطيالسي في مسنده برقم 161، وأبو يعلى في مسنده [13/ 442] رقم 7445، والطبراني في معجمه الكبير [2/ 240، 259، 261، 263] الأرقام: 1892، 1970، 1976، 1987، وابن شبّة في تاريخ المدينة [1/ 164] .
(601) - قوله: «وكان اسمها القديم يثرب» :
من ألفاظ حديث جابر بن سمرة المتقدم، وأخرج البخاري في فضائل المدينة، باب فضل المدينة، ومسلم في الحج، باب المدينة تنفي شرارها، من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت بقرية تأكل القرى، يقولون: يثرب، وهي المدينة، تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد.
قوله: «حتى سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم» :
كذا في بعض روايات جابر، ولا تعارض فيها، إذ كانت تسميته صلى الله عليه وسلم لها بأمر من الله كما ورد في رواية للطبراني عن جابر، وفيها: إن الله أمرني أن أسمي المدينة طيبة، وفي رواية: طابة.(2/410)
وفيها يقول صرمة بن قيس الأنصاري:
فلما أتانا واطمأنت به النوى ... وأصبح مسرورا بطيبة راضيا
602- ويروى عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المدينة تربتها مؤمنة.
قال أبو سعد صاحب الكتاب حفظه الله ورضي عنه: اختلف الناس في المدينة هل هي حرم أم لا، - كما جعل إبراهيم عليه السّلام مكة حرما، حتى لا يجوز أن يؤخذ صيدها أو ينفّر أو يقطع شجرها- على ثلاثة أقاويل:
فمنهم من قال: إنها حرم.
603- لقوله صلى الله عليه وسلم: إني حرمت ما بين لابتيها كما حرم إبراهيم عليه السّلام ما بين لابتي مكة.
(602) - قوله: «ويروى عن عائشة» :
أخرجه ابن عدي في الكامل [3/ 1082] ، من حديث الزبير بن عبد الله مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه- مديني يعرف بابن رهمة، قال ابن معين: يكتب حديثه، وقال ابن عدي: أحاديثه منكرة المتن والإسناد-، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عنها به مرفوعا.
قوله: «فمنهم من قال: إنها حرم» :
أي مثل حرم مكة، وكما يحصل التماثل في الحرمة يحصل التماثل في الجزاء والضمان، وهو قول الشافعي في القديم- واختاره النووي في المجموع- وابن المنذر، وهو رواية عن أحمد، وبه يقول ابن أبي ذئب وعبد الله بن نافع من أصحاب مالك، وقال القاضي عبد الوهاب من المالكية: إنه الأقيس.
(603) - قوله: «إني حرمت ما بين لابتيها» :
انظر الحديث الآتي برقم: 610.(2/411)
ومنهم من قال: هي حرم في الإكرام، ولا يجب في صيدها وشجرها ما يجب في صيد مكة وشجرها.
ومنهم من قال: الفرق بينهما أن كل من أخذ صيدا فسلبه لأول من وقع بصره عليه، وقد روي في ذلك:
604- عن سعد بن أبي وقاص أنه ركب إلى قصره بالعقيق، فوجد غلاما يقطع شجرة- أو: يخبطه- فسلبه، فلما رجع سعد جاءه أهل العبد يسألونه أن يرد عليهم ما أخذه من غلامهم فقال لهم سعد: معاذ الله أن أرد شيئا نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأبى أن يرد عليهم.
قوله: «ولا يجب في صيدها» :
أي أنه يأثم بارتكابه ما حرم، وعليه الاستغفار فقط، وهو قول الشافعي في الجديد، ومالك، ورواية عن أحمد، وهو مذهب أكثر أهل العلم، وقال أبو حنيفة: يكره فقط ولا يحرم.
(604) - قوله: «عن سعد بن أبي وقاص» :
أخرج حديثه مسلم في الحج، باب فضل المدينة، رقم 1364 (461) ، والحاكم في المستدرك [1/ 486- 487] ، كلاهما من حديث عامر بن سعد.
وأخرجه الإمام أحمد في المسند [1/ 170] ، وأبو داود في المناسك، باب في تحريم المدينة رقم 2037، من حديث سليمان بن أبي عبد الله قال:
رأيت سعد بن أبي وقاص.
وأخرجه- من الوجهين جميعا- الطحاوي في شرح معاني الآثار [4/ 191] .
قوله: «فسلبه» :
الحديث حجة عند من يقول بوجوب الجزاء على من تعرض لصيد حرم المدينة وشجره وهو سلب المتعرض، قال الإمام النووي رحمه الله: -(2/412)
605- وروي أنه لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة قام على الحزورة فقال: اللهمّ إنك تعلم أنها أحب البلاد إليّ، ولولا أني أخرجت منها ما خرجت.
606- ثم قال صلى الله عليه وسلم: اللهمّ إني أخرجت من أحب البلاد إليّ، فردني إلى أحب البلاد إليك.
607- ثم قال صلى الله عليه وسلم: أريت أرض هجرتكم، فإذا هي سبخة ذات نخل- يريد المدينة-.
أخبرني بهذا الحديث أبو الحسين: يحيى بن الحسين المطلبي رحمه الله- وهو إمام مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم-، أنا أبو عثمان: محمد بن عثمان العثماني في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قرأنا على أبي القاسم:
طاهر بن يحيى بن الحسين العلوي، حدّثك أبوك: يحيى بن الحسين، - وفي المراد بالسلب طريقان، أصحهما: أنه كسلب القتيل من الكفار، وفي مصرف سلبه ثلاثة أوجه، أصحّها: أنه للسالب كالقتيل، قال: ودليله الحديث.
والمسألة مبسوطة في مظانها من كتب الفقه وشروح الحديث. انظرها في:
المجموع [7/ 471- 476] ، المغني لابن قدامة [3/ 354- 355] ، المحلى لابن حزم [7/ 236- 237] ، شرح السنة [7/ 309- 310] ، معالم السنن للخطابي [2/ 443- 444] ، فتح الباري [4/ 99/ 100] ، شرح معاني الآثار [4/ 191] .
(605- 606) - قوله: «اللهمّ إنك تعلم» :
إعادة المصنف للفظين معا يفهم منه إثباته لهما جميعا على ما تقدم توجيهه قريبا.(2/413)
ثنا هارون بن موسى، ثنا محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، (607) - قوله: «ثنا هارون بن موسى» :
هو ابن أبي علقمة: عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي فروة الفروي، الحافظ الثقة: أبو موسى المدني مولى آل عثمان بن عفان، من شيوخ الترمذي والنسائي، وثقه الدارقطني، ومسلمة بن قاسم، وابن حبان، وقال النسائي وابن حجر: لا بأس به، توفي سنة اثنتين- ويقال: ثلاث- وخمسين ومائتين.
تهذيب الكمال [30/ 113] ، تهذيب التهذيب [11/ 13] ، الكاشف [3/ 109] ، التقريب [/ 569] الترجمة رقم 7244، ثقات ابن حبان [9/ 241] ، الجرح والتعديل [9/ 95] .
قوله: «ثنا محمد بن فليح» :
هو ابن سليمان الخزاعي، الحافظ الصدوق: أبو عبد الله المكي، من رجال البخاري، تكلم فيه يحيى، والعقيلي، ووثقه الدارقطني.
تهذيب الكمال [26/ 299] ، تهذيب التهذيب [9/ 360] ، الكاشف [3/ 79] ، التقريب [/ 502] الترجمة رقم 6228، الجمع بين رجال الصحيحين [2/ 463] ، الثقات لابن حبان [7/ 440] .
قوله: «عن موسى بن عقبة» :
هو ابن أبي عياش الحافظ الكبير، الإمام الكبير، الإمام الجليل: أبو محمد القرشي مولاهم، كان بصيرا بالمغازي والأيام النبوية، علق له الإمام البخاري في صحيحه الكثير من أقواله في التاريخ والسير لغزارة علمه ومعرفته بذلك، يعد في صغار التابعين، فقد أدرك ابن عمر وجابر بن عبد الله، وهو مجمع على ثقته والاحتجاج به، وحديثه في الكتب الستة.
تهذيب الكمال [29/ 115] ، تهذيب التهذيب [10/ 321] ، الكاشف [3/ 165] ، التقريب [/ 552] الترجمة رقم 6993، سير أعلام النبلاء [6/ 114] ، الوافي بالوفيات [2/ 137] ، تذكرة الحفاظ [1/ 148] .(2/414)
عن ابن شهاب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أريت أرض هجرتكم ...
الحديث.
608- هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كل البلاد فتحت بالسيف والرمح، وفتحت المدينة بالقرآن، وهي مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحل أزواجه صلى الله عليه وسلم، وفيها قبره صلى الله عليه وسلم.
قوله: «أريت أرض هجرتكم» :
صورته هنا صورة المرسل، وقد وصله عامة أصحاب الزهري، عنه، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، بحديث الهجرة الطويل.
أخرجه البخاري مطولا ومختصرا، فأخرجه في الصلاة، باب المسجد يكون بالطريق من غير ضرر الناس، رقم 476، وفي الكفالة، باب جوار أبي بكر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم رقم 2297، وفي المغازي، باب غزوة الرجيع، رقم 3905، وفي اللباس، باب التقنع رقم 5807.
(608) - قوله: «عن عائشة رضي الله عنها» :
هذا هو الصواب: وقفه على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
أخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه الكبير- كما في إعلام الزركشي [/ 266] من حديث مالك، عن هشام به، ورواه محمد بن الحسن بن زبالة، عن مالك، فرفعه، أخرجه أبو يعلى في مسنده [3/ 363 النسخة المسندة من المطالب العالية] رقم 1408، ومن طريقه ابن عدي في الكامل [6/ 2180] ، ومن طريق ابن عدي: ابن الجوزي في الموضوعات [2/ 216- 217] .
وأخرجه أيضا: البزار في مسنده [2/ 49- 50 كشف الأستار] رقم 1180، والعقيلي في الضعفاء [4/ 58] ، والبيهقي في الشعب [2/ 145] رقم 1407.
قال البزار عقبه: تفرد به ابن زبالة، وقد تكلم فيه بسبب هذا وغيره. -(2/415)
609- وقال صلى الله عليه وسلم: المدينة مهاجري، وفيها بيتي، وحق على كل مسلم زيارتها.
- وقال الإمام أحمد: هذا منكر، إنما هذا قول مالك.
وقال ابن معين: ابن زبالة ليس بشيء، والحديث كذب، أصحاب مالك يروونه من كلام مالك.
وقال البيهقي: تفرد به ابن زبالة وبه يعرف، وقد روي عن أبي غزية الأنصاري قاضي المدينة، عن مالك.
وتعقبهم ابن عراق في تنزيه الشريعة [2/ 172] بأن ذؤيب، رواه عن مالك كذلك، أخرجه الخطيب في الرواة عن مالك، قال: وذؤيب قال أبو زرعة:
صدوق، وقال ابن حبان: يعتبر به من غير رواية شاذان عنه، قال: ورواه إبراهيم بن حبيب بن الشهيد عن مالك كذلك، وإبراهيم بن حبيب من رجال النسائي وثقوه، قال: وهذا أصلح طرق الحديث.
(609) - قوله: «وحق على كل مسلم زيارتها» :
عزاه السمهودي في الوفا ليحيى بن الحسين في أخبار المدينة له- وهو عمدة المصنف في هذا الباب كما سترى، وعليه فهو مسند عنه بالإسناد المتقدم قريبا-، وأورده الزبيدي في الإتحاف [4/ 416] وجعله طرفا من حديث أنس المتقدم الذي أوله: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة أظلم منها كل شيء، ولما دخل المدينة أضاء منها كل شيء، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
المدينة بها قبري، وبها بيتي وتربتي، وحق على كل مسلم زيارتها، ثم عزاه لأبي داود، وفيه نظر.
فأما طرفه الأول عن أنس: لما كان اليوم الذي دخل فيه النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء ... ، فهو ثابت عن أنس، خرجناه في شرح المسند الجامع للحافظ أبي محمد الدارمي تحت رقم 94- فتح المنان، وذكرنا تصحيح ابن حبان والحاكم له، فيراجع هناك.
وأما طرفه الآخر، فقد ورد بغير هذا السياق بلفظ: وحق على كل مسلم-(2/416)
610- وقال صلى الله عليه وسلم: اللهمّ إن إبراهيم عبدك ونبيك، وإن إبراهيم دعا لأهل مكة، لمدهم وصاعهم، وأنا أسألك لأهل المدينة ما سألك إبراهيم لأهل مكة ومثله معه: أن تبارك لهم في ثمارهم وصاعهم ومدهم، وأن تحبّب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة، وأن تجعل ما كان فيها من وباء بخم، اللهمّ إني قد حرمت ما بين لابتيها كما حرمت على لسان إبراهيم الحرم، لا يقطع عضاها، ولا ينفر صيدها، ومن أراد أهلها بسوء أذابه الله عزّ وجلّ ذوب الرصاص وذوب الملح في الماء.
- وفي رواية: وحق على أمتي- أن يكرموا جيراني ما اجتنبوا الكبائر، فمن لم يفعل ذلك سقاه الله من طينة الخبال، أخرجه الطبراني في معجمه الكبير [20/ 205- 206] رقم 470، من حديث ابن أبي الجنوب- وهو ضعيف جدّا-، عن الحسن، عن معقل بن يسار به، مرفوعا.
ورواه محمد بن الحسن بن زبالة- وهو ضعيف- عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة إلى قوله: وحق على أمتي حفظ جيراني، أخرجه ابن عدي في الكامل [6/ 2180] .
خالفه عبد الرحمن بن أبي الزناد؛ رواه عن هشام بن عروة، عن جابر، أخرجه الدارقطني في الأفراد [2/ 393] رقم 1725، قال الدارقطني:
غريب من حديث هشام بن عروة عنه، تفرد به عبد الرحمن ابن أبي الزناد، ولم يروه عنه غير المغيرة بن إسماعيل.
(610) - قوله: «اللهمّ إن إبراهيم عبدك» :
أخرجه بطوله: الإمام أحمد في مسنده [5/ 309] ، وسعيد بن منصور والروياني- كما في الكنز [12/ 244] رقم 34875-، من حديث عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه به.
وفي الباب عن سعد بن أبي وقاص وأبي هريرة جميعا عند مسلم في الحج، باب من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله، رقم 1378 (495) ، -(2/417)
611- وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بالحرة- بالسقيا التي كانت لسعد بن أبي وقاص- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائتوني بوضوء، فتوضأ، ثم قام فاستقبل القبلة ثم قال: اللهمّ إن إبراهيم عليه السّلام عبدك وخليلك دعاك لأهل مكة بالبركة، وأنا محمد عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة: أن تبارك لهم في مدهم وصاعهم، مثل ما باركت لأهل مكة، مع البركة بركتين.
612- وروى أبو هريرة قال: قيل يا رسول الله: صاعنا أصغر الصيعان، ومدنا أصغر الأمداد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهمّ بارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مدنا، واجعل مع البركة بركتين.
- واختصر البخاري لفظه وأخرجه من رواية عائشة بنت سعد عن أبيها بطرفه الأخير رقم 1877.
(611) - قوله: «وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب» :
أخرج حديثه الإمام أحمد في مسنده [1/ 115] ، والترمذي في المناقب، باب: في فضل المدينة، رقم 3914، والنسائي في الحج من السنن الكبرى [2/ 484] رقم 4276، والبخاري في تاريخه الكبير [6/ 480- 481] جميعهم من حديث الليث، عن عمرو بن سليم، عن عاصم بن عمرو، عنه به مرفوعا، وصححه ابن حبان- كما في الإحسان- برقم 3746.
* خالفه المقبري، رواه عن عمرو بن سليم، عن ابن عمر، عن علي بن أبي طالب به، أخرجه الطبراني في الأوسط [7/ 418- 419] رقم 6814.
(612) - قوله: «وروى أبو هريرة» :
أخرج حديثه ابن حبان في صحيحه برقم 3284، 3744، والبيهقي في السنن الكبرى [4/ 171] من حديث العلاء، عن أبيه، عنه به.(2/418)
613- قال أنس بن مالك: صنعت بالمدينة طعاما نأكله فكفى عشرين رجلا، ثم صنعت مثله في العراق فأكله عشرة.
614- وروي عن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهي أوبأ أرض الله، فحمّ أصحابه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهمّ حبب إلينا المدينة كحبنا مكة وأشد، وصححها لنا، وبارك لنا فيها مع ما باركت لأهل مكة، وانقل وباءها وحماها إلى مهيعة- وهي الجحفة-، قال: فشفوا.
615- وهي أفضل البلاد تربة، لأن تربة رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، اختارها الله له، ونقله إليها، وفيها نزلت: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي الآية، وجعلها دار هجرته، وقبر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها منبره، قوائمه على ترعة من ترع الجنة.
(614) - قوله: «وهي أوبأ أرض الله» :
تقدم حديثها بطوله في فضائل مكة، برقم: 470، وخرجناه هناك.
(615) - قوله: «قوائمه على ترعة من ترع الجنة» :
أخرج الحافظ عبد الرزاق في المصنف [3/ 182] رقم 5242، وابن أبي شيبة [11/ 480] رقم 1183، والحميدي في مسنده [1/ 139] رقم 290، والإمام أحمد في المسند [6/ 289، 292، 318] ، والنسائي في المساجد، باب فضل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه، رقم 696، والطبراني في معجمه الكبير [23/ 254] رقم 519، 520، والبيهقي في السنن الكبرى [5/ 248] ، وابن سعد في الطبقات [1/ 253] ، وأبو نعيم في الحلية [7/ 248] ، والطحاوي في المشكل [4/ 68] ، وأبو يعلى في مسنده [12/ 409] رقم 6974، جميعهم من حديث أم سلمة مرفوعا: قوائم المنبر رواتب في الجنة، صححه ابن حبان- كما في الإحسان- برقم 3749. -(2/419)
وفيها نزل قوله تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) .
قال أبو سعد صاحب الكتاب: ومما خص الله عزّ وجلّ به حرم نبيّه صلى الله عليه وسلم من الآيات الظاهرة والأنوار الزاهرة: الشعاع الذي يرى فوق المدينة كالإكليل، يتطاير من موضع إلى موضع، ولا يخفى على من يتأمله، وهذه كرامة أكرم الله عزّ وجلّ المدينة بها دون سائر البلدان.
- وأخرج الإمام أحمد في مسنده [5/ 335، 339] ، والطبراني في معجمه الكبير [6/ 174، 184، 209، 237، 245] الأرقام: 5779، 5809، 5888، 5971، 5995، والبيهقي في السنن الكبرى [5/ 247] ، والطحاوي في المشكل [4/ 71] ، وابن الجعد [2/ 1055] رقم 3047، جميعهم من حديث سهل بن سعد مرفوعا: إن منبري هذا على ترعة من ترع الجنة، قال سهل بن سعد: أتدرون ما الترعة؟ هي الباب من أبواب الجنة.
إسناده صحيح.(2/420)
[125- فصل: ما جاء في أنّ الإيمان يأرز إلى المدينة وأنّ الإسلام سيعود غريبا]
125- فصل:
ما جاء في أنّ الإيمان يأرز إلى المدينة وأنّ الإسلام سيعود غريبا 616- عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها.
617- وعن أبي نضرة قال: بينما نحن عند جابر بن عبد الله إذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدع المدينة رجل رغبة عنها إلا أبدلها الله رجلا خيرا منه أو مثله، وليسمعن أقوام بزيف ورخص من أسعار فيتبعونه، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، والذي نفس جابر بيده (616) - قوله: «عن ابن عمر» :
أخرجه مسلم في الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريبا، رقم 233.
وطرفه الآخر عندهما من حديث أبي هريرة، يأتي بعد حديث.
(617) - قوله: «وعن أبي نضرة» :
حديثه الطويل عن جابر بن عبد الله في الفتن، يورده بعضهم بطوله، وبعضهم يختصره، شطره الأول عند مسلم في الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء، وأوله: يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم ...
الحديث رقم 2913 (67) .
وأخرجه بطوله الحاكم في المستدرك [4/ 454]- مع أنه عند مسلم! سكت عنه الذهبي!! - ومن طريقه البيهقي في الدلائل [6/ 330- 331] .(2/421)
ونفس محمد بيده ليعودن الأمر كما بدأ، ليعودن كل الإيمان إلى المدينة كما بدأ منها.
618- عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الإسلام ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها.
(618) - قوله: «إن الإسلام ليأرز» :
أخرجه البخاري في فضائل المدينة، باب الإيمان يأرز إلى المدينة، رقم 1876، ومسلم في الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا، رقم 147.(2/422)
[126- فصل: ما جاء أنّ المدينة كالكير تنفي خبثها]
126- فصل:
ما جاء أنّ المدينة كالكير تنفي خبثها 619- عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أمرت بقرية تأكل القرى، يقولون: يثرب وهي المدينة، تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد.
قال مالك بن أنس رضي الله عنه: قوله: تأكل القرى، أي: تفتح القرى، معناه: أن أهلها يفتحون القرى.
620- وعن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه: أن أعرابيّا بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، فأصاب الأعرابي وعك المدينة، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أقلني بيعتي، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن (619) - قوله: «عن أبي هريرة» :
حديثه في الصحيحين، أخرجه البخاري في فضائل المدينة، باب فضل المدينة وأنها تنفي الناس، رقم 1871، ومسلم في الحج، باب المدينة تنفي شرارها، رقم 1382.
(620) - قوله: «وعن جابر بن عبد الله» :
حديثه عند الشيخين، فأخرجه البخاري في فضائل المدينة، باب: المدينة تنفي الخبث، رقم 1883، وفي الأحكام، باب بيعة الأعراب، رقم 7209، وفي باب من بايع ثم استقال البيعة، رقم 7211، وفي باب من نكث بيعته، رقم 7216، وأخرجه في الاعتصام، باب ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحضّ على اتفاق أهل العلم، رقم 7322.
وأخرجه مسلم في الحج، باب المدينة تنفي شرارها، رقم 1383.(2/423)
يقيله، فخرج الأعرابي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما المدينة كالكير، تنفي خبثها وينصع طيبها.
621- ويروى أن رجلا خرج في المغازي، فحمل على رجل من (621) - قوله: «ويروى أن رجلا» :
أخرج ابن جرير في تفسيره [5/ 222] من حديث نافع، عن ابن عمر قال:
بعث النبي صلى الله عليه وسلم محلم بن جثامة مبعثا، فلقيهم عامر بن الأضبط، فحياهم بتحية الإسلام، وكانت بينهم إحنة في الجاهلية، فرماه محلم بسهم فقتله، فجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتكلم فيه عيينة والأقرع، فقال الأقرع:
يا رسول الله سن اليوم وغير غدا، فقال عيينة: لا والله حتى تذوق نساؤه من الثكل ما ذاق نسائي، فجاء محلم في بردين، فجلس بين يدي رسول الله يستغفر له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا غفر الله لك، فقام وهو يتلقى دموعه ببرديه، فما مضت به سابعة حتى مات، ودفنوه، فلفظته الأرض، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكروا ذلك له، فقال: إن الأرض تقبل من هو شر من صاحبكم، ولكن الله جل وعز أراد أن يعظكم، ثم طرحه بين صدفي جبل، وألقوا عليه من الحجارة، ونزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا الآية.
وأخرج عبد الرزاق في جزء التفسير من المصنف [1/ 168- 169] ، ومن طريقه ابن جرير من حديث معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً، قال: بلغني أن رجلا من المسلمين أغار على رجل من المشركين، فحمل عليه فقال له المشرك: إني مسلم، لا إله إلّا الله، فقتله بعد أن قالها، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال للذي قتله: وقد قال: لا إله إلّا الله، قال وهو يعتذر: يا نبي الله، إنما قالها متعوذا، وليس كذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فهلا شققت عن قلبه، ثم مات قاتل الرجل، فقبر، فلفظته الأرض، فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن يعيدوه، ثم لفظته، فأمرهم أن يعيدوه، ثم لفظته الأرض، فعل ذلك ثلاث مرات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الأرض قد أبت أن تقبله، فألقوه في غار من الغيران، -(2/424)
المشركين فقال المشرك: لا إله إلّا الله، فقتله بعد ما قال: لا إله إلّا الله، فلما رجع ذكر شأنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:
من لك بلا إله إلّا الله إذا جاءت يوم القيامة، قال: فمات ذلك الرجل، فدفنه أهله فأصبح منبوذا على ظهرها، فحفظه أهله كيلا ينبشه أحد، فرأوه منبوذا على وجه الأرض، فذكروا شأنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الأرض لتقبل من هو شر منه، ولكن الله أراد أن يجعله عبرة.
- قال معمر: وقال بعضهم: إن الأرض لتقبل من هو شر منه، ولكن الله جعله لكم عبرة.
وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره [3/ 1039] رقم 5824، من حديث المبارك بن فضالة، عن الحسن، أن أناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهبوا يتطرقون فلقوا أناسا من العدو، فحملوا عليهم، فهزموهم، فشد منهم رجل فتبعه رجل يريد متاعه، فلما غشيه بالسنان قال: إني مسلم إني مسلم، فأوجزه بالسنان فقتله، وأخذ متاعه، قال: فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للقائل: أقتلته بعد ما قال إني مسلم؟، قال: يا رسول الله قالها متعوذا، قال: شققت قلبه؟، قال: لم يا رسول الله؟ قال: لتعلم أصادقا هو أو كاذبا، قال: وكنت عالما ذلك يا رسول الله؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما كان يعبر عنه لسانه، إنما كان يعبر عنه لسانه، قال: فما لبث القاتل أن مات فحفر له أصحابه فأصبح وقد وضعته الأرض، ثم عادوا فحفروا فأصبح وقد وضعته الأرض إلى جنب قبره، قال الحسن: فلا أدري كم قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كم دفناه مرتين أو ثلاثة كل ذلك لا تقبله الأرض، فلما رأينا الأرض لا تقبله أخذنا برجليه فألقيناه في بعض تلك الشعاب، فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا
أهل الإسلام إلى آخر الآية، قال الحسن: أما والله ما ذاك إلّا بكون الأرض تجنّ من هو شر منه، ولكن وعظ الله القوم ألا يعودوا. -(2/425)
622- ويروى: أن رجلا من الأنصار كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن الرجل ارتد، وقال: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحسن أن يملي، فكنت أكتب ما أشاء، ثم مات ذلك الرجل، فدفنه أهله ليلا، فلما أصبحوا وجدوه منبوذا على ظهر الأرض، ثم دفنوه الثانية فأصبح منبوذا، حتى فعلوا ذلك مرارا، فاستحيا أهله، فحملوه إلى غار من الغيران وألقوه فيه.
قال أبو سعد صاحب الكتاب أعانه الله على طاعته: فصارت هذه العلامة آية وبركة وطهارة للمدينة إلى يومنا هذا، فقد شاهدت أنا جماعة من الموتى بالمدينة قد دفنهم أهلهم فأصبحوا وقد لفظتهم الأرض ولم تقبلهم.
- تابعه البراء بن عبد الله الغنوي، عن الحسن، أخرجه البيهقي في الدلائل [4/ 310] .
وأخرج البيهقي أيضا نحوها [4/ 309- 310] من حديث ابن موهب، عن قبيصة بن ذؤيب به، مرسلا.
(622) - قوله: «ويروى أن رجلا من الأنصار كان يكتب» :
في رواية مسلم أنه من بني النجار، وفي رواية البخاري أنه كان نصرانيّا، يأتي تخريجه في أبواب المعجزات.(2/426)
[127- فصل: في فضل المجاورة بالمدينة وفضل الموت بها]
127- فصل:
في فضل المجاورة بالمدينة وفضل الموت بها 623- عن سعيد بن أبي سعيد المقبري مولى المهري أنه جاء أبا سعيد الخدري ليالي الحرة فاستشاره في الجلاء عن المدينة، وشكا إليه أسعارها وكثرة عياله، وأخبره أن لا صبر له على جهد المدينة ولأوائها.
فقال له: ويحك، لا آمرك بذلك، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
لا يصبر أحد على لأوائها فيموت إلّا كنت له شفيعا يوم القيامة إذا كان مسلما.
624- وعن عبيد الله بن عبد الله، عن الصميتة- امرأة من بني ليث، وكانت يتيمة في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم- أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
من استطاع منكم أن يموت بالمدينة فليمت بها، فإن من يمت بها يكن له شهيدا وشفيعا.
(623) - قوله: «أنه جاء أبا سعيد الخدري ليالي الحرة» :
أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها، رقم 1374 (475، 476، 477) .
(624) - قوله: «يكن له شهيدا وشفيعا» :
في رواية ابن حبان: فإنه من يمت بها تشفع له، وتشهد له، وفي رواية عند البيهقي: يشفع له أو يشهد له، وعند النسائي: أشفع له أو أشهد له.
أخرجه النسائي في الحج من السنن الكبرى [2/ 488] رقم 4285، -(2/427)
.........
- والطبراني في معجمه الكبير [24/ 331- 332] الأرقام 824، 825، 826- ولم يسم المرأة-، والبيهقي في الشعب [3/ 497] رقم 4182، 418، وابن الأثير في ترجمتها من الأسد، جميعهم من حديث الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن الصميتة به، وصححه ابن حبان- كما في الإحسان- برقم 3742.
فائدة: اختلف الحفاظ في شيخ الزهري في هذا الحديث، قال المزي في التحفة [11/ 346] : رواه الليث وابن وهب عن يونس، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله- لم يسم جده-، قال: ورواه عقيل بن خالد، وصالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال: وكذلك قال ابن أبي ذئب، عن الزهري. اهـ. باختصار، وتعقبه الحافظ في النكت بأن ابن وهب سماه في روايته عن يونس، عن الزهري- عند ابن حبان- عبيد الله بن عبد الله بن عتبة. اهـ.
قلت: رواه القاسم بن مبرور فسماه- عن يونس، عن ابن شهاب-:
عبيد الله بن عبد الله بن عمر.
وتابعه على تسميته كذلك عن الزهري: صالح بن أبي الأخضر؛ عند الطبراني في الكبير، ولم يسمه عند البيهقي في الشعب.
وسماه أيضا كذلك: عنبسة بن خالد، عن يونس؛ عند الطبراني في الكبير، وابن أبي ذئب؛ عند البيهقي في الشعب.
وجزم البيهقي في الشعب بأنه: عبيد الله بن عبد الله بن عمر، كذلك رواه الدراوردي، غير أنه قال: عن سبيعة الأسلمية، وهو خطأ، إنما هو عن صميته.
أخرج حديث الدراوردي: الطبراني في معجمه الكبير [24/ 294] رقم 747، وأبو نعيم في أخبار أصبهان [2/ 103] ، والبيهقي في الشعب [3/ 498] رقم 4184.(2/428)
625- وعن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: اللهمّ ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك صلى الله عليه وسلم.
(625) - قوله: وعن زيد بن أسلم» :
أخرج حديثه البخاري في فضائل المدينة، باب (بدون ترجمة) ، قال البخاري عقبه: قال ابن زريع، عن روح بن القاسم، عن زيد بن أسلم، عن أمه، عن حفصة بنت عمر قالت: سمعت عمر.. وقال هشام بن زيد:
عن أبيه، عن حفصة: سمعت عمر رضي الله عنه..(2/429)
[128- فصل: في أنّ المدينة لا يدخلها الدّجّال ولا الطّاعون]
128- فصل:
في أنّ المدينة لا يدخلها الدّجّال ولا الطّاعون 626- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الدجال يطأ الأرض كلها إلّا مكة والمدينة، قال: فيأتي المدينة فيجد على كل نقب من أنقابها صفوفا من الملائكة، قال: فيأتي سبخة الجرف فيضرب رواقه ثمة، فترجف المدينة ثلاث رجفات فيخرج إليه كل منافق ومنافقة.
627- وروي عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يدخلها الطاعون والدجال.
(626) - قوله: «عن أنس بن مالك» :
أخرجاه في الصحيحين، فأخرجه البخاري في فضائل المدينة، باب:
لا يدخل الدجال المدينة، رقم 1881، وفي الفتن، باب ذكر الدجال، رقم 7124، وفي باب: لا يدخل الدجال المدينة، رقم 7134، وفي التوحيد، باب: في المشيئة والإرادة، رقم 7473، وأخرجه مسلم في الفتن، باب قصة الجساسة، رقم 2943 (123 وما بعده) .
(627) - قوله: «وروي عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم» :
من ألفاظ حديث أنس المتقدم، ولفظ البخاري في التوحيد، باب المشيئة والإرادة: المدينة يأتيها الدجال فيجد الملائكة يحرسونها، فلا يقربها الدجال ولا الطاعون. وانظر تخريج ما قبله.(2/430)
628- وعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال.
(628) - قوله: «وعن أبي هريرة» :
أخرجاه في الصحيحين، فأخرجه البخاري في فضائل المدينة، باب لا يدخل الدجال المدينة، رقم 1880، وفي الطب، باب ما يذكر في الطاعون، رقم 5731، وفي التوحيد، باب لا يدخل الدجال المدينة، رقم 7133، وأخرجه مسلم في الحج، باب صيانة المدينة من دخول الدجال إليها، رقم 1379 (485) .(2/431)
[129- فصل: في التّحذير من إخافة أهل المدينة وإرادة الفتنة بهم]
129- فصل:
في التّحذير من إخافة أهل المدينة وإرادة الفتنة بهم 629- أخبرنا أبو بكر: محمد بن علي بن إسماعيل الشاشي القفال رحمه الله قال: ثنا أبو عروبة الحراني، ...
(629) - قوله: «الشاشي القفال» :
الفقيه الشافعي، الإمام العلامة الأصولي، عالم خراسان وفقيهها، أثنى عليه الحاكم وقال: كان أعلم أهل ما وراء النهر بالأصول، وأكثرهم رحلة في طلب الحديث، وقال العارف بالله الحليمي صاحب الشعب: كان شيخنا القفال أعلم من لقيته من علماء عصره. انظر عنه في:
الوافي بالوفيات [4/ 112] ، طبقات السبكي [3/ 200] ، طبقات المفسرين للداودي [2/ 196] ، تهذيب الأسماء واللغات [2/ 282] ، وفيات الأعيان [4/ 200] ، طبقات الأسنوي [2/ 79] ، طبقات الأصوليين [1/ 201] ، سير أعلام النبلاء [16/ 283] ، النجوم الزاهرة [4/ 111] ، طبقات الشافعية لابن الصلاح [1/ 228] ، طبقات العبادي [/ 92] ، طبقات الشيرازي [/ 112] ، مرآة الجنان [2/ 381] ، شذرات الذهب [3/ 160] ، تاريخ الإسلام [وفيات سنة 365- ص 345] ، طبقات ابن قاضي شهبة [1/ 129] ، العبر [2/ 338] ، اللباب [2/ 174] ، طبقات الشافعية لابن كثير [1/ 299] .
قوله: «ثنا أبو عروبة الحراني» :
الإمام الحافظ مفتي أهل حران: الحسين بن محمد بن أبي معشر: مودود السلمي، الجزري، أحد علماء هذا الشأن، قال ابن عدي: كان عارفا بالرجال وبالحديث، شفاني حين سألته عن قوم من المحدثين، وقال-(2/432)
ثنا عبد الله بن محمد، ثنا عمرو بن عاصم، ...
- الحاكم أبو أحمد: كان من أثبت من أدركناه وأحسنهم حفظا، يرجع إلى حسن المعرفة بالحديث والفقه والكلام. انظر:
تاريخ الإسلام [وفيات سنة 318- ص 560] ، تذكرة الحفاظ [2/ 774] ، سير أعلام النبلاء [14/ 510] ، الشذرات [2/ 477] ، مرآة الجنان [2/ 277] ، العبر [2/ 172] ، طبقات الحفاظ [/ 325] ، دول الإسلام [1/ 192] ، طبقات ابن عبد الهادي، الترجمة رقم 735.
قوله: «ثنا عبد الله بن محمد» :
هو ابن أبي شيبة، الإمام سيد الحفاظ والمسندين، صاحب المصنف والتفسير والمسند: أبو بكر العبسي مولاهم، الكوفي، من أقران الإمام أحمد وابن راهويه وعلي بن المديني، قال الذهبي: في السن والمولد والحفظ، اتفق على توثيقه والاحتجاج به، وحديثه عند الجماعة سوى الترمذي.
التاريخ الصغير للبخاري [2/ 365] ، الجرح والتعديل [5/ 160] ، تاريخ بغداد [10/ 66] ، تهذيب الكمال [16/ 34] ، تهذيب التهذيب [6/ 3] ، سير أعلام النبلاء [11/ 122] ، تذكرة الحفاظ [2/ 432] ، الكاشف [2/ 111] ، العبر [1/ 421] ، طبقات ابن سعد [6/ 413] ، إكمال مغلطاي [8/ 167] .
قوله: «ثنا عمرو بن عاصم» :
الكلابي، القيسي، الإمام الثبت، من حفاظ أهل البصرة، قال الذهبي:
معدود في كبار شيوخ البخاري.
سير أعلام النبلاء [10/ 256] ، طبقات ابن سعد [7/ 305] ، التاريخ الكبير [6/ 355] ، الجرح والتعديل [6/ 250] ، تاريخ بغداد [12/ 202] ، تذكرة الحفاظ [1/ 392] ، تهذيب الكمال [22/ 87] ، تهذيب التهذيب [8/ 51] ، الكاشف [2/ 288] ، الجمع بين رجال الصحيحين [1/ 367] ، الثقات [8/ 481] .(2/433)
ثنا همام بن يحيى، عن يحيى بن سعيد: من آذى أهل المدينة- أو: أذل أهل المدينة آذاه الله- أو: أذله الله- وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل.
قوله: «ثنا همام بن يحيى» :
ابن دينار، الإمام الحجة: أبو بكر البصري، العوذي، من أثبت أصحاب قتادة، احتج به الشيخان، ووثقه الجمهور.
طبقات ابن سعد [7/ 282] ، تهذيب الكمال [30/ 302] ، التاريخ الكبير [8/ 237] ، تذكرة الحفاظ [1/ 201] ، الجرح والتعديل [9/ 107] ، سير أعلام النبلاء [7/ 296] ، تهذيب التهذيب [11/ 60] ، الكاشف [3/ 199] ، الثقات [7/ 586] .
قوله: «عن يحيى بن سعيد» :
الأنصاري، الإمام عالم المدينة، وشيخ عالمها، وتلميذ الفقهاء السبعة، أبو سعيد الخزرجي، النجاري، أحد الأعلام، وصاحب حديث:
إنما الأعمال بالنيات.
انظر أخبار فضائله في:
تهذيب الأسماء واللغات [2/ 153] ، تهذيب الكمال [31/ 346] ، سير أعلام النبلاء [5/ 468] ، تهذيب التهذيب [11/ 194] ، التاريخ الكبير [8/ 275] ، المعرفة والتاريخ [1/ 648] ، تذكرة الحفاظ [1/ 137] ، أخبار القضاة [3/ 241] .
قوله: «من آذى أهل المدينة» :
هكذا في الأصول بصورة المقطوع، وقد رواه حماد بن سلمة، عن يحيى بن سعيد، عن مسلم بن أبي مريم، عن عطاء بن يسار، عن السائب بن خلاد باللفظ الآتي بعد هذا: من أخاف أهل المدينة أخافه الله.. والباقي سواء، أخرجه الإمام أحمد [4/ 55، 56] ، والنسائي في الحج من السنن الكبرى، -(2/434)
630- وفي رواية عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أخاف أهل المدينة أخافه الله، وعليه لعنة الله وغضبه إلى يوم القيامة، لا يقبل منه صرفا ولا عدلا.
631- ويروى عن عائشة بنت سعد قالت: سمعت سعدا يقول:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يكيدنّ أهل المدينة أحد إلّا انماع كما ينماع الملح في الماء.
- باب فضل المدينة [2/ 483] ، والطبراني في معجمه الكبير [7/ 169] رقم:
6631.
(630) - قوله: «وفي رواية عنه صلى الله عليه وسلم» :
انظر طرق وألفاظ رواية السائب بن خلاد في: معجم الطبراني الكبير [7/ الأرقام: 6632، 6633، 6634، 6635، 6636، 6637] ، والحلية لأبي نعيم [1/ 372] .
(631) - قوله: «سمعت سعدا» :
أخرج حديثه من رواية ابنته عنه: البخاري في فضائل المدينة، باب إثم من كاد أهل المدينة، رقم 1877، وأخرجه مسلم في الحج، باب من أراد أهل المدينة بسوء، من حديث أبي عبد الله القراظ عنه، رقم 1387 (494، 495) .(2/435)
[130- باب ما جاء في الحنانة]
130- باب ما جاء في الحنانة 632- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستند إلى جذع في المسجد إذا خطب، فلما وضع المنبر تحول إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحن الجذع حنينا رق له أهل المسجد، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وضع يده عليه فسكن، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئت رددتك إلى الحائط الذي كنت فيه فكنت كما كنت تنبت لك عروقك ويكمل خلقك ويجدّد لك خوص وثمرة، وإن شئت غرستك في الجنة فيأكل أولياء الله من ثمرك.
ثم أصغى إليه النبي صلى الله عليه وسلم رأسه ليستمع ما يقول، قال: بل تغرسني في الجنة فيأكل مني أولياء الله وأكون في مكان لا أبلى فيه، فسمعه من يليه.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم قد فعلت، فعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنبر، ثم أقبل على الناس فقال: خيرته كما سمعتم، فاختار أن أغرسه في الجنة، فاختار دار البقاء على دار الفناء.
قوله: «باب ما جاء في الحنانة» :
أسند المصنف حديثا، وعلق آخر، وستأتي في أبواب المعجزات.
(632) - قوله: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم» :
أورد هذه الرواية بهذا اللفظ القاضي عياض في الشفاء [1/ 304- 305] من حديث بريدة، وقد خرجنا حديث بريدة في المسند الجامع للحافظ أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي تحت رقم 33- فتح المنان بمعناه وباختلاف يسير في السياق.(2/436)
633- وفي رواية: فعدل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتضنه فسكن، فقال صلى الله عليه وسلم: لو لم أفعل هذا لحنّ إلى يوم القيامة.
634- حدثنا أبو عمرو: محمد بن جعفر بن محمد بن مطر رضي الله عنه، ثنا أبو الحريش: أحمد بن عيسى بن مخلد، ثنا شيبان بن فروخ الأبلّي، ثنا مبارك بن فضالة، ثنا الحسن، عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إلى جنب خشبة يسند ظهره إليها، فلما كثر الناس قال: ابنوا لي، فبنوا له منبرا له عتبتان، فلما قام على المنبر حنّت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حنين الوالدة، فما زالت تحن حتى نزل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتضنها فسكنت.
قال المبارك: فكان الحسن إذا حدث بهذا الحديث بكى وقال:
يا عباد الله، الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا إليه لمكانه من الله عزّ وجلّ، فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه.
(633) - قوله: «وفي رواية» :
خرجنا روايات الباب في المسند الجامع للحافظ أبي محمد الدارمي، من حديث ابن عمر، وجابر بن عبد الله، وبريدة بن الخطيب، وأبي بن كعب، وأبي سعيد الخدري، وابن عباس، وأنس بن مالك، وسهل بن سعد، وعن الحسن البصري مرسلا، انظر كتابنا: فتح المنان [1/ 323- 362] ، ويأتي منها في أبواب المعجزات من هذا الكتاب.
(634) - قوله: «حدثنا أبو عمرو: محمد بن جعفر» :
يأتي حديثه في أبواب المعجزات، ويأتي تخريجه هناك إن شاء الله تعالى.(2/437)
[131- باب ذكر العود الذي في المحراب]
131- باب ذكر العود الذي في المحراب 635- قال أنس بن مالك رضي الله عنهما لمحمد بن مسلم:
أتدري لم صنع هذا العود في محراب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع عليه يمينه ثم يلتفت فيقول: استووا، واعدلوا صفوفكم.
(635) - قوله: «لمحمد بن مسلم» :
هو ابن السائب صاحب المقصورة.
والحديث مسند عن المصنف، فقد أخرجه الحافظ يحيى بن الحسين العلوي في تاريخ المدينة- عمدة المصنف في هذا الباب- من طريق مصعب بن ثابت قال: طلبنا علم العود الذي كان في مقام النبي صلى الله عليه وسلم فلم نقدر على أحد يذكر لنا فيه شيئا، قال مصعب: حتى أخبرني محمد بن مسلم بن السائب قال: جلس إليّ أنس بن مالك فقال: تدري لم صنع هذا العود؟ - وما سألته عنه-، فقلت: لا والله ما أدري، فقال أنس ...
فذكره، أورده السمهودي في الوفا [1/ 380] .
وأخرجه الإمام أحمد في المسند [3/ 254] ، وأبو داود في الصلاة، باب تسوية الصفوف، كلاهما من حديث حاتم بن إسماعيل، عن مصعب بن ثابت، عن محمد بن مسلم به.(2/438)
[132- باب: في حجرات أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم]
132- باب:
في حجرات أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم 636- أخبرنا أبو الحسين: يحيى بن الحسين المطلبي رحمه الله إمام مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، أنا أبو عثمان: محمد بن عثمان العثماني رحمه الله، أنا أبو القاسم: طاهر بن يحيى العلوي قال: حدثني أبي، ثنا بكر بن عبد الوهاب، ثنا محمد ابن عمر، ...
(636) - قوله: «بكر بن عبد الوهاب» :
هو ابن محمد بن الوليد بن نجيح، ابن أخت محمد بن عمر الواقدي الآتي، تقدم.
قوله: «ثنا محمد بن عمر» :
هو الواقدي، العلامة الإخباري، العمدة في السير والمغازي وأخبار الناس والأيام، وممن لا يستغنى عن حديثه في هذه الأبواب، وتركوه فيما سوى ذلك من أحاديث السنن والأحكام، قال الحافظ الذهبي في السير: أحد أوعية العلم على ضعفه المتفق عليه، جمع فأوعى، وخلط الغث بالسمين، والخزر بالدر الثمين، فاطرحوه لذلك، ومع هذا فلا يستغنى عنه في المغازي وأيام الصحابة وأخبارهم، انظر عنه في:
طبقات ابن سعد [7/ 334] ، تاريخ بغداد [3/ 3] ، وفيات الأعيان [1/ 506] ، الجرح والتعديل [8/ 20] ، التاريخ الكبير [1/ 178] ، الوافي بالوفيات [4/ 238] ، تذكرة الحفاظ [1/ 348] ، تهذيب الكمال [26/ 180] ، تهذيب التهذيب [9/ 323] ، سير أعلام النبلاء [9/ 454] ، النجوم الزاهرة [2/ 184] ، الكاشف [3/ 73] ، التقريب [/ 498] الترجمة رقم 6175.(2/439)
عن عبد الله بن يزيد الهذلي قال: رأيت بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين هدمها عمر بن عبد العزيز رحمه الله، كانت باللبن، ولها حجر من حديد مطروزة بالطين، عددت تسعة أبيات بحجرها، وهي ما بين بيت عائشة رضي الله عنها إلى الباب الذي يلي باب النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: «عن عبد الله بن يزيد الهذلي» :
يقال له: ابن فنطس، يروي عن أنس بن مالك وجماعة من التابعين، وثقه الإمام أحمد، وابن معين، وابن حبان، وقال ابن أبي أويس: ما بحديثه بأس.
قال أبو عاصم: أما الحافظ الذهبي فتسرع في النقل، فنقل عن البخاري قوله: يتهم بالزندقة، والبخاري رحمه الله لم يقل هذا إنما حصل في العبارة سقط كما يعرف ذلك عند مقارنة عبارتي الجرح والتعديل والتاريخ الكبير، والذي اتهم بالزندقة إنما هو حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس.
انظر:
التاريخ الكبير [5/ 227] ، الجرح والتعديل [5/ 197- 198] ، الميزان [3/ 240] ، الثقات [5/ 58] .
قوله: «إلى الباب الذي يلي باب النبي صلى الله عليه وسلم» :
زاد ابن سعد في الطبقات عن محمد بن عمر [1/ 499] : إلى منزل أسماء بنت حسن بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، وهو كذلك عند يحيى بن الحسين في أخبار المدينة- معوّل المصنف في هذا الباب-، من طريق الواقدي أيضا، أورده السمهودي في الوفا [1/ 460] ، فكأن المصنف اختصر الرواية.
ومن طريق ابن سعد أخرجه ابن النجار في أخبار المدينة [/ 74] .(2/440)
637- قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة دومة الجندل، بنت أم سلمة حجرتها باللبن، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أم سلمة إن شر ما ذهب فيه مال المسلم البنيان.
638- قال عمران: أدركت حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من جريد النخل، على أبوابها المسوح من شعر أسود، فورد كتاب الوليد بن عبد الملك بإدخال حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، ...
(637) - قوله: «قال» :
القائل: هو عبد الله بن يزيد، أخرجه ابن سعد في الطبقات [1/ 499] متصلا بالأول وفيه: فسألت ابن ابنها- يعني أم سلمة- فقال: لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم دومة؛ بنت أم سلمة حجرتها باللبن، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى اللبن فدخل عليها أول نسائه فقال ... فذكره.
ولتخريجه انظر المواضع المدونة في الذي قبله.
(638) - قوله: «قال عمران» :
هو ابن أبي أنس، حديثه عند ابن سعد [1/ 499] ، فقال عقب الأولين:
قال محمد بن عمر- يعني: الواقدي- فحدثت هذا الحديث معاذ بن محمد الأنصاري فقال: سمعت عطاء الخراساني في مجلس فيه عمر- كذا، وصوابه: عمران- ابن أبي أنس يقول وهو فيما بين القبر والمنبر:
أدركت حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ... الحديث.
لتخريجه انظر المواضع المدونة قريبا.
قوله: «على أبوابها المسوح» :
قال ابن سعد في الطبقات [1/ 500] : أخبرنا خالد بن مخلد، عن داود بن شيبان قال: رأيت حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وعليها المسوح- يعني: متاع الأعراب-، كذا مفسرة في حديثه.(2/441)
فما رأيت أكثر باكيا من ذلك اليوم.
639- وعن عطاء قال: سمعت ابن المسيب يقول: والله لوددت أنهم تركوها على حالها ليقدم القادم من الآفاق فيرى ما اكتفى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته ويكون ذلك مما يزهد الناس في التكاثر والتفاخر فيها.
640- قال عمران بن أبي أنس: كان منها أربعة أبيات باللبن، لها حجر من جريد، وكانت خمسة أبيات جديدا مطينة لا حجر لها، على أبوابها مسوح الشعر.
قوله: «فما رأيت أكثر باكيا» :
قال ابن سعد في الطبقات [1/ 500] عن عمران بن أبي أنس- وهو تمام قوله في الأثر بعد الآتي: - فأما ما ذكرت من البكاء يومئذ فلقد رأيتني في مجلس فيه نفر من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم: أبو سلمة ابن عبد الرحمن، وأبو أمامة ابن سهل، وخارجة بن زيد وإنهم ليبكون حتى أخضل لحاهم الدمع، وقال يومئذ أبو أمامة: ليتها تركت فلم تهدم حتى يقصر الناس عن البناء، ويروا ما رضي الله لنبيّه صلى الله عليه وسلم ومفاتيح خزائن الدنيا بيده.
(639) - قوله: «وعن عطاء» :
هو الخراساني.
هو موصول بإسناد الذي قبله، انظر لتخريجه المواضع المدونة قريبا.
(640) - قوله: «على أبوابها مسوح الشعر» :
زاد ابن سعد [1/ 500] : ذرعت الستر فوجدته ثلاث أذرع في ذراع، والعظم أو أدنى من العظم، انظر تخريج أول حديث في الباب.(2/442)
641- وقال مالك بن أنس: كان الناس يدخلون حجرات النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم يصلون فيها الجمعة، وكان المسجد يضيق عن أهله، وحجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم شارعة أبوابها إلى المسجد، فكان الناس يدخلون ويصلون بصلاة الإمام.
(641) - قوله: «وقال مالك بن أنس» :
هو في الموطأ برواية أبي مصعب، باب المصلي في الجمعة، رقم 458، ومن طريق مالك، أخرجه ابن النجار في أخبار المدينة [/ 74] .
وأخرج البخاري في الأدب المفرد برقم 451، وأبو داود في المراسيل برقم 497، وابن سعد في الطبقات [1/ 500- 501] من حديث ابن السائب قال: سمعت الحسن يقول: كنت أدخل بيوت النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة عثمان بن عفان فأتناول سقفها بيدي.
وأخرج البخاري في الأدب المفرد برقم 451 من حديث داود بن قيس قال:
رأيت الحجرات من جريد النخل، مغشاة من خارج بمسوح الشعر، وأظن عرض البيت من باب الحجرة إلى باب البيت نحوا من ست أو سبع أذرع، وأحرز البيت الداخل عشر أذرع، وأظن سمكه بين الثمان والسبع ونحو ذلك، ووقفت عند باب عائشة فإذا هو مستقبل المغرب.
وأخرج ابن سعد [1/ 500] من طريق الواقدي عن عبد الله بن عامر الأسلمي قال: قال لي أبو بكر بن حزم وهو في مصلاه فيما بين الإسطوانة التي تلي حرف القبر والتي تلي الأخرى إلى طريق باب رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا بيت زينب بنت جحش، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيه، وهذا كله إلى باب أسماء بنت حسن بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس اليوم إلى رحبة المسجد فهذه بيوت النبي صلى الله عليه وسلم التي رأيتها بالجريد قد طرت باللبن، عليها مسوح الشعر.
وأخرج من حديث شيخ من أهل المدينة قال: رأيت حجر النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تهدم بجرائد النخل ملبسة الأنطاع.(2/443)
[133- باب ما جاء في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم]
133- باب ما جاء في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم 642- أخبرنا أبو الحسين: يحيى بن الحسين المطلبي رحمه الله إمام مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنا أبو عثمان: محمد بن عثمان العثماني، قال: قرأت على طاهر بن يحيى العلوي أبي القاسم، ثنا أبي، ثنا بكر بن عبد الوهاب قال: حدثني عيسى بن عبد الله، عن أبيه ...
(642) - قوله: «ثنا أبي» :
هو يحيى بن الحسين صاحب أخبار المدينة، تقدم أن المصنف اعتمد في هذا الباب على كتابه، والأثر أورده السمهودي في الوفا [1/ 466] وعزاه له.
قوله: «حدثني عيسى بن عبد الله» :
هو ابن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب القرشي، الهاشمي، العلوي، قال أبو حاتم: لم يكن بالقوي في الحديث، ووثقه ابن حبان.
الجرح والتعديل [6/ 280] ، الثقات [8/ 492] ، التاريخ الكبير [6/ 390] .
قوله: «عن أبيه» :
هو: عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب القرشي، الحافظ الصدوق أبو محمد، الهاشمي، من رجال أبي داود، والنسائي، قال ابن المديني: هو وسط، وقال ابن حبان في الثقات: يخطىء ويخالف، ووثقه الذهبي في الكاشف.
التاريخ الكبير [5/ 187] ، الجرح والتعديل [5/ 155] ، تهذيب الكمال [16/ 93] ، الثقات [7/ 1- 2] ، تهذيب التهذيب [6/ 16] ، الكاشف [2/ 114] ، التقريب [/ 321] الترجمة رقم 3595.(2/444)
أنه حدثه: أن بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدور الذي فيه القبر، بينه وبين قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم خوخة.
643- وروي: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقف على باب علي وفاطمة رضي الله عنهما ويقول: السلام عليكم أهل البيت إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.
قال أبو الحمراء: شهدته- يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم- أربعين صباحا كان يفعل ذلك.
644- وكان صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر أتى فاطمة فدخل عليها، فقدم مرة ودخل عليها، وكانت فاطمة صنعت قرطين وقلادة ومسكتين من ورق وسترا لباب البيت، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أطال المكث، ثم خرج وقد عرف الغضب في وجهه، ثم جلس على المنبر، فعلمت فاطمة أن الغضب من أجل ما رأى عليها، فنزعت الستر، فبعثت بها إلى (643) - قوله: «كان يقف على باب علي وفاطمة» :
هو حديث أبي الحمراء، وسيأتي في أبواب الفضائل، ويأتي تخريجه هناك، أورده السمهودي في الوفا [1/ 467] ، وذكر إخراج يحيى بن الحسين في أخبار المدينة له- معول المصنف في هذا الباب- وعليه فهو مسند عنه بالإسناد المذكور في أول الباب إليه.
(644) - قوله: «وكان صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر» :
هو في أخبار يحيى بن الحسين- كما في وفا السمهودي-، فهو مسند كالذي قبله، أخرجه هو وابن النجار في أخبار المدينة أيضا من حديث محمد بن قيس، وسيأتي في فضائل الحسن والحسين وآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتمام تخريجه هناك.(2/445)
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت للرسول: قل له إن ابنتك تقرأ عليك السلام وتقول: اجعل هذا في سبيل الله.
فلما أتاه الرسول وأخبره قال: قد فعلت، فداها أبوها- ثلاث مرات-، ليست الدنيا من محمد ولا من آل محمد، ولو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة.
ثم قام فدخل عليها.
645- قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبات عندنا والحسن والحسين نائمان، فاستسقى الحسن، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قربة وجعل يسكبها في القدح، ثم جعل يسقيه، فتناول الحسين فمنعه وبدأ بالحسن، قالت فاطمة: يا رسول الله كأنه أحب إليك؟ قال: إنما استسقاني أولا، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إني وإياك وهذين وهذا الراقد- يعني: علي بن أبي طالب رضي الله عنه- في مكان واحد يوم القيامة.
(645) - قوله: زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم» :
أخرجه الإمام أحمد في المسند [1/ 101] ، والطيالسي في مسنده برقم 190، وأبو يعلى- كما في النسخة المسندة من المطالب العالية [9/ 281] رقم 4382-، والطبراني في معجمه الكبير [3/ 31- 32] رقم 2622، والبزار في مسنده [3/ 223 كشف الأستار] رقم 2616 وبعضهم يزيد على بعض.
قال في مجمع الزوائد [9/ 170] : في إسناد أحمد: قيس بن الربيع، مختلف فيه، وبقية رجاله ثقات. اهـ.
قلت: وفي الباب عن أبي سعيد الخدري، صححه الحاكم في المستدرك [3/ 137] ، وأقره الذهبي في التلخيص.(2/446)
646- وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة فدخل على فاطمة رضي الله عنها فرأى سترا فقال: إن سرك أن يسترك الله يوم القيامة فأعطينيه، فأعطته، فخرج به فشقه لكل إنسان ذراعين في ذراع.
647- وعن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بيت فاطمة يطلب شيئا، فوجدهم مفتقرين، ثم التفت فقال لفاطمة رضي الله عنها: لعل عندك شيء، فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بما في بيوتنا منا، وإن الحسن والحسين دخلا يطلبان شيئا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سهو لنا- وهو بيت صغير- فصلى ركعتين، فأنزل منها طبقا فيه تمر من تمر الحجاز وزبيب من زبيب الطائف، وكعك من كعك الشام، فوضعه بين أيدينا، فأكلنا فما نرفع شيئا إلا أخلف مكانه، فجاء سائل فاستأذن، فزجره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت فاطمة رضي الله عنها: والله يا أبت ما كنت تنهر السائلين، فسكت عنها، ثم أعاد الرجل في السؤال فزجره، فقالت فاطمة له ذلك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتدرين من هذا السائل؟
قالت: لا، قال: هذا إبليس، جاء مختفيا ليأكل من ثمار الجنة لم يكن الله سبحانه وتعالى ليطعمه، هذا طبق أتاني به جبريل عليه السّلام من الجنة ثم رفع الطبق. والله أعلم.
(646) - قوله: «وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم» :
يأتي في أبواب الفضائل، باب فضل الحسن والحسين وآل البيت برقم: 1709، 1752، ويأتي تخريجه هناك، وانظر الآتي برقم: 2251 والتعليق عليه.
(647) - قوله: «وعن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده» :
يأتي أيضا في الباب المشار إليه قبل هذا، ويأتي تخريجه هناك.(2/447)
[134- باب ما جاء في سدّ الأبواب الشّوارع]
134- باب ما جاء في سدّ الأبواب الشّوارع 648- أخبرنا أبو الحسين: يحيى بن الحسين المطلبي رحمه الله، إمام مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنا أبو عثمان: محمد بن عثمان العثماني قال: قرأت على أبي القاسم: طاهر بن يحيى العلوي قال: حدثني أبي، ثنا أحمد بن أبي بكر، ثنا مالك، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، عن عبيد بن حنين، عن أبي سعيد الخدري قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فقال: إن عبدا خيّره الله عزّ وجلّ بين أن يؤتيه من زهرة الحياة الدنيا ما يشاء وبين ما عنده، فاختار ما عند الله.
فبكى أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا.
فتعجب الناس من أبي بكر رضي الله عنه كيف علم ذلك!! وإنما عنى به رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه، ولم يقف عليه أحد إلا أبو بكر رضي الله عنه.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سدوا هذه الأبواب إلا باب أبي بكر، فإني لا أعلم رجلا أحسن يدا في الصحابة عندي من أبي بكر الصديق.
(648) - قوله: «ثنا مالك» :
لم أره إلا في موطأ محمد بن الحسن أخرجه في آخر الموطأ، وفي روايته من الزيادات ما ليس في موطأ غيره.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري في مناقب الأنصار، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، من طريق إسماعيل بن عبد الله رقم 3904، ومسلم في فضائل الصحابة، باب فضائل أبي بكر، من طريق معن بن عيسى، رقم 2382 كلا هما عن مالك به.(2/448)
649- وقال صلى الله عليه وسلم: سدوا هذه الأبواب إلا باب علي، وقال: سدوا قبل أن ينزل العذاب، فخرج الناس مبادرين، وخرج حمزة بن عبد المطلب يجر قطيفة له حمراء وعيناه تذرفان ويبكي ويقول: يا رسول الله أخرجت عمك وأسكنت ابن عمك، فقال صلى الله عليه وسلم: ما أنا أخرجتك، ولا أنا أسكنته، ولكن الله عزّ وجلّ أسكنه، وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله أمر موسى بن عمران أن يبني مسجدا طاهرا لا يسكنه إلا هو وهارون وابنا هارون: شبر وشبير، وإن الله أمرني أن أبني مسجدا طاهرا، لا يسكنه إلا أنا وعلي والحسن والحسين، سدوا هذه الأبواب إلا باب علي.
(649) - قوله: «إن الله أمر موسى بن عمران» :
اختصر المصنف السياق، وهو بطوله في تاريخ المدينة لابن زبالة- كما في وفا السمهودي [1/ 478- 479]-، ومن طريقه يحيى بن الحسين في أخبار المدينة له- معول المصنف في هذا الباب، فهو مسند عنه بالإسناد المتقدم- وفيهما: عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينما الناس جلوس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ خرج مناد فنادى: أيها الناس سدوا أبوابكم، قال:
فتحسحس الناس لذلك، ولم يقم أحد، ثم خرج الثانية فقال: أيها الناس سدوا أبوابكم، فلم يقم أحد، فقال الناس: ما أراد بهذا؟ فخرج فقال:
أيها الناس سدوا أبوابكم قبل أن ينزل العذاب، فخرج الناس مبادرين، وخرج حمزة بن عبد المطلب يجر كساءه حين نادى سدوا أبوابكم، قال:
ولكل رجل منهم باب إلى المسجد: أبو بكر وعمر وعثمان وغيرهم، قال:
وجاء علي حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ما يقيمك؟ ارجع إلى رحلك، ولم يأمره بالسد، فقالوا: سد أبوابنا وترك باب علي وهو أحدثنا، فقال بعضهم: تركه لقرابته، فقالوا: حمزة أقرب منه: أخوه من الرضاعة وعمه، وقال بعضهم: تركه من أجل ابنته، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم بعد ثالثة، فحمد الله وأثنى عليه محمرا وجهه، وكان إذا غضب احمر(2/449)
.........
- عرق في وجهه، ثم قال: أما بعد، فإن الله أوحى إلى موسى أن اتخذ مسجدّا طاهرا لا يسكنه إلا هو وهارون وابنا هارون: شبرا وشبيرا، وإن الله أوحى إليّ أن أتخذ مسجدا طاهرا لا يسكنه إلا أنا وعلي وابنا علي: حسن وحسين، وقد قدمت المدينة، واتخذت بها مسجدا، وما أردت التحول إليه حتى أمرت، وما أعلم إلا ما علمت، وما أصنع إلا ما أمرت، فخرجت على ناقتي فلقيني الأنصار يقولون: يا رسول الله انزل علينا، فقلت: خلوا الناقة فإنها مأمورة، حتى نزلت حيث بركت، والله ما أنا سددت الأبواب وما أنا فتحتها، وما أنا أسكنت عليا ولكن الله أسكنه.
وأخرج ابن زبالة ومن طريقه يحيى بن الحسين القصة مختصرة من وجه آخر عن عبد الله بن مسلم الهلالي، عن أبيه، عن أخيه وفيها: فخرج حمزة بن عبد المطلب يجر قطيفة له حمراء وعيناه تذرفان.. الحديث بمثل الذي أورده المصنف.
وأخرج نحوه الجلّاني في فضائل أمير المؤمنين برقم 301 من حديث الحارث بن حصيرة- وهو ضعيف- عن عدي بن ثابت.
وأخرجه أيضا من حديث سلام بن أبي عمرة، عن معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد الغفاري في سياق طويل.
وأخرج البزار في مسنده [3/ 195- 196 كشف الأستار] رقم 2552 من حديث أبي ميمونة- مجهول- عن عيسى الملائي- مثله- عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: إن موسى سأل ربه أن يطهر مسجده بهارون، وإني سألت ربي أن يطهر مسجدي بك وبذريتك، ثم أرسل إلى أبي بكر أن سد بابك، فاسترجع، ثم قال: سمعا وطاعة، فسد بابه ثم أرسل إلى عمر، ثم أرسل إلى العباس بمثل ذلك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنا سددت أبوابكم وفتحت باب علي، ولكن الله فتح باب علي، وسد أبوابكم. -(2/450)
.........
- قال الهيثمي في مجمع الزوائد [9/ 115] : فيه من لم أعرفه.
ورواه ابن الجوزي في الموضوعات [1/ 364] من وجه آخر عن ابن عباس، عن علي بن أبي طالب، وفي إسناده الحسن بن عبيد الله الإبزازي، هو المتهم به.
وأخرج خيثمة في الفضائل ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه [42/ 141] عن أبي رافع: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال: يا أيها الناس إن الله أمر موسى وهارون أن يتبوّءا لقومهما بيوتا، وأمر هما أن لا يبيت في مسجد هما جنب، ولا يقربوا فيه النساء إلا هارون وذريته، ولا يحل لأحد أن يعرك النساء في مسجدي هذا، ولا يبيت فيه جنب إلا علي وذريته.
قال أبو عاصم: ظن بعض أهل العلم أن أحاديث الأمر باستثناء باب علي رضي الله عنه من السد ضعيفة، وأن المزية في ذلك إنما هي لأبي بكر، اختص بها دون غيره من الصحابة، وهذا خطأ نتج عن عدم الوقوف بتمعن في طرق الحديث، وذهل قائل ذلك أن المزية إذا ثبتت لصحابي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاز أن يشترك غيره من الصحابة في تلك المزية إما حقيقة أو مجازا أو تأويلا.
قال الحافظ في الفتح منبها في آخر شرحه لحديث أبي سعيد الخدري المخرج قريبا قال: جاء في سد الأبواب التي حول المسجد أحاديث يخالف ظاهرها حديث الباب، منها: حديث سعد بن أبي وقاص قال:
أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب الشارعة في المسجد، وترك باب علي، أخرجه أحمد [1/ 175] ، والنسائي في الخصائص برقم 39 وإسناده قوي، وفي رواية للطبراني في الأوسط [4/ 553] رقم 3942 رجالها ثقات من الزيادة: فقالوا: يا رسول الله سددت أبوابنا، فقال: ما أنا سددتها ولكن الله سدها.
قال: وعن زيد بن أرقم قال: كان لنفر من الصحابة أبواب شارعة في-(2/451)
.........
- المسجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سدوا هذه الأبواب إلّا باب علي، فتكلم ناس في ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني والله ما سددت شيئا ولا فتحته، ولكن أمرت بشيء فاتبعته، أخرجه أحمد [4/ 369] ، والنسائي في الخصائص برقم 37، والحاكم [3/ 125] ، قال الحافظ: ورجاله ثقات!.
(قلت: فيه ميمون أبو عبد الله، ضعفه أهل الحديث، منهم الحافظ في التقريب) .
قال الحافظ: وعن ابن عباس قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبواب المسجد فسدت إلا باب علي، وفي رواية: وأمر بسد الأبواب غير باب علي، فكان يدخل المسجد وهو جنب ليس له طريق غيره، أخرجهما أحمد [1/ 330- 331] ، والنسائي في الخصائص برقم 23، 41، 42، ورجالهما ثقات.
قال: وعن جابر بن سمرة قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب كلها غير باب علي، فربما مر فيه وهو جنب، أخرجه الطبراني في الكبير [2/ 274] رقم 2031.
قلت: قال في مجمع الزوائد [9/ 115] : فيه ناصح أبو عبد الله، وهو متروك.
قال: وعن ابن عمر قال: كنا نقول في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم: رسول الله خير الناس، ثم أبو بكر، ثم عمر، ولقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال، لأن يكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم: زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته وولدت له، وسد الأبواب إلا بابه في المسجد، وأعطاه الراية يوم خيبر، أخرجه أحمد [2/ 26] وإسناده حسن.
قال: وأخرج النسائي من حديث شعبة، وزهير، وإسرائيل- كما في الخصائص من السنن الكبرى [5/ 138] الأرقام: 8489، 8490، 8491- وهذا لفظ زيد بن أبي أنيسة، عن أبي إسحاق، وهو عند النسائي أيضا كما في تهذيب المزي [22/ 529] ، لم أقف على موضعه عند النسائي، -(2/452)
.........
- من طريق العلاء بن عرار- بمهملات- قال: فقلت لابن عمر: أخبرني عن علي وعثمان- فذكر الحديث-، وفيه: وأما علي فلا تسأل عنه أحدا، وانظر إلى منزلته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد سد أبوابنا في المسجد وأقر بابه، رجاله رجال الصحيح إلا العلاء، وقد وثقه يحيى بن معين وغيره.
قلت: أخرجه أيضا الطبراني في الأوسط [2/ 97- 98] رقم 1188.
قال الحافظ: وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا، وكل طريق منها صالح للإحتجاج فضلا عن مجموعها، وقد أورد ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات، أخرجه من حديث سعد بن أبي وقاص وزيد بن أرقم، وابن عمر مقتصرا على بعض طرقه عنهم، وأعله ببعض من تكلم فيه من رواته، وليس ذلك بقادح؛ لما ذكرت من كثرة الطرق، وأعله أيضا بأنه مخالف للأحاديث الصحيحة الثابتة في باب أبي بكر، وزعم أنه من وضع الرافضة قابلوا به الحديث الصحيح في باب أبي بكر، انتهى، قال: وأخطأ في ذلك خطأ شنيعا؛ فإنه سلك في ذلك رد الأحاديث الصحيحة بتوهمه المعارضة، مع أن الجمع بين القصتين ممكن، وقد أشار إلى ذلك البزار في مسنده فقال: ورد من روايات أهل الكوفة بأسانيد حسان في قصة علي، وورد من روايات أهل المدينة في قصة أبي بكر، فإذ ثبتت روايات أهل الكوفة فالجمع بينهما بما دل عليه حديث أبي سعيد الخدري- يعنى الذي أخرجه الترمذي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لأحد أن يطرق هذا المسجد جنبا غيري وغيرك-، والمعنى أن باب علي كان إلى جهة المسجد ولم يكن لبيته باب غيره فلذلك لم يؤمر بسده، ويؤيد ذلك ما أخرجه إسماعيل القاضي في أحكام القرآن، من طريق المطلب بن عبد الله بن حنطب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن لأحد أن يمر في المسجد وهو جنب إلا لعلي بن أبي طالب، لأن بيته كان في المسجد، ومحصل الجمع أن الأمر بسد الأبواب وقع مرتين، ففي الأولى استثني علي لما ذكره، وفي الأخرى استثني أبو بكر، ولكن لا يتم-(2/453)
650- وقال له بعض أصحابه: يا رسول الله دع لي كوة أنظر إليك منها حين تغدوا وحين تروح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا والله ولا مثل ثقب إبرة.
- ذلك إلا بأن يحمل ما في قصة علي على الباب الحقيقي، وما في قصة أبي بكر على الباب المجازي، والمراد به الخوخة كما صرح به في بعض طرقه، وكأنهم لما أمروا بسد الأبواب سدوها وأحدثوا خوخا يستقربون الدخول إلى المسجد منها فأمروا بعد بسدها، فهذه طريقة لا بأس بها في الجمع بين الحديثين، وبها جمع بين الحديثين المذكورين أبو جعفر الطحاوي في مشكل الآثار، وهو في أوائل الثلث الثالث منه، وأبو بكر الكلاباذي في معاني الأخبار، وصرح بأن بيت أبي بكر كان له باب من خارج المسجد، وخوخة إلى داخل المسجد، وبيت علي لم يكن له باب إلا من داخل المسجد، والله أعلم.
(650) - قوله: «وقال له بعض أصحابه» :
أخرجه ابن زبالة في أخبار المدينة، كما في الوفا للسمهودي [1/ 480] ، ومن طريقه يحيى بن الحسين في أخبار المدينة له- معول المصنف في هذا الباب، فهو مسند عنه بالإسناد المتقدم إليه- من حديث عمرو بن سهل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بسد الأبواب الشوارع في المسجد، قال: فقال له رجل من أصحابه ... الحديث.(2/454)
[135- باب ما جاء في أوّل من خلّق القبلة]
135- باب ما جاء في أوّل من خلّق القبلة 651- أخبرنا أبو الحسين: يحيى بن الحسين المطلبي إمام مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنا أبو عثمان: محمد بن عثمان العثماني، أنا أبو القاسم:
طاهر بن يحيى بن الحسين، قال: حدثني أبي، ثنا هارون بن موسى الفروي، ثنا محمد بن يحيى، ثنا إبراهيم بن قدامة، ...
(651) - قوله: «ثنا هارون بن موسى الفروي» :
الشيخ الصدوق: أبو موسى المدني، مولى آل عثمان بن عفان رضي الله عنه، من رجال الترمذي والنسائي، وثقه الدارقطني ومسلمة، وقال النسائي وابن حجر: لا بأس به.
تهذيب الكمال [30/ 113] ، تهذيب التهذيب [11/ 13] ، الكاشف [3/ 190] ، التقريب [/ 569] الترجمة رقم 7245، الجرح والتعديل [9/ 95] ، ثقات ابن حبان [9/ 241] .
قوله: «ثنا محمد بن يحيى» :
الكناني، أبو غسان المدني، من رجال البخاري في الصحيح، قال النسائي: ليس به بأس.
تهذيب الكمال [30/ 113] ، تهذيب التهذيب [9/ 456- 457] ، الكاشف [3/ 95] ، التقريب [/ 513] الترجمة رقم 6390، التاريخ الكبير [1/ 266] ، الجرح والتعديل [8/ 123] ، الثقات لابن حبان [9/ 74] ، والجمع بين رجال الصحيحين [2/ 465] .
قوله: «ثنا إبراهيم بن قدامة» :
هو ابن عمر بن قدامة بن مظعون الجمحي، لم أر من ذكره في الأسماء أو تكلم فيه، غير أنه مذكور في الرواة عن أبيه.(2/455)
عن أبيه: أن عثمان بن مظعون تفل في المسجد فأصبح مكتئبا، فقالت امرأته: ما لي أراك مكتئبا؟ فقال: لا شيء إلا أني تفلت في القبلة وأنا أصلي، قال: فعمدت إلى القبلة فغسلتها، ثم حملت خلوقا فخلّقتها، فكانت أول من خلّقت القبلة.
652- وروى عمرو بن دينار: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد فقال: من فعل هذا؟ أيحب أحدكم أن يكون كيّة في وجهه؟.
قوله: «عن أبيه» :
هو قدامة بن عمر بن قدامة بن مظعون القرشي، الجمحي، المكي، رأى أنس بن مالك وروى عنه، وروى عن جماعة من التابعين، علق له البخاري، وأخرج له مسلم وغيره، وهو ثقة عند الجمهور.
تهذيب الكمال [23/ 553] ، تهذيب التهذيب [8/ 327] ، الكاشف [2/ 342] ، ثقات ابن حبان [7/ 340] ، الجمع بين رجال الصحيحين [2/ 427] ، التاريخ الكبير [7/ 179] ، الجرح والتعديل [7/ 128] ، التقريب [/ 454] الترجمة رقم 5530.
قوله: «فكانت أول من خلّقت القبلة» :
أخرجه يحيى بن الحسين في أخبار المدينة له- كما في وفا السمهودي [1/ 660]
تابعه ابن شبة، عن محمد بن يحيى، أخرجه في تاريخ المدينة له [1/ 28] .
(652) - قوله: «أيحب أحدكم أن يكون كيّة في وجهه» :
مرسل، لم أقف عليه هكذا، لكن انظر تخريج الآتي بعده.(2/456)
653- وعن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بزق في قبلة المسجد جاء يوم القيامة وهي في وجهه.
654- وقال صلى الله عليه وسلم: من أكل من هذه البقلة- يعني: البصلة- فلا يقربن مسجدنا.
655- وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة، فشق ذلك عليه فقام فحكها بيده وقال: إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنما يناجي ربه، وإن ربه بينه وبين القبلة، فلا يبصقن أحدكم في القبلة، ولكن عن يساره أو تحت قدمه.
(653) - قوله: «وعن حذيفة» :
أخرج حديثه ابن أبي شيبة في المصنف [2/ 365] ورجال إسناده رجال الصحيح.
وفي الباب عن ابن عمر، أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف [2/ 365] ، وابن شبة في تاريخ المدينة [1/ 27] : من تنخم في المسجد بعث يوم القيامة وهي في وجهه، لفظ ابن شبة، وقال ابن أبي شيبة: إذا بزق في القبلة جاءت أحمى ما يكون يوم القيامة حتى تقع بين عينيه، رجاله ثقات.
وأخرجه الطبراني في معجمه الكبير [8/ 293] رقم 7960 من حديث أبي أمامة، وفي إسناده جعفر بن الزبير، وهو ضعيف.
(654) - قوله: «من أكل من هذه البقلة» :
يأتي في أبواب آدابه صلى الله عليه وسلم وصفة أخلاقه برقم: 1763، ويأتي تخريجه هناك.
(655) - قوله: «وعن أنس» :
هو في الصحيحين، وقد خرجناه في كتاب الصلاة من المسند الجامع للحافظ أبي محمد: عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، باب كراهية البزاق في المسجد [6/ 431] تحت رقم 1512- فتح المنان.(2/457)
ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه، فرد بعضه على بعض.
656- وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: تفقدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم.
(656) - قوله: «تفقدوا نعالكم» :
أخرجه أبو نعيم في الحلية [7/ 269] من حديث مسعر، عن يزيد، عن عبد الله بن عمرو بن العاص به، مرفوعا، وقال: غريب من حديث مسعر.(2/458)
[136- باب الصّلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم]
136- باب الصّلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم 657- حدثنا أبو الفضل: جعفر بن الفضل الوزير بمكة حرسها الله، ثنا الفضل بن الخصيب بأصبهان، ثنا أبو مسعود: أحمد بن الفرات، (657) - قوله: «ثنا الفضل بن الخصيب» :
هو ابن العباس بن نصر الأصبهاني، الحافظ الصدوق، المحدث الرحالة:
أبو العباس الزعفراني، أحد مشاهير الأصبهانيين، توفي في رمضان سنة 319.
سير أعلام النبلاء [14/ 551] ، أخبار أصبهان [2/ 154] ، تاريخ الإسلام [وفيات سنة 319- ص 588] .
قوله: «أحمد بن الفرات» :
هو ابن خالد الرازي الحافظ الكبير، الحجة الجليل، نزيل أصبهان ومحدثها وأحد شيوخ أبي داود في السنن، ممن جمع وصنف في التفسير والأحكام والفوائد.
انظر عنه في:
الجرح والتعديل [2/ 67] ، تاريخ بغداد [4/ 343] ، سير أعلام النبلاء [12/ 480] ، الوافي بالوفيات [7/ 280] ، تهذيب الكمال [1/ 422] ، تهذيب التهذيب [1/ 57] ، طبقات الحنابلة [1/ 53] ، أخبار أصبهان [1/ 82] ، تذكرة الحفاظ [2/ 544] ، النجوم الزاهرة [3/ 29] ، تاريخ ابن عساكر [5/ 150] ، التقريب [/ 83] الترجمة رقم 88، طبقات المحدثين بأصبهان [2/ 254] ، الكاشف [1/ 25] .(2/459)
ثنا محمد بن عبيد، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره من المساجد إلّا المسجد الحرام.
قوله: «ثنا محمد بن عبيد» :
هو ابن أبي أمية الطنافسي، الكوفي، الأحدب، الإمام الحافظ الثقة، أخو يعلى وعمر، حديثه في الكتب الستة. انظر عنه في:
سير أعلام النبلاء [9/ 436] ، الجرح والتعديل [8/ 10] ، التاريخ الكبير [1/ 173] ، طبقات ابن سعد [6/ 397] ، تهذيب الكمال [26/ 54] ، تهذيب التهذيب [9/ 291] ، الكاشف [3/ 66] ، تذكرة الحفاظ [1/ 333] ، التقريب [/ 495] الترجمة رقم 6114، الثقات [7/ 441] ، تاريخ بغداد [2/ 365] .
قوله: «عن عبيد الله بن عمر» :
أخرجه من طرق عنه: الإمام أحمد في مسنده [2/ 16، 101، 102] ، والحافظ أبو محمد الدارمي في كتاب الصلاة من المسند الجامع [6/ 473] رقم 1538- فتح المنان (وانظر تعليقنا وتخريجنا له) -، ومسلم في الحج، باب فضل الصلاة بمسجد مكة والمدينة، رقم 1395، وابن ماجه في الإقامة، باب ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الحرام، رقم 1405، والبيهقي في السنن الكبرى [5/ 246] ، والخطيب في تاريخه [4/ 162] .
ومن طرق عن نافع وغيره عن ابن عمر، أخرجه الإمام أحمد في المسند [2/ 29، 68، 155] ، والحافظ عبد الرزاق في المصنف برقم 9137، ومسلم برقم 1395 (وما بعده) ، والنسائي في المناسك، باب فضل الصلاة في المسجد الحرام رقم 2897، والطيالسي برقم 1826، وأبو يعلى في مسنده [10/ 163] رقم 5787، والبيهقي في السنن الكبرى [5/ 246] .(2/460)
658- وقال صلى الله عليه وسلم: من خرج على طهر حتى يأتي مسجدي هذا- مسجد المدينة- فيصلي فيه ركعتين كانتا عدل عتق رقبة.
659- وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
أنا خاتم الأنبياء، ومسجدي خاتم المساجد، ...
(658) - قوله: «مسجدي هذا- مسجد المدينة-» :
هو حديث يوسف بن طهمان، يحدث به مرة فيقول: مسجد قباء، وتارة يقول: مسجدي هذا، وتارة يجمعهما فيجعل الصلاة بمسجد المدينة بمنزلة حجة، وقد تقدم تخريجه في فضل مسجد قباء.
(659) - قوله: «وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن» :
هذا مرسل، وأصله في صحيح مسلم، فأخرج في الحج، باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة، من طريق الزهري عنه وعن أبي عبد الله الأغر- وكان من أصحاب أبي هريرة-، أنهما سمعا أبا هريرة يقول: صلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء، وإن مسجده آخر المساجد.
قال أبو سلمة وأبو عبد الله: لم نشك أن أبا هريرة كان يقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنعنا ذلك أن نستثبت أبا هريرة عن ذلك الحديث، حتى إذا توفي أبو هريرة تذاكرنا ذلك، وتلاومنا أن لا نكون كلمنا أبا هريرة في ذلك حتى يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرنا ذلك الحديث، والذي فرطنا فيه من نص أبي هريرة عنه، فقال لنا عبد الله بن إبراهيم: أشهد أني سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإني آخر الأنبياء، وإن مسجدي آخر المساجد.(2/461)
وهو أحق المساجد أن يزار وأن يركب إليه الرواحل بعد المسجد الحرام.
660- وعن ابن عمر رضي الله عنه: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا سمع الأصوات في المسجد مرتفعة قال: إياكم واللغط، فإن مسجدنا لا ترفع فيه الأصوات.
قوله: «وهو أحق المساجد أن يزار» :
أخرج الإمام أحمد في مسنده [3/ 336، 350] ، والنسائي في التفسير من السنن الكبرى [6/ 11] رقم 11347، وأبو يعلى في مسنده [4/ 182- 183] رقم 2266، والبزار في مسنده [2/ 4 كشف الأستار] رقم 1075، والطبراني في معجمه الكبير [1/ 415، 5/ 216] رقم 744، 4427، والطحاوي في المشكل [1/ 241] ، جميعهم من حديث أبي الزبير، عن جابر مرفوعا: خير ما ركبت إليه الرواحل: مسجدي هذا والبيت العتيق، صححه ابن حبان- كما في الإحسان- برقم 1616.
قوله: «بعد المسجد الحرام» :
أخرجه بهذ اللفظ من وجه آخر من حديث عائشة رضي الله عنها: البزار في مسنده [2/ 56 كشف الأستار] رقم 1193، وابن النجار في أخبار المدينة [/ 72] ، والديلمي في مسند الفردوس [1/ 45- 46] رقم 112، جميعهم من طريق موسى بن عبيدة- وهو ضعيف- عن داود بن مدرك، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها به مرفوعا، وزاد البزار في آخر: وصلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام.
(660) - قوله: «وعن ابن عمر» :
أخرجه من طرق- وبعضهم يزيد فيه قصة-: ابن أبي شيبة في المصنف [2/ 419] ، وعبد الرزاق في المصنف [1/ 437- 438] الأرقام: 1711، 1712، 1713، وابن شبة في تاريخ المدينة [1/ 34] .(2/462)
661- ويروي عن السائب بن يزيد قال: كنت مضطجعا في المسجد، فحصبني إنسان فرفعت رأسي فإذا أنا بعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: اذهب فائتني بهذين الرجلين، قال: فانطلقت حتى جئت بهما، فقال: من أين أنتما؟ - أو: من أنتما؟ - قالا: من أهل الطائف، قال:
لو كنتما من أهل البلد ما فارقتكما حتى أو جعكما جلدا، أترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.
662- وقيل: لما دخل عمر بن عبد العزيز مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له: قد بقي في حجرة عائشة رضي الله عنها موضع قبر واحد، فلو أمرت حتى إذا مت قبرت فيه، فقال: والله لو خررت من السماء على هامة رأسي أحب إليّ من أن يخطر ببالي أن أقبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرة واحدة.
663- ودخل أبو معاوية الأسود رضي الله عنه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرا- وأخرج مالك في الموطأ- رواية أبي مصعب الزهري- رقم 581 من حديث أبي النضر، عن سالم بن عبد الله: أن عمر بن الخطاب بنى إلى جنب المسجد رحبة سماها: البطيحاء، فكان يقول: من أراد أن يغلط أو ينشد شعرا أو يرفع صوتا فليخرج إلى هذه الرحبة.
(661) - قوله: «عن السائب بن يزيد» :
أخرج حديثه الإمام البخاري في الصلاة، باب رفع الصوت في المسجد، رقم 470.
(663) - قوله: «ودخل أبو معاوية الأسود» :
أحد الأولياء الكبار، من أصحاب سفيان الثوري، قال الحافظ الذهبي في السير: كان يعد من الأبدال، كان قد ذهب بصره، فإذا نشر القرآن أبصر بإذن الله.(2/463)
فغشي عليه، فلما أفاق قال: أخرجوني منها، فإني أخشى أن أموت فأقبر في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقذفني الأرض فأفتضح، قال: فأخرج، وقال:
إني لست ممن تقبلني أرض قبلت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
664- وروي أن قوما قدموا بسفط من عود على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلم يسع الناس، فقال عمر رضي الله عنه: جمروا به المسجد ينتفع به المسلمون، فبقيت سنة في الخلفاء إلى اليوم، يؤتى كل عام بسفط من عود يجمر به المسجد ليلة الجمعة ويوم الجمعة عند المنبر من خلفه إذا كان الإمام يخطب.
- انظر أخباره وأقواله المأثورة في:
حلية الأولياء [8/ 271] ، سير أعلام النبلاء [9/ 78] ، صفة الصفوة [4/ 271] ، سير أبي القاسم الأصبهاني [4/ 1256] الترجمة رقم 518.
(664) - قوله: «وروي أن قوما» :
أخرجه يحيى بن الحسين في أخبار المدينة له، - عمدة المصنف في هذا الباب- من طريق محمد بن يحيى، عن محمد بن إسماعيل، عن أبيه به، فهو مسند عن المصنف من طريق يحيى بن الحسين إمام مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسناده المتقدم.
وأخرجه أيضا: ابن النجار في أخبار المدينة [/ 84] . وانظر: الوفا للسمهودي [2/ 663] .
وأخرج أيضا عن سعد القراظ قال: قدم على عمر بعود فقسمه بين الهاجرين، ثم قسم للمسجد حظا، فكان يجمره في الجمع، فجرى ذلك إلى اليوم، وولاه سعد القرظ فكان الذي يجمر المسجد.
وروى ابن زبالة في أخبار المدينة عن نعيم المجمر، عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال له: تحسن تطوف على الناس بالمجمرة تجمرهم؟ فقال:
نعم، فكان عمر يجمرهم يوم الجمعة.(2/464)
665- وقال صلى الله عليه وسلم: لا تشدوا الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الأقصى، والمسجد الحرام.
- وأخرج أبو يعلى في مسنده [1/ 170] رقم 190 من حديث العمري، عن نافع، عن ابن عمر أن عمر كان يجمر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كل جمعة.
(665) - قوله: «لا تشدوا الرحال» :
لفظ حديث أبي سعيد الخدري، أخرجه مسلم في الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، رقم 415 وأوله: عن أبي سعيد قال: سمعت منه حديثا فأعجبني، فقلت له: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال:
فأقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم أسمع؟! قال: سمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تشدو الرحال ... الحديث.
وأخرجه البخاري في فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب مسجد بيت المقدس، رقم 1197 ولفظه عنده:.. ولا تشدّ الرحال ... الحديث.(2/465)
[137- باب ذكر ما هو مكتوب على جدر المسجد والشّرفات وعند الأبواب]
137- باب ذكر ما هو مكتوب على جدر المسجد والشّرفات وعند الأبواب 666- أخبرنا أبو الحسين: يحيى بن الحسين المطلبي رضي الله عنه إمام مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، أنا أبو عثمان: محمد بن عثمان العثماني، عن طاهر بن يحيى قال: حدثني أبي، ثنا يوسف بن مسلم قال:
* إن الكتب التي حول صحن المسجد مكتوبة فوق الطاقات، ودون الشرفات بالفسيفساء:
بسم الله الرّحمن الرّحيم لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، محمد رسول الله عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إلى آخر السورة إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ
667- قال: وعند باب علي بن أبي طالب رضي الله عنه مكتوب:
بسم الله الرّحمن الرّحيم إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً(2/466)
* وعلى باب النبي صلى الله عليه وسلم مكتوب من خارج:
بسم الله الرّحمن الرّحيم إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ
إلى آخر الآية
* وعند باب عمر بن الخطاب رضي الله عنه مكتوب:
بسم الله الرّحمن الرّحيم إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً
* وعلى باب عثمان بن عفان رضي الله عنه مكتوب من خارج:
بسم الله الرّحمن الرّحيم لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ إلى آخر الآيتين
* وعلى الباب المستقبل دار ريطة مكتوب من خارج:
بسم الله الرّحمن الرّحيم إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ إلى آخر الآية
* وعلى الباب المستقبل بيت أسماء بنت الحسن من داخل مكتوب:
بسم الله الرّحمن الرّحيم يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً إلى آخر السورة(2/467)
* وعلى الباب المقابل دار خالد بن الوليد من داخل مكتوب:
بسم الله الرّحمن الرّحيم يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً إلى آخر السورة وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ إلى منتهى الآيتين
* ثم على إثرها:
وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ الآية* وعليه من خارج مكتوب:
وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إلى آخر الآية* وعلى الباب المستقبل زقاق المباضع مكتوب من داخل:
بسم الله الرّحمن الرّحيم إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ الآيتين* وعليه مكتوب من خارج:
بسم الله الرّحمن الرّحيم أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ إلى آخر السورة
* وعلى الباب مما يلي الصوافي من داخل:
بسم الله الرّحمن الرّحيم الم. اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ إلى قوله: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الآية اللهمّ صلّ على محمّد عبدك ونبيّك(2/468)
* وعليه من خارج مكتوب:
بسم الله الرّحمن الرّحيم وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ الآيتين
* وفي دبر المسجد مما يلي الشام في الباب الأول مكتوب من داخل:
بسم الله الرّحمن الرّحيم وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً إلى آخر السورة* وعليه من خارج:
اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً اللهمّ صلّ على محمّد عبدك ورسولك إمام المتّقين وخاتم النبييّن
* وفي الباب الثاني مكتوب من داخل:
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ إلى منتهى ثلاث آيات وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ
* وفي الباب الثالث من داخل:
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ إلى قوله تعالى: أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ* وفي الباب الرابع مكتوب من داخل:
بسم الله الرّحمن الرّحيم لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ(2/469)
* وعلى الباب مما يلي المغرب على آخر أبواب المسجد مما يلي دار منبره صلى الله عليه وسلم مكتوب من داخل:
بسم الله الرّحمن الرّحيم إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ إلى قوله تعالى: إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ
* ومن خارج الباب الذي يليه، يقوم عليه سقف المسجد:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْقارِعَةُ إلى آخرها
* وعلى الباب الذي يستقبل دار منبره صلى الله عليه وسلم أيضا مكتوب من داخله:
بسم الله الرّحمن الرّحيم مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ إلى خاتمة السورة
* وعليه من خارج مكتوب:
يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ الآية
* وعلى الباب الذي يستقبل دار نصير مكتوب من داخل:
بسم الله الرّحمن الرّحيم قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ الآية إلى خاتمة السورة اللهمّ صلّ على عبدك ونبيّك(2/470)
* وعليه مكتوب من خارج:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ الآيتين
* وعلى الباب المستقبل لباب جعفر بن يحيى من داخل:
بسم الله الرّحمن الرّحيم الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً
اللهمّ صلّ على محمّد عبدك ورسولك أفضل ما صلّيت على أحد من أنبيائك ورسلك، اللهمّ ابعثه المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون، كما بلّغ رسالاتك ونصح عبادك وتلا آياتك
* وفي الطاق تحته:
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ
إلى قوله تعالى: تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ
صلوات الله على محمّد النبيّ والسلام عليه ورحمة الله وبركاته
* وعليه مكتوب من خارج:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ إلى آخر السورة
* وعلى باب عاتكة من داخل مكتوب:
بسم الله الرّحمن الرّحيم آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ إلى خاتمة السورة(2/471)
* وتحت الكتاب: الطاق:
بسم الله الرّحمن الرّحيم لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ الآيتين وبسم الله الرّحمن الرّحيم قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إلى آخرها
صلّى الله على محمّد وعليه السلام ورحمة الله وبركاته
* وعليه من خارج مكتوب:
بسم الله الرّحمن الرّحيم إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
والكتاب الذي كتبه عمر بن عبد العزيز في قبلة المسجد:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ حتى ختمها، ثم:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالشَّمْسِ وَضُحاها إلى آخرها
وبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ إلى آخرها(2/472)
[138- باب ما جاء في فضائل الشهداء وزيارة قبورهم]
138- باب ما جاء في فضائل الشهداء وزيارة قبورهم 668- أخبرنا أبو حامد: أحمد بن محمد بن حمدان المراري، المعدّل رضي الله عنه، أنا أبو العباس: محمد بن إسحاق الثقفي، ثنا أبو رجاء:
قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغدادي، أنا الليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، أن جابر بن عبد الله أخبره:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع الرجلين من قتلى أحد، ثم يقول: أيهما أكثر أخذا بالقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللّحد وقال: أنا أشهد على هؤلاء يوم القيامة، وأمر بدفنهم، ولم يصل عليهم، ولم يغسلوا.
(668) - قوله: «المراري» :
بفتح الميم وألف بين رائين مهملتين، ذكره الحافظ السمعاني في الأنساب [5/ 248] وقال: هذه النسبة إلى: المرار، وهو نوع من الحبال المتخذة من القنب وهو جلد الكتان، لبيعه وعمله، قال: والمشهور بهذه النسبة ...
ثم ذكر صاحبنا وقال: سمع أبا العباس بن عقدة الحافظ بالكوفة ... سمع منه الحاكم أبو عبد الله الحافظ. اهـ. باختصار
قلت: فعلى هذا هو من شرط الخطيب، أغفله، وكذا لم يذكره الحافظ الذهبي في سيره.
قوله: «أنا أبو العباس: محمد بن إسحاق الثقفي» :
هو السراج، الحافظ، تقدم.
والإسناد على شرط الصحيحين وهو عندهما، يأتي تخريجه، وذكر الاختلاف فيه على الزهري في المغازي، عند الكلام على غزوة أحد.(2/473)
669- وعن عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة عن أبيه قال:
لما انكشف الناس يوم أحد، وقف النبي صلى الله عليه وسلم على مصعب بن عمير فقال:
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) ، اللهمّ إنّ عبدك ونبيك يشهد إن هؤلاء لشهداء، فأتوهم وسلموا عليهم، فلن يسلم عليهم أحد ما قامت السماوات والأرض إلّا ردوا عليه.
670- قال: ثم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم موقفا آخر فقال: هؤلاء أصحابي الذين أشهد لهم يوم القيامة، قال أبو بكر رضي الله عنه: فما نحن بأصحابك يا رسول الله؟ قال: بلى، ولكن لا أدري كيف تكونون بعدي، إنهم خرجوا من الدنيا خماصا، فبكى أبو بكر رضي الله عنه وقال: وإنا لكائنون بعدك؟!.
(669) - قوله: «وعن عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة» :
المدني، أخو إسحاق، مولى آل عثمان بن عفان، وكان ثقة فقيها، قال الدوري عن يحيى: عبد الحكيم، وعبد الأعلى، وصالح كلهم ثقات إلّا إسحاق- يعني: أخاهم-. انظر:
تهذيب الكمال [16/ 358] ، تهذيب التهذيب [6/ 87] ، ذيل الكاشف [/ 169] ، التقريب [/ 331] الترجمة رقم 3732، التاريخ الكبير [6/ 71] ، الجرح والتعديل [6/ 27] ، ثقات ابن حبان [7/ 130] ، تاريخ يحيى برواية الدوري [2/ 27] ، المعرفة والتاريخ [1/ 424، 626] .
* وحديث عبد الأعلى معضل، وقد خرجناه في المغازي، عند الكلام على غزوة أحد.
(670) - قوله: «ثم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم موقفا آخر» :
انظر روايات الباب وتخريجها في غزوة أحد.(2/474)
671- وروى جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على شهداء أحد فقال: أنا الشهيد على هؤلاء، زملوهم بدمائهم وجراحهم وثيابهم، وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد، وقدموا أكثرهم قرآنا.
قال: ولم يغسلوا ولم يصل عليهم.
672- وقال خباب بن الأرت: إنا قوم هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقع أجرنا على الله، فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئا، منهم:
مصعب بن عمير، قتل يوم أحد، لم يوجد له إلا بردة يكفن فيها، فكنا إذا غطينا بها رأسه بدت رجلاه، وإذا غطينا رجليه بدا رأسه، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطي رأسه ونلقي على رجليه شيئا من الإذخر.
673- وروى كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد: من رأى مقتل حمزة؟ فقال رجل أعزل: رأيت مقتله، قال: فانطلق فأرناه، (671) - قوله: «وروى جابر بن عبد الله» :
هو في صحيح الإمام البخاري من رواية عبد الرحمن بن كعب عنه، يأتي تخريجه وذكر الاختلاف فيه على الزهري في المغازي، عند الكلام على غزوة أحد.
(672) - قوله: «وقال خباب بن الأرت» :
أخرجاه في الصحيحين، فأخرجه البخاري في غير موضع من صحيحه، أولها في الجنائز، باب إذا لم يجد كفنا إلا ما يواري رأسه أو قدميه غطى رأسه، رقم 1276، وأخرجه مسلم في الجنائز أيضا، باب: في كفن الميت، رقم 940 (44) ، وانظر تحفة الأشراف [3/ 114] .
(673) - قوله: «وروى كعب بن مالك» :
خرجنا حديثه في المغازي، عند الكلام على غزوة أحد.(2/475)
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقف على حمزة قد شق بطنه ومثل به، فقال:
يا رسول الله قد مثل به والله، قال: فكره نبي الله صلى الله عليه وسلم أن ينظر إليه، فوقف بين ظهراني القتلى فقال: أنا شهيد على هؤلاء القوم، لفّوهم بجراحهم ودمائهم، فإنه ليس من جرح إلا جاء جرحه يوم القيامة يدمي، لونه لون الدم، وريحه ريح المسك.
674- وروي: أن حمزة لما قتل أرسلت صفية بثوبين ليكفن فيهما، فنظروا، فإذا رجل من الأنصار مقتول إلى جنبه ليس له كفن، فاستحيى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفن حمزة في ثوبيه ويترك الأنصاري بلا كفن، فكفن حمزة في ثوب، وأعطى الأنصاري الثوب الآخر فكفن فيه.
675- وقال طلحة بن عبيد الله: أردت مالا لي بالغابة، فأدركني الليل، فقلت: لو أني ركبت فرسي إلى أهلي كان خيرا لي من المقام هاهنا، فركبته حتى جئت ودنوت من قبور الشهداء، فآويت إلى قبر عبد الله بن عمرو بن حرام، فو الله ما هو إلا أن وضعت رأسي فسمعت (674) - قوله: «وروي أن حمزة» :
يأتي في المغازي، عند الكلام على غزوة أحد، ويأتي تخريجه هناك.
(675) - قوله: «وقال طلحة بن عبيد الله» :
أخرج حديثه الحاكم أبو أحمد في الكنى له: حدثنا أبو حاتم: مكي بن عبدان، ثنا أحمد- يعني: ابن يوسف السلمي-، ثنا حماد بن سلمان الحراني، ثنا عيسى بن عبد الرحمن الأنصاري، أبو عبادة قال: أخبرني ابن شهاب قال: أخبرني ابن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن إسماعيل بن طلحة بن عبيد الله، عن أبيه به.
في إسناده: عيسى بن عبد الرحمن الزهري، ضعفه غير واحد، وقال النسائي: متروك.(2/476)
قراءة في القبر، ما سمعت قراءة قط أحسن منها، فقلت: هذا القبر، لعله في الوادي، وأخرج إلى الوادي فإذا القراءة في القبر، فرجعت فوضعت رأسي عليه، فإذا قراءة لم أسمع مثلها قط، فاستأنست، وذهب عني النوم، فلم أزل أسمعها حتى طلع الفجر، فلما طلع الفجر هدأت القراءة، وهدأ الصوت حتى أصبحت، فقلت: لو جئت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، قال: فجئت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: ذاك عبد الله بن عمرو، ألم تعلم يا طلحة أن الله عزّ وجلّ قبض أرواحهم فجعلها في قناديل من زبرجد وياقوت قد علقها وسط الجنة، فإذا كان الليل ردت إليهم أرواحهم، فلا يزال كذلك، حتى إذا طلع الفجر ردت أرواحهم إلى مكانها الذي كانت فيه.
676- وقال جابر بن عبد الله: لما قتل أبي يوم أحد جعلت أكشف الثوب عنه أبكي، وجعل أصحابي ينهوني، وجعلت عمتي تبكيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تبكيه أو لا تبكيه، فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه.
677- وروى جعفر بن محمّد رضي الله عنه، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تختلف بين اليومين والثلاثة إلى قبور الشهداء، فتصلي هناك، وتدعو وتبكي حتى ماتت.
(676) - قوله: «تبكيه أو لا تبكيه» :
أخرجه البخاري في الجنائز، باب الدخول على الميت بعد الموت، رقم 1244، وبرقم 1293، وفي الجهاد، باب ظل الملائكة على الشهيد، رقم 2816، وعلقه في المغازي، باب من قتل من المسلمين يوم أحد، رقم 4080، وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل عبد الله بن عمرو بن حرام، رقم 2471.(2/477)
678- وعن العطاف بن خالد قال: حدثتني خالة لي- وكانت من العابدات- قالت: ركبت ومعي غلام لي، حتى جئت قبر حمزة، فصليت ما شاء الله، ولا والله ما في الوادي داعي ولا مجيب يتحرك، وغلامي آخذ برأس دابتي، فلما فرغت من صلاتي قلت: السلام عليكم، وأشرت بيدي، فسمعت رد السلام عليّ من تحت الأرض أعرفه كما أعرف أن الله خلقني، فاقشعرت كل شعرة مني، فدعوت الغلام، فقلت: هات، فأدنى فركبت.
679- وعن جابر بن عبد الله قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشعرت يا جابر أنّ الله عزّ وجلّ أدنى أباك فكلمه كفاحا فقال: تمن عليّ ما شئت، فقال: أتمنى أن تردني إلى الدنيا فأقتل في سبيلك مرة أخرى.
(678) - قوله: «وعن العطاف بن خالد» :
القرشي، المخزومي، أبو صفوان المدني، من أقران الليث بن سعد، قال غير واحد: لا بأس به. انظر عنه في:
تهذيب الكمال [20/ 138] ، تهذيب التهذيب [7/ 197- 198] ، الكاشف [2/ 234] ، سير أعلام النبلاء [8/ 242] ، تاريخ يحيى برواية الدوري [2/ 406] ، التاريخ الكبير [7/ 92] ، الجرح والتعديل [7/ 32] ، الميزان [3/ 466] ، الكامل لابن عدي [5/ 2015] ، التقريب [/ 393] الترجمة رقم 4612.
(679) - قوله: «فأقتل في سبيلك مرة أخرى» :
زاد في رواية: قال الله تعالى: إني قضيت أنهم لا يرجعون، أخرجه الترمذي في التفسير من جامعه، باب سورة آل عمران، رقم 3010- وقال:
حسن غريب-، وابن ماجه في الجهاد، باب فضل الشهادة في سبيل الله، وابن أبي عاصم في السنة برقم 602، والواحدي في أسباب النزول-(2/478)
680- وروى الزهري، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفن شهداء المؤمنين بأحد بدمائهم، ولم يغسلهم، ولم يصل عليهم.
681- وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: جاء عمرو بن الجموح إلى-[/ 86] ، والبيهقي في الدلائل [3/ 298- 299] ، وابن مردويه في تفسير- كما في مشارع الأشواق لابن النحاس [1/ 698]- جميعهم من طرق عن موسى بن إبراهيم الأنصاري، عن طلحة بن خراش، عن جابر، وصححه ابن حبان- كما في الإحسان- برقم 7022، والحاكم في المستدرك [3/ 203] ، ووافقه الذهبي.
وله طريق أخرى، فأخرجه الإمام أحمد في المسند [3/ 361] ، والحميدي برقم 1265، وأبو يعلى [4/ 6] رقم 2002، وابن جرير في تفسيره [4/ 172] ، من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بنحوه.
وأخرجه البزار في مسنده [3/ 259 كشف الأستار] رقم 2706، والبيهقي في الدلائل [3/ 298] من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم لجابر بن عبد الله: يا جابر ألا أبشرك؟ ... الحديث صححه الحاكم في المستدرك [3/ 203] ووافقه الذهبي.
(680) - قوله: «وروى الزهري» :
يأتي تفصيل الاختلاف عليه في غزوة أحد.
(681) - قوله: «جاء عمرو بن الجموح» :
أخرجه ابن حبان في صحيحه برقم 7024- الإحسان- من حديث موسى بن إبراهيم قال: سمعت طلحة بن خراش قال: سمعت جابرا يقول:.. فذكره.
وأخرجه الإمام أحمد في المسند [5/ 299] من وجه آخر من طريق حميد بن زياد، عن يحيى بن النضر، عن أبي قتادة بنحو حديث جابر.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد [9/ 315] : يحيى بن النضر الأنصاري ثقة، وباقي رجاله رجال الصحيح، وحسنه الحافظ في الفتح [3/ 216] .(2/479)
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد- وكان أعرج- فقال: يا رسول الله من قتل اليوم دخل الجنة؟ قال: نعم، قال: والذي نفسي بيده لا أرجع إلى أهلي حتى أدخل الجنة، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا عمرو تتألى على الله؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن منهم من لو أقسم على الله لأبره، فالتفت عمرو بن الجموح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أين الجنة؟ قال: تحت الأبارقة، قال: فخرج ولم يرجع حتى استشهد، فقال صلى الله عليه وسلم: كأني أنظر إلى عمرو بن الجموح يخوض الجنة بعرجته.
682- قال مسروق بن الأجدع: سألنا ابن مسعود رضي الله عنه عن هؤلاء الآيات: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ الآية، قال: أما إنا قد سألنا عنها فقيل لنا: إنه لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله تعالى أرواحهم في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، فيطلع اليهم ربك إطلاعة فيقول: يا عبادي ما تشتهون فأزيدكم؟ يقولون: يا ربنا لا فوق ما أعطيتنا، نأكل من حيث شئنا إلا أنا نحب أن ترد أرواحنا في أجسادنا ثم نرد إلى الدنيا فنقاتل فيك حتى نقتل فيك مرة أخرى.
(682) - قوله: «قال مسروق بن الأجدع» :
خرجنا حديثه في كتاب الجهاد من مسند الحافظ أبي محمد: عبد الله بن عبد الرحمن، باب ما يتمنى الشهيد من الرجعة إلى الدنيا، تحت رقم 2566- فتح المنان، وذكرنا أنه روي مرفوعا وموقوفا، وكلاهما صحيح، كما قال الحافظ ابن النحاس الدمياطي.(2/480)
683- وروى المقدام بن معدي كرب: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنّ للشهيد عند الله تبارك وتعالى تسع خصال: يغفر له بأول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلّى حلة الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من يوم الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ...
(683) - قوله: «وروى المقدام بن معدي كرب» :
كنيته: أبو كريمة الكندي، صحابي معمر مشهور، نزل الشام، ومات بها سنة سبع وثمانين، وهو ابن إحدى وتسعين سنة، يقال: قبره بحمص.
طبقات ابن سعد [7/ 415] ، تاريخ ابن عساكر [60/ 184] ، أسد الغابة [5/ 254] ، تهذيب الأسماء واللغات [1/ 112] ، الإصابة [9/ 274] ، التاريخ الكبير [7/ 429] ، تهذيب الكمال [28/ 458] ، العبر [1/ 103] ، البداية والنهاية [9/ 73] ، سير أعلام النبلاء [3/ 427] ، المعرفة لأبي نعيم [5/ 2555] ، الثقات [3/ 395] ، مسند الإمام أحمد [4/ 130] ، معجم الطبراني الكبير [20/ 261] ، الاستيعاب [10/ 268] .
قوله: «تسع خصال» :
في الأصول: ست وهي لا توافق المعدود، واللفظ موافق للفظ الحافظ عبد الرزاق وفيه تسع، ووقع في رواية الترمذي والإمام أحمد: ست، والمعدود في المتن: سبع وتسع!.
قوله: «ويزوج اثنتين وسبعين» :
هكذا في الحديث ذكر عدد الحور العين بعد قوله: ويزوج من الحور العين كخصلة غيرها، ولم تقع في رواية ابن ماجه فاتفق فيها عدد الخصال المعدودة.(2/481)
ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه.
684- وروى أبو الزبير المكي، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله عزّ وجلّ أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم، وحسن مقيلهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله بنا لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عن الحرب، فقال الله عزّ وجلّ: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً الآية.
قوله: «ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه» :
أخرجه الإمام أحمد في المسند [4/ 131] ، والحافظ عبد الرزاق في المصنف [5/ 265] رقم 9559، ومن طريقه الطبراني في معجمه الكبير [20/ 266] رقم 629، وفي مسند الشاميين برقم 1120، والترمذي في فضائل الجهاد، باب ثواب الشهيد، رقم 1663- وقال: حسن صحيح غريب- وابن ماجه في الجهاد، باب فضل الشهادة في سبيل الله، رقم 2799، وسعيد بن منصور في سننه برقم 2562.
(684) - قوله: «وروى أبو الزبير المكي، عن ابن عباس» :
روى حديثه محمد بن إسحاق فاختلف عليه فيه.
فعامة أصحاب ابن إسحاق يقولون عنه: عن إسماعيل بن أمية، عن أبي الزبير، عن ابن عباس به مرفوعا.
وخالفهم عبد الله بن إدريس عنه، فأدخل سعيد بن جبير بين أبي الزبير وابن عباس.
قال الحافظ المزي في التحفة: وقع في بعض الروايات: عن أبي الزبير، عن جابر، وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.(2/482)
685- وروى ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشهداء على بارق نهر بباب الجنة، في قبة خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا.
686- وقال أبو هريرة: ذكر الشهيد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: - حديث العامة أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف [5/ 294] ، والإمام أحمد في المسند [1/ 265- 266] ، وأبو داود في الجهاد، باب فضل الشهادة، رقم 2520، وهناد في الزهد له برقم 155، والبيهقي في الدلائل [3/ 304] ، وفي إثبات عذاب القبر برقم 129، وابن جرير في تفسيره [4/ 170] ، وعبد بن حميد برقم 667- المنتخب.
وحديث عبد الله بن إدريس أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف [5/ 294] ، والآجري في الشريعة [/ 392] ، وصححه الحاكم في المستدرك [2/ 88، 297] على شرط مسلم، وأقره الذهبي في التلخيص، وقال ابن كثير في تفسيره [2/ 141] : هذا أثبت.
(685) - قوله: «الشهداء على بارق نهر» :
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف [5/ 290] ، والإمام أحمد في المسند [1/ 266] ، والطبراني في معجمه الكبير [10/ 405] رقم 10825، وابن جرير في تفسيره [4/ 171- 172، 172] ، جميعهم من طرق عن ابن إسحاق- وقد صرح بالتحديث-، عن الحارث بن فضيل، عن محمود بن لبيد، عن ابن عباس به مرفوعا، صححه ابن حبان- كما في الإحسان- برقم 4658، والحاكم في المستدرك [2/ 74] .
(686) - قوله: «وقال أبو هريرة» :
أخرج حديثه ابن أبي شيبة في المصنف [5/ 290] ، ومن طريقه ابن ماجه في الجهاد، باب فضل الشهادة في سبيل الله، رقم 2798 من حديث هلال بن أبي زينب- ضعف- عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة به مرفوعا.(2/483)
لا تجف الأرض من دمه حتى تبتدره زوجتاه كأنهما ظئران أضلتا فصيلهما في براح من الأرض، في يد كل واحدة منهما حلة، خير من الدنيا وما فيها.
وبه ينتهي الجزء الثاني من كتاب شرف المصطفى صلى الله عليه وسلم في تقسيمنا، ويليه إن شاء الله الجزء الثالث، وأوله:
جامع أبواب المغازي والسرايا والمبعوث النبوية والحمد لله رب العالمين(2/484)
فهرس موضوعات المجلد الثاني
الموضوع الصفحة جامع أبواب نسبه الشريف صلى الله عليه وسلم وما جاء في طهارة أصله وكرامة محتده صلى الله عليه وسلم باب نسب النبي صلى الله عليه وسلم 7
قصيدة أبي العباس الناشي في نظم نسبه الشريف صلى الله عليه وسلم (ش) 13
قصيدة ابن أبي الخصال رحمه الله في نظم نسبه الشريف صلى الله عليه وسلم (ش) 16
فصل: في شرف أصله صلى الله عليه وسلم وكرامة محتده 22
باب جدات النبي صلى الله عليه وسلم وأجداده لأمه 28
باب ذكر أعمام رسول الله صلى الله عليه وسلم 40
باب ذكر عمات رسول الله صلى الله عليه وسلم 45
باب ذكر أخواله وخالاته وإخوته صلى الله عليه وسلم من الرضاعة 47
باب ذكر أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصهاره 51
باب ذكر أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن وصفاته 54
باب ذكر أسمائه صلى الله عليه وسلم التي وردت بها الأخبار 61
فصل: فيما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من الأسماء والكنى 69
فصل: ولقبه صلى الله عليه وسلم: الذبيح 74
فصل: ذكر قصة حفر عبد المطلب بئر زمزم 77
فصل: ذكر رواية أخرى لرؤيا عبد المطلب في أمر زمزم 80
فصل: ذكر رواية أخرى أيضا في ذلك 83
باب: في ذكر صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلقه ونعته وحليته 85
ذكر حديث هند بن أبي هالة في صفة النبي صلى الله عليه وسلم 89
فصل: ذكر الآية في وجهه الشريف وعقله المنيف صلى الله عليه وسلم 103(2/485)
فصل: ذكر الآية في عينه وقلبه وصفة نومه صلى الله عليه وسلم 106
فصل: ذكر الآية في خاتمه الشريف صلى الله عليه وسلم وما جاء في صفته 109
فصل: ذكر الآية في بوله وغائطه صلى الله عليه وسلم 112
فصل: ذكر الآية في عرقه وما جاء في طيب ريحه صلى الله عليه وسلم 116
فصل: ذكر الآية في شعره الشريف صلى الله عليه وسلم 119
فصل: في ابتداء الدعوة 121
باب: في معاريج النبي صلى الله عليه وسلم 139
فصل: في وصفه صلى الله عليه وسلم النار 165
فصل: فيما ورد في وصف المعراج 169
فصل: في أسماء السماوات السبع ومن فيهن من الأنبياء 171
فصل: في ذكر ما رآه صلى الله عليه وسلم من عجائب المخلوقات ليلة الإسراء 180
فصل: في ما ورد في وصف جبريل عليه السّلام 191
فصل: في ما ورد في وصف البراق وسبب استصعابه 194
فصل: في ما رآه صلى الله عليه وسلم في نومه وحيا من الله عزّ وجلّ 196
باب ما جاء في فضل مكة 199
فصل: ذكر بعض أسماء مكة حرسها الله وزادها الله شرفا 205
فصل: في ذكر حدود الحرم، وكيف حرم 206
فصل: في ذكر عظم الذنب في حرم الله وحمل السلاح فيه 211
فصل: ما جاء في إخراج جبريل زمزم لأم إسماعيل عليهما السلام 215
فصل: ذكر ما جاء في فضل مائها، وهو ماء زمزم 220
فصل: ذكر ما كان عليه ذرع البيت حتى صار إلى ما هو عليه اليوم من خارج وداخل 228
فصل: ذكر تاريخ البيت وفضل ما حوله وما جاء في الحجر الأسود والركن والمقام والحجر 230
فصل: ذكر المقام وأول أمره، وكيف كان 242
فصل: ذكر ردّ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب المقام إلى وضعه الذي هو عليه الآن 245
فصل: ذكر ذرع المقام 246
فصل: في ما جاء في منبر مكة 247(2/486)
فصل: في ذكر جبال مكة حرسها الله تعالى 248
فصل: في فضل المقام بمكة حرسها الله تعالى 250
فصل: ذكر حنين السلف إلى مكة بيت الله 262
فصل: في فضل الطواف بالبيت ودخوله والنظر إليه 265
فصل: ذكر اعتناء السلف بحج البيت وعدم تركهم له 282
فصل: في ذرع المسجد الحرام 285
فصل: في صفة باب الكعبة 286
فصل: في صفة عتبة باب الكعبة 287
فصل: ذرع الكعبة من داخل 288
فصل: في ذرع البيت من خارج 290
فصل: في الشاذروان حول الكعبة 291
فصل: ذكر الكراسي الموجودة في الكعبة 292
فصل: في صفة الروازن التي للضوء في سقف الكعبة 293
فصل: في صفة الدرجة 294
فصل: في صفة الجزعة وذرعها 295
فصل: في صفة الإزار الرخام الأسفل الذي في بطن الكعبة 295
فصل: في صفة الإزار الأعلى 297
فصل: في صفة فرش أرض البيت بالرخام 297
فصل: ذرع ما بين الأساطين 298
فصل: في عدد أساطين المسجد الحرام 299
فصل: في عدد الطاقات 300
فصل: في عدد أبواب المسجد الحرام 301
فصل: ذكر منى واتساعها أيام الحج وسبب تسميتها بذلك 304
فصل: ذكر مسجد الخيف وله عشرون بابا 308
فصل: في مسجد الكبش 312
فصل: ذكر قصة فداء إسماعيل 313
فصل: ذكر المسافة من منى إلى مزدلفة 314(2/487)
فصل: حديث عبد الله بن الزبير بن العوام ومقتله رضي الله عنه 315
فصل: ذكر سبب بناء ابن الزبير البيت 319
باب ذكر الهجرة وحديث الغار 341
فصل: حديث أم معبد الخزاعية وفيه: وصف حلية النبي صلى الله عليه وسلم 354
باب ذكر مقدم النبي صلى الله عليه وسلم قباء، وبناء المسجد 365
باب ما جاء في إتيان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد قباء وفضله 374
باب ما جاء في بناء مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم 383
فصل: ذكر توسعة مسجده صلى الله عليه وسلم وزيادته 388
فصل: ذكر مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار 392
باب ما جاء في تحويل القبلة 396
باب: في فضل تربة رسول الله صلى الله عليه وسلم 405
فصل: ما جاء في أن الإيمان يأرز إلى المدينة 421
فصل: ما جاء في أن المدينة كالكير 423
فصل: في فضل المجاورة بالمدينة 427
فصل: في المدينة لا يدخلها الدجال ولا الطاعون 430
فصل: في التحذير من إخافة أهل المدينة 432
باب ما جاء في الحنانة 436
باب ذكر العود الذي في المحراب 438
باب: في حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم 439
باب ما جاء في بيت فاطمة رضي الله عنها 444
باب ما جاء في سد الأبواب الشوارع 448
باب ما جاء في أول من خلّق القبلة 455
باب الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم 459
باب ذكر ما هو مكتوب على جدر المسجد 466
باب ما جاء في فضائل الشهداء 473(2/488)
الجزء الثالث
[جامع أبواب المغازي والسّرايا والبعوث النّبويّة]
جامع أبواب المغازي والسّرايا والبعوث النّبويّة(3/5)
[139- باب ذكر مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم]
139- باب ذكر مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم 687- أخبرنا أبو بكر: أحمد بن يعقوب بن عبد الجبار القرشي الجرجاني- قدم علينا ونزل طريق الريّ- قال: أخبرنا أبو خليفة: الفضل ابن حباب الجمحي، ثنا أبو الوليد وأبو عمرو الحوضي قالا: ثنا شعبة، (687) قوله: «أحمد بن يعقوب بن عبد الجبار» :
ابن مصعب بن سعيد بن مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم القرشي، الأموي، ترجمت له في باب ذكر الهجرة، وذكرت قول أبي بكر البيهقي: لا أستحل رواية شيء من أحاديثه. اه. مع استقامة حاله، وإعراضه عن القضاء والدخول في أمور السلطان حتى حبس في ذلك، وحديث الباب في الصحيحين كما سيأتي.
قوله: «الفضل بن حباب الجمحي» :
واسم الحباب: عمرو بن محمد بن البصري، الإمام شيخ الوقت، ممن عني بهذا الشأن وهو مراهق، ولذلك لقي الأعلام، وكتب علما جما، وكان ثقة صادقا مأمونا، أديبا فصيحا مفوها، رحل إليه من الافاق وعاش مئة عام سوى أشهر، قاله الذهبي، وانظر:
سير أعلام النبلاء [14/ 7] ، تذكرة الحفاظ [2/ 670] ، أخبار أصبهان [2/ 151] ، مرآة الجنان [2/ 246] ، البداية والنهاية [11/ 128] ، طبقات القراء لابن الجزري [2/ 8] ، الميزان [3/ 350] ، لسان الميزان [4/ 438] ، بغية الوعاة [2/ 245] ، النجوم الزاهرة [3/ 193] .
قوله: «ثنا أبو الوليد» :
هو الطيالسي، واسمه: هشام بن عبد الملك الباهلي، وأبو عمرو-(3/7)
عن أبي يعفور: عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس، قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أو:
ست غزوات- شك شعبة-، وكنا نأكل الجراد.
- الحوضي: هو حفص بن عمر الأزدي، كلاهما من رجال الصحيح الأثبات.
قوله: «عن أبي يعفور: عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس» :
كذا قال الشيخ في تعيين أبي يعفور وتسميته، والخلاف جار في راوي حديث الباب هل هو أبو يعفور الأكبر أو الأصغر، والجمهور على أنه أبو يعفور الأكبر، واسمه: وقدان- أو: واقد- العبدي الكوفي، وهو الصحيح عند جماعة، قال الحافظ في الفتح عند شرحه لحديث الباب: أبو يعفور: هو العبدي، واسمه: وقدان، وقيل: واقد، وقال مسلم: اسمه واقد، ولقبه وقدان، وهو الأكبر ... قال: وقد ذكرت كلام النووي- يعني في كتاب الصلاة- وجزم بأنه الأصغر، والصواب أنه الأكبر، قال: وبذلك جزم الكلاباذي وغيره، والنووي تبع في ذلك ابن العربي وغيره، قال: والذي يرجح كلام الكلاباذي جزم الترمذي بعد تخريجه بأن راوي حديث الجراد هو الذي اسمه واقد ويقال: وقدان، وهذا هو الأكبر، قال: ويؤيده أيضا أن ابن أبي حاتم جزم في ترجمة الأصغر بأنه لم يسمع من عبد الله بن أبي أوفى. اه.
قوله: «وكنا نأكل الجراد» :
تابعه عن أبي خليفة:
1- ابن حبان، أخرجه في صحيحه- كما في الإحسان- برقم 5257.
2- أبو بكر الإسماعيلي، أخرجه من طريقه البيهقي في السنن الكبرى [9/ 256- 257] .
والحديث في الصحيحين، كما بيناه عند تخريجنا له في كتاب الصيد من-(3/8)
قال أبو سعد رحمه الله ورضي عنه:
688- غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ستّا وعشرين غزاة، وقاتل منها في تسع غزوات، وهي: بدر، وأحد، والخندق، وبنو قريظة، والمصطلق، وخيبر، والفتح، وحنين، والطائف.
- مسند الحافظ أبي محمد الدارمي [8/ 110] رقم 2141- فتح المنان من حديث الفريابي، عن سفيان، عن أبي يعفور به.
(688) قوله: «غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ستا وعشرين غزاة» :
أخرج البخاري في أول المغازي من صحيحه من حديث أبي إسحاق السبيعي قال: كنت إلى جنب زيد بن أرقم فقيل له: كم غزا النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة؟ قال: تسع عشرة ... الحديث.
قال الحافظ في الفتح: مراده الغزوات التي خرج النبي صلى الله عليه وسلم فيها بنفسه سواء قاتل فيها أو لم يقاتل، لكن روى أبو يعلى [4/ 167] رقم 2239 من طريق أبي الزبير عن جابر قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى وعشرين غزوة، وإسناده صحيح، وأصله في مسلم، فعلى هذا فات زيد بن أرقم ذكر اثنتين، ولعلهما الأبواء وبواط، وكأن ذلك خفي عليه لصغره.
قلت: وكذلك روى يعقوب بن سفيان [3/ 278 نصوص مقتبسة من المعرفة والتاريخ] ، عن قتادة: غزا نبي الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة، مثل قول زيد، مرسل بإسناد صحيح.
وأخرج الحافظ عبد الرزاق في المصنف [5/ 294- 295] ، ومن طريقه يعقوب ابن سفيان كما في البداية والنهاية لابن كثير [3/ 241]- بإسناد صحيح من حديث الزهري قال: سمعت ابن المسيب يقول: غزا النبي صلى الله عليه وسلم ثماني عشرة غزوة، قال: وسمعته مرة أخرى يقول: أربعة وعشرين غزوة، فلا أدري أكان وهما منه أو شيئا سمعه بعد ذلك. -(3/9)
.........
- وأخرج ابن سعد في الطبقات [2/ 5- 6] من حديث جماعة من أصحاب المغازي والسير، منهم ابن إسحاق والواقدي وموسى بن عقبة، قالوا: كان عدد مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم التي غزا فيها بنفسه: سبعا وعشرين، وكانت سراياه التي بعث بها: سبعا وأربعين سرية، وكان ما قاتل فيها من المغازي تسع غزوات: بدر القتال، وأحد، والمريسيع، والخندق، وقريظة، وخيبر، وفتح مكة وحنين والطائف فهذا ما اجتمع لنا عليه، وفي بعض روايتهم: أنه قاتل في بني النضير ولكن الله جعلها له نفلا خاصة، وقاتل في غزوة وادي القرى منصرفه من خيبر وقتل بعض أصحابه وقاتل في الغابة.
قال أبو عاصم: ثم اختلف أهل المغازي والسير أيضا في عدد الغزوات التي قاتل فيها صلى الله عليه وسلم بنفسه، ويرجع سبب ذلك إلى إغفال بعضهم للغزوات المتقاربة وذكرهم للأولى دون الثانية منهما، نحو إغفالهم لبني قريظة التي كانت في إثر الأحزاب- أو الخندق- كما فعل موسى بن عقبة فذكر أن ما قاتل فيه صلى الله عليه وسلم بنفسه ثمان غزوات، فذكر الأحزاب دون قريظة، وكما روي عن مكحول فيما أخرجه يعقوب بن سفيان البداية والنهاية لابن كثير-[3/ 241] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا ثماني عشرة غزوة، قاتل في ثماني غزوات، فجعل حنين والطائف واحدة لتقاربهما، فإذا تبين هذا أمكن الجمع بين قول زيد بن أرقم وجابر بن عبد الله في عدد غزواته صلى الله عليه وسلم.
وأما البعوث والسرايا، فتقدم عن ابن سعد عدّها سبعا وأربعين، وحصر ابن الجوزي في التلقيح [/ 78] ، السرايا التي ذكرها ابن سعد ثم قال: فهذه ست وخمسون سرية، وعدّها الواقدي ثمانيا وأربعين، أخرجه ابن سعد في الطبقات ومن طريقه ابن جرير، وعدّها ابن إسحاق ستا وثلاثين، وقال المسعودي في المروج [2/ 306] : وقيل إن سراياه صلى الله عليه وسلم وبعوثه كانت ستا وستين، وقال الحافظ في الفتح: بلغ بها شيخنا في نظم السيرة زيادة على السبعين، ووقع عند الحاكم في الإكليل أنها تزيد على مائة، فلعله أراد ضم المغازي إليها.(3/10)
[140- فصل: ذكر حديث بدر ونصرة الله رسوله والمسلمين]
140- فصل: ذكر حديث بدر ونصرة الله رسوله والمسلمين 689- فأما قصة بدر: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن عيرا مقبلة لأهل مكة من الشام، فيها أبو سفيان في تسعين رجلا، فشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في الخروج إليه، فخرج في ثلاثمائة وسبعين، يعتقب النفر على البعير الواحد، منهم مائتان وسبعون من الأنصار، والباقون من سائر قوله: «ذكر حديث بدر» :
انظر عنها في:
مغازي الواقدي [1/ 19] ، أنساب البلاذري [1/ 344] ، تاريخ ابن جرير [2/ 420] ، سيرة ابن هشام [1/ 606] ، كشف الأستار [2/ 309] ، دلائل البيهقي [3/ 23- 135] ، مصنف ابن أبي شيبة [14/ 353] ، طبقات ابن سعد [2/ 11] ، كنز العمال [10/ 391] ، الاكتفاء لأبي الربيع [2/ 13] ، مجمع الزوائد [6/ 68] ، الخصائص الكبرى [1/ 491] .
(689) قوله: «فشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه» :
أخرج الإمام أحمد في المسند [3/ 188] من حديث حميد الطويل، عن أنس قال: استشار النبي صلى الله عليه وسلم مخرجه إلى بدر، فأشار عليه أبو بكر، ثم استشارهم، فأشار عليه عمر، ثم استشارهم، فقال بعض الأنصار:
إياكم يريد رسول الله يا معشر الأنصار، فقال بعض الأنصار: يا رسول الله، إذا لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ، ولكن والذي بعثك بالحق لو ضربت أكبادها إلى برك الغماد لا تبعناك، أخرجه النسائي أيضا.
قال ابن كثير في تاريخه: إسناد ثلاثي صحيح على شرط الصحيح.(3/11)
الناس، وذلك في شهر رمضان، وعده الله بالفتح، ولم يشك صلى الله عليه وسلم أنه الظفر بالعير.
فلما خرج صلى الله عليه وسلم من المدينة بلغ أبا سفيان الخبر، فأخذ بالعير على الساحل، وأرسل إلى أهل مكة يستصرخ بهم، فخرج منهم نحو ألف رجل من سائر بطون قريش إلّا بني عدي، ورجع الأخنس بن شريق الثقفي ببني زهرة من الطريق- وكان حليفا لهم فبقي نحو تسعمائة وسبعين رجلا، وفيهم: العباس، وعقيل، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب خرجوا مكرهين، وكان أشرافهم المطعمون، منهم:
العباس بن عبد المطلب، وعتبة بن ربيعة، والحارث بن عامر بن نوفل، وطعمة بن عدي، وأبو البختري بن هشام، وحكيم بن حزام، والنضر بن الحارث بن كلدة، وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، ومنبه ونبيه ابنا الحجاج، وسهيل بن عمرو.
690- قال: فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر- وهي بئر منسوبة إلى صاحبها، رجل من بني غفار يقال له: بدر-، وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بفوات العير ومجيء قريش، شاور أصحابه في لقائهم أو الرجوع عنهم، فقالوا: الأمر لك، فالق بنا القوم.
691- فلقيهم النبي صلى الله عليه وسلم على بدر وذلك لسبعة عشر يوما من رمضان، فكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: أبيض مع مصعب بن عمير، وراية سوداء من مرط عائشة مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأمدهم الله تعالى بخمسة ألاف من الملائكة، وكثر الله تعالى المسلمين في أعين الكفار، وقلل المشركين في أعين المؤمنين كيلا يفشلوا،(3/12)
فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كفا من تراب فرماه إليهم وقال: شاهت الوجوه، فلم يبق منهم أحدا إلّا اشتغل بفرك عينيه.
692 وروى عبد الله بن عباس، عن عمر بن الخطاب قال:
لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، ونظر إلى أصحابه وهم ثلثمائة وتسعة عشر أو ستة عشر، قال: فاستقبل النبي صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يده وجعل يهتف بربه عزّ وجلّ: اللهمّ أنجز لي ما وعدتني، قوله: «فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كفا من تراب» :
أخرج الطبراني في معجمه الكبير [11/ 285] رقم 11750 من حديث ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: ناولني كفا من حصباء، فناوله، فرمى به في وجوه القوم، فما بقي أحد من القوم إلّا امتلأت عيناه من الحصباء فنزلت: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى الاية، قال الهيثمي في مجمع الزوائد [6/ 84] : رجاله رجال الصحيح.
وأخرج الطبراني في معجمه الكبير [3/ 227] ، من حديث حكيم بن حزام قال: لما كان يوم بدر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ كفا من الحصباء، فاستقبلنا به فرمانا بها وقال: شاهت الوجوه، فانهزمنا فأنزل الله عزّ وجلّ:
وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى الاية، حسنه الهيثمي في مجمع الزوائد [6/ 84] .
(692-) قوله: «وروى عبد الله بن عباس» :
أخرج حديثه عن عمر بن الخطاب: مسلم في الجهاد والسير، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر، من طريق سماك بن الوليد أبي زميل الحنفي، عنه، رقم 1763 (58) ، وهو في المغازي من صحيح البخاري أخصر منه، من طريق عكرمة، عن ابن عباس مرفوعا، رقم 3953.
قال الحافظ في الفتح: هذا من مراسيل الصحابة، فإن ابن عباس لم يحضر ذلك، ولعله أخذه عن عمر. اه. ثم ذكر رواية مسلم.(3/13)
اللهمّ أنجز لي ما وعدتني، اللهمّ إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لاتعبد في الأرض، فما زال يهتف بربه عزّ وجلّ مادّا يديه مستقبلا القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر رضوان الله عليه فأخذ بردائه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال: يا رسول الله! قلل منا شدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عزّ وجلّ:
إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ الاية، فأمده الله تعالى بالملائكة.
693- وقتل الله من المشركين نحو سبعين رجلا، وأسر نحو سبعين، منهم: العباس، وعقيل، ونوفل بن الحارث، فأسلموا، وعقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث بن كلدة وطعمة بن عدي قتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفراء.
694- وقال صلى الله عليه وسلم للعبّاس: افد نفسك وابني أخويك عقيلا ونوفلا وحليفك، فإنك ذو مال، فقال: إني كنت مسلما ولكن القوم استكرهوني، فقال صلى الله عليه وسلم، أعلن إسلامك، فإن يكن حقّا فإن الله يجزيك به، وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا، قال: فليس لي مال، قال: أين المال الذي وضعته عند أم الفضل بمكة وليس معكما أحد، وقلت لها:
إن أصبت في سفري هذا فللفضل منها كذا، ولعبد الله منها كذا؟ فقال:
والذي بعثك بالحق ما علم بها أحد غيرها، وإني لأعلم أنك رسول الله، ففدى كل واحد بأربعين أوقية، وأسلم عقيل من الأسارى، ثم أسلم نوفل بعد ذلك، وهاجر عام الخندق.
(694) قوله: «أين المال الذي وضعته عند أم الفضل» :
يأتي تخريجه في أبواب المعجزات، فصل إخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات.(3/14)
695- وقتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه يومئذ: العاص بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس، والوليد بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس أخا هند، وعامر بن عبد الله- حليفا لهم-، ونوفل بن خويلد عم الزبير بن العوام.
696- وقتل حمزة رضي الله عنه: شيبة بن ربيعة بن عبد شمس، والأسود بن عبد الأسد بن هلال المخزومي.
697- وقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه: خاله العاص بن هشام بن المغيرة.
698- وقتل عبيدة بن الحارث رضي الله عنه: عتبة بن ربيعة بن عبد شمس.
699- وقتل الزبير رضي الله عنه: عبيدة بن سعيد بن العاص.
700- وقتل عمرو بن الجموح الأنصاري رضي الله عنه: أبا جهل بن هشام، ضربه بالسيف على رجله فقطعها، وذفف عليه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فذبحه بسيفه من قفاه وحمل رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
701- وقتل عمار بن ياسر رضي الله عنه: علي بن أمية بن خلف.
702- ومنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي عزة الجمحي على أن لا يقاتله.
(695) قوله: «وقتل علي بن أبي طالب» :
الظاهر أن المصنف لم يرد استقصاء جميع من قتلهم أمير المؤمنين، لقتله رضي الله عنه جماعة آخرين سوى من ذكر، كما أن المصنف رحمه الله لم يتعرض لذكر الخلاف في المباشر لقتل بعض الذين أوردهم، وكل ذلك مبسوط في كتب المغازي والسير.
مغازي الواقدي [1/ 147- 152] ، طبقات ابن سعد [2/ 11- 27] ، السيرة لابن هشام [708/- 715] .(3/15)
703- وأمر صلى الله عليه وسلم أن يلقى القتلى في قليب بدر، ثم وقف عليهم فناداهم بأسمائهم وأسماء آبائهم واحدا واحدا واحدا ثم قال: قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقّا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقّا؟ ثم قال صلى الله عليه وسلم: إنهم ليسمعون كما تسمعون، ولكنهم منعوا من الجواب.
704- ولما فرغ صلى الله عليه وسلم من قتال أهل بدر أتاه جبريل عليه السّلام على فرس أنثى حمراء عاقدا ناصيته، عليه درعه ورمحه في يده قد عصم ثنيته الغبار فقال:
إن الله أمرني أن لا أفارقك حتى ترضى فهل رضيت؟ قال: نعم قد رضيت.
705- واختلف الصحابة في قسمة الغنيمة، ولم يكن نزل في (703) قوله: «فناداهم بأسمائهم» :
أخرج البخاري في المغازي، برقم 3976 من حديث قتادة قال: ذكر لنا أنس ابن مالك، عن أبي طلحة، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش، فقذفوا في طوى من أطواء بدر خبيث مخبث، - وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال-، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشدّ عليها رحلها، ثم مشى، واتبعه أصحابه وقالوا: ما نرى ينطلق إلّا لبعض حاجته، حتى قام على شفة الرّكى، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان، أيسرك أنكم أطعتم الله ورسوله، فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقّا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقّا؟
قال: فقال عمر: يا رسول الله، ما تكلم من أجساد لا أرواح لها!! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم.
(704) قوله: «قد رضيت» :
أخرجه ابن سعد في الطبقات [2/ 26- 27] من حديث أبي بكر بن أبي مريم- وهو ضعيف-، عن عطية بن قيس، بنحوه، وهو معضل.
(705) قوله: «واختلف الصحابة في قسمة» :
انظر الاتي بعده.(3/16)
قسمتها حكم حينئذ، فقال بعضهم: نحن أحق بها لأنا كنا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم وندفع عنه، وبدعائه نصرنا لا بالقتال، وقال آخرون: بل نحن أحق لأنا حفظنا ظهركم، وأخذنا سواد عدوكم فكشفناهم عنكم وجمعنا الغنيمة فنحن أحق بها.
706- فأخر رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمتها حتى بلغ الصفراء، فأنزل الله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ الاية، القصة كلها في أمر بدر.
(706) قوله: «القصة كلها في أمر بدر» :
أخرجها بطولها ابن أبي حاتم في التفسير [5/ 1653] رقم 8768، وابن حبان في صحيحه- واللفظ له برقم 4855 الإحسان- من حديث أبي سلام، عن أبي أمامة، عن عبادة بن الصامت قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فلقي العدو، فلما هزمهم الله اتبعهم طائفة من المسلمين يقتلونهم، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم، واستولت طائفة على العسكر والنهب، فلما كفى الله العدو ورجع الذين طلبوهم قالوا: لنا النفل، نحن طلبنا العدو، وبنا نفاهم الله وهزمهم، وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم: والله ما أنتم أحق به منا، هو لنا، نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا ينال العدو منه غرة، وقال الذين استولوا على العسكر والنهب: والله ما أنتم بأحق منا، هو لنا، فأنزل الله تعالى:
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ الاية، فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفلهم إذا خرجوا بادين: الربع، وينفلهم إذا قفلوا:
الثلث، وقال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وبرة من جنب بعير، ثم قال:
يا أيها الناس، إنه لا يحل لي مما أفاء الله عليكم قدر هذه إلا الخمس، والخمس مردود عليكم، فأدوا الخيط والمخيط، وإياكم والغلول، فإنه عار على أهله يوم القيامة، وعليكم بالجهاد في سبيل الله، فإنه باب-(3/17)
707- فقطع الله تعالى عن الغنائم ملك كل أحد، وجعلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة يفعل فيها ما رأى.
708- وقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم تفضلا منه عليهم، وأدخل معهم في القسمة ثمانية نفر لم يحضروا الغنيمة، منهم: عثمان بن عفان، وطلحة، وسعد، وأبو لبابة، والحارث بن حاطب، فضرب لهم بالسهم والأجر معا، ثم كانت الغنائم تحمل بعد ذلك إلى المدينة إلى- من أبواب الجنة، يذهب الله بها الهم والغم، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الأنفال ويقول: ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم، صححه أيضا الحاكم في المستدرك [2/ 135- 136] على شرط مسلم، وسكت عنه الذهبي في التلخيص.
وأخرجه غيرهم مختصرا، وبعضهم يفرقه على الأبواب، فرقه الحافظ أبو محمد الدارمي في السير من مسنده، باب: في أن ينفل في البدأة الربع وفي الرجعة الثلث، برقم 2639، وفي باب كراهية الأنفال، رقم 2643، 2644- فتح المنان، وقد بسطنا تخريجه في الموضعين، وذكرنا الاختلاف فيه على أبي إسحاق الفزاري وسفيان.
وأخرج الإمام أحمد في مسنده [5/ 322، 322- 323] ، وعبد بن حميد في مسنده- كما في الدر المنثور [4/ 5]- وابن جرير في تفسيره [9/ 172، 172- 173] ، والبيهقي في السنن الكبرى [6/ 315] من حديث أبي أمامة قال: سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال: فينا أصحاب بدر نزلت، حين اختلفنا في النفل، فساءت فيه أخلاقنا، فانتزعه الله من أيدينا، وجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين عن براءة، يقول: عن سواء، صححه الحاكم في المستدرك [2/ 136] شاهدا للمتقدم، وسكت عنه الذهبي في التلخيص.(3/18)
رسول الله صلى الله عليه وسلم ليفعل فيها ما يراه، حتى نزلت: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ الاية.
709- واستشهد يوم بدر أربعة عشر رجلا، منهم: عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، ومهجع مولى عمرو، وذو الشمالين: عمرو بن نضلة حليف بني زهرة- وليس بذي اليدين الراوي لسجود السهو، فإن اسمه الخرباق وعاش إلى زمن معاوية، وقبره بذي خشب-، ومنهم: عمير بن أبي وقاص أخو سعد، وعاقل بن البكير، وصفوان بن أبي البيضاء، والباقون من الأنصار رضي الله عنهم أجمعين.
(708) قوله: «حتى نزلت» :
أخرج ابن أبي شيبة في المصنف [12/ 425- 426] رقم 14131، والبيهقي في السنن الكبرى [6/ 314] ، من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل قبل أن تنزل فريضة الخمس في المغنم، فلما نزلت: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ الاية، ترك التنفل، وجعل ذلك في خمس الخمس، وهو سهم الله، وسهم النبي صلى الله عليه وسلم.(3/19)
[141- فصل: وأمّا قصّة أحد]
141- فصل: وأمّا قصّة أحد 710- فإن أهل بدر لما رجع من سلم منهم منهزما، وقتل سادتهم، لم يبق منزل بمكة إلّا دخله الصراخ والعويل على قتلاهم، وحرّض القوم بعضهم بعضا، وحرّضت أمّ معاوية أبا سفيان ليخرج بهم ليأخذ بثأر قتلاها، وكان منهم: أبوها عتبة بن ربيعة، وعمها شيبة، وأخوها الوليد بن عتبة، وبنو عمها.
711- فخرج أبو سفيان في ثلاثة آلاف من قريش ومن تبعهم، ومعهم هند وصواحبها ينشدن:
قوله: «وأما قصة أحد» :
انظر عنها في:
المصنف لابن أبي شيبة [14/ 388] ، طبقات ابن سعد [2/ 36] ، تاريخ ابن جرير [2/ 499] ، كنز العمال [10/ 378، 424] ، مغازي الواقدي [1/ 199] ، دلائل البيهقي [3/ 201] ، الاكتفاء [2/ 66] ، أنساب البلاذري [1/ 381] ، سيرة ابن هشام [2/ 60] ، مجمع الزوائد [6/ 107] ، الخصائص الكبرى [1/ 527] ، كشف الأستار [2/ 322] .
(711) قوله: «فخرج أبو سفيان في ثلاثة الاف» :
أخرج ارتجاز هند وصواحبها: البزار في مسنده [2/ 322 كشف الأستار] رقم 1787، وفيه قصة، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: من يأخذ هذا السيف بحقه؟ ...
الحديث من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن الزبير بن العوام بها.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد [6/ 109] : رجاله ثقات.(3/20)
نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق
المسك في المفارق ... والدر في المخانق
إن تقبلوا نعانق ... أو تدبروا نفارق
فراق غير وامق
حتى بلغوا المدينة، وذلك في شوال سنة ثلاث، فنزلوا بأحد.
712- وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن استشار أصحابه، فقال صلى الله عليه وسلم:
لا نخرج، فإذا دخلوا علينا قاتلناهم في أفواه الطرق ومن سطوح الدور، فأبوا إلّا الخروج، فلما صار على الطريق قالوا: نرجع، قال صلى الله عليه وسلم: ما كان لنبي إذا قصد قوما أن يرجع عنهم.
713- وكان صلى الله عليه وسلم في ألف رجل، فنزل بيوت بني حارثة، فأقاموا بقية يومهم وليلتهم، ثم خرج في ألف رجل، فلما كانوا ببعض الطريق (712) قوله: «فقال صلى الله عليه وسلم: لا نخرج» :
خرجناه في كتاب الرؤيا، من مسند الحافظ أبي محمد الدارمي- تحت رقم 2298- فتح المنان-، من حديث أبي الزبير، عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت كأني في درع حصينة، ورأيت بقرا تنحر، فأولت أن الدرع:
المدينة، وأن البقر نفر، والله خير، فلو أقمنا بالمدينة، فإذا دخلوا علينا قاتلناهم، فقالوا: والله ما دخلت علينا في الجاهلية، أفيدخل علينا في الإسلام؟ قال: فشأنكم إذا، وقالت الأنصار بعضها لبعض: رددنا على النبي صلى الله عليه وسلم رأيه، فجاؤا فقالوا: يا رسول الله شأنك، فقال: الان؟ إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل.
(713) قوله: «وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألف رجل» : أخرج القصة مطولة مختصره من طرق: ابن إسحاق في سيرته [/ 322- 326] ، ومن طريقه ابن جرير في تاريخه [2/ 499- وما بعده] ، -(3/21)
انخذل عنه عبد الله بن أبيّ ابن سلول بثلث الناس وقال: والله ما ندري على ما نقتل أنفسنا والقوم قومه.
714- قال: وهمّت بنو حارثة وبنو سلمة بالرجوع، ثم عصمهم الله عزّ وجلّ، وهو قوله تعالى: إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا الاية.
715- ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذبّ فرس بذنبه فأصاب كلّاب سيف فاستله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب السيف- وكان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل ولا يعتاف-: شم سيفك، فإني أرى السيوف ستسل اليوم، ونفر صلى الله عليه وسلم في سبعمائة.
716- وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بين درعين.
- وأخرجها من وجه آخر: ابن جرير في تفسيره [4/ 73] ، والبيهقي في الدلائل [3/ 220، 221] .
(714) قوله: «وهو قوله تعالى» : أخرجه البخاري في المغازي، باب قوله تعالى: إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ الاية، رقم 4051، وفي التفسير، برقم 4558، ومسلم في الفضائل، باب من فضائل الأنصار، رقم 2505، كلاهما من حديث عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال: فينا نزلت: إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ الاية، بنو سلمة، وبنو حارثة، وما نحب أنها لم تنزل؛ لقول الله عزّ وجلّ: وَاللَّهُ وَلِيُّهُما.
(715) قوله: «شم سيفك» :
أخرجه ابن إسحاق في سيرته [2/ 64- ابن هشام] .
(716) قوله: «وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ» :
يعني: لبس درعا فوق آخر، وهو في سيرة ابن إسحاق [2/ 66- ابن هشام] .
وأخرجه أبو داود في الجهاد، باب: في لبس الدروع، رقم 2590، وأبو يعلى في مسنده [2/ 24] رقم 660، من حديث السائب بن يزيد- وله-(3/22)
717- وجعل صلى الله عليه وسلم على الرماة- وكانوا خمسين رجلا- عبد الله بن جبير، أخا خوّات بن جبير، وأقامهم برأس الشعب، وقال لهم: إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا من مكانكم حتى أرسل إليكم، فكانت على المشركين، وأدبر النساء يشتددن على الجبل، قد بدت خلاخيلهن وأسورتهن، رافعات ثيابهن، فقال أصحاب عبد الله بن جبير: الغنيمة أي قوم، ظهر أصحابكم، فما تنظرون؟ قال عبد الله: أنسيتم ما قال لكم- صحبة-، عن رجل قد سماه به، قال الهيثمي في مجمع الزوائد [6/ 108] : رجاله رجال الصحيح.
ورواه أبو يعلى مرة برقم 659: عن السائب عمن حدثه عن طلحة بن عبيد الله به، ورجاله أيضا رجال الصحيح.
وأخرجه البزار في مسنده [2/ 322 كشف الأستار] رقم 1786، من حديث سعد بن أبي وقاص به، وفي إسناده إسحاق بن أبي فروة، وهو ضعيف.
وأخرجه الطبراني في معجمه الكبير [22/ 302، 375] رقم 767، 939، من طريق الواقدي- وهو متروك-؛ فتارة يقول: عن أيوب بن النعمان، عن أبيه، عن جده، وتارة يقول: ثنا أيوب بن العلاء، عن أبيه، عن جده:
رأيت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد درعين.
(717) قوله: «وجعل صلى الله عليه وسلم على الرماة» :
القصة بنحوها أخرجها البخاري بطولها في الجهاد والسير، باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب، رقم 3039، واختصرها في المغازي، باب فضل من شهد بدرا رقم 3986، وفي باب قتل أبي رافع، رقم 4043، وفي باب قوله تعالى: إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ الاية، رقم 4067، وفي التفسير، باب قوله تعالى: وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ الاية، رقم 4561، من طرق عن أبي إسحاق السبيعي، عن البراء بن عازب، وأخرجها أيضا الإمام أحمد وأبو داود والنسائي.(3/23)
رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: إنا والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة، فلما تركوا موضعهم خرج كمين المشركين من ذلك الموضع في خمس مائة، ورجع المشركون، وانصرفت وجوه المسلمين فأقبلوا منهزمين، فذلك قوله عزّ وجلّ: وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ الاية، فلم يبق معه صلى الله عليه وسلم إلّا إثنا عشر رجلا، وأصابوا من المسلمين سبعين رجلا، منهم أربعة من المهاجرين: حمزة بن عبد المطلب، وعبد الله بن جحش، ومصعب بن عمير، وشماس بن عثمان بن الشريد، والباقون من الأنصار.
ونادى أبو سفيان: أفي القوم محمد- ثلاثا-، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن إجابته، فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة- ثلاث مرات-، أفي القوم ابن الخطاب- ثلاث مرات- ثم رجع إلى قومه فقال:
أما هؤلاء فقد قتلوا، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كذبت والله يا عدو الله، إن الذين عددت لأحياء كلهم، وقد بقي لك ما يسوءك، فقال: اليوم بيوم بدر، والحرب سجال، إنكم ستجدون في القوم مثلة، لم آمر بها ولم تسؤني- وذلك أن هندا شقت بطن حمزة واستخرجت كبده فأكلته، وجذعت أنفه وأذنيه-، ثم قال: اعل هبل، اعل هبل، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تجيبونه؟ قالوا: فما نقول؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا: الله أعلى وأجل، فقالوا: لنا العزى ولا عزى لكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله مولانا ولا مولى لكم.
718- قال: ثم رجع المشركون وقد قتل منهم، قتل من المشركين من بني عبد الدار عشرة، قتل علي رضي الله عنه: طلحة بن أبي طلحة بن قوله: «ثم قال: اعل هبل» :
يعني: أبا سفيان، وفي رواية البخاري: ثم أخذ يرتجز. -(3/24)
عثمان بن عبد الدار- وكان صاحب لوائهم- وفيهم نزلت: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) .
719- ونزلت في قصة أحد: سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ إلى آخر الايات.
720- وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف عليهم يوم أحد فقرأ:
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ
(718) قوله: «وفيهم نزلت» :
أخرج البخاري في التفسير من صحيحه من حديث مجاهد، عن ابن عباس في هذه الاية قال: هم نفر من بني عبد الدار.
(719) قوله: «ونزلت في قصة أحد» :
أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره [3/ 784] رقم 4316 من حديث عطية العوفي، عن ابن عباس في هذه الاية قال: قذف الله في قلب أبي سفيان الرعب، فرجع إلى مكة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان قد أصاب منكم طرفا، وقد رجع وقذف في قلبه الرعب.
وأخرج ابن جرير في تفسيره [4/ 124] عن السدي قوله في هذه الاية:
لما ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجهين نحو مكة، انطلق أبو سفيان حتى بلغ بعض الطريق، ثم إنهم ندموا فقالوا: بئس ما صنعتم، إنكم قتلتموهم، حتى إذا لم يبق إلّا الشرير تركتموهم، ارجعوا فاستأصلوهم، فقذف الله عزّ وجلّ في قلوبهم الرعب فانهزموا ... القصة يأتي تمامها في غزوة حمراء الأسد.
(720) قوله: «وقف عليهم يوم أحد» : رواه عبيد بن عمير فاختلف عليه فيه، فروي عنه عن أبي ذر، أخرجه الحاكم في المستدرك [3/ 200] وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي في التلخيص. -(3/25)
يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) ، اللهمّ إن عبدك ونبيك يشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة، فأتوهم فسلموا عليهم، فلن يسلم عليهم أحد ما دامت السماوات والأرض إلّا ردّوا عليه.
721- ثم وقف صلى الله عليه وسلم موقفا آخر فقال: هؤلاء أصحابي الذي أشهد لهم يوم القيامة أنهم خرجوا من الدنيا خماصا، لا تغسلوهم وادفنوهم بكلومهم، - ومن طريق الحاكم أخرجه البيهقي في الدلائل [3/ 284] لكن قال عنه، عن أبي هريرة، ولذلك قال البيهقي عقب إخراجه: هكذا وجدته في كتابي:
عن أبي هريرة.
وأخرجه ابن المبارك في الجهاد برقم 95 عن عبيد بن عمير مرسلا لم يذكر أبا ذر ولا أبا هريرة، وإليه أشار البيهقي في الدلائل تعليقا [3/ 284- 285] .
وتقدم عند المصنف في باب فضائل الشهداء، وهو عند البيهقي في الدلائل [3/ 307] أيضا، كلاهما من وجه آخر: عن عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة، عن أبيه مرسلا.
(721) قوله: «خرجوا من الدنيا خماصا» :
زاد المصنف في فضائل الشهداء: فبكى أبو بكر رضي الله عنه وقال: وإنا لكائنون بعدك؟! وأخرج الحافط عبد الرزاق في المصنف [3/ 541] ، من مرسل الحسن: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للشهداء يوم أحد: إن هؤلاء قد مضوا وقد شهدت عليهم، ولم يأكلوا من أجورهم شيئا ولكنكم تأكلون من أجوركم، ولا أدري ما تحدثون بعدي.
قوله: «وادفنوهم بكلومهم» : رواه الزهري فاختلف عليه فيه:
1- فروي عنه، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن جابر، أخرجه البخاري في الجنائز، باب الصلاة على الشهيد، رقم 1343، وفي دفن الرجلين والثلاثة رقم 1345، وفي من لم ير غسل الشهداء رقم 1346، -(3/26)
فإنهم يبعثون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دما، اللون لون الدم، والريح ريح المسك.
722- وروي: أنه صلى الله عليه وسلم لما نظر إلى ما صنع بعمه حمزة بن عبد المطلب رضوان الله عنه استرجع وبكى وقال: والله لئن ظفرت بهم لأمثلن بسبعين منهم، فأنزل الله تعالى ذكره: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ إلى آخر الايات.
- وفي باب: من يقدم في اللحد رقم 1347، 1348، وفي باب اللحد والشق في القبر، رقم 1353، وفي المغازي، باب من قتل من المسلمين يوم أحد، رقم 4079، واللفظ مختصر في جميع المواضع.
2- وروي عنه، عن عبد الرحمن بن كعب، عن أبيه بنحوه، أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف [5/ 340] ، ومن طريقه ابن عدي في الكامل [4/ 1597] ، والطبراني في معجمه الكبير [19/ 82] رقم 167.
قال الحافظ البوصيري في إتحاف الخيرة [6/ 464] : رواته ثقات.
3- وروي عنه، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير، به مرفوعا، أخرجه الإمام أحمد في المسند [5/ 431] ، والنسائي في الجنائز، باب مواراة الشهيد في دمه، رقم 2002، وفي الجهاد، باب من كلم في سبيل الله، رقم 3148، وأبو يعلى في مسنده [5/ 40] رقم 2629، وعبد الله له رؤيا فقط، فحديثه من حيث السماع مرسل.
4- ورواه عنه معمر فزاد بعد عبد الله بن ثعلبة: جابر بن عبد الله، أخرجه الحافظ عبد الرزاق في المصنف [3/ 540- 541] رقم 6633.
5- ورواه أسامة بن زيد- وهو سيء الحفظ- عنه، عن أنس، أخرجه أبو داود في الجنائز، باب في الشهيد يغسل، رقم 3135، والترمذي معلقا في الجنائز، باب ما جاء في ترك الصلاة على الشهيد، عقب رقم 1036.
(722) قوله: «والله لئن ظفرت بهم» : خرجنا الحديث في باب شرفه صلى الله عليه وسلم في القرآن، الشرف رقم 60.(3/27)
723- وبلغ ذلك أخته صفية، فجاءت ببردين لتكفنه فيهما، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جانب حمزة أنصاريا مقتولا فكفن كل واحد منهما في برد، وكان حمزة طوالا فقصر عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غطو رأسه، واجعلوا على رجله الإذخر.
724- وروي أنه صلى الله عليه وسلم صلى على حمزة سبعين صلاة بدلا من قوله:
لأمثلن بسبعين، فكفّر عن يمينه.
(723) قوله: «فجاءت ببردين لتكفنه فيهما» :
أخرجه من طرق: الإمام أحمد في المسند [1/ 165] ، أبو يعلى في مسنده [2/ 45- 46] رقم 686، والحارث بن أبي أسامة في مسنده [2/ 701 بغية الباحث] رقم 688، والبيهقي في السنن الكبرى [4/ 401- 402] .
قال الحافظ البوصيري في الإتحاف [6/ 465] : وهو حديث رواته ثقات.
(724) قوله: «صلى على حمزة سبعين صلاة» :
أخرجه ابن سعد في الطبقات [3/ 16] من حديث حماد بن سلمة، عن عطاء عن الشعبي، عن ابن مسعود قال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة فصلى عليه، وجيء برجل من الأنصار فوضع إلى جنبه فصلى عليه، فرفع الأنصاري وترك حمزة، ثم جيء باخر فوضع إلى جنب حمزة فصلى عليه، فرفع الأنصاري وترك حمزة حتى صلى عليه يومئذ سبعين صلاة.
حماد بن سلمة ممن سمع من عطاء بعد الاختلاط، وقد خالفه همام فرواه عنه مرسلا، لم يذكر ابن مسعود، أخرجه ابن سعد [3/ 16] .
وقد شنع إمام الأئمة الشافعي على من روى هذا الحديث فقال في الأم [1/ 267] : شهداء أحد إثنان وسبعون شهيدا، فإذا كان قد صلى عليهم عشرة عشرة في قول الشعبي فالصلاة لا تكون أكثر من سبع صلوات أو ثمان، فنجعله على أكثرها على أنه صلى على اثنين: صلاة، وعلى حمزة صلاة فهذه تسع صلوات، فمن أين جاءت سبعون صلاة؟ قال: وإن كان-(3/28)
725- وقيل أيضا: بل لم يصل على أحد منهم لكونهم أحياء، وصارت سنة في القتلى في المعترك، والله أعلم.
726- ولما دخل صلى الله عليه وسلم المدينة وجد أهل المنازل يبكون على قتلاهم، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: أما حمزة لا بواكي له، فبلغ ذلك نساء الأنصار، فلم تبق دار فيهم إلّا بكوا على عمه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، وصارت بعد ذلك سنة إذا بكوا على ميت لهم ذكروا حمزة وبكوا عليه، ثم على ميتهم، والله أعلم.
- عنى سبعين تكبيرة فنحن وهم نزعم أن التكبير على الجنائز أربع فهي إذا كانت تسع صلوات، ست وثلاثون تكبيرة، فمن أين جاءت أربع وثلاثون؟! قال الشافعي: فينبغي لمن روى هذا الحديث أن يستحي على نفسه، فقد جاءت الأحاديث من وجوه متواترة بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليهم وقال:
زملوهم بكلومهم. اهبتصرف يسير.
قلت: هذا على افتراض أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليهم عشرة عشرة، لكن رواية الشعبي التي بنى عليها الإمام وكذا رواية ابن مسعود ليس فيها أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليهم عشرة عشرة، بل ظاهرها أنه صلى عليهم الواحد تلو الاخر وإلى جنب كل واحد منهم حمزة رضي الله عنه فالعدد حينئذ يتفق مع عدد الصلاة تقريبا، والله أعلم.
وأما المراسيل فأخرجها جميعا ابن سعد في الطبقات [3/ 17، 18، 19] .
(726) قوله: «أما حمزة فلا بواكي له» :
في الباب عن ابن عمر، وأنس بن مالك، وعطاء بن يسار، ومحمد بن إبراهيم، وابن المنكدر، ومحارب بن دثار مرسلا.
أما حديث ابن عمر فأخرجه الإمام أحمد في المسند [2/ 40، 84، 92] ، وابن ماجه في الجنائز، باب ما جاء في البكاء على الميت، رقم 1591، وابن سعد في الطبقات [3/ 17] ، وأبو يعلى في مسنده [6/ 271، 272، 293- 294] رقم 3576، 3610. -(3/29)
ثم انصرف أبو سفيان من أحد إلى مكة.
727- وأنزل الله تعالى في فعل المسلمين يوم أحد: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ الاية.
- قال ابن كثير في البداية [4/ 48] : وهذا على شرط مسلم.
وأما حديث أنس فأخرجه أبو يعلى في مسنده [6/ 271- 272، 293- 294] رقم 3576، 3610.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد [6/ 120] : رواه أبو يعلى بإسنادين، رجال أحدهما رجال الصحيح.
وأما المراسيل فأخرجها ابن سعد في الطبقات [3/ 17، 18، 19] قوله: «إلا بكوا على عمه حمزة» :
إرضاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم لشدة حبه له ووجده وحزنه عليه، ذكر ابن هشام في سيرته أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهن- أي على نساء الأنصار- وهن على باب المسجد يبكين على حمزة فقال: ارجعن رحمكن الله، لقد واسيتن، رحم الله الأنصار فإن المواساة فيهم ما علمت قديمة.
(727) قوله: «وأنزل الله في فعل المسلمين يوم أحد» :
أخرج ابن منده في معرفة الصحابة- كما في الدر المنثور [2/ 355]- عن ابن عباس في هذه الاية قال: نزلت في عثمان بن عفان، ورافع بن المعلى، وحارثة بن زيد.
قلت: وأصل هذا في صحيح الإمام البخاري في مناقب عثمان رضي الله عنه كما سيأتي في فضائله.
وأخرج عبد بن حميد- كما في الدر المنثور- وابن جرير في تفسيره [4/ 145] من حديث قتادة في هذه الاية قال: ذلك يوم أحد، ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تولوا عن القتال وعن نبي الله يومئذ، وكان ذلك من-(3/30)
728- وقال ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أين أصابنا هذا، وقد وعدنا الله النصر؟! فأنزل الله: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ الاية، إلى قوله: وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ.
- أمر الشيطان وتخويفه، فأنزل الله عزّ وجلّ ما تسمعون أنه قد تجاوز عنهم، وعفا عنهم.
وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره [3/ 796- 798] الأرقام: 4380، 4382، 4385، 4388، 4389، 4391: عن سعيد بن جبير في هذه الاية قال: يعني الذين انصرفوا عن القتال منهزمين يوم أحد حين التقى الجمعان- جمع المسلمين وجمع المشركين-، فانهزم المسلمون عن النبي صلى الله عليه وسلم وبقي في ثمانية عشر رجلا: إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا، يعني:
حين تركوا المركز وعصوا أمر رسول الله حين قال للرماة يوم أحد:
لا تبرحوا مكانكم، فترك بعضهم المركز: وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ حين لم يعاقبهم فيستأصلوا جميعا: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ لما كان منهم، فلم يجعل لمن انهزم يوم أحد بعد قتال بدر النار كما جعل يوم بدر، فهذه رخصته بعد التشديد.
(728) قوله: «وقد وعدنا الله النصر» : أخرج الإمام أحمد في مسنده [1/ 287- 288] ، وابن أبي حاتم في تفسيره [3/ 786- 787] رقم 4325، والطبراني في معجمه الكبير [10/ 365- 367] رقم 10731، والبيهقي في الدلائل [3/ 269- 270] ، من حديث ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال:
ما نصر الله نبيه في موطن كما نصر يوم أحد، فأنكرنا ذلك عليه، فقال ابن عباس: بيني وبين من أنكر ذلك كتاب الله، إن الله يقول في يوم أحد:
وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ الاية، وإنما عنى-(3/31)
.........
- بهذا الرماة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أقامهم في موضع، ثم قال: احموا ظهورنا، وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا، فلما غنم النبي صلى الله عليه وسلم، وأباحوا عسكر المشركين انتفضت الرماة جمعيا، فدخلوا العسكر ينتهبون، وقد انتفضت صفوف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم هكذا- وشبك أصابع يديه- والتبسوا، فلما أخلى الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها، دخلت الخيل من ذلك الموضع على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فضرب بعضهم بعضا، وقتل من المشركين ناس كثير، وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أول النهار، حتى قتل من المشركين أصحاب لواء المشركين تسعة أو سبعة، وجال المشركون جولة نحو الجبل، ولم يبلغوا حيث يقول الناس: الغار، إنما كانوا تحت المهراس، وصاح الشيطان: قتل محمد، فلم يشكوا به أنه حق، فما زلنا كذلك ما نشك أنه قد قتل حتى طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين السعدين نعرفه بكتفيه إذا مشى، قال: ففرحنا حتى كأنه لم يصبنا ما أصابنا، فرقى نحونا وهو يقول: اشتد غضب الله على قوم رموا وجه رسول الله، ويقول مرة أخرى: اللهمّ إنه ليس لهم أن يعلونا، حتى انتهى إلينا، مكث ساعة، فإذا أبو سفيان يصيح في أسفل الجبل: اعل هبل، اعل هبل- يعني إلهه-، أين ابن أبي كبشة؟ أين ابن أبي قحافة؟ أين ابن الخطاب؟ فقال عمر: ألا أجيبه يا رسول الله؟
قال: فلما قال: اعل هبل، قال عمر: الله أعلى وأجل، قال أبو سفيان:
يا ابن الخطاب أين ابن أبي كبشة؟ أين ابن أبي قحافة؟ أين ابن الخطاب؟
فقال عمر: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا أبو بكر، وها أنا ذا.
فقال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، الأيام دول، والحرب سجال، قال عمر:
لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، قال: إنكم تزعمون ذاك، لقد خبنا إذا وخسرنا، ثم قال: أما إنكم ستجدون في قتلاكم مثلة، ولم يكن ذلك عن رأي سراتنا، ثم أدركته حمية الجاهلية قال: أما إنه إذا كان ذلك لم نكرهه. -(3/32)
729- ومما فضله الله تعالى به أنه لما كسرت رباعيته سمع هزة كأن جبال الدنيا تتقلّع؛ ففزع النبي صلى الله عليه وسلم وسجد، وسجد معه أصحابه، فلما رفع رأسه قيل: يا رسول الله ما هذه الهزة؟ قال: عارضني ملك بين السماء والأرض فقال: يا محمد إن الله بعثني لأقتلع الدنيا من عروقها: مدائنها وقصورها، وأمرني لك بالطاعة، قال: فما بلغ من قوتك؟ قال: بلغ من قوتي أن لو أمرتني بقلع الدنيا كلها لا قتلعتها بريشة من جناحي، وما مسني من نصب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ارجع من حيث جئت، فإن الله بعثني رحمة ولم يبعثني ملحمة، فأنزل الله تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ.
730- ونقل عن بعضهم أنه قال: إن الذين كسروا رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يلد لهم مولود تنبت له رباعية.
- صححه الحاكم في المستدرك [2/ 296] ، وأقره في التلخيص مع أن فيه ابن أبي الزناد، اختلف فيه وهو إلى الضعف ما هو، قال الحافظ ابن كثير في تاريخه: إسناد غريب، وسياق عجيب.
(729) قوله: «ومما فضله الله تعالى به» :
لم أقف على من رواه أو أخرجه.
(730) قوله: «ونقل عن بعضهم» :
هو سفيان الثوري، أخرجه الخطيب في تاريخه [12/ 385] ، من طريقه ابن الجوزي في المنتظم [3/ 166] من حديث محمد بن خلف العسقلاني قال:
سمعت محمد بن يوسف الفريابي يقول: لقد بلغني أن الذين كسروا رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يولد لهم صبي فنبتت له رباعية، وعن السهيلي في الروض: لم يولد من نسل عتبة بن أبي وقاص- وهو الذي كسر رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم- ولد يبلغ الحلم إلّا وهو أهتم أبخر، يعرف ذلك في عقبه. -(3/33)
[142- فصل: في غزوة حمراء الأسد]
142- فصل: في غزوة حمراء الأسد 731- ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنفر أصحابه فقال: إن هذه وقعة تسامع بها العرب، فاطلبوهم حتى يسمعوا بأنكم قد طلبتموهم، فخرجوا وبهم ألم الجراح، حتى بلغوا حمراء الأسد فلم يدركوهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرشدهم صفوان وما كان برشيد، والذي نفسي بيده لقد سومت لهم حجارة من سجيل، ولو أضحوا لكانوا كالأمس الذاهب، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلق كيدا.
قوله: «حتى بلغوا حمراء الأسد» :
موضع على ثمانية أميال من المدينة، عن يسار الطريق إذا أردت ذا الحليفة.
انظر عن الغزوة في:
طبقات ابن سعد [2/ 48] ، الخصائص الكبرى [1/ 549] ، أنساب الأشراف [1/ 413] ، دلائل البيهقي [3/ 312] ، تاريخ الطبري [2/ 534] ، مغازي الواقدي [1/ 197] .
قوله: «أرشدهم صفوان وما كان برشيد» : اختصر المصنف القصة، وهي بطولها في مغازي الواقدي [1/ 334- 340] ، وفيها: وكان مما رد الله تعالى أبا سفيان وأصحابه كلام صفوان بن أمية قبل أن يطلع معبد بن أبي معبد وهو يقول: يا قوم لا تفعلوا، فإن القوم قد حزنوا، وأخشى أن يجمعوا عليكم من تخلف من الخزرج، فارجعوا والدولة لكم، فإني لا آمن إن رجعتم أن تكون الدولة عليكم، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره. -(3/34)
[143- فصل: في سرية أبي سلمة بن عبد الأسد إلى قطن]
143- فصل: في سرية أبي سلمة بن عبد الأسد إلى قطن 732- وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سلمة بن عبد الأسد إلى قطن ماء من مياه بني أسد بنجد- فقتل فيها مسعود بن عروة.
قوله: «في سرية أبي سلمة» :
أخّر ذكرها المصنف، ولا خلاف أنها كانت في هلال المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك رتبتها في موضعها تبعا للمصادر، وانظر:
طبقات ابن سعد [2/ 50] ، مغازي الواقدي [1/ 340] ، الدلائل البيهقي [3/ 319] ، تاريخ الإسلام للذهبي [قسم المغازي- ص 229] ، ووهم في تجريد الصحابة فقال: كانت قبل بدر!.
(732) قوله: «قتل فيها مسعود بن عروة» :
كذلك قال جمع من أهل المغازي والسير، منهم: ابن إسحاق [2/ 612 تهذيب ابن هشام] ، والواقدي في مغازيه [1/ 345] ، وابن الأثير في الأسد [5/ 164] ، وابن عبد البر في الاستيعاب [10/ 85] ، وقد أغفله جماعة فلم يذكروه في الصحابة، منهم: أبو نعيم، والحافظ ابن حجر.(3/35)
[144- فصل: في غزوة الرّجيع]
144- فصل: في غزوة الرّجيع 733- ثم أقام صلى الله عليه وسلم يسيرا، ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مرثد بن أبي مرثد الغنوي إلى بطن الرجيع ...
(733) قوله: «إلى بطن الرجيع» :
ضم الإمام البخاري هذه الغزوة والتي بعدها في باب واحد وترجمة واحدة، فربما يتوهم أنهما قصة واحدة، إذ قال في المغازي: باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة ...
قال الحافظ في الفتح: سياق الترجمة يوهم أن غزوة الرجيع وبئر معونة شيء واحد، وليس كذلك، فغزوة الرجيع كانت سرية عاصم وخبيب في عشرة أنفس وهي مع عضل والقارة، وبئر معونة كانت سرية القراء السبعين وهي مع رعل وذكوان، وكأن المصنف أدرجها معها لقربها منها، ويدل على قربها منها ما في حديث أنس من تشريك النبي صلى الله عليه وسلم بين بني لحيان وبين عصية وغيرهم في الدعاء عليهم.
قال: وقد فصل بينهما ابن إسحاق، فذكر غزوة الرجيع في أواخر سنة ثلاث، وبئر معونة في أوائل سنة أربع.
وقد ذكر الواقدي أن خبر بئر معونة وخبر أصحاب الرجيع جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة واحدة.
ورجح السهيلي رواية البخاري أن عاصما كان أميرهم أرجح، وجمع غيره بأن أمير السرية مرثد، وأن أمير العشرة عاصم بناء على التعدد، قال: ولم يرد المصنف- أي: البخاري- أنهما قصة واحدة، والله أعلم.(3/36)
في سبعة نفر، فقتلهم هذيل، وأصيبوا جميعا.
قوله: «في سبعة نفر» :
ذكره الواقدي في مغازيه [1/ 355] وقال: ويقال: كانوا عشرة، وهو الصحيح، لما أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة برقم 4086 أنهم كانوا عشرة، وقال ابن إسحاق: كانوا ستة، وهو قول موسى بن عقبة، أخرجه البيهقي في الدلائل [3/ 327] ، وانظر عن غزوة الرجيع:
سيرة ابن هشام [2/ 169] ، طبقات ابن سعد [2/ 55] ، الاكتفاء [2/ 101] ، الخصائص الكبرى [1/ 549] ، تاريخ الطبري [2/ 538] .(3/37)
[145- فصل: في سرية المنذر بن عمرو إلى بئر معونة]
145- فصل: في سرية المنذر بن عمرو إلى بئر معونة 734- ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم منذر بن عمرو الساعدي مع عامر بن مالك الكلابي في ثمانية عشر رجلا، ...
(734) قوله: «مع عامر بن مالك الكلابي» : كنيته: أبو براء، والملقب بملاعب الأسنة.
كان قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بهدية، فلم يقبلها النبي صلى الله عليه وسلم، وعرض عليه الإسلام فلم يسلم ولم يبعد، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: لو بعثت معي نفرا من أصحابك إلى قومي لرجوت أن يجيبوا دعوتك ويتبعوا أمرك فقال صلى الله عليه وسلم: إني أخاف عليهم أهل نجد، فقال: أنا لهم جار إن تعرض لهم أحد، فبعث معه البعث، فلما نزلوا بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل، فوثب عليه فقتله، واستصرخ عليهم القبائل من رعل وذكوان وعصية، فنفروا معه حتى أتوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحاطوا بهم وقتلوهم.
ولأبي براء قصة مع النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها المصنف في أبواب المعجزات.
وانظر عن هذه السرية في:
طبقات ابن سعد [2/ 51] ، مغازي الواقدي [1/ 346] ، سيرة ابن هشام [2/ 183] ، مجمع الزوائد [6/ 125] ، تاريخ الطبري [2/ 545] ، الخصائص الكبرى [1/ 555] ، كنز العمال [10/ 382] ، دلائل البيهقي [3/ 338] ، الاكتفاء [2/ 106] .
قوله: «في ثمانية عشر رجلا» :
كذا يقول المصنف، وهو غريب، وفي صحيح الإمام البخاري من حديث أنس أن رعلا وذكوان وعصية وبني لحيان استمدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على-(3/38)
فأصيبوا جميعا إلّا رجلين.
- عدد، فأمدهم بسبعين من الأنصار كنا نسميهم القراء في زمانهم..
الحديث، قال الواقدي [1/ 347] : قال أبو سعيد الخدري: كانوا سبعين، ويقال: إنهم كانوا أربعين، ورأيت الثبت على أنهم أربعون، وهو قول ابن إسحاق، وحكى ابن حبيب في المحبر [/ 118] : أنهم ثلاثون، وقد ذكر هذه الأقوال دون ما ذكره المصنف: ابن عبد البر في الدر [/ 161] ، ومغلطاي في الإشارة [/ 240] ، قال ابن القيم في الزاد: الذي في الصحيح هو الصحيح.
قوله: «إلا رجلين» :
هما: كعب بن زيد وعمرو بن أمية الضمري، أما كعب فكان به رمق حين تركوه فارتث من بين القتلى، فكان من أمره أن عاش حتى استشهد يوم الخندق رضي الله عنه وأرضاه، وأما عمرو بن أمية فقد كان في سرح القوم، فلما استبطأهم ذهب إليهم فأخذ أسيرا، فلما أخبرهم أنه من مضر جزّ ناصيته عامر ابن الطفيل وأطلقه رقبة، زعم أنها كانت على أمه.(3/39)
[146- فصل: في غزوة بني النّضير]
146- فصل: في غزوة بني النّضير 735- ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير، فأجلاهم إلى خيبر، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فأقام بها يسيرا.
[147- فصل: في غزوة بدر الميعاد]
147- فصل: في غزوة بدر الميعاد 736- وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا لميعاد أبي سفيان، فلم يأت، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلق كيدا.
(735) قوله: «ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير» :
وذلك في ربيع الأول، سنة أربع، حين نقضوا عهدهم، وغدروا به صلى الله عليه وسلم، وأرادوا قتله بإلقاء صخرة عليه من فوق أحد بيوتهم، وكان صلى الله عليه وسلم أتاهم يستعينهم في دية رجلين قتلهما عمرو بن أمية، انظر عن القصة في:
سيرة ابن هشام [2/ 190] ، أنساب الأشراف [1/ 415] ، دلائل البيهقي [3/ 354] ، طبقات ابن سعد [2/ 57] ، مجمع الزوائد [6/ 125] ، مغازي الواقدي [1/ 363] ، الاكتفاء [2/ 109] ، تاريخ الطبري [2/ 550] .
(736) قوله: «بدرا لميعاد أبي سفيان» :
وقع في الأصول في إثر غزوة بني النضير غزوة بني المصطلق، ولا خلاف أنها متأخرة، فقد قيل: إن غزوة بني المصطلق- وهي غزوة المريسيع- كانت سنة ست فيما ذكره ابن إسحاق، وعلقه له الإمام البخاري في صحيحه، وأخرج البيهقي في الدلائل [4/ 44- 45] ، عن قتادة وعروة: أنها سنة خمس، وهو قول الواقدي [1/ 404] ، وابن سعد في الطبقات [2/ 62] ، وابن قتيبة في المعارف؛ لذلك قدمت ذكرها وجعلت ترتيبها عقب غزوة بني النضير تبعا للمصادر من كتب المغازي في السير، والله أعلم. -(3/40)
[148- فصل: في غزوة ذات الرّقاع]
148- فصل: في غزوة ذات الرّقاع 737- ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات الرقاع، فلقي بها العدو قريبا من عسفان، فصلى فيها صلاة الخوف، ثم انصرف الفريقان ...
- وانظر عن غزوة بدر الميعاد في:
طبقات ابن سعد [2/ 59] ، أنساب الأشراف [1/ 417] ، مغازي الواقدي [1/ 384] ، دلائل البيهقي [3/ 384] ، سيرة ابن هشام [2/ 209] .
(737) قوله: «ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات الرقاع» :
في المحرم، قاله ابن سعد [2/ 61] تبعا للواقدي [1/ 395] ، وقال ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام: [2/ 203] : في جمادى الأولى سنة أربع، وهو قول ابن حبيب في المحبر [/ 113] . وانظر:
دلائل البيهقي [3/ 369] ، الخصائص الكبرى [1/ 557] ، الاكتفاء [2/ 113] ، أنساب الأشراف [1/ 419] ، تاريخ الطبري [2/ 555] .
قوله: «فصلى صلاة الخوف» :
قال الإمام البخاري في المغازي: باب غزوة ذات الرقاع، وهي غزوة محارب خصفة من بني ثعلبة، وهي بعد خيبر، ثم ذكرها رحمه الله قبل خيبر.
قال الحافظ في الفتح: لا أدري هل تعمد البخاري ذلك تسليما لأصحاب المغازي أنها كانت قبلها أو أن ذلك من الرواة عنه، أو إشارة إلى احتمال أن تكون ذات الرقاع اسما لغزوتين مختلفتين كما أشار إليه البيهقي؟! على أن أصحاب المغازي مع جزمهم بأنها كانت قبل خيبر مختلفون في زمانها. اهـ. -(3/41)
لم يكن بينهما قتل، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
- وزعم ابن القيم في الزاد [3/ 252] : أنه لا خلاف بينهم أن غزوة عسفان كانت بعد الخندق، وأنه قد صح أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف بذات الرقاع، قال: فعلم أنها بعد الخندق وبعد عسفان، قال: ويؤيد هذا أن أبا هريرة وأبا موسى شهدا ذات الرقاع، كما في الصحيحين، عن أبي موسى، أنه شهد غزوة ذات الرقاع، وأنهم كانوا يلفون على أرجلهم الخرق لما نقبت، وأما أبو هريرة، ففي المسند والسنن: أن مروان بن الحكم سأله: هل صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ قال: نعم، قال: متى؟ قال: عام غزوة نجد، قال ابن القيم: وهذا يدل على أن غزوة ذات الرقاع بعد خيبر، وأن من جعلها قبل الخندق فقد وهم وهما ظاهرا، قال: فالصواب تحويلها من هذا الموضع إلى ما بعد الخندق، بل بعد خيبر، وإنما ذكرناها هنا تقليدا لأهل المغازي والسير، ثم تبين لنا وهمهم. اهـ.(3/42)
[149- فصل: في غزوة المريسيع]
149- فصل: في غزوة المريسيع 738- ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني المصطلق- من خزاعة- فأغار عليهم، فغلبهم وسباهم، واشترى جويرية بنت الحارث من ذلك السبي فأعتقها وتزوجها.
(738) قوله: «ثم غزا بني المصطلق» :
قال ابن إسحاق: سنة ست، وقال موسى بن عقبة: سنة أربع، علقهما البخاري في المغازي من صحيحه، قال الحافظ في الفتح: كذا ذكره البخاري عن موسى بن عقبة، وكأنه سبق قلم، أراد أن يكتب سنة خمس فكتب سنة أربع، والذي في مغازي موسى بن عقبة من عدة طرق، أخرجها الحاكم، وأبو سعيد- كذا- النيسابوري، والبيهقي في الدلائل وغيرهم: سنة خمس.
وانظر عن غزوة المريسيع في:
سيرة ابن هشام [2/ 289] ، دلائل البيهقي [4/ 44] ، الاكتفاء [2/ 161] ، طبقات ابن سعد [2/ 63] ، الخصائص الكبرى [2/ 13] ، مغازي الواقدي [1/ 404] ، تاريخ ابن جرير [2/ 604] ، أنساب الأشراف [1/ 423] ، المصنف لابن أبي شيبة [14/ 427] .
قوله: «واشترى جويرية بنت الحارث من ذلك السبي» :
وكانت قد صارت في سهم ثابت بن قيس بن شماس وابن عم له، فكاتباها على تسع أواقي ذهب، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابتها فأداها عنها وتزوجها، فأعتق المسلمون بسبب هذا الزواج مائة أهل بيت من بني المصطلق قد أسلموا، وقالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، -(3/43)
739- وروي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف من غزوة بني المصطلق ومعه جويرية بنت الحارث- وكان صلى الله عليه وسلم بذات الجيش- دفع جويرية إلى رجل من الأنصار وديعة، وأمره بالاحتفاظ بها، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فأقبل أبوها الحارث بن أبي ضرار بفداء ابنته، فلما كان بالعقيق نظر إلى الإبل التي جاء للفداء فرغب في بعيرين منها، فغيّبها في شعب من شعاب العقيق، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أصبتم ابنتي وهذا فداؤها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأين البعيران اللذان غيّبت بالعقيق في شعب كذا وكذا، فقال الحارث: اشهد أن لا إله إلّا الله، وأنك رسول الله، فو الله ما أطلع على ذلك إلّا الله تعالى ذكره، فأسلم- أخرجه ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام [2/ 294- 295] ، ومن طريقه الإمام أحمد في المسند [6/ 277] : حدثني محمد بن جعفر، عن عروة، عن عائشة ... الحديث وفيه: قالت عائشة: فما أعلم امرأة كانت أعظم على قومها بركة منها، إسناده صحيح.
739 قوله: «وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف» : سيرة ابن هشام [2/ 295] .
قوله: «فقال الحارث: أشهد ان لا إله إلّا الله» : فرق بينه وبين الحارث بن ضرار جماعة، فذكروا في ابن أبي ضرار القصة المذكورة هنا، أخرجها ابن إسحاق- كما في سيرة ابن هشام [2/ 295- 296] ، ومن طريقه أبو علي الغساني- كما في الأسد لابن الأثير في الأسد [1/ 400]- وذكروا في ابن أبي ضرار قصته مع الوليد بن عقبة وسبب نزول قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا الاية، ومنهم من جعلهما واحدا، قال ابن عبد البر: أخشى أن يكونا اثنين، وقال ابن الأثير في ترجمة ابن أبي ضرار: استدركه أبو علي الغساني على أبي عمر، وظاهر صنيع الحافظ في الإصابة أنهما واحد، والله أعلم.(3/44)
الحارث، وأسلم معه ابنان له وناس من قومه، ودفع إليه ابنته جويرية فأسلمت، وحسن إسلامها، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيها فزوجها إياه، وأصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة درهم.
[150- فصل: في قصّة الإفك]
150- فصل: في قصّة الإفك 740- ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وكان في ذلك الطريق شأن عائشة رضي الله عنها حين قذفت، فأقام صلى الله عليه وسلم يسيرا.
(740) قوله: «وكان في ذلك الطريق شأن عائشة رضي الله عنها» :
ترجم لذلك الإمام البخاري في المغازي، فقال: باب غزوة بني المصطلق من خزاعة- وهي غزوة المريسيع- ... قال: وقال النعمان بن راشد، عن الزهري: كان حديث الإفك في غزوة المريسيع.
والقصة مشهورة مذكورة في الصحيحين وكتب التفسير والسير.(3/45)
[151- فصل: في غزوة الخندق وبني قريظة]
151- فصل: في غزوة الخندق وبني قريظة 741- ثم إن حيي بن أخطب اليهودي لما أجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج هو إلى مكة يؤلب قريشا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل معه أبو سفيان لميعاده، ثم خرج إلى غطفان يؤلبهم، فأقبل معه عيينة بن حصن، فأقبل حيي بن أخطب بقريش وكنانة وغطفان.
742- وسمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم، وذلك على رأس أربع سنين من مقدمه صلى الله عليه وسلم المدينة، ...
(742) قوله: «على رأس أربع سنين من مقدمه صلى الله عليه وسلم المدينة» :
وهو قول موسى بن عقبة، علقه الإمام البخاري في المغازي من صحيحه.
قال الحافظ في الفتح: وتابع موسى على ذلك: مالك، وأخرجه أحمد عن موسى بن داود، عنه، وقال ابن إسحاق: كانت في شوال سنة خمس، وبذلك جزم غيره من أهل المغازي. اه.
وفي مغازي الواقدي [2/ 440] : عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء لثمان مضت من ذي القعدة، وانصرف يوم الأربعاء لسبع بقين من سنة خمس، وتبعه ابن سعد [2/ 65] .
وانظر عن غزوة الخندق أيضا:
دلائل البيهقي [3/ 392] ، طبقات ابن سعد [2/ 65] ، أنساب الأشراف [1/ 427] ، مصنف ابن أبي شيبة [14/ 408] ، مجمع الزوائد [6/ 130] ، كنز العمال [10/ 383] ، الخصائص الكبرى [1/ 565] ، سيرة ابن هشام [2/ 214] .(3/46)
فنزل المشركون المذاد، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم قريبا من سلع، فخندق على نفسه، فأقام أبو سفيان أربع عشرة ليلة، ثم إن عمرو بن عبد ود بارز عليّا رضي الله عنه فقتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبعث الله عليهم ريحا وبردا شديدا.
743- وقد كانت قريظة من اليهود حالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يكونوا عليه ولا معه، فقال حيي بن أخطب لأبي سفيان: إني سامر قريظة أن تنقض الحلف الذي كان بينهم وبين محمد صلى الله عليه وسلم، ففعلوا ذلك، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يناشدهم العهد، فسبوا رسله ولم يخرجوا، فرأى ذلك أبو سفيان، وظن أن ما قال حيي باطل، فرجع ورجعت غطفان وكنانة، وفي ذلك أنزل الله عزّ وجلّ: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ إلى آخر الايتين، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
744- فلما وضع أصحابه صلى الله عليه وسلم السلاح جاءه جبريل عليه السّلام فقال له: قوله: «فنزل المشركون المذاد» : المذاد: المكان المرتفع، وهو هنا الموضع الذي خندق فيه النبي صلى الله عليه وسلم، قال الواقدي في مغازيه [2/ 445] : كان أعجب المنازل إليه صلى الله عليه وسلم أن يجعل سلعا خلف ظهره ويخندق من المذاد إلى ذباب راتج وهو الجبل المجاور لجبل بني عبيد غربي بطحان.
(744) قوله: «جاءه جبريل عليه السلام» : أخرجاه في الصحيحين مطولا ومختصرا: فأخرجه البخاري مطولا في المغازي، باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب، رقم 4122، ومختصرا في نفس الباب برقم 4117، ومسلم في الجهاد والسير، باب جواز قتال من نقض العهد، رقم 1769 (65، 66، 67، 68) ، كلاهما من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها.(3/47)
وضعتم السلاح؟ والله ما وضعته الملائكة، إن الله عزّ وجلّ يأمرك أن تخرج إلى بني قريظة.
745- فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فحاصرهم، فقال لهم: انزلوا على حكمي فأبوا، وقالوا: ننزل على حكم سعد، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد- وكان مجروحا أصابته رمية يوم الخندق- فجاء سعد ونزلوا، فضرب أعناقهم، وسبى نساءهم، وأخذ أموالهم، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين.
[152- فصل: في سرية محمّد بن مسلمة إلى القرطاء]
152- فصل: في سرية محمّد بن مسلمة إلى القرطاء 746- ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة إلى القرطاء، فرجع ولم يلق كيدا.
(745) قوله: «فأبوا» :
وفي رواية الصحيحين: أنهم نزلوا على حكمه، فرد النبي صلى الله عليه وسلم الحكم فيهم إلى سعد رضي الله عنه.
(746) قوله: «ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة» :
مذكورة في الأصل في إثر الرجيع، وأثبتها هنا تبعا لأهل المغازي والسير، أخرج الواقدي في مغازيه [2/ 534] قال: حدثني خالد بن إلياس، عن جعفر بن محمود قال: قال محمد بن مسلمة: خرجت في عشر ليال خلون من المحرم، فغبت تسع عشرة، وقدمت لليلة بقيت من المحرم على رأس خمسة وخمسين شهرا، أخرجه أيضا ابن سعد [2/ 78] .
وانظر أيضا: دلائل البيهقي [4/ 78] .(3/48)
[153- فصل: في غزوة بني لحيان من هذيل]
153- فصل: في غزوة بني لحيان من هذيل 747- ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فأقام ما شاء الله له أن يقيم، ثم غزا صلى الله عليه وسلم بني لحيان من هذيل، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا.
(747) قوله: «فأقام ما شاء الله أن يقيم» :
روى الواقدي في مغازيه [2/ 535] : عن عطاء بن أبي مروان قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لهلال ربيع الأول سنة ست، وتبعه ابن سعد [2/ 78] .
وقال ابن إسحاق: في جمادى الأولى على رأس ستة أشهر من قريظة، وإليه ذهب ابن حبان، وابن عبد البر في الدر، وصححه ابن كثير في الفصول، وقال ابن حزم في جوامع السيرة: الصحيح أنها في الخامسة.
قوله: «ثم غزا صلى الله عليه وسلم بني لحيان» :
لشدة وجده وحزنه صلى الله عليه وسلم على عاصم بن ثابت وأصحابه.
انظر عن هذه الغزوة في:
سيرة ابن هشام [2/ 279] ، دلائل البيهقي [3/ 364] ، الاكتفاء [2/ 153] ، تاريخ ابن جرير [2/ 595] ، أنساب الأشراف [1/ 435] .(3/49)
[154- فصل: في غزوة الغابة]
154- فصل: في غزوة الغابة 748- ثم إنّ عيينة بن حصن أغار على سرح المدينة، فذهب بها، فغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه وبعث على مقدمته سعيد بن زيد الأشهلي، فلحق عيينة فهزمه واستنقذ السرح، ولحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي قرد، ثم رجع إلى المدينة.
(748) قوله: «فغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه» :
وتسمى بغزوة ذي قرد، كذلك ترجم لها في الصحيحين، قال البخاري أيضا في الترجمة: وهي الغزوة التي أغاروا فيها على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم قبل خيبر بثلاث.
قال الحافظ في الفتح: وهو ماء على نحو بريد مما يلي بلاد غطفان، وقيل: على مسافة يوم. وانظر:
طبقات ابن سعد [2/ 80] ، مغازي الواقدي [2/ 537] ، سيرة ابن هشام [2/ 280] ، تاريخ ابن جرير [2/ 596] ، الاكتفاء [2/ 154] ، أنساب الأشراف [1/ 437] .(3/50)
[155- فصل: في سريّة عكاشة بن محصن]
155- فصل: في سريّة عكاشة بن محصن 749- وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عكاشة بن محصن الأسدي، فرجع إلى المدينة ولم يلق كيدا.
[156- فصل: في سريّة زيد بن حارثة إلى وادي القرى]
156- فصل: في سريّة زيد بن حارثة إلى وادي القرى 750- وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة إلى وادي القرى، فلقي بني فزارة، فقتلوا ناسا من أصحابه، وأفلت جريحا.
(749) قوله: «وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عكاشة بن محصن الأسدي» : يعني: إلى غمر مرزوق- ماء لبني أسد- على ليلتين من فيد، في ربيع الأول سنة ست من الهجرة.
طبقات ابن سعد [2/ 84] ، مغازي الواقدي [2/ 550] .
(750) قوله: «إلى وادي القرى» :
وذلك في رجب سنة ست، قاله ابن سعد. انظر:
أنساب الأشراف [1/ 484] ، طبقات ابن سعد [2/ 88] .(3/51)
[157- فصل: بعث عليّ بن أبي طالب وزيد بن حارثة]
157- فصل:
بعث عليّ بن أبي طالب وزيد بن حارثة 751- ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى فدك، وزيد بن حارثة، إلى أم قرفة، وعمر بن الخطاب إلى قرية من أرض بني عامر، (751) قوله: «إلى فدك» :
يعني: إلى بني سعد بن بكر وذلك في شعبان سنة ست من الهجرة، حيث بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لهم جمعا يريدون أن يمدوا يهود خيبر، فأغار عليهم وغنم نعما وشاء.
قوله: «إلى أم قرفة» :
واسمها: فاطمة بنت ربيعة بن بدر الفزارية عم عيينة بن حصن، بناحية وادي القرى، على سبع ليال من المدينة، وذلك في رمضان، لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أنها جهزت ثلاثين من ولدها وولد ولدها ليقتلوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهمّ اثكلها بولدها، تأتي قصتها في المعجزات، في فصل ما ظهر من الايات والدلائل فيمن دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم، أخرج القصة ابن سعد في الطبقات [2/ 90] ، والواقدي في المغازي [2/ 565] ، وابن هشام [2/ 617] ، وأسند الحديث أبو نعيم في الدلائل برقم 462، وذكر البلاذري في الأنساب [1/ 485] أنها كانت تؤلب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقل ابن سيد الناس في سيرته [2/ 156] عن الدولابي أنها كانت تسب النبي صلى الله عليه وسلم، قال الواقدي:
قتلها قيس بن المحسّر قتلا عنيفا؛ ربط بين رجليها حبلا ثم ربطها بين بعيرين، ثم زجرهما فذهبا فقطعاها.
قوله: «إلى قرية من أرض بني عامر» : أظنه أراد سريته إلى تربة، إلى عجز هوازن بناحية العبلاء، على أربع ليال من-(3/52)
وأبا العوجاء السلمي إلى أرض بني سليم، فسلموا جميعا إلّا أبا العوجاء أصيب هو وأصحابه جميعا.
[158- فصل: في سرية ابن رواحة إلى يسير بن رزام]
158- فصل: في سرية ابن رواحة إلى يسير بن رزام 752- ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة إلى خيبر، فقتل يسير بن رزام اليهودي في ثلاثين رجلا.
- مكة طريق صنعاء ونجران، وكانت في شعبان سنة سبع، فأتى الخبر هوازن فهربوا، وجاء عمر محالهم فلم يلق منهم أحدا فانصرف راجعا إلى المدينة.
انظر:
طبقات ابن سعد [2/ 117] ، مغازي الواقدي [2/ 722] ، أنساب البلاذري [1/ 486] .
قوله: «وأبا العوجاء السلمي» :
كذا في سيرة ابن إسحاق [2/ 612 ابن هشام] ، وسماه ابن سعد في الطبقات [2/ 123] ، وبعض من ألف في الصحابة: ابن أبي العوجاء، وكانت سريته في ذي الحجة سنة سبع من الهجرة، وحمل جريحا حتى دخل المدينة، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول يوم من صفر سنة ثمان.
(752) قوله: «إلى يسير بن رزام» :
ويقال: أسير، وكان من شأنه أنه سار في غطفان يجمعهم لحرب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قتله في شوال سنة ست فيما ذكره الواقدي [2/ 566] ، وابن سعد [2/ 92] ، انظر:
أنساب الأشراف [1/ 485] ، سيرة ابن هشام [2/ 618] ، دلائل البيهقي [4/ 293- 294] .(3/53)
[159- فصل: في سريّة عبد الله بن عتيك إلى أبي رافع]
159- فصل:
في سريّة عبد الله بن عتيك إلى أبي رافع 753- ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عتيك فقتل أبا رافع ابن أبي الحقيق.
(753) قوله: «فقتل أبا رافع» :
اختلف في السنة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عتيك، فعن الواقدي [1/ 391] لأربع خلون من ذي الحجة على رأس ستة وأربعين شهرا من الهجرة، أي أنها من حوادث السنة الرابعة، وفيها ذكرها ابن حبان وابن حبيب في المحبر، والبلاذري في الأنساب، وذكر مغلطاي في الإشارة [/ 273] أنها في ذي الحجة سنة خمس، وعن ابن سعد [2/ 91] : أنها في شهر رمضان سنة ست، والقصة بطولها في صحيح الإمام البخاري، كتاب الجهاد، باب قتل النائم المشرك، من طريق ابن أبي زائد، رقم 3022، 3023، وفي المغازي، باب قتل أبي رافع، من طريق إسرائيل، رقم 4039، وفيه أيضا من طريق يوسف رقم 4040، جميعهم عن أبي إسحاق السبيعي، عن البراء.(3/54)
[160- فصل: في قصّة الحديبية]
160- فصل: في قصّة الحديبية 754- ودخلت سنة ست، فتجهّز رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة، فخرج إلى العمرة، وهو لا يريد قتالا، وخرج معه ألف وستمائة رجل، وساق سبعين بدنة، حتى إذا كان بالحديبية بعث عثمان بن عفان يستأذن له على أهل مكة على أن يدخل معتمرا، فأبوا أن يتركوه، واحتبس عثمان بن عفان رضي الله عنه، فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قتلوه، فقال صلى الله عليه وسلم:
تبايعوني على الموت، فبايعوه تحت الشجرة، فتلك بيعة الرضوان، قوله: «في قصة الحديبية» :
انظر القصة في: طبقات ابن سعد [2/ 95] ، سيرة ابن هشام [2/ 308] ، دلائل النبوة [4/ 90] ، الخصائص الكبرى [2/ 23] ، مغازي الواقدي [2/ 571] ، الاكتفاء [2/ 173] ، أنساب الأشراف [1/ 439] .
(754) قوله: «تبايعوني على الموت» :
أخرج البخاري في المغازي، باب غزوة الحديبية برقم 4169، وفي الجهاد، باب البيعة في الحرب أن لا يفروا، وقال بعضهم: على الموت، رقم 2960، وفي الأحكام، باب: كيف يبايع الإمام الناس، رقم 7206، ومسلم في الإمارة، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال رقم 1680، كلاهما من حديث يزيد: بن أبي عبيد قال: قلت لسلمة: على أي شيء بايعتم النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية؟ قال: على الموت.
وأخرجا من حديث عبد الله بن زيد: أنه رأى يوم الحرة والناس يبايعون لعبد الله بن حنظلة فقال: على ما يبايع ابن حنظلة الناس؟ قيل له: -(3/55)
ثم إنهم اصطلحوا على أن ينصرف عنهم، ويرجع من العام المقبل فيحلّوا بها ثلاثة أيام، فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتب بينهم كتابا، فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه، ثم جلس فحلق رأسه، ونحر أصحابه بدنهم، وحلقوا رؤوسهم.
- على الموت، قال: لا أبايع على ذلك أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان شهد معه الحديبية.
قلت: ولا ينافي في هذا قول جابر رضي الله عنه: بايعناه على أن لا نفر، ولم نبايعه على الموت، أخرجه مسلم في الأمارة، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال، رقم 1856 (67، 68) ، لأن المراد على الثبات عند اللقاء لإحدى الطائفتين، فتأمل.(3/56)
[161- فصل: في غزوة خيبر]
161- فصل: في غزوة خيبر 755- ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، فحلّ بها، ثم حاصرهم، (755) قوله: «ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر» :
انظر عن غزوة خيبر في:
صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر [3/ 134] ، صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة خيبر [3/ 1426] ، طبقات ابن سعد [2/ 106] ، دلائل البيهقي [4/ 194] ، مغازي الواقدي [2/ 633] ، أنساب الأشراف [1/ 443] ، الاكتفاء [2/ 186] ، الخصائص الكبرى [2/ 51] ، مجمع الزوائد [6/ 147] ، كنز العمال [10/ 385، 461] .
قوله: «فحل بها ثم حاصرهم» :
قال موسى بن عقبة: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية مكث بها عشرين ليلة أو قريبا منها، ثم خرج غازيا إلى خيبر، وكان الله وعده إياها وهو بالحديبية، وقال ابن إسحاق: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحديبيه: ذا الحجة، وبعض المحرم، وخرج في بقية منه إليها، رجحه الحافظ في الفتح، وقال ابن سعد: خرج في جمادى الأولى سنة سبع، وقال الواقدي [2/ 636] : خرج في صفر سنة سبع، وقيل: بل خرج آخر سنة ست، لم يبق منها إلّا شهر وأيام، وهو قول مالك، وذكره ابن عبد البر في الدرر، وابن حزم في جوامع السيرة بناء على ما ذهبوا إليه من أن السنة الهجرية تبدأ من شهر ربيع، لا من المحرم.(3/57)
فخرج إليهم اليهود وقاتلوه، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ناسا من أصحابه فهزموا، فلما رجعوا إليه قال صلى الله عليه وسلم: لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله قوله: «فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ناسا من أصحابه» :
لفظ حديث بريدة بن سفيان، عن أبيه، عن سلمة بن الأكوع اختصره المصنف: ولفظه: قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر بن أبي قحافة برايته إلى بعض حصون خيبر فقاتل، فرجع ولم يك فتحا، وقد جهد، ثم بعث عمر بن الخطاب الغد فقاتل، ثم رجع ولم يك فتحا، وقد جهد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، يفتح الله على يديه، ليس بفرار، قال سلمة: فدعا علي بن أبي طالب وهو أرمد فتفل في عينيه ثم قال: خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك، قال يقول سلمة: فخرج بها والله يهرول هرولة وأنا خلفه أتتبع أثره حتى ركز رايته في رضم من حجارة تحت الحصن، فاطلع يهودي من رأس الحصن فقال: من أنت؟ قال: علي بن أبي طالب، قال يقول اليهودي:
علوتم وما أنزل على موسى- أو كما قال-، قال: فما رجع حتى فتح الله عزّ وجلّ على يديه.
أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده [2/ 708 بغية الباحث] رقم 696، ومن طريقه أبو نعيم في الحلية [1/ 62] وقال: غريب من حديث بريدة، عن أبيه، وفيه زيادات ألفاظ لم يتابع عليها، وصحيحه من حديث يزيد بن أبي عبيدة، عن سلمة.
قلت: بريدة ليس بالقوي عندهم، وأبوه ذكره البخاري وابن أبي حاتم في كتابيهما ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا.
لكن مع هذا يشهد له حديث بريدة ابن الحصيب إذ أخرجه بنحوه من حديثه: الإمام أحمد في المسند [5/ 358] ، والنسائي في السير من السنن الكبرى [5/ 109] رقم 8403، والحاكم في المستدرك [3/ 437] ، جميعهم من حديث ميمون أبي عبد الله. -(3/58)
على يديه، فأعطاها علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، فأقبل بها حتى ركزها في أصل حصنهم، فأشرف إليه يهودي فقال: من أنت؟ قال:
علي بن أبي طالب، فالتفت إلى قومه فقال: غلبتم وما أنزل على موسى، ففتحها الله على يديه.
فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعناقهم، وسبى ذراريهم، وأخذ أموالهم، وأخذ من سبيهم: صفية بنت حيي، فأعتقها وتزوجها.
- وأخرجه البيهقي في الدلائل [4/ 210] من حديث الحسين بن واقد المروزي، وفي [4/ 210- 212] من حديث المسيب بن مسلم، ثلاثتهم عن ابن بريدة، عن أبيه بنحوه.
قوله: «غلبتم» :
وفي بعض المصادر: عليتم، ويروى أيضا: علوتم، قال أبو نعيم: فيه دلالة على تقدم على اليهود من كتبهم بتوجيه من وجه إليهم، ويكون الفتح على يديه.
قوله: «وأخذ من سبيهم صفية» :
اصطفاها صلى الله عليه وسلم لنفسه، والقصة مخرجة في الصحيحين.(3/59)
[162- فصل: في سريّة بشير بن سعد إلى فدك]
162- فصل: في سريّة بشير بن سعد إلى فدك 756- وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشير بن سعد الأنصاري إلى بني مرة بفدك، فرجع ولم يلق كيدا.
(756) قوله: «إلى بني مرة بفدك» :
انظر عنها في: مغازي الواقدي [2/ 723] ، طبقات ابن سعد [2/ 118] ، دلائل البيهقي [4/ 295] .
قوله: «فرجع ولم يلق كيدا» :
لعله ذهول من المصنف، فقد قال غير واحد من أهل السير والمغازي أنهم قوتلوا وأصيبوا، وقد ذكر المصنف- كما سيأتي- سرية غالب بن عبد الله إلى بني مرة، وإنما كانت لمصاب أصحاب بشير، قال ابن سعد [2/ 118- 119] : خرج يلقى رعاء الشاء فسأل عن الناس فقيل: في بواديهم، فاستاق النعم والشاء وانحدر إلى المدينة، فخرج الصريخ فأخبرهم، فأدركه الدهم منهم عند الليل، فأتوا يرامونهم بالنبل حتى فنيت نبل أصحاب بشير، وأصبحوا، فحمل المريون عليهم فأصابوا أصحاب بشير، وقاتل بشير حتى ارتث، وضرب كعبه، فقيل: قد مات، ورجعوا بنعمهم وشائهم، وقدم علبة بن زيد الحارثي بخبرهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قدم من بعده بشير بن سعد.
قال ابن سعد: كانت سرية بشير إلى فدك في شعبان سنة سبع من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وانظر: مغازي الواقدي [2/ 723] .(3/60)
[163- فصل: في عمرة القضيّة]
163- فصل: في عمرة القضيّة 757- ثم دخلت سنة سبع، فاعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين شهدوا معه الحديبية، فخرج ومعه ستون بدنة، فمضى حتى دخل مكة، فطاف بالبيت أسبوعا على ناقته، يستلم الركن بمحجنة، وأقام بها ثلاثة أيام، وتزوج بها ميمونة بنت الحارث الهلالية، ثم خرج فابتنى بها بسرف.
(757) قوله: «ثم دخلت سنة سبع فاعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم» :
في هلال ذي القعدة منها باتفاق أهل السير.
قوله: «فخرج ومعه ستون بدنة» :
انظر عن عمرة القضية في:
صحيح الإمام البخاري [3/ 144] ، مغازي الواقدي [2/ 731] ، طبقات ابن سعد [2/ 120] ، مجمع الزوائد [6/ 144] ، الخصائص الكبرى [2/ 67] ، دلائل البيهقي [4/ 313] ، الاكتفاء [2/ 202] ، أنساب الأشراف [1/ 447] .(3/61)
[164- فصل: سياق آخر لقصّة الحديبية وعمرة القضيّة]
164- فصل: سياق آخر لقصّة الحديبية وعمرة القضيّة قال أبو سعد رحمه الله:
758- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحج مع قومه قبل مبعثه، وبعد مبعثه قبل نزول فرض الحج عليه، ويدعو الناس في كل موسم إلى الإيمان وإلى اتباعه.
(758) قوله: «قبل نزول فرض الحج عليه» :
أخرج الترمذي في الحج، باب ما جاء: كم حج النبي صلى الله عليه وسلم؟ من حديث زيد بن حباب، عن سفيان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج ثلاث حجج: حجتين قبل أن يهاجر، وحجة بعد ما هاجر ومعها عمرة ... الحديث، قال أبو عيسى: غريب.
وأخرجه الحاكم في المستدرك [1/ 470] ، صححه على شرط مسلم، وقال البيهقي عقب إخراجه في الدلائل [5/ 454] : تفرد به زيد، عن سفيان، وقد بلغني عن محمد بن إسماعيل أنه قال: هذا حديث خطأ، كان زيد بن الحباب إذا روى حفظا ربما غلط في الشيء، وإنما روى هذا عن الثوري عن أبي إسحاق، عن مجاهد. اه.
قلت: لذلك سكت عنه الذهبي في التلخيص، ومن الوجه الذي ذكره البيهقي أخرجه ابن سعد في الطبقات [2/ 189] من طريق محمد بن عبد الله الأسدي، عن سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله.
وتابعه وكيع عن سفيان، أخرجه البيهقي في الدلائل [5/ 453- 454] فالقول قولهما.
وأخرج البخاري في المغازي من صحيحه، باب حجة الوداع، من حديث-(3/62)
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فلما كان في سنة ست من الهجرة- أبي إسحاق السبيعي، عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة، وأنه حج بعدما هاجر حجة واحدة، لم يحج بعدها: حجة الوداع، قال أبو إسحاق: وبمكة أخرى.
قال الحافظ ابن كثير في تاريخه: هذا الذي قاله أبو إسحاق من أنه صلى الله عليه وسلم حج بمكة حجة أخرى إن أراد أنه لم يقع منه إلّا حجة واحدة- كما هو ظاهر لفظه- فهو بعيد، فإنه صلى الله عليه وسلم كان بعد الرسالة يحضر مواسم الحج، ويدعو الناس إلى الله ويقول: من رجل يؤويني حتى أبلغ كلام ربي، فإن قريشا منعوني أن أبلغ كلام ربي عزّ وجلّ، حتى قيض الله له جماعة يلقونه ليلة العقبة- أي: عشية يوم النحر- عند جمرة العقبة ثلاث سنين متتاليات، حتى إذا كانوا آخر سنة بايعوه ليلة العقبة الثانية، وهي ثالث اجتماعهم به، ثم كانت بعدها الهجرة إلى المدينة. اه.
وقال الحافظ في الفتح: اقتصار أبي إسحاق على قوله: أخرى، قد يوهم أنه لم يحج قبل الهجرة إلّا واحدة، وليس كذلك، بل حج قبل أن يهاجر مرارا، بل الذي لا أرتاب فيه أنه لم يترك الحج قط، لأن قريشا في الجاهلية لم يكونوا يتركون الحج، وإنما يتأخر منهم عنه من لم يكن بمكة أو عاقه ضعف، وإذا كانوا وهم على غير دين يحرصون على إقامة الحج ويرونه من مفاخرهم التي امتازوا بها على غيرهم من العرب فكيف يظن بالنبي أنه يتركه؟ قال: وقد ثبت من حديث جبير بن مطعم أنه رآه في الجاهلية واقفا بعرفة، وأن ذلك من توفيق الله له، وثبت دعاؤه قبائل العرب إلى الإسلام بمنى ثلاث سنين متوالية. اه.
قوله: «ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة» :
أي: مهاجرا.
قوله: «فلما كان في سنة ست» :
وهو قول الجمهور، قاله الحافظ في الفتح، غير أنه ذكر قوله: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ-(3/63)
أنزل عليه فريضة الحج، وهو قوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمرا في تلك السنة، وأحرم بها من ذي الحليفة، فلما بلغ الحديبية صدّه المشركون، وصالحوه على أن يعود في قابل معتمرا، ويخلون له مكة ثلاثة أيام لياليها، ويصعدون إلى رؤوس الجبال.
وهادنهم على ترك القتال عشر سنين، فأحل من إحرامه، ونحر سبعين بدنة ساقها معه صلى الله عليه وسلم.
759- ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ثم غزا خيبر ففتحها وقسمها بين أهل الحديبية.
- وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ الاية بدلا من الاية التي أوردها المصنف.
قوله: «ونحر سبعين بدنة ساقها معه صلى الله عليه وسلم» :
روى أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله قال: نحرنا يوم الحديبية سبعين بدنة، البدنة عن سبعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشتركوا في الهدي، أخرجه مسلم، وقد بسطنا تخريجه في الأضاحي من مسند الحافظ أبي محمد الدارمي، تحت رقم 2087، 2088- فتح المنان.
(759) قوله: «على ثمانية عشر سهما» : وهو شطر خيبر، من أصل ستة وثلاثين سهما، قال البيهقي: وهذا لأن خيبر فتح شطرها عنوة، وشطرها صالحا، فقسم ما فتح عنوة بين أهل الخمس والغانمين، وعزل ما فتح صالحا لنوائبه وما يحتاج إليه من أمور المسلمين، وقال ابن القيم: وما قسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم كان طعمة من الله لأهل الحديبية من شهد منهم ومن غاب، ولم يغب عن خيبر إلّا جابر بن عبد الله فقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم كسهم من حضرها.(3/64)
وهم أهل بيعة رضوان الذين أنزل الله فيهم سورة الفتح: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ الاية، وذلك الحديبية، وكانوا ألفا ومائتي راجل، ومائتي فارس، فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم غنيمة خيبر على ثمانية عشر سهما: للرجّالة اثنا عشر سهما، لكل مائة: سهم، وللفرسان ستة أسهم، لكل فارس ثلاثة أسهم، ولكل راجل: سهم.
760- ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فلما كان في قابل أحرم بالعمرة من مسجد الشجرة بذي الحليفة، في ذي القعدة، وخرج إلى مكة، فأقام بها ثلاثة أيام، وفرغ من عمرته، ودخلها هو وأصحابه بجليان السيوف فقط، فلما رآهم المشركون من رؤوس الجبال وبهم تعب السفر، قالوا: أما ترون إلى محمّد صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد نهكتهم حمى يثرب- يعنون المدينة- فأرادوا قوله: «لكل فارس ثلاثة سهم» :
أخرجاه في الصحيحين، وخرجناه في السير من مسند الحافظ أبي محمد الدارمي، تحت رقم 2629، 2630.
(760) قوله: «بجليان السيوف» :
يعني: سلاح الراكب الظاهر المكشوف.
قوله: «قد نهكتهم حمى يثرب» :
أخرجه الشيحان من حديث ابن عباس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة وقد وهنتم حمى يثرب، قال المشركون: إنه يقدم عليكم غدا قوم قد وهنتهم الحمى، ولقوا منها شدة، فجلسوا مما يلي الحجر، وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ثلاثة أشواط ويمشوا ما بين الركنين ليرى المشركون جلدهم، فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا.
لفظ مسلم في كتاب الحج، باب استحباب الرمل في الطواف والعمرة، رقم 1266 (240، 241) .(3/65)
الغدر بهم والنزول إليهم، فأطلع الله عزّ وجلّ نبيّه صلى الله عليه وسلم على عزمهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أظهروا لهم الجلد، فاضطبعوا ورملوا، وسعوا بين الصفا والمروة وفي وسط الوادي، فلما رآهم المشركون كذلك علموا بقوتهم، وقالوا: هؤلاء جلد أقوياء.
761- فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ثلاثا، ثم أنفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم عثمان ابن عفان فقال: إن شئتم أقمت عندكم ثلثا آخر، وعرست بأهلي وأولمت لكم، فقالوا: لا حاجة لنا في وليمتك.
762- ثم تزوج صلى الله عليه وسلم ميمونة الهلالية قبل عمرته، ولم يدخل بها، فخرج صلى الله عليه وسلم آخر اليوم الثالث، حتى أتى سرف- وهي على عشرة أميال من مكة- وأقام بها ثلاثا، وعرس بأهله، ثم سار صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
(761) قوله: «فقالوا: لا حاجة لنا في وليمتك» :
أخرجه ابن إسحاق [2/ 372- ابن هشام] ، وبنحوه ابن سعد في الطبقات [2/ 122] .
(762) قوله: «قبل عمرته» :
يريد: قبل أن يحرم، قال ابن القيم في الزاد: وفيه نظر إلّا أن يكون وكل في العقد عليها قبل إحرامه، قال: وأظن الشافعي ذكر ذلك قولا. اه.
والخلاف في المسألة مشهور، انظر أقوال العلماء في ذلك في:
شرح النووي لصحيح مسلم [9/ 204- 205] ، زاد المعاد [3/ 372- 374] ، فتح الباري [9/ 143] .(3/66)
[165- فصل: في سريّة كعب بن عمير الغفاري إلى ذات أطلاح]
165- فصل: في سريّة كعب بن عمير الغفاري إلى ذات أطلاح 763- ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فأقام بها بعد فتح خيبر، وبعث كعب بن عمير الغفاري إلى ذات أطلاح من أرض الشام فأصيب هو وأصحابه جميعا.
(763) قوله: «وبعث كعب بن عمير الغفاري» :
في شهر ربيع الأول سنة ثمان من الهجرة.
قوله: «إلى ذات أطلاح» :
موضع وراء وادي القرى.
قوله: «فأصيب هو وأصحابه جميعا» :
وروي أيضا: أنه أفلت رجل منهم جريح في القتلى، فلما برد عليه الليل تحامل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فشق ذلك عليه، وهم بالبعث إليهم، فبلغه أنهم قد ساروا إلى موضع آخر فتركهم. وانظر:
طبقات ابن سعد [2/ 127- 128] ، سيرة ابن هشام [2/ 621] ، تاريخ ابن جرير [3/ 29] ، أسد الغابة [4/ 485] ، مغازي الواقدي [2/ 752] .(3/67)
[166- فصل: في غزوة مؤتة]
166- فصل: في غزوة مؤتة 764- ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فأقام بها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلت سنة ثمان.
ثم بعث زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة إلى مؤتة من أرض الشام، فأصيبوا بها جميعا، وفتح من بعدهم على خالد ابن الوليد.
(764) قوله: «إلى مؤتة من أرض الشام» :
من عمل البلقاء دون دمشق، وكانت في جمادى الأولى، وسببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الحارث بن عمير بكتابه إلى ملك بصرى، فعرض له شرحبيل بن عمرو السلمي فقتله صبرا، ولم يقتل له صلى الله عليه وسلم رسول غيره.
انظر عن الغزوة في:
صحيح البخاري [3/ 145] ، طبقات ابن سعد [2/ 128] ، مغازي الواقدي [2/ 755] ، مجمع الزوائد [6/ 156] ، الخصائص الكبرى [2/ 70] ، الاكتفاء [2/ 205] ، دلائل البيهقي [4/ 358] ، مصنف ابن أبي شيبة [14/ 512] .(3/68)
[167- فصل: في سريّة غالب بن عبد الله]
167- فصل: في سريّة غالب بن عبد الله 765- وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الكلبي إلى أرض بني مرة فقتل وأسر.
[168- فصل: في سريّة عيينة بن حصن]
168- فصل: في سريّة عيينة بن حصن 766- وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن إلى أرض بني العنبر فقتل وأسر.
(765) قوله: «إلى أرض بني مرة» :
إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد بفدك، وكانت في صفر سنة ثمان من الهجرة. انظر عنها في:
طبقات ابن سعد [2/ 126] ، مغازي الواقدي [2/ 723] .
(766) قوله: «إلى أرض بني العنبر» :
من بني تميم، سنة تسع من الهجرة، قاله ابن سعد في الطبقات [2/ 160] .(3/69)
[169- فصل: في غزوة ذات السّلاسل]
169- فصل: في غزوة ذات السّلاسل 767- وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل.
(767) قوله: «إلى ذات السلاسل» :
ماء وراء وادي القرى من المدينة على عشرة أيام، واختلف في وقتها وهي من حوادث السنة السابعة، فعند ابن سعد أنها في جمادى الاخرة، وحكى النووي عن ابن عساكر أنها بعد مؤتة عند أهل المغازي سوى ابن إسحاق فإنه قال: هي قبلها. وانظر عنها في:
صحيح البخاري [3/ 164] ، طبقات ابن سعد [2/ 131] ، مغازي الواقدي [2/ 769] ، دلائل البيهقي [4/ 417] ، تاريخ ابن جرير [3/ 32] .(3/70)
[170- فصل: في ذكر سبب مسيره صلى الله عليه وسلم إلى مكّة وفتحها]
170- فصل: في ذكر سبب مسيره صلى الله عليه وسلم إلى مكّة وفتحها 768- فلما كان في العام التالي- وهو سنة ثمان من الهجرة- نقض أهل مكة الهدنة بمعاونة بعضهم لقوم من اليمن- يقال لهم: بنو نفاثة- على خزاعة، وكانوا أحلافا للنبي صلى الله عليه وسلم لمحالفتهم جده عبد المطلب، فخرج صارخهم إلى المدينة يعرّف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، فقال شعرا في ذلك يقول فيه:
لاهمّ إني ناشد محمدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا
إن قريشا أخلفوا الموعدا ... ونقضوا عهده المؤكدا
وقتلونا ركعا وسجدا ... وهم أذل وأقل عددا
(768) قوله: «فخرج صارخهم» :
سماه ابن إسحاق- كما في سيرة ابن هشام [2/ 394]-: عمرو بن سالم الخزاعي أحد بني كعب، ثم ساق ابن إسحاق الأبيات بسياق أطول واختلاف في الأولى، وفيها:
يا رب إني ناشد محمدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا
قد كنتم ولدا وكنا والدا ... ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا
فانصر هداك الله نصرا اعتدا ... وادع عباد الله يأتوا مددا
فيهم رسول الله قد تجردا ... إن سيم خسفا وجهه تربدا
في فيلق كالبحر يجري مزيدا ... إن قريشا أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك الموكدا ... وجعلوا لي في كداء رصدا
وزعموا أن لست أدعو أحدا ... وهم أذل وأقل عددا
هم بيتونا بالوتير هجدا ... وقتلونا ركعا وسجدا(3/71)
769- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نصرت إن لم أنصر خزاعة.
770- وسرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون بنقض الهدنة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان إلى مكة، فدخلها من غير إحرام بحج ولا عمرة، ثم أقام بها سبعة عشر يوما.
(769) قوله: «فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نصرت إن لم أنصر خزاعة» :
وفي رواية أبي يعلى [7/ 343- 344] رقم 4380، من طريق حزام بن هشام، عن أبيه، عن عائشة: لا نصرني الله إن لم أنصر بني كعب، قال الهيثمي في مجمع الزوائد [6/ 161- 162] : حزام بن هشام وأبوه وثقهما ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح.
وأخرجه ابن إسحاق في السيرة ولفظه: نصرت يا عمرو بن سالم، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب، أورده المصنف في أبواب الدلائل وخرجناه هناك تحت رقم: 1111.
(770) قوله: «ثم أقام بها سبعة عشر يوما» :
هكذا قال شريك بن عبد الله عن عبد الرحمن بن الأصبهاني، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بعد الفتح سبعة عشر يوما يصلي ركعتين، أخرجه أبو داود في الصلاة، باب: متى يتم المسافر؟ رقم 1232، وابن سعد في الطبقات [2/ 143] ، والبيهقي في السنن الكبرى [3/ 151] .
تابعه عاصم الأحول، وحصين، عن عكرمة، أخرجه أبو داود برقم 1230، والدارقطني [1/ 387- 388] ، والبيهقي في السنن الكبرى [3/ 150] ، صحح ابن حبان طريق عاصم، عن عكرمة- الإحسان برقم 2750-.
وروى عمران بن حصين قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلّا ركعتين، أخرجه أبو داود برقم 1229، وابن سعد في الطبقات [2/ 143] ، وابن المنذر في الأوسط [4/ 365] رقم 2295، والبيهقي في السنن الكبرى [3/ 151] . -(3/72)
.........
- وأخرج أبو داود من حديث ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح خمس عشرة يقصر الصلاة، رقم 1231، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى [3/ 151] ، ضعفها الإمام النووي، فتعقبه الحافظ في الفتح، باب ما جاء في التقصير بقوله: وليس بجيد منه لأن رواتها ثقات، قال: ولم ينفرد بها ابن إسحاق فقد أخرجها النسائي [برقم 1453] عن عبيد الله كذلك. اه.
قال أبو عاصم: فات الحافظ رحمه الله بأن في رواية ابن إسحاق علة ذكرها من أخرج حديثه؛ فقد قال أبو داود- في إثر حديث ابن إسحاق بذكر ابن عباس-: روى هذا الحديث عبدة بن سليمان، وأحمد بن خالد الوهبي، وسلمة بن الفضل، عن ابن إسحاق؛ لم يذكروا فيه ابن عباس. اه. يعني أنهم رووه عن عبيد الله مرسلا.
كذلك أخرجه ابن سعد في الطبقات [2/ 143] من طريق يزيد بن هارون، عن ابن إسحاق.
نعم، وأما حديث عراك بن مالك الذي أشار إليه الحافظ ابن حجر فقد اختلف عليه فيه: فرواية النسائي من طريق يزيد بن أبي حبيب عنه، وأخرجها ابن سعد في الطبقات [2/ 143- 144] من طريق بكر بن مضر، عن جعفر بن ربيعة، عن عراك بن مالك مرسلا.
فمثل هذا الاختلاف يضعف الاحتجاج به، ولذلك لم يذكر الحافظ البيهقي رواية ابن إسحاق ولا رواية عراك بن مالك عند جمعه بين الروايات المتقدمة، إذ قال في السنن الكبرى [3/ 151] : ويمكن الجمع بين رواية من روى تسع عشرة، ورواية من روى سبع عشرة، ورواية من روى ثمان عشرة، بأن من رواها تسع عشرة عد يوم الدخول ويوم الخروج، ومن روى ثمان عشرة لم يعد أحد اليومين، ومن قال: سبع عشرة لم يعدهما. اه. -(3/73)
771- ثم خرج صلى الله عليه وسلم ففتح الله عليه، وقسم غنائمها.
- وأصر الحافظ في الفتح على إدخال رواية ابن إسحاق في هذا الجمع فقال: فلتحمل على أن الراوي ظن أن الأصل رواية سبعة عشر؛ فحذف منها يومي الدخول والخروج، وفيه تكلف كما لا يخفى.
(771) قوله: «ثم خرج صلى الله عليه وسلم» :
يعني إلى حنين.(3/74)
[171- فصل: سياق آخر في سبب مسيره صلى الله عليه وسلم لفتح مكّة]
171- فصل: سياق آخر في سبب مسيره صلى الله عليه وسلم لفتح مكّة 772- ثم إن بكرا وخزاعة اقتتلوا، وكانت خزاعة دخلت في حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبكرا في حلف قريش، حيث كتبوا الكتاب بالحديبية، فلما اقتتلوا أعانت قريش بكرا بالسلاح، فنقضوا، وجاء نذير خزاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستنصره، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى من حوله من العرب أن يشهدوا غرة شهر رمضان بالمدينة، ففعلوا.
773- وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قريش في عشرة الاف من المهاجرين والأنصار وسائر العرب، حتى إذا كانوا قريبا من مكة أسروا أبا سفيان بن حرب، فجيء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلب فيه العباس بن عبد المطلب فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال له الناس: أسلم وإلا قتلت، (773) قوله: «وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قريش» : في رمضان سنة ثمان من الهجرة. انظر عنها في:
صحيح البخاري [3/ 148] ، صحيح مسلم [3/ 1405] ، طبقات ابن سعد [2/ 134] ، سيرة ابن هشام [2/ 389] ، دلائل البيهقي [5/ 3] ، مجمع الزوائد [6/ 161] ، مصنف ابن أبي شيبة [14/ 471] ، الخصائص الكبرى [2/ 76] ، الاكتفاء [2/ 215] ، مغازي الواقدي [2/ 780، 3/ 873] ، كنز العمال [10/ 389، 497] .
قوله: «فجيء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم» : خرّجنا القصة في أبواب الدلائل تحت رقم: 1112، وكذا ما تضمنته من تكسير الأصنام التي كانت حول الكعبة، حيث أوردها المصنف هناك.(3/75)
فأسلم، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ينادي: أن من دخل داره وألقى السلاح فهو آمن، فأتاهم فناداهم وقال: أتاكم ما لا قبل لكم به، من ألقى السلاح ودخل داره فهو آمن، ففعل الناس ذلك، فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل المسجد وحول الكعبة ثلثمائة وستون صنما، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب رؤوسها بعصى كانت معه، يقول:
جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً.(3/76)
[172- باب: في ذكر استلامه صلى الله عليه وسلم مفتاح بيت الله الحرام ومفتاح السّقاية]
172- باب: في ذكر استلامه صلى الله عليه وسلم مفتاح بيت الله الحرام ومفتاح السّقاية 774- أخبرنا أبو عمر: محمد بن سهل بن هلال البستي بمكة حرسها الله، ثنا أبو الحسن: محمد بن نافع بن محمد بن إسحاق الخزاعي، ثنا أبو محمد: إسحاق بن أحمد بن إسحاق بن نافع الخزاعي، ثنا أبو الوليد: محمد بن عبد الله بن أحمد قال: وأخبرني جدي، أنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن جريج: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
خذوا يا بني طلحة، خذوا ما أعطاكم الله ورسوله تالدة خالدة، لا ينزعها منكم إلّا ظالم.
(774) قوله: «ثنا أبو الوليد» : هو الأزرقي، والحديث في تاريخه [1/ 265] وهو مرسل.
وروى الحجاج بن محمد، عن ابن جريج في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها الاية، قال: نزلت في عثمان بن طلحة، قبض النبي صلى الله عليه وسلم منه مفاتيح الكعبة، ودخل بها البيت يوم الفتح، فخرج وهو يتلو هذه الاية، أخرجه ابن جرير في تفسيره [5/ 145] .
ورواه سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن مجاهد مثله، أخرجه الأزرقي في تاريخ مكة [1/ 265] .
وقد روي موصولا بإسناد فيه ضعف، فأخرجه الطبراني في معجمه الكبير [11/ 120] رقم 11234، وأبو نعيم في أخبار أصبهان [1/ 247- 248] ، من طريق عبد الله بن المؤمل، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: خذوها يا بني طلحة ... الحديث.(3/77)
775- أخبرنا أبو عمر: محمد بن سهل بن هلال البستي بمكة حرسها الله، ثنا أبو الحسن: محمد بن نافع، ثنا أبو محمد: إسحاق بن نافع الخزاعي، ثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، عن محمد بن إدريس، قال: ذكر الواقدي عن أشياخه قالوا:
انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة بعدما طاف على راحلته، فجلس ناحية من المسجد والناس حوله، ثم أرسل بلالا إلى عثمان بن طلحة فقال: قل له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تأتيه بمفتاح الكعبة، فقال عثمان: نعم، فخرج إلى أمه سلافة بنت سعد الأنصارية، ورجع بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه قال: نعم، ثم جلس بلال مع الناس.
وجاء عثمان إلى أمه- والمفتاح يومئذ عندها- فقال: يا أماه أعطيني المفتاح، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلبه مني، فقالت أمه: أعيذك بالله أن يكون ذهاب مأثرة قومك على يديك، قال: والله لتدفعنّه إليّ أو ليأتينّك غيري فيأخذه منك، فأدخلته في حجرها وقالت: أي رجل يدخل يده هاهنا؟!
فبينا هما على ذلك إذ سمعت صوت أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من الدار، وعمر رافع صوته حين رأى إبطاء عثمان: يا عثمان اخرج، فقالت أمه: يا بني خذ المفتاح، فلأن تأخذه أنت أحب إليّ من أن يأخذه تيم وعدي.
(775) قوله: «ثنا أبو الوليد» : هو الأزرقي، والخبر في تاريخه [1/ 266] ، وأخرجه الواقدي في مغازيه [2/ 833] .(3/78)
776- وروى نافع، عن عبد الله قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح على ناقة لأسامة بن زيد حتى أناخ بفناء الكعبة، ثم دعا عثمان بن طلحة، فقال: ائتني بالمفتاح، فذهب إلى أمه، فأبت أن تعطيه، فقال: والله لتعطينه أو ليخرجن هذا السيف من صلبي- أو ظهري-، قال: فأعطته إياه، فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدفعه إليه، ففتح الباب، فدخله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة، فأجافوا عليهم الباب مليا.
ثم فتح الباب، وكنت فتى قويا فبدرت وزاحمت الناس، فكنت أول من دخل الكعبة، فرأيت بلالا عند الباب فقلت له: يا بلال أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بين العمودين المقدمين، وكانت الكعبة على ستة أعمدة.
قال ابن عمر: ونسيت أن أسأله كم صلى؟.
777- وقيل: إنها قالت: ادفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقل: بالأمانة، فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: بالأمانة.
(776) قوله: «وروى نافع» : هو مسند عن المصنف بالإسناد المتقدم إلى أبي الوليد، أخرجه في تاريخه [1/ 268] .
وأخرجاه في الصحيحين، أورده بطوله مسلم في المناسك، باب استحباب دخول الكعبة للحاج، رقم 1329 (388، 389، 390، 391، 392، 393، 394) .
وأخرجه البخاري دون قصة المفتاح في المناسك، باب إغلاق البيت، رقم 1598.
(777) قوله: «وقيل: إنها قالت» : هو باختلاف يسير عما في تاريخ الأزرقي [1/ 267- 268] ، ومغازي الواقدي [2/ 833- 838] ، وانظر: طبقات ابن سعد [2/ 136- 137] .(3/79)
فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد قبض السقاية من العباس، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من البيت وقف على الباب وفي يده المفتاح، ثم جعله في كمه، فخطب، ثم جلس، فقال له العباس- وبسط يده-:
بأبي أنت وأمي يا رسول الله، اجمع لنا السقاية والحجابة، فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع لعمه العباس بين السقاية والحجابة، فهبط جبريل عليه السلام وقرأ عليه: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها الاية، فقال صلى الله عليه وسلم: ادع لي عثمان، وقال صلى الله عليه وسلم: خذوها يا بني طلحة تالدة خالدة لا ينزعها منكم إلّا ظالم، يا عثمان إن الله تعالى استأمنكم على بيته فخذوه بأمانة الله.
وقال عثمان: فلما ولّيت ناداني، فرجعت إليه فقال صلى الله عليه وسلم: ألم يكن الذي قلت لك؟ قال: فذكرت قوله لي بمكة، فقلت: بلى، إنك رسول الله، فأعطاه المفتاح.
قوله: «فذكرت قوله لي بمكة» : وكان صلى الله عليه وسلم قد قال له من قبل: لعلك يا عثمان سترى هذا المفتاح بيدي أضعه حيث شئت، فقال عثمان: لقد هلكت إذا قريش وذلت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
بل عمرت وعزت يومئذ.(3/80)
[173- فصل: في غزوة حنين]
173- فصل: في غزوة حنين 778- وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بقية شهر رمضان والنصف من شوال، ثم بلغه أن هوازن وثقيفا قد ساروا إليه بأموالهم وذراريهم يقودهم مالك بن عوف النصري، فاستنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم الناس، ثم خرج صلى الله عليه وسلم وخرج معه اثنا عشر ألف رجل، عشرة الاف من أهل المدينة ومن حولهم من العرب، وألفان من أهل مكة، فقال بعض أصحابه:
لو لقينا بني شيبان في عدوهم ما بالينا، ولن يغلبنا أحد من قلة.
779- فالتقوا بحنين، فحملت عليهم هوازن حملة فانكشف الناس عنه وولّوا مدبرين، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه من المهاجرين والأنصار، فحفوا به وهو على بغلته الشهباء، (778) قوله: «وخرج معه اثنا عشر ألف» : انظر عن القصة في:
صحيح البخاري [3/ 621]- باب قوله تعالى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ الاية، صحيح مسلم [3/ 1398] ، دلائل البيهقي [4/ 119] ، مغازي الواقدي [3/ 885] ، الاكتفاء [2/ 239] ، مجمع الزوائد [6/ 178] ، الخصائص الكبرى [2/ 89] ، سيرة ابن هشام [2/ 437] ، تاريخ ابن جرير [3/ 70] ، مصنف ابن أبي شيبة [14/ 521] ، كنز العمال [10/ 387، 566] ، طبقات ابن سعد [2/ 149] .
قوله: «وهو على بغلته الشهباء» : وقع في رواية البراء عند البخاري والعباس عند مسلم أنها البيضاء، وفي-(3/81)
والعباس آخذ بحكمة بغلته وهو ينادي: يا أصحاب الشجرة يا أصحاب سورة البقرة إليّ أنا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه العباس بن عبد المطلب: صح في الناس، فنادى العباس بصوت عال: أين المهاجرون الأولون؟! أين أصحاب الشجرة؟! هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكرّ المسلمون عليهم راجعين، فاصطكوا بالسيوف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي سفيان بن الحارث: ناولني ترابا من الأرض، فناوله من الحصباء كفا فرمى بها في وجوههم وقال: شاهت الوجوه، فانهزم المشركون، وأخذت فرقة منهم إلى الطائف، وأخرى إلى أوطاس، فأصيب منهم- رواية سلمة بن الأكوع عند مسلم أنه كان على بغلته الشهباء، فذكر الإمام النووي أنها واحدة، وقد تكلمنا على ذلك فيما كان عند النبي صلى الله عليه وسلم من الخيل والمتاع.
قوله: «فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي سفيان بن الحارث» :
كذا في رواية المصنف هنا، وفي رواية سلمة بن الأكوع عند مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عن بغلته ثم قبض قبضة من تراب من الأرض ... الحديث، وكذا في أكثر الروايات، كما يعلم بالبحث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها بنفسه وتناولها ليس فيها ذكر المناول له صلى الله عليه وسلم، وفي رواية الإمام أحمد [2/ 454] ، والحاكم في المستدرك [2/ 117] ، والبيهقي في الدلائل [5/ 142] من حديث ابن مسعود: قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فولى عنه الناس ... الحديث، وفيه فقال: ناولني كفا من تراب ...
فيحمل على تكرر ذلك منه صلى الله عليه وسلم جمعا بين الروايات إن صحت طرقها وإلا فما في صحيح مسلم أصح.
وأصل القصة في الصحيحين، من حديث أبي إسحاق السبيعي قال: جاء رجل إلى البراء فقال: أكنتم وليتم يوم حنين يا أبا عمارة؟ فقال: أشهد على النبي صلى الله عليه وسلم ما ولى، ولكنه انطلق أخفّاء من الناس وحسّر إلى هذا الحي من-(3/82)
قتلى كثير، وأموال كثيرة، وسبى المسلمون منهم ستة آلاف، فقال العباس رضي الله عنه:
نصرنا رسول الله في الحرب سبعة ... وقد فر من قد فرّ عنه فأقشعوا
وثامننا لاقى الحمام بسيفه ... بما مسه في الله لا يتوجّع
- هوازن- وهم قوم رماة- فرموهم برشق من نبل كأنها رجل من جراد، فانكشفوا، فأقبل القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان بن الحارث يقود به بغلته، فنزل ودعا واستنصر وهو يقول:
أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، اللهمّ نزّل نصرك.
قال البراء: كنا والله إذا احمر البأس نتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الشجاع منا الذي يحاذي به- يعني: النبي صلى الله عليه وسلم-.
قوله: «نصرنا رسول الله» :
ذكر هذه الأبيات الحافظ ابن سيد الناس في المنح [/ 191] ، وذكر في أولها:
ألا هل ترى عرسي مكري ومقدمي ... بوادي حنين والأسنة تشرع
وكيف رددت الخيل وهي مغيرة ... بزوراء تعطي في اليدين وتمنع
قوله: «في الحرب سبعة» :
وقع في بعض المصادر: تسعة، بتقديم المثناة الفوقية، وفي الشطر الثاني:
وعاشرنا بدل: وثامننا، فوقع لذلك الخلاف في عدد الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن إسحاق: ثبت معه صلى الله عليه وسلم من المهاجرين: أبو بكر، وعمر، ومن أهل بيته: علي بن أبي طالب، والعباس، والفضل ابنه، وأبو سفيان ابن الحارث، وابنه جعفر، وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وأسامة بن زيد، وأيمن ابن أم أيمن، قتل يومئذ.
قال ابن هشام: وبعض الناس يعد فيهم قثم بن العباس ولا يعد ابن أبي سفيان ابن الحارث. -(3/83)
[174- فصل: في غزوة أوطاس]
174- فصل: في غزوة أوطاس 780- وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن قيس الأشعري إلى من أخذ منهم ناحية أوطاس، فقاتلوه، فهزمهم وولوا مدبرين.
- وذكر النووي أن الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلا، فإن صح ما وقع في شعر ابن عباس فكأنه عنى أهل بيته، وإلا فإن رواية من روى أنهم عشرة أقرب، ولذلك قال الحافظ في الفتح معلقا على كلام النووي: لعل هذا هو الأثبت. اه.
ومما يؤيد كونهم أكثر من ذلك قول العباس بن مرداس يومها:
ويوم حنين حين سارت هوازن ... إلينا وضاقت بالنفوس الأضالع
صبرنا مع الضحاك لا يستفزنا ... قراع الأعادي منهم والوقائع
أمام رسول الله يخفق فوقنا ... لواء كخذروف السحابة لامع
عشية ضحاك بن سفيان معتص ... بسيف رسول الله والموت كانع
(780) قوله: «إلى من أخذ منهم ناحية أوطاس» :
انظر عن غزوة أوطاس:
صحيح الإمام البخاري [3/ 637] ، دلائل البيهقي [4/ 152] .(3/84)
[175- فصل: في غزوة الطّائف]
175- فصل: في غزوة الطّائف 781- ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف فحصرها عليهم، فخرج إليه مالك بن عوف رئيس هوازن فأسلم، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف خمسة عشر- وقيل: أقام بها شهرا-، ثم انصرف ورجع منها (781) قوله: «ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف» :
في شوال من السنة الثامنة في قول جمهور أهل المغازي، وعلقه الإمام البخاري عن موسى بن عقبة.
قوله: «وأقام رسول الله على الطائف صلى الله عليه وسلم خمسة عشر» :
أخرجه الواقدي في مغازيه [3/ 936] عن أبي هريرة، وعند مسلم من حديث أنس رضي الله عنه أن مدة حصارهم كانت أربعين يوما، وعند ابن إسحاق في السيرة: فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة- قال ابن هشام: ويقال سبع عشرة ليلة-، وعند ابن إسحاق أيضا، من حديث عبد الله بن حزم وعبد الله بن المكدّم عمن أدركوا من أهل العلم قالوا: حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف ثلاثين ليلة أو قريبا من ذلك، ثم انصرفوا عنهم ولم يؤذن فيهم، أخرجه البيهقي في الدلائل [5/ 169] ، وفي الصحيحين، من حديث ابن عمر قال: لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف فلم ينل منهم شيئا، قال:
إنا قافلون إن شاء الله، فثقل عليهم وقالوا: نذهب ولا نفتحه؟ - فقال:
اغدوا على القتال، فغدوا فأصابهم جراح، فقال صلى الله عليه وسلم: إنا قافلون غدا إن شاء الله، قال: فأعجبهم ذلك، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم.
وانظر أيضا عن غزوة الطائف: صحيح البخاري [3/ 157] ، صحيح مسلم [3/ 1402] ، دلائل البيهقي [4/ 156] ، مغازي الواقدي [3/ 936] ، -(3/85)
وتركها ولم يؤذن له في فتحها، حتى نزل الجعرانة، فقسم غنائم حنين بين أصحابه، ثم اعتمر من الجعرانة لليالي خلون من ذي القعدة، فأحرم بها بالعمرة ودخل مكة معتمرا، وفرغ من عمرته ليلا وخرج إلى المدينة، وأمّر صلى الله عليه وسلم على مكة عتّاب بن أسيد بن أبي العيص، وخلف معه معاذ بن جبل رضي الله عنه وأبا موسى الأشعري يعلمان الناس القرآن ويفقهان في الدين.
- طبقات ابن سعد [2/ 158] ، مجمع الزوائد [6/ 190] ، الخصائص الكبرى [2/ 97] ، مصنف ابن أبي شيبة [14/ 507] ، تاريخ ابن جرير [3/ 82] ، كنز العمال [10/ 553] ، الاكتفاء [2/ 254] .(3/86)
[176- فصل: في غزوة تبوك]
176- فصل: في غزوة تبوك 782- ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فأقام بها، ودخلت سنة تسع، فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم لخروجه في غزوة تبوك- وهو يريد الروم-؛ فأرسل إلى من حوله من العرب فأتوه، ثم خرج ومعه زيادة على ثلاثين ألفا- وهو جيش العسرة- وفيها ظهر النفاق.
783- وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد من الطريق في ثلثمائة رجل إلى دومة الجندل، ومضى هو إلى تبوك، فلم يلق بها كيدا.
(782) قوله: «ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة» :
في ذي الحجة.
قوله: «لخروجه في غزوة تبوك» :
في شهر رجب من سنة تسع قبل حجة الوداع بلا خلاف، قال الحافظ في الفتح: وعند ابن عائذ من حديث ابن عباس: أنها كانت بعد الطائف بستة أشهر، قال: وليس مخالفا لقول من قال في رجب إذا حذفنا الكسور.
انظر عن غزوة تبوك في:
صحيح البخاري [3/ 176] ، مجمع الزوائد [6/ 191] ، دلائل البيهقي [4/ 212] ، تاريخ ابن جرير [3/ 100] ، مغازي الواقدي [3/ 989] ، طبقات ابن سعد [2/ 165] ، مصنف ابن أبي شيبة [14/ 539] ، الخصائص الكبرى [2/ 100] .
(783) قوله: «إلى دومة الجندل» :
ليفتحها، وكان صاحبها أكيدر بن عبد الملك ملكا عليها، وكان نصرانيا، -(3/87)
784- ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وبعث عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي إلى الغابة.
785- وبعث صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى نجران في ستمائة.
- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر خالدا أنه سيجده يصيد البقر، وقد خرجنا القصة في أبواب المعجزات حيث أوردها المصنف هناك.
وانظر عن دومة الجندل في:
طبقات ابن سعد [2/ 166] ، مغازي الواقدي [3/ 1025] ، دلائل البيهقي [4/ 250] ، كنز العمال [10/ 582] .
(784) قوله: «ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة» : في رمضان، وكان صلى الله عليه وسلم بنى مساجد في طريقها، حصرها ابن إسحاق في سيرته بأسمائها فراجعها.
قوله: «إلى الغابة» : حيث نزل رفاعة بن قيس- أو: قيس بن رفاعة- رجل من بني جشم بن معاوية يريد أن يجمع قيسا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء عبد الله بن أبي حدرد برأسه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وساق معه إبلا عظيمة وغنما كثيرة، القصة بطولها في سيرة ابن هشام [2/ 629- 631] .
(785) قوله: «إلى نجران» : في شهر ربيع الأول أو الثاني، أو جمادى الأولى سنة عشر من الهجرة، لدعوة بني الحارث بن كعب للإسلام، فأسلموا جميعا.
انظر: طبقات ابن سعد [2/ 169] ، سيرة ابن هشام [2/ 592- 593] ، تاريخ ابن جرير [3/ 126] .(3/88)
[177- فصل: في بعثه صلى الله عليه وسلم أبا بكر بالحجّ]
177- فصل: في بعثه صلى الله عليه وسلم أبا بكر بالحجّ 786- وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة حتى دخلت سنة تسع، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق أميرا على الحج، فأقامه للناس، فحج المشركون فأنزل الله عزّ وجلّ أول براءة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين آية منها مع علي بن أبي طالب فقرأها على الناس يوم عرفة فقال: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ الاية، يعني: من أهل العهد، وقوله تعالى: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ الاية، يقول: سيروا في الأرض أربعة أشهر حيث شئتم آمنين، فجعل مدة أهل العهد أربعة أشهر من يوم النحر إلى عشر من ربيع الاخر، وجعل من لا عهد له أجله خمسين يوما من يوم النحر إلى انسلاخ المحرم، فذلك قوله تعالى: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ.
فقرأها عليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال: لا يحجن بعد هذا العام مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان، ومن كان له عند النبي صلى الله عليه وسلم عهد فهو على مدته، وأن الله بريء من المشركين.
(786) قوله: «فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق أميرا على الحج» : خرجنا مسيره بطوله- وفيه أيضا بعثه صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ببراءة- في كتاب الحج من مسند الحافظ أبي محمد الدارمي، باب: في خطبة الموسم، تحت رقم 2047- فتح المنان، وخرجنا قول علي وبما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة عنه، رقم 1549، 2665، ومن حديث زيد بن يثيع، عنه، تحت رقم 2051- فتح المنان.(3/89)
ثم رجع أبو بكر وعلي رضي الله عنهما إلى المدينة، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وكتب إلى ملوك الأرض يدعوهم إلى الله، وبعث إليهم رسله.
787- ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأزواجه وأهله أجمعون، وليس معه أحد من المشركين، فنزلت عليه يوم عرفة: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ الاية، يعني: أمره ونهيه، فلم ينزل بعد هذه حلال، ولا حرام، ولا فريضة، غير آيتين من آخر سورة النساء- وهي قوله تعالى: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ الاية، إلى آخر السورة- ثم قال تعالى: وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي الاية، يعني: بالإسلام، أي: حججتم وليس معكم مشرك، وقوله تعالى:
وَرَضِيتُ يعني: اخترت لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فليس دين أرضى عند الله من الإسلام.
فنزلت هذه الاية والناس وقوف بعرفات، فبركت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثقل القرآن، وعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إحدى وثمانين ليلة صلى الله عليه وسلم وعلى آله.
(787) قوله: «ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم» : سيأتي الكلام عليه في الباب الذي يليه.(3/90)
[178- فصل: سياق آخر فيه]
178- فصل: سياق آخر فيه 788- وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه حاجا بالناس من المدينة في سنة تسع، فلما بلغ العرج قام يصلي بالناس صلاة الصبح فسمع وغاء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء، فوقف ولم يكبّر وقال: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عزم على الحج، فإذا بعلي رضي الله عنه راكبها، فقال:
يا أبا الحسن أنت أمير أو رسول؟ قال: بل رسول، إن الله تعالى أنزل على نبيّه صلى الله عليه وسلم سورة براءة، وأمره أن يقرأها على أهل مكة، وقال:
لا يؤديها عنك إلّا رجل من قومك.
فخرجا إلى مكة، وكان أبو بكر أميرا، وعلي رضي الله عنه رسولا مبلغا، فإذا خطب أبو بكر رضي الله عنه قام علي رضي الله عنه فأدى الرسالة وقرأ براءة على الناس وأعلمهم أن لهم تأجيل أربعة أشهر يسيحون في الأرض ثم لا أمان لهم.
(788) قوله: «وأرسل رسول صلى الله عليه وسلم أبا بكر» : هكذا وجدنا هذا السياق في الأصول مع أن ما قبله يغني عنه، ولم نجد بدا من إثباته.(3/91)
[179- باب: في حجّ رسول الله صلى الله عليه وسلم]
179- باب: في حجّ رسول الله صلى الله عليه وسلم 789- أخبرنا أبو علي: حامد بن محمد بن عبد الله بن معاذ الهروي، ثنا محمد بن صالح الأشج، ثنا قبيصة بن عقبة، ثنا سفيان الثوري، عن بكير بن عطاء الليثي، عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي (789) قوله: «الهروي» : المشهور بالرّفاء، قال عنه الحافظ الذهبي في السير: الشيخ الإمام، المحدث الصادق، الواعظ الكبير، ممن اشتهر اسمه، وانتشر حديثه، وكان ذا معرفة وفهم وسعة علم، انتهى إليه علو الإسناد بهراة، انتخب عليه الدارقطني ببغداد، ووثقه الخطيب، وقال الحافظ أبو بشر الهروي: ثقة صالح، توفي بهراة في شهر رمضان، سنة ست وخمسين وثلاث مائة، أظنه عن نيف وتسعين سنة. انظر:
سير أعلام النبلاء [16/ 16] ، تاريخ بغداد [8/ 172- 174] ، المنتظم [14/ 184] ، العبر [2/ 304] ، الشذرات [3/ 119] ، تاريخ الإسلام [وفيات سنة 356- ص 140] ، الأنساب [3/ 78 في: الرفاء] .
قوله: «ثنا محمد بن صالح الأشج» : الهمداني، ذكره ابن حبان في الثقات [9/ 148] وقال: يخطىء، ولا أدري لما ذكره الحافظ في اللسان [5/ 203] .
قوله: «ثنا قبيصة بن عقبة» : السوائي، الحافظ الثقة، أبو عامر الكوفي، هو وشيخه سفيان الإمام أحد الأعلام، من رجال الكتب الستة، وبكير بن عطاء الليثي أيضا من رجال الأربعة الثقات.(3/92)
قال: جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة، فأتاه نفر من أهل نجد فقالوا:
الحج، الحج، يا رسول الله، قال: الحج يوم عرفة، فمن جاء قبل طلوع الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه، أيام منى ثلاثة أيام: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى الاية.
قال: ثم أردف رجلا فجعل ينادي بهن.
قوله: «الحج يوم عرفة» : بسطنا تخريجه في كتاب الحج من مسند الحافظ أبي محمد الدارمي، باب:
بم يتم الحج؟ وذكرنا تصحيح الترمذي له، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم في المستدرك، ومن قبلهم قول ابن عيينة: قلت لسفيان الثوري:
ليس عندكم حديث أشرف من هذا، وعن الجارود قال: سمعت وكيعا..
وذكر هذا الحديث فقال: هذا الحديث أم المناسك.(3/93)
[180- فصل: في خروجه صلى الله عليه وسلم سنة عشر من الهجرة للحج، وبم أحرم]
180- فصل: في خروجه صلى الله عليه وسلم سنة عشر من الهجرة للحج، وبم أحرم 790- فلما كان في العام المقبل- وهي سنة عشر من الهجرة- خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجا من المدينة، فصلى الجمعة بالمدينة لخمس بقين من ذي القعدة، وصلى العصر والمغرب والعشاء بذي الحليفة ثم أحرم منها، وأحرم من معه بالحج فلا يشكون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج.
(790) قوله: «لخمس بقين» : متعلق بخرج، فيكون خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة يوم السبت، لما في صحيح البخاري من حديث أنس قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا، وبذي الحليفة ركعتين ... الحديث، أخرجه في المناسك، باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح.
فالظاهر أن المصنف أراد بصلاة الجمعة التي سبقت خروجه والتي أعلمهم فيها شأن الإحرام والحج، قال ابن القيم: لا يصح الجمع بين خروجه يوم الخميس وبين بقاء خمس من الشهر البتة، بخلاف ما إذا كان الخروج يوم السبت، فإن الباقي بيوم الخروج خمس بلا شك، قال: والظاهر أنه لم يكن ليدع الجمعة وبينه وبينها بعض يوم من غير ضرورة، وقد اجتمع إليه الخلق، وهو أحرص الناس على تعليمهم الدين، وقد حضر ذلك الجمع العظيم، وقد حضر ابن عمر رضي الله عنه هذه الخطبة بالمدينة على منبره إذ كان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يعلمهم في كل وقت ما يحتاجون إليه إذا حضر فعله، فأولى الأوقات به الجمعة التي يليها خروجه، ... إلى أن قال متعقبا ابن حزم: فأما قوله لو كان خروجه من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة لكان خروجه يوم الجمعة فغير لازم، بل يصح أن يخرج لخمس ويكون خروجه يوم السبت-(3/94)
791- وقدموا مكة يوم الأحد الخامس من ذي الحجة، فطاف بها وسعى.
792- وانتظر صلى الله عليه وسلم أمر الله سبحانه وتعالى أن من كان منهم ساق هديا فليقم على إحرامه، ومن لم يسق هديا فليحل بعمرة.
- إذ من الممكن أن يكون ذي القعدة كان ناقصا فوقع الأخبار عن تاريخ الخروج بخمس بقين من بناء على المعتاد من الشهر. اه. وقد أيد الحافظ خروجه يوم السبت برواية ابن سعد في الطبقات [2/ 173] ، والحاكم في الإكليل، نعم وقد روي خروجه لخمس بقين من ذي القعدة من حديث ابن عباس عند الإمام البخاري، ومن حديث عائشة عند مسلم لكن على الشك:
لأربع مضين من ذي الحجة أو خمس، وانظر التعليق التالي.
(791) قوله: «الخامس من ذي الحجة» : هذا لا يكون، ولعله من سبق القلم، إذ لا خلاف أن الوقفة كانت بالجمعة، فكيف يكون يوم الأحد هو الخامس من ذي الحجة، بل كان قدومه صلى الله عليه وسلم يوم الأحد الرابع منه، ففي البخاري من حديث ابن عباس: قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج ... الحديث، قال الحافظ: قوله: صبيحة رابعة، أي: يوم الأحد. اه. وفي رواية مسلم: لأربع خلون من العشر.
(792) قوله: «وانتظر صلى الله عليه وسلم أمر الله» : قال الشافعي في اختلاف الحديث [/ 304] : أخبرني سفيان، عن ابن طاوس وإبراهيم بن ميسرة أنهما سمعا طاوسا يقول: خرج النبي صلى الله عليه وسلم لا يسمي حجا ولا عمرة ينتظر القضاء، قال: فنزل عليه القضاء وهو يطوف بين الصفا والمروة، فأمر أصحابه: أن من كان منهم أهل بالحج ولم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة، وقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي، ولكني لبدت رأسي وسقت هديي، فليس لي محل إلّا محلي هذا ... الحديث، مرسل.(3/95)
793- ولم يكن أحد منهم ساق هديا غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه صلى الله عليه وسلم كان قد ساق سبعين بدنة- وقيل: فوق الستين- فأقام على إحرامه، وأمر الناس بالإحلال.
794- وكان عند قريش والعرب أن العمرة في أشهر الحج من الكبائر ويقولون: إذا برأ الدبر، وعفا الأثر، وانسلخ صفر فقد حلت العمرة لمن اعتمر.
فأراد الله عزّ وجلّ أن يزيل عن قلوبهم ما تعوّدوه وألفوه، وأن لا تنقطع العمرة في كل وقت، فحلّ قوم، وتوقف قوم وقالوا: ما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل، وأمرنا بالإحلال؟.
795- فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة وهو غضبان، فقالت: (793) قوله: «ولم يكن أحد منهم ساق هديا» : أخرج الشيخان من حديث جابر بن عبد الله قال: أهل النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه بالحج وليس مع أحد منهم هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يجعلوها عمرة ويطوفوا، ثم يقصروا ويحلوا إلّا من كان معه الهدي ... الحديث.
(794) قوله: «وكان عند قريش» : أخرجاه في الصحيحين من حديث ابن عباس: البخاري في المناسك، باب التمتع والقران والإفراد بالحج، رقم 1564، ومسلم كذلك، باب جواز العمرة في أشهر الحج، رقم 1240.
(795) قوله: «فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة» : سبق قلم آخر، أو ذهول من المصنف رحمه الله، فإن دخوله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة إنما كان في صلح الحديبية، ففي حديث المسور بن مخرمة ومروان الطويل في الشروط من صحيح الإمام البخاري، باب الشروط في الجهاد، وفيه: -(3/96)
يا رسول الله ما الذي أغضبك؟ فقال: كيف لا أغضب وأنا آمر بالأمر فيخالف؟
فقالت: لو أحللت لأحلوا، فقال صلى الله عليه وسلم: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة.
يعني: لو علمت هذا الأمر الذي أمرني الله به الان وأنا بالمدينة لما سقت معي الهدي حتى أحل معهم فلا يتوقفون عن الإحلال.
- فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قضية الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:
قوموا فانحروا ثم احلقوا، قال: فو الله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك ... الحديث.
وأما في حجة الوداع فإنه صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة رضي الله عنها فيما رواه مسلم في الحج، باب بيان وجوه الإحرام، رقم 1211 (130) ، والإمام أحمد في المسند [6/ 175] ، كلاهما من حديث ذكوان مولى عائشة، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربع مضين من ذي الحجة- أو خمس- فدخل عليّ وهو غضبان، فقلت: من أغضبك يا رسول الله أدخله الله النار؟ قال: أو ما شعرت أني أمرت الناس بأمر فإذا هم يترددون؟ ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي معي حتى أشتريه، ثم أحل كما حلّوا.
وأخرجه من وجه آخر من حديث البراء: الإمام أحمد في المسند [4/ 286] ، وابن ماجه في الحج، باب نسخ الحج، رقم 2982، وأبو يعلى في مسنده [3/ 233- 234] ، رقم 1672، ورجاله ثقات رجال الصحيح غير أن البوصيري توقف فيه لاختلاط أبي إسحاق، قال: ولا يدرى سمع أبو بكر منه قبل ذلك أو بعده، مع أن البخاري صحح حديثه عنه!.(3/97)
796- فقالوا: يا رسول الله أي الحلّ نحلّ؟ قال: الحل كله.
797- وفي رواية: فقالوا: نحل ونصيب النساء، ونخرج إلى منى ومذاكيرنا تقطر منيا؟
فلم يزل بهم صلى الله عليه وسلم حتى أحلوا، وأمرهم أن يحرموا يوم التروية من الأبطح، ويخرجوا إلى منى.
798- وقدم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبو موسى الأشعري من اليمن، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: بم أحرمتما؟ فقالا: قلنا: إهلالا كإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما نزل عليه، وكان مع علي رضي الله عنه ثلاثون بدنة فأقام على إحرامه.
(796) قوله: «الحل كله» : هو ضمن حديث ابن عباس المتقدم قريبا وأوله: كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور ... الحديث.
(797) قوله: «وفي رواية» : هو ضمن حديث جابر بن عبد الله المتقدم قريبا وأوله: أهل النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه بالحج وليس مع أحد منهم هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة ...
الحديث.
(798) قوله: «وقدم علي بن أبي طالب» : أخرجاه في الصحيحين من حديث مروان الأصفر، عن أنس قال: قدم علي رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن، فقال: بم أهللت؟ قال: بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لولا أن معي الهدي لأحللت، زاد في رواية: فاهد وامكث حراما كما أنت، أخرجه البخاري في المناسك، باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، رقم 1558، ومسلم كذلك، باب إهلال النبي صلى الله عليه وسلم رقم 1250 (213) .(3/98)
799- قال: ولم يكن مع أبي موسى الأشعري شيء فأحل، وأحل الناس كلهم إلّا النبي صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه لسوقهما الهدي، وحجا مفردين.
800- وأحرم الناس بالحج، وكانوا متمتعين، فمنهم من نحر وأكثرهم صام، ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن متعة أزواجه البقر.
(799) قوله: «ولم يكن مع أبي موسى شيء» : أخرجاه في الصحيحين من حديث طارق بن شهاب، عن أبي موسى قال:
بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوم باليمن، فجئت وهو بالبطحاء، فقال: بم أهللت؟
قلت: أهللت كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، قال: هل معك من هدي؟ قلت: لا، فأمرني فطفت بالبيت وبالصفا والمروة، ثم أمرني فأحللت ... الحديث، أخرجه البخاري برقم 1559، ومسلم برقم 1221 (154، 155، 156) .
(800) قوله: «عن متعة أزواجه البقر» : أخرجه البخاري في المناسك، باب ذبح الرجل البقر عن نسائه، رقم 1709، ومسلم فيه، باب بيان وجوه الإحرام، رقم 1211 (125) ، وخرجناه في مسند الحافظ أبي محمد، تحت رقم 2036، وكتاب الحج، باب البقرة تجزىء عن البدنة.(3/99)
[181- فصل: في الوقوف بعرفة]
181- فصل: في الوقوف بعرفة 801- وقال صلى الله عليه وسلم: خذوا عني مناسككم.
802- وخرج صلى الله عليه وسلم إلى منى ضحوة النهار، حتى صلى الصبح، ودفع إلى عرفة، وقد أمر بقبة له من شعر أن تضرب له بنمرة، فنزل بها حتى زالت الشمس، ثم قصد مسجد إبراهيم عليه السّلام، فخطب خطبتين، وصلى (801) قوله: «خذوا عني مناسككم» : أخرجه مسلم في الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا، من حديث أبي الزبير، عن جابر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه، رقم 1297 (310) ، والإمام أحمد في المسند [3/ 301، 318، 332، 337، 367، 378] ، وأبو داود في المناسك، باب التعجيل من جمع، رقم 1944، والترمذي في الحج، باب ما جاء في الإفاضة من عرفات رقم 886، والنسائي في الحج، باب الركوب إلى الجمار واستظلال المحرم، رقم 3062، وابن ماجه في الحج، باب الوقوف بجمع، رقم 3023.
(802) قوله: «وخرج صلى الله عليه وسلم إلى منى ضحوة» : هو بعض حديث جابر في سياق حجته صلى الله عليه وسلم الطويل.
أخرجه: الحافظ أبو محمد الدارمي في المناسك من المسند الجامع، باب:
في سنة الحج.
وخرجناه في كتابنا فتح المنان، تحت رقم 1981، وذكرنا إخراج مسلم له دون البخاري.(3/100)
الظهر ركعتين والعصر ركعتين بأذان وإقامتين، ثم راح إلى الموقف، فاستقبل القبلة واستدبر الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه.
803- وكان يوم جمعة- وأنزل عليه بالموقف: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ الاية، فلم يزل صلى الله عليه وسلم واقفا يدعو ويحرّض الناس على الدعاء حتى غابت الشمس.
قوله: «وجعل حبل المشاة» : بالحاء المهملة ثم موحدة ساكنة كما في الأصول، وهو المشهور في الرواية، قال القاضي عياض: وهو الأشبه، وحبل المشاة مجتمعهم.
ورجح المحب الطبري ضبطه بالجيم، قال: لأن الواقف- يعني: بموقف النبي صلى الله عليه وسلم- يكون جبل إلال بين يديه، قال: وهو جبل المشاة، وتعقبه العز بن جماعة في المناسك [3/ 1007] بقوله: وفيه نظر، لأن المشهور في الرواية: حبل المشاة- بالحاء المهملة- قال: وهو طريقهم الذي يسلكونه في الرمل، وعكس ذلك الخطابي فقال: أما الجيم فمعناه طريقهم وحيث تسلك الرجّالة، والحبال: ما كان دون الجبال في الارتفاع.
(803) قوله: «وكان يوم جمعة» : أخرج الشيخان واللفظ للبخاري في الإيمان، باب زيادة الإيمان ونقصانه، من حديث طارق بن شهاب، عن عمر بن الخطاب أن رجلا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤنها لو علينا معشر اليهود نزلت لا تخذنا ذلك اليوم عيدا، قال: أي آية؟ قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً، قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم جمعة.(3/101)
[182- فصل: في إفاضته صلى الله عليه وسلم إلى المزدلفة]
182- فصل: في إفاضته صلى الله عليه وسلم إلى المزدلفة 804- ثم أفاض صلى الله عليه وسلم إلى المزدلفة وأسامة بن زيد رديفه قال:
فقلت: يا رسول الله الصلاة، فقال: الصلاة أمامك، حتى بلغ صلى الله عليه وسلم بعض الشعاب ونزل، فاهراق الماء وتوضأ وضوآ خفيفا، ثم سار حتى بلغ مزدلفة، فجمع بين المغرب والعشاء بإقامتين من غير أذان.
805- وبات صلى الله عليه وسلم بها، فلما أصبح صلى الصبح، ووقف على قزح- وهو المشعر الحرام-.
(804) قوله: «الصلاة أمامك» : أخرجه الشيخان، فأخرجه البخاري في الحج، باب النزول بين عرفة وجمع، رقم 1667، 1669، ومسلم فيه، باب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة، رقم 1280 (276 وما بعده) .
قوله: «من غير أذان» : إذ لم يذكر في حديث أسامة بن زيد، قال الحافظ في الفتح: ظاهر حديث أسامة أنه يجمع بينهما بإقامتين فقط، قال: وهو قول الشافعي في الجديد والثوري، ورواية عن أحمد. اه.
وقد أثبت جابر بن عبد الله في حديثه الطويل، الأذان للأولى دون الثانية، وجعله النووي في المجموع [8/ 152] : الأصح في المذهب، وعن ابن مسعود أنه صلى كل صلاة بأذان وإقامة.
(805) قوله: «ووقف على قزح» : أخرج الإمام أحمد في المسند [1/ 76، 157] ، وأبو داود في المناسك، باب الصلاة بجمع، رقم 1935، والترمذي فيه، باب ما جاء أن عرفة كلها-(3/102)
806- فدعا صلى الله عليه وسلم فأطال، ثم تبسم صلى الله عليه وسلم، فقيل: يا رسول الله إنك تبسمت في ساعة لم تكن تبتسم فيها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تبسمت من- موقف، رقم 885، وابن ماجه فيه أيضا: باب الموقف بعرفات، رقم 3010، وأبو يعلى في مسنده [1/ 264] رقم 312، جميعهم من حديث عبيد الله بن أبي رافع، عن علي رضي الله عنه في وصف حجة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه:
فأتى جمعا- فصلى بها الصلاتين- يعني: المغرب والعشاء- ثم بات بها، فلما أصبح وقف على قزح فقال: هذ قزح، وهو الموقف، وجمع كلها موقف ... الحديث.
قال الرافعي في شرحه [3/ 422- 423] : هو جبل من المشعر الحرام، قال: ويقال: هو المشعر الحرام، والمشعر من المزدلفة.
(806) قوله: «فدعا صلى الله عليه وسلم فأطال» : أخرجه عبد الله في زوائده على المسند [4/ 14] ، واختصر لفظه أبو داود في الأدب، باب الرجل يقول للرجل: أضحك الله سنك، رقم 5234، وابن ماجه في المناسك، باب الدعاء بعرفة، رقم 3013، وأبو داود الطيالسي في مسنده- كما في تاريخ ابن كثير قسم السيرة [4/ 352]- ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى [5/ 118] .
وأخرجه أبو يعلى في مسنده [3/ 149- 150] رقم 1578، والطبراني في معجمه الكبير- كما في قوة الحجاج لابن حجر [/ 20]-، وابن أبي عاصم في الاحاد والمثاني [3/ 74] رقم 1390، وابن جرير في تفسيره [2/ 149- 150] ، وابن عدي في الكامل [6/ 2094] .
قال الحافظ البيهقي: هذا الحديث له شواهد كثيرة، قد ذكرناها في كتاب البعث، فإن صح بشواهده ففيه الحجة.
وأعله البوصيري تبعا للبخاري بعبد الله بن كنانة إذ قال في المصباح: في-(3/103)
عدو الله إبليس، فإنه لما علم أن الله تعالى قد استجاب لي في أمتي أخذ يدعو بالويل والثبور، ويحثو التراب على رأسه.
- إسناده عبد الله بن كنانة، قال البخاري: لم يصح حديثه، ولم أر من تكلم فيه بجرح ولا توثيق.
وممن قواه أيضا: ابن كثير في قسم السيرة من تاريخه، فأورد حديث عبادة بن الصامت شاهدا، وهو عند الحافظ عبد الرزاق في المصنف [5/ 17] رقم 8831 عمن سمع قتادة يقول: حدثنا خلاس بن عمرو، عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة: أيها الناس إن الله تطوّل عليكم في هذا اليوم فيغفر لكم إلّا التبعات فيما بينكم، ووهب مسيئكم لمحسنكم ... الحديث بطوله.
ومن طريقه أخرجه الطبراني في معجمه الكبير- كما في الحجاج لابن حجر-، قال الهيثمي في مجمع الزوائد [3/ 257] : فيه راو لم يسم.
وقد قوى الحديث أيضا الحافظ ابن حجر في قوة الحجاج، وبسط الكلام عليه وعلى شواهده بما لا مزيد عليه فليراجعه من أراد.(3/104)
[183- فصل: في إفاضته صلى الله عليه وسلم إلى منى]
183- فصل: في إفاضته صلى الله عليه وسلم إلى منى 807- فلما كادت الشمس أن تطلع أفاض صلى الله عليه وسلم إلى منى، فرمى ونحر وحلق، وطاف بالبيت أسبوعا، ورجع إلى منى فصلى الظهر، وخطب في الناس خطبة الوداع، يذكر فيها الأحكام.
808- ونعى صلى الله عليه وسلم نفسه.
قال أبو سعد رحمه الله ورضي عنه: وقد رويت الخطبة بألفاظ مختلفة على حسب ما حفظها الناس، فمنهم من روى الكلمتين والثلاثة، والحكم والحكمين، ومنهم من زاد، ومنهم من نقص، لا أعلم أحدا روى جميع الخطبة على وجهها لطولها.
809- وقد قيل: إن خطبة الوداع كانت في النفر الأول وهو اليوم الثاني من أيام التشريق وهو الأصح، والله أعلم.
(808) قوله: «ونعى صلى الله عليه وسلم نفسه» : قال ابن عمر في آخر سياق خطبته صلى الله عليه وسلم بمنى: فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهمّ اشهد، وودّع الناس فقالوا: هذه حجة الوداع، أخرجاه في الصحيحين.
ومن حديثه أيضا بإسناد ضعيف قال: أنزلت هذه السورة إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق، وعرف أنه الوداع، فأمر براحلته القصواء فرحلت له، فركب، فوقف بالعقبة، واجتمع الناس، فقال ... الخطبة. أخرجه البيهقي في السنن الكبرى [5/ 153] ، وضعفه من قبل موسى بن عبيدة.
(809) قوله: «وهو اليوم الثاني من أيام التشريق» : الذي في أكثر الأحاديث- كتلك المخرجة في الصحيحين- التصريح بأن-(3/105)
.........
- خطبته صلى الله عليه وسلم إنما كانت يوم النحر كحديث ابن عباس، وابن عمر، وأبي بكرة، وفي غيرهما كحديث جابر بن عبد الله عند الإمام أحمد، والهرماس بن زياد، وأبي أمامة عند أبي داود، قال الحافظ في الفتح، في باب الخطبة أيام منى: في هذه الأحاديث دلالة على مشروعية الخطبة يوم النحر.
قالت المالكية والحنفية: خطب الحج ثلاثة: سابع ذي الحجة، ويوم عرفة، وثاني يوم النحر بمنى.
ووافقهم الشافعي إلّا أنه قال بدل ثاني يوم النحر ثالثه لأنه أول النفر، وزاد خطبة رابعة وهي يوم النحر، وقال: إن بالناس حاجة إليها ليتعلموا أعمال ذلك اليوم من الرمي والذبح والحلق والطواف. اه.
وقد يحتج للشافعي في هذا بأحاديث منها: ما أخرجه الإمام أحمد في المسند [5/ 411] من طريق أبي نضرة قال: حدثني من سمع خطبة رسول الله في وسط أيام التشريق فقال ... الخطبة.
ومنها: حديث سراء بنت نبهان- وكانت ربة بيت في الجاهلية- قالت:
خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الرؤوس فقال: أي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: أليس أوسط أيام التشريق؟ ... أخرجه أبو داود في المناسك، باب: أي يوم يخطب بمنى، رقم 1953، وسكت عنه.
واستشهد أيضا عقبه بحديث عم أبي حرة الرقاشي: أنه صلى الله عليه وسلم خطب أوسط أيام التشريق.
وأخرج أيضا من حديث أبي نجيح، عن رجلين من بني بكر قالا: رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بين أوسط أيام التشريق، رقم 1952.
ومنها: أيضا: ما رواه عبد العزيز بن الربيع بن سبرة، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب وسط أيام التشريق- يعني: يوم النفر الأول- أخرجه الدارقطني [2/ 227] وليس في الإسناد ضعيف أو مجروح.(3/106)
وأكثر ما وجدت مما ذكر فيها:
810- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في حجته بمنى- يعني: في وسط أيام التشريق- فقال:
يا أيها الناس أتدرون في أي شهر أنتم؟ وفي أي يوم أنتم؟ وفي أي بلد أنتم؟
قالوا: في يوم حرام، وفي شهر حرام، وفي بلد حرام.
قال: فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا إلى يوم القيامة.
أيها الناس استمعوا مني تغنموا، ألا لا تظالموا.
ألا إنه لا يحل مال امرىء مسلم إلّا بطيب نفس منه.
ألا وإن كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية تحت قدمي هاتين إلى يوم القيامة، وإن أول دم يوضع دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب- كان مسترضعا في بني ليث، فقتله هذيل.
ألا وإن الله قضى أن أول ربا يوضع ربا العباس بن عبد المطلب، لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون.
ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض، ألا وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق قوله: «وأكثر ما وجدت مما ذكر فيها» : جمع المصنف في السياق ألفاظ جماعة من الصحابة لتلك الخطبة، أدخل أحاديث بعضهم في بعض، منها ما هو في الصحيحين، ومنها ما هو في غيرهما مما أشرنا إليه عند التعليق على الحديث قبله.(3/107)
السماوات والأرض، منها أربعة حرم، ذلك الدين القيّم فلا تظلموا فيهن أنفسكم.
ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.
ألا وإن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون ولكنه في التحريش بينكم.
واتقوا الله في النساء، فإنهن عوان، لا يملكن لأنفسهن شيئا، وإن لكم عليهن حقّا ألّا يوطئن فرشكم أحدا غيركم، ولا يأذنّ في بيوتكم لأحد تكرهونه، فإن خفتم نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله.
ألا ومن كان عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها.
أيها الناس، إن ربكم واحد، ألا إن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأسود على أحمر، إن أكرمكم عند الله أتقاكم.
ثم بسط صلى الله عليه وسلم يده فقال: ألا هل بلغت- ثلاثا-.
ثم قال: ليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع.(3/108)
[184- فصل: ثم رجع رسول الله إلى المدينة]
184- فصل: ثم رجع رسول الله إلى المدينة 811- ثم رجع صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فنزل وهو في الطريق قوله تعالى:
وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ الاية.
فأقام صلى الله عليه وسلم بها إلى أن مات صلى الله عليه وسلم في يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، وكان بين خروجه من مكة ووفاته ثمانون ليلة.
فثبت ما ذكرنا: من أنه لم يحج من المدينة إلّا حجة واحدة وهي حجة الوداع، واعتمر عمرتين، عمرة في سنة سبع وهي التي تسمى عمرة القضية، بعد أن صده المشركون عن العمرة بالحديبية فأحل ورجع، وعمرة من الجعرانة في سنة ثمان بعد فتح مكة.
فهذا جميع إحرامه صلى الله عليه وسلم بعد نزول فرض الحج والعمرة عليه.
(811) قوله: «فنزل وهو في الطريق» : أخرج البيهقي في الدلائل [7/ 137] من حديث الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس في قوله تعالى: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ الاية، قال:
نزلت بمنى، وبينها وبين موت النبي صلى الله عليه وسلم واحد وثمانون يوما، وعزاه في الدر المنثور أيضا للفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، ورجح آخريتها الحافظ في الفتح عما سواها مما روي في أواخر ما نزل لما في الاية من الإشارة لمعنى الوفاة المستلزمة لخاتمة النزول، قال: وقد حكى ابن عبد السلام أن النبي صلى الله عليه وسلم عاش بعد نزولها إحدى وعشرين يوما، وقيل: سبعا.(3/109)
[185- فصل: في بدء مرض وفاته صلى الله عليه وسلم]
185- فصل: في بدء مرض وفاته صلى الله عليه وسلم 812- ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فاشتكى في آخر صفر، فكان آخر ما نزل من القرآن: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ الاية، فعاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الاية تسع ليال، ثم مات بأبي وأمي يوم الاثنين، لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول سنة عشر صلى الله عليه وسلم وعلى آله.
(812) قوله: «ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم» : يعني: من حجة الوداع، وقد ذكر المصنف هناك شيئا مما ذكره هنا.
قوله: «فاشتكى في آخر صفر» : اختلف في تعيينه، فعن الخطابي أن ابتداء مرضه يوم الإثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى وعشرة من مهاجره صلى الله عليه وسلم، وعند الواقدي- وعنه ابن سعد في الطبقات [2/ 190]- بعدها بليلتين، أي: يوم الأربعاء وهو قول أبي أحمد الحاكم.
قوله: «فكان آخر ما نزل من القرآن» : تقدم الكلام عليه عقب حجة الوداع.
قوله: «لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول» : رواه الواقدي، ومن طريقه ابن سعد في الطبقات [2/ 206] ، البيهقي في الدلائل [7/ 234- 235] ، من حديث أبي معشر- صاحب المغازي- عن محمد بن قيس قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لإحدى عشرة بقيت من صفر سنة إحدى عشرة في بيت زينب بنت جحش شكوى شديدة، واجتمع عنده نساؤه كلهن، اشتكى ثلاثة عشر يوما، وتوفي يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول سنة إحدى عشرة. -(3/110)
.........
- قال الحافظ في الفتح [7/ 736] : اختلف في مدة مرضه صلى الله عليه وسلم، فالأكثر على أنها ثلاثة عشر يوما، وقيل بزيادة يوم، وقيل: بنقصه، وبالثاني صدر في الروضة، وقيل: عشرة أيام، وبه جزم سليمان التيمي في مغازيه، وأخرجه البيهقي في الدلائل [7/ 234] بإسناد صحيح.
قال: وكانت وفاته صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين في ربيع الأول بلا خلاف، وكاد يكون إجماعا، ثم عند ابن إسحاق [2/ 642] ، ومن طريقه الطبري [3/ 215] ، هو قول الواقدي كما في الطبقات [2/ 272] أنها في الثاني عشر منه، وعند موسى بن عقبة، والليث، والخوارزمي، وابن زبر: مات لهلال ربيع الأول، وعند أبي مخنف- كما في تاريخ الطبري [3/ 200] : في ثانيه، ورجحه السهيلي [4/ 270] ، وعلى القولين يتنزل ما نقله الرافعي أنه عاش بعد حجته ثمانين يوما، وقيل: أحدا وثمانين، وأما على ما جزم به في الروضة فيكون عاش بعد حجته تسعين يوما أو أحدا وتسعين، وقد استشكل ذلك السهيلي ومن تبعه- أعني كونه مات يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول- وذلك أنهم اتفقوا على أن ذا الحجة كان أوله يوم الخميس، فمهما فرضت الشهور الثلاثة توام أو نواقص أو بعضها، لم يصح- وهو ظاهر لمن تأمله-، وقد أجاب البارزي ثم ابن كثير باحتمال وقوع الأشهر الثلاثة كوامل، وكان أهل مكة والمدينة اختلفوا في رؤية هلال ذي الحجة، فرآه أهل مكة ليلة الخميس، ولم يره أهل المدينة إلّا ليلة الجمعة، فحصلت الوقفة برؤية أهل مكة، ثم رجعوا إلى المدينة فأرخوا برؤية أهلها، فكان أول ذي الحجة الجمعة وآخره السبت، وأول المحرم الأحد وآخره الاثنين، وأول صفر الثلاثاء وآخره الأربعاء، وأول ربيع الأول الخميس فيكون ثاني عشره الاثنين، وهذا الجواب بعيد من حيث أنه لم يلزم توالي أربعة أشهر كوامل، وقد جزم سليمان التيمي أحد الثقات بأن ابتداء مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوم السبت الثاني والعشرين من صفر، ومات يوم الاثنين لليلتين خلتا-(3/111)
.........
- من ربيع الأول- أخرجه البيهقي في الدلائل [7/ 234]- فعلى هذا كان صفر ناقصا، ولا يمكن أن يكون أول صفر السبت إلّا إن كان ذو الحجة والمحرم ناقصين فيلزم منه نقص ثلاثة أشهر متوالية، وأما على قول من قال: مات أول يوم من ربيع الأول فيكون اثنان ناقصين وواحد كاملا، ولهذا رجحه السهيلي، وفي المغازي لأبي معشر عن محمد بن قيس قال:
اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لإحدى عشرة مضت من صفر (في الرواية: بقيت، أخرجها ابن سعد [2/ 272] ، والبيهقي في الدلائل [234- 235] ) ، وهذا موافق لقول سليمان التيمي المقتضي لأن أول صفر كان السبت، وأما ما رواه ابن سعد في الطبقات [2/ 272] من طريق عمر بن علي بن أبي طالب قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لليلة بقيت من صفر فاشتكى ثلاث عشرة ليلة، ومات يوم الاثنين لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول، فيرد على هذا الإشكال المتقدم، وكيف يصح أن يكون أول صفر الأحد فيكون تاسع عشرينه الأربعاء؟ والغرض: أنّ ذا الحجة أوله الخميس، فلو فرض هو والمحرم كاملين لكان أول صفر الاثنين، فكيف يتأخر إلى الأربعاء؟ فالمعتمد ما قاله أبو مخنف، وكأن سبب غلط غيره أنهم قالوا: مات في ثاني شهر ربيع الأول فتغيرت ثاني عشر، واستمر الوهم بذلك يتبع بعضهم بعضا من غير تأمل، والله أعلم.
قال: وقد أجاب القاضي بدر الدين بن جماعة بجواب آخر، فقال: يحمل قول الجمهور لاثنتي عشرة ليلة خلت أي بأيامها فيكون موته في اليوم الثالث عشر، ويفرض الشهور كوامل فيصح قول الجمهور، ويعكر عليه ما يعكر على الذي قبله مع زيادة مخالفة اصطلاح أهل اللسان في قولهم لاثنتي عشرة فإنهم لا يفهمون منها إلّا مضي الليالي، ويكون ما أرخ بذلك واقعا في اليوم الثاني عشر
قال أبو عاصم: ما ذكره الحافظ وجيه وقوي، غير أنه يشكل عليه روايات-(3/112)
813- فكان جميع غزواته صلى الله عليه وسلم ستين غزاة، منها سبعا وعشرين غزاة غزاها بنفسه صلى الله عليه وسلم، قاتل منها في تسع وهي: بدر، ثم أحد، ثم الخندق، ثم بنو قريظة، ثم بنو المصطلق، ثم خيبر، ثم الفتح، ثم حنين، ثم الطائف.
814- وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، ودفن يوم الأربعاء.
815- وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع زوجات: عائشة، وحفصة، وأم حبيبة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وميمونة، وسودة، وجويرية، وصفيه.
816- وقيل: عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة عشر سنين عزيزا، ثم اشتكى في صفر، فوعك أشد الوعك، وتوفي يوم الاثنين حين زالت الشمس لهلال ربيع الأول.
817- وقيل: توفي للنصف من ربيع الاخر، ودفن ليلة الأربعاء.
- الواقدي عند ابن سعد [2/ 272، 273] بأسانيده إلى علي بن أبي طالب، وابن عباس، وعائشة رضي الله عنها، هكذا بالنص على أنه توفي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول.
(813) قوله: «فكان جميع غزواته» : مضى الكلام عليه في أول باب غزواته صلى الله عليه وسلم.
(814) قوله: «وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين» : أخرج البخاري في الجنائز من صحيحه، باب موت يوم الاثنين، من حديث عائشة رضي الله عنها في وفاة أبيها صلى الله عليه وسلم، وفيه: في أي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: يوم الاثنين ... الحديث.
(815) قوله: «وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم» : سيأتي الكلام عليه.
[باب: في وفاة النّبي صلى الله عليه وسلم](3/113)
(186- باب:
في وفاة النّبيّ صلى الله عليه وسلم) باب: في وفاة النّبي صلى الله عليه وسلم 818- أخبرنا أبو سعيد: عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الرازي، الصوفي رحمه الله، ثنا يوسف بن عاصم الرازي، ثنا جعفر بن مهران، ثنا عبد الأعلى، ...
(818) قوله: «الرازي، الصوفي» : قال الحافظ الذهبي في السير: شيخ الصوفية، ومسند الوقت، نزيل نيسابور، قال الحاكم: جاور بمكة، وقد دخلت عليه في أول سنة إحدى وثمانين لما بلغني خروجه إلى مرو، ولم يزل كالريحانة عند مشايخ الصوفية ببلدنا، قال: ووصفه الكنجروذي بالصلاح.
قال الذهبي: حديثه مستقيم، ولم أر أحدا تكلم فيه.
سير أعلام النبلاء [16/ 427] ، النجوم الزاهرة [4/ 163] ، تاريخ الإسلام [وفيات سنة 382- ص 52] ، العبر [3/ 21] ، الشذرات [3/ 226] ، الوافي بالوفيات [17/ 490] .
قوله: «ثنا جعفر بن مهران» : السباك، أبو النضر- وقيل: أبو سلمة- البصري، من شيوخ أبي زرعة الرازي، سكت عنه ابن أبي حاتم، ووثقه ابن حبان، وأورده الذهبي في ميزانه وقال: موثق وله ما ينكر، ثم أورد له حديثا خولف فيه.
الجرح والتعديل [2/ 491] ، الثقات [8/ 160] ، الميزان [1/ 418] .
قوله: «ثنا عبد الأعلى» : هو ابن عبد الأعلى بن محمد- وقيل: ابن شراحيل- السامي، القرشي، أبو محمد البصري، من رجال الكتب الستة الثقات المتقين، يقال: كان-(3/117)
ثنا محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن عمر، عن عبيد بن حنين مولى الحكم بن أبي العاص، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: أخبرني أبو مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
هجّدني رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل وأنا معه في بعض بيوته فقال: يا أبا مويهبة إني قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع، فانطلق معي.
قال: فانطلقت معه، فلما وقف بين أظهرهم قال: السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح فيه الناس، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم.
يا أبا مويهبة: إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة، وخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة.
قال قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها.
فقال: لا والله يا أبا مويهبة، لقد اخترت لقاء ربي والجنة.
- قدريا لكن لم يكن داعية. انظر عنه في:
تهذيب الكمال [16/ 359] ، تهذيب التهذيب [9/ 87- 88] ، سير أعلام النبلاء [9/ 242] ، طبقات ابن سعد [7/ 290] ، الثقات لابن حبان [7/ 130] ، الجمع بين رجال الصحيحين [1/ 331] ، تذكرة الحفاظ [1/ 296] ، الكاشف [2/ 130] ، التقريب [/ 331] الترجمة رقم 3734.
قوله: «ثنا محمد بن إسحاق» : خرجنا حديثه في المسند الجامع للحافظ أبي محمد: عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي تحت رقم 82- فتح المنان، وتكلمت على بقية رجال السند، وفيه من الفوائد ما يقتضي الوقوف عليه، أعرضت عن نقلها هنا اختصارا.(3/118)
قال: ثم استغفر لأهل البقيع، ثم انصرف، فبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي مات فيه.
819- قال محمد بن إسحاق: فحدثني الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عائشة قالت: رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من البقيع فدخل عليّ فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول: وا رأساه، فقال: بل أنا والله يا عائشة وا رأساه، وتتام به وجعه حتى استعزّ به وهو في بيت ميمونة، فدعا نساءه فسألهن أن يأذن له أن يمرض في بيتي فأذن له، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي بين رجلين من أهله، أحدهما الفضل بن العباس ورجل آخر، عاصبا رأسه تخط قدماه حتى دخل بيتي.
820- قالت أسماء بنت عميس: واشتد مرضه صلى الله عليه وسلم حتى أغمي (819) قوله: «قال محمد بن إسحاق» : هو مسند عن المصنف بإسناد الذي قبله إلى ابن إسحاق.
وقد خرجناه واستوفينا التعليق عليه في كتابنا فتح المنان شرح المسند الجامع للحافظ أبي محمد: عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، تحت رقم 85، والظاهر أنه من المزيد في متصل الأسانيد، فهو هناك عن ابن إسحاق عن يعقوب بن عتبة، عن الزهري، وكذلك هو في سيرة ابن هشام [2/ 649] .
قوله: «استعز به» : بالزاي ويقال: بالراء وهما بمعنى، والمراد: اشتد به المرض، وازداد وجعه.
(820) قوله: «قالت أسماء بنت عميس» : أخرج حديثها الحافظ عبد الرزاق في المصنف [5/ 429] رقم 9754، ومن طريقه الإمام أحمد في المسند [6/ 438] ، والطبراني في معجمه الكبير-(3/119)
عليه، فتشاور نساؤه في لدّه، فلدّ، وقالت أسماء بنت عميس: كنا نتهم بك ذات الجنب يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن ذلك لداء ما كان الله عزّ وجلّ ليقذفني به، لا يبقى في البيت أحد إلّا لدّ إلّا عم النبي صلى الله عليه وسلم- يعني:
عباسا- قال: فلقد التدت ميمونة يومئذ وهي صائمة لعزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
821- قال ابن إسحاق، قال الزهري: وحدثني حمزة بن عبد الله بن عمر أن عائشة رضي الله عنها قالت: لما استعزّ برسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
مروا أبا بكر فليصل بالناس، فقلت: يا نبي الله إن أبا بكر رجل رقيق، ضعيف الصوت كثير البكاء إذا قرأ القرآن ... فذكره.
-[24/ 372] ، وابن سعد في الطبقات [2/ 237- 238] من طريق الزهري قال: أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أسماء بنت عميس به، إسناد عبد الرزاق على شرط الصحيح، صححه ابن حبان- كما في الإحسان- برقم 6587، والحاكم في المستدرك [4/ 202] ، وأقره الذهبي في التلخيص، وصححه أيضا الحافظ في الفتح.
(821) قوله: «قال ابن إسحاق» : هو مسند عن المصنف بالإسناد السابق، والخبر في السيرة [2/ 652- ابن هشام] ، وتمامه بعد قولهما كثير البكاء إذا قرأ القرآن: قال: مروه فليصل بالناس، قالت: فعدت بمثل قولي، فقال: إنكن صواحب يوسف، فمروه فليصل بالناس، قالت: فو الله ما أقول ذلك إلّا أني كنت أحب أن يصرف ذلك عن أبي بكر، وعرفت أن الناس لا يحبون رجلا قام مقامه أبدا، وأن الناس سيتشاءمون به في كل حدث كان، فكنت أحب أن يصرف ذلك عن أبي بكر.
حديث حمزة في الصحيحين من طريق عن الزهري: فأخرجه البخاري في الأذان، باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة، رقم 682، وعنده:
عن يونس، عن الزهري، عن حمزة، عن أبيه. -(3/120)
822- ثم قال صلى الله عليه وسلم: اهريقوا عليّ من سبع قرب من آبار شتى، فأقعدنا صلى الله عليه وسلم بعد أن أفاق في مخصب لحفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فصببنا عليه من الماء حتى طفق يقول بيده: حسبكم.
وأخرجه مسلم في الصلاة، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما، رقم 418 (94) من طريق معمر عن الزهري، عن حمزة، عن عائشة مثل قول ابن إسحاق، ولعل الذي قبله من المزيد في متصل الأسانيد.
(822) قوله: «ثم قال صلى الله عليه وسلم» :
يعني في حديث ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عائشة اختصره المصنف، وأخرجه أبو يعلى في مسنده [8/ 57] رقم 4579 بطوله، وهذا لفظه: قالت عائشة: رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من البقيع فدخل عليّ فوجدتني وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول: وارأساه! قال:
بل أنا والله يا عائشة وارأساه، ثم قال: وما يضرك لو مت قبلي فقمت عليك فكفنتك، ثم صليت عليك ودفنتك؟ قالت: والله لكأني بك لو فعلت ذلك قد رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك، قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وتتام به وجعه حتى استعز به وهو في بيت ميمونة، فدعا نساءه فسألهن أن يأذن له أن يمرض في بيتي، فأذن له، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي بين رجلين من أهله، أحدهما الفضل بن عباس ورجل آخر، تخط قدماه، عاصبا رأسه حتى جاء بيتي.
قال عبيد الله: فحدثت هذا الحديث عبد الله بن عباس، قال: تدري من الرجل الاخر؟ قال قلت: لا، قال: علي.
ثم اغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد به وجعه، ثم أفاق، قال: اهريقوا عليّ سبع قرب من آبارشتى حتى أخرج إلى الناس فأعهد إليهم، قال: فأقعدناه في مخضب لحفصة بنت عمر فصببنا عليه الماء حتى طفق يقول بيده حسبكم حسبكم. -(3/121)
823- قال ابن إسحاق: وأخبرني الزهري، عن أنس بن مالك: أنه لما كان يوم الإثنين الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الناس وهم يصلون الصبح، فرفع الستر حتى قام على باب عائشة رضي الله عنها- قال محمد: ثم خرج- كما حدثني أيوب بن بشير- عاصبا رأسه، فجلس على المنبر فكان أول ما تكلم به أن صلى على أصحاب أحد فأكثر الصلاة عليهم، ثم قال: إن عبدا من عباد الله خيره الله بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله، قال: ففهمها أبو بكر فبكى وعرف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه يريد، قال: على رسلك يا أبا بكر، انظروا هذه الأبواب اللاصقة في المسجد فسدوها إلّا ما كان من بيت أبي بكر، فإني لا أعلم أحدا كان أفضل عندي في الصحبة منه.
وخرجناه في مسند الحافظ أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي من حديث ابن إسحاق عن محمد ابن كعب، عن عروة، عن عائشة تحت رقم 86- فتح المنان.
وهو عند الإمام البخاري من طرق عن الزهري، فأخرجه في الوضوء، باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح والخشب والحجارة، رقم 198، وفي المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم، رقم 4442، وفي الطب، باب (بدون ترجمة) رقم 5714.
(823) قوله: «عن أنس بن مالك» : هو مسند عن المصنف بالإسناد الماضي إلى ابن إسحاق، وهو في سيرته [2/ 652- 653- ابن هشام] .
وأخرجاه في الصحيحين، من طرق عن الزهري: فأخرجه البخاري في الأذان، باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة، من طريق شعيب، رقم 680، وفي باب: هل يلتفت لأمر نزل به؟ من طريق عقيل، رقم 754، وكذا من طريقه في المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم رقم 4448، وفي الصلاة، باب من رجع القهقرى في صلاته، من طريق يونس، رقم 1205. -(3/122)
فكاد المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحا برسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه، وتفرّجوا فأشار إليهم صلى الله عليه وسلم بيده: أن اثبتوا على صلاتكم، قال: وتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سرورا بما رأى من هيئتهم في صلاتهم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن هيئة منه تلك الساعة.
قال: ثم رجع وانصرف الناس وهم يرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أفرق من وجعه، ورجع أبو بكر إلى أهله بالسنح.
- وأخرجه مسلم في الصلاة، في الباب المشار إليه قريبا، من طريق صالح، رقم 419 (98) ، جميعهم عن ابن شهاب به.(3/123)
[187- فصل: في نعيه صلى الله عليه وسلم نفسه لابنته فاطمة رضي الله عنها]
187- فصل: في نعيه صلى الله عليه وسلم نفسه لابنته فاطمة رضي الله عنها 824- ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا في مرضه الذي توفي فيه فاطمة ابنته، فحدثها بحديث بينه وبينها فبكت، ثم حدثها بحديث بينه وبينها فضحكت.
قالت عائشة رضي الله عنها: ما رأيت أحدا من خلق الله عزّ وجلّ كان أشبه حديثا وكلاما برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه أخذ بيدها فقبلها وأجلسها في مجلسه.
(824) قوله: «قالت عائشة رضي الله عنها» : اختصر المصنف حديثها، وقدم فيه وأخر، فحسن إيراد أحد ألفاظه، فقد أخرجه أبو داود في الأدب من سننه، باب ما جاء في القيام، رقم 5217، والترمذي في المناقب، باب فضل فاطمة بنت محمّد صلى الله عليه وسلم، رقم 3872، والنسائي في المناقب من السنن الكبرى [5/ 95، 96] رقم 8366، 8367، والطبراني في معجمه الكبير [22/ رقم: 1038] ، والبيهقي في السنن الكبرى [7/ 101] ، وفي العشرة منها، باب قبلة ذي محرم [5/ 391- 392] رقم 9236.
وهذا لفظ الترمذي: عن عائشة بنت طلحة بن عبيد الله، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت أحدا أشبه سمتا ودلا وهديا برسول الله صلى الله عليه وسلم في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: وكانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها، فلما مرض النبي صلى الله عليه وسلم-(3/124)
قالت عائشة: فلما كانت تلك المرة بكت وضحكت قلت: بينما هي تبكي إذ ضحكت! فسألتها فقالت: إني لبذرة.
- دخلت فاطمة فأكبّت عليه فقبلته، ثم رفعت رأسها فبكت، ثم أكبت عليه ثم رفعت رأسها فضحكت، فقلت: إن كنت لأظن أن هذه من أعقل نسائنا، فإذا هي من النساء، فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم قلت لها: أرأيت حين أكببت على النبي صلى الله عليه وسلم فرفعت رأسك فبكيت، ثم أكببت عليه فرفعت رأسك فضحكت، ما حملك على هذا؟ قالت: إني إذا لبذرة، أخبرني أنه ميت من وجعه هذا فبكيت، ثم أخبرني أني أسرع أهله لحوقا بهن فذاك حين ضحكت.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، وقد روي من غير وجه عن عائشة.
قلت: صححه ابن حبان- كما في الإحسان- برقم 6953، والحاكم في المستدرك [4/ 272- 273] على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي في التلخيص.
وهو في الصحيحين من حديث مسروق عن عائشة قالت: اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلم يغادر منهن امرأة، فجاءت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية النبي صلى الله عليه وسلم فقال: مرحبا بابنتي، فأجلسها عن يمينه- أو: عن شماله-، ثم إنه أسر إليها حديثا فبكت فاطمة، ثم إنه سارها فضحكت أيضا، فقلت لها: ما يبكيك؟ فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت:
ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن، فقلت لها حين بكت: أخصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثه دوننا ثم تبكين؟ وسألتها عما قال: فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا قبض سألتها فقالت: إنه كان حدثني:
أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل عام مرة، وإنه عارضه في العام مرتين، ولا أراني إلّا قد حضر أجلي، وإنك أول أهلي لحوقا بي، ونعم السلف أنا لك.
لفظ مسلم في فضائل الصحابة، أخرجه في فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم برقم 2450 (98، 99) . -(3/125)
قالت: فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها فقالت: إنه أسر إليّ فأخبرني أنه ميت فبكيت، ثم أسر إليّ فقال: إنك أول أهلي لحوقا بي فضحكت.
- وأخرجه البخاري في غير موضع، فأخرجه في المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، رقم 3623، 3624، وفي الاستئذان، باب من ناجى بين يدي الناس ولم يخبر بسر صاحبه، فإذا مات أخبر به، رقم 6285.
وأخرجاه من حديث عروة عنها، أخرجه البخاري في المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، رقم 3625، 3626، وفي المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، رقم 4433، 4434، وفي الاستئذان برقم 6286.
وأخرجه مسلم في الكتاب والباب المشار اليهما برقم 2450 (97) .(3/126)
[188- فصل: في ما جاء في آخر خطبة خطبها صلى الله عليه وسلم، ووصيته بالأنصار، وصلاته على الشّهداء]
188- فصل: في ما جاء في آخر خطبة خطبها صلى الله عليه وسلم، ووصيته بالأنصار، وصلاته على الشّهداء 825- روى الفضل بن العباس بن عبد المطلب أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مرض مرضه الذي مات فيه صلى الله عليه وسلم قال له: خذ بيدي حتى أخرج فأودع الناس وأعهد إليهم، فخرج إليهم، وصعد المنبر وعلى رأسه عصابة، فذكر خطبة طويلة، وقال في آخرها: ثم ذكر شهداء أحد، فدعا لهم وترحم عليهم وصلى عليهم وقال: ائتوهم فزوروهم وسلموا عليهم.
(825) قوله: «روى الفضل بن العباس» :
أخرج الخطبة بطولها الطبراني في معجمه الكبير [18/ 280- 281] رقم 718، وفي الأوسط [3/ 298- 300] رقم 2650، وأبو يعلى (ولعله في الكبير) كما في مجمع الزوائد [9/ 26] ، والبيهقي في الدلائل [7/ 179] ، أبو نعيم في الدلائل- كما في الخصائص [3/ 378] من طريق يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن عطاء، عن ابن عباس عنه قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجت إليه، فوجدته موعوكا قد عصب رأسه، فقال:
خذ بيدي يا فضل، فأخذت بيده حتى انتهى إلى المنبر، فجلس عليه، ثم قال: صح في الناس، فصحت في الناس، فاجتمعوا إليه، فحمد الله عزّ وجلّ وأثنى عليه، ثم قال: يا أيها الناس، إنه قد دنا مني حقوق من بين أظهركم، فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه، ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد منه، ومن كنت أخذت له مالا فهذا مالي فليستقد منه، ولا يقولن رجل إني أخشى الشحناء من قبل-(3/127)
قال الفضل: فكان كالمودع للأحياء والأموات.
- رسول الله، ألا وإن الشحناء ليست من طبيعتي، ولا من شأني، ألا وإن أحبكم إليّ من أخذ حقّا إن كان أو حللني فلقيت الله وأنا طيب النفس، ألا وإني لا أرى ذلك بمغن عني حتى أقوم فيكم مرارا، ثم نزل صلى الله عليه وسلم، فصلى الظهر، ثم عاد إلى المنبر، فعاد إلى مقالته في الشحناء وغيرها، ثم قال: أيها الناس، من كان عنده شيء فليرده، ولا يقول: فضوح الدنيا، ألا وإن فضوح الدنيا خير من فضوح الاخرة، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، إن لي عندك ثلاثة دراهم، فقال: أما إنا لا نكذب قائلا، ولا نستحلفه على يمين، فلم صارت لك عندي؟ قال: تذكر يوم مر بك السائل فأمرتني فدفعت إليه ثلاثة دراهم؟ قال: ادفعها إليه يا فضل، ثم قام إليه رجل، فقال: يا رسول الله، عندي ثلاثة دراهم، كنت غللتها في سبيل الله، قال: ولم غللتها؟ قال: كنت إليها محتاجا، قال: خذها منه يا فضل، ثم قال صلى الله عليه وسلم: من خشي منكم شيئا فليقم أدع له، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، إني لكذاب وإني لمنافق، وإني لنئوم، فقال:
اللهم ارزقه صدقا وإيمانا، وأذهب عنه النوم إذا أراد، ثم قام إليه رجل فقال: يا رسول الله، إني لكذّاب وإني لمنافق، وما من شيء من الأشياء إلّا وقد أتيته، فقال عمر: يا هذا، فضحت نفسك، فقال: مه يا ابن الخطاب، فضوح الدنيا أيسر من فضوح الاخرة، اللهم ارزقه صدقا وإيمانا وصير أمره إلى خير، فتكلم بكلمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمر معي وأنا مع عمر، والحق بعدي مع عمر حيث كان.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد [9/ 26] : في إسناد الطبراني من لم أعرفه، وفي إسناد أبي يعلى عطاء بن مسلم ضعفه جماعة، وبقية رجال أبي يعلى ثقات.
وأخرجه ابن سعد في الطبقات [2/ 255] من طريق جعفر بن برقان، عن رجل من أهل مكة قال: دخل الفضل بن العباس ... فذكر نحوه.(3/128)
826- وكان أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان من أهل بيته فقالا:
يا رسول الله، هذه الأنصار في المسجد رجالها ونساؤها يبكون عليك، قال: ما يبكيهم؟ قال: يخافون أن تموت، قال: أعطني يدك، قال:
فأخذ بيد علي والفضل رضي الله عنهما، فخرج حتى جلس على المنبر معتمدا عليهما، وعليه عصابة، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس، ماذا تستنكرون من نبيكم؟ ألم ينع لكم وينع إليكم أنفسكم؟
أم هل خلّد أحد ممن بعث قبلي فيمن بعثوا إليهم فأخلد فيكم؟ إني لاحق بربي، وقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله عزّ وجلّ بين أظهركم تقرأونه مبينا به ما تأتون وما تدعون، فلا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، وكونوا إخوانا كما أمركم الله عزّ وجلّ، ثم إني أوصيكم بهذا الحي من الأنصار، ألا إن الأنصار بيت الإيمان، ألا من ولي أمرا نصر فيه أحدا أو ينفعه فليقبل من محسن الأنصار وليتجاوز عن مسيئهم.
(826) قوله: «وكان أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان من أهل بيته» :
أورد هذا الأثر بطوله الحافظ أبو حفص الموصلي في وسيلة المتعبدين [6- ق 2/ 83- 84] وعزاه للمصنف في كتابه هذا.
والرجلان هما: الفضل بن العباس وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، والخطبة بطولها في الفتوح لسيف- كما في إمتاع المقريزي [14/ 444- 445] ، وسبل الهدى للصالحي [12/ 252]- قال سيف: حدثني سعيد بن عبد الله، عن أبيه قال: لما رأت الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يزداد ثقلا أطافوا بالمسجد، فدخل العباس رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم فأعلمه بمكانهم، ثم دخل عليه الفضل رضي الله عنه فأعلمه بمثل ذلك، فمد يده فتناولوه، فقال: وما يقولون؟
قال: يقولون نخشى أن تموت، فثار النبي صلى الله عليه وسلم فخرج متوكئا على علي والفضل، والعباس رضي الله عنه أمامه، والنبي صلى الله عليه وسلم معصوب الرأس يخط برجله-(3/129)
.........
- حتى جلس على أسفل مرقاه من المنبر وثاب الناس إليه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس بلغني أنكم تخافون عليّ الموت كافة استنكارا منكم للموت، وما تنكرون من موت نبيكم؟! ألم أنع لكم وتنعى لكم أنفسكم؟ هل خلد نبي قبلي ممن بعث إليه فأخلد فيكم؟ ألا إني لاحق وإنكم لا حقون به، وإني أوصيكم بالمهاجرين الأولين خيرا وأوصي المهاجرين فيما بينهم، وإن الله عزّ وجلّ قال: وَالْعَصْرِ 1 إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ 2- إلى آخرها-، وإن الأمور تجري بإذن الله تعالى، فلا يحملنكم استبطاء أمر على استعجاله فإن الله عزّ وجلّ لا يعجل بعجلة أحد، ومن غالب الله غلبه، ومن خادع الله خدعه: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ 22، وأوصيكم بالأنصار خيرا فإنهم الذين تبوؤا الدار والإيمان، أن تحسنوا إليهم، ألم يشاطروكم الثمار؟ ألم يتوسعوا عليكم في الديار؟ ألم يؤثروكم على أنفسهم وبهم الخصاصة؟ ألا فمن ولي أن يحكم بين رجلين فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، ألا ولا تستأثروا عليهم، ألا وأنا فرط لكم وأنتم لا حقون بي، ألا وإن موعدكم الحوض حين أعرض مما بين بصرى والشام وصنعاء اليمن فصب فيه ميزاب الكعبة، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وألين من الزبد، وأحلى من الشهد، من يشرب منه لم يظمأ أبدا، حصباؤه اللؤلؤ، وبطحاؤه في مسك، من حرمه في الموقف غدا حرم الخير كله، ألا فمن أحب أن يرد عليّ غدا فليكفف يده ولسانه إلّا مما ينبغي.
وقد أخرج طرفا منه البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك وابن عباس، فأخرج في مناقب الأنصار من حديث هشام بن زيد عن أنس قال:
مر أبو بكر والعباس رضي الله عنه بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون فقال:
ما يبكيكم؟ قالوا: ذكرنا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم منا، فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عصب على رأسه حاشية برد، فصعد-(3/130)
827- روى أبو مجلز أن رجلا قال: يا رسول الله رأيت فيما يرى النائم كأن رأسي قطع، فجعلت أنظر إليه بإحدى عيني، قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: بأيهما كنت تنظر؟ قال: فلبث ما شاء الله أن يلبث ثم مات النبي صلى الله عليه وسلم، فعبّر الناس: أن الرأس: كان النبي صلى الله عليه وسلم، والنظر إليه: اتباع سنته.
- المنبر ولم يصعده بعد ذلك اليوم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أوصيكم بالأنصار، فإنهم كرشي وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم، فأقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم.
وفي حديث قتادة عن أنس: الناس سيكثرون ويقلون، وفي حديث ابن عباس: وتقل الأنصار حتى يكونوا كالملح في الطعام، فمن ولي منكم أمرا يضر فيه أحدا أو ينفعه فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم.
(827) قوله: «روى أبو مجلز» : هو الإمام التابعي الثقة، لاحق بن حميد السدوسي، أبو مجلز البصري، الأعور، حديثه في الكتب الستة، انظر عنه في:
حلية الأولياء [3/ 112] ، طبقات ابن سعد [7/ 216] ، تهذيب الكمال [31/ 176] ، تهذيب التهذيب [11/ 151] ، الكاشف [3/ 217] ، إكمال ابن ماكولا [7/ 421] ، الجمع بين رجال الصحيحين [2/ 557] ، التعديل والتخريج [3/ 1202] ، تاريخ يحيى برواية الدوري [2/ 499] .
قوله: «كأن رأسي قطع» : الحديث مرسل بإسناد قوي، أخرجه الحارث بن أبي أسامة [2/ 744- 745 بغية الباحث] رقم 738، قال الحافظ البوصيري في الإتحاف [8/ 290] : الحديث مرسل، رواته ثقات.
قوله: «فلبث ما شاء الله» : وفي رواية الحارث: فلم يلبث إلّا قليلا حتى توفي صلى الله عليه وسلم.(3/131)
828- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: نعى إلينا نبينا وخليلنا صلى الله عليه وسلم نفسه قبل موته بشهر، فلما دنا له الفراق جمعنا إليه في بيت أمنا عائشة رضي الله عنها، ثم نظر إلينا فدمعت عيناه، وتشدد فقال: مرحبا بكم، (828) قوله: «وعن ابن مسعود رضي الله عنه» : أخرجه بطوله: الطبراني في معجمه الأوسط [5/ 9- 10] رقم 4008، وفي الدعاء [3/ 1371- 1372] رقم 1218، 1219 من طريق عبد الملك بن عبد الرحمن، عن الحسن العرني، عن مرة الهمداني عن ابن مسعود به، وأخرجه الحاكم في المستدرك [3/ 15] باختصار، ومن طريق البيهقي في الدلائل بطوله [7/ 231- 232] وقال: تابعه أحمد بن يونس عن سلام الطويل، تفرد به سلام، وقال الحاكم: عبد الملك بن عبد الرحمن الذي في هذا الإسناد مجهول، لا نعرفه بعدالة ولا بجرح، والباقون كلهم ثقات، وقال الذهبي في التلخيص: هذا شأن الموضوع، يكون كل رواته ثقات سوى واحد.
وقال الطبراني في الأوسط عقب إخراجه: لم يجود أحد إسناد هذا الحديث إلّا عمرو بن محمد العنقزي.
ورواه البخاري عن عبد الملك بن الأصبهاني عن مرة عن عبد الله، لم يذكر خلادا الصفار ولا الأشعث بن طليق، ولا الحسن العرني.
قلت: من هذا الوجه أخرجه البزار في مسنده [1/ 398- 399 كشف الأستار] رقم 847، ولذلك قال الهيثمي في مجمع الزوائد [9/ 25] : رجاله رجال الصحيح غير محمد بن إسماعيل الأحمسي، وهو ثقة.
وعزاه الحافظ البوصيري في إتحاف الخيرة [9/ 175] رقم 8778 إلى أحمد بن منيع في مسنده، قال: شهدت سلمة بن صالح يحدث عن عبد الملك بن عبد الرحمن، عن الأشعث بن طليق أنه سمع الحسن العرني يحدث عن مرة، عن ابن مسعود.
وأخرجه ابن سعد في الطبقات [2/ 256- 257] من طريق الواقدي: -(3/132)
حيّاكم الله بالسلام، رحمكم الله، حفظكم الله، جبركم الله، رزقكم الله، رفعكم الله، نفعكم الله، زادكم الله، وقاكم الله، أوصيكم بتقوى الله، وأوصيه بكم، وأستخلفه عليكم، وأنا لكم منه نذير مبين، ألا تعلوا على الله في عباده وبلاده، فإنه قال لي ولكم: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ 83، وقال: أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ.
قال قلنا: يا رسول الله متى أجلك؟ قال: دنا الفراق، والمنقلب إلى الله عزّ وجلّ، وإلى الجنة المأوى، وإلى سدرة المنتهى، وإلى الرفيق الأعلى، وإلى الحظ الأوفى، وإلى العيش المهنّى.
قلنا: يا رسول الله من يغسلك؟ قال: رجال من أهلي الأدنى فالأدنى.
قلنا: يا رسول الله فيما نكفنك؟ قال: في ثيابي هذه إن شئتم، أو ثياب مصر أو في حلة يمانية- وهو برد-.
قلنا: يا رسول الله فمن يصلي عليك؟ فبكى وبكينا، قال: مهلا رحمكم الله وجزاكم عن نبيكم خيرا، إذا أنتم غسلتموني وكفنتموني فضعوني على سريري هذا على شفير قبري في بيتي هذا، ثم اخرجوا عني ساعة، فإن أول من يصلي عليّ حبيبي وخليلي جبريل، ثم ميكائيل، - حدثني عبد الله بن جعفر، عن ابن أبي عون، عن ابن مسعود.
وقال سيف في الفتوح- كما في إمتاع المقريزي [14/ 486]-: عن المستنير بن يزيد النخعي، عن أرطاة ابن أرطاة النخعي، عن الحارث بن مرة الجهني قال: رأيت عنده رقا مكتوبا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، نعى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه قبل موته بشهر ... الحديث بطوله.(3/133)
ثم إسرافيل، ثم ملك الموت مع جنود من الملائكة، ثم سائر الملائكة، ثم ادخلوا عليّ فوجا فوجا، فسلموا عليّ، وسلموا تسليما، ولا تؤذوني بتزكية ولا ضجة ولا رنة، وليبدأ بالصلاة عليّ رجال أهل بيتي، ثم نساؤهم، ثم أنتم بعد، اقرؤا أنفسكم السلام مني، ومن غاب من أصحابي، فإني قد سلمت على من تبعني على ديني من يومي هذا إلى يوم القيامة.
قلنا: يا رسول الله فمن يدخل قبرك؟ قال: أهلي ورجال من أهل بيتي مع ملائكة كثيرة يرونكم من حيث لا ترونهم.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: اللهمّ في الرفيق الأعلى.
829- قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما كان قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بأيام خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم استغفر للشهداء الذين قتلوا يوم أحد، ثم قال: إنكم معشر المهاجرين تزيدون، وإن الأنصار لا يزيدون، وإنهم عيبتي التي أويت إليها، فأكرموا كريمهم وتجاوزوا عن مسيئهم، وأنفذوا جيش أسامة، ولا تدعوا في جزيرة العرب دينين مختلفين، ثم نزل فدخل بيت عائشة رضي الله عنها حتى اشتد وجعه.
(829) قوله: «قال ابن عباس» : أخرجه بسياق أطول منه: الطبراني في معجمه الكبير [3/ 53- 61] رقم 2676، ومن طريقه أبو نعيم في الحلية [4/ 73] ، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات [1/ 295- 301] .
قال الهيثمي في مجمع الزوائد [9/ 31] : فيه عبد المنعم بن إدريس وهو كذاب وضاع.(3/134)
فجاء بلال اليوم الثالث يؤذنه بصلاة الفجر وهو مستلق على قفاه مغطى وجهه بخميصة له فقال: يا رسول الله الصلاة، فكشف النبي صلى الله عليه وسلم الثوب عن وجهه فقال: يا بلال قد بلّغت، من شاء فليصل ومن شاء فليترك، فخرج بلال من عنده وهو يبكي ويقول: ما ترك حبيبي الخروج إلى الصلاة إلّا من جهد جهيد.
قال: فمكث قليلا ثم رجع فقال: يا رسول الله الصلاة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد بلّغت يا بلال، من شاء فليصل، ومن شاء فليترك، فخرج بلال من عنده وهو يقول: واحزني لما أرى من جهدك يا رسول الله.
قال: ثم عاد ثالثا فقال: الصلاة يرحمك الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زمعة: مروا رجلا يصلي بالناس- وفي بعض الأخبار: مروا أبا بكر يصلي بالناس-، فقالوا لأبي بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن قوله: «فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زمعة» :
أخرج الحافظ عبد الرزاق في المصنف [5/ 432] من طريق معمر، عن الزهري قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زمعة: مر الناس فليصلوا، فخرج عبد الله بن زمعة فلقي عمر بن الخطاب فقال: صل بالناس، فصلى عمر بالناس، فجهر بصوته- وكان جهير الصوت- فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أليس هذا صوت عمر؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فقال: يأبى الله ذلك والمؤمنون، ليصل بالناس أبو بكر، فقال عمر لعبد الله بن زمعة: بئس ما صنعت، كنت أرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تأمرني، قال: لا والله ما أمرني أن آمر أحدا، أخرجه أيضا ابن سعد في الطبقات من طريق الواقدي، عن معمر، ومن طريق ابن سعد: البلاذري في أنساب الأشراف [2/ 729] .(3/135)
تصلي بالناس، وأقام بلال، فلما كبّر أبو بكر وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة في بدنه، فخرج إلى الصلاة، فلما رأى الناس سبّحوا وكبّروا، فالتفت أبو بكر رضي الله عنه فرأى النبي صلى الله عليه وسلم فأراد أن يتأخر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
مكانك، وجلس عن يمينه.
فلما فرغ من الصلاة دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المنزل فهبط جبريل وملك الموت، وهبط معهما ملك يقال له: إسماعيل- في سبعين ألف ملك، ليس منهم ملك إلّا مع سبعين ألف ملك- فيسبقهم جبريل عليه السّلام حتى جلس عند رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء ملك الموت فوقف بالباب فقال:
السلام عليكم يا أهل البيت، ومنتهى الرحمة، ومبلغ الرسالة، أأدخل؟
فقالت فاطمة: يا عبد الله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عنك مشغول، ثم نادى ثانيا وثالثا، فقال جبريل عليه السّلام: يا أحمد هذا ملك الموت يستأذن عليك، لم يستأذن على أحد قبلك، ولا يستأذن على أحد بعدك.
فقال صلى الله عليه وسلم: يا جبريل، ائذن له فليدخل.
فأقبل ملك الموت حتى وقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
يا أحمد، إنّ الله عزّ وجلّ أرسلني إليك، وأمرني أن أطيعك في كل ما أمرتني به، فإن رضيت قبضتها، وإن كرهت تركتها، فقال صلى الله عليه وسلم:
يا ملك الموت، امض لما أمرت به، فقال جبريل عليه السّلام: يا أحمد، هذا آخر وطئي الأرض، إنما كنت حاجتي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جبريل عند شدتي تتركني؟ فقال جبريل عليه السّلام: يا أحمد، لا أستطيع أن أنظر إليك وأنت تعالج غصص الموت.
قال: فعرج جبريل عليه السّلام، وأقبل ملك الموت عليه السّلام يعالج روح النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت العقل لا يغيّره شيء حتى قبض صلى الله عليه وسلم(3/136)
وعنده جميع نسائه، فدنت عائشة رضي الله عنها، فقال صلى الله عليه وسلم: لقد رضيتك قبل اليوم، وأنت زوجي في الاخرة، ثم قال لها: تأخّري، فقامت إلى مقعدها، ثم دنت منه فاطمة، وهو مغمض العينين فقالت فاطمة رضي الله عنها: بأبي أنت وأمي لا تجعلني أهون أهلك عليك، كلمني كلمة تطيّب بها نفسي، فكلّمها ثم قال لها: تأخّري، فتأخّرت، ثم قالت فاطمة لابنيها الحسن والحسين رضي الله عنهما وهما غلامان صغيران: ادنوا من جدّكما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلّماه، فدنوا منه، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر تقبيلهما وشمّهما، وقعدا بين يديه، وقالا: يا جدّاه، فلم يجبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لما به من سكرات الموت، فلما رأيا ذلك بكيا بكاء شديدا، وكان الحسن رضي الله عنه يقول: يا جدّاه، ألا تنظر إليّ نظرة واحدة وتكلّمني كلمة واحدة أذكرها بعدك في أيام حياتي، يا جدّاه، لو كانت أمّي أخبرتني قبل أن تصير كما أرى فدخلت عليك للزمتك وقبّلتك، وتروّحت من رائحتك واشتفيت من رؤيتك، وكنت أحبّ الناس إليك، قال: فلم يزل يبكي حتى بكى أهل البيت لبكائه، فسمعه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ففتح صلى الله عليه وسلم عينيه وقال: ما هذا الصوت؟ قالت فاطمة رضي الله عنها: ابناي كلّماك فلم تجبهما فبكيا بكاء شديدا، فبكى لهما أهل البيت، فقال صلى الله عليه وسلم: ادنوا، فدنوا فقبّلهما، ووضع رأسهما عليه فبكوا جميعا.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعليّ بن أبي طالب: ائتني بقدح من ماء، فجاء به، فكان يدخل يده في القدح ويمرّها على وجهه ويقول: اللهمّ أعنّي على سكرات الموت، فقالت فاطمة رضي الله عنها: واكرباه لكربك يا أبت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا كرب على أبيك بعد اليوم، قال: فلم يزالوا كذلك من عند صلاة الفجر إلى الضّحى، والباب مغلق وذلك يوم الاثنين، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ثم شخص صلى الله عليه وسلم ببصره،(3/137)
فقال الفضل لعليّ رضي الله عنه: اغمض عيني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم وضمّ فاه، فأراد علي رضي الله عنه أن يفعل ذلك فإذا عيناه قد غمضتا، وضمّ فوه، وبسطت يداه ورجلاه صلى الله عليه وسلم وجعلت فداه، فلم يمس عليّ رضي الله عنه غير رأسه كان في حجره.
830- وقيل: إنه كان في حجر عائشة رضي الله عنها.
831- قال: فسطعت رائحة طيبة لم يجدوا مثلها قط، وسمعوا حفيف أجنحة الملائكة وكثرة استرجاعهم وهم لا يرون أحدا، والله أعلم بذلك.(3/138)
[189- فصل: في ذكر ما روي من التّشديد على الأنبياء عند الموت، وسببه]
189- فصل: في ذكر ما روي من التّشديد على الأنبياء عند الموت، وسببه 832- قيل: إن الله عزّ وجلّ ضاعف على نبيه الأوجاع، وأعظم له البلاء ليضاعف له الأجر بذلك.
833- قال صلى الله عليه وسلم: نحن معاشر الأنبياء أشد الناس بلاء.
834- وفي الحديث: إن جبريل عليه السّلام نزل على نبيّنا صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قبضه الله سبحانه فيه فقال: يا محمد إن الله يقرأ عليك السلام (832) قوله: «ليضاعف له الأجر بذلك» :
شاهده من السنة قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا: إنا معشر الأنبياء يضاعف لنا البلاء كما يضاعف لنا الأجر، أخرجه الإمام أحمد في المسند [3/ 94] ، وابن ماجه في الفتن، باب الصبر على البلاء، رقم 4024، وابن سعد في الطبقات [2/ 208] ، وأبو يعلى في مسنده [2/ 312- 313] رقم 1045، جميعهم من حديث هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد به، وصححه الحاكم في المستدرك [4/ 307] على شرط مسلم.
(833) قوله: «نحن معاشر الأنبياء» :
بهذا اللفظ أورده الغزالي في الإحياء، وابن عساكر في تاريخه، وعزاه العراقي لمن أشرنا إليهم في التعليق قبله.
(834) قوله: «إن جبريل عليه السّلام نزل» :
سيأتي تخريجه.(3/139)
وهو يسألك عما هو أعلم به، يقول لك: كيف تجدك يا محمد؟
فقال صلى الله عليه وسلم: أجدني مكروبا يا جبريل، فخرج جبريل عليه السّلام.
835- وروي: أن الله تعالى لما قبض إبراهيم عليه السّلام قال: كيف وجدت الموت يا إبراهيم؟ قال: كالسفود يلوي على لحمي فيجذب، قال: هذا وقد هوّنا عليك الموت.
قال أبو سعد رحمه الله: وكان سبب كربه صلى الله عليه وسلم أنه لما شاهد ما له عند ربه، وطالع مكانه منه فكاد صلى الله عليه وسلم أن يهيم فرحا، ونظر وقد بقي له مقام ساعة في الدنيا، وحوله جماعة من الناس فقال: واكرباه من حبسي معكم هذا القليل شوقا إلى مكانه.
(835) قوله: «وروي أن الله تعالى» :
أورده معلقا الحارث المحاسبي في الرعايا لحقوق الله [140- 141] ، وأخرجه الإمام أحمد في الزهد [/ 125] رقم 408 من طريق حماد بن زيد، ثنا جعفر الضبعي، عن ابن أبي مليكة قال: لما توفي إبراهيم عليه السّلام لقي الله عزّ وجلّ فقيل له: يا إبراهيم كيف وجدت الموت؟ قال: يا رب وجدت نفسي تنزع بالسلا، فقيل: فقد هونا عليك.(3/140)
[190- فصل: ذكر استئذان جبريل وملك الموت عليه السّلام في قبض روحه الشّريفة صلى الله عليه وسلم]
190- فصل: ذكر استئذان جبريل وملك الموت عليه السّلام في قبض روحه الشّريفة صلى الله عليه وسلم 836- قال محمد بن إسحاق: قال ابن شهاب: حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان آخر كلامه صلى الله عليه وسلم سمعتها منه وهو يقول: بل الرفيق الأعلى في الجنة، فقلت: إذا والله لا يختارنا، وعرفت أنه الذي كان يقول لنا: أن نبي الله لا يقبض حتى يخير.
837- وقال عطاء بن يسار: لما حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم الوفاة، (836) قوله: «قال محمد بن إسحاق» :
هو مسند عن المصنف بالإسناد الماضي إلى ابن إسحاق، وهو في السيرة [2/ 651- 652- ابن هشام] ، أوله عنده: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما أسمعه يقول: إن الله لم يقبض نبيا حتى يخيره، قالت: فلما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان آخر ... الحديث.
وهو في الصحيحين من طرق عنها: فأخرجه البخاري في المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، رقم 4435، 4436، 4437، وفي التفسير، باب قوله تعالى فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ رقم 4586، وفي الدعوات، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهمّ في الرفيق الأعلى، رقم 6348، وفي الرقاق، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، رقم 6509.
وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة، باب فضل عائشة، رقم 2444 (85، 86، 87) .
(837) قوله: «وقال عطاء بن يسار» :
أخرجه بطوله ابن سعد في الطبقات [2/ 258- 259] : أخبرنا أنس بن-(3/141)
قال له جبريل عليه السّلام: لا أنزل إلى الأرض بعد هذا اليوم أبدا، إن الله أرسلني إليك إكراما لك وتفضيلا وخاصة لك، أسألك عما هو أعلم به منك: كيف تجدك؟ قال: أجدني يا جبريل مكروبا، ثم جاءه في اليوم- عياض أبو ضمرة الليثي، قال: حدثونا عن جعفر بن محمد، عن أبيه به، مرسل جيد لولا الانقطاع بين أنس وجعفر بن محمد.
لكنه توبع عن جعفر بن محمد فمنهم من يسنده عنه ومنهم من يرسله، فأسنده ابن أبي عمر في مسنده- كما في النسخة المسندة من المطالب العالية [9/ 644] رقم 4818: ثنا محمد بن جعفر بن محمد قال: كان أبي يذكر عن أبيه، عن جده، عن علي رضي الله عنه أنه دخل على نفر من قريش فقال: ألا أحدثكم عن أبي القاسم صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: بلى، قال: لما كان قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث أهبط الله إليه جبريل ... الحديث بطوله.
وتابعه علي بن أبي علي الهاشمي، عن جعفر، أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير مختصرا [3/ 832- 833] وفيه: عن جعفر بن علي بن الحسين نسبه إلى جده وهو: جعفر بن محمد بن علي بن الحسين.
وخالفهما القاسم بن عبد الله، عن جعفر، فقال عنه، عن أبيه أن رجالا من قريش ... القصة بطولها، أخرجه الشافعي في السنن والاثار التي رواها الطحاوي [/ 334- 335] رقم 390.
وتابعه عبد الله بن ميمون القداح، عن جعفر، أخرجه الطبراني في معجمه الكبير [3/ 139] ، وفي الدعاء له [3/ 1372- 1373] رقم 1220.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد [9/ 35] : عبد الله بن ميمون ذاهب الحديث.
قلت: وأخرجه البيهقي في الدلائل [7/ 210- 211] من طريق عبد الواحد بن سليمان الحارثي، حدثنا الحسن بن علي، عن محمد بن علي به.(3/142)
الثاني، والثالث، فقال له كيف تجدك يا محمد؟ قال: أجدني يا جبريل مكروبا، وأجدني يا جبريل مغموما.
قال: وهبط مع جبريل ملك في الهواء يقال له: إسماعيل مع سبعين ألف ملك، فقال له جبريل: يا أحمد هذا ملك الموت يستأذن عليك، ما أستأذن على آدمي قبلك ولا يستأذن على آدمي بعدك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائذن له، فأذن له جبريل، فدخل فقال ملك الموت:
يا أحمد إن الله عزّ وجلّ أرسلني إليك وأمرني أن أطيعك: إن أمرتني أن أقبض نفسك قبضتها، وإن كرهت تركتها.
قال جبريل عليه السّلام: يا أحمد إن الله قد اشتاق إلى لقائك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: امض لما أمرت به، فقال جبريل: يا أحمد هذا آخر وطئي الأرض، إنما أنت حاجتي من الدنيا.
قال: فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزية يسمعون حسه ولا يرون شخصه فقال: السلام عليكم أهل البيت، إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك، ودركا من كل ما فات، فبالله فثقوا وإياه فارجوا، فإن المحروم من حرم الثواب، فقال علي رضي الله عنه: هذا هو الخضر.(3/143)
[191- فصل: ذكر ما نزل من الكرب على الأمّة بوفاته صلى الله عليه وسلم واضطراب النّاس بذلك]
191- فصل: ذكر ما نزل من الكرب على الأمّة بوفاته صلى الله عليه وسلم واضطراب النّاس بذلك 838- عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه قال: لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم قالت فاطمة رضي الله عنها: واكرب أبتاه، فقال صلى الله عليه وسلم: ليس على أبيك كرب بعد اليوم، فلما مات قالت فاطمة:
يا أبتاه أجاب ربا دعاه ... يا أبتاه جنة الفردوس مأواه
يا أبتاه من ربه ما أدناه ... يا أبتاه إلى جبريل أنعاه
قال: فلما دفن قالت: يا أنس، أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب؟!
839- عن محمد بن علي قال: ما رأيت فاطمة رضي الله عنها بعد أبيها ضاحكة، ومكثت بعده ستة أشهر.
(838) قوله: «عن ثابت، عن أنس» :
أخرجاه في الصحيحين، وخرجناه في المسند الجامع للحافظ أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي تحت رقم 94- فتح المنان.
(839) قوله: «عن محمد بن علي» :
أخرج حديثه ابن سعد في الطبقات مفرقا [2/ 248، 8/ 28] ، وقوله هو أثبت الأقوال عند الجمهور، فأخرج ابن سعد في الطبقات [8/ 28] ، وأبو نعيم في المعرفة [6/ 3191] رقم 7333، من حديث الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: عاشت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم-(3/144)
840- وعن جعفر بن محمد، عن القاسم قال: ما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرف الموت في أظفاره.
841- فلما مات صلى الله عليه وسلم قال عمر رضي الله عنه: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن صعق كما صعق موسى، وإني لأرجو أن يقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم ألسنة قوم وأيديهم وأرجلهم، يزعمون أنه مات.
- ستة أشهر، صححه الحاكم في المستدرك [3/ 162] ، وفيه أقوال أخرى ليست بالقوية عند أهل السير والمغازي أعرضنا عن ذكرها، وهي مذكورة في المواضع المشار إليها.
(840) قوله: «عن القاسم» :
هو ابن محمد، أخرج قوله ابن سعد في الطبقات [2/ 274] .
(841) قوله: «قال عمر رضي الله عنه» :
فرقه الإمام البخاري في صحيحه، من حديث الزهري، عن أنس.
وأخرجه بطوله من هذا الوجه: ابن سعد في الطبقات [2/ 269- 271]- واللفظ له-.
والحافظ عبد الرزاق في المصنف [5/ 433- 435] ضمن رقم 9754، 9756، ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الإمام أحمد في المسند [3/ 196] ، ومسلم في الصلاة، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر 419 (99) اختصر لفظه، ومن طريقه أيضا ابن حبان في صحيحه- كما في الإحسان- برقم 6875، وأخرجه ابن حبان بطوله أيضا برقم 6220.
وفرقه الإمام البخاري كما تقدم، فأخرج شطرا منه في الأذان، باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة، رقم 680، وفي باب: هل يلتفت لأمر ينزل به؟ رقم 754، وفي العمل في الصلاة، باب من رجع القهقرى في صلاته أو تقدم، رقم 1205، وفي الجنائز، باب الدخول على الميت، رقم 1241، 1242، وفي المغازي، باب مرضه صلى الله عليه وسلم ووفاته، رقم 4448، -(3/145)
فقام العباس رضي الله عنه فقال: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى حارب وسالم، ونكح وطلق، وترككم على طريقة واضحة، فمن كان عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم فليخبرنا به.
- 4452، 4453، 4454، وفي الأحكام، باب الاستخلاف، رقم 7219، وفي الاعتصام، برقم 7269.
وهذا لفظ ابن سعد في الطبقات: عن يونس عن الزهري، قال: أخبرني أنس بن مالك: أنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عمر خطيبا فقال:
ألا لا أسمعن أحدا يقول إن محمدا مات فإن محمدا لم يمت ولكنه أرسل إليه ربه كما أرسل إلى موسى فلبث عن قومه أربعين ليلة.
قال الزهري: وأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال في خطبته تلك: إني لأرجو أن يقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه قد مات!
قال الزهري: وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فتيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مسجى فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله وبكى، ثم قال: بأبي أنت! والله لا يجمع الله عليك موتتين أبدا، أما الموتة التي كتب عليك فقد متّها.
قال أبو سلمة: أخبرني ابن عباس أن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس فقال:
اجلس، فأبى عمر أن يجلس، فقال: اجلس، فأبى أن يجلس، فتشهد أبو بكر فمال الناس إليه وتركوا عمر فقال: أما بعد، فمن كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت، قال الله: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ 144 قال: والله لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزل-(3/146)
قال: ثم أقبل على عمر فقال: يا عمر خل بيننا وبين صاحبنا، فإن يك ما تقول حقّا فلن يعجز الله أن يحثو التراب عنه حتى يخرجه إلينا.
- هذه الاية إلّا حين تلاها أبو بكر، قال: فتلقاها منه الناس كلهم فما تسمع بشرا إلّا يتلوها.
قال الزهري: وأخبرني سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب قال: والله ما هو إلّا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى والله ما تقلني رجلاي وحتى هويت إلى الأرض وعرفت حين سمعته تلاها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات.
قال الزهري: أخبرني أنس بن مالك: أنه سمع عمر بن الخطاب الغد حين بويع أبو بكر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستوى أبو بكر على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، تشهد قبل أبي بكر ثم قال: أما بعد فإني قلت لكم أمس مقالة لم تكن كما قلت، وإني والله ما وجدتها في كتاب أنزله الله ولا في عهد عهده إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقال كلمة يريد حتى يكون آخرنا- فاختار الله لرسوله الذي عنده على الذي عندكم، وهذا الكتاب الذي هدى الله به رسولكم فخذوا به تهتدوا لما هدي له رسول الله.
أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء، أخبرني عوف عن الحسن قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ائتمر أصحابه فقالوا: تربصوا بنبيكم صلى الله عليه وسلم لعله عرج به، قال:
فتربصوا به حتى ربا بطنه فقال أبو بكر: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.
أخبرنا محمد بن عمر، حدثني مسلمة بن عبد الله بن عروة، عن زيد بن أبي عتاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: اقتحم الناس على النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة ينظرون إليه فقالوا: كيف يموت وهو شهيد علينا ونحن شهداء على الناس فيموت ولم يظهر على الناس؟ لا والله ما مات ولكنه رفع كما رفع عيسى بن مريم عليه السّلام وليرجعن! وتوعدوا من قال إنه مات، ونادوا في حجرة عائشة وعلى الباب: لا تدفنوه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت! -(3/147)
842- وروي أن أبا بكر دخل على رسول الله عزّ وجلّ في ناحية البيت مسجى الثوب، فأقبل حتى كشف عن وجهه فأكب عليه وقبل بين عينيه ثلاثا، ثم قال: بأبي أنت وأمي طبت حيّا وميتا، ثم رد البرد على وجهه، وخرج عمر يكلّم الناس، فقال: على رسلك يا عمر، فأبى إلّا الكلام، فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه وتركوا عمر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنه من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت، ثم تلا هذه الاية: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ 144.
قالوا: كأنا لم نسمع هذه الاية حتى قرأها أبو بكر رضي الله عنه.
- أخبرنا محمد بن عمر، حدثني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم قال:
لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج العباس بن عبد المطلب فقال: هل عند أحد منكم عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وانظر التعليق الاتي.
(842) قوله: «وروي أن أبا بكر» :
هو مروي ضمن الذي قبله، وقد أخرجه بطوله أيضا: البيهقي في الدلائل [7/ 217- 218] من وجه آخر من حديث أبي الأسود، عن عروة في ذكر وفاته فقال: وقام عمر بن الخطاب يخطب الناس ويوعد- من قال: قد مات-، بالقتل والقطع، ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غشيته لو قد قام، قطع وقتل، وعمرو بن قيس بن زائدة بن الأصم بن أم مكتوم قائم في مؤخر المسجد يقرأ: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ إلى قوله:
وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ.
والناس في المسجد قد ملؤه ويبكون، ويموجون لا يسمعون، فخرج عباس بن عبد المطلب على الناس، فقال: أيها الناس هل عند أحد منكم-(3/148)
.........
- من عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفاته فليحدنا؟ قالوا: لا، قال: هل عندك يا عمر من علم؟ قال: لا، قال العباس: أشهد أيها الناس أن أحدا لا يشهد على النبي صلى الله عليه وسلم لعهد عهده إليه في وفاته، والله الذي لا إله إلّا هو، لقد ذاق رسول الله صلى الله عليه وسلم الموت.
قال: وأقبل أبو بكر من السنح على دابته حتى نزل بباب المسجد، ثم أقبل مكروبا حزينا فاستأذن في بيت ابنته عائشة، فأذنت له فدخل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد توفي على الفراش والنسوة حوله، فخمرن وجوههن، واستترن من أبي بكر إلّا ما كان من عائشة، فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فحنا عليه يقبله ويبكي ويقول: ليس ما يقول ابن الخطاب شيء، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده، رحمة الله عليك يا رسول الله ما أطيبك حيّا وما أطيبك ميتا، ثم غشاه بالثوب، ثم خرج سريعا إلى المسجد يتوطأ رقاب الناس حتى أتى المنبر، وجلس عمر حتى رأى أبا بكر مقبلا إليه فقام أبو بكر إلى جانب المنبر ثم نادى الناس، فجلسوا وأنصتوا فتشّهد أبو بكر، بما علمه من التشهد، وقال: إن الله تبارك وتعالى نعى نبيكم إلى نفسه وهو حي بين أظهركم، ونعاكم إلى أنفسكم، فهو الموت حتى لا يبقى أحد إلّا الله عزّ وجلّ، قال الله تبارك وتعالى: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ إلى قوله: وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ، فقال عمر: هذه الاية في القرآن! والله ما علمت أن هذه الاية أنزلت قبل اليوم، وقال: قال الله عزّ وجلّ لمحمّد صلى الله عليه وسلم: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ، ثم قال:
قال الله تبارك وتعالى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، وقال: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ 26 وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ، وقال:
كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ، ثم قال:
إن الله تبارك وتعالى عمر محمّدا صلى الله عليه وسلم وأبقاه، حتى أقام دين الله وأظهر أمر الله وبلغ رسالة الله وجاهد في سبيل الله، ثم توفاه الله على ذلك، -(3/149)
.........
- وقد ترككم على الطريقة، فلن يهلك هالك إلّا من بعد البينة والشفاء، فمن كان الله ربه، فإن الله حي لا يموت، ومن كان يعبد محمدا وينزّله إلها فقد هلك إلهه، واتقوا الله أيها الناس، واعتصموا بدينكم، وتوكلوا على ربكم فإن دين الله قائم، وإن كلمة الله تامة، وإن الله ناصر من نصر ومعز دينه، وإن كتاب الله عزّ وجلّ بين أظهرنا، وهو النور والشفاء، وبه هدى الله محمّدا صلى الله عليه وسلم وفيه حلال الله وحرامه، والله لا نبالي من أجلب علينا من خلق الله، إن سيوف الله لمسلولة ما وضعناها بعد ولنجاهدن من خالفنا كما جاهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يبقين أحد إلّا على نفسه، ثم انصرف معه المهاجرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ثم ذكر الحديث من غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه.
وله طريق آخر، فخرجناه في المسند الجامع للحافظ أبي محمد الدارمي برقم 79، 88- فتح المنان- من حديث سليمان بن حرب: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين، فحبس بقية يومه وليلته والغد حتى دفن ليلة الأربعاء، وقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت ولكن عرج بروحه كما عرج بروح موسى، والله لا يموت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقطع أيدي أقوام وألسنتهم، فلم يزل عمر يتكلم حتى ازبد شدقاه مما يوعد ويقول، فقام العباس فقال:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات، وإنه لبشر، وإنه يأسن كما يأسن البشر، أي قوم ادفنوا صاحبكم، فإنه أكرم على الله من أن يميته إماتتين، أيميت أحدكم إماتة ويميته إماتتين وهو أكرم على الله من ذاك؟ أي قوم فادفنوا صاحبكم فإن يك كما تقولون فليس بعزيز على الله أن يبحث عنه التراب، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما مات حتى ترك السبيل نهجا واضحا فأحل الحلال وحرم الحرام، ونكح وطلق، وحارب وسالم، ما كان راعي غنم-(3/150)
843- وروي أنه لما شك في موت النبي صلى الله عليه وسلم- فقال بعضهم:
قد مات، وقال بعضهم: لم يمت-، وضعت أسماء بنت عميس يدها بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان هذا الذي قد عرف من موته صلى الله عليه وسلم.
- يتبع بها صاحبها رؤوس الجبال، يخبط عليها العضاه بمخبطه، ويمدر حوضها بيده بأنصب ولا أدأب من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيكم، أي قوم فادفنوا صاحبكم.
(843) قوله: «وروي: أنه لما شك في موت رسول الله صلى الله عليه وسلم» :
أخرجه ابن سعد في الطبقات [2/ 272] ، والبيهقي في الدلائل [7/ 219] ، كلاهما من طريق الواقدي، قال البيهقي: عن شيوخه، وقال ابن سعد عن الواقدي: حدثني القاسم بن إسحاق عن أمه عن أبيها القاسم بن محمد بن أبي بكر- أو: عن أم معاوية- أنه لما شك في موت النبي ...
الحديث، الواقدي حاله في الرواية معروف؛ لذلك ضعفها ابن كثير في تاريخه [5/ 244] .(3/151)
[192- فصل: ذكر تجهيزه بأبي هو وأمّي صلى الله عليه وسلم وغسله وتكفينه ودفنه صلوات ربّي وسلامه عليه]
192- فصل: ذكر تجهيزه بأبي هو وأمّي صلى الله عليه وسلم وغسله وتكفينه ودفنه صلوات ربّي وسلامه عليه 844- قال: ثم أخذوا في جهازه صلى الله عليه وسلم، وقالوا: لا ندري، أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نجرد موتانا، أو نغسله وعليه الثياب؟ قال: فألقى الله تعالى عليهم النوم حتى ضربوا بأذقانهم على صدورهم، ثم كلمهم مكلم (844) قوله: «ثم كلمهم مكلم» :
ثبت هذا ثبوت الصحيح من الخبر، وتناقله أهل الحديث وأصحاب المغازي والسير، حتى صار بينهم في حد المشتهر، ففي الموطأ- وقد عرفت مكانته- باب ما جاء في دفن الميت: عن مالك، أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء ... الحديث، وفيه:
فلما كان عند غسله فأرادوا نزع قميصه، سمعوا صوتا يقول: لا تنزعوا عنه القميص، فغسل وهو عليه ... الحديث، أخرجه ابن سعد في الطبقات [2/ 276] من طريق معن بن عيسى، عنه.
وقد أخرج القصة والخبر ابن إسحاق في سيرته [2/ 662- ابن هشام] :
حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة قالت:
لما أرادوا غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا فيه، فقالوا: والله ما ندري أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثيابه كما نجرد موتانا أو نغسله وعليه ثيابه؟ قالت:
فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلّا ذقنه في صدره، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت، لا يدرون من هو؟: أن اغسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثيابه، قالت: فقاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسلوه وعليه-(3/152)
من ناحية البيت: لا تجردوا رسول الله صلى الله عليه وسلم واغسلوه وعليه ثيابه، قال:
فغسلوه في ثيابه، غسله علي والعباس والفضل، وأعانهم في الغسل:
قثم- وهو غلام- وأسامة بن زيد يصب عليه الماء، فلم يرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يرى من الميت.
- قميصه، يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه، والقميص دون أيديهم- زاد في رواية: وكان الذي أجلسه في حجره علي بن أبي طالب، أسنده إلى صدره-، قالت عائشة: فما رئي من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء مما يرى من الميت.
ومن طرق عن ابن إسحاق بألفاظ، أخرجه الإمام أحمد في المسند [6/ 267] ، وأبو داود في الجنائز، باب ستر الميت عند غسله، رقم 3141، وابن ماجه- مختصرا لفظه- في الجنائز، باب ما جاء في غسل الرجل امرأته وغسل المرأة زوجها، رقم 1464، والبيهقي في السنن الكبرى [3/ 387] ، وفي الدلائل [7/ 242] ، وصححه ابن حبان- كما في الإحسان- برقم 6627، 6628، والحاكم في المستدرك [3/ 59- 60] على شرط مسلم، وأقره الذهبي في التلخيص.
وأخرجه ابن سعد في الطبقات [2/ 276- 277] من طريق عيسى بن معمر، عن عباد بن عبد الله به.
وفي الباب عن ابن عباس بقصة غسله صلى الله عليه وسلم دون ذكر النداء أيضا من طريق ابن إسحاق، عن حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عنه قال: لما اجتمع القوم لغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في البيت إلّا أهله: عمه العباس وعلي بن أبي طالب والفضل بن العباس وقثم بن العباس وأسامة بن زيد وصالح مولاه، قال: فلما اجتمعوا لغسله نادى من وراء الباب أوس بن خولي الأنصاري- أحد بني عوف بن الخزرج، وكان بدريا- علي بن أبي طالب رضي الله عنه: نشدتك الله وحظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له علي:
ادخل، فدخل فحضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يل من غسله شيئا، قال: -(3/153)
845- قال: وجعل الفضل يقول: أرحني يا علي قطعت وتيني، أرى شيئا يتنزل عليّ- وهم الملائكة-.
- فأسنده علي إلى صدره وعليه قميصه، وكان العباس والفضل وقثم يقلبونه مع علي، وكان أسامة بن زيد وصالح مولاه هما يصبان الماء، وجعل علي يغسله ... الحديث، لفظ الإمام أحمد [1/ 8، 260، 292] ، عند ابن هشام [2/ 662] في هذا الحديث بعينه: وكان أسامة بن زيد وشقران مولاه هما اللذان يصبان الماء، وهكذا يقول الزهري في حديثه عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير عند ابن سعد في الطبقات [2/ 279] فإن صح فقد حضر غسله من مواليه صلى الله عليه وسلم: أسامة وصالح وشقران رضي الله عنه أجمعين.
وقد رويت قصة النداء أيضا من حديث بريدة بن الحصيب بإسناد ضعيف صالح للاعتبار، أخرجه ابن ماجه في الجنائز، باب غسل النبي صلى الله عليه وسلم قال:
لما أخذوا في غسل النبي صلى الله عليه وسلم ناداهم مناد من الداخل: لا تنزعوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه، ضعف إسناده البوصيري، وأخرجه أيضا البيهقي في الدلائل [7/ 243] .
وأخرج ذكر النداء أيضا من طرق: ابن سعد في الطبقات [2/ 267- 277] عن ابن عباس، عن مولى لبني هاشم، وعن الشعبي، وغيلان بن جرير، والحكم بن عتيبة، ومنصور.
(845) قوله: «وجعل الفضل يقول» :
أخرجه ابن سعد في الطبقات [2/ 280] من طريق إسماعيل بن إبراهيم الأسدي، والبيهقي في الدلائل [7/ 245] من طريق سفيان، كلاهما عن ابن جريج، عن أبي جعفر قال: غسل النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا بالسدر، غسل وعليه قميص، وغسل من بئر يقال لها: الغرس بقباء، كانت لسعد بن خيثمة، فجعل الفضل يقول: أرحني ... الحديث، وفي دلائل البيهقي: يتسلط علي.
وأخرج ابن سعد في الطبقات [2/ 280- 281] من طريق الواقدي:
أنا عبد الله بن جعفر الزهري، عن عبد الواحد بن أبي عون، عن علي في-(3/154)
846- قال: فكان علي رضي الله عنه كلما اجتمع الماء في محاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حساه ويقول: بأبي أنت وأمي، ما أطيبك حيا وميتا.
847- قال: فغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قميصه، غسله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأمسكه الفضل، وغسل ثلاثا بماء سدر، فكان علي رضي الله عنه يدخل يده تحت قميصه فيغسله، وكان العباس والفضل يناولان الماء.
- قصة غسل النبي صلى الله عليه وسلم قال: فغسلته، فما آخذ عضوا إلّا تبعني، والفضل آخذ بحضنه يقول: أعجل يا علي، انقطع ظهري.
وقوله في الحديث أنه غسل من بئر غرس، له شاهد بإسناد ضعيف، أخرجه ابن ماجه في الجنائز عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه مرفوعا: إذا أنا مت فاغسلوني بسبع قرب من بئري بئر غرس، ضعفه البوصيري في الزوائد.
(846) قوله: «حساه» :
أخرجه الإمام أحمد في المسند [1/ 267] : حدثنا يحيى بن يمان، عن الحسن بن صالح، عن جعفر بن محمد قال: كان الماء- ماء غسله صلى الله عليه وسلم حين غسلوه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم يستنقع في جفون النبي صلى الله عليه وسلم، فكان علي رضي الله عنه يحسوه.
وأورد المقريزي في الإمتاع [14/ 575] عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: إن عليّا رضي الله عنه كان كلما اجتمع من الماء شيء في معاينه أو محاجره امتصه، قال: فلذلك كان علي رضي الله عنه أكرم بعلم لم يكرم بمثله أحد.
(847) قوله: «وغسل ثلاثا بماء وسدر» :
أخرج ابن سعد في الطبقات [2/ 280] من حديث إسماعيل بن إبراهيم، عن ابن جريج، عن محمد بن علي أبي جعفر قال: غسل النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث غسلات بماء وسدر في قميص، تابعه سفيان، عن ابن جريج، أخرجه البيهقي في الدلائل [7/ 245] .
وأخرجه ابن شبة في تاريخه [1/ 161] بلفظ مختصر.(3/155)
848- وكفن صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب: برد أحمر حبرة، وثوبين أبيضين سحوليين.
(848) قوله: «في ثلاثة أثواب» :
اتفق الشيخان في حديث عائشة رضي الله عنها أنها سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة، أخرجه البخاري في الجنائز، باب الثياب البيض للكفن، رقم 1264، ومسلم في الجنائز، باب كفن الميت، رقم 941 (45، 46، 47) .
قوله: «برد أحمر حبرة» :
أورد هذا الحديث الحافظ أبو حفص الموصلي في الوسيلة [6- ق 2/ 103] وعزاه للمصنف في كتابه هذا.
وقد روي هذا التفصيل من حديث الزهري عن ابن المسيب، وعنه عن علي ابن الحسين، وعنه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن.
أخرج حديثه عنهم: ابن سعد في الطبقات [2/ 284] ، والبيهقي في الدلائل [7/ 248] ، وأخرج ابن إسحاق في السيرة حديث الزهري، عن علي بن الحسين [2/ 663- ابن هشام] .
وروي مثله من حديث مقسم، عن ابن عباس، أخرجه ابن سعد في الطبقات [2/ 285] ، علقه البيهقي في الدلائل [7/ 249] .
وروي مثله عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب: ثوبين صحاريين، وثوب حبرة، وأوصاني والدي بذلك وقال:
لا تزيدن على ذلك، أخرجه ابن سعد في الطبقات [2/ 284- 285] ، أخرجه ابن إسحاق في السيرة فزاد فيه: عن جده علي بن الحسين [2/ 663- ابن هشام] .
قال أبو عاصم: قد ثبت أن البرد الحبرة أحضرت ساعة تجهيزه صلى الله عليه وسلم لكنها ردت فلم يكفن فيها، فكأن من ذكرها ذهل عن ردها فظن أنها ضمن ما كفن فيها، وإذا ثبت ذلك فما اتفق عليه الشيخان من ذكره هو المعتمد، فأخرج-(3/156)
849- قال: ثم لما فرغوا من غسله وكفنوه اختلفوا في دفنه، فقالوا: ما ندري، ندفنه مع أصحابه بالبقيع أم في المسجد؟ قال: فقال أبو بكر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لعن الله الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.
- مسلم في صحيحه من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت:
كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف، ليس فيها قميص ولا عمامة، قالت: أما الحلة فإنما شبه على الناس فيها، إنها اشتريت له ليكفن فيها، فتركت الحلة، وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية، فأخذها عبد الله بن أبي بكر فقال: لأحبسنها حتى أكفن فيها نفسي، ثم قال: لو رضيها الله عزّ وجلّ لنبيه لكفنه فيها، فباعها وتصدق بثمنها.
(849) قوله: «لعن الله الذين اتخذوا» :
جمع المصنف رحمه الله بين متنين بإسنادين مختلفين كلاهما عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
أما الأول فأخرجه أبو بكر: محمد بن حاتم بن زنجويه في فضائل الصديق رضي الله عنه- كما في الكنز [7/ 236] رقم 18762- من حديث عمرة بنت عبد الرحمن، عن أمهات المؤمنين: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: كيف نبني قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنجعله مسجدا؟ فقال أبو بكر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، قالوا: كيف نحفر له؟ فقال أبو بكر: إن من أهل المدينة رجلا يلحد، ومن أهل مكة رجل يشق، اللهمّ فأطلع علينا أحبهما إليك أن يعمل لنبيك، فاطلع أبو طلحة- وكان يلحد- فأمره أن يلحد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:
ثم دفن ونصب عليه اللبن.
أما الحديث الثاني فقد أخرجه ابن إسحاق في سيرته [2/ 663- ابن-(3/157)
.........
- هشام] : حدثني حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس، ومن طريقه مختصرا ومطولا: الإمام أحمد في مسنده [1/ 8، 260، 292] ، وابن ماجه في الجنائز، باب ذكر وفاته صلى الله عليه وسلم ودفنه، رقم 1628، وأبو يعلى في مسنده [1/ 31، 32] رقم 22، 23، ومن طريقه مختصرا المروزي في مسند أبي بكر برقم 26، ومن طريقه أيضا بطوله البيهقي في الدلائل [7/ 260] ، وأخرجه أيضا في السنن الكبرى [3/ 407] .
وهذا لفظ أبي يعلى بطوله: قال ابن عباس: لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو عبيدة بن الجراح يضرح- يحفر- لأهل مكة، وكان أبو طلحة زيد بن سهل هو الذي كان يحفر لأهل المدينة وكان يلحد، فدعا العباس رجلين، فقال لأحدهما: اذهب إلى أبي عبيدة، وللاخر: اذهب إلى أبي طلحة، اللهم خر لرسولك، فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فجاء به، فلحد لرسول الله، فلما فرغ من جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء، وضع على سريره، وقد كان المسلمون اختلفوا في دفنه، فقال قائل: ندفنه في مسجده، وقال قائل: بل يدفن مع أصحابه، فقال أبو بكر: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما قبض نبي إلّا دفن حيث قبض، فرفع فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه، فحفر له تحته، ثم دعي الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون عليه أرسالا: الرجال، حتى إذا فرغ منهم، أدخل النساء، حتى إذا فرغ من النساء، أدخل الصبيان، ولم يؤم الناس على رسول الله أحد، فدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوسط الليل، ليلة الأربعاء.
وأخرجه الترمذي في الشمائل برقم 379- واللفظ له- والنسائي في الوفاة من السنن الكبرى [4/ 263- 264، 265] رقم 7119، 7122، وابن ماجه في الإقامة، برقم 1324، والطبراني في معجمه الكبير [7/ 65- 66] رقم 6367، والبيهقي في الدلائل [7/ 259] ، جميعهم من حديث سلمة بن نبيط: عن نعيم بن أبي هند، عن نبيط بن شريط، عن سالم بن-(3/158)
.........
- عبيد- وكانت له صحبة- قال: أغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه فأفاق، فقال: حضرت الصلاة؟ فقالوا: نعم، فقال: مروا بلالا فليؤذن ومروا أبا بكر أن يصلي للناس أو قال بالناس، قال: ثم أغمي عليه فأفاق فقال: حضرت الصلاة؟ فقالوا: نعم، فقال: مروا بلالا فليؤذن، ومروا أبا بكر فليصل بالناس، فقالت عائشة: إن أبي رجل أسيف إذا قام ذلك المقام بكى فلا يستطيع، فلو أمرت غيره، قال ثم أغمي عليه فأفاق فقال:
مروا بلالا فليؤذن ومروا أبا بكر فليصل بالناس فإنكن صواحب- أو صواحبات يوسف-، قال: فأمر بلال فأذن وأمر أبو بكر فصلى بالناس.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد خفة فقال: انظروا لي من أتكىء عليه، فجاءت بريرة ورجل آخر فاتكأ عليهما، فلما رآه أبو بكر ذهب لينكص فأومأ إليه أن يثبت مكانه حتى قضى أبو بكر صلاته.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض، فقال عمر: والله لا أسمع أحدا يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض إلّا ضربته بسيفي هذا.
قال: فكان الناس أميين لم يكن فيهم نبي قبله فأمسك الناس، فقالوا:
يا سالم انطلق إلى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فادعه، فأتيت أبا بكر وهو في المسجد فأتيته أبكي دهشا فلما رآني قال: أقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: إن عمر يقول: لا أسمع أحدا يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض إلّا ضربته بسيفي هذا، فقال لي: انطلق، فانطلقت معه فجاء الناس قد دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس افرجوا لي، فأفرجوا له فجاء حتى أكب ومسه فقال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (40) ، ثم قالوا: يا صاحب رسول الله أقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، فعلموا أن قد صدق، قالوا: يا صاحب رسول الله أيصلى على رسول الله؟ قال: نعم، قالوا: وكيف؟ قال: يدخل قوم فيكبرون ويصلون ويدعون ثم يخرجون ثم يدخل قوم فيكبرون ويصلون-(3/159)
850- قال: وقال صلى الله عليه وسلم: ما من نبي قبض إلّا دفن في الموضع الذي قبض فيه، قال: فرفعوا فراشه، وحفروا تحته.
- ويدعون ثم يخرجون حتى يدخل الناس، قالوا: يا صاحب رسول الله أيدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قالوا: أين؟ قال: في المكان الذي قبض الله فيه روحه فإن الله لم يقبض روحه إلّا في مكان طيب، فعلموا أن قد صدق، ثم أمرهم أن يغسله بنو أبيه، واجتمع المهاجرون يتشاورون فقالوا: انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار ندخلهم معنا في الأمر، فقالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فقال عمر بن الخطاب: من له مثل هذه الثلاثة: ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا، من هما؟ قال: ثم بسط يده فبايعوه وبايعه الناس بيعة حسنة جميلة.
معدود في الموقوف، صحح إسناده الحافظ البوصيري في زوائد ابن ماجه، وابن حجر في الفتح.(3/160)
[193- فصل: في دفنه صلى الله عليه وسلم وموضع قبره]
193- فصل: في دفنه صلى الله عليه وسلم وموضع قبره 851- وقد كان المسلمون اختلفوا في دفنه صلى الله عليه وسلم، فقال قائل: ندفنه في مسجده، وقال قائل: يدفن مع أصحابه، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما قبض نبي إلّا دفن حيث قبض.
852- قال: فرفع فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه، فحفر له تحته، ثم دخل الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون عليه أرسالا: الرجال، حتى إذا فرغ منهم أدخل النساء، حتى إذا فرغ منهن أدخل الصبيان، ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد، ثم دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط الليل- ليلة الأربعاء-.
(851) قوله: «ما قبض نبي» : تقدم تخريجه قريبا.
(852) قوله: «فرفع فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم» : هو طرف من حديث الحسين بن عبد الله، وقد تقدم بطوله قريبا وذكرنا أنه مسند عن المصنف، وسيأتي طرف منه أيضا في الذي بعده.
قوله: «ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد» : قال ابن عبد البر: أما صلاة الناس عليه فرادى فمجتمع عليه عند أهل السير وجماعة أهل النقل، ما يختلفون فيه، وقال الحافظ ابن كثير في تاريخه [5/ 232] : وهذا أمر مجمع عليه، لا خلاف فيه، وقد اختلف في تعليله، قال: فلو صح الحديث الذى أوردناه عن ابن مسعود رضي الله عنه (يعني:
المتقدم تخريجه) لكان نصا فى ذلك، ويكون من باب التعبد الذي يعسر تعقل معناه، قال: وليس لأحد أن يقول: لأنه لم يكن لهم إمام، لأنا قدمنا أنهم إنما شرعوا في تجهيزه صلى الله عليه وسلم بعد تمام بيعة أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، -(3/161)
853- قال محمد بن إسحاق: حدثني الحسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم- وكان أبو عبيدة بن الجراح يضرح كحفر أهل مكة، وكان أبو طلحة هو الذي يحفر لأهل المدينة، وكان يلحد-، فدعا العباس رجلين فقال لأحدهما: اذهب إلى أبي عبيدة، وقال للاخر: اذهب إلى أبي طلحة، اللهمّ خر لرسولك، فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فجاء به فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغ من جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء وضع على سريره في بيته، ثم جعل صلى الله عليه وسلم في بيته وأدخل عليه الناس، فلما صلّي عليه نزل علي رضي الله عنه القبر ومعه الفضل بن عباس، فقال أوس بن خولي: يا علي أنشدك الله أن تعطونا حظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل معهم القبر.
- وقد قال بعض العلماء: إنما لم يؤمهم أحد ليباشر كل واحد من الناس الصلاة عليه منه إليه، ولتكرر صلاة المسلمين عليه مرة بعد مرة، قال: وقال السهيلي: لا يكون هذا الفعل إلّا عن توقيف، ووجه الفقه: أن الله تبارك وتعالى افترض الصلاة عليه بقوله: صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً، وحكم هذه الصلاة التي تضمنتها الاية ألا تكون إلّا بإمام، والصلاة عليه عند موته داخلة في لفظ الاية وهي متناولة لها وللصلاة عليه في كل حال. اه، وجعل صاحب مرشد المحتار هذا من خصائصه [/ 367] .
وسئل ابن الماجشون: كم صلّي على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: اثنتان وسبعون صلاة كحمزة، فقيل له: من أين لك هذا؟ فقال: من الصندوق الذي تركه مالك بخطه: عن نافع، عن ابن عمر-، ذكره مغلطاي في الإشارة [/ 357] ، المقريزي في الإمتاع.
(853) قوله: «لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم» : هو طرف من حديث الحسين بن عبد الله المتقدم بطوله، وقد بينا لك أنه مسند عن المصنف.(3/162)
854- قال: ثم نصب تسع لبنات نصبا، وجعل عليها حصباء.
855- قال: ورفع قبره صلى الله عليه وسلم.
(854) قوله: «ثم نصب تسع لبنات» : أخرجه البيهقي في الدلائل [7/ 252] بلاغا، أورده عقب حديث حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس الطويل المتقدم تخريجه، وقال في آخره: وبلغني أنه بني عليه في لحده اللبن، ويقال: هي تسع لبنات عددا.
(855) قوله: «ورفع قبره صلى الله عليه وسلم» : أخرج ابن حبان في صحيحه- برقم 6635 إحسان- من حديث جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم ألحد، ونصب عليه اللبن نصبا، ورفع قبره من الأرض نحوا من شبر، وفي مراسيل أبي داود من حديث عاصم، عن أبي صالح قال: رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم شبرا ونحو شبر- يعني: في الارتفاع-.
وأخرج ابن سعد في الطبقات [2/ 306] من حديث حماد، عن إبراهيم قال:
جعل على قبره صلى الله عليه وسلم شيء مرتفع من الأرض حتى يعرف أنه قبره صلى الله عليه وسلم، وفي الجنائز من صحيح الإمام البخاري، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي بكر بن عياش، عن سفيان التمار: أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنما.
وأخرج البيهقي في السنن الكبرى [4/ 55] من حديث ابن بريدة، عن أبيه قال: أدخل النبي صلى الله عليه وسلم من قبل القبلة وألحد له لحدا، ونصب عليه اللبن نصبا.
فأما ما أخرجه البيهقي في الدلائل [7/ 264] ، من حديث عبد العزيز بن محمد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: جعل قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسطوحا، فهذا يعارض رواية جابر، لكن ذكر الحافظ ناصر الدين في سلوى الكئيب عن البيهقي، قوله في الجمع بين هذه الأحاديث: إن أصل قبر النبي صلى الله عليه وسلم جعل مسطحا وسنّم على البطحاء، فمن رواه مسطحا أراد: دون الحصباء، ومن رواه مسنما أراد: بالبطحاء. اه. -(3/163)
856- وجعل رأسه صلى الله عليه وسلم مما يلي المشرق، ورأس أبي بكر عند رجلي النبي صلى الله عليه وسلم.
- وذهب البيهقي في السنن [4/ 4] إلى ترجيح رواية القاسم بن محمد في التسطيح، وصححها.
(856) قوله: «وجعل رأسه مما يلي المشرق» : هكذا يقول المصنف رحمه الله- ولعله من سبق القلم أو تصحيف من النساخ- إذ الحديث مسند عن المصنف من طريق يحيى بن الحسين معوّل المصنف في هذا الباب، فقد أخرج من حديث إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس، عن أبيه، عن عمرة عن عائشة، رضي الله عنها أنها وصفت قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر أبي بكر وقبر عمر، وهذه القبور في سهوة بيت عائشة قالت:
رأس النبي صلى الله عليه وسلم مما يلي المغرب، وقبر أبي بكر رأسه عند رجلي النبي صلى الله عليه وسلم، وقبر عمر خلف النبي صلى الله عليه وسلم. أفاده السمهودي في الوفا [1/ 553] .
وأخرجه أيضا أبو اليمن بن عساكر في إتحاف الزائر [/ 244] من طريق ابن زبالة- وهو في تاريخه كما في وفا السمهودي [1/ 556] .
قلت: ذكر أبو اليمن في تاريخه سبع روايات في صفة القبور الشريفة، وذكر شيخه ابن النجار في أخبار المدينة ستا، ورجح السمهودي في الوفا منها الرواية التي أخرجها أبو داود في الجنائز برقم 3220، والبيهقي في السنن الكبرى [4/ 3] ، وفي الدلائل [7/ 263] ، وأبو يعلى في مسنده [8/ 53] رقم 4571، جميعهم من حديث القاسم بن محمد أنه قال لعائشة رضي الله عنها: يا أمّه، اكشفي لي عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، فكشفت له عن ثلاثة قبور لاطئة، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدما، وأبا بكر رأسه بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر رأسه عند رجلي النبي صلى الله عليه وسلم. صححه الحاكم في المستدرك [1/ 369] ، وأقره الذهبي في التلخيص، ومال إلى تصحيحه الحافظ في الفتح، وقدمه على الروايات الأخرى إذا تعذر الجمع بينها.(3/164)
857- وصلى عمر على أبي بكر رضي الله عنهما، وصلى صهيب على عمر، وكبّر كل واحد منهما أربع تكبيرات، وقبر في حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا.
858- ثم إن شقران فرش قطيفة في القبر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها، ثم قال: والله لا يلبسها أحد بعدك.
(857) قوله: «وصلى عمر على أبي بكر رضي الله عنهما» :
أخرج أبو نعيم في المعرفة [1/ 44] من حديث معمر عن الزهري قال:
صلى على أبي بكر عمر، وصلى على عمر صهيب.
وأخرج ابن سعد في الطبقات [3/ 206] ، ومن طريقه ابن عساكر [30/ 445] : أن علي بن الحسين سأل ابن المسيب: أين صلي على أبي بكر؟ فقال: بين القبر والمنبر، قال: من صلى عليه؟ قال: عمر، قال:
كم كبر عليه؟ قال: أربعا.
وأخرج أيضا أبو نعيم في المعرفة [1/ 35] رقم 118: عن ميمون بن مهران: أن عمر كبر على أبي بكر أربعا، وأخرج أيضا [/ 29] من حديث الحسن البصري قال: صلى عليه عمر، ووضع تجاه المنبر، وكبر عليه أربعا، ودفنه ليلا ... الحديث.
قوله: «وصلى صهيب على عمر» :
أخرجه أبو نعيم في المعرفة عن الزهري كما تقدم قريبا، وأخرجه أيضا [1/ 44] عن يحيى بن بكير، وكذا ذكر من ترجم له، وقد ذكرنا مظان ترجمته في فضائله رضي الله عنها.
(858) قوله: «فرش قطيفة في القبر» :
هو مسند عن المصنف كما تقدم، إذ هو طرف من حديث ابن إسحاق، عن حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس الطويل، وقد مضى تخريجه، وأصله في صحيح مسلم لكن لم يسمه في روايته، فأخرج في-(3/165)
859- وعن المغيرة بن شعبة أنه قال: أنا آخر الناس عهدا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه طرح خاتمه في قبر النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يهال عليه التراب، فنزل وأخذ الخاتم.
- الجنائز: باب جعل القطيفة في القبر: من حديث أبي جمرة، عن ابن عباس قال: جعل في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء، وسماه الترمذي في كتاب الجنائز من جامعه، باب ما جاء في الثواب الواحد يلقى تحت الميت في القبر: من حديث جعفر بن محمد عن أبيه قال: الذي ألحد قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو طلحة، والذي ألقى القطيفة تحته شقران مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال جعفر بن محمد: وأخبرني عبيد الله بن أبي رافع قال: سمعت شقران يقول: أنا والله طرحت القطيفة تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر.
قال أبو عيسى: حديث شقران حديث حسن غريب.
وقد روى الحديث بتسمية شقران: ابن سعد في الطبقات [2/ 299] ، والبيهقي في الدلائل [7/ 254] ، وأخرج أبو داود في المراسيل عن الحسن قال: جعل في لحد النبي صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء أصابها يوم خيبر لأن المدينة أرض سبخة.
(859) قوله: «وعن المغيرة بن شعبة» :
هو في سيرة ابن إسحاق [2/ 664- ابن هشام] ولفظه: وقد كان المغيرة بن شعبة يدّعي أنه أحدث الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث، وأخرجه من طرق: ابن سعد في الطبقات [302- 3030] ، والبيهقي في الدلائل [7/ 257] ، وقول ابن إسحاق في حديثه: يدعي، يوحي أنه لا يسلم له بذلك، بدليل ما أسند بعده عن أبيه، عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث، عن عبد الله بن الحارث قال: اعتمرت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه في زمان عمر- أو: زمان عثمان- فنزل على أخته أم هانىء، فلما فرغ من-(3/166)
.........
- عمرته رجع فسكب له غسل فاغتسل، فلما فرغ من غسله دخل عليه نفر من أهل العراق فقالوا: يا أبا حسن جئنا نسألك عن أمر نحب أن تخبرنا عنه، قال: أظن أن المغيرة بن شعبة يحدثكم أنه كان أحدث الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: أجل، عن ذلك جئنا نسألك. قال: كذب، أحدث الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم قثم بن عباس.
أخرجه ابن سعد في الطبقات [2/ 303] ، والبيهقي في الدلائل [7/ 258] من حديث الواقدي قال: حدثني ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: ألقى المغيرة بن شعبة في قبر النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن خرجوا خاتمه لينزل فيه، فقال علي بن أبي طالب: إنما ألقيت خاتمك لكي تنزل فيه فيقال: نزل في قبر النبي صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيده لا تنزل فيه أبدا، ومنعه، زاد ابن سعد عن الواقدي من وجه آخر: لا يتحدث الناس أنك نزلت فيه، ولا يتحدث الناس أن خاتمك في قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل علي وقد رأى موقعه فتناوله فدفعه إليه، وأخرج ابن سعد الحديث من وجه آخر فقال: أخبرنا سريج بن النعمان، أنا هشيم، عن أبي معشر قال: حدثني بعض مشايخنا قال: لما خرج علي من القبر ألقى المغيرة بن شعبة خاتمه في القبر وقال لعلي: خاتمي! فقال علي للحسن بن علي: ادخل فناوله خاتمه، ففعل.
يؤيد رواية ابن إسحاق، عن أبيه: حديث ابن سعد في الطبقات [2/ 304] من طريق الواقدي قال: حدثني حفص بن عمر، عن علي بن عبد الله قال:
قلت: زعم المغيرة أنه آخر الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كذب والله، أحدث الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم قثم بن العباس، كان أصغر من كان في القبر، وكان آخر من صعد.
قال مغلطاي في الإشارة: قال الحاكم: كان آخرهم عهدا به صلى الله عليه وسلم: قثم، وقيل: علي، وأما حديث المغيرة فضعيف.(3/167)
[194- باب ما جاء في زيارة قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم]
194- باب ما جاء في زيارة قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم 860- أخبرنا أبو الحسين: يحيى بن الحسين المطلبي رضي الله عنه إمام مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، أنا أبو عثمان: محمد بن عثمان العثماني، أنا أبو القاسم: طاهر بن يحيى بن الحسين العلوي قال:
حدثني أبي، ثنا رجل من طلبة العلم قال: ثنا الفضل بن موسى قال:
حدثني موسى بن هلال قال: حدثني عبد الله بن عمر، عن نافع، قوله: «ثنا الفضل بن موسى» :
هو السيناني، الإمام الحافظ، الثقة، الثبت، أبو عبد الله المروزي، أحد رجال الكتب الستة، المشهورين بالاتباع، أثنى عليه أبو نعيم الحافظ وكان عنده أثبت من ابن المبارك. انظر عنه في:
سير أعلام النبلاء [9/ 103] ، تذكرة الحفاظ [1/ 296] ، تهذيب الكمال [23/ 254] ، تهذيب التهذيب [8/ 257] ، التقريب [/ 447] الترجمة رقم 5419، وثقات ابن حبان [7/ 319] ، العبر [1/ 307] ، طبقات ابن سعد [7/ 372] ، تاريخ يحيى برواية الدوري [2/ 475] ، الكاشف [2/ 330] .
قوله: «حدثني موسى بن هلال» :
العبدي، البصري، أحد مشايخ الإمام أحمد، جهله أبو حاتم، وقد روى عنه جماعة، قال الحافظ الذهبي في الميزان: صويلح، وزعم ابن القطان في بيان الوهم أنه لم تثبت عدالته، مع أن ابن عدي قد قال بعد أن سبر حديثه: أرجو أنه لا بأس به. انظر عن موسى بن هلال في: -(3/168)
عن ابن عمر رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من زار قبري وجبت له شفاعتي.
- الميزان [5/ 350- 351] ، لسان الميزان [6/ 134- 135] ، المغني [2/ 688] ، الديوان [2/ 390] ، بيان الوهم والإيهام [4/ 323] ، الجرح والتعديل [8/ 166] ، الكامل لابن عدي [6/ 2350] ، ضعفاء العقيلي [4/ 170] .
قوله: «وجبت له شفاعتي» : تفرد به موسى بن هلال، واضطرب عنه فيه:
فقيل عنه هكذا، فتابع الفضل موسى:
1- محمد بن إسماعيل بن سمرة- في إحدى الروايتين عنه-: أخرجه من طريقه ابن عدي في الكامل [6/ 2350] ، ومن طريق ابن عدي أخرجه البيهقي في الشعب [3/ 490] رقم 4159، والدينوري في المجالسة [1/ 431] رقم 129.
2- علي بن معبد، أخرجه من طريقه الدولابي في الكنى [2/ 64] .
3- الفضل بن سهل، أخرجه ابن الجوزي في مثير الغرام [2/ 296] رقم 495، لكن قال الحافظ المزي في ترجمته من التهذيب: الصحيح أن بينهما الهذيل بن أبي الغريف الهمداني.
4- عبيد بن محمد الوّراق- في إحدى الروايتين عنه-، أخرجه من طريقه الخطيب في تلخيص المتشابه في الرحم [1/ 581] .
* وروي عن موسى بن هلال، عن عبيد الله العمري- المصغر الثقة الثبت-، قال ذلك عنه:
1- جعفر بن محمد البزوري، أخرجه العقيلي في الضعفاء [4/ 170] .
2- عبيد بن محمد الوراق- في الرواية الثانية عنه-، أخرجه الدارقطني [2/ 278] ، ومن طريقه ابن البخاري في تاريخ المدينة [/ 143] ، وأبو اليمن بن عساكر في إتحاف الزائر [/ 19- 20، 21- 22] ، والتقي الفاسي في شفاء-(3/169)
.........
- الغرام [2/ 397] ، وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان [3/ 490] .
3- محمد بن إسماعيل الأحمسي- في الرواية الثانية له-، أخرجه من طريقه أبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب برقم 1054.
وهذا القول عن محمد بن إسماعيل جعله البرزالي هو المحفوظ عنه، وضعفها الحافظ يحيى بن علي القرشي.
* وقد سلك أهل العلم في هذا الحديث ثلاثة مسالك:
الأول: أنه صحيح- أو حسن- يحتج به لوجود ما يشبه حاله في المعمول به عند أهل العلم، وهو مسلك السبكي ومعه جماعة من أهل العلم منهم السمهودي في الوفا وغيره.
الثاني: وهو قول جمهور الفقهاء والمحدثين وأهل الإنصاف: أنه من الضعيف الذي يعمل به في الفضائل، سيما وأن زيارة القبور مأمور بها مرغب فيها، فهي في حقه صلى الله عليه وسلم أوكد لدخولها في عموم الأمر بالإكثار من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.
فهذا الحافظ البيهقي بعد إيراده لجملة من أحاديث الزيارة يقول في هذا الحديث بعينه: هو منكر: سواء قال: عبيد الله أو عبد الله؛ لأنه لم يأت به غيره. اه [3/ 490] ، ويرى مع ذلك أن زيارة قبره الشريف صلى الله عليه وسلم مما ينبغي للحاج أن يحرص عليه سيما للافاقي.
أيضا فإن الفقهاء وأصحاب المذاهب يوردونه في مناسكهم، وفي المناسك من كتب الفقه على سبيل الترغيب والعمل به، أورده عبد الحق الإشبيلي في أحكامه [1/ 467] وسكت عنه مع علمه بضعفه، وقال ابن القطان في بيان الوهم [4/ 323] : أراه تسامح فيه لأنه من الحث والترغيب على عمل.
الثالث: وهو قول من لا يرى شد الرحل- لزيارته صلى الله عليه وسلم والسلام عليه، يرونه مخالفا النهي الوارد، منهم الشيخ ابن تيمية، وابن عبد الهادي وغيرهم، -(3/170)
861- وعن بكر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أتى المدينة زائرا وجبت له شفاعتي يوم القيامة، ومن مات في أحد الحرمين بعث آمنا.
- ومن عجيب ما ينتج عن قولهم أن العمل به بدعة ومعصية، ولكل وجهة فيما يذهب إليه، والله الموفق وهو الهادي.
(861) قوله: «وعن بكر بن عبد الله» :
المزني، الإمام التابعي الحجة، أبو عبد الله البصري، أحد الأعلام، ممن يذكر مع الحسن، وابن سيرين، وكان مجاب الدعوة، صاحب زهد وتقوى وورع. انظر عنه في:
سير أعلام النبلاء [4/ 532] ، طبقات ابن سعد [7/ 209] ، حلية الأولياء [2/ 224] ، تهذيب الكمال [4/ 216] ، إكمال مغلطاي [3/ 16] ، تهذيب التهذيب [2/ 424] ، الكاشف [1/ 108] ، التقريب [/ 127] الترجمة رقم 743.
قوله: «بعث آمنا» :
أخرجه يحيى بن الحسين، في أخبار المدينة له- كما في شفاء السقام [/ 40] ، وفا السمهودي [2/ 1344] ، وقد تقدم أن المصنف عول عليه كثيرا في هذا الباب، فالحديث مسند عنه بالإسناد الماضي إلى طاهر بن يحيى بن الحسين، عن أبيه: حدثنا محمد بن يعقوب، ثنا عبد الله بن وهب، عن رجل، عنه به.
محمد بن يعقوب هذا: هو الزبيري، الحافظ الصدوق، أبو عمر القرشي، المدني، من شيوخ النسائي، قال عنه: لا بأس به.
وابن وهب: الإمام المشهور، غير أن شيخه المبهم أضعف الإسناد، ثم أوهنه الإرسال، ولذلك سكت عنه السبكي في الشفاء.(3/171)
862- وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من زار قبري بعد موتي فكأنما زارني في حياتي، ومن لم يزر قبري فقد جفاني.
863- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من زار قبري بالمدينة محتسبا كنت له شفيعا.
(862) قوله: «وعن علي بن أبي طالب» : أورده الحافظ التقي السبكي في شفاء السقام [/ 39] ، عزاه للمصنف في كتابه هذا.
وعزاه للمصنف أيضا: السمهودي في الوفا [2/ 1347] .
والحديث مسند عن المصنف بإسناده الماضي إلى طاهر بن يحيى، عن أبيه في أخبار المدينة له: عن النعمان بن شبل قال: حدثنا محمد بن الفضل- مديني، سنة ست وسبعين- عن جابر، عن محمد بن علي، عن علي بن أبي طالب به.
جابر الجعفي ضعيف باتفاق أهل العلم، ومحمد بن علي أبو جعفر لم يدرك علي بن أبي طالب ففيه انقطاع أيضا.
(863) قوله: «وعن أنس بن مالك» : له طريقان عن أنس:
الأول: طريق ابن أبي فديك: ثنا سليمان بن يزيد الكعبي، عن أنس، أخرجه ابن أبي الدنيا في القبور- كما في شفاء السقام [/ 35]- والبيهقي في الشعب [3/ 489- 490، 490] رقم 4157، 4158، والسهمي في تاريخ جرجان [/ 434] ، ومن طريقه السبكي في شفاء السقام [/ 35] .
سليمان بن يزيد الكعبي أبو المثنى اختلف فيه، حسن له الترمذي، وصحح-(3/172)
864- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جاءني زائرا- لا ينزعه إلّا زيارتي- كان حقّا عليّ أن أكون له شفيعا.
- له الحاكم حديثا [4/ 221] ، قال أبو حاتم: منكر الحديث، ليس بالقوي، وضعفه الدارقطني، وتردد فيه ابن حبان فأدخله الثقات، وأورده في المجروحين، ومع هذا وذاك فهو لم يدرك أنس بن مالك، فالحديث ضعيف.
لعله مع الطريق التالية يرتقي ليكون له أصل، من حديث أنس.
فقد قال إسحاق بن راهويه في مسنده- كما في المداوي لعلل المناوي [6/ 291]-: أخبرنا عيسى بن يونس، ثنا ثور بن يزيد، ثنا شيخ، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ... فذكره.
رجاله رجال الصحيح من أحسن ما يكون إلّا أنه منقطع بالمبهم الذي لم يسم.
(864) قوله: «كان حقّا عليّ أن أكون له شفيعا» : أخرجه الطبراني في معجمه الكبير [12/ 291] رقم 13149، وفي الأوسط [5/ 275- 276] رقم 4543، وأبو نعيم في أخبار أصبهان [2/ 219] ، وابن المقرىء في معجمه برقم 169، وأبو اليمن بن عساكر في إتحاف الزائر [/ 30- 31] ، والدارقطني في أماليه، والخلعي في فوائده، وابن السكن في الصحاح له- كما في شفاء السقام [/ 16] ، وإتحاف الزبيدي [4/ 416] .
قال الحافظ العراقي في تخريج الأحياء [1/ 265] : صححه ابن السكن. اه. وقال الزبيدي: تصحيح ابن السكن له، وعبد الحق بالسكوت عنه، والتقي السبكي في الشفاء باعتبار مجموع الطرق. اه.
قلت: لأن فيه مسلمة بن سالم قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد [4/ 2] : وهو ضعيف.(3/173)
865- وقال صلى الله عليه وسلم: من حج فزار قبري بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي.
(865) قوله: «من حج فزار قبري» : أخرجه أبو يعلى الموصلي- كما في المطالب العالية النسخة المسندة [3/ 367] رقم 1416، والطبراني في معجمه الكبير [12/ 406] رقم 13497، والدارقطني [2/ 278] ، وابن عدي في الكامل [2/ 790] ، والبيهقي في السنن الكبرى [5/ 246] ، وفي الشعب [3/ 489] رقم 4154، والضياء في المختارة- كما في الصارم لابن عبد الهادي [/ 99] ، وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب برقم 1053، والفاكهي في أخبار مكة برقم [1/ 435- 436] رقم 949، وابن الجوزي في مثير الغرام برقم 467، وأبو اليمن بن عساكر في إتحاف الزائر [/ 27- 29] .
جميعهم من طرق عن حفص بن سليمان- إمام في القراءة، ضعيف في الحديث-، عن ليث بن أبي سليم- ممن يعتبر به-، عن مجاهد، عن ابن عمر، به مرفوعا.
ورواه غير حفص بإسناد فيه جهالة، أخرجه الطبراني في معجمه الكبير [12/ 406] رقم 13496، وفي الأوسط [1/ 201] .
قال في مجمع الزوائد [4/ 2] : عائشة بنت يونس لم أجد من ترجمها.(3/174)
[195- فصل: في فضل ما بين قبره صلى الله عليه وسلم ومنبره، وفضل منبره]
195- فصل: في فضل ما بين قبره صلى الله عليه وسلم ومنبره، وفضل منبره 866- قال صلى الله عليه وسلم: ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة.
(866) قوله: «ما بين قبري ومنبري» : أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة لكن بلفظ: بيتي، وقد روي بالسند نفسه إلى أبي هريرة باللفظ الوارد هنا، قال الحافظ في الفتح معلقا على رواية أبي هريرة في فضائل المدينة: قوله: ما بين بيتي ومنبري: كذا الأكثر، ووقع في رواية ابن عساكر وحده: قبري بدل بيتي، وهو خطأ، وقد تقدم قبيل الجنائز بهذا الإسناد بلفظ بيتي، وكذلك هو في مسند مسدد شيخ البخاري فيه. اه.
قال أبو عاصم: ليس هذا من الخطأ في شيء، بل هو من قبيل الجمع بين الألفاظ، وإلى هذا أشار البخاري في الترجمة فقال: باب فضل ما بين القبر والمنبر، قال الحافظ: ترجم بذكر القبر وأورد الحديثين بلفظ البيت لأن القبر صار في البيت، وقد ورد في بعض طرقه بلفظ القبر. اه، وقد أخرج يحيى عن مالك برواية أبي هريرة في الموطأ، باب ما جاء في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم برقم 463، وفيها: ما بين قبري ومنبري، غير أنه قال: عن أبي هريرة، أو عن أبي سعيد على الشك، ولم أره بهذا اللفظ في غير رواية يحيى مما قد طبع من روايات الموطأ، لكن أشار ابن عبد البر في التمهيد [2/ 287] إلى أنه قد روي بهذا اللفظ.
وممن أخرجه عن أبي هريرة كذلك: البزار في مسنده [1/ 216 كشف الأستار] رقم 430 بإسناد فيه سلمة بن وردان وهو ضعيف.
وقد صح بهذا اللفظ- ما بين قبري ومنبري- من حديث سعد بن أبي وقاص، وأبي سعيد الخدري، وعبد الله بن عمر، وأم سلمة. -(3/175)
.........
-* أما حديث سعد بن أبي وقاص، فأخرجه البزار في مسنده [2/ 56 كشف الأستار] رقم 1195، والخطيب البغدادي في تاريخه [11/ 290] .
قال الهيثمي في مجمع الزوائد [4/ 9] ، والحافظ في الفتح [4/ 120] : رجاله ثقات، وقال البدر العيني في العمدة [10/ 249] :
سنده صحيح.
* وأما حديث أبي سعيد الخدري، فأخرجه الإمام أحمد في مسنده [3/ 64] ، وأبو يعلى في معجمه الأوسط [1/ 360] رقم 412، والطحاوي في المشكل [4/ 70] ، والخطيب في تاريخه [4/ 403] ، وأبو نعيم في أخبار أصبهان [1/ 92] ، وصححه الضياء في المختارة.
* وأما حديث ابن عمر، فأخرجه الطبراني في معجمه الأوسط [1/ 360] رقم 412، والطحاوي في المشكل [4/ 69] ، والخطيب في تاريخه [12/ 160] ، والعقيلي في الضعفاء [4/ 72] ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد [4/ 9] : رجاله ثقات.
* وأما حديث أم سلمة، فأخرجه الطحاوي في المشكل [4/ 69] بإسناد على شرط مسلم، وقد صححه ابن حبان- كما في الإحسان- برقم 3749 لكن اختصر لفظه.
ما ورد في هذا الحديث من دلائل نبوّته صلى الله عليه وسلم قال الحافظ الطحاوي رحمه الله في المشكل [4/ 72] : في هذا الحديث معنى يجب أن يوقف عليه، وهو في قوله صلى الله عليه وسلم: ما بين قبري ومنبري، على ما في أكثر هذه الاثار، وعلى ما في سواه منها: ما بين بيتي ومنبري، فكان تصحيحهما يجب أن يكون بيته هو قبره، ويكون ذلك علامة من علامات النبوة جليلة المقدار، لأن الله عزّ وجلّ قد أخفى على كل نفس- سواه- الأرض التي يموت فيها بقوله عزّ وجلّ: وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، فأعلمه صلى الله عليه وسلم الموضع الذي-(3/176)
767- وقال صلى الله عليه وسلم: منبري على ترعة من ترع الجنة.
- يموت فيه، والموضع الذي فيه قبره، حتى علم ذلك في حياته، وحتى أعلمه من أعلمه من أمته، فهذه منزلة لا منزلة فوقها، زاده الله شرفا وخيرا.
(867) قوله: «منبري على ترعة من ترع الجنة» :
أخرجه الإمام أحمد في مسنده [5/ 335، 339] ، وابن الجعد في مسنده [2/ 1055] ، والطبراني في معجمه الكبير [6/ 174، 184، 209، 237، 245] الأرقام: 5779، 5809، 5971، 5888، 5995، والطيالسي في مسنده برقم 2736، وابن سعد في الطبقات [1/ 253] ، والطحاوي في مشكل الاثار [4/ 71] ، والبيهقي في السنن الكبرى [5/ 247] من حديث أبي حازم عن سهل بن سعد به مرفوعا، قال الهيثمي في مجمع الزوائد [4/ 9] : رجاله رجال الصحيح- يعني: رجال أحمد والطبراني-.
وفي الباب عن أبي هريرة، وجابر بن عبد الله، وغيرهما، وهو يروى أيضا ضمن قوله صلى الله عليه وسلم: ما بين بيتي ومنبري:
أما حديث أبي هريرة، فأخرجه الإمام أحمد في المسند [2/ 360، 401- 402، 412، 450، 534] ، وابن أبي شيبة في المصنف [11/ 478] رقم 11778، وابن سعد في الطبقات [1/ 253] ، والطبراني في معجمه الصغير [2/ 249] رقم 1110، والبيهقي في السنن الكبرى [5/ 247] ، وأنوار البغوي [1/ 75] رقم 80، إسناده على شرط مسلم.
وأما حديث جابر بن عبد الله، فأخرجه الإمام أحمد في المسند [3/ 389] ، والبزار في مسنده [2/ 57 كشف الأستار] رقم 1196، وأبو يعلي في مسنده [3/ 319، 462] رقم 1784، 1964، وأبو نعيم في الحلية [3/ 26] ، والخطيب في تاريخه [3/ 360] ، والطحاوي في المشكل [4/ 70] ، جميعهم من حديث علي بن زيد- صالح في الشواهد- عن ابن المنكدر، عنه به. -(3/177)
868- وروى كعب الأحبار قال: ما من فجر يطلع إلّا نزل سبعون ألفا من الملائكة حتى يحفوا بالقبر يضربون بأجنحتهم ويصلّون على النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إذا أمسوا عرجوا وهبط مثلهم فصنعوا مثل ذلك، حتى إذا انشقت الأرض خرج صلى الله عليه وسلم في سبعين ألفا من الملائكة يزفّونه.
- تابعه أبو الزبير، عن جابر، أخرجه الخطيب [11/ 228] ، قال الدارقطني:
تفرد به محمد بن كثير (وهو صدوق) ، عن الثوري عنه.
(868) قوله: «خرج صلى الله عليه وسلم في سبعين ألفا» :
خرجناه في مسند الحافظ أبي محمد: عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، تحت رقم 100- فتح المنان، وإسناده على شرط الصحيح فيما نذهب إليه من أن كاتب الليث من رجال البخاري في الصحيح، وقد ثبت أن كعبا قال هذا بحضرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فلم تنكر عليه، فهو في حكم الموقوف، ومثل هذا لا يقال من قبيل الرأي، فتأمل.(3/178)
[196- فصل: فيما يقال عند زيارته للسّلام عليه صلى الله عليه وسلم]
196- فصل: فيما يقال عند زيارته للسّلام عليه صلى الله عليه وسلم 869- روي عن نافع، عن ابن عمر أنه كان إذا قدم من سفر تقدم إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه.
870- وعن ابن عون قال: قلت لنافع: كان ابن عمر يسلم على القبر؟
(869) قوله: «روي عن نافع عن ابن عمر» :
أخرجه الحافظ عبد الرزاق في المصنف [3/ 576] رقم 6724، من طريق معمر، عن أيوب، عنه.
قال: وأخبرناه عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر.
قال معمر: فذكرت ذلك لعبيد الله بن عمر فقال: ما نعلم أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك إلّا ابن عمر.
ومن طرق عن نافع أخرجه الحافظ إسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، الأرقام 100، 101، وابن أبي شيبة في المصنف [3/ 341] ، والبيهقي في السنن الكبرى [5/ 245] ، وفي الشعب [3/ 490] رقم 4161، وأبو اليمن ابن عساكر في إتحاف الزائر [/ 59- 60] .
(870) قوله: «وعن ابن عون» :
أخرجه مالك في الموطأ، عن عبد الله بن دينار: أن ابن عمر كان إذا أراد سفرا أو قدم من سفر جاء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فصلى عليه ودعا ثم انصرف.
أخرجه محمد بن الحسن في الموطأ برقم 948، وقال: هكذا ينبغي أن يفعله إذا قدم المدينة، يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم. -(3/179)
قال: قد رأيته- مائة مرة أو: أكثر من مائة مرة- يجيء إلى القبر فيقول: السلام على النبي، السلام على أبي بكر، السلام على أبي، ثم ينصرف.
871- وعن عبد الله بن أبي أمامة، عن أبيه قال: رأيت أنس بن مالك أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فوقف، فرفع يديه حتى ظننت أنه افتتح الصلاة، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم انصرف.
872- وعن يزيد بن أبي سعيد المهري قال: قدمت على عمر بن عبد العزيز إذ كان خليفة بالشام، فلما رأيته ودعته قال لي: إني أراك إذا أتيت المدينة سترى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فاقرأه مني السلام.
- ومن طريق مالك أخرجه الحافظ إسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 98، والبيهقي في السنن الكبرى [5/ 245] ، وأخرجه الحافظ إسماعيل القاضي أيضا، من طريق سفيان، عن عبد الله بن دينار، رقم 99.
وأورده ابن عبد البر في الاستذكار [2/ 163] ، عن صخر بن أبي سمية قال: رأيت ابن عمر ... فذكر نحوه.
(871) قوله: «وعن عبد الله بن أبي أمامة» :
أخرج أثره ابن أبي الدنيا في كتاب القبور- كما في القول البديع للسخاوي [/ 211]- ومن طريقه البيهقي في الشعب [3/ 491] رقم 4164.
(872) قوله: «وعن يزيد بن أبي سعيد المهري» :
أخرج أثره ابن النجار في الدرة الثمينة معلقا [/ 145] ، وأسنده البيهقي في الشعب [3/ 492] رقم 4167، وقد تصحف في المطبوع اسم المهري إلى المقبري.(3/180)
873- قال محمد بن إسماعيل: فحدثت به عبد الله بن جعفر فقال:
أخبرني فلان أن عمر كان يبرد إليه البريد من الشام.
874- وقيل: أن من وقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فتلا هذه الاية:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56) ، وقال: صلّى الله عليك يا محمد حتى يقولها سبعين مرة، ناداه ملك: صلى الله عليك يا فلان، لم تسقط لك حاجة.
875- قال أبو عمرو: محمد بن جعفر بن مطر رحمه الله: بلغنا أن أعرابيا قدم المدينة على قعود له، فأناخها على باب المسجد وعقلها، ثم دخل المسجد فوقف بحذاء وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا محمد بن عبد الله، جزاك الله عن أمتك أفضل ما جزى نبيّا عن أمته، أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنك رسول الله، وأنك قد بلغت رسالة ربك، ونصحت لأمتك، وعبدت ربك حتى أتاك اليقين، صلى الله على روحك في الأرواح، وعلى جسدك في الأجساد.
(873) قوله: «قال محمد بن إسماعيل» :
هو ابن أبي فديك، أخرج أثره البيهقي في الشعب عقب الذي قبله.
(874) قوله: «وقيل: أن من وقف» :
روي هذا عن ابن أبي فديك الإمام الثقة قال: سمعت بعض من أدركت يقول: بلغنا ... فذكره، أخرجه ابن أبي الدنيا في القبور، ومن طريقه السهمي في تاريخ جرجان [/ 220- 221] ، والبيهقي في الشعب [3/ 492] رقم 4169، وابن النجار في أخبار المدينة [/ 146] .
وأخرجه معلقا: ابن الجوزي في الوفاء [2/ 801] ، وفي مثير الغرام [2/ 297] ، والقاضي عياض في الشفاء [2/ 85] .(3/181)
قال: ثم أقبل على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فقال: السلام عليك يا أبا بكر الصديق، السلام عليك يا عمر الفاروق، السلام عليكما يا صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، وضجيعيه بعد وفاته، جزاكما الله عن الإسلام وعن نبينا خيرا.
قال: ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله جئتك مثقلا بالذنوب والخطايا، أستشفع بك إلى ربي فيشفعك فيّ، لأن الله عزّ وجلّ قال في كتابه- وقوله الحق-: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً، فأنا ممن ظلم نفسه، وجئتك أستشفع بك إلى ربي وأستغفر الله وأتوب إليه، فاشفع لي إلى ربي.
ثم استقبل القبلة ورفع يديه ودعا ثم قال: إلهي إنك قلت- وقولك الحق-: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ، فها أنا بين يديك، ظلمت نفسي، وأستغفرك وأتوب إليك، وقد جئت محمّدا صلى الله عليه وسلم ومحمّد صلى الله عليه وسلم قد مات، وإن كان محمّد صلى الله عليه وسلم قد مات فأنت حي لا تموت، وأتوسل إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم صاحب هذا القبر، اللهمّ شفعه فيّ. إلهي إذا مات لنا ميت وله عندنا إجلال وحرمة كنا نعتق عند رأس قبره عبيدا وإماء إجلالا وحرمة له، وإنك قد أخبرتنا بإجلال محمّد صلى الله عليه وسلم، فأسألك بحرمة صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم أن تعتق عبدك الخاطيء اليوم على رأس قبره إجلالا وحرمة له.
قال: ثم ولّى وهو يقول:
يا خير من دفنت في القبر أعظمه ... فطاب من طيبه القيعان والأكم
قوله: «فطاب من طيبه القيعان» :
كذا عندنا، وأشار إليه البيهقي في الشعب عقب إيراده له بلفظ: فطاب من-(3/182)
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم
- طيبه الأبقاع والأكم، فقال: وفي غير هذه الرواية: فطاب من طيبه القيعان والأكم. اه. وفي أكثر المصادر: فطاب من طيبهن القاع والأكم.
والقصة رويت بأسانيد وألفاظ، فأخرجها ابن النجار في أخبار المدينة [/ 147] ، وابن بشكوال- كما في القول البديع [/ 162- 163] ، وأبو اليمن ابن عساكر في إتحاف الزائر [/ 68- 69] ، وابن الجوزي في مثير الغرام برقم 477، من حديث محمد بن حرب الهلالي قال: دخلت المدينة فأتيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا أعرابي يوضع عن بعيره فأناخه وعقله ... القصة، وزاد بيتا:
أنت النبي الذي ترجى شفاعته ... عند الصراط إذا ما زلت القدم
قال محمد بن حرب في رواية ابن بشكوال: ثم ركب راحلته، فما أشك إن شاء الله إلّا أنه راح بالمغفرة.
وقال محمد بن حرب في رواية ابن النجار: ثم استغفر وانصرف، فرقدت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحق بالرجل فبشره بأن الله عزّ وجلّ قد غفر له بشفاعتي.
وأخرجها غيرهم، والرائي للأعرابي فيها العتبي، قصته عند البيهقي في الشعب [3/ 495- 496] رقم 4178، بنحو سياق ابن النجار، وأبو اليمن بن عساكر في إتحاف الزائر [/ 67- 68] .
قال أبو عاصم: رواية البيهقي يوردها أهل التفسير في كتبهم عند تفسير قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ الاية، وممن أوردها: القرطبي في تفسيره [5/ 265] ، وابن كثير [2/ 306] ، ويوردها أهل المناسك استيناسا، منهم: ابن قدامة في المغنى [3/ 557] ، والنووي في الإيضاح [/ 451] ، والله أعلم وهو الموفق الهادي.(3/183)
[197- فصل: في أنّ الأنبياء أحياء في قبورهم وما ورد من سماعه صلى الله عليه وسلم سلام من يسلم عليه ومعرفته به وردّه عليه]
197- فصل: في أنّ الأنبياء أحياء في قبورهم وما ورد من سماعه صلى الله عليه وسلم سلام من يسلم عليه ومعرفته به وردّه عليه 876- روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: أنا أكرم على الله أن يتركني في الأرض فوق ثلاث.
(876) قوله: «أنا أكرم على الله» :
أخرج ابن حبان في ترجمة الحسن بن يحيى الخشني من المجروحين [1/ 235] ، من حديثه: عن سعيد بن عبد العزيز، عن يزيد بن أبي مالك، عن أنس مرفوعا: ما من نبي يموت فيقيم في قبره أربعين صباحا حتى ترد إليه روحه، ومررت بموسى ليلة أسرى بي وهو قائم يصلي بين عالية وعويلية، قال ابن حبان: باطل موضوع إلّا قوله: مررت بموسى.
وقد تعقب كل من الحافظ ابن حجر والسيوطي ابن حبان، قال السيوطي في اللالىء [1/ 285] : هذا الحديث أخرجه الطبراني وأبو نعيم في الحلية وله شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن، والخشني من رجال ابن ماجه، ضعفه الأكثر، ولم ينسب إلى وضع ولا كذب، وقال: دحيم لا بأس به، وقال أبو حاتم: صدوق سيء الحفظ، وقال ابن عدي: تحتمل رواياته، ومن هذا حاله لا يحكم على حديثه بالوضع، وقال البيهقي في كتاب حياة الأنبياء رقم 4: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أحمد بن علي الحسنوي إملاء، حدثنا أبو محمد بن العباس الحمصي، حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا إسماعيل بن طلحة بن يزيد، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ثابت، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الأنبياء لا يتركون في قبورهم-(3/184)
.........
- بعد أربعين ليلة، ولكنهم يصلون بين يدي الله عزّ وجلّ حتى ينفخ في الصور، قال البيهقي-[رقم 5]-: وروى الثوري في جامعه، عن شيخ، عن سعيد بن المسيب قال: ما يمكث نبي في قبره أكثر من أربعين حتى يرفع، ورواه عبد الرزاق في مصنفه [3/ 576- 577] ، عن الثوري، عن أبي المقدام، عن سعيد بن المسيب قال: ما مكث نبي في قبره من الأرض أكثر من أربعين يوما، قال الزركشي في تخريج أحاديث الرافعي: وأبو المقدام هو ثابت ابن هرمز الكوفي، والد عمرو ابن أبي المقدام، شيخ صالح، وقال إمام الحرمين في النهاية ثم الرافعي في الشرح: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا أكرم على ربي أن يتركني في قبري بعد ثلاث، زاد إمام الحرمين:
وروي: أكثر من يومين، قال الزركشي: ولم أجده، وقيل: إن الأزرقي:
رواه، قال الزركشي: وذكر أبو الحسن بن الزاغوني الحنبلي في بعض كتبه حديثا: إن الله لا يترك نبيا في قبره أكثر من نصف يوم، وقال الحافظ ابن حجر في تخريج الرافعي [2/ 133] ، متعقبا على ابن حبان وابن الجوزي في حكمهما على حديث أنس بالبطلان: وقد أفرد البيهقي جزآ في حياة الأنبياء وأورد فيه عدة أحاديث تؤيد هذا فيراجع منه، وقال في دلائل النبوة: الأنبياء أحياء عند ربهم كالشهداء، وقال في كتاب الاعتقاد [/ 198] : الأنبياء بعدما قبضوا ردت إليهم أرواحهم فهم أحياء عند ربهم كالشهداء، اه. والله أعلم.
قال أبو عاصم: وتمام كلام البيهقي في الاعتقاد: وقد رأى نبيّنا صلى الله عليه وسلم جماعة منهم ليلة المعراج، وأمر بالصلاة عليه والسلام عليه، وأخبر- وخبره صدق- أن صلاتنا معروضة عليه، وأن سلامنا يبلغه، وأن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء. اه. وفسر قوله في الحديث: لا يتركون في قبورهم بعد أربعين: أي لا يتركون لا يصلون إلّا هذا المقدار، ثم يكونون مصلين فيها بين يدي الله عزّ وجلّ.(3/185)
877- وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله ملائكة يطوفون في الطرق يبلغوني عن أمتي السلام.
878- وفي الخبر: إن الله تعالى أعطى ملكا من الملائكة أسماع الخلائق، وهـ وقائم على قبري إذا مت إلى يوم القيامة، فليس أحد يصلي عليّ من أمتي صلاة إلّا سماه باسمه واسم أبيه وقال: يا محمد صلى عليك فلان كذا وكذا.
(877) قوله: «وعن ابن مسعود» :
خرجنا حديثه في المسند الجامع للحافظ أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، كتاب الرقاق، باب: في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، تحت رقم 2940- فتح المنان.
(878) قوله: «يا محمد صلى عليك فلان كذا وكذا» :
تمام لفظ الرواية: قال: فيصلي الرب عزّ وجلّ على ذلك الرجل بكل واحدة عشرا، أخرجه من طرق عن نعيم: البخاري في تاريخه الكبير [6/ 416] ، والبزار في مسنده [4/ 47 كشف الأستار] رقم 3162، 3163، والطبراني في معجمه الكبير- كما في جلاء الأفهام [/ 107- 108]-، والحارث بن أبي أسامة في مسنده [2/ 962 بغية الباحث] رقم 1063، وابن الأعرابي في معجمه برقم 122، وابن أبي عاصم في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم برقم 51، وأبو الشيخ في العظمة برقم 341، وفي الثواب- كما في جلاء الأفهام [/ 49]-، والقول البديع [/ 112] ، والعقيلي في الضعفاء [3/ 249] ، وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب برقم 1644، والطوسي في مختصر الأحكام [2/ 459- 460] ، والروياني في مسنده- كما في جلاء الأفهام [/ 50]-، جميعهم من حديث نعيم بن ضمضم، عن عمران بن الحميري، عن عمار بن ياسر، به مرفوعا.
نعيم بن ضمضم اختلف فيه، وابن الحميري لم يوثقه سوى ابن حبان، وقال البخاري: لا يتابع عليه.(3/186)
879- وعن سليمان بن سحيم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقلت: يا رسول الله هؤلاء الذين يأتوك فيسلمون عليك أتفقه سلامهم؟
قال: نعم، وأرد عليهم.
880- وروي عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يسلّم عليّ إلّا رد الله إليّ روحي حتى أرد عليه السّلام.
881- وقال صلى الله عليه وسلم: إنّ لله ملائكة يبلغوني صلاة أمتي، يقولون:
يا رسول الله إن فلان بن فلان صلى عليك، فقيل: يا رسول الله كيف وقد صرت رميما؟ فقال: إنّ الله حرّم لحوم الأنبياء على الأرض أن تأكلها.
(879) قوله: «وعن سليمان بن سحيم» :
أبو أيوب المدني، تابعي، ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وأخرج رؤياه- وهي رؤيا حق فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الشيطان لا يتمثل به، ثم إنها موافقة لما أخبر به صلى الله عليه وسلم-: البيهقي في الشعب [3/ 491] رقم 4165، وفي حياة الأنبياء برقم 19، وأبو اليمن بن عساكر في إتحاف الزائر [/ 75- 76] .
(880) قوله: «وروي عن أبي هريرة» :
أخرجه الإمام أحمد في المسند [2/ 527] ، وأبو داود في المناسك برقم 2041، وأبو نعيم في أخبار أصبهان [2/ 353] ، والبيهقي في السنن الكبرى [5/ 245] ، وفي الشعب [2/ 217] رقم 1581، جميعهم من حديث حميد بن زياد أبي صخر، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عنه به مرفوعا.
(881) قوله: «فقيل: يا رسول الله» :
كأن المصنف رحمه الله جمع بين لفظين في هذا الحديث، إذ لم أجده بهذا السياق بل بشطرين في إسنادين. -(3/187)
.........
- أما شطره الأول فقد تقدم عن ابن مسعود: إن لله ملائكة سياحين، وكذا حديث عمار بن ياسر مرفوعا: إن الله أعطى ملكا أسماع الخلائق.
وفيه أيضا من حديث يزيد الرقاشي قوله: إنّ ملكا موكل يوم الجمعة بمن صلى على النبي صلى الله عليه وسلم، يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن فلانا من أمتك يصلي عليك.
أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم برقم 27، وابن أبي شيبة في المصنف [2/ 516- 517] ، قال السخاوي في القول البديع [/ 159] : وأخرجه بقي بن مخلد، ومن طريقه ابن بشكوال، وهو في سنن سعيد بن منصور.
وفيه أيضا من حديث أيوب السختياني قوله: بلغني- والله أعلم- أن ملكا موكل بكل من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم حتى يبلغه النبي صلى الله عليه وسلم، سنده صحيح، ومثل هذا لا يقال من قبيل الرأي.
وأخرج القاضي عياض في الشفاء، والنميري- كما في القول البديع [/ 160]- معلقا غير مسند، عن ابن شهاب الزهري مرسلا: أكثروا عليّ من الصلاة في الليلة الغراء واليوم الأزهر، فإنهما يؤديان عنكم، وإن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، وكل ابن آدم يأكله التراب إلّا عجب الذنب، وما من مسلم يصلي عليّ إلّا حملها ملك حتى يؤديها إليّ ويسميه حتى إنه يقول: إن فلانا يقول كذا وكذا.
فأما شطره الثاني فهو في حديث أوس بن أوس مرفوعا: إن أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ، قال رجل: يا رسول الله كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت- يعني: بليت-؟ قال: فذكره ... خرجناه في كتابنا فتح المنان شرح المسند الجامع للحافظ أبي محمد الدارمي، تحت رقم 1694. -(3/188)
882- وسمعت أبا حامد الهروي المجاور بمكة قال: سمعت أستاذي عبد الله الطبري قال: أكلت الكراث بالمدينة، ثم أردت زيارة القبر فقلت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الكراث ودخول المسجد، ثم قلت في نفسي: قد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف يتأذى؟ فتقدمت إلى القبر، فسمعت من وراء القبر صيحة كأنه يقول: آه ... قال: فما تناولت الكراث بعد ذلك بالمدينة.
883- قال إبراهيم الخواص: أصابتني فاقة فضجرت، فدخلت المدينة، وتقدمت إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشكو، فسمعت هاتفا يقول من وراء القبر: لا تضجر يا أبا إسحاق.
884- وقيل: جاءت امرأة إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن إبليس يوسوس لي، ويقول لي: إلى كم تعذبين نفسك، فاقصري، قالت: فهتف بي هاتف من ناحية القبر: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا، قالت:
فخرجت ذعرة وجلة، وو الله ما عاودني ذلك الوسواس بعد تلك الليلة.
- وأخرج ابن ماجه في سننه برقم 1637، وابن جرير في تفسيره [30/ 131] ، وفي تهذيب الاثار [/ 354 من الجزء المفقود] ، والحافظ المزي في تهذيب الكمال [10/ 23- 24] ، والطبراني والنميري- كما في القول البديع للسخاوي [/ 158] ، جميعهم من حديث أبي الدرداء مرفوعا: أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة، وإن أحد لن يصلي عليّ إلّا عرضت عليّ صلاته حتى يفرغ منها، قال: قلت: وبعد الموت؟ قال: وبعد الموت، إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، فنبي الله حي يرزق.
قال البوصيري: إسناده صحيح، لكنه منقطع في موضعين.(3/189)
[198- فصل: ذكر بعض أحوال الزّائرين والمجاورين]
198- فصل: ذكر بعض أحوال الزّائرين والمجاورين 885- حكي عن بعض مجاوري المدينة قال: قدم شيخ من أهل خراسان، فدخل من باب جبريل عليه السّلام، وزار قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجع من الباب الذي دخل منه- ومن قصد مكة لا يرجع من ذلك الطريق- قال: فظننت أنه أخطأ، فجئت خلفه وقلت: يا شيخ ليس هذا طريق مكة، فقال: لم أرد مكة، وإنما جئت لأزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم أرجع إلى بيتي، فإن اتفق لي الخروج إلى مكة خرجت، قال: وإنما قصدي هذه الزيارة.
886- وحكي عن بعض مجاوري المدينة قال: أقمت بالمدينة ثلاثا، وكان ثمّ شيخ لم يزر القبر، فقلت له يوما من الأيام: أقمت هاهنا ثلاث سنين لم أرك تقدمت إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: سبحان الله، أنا هاهنا منذ سبع سنين لم أتجاسر أن أتقدم إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم هيبة منه وإجلالا له صلى الله عليه وسلم.(3/190)
[199- فصل: في قوله صلى الله عليه وسلم: لا تتّخذوا قبري عيدا]
199- فصل: في قوله صلى الله عليه وسلم: لا تتّخذوا قبري عيدا 887- روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تتخذوا قبري عيدا.
(887) قوله: «لا تتخذوا قبري عيدا» : أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف [2/ 375] ، ومن طريقه أبو يعلى في مسنده [1/ 361- 362] رقم 469، وابن أبي عاصم في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (مختصرا) برقم 26 من حديث علي بن عمر بن علي بن الحسين، عن أبيه أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخلها فيدعو، فنهاه وقال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي، عن جدي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا تتخذوا قبري عيدا، ولا بيوتكم قبورا، فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم- منقطع-، علي بن الحسين، عن جده مرسل.
رواه أيضا إسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم برقم 20 فأبهم علي بن عمر.
ورواه ابن عجلان، عن سهيل، عن الحسن بن علي مرسلا، أخرجه الحافظ عبد الرزاق في المصنف [3/ 71] رقم 4839، وابن أبي شيبة في المصنف [2/ 375، 3/ 345، ووقع في الموضع الأول من المطبوع من المصنف:
عن سهيل بن حسين بن حسن! وفي الموضع الثاني: عن سهيل بن حسن بن حسن!!] .
وقد رواه عبد الله بن نافع- وهو ممن يضعف في الحديث- فاختلف عليه فيه:
* فقال أبو بكر الحنفي عنه: عن العلاء بن عبد الرحمن قال: سمعت الحسن بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه، أخرجه أبو يعلى في مسنده [12/ 131] رقم 6761. -(3/191)
888- وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تتخذوا قبري وثنا يعبد.
-* ورواه سريح بن النعمان عند الإمام أحمد في المسند [2/ 367] ، وأحمد بن صالح عند أبي داود برقم 2042، ومن طريقه البيهقي في حياة الأنبياء برقم 14، ومسلم بن عمرو عند ابن فيل في جزءه- كما في القول البديع للسخاوي [/ 154] ، جميعهم عن عبد الله بن نافع، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة به مرفوعا.
(888) قوله: «لا تتخذوا قبري وثنا» : رواه أبو نعيم في الحلية [7/ 317] ، من حديث سهيل بن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعا: لا تجعلوا قبري وثنا، لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. قال أبو نعيم: غريب من حديث حمزة بن المغيرة، تفرد به عنه سفيان- وهو ابن عيينة-.
قلت: رواه الإمام أحمد في المسند [2/ 246] ، عن سفيان بهذا الإسناد، فقال: اللهمّ لا تجعل قبري وثنا ... الحديث، وهذا أصح.
ورواه محمد بن الحسن الكرماني، عن سفيان أيضا بهذا الإسناد فقال:
لا تتخذوا قبري وثنا، أخرجه ابن عبد البر في التمهيد [5/ 43] .(3/192)
[200- باب ما جاء في رؤية النّبيّ صلى الله عليه وسلم في المنام وقوله عزّ وجلّ: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ فكان صلى الله عليه وسلم رحمة في الدّنيا والاخرة]
200- باب ما جاء في رؤية النّبيّ صلى الله عليه وسلم في المنام وقوله عزّ وجلّ: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ فكان صلى الله عليه وسلم رحمة في الدّنيا والاخرة 889- حدثنا أبو بكر: محمد بن أحمد بن هارون الأصفهاني رحمه الله بمكة حرسها الله تعالى في المسجد الحرام بحذاء الكعبة، ثنا أبو الحسن: محمد بن سهل، ثنا لوين، ثنا محمد بن المصفّى، (889) قوله: «محمد بن أحمد بن هارون الأصفهاني» : لم أقف على ترجمة له فيما لدي من المصادر، وكذا شيخ شيخه محمد سهل.
قوله: «ثنا لوين» : هو محمد بن سليمان المصيصي، من رجال أبي داود والنسائي، تقدم.
قوله: «ثنا محمد بن المصفى» : الحمصي، الحافظ الصدوق، أبو عبد الله القرشي، من رجال أبي داود والنسائي، وابن ماجه، كان من أهل الحديث، صاحب سنة، غير أنه نسب للتدليس، فتكلم فيه من تكلم. انظر عنه في:
تهذيب الكمال [26/ 465] ، تهذيب التهذيب [9/ 406] ، الكاشف [3/ 86] ، الثقات [9/ 100] ، الميزان [5/ 168] ، سير أعلام النبلاء [12/ 94] ، التقريب [/ 507] الترجمة رقم 6304، تاريخ ابن عساكر [55/ 410] ، التاريخ الكبير [1/ 246] ، الوافي بالوفيات [5/ 33] ، الجرح والتعديل [8/ 104] .(3/193)
عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن ميسرة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم يدخل النار من رآني في المنام.
قوله: «عن يحيى بن سعيد» :
هو العطار، أبو زكرياء الأنصاري، الشامي، الحمصي، ذكره أصحاب التهذيب للتمييز، لم يوثقه سوى تلميذه محمد بن المصفى، وتكلم فيه جمهور الحفاظ، وتوسط فيه أبو داود فقال: جائز الحديث. انظر عنه في:
تهذيب الكمال [31/ 343] ، تهذيب التهذيب [11/ 193] ، الميزان [6/ 53] ، الكامل لابن عدي [7/ 2650] ، ضعفاء العقيلي [4/ 403] ، ضعفاء ابن الجوزي [3/ 195] ، سير أعلام النبلاء [9/ 472] ، تاريخ يحيى برواية الدوري [2/ 644] ، التقريب [/ 591] الترجمة رقم 7558، المجروحين لابن حبان [3/ 123] ، تاريخ ابن عساكر [64/ 266] ، ديوان الضعفاء [2/ 446] .
قوله: «عن سعيد بن ميسرة» :
البكري، كنيته: أبو عمران، أحد الضعفاء المتفق عليه. انظر عنه في:
الكامل لابن عدي [3/ 1223] ، الميزان [2/ 350] ، لسان الميزان [3/ 45] ، الديوان [1/ 333] ، المغني في الضعفاء [2/ 266] ، ضعفاء ابن الجوزي [1/ 326] .
قوله: «لم يدخل النار من رآني في المنام» :
إسناده ضعيف جدّا، أعله ابن عدي في الكامل [3/ 1224] بسعيد بن ميسرة، وقال: عامة ما يرويه عن أنس أحاديث ينفرد بها، وما أقل ما يقع فيها مما يرويها غيره، وهو مظلم الأمر. اه.
وأخرجه ابن عساكر في تاريخه [23/ 385] ، وعزاه في الكنز [15/ 383- 384] رقم 1486، للديلمي.(3/194)
890- وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزآ من النبوة.
891- وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو على برذون أبلق، وبيده قضيب أخضر، وعليه بغلان يتلألأ شراكهما وهو يبادر، قلت: بأبي وأمي، اشتد شوقي إليك، فإلى أين تبادر؟ قال: إن عثمان رضي الله عنه أصبح في الجنة عروسا ملكا، وإنا قد دعينا إلى عرسه.
892- وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: لما فرغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه (890) قوله: «من رآني في المنام فقد رآني» :
أخرجاه في الصحيحين من حديث ثابت عنه، فأخرجه البخاري في التفسير، باب من رأى النبي صلى الله عليه وسلم، رقم 6994، وأخرجه مسلم في الرؤيا، مقتصرا على الشطر الثاني منه، برقم 2264.
(891) قوله: «وإنا قد دعينا إلى عرسه» :
القصة بطولها تأتي في مناقبه رضي الله عنه، ويأتي تخريجها.
(892) قوله: «وعن أبي الدرداء» :
أخرج الرؤيا ابن الأثير في الأسد [1/ 244] من طريق ابن سعد في الطبقات [3/ 235 وهي عنده مختصرة] : أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس المدني، قال: حدثني عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد، وعمار بن حفص بن عمر بن سعد، وعمر بن حفص بن عمر بن سعد، عن آبائهم، عن أجدادهم: أنهم أخبروهم، قالوا: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلال إلى أبي بكر ... قصته بطولها في طلبه الجهاد وهجرته إلى الشام.
وأورد الرؤيا الحافظ الذهبي في السير [1/ 358] وقال: إسناده لين، وهو منكر.(3/195)
من فتح بيت المقدس فصار إلى الجابية، سأل بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقره بالشام، ففعل ذلك.
ثم إن بلالا رضي الله عنه رأى في منامه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ما هذه الجفوة يا بلال؟ أما آن لك أن تزورني يا بلال؟ قال: فانتبه حزينا، وجاء خائفا، فركب راحلته وقصد المدينة، فأتى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يبكي عنده ويمرغ وجهه عليه.
وأقبل الحسن والحسين رضي الله عنهما فجعل يضمهما ويقبلهما، فقالا: يا بلال نشتهي أن نسمع أذانك الذي كنت تؤذن به لرسول الله صلى الله عليه وسلم في السحر، ففعل، وعلا سطح المسجد فوقف موقفه الذي كان يقف فيه، فلما أن قال: الله أكبر الله أكبر ارتجت المدينة، فلما أن قال: أشهد ان لا إله إلّا الله ازدادت رجتها، فلما أن قال: أشهد أن محمدا رسول الله خرجن العواتق من خدورهن وقالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال فما رؤي يوما أكثر باكيا ولا باكية بالمدينة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك اليوم.
893- وقال أبو عبد الرحمن السلمي رضي الله عنه: قال الحسن بن علي:
قال لي علي رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنح لي الليلة في منامي، فقلت:
يا رسول الله، ما لقيت من أمتك من الأود والكرب! فقال: ادع عليهم، (893) قوله: «وقال أبو عبد الرحمن السلمي» :
هو الإمام العلم، مقرىء أهل الكوفة: عبد الله بن حبيب بن ربيعة الكوفي، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وأبوه حبيب من الصحابة، عرض القرآن على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وابن مسعود، فجوّده ومهر فيه، وثبت أن الحسن بن علي رضي الله عنه قرأ عليه. -(3/196)
فقلت: اللهمّ أبدلني بهم من هو خير لي منهم، وأبدلهم بي من هو شر لهم مني.
قال: فخرج فضربه الرجل.
- انظر عنه في: معرفة القراء الكبار [1/ 52] ، طبقات ابن سعد [6/ 172] ، تاريخ بغداد [9/ 430] ، العقد الثمين [8/ 66] ، غاية النهاية [1/ 413] ، حلية الأولياء [4/ 191] ، سير أعلام النبلاء [4/ 267] ، تهذيب الكمال [14/ 408] ، تهذيب التهذيب [5/ 161] ، الكاشف [2/ 71] ، المعرفة والتاريخ [2/ 589] ، تذكرة الحفاظ [1/ 55] ، النجوم الزاهرة [1/ 206] ، التاريخ الكبير [5/ 72] ، الجرح والتعديل [5/ 37] ، البداية والنهاية [9/ 16] ، العبر [1/ 96] .
قوله: «فخرج فضربه الرجل» :
أخرجه باللفظ الوارد هنا: ابن أبي الدنيا في المنامات برقم 110- وفي المطبوع تصحيف في غير موضع من الرواية-، ومن طريق ابن أبي الدنيا أخرجه ابن عساكر في تاريخه [42/ 556] .
والرواية مختصرة، أخرجها بطولها: الاجري في الشريعة برقم 1656، وابن عساكر في تاريخه [42/ 556] ، عن أبي عون الثقفي قال: كنت أقرأ على أبي عبد الرحمن السلمي، وكان الحسن بن علي يقرأ عليه، قال أبو عبد الرحمن: فاستعمل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه رجلا من بني تميم يقال له:
حبيب بن قرة على السواد، وأمره أن يدخل الكوفة من كان بالسواد من المسلمين، فقلت للحسن بن علي رضي الله عنه: إن ابن عم لي بالسواد أحب أن يقر بمكانه فقال: تغدوا على كتابك قد ختم، فغدوت عليه من الغد، فإذا الناس يقولون: قتل أمير المؤمنين، قتل أمير المؤمنين، فقلت: أتقربني الى القصر، فدخلت القصر، وإذا الحسن بن علي قاعد في المسجد في الحجرة، وإذا صوائح، فقال: ادن يا أبا عبد الرحمن، فجلست إلى جنبه فقال لي: خرجت-(3/197)
894- وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام أشعث أغبر، في يده قارورة فيها دم، فقلت: ما هذه القارورة؟ قال:
دم الحسين بن علي رضي الله عنه، لم أزل ألتقطه منذ الليلة.
- البارحة وأمير المؤمنين يصلي في هذا المسجد فقال لي: يا بني إني الليلة أوقظ أهلي، لأنها ليلة الجمعة، صبيحة بدر لتسع عشرة من رمضان، فملكتني عيناي، فسنح لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، فإذا لقيت من أمتك من الأود واللدد؟! - قال: والأود: العوج-، واللدد: الخصومات-، فقال لي:
ادع عليهم، فقلت: اللهمّ أبدلني بهم من هو خير منهم، وأبدلهم بي شرا، قال: وجاء ابن التياح فاذنه بالصلاة فخرج، وخرجت خلفه، فاعتوره الرجلان، فأما أحدهما فوقعت ضربته في الطاق، وأما الاخر فأثبتها في رأسه.
قال ابن صاعد: قال أبو هشام: قال أبو أسامة: إني لأغار عليه كما يغار الرجل على المرأة الحسناء- يعني على هذا الحديث-، لا تحدث به ما دمت حيا.
وقد رويت الرؤيا من طرق أخرى، أخرجها أبو يعلى في مسنده [1/ 398] رقم 520 من طريق شريك، عن عمار، عن أبي صالح، عن علي رضي الله عنه، والحميدي في مسنده- كما في النسخة المسندة من المطالب العالية [10/ 99] رقم 4980، من طريق إبراهيم بن ميسرة، عمن أخبره عن الحسن أو الحسين: أنّ عليّا رضي الله عنه قال: لقيني حبيبي- يعني: في المنام- فشكوت إليه ما لقيت من أهل العراق بعده، فوعدني الراحة منهم، فما لبث إلّا ثلاثا.
(894) قوله: «وعن عبد الله بن عباس» :
أخرج حديثه الإمام أحمد في المسند [1/ 283] ، والطبراني في معجمه الكبير [3/ 116- 117] رقم 2822، وابن أبي الدنيا في المنامات برقم 130، وابن عساكر في تاريخه [14/ 237] ، قال الحافظ ابن كثير في تاريخه [8/ 200] : سنده قوي. -(3/198)
قال: فأحصي من ذلك اليوم فوجدوه يوم قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما.
895- ويروى عن سالم، عن عبد الله بن عمر أنه قال: سمعت رجلا يقول: رأيت في المنام أن الناس جمعوا للحساب، فجاءت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، مع كل نبي أمته، وأنه رأى لكل نبي نورين يمشي بهما، ورأى لكل من اتبعه من المؤمنين نورا واحدا يمشي به، حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا لكل شعرة في رأسه ووجهه نور يستنير به كل أمرىء نظر إليه، وإذا لكل من اتبعه من أمته من المؤمنين نور كنور الأنبياء قبل محمّد صلى الله عليه وسلم.
896- قال: فقال كعب: ولا يشعر حين يحدث الرجل أنها رؤيا:
من حدثك بهذا الحديث؟ وما علمك بهذا الحديث؟ قال: إنها رؤيا، قال: فيناشدك كعب بالله الذي لا إله إلّا هو لقد رأيت ما تقول في منامك؟ فقال الرجل: نعم والله، لقد رأيت ذلك، فقال كعب: والذي بعث محمّدا صلى الله عليه وسلم بالحق إنه لنعت محمّد صلى الله عليه وسلم وأمته، ونعت الأنبياء وأممهم في كتاب الله، لكأنما قرأته من التوراة.
897- وقال كعب الأحبار: إن خلافة الصديق رضي الله عنه كانت من السماء، وقد علم خلافته قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم بست عشرة سنة، قيل: - وأخرجه ابن أبي الدنيا في المنامات برقم 129، ومن طريقه ابن عساكر [14/ 237] ، من وجه آخر عن علي بن زيد بن جدعان، عن ابن عباس نحوه.
(897) قوله: «وقال كعب الأحبار» :
سيعيد المصنف القصة في فضائل أبي بكر رضي الله عنه، ويأتي تخريجها هناك.(3/199)
كيف ذلك؟ قال كعب: رؤيا رآها أبو بكر الصديق رضي الله عنه بمكة، رآى كأن القمر سقط من السماء إلى الكعبة، فتقطع قطعة قطعة، فلم تبق حجرة في مكة إلّا دخلها من القمر قطعة، ووقعت في حجر أبي بكر رضي الله عنه قطعة، فخرج القمر من حجرات مكة واستوى كما كان إلّا الذي وقع في حجر أبي بكر الصديق فإنه بقي في حجره، قال:
فكره علماء مكة- حرسها الله- رؤياه، وكانوا يهود، قال: فخرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه في رحلة الشتاء إلى الشام وبها بحيرا الراهب، فسأله فقال بحيرا الراهب: سيبعث الله عزّ وجلّ نبيّا بمكة، وتكون أنت وزيره في حياته، وخليفته بعد مماته.
قال: فلما سأل أبو بكر الصديق رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن برهانه على النبوة، قال له صلى الله عليه وسلم: الرؤيا التي رأيتها بمكة.
898- وعن عبد الملك بن عمير قال: حدثني كثير بن الصلت قال: دخلت على عثمان بن عفان وهو محصور، فقال لي عثمان رضي الله عنه:
يا كثير بن الصلت ما آراني إلّا مقتولا من يومي هذا، قال قلت: رؤيت لك في هذا اليوم- أو قيل لك فيه- شيء؟ قال: لا، ولكني سهرت في ليلتي هذه الماضية، فلما كان عند السحر أغفيت إغفاءة فرأيت فيما يرى النائم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا عثمان الحقنا، لا تمسكنا، فإنا منتظروك.
قال: فقتل من يومه صلى الله عليه وسلم.
(898) قوله: «وعن عبد الملك بن عمير» : خرجنا حديثه في فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه حيث أعاده المصنف هناك.(3/200)
899- وعن عمر بن عبد العزيز قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: ادن يا عمر، ثم قال: ادن يا عمر، ثم قال: ادن يا عمر، حتى كدت أن أصيبه، ثم قال لي صلى الله عليه وسلم: يا عمر إذا وليت فاعمل في ولايتك نحوا من هذين.
قال: وإذا كهلان قد اكتنفاه، قلت: ومن هذان؟ قال: هذا أبو بكر وهذا عمر.
(899) قوله: «وعن عمر بن عبد العزيز» : هو ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي، أمير المؤمنين في زمانه حقّا، الزاهد العابد صدقا، أبو حفص القرشي، المدني، الخليفة الراشد، صاحب المناقب والفضائل. انظر عنه في:
تاريخ ابن عساكر [45/ 126] ، حلية الأولياء [5/ 253] ، طبقات ابن سعد [5/ 330] ، الوافي بالوفيات [22/ 506] ، سير أعلام النبلاء [5/ 114] ، تاريخ الخلفاء للسيوطي [/ 273] ، تذكرة الحفاظ [1/ 188] ، تهذيب الكمال [21/ 432] ، تهذيب التهذيب [7/ 418] ، التاريخ الكبير [6/ 174] ، النجوم الزاهرة [1/ 246] ، العقد الثمين [6/ 331] ، فوات الوفيات [3/ 133] ، طبقات ابن الجزري [1/ 593] .
قوله: «ادن يا عمر» : أخرجه ابن أبي الدنيا في المنامات برقم 262، ومن طريقه ابن عساكر [45/ 175] ، وأخرج ابن أبي الدنيا أيضا برقم 120، ومن طريقه ابن عساكر [45/ 175] ، من حديث حماد بن زيد، عن أبي هاشم: أن رجلا جاء إلى عمر بن عبد العزيز فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وأبو بكر عن يمينه، وعمر عن شماله، فأقبل رجلان يختصمان وأنت بين يديه جالس فقال لك: يا عمر، إذا عملت فاعمل بعمل كل من أبي بكر وعمر، فاستحلفه عمر بالله أرأيت هذه الرؤيا؟ فحلف، فبكى عمر.(3/201)
900- عن القاسم بن محمد قال: أخذ بيدي سفيان الثوري فمضينا إلى رجل يكنى: أبا همام- من أهل البصرة-، فسأله عن حديث عمر بن عبد العزيز فقال: حدثني رجل من الحي- وذكر من فضله- قال: سألت الله عزّ وجلّ أن يرزقني الحج ثلاث سنين، فأريت النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاني فقال: احضر الموسم العام، فانتبهت، فذكرت أنه ليس عندي ما أحج به، قال: فأتاني في الليلة الثانية فقال لي مثل ذلك، فانتبهت، فقلت مثل ذلك، قال: فأتاني في الليلة الثالثة- قال: وكنت قلت في نفسي: إن هو أتاني قلت: ليس عندي ما أحج به-، قال: فقلت له ذلك فقال لي: انظر في موضع كذا وكذا من دارك فاحتضره فإن فيه درعا لجدك- أو: لأبيك- قال: فصليت الغداة، ثم احتضرت ذلك الموضع، فإذا درع كأنما رفعت عنها الأيدي، قال: فأخرجتها وبعتها بأربعمائة درهم، ثم أتيت المربد فاشتريت بعيرا- أو: ناقة- فتهيأت كما يتهيأ الحاج، فوعدت أصحابا لي، فخرجت معهم حتى شهدت الموسم، ثم أردت الانصراف، فذهبت لأودع أهلي، وقدمت بعيري إلى الأبطح لأصلي للحج الذي نويته، إذ غلبتني عيناي فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: يا هذا، (900) قوله: «عن القاسم بن محمد» : الأسدي، أبو نهيك الضبي، كوفي يعد في شيوخ سفيان الثوري، مذكور في كتب التهذيب للتمييز، تصحف في منامات ابن أبي الدنيا إلى القاسم بن يزيد: قال محققه: هو القاسم بن يزيد الجرمي!!.
تهذيب الكمال [34/ 356] ، تهذيب التهذيب [12/ 284] ، الجرح والتعديل [7/ 119] ، ثقات ابن حبان [5/ 305] ، طبقات ابن سعد [6/ 329 بدون ترجمة] .(3/202)
إن الله عزّ وجلّ قد قبل منك سعيك، ائت عمر بن عبد العزيز وقل له:
إن لك عندنا ثلاثة أسماء: عمر بن عبد العزيز، وأمير المؤمنين، وأبو اليتامى، شدّ يدك بالعرّيف، والمكّاس.
قال: فانتبهت، فأتيت أصحابي فقلت لهم: امضوا على بركة الله، وأخذت برأس بعيري وسألت عن رفقة تخرج إلى الشام فمضيت معهم، حتى انتهيت إلى دمشق، فسألت عن منزله، فأنخت ناقتي على باب الدار وأوصيت بها- وذلك قرب انتصاف النهار- فإذا رجل قاعد على باب الدار فقلت له: يا أبا عبد الله استأذن لي على أمير المؤمنين، فقال لي:
ما أمنعك- أو قال: ما امتنع عليك-، ولكني عالم بما كان من شأنه، من تشاغله بالناس، حتى كان الساعة أنت، فإن صبرت وإلا دخلت.
قال: فلما دخلت على عمر بن عبد العزيز قال لي: من أنت؟
قلت: رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فنظرت إليه فإذا نعلاه في إصبعيه، وإذا هو يستقي ماء، فلما رآني، تنحى فألقى نعليه ثم جلس، فسلّمت وجلست فقال: ممن أنت؟ قلت: رجل من أهل البصرة، فقال: ممن أنت؟ فقلت: من بني فلان، قال: كيف البرّ عندكم؟ كيف الشعير؟ كيف الزيت؟ كيف الزبيب؟ كيف التمر؟ كيف البرني؟ كيف السمن؟ حتى عدّ هذه الأنواع، فلما فرغ من هذا عاد إلى المسألة الأولى ثم قال لي:
ويحك جئت لأمر عظيم؟ قلت: يا أمير المؤمنين ما أتيت إلّا بما رأيت، قوله: «لأصلي للحج الذي نويته» : كذا عندنا، ووقع عند ابن أبي الدنيا: لأصلي في الحجر. فعلى روايتنا كأنه عند ذهابه للموسم ولما يحج بعد، وعلى الثانية كأنه عند انقضاء النسك والعودة، والله أعلم.(3/203)
ثم اقتصصت رؤياي، من لدن رؤياي إلى مجيئي إليه- قال: فكأن ذلك تحقق عنده- فقال: ويحك أقم عندي- أو: البث قليلا، فأواسيك، قلت: لا، قال: فدخل فأخرج صرة فيها أربعون دينارا، وقال: لم يبق من عطائي غير ما ترى وأنا أواسيك منها، قال قلت: لا والله لا آخذ على رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا أبدا.
قال: فكأن ذلك تصدق عنده، فودعته، فقام إليّ واعتنقني، ومشى معي إلى باب الدار، ودمعت عيناه، ورجعت إلى البصرة، فمكثت حولا ثم قيل لي: مات عمر بن عبد العزيز، فخرجت غازيا، فلما كنت في أرض الروم إذا الرجل الذي كان يستأذن لي قد عرفني ولم أعرفه، فسلّم عليّ ثم قال: علمت أن الله عزّ وجلّ قد صدق رؤياك.
قوله: «أن الله قد صدق رؤياك» : زاد ابن أبي الدنيا في المنامات برقم 121: مرض عبد الملك ابنه فكنت أعتنقه أنا وهو من الليل، فكان إذا كانت ساعتي التي أكون عنده يذهب فيصلي، وإذا كانت ساعته ذهبت أنا فنمت وقام يصلي، وعلى الباب دوي، قال: فو الله إني الليلة من الليالي إذ سمعت بكاء شديدا فقلت: يا أمير المؤمنين هل حدث بعبد الملك؟ فجعل لا يكترث ليالي، ثم إنه سري عنه ففتح الباب فقال: أعلمك أن الله تعالى صدق رؤيا البصري، أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي مقالته.
ومن طريق ابن أبي الدنيا أخرجه ابن عساكر في تاريخه [45/ 184- 186] ، وأوردها بطولها ابن الجوزي في سيرته [/ 292] .
وأخرجها أبو نعيم في الحلية [5/ 344] بطولها من وجه آخر عن محمد بن المهاجر بها، ومن هذا الوجه أيضا أخرجها ابن الجوزي في سيرته [/ 191- 292] .(3/204)
901- وعن أبي عبد الله مولى الليثين قال: رأيت كأن النبي صلى الله عليه وسلم قاعد في المسجد والناس حوله، ومالك بن أنس رضي الله عنه قائم بين يديهن وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مسك، فهو يأخذ منه قبضة قبضة فيدفعها إلى مالك رضي الله عنه، ومالك ينثرها على الناس.
قال أبو مصعب: فأوّلت ذلك العلم باتباع السنة.
902- قال خلف: دخلت على مالك رحمه الله فقال لي: انظر ما تحت مصلاي- أو: حصيري-، قال: فنظرت فإذا بكتاب أقرأه فإذا فيه رؤيا ...
(901) قوله: «وعن أبي عبد الله مولى الليثيين» :
أخرج رؤياه ابن أبي الدنيا في المنامات برقم 254، وأبو نعيم في الحلية [6/ 317] .
قوله: «قال أبو مصعب» :
هو مطرف بن عبد الله بن مطرف بن سليمان بن يسار الهلالي، مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ابن أخت مالك بن أنس، وهو راوي الرؤيا عن أبي عبد الله، وأحد مشايخ البخاري في الصحيح. انظر عنه في:
تهذيب الكمال [28/ 70] ، تهذيب التهذيب [10/ 158] ، الكاشف [3/ 133] ، الجمع بين رجال الصحيحين [2/ 503] ، ثقات ابن حبان [9/ 183] ، طبقات ابن سعد [5/ 438] ، التقريب [/ 534] الترجمة رقم 6707.
(902) قوله: «قال خلف» :
هو ابن عمر- أو: عمرو-، أبو الأصبغ، من أصحاب مالك بن أنس، قال عنه أبو حاتم [3/ 372] : صدوق لا بأس به.(3/205)
رآها بعض إخوانه، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام في مسجده وقد اجتمع الناس فقال لهم: إني قد خبأت تحت منبري طيبا- أو: علما- وأمرت مالكا أن يعرفه الناس، فأشرف على الناس وهم يقولون: ومتى ينفذ مالك ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بكى، فقمت عنه.
903- وعن مصعب بن المقدام قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وسفيان الثوري آخذ بيده وهما يطوفان فقال له سفيان: يا رسول الله مات مسعر بن كدام! قال: نعم، واستبشر بموته أهل السماء.
904- وعن الكلبي أنه قال: رأيت في المنام كأن القيامة قد قوله: «رآها بعض إخوانه» :
هو ابن أبي كثير القارىء، ففي ترتيب المدارك للقاضي عياض [1/ 242] :
قال خلف: كنت عند مالك فأتاه ابن أبي كثير قارىء المدينة فناوله رقعة، فنظر فيها، وجعلها تحت مصلاة، فلما قام من عنده ذهبت لأقوم فقال:
اثبت، فناولني رقعة: رأيت الليلة ... وذكره نحوها، وقد أسندها أبو نعيم في الحلية [6/ 316- 317] .
(903) قوله: «وعن مصعب بن المقدام» :
هو الخثعمي مولاهم، أبو عبد الله الكوفي، الحافظ الصدوق، أحد رجال مسلم انظر عنه في:
تهذيب الكمال [28/ 43] ، تهذيب التهذيب [10/ 150] ، الكاشف [3/ 131] ، الجمع بين رجال الصحيحين [2/ 512] ، التقريب [/ 533] الترجمة رقم 6696، تاريخ الخطيب [13/ 110] ، الثقات [9/ 175] .
قوله: «واستبشر بموته أهل السماء» :
أخرجها أبو نعيم في الحلية [7/ 210] .(3/206)
قامت، وكأني عرضت على الله تبارك وتعالى فقال لي: تنسب إليّ ما لا تعلم، وتتكلم فيما لا تعلم؟! ثم أمر بي إلى النار، فمر بي على حلقة رأيت فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، رجل من أمتك أمر به إلى النار فاشفع إلى ربك، قال: كيف أشفع وأنت تنسب إليّ ما لا تعلم؟ فقلت: إني مع ذلك أفسر القرآن، فقال لرجل من جلسائه:
قم إليه فاسأله، قال: فقام إليّ رجل فإذا هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال لي: ما الأيام المعدودات؟ قلت: أيام التشريق، قال: فما الأيام المعلومات؟ قلت: أيام العشر، حتى سألني عن أربع مسائل أو خمس، فأومأ بيده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن أصاب- وعقد ثلاثين-، فشفع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخلّي عني، فجلست مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت:
يا رسول الله إن بني أمية طال ملكهم علينا وهم يظلموننا، فمتى انقضاء ملكهم؟ فقال: إلى عدان أو عدانين أو نصف عدان.
قال: فقلت للكلبي: وما العدان؟ قال: سبع سنين.
(904) قوله: «وعن الكلبي» :
هو محمد بن السائب بن بشر الكلبي، العلامة الإخباري المفسر النسابة:
أبو النضر، ممن أجمع على ترك حديثه، ورمي بالكذب. انظر عنه في:
تهذيب الكمال [25/ 246] ، تهذيب التهذيب [9/ 157] ، الكاشف [3/ 40- 41] ، طبقات ابن سعد [6/ 249] ، التاريخ الكبير [1/ 101] ، الجرح والتعديل [7/ 270] ، المجروحين لابن حبان [2/ 253] ، سير أعلام النبلاء [6/ 248] ، الميزان [5/ 2] ، الوافي بالوفيات [3/ 83] ، طبقات المفسرين [2/ 144] ، وفيات الأعيان [4/ 309] ، العبر [1/ 207] ، التقريب [/ 479] الترجمة رقم 5901، الديوان [2/ 299] ، المغني [2/ 584] .(3/207)
قال: فكان الكلبي بعد ذلك لا ينسب إلى القبائل إلّا المعروفة التي لا شك فيها، ولما انقضى ذلك العدد ذهب ملكهم.
905- عن محمد بن سهل الأسدي قال: حدثني أبو يعقوب بن سليمان الهاشمي قال: حدثني شيخ من موالينا ... قال محمد: ثم رأيت الشيخ فسألته فحدثني به قال: كنت يوما مع قوم، فتذاكرنا أمر علي وطلحة والزبير رضي الله عنهم، فكأني نلت من الزبير رضي الله عنه، فلما كان من الليل أريت في منامي كأني انتهيت إلى صحراء واسعة، فيها خلق كثير عراة، رؤوسهم رؤوس الكلاب، وأجسادهم أجساد الناس، مقطعي الأيدي والأرجل من خلاف، فيهم رجل مقطوع اليدين والرجلين فلم أر منظرا أوحش منه، فامتلأت رعبا وفزعا، فقلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذي يشتمون أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم، فقلت: ما بال هذا من بينهم مقطوع اليدين والرجلين؟ قيل: هذا أغلاهم على شتم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
(905) قوله: «عن محمد بن سهل الأسدي» : هو الذي يقال له: المقعد انظر عنه في:
الجرح والتعديل [7/ 277] ، التاريخ الكبير [1/ 108] ، الثقات لابن حبان [9/ 51] .
قوله: «حدثني أبو يعقوب بن سليمان الهاشمي» : هكذا عندنا في الأصل، وهكذا هو في المنامات لابن أبي الدنيا برقم 173، وفي تاريخ ابن عساكر [18/ 438] : يعقوب بن سليمان الهاشمي! مع أنه من طريق ابن أبي الدنيا!! ولم أقف على ترجمة ليعقوب ولا لأبي يعقوب فيما لدي من المصادر.(3/208)
قال: فبينا أنا كذلك إذ رفع لي باب فدخلته، فإذا درجة فصعدتها إلى موضع واسع، وإذا رجل جالس حواليه جماعة، فقيل لي: هذا النبي صلى الله عليه وسلم، فدنوت منه وأخذت بيده فجذب يده من يدي وغمز عليّ غمزة شديدة، وقال: تعود؟ - فذكرت ما كنت قلت في الزبير- فقلت: لا والله يا رسول الله لا أعود إلى شيء من ذلك؟ قال: فالتفت صلى الله عليه وسلم إلى رجل خلفه فقال: يا زبير قد ذكر أنه لا يعود، فأقله، فقال: قد أقلته يا رسول الله، قال: فأخذت بيده وجعلت أقبلها وأبكي وأضعها على صدري، قال: فانتبهت، وإنه ليخيل إليّ أني أجد بردها في صدري.
906- وعن بعضهم قال: سألت أبا بكر الكتاني، قلت: بلغني أنك كثيرا ما ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم؟ قال: نعم، قلت: رأيت عشرا؟ قال: أكثر، إلى أن بلغ أربعمائة مرة، ثم قال: آخر ما رأيته البارحة، وكان على يمينه شيخ، وعلى يساره شيخ، وقدامه شيخ، ووراءه شاب فقال: سلمت عليه؟ فقلت: لا أعرفه؟ فقال: أبو بكر، ثم أبو حفص، ثم عثمان، ثم علي، قال: فلما قال علي رضي الله عنه أعرضت، فقال: لم أعرضت؟ قلت: جرى في أيامه شيء، قال: فضرب (906) قوله: «سألت أبا بكر الكتاني» : الإمام القدوة، العارف بالله، شيخ الصوفية، محمد بن علي بن جعفر البغدادي، قال الحافظ الذهبي في السير بعد أن امتدحه: يقال: ختم الكتاني في الطواف اثنتي عشر ألف ختمة، وكان من الأولياء.
سير أعلام النبلاء [14/ 533] ، حلية الأولياء [10/ 357] ، تاريخ بغداد [3/ 74] ، الرسالة القشيرية [انظر الفهرس] ، طبقات الصوفية [/ 373] ، صفة الصفوة [2/ 257] ، الوافي بالوفيات [4/ 111] ، طبقات الأولياء [/ 144] ، النجوم الزاهرة [3/ 248] ، العبر [2/ 194] .(3/209)
رسول الله صلى الله عليه وسلم صدري وكنت نائما في المسجد، فانتبهت وأنا على الصفا.
907- وعن محمد بن المنكدر قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقول في رجلين من أهل المدينة: عليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، قال: قلت: ما ذنبهما يا رسول الله؟ قال: يأكلان لحوم الناس ويغتابانهم.
قال محمد: إني لأعرفهما، فلئن مرضا لا أعودهما، ولئن ماتا لا أشهدهما.
908 وعن سفيان بن عيينة قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت:
يا رسول الله قد اختلفت عليّ القرآآت، فعلى قراءة من تأمرني أن اقرأ؟
فقال صلى الله عليه وسلم: اقرأ على قراءة أبي عمرو بن العلاء.
(907) قوله: «وعن محمد بن المنكدر» : أخرج رؤياه ابن أبي الدنيا في المنامات برقم 211.
(908) قوله: «وعن سفيان بن عيينة» : أسند الرؤيا: ابن مجاهد في كتابه السبعة [/ 81] .
قوله: «اقرأ على قراءة أبي عمرو بن العلاء» : المازني، مقرىء أهل البصرة، الحافظ المحوّر، الأكثر على أن اسمه زبان، ويقال: اسمه كنيته، قرأ على سعيد بن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس، ومجاهد ابن جبر، وكان إماما، انتهت إليه رئاسة الإقراء بالبصرة.
انظر عنه في:
تهذيب الكمال [34/ 120] ، تهذيب التهذيب [12/ 197] ، السبعة لابن مجاهد [/ 79] ، معرفة القراء الكبار [1/ 100] ، غاية النهاية [1/ 288] ، -(3/210)
909- وعن محمد بن الصباح، عن أبي نعيم الخراساني قال:
قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في المنام قراءة أبي عمرو بن العلاء، - وفيات الأعيان [3/ 466] ، سير أعلام النبلاء [6/ 407] ، فوات الوفيات [1/ 331] ، تهذيب الأسماء واللغات [1/ 262] ، مرآة الجنان [1/ 325] ، البداية والنهاية [10/ 113] ، النجوم الزاهرة [2/ 22] ، بغية الوعاة [2/ 231] ، التاريخ الكبير [9/ 55] ، المعرفة والتاريخ [2/ 125] ، التقريب [/ 660] الترجمة رقم 8271.
(909) قوله: «وعن محمد بن الصباح» : الدولابي، الحافظ أبو جعفر البغدادي من شيوخ مسلم في الصحيح، وروى عنه البخاري خارجه، وثقه الجمهور.
انظر عنه في:
تهذيب الكمال [25/ 388] ، تهذيب التهذيب [9/ 203] ، الكاشف [3/ 48] ، التقريب [/ 484] الترجمة رقم 5966، سير أعلام النبلاء [10/ 670] ، تاريخ بغداد [5/ 365] ، كنى الدولابي [1/ 134] ، طبقات ابن سعد [7/ 342] ، ثقات ابن حبان [9/ 78] ، الجمع بين رجال الصحيحين [2/ 440] .
قوله: «عن أبي نعيم الخراساني» : هو الإمام المقريء شجاع بن أبي نصر البلخي، الحافظ المجود، العابد الزاهد: أبو نعيم الخراساني، من شيوخ أبي عبيد القاسم بن سلام في القراءة، سئل عنه الإمام أحمد فقال: بخ بخ، وأين مثله اليوم؟.
انظر عنه في:
تهذيب الكمال [12/ 381] ، تهذيب التهذيب [4/ 275] ، ذيل الكاشف [/ 134] ، الترجمة رقم 631، التقريب [/ 264] الترجمة رقم 2749، غاية النهاية [1/ 324] ، معرفة القراء الكبار [1/ 162] .(3/211)
فما غيّر عليّ إلّا حرفا واحدا، قرأت: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ ننساها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أَوْ نُنْسِها.
910- روي عن ابن مجاهد رضي الله عنه قال: جاءني رجل من القراء وقال: أحب أن تذهب بي....
قوله: «فما غير عليّ إلّا حرفا» : قال تلميذه أبو عبيد القاسم بن سلام عنه: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فعرضت عليه أشياء من قراءة أبي عمرو فما ردّ عليّ إلّا حرفين، قال أبو بكر بن مجاهد: والحرفان: وَأَرِنا مَناسِكَنا الاية ساكنة الراء، وقوله: أو ننسأها مهموزة، أخرجها ابن مجاهد في السبعة [/ 81- 82] .
(910) قوله: «روي عن ابن مجاهد» : هو الإمام شيخ المقرئين، المحدث، أمير النحويين، صاحب كتاب السبعة في القراآت أبو بكر: أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد، البغدادي، من تلاميذ المقرىء الكبير: قنبل، وممن انتهى إليه أمر هذا الشأن في زمانه فتصدر له مدة. انظر عنه في:
سير أعلام النبلاء [15/ 272] ، معرفة القراء الكبار [1/ 216] ، طبقات السبكي [3/ 57] ، النجوم الزاهرة [3/ 258] ، الوافي بالوفيات [8/ 200] ، تاريخ بغداد [5/ 144] ، مرآة الجنان [2/ 288] ، البداية والنهاية [11/ 185] ، غاية النهاية [1/ 139] ، معجم الأدباء [5/ 65] ، العبر [2/ 201] ، المنتظم لابن الجوزي [13/ 357] .
قوله: «أحب أن تذهب بي» : وذلك أن ابن مجاهد كان يأتي علي بن عيسى كل جمعة يقرأ عليه القرآن، وكان علي بن عيسى يجلسه على مرتبته ويجله، وكان إذا أتاه ابن مجاهد يأمر الحاجب ألا يدخل أحدا مجلسه.(3/212)
إلى علي بن عيسى، قلت: إيش الحاجة؟ قال: لي إليه حاجة، قلت:
لا بد منها؟ قال: لا، وقلت: ربما يسألني لأكفيه شيئا من هذا، فقال:
اعلم أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وقلت: يا رسول الله رق حالي ولي صبيان، فقال: اذهب إلى علي بن عيسى، وقل له بالعلامة التي قوله: «إلى علي بن عيسى» : وزير المقتدر والقاهر، الإمام العادل، والمحدث الصادق، علي بن عيسى بن داود بن الجراح، الأمير العفيف، الزاهد العلامة، القارىء العابد: أبو الحسن البغدادي، الكاتب، قال عنه الحافظ الذهبي في السير وغيرها: كان عديم النظير في فنه، وكان على الحقيقة غنيا شاكرا، ينطوي على دين متين وعلم وفضل، صبورا على المحن، ولله به عناية، فكان كثير الصدقات والصلوات، مجلسه موفور بالعلماء، صنف كتابا في الدعاء، وكتاب معاني القرآن أعانه عليه ابن مجاهد المقرىء وآخر، قال: وكان من بلغاء زمانه، وزر في سنة إحدى وثلاث مائة أربعة أعوام، وعزل، ثم وزر سنة خمس عشرة، قال الصولي: لا أعلم أنه وزر لبني العباس مثله في عقله وزهده وحفظه للقرآن وعلمه بمعانيه، كان يصوم نهاره ويقوم ليله. اه باختصار. انظر عنه في:
تاريخ ابن عساكر [43/ 120] ، سير أعلام النبلاء [15/ 298] ، المنتظم لابن الجوزي [14/ 56] ، تاريخ بغداد [12/ 14] ، معجم الأدباء [14/ 68] ، العبر [2/ 238] ، مرآة الجنان [2/ 316] ، النجوم الزاهرة [3/ 288] .
قوله: «رق حالي ولي صبيان» : أخرج القصة باختلاف يسير الحافظ السخاوي في القول البديع [/ 161] .
وانظر ما له من المرائي ونحو ذلك في المواضع المشار إليها، ومظان ترجمته.(3/213)
كنت تصلي عليّ كل ليلة جمعة ألف مرة، فهذه الجمعة دعاك فلان الخادم وكان بقي عليك ثلثمائة، فلما رجعت تممتها.
قال ابن مجاهد: قلت: أنا لا أقول من ذا شيئا، ولكن تجيء معي وأنصت.
قال: فجاء، ودخلت عليه وقلت: هذا رجل مستور وله حاجة، فقال له علي بن عيسى: إيش الحاجة؟ قال: فذكر القصة، فقال: صدق، وبكى، وكتب رقعة بألف دينار إلى ولده في الديوان: أن تخرج إليه من مال خاصتي دون مال السلطان، فقال ابن مجاهد لما تحقق الأمر:
قلت: ناولني الرقعة لأذهب معه، فجاء إلى ابنه فقال: أدفع إليه ألف درهم وأعرض الرقعة، فإن قال: هو دينار تممت، وأبى أن يعطي ألف دينار، وردّ الرقعة، فلما رد الرقعة وردنا إلى علي بن عيسى وأخبرناه بالقصة فجعل الألف ألفين، وردنا، فجئنا إلى ابنه فقال: ما غيّر الدينار ولكن زادكم ألفا، كأنه استحيا منكم، ولا أدفع إلّا أن يكون خطأ ثالثا، فردنا إليه، فمزق تلك الرقعة وكتب: إذا أتاك برقعتي فادفع إليه ثلاثة آلاف دينار وإلا زدنا.
قال: فلما رأى ذلك علم أنه صحيح، فدخل ووزن.
فقال ابن مجاهد: قلت: لم يرض رسول الله صلى الله عليه وسلم دون ثلاثة آلاف دينار.
911- ورأى رجل النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فشكا إليه حاله، (911) قوله: «ورأى رجل النبي صلى الله عليه وسلم» : انظر نحو ذلك في مظان ترجمته المشار إليها.(3/214)
فقال: اذهب إلى علي بن عيسى وقل له: ليدفع إليك ما يصلح به أمرك، فقال: يا رسول الله، بأي علامة؟ قال صلى الله عليه وسلم: قل: رأيتني على البطحاء، وكنت على نشز من الأرض فنزلت وجئتني، فقلت: ارجع إلى مكانك.
- قال: وكان علي بن عيسى عزل عن الوزارة، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال صلى الله عليه وسلم: ارجع إلى مكانك فرد إليه الوزارة]-.
قال: فجاء الرجل مجلسه، وذكر قصته، فقال: صدقت، ودفع إليه أربعمائة دينار لدين كان عليه ليقضية، وأربعمائة أخرى وقال: اجعل هذا رأس مالك، فإذا فني فارجع إليّ.
912- وسمع بعض أصحاب ابن العميد بالري يقول: كأن ليلة من الليالي رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وكان بدينور فقال: لا يكون بينك وبين ابني عمل، قال: ففزعت، وطلبت الجيش، وجلس القاضي، وكتبت إلى العمال فلم أجد لذلك خبرا، وكنت على بال حتى ورد كتاب (912) قوله: «ابن العميد» : الوزير الكبير لركن الدولة الاتي: محمد بن الحسين بن محمد الكاتب، قال الذهبي: كان لسان البلغاء، عجبا في الترسل والإنشاء والبلاغة يضرب به المثل.
سير أعلام النبلاء [16/ 137] ، الوافي بالوفيات [2/ 381] ، النجوم الزاهرة [4/ 60] ، وفيات الأعيان [5/ 103] ، الإمتاع والمؤانسة [1/ 66] ، يتيمة الدهر [3/ 154] ، العبر [2/ 317] .
قوله: «حتى ورد كتاب من ابن بويه» : هو السلطان ركن الدولة، أبو علي: الحسن بن بويه الديلمي، صاحب-(3/215)
من ابن بويه بأنا نريد أن نخلع المطيع ونقيم غيره مقامه، فقلت:
هذا هو الأمر، فكتبت: إن هذا أمر عظيم لا يجيء بالكتاب، انتظروا حتى أقدم عليكم، حتى أمسكوا عن ذلك.
قال: فكأنه صلى الله عليه وسلم سمّاه ولدا لنفسه.
قال: وكنت ليلة أخرى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال لي:
قم صل، فنمت فرأيته ثانيا، فقلت: ليس هذا من عمل الشيطان، يوقظني؟! قال: فرأيته ثالثا فقال صلى الله عليه وسلم: قم فصل، قال: ففزعت وقمت، وتطهرت، قال: فلما أصبحنا جاء رجل- وهو المؤذن- ودخل الدار وجاء إليّ فقلت: ويحك! من أذن لك؟ لم دخلت؟
قال: أنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك، ومنذ ثلاث ليال هوذا صلى الله عليه وسلم أراه يقول لي: اذهب إليه وقل له: صل، فقلت: يا رسول الله لا أحسن أن أدخل عليه، قال: ادخل وقل له، قال فقلت: سمعا وطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
913- سمعت الثقة، قال: أخبرنا أبو عبد الله: الحسين بن محمد المعروف بالشراك- رجل من أهل عكة معروف بالزهد- قال: كنت بالكوفة في جوار رجل رقي دقاق يعرف بأبي الحسن: علي بن إبراهيم بن عثمان الرقي رضي الله عنه، وكان له مال كثير، فورد عليه ذات يوم فقير من فقراء- أصبهان وبلاد العجم، كان ملكا سعيدا، قسم ممالكه على أولاده، توفي بالقولنج سنة ست وستين وثلاث مائة.
سير أعلام النبلاء [16/ 203] ، المنتظم لابن الجوزي [14/ 249] ، وفيات الأعيان [2/ 118] ، الوافي بالوفيات [11/ 411] ، مرآة الجنان [3/ 93] ، البداية والنهاية [11/ 288] ، النجوم الزاهرة [4/ 127] .(3/216)
أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولد الحسين بن علي عليه السّلام، فقال له:
أيها الشيخ أعطني مائة منّا دقيق، فقال له: أين الثمن؟ قال: ما معي شيء، ولكن اكتب على جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدفع إليه ما طلب منه، وكتب على رسول الله صلى الله عليه وسلم الثمن، ثم سمع به العلويون، فكان يرد عليه الحسنيون والحسينيون ويسألونه فيعطيهم ويقولون له: اكتب على جدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل يكتب إلى أن افتقر الرجل، ولم يبق عنده شيء، فأقام أياما، ثم دخل على السيد عمر بن يحيى العلوي رضي الله عنه ومعه الخط، فشكا إليه فقره، وأراه الخط، فلما جن عليه الليل رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه ومعه أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا الحسن أتعرفني؟ قال: نعم، أنت محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لم شكوتني وأنت معاملي؟ قال: يا رسول الله افتقرت.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنت عاملتني للدنيا وفيتك، وإن كنت عاملتني للاخرة فاصبر، فإني نعم الغريم.
فجزع الرجل جزعا شديدا وانتبه من نومه وهو يبكي، فخرج سائحا في الجبال والبراري، فلما كان بعض الأيام وجدوه ميتا في كهف جبل فحملوه ودفنوه.
قال: وفي تلك الليلة رآه سبعة نفر من صالحي أهل الكوفة في نومهم وعليه حلل من استبرق، وهو يمشي في رياض الجنة، فقالوا له:
أبو الحسن؟ قال: أبو الحسن، قالوا: كيف وصلت إلى هذه النعمة؟
قال: من عامل محمّدا صلى الله عليه وسلم وصل إلى ما وصلت إليه، ألا إني رفيق رسول الله صلى الله عليه وسلم، بصبري رزقت، والحمد لله.(3/217)
914- سمعت أبا الحسين الإمام رضي الله عنه بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
كنت عند أبي مروان القاضي رحمه الله بالمدينة، فدخل طاهر العلوي رحمه الله فسلم على الصوفيين الذين بين يدي أبي مروان، وأقبل عليه فقال له أبو مروان: إيش بينك وبين الصوفية؟ دعهم معنا، قال: إن لي معهم قصة، كنت نائما بالعقيق، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام كأنه يقول لي: أطعم الرجل الذي عندي سكباجة، فانتبهت وفكرت وكان الليل، ثم نمت ثانيا فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال: اذهب وأطعم الرجل سكباجة، فأسرجت لي الدابة، وجئت إلى المدينة في الليل، فدرت حول القبر فلم أجد أحدا إلّا رجلا متصوفا وضع رأسه بين ركبتيه فقلت: السلام عليك، فأجاب فقلت: تجيء معي إلى العقيق؟
قال: نعم، فجاء، وكان انفجر الصبح، فصلينا ودخلنا الباب، فقلت للجارية: أصلحي لنا شيئا، وقدمي، فاتفق أنه كان عندنا سكباجة فقدمت الجارية ذلك ووضعت، فأمسك الرجل وقال: إيش هذا؟ أخبرني، فقلت: القصة كيت وكيت، فحلف ألا يأكل السكباجة عمره، وقال:
كنت أؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم في السر، ولم أعلم!
915- وذكر أبو الحارث الأولاسي قال: (914) قوله: «أبا الحسين الإمام» :
هو إمام مسجد الرسول الله صلى الله عليه وسلم وشيخ المصنف، تقدم.
(915) قوله: «أبو الحارث الأولاسي» :
اسمه الفيض بن الخضر، الصوفي الجليل، صاحب الكرامات: أبو الحارث التميمي، الطرسوسي، وأولاس قال الحافظ السمعاني: بلدة على ساحل بحر الشام، قال: ومنها: أبو الحارث الأولاسي، كان من المشايخ الكبار، -(3/218)
رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فبادرت إليه فأعرض عني بوجهه، فجعلت أبكي وأقول: بأبي وأمي قد علمت مم إعراضك عني، وقد كنت فهمت منك ما أمرتني به، ولكني أخاف أن أكون قد حرمت التوفيق فمنعت العون على نفسي وهواي، فالتفت إلي وقال: والذي بعثني بالحق لو كان ثمة رغبة أو رهبة لساعدك بالتوفيق، ولجاءتك المعونة، ولكن لا رغبة تحركك، ولا رهبة بقلبك فتهرب، وأنت بين الامال الكاذبة، وأماني الغرور، متردد حيران، أطلت الأمل، وسوّفت العمل، قلت: بأبي وأمي الان أوصني، وسل الله أن يوفقني فقال: أمسك عليك لسانك، فإن لك في الصمت نجاة من أهل زمانك، وعليك بالورع في مطعمك ومشربك وملبسك وسائر حركاتك، واستعن على ذلك بالقلة، ووار شخصك عن الناس، وكن حلسا من أحلاس بيتك، فقد أصبح وأمسى كثير من الناس في أمر مريج، فإنك إن تتبع أهواءهم وتسلك مسالكهم وتلتمس رضاهم وتحذر سخطهم يضلك عن سبيل الله، وذلك هو الخسران- له كرامات، وعجائب.
قلت: هو من شرط الحافظ الذهبي في السير، لم يذكره، فكأنه ذهل عنه.
الأنساب [1/ 229] ، سير السلف لأبي القاسم الأصبهاني [4/ 1342] ، تاريخ ابن عساكر [49/ 24] ، المنتظم [13/ 98] ، الكامل في التاريخ [8/ 59] ، الرسالة القشيرية [2/ 682] ، طبقات الأولياء لابن الملقن [/ 24/ 302] .
قوله: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام» :
أخرج الرؤيا الحافظ ابن عساكر في تاريخه [49/ 27] إلى قوله: الخسران المبين(3/219)
المبين، صن مواهب الله وحكمته وعلمه وبيانه عن المتلذذين الحيارى، ولتكتم المصائب بجهدك، وإياك وذم طعام وشراب، واحذر الشكوى عند النوازل كلها، فإن زللت فبادر بالتوبة والاستغفار، وإياك والإصرار، قلت: بأبي وأمي زدني، قال: نعم، ثم تنفس صلى الله عليه وسلم وقال: كن في الدنيا كأنك غريب في أرض مفازة، محزونا مهموما قد أشرف على التلف، وأحاطت به المخاوف من كل جانب فهو لا يهدأ من الدعاء ولا يمل البكاء، واحذر طول الأمل فإنه مستراح نفسك، وسلاح عدوك، ومتى أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، ومتى أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، فبه تهزم عدوك، وتوهن كيد نفسك وغلبة هواك، فهذه حجة الله عليك، وأنا لك نذير.
916- ويقال: كان نصر بن أحمد صاحب خراسان رحمه الله استعمل رجلا على بلخ، وجعل الحجبة إلى الطغناج، وكان يوما من الأيام نام نصر وقت الظهيرة، وجلس صاحبه طغناج في موضع رسمه، فجاءت امرأة علوية متظلمة، وقالت: جئت من بلخ متظلمة من عاملها، أخبر الأمير بذلك، فقال الحاجب: ليس هذا وقت الدخول عليه، قال: ثم تفكّر وقال: ولد من أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف أرده، فدخل فوجده نائما، وعند رأسه سيف مسلول، فقال: لا يمكنني أن أنبهه، فرجع، ثم قال لنفسه: ولد من أولاد الرسول، كيف أرده؟ فرجع ثانيا- مرارا كان يرجع إلى رأسه ثم يبدو له فينصرف- فحسّ الأمير بذلك، وفزع- أن جاء ليكيد به كيدا- فقام وأخذ السيف وقال:
ما حملك على هذا؟ فقص عليه القصة، قال: أدخلها، فدخلت المرأة ومعها قصة، فشكت من والي بلخ، فأمر لها بعشرة آلاف درهم، وبغلة(3/220)
بالاتها، وثلاثة تخوت ثياب، وكتب لها كتابا إلى والي بلخ عما التمست، فرجعت المرأة.
قال: ونام نصر فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام كأنه يقول له: حفظ الله حرمتك كما حفظت حرمتي، فانتبه، ودعا الحاجب، وقال: اعلم أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام- وقص عليه القصة- فأحضر الفقهاء وأعلمهم بما رأيت، فأشاروا إليه أن يكتب إلى سائر البلدان بالإحسان إلى آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتب بذلك.
917- وقال أبو الوفاء القاري، الهروي: رأيت المصطفى صلى الله عليه وسلم في المنام بفرغانة باشحكث سنة ستين وثلاثمائة، وكنت أقرأ للسلطان بها، وكانوا يتحدثون فلا يستمعون، فانصرفت إلى المنزل مغتما، فنمت، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فكأنه تغير لونه فقال لي صلى الله عليه وسلم: أتقرأ كلام رب العزة بين يدي قوم وهم يتحدثون ولا يسمعون كلام رب العزة، مر، إنك لا تقرأ بعد ذلك إلّا ما شاء الله، قال: فانتبهت وأنا ممسك اللسان أربعة أشهر، فكلما كانت لي حاجة أكتبها على الرقاع، فحضرني أصحاب الحديث وأصحاب الرأي فأفتوا أن آخر الأمر أتكلم، لقوله صلى الله عليه وسلم:
إلّا ما شاء الله وهو استثناء.
قال: فنمت تسعة أشهر على الموضع الذي كنت أولا، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيء ووجهه يتهلل فقال: قد تبت، ومن تاب تاب الله عليه، أخرج لسانك، فمسح بسبابته، فقال: مر، إن كنت بين يدي قوم قوله: «تخوت ثياب» :
التخوت: الوعاء الذي يحفظ فيه الثياب.(3/221)
وأنت تقرأ كلام رب العزة وهم يتحدثون ولا يستمعون كلام رب العزة فاقطع قراءتك حتى يستمعوا كلام رب العزة.
قال: فانتبهت وقد انفتح لساني بحمد الله ومنه.
918- وعن جعفر بن سليمان قال: سمعت شيخا من أهل صنعاء- وكان جليسا لوهب بن منبه رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت: يا رسول الله، أين بدلاء أمتك؟ قال: فأومأ بيده صلى الله عليه وسلم نحو الشام، (918) قوله: «وعن جعفر بن سليمان» :
الضبعي الحافظ الصدوق الزاهد: أبو سليمان البصري، أحد الشيعة، حديثه عند الجماعة سوى البخاري، انظر عنه في:
سير أعلام النبلاء [8/ 176] ، تذكرة الحفاظ [1/ 241] ، طبقات ابن سعد [7/ 288] ، تاريخ يحيى برواية الدوري [2/ 86] ، تهذيب الكمال [5/ 43] ، تهذيب التهذيب [2/ 81] ، الكاشف [1/ 129] ، إكمال مغلطاي [3/ 218] ، التقريب [/ 140] الترجمة رقم 942.
قوله: «فأومأ بيده صلى الله عليه وسلم نحو الشام» :
شاهده من المرفوع: ما أخرجه الإمام أحمد في المسند [1/ 112] ، من طريق ابن عساكر في تاريخه [1/ 289] ، من حديث شريح بن عبيد قال:
ذكر أهل الشام عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو بالعراق فقالوا: العنهم يا أمير المؤمنين، قال: لا، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الأبدال يكونون بالشام- وهم أربعون رجلا-، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا، فيسقي بهم الغيث، وينتصر بهم على الأعداء، ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد [10/ 62] : رجاله رجال الصحيح، وقد سمع شريح من المقداد وهو أقدم من علي بن أبي طالب. اه. -(3/222)
فقلت: أما بالعراق منهم أحد؟ قال: نعم، محمد بن واسع، وحسان بن أبي سنان، ومالك بن دينار يمشي في الناس بزهد أبي ذر.
- وله شاهد من حديث عبادة بن الصامت عند الإمام [5/ 322] قال الهيثمي:
رجاله رجال الصحيح غير عبد الواحد بن قيس، وثقه أبو زرعة والعجلي، وضعفه غيرهما.
قوله: «محمد بن واسع» :
هو ابن جابر بن الأخنس، أبو بكر- أو: أبو عبد الله- الأزدي، البصري، أحد الأئمة العباد، قال عنه الحافظ الذهبي في السير: الإمام الرباني، القدوة، أحد الأعلام، كان قليل الرواية، روى المعتمر عن أبيه قال: ما رأيت أحدا قط أخشع من محمد بن واسع، وقال ابن شوذب: لم يكن لمحمد بن واسع عبادة ظاهرة، وكانت الفتيا لغيره، فإذا قيل: من أفضل أهل البصرة؟ قيل: محمد بن واسع، انظر عنه في:
سير أعلام النبلاء [6/ 119] ، الوافي بالوفيات [5/ 272] ، حلية الأولياء [2/ 345] ، طبقات ابن سعد [7/ 10] ، صفة الصفوة [3/ 190] ، المعرفة والتاريخ [2/ 44] ، التاريخ الكبير [1/ 255] ، تهذيب الكمال [26/ 576] ، تهذيب التهذيب [9/ 441] ، الكاشف [3/ 92] ، الثقات لابن حبان [7/ 366] ، التقريب [/ 511] الترجمة رقم 6368.
قوله: «وحسان بن أبي سنان» :
البصري، يعد من التابعين، من زهاد البصرة وعبادهم، وهو من شرط الحافظ الذهبي في السير لكنه أغفله، فكأنه ذهل عنه، قال أبو نعيم: شغلته العبادة عن الرواية، انظر عنه في:
حلية الأولياء [3/ 114] ، تاريخ واسط [/ 202] ، معارف ابن قتيبة [/ 420] ، البداية والنهاية [10/ 181] ، سير السلف لأبي القاسم الأصبهاني [3/ 745] ، التاريخ الكبير [3/ 35] ، تاريخ الإسلام [وفيات سنة-(3/223)
919- وقال أبو أسامة رحمه الله: - 130- ص 74] ، تهذيب الكمال [6/ 26] ، تهذيب التهذيب [2/ 218] ، ذيل الكاشف [/ 74] ، إكمال مغلطاي [4/ 62] ، ثقات ابن حبان [6/ 225] ، التقريب [/ 158] الترجمة رقم 1200.
قوله: «ومالك بن دينار» :
قال عنه الحافظ الذهبي: علم علماء الأبرار، الزاهد الإمام، أحد الأعلام معدود في ثقات التابعين، من أعيان كتبة المصاحف، كان من ذلك بلغته، وليس هو من أعيان الرواية. انظر عنه في:
حلية الأولياء [2/ 375] ، طبقات ابن سعد [7/ 243] ، صفة الصفوة [3/ 197] ، وفيات الأعيان [4/ 139] ، سير أعلام النبلاء [5/ 362] ، تهذيب الكمال [27/ 135] ، تهذيب التهذيب [10/ 13] ، الكاشف [3/ 100] ، التاريخ الكبير [7/ 309] ، تهذيب الأسماء [2/ 80] ، الثقات لابن حبان [5/ 483] .
قوله: «يمشي في الناس بزهد أبي ذر» :
أخرجه أبو نعيم في الحلية [3/ 114] بإسناده إلى سليمان الشاذكوني، ثنا جعفر ابن سليمان به.
ومن طريق أبي نعيم أخرجه المزي في تهذيبه [6/ 28] .
وأخرجه ابن أبي الدنيا في المنامات برقم 134: حدثنا هارون بن عبد الله، ثنا جعفر بن عون به.
(919) قوله: «وقال أبو أسامة» :
هو الإمام الحافظ الثبت: حماد بن أسامة، من رجال الكتب الستة.
انظر عنه في:
تهذيب الكمال [7/ 217] ، تهذيب التهذيب [3/ 3] ، سير أعلام النبلاء [9/ 277] ، الكاشف [1/ 186] ، التقريب [/ 177] الترجمة رقم 1487، -(3/224)
سمعت الفضيل يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وإلى جنبه فرجة، فذهبت لأجلس فقال: هذا موضع أبي إسحاق الفزاري رحمه الله تعالى.
920- وقال أبو أيوب الضرير: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فوضع شفته على شفتي، وعلمني هذا الدعاء: اللهمّ اجعلني مكثرا لذكرك، مؤديا لحقك، حافظا لأمرك، راجيا لوعدك، خائفا لوعيدك، راضيا في كل حالاتي عنك، راغبا في كل أموري إليك، مؤملا لفضلك شاكرا.
- تذكرة الحفاظ [1/ 321] ، طبقات ابن سعد [6/ 394] ، التاريخ الكبير [3/ 28] ، الجرح والتعديل [3/ 132] .
قوله: «سمعت الفضيل» :
هو ابن عياض، الإمام شيخ الإسلام، القدوة الثبت الورع: أبو علي التميمي، الخراساني، المجاور بحرم الله، صاحب المناقب. انظر عنه في:
حلية الأولياء [8/ 84] ، تاريخ ابن عساكر [48/ 375] ، وفيات الأعيان [4/ 74] ، تذكرة الحفاظ [1/ 245] ، تهذيب الكمال [23/ 281] ، سير أعلام النبلاء [8/ 421] ، طبقات الصوفية [6/ 14] ، البصائر والذخائر [4/ 188] ، تهذيب التهذيب [8/ 264] ، الكاشف [2/ 331] ، التاريخ الكبير [7/ 123] ، النجوم الزاهرة [2/ 121] ، صفة الصفوة [2/ 134] ، العبر [1/ 298] .
قوله: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم» :
أخرج الرؤيا ابن عساكر في تاريخه [7/ 133] ، وأبو نعيم في الحلية [8/ 254] ، ومن طريقه أيضا ابن عساكر [7/ 133] ، كلاهما من طرق عن أبي أسامة بها.
(920) قوله: «وقال أبو أيوب الضرير» :
لم أعرفه.(3/225)
921- وبلغنا أن الحسن البصري رضي الله عنه رأى في منامه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله عظني، قال: من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان غده شرّا من يومه فهو ملعون، ومن لم يتعهد النقصان في نفسه فهو في النقصان، ومن كان في النقصان فالموت خير له.
922- وعن أبي جعفر الصيدلاني قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم وحوله جماعة من الفقراء، فمنهم من أعرفه، ومنهم من لا أعرفه، واستحسنت نور رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أولئك الفقراء، فبينا أنا كذلك إذا انشقت السماء، ونزل منها ملكان، أحدهما بيده طست، والاخر بيده إبريق، فوضع الطست بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسل يده صلى الله عليه وسلم.
(921) قوله: «وبلغنا أن الحسن البصري» :
اختلفت الروايات في صاحب هذه الرؤيا، نسبها المصنف هنا للحسن البصري، وأخرجها ابن أبي الدنيا في المنامات برقم: 243 من طريق سهل ابن عاصم، عن الحسين بن موسى الخراساني، عن شيخ من بني سليم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ... فذكر الرؤيا.
وأخرجها البيهقي في الزهد له برقم: 987 فجعلها لعبد العزيز بن أبي روّاد.
وقد رويت بإسناد ضعيف عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأخرج الديلمي في مسند الفردوس [3/ 611] رقم 5910 من طريق محمد بن سوقة، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه به مرفوعا.
(922) قوله: «وعن أبي جعفر الصيدلاني» :
من رجال الرسالة القشيرية أهل الزهد والعبادة، ذكر رؤياه أبو القاسم في الرسالة [1/ 408] ، والغزالي في الإحياء [4/ 491- 492] ، وقد خرجنا الحديث الذي تضمنته الرؤيا في مقدمة الكتاب وهو في الصحيحين.(3/226)
قال: ثم لم يزالا يغسلان يد كل واحد من القوم حتى وصلا إليّ، فوضعا الطست بين يدي، فقال أحدهما للاخر: لا تصب على يده، ليس هو منهم، فقلت: يا رسول الله أليس قد روي عنك أنك قلت: المرء مع من أحب؟ قال: بلى، فقلت: يا رسول الله فإني أحبك، وأحب هؤلاء الفقراء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صبوا على يده، فإنه منهم.
923- وروي عن بعض أهل بغداد قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام مشمرا عن ساقه فقلت: ما لك يا رسول الله؟ قال: مات الخليفة، قال: فدخلت بغداد من غده وسألت الناس عن الخليفة، فقالوا: هو في الأحياء.
(923) قوله: «مات الجنيد» :
قال الحفاظ الذهبي: هو شيخ العارفين، وقدوة السائرين، وعلم الأولياء في زمانه، أبو القاسم: الجنيد بن محمد بن الجنيد النهاوندي، البغدادي، سمع من الحسن بن عرفة، وتفقه بأبي ثور، وأتقن العلم، كان ورده كل يوم ثلاثمائة ركعة، وكذا وكذا ألف تسبيحة. انظر عنه في:
حلية الأولياء [10/ 255] ، تاريخ بغداد [7/ 241] ، سير أعلام النبلاء [14/ 66] ، طبقات الصوفية للسلمي [/ 155] ، المنتظم لابن الجوزي [13/ 118] ، طبقات السبكي [2/ 28] ، الطبقات الكبرى للشعراني [1/ 98] ، وفيات الأعيان [1/ 373] ، طبقات الإسنوي [1/ 334] ، طبقات ابن الملقن [/ 126] ، صفة الصفوة [2/ 416] ، مرآة الجنان [2/ 231] ، البداية والنهاية [11/ 113] ، النجوم الزاهرة [3/ 168] ، نتائج الأفكار القدسية [1/ 129] ، الكواكب الدرية [1/ 22] ، تاريخ الإسلام [وفيات سنة 298- ص- 118] ، طبقات الحنابلة [1/ 127] .(3/227)
قال: وما كنت أترك البحث عن حديث الخليفة حتى قال لي بعض المشايخ: مات الجنيد.
قال: وهو في الحقيقة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
924- حكي عن أبي الفضل البلعمي أنه قال: دخل محمد بن نصر (924) قوله: «عن أبي الفضل البلعمي» : ذكره الحافظ الذهبي في السير فقال: الوزير الكامل، الإمام الفقيه:
أبو الفضل: محمد بن عبيد الله بن محمد بن رجاء التميمي، البلعمي، البخاري، من رجال العلم، لازم الفقيه محمد بن نصر مدة فأكثر عنه، وكان على مذهبه، وبرع في الترسل، وفاق أهل زمانه، ونال من التقدم والرئاسة أعلى الرتب، فوزر لصاحب ما وراء النهر إسماعيل بن أحمد (الاتي) ، وكان جد الوزير استولى على بلد بلعم- وهي من بلاد الروم-، له كتاب تلقيح البلاغة، والمقالات، وغير ذلك، مات في صفر سنة تسع وعشرين وثلاث مائة.
سير أعلام النبلاء [15/ 292] ، الوافي بالوفيات [4/ 5] ، الكامل في التاريخ [8/ 378] ، الإكمال لابن ماكولا [7/ 278] ، العبر [2/ 218] ، تاريخ الإسلام [وفيات سنة 329- ص 272] ، الأنساب [2/ 291] ، شذرات الذهب [3/ 24] .
قوله: «دخل محمد بن نصر المروزي» : قال الحافظ الذهبي: هو شيخ الإسلام، كان يقال: كان أعلم الأئمة باختلاف العلماء على الإطلاق، ذكره الحاكم فقال: إمام عصره بلا مدافعة في الحديث.
انظر عنه في:
تاريخ بغداد [3/ 315] ، سير أعلام النبلاء [14/ 33] ، تذكرة الحفاظ [2/ 650] ، طبقات الشافعية للسبكي [2/ 246] ، تهذيب الأسماء واللغات [1/ 92] ، الوافي بالوفيات [5/ 111] ، مرآة الجنان [2/ 223] ، المنتظم-(3/228)
المروزي الفقيه على إسماعيل بن أحمد وعنده أخوه إسحاق- وكان أكبر منه سنا-، فقام إسماعيل وبالغ في تبجيله وإكرامه، فلما خرج عاتبه إسحاق على ذلك، فقال له إسماعيل: إنما قمت إجلالا لإخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم أن: العلماء ورثة الأنبياء.
قال: ثم إن إسماعيل بن أحمد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه يقول له:
يا إسماعيل قمت لمحمد بن نصر المروزي الفقيه إجلالا لإخباري، ثبت الله ملكك وملك بنيك، مكافأة لإجلالك محمد بن نصر المروزي.
925- وفي رواية أخرى: أنه صلى الله عليه وسلم أقبل على أخيه إسحاق فقال له:
عاتبته؟! إنه لا يخرج من صلبك ملك.
قال: وذهب ملك إسحاق، وهلك بنوه لاستخفافه بمحمد بن نصر المروزي الفقيه، أو نحوه من الألفاظ.
-[13/ 54] ، البداية والنهاية [11/ 102] ، النجوم الزاهرة [3/ 161] .
قوله: «إسماعيل بن أحمد» : صاحب خراسان الأمير إسماعيل ابن الملك أحمد بن أسد بن سامان بن نوح، من ملوك السامانية- وهم أرباب الولايات بسمرقند وتلك البلاد-.
قال الحافظ الذهبي: كان ملكا فاضلا، عالما، فارسا، شجاعا، ميمون النقيبة، معظما للعلماء، سمع من أبيه ومن محمد بن نصر المروزي (المتقدم) ، وأخذ عنه ابن خزيمة وغيره. انظر عنه في:
سير أعلام النبلاء [14/ 154] ، المنتظم [13/ 74] ، الكامل لابن الأثير [7/ 500- 504، 8/ 5- 8] ، الشذرات [2/ 395] ، اللباب [1/ 523] ، وفيات الأعيان [5/ 161] ، العبر [2/ 102] ، البداية والنهاية [11/ 106] ، ابن خلدون [4/ 334] ، النجوم الزاهرة [3/ 163] .
(925) قوله: «وذهب ملك إسحاق» : أخرج القصة الخطيب البغدادي في تاريخه [3/ 318] .(3/229)
قال أبو سعد صاحب الكتاب رحمه الله:
926- سمعت أبا القاسم الفارسي الحافظ بمصر بإسناد ذكره عن بعض سلفه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وبين يديه سبعة عشر طبقا عليها رطب، قال: فناولني منها نيفا وعشرين.
قال: فلما أصبحت خرجت من الدار فقالوا: نزل علي بن موسى الرضا في بعض القرى، فخرجت إليه، فرأيته نازلا في دار وبين يديه سبعة عشر طبقا- تمرا أو رطبا شك الراوي- فناولني منها نيفا وعشرين عددا، فقلت: زدني يا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لو زادك جدي لزدت.
(926) قوله: «سمعت أبا القاسم الفارسي الحافظ بمصر» : أثنى عليه الحافظ الذهبي في السير فقال: الشيخ الأمين، الجليل، مسند الديار المصرية: أبو القاسم: علي بن محمد بن علي بن أحمد بن عيسى الفارسي، ثم المصري، شيخ معمّر عال الرواية، مكثر، توفي سنة ثلاث وأربعين وأربع مائة، وكان من أبناء التسعين.
سير أعلام النبلاء [17/ 613] ، حسن المحاضرة [1/ 374] ، العبر [3/ 302] ، مرآة الجنان [3/ 61 وفيه: علي بن أحمد] ، المعين في طبقات المحدثين [/ 128] الترجمة رقم 1417، تاريخ الإسلام [وفيات سنة 443- ص 81] .
قوله: «عن بعض سلفه» : أخرج الرؤيا الحافظ أبو حفص الموصلي في الوسيلة [6- ق 2/ 327] عن ابن علوان قال: كنت بالبصرة فرأيت في منامي ...
الرؤيا.(3/230)
927- وعن أبي العباس الحجاجي رحمه الله قال: كان في وقت محمد بن إسحاق بن خزيمة رضي الله عنه هاهنا رجل بكري ورد من المدينة، فصيح اللهجة، قال في اليوم الذي توفي فيه محمد بن إسحاق بن خزيمة رضي الله عنه: رأيت البارحة رؤيا عجبا، رأيت كأني دخلت كنجروذ، فرأيت ناقة على باب محمد بن إسحاق بن خزيمة وقد أخذ بزمامها رجل فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان، قال: فدخلت الدهليز، فوجدت هناك رجلا كوسجا، فقلت: من هذا؟
قالوا: قيس بن عبادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخلت الدار، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا على السرير في الصفة التي في الدار الأولى، فبينا كذلك إذ خرج محمد بن إسحاق بن خزيمة رضي الله عنه من الدار السفلى، وجاء فقعد مع النبي صلى الله عليه وسلم، فناوله رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا فقرأه، ثم قال: سمعا وطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيده وخرجا معا.
928- سمعت أبا الحسن: علي بن محمد بن البغدادي بمشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:.......
(927) قوله: «وعن أبي العباس الحجاجي» : في «م» : الحاجي، ولم أعرفهما.
(928) قوله: «علي بن محمد البغدادي» : أظنه الوراق المحدث المسند، ولا أجزم، ففي طبقة شيوخ المصنف جماعة، غير أن وفياتهم متقدمة، فأما ابن لؤلؤ فإنه عاش إلى سنة سبع وسبعين وثلاثمائة.
انظر عنه في:
تاريخ بغداد [12/ 89] ، العبر [3/ 4] ، سير أعلام النبلاء [16/ 327] ، الميزان [3/ 154] ، اللسان [4/ 256] .(3/231)
قال ابن أبي الطيب الفقير: كان بي طرش عشر سنين، فأتيت المدينة فبت بين القبر والمنبر، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت:
يا رسول الله أنت قلت: من سأل لي الوسيلة وجبت له شفاعتي؟ قال:
عافاك الله، ما هكذا قلت، ولكني قلت: من سأل لي الوسيلة عند الله وجبت له شفاعتي.
قال: فذهب عني الطرش ببركة قوله صلى الله عليه وسلم: عافاك الله.
929- أخبرني أبو بكر: محمد بن عبد الله الرازي قال: قوله: «قال ابن أبي الطيب» : الإمام العلامة: أبو الحسن: علي بن أبي الطيب عبد الله بن أحمد النيسابوري، ذكره الحافظ الذهبي في السير وقال: له تفسير في ثلاثين مجلدا، وآخر في عشرة وضعه في ثلاث مجلدات، وكان يملي ذلك من حفظه. انظر عنه في:
سير أعلام النبلاء [18/ 173] ، معجم الأدباء [13/ 273] ، طبقات المفسرين للداودي [1/ 405] ، طبقات المفسرين للسيوطي [/ 23] .
قوله: «كان بي طرش» : ذكر الحافظ الذهبي قصة إصابته به وسببها فقال: قيل إنه حمل إلى السلطان محمود بن سبكتكين ليسمع وعظه، فلما دخل جلس بلا إذن، وأخذ في رواية الحديث بلا أمر، فتنمرّ له السلطان، وأمر غلاما فلكمه لكمة أطرشته، فعرفه بعض الحاضرين منزلته في الدين والعلم فاعتذر إليه ... القصة.
(929) قوله: «أبو بكر: محمد بن عبد الله الرازي» : ذكره الحافظ الذهبي في السير فقال: الإمام المحدث الصوفي الواعظ، له اعتناء زائد بعبارات القوم، وله جلالة وافرة بين الصوفية، كتب عنه الحاكم وزجره لأشياء بدرت منه. -(3/232)
سمعت أبا إسحاق: إبراهيم بن شيبان يقول: سمعت أبا عبد الله المغربي يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت: يا رسول الله، - روى عنه أبو عبد الرحمن السلمي بلايا وحكايات منكرة، وما هو بمؤتمن.
قلت: هو في الحديث صدوق إن شاء الله، فأما الحكايات والعبارات المنكرة فندعها. انظر عنه في:
سير أعلام النبلاء [16/ 364] ، تاريخ بغداد [5/ 464] ، الوافي بالوفيات [3/ 308] ، الميزان [3/ 606] ، اللسان [5/ 230] ، النجوم الزاهرة [4/ 150] ، العبر [3/ 3] ، تاريخ الإسلام [وفيات سنة 376- ص 600] ، مرآة الجنان [2/ 406] ، المنتظم [14/ 320] ، الشذرات [3/ 206] ، المغني [2/ 603] .
قوله: «إبراهيم بن شيبان» :
القرميسيني، الإمام الزاهد، شيخ الصوفية، أثنى عليه كثيرا الحافظ الذهبي، ونقل عن ابن منازل قوله: هو حجة الله على الفقراء وأهل المعاملات والاداب.
انظر عنه في: سير أعلام النبلاء [15/ 392] ، حلية الأولياء [10/ 361] ، الرسالة القشيرية [/ 27] ، تاريخ دمشق لابن عساكر [6/ 441] ، الوافي بالوفيات [6/ 20] ، مرآة الجنان [2/ 325] ، البداية والنهاية [11/ 234] ، طبقات الأولياء [/ 21] ، الشذرات [3/ 49] ، المنتظم [14/ 119- ذكره في وفيات سنة 348، وهو وهم بلا شك] ، الأنساب [10/ 110] ، طبقات الصوفية للسلمي [/ 402] ، العبر [2/ 244] ، طبقات الشعراني الكبرى [1/ 132] ، نتائج الأفكار القدسية [1/ 199] ، تاريخ الإسلام [وفيات سنة 337- ص 146] .
قوله: «سمعت أبا عبد الله المغربي» :
هو الإمام العارف بالله، شيخ الصوفية في وقته: محمد بن إسماعيل المغربي، صاحب رحلة وعبادة وزهد وورع. انظر عنه في: -(3/233)
لي إلى الله عزّ وجلّ حاجة؟ فبماذا أتوسل إليه؟ قال: من كانت له حاجة إلى الله تبارك وتعالى فليسجد، وليقل أربعين مرة في سجوده ويشير بإصبعه: لا إله إلّا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه تستجاب دعوته.
930- عن محمد بن علي السمان رحمه الله قال: كان لي جار في منزلي وسوقي، وكان يشتم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، قال:
فكثر الكلام بيني وبينه، فلما كان ذات يوم شتمهما وأنا حاضر فوقع بيني وبينه كلام حتى تناولته وتناولني، فانصرفت إلى منزلى وأنا مغموم حزين، ألوم نفسي، قال: فنمت وتركت العشاء من الغم، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام من ليلتي، فقلت: يا رسول الله فلان جاري في منزلي وسوقي، وهو يسب الأصحاب، قال: من سب من أصحابي؟ قلت: أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ هذه المدية واذبحه بها، قال:
فأخذتها، وأضجعته وذبحته، فرأيت كأن يدي قد أصابها من دمه، قال:
فألقيت المدية، وأهويت بيدي إلى الأرض أمسحهما، فانتبهت وأنا أسمع الصراخ من نحو داره، فقلت: انظروا ما هذا الصراخ؟ قالوا:
فلان مات فجاءة، فلما أصبحنا نظرنا إليه فإذا خط موضع الذبح في عنقه.
- حلية الأولياء [10/ 335] ، صفة الصفوة [4/ 305] ، الرسالة القشيرية [1/ 141] ، طبقات الصوفية للسلمي [/ 242] ، طبقات الشعراني الكبرى [2/ 108] ، نتائج الأفكار القدسية [1/ 169] ، المنتظم [13/ 128] ، البداية والنهاية [11/ 117] ، الكواكب الدرية [1/ 269] ، طبقات الأولياء لابن الملقن [/ 402] الترجمة رقم 109، النجوم الزاهرة [3/ 132] ، جامع كرامات الأولياء [1/ 101] .(3/234)
931- أبو عبد الله بن الجلاء قال: دخلت مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبي فاقة، فتقدمت إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وسلمت على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، وقلت: يا رسول الله بي فاقة، وأنا ضيفك، ثم تنحيت ونمت دون القبر، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام جاء إليّ فقمت فدفع إليّ رغيفا فأكلت بعضه، وانتبهت وفي يدي باقي الرغيف.
932- وحكي أن امرأة- قرابة لابن برزك المجوسي- رأت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لها صلى الله عليه وسلم: ألا تستحين؟ فقالت: ومن إيش أستحي؟ فقال: لا تؤمنين بإلهي، فامنت في المنام، فأصبحت وقسيها مقطع بأربع.
(931) قوله: «أبو عبد الله بن الجلاء» :
ذكره الحافظ الذهبي فقال: القدوة العارف، شيخ الشام: أحمد بن يحيى- وقيل: محمد بن يحيى-، كان يقال: الجنيد ببغداد، وابن الجلاء بالشام، وأبو عثمان الحيري بنيسابور، يعني: لا نظير لهم. انظر عنه في:
حلية الأولياء [10/ 314] ، تاريخ بغداد [5/ 213] ، تاريخ ابن عساكر [6/ 81] ، الوافي بالوفيات [8/ 239] ، طبقات الأولياء [/ 81] ، النجوم الزاهرة [3/ 170، 194] ، طبقات الصوفية [/ 176] ، الرسالة القشيرية [/ 20] ، المنتظم [3/ 181] ، صفة الصفوة [2/ 443] ، العبر [2/ 132] ، البداية والنهاية [11/ 129] ، سير أعلام النبلاء [14/ 251] ، طبقات الشعراني الكبرى [1/ 152] ، مرآة الجنان [2/ 249] ، شذرات الذهب [2/ 433] ، نتائج الأفكار القدسية [1/ 151] ، اللباب [1/ 59] ، الكواكب الدرية [2/ 10] ، بغية الطلب لابن العديم [3/ 1233] .
قوله: «وقسيها» :
رسمت في الأصول بالكاف ووضع الناسخ فوقها ثلاث نقاط.(3/235)
933- وكان رجل من رؤساء اليهود كثيرا ما يقول: اختم لي بخير، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له: إلى متى تقول: اختم لي بخير، فقد ختم الله سبحانه لك بخير، اشهد أن لا إله إلّا الله وأني رسول الله، فشهد أن لا إله إلّا الله، وأن محمدا رسول الله، على يديه في النوم.
934- وعن عباس بن أحمد بن عثمان بن أبي صخر قال: كنت مجاورا سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة، إذ قدمت امرأة التمار المتكلم من مصر في بحر القلزم ومعها جارية بلال الخليلي، وحملت للفقراء طعاما ودعتهم إليه، وكنت ذلك اليوم في المسجد الحرام قد طفت أسبوعا وركعت، وجلست إذ سرقتني عيناي فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنعت والصفة وهو جالس وظهره إلى المقام، ووجهه إلى باب الكعبة، عن يمينه أبو بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي، وعن يساره ابن عباس رضي الله عنه أجمعين، وإلى جنب ابن عباس القراء: أبو عمرو بن العلاء، وحمزة، وعاصم، والكسائي ... القرّاء السبعة رضي الله عنه أجمعين، وعن يمينه صلى الله عليه وسلم: أبو حنيفة، والشافعي وباقي الفقهاء رضي الله عنه، وشيوخ الصوفية رضي الله عنهم جلوس (934) قوله: «وعن عباس بن أحمد بن عثمان» :
أظنه الشاعر، شيخ الصوفية في وقته، وأحد الزهاد، قال الحافظ الذهبي:
شيخ الصوفية بالشام وأسنهم، له معرفة وفتوة ظاهرة، توفي سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة. انظر عنه في:
تاريخ دمشق [26/ 242] ، الأربعين في شيوخ الصوفية للماليني [/ 209] الترجمة رقم 36، تاريخ الإسلام [وفيات سنة 373- ص 541] ، تاريخ بغداد [12/ 154] .
قوله: «امرأة التمار» :
في «م» : امرأة اليمان.(3/236)
بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ أقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيّ بن كعب، فقرأ رضي الله عنه من سورة الكهف: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا الاية، قال: فاغرورقت عيناه صلى الله عليه وسلم.
قال: ثم التفت إلى ابن عباس فسأله عن مسألة من تفسير آية من كتاب الله عزّ وجلّ، فلما فسرها ابن عباس تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: ثم التفت إلى الفقهاء فسألهم عن مسألة فأجابه الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل، وسكت الباقون.
قال: ثم سأل الصوفية مسألة في التوحيد فوثب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فجلس مع الصوفية بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتكلم أحد من الصوفية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تكلموا رحمكم الله، فأشاروا إلى علي بن أبي طالب، فقال لهم علي رضي الله عنه: تكلموا رحمكم الله، فتكلم الجنيد وكل واحد منهم، ففهمت ما تكلموا به غير أبي يزيد البسطامي، فإنه تكلم بالفارسية فلم أفهمها، قال: ففسر النبي صلى الله عليه وسلم كلام أبي يزيد وشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه لكلهم بالصحة، وأنا في ذلك ما أصرف بصري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أنظر إلى غيره، إذ نبهني أبو عبد الله الفرغاني، فقمت مغتاظا عليه وقلت: يا قاطع الطريق حركتني، إيش تريد مني؟ فقال أبو عبد الله: يقول لك: تحضر مع الفقراء، قال: فعلمت أني ما بلغت مكان أبي عبد الله، وأنا مع العلم والتوفيق.(3/237)
[جامع أبواب ما كان للنّبيّ صلى الله عليه وسلم من الأزواج والأموال والحفدة والمتاع]
جامع أبواب ما كان للنّبيّ صلى الله عليه وسلم من الأزواج والأموال والحفدة والمتاع(3/239)
[201- باب ذكر أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم]
201- باب ذكر أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم 935- حدثنا أبو عمر: محمد بن سهل بن هلال البستي رحمه الله بمكة حرسها الله، ثنا أبو قتيبة: سلم بن الفضل بن سهل الادمي، ثنا أبو جعفر: محمد بن عثمان بن أبي شيبة، قوله: «باب ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم» :
انظر في هذا:
المنتخب من كتاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم للزبير بن بكار، تسمية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لأبي عبيدة معمر بن المثنى، كتاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لمحمد بن يوسف الصالحي صاحب سبل الهدى، تاريخ ابن عساكر [3/ 125] ، أنساب الأشراف للبلاذري [1/ 396] ، تاريخ ابن جرير [3/ 160] ، طبقات ابن سعد [8/ 52] ، نهاية الأرب للنويري [18/ 170] ، سيرة ابن هشام [2/ 643] ، عيون الأثر [2/ 300] ، دلائل البيهقي [7/ 282] .
(935) قوله: «ثنا أبو قتيبة: سلم بن الفضل» :
بغدادي نزل مصر، قال الحافظ الذهبي: محله الصدق، توفي سنة خمس- أو إحدى- وخمسين وثلاثمائة.
سير أعلام النبلاء [16/ 27] ، تاريخ بغداد [9/ 148] ، الأنساب [1/ 100] ، تاريخ الإسلام [وفيات سنة 355، ص 56، وفيها: وقد تقدم، ولم يذكره!] .
قوله: «محمد بن عثمان بن أبي شيبة» :
الحافظ المسند صاحب التاريخ، قال الحافظ الذهبي: كان من أوعية-(3/241)
ثنا أبو بلال الأشعري، ثنا زياد البكائي، عن ابن إسحاق، عن حكيم بن حكيم، عن محمد بن علي بن الحسين، - العلم، لم يرزق حظا بل نالوا منه، قال ابن عدي: لم أر له حديثا منكرا فأذكره، وقال صالح جزرة: ثقة، أما عبد الله بن أحمد فقال: كذاب، واتهمه ابن خراش بالوضع.
سير أعلام النبلاء [14/ 22] ، تاريخ بغداد [3/ 42] ، تذكرة الحفاظ [2/ 661] ، الوافي بالوفيات [4/ 82] ، البداية والنهاية [11/ 111] ، النجوم الزاهرة [3/ 171] ، الكامل لابن عدي [6/ 2297] ، المنتظم [13/ 102] ، لسان الميزان [5/ 280] ، طبقات الداودي [2/ 192] ، الميزان [3/ 642] ، العبر [2/ 108] .
قوله: «ثنا أبو بلال الأشعري» :
كوفي ينتهي نسبه إلى أبي موسى الأشعري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقال:
اسمه كنيته، وقيل: اسمه مرداس بن محمد، وقيل: محمد بن محمد، لينه الدارقطني.
سير أعلام النبلاء [10/ 582] ، الجرح والتعديل [9/ 350] ، الميزان [4/ 507] ، المغني في الضعفاء [2/ 775] ، اللسان [6/ 14، 7/ 22] ، الأسامي والكنى لأبي أحمد الحاكم [2/ 366] .
قوله: «ثنا زياد البكائي» :
تقدم، وابن إسحاق هو: محمد صاحب السيرة تقدم أيضا.
قوله: «عن حكيم بن حكيم» :
هو ابن عباد بن حنيف الأنصاري- أخو سهل وعثمان، من رجال الأربعة، حسن حديثه الحافظ الذهبي، وقال ابن حجر: صدوق.
تهذيب الكمال [7/ 193] ، تهذيب التهذيب [2/ 385] ، الكاشف [1/ 185] ، التقريب [/ 176] الترجمة رقم 1471.(3/242)
عن أبيه قال: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تسع أزواج له، وكن في دار واحدة، منهن: عائشة، وسودة، وحفصة، وأم حبيبة، وصفية.
936- وعن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تزوجت شيئا من نسائي ولا زوجت شيئا من بناتي إلّا بوحي جاءني به جبريل عن ربي عزّ وجلّ.
قوله: «عن أبيه» :
مرسل، اختصر المصنف لفظه، أخرجه أبو نعيم في المعرفة مرة بطوله، ومرة مفرقا من طريق محمد بن أحمد بن الحسن، عن ابن أبي شيبة [6/ 3202- 3203، 3239- 3240، 3241] الأرقام: 7364، 7464، 7468، 7469.
قوله: «عن تسع أزواج» :
وهو مما لا خلاف فيه، ففي الصحيحين من حديث عطاء قال: حضرنا مع ابن عباس جنازة ميمونة بسرف فقال ابن عباس: هذه زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوها ولا تزلزلوها، وارفقوا، فإنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم تسع، كان يقسم لثمان ولا يقسم لواحدة، لفظ البخاري في النكاح، باب كثرة النساء.
وأخرجه النسائي في أول كتاب النكاح بلفظ: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده تسع نسوة يصيبهن إلّا سودة، فإنها وهبت يومها وليلتها لعائشة.
(936) قوله: «وعن عطية العوفي» :
عزاه الحافظ أبو الفتح ابن سيد الناس في العيون [2/ 300] للمصنف في كتابه هذا، وقد أخرجه ابن عدي في الكامل [1/ 300] ، ومن طريقه ابن عساكر [69/ 149] ، وأبو نعيم في الحلية [7/ 258] ، من حديث إسماعيل ابن يحيى- اتهم بالوضع- عن مسعر، عن عطية به، قال ابن عدي عقبه:
وهذا بهذا الإسناد باطل.(3/243)
937- وبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم واضع رأسه في حجر فاطمة إذ بكت ثم ضحكت، فقلن لها أزواجه صلى الله عليه وسلم: يا فاطمة ما أضحكك وما أبكاك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعن بنتي، فإني أخبرتها أنه قد نعيت إليّ نفسي فبكت، ثم أخبرتها أني سألت ربي جلّ وعلا أن يجعلها معي في الجنة فضحكت.
(937) قوله: «فإني أخبرتها أنه قد نعيت» :
هذا بهذا اللفظ منكر، ففي الصحيحين أن ذلك كان مما سارها به صلى الله عليه وسلم، وأنها رضي الله عنها لم تخبر به إلّا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، فما في الصحيحين أصح، وقد تقدم في باب وفاته صلى الله عليه وسلم وخرجناه هناك.(3/244)
[202- فصل: عدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم]
202- فصل: [عدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم] 938- وكان جميع ما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى وعشرين امرأة، ست منهن من قريش وهن: خديجة بنت خويلد- وهي أول امرأة تزوجها-، وعائشة بنت أبي بكر- وليس منهن بكر غيرها-، وحفصة بنت عمر بن الخطاب، وأم حبيبة- واسمها: رملة بنت أبي سفيان-، وسودة بنت زمعة، وأم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة، وزينب بنت جحش- وهي ابنة عمته-.
واثنتان من بني هلال وهما: ميمونة، وزينب- أم المساكين-.
واثنتان سبايا وهما: صفية بنت حيي بن أخطب اليهودية، سباها من خيبر، وجويرية بنت الحارث بن عمرو، سباها من بني المصطلق، فأعتقهما وتزوجهما.
والباقيات من سائر القبائل.
(938) قوله: «وهي ابنة عمته» : واسمها أميمة بنت عبد المطلب.
قوله: «وزينب أم المساكين» :
هي زينب بنت خزيمة بن الحارث الهلالية، من بني عامر بن هلال.(3/245)
[203- فصل: فأول امرأة تزوجها صلى الله عليه وسلم]
203- فصل: فأول امرأة تزوجها صلى الله عليه وسلم 939- فأول امرأة تزوجها صلى الله عليه وسلم: خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، تزوجها صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وعشرين سنة وأشهر، وأقامت معه أربعة وعشرين سنة وشهرا، وماتت بعد أبي طالب بثلاثة أيام.
أمهرها صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة أوقية، وكذلك سائر نسائه، ولم يتزوج عليها حتى ماتت.
وكانت قبله عند عتيق بن عائذ المخزومي، فولدت له جارية، ثم تزوجها بعده أبو هالة ابن زرارة بن نّباش الأسيدي، فولدت له هندا، (939) قوله: «أمهرها صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة أوقية» :
لم أقف على من ذكر هذا غير المصنف، والظاهر أنه اعتمد على ما غلب منه صلى الله عليه وسلم بقرينة قوله: وكذلك سائر نسائه، فأخرج مسلم من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: سألت عائشة: كم كان صداق أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كانت صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشا، قالت: أتدري ما النش؟ قال: قلت: لا، قالت: نصف أوقية، خرجناه في فتح المنان شرح المسند الجامع لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن، تحت رقم 2340، أما ابن إسحاق فذكر في السيرة: أنه أصدقها عشرين بكرة.
قوله: «ثم تزوجها بعده أبو هالة» :
هكذا يقول قتادة عن ابن المسيب، أخرجه أبو نعيم في المعرفة [6/ 3205] رقم 7368، وهكذا يقول يونس بن بكير عن ابن إسحاق، أخرجه ابن هشام في السيرة [2/ 643] ، وروي أيضا عن قتادة، قال الحافظ في الإصابة: وكذا في كتاب النسب للزبير بن بكار. اهـ. وكذلك قال البيهقي في الدلائل [7/ 283] .
وروى أبو نعيم في المعرفة برقم 7366 من حديث ابن شهاب، عن أبي-(3/246)
ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وربى ابنها هندا، وكان يقول: أنا أكرم الناس أبا وأخا وأختا، أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمي خديجة، وأخي القاسم، وأختي فاطمة، ومات في الطاعون الجارف رضي الله عنه.
940- ثم تزوج صلى الله عليه وسلم بعدها سودة بنت زمعة، وكانت قبله تحت السكران بن عمرو، وهو من مهاجرة الحبشة، فمات ولم يعقب، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده.
941- ثم تزوج صلى الله عليه وسلم عائشة بمكة، وهي ابنة سبع، ولم يتزوج بكرا غيرها، ودخل بها وهي ابنة تسع، لسبعة أشهر من مقدمه المدينة، وأقامت عنده تسعا، وبقيت إلى خلافة معاوية، وتوفيت سنة ثمان وخمسين، وقد قاربت السبعين، فقيل لها ندفنك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقالت: إني قد أحدثت بعده فادفنوني مع إخواني، فدفنت بالبقيع، وأوصت إلى عبد الله بن الزبير ابن أختها صلى الله عليه وسلم.
ومن مواليها: علقمة بن أبي علقمة، كان يعلم العربية والنحو والعروض، روى عنه مالك، ومات في أول خلافة المنصور، وأبو السائب، واسمه: عثمان، وقد روي عنه أيضا.
- أمامة، عن أبيه أنها كانت تحت عتيق بن عائذ ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه أيضا عن ابن شهاب برقم 7367، أي أنها كانت أولا تحت أبي هالة ثم تزوجها عتيق، قال ابن عبد البر في الاستيعاب: وهو الأصح.
(941) قوله: «وأقامت عنده تسعا» :
أخرجاه في الصحيحين، فأخرجه البخاري في النكاح، باب إنكاح الرجل ولده الصغار، رقم 5133، وفي باب تزويج الأب ابنته من الإمام، رقم 5134، ومسلم في النكاح، باب تزويج الأب البكر الصغيرة، رقم 1422 (69، 70، 71، 72) .(3/247)
942- ثم تزوج صلى الله عليه وسلم غزية بنت دودان بن عوف بن عمرو بن خالد، وهي أم شريك التي وهبت نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت قبله عند أبي العسكر بن تميم بن الحارث الأزدي، فولدت له شريكا فدخل بها ثم طلقها.
943- ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكانت تحت خنيس بن عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه- وكان قد أسلم-، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه إلى كسرى، فمات ولا عقب له، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده، وماتت بالمدينة في خلافة عثمان رضي الله عنه، وصلى عليها أخوها لأبيها وأمها عبد الله بن عمر بن الخطاب.
944- ثم تزوج صلى الله عليه وسلم أم حبيبة، واسمها: رملة بنت أبي سفيان، وكانت تحت عبيد الله بن جحش الأسدي، هاجر بها إلى الحبشة فتنصر وهلك هناك، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده، وكان وكيله: عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه، ووليها: ابن سعيد بن العاص- وهو ابن عم أبيها، لأنه كان مسلما دون أبيها، وأبوها كان كافرا فلم يكن وليّا لها-، وبقيت إلى خلافة معاوية، وكان السرير الذي حمل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتها، فهو باق بالمدينة عند مولى لها.
(942) قوله: «وهي أم شريك» :
اضطرب قول من ترجم لها في اسمها ونسبها، وفي كون النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها أو لا، فهناك أنصارية ودوسية وعامرية وغفارية وما قيل في تراجمهن متقارب، والجمهور على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل الواهبة نفسها فكان الأولى ذكرها في الفصل التالي.
قوله: «ووليها ابن سعيد بن العاص» :
هو خالد بن سعيد من المتقدمين في الإسلام أثبت له صلى الله عليه وسلم هجرتين، واستعمله على صنعاء اليمن، وله مناقب.(3/248)
945- ثم تزوج صلى الله عليه وسلم أم سلمة وهي ابنة عمته عاتكة بنت عبد المطلب، وهي ابنة عم أبي جهل، وأخوها عبد الله بن أبي أمية كان من أشد قريش عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم أسلم واستشهد يوم الطائف.
946- واسم أم سلمة: هند بنت أبي أمية بن المغيرة، زوجها إياه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويقال: زوجها إياه ابنها عمر.
(946) قوله: «زوجها إياه عمر بن الخطاب رضي الله عنه» :
لكونه كان ابن عمها، نسبهما يلتقيان في كعب.
قوله: «زوجها إياه ابنها عمر» :
أخرج ذلك الإمام أحمد في مسنده [6/ 313، 314] ، والنسائي في النكاح، باب إنكاح الابن أمه، رقم 3254، وابن سعد في الطبقات [8/ 92] ، وفيه:
فقالت: مرحبا برسول الله، إني امرأة غيرى، وإني مصبية وليس لي أحد من أوليائي حاضرا ... الحديث، وفيه: فقالت لابنها عمر: قم فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجه.
وقد اعترض على هذا الشيخ ابن القيم فقال: في هذا نظر، فإن عمر هذا كان سنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين، وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال سنة أربع، فيكون له من العمر حينئذ ثلاث سنين، قال: ومثل هذا لا يزوج، قال: ولما قيل للإمام أحمد؛ قال: من يقول إن عمر كان صغيرا؟.
قال أبو الفرج ابن الجوزي: لعل أحمد قال هذا قبل أن يقف على مقدار سنه، وقد ذكر مقدار سنه جماعة من المؤرخين: ابن سعد وغيره.
قال: وقد قيل: إن الذي زوجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمها عمر بن الخطاب، والحديث: قم يا عمر فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونسب عمر ونسب أم سلمة يلتقيان في كعب، قال: فوافق اسم ابنها اسمه فقالت: قم يا عمر، فظن بعض الرواة أنه ابنها فرواه بالمعنى، وقال: فقالت لابنها: وذهل-(3/249)
947- ويروى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة أن مري ابنك أن يزوجك، فزوجها ابنها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام لم يبلغ.
توفيت أم سلمة سنة تسع وخمسين بعد عائشة بسنة وأيام، وكانت تحت أبي سلمة بن عبد الأسد، وكان لها منه زينب وعمر- وكان عمر مع علي يوم الجمل، وولاه البحرين، وله عقب بالمدينة-، ثم مات أبو سلمة فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن مواليها: شيبة بن نصاح بن سرجس بن يعقوب أبو ميمونة، إمام أهل المدينة في القراءة، قرأ عليه نافع بن أبي نعيم، وخيرة أم الحسن البصري.
948- ثم تزوج صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش الأسدية، وهي ابنة عمته أميمة بنت عبد المطلب، وهي أول من مات من أزواجه من بعده، توفيت في خلافة عمر، وأول من حمل على نعش، وكانت عند زيد بن حارثة قبله، وفيها نزلت وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ
- عن تعذر ذلك عليه لصغر سنه، قال: ونظير هذا وهم بعض الفقهاء في هذا الحديث وروايتهم له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا غلام فزوج أمك.
قال أبو الفرج ابن الجوزي: وما عرفنا هذا في هذا الحديث، وإن ثبت فيحتمل أن يكون قاله على وجه المداعبة للصغير إذ كان له من العمر يومئذ ثلاث سنين، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفتقر نكاحه إلى ولي، قال ابن عقيل:
ظاهر كلام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشترط في نكاحه الولي، وأن ذلك من خصائصه.(3/250)
تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) الاية، وطلقها زيد فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
949- ثم زينب بنت خزيمة الهلالية من بني عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة، وكانت قبله تحت عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، فلما قتل ببدر تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يقال لها أم المساكين، وماتت قبله.
950- ثم تزوج صلى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث بن حزن، من ولد عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة، تزوجها وهو بالمدينة من العباس عمه، وكان وكيله أبو رافع، وبنى بها صلى الله عليه وسلم وهو بسرف حين رجع من عمرته بعشرة أميال من مكة، وتوفيت أيضا بسرف، ودفنت هناك، وكانت قبله تحت أبي سبرة بن أبي رهم العامري.
ومن مواليها: يسار، وولده: عطاء، وسليمان، وعبد الملك، كلهم فقهاء.
وأمها: هند بنت عمرو من جرش، ولدت ميمونة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وأم الفضل- زوجة العباس وأم أولاده- من الحارث الهلالي.
قوله: «هند بنت عمرو» :
هكذا سماها ابن قتيبة في المعارف، وسماها ابن الأثير في ترجمة لبابة أم الفضل من الأسد: هند بنت عوف الكنانية، وقيل: الحميرية، قال: فمن قال: هند بنت عوف بن الحارث بن حماطة بن جرش من حمير.
(950) قوله: «فكان يقال: أكرم عجوز في الأرض أصهارا» : النص في معارف ابن قتيبة [/ 137] .(3/251)
ثم تزوجها عميس الخثعمي فأولدها زينب وكانت تحت حمزة، وسلمى وكانت تحت شداد بن الهاد، وأسماء وكانت تحت جعفر بن أبي طالب ثم خلف عليها أبو بكر ثم خلف عليها علي، وولدت لهم جميعا، فكان يقال: أكرم عجوز في الأرض أصهارا: هند الجرشية، لأن أصهارها: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمزة، وعلي، وجعفر، وأبو بكر، والعباس، وشداد بن الهاد.
وبناتها: ميمونة، وأم الفضل بنتا الحارث، وزينب، وسلمى، وأسماء بنات عميس الخثعمي.
951- وصفية بنت حيي بن أخطب النضيري، من خيبر، اصطفاها لنفسه من الغنيمة، ثم أعتقها وتزوجها، وجعل صلى الله عليه وسلم عتقها صداقها، وكانت تحت رجل من يهود خيبر يقال له: كنانة، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنقه لأمر، أحل دمه وسبى أهله، وتزوجها صلى الله عليه وسلم، وتوفيت سنة ست وثلاثين.
قوله: «ميمونة وأم الفضل» :
وقع في الأصول قبلهما: صفية، والظاهر أنه من الأوهام، لم أر من ذكرها، والسياق يقتضي حذفها إذ فيه: بنتا الحارث، وقد ذكر في أولادها:
محمية بن جزء، وزاد ابن الأثير في بنات عميس: سلامة، فالله أعلم.
(951) قوله: «وجعل صلى الله عليه وسلم عتقها صداقها» :
أخرجاه في الصحيحين، وخرجناه في مسند أبي محمد الدارمي تحت رقم 2384، 2385- فتح المنان.
قوله: «يقال له كنانة» :
هو ابن الربيع بن أبي الحقيق، وكانت قبله تحت سلام بن مشكم القرظي.(3/252)
952- وجويرية بنت الحارث من بني المصطلق. سباها صلى الله عليه وسلم وأعتقها وتزوجها، توفيت سنة ست وخمسين.
953- وكان صلى الله عليه وسلم يولم لكل نسائه باللحم والتمر والسويق ويأمر به، ويقول: أولموا ولو بشاة.
(953) قوله: «باللحم والتمر والسويق» :
الواو: فيها للتنويع، لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أولم بأقل من الشاة، لكنها في حق الموسر أقل ما تجزىء في الوليمة، أخرج البخاري ومسلم في النكاح من حديث أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها وأولم عليها بحيس- وهو التمر المنزوع منه النوى، يخلط بالأقط أو الدقيق أو السويق وربما جعل فيه السمن-، وأخرجا أيضا من حديث أنس، قال:
ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم على امرأة ما أولم على زينب.
قوله: «أولموا ولو بشاة» :
ذكره بصيغة الجمع؛ لأنه أمر ندب يشمل جميع الموسرين، وهو حديث صحيح أخرجه الشيخان بلفظ: أولم ولو بشاة، قاله لعبد الرحمن بن عوف حين تزوج، خرجناه في فتح المنان تحت رقم 2197، 2345.(3/253)
[204- فصل: ذكر من تزوّجهن صلى الله عليه وسلم ولم يدخل بهنّ]
204- فصل: ذكر من تزوّجهن صلى الله عليه وسلم ولم يدخل بهنّ 954- منهن: قتيلة بنت قيس- أخت الأشعث- الكندي، مات صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل بها فتزوجها عكرمة بن أبي جهل بعده، وقال بعضهم: هذا غلط، لأن سببها منه لم ينقطع بالموت، ولعله طلقها صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل بها ثم مات.
(954) قوله: «ولعله طلقها صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل بها» :
وفيها اختلاف كثير، والاعتماد في هذا على ما صحت روايته، وقد أخرج ابن سعد في الطبقات [8/ 147] ، قال: أخبرنا المعلى بن أسد، عن وهيب، عن داود ابن أبي هند: أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وقد ملك امرأة من كندة يقال لها قتيلة، فارتدت مع قومها، فتزوجها بعد ذلك عكرمة بن أبي جهل، فوجد أبو بكر من ذلك وجدا شديدا، فقال له عمر: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها والله ما هي من أزواجه، ما خيرها ولا حجبها ولقد برأها الله منه بالارتداد الذي ارتدت مع قومها، هذا مرسل برجال الصحيح.
تابعه عبد الوهاب، عن داود، أخرجه أبو نعيم في المعرفة [6/ 3246] رقم 7482، وقد رواه أبو نعيم في المعرفة برقم 7481 مسندا من طريق عبد الأعلى، عن داوود، عن عكرمة، عن ابن عباس مختصرا، قال الحافظ في الإصابة: هذا موصول قوي الإسناد.
وأخرج ابن سعد في الطبقات [8/ 147] من حديث الكلبي، عن أبي صالح عن ابن عباس قال: لما استعاذت أسماء بنت النعمان من النبي صلى الله عليه وسلم خرج والغضب يعرف من وجهه، فقال له الأشعث بن قيس: لا يسؤك الله يا رسول الله، ألا أزوجك من ليس دونها في الجمال والحسب؟ قال: من؟
قال: أختي قتيلة، قال: قد تزوجتها، قال: فانصرف الأشعث إلى-(3/254)
955- وفاطمة بنت الضحاك، تزوجها صلى الله عليه وسلم بعد وفاة ابنته زينب، وخيّرها حين أنزلت عليه آية التخيير فاختارت الدنيا ففارقها، فكانت بعد ذلك تلقط البعير وتقول: أنا الشقية؛ اخترت الدنيا.
956- وعالية بنت ظبيان، ...
- حضرموت، ثم حملها، حتى إذا فصل من اليمن بلغه وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فردها إلى بلاده وارتد وارتدت معه فيمن ارتد، فلذلك تزوجت لفساد النكاح بالارتداد، وكان من تزوجها قيس بن مكشوح المرادي، ضعيف الإسناد وهو شاهد للذي قبله.
قال ابن الأثير في الأسد: فيها وفي غيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي لم يدخل بهن اختلاف كثير لم يتحصل منه كثير فائدة.
(955) قوله: «خيرها حين أنزلت عليه آية التخيير» :
كذا قال ابن إسحاق فيما نقله ابن الأثير في الأسد، وكذا روى ابن سعد في الطبقات [8/ 142] ، من طريق الواقدي، عن عبد الله بن سليمان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وقد أبطل هذا ابن عبد البر وقال: هذا عندنا غير صحيح، وقال الواقدي، عن الزهري: أنها هي التي استعاذت منه، أخرجه ابن سعد في الطبقات [8/ 141] ، وأخرج أيضا من حديثه عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: أنها لما دخلت عليه ودنا منها قالت: إني أعوذ بالله منك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك.
(956) قوله: «عالية بنت ظبيان» :
العامرية، وقيل: العالية بنت ظبيان بن عمرو بن عوف الكلابية، والخلاف جار أيضا فيها، فقيل: هي التي رأى بها كشحا، وقيل: مكثت عنده دهرا ثم طلقها، أخرجه ابن سعد في الطبقات [8/ 143] بإسناد ضعيف.
وأخرج أبو نعيم في ترجمتها من المعرفة قصة أبي أسيد المخرجة عند-(3/255)
طلقها صلى الله عليه وسلم حين أدخلت عليه.
957- وسنا بنت الصلت، ماتت قبل أن يدخل بها صلى الله عليه وسلم.
- البخاري في الجونية، أخرجه من حديث قتادة مرسلا برقم 7494، وانظر أنساب البلاذري [2/ 595] .
قوله: «طلقها صلى الله عليه وسلم حين أدخلت عليه» :
أخرجه أبو نعيم في المعرفة [6/ 3236] ، والبلاذري في الأنساب [2/ 595] ، كلاهما من حديث الزهري مرسلا، رقم 7453، وأخرجه أبو نعيم أيضا من حديث ابن أبي كثير معضلا، رقم 7455.
(957) قوله: «وسنا بنت الصلت» :
ويقال: سنا وسبا- بالموحدة- وأسماء بنت الصلت، وفي نسبها اختلاف، فقيل: سنا بنت الصلت بن حبيب بن حارثة بن هلال بن حرام بن سماك بن عوف السلمي، ويقال: أسماء بنت الصلت بن كثير بن حارثة بن هلال، والباقي سواء.
قوله: «ماتت قبل أن يدخل بها» :
قاله قتادة، أخرجه أبو نعيم في المعرفة [6/ 3240] رقم 7467.
وقاله أيضا الكلبي عن رجل من رهط عبد الله بن خازم السلمي، أخرجه ابن سعد في الطبقات [8/ 149] .
وحكى الرشاطي عن بعضهم أنه لما بلغها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها فرحت فرحا شديدا فماتت منه، ذكره الحافظ.
وروي أنها هي التي قيل فيها أنها لم تمرض قط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا حاجة لنا في ابنتك، تجيئنا تحمل خطاياها، لا خير في مال لا يرزأ منه، وجسد لا ينال منه، أخرجه ابن سعد في الطبقات من حديث الكلبي: ثنا عبيد الله الوصافي، عن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي قال: جاء رجل من بني سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ... فذكره.(3/256)
958- وكذلك شراف، أخت دحية الكلبي.
959- وخولة بنت الهذيل- وقيل: خولة بنت حكيم-، وهي التي وهبت نفسها له، وقيل: بل هي أم شريك الأزدية.
(958) قوله: «وكذلك شراف أخت دحية الكلبي» :
وهي شراف بنت خليفة بن فروة الكلبية، حديثها عند الشرقي بن قطامي قال: لما هلكت خولة بنت الهذيل تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم شراف بنت دحية الكلبي ولم يدخل بها، أخرجه ابن سعد في الطبقات [8/ 160] .
عزاه الحافظ في الفتح [9/ 270] للمصنف من هذا الوجه، وليست عندنا مسندة كما ترى!.
(959) قوله: «وهي التي وهبت نفسها له» :
أخرج الشيخان من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، قال: كانت خولة بنت حكيم من اللائي وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم، فقالت عائشة: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل ... الحديث، لفظ البخاري في النكاح، باب هل للمرأة أن تهب نفسها لأحد.
قوله: «وقيل: بل هي أم شريك الأزدية» :
قال أبو نعيم في المعرفة [6/ 3239] : قيل: اسمها خولة بنت حكيم السلمية، ثم أخرج بالإسناد المتقدم في أول هذا الباب عن حكيم بن حكيم، عن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه: منهن أم شريك الأنصارية وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم.
أما ابن سعد فسماها في الطبقات [8/ 154] غزية بنت جابر بن حكيم، وأخرج في ترجمتها من طرق عن علي بن الحسين، ومحمد بن إبراهيم التيمي، والشعبي، وعكرمة أنها هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم.(3/257)
960- وأسماء بنت النعمان بن شراحيل بن الجون- وقيل: بل أميمة بنت النعمان-، لما أدخلت عليه قالت: أعوذ بالله منك، فقال: قد أعذتك، الحقي بأهلك، وكان بعض أزواجه علمتها ذلك، وقالت: إنك تحظين عنده، فتزوجها المهاجر بن أبي أسيد، فأراد عمر أن يجلده فقالت: إنه لم يدخل بي، وأقامت البينة.
961- ومليكة الليثية، لما دخل صلى الله عليه وسلم عليها قال لها: هبي لي نفسك، (960) قوله: «وقيل: بل أميمة بنت النعمان» :
صححه الحافظ في الفتح، وأبقى ابن عبد البر على الاختلاف في اسمها، حيث قال: أجمعوا على أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها ثم اختلفوا في قصة فراقها. اهـ.
ولا أدري لم أغفل ما أخرجه البخاري في الطلاق، باب من طلق، برقم 5254، من حديث الأوزاعي قال: سألت الزهري: أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم استعاذت منه؟ قال: أخبرني عروة، عن عائشة رضي الله عنها: أن ابنة الجوني لما أدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث.
نعم في الصحيحين رواية أخرى بإبهام الاسم، فأخرجا في الأشربة من حديث سهل بن سعد قال: ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم امرأة من العرب، فأمر أبا أسيد الساعدي أن يرسل إليها، فقدمت، فنزلت في أجم بني ساعدة، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاءها فدخل عليها، فإذا امرأة منكسة رأسها، فلما كلمها النبي صلى الله عليه وسلم قالت: أعوذ بالله منك، فقال صلى الله عليه وسلم: قد أعذتك مني، فقالوا لها:
أتدرين من هذا؟ قالت: لا، قالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ليخطبك، قالت: كنت أنا أشقى من ذلك ... الحديث، لفظ البخاري في باب الشرب من قدح النبي صلى الله عليه وسلم وآنيته.
لكن في هذه الرواية التصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوجها بعد.
(961) قوله: «ومليكة الليثية» :
هي بنت كعب، وقال بعضهم: بل كانت كنانية، وينكرون أن يكون النبي-(3/258)
قالت: وهل تهب الملكة نفسها للسوقة، فأهوى بيده يضعها عليها لتسكن، قالت: أعوذ بالله منك، فقال صلى الله عليه وسلم: لقد عذت بمعاذ، فسرحها ومتعها.
962- وليلى بنت الخطيم الأنصارية، ضربت ظهره فقال: أكلك الأسود، ثم لما تزوجها، قالت: أقلني، فأقالها، فأكلها الذئب.
- تزوج بالليثية، أخرج حديثها الواقدي، ومن طريقه ابن سعد في الطبقات [8/ 148، 220] ، والبلاذري في أنساب الأشراف [2/ 599] .
(962) قوله: «أكلك الأسود» :
أخرج حديثها ابن سعد في الطبقات [8/ 150- 151] ، ومن طريقه ابن عساكر- في تاريخه [3/ 244] ، من حديث الكلبي- وهو متروك- عن أبيه، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: أقبلت ليلى بنت الخطيم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو مولّي ظهره الشمس فضربت على منكبه فقال: من هذا! أكله الأسد، - وكان كثيرا ما يقولها-، فقالت: أنا ابنة مطعم الطير، ومباري الريح، أنا ليلى بنت الخطيم، جئتك لأعرض عليك نفسي، تزوجني؟ قال: قد فعلت، فرجعت إلى قومها فقالت: قد تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: بئس ما صنعت، أنت امرأة غيرى، والنبي صلى الله عليه وسلم صاحب نساء، تغارين عليه، فيدعو الله عليك، فاستقيليه نفسك، فرجعت فقالت: يا رسول الله أقلني، قال: قد أقلتك، قال: فتزوجها مسعود بن أوس بن سواد بن ظفر فولدت له، فبينا هي في حائط من حيطان المدينة تغتسل إذ وثب عليها ذئب لقول النبي صلى الله عليه وسلم، فأكل بعضها فأدركت، فماتت.
وفيها قصة أخرى، أخرجها ابن سعد [8/ 151] من طريق الواقدي- متروك الحديث- قال: حدثني محمد بن صالح بن دينار، عن عاصم بن عمر بن قتادة قال: كانت ليلى بنت الخطيم وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فقبلها، وكانت-(3/259)
963- وعمرة بنت يزيد، رأى بها بياضا، فقال صلى الله عليه وسلم: دلّستم عليّ، وردها.
- تركب بغلتها ركوبا منكرا، وكانت سيئة الخلق، فقالت: لا والله، لأجعلن محمدا لا يتزوج في هذا الحي من الأنصار، والله لاتينه ولأهبن نفسي له، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم مع رجل من أصحابه، فما راعه إلّا بها واضعة يدها عليه فقال: من هذا! أكله الأسد ... الحديث.
اختصرها أبو نعيم في المعرفة [6/ 3241] بالإسناد المتقدم في أول الباب إلى ابن إسحاق: عن حكيم بن حكيم، عن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه.
وانظر قصتها أيضا في الأنساب [2/ 600] ، والمحبر [/ 96] ، وأسد الغابة [7/ 257] ، عزاه أيضا لابن أبي خيثمة وابن منده.
(963) قوله: «وعمرة بنت يزيد» :
الغفارية، وقال ابن سعد: عمرة بنت يزيد بن عبيد بن رؤاس بن كلاب الكلابية، وسماها ابن إسحاق: أسماء بنت النعمان الكندية، وجعل عمرة حديثة عهد بكفر وأنها هي التي استعاذت من النبي صلى الله عليه وسلم [سيرة ابن هشام- 2/ 6470] .
قوله: «رأى بها بياضا» :
أخرج الحديث من طرق: الإمام أحمد في المسند [3/ 493] ، وابن سعد في الطبقات [8/ 142، 143] ، وأبو نعيم في المعرفة [6/ 3239- وقال:
الغفارية، ولم يسمها] رقم 7463، وابن عساكر في تاريخه [3/ 234] ، والبلاذري في الأنساب [2/ 596] .
قوله: «دلستم عليّ» :
تبع الحافظ أبو حفص الموصلي المصنف في إيراده بهذا اللفظ، أخرجه في الوسيلة له [6/ ق- 1/ 151] ، ولم أره بهذا اللفظ عند غيرهما.(3/260)
964- وخطب صلى الله عليه وسلم امرأة من بني مرّة، فقال أبوها: إنّ بها برصا- ولم يكن بها-، فرجع فإذا هي برصاء.
965- وخطب صلى الله عليه وسلم عمرة من بني القرطات، فوصفها أبوها ثم قال:
وأزيدك أنها لم تمرض قط، فقال صلى الله عليه وسلم: ما لهذه عند الله من خير، وقيل:
إنه تزوجها، فقال أبوها ذلك، فطلقها ولم يبن بها.
(964) قوله: «وخطب صلى الله عليه وسلم امرأة من بني مرة» :
قال أبو نعيم: هي أم شبيب ابن البرصاء الشاعر، وسماها ابن أبي خيثمة:
جمرة بنت الحارث بن عوف بن مرة بن كعب بن ذبيان، وكذلك قال أبو عبيدة فيما نقله عنه البلاذري في الأنساب [2/ 601- 602] ، قال: هي أم شبيب، قال الحافظ في الإصابة: ويقال: اسمها أمامة، وقيل: قرصافة.
وأوردها أبو حفص الموصلي في الوسيلة تبعا للمصنف فلم يسمها [6/ ق- 1/ 151- 152] .
قوله: «فإذا هي برصاء» :
أخرجه أبو نعيم في المعرفة [6/ 3242] رقم 7472، وابن أبي خيثمة وأبو عبيدة معمر بن المثنى- كما في سبل الهدى والرشاد [11/ 233]-، جميعهم من حديث قتادة مرسلا، وذكرها الحافظ في الإصابة في البرصاء، وقال في جمرة بنت الحارث: هي البرصاء، تقدمت.
(965) قوله: «عمرة من بني القرطات» :
أوردها أبو حفص الموصلي وحديثها في الوسيلة [6/ ق- 1/ 152] ، لم يسمها، وانظر التعليق التالي.
قوله: «ما لهذه عند الله من خير» :
خرجنا قوله صلى الله عليه وسلم هذا في ترجمة سنا أو سبا، وقد قال جماعة أن هذا كان في ابنة الضحاك بن سفيان، أخرجه أبو نعيم في المعرفة [6/ 3242] ما بعد-(3/261)
فذلك جميع أزواجه صلى الله عليه وسلم، إحدى وعشرين امرأة طلق منهن ستا، ومات عنده خمس، ومات صلى الله عليه وسلم عن عشر، واحدة لم يدخل بها وتسع كان صلى الله عليه وسلم يقسم لهن، ثم أراد صلى الله عليه وسلم طلاق سودة فوهبت ليلتها لعائشة، وقالت: لا رغبة لي في الرجال، وأنا أريد أن أحشر في أزواجك.
966- فصار صلى الله عليه وسلم يقسم لثمان، وهن: عائشة، وحفصة، وأم سلمة، وأم حبيبة، وصفية، وزينب بنت جحش، وميمونة، وجويرية رضي الله عنهن جميعا، لكل واحدة ليلة، ولعائشة ليلتان ليلة لها، وليلة سودة وهبتها لها.
- رقم 7472، ومال إليه ابن عبد البر، والأمر عندهم غير منضبط؛ إذ البعض يقول: إن فاطمة هي التي استعاذت، أخرجه ابن سعد في الطبقات [8/ 141] ، منهم من يقول: بل هي التي اختارت الدنيا، أخرجه ابن إسحاق، واستبعده ابن عبد البر وقال: إنه غير صحيح، وأطال الرد عليه الحافظ في الإصابة.
(966) قوله: «فصار صلى الله عليه وسلم يقسم لثمان» :
فيه حديث ابن عباس المخرج في الصحيحين، وقد ذكرناه في أول الباب.(3/262)
[205- باب ذكر موالي رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم تسليما كثيرا]
205- باب ذكر موالي رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم تسليما كثيرا 967- أخبرنا أبو عمرو: محمد بن أحمد بن حمدان الحيري رحمه الله، أنا عمران بن موسى، ثنا محمد بن عبيد بن حساب، (967) قوله: «محمد بن أحمد بن حمدان» :
قال الحافظ الذهبي: الإمام المحدث الثقة، النحوي البارع، الزاهد العابد، مسند خراسان، ممن كتب وتميز، وبرع في العربية، ومناقبه جمة رحمه الله.
انظر:
سير أعلام النبلاء [16/ 356] ، الوافي بالوفيات [2/ 46] ، طبقات السبكي [3/ 69] ، النجوم الزاهرة [4/ 150] ، بغية الوعاة [1/ 22] ، الشذرات [3/ 206] ، المنتظم [14/ 376] ، الأنساب [2/ 298] ، الميزان [4/ 377] ، تاريخ الإسلام [وفيات سنة 376- ص 598] ، العبر [3/ 3] .
قوله: «أنا عمران بن موسى» :
هو ابن مجاشع الجرجاني، الحافظ الحجة: أبو إسحاق السختياني، أحد الأعلام، مولده سنة بضع عشرة ومائتين، سمع الكبار، وكان كثير الرحلة والتصنيف، قال الحاكم: محدث ثبت، وقال الإسماعيلي: جرجاني صدوق، محدث البلد في زمانه، توفي سنة خمس وثلاث مائة.
سير أعلام النبلاء [14/ 136] ، تاريخ السهمي [/ 322- 323] ، تذكرة الحفاظ [2/ 762] ، البداية والنهاية [11/ 128] ، العبر [2/ 129] .
قوله: «ثنا محمد بن عبيد بن حساب» :
البصري، من رجال مسلم في الصحيح، روى عنه أيضا: أبو داود وقال:
هو عندي حجة.
ومن فوق ابن عبيد من رجال الصحيحين، والحديث عندهما كما سيأتي.(3/263)
ثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في مسير له ومعه غلام أسود يقال له: أنجشة، فقال صلى الله عليه وسلم: يا أنجشة، رويدك سوقا بالقوارير- يعني النساء-.
قال: أما مواليه:
968- 1- فزيد بن حارثة، وكان لخديجة رضي الله عنها، اشتراه لها حكيم بن حزام بسوق عكاظ بأربع مائة درهم، فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تهبه له- وذلك بعد أن تزوجها-، ففعلت، فأعتقه وزوجه أم أيمن، فولدت له أسامة، وكان زيد بن حارثة بن شراحيل من كلب، أدركه سبي فجاء أبوه وعمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالا: ولدنا سبي منا فخذ منا ثمنه، فقال صلى الله عليه وسلم: ما كنت لاخذ له ثمنا، ولكن خيّراه، فإن اختاركم فشأنكم به، فقالوا: لقد أكرمت، فاجتهدا به فلم يتبعهما، واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك قبل مبعثه، فتبنّاه صلى الله عليه وسلم، فكان يدعى زيد ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أنزل الله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ الاية، فقالوا: زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: «يا أنجشة رويدك» :
أخرجاه في الصحيحين، وقد خرجناه في كتاب الاستئذان من المسند الجامع للحافظ أبي محمد الدارمي، باب: في المزاح، تحت رقم 2866- فتح المنان، بما أغنى عن إعادته هنا.
(968) قوله: «اشتراه لها حكيم» : الخبر بطوله في طبقات ابن سعد [3/ 40- 43] ، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه [3/ 346- 348] ، البلاذري في الأنساب [2/ 609- 110] ، وفي رواية أبي نعيم في المعرفة [3/ 1137- 1138] : أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أم المؤمنين خديجة برغبته فيه فأعطته ثمنه ليشتريه فاشتراه صلى الله عليه وسلم بنفسه.(3/264)
أمّره صلى الله عليه وسلم على الجيش يوم مؤتة فاستشهد، وذلك في سنة ثمان، وهو ابن خمس وخمسين سنة.
969- 2- أسامة بن زيد بن حارثة، وأمه: بركة، أم أيمن، حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم، زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بفاطمة بنت قيس، وكان له ابنان يروى عنهما: محمد والحسن ابنا أسامة.
970- 3- وأيمن بن عبيد الخزرجي، أمه: أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وحاضنته، وكان لأيمن ابن يقال له: جبير.
971- 4- أبو رافع، واسمه: أسلم، كان للعباس، فوهبه للنبي صلى الله عليه وسلم، فلما أسلم العباس بشّر أبو رافع النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه فأعتقه صلى الله عليه وسلم وزوجه سلمى مولاته، فولدت له عبيد الله بن أبي رافع، فلم يزل كاتبا لعلي بن أبي طالب خلافته كلها.
972- 5- سفينة، واسمه: رباح- ويقال: مهران-، أبو عبد الرحمن، سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفينة؛ لأنه كان في سفر، فكان كل من أعيا ألقى عليه بعض متاعه- ترسا كان أو سيفا-، حتى حمل من ذلك شيئا كثيرا، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنت سفينة، وكان أسود، من مولدي الأعراب، اشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه.
(969) قوله: «أم أيمن» :
حاضنة الرسول الله صلى الله عليه وسلم ورثها من أبويه، أعتقها النبي صلى الله عليه وسلم وزوجها عبيد الخزرجي فجاءت بأيمن بن عبيد.
(972) قوله: «لأنه كان في سفر» :
أخرج الحديث: الإمام أحمد في مسنده [5/ 221، 222] ، وأبو نعيم في الحلية [1/ 369] ، وابن عساكر في تاريخه [4/ 267، 268] ، وغيرهم.(3/265)
973- 6- ثوبان، يكنى: أبا عبد الله، من حمير، أصابه سبي، فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقه، ولم يزل معه حتى قبض، ثم تحول إلى الشام، فنزل حمص، وله بها دار وصدقة، ومات سنة أربع وستين، في خلافة معاوية.
974- 7- يسار، كان عبدا نوبيا، أصابه في غزوة بني عبيد بن ثعلبة فأعتقه، وهو الذي قتله العرنيون الذين أغاروا على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم، فقطعوا يده ورجله، وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى كات، وانطلقوا بالسراح، وأدخل المدينة ميتا.
975- 8- شقران، واسمه: صالح، قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتراه من عبد الرحمن بن عوف فأعتقه، وقال بعضهم: بل ورثه عن أبيه.
976- 9- أبو كبشة، واسمه: سليمان، من مولدي أرض دوس، ابتاعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه، وتوفي في أول يوم استخلف فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
977- 10- أبو ضميرة، كان مما أفاء الله على رسوله فأعتقه، وكتب له كتابا- هو في يد ولده- بالإيصاء به وبأهل بيته.
(974) قوله: «الذي قتله العرنيون» :
ويقال: إنهم من عكل، وحديثهم في الصحيحين.
(975) قوله: «بل ورثه عن أبيه» :
كذا قال البغوي وتبعه غير واحد، أن شقران وأم أيمن ورثهما النبي صلى الله عليه وسلم من أبيه وأمه.
(976) قوله: «واسمه سليمان» :
كذا في الأصول، وقد اختلف في اسم أبي كبشة، فقيل: سليم، وسلمة، وأوس.(3/266)
ومن ولده: حسين بن عبد الله بن ضميرة، وفد على المهدي ومعه الكتاب فوضعه المهدي على عينيه، ووصله بثلاث مائة دينار.
978- 11- مدعم، كان عبدا لرفاعة بن يزيد الجذامي، وهبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقال: هو الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم حين قتل: إن الشملة التي غلّها يوم خيبر تحترق عليه نارا، أصابه سهم في وادي القرى فمات.
979- 12- أبو مويهبة، من مولدي مزينة، اشتراه فأعتقه، وهو الذي انطلق به إلى البقيع وقال: إني أمرت أن أستغفر لهم.
980- 13- أنيسة، كان من مولدي السراة، اشتراه فأعتقه.
ومنهم:
981- 14- فضالة، نزل الشام، ومات بها.
ومنهم:
982- 15- وردان.
(978) قوله: «ويقال: هو الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم» :
حديث صحيح؛ أخرجه مالك في الجهاد من الموطأ، والذي حمل المصنف على التعبير ب (يقال) إخراج البخاري نحو قصته وسمى الرجل فيها كركرة، وكلاهما من موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والظاهر أنهما قصتان مختلفتان لاختلاف مخرجهما، ولأنه قال هنا: شملة، وفي قصة كركرة أنها: عباءة، والله أعلم.
(979) قوله: «وهو الذي انطلق به إلى البقيع» :
تقدم حديثه في أول باب الوفاة.
(980) قوله: «أنيسة» :
كذا ذكر هنا أنيسة، وسيأتي أيضا آخر عنده باسم: أنسة، وقد قيل:
إنهما واحد أنسة، وأنيسة، أو أبو أنسة، وهو أبو مسروح في الجميع.(3/267)
983- 16- وأبو بكرة، سباهما من الطائف فأعتقهما.
ومنهم:
984- 17- طهمان.
985- 18- وأبو أيمن.
986- 19- وأبو هند، وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: زوّجوا أبا هند، وتزوجوا إليه، ابتاعه صلى الله عليه وسلم عند منصرفه من الحديبية وأعتقه.
987- 20- وأنجشة، وهو الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: رويدك يا أنجشة رفقا بالقوارير، وكان يحدوا بالجمال.
(986) قوله: «زوّجوا أبا هند» :
أخرجه أصحاب الكتب مطولا ومختصرا من حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة: أن أبا هند حجم النبي صلى الله عليه وسلم في اليافوخ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر الأنصار أنكحوا أبا هند وانكحوا إليه، ثم قال: إن كان في شيء مما تداوون به خير فالحجامة، أخرجه الإمام أحمد [3/ 119، 192] ، والطيالسي برقم 1994، وأبو داود في الطب، باب في موضع الحجامة، رقم 3860، والترمذي في الطب، باب ما جاء في الحجامة، رقم 2051، وابن ماجه في الطب، باب موضع الحجامة، رقم 3483، وأبو يعلى في مسنده [10/ 318] رقم 5911، وصححه ابن حبان برقم 4067، 6078 الإحسان.
(996) قوله: «من تميم» :
قبلها كلمة غير واضحة، رسمها هكذا «السرف» بالسين والراء المهملتين، وفي الوسيلة لأبي حفص تبعا للمصنف [6/ ق 1/ 202] : تزوج في الشرف.
(997) قوله: «كركرة» :
روى البخاري في الجهاد، باب القليل من الغلول من حديث عبد الله بن عمرو قال: كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له: كركرة، فمات، فقال-(3/268)
988- 21- وصالح.
989- 22- وأبو سلمى.
990- 23- وأبو عسيب.
991- 24- وعبيد.
25992- وأفلح.
993- 26- رويفع، من سبي هوازن، صار للنبي صلى الله عليه وسلم فأعتقه.
994- 27- أبو لقيط، كان نوبيا، وكان يأكل الذباب، عاش إلى أيام عمر.
995- 28- أبو رافع الأصغر، كان غلاما لسعيد بن العاص فأعتقه.
996- 29- يسار الأكبر، كان عبدا لال عمرو بن عبيد الثقفي، تزوج من تميم، وولد له تسعون ولدا من ذكر وأنثى.
997- 30- كركرة، كان نوبيا، أهداه هوذة بن علي الحنفي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقه.
998- 31- رباح، كان نوبيا، اشتراه من وفد عبد القيس، فأعتقه.
- رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو في النار: فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها، قال البخاري: قال ابن سلام: كركرة: بفتح الكاف. اهـ. قال الحافظ في الفتح: روى أبو سعيد- كذا- النيسابوري في شرف المصطفى أنه كان نوبيا، أهداه له هوذة ابن علي الحنفي صاحب اليمامة فأعتقه. اهـ. نقلته لما فيه من التوثيق.
وانظر التعليق المتقدم على مولاه مدعم برقم (978) .(3/269)
999- 32- أنسة، كان يتولى الحجامة، فأعتقه بالمدينة، وكان شهد بدرا، وكان حبشيا فصيحا.
1000- 33- أبو لبابة، كان لبعض عماته، فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
1001- 34- بجيل بن حبيب، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بلاد الطائف.
1002- 35- أبو البشر، له عقب.
ومنهم:
1003- 36- وفاق، وكان من أهل الطائف.
1004- وأما خدمه صلى الله عليه وسلم من الأحرار: فأنس بن مالك، وهند وأسماء ابنتا خارجة الأسلميتان.
(999) قوله: «أنسة» :
انظر التعليق المتقدم على: أنيسة برقم (980) .
(1002) قوله: «أبو البشر» :
كذا في الأصول، وفي المصادر الأخرى: أبو البشير.
(1003) قوله: «وفاق» :
ذكره أبو حفص الموصلي- تبعا للمصنف- في الوسيلة [6- ق 1/ 203] ، لم أر من ذكره غيرهما.(3/270)
[206- باب: في ذكر مواليات رسول الله صلى الله عليه وسلم]
206- باب: في ذكر مواليات رسول الله صلى الله عليه وسلم 1005- أخبرنا أبو سهل: بشر بن أحمد بن محمود بن أشرس الإسفراييني، التميمي رحمه الله، ثنا حمدان بن عمرو بن موسى الموصلي، ثنا غسان بن الربيع، ...
(1005) قوله: «ابن أشرس» :
آخره مهملة، الإمام المحدث الجوال، أحد مشايخ الحاكم أبي عبد الله، قال عنه: انتخبت عليه، وأملى زمانا من أصول صحيحة، قال الحافظ الذهبي: هو مسند وقته، كبير إسفرايين، وأحد الموصوفين بالشهامة والشجاعة.
سير أعلام النبلاء [16/ 228] ، الأنساب [2/ 516 الدهقان] ، النجوم الزاهرة [4/ 139] ، المنتخب من السياق [/ 171] ، الترجمة رقم 428، الشذرات [3/ 71] ، العبر [2/ 355] ، تاريخ الإسلام [وفيات سنة 370- ص: 436] .
قوله: «ثنا حمدان بن عمرو بن موسى الموصلي» :
الوزّان، أحد شيوخ الإسماعيلي صاحب المستخرج [2/ 629] ، ذكره في معجمه، ولم أقف له على كبير ترجمة تبين حاله.
قوله: «ثنا غسان بن الربيع» :
ابن منصور الأزدي، أبو محمد الغساني، موصلي، صالح الحديث، روى عنه أحمد بن حنبل، وابن معين وجماعة، قال الحافظ الذهبي: كان شيخا نبيلا صالحا ورعا، له نسخه مروية. اهـ. قال الدارقطني مرة: صالح، وضعفه في أخرى. -(3/271)
ثنا حماد، عن شعيب بن الحبحاب وعبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق صفية، وجعل عتقها صداقها.
1006- وروي عن عبد الله بن بريدة بن الحصيب، عن أبيه قال:
أهدى أمير القبط- وهو المقوقس، صاحب الإسكندرية- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريتين أختين وبغلة.
فكان صلى الله عليه وسلم يركب البغلة بالمدينة، واتخذ إحدى الجاريتين- وهي مارية القبطية- لنفسه فولدت له إبراهيم، وماتت بعده بخمس سنين في خلافة عمر سنة ست عشرة، ووهب الأخرى لحسان بن ثابت فولدت له عبد الرحمن بن حسان.
- الجرح والتعديل [7/ 52] ، تاريخ بغداد [2/ 329] ، المغني [2/ 506] ، الثقات [9/ 2] ، تاريخ الإسلام [وفيات سنة 226، ص: 314] ، البداية والنهاية [10/ 294] ، ضعفاء ابن الجوزي [2/ 246] ، الميزان [3/ 334] ، تعجيل المنفعة [/ 330] .
قوله: «ثنا حماد» :
هو: ابن سلمة، وما فوقه من رجال الصحيحين، والحديث فيهما، وقد تقدم.
(1006) قوله: «وروي عن عبد الله بن بريد» :
أخرجه الحافظ البزار في مسنده [2/ 393 كشف الأستار] رقم 1935، حدثنا محمد بن زياد، ثنا ابن عيينة، نثا بشير بن المهاجر، عنه بنحوه، تابعه حاتم بن إسماعيل، عن بشير، أخرجه الطبراني في الأوسط [4/ 333] رقم 3573، قال الهيثمي في مجمع الزوائد [4/ 152] :
رجالهما رجال الصحيح.
قوله: «أهدى أمير القبط» :
سنة ثمان.(3/272)
1007- وأم أيمن حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت سوداء، ورثها عن أمه، وكان اسمها بركة، فأعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوجها عبيد الخزرجي بمكة فولدت له أيمن، ثم هلك، فزوجها النبي صلى الله عليه وسلم من زيد بن حارثة، فولدت له أسامة أسود يشبهها، فأسامة وأيمن أخوان لأم.
1008- وريحانة بنت شمعون، غنمها من بني قريظة.
1009- وروضة.
1010- وسلمى، زوّجها مولاه أبا رافع.
1011- خضرة.
1012- ميمونة بنت سعد.
(1011) قوله: «خضرة» :
ذكرها أبو نعيم في المعرفة [6/ 3321] الترجمة 3862.
وأخرج ابن سعد في الطبقات [1/ 487] ، من طريقه ابن عساكر في تاريخه [4/ 221] ، جميعهم من حديث جعفر بن محمد عن أبيه، قال: كانت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم العضباء، وبغلته الشهباء وحماره يعفور وجاريته خضرة.
(1012) قوله: «ميمونة بنت سعد» :
ذكرها أبو نعيم في الصحابة [6/ 3442- 3443] ، الترجمة 4012، 4013، وقد فرق بعضهم بينهما وبين أخرى لم تنسب، قال أبو نعيم:
أفردها المتأخر عن الأولى، وهي عندي الأولى.(3/273)
[207- باب ذكر ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم وفاته من الثّياب والقمص والأزر والسّرير والصّاع والمدّ]
207- باب ذكر ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم وفاته من الثّياب والقمص والأزر والسّرير والصّاع والمدّ 1013- يقال: إنه صلى الله عليه وسلم ترك يوم مات ثوبي حبرة، وإزارا عمانيّا، وثوبين صحاريين، وقميصا صحاريّا، وآخر سحوليّا، وجبّة يمانية، وخميصة، وكساآ أبيض، وقلانس صغارا لاطئة ثلاثا أو أربعا، وإزارا طوله خمسة أشبار، وملحفة مورسة.
1014- وكان له صلى الله عليه وسلم سرير وقطيفة، وقصعة.
قوله: «ذكر ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم» :
أورد الحافظ أبو حفص الموصلي في الوسيلة ما يتعلق بهذا الباب نقلا عن المصنف في كتابه هذا، وقد أفرده بالتصنيف الحافظ حماد بن إسحاق في كتاب تركة النبي صلى الله عليه وسلم والسبل التي وجهها فيها.
وأخرج أبو نعيم في الحلية [5/ 326] ، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم [/ 174] ، من حديث عمرو بن مهاجر قال: كان متاع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عمر بن عبد العزيز في بيت ينظر فيه كل يوم، قال: وكان ربما اجتمعت إليه قريش فأدخلهم في ذلك البيت ثم استقبل ذلك المتاع فيقول: هذا ميراث من أكرمكم الله به وأعزكم الله به، قال: وكان سريرا مرمولا بشريط ومرفقة من آدم محشوة بليف، وجفنة، وقدح، وقطيفة صوف كأنها جرمقانية، قال:
ورحى وكنانة فيها أسهم، وكان في القطيفة أثر وسخ، فأصيب رجل فطلبوا أن يغسلوا بعض الوسخ فيسعط به، فذكر ذلك لعمر فسعط فبرأ.
وأخرج الواقدي من حديث ابن أبي سبرة، عن محمد بن أبي حرملة، عن عطاء، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت قريش بمكة وليس شيء-(3/274)
1015- وكان له صلى الله عليه وسلم صاع يكال بها في بيته، ويخرج بها زكاته، وكان يطعم بها الكفارات، ويأخذ بها الزكاة من الثمار والحبوب.
1016- وكان له صلى الله عليه وسلم مد، وهو الذي كفّر به عن أم ولده: طعام عشرة مساكين مدا مدا.
1017- وكان له صلى الله عليه وسلم محجن قدر الذراع أو نحوه يمشي به، وينكت به، ويعلقه بين يديه على بعيره ويأخذ به الشيء، ولقد استلم به الركن حين طاف على بعيره، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان محموما يومئذ.
- أحب إلينا من السرير ننام عليه، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ونزل منزل أبي أيوب قال صلى الله عليه وسلم: يا أبا أيوب، أما لكم سرير؟ قال: لا والله، فبلغ ذلك أسعد بن زرارة فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرير له عمود، وقدامه ساج مرسول بحزم- يعني: المسد-، فكان ينام عليه حتى تحول إلى منزلي وكان فيه فوهبه لي، فكان ينام عليه حتى توفي صلى الله عليه وسلم فوضع عليه، وصلي عليه وهو فوقه، فطلبه الناس منا يحملون عليه موتاهم، فحمل عليه أبو بكر وعمر والناس بعد طلبا لبركته.
قال الواقدي: أجمع أصحابنا- لا اختلاف بينهم- في أن سرير النبي صلى الله عليه وسلم اشترى ألواحه عبد الله بن إسحاق الإسحاقي- من موالي معاوية بن أبي سفيان- بأربعة آلاف درهم، فلما كان مروان- يعني على المدينة- منع أن يحمل عليه إلّا الرجل الشريف، وفرّق في المدينة سررا يحمل عليها الموتى، قال: وكان وسطه بليف منسوج.
وأخرج أبو الشيخ من حديث الحسن، عن أنس قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على سرير مرمل بالشريط ... الحديث.
(1017) قوله: «ولقد استلم به الركن حين طاف» :
أخرجاه في الصحيحين من حديث عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس.(3/275)
1018- لم يورث صلى الله عليه وسلم ولده وقال: إنا معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة.
قوله: «وذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان محموما» :
بوّب لذلك البخاري في صحيحه، فقال في كتاب الحج: باب المريض يطوف راكبا، وأخرج فيه حديث ابن عباس المشار إليه ليس فيه التصريح بمرضه، وكأنه أشار إلى حديث عكرمة عن ابن عباس عند أبي داود وفيه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته، كلما أتى على الركن استلم الركن بمحجن، فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين، رقم 1881.
(1018) قوله: «ما تركناه صدقة» :
هو في الصحيحين من حديث عائشة.(3/276)
[208- فصل: في ذكر أسماء سيوفه صلى الله عليه وسلم]
208- فصل: في ذكر أسماء سيوفه صلى الله عليه وسلم 1019- أخبرنا أبو عمرو: محمد بن جعفر بن محمد بن مطر، ثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن ناصح بن نومرد الدامغاني، ثنا محمد بن عمران الهمداني، ...
(1019) قوله: «ابن نومرد الدامغاني» :
لم أقف عليه فيما لدي من المصادر.
قوله: «محمد بن عمران الهمداني» :
هو الحافظ أبو بكر الكوفي، الخراز.
ذكره الخطيب في تاريخه وقال:
كتب إليّ أبو طاهر محمد بن محمد بن حسين المعدل من الكوفة يذكر أن أبا الحسن محمد بن أحمد بن سفيان الحافظ حدثهم قال: سنة إحدى وعشرين وثلثمائة: فيها مات أبو بكر محمد بن عمران بن موسى بن إسماعيل بن عبد الله بن مرداس الهمداني- من أنفسهم-، البغدادي الخراز، ويعرف بابن السوسي.
وكان شيخا نبيلا حسن الهيئة ثقة، كتب عنه ابن سعيد- يعني أبا العباس بن عقدة-، وأفاد عنه، وكان يكرمه إكراما شديدا، وكان قد صحب الحفاظ في طلبه للحديث، وكان يتولى شيئا من الوقوف، وأقام بالكوفة من سنة خمس وتسعين إلى سنة عشرين وثلثمائة، ثم خرج فمات ببغداد سنة إحدى وعشرين، وكان صاحب مذهب حسن، وكان ابن سعيد يحضنا عليه.
وانظر: تاريخ بغداد [3/ 135] ، تاريخ الإسلام [وفيات 321 ص 92] .(3/277)
ثنا القاسم بن الحكم بن كثير العرني، ثنا يعقوب بن إبراهيم أبو يوسف، عن محمد بن عبد الله، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: اسم راية النبي صلى الله عليه وسلم: ...
قوله: «ثنا القاسم بن الحكم بن كثير العرني» :
الهمداني، قاضيها، الحافظ الصدوق: أبو أحمد الكوفي، من رجال البخاري في الأدب المفرد، وأخرج له الترمذي أيضا، وثقه الإمام أحمد، وابن معين وأبو خيثمة، وابن نمير، والنسائي، وغيرهم، وقال أبو زرعة:
صدوق، وقال الذهبي في الكاشف: وثقوه، وقال ابن حجر: صدوق فيه لين!.
تهذيب الكمال [23/ 345] ، تهذيب التهذيب [8/ 279] ، الكاشف [2/ 335] ، التقريب [/ 449] .
قوله: «أبو يوسف» :
الأنصاري، الإمام الحافظ المجتهد قاضي القضاة، صاحب أبي حنيفة، لجده الأعلى سعد بن بجير صحبة، وكان أبو يوسف وزير الرشيد وزميله في حجه، وكان الرشيد يبالغ في إجلاله، قال الحافظ الذهبي: بلغ أبو يوسف من رياسة العلم ما لا مزيد عليه.
التاريخ الكبير [8/ 397] ، سير أعلام النبلاء [8/ 535] ، تاريخ بغداد [14/ 242] ، وفيات الأعيان [6/ 378] ، تذكرة الحفاظ [1/ 292] ، أخبار القضاة [3/ 254] ، تاريخ جرجان [/ 444] ، الجواهر المضية [2/ 220] ، الميزان [4/ 397] .
قوله: «محمد بن عبد الله» :
لم أعرفه، وقد خولف عن الحكم، خالفه إدريس بن يزيد الأودي فقال عنه، عن يحيى بن الجزار، عن علي بن أبي طالب، وقد تقدم تخريجه.(3/278)
العقاب، واسم درعه: ذات الفضول، واسم حماره: يعفور، واسم سيفه: ذو الفقار، واسم بغلته: الدلدل، واسم فرسه: ذو الجناح، واسم ناقته: القصواء.
1020- أما ذو الفقار، فكان سيفا أصابه من منبه بن الحجاج يوم بدر، وهو الذي شهد به الحروب، ...
قوله: «العقاب» :
روى ذلك أيضا: ابن سعد في الطبقات [1/ 486] ، من حديث علقمة بن أبي علقمة قال: بلغني أن اسم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو الفقار، واسم رايته:
العقاب، وأخرجه ابن عساكر من طريقه [4/ 225- 226] ، وأخرجه أيضا حماد بن إسحاق في تركة النبي صلى الله عليه وسلم [/ 103] ، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم [/ 154] ، وسيأتي في اسم نوقه صلى الله عليه وسلم من حديث زهير بن محمد.
قوله: «ذات الفضول» :
تقدم ذكرها، وأخرج ابن عساكر في تاريخه [4/ 215] ، من حديث ابن أبي سبرة، عن عبد الرحمن بن عطاء قال: كانت درع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات الفضول، أرسل بها سعد بن عبادة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سار إلى بدر، وسيف يقال له: العضب، فشهد بهما بدرا، حتى غنم سيفه ذا الفقار يوم بدر من منبه بن الحجاج.
(1020) قوله: «أصابه من منبه بن الحجاج يوم بدر» :
أخرجه الترمذي في السير، باب في النفل، رقم 1561، وابن ماجه في الجهاد، باب السلاح، رقم 2808، والواقدي في مغازيه [1/ 103] ، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم [/ 147] ، وابن سعد [1/ 485، 486] ، وابن عساكر في تاريخه، من حديث ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم تنفل سيفه ذا الفقار يوم بدر، وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد، وأخرجه ابن سعد-(3/279)
وكان له سيف ورثه عن أبيه، ...
- عن الزهري، عن ابن المسيب وفيه: فأقر رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غزا إلى بدر بسيف وهبه له سعد بن عبادة يقال له:
العضب، ودرعه ذات الفضول.
وأخرج ابن سعد في الطبقات [1/ 86] ، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم [/ 149] ، من حديث جابر الجعفي عن الشعبي قال: أخرج إلينا علي بن حسين سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قبيعته من فضة، وإذا حلقته التي يكون فيها الحمائل من فضة، وسللته فإذا هو سيف قد نحل كان لمنبه بن الحجاج السهمي اتخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه يوم بدر.
أخرجه ابن عساكر أيضا من طريق ابن سعد [4/ 216] .
وأخرج ابن عساكر [4/ 217] ، من حديث الأصمعي قال: دخلت على هارون الرشيد، فإني لجالس عنده في جماعة إذ قال: أريكم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الفقار؟ فقلنا: نعم يا أمير المؤمنين!! فقام فجاء به، فما رأيت شيئا قط أحسن منه، إذا نصب لم ير فيه شيء، وإذا بطح على الأرض عد فيه سبع فقر، وإذا هو صفيحة يمانية يحار الطرف فيه من حسنه.
وستأتي رواية ابن عساكر عند ذكر أسماء البغال والحمير أن سيفه ذا الفقار أهداه الحجاج بن علاط لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس هذا بمشهور.
قوله: «ورثه عن أبيه» :
أخرجه ابن سعد في الطبقات [1/ 485] من طريق الواقدي، وابن عساكر في تاريخه [4/ 214] من طريق محمد بن عثمان، كلاهما عن ابن أبي سبرة، عن عبد المجيد بن سهيل- زاد محمد بن عثمان في الإسناد:
عن عبد الرحمن بن عوف- قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في الهجرة بسيف كان لأبيه مأثورا.(3/280)
وله سيف يقال له: القضيب، وهو أول ما تقلد به من السيوف، وكان له العضب، والبتار، ومخذم، والرسوب، والقلعي، والحتف.
وقضيب يسمى الممشوق، ومنطقه من أديم منشور فيها ثلاث حلق، قوله: «يقال له القضيب» :
ذكر مغلطاي في الإشارة أنه قيل هو وذو الفقار واحد، وحكى الصالحي في السبل [7/ 583] : أنه أصابه صلى الله عليه وسلم من سلاح بني قينقاع.
قوله: «العضب والبتار» :
تقدم قريبا ذكر العضب، وأما البتار فأخرج ابن سعد في الطبقات [1/ 486] ، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه [4/ 217] ، من حديث مروان بن أبي سعيد المعلى قال: أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلاح بني قينقاع ثلاثة أسياف، سيف قلعي، وسيف يدعى: بتارا، وسيف يدعى: الحتف، وكان عنده بعد ذلك: رسوب، والمخذم أصابهما عند صنم طي.
قوله: «يسمى الممشوق» :
أخرج الطبراني في الكبير [11/ 111- 112] رقم 11208، وابن حبان في المجروحين [2/ 108] ، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات [1/ 293] ، من حديث علي بن عروة، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، وعمرو بن دينار، عن ابن عباس قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سيف قائمته من فضة، وقبعته من فضة، وكان يسمى: ذا الفقار، وكانت له قوس تسمى: السداد، وكانت له كنانة تسمى: الجمع، وكانت له درع موشحة بالنحاس تسمى: ذات الفضول، وكانت له حربة تسمى: النبعاء، وكان له مجن يسمى: الذقن، وكان له ترس أبيض، وكانت له بغلة شهباء يقال له: دلدل، وكانت له ناقة تسمى: القصواء، وكان له حمار يسمى:
يعفور، وكان له بساط يسمى: الكر، وكانت له عنزة تسمى: النمر، وكانت له ركوة تسمى: الصادر، وكانت له مرآة تسمى: المرآة، وكان له-(3/281)
والأبزيم والطرف من فضة.
- مقراض يسمى: الجامع، وكان له قضيب شوحط يسمى: الممشوق.
في إسناده علي بن عروة وهو ضعيف جدّا، لكن لا يصل حديثه إلى حد الوضع، لذلك تعقب الحافظ الذهبي في الميزان ابن الجوزي لقوله:
موضوع، فقال: كلا، ثم أورد طريق الطبراني.
قوله: «والأبزيم» :
الذي يكون في رأس المنطقه، وهو ذو لسان يدخل فيه الطرف الاخر، ويقال أيضا: هو الحلقة التي لها لسان يدخل في الخرق في أسفل المحمل ثم تعض عليها حلقتها، وقال بعضهم أيضا: الإبزيم حديدة تكون في طرف السرج يسرج بها، وقد تكون في طرف المنطقة.
وأشار إلى هذه المنطقة: الواقدي في المغازي [1/ 214] ، وأوردها ابن سيد الناس في العيون [2/ 416] ، والمقريزي في الإمتاع [7/ 158] .(3/282)
[209- فصل: في أسماء دروعه صلى الله عليه وسلم]
209- فصل: في أسماء دروعه صلى الله عليه وسلم 1021- ذات الفضول، والسعدية، والفضة، ويقال: كانت عنده صلى الله عليه وسلم قوله: «في أسماء دروعه» :
الدرع: القميص المتخذ من الزرد، وقد جاء وصف درعه صلى الله عليه وسلم في حديث أخرجه ابن سعد في الطبقات [1/ 487- 488] ، ومن طريقه ابن عساكر [4/ 222] : عن جابر الجعفي، عن الشعبي، قال: أخرج لنا علي بن الحسين درع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هي يمانية رقيقة ذات زرافين، إذا علقت بزرافينها لم تمس الأرض، وإذا أرسلت مست الأرض، وأخرج أيضا بإسناد صحيح من حديث جعفر بن محمد، عن أبيه قال: كان في درع النبي صلى الله عليه وسلم حلقتان من فضة عند موضع- قال عبد الله: الثدي، وقال خالد:
الصدر- وحلقتان خلف ظهره من فضة، قال خالد في حديثه عن جعفر:
قال أبي: فلبستها فخطت الأرض، أخرجه البيهقي في الدلائل [7/ 275] من وجه آخر أفضل منه من طريق أبي حاتم الرازي، ثنا ابن مرحوم العطاء، ثنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد، عن أبيه به.
وقد وردت تسميتها في حديث جعفر بن محمود عن محمد بن مسلمة، قال: رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد درعين: درعه ذات الفضول، والسعدية، أخرجه ابن سعد في الطبقات [1/ 487] من حديث الواقدي، ومن طريق ابن سعد أخرجه ابن عساكر في تاريخه [4/ 221- 222] .
(1021) قوله: «والسعدية» :
بالسين والعين المهملتين، وقيل: العين فيها معجمة، حكاه مغلطاي في الإشارة، وابن سيد الناس في العيون فقال: ويقال: السعدية كانت درع-(3/283)
درع داود النبي صلى الله عليه وسلم التي كان لبسها يوم قتل جالوت.
- داود التي لبسها لقتال جالوت.
وأخرج ابن عساكر [4/ 218] من طريق إسحاق بن إبراهيم بن نبيط بن شريط، عن أبيه، عن جده قال: كانت للنبي صلى الله عليه وسلم قوس تدعى الكتوم، كسرت يوم أحد، كسرها قتادة بن النعمان، ثم إنه أصاب من سلاح بني قينقاع ثلاثة أقسية تدعى: البهاء، والصفراء، والروحات، وكانت له صلى الله عليه وسلم درعان:
درع تدعى الصفرية، والأخرى تدعى فضة ... الحديث، زاد مغلطاي في أسماء أدرعه صلى الله عليه وسلم: ذات الوشاح، وذات الحواش، والبتراء، والخرنق، فهي ثمانيه عندنا؛ إذ لم يذكر مغلطاي ولا ابن سيد الناس: الصفرية.(3/284)
[210- فصل: في أسماء رماحه وألويته وترسه ومغفره وراياته صلى الله عليه وسلم]
21- فصل: في أسماء رماحه وألويته وترسه ومغفره وراياته صلى الله عليه وسلم 1022- المنثني، والمحجن، والعنزة- وهي حربة دون الرمح- كان صلى الله عليه وسلم يدعم عليها ويمشي بها في يده، وكانت تحمل بين يديه في العيدين أمامه يتخذها سترة يصلي إليها.
1023- وكانت له صلى الله عليه وسلم راية سوداء مخملة يقال لها: العقاب، (1022) قوله: «المنثني» :
وسماه غيره: المثني، والمثوي، أخرج ابن سعد في الطبقات [1/ 489] ، ومن طريقه ابن عساكر [4/ 216] ، من حديث الواقدي عن ابن أبي سبرة، عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى قال: أصاب رسول الله من سلاح بني قينقاع ثلاثة أرماح، فهي غير الاثنين، ولذلك عدهما ابن القيم في الزاد، وابن سيد الناس في العيون خمسة أرماح.
قوله: «والمحجن» :
كان قدر ذراع أو نحوه، يمشي ويركب به، ويعلقه بين يديه على بعيره، وفي رواية الطبراني [11/ 111- 112] أن اسمه الذقن.
قوله: «ويمشي بها في يده» :
قال ابن سيد الناس: وهي شبه العكاز، قال: وله حربتان: النبعة، ذكرها السهيلي، وحربة كبيرة اسمها: البيضاء، وفي رواية الطبراني المشار إليها أن اسمها: القمرة.
(1023) قوله: «يقال لها العقاب» :
أخرجه ابن سعد في الطبقات [1/ 486] ، ومن طريقه ابن عساكر-(3/285)
فربما جعلت من مروط عائشة رضي الله عنها، وكان لواؤه صلى الله عليه وسلم أبيض، وربما جعلت الألوية من خمر نسائه.
-[4/ 225] ، وحماد بن إسحاق في تركة النبي صلى الله عليه وسلم [/ 103] ، من حديث علقمة بن أبي علقمة: أنه بلغه ... وأخرجه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم [/ 154] : عن الحسن قال: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم تسمى: العقاب، وأخرج ابن عساكر [4/ 226] ، من حديث عمرو بن أبي سلمة، عن زهير بن محمد قال: اسم راية رسول الله صلى الله عليه وسلم: العقاب.
وأخرج ابن عساكر في تاريخه [4/ 224- 225] ، من حديث يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير مرثد، عن أبي هريرة قال: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعة قطيفة كانت لعائشة، فسألها فشقتها، وكان لواؤه صلى الله عليه وسلم أبيض، وكان يحملها سعد بن عبادة حتى يركزها في الأنصار في بني عبد الأشهل، وهي الراية التي دخل بها خالد بن الوليد من ثنية دمشق فسميت ثنية العقاب.
أخرجه أيضا ابن عدي في الكامل [3/ 31] في ترجمة خالد بن عمرو القرشي، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه [4/ 225] ، وابن سعد في الطبقات [1/ 486] .
وأخرج أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم [/ 152- 153] من حديث ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة، أظنه عن عائشة قالت: كان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض، وكانت رايته سوداء من مرط عائشة مرجل، وذكر ابن سيد الناس أن له راية بيضاء يقال لها: الزينة، وربما جعل فيها الأسود، وأخرج أبو داود في الجهاد بإسناد فيه مجهول عن صحابي قال:
رأيت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم صفراء.
وأخرج أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم [/ 153] من حديث أبي مجلز عن ابن عباس قال: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء، ولواءه أبيض مكتوب فيه: لا إله إلّا الله محمد رسول الله.(3/286)
وكان له صلى الله عليه وسلم مغفر يقال له: السّبوغ، وله ترس يسمى: الزّلق.
1024- وكان له صلى الله عليه وسلم قدح يقال له: الريّان، وقدح غيره يقال له:
المضبّب أكثر من نصف المد وأصغر من المد فيه ثلاث ضبات من فضة، وحلقه يعلق بها، للسفر كان صلى الله عليه وسلم يسقى فيه من استسقى.
1025- وكان له صلى الله عليه وسلم تور من حجارة يقال له: المخضب وكان قوله: «السّبوغ» :
ويقال له أيضا: ذا السبوغ، وآخر يقال له: الموشح.
قوله: «الزّلق» :
ويسمى أيضا: الزلوق، زاد مغلطاي وابن سيد الناس وغيرهما: الفتق، وأخرج ابن سعد في الطبقات [1/ 489] ، ومن طريقه ابن عساكر [4/ 222] من حديث ابن جابر، عن مكحول قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ترس فيه تمثال رأس كبش فكره النبي صلى الله عليه وسلم مكانه، فأصبح وقد أذهبه الله، وفي إمتاع المقريزي [7/ 153] من حديث الأوزاعي، عن ابن شهاب قال: أخبرني القاسم بن محمد، عن عائشة قالت: أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بترس فيه تمثال عقاب، فوضع يده عليه فأذهبه الله عزّ وجلّ.
(1024) قوله: «وحلقه يعلق بها» :
أخرجه ابن عساكر في تاريخه كما في تهذيب ابن منظور [2/ 366] .
وفي فرض الخمس من صحيح البخاري، باب ما ذكر من ورع النبي صلى الله عليه وسلم وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه من حديث أنس بن مالك أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة.
وذكر جماعة من أهل السير أيضا قدحا ثالثا يسمى مغيثا.
(1025) قوله: «بضعة وثمانون رجلا» :
أخرجاه في الصحيحين من حديث أنس قال: حضرت الصلاة فقام من كان قريب الدار إلى أهله، وبقي قوم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخضب من حجارة-(3/287)
كثيرا ما يتوضأ منه، ولقد توضأ صلى الله عليه وسلم منه يوما فاحتاج الناس إلى الوضوء فأقبلوا إليه، فأذن لهم أن يتوضؤوا منه، فتوضأ منه يومئذ من ذلك المخضب بضعة وثمانون رجلا.
1026- وكان له صلى الله عليه وسلم قدح من خشب، وقدح من زجاج، وكان له مطهرة من فخار يتوضأ فيها ويشرب.
- فيه ماء، فصغر المخضب أن يبسط فيه كفه، فتوضأ القوم كلهم، قلنا:
كم كنتم؟ قال: ثمانين وزيادة، لفظ البخاري في الوضوء، باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح والخشب والحجارة.
(1026) قوله: «قدح من خشب» :
أخرج أبو داود في الطهارة برقم 24، والنسائي كذلك برقم 32، والطبراني في معجمه الكبير [24/ 189] ، والبيهقي في الكبرى [1/ 99] ، جميعهم من حديث أميمة قالت: كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان يبول فيه ويضعه تحت السرير، صححه ابن حبان برقم 1426، والحاكم في المستدرك [1/ 167] ، وفسر الحافظ: العيدان بنوع من الخشب.
وأخرج الترمذي في الشمائل برقم 188، والبخاري في تاريخه [1/ 184] ، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم [/ 238] من طرق عن أنس: أنه أخرج إليهم قدحا من خشب وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يشرب فيه ويتوضأ، وفي رواية: هذا قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن طريق الترمذي والبخاري، أخرجه البغوي في الأنوار برقم 1020، 1021، وأصله في صحيح البخاري، كتاب الأشربة من حديث عاصم الأحول قال: رأيت قدح النبي صلى الله عليه وسلم عند أنس بن مالك، وكان قد انصدع فسلسله بفضة، قال: وهو قدح جيد عريض من نضار.
قوله: «وقدح من زجاج» :
أخرج ابن سعد في الطبقات [1/ 485] ، وابن ماجه في الأشربة، باب الشرب في الزجاج، برقم 3435، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم-(3/288)
1027- وكان الأنصار يرسلون أولادهم الصغار فيدخلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يدفعون عنه، فإذا وجدوا في المطهرة ماء شربوا منه ومسحوا به وجوههم وأجسادهم يبتغون بذلك البركة.
1028- وكان له صلى الله عليه وسلم مخضب من شبه، يكون فيه الحناء والكتم، توضع على رأسه من الحر الذي يجده صلى الله عليه وسلم.
-[/ 238] ، والبغوي في الأنوار برقم 1026 من حديث ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس أن صاحب اسكندرية بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح قوارير، فكان صلى الله عليه وسلم يشرب فيه، في إسناده مندل بن علي وهو ضعيف.
(1027) قوله: «يبتغون بذلك البركة» :
أخرجه الحافظ أبو حفص الموصلي في الوسيلة تبعا للمصنف [6- ق- 1/ 90] .
(1028) قوله: «من شبه» :
هو النحاس، وباللفظ المذكور أخرجه ابن عساكر كما في تهذيب ابن منظور [2/ 366] .
وأصله عند الإمام البخاري في الوضوء من صحيحه، باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح والخشب والحجارة من حديث عبد الله بن زيد قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجنا له ماء في تور من صفر فتوضأ فغسل وجهه ثلاثا ...
الحديث. وأخرجه أيضا الدارمي في مسنده وخرجناه هناك تحت رقم 739.(3/289)
[211- فصل: في أسماء قسيّه صلى الله عليه وسلم]
211- فصل: في أسماء قسيّه صلى الله عليه وسلم الروحاء، والبيضاء، والصفراء، والكتوم- كسرت يوم أحد-.
1029- وروي أنه كان بيده صلى الله عليه وسلم قوس عربية فرأى رجلا بيده قوس فارسية فقال صلى الله عليه وسلم: ما هذه؟ ألقها، عليكم بهذه وأشباهها.
1030- وكانت له صلى الله عليه وسلم الجعبة، تسمى الكافور.
قوله: «الروحاء» :
أخرج الثلاثة الأولى: ابن سعد في الطبقات [1/ 489]- ومن طريقه ابن عساكر [4/ 215]-، عن شيخه الواقدي: أخبرنا أبو بكر بن أبي سبرة، عن مروان بن أبي سعد بن المعلى قال: أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلاح بني قينقاع ثلاثة أرماح ... فذكرها، زاد ابن عساكر [4/ 216] : والكتوم.
والرواية في مغازي الواقدي [1/ 178] ، في غزوة بني قينقاع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من سلاحهم ثلاث قسي، فذكر الكتوم بدل الصفراء، وقال: كسرت يوم أحد، وزاد مغلطاي، وابن سيد الناس، وابن القيم في أسماء قسيه: الزوراء، والسداد، فهي على هذا ستة.
(1029) قوله: «وروي أنه كان بيده قوس عربية» :
هو طرف من الحديث الاتي برقم: 1061.
(1030) قوله: «الجعبة» :
هي الكنانة التي يجمع فيها النبل، وقد أخرجها ابن عساكر في تاريخه [2/ 365 تهذيب ابن منظور] ، وذكر أن نبله صلى الله عليه وسلم يسمى: المويصلة، وقال غيره: الموصلة، والمتصلة، والمؤتصلة.(3/290)
[212- فصل: ذكر خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم]
212- فصل: ذكر خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم 1031- حدثنا أبو عمر: محمد بن سهل بن هلال البستي بمكة حرسها الله، ثنا أبو قتيبة: سلم بن الفضل بن سهل الأدمي، ثنا أبو جعفر:
محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا عبد الحميد بن صالح، ثنا حبان بن علي، عن إدريس الأودي، عن الحكم، ...
(1031) قوله: «ثنا عبد الحميد بن صالح» :
البرجمي، المحدث الصدوق، أبو صالح الكوفي، من رجال النسائي، لا بأس به.
تهذيب الكمال [16/ 440] ، تهذيب التهذيب [6/ 106] ، التقريب [/ 333] ، والكاشف [2/ 134] .
قوله: «ثنا حبان بن علي» :
العنزي، أبو علي الكوفي، أحد الضعفاء الذين يعتبر بهم، ويخرج لمثله في هذا الباب، وهو من رجال ابن ماجه.
تهذيب الكمال [5/ 339] ، تهذيب التهذيب [2/ 151] ، الكاشف [1/ 143] ، التقريب [/ 149] الترجمة رقم 1076، والكامل لابن عدي [2/ 833] ، طبقات ابن سعد [6/ 381] ، التاريخ الكبير [3/ 307] ، تاريخ بغداد [8/ 255] ، الميزان [1/ 449] .
قوله: «عن إدريس الأودي» :
هو إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي، الحافظ الثقة المتقن:
أبو عبد الله الكوفي، من رجال الكتب الستة المتفق عليهم. انظر عنه في: -(3/291)
عن يحيى بن الجزار، عن علي رضي الله عنه قال: كان حمار رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى: عفيرا، وبغلته: دلدل، وفرسه: المرتجز، وناقته: القصواء، ودرعه: ذات الفضول، وسيفه: ذو الفقار.
- تهذيب الكمال [2/ 299] ، تهذيب التهذيب [1/ 171] ، الكاشف [1/ 54] ، إكمال مغلطاي [1/ 28] ، التقريب [/ 97] الترجمة رقم 296، والثقات [6/ 78] .
قوله: «عن يحيى بن الجزار» :
العرني، لقبه: زبّان، كوفي ثقة، حديثه عند الجماعة سوى البخاري، وقد رمي بالتشيع.
تهذيب الكمال [31/ 251] ، تهذيب التهذيب [11/ 168] ، الكاشف [3/ 221] ، التقريب [/ 588] .
قوله: «وسيفه: ذو الفقار» :
وفي الإسناد من قد رأيت، وهو معضود بشواهد أخرى بعضها في الصحيح وبعضها بإسناد جيد.
* تابع أبا جعفر عن عبد الحميد:
1- العباس بن محمد الدوري، أخرجه من طريقه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم [/ 150، 159] .
2- إبراهيم بن الوليد، أخرجه من طريقه الحافظ ابن عساكر في تاريخه [4/ 219] .
3- إسماعيل بن إبراهيم، أخرجه البيهقي في الدلائل [7/ 278] .
* وتابع عبد الحميد، عن حبان:
1- إسحاق بن إبراهيم الضبي، أخرجه الحافظ ابن عساكر في تاريخه [4/ 220] .
2- إبراهيم بن إسحاق الجعفي، أخرجه ابن عساكر في تاريخه [4/ 220] . -(3/292)
قال الأستاذ أبو سعد رحمه الله:
1032- كان فرس رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى: السّكب، اشتراه من فزاري وسماه سكبا، وكان تحته يوم أحد.
-* خالف محمد بن عبد الله إدريس الأودي فقال: عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس ... نحوه، تقدم عند المصنف في أسماء سيوفه صلى الله عليه وسلم برقم 1019.
* نعم، وقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بإسناد أمثل من هذا، فأخرجه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم [/ 159- 163] ، والبيهقي في الدلائل [7/ 278] ، ومن طريقه ابن عساكر في التاريخ [4/ 220] ، من حديث ابن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد بن عبد الله اليزني، عن عبد الله بن زرير، عن علي به، إسناده على شرط أهل السنن، غير أن محمد بن حميد الرازي ممن يضعف في الحديث، مع صلاحه وفضله، وهو صالح في الشواهد والفضائل والسير إن شاء الله.
(1032) قوله: «اشتراه من فزاري» :
أخرج ابن سعد في الطبقات [1/ 489] ، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه [4/ 227] ، من حديث شيخه الواقدي، عن ابن أبي خثمة، عن أبيه قال:
أول فرس ملكه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرس ابتاعه بالمدينة من رجل من بني فزارة بعشر أواق، وكان اسمه عند الأعرابي: الضرس فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم:
السكب، فكان أول ما غزا عليه أحد، ليس مع المسلمين يومئذ فرس غيره، وفرس لأبي بردة بن نيار يقال له: ملاوح، وقد أشار إلى بعض ذلك ابن قتيبة في المعارف [/ 149] .
وأخرج ابن سعد أيضا من حديث الواقدي، عن عبد الحميد بن جعفر، عن يزيد بن أبي حبيب قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرس يدعى السكب، معضل، وفيه الواقدي. -(3/293)
1033- وفرسه: المرتجز، اشتراه صلى الله عليه وسلم من أعرابي من بني تميم ثم جحده وقال: من يشهد لك؟ فشهد له خزيمة بن ثابت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
كيف تشهد على ما لم تحضر؟ فقال: نصدقك في علم السماء، ولا نصدقك على ما في الأرض؟! فسماه النبي صلى الله عليه وسلم: ذا الشهادتين.
- وأخرج أيضا من حديث أبي بكر بن أبي أويس، عن سليمان بن بلال، عن علقمة بن أبي علقمة قال: بلغني أن اسم فرس النبي صلى الله عليه وسلم السكب، وكان أغرّ محجلا طلق اليمين، زاد ابن حبيب في أخبار قريش [/ 511] :
وكان كميتا، زاد ابن الأثير: أدهم.
قال أبو منصور الثعالبي: إذا كان الفرس خفيف الجري سريعه فهو فيض وسكب، شبه بفيض الماء وسكبه، قال: وبه سمي أحد أفراس النبي صلى الله عليه وسلم.
(1033) قوله: «وفرسه المرتجز» :
سمي بذلك لحسن صوت صهيله، كان إذا صهل كأنه ينشد رجزا، وأخرج ابن سعد في الطبقات [1/ 490] ، ومن طريقه ابن عساكر [4/ 227] من حديث مقسم، والطبراني في الأوسط [8/ 255] رقم 7511، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم [/ 159] ، من حديث سعيد بن جبير، كلاهما عن ابن عباس قال: كان لرسول الله فرس يقال له: المرتجز، في إسناد ابن سعد:
الواقدي، وفي إسناد الطبراني وأبي الشيخ: الشاذكوني، لهما متابع بإسناد جيد عند ابن عساكر [4/ 227] ، ويقويه أيضا: قول أهل السير: أن المرتجز هو الذي شهد فيه خزيمة بن ثابت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإسناد هذه القصة مخرجة في السنن: أخرج ابن سعد في الطبقات [1/ 490] من حديث الواقدي قال: سألت محمد بن يحيى بن سهل بن أبي خثمة عن المرتجز فقال: هو الفرس الذي أشتراه- يعني النبي صلى الله عليه وسلم- من الأعرابي الذي شهد له فيه خزيمة بن ثابت، وكان الأعرابي من بني مرة، -(3/294)
1034- وفرسه صلى الله عليه وسلم: الضرس.
1035- وكان له صلى الله عليه وسلم فرس يقال له: لزاز، أهداه إليه المقوقس ملك القبط، فأعجب به صلى الله عليه وسلم، وكان يركبه، في أكثر غزواته، وفرس يقال- أشار إلى هذا المصنف، وتبعهم أهل الحديث والمغازي والسير، منهم ابن سيد الناس، وابن القيم في الزاد.
وقد أخرج القصة جماعة، منهم من يختصرها ومنهم من يوردها بطولها، فأخرجها أبو داود في الأقضية، باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد، رقم 360، والنسائي في البيوع، باب التسهيل في ترك الإشهاد في البيع، رقم 4661، والبخاري في تاريخه [1/ 86- 87] ، والطبراني في معجمه الكبير [4/ 101] رقم 373، والحافظ عبد الرزاق في المصنف [8/ 366] ، وبعضهم يزيد على بعض، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع فرسا من أعرابي فاستتبعه النبي صلى الله عليه وسلم ليقبضه ثمن فرسه، فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم المشي وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس ولا يشعرون أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاعه، فنادى الأعرابي النبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت مبتاعا هذا الفرس وإلا بعته ... الحديث، صححه الحاكم في المستدرك [2/ 18] .
(1034) قوله: «الضرس» :
تقدم أنه عين السكب، كان اسمه عند الأعرابي صاحبه الأول- قبل أن يشتريه النبي صلى الله عليه وسلم ويغير اسمه- الضرس، وإذا ثبت هذا فعده في خيول النبي صلى الله عليه وسلم مع السكب ذهول عن اسم السكب الأول.
(1035) قوله: «لزاز» :
بزايين، الأولى خفيفة، قيل: سمي بذلك لشدة تلززه- أي لصوقه- واجتماع خلقه، أخرج ابن سعد في الطبقات [1/ 490] ، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه [4/ 227] ، من حديث الواقدي قال: أخبرنا أبيّ بن-(3/295)
له: الظّرب، وفرس يقال له: الورد، أهداه تميم الداري فدفعه إلى- عباس بن سهل، عن أبيه، عن جده قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندي ثلاثة أفراس: لزاز والظرب واللحيف.
تابعه معن بن عيسى عن أبي، أخرجه ابن عساكر في تاريخه [4/ 226] ، وحديث معن هذا قد أخرجه البخاري في الجهاد والسير، باب اسم الفرس والحمار، لكنه اقتصر على اللحيف فقط وقال: وقال بعضهم: اللخيف.
وأخرجه الطبراني في معجمه الكبير [6/ 156] رقم 5729، وابن منده- فيما ذكره الحافظ في الفتح- من حديث عبد المهيمن أخي أبيّ عن أبيه عن جده به.
قلت: وتمام حديث الواقدي: أما لزاز فأهداه له المقوقس، وأما الظرب فأهداه له فروة الجذامي، وأما اللحيف فأهداه له ربيعة بن أبي البراء فأثابه عليه فرائض من نعم بني كلاب.
قوله: «الظرب» :
ضبطه النووي في تهذيب الأسماء وغيره بفتح المعجمة، بعدها راء مكسورة، قيل: هو الكريم من الخيل، وقيل: الظرب واحد الظراب، وهي الروابي الصغار، سمي بذلك لكبره وسمنه، وقيل: لقوته وصلابته، ومنه قولهم في حوافر الدابة إذا اشتدت وقويت: ظربت حوافرها، وتقدمت الرواية بأن فروة الجذامي أهداها للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد وقعت في روايات لابن عساكر بلفظ الجمع.
قوله: «وفرس يقال له الورد» :
هو لون بين الكميت والأشقر.
قوله: «أهداه تميم الداري» :
أخرجه ابن سعد في الطبقات [1/ 490] ، وزاد: فحمل عليه عمر في سبيل الله فوجده يباع، وفي الصحيحين أنه أراد أن يشتريه فسأل النبي صلى الله عليه وسلم-(3/296)
عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفرسه ملاوح، كان لأبي بردة بن نيار، وفرس يقال له: اللحيف، أهداه فروة بن عمرو الجذامي.
1036- وكان له صلى الله عليه وسلم فرس يقال له: سبحة، جاءت سابقة- عن ذلك فقال: لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم واحد، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه، لفظ البخاري في الهبة.
قوله: «وفرسه ملاوح» :
هو العظيم الألواح، السريع العدو، الضامر القليل اللحم الذي لا يسمن، ويقال له أيضا: الملواح، وقد حكى ابن سيد الناس في وصفه ما حكى في وصف السكب، وقد تقدم.
قوله: «اللحيف» :
تقدم عن البخاري قوله: وقال بعضهم: اللخيف، ومن قال بالمهملة فسره بطول ذنبه، فعيل بمعنى فاعل كأنه يلحف الأرض بذنبه، وحكى ابن الجوزي في تلقيح الفهوم [/ 39] أنه قيل فيه أيضا: النحيف، وأشار إلى هذا النووي في تهذيب الأسماء، وقال ابن الأثير: ويروى بالجيم.
قوله: «أهداه فروة بن عمرو الجذامي» :
كذا يقول المصنف، وتبعه أبو حفص الموصلي في الوسيلة [6- ق 1/ 205] ، وكذلك قال ابن أبي خيثمة- فيما ذكره الحافظ في الفتح-، وقد نقلت لك عن ابن سعد أن الذي أهداه فروة هو الظرب، وأما اللحيف فأهداه ربيعة بن أبي البراء المعروف أبوه بملاعب الأسنة، فالله أعلم.
(1036) قوله: «يقال له: سبحة» :
خرجنا حديثه في فتح المنان شرح مسند أبي محمد: عبد الله بن عبد الرحمن، كتاب الجهاد، باب في رهان الخيل رقم 586، من حديث-(3/297)
فسبح عليها فسميت سبحة.
1037- وكان فرسه صلى الله عليه وسلم: السجل.
1038- وفرسه: البحر، اشتراه من تجار قدموا من اليمن فسبق عليه ثلاث مرات، فجثا صلى الله عليه وسلم على ركبته ومسح وجهه، وقال: ما أنت إلّا بحر.
- أنس رضي الله عنه وفيه: لقد راهن رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس يقال له: سبحة، فسبق الناس فانبهش لذلك وأعجبه، وهو عند الإمام أحمد، وابن أبي شيبة وغيرهما كما بيناه هناك.
قوله: «فسبح عليها» :
قال ابن بنين في وصفها: هي فرس شقراء ابتاعها النبي صلى الله عليه وسلم من أعرابي من جهينة بعشر من الإبل، وسابق عليها يوم خميس، ورد الخيل بيده، ثم خلى عنها وسبح عليها، فأقبلت الشقراء حتى أخذ صاحبها العلم، وهي تغبر في وجوه الخيل فسميت سبحة. اهـ.
وقال غيره: إنما هي من قولهم: فرس سابح، إذا كان حسن مد اليدين في الجري، وسبح الفرس: جريه إذا علا علوا في اتساع.
(1037) قوله: «السّجل» :
ضبطه بعضهم بكسر المهملة، وسكون الجيم، قال الدمياطي: كذا ألفيته مضبوطا، فإن كان محفوظا غير مصحف فلعله مأخوذ من قولك سجلت الماء فانسجل، أي: صببته فانصب، وأسجلت الحوض ملأته.
(1038) قوله: «وفرسه البحر» :
الظاهر أنه غير المندوب الذي استعاره النبي صلى الله عليه وسلم من أبي طلحة المشار إليه في حديث أنس الاتي، قال الدمياطي: الظاهر أنه الأدهم، وقال أبو منصور الثعالبي: إذا كان الفرس لا ينقطع ماؤه يسمى بحرا، قال: وأول من تكلم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في وصف فرس ركبه.(3/298)
1039- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا لأبي طلحة عريا، ثم خرج يركض وحده، فركب الناس يركضون خلفه، فقال صلى الله عليه وسلم: إنه لبحر.
قال: فو الله ما سبق بعد ذلك اليوم.
1040- وأصاب صلى الله عليه وسلم فرسا جميلا في غزوة تبوك فأعجبه صهيله، ووقع منه كل موقع، فقال له رجل من الأنصار: بأبي أنت وأمي لو وهبت لي هذا الفرس، فقال: هو لك، ولكن إن استطعت أن لا تزال تنزل قريبا مني، فإن صهيله قد كان يعجبني.
(1039) قوله: «عن أنس بن مالك» :
أخرجه الشيخان من طرق، فأخرجه البخاري في الهبة، باب من استعار من الناس الفرس، رقم 2627، وفي الجهاد، باب الشجاعة في الحرب والجبن، رقم 2820، وفي باب اسم الفرس والحمار، رقم 2857، وفي باب الركوب على الدابة الصعبة رقم 2862، وفي باب ركوب الفرس العري، رقم 2866، وفي باب الفرس القطوف، رقم 2867، وفي باب الحمائل وتعليق السيف بالعنق، رقم 2908، وفي باب مبادرة الإمام عند الفزع، رقم 2968، وفي باب السرعة والركض في الفزع، رقم 2969، وفي باب إذا فزعوا بالليل، رقم 3040، وأخرجه في الأدب، باب حسن الخلق والسخاء، رقم 6033، وفي باب المعاريض مندوحة عن الذب، رقم 6212.
وأخرجه مسلم في الفضائل، باب في شجاعة النبي، رقم 2307 (49- وما بعده) .
(1040) قوله: «قد كان يعجبني» :
أخرجه الحافظ أبو حفص الموصلي في الوسيلة [6- ق 1/ 206] تبعا للمصنف، إلّا أنه قال: أهداه له رجل من خزاعة، وتمامه عنده: فلما قدم-(3/299)
.........
- المدينة فقد صهيله فسأل عنه صاحبه فقال: خصيته، فقال صلى الله عليه وسلم: مه! فإن الخير في نواصي الخيل إلى يوم القيامة، فاتخذوا من نسلها، وباهوا بصهيلها المشركين، أعرافها أدفاؤها، وأذنابها مذابها، فو الذي نفسي بيده إن الشهداء ليأتون يوم القيامة بأسيافهم على عواتقهم، لا يمرون بأحد من الأنبياء إلّا تنحى عنهم حتى يجلس على منابر من نور فيقال: من هؤلاء؟ فيقال: هؤلاء الذين أهرقوا دماءهم لرب العالمين.
قلت: وقد اختلفت طريقة أهل السير في عد الخيل التي كانت للنبي صلى الله عليه وسلم، فمنهم من لم يلتفت إلى طريقة الجمع فيما تعددت الأسماء فيه من الخيول، كالسكب الذي كان اسمه قبل أن يشتريه: الضرس، أو اختلف في ضبط اسمه كاللحيف واللخيف والنجيب وكلها لواحد، وقد قيل في الضرس: الضريس، حتى أدخل بعضهم ما ركبه وليس له كالمندوب الذي استعاره صلى الله عليه وسلم من أبي طلحة يوم فزع أهل المدينة وقال فيه: إن وجدناه لبحرا، حتى بلغ بها بعضهم سبعا وعشرين فرسا، فذكر: السكب، واللحيف، والسبحة، والظرب- وفي بعض الروايات: الظراب- واللزاز، والمرتجز، والورد، والأبلق، وذا العقال، وذا اللمة، والمرتجل، والمرواح، والبحر، والسرحان، واليعسوب، واليعبوب، والضرس، والمندوب، والطرف، والنجيب، والأدهم، والشحاء، والسجل، وملاوح، والضريس- ذكره السهيلي- والكميت، ومسروح.
وسيأتي في أسماء سيوفه عند المصنف: ذو الجناح، فهذا مجموع ما ذكره ابن سيد الناس، ومغلطاي، والصالحي، ثم حكى ابن سيد الناس:
عن شيخه الحافظ أبي محمد الدمياطي الاتفاق على السبعة الأولى، وكذا ذكر الاتفاق عليها ابن القيم في الزاد، والحافظ العراقي ونظموا في ذلك أبياتا، فعن أبي الفضل عبد الرحيم العراقي:
خيل النبي عدة لم تختلف ... في السبع الاولى كلها مركوب
-(3/300)
1041- وكان صلى الله عليه وسلم يمسح وجوه خيله بطرف كمه بيده، وربما مسحها بطرف ردائه.
- سكب لزاز ظرب مرتجز ... ورد الخيل سبحة مندوب
أبلق ذو العقال بحر ضرس ... مرتجل ذو اللمة اليعسوب
أدهم سرحان الشحا مراوح ... سجل نجيب طرف اليعبوب
ملاوح عدة أربعة تلي ... عشرين لم يحظ بها مكتوب
وعن أبي الفتح ابن سيد الناس:
لم يزل في حربة ... ذا ثبات وثبات
ومضاء قصرت عنه ... مواضي المرهفات
كلفا بالطعن والضرب ... وحب الصافنات
من لزاز ولحيف ... ومن السكب المؤات
ومن المرتجز السابق ... سبق الذاريات
ومن الورد ومن سبحة ... مثل العاديات
وعن ابن جماعة:
والخيل سكب لحيف سبحة ظرب ... لزاز مرتجز ورد لها أسرار
(1041) قوله: «وربما مسحها بطرف ردائه» :
أخرجه مالك في الموطأ من حديثه عن يحيى بن سعيد الأنصاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤي يمسح وجه فرسه بردائه، فسئل عن ذلك فقال: إني عوتبت الليلة في الخيل، قال ابن عبد البر في التمهيد [24/ 100] : وهكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة رواته فيما علمت، وقد روي عن مالك مسندا، عن يحيى بن سعيد عن أنس، ولا يصح، ثم ساقه بإسناده إلى عبد الله بن عمرو الفهري، عن مالك، وقال في موضع آخر: لا أعلمه يسند إلّا في حديث من لا يوثق به عن مالك، ولا يصح عنه إلّا كما في الموطأ.
قلت: رواه يحيى القطان، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن رجل من الأنصار به، أخرجه مسدد في مسنده، قال البوصيري في إتحاف الخيرة-(3/301)
.........
-[6/ 292] : هذا إسناد رجاله ثقات.
نعم، ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده من حديث جرير بن حازم عن الزبير ابن الخريت، عن نعيم بن أبي هند الأشجعي قال: رؤي النبي صلى الله عليه وسلم يمسح خد فرسه فقيل له في ذلك فقال: إنّ جبريل عاتبني في الفرس، ومن طريق أبي داود أخرجه ابن عبد البر في التمهيد [24/ 101] وهذا أيضا مرسل، خالفه سعيد بن زيد فأسنده عن الزبير، عن نعيم، عن عروة البارقي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه أبو داود في مسنده عقب الذي قبله.
وقال الحارث بن أبي أسامة في مسنده [2/ 675- 676 بغية الباحث] رقم 651: حدثنا العباس بن الفضل، ثنا عبد الوارث بن سعيد، ثنا يونس بن عبيد، عن عمرو بن سعيد، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح وجه فرسه بكمه.
ومن طريق الحارث أخرجه أبو عوانة في المستخرج [5/ 13] إلّا أنه قال: يلوي ناصية فرسه بيده وزاد: فقلت له، قال: الخيل معقود في نواصيها الخير.
قلت: العباس بن الفضل شيخ الحارث ضعفه الجمهور، لكن تابعه غير واحد عند أبي عوانة على اللفظ الذي أخرجه في مستخرجه.
وروى ابن سعد في الطبقات [1/ 490- 491] من حديث الليث بن سعد، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن أبي عبد الله واقد أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إلى فرس له فمسح وجهه بكم قميصه ... الحديث إسناده على شرط الشيخين إلّا أنه مرسل.
هذا، وفي الحديث من إكرام الفرس والخيل ما لا يخفى، والأمر بالمسح على ناصيته جاء من رواية أبي وهب الجشمي عند النسائي في الخيل، باب ما يستحب من شية الخيل، رقم 3565 وفيه: ارتبطوا وامسحوا بنواصيها، وأكفالها وقلدوها.. الحديث، رواه غيره مختصرا، ليس فيه الشاهد، منهم أبو داود في الأدب، والبخاري في تاريخه وغيرهما.(3/302)
[213- فصل: ذكر أسماء البغال والحمير الّتي أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والّتي كان يركبها]
213- فصل: ذكر أسماء البغال والحمير الّتي أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والّتي كان يركبها 1042- قال ابن عباس رضي الله عنه: ولقد أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بغلته الشهباء، فركبها وأردفني خلفه.
1043- قال ابن عباس: وأهدى إليه ملك الروم بغلة، فجعلنا لها (1042) قوله: «بغلته الشهباء» :
لم يبين في الرواية اسم مهديها، وقد روى غير واحد عن ابن عباس تعدد إهداء الشهباء، ووقع في بعض الطرق أنها كانت بيضاء، ثم سميت في أخرى بالدلدل، فكان ذلك وجه من قال بالجمع بينهما وأنها واحدة.
فأخرج ابن عساكر في تاريخه [4/ 213] ، من حديث الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس: أن الحجاج بن علاط أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار، وأن دحية الكلبي أهداه بغلته الشهباء.
وأخرج ابن سعد في الطبقات [1/ 491] ، من حديث عبد القدوس، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة شهباء، فهي أول شهباء كانت في الإسلام فبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زوجته أم سلمة فأتيته بصوف وليف، ثم فتلت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم لها رسنا وعذارا، ثم دخل البيت فأخرج عباءة مطرفة فثناها، ثم ربّعها على ظهرها، ثم سمى وركب، ثم أردفني خلفه.
لم يبين اسم المهدي، وبينه المصنف في روايته التالية، وانظر التعليق عليها.
(1043) قوله: «وأهدى إليه ملك الروم» :
هكذا في الأصول، وقد أخرج الحديث الحاكم في المستدرك [3/ 541] ، -(3/303)
رسنا من صوف وشعر فرشتها به، ثم دعا بعباءة فثناها، ثم طرحها على ظهرها، ثم ركب وأردفني فسار هنيهة ثم حرك رأسه فقال: يا غلام لو اجتمع من في السماوات ومن في الأرض على أن ينفعوك بغير ما كتب الله لك لم يقدروا على ذلك، ولو اجتمع من في السماوات ومن في الأرض على أن يضروك بغير ما كتب الله لم يقدروا على ذلك، فقلت: يا رسول الله فكيف لي أن أكون على ذلك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك.
- وفيه أن الذي أهداه إياه ملك كسرى، قال الحافظ الدمياطي: وهذا بعيد، لأن كسرى مزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر عامله على اليمن أن يقتل النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن سيد الناس في العيون: ولا يثبت- يعني: الحديث-؛ أما الصالحي فقال في سبل الهدى: يحتمل أن يكون الذي أرسلها ولد المقتول. اهـ، وهو بعيد أيضا.
قال الحاكم عقب إخراجه للحديث: هذا حديث كبير عال من حديث عبد الملك بن عمير، عن ابن عباس، إلّا أن الشيخين رضي الله عنهما لم يخرجا لشهاب ابن خراش ولا للقداح في الصحيحين. اهـ. وعلل الذهبي عدم إخراجهما؛ بأن القداح- قال أبو حاتم: - متروك، والاخر مختلف فيه، قال: وعبد الملك لم يسمع من ابن عباس فيما أرى.
قال أبو عاصم: في لفظ هذا الحديث نكارة، وقد روي طرفاه بأسانيد صحيحة وحسنة، فقد أخرج طرفه الأول أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم [/ 162] بإسناد على شرط الصحيح، من طريق محمد بن زياد، عن سفيان، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال: أهدى النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة، فكان يركبها، وبعث إليه بقدح وكان يشرب فيه.
وأما طرفه الاخر فأخرجه الإمام أحمد في المسند [1/ 138، 303، -(3/304)
قال أبو سعد رحمه الله:
1044- كانت البغلة التي يقال له دلدل أهداها إليه المقوقس، فكان يركبها في المدينة، وكان يركبها علي رضي الله عنه، وبقيت إلى زمن معاوية.
- 307] ، والترمذي في القيامة رقم 2516، وابن أبي عاصم في السنة [1/ 138] رقم 316، والفسوي في المعرفة [2/ 530] ، وأبو يعلى في مسنده [4/ 430] رقم 2556، والبيهقي في الاعتقاد [/ 72] ، وغيرهم، من حديث قيس بن الحجاج، عن حنش الصنعاني، عن ابن عباس قال:
كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا غلام احفظ الله يحفظك.. الحديث بطوله، قال الترمذي: حسن صحيح.
وأسنده المصنف في كتابه تهذيب الأسرار، باب: في ذكر اليقين، من وجه آخر عن ابن عباس من طريق شيخه أبي عمرو بن مطر: أنا أبو إسحاق:
إبراهيم بن شريك، ثنا شهاب بن عباد العبدي، ثنا عيسى بن يونس عن أبي إسحاق السبيعي، عن عمر مولى غفرة عنه قال: أردفني رسول الله خلفه فقال: يا غلام، ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بها؟ ... الحديث.
(1044) قوله: «أهداها إليه المقوقس» :
ملك الإسكندرية، أخرج ابن سعد في الطبقات [1/ 491] ، وابن عساكر في تاريخه [4/ 230] ، من حديث الواقدي- وهو حجة في السير والأخبار متروك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم-، قال: حدثني موسى بن محمد، عن أبيه قال: كانت دلدل بغلة النبي صلى الله عليه وسلم أول بغلة رئيت في الإسلام، أهداها المقوقس، وأهدى معها حمارا يقال له عفير، فكانت البغلة قد بقيت حتى زمن معاوية، وفي تهذيب ابن منظور [2/ 365] : وهي التي قال لها في بعض الأماكن: اربضي دلدل.
قوله: «وكان يركبها علي رضي الله عنه» :
زاد ابن عساكر [4/ 230] من طريق آخر عن الواقدي: كانت دلدل بغلة-(3/305)
.........
- رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بقيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حياة أبي بكر وعمر وعثمان حتى كان زمن معاوية، وكانت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وشهد عليها القتال يوم النهروان حين قاتل الخوارج.
وأخرج ابن عساكر [4/ 231] بإسناد على شرط الصحيح، من حديث زيد بن وهب قال: لما قاتل علي رضي الله عنه الخوارج يوم النهروان جاء على بغلة النبي صلى الله عليه وسلم البيضاء، فهذا يؤيد وجه من قال بالجمع، وأنها واحدة، وأخرج أيضا من طريق قطن عن أبي القعقاع قال: رأيت عليّا رضي الله عنه على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهباء يطوف بين القتلى، ثم ردت البغلة بعد إلى المدينة، أخرجه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم [/ 162] من وجه آخر من حديث ابن أبي الجعد، عن الأصبغ ابن نباتة.
وقد روى الواقدي عن معمر، عن الزهري أن دلدل أهداها فروة بن عمرو الجذامي، أخرجه ابن سعد [1/ 491] ، زاد ابن عساكر [4/ 230] :
وحضر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم القتال يوم حنين، وقد وقع ذلك في صحيح مسلم عند سياقه لروايات غزوة حنين، ففي رواية عنده أنه كان على الشهباء، وفي رواية أخرى مختلفة المخرج أنه كان على البيضاء وأن الذي أهداه إياها فروة الجذامي، فهذان وصفان قد وصفت بهما الدلدل.
وأخرج ابن سعد وابن عساكر من حديث علقمة بن أبي علقمة قال:
بلغني أن اسم بغلته صلى الله عليه وسلم الدلدل وكانت شهباء، وكانت بينبع حتى ماتت ثم.
فيستفاد من مجموع تلك الروايات أن الدلدل هي الشهباء، وكانت بيضاء، وقد ذهب إلى هذا الدمياطي فيما ذكره الحافظ في الفتح، وذهب بعضهم إلى أنها هي التي يقال لها فضة؛ لشدة بياضها، واتحاد مهديها وهو فروة الجذامي، كما سيأتي.
قال ابن منظور في تهذيبه [2/ 365] : قال غير ابن عباس: وكان عثمان بن عفان-(3/306)
1045- وكان له حمار يقال له يعفور، وكانت له بغلة أخرى يقال لها فضة وهبها لأبي بكر، وله بغلة يقال لها أيلية أهداها له ملك أيلة.
- أيضا يركبها، وركبها الحسن بن علي، ثم ركبها الحسين ومحمد بن الحنفية، حتى كبرت وعميت، ودخلت مبطحة لبني مذجح فرماها رجل بسهم فقتلها.
(1045) قوله: «يقال له يعفور» :
هو غير عفير فيما ذهب إليه أكثر أهل السير.
أخرج ابن سعد الطبقات [1/ 491] ، وابن عساكر في تاريخه [4/ 230] من حديث الواقدي عن ابن أبي سبرة، عن زامل بن عمرو قال: أهدى فروة بن عمرو إلى النبي صلى الله عليه وسلم بغلة يقال لها: فضة فوهبها لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وحماره يعفور نفق منصرفه من حجة الوداع، وأخرج ابن سعد [1/ 492] ، وابن عساكر [4/ 230] من حديث ابن أبي أويس عن سليمان بن بلال، عن علقمة بن أبي علقمة: اسم حماره صلى الله عليه وسلم يعفور، وزاد ابن عساكر: وكان رسنه من ليف.
وأخرجا أيضا من حديث محمد بن عبد الله الأسدي وقبيصة بن عقبة قالا:
أخبرنا سفيان الثوري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: كانت بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم تسمى الشهباء وحماره اليعفور.
وأخرج أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه عن ابن عمر: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له اليعفور، وقد روي في الحمار يعفور قصة مع النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد منكر خرجناها في معجزاته صلى الله عليه وسلم مع الحيوانات.
قوله: «أيلية» :
أو الأيلية، نسبة إلى أيلة، أهداها له ملك أيلة، اسمه: يحنّة بن رؤبة، -(3/307)
.........
- يقال له: ابن العلماء، وهي أمه، وذلك مروي في الزكاة من صحيح البخاري، باب خرص التمر، من حديث أبي حميد الساعدي، وعلقه في الهبة أيضا، وأخرجه أيضا في الجزية والموادعة، باب إذا وادع الإمام ملك القرية، وقد فرق ابن عساكر في تاريخه- ومغلطاي في الإشارة-، بينها وبين التي أهداها ابن العلماء، ووصف ابن عساكر الأيلية بأنها:
كانت حسنة السير مخدوفة طويلة، كأنما تقوم على رماح قال: وهي التي قال له علي رضي الله عنه فيها لما أعجبته صلى الله عليه وسلم: إن كانت أعجبتك هذه البغلة فإنا نصنع لك مثلها، قال: وكيف ذلك؟ قال: هذه أمها فرس عربية وأبوها حمار فلوا أنزينا على فرس عربية حمارا لجاءت بمثل هذه البغلة، فقال:
إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون، [تهذيب ابن منظور 2/ 365] ، وقد أخرج ابن سعد بعضه في الطبقات [1/ 491- 492] .
ومما تقدم، يكون للنبي صلى الله عليه وسلم من البغال: دلدل، وفضة، والأيلية، والتي أهداها له كسرى أو ملك الروم- إن صح الخبر-، والتي أهداها النجاشي، ثم التي أهداها صاحب دومة الجندل، أخرجه ابن سعد [2/ 78] ، فهذه ست، وسبع عند من فرق بين الأيلية وبين التي أهداها ملك أيلة.
وأما الحمير: فعفير، تقدم في أول الباب، وشاهده في الصحيحين من حديث عمرو ابن ميمون، عن معاذ قال: كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير فقال: يا معاذ ... الحديث، ويعفور تقدم تخريج حديثه، وقيل: هما واحد، ذهب إلى ذلك ابن عبدوس فيما ذكره الحافظ في الفتح، ومال إليه ابن القيم فلم يذكر غير عفير، وكذا ابن كثير، وذكروا ثالثا أعطاه سعد بن عبادة للنبي صلى الله عليه وسلم فركبه.(3/308)
[214- فصل: ذكر ما كان له صلى الله عليه وسلم من النّوق]
214- فصل: ذكر ما كان له صلى الله عليه وسلم من النّوق 1046- كان له صلى الله عليه وسلم من النوق: القصواء، ابتاعها أبو بكر رضي الله عنه- وأخرى معها- من بني الحريش بثمانمائة درهم، فأخذها منه النبي صلى الله عليه وسلم بأربعمائة درهم، وكان لا يحمله غيرها إذا أنزل عليه الوحي.
(1046) قوله: «القصواء» :
شاهده في الصحيحين من حديث ابن عمر وابن عباس والمسور بن مخرمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أردف أسامة بن زيد على القصواء من عرفة إلى المزدلفة، ثم أردف الفضل ... الحديث، وفي حديث المسور في قصة الحديبية الطويل عند البخاري في الشروط: أن القصواء بركت عند الثنية التي يهبط عليهم منها، فقال الناس: حل، حل، فألحت، فقالوا: خلأت القصواء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق ... »
الحديث.
قوله: «فأخذها منه صلى الله عليه وسلم» :
أخرج الحديث ابن سعد في الطبقات [1/ 492] ، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه [4/ 233] ، من حديث الواقدي، لكنه جمع في روايته بين الثلاثة فجعلهن واحدة فقال: وهي التي هاجر عليها، وكانت حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة رباعية، وكان اسمها القصواء والجدعاء والعضباء، قال الحافظ في الفتح: قال الزمخشري: العضباء منقول من قولهم ناقة عضباء أي قصيرة اليد، واختلف هل العضباء هي القصواء أو غيرها؟
فجزم الحربي بالأول، وقال غيره بالثاني، وقال: الجدعاء كانت شهباء، وكان لا يحمله عند نزول الوحي غيرها. اهـ. -(3/309)
1047- وأما العضباء، فكانت لا تسبق، ثم جاء أعرابي على ناقة فسبقها، فعجب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن من قدر الله تعالى أن لا يرتفع شيء إلّا وضعه.
1048- وكانت له صلى الله عليه وسلم: الجدعاء.
- قلت: هذا الذي ذكره في الجدعاء، قيل في القصواء لا في الجدعاء، وسيأتي أن الجدعاء هي التي هاجر عليها النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
(1047) قوله: «وأما العضباء فكانت لا تسبق» :
أخرجه البخاري في الجهاد، باب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الرقاق أيضا من حديث حميد، عن أنس، وكذا أبو داود في الأدب، وأخرجه البخاري معلقا في الجهاد من حديث ثابت، عن أنس، وأخرجه أبو داود من هذا الوجه أيضا.
(1048) قوله: «وكانت له صلى الله عليه وسلم الجدعاء» :
أخرج البخاري في المغازي، باب غزوة الرجيع من حديث عروة، عن عائشة قالت: استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر في الخروج حين اشتد عليه الأذى، فقال له:
أقم، فقال: يا رسول الله أتطمع أن يؤذن لك؟ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إني لأرجو ذلك ... الحديث. وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى أبا بكر فقال: أشعرت أنه قد أذن لي في الخروج؟ فقال: يا رسول الله الصحبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
الصحبة، قال: يا رسول الله عندي ناقتان قد كنت أعددتهما للخروج، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم إحداهما- وهي الجدعاء- فركبا ... الحديث.
وروى أبو زرعة من حديث عبد الله بن صالح، عن معاوية، عن أبي الزاهرية قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أنيق: الجدعاء، والقصواء، والعضباء، أخرجه ابن عساكر [4/ 233] .
وأخرج أيضا من حديث ابن البرقي، عن عمرو بن أبي سلمة، عن زهير بن محمد قال: اسم راية رسول الله صلى الله عليه وسلم العقاب، وفرسه المرتجز، وناقته العضباء، والقصواء، والجدعاء ... الحديث. -(3/310)
1049- وأما أسماء لقاحه صلى الله عليه وسلم: المروة، والبغوم، وكانت لقاحه التي أغار عليها عيينة بن حصن بالغابة ...
- وبقي من الإبل مما لم يذكر: نجيبة، كان أهداها له عياض بن حمار، قبل أن يسلم، فلم يقبلها، ثم قبلها منه صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه، ذكرها ابن إسحاق، وذكر الطبري في تاريخه آخر كان يغزو عليه ويضرب في لقاحه صلى الله عليه وسلم، غنمه يوم بدر، وكان لأبي جهل قبل، وكان له صلى الله عليه وسلم الثعلب، بعث صلى الله عليه وسلم عليه يوم الحديبية خراش بن أمية إلى مكة قبل عثمان، فعقروا الجمل، حكاه الثعالبي في تفسيره.
(1049) قوله: «أسماء لقاحه» :
اللقاح: جمع لقحة- بكسر اللام وفتحها-: الناقة القريبة العهد بالولادة، ويقال للناقة إذا كانت غزيرة اللبن: لقوح.
قوله: «عيينة بن حصن» :
هو الفزاري، مذكور في الصحابة، وفي ترجمته ما يدل على أنه كان به غلظة وجفاء، سكان البوادي، وقد ساق الحافظ في الإصابة شواهد لذلك قال:
وفي صحيح البخاري أن عيينة قال لابن أخيه: استأذن لي على عمر، فدخل عليه فقال: ما تعطي الجزل، ولا تقسم بالعدل، فغضب، فقال ابن أخيه:
إن الله يقول: وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ فتركه، قال الحافظ: وقرأت في كتاب الأم للشافعي في باب من كتاب الركاز: أن عمر قتل عيينة على الردة، قال:
ولم أر من ذكر ذلك غيره، فإن كان محفوظا فلا يذكر عيينة في الصحابة، لكن يحتمل أن يكون أمر بقتله فبادر إلى الإسلام فترك، فعاش إلى خلافة عثمان، وأخرج ابن سعد في الطبقات بإسناد على شرط الصحيح: أخبرنا هاشم بن القاسم، أخبرنا عكرمة ابن عمار قال: حدثني إياس بن سلمة، عن أبيه في حديث رواه: أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم غلام يقال له رباح، وكان في ظهر النبي صلى الله عليه وسلم الذي أغار عليه ابن- كذا- عيينة بن حصن، ولعل لفظة ابن مقحمة في الأصل والله أعلم.(3/311)
عشرين لقحة.
قوله: «عشرين لقحة» :
أخرجه ابن سعد في الطبقات [1/ 494] ، وابن عساكر في تاريخه [4/ 234] ، كلاهما من حديث الواقدي: حدثني معاوية بن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاح، وهي التي أغار عليها القوم بالغابة، وهي عشرون لقحة، وكانت التي يعيش بها أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم، يراح إليه كل ليلة بقربتين عظيمتين من لبن، فكان فيها لقائح لها غزر: الحناء، والسمراء، والعريس، والسعدية، والبغوم، واليسيرة، والدباء، ولم يذكر المروة، وذكرها ابن سيد الناس في العيون [2/ 423] .
وأخرجا من طريقه أيضا عن أم سلمة قالت: كان عيشنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن- أو قالت: أكثر عيشنا-، كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقائح بالغابة كان قد فرقها على نسائه، فكانت لي منها لقحة تدعى: العريس، كنا منها فيما شئنا من اللبن، وكانت لعائشة لقحة تدعى: السمراء، غزيرة، ولم تكن كلقحتي، فقرب راعيهن اللقاح إلى مرعى بناحية الجوانية، فكانت تروح على أبياتنا فيؤتى بهما فتحلبان، فتوجد لقحته- تعني النبي صلى الله عليه وسلم- أغزر منها بمثل لبنها أو أكثر.
وأخرج ابن سعد أيضا من طريق الواقدي: حدثني موسى بن عبيدة عن ثابت مولى أم سلمة، عن أم سلمة قالت: أهدى الضحاك بن سفيان الكلابي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقحة تدعى: بردة، لم أر من الإبل شيئا قط أحسن منها، وتحلب ما تحلب لقحتان غزيرتان، فكانت تروح على أبياتنا، يرعاها هند وأسماء، يعتقبانها بأحد مرة وبالجماء مرة، ثم يأوي بها إلى منزلنا معه ملء ثوبه مما يسقط من الشجر وما يهش من الشجر فتبيت في علف حتى الصباح، فربما حلبت على أضيافه فيشربون حتى ينهلوا غبوقا، ويفرق علينا بعد ما فضل، وحلابها صبوحا حسن.(3/312)
1050- وقيل: كانت لقاحه سبعا، فأغار عليها العرنيون وقتلوا غلامه يسارا، وساقوا اللقاح، فوجه صلى الله عليه وسلم عليّا في آثارهم، فردهم وقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم وصلبهم في الشمس.
(1050) قوله: «وقيل كانت لقاحه سبعا» :
أخرجه ابن سعد في الطبقات [1/ 495] ، وابن عساكر في تاريخه [4/ 233- 234] عن الواقدي: أخبرنا عبد السلام بن جبير، عن أبيه قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سبع لقائح تكون بذي الجدر وتكون بالجماء، فكان لبنها يؤوب إلينا: لقحة تدعى مهرة، ولقحة تدعى الشقراء، ولقحة تدعى الدباء- وفي بعض المصادر: الزبا، وفي بعضها الرياء-، قال:
فكانت مهرة أرسل بها سعد بن عبادة من نعم بني عقيل وكانت غزيرة، وكانت الشقراء والدباء ابتاعهما بسوق النبط من بني عامر، وكانت بردة، والسمراء، والعريس، واليسيرة، والحناء يحلبن ويراح إليه بلبنهن كل ليلة، وكان فيها غلام النبي صلى الله عليه وسلم يسار فقتلوه، زاد ابن عساكر: كان يسار أصابه صلى الله عليه وسلم في بني عبد بن ثعلبة فأعتقه وهو نوبي، فقتلوه يومئذ.
وذكر ابن القيم في الزاد أن للنبي صلى الله عليه وسلم خمسا وأربعين لقحة، وفيه نظر لا يخفى.
قوله: «وسمل أعينهم» :
أي: فقأها، ويروى بالراء، وباللام أثبت، والقصة مخرجة في الصحيحين.(3/313)
[215- فصل: ذكر أعنزه صلى الله عليه وسلم]
215- فصل: ذكر أعنزه صلى الله عليه وسلم 1051- كنّ سبعا ترعاهن أم أيمن وتروح بهن إليه.
1052- وأسماؤها: عجوة، وزمزم، وسقيا، وبركة، وورسة، وإطلال، وإطراف.
1053- وكان اسم شاته صلى الله عليه وسلم التي يشرب لبنها: غيثة.
(1051) قوله: «كن سبعا» :
أخرجه ابن سعد في الطبقات [1/ 495] ، وابن عساكر في تاريخه [4/ 249- 250] ، كلاهما من حديث الواقدي: حدثني أبو إسحاق، عن عباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس به.
وأخرج ابن سعد في الطبقات [1/ 496] أيضا من حديث الواقدي: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، عن مسلم بن يسار، عن وجيهة مولاة أم سلمة، قالت: سئلت أم سلمة: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدو؟ قالت:
لا والله ما علمته، كانت لنا أعنز سبع، فكان الراعي يبلغ بهن مرة الجماء، ومرة أحدا ويروح بهن علينا فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاح بذي الجدر، فتؤوب إلينا ألبانها بالليل، وتكون بالغابة فتؤوب إلينا ألبانها بالليل، وكان أكثر عيشنا من الإبل والغنم.
(1052) قوله: «وأسماؤها» :
سماهن إبراهيم بن عبد الله من ولد عقبة بن غزوان، أخرجه ابن سعد في الطبقات [1/ 495] ، وابن عساكر في تاريخه [4/ 250] .
(1053) قوله: «غيثة» : وقيل: غوثة، قال ابن سيد الناس: وأخرى تسمى قمر، وعنز تسمى: اليمن.(3/314)
1054- وكانت له صلى الله عليه وسلم مائة من الغنم.
1055- وكان له صلى الله عليه وسلم ديك أبيض.
(1054) قوله: «كانت له صلى الله عليه وسلم مائة من الغنم» :
زاد غيره: لا يريد أن تزيد على ذلك، فكان كلما ولد الراعي بهمة ذبح مكانها شاة، قال ابن سيد الناس: وأما البقر فلم ينقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ملك منها شيئا.
(1055) قوله: «وكان له صلى الله عليه وسلم ديك أبيض» :
أخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده [2/ 834 بغية الباحث] رقم 878، من حديث طلحة بن عمرو عمّن حدّثه عن أبي زيد الأنصاري مرفوعا: الديك الأبيض صديقي وصديق صديقي، يحرس دار صاحبه وسبع دور حولها، قال: وكان صلى الله عليه وسلم يبيته معه في بيته، هذا أصرح شيء في هذا الباب في اتخاذه صلى الله عليه وسلم الديك الأبيض، وهو ضعيف جدّا؛ مداره على عبد الرحيم بن واقد أحد الضعفاء، وشيخه فيه وهب، أبو البختري اتهم بالكذب، وفيه انقطاع أيضا، وفي اللفظ اضطراب، أخرجه أبو الشيخ من وجه أمثل منه في العظمة [5/ 1757] رقم 1253 من حديث الربيع بن صبيح، عن الحسن، عن أنس مرفوعا: الديك الأبيض حبيبي، وحبيب حبيبي جبريل ... الحديث، ليس فيه أنه اتخذه أو بيته معه في بيته، وإسناد هذا أمثل من الذي قبله بكثير، وقد امتدح النبي صلى الله عليه وسلم الديك، وثبت أنه نهى صلى الله عليه وسلم عن سبه ولعنه بأسانيد حسنة، ليس هذا محل بسطها، والله أعلم.(3/315)
[216- فصل: ذكر ما كان يلبسه صلى الله عليه وسلم وما كان يعجبه من اللّباس]
216- فصل: ذكر ما كان يلبسه صلى الله عليه وسلم وما كان يعجبه من اللّباس 1056- كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: القميص، وكان إزار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نصف الساق.
1057- كان صلى الله عليه وسلم يلبس الشملة ويأتزر بها، يلبسها فيصلي فيها بالناس.
(1056) قوله: «كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم» :
وفي رواية: ما كان شيء من الثياب أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من القمص، أخرجه الإمام أحمد في مسنده [6/ 317] ، من طريقه البيهقي في السنن الكبرى [2/ 239] .
وأخرجه أبو داود في اللباس، باب ما جاء في القميص، رقم 4025، 4026، والترمذي في اللباس، باب ما جاء في القميص رقم 1762، 1763، 1764، وابن ماجه، في لبس القميص، رقم 3575، وأبو يعلى في مسنده [12/ 445] رقم 7014، والبيهقي في السنن الكبرى [2/ 239] ، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم [/ 160] جميعهم من حديث أم سلمة، حسنه الترمذي، وصححه الحاكم في المستدرك [4/ 192] ، ووافقه الذهبي، وفيه اختلاف على عبد المؤمن بن خالد لا يضر.
وسيأتي الكلام على الشق الثاني من الحديث.
(1057) قوله: «يلبس الشملة» :
أخرجه ابن ماجه في اللباس، باب لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم رقم 3552، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم [/ 127] ، من حديث خالد بن معدان، عن عبادة بن الصامت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في شملة قد عقد عليها، وزاد ابن عدي في الكامل [1/ 405- 406] : أشار سفيان إلى قفاه. -(3/316)
1058- وكان صلى الله عليه وسلم يلبس القلانس تحت العمائم، ويلبس القلانس بغير العمائم، والعمائم بلا قلانس، ويلبس القلانس ذوات الاذان في- قال أحمد بن محمد بن عبد الكريم شيخ ابن عدي في هذا الحديث، قال لنا سفيان: الصوفية قد عنوني، كم يسألوني عن هذا الحديث. اهـ.
وهو منقطع، خالد بن معدان لم يلق عبادة ابن الصامت.
ورواه أبو يعلى والبزار فقالوا: في ثوب، بدل شملة.
وأخرج أبو داود في اللباس برقم 4057، والإمام أحمد في مسنده [5/ 63- 64] ، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم [/ 119] ، والبيهقي في الكبرى [3/ 236] ، من حديث أبي تميمة، عن جابر قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو محتبي بشملة قد وقع هدبها على قدميه.
(1058) قوله: «وكان صلى الله عليه وسلم يلبس القلانس تحت العمائم» :
أخرج البخاري في التاريخ الكبير [3/ 338] ، وأبو داود في اللباس، باب في العمائم، برقم 4078، والترمذي في اللباس، باب العمائم على القلانس، برقم 1748، من حديث ركانة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس، أخرجه أيضا أبو يعلى في مسنده [3/ 5] رقم 1412، والطبراني في معجمه الكبير [5/ 68] رقم 4614، والحاكم في المستدرك [3/ 452] ، والبيهقي في الاداب رقم 698.
قال الترمذي: غريب، وليس إسناده بالقائم، وقال ابن حبان: في إسناد خبره نظر الثقات [3/ 130] .
وأخرج الطبراني في الأوسط [7/ 105] رقم 6179، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم [/ 125] ، والبيهقي في الشعب برقم 6259، من حديث ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس قلنسوة بيضاء، وفي إسناده عبد الله بن خراش وهو ضعيف، وزعم البيهقي في الشعب أنه تفرد به.(3/317)
الحرب، وربما نزع قلنسوته عن رأسه فجعلها سترة بين يديه ثم يصلي إليها صلى الله عليه وسلم.
1059- وكان صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يتعمم بالعمائم الحرقانية السواد في أسفاره، وربما يعتجر اعتجارا.
قوله: «ثم يصلي إليها» :
أخرج أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم [/ 125] من حديث ابن عباس قال:
كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث قلانس، قلنسوة بيضاء مضربة، وقلنسوة برد حبرة، وقلنسوة ذات آذان، يلبسها في السفر، وربما وضعها بين يديه إذا صلى.
وأخرج أبو الشيخ [/ 125] من حديث أبي هريرة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه قلنسوة بيضاء شامية.
(1059) قوله: «بالعمائم الحرقانية» :
قال الزمخشري: كأنها منسوبة إلى الحرق، وقال السيوطي: أي على لون ما أحرقته النار، بوب لها النسائي في المجتبى وأورد فيه حديث عمرو بن حديث قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم عليه عمامة حرقانية، رقم 53423.
وهذا قد أخرجه مسلم في الحج، باب جواز دخول مكة بغير إحرام، رقم 1359 (452، 453) ، وابن أبي شيبة في المصنف [8/ 233] ، والترمذي في الشمائل، رقم 111، وابن ماجه في إقامة الصلاة، رقم 1104، وفي اللباس، برقم 3584، والحميدي في مسنده [1/ 257- 258] ، والإمام أحمد في مسنده [4/ 307] ، وابن سعد في الطبقات [1/ 455] ، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم [/ 122] .
قوله: «يعتجر اعتجارا» :
الاعتجار: أن يلف العمامة على رأسه ويرد طرفها على وجهه دون أن يرد منها شيئا تحت ذقنه، يقال: هي لبسة كالالتحاف، ومنه حديث ابن عباس-(3/318)
1060- وكانت له صلى الله عليه وسلم عمامة يعتم بها يقال لها: السحاب، فكان يلبسها، فكساها بعد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فكان ربما طلع علي رضي الله عنه عليه فيها فيقول: أتاكم علي في السحاب- يعني: عمامته التي وهب له صلى الله عليه وسلم-.
1061- وروى أبو راشد الحبراني عن علي رضي الله عنه قال: عممني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسدل طرفها على منكبي وقال: إن العمامة حاجز بين المشركين والمسلمين.
- عند البخاري في مناقب الأنصار: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ملحفة متعطفا بها، وعليه عصابة رسماء ... الحديث.
ومنه أيضا حديث أنس بن مالك عنده: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وقد عصب على رأسه حاشية برد ... الحديث.
(1060) قوله: «أتاكم علي في السحاب» :
أخرجه أبو الشيخ في أخلاق النبي، عند ذكر عمامته صلى الله عليه وسلم [/ 122- 123] ، وزاد: فحرفوها هؤلاء فقالوا: علي في السحاب، وفي إسناده مسعدة بن اليسع، مجمع على ضعفه، وعلقه أبو حفص الموصلي في الوسيلة [6/ ق- 1/ 105] .
(1061) قوله: «وروى أبو راشد الحبراني، عن علي» :
أخرجه الطيالسي في مسند برقم 156، والبيهقي في السنن الكبرى [10/ 14] ، واللفظ عندهما: عممني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم بعمامة سدلها خلفي ثم قال: إن الله عزّ وجلّ أمدّني يوم بدر وحنين بملائكة يعتمون هذه العمة، وقال صلى الله عليه وسلم: إن العمامة حاجزة بين الكفر والإيمان.
إسناده ضعيف، أبو راشد الحبراني: من رجال التهذيب ثقة، لكن عبد الله بن بسر الراوي عنه: أحد الضعفاء.
وقد تقدم تمام حديث علي رضي الله عنه في أسماء قسيه صلى الله عليه وسلم برقم: 1029.(3/319)
1062- وكان صلى الله عليه وسلم يعجبه الثياب الخضر، وكانت له جباب: جبة سندس بزيون خضراء.
1063- روى أنس أن أكيدر دومة أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم جبة سندس، فجعل الناس يتعجبون منها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتعجبون من هذه، (1062) قوله: «وكان صلى الله عليه وسلم يعجبه الثياب الخضر» :
أخرج الإمام أحمد في مسنده [2/ 226- 228، 4/ 163] ، وأبو داود في اللباس، باب في الخضرة، رقم 4065، والترمذي في الأدب، باب ما جاء في الثوب الأخضر، رقم 2812، والنسائي في الزينة، باب لبس الخضر من الثياب، جميعهم من حديث أبي رمثة (بألفاظ) ، قال: كنت مع أبي فوجدناه جالسا في ظل الكعبة وعليه بردان أخضران.
وأخرج ابن سعد في الطبقات [1/ 458] ، والبغوي في الأنوار برقم 770، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم [/ 116] ، من حديث ابن لهيعة عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة: أن ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يخرج فيه إلى الوفد: رداء وثوب أخضر ... الحديث.
وأخرج ابن سعد في الطبقات [1/ 453] ، من حديث ابن جريج، عن عطاء أو غيره، عن ابن يعلى، عن أبيه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت مضطبعا ببرد أخضر.
قوله: «بزيون خضراء» :
البزيون: بالضم: السندس، قال ابن بري: هو رقيق الديباج، وفي الصحيحين من حديث أنس: أن أكيدر دومة أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم جبة سندس، أورده المصنف بعد هذا، وعند الترمذي في اللباس من حديث أنس:
أن سعدا بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم جبة من ديباج منسوج فيها الذهب، فلبسها النبي صلى الله عليه وسلم فصعد المنبر ... الحديث، رقم 1723، وأخرجه أيضا الإمام أحمد في المسند [3/ 121] ، والنسائي في الزينة، باب ليس الديباج المنسوج بالذهب، رقم 5302.(3/320)
فو الذي نفسي بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذه.
1064- وكانت له صلى الله عليه وسلم جبة من طيالسة مكفوفة بالديباج يلقى بها العدو.
1065- وكان صلى الله عليه وسلم يشتري لنفسه الثياب، وربما طلب اللبيس من القمص والسراويلات، وربما يشتري الجدد.
قوله: «لمناديل سعد بن معاذ في الجنة» :
أخرجاه في الصحيحين، فأخرجه البخاري في الهبة، باب قبول الهدية من المشركين، رقم 2615، 2616، وفي بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة، رقم 3248 وغير ذلك، وأخرجه مسلم في الفضائل، باب من فضائل سعد بن معاذ، رقم 2468 (126، وما بعده) .
(1064) قوله: «وكانت له صلى الله عليه وسلم جبة من طيالسة» :
هكذا وصفها ابن سعد في روايته، فقال في الطبقات [1/ 454] : أخبرنا محمد بن عبيد الطنافسي، وعبيدة بن حميد، وإسحاق بن يوسف الأزرق، قالوا: أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء بن أبي رباح، عن عبد الله مولى أسماء قال: أخرجت إلينا أسماء جبة من طيالسة لها لبنة شبر من ديباج كسرواني، وفروجها مكفوفة به، فقالت: هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان يلبسها، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عند عائشة رضي الله عنها، فلما توفيت عائشة رضي الله عنها قبضتها، فنحن نغسلها للمريض منا إذا اشتكى.
أخرجه النسائي في الزينة من السنن الكبرى برقم 9619، وأصل هذا في الصحيحين كما سيأتي تحت كسائه صلى الله عليه وسلم الملبد.
(1065) قوله: «يشتري لنفسه الثياب» :
فيه عن مخرفة العبدي، خرجناه في فتح المنان تحت رقم 2748، وسيأتي في باب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه أنه كان يخرج إلى السوق، وفيه: أنه اشترى قميصا، وأخرج أبو داود في اللباس من حديث إسحاق بن عبد الله: -(3/321)
1066- ويكون قميصه وجبابه وأقبيته صلى الله عليه وسلم كلها مشمرة فوق الكعبين.
- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى حلة ببضع وعشرين قلوصا، فأهداها إلى ذي يزن، وأخرجه أيضا ابن سعد في الطبقات [1/ 461] ، وفي رواية عند ابن مسعد من وجه آخر، عن محمد بن سيرين: أنه صلى الله عليه وسلم اشترى حلة- وإما قال ثوبا- بتسع وعشرين ناقة.
قلت: كلاهما مرسل.
(1066) قوله: «وأقبيته صلى الله عليه وسلم كلها مشمرة» :
القباء: ممدود، فارسي معرب، وقيل: عربي، مشتق من القبو وهو الضم، وهو الثوب الذي له شق من خلفه، ضيق الكمين والوسط مشقوق من الخلف لتسهل له الحركة في السفر والحرب.
أخرج الشيخان من حديث المسور بن مخرمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أقبية ولم يعط مخرمة شيئا ... الحديث، وفيه: فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم وعليه قباء منها فقال: خبأت هذا لك.
قوله: «مشمرة فوق الكعبين» :
عزاه الحافظ العراقي في تخريج الإحياء [2/ 373] لأبي الفضل محمد بن طاهر ابن صفوة التصوف، من حديث عبد الله بن بسر، بإسناد ضعيف.
قلت: أخرج الإمام أحمد في المسند [3/ 262] ، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، والبغوي في الأنوار برقم 74، وفي شرح السنة [12/ 22] ، وابن عساكر في تاريخه [4/ 195] ، والطبراني في معجمه الكبير [11/ 88] رقم 1113، وهذا لفظ الحاكم في المستدرك [4/ 195] : عن ابن عباس:
أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس قميصا وكان فوق الكعبين، وكان كمه مع الأصابع، ولفظ ابن ماجه والطبراني: قصير اليدين والطول، قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي: مسلم- يعني ابن كيسان- تالف. -(3/322)
وكانت تكون قمصه صلى الله عليه وسلم مشدودة الأزر، وربما لبس صلى الله عليه وسلم الكساء الصوف وحده فيصلي فيه، وربما لبس الإزار الواحد ليس عليه غيره، يعقد طرفيه بين كتفيه فيصلي فيه.
- وأخرج الترمذي في اللباس برقم 1765، وابن عساكر في تاريخه [4/ 196] من حديث أسماء بنت يزيد قالت: كان كم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ.
وأخرج الإمام أحمد في المسند [4/ 319] ، والنسائي في الزينة من السنن الكبرى رقم 9682، والترمذي في الشمائل برقم 115، والبغوي في الأنوار برقم 765، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم [/ 114] ، من حديث الأشعث بن سليم قال: سمعت عمتي، تحدث عن عمها قال: بينا أنا أمشي في المدينة إذا إنسان خلفي يقول: ارفع إزارك فإنه أتقى وأنقى، فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله إنما هي بردة ملحاء، قال:
أما لك فيّ أسوة؟ فنظرت فإذا إزاره إلى نصف ساقيه.
قوله: «مشدودة الأزر» :
وربما كانت محلولة، فأخرج الإمام أحمد في المسند [3/ 434] ، وأبو داود في اللباس، باب في حلّ الأزرار، رقم 4082، والترمذي في الشمائل برقم 57، وابن ماجه في اللباس، باب حل الأزرار رقم 3578، والطيالسي في مسنده برقم 1072، من حديث معاوية بن قرة، عن أبيه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من مزينة، فبايعناه، وإن قميصه لمطلق الأزرار، صححه ابن حبان برقم 5452.
قوله: «وربما لبس الإزار الواحد ليس عليه غيره» :
أخرج الشيخان من حديث جابر بن عبد الله، ومن حديث عمر بن أبي سلمة، ولمسلم أيضا من حديث أبي سعيد الخدري كلهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد متوشحا به.(3/323)
1067- وكان له صلى الله عليه وسلم كساء من صوف سيحاني يشهد فيه الصلاة.
1068- وكان له صلى الله عليه وسلم كساء ملبد.
1069- وكان له صلى الله عليه وسلم كساء أسود يلبسه، ثم كساه، فقالت له أم سلمة رضي الله عنها: بأبي وأمي أنت ما فعل الله بذلك الكساء الأسود؟ فقال:
كسوته، فقالت: ما رأيت شيئا قط كان أحسن من بياضك على سواده.
(1067) قوله: «سيحاني» :
كذا في الأصول، فإن كان صحيحا فقد قال في اللسان: السيح: العباءة، وكل عباءة سيح ومسيّحه، وقيل: المسيّح من العباء: الذي فيه الجدد أو هو المخطط، وما لم يكن جدد فهو كساء. اهـ. ولعله المعبر عنه في الحديث بالأنبجاني، وهو الكساء من الصوف له خمل.
(1068) قوله: «وكان له صلى الله عليه وسلم كساء ملبد» :
أخرج الشيخان من حديث أبي بردة قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها، فأخرجت إلينا إزارا غليظا مما يصنع باليمن، وكساء من التي تسمونها الملبدة قال: فأقسمت بالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض في هذين الثوبين.
(1069) قوله: «من بياضك على سواده» :
أورده هكذا الإمام الغزالي في الإحياء [2/ 374] ، قال الحافظ العراقي في تخريجه: لم أقف عليه من حديث أم سلمة. اهـ.
قلت: أخرج أبو داود في اللباس من سننه، باب في السواد، رقم 4074، والنسائي في الزينة من السنن الكبرى، رقم 9561، والإمام أحمد في المسند [6/ 132، 219] ، وابن سعد في الطبقات [1/ 453] ، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم [/ 120، 129] ، والبغوي في الأنوار برقم 778، وابن عساكر في تاريخه [3/ 311] ، جميعهم من حديث مطرف، عن عائشة قالت: صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بردة سوداء من صوف فلبسها فأعجبته، -(3/324)
1070- وكان له صلى الله عليه وسلم ثوبان لجمعته خاصة سوى ثيابه في غير الجمعة.
1071- وكان صلى الله عليه وسلم يلبس يوم الجمعة برده الأحمر، ويعتم ويسدل طرف العمامة.
- زاد ابن سعد في الطبقات [1/ 453] : فذكرت بياض النبي صلى الله عليه وسلم وسوادها، فلما عرق فيها وجد منها ريح الصوف نزعها، وكان تعجبه الريح الطيبة، وفي رواية للبغوي في الأنوار برقم 777، وأبي الشيخ في هذا الحديث بعينه: أن عائشة قالت: ما أحسنها عليك، يشوب بياضك سوادها وسوادها بياضك، صححه ابن حبان- كما في الإحسان برقم 6295- وفي رواية ابن عساكر [3/ 311] : أنه لما لبسها سألها: كيف ترينها يا عائشة؟، قالت: ما أحسنها عليك.. الحديث.
(1070) قوله: «سوى ثيابه في غير الجمعة» :
أخرجه الطبراني في الأوسط [4/ 310] رقم 3540، وفي الصغير [1/ 259] رقم 424، من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبان يلبسهما في جمعته، فإذا انصرف طويناهما إلى مثله، وفي إسنادهما الواقدي وهو ضعيف جدّا، وفيه نكارة أيضا؛ فإنه يعارض ما أخرجه ابن ماجه في اللباس من حديث ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عاصم بن عمر، عن علي بن الحسين، عنها رضي الله عنها قالت:
ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسب أحدا ولا يطوى له ثوب، رقم 3554.
(1071) قوله: «يلبس يوم الجمعة برده الأحمر» :
أخرجه ابن سعد في الطبقات [1/ 451] ، وابن عساكر في تاريخه [4/ 204] ، عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس برده الأحمر في الجمعة والعيدين.
خالفه هشيم عن الحجاج، فقال: عنه، عن أبي جعفر مرسلا.(3/325)
1072- وكانت له صلى الله عليه وسلم خرقة- أو منديل- بمسح بها وجهه بعد الوضوء، وربما لم يكن معه منديل فيمسح وجهه بطرف ردائه الذي يكون معه.
(1072) قوله: «وكانت له صلى الله عليه وسلم خرقة أو منديل» :
أخرجه الترمذي في الطهارة، باب ما جاء في التمندل بعد الوضوء، رقم 53، وابن عدي في الكامل [3/ 1102] ، والدارقطني [1/ 110] ، والبيهقي في السنن الكبرى [1/ 185] ، والحاكم في المستدرك [1/ 154] ، جميعهم من حديث عروة، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له خرقة ينشف بها بعد الوضوء، وفي الإسناد أبو معاذ، يقال: هو سليمان بن أرقم، وهو ضعيف عند أهل الحديث، قال الترمذي: ليس إسناده بالقائم، ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء. اهـ.
وللحاكم وجهة في تصحيحه؛ حيث ذهب إلى أن أبا معاذ هو: فضيل بن ميسرة؛ ولذلك وافقه الذهبي في تصحيحه، وتبعهم الشيخ أحمد شاكر.
وفي ذلك نظر؛ فقد نص الدارقطني على أنه سليمان بن أرقم، ثم إنه يعارض حديث ابن عباس في الصحيحين، ومسند أبي محمد الدارمي: أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل فأتي بمنديل فلم يمسه، وجعل يقول بالماء هكذا- يعني ينفضه بيده-، انظر تخريجنا له ونقل مذاهب أهل العلم في هذا في كتابنا فتح المنان شرح المسند الجامع تحت رقم 757.
قوله: «فيمسح وجهه بطرف ردائه» :
أخرجه الترمذي في الطهارة، في الباب المشار إليه، رقم 54، والبيهقي في السنن الكبرى [1/ 185] ، وابن الجوزي في العلل [1/ 353] ، والطبراني في مسند الشاميين برقم 2243 جميعهم من حديث ابن غنم، عن معاذ: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح وجهه بطرف ثوبه، وفي الإسناد رشدين بن سعد، وهو ضعيف.(3/326)
1073- وأهدى له النجاشي خفّين ساذجين فكان صلى الله عليه وسلم يلبسهما.
1074- وكان صلى الله عليه وسلم قد لبس خاتم الذهب، فلبس الناس خواتيم الذهب فنبذه.
1075- ثم لبس خاتما من فضة، فصه حبشي، فجعل الفصّ مما يلي الكف.
(1073) قوله: «وأهدى له النجاشي» :
أخرج الإمام أحمد في مسنده [5/ 352] ، وأبو داود في الطهارة، باب المسح على الخفين، رقم 155، الترمذي في الأدب، باب ما جاء في الخف الأسود، رقم 2821، وفي الشمائل برقم 69، وابن ماجه في الطهارة، باب ما جاء في المسح على الخفين، رقم 549، وفي اللباس برقم 3620، وفرقه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم جمعيهم من طرق عن دلهم بن صالح قال: سمعت عبد الله بن بريدة، عن أبيه: أن النجاشي كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أني قد زوجتك امرأة من قومك وهي على دينك: أم حبيبة بنت أبي سفيان، وأهديت لك هدية جامعة: قميصا وسراويل وعطافا وخفين ساذجين، فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم ومسح عليهما ... الحديث حسنه الترمذي.
(1074) قوله: «فنبذه» :
زاد في رواية: لا ألبسه أبدا، أخرجاه في الصحيحين من حديث ابن عمر، وأنس بن مالك.
(1075) قوله: «فصه حبشي» :
أي: مما يجلب من بلاد الحبشة، وقيل: بل المراد على لونهم، إنما نسب إلى الحبشة لصفة في صياغته أو نقشه.
أخرجه الإمام أحمد في مسنده [3/ 225] ، ومسلم في اللباس والزينة، باب خاتم الورق فصه حبشي، رقم 2094، وأخرجه أيضا أصحاب السنن جميعهم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.(3/327)
1076- وجعل خاتما بعده من حديد ملويا عليه فضة، أهداه له معاذ بن جبل من اليمن مكتوب عليه: محمد رسول الله، فلبسه في يده اليمنى. ثم نقله إلى اليسرى.
(1076) قوله: «أهداه له معاذ» :
أخرج ابن سعد في الطبقات [1/ 476] ، من حديث أسامة بن زيد: أن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان حدثه: أن معاذ بن جبل لما قدم من اليمن- حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها- قدم وفي يده خاتم من ورق، نقشه:
(محمد رسول الله) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا الخاتم؟ قال: يا رسول الله إني كنت أكتب إلى الناس، فأفرق أن يزاد فيها وينقص منها، فاتخذت خاتما أختم به، قال: وما نقشه؟ قال: محمد رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آمن كل شيء من معاذ حتى خاتمه، ثم أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتختمه.
وهذا لو كان له متابع لكان أعجب إلينا، محمد بن عمرو بن عثمان تكلم فيه فيما قال: حدثنا، فكيف بمن لم يدرك وفي الباب ما يعارضه قال ابن سعد [1/ 474] : أخبرنا أحمد بن محمد الأزرقي، أخبرنا عمرو بن يحيى بن سعيد، عن جده قال: دخل عمرو بن سعيد حين قدم من الحبشة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا الخاتم على يدك يا عمرو؟ قال: هذه حلقة يا رسول الله، قال: فما نقشها؟ قال: محمد رسول الله، قال:
فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتختمه فكان في يده حتى قبض ... الحديث، وهذا أولى، ويؤيده حديث مسلم المتقدم أن فصه كان حبشيا فلعله هذا الذي أخذه من عمرو، والله أعلم.
قوله: «ثم نقله إلى اليسرى» :
هذا الذي ذكره المصنف هو أحد المسالك في الجمع بين الروايات المختلفة في ذلك، وللحافظ ابن حجر في الفتح بحث جيد أطال فيه وأجاد، ونقل فيه أقوال أهل العلم في طريقة الجمع بين الأحاديث في هذا، أحدها هذا الذي ذكره صاحبنا رحمه الله.(3/328)
[217- فصل: ذكر مرآته ومكحلته ومشطه وغير ذلك من أدواته]
217- فصل: ذكر مرآته ومكحلته ومشطه وغير ذلك من أدواته 1077- أخبرنا أبو الفتح: إبراهيم بن علي بن إبراهيم بن الحسين بن سيبخت، ثنا أبو الحسين: زيد بن محمد، ثنا أبو الرميح:
محمد بن الرميح الترمذي، ثنا صالح بن محمد، ...
(1077) قوله: «ابن سيبخت» :
بفتح السين المهملة وسكون التحتية، بعدهما موحدة مضمومة، ثم خاء معجمة مضمومة، أبو الفتح البغدادي، أحد الضعفاء؛ حدث عن أبي القاسم البغوي، وأبي بكر بن أبي داود، ذكره الخطيب في تاريخه وقال:
كان ضعيفا سيء الحال في الرواية، توفي سنة أربع وتسعين وثلاث مائة.
تاريخ بغداد [6/ 133] ، تاريخ الإسلام [وفيات 381- 400، ص 300] ، مرآة الجنان [2/ 447] ، العبر [3/ 57] ، الشذرات [3/ 144] .
قوله: «زيد بن محمد» :
هو ابن جعفر العامري، أبو الحسين ابن أبي اليابس الكوفي، ذكره الخطيب في تاريخه وقال: قدم بغداد وحدث بها عن إبراهيم القصار ...
وذكر جماعة، قال: وكان صدوقا، توفي سنة إحدى وأربعين وثلاث مائة.
تاريخ بغداد [8/ 449] ، تاريخ الإسلام [وفيات 331- 350، ص 244] .
قوله: «محمد بن الرميح الترمذي» :
لم أجده فيما لدي من المصادر، والذي وقفت عليه: صالح بن محمد بن الرميح الترمذي، فيحتمل شيخه الاتي، وقد ترجم غير واحد لصالح بن محمد الترمذي، وذكروا أنه ولي قضاء ترمذ، وأنه كان جهميا يبيع الخمر، وأن ابن راهويه كان يبكي من جرأته على الله. -(3/329)
ثنا سليمان بن عمرو، عن الحارث بن زياد، عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج دعا بالمرآة، ثم لا يخرج حتى ينظر فيها.
- انظر ترجمة صالح بن محمد الترمذي في: سير أعلام النبلاء [11/ 539] ، تاريخ بغداد [9/ 330] ، الميزان [3/ 176] ، الجرح والتعديل [4/ 412] ، الميزان [3/ 14] ، المجروحين [1/ 370] .
وانظر: صالح بن محمد بن الرميح الترمذي في القند [/ 138] الترجمة 223.
قوله: «ثنا سليمان بن عمرو» :
هو ابن عمرو بن عبد الله النخعي، أبو داود الكوفي، وسكن بغداد، أحد المتهمين بالكذب والوضع، وكان ابن عم شريك بن عبد الله النخعي القاضي، وكان شريك يقول: ما لقينا من ابن عمنا؛ يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أبو معمر: كان كذابا جهميا، وكان بشر المريسي ممن أخذ من أبي داود رأي جهم.
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد [9/ 15] ، الميزان [2/ 406] ، الكامل [3/ 1096] ، الجرح والتعديل [4/ 132] ، التاريخ الكبير [4/ 28] .
قوله: «عن الحارث بن زياد» :
مذكور في شيوخ سليمان بن عمرو، ولم أر من أفرده بترجمة.
قوله: «دعا بالمرآة» :
سميت في حديث ابن عباس المتقدم تخريجه في أسماء فرسه وبغاله:
المدلة، أخرجه أيضا العقيلي في الضعفاء، وابن الجوزي في الموضوعات ولا يبلغ ذلك، إنما فيه علي بن عروة، قال في مجمع الزوائد [5/ 272] : متروك، وأورد اسم مرآته أيضا: مغلطاي في الإشارة، والمقريزي في الإمتاع [7/ 86] .
قوله: «ثم لا يخرج حتى ينظر فيها» :
هذا منكر، وأمثل منه حديث سليمان بن أرقم عن الزهري، عن عروة، -(3/330)
قال الأستاذ أبو سعد صاحب الكتاب أعانه الله على طاعته:
1078- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر في المرآة ويرجل جمته ويمتشط، ويتجمل لأصحابه فضلا عن أن يتجمل لأهله.
1079- وكان في حجرة عائشة رضي الله عنها ركوة فيها ماء، كان صلى الله عليه وسلم ينظر فيها ويسوي فيها جمته ويقول: إن الله يحب عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيأ لهم ويتجمل.
- عن عائشة قالت: كان لا يفارق مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سواكه ومشطه، وكان ينظر في المرآة أحيانا، أخرجه البيهقي في الشعب [5/ 233] رقم 6490، وقال: سليمان بن أرقم ضعيف. وانظر التعليقات التالية.
(1078) قوله: «كان رسول الله ينظر في المرآة» :
انظر ما بعده.
(1079) قوله: «إن الله يحب عبده» :
أخرجه ابن عدي في الكامل [1/ 341] ، ومن طريقه ابن الجوزي في العلل [2/ 198] رقم 1144، في ترجمة أيوب بن مدرك- منكر الحديث، ضعيف- عن مكحول، عن عائشة قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فمر بركوة فيها ماء، فاطلع فيها فسوى من لحيته ومن رأسه، فقالت عائشة:
يا رسول الله- يعني: سألته عن ذلك- فقال: ينبغي للرجل إذا خرج إلى أصحابه أن يهيىء من لحيته ومن رأسه، فإن الله جميل يحب الجمال.
قلت: ومع نكارة حديث أيوب هو منقطع أيضا، مكحول لم يسمع من عائشة رضي الله عنها، وعزاه السيوطي أيضا لابن لال، وأورده أبو حامد الغزالي في الإحياء [1/ 143، 3/ 292] ووصفه بالغريب.
(1080) قوله: «وكان في يده صلى الله عليه وسلم مدرى» :
أخرجاه في الصحيحين: فأخرجه البخاري في اللباس، باب الامتشاط، رقم 5924، وفي الاستئذان، باب الاستئذان من أجل البصر، رقم 6241، -(3/331)
1080- وكان في يده صلى الله عليه وسلم مدرى يرجل بها رأسه.
1081- وكان صلى الله عليه وسلم يضع المشط تحت وسادته.
1082- وكان صلى الله عليه وسلم يقول: إن المشط يذهب بالوباء.
- ومسلم في الاداب، باب تحريم النظر في بيت غيره، رقم 2156، كلاهما من حديث الزهري، عن سهل بن سعد أن رجلا اطلع من جحر في حجرة النبي صلى الله عليه وسلم ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم مدرى يخلل بها رأسه ... الحديث.
خرجناه في كتاب الديات من المسند الجامع لأبي محمد الدارمي تحت رقم: 2537، 2538- فتح المنان.
(1081) قوله: «يضع المشط تحت وسادته» :
أخرج أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم [/ 184] ، من حديث بقية، عن عمرو بن خالد، عن قتادة، عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من الليل وضع له سواكه ومشطه، فإذا أهبه الله عزّ وجلّ من الليل استاك وتوضأ وامتشط، قال: ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتشط بمشط من عاج.
خالفه عمر بن موسى- أحد المتروكين- فرواه عن قتادة مرسلا، أخرجه أبو الشيخ [/ 183] .
(1082) قوله: «إن المشط يذهب بالوباء» :
أخرج أبو نعيم في أخبار أصبهان [2/ 295] ، وابن حبان في المجروحين [1/ 271] ، وابن الجوزي في الموضوعات [3/ 53- 54] ، جميعهم من حديث حسان بن غالب- المتهم بوضعه- قال: حدثني مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي بن كعب- مرفوعا-: من سرح رأسه ولحيته بالمشط في كل ليلة عوفي من أنواع البلاء، وزيد في عمره.
قال ابن حبان: حسان هذا من أهل مصر يقلب، ويروي عن الثقات المقلوبات، لا يحل الاحتجاج به بحال.(3/332)
1083- وكان صلى الله عليه وسلم إذا سرح رأسه ولحيته بالمشط يأخذ ما بقي في المشط من الشعر، وربما سرح صلى الله عليه وسلم لحيته في اليوم مرتين.
1084- وكان صلى الله عليه وسلم لا تفارقه قارورة الدهن في أسفاره والمكحلة (1083) قوله: «وربما سرح صلى الله عليه وسلم لحيته في اليوم مرتين» :
لم أره إلّا عند الغزالي في الإحياء في القسم الثالث من النظافة وقال:
غريب، وهو كذلك، وأخرج أبو الشيخ في هذا المعنى [/ 186 أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم] حديث يزيد الرقاشي- أحد الضعفاء- عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر تسريح رأسه ولحيته بالماء، ثم يتقنع كأن ثوبه ثوب زيات.
الرقاشي ضعيف، ومتن حديثه مضطرب، رواه الربيع بن صبيح مرة هكذا ورواه مرة أخرى فقال: يكثر دهن رأسه ويسرح لحيته بالماء، أخرجه ابن سعد في الطبقات [1/ 484] ، وهكذا رواه يحيى بن أبي كثير عنه، أخرجه أبو الشيخ أيضا [/ 185] .
(1084) قوله: «لا تفارقه قارورة الدهن» :
أخرج ابن سعد في الطبقات [1/ 484] من حديث خالد بن معدان مرسلا:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسافر بالمشط والمرآة والدهن، والسواك والكحل، وفي إسنادها مندل بن علي العنزي، وهو ضعيف.
وأخرج الطبراني في الأوسط [6/ 116] رقم 5238، وابن عدي في الكامل [1/ 230] ، والخطيب في جامعه [1/ 378] رقم 901، والخرائطي في مكارم الأخلاق برقم 889، من حديث عائشة رضي الله عنها قالت:
خمس لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعهن في حضر ولا سفر: المرآة، والمكحلة، والمشط، والمدرى، والسواك، وفيه أبو أمية بن يعلى، ضعفه ابن معين والدارقطني وغيرهما، لكن تابعه: عبد الكريم بن مسلم الجزري، عند الخرائطي في مكارم الأخلاق برقم 890، قال فيه الذهبي في الميزان: متأخر لا يعرف من هو، فهذان الطريقان ربما يجعلان للحديث أصلا. -(3/333)
والمرآة والمشط والمقراض والسواك، ويكون معه الخيوط والإبرة، والمخصف والسيور، فيخيط ثيابه ويخصف نعله صلى الله عليه وسلم.
- وله إسناد ثان عن عائشة رضي الله عنها عند العقيلي في الضعفاء [1/ 116] ، والبيهقي في الشعب [5/ 233] ، وهو أيضا ضعيف.
وثالث أخرجه الطبراني في الأوسط [3/ 182] رقم 2373، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم [/ 184] ، من حديث أم الدرداء قالت: سألت عائشة: ما كنت إذا سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وحججت أو غزوت معه ما كنت تزودينه؟ قالت: أزوده قارورة دهن، ومشطا ومرآة، ومقصا، ومكحلة، وسواكا.
قال في مجمع الزوائد: فيه محمد بن حفص الوصابي وهو ضعيف، وقال الحافظ العراقي في تخريج الإحياء [2/ 254] : طرقها كلها ضعيفة.
قوله: «فيخيط ثيابه ويخصف نعله» :
شاهده ما أخرجه الحافظ عبد الرزاق في المصنف [11/ 260] رقم 20492، ومن طريقه الإمام أحمد في المسند [6/ 167] ، والبخاري في الأدب المفرد برقم 539، 540، وابن سعد في الطبقات [1/ 366] ، وأبو يعلى في مسنده [8/ 117] برقم 4653، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم [/ 62] ، من حديث عائشة رضي الله عنها وسئلت: ما كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته؟ فقالت:
كان يخيط ثوبه ويخصف نعله ويرفع دلوه، صححه ابن حبان برقم 5676، 5677، وأصله في صحيح الإمام البخاري في غير موضع، منها: في الأذان، باب من كان في حاجة أهله فأقيمت الصلاة من حديث الأسود قال: سألت عائشة: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله ...
الحديث رقم 676.(3/334)
[جامع أبواب الدّلائل الّتي يستدلّ بها على نبوّته صلى الله عليه وسلم وما خصّ به النّبيّ صلى الله عليه وسلم من المعجزات]
جامع أبواب الدّلائل الّتي يستدلّ بها على نبوّته صلى الله عليه وسلم وما خصّ به النّبيّ صلى الله عليه وسلم من المعجزات(3/335)
[218- فصل: في الدّلائل الّتي يستدلّ بها على نبوّته صلى الله عليه وسلم]
218- فصل: في الدّلائل الّتي يستدلّ بها على نبوّته صلى الله عليه وسلم قد ذكرنا بعض ما انتهى إلينا من الأخبار الصحيحة والمروية في المعجزات والايات.
فأما الدلائل التي يستدل بها على نبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم فهي من خمسة أوجه: -
الأول: ما أتى به من الايات التي يعجز عنها طوق البشر.
الثاني: هو الاستدلال بالظاهر من أمره على الخفي.
الثالث: وجود الأخبار في الكتب المتقدمة شاهدة لتصديقه.
الرابع: إخباره لما يكون في المؤتنف والمستقبل، ثم يكون الأمر كما أخبر لا يقع في أخباره- على كثرتها- خلف.
الخامس: البرهان العقلي الذي يضطر العقول إلى معرفة صدقه.
فأما الوجه الأول: وهو الايات التي أتى بها مما يعجز عنها طوق البشر: فهو مثل: شكوى البعير، وكلام الذئب، وحنين الجذع، ومشي الشجر، وتفجر الماء من بين أصابعه، وإخباره الشاة المسمومة عن نفسها، وإطعامه أصحابه وهم كثيرون من طعام يسير، ومسحه ضرع الشاة لابن مسعود وأم معبد حتى صار حافلا، وما أشبه ذلك من الايات التي ظهرت في حفره صلى الله عليه وسلم الخندق وفي سفره ومسيره وفي عامّة مغازيه.
قوله: «قد ذكرنا» :
يعني: فيما سيأتي في هذا الباب عقب المقدمة.(3/337)
وأما الوجه الثاني: وهو ما يستدل بالظاهر من أمره على الخفي:
فهو ما وجد فيه من الفضائل والمعالي والمكارم والأخلاق الحسنة الشريفة التي لم تجتمع مثلها في واحد قط ثم يكون مع ذلك كذابا، ألا ترى إلى قول ابن سلام: أتيت المدينة حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما يقول: يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وألينوا الكلام وصلّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام، فعلمت أن وجهه ليس بوجه كذاب.
وكان أكثم بن صيفي- وهو من حكماء العرب، عاش ثلثمائة وستين سنة، ولم يكن أحد من العرب يفضل عليه في الحكمة-، لمّا سمع برسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليه ابنه وكتب إليه كتابا، فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كتابه، فلما ورد عليه ابنه بالكتاب قال لابنه: ما رأيت؟ قال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن لئامها، يدعو إلى أن يعبد الله وحده لا شريك له، ويأمر بخلع الأوثان، فقال: قد علم ذو الرأي والعقل أن الفضل فيما يدعو إليه، فكونوا في أمره أولا، ولا تكونوا آخرا، واتبعوه تشرفوا، وأتوه طائعين من قبل أن تأتوه كارهين، فإني والله أرى أمرا ليس بالهين، لا يترك مصعدا إلّا صعده، ولا مضربا إلّا ضربه، ولينفرن بالمقيم، إن الذي يدعو إليه لو لم يكن دينا لكان في العقل حسنا، وإني والله أرى أمرا لا يتعبه ذليل إلّا عز، ولا يخالفه عزيز إلّا ذل، اتبعوه تزدادوا مع عزكم عزا.
قوله: «ألا ترى إلى قول ابن سلام» :
خرجناه في باب صفة أخلاقه صلى الله عليه وسلم، وفي باب مقدمه صلى الله عليه وسلم المدينة.
قوله: «فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم» :
تقدم ذلك في أول الكتاب.(3/338)
أما الوجه الثالث من آياته: فالأخبار في الكتب المتقدمة قبل مبعثه شاهدة لتصديقه وناطقة بنعوته، ومبينة عن صفاته بما وجدت حقيقة ذلك كله فيه، وتلك الأخبار ضربان:
أحدهما: ما وجد في الكتب المنزلة من السماء مثل التوراة والإنجيل والزبور وغيرها من كتب شعيا ودانيال.
الضرب الثاني: ما وجد من قبل الكهان والمنامات، وما روي من حديث سطيح وشق وما أشبه ذلك.
وأما الوجه الرابع: فإخباره عن الحوادث والكوائن التي تكون بعده:
مثل قوله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ الاية، ومثل قوله تعالى: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ الاية، ومثل قوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ الاية، ومثل قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ الاية، ومثل قوله تعالى: سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا الاية، ومثل قوله تعالى: قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ الاية، وما أشبه ذلك من الايات.
ومن هذا الضرب أيضا: دعواته صلى الله عليه وسلم التي لم تخلف قط، كقوله صلى الله عليه وسلم في دعائه لأنس بن مالك: اللهمّ أكثر ماله وولده، وكقوله للعباس بن عبد المطلب: لا يفضض الله فاك، وكذلك في النابغة الجعدي، فكانت أسنانه تزف زفيفا على كبر سنه، ومات ولم ينفض له سن، ودعائه صلى الله عليه وسلم على قريش بالقحط، وعلى كسرى أن يمزّق ملكه، وعلى عتبة بن أبي لهب وأبي جهل، وما أشبه ذلك.(3/339)
والوجه الخامس: البرهان العقلي- وهو القرآن-: الذي تحدى به العرب مرة بعد أخرى، وتارة بعد أولى إلى يأتوا بسورة مثله، وفيهم الشعراء والخطباء والبلغاء، ولم يتركهم على ذلك بل توعدهم بأشد الوعيد، ووبخهم أغلظ التوبيخ، إن لم يأتوا بسورة مثله أن يدعوا شهداءهم من دون الله إن كانوا صادقين، قال تعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا شرطا، وَلَنْ تَفْعَلُوا خبرا حتما، فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ، يعني: فإن لم تفعلوا ولن تقدروا عليه وأصررتم على ما أنتم عليه من التكذيب فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة.
وقال عزّ وجلّ: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ الاية، وقال تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (88) .
وكيف يجوز أن يكونوا- مع ما أوتوا من البسطة في اللسان والقدرة على البيان والفصاحة والجزالة والحمية والأنفة- قد جاءهم واحد من جملة عددهم بدين يخالف دينهم فسفّه عقولهم وضلل أحلامهم وسب آلهتهم وشتت جموعهم، وجاءهم بكلام منظوم يبين بذلك الكلام على صدقه وأنه دليله على نبوته، وأنهم لا يقدرون على أن يأتوا بسورة مثله!! فقرعهم بذلك في المواقف والرد عليهم مقالة في المواطن، وهم قادرون على أن يكذبوه في انتحاله، ويكفون أنفسهم أمره بمعارضته، مختارين بذلك بذل النفوس والأموال، والعزيز من الأهل والأولاد على ما هو أخف وأيسر من مقابلته بكلام يسير يلوح منه كذبه، ويظهر به افتعاله وإفكه، فدل ما قلنا: أن تركهم المعارضة إنما كان لظهور العجز والانقطاع، والكلام في إعجاز القرآن يطول.(3/340)
[219- فصل: في أعلام نبوّته الباهرة، وما في تأييد الله ونصرته له على أعدائه وردّ كيدهم عنه من الدّلائل الظاهرة]
219- فصل: في أعلام نبوّته الباهرة، وما في تأييد الله ونصرته له على أعدائه وردّ كيدهم عنه من الدّلائل الظاهرة 1085- فمن أعلام نبوّته صلى الله عليه وسلم التي بهرت عقول قريش، وتركتهم في أمرهم حيرى: ليلة أسرى الله به من مكة إلى المسجد الأقصى بالشام، فبات معهم أول الليل، ثم اخترق الشام ورجع من آخر الليل، فلما أنبأهم بذلك أنكره من لم يعقل آيات الرسل عقله، ونفروا منه، وعرف صدقه العارفون بالله من أصحابه.
فأعداؤه أنكروا ما أخبرهم به، ...
(1085) قوله: «فأعداؤه أنكروا ما أخبرهم به» :
أخرج الإمام أحمد في مسنده [1/ 309] من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما كان ليلة أسري بي وأصبحت بمكة فظعت بأمري، وعرفت أن الناس مكذبي، فقعدت معتزلا حزينا، فمر عدو الله أبو جهل فجاء حتى جلس إليه فقال له كالمستهزىء: هل كان من شيء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، قال: ما هو؟ قال: إنه أسري بي الليلة، قال: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس، قال: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: نعم، - قال: فلم ير أن يكذبه مخافة أن يجحده الحديث إذا دعا قومه إليه-، قال: أرأيت إن دعوت قومك تحدثهم ما حدثتني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
نعم، فقال: هيا معشر بني كعب بن لؤي، حتى قال: فانتفضت إليه المجالس، وجاؤا حتى جلسوا إليهما، قال: حدث قومك بما حدثتني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أسري بي الليلة، قالوا: إلى أين؟ قلت: إلى-(3/341)
فامتحنوه بوسع طاقتهم ومبلغ جهدهم، جهدا منهم في إطفاء نوره وإبطال دعوته، فرفعه الله إليه ومثّله له نصب عينيه، فأخبرهم عنه عيانا، حتى أبرأ الصدور، وقطع العذر من المكذبين، وأيد الله بذلك المؤمنين.
ثم أخبرهم صلى الله عليه وسلم بمجيء عيرهم، وأن الجمل الذي يتقدمها عليه غرارتان، وإخباره صلى الله عليه وسلم بأمر العير من أعجب العلامات التي أخبر بها، - بيت المقدس، قالوا: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: نعم، قال:
فمن بين مصفق، ومن بين واضع يده على رأسه متعجبا للكذب ...
الحديث.
قوله: «فامتحنوه بوسع طاقتهم» :
أخرج الشيخان من حديث جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
لما كذبتني قريش قمت في الحجر فجلا الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه، وأخرج مسلم من حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي، عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربا ما كربت مثله قط؛ فرفعه الله لي أنظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلّا أنبأتهم ... الحديث.
قوله: «وأن الجمل الذي يتقدمها عليه غرارتان» :
أخرج البيهقي في الدلائل [2/ 395- 396]- من حديث أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري- حديث الإسراء بطوله وفيه: ثم أصبح بمكة يخبرهم بالعجائب ... فأخبرهم بعير لقريش: لما كان في مصعدي رأيتها في مكان كذا وكذا، وأنها نفرت، فلما رجعت رأيتها عند العقبة، وأخبرهم بكل رجل وبعيره كذا وكذا، ومتاعه كذا وكذا ... الحديث، وأخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم وابن عساكر- وقد تقدم في باب معاريجه صلى الله عليه وسلم. -(3/342)
فلو كان مخبرا عن غير الله لم يدر أن يتفق أن يتقدم بعير آخر فيجيء الأمر بخلاف ما أخبر به، والحق واضح لمن لم يلحد فيه.
1086- ومنها: أنه لما خرج في متوجه إلى الهجرة، وآوى إلى غار بقرب مكة، يعتريه النزال، ويأوي إليه الرعاء من مسيمي الأنعام، قل ما يخلو من مبكر فيه ورائح إليه، هو لهم سند، وللغوبهم مستراح، أقام ثلاثا لا يطرقه بشر حتى كأن لم يكن هنا لك أثر.
- وتقدم أيضا تخريج حديث أم هانىء في قصة الإسراء، وفيها: قالوا يا محمد أخبرنا عن عيرنا، فقال: أتيت على عير بني فلان بالروحاء قد أضلوا ناقة لهم فانطلقوا في طلبها فانتهيت إلى رحالهم ليس بها منهم أحد، وإذا قدح ماء فشربت منه، ثم انتهيت إلى عير بني فلان فنفرت مني الإبل، وبرك منها جمل أحمر عليه جوالق مخطط ببياض لا أدري أكسر البعير أم لا، ثم انتهيت إلى عير بني فلان في التنعيم يقدمها جمل أورق وها هي ذي تطلع عليكم من الثنية، فقال الوليد بن المغيرة: ساحر، فانطلقوا فنظروا فوجدوا الأمر كما قال فرموه بالسحر، وقالوا: صدق الوليد، فأنزل الله عزّ وجلّ: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ الاية، أورده في الخصائص [1/ 443] .
(1086) قوله: «ويأوي إليه الرعاء» :
شاهد هذا في صحيح البخاري، مناقب المهاجرين والأنصار في قصة الهجرة، وفيها قول أبي بكر: ثم انطلقت أنظر ما حولي هل أرى من الطلب أحدا؟ فإذا أنا براعي غنم يسوق غنمه إلى الصخرة يريد منها الذي أردنا ...
الحديث تقدم بطوله في باب الهجرة وحديث الغار.
قوله: «وللغوبهم مستراح» :
اللغوب: التعب والنصب والإعياء.(3/343)
وخرج القوم في طلبه، فعمّى الله عليهم أثره، وهو نصب أعينهم، فصدهم عنه وأخذ بأبصارهم دونه، وهم دهاة العرب وأهل الحنق عليه والعداوة له.
فبعث الله عنكبوتا فنسجت عليهم، فايسهم من الطلب فيه بعد أن قصدوا له.
وما كان ذلك لولا ما أراد الله من حياطته بموضع نسج العنكبوت، وهو يرده كل يوم فئام من الناس، وأعكار من النعم- وهو أعمر من المسجد الحرام- ولكن الله يفعل ما يريد.
قوله: «فبعث الله عنكبوتا» :
أخرج الإمام أحمد في مسنده [1/ 348] ، والطبراني في معجمه الكبير [11/ 407] رقم 12155، والخطيب في تاريخه [3/ 361، 13/ 9] ، وابن جرير في تفسيره [9/ 228] ، وأبو القاسم الأصبهاني في الدلائل برقم 49، وأبو نعيم كذلك- كما في الخصائص [1/ 461]-، من حديث مقسم، عن ابن عباس في قوله تعالى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ الاية، قال: تشاورت قريش ليلة بمكة ... القصة بطولها، وفيها: فاقتفوا أثره، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم، فصعدوا الجبل، فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا: لو دخل هاهنا أحد لم يكن نسج العنكبوت على بابه، فمكث فيه ثلاث ليال.
قال الحافظ ابن كثير: هذا إسناد حسن، وهو من أجود ما روي في قصة نسج العنكبوت على فم الغار، وذلك حماية الله لرسوله صلى الله عليه وسلم.
قلت: هو في مصنف عبد الرزاق [5/ 389] عن مقسم بصورة المقطوع لم يبلغ به ابن عباس، وانظر التعليق التالي.(3/344)
1087- ويروى أنهم لما قصدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الغار ليأخذوه، بعث الله عزّ وجلّ حمامتين فوقفتا أمام الغار، ونسجت العنكبوت في فم الغار، فصرفوا عنه.
(1087) قوله: «بعث الله عزّ وجلّ حمامتين» :
أخرج هذا في قصة الغار ابن سعد في الطبقات [1/ 228- 229] ، والبزار في مسنده [2/ 229- 230 كشف الأستار] رقم 1741، والطبراني في معجمه الكبير [20/ 443] رقم 1082، وأبو نعيم في الدلائل برقم 229، والبيهقي كذلك [2/ 481- 482] ، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل [9/ 441] ولم يسق المتن، والعقيلي في الضعفاء [3/ 422- 423] ، وأبو القاسم الأصفهاني في الدلائل برقم 64، وابن مردويه وابن عساكر فيما ذكره ابن كثير في تاريخه، والسيوطي في الخصائص.
قال ابن سعد: أخبرنا مسلم بن إبراهيم، أخبرنا عون بن عمرو القيسي أخو رياح القيسي، أخبرنا أبو مصعب المكي قال: أدركت زيد بن أرقم، وأنس بن مالك، والمغيرة بن شعبة، فسمعتهم يتحدثون: أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الغار أمر الله شجرة فنبتت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فسترته، وأمر الله العنكبوت فنسجت على وجهه فسترته، وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقعتا بفم الغار، وأقبل فتيان قريش- من كل بطن رجل- بأسيافهم وعصيهم وهراواتهم حتى إذا كانوا من النبي صلى الله عليه وسلم قدر أربعين ذراعا، نظر أولهم فرأى حمامتين فرجع فقال له أصحابه: ما لك لم تنظر في الغار؟ قال: رأيت حمامتين وحشيتين بفم الغار فعرفت أن ليس فيه أحد، قال: فسمع النبي صلى الله عليه وسلم قوله فعرف أن الله قد درأ عنه بهما، فسمت النبي صلى الله عليه وسلم عليهن وفرض جزاءهن وانحدرن في حرم الله، رجع الحديث إلى الأول، قالوا: وكانت لأبي بكر منيحة غنم، يرعاها عامر بن فهيرة وكان يأتيهم بها ليلا، فيحتلبون، فإذا كان سحر سرح مع الناس، قالت عائشة: وجهزنا هما أحب الجهاز، وصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فأوكت به الجراب، وقطعت أخرى-(3/345)
1088- ومنها: خبر العرب وكافريها وما يتناقلونه بالأشعار ويتفاوضونه في الديار: أمر سراقة بن مالك بن جعشم وقد تبعه متوجها- فصيرته عصاما لفم القربة، فبذلك سميت ذات النطاقين، ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في الغار ثلاث ليال، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر، واستأجر أبو بكر رجلا من بني الديل هاديا خريتا يقال له: عبد الله بن أريقط، وهو على دين الكفر، ولكنهما أمناه، فارتحلا ومعهما عامر بن فهيرة، فأخذ بهم ابن أريقط يرتجز فما شعرت قريش أين وجّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى سمعوا صوتا من جني من أسفل مكة ولا يرى شخصه:
جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين قالا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالبر وارتحلا به ... فقد فاز من أمسى رفيق محمد
قلت: عون بن عمرو شيخه أبو حاتم، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال الذهبي: أبو مصعب المكي غير معروف، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد [6/ 53] : فيه جماعة لم أعرفهم. اهـ.
والقصة في الجملة مقبولة في هذا الباب، ففي دلائل النبوة من المعجزات ما هو أعظم وأكبر، والحديث كما قال الحافظ ابن كثير: غريب من هذا الوجه.
(1088) قوله: «وما يتناقلونه بالأشعار» :
في الأصول: يتقاولون فيه، يشير بهذا إلى قول سراقة لأبي جهل:
أبا حكم والله لو كنت شاهدا ... لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه
علمت ولم تشكك بأن محمدا ... رسول ببرهان فمن ذا يقاومه
عليك بكف الناس عنه فإنني ... أرى أمره يوما ستبدوا معالمه
بأمر يود النصر فيه بإلبها ... لو أن جميع الناس طرا تسالمه
قوله: «أمر سراقة بن مالك بن جعشم» :
المدلجي، وقد ينسب إلى جده، كنيته: أبو سفيان، كان ينزل قديدا، أسلم يوم الفتح، وتوفي في خلافة عثمان، وكان عمر رضي الله عنه ألبسه سواري كسرى-(3/346)
إلى المدينة طالبا لعثرته، ملتمسا لغرته ليحظى به عند قريش ويبيعه بعرض من الدنيا يسير ... فأمهله الله، حتى إذا أمكنته الفرصة في نفسه وأيقن أن قد ظفر ببغيته- لأمنه بقوته-، وإشرافه على الغلبة لا يمتري؛ إذ خسف الله به الأرض فساخت قوائم فرسه حتى تغيبت بأجمعها في الأرض وهو بموضع جدد، وقاع صفصف كأنه ظهر صفوان، فارتاب وأي موضع ارتياب، وانتبه ولو عقل لتنبه، وعبر لو اعتبر، ولكن إيثار الهوى يسلب الهدى، فعلم أن الذي أصابه أمر سماوي، فنادى:
يا محمد، فأجابه صلى الله عليه وسلم آخذا بالفضل، ورحمة بعباد الله فقال: ادع ربك يطلق لي فرسي، وذمة الله عليّ أن لا أدل عليك أحدا، فدعا، فوثب جواده كأنه أفلت من أنشوطه، ولم يكن بموضع عثار ولا خبار، ولكن- ومنطقته وتاجه تحقيقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من قبل: كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟.
أخرج قصته في إدراكه النبي صلى الله عليه وسلم البخاري في غير موضع من حديث البراء عن أبي بكر.
انظر: اللقطة، باب- بدون ترجمة- حديث رقم 2439، وتمامه في الأرقام: 3615، 3652، 3908، 3917، 5607.
وأخرجه مسلم بطوله في الزهد، باب حديث الهجرة 2009.
وأخرجاه أيضا من حديث البراء بن عازب.
وأخرجه البخاري في مناقب الأنصار، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، من حديث ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن مالك- ابن أخي سراقة-، عن سراقة.
قوله: «ولم يكن بموضع عثار» :
يعني: لم يكن بالفرس عيب حين عثر، والعثار من عيوب الدواب، يقال:
عثر الفرس عثارا.(3/347)
لله في كل شيء سلطان ومع كل شيء قدره، وسأله- وكان رجلا داهية وعلم بما رأى أنه سيكون له نبأ- فقال: اكتب لي أمانا، فكتب له صلى الله عليه وسلم، فانصرف وخلف حظّه خلفه وهداه وراء ظهره، والله غالب على أمره.
1089- ومنها: أن أبا جهل عدوّه الذي حاربه واغتر في إطفاء نوره وقلقل في الأرض التثريب عليه، اشترى من رجل طارىء بمكة إبلا فبخسه أثمانها ولوّاه بحقه، فأتى نادي قريش مستجيرا بهم، وراجيا لرفدهم، فذكرهم حرمة البيت، وواجب حق من لجأ إليه، فأحالوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم استهزاء به لقلة منعته عندهم، ولكثرة أعوان عدوّه عليه، فأتاه مستجيرا به، فمضى معه، ودق الباب على أبي جهل، فعرفه، فخرج منخوب العقل، منقسم اللّب، فقال: أهلا بأبي القاسم- قول باخع ذليل- فقال: اعط هذا حقه، قال: نعم، فأعطاه من فوره، وكان الذي لا يصطلى بناره شرارة وجرأة وعتوا، فلما أتى قومه عيّروه فقال:
إني رأيت ما لم تروا، رأيت والله على رأسه تنينا فاتحا فاه، قوله: «وكان رجلا داهية» :
لما وقر في قلبه، ووقع في نفسه من صدق النبي صلى الله عليه وسلم كما بينه شعره لأبي جهل، ومع ذلك أخر إسلامه، فلم يسلم إلّا يوم الفتح، وظهر دهاؤه حين طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب له كتابا.
(1089) قوله: «اشترى من رجل طارىء» :
القصة هاهنا بالمعنى، وقد أخرجها بطولها: ابن إسحاق في سيرته [/ 195] ، ومن طريق ابن إسحاق أخرجها أبو نعيم في الدلائل [1/ 210] رقم 161، والبيهقي [2/ 193] ، وأبو القاسم الأصبهاني كذلك برقم 264.
قوله: «تنينا فاتحا فاه» :
في الرواية: فخرجت إليه وإن فوق رأسه لفحلا من الإبل ما رأيت مثل-(3/348)
لو أبيت لا لتقمني، فعلموا أن قد صدق لخبرهم به، وعلمهم ببغضائه.
فأنى يؤفك بالقوم عن قصد السبيل؟
1090- ومنها: أن أبا جهل طلب غرّته، واحتال في ختله، وراقب ساعات غفلته، فوافقه يوما ساجدا لربه، فاهتبلها منه، وظن أن قد ظفر ببغيته، فأخذ صخرة بوسع طاقته وقدر قوته، وأقبل بها إليه، حتى إذا هيأها ليطرحها عليه ألزقها الله بكفه، وحال بينه وبينه، وأراه ما يرونه ليعتبر من يدكر، فارعوى وأبصر، فلما عرف ألا نجاة له إلّا به سأله- فسأل رحيما- أن يدعو ربه، فدعا له، فسلّها من يده.
ويله، مما اجترحت يداه!.
- هامته ... الحديث، وفي رواية: والذي نفسي بيده لقد رأيت معه رجالا معهم حراب تلألأ.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل من حديث أبي قزعة: أن رجلا كان له على أبي جهل دين فلم يعطه، فقيل له: ألا ندلك على من يستخرج لك حقك؟
قال: بلى، قالوا: عليك بمحمد بن عبد الله، قال: فأتاه فجاء معه إلى أبي جهل فقال: أعطه حقه، قال: نعم، فدخل البيت، فدخل البيت معه فأخرج دراهمه فأعطاه، فقالوا لأبي جهل: فرقت من محمد كل هذا؟
قال: والذي نفسي بيده لقد رأيت معه رجالا معهم حراب تلمع، لو لم أعطه لخفت أن يبعج بها بطني.
قوله: «فأنى يؤفك بالقوم» :
في «ظ» : فأين القوم عن قصد السبيل.
(1090) قوله: «أن أبا جهل طلب غرته» :
أخرج ابن إسحاق في سيرته [/ 200] ، من حديث عكرمة: عن ابن عباس قال: قال أبو جهل بن هشام: يا معشر قريش، إن محمد قد أبى إلّا ما ترون-(3/349)
.........
- من عيب ديننا وشتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وسب آلهتنا، وإني أعاهد الله لأجلسن له غدا بحجر، فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم.
قال: فلما أصبح أبو جهل أخذ حجرا ثم جلس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظر، وغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يغدو، وكانت قبلته الشام، فكان إذا صلى صلى بين الركنين الأسود واليماني، وجعل الكعبة بينه وبين الشام، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمة يصلي وقد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم ينظرون، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم احتمل أبو جهل الحجر ثم أقبل نحوه حتى إذا دنا منه رجع منهزما منتقعا لونه مرعوبا، قد يبست يداه على الحجر، حتى قذف الحجر من يده، وقامت إليه رجال من قريش فقالوا: ما لك يا أبا الحكم؟ فقال: قمت إليه لأفعل ما قلت لكم البارحة فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل، والله ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط، فهمّ أن يأكلني.
قال ابن إسحاق: فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ذاك جبريل عليه السّلام، لو دنا مني لأخذه.
ومن طريق ابن إسحاق أخرجه أبو نعيم في الدلائل [1/ 205- 206] رقم 156، والبيهقي كذلك [2/ 190- 191] .
وأخرج أبو نعيم في الدلائل برقم 152، من حديث المعتمر بن سليمان، عن أبيه: أن رجلا من بني مخزوم قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده فهر ليرمي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أتاه وهو ساجد رفع يديه وفيها الفهر ليدمغ به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبست يده على الحجر، فلم يستطع إرسال الفهر من يده، فرجع إلى أصحابه، فقالوا: أجبنت عن الرجل؟ قال: لم أفعل ولكن هذا في يدي لا أستطيع إرساله، فعجبوا من ذلك، فوجدوا أصابعه قد يبست على الفهر، فعالجوا أصابعه حتى خلصوها، وقالوا: هذا شيء يراد، مرسل.(3/350)
1091- ومن ذلك: أن نفرا من قريش اجتمعوا وتامروا أن يقتلوه صلى الله عليه وسلم، فابتدر أبو جهل لذلك، وتقلد سيفه، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتله ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ الاية، حتى فرغ من صلاته تأخر، فقالوا لأبي جهل: لم لا تتقدم إليه؟ قال: أما رأيتم ما رأيت؟
فقالوا: وما رأيت؟ قال: والله لقد رأيت بيني وبينه أمثال الجبال.
1092- ومنها: ما روي أنه لما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صارت له شيعة وأصحاب من غيرهم، اجتمعوا في دار الندوة يتشاورون فيها ما يصنعون من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل، (1091) قوله: «وتامروا أن يقتلوه صلى الله عليه وسلم» :
أخرج البزار في مسنده [3/ 130 كشف الأستار] رقم 2404، والطبراني في الأوسط [9/ 314- 315] رقم 8686، والحاكم في المستدرك وصححه [3/ 325] ، من حديث ابن عباس، عن العباس قال: كنت يوما في المسجد فأقبل أبو جهل فقال: إن لله عليّ إن رأيت محمدا ساجدا أن أطأ على رقبته، فخرجت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلت عليه فأخبرته بقول أبي جهل، فخرج غضبانا حتى جاء المسجد، فعجل قبل أن يدخل من الباب فاقتحم الحائط، فقلت: هذا يوم شر، فاتزرت ثم اتبعته، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) الاية، فلما بلغ شأن أبي جهل:
كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (7) الاية، قال إنسان لأبي جهل:
يا أبا الحكم هذا محمد، فقال أبو جهل: ألا ترون ما أرى؟ والله لقد سد أفق السماء عليّ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر السورة سجد.
وفي إسناده إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة وهو ضعيف جدّا، وقال بعضهم: متروك، وهو في صحيح مسلم كما سيأتي.
(1092) قوله: «في هيئة شيخ جليل» :
زاد ابن هشام: عليه بتلة، وهي الكساء الغليظ، وقد نقل بعضهم-(3/351)
فوقف على باب الدار، فلما رأوه قالوا: من الشيخ؟ قال: شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتّم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون، وعسى ألا يعدمكم منه رأيا ونصحا.
قالوا: ادخل، فدخل معهم وقد اجتمع فيها أشراف قريش من كل قبيلة، من بني عبد شمس: عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو سفيان بن حرب، ومن بني نوفل بن عبد مناف: طعيمة بن عدي، وجبير بن مطعم، والحارث بن عامر بن نوفل، ومن بني عبد الدار بن قصي: النضر بن الحارث بن كلدة، ومن بني أسد بن عبد العزى: أبو البحتري بن هشام، وزمعة بن الأسود بن المطلب، وحكيم بن حزام، ومن بني مخزوم:
أبو جهل بن هشام، ومن بني سهم: منبه ونبيه ابنا الحجاج، ومن بني جمح: أمية بن خلف، فقال بعضهم لبعض: هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم فإنا والله ما نأمنه على الوثوب علينا فيمن قد اتبعه من غيرنا، فأجمعوا فيه رأيا، قال: فتشاوروا، ثم قال قائل: احبسوه في الحديد، وأغلقوا عليه بابا، ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذي كانوا قبله زهيرا والنابغة ومن مضى منهم من هذا الموت حتى يصيبه ما أصابهم.
فقال الشيخ النجدي: لا والله، ما هذا لكم برأي، والله لئن حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه فلأوشكوا أن يثبوا عليكم، فينزعوه من أيديكم، ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم؛ ما هذا لكم برأي، فانظروا في غيره.
- عن السهيلي في سبب إتيان إبليس في هيئة الشيخ النجدي لأنهم قالوا:
لا يدخلن معكم في المشاورة أحد من أهل تهامة فإن هواهم مع محمد.(3/352)
فتشاوروا، فقال قائل منهم: نخرجه من بين أظهرنا وننفيه من بلدنا، فإذا أخرج عنا فو الله ما نبالي أين ذهب ولا حيث وقع.
قال الشيخ النجدي: ليس هذا برأي، ألم تروا حسن حديثه وحلاوة منطقه، وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي به؟ فلا نأمن من أن يحل على حي من العرب فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يتابعوه عليه، ثم يسير بهم إليكم حتى يطأكم بهم في بلادكم فيأخذ أمركم من أيديكم، ثم يفعل بكم ما أراد، دبروا فيه رأيا آخر.
فقال أبو جهل: إني أرى أن تأخذوا من كل قبيلة فتى شابا جلدا نسيبا وسيطا فينا، ثم يعطى كل فتى منهم سيفا صارما، ثم يعمدوا إليه ويضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه ونستريح منه، فإذا فعلنا ذلك تفرق دمه في القبائل كلها فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا ورضوا بالعقل فعقلناه لهم.
فقال الشيخ النجدي: القول ما قلت، هذا الرأي الذي لا رأي غيره، فتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون له.
فأتى جبريل عليه السّلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه، فقال صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: نم على فراشي وتسجّ ببردي هذا فنم فيه فإنه لن يخلص إليك منهم شيء تكرهه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك.
ولما اجتمعوا له، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم على بابه فأخذ حفنة من تراب في يديه، وأخذ الله على أبصارهم عنه فلا يرونه، فجعل ينثر من ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو هذه الايات: يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إلى قوله تعالى: وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا(3/353)
فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (9) ، فلم يبق منهم رجل إلّا وضع على رأسه ترابا، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب.
قال: وأتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال: ما تنتظرون هاهنا؟
قالوا: محمدا، قال: خيبكم الله، قد والله خرج عليكم محمدا ثم لم يترك منكم رجلا إلّا وضع على رأسه التراب، وانطلق لحاجته، أفلا ترون ما نزل بكم؟ قال: فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب، ثم جعلوا ينطلقون فيرون عليا على الفراش متسجيا ببرد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: والله إن هذا لمحمد نائم عليه برده، فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا، فقام علي رضي الله عنه عن الفراش فقالوا: والله لقد صدقنا الذي كان حدثنا، فكان مما أنزل الله تعالى من القرآن في ذلك اليوم وما كانوا أجمعوا له: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (30) ، وقوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31) .
قوله: «والله لقد صدقنا الذي كان حدثنا» :
الخبر بطوله في سيرة ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم من أصحابنا عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد بن جبر أبي الحجاج وغيره ممن لا أتهم، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما به [ابن هشام 2/ 480] .
ومن طريقه أخرجه الطبري في تاريخه [2/ 370] ، وأبو نعيم في الدلائل برقم 154.
وأخرجها بطولها الحافظ عبد الرزاق في المصنف [5/ 384- 390] ، ومن طريقه الإمام أحمد في المسند [1/ 348] باختصار، والطبراني في معجمه الكبير [11/ 407] رقم 12155، بإسناد فيه عثمان الحزري، وثقه ابن حبان وضعفه غيره، وبقية رجاله رجال الصحيح، قاله الهيثمي في مجمع الزوائد [7/ 27] . -(3/354)
1093- ومنها: ما روي عن ابن عباس قال: دخلت فاطمة على النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي فقال: يا بنية ما يبكيك؟، قالت: يا أبة وما لي لا أبكي وهؤلاء الملأ من قريش في الحجر يتعاقدون باللات والعزى ومناة لو رأوك لقاموا إليك فيقتلونك، فليس فيهم أحد إلّا وقد عرف نصيبه من دمك، فقال صلى الله عليه وسلم: يا بنية، إيتيني بوضوء، فتوضأ ثم خرج صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فلما رأوه قالوا: ها هو ذا، فطأطأوا رؤوسهم، وسقطت رقابهم بين أيديهم فلم يرفعوا إليه أبصارهم، فتناول النبي صلى الله عليه وسلم قبضة من التراب وهو في الحجر فحصبهم بها وقال: شاهت الوجوه، فما أصاب رجلا منهم حصاة من تلك الحصى إلّا قتل يوم بدر كافرا.
1094- ومنها: ما روي عن ابن عباس أيضا قال: لما نزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ الاية، جاءت امرأة أبي لهب إلى أبي بكر، - وأخرجها من طرق: ابن سعد في الطبقات [1/ 227] ، وأبو نعيم في الدلائل برقم 154، والطبري في تاريخه [2/ 370] .
(1093) قوله: «عن ابن عباس» :
أخرجه الإمام أحمد في المسند [1/ 303، 368] ، وأبو نعيم في الدلائل [1/ 192] برقم 139، ومن طريقه البيهقي في الدلائل [6/ 240] ، وصححه الحاكم في المستدرك [1/ 163، 3/ 157] ، وابن حبان- كما في الإحسان- برقم 6502، والضياء في المختارة [10/ 218، 219، 220] الأرقام 230، 231، 232، وقال في مجمع الزوائد [8/ 228] بعد عزوه للإمام أحمد: رجال أحدهما رجال الصحيح، والظاهر: رجالهما رجال الصحيح، والله أعلم.
(1094) قوله: «لما نزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ» :
تقدم تخريجه في عصمة الله نبيه تحت رقم 183.(3/355)
وأبو بكر جالس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله إنها امرأة بذيئة، وأنا أخاف أن تؤذيك، فقال صلى الله عليه وسلم: إنها لن تراني، فقالت: يا أبا بكر هجاني صاحبك، فقال لها أبو بكر: لا، وما يقول الشعر، قالت: فإنك عندي مصدق، وانصرفت، فقال أبو بكر:
يا رسول الله أما رأتك؟ قال: ما زال الملك يسترني منها بجناحيه.
1095- ومنها: ما روي عن عروة بن الزبير قال: كان النضر بن الحارث ممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتعرض له، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما يريد حاجته نصف النهار في حر شديد، فلما بلغ أسفل من ثنية الحجون- وكان صلى الله عليه وسلم يبعد إذا ذهب لحاجته- فرآه النضر بن الحارث فقال: لا أجده أبدا أخلى منه الساعة فأغتاله، قال: فدنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم انصرف راجعا مرعوبا إلى منزله، فلقي أبا جهل، فقال: من أين الان؟ قال النضر: اتبعت محمدا رجاء أن أغتاله وهو وحده ليس معه أحد، فإذا أساود تضرب بأنيابها على رأسه فاتحة أفواهها، فهالتني فذعرت منها ووليت راجعا، قال أبو جهل: هذا بعض سحره.
1096- ومنها: ما روي عن الحكم بن أبي العاص قال: مررت يوما بحراء، فإذا أنا بنور عظيم، ورأيت شجرة لم أر مثلها قط، فدنوت، (1095) قوله: «هذا بعض سحره» :
مرسل، وفيه الواقدي، أخرجه أبو نعيم في الدلائل برقم 155.
(1096) قوله: «عن الحكم بن أبي العاص» :
هو ابن أمية بن عبد شمس، صحابي، لكن في ترجمته ما يدل على أنه كان ممن يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم قبل إسلامه وبعده، حتى نفاه النبي صلى الله عليه وسلم-(3/356)
فإذا أنا بمحمّد صلى الله عليه وسلم جالسا، وإلى جانبه رجل لم أر رجلا قط أحسن وجها منه يحدثه، وكنت شجاع قومي، فقلت: ما لي لا أريح قريشا من هذا؟ فهممت بقتله، فإذا أنا بأسد قد استقبلني، والله ما رأيت قط أشد هيبة منه، فرأيته وهو يريدني، فلما رأيته ولّيت مدبرا، فسمعته يقول: والذي بعث محمدا بالنبوة لولا أنك وليت لتركتك لا تمشي على قدميك أبدا.
وقد كان يجلس ويسمع لقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل له: لم لا تؤمن؟
قال: لا أكون أول من يدخل السّبّة والعار على قومه.
- إلى الطائف.
وقد أخرج الطبراني في ترجمته من المعجم الكبير [3/ 239- 240] رقم 3166، وأبو نعيم في المعرفة [2/ 711] رقم 1904، وابن منده في الصحابة- كما في الخصائص [1/ 321] ، جميعهم من حديث قيس حبتر- تصحف في المصادر إلى: جبير- قال: قالت ابنة الحاكم: قلت لجدي الحكم: ما رأيت قوما كانوا أعجز ولا أسوأ رأيا في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم منكم يا بني أمية، قال: لا تلومينا يا بنية، إني لا أحدثك إلّا ما رأيت بعيني هاتين، قلنا: والله ما نزال نسمع قريشا تقول: يصلي هذا الصابىء في مسجدنا، تواعدوا له حتى نأخذه، فتواعدنا إليه، فلما رأيناه سمعنا صوتا ظننا أنه ما بقي بتهامة جبل إلّا تفتت علينا، فما عقلنا حتى قضى صلاته ورجع إلى أهله، ثم تواعدنا ليلة أخرى قلما جئنا نهضنا إليه، فرأيت الصفا والمروة التقيا إحداهما بالأخرى فحالتا بيننا وبينه، فو الله ما نفعنا ذلك.
وذكروا في ترجمته ما سيأتي عند المصنف من محاكاته حركة النبي صلى الله عليه وسلم حتى دعا عليه، انظر النص الاتي برقم 1117، والتعليق عليه.(3/357)
1097- ومنها: ما روي عن عكرمة: أن قوما قالوا: تعالوا، فإذا لقينا محمدا فعلنا به وفعلنا، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم فجعل يذر التراب على رؤوسهم ويقرأ: يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إلى قوله: فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ.
(1097) قوله: «أن قوما قالوا» :
بينت رواية ابن جرير بأن القائل هو أبو جهل، قال: لئن رأيت محمدا لأفعلن ولأفعلن، فنزلت إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا إلى قوله: فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ، فكانوا يقولون: هذا محمد، فيقول: أين هو؟ أين هو؟
لا يبصره، [تفسير ابن جرير 22/ 152] .
وقد أشار الحافظ البيهقي في الدلائل إلى أثر عكرمة هذا عقب تفسير ابن عباس للايات، فأخرج في الدلائل [2/ 196- 197] ، من حديث الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس في قوله تعالى: وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا، قال: (سدّا) : غطاء، (فأغشيناهم) يقول: ألبسنا أبصارهم وغشيناهم فهم لا يبصرون النبي صلى الله عليه وسلم فيؤذونه، وذلك أن أناسا من بني مخزوم تواصوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليقتلوه، منهم: أبو جهل، والوليد بن المغيرة، ونفر من بني مخزوم، فبينا النبي صلى الله عليه وسلم قائم يصلي فلما سمعوا قراءته أرسلوا الوليد ليقتله، فانطلق حتى انتهى إلى المكان الذي كان يصلي النبي صلى الله عليه وسلم فيه، فجعل يسمع قراءته ولا يراه، فانصرف إليهم فأعلمهم ذلك، فأتاه من بعده: أبو جهل، والوليد، ونفر منهم، فلما انتهوا إلى المكان الذي هو فيه يصلي سمعوا قراءته فيذهبون إلى الصوت فإذا الصوت من خلفهم فينتهون إليه فيسمعونه أيضا من خلفهم فانصرفوا ولم يجدوا إليه سبيلا، فذلك قوله: وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا إلى آخر الاية.
قال البيهقي: روي عن عكرمة ما يؤيد هذا.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل بإسناد فيه النضر بن عبد الرحمن أحد الضعفاء، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المسجد حتى تأذى به ناس من قريش، حتى قاموا ليأخذوه، وإذا أيديهم-(3/358)
1098- وروي عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوم حنين على بغلة يقال لها: دلدل، فلما انهزم المسلمون، قال النبي صلى الله عليه وسلم: التزمي دلدل، فوضعت بطنها على الأرض، فأخذ حفنة من تراب فرمى بها في وجوههم، وولى المشركون منهزمين، ما ضرب بسيف ولا طعن برمح، ولا رمى بهم، وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين.
- مجموعة إلى أعناقهم، وإذا هم عمي لا يبصرون، فجاؤا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ننشدك الله والرحم يا محمد، قال: ولم يكن بطن من بطون قريش إلّا والنبي صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم حتى ذهب عنهم، فنزلت: يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) إلى قوله: أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ، قال: فما آمن من أولئك النفر أحد.
(1098) قوله: «وروي عن أنس بن مالك» :
أخرجه أبو القاسم الأصبهاني في الدلائل برقم 332، وهو في مغازي الواقدي أيضا [3/ 898] بنحوه، وعزاه السيوطي في الخصائص لأبي نعيم.
وأصله في صحيح مسلم من حديث سلمة بن الأكوع قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا، فلما واجهنا العدو تقدمت، فأعلو ثنية، فاستقبلني رجل من العدو فأرميه بسهم، فتوارى عني، فما دريت ما صنع، ونظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى، فالتقوا هم وصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فولى صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وأرجع منهزما وعليّ بردتان متزرا بإحداهما، مرتديا بالأخرى، فاستطلق إزاري فجمعتهما جميعا، ومررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهزما، وهو- صلى الله عليه وسلم- على بغلته الشهباء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد رأى ابن الأكوع فزعا، فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة، ثم قبض قبضة من تراب من الأرض، ثم استقبل به وجوههم فقال: شاهت الوجوه، فما خلق الله منهم إنسانا إلّا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة، فولوا مدبرين، فهزمهم الله عزّ وجلّ، وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين.(3/359)
1099- ولما نزل صلى الله عليه وسلم خيبر قال: الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين.
1100- ومنها: ما روي عن عروة بن الزبير قال: قدم عامر بن الطفيل وأربد بن قيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد توافقا على ما تواثقا عليه من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدما قال عامر لأربد: إذا قدمنا على الرجل فإني شاغل عنك وجهه، فإذا فعلت ذلك فاعله بالسيف.
فلما قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عامر: يا محمد خالّني، قال:
لا، حتى تؤمن بالله وحده، قال: يا محمد خالّني، قال: لا، حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له، وجعل يكلمه وينظر من أربد ما كان أمره به، فجعل أربد لا يجيب شيئا، فلما رأى عامر ما صنع أربد قال: يا محمد خالّني، قال: لا، حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له، فلما أبى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أما والله لأملأنها عليك خيلا جردا ورجالا مردا، ولأربطن بكل نخلة فرسا، فلما ولّى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهمّ اكفني عامر بن الطفيل، فلما خرجا من عنده قال عامر لأربد: ويلك يا أربد أين ما كنت أوصيتك به؟ ... وذكر باقي الحديث على نحو ما مضى.
(1099) قوله: «ولما نزل صلى الله عليه وسلم خيبر» :
أخرجاه في الصحيحين من حديث أنس بن مالك.
(1100) قوله: «يا محمد خالّني» :
قيل: من الخلة، أي: اتخذني خليلا وصاحبا، وقيل: من الخلوة، أي مكّنّي حتى أحدثك خاليا على انفراد.
قوله: «على نحو ما مضى» :
في باب عصمة الله نبيه من التدين بغير الحق، في أول الكتاب، حديث رقم: -(3/360)
قال: فلما كانا ببعض الطريق أصاب عامر بن الطفيل الطاعون في عنقه فقتله في بيت امرأة من بني سلول، وخرج أربد ومن معه من أصحابه حين رأوا عامرا قد مات بأرض بني عامر، فقالت بنو عامر:
يا أربد ما وراءك؟ قال: لا شيء، والله لقد دعاني إلى عبادة شيء لوددت أنه الان عندي فأرميه بمثل هذه- وأشار إلى مكان قريب- حتى أقتله، فخرج أربد بعد ذلك بيوم أو يومين ومعه جمل له يبيعه، فأرسل الله عليه صاعقة فاحترق هو وجمله.
1101- ومنها: ما روي عن ابن عباس قال: مر أبو جهل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد يصلي، فقال: ألم أنهك يا محمد؟ لتنتهين عن هذا أو لأفعلن بك، فانتهره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأغلظ، فقال: بم تهددني يا محمد؟ ما بهذا الوادي أحد أكثر مني ناديا، فقال الله عزّ وجلّ:
فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (18) .
- 168، وتأتي مسندة أيضا في فصل ما ظهر من الايات والدلائل فيمن دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم، الاتي بعد هذا مباشرة برقم: 1115.
قوله: «فأرميه بمثل هذه» :
يعني بالنبل كما بينته الرواية الأخرى.
(1101) قوله: «ومنها: ما روي عن ابن عباس» :
أخرجه من طرق بألفاظ متقاربة: ابن أبي شيبة في المصنف [14/ 298] رقم 18411، والإمام أحمد في المسند [1/ 256، 329] ، والترمذي في التفسير من جامعه، رقم 3349، والنسائي في التفسير من الكبرى برقم 11684، 11685، وابن جرير في تفسيره [30/ 256] ، والبيهقي في الدلائل [2/ 192] ، والطبراني في الأوسط [6/ 86- 87 مجمع البحرين] رقم 3417. -(3/361)
.........
- وأصله في صحيح الإمام البخاري، فأخرج في التفسير، باب قوله تعالى:
كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (15) ، من طريق عبد الكريم الجزري، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا يصلي عند الكعبة لأطأن على عنقه، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو فعله لأخذته الملائكة.
وأخرجه أيضا الإمام في المسند [1/ 248، 368] ، وعبد الرزاق في التفسير من المصنف [2/ 384] ، والترمذي في التفسير برقم 3348، والنسائي كذلك برقم 11685، والبيهقي في الدلائل [2/ 192] ، وابن جرير في تفسيره [30/ 256] .
وفي الباب عن أبي هريرة، والعباس بن عبد المطلب.
فأخرج الإمام أحمد في مسنده [2/ 370] ، ومسلم في صفة القيامة من صحيحه برقم 2797، والنسائي في التفسير من الكبرى برقم 11683، وابن جرير في تفسيره [30/ 256] ، وأبو نعيم في الدلائل برقم 158، وأبو القاسم الأصبهاني كذلك برقم 253، والبيهقي فيه [2/ 188] ، البغوي في الأنوار برقم 31، جميعهم من حديث أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته أو لأعفرن وجهه في التراب، قال: فأتى رسول الله وهو يصلي، - زعم ليطأ على رقبته- قال: فما فجأهم منه إلّا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه، قال:
فقيل له: ما لك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا، قال:
فأنزل الله عزّ وجلّ- لا ندري في حديث أبي هريرة أو شيء بلغه-:
كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (7) إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى الايات ... الحديث باختصار لفظ مسلم. -(3/362)
1102- ومنها ما رواه زكرياء بن عمرو، من أهل الكوفة، مولى لبني زهرة، عن شيخ من قريش، قال: لما مضى ثلاث سنين أطلع الله تعالى رسوله على أمر صحيفتهم، وأن الأرضة قد أكلت ما فيها من جور وظلم وبقي ما كان فيها من ذكر الله، فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم- وأما حديث العباس فأخرجه البزار في مسنده [3/ 130 كشف الأستار] رقم 2404، والطبراني في معجمه الأوسط [6/ 143 مجمع البحرين] رقم 3507، وصححه الحاكم في المستدرك [3/ 325]- مع أن فيه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ضعفه الجمهور-، وهذا لفظ الحاكم: عن العباس بن عبد المطلب قال: كنت يوما في المسجد فأقبل أبو جهل فقال: إن لله عليّ إن رأيت محمدا ساجدا أن أطأ على رقبته، فخرجت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلت عليه فأخبرته بقول أبي جهل؛ فخرج غضبانا حتى جاء المسجد فعجل قبل أن يدخل من الباب فاقتحم الحائط فقلت: هذا يوم شر، فاتّزرت ثم اتبعته، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2) ، فلما بلغ شأن أبي جهل: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (7) ، قال إنسان لأبي جهل: يا أبا الحكم، هذا محمد- رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقال أبو جهل: ألا ترون ما أرى؟! والله لقد سد أفق السماء عليّ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر السورة سجد.
(1102) قوله: «ما رواه زكرياء بن عمرو» :
الزهري مولاهم، ذكر خبره السيوطي في الخصائص [1/ 376] فقال: قال ابن سعد: أنا محمد بن عمر، حدثني الحكم بن القاسم، عن زكرياء بن عمرو، عن شيخ من قريش به ...
ولم أقف عليه في طبقات ابن سعد من هذا الوجه، لكن أخرجه من طرق مختصرا ومطولا [1/ 210- 212] .
وانظر خبر الصحيفة وطرقها في: دلائل أبو نعيم [1/ 272- 278] رقم 205، ودلائل البيهقي [2/ 311- 315] ، وسيرة ابن هشام [1/ 371] .(3/363)
لأبي طالب، فقال أبو طالب: أحق ما تخبرني به يا ابن أخي؟ قال:
نعم، والله، فذكر أبو طالب ذلك لإخوته، فقالوا له: ما ظنك به؟ قال أبو طالب: والله ما كذبني ابن أخي قط، قالوا: فما ترى؟ قال: أرى أن تلبسوا أحسن ما تجدون من الثياب، ثم تخرجوا إلى قريش فتذكروا لهم قبل أن يبلغهم الخبر، قال: فخرجوا حتى دخلوا المسجد، فعمدوا إلى الحجر- وكان لا يجلس فيه إلّا صبيان قريش وذووها- فترفعت إليهم المجالس ينظرون إليهم ماذا يقولون، فقال أبو طالب: إنا جئنا لأمر فأجيبونا فيه بالذي يعرف لكم، قالوا: مرحبا بكم وأهلا، وعندنا ما يسرك فيما طلبت، قال: إن ابن أخي قد أخبرني ولم يكذبني قط: أن الله جل ذكره قد سلط على صحيفتكم التي كتبتم الأرضة تأكل ما كان فيها من جور وظلم وقطيعة رحم، وبقي فيها كل ما ذكر به الله، فإن كان ابن أخي صادقا نزعتم عن سوء رأيكم، وإن كان كاذبا دفعته إليكم فقتلتموه واستحييتموه، قالوا: أنصفتنا.
فأرسلوا إلى الصحيفة، وكانت موضوعة على يدي الجلاس، فلما أتى بالصحيفة قال: اقرؤها، فلما فتحوها إذا هي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أكلت إلّا ما كان من ذكر الله، فسقط في أيدي القوم، ثم نكسوا على رؤسهم، فقال أبو طالب: هل بيّن لكم أنكم أولى بالظلم والقطيعة والإساءة؟ فلم يراجعه أحد من القوم، وتلاوم رجال من قريش على ما صنعوا ببني هاشم، فمكثوا غير كثير، ورجع أبو طالب إلى الشعب وهو يقول: يا معشر قريش نحصر ونحبس وقد بان لكم الأمر؟ ثم دخل هو وأصحابه بين أستار الكعبة فقالوا:
اللهمّ انصرنا على من ظلمنا وقطع أرحامنا واستحل منا ما حرم الله منا، ثم انصرفوا.(3/364)
1103- ومنها: ما روي عن أبي أمامة قال: كان رجل من بني هاشم يقال له: ركانة، وكان من أفتك الناس وأشدهم، وكان مشركا، وكان يرعى غنما له في واد يقال له: أضم، فخرج نبي الله عزّ وجلّ من بيت عائشة ذات يوم فتوجه قبل ذلك الوادي، فلقيه ركانة، وليس مع نبي الله أحد، فقام إليه ركانة فقال: يا محمد، أنت الذي تشتم آلهتنا اللات والعزى وتدعو إلى إلهك العزيز الحكيم؟ ولولا رحم بيني وبينك (1103) قوله: «عن أبي أمامة» :
الباهلي، أخرج حديثه البيهقي في الدلائل [6/ 251] ، وأبو نعيم كذلك وفي الإسنادين: علي بن يزيد الشامي أبو عبد الملك ضعفه الجمهور، قال البيهقي: أبو عبد الملك ليس بالقوي إلّا أن معه ما يؤكد حديثه.
وكان البيهقي قد أخرج قصة مصارعة النبي صلى الله عليه وسلم ركانة من طريق ابن إسحاق قال: حدثني والدي إسحاق بن يسار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لركانة بن عبد يزيد: ... الحديث.
ومن طريق ابن إسحاق أخرجها أيضا أبو القاسم الأصبهاني في الدلائل برقم 245.
وأخرجها أبو داود في المراسيل [/ 235] رقم 308، والبيهقي في السنن الكبرى [10/ 18] ، من طريق حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار، عن سعيد ابن جبير بها، قال البيهقي: مرسل جيد.
وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص: وصله أبو بكر الشافعي وأبو الشيخ في كتاب السبق والرمي من طريق عبد الله بن يزيد المدني، عن حماد، عن عمرو ابن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به.
وأخرج أبو داود في اللباس برقم 4078، والترمذي كذلك برقم 1785، من حديث أبي جعفر محمد بن علي بن ركانة: أن ركانة صارع النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم. -(3/365)
ما كلمتك الكلام حتى أقتلك، ولكن ادع إلهك العزيز الحكيم ينجيك مني اليوم، وسأعرض عليك أمرا: هل لك أن أصارعك وتدعو إلهك العزيز الحكيم يعينك عليّ، وأنا أدعو اللات والعزى، فإن أنت صرعتني فلك عشرة من غنمي هذه تختارها، فقال عند ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم: نعم إن شئت، فأخذ، ودعا نبي الله صلى الله عليه وسلم إلهه العزيز الحكيم أن يعينه على ركانة، ودعا ركانة اللات والعزى: أعنّي اليوم على محمد، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه، وجلس على صدره، فقال ركانة: لست أنت الذي فعلت هذا، إنما فعله إلهك العزيز الحكيم، وخذلني اللات والعزى، وما وضع جنبي أحد قبلك، فقال له ركانة: عد، فإن أنت صرعتني فلك عشر أخرى تختارها، وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم، ودعا كل واحد منهما إلهه، كما فعلا أول مرة، فصرعه نبي الله صلى الله عليه وسلم الثانية، وجلس على صدره فقال له ركانة:
لست أنت الذي فعلت بي هذا، إنما فعله إلهك العزيز الحكيم، وخذلني- وأخرج الحافظ عبد الرزاق في المصنف [11/ 427] رقم 20909 من حديث معمر، عن يزيد بن أبي زياد- قال: أحسبه عن عبد الله بن الحارث- قال: صارع النبي صلى الله عليه وسلم أبا ركانة في الجاهلية وكان شديدا، فقال: شاة شاة، فصرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو ركانة: عاودني ... القصة، وفي آخرها قول النبي صلى الله عليه وسلم: ما كنا لنجمع عليك أن نصرعك ونغرمك، خذ غنمك.
ولها طريق آخر بسياق آخر عن أبي ظبيان، عن ابن عباس قال: أتى رجل من بني عامر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أريك آية؟ ...
الحديث، وفي آخره أنه قال: ما رأيت رجلا كاليوم أسحر منه، بسطنا الكلام في كتابنا فتح المنان شرح المسند الجامع لأبي محمد الدارمي، تحت رقم 25 فانظره.
فهذه الشواهد يقوي بعضها بعضا، ما يجعل للحديث أصلا، والله أعلم.(3/366)
اللات والعزى، وما وضع جنبي أحد قبلك، فقال له ركانة: عد، فإن أنت صرعتني فلك عشرة أخرى تختارها، فأخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم، ودعا كل واحد منهما إلهه، فصرعه نبي الله صلى الله عليه وسلم الثالثة، فقال له ركانة: لست أنت الذي فعلت بي هذا وإنما فعله إلهك العزيز الحكيم، وخذلني اللات والعزى، فدونك ثلاثين شاة من غنمي فاخترها.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما أريد ذلك، ولكني أدعوك إلى الإسلام يا ركانة وأنفس بك أن تصير إلى النار، إنك إن تسلم تسلم، فقال له ركانة: لا، إلّا أن تريني آية، فقال له نبي الله صلى الله عليه وسلم: الله عليك شهيد، إن أنا دعوت ربي فأريتك آية لتجيبنّني إلى ما أدعوك إليه؟ قال: نعم، وقريب منه شجرة سمرة ذات فروع وقضبان، فأشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها: أقبلي بإذن الله عزّ وجلّ، فانشقت باثنين، فأقبلت على نصف شقها وقضبانها وفروعها حتى كانت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ركانة، فقال ركانة: أريتني عظيما، فمرها فلترجع، فقال له نبي الله صلى الله عليه وسلم: الله عليك شهيد، لئن أنا دعوت ربي أمر بها فرجعت لتجيبنّي إلى ما أدعوك إليه؟ قال: نعم، فأمرها، فرجعت بقضبانها وفروعها حتى التأمت بشقها.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أسلم، تسلم، فقال له ركانة: ما بي إلّا أن أكون رأيت عظيما، ولكني أكره أن يتحدث نساء المدينة وصبيانها، أني إنما جئت لرعب دخل قلبي منك، ولكن قد علمت نساء أهل المدينة قوله: «وخذلني اللات والعزى» :
في «ظ» : وخذله اللات والعزى، في جميع المواضع، وأهل العلم يتحاشون عود مثل هذه الألفاظ على أنفسهم عند التعبير والكلام، فيعيدوها إلى قائلها بلفظه كما وقع في «ظ» .(3/367)
وصبيانها أنه لم يضع جنبي أحد قط، ولم يدخل قلبي رعب ساعة قط ليلا ولا نهارا، ولكن دونك فاختر غنمك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ليس لي حاجة إلى غنمك إذ أبيت أن تسلم.
فانطلق نبي الله صلى الله عليه وسلم راجعا، وأقبل أبو بكر وعمر يلتمسانه في بيت عائشة، فأخبرتهما أنه توجه قبل وادي أضمن، وقد عرف أنه وادي ركانة لا يكاد يخطئه، فخرجا في طلبه وأشفقا أن يلقاه ركانة فيقتله، فجعلا يصعدان على كل شرف ويشرفان مخرجا له إذ نظرا إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم مقبلا، فقالا: يا نبي الله كيف تخرج إلى هذا الوادي وحدك، وقد عرفت أنه جهة ركانة وأنه من أفتك الناس وأشدهم تكذيبا لك؟! فضحك إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: أليس يقول الله عزّ وجلّ: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، إنه لم يكن يصل إلي والله معي، فأنشأ يحدثهما بحديثه والذي فعل به، والذي أراه، فعجبا من ذلك فقالا: يا رسول الله أصرعت ركانة؟ فلا والذي بعثك بالحق نبيا ما نعلم أنه وضع جنبه إنسان قط!! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني دعوت ربي فأعانني عليه، وإن ربي أعانني ببضع عشرة وقوة عشرة.
1104- ومن ذلك: أن شيبة بن عثمان الحجبي كمن لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ليقتله، فجاء من خلفه، فلما أراد أن يسوره وأن يعلوه بالسيف رفع له شواظ من نار كاد أن يحترق، فنكص على عقبيه وتركه.
(1104) قوله: «كمن لرسول الله صلى الله عليه وسلم» :
قصة إسلام شيبة، أخرجها ابن عساكر في تاريخه [23/ 255- 256] من طريق ابن سعد عن الواقدي، وهي في مغازيه [3/ 910] : أنا عمر بن عثمان المخزومي، عن عبد الملك بن عبيد وغيره قالوا: كان شيبة بن-(3/368)
.........
- عثمان رجلا صالحا له فضل، وكان يحدث عن إسلامه وما أراد الله به من الخير، ويقول: ما رأيت أعجب مما كنا فيه من لزوم ما مضى عليه من الضلالات آباؤنا، ثم يقول: لما كان عام الفتح ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قلت: أسير مع قيس إلى هوازن بحنين، فعسى إن اختلفوا أن أصيب من محمد غرة وأثأر منه، فأكون أنا الذي قمت بثأر قريش كلها، وأقول:
لو لم يبق من العرب والعجم أحدا إلّا اتبع محمدا ما اتبعته أبدا، فكنت مرصدا لما خرجت له، لا يزداد الأمر في نفسي إلّا قوة، فلما اختلط الناس، اقتحم الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بغلته، وأصلتّ السيف، ودنوت أريد ما أريد منه، ورفعت سيفي حتى كدت أسوره، فرفع لي شواظ كالبرق من نار كاد يمتحشني، فوضعت يدي على بصري خوفا عليه، والتفت إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فناداني: يا شيبة، ادن مني، فدنوت منه فمسح صدري ثم قال: اللهمّ أعذه من الشيطان، قال: فو الله لهو كان ساعة إذن أحب إليّ من سمعي وبصري ونفسي، وأذهب الله ما كان بي، ثم قال: ادن فقاتل، فتقدمت أمامه أضرب بسيفي، الله أعلم أني أحب أن أقيه بنفسي كل شيء، فجعلت ألزمه فيمن لزمه، حتى تراجع المسلمون، فكروا كرة رجل واحد، وقربت بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستوى عليها، فخرج في إثرهم حتى تفرقوا في كل وجه، ورجع إلى معسكره فدخل خباءه، فدخلت عليه ما دخل عليه غيري حبّا له ولرؤية وجهه وسرورا به، فقال: يا شيبة، الذي أراد الله بك خير مما أردت لنفسك، ثم حدثني بكل ما أضمرت في نفسي مما لم أذكره لأحد قط، قال: فقلت: فإني أشهد أن لا إله إلّا الله وأنك رسول الله، ثم قلت: استغفر لي يا رسول الله، قال: غفر الله لك.
وأخرج البيهقي في الدلائل [5/ 145] ، أبو نعيم كذلك برقم 144، وابن عساكر في تاريخه [23/ 256- 257] ، من طريق أبي بكر الهذلي، عن عكرمة نحوه. -(3/369)
1105- ومنها: يوم صافّ صلى الله عليه وسلم أعداءه ببدر وهم ألف أو زهاء ألف، وهو في عصابة تكون ثلثهم، فلما حمي الوطيس والتحمت الحرب أخذ قبضة من التراب ملء كفه، والقوم متفرقون في نواحي عسكرهم، فرمى به وجوههم فلم يبق منهم رجل إلّا امتلأت عيناه منه، وإن الريح لتعصف يومها إلى الليل، لم يكن ليصيب اثنين منهم.
ثم قرعهم الله بذلك في القرآن، وثبّت به المؤمنين.
فأي أحد يقدر أن يرمي قوما بينه وبينهم مائتا ذراع بتراب ملء كفه فيصيبهم جميعا؟ فهل هي إلّا قدرة الخالق تبارك وتعالى معجزة لنبيّه صلى الله عليه وسلم؟.
1106- ومنها: أنه انكسر سيف عكاشة بن محصن يوم بدر فقال:
يا رسول الله انكسر سيفي، فأخذ صلى الله عليه وسلم جزلا من حطب فأعطاه إياه وقال- وأخرج ابن إسحاق في سيرته [4/ 58 ابن هشام]- ومن طريقه البيهقي في الدلائل [5/ 128] ، وابن عساكر في تاريخه [23/ 258]- شاهدا له بلفظ مختصر.
وأخرج الواقدي في مغازيه [3/ 909- 910] القصة بنحو ما تقدم.
(1105) قوله: «أخذ قبضة من التراب» :
تقدم تخريجه في المغازي، انظر النص المتقدم برقم 691.
قوله: «لم يكن ليصيب اثنين منهم» :
يعني: فضلا عن جميعهم لولا قدرته سبحانه معجزة لنبيه.
(1106) قوله: «أنه انكسر سيف عكاشة» :
أخرجه ابن إسحاق في سيرته [2/ 278 ابن هشام] ، ومن طريقه البيهقي في الدلائل [3/ 98- 99] ، في تسمية من شهد بدرا قال: ... وعكاشة بن-(3/370)
له: هزه، فصار سيفا، فتقدم وجاهد به الكفار، فكان لم يزل بعد ذلك معه.
1107- ومنها: أن قوما من العرب اجتمعوا عند صنم لهم ينسكو له، ففاجأهم صوت من جوفه يتكلم بلسان فصيح يناديهم:
يا آل ذريح ... أتاكم رجل فصيح
في كلام كثير، فانجفل القوم فزعا، وذلك حين بعث صلى الله عليه وسلم.
قال: فأسلم أكثرهم.
- محصن، وهو الذي قاتل بسيفه يوم بدر حتى انقطع في يده، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه جزلا من حطب وقال: قاتل بها يا عكاشة، فلما أخذه من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم هزه فعاد سيفا في يده طويل القامة، شديد المتن، أبيض الحديدة، فقاتل به حتى فتح الله تعالى على رسوله، ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل- يعني في قتال أهل الردة- وهو عنده، وكان ذلك السيف يسمى القوي.
وأخرج نحوه الواقدي في مغازيه [1/ 93] ، ومن طريقه البيهقي في الدلائل [3/ 99] ، من حديث أسامة بن زيد عن داود بن الحصين، عن رجال من بني عبد الأشهل عدة.
وقال ابن سعد في الطبقات: أخبرنا علي بن محمد، عن أبي معشر، عن زيد بن أسلم ويزيد بن رومان وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة وغيرهم: أن عكاشة بن محصن انقطع سيفه يوم بدر.. الحديث بنحوه.
(1107) قوله: «ففاجأهم صوت من جوفه» :
وذلك عند ابتداء بعثته صلى الله عليه وسلم، وقد تقدمت القصة بطولها أول الكتاب، في أبواب بشائره صلى الله عليه وسلم في قصة إسلام سواد بن قارب.(3/371)
1108- ومنها: أنه كان في سفرين من أسفاره، معروفين مذكورين عند عشيرته، لا يتدافعون حديثهما، ولا ينكرون ذكرهما، فكان إذا أصابته الشمس أظلته سحابة حين يمشي، تدور معه حيث دار، وتزول معه حيث زال، يراها رفقاؤه ومعاشروه.
1109- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قلنا يوم الخندق:
يا رسول الله ما من شيء نقوله؟ فقد بلغت القلوب الحناجر، قال: نعم، قولوا: اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، قال: فضرب الله عزّ وجلّ وجوه أعدائه بالريح، فهزمهم الله بالريح.
1110- ومن ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم سافر سفرا ونزل تحت شجرة وعلق بها سيفه، وتفرق الناس في نزولهم، فدسوا رجلا ليقتله، فجاء إليه وهو لا يشعر فأخذ سيفه وسله فقال: يا محمد من يمنعك مني؟ قال: الله، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين كتفيه فسقط الرجل، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ سيفه، وقال: من يمنعك الان مني؟ فقال: لا أحد، فعفا عنه صلى الله عليه وسلم.
(1108) قوله: «في سفرين من أسفاره» :
وذلك في رحلته مع ميسرة وعمه عبد المطلب، وقد تقدم ذلك في أول الكتاب.
(1109) قوله: «فهزمهم الله بالريح» : أخرجه الإمام أحمد في مسنده [3/ 3] ، وابن جرير في تفسيره [21/ 127] ، وابن أبي حاتم كذلك [9/ 3116] رقم 17599.
(1110) قوله: «سافر سفرا» :
القصة في الصحيحين رويت من وجوه بألفاظ من حديث جابر، وفي بعض طرقها أنها لقتال بني محارب بن خصفة بن قيس بن عيلان، وأن الرجل الذي بعثوه لذلك يقال له: غورث بن الحارث، وأخرجها الشيخان من وجه آخر عن جابر أيضا، وفيه أن الذي أخذ السيف رجل أعرابي.(3/372)
1111- ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا نظر إلى السحابة علم رعدها وفيم ترعد، فمرت به صلى الله عليه وسلم سحابة ورعدت عند نكث أهل مكة عهودهم فقال: والذي نفسي بيده إنها لترعد بنصر بني كعب، فكان كذلك، وسار صلى الله عليه وسلم عند ذلك ففتحها.
(1111) قوله: «عند نكث أهل مكة عهودهم» :
أخرج ابن أبي إسحاق في سيرته [2/ 389- 391] ، ومن طريقه البيهقي في الدلائل [5/ 5- 7] ، - واللفظ له-، قال ابن إسحاق: حدثنا الزهري، عن عروة بن الزبير، عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة، أنهما حدثاه جميعا، قالا: كان في صلح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية بينه وبين قريش: أنه من شاء يدخل في عقد محمد وعهده دخل، ومن شاء أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل، فتواثبت خزاعة، فقالوا: نحن ندخل في عقد محمّد صلى الله عليه وسلم وعهده، وتواثبت بنو بكر، فقالوا: نحن ندخل في عقد قريش وعهدهم، فمكثوا في تلك الهدنة نحو السبعة والثمانية عشر شهرا، ثم أن بني بكر الذين كانوا في عقد قريش وعهدهم، وثبوا على خزاعة الذين دخلوا في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده ليلا بماء لهم يقال له: الوتير، قريب من مكة، فقالت قريش: ما يعلم بنا محمد، وهذا الليل وما يرانا أحد، فأعانوهم عليهم بالكراع والسلاح، فقاتلوا معهم للطعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن عمر بن سالم ركب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ما كان من أمر خزاعة وبني بكر بالوتير حتى قدم المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره الخبر، وقد قال أبيات شعر، فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنشده إياها:
اللهمّ إني ناشد محمّدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا
كنا والدا وكنت ولدا ... ثم أسلمنا ولم ننزع يدا
فانصر رسول الله نصرا أعدنا ... وادع عباد الله يأتوا مددا
فيهم رسول الله قد تجردا ... إن سيم خسفا وجهه تربدا
في فيلق كالبحر يجري مزبدا ... إن قريشا أخلفوك الموعدا
-(3/373)
.........
- ونقضوا ميثاقك المؤكدا ... وزعموا أن لست أرجو أحدا
فهم أذل وأقل عددا ... قد جعلوا لي بكداء مرصدا
هم بيتونا بالوتير هجدا ... فقتلونا ركعا وسجدا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نصرت يا عمرو بن سالم.
فما برح رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مرت عنانة في السماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالجهاز، وكتمهم مخرجه، وسأل الله أن يعمي على قريش خبره حتى يبغتهم في بلادهم.
تابعه إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق، أخرجه أبو نعيم في المعرفة [4/ 2012] رقم 5060.
ولها إسناد آخر بلفظ أطول، فأخرجها الطبراني في معجمه الكبير [23/ 433] رقم 1052، وفي الصغير أيضا [2/ 167] رقم 968، وأبو القاسم الأصبهاني في الدلائل برقم 59، من حديث علي بن الحسين، عن ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بات عندها في ليلتها ثم قام فتوضأ للصلاة، فسمعته وهو يقول: لبيك، لبيك، لبيك- ثلاثا-، ونصرت، ونصرت، ونصرت- ثلاثا-، قالت: فلما خرج من متوضأه، قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي سمعتك تكلم إنسانا، فهل كان معك أحد؟ قال: هذا راجز بني كعب يستصرخني، ويزعم أن قريشا أعانت عليهم بني بكر ... القصة بطولها.
قال الطبراني عقبه: لم يروه عن جعفر إلّا محمد بن نضلة، تفرد به يحيى بن سليمان، ولا يروى عن ميمونة إلّا بهذا الإسناد.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد [6/ 164] : رواه الطبراني في الصغير والكبير، وفيه يحيى بن سليمان بن نضلة، وهو ضعيف.
ولها إسناد آخر، قال الواقدي [2/ 801] : فحدثني يحيى بن خالد بن دينار، عن عبد الله بن عمير، عن ابن عباس. -(3/374)
1112- ومن ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة قصد البيت وفيه ثلاث مائة وستون صنما، فأخذ عودا وجعل يطعن في وجوههم ويقول: وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (81) الاية.
1113- وفي رواية: أنه صلى الله عليه وسلم كلما أشار بيده إلى صنم خر لوجهه من غير أن يمسه.
- قال: وحدثني داود بن خالد، عن المقبري، عن أبي هريرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأرى السحاب تستهل بنصر بني كعب ... الحديث.
حديث أبي هريرة أخرجه البيهقي في الدلائل من وجه آخر [5/ 13] بإسناده إلى علي بن عثمان، ثنا حماد بن سلمة، ثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة بأبيات بني خزاعة حسب.
ولها إسناد آخر فيه غير مجهول وضعيف، فأخرج الفاكهي في تاريخه [5/ 103] رقم 2914، من حديث عبد الله بن مسعود الخزاعي، عن خالد بن عبد العزيز قال: إن المستنصر- مستنصر خزاعة- خرج حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكى إليه ما صنع بهم، فقدم عليه وهو يقول:
- فذكر الأبيات-، فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين أنشده: لا نصرت إن لم أنصركم، ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة نحو مكة، يريد نصر خزاعة ... القصة، اختصرها المصنف في سبب فتح مكة، لذلك أوردناها بطولها هنا.
(1112) قوله: «وجعل يطعن في وجوههم» :
أخرجاه من حديث ابن مسعود: فأخرجه البخاري في المظالم، باب هل تكسر الدنان التي فيها الخمر الزقاق، رقم 2478، وفي المغازي، باب أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح، رقم 4287، وفي تفسير سورة بني إسرائيل، باب وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً رقم 4720، وأخرجه مسلم في الجهاد، باب إزالة الأصنام من حول الكعبة، رقم 1781.
(1113) قوله: «وفي رواية» :
أخرجها الطبراني في معجمه الكبير [12/ 452] رقم 13643، ومن طريقه-(3/375)
1114- ومن ذلك: أن كسرى كتب إلى باذان- وهو عامله على اليمن- أن ابعث إلى هذا الرجل- يعني محمّدا صلى الله عليه وسلم- فأحضره، فبعث إليه، وكتب كتابا: إنك إن أجبت كتبت فيك، وشفعت لك، وإن لم تجب فهذا كسرى مخرب بلادك، ومستأصل قوتك، فنزل جبريل عليه السّلام فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول: سلطت ابن كسرى على أبيه فقتله لخمس ساعات من ليلة كذا، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم برسل باذان فأخبرهم، وكتب إلى باذان: إن أسلمت استعملتك، وانصرف الرسولان بما كتب، وقال: فقدما على باذان فأخبراه بما قاله صلى الله عليه وسلم عن شيرويه وقتله كسرى، فأسلم باذان، وأسلمت الأبناء من آل فارس.
- أبو نعيم في الدلائل برقم 446، والبيهقي فيه أيضا [5/ 72] ، صححه ابن حبان كما في الموارد برقم 1702 مع أن في إسناده عاصم بن عمر العمري وهو ضعيف، قال البيهقي عقب إخراجه: هذا الإسناد وإن كان ضعيفا فالذي قبله- يعني حديث ابن مسعود- يؤكده، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد [6/ 176] : رواه الطبراني في الأوسط والكبير وفيه عاصم بن عمر العمري، وهو متروك، ووثقه ابن حبان، وقال: يخطىء ويخالف.
قلت: وفي الباب عن أبي هريرة وابن عباس، وحديث ابن مسعود المتفق عليه يغني عن الإطالة في تخريجه.
(1114) قوله: «أن كسرى كتب إلى باذان» :
ويقال أيضا: باذام، وقد خرجنا القصة بطولها في باب إخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات تحت رقم 1280.(3/376)
[220- فصل: ذكر ما ظهر من الايات والدّلائل فيمن دعا عليه النّبيّ صلى الله عليه وسلم]
220- فصل: ذكر ما ظهر من الايات والدّلائل فيمن دعا عليه النّبيّ صلى الله عليه وسلم 1115- أخبرنا الشريف أبو محمد: عبد الله بن يحيى بن طاهر بن يحيى الحسيني بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم قال: حدثنا محمد بن الحسن بن نصر قال: حدثنا أبو عبد الله: الزبير بن بكار قال: (1115) قوله: «حدثنا محمد بن الحسن بن نصر» :
في دلائل البيهقي: حدثنا محمد بن يحيى بن الحسن بن نصر، فلعله نسب لجده هنا، ولم أجد فيما لدي من المصادر محمد بن الحسن أو محمد بن يحيى بن الحسن، وكذا شيخ المصنف لم أجد له ترجمة، لكن تقدم أن المصنف رحمه الله يروي تاريخ المدينة ليحيى بن الحسين عن إمام مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بإسناده إلى طاهر بن يحيى، عن أبيه.
قوله: «حدثنا أبو عبد الله: الزبير بن بكار» :
الإمام الحافظ المؤرخ النسابة، قاضي مكة وعالمها، أبو عبد الله بن أبي بكر بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي، الأسدي، الزبيري، المدني، المكي، أحد الأعلام، من مشايخ ابن ماجه الثقات، وروى عنه أبو حاتم الرازي أيضا، وهو صاحب كتاب نسب قريش، وثقه الدارقطني، وقال الخطيب: كان ثقة ثبتا عالما بالنسب عارفا بأخبار المتقدمين وماثر الماضين.
سير أعلام النبلاء [12/ 311] ، تاريخ بغداد [8/ 467] ، تهذيب الكمال [9/ 293] ، الجرح والتعديل [3/ 585] ، وفيات الأعيان [2/ 311] ، الوافي بالوفيات [14/ 256] ، العقد الثمين [4/ 427] ، تذكرة الحفاظ-(3/377)
حدثتني ظمياء بنت عبد العزيز بن مولة عن أبيها، عن جدها مولة بن حمل قال: أتى عامر بن الطفيل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا عامر أسلم، -[2/ 528] ، تهذيب التهذيب [3/ 269] ، الكاشف [1/ 248] ، الميزان [2/ 256] ، تحفة السخاوي [2/ 85] .
قوله: «حدثتني ظمياء» :
هكذا ضبطها الحافظ الدارقطني في غير موضع من المؤتلف، ووقع في الأصول ورواية البيهقي: فاطمة!
وظمياء لم أجد من أفردها بترجمة، لكن ذكرها ابن حبان في ترجمة أبيها من الثقات [7/ 115] ، والدارقطني في المؤتلف [3/ 1491] .
قوله: «عن أبيها» :
هو عبد العزيز بن مولة، ذكره ابن حبان في الثقات [7/ 115] وقال:
روى عن أبيه، روى عنه ابنته طهماء! - كذا- قال محققه: في نسخة:
ظمناء!!.
قوله: «ابن حمل» :
وقع في الأصول والمطبوع من دلائل البيهقي: ابن جميل، وهو تصحيف، ضبطه غير واحد بالحاء المهملة المفتوحة بعدها ميم ثم لام- باسم الحيوان-، نسب لجده، وهو: مولة- بفتحات-، ابن كثيف- بالتصغير، وبعد الكاف مثلثة، وزن: زبير-، ابن حمل بن خالد الكلابي مولاهم، مولى الضحاك بن سفيان الكلابي، له صحبة ووفادة، عاش مائة سنة في الإسلام، وكان يسمى: ذا اللسانين من فصاحته وبلاغته.
أسد الغابة [5/ 283] ، المعرفة لأبي نعيم [5/ 2645] ، الإصابة [9/ 300] ، الثقات [5/ 461] ، المؤتلف للدار قطني [4/ 1976، أيضا: 1/ 396] ، المشتبه [1/ 175] ، التبصير [1/ 262] ، الإكمال [2/ 123] ، التوضيح [1/ 303] .(3/378)
قال: أسلم على أنّ لي الوبر ولك المدر؟ قال: لا، ثم قال: يا عامر أسلم، قال: أسلم على أن لي الوبر ولك المدر؟ قال: لا، قال: فولى وهو يقول: والله يا محمد لأملأنها عليك خيلا جردا، ورجالا مردا، ولأربطن بكل نخلة فرسا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهمّ اكفني عامرا واهد قومه.
فخرج، حتى إذا كان بظهر المدينة صادف امرأة يقال لها: سلولية، فنزل عن فرسه ونام في بيتها، فأخذته غدّة في حلقه، فوثب على فرسه وأخذ رمحه، وأقبل يجول وهو يقول: غدة كغدة البكرة وموت في بيت سلولية، فلم يزل تلك حاله حتى سقط عن فرسه ميتا.
قوله: «سلولية» :
أي: من بني سلول، وهي بنت ذهل بن شيبان، وزوجها مرة بن صعصعة أخو عامر الصحابي.
قوله: «حتى سقط عن فرسه ميتا» :
أخرجه من طريق المصنف: البيهقي في الدلائل [5/ 321] : أخبرنا أبو سعد: عبد الملك بن أبي عثمان الزاهد رحمه الله قال ... فذكره شاهدا لما في صحيح الإمام البخاري الاتي.
تابعه عن الزبير بن بكار جماعة، منهم: ابن صاعد، والمحاملي وآخرون، حديثهم عند الدارقطني في المؤتلف والمختلف [1/ 397، 4/ 1976] ، وأبي نعيم في المعرفة [5/ 2645] ، والبغوي في الصحابة، فيما ذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة [9/ 300] .
وأصله عند الإمام البخاري في الصحيح، كتاب المغازي، باب غزوة الرجيع، قال الإمام البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا همام، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال: حدثني أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خاله- أخ لأم سليم- في سبعين راكبا، وكان رئيس المشركين-(3/379)
.........
- عامر بن الطفيل خير بين ثلاث خصال فقال: يكون لك أهل السهل ولي أهل المدر، أو أكون خليفتك، أو أغزوك بأهل غطفان بألف وألف ...
الحديث بطوله نحوه، رقم 4091، وأخرجه البيهقي في الدلائل [5/ 320] .
وله طرق أخرى، فأخرجه البخاري في تاريخه [8/ 326] قال: أخبرنا الحميدي، أنا علي بن يزيد بن أبي حكيمة، عن أبيه وعدة منهم، عن سلمة بن الأكوع قال: لم يدخل عامر بن الطفيل المدينة إلّا بأمان النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا عامر أسلم تسلم ... الحديث، وأخرجه الحاكم في المستدرك [4/ 82- 83] .
وقد رويت من طريق آخر سببا في نزول قوله تعالى: لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ الاية، فأخرجها ابن أبي حاتم في تفسيره [7/ 2230] ، قال: أخبرنا أبو يزيد القراطيسي فيما كتب إلي، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله تعالى: وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ الاية، قال: أتى عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عامر: ما تجعل لي إن أنا اتبعتك؟ ... الحديث بطوله رقم 12193.
وأخرجها [7/ 2231] أيضا، عن عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء ابن يسار قال: أنزل الله في عامر وأربد ما كانا هما به من النبي صلى الله عليه وسلم قوله عزّ وجلّ: لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ الاية.
وقد أخرجه موصولا الى ابن عباس: الطبراني في معجمه الكبير [10/ 379] رقم 10760، وفي الأوسط [6/ 40- مجمع البحرين، رقم 3346] من طريق إبراهيم بن المنذر الحزامي، عن عبد العزيز بن عمران وهو ضعيف جدّا، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم أيضا ضعيف وفيه مجهول، وإنما أوردته كالشاهد لما تقدم، ومن طريق الطبراني أخرجه-(3/380)
1116- ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم دعا على عتبة بن أبي لهب وكان يؤذيه هو وأبواه كثيرا، وكان هو ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنته، - أبو القاسم الأصبهاني في الدلائل برقم 184، وأبو نعيم كذلك [1/ 206] رقم 157.
نعم، وأخرجه ابن جرير في تفسيره [13/ 126] من وجه آخر: حدثنا القاسم، ثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: نزلت- يعني قوله تعالى: وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ الاية- في أربد أخي لبيد بن ربيعة؛ لأنه قدم وعامر بن الطفيل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال عامر ... الحديث بطوله.
قوله: «وكان هو ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم» :
ويقال في اسمه أيضا: عتيبة، أشار إلى ذلك البيهقي في الدلائل، وكذلك ترجم له ابن عساكر في تاريخه [38/ 301] ، روى بعضهم حديثه فسماه:
لهب بن أبي لهب.
وقد ترجم بعضهم لعتبة في الصحابة؛ لما سيأتي، فأخرج ابن سعد في الطبقات [4/ 60] من حديث ابن عباس، عن العباس بن عبد المطلب قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في الفتح قال لي: يا عباس أين ابنا أخيك عتبة ومعتب لا أراهما؟ قال: قلت: يا رسول الله تنحيا فيمن تنحى من مشركي قريش، فقال لي: اذهب إليهما وأتني بهما، قال العباس:
فركبت إليهما بعرنة فأتيتهما فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوكما، فركبا معي سريعين حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهما إلى الإسلام فأسلما وبايعا، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى بهما الملتزم- وهو بين باب الكعبة والحجر الأسود- فدعا ساعة ثم انصرف والسرور يرى في وجهه، قال العباس:
فقلت له: سرك الله يا رسول الله فإني أرى السرور في وجهك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، إني استوهبت ابني عمي هذين ربي فوهبهما لي، قال-(3/381)
فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلقها فطلقها، وتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم فمزق عليه ثيابه، فقال صلى الله عليه وسلم: اللهمّ سلط عليه كلبا من كلابك، فخرج إلى الشام في نفر من قريش تاجرا، فلما كان في بعض الطريق عرسوا ليلا فسمعوا زئير الأسد، فقال عتبة: إن هذا والله آكلني، فقيل له: كيف تخافه أنت من بيننا؟ فقال: إن محمدا قد توعدني به، وقلّ ما قال شيئا إلّا كان كما قال.
- حمرة بن عتبة: فخرجا معه في فوره ذلك إلى حنين فشهدا غزوة حنين، وثبتا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ فيمن ثبت من أهل بيته وأصحابه، وأصيبت عين معتب يومئذ، ولم يقم أحد من بني هاشم من الرجال بمكة بعد أن فتحت غير عتبة ومعتب ابني أبي لهب.
قوله: «فطلقها» :
أخرج البيهقي في الدلائل [2/ 338- 339] ، وأبو القاسم الأصبهاني في الدلائل برقم 305، وابن عساكر في تاريخه [38/ 302] ، من حديث ابن أبي عروبة عن قتادة قال: تزوج أم كلثوم ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عتيبة بن عبد العزى أبي لهب، فلم يبن بها حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت رقية ابنة النبي صلى الله عليه وسلم عند أخيه عتبة بن عبد العزى أبي لهب، فلما أنزل الله تعالى: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ الاية، قال أبو لهب لابنيه: رأسي من رأسيكما حرام إن لم تطلقا ابنتي محمد، وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عتبة طلاق رقية، وسألته رقية ذلك، فقالت له أمه وهي حمالة الحطب: طلقها يا بني فإنها قد صبئت، فطلقها، وطلق عتيبة أم كلثوم، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين طلق أم كلثوم وقال: كفرت بدينك، وفارقت ابنتك، لا تحبني ولا أحبك، ثم سطا عليه فشقّ قميص النبي صلى الله عليه وسلم وهو خارج نحو الشام تاجرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إني أسأل الله أن يسلط عليك كلبه، فخرج في نفر من قريش حتى نزلوا بمكان من الشام- يقال له: الزرقاء- ليلا، فأطاف بهم الأسد تلك الليلة، فجعل عتيبة يقول: يا ويل أمي، هو والله آكلني- كما دعا عليّ محمد- أقاتلي ابن أبي كبشة وهو بمكة وأنا بالشام؟! -(3/382)
قال: فجعلوه وسطهم وباتوا، فجاء الأسد فتخطى إبلهم وأثقالهم، ثم تخطاهم إليه وأخذ برأسه واحتمله من بينهم وذهب به وحطمه وقتله، وكان يستغيث فلم يغثه أحد، وكانت هذه آية عظيمة لأهل مكة.
فقال حسان بن ثابت في ذلك:
سائل بني الأشقر إن جئتهم ... ما كان أنباء بني واسع
رحم نبيّ جدّه جده ... يدعو إلى نور له ساطع
فاستوجب الدعوة منه بما ... بين للناظر والسامع
لا وسّع الله له قبره ... بل ضيّق الله على القاطع
- فعدا عليه الأسد من بين القوم فأخذ برأسه وضغمه ضغمة فدغه، فتزوج عثمان بن عفان رقية، فتوفيت عنده ولم تلد له.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل برقم 380، وابن عساكر في تاريخه [38/ 302] ، من حديث ابن إسحاق، عن عثمان بن عروة، عن أبيه، عن هبار بن الأسود، قال: كان أبو لهب وابنه عتيبة قد تجهزا إلى الشام وتجهزت معهما، فقال ابنه عتبة والله لأنطلقن إليه فلأوذينه في ربه، فانطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
يا محمد هو يكفر بالذي دَنا فَتَدَلَّى (8) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهمّ ابعث عليه كلبا من كلابك ... القصة، وفيها قول أبي لهب: قد عرفت والله ما كان لينفلت من دعوة محمد.
أخرجها أبو نعيم من وجه آخر في الدلائل برقم 383، عن الواقدي، عن ابن طاوس، عن أبيه.
وأخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده [2/ 562 بغية الباحث] رقم 511، ومن طريقه الحاكم في المستدرك [2/ 539] ، والبيهقي في الدلائل [2/ 338] ، من حديث أبي نوفل بن أبي عقرب، عن أبيه قال: كان لهب بن أبي لهب يسب النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو عليه، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: -(3/383)
إذ سلط الله في كلبه ... يمشي الهوينا مشية الخادع
حتى أتاه وسط أصحابه ... وقد علتهم سنة الهاجع
أسلمتموه وهو يدعوكم ... بالنسب الأدنى وبالجامع
فالتقم الرأس بيافوخه ... والحلق منه نقرة الجائع
والليث يعلوه بأنيابه ... مضطرما وسط دم ناقع
لا يرفع الرحمن مصروعكم ... فينا ودامت قوة الصارع
من عاد فاللّيث له عائد ... أفظع به من خبر شائع
- للهمّ سلّط عليه كلبك ... القصة وفيه قول أبي لهب: ألم أقل لكم إني أخاف عليه دعوة محمد.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل برقم 384، وأبو القاسم الأصبهاني في الدلائل برقم 306، من طريق محمد بن كعب القرظي عن عثمان بن عروة، عن رجال من أهل بيته قالوا: كانت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عتيبة بن أبي لهب فطلقها، فلما أراد الخروج إلى الشام، قال: لاتين محمدا فأوذينه في ربه، قال: فأتى فقال: يا محمد- هو يكفر بالذي دَنا فَتَدَلَّى (8) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (9) الاية-، ثم تفل في وجهه، ثم رد عليه ابنته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهمّ سلط عليه كلبا من كلابك، قال: وأبو طالب حاضر، فوجم عنها، وقال: ما أغناك عن دعوة ابن أخي، فرجع فأخبره بذلك، وخرجوا إلى الشام فنزلوا منزلا، فأشرف عليهم الراهب من الدير فقال لهم: هذه أرض مسبعة، فقال أبو لهب: يا معشر قريش أعينونا هذه الليلة؛ فإني أخاف عليه دعوة محمد ... القصة.
قوله: «من عاد فالليث» :
الأبيات مختصرة في ديوان حسان، ولم تتفق المصادر على عددها، ولا على ألفاظها، وفي بعض المصادر الكسر في الأبيات ظاهر، لذلك تركتها كما وردت في الأصول.(3/384)
1117- ومن ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم إلى سوق المدينة، فأمر الناس بالمعروف، وأخبرهم فيما يأتون ويذرون، ورجل خلفه يقال له الحكم بن أبي العاص، كلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر تمثل به (1117) قوله: «الحكم بن أبي العاص» :
هو ابن عبد شمس القرشي، الأموي، والد مروان بن الحكم، وعم عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال ابن سعد: أسلم يوم الفتح، وسكن المدينة، ثم نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف.
قال ابن عبد البر في الاستيعاب: اختلف في السبب الموجب لنفي رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه، فقيل: كان يتحيل ويستخفي ويتسمع ما يسره النبي صلى الله عليه وسلم إلى كبار الصحابة في مشركي قريش وسائر الكفار والمنافقين، فكان يفشي ذلك عليه، وكان يحاكيه في مشيته وبعض حركاته إلى أمور غيرها كرهت ذكرها، ثم أخرج بإسناده إلى عثمان بن حكيم، قال: حدثنا شعيب بن محمد عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدخل عليكم رجل لعين، قال عبد الله: وكنت قد تركت عمرا يلبس ثيابه ليقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أزل مشفقا أن يكون أول من يدخل، فدخل الحكم بن أبي العاص.
وقال الحافظ في الإصابة: روينا في جزء بن بخيت من طريق زهير بن محمد، عن صالح بن أبي صالح قال: حدثني نافع بن جبير، عن أبيه جبير بن مطعم قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فمر الحكم بن أبي العاص، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ويل لأمتي مما في صلب هذا.
قال: وروى الفاكهي من طريق حماد بن سلمة، حدثنا أبو سنان، عن الزهري وعطاء الخراساني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلوا عليه وهو يلعن الحكم بن أبي العاص فقالوا: يا رسول الله ما له؟ قال: دخل على شق الجدار وأنا مع زوجتي فلانة فكلح في وجهي، فقالوا: فلا نلعنه نحن؟
قال: لا، فإني أنظر إلى بنيه يصعدون منبري وينزلونه، فقالوا: يا رسول الله ألا نأخذهم؟ قال: لا. -(3/385)
كالمستهزىء، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كن كذلك، فضربته اللقوة، فانقلب وجهه ورأسه.
- قال الحافظ: روى ابن أبي خيثمة من حديث عائشة: أنها قالت لمروان في قصة أخيها عبد الرحمن لما امتنع من البيعة ليزيد بن معاوية: أما أنت يا مروان فأشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أباك وأنت في صلبه.
قال الحافظ: وأصل القصة عند البخاري بدون هذه الزيادة.
قال ابن عبد البر: وقد روي عن عائشة أنها قالت لمروان حينها:
إن اللعين أبوك فارم عظامه ... إن ترم ترم مخلجا مجنونا
يمسي خميص البطن من عمل التقى ... ويظل من عمل الخبيث بطينا
قال الحافظ: وروى الطبراني من حديث حذيفة قال: لما ولّي أبو بكر كلم في الحكم أن يرده إلى المدينة فقال: ما كنت لأحل عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: «تمثل به كالمستهزىء» :
القصة أخرجها البيهقي في الدلائل [6/ 239] لم يسم فيها الحكم، أخرجها من طريق جميع بن عمير التيمي قال: كنا على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم ننتظره، فخرج فاتبعناه حتى أتى عقبة من عقاب المدينة، فقعد عليها فقال:
يا أيها الناس لا يتلقين أحد منك سوقا، ولا يبيع مهاجر للأعرابي، ومن باع محفلة فهو بالخيار ثلاثة أيام، فإن ردها رد معها مثل- أو قال: مثلي- لبنها قمحا، قال: ورجل خلف النبي صلى الله عليه وسلم يحاكيه ويلمظه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
كذلك فكن، قال: فرفع إلى أهله فليط به شهرين فغشي عليه، ثم أفاق حين أفاق وهو كما حكى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج البخاري في تاريخه [3/ 1] ، الحاكم في المستدرك [2/ 621] وصححه- وفي تصحيحه نظر- ومن طريقه البيهقي في الدلائل [6/ 240] ، أبو القاسم الأصبهاني في الدلائل برقم 11، والطبراني- كما في مجمع-(3/386)
1118- ومن ذلك: ما روى عبد الله بن مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل الكعبة وأبو جهل وناس من قريش قد نحروا جزورا في ناحية مكة، قال: فبعثوا فجاؤا بسلاها فطرحوه بين كتفيه، قال: فجاءت فاطمة رضي الله عنها فطرحته عنه صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف قال- وكان يستحب أن يدعو ثلاثا فقال-: اللهمّ عليك بقريش، اللهمّ- الزوائد [5/ 243]-، وأبو نعيم في المعرفة [2/ 712] رقم 1906، وابن عساكر- كما في الجامع الكبير [2/ 557]- من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر قال: كان فلان يجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء اختلج بوجهه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: كن كذلك، فلم يزل يختلج حتى مات.
فيه ضرار بن صرد رافضي متروك الحديث.
وقد رويت قصة الحكم هذه من طريق حسنة- لا بل صحيحة- أخرجها البيهقي والدلائل [6/ 240] ، من طريق محمد بن إسحاق الصغاني، ثنا حسان بن عبد الله الواسطي، حدثنا السري بن يحيى، عن مالك بن دينار قال:
حدثني هند بن خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بأبي الحكم فجعل يغمز بالنبي صلى الله عليه وسلم فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم فرآه فقال: اللهمّ اجعله وزعا، فرجف مكانه، قال: والوزع ارتعاش.
قال البيهقي عقبه: كذا في كتابي.
وقال أبو القاسم البغوي، عن محمد بن إسحاق بإسناده قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بالحكم أبي مروان ... ثم ذكر الباقي.
تابعه محمد بن سهل عن حسان، أخرجه أبو نعيم في المعرفة [5/ 2755] رقم 6555.
(1118) قوله: «ومن ذلك: ما روى عبد الله بن مسعود» :
الحديث أخرجاه في الصحيحين وزادا فيمن دعا عليه صلى الله عليه وسلم، عمارة بن الوليد.(3/387)
عليك بقريش: بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط.
قال عبد الله: فلقد رأيتهم صرعى في قليب بدر.
1119- ومن ذلك: دعاؤه صلى الله عليه وسلم على كسرى حين مزق كتابه فقال:
اللهمّ مزق ملكه كل ممزق.
1120- وفي رواية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليه بكتاب فمزقه فقال: مزق كسرى ملكه، وقال صلى الله عليه وسلم: أما إنكم ستملكون أرضه.
فمزق الله ملكه، وشتت جمعه.
1121- ومن ذلك: دعاؤه صلى الله عليه وسلم على مضر حين آذوه بالتكذيب، (1119) قوله: «اللهمّ مزق ملكه» :
أخرج البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حذافة السهمي، فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه مزقه، قال: فحسبت أن ابن المسيب قال: فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق.
وسيأتي تمام بحث قصته في إخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات.
(1121) قوله: «اللهمّ اشدد وطأتك على مضر» :
أخرج البخاري في الصلاة، باب يهوي بالتكبير حين يسجد، من حديث أبي هريرة، في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رفع رأسه يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، يدعو لرجال فيسميهم بأسمائهم فيقول: اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين، اللهمّ اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف، وأخرجه أيضا الإمام أحمد، -(3/388)
فقال: اللهمّ اشدد وطأتك على مضر، وابعث عليهم سنين كسني يوسف، فقام عليهم القحط ثماني سنين، فوّجه حاجب بن زرارة إلى كسرى فشكى إليه ما نالهم، وسأله أن يأذن لهم في الرعي بالسواد، وفي ذلك نزل قوله تعالى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (11) الاية، فالدخان: الجدب، لأنه كان دخانا، ولذلك سميت: سنة الجدب لارتفاع الغبار فيها.
قال أبو سعد رحمه الله: فلا يجوز أن يكون هذا لمن تاب، لأنه سبحانه قال بعد ذلك: يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (11) إلى قوله- وأبو داود، والنسائي، وغيرهم، وسيأتي في فصل ما ظهر من الايات والدلائل في دعائه المبارك صلى الله عليه وسلم حيث أعاده المصنف.
قوله: «وفي ذلك نزل قوله تعالى» :
ليس المراد أن ذلك كان سبب نزول الاية، إنما المعنى- والله أعلم كما يظهر- أن هذا قد وجد وصار في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، بين ذلك البيهقي في الدلائل.
وقد أخرج الشيخان من حديث مسروق قال: دخلت على عبد الله فقال:
إن من العلم أن تقول لما لا تعلم: الله أعلم، إن الله قال لنبيّه صلى الله عليه وسلم: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) الاية؛ إن قريشا لما غلبوا النبي صلى الله عليه وسلم واستعصوا عليه قال: اللهمّ أعني عليهم بسبع كسبع يوسف، فأخذتهم سنة أكلوا فيها العظام والميتة من الجهد، حتى جعل أحدهم يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجوع رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) الاية، فقيل له: إن كشفنا عنهم عادوا، فدعا ربه فكشف عنهم فعادوا، فانتقم الله منهم يوم بدر، فذلك قوله تعالى: يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ إلى قوله جلّ ذكره: إِنَّا مُنْتَقِمُونَ الايات، لفظ البخاري في التفسير.(3/389)
تعالى: إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16) ، يعني: يوم بدر.
وهذا كله يعني: أن آية الدخان قد مضت.
1122- ثم كان انكشاف العذاب عنهم بدعائه أيضا صلى الله عليه وسلم، فأتاهم الغيث، وكثر حتى هدم بيوتهم فلما شكوا إليه قال صلى الله عليه وسلم: اللهم حوالينا ولا علينا، فانحدرت السحابة عن رأسه، فسقى الناس حولهم.
1123- وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يأكل بشماله، فقال: كل بيمينك، قال: لا أستطيع، قال: لا استطعت، قال: فما وصلت يده إلى فيه بعد.
1124- ومن ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم مر برجل يسوق فرسا فقال: أعطها فارسا تربت يمينك، فسقط عن فرسه فتربت يمينه.
(1123) قوله: «كل بيمينك» :
أخرجه مسلم في الأشربة، باب آداب الطعام برقم 2021، وانظر تمام تخريجه في فتح المنان شرح المسند الجامع لأبي محمد الدارمي تحت رقم 2163، ويستفاد من روايته تسمية الصحابي المبهم.
(1124) قوله: «اعطها فارسا تربت يمينك» :
القصة في سيرة ابن إسحاق [2/ 282] ، ومغازي الواقدي [2/ 542] ، في سياق غارة عيينة بن حصن على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة، وفيه: فاطلع أبو عياش الزرقي على فرس له، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أعطيت فرسك من هو أفرس منك فتبع الخيول، فقلت: أنا يا رسول الله أفرس الناس، قال: فركضته، فما جرى بي خمسين ذراعا حتى صرعني الفرس، فكان أبو عياش يقول: فعجبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لو أعطيته أفرس منك، وأنا أقول: أنا أفرس الناس.(3/390)
1125- ومن ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم سأل عن رجل فأخبروه بنعته، فقال صلى الله عليه وسلم: لا أقرت به الأرض، فكان كلما دخل أرضا لم يستقر فيها، حتى يخرج منها.
(1126) - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم زيد بن حارثة المدينة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فأتاه فقرع الباب فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اعتنقه وقبله، وكانت أم قرفة جهزت ثلاثين راكبا من ولدها وولد ولدها ثم قالت لهم: سيروا حتى تدخلوا المدينة فتقتلوا محمدا، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اللهمّ أثكلها بولدها، فقتلهم زيد بن حارثة في رجعته إلى بني فزارة مع أمهم، وبعث بذراع أم قرفة (1125) قوله: «سأل عن رجل» :
زاد أبو نعيم في المعرفة [6/ 3570] رقم 8060، 8061، والبيهقي في الدلائل [6/ 242] : يقال له قيس، أخرجاه من حديث مسلم بن إبراهيم:
حدثتنا أم الأسود الخزاعية قالت: حدثتني أم نائلة الخزاعية قالت: حدثني بريدة به.
وعزاه ابن الأثير في الأسد [7/ 401] إلى ابن منده أيضا.
(1126) قوله: «وعن عائشة رضي الله عنها» :
حديثها عند ابن إسحاق في السيرة، ومن طريقه الترمذي في الاستئذان برقم 2732، وأبو نعيم في الدلائل برقم 462، وابن عساكر في تاريخه [19/ 364- 365، 365] ، عن الزهري، عن عروة، عنها، وأخرجه الواقدي في مغازيه [2/ 565] ، من حديث ابن أخي الزهري، عن الزهري، ومن طريق الواقدي: ابن سعد [2/ 90] في الطبقات ضمن سياق سرية زيد بن حارثة، ومن طريق الواقدي أيضا: ابن عساكر [19/ 360، 365- 366] .
اقتصر الترمذي فيه على الشاهد وفيه: قالت عائشة: استأذن زيد بن حارثة على النبي صلى الله عليه وسلم فاعتنقه وقبله. -(3/391)
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصبه بالمدينة بين رمحين.
1127- ومن ذلك: أن نفرا من المشركين خرجوا عليه يوم الحديبية شاكين السلاح، فدعا صلى الله عليه وسلم عليهم، فأخذ الله على أبصارهم حتى أخذوا سلما، ثم عفا عنهم صلى الله عليه وسلم.
- وأخرجها ابن عساكر عن ابن إسحاق بالفاظ منها: أتانا زيد بن حارثة فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر ثوبه، فقبل وجهه، فقالت عائشة: وكانت أم قرفة جهزت أربعين راكبا من ولدها وولد ولدها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقاتلوه، فأرسل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة فقتلهم، وقتل أم قرفة، وأرسل بدرعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصبه بالمدينة بين رمحين. وأخرجه الواقدي عن ابن أخي الزهري، عن الزهري، وفيه: قالت عائشة: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عريانا قط إلّا مرة واحدة، جاء زيد بن حارثة من غزوة يستفتح، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته فقام عريانا يجر ثوبه فقبله. الواقدي مشهور حاله في الحديث، وهذا من مناكيره.
قوله: «وكانت أم قرفة» :
تقدمت قصتها في المغازي، عند الكلام على سرية زيد بن حارثة إلى أم قرفة.(3/392)
[221- باب الايات في تكليم الأحجار وإطاعة الأشجار وسائر الجمادات له صلى الله عليه وسلم]
221- باب الايات في تكليم الأحجار وإطاعة الأشجار وسائر الجمادات له صلى الله عليه وسلم 1128- حدثنا أبو عمرو: محمد بن جعفر بن محمد بن مطر رضي الله عنه، ثنا أبو الحريش: أحمد بن عيسى بن مخلد، ثنا شيبان بن فروخ الأبلي، ثنا مبارك بن فضاله، ثنا الحسن، عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إلى جنب خشبة يسند ظهره إليها، فلما كثر الناس قال: ابنوا لي، فبنوا له منبرا له عقبتان، فلما قام على المنبر حنّت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حنين الوالدة، فما زالت تحن حتى نزل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتضنها فسكنت.
قال المبارك: فكان الحسن إذا حدث بهذا الحديث بكى، وقال:
يا عباد الله، الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا إليه لمكانه من الله عزّ وجلّ، فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه.
(1128) قوله: «ثنا أبو الحريش» :
أخرج له البيهقي في السنن الكبرى [2/ 30- 31] حديثين عن علي بن أبي طالب، وأنس بن مالك في وضع اليدين في الصلاة، من رواية أبي الشيخ، عنه، عن شيبان ولم يسمه ولا وقفت له على ترجمة، وقد توبع هنا، تابعه جماعة عن شيبان، ذكرنا أحاديثهم عند تخريجنا للحديث في مسند الحافظ أبي محمد الدارمي تحت رقم 40- فتح المنان، باب ما أكرم به النبي صلى الله عليه وسلم بحنين المنبر، وذكرنا هناك تصحيح ابن حبان له، فراجعه، وبالله التوفيق.(3/393)
1129- وفي رواية: أنه كان في مسجده صلى الله عليه وسلم بالمدينة يستند إلى جذع، فيخطب الناس، فلما كثر الناس اتخذ له بعض غلمان العباس درجا، وقال غيره: اتخذ له منبرا، فلما صعده حن الجذع حنين الناقة إذا فقدت ولدها، فدعاه فأقبل يخد الأرض والناس حوله ينظرون، والتزمه وكلمه، ثم قال له وهم يسمعون: عد إلى مكانك، فمرّ كأحد الخيل حتى صار في مكانه وبحضرته المؤمنون فازدادوا إيمانا، وفي دينهم بصيرة، وهنالك هلك المنافقون.
1130- ومن ذلك: ما روى علقمة عن ابن مسعود قال: إنكم تعدون الايات عذابا وإن كنا نعدها بركة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد كنا نأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم الطعام ونحن نسمع تسبيح الطعام.
(1129) قوله: «حن الجذع حنين الناقة» :
معجزة حنين الجذع من المعجزات التي تواترت بها الأحاديث والأخبار، وقد بينا في كتابنا فتح المنان أنها من أعلامه النيرة صلى الله عليه وسلم التي تناقلتها الأجيال واشتهرت بها الاثار، وأنها من أعظم ما أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال إمام الأئمة الشافعي رضي الله عنه: أنها أكبر مما أعطيه عيسى عليه السّلام- يعني: من إحياء الموتى وإبرائه الأكمه والأبرص-، انظر تخريجنا لأحاديث الحنين في كتابنا فتح المنان شرح وتحقيق المسند الجامع لأبي محمد الدارمي: باب ما أكرم به النبي صلى الله عليه وسلم بحنين المنبر، حيث أوردها من حديث ابن عمر، وبريدة بن الحصيب، وجابر بن عبد الله، وأبي بن كعب، وأبي سعيد الخدري، والحسن البصري، وابن عباس، وأنس بن مالك، وسهل بن سعد.
(1130) قوله: «إنكم تعدون الايات عذابا» :
اختصر المصنف اللفظ هنا، وسيأتي بطوله عند ذكر ما ظهر من الايات والدلائل في نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم.(3/394)
1131- ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم أخذ حصيات فوضعها في يده فسبحت، ثم وضعها في يد أبي بكر فسبحت، ثم في يد عمر فسبحت، ثم في يد عثمان فسبحت.
(1131) قوله: «فوضعها في يده فسبحت» :
روي بأسانيد عن أبي ذر بعضها صحيح وفي بعضها ضعف، وروي من حديث أنس، أبدأ بذكر الصحيح منها؛ لقول الحافظ ابن حجر في الفتح:
أما تسبيح الحصى فليست له إلّا طريق واحدة مع ضعفها.
قال الطبراني في الأوسط [6/ 152 مجمع البحرين] رقم 3520: حدثنا أحمد، ثنا المنذر بن الوليد الجارودي، ثنا أبي، ثنا حميد بن مهران، عن داود بن أبي هند، عن رجل من أهل الشام- يعني الوليد بن عبد الرحمن الجرشي-، عن جبير بن نفير، عن أبي ذر قال: إني لشاهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلقة وفي يده حصى فسبحن في يده- وفينا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي- فسمع تسبيحهن من في الحلقة، ثم دفعهن النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر فسبحن مع أبي بكر، سمع تسبيحهن من في الحلقة، ثم دفعهن إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسبحن في يده، ثم دفعهن النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمر فسبحن في يده، فسمع تسبيحهن من في الحلقة، ثم دفعهن النبي صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن عفان فسبحن في يده، ثم دفعهن إلينا فلم يسبحن مع أحد منا.
هذا حديث رجاله عن آخرهم ثقات، شيخ الطبراني هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة الحافظ أبو بكر البغدادي أحد المتقنين، ومن طريقه أخرجه أبو نعيم في الدلائل برقم 338.
تابعه الزبيدي، عن الوليد، أخرجه البزار في مسنده [3/ 136 كشف الأستار] رقم 2414، ولم يسق المتن، قال الهيثمي [8/ 299] ، مشيرا إلى هذا الإسناد: رواه البزار بإسنادين ورجال أحدهما ثقات، قال: وفي بعضهم ضعف.
قلت: انجبر ضعفهم بمتابعة الثقات لهم. -(3/395)
.........
- وروي عن الزبيدي بإسناد آخر لم يصح، أخرجه ابن عساكر في تاريخه [39/ 119] ، من طريق الطبراني: أنا عمرو بن إسحاق بن إبراهيم، أنا أبي، أنا عمرو بن الحارث، أنا عبد الله بن سالم، عن الزبيدي، أنا حميد بن عبد الله: أن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي حدثه: أنه سمع ابن عبد ربه: أنه سمع عاصم بن حميد يقول ... إن أبا ذر كان يقول: فذكر نحوه.
قلت: شيخ الطبراني لم أجد من ترجم له، وأبوه إسحاق هو ابن زبريق، تكلم فيه، وشيخه عمرو بن الحارث الحمصي، الزبيدي، ليس له راو غير إسحاق هذا، ولذلك لوح الذهبي بجهالته، وقال ابن حجر: مقبول، فالأول أولى.
وله عن أبي ذر إسناد آخر مال إليه الحافظ البيهقي، ولم يتعرض للأول الذي قدمناه وفي هذا انقطاع- فيما ذكره الحافظ ابن كثير في جزء الشمائل من التاريخ [/ 253] إذ قال: قال محمد بن يحيى الذهلي في الزهريات:
حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب قال: ذكر الوليد بن سويد، أن رجلا من بني سليم كبير السن كان ممن أدرك أبا ذر بالربذة ذكر أنه بينما هو قاعد يوما في ذلك المجلس وأبو ذر في المجلس إذ ذكر عثمان بن عفان، يقول السلمي: فأنا أظن أن في نفس أبي ذر على عثمان معتبة لإنزاله إياه بالربذة، فلما ذكر له عثمان عرض له أهل العلم بذلك وهو يظن أن في نفسه عليه معتبة، فلما ذكره قال: لا تقل في عثمان إلّا خيرا، فإني أشهد لقد رأيت منه منظرا وشهدت منه مشهدا لا أنساه حتى أموت، كنت رجلا ألتمس خلوات النبي صلى الله عليه وسلم لأسمع منه أو لاخذ عنه ... الحديث.
قال البيهقي في الدلائل [6/ 65] : هذا هو المحفوظ.
وزعم الحافظ ابن حجر في الفتح [7/ 404] أنها الوحيدة وضعفها بالانقطاع، أخرجها ابن عساكر في تاريخه [39/ 118] ، من طريق-(3/396)
.........
- ابن الشرقي، عن الذهلي، ومن طريق الطبراني عن أبي زرعة، أنا أبو اليمان به.
ورواه عن الزهري أيضا صالح بن أبي الأخضر، وفي حديثه لين؛ لم يكن بالحافظ، سمى الراوي عن أبي ذر سويد بن يزيد.
أخرجه الحافظ البزار في مسنده [3/ 135 كشف الأستار] برقم 2413، وأبو نعيم في الدلائل برقم 339، 538، وأبو القاسم الأصبهاني فيها أيضا برقم 296، والبيهقي كذلك [6/ 64] ، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه [39/ 116- 117] .
قال الحافظ البيهقي: والمحفوظ رواية شعيب، وقال ابن عساكر: القول ما قال شعيب.
قلت: ورواه عن الزهري محمد بن أبي حميد- أحد الضعفاء- فقال عنه، عن ابن المسيب، عن أبي ذر، أخرجه الطبراني في الأوسط [6/ 153 مجمع البحرين] رقم 3521، وفيه قول الزهري: هي الخلافة التي أعطاها الله أبا بكر وعمر وعثمان.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد [5/ 179] : فيه محمد بن أبي حميد وهو ضعيف، وأشار إلى الطريق الأول التي أوردناه وقال: إسنادها صحيح.
وفي الباب عن أنس بن مالك أخرجه ابن عساكر في تاريخه [39/ 120، 121] ، فيه عن أبي هريرة.
وقد أغنانا الإسناد الأول عما أوردناه بعده لكن رأيت في إيرادها تقوية لأصل متنها، ثم إذا علمت أنه قد رواها عن الزهري ابن أبي حمزة الثقة، والزبيدي، وابن أبي الأخضر، ومحمد بن أبي حميد، علمت أن في قول الحافظ البزار- لم يروه عن سويد إلّا الزهري، ولا عنه إلّا صالح بن أبي الأخضر وصالح لين الحديث- نظر، ذلك أن صالحا إنما أخطأ في تسمية شيخ الزهري فقط لا في أصل الحديث عنه، فتأمل.(3/397)
1132- ومنها: انشقاق القمر وهو بمكة في أول مبعثه، رآه أهل الأرض طرا، وتلي به عليهم قرآن، فما أنكروا ذلك عليه، وكان كما أخبر به، لم يخفى في الأرض أثره، ولم يندرس ذكره.
1133- ومنها: ما روي عن أبي أسيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس: يا أبا الفضل إلزم أنت وبنوك منزلك غدا، فإن لي فيكم حاجة، فصبحهم وقال: تقاربوا، فزحف بعضهم إلى بعض حتى إذا أمكنوه اشتمل عليهم بملاءته وقال: يا رب هذا عمي صنو أبي، وهؤلاء أهل بيتي فاسترهم من النار كستري إياهم بملاءتي هذه، فأمنت أسكفة الباب وحوائط البيت: آمين آمين آمين.
(1132) قوله: «ومنها انشقاق القمر» :
وذلك في الصحيحين، فأخرج البخاري في التفسير من صحيحه، باب قوله تعالى: وانشق القمر الاية، من حديث ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين: فرقة فوق الجبل، وفرقة دونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشهدوا- رقم 4864.
وأخرج فيه أيضا من حديث قتادة عن أنس قال: سأل أهل مكة أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر- رقم 4867. زاد في رواية: انشق القمر فرقتين- رقم 4868.
(1133) قوله: «ما روي عن أبي أسيد» :
الساعدي، أخرج حديثه ابن ماجه في الأدب برقم 3711، لكن ليس فيه الشاهد، والطبراني كما في مجمع الزوائد [9/ 270] ، وأبو نعيم في الدلائل برقم 340، والبيهقي كذلك [6/ 71] ، وأبو القاسم الأصبهاني كذلك برقم 221، بإسناد فيه عبد الله بن عثمان الوقاصي، قال عثمان الدارمي عن يحيى بن معين: لا أعرفه. -(3/398)
1134- ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم أتي بشاة مسمومة أهدتها له امرأة من اليهود، فدعا أصحابه إليها، فرفع يده ثم قال: ارفعوا أيديكم، فإنها تخبرني أنها مسمومة.
ولو كان ذلك لعلة الارتياب باليهودية ما قبلها بدآ، ولا جمع عليها أصحابه، ولا استجاز تركهم يأكلونها.
1135- ومنها: ما صح أنه صلى الله عليه وسلم أراد الوضوء وهو في سفر فقال ليعلى بن مرة: اذهب إلى تينك الشجرتين وقل لهما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم- وفيه أيضا: محمد بن يونس الكديمي أحد الضعفاء.
وقال البخاري: مالك بن حمزة بن أبي أسيد، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم- فذكره، - لا يتابع عليه.
وله شاهد من حديث عبد الله بن الغسيل عند أبي نعيم لم أقف على إسناده، إذ ليس في المطبوع من الدلائل، إنما أورده السيوطي في الخصائص [2/ 310] .
وله شاهد آخر من حديث سهل بن سعد عند الحاكم في المستدرك [2/ 326] ، ليس فيه تأمين الأسكفة، وأخرجه أيضا الطبراني كما في مجمع الزوائد [9/ 269] ، وفي الإسنادين إسماعيل بن قيس، قال الذهبي في التلخيص: ضعفوه.
(1134) قوله: «أهدتها له امرأة» :
القصة مخرجة في الصحيحين، وخرجنا بعض طرقها في فتح المنان شرح المسند الجامع لأبي محمد الدارمي تحت الأرقام 71، 72، 73.
(1135) قوله: «فقال ليعلى بن مرة» :
الثقفي صحابي كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى المعجزات الثلاث، إما التي شهدها جابر بن عبد الله بعينها وحدث بها أو غيرها إذا قلنا-(3/399)
يأمركما أن تجتمعا، فأقبلتا تخدان الأرض خدا حتى اجتمعتا، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفهما، ثم أمرهما بالرجوع إلى مكانيهما، فرجعتا.
1136- وفي رواية: أن يعلى بن مرة الثقفي قال: رأيت من النبي صلى الله عليه وسلم شيئا لم يره إلّا من كان معي، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بمكان كذا وكذا جاءته طلحة أو سمرة وطافت حوله، ثم رجعت إلى منبتها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنها استأذنت ربها أن تسلم عليّ.
1137- ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم مر بشجرة غليظة الشوك، متفيئة الفرع، ثابتة الأصل، فدعاها فأقبلت تخد الأرض إليه طوعا، ثم أذن لها فرجعت إلى مكانها.
قال أبو سعد عبد الملك صاحب الكتاب:
فأي آية أبين من موات لا حركة به ولا حيلة عنده أقبل مستجيبا لدعوته صلى الله عليه وسلم مطيعا لأمره؟ فتبارك الله رب العالمين.
- بتعددها، وفيها قصة الجمل الذي اشتكى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقصة الشجرتين اللتين اجتمعتا لقضاء حاجة النبي صلى الله عليه وسلم خلفهما، وقصة المرأة التي أتت بصبي لها يتسلط عليه الشيطان في غدائهم وعشائهم، وقد خرجناها في فتح المنان شرح المسند الجامع لأبي محمد الدارمي عند الكلام على حديث جابر بن عبد الله الطويل، تحت رقم 18.
(1136) قوله: «فأقبلت تخد الأرض» :
في الباب عن أنس بن مالك، وابن عمر، وابن عباس، وعمر بن الخطاب، والحسن البصري، مرسلا، خرجناها في شرحنا للمسند الجامع للحافظ أبي محمد الدارمي تحت الأرقام: 17، 24، 25- فتح المنان.(3/400)
1138- ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم انتهى إلى نخلتين بينهما فجوة من الأرض، نابت أصلهما، باسقة فروعهما، فقال لهما صلى الله عليه وسلم- وأصحابه حضور-:
انضما، فأقبلتا تخدان الأرض حتى اصطفتا، فأي عبرة أبين من هذه؟
1139- ومن ذلك أنه كان صلى الله عليه وسلم في غزوة الطائف في مسيره ليلا على راحلته بواد بقرب الطائف يقال له: نجب، ذو شجر كثير: من سدر، وطلح، فعثر- وهو وسن- بسدرة في سواد الليل، فانفرجت السدرة له نصفين، فمر صلى الله عليه وسلم بين نصفيها، وبقيت السدرة منفرجة على ساقين إلى زماننا هذا، وهي معروفة بذلك الواد، مشهور أمرها، يعظمها أهله، وتسمى:
سدرة النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا ... الأعراب الغيث عضدوا ما أمكنهم عضده مما يمرون به من الشجر، وحملوه على إبلهم وأغنامهم، فيفعلون مثل ذلك في شجر الوادي، ولا ينالون هذه السدرة بعضد ولا حصد ولا غيرهما من المكروه؛ معرفة بحالها، وتعظيما لشأنها، ولشهرة أمرها هنالك، وأنها آية بينة عجيبة، وحجة باقية على مر الدهر.
(1138) قوله: «فأقبلتا تخدان الأرض» :
انظر التعليق المتقدم قبله.
(1139) قوله: «وهو وسن» :
يعني: أخذته غفوة النوم.
قوله: «فانفرجت السدرة» :
أورد الأثر القاضي عياض في الشفاء [1/ 302] ، وسكت عنه السيوطي في المناهل فلم يعزه إلى أحد.
قوله: «وإذا ... الأعراب» :
في الأصول كلمة غير واضحة رسمها هكذا: وإذا انتجج.(3/401)
1140- ومنها: ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يمر على شجرة ولا مدر إلّا سلّم على النبي صلى الله عليه وسلم.
1141- ومن ذلك ما روى عبد الله بن بريدة، عن أبيه بريدة قال:
خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير فانتهينا إلى موضع من الطريق فأتاه أعرابي فصوّت بصوت جهوري: أفيكم محمد؟ قلنا: نعم، فقال:
يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني قد أسلمت، فأرني شيئا أزدد به يقينا، فقال:
ما تريد؟ قال: ادع تلك الشجرة فلتأتك، قال: اذهب إليها فقل لها:
أجيبي رسول الله، فقال لها: أجيبي رسول الله، فمالت على شقها الأيمن فقطعت عروقها، ثم مالت على شقها الأيسر فقطعت عروقها، ثم أقبلت مغيرة تجر عروقها وفروعها حتى انتهت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله مرها فلترجع، فأمرها فرجعت حتى انتهت إلى حفرتها فدلت عروقها فيها ثم استوت فيه كما كانت، فقال الأعرابي:
يا رسول الله إيذن لي فأسجد لك، فقال صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد، ولو أمرت أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها.
(1140) قوله: «ما روي عن علي بن أبي طالب» :
خرجناه في شرحنا للمسند الجامع للحافظ أبي محمد الدارمي تحت رقم 22- فتح المنان.
(1141) قوله: «عن أبيه بريدة» :
أخرجه البزار في مسنده [3/ 132 كشف الأستار] رقم 2409، وأبو نعيم في الدلائل برقم 291 بإسناد فيه صالح بن حيان وهو ضعيف.
قوله: «ايذن لي فأسجد لك» :
في رواية البزار: فقام الرجل فقبل رأسه ويديه ورجليه وأسلم، قال البزار:
لا نعلم من رواه عن صالح إلّا حبان- يعني: ابن علي-.(3/402)
1142- ومنها: نداء الحجر والرمل وعراجين النخل إيّاه صلى الله عليه وسلم، روي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل هو وسهل بن حنيف وخالد بن زيد أبو أيوب الأنصاري حائطا من حوائط بني النجار، فلما دخل ناداه حجر على رأس بئر لهم عليها السواني: السلام عليك يا رسول الله، اشفع إلى ربك أن لا يجعلني من حجارة جهنم التي يعذب بها الكفرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ورفع يديه: اللهمّ لا تجعل هذا الحجر من أحجار جهنم، ثم ناداه الرمل:
السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، ادع الله أن لا يجعلني من كبريت جهنم فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم لا تجعل هذا الرمل من كبريت جهنم، فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من النخل نادته العراجين من كل جانب: السلام عليك يا رسول الله، وكل واحد منها يقول: خذ مني فأخذ منها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل وأطعم، ثم دنا من العجوة، فلما أحسته سجدت، فبرّك عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم بارك عليها، وانفع بها.
1143- قال أبو سعد رحمه الله: فمن ثم روت العامة: أن الكمأة من المنّ، وماؤها شفاء للعين، وأن العجوة من الجنة.
(1143) قوله: «فمن ثم روت العامة» :
كان الأولى أن يقال: وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين، فقد أخرجاه في الصحيحين من حديث سعيد بن زيد.
وروي في العجوة وأنها من الجنة ضمن الكمأة أيضا وبعضهم يختصره من حديث أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وبريدة بن الحصيب، وابن عباس.
أما حديث أبي هريرة فأخرجه- من طرق عنه-: الإمام أحمد في مسنده [2/ 301، 305، 356، 357] ، وأبو محمد الدارمي في مسنده برقم 3008 فتح المنان، والترمذي في جامعه برقم 2066، 2068، والنسائي-(3/403)
1144- ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يتناول الحجر فيسبح في يده، فقال له بعض أصحابه في ذلك، فقال: نعم.
1145- ومنه معجزته صلى الله عليه وسلم في كلام الركن الغربي، قال له الركن:
يا رسول الله ألست قاعدة من قواعد بيت ربك؟ فما بالي لا أستلم؟ فدنا منه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اسكن عليك السلام غير مهجور.
- في الكبرى برقم 6719، 6720، 6721، وابن ماجه برقم 3454.
وأما حديث أبي سعيد الخدري فأخرجه: الإمام في مسنده [3/ 48] ، والنسائي في الكبرى الأرقام 6717، 6718، وابن ماجه برقم 3452.
وأما حديث بريدة بن الحصيب فأخرجه: الإمام أحمد في مسنده [5/ 346، 351] ، ابن عدي في الكامل [4/ 1371] .
وأما حديث ابن عباس فأخرجه: الطبراني في معجمه الصغير برقم 344، وفي الكبير برقم 12481، 13010.
(1144) قوله: «فيسبح في يده» :
انظر التعليق على النص المتقدم برقم 1131، ومن شواهده أيضا: ما أخرج الإمام البخاري في المناقب من صحيحه من حديث ابن مسعود قال: كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل، خرجناه في شرحنا للمسند الجامع للحافظ أبي محمد الدارمي، تحت رقم 30- فتح المنان.
قوله: «فقال له بعض أصحابه» :
في الكلام حذف، تقديره: وتفقه تسبيحه يا رسول الله؟.
(1145) قوله: «اسكن عليك السلام غير مهجور» :
لم أقف عليه فيما لدي من المصادر.(3/404)
[222- فصل: ذكر آياته صلى الله عليه وسلم مع الحيوانات وما في طاعتها وانقيادها له من الدّلائل]
222- فصل: ذكر آياته صلى الله عليه وسلم مع الحيوانات وما في طاعتها وانقيادها له من الدّلائل 1146- أخبرنا أبو الحسن: علي بن داود المقريء بدمشق، أنا إسحاق بن إبراهيم بن هاشم الأذرعي، ثنا سعيد بن الحكم، ثنا ليث بن (1146) قوله: «علي بن داود المقرىء» :
إمام جامع دمشق ومقرئه: علي بن داود بن عبد الله الداراني، الحافظ المجود أبو الحسن القطان، ممن انتهت إليه الرياسة في وقته في قراءة الشاميين، توفي سنة اثنتين وأربع مائة.
معرفة القراء الكبار [1/ 366] ، تذكرة الحفاظ [3/ 1062] ، غاية النهاية [1/ 541] ، تاريخ الإسلام ص 63، تاريخ ابن عساكر [41/ 469] ، الشذرات [3/ 164] .
قوله: «الأذرعي» :
نسبة إلى أذرعات في أطراف الشام بجوار البلقاء وعمّان، وهو أحد الأئمة الثقات، والعباد الأثبات، شيخ دمشق وعالمها، توفي يوم النحر سنة أربع وأربعين وثلاث مئة.
سير أعلام النبلاء [15/ 478] ، تاريخ دمشق [8/ 166] ، الوافي بالوفيات [8/ 398] ، العبر [2/ 263] ، الشذرات [2/ 366] .
قوله: «ثنا سعيد بن الحكم» :
الجمحي مولاهم، المعروف بابن أبي مريم، أحد رجال الستة الثقات، ومن فوقه كذلك من رجال التهذيب: ابن لهيعة: هو عبد الله، وابن الهاد: -(3/405)
سعد ويحيى بن أيوب وابن لهيعة قالوا: حدثنا ابن الهاد عن ثعلبة بن أبي مالك قال: اشترى رجل من بني سلمة جملا ينضح عليه، فأدخله في مربد فحرد الجمل، فلم يقدر أحد أن يدخل عليه إلّا تخبطه، فجاؤا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فقال: افتحوا عنه، فقالوا: نخشى عليك منه، قال: افتحوا عنه، قال: ففتحوا، فلما رآه الجمل خر ساجدا، فسبح القوم، فقالوا: يا رسول الله نحن كنا أحق أن نسجد من هذه البهيمة، فقال صلى الله عليه وسلم: لو ينبغي لشيء من الخلق أن يسجد لشيء دون الله لكان ينبغي للمرأة أن تسجد لزوجها.
1147- ومنها: أن ظبية كلمته حين وقعت في شبكة، فقالت:
يا رسول الله إن لي حشفا ذا لبن وإني قد وقعت في شبكة فخلني حتى- هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي، من رجال الستة الثقات، والإسناد على شرط الصحيح غير ثعلبة بن أبي مالك مذكور في الصحابة يقال: له رؤية فقط.
قوله: «أن تسجد لزوجها» :
مرسل قوي، أخرجه أبو نعيم في الدلائل [1/ 382] ، من طريق يحيى بن بكير، قال: حدثني الليث بن سعد به، رقم 282.
وفي الباب عن جابر بن عبد الله وبريدة بن الحصيب، وابن مسعود وأنس بن مالك، انظر التعليق على النصوص الاتية برقم 1149، 1151، 1154، 1155.
(1147) قوله: «ومنها أن ظبية كلمته» :
في الباب عن أبي سعيد الخدري، وزيد بن أرقم، وأنس بن مالك، وأم سلمة.
أما حديث أبي سعيد الخدري، فأخرجه البيهقي في الدلائل [6/ 34] ، إسناده لا بأس به في هذا الباب. -(3/406)
أرضعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أخليك وصاحب الشبكة غائب؟
فقالت: خلني حتى أرجع، فخلاها وجلس حتى رجعت الظبية، وجاء صاحبها، فتشفع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خلى سبيلها، فاتخذ القوم من ذلك الموضع مسجدا.
1148- ومنها: أن رجلا كان في غنمه يرعاها، فأغفلها سويعة من نهاره وتلهى عنها، فجاءها ذئب فأخذ منها شاة، فأقبل يعدو خلفه، فطرح الذئب الشاة ثم كلمه بكلام فصيح، ولسان ذلق، فقال: تمنعني رزقا ساقه الله إليّ؟ فقال الرجل: يا عجبي! الذئب يتكلم؟ فقال الذئب: - وأما حديث زيد بن أرقم، فأخرجه البيهقي في الدلائل [6/ 34- 35] ، وأبو نعيم كذلك برقم 273، وفي إسناديهما الهيثم ابن حماد، عن أبي كثير، قال الذهبي في الميزان: لا يعرف لا هو ولا شيخه، وقال ابن كثير: وفي بعضه نكارة.
وأما حديث أم سلمة، فأخرجه الطبراني في معجمه الكبير [23/ 331] رقم 763، وأبو نعيم في الدلائل- كما في جزء الشمائل لابن كثير [/ 282] ، والخصائص الكبرى للسيوطي [2/ 265] ، وفي الإسنادين أغلب بن تميم، ضعفه به الهيثمي في مجمع الزوائد [8/ 295] ، ووهاه الحافظ ابن حجر في تخريج المنتهى، وقال ابن كثير في جزء الشمائل: قال أبو نعيم: رواه آدم بن أبي إياس فقال: حدثني حبي الصدوق نوح بن الهيثم، عن حبان بن أغلب، عن أبيه، عن هشام بن حسان، ولم يجاوزه به.
قوله: «فاتخذ القوم من ذلك الموضع مسجدا» :
لم أجد ذلك في شيء من الروايات المخرجة، والله أعلم.
(1148) قوله: «تمنعني رزقا ساقه الله إليّ» :
قصة حديث الذئب مع الراعي ساقها المصنف بالمعنى، وقد أخرجها-(3/407)
أنتم أعجب، وفي شأنكم للمعتبرين عبرة، هذا محمد يدعو إلى الحق ببطن مكة، وأنتم عنه لاهون، فأبصر الرجل حظه وهدي لرشده فأقبل- جماعة بأسانيد بعضها صحيح، وتكلم في البعض الاخر، وقد رويت من حديث أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وأهبان بن أوس، وابن عمر، وأنس بن مالك، ورافع بن عميرة الطائي.
أما حديث أبي هريرة، فأخرجه الإمام أحمد في مسنده [2/ 306]- واللفظ له-، ومسدد- كما في إتحاف الخيرة [9/ 38] رقم 8521-، وأبو نعيم في الدلائل برقم 271، من حديث شهر بن حوشب عنه قال:
جاء ذئب إلى راعي غنم فأخذ منها شاة، فطلبه الراعي حتى انتزعها منه، قال: فصعد الذئب على تل فأقعى فاستذفر وقال: عمدت إلى رزق رزقنيه الله عزّ وجلّ انتزعته مني؟! فقال الرجل: لله إن رأيت كاليوم، ذئبا يتكلم؟! فقال الذئب: أعجب من هذا رجل في النخلات بين الحرتين يخبركم بما مضى وما هو كائن بعدكم.
قال: وكان الرجل يهوديا، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وأخبره، فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها أمارة من أمارات بين يدي الساعة، قد أوشك الرجل أن يخرج فلا يرجع حتى تحدثه نعلاه وسوطه بما أحدثه أهله بعده.
قال ابن كثير: تفرد به أحمد، وهو على شرط السنن ولم يخرجوه.
وقال البوصيري: هو في الصحيح باختصار.
وبنحوه حديث شهر بن حوشب أيضا عن أبي سعيد الخدري، أخرجه من طرق: الإمام أحمد في مسنده [3/ 88، 89، 89] ، وابن سعد في الطبقات [1/ 173] ، والبيهقي في الدلائل [6/ 42] .
قال الحافظ ابن كثير في جزء من الشمائل من التاريخ: على شرط أهل السنن، ولم يخرجوه، ولعل شهر بن حوشب قد سمعه من أبي سعيد وأبي هريرة. -(3/408)
حتى أسلم، وحدث القوم بقصته، وليس بالرجل الخامل ذكره، ولا المجهول موضعه- وبقي لعقبه شرفا لا تخلقه الأيام، يفخرون به على العرب والعجم، فيقولون: أنا ابن مكلم الذئب-.
- قلت: رواه أبو نضرة أيضا عن أبي سعيد وهو ما يؤيد كونه عندهما جميعا، أخرجه ابن إسحاق في السيرة [279- 280] ، وأحمد في مسنده [3/ 83- 84] ، وابن أبي شيبة في المصنف [15/ 167] رقم 19401، والترمذي في الفتن، باب ما جاء في كلام السباع، رقم 2181، وأبو يعلى في مسنده، وابن منيع كذلك- كما في إتحاف الخيرة [9/ 39، 10/ 78] رقم 8522، 9960-، وعبد بن حميد في مسنده برقم 877- المنتخب-، والبزار في مسنده [3/ 143 كشف الأستار] رقم 2431، والعقيلي في الضعفاء [3/ 477- 478] ، وأبو القاسم الأصبهاني في الدلائل برقم 116، 234، والبيهقي، في الدلائل [6/ 41] ، وأبو نعيم في الدلائل برقم 270، جميعهم من طرق عن القاسم بن الفضل عنه، وبعضهم يزيد على بعض، وصححه ابن حبان- كما في الإحسان- برقم 6494، والحاكم في المستدرك [4/ 467] على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وكذلك ابن كثير في جزء الشمائل من التاريخ [/ 274] ، وقال: روى الترمذي منه قوله:
والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة.
ورواه أبو نعيم في الدلائل من حديث الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي سعيد الخدري، قاله ابن كثير في جزء الشمائل.
وأما حديث أهبان بن أوس، فأخرجه البخاري في تاريخه [2/ 44] الترجمة 1633، وأبو نعيم في الدلائل كما في الخصائص [2/ 268] ، وعلقه البيهقي في الدلائل [6/ 43] .
قال البخاري: إسناده ليس بالقوي، فتعقبه البيهقي في الدلائل بما أسنده من طريق ابن عدي قال: حدثنا ابن أبي داود السجستاني أحد حفاظ عصره وعلماء دهره، فلا يقول مثل هذا في ولد مكلم الذئب إلّا-(3/409)
.........
- عن معرفة، وفي إشهار ذلك في ولده قوة للحديث، ثم قال البيهقي ردا على قول البخاري: قد مضى ما يقويه.
وأما حديث ابن عمر، فأخرجه ابن عدي في الكامل [2/ 573] ، من طريقه البيهقي في الدلائل.
قال ابن عدي عقبه: قال لنا ابن أبي داود: ولد هذا الراعي بمرو، يقال لهم من بني مكلم الذئب، ولهم أموال ونعم، وهم من خزاعة، واسم مكلم الذئب أهبان، ومحمد بن الأشعث الخزاعي من ولده.
وأما حديث أنس بن مالك، فأخرجه أبو نعيم في الدلائل كما في جزء الشمائل من تاريخ ابن كثير [/ 276] ، والخصائص الكبرى للسيوطي [2/ 269] ، إذ ليس في المختصر المطبوع منه.
وأما حديث رافع بن عميرة، فأخرجه الحافظ ابن عساكر في تاريخه [18/ 15] ، وقد أشار إلى حديثه: أبو نعيم في المعرفة [2/ 1058] ، وابن الأثير في الأسد [2/ 195- 196] وغيرهما، وأوردوا له هذه الأبيات في كلام الذئب:
رعيت الضأن أحميها زمانا ... من الضبع الخفي وكل ذئب
فلما أن سمعت الذئب ينادي ... يبشرني بأحمد من قريب
سعيت إليه قد شمرت ثوبي ... عن الساقين قاصدة الركيب
فألفيت النبي يقول قولا ... صدوقا ليس بالقول الكذوب
فبشرني بدين الحق حتى ... تبينت الشريعة للمنيب
وأبصرت الضياء يضيء حولي ... أمامي إن سعيت وعن جنوبي
ألا أبلغ بني عمرو بن عوف ... وإخوتهم خذيلة أن أجيبي
هذا، وفي الباب من حديث الذئب بغير هذا السياق عن جماعة، وفيه أن وافد الذئاب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستفرض لجماعته، سيأتي في هذا الباب. -(3/410)
1149- ومنها: ما روي أنه صلى الله عليه وسلم دخل حائش نخل فرأى فيها بعيرا، فلما رآه البعير خر له ساجدا، وذرفت عيناه، فمسح النبي صلى الله عليه وسلم سراته- يعني ظهره-، وذفراه- يعني أصول الأذن-.
1150- ومنها: ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد المدينة وحوله المهاجرون والأنصار إذ أتى أعرابي من بني سليم (1149) قوله: «فلما رآه البعير» :
القصة خرجناها في مسند أبي محمد الدارمي، من حديث جابر بن عبد الله الطويل المشتمل على المعجزات الثلاث التي شهدها جابر في ذلك المسير، وذكر فيها قصة الجمل، وفيها: ثم سرنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا كأنما علينا الطير تظلنا، فإذا جمل ناد، حتى إذا كان بين السماطين خر ساجدا، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: عليّ الناس، من صاحب الجمل؟، فإذا فتية من الأنصار قالوا: هو لنا يا رسول الله، قال: فما شأنه؟، قالوا:
استنينا عليه منذ عشرين سنة، وكانت به شحيمة فأردنا أن ننحره فنقسمه بين غلماننا، فانفلت منا، قال: بيعونيه، قالوا: لا، بل هو لك يا رسول الله، قال: أما لي فأحسنوا إليه حتى يأتيه أجله، قال المسلمون عند ذلك: يا رسول الله نحن أحق بالسجود لك من البهائم، قال: لا ينبغي لشيء أن يسجد لشيء، ولو كان ذلك كان النساء لأزواجهن.
خرجناه في فتح المنان شرح المسند الجامع لأبي محمد الدارمي تحت رقم 18.
وأخرج أبو محمد عقبه (برقم 19) من حديث جابر بن عبد الله أيضا قال:
أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دفعنا إلى حائط في بني النجار، فإذا فيه جمل لا يدخل الحائط أحد إلّا شد عليه، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه فدعاه فجاء واضعا مشفره على الأرض حتى برك بين يديه، فقال: هاتوا خطاما، فخطمه، ودفعه إلى صاحبه، ثم التفت فقال: ما بين السماء والأرض إلّا-(3/411)
يقال له: سعيد أو معاذ وقد صاد ضبا- وهو في ثيابه-، فجعل يتخطى الناس: عنقا عنقا، حتى قام بحذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، والله ما اشتملت النساء على ذي لهجة هو أكذب منك، ولا أبغض إليّ منك، ولولا خصلة لملأت سيفي منك.
قال: فهمّ به عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عمر كاد الحليم أن يكون نبيا، ثم أقبل النبي صلى الله عليه وسلم على السلمي فقال: مه يا أخا بني سليم، فو الله إني لأمين في السماء محمود عند الملائكة، أمين في الأرض محمود عند الادميين، فلا تسمعني في مجلس إلّا خيرا، ولا تقل فيّ إلّا الحق.
فقال: يا محمد، أتلومني أن أقول الحق؟ فباللات والعزى ما آمنت بك ولا صدقتك ولا اتبعتك حتى يشهد لك هذا الضب.
فقال صلى الله عليه وسلم: يا ضب، من ربك؟ فقال الضب: ربي الذي في السماء ملكه وفي الأرض سلطانه، وفي البرّ والبحر سبيله.
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: أيّها الضب، من أنا؟ قال: أنت محمد بن عبد الله سيّد النبيّين، وإمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجلين إلى جنات- يعلم أني رسول الله إلّا عاصي الجن والإنس، انظر تخريجهما هناك، وقد خرجنا تحتهما حديث ابن مسعود وأنس بن مالك، ويعلى بن مرة، وانظر النص المتقدم برقم: 1146، والنصوص الاتية بالأرقام: 1151، 1154، 1155.
قوله: «ولولا خصلة» :
وفي رواية عمر بن الخطاب: ولولا أن قومي يدعونني عجولا لقتلتك فسررت بقتلك الأسود والأحمر والأبيض، وغيرهم.(3/412)
النعيم، قد أفلح من آمن بك وصدقك واتبعك، وخاب وخسر من كذّبك وخالفك.
قالت عائشة رضي الله عنها: فاستوهبت الضب من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأطعمه مما آكل وأسقيه مما أشرب، ولم أسمع له كلاما بعد ذلك اليوم الذي كلّم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فولى السلمي وهو ضاحك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أخا بني سليم، أبا لله تستهزىء ثم بي؟ فقال السلمي:
والله يا محمد ما أستهزىء بالله ولا أستهزىء بك، وقد أتيتك وما على الأرض أحد هو أبغض إليّ منك، وقد ولّيت عنك وما على الأرض أحد هو أحبّ إليّ منك.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أسلم تسلم. فقال السلمي: أما أنا فقد أسلمت، أنا أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنك محمد رسول الله حقّا، قال: فسرّ النبي صلى الله عليه وسلم، ثم وثب قائما على قدميه ثم صفّق بيديه ثلاثا، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: بخ بخ يا أخا بني سليم، أتيتنا كافرا وتنصرف من عندنا سعيدا، يا أخا بني سليم، هل لك من شيء من عرض هذه الدنيا؟ قال السلمي: والذي بعثك بالحق نبيّا ما في بني سليم كلها قاطبة أحد هو أفقر منّي، قال: فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه فقال: من يضمن للسلمي ناقة من نوق الدنيا أضمن له على الله ناقة من نوق الجنة؟، قال: فوثب إليه عبد الرحمن بن عوف فقال: فداك أبي وأمّي يا رسول الله، إنّ له عندي ناقة حمراء عشراء دون البختي وفوق الأعرابي، إذا أقبلت بها دقّت وإذا قوله: «إذا أقبلت بها دقت» :
الدق: أصوات حوافر الدواب في سرعة ترددها، وهو نحو الطقطقة.
والزف: الإسراع، زف البعير زفيفا: أي أسرع، وأزفه حمله على ذلك.(3/413)
أدبرت بها زفّت، أهداها إليّ الأشعث بن قيس الكندي يوم رجعنا من غزوة تبوك.
قوله: «يوم رجعنا من غزوة تبوك» :
قد أشار البيهقي إلى حديث عائشة هذا عقب إخراجه له من حديث عمر بن الخطاب فقال: روي ذلك في حديث عائشة وأبي هريرة، وما ذكرناه هو أمثل الأسانيد فيه، وهو أيضا ضعيف، والحمل فيه على محمد بن علي بن الوليد السلمي، وهذه العبارة الأخيرة ليست في المطبوع من الدلائل، ذكرها الحافظ ابن عساكر في تاريخه [4/ 385] ، عقب إخراجه للحديث من طريق البيهقي، وذكرها أيضا ابن كثير في جزء الشمائل من التاريخ [/ 288] ، والسيوطي في الخصائص [2/ 276] .
وأخرج حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الطبراني في الصغير [2/ 153] رقم 948، وفي الأوسط [6/ 467] رقم 5993، ومن طريقه أبو نعيم في الدلائل [2/ 376] رقم 275، والحاكم في المعجزات، فيما ذكره البيهقي في الدلائل [6/ 38] ، ومن طريقه البيهقي [6/ 36] ، ومن طريق البيهقي أخرجه ابن عساكر في تاريخه [4/ 382] .
وقد ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد [8/ 294] كلام البيهقي المتقدم في محمد بن علي السلمي، قال: وبقية رجاله رجال الصحيح، وقال الذهبي في الميزان: صدق والله البيهقي- يعني في قوله: والحمل فيه على محمد بن علي السلمي-، فإنه خبر باطل.
قال أبو عاصم: ذهل الحفاظ رحمهم الله عن معنى كلام البيهقي، وعن طريقته في الدلائل.
فأما معنى قوله: والحمل فيه على السلمي: فإنه عنى ما أشار إليه من كلام شيخه الحاكم، حيث زاد في آخر حديثه: قال أبو أحمد- يعني: ابن عدي-: كان ابن عبد الأعلى يحدث بهذا مقطوعا، وحدثنا بطوله من أصل كتابه مع رعيف الوراق، فبان معنى قوله: والحمل فيه، أي: في-(3/414)
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا ابن عوف إنك قد وصفت الناقة التي عندك، أفلا أصف الناقة التي هي عندنا؟
فقال: بلى فداك أبي وأمّي يا رسول الله، صفها لي.
فقال: إنها ناقة من لؤلؤة جوفاء، عنقها ياقوتة حمراء، ذنبها من زمردة خضراء، قوائمها من أنواع الجواهر، رحالها من السندس والاستبرق، تزفّ بك يا ابن عوف ما بين مقامي وحوضي.
ثم قال: يا أخا بني سليم، قم فاركب، فركب، ثم قال: أقبل، فأقبل، ثم قال: أدبر، فأدبر، ثم قال: انزل، فنزل، ثم قال له:
يا أخا بني سليم لا يكون الإيمان إلّا بالصلاة، ولا صلاة إلّا بقراءة، وكل صلاة ليس فيها قراءة فهي خداج فهي خداج وصلاته غير تامة، والخداج في النار، يا أخا بني سليم ألا أعلمك سورا من القرآن تقيم بها أمر دينك؟.
فقال السلمي: علمني يا رسول الله، قال: فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم فاتحة الكتاب والمعوذتين، وقل هو الله أحد، فأخذهن الأعرابي في أسرع من طرفة عين، فقال: يا رسول الله كلام ما أحلاه، ودين ما أبهاه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أخا بني سليم، كن عبدا شكورا، فالله يحب من عباده كل شكور.
- روايته له موصولا، وقد اشترط البيهقي في دلائله ألا يخرج الموضوع، فتنبه لهذا، والله أعلم.
وأخرجه ابن عساكر في تاريخه [4/ 381] ، من حديث علي بن أبي طالب، ثم قال عقبه: هذا حديث غريب، وفيه من يجهل حاله، وإسناده غير متصل.(3/415)
1151- ومنها: ما روى نافع عن رجل من الأنصار قال:
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه يمشي ونحن معه، فأقبل علينا جمل يهدر- أي: يصيح- فقال له أصحابه: يا رسول الله إنا نخاف عليك من هذا البعير! قال: دعوه فإنه جاء مستغيثا، فجاء يمشي حتى وضع مشفره على عاتق ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أنا بالله وبك يا رسول الله، إن مواليّ اشتروني فصيلا، وكدّوني حتى بلغت من السن ما ترى، وإنهم يريدون نحري، فأنا بالله وبك أستغيث يا رسول الله.
قال: فجاء أصحابه يطلبونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئتم أنبأتكم، وإن شئتم أخبرتموني بما أردتم، قالوا: أخبرنا أنت يا رسول الله، قال: إنه يزعم أنكم اشتريتموه فصيلا صغيرا، وإنكم كددتموه حتى بلغ من السن، وإنكم أردتم ذبحه.
قالوا: والذي بعثك بالحق إنه لكما قال، فشأنك به يا رسول الله، هو فداك بابائنا أنت وأمهاتنا، قال: فسرّحوه يرتع حيث يشاء.
قال: فسرّحوه، فتباعد الجمل قليلا، ثم خر ساجدا، فقال له أصحابه: هذه بهيمة تسجد لك!! فنحن أحق بالسجود منه، فلو أذنت لنا بالسجود لك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد، ولو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها، - يعني: لعظم حقه عليها-.
(1151) قوله: «ما روى نافع عن رجل من الأنصار» :
انظر التعليق على النص المتقدم في أول الباب برقم: 1146 والنصوص:
1149، 1154، 1155.(3/416)
1152- ومنها: ما روي عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما فتح الله على نبيه خيبر أصابه من سهمه أربعة أزواج نعال، وأربعة أزواج خفاف، وعشرة أواق ذهب وفضة، وحمار أقمر.
قال: فكلم صلى الله عليه وسلم الحمار حين ركبه فقال له: يا حمار ما اسمك؟
قال: عفير بن يزيد بن شهاب بن خشفة، قال: ولمن كنت؟ قال: (1152) قوله: «عن عروة، عن عائشة» :
لم أقف عليه من هذا الوجه، لكن أخرجه الحافظ أبو محمد بن حامد في دلائل النبوة فيما ذكره الحافظ ابن كثير في جزء الشمائل من تاريخه [/ 288] ، قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد السحركي، ثنا عمر بن محمد بن بجير، ثنا أبو جعفر محمد بن يزيد- إملاء- أنا أبو عبد الله محمد بن عقبة بن أبي الصهباء، حدثنا أبو حذيفة، عن عبد الله بن حبيب الهذلي، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن أبي منظور قال: لما فتح الله ...
القصة، ومن هذا الوجه أخرجها الحافظ ابن عساكر في تاريخه [4/ 232] .
قال الحافظ ابن كثير: حديث الحمار أنكره غير واحد من الحفاظ الكبار.
قال أبو عاصم: إنكاره له من حيث إسناد هذه القصة بعينها حسب، فمحادثته وفهمه لغة البهائم ثابتة له صلى الله عليه وسلم، ولذلك ذكر غير واحد من أهل السّير أنّ ذلك كان بإزاء ما أوتي النبي سليمان عليه السّلام حيث علم منطق الطير وغيره من الحيوانات، فتأمل.
قوله: «أربعة أزواج نعال» :
كذا في الأصول، وفي رواية ابن حامد: ثقال- ولعله تصحيف- وفي رواية ابن عساكر: بغال، ولعله أيضا تصحيف.
قوله: «عفير بن يزيد» :
كذا في الأصول، وفي رواية غيره: يزيد بن شهاب بدون عفير.(3/417)
ليهودي، وكنت أعثر به عمدا، وكان يسيء إليّ، ويجيع بطني ويضرب ظهري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لك من رب؟ قال: لا، قال: ولم؟
قال: لأنه حدّثني أبي عن آبائه وأجداده أنه قال: ركب نسلنا سبعون نبيّا، وإنّ آخر نسلنا يركبه نبي يقال له: محمّد صلى الله عليه وسلم، ولم يبق من نسل جدي غيري، ولا من الأنبياء غيرك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد سمّيتك يعفورا، يا يعفور، فقال: لبّيك يا رسول الله.
قال: فكان النبي صلى الله عليه وسلم يركبه في حاجته، فإذا نزل عنه بعث به إلى باب الرجل فيأتي الباب فيقرعه برأسه، فإذا خرج إليه صاحب الدار أومأ إليه أن أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم مكث بعده ثلاثا، فجاء إلى بئر لأبي الهيثم بن التيهان فتردّى فيها فصار قبره جزعا منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنا نعد ذلك من الايات.
1153- ومنها: ما رواه عبد الرحمن العنبري يرفعه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة يخطب الناس ويحث على الصدقة، فقام شاب فقال: يا رسول الله، هذه الناقة للمساكين، فنظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اشتروها لي، قال: فبينما هو يسير ذات يوم ومعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا ابن الخطاب ألا أخبرك بالعجب؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: خرجت في بعض الليل إلى الدار، فقالت الناقة:
السلام عليك يا رسول الله، قلت: بارك الله فيك، قالت: يا رسول الله كانت أمي لرجل من قريش، إذا حلبوها علفوها، وإذا لم يحلبوها لم يعلفوها، وكنت خامس خمسة أبطن، فكانت الجاهلية إذا وضعت الناقة خمسة أبطن جعلوا الخامس لأصنامهم لا يركبونها ولا يستعملونها، ولا يأخذوا وبرها، فاستعارني الأعراب فهربت منهم في بعض الطريق،(3/418)
فكنت أرعى، فيناديني الحشيش: إليّ إليّ فإنك لمحمّد صلى الله عليه وسلم، فإذا كان الليل نادى السباع والهوام بعضها بعضا: لا تقربوها فإنها لمحمّد صلى الله عليه وسلم، حتى صيرني الله لك.
قال صلى الله عليه وسلم: فقلت لها: ما كان اسم مولاك؟ قالت: العضباء، فسميتها العضباء باسم مولاها.
قال: فلما حضر النبي صلى الله عليه وسلم الوفاة قالت العضباء: يا رسول الله بمن توصني من بعدك؟ قال: يا عضباء بارك الله فيك، أنت لابنتي فاطمة تركبك في الدنيا والاخرة، قالت: يا رسول الله ما أحب أن يركبني أحد بعدك، قال: لا يركبك غيرها، قال: فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم خرجت فاطمة ليلا فإذا هي بالعضباء فقالت: السلام عليك يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حان فراقي من الدنيا، والله ما تهنأت بعلف ولا شراب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
1154- ومنها: ما روي عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لنا جملا صئولا في الدار، وليس أحد منا يستطيع أن يقربه أو يزم أنفه.
فقام معه النبي صلى الله عليه وسلم وقمنا معه، فأتى ذلك الباب ففتحه، فلما رآه الجمل جاء إليه فسجد له ووضع جرانه، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأسه فمسحه، (1154) قوله: «ما روي عن عبد الله بن بريدة» :
بريد بن الحصيب، أخرج حديثه أبو نعيم في الدلائل- وليس في المختصر المطبوع منه، ذكره السيوطي في الخصائص [2/ 258] .
وفي الباب عن جابر بن عبد الله، انظر التعليق على النص المتقدم برقم 1149.(3/419)
ثم دعا بالخطام فخطمه، ودفعه إلى صاحبه.
فقال له أبو بكر وعمر: قد عرف يا رسول الله أنك نبي، وأنك رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه ليس شيء إلّا يعرف أني رسول الله غير كفرة الإنس والجن.
1155- ومنها: ما روى الربيع بن أنس، عن أنس قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم حائطا للأنصار ومعه أبو بكر وعمر ورجل من الأنصار، وفي الحائط غنم فسجدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: يا رسول الله نحن أحق بالسجود لك من هذه الغنم، فقال صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي أن يسجد لأحد، ولو كان ينبغي لأحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها.
1156- ومنها: ما روى مجاهد عن عائشة رضي الله عنها قالت:
كان لال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحش، وكان إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعب وتحرك من موضع إلى موضع، فإذا أحس برسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل ربض فلم يتحرك ما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت.
(1155) قوله: «ما روى الربيع بن أنس» :
أخرج حديثه أبو نعيم في الدلائل برقم 276، وفي الإسناد أبو جعفر الرازي؛ حديثه صالح في هذا الباب، وانظر التعليق على النص المتقدم برقم 1146.
(1156) قوله: «ما روى مجاهد عن عائشة» :
أخرجه الإمام أحمد في المسند [6/ 112- 113، 150، 209] ، وأبو يعلى في مسنده [7/ 419، 8/ 121] رقم 4442، 4460، والطبراني في الأوسط [7/ 307] رقم 6587، قال الهيثمي في مجمع الزوائد [9/ 3- 4] : رجال أحمد رجال الصحيح.(3/420)
1157- ومنها: كلام الذئب إياه صلى الله عليه وسلم، روى بعض أهل البيت قال:
إنّ الذئاب جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تطلب أرزاقها، فقال لأصحابه: إن شئتم صالحتها على شيء فتخرجوه إليها ولا ترزأ من أموالكم شيئا، وإن شئتم تركتموها تعدوا، وعليكم بحفظ أموالكم، قالوا: بل نتركها كما هي، تصيب منا ما أصابت ونمنعها ما استطعنا.
1158- ومنها: ما قال بعضهم: كنت على شاطىء البحر فجاء غلمان بسمكة منقشة، فنظرت إلى بياض شحمة أذنيها فإذا في إحداها:
لا إله إلّا الله، وفي الأخرى: محمد رسول الله.
(1157) قوله: «ومنها كلام الذئب إياه» :
يعني حين جاء يستفرض، خرجناه في فتح المنان شرح المسند الجامع لأبي محمد الدارمي، من حديث شمر بن عطية، عن رجل من مزينة أو جهينة له صحبة تحت رقم 23، وخرجناه أيضا من حديث أبي هريرة، وحمزة بن أبي أسيد، والمطلب بن عبد الله بن حنطب مرسلا.
وأخرج أبو نعيم من طريق الواقدي عن سليمان بن يسار قال: أشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحرة، فإذا الذئب واقف بين يديه، فقال صلى الله عليه وسلم: هذا أويس يسأل من كل سائمة شاة، فأبوا، فأومأ إليه بأصابعه فولى، أورده في الخصائص [2/ 271] .
(1158) قوله: «ومنها ما قال بعضهم» :
قال الشيخ أبو القاسم المهرواني في الفوائد المنتخبة المسماة بالمهروانيات التي خرجها الخطيب البغدادي رحمه الله: أخبرنا أبو بكر: محمد بن أحمد الطوسي، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم قال: سمعت الحسن بن إسحاق بن يزيد العطار يقول: كنا خارجين من مصر إلى إفريقية في البحر، -(3/421)
.........
- فركدت علينا الريح، فأرسينا إلى موضع يقال له: البرطون، وكان معنا صبي سقلبي يقال له: أيمن، كان معه شص يصطاد به السمك، قال: فاصطاد لنا سمكة نحوا من شبر أو أقل، قال: وكان على صنيفة أذنها اليمنى مكتوبا:
لا إله إلّا الله، وعلى صنيفة أذنها اليسرى: محمد رسول الله، قال: وكان أبين من نقش على حجر، وكانت السمكة بيضاء، والكتاب أسود كأنه كتاب بحبر.
قال: فقذفناها في البحر، ومنع الناس أن يتصيدوا من ذلك الموضع حتى أوغلنا.
ومن ذلك ما رواه تمام، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه [13/ 9- 10] ، وابن العديم في بغية الطلب [5/ 2255] ، قال تمام: أخبرنا أبو علي:
الحسن بن أحمد بن الحسين الخواص المصيصي في مسجد باب الجابية، أنا أبو عبد الله محمد بن عمر الغلفي بجامع طرطوس، أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الهاشمي الرقي بالرملة، قال: دخلت في بلاد الهند إلى بعض قراها فرأيت شجرة ورد أسود، ينفتح عن وردة كبيرة طيبة الرائحة سوداء عليها مكتوب كما تدور بخط أبيض: لا إله إلّا الله محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الفاروق، قال: فشككت في ذلك وقلت: إنه عمل معمول، فعمدت إلى جنبذة لم تفتح ففتحتها، فكان فيها وردة سوداء، فيها مكتوب بخط أبيض كما رأيت في سائر الورود، قال: وفي البلد منه شيء عظيم، وأهل تلك القرية يعبدون الحجارة لا يعرفون الله عزّ وجلّ.(3/422)
[223- فصل: ذكر ما ظهر من الايات والدّلائل في نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم وما جاء في تكثيره وتصييره عذبا ببركته]
223- فصل: ذكر ما ظهر من الايات والدّلائل في نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم وما جاء في تكثيره وتصييره عذبا ببركته 1159- فمن ذلك: ما روى إبراهيم، عن علقمة قال: زلزلت الأرض على عهد عبد الله بن مسعود فقال: كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نرى الايات رحمة وأنتم ترونها عذابا، لقد نزلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم منزلا ليس فيه ماء.
فطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم إداوة فيها ماء، فوجد فضل إداوة فصبه في قدح، ثم وضع يده فيه فجعل الماء يتفجر من بين أصابعه، فنادى: حي على الطهور والبركة من الله عزّ وجلّ، فأقبل الناس فتوضئوا وشربوا، وجعلت لا هم لي إلّا ما أجعل في بطني، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: والبركة من الله عزّ وجلّ.
فقيل له: كم كنتم يومئذ؟ قال: خمس عشرة مائة.
قال: وكنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل.
(1159) قوله: «ما روى إبراهيم، عن علقمة» :
أخرجه البخاري في المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، رقم 3579، وخرجناه في شرح المسند الجامع للحافظ أبي محمد الدارمي تحت رقم 30، فيراجع هناك بقية تخريجه.(3/423)
1160- وعن عمران بن حصين قال: كنا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسرنا ذات ليلة، حتى إذا كان قرب السحر نزلنا فنمنا فما أيقظنا إلّا حر الشمس، فارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار غير بعيد، ثم نزل فدعا بوضوء، ثم نادى بالصلاة، فصلى بالناس، وإذا رجل معتزل لم يصل مع القوم، فقال له صلى الله عليه وسلم: ما منعك أن تصلي مع القوم؟ فقال: يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء، فقال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك.
ثم سار فشكى إليه الناس العطش، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا ورجلا آخر فقال: اذهبا وابغيا الماء، فانطلقا فلقيا امرأة بين سطيحتين- أو:
مزادتين- على بعير لها، فقالا لها: أين الماء؟ فقالت: عهدي بالماء أمس هذه الساعة، فقالا: انطلقي، قالت: إلى أين؟ قالا: إلى رسول الله، قالت: إلى هذا الذي يقال له الصابىء؟ قالا: هو الذي تعنين، فجاآ بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثاه بالحديث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استنزلوها من بعيرها، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء فأفرغ فيه من أفواه المزادتين- أو: السطيحتين- ثم أعاده في الإناء، ثم أعاده في أفواه المزادتين، ثم أطبق أفواههما، ثم نودي في الناس أن استقوا، وكان آخر ذلك أن أعطى ذلك الرجل الذي أصابته الجنابة إناء من ماء وقال: اذهب فأفرغه عليك، قال: وهي قائمة تنظر ما يفعل بمائها، (1160) قوله: «وعن عمران بن حصين» :
أخرجاه في الصحيحين، فأخرجه البخاري في التيمم، باب الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء، رقم 344، واختصره برقم 348.
وأخرجه في المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، برقم 3571، وأخرجه مسلم في المساجد، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيلها، رقم 682، وسيأتي في آيات إخباره صلى الله عليه وسلم بالحوادث والكوائن.(3/424)
وأيم الله لقد أقلع عنه حين أقلع وإنه ليخيل إليّ أنه أشد امتلاء منها حين ابتدأ فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجمعوا لها من عجوة وسويق ودقيق، حتى جعلوا لها طعاما في ثوب وحملوها على بعيرها فوضعوه بين يديها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: اعلمي والله ما رزأناك من مائك شيئا، ولكن الله سقانا، قال: فأتت أهلها وقد احتبست عنهم فقالوا لها: يا فلانة ما حبسك؟ قالت: العجب، لقيني رجلان فذهبا بي إلى هذا الفتى الذي يقال له الصابىء، ففعل بمائي كذا وكذا، فو الله إنه لأسحر ما بين هذه وهذه- تعني السماء والأرض-، أو إنه رسول الله حقّا.
قال: فكان المسلمون بعد ذلك يغيرون على من حولها من المشركين ولا يصيبون الصرم الذي هي منه، فقالت يوما لقومها: والله ما أرى أن هؤلاء القوم على عمد يدعونا، هل لكم في الإسلام؟ فطاوعوها، فجاؤا فدخلوا جميعا في الإسلام.
1161- وعن أنس بن مالك رضي الله عنهما قال: كانت المياه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قليلة، فكان إذا كان الصيف صلى الناس الظهر ثم خرجوا يتروحون، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الظهر، ثم خرجوا معه إلى مسجد قباء فمكث حتى إذا كان مع النداء أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت أم سلمة آتيه بوضوء فجئته بقدح- ثلثاه أو نصفه ماء-، فتوضأ، فلما فرغ من وضوءه فضل في القدح فضل، ثم رفع رأسه فإذا الناس قيام فقال: ما لهؤلاء؟ قال أنس: فقلت: يا رسول الله، إنهم لا يجدون ماء، (1161) قوله: «وعن أنس بن مالك» :
أخرجه بنحوه البيهقي في الدلائل [4/ 124] ، وأصله في الصحيحين من طرق بألفاظ عن أنس.(3/425)
قال: ادعهم، فدعوتهم فجاؤا، فأدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في القدح- في الفضلة التي فضلت من وضوءه-، فو الذي نفسي بيده ما منهم إنسان إلّا توضأ مما في كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفضل في القدح فضل فرجعت به إلى البيت، وذلك ببركته وبركة دعائه صلى الله عليه وسلم.
1162- وعن زياد بن الحارث الصدائي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته على الإسلام- وذكر حديثا طويلا- وقال فيه: يا رسول الله إن لنا بئرا إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها فاجتمعنا عليه، وإذا كان الصيف قل ماؤها وتفرقنا على ما حولها، وإنا لا نستطيع اليوم أن نتفرق، فكل من حولنا عدو لنا، فادع الله أن يسعنا ماؤها، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع حصيات (1162) قوله: «وعن زياد بن الحارث الصدائي» :
صحابي نزل مصر، له حديث طويل في قصة إسلامه أشار إليه المصنف وغيره ويأتي تخريجه.
قوله: «يا رسول الله إن لنا بئرا» :
أخرج الحديث في ترجمته جماعة، وذكروا قبله مما يتعلق بالباب، أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر حتى إذا طلع الفجر نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبرز، ثم انصرف إليّ وقد لا حق أصحابه فقال: هل من ماء يا أخا صداء؟
فقلت: لا، إلّا شيء قليل لا يكفيك، فقال صلى الله عليه وسلم: اجعله في إناء ثم ائتني به، ففعلت، فوضع كفه في الإناء، فقال الصدائي: فرأيت بين كل أصبعين من أصابعه عينا تفور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أخا صداء، لولا أنّي أستحيي من ربي عزّ وجلّ لسقينا واستقينا، ناد في أصحابي: من له حاجة في الماء ... الحديث.
أخرجه بطوله ضمن قصة إسلامه: الفسوي في المعرفة [2/ 495] ، والطبراني في معجمه الكبير [5/ 302] رقم 5285، وأبو نعيم في المعرفة [3/ 1206] رقم 3041، والبيهقي في الدلائل [5/ 355- 357] . -(3/426)
فحركهن في يده، وقال: إذا رأيتموها فألقوها فيها واحدة واحدة واذكروا اسم الله عليها، قال: فو الله ما استطاعوا أن ينظروا إلى قعرها بعد.
1163- ومنها: أنهم كانوا معه في سفر فشكوا أن لا ماء معهم وأنهم بعرض عطب وسبيل هلاك، فقال صلى الله عليه وسلم: كلا إنّ معي ربي عليه توكّلت، ثم دعا بركوة فيها ماء ما كان ليروي رجلا ضعيفا، فوضع يده عليها، فنبع الماء من بين أصابعه، وصاح في الناس، فشربوا وسقوا، ثم نهلوا وعللوا، وتداخلوا وهم ألوف وهو يقول: أشهد أني رسول الله حقّا.
- وروى الإمام أحمد في المسند منه، وكذا أصحاب السنن ما يتعلق بالأذان، وفيه: من أذن فهو يقيم.
وأخرج ما يتعلق منه بالباب: أبو نعيم في الدلائل برقم 321، والبيهقي كذلك [4/ 125] .
(1163) قوله: «أنهم كانوا معه في سفر» :
الظاهر أنه سفر غزوة تبوك، أخرجه مسلم بطوله من حديث أبي قتادة، وليس فيه التصريح بذلك، لكن أخرجه البيهقي ضمن ما وقع في غزوة تبوك من الدلائل، قال أبو قتادة: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم، وتأتون الماء إن شاء الله، غدا، فانطلق الناس لا يلوي أحد على أحد.
قال أبو قتادة: فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير حتى ابهارّ الليل وأنا إلى جنبه.
قال: فغمس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمال عن راحلته، فأتيته فدعمته، من غير أن أوقظه، حتى اعتدل على راحلته، قال: ثم سار حتى تهور الليل مال عن راحلته، قال: فدعمته من غير أن أوقظه، حتى اعتدل على راحلته، ثم قال: ثم سار حتى إذا كان من آخر السحر مال ميلة هي أشد من الميلتين الأوليين، حتى كاد ينجفل، فأتيته فدعمته، فرفع رأسه فقال: -(3/427)
.........
- من هذا؟ قلت: أبو قتادة، قال: متى كان هذا مسيرك مني؟ قلت: ما زال هذا مسيري منذ الليلة، قال: حفظك الله بما حفظت به نبيه، ثم قال: هل ترانا نخفى على الناس؟ ثم قال: هلّا ترى من أحد؟ قلت: هذا راكب، ثم قلت: هذا راكب آخر، حتى اجتمعنا فكنا سبعة ركب، قال فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطريق، فوضع رأسه، ثم قال: احفظوا علينا صلاتنا، فكان أول من استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم والشمس في ظهره، قال: فقمنا فزعين، ثم قال: اركبوا فركبنا فسرنا، حتى إذا ارتفعت الشمس نزل، ثم دعا بميضأة كانت معي فيها شيء من ماء، قال: فتوضأ منها وضوآ دون وضوء، قال: وبقي فيها شيء من ماء، ثم قال لأبي قتادة: احفظ علينا ميضأتك فسيكون لها نبأ، ثم أذن بلال بالصلاة، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، ثم صلى الغداة فصنع كما كان يصنع كل يوم، قال: وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وركبنا معه، قال: فجعل بعضنا يهمس إلى بعض: ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا؟ ثم قال: أما لكم فيّ أسوة؟، ثم قال:
أما إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى، فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها، ثم قال: ما ترون الناس صنعوا؟ قال:
ثم قال: أصبح الناس فقدوا نبيهم، فقال أبو بكر وعمر: رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدكم لم يكن ليخلفكم، وقال الناس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيديكم، فإن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا.
قال فانتهينا إلى الناس حين امتد النهار وحمي كل شيء وهم يقولون:
يا رسول الله! هلكنا، عطشنا، فقال: لا هلك عليكم، ثم قال: أطلقوا لي غمري، قال ودعا بالميضأة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب وأبو قتادة يسقيهم، فلم يعد أن رأى الناس ماء في الميضأة تكابوا عليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسنوا الملأ، كلكم سيروى، قال: ففعلوا، فجعل-(3/428)
1164- ومنها: أن قوما شكوا إليه ملوحة مائهم، وأنهم في جهد من الظمأ وبعد المناهل وأن لا قوة لهم على شربه، فجاء معهم في جماعة أصحابه، حتى إذا أشرف صلى الله عليه وسلم على بئرهم تفل فيها ثم انصرف، وكانت مع ملوحتها غائرة، فانفجرت بالماء العذب الزلال المعين.
قال أبو سعد رحمه الله: فها هي الان يتوارثها أهلها، يعدونها أعظم مكارمهم، وأسنى مفاخرهم، وإنهم لصادقون.
قال: وكان مما أكد الله به صدقه: أن قوم مسيلمة سألوه مثلها لما بلغهم ذلك، فأتى بئرا فتفل فيها فعادت ملحا أجاجا كبول الحمار، فهي بحالها إلى اليوم معروفة المكان.
- رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب وأسقيهم حتى ما بقي غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ثم صب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: اشرب، فقلت: لا أشرب حتى تشرب يا رسول الله! قال: إن ساقي القوم آخرهم شربا، قال: فشربت، وشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأتى الناس الماء جامين رواء.
(1164) قوله: «تفل فيها ثم انصرف» :
فيه: أن بركته صلى الله عليه وسلم وفضله وفضيلته كل ذلك غير مقتصر على أفعاله وأعماله المؤيدة إليها، بل يسري على ما احتواه جسده الشريف وما خرج من جوفه المنيف من بصاق، ونفث، وبول، وعرق، ودم، وحتى ما لامس جلده العفيف من ملبس وموضع جلوس أو شرب ونحوهما.
وسنورد هنا بعض ما جاء في الروايات المفيدة عن أثر بصاقه الشريف في استعذاب الماء وتكثيره:
فمن ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث إسرائيل، عن أبي إسحاق السبيعي عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: تعدون أنتم الفتح فتح مكة- وقد كان فتح مكة فتحا-؟ نحن نعد الفتح بيعة الرضوان-(3/429)
.........
- يوم الحديبية، كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة والحديبية بئر، فنزحناها فلم نترك فيها قطرة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاها فجلس على شفيرها، ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم مضمض ودعا ثم صبه فيها- يريد مجه، كما بينته رواية زهير عن أبي إسحاق قال: فبصق فدعا- ثم قال: دعوها ساعة، فأرووا أنفسهم وركابهم حتى ارتحلوا، لفظ الروايتين للبخاري في المغازي من صحيحه، باب غزوة الحديبية رقم 4150، 4151.
ورواه مسلم في الجهاد والسير، باب غزوة ذي قرد.
وغيرهما من حديث عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه فقال: إما بزق وإما دعا، ورواه عروة بن الزبير، عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة فقالا: فتوضأ في الدلو ومضمض فاه ثم مج به وأمر أن يصب في البئر، أخرجه ابن إسحاق في السير كما في سيرة ابن هشام [3/ 267] ، ومن طريقه البيهقي في الدلائل [4/ 112] .
وقال الزبير بن بكار: حدثني إبراهيم بن حمزة، عن إبراهيم بن نسطاس، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذي قرد على ماء يقال له بيسان، فسأل عنه، فقيل: اسمه يا رسول الله بيسان وهو مالح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، بل هو نعمان، وهو طيب، قال: فغير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه، فغيره الله تبارك وتعالى ببركته صلى الله عليه وسلم، فاشتراه طلحة بن عبيد الله ثم تصدق به، [الخصائص الكبرى 2/ 51، والإمتاع 5/ 144] .
قلت: بيسان موضعان: أحدهما بجهة خيبر من المدينة، أورد ياقوت فيه هذا الحديث، ثم نقل عن الزبير بن بكار راوي الحديث أنه قال: بيسان موضع معروف بأرض اليمامة، قال ياقوت: وبيسان أيضا مدينة بغور الأردن الشامي، يقال: هي لسان الأرض بين حوران وفلسطين، بها عين القلوس، يقال: إنها من الجنة، قال: وهي عين فيها ملوحة يسيرة. -(3/430)
.........
- نعم، وأخرج أبو نعيم في الدلائل [2/ 444] رقم 366، من حديث محمد بن عبد الله الأنصاري، عن أبيه، عن ثمامة، عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيطيل القيام، وإن النبي صلى الله عليه وسلم بال- كذا، ولعل الصواب: بصق- في بئر داره، قال: فلم يكن في المدينة بئر أعذب منها، قال: وكانوا إذا حضروا استعذب لهم منها، وكانت تسمى في الجاهلية البرود.
والبرود مواضع: منها موضع بين الجحفة وودان، ومنها البئر الذي بطرف حرة ليلى، ومنها موضع بين ملل وبين جبل جهينة.
وأخرج ابن سعد في الطبقات [1/ 505] ، من حديث سعد بن رقيش، والبيهقي في الدلائل [6/ 136] ، من حديث يحيى بن سعيد، كلاهما عن أنس، وهذا لفظ ابن سعد قال: جئنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهى إلى بئر غرس وإنه ليستقى منها على حمار، ثم نقوم عامة النهار ما نجد فيها ماء، فمضمض رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدلو وردّه فيه فجاشت بالرواء.
قال أبو عاصم: صارت هذه البئر بعد ببركة مجته بأبي هو وأمي عينا من عيون الجنة، أخرجه ابن سعد في الطبقات [1/ 504] ، من حديث ابن عمر وابن عباس، وقد علمت أن في كلا الإسنادين الواقدي، وهو ممن يخرج له في هذا الباب.
وأخرج ابن السكن- كما في الخصائص الكبرى للسيوطي [2/ 226]- عن همام بن نقيد السعدي قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت:
يا رسول الله حفر لنا بئر فخرجت مالحة، قال: فدفع إليّ إداوة فيها ماء فقال: «صبه فيها» ، قال: فصببته فعذبت، فهي أعذب ماء باليمن.
قال ابن سعد في الطبقات [1/ 503] : أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني سعيد بن أبي زيد، عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى قال: كنت قد طلبت البئار التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعذب منها، والتي برك فيها وبصق فيها، -(3/431)
1165- ومنها: أنه لما انصرف صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك قافلا إلى المدينة، وكان في الطريق ماء يخرج من وشل، ما يروي الراكب والراكبين والثلاث، بواد يقال له المشقّق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سبقنا إلى ذلك الواد فلا يستقين منه شيئا حتى نأتيه، قال: فسبقه نفر من المنافقين فاستقوا ما فيه، فلما أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف عليه فلم ير فيه شيئا فقال: «من سبقنا إلى هذا الماء؟ فقيل: فلان وفلان، قال: أو لم- قال: فكان يشرب من بئر بضاعة، وبصق فيها وبرك، وكان يشرب من بئر غرس بقباء وبرك فيها وقال: هي عين من عيون الجنة، وكان يشرب من العبيرة بئر بني أمية بن زيد، وقف صلى الله عليه وسلم على بئرها فبصق فيها وشرب منها ونزل وسأل عن اسمها: فقيل العبيرة، فسماه اليسيرة ... الحديث.
قال ابن سعد [1/ 505] : أخبرنا محمد بن عمر، حدثني أبي بن عباس بن سهل بن سعد، عن أبيه قال: سمعت عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم:
أبو أسيد وأبو حميد وأبي- سهل بن سعد- يقولون: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بئر بضاعة فتوضأ في الدلو وردّه في البئر، ومج في الدلو مرة أخرى، وبصق فيها وشرب من مائها، وكان إذا مرض المريض في عهده صلى الله عليه وسلم يقول: اغسلوه من ماء بضاعة، فيغسل فكأنما حل من عقال.
وقال ابن سعد [1/ 506] : أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا معمر- يعني:
ابن رشد-، عن الزهري، عن محمود بن الربيع: أنه يقفل- كذا، وصوابه: يعقل- مجة مجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدلو في بئر أنس، زاد أبو نعيم من طريق آخر عن ثمامة عن أنس قال: فلم يكن في المدينة بئر أعذب منها، وقد تقدمت.
(1165) قوله: «يخرج من وشل» :
الوشل بالتحريك: الماء القليل يتحلب من جبل أو صخرة يقطر قليلا قليلا، لا يكاد قطره يتصل.(3/432)
أنههم أن لا يستقوا منه شيئا حتى آتيه؟ قال: ثم لعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا عليهم، ثم نزل فوضع يده تحت الوشل، فجعل يصب في يديه ما شاء أن يصب، ثم نضحه به ومسحه بيده ودعا الله بما شاء أن يدعوه به، فانخرق من الماء- كما يقول من سمعه: أن له حسا كحس الصواعق-، فشرب الناس واستقوا حاجتهم منه، فقال صلى الله عليه وسلم: لئن بقيتم- أو: من بقي منكم- ليسمعن بهذا الوادي وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه، قيل: وهو اليوم كما قاله صلى الله عليه وسلم.
1166- ومنها: ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بعض أسفاره فأعوز عليهم الماء وظهر في القوم العطش، فبعث عليّا رضي الله عنه ورجلا آخر معه قوله: «ما بين يديه وما خلفه» :
هذه رواية ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام [2/ 527] ، ومن طريق ابن إسحاق أخرجها ابن جرير في تاريخه [3/ 109] .
وقد أخرجها مسلم في الفضائل من صحيحه من حديث مالك، عن أبي الزبير: أن أبا الطفيل عامر بن واثلة أخبره: أن معاذ بن جبل أخبره قال:
خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك فذكر نحوه وفي آخره: يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد ملىء جنانا.
وقد أخرجها البيهقي في الدلائل [5/ 236- 237] ، أيضا من حديث مالك وقال: وروينا زيادة ماء تلك العين بمضمضته الشريفة فيها عن عروة بن الزبير، وقال: هي كذلك حتى الساعة.
قلت: تقدم تخريجها في هذا الباب، وستأتي الإشارة إليها في الحديث بعده، وسيعيد المصنف القصة برقم: 1292.
(1166) قوله: «كان في بعض أسفاره» :
القصة في الصحيحين، تقدمت قريبا ليس فيها ذكر العبد.(3/433)
ليطلب لهم الماء، فوجد غلاما أسود- أو جارية سوداء- على رواية ماء، فقال: أجب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: تعني هذا الساحر الفاعل؟ فقال: هو الذي تعنيه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستعملوا ماءه، وملأوا سطائحهم وأوانيهم، وبقي الماء في الرواية كما هو، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يتكلفوا له بشيء، فحمل كل واحد إليه هدية من خبز وتمر وسويق ودراهم وكعك وغير ذلك، فاجتمع عنده شيء كثير فمسح النبي صلى الله عليه وسلم بيده على وجهه فابيض وجهه، فرجع إلى مواليه، وكان مواليه ينتظرونه، فلما رأوه من بعيد قالوا: الراوية راويتنا، والجمل جملنا والعبد ليس بعبدنا، فلما وصل إليهم أخبرهم بالقصة، فأسلموا وأسلم العبد معهم، والله أعلم بذلك.
1167- عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا: نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية على بئر ثمد قليل الماء في بضع عشرة مائة من أصحابه، فشكوا إليه العطش، فانتزع سهما من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، قال: فو الله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه.
(1167) قوله: «زمن الحديبية» :
بطولها أخرجها البخاري في الشروط، باب الشروط في الجهاد، رقم 2731، 2732، وأخرجها أيضا أبو داود والنسائي.
قال الواقدي في مغازيه [1/ 586- 587] : وقد روي أن جارية من الأنصار قالت لناجية بن جندب وهو في القليب:
يا أيها المائح دلوي دونكا ... إني رأيت الناس يحمدونكا
يثنون خيرا ويمجدونكا
فقال ناجية وهو في القليب:
قد علمت جارية يمانية ... إني أنا المائح واسمي ناجية
وطعنة مني رشاش واهية ... طعنتها تحت صدور العالية
-(3/434)
1168- وفي رواية: أنه ورد في غزاته هذه على ماء لا يبل حلق واحد، والقوم عطاش، فشكوا ذلك إليه صلى الله عليه وسلم فأخذ سهما من كنانته فدفعه إلى رجل من أصحابه ثم قال له: انزل فاغرزه في الركي، فنزل فغرزه ففار الماء حتى طفى إلى أعلى الركي، فارتوى القوم، للمقام والظعن، وهم ثلاثون ألفا، ورجال من المنافقين حضور الأبدان، غائبو العقول قد عاينوا ذلك.
- قال الواقدي: أنشدنيها رجل من ولد ناجية بن الأعجم، يقال له:
عبد الملك بن وهب الأسلمي، قال الواقدي: وحدثني موسى بن عبيدة، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه قال: الذي نزل بالسهم: ناجية بن جندب.
قال أبو عاصم: هكذا قال موسى بن عبيدة في روايته للقصة: ناجية بن جندب، أخرجها من طريقه: الواقدي في مغازيه عقب رواية المسور بن مخرمة [1/ 588] ، ابن أبي شيبة في المغازي من المصنف [14/ 452] رقم 18707، ومن طريق الحسن بن سفيان في مسنده- كما في الإصابة- ومن طريق الحسن بن سفيان: أبو نعيم في المعرفة [5/ 2698] رقم 6453، والطبراني في معجمه [2/ 193] رقم 1727، ومن طريقه أبو نعيم في الدلائل [2/ 410] رقم 319.
قال الحافظ في الإصابة: وقد وقع لنا بعلو في المعرفة لابن منده، وكذا أخرجه ابن السكن. اهـ.
(1168) قوله: «ورجال من المنافقين حضور الأبدان» :
قال الواقدي: وعلى الماء يومئذ نفر من المنافقين: الجد بن قيس، وأوس، وعبد الله بن أبي رهم جلوس ينظرون إلى الماء والبئر تجيش بالرواء وهم جلوس على شفيرها، فقال أوس بن خولي: ويحك يا أبا الحباب! أما آن لك أن تبصر ما أنت عليه؟ أبعد هذا شيء؟ وردنا-(3/435)
1169- ومن ذلك ما روت خليلة قالت: قلنا يا رسول الله إنا حفرنا ركية فإذا فيها دواب وهوام، فدفع إلينا النبي صلى الله عليه وسلم إداوة من ماء فقال: صبوها فيها، فصبت فيها فمتن، وذهبن كلهن.
1170- ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يمج في القدح والدلو والكوز فيجدون لذلك ريحا أطيب من المسك.
- بئرا يتبرض ماؤها، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدلو ومضمض فاه في الدلو، ثم أفرغ الدلو فيها، ونزل بالسهم فحثحثها فجاشت بالرواء، قال:
يقول ابن أبي: قد رأيت مثل هذا، فقال أوس: قبحك الله وقبح رأيك..
الحديث.
(1169) قوله: «وذهبن كلهن» :
لم أقف عليه فيما لدي من المصادر، وخليلة هذه لم أر من ذكرها في الصحابة، والله أعلم.
(1170) قوله: «فيجدون لذلك ريحا أطيب من المسك» :
أخرج الإمام أحمد في المسند [4/ 315، 316، 318] ، والحميدي في مسنده برقم 886، وابن ماجه في الطهارة، باب المج في الإناء رقم 659، والطبراني في معجمه الكبير [22/ 51] رقم 119، والبيهقي في دلائل النبوة [6/ 69] ، أبو القاسم الأصبهاني في الدلائل برقم 6، جمعيهم من حديث وائل بن حجر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بدلو من ماء فشرب، ثم مج في الدلو، ثم صب في البئر ففاح منها ريح المسك.
وفي رواية للطبراني [22/ 51] رقم 120، أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم أتي بدلو فتوضأ منه فمضمض، ثم مج فيه المسك أو أطيب من المسك واستنثر خارجه، في إسناده انقطاع.(3/436)
[224- فصل: ذكر ما ظهر من الايات والدّلائل في تكثيره صلى الله عليه وسلم الطّعام وإطعامه الالاف من النّاس بالشّيء اليسير]
224- فصل: ذكر ما ظهر من الايات والدّلائل في تكثيره صلى الله عليه وسلم الطّعام وإطعامه الالاف من النّاس بالشّيء اليسير 1171- ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم أتى امرأة من العرب يقال لها: أم شريك، اعتنت في قراه وإلطافه، فأخرجت عكة لها فيها أوضار السمن، فالتمست ما فيها فلم تجد شيئا، فأخذها صلى الله عليه وسلم فحركها بيده فامتلأت سمنا (1171) قوله: «يقال لها: أم شريك» :
قال ابن سعد: اسمها غزية بنت جابر بن حكيم الدوسية، من الأزد، روي أنها هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فزوجها زيدا.
وروي أيضا أنها لما وفدت على النبي صلى الله عليه وسلم وقصت قصتها الاتية أرادها النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه فتصاغرت نفسها، وقالت: بل زوجني من شئت، فزوجها زيد.
وروي أيضا أنها التي نزل فيها قوله تعالى: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ الاية، والله أعلم.
قصة هجرتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبتها لليهودي الذي زعم أنه يوصلها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وما لاقت منه في سفرها، أخرجها ابن سعد في الطبقات [8/ 157] ، والبيهقي في الدلائل [6/ 123] بطولها، وابن إسحاق في سيرته [/ 284- 285] .
وقد ضمنوها أيضا قصة العكة، لم أوردها لطولها، وقد رويت منفصلة بإسناد آخر.
فقال ابن سعد بعد إيراده هذه القصة الطويلة: أخبرنا عارم، ثنا حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد قال: هاجرت أم شريك الدوسية، فصحبت-(3/437)
سائلا عذبا، وهي تعالجها قبل ذلك لا يبضّ منها شيء، فأنهلت القوم، وأبقت فضلا كافيا، وأبقى لها صلى الله عليه وسلم شرفا يتوارثه الأعقاب.
1172- وفي رواية: أن امرأة كانت تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم العكة من العسل، فأهدت إليه مرة عكة ثم استرجعت الإناء، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برد العكة عليها، فأخذتها ووضعتها في بيتها، فدخلت البيت فوجدت- يهوديا في الطريق فأمست صائمة، فقال اليهودي لامرأته: لئن سقيتها لأفعلن، فباتت كذلك حتى إذا كان في آخر الليل إذا على صدرها دلو موضوع وصفن فشربت، ثم بعثتهم للدلجة، فقال اليهودي: إني لأسمع صوت امرأة، لقد شربت؟ فقالت: لا والله إن سقيتني.
قال: وكانت لها عكة تعيرها من أتاها، فاستامها رجل فقالت: ما فيها ربّ، فنفختها فعلقتها في الشمس فإذا هي مملوءة سمنا، قال: فكان يقال: ومن آيات الله عكة أم شريك، قال: والصفن: مثل الجراب والمزود، مرسل برجال الصحيح
قال ابن سعد: أخبرنا أبو بكر بن عبد الرحمن، ثنا عيسى بن المختار، عن محمد ابن أبي ليلى، عن أبي الزبير، عن جابر، عن أم شريك أنها كانت عندها عكة تهدي فيها سمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فطلبها صبيانها ذات يوم سمنا فلم يكن، فقامت إلى العكة لتنظر فإذا هي تسيل، قال:
فصبت لهم منه فأكلوا منه حينا، ثم ذهبت تنظر ما بقي فصببته كله ففني، ثم أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها: أصببته؟ أما إنك لو لم تصبيه لقام لك زمانا.
(1172) قوله: «أن امرأة كانت تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم» :
أخرج الطبراني في معجمه الكبير [25/ 151] رقم 363 قريبا منه، وسمى المرأة أم أوس البهزية، قالت: سليت سمنا لي فجعلته في عكة وأهديته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقبله وترك في العكة قليلا، ونفخ فيها ودعا بالبركة ثم قال: ردوا-(3/438)
العكة ملاى فقالت: يا رسول الله ما لك رددت عليّ العسل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لم نرده عليك، ولكن الله أراد أن يبارك لك فيه.
قال: فما زالت المرأة تتأدم وأهل بيتها من ذلك العسل حتى أفرغته في إناء آخر ففني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنك لو لم تفرغيه لأكلتم منه ما بقيت الدنيا.
1173- وفي رواية أيضا: أن بعض العجائز أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم والتمست منه عسلا، فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم قصعة فيها عسل، فكانت تحمل من ذلك الشيء بعد الشيء ولم يكن يفنى ذلك، حتى إذا كان يوما- عليها عكتها، فردوها عليها وهي مملوءة سمنا، فظنت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبلها، فجاءت ولها صراخ، قالت: يا رسول الله، إنما سليته لك لتأكله، فعلم صلى الله عليه وسلم أنه قد استجيب له فقال: اذهبوا فقولوا لها فلتأكل سمنها، وتدعو بالبركة، قال: فأكلت بقية عمر النبي صلى الله عليه وسلم وولاية أبي بكر وولاية عمر وولاية عثمان حتى كان من أمر علي ومعاوية ما كان.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد [8/ 310] : عصمة بن سليمان لم أعرفه، وبقية رجاله وثقوا. اهـ.
قلت: تابعه علي بن نجيح القطان عند البيهقي في الدلائل [6/ 114] شيخ للعباس الدوري، أيضا لم أره في الأسماء.
(1173) قوله: «وفي رواية أيضا» :
أخرج مسلم في الفضائل برقم 2280، من حديث جابر: أن أم مالك كانت تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم في عكة لها سمنا، فيأتيها بنوها فيسألون الأدم وليس عندهم شيء، فتعمد إلى الذي كانت تهدي فيه للنبي صلى الله عليه وسلم فتجد فيه سمنا، فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرته، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
عصرتيها؟، قالت: نعم، قال: لو تركتيها ما زال قائما، أخرجه البيهقي أيضا في الدلائل [6/ 114] . -(3/439)
من الأيام حولت ما كان في القصعة إلى إناء آخر ففني سريعا، فجاءت المرأة وذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: لأن الأول كان من صنع الله، والثاني كان من فعلك.
- وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف [11/ 494] رقم 11809، ومن طريقه ابن أبي عاصم في الاحاد والمثاني [6/ 177] رقم 3405، والطبراني في معجمه الكبير [25/ 145] رقم 351، وأبو نعيم في الدلائل برقم 500، وفي المعرفة برقم 8044، 8045، وأبو القاسم الأصبهاني في الدلائل برقم 15: عن أم مالك الأنصارية أنها جاءت بعكة سمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فعصرها، ثم دفعها إليه، فرجعت فإذا هي ممتلئة، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: نزل فيّ شيء يا رسول الله؟ قال: وما ذاك؟ قالت: لم رددت عليّ هديتي؟ فدعا بلالا فسأله عن ذلك فقال: والذي بعثك بالحق لقد عصرتها حتى استحييت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هنيئا لك يا أم مالك، هذه بركة عجل الله ثوابها، ثم علمها في دبر كل صلاة: سبحان الله عشرا، والحمد لله عشرا، والله أكبر عشرا، لفظ الطبراني.
أخرج أبو يعلى- واللفظ له-[7/ 17- 218] رقم 4213، والطبراني في معجمه الكبير [25/ 120] رقم 293، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم [/ 206] ، أبو نعيم في الدلائل برقم 499، وأبو القاسم الأصبهاني كذلك برقم 14، والبغوي في الأنوار [1/ 119] رقم 129، جميعهم من حديث محمد ابن زياد البرجمي- مجهول-، عن أبي ظلال- ضعيف-، عن أنس، عن أمه: أنها كانت لها شاة فجمعت من سمنها في عكة، فملأت العكة ثم بعثت لها مع ربيبة- وفي رواية غيره: زينب- فقالت: يا ربيبة أبلغي هذه العكة رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتدم بها، فانطلقت بها ربيبة حتى أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله هذه عكة سمن بعثت بها إليك أم سليم، قال: فرّغوا لها عكتها، ففرّغت العكة، فدفعت إليها، فانطلقت بها فجاءت أم سليم فرأت العكة ممتلئة تقطر، فقالت أم سليم: يا ربيبة أليس أمرتك أن تنطلقي-(3/440)
1174- ومنها: أن أصحابه أرملوا يوم الأحزاب وضاقت بهم الحال، وركبهم الجهد، وصاروا بعرض العطب لفناء الأزواد، فدعاه داع من أصحابه فانجفل القوم معه، فدخل وليس بحضرة القوم إلّا قوت- بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: قد فعلت، فإن لم تصدقيني فانطلقي فسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فانطلقت أم سليم ومعها ربيبة فقالت: يا رسول الله إني بعثت إليك معها بعكة فيها سمن، قال: قد فعلت، قد جاءت بها، فقالت: والذي بعثك بالهدى ودين الحق إنها لممتلئة تقطر سمنا! قال: فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أتعجبين أن كان الله أطعمك كما أطعمت نبيه؟ كلي وأطعمي، قالت:
فجئت البيت فقسمت في قعب لنا كذا وكذا، وتركت فيها ما ائتدمنا منه شهرا أو شهرين.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد [8/ 309] : فيه محمد بن زياد البرجمي- وهو اليشكري- وهو كذاب. اهـ.
قلت: كذا جمع بين البرجمي واليشكري وفيه نظر، وكأنه تبع في ذلك البوصيري حيث قال في إتحاف الخيرة [9/ 158] : هذا إسناد ضعيف، محمد بن زياد اليشكري كذاب.
وقد فرق بينهما المزي- كما يعلم من تهذيبه، حيث ذكرهما في شيوخ شيبان، وقد فرق بينهما الذهبي في ميزانه فقال في البرجمي تبعا لأبي حاتم: مجهول، وعليه ففي إسناد الحديث مجهول وضعيف.
وتقدم قريبا حديث أبي الزبير، عن جابر، عن أم شريك في قصة العكة أيضا نحو ما تقدم.
(1174) قوله: «فدعاه داع من أصحابه» :
هو جابر بن عبد الله الأنصاري، والقصة بطولها في مسند الحافظ أبي محمد الدارمي بسياق في غاية الحسن، خرجناها في شرحنا له تحت رقم 44- فتح المنان.(3/441)
رجل واحد أو رجلين ...
فقال رسول الله: غطوا إناءكم، ثم برّك عليه، وقدمه والقوم ألوف، كل رجل منهم أكل أضعافها، ثم صدروا كأن لم يشبعوا قط شبعا، والطعام بكليته لم يفقدوا منه شيئا.
1175- ومنها: ما رواه عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت:
توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان عندي إلّا قليل شعير، فأكلت منه حتى طال عليّ ولا يفنى، فكلته ففني، فليتني لم أكن كلته.
1176- ومنها: ما روي عن أبي العالية، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
أتينا النبي صلى الله عليه وسلم بتميرات فقلت: ادع الله بالبركة يا رسول الله، قال:
فوضعهن في يده ثم دعا بالبركة، ثم قال: خذه يا أبا هريرة فأعده في مزودتك، فإذا أردت أن تأخذ منه شيئا فأدخل يدك، ولا تكبه ولا تنثره، قال: فلم يزل يأكل منه ويطعم، وكان على حقوي لا يفارقني، فلما قتل عثمان سقط فذهب وكنت في شغل.
(1175) قوله: «فليتني لم أكن كلته» :
أخرجاه في الصحيحين: أخرجه البخاري في فرض الخمس برقم 3097، ومسلم في الزهد برقم 2973.
(1176) قوله: «ما روي عن أبي العالية، عن أبي هريرة» :
أخرجه الإمام أحمد في مسنده [2/ 352] ، والترمذي في المناقب برقم 3839 وقال: حسن غريب، وابن راهويه في مسنده برقم 3، وأبو نعيم برقم 341، والبيهقي كلاهما في الدلائل [6/ 109] ، وابن عدي في الكامل [6/ 2452] ، وابن سعد في الطبقات- كما في الخصائص [2/ 240]-، جميعهم من طرق، عن مهاجر بن مخلد- ممن يعتبر به-، عن أبي العالية به، وانظر ما بعده.(3/442)
1177- وعن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فأصابهم عوز من طعام فقال: عندك شيء يا أبا هريرة؟، قلت: شيء من تمر في مزود لي، قال: جىء به فجئت بالمزود فقال: هات بنطعك، فجئت بالنطع فبسطته، فأدخل يده فقبض على التمر فإذا هو إحدى وعشرون تمرة، ثم قال: بسم الله، وجعل يضع كل تمرة ويسمي حتى أتى على التمر، فقال به هكذا- فجمعه-، فقال:
ادع فلانا وأصحابه، فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا، ثم قال: ادع فلانا وأصحابه فأكلوا وشبعوا وخرجوا، ثم قال: ادع فلانا وأصحابه، فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا، وفضل تمر، فقال لي: اقعد، فقعدت فأكل وأكلت، (1177) قوله: «وعن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة» :
أخرجه البيهقي أيضا [6/ 110] ، وأبو نعيم فيما ذكره السيوطي في الخصائص [2/ 241] .
وأخرج البيهقي في الدلائل [6/ 110- 111] ، وأبو نعيم برقم 342 وأبو القاسم الأصبهاني في الدلائل برقم 140، والذهبي في السير [2/ 630- 631] ، من طريق أبي منصور، عن أبي هريرة قال: أصبت بثلاث مصائب في الإسلام لم أصب مثلهن: بموت النبي صلى الله عليه وسلم وكنت صويحبه، وقتل عثمان، والمزود، قالوا: وما المزود يا أبا هريرة؟ قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقال: يا أبا هريرة، أمعك شيء؟ قال: قلت تمرا، في مزود معي، قال: جىء به، فأخرجت منه تمرا، فأتيته، قال: فمسّه، فدعا فيه ثم قال: ادع عشرة، فدعوت عشرة فأكلوا حتى شبعوا، ثم كذلك، حتى أكل الجيش كله وبقي من تمر المزود، قال: يا أبا هريرة إذا أردت أن تأخذ منه شيئا فأدخل يدك ولا تكبه، قال: فأكلت منه حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وأكلت منه حياة أبي بكر كلها، وأكلت منه حياة عمر كلها، وأكلت منه حياة عثمان كلها، فلما قتل عثمان انتهب ما في بيتي، وانتهب المزود، ألا أخبركم؟ أكلت أكلت منه أكثر من مائتي وسق. -(3/443)
وفضل تمر، فأخذه وأدخله في المزود فقال: يا أبا هريرة إذا أردت شيئا فأدخل يدك فخذ ولا تكفأ فيكفأ عليك، قال: فما كنت أريد تمرا إلّا أدخلت يدي فأخذت منه خمسين وسقا في سبيل الله وكان مغلقا خلف راحلتي، فوقع في زمان عثمان بن عفان رضي الله عنه فذهب.
1178- ومنها: ما روي عن جابر: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه فأطعمه وسق شعير، فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم.
1179- ومنها: ما رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجمع له بني عبد المطلب- أو كما ذكر في الحديث- قال:
لما نزل قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ الاية، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال الحافظ الذهبي في السير: تفرد به سهل بن أسلم العدوي عن يزيد بن أبي منصور، وهو صالح إن شاء الله.
وأخرجه الإمام أحمد في المسند [32412] ، وابن راهويه برقم 46، 47 من حديث إسماعيل، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي هريرة.
فهذه طرق يجود بعضها بعضا.
(1178) قوله: «ولقام لكم» :
أخرجه مسلم في الفضائل برقم 2281، والبزار في مسنده [3/ 139 كشف الأستار] رقم 242، والبيهقي في الدلائل [6/ 114] ، جميعهم من طرق عن أبي الزبير عن جابر.
(1179) قوله: «لما نزل قوله تعالى وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ الاية» :
أخرج الإمام أحمد في المسند [1/ 159] من حديث أبي صادق الأزدي، عن ربيعة بن ناجذ، عن علي رضي الله عنه قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم- أو: قال-(3/444)
ثلاثين رجلا من أهل بيته على فخذ شاة وقعب من لبن، فأكلوا حتى شبعوا، وشربوا حتى رووا، ثم قال صلى الله عليه وسلم: علي بن أبي طالب يقضي ديني وينجز موعدي، فكان يقعد منهم عشرة عشرة.
قال أبو سعد: وكان الطعام في رأي العين لا يكفي لعشرة نفر فما دونهم، فطعموا منه حتى شبعوا كلهم وفضل عنهم ما كفى غيرهم.
1180- ومنها: ما رواه أنس بن مالك قال: اتخذت أمي حيسا وبعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن يطعم منه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لأصحابه: قوموا بنا، قال: فلما رأت أمي الجماعة، قالت: يا رسول الله- رسول الله صلى الله عليه وسلم- بني عبد المطلب فيهم رهط كلهم يأكل الجذعة ويشرب الفرق، قال: فصنع لهم مدا من طعام فأكلوا حتى شبعوا، قال: وبقي الطعام كما هو كأنه لم يمس، ثم دعا بغمر فشربوا حتى رووا وبقي الشراب كأنه لم يمس أو: لم يشرب، فقال: يا بني عبد المطلب إني بعثت لكم خاص وإلى الناس عامة، وقد رأيتم من هذه الاية ما رأيتم..
الحديث، رجاله ثقات كما في مجمع الزوائد [8/ 303] .
وأخرجه ابن إسحاق في سيرته [/ 145] ومن طريق البيهقي في الدلائل [2/ 179] عمن حدثه عن عبد الله بن الحارث بن نوفل- واستكتمه اسمه- عن ابن عباس، عن علي بن أبي طالب قال: لما نزلت هذه الاية على رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) الاية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عرفت أني إن بادأت بها قومي رأيت منهم ما أكره فصمت عليها، فجاءني جبريل فقال: يا محمد إنك إن لم تفعل ما أمرك ربك تعالى عذبك ربك، فاصنع لنا يا علي رجل شاة على صاع من طعام، وأعد لنا عس لبن، ثم اجمع بني عبد المطلب.
قال: ففعلت، فاجتمعوا له، وهم يومئذ أربعون رجلا أو ينقصون، فيهم أعمامه: أبو طالب، وحمزة، والعباس، وأبو لهب الكافر الخبيث، -(3/445)
إنما أعددت لك شيئا مقدار ما تأكله وحدك، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة، وقال: ادخلوا عشرة عشرة، وكانوا يأكلون ويشبعون ويخرجون، - فقدمت إليهم الجفنة، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خديه فشقها بأسنانه، ثم رمى بها في نواحيها، ثم قال: كلوا بسم الله، فأكل القوم حتى نهلوا عنه فما رؤي إلّا آثار أصابعهم، وو الله إن كان الرجل منهم ليأكل مثلها، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسقهم يا علي، فجئت بذلك العقب فشربوا حتى نهلوا جميعا، وأيم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله ... الحديث.
وقد رواه ابن أبي حاتم في تفسيره [9/ 2826] رقم 16015 من حديث الأعمش، عن المنهال بن عمرو- في المطبوع: عن الأعمش بن عمرو-، عن عبد الله بن الحارث قال: قال علي: لما نزلت هذه الاية ... الحديث، خالفه عبد الغفار بن القاسم وهو ضعيف فقال: عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث عن ابن عباس، عن علي، أخرجه ابن جرير في تفسيره [19/ 121] ، وأبو نعيم في الدلائل برقم 331، والبزار في مسنده [3/ 137] رقم 2417، وزعم أحمد بن عبد الجبار فيما حكاه البيهقي أنه بلغه أن ابن إسحاق إنما سمعه من عبد الغفار عن المنهال بن عمرو وهو وإن كان الأمر يحتمله فيقال: ولضعفه أبهمه ابن إسحاق، غير أن الذي سمع منه ابن إسحاق يروي عن عبد الله بن الحارث مباشرة، كما قال ابن إسحاق:
حدثني من سمع عبد الله بن الحارث وبين عبد الغفار وعبد الله بن الحرث المنهال بن عمرو، فيبقى في قول أحمد بن عبد الجبار نظر، والله أعلم.
وخالف شريك أصحاب الأعمش فقال عنه، عن المنهال، عن عباد بن عبد الله، عن علي ... أخرجه الطبراني في الأوسط [6/ 172 مجمع البحرين] رقم 3546، والبزار في مسنده [3/ 138 كشف الأستار] رقم 2418، ولم يسق المتن، وعلقه البيهقي في الدلائل [2/ 180] ، قال البزار: هكذا قال شريك.
قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير شريك وهو ثقة! كذا قال.(3/446)
وأكلنا معهم وشبعنا.
1181- وروي أن أبا طلحة قال لأم سليم: لقد سمعت صوت النبي صلى الله عليه وسلم ضعيفا، أعرف فيه الجوع: فهل من عندك من شيء؟ قالت:
نعم، فأخرجت أقراصا من شعير، فلفّه في خمار ثم أرسلت أنسا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أنس: فذهبت فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد والناس حوله، قال: أرسلك أبو طلحة؟ قلت: نعم، قال: يدعوني إلى الطعام؟ قلت: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته، فقال أبو طلحة لأم سليم: قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس، وليس عندنا من الطعام ما نطعمهم، فقالت:
الله ورسوله أعلم، فانطلق حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه حتى دخلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أم سليم هلمي ما عندك، فجاءت بذلك الخبز، وعصرت عكة لها فأدمته، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائذن لعشرة، فأذنت لهم، فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، قوله: «وأكلنا معهم وشبعنا» :
الحديث مختصر، وهو بطوله في الذي بعده، أخرجاه في الصحيحين من طرق عن أنس، خرجنا منها طريق ابن أبي ليلى عند الإمام أحمد ومسلم وأبي محمد الدارمي في فتح المنان تحت رقم 45، وخرجنا تحته أيضا حديث مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة المخرج في الصحيحين.
(1181) قوله: «وروي أن أبا طلحة» :
اسمه زيد بن سهيل الأنصاري، النجاري، بدري، عقبي، وكان أحد النقباء، يقال: عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنة، وقيل: بل نيفا وعشرين سنة.(3/447)
ثم قال: ائذن لعشرة، فأذنت لهم، فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، فأكل عشرة عشرة.
وسئل أنس: كم كانوا؟ قال: تسعون أو ثمانون.
1182- ومنها: أنه اجتمع عنده فقراء أصحابه وأهل الخصاصة في غزوة تبوك، فشكوا من المعاش ضيقا، ومن حالهم كللا، فدعا صلى الله عليه وسلم بفضلة زاد لهم، فلم يوجد لهم إلّا بضع عشرة تمرة، فطرحت بين يديه، وانجفل القوم، فوضع يده عليها، وقال: كلوا بسم الله، فأكلوا حتى شبعوا وهي بحالها يرونها عيانا.
1183- ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم أتى يوم الخندق بقبضتين من تمر فأمر فصب بين يديه، ونادى مناديه في الجيش، فأكلوا وشبعوا.
قوله: «تسعون أو ثمانون» :
في رواية: أنهم كانوا نيفا وثمانين، أخرجاه في الصحيحين من طرق عن مالك، وأخرجه أبو محمد الدارمي في مسنده، وخرجناه هناك تحت رقم 45- فتح المنان-.
(1182) قوله: «فدعا صلى الله عليه وسلم بفضلة زاد لهم» :
ستأتي القصة بعد حديث.
(1183) قوله: «بقبضتين من تمر» :
أخرج ابن إسحاق في سيرته [3/ 172 بن هشام] ، من طريقه البيهقي في الدلائل [3/ 427] ، أبو نعيم كذلك برقم 431، وأبو القاسم الأصبهاني في الدلائل برقم 286 من حديث سعيد بن ميناء، عن ابنة بشير بن سعد قالت:
بعثتني أمي بتمر في طرف ثوبي إلى أبي وخالي وهم يحفرون الخندق، فمررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فناداني فأتيته، فأخذ التمر مني في كفيه وبسط ثوبا فنثره عليه فتساقط في جوانبه، ثم أهل بأهل الخندق فاجتمعوا وأكلوا-(3/448)
1184- وروى أبو صالح، عن أبي هريرة قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع فقال: اجمعوا زادكم، فجعل الرجل يجيء بالحفنة من التمر والحفنة من السويق، وطرحوا الأنطاع والأكسية، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده عليها ثم قال: كلوا، فأكلنا حتى شبعنا، وأخذنا في مزاودنا، ثم قال: أشهد أن لا إله إلّا الله وأني رسول الله، من جاء بها غير شاك فيها لم يحجب عن الجنة.
1185- وفي رواية: فأصابهم فيها شدة حتى هموا بنحر ظهورهم، ثم إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا رسول الله لو أنك أمرت الناس فجمعوا أزوادهم، فدعوت فيها بالبركة رجوت أن يبلغهم الله بها، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمعوا أزوادهم، فجمعوه على نطع- وكان شيئا تافها- فدعا فيها بالبركة، ثم أمرهم أن يأتوه رسلا، لا يتأخر بعضهم عن بعض، من غير مزاحمة، فاحتملوا من الزاد ما أرادوا وفضل فضلا وقالوا: والذي أكرمك بما أعطاك، ما ندري أهو الان أكثر أم حين أوتي- منه حتى صدروا عنه، وفي رواية أبي نعيم: فجعلوا يأكلون منه وهو يزيد حتى صدر أهل الخندق وإنه ليسقط من أطراف الثوب.
(1184) قوله: «وروى أبو صالح، عن أبي هريرة» :
أخرجه مسلم في الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا، قال: لما كان غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة، قالوا: يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنا فأكلنا وادّهنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افعلوا، فجاء عمر ... القصة التي سيوردها المصنف في السياق التالي، أخرجها مسلم بالشك من الأعمش عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد، وروي عن الأعمش أيضا من غير شك من حديث أبي هريرة.(3/449)
به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أني رسول الله من جاء بها غير شاك بها وجبت له الجنة.
1186- قال ثابت البناني: سألت أنس بن مالك فقلت: أخبرني بأعجب شيء رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: نعم يا ثابت، خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فلم يعير عليّ شيئا أسأت فيه، وإنه لما تزوج بزينب بنت جحش قالت لي أمي: يا أنس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح عروسا ولا أرى أحدا أصلح له الغداء، هلم تلك العكة وتمرا قدر مد بقي، فجعلت له حيسا، فقالت: يا أنس اذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وامرأته، فلما أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بتور من حجارة فيه ذلك الحيس قال:
ضعه في ناحية واذهب فادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وعليا ونفرا من أصحابه- رضوان الله عليهم أجمعين-، ثم ادع لي أهل المسجد ومن رأيت في الطريق، فجعلت أتعجب من قلة الطعام ومن كثرة من يأمرني أن أدعو من الناس، وكرهت أن أعصيه، حتى امتلأ البيت والحجرة، فقال: يا أنس هل ترى من أحد؟ فقلت: لا يا نبي الله، قال: هلم ذلك التور، فجئت به ووضعته قدامه، فغمس ثلاث أصابع في التور ودعا بالبركة، فجعل يربو ويرتفع، فأكلوا حتى فرغوا وبقي في التور نحو ما جئت به، فقال: احمل وضعه قدام زينب، فوضعته قدامها، وخرجت وأصفدت عليها بابا من جريد، قال ثابت: فقلت: يا أبا حمزة كم ترى كانوا؟ قال: نحوا من سبعين.
قوله: «نحوا من سبعين» :
وفي رواية لمسلم من طريق الجعد أبي عثمان: زهاء ثلاثمائة.
والحديث أخرجه الشيخان دون سؤال ثابت في أوله، رواه البخاري في-(3/450)
1187- وعن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين ومائة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل مع أحد طعام؟ فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه، فعجن، ثم جاء رجل بغنم يسوقها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبيع أم هبة؟ قال: بل بيع، فاشترى منه شاة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسواد بطنها أن يشوى، قال: وايم الله ما من الثلاثين والمائة إلّا وقد أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من سواد بطنها، إن كان شاهدا أعطاه، وإن كان غائبا خبأ له، قال: وجعل منها قصعتين، فأكلنا أجمعين وشبعنا، وفضل في القصعتين فحملتا على البعير.
1188- وعن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما وقال لي:
ادع أصحابك- يعني: أصحاب الصفة-، فجعلت أتتبعهم رجلا رجلا وأوقظهم حتى جمعتهم، وجئنا باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنا فأذن لنا، قال أبو هريرة: ووضعت بين أيدينا صحفة فيها ثريد من شعير، قال: - مواضع كثيرة مطولا ومختصرا من طرق، والحديث أخرجاه في الصحيحين دون أوله وهو سؤال ثابت عن أنس، أخرجه البخاري في غير موضع من صحيحه مطولا ومختصرا، منها في التفسير، باب قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ الاية، رقم 4791 (انظر بقية أطرافه في هذا الموضع) .
وأخرجه مسلم في النكاح، باب زواج زينب بنت جحش، رقم 1428 (89، 90، 91، 92، 93، 94، 95) ، وانظره بطوله- وفيه سؤال ثابت- عند أبي نعيم في الدلائل برقم 330.
(1187) قوله: «عبد الرحمن بن أبي بكر» :
الصديق، أخرج حديثه الشيخان، فأخرجه البخاري في البيوع، وفي الهبة، وفي الأطعمة، وأخرجه مسلم في الأطعمة.(3/451)
فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده وقال: خذوا بسم الله، فأكلنا وشبعنا ثم رفعنا أيدينا، فقيل لأبي هريرة: كم كانت الصحفة حين فرغتم؟ قال: مثلها حين وضعت، إلّا أن فيها أثر الأصابع.
1189- وروى واثلة بن الأسقع قال: كنت أنا من أصحاب الصفة، قوله: «فأكلنا وشبعنا» :
وفيه قصة، قال أبو هريرة: أخطأني العشاء ذات ليلة مع النبي وأخطأني أن يدعوني أحد من إخواننا، فصلينا العشاء ثم أردت أن أنام فلم أقدر، وأردت أن أصلي فلم أقدر، فإذا رجل عند حجرة النبي فأتيته فإذا هو رسول الله يصلي، فصلى ثم استند إلى السارية التي كان يصلي إليها فقال: من هذا؟ أبو هر؟، قلت: نعم، قال: أخطأك العشاء معنا الليلة؟ قلت: نعم، قال: انطلق إلى المنزل فقل: هلموا الطعام الذي عندكم، فأعطوني صحفة فيها عصيدة بتمر فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فوضعتها بين يديه، فقال لي: ادع لي أهل المسجد، فقلت في نفسي: الويل لي مما أرى من قلة الطعام، والويل لي من العصيدة ... الحديث، لفظ الطبراني.
قوله: «مثلها حين وضعت» :
أخرجه الطبراني في معجمه الأوسط [8/ 188] رقم 7383، قال الهيثمي في مجمع الزوائد [8/ 308] : رجاله ثقات.
وعزاه السيوطي في الخصائص [2/ 235] لابن أبي شيبة وابن سعد، وأبي نعيم.
(1189) قوله: «وروى واثلة بن الأسقع» :
أخرج حديثه من طرق عنه: الإمام أحمد في مسنده [3/ 490] ، وابن ماجه برقم 3276 بلفظ مختصر، والطبراني في معجمه الكبير [22/ 86، 90] رقم 208، 216، وأبو نعيم في الدلائل برقم 328، وصححه الحاكم في المستدرك من وجه آخر [4/ 116- 117] ، قال في مجمع الزوائد [8/ 305] : رواه الطبراني بإسنادين، وإسناده حسن.(3/452)
فشكا أصحابي الجوع فقالوا: يا واثلة اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستطعمه لنا، فأتيته فقلت: يا رسول الله إن أصحاب الصفة أرسلوني إليك وهم جياع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجته عائشة: هل عندك شيء؟ فقالت:
يا رسول الله ما عندي إلّا فتات خبز، فقال: هاته، فجاءت بالجراب، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحفة فأفرغ الخبز في الصحفة، ثم جعل يصلح الثريد بيده وهي تربو حتى امتلأت الصحفة فقال صلى الله عليه وسلم: يا واثلة، اذهب فجئني بعشرة من أصحابك، فجئت بعشرة من أصحابي، فقال: اجلسوا، اجلسوا، ثم قال: كلوا بسم الله، خذوا من جوانبها ولا تأخذوا من أعلاها فإن البركة تنزل من أعلاها، فأكلوا حتى شبعوا، ثم قاموا وفي الصحفة مثل ما كان فيها، ثم جعل يصلحها بيده وهي تربوا حتى امتلأت فقال: يا واثلة، اذهب فجئني بعشرة، فقال: اجلسوا اجلسوا، فأكلوا حتى شبعوا، ثم قاموا وبقي في الصحفة مثل ما كان فيها، ثم قال: هل بقي أحد؟ قلت: نعم، عشرة، قال: جىء بهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثم قاموا وبقي في الصحفة مثل ما كان فيها، ثم قال: يا واثلة ارفع هذا إلى عائشة.
1190- وعن دكين بن سعيد قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نسأله طعاما ونحن أربعمائة وأربعون راكبا فقال لعمر: اذهب فأطعمهم، (1190) قوله: «دكين بن سعيد» :
المزني ويقال: الخثعمي، صحابي، له حديث واحد وهو حديث الباب، وهم الحافظ في الإصابة فقال: تفرد به عنه أبو إسحاق السبيعي وإنما الذي تفرد عنه قيس بن أبي حازم، أخرجه الحميدي في مسنده برقم 893، والإمام أحمد في مسنده [4/ 174، 174- 175] ، وأبو داود في الأدب، -(3/453)
فقال: ما معي إلّا صاع من تمر يكفي أهلي، قال: انطلق فأعطهم، قال: سمعا وطاعة، قال: فانطلقنا معه فارتقينا إلى علو له، ففتح الباب فإذا مثل الفصيل الرابض تمرا، فقال: خذوا، فأخذ كل واحد منا ما أراد، فقال دكين: لقد التفت إليه وإني في آخر القوم مكانا كأن لم نرزأه تمرة.
1191- وعن عبد الله بن طهفة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اجتمع الضيفان قال: لينقلب كل رجل بضيفه، حتى إذا كان ليلة اجتمع في المسجد ضيفان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لينقلب كل رجل بجليسه، فكنت أنا ممن انقلب مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما دخل قال: يا عائشة هل من شيء؟ قالت: نعم، حويسة كنت- باب في اتخاذ الغرف، رقم 5238، والبخاري في تاريخه الكبير [3/ 255- 256] ، وابن أبي عاصم في الاحاد والمثاني [2/ 340- 341] رقم 1109، 1110، وأبو نعيم في الحلية [1/ 365] ، وفي الدلائل برقم 333، وفي المعرفة [2/ 1015- 1016] رقم 2585، والطبراني في معجمه الكبير [4/ 270] رقم 4207، وصححه ابن حبان كما في الموارد برقم 2151.
(1191) قوله: «وعن عبد الله بن طهفة» :
غفاري له صحبة، وكان من أصحاب الصفة، وفي اسمه واسم ابنه الراوي عنه وإسناد حديثه اختلاف كثير، فقيل: اسمه: طهفة وطخفة وطغفة، وعبد الله بن طخفة- أو: طهفة- وقيل: قيس بن طهفة، وقيل: عكسه، وقيل: بل اسم ابنه: قيس بن طهفة أو: يعيش بن طهفة أو عطية بن قيس عن أبيه، وقيل أيضا: أن الصحبة لابنه، وترجم له بعضهم في غير موضع نتيجة لذلك، وفي الإسناد جوانب حديثية، محلها كتب الحديث والرواية، وقد استوعب الاختلاف في الإسناد النسائي في سننه الكبرى. -(3/454)
أعددتها لإفطارك، قال: فأتي بها، قالت: فأتيت بها في قعب، فتناول منها بإصبعه شيئا ثم قال: بسم الله، فأكلنا منها حتى ما ننظر إليها، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: هل عندكم من لبن؟ قالت: نعم، لبينة أعددتها لإفطارك، فجاءت بها، قال: فمص منها شيئا ثم قال: بسم الله اشربوا، قال: فو الله لشربنا منها حتى ما ننظر إليها، قال: ثم خرجنا، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم.
1192- وقيل: حمل بعض جيران فاطمة رضي الله عنها إليها قرصين بينهما لحم، فوضعتها في نقير لها، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم- أخرجه من طرق مطولا ومختصرا ومفرقا على الأبواب: الإمام أحمد في مسنده [3/ 429- 430، 430، 5/ 426- 427، 427] ، وأبو داود في الأدب، باب الرجل ينبطح على بطنه، رقم 5040، والبخاري في الأدب المفرد برقم 1187، وابن ماجه في المساجد، باب النوم في المسجد، رقم 752، وفي الأدب، باب النهي عن الاضطجاع على الوجه، رقم 3723، والنسائي في الوليمة من السنن الكبرى [4/ 144- 146] الأرقام: 6619، 6620، 6621، 6622، والطبراني في معجمه الكبير [8/ 392] الأرقام 8226، 8227، 8228، 8229، 8230، 8231، 8232، وأبو نعيم في المعرفة [3/ 1572] رقم 3973 (وما بعده من طرق) ، وفي موضع آخر [3/ 1691] رقم 4231، وصححه ابن حبان- كما في الإحسان- برقم 5550، والحاكم في المستدرك [4/ 270] .
وأخرجه الحافظ عبد الرزاق في المصنف برقم 19802 من حديث معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن: أن رجلا من أهل الصفة. وصورته صورة المرسل.
(1192) قوله: «وقيل: حمل بعض جيران فاطمة» :
لو عبر بلفظ: روي، لكان أولى.
أخرج أبو يعلى- كما في تفسير ابن كثير [2/ 29] ، والدر المنثور [2/ 186] ، -(3/455)
زائرا فقال: هل عندكم من طعام؟ فقالت: نعم، فذهبت لتحمل القرصين فإذا النقير قد امتلأ أقراصا ولحما، فأكل منها خلق كثير وفضل منه.
- ولعله في الكبير- من حديث جابر بن عبد الله قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما لم يطعم طعاما حتى شق ذلك عليه، فطاف في منازل أزواجه فلم يجد عند واحدة منهن شيئا، فأتى فاطمة فقال: يا بنية هل عندك شيء آكله فإنه جائع؟ فقالت: لا والله، فلما خرج من عندها بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم، فأخذته منها فوضعته في جفنة لها وقالت: والله لأوثرن بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي ومن عندي، وكانوا جميعا محتاجين إلى شبعة طعام، فبعثت حسنا أو حسينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليها فقالت له: بأبي أنت وأمي- قد أتى الله بشيء خبأته لك، فقال: هلمي يا بنية بالجفنة، فكشفت عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزا ولحما، فلما نظرت إليها بهتت وعرفت أنها بركة من الله، فحمدت الله تعالى وقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه حمد الله وقال: من أين لك هذا يا بنية؟
قالت: يا أبت هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ الاية، فحمد الله ثم قال: «الحمد لله الذي جعلك يا بنية شبيهة بسيدة نساء بني إسرائيل، فإنها كانت إذا رزقها فسئلت عنه قالت: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ الاية، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي، ثم أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل علي وفاطمة وحسن وحسين وجميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته حتى شبعوا جميعا، قالت: وبقيت الجفنة كما هي، قالت: فأوسعت ببقيتها على جميع الجيران، وجعل الله فيها بركة وخيرا كثيرا.
إسناده حسن فإنه من رواية أحد العبادلة عن ابن لهيعة.
قال أبو يعلى: حدثنا سهل بن زنجلة، ثنا عبد الله بن صالح، ثنا ابن لهيعة، عن ابن المنكدر، عن جابر به.(3/456)
1193- ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم وكل لطعامه وما يرفقه رجلا من أصحابه في سفره وأعطاه نحي سمن، فقال الرجل: فنظرت إلى النّحي فإذا هو قد قل ما فيه، فأصلحت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعامه، فوضعت النحي في الشمس ونمت، فانتبهت بخرير النحي، فإذا هو يجري من السمن، قال: فقمت فأخذت رأسه بيدي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو تركته لسال الوادي سمنا.
1194- وعن جابر بن عبد الله قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث إذ جاء علبة بن زيد الحارثي بثلاث بيضات أداحي فقال: وجدت هذه (1193) قوله: «نحي سمن» :
النحي: زقاق السمن خاصة.
قوله: «لسال الوادي سمنا» :
أخرجه الطبراني في معجمه الكبير [3/ 175، 176] رقم 2991، 2992، وأبو نعيم في الدلائل برقم 344، والبيهقي كذلك [6/ 112] ، واختصر لفظه الحاكم في المستدرك [3/ 520] .
قال الهيثمي في مجمع الزوائد [6/ 191، 8/ 310] : رجاله وثقوا.
(1194) قوله: «علبة بن زيد الحارثي» :
علبة: بضم أوله، وسكون اللام ثم موحدة، صحابي، مذكور في البكائين منهم، كان فقيرا لا يجد ما يتصدق به.
أخرج من ترجم له حديثه في التصدق بعرضه حين سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر الناس بالصدقة فقال: اللهم إنه ليس عندي ما أتصدق به، ولكني أتصدق بعرضي، فمن آذاني أو شتمني أو لمزني فهو له حل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد قبلت منك صدقتك، وفي رواية: إنه قد غفر لك.
قوله: «أداحي» :
جمع أدحى، يقال: هو الموضع الذي تبيض فيه النعام.(3/457)
البيضات في مفحص نعام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دونك يا جابر فاعمل هذه البيضات، قال ... فأخذتهن فعملتهن ثم جئت بالبيض في قصعة فجعلت أطلب خبزا فلا أجده، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكلون منها بغير خبز، حتى انتهى إلى حاجته، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك يده والبيض في القصعة كما هو، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل منه عامة أصحابه ثم رحلنا مبردين.
1195- وعن سعد مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: يا سعد اذهب إلى تلك العنز فاحلبها، وعهدي بذلك المكان وما فيه عنز، فذهبت فإذا عنز حافل فحلبتها ...
قوله: «والبيض في القصعة كما هو» :
أخرجه الواقدي في المغازي [1/ 399] ، غزوة ذات الرقاع.
وعزاه السيوطي في الخصائص [1/ 564] لأبي نعيم أيضا.
قوله: «فأكل منه عامة أصحابه» :
وكانوا أربعمائة، ويقال: سبعمائة.
(1195) قوله: «وعن سعد مولى أبي بكر» :
صحابي نزل البصرة، يعد فيمن خدم النبي صلى الله عليه وسلم، أخرج حديثه الطبراني في معجمه الكبير [6/ 67] ، والبيهقي في الدلائل [6/ 138] ، وابن عدي، وأبو نعيم فيما ذكره السيوطي في الخصائص [2/ 261] .
قوله: «فلم أزل أحلبها» :
في رواية الطبراني: قال: لا أدري كم من مرة..
قال ابن كثير في جزء الشمائل من التاريخ: غريب جدّا إسنادا ومتنا، وفي إسناده من لا يعرف حاله. اهـ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد [8/ 313] :
رجال ثقات. -(3/458)
فلم أزل أحلبها حتى أرويت الجيش كلهم وهم أربعمائة، ثم قال: يا سعد املكها، وما أراك تملكها، قال: واشتغلت عنها ثم لم أرها، قال: ألم أقل لك إنك لا تملكها، إن الذي جاء بها هو الذي ذهب بها.
- قال أبو عاصم: فيه أبو عامر صالح بن رستم حاله وسط، ولا أدري سمع الحسن منه أولا، وفي الباب عن نافع بن الحارث بن كلدة، فأخرج ابن سعد في الطبقات [1/ 179، 7/ 70- 71] ، ومن طريقه أبو نعيم في المعرفة [5/ 2678- 2679] رقم 6411، والبيهقي في الدلائل [6/ 137] ، وابن السكن- كما في الخصائص [2/ 261]- عن نافع بن الحارث- وكانت له صحبة-: أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في زهاء أربعمائة رجل، فنزل بنا على غير ماء، فكأنه اشتد على الناس ورأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل فنزلوا، إذ أقبلت عنز تمشي حتى أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم محددة القرنين، قال:
فحلبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأروى الجند وروي، ثم قال: يا نافع املكها، وما أراك تملكها- قال: فلما قال لي ذلك أخذت عودا فوكزته في الأرض، وأخذت رباطا فربطت الشاة فاستوثقت منها، قال: ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم ونام الناس ونمت، قال: فاستيقظت فإذا الحبل محلول، وإذ لا شاة، قال: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، قال قلت: الشاة ذهبت، قال فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا نافع أو ما أخبرتك أنك لا تملكها، إن الذي جاء بها هو الذي ذهب بها، قال ابن كثير: غريب جدّا متنا وإسنادا. -(3/459)
[225- فصل: ذكر الايات في دعائه المبارك وما جاء في إبرائه المرضى وذوي العاهات وآثار يده الشّريفة فيما مسّته وريقه الطيّب فيما نفث فيه]
225- فصل: ذكر الايات في دعائه المبارك وما جاء في إبرائه المرضى وذوي العاهات وآثار يده الشّريفة فيما مسّته وريقه الطيّب فيما نفث فيه 1196- أخبرنا الإمام أبو بكر: محمد بن علي بن إسماعيل الإمام الشاشي القفال رحمه الله قال: أنا أبو عروبة، ...
(1196) قوله: «الشاشي القفال» :
العلامة الفقيه الأصولي، عالم خراسان، إمام وقته بما وراء النهر، وصاحب التصانيف، قال الحاكم: كان أعلم أهل ما وراء النهر بالأصول، وأكثرهم رحلة في طلب الحديث، توفي سنة ست وثلاثين وثلاث مائة، له مناقب مذكورة في المطولات. انظر:
سير أعلام النبلاء [16/ 283] ، تهذيب الأسماء واللغات [2/ 282] ، وفيات الأعيان [4/ 200] ، الوافي بالوفيات [4/ 112] ، طبقات السبكي [3/ 200] ، طبقات الأسنوي [2/ 79] ، طبقات الأصوليين [1/ 201] ، طبقات المفسرين [2/ 196] .
قوله: «أنا أبو عروبة» :
الحراني، الإمام الحافظ، المحدث البارع، الثبت الناقد الحسين ابن محمد بن أبي معشر مودود السلمي، الجزري، صاحب التصانيف، قال ابن عدي: كان عارفا بالرجال وبالحديث، وكان مع ذلك مفتي أهل حران، شفاني حين سألته عن قوم من المحدثين، وقال الحاكم: كان من أثبت من أدركناه، وأحسنهم حفظا، يرجع إلى حسن المعرفة بالحديث والفقه والكلام، وانظر: -(3/460)
ثنا العباس بن الفرج، ثنا أحمد بن شبيب، ثنا أبي، ...
- سير أعلام النبلاء [15/ 510] ، تذكرة الحفاظ [2/ 774] ، الشذرات [2/ 279] ، مرآة الجنان [2/ 277] .
قوله: «ثنا العباس بن الفرج» :
الرياشي، الحافظ النحوي الثقة: أبو الفضل البصري، إمام أهل اللغة، كان راويا للأصمعي، روى عنه أبو داود في سننه قوله في تفسير أسنان الإبل، قال الحافظ الذهبي: كان من بحور العلم، قتلته الزنج بالبصرة سنة سبع وخمسين ومئتين.
سير أعلام النبلاء [12/ 372] ، تهذيب الكمال [14/ 234] ، تهذيب التهذيب [5/ 109] ، الكاشف [2/ 60] ، تاريخ بغداد [12/ 138] ، إنباه الرواة [2/ 367] ، وفيات الأعيان [3/ 27] ، طبقات النحاة [2/ 14] .
قوله: «ثنا أحمد بن شبيب» :
هو ابن سعيد الحبطي، من شيوخ البخاري في الصحيح، قال عنه أبو حاتم:
ثقة صدوق، وقال ابن حجر في الفتح والتقريب: صدوق، زاد في الفتح:
ضعفه ابن عبد البر تبعا للأزدي، والأزدي غير مرضي فلا يتبع في ذلك.
تهذيب الكمال [1/ 327] ، تهذيب التهذيب [1/ 31] ، الكاشف [1/ 19] ، التقريب [/ 80] ، فتح الباري [11/ 268]
قوله: «ثنا أبي» :
هو شبيب بن سعيد الحبطي، الحافظ أبو سعيد التميمي، البصري، أحد أصحاب يونس بن يزيد الثقات، اعتمده البخاري في صحيحه، ووثقه ابن المديني، والدارقطني، والطبراني وغيرهم، وقال أبو حاتم: صالح الحديث لا بأس به.
تهذيب الكمال [12/ 360] ، تهذيب التهذيب [4/ 269] ، الكاشف [2/ 4] ، التقريب [/ 263] . -(3/461)
عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر المديني، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقي عثمان بن حنيف فشكى إليه ذلك، فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة، فتوضأ، ثم إيت المسجد فصل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك قوله: «عن روح بن القاسم» :
التميمي، الحافظ الثقة: أبو غياث العنبري، البصري، حديثه عند الجماعة سوى الترمذي.
تهذيب الكمال [9/ 252] ، تهذيب التهذيب [3/ 257] ، الكاشف [1/ 244] ، التقريب [/ 211] .
قوله: «عن أبي جعفر المديني» :
هو عمير بن يزيد الأنصاري، الخطمي، نزيل البصرة، أمه بنت عقبة بن الفاكه الأنصاري، ولجديه عمير والفاكه صحبة، وثقه ابن معين والنسائي، والطبراني، وابن نمير، والعجلي، وقال ابن مهدي: كان أبو جعفر وأبوه وجده قوما يتوارثون الصدق بعضهم من بعض.
تنبيه: زعم الترمذي أن أبا جعفر المديني هذا هو غير الخطمي فوهم، وقد نص على كونه عمير بن يزيد: النسائي ورواية الطبراني، فتأمل.
تهذيب الكمال [22/ 391] ، تهذيب التهذيب [8/ 134] ، الكاشف [2/ 303] ، التقريب [/ 432] .
قوله: «فلقي عثمان بن حنيف» :
صحابي، وهو عم أبي أمامة بن سهل.
قوله: «ثم قل: اللهم إني أسألك» :
قد تبين لك من خلال رجال إسناد الحديث أنه صحيح، وقد صححه الترمذي، وابن خزيمة، والحاكم، والطبراني، والمنذري في الترغيب-(3/462)
محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي لي حاجتي- واذكر حاجتك- ثم رح حتى أرفع.
قال: فانطلق الرجل وصنع ذلك، ثم أتى باب عثمان بن عفان رضي الله عنه فجاء البواب فأخذ بيده، فأدخله على عثمان رضي الله عنه فأجلسه معه على الطنفسة، فقال: انظر ما كان لك من حاجة، ثم إن الرجل خرج من عنده- والترهيب، والذهبي، والهيثمي، وأبو عبد الله المقدسي، وابن تيمية، وغيرهم، وهو عمدة من يقول بالتوسل به صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، والخلاف في ذلك جار ولكل دليل وسلف فيما ذهب إليه.
أخرجه من طريق المصنف: الحافظ البيهقي في الدلائل [6/ 167] .
وأخرجه البيهقي أيضا في الدلائل من طريق محمد بن علي الصائغ، عن أحمد بن شبيب به.
تابعه ابن وهب عن شبيب، أخرجه الطبراني في معجمه الصغير برقم 508.
وتابع روحا، عن أبي جعفر: هشام الدستوائي، أخرجه النسائي في اليوم والليلة برقم 660.
* وخالفهما عن أبي جعفر: شعبة بن الحجاج، فقال عنه، عن عمارة بن خزيمة، عن عثمان بن حنيف، أخرجه الإمام أحمد في مسنده [4/ 138] ، والنسائي في اليوم والليلة برقم 659، والترمذي في جامعه برقم 3578، وابن ماجه في سننه برقم 1385، والحاكم في المستدرك [1/ 313، 519] ، والبيهقي في الدلائل [6/ 166] ، والدعوات الكبير برقم 204.
وتابعه عن أبي جعفر: حماد بن سلمة، أخرجه النسائي في اليوم والليلة برقم 658، وعزاه غير واحد من الحفاظ لابن خزيمة في صحيحه وأبي نعيم وابن منده وغيرهم.
وهذا القدر من الاختلاف بين الحفاظ الأربعة لا يضر بصحة الحديث، فعند الترجيح يكون كالانتقال من ثقة إلى آخر، والله أعلم.(3/463)
فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيرا، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إليّ حتى كلمته، فقال له عثمان بن حنيف: ما كلمته، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءه ضرير فشكى إليه ذهاب بصره، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أو تصبر؟ فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد وقد شق عليّ، فقال: ائت الميضأة فتوضأ وصلي ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيجلي لي عن بصري، اللهم شفعه فيّ، وشفعني في نفسي.
قال عثمان: فو الله ما تفرقنا ولا طال بنا الحديث حتى دخل الرجل كأنه لم يكن به ضرر.
1197- أخبرنا أبو الحسين: محمد بن أحمد بن جميع الغساني (1197) قوله: «محمد بن أحمد بن جميع» :
نسبه لجده الأعلى، وربما قيل فيه: أبو الحسن ابن جميع، وهو: محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن يحيى بن عبد الرحمن بن جميع الغساني، الحافظ المسند الرحالة: أبو الحسين الصيداني صاحب المعجم، من أهل صيدا، هكذا نسبه الحافظ السمعاني، وقال: له رحلة إلى ديار مصر والعراق وبلاد فارس وكور الأهواز وأكثر عن الشيوخ بهذه البلاد، وخرج له خلف بن أحمد بن علي الواسطي الحافظ معجم شيوخه في خمسة أجزاء ... قال: وكانت ولادته سنة ست وثلاثمائة بصيدا، ووفاته بعد سنة أربع وتسعين وثلاثمائة. اهـ. كذا قال في تاريخ ولادته- وفيه نظر لما سيأتي- وقال الصوري في جزء له: أخبرنا أبو الحسين ابن جميع وكان شيخا صالحا ثقة مأمونا، وقال الخطيب وغير واحد: ثقة.
قال الحافظ الذهبي في سيره: قال أبو الفضل السعدي، والسكن ولده، وأبو إسحاق الحبال: توفي ابن جميع في رجب سنة اثنتين وأربع مائة، -(3/464)
بثغر صيدا، ثنا العباس بن محبوب بن عثمان بن عبيد أبو الفضل، ثنا أبي، ثنا جدي شاصونة بن عبيد، ثنا معرّض بن عبد الله بن معيقيب، عن أبيه، عن جده قال: حججت حجة الوداع، فدخلت دارا بمكة فرأيت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه كدارة القمر، فسمعت منه عجبا، أتاه رجلا- لكن ابنه ما ذكر الشهر، ووهم الكتاني فقال: مات في سنة ثلاث وأربع مائة والصحيح الأول، وعاش ستا وتسعين سنة. انظر:
الأنساب [3/ 571، 4/ 296] ، سير أعلام النبلاء [17/ 152] ، تاريخ دمشق [51/ 125] ، الوافي بالوافيات [2/ 60] ، الشذرات [3/ 304] ، العبر [3/ 80] ، معجم البلدان [3/ 437] ، اللباب [2/ 253] ، المنتظم [8/ 108] ، تاريخ الإسلام ص 65.
قوله: «ثنا العباس بن محبوب» :
هكذا في الأصول، وهكذا في دلائل البيهقي من طريق المصنف، وفي الإصابة: أخرجه أبو الحسين بن جميع في معجمه عن العباس بن محمد- كذا- ولعله تصحيف، ولم أجد من أفرده بترجمة، وانظر التعليق على تخريجه.
قوله: «ثنا جدي شاصونة» .
كذا في الأصول وهو موافق لما في المصادر، ووقع في تاريخ بغداد، والإصابة: شاصوية.
قوله: «عن جده» :
هو معيقيب اليمامي مذكور في الصحابة، وأورد من ترجم له فيهم حديث الباب، انظر:
المعرفة لأبي نعيم [5/ 2650] الترجمة 2844، أسد الغابة [5/ 229] ، الإصابة [9/ 255] ، معجم ابن قانع [14/ 5060] الترجمة 1109، التجريد [2/ 87] .(3/465)
من أهل اليمامة بغلام يوم ولد وقد لفه في خرقة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يا غلام من أنا؟ فقال: أنت رسول الله، فقال له: بارك الله فيك، ثم إن الصبي لم يتكلم بعدها.
قوله: «ثم إن الصبي لم يتكلم بعدها» :
زاد في رواية: حتى شب، فكنا نسميه: مبارك اليمامة.
أخرجه من طريق المصنف: البيهقي في الدلائل [6/ 59- 60] : أخبرنا أبو سعد: عبد الملك بن أبي عثمان الزاهد، أنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن جميع الغساني بثغر صيدا به.
وهو في معجم ابن جميع- كما في الإصابة [9/ 255]- ومن طريق ابن جميع أخرجه الخطيب في تاريخه [3/ 442- 443] .
تابعه الكديمي، عن شاصونة بن عبيد، أخرجه المصنف بعده، والبيهقي في الدلائل [6/ 59] ، والخطيب في تاريخه [3/ 442] ، وأبو نعيم في المعرفة [5/ 2650] رقم 6355، وابن قانع في معجمه [14/ 5061] رقم 2003.
وقد أخرجه الحاكم في الإكليل من وجه آخر عن العباس بن محبوب، قاله الحافظ في الإصابة.
إذا علمت هذا علمت أن قول ابن السكن: لم أجده إلّا عند الكديمي- وهو محمد بن يونس الذي اتهم بالوضع- وهم وغلط، وتمام كلام ابن السكن: وهو عن شيخ مجهول لذلك لم أتشاغل به. اهـ.
وهذا أيضا فيه نظر؛ لقول البيهقي عقب إخراجه من طريق المصنف:
ولهذا الحديث أصل من حديث الكوفيين بإسناد مرسل، ثم ساقه من حديث إبراهيم بن عبد الله العبسي أنا وكيع بن الجراح، عن الأعمش، عن شمر بن عطية، عن بعض أشياخه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بصبي قد شب لم يتكلم قط قال: من أنا؟ قال: أنت رسول الله ... الحديث.
تابعه يونس بن بكير، عن الأعمش، أخرجه البيهقي أيضا في إثر الذي قبله.(3/466)
1198- أخبرنا أبو الحسن: علي بن عثمان بن محمد السراج البغدادي بفسطاط مصر، ثنا الهجيمي بالبصرة، ثنا محمد بن يونس الكديمي، ثنا شاصونة بن عبيد في عدن سنة أربع ومائتين، ثنا معرض بن عبد الله بن معيقيب، عن أبيه، عن جده قال: حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فرأيت عجبا، أتي بصبي في خرقة ابن يومه، فوضعه النبي صلى الله عليه وسلم على ظهر كفه ثم قال له: من أنا؟ فقال: أنت محمد رسول الله، فقال: صدقت، بارك الله فيك، فكنا نسميه مبارك اليمامة.
(1198) قوله: «السراج البغدادي» : ترجم الحاكم في تاريخه- كما في المنتخب الترجمة 1315- لعلي بن عثمان بن محمد بن إبراهيم أبو الحسن الأصبهاني، وقال فيه: سديد، صالح ثقة، حدث وكان أمينا معتمدا، فلا أدري هو هذا أم لا؟.
قوله: «ثنا الهجيمي» :
هو الإمام المحدث الصدوق، مسند الوقت: أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن عبد الله البصري، مولده سنة نيف وخمسين ومئتين، وتوفي سنة إحدى وخمسين وثلاث مئة، وهو صحيح الذهن، مقبول الحديث.
سير أعلام النبلاء [15/ 525] ، الوافي بالوفيات [6/ 57] ، الشذرات [3/ 8] ، تاريخ الإسلام [وفيات سنة 351- ص 51] ، النجوم الزاهرة [3/ 334] ، العبر [2/ 291] ، المنتظم [7/ 23] .
قوله: «ثنا محمد بن يونس الكديمي» :
أحد حفاظ الحديث، تكلم فيه أبو داود وبالغ في الحط عليه حتى اتهمه بالكذب، واتهمه غير واحد بالوضع، والحق أنه محدث كبير لكن النفس تنكمش إذا رأته في الإسناد لما قيل فيه، والله أعلم.
سير أعلام النبلاء [13/ 302] ، الجرح والتعديل [8/ 122] ، المجروحين [2/ 312] ، تاريخ بغداد [3/ 435] ، الميزان [4/ 74] ، الوافي بالوفيات-(3/467)
1199- ومنها: ما روى يزيد بن أبي حبيب قال: أقبلت امرأة معها ابن لها ابن شهرين حتى حاذت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبلت عليه بوجهها، فقال وهو في حجرها: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا محمد بن عبد الله، فأنكرت الأم ذلك من ابنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يدريك يا غلام أني رسول الله، وأني محمد بن عبد الله؟ قال: علّمنيه رب العالمين والروح الأمين جبريل وهو قائم على رأسك ينظر إليّ، فقال جبريل عليه السّلام: يا محمد هذا تصديق لك بالنبوة والرسالة كي يؤمن بقية قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اسمك يا غلام؟ قال: سموني عبد العزى وأنا به كافر، فسمني يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت عبد الله، فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني من خدمك في الجنة، فقال جبريل عليه السّلام: ادع الله عزّ وجلّ يعطه ما سأل، فقال الغلام: السعيد من آمن بك، والشقي من كذبك، ثم شهق شهقة فمات.
فأقبلت المرأة عليه فقالت: يا رسول الله فداك أبي وأمي لقد كنت مكذبة إلى أن رأيت من آيات نبوتك ما رأيت، وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنك رسول الله، يا أسفى على ما فاتني منك، فقال لها صلى الله عليه وسلم:
أبشري، فو الذي ألهمك الإيمان إني لأنظر إلى حنوطك وكفنك مع الملائكة، فما برحت حتى شهقت وفاضت نفسها، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما ودفنهما جميعا.
-[5/ 291] ، تهذيب الكمال [27/ 66] ، تهذيب التهذيب [9/ 475] ، تذكرة الحفاظ [2/ 618] .
(1199) قوله: «ما روى يزيد بن أبي حبيب» :
لم أقف على حديثه هذا فيما لدي من المصادر وإسناده معضل، ويشم من ركاكة سياقه رائحة الوضع.(3/468)
1200- ومن ذلك: أن النجاشي مات بأرض الحبشة فطوى الله تعالى لنبيه الأرض حتى نظر إلى جنازته في اليوم الذي مات فيه، ثم قام فصلى عليه هو وأصحابه ثم قال صلى الله عليه وسلم: استغفروا لأخيكم.
1201- ومن ذلك: ما روى أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا تبوكا، فأصبح ذات يوم فوجد الشمس صافية مضيئة بشعاع لم يكن قبل ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السّلام: ما هذا يا جبريل؟ قال: ذاك أن معاوية بن معاوية مات بالمدينة، فنزل لجنازته سبعون ألف ملك، هل لك أن تصلي عليه؟ قال: نعم، فطويت له الأرض، فصلى عليه.
(1200) قوله: «استغفروا لأخيكم» :
أخرجاه من حديث أبي هريرة، فرقه البخاري في غير موضع وأخرجه في مناقب الأنصار، باب موت النجاشي، نحو لفظه هنا من حديث أبي سلمة وابن المسيب، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى لهم النجاشي صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه وقال: «استغفروا لأخيكم» ، وأخرجه مسلم في الجنائز، باب في التكبير على الجنازة، رقم 951 (63) وسيأتي في فصل إخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات والكوائن.
(1201) قوله: «ما روى أنس بن مالك» : روي عنه بأسانيد ثلاثة:
الأول: من رواية عطاء بن أبي ميمونة، عنه، أخرجه أبو يعلى في مسنده [7/ 258] رقم 4268، والطبراني في معجمه الكبير [19/ 428] رقم 1040، وابن الضريس في فضائل القرآن برقم 272، وأبو نعيم في المعرفة [5/ 2506] رقم 6081، والبيهقي في الدلائل [5/ 246] ، وابن عبد البر في الاستيعاب [10/ 152] ، وسمويه في فوائده، وابن منده في الصحابة- فيما ذكره الحافظ في الإصابة- وفيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يا جبريل بم نال هذه المنزلة من الله؟ قال: بحبه قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، -(3/469)
1202- وعن علي رضي الله عنه قال: كنت شاكيا فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول: اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحني، وإن كان متأخرا- وقراءته إيّاها ذاهبا وجائيا، وفي الإسناد محبوب بن هلال، قال أبو حاتم:
ليس بالمشهور، قاله الحافظ في الإصابة.
الثاني: من رواية العلاء أبي محمد الثقفي- أحد الضعفاء- أخرج حديثه أبو نعيم في المعرفة برقم 6080، والبيهقي في الدلائل [5/ 245] ، وابن عبد البر في الاستيعاب [10/ 153] .
الثالث: من رواية العلاء بن زيد- أو زيدل- وهو أحد الضعفاء أيضا- حديثه عند ابن الضريس في فضائل القرآن برقم 274.
وله إسناد رابع من رواية أبي عتاب أخرجه ابن منده في الدلائل فيما ذكره الحافظ في الإصابة.
وروي هذا من حديث أبي هريرة، أخرجه أبو نعيم في المعرفة [5/ 2507] رقم 6082، ولعله من أمثل ما يكون في هذا، ابن أبي الزناد أخرج له أصحاب السنن، وباقي رجاله من أهل الصدق.
ومن حديث أبي أمامة، أخرجه الطبراني في مسند الشاميين [2/ 12- 13] رقم 831، وأبو نعيم في المعرفة برقم 6081، وابن عبد البر في الاستيعاب [10/ 153] ، وأبو أحمد الحاكم في فوائده، والخلال في فضل قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فيما ذكره الحافظ في الإصابة، وفي الإسناد نوح بن عمرو، عن بقية، زعم ابن حبان أنه سرقه، وبه ضعف الحديث الذهبي في الميزان، والهيثمي في مجمع الزوائد [3/ 38] ، مع أن ابن حبان لم يدخله ضعفاءه، ولذلك قال الحافظ في الإصابة: فما أدري عنى نوحا أو غيره فإنه لم يذكر نوحا في الضعفاء.
وللحديث طرق أخرى مرسلة، وفيما ذكرناه كفاية، وزعم ابن عبد البر أن جميع طرقه لو كانت في الأحكام لم يكن في شيء منها حجة، ومعلوم أننا في السير والمغازي والفضائل لا نحتاج إلى مثل تلك الأسانيد.(3/470)
فارفع عني، وإن كان بلاء فصبّرني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف قلت؟
فأعاد عليه، فضربه برجله، وقال: اللهم عافه، اللهم اشفه، قال: فما اشتكيت وجعي بعد.
1203- وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان أبي يسمر مع علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وكان يلبس ثياب الصيف في الشتاء، وثياب الشتاء في الصيف، فقيل له: لو سألته (1202) قوله: «فارفع عني» :
كذا هنا، وفي بعض الروايات: فارفعني، وفي بعضها الاخر على الشك كما عند أحمد وابن أبي شيبة: فاشف عني- أو: عافني-.
قوله: «فما اشتكيت وجعي بعد» : أخرجه الإمام في المسند [1/ 83، 107، 128] ، وفي الفضائل برقم 1192، والترمذي في الدعوات، باب دعاء المريض، برقم 3559- وقال:
حسن صحيح، والنسائي في اليوم والليلة برقم 1058، وابن أبي شيبة في المصنف [7/ 404 رقم 3622، 10/ 316 رقم 9548] ، وأبو يعلى في مسنده [1/ 244] رقم 284، وأبو نعيم في الحلية [5/ 96- 97] ، والبيهقي في الدلائل [6/ 179] من طرق عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عنه به، وصححه الحاكم [2/ 620- 621] ، وابن حبان- كما في الموارد- برقم 2209.
(1203) قوله: «كان أبي» :
هو أبو ليلى الأنصاري، صحابي اختلف في اسمه، شهد أحدا وما بعدها، ثم سكن الكوفة، وكان من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وكان معه في حروبه، يقال: قتل بصفين.
قوله: «لو سألته» :
في رواية ابن أبي شيبة والبيهقي: فقال: أو ما شهدت معنا خيبر؟ فقلت: -(3/471)
فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، كرارا غير فرار، فاستشرف لها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث إليّ وأنا أرمد العينين يوم خيبر، فقلت:
يا رسول الله إني أرمد العينين.
قال: فتفل في عيني، فأعطانيها وقال: اللهم أذهب عنه الحر والبرد.
فما وجدت حرا ولا بردا منذ يومئذ.
- بلى، قال: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعا أبا بكر فعقد له وبعثه إلى القوم فانطلق فلقي القوم، ثم جاء بالناس وقد هزموا؟ فقال: بلى، ثم قال:
ثم بعث إلى عمر فعقد له ثم بعثه إلى القوم فانطلق فلقي القوم فقاتلهم ثم رجع وقد هزم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: لأعطين الراية اليوم ...
الحديث.
أخرجه من طرق عن ابن أبي ليلى: الإمام أحمد في المسند [1/ 99] ، وابن أبي شيبة في المصنف [12/ 62- 63] رقم 12129، والنسائي في الخصائص من السنن الكبرى [5/ 152] رقم 8536، وابن ماجه في مقدمة السنن برقم 117، والطبراني في الأوسط [3/ 151] بطوله رقم 307 واختصره في [6/ 369] برقم 5785، والبيهقي في الدلائل [4/ 212- 213] ، وأبو نعيم كذلك رقم 391، وأبو القاسم الأصبهاني في الدلائل برقم 244.
حسن إسناده الهيثمي في مجمع الزوائد [9/ 122] .
وأصل القصة في الصحيحين من حديث سهل بن سعد، وسلمة بن الأكوع دون قوله: اللهم أذهب عنه الحر والبرد، فهي كالشاهد.
وأخرج أبو نعيم- كما في الخصائص [2/ 52] من حديث شبرمة بن الطفيل قال: رأيت عليا بذي قار عليه إزار ورداء وهو يهنأ بعيرا له في يوم شديد البرد وإن جبهته لترشح عرقا. -(3/472)
1204- ومنها: ما روي عن أنس قال: مرض أبو طالب فعاده النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا ابن أخي ادع ربك الذي تعبد أن يعافيني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اشف عمي، قال: فقام كأنما نشط من عقال، فقال أبو طالب: يا ابن أخي إن ربك الذي تعبد ليطيعك، قال: وأنت يا عماه لئن أنت أطعت الله ليطيعنّك.
- وأخرج الطبراني في الأوسط- كما في مجمع الزوائد [9/ 122]- من حديث سويد بن غفلة قال: لقينا عليا وعليه ثوبان في الشتاء، فقلنا: لا تغتر بأرضنا، فإن أرضنا هذه مقرة ليست مثل أرضك، قال: فإني كنت مقرورا، فلما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر قلت: إني أرمد، فتفل في عيني فما وجدت حرا ولا بردا، ولا رمدت عيناي.
وأخرج الإمام أحمد في المسند [1/ 78] ، وأبو يعلى كذلك [1/ 445] رقم 593، والبيهقي في الدلائل [4/ 213] من حديث أم موسى قالت:
سمعت عليا يقول: ما رمدت ولا صدعت مذ مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهي وتفل في عيني يوم خيبر حين أعطاني الراية.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد [9/ 122] : رجاله رجال الصحيح غير أم موسى وحديثها مستقيم.
(1204) قوله: «ما روي عن أنس» :
أخرجه ابن عدي في الكامل [7/ 2561] ، ومن طريقه البيهقي في الدلائل [6/ 184] ، وأبو نعيم في الدلائل- وليس في المختصر المطبوع-، والطبراني في المعجم الأوسط [4/ 574- 575] ، والحاكم في المستدرك [1/ 542- 543] ، والخطيب في تاريخه [8/ 377] ، وفي إسناد الجميع الهيثم بن جماز البكاء الحنفي، قال ابن عدي: أحاديثه أفراد غرائب عن ثابت، وفيها ما ليس بالمحفوظ، وقال البيهقي: هو ضعيف عند أهل العلم.(3/473)
1205- ومنها: ما روي عن ابن عباس أن رجلا من أزد شنوءة يقال له: ضماد، وكان باليمن، وكان يعالج من الرياح، فقدم مكة، فسمع أهل مكة يقولون: محمد شاعر، مجنون، وكاهن، وساحر، فقال:
والله لو لقيت هذا الرجل فلعل الله أن يشفيه على يديّ، فلقيه فقال:
يا محمد إني أعالج، وإن الله يشفي على يديّ، وإني أعالج من هذه الرياح.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله، نحمده ونستهديه ونستعينه ونستغفره، من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمدا عبده ورسوله، أما بعد، فقال: أعد عليّ، فأعادها عليه صلى الله عليه وسلم ثلاثا، فقال: لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة والشعراء، فما سمعت بهذه الكلمات، ولقد بلغت قاموس البحر، فمد يدك أبايعك، فمد يده فبايعه على الإسلام- قال: وعلى قومك- فبايعه على قومه.
(1205) قوله: «يقال له: ضماد» :
- ويقال: ضمام والأول أصح- ابن ثعلبة الأزدي، صحابي، أخرج حديثه من طرق عن ابن عباس: الإمام أحمد في مسنده [1/ 350] ، ومسلم في الجمعة من صحيحه، باب تخفيف الصلاة والخطبة، رقم 868، والنسائي في النكاح [6/ 89] باب ما يستحب من الكلام عند النكاح، وابن ماجه كذلك، باب خطبة النكاح، رقم 1893، وابن سعد في الطبقات [4/ 241] ، وابن منده في الإيمان برقم 132، وأبو القاسم الأصبهاني في الدلائل برقم 257، وابن الأثير في الأسد [3/ 56] ، والبيهقي في السنن الكبرى [3/ 214] ، وهو في صحيح ابن حبان- كما في الإحسان- برقم 6568.(3/474)
1206- ومن ذلك: أن سلمة بن الأكوع أصيب ساقه بضربة يوم خيبر، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فنفث فيه ثلاث نفثات، فما اشتكى ساقه بعد ذلك.
1207- وبارز عبد الله بن عتيك أبا رافع بن أبي الحقيق، فضربه أبو رافع ابن أبي الحقيق فأبان يده، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا ومعه يده المقطوعة، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها فاستوت، فلم تكن تعرف من اليد الأخرى.
(1206) قوله: «أصيب ساقه بضربة يوم خيبر» : أخرج البخاري في المغازي، وأبو داود في الطب، والإمام أحمد في المسند [4/ 48] وغيرهم من حديث يزيد بن أبي عبيد قال: رأيت أثر ضربة في ساق سلمة بن الأكوع فقلت: ما هذه الضربة؟ قال: ضربة أصابتني يوم خيبر، فقال الناس: أصيب سلمة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفث فيه ثلاث نفثات فما اشتكيت حتى الساعة.
(1207) قوله: «فأبان يده» :
هكذا يقول المصنف رحمه الله، فلا أبو رافع ضربه، ولا اليد التي أبينت، إنما كان عبد الله ضعيف البصر فتعثر في درجة بيت ابن أبي الحقيق بعد قتله فأصيب، ثم اختلفوا فيما أصيب منه، ففي رواية ابن إسحاق [2/ 275- ابن هشام] أنها يده، ولفظه: فخرجنا- يعني: بعد قتله- وكان عبد الله سيء البصر فوقع من الدرجة فوثئت يده وثئا شديدا- ويقال: رجله فيما قال ابن هشام-، فحملناه حتى نأتي به منهرا من عيونهم فندخل فيه ...
القصة، أخرجها البخاري في غير موضع من صحيحه كما مضى في المغازي وفيها أن ساقه هي التي أصيبت، قال الحافظ في الفتح: وقع في رواية ابن إسحاق: فوثئت يده، قال: وهو وهم، والصواب: رجله، وإن كان محفوظا فوقع جميع ذلك.(3/475)
1208- وعن عثمان بن أبي العاص قال: لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف جعل يعرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي، قال: فلما رأيت ذلك دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ابن أبي العاص؟
قال: قلت: نعم يا رسول الله، قال: ما حاجتك؟ قلت: يا رسول الله عرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي، قال: ذاك شيطان، ادن، فدنوت منه فجلست على صدر قدمي فقال: افغر فاك، قال: فضرب صدري بيده وتفل في فيّ وقال: اخرج عدو الله، قال: ففعل ذلك ثلاثا، ثم قال: الحق بعملك.
(1208) قوله: «ذاك شيطان» :
زاد في رواية مسلم: يقال له خنزب، أشار إليها المصنف في الذي بعده، وقد اختلفت ألفاظ هذا الحديث، فتمامه عند مسلم: فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثا، قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني، أخرجه في السلام، باب التعوذ من شيطان الوسوسة في الصلاة، رقم 2203 (68 وما بعده) ، وأخرجه الإمام أحمد أيضا [4/ 216] وغيرهما.
وأخرج الإمام أحمد في المسند [4/ 21، 217] ، ومسلم برقم 2202 من حديث نافع بن جبير، عن عثمان بن أبي العاص: أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل: بسم الله ثلاثا، وقل سبع مرات: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر، أخرجه أيضا أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
وأخرج الطبراني في معجمه الكبير [9/ 37] رقم 8347، والبيهقي [5/ 308] ، وأبو نعيم برقم 396 كلاهما في الدلائل عن عثمان قال:
استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصغر الستة الذين وفدوا عليه من ثقيف، وذلك أني كنت قرأت سورة البقرة، فقلت: يا رسول الله، إنّ القرآن ينفلت-(3/476)
قال عثمان: فلعمري ما أحسبني خالطني بعده.
1209- وفي رواية أنه قال: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوء حفظي القرآن فقال: ذاك شيطان يقال له: خنزب، ادن مني يا عثمان، ثم تفل في فيّ، ووضع يده على صدري حتى وجدت بردها بين كتفي، فقال: يا شيطان أخرج من صدر عثمان، قال: فما سمعت بعد ذلك شيئا إلّا حفظته.
1210- وعن أم جميل أنها قالت لابنها محمد بن حاطب: أقبلت- منّي، فوضع يده على صدري وقال: يا شيطان، اخرج من صدر عثمان، قال: فما نسيت شيئا بعد أريد حفظه، ورواه أبو نعيم من وجه آخر وفيه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ذاك شيطان يقال له خنزب، تأتى عند المصنف، والصواب في هذا رواية مسلم، ورواية الطبراني والبيهقي، والله أعلم، وانظر التعليقين الاتيين.
قوله: «فلعمري ما أحسبني خالطني بعده» :
أخرجه بطوله ولفظه ابن ماجه في الطب، باب الفزع والأرق وما يتعوذ منه، رقم 3548.
(1209) قوله: «يقال له: خنزب» : هكذا قال أبو نعيم في هذا الحديث في الدلائل برقم 396، من طريق يونس عن الحسن عنه وإسناده لا بأس به، لكن الأولى رواية مسلم والجماعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك في شيطان الوسوسة في الصلاة كما تقدم، فكأن في هذا اللفظ خلطا بين رواية الوسوسة في الصلاة ورواية شكواه سوء الحفظ. والله أعلم، انظر ما قبله.
(1210) قوله: «لابنها محمد بن حاطب» :
القرشي، الجمحي، أول من سمي في الإسلام محمدا، ولد بأرض الحبشة فأرضعته أسماء بنت عميس مع ابنها عبد الله بن جعفر، وأرضعت أمه أم جميل-(3/477)
بك من أرض الحبشة، حتى إذا كنت من المدينة على ليلة أو ليلتين طبخت لك طبيخا ففني الحطب، فخرجت أطلب الحطب، فتناولت القدر، فانقلبت على ذراعك، فقدمت بك إلى المدينة حتى أتيت بك النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله هذا محمد بن حاطب، وهو أول من سمي بك، فتفل صلى الله عليه وسلم في فيك، ومسح على رأسك، ودعا بالبركة، وجعل يتفل على يدك ويقول: أذهب الباس رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلّا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما، قالت: فما قمت بك من عنده إلّا وقد برأت يداك.
1211- ومن ذلك: أن رجلا من أصحابه طبخ قدرا فعالجه ليحمله- واسمها: فاطمة بنت المجلّل العامرية عبد الله بن جعفر، فكانا يتواصلان على ذلك حتى ماتا، يقال: مات محمد بن حاطب سنة ست وثمانين.
أخرجه من طرق: الإمام أحمد في المسند [3/ 418، 6/ 437] ، والبخاري في تاريخه الكبير [1/ 17] ، الترجمة رقم 8، ومن طريقه البيهقي في الدلائل [6/ 175] .
وأخرجه النسائي في اليوم والليلة من السنن الكبرى [6/ 55] رقم 10015، وفي الطب أيضا [6/ 254] رقم 10864، 10865، والطيالسي في مسنده برقم 1194، والطبراني في معجمه الكبير [19/ 239- 241] الأرقام 535، 536، 537، 538، 539، 540، وأبو نعيم في الدلائل برقم 398، وفي المعرفة [1/ 170- 171] رقم 643، 644، 645، والبيهقي في الدلائل [6/ 174] ، وأبو القاسم الأصبهاني في الدلائل برقم 243.
(1211) قوله: «فعالجه ليحمله» :
هكذا وجدنا هذا الأثر في الأصول، وكأنه عين الذي قبله لذلك جعلناه في إثره، والله أعلم.(3/478)
فسقط على يده فأحرقته، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتفل عليها، ودعا، فضم الرجل يده فلم يشكها بعد.
1212- وعن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع فادع الله لي، قال: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك فقالت: أصبر، ثم قالت: فإني أتكشف، فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها.
1213- ومن ذلك: أن امرأة بذيئة كانت ترافث الرجال، فمرت بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يأكل على الأرض فقالت: تأكل ولا تطعمني؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (1212) قوله: «فدعا لها» :
أخرجاه في الصحيحين، أخرجه البخاري في المرضى، باب فضل من يصرع من الريح، ومسلم في البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه.
(1213) قوله: «أن امرأة بذيئة» :
البذاءة: ذرب في اللسان، ويقال أيضا: فحش اللسان وسلاطته.
قوله: «وهو يأكل على الأرض» :
زاد في الرواية: فقالت: انظروا إليه يجلس كما يجلس العبد ويأكل كما يأكل العبد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وأي عبد أعبد مني؟ قالت: ويأكل ولا يطعمني، قال: فكلي ... الحديث، أخرجه الطبراني في معجمه الكبير [8/ 236] رقم 7812، من حديث علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة به، قال في مجمع الزوائد [9/ 21] : إسناده ضعيف.
وأخرجه الطبراني أيضا في معجمه الكبير [8/ 275] رقم 7903 من وجه آخر عن أبي عبد الملك، عن القاسم بنحوه.(3/479)
تعالي كلي، فقالت: أريد مما في يدك، فناولها، فقالت: أريد مما في فمك، فناولها، فلما وصلت اللقمة إلى فيها ألقى الله تعالى عليها الحياء، فكانت لا تنظر إلى شيء بعد ذلك.
1214- ومنها: ما روي أن الحمى جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرعت بابه فقال: من هذا؟ قالت: أم ملدم، فقال: لا مرحبا ولا أهلا، قالت: يا رسول الله ابعثني إلى أحب أصحابك إليك، قال: اذهبي إلى قباء، قال: فمضت إليهم فصبت عليهم سبعا، فدخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم لا يعقلون، ثم دعا لهم بالشفاء فشفوا.
قوله: «فكانت لا تنظر إلى شيء بعد ذلك» :
وفي رواية: فلم يعلم من تلك المرأة بعد ذلك الأمر الذي كانت عليه من البذاءة والذرابة.
(1214) قوله: «ومنها ما روي أن الحمى جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم» :
لفظ حديث الباب قريب من لفظ حديث أم طارق.
وفي الباب أيضا عن جابر بن عبد الله، وسلمان، وأبي هريرة.
أما حديث جابر بن عبد الله: فأخرجه البيهقي في الدلائل [6/ 158] من طريق أبي سفيان، عن جابر بن عبد الله (في المطبوع: عن جابر بن عمرو) قال: أتت الحمى النبي صلى الله عليه وسلم واستأذنت عليه فقال: من أنت؟ قالت: أم ملدم، قال: أتريدين أهل قباء؟ قالت: نعم، قال: فحموا ولقوا منها شدة، فاشتكوا إليه قالوا: يا رسول الله لقينا من الحمى، قال: إن شئتم دعوت الله فكشفها عنكم، وإن شئتم كانت لكم طهورا، قالوا: بل تكون لنا طهورا.
وأما حديث سلمان: فأخرجه البيهقي أيضا في الدلائل [6/ 159] بإسناد على شرط الصحيح غير هشام بن لاحق شيخ الإمام أحمد فيه قال عنه: لم يكن به بأس، وكذلك قال النسائي. -(3/480)
.........
- قال هشام بن لاحق: حدثنا عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان الفارسي قال: استأذنت الحمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها:
من أنت؟ قالت: أنا الحمى أبري اللحم وأمص الدم، قال: اذهبي إلى أهل قباء، قال: فأتتهم، فجاؤا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصفرت وجوههم، فشكوا الحمى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما شئتم؟ إن شئتم دعوت الله عزّ وجلّ فكشفها عنكم، وإن شئتم تركتموها فأسقطت ذنوبكم، قالوا: بل ندعها يا رسول الله.
وأما حديث أبي هريرة: فأخرجه البيهقي أيضا في الدلائل [6/ 160] من حديث عطاء عنه قال: جاءت الحمى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت:
يا رسول الله ابعثني إلى أحب قومك- أو أحب أصحابك إليك شك قرة- فقال: اذهبي إلى الأنصار، قال: فذهبت فصبت عليهم فصرعتهم ...
الحديث، قال البيهقي: يحتمل أن يكون هذا في قوم آخرين من الأنصار. اهـ.
قلت: في إسناده الكديمي وهو ضعيف وباقي رجاله ثقات، وهو شاهد لحديث الباب.
وأما حديث أم طارق مولاة سعد: فأخرجه ابن سعد في الطبقات [8/ 303] ، والبيهقي في الدلائل [6/ 158] ، قال ابن سعد: أخبرنا يعلى بن عبيد، ثنا الأعمش، عن جعفر بن عبد الرحمن الأنصاري، عن أم طارق مولاة سعد قالت: جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى سعد فاستأذن، فسكت سعد ثلاثا فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسلني سعد إليه: إنه لم يمنعنا أن نأذن لك إلّا أنا أردنا أن تزيدنا، قالت: فسمعت صوتا على الباب يستأذن ولا أرى شيئا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من أنت؟ قالت: أنا أم ملدم، قال: لا مرحبا، ولا أهلا، أتهدين إلى أهل قباء؟ قالت: نعم، قال: فاذهبي إليهم.
قلت: إسناده جيد، جعفر بن عبد الرحمن الأنصاري، أبو عبد الرحمن-(3/481)
1215- وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة جاءت بولدها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابني به لمم، وإنه يأخذ عند طعامنا فيفسد علينا طعامنا، فقال: فمسح رسول الله صدره، ودعا له، فثع ثعة، فخرج من فيه مثل الجرو الأسود.
1216- وعن أم جندب قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة من بطن الوادي يوم النحر وهو على دابته، ثم انصرف، فتبعته امرأة من خثعم ومعها صبي أصابه بلاء فقالت: يا رسول الله هذا ابني وبقية أهلي، وإن به بلاء لا يتكلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إيتوني بشيء من ماء، فأتي به، وغسل يديه ومضمض فاه، ثم أعطاه فقال: اسقيه منه، وصبي عليه منه، واستشفي الله له، قالت: فلقيت المرأة وقلت: لو وهبت لي منه، فقالت: إنما هو لهذا المبتلى، فلقيت المرأة من الحول، فسألتها عن الغلام، فقالت: برأ وعقل عقلا ليس كعقول الناس.
- ليس له في الكتب شيء، ذكره ابن أبي حاتم، ونقل عن أبيه قوله: هو شيخ للأعمش لقيه بواسط، وهو واسطي، روى عن أم طارق وحكيم بن سعد.
(1215) قوله: «مثل الجرو الأسود» : زاد في الرواية: فسعى، خرجناه في مسند أبي محمد: عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، تحت رقم 20- فتح المنان، وخرجنا تحته حديث أم جندب الاتي.
(1216) قوله: «وعن أم جندب» :
ذكرنا حديثها في مسند أبي محمد الدارمي عند الكلام على حديث ابن عباس بمعنى القصة هنا، وخرجناه تحت رقم: 20- فتح المنان، وهو عند ابن أبي شيبة في المصنف برقم 11804 ومن طريقه ابن ماجه في السنن برقم 3532، والإمام أحمد في المسند [6/ 379] ، والطبراني في معجمه الكبير [25/ 160] رقم 387.(3/482)
1217- ومن ذلك: حديث أبيض بن حمال أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وكان بوجهه حزازة- يعني: القوباء- وقد التمع وجهه، فدعاه نبي الله صلى الله عليه وسلم فمسح وجهه، فلم يمس ذلك اليوم وفيه أثر.
1218- ومن ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم دخل على جابر بن عبد الله وهو مريض دنف قد أغمي عليه فقام صلى الله عليه وسلم فتوضأ وصب عليه وضوءه، فعقل جابر وعوفي من مرضه.
1219- ومن ذلك: أن رجلا من أصحابه صلى الله عليه وسلم ضرب في بعض غزواته بالسيف فتعلقت يده فاذته فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفث عليها فلزقت يده كأصح ما يكون.
(1217) قوله: «حديث أبيض بن حمال» :
المأربي، صحابي، سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن حمى الأراك، واستقطعه الملح الذي بمأرب.
وحديثه هنا أخرجه ابن سعد في الطبقات [5/ 524] ، والطبراني في معجمه الكبير [1/ 255] رقم 812، وأبو نعيم في المعرفة [1/ 331] رقم 1042 وغيرهم.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد [9/ 412] : رجاله ثقات.
(1218) قوله: «فتوضأ وصب عليه وضوئه» :
أخرجاه في الصحيحين، وبيّنا موضعه فيهما في فتح المنان شرح المسند الجامع لأبي محمد الدارمي تحت رقم 778.
(1219) قوله: «أن رجلا من أصحابه صلى الله عليه وسلم» :
هو خبيب بن يساف- أو: إساف ويقال: يسار- وقصته عند الإمام أحمد في المسند [3/ 454] ، وابن سعد في الطبقات [3/ 534] ، والبيهقي في الدلائل [6/ 178] ، وأبو نعيم في الحلية [1/ 364] ، جميعهم من حديث-(3/483)
1220- ومنها: أن ملاعب الأسنة كان ممن ببطنه استسقاء فبعث إليه يستشفيه، فأخذ بيده حثوة من الأرض فتفل عليها، ثم أعطاها رسوله، فأخذها متعجبا يرى أن قد استهزىء به، فشربها فأطلق من مرضه.
- خبيب بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده قال:
أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجل من قومي في بعض مغازيه فقلنا: إنا نستحي أن يشهد قومنا مشهدا لا نشهده، قال: أسلمتم؟ قلنا: لا، قال: فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين، قال: فأسلمت، وشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأصابتني ضربة على عاتقي فخانتني فتعلقت يدي، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فتفل فيها وألزقها فالتأمت وبرأت، وقتلت الذي ضربني، ثم تزوجت ابنة الذي ضربني فقتلته، وحدثتني فكانت تقول: لا عدمت رجلا وشحك هذا الوشاح، فأقول: لا عدمت رجلا عجل أباك إلى النار، لفظ البيهقي في الدلائل.
(1220) قوله: «أن ملاعب الأسنة» :
لقب لقبه به درار بن عمرو القيسي، القصة مذكورة في مظان ترجمته واسمه عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب العامري أبو براء الكلابي، ذكره في الصحابة جماعة وأوردوا له حديث الباب، وزعم بعضهم أنه لم يسلم، والذي مال إليه الحافظ أنه أسلم ولكن كان ذلك منه متأخرا، والله أعلم.
أما قصة استشفائه فأخرجها الواقدي في مغازيه [1/ 350] في سياق قصة بئر معونة ... قال: وأقبل أبو براء سائرا- وهو شيخ كبير، همّ- فبعث من العيص ابن أخيه لبيد بن ربيعة بهدية فرس، فرده النبي صلى الله عليه وسلم وقال: لا أقبل هدية مشرك، فقال لبيد: ما كنت أظن أن أحدا من مضر يرد هدية أبي براء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو قبلت هدية مشرك لقبلت هدية أبي براء، قال: فإنه قد بعث يستشفيك من وجع به- وكانت به الدبيلة-، فتناول النبي صلى الله عليه وسلم جبوبة من الأرض فتفل فيها، ثم ناوله وقال: دفها بماء ثم اسقها إياه، ففعل فبرئ، قال: ويقال: إنه بعث إليه بعكة عسل فلم يزل يلعقها حتى برىء. -(3/484)
1221- وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم عاشوراء وعظمه، وجعل يدعو صبيانه وصبيان فاطمة رضي الله عنها الرضع فيتفل في أفواههم ويقول لأمهاتهم: لا ترضعنهن إلى الليل، قال: فكان ريقه صلى الله عليه وسلم يجزئهم.
- ومن طريق الواقدي أخرجها أبو نعيم في الدلائل [2/ 513] رقم 441.
وأخرج ابن الأعرابي في معجمه [2/ 526- 529] ، من طريق مسعر، عن خشرم، عن عامر بن مالك قال: بعثت إلى النبي صلى الله عليه وسلم من وعك بي ألتمس منه دواء أو شفاء، ومن هذا الوجه أخرجه أبو نعيم في المعرفة [4/ 2062] رقم 5184.
قال أبو نعيم: ورواه عقبة الرفاعي، عن عبد الله بن بريدة، قال: حدثنا عم عامر بن الطفيل: أن عامر بن الطفيل كان به دبيلة، فبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بفرس هدية يلتمس منه دواء، فرد الفرس وبعث إليه بعكة من عسل، وقال: تداوى بها، قال: وإنما رد الفرس لأنه لم يكن أسلم.
قال الحافظ في الإصابة بعد إيراده رواية ابن الأعرابي: ورواه ابن منده من هذا الوجه فقال: عن عامر بن مالك.
ورواه البغوي فقال: عن خشرم الجعفري: أن ملاعب الأسنة بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله الدواء، قال: وأخرجه أيضا بإسناد صحيح عن أبي قتادة، عن المتوكل، عن أبي سعيد: أن ملاعب الأسنة بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله الدواء من وجع بطن ابن أخ له، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم عكة عسل، فسقاه فبرأ.
(1221) قوله: «صبيانه وصبيان فاطمة» : في الروايات الأخرى: برضعائه ورضعاء ابنته فاطمة.
قوله: «لا ترضعنهم إلى الليل» :
أخرجه أبو يعلى في مسنده [13/ 92] رقم 7162، والطبراني في معجمه الكبير [24/ 277] رقم 704، والحارث في مسنده [1/ 423 بغية الباحث] ، رقم 337، وأبو نعيم في المعرفة [6/ 334- 3335] رقم-(3/485)
1222- وعن عثمان بن حنيف أن رجلا أعمى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
إني أصبت في بصري فادع الله تعالى لي، قال: توضأ، ثم صلي ركعتين وقل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمّد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة، يا محمد إني أستشفع بك إلى ربي في رد بصري، اللهم شفعني في بصري، وشفع نبيك فيّ.
قال: فإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك، فرد الله عليه بصره.
1223- وروي عن حبيب بن فديك: أن أباه خرج به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه مبيضتان لا يبصر بهما شيئا، فسأله: ما أصابك؟ قال:
وضعت رجلي على بيض حية فأصيب بصري، فنفث رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينه فأبصر.
قال: فرأيته يدخل الخيط في الإبرة وإنه ابن ثمانين، ...
- 7645، والبيهقي في الدلائل [6/ 226] ، جميعهم من حديث عليلة بنت الكميت، عن أمها ... به، وعزاه الحافظ في الإصابة أيضا لابن أبي عاصم وابن منده وأبي مسلم الكجي، قال الحافظ ابن كثير: له شاهد في الصحيح، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد [3/ 186] : عليلة ومن فوقها لم أجد من ترجمهن.
(1222) قوله: «فرد الله عليه بصره» :
هكذا جاء في الأصول معلقا مكررا، وقد أسنده المصنف في أول هذا الفصل، وتقدم تخريجه.
(1223) قوله: «عن حبيب بن فديك» : السلاماني، وفديك: يقال بالدال المهملة أو بالواو، وبالثاني قال ابن عبد البر في الاستيعاب.(3/486)
وإن عينه لمبيضتان.
1224- ومن ذلك: ما ذكر قتادة بن النعمان أنه أصيب عينه يوم بدر فسالت حدقته على وجنته فأرادوا أن يقطعوها، فقالوا: نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنستشيره في ذلك، فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه الخبر، فأدناه منه فرفع حدقته حتى وضعها في موضعها، ثم عمّها براحتيه وقال: اللهم اكسه جمالا، قال: فمات، ولا يدري من لقيه أي عينيه أصيبت.
1225- ومن ذلك: ما روت ابنة خباب بن الأرت قالت: خرج أبي في غزاة له ولم يدع لنا إلّا شاة، وقال: إذا أردتم أن تحلبوها فأتوا قوله: «وإن عيناه لمبيضتان» : أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف [7/ 401، 11/ 512] الأرقام 3614، 11853، ومن طريقه الطبراني في معجمه الكبير [4/ 30] رقم 3546، وأبو نعيم في الدلائل برقم 397، وفي المعرفة [2/ 831] رقم 2181، 2182، والبيهقي في الدلائل [6/ 173] ، وأبو القاسم الأصبهاني في الدلائل برقم 269، وابن الأثير في الأسد [1/ 447] ، وعزاه السيوطي في الخصائص أيضا لابن السكن، والبغوي، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد [8/ 298] : فيه من لم أعرفه.
(1224) قوله: «أنه أصيب عينه يوم بدر» :
سعيد المصنف القصة بإبهام اسم صاحبها، ويأتي تخريجها تحت رقم 1264. وانظر أيضا النص الاتي برقم: 1542.
(1225) قوله: «ابنة خباب بن الأرت» :
أخرج حديثها الطيالسي في مسنده ولفظه مختصر برقم 1663، ومن طريقه البيهقي في الدلائل [6/ 138] ، وأخرجه بطوله ابن سعد في الطبقات [8/ 290، 291] بإسناد رجاله ثقات.(3/487)
بها أهل الصفة، قالت: فانطلقنا بها وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فأخذها واعتقلها فحلب ملأ القدح ثم قال: اذهبوا فأتوني بأعظم إناء عندكم، فذهبنا فلم نجد إلّا الجفنة التي نعجن فيها، فأتينا بها فحلب حتى ملأها، فقال: اذهبوا به واشربوا واسقوا جيرانكم، فإذا أردتم أن تحلبوها فأتوني بها، فكنا نختلف بها إليه، فأخصبنا حتى قدم أبي فأخذها واعتقلها وحلبها، فعادت إلى لبنها، فقالت أمي: أفسدت علينا شاتنا! قال:
وما ذاك؟ قالت: إن كانت لتحلب ملء هذه الجفنة، قال: ومن كان يحلبها؟ قالت: رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال خباب: أوقد عدلتني به، هو والله أعظم بركة يدا مني صلى الله عليه وسلم.
1226- ومن ذلك: أن بشر بن معاوية قدم مع أبيه معاوية بن ثور- وكان معاوية قال لابنه بشر يوم قدم به وله ذؤابة: إذا جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل ثلاث كلمات لا تنقص منهن ولا تزد عليهن، قل: السلام عليك يا رسول الله، أتيتك يا رسول الله لأسلم عليك، وأسلم إليك، وتدعو لي بالبركة- قال بشر: فقلتهن. فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسه، ودعا له بالبركة، فكان في وجهه مسحة رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنها غرة، فكان لا يمسح شيئا إلّا برأ.
(1226) قوله: «فكان لا يمسح شيئا إلّا برأ» : القصة أخرجها بأسانيد: البخاري في تاريخه [2/ 83]- وفي سياقه ذكر الوفادة دون القصة، - وأبو نعيم في المعرفة [1/ 393- 394] رقم 1181، 1182، وابن قانع في معجم الصحابة [2/ 664] رقم 133، 134، وعزاه الحافظ في الإصابة، والسيوطي في الخصائص للبغوي في معجم الصحابة، وابن منده، وابن شاهين، ولها ثلاث طرق، في الأولى-(3/488)
1227- ومن ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم أتي بغلام من الأنصار فمسح جبهته فنبتت له في جبهته كهلبة الفرس.
- منها: يعقوب بن محمد الزهري وهو ضعيف، وفي الثانية: صاعد بن طالب عند أبي نعيم بإسناد مجهول، وفي الثالثة: وهي طريق زياد البكائي فيها انقطاع، قاله الحافظ في الإصابة، لكن مجموع هذه الطرق يحسّن القصة في الجملة، سيما وأن لها شواهد كثيرة، والله أعلم.
(1227) قوله: «أتي بغلام من الأنصار» :
أخرج البيهقي في الدلائل [6/ 231] من طريق أبي القاسم البغوي حديث ابن جدعان، عن أبي الفضل:
أن رجلا ولد له غلام على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له بالبركة، وأخذ بجبهته فنبتت شعرة في جبهته كأنها هلبة فرس، فشب الغلام، فلما كان زمن الخوارج أجابهم فسقطت الشعرة عن جبهته، فأخذه أبوه فقيده وحبسه مخافة أن يلحق بهم، قال: فدخلنا عليه فوعظناه وقلنا له: ألم تر إلى بركة النبي صلى الله عليه وسلم وقعت؟ فلم نزل به حتى رجع عن رأيهم، قال: فرد الله بعد الشعرة في جبهته إذ تاب.
ورواه البيهقي أيضا، وأبو نعيم في المعرفة [4/ 2298] رقم 5675، والبارودي، وابن منده فيما ذكره الحافظ في الإصابة من وجه آخر عن أبي الطفيل، فسمى الغلام: فراس بن عمرو، لكن في إسناد هذا إسماعيل بن إبراهيم التيمي، ضعيف جدّا، والإسناد الأول أمثل منه؛ ابن جدعان وهو علي بن زيد من شرط أصحاب السنن.
وأخرج الحاكم في المستدرك [3/ 587] من حديث حشرج عن عائذ بن عمرو: قال: أصابتني رمية في وجهي وأنا أقاتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلما سالت الدماء على وجهي ولحيتي وصدري تناول النبي صلى الله عليه وسلم فسلت الدم عن وجهي وصدري إلى ثندوتي ثم دعا لي، قال حشرج:
فكان يخبرنا بذلك عائذ في حياته، فلما هلك وغسلناه نظرنا إلى ما كان-(3/489)
1228- وعن جرير بن عبد الله قال: كنت لا أثبت على الخيل، وكنت أسقط عن فرسي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تريحني من ذي الخلصة، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فضرب بيده على صدري حتى رأيت أثر يده في صدري فقال: اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا، فانطلقت في خمسين ومائة فارسا مجاهدين كانوا أصحاب خيل، قال: فما وقعت عن فرسي بعد.
1229- وعن محمد بن المنكدر عن جابر قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بموضع فقامت إليه امرأة فقالت: يا رسول الله إن زوجي لا يقربني ولا يأتيني، فبينا هي كذلك إذ جاء زوجها فقال صلى الله عليه وسلم: إن هذه تزعم أنك لا تقربها ولا تأتيها، فقال: عهدي بها البارحة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: - يصف لنا من أثر يده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منتهى ما كان يقول لنا من صدره وإذا غرة سابلة كغرة الفرس.
(1228) قوله: «وعن جرير بن عبد الله» :
البجلي، أخرج حديثه الشيخان: فأخرجه البخاري في الجهاد، باب حرق الدور، وفي المغازي، باب غزوة ذي الخلصة، وأخرجه مسلم في الفضائل.
(1229) قوله: «عهدي بها البارحة» :
في رواية: الليلة، وفي أخرى: والذي أكرمك ما جف رأسي منها، فقالت امرأته: ما! مرة واحدة في الشهر؟.
وفي الإسناد ضعف واضطراب: رواه علي بن أبي علي اللهبي- وهو ضعيف- فاختلف عليه فيه:
* فقال الحميدي عنه: عن محمد بن المنكدر، عن جابر به، أخرجه أبو نعيم في الدلائل برقم 387. -(3/490)
اللهم أدن كل واحد منهما من صاحبه، - أو نحو ذلك-، ثم مر بها النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فقامت إليه فقالت: يا رسول الله لقد كلمتك بما كلمتك به، وما على الأرض أحد أحب إليّ منه.
1230- ومنها: ما رواه جابر بن عبد الله أن أباه قتل يوم أحد شهيدا وترك ست بنات وعليه عشرين وسقا دين، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبعث إلى غريمي، فأبى إلّا أن يأخذ الكل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطلق فأعطه، قال: فانطلقت إلى عريش لنا من النخل ومعي صاحبتي جزاها الله حسنا، فعالجنا نخلنا وصرمنا، ولنا عنز نطعمها من الحشف، وقد سمنت، إذ أقبل رجلان، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر، فقلت: مرحبا يا رسول الله ومرحبا يا عمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطلق بنا يا جابر- وتابعه عن ابن المنكدر: يوسف بن محمد بن المنكدر- اختلف فيه- أخرجه أبو يعلى في مسنده [3/ 392] رقم 387، وعلقه البيهقي في الدلائل [6/ 229] قال الهيثمي في مجمع الزوائد: يوسف بن محمد وثقه أبو زرعة وغيره، وضعفه جماعة.
قلت: فيه انقطاع أيضا فإن عبيد الله بن معاذ ذكر عند أبي يعلى أنه لم يسمعه من أبيه معاذ.
* ورواه عبد العزيز الأويسي، عن علي بن أبي علي، عن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر، أخرجه البيهقي في الدلائل [6/ 228- 229] والأول أشبه بالصواب، والله أعلم.
(1230) قوله: «ما رواه جابر بن عبد الله» :
القصة في الصحيحين، خرجناها بطولها في فتح المنان شرح مسند الحافظ أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن تحت رقم 47، ولفظ المصنف هنا أخرجه الحافظ ابن عساكر في تاريخه [12/ 227- 228] ، ولها عنده طرق وألفاظ.(3/491)
حتى نطوف في نخلك، قال: فقلت: نعم، فأمرت بالعنز فذبح، فطفنا ثم جيء بمائدة عليها رطب ولحم فقدمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر فأكلا، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج قالت صاحبتي: نرجو دعواتك يا رسول الله، فدعا بالبركة، فأرسلت إلى غرمائي بأحمرة وجواليق، وقد حدثت نفسي أن أشتري حتى أوفيهم ما كان على أبي من الدين، فو الذي نفسي بيده لقد أوفيتهم عشرين وسقا وفضل لنا فضل، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وبشرته، فقال: اللهم لك الحمد.
1231- وعن عمرو بن أخطب قال: استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقيته في قدح قوارير، فرأيت فيه شعرة فأخذتها، فقال: اللهم جمله، قال الراوي: فرأيته وهو ابن ثلاث وسبعين سنة وما في رأسه ولحيته شعرة بيضاء.
1232- وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال: أمتعه بشبابه.
1233- وقال يعلى بن الأشدق العقيلي: سمعت النابغة الجعدي يقول: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأنشدته:
(1231) قوله: «اللهم جمله» :
أخرجه الإمام أحمد في مسنده [5/ 340] ، وابن أبي شيبة في المصنف [11/ 493] ، والطبراني في معجمه الكبير [17/ 28] برقم 47، وأبو نعيم في الدلائل برقم 384، والبيهقي كذلك [6/ 212] ، وصححه الحاكم [4/ 139] ، وابن حبان كما في الإحسان برقم 7172.
(1233) قوله: «وقال يعلى بن الأشدق العقيلي» :
أحد الضعفاء، روى حديثه هذا جماعة منهم: الحسن بن سفيان في مسنده والشيرازي في الألقاب- فيما ذكره الحافظ في الإصابة- والبزار في مسنده-(3/492)
بلغنا السماء مجدنا وثراءنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إلى أين المظهر يا أبا ليلى؟ فقال قلت: إلى الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم: إن شاء الله.
فقلت:
ولا خير في حلم إذا لم تكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يفضض الله فاك.
قال يعلى: فلقد رأيته وأتى عليه أكثر من مائة سنة، وكان من أحسن الناس ثغرا.
-[3/ 4 كشف الأستار] رقم 2104، وأبو نعيم في الدلائل برقم 385، وفي تاريخ أصبهان [1/ 74] ، وفي المعرفة [4/ 2318] رقم 5709.
وقد تابع يعلى عن النابغة: كريز بن أسامة وكانت له وفادة، أخرجه الدارقطني في المؤتلف والمختلف [2/ 1060، 4/ 1957] ، ومن هذه الوجه أخرجه ابن السكن في الصحابة فيما ذكره الحافظ في الإصابة.
وتابعه أيضا عبد الله بن جراد، أخرجه الخطابي في الغريب [1/ 190] ومن هذا الوجه أخرجه المرحبي في كتاب العلم فيما ذكره الحافظ في الإصابة.
ورواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده [2/ 844] رقم 894، من طريق الحسن بن عبيد الله قال: حدثني من سمع النابغة به، ومن طريقه ابن عبد البر في الاستيعاب.
قال الحافظ في الإصابة: ورويناه في الأربعين البلدانية للسلفي من طريق عمرو بن العلاء، عن نصر بن عاصم الليثي، عن أبيه سمعت النابغة، ورويناه مسلسلا بالشعراء من رواية دعبل بن علي الشاعر، عن أبي نواس، عن والبة بن الحباب، عن الفرزدق عن الطرماح، عن النابغة، وهي في كتاب الشعراء لأبي زرعة المتأخر.(3/493)
1234- وعن عروة بن الجعد البارقي قال: دفع إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا وأمرني أن أشتري له كبشا يضحي به، فاشتريته، فلقيني رجل فأربحني فيه دينارا فبعته، ثم رجعت فاشتريت بأحد الدينارين كبشا آخر ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقبض الكبش والدينار وقال: اللهم بارك له في صفقة يمينه.
1235- وفي رواية أنه قال: أعطاني النبي صلى الله عليه وسلم دينارا وقال: يا عروة إيت الجلب فاشتر لنا شاة، فأتيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت شاتين بدينار، فجئت أسوقهما، فلقيني رجل في الطريق فساومني فبعته شاة بدينار، فجئت بالدينار وجئت بالشاة، فقلت: يا رسول الله، هذا ديناركم وهذه شاتكم، قال: وما صنعت؟ قال: فحدثته الحديث، فقال:
اللهم بارك له في صفقة يمينه.
(1234) قوله: «كبشا يضحي به» :
في رواية البخاري من حديث سفيان بن عيينة: يشتري له شاة كأنها أضحية.
قوله: «اللهم بارك له في صفقة يمينه» : في رواية البخاري وغيره: فدعا له بالبركة في البيعة، وزادوا: وكان لو اشترى التراب لربح فيه.
أخرجها البخاري في المناقب برقم 3642، 3643، وأبو داود في البيوع، برقم 3384، 3385، والترمذي كذلك برقم 1258، وابن ماجه في الصدقات برقم 2402.
ويروى نحو سياق اللفظ الأول عن حكيم بن حزام، أخرجه أبو داود برقم 3386، والترمذي برقم 1257.
(1235) قوله: «وفي رواية» :
أخرجها أبو نعيم في الدلائل برقم 388.(3/494)
قال: فلقد رأيتني أقف بكناسة الكوفة فأربح أربعين دينارا قبل أن أرجع إلى أهلي.
1236- وروي عن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب- وكانت تحت المقداد بن عمرو- قالت: إنما كان الناس يذهبون الغائط فرط اليوم واليومين والثلاثة فيبعرون كما تبعر الإبل، فلما كان ذات يوم خرج المقداد لحاجته إلى بقيع الغرقد، فدخل خربة لحاجته، فبينا هو جالس إذ أخرجت جرذ من جحر دينارا، فلم يزل يخرج دينارا دينارا حتى أخرجت سبعة عشر دينارا، ثم أخرجت طرف خرقة خمرا، فقال المقداد: فقمت فأخذتها فوجدت فيها دينارا فتمت ثمانية عشر دينارا، فأخذتها فجئت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبرها فقال: هل اتبعت يداك الجحر؟ قلت:
لا والذي بعثك بالحق، قال: لا صدقة فيها، بارك الله لك فيها.
(1236) قوله: «بنت الزبير بن عبد المطلب» : الهاشمية ابنة عم النبي صلى الله عليه وسلم، زوج المقداد بن عمرو، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم الاشتراط في الحج، أخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
قوله: «فقال المقداد» :
هو ابن عمرو، أحد السابقين الأولين شهد بدرا والمشاهد، ويقال له:
المقداد بن الأسود لأنه ربّي في حجره، وهو الأسود بن عبد يغوث الزهري، ويقال: بل كان حليفه لما أصاب دما في كندة فهرب إلى مكة، استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى الإمام أحمد من حديث بريدة مرفوعا:
عليكم بحب أربعة: علي، وأبي ذر، وسلمان، والمقداد.
قوله: «بارك الله لك فيها» :
أخرجه أبو داود في الخراج والأمارة، باب ما جاء في الركاز، رقم 3087، وابن ماجه في اللقطة، باب التقاط ما أخرج الجرذ، رقم 2508، -(3/495)
قالت ضباعة: فما فني آخرها حتى رأيت غرائر الورق في بيت المقداد.
1237- وعن عمران بن حصين قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبلت فاطمة رضي الله عنها، فنظرت إليها وقد ذهب الدم من وجهها وعلتها الصفرة من شدة الجوع، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إليها فأدناها فقامت بين يديه فوضع يده على صدرها في موضع القلادة وفرج أصابعه وقال: اللهم مشبع الجاعة، ورافع الوضعة، لا تجع فاطمة بنت محمد.
- وأبو نعيم في الدلائل برقم 389، من طريق الطبراني، ثنا عبيد بن غنام، ثنا ابن أبي شيبة، ثنا خالد بن مخلد، ثنا موسى بن يعقوب، حدثتني عمتي قريبة بنت عبد الله بن وهب عن أمها كريمة بنت المقداد بن عمرو عنها به.
إسناده حسن إن شاء الله.
قوله: «حتى رأيت غرائر الورق في بيت المقداد» :
مصداق ذلك: ما روى عن عكرمة: أن المقداد أوصى للحسن والحسين بستة وثلاثين ألفا، ولأمهات المؤمنين لكل واحدة سبعة آلاف درهم.
(1237) قوله: «وعن عمران بن حصين» :
أخرج حديثه الطبراني في الأوسط [5/ 12] رقم 4011، ومن طريقه أبو نعيم في الدلائل برقم 390، والبيهقي في الدلائل [6/ 108] ، وأبو القاسم الأصبهاني كذلك برقم 337، قال الهيثمي في مجمع الزوائد [9/ 203] : فيه عتبة بن حميد، وثقه ابن حبان وغيره وضعفه جماعة، وبقية رجاله وثقوا.
قوله: «فأدناها» :
في رواية أنه قال لها: ادني يا فاطمة ثم ادني يا فاطمة.
قوله: «اللهم مشبع الجاعة» :
في رواية: اللهم مشبع الجوعة، وقاضي الحاجة، ورافع الوضعة.(3/496)
قال عمران: فنظرت إليها وقد علا الدم على الصفرة في وجهها، فلقيتها بعد ذلك، قالت: ما جعت بعد ذلك يا عمران.
1238- ومن ذلك: دعاؤه صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس وقوله: اللهم فقهه في الدين وعلّمه التأويل، فكان أفقه خلق الله وأعلمهم، حتى سمي البحر.
(1238) قوله: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» :
هذا الحديث وإن كان أصله في الصحيحين إلّا أنهما لم يخرجاه بهذا اللفظ، كما سيأتي، أخرجه بهذا اللفظ ونحوه الإمام أحمد في مسنده [1/ 266، 314، 335] وفي الفضائل برقم 1856، 1858، 1882، وابن سعد في الطبقات [2/ 365] ، ويعقوب بن سفيان في المعرفة [1/ 493، 494] ، والطبراني في معجمه الكبير برقم 10587، 10614، والبلاذري في الأنساب [3/ 28] ، جميعهم من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبعضهم يزيد على بعض، وصححه ابن حبان كما في الإحسان برقم 7055.
وأخرجه ابن سعد في الطبقات [2/ 365] من حديث طاوس، عن ابن عباس بلفظ: اللهم علمه الحكمة، وتأويل الكتاب، وله ألفاظ أخرى تدور حول هذا المعنى، وقد أخرج الشيخان من حديث عبيد الله بن أبي يزيد، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له حين وضع له وضوءه بعد أن دخل الخلاء فقال: اللهم فقهه ... زاد البخاري: في الدين.
وأخرج البخاري في العلم وغيره من حديث عكرمة، عن ابن عباس قال:
ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم علمه الكتاب.
قوله: «فكان أفقه خلق الله» :
ليس بين أهل العلم اختلاف في أن ابن عباس إنما بلغ ما بلغ بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، أخرج يعقوب بن سفيان في المعرفة، وابن سعد في الطبقات من حديث ابن مسعود قال: لو أن ابن عباس أدرك أسناننا ما عاشره رجل منا، وكان يقول: نعم ترجمان القرآن ابن عباس، وروى يعقوب أيضا-(3/497)
1239- فقيل: رأيت البحر، وسمعت البحر.
1240- وعن ابن عباس قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم الخلاء فوضعت له وضوآ، فلما خرج قال: من وضع هذا؟ قالوا: ابن عباس، قال: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل واعطه الحكمة.
1241- ودعا لأنس بن مالك بطول العمر وكثرة المال والولد، فكثر ماله وولده وعاش عمرا طويلا.
- بإسناد صحيح عن أبي وائل قال: قرأ ابن عباس سورة النور ثم جعل يفسرها، فقال رجل: لو سمعت هذا الديلم لأسلمت.
رواه أبو نعيم في الحلية من وجه آخر فقال: سورة البقرة بدل (النور) ، وذكر أنه كان على الموسم، أرسله عثمان رضي الله عنه لما حصر، وأخرج ابن سعد في الطبقات من حديث أبي بن كعب، وكان عنده ابن عباس فقام فقال أبي: هذا يكون حبر هذه الأمة أوتي عقلا وفهما، وقد دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفقهه في الدين، ومناقبه أجل من أن تحصر.
(1239) قوله: «رأيت البحر، وسمعت البحر» : رواه ابن سعد في الطبقات [2/ 366] : أخبرنا أبو أسامة، قال الأعمش:
حدثنا عن مجاهد قال: كان ابن عباس يسمى البحر من كثرة علمه، قال:
وأخبرت عن ابن جريج عن عطاء قال: كان ابن عباس يقال له: البحر، قال: وكان عطاء يقول: قال البحر وفعل البحر.
(1240) قوله: «فوضعت له وضوآ» :
انظر النص المتقدم برقم: 1238، والنصوص الاتية بالأرقام: 2528، 2529، 2533.
(1241) قوله: «وعاش عمرا طويلا» :
ثبت في الصحيحين أنه كان في الهجرة ابن تسع سنين، ثم اختلف في وفاته فقيل: سنة إحدى وتسعين، وقيل: سنة ثلاث وله من العمر مائة-(3/498)
1242- عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم سليم فأتته بتمر وسويق فقال: أعيدوا تمركم في وعائه، وسمنكم في سقائه، فإني صائم، ثم قام إلى ناحية البيت فصلى بنا صلاة غير مكتوبة، ثم دعا لأم سليم ولأهلها بخير، فقالت: يا رسول الله إن لي خويصة، فقال: وما هي؟ قالت: أنس خادمك، فما ترك من أمر الدنيا والاخرة شيئا إلّا دعا لي.
ثم قال: اللهم ارزقه مالا وولدا، وبارك له فيما أعطيته.
فقال أنس: أخبرني بعض ولدي أنه دفن من ولدي وولد ولدي أكثر من مائة، وما من الأنصار أحد أكثر مني مالا.
- وثلاث سنين، قاله خليفة، قال الحافظ: وهو المعتمد، قال: وأكثر ما قيل في سنه أنه بلغ مائة وسبع سنين.
(1242) قوله: «أخبرني بعض ولدي» :
في صحيح البخاري: وحدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لصلبي مقدم الحجاج البصرة بضع وعشرون ومائة، أخرجه في الصوم، باب من زار قوما فلم يفطر عندهم، وأخرج مسلم من حديث ابن أبي طلحة قال: حدثنا أنس قال: جاءت بي أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أزرتني بنصف خمارها، وردتني بنصفه، فقالت: يا رسول الله، هذا أنس ابني أتيتك به يخدمك، فادع الله له، فقال: اللهم أكثر ماله وولده، قال أنس: فو الله إن مالي لكثير، وإن ولدي وولد ولدي ليتعادّون المائة اليوم.
وأخرج من حديث أبي عثمان، عن أنس قال: دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث دعوات قد رأيت منها اثنتين في الدنيا، وأنا أرجو الثالثة في الاخرة.(3/499)
1243- وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اللهم أذقت أول قريش نكالا، فأذق آخرهم نوالا، وروي: اللهم أذق آخر قريش نوالا كما أذقت أولها نكالا.
1244- وعن جابر، عن أبي بكر، عن بلال قال: أذنت في ليلة باردة فلم يأت أحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما شأنهم؟ قلت: حبسهم البرد.
قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم أذهب عنهم البرد.
قال: فرأيتهم في الصبح يتروحون من الحر.
(1243) قوله: «وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس» :
أخرجه من هذا الوجه الإمام أحمد في المسند [1/ 242] ، والترمذي في المناقب، باب في فضل الأنصار وقريش برقم 3904، وقال: حسن صحيح غريب.
وأخرجه أبو يعلى في مسنده [5/ 69] رقم 2662، من طريق طلحة بن عبد الله، عن ابن عباس، أطول منه، أوله: أما والله لأخرج منك وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله إليّ وأكرمه على الله، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت ... الحديث.
(1244) قوله: «وعن جابر، عن أبي بكر» :
أخرجه ابن عدي في الكامل [1/ 340] ، ومن طريقه البيهقي في الدلائل [6/ 224] ، والعقيلي في الضعفاء [1/ 112- 113] ، وأبو نعيم في الدلائل برقم 392، وفي المعرفة [1/ 374- 375] رقم 1134.
وفي الإسناد أيوب بن سيار أورد له ابن عدي هذا الحديث وقال: له غير ما ذكرت، وليست أحاديثه بالمنكرة جدّا، إلّا أن الضعف بين على رواياته، وقال البيهقي: تفرد به أيوب بن سيار. اهـ.(3/500)
1245- وروي أن رجلا قال: يا رسول الله إني لبخيل، وإني لجبان، وإني لنؤوم، فادع الله لي، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم أن تسخى نفسه، وأن يشجع جبنه، وأن يذهب بكثرة نومه.
قال الراوي: فما منا رجل أسخى نفسا منه، ولا أشد بأسا منه، ولا أقل نوما منه.
(1245) قوله: «وروي أن رجلا» :
أخرجه الطبراني في معجمه الكبير [18/ 718] ، وفي الأوسط [3/ 299- 300] ، ضمن حديث الفضل بن عباس الطويل، قال الطبراني في الأوسط: حدثنا أبو مسلم، ثنا علي بن المديني، ثنا معن بن عيسى القزّاز، ثنا الحارث بن عبد الملك بن عبد الله الليثي ثم السمعي النخعي، عن الفضل بن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبيه، عن عطاء، عن ابن عباس، عن الفضل بن عباس قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجت إليه، فوجدته موعوكا قد عصب رأسه، فقال: خذ بيدي يا فضل، فأخذت بيده حتى انتهى إلى المنبر فجلس عليه، ثم قال: صح في الناس، فصحت في الناس، فاجتمعوا إليه، فحمد الله عز وجل وأثنى عليه، ثم قال: يا أيها الناس، إنه قد دنى مني حقوق من بين أظهركم، فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه، ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد منه، ومن كنت أخذت له مالا، فهذا مالي فليستقد منه، ولا يقولن رجل إني أخشى الشحناء من قبل رسول الله، ألا وإن الشحناء ليست من طبيعتي، ولا من شأني، ألا وإن أحبكم إليّ من أخذ حقّا إن كان أو حللني فلقيت الله وأنا طيب النفس، ألا وإني لا أرى ذلك بمغن عني حتى أقوم فيكم مرارا، ثم نزل صلى الله عليه وسلم، فصلى الظهر، ثم عاد إلى المنبر، فعاد إلى مقولته في الشحناء وغيرها، ثم قال: يا أيها الناس، من كان عنده شيء فليرده، ولا يقول: فضوح الدنيا، ألا وإن فضوح الدنيا خير من فضوح-(3/501)
.........
- الاخرة، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، إن لي عندك ثلاثة دراهم، فقال: أما إنا لا نكذب قائلا، ولا نستحلفه على يمين، فلم صارت لك عندي؟ قال: تذكر يوم مر بك السائل فأمرتني فدفعت إليه ثلاثة دراهم؟
قال: ادفعها إليه يا فضل، ثم قام إليه رجل فقال: يا رسول الله، عندي ثلاثة دراهم، كنت غللتها في سبيل الله، قال: ولم غللتها؟ قال: كنت إليها محتاجا. قال: خذها منه يا فضل، ثم قال صلى الله عليه وسلم: من خشي منكم شيئا فليقم أدع له، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، إني لكذاب، وإني لمنافق، وإني لنئوم. فقال: اللهمّ ارزقه صدقا وإيمانا، وأذهب عنه النوم إذا أراد. ثم قام إليه رجل فقال: يا رسول الله، إني لكذاب، وإني لمنافق، وما من شيء من الأشياء إلّا وقد أتيته، فقال عمر: يا هذا، فضحت نفسك، فقال: مه يا ابن الخطاب، فضوح الدنيا أيسر من فضوح الاخرة، اللهمّ ارزقه صدقا وإيمانا وصير أمره إلى خير، فتكلم بكلمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمر معي وأنا مع عمر، والحق بعدي مع عمر حيث كان.
قال الطبراني عقبه: لا يروى هذا الحديث عن الفضل إلّا بهذا الإسناد، تفرد به الحارث بن عبد الملك.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد [9/ 26] : رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وأبو يعلى بنحوه، وقال في آخره: فقام رجل فقال: يا رسول الله إني رجل جبان كثير النوم، قال: فدعا له، قال الفضل: فلقد رأيته أشجعنا وأقلنا نوما، قال: ثم أتيت بيت عائشة فقال للنساء مثل ما قال للرجال، ثم قال: ومن غلب عليه شيء فليسألنا ندع له، قال: فأومأت امرأة إلى لسانها قال: فدعا لها، قال: فلربما قالت لي: يا عائشة أحسني صلاتك.
قال الهيثمي: وفي إسناد أبي يعلى: عطاء بن مسلم، وثقه ابن حبان وضعفه جماعة، وبقية رجال أبي يعلى ثقات، وفي إسناد الطبراني من لم أعرفهم.(3/502)
1246- ومنها كذلك: قوله يومئذ لمحمد بن مسلمة لما برز إليهم مرحب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لهذا؟ فقال محمد: أنا له يا رسول الله، أنا والله الموتور الثائر، قتل أخي بالأمس- يعني محمد بن مسلمة-.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قم إليه، اللهمّ أعنه عليه، فقام إليه فقتله.
(1246) قوله: «فقام إليه فقتله» :
اختلفت الروايات في قاتل مرحب، فالجمهور على أن قاتله علي بن أبي طالب وذلك لهيبة صحيح مسلم، إذ أخرج في الجهاد والسير من صحيحه من حديث سلمة بن الأكوع الطويل في قصة فتح خيبر، وقتل عامر بن الأكوع بعد بروزه لمرحب.
قال سلمة: ثم أرسلني النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي وهو أرمد حتى أتيت به رسول الله فبصق في عينيه فبرأ وأعطاه الراية وخرج مرحب فقال:
قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
فقال علي:
أنا الذي سمتني أمي حيدرة ... كليث غابات كريه المنظرة
أو فيهم بالصاع كيل السندرة
قال: فضرب رأس مرحب فقتله، ثم كان الفتح على يديه.
والذي ذكره المصنف هنا هو رواية ابن اسحاق في السيرة من حديث جابر بن عبد الله- ولم يكن ممن شهد خيبر-[2/ 333- ابن هشام] ومن طريق ابن إسحاق: الإمام أحمد في المسند [3/ 385] ، وابن جرير في تاريخه [3/ 10] ، والبيهقي في الدلائل [4/ 215] .
وكذلك قال موسى بن عقبة عن ابن شهاب، والواقدي في مغازيه.
وقد توسط قوم لرواية رواها الواقدي: أن محمد بن مسلمة لما بارزه واختلفت الضربات بينهما ضرب محمد ساقي مرحب فقطعهما ووقع-(3/503)
1247- ومن ذلك: أن امرأة عربية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم لتسلم، فلما رأته أرعدت، فقال بيده صلى الله عليه وسلم: يا مسكينة عليك السكينة، فذهبت رعدتها.
1248- ومن ذلك: أن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معه في سفر فكلّ ركاب القوم وثقل عليهم متاعهم، فدعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمع على ظهره ثقل أصحابه وقال له: احمل فإنما أنت سفينة، فكان بعد ذلك لو حمل حمل سبع بغال ما ثقل عليه ذلك.
- مرحب فقال: أجهز يا محمد، فقال له محمد: ذق الموت كما ذاقه أخي محمود، ومر به علي فضرب عنقه وأخذ سلبه، فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث، فقالوا: اشتركا في ذلك.
انظر: مغازي الواقدي [2/ 654- 657] ، دلائل البيهقي [4/ 214- 217] ، تاريخ ابن جرير [3/ 10- 12] ، سيرة ابن هشام [3/ 333- 335] .
(1247) قوله: «أن امرأة عربية» :
هي قيلة بنت مخرمة العنبرية، وفي حديثها قصة أخرجها ابن سعد في الطبقات [1/ 317- 321] ، والطبراني في معجمه الكبير [3/ 343 رقم 3469 مختصرة وفي 25/ 7 رقم 1 بطولها] .
قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد [6/ 12] : رجاله ثقات.
(1248) قوله: «ما ثقل عليه ذلك» :
أخرج الإمام أحمد في مسنده [5/ 121، 222] ، والطبراني في معجمه الكبير برقم 6439، وابن قتيبة في المعارف [/ 146- 147] ، وأبو نعيم في الحلية [1/ 369] ، وابن عساكر في تاريخه [4/ 267، 268] ، وصححه الحاكم في المستدرك، جميعهم من حديث سعيد بن جمهان- وهذا لفظ ابن عساكر- قال: لقيت سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببطن-(3/504)
1249- ويروى عن أبي دجانة أنه شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
يا رسول الله بينا أنا مضطجع في فراشي إذ سمعت في داري صريرا كصرير الرحى، ودويا كدوي النحل، ولمعا كلمع البرق، فرفعت رأسي فزعا مرعوبا، فإذا أنا بظل أسود مدلى يعلو ويطول في صحن داري، فأهويت إليه فمسسته فإذا جلده كجلد القنفذ، فرمى في وجهي مثل شرر النار، فظننت أنه قد أحرقني وأحرق معي داري.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عامرك عامر سوء يا أبا دجانة، ائتني بدواة وقرطاس.
فأتاه بدواة وقرطاس فناوله علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال: اكتب يا أبا الحسن، قال: وما أكتب؟ قال: اكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد رسول الله إلى من طرق الدار من الزوار والمساكين إلّا طارق يطرق بخير.، أما بعد:
- نخلة، فقال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي ومعه أصحابه فثقل عليهم متاعهم، ثم حمله عليّ فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: احمل فإنما أنت سفينة، قال: فلو حمل عليّ منذ يومئذ وقر بعير أو بعيرين أو ثلاثة أو أربعة، أو خمسة، أو ستة، أو سبعة، ما ثقل عليّ إلّا أن يخفّوا.
سقط من المطبوع من المستدرك سعيد بن جمهان من الإسناد.
(1249) قوله: «ويروى عن أبي دجانة» :
الأنصاري، اسمه: سماك بن خرشة- أو: ابن أوس بن خرشة- اتفق على أنه ممن شهد بدرا، وعلى أنه استشهد باليمامة، قاله الحافظ في الإصابة، وهو الذي أخذ السيف من النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد بحقه حين قال النبي صلى الله عليه وسلم:
من يأخذ هذا السيف بحقه، فأخذه وفلق به هام المشركين. أخرجه مسلم وغيره.(3/505)
فإن لنا ولكم في الحق سعة، فإن تك عاشقا مولعا أو فاجرا مقتحما أو راغبا حقّا أو مبطلا، هذا كتاب الله ينطق علينا وعليكم بالحق، إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون، ورسلنا يكتبون ما تمكرون، اتركوا صاحب كتابي هذا وانطلقوا إلى عبادة الأصنام، وإلى من يزعم أن مع الله إلها آخر، لا إله إلّا الله، كل شيء هالك إلّا وجهه له الحكم وإليه ترجعون، تغلبون، حم لا تنصرون، حمعسق، تفرق أعداء الله، وبلغت حجة الله، ولا قوة إلّا بالله، فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم.
قال أبو دجانة: فأدرجات الكتاب وصيرته تحت رأسي وبت ليلتي، فما انتبهت إلّا بصراخ صارخ يقول: أحرقتنا واللات والعزى الكلمات يا أبا دجانة، بحق صاحبك لما رفعت عنا الكتاب، فلا عود لنا في دارك ولا جوارك ولا في موضع فيه هذا الكتاب، قال: فقلت: لا وحق صاحبي لا أرفعنه حتى أستأذن فيه صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطال عليّ الليل بما سمعت من أنين الجن وصراخهم، حتى أصبحت فغدوت فصليت الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته بمقالة الجن وما قلت لهم، فقال:
يا أبا دجانة ارفع عن القوم العذاب، فو الذي بعثني بالحق نبيا، إنهم ليجدون ألم العذاب إلى يوم القيامة.
قوله: «إنهم ليجدون ألم العذاب إلى يوم القيامة» :
أخرجه البيهقي في الدلائل [7/ 118- 120] ، وقد اشترط ألا يخرج الموضوع وما لا أصل له، قال البيهقي عقبه: وقد روي في حرز أبي دجانة حديث طويل وهو موضوع لا تحل روايته. اهـ.
فدل على أن ما أورده بخلاف ذلك، والله أعلم.(3/506)
1250- وروي عن عزة بنت عياض بن أبي قرصافة أنها سمعت جدها أبا قرصافة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كان أول بدء إسلامي أني كنت يتيما بين أمي وخالتي وكان أكثر ميلي إلى خالتي، وكنت أرعى شويهات لي، وكانت خالتي كثيرا ما تقول لي: يا بني لا تمر إلى هذا الرجل- تعني محمدا- فيغويك ويضللك، قال: فكنت أخرج حتى آتي المرعى فأترك شويهاتي ثم آتي النبي صلى الله عليه وسلم فلا أزال عنده أسمع منه، ثم أروح بغنمي ضمرا يابسات الضروع، فقالت لي خالتي: ما لغنمك يابسات الضروع؟ قلت:
ما أدري، ثم عدت إليه اليوم الثاني لأسمع منه، فسمعته في خلال ذلك يقول: يا أيها الناس هاجروا وتمسكوا بالإسلام، فإن الهجرة لا تنقطع ما دام الجهاد، ثم رحت بغنمي كما رحت في اليوم الأول، ثم رحت إليه في اليوم الثالث فلم أزل عنده أسمع منه حتى أسلمت وبايعته وصافحته بيدي، ثم شكوت إليه أمر خالتي وغنمي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: جئني بالشياه، فجئته بهن، فمسح على ضروعهن ودعا فيهن بالبركة، فامتلأن شحما ولبنا، ثم رجعت بغنمي سمانا، ممتلئات شحما ولبنا، فلما دخلت على خالتي بهن قالت لي: يا بني هكذا فارع، فقلت: والله يا خالتي ما رعيت إلّا حيث أرعى كل يوم، ولكني أخبرك بقصتي، فأخبرتها بالقصة، وإتياني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبرتها بسيرته وبكلامه فقالت لي أمي وخالتي: اذهب بنا إليه، فذهبت أنا وأمي وخالتي إليه، فأسلمن وبايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصافحهن، فهذا ما كان من إسلام أبي قرصافة.
(1250) قوله: «أبا قرصافة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم» :
اسمه جندرة بن خيشنة الكناني، أخرج حديثه الطبراني في المعجم الكبير [3/ 1] رقم 2513، ومن طريقه أبو نعيم في الدلائل برقم 378، قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد [9/ 395] : رجاله ثقات.(3/507)
1251- ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى اليمن قاضيا فقال: يا رسول الله، تبعثني وأنا حديث السن لا علم لي بالقضاء؟
فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على صدره وقال: اذهب فإن الله سيهديك ويثبت قلبك.
فقال علي رضي الله عنه: فما شككت بعد ذلك في قضاء بين اثنين.
(1251) قوله: «ويثبت قلبك» :
رواه عن علي بن أبي طالب جماعة منهم: حارثة بن مضرب، وحنش بن المعتمر- أو: ابن ربيعة-، وعمرو بن حبشي، وعمر بن علي، وأبو البختري سعيد بن فيروز- ولم يسمعه منه-.
أما حديث حارثة بن مضرب: فأخرجه الإمام أحمد في المسند [1/ 88، 156] ، والنسائي في الخصائص من السنن الكبرى [5/ 117] رقم 8421.
وأما حديث حنش: فأخرجه الإمام أحمد في المسند [1/ 177، 152، 128، 152] ، وأبو داود في القضاء برقم 3582، والترمذي في الأحكام برقم 1331، وقال: حسن.
وأما حديث عمرو بن حبشي: فأخرجه النسائي في الخصائص من السنن الكبرى برقم 8422، عند ذكره الاختلاف على أبي إسحاق فيه.
وأما حديث عمر بن علي: فأخرجه ابن عساكر في تاريخه [42/ 389] .
وأما حديث أبي البختري: فأخرجه الإمام أحمد في المسند [1/ 83] ، والنسائي في الخصائص [5/ 116] رقم 8417، 8418، 8419، وابن ماجه في الأحكام برقم 2310، وابن سعد في الطبقات [2/ 337] ، والبيهقي في الدلائل [5/ 397] .
قال البوصيري في الزوائد: رجاله ثقات إلّا أنه منقطع.(3/508)
1252- ومن ذلك: ما قال أبي بن كعب: أن رجلا قرأ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حاضر بقراءة خلاف ما أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له صلى الله عليه وسلم: أحسنت، أحسنت، قال: فحك في صدري شك، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فضرب بيده في صدري وقال: اللهمّ أذهب عنه الشك، ففضت عرقا، وكأني أنظر إلى ربي فرقا.
(1252) قوله: «أن رجلا قرأ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم» :
اختصر المصنف رحمه الله اللفظ، وأخرجه بطوله: ابن أبي شيبة في المصنف [11/ 483] ، ومن طريقه مسلم في صلاة المسافرين برقم 820- واللفظ له- والإمام أحمد في المسند [5/ 127] ، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند [5/ 128- 129] ، والبغوي في شرح السنة برقم 1227، وابن حبان في صحيحه برقم 740 وابن عساكر في تاريخه [7/ 328] ، وغيرهم، من حديث ابن أبي ليلى عن أبي قال: كنت في المسجد فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ فحسن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا، وكأنما أنظر إلى الله عزّ وجلّ فرقا، فقال لي: يا أبي أرسل إليّ أن أقرأ القرآن على حرف فرددت عليه: أن هوّن على أمتي، فرد إلي الثانية: اقرأه على حرفين، فرددت إليه: أن هوّن على أمتي، فرد إلى الثالثة: اقرأه على سبعة أحرف، فلك بكل ردة رددتكها مسألة تسألينها، فقلت: اللهمّ اغفر لأمتي، اللهمّ اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إليّ الخلق كلهم حتى إبراهيم عليه السّلام.
رواه عن أبي أيضا: سليمان بن صرد، أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد-(3/509)
1253- ومنها: أن سلمان الفارسي أتاه فأخبره أنه كاتب مواليه، ووافقوا على كذا وكذا ودية كلها تعلق، وكان ذلك غير مأمون عند سلمان لولا ما علم من تأييد الله نبيّه صلى الله عليه وسلم، فجمعها له ثم قام معه فمرسها بيده، فما سقطت واحدة منها علقت، وبقيت علما يستشفى بثمرها، ويرجى بركتها، وأعطاه صلى الله عليه وسلم تبرة من ذهب كبيضة الديك، فقال: أوف منها أصحابك، فقال متعجبا مستقلا لما رأى: وأين تقع هذه مما عليّ؟
فأدارها صلى الله عليه وسلم على لسانه، ثم أعطاه إياها، وقد كانت في ذاتها الأولى لا تفي بربع حقهم، فذهب بها فوفاهم بها حقهم.
1254- ويروى عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم عطس فقال له ذمي:
يرحمك الله يا أبا القاسم، فقال صلى الله عليه وسلم: يهديك الله، فأسلم.
1255- ومن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم لرجل عليه ثياب رثة: ما له، ضرب الله عنقه في سبيل الله، فقتل الرجل في سبيل الله.
- المسند [5/ 124، 125] ، وابن عساكر في تاريخه [7/ 329] .
ورواه أيضا أبو الحكم عن أبي، أخرجه ابن عساكر في تاريخه [7/ 329] .
(1253) قوله: «أن سلمان الفارسي» :
تقدمت قصة إسلامه بطولها، وخرجناها في أبواب بشائره صلى الله عليه وسلم.
(1254) قوله: «ويروى عن أنس» :
أخرجه البيهقي في الدلائل [6/ 207] وقال عقبه: هذا إسناد مجهول.
(1255) قوله: «عليه ثياب رثة» :
أخرج مالك في الموطأ، ومن طريقه ابن حبان كما في الموارد برقم 1436، والبزار في مسنده [3/ 368 كشف الأستار] رقم 2963، والحاكم في المستدرك [4/ 183] ، والبيهقي في الدلائل [6/ 244] ، وهذا لفظ-(3/510)
1256- ومن ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم أتي بمولود فمسح رأسه، ودعا له بخير، فلما كبر الغلام شاب رأسه إلّا الموضع الذي مسحه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- ابن حبان، عن جابر بن عبد الله قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أنمار، قال: فبينما أنا نازل تحت شجرة إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت:
يا رسول الله هلم إلى الظل، قال: فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال جابر: فقمت إلى غرارة لنا فالتمست فيها فإذا فيها جرو قثاء فكسرته ثم قربته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أين لكم هذا؟ فقلت: خرجنا به يا رسول الله من المدينة، قال جابر: وعندنا صاحب لنا نجهزه ليرعى ظهرنا، قال: فجهزته ثم أدبر ليذهب في الظهر وعليه بردان له قد خلقا، قال: فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما له ثوبان غير هذين؟ قال: فقلت:
بلى يا رسول الله، له ثوبان في العيبة كسوته إياهما، قال: فادعه فمره فليلبسهما، قال: فدعوته فلبسهما، ثم ولى يذهب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ما له ضرب الله عنقه؟ أليس هذا خيرا؟ فسمعه الرجل فقال: يا رسول الله في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في سبيل الله، فقتل الرجل في سبيل الله.
تابعه هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم أخرجه البزار في مسنده برقم 2962 كشف الأستار، وصححه الحاكم في المستدرك [4/ 183] ، وسكت عنه الذهبي، ورواه البزار في مسنده برقم 2964 من حديث عطاء بن يسار عن جابر نحوه. قال الهيثمي في مجمع الزوائد [5/ 134] : رواه البزار بأسانيد رجال أحدها رجال الصحيح، وقد رواه مالك في الموطأ.
(1256) قوله: «أتي بمولود» :
أخرج البخاري في تاريخه [8/ 307] ، ومن طريقه: البيهقي في الدلائل [6/ 213- 214] ، والطبراني في معجمه الكبير [19/ 244] رقم 547، وأبو نعيم في المعرفة [1/ 179] رقم 666، 667، وأبو علي بن السكن فيما ذكره الحافظ في الإصابة، جميعهم من طريق يعقوب الزهري: -(3/511)
1257- ومن ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم غزا غزوة فأخذ أصحابه راعيا مع غنمه، فأسلم الراعي، ثم قال: يا رسول الله كيف أضيّع الغنم؟! وإنما هي أمانة، فقال صلى الله عليه وسلم: ارمها بسبع حصيات، وقل عند كل حصاة:
بسم الله، ففعل الرجل ذلك، فاشتدت الغنم نحو أربابها حتى بلغت حصونهم.
- أنا إدريس بن محمد بن يونس قال: حدثني جدي يونس بن محمد بن أنس، عن أبيه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن أسبوعين فأتي بي إليه فمسح رأسي، وحج بي حجة الوداع وأنا ابن عشر سنين، ودعا لي بالبركة، وقال صلى الله عليه وسلم: سموه باسمي ولا تكنوه بكنيتي، قال يونس: فلقد عمر أبي حتى شاب كل شيء من أبي، وما شاب موضع يد النبي صلى الله عليه وسلم من رأسه.
أخرجه الحسن بن سفيان- فيما ذكره الحافظ في الإصابة- عن إبراهيم الجوهري، عن عبد الله بن كثير، عن يونس، ومن طريق الحسن أخرجه أبو نعيم في المعرفة [1/ 179] رقم 666.
قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد [8/ 48] : فيه يعقوب بن محمد وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه جماعة.
قلت: رواية عبد الله بن كثير، عن يونس، تجعله صالحا إذ هو مقبول على طريقة الحافظ في التقريب. والله أعلم.
(1257) قوله: «غزا غزوة» :
هي خيبر، أخرج البيهقي في الدلائل [4/ 220- 221] ، وأبو القاسم الأصبهاني في الدلائل برقم 241، من حديث جابر بن عبد الله قال:
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر، فخرجت سرية فأخذوا إنسانا معه غنم يرعاها، فجاؤا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه ما شاء الله أن يكلمه به فقال له: إني قد آمنت بك وبما جئت به، فكيف بالغنم يا رسول الله، فإنها أمانة، وهي للناس، الشاة والشاتان وأكثر من ذلك؟ قال: -(3/512)
.........
- احصب وجوهها ترجع إلى أهلها، قال: فأخذ قبضة من حصباء أو تراب فرمى به وجوهها، فخرجت تشتد حتى دخلت كل شاة إلى أهلها، ثم تقدم إلى الصف فأصابه سهم فقتله، ولم يصل لله سجدة قط، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أدخلوه الخباء، فأدخل خباء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليه ثم خرج فقال: لقد حسن إسلام صاحبكم، لقد دخلت عليه وإن عنده لزوجتين له من الحور العين.
وأخرج القصة أيضا من حديث ابن لهيعة عن أبي الأسود، عن عروة ومن حديث ابن أبي أويس، عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن عمه موسى بن عقبة وفيها: وجاء عبد حبشي أسود من أهل خيبر كان في غنم لسيده فلما رأى أهل خيبر قد أخذوا السلاح سألهم: ما تريدون؟ قالوا:
نقاتل هذه الرجل الذي يزعم أنه نبي، فوقع في نفسه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل بغنمه حتى عهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما جاءه قال: ماذا تقول؟ وماذا تدعو إليه؟ قال: أدعو إلى الإسلام، وأن تشهد أن لا إله إلّا الله وأني محمد رسول الله وأن لا نعبد إلّا الله، قال العبد، فماذا لي إن أنا شهدت وآمنت بالله؟ قال: لك الجنة إن مت على ذلك، فأسلم، وقال: يا نبي الله إن هذا الغنم عندي أمانة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخرجها من عسكرنا وارمها بالحصباء فإن الله سيؤدي عنك أمانتك، ففعل، فرجعت الغنم إلى سيدها فعرف اليهودي أن غلامه قد أسلم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فوعظ الناس ...
فذكر الحديث في إعطاء الراية عليا ودنوّهم من الحصن، وقتل مرحب، قال: وقتل من المسلمين: العبد الأسود، ورجعت عادية اليهود واحتمل المسلمون العبد الأسود إلى عسكرهم فأدخل في الفسطاط فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع في الفسطاط ثم أقبل على أصحابه فقال: لقد أكرم الله هذا العبد وساقه إلى خير، قد كان الإسلام من نفسه حقّا، وقد رأيت عند رأسه اثنتين من الحور العين. -(3/513)
1258- ومنها: أن قوما من وفد عبد القيس أتوه بغنم فسألوه أن يجعل لهم علامة تذكر بها، فخمر صلى الله عليه وسلم إصبعه في أصول آذانها، فابيضت فهي تلك إلى اليوم معروفة النسل ظاهرة الأمر.
1259- ومن ذلك: أن جابر بن عبد الله الأنصاري كان معه في سفر متأخرا عن الناس على جمل بطيء، فقال صلى الله عليه وسلم: ما لك يا جابر؟
قال: قلت: جملي، فقال صلى الله عليه وسلم: أنخه، فأناخه، فنخسه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقضيب، قال جابر: فو الذي بعثه بالحق ما استطعت أن أحبسه، ووالله لقد صرت في أوائل الناس كما كنت في أواخرهم.
- وأخرج البيهقي قصة هذا العبد مختصرة من حديث المؤمل بن إسماعيل عن حماد، عن ثابت، عن أنس، وفيها: أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني رجل أسود اللون قبيح الوجه منتن الريح، لا مال لي، فإن قاتلت هؤلاء حتى أقتل أدخل الجنة؟ قال: نعم، فتقدّم فقاتل حتى قتل، فأتى عليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقتول فقال: لقد أحسن الله وجهك، وطيّب روحك، وكثر مالك، قال: وقال لهذا أو لغيره: لقد رأيت زوجتيه من الحور العين تنازعانه جبته عنه يدخلان فيما بين جلده وجبته.
(1258) قوله: «فخمر صلى الله عليه وسلم إصبعه» :
أورده القاضي عياض في الشفاء بدون إسناد، وسكت عنه السيوطي في المناهل فلم يعزه إلى أحد.
سكت عنه السيوطي في المناهل فلم يعزه إلى أحد.
(1259) قوله: «على جمل بطيء» :
قصة جمل جابر مفرقة في الصحيحين على الأبواب، أكتفي بذكر موضعين، فأخرجها البخاري في البيوع، باب شراء الدواب والحمير، رقم 2097، وأخرجها مسلم في المساقاة، باب بيع البعير واستثناء ركوبه [3/ 1221] رقم الحديث في الكتاب 109.(3/514)
1260- وفي رواية أنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فلما رجعنا أبطأ بي جملي وأعيا، فتخلفت، فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من هذا؟ قلت: جابر بن عبد الله، فقال: ما لك؟ قلت: إني على جمل ثفال: فقال: ما معك قضيب؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: أعطنيه، فأعطيته إياه فضربه ونخسه نخسة أو نخستين ثم قال: اركب، قال: فما ركبت بعيرا قبله ولا بعده كان أوسع ولا أوطأ منه.
1261- ومن ذلك: ما روى جعيل الأشجعي قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته على فرس عجفاء مهزولة، فدنا مني فقال:
سر، فقلت: يا رسول الله إنها عجفاء ضعيفة، فدنا مني فضربها بمخفقة معه وقال: اللهمّ بارك له فيها، وكنت في أخريات القوم، فما ملكت رأسها أن تقدم القوم، قال: وبعت من بطنها باثني عشر ألفا.
(1260) قوله: «إني على جمل ثفال» :
الثفال: البطيء الذي لا ينبعث إلّا كرها.
(1261) قوله: «جعيل الأشجعي» :
جعيل- بالتصغير- آخره لام، ابن زياد الأشجعي، وقيل: جعيد- آخره دال مهملة- وقيل أيضا: جعال، له صحبة.
أخرج حديثه: النسائي، في السير من السنن الكبرى [5/ 253] رقم 8818، وابن أبي عاصم في الاحاد والمثاني [3/ 25] رقم 1310، والطبراني في معجمه الكبير [2/ 315] رقم 3172، والروياني في مسنده برقم 1514، وأبو نعيم في المعرفة [2/ 625] رقم 1684، وما بعده، والبيهقي في الدلائل [6/ 153، 154] ، وأبو القاسم الأصبهاني كذلك برقم 110، وابن قانع في معجم الصحابة [2/ 1192] رقم 294، واختصر البخاري لفظه في التاريخ [2/ 249] ، وأشار في موضع آخر إلى الاختلاف-(3/515)
1262- ومن ذلك: أنّ نفرا من أصحابه صلى الله عليه وسلم شكوا إليه أنهم إذا أكلوا لم يشبعوا، فقال صلى الله عليه وسلم: اجمعوا طعامكم وكلوا جميعا، ولا تأكلوا وحدانا، ففعلوا ذلك فشبعوا.
1263- ومنها: أن أهل المدينة مطروا مطرا خافوا أن يعقبه الغرق وانهدام البنيان، فأتوه ألحّ ما كان المطر، وأركد ما كان السحاب، فشكوا إليه ذلك، فرفع يديه صلى الله عليه وسلم إلى وليّه وقال: اللهمّ حوالينا ولا علينا، - فيه [3/ 305- 306] ، ومداره على عبد الله بن أبي الجعد، وهو مجهول الحال، لكن صحح الحافظ في الإصابة إسناد الرواية، وقال شيخه الهيثمي في مجمع الزوائد [5/ 262- 263] : رواه الطبراني ورجاله ثقات.
(1262) قوله: «اجمعوا طعامكم» :
في رواية أنه قال لهم: فلعلكم تفترقون أو تتفرقون؟ قالوا: نعم، قال:
فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم.
أخرجه الإمام أحمد في المسند [3/ 501] ، وأبو داود في الأطعمة برقم 3764، وابن ماجه كذلك برقم 3286، والطبراني في معجمه الكبير [22/ 139] رقم 368، والبيهقي في الدلائل [6/ 119] ، وفي الشعب [5/ 75- 76] رقم 5835، وصححه ابن حبان- كما في الإحسان برقم 5224-، والحاكم في المستدرك [2/ 103] ، وهو حديث حسن.
(1263) قوله: «ومنها: أن أهل المدينة مطروا مطرا» :
ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم بعد أن شكوا إليه الهلاك، فأخرج الشيخان في الاستسقاء من صحيحيهما من حديث أنس بن مالك: أن رجلا دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما فقال: يا رسول الله هلكت المواشي وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: اللهمّ اسقنا، اللهمّ اسقنا، قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيئا، -(3/516)
فلم يكن بين قوله وبين انجياب السحاب عن المدينة فرق، فأطاف من حولها مستديرا، وهي في فجوة كالدارة، فعاينوا أمرا لم يكن ليتهيأ لأحد فيما خبروا من الأمطار، وجربوا من الأعلام مثله، يرى ذلك ظاهرا مؤمنهم وكافرهم.
- وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت، ثم أمطرت، قال: والله ما رأينا الشمس سبتا، ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة- ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب- فاستقبله قائما فقال: يا رسول الله هلكت الأموال، وتهدمت البيوت، وتقطعت السبل، - وفي رواية: وتهدمت البيوت- فادع الله أن يمسكها، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال:
اللهمّ حوالينا ولا علينا، اللهمّ على الاكام والظراب والأودية ومنابت الشجر، قال: فانقطعت، وخرجنا نمشي في الشمس. لفظ البخاري، حديث رقم 1013.
قوله: «فأطاف من حولها مستديرا» :
أي السحاب أطاف بالمدينة، وهو معنى قوله في الرواية المذكورة: مثل الترس: أي مستديرة، وفي رواية أخرى: حتى ثار السحاب أمثال الجبال، وقد علق الحافظ في الفتح على قوله في الحديث: فلما توسطت السماء انتشرت، قال: هذا يشعر بأنها استمرت مستديرة حتى انتهت إلى الأفق، فانبسطت حينئذ، وكأن فائدته تعميم الأرض بالمطر.
قوله: «كالدارة» :
هي بمعنى الجوبة المعبر بها في حديث إسحاق عن أنس في إحدى روايات هذا الحديث، وفيه: فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلّا تفرجت حتى صارت المدينة في مثل الجوبة.
قال أهل اللغة: الدارة: الجوبة، وهي الأرض الواسعة تحفها الجبال.(3/517)
1264- ومنها: أن رجلا من أصحابه أصيبت إحدى عينيه في بعض مغازيه، فسالت حتى وقعت على خده، فأتاه مستغيثا به، فأخذها صلى الله عليه وسلم بيده فردها مكانها فكانت أحسن عينيه وأصحهما وأحدّهما بصرا.
(1264) قوله: «ومنها أن رجلا من أصحابه» :
هو قتادة بن النعمان الصحابي البدري أصيبت عينه يوم بدر فسالت على وجنته فأرادوا أن يقطعوها، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا، فدعا به فغمز حدقته براحته فكان لا يدري أي عينيه أصيبت. أبهم المصنف اسمه هنا، وصرح باسمه في النص المتقدم برقم: 1224.
أخرج القصة أبو يعلى الموصلي في مسنده [3/ 120] رقم 1549، ومن طريقه البيهقي في الدلائل [3/ 100] ، وابن الأثير في الأسد [4/ 390] من حديث عاصم بن عمر بن قتادة عن أبيه- يعني قتادة- به وفي إسناده الحماني وهو ضعيف.
وأخرجها أبو نعيم في الدلائل برقم 416، من طريق عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد، عن قتادة به.
وهي في مستدرك الحاكم [3/ 295] معلقة، وفي سيرة ابن إسحاق [2/ 82- ابن هشام] ومن طريقه ابن سعد في الطبقات [3/ 453] بصورة المرسل.
وأخرج القصة ابن سعد في الطبقات من طريق الواقدي [3/ 452] ، فزعم أن عينه إنما أصيبت يوم أحد لا يوم بدر، وأنه جاء بعينه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن عندي امرأة أحبها، وإن هي رأت عيني خشيت أن تقذرني، وهكذا قال الطبراني في معجمه الكبير [19/ 8] ، ومن طريقه أبو نعيم في الدلائل برقم 417، من وجه آخر عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن أبيه: أن ذلك كان يوم أحد، قال: أهدى إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس فدفعها إليّ يوم أحد فرميت بها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اندقت-(3/518)
1265- ومنها: أن امرأة أتت بصبي لها ترجو البركة بأن يمسه ويدعو له- وكانت به عاهة- فرحمها- والرحمة صفته-، فمسح يده على رأس الصبي فاستوى شعره، وبرأ داؤه، وبلغ ذلك أهل اليمامة فأتت مسيلمة امرأة بصبي لها فمسح رأسه فصلع، وبقي نسله إلى يومنا هذا.
- عن سنتها، ولم أزل عن مقامي نصب وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أتقي السهام بوجهي، كلما مال سهم منها إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ميلت رأسي لأقي وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا رمي أرميه، فكان آخرها سهما بدرت منه حدقتي على خدي وتفرق الجمع، فأخذت حدقتي بكفي فسعيت بها في كفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم في كفي دمعت عيناه فقال: اللهمّ إن قتادة قد أوجه نبيك بوجهه، فاجعلها أحسن عينيه وأحدهما نظرا، قال:
فكانت أحسن عينيه وأحدهما نظرا.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد [6/ 113] : في إسناده من لم أعرفه.
وقال الحافظ ابن كثير في جزء الشمائل من التاريخ: وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أنه لما أخبره عاصم بن عمر بن قتادة بهذا الحديث أنشده مع ذلك:
أنا ابن الذي سالت على الخد عينه ... فردت بكف المصطفى أيما رد
فأنشده عمر بن عبد العزيز في موضعه:
تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعاد بعد أبوالا
(1265) قوله: «وكانت به عاهة» :
في حديث جابر بن عبد الله الطويل أنها قالت: يا رسول الله إن ابني هذا يأخذه الشيطان كل يوم ثلاث مرات- وفي رواية ابن عباس: وإنه يأخذه عند غدائنا وعشائنا فيخبث علينا-، قال جابر: فتناول النبي صلى الله عليه وسلم الصبي فجعله بينه وبين مقدم الرجل ثم قال: اخسأ عدو الله، أنا رسول الله، ثلاثا، ثم دفعه إليها، وفي رواية ابن عباس: فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ودعا، فثع ثعة وخرج من جوفه مثل الجرو الأسود فسعى. -(3/519)
1266- وقال سعيد بن المسيب: ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أن أبا لبابة يقول:
يا سماء اجمدي- لأجل تمر عنده- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهمّ اسقنا غيثا يحمل تمر أبي لبابة من ثعلب مربده، ثم لا يجد ما يسده إلّا إزاره، فأرسل الله السماء فاحتمل تمر أبي لبابة من ثعلب مربده فلم يجد شيئا يسده به إلّا إزاره، فسده به وهو يقول: صدق الله ورسوله.
- خرجناهما في مسند أبي محمد الدارمي تحت رقم 18، 20- فتح المنان، وانظر الحديثين المتقدمين برقم 1215، 1216.
ومن شواهده أيضا ما أخرجه البيهقي في الدلائل [6/ 182] من حديث ابن سيرين: أن إمرأة جاءت بابن لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: هذا ابني وقد أتى عليه كذا وكذا، وهو كما ترى، فادع الله أن يميته، فقال: أدعو الله أن يشفيه ويشب، ويكون رجلا صالحا فيقاتل في سبيل الله فيقتل ويدخل الجنة، فدعا له فشفاه الله عزّ وجلّ، فشب وكان رجلا صالحا، فقاتل في سبيل الله فقتل، فدخل الجنة.
قال البيهقي: مرسل جيد.
وأخرج أيضا في الدلائل [6/ 61] من حديث شمر بن عطية، عن بعض أشياخه قال: جاءت امرأة بابن لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تحرك، فقالت:
يا رسول الله إن ابني هذا لم يتكلم منذ ولد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أدنيه» ، فأدنته منه، فقال: من أنا؟ فقال: أنت رسول الله.
قلت: مرسل جيد أيضا.
(1266) قوله: «ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم» :
هذا مرسل، وروي متصلا، والاختلاف فيه من عبد الرحمن بن حرملة.
فقال أبو أويس: عنه، عن سعيد، عن أبي لبابة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه الطبراني في معجمه الصغير برقم 385، وأبو نعيم في الدلائل برقم 372، والبيهقي كذلك [6/ 144- 145] ، وفي السنن الكبرى [3/ 354] ، -(3/520)
1267- ومن ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم نزل ذات يوم منزلا فقال لرجل من أصحابه: اذهب فأتني بتلك العنز، فقال الرجل: وعهدي بذلك الموضع- والخطيب في الموضح [2/ 140- 141] ، وأبو القاسم الأصبهاني في الدلائل برقم 81، وابن عساكر في تاريخه [43/ 199- 200] .
وهذا لفظ البيهقي: استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فقال: اللهم اسقنا، اللهمّ اسقنا، فقام أبو لبابة فقال: يا رسول الله إنّ التمر في المرابد وما في السماء سحاب نراه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهمّ اسقنا، فقام أبو لبابة فقال: يا رسول الله إن التمر في المرابد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اللهمّ اسقنا حتى يقوم أبو لبابة يسد ثعلب مربده بإزاره، فأسبلت السماء ومطرت وصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طاف الأنصار بأبي لبابة يقولون له:
يا أبا لبابة إن السماء والله لن تقلع حتى تقوم عريانا تسد ثعلب مربدك بإزارك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقام أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره فأقلعت السماء.
قال ابن كثير في تاريخه [6/ 92] : إسناده حسن، ولم يروه أحمد ولا أهل الكتب، خالفه علي بن عاصم- وفيه ضعف- فقال: عن سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم.. مرسلا، لم يذكر أبا لبابة، أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في الغريب له [1/ 421] .
وهكذا رواه ابن شهاب، عن ابن المسيب، أخرجه البيهقي في السنن الكبرى [3/ 354] ، وهذا هو الأشبه بالصواب، والله أعلم.
وقد روي حديث ابن المسيب من وجه آخر من حديث أبي وجزة: يزيد بن عبيد المدني، أخرجه البيهقي في الدلائل [6/ 143- 144] ، ويزيد بن عبيد تابعي، فالحديث أيضا مرسل، وهو شاهد للذي قبله.
(1267) قوله: «فقال لرجل من أصحابه» :
هو سعد مولى أبي بكر، وقد خرجنا حديثه في آياته صلى الله عليه وسلم في تكثير الطعام تحت رقم 1195.(3/521)
لا عنز فيه، فأتيته، فإذا بعنز حافل، فحلبتها ما شاء الله، فسقاني وشرب ثم أمرها فتقلصت، فلما اشتغلنا بالرحيل إذ العنز قد ذهبت، فقلت:
العنز يا رسول الله! فقال صلى الله عليه وسلم: ذهب بها ربها.
1268- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ دخل أعرابي فقال: يا رسول الله، أتينا وما لنا بعير يئط ولا صبي يصيح، وأنشد:
أتيناك والعذراء يدمي لبانها ... وقد شغلت أم الصبي عن الطفل
وألقى بكفيه الصبي استكانة ... من الجوع ضعفا ما يمر وما يحلي
ولا شيء مما يأكل الناس عندنا ... سوى الحنظل العامي والعلهز العسل
وليس لنا إلّا إليك فرارنا ... وأين فرار الناس إلّا إلى الرسل
فقام النبي صلى الله عليه وسلم يجر رداءه حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم رفع يديه نحو السماء فقال: اللهمّ اسقنا غيثا مغيثا، مريئا مريعا، غدقا طبقا سحا سجالا، نافعا غير ضار عاجلا غير رائث، تملأ به الضرع، وتنبت به الزرع، وتحيي به الأرض بعد موتها، وكذلك تخرجون.
قال: فما تم كلامه حتى ألقت السماء بأرواقها، وجاء أهل البطانة يصيحون: يا رسول الله الغرق الغرق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
اللهمّ حوالينا ولا علينا.
قال: فانجابت السحابة عن المدينة حتى أحدق بها كالإكليل، قال:
فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه- وكان أكثر ضحكه- ثم قال: لله در أبي طالب لو كان حيا قرتا عيناه من ينشدنا قوله؟ فقام علي بن(3/522)
أبي طالب رضي الله عنه فقال: يا رسول الله لعلك أردت قوله:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الهلاك من آل هاشم ... فهم عنده في نعمة وفواضل
كذبتم وبيت الله لا تخرجون ... ولما نطاعن دونه ونناضل
ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أجل.
قال: فقام أعرابي من بني كنانة فقال:
لك الحمد والحمد ممن شكر ... سقينا بوجه النبي المطر
دعا الله خالقه دعوة ... فأرخى وأشخص منه البصر
فما كان إلّا وألقى الرداء ... وأسرع حتى رأينا الدرر
رقاق العوالي وجم البعاق ... أغاث به الله ربي مضر
قوله: «كذبتم وبيت الله لا تخرجون» :
في المصادر:
كذبتم وبيت الله لا نبزي محمدا ... ولما نقاتل دونه ونناضل
قوله: «فما كان إلّا وألقى» :
في بعض المصادر: فلم يك إلّا كإلقاء الرداء أو أسرع، وفي بعضها الاخر: فلم يك إلّا كلف الرداء وأسرع.
قوله: «رقاق العوالي وجم البعاق» :
في بعض المصادر: رقاق العوالي عم البقاع.
قوله: «ربي مضر» :
في المصادر: عينا مصر.(3/523)
وكان كما قال عمه أبو ... طالب أبيض ذو غرر
بذاك سقى الله صوب الغمام ... فهذا العيان لذاك الخبر
ومن يشكر الله يلقى المزيد ... ومن يكفر الله يلقى الغير
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يك شاعر يحسن، فقد أحسنت.
قوله: «بذاك سقى الله» :
في المصادر: به الله يسقي الغمام.
قوله: «فهذا العيان» :
في بعض المصادر: وهذا العيان كذاك.
قوله: «إن يك شاعر يحسن» :
أخرجه البيهقي في الدلائل [6/ 141- 142، 142] من وجهين عن مسلم الملائي، عن أنس بن مالك به، ساقه شاهدا لحديث أنس المخرج في الصحيحين، وفي أوله: أصابت الناس سنة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يوم الجمعة قام أعرابي فقال: يا رسول الله هلك المال، وجاع العيال.. الحديث، أخرجه البخاري في الاستسقاء، باب من تمطر في المطر حتى تحدر على لحيته رقم 1033، وأخرجه مسلم في الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء برقم 6142.
ثم أورد له من الشواهد أيضا: ما رواه البخاري في الاستسقاء، باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا من حديث ابن دينار قال:
سمعت ابن عمر يتمثل بشعر أبي طالب:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل
حديث رقم 1008، 1009.
وأخرجه أبو القاسم الأصبهاني في الدلائل برقم 238.
وقد أورد الحافظ في الفتح حديث البيهقي هذا (حديث الباب) ثم قال: -(3/524)
1269- روى سالم بن عبد الله، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا فقال:
اللهم بارك لنا في مكتنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في شامنا، وبارك لنا في يمننا، اللهمّ بارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مدنا، فقال رجل: يا رسول الله وفي عراقنا، فأعرض عنه، فرددها ثلاثا كل ذلك يقول الرجل: وفي عراقنا، فيعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: بها الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان.
- وإسناد حديث أنس وإن كان فيه ضعف لكنه يصلح للمتابعة، وقد ذكره ابن هشام في زوائده في السيرة تعليقا عمن يثق به. اهـ.
وقال الحافظ ابن كثير في جزء الشمائل: في سياقه غرابة لا تشبه روايات أنس التي في الصحيح، قال: فإن كان محفوظا فهو قصة أخرى غير ما تقدم، ثم أورد حديث أبي لبابة، وقال: وهذا السياق يشبه سياق مسلم الملائي عن أنسز.
ولبعضه شاهد في سنن أبي داود، وفي حديث أبي رزين العقيلي شاهد لبعضه. اهز
وعزاه المتقي في الكنز [8/ 437] رقم 23549 للديلمي، وعزاه السيوطي في الخصائص أيضا لابن عساكر.
(1269) قوله: «اللهمّ بارك لنا في مكتنا» :
هكذا أخرجه يعقوب بن سفيان في تاريخه [2/ 748] بإسناد على شرط الصحيح.
وقد أخرجه البخاري في الاستسقاء، باب ما قيل في الزلازل والايات برقم 1037، وفي الفتن، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: الفتنة من قبل المشرق، من حديث ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعا، ليس فيه ذكر مكة.
وأخرج مسلم في الفتن الشطر الأخير منه من حديث سالم ونافع كلاهما عن ابن عمر به، رقم 2905 (45، 46، 47، 48، 49، 50) .(3/525)
1270- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقنت في صلاة الصبح بعد الركوع فيقول: اللهمّ أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين من أهل مكة، اللهمّ اشدد وطأتك على مضر، وخذهم بسنين كسني يوسف، قال:
فابتلوا بالجوع حتى أكلوا العلهز.
والعلهز: الوبر بالدم.
1271- وروي عن بهية بنت عبد الله البكرية أنها قالت: لما سارع الناس في الإسلام أصابنا جهد شديد، فخرج أبي، وأخرجوا نساءهم وبناتهم، وكنا بماء بظهر الكوفة يقال له: فيد، وكنت مع أبي، فقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فأسلم الرجال والصبيان فبايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (1270) قوله: «وعن أبي هريرة» :
تقدم في باب من دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم 1121
(1271) قوله: «بهية بنت عبد الله البكرية» :
نسبة إلى بكر بن وائل، صحابية إن صح خبرها.
قال الحافظ في الإصابة: أسنده البارودي من طريق عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة أحد المتروكين.
قلت: ومن هذا الوجه أخرجه أبو نعيم في المعرفة [6/ 3279] رقم 7545.
قوله: «يقال له: فيد» :
قال ياقوت في معجم البلدان: بليدة في نصف طريق مكة من الكوفة عامر إلى الان، يودع الحاج فيها أزوادهم وما يثقل من أمتعتهم عند أهلها، فإذا رجعوا أخذوا أزوادهم ووهبوا لمن أودعوها شيئا من ذلك، وهم مغوثة للحاج في مثل ذلك الموضع المنقطع.(3/526)
وصافحهم، وبايع النساء ولم يصافحهم، ثم نظر إليّ فمسح رأسي ودعا لي وقال: اللهمّ بارك فيها وفي نسلها.
قال: فبلغ ولدها ثمانين رجلا وأربعين امرأة، قالت: وقتل من بني أربعين رجلا في سبيل الله.
1272- وروت أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه قالت: خرج بي خراج فتخوفت منه، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ضعي يدك عليه ثم قولي ثلاث مرات: بسم الله، اللهمّ أذهب عني ما أجده بدعوة نبيك الصادق الطيب المبارك المكين عندك، قالت: ففعلته فانخفض.
قوله: «ثمانين رجلا وأربعين امرأة» :
كذا في رواية المصنف، وعند أبي نعيم ومن أوردها في ترجمتها في كتب الصحابة: فولد لها ستون: أربعون رجلا، وعشرون امرأة، واستشهد منهم عشرون.
(1272) قوله: «بدعوة نبيك» : أخرجه البيهقي في الدلائل [6/ 181- 182] وفيه: أن عائشة رضي الله عنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجع أسماء، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل على أسماء فوضع يده على وجهها ورأسها من فوق الثياب، فقال:
بسم الله ... فذكره.
وأخرج له شاهدا من حديث يزيد بن نوح بن ذكوان: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث عبد الله بن رواحة مع زيد وجعفر إلى مؤتة، قال عبد الله بن رواحة:
يا رسول الله إني أشتكي ضرسي، آذاني، واشتد عليّ، فقال: ادن مني، والذي بعثني بالحق لأدعون لك بدعوة لا يدعو بها مؤمن مكروب إلّا كشف الله عنه كربه، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على الخد الذي فيه الوجع وقال: اللهمّ اذهب عنه سوء ما يجد وفحشه بدعوة نبيك المبارك المكين-(3/527)
1273- وصحت الرواية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لسعد بن أبي وقاص أن يستجيب الله دعوته فقال: اللهمّ أجب سعدا إذا دعاك.
قال: فكان لا يدعو بشيء إلّا استجيب له.
- عندك، سبع مرات، قال: فشفاه الله عزّ وجلّ قبل أن يبرح.
قال البيهقي: هذا منقطع.
وأخرج ابن سعد في الطبقات بإسناد على شرط الصحيح من حديث عبيد بن عمير أن أسماء كان في عنقها ورم فجعل النبي يمسحها ويقول: اللهمّ عافها من فحشه وأذاه. مرسل.
وسيعيد المصنف الحديث في باب ما دعا به صلى الله عليه وسلم لنفسه ولأمته.
(1273) قوله: «لسعد بن أبي وقاص» :
أحد العشرة المبشرين، والسابقين الأولين، شهد بدرا والمشاهد، جمع له النبي أبويه يوم أحد فقال: ارم سعد فداك أبي وأمي، فكان ذلك من مفاخره، وفضائله رضي الله عنه كثيرة.
قوله: «اللهمّ أجب سعدا إذا دعاك» :
أخرجه بنحوه ومعناه من طرق: الإمام أحمد في الفضائل برقم 1308، والترمذي في المناقب، باب مناقب سعد بن أبي وقاص، رقم 3751، والبزار في مسنده برقم 2579- كشف الأستار، وابن أبي عاصم في السنة برقم 1408، وأبو نعيم في الحلية [1/ 93] ، وابن سعد في الطبقات [3/ 142 بصورة المرسل] ، وصححه ابن حبان برقم 6990- إحسان، والحاكم في المستدرك [3/ 499] .
قوله: «فكان لا يدعو بشيء إلّا استجيب له» :
أخرج الشيخان من حديث جابر بن سمرة قال: شكا أهل الكوفة سعدا إلى عمر، فقالوا: إنه لا يحسن أن يصلي، فقال سعد: أما أنا فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله، صلاتي العشي لا أخرم منها، أركد في-(3/528)
1274- وروي عن سلمان الفارسي قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أعود رجلا من أصحابه، فدخل عليه فإذا أهله عنده، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على جبينه ثم نادى: كيف تجدك؟ فلم يجب إليه شيئا، فقال أهله:
بابائنا وأمهاتنا أنت يا رسول الله إنه لموعك مشغول، قال: خلوا بيني وبينه، فأشار إليه المريض بأن أعد يدك مكانها حيث كانت، ففعل ثم ناداه: ما تجد وما ترى؟ قال: أجدني بخير- كأنه وجد ليده صلى الله عليه وسلم راحة- ثم ناداه: ما ترى؟ قال: يدنو مني رجلان أحدهما أبيض والاخر أسود قال: أيهما أقرب منك؟ قال: الأسود، قال: وما ترى؟ قال: أرى الخير والشر، فمنّ عليّ يا رسول الله بأبي وأمي منك بدعوة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
اللهمّ أتم القليل واغفر الكثير، ثم ناداه: ما ترى؟ قال: استأخر عني الأسود واقترب مني الأبيض، وإن الشر ينجفل، وإن الخير ينمو، قال:
أي عملك كان أملك بك؟ قال: كنت أسقي الناس، قال: اسمع يا سلمان، هل تنكر مني شيئا؟ قال: نعم، بأبي وأمي، قد رأيتك- الأوليين وأحذف في الأخريين، فقال عمر: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق، فبعث رجالا يسألون عنه بالكوفة، فكانوا لا يأتون مسجدا من مساجد الكوفة إلّا قالوا خيرا، حتى أتوا مسجدا لبني عبس، فقال رجل يقال له أبو سعدة: أما إذ نشدتمونا بالله، فإنه كان لا يعدل في القضية، ولا يقسم بالسوية، ولا يسر بالسرية، فقال سعد: اللهمّ إن كان كاذبا، فأعم بصره، وأطل عمره، وعرضه للفتن. قال عبد الملك: فأنا رأيته بعد يتعرض للإماء في السكك، فإذا سئل: كيف أنت؟ يقول: كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد. متفق عليه
(1274) قوله: «وروي عن سلمان الفارسي» :
لم أقف على حديثه هذا فيما لدي من المصادر.(3/529)
وما رأيتك على مثل ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني أعلم ما يلقى، ما منه عرق إلّا يألم بالموت على حدته.
1275- ومن ذلك أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في [] فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ودعا له، قال: فلم ير بالمدينة شاب أفضل منه.
(1275) قوله: «أن رجلا» :
لعله الذي يقال له: الزارع أو: الوازع العبدي، أحد وفد عبد القيس: جاء يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في ابن أخ له مصاب ليدعو الله له.
وقع في الأصول بياض بعد كلمة: فاستأذنه في، مقدار كلمة.
والحديث بطوله عند البزار [3/ 278- 279 كشف الأستار] رقم 2746، وأخرجه أيضا الإمام أحمد في المسند أخصر منه، فيما ذكره الحافظ في الأطراف [5/ 445] ، وأخرجه أبو داود في الأدب برقم 5225، والبخاري في الأدب المفرد برقم 975، والطبراني في معجمه الكبير [5/ 317] رقم 5314، والبيهقي في الدلائل [6/ 21- 22] ، وهذا لفظ البزار- وهو من طريق أبي داود-: ثنا مطر بن عبد الرحمن الأعنق، حدثتني امرأة منا من عبد القيس يقال لها أم أبان بنت الزارع، عن جدها الزارع: أنه وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج معه بأخيه لأمه- يقال له مطر بن هلال، من عنزة-، وخرج بابن أخ له مجنون، ومعهم الأشج، وكان اسمه منذر بن عائذ، فقال المنذر: يا زارع خرجت معنا برجل مجنون وفتى شاب ليس منا، وافدين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال الزارع: أما المصاب فاتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو له، عسى أن يعافيه الله، وأما الفتى العنزي فإنه أخي لأمي، وأرجو أن يدعو له النبي صلى الله عليه وسلم بدعوة، تصيبه دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، فما عدا أن قدمنا المدينة قيل: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما تمالكنا أن وثبنا عن رواحلنا، -(3/530)
.........
- فانطلقنا إليه سراعا، فأخذنا يديه ورجليه نقبلهما، وأناخ المنذر راحلته، فعقلها، وذاك بعين النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عمد إلى رواحلنا، فأناخها راحلة راحلة، فعقلها كلها، ثم عمد إلى عيبته ففتحها، فوضع عنه ثياب السفر، ثم أتى يمشي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أشج إن فيك لخلقين يحبهما الله ورسوله، قال: وما هما بأبي وأمي؟ قال: الحلم والأناة، قال: فأنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما؟ قال: الله جبلك عليهما، قال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله، قال الزارع: يا نبي الله بأبي وأمي، جئت بابن أخ لي مصاب، لتدعو الله له وهو في الركاب، قال: فأت به، قال: فأتيته وقد رأيت الذي صنع الأشج، فأخذت عيبتي، فأخرجت منها ثوبين حسنين، وألقيت عنه ثياب السفر، وألبستهما إياه، ثم أخذت بيده، فجئت به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ينظر نظر المجنون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اجعل ظهره من قبلي، فأقمته، فجعلت ظهره من قبل النبي صلى الله عليه وسلم ووجهه من قبلي، فأخذه، ثم جره بمجامع ردائه، فرفع يده حتى رأيت بياض إبطيه ثم ضرب بثوبه ظهره، وقال: اخرج عدو الله، فالتفت وهو ينظر نظر الصحيح، ثم أقعده بين يديه فدعا له، ومسح وجهه، قال: فلم تزل تلك المسحة في وجهه، وهو شيخ كبير، كأن وجهه وجه عذراء شبابا، وما كان في القوم رجل يفضل عليه، بعد دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ...
الحديث بطوله.
وبه ينتهي الجزء الثالث في تقسيمنا، ويليه إن شاء الله الجزء الرابع، وأوله: فصل في آيات إخباره صلى الله عليه وسلم بما أطلعه الله عليه من المغيبات وغير ذلك والحمد لله رب العالمين(3/531)
فهرس موضوعات المجلد الثالث
جامع أبواب المغازي والسرايا والبعوث النبوية
باب ذكر مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم 7
فصل: ذكر حديث بدر 11
فصل: وأما قصة أحد 20
فصل: في غزوة حمراء الأسد 34
فصل: في سرية أبي سلمة إلى قطن 35
فصل: في غزوة الرجيع 36
فصل: في سرية المنذر بن عمرو إلى بئر معونة 38
فصل: في غزوة بني النضير 40
فصل: في غزوة بدر الميعاد 40
فصل: في غزوة ذات الرقاع 41
فصل: في غزوة المريسيع 43
فصل: في قصة الإفك 45
فصل: في غزوة الخندق وبني قريظة 46
فصل: في سرية محمد بن مسلمة إلى القرطاء 48
فصل: في غزوة بني لحيان من هذيل 49
فصل: في غزوة الغابة 50(3/532)
فصل: في سرية عكاشة بن محصن 51
فصل: في سرية زيد بن حارثة 51
فصل: بعث علي بن أبي طالب وزيد بن حارثة 52
فصل: في سرية ابن رواحة إلى يسير بن رزام 53
فصل: في سرية عبد الله بن عتيك 54
فصل: في قصة الحديبية 55
فصل: في غزوة خيبر 57
فصل: في سرية بشير بن سعد إلى فدك 60
فصل: في عمرة القضية 61
فصل: سياق آخر لقصة الحديبية وعمرة القضية 62
فصل: في سرية كعب بن عمير إلى ذات أطلاح 67
فصل: في غزوة مؤتة 68
فصل: في سرية غالب بن عبد الله 69
فصل: في سرية عيينة بن حصن 69
فصل: في غزوة ذات السلاسل 70
فصل: ذكر سبب مسيره صلى الله عليه وسلم إلى مكة وفتحها 71
فصل: سياق آخر في سبب مسيره صلى الله عليه وسلم لفتح مكة 75
باب: في ذكر استلامه صلى الله عليه وسلم مفتاح بيت الله الحرام 77
فصل: في غزوة حنين 81
فصل: في غزوة أوطاس 84
فصل: في غزوة الطائف 85
فصل: في غزوة تبوك 87
فصل: في بعثه صلى الله عليه وسلم أبا بكر بالحج 89
فصل: سياق آخر فيه 91(3/533)
باب: في حج رسول الله صلى الله عليه وسلم 92
فصل: في خروجه صلى الله عليه وسلم سنة عشر من الهجرة للحج، وبم أحرم 94
فصل: في الوقوف بعرفة 100
فصل: في إفاضته صلى الله عليه وسلم إلى المزدلفة 102
فصل: في إفاضته صلى الله عليه وسلم إلى منى 105
فصل: ثم رجع رسول الله إلى المدينة 109
فصل: في بدء مرض وفاته صلى الله عليه وسلم 110
باب: في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم 117
فصل: في نعيه صلى الله عليه وسلم نفسه لابنته فاطمة رضي الله عنها 124
فصل: في ما جاء في آخر خطبة خطبها النبي صلى الله عليه وسلم 127
فصل: في ذكر ما روي من التشديد على الأنبياء عند الموت 139
فصل: ذكر استئذان جبريل وملك الموت عليهما السلام في قبض روحه الشريفة صلى الله عليه وسلم 141
فصل: ذكر ما نزل من الكرب على الأمة بوفاته صلى الله عليه وسلم 144
فصل: ذكر تجهيزه صلى الله عليه وسلم وغسله وتكفينه 152
فصل: في دفنه صلى الله عليه وسلم وموضع قبره 161
باب: ما جاء في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم 168
فصل: في فضل ما بين قبره صلى الله عليه وسلم ومنبره 175
فصل: فيما يقال عند زيارته للسلام عليه صلى الله عليه وسلم 179
فصل: في أن الأنبياء أحياء في قبورهم، وما ورد من سماعه صلى الله عليه وسلم سلام من يسلم عليه 184
فصل: ذكر بعض أحوال الزائرين 190
فصل: في قوله صلى الله عليه وسلم: لا تتخذوا قبري عيدا 191
باب ما جاء في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام 193(3/534)
جامع أبواب ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم من الأزواج والأموال والحفدة والمتاع
باب ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم 241
فصل: وكان جميع ما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم 245
فصل: فأول امرأة تزوجها صلى الله عليه وسلم 246
فصل: ذكر من تزوجهن صلى الله عليه وسلم ولم يدخل بهن 254
باب ذكر موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم 263
باب: في ذكر مواليات رسول الله صلى الله عليه وسلم 271
باب ذكر ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم وفاته من الثياب والقمص والأزر والسرير والصاع والمد 274
فصل: في ذكر أسماء سيوفه صلى الله عليه وسلم 277
فصل: في أسماء دروعه صلى الله عليه وسلم 283
فصل: في أسماء رماحه وألويته وترسه ومغفره وراياته صلى الله عليه وسلم 285
فصل: في أسماء قسيه صلى الله عليه وسلم 290
فصل: ذكر خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم 291
فصل: ذكر أسماء البغال والحمير التي أهديت لرسول الله، والتي كان يركبها صلى الله عليه وسلم 303
فصل: ذكر ما كان له من النوق صلى الله عليه وسلم 309
فصل: ذكر أعنزه صلى الله عليه وسلم 314
فصل: ذكر ما كان يلبسه صلى الله عليه وسلم وما كان يعجبه من اللباس 316
فصل: ذكر مرآته ومكحلته ومشطه صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من أدواته 329(3/535)
جامع أبواب الدلائل التي يستدل بها على نبوته صلى الله عليه وسلم
فصل: في الدلائل التي يستدل بها على نبوته صلى الله عليه وسلم 337
فصل: في أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، وما في تأييد الله ونصرته له على أعدائه ورد كيدهم عنه من الدلائل الظاهرة 341
فصل: ذكر ما ظهر من الايات والدلائل فيمن دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم 377
باب: الايات في تكليم الأحجار وإطاعة الأشجار وسائر الجمادات له صلى الله عليه وسلم 393
فصل: ذكر آياته صلى الله عليه وسلم مع الحيوانات 405
فصل: ذكر ما ظهر من الايات والدلائل في نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم 423
فصل: ذكر ما ظهر من الايات والدلائل في تكثيره صلى الله عليه وسلم الطعام 437
فصل: ذكر الايات في دعائه صلى الله عليه وسلم المبارك وما جاء في إبرائه المرضى وذوي العاهات 460(3/536)
الجزء الرابع
[[تابع] جامع أبواب الدّلائل الّتي يستدلّ بها على نبوّته صلى الله عليه وسلم]
[تابع] جامع أبواب الدّلائل الّتي يستدلّ بها على نبوّته صلى الله عليه وسلم(4/5)
[226- فصل: في آيات إخباره صلى الله عليه وسلم بما أطلعه الله عليه من المغيّبات والكوائن وما يقع في نفوس المنافقين وغيرهم من الصّحابة وما في ذلك من الدّلائل]
226- فصل:
في آيات إخباره صلى الله عليه وسلم بما أطلعه الله عليه من المغيّبات والكوائن وما يقع في نفوس المنافقين وغيرهم من الصّحابة وما في ذلك من الدّلائل 1276- فمن ذلك: أن من كان بحضرته من المنافقين كانوا لا يكونون في شيء من ذكره، ولا يفيضون في غيبته إلّا أطلعه الله على ذلك وبينه لهم صلى الله عليه وسلم، حتى إن كان بعضهم ليقول لصاحبه: اسكت فو الله لو لم يكن عندنا إلا الحجارة لأخبرته حجارة الأبطح، لم يكن ذلك منه صلى الله عليه وسلم ولا منهم مرة واحدة ولا مائة مرة، فلا يظن ظان أنه كان منه صلى الله عليه وسلم بالوهم والظن فإنه كفر منه به صلى الله عليه وسلم، فقد كان صلى الله عليه وسلم يخبرهم بما قالوا على لفظهم، (1276) - قوله: «فقد كان صلى الله عليه وسلم يخبرهم بما قالوا» :
سيورد المصنف قريبا خبر الناقة، وفيها إخباره أصحابه بما تفوه به بعض المنافقين، ومن ذلك أيضا ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده [1/ 240، 267، 350] وصححه الحاكم في المستدرك [2/ 482] ، والبيهقي في الدلائل من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل حجرة، وقد كاد الظل أن يتقلص، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه سيأتيكم إنسان فينظر إليكم بعين شيطان، فإذا جاءكم لا تكلموه، فلم يلبثوا أن طلع عليهم رجل أزرق أعور، فقال حين رآه دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: على ما تشتمني أنت وأصحابك؟ فقال: ذرني آتيك بهم، فانطلق فدعاهم، فحلفوا ما قالوا وما فعلوا حتى يخون، فأنزل الله عزّ وجلّ: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ الآية- لفظ الحاكم.(4/7)
وينبئهم بما في ضمائرهم، ولما ضوعف عليهم في الآيات ازدادوا عمى وإدبارا وضلالة.
- ومن ذلك ما أخرجه ابن إسحاق في سيرته، ومن طريقه البيهقي في الدلائل [5/ 260] من حديث حذيفة قال: كنت آخذا بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقود به، وعمار يسوقه- أو قال: أنا أسوقه وعمار يقوده-، حتى إذا كنا بالعقبة إذا أنا باثني عشر راكبا قد اعترضوه فيها، قال: فانبهت رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم، فصرخ بهم فولوا مدبرين، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل عرفتم القوم؟
قلنا: لا يا رسول الله، كانوا متلثمين ولكنا قد عرفنا الركاب، قال: هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة، هل تدرون ما أرادوا؟ قلنا: لا، قال: أرادوا أن يزحموا رسول الله في العقبة فيلقوه منها، قلنا: يا رسول الله، أو لا تبعث إلى عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم؟ قال: لا، أكره أن تحدث العرب بينها: أن محمدا قاتل بقوم حتى إذا أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم، ثم قال: اللهمّ ارمهم بالدبيلة، قلنا: يا رسول الله وما الدبيلة؟ قال: شهاب من نار يقع على نياط قلب أحدهم فيهلك.
رواها الإمام أحمد في مسنده عن أبي الطفيل، وأخرجها ابن سعد عن جبير بن مطعم، وأخرجها أيضا البيهقي في الدلائل عن أبي الأسود، عن عروة مرسلا.
وأخرج مسلم في صفات المنافقين من صحيحه، من حديث قيس بن أبي حاتم قال: قلت لعمار: أرأيتم صنيعكم هذا الذي صنعتم في أمر علي، أرأيا رأيتموه أو شيئا عهده إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا لم يعهده إلى الناس كافة، ولكن حذيفة أخبرني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: في أصحابي اثنا عشر منافقا، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط، ثمانية منهم تكفيكهم الدبيلة، وأربعة..- قال: لم أحفظ ما قال شعبة فيهم-، وأمثلة هذا كثيرة، وفيما ذكرناه كفاية.(4/8)
1277- ومنها: أنه لما أتى يهود بني النضير واندس له رجل يريد أن يطرح عليه صخرة- وكان قاعدا في ظل أطم-، فنبأه الله بما أضمروا له، فقام راجعا إلى المدينة، ورد الله كيد عدوه عنه، وقتله بعض أقربائه، ونفله رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله.
1278- ومنها: أمر سحر اليهود له صلى الله عليه وسلم، فأخبره الله تعالى حتى استخرج ذلك علي رضي الله عنه بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان كلما حلّ عقدة ظهر البرء على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كأنه أطلق من عقال.
(1277) - قوله: «واندس له رجل» :
ستأتي القصة في شرفه صلى الله عليه وسلم في القرآن [شرف رقم 61] .
(1278) - قوله: «حتى استخرج ذلك علي رضي الله عنه» :
كذا قال المصنف، والذي أخرجه البيهقي في الدلائل [6/ 248] من حديث محمد بن السائب- وهو الكلبي الضعيف- عن أبي صالح، عن ابن عباس أن الذي استخرجه عمار بن ياسر، وفيها قال: مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضا شديدا، فأتاه ملكان فقعدا، أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: ما ترى؟ قال: طب، قال: وما طبه؟
قال: سحر، قال: وما سحره؟ قال: لبيد بن أعصم اليهودي، قال: أين هو؟ قال: في بئر آل فلان، تحت صخرة في ركية، فأتوا الركي فانزحوا ماءها، وارفعوا الصخرة، ثم خذوا الكربة فاحرقوها، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمار بن ياسر في نفر فأتوا الركي فإذا ماؤها مثل ماء الحناء، فنزحوا الماء، ثم رفعوا الصخرة، وأخرجوا الكربة فأحرقوها، فإذا فيها وتر فيه إحدى عشرة عقدة، فأنزلت عليه هاتان السورتان، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ.
قال الحافظ البيهقي: الاعتماد على الأول، يعني على ما في الصحيحين من حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى البئر ثم رجع إليها فقال: والله لكأن-(4/9)
1279- ومن ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم أمر بحفر الخندق حول المدينة، فاعترضت لهم صخرة عظيمة منعتهم عن حفرها، فأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فدخل الخندق وأخذ المعول، وضرب الصخرة ضربة فكسر منها ثلثها فبرقت برقة، فكبّر وكبر أهل الخندق، ثم ضربها الثانية فكسر ثلثها، وبرقت برقة، فكبر وكبر أهل الخندق، ثم ضربها الثالثة فاقتلعها، وبرقت برقة، فكبر وكبر أهل الخندق، فقال صلى الله عليه وسلم: أما البرقة الأولى فإن ربي أعطاني فيها كنوز كسرى، وأما البرقة الثانية فإني رأيت فيها بيضاء الشام، وأما البرقة الثالثة فإن الله تعالى ...
- ماءها نقاعة الحناء، ولكأن نخلها رؤوس الشياطين، قالت: فقلت له:
يا رسول الله هلا أخرجته؟ قال: أما أنا فقد شفاني الله، كرهت أن أثير على الناس منه شرّا.
279 1- قوله: «فإن الله تعالى» :
وقع بعدها بياض في الأصل بمقدار كلمتين.
وقد رويت القصة من حديث عمرو بن عوف، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وسلمان الفارسي، والبراء بن عازب.
أما حديث عمرو بن عوف، فأخرجه ابن جرير في تفسيره [21/ 133- 134] ، وابن أبي حاتم كذلك [9/ 3117] رقم 17603، والحاكم في المستدرك [3/ 598] ، والبيهقي في الدلائل [3/ 418] ، قال: خرجت لنا من الخندق صخرة بيضاء مدورة فكسرت حديدنا وشقت علينا، فشكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ المعول من سلمان فضرب الصخرة ضربة صدعها وبرقت منها برقة أضاء ما بين لا بتي المدنية، حتى لكأن مصباحا في جوف ليل مظلم، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ضربها الثانية فصدعها وبرق منها برقة أضاء ما بين لابتيها، فكبر، ثم ضربها الثالثة، وبرق منها برقة أضاء ما بين لابتيها فكبر، فقلنا: يا رسول الله، قد رأيناك تضرب فيخرج-(4/10)
.........
منها برق كالموج ورأيناك تكبر؟! فقال: أضاء لي في الأولى قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب، فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، وأضاء لي في الثانية قصور الحمر من أرض الروم، كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، وأضاء في الثالثة قصور صنعاء، كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها فأبشروا بالنصر، فقال المنافقون: يخبركم محمد أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم، وأنتم تحفرون الخندق ولا تستطيعون أن تبرزوا؟! فنزل: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (12) الآية.
وأما حديث أنس بن مالك، فأخرجه أبو نعيم- فيما ذكره السيوطي في الخصائص- قال: ضرب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق بمعوله ضربة فبرقت برقة، فخرج نور من قبل اليمن، ثم ضرب أخرى فخرج نور من قبل فارس، ثم ضرب أخرى فخرج نور من قبل الروم، فعجب سلمان من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت؟ قلت: نعم، قال: لقد أضاءت لي المدائن وإن الله بشرني في مقامي هذا بفتح اليمن والروم وفارس.
وأما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، فأخرجه أبو نعيم في الدلائل برقم 429: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم الخندق وهم محدقون حول المدينة فتناول الفأس فضرب به ضربة فقال: هذه الضربة يفتح الله بها كنوز الروم، ثم ضرب الثانية فقال: هذه الضربة يأتي الله بأهل اليمن أنصارا وأعوانا.
وأما حديث سلمان الفارسي، فأخرجه ابن إسحاق في سيرته [3/ 173 ابن هشام] ، ومن طريقه البيهقي في الدلائل [3/ 417] ، قال: ضربت في ناحية من الخندق فعطف عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قريب مني فلما رآني أضرب ورأى شدة المكان علي، نزل فأخذ المعول من يدي فضرب به ضربة-(4/11)
1280- ومن ذلك: أنه كتب إلى قيصر وكسرى كتابين دعاهما فيهما إلى الإسلام وبدأ بنفسه،..
- فلمعت تحت المعول برقة، ثم ضرب ضربة أخرى فلمعت تحته برقة أخرى، ثم ضرب به الثالثة فلمعت تحته برقة أخرى، قلت: يا رسول الله ما هذا الذي رأيت يلمع؟ قال: أما الأولى فإن الله فتح عليّ بها اليمن، وأما الثانية فإن الله فتح عليّ بها الشام والمغرب، وأما الثالثة فإن الله فتح عليّ بها المشرق.
فحدثني من لا أتهم عن أبي هريرة أنه كان يقول في زمن عمر وزمن عثمان وما بعده: افتتحوا ما بدا لكم فو الذي نفسي بيده ما افتتحتم من مدينة ولا تفتحونها إلى يوم القيامة إلّا والله تعالى قد أعطى محمدا مفاتيحها.
أما حديث البراء بن عازب، فأخرجه النسائي في السير من السنن الكبرى [5/ 269- 270] رقم 8858، والبيهقي في الدلائل [3/ 21] ، وأبو نعيم كذلك برقم 430، قال: عرض لنا في بعض الخندق صخرة عظيمة شديدة لا تأخذ فيها المعاول، فشكونا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآها أخذ المعول وقال: بسم الله، وضرب ضربة فكسر ثلثها، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأنظر إلى قصورها الحمر، ثم ضرب الثانية فقطع ثلثا آخر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض، ثم ضرب الثالثة فقطع الحجر فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني الساعة.
280 1- قوله: «أنه كتب إلى قيصر» :
عظيم الروم هرقل، والقصة في الصحيحين من حديث ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس قال: حدثني أبو سفيان من فيه إلى فيّ قال: انطلقت في المدة التي كانت بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فبينا أنا بالشام إذ جيء بكتاب من النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل، قال: وكان دحية الكلبي جاء به فدفعه إلى عظيم بصرى، فدفعه عظيم بصرى إلى-(4/12)
.........
- هرقل، قال: فقال هرقل: هل هاهنا أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقالوا: نعم، قال: فدعيت في نفر من قريش فدخلنا على هرقل فأجلسنا بين يديه، فقال: أيكم أقرب نسبا من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: فقلت: أنا، فأجلسوني بين يديه، وأجلسوا أصحابي خلفي، ثم دعا بترجمانه فقال: قل لهم إني سائل هذا عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي فإن كذبني فكذبوه.
قال أبو سفيان: وايم الله لولا أن يؤثروا عليّ الكذب لكذبت، ثم قال لترجمانه: سله: كيف حسبه فيكم؟ قال: قلت: هو فينا ذو حسب، قال:
فهل كان من آبائه ملك؟ قال: قلت: لا، قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا، قال: أيتبعه أشراف الناس أم ضعفاءهم؟
قال: قلت: بل ضعفاؤهم، قال: يزيدون أو ينقصون؟ قال: قلت: لا، بل يزيدون، قال: هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له؟
قال: قلت: لا، قال: فهل قاتلتموه؟ قال: قلت: نعم، قال: فكيف قتالكم إياه؟ قال: قلت: تكون الحرب بيننا سجالا يصيب منا ونصيب منه، قال: فهل يغدر؟ قال: قلت: لا، ونحن منه في هذه المدة لا ندري ما هو صانع فيها، قال: والله ما أمكنني من كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه، قال: فهل قال هذا والقول أحد قبله؟ قلت: لا.
ثم قال لترجمانه: قل له: إني سألتك عن حسبه فيكم، فزعمت أنه فيكم ذو حسب، وكذلك الرسل تبعث في أحساب قومها، وسألتك: هل كان في آبائه ملك؟ فزعمت أن لا، فقلت: لو كان من آبائه ملك قلت رجل يطلب ملك آبائه، وسألتك عن أتباعه: أضعفاؤهم أم أشرافهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم، وهم أتباع الرسل، وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت: أن لا، فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله، وسألتك: هل يرتد أحد منهم عن دينه-(4/13)
.........
- بعد أن يدخل فيه سخطة له؟ فزعمت أن لا، وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب، وسألتك: هل يزيدون أم ينقصون؟ فزعمت أنهم يزيدون، وكذلك الإيمان حتى يتم، وسألتك: هل قاتلتموه؟ فزعمت أنكم قاتلتموه، فتكون الحرب بينكم وبينه سجالا، ينال منكم وتنالون منه، وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم الغلبة، وسألتك: هل يغدر؟ فزعمت أنه لا يغدر، وكذلك الرسل لا تغدر، وسألتك: هل قال أحد هذا القول قبله؟ فزعمت أن لا، فقلت: لو كان قال هذا القول أحد قبله، قلت رجل ائتم بقول قيل قبله، قال: ثم قال: بم يأمركم؟ قال: قلت: يأمرنا بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف.
قال: إن يك ما تقول فيه حقّا فإنه نبي، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أك أظنه منكم، ولو أني أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه، وليبلغن ملكه تحت قدمي.
قال: ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه فإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد:
فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ
إلى قوله: اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ الآية.
قال: فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللغط، وأمر بنا فأخرجنا، قال: فقلت لأصحابي حين خرجنا: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة، وإنه يخافه ملك بني الأصفر، فما زلت موقنا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيظهر حتى أدخل الله عليّ الإسلام. -(4/14)
فوضع قيصر كتابه على الوسادة وأجابه بجواب حسن، - قال الزهري: فدعا هرقل عظماء الروم فجمعهم في دار لهم فقال: يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد آخر الأبد وأن يثبت لكم ملككم؟ قال:
فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غلقت، فقال:
عليّ بهم، فدعا بهم، فقال: إني إنما اختبرت شدتكم على دينكم، فقد رأيت منكم الذي أحببت، فسجدوا له ورضوا عنه.
لفظ البخاري في التفسير، باب قوله تعالى: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ الآية.
قوله: «فوضع قيصر كتابه على الوسادة» :
احتراما واعترافا بنبوته، ولم يسلم لخوفه على ملكه، فأخرج البيهقي في الدلائل [4/ 394] من حديث ابن عون، عن عمير بن إسحاق قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر، فأما قيصر فوضعه، وأما كسرى فمزقه، فبلغ ذلك النبي صلى الله فقال: أما هؤلاء فيمزقون، وأما هؤلاء فستكون لهم بقية.
وأخرج البيهقي في الدلائل [4/ 394] عن الشافعي قال: لما أتى كسرى بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم مزقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تمزق ملكه، وحفظنا أن قيصر أكرم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ووضعه في مسك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ثبت ملكه.
وأخرج [4/ 384] أيضا من طريق ابن إسحاق، عن الزهري قال: حدثنا أسقف من النصارى قد أدرك ذلك الزمان قال: لما قدم دحية الكلبي على هرقل بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وذكر القصة، وفيها: فأمر بعظماء الروم فجمعوا له في دسكرة ملكه، ثم أمر بها فأسرجت عليهم، واطلع عليهم من علّيّة له وهو منهم خائف فقال: يا معشر الروم إنه جاءني كتاب أحمد، وإنه والله النبي الذي كنا ننتظر ونجد ذكره في كتابنا، نعرفه بعلاماته وزمانه، فأسلموا واتبعوه تسلم لكم دنياكم وآخرتكم، فنخروا نخرة رجل-(4/15)
وأما كسرى فإنه مزق كتابه، وكتب إلى فيروز بن ديلم باليمن- وهو من بقية أصحاب سيف بن ذي يزن- يأمره بالمسير إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخذه وقتله.
فقال صلى الله عليه وسلم: اللهمّ مزق ملكه، فمزّق الله ملكه.
- واحد، وابتدروا أبواب الدسكرة فوجدوها مغلقة دونهم فخافهم فقال:
ردوهم عليّ، فكرّهم عليه فقال لهم: يا معشر الروم إني إنما قلت لكم هذه المقالة أغمزكم لأنظر كيف صلابتكم في دينكم، فلقد رأيت منكم ما سرني، فوقعوا له سجّدا، ثم فتحت لهم أبواب الدسكرة فخرجوا.
وفي رواية عند أبي نعيم في الدلائل برقم 240 من حديث ابن الهاد عن دحية أن قيصر قال له: بلغ صاحبك أني أعلم أنه نبي، ولكن لا أترك ملكي، قال: ثم أخذ الكتاب فوضعه على رأسه وقبله وطواه في الديباج والحرير وجعله في سفط.. الحديث.
قوله: «وأما كسرى فإنه مزق كتابه» :
قال ابن المسيب: فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق، أخرجه البخاري في الجهاد من صحيحه، باب دعوة اليهود والنصارى، من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى، فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين يدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه كسرى خرقه، رقم 2939.
قوله: «وكتب إلى فيروز بن ديلم» :
وهو فيروز الديلمي أو ابن الديلمي، صحابي حميري، من أبناء فارس، كنيته: أبو عبد الله وأبو الضحاك، يقال: إنه ابن أخت النجاشي، وكان ممن بعثه كسرى مع سيف بن ذي يزن لينفوا الحبشة عن اليمن.
قال أبو عاصم: لم أر أحدا تابع المصنف في قوله أن كسرى كتب إلى فيروز بن ديلم، والمشهور من الروايات في كتب السيرة والتاريخ وغيرها-(4/16)
.........
- أن كسرى كتب إلى عامله بصنعاء، وذلك فيما أخرجه البزار في مسنده [3/ 117] كشف الأستار] رقم 2374، والبيهقي في الدلائل [4/ 390] ، وأبو نعيم كذلك برقم 240، جميعهم من حديث ابن الهاد، عن دحية في قصة إرسال النبي صلى الله عليه وسلم له إلى قيصر وكسرى الطويلة وفيها: وكتب كسرى إلى صاحب صنعاء يتوعده، يقول: لتكفيني رجلا خرج بأرضك يدعوني إلى دينه أو أؤدي الجزية، أو لأقتلك أو لأفعلن بك، قال: فبعث صاحب صنعاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، خمسة عشر رجلا فوجدهم دحية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قرأ كتاب صاحبهم نزّلهم خمسة عشر ليلة، فلما مضت خمس عشرة ليلة تعرضوا، فلما رآهم دعاهم فقال: اذهبوا إلى صاحبكم فقولوا له: إن ربي قتل ربه الليلة.. الحديث.
قال الحافظ البيهقي في الدلائل [4/ 391] : وذكره أيضا داود بن أبي هند عن عامر الشعبي بمعناه، وسمى العامل الذي كتب إليه كسرى: باذان صاحب اليمن، فلما جاء باذان الكتاب اختار رجلين من أهل فارس، وكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بما كتب به كسرى من رجوعه إلى دين قومه أو تواعده يوما بلقائه فيه، ثم ذكر معناه في قول النبي صلى الله عليه وسلم: وأبلغاه أن ربي قتل ربه، فكان كما أخبر.
وأخرج الإمام أحمد في المسند [5/ 47، 43] ، والبزار في مسنده [3/ 142 كشف الأستار- كذلك باختصار] رقم 2427، والطبراني- فيما ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد [8/ 287] واللفظ منه- والبيهقي في الدلائل [4/ 390] ، وأبو نعيم كذلك- كما في الخصائص الكبرى للسيوطي [2/ 137] ، جميعهم من حديث أبي بكرة قال: لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابه بعث كسرى عامله على أرض اليمن ومن يليه من العرب- كان يقال له: باذام-: إنه قد بلغني أنه خرج رجل قبلك يزعم أنه نبي، فقل له فليكف عن ذلك أو لأبعثن إليه من يقتله ... الحديث. -(4/17)
قال: وسار إليه فيروز وأعلمه بما قد أمر به فيهز
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن ربي قد أعلمني أنه قتل البارحة، فراع فيروز وهاله، وكره الإقدام عليه لما رأى وسمع، فأتاه الخبر أن ابنه شيرويه وثب عليه في تلك الليلة بعينها فقتله.
قال: فأسلم فيروز لما رأى وسمع من النبأ اليقين، وصار إلى اليمن، ودعا من باليمن من أبناء الفرس إلى الإسلام فأسلموا.
- فهذا يدل على أن كسرى إنما بعث إلى صاحب صنعاء وهو باذام، ولم أر من ذكر فيروز فيمن أرسل إليه كسرى أو أنه كان فيمن أرسلهم عامل صنعاء.
وفي خصائص السيوطي [2/ 136] قال: وأخرج أبو نعيم وابن سعد في شرف المصطفى- كذا في المطبوع- من طريق إسحاق عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: لما قدم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى كتب إلى باذام عامله على اليمن أن ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين جلدين من عندك فليأتياني به ...
القصة.
ولعل جملة: في شرف المصطفى، سبق قلم؛ إذ الخبر في طبقات ابن سعد [1/ 260] ، ودلائل أبي نعيم برقم 241 من طرق باللفظ الذي ذكره السيوطي لا عندنا، والله أعلم.
قوله: «وسار إليه فيروز» :
انظر التعليق المتقدم.
قوله: «فأتاه الخبر أن ابنه شيرويه وثب عليه» :
أخرج القصة من طرق ابن سعد في الطبقات [1/ 259- 260] ، وأبو نعيم في الدلائل برقم 241.(4/18)
فلما خرج العنسي الكذاب باليمن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم تآمر هو وقيس بن مكشوح على قتله، فدخل عليه فيروز وهو نائم، فلوى عنقه فدقها.
قوله: «فلما خرج العنسي الكذاب» :
أخرج ابن سعد في الطبقات [5/ 534] في ترجمة داذويه قال:
كان من الأبناء، وكان شيخا كبيرا، أسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان فيمن قتل الأسود بن كعب العنسي الذي تنبأ باليمن، فخاف قيس بن مكشوح من قوم العنسي فادعى أن داذويه قتله، ثم وثب على داذويه فقتله يسترضي بذلك قوم العنسي، فكتب أبو بكر الصديق إلى المهاجر بن أبي أمية أن يبعث إليه بقيس بن مكشوح في وثاق، فبعث به إليه في وثاق، فقال: قتلت الرجل الصالح داذويه؟
وهم بقتله، فكلمه قيس وحلف أنه لم يفعل، وقال: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم استبقني لحربك، فإن عندي بصرا بالحروب ومكيدة للعدو، فاستبقاه أبو بكر وبعثه إلى العراق، وأمر ألا يولى شيئا، وأن يستشار في الحرب.
وأخرج ابن سعد [5/ 534] : أن فيروز كان فيمن قتل الأسود العنسي باليمن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قتله الرجل الصالح فيروز بن الديلمي.
وأخرج أبو نعيم في المعرفة [4/ 2297] من حديث ضمرة، عن السيباني، عن عبد الله بن الديلمي، عن أبيه قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم برأس الأسود العنسي الكذاب.. الحديث.
قال ابن الأثير: تفرد به ضمرة، وقال الحافظ في الإصابة: لم يتابع ضمرة.
وانظر قصة قتل الأسود: عند البيهقي في الدلائل [5/ 335- 336] ، وتاريخ ابن جرير، وابن الأثير وغيرهما.(4/19)
1281- ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم للأنصار: إنكم سترون بعدي أثرة، فلما ولي عليهم معاوية منع عنهم عطاياهم، فقدم عليهم فلم يتلقّوه، فقال: ما الذي منعكم أن تلقوني؟ قالوا: لم يكن لنا ظهور نركبها، فقال لهم: أين كانت نواضحكم؟ فقال أبو قتادة: عقرناها يوم بدر في طلب أبيك، ثم رووا له الحديث.
فقال لهم: وما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: قال لنا، اصبروا حتى تلقوني، قال: فاصبروا إذن.
فقال في ذلك حسان بن ثابت:
ألا أبلغ معاوية بن صخر ... أمير المؤمنين نبأ كلامي
فإنا صابرون ومنتظروكم ... إلى يوم التغابن والخصام
(1281) - قوله: «إنكم سترون بعدي أثرة» :
أخرجاه في الصحيحين من حديث أنس بن مالك: فأخرجه البخاري في المساقاة تعليقا، باب كتابة القطائع، رقم 2376، 2377، وفي الجزية والموادعة، باب ما أقطع النبي صلى الله عليه وسلم من البحرين، رقم 3163، وفي مناقب الأنصار، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: اصبروا حتى تلقوني على الحوض، رقم 3793، 3794.
وأخرجه مسلم في الزكاة برقم 1059.
وأخرجاه من روايته عن أسيد بن حضير: أخرجه البخاري في مناقب الأنصار، رقم 3792، ومسلم في الجهاد 474.
والأثرة: بفتح الهمزة- ويقال: بضمها- وسكون المثلثة إشارة منه صلى الله عليه وسلم إلى أن الأمر يصير في غيرهم، فيختصون دونهم بالأموال وغيرها من أمور الدنيا، قال الحافظ في الفتح: وكان الأمر كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم، وهو معدود فيما أخبر به من الأمور الآتية فوقع كما قال.
قوله: «فقال في ذلك حسان بن ثابت» :
أخرجه بطوله الحافظ عبد الرزاق في المصنف [11/ 60- 61] ومن طريقه الإمام أحمد في المسند باختصار [5/ 304] ، وابن عساكر في تاريخه [67/ 151] . -(4/20)
1282- ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان رضي الله عنه: إن الله مقمصك قميصا، وإنهم حاملوك على خلعه، فلا تفعل، فلما حوصر عثمان قالوا له: اخلع الخلافة، قال لهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لي كذا وكذا، ولست فاعلا ما تقولون، فقتل.
- وفي الباب عن أبي أيوب الأنصاري، أخرجه الحاكم في المستدرك [3/ 459] من طريق الحكم، عن مقسم أن أبا أيوب أتى معاوية فذكر له حاجة فقال: ألست صاحب عثمان؟ فقال: أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا أنه سيصيبنا بعده أثرة، قال: وما أمركم؟ قال: أمرنا أن نصبر حتى نرد عليه الحوض، قال: اصبروا، قال: فغضب أبو أيوب وحلف ألا يكلمه أبدا ... الحديث.
(1282) - قوله: «ومنها قوله صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان» :
أخرجه الإمام أحمد في مسنده [6/ 75، 86، 114] ، وابن أبي شيبة في المصنف [12/ 48- 49] ، والترمذي برقم 3705 وقال: حسن غريب، وابن ماجه في مقدمة السنن برقم 112، وصححه الحاكم في المستدرك [3/ 100] من طرق عن عائشة: وهذا لفظ رواية النعمان بن بشير عند الإمام أحمد: عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- يعني في مرضه-:
لو كان عندنا رجل يحدثنا؟ فقلت: يا رسول الله ألا أبعث إلى أبي بكر؟
فسكت، ثم قال: لو كان عندنا رجل يحدثنا؟ فقالت حفصة: ألا أرسل لك إلى عمر؟ فسكت، ثم قال: لا، ثم دعا رجلا فساره بشيء فما كان إلّا أن أقبل عثمان، فأقبل عليه بوجهه وحديثه فسمعته يقول له: يا عثمان، إن الله عزّ وجلّ لعله أن يقمصك قميصا، فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه، ثلاث مرار، قال: فقلت: يا أم المؤمنين فأين كنت عن هذا الحديث؟ فقالت: يا بني أنسيته، والله لقد أنسيته حتى ما ظننت أني سمعته، صححه ابن حبان كما في الإحسان برقم 6915. -(4/21)
1283- ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم حين صعد هو وأبو بكر وعمر وعثمان جبل حراء: ما عليك إلّا نبي وصديق وشهيدان، فكان كما قال.
- ورواه قيس بن أبي حازم عن عائشة، وعن أبي سهلة مولى عثمان عنها، فأبهم ما دار بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين عثمان رضي الله عنه، وفيه بعد أن قال: وددت أن عندي بعض أصحابي، قالت: فأرسلنا إلى عثمان قال: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يكلمه ووجهه يتغير، قال قيس: فحدثني أبو سهلة أن عثمان قال يوم الدار: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليّ عهدا فأنا صائر عليه.
وقال بعضهم في حديثه: فأنا صابر عليه.
قال قيس: فكانوا يرونه ذلك اليوم.
أخرجه مطولا ومختصرا: الإمام أحمد في مسنده [1/ 58، 69] والترمذي برقم 3711، وابن ماجه برقم 113، وابن أبي شيبة [12/ 44- 45] ، وابن سعد في الطبقات [3/ 66- 67] ، وصححه الحاكم [3/ 99] ، وابن حبان برقم 6918.
وفي الباب عن عبد الله بن عمرو، أخرجه البيهقي في الدلائل [6/ 392] ، وعن زيد بن أرقم عند الطبراني في الكبير [5/ 218] رقم 5061، وفي إسناده عبد الأعلى بن أبي المساور وهو ضعيف.
(1283) - قوله: «حين صعد هو وأبو بكر وعمر وعثمان» :
وصعد معهم أيضا: علي وطلحة وسعد وعبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد والزبير فتحركت بهم الصخرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اهدأ- أو: اثبت، أو اسكن- حراء فما عليك إلّا نبي أو صديق أو شهيد.
أخرجه مسلم في الفضائل من صحيحه، باب من فضائل طلحة والزبير، رقم 2417 (50 وما بعده) ، والإمام أحمد في المسند [2/ 419] ، والترمذي في المناقب، برقم 3696، والنسائي في الفضائل من السنن الكبرى برقم 8207.
وقال عبد الله بن ظالم: خطب المغيرة بن شعبة فسب عليا، فأخذ بيدي-(4/22)
1284- ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم للزبير: إنك ستقاتل عليا وأنت له ظالم، ففعل، وقرعه علي بذلك يومئذ، فرجع عنه وترك القتال لما ذكره بذلك.
- سعيد بن زيد وقال: ألا ترى هذا الرجل الذي أرى يلعن رجلا من أهل الجنة، وأشهد على التسعة أنهم في الجنة ولو شهدت على العاشر لم آثم، فقلت: من التسعة؟ فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على حراء فقال: اثبت حراء فإن عليك نبيا وصديقا وشهيدا.. الحديث.
أخرجه من طرق بألفاظ: الإمام أحمد في مسنده [1/ 188، 189] ، وأبو داود برقم 4648، والترمذي برقم 3757- وقال: حسن صحيح- والنسائي برقم 8156، 8191، 8192، 8205، 8206، 8208 في مسنده برقم 235، والحميدي كذلك برقم 84، وصححه الحاكم [3/ 450- 451] ، وابن حبان كما في الإحسان برقم 6996، وقال أبو عبد الرحمن السلمي: لما حصر عثمان وأحيط بداره أشرف على الناس فقال: نشدتكم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انتفض بنا حراء قال: اثبت حراء فما عليك إلّا نبي أو صديق أو شهيد ... الحديث.
أخرجه البخاري معلقا في الوصايا دون ذكر الشاهد هنا برقم 2778، وأخرجه بالشاهد الإمام أحمد في المسند [1/ 59] ، والترمذي برقم 3699، والنسائي في الأحباس برقم 3601 وصححه ابن حبان برقم 6916.
(1284) - قوله: «إنك ستقاتل عليا» :
أخرج أبو يعلى في مسنده [2/ 30] رقم 666، والحاكم في المستدرك [3/ 367] ، والبيهقي في الدلائل [6/ 415] ، جميعهم من حديث أبي جرو المازني قال: شهدت عليا والزبير حين تواقفا فقال له علي: يا زبير أنشدك الله أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنك تقاتلني وأنت لي ظالم؟
قال: بلى ولكني نسيت، ولم أذكر إلّا في موقفي هذا، ثم انصرف. -(4/23)
1285- ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر: إن آخر زادك من الدنيا شربة من لبن.
- عبد الملك الرقاشي، أورده البخاري في تاريخه وقال: لم يصح حديثه.
وأخرج الحاكم في المستدرك [3/ 366] ، والبيهقي في الدلائل [6/ 414- 415] عن الأسود، عن يزيد الفقير عن أبيه- دخل حديث أحدهما في حديث صاحبه- قال: لما دنا علي وأصحابه من طلحة والزبير ودنت الصفوف بعضها من بعض خرج علي وهو على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادى:
ادعوا لي الزبير بن العوام فإني علي، فدعي له الزبير، فأقبل حتى اختلفت أعناق دوابهما، فقال علي: يا زبير نشدتك بالله أتذكر يوم مر بك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مكان كذا وكذا فقال: يا زبير تحب عليا؟ فقلت:
ألا أحب ابن خالي وابن عمي وعلى ديني، فقال: يا علي أتحبه؟ فقلت:
يا رسول الله ألا أحب ابن عمتي وعلى ديني، فقال: يا زبير لتقاتلنه وأنت له ظالم! قال: بلى والله، لقد نسيته منذ سمعته من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكرته الآن، والله لا أقاتلك، فرجع.. الحديث، قال ابن كثير:
غريب، وأخرج الحاكم في المستدرك [3/ 366] من حديث قيس بن أبي حازم قال: قال علي للزبير: أما تذكر يوم كنت أنا وأنت في سقيفة قوم من الأنصار فقال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتحبه؟ فقلت: وما يمنعني؟
قال: أما إنك ستخرج عليه وتقاتله وأنت له ظالم، قال: فرجع الزبير.
(1285) - قوله: «إن آخر زادك من الدنيا» :
أخرج الإمام أحمد في المسند [4/ 319] واللفظ له، وابن سعد في الطبقات [3/ 257] ، والطبراني- كما في مجمع الزوائد [7/ 243]- والحاكم في المستدرك وصححه [3/ 389] ، والبيهقي في الدلائل [6/ 421] ، جميعهم من حديث أبي البختري: أن عمار بن ياسر أتي بشربة لبن، فضحك، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن آخر شراب أشربه لبن حتى أموت، بيّن الطبراني اسم الذي سقاه هو أبو المخارق، وزاد في روايته: -(4/24)
.........
- ثم نظر إلى لواء معاوية فقال: قاتلت صاحب هذه الراية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح إلّا أنه منقطع.
وأخرج الحاكم في المستدرك [3/ 389] من حديث إبراهيم بن سعد، عن أبيه عن جده قال: سمعت عمار بن ياسر بصفين في اليوم الذي قتل فيه وهو ينادي: أزلفت الجنة، وزوجت الحور العين، اليوم نلقى حبيبنا محمّد صلى الله عليه وسلم، عهد إليّ أن آخر زادك من الدنيا ضيح من لبن، قال الحاكم:
صحيح على شرطهما ولم يخرجاه، وأقره الذهبي.
وأخرج أيضا [3/ 391] من حديث حبة العرني قال: دخلنا مع أبي مسعود الأنصاري على حذيفة بن اليمان أسأله عن الفتن فقال: دوروا مع كتاب الله حيثما دار، وانظروا الفئة التي فيها ابن سمية فاتبعوها فإنه يدور مع كتاب الله حيثما دار، قال فقلنا: ومن ابن سمية؟ قال: عمار، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لن تموت حتى تقتلك الفئة الباغية، تشرب شربة ضياح تكن آخر رزقك من الدنيا.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح عال ولم يخرجاه! وقال الذهبي:
صحيح!!.
ما أدري كأنهما ذهلا عن حبة..
وأخرج ابن سعد في الطبقات [3/ 258] من حديث أبي عبيدة، عن لؤلؤة مولاة أم الحكم بنت عمار قالت: لما كان اليوم الذي قتل فيه عمار والراية يحملها هاشم بن عتبة.. الحديث وفيه: ومع عمار ضيح من لبن فكان وجوب الشمس أن يفطر، فقال حين وجبت الشمس وشرب الضيح:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: آخر زادك من الدنيا ضيح من لبن، قال:
ثم اقترب فقاتل حتى قتل وهو يومئذ ابن أربع وتسعين سنة.
وأخرج البيهقي في الدلائل [6/ 421] من حديث أبي عبيدة، عن مولاة لعمار قالت: اشتكى عمار شكوى أرق منها فغشي عليه، فأفاق ونحن-(4/25)
1286- ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: تقتلك الفئة الباغية.
1287- ومنها: نعيه صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه قتل جعفر الطيار، وزيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة يوم قتلوا وهم بالشام، وذلك أنه يوم أنفذهم قال: إن أصيب زيد فجعفر، وإن أصيب جعفر فعبد الله، وإن أصيب عبد الله فخالد بن الوليد.
فأصيبوا كلهم إلّا خالد بن الوليد، ونعاهم صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه ساعة أصيبوا.
- نبكي حوله فقال: ما تبكون أتخشون أن أموت على فراشي؟ أخبرني حبيبي صلى الله عليه وسلم أنه تقتلني الفئة الباغية، وأن آخر أدمي من الدنيا مذقة من لبن.
(1286) - قوله: «تقتلك الفئة الباغية» :
هذا القدر منه وكذلك بلفظ: تقتل عمارا الفئة الباغية، في الصحيحين، وهو من الأحاديث المتواترة كما بينه جماعة من الحفاظ.
(1287) - قوله: «وذلك أنه يوم أنفذهم قال» :
أخرج البخاري في المغازي من صحيحه، باب غزوة مؤتة من أرض الشام من حديث ابن عمر قال: أمّر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة زيد بن حارثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة ... الحديث، رقم 4261.
وأخرج من حديث أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة قبل أن يأتيهم خبرهم فقال: أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ الراية جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب- وعيناه تذرفان- حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم.
وأخرج الواقدي في مغازيه [2/ 756] ومن طريقه أبو نعيم في الدلائل برقم 457، والبيهقي كذلك [4/ 361] من حديث عمر بن الحكم، عن أبيه-(4/26)
.........
- قال: جاء النعمان بن مهص اليهودي فوقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: زيد بن حارثة أمير المؤمنين، فإن قتل زيد فجعفر بن أبي طالب، فإن قتل فعبد الله بن رواحة، فإن قتل عبد الله بن رواحة فليرتض المسلمون بينهم رجلا فليجعلوه عليهم، فقال النعمان: أبا القاسم إن كنت نبيا، فسميت من سميت قليلا أو كثيرا أصيبوا جميعا، إن الأنبياء من بني إسرائيل كانوا إذا استعملوا الرجل على القوم فقالوا: إن أصيب فلان ففلان، فلوا سموا مائة أصيبوا جميعا، قال: ثم جعل اليهودي يقول لزيد: اعهد، فلن ترجع إلى محمد أبدا، إن كان محمدا نبيّا، قال زيد:
فأشهد أنه نبي صادق بار صلى الله عليه وسلم.
قال الواقدي [2/ 761] : فحدثني محمد بن صالح التمار، عن عاصم بن عمر بن قتادة [ح] ، وحدثني عبد الجبار بن عمارة بن غزية، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم- زاد أحدهما على صاحبه في الحديث- قالا: لما التقى الناس بمؤتة جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وكشف له ما بينه وبين الشام فهو ينظر إلى معتركهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخذ الراية زيد بن حارثة فجاءه الشيطان فحبب إليه الحياة، وكره إليه الموت، وحبب إليه الدنيا فقال: الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين يحبب إليّ الدنيا؟! فمضى قدما حتى استشهد فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:
استغفروا له، فقد دخل الجنة وهو يسعى.
فلما قتل زيد أخذ الراية جعفر بن أبي طالب فجاءه الشيطان، فمناه الحياة وكره إليه الموت، ومناه الدنيا فقال: الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين، تمنيني الدنيا؟! ثم مضى قدما حتى استشهد، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا له، وقال: استغفروا لأخيكم فإنه شهيد، دخل الجنة، فهو يطير في الجنة بجناحين من ياقوت حيث يشاء من الجنة.
قال: ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة فاستشهد، ثم دخل الجنة معترضا، فشق-(4/27)
.........
- ذلك على الأنصار، فقيل: يا رسول الله ما اعتراضه؟ قال: لما أصابته الجراح نكل فعاتب نفسه فتشجع فاستشهد، فدخل الجنة فسري عن قومه.
أخرجه من طريقه البيهقي في الدلائل [4/ 368] .
وأخرج البيهقي القصة من طريق موسى بن عقبة [4/ 364] وفيها: وقدم يعلى بن منبه بخبر أهل مؤتة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئت فأخبرني، وإن شئت أخبرتك، قال: أخبرني يا رسول الله، قال: فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهم كله ووصفه لهم، فقال: والذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفا لم تذكره، وإن أمرهم كما ذكرت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تبارك وتعالى رفع لي الأرض حتى رأيت معتركهم.
وأخرجها ابن إسحاق في سيرته [3/ 328 ابن هشام] ومن طريقه البيهقي في الدلائل وفيها: ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل شهيدا، ثم قال: لقد رفعوا إليّ في الجنة فيما يرى النائم على سرر من الذهب، فرأيت في سرير عبد الله بن رواحة ازورارا عن سريري صاحبيه، فقلت: عم هذا؟ فقيل لي: مضيا وتردد عبد الله بعض التردد ثم مضى.
وأخرج الواقدي [2/ 764] ومن طريق البيهقي من حديث عبد الله بن الحارث، عن أبيه في هذه القصة: أنه لما أخذ خالد بن الوليد الراية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الآن حمي الوطيس، قال: فحدثني العطاف بن خالد قال: لما قتل ابن رواحة مساء بات خالد بن الوليد، فلما أصبح غدا وقد جعل مقدمته ساقته، وساقته مقدمته، وميمنته ميسرته، وميسرته ميمنته، فأنكروا ما كانوا يعرفون من راياتهم وهيئتهم فقالوا: قد جاءهم المدد، فرعبوا فانكشفوا منهزمين فقتلوا مقتلة عظيمة.
قلت: كان ذلك ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم: فأخرج الحاكم في المستدرك، ومن طريقه البيهقي: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبرهم بأخذ خالد بن الوليد اللواء-(4/28)
1288- ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بن خلف- في فرس كان يعلفها بمكة: ليقتلن عليها محمّدا صلى الله عليه وسلم- فقال صلى الله عليه وسلم: بل أنا أقتله إن شاء الله، فطعنه صلى الله عليه وسلم يوم أحد فسقط يخور كما يخور الثور، فقيل له: إنما هي خدشة، فقال: والله لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لقتلهم، وكان والله توعدني بالقتل وأنا بمكة فقال: بل أنا أقتل أبيّا.
- قال: لم يكن من الأمراء، وهو أمر نفسه-، ثم قال صلى الله عليه وسلم: اللهمّ إنه سيف من سيوفك فأنت تنصره، قال: فمن يومئذ سمّي خالد: سيف الله.
(1288) - قوله: «في فرس كان يعلفها» :
أخرج ابن سعد في الطبقات [2/ 46] من حديث ابن شهاب، عن ابن المسيب قال: لما أسر أبيّ بن خلف يوم بدر وافتدى من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عندي فرسا أعلفه كل يوم فرق ذرة لعلي أقتلك عليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أنا أقتلك عليها إن شاء الله، قال: فلما كان يوم أحد أقبل أبي بن خلف يركض فرسه تلك حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترض رجال من المسلمين له ليقتلوه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: استأخروا استأخروا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بحربة في يده فرمى بها أبي بن خلف فكسرت الحربة ضلعا من أضلاعه فرجع إلى أصحابه ثقيلا فاحتملوه، حتى ولوا به، وطفقوا يقولون له: لا بأس بك، فقال لهم أبي: ألم يقل لي: بل أنا أقتلك إن شاء الله؟ فانطلق به أصحابه فمات ببعض الطريق فدفنوه، قال ابن المسيب: وفيه أنزل الله تبارك وتعالى: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى الآية، وانظر تخريج ما يتعلق بالآية من أسباب النزول في شرفه صلى الله عليه وسلم في القرآن [شرف رقم 32] .
حديث ابن المسيب أخرجه الواقدي في المغازي [1/ 250] من طريق محمد بن عبد الله، عن الزهري عن ابن المسيب، وأخرجه البيهقي من طريق موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، لم يذكر ابن المسيب في-(4/29)
.........
- هذا الموضع [3/ 206] ، وذكره في الموضع [3/ 259] ، وأحال إلى الرواية التي قبلها، وأخرجه الحاكم في المستدرك [2/ 327] من طريق موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبيه وصححه على شرط الشيخين، وأقره الذهبي.
وأخرج ابن اسحاق في سيرته [/ 331] ، ومن طريقه أبو نعيم في الدلائل برقم 414 عن ابن شهاب، عن عبد الله بن كعب بن مالك أخي بني سلمة:
أن أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهزيمة وقول الناس: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم: كعب بن مالك، قال كعب: عرفت عينيه تزهران من تحت المغفر، فناديت بأعلى صوتي: يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليّ أن أنصت، فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهضوا به، ونهض معهم نحو الشعب، معه أبو بكر بن أبي قحافة، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، والحارث بن الصمة رضي الله عنه أجمعين في رهط من المسلمين، قال: فلما أسند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب أدركه أبي بن خلف وهو يقول: أين محمد؟ أين محمد؟
لا نجوت إن نجوت، فقال القوم: أيعطف عليه يا رسول الله رجل منا؟
فقال: دعوه، فلما دنا، تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة، يقول بعض القوم فيما ذكر لي: فلما أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم انتفض بها انتفاضة تطايرنا عنه تطاير الشعر من ظهر البعير إذا انتفض بها، ثم استقبله فطعنه بها طعنة تردى بها عن فرسه مرارا.
أخرج القصة أيضا من طريق ابن إسحاق: ابن جرير في تاريخه [2/ 518] .
وأخرجها ابن إسحاق في سيرته [/ 331] ، ومن طريقه ابن جرير في تاريخه [2/ 518] ، من حديث صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال:
كان أبي بن خلف يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فيقول: يا محمد إن عندي العوز أعلفه كل يوم فرقا من ذرة أقتلك عليه، فيقول: بل أنا أقتلك إن شاء الله، -(4/30)
1289- ومنها: كتاب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة يخبرهم بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، ودفع الكتاب إلى امرأة، فأطلع الله نبيّه صلى الله عليه وسلم، فبعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام فأدركاها فاستخرجاه من قرونها، فأتيا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا حاطب أنت كتبت هذا الكتاب؟
قال: نعم يا رسول الله، قال: وما حملك على ذلك؟ قال: يا رسول الله أما والله إني ناصح لله ورسوله، ولكني كنت غريبا في أهل مكة، وكان- فرجع إلى قريش وقد خدشه خدشا في عنقه غير كبير فاحتقن الدم فقال:
قتلني والله محمد، قالوا: ذهب والله فؤادك إن كان بك بأس، قال: إنه قد قال لي بمكة: بل أنا أقتلك، فو الله لو بصق عليّ لقتلني.
قال: فمات عدو الله بسرف وهم قافلون به إلى مكة، فقال حسان بن ثابت في قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيا:
لقد ورث الضلالة عن أبيه ... أبي حين بارزه الرسول
وأخرج الواقدي في المغازي [1/ 252] ، ومن طريقه البيهقي في الدلائل [3/ 259] : أن ابن عمر كان يقول: مات أبي بن خلف ببطن رابغ، فإني لأسير ببطن رابغ بعد هوي من الليل إذا نار تأجج لي فهبتها، وإذا رجل يخرج منها في سلسلة يجتذبها يصيح: العطش، وإذا رجل يقول: لا تسقه فإن هذا قتيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا أبي بن خلف، وللقصة طرق أخرى عند: أبي نعيم في الدلائل برقم 415، والواقدي في المغازي [1/ 251- 252] ، والبيهقي في الدلائل [3/ 206، 258- 259] .
(1289) - قوله: «فبعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام» :
وبعث معهم أيضا أبا مرثد الغنوي، والمقداد، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين.(4/31)
أهلي بين أظهرهم فخشيت عليهم، فكتبت هذا الكتاب لأؤلف به قلوبهم، ولكي لا يؤذوا أهلي.
قال: فاخترط عمر سيفه ثم قال: يا رسول الله مكني منه أضرب عنقه فإنه قد كفر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عمر، ما يدريك لعل الله اطلع على هذه العصابة من أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.
1290- ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم لما مر بالحجر في غزوة تبوك ونزلها واستقى الناس من بئرها، فلما راحوا قال صلى الله عليه وسلم: لا تشربوا من مائها، ولا تتوضئوا منها للصلاة، وما كان من عجين عجنتموه به فاعلفوه للإبل ولا تأكلوا منه شيئا، ولا يخرجن أحد منكم الليلة إلّا ومعه صاحب له، قوله: «ولكي لا يؤذوا أهلي» :
وفي رواية: أحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي، ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنه قد صدقكم، وفي رواية: صدق فلا تقولوا له إلّا خيرا.
والقصة مخرجة في الصحيحين من طرق عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(1290) - قوله: «لما مر بالحجر في غزوة تبوك» :
الخبر بطوله في سيرة ابن اسحاق [2/ 520 سيرة ابن هشام] ، وهو في الصحيحين مفرق:
فأخرج الشيخان من حديث نافع عن ابن عمر أن الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض ثمود: الحجر، واستقوا من بئرها واعتجنوا به، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا ما استقوا من بئرها، وأن يعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من- البئر التي كانت تردها الناقة، لفظ البخاري في أحاديث الأنبياء، وقال: تابعه أسامة، عن نافع. -(4/32)
ففعل الناس ما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلّا رجلين من بني طي خرج أحدهما لحاجته، وخرج الآخر في طلب بعير له، فأما الذي خرج لحاجته فإنه خنق على مذهبه، وأما الذي ذهب في طلب بعيره فاحتملته الريح حتى طرحته بجبلي طي، فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألم أنهكم أن يخرج أحد إلّا ومعه صاحب له، ثم دعا للذي أصيب في مذهبه فشفي، وأما الآخر فإن طيّا أهدته لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة.
1291- ومنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا خالد بن الوليد فبعثه إلى أكيدر دومة الجندل وهو: أكيدر بن عبد الملك رجل من كندة- وأخرج مسلم في الفضائل من حديث أبي حميد الساعدي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك، فأتينا وادي القرى على حديقة لامرأة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخرصوها، فخرصناها ... الحديث، وفيه: وانطلقنا حتى قدمنا تبوك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ستهب عليكم الليلة ريح شديدة، فلا يقيم فيها أحد منكم، فمن كان له بعير فليشد عقاله، فهبت ريح شديدة فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبلي طيء ... الحديث.
(1291) - قوله: «فبعثه إلى أكيدر دومة» :
الخبر رواه ابن إسحاق من طرق مرسلا، ومن طريق ابن إسحاق أخرجه ابن هشام [4/ 526] ، والبيهقي في الدلائل [5/ 250- 251] ، وفي السنن الكبرى [9/ 178] ، وابن جرير في تاريخه [3/ 108- 109] ، وأبو نعيم في الدلائل برقم 455، وفي المعرفة [1/ 429] رقم 1250، 1251، وأبو القاسم الأصبهاني في الدلائل برقم 157.
وعزاه الحافظ في ترجمة بجير بن بجرة من الإصابة من هذا الوجه:
لأبي علي بن السكن وابن منده.
وأخرجها الواقدي في المغازي [3/ 1025] من طريق ابن أبي حبيبة، -(4/33)
- وكان ملكا عليها، وكان نصرانيا- قال صلى الله عليه وسلم: إنك ستجده يصيد البقر، فخرج خالد، حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين في ليلة مقمرة صائفة وهو على سطح له ومعه امرأته، فأتت البقر تحك بقرونها باب القصر فقالت له امرأته: هل رأيت مثل هذا قط؟ قال: لا، والله، قالت: فمن يترك مثل هذا الصيد؟ قال: لا أحد، فنزل، فأمر بفرسه فأسرج له، وركب معه نفر من أهل بيته فيهم أخ له يقال له: حسان، فركب، وخرجوا معه بمطاردهم، فلما خرجوا تلقتهم خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذته، وقتلوا أخاه حسانا، وكان عليه قباء ديباج مخوص بالذهب فاستلبه خالد فبعث به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل قدومه عليه.
ثم إن خالدا قدم بالأكيدر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحقن دمه، وصالحه على الجزية، ثم خلى سبيله، فرجع إلى قريته.
وكان المسلمون يذكرون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد: إنك ستجده يصيد البقر، وما صنع البقر تلك الليلة حتى استخرجه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- عن داود بن الحصين، عن ابن عباس، وللقصة عنده أسانيد أخرى.
وأخرجها أبو القاسم الأصبهاني في الدلائل برقم 170 من حديث موسى العبسي، عن بلال، عن حذيفة بلفظ مختصر، وانظر ألفاظها في: طبقات ابن سعد [2/ 166] ، وسيرة ابن هشام [4/ 526] .
قوله: «وكان المسلمون يذكرون» :
الذي قال ذلك هو بجير بن بجرة، وفيها: فقال رجل من طي يقال له بجير بن بجرة يذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد: إنك ستجده يصيد البقر، وما صنع البقر تلك الليلة حتى استخرجه لتصديق قول النبي صلى الله عليه وسلم:
تبارك سائق البقرات ... رأيت الله يهدي كل هاد
فمن بك صائدا عن ذي تبوك ... فإنا قد أمرنا بالجهاد
-(4/34)
1292- ومنها: أنه لما انصرف صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك قافلا إلى المدينة، وكان في الطريق ماء يخرج من وشل، ما يروي الراكب والراكبين والثلاث، بواد يقال له: وادي المشقّق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
من سبقنا إلى ذلك الواد فلا يستقين منه شيئا حتى نأتيه، قال: فسبقه نفر من المنافقين فاستقوا ما فيه.
فلما أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف عليه فلم ير فيه شيئا فقال: من سبقنا إلى هذا الماء؟ فقيل: فلان وفلان، قال: أولم أنههم أن لا يستقوا منه شيئا حتى آتيه؟ قال: ثم لعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا عليهم، ثم نزل فوضع يده تحت الوشل، فجعل يصب في يديه ما شاء أن يصب، ثم نضحه به ومسحه بيده ودعا الله بما شاء أن يدعوه به، فانخرق من الماء- كما يقول من سمعه: أن له حسا كحس الصواعق- فشرب الناس واستقوا حاجتهم منه، فقال صلى الله عليه وسلم: لئن بقيتم- أو: من بقي منكم- ليسمعن بهذا الوادي وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه.
قيل: وهو اليوم كما قاله صلى الله عليه وسلم.
1293- ومنها: ما روي عن سهل بن سعد أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: ما رأينا مثل ما أبلى فلان، لقد فر الناس وما فر، ما ترك للمشركين شاذة ولا فاذة إلّا اتبعها يضربها بسيفه، قال: من هو؟ قال:
فنسب له فلم يعرفه، ثم وصف له صفته فلم يعرفه، حتى إذا طلع الرجل- قال البيهقي: زاد فيه غيره وليس في روايتنا: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا يفضض الله فاك، قال: فأتى عليه تسعون سنة، فما تحرك له ضرس ولا سن.
(1292) - قوله: «وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه» :
تقدمت القصة برقم: 1165، وخرجناها هناك.(4/35)
بنفسه قالوا: هذا يا رسول الله الذي أخبرناك عنه، فقال: هو هذا؟
قالوا: نعم، فقال: أما إنه من أهل النار، قال: فاشتد ذلك على المسلمين وقالوا: فأينا من أهل الجنة إذا كان فلان من أهل النار؟! فقال رجل من القوم، وكان أمثلهم: يا قوم أنظروني، فو الذي نفسي بيده لا يموت على مثل الذي أصبح عليه، ولأكونن صاحبه من بينكم.
قال: فكان يميل خلفه في العدو، فجعل يشد معه إذا شد، ويرجع معه إذا رجع، فينظر ما يصير إليه أمره، حتى إذا أصابه جرح أذلقه، فاستعجل الموت فوضع قائمة سيفه على الأرض، وذبابته بين ثدييه ثم تحامل على سيفه حتى خرج من ظهره، وخرج الرجل يعدو ويقول:
أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنك رسول الله، حتى وقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما صنع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وإنه لمن أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وإنه لمن أهل الجنة.
قوله: «وإنه لمن أهل الجنة» :
لفظ حديث سعيد بن عبد الرحمن القاضي، عن أبي حازم، أخرجه أبو يعلى في مسنده [13/ 537] رقم 7544.
وحديث سعيد هذا أصله في الصحيحين من طرق عن أبي حازم، لكن الوقعة عندهما مبهمة، وأستغرب من الحافظ إذ لم يعينها بحديث أبي يعلى فقال في الفتح: جزم ابن الجوزي في مشكله بأن القصة التي حكاها سهل بن سعد وقعت بأحد، قال: واسم الرجل: قزمان الظفري.. قال الحافظ: وهذا الذي نقله ابن الجوزي أخذه من مغازي الواقدي وهو لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف؟ نعم أخرج أبو يعلى ... وذكر حديث الباب قال: وهو على نحو ما في الصحيح وليس فيه تسميته قال: -(4/36)
.........
- وسعيد مختلف فيه وما أظن روايته خفيت على البخاري، قال: وأظنه لم يلتفت إليها لأن في بعض طرقه عن أبي حازم: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم..
وظاهره يقتضي أنها غير أحد، قال: لأن سهلا ما كان حينئذ ممن يطلق على نفسه مثل ذلك لصغره. اه.
قال أبو عاصم: لم يخلص الحافظ بما أورده إلى شيء، كما أن مقصوده لم يتضح من ردّه لحديث أبي يعلى- حديث الباب-، كان الأولى أن يقوي به أمر تسمية الوقعة لا ردها سيما وأن سعيدا هذا الذي ضعفه من رجال مسلم، وقد قوى هو أمره في تهذيبه، وعبارته التي أطلقها عليه في التقريب ليست من عبارات الضعف بل تدل على أنه وسط.
وأما قوله: إن الواقدي لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف؟ كان الأولى أن يقال: لا يحتج به إذا وافق فكيف إذا خالف؟ وفي قوله هذا نظر أيضا من حيث أن المخالفة إنما تتضح من المخرج، ومخرج الواقدي للقصة مختلف عن مخرج حديث الصحيحين فكيف يكون عند ذلك مخالفا؟ ثم إن الواقدي لم ينفرد بذلك ولعل الحافظ لم يقف على رواية ابن إسحاق من طريق عاصم بن عمر بن قتادة قال: كان فينا رجل أتي ولا ندري ممن هو يقال له: قزمان.. فذكر قصته، وكذلك لم ينفرد ابن الجوزي بترجيح كون الرجل قزمان الظفري، وأن قصته كانت يوم أحد فقد ذهب إلى ذلك الخطيب في الأسماء المبهمة، وابن بشكوال في غوامض الأسماء، وابن سيد الناس في العيون، والحافظ أبو زرعة العراقي في المستفاد عند الكلام على حديث سهل هذا عند البخاري.
بقي أن أقول إنّ ما ورد في آخر قصة الواقدي من قوله صلى الله عليه وسلم: إنّ الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر، يتفق وما ورد في قصة أبي هريرة، الأمر الذي يجعل القول باتحادهما متجه، وأن قصة سهل هذه كانت يوم أحد لحديث الباب لرجل غير قزمان الظفري، والله أعلم.(4/37)
1294- وعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال صلى الله عليه وسلم: زويت لي الأرض، فأريت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها، فكان كذلك.
1295- ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم وعدهم كنوز كسرى.
(1294) - قوله: «وعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم» :
أخرج حديثه الإمام أحمد في مسنده [5/ 278، 279، 284] ، ومسلم في صحيحه برقم 2889 (19، 20) ، وأبو داود في سننه برقم 4252، والترمذي في جامعه برقم 2176، وابن ماجه في سننه برقم 3952، جميعهم في كتاب الفتن، وهذا لفظ ابن ماجه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: زويت لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها، وأعطيت الكنزين الأصفر (أو الأحمر) والأبيض- يعني: الذهب والفضة- وقيل لي: إن ملكك إلى حيث زوي لك.. الحديث بطوله، وأخرجه أبو نعيم أيضا في الدلائل برقم 464.
(1295) - قوله: «وعدهم كنوز كسرى» :
أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله، وأخرجا مثله عن جابر بن سمرة.
وأخرج مسلم والبيهقي في الدلائل من حديث جابر بن سمرة أيضا:
لتفتحن عصابة من المسلمين كنوز كسرى التي في القصر الأبيض، قال:
فكنت أنا وأبي فيهم، فأصابنا من ذلك ألف درهم.
قال الحافظ البيهقي في الدلائل معلقا على قوله صلى الله عليه وسلم: لتنفقن كنوزهما في سبيل الله، فيه إشارة إلى صحة خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، لأن كنوزهما نقلت إلى المدينة بعضها في زمان أبي بكر وأكثرها في زمان عمر، وقد أنفقاها في المسلمين، قال: فعلمنا أن من أنفقها كان له إنفاقها، وكان والي الأمر في ذلك مصيبا فيما فعل.(4/38)
1296- وقال صلى الله عليه وسلم لسراقة بن مالك بن جعشم: كأني بك وقد تسورت بسواري كسرى، فألبسه عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
1297- وقال لعبد الله بن عمر: كيف بك إذا دفعت من حصن خيبر، فكان كذلك، دفعته اليهود فانكسرت يده.
(1296) - قوله: «كأني بك وقد تسورت بسواري كسرى» :
أخرجه البيهقي في الدلائل [6/ 325] من طريق أبي داود، ثنا محمد بن عبيد، ثنا حماد، ثنا يونس، عن الحسن أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتي بفروة كسرى فوضعت بين يديه وفي القوم سراقة بن مالك بن جعشم، قال: فألقى إليه سواري كسرى بن هرمز فجعلهما في يديه، فبلغا منكبيه، فلما رآهما في يدي سراقة قال: الحمد لله- سواري كسرى بن هرمز في يد سراقة بن مالك بن جعشم، أعرابي من بني مدلج.
قال البيهقي: قال الشافعي: وإنما ألبسهما سراقة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسراقة ونظر إلى ذراعيه: كأني بك قد لبست سواري كسرى.
قال الشافعي: وقال عمر رضي الله عنه حين أعطاه سواري كسرى: البسهما، ففعل فقال: قل الله أكبر، قال: الله أكبر، قال: قل الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز وألبسهما سراقة بن جعشم أعرابيا من بني مدلج.
وأخرج البيهقي من طريق ابن عتبة، عن إسرائيل، عن أبي موسى، عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسراقة: كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟
قال: فلما أتى عمر بسواري كسرى دعا سراقة فألبسه، وقال: قل الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز، وألبسهما سراقة الأعرابي.
(1297) - قوله: «وقال لعبد الله بن عمر» :
أخرج مالك في الموطأ، ومن طريقه البخاري في الشروط، باب إذا اشترط في المزارعة: إذا شئت أخرجتك، من حديث نافع عن ابن عمر قال: لما فدع أهل خيبر عبد الله بن عمر قام عمر خطيبا فقال: إن-(4/39)
.........
- رسول صلى الله عليه وسلم عامل يهود خيبر على أموالهم، وقال: نقركم ما أقركم الله، وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ما له هناك فعدي عليه من الليل ففدعت يداه ورجلاه، وليس لنا هناك عدو غيرهم، هم عدونا وتهمتنا، وقد رأيت إجلاءهم، فلما أجمع عمر على ذلك أتاه أحد بني أبي الحقيق فقال: يا أمير المؤمنين أتخرجنا وقد أقرنا محمّد صلى الله عليه وسلم وعاملنا على الأموال وشرط ذلك لنا؟ فقال عمر: أظننت أني نسيت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف بك إذا أخرجت من خيبر تعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة؟ فقال: كان ذلك هزيلة من أبي القاسم، فقال: كذبت عدو الله.
فأجلاهم عمر، وأعطاهم قيمة ما كان لهم من الثمر مالا وإبلا وعروضا من أقتاب وحبال وغير ذلك.
قال البخاري: رواه حماد بن سلمة، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، اختصره.
قال الحافظ في الفتح: فدع، بالفاء والمهملتين، الفدع: بفتحتيين: زوال المفصل، فدعت يداه إذا أزيلتا من مفاصلهما، وقال الخليل: الفدع:
عوج في المفاصل، وفي خلق الإنسان الثابت إذا زاغت القدم من أصلها، من الكعب وطرف الساق فهو الفدع، وقال الأصمعي: هو زيغ في الكف بينها وبين الساعد، وفي الرجل بينها وبين الساق، هذا الذي في جميع الروايات، وعليها شرح الخطابي، وهو الواقع في هذه القصة، قال:
ووقع في رواية ابن السكن: بالغين المعجمة أي: فدغ، وجزم به الكرماني، قال: وهو وهم، لأن الفدغ بالمعجمة كسر الشيء المجوف قاله الجوهري، قال: ولم يقع ذلك لابن عمر في القصة.
قال الحافظ: وقوله: فعدي عليه من الليل، قال الخطابي: كأن اليهود سحروا عبد الله بن عمر فالتوت يداه ورجلاه، كذا قال، ويحتمل أن يكونوا ضربوه، ويؤيده تقييده بالليل في هذه الرواية. -(4/40)
1298- وقال أبو بكر رضي الله عنه للمهاجرين والأنصار الذين وجههم إلى قتال مسيلمة وأهل الردة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وعد المسلمين الفتح، وأن يظهر دينه على كل دين، وأن يستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وإن الله متم نوره، ومصدق وعده، ولكن أخوف ما أخاف عليكم أن يصرفهم الله إلى غيرنا لتقصير يكون منا، فجدوا وبادروا لتحوزوا.
1299- ومن ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم بعث رجلا إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال:
إنك ستجده في داره محتبيا، فكان كذلك.
- وقال لرجل بعثه إلى عمر: إنك ستجده راكبا تلوح صلعته، فوجدوه كذلك.
- قال: ووقع في رواية حماد التي علق المصنف إسنادهما في آخر الباب بلفظ: فلما كان زمان عمر غشوا المسلمين، وألقوا ابن عمر من فوق بيت ففدعوا يديه.
قال الحافظ: وفي الحديث أشار صلى الله عليه وسلم إلى إخراجهم من خيبر، وكان ذلك من إخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات قبل وقوعها.
(1298) - قوله: «وبادروا لتحوزوا» :
في الأصول كلمة غير مقروءة بعد قوله: لتحوزوا.
(1299) - قوله: «بعث رجلا إلى أبي بكر» :
هذا الحديث والذي بعده رويا جميعا بسند، فأخرج الطبراني في الأوسط [1/ 479- 480] رقم 872، والبيهقي في الدلائل [6/ 89- 391] ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه [39/ 150- 151] من حديث زيد بن أرقم قال:
بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انطلق حتى تأتي أبا بكر فتجده في داره جالسا محتبيا، فقل: إنّ النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول: أبشر-(4/41)
1300- ومن ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه في سفر له: تهجمون على رجل في هذا الوادي معتجرا ببرد أحمر من أهل الجنة، يبايع الناس، فهبطوا إلى الوادي فإذا الرجل على الصفة التي وصفها لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا هو عثمان بن عفان.
- بالجنة، ثم انطلق حتى تأتي الثنية فتلقى عمر راكبا على حمار تلوح صلعته فقل: إن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول: أبشر بالجنة، ثم انصرف حتى تأتي عثمان فتجده في السوق يبيع ويبتاع فقل: إن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول: أبشر بالجنة بعد بلاء شديد ... الحديث بطوله.
أخرجه البيهقي في الدلائل شاهدا لما أخرجه الشيخان من حديث أبي موسى الأشعري قال: توضأت في بيتي ثم خرجت فقلت: لأكونن اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت المسجد فسألت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: خرج وتوجه هاهنا، فخرجت في أثره حتى جئت بئر أريس وبابها من جريد، فمكثت عند بابها حتى ظننت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قضى حاجته وجلس، فجئته فسلمت عليه وإذا هو قد جلس على قف بئر أريس فتوسطه ثم دلى رجليه في البئر وكشف عن ساقيه، فرجعت إلى الباب فقلت: لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم، فلم أنشب أن دق الباب، فقلت: من هذا؟ قال: أبو بكر، قلت: على رسلك، وذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن، فقال:
ائذن له وبشره بالجنة ... الحديث بطوله.
قال الحافظ البيهقي بعد إيراده حديث زيد بن أرقم: عبد الأعلى بن أبي المساور ضعيف في الحديث، فإن كان حفظ هذا فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم بعث زيد بن أرقم إليهم، وأبو موسى لم يعلمه فقعد على الباب، فلما جاءوا راسلهم على لسان أبي موسى بمثل ذلك. اه.
(1300) - قوله: «وإذا هو عثمان بن عفان» :
وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده برقم 1250، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه [39/ 152- 153] وابن عدي في الكامل [3/ 1229] من-(4/42)
1301- وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: خرج نبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو بأبي ذر نائما في المسجد، فضربه برجله، قال: فقام، فقال:
يا أبا ذر كيف أنت إذا أخرجت منه؟ قال: إذا أرجع إلى هذا، قال: فإن منعوك؟ قال: أقاتلهم بسيفي حتى ألقاك، قال: لا تفعل، ولكن انقد لهم حيث قادوك، وانسق لهم حيث ساقوك حتى تلقاني.
- حديث الجريري، عن أبي وائل، عن عبد الله بن حوالة بإسناد على شرط الصحيح وفيه علة غير قادحة.
خالفه زبيد اليامي فرواه عن أبي وائل، عن ابن مسعود، أخرجه أبو نعيم في الحلية [5/ 34] وابن عساكر في تاريخه [39/ 152] ، وهذا القدر من الاختلاف لا يقدح؛ إذ التردد بين الرواة في تعيين الصحابي لا يضر في صحة الحديث لعدالتهم رضي الله عنه أجمعين، وانظر ما قبله.
(1301) - قوله: «وعن أسماء بنت يزيد» :
حديثها هنا مختصر، وأخرجه الإمام أحمد في المسند بطوله في المسند [4/ 457] ، من طريق شهر بن حوشب عنها قالت: إن أبا ذر كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا فرغ من خدمته آوى إلى المسجد فكان هو بيته يضطجع فيه، قالت: فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ليلة فوجد أبا ذر نائما منجدلا في المسجد، فنكته رسول الله صلى الله عليه وسلم برجله حتى استوى جالسا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أراك نائما؟ قال أبو ذر: يا رسول الله فأين أنام، هل لي من بيت غيره، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: كيف أنت إذا أخرجوك منه؟ قال: إذا ألحق بالشام، فإن الشام أرض الهجرة وأرض المحشر وأرض الأنبياء فأكون رجلا من أهلها، قال له: كيف أنت إذا أخرجوك من الشام؟ قال: إذا أرجع إليه فيكون هو بيتي، قال له: كيف أنت إذا أخرجوك منه الثانية؟ قال: إذا آخذ سيفي فأقاتل عني حتى أموت، قال: فكشر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأثبته بيده قال: أدلك على خير من ذلك؟ -(4/43)
1302- ومنها: ما روي عن عقبة بن عامر الجهني قال: كنت في خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء نفر من اليهود فقالوا: استأذن لنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته.
- قال: بلى بأبي أنت وأمي يا نبي الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تنقاد لهم حيث قادوك، وتنساق لهم حيث ساقوك حتى تلقاني وأنت على ذلك.
وروى عم أبي حرب، عن أبي ذر نحوه.
أخرجه أبو محمد الدارمي في مسنده، وخرجناه في شرحنا له تحت رقم 1517- فتح المنان أخرجه مقتصرا منه على الشاهد، وأخرجه غيره بنحو حديث أسماء.
وأخرج الحافظ عبد الرزاق في المصنف [11/ 334] من حديث معمر، عن قتادة قال: لقي النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر وهو يحرك رأسه فقال: يا رسول الله أتعجب مني؟ قال: لا، ولكن مما تلقون من أمرائكم بعدي، قال: أفلا آخذ سيفي فأضرب به؟ قال: لا، ولكن اسمع وأطع، وإن كان عبدا حبشيا مجدعا، فانقد حيث ما قادك، وانسق حيث ما ساقك، واعلم أن أسرع أرض العرب خرابا الجناحان: مصر والعراق.
(1302) - قوله: «ما روي عن عقبة بن عامر الجهني» :
اختصر المصنف لفظ حديثه هنا، وأخرجه بطوله ابن جرير في تفسيره [16/ 8] وابن عبد الحكم في فتوح مصر [/ 38- 39] ، وأبو الشيخ في العظمة برقم 975، والبيهقي في الدلائل [6/ 295- 296] ، جميعهم من حديث ابن أنعم- وهو ضعيف-، عن سعد بن مسعود، عن شيخين أو رجلين من كندة.
قالا: استطلنا يومنا فانطلقنا إلى عقبة بن عامر الجهني فوجدناه في ظل داره جالسا، فقلنا: إنا استطلنا يومنا فجئنا نتحدث عندك، فقال: وأنا استطلت يومي، فخرجت إلى هذا الموضع.
قال: ثم أقبل علينا، فقال: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجت ذات يوم-(4/44)
فدخلوا فقالوا: أخبرنا عما جئنا نسألك عنه.
قال: جئتم تسألوني عن ذي القرنين، قالوا: نعم، قال: كان غلاما من أهل الروم، ناصح الله عزّ وجلّ فأحبه الله، وملك الأرض، وسار حتى أتى مغرب الشمس، ثم سار إلى مطلعها، ثم سار إلى جبل يأجوج ومأجوج فبنى السد فيها.
قالوا: نشهد أن هذا شأنه، وإنه لفي التوراة.
- فإذا أنا برجال من أهل الكتاب بالباب معهم مصاحف فقالوا: من يستأذن لنا على النبي صلى الله عليه وسلم؟
فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: وما لي ولهم؟ يسألونني عما لا أدري! إنما أنا عبد لا أعلم إلّا ما علمني ربي عزّ وجلّ.
ثم قال: أبغني وضوءا، فأتيته بوضوء فتوضأ ثم خرج إلى المسجد فصلى ركعتين ثم انصرف، فقال لي- وأنا أرى السرور والبشر في وجهه، فقال-:
أدخل القوم عليّ، ومن كان من أصحابي فأدخله.
قال: فأذنت لهم فدخلوا، فقال: إن شئتم أخبرتكم عما جئتم تسألوني عنه من قبل أن تكلموا، وإن شئتم فتكلموا قبل أن أقول، قالوا: قل فأخبرنا.
فقال: جئتم تسألوني عن ذي القرنين، إن أول أمره أنه كان غلاما من الروم أعطي ملكا فسار حتى أتى ساحل أرض مصر، فابتنى مدينة يقال لها الاسكندرية، فلما فرغ من شأنها بعث الله عزّ وجلّ ملكا ففرع به فاستعلى بين السماء ثم قال له: انظر ما تحتك؟ فقال: أرى مدينتين، ثم استعلى به ثانية ثم قال: انظر ما تحتك؟ فنظر فقال: ليس أرى شيئا، فقال له:
المدينتين هو البحر المستدير، وقد جعل الله عزّ وجلّ لك مسلكا تسلك به، فعلم الجاهل وثبت العالم، قال: ثم جاوزه فابتنى السد جبلين زلقين لا يستقر عليهما شيء، فلما فرغ منهما سار في الأرض فأتى على أمة أو على قوم وجوههم كوجوه الكلاب، فلما قطعهم أتى على قوم قصار، -(4/45)
1303- ومن ذلك: ما روى سفينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله الملك من يشاء.
1304- ومنه: قوله صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر.
- فلما قطعهم أتى على قوم من الحيات تلتقم الحية منهم الصخرة العظيمة، ثم أتى على الغرانيق وقرأ هذه الآية: وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً فَأَتْبَعَ سَبَباً (85) .
فقال: هكذا نجده في كتابنا.
في إسناده مبهمان، أورده ابن كثير في تفسيره بلفظ مختصر وضعفه فقال:
فيه طول ونكارة، ورفعه لا يصح، وأكثر ما فيه أنه من أخبار بني إسرائيل، واستغرب إيراد أبي زرعة له في دلائل النبوة، وأنكر قول الراوي أن ذا القرنين من الروم، والله أعلم.
وأخرجه أبو القاسم الأصبهاني في الدلائل برقم 301 من وجه آخر عن ابن إسحاق قال: حدثني ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان بنحوه مختصرا.
(1303) - قوله: «ما روى سفينة» :
حديثه عند الإمام أحمد في المسند [5/ 220، 221] ، وأبو داود في كتاب السنة من سننه، باب: في الخلفاء، رقم 4646، والترمذي في الفتن من جامعه، باب: في الخلافة، رقم 2227، والنسائي في المناقب من السنن الكبرى [5/ 47] رقم 8155، والحاكم في المستدرك [3/ 145] ، والبيهقي في الدلائل [6/ 341، 342] .
(1304) - قوله: «اقتدوا باللذين من بعدي» :
زاد في الرواية: وأشار إلى أبي بكر وعمر وفيها أيضا: واهتدوا بهدي عمار، وما حدثكم ابن مسعود فاقبلوه، روى هذا الحديث عمرو بن هرم وهلال مولى ربعي بن حراش كلاهما عن ربعي، عن حذيفة به. -(4/46)
.........
- أما حديث عمرو بن هرم، فأخرجه الترمذي في المناقب، باب مناقب أبي بكر وعمر، رقم 3663، والإمام أحمد في مسنده [5/ 399] ، وفي الفضائل برقم 479، وابن ماجه في المقدمة، باب في فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم 97، وابن أبي شيبة في المصنف [14/ 569] رقم 18896، وابن سعد في الطبقات [2/ 334] ، وعبد الله بن أحمد في زياداته على الفضائل برقم 198، والطحاوي في شرح مشكل الآثار [2/ 85] ، وابن عدي في الكامل [2/ 666] ، وصححه ابن حبان- كما في الإحسان- برقم 6902.
وأما حديث هلال مولى ربعي، فقد رواه عبد الملك، واختلف عليه فيه:
أ- فقال سفيان عنه: عن هلال، عن ربعي، أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف [12/ 11، 14/ 569] رقم 11991، 18895، والإمام أحمد في المسند [5/ 385] ، والترمذي في المناقب برقم 3799، وابن ماجه في مقدمة السنن برقم 97، والبزار في مسنده [7/ 250- البحر الزخار] رقم 2828، 2829، ويعقوب الفسوي في المعرفة [1/ 480] ، وعبد الله بن أحمد في السنة برقم 1367، والطبراني في الأوسط [6/ 236] رقم 5499، وابن أبي عاصم في السنة الأرقام: 1148، 1149، 1422، 1423، والبيهقي في السنن الكبرى [8/ 153] ، وفي المدخل برقم 61، وابن أبي حاتم في العلل [2/ 381] ، وأبو نعيم في الإمامة برقم 49، والطحاوي في المشكل [2/ 84] ، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد برقم 2498، والخطيب في تاريخه [4/ 346- 347] ، وغيرهم، وبعضهم يزيد على بعض في اللفظ.
وتابع سفيان، عن عبد الملك: مسعر بن كدام في إحدى الروايتين عنه، أخرجه الخطيب في التاريخ [12/ 20] ، وتابعه أيضا ابن عيينة في إحدى الروايات، أخرجه الحاكم في المستدرك [3/ 75] ، وزائدة أيضا في إحدى-(4/47)
.........
- الروايتين عنه، أخرجه ابن عبد البر في جامعه [2/ 182] ، وأبو نعيم في الحلية [9/ 109] ، والبيهقي في مناقب الشافعي [1/ 362] .
ب- ورواه من تقدم في الرواية الثانية لهم، وجماعة غيرهم عن عبد الملك، عن ربعي، بإسقاط مولى ربعي، أخرجه الإمام أحمد في المسند [2/ 382] ، ومن طريقه عبد الله بن أحمد في السنة برقم 1366، والترمذي في جامعه برقم 3662، والحميدي في مسنده برقم 449، ومن طريقه الطحاوي في المشكل [2/ 84] ، والطبراني في الأوسط [4/ 487] رقم 3828، والبغوي في شرح السنة [14/ 101] رقم 3895، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد برقم 2499، والبيهقي في مناقب الشافعي [1/ 437] ، والحاكم في المستدرك [3/ 75] .
تذييل:
1- قال أبو عيسى الترمذي: وكان سفيان بن عيينة يدلس في هذا الحديث، فربما ذكره عن زائدة، عن عبد الملك بن عمير، وربما لم يذكره.
أخرج حديث سفيان بن عيينة: الترمذي في مناقب أبي بكر وعمر من جامعه، وابن سعد في الطبقات [2/ 334] ، والقطيعي في زياداته على فضائل الإمام أحمد برقم 670، والطحاوي في المشكل [2/ 84] ، والبغوي في شرح السنة [14/ 101] رقم 3894، والبيهقي في السنن الكبرى [25/ 212] ، والخطيب في الفقيه والمتفقه [1/ 177] .
2- ورواه المؤمل بن إسماعيل- وفيه كلام- عن سفيان الثوري فسمى شيخ عبد الملك منذرا، أخرجه القطيعي في زياداته على فضائل الإمام أحمد برقم 526.
ورواه بعضهم عن سفيان فلم يذكر هلالا ولا منذرا، وجعلوا شيخه فيه ربعي بن حراش بلا واسطة، أخرجه عبد الله بن أحمد في زياداته على-(4/48)
1305- وقوله صلى الله عليه وسلم: إن يطع القوم أبا بكر وعمر يرشدوا.
قال أبو سعد: فأعلمنا صلى الله عليه وسلم بهذا أن الخليفة بعده أبو بكر وعمر.
1306- وقال أبو بكر الصديق رضوان الله عليه: يا رسول الله رأيت كأن في صدري رقمتين وعليّ حبرة، فقال صلى الله عليه وسلم: صدقت رؤياك، يولد لك غلام تحبر به، وتلي بعدي سنتين.
قال أبو سعد رحمه الله: لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم كما يقول المعبرون: - فضائل أبيه برقم 293، والطحاوي في المشكل [2/ 83- 84] ، والحاكم في المستدرك [3/ 75] .
وليعلم أن هذا القدر من الاختلاف لا ينزل الحديث عن رتبة الحسن لأن أصحاب الروايتين عن عبد الملك ثقات، وحديث عبد الملك لا ينزل عن الحسن، سيما وقد توبع في الطرف الآخر كما تقدم.
(1305) - قوله: «إن يطع القوم أبا بكر وعمر يرشدوا» :
هو طرف من حديث أخرجه بطوله الإمام أحمد في مسنده [5/ 298] ، ومسلم في المساجد، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، رقم 681، والبيهقي في الدلائل [4/ 284، 285] وابن حبان في صحيحه مقتصرا على هذا الشطر برقم 6901- الإحسان- جميعهم من حديث عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة.
(1306) - قوله: «وتلي بعدي سنتين» :
رواه ابن سعد في الطبقات [3/ 176] قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس، أخبرنا السري بن يحيى، عن الحسن قال: قال أبو بكر: يا رسول الله ما أزال أراني أطأ في عذرات الناس، قال: لتكونن من الناس بسبيل، قال:
ورأيت في صدري كالرقمتين، قال: سنتين، قال: ورأيت عليّ حلة حبرة، قال: ولد تحبر به، مرسل ورجاله ثقات.(4/49)
لئن صدقت رؤياك، بل قال: صدقت رؤياك، حتما منه، فوجد الأمر كذلك.
1307- وروي عن محمد بن علي قال: أقبل جيران أم أيمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، إن أم أيمن لم تنم البارحة من البكاء، لم تزل تبكي حتى أصبحت.
قال: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم أيمن فجاءته فقال: يا أم أيمن لا أبكى الله عينيك، إن جيرانك أتوني فأخبروني أنك لم تنمي الليل أجمع، فلا أبكى الله عينيك، ما الذي أبكاك؟
قالت: يا رسول الله رأيت رؤيا عظيمة شديدة، فلم أزل أبكي الليل أجمع، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقصيها عليّ، فإن الله ورسوله أعلم بذلك، فقالت: يعظم عليّ أن أتكلم بها، فقال لها: إن الرؤيا ليست على ما ترين، فقصيها على رسول الله، قالت: إني رأيت في ليلتي هذه كأن بعض أعضائك ملقى في بيتي.
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: نامت عينك يا أم أيمن، تلد فاطمة الحسين فتربينه وتلين بعض أعضائي في بيتك.
فلما ولدت فاطمة الحسين عليه السّلام وكان اليوم السابع، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلق رأسه، وتصدق بوزن شعره فضة، وعق عنه، ثم هيأته أم أيمن، ولفته في برد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أقبلت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم:
مرحبا بالحامل والمحمول، هذا تأويل رؤياك.
(1307) - قوله: «مرحبا بالحامل والمحمول» :
في السياق نكارة، رواه قابوس عن أم الفضل أنها قالت: يا رسول الله-(4/50)
1308- ومن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: أشقى الناس عاقر الناقة، والذي يخضب هذه من هذه.
يعني: الذي يضرب رأسك فيخضب لحيتك من دم رأسك، فضرب على رأسه رضي الله عنه حتى قتل.
- رأيت كأن في بيتي عضوا من أعضائك، قال: خيرا رأيت، تلد فاطمة غلاما فترضعيه، قال: فولدت حسينا أو حسنا فأرضعته بلبن قثم، قالت:
فجئت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجره، فبال، فضربت كتفه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوجعت ابني رحمك الله.
أخرجه ابن ماجه في التعبير، باب تعبير الرؤيا.
قال الحافظ البوصيري في الزوائد: رجال إسناده ثقات إلّا أنه منقطع.
اه. يعني: بين قابوس وأم الفضل.
(1308) - قوله: «أشقى الناس عاقر الناقة» :
له طرق كثيرة عن علي بن أبي طالب، وفي الباب أيضا عن عمار بن ياسر، وجابر بن سمرة وغيرهما.
فمن طرق حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما أخرجه الحاكم في المستدرك [3/ 113] ، من حديث أبي سنان الدؤلي: أنه عاد عليّا رضي الله عنه في شكوى له شكاها قال: فقلت له: لقد تخوفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذه، فقال: لكني والله ما تخوفت على نفسي منه، لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق يقول: إنك ستضرب ضربة هاهنا، وضربة هاهنا- وأشار إلى صدغيه- فيسيل منها دمها حتى تختضب لحيتك، ويكون صاحبها أشقاها كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود، قال الحاكم: على شرط البخاري، وعبد الله بن صالح كاتب الليث قد ذكر غير واحد أن البخاري أخرج له غير منسوب، يقول فيه: حدثنا عبد الله بن صالح، وبسبب ذلك حصل الخلاف في كونه من رجاله أو لا. -(4/51)
.........
- وأخرج أبو نعيم في الدلالائل برقم 489 من حديث ثعلبة بن يزيد الحماني- وثقه النسائي، وقال البخاري: فيه نظر- قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، وأشهد أنه كان مما يشير إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتخضبن هذه وهذه- يعني لحيته من رأسه-.
وأما حديث عمار، فأخرجه الإمام أحمد في مسنده [4/ 263- 264] ، وأبو نعيم في الدلائل برقم 490، والحاكم في المستدرك [3/ 141] وصححه على شرط مسلم من طريق محمد بن كعب القرظي، عن محمد بن خثيم أبي يزيد عنه قال: كنت أنا وعلي بن أبي طالب رفيقين في غزوة ذات العشيرة، فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام بها رأينا ناسا من بني مدلج يعملون في عين لهم.. الحديث، وفيه: ألا أحدثكما بأشقى الناس:
رجلين؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا علي على هذه- يعني: قرنه- حتى تبل منه هذه- يعني لحيته-.
وأخرج الطبراني في الأوسط [8/ 156] رقم 7314، وأبو نعيم في الدلائل برقم 491 من حديث سماك، عن جابر بن سمرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: إنك مؤمر مستخلف، وإنك مقتول، وهذه مخضوبة من هذا- يعني: لحيته من رأسه-.
وأخرج الحاكم في المستدرك [3/ 139] بإسناد ضعيف من حديث عطاء بن السائب، عن أنس قال: دخلت مع النبي صلى الله عليه وسلم على علي بن أبي طالب رضي الله عنه يعوده وهو مريض وعنده أبو بكر وعمر فتحولا حتى جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما لصاحبه: ما أراه إلّا هالك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه لن يموت إلّا مقتولا، ولن يموت حتى يملأ غيظا.
وأخرج الحاكم أيضا من حديث أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبيه، -(4/52)
1309- ومن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم في الحسن بن علي رضي الله عنه: إنه سيّد، وإن الله سيصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين فكان كذلك.
1310- ومن ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى الطائف فأتى على موضع قال: هذا قبر أبي رغال- وكان من أصحاب ثمود- منعه الله العذاب لمنصبه من الحرم مات فدفن فيه، ودفن معه غصن من ذهب، فطفق أصحابه صلى الله عليه وسلم فحفروا عنه حتى استخرجوا الغصن.
- عن علي رضي الله عنه قال: أتاني عبد الله بن سلام وقد وضعت رجلي في الغرز وأنا أريد العراق فقال: لا تأتي العراق، فإنك إن أتيته أصابك به ذباب السيف، فقال علي: وأيم الله لقد قالها لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك، قال أبو الأسود: فقلت في نفسي: يا الله، ما رأيت كاليوم رجل محارب يحدث الناس بمثل هذا. أخرجه الحميدي برقم 53، وأبو يعلى برقم 491، والبزار برقم 2571 كشف الأستار وصححه ابن حبان برقم 7633 الإحسان.
(1309) - قوله: «بين فئتين عظيمتين» :
أخرجه البخاري من حديث أبي بكرة في الصلح، وفي المناقب، وفي الفتن، وفي علامات النبوة، وأخرجه أيضا أبو داود، والترمذي، والنسائي، والإمام أحمد وغيرهم.
(1310) - قوله: «هذا قبر أبي رغال» :
أخرجه أبو داود في الخراج والإمارة برقم 3088، والبيهقي في السنن الكبرى [4/ 156] وفي الدلائل [6/ 297] ، من حديث بحير بن أبي بحير، عن عبد الله ابن عمرو.
ورواه الحافظ عبد الرزاق في المصنف [11/ 454] رقم 20989، من طريق معمر عن إسماعيل بن أمية بنحوه- مرسل-.(4/53)
1311- ومن ذلك ما روى عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على كل بيضاء وصفراء، وعلى كل شيء إلّا أنفسهم وذراريهم، فأتي بالربيع وكنانة ابنا أبي الحقيق وأحدهما عروس بصفية بنت حيي، فلما أتى بهما قال: أين آنيتكما التي كانت تستعار في أعراس المدينة؟ قالا: أخرجتنا وجليتنا فأنفقناها، فقال لهما: انظرا ما تقولان، فإنكما إن كتمتماني استحللت بذلك دماء كما وذراريكما، فقالا: نعم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأنصار فقال: اذهب إلى مكان كذا وكذا إلى نخل كذا وكذا، فانظر نخلة في رأسها رقعة، فانزع الرقعة واستخرج ما فيها، وائتني بها، قال: فانطلق حتى جاءه، فقدمهما فضرب أعناقهما، وبعث إلى ذراريهم، فأتى بصفية وهي عروس مخضبة فأمر بها بلالا، فذهب بها إلى منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
1312- وقال صلى الله عليه وسلم لرجل يقال له: أبو سلمى: إنك ستبقى بعدي حتى تسأل، فكان كذلك.
(1311) - قوله: «ما روى عبد الله بن عباس» :
حديثه بطوله عند ابن سعد في الطبقات [2/ 112] من طريق ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عنه، واختصره الإمام أحمد [1/ 250] وابن ماجه في الرهون، باب معاملة النخيل والكرم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع خيبر أرضها ونخلها مقاسمة على النصف.
وله شاهد من حديث ابن عمر، أخرجه أبو داود في الخراج، باب في حكم أرض خيبر، رقم 306، والبيهقي في الدلائل [4/ 229- 230] .
(1312) - قوله: «يقال له: أبو سلمى» :
لعله راعي غنمه صلى الله عليه وسلم وخادمه، ذكر بعضهم أن اسمه: حريث، ترجم له في الصحابة لكني لم أجد حديثه في ترجمته، وربما يؤيد ما ذكرت ما ورد في-(4/54)
1313- ومن ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم أعلم أصحابه بموته ودنو أجله، وأسرّ إلى ابنته فاطمة رضي الله عنها، وأخبرها أنها أول أهل بيته لحوقا به، فكان كذلك.
- بعض طرق ما روى أبو سلام قال: كنا قعودا في مسجد دمشق فمر بنا بعض خدام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال القوم: قوموا حتى نسأله عن حديث لم يتداوله الرجال، وفي رواية: حدثنا بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتداوله الرجال فيما بينكم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد مسلم يقول ثلاث مرات حين يمسي أو يصبح: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمّد صلى الله عليه وسلم نبيا؛ إلّا كان حقّا على الله أن يرضيه يوم القيامة.
أخرجه الإمام أحمد في المسند وغيره، واللفظ لابن عساكر في التاريخ.
(1313) - قوله: «أعلم أصحابه بموته ودنو أجله» :
أخرج الإمام أحمد في مسنده [1/ 217] من حديث عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما نزلت: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ الآية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعيت إليّ نفسي بأني مقبوض في تلك السنة، وأخرج البخاري في تفسيرها عن ابن عباس قوله: أجل، أو مثل ضرب لمحمّد صلى الله عليه وسلم نعيت له نفسه، وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيرها من حديث أم حبيبة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لم يبعث نبيا إلّا عمّر في أمته شطر ما عمر النبي الماضي قبله، وإن عيسى بن مريم كان أربعين سنة في بني إسرائيل، وهذه لي عشرون سنة، وأنا ميت في هذه السنة، فبكت فاطمة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنت أول أهل بيتي لحوقا بي، فتبسمت، وفي صحيح البخاري من حديث عروة عن عائشة قالت: دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة في شكواه الذي قبض فيه فسارّها بشيء فبكت، ثم دعاها فسارّها بشيء فضحكت، فسألناها عن ذلك فقالت: سارني أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيت، ثم سارني فأخبرني أني أول أهله يتبعه فضحكت، -(4/55)
1314- ومن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب حين أسره:
فاد نفسك وابني أخويك: عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث، فإنك ذو مال، فقال: إن مالي قد ذهب، فقال صلى الله عليه وسلم: ما فعلت الدنانير التي دفعتها لأم الفضل ليلة أردت الخروج إلى بدر وقلت لها: إن أصبت في هذا الوجه فافعلي كذا وكذا؟ فتعجب العباس بن عبد المطلب وقال:
والله ما كان لنا ثالث إلّا الله عزّ وجلّ. فأيقن بنبوته وبالإسلام.
- وأخرجاه أيضا في الصحيحين من حديث مسروق عن عائشة.
وانظر ما تقدم في هذا في باب وفاته صلى الله عليه وسلم.
(1314) - قوله: «فاد نفسك وابني أخويك» :
أخرجه ابن إسحاق في سيرته، ومن طريقه البيهقي في الدلائل [3/ 142] ، من حديث عروة، عن الزهري، وغيره في قصة أسارى بدر: فبعث قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أسراهم، ففدى كل قوم أسيرهم بما رضوا، وقال العباس بن عبد المطلب: يا رسول الله إني قد كنت مسلما، فقال صلى الله عليه وسلم: الله أعلم بإسلامك، فإن يكن كما تقول، فالله يجزيك بذلك، فأما ظاهرا منك فكان علينا، فافد نفسك وابني أخيك: نوفل بن الحارث وعقيل بن أبي طالب، وحليفك عتبة بن عمرو أخي بني الحارث بن فهر، قال: ما أخال ذلك عندي يا رسول الله، قال: فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل، فقلت لها: إن أصبت في سفري هذا فهذا المال لبني:
الفضل بن العباس وعبد الله بن العباس وقثم بن العباس؟ فقال: والله يا رسول الله إني لأعلم أنك رسول الله، إن هذا شيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل، فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي.. الحديث.
رواه يونس بن بكير أيضا عن ابن إسحاق، ثنا يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة نحوه، أخرجه الحاكم في المستدرك-(4/56)
.........
-[3/ 324] ومن طريقه البيهقي في الدلائل [3/ 142- 143] غير أنه أدخل حديث غيره فيه.
قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وأقره الذهبي في التلخيص.
وأخرجه أبو نعيم في الدلائل برقم 409 من حديث محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدثني بعض أصحابنا عن مقسم، عن ابن عباس بنحوه.
وأخرجه أيضا برقم 410 من حديث سعيد بن جبير، عن ابن عباس، حسنه من هذا الوجه الحافظ في الفتح، وصححه السيوطي في الخصائص.
وأخرج الإمام أحمد القصة في مسنده [1/ 353] ، من حديث يزيد، عن ابن إسحاق، عمن سمع عكرمة، عن ابن عباس.
وأخرجها ابن سعد في الطبقات [4/ 13- 14] من طرق، عن ابن إسحاق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب حين انتهى به إلى المدينة: يا عباس افد نفسك.. القصة.
وأخرجها أيضا [4/ 15] من حديث الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس القصة بطولها.
وأخرج ابن سعد في الطبقات، والبيهقي في الدلائل [3/ 144] من حديث عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: لما أسر نوفل بن الحارث ببدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افد نفسك يا نوفل، قال: ما لي شيء أفدي به نفسي يا رسول الله، قال: افد نفسك من مالك الذي بجدة، قال: أشهد أنك رسول الله، ففدى نفسه بها فكانت ألف رمح.
قال الحافظ البيهقي في الدلائل: المشهور عند أهل المغازي أن عباسا رضي الله عنه فداه.
قلت: الإسناد جيد، ولا يعارض هذا ما كان من العباس رضي الله عنه للقرابة التي بينهم، أو أن العباس جعله دينا يقضيه إياه نوفل بعد رجوعه، والله أعلم.(4/57)
1315- ومن ذلك: أن بعض أصحابه صلى الله عليه وسلم- وهو خبيب- أسر، فقدم به مكة فباعوه- ابتاعه بعض المشركين-، وكان قد قتل لهم يوم بدر قتيلا، فاجتمعوا بمكة فصلبوه، فقال وهو مصلوب: اللهمّ إني لا أجد أحدا يقرئ رسولك مني السلام، فاقره مني السلام، والنبي صلى الله عليه وسلم ساعة ذلك بالمدينة على المنبر فقال: وعليك وعليه السلام، هذا جبريل يخبرني أن خبيبا صلب وهو يقرأ عليّ السلام.
(1315) - قوله: «وهو خبيب» :
القصة بطولها أخرجها البخاري في غير موضع من صحيحه، فأخرجها في الجهاد، باب: هل يستأسر الرجل؟ من طريق عمرو بن أبي سفيان صاحب أبي هريرة، عن أبي هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهط سرية عينا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري- جد عاصم بن عمر بن الخطاب- فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدأة- وهو بين عسفان ومكة- ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فنفروا قريبا من مائتي رجل كلهم رام، فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم تمرا تزودوه من المدينة فقالوا:
هذا تمر يثرب، فاقتصوا آثارهم، فلما رآهم عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد، وأحاط بهم القوم، فقالوا لهم: انزلوا وأعطونا أيديكم، ولكم العهد والميثاق ولا نقتل منكم أحدا، فقال عاصم بن ثابت أمير السرية:
أما أنا فو الله لا أنزل اليوم في ذمة كافر، اللهمّ أخبر عنا نبيك، فرموهم بالنبل، فقتلوا عاصما في سبعة، فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق، منهم: خبيب الأنصاري وابن دثنة ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فأوثقوهم فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، والله لا أصحبكم، إن لي في هؤلاء لأسوة- يريد القتلى-، وجرروه وعالجوه على أن يصحبهم فأبى فقتلوه، فانطلقوا بخبيب وابن دثنة حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر، فابتاع خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، وكان خبيب قد قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فلبث خبيب-(4/58)
.........
- عندهم أسيرا، فأخبرني عبيد الله ابن عياض أن بنت الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا استعار منها موسى يستحد بها فأعارته، فأخذ ابنا لي وأنا غافلة حتى أتاه، قالت: فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده، ففزعت فزعة عرفها خبيب في وجهي فقال: تخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك، والله ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب، والله لقد وجدته يوما يأكل من قطف عنب في يده وإنه لموثق في الحديد وما بمكة من ثمر، وكانت تقول: إنه لرزق من الله رزقه خبيبا، فلما خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب: ذروني أركع ركعتين، ثم قال: لولا أن تظنوا أن ما بي جزع لطولتها، اللهمّ احصهم عددا:
ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي أشق كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع
فقتله ابن الحارث.
فكان خبيب هو سن الركعتين لكل امرئ مسلم قتل صبرا.
فاستجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أصيب، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه خبرهم وما أصيبوا، وبعث ناس من كفار قريش إلى عاصم حين حدثوا أنه قتل ليؤتوا بشيء منه يعرف، وكان قد قتل رجلا من عظمائهم يوم بدر، فبعث على عاصم مثل الظلة من الدبر، فحمته من رسولهم فلم يقدروا على أن يقطعوا من لحمه شيئا.
وأخرجه البيهقي في الدلائل [3/ 326- 329] ، وأبو نعيم كذلك برقم 438، 439، من طريق عروة بن الزبير، وبريدة بن سفيان الأسلمي، وموسى بن عقبة بزيادة: فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو جالس في ذلك اليوم الذي قتلا فيه: وعليكما- أو: عليك السلام- خبيب قتلته قريش.(4/59)
1316- ومن ذلك: ما روى قيس بن أبي حازم، عن أبي شهم قال:
كنت بالمدينة فمرت بي امرأة فأخذت بكشحها، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع، فأتيته فلم يبايعني، وقال لي: ألست صاحب الجبيذة بالأمس؟
فقلت: لا أعود يا رسول الله، قال: فبايعني.
1317- ومن ذلك: ما روى أبو السفر قال: رأى أبو سفيان يوما (1316) - قوله: «عن أبي شهم» :
اختلف في اسمه، فقيل: زيد- أو يزيد- بن أبي شيبة، صحابي، يعد في الكوفييين.
أخرج حديثه وقصته النسائي في الرجم من السنن الكبرى [4/ 319] رقم 7329، والإمام أحمد في المسند [5/ 294] ، وابن سعد في الطبقات [6/ 56] وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني [5/ 138- 139] رقم 26766، 2677، وأبو يعلى في مسنده [3/ 112] رقم 1543، ومن طريقه ابن الأثير في الأسد [6/ 168] ، والطبراني في معجمه الكبير [22/ 372- 373] رقم 932، 933، وأبو نعيم في المعرفة [5/ 932] رقم 6861، 6862، والبيهقي في الدلائل [6/ 306] .
صححه الحاكم في المستدرك [4/ 377] على شرط الشيخين، وسكت عنه الذهبي في التلخيص، وقال الحافظ في الإصابة: إسناده قوي.
قلت: من شواهده قول ابن عمر المخرج في صحيح البخاري: كنا نتقي الكلام والانبساط إلى نسائنا مخافة أن ينزل فينا القرآن، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم تكلمنا.
قوله: «صاحب الجبيذة» :
تصغير: الجبذة.
(1317) - قوله: «ما روى أبو السفر» :
الكوفي، التابعي، الفقيه سعيد بن محمد الهمداني، أحد الثقات، حديثه في الكتاب الستة. -(4/60)
رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي والناس يطؤون عقبه، فقال بينه وبين نفسه:
لو عاودت هذا القتال، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ضرب بيده على صدره فقال: إذن يخزيك الله، قال: أتوب إلى الله وأستغفر الله مما تفوهت به.
1318- ومن ذلك: أن رجلا من المشركين- كان رأسا فيهم وعظيما من عظمائهم- قعد في نادي قومه وهو بمكة يقال له: عمير بن وهب، فتحدثوا بما أصيبوا يوم بدر وذكروا أصحاب القليب من قريش، وقالوا: لا خير في الحياة بعدهم، فقال عمير بن وهب: والله لولا دين- أخرج حديثه هكذا مرسلا: ابن سعد في الطبقات- فيما ذكره السيوطي في الخصائص [2/ 85]-.
وقال البيهقي في الدلائل [5/ 102] : قرأت في كتاب محمد بن سعد، عن محمد بن عبيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن ابن إسحاق: أن أبا سفيان بن حرب بعد فتح مكة كان جالسا فقال في نفسه ... فذكره، مرسل.
ومن طريق ابن سعد أخرجه ابن عساكر في تاريخه [23/ 458] .
ثم أخرجه البيهقي موصولا بإسناده إلى الفريابي، حدثنا موسى بن أبي إسحاق، عن أبي السفر، عن ابن عباس به.
ومن طريق البيهقي أخرجه ابن عساكر في تاريخه [23/ 458] .
(1318) - قوله: «يقال له: عمير بن وهب» :
الجمحي، أخرج قصته بسند متصل صحيح: الطبراني في معجمه [17/ 61- 62] رقم 120، من طريق عبد الرزاق أنا جعفر بن سليمان:
عن أبي عمران الجوني- لا أعلمه إلّا عن أنس- قال: فذكر القصة بطولها إلّا أنه قال: كان وهب بن عمير، فقلب اسمه وذكر بدل بدر أحدا، ومن هذا الوجه أخرجه ابن منده- كما في الإصابة- وأبو نعيم في المعرفة [4/ 2095] رقم 5269، قال الهيثمي في مجمع الزوائد [8/ 287] : رجاله رجال الصحيح، وقال السيوطي في الخصائص: إسناده موصول صحيح. -(4/61)
عليّ وبنات أخلفهن لسرت إلى محمد وشفيت نفسي بقتله.
فتحمل صفوان بن أمية دينه، وضمن له من يقوم بعياله على أن يقتل محمّدا صلى الله عليه وسلم.
قال: فلما جاء إلى المدينة عقل ناقته بباب المسجد، وأخذ السيف فعمد لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسيفه على عاتقه، فلما رآه عمر رضي الله عنه سبقه إلى- وروي عن ابن إسحاق على ألوان، ففي السيرة [2/ 206- 209 ابن هشام] : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة.
وتابعه سلمة بن الفضل، أخرجه ابن جرير في تاريخه [2/ 472] .
وكذلك رواه ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، أخرجه الطبراني في معجمه الكبير [17/ 56] رقم 117، وأبو نعيم في المعرفة برقم 5268، والبيهقي في الدلائل [3/ 147] .
مرسل، حسنه الهيثمي في مجمع الزوائد [8/ 286] .
ورواه يونس، عن ابن إسحاق فلم يذكر عروة، أخرجه الطبراني في معجمه الكبير [17/ 58] رقم 118، والبيهقي في الدلائل [3/ 149] .
وتابعه إبراهيم ابن سعد عند أبي نعيم في الدلائل برقم 413، ومحمد بن سلمة، أخرجه أبو نعيم في المعرفة [4/ 2095] رقم 526.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد [8/ 286] : مرسلا، وإسناده جيد.
ورواه أبو نعيم في المعرفة برقم 5267، والطبراني في معجمه الكبير [17/ 59] رقم 119، وأبو القاسم الأصبهاني في الدلائل برقم 153، من حديث موسى بن عقبة، عن الزهري.
ورواه البيهقي في الدلائل [3/ 147- 148] أيضا، عن مغازي موسى بن عقبة لم يذكر ابن شهاب.
وأخرج القصة ابن سعد في الطبقات [4/ 200] من حديث ثابت، عن عكرمة، وأخرجها بطولها أيضا غير مسندة [4/ 199- 200] .
وأخرجها الواقدي في المغازي [1/ 125] ، عن عاصم بن عمر بن قتادة.(4/62)
النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هذا الغادر عمير بن وهب قد أقبل عليك فلا تأمنه على نفسك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أدخله عليّ، فأقبل عمر بن الخطاب رضوان الله عليه بحمائل سيفه يقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
دعه يا عمر، ادن يا عمير، ما الذي جاء بك؟ قال: جئت للأسير الذي بين أيديكم، قال: أصدقني، ما أقدمك؟ قال: ما جئت إلّا لذلك، فقال له صلى الله عليه وسلم: فما بال سيفك على عاتقك؟ فقال: قبحها الله من سيوف، ما أغنت عنا شيئا، فنزل جبريل عليه السّلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلمه بقصته وبما جاء فيه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا، بل قعدت أنت وفلان وفلان في الحجر وتذاكرتم قتلاكم ببدر فقلت: لولا دين عليّ وبنات ورائي لقصدت محمدا، ولأقتلنه، فضمن عنك دينك فلان، وكفل بناتك فلان، والله تعالى حائل بينك وبين ما تريد، فقال عمير بن وهب: من أخبرك بهذا يا محمد؟ قال: الله تعالى الذي أخبرني به، فأسلم عمير مكانه.
1319- وعن جابر بن عبد الله قال: هبت ريح شديدة، والنبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فقال: هذه لموت منافق، فلما قدمنا المدينة إذا عظيم من عظماء المنافقين قد مات.
(1319) - قوله: «وعن جابر بن عبد الله» :
الأنصاري، أخرج حديثه الإمام أحمد في مسنده [3/ 315، 351] ، ومسلم في صفات المنافقين، برقم 2782 (15) ، والبيهقي في الدلائل [4/ 61] .
قوله: «والنبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره» :
أخرج البيهقي في الدلائل [4/ 59- 60] ، وأبو نعيم كذلك برقم 443، القصة بطولها من طريق ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، ومن طريق ابن أبي أويس، عن إسماعيل بن إبراهيم عن موسى بن عقبة، وفيها أن ذلك كان في غزوة بني المصطلق. -(4/63)
1320- ومن ذلك: ما روي عن قتادة بن النعمان قال: كانت ليلة شديدة الظلمة والمطر، فقلت: لو أني اغتنمت الليلة شهود العتمة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فبقيت.
فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم أبصرني ومعه عرجون يمشي معه، فقال:
ما لك يا قتادة هاهنا هذه الساعة؟
قلت: اغتنمت شهود الصلاة معك يا رسول الله.
قال: فأعطاني العرجون، وقال: إن الشيطان قد خلفك في بيتك، فاذهب بهذا العرجون فاستضئ به حتى تأتي بيتك فتجده في زاوية البيت فاضربه بالعرجون.
قال: فخرجت من المسجد فأضاء العرجون بمثل الشمعة، فاستضأت- وأخرجها الواقدي في مغازيه [2/ 423] وزعم أن الذي أخبر بموته عند هبوب الريح: زيد بن رفاعة بن التابوت، وكذلك قال ابن إسحاق في روايته فيما ذكره السيوطي في الخصائص [2/ 15] .
(1320) - قوله: «فلم أزل أضربه بالعرجون» :
أخرج القصة من طرق: الإمام أحمد في المسند [3/ 65] ، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه [49/ 285] ، والطبراني في معجمه الكبير [19/ 13] رقم 19، ومن طريقه أبو نعيم في الدلائل برقم 505، وابن عساكر في تاريخه [49/ 283- 284] .
وأخرجها الطبراني أيضا برقم 9، والبزار في مسنده [1/ 296- 297] رقم 620، كشف الأستار.
قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد [2/ 166] في حديث أبي سعيد وأبي هريرة: حديث أبي هريرة في الصحيح، وحديث أبي سعيد في حك البصاق رواه أحمد والبزار ... ورجاله رجال الصحيح.(4/64)
به فأتيت أهلي فوجدتهم رقود، فنظرت في الزوايا فإذا فيها قنفذ، فلم أزل أضربه بالعرجون حتى خرج.
1321- ومنه: قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: تنبح عليك كلاب الحوأب.
(1321) - قوله: «تنبح عليك كلاب الحوأب» :
أخرج الإمام أحمد في مسنده [6/ 52، 97] ، وابن أبي شيبة في المصنف [15/ 259- 260] ، وأبو يعلى في مسنده [8/ 282] رقم 4868، والبزار كذلك [4/ 94 كشف الأستار] رقم 3275، والحاكم في المستدرك [3/ 120] ، والبيهقي في الدلائل [6/ 410] ، وابن عدي في الكامل [4/ 1627] وصححه ابن حبان برقم 6732- إحسان، جميعهم من حديث قيس بن أبي حازم قال: لما أقبلت عائشة مرت ببعض مياه بني عامر طرقتهم ليلا، فسمعت نباح الكلاب فقالت: أي ماء هذا؟ قالوا: ماء الحوأب، قالت: ما أظنني إلّا راجعة، قالوا: مهلا، يرحمك الله، تقدمين فيراك المسلمين فيصلح الله بك، قالت: ما أظنني إلّا راجعة، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب.
وأخرج الحاكم في المستدرك [3/ 119] وصححه، ومن طريقه البيهقي في الدلائل [6/ 411] من حديث ابن أبي الجعد، عن أم سلمة قالت: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خروج بعض نسائه أمهات المؤمنين، فضحكت عائشة فقال:
انظري يا حميراء أن لا تكوني أنت، ثم التفت إلى علي فقال: إن وليت من أمرها شيئا فارفق بها.
قال الحافظ ابن كثير في تاريخه: هذا حديث غريب جدّا.
وأخرج البزار في مسنده- 3273، 3274 كشف الأستار- من حديث ابن عباس مرفوعا: أيتكن صاحبة الجمل الأحمر الأدبب تخرج حتى تنبحها كلاب الحوأب، يقتل حولها قتلى كثيرة، ثم تنجو بعد ما كادت. -(4/65)
1322- ومنه: نعيه صلى الله عليه وسلم النجاشي وإخباره أصحابه بموته.
1323- وذلك أن النجاشي مات بأرض الحبشة، فطوى الله تعالى لنبيه الأرض حتى نظر إلى جنازته في اليوم الذي مات فيه، ثم قام فصلى عليه هو وأصحابه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: استغفروا لأخيكم.
1324- ومنه: قوله صلى الله عليه وسلم لزيد بن صوحان:...........
- قال البيهقي في مجمع الزوائد [7/ 234] : رجاله ثقات.
(1322) - قوله: «نعيه صلى الله عليه وسلم النجاشي» :
أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربع تكبيرات، وأخرجا من حديث جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مات اليوم رجل صالح، فصلوا على أصحمة.
(1323) - قوله: «استغفروا لأخيكم» :
أخرجاه من حديث أبي هريرة، فرقه البخاري في غير موضع، وأخرجه في مناقب الأنصار، باب موت النجاشي بنحو اللفظ هنا من حديث أبي سلمة، وابن المسيب عن أبي هريرة، وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى لهم النجاشي صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه، وقال: استغفروا لأخيكم.
وأخرجه مسلم في الجنائز، باب في التكبير على الجنازة، رقم 951 (63) .
(1324) - قوله: «لزيد بن صوحان» :
هو: الربعي، أبو سلمان العبدي، اختلف في صحبته، يقال: له وفادة، وكان من أهل الفضل والصلاح، قال الذهبي في سيره: كان من العلماء العباد، ذكروه في كتب معرفة الصحابة ولا صحبة له، لكنه أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع من عمر وعلي وسلمان، وقال ابن الزبير: لا أعلم له صحبة، وكان فاضلا دينا سيدا في قومه.(4/66)
زيد وما زيد، يسبقه عضو منه إلى الجنة، فقطعت يده يوم نهاوند في سبيل الله تعالى.
قوله: «زيد وما زيد» :
حديث الباب أخرجه أبو يعلى في مسنده [1/ 393] رقم 511 من حديث الهذيل بن بلال- تصحف في المسند إلى: هلال- عن عبد الرحمن بن مسعود العبدي، عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى رجل يسبقه بعض أعضائه إلى الجنة، فلينظر إلى زيد بن صوحان.
وأخرجه من طريق أبي يعلى: الخطيب في تاريخه [8/ 440] ، والبيهقي في الدلائل [6/ 416] وقال: الهذيل بن بلال غير قوي، وابن عساكر في تاريخه [19/ 435] وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد [9/ 398] وقال: فيه من لم أعرفهم.
قلت: تابعه الحسين بن الرماحس، عن عبد الرحمن بن مسعود، أخرجه ابن عساكر في تاريخه [19/ 435] وعزاه الحافظ في الإصابة لابن منده.
وأخرج ابن عساكر [19/ 436] من حديث الحارث الأعور قال: كان ممن ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم زيد الخير وهو زيد بن صوحان قال صلى الله عليه وسلم: سيكون بعدي رجل من التابعين- وهو زيد الخير- يسبقه بعض أعضائه إلى الجنة بعشرين سنة، قال: فقطعت يده اليسرى بنهاوند، ثم عاش بعد ذلك عشرين سنة، ثم قتل يوم الجمل بين يدي علي بن أبي طالب.
وأخرج ابن سعد في الطبقات [6/ 123] من حديث الأجلح، عن عبيد بن لاحق قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فنزل رجل من القوم فساق بهم ورجز، ثم نزل آخر، ثم بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يواسي أصحابه فنزل فجعل يقول: جندب، وما جندب؟ والأقطع الخير زيد، ثم ركب، فدنا منه أصحابه فقالوا: يا رسول الله سمعناك الليلة تقول: جندب، وما جندب؟
والأقطع الخير زيد، فقال: رجلان يكونان في هذه الأمة، يضرب أحدهما-(4/67)
1325- ومن ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم بعث نفرا إلى خالد بن سفيان ليقتلوه فقال: إنكم إذا رأيتموه ذكّركم الشيطان ما بينكم وبينه فتأخذكم قشعريرة، قال: فكان كذلك.
- ضربة تفرق بين الحق والباطل، والآخر تقطع يده في سبيل الله، ثم يتبع الله آخر جسده بأوله.
قال الأجلح: أما جندب فقتل الساحر عند الوليد بن عقبة، وأما زيد فقطعت يده يوم جلولاء، وقتل يوم الجمل، عزاه في الإصابة أيضا لابن منده.
وروى نحوه من حديث أبي فروة أخرجه ابن عساكر [19/ 436] .
وأخرجه ابن منده أيضا من حديث بريدة، قاله السيوطي في الخصائص.
وأخرج البيهقي في الدلائل [6/ 416- 417] ، وابن عساكر في تاريخه [19/ 445] ، وغيرهما، من حديث عوف الأعرابي وجرير بن حازم، عن ابن سيرين: أن عائشة رضي الله عنها قالت لخالد ابن الواشمة:
أنشدك الله أصادقي أنت إن سألتك؟ قال: نعم، وما يمنعني؟ قالت:
ما فعل طلحة؟ قلت: قتل، قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم قالت:
ما فعل الزبير؟ قلت: قتل، قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، قلت: بل نحن لله ونحن إليه راجعون، على زيد وأصحاب زيد، قالت: زيد بن صوحان؟ قلت: نعم، فقالت له خيرا، فقلت: والله لا يجمع الله بينهما في الجنة أبدا، فقالت: لا تقل، فإن رحمة الله واسعة، وهو على كل شيء قدير، لفظ حديث أيوب، عن ابن سيرين أخرجه ابن الأثير في الأسد.
(1325) - قوله: «بعث نفرا إلى خالد بن سفيان» :
هو ابن نبيح الهذلي، أخرج القصة: ابن إسحاق في سيرته [4/ 619- ابن هشام] ومن طريقه أبو داود في الصلاة برقم 1249، والإمام أحمد في مسنده [3/ 496] ، وأبو يعلى [2/ 201] رقم 905، والبيهقي في السنن الكبرى [3/ 256] وفي الدلائل [4/ 42] ، وأبو نعيم كذلك برقم 445، -(4/68)
.........
- قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن ابن عبد الله بن أنيس، عن أبيه قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه بلغني أن ابن سفيان بن نبيح الهذلي جمع لي الناس ليغزوني وهو بنخلة- أو بعرنة- فأته، قال: قلت: يا رسول الله انعته لي حتى أعرفه، فقال: آية ما بينك وبينه، أنك إذا رأيته وجدت له قشعريرة، قال: فخرجت متوشحا بسيفي حتى وقعت عليه في ظعن يرتاد لهن منزلا، حين كان وقت العصر فلما رأيته، وجدت ما وصف لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من القشعريرة فأخذت نحوه، وخشيت أن يكون بيني وبينه محاولة تشغلني عن الصلاة، فصليت وأنا أمشي نحوه، أومئ برأسي، فلما انتهيت إليه قال: ممن الرجل؟ قلت:
رجل من العرب سمع بك وبجمعك لهذا الرجل، فجاء لذلك، قال:
أجل، إني أنا في ذلك، قال: فمشيت معه شيئا حتى إذا أمكنني حملت عليه بالسيف حتى قتلته، ثم خرجت، وتركت ظعائنه منكبّات عليه، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآني قال: قد أفلح الوجه، قال: قلت: قتلته يا رسول الله، قال: صدقت، قال: ثم قام معي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدخلني بيته، فأعطاني عصا، فقال: امسك هذه العصا عندك يا عبد الله بن أنيس، قال: فخرجت بها على الناس فقالوا: ما هذه العصا؟ قلت: أعطانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرني أن أمسكها، قالوا: أفلا ترجع فتسأله لم ذلك؟
قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله لم أعطيتني هذه العصا؟ قال: آية بيني وبينك يوم القيامة، إن أقل الناس المختصرون- أو المتخصّرون- يومئذ، فقرنها عبد الله بسيفه فلم تزل معه حتى إذا مات أمر بها فضمت معه في كفنه ثم دفنا جميعا رحمه الله.
علقه ابن سعد في الطبقات [2/ 50] ، وابن عبد الله بن أنس هو عبد الله، كما جاء مصرحا به في بعض الروايات، ذكره البخاري وابن أبي حاتم وسكتا عنه.(4/69)
1326- ومن ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى غزوة بدر وبلغ بدرا جعل يسير إلى موضع موضع ويقول: هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله تعالى، وهذا مصرع فلان غدا إن شاء الله تعالى.
فما أخطأوا تلك المواضع.
(1326) - قوله: «هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله تعالى» :
أخرجه مسلم في الجهاد والسير، باب غزوة بدر، رقم 1779، والإمام أحمد في مسنده [3/ 19- 220، 257] ، وأبو داود في الجهاد، باب في الأسير ينال منه ويضرب ويقرر، والبيهقي في الدلائل وغيرهم.
وهذا لفظ مسلم عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان، قال: فتكلم أبو بكر فأعرض عنه، ثم تكلم عمر فأعرض عنه.
فقام سعد بن عبادة فقال: إيانا تريد يا رسول الله والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا.
قال: فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقوا حتى نزلوا بدرا ووردت عليهم روايا قريش وفيهم غلام أسود لبني الحجاج فأخذوه، فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن أبي سفيان وأصحابه فيقول: ما لي علم بأبي سفيان ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف، فإذا قال ذلك ضربوه، فقال: نعم أنا أخبركم، هذا أبو سفيان، فإذا تركوه فسألوه فقال:
ما لي بأبي سفيان علم ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف في الناس، فإذا قال هذا أيضا ضربوه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، فلما رأى ذلك انصرف، قال: والذي نفسي بيده لتضربوه إذا صدقكم وتتركوه إذا كذبكم.
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا مصرع فلان، قال: ويضع يده على الأرض هاهنا وهاهنا، قال: فما ماط أحدهم عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم.(4/70)
1327- وقال صلى الله عليه وسلم: ليرعفن على منبري رجل من بني أمية، فكان كذلك، رعف عنده عمرو بن سعيد حتى سال رعافه على درج المنبر.
1328- ومن ذلك أن بعض من كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد على عقبيه كافرا فمات، فقال صلى الله عليه وسلم: لن تقبله الأرض، فدفن، فأصبحوا به فوق الأرض، ثم دفن فأصبحوا به كذلك، ثم كذلك حتى ألقوه في بعض الغيران.
(1327) - قوله: «ليرعفن على منبري» :
أخرجه الإمام أحمد في مسنده [2/ 385، 522] ، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه [46/ 36] ، من حديث ابن جدعان عمن سمع أبا هريرة، وفي رواية: ليرتقين جبار من جبابرة بني أمية على منبري هذا يسيل رعافه..
الحديث، قال: فحدثني من سمع عمرو بن سعيد يرعف على منبر النبي صلى الله عليه وسلم حتى سال الدم على درج المنبر
وأخرجه الحارث في مسنده- كما في بغية الباحث برقم 617- قال في مجمع الزوائد [5/ 240] : رواه أحمد وفيه راو لم يسم.
(1328) - قوله: «أن بعض من كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم» :
يعني: الوحي، أخرج الشيخان من حديث أنس قال: كان رجل نصرانيا فأسلم، وقرأ البقرة وآل عمران، فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فعاد نصرانيا، فكان يقول: ما يدري محمد إلّا ما كتبت له، فأماته الله، فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا له فأعمقوا فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم، فألقوه خارج القبر، فحفروا له وأعمقوا في الأرض ما استطاعوا، فأصبح وقد لفظته الأرض، فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه.
لفظ البخاري في المناقب، وأخرجه مسلم في صفات المنافقين ليس فيه-(4/71)
1329- ويروى: أن أبا عمرو النخعي قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد من النخع فقال: يا رسول الله إني رأيت في طريقي هذا رؤيا، رأيت أتانا تركتها في الحي ولدت جديا أسفع أحوى.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل لك من أمة تركتها مسرة حملا؟
- قوله صلى الله عليه وسلم: لن تقبله الأرض، وأخرجه الإمام أحمد في المسند وجماعة، وهذا لفظ ابن حبان: كان رجل يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم وكان قد قرأ البقرة وآل عمران عد فينا ذو شأن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يملي عليه: غَفُوراً رَحِيماً، فيكتب: عَفُوًّا غَفُوراً، فيقول النبي اكتب، ويملي عليه: عَلِيماً حَكِيماً، فيكتب: سَمِيعاً بَصِيراً، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: اكتب أيهما شئت، قال:
فارتد عن الإسلام، فلحق بالمشركين فقال: أنا أعلمكم بمحمد، إن كنت لأكتب ما شئت، فمات، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الأرض لن تقبله، قال: فقال أبو طلحة: فأتيت تلك الأرض التي مات فيها، وقد علمت أن الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال، فوجدته منبوذا، فقلت: ما شأن هذا؟
فقالوا: دفناه فلم تقبله الأرض.
(1329) - قوله: «أن أبا عمرو النخعي» :
اسمه: زرارة بن قيس- أو: ابن عمرو بن قيس- بن الحارث بن عدّاء، قال ابن أبي حاتم، عن أبيه: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن في النصف من المحرم سنة إحدى عشرة.
ذكره ابن سعد في الطبقات [5/ 531] ، وأورد فيه قصة الباب.
وقال الحافظ في الإصابة: أخرجها ابن شاهين من طريق أبي الحسن المدايني عن شيوخه، قال الحافظ: وأخرج ابن شاهين من طريق ابن الكلبي: حدثني رجل من جرم عن رجل منهم قال: وفد رجل من النخع يقال له: زرارة بن قيس بن الحارث بن عدي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه.(4/72)
قال: نعم، تركت أمة إني أظنها قد حملت، قال: قد ولدت غلاما وهو ابنك، قال: فما له أسفع أحوى؟ قال: ادن مني، فدنا منه، قال:
هل بك برص تكتمه؟ قال: نعم، والذي بعثك بالحق ما رآه مخلوق ولا علم به، قال: هو ذاك.
1330- وعن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس في مجلسه- يعني: المسجد- معه ناس من أصحابه، منهم: عامر ابن فهيرة، وبلال، وسلمان، إذ دخل قيس بن مطاطية الثقفي فقال:
هؤلاء الأوس والخزرج قد قاموا بنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما بال هؤلاء؟ قوله: «هو ذاك» :
زاد من ذكرنا قريبا في هذا الحديث، قال: يا رسول الله، ورأيت النعمان بن المنذر عليه قرطان ودملجان ومسكتان، قال: ذاك ملك العرب رجع إلى أحسن زيه وبهجته، قال: ورأيت عجوزا شمطاء خرجت من الأرض، قال: تلك بقية الدنيا، قال: ورأيت نارا خرجت من الأرض فحالت بيني وبين ابن لي يقال له: عمرو وهي تقول: لظى لظى، بصير وأعمى، أطعموني آكلكم أهلكم ومالكم، قال صلى الله عليه وسلم: تلك فتنة تكون في آخر الزمان، قال: يا رسول الله وما الفتنة؟ قال: يقتل الناس إمامهم، ويشتجرون اشتجار أطباق الرأس- وخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه- يحسب المسيء فيها أنه محسن، ويكون دم المؤمن عند المؤمن أحل من شرب الماء، إن مات ابنك أدركت الفتنة، وإن مت أنت أدركها ابنك، قال: فقال: يا رسول الله ادع الله أن لا أدركها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اللهمّ لا يدركها.
فمات وبقي ابنه عمرو فكان ممن خلع عثمان بالكوفة. اهـ.
وفي رواية: فكان أول من خلع عثمان وبايع عليا.(4/73)
فسمعه حذيفة بن اليمان فقام إليه فلبّبه، ثم أقبل يقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بالذي قال، فقال: اشدد يدك به.
ثم علا رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، فاجتمع إليه ناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ألا إن الرب عزّ وجلّ واحد، وإن العربية اللسان الناطق، فمن تكلم بها فهو منهم، ألا وإن مولى القوم منهم، وابنه من أبنائهم، وابن ابنه من أنفسهم.
ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال حذيفة: ما أصبح لقيس يا رسول الله؟
فقال: خلّ عنه، فإنه من أهل النار، يكفيهم عمله.
قال: فقتل يوم اليمامة مع مسيلمة الكذاب مرتدا.
(1330) - قوله: «فسمعه حذيفة بن اليمان» :
هكذا هو عندنا في الأصول، وعند الخطيب وابن عساكر أن الذي سمعه ولبّبه هو معاذ بن جبل.
قوله: «ألا إن الرب عزّ وجلّ واحد» :
لفظ الخطيب وابن عساكر: يا أيها الناس إن الرب رب واحد، وإن الأب أب واحد، وإن الدين دين واحد، ألا وإن العربية ليست لكم بأب ولا أم، إنما هي لسان، فمن تكلم بالعربية فهو عربي.
رواه أبو بكر الهذلي- وهو ضعيف- فاختلف عليه فيه.
رواه مرة عن مالك، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أخرجه الخطيب في الرواة عن مالك- كما في سبل الهدى والرشاد [10/ 118- 119]-، ومن طريقه ابن عساكر [24/ 225] .
ورواه أبو بكر عن مالك مرة فقال: عن أبي سلمة مرسلا، لم يذكر أبا هريرة، أخرجه ابن عساكر في تاريخه [24/ 224] .(4/74)
1331- وروي عن سمرة بن جندب: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فقال: هاهنا من آل فلان أحد؟ فلم يقم أحد حتى قالها ثلاثا، فقام إليه رجل، فقال: إن فلانا مأسور بدينه، قال: فلقد رأيت أهله ومن تحزن به قاموا، فقضوا ما عليه حتى لم يبق عليه شيء.
1332- وروي أن رجلا ضخما من العرب رآه صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد صارعني، فإن صرعتني قتلتني ولك أغنامي، وإن صرعتك قتلتك وأرحت العباد منك، قال: نعم، فصارعه فألقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأرض، فقال له الرجل: أقلني هذه المرة، فأقاله، فصرعه الثانية، فلما صرعه الثالثة عزم الرجل أن يأخذه برجله، فهبط جبريل عليه السّلام فأخبره فقال صلى الله عليه وسلم: تريد أن تخدعني؟ قال: كيف؟ قال:
تريد أن تأخذني برجلي، قال: أشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمدا رسول الله.
(1331) - قوله: «وروي عن سمرة بن جندب» :
أخرجه الإمام أحمد في مسنده [5/ 11، 13، 20] وأبو داود في البيوع، باب التشديد في الدين، رقم 3341، والنسائي كذلك، باب التغليظ في الدين، رقم 4685 وغيرهم، وفي إسناد حديثه اختلاف:
فمنهم من يرويه عن الشعبي عن سمعان، عن سمرة.
ومنهم من يسقط سمعان.
ومنهم من يرويه عن الشعبي مرسلا، قال البخاري في تاريخه: لا يعلم للشعبي سماع من سمعان، ولا لسمعان من سمرة.
(1332) - قوله: «وروي أن رجلا ضخما» :
هو ركانة بن يزيد، تقدم حديثه في الفصل الأول من هذا الباب.(4/75)
1333- ومن ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم بعث بعض نسائه إلى امرأة يريد أن يخطبها فقال لها: انظري إليها.
فذهبت المرأة، فلما رأتها رأت امرأة على وجهها مسحة من الجمال، فقالت: لئن وصفتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها، فرجعت، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيت؟ فقالت: ما رأيت طائلا.
فقال صلى الله عليه وسلم: قد رأيت طائلا وخالا بخدها اقشعرت كل شعرة منك، فقالت: ما دونك سر.
1334- وروي: أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى سفر فشكا إليه أصحابه الجوع فقال صلى الله عليه وسلم: لا يأتيكم الله برزق حتى تصلوا العصر، فلما صلوا العصر إذا هم بأربعة بدن سمان بعث بها عثمان بن عفان رضي الله عنه، فأكل القوم حتى شبعوا.
(1333) - قوله: «بعث بعض نسائه» :
هي عائشة رضي الله عنها، والمرأة التي خطبها من كلب.
أخرج القصة ابن سعد في الطبقات [8/ 161- في ترجمة شراف التي هم النبي صلى الله عليه وسلم أن يخطبها، - وقد تقدم الكلام عليها] ، والخطيب في تاريخه [1/ 301] ، وابن عساكر في تاريخه [51/ 36] ، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان [2/ 188] ، جميعهم من حديث جابر الجعفي- وهو ضعيف-، عن ابن سابط، عنها به.
قوله: «اقشعرت كل شعرة منك» :
في رواية: اقشعرت منها ذوائبك، وفي نسخة: فنعت- يعني: النبي صلى الله عليه وسلم- كل شعرة منها بحيالها.
قوله: «ما دونك سر» :
زاد في رواية: ومن يستطع أن يكتمك؟.(4/76)
1335- وأهدي إلى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قدر من اللحم فقالت للخادم: ارفعيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا جاء قدميها إليه، قالت: فجاء إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: قدمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قدرة اللحم، فجاءت بها فإذا هي قد صارت حجرا، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها وقال: ما لك يا أم سلمة؟ فقصت عليه القصة، فقال: لعله قام على بابكم سائل فأهنتموه؟
قالت: أجل يا رسول الله، قال: فإن ذاك لذاك.
1336- ومن ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم كان يخبرهم عن الأهلة: هل يزيد عددها أو ينقص؟ فيجدونها كما أخبرهم عنها.
(1335) - قوله: «فإن ذاك لذاك» :
أخرجه البيهقي في الدلائل [6/ 299] ، من طريق خارجة بن مصعب، عن سعيد بن إياس الجريري، عن مولى لعثمان، عن أم سلمة..
بنحوه، وفيه خارجة بن مصعب ضعفه غير واحد، ومولى عثمان لا يدرى من هو.
لكن، تابع خارجة: علي بن عاصم عن الجريري، أخرجه البيهقي في إثر الذي قبله، فبقيت جهالة مولى عثمان، عزاه السيوطي في الخصائص [2/ 290] أيضا لأبي نعيم.
(1336) - قوله: «كان يخبرهم عن الأهلة» :
أخرج ابن جرير في تفسيره [2/ 185- 186] ، وابن أبي حاتم في تفسيره [1/ 322] ، من حديث ابن عباس قال: سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأهلة فنزلت هذه الآية: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ الآية، يعلمون بها حل دينهم، وعدة نسائهم ووقت حجهم، وروي نحوه عن عطاء، وأبي العالية، والضحاك، وقتادة، والسدي والربيع بن أنس.
وكان صلى الله عليه وسلم يخبرهم أيضا عن السحاب ووجهته، وعن وقت وقوع المطر بفضل ما أعلمه الله وأطلعه عليه، أخرج البخاري في تاريخه [5/ 248] ، -(4/77)
.........
- وأبو القاسم الأصبهاني في الدلائل برقم 237- واللفظ له-، وابن منده في الصحابة-، كما في الإصابة [6/ 314] من حديث ابن إسحاق قال: حدّثت عن عبد الرحمن بن خباب، عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري- وكانت له صحبة-: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده ومعه رجال من أهل الريب وهم المنافقون، إذ نشأت سحابة، قال: فأبدها رسول الله صلى الله عليه وسلم عينيه ثم جعل كأنه يتبع بصره شيئا حتى نظر نحو بعض حجره، قال: فقام، فلبث ما شاء الله ثم رجع فجلس، فقلنا: يا رسول الله رأيناك تصنع شيئا ما رأيناك تصنعه، قال: إني بينا أنا معكم إذ نظرت إلى ملك تدلى من هذه السحابة فأتبعته بصري أنظر أين يعمد، فإذا هو قد وقع في بعض حجري، فقمت إليه فسلم عليّ، ثم قال: إني لم أزل أستأذن ربي في لقيك حتى كان هذا أوان أذن لي في ذلك، وإني أبشرك يا محمد أنه ليس آدمي أكرم على ربه منك، قلت:
ومن أنت؟ قال: أنا ملك السحاب الذي وكل به، قلت: فهل أمطرتم شيئا من البلدان؟ قال: نعم أمطرنا بلد كذا وكذا، وبلد كذا وكذا، وبلد كذا وكذا، وبلد كذا وكذا، قلت: فهل أمرتم لنا بشيء؟! قال: أما في شهركم هذا فلا، ولكنا قد أمرنا أن نمطركم في شهركم الداخل ليلة كذا وكذا في كذا وكذا من الشهر، قال: ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقنا، فقال أولئك النفر من المنافقين: قد فصل محمد بينكم وبين نفسه، انظروا ما قال لكم، فإن يك حقّا فالرجل نبي مرسل، وإلا يكن حقّا فأنتم على ما أنتم عليه، لم يزدكم في أمركم ذلك إلّا شدة، ثم خرجوا يتلقون الركبان فلا يسألون عن بلد من البلدان التي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلّا أخبروا عنه بمطر، قال: فقالوا: سأل الركبان كما سألنا فأخبر، ولكن انظروا الليلة التي وعدكم فيها ما وعدكم، فلما كانت الليلة التي وعدهم فيها ما وعدهم أمطروا، فلما أصبحوا غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا كنا أهل ريب فهلم نبايعك بيعة جديدة، فبايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحسن إسلامهم، وبورك لهم في ذلك المجلس.(4/78)
1337- ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم أعطى رجلا من المشركين فرسا فقيل له: تعطي عدو الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: سيسلبها، فكان كذلك.
1338- ومنها: معجزة عجيبة- لعمر الله عند من عقل-: أمر ناقته حين افتقدت، فأرجف المنافقون فقالوا بألسنة حظلة، وقلوب خاوية، فطعنوا في الأمر الذي هو أعظم الحجة عليهم، قالوا: يأتينا بخبر السماء وهو لا يدري أين ناقته؟ فلما خاف صلى الله عليه وسلم على المؤمنين وساوس الشيطان، دلّهم عليها، ووصف لهم حالها، والشجرة التي هي متعلقة بها، فأتوها فوجدوها كما وصف من الحال التي أخبر صلى الله عليه وسلم.
(1338) - قوله: «بألسنة حظلة» :
أي فاسدة، يقال: حظلت النخلة وحضلت بالظاء والضاد، إذا فسدت أصول سعفها.
قوله: «وهو لا يدري أين ناقته؟» :
القصة في سيرة ابن إسحاق وقد اختلف عليه في إسنادها، فقيل: عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن رجال من بني عبد الأشهل، وقيل:
عن عاصم.. قوله.
أخرجها ابن هشام [4/ 135- 136]- ومن طريق ابن إسحاق بن جرير في تاريخه [3/ 105- 106] ، والبيهقي في الدلائل [5/ 231- 232] ، وابن الأثير في الأسد [2/ 298- 299] ، ففي سياق ابن إسحاق لقصة المسير في غزوة تبوك قال: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار حتى إذا كان ببعض الطريق ضلت ناقته فخرج بعض أصحابه في طلبها، وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم عمارة بن حزم الأنصاري- وكان في رحله زيد، وكان منافقا- فقال زيد: أليس محمد يزعم أنه نبي، وأنه يخبركم خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم- وعمارة بن حزم عنده-: إن رجلا قال:
هذا محمد يخبركم أنه نبي ويخبركم بأمر السماء وهو لا يدري أين ناقته؟ -(4/79)
1339- ومنها: أن الزبير بن العوام لما خرج إلى ياسر بخيبر مبارزا وقالت أمه صفية بنت عبد المطلب: أيقتل ياسر ابني يا رسول الله؟ قال:
لا، بل ابنك يقتله إن شاء الله، فخرج الزبير بن العوام فالتقيا، فقتله الزبير.
- وإنّي والله ما أعلم إلّا ما علمني الله، وقد دلني الله عليها، هي في الوادي قد حبستها الشجرة بزمامها، فانطلقوا فجاءوا بها، فرجع عمارة إلى رحله فحدثهم عما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبر الرجل، فقال رجل ممن كان في رحل عمارة: إنما قال زيد والله هذه المقالة قبل أن تأتي، فأقبل عمارة على زيد يجأ في عنقه ويقول: إن في رحلي لداهية وما أدري، اخرج عني يا عدو الله فلا تصحبني، فقال بعض الناس: إن زيدا تاب، وقال بعض الناس: لم يزل مصرا حتى هلك.
وأخرجها الواقدي في مغازيه [2/ 423- 424] عن عاصم بن عمر بن قتادة به.
وأخرجها أبو نعيم في الدلائل برقم 443، والبيهقي كذلك [4/ 59- 60] من حديث أبي الأسود، عن عروة به.
وأخرجها البيهقي في الدلائل [4/ 59] من طريق موسى بن عقبة، عن جابر، نحوه.
(1339) - قوله: «لما خرج إلى ياسر» :
وهو أخو مرحب اليهودي صاحب حصن خيبر الذي قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه- على اختلاف الروايات في ذلك- خرج ياسر بعد مقتل أخيه وهو يرتجز:
قد علمت خيبر أني ياسر ... شاك السلاح بطل مغامر
إذا الليوث أقبلت تبادر ... وأحجمت عن صولة المساور
إن حماي فيه موت حاضر
-(4/80)
1340- ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: أطولكن يدا أسرعكن بي لحوقا، فتطاولن فطالتهن سودة، ثم ماتت بعده صلى الله عليه وسلم زينب، وكانت زينب صنيعة- وكان ياسر أشد من أخيه مرحب وأسير الذي قتله محمد بن مسلمة، كانت في يده حربة يحوش بها المسلمين حوشا، فبرز له علي رضي الله عنه فقال له الزبير: أقسمت عليك إلّا خليت بيني وبينه، ففعل علي رضي الله عنه فلما برز له الزبير ارتجز:
قد علمت خيبر أني زبار ... قوم لقوم غير نكس فرار
ابن حماة المجد وابن الأخيار ... ياسر لا يغررك جمع الكفار
فجمعهم مثل السراب الجرار
قالت صفية أمه رضي الله عنها: يا رسول الله، واحزني، ابني يقتل يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: بل ابنك يقتله، قال: فاقتتلا، فقتله الزبير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكل نبي حواري، وحواريي الزبير وابن عمتي.
انظر طرق القصة وألفاظها في: سيرة ابن إسحاق [3/ 334 ابن هشام] ومن طريق ابن إسحاق ابن جرير في التاريخ [3/ 11] ، ومغازي الواقدي [2/ 657] ، ومن طريقه البيهقي في الدلائل [4/ 217] ، وابن عساكر في تاريخه [18/ 380- 381] .
وقد قيل: إن هذا كان يوم بني قريظة: قال الواقدي [2/ 504] حدثني الثوري، عن عبد الكريم الجزري، عن عكرمة قال: لما كان يوم بني قريظة قال رجل من اليهود: من يبارز؟ فقام إليه الزبير فبارزه، فقالت صفية: ...
الحديث، قال الواقدي: لم يسمع بهذا الحديث في قتالهم، أراه وهل، هذا في خيبر.
340 1- قوله: «فطالتهن سودة» :
يشبه أن يكون في سياق المصنف توضيح لما جاء في رواية البخاري التي ظن أن وهما فيها قد وقع. -(4/81)
اليد، كثيرة الخير، عظيمة النفع، تجهز الجيوش، وتنفع الخلق، فلما ماتت على إثره صلى الله عليه وسلم علمن أنه أراد بقوله: أطولكن يدا، أي: أكثركن معروفا، أراد به: الطّول الذي هو الغنى والنفع.
- فالحديث أخرجه الشيخان، فأما لفظ البخاري فيقول عن عائشة: أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن للنبي صلى الله عليه وسلم: أينا أسرع بك لحوقا؟ قال: أطولكن يدا، فأخذوا قصبة يذرعونها فكانت سودة أطولهن يدا ... الحديث، ليس فيه ذكر زينب، ثم نقل الحافظ في الفتح عن ابن الجوزي قوله: هذا الحديث غلط من بعض الرواة، والعجب من البخاري كيف لم ينبه عليه، ولا أصحاب التعاليق؟ ولا علم بفساد ذلك الخطابي، فإنه فسره وقال: لحوق سودة به من أعلام النبوة، قال: وكل ذلك وهم، وإنما هي زينب، فإنها كانت أطولهن يدا بالعطاء كما رواه مسلم من طريق عائشة بنت طلحة، عن عائشة بلفظ: فكانت أطولنا يدا زينب لأنها كانت تعمل وتتصدق.
قال الحافظ بعد أن ساق ألفاظ الروايات المخرجة في هذا: فهذه روايات يعضد بعضها بعضا، ويحصل من مجموعها أن في رواية أبي عوانة يعني التي أخرجها البخاري- وهما.
قال أبو عاصم: وقوع الوهم والخطأ من سمات البشر، غير أنه يظهر- والله أعلم- أن في الرواية اختصارا، فقوله: فكانت سودة أطولهن يدا، أي في نتيجتهن، بناء على ما فهمنه من مراده صلى الله عليه وسلم بالطول، وتمام رواية البخاري: فعلمنا بعد أنما كانت طول يدها الصدقة، - أي: وليست بسودة لما تبين مراده صلى الله عليه وسلم، ثم قال: وكانت أسرعنا لحوقا به. اهـ.
الحديث، يريد: زينب؛ لأن المشهور في التاريخ أن أول زوجاته موتا ولحوقا به هي زينب رضي الله عنها.
فقد روى البخاري ذلك في تاريخه الصغير [1/ 49] من طريق الشعبي عن عبد الرحمن بن أبزى قال: صليت مع عمر على أم المؤمنين زينب بنت جحش فكانت أول نساء النبي صلى الله عليه وسلم موتا بعده، إسناده على شرط الشيخين. -(4/82)
1341- وذكر عن أسماء بنت أبي بكر الصديق قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: رجلان من ثقيف مبير وكذاب، فأما الكذاب فقد رأيناه، وهذا المبير- تعني: الحجاج-.
1342- وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: اللهمّ كما ائتمنتهم فخانوني، ونصحت لهم فغشوني، فسلّط عليهم فتى ثقيف الذيّال الميال، يأكل خضرتها، ويلبس فروتها، ويحكم فيهم بحكم الجاهلية.
قال الحسن: وما خلق الحجاج يومئذ.
- ولا يعقل أن يخالف البخاري نفسه فيما يرويه، ولو ثبت الوهم في روايته كما قيل لكان لقائل أن يقول: إن البخاري لا يدري عما يرويه وهذا شنيع، وتوجيه رواية المصنف هنا توضح ما وقع في لفظ البخاري من الاختصار أو الخفاء وهو الأولى، والله أعلم.
(1341) - قوله: «وذكر عن أسماء بنت أبي بكر» :
هو عند مسلم، وقد تقدم تخريجه في فضائل مكة في حديث مقتل ابن الزبير.
(1342) - قوله: «وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب» :
أخرج حديثه من طرق بألفاظ: البيهقي في الدلائل [6/ 488] ، وابن عساكر في تاريخه [12/ 168، 168- 169، 196] ، وابن العديم في بغية الطلب [5/ 2057- 2058] .
قوله: «قال الحسن» :
هو البصري، وفي دلائل البيهقي ما يوهم أنه ابن علي، إذ تصحفت العبارة فصارت: وتوفي الحسن وما خلق الحجاج يومئذ، والعبارة كما في المصادر: قال: يقول الحسن، فتصحفت كلمة يقول إلى: توفي، ولذلك قال الحافظ ابن كثير في تاريخه: منقطع، أي: بين الحسن البصري وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه.(4/83)
1343- ويروى عن بعض التابعين قال: قدمت على عمر بن الخطاب رابع أربعة من أهل الشام ونحن حجاج، فبينا نحن عنده إذ أتاه آت من قبل العراق فأخبره أنهم حصبوا إمامهم، وقد كان عوّضهم به مكان إمام كان قبله فحصبوه، فخرج إلى الصلاة مغضبا فسها في صلاته، ثم أقبل على الناس فقال: من ههنا من أهل الشام؟ قال: فقمت أنا وأصحابي فقال: يا أهل الشام تجهزوا لأهل العراق، فإن الشيطان قد باض فيهم وفرّخ، ثم قال: اللهمّ إنهم قد لبّسوا عليّ فلبس عليهم، اللهمّ (1343) - قوله: «ويروى عن بعض التابعين» :
هو أبو عذبة الحضرمي، ذكره ابن سعد في الطبقات [7/ 440] ، في الطبقة الأولى من أهل الشام بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، انظر أخباره في:
طبقات ابن سعد [7/ 441] ، الإصابة [4/ 145] ، التاريخ الكبير [/ 333] ، الجرح والتعديل [6/ 236] ، الميزان [4/ 551] ، المعرفة والتاريخ [2/ 529، 754، 755] .
قوله: «قدمت على عمر بن الخطاب» :
أخرجه: ابن سعد في الطبقات [7/ 442] ، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه [67/ 83] .
وأخرجه يعقوب بن سفيان في المعرفة [2/ 755] ، ومن طريقه البيهقي في الدلائل [6/ 486- 487] ، وابن عساكر في تاريخه [67/ 82] من حديث حريز بن عثمان، ثنا عبد الرحمن بن ميسرة، عنه به.
وأخرجه ابن سفيان في المعرفة [2/ 529، 754- 755] ، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه [12/ 168] ، والبيهقي في الدلائل [6/ 487- 488] من حديث معاوية بن صالح، عن شريح بن عبيد، عن أبي عذبة، وربما قيل:
عن شريح عمن حدثه. -(4/84)
عجّل لهم الغلام الثقفي الذي يحكم فيهم بحكم الجاهلية، لا يقبل من محسنهم، ولا يتجاوز عن مسيئهم.
- وأخرجه ابن عساكر في تاريخه [67/ 82] من حديث بقية، عن صفوان بن عمرو، عن شريح بن عبيد، عن عمرو بن مسلم بالقصة.
قال الحافظ البيهقي: ولا يقول هذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ثم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلّا توقيفا أهـ. يريد أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، ففيه: إخباره صلى الله عليه وسلم بالحجاج، وذلك من دلائل نبوّته صلى الله عليه وسلم.(4/85)
[227- فصل: ما جاء في مسارعة الله له في هواه وإعطائه ما لم تجر العادة به، وما في ذلك من الدّلائل]
227- فصل:
ما جاء في مسارعة الله له في هواه وإعطائه ما لم تجر العادة به، وما في ذلك من الدّلائل 1344- ومن ذلك: ما روى أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فطبختها في قدر فقال: ناولني الذراع، فناولته الذراع فأكل، ثم قال: ناولني الذراع، فناولته، ثم قال: ناولني الذراع، فقلت: وهل للشاة إلّا ذراعان يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أما إنك لو التمسته لوجدته.
(فصل:
ما جاء في مسارعة الله له في هواه) الأصل في هذا الفصل قوله تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى الآية، وقول أم المؤمنين عائشة فيما أخرجه الشيخان من حديثها، قالت: كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأقول: أتهب المرأة نفسها؟ فلما أنزل الله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ الآية، قلت: ما أرى ربك إلّا يسارع في هواك. لفظ البخاري في التفسير.
ويدخل فيه أيضا: تمنيه صلى الله عليه وسلم تحويل القبلة إلى الكعبة، وقد أورد ذلك المصنف في شرفه صلى الله عليه وسلم في القرآن حتى بلغه مولاه ما تمنى.
(1344) - قوله: «أما إنك لو التمسته لوجدته» :
إكراما لمقامه عند ربه عن أن يرد حاجته، حديث أبي رافع هذا خرجناه في شرح المسند الجامع لأبي محمد: عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي عند الكلام على حديث أبي عبيد رقم 46- فتح المنان، وهو بنحو حديث الباب، وخرجنا تحته أيضا حديث أبي هريرة، وحديث مبهم عن مثله فيراجع هناك.(4/86)
1345- ومنها: أنه لما تخلف أبو خيثمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج على إثره فسار أياما وليالي حتى تراءى للناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم نازل بتبوك فقال الناس: هذا راكب على الطريق، فقال صلى الله عليه وسلم: كن أبا خيثمة، فلما دنا إذا هو أبو خيثمة.
(1345) - قوله: «كن أبا خيثمة» :
أخرجه مسلم في التوبة من صحيحه ضمن سياق قصة كعب بن مالك وصاحبيه في التخلف عن غزوة تبوك الطويلة، وفيها قال كعب: ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوكا فقال وهو جالس في القوم بتبوك: ما فعل كعب بن مالك؟ قال رجل من بني سلمة: يا رسول الله حبسه برداه والنظر في عطفيه، فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلّا خيرا، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينما هو على ذلك رأى رجلا مبيضا يزول بالسراب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن أبا خيثمة، فإذا هو أبو خيثمة الأنصاري، وهو الذي تصدق بصاع التمر حين لمزه المنافقون.
أخرجها من حديث ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه، عن كعب بالقصة.
وقد أخرجها البخاري في صحيحه دون الشاهد هنا، واختصرها أيضا أبو داود، والترمذي، والنسائي.
ومن هذا الوجه أيضا عن ابن شهاب، - القصة بطولها مع الشاهد- أخرجها الحافظ عبد الرزاق في المصنف [5/ 397] رقم 9744، ومن طريقه الطبراني في معجمه الكبير [19/ 42] رقم 90، والبغوي في تفسيره [2/ 334] ، وابن جرير [11/ 59] .
ولها طرق أخرى:
2- فأخرجها الواقدي في مغازيه [3/ 996] من طريق رفاعة بن ثعلبة بن-(4/87)
.........
- أبي مالك، عن أبيه، عن جده، قال: جلست مع زيد بن ثابت فذكرنا غزوة تبوك ... القصة.
3- وأخرجها الطبراني في معجمه الكبير [6/ 37- 38] رقم 5419، من طريق يعقوب بن محمد الزهري- وهو ضعيف-: ثنا إبراهيم ابن عبد الله بن سعد بن خيثمة، ثنا أبي، عن أبيه، بنحو القصة الآتية.
4- وأخرجها ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام [2/ 520] ، ومن طريقه إبراهيم الحربي في الغريب- مادة: ضح- كما في تخريج الكشاف للحافظ ابن حجر [2/ 109] ، والبيهقي في الدلائل [5/ 223] من حديث ابن حزم وفيه: أن أبا خيثمة أخا بني سالم رجع بعد مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما إلى أهله في يوم حار، فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائط قد رشت كل واحدة منهما عريشها، وبردت له فيه ماء، وهيأت له فيه طعاما، فلما دخل قام على باب العريشين فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له فقال:
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضح والريح والحر، وأبو خيثمة في ظل بارد، وماء بارد، وطعام مهيأ وامرأة حسناء في ماله مقيم؟ ما هذا بالنصف، ثم قال:
لا، والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهيّئا لي زادا، ففعلتا، ثم قدم ناضحه فارتحله، ثم خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدركه بتبوك حين نزلها، وقد كان أدرك أبا خيثمة: عمير بن وهب الجمجمي في الطريق يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فترافقا حتى إذا دنوا من تبوك قال أبو خيثمة لعمير: إن لي ذنبا فلا عليك أن تخلف عني حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففعل فسار حتى إذا دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بتبوك قال الناس: هذا راكب على الطريق مقبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن أبا خيثمة ... الحديث.
وأخرجها البيهقي من وجه آخر [5/ 224- 226] عن عروة بن الزبير، -(4/88)
.........
- وموسى بن عقبة وفيها: قوله صلى الله عليه وسلم: فأتاه أبو خيثمة وهو يبكي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما خلفك أبا خيثمة أولى لك؟ قال: كدت يا نبي الله أن أهلك بتخلفي عنك، تزينت لي الدنيا وتزين لي مالي في عيني وكدت أن أختاره على الجهاد فعزم الله عليّ بالخروج، فاستغفر له ودعا له بالبركة.. الحديث، وذكر في آخره مضمضة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاه من تلك البئر، ثم بصقه فيه ففارت عنها حتى امتلأت فهي كذلك حتى الساعة.
وفي الباب عن عبد الله بن مسعود، فأخرج ابن إسحاق في السيرة [2/ 524] ، ومن طريقه الحاكم في المستدرك [3/ 50] ، والبيهقي في الدلائل [5/ 221] ، قال ابن إسحاق: حدثني بريدة بن سفيان، عن محمد بن كعب القرظي، عن عبد الله بن مسعود، قال: لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك جعل لا يزال يتخلف الرجل، فيقولون:
يا رسول الله تخلف فلان، فيقول: دعوه إن يك فيه خير فسيلحقه الله تعالى بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله تعالى منه، حتى قيل: يا رسول الله تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره، فتلوم أبو ذر بعيره فأبطأ عليه، فلما أبطأ عليه، أخذ متاعه فجعله على ظهره، ثم خرج يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض منازله، فنظر ناظر من المسلمين، فقال:
يا رسول الله هذا رجل يمشي على الطريق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
كن أبا ذر، فلما تأمله القوم، قالوا: يا رسول الله هو والله أبو ذر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده.
وسار أبو ذر إلى الربذة، فلما حضره الموت، أوصى امرأته وغلامه: إذا مت فاغسلاني وكفناني، ثم احملاني فضعاني على قارعة الطريق، فأول ركب يمرون بكم، فقولوا: هذا أبو ذر، فلما مات فعلوا به ذلك، -(4/89)
.........
- فاطلع ركب، فما علموا به حتى كادت ركابهم تطأ سريره فإذا ابن مسعود في رهط من أهل الكوفة فقال: ما هذا؟ فقيل: جنازة أبي ذر، فاستهل ابن مسعود يبكي، وقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يرحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده، ثم نزل فوليه بنفسه حتى أجنه، فلما قدموا المدينة ذكر لعثمان قول ابن مسعود وما ولي منه.
قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي: فيه إرسال.
قلت: فيه بريدة بن سفيان ضعفه الجمهور، وهو شاهد لما قبله.(4/90)
[جامع أبواب شرف النّبيّ صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم]
جامع أبواب شرف النّبيّ صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم(4/91)
[228- باب ما خصّ به النّبيّ صلى الله عليه وسلم من الشّرف في القرآن- 1-]
228- باب ما خصّ به النّبيّ صلى الله عليه وسلم من الشّرف في القرآن- 1- 1346- ذكر الله تبارك وتعالى في كتابه قصة آدم فقال: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى، وذكر الفعل فقال: فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما، ثم ذكر توبته.
وذكر نوحا فقال: فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (46) ، وذلك حين قال: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي الاية.
وذكر ذا النون فقال: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ الاية، إلى قوله: وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ، وقال:
وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ الاية، إلى قوله: فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ. لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ.
وعرّض بداود على لسان خصمين فقال: لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ.
(1346) - قوله: «وذكر الفعل» :
يريد أنه سبحانه نص على ما بدر منهم من الزلل، ونص على طلبهم المغفرة، ولم يبد سبحانه في حقه صلى الله عليه وسلم شيئا، بل نصّ على مغفرته له لما يتقدّم منه ويتأخّر، قال أبو نعيم في الدلائل [1/ 45- 46] : وهذا غاية الفضل والشرف، وانظر ما بعده.
قوله: «وكذلك نجي المؤمنين» :
كذا في الأصول وهي قراءة أبي بكر عن عاصم وابن عامر الشامي وقرأ الباقون: ننجي- بنونين-.(4/93)
وفي قصة موسى: فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ الاية.
فنص على ذنب الجميع.
ولما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ الاية، ذكر الغفران وترك الذنب مستورا، وزاده فبشّره بالفتح.
وقيل: إنه عنى: ذنب آدم الذي تقدم وذنب أمته الذي تأخر.
1347- روي أن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أخبرنا لأي شيء فرض الله جل جلاله على أمتك الصوم بالنهار ثلاثين يوما، وفرض على الأمم أكثر من ذلك؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن آدم لما أكل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوما، ففرض الله على ذريته الجوع والعطش ثلاثين يوما، والذي يأكلونه تفضل من الله عزّ وجلّ عليهم، وكذلك كان على آدم، ففرض الله تعالى ذلك على أمتي، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ الاية.
فقالوا: صدقت.
وفيه شرف آخر- 2 1348- وهو أنه في العتاب معه أقرع سمعه العفو أولا فقال: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ الاية، فقدم العفو على العتاب.
(1348) - قوله: «أقرع سمعه العفو أولا» :
قال القاضي عياض: حكى السمرقندي عن بعضهم في معنى هذه الاية:
عافاك الله يا سليم القلب لم أذنت لهم، قال: ولو بدأ النبيّ صلى الله عليه وسلم بقوله: -(4/94)
شرف آخر- 3 1349- قال: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ الاية، فأخّر بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم وقدمه في- لم أذنت لهم، لخيف عليه أن ينشق قلبه من هيبة هذا الكلام، لكن الله تعالى برحمته أخبره بالعفو، حتى يسكن قلبه، ثم قال: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ بالتخلف حتى يتبين لك الصادق في عذره من الكاذب؟! وفي هذا من عظيم منزلته عند الله ما لا يخفى على ذي لب.
قال: وقال أبو محمد المكي: هذا افتتاح كلام بمنزلة: أعزك الله، أصلحك الله.
قال القاضي عياض: يجب على المسلم أن يتأدب باداب القرآن في قوله وفعله ومعاطاته ومحاوراته، فهو عنصر المعارف الحقيقية، وروضة الاداب الدينية والدنيوية، وليتأمل هذه الملاطفة العجيبة في السؤال من رب الأرباب، وكيف ابتدأ بالإكرام قبل العتب، وآنس بالعفو قبل ذكر الذنب إن كان ثم ذنب.
قال نفطويه: ذهب ناس إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم معاتب بهذه الاية وحاشاه من ذلك، بل كان مخيرا، فلما أذن لهم أعلمه الله تعالى أنه لو لم يأذن لهم لقعدوا لنفاقهم، وأنه لا حرج عليه في الإذن لهم.
(1349) - قوله: «فأخّر بعثة رسول صلى الله عليه وسلم» :
تقدم حديث ميسرة الفجر: كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف [11/ 495، 13/ 230] ، وابن جرير في تفسيره [21/ 72] ، بإسناد صحيح عن قتادة في هذه الاية، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرأ: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ الاية، قال: بدء بي في الخير، وكنت آخرهم في البعث، وقد خرجناه في أول الكتاب مسندا من حديث سعيد بن بشير، عن قتادة، عن الحسن عن أبي هريرة بلفظ: -(4/95)
الذكر عليهم، وذكر النبيين، واختار منهم خمسة، وفضلهم على الجميع، فجعل الله رسوله صلى الله عليه وسلم واحدا منهم وقدّمه عليهم.
فلما ذكر الغلظة في الميثاق خفف عنه صلى الله عليه وسلم، وقال في حقهم:
وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً.
شرف آخر- 4 1350- خاطب الله عزّ وجلّ كل نبي باسمه فقال: يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ الاية، وقال: يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا الاية، وقال: يا إِبْراهِيمُ
- كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث، زاد بعضهم في هذا الحديث: فبدئ بي قبلهم- يعني هذه الاية-.
وأخرج البزار في مسنده [3/ 114 كشف الأستار] رقم 2368، من حديث أبي حازم، عن أبي هريرة قال: خيار ولد آدم خمسة: نوح، وإبراهيم، وعيسى، وموسى، ومحمد صلى الله عليهم وسلم، وخيرهم محمّد صلى الله عليه وسلم، وأخرجه الحاكم في المستدرك [2/ 546] بلفظ: سيد الأنبياء خمسة، ومحمّد صلى الله عليه وسلم سيد الخمسة ... الحديث.
قال الحاكم: صحيح الإسناد وإن كان موقوفا، وأقره الذهبي في التلخيص.
قوله: «وقدمه في الذكر عليهم» :
وكذلك في قوله تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ الاية.
(1350) - قوله: «خاطب الله عزّ وجلّ كل نبي باسمه» :
ذكر هذا الشرف: الحافظ الحليمي رحمه الله- وهو من طبقة المصنف- في المنهاج [2/ 116] ، ومن بعده وبعد المصنف: كأبي نعيم في الدلائل [1/ 40- 41] ، والبيهقي في الشعب [2/ 181] .(4/96)
أَعْرِضْ عَنْ هذا الاية، وقال: يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ الاية، وقال: يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ الاية، وقال: يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ الاية، وقال: يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا الاية، وقال: يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ الاية، وقال: يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي الاية، وقال: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا الاية، وقال: يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ الاية، وقال: يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ الاية.
فلما ذكر سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم ذكره باسم التفخيم مشوبا بمننه قوله: «ذكره باسم التفخيم» :
قال الحافظ أبو نعيم في الدلائل: من فضائله صلى الله عليه وسلم: إخبار الله عزّ وجلّ عن إجلال قدر نبيّه صلى الله عليه وسلم، وتبجيله وتعظيمه، وذلك أنه ما خاطبه في كتابه، ولا أخبر عنه إلّا بالكناية التي هي النبوة والرسالة التي لا أجل منها فخرا، ولا أعظم خطرا، وخاطب غيره من الأنبياء وقومهم وأخبر عنهم بأسمائهم ولم يذكرهم بالكناية التي هي غاية المرتبة، إلّا أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم في جملتهم بمشاركته معهم في الخطاب والخبر، فأما في حال الانفراد فما ذكرهم إلّا بأسمائهم.
والكناية عن الاسم غاية التعظيم للمخاطب المجلل والمدعو العظيم، لأن من بلغ به غاية التعظيم كنّي عن اسمه، إن كان ملكا قيل له: يا أيها الملك، وإن كان أميرا قيل له: يا أيها الأمير، وإن كان خليفة قيل: يا أيها الخليفة، وإن كان ديّانا قيل: يا أيها الحبر، أيها القس، أيها العالم، أيها الفقيه، ففضل الله عزّ وجلّ نبيّه صلى الله عليه وسلم، وبلغ به غاية الرتبة وأعالي الرفعة.
قال: وكل موضع ذكر فيه محمّدا صلى الله عليه وسلم باسمه أضاف إليه ذكر الرسالة فقال عزّ وجلّ: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، وقال: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وقال: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ، -(4/97)
فقال: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً: شاهدا على الكل، مبشرا لمن آمن بك بالجنة، ونذيرا لمن تولى عنك بالنار.
وقال: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الاية، وقال:
يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ الاية.
شرف آخر- 5 1351- أمر الله المؤمنين بغض الأصوات فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ الاية، وتوعد على رفع الصوت فوق صوته بإحباط العمل، توقيرا وتعظيما لمحله وإجلالا لأمره، ونبّههم على عظم الخطيئة.
- وقال: وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ، فسماه، ليعلم من جحده أن أمره وكتابه هو الحق، ولأنهم لم يعرفوه إلّا بمحمد، ولو لم يسمه لم يعلم اسمه من الكتاب، وكذلك سائر الأنبياء لو لم يسموا في الكتاب ما عرفت أساميهم، كتسمية الله له محمدا، وذلك كله زيادة في جلالته ونبالته ونباهته وشرفه، لأن اسمه مشتق من اسم الله، كما مدحه عمه فقال:
وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد
ثم جمع في الذكر بين اسم خليله ونبيه، فسمى خليله باسمه، وكنى حبيبه بالنبوة فقال: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ، فكناه إجلالا ورفعة لفضل رتبته ونباهته عنده.
قوله: «مشوبا بمننه» :
كذا في نسخة، وفي أخرى: مشوبا بالتعظيم.(4/98)
1352- فكان أبو بكر رضي الله عنه يقول: لا أناجيك إلّا سرا- أو كما قال-.
1353- وكان من شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته أن من دعاه بصوت جهوري يجيبه بمثله كي لا يأثم داعيه.
شرف آخر- 6 1354- وهو أن الله تعالى ذكره حرّم على أمته أن ينادوه باسمه كدعاء بعضهم بعضا، قال عزّ وجلّ: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ
(1352) - قوله: «فكان أبو بكر رضي الله عنه يقول» :
أخرجه عبد بن حميد في مسنده- كما في الدر المنثور [7/ 548] ، والبيهقي في المدخل برقم 653، وفي الشعب [2/ رقم 1521] ، من حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة، وصححه الحاكم في المستدرك [2/ 462] ، وأقره الذهبي في التلخيص.
وأخرجه البزار في مسنده [3/ 69 كشف الأستار] رقم 2257، وابن عدي في الكامل [2/ 803] ، وابن مردويه- كما في الدر المنثور [7/ 548]-، من حديث طارق، عن أبي بكر، وصححه الحاكم في المستدرك [3/ 74] ، وتعقبه الذهبي بأن حصين بن عمر الأحمسي واه، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد [7/ 108] : متروك، قال: وبقية رجاله رجال الصحيح.
(1353) - قوله: «وكان من شفقته صلى الله عليه وسلم» :
لم أجده هكذا، لكن قصة ثابت بن قيس- وكان صيتا- في الصحيحين، وفيها أنه صلى الله عليه وسلم افتقده فسأل عنه فأخبر أنه في بيته حزين، يخشى أن تكون الاية نزلت فيه، وأن عمله قد حبط وأنه من أهل النار، فبشره صلى الله عليه وسلم بأنه من أهل الجنة، أخرجها البخاري في المناقب، وفي التفسير، ومسلم في الإيمان.(4/99)
كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً الاية، ولم يكن هذا لنبي قبله، بل حكى عنهم مخاطبات أنبيائهم: قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا الاية، وقالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ الاية، وقالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا الاية، ولم يزجرهم عن ذلك.
فلما ذكر سبحانه وتعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) .
1355- روى أبو سلمة بن عبد الرحمن: أن الأقرع بن حابس نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات، فسكت عنه رسول صلى الله عليه وسلم، فقال له الأقرع: إن مدحي زين وإن ذمي شين، فقال عليه الصلاة والسلام:
كذبت، ذلكم الله سبحانه.
وفيه لطيفة: وهو أن الله جلت عظمته لم يصرح بما ناداه به، بل عرض له كرامة له أن يسمع ما يكرهه، وكذلك في قوله: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) ، لم يصرح بما شانه، وكذلك في قوله: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ.
(1355) - قوله: «روى أبو سلمة» :
أخرجه الإمام أحمد في مسنده [3/ 488، 6/ 493- 494، 494] ، والطبراني في معجمه الكبير [1/ 277] رقم 878، وابن جرير في تفسيره [26/ 122] ..
قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد [7/ 108] : أحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح إن كان أبو سلمة سمع من الأقرع، وإلا فهو مرسل كإسناد أحمد الاخر. اهـ. -(4/100)
شرف آخر- 7 1356- أسماء الله تعالى على نوعين: أحدهما: لا يجوز أن يسمى بها مخلوقا، والثاني: جائز أن يسمى بها مخلوقا، فما جاز مدح به بعض أنبيائه، وقد يرد على صفة واحدة، كقوله في مدح نوح عليه السّلام: إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً، ومدح نفسه فقال: إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.
وكذلك إبراهيم: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ، ومدح نفسه فقال:
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ.
وقال في موسى عليه السّلام: وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ الاية، ومدح نفسه فقال: فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ الاية.
فلما مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع له بين الوصفين فقال: حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ الاية، كما مدح نفسه فقال: إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ الاية.
شرف آخر- 8 1357- وهو أن الله تبارك وتعالى تولى الرد على المشركين فيما عابوا عليه، بقولهم: وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) ، فرد- قلت: وقع عند ابن جرير، التصريح بالتحديث من أبي سلمة، وعليه فهو متصل، لذلك صححه السيوطي في الدر المنثور.
(1357) - قوله: «تولى الرد على المشركين» :
قال أبو نعيم في الدلائل [1/ 44] : ومن فضائله صلى الله عليه وسلم: أن من تقدمه من الأنبياء عليهم السلام كانوا يدفعون ويردون عن أنفسهم ما قرفهم به مكذبوهم من-(4/101)
عليهم فقال: بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37) .
وكذلك في قوله: أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) ، فرد عليهم فقال: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) .
وكذلك في قوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ الاية، فرد عليه فقال: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ الآية، ثم قال: لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ تخصيصا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان كل نبي إذا قوبل بما يكره يتولى الجواب بنفسه، كما ذكر لنوح عليه السّلام في قوله: قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (60) ، قال نوح: قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (61) .
وكذلك في قصة هود قال له قومه: إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ، فأجاب عن نفسه فقال: يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ.
وكذلك في قصة موسى عليه السّلام قال له فرعون: إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً الاية، فرد عن نفسه فقال: لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ الاية.
ولما عيّروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنون ردّ الله تعالى الجواب عنه صلى الله عليه وسلم، فقال عزّ وجلّ: وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) الاية.
- السفه والضلال والكذب، وتولى الله ذلك عن رسوله فنزهه عما نسبوه إليه تشريفا وتعظيما.(4/102)
شرف آخر- 9 1358- ذكر الله عز اسمه فضله على الأنبياء ولم يقيّده بالتعظيم والتفخيم فقال حاكيا عن يوسف عليه السّلام: ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ الاية.
وحكى عن سليمان عليه السّلام قوله عزّ وجلّ: هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ الاية.
وفي قصة داود عليه السّلام قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا الاية.
فلما جاء إلى صنيعه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً الاية.
وقال تعالى: إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً الاية.
فوصف الفضل مع محمّد صلى الله عليه وسلم بالكبير والعظيم إجلالا وتعظيما.
شرف آخر- 10 1359- وهو أن الأنبياء عليهم السّلام أرسلهم سبحانه وتعالى إلى طائفة وأمة فقال: إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ الاية، وقال: وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً الاية، وقال: وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً الاية، وقال: وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً الاية، وقال: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (96) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ.
(1358) - قوله: «فوصف الفضل مع محمد بالكبير والعظيم» :
قال القاضي عياض في الشفاء: حارت العقول في تقدير فضله عليه، وخرست الألسن دون وصف يحيط بذلك أو ينتهي إليه.(4/103)
فلما أرسل محمّدا صلى الله عليه وسلم أرسله إلى الناس كافة أجمعين، فقال:
وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ الاية، وقال: لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً الاية، وقال: نَذِيراً لِلْبَشَرِ (36) الاية، وقال: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (107) .
1360- وقال صلى الله عليه وسلم: بعثت إلى الخلق كافة.
1361- وقال صلى الله عليه وسلم: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: أرسلت إلى الناس كافة، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، ونصرت بالرعب- يخاف العدو مني على مسير شهر-، وأحلت لي الغنائم، وأعطيت الشفاعة يوم القيامة.
شرف آخر- 11 1362- وهو أنه صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى الجن والإنس لقوله تعالى:
وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ الاية، وقال تعالى ذكره:
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ الاية.
1363- وقال صلى الله عليه وسلم: بعثت إلى الأحمر والأسود- يعني الجن والإنس-.
(1360) - قوله: «بعثت إلى الخلق كافة» :
هو طرف من الذي بعده.
(1361) - قوله: «أعطيت خمسا» :
أسنده المصنف في باب تفضيله على الأنبياء، وخرّجناه هناك.
(1363) - قوله: «بعثت إلى الأحمر والأسود» :
هو من ألفاظ الحديث المشار إليه في التعليق قبله.(4/104)
وفيه دليل: على أن الإنس أفضل من الجن لأنه سبحانه قال: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ الاية، فلم يأمره بالمصير إليهم كما أمره بالمصير إلى الإنس، كقوله تعالى: وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا الاية.
شرف آخر- 12 1364- وهو أن الله تعالى ذكره جعله أولى بالمؤمنين من أنفسهم فقال: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ الاية.
وفي قراءة أبيّ: وهو أب لهم الاية.
(1364) - قوله: «وفي قراءة أبي» :
أخرج الحافظ عبد الرزاق في المصنف [10/ 181] رقم 18748، - وهو في التفسير له [2 ق 2/ 112]- والبيهقي في الكبرى [7/ 69] ، وسعيد بن منصور، وابن راهويه، وابن المنذر- كما في الدر المنثور [6/ 567]-، من حديث ابن جريج، عن عمرو بن دينار قال: سمعت بجالة التميمي قال: مر عمر بغلام وهو يقرأ: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وهو أب لهم، فقال عمر: احككها يا غلام، قال: والله لا أحكها، أقرأنيها أبي، فأرسل إلى أبي بن كعب فجاءه، قال: فرفع صوته عليه، فقال أبي: كان يشغلني القرآن، إذ كان يشغلك الصفق بالأسواق، قال: فسكت عمر. إسناده على شرط البخاري.
وله شاهد ضعيف، فأخرج الحاكم في المستدرك [2/ 415] ، ومن طريقه البيهقي في الكبرى [7/ 69] ، وابن مردويه، والفريابي- كما في الدر المنثور [6/ 567]-، من حديث طلحة بن عمرو- وهو ضعيف- عن عطاء، عن ابن عباس: أنه كان يقرأها كذلك.
وأخرج ابن جرير في تفسيره [21/ 122] ، وابن أبي حاتم [9/ 3115] رقم-(4/105)
شرف آخر- 13 1365- وهو في قوله عزّ وجلّ: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى الاية، افترض مودة أقربائه له، وذكر نوحا فقال: إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ الاية، وكذلك قال عن هود، وصالح.
شرف آخر- 14 1366- وهو أنه تعالى ذكره شهد لنبيه بالإيمان، وقدّمه على سائر الخلق فقال: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ الاية.
شرف آخر- 15 1367- وهو أنه سبحانه جعل اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم علما لمحبته عزّ وجلّ فقال: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ الاية، ثم جعل الشريعة- 17588، والفريابي، وابن أبي شيبة، وابن المنذر- كما في الدر المنثور- عن مجاهد أنه كان يقرأها كذلك.
وأخرج ابن أبي حاتم [9/ 3115] رقم 17589، عن عكرمة، قوله: كان في الحرف الأول: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وهو أب لهم.
وأخرج ابن جرير [21/ 122] عن الحسن قوله نحو قول عكرمة.
وأخرج عبد الرزاق في التفسير [2- ق 2/ 112] عن معمر قوله: وفي حرف أبي: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وهو أب لهم وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ.
(1366) - قوله: «وقدمه على سائر الخلق» :
انظر الشرف المتقدم برقم 3.(4/106)
منوطة بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا الاية.
شرف آخر- 16 1368- وهو أنه سبحانه ردهم عند الإختلاف إليه وإلى رسوله كما ذكر ندبا، فقال: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ الاية، ثم قال: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ الاية.
شرف آخر- 17 1369- وهو أنه أوحي إليه كما أوحي إلى سائر الأنبياء، ثم جعل الله له مزية بإرسال الرسول إلى قلبه، لأن القلب لا يخطئ، والسمع قد يخطئ ويصيب، قال تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ الاية.
ثم خصّه فقال: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ الاية، وقال: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ الاية.
شرف آخر- 18 1370- وهو أنه سبحانه جعل التزكية إليه في الاخرة كما جعلها في الدنيا فقال: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها الاية.
وقال: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (41) الاية.(4/107)
شرف آخر- 19 1371- وهو أنه سبحانه أمره باللّين وحفظه في الوسط، وأمر موسى وهارون فرد الحفظ إليهما فلم ينفع فرعون، وذلك حين قال:
فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً الاية.
ثم قال لرسوله: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ الاية.
شرف آخر- 20 1372- وهو أنه سبحانه ضمن عصمته من الناس فقال: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، فأقبل صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقال: تفرقوا فإن الله ضمن عصمتي.
شرف آخر- 21 1373- وهو أنه عزّ وجلّ أعطى رسوله صلى الله عليه وسلم قبل المسألة، وأعطى الرسل بعد المسألة، فحكى سبحانه سؤال إبراهيم عليه السّلام أنه قال: وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) الاية.
وحكم له عزّ وجلّ ولأمته فقال: يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الاية.
وحكى سبحانه عن موسى عليه السّلام أنه قال: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي. وَيَسِّرْ
(1372) - قوله: «فأقبل صلى الله عليه وسلم على أصحابه» :
خرّجناه في أول الكتاب، باب عصمة الله نبيّه صلى الله عليه وسلم.(4/108)
لِي أَمْرِي الاية.
وقال عزّ وجلّ في حق نبيه: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ الاية.
شرف آخر- 22 1374- وهو أن الله تعالى ذكره قال: يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) الاية، يعني: مثلا في الفضل أو عدلا في اسمه، ولم يقل ولم نجعل له من بعد، فقيل:
عبّر بالقبل دون البعد لما علم أنه يبعث بعد محمّد صلى الله عليه وسلم وهو أفضل البرية.
شرف آخر- 23 1375- وهو أنه سبحانه ذكر القسم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقول من نفسه شيئا؛ في قوله تعالى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (1) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (2) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) .
ولم يبرئ غيره، كما قال: يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ
(1375) - قوله: «ولم يبرئ غيره» :
قال القاضي عياض رحمه الله في الشفاء معلقا على هذه الايات: اشتملت هذه الايات على إعلام الله تعالى بتزكية جملته صلى الله عليه وسلم وعصمتها من الافات، فزكى فؤاده ولسانه وجوارحه، فأقسم تعالى بما أقسم به من عظيم قسمه على تنزيه المصطفى مما غمزته الكفرة به وتكذيبهم له، فأقسم عزّ وجلّ على هداية المصطفى، وتنزيهه عن الهوى، وصدقه فيما تلا، وأنه وحي يوحى أوصله إليه عن الله جبريل، وهو الشديد القوي، ثم أخبر تعالى عن فضيلته بقصة الإسراء. اهـ. بتصرف يسير.(4/109)
فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ الاية، وخاف إبراهيم على نفسه فقال: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ، قيل: يعني أن أعمل بهوى نفسي.
شرف آخر- 24 1376- وهو أن الله سبحانه وتعالى جعل الأنبياء عليهم السّلام كالتبع له حيث قال: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ الاية، ثم قال: لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ الاية، وكقول عيسى لقومه: يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ الاية.
(1376) - قوله: «جعل الأنبياء عليهم السّلام كالتبع له» :
استشهد المصنف لذلك بقوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ الاية، لما ورد في تفسيرها، فأخرج ابن جرير في تفسيره [3/ 332] من حديث أبي روق، عن أبي أيوب عن علي بن أبي طالب في هذه الاية قال: لم يبعث الله عزّ وجلّ نبيّا، آدم فمن بعده، إلّا أخذ عليه العهد في محمد لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، ويأمره فيأخذ العهد على قومه.
وأخرج ابن جرير أيضا [3/ 332] ، وابن أبي حاتم في تفسيره [2/ 694] رقم 3761 عن السدي نحوه.
وأخرج ابن جرير في تفسيره [3/ 332] من حديث ابن عباس في هذه الاية، قال: ثم ذكر ما أخذ عليهم- يعني على أهل الكتاب- وعلى أنبيائهم من الميثاق بتصديقه، يعني: بتصديق محمّد صلى الله عليه وسلم إذا جاءهم وإقرارهم به على أنفسهم. -(4/110)
شرف آخر- 25 1377- وهو أن الأسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم مطلقة عامة، قال تعالى:
لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ الاية، وقال: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا الاية.
شرف آخر- 26 1378- وهو أن الله تعالى ذكره لما ذكر عاص بن وائل السهمي رسوله صلى الله عليه وسلم- فقال عنه: أنه أبتر، وأنه إذا مات ذهب ذكره-، ردّ ذلك أوّلا، ولم يذكر ما عابه به؛ لكي لا يسمع رسوله صلى الله عليه وسلم ما يكره ثانيا.
- وأخرج أيضا عن قتادة في هذه الاية قوله: هذا ميثاق أخذه الله على النبيين أن يصدق بعضهم بعضا، وأن يبلغوا كتاب الله ورسالاته، فبلغت الأنبياء كتاب الله ورسالاته إلى قومهم، وأخذ عليهم فيما بلغتهم رسلهم أن يؤمنوا بمحمّد صلى الله عليه وسلم ويصدّقوه وينصروه.
وأخرج أيضا عن الربيع قوله: هم أهل الكتاب، يقول: لتؤمنن بمحمد ولتنصرنه.
(1377) - قوله: «مطلقة عامة» :
ذكر المصنف قوله تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا الاية، لإخراج ما خص به صلى الله عليه وسلم من ذلك الإطلاق والعموم الذي أشار إليه.
(1378) - قوله: «فقال عنه أنه أبتر» :
وذلك لما تأخر وأبطأ عليه الولد من السيدة خديجة رضي الله عنها، وقيل:
عابه لما توفي القاسم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إبراهيم ولده صلى الله عليه وسلم من مارية القبطية، روي ذلك من طرق عن ابن عباس، وأبي أيوب، والسدي، ومحمد بن علي، أخرج أحاديثهم: ابن سعد في الطبقات [1/ 133] ، -(4/111)
فقال: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) ، يعني: هو المنقطع ذكره.
وأما أنت يا محمد فرفعنا لك ذكرك فتذكر حين أذكر.
وقال: أنت ذكر، فحيث ذكرت ذكرت، قال تعالى: ذِكْراً (10) رَسُولًا الاية.
شرف آخر- 27 1379- وهو أنه سبحانه جعله أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فقال:
النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ الاية، إكراما له.
- والطبراني في معجمه الكبير [4/ 214] رقم 4071، وابن أبي حاتم في تفسيره [10/ 3470] ، وابن جرير كذلك [30/ 328- 329] ، وابن عساكر في تاريخه [3/ 125، 126، 128] .
وقيل: نزلت في عقبة بن أبي معيط حين عاب النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لا يبقى له ولد، أخرج حديثه ابن جرير في تفسيره [30/ 329] من حديث حفص بن حميد، عن شمر بن عطية به مرسل.
وقيل: نزلت في كعب بن الأشرف لما قدم مكة وشكى إليه أهلها من قريش ما يرونه من النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنتم خير منه، فنزلت، أخرجه البزار في مسنده [3/ 83 كشف الأستار] رقم 2293، وابن جرير في تفسيره [30/ 329- 330] ، من حديث ابن عباس.
قوله: «فتذكر حين أذكر» :
انظر الشرف الاتي برقم 57.
(1379) - قوله: «إكراما له» :
زاد القاضي عياض رحمه الله: وخصوصية، لأنهن له أزواج في الجنة، فهن في الحرمة كالأمهات، حرم نكاحهن عليهم بعده. -(4/112)
فإن قيل: على هذا فلم لم يجعل بناته أخوات للمؤمنين لأنهن بنات الزوجات وهن أمهاتهم؟ فالجواب: أن ذلك على وجه الكرامة، والإنسان يلحقه غضاضة أن تخطب امرأته التي كانت في حباله لاخر، ويلحقه غضاضة أن لا تخطب بناته، فالمعنى الذي أوجب أن لا تخطب النساء: أوجب أن تخطب البنات.
شرف آخر- 28 1380- وهو أنه سبحانه علّم رسوله صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لنفسه وللمؤمنين فقال: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ الاية، ثم لابد أن يجيبه، وإلا ما كان للأمر من فائدة.
ولم يكن هذا للأنبياء عليهم السّلام، لأن نوحا عليه السّلام سأل في ابنه الهدى، - قال: وقال أهل التفسير في معنى قوله تعالى: أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ الاية، أي: ما أنفذه فيهم من أمر فهو ماض عليهم كما يمضي حكم السيد على عبده، وقيل: اتباع أمره أولى من اتباع رأي النفس. اهـ.
قلت: وهذا الثاني مبين في قوله تعالى: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ الاية.
(1380) - قوله: «فلم يجبهما» :
ليست في الأصول، والسياق يقتضي إثباتها.
قال أبو عاصم: كان الأولى- والله أعلم- أن يقال: إن الله علّم رسوله أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات ثم أمره بذلك لإعلامه إياه بأنه سيستجيب له، فأما نوح عليه السّلام فقد ألهم ذلك بلا تعلم، واستغفر بلا أمر منه سبحانه كما قال تعالى حاكيا عنه: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ الاية، وعلى هذا فاستجابة الله له وإن كانت واردة ومحتملة إلّا أنها ليست حتمية فظهر الفرق، فأما استشهاد المصنف-(4/113)
وسأل إبراهيم عليه السّلام في أبيه فلم يجبهما لأنه لم يكن بالتعليم.
وكذلك في قوله تعالى: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (80) الاية، وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً، وأمثال ذلك.
شرف آخر- 29 1381- وهو أنه سبحانه جعله محفوظا وكلامه موزونا حين قال أبو بكر رضي الله عنه في الغار: لو نظر أحدهم إلى قدمه لرآنا فقال: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا الاية، والقصة أنه لما خرجا متوجهين إلى الغار جعل أبو بكر طورا يمشي خلفه، وطورا عن يمينه، وطورا عن شماله، فقال:
ما هذا من فعالك يا أبا بكر؟! فقال: يا رسول الله أذكر الرصد فأحب أن- رحمه الله بالايتين المتعلقتين بنوح وإبراهيم عليهم السّلام ففيه نظر، لكونه ليس في محله، ففي حالتيهما كان الأمر يتعلق برحمة في قلبيهما، لحقتهما رحمة الوالد بولده والولد بأبيه، فاجتهدا من غير وحي، وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الحال، لكنه صلى الله عليه وسلم فارقهما بخلقه العظيم مع ربه حين أرجأ الأمر إلى مولاه تأدبا وتواضعا فقال: لأستغفرن ما لم أنه، وقال صلى الله عليه وسلم: استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، وعدم الإذن موجه من قبل أهل العلم أنهم من أهل الفترة، ومعلوم أن أهل الفترة لهم موقف يوم القيامة يمتحنون فيه فتأمل حال نبينا صلى الله عليه وسلم مع ربه وحال إخوانه من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين مع ربهم، وحال المستغفر لهم يظهر لك الفرق جليا، وشرفه صلى الله عليه وسلم وفضله فيه عليّا.
(1381) - قوله: «ما هذا من فعالك يا أبا بكر؟!» :
قصة الهجرة والمسير إلى المدينة تقدمت مسندة عن المصنف بطولها في-(4/114)