وكان أميراً عظيم القدر شجاعاً، مقداماً، شديد البأس، شهماً، ذا نعمة كبيرة، وسعادة، وحشم، وخدم. وفيه يقول الأديب بهاء الدين أبو الحسن علي بن أبي سواد الحلبي من أبيات:
بهرت مضاربك المعول بعزمة ... شكرت مواقعها بكل لسان
إن الشجاعة والبسالة والسخا ... جمعت بحمد الله في بلبان
شيخ كرك نوح
بلبان الرافضي، شيخ كرك نوح بالبلاد الشامية، واسمه، محمد، وغلب عليه بلبان. قتلته عامة دمشق مع ولده محمد الحرماني في يوم الجمعة ثالث ذي القعدة سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة بدمشق بعد القبض على نائبها الأمير إينال اجلكمي. وكان من خبره أنه دخل إلى دمشق بمجموعة من العشيرة نصرة لأستاذه الأمير برسباي حاجب حجاب دمشق وعونة للعساكر السلطانية؛ فلم يصل حتى انقضت الوقعة؛ فدخل دمشق في خدمة نائبها الأمير آقبغا التمرازي المتولي بعد(3/423)
إينال المذكور حتى أوصله إلى دار السعادة. وتفرق الأمراء وغيرهم إلى منازلهم، وعاد بلبان هذا أيضاً. إلى محل إقامته، وفي خدمته أعوانه وحواشيه إلى أن وصل إلى المصلى، والعامة قد ملأت الطرقات؛ فصاح به ويمن معه من العشير جماعة من عامة دمشق قائلين: أبا بكر أبا بكر، يكررون ذلك مراراً، يريدون نكاية بلبان المذكور وجماعة.
كل ذلك وبلبان لم يلتفت إلى مقالتهم وكثر ذلك من العامة وأمعنوا، فأخذ عند ذلك بعض العشير يضرب واحداً من العامة؛ فوثبوا به وألقوه عن فرسه؛ ليقتلوه، فاجتمع أصحابه ليخلصوه من العامة، وقاتلوهم؛ فبادروا العامة، وذبحوا ذلك الرجل، وتناولوا الحجارة يرمون بها بلبان وقومه إلى أن ألقوه عن فرسه وذبحوه ثم ذبحوا ابنه محمد المذكور وجماعة كبيرة من أعوانه، وكان معه نحو خمسمائة فارس، فقتل بلبان المذكور من غير أمر يوجب قتله، وأراح الله العباد منه، غلا أسفاً عليه، وذهابه إلى سقر؛ فإنه كان رافضياً خبيثاً، إلا أنه كان له مكارم وأفضال من مال واسع.
وأغرب من هذا ما حكى لي يعض مماليك صهري الأمير آقبغا التمرازي(3/424)
المذكور: أن أستاذ بلبان الأمير برسباي حاجب دمشق أقام مدة بدمشق يخاف أن يظهر بشوارع دمشق؛ خوفاً من العامة. هذا، مع عدم قيامه بطلب دم بلبان المذكور، وعدم النصرة له. انتهى.(3/425)
باب الباء والهاء
ابن بيجار
بهادر بن بيجار، الأمير بهاء الدين بن الأمير حسام الدين.
وهو كان السبب لقدوم أبيه من بلاد التتار إلى الديار المصرية.
كان الأمير بهادر من أعيان الأمراء وأكابرها، وكان موصوفاً بالشجاعة والإقدام.
توفى سنة ثمانين وستمائة صحبة الجيش - وهو في عشر السبعين ووالده حي، قد كف بصره - رحمه الله تعالى.
الخوارزمي
بهادر بن عبد الله الخوارزمي، الأمير سيف الدين.(3/427)
وهو أول من ولى العراق لهولاكو. وكان على ظلمه له ميل إلى الإسلام، وعلم أولاده القرآن، وكان ربما يصلي بالعربي. وكان فيه دهاء ومكر. قتلته التتار لأمور نقموها منه سنة إحدى وستين وستمائة.
صاحب سميساط
بهادر بن عبد الله، الأمير شمس الدين، صاحب سميساط وابن صاحبها.
قدم إلى دمشق مهاجراً قبل موته بثلاث سنين؛ فأعطاه الملك الظاهر بيبرس إمرة، وأكرمه إلى أن مات كهلاً في سنة ست وسبعين وستمائة.
آص
بهادر بن عبد الله، الأمير الكبير سيف الدين، المعروف بآص.
أحد أمراء دمشق.(3/428)
قلت: وتسميه هو - لا - بالأمير الكبير على خلاف قاعدة زماننا هذا؛ فإنه كان أولاً كل قديم هجرة في الإمرة والشيخوخة يسمى بالأمير الكبير، وأما زماننا هذا، فأول من تسمى فيه بالأمير الكبير أتابك العساكر الأمير شيخو صاحب الخانقاة والجامع بخط صليبة جامع أحمد بن طولون إلى يومنا هذا. انتهى.
كان الأمير بهادر هذا أصله من المماليك المنصورية قلاوون، وكان هو القائم بأمر السلطان الملك الناصر محمد لما كان بالكرك كانت تجيء رسله إليه في الباطن؛ وتنزل عنده.
وكان هو الذي يفرق الكتب، ويأخذ أجوبتها، ويحلف الناس له في الباطن إلى أن استثبت له الأمر.
وكان ذا رخت عظيم، وعدة كاملة، وسلاح هائل.(3/429)
وتولى نيابة صفد مدة، ثم عزل، وعاد إلى إمرته بدمشق - كما كان أولاً - إلى أن تجرد مع الأمير تنكز نائب الشام إلى ملطية، أشار على تنكز بشيء؛ فخالفه تنكز، فقال بهادر آص المذكور: كما نحن في الصبينة؛ فحقدها تنكز عليه، وكتب إلى السلطان بذلك؛ فقبض عليه، وأقام في الاعتقال نحو السنتين، ثم أفرج عنه، وأعيد إلى مكانه إلى أن مات في سنة ثلاثين وسبعمائة. وآص طائفة من التتار.
المعزي
بهادر بن عبد الله المعزي، الأمير سيف الدين.
كان من أعيان الأمراء في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون، ثم قبض عليه الناصر، وحبسه مدة طويلة إلى أن أخرجه من الحبس في سنة ثلاثين وسبعمائة، ثم أقبل عليه إقبالاً زائداً.
وكان يسميه الحاج بهادر، وجعله أمير مائة ومقدم ألف بديار مصر.(3/430)
وكان يجلس في دار العدل مع الأمراء والمشايخ. وكان يميل إلى مماليكه، ويشتري الملاح منهم، وينعم عليهم كثيراً. ولم يزل على ذلك إلى أن مات في أواخر سنة تسع وثلاثين أو في أوائل سنة أربعين وسبعمائة. رحمه الله تعالى.
التمرتاشي
بهادر بن عبد الله التمرتاشي، الأمير سيف الدين.
كان قد ورد البلاد صحبة تمرتاش؛ فرآه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون؛ فأحبه. ولما قتل تمرتاش أخذه السلطان الملك الناصر وقربه، وبالغ في تقديمه؛ فلامه الأمير بكتمر الساقي؛ فقال: يا خوند، كل واحد من مماليكك يقعد في خدمتك ما شاء الله حتى تقدمه لإمرة عشرة، ثم تنقله لإمرة أربعين، وبعد مدة حتى يكون أمير مائة؛ فخالفه السلطان؛ وأعطاه إمرة مائة وتقدمة ألف، وزوجه إحدى بناته، وصار أحد الأربعة المقدمين الذين يبيتون ليلة بعد ليلة عند(3/431)
السلطان. وسماه الناصر: بهادر الناصري - وهم: الأمير قوصون، وبشتك، وطغاي تمر، وبهادر هذا - ولم يزل على ذلك إلى أن مرض، وطالت به علته، وابتلى برمد مزمن، وقرحة.
ولازمه إنسان مغربي غريب من البلاد، وعالجه بأشياء لم يوافقه الأطباء عليها؛ فلزم بيته، وامتنع من الطلوع إلى القلعة إلا في بعض الأحيان. ولم يزل على ذلك إلى أن تسلطن الملك الصالح إسماعيل بن الناصر محمد قربه وسكنه الأشرفية - دار قوصون -؛ لكونه زوج أخته. وصار الأمر والنهي له، وأخرج الأمير علاء الدين ألطنبغا المارديني إلى نيابة حماة، ولم يزل في هذه الرتبة إلى أن مات في أوائل شهر شوال سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة. رحمه الله.
المشرف
بهادر بن عبد الله الجمالي، الأمير سيف الدين، المعروف بالمشرف.
أحد أمراء الألوف بالديار المصرية.
كان معظماً عند الملك الظاهر برقوق، ومن أعيان أمرائه. وتوجه في سنة(3/432)
ست وثمانين وسبعمائة إلى الحجاز أمير حاج المحمل؛ فمات بمنزله عيون القصب في ذي القعدة من السنة المذكورة، ودفن بالعيون. رحمه الله تعالى، وعفا عنه.
سمز
بهادر بن عبد الله المنصوري، المعروف بسمز - يعني سمين - الأمير شمس الدين.
كان من أكابر أمراء دمشق ومن أعيان الدولة إلى أن توجه صحبة نائب دمشق إلى الصيد خارج دمشق؛ فكبستهم طائفة من العرب الخارجة عن الطاعة، ولم يعلموا أن نائب دمشق معهم؛ فركب بهادر سمز المذكور، وجعل يحمل عليهم ويرميهم بالسهام ويقول: أنا بهادر دمشق، فرماه بعض العرب بحربة، وقال: خذها أنا عصفور بن عصفور؛ فقتله؛ فحمل إلى قرية قبر الست؛ فدفن هناك، وقتل أكثر العرب في هذه الوقعة، وكان بهادر مشهوراً بالشجاعة والإقدام. رحمه الله تعالى.(3/433)
حلاوة الأوجاقي
بهادر بن عبد الله الأوجاقي الناصري، الأمير سيف الدين، المعروف بحلاوة؛ وهو أنه كان يسوق البريد، وهو أوجاقي بالكوفية البيضاء؛ فكان إذا جاء المنزلة قال لغلمان البريد: تأكل حلاوة؛ فإذا قال: نعم ضربه؛ بالمقرعة؛ فسمي بحلاوة.
وكان فيه همة وقدرة على السوق، وقضى أشغالاً كثيرة؛ فقدمه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، وألبسه الكلوتة، وصار من أعيان الدولة. وكان تنكز نائب الشام يعظمه، ويدعوه: ابني تارة بالتركي، وتارة بالعربي، وكان يخلع عليه تنكز قباء مطرز مغشى بكمخا.
ولما ولى الأمير ألطنبغا نيابة دمشق أنعم على بهادر هذا بإمرة طبلخاناه بها، وصار مقدم البريدية بها، ودام على ذلك إلى أن أخرج الملك الناصر أحمد ابن محمد بن قلاوون خبزه، ثم أعيد إليه، ثم أخرج إقطاعه الأمير أيدغمش لما ولى نيابة دمشق إلى أحد أولاده، وأنعم عليه بإقطاع آخر، وولى البر؛ فأقام(3/434)
على ذلك إلى أن ولى الأمير طقزدمر نيابة دمشق، نقله الملك الصالح إلى إمرة بحلب؛ فتوجه إليها؛ فأقام بها نحو أربعة أشهر، ومات في ثالث عشر صفر سنة أربع وأربعين وسبعمائة. وكان له همة، وفيه مروءة. رحمه الله تعالى.
المنجكي
بهادر بن عبد الله المنجكي الأستادار، الأمير سيف الدين، أستادار السلطان. نسبته بالمنجكي إلى معتقه الأمير منجك اليوسفي.
كان بهادر المذكور خصيصاً عند الملك الظاهر برقوق، قربه وأدناه، وجعله أستاداراً، وأمير مائة مقدم ألف بديار مصر. ونالته السعادة في وظيفته وعظم، وصار له ثروة، ومال جزيل، وبر واسع. وكان عنده معرفة وسياسة بالأمور وعقل، ومات ولم ينكب.
قال العيني: وكان رجلاً خيراً، يواسي الفقراء؛ ويحسن إلى الغرباء. وكانت له صدقات كثيرة. وكان أصله رومياً، وقيل إفرنجياً. انتهى كلام العيني.(3/435)
قلت: وهو أعظم من ولى هذه الوظيفة من الدولة الظاهرية برقوق إلى زماننا هذا.
توفى بهادر المذكور في أول جمادى الآخرة سنة تسعين وسبعمائة. وولى الأستادارية من بعده الأمير محمود بن علي بن أصفر عينه، انتقل إليها من شد الدواوين.
الشهابي
بهادر بن عبد الله الشهابي، الأمير سيف الدين، الطواشي الرومي، مقدم المماليك السلطانية. وليها بعد الأمير الطواشي صواب السعدي، المعروف بشنكل. وكان بهادر المذكور شهماً، ضخماً، صاحب حرمة، ووقار، وكلمة نافذة في الدولة إلى أن مات في سابع عشر شهر رجب سنة اثنتين وثمانمائة. رحمه الله.
الحاج بهادر
بهادر بن عبد الله المنصوري، الأمير سيف الدين، المعروف بالحاج بهادر.(3/436)
كان أولاً من أعيان الأمراء بالديار المصرية، ثم أخرج إلى حلب على إمرة، ثم نقل إلى دمشق، وأعطى إمرة مائة وتقدمة ألف، وأقام بها مدة، وداخل نائبها الأفرم، وصار من أخصائه.
وكان بهادر هذا يصحب قطلوبغا الفخري، وبينهما صحبة ومحبة أكيدة. وكانا متفقين على بعض اجلراكسة.
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: أخبرني القاضي شرف الدين بن فضل الله، قال: أخبرني والدي أنه كان أشبه الناس بالملك الظاهر بيبرس - يعني بهادر صاحب الترجمة -.
ثم قال الشيخ صلاح الدين: ولما ولى الملك المظفر بيبرس الجاشنكير وفرح به الأفرم، تغير الحاج بهادر على الأفرم بعد مداخلته مجالس أنسه ومواطن إطرابه ولذاته، وأخذ في تغيير الأمراء عليه، ويقول لمن يخلو به: هؤلاء اجلراكسة متى تمكنوا منا أهلكونا، وراحت أرواحنا معهم؛ فقوموا بنا نعمل شيئاً قبل أن يعملوا بنا.
وتحالف هو وقطلوبك على الفتك بالأفرم، إن قدرا عليه؛ فأحس الأفرم بذلك، فلم يزل بالحاج بهادر إلى أن استصلحه على ظنه، وقال: بعد أن سلمت من هذه الحية ما بقيت أفكر بتلك العقرب - يعني بالحية الحاج بهادر، وبالعقرب قطلوبك الفخري -. ولما تحرك الملك الناصر محمد بن قلاوون من الكرك أرسل الأفرم الحاج بهادر وقطلوبك لإقدامه؛ فنزلا على الفور، وأظهرا النصح للأفرم. ثم إنهما راسلا السلطان الملك الناصر في الباطن،(3/437)
وحلفا له. ثم سارا إلى لقائه، ودخلا معه إلى دمشق وكان الحاج بهادر حامل اللواء على رأس السلطان في يوم دخوله إلى دمشق، واستمر من حزب الملك الناصر إلى أن ولى نيابة طرابلس، وتوجه إليها، وأقام بها إلى أن مات في شهر ربيع الآخر سنة عشر وسبعمائة. رحمه الله تعالى.
قاضي القضاة تاج الدين الديري المالكي
بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز، قاضي القضاة، تاج الدين بن الدميري المالكي.
كان إماماً في الفقه والعربية وغيرهما، وتصدر للإفتاء والتدريس عدة سنين، وانتفع به الطلبة. ثم ولى قضاء قضاة المالكية بالديار المصرية، وحمدت سيرته. ولم يزل ملازماً للأشغال والاشتغال إلى أن مات في يوم الاثنين سابع جمادى الآخرة سنة خمس وثمانمائة عن سبعين سنة، وقد انتهت إليه رئاسة السادة المالكية في زمانه. رحمه الله.(3/438)
باب الباء الموحدة والواو
الفرنسيس
بواش هو الملك ريد إفرنس، المعروف بالفرنسيس.
كل أجل ملوك الفرنج، وأعظمهم قدراً، وأكثرهم عساكراً، وأوسعهم بلاداً، وأكثرهم أموالاً. وقصد الديار المصرية، واستولى على طرف منها، وملك دمياط في سنة سبع وأربعين وستمائة. واتفق موت الملك الصالح نجم الدين أيوب سلطان الديار المصرية، وتملك بعده ابنه الملك المعظم توران شاه.
واستمر الحصار بين المسلمين والفرنج إلى أن قدر الله بأسر ريد إفرنس المذكور، وانهزام عسكره. وبقي أسيراً في أيدي المسلمين مدة إلى أن أطلق(3/439)
بعد تسليم دمياط إلى المسلمين. وتوجه إلى بلاده وفي قلبه ما جرى عليه من ذهاب أمواله، وأسر رجاله؛ فبقيت نفسه تحدثه بالعود إلى البلاد الإسلامية؛ لأخذ ثأره. فاهتم لذلك اهتماماً كبيراً في مدة سنين إلى سنة ستين وستمائة، وقصد سواحل الديار المصرية فقيل له: إن قصد مصر ربما يجري لك مثل المرة الأولى، والأحسن أن تقصد تونس.
وكان ملكها يومئذ السلطان محمد بن يحيى بن عبد الواحد، الملقب بالمستنصر بالله، فإنك إن ظهرت عليه، تمكنت من قصد مصر في البر والبحر؛ فقصد تونس، وكاد يستولي عليها، ومعه جماعة من ملوك الفرنج؛ فأوقع الله في عسكره وباءً عظيماً؛ فهلك الملك ريد إفرنس وخلق كثير من عسكره، ورجع من بقي من عسكره إلى بلادهم بالخيبة والصغار.
وكانت وفاته سنة إحدى وستين وستمائة، ووصلت البشرى بموته إلى الملك الظاهر بيبرس؛ فسر الناس بذلك.
وكان ريد إفرنس المذكور عنده شجاعة، وإقدام، ومكر، ودهاء. ولما أسر في نوبة دمياط، تسلمه الطواشي جمال الدين محسن هو وجماعته، وضرب في رجله قيداً ثقيلاً، واعتقله في الدار التي كان بها فخر الدين بن لقمان؛ كاتب الإنشاء، وذلك بالمنصورة، ووكل به جمال الدين محسن الطواشي صبيح المعظمي؛ فلذلك(3/440)
قال الصاحب جمال الدين بن مطروح عندما بلغهم مجيئه ثانياً إلى الديار المصرية:
قل للفرنسيس إذا جئته ... مقال حق من مقول نصيح
آجرك الله على ما جرى ... من قتل عباد يسوع المسيح
أتيت مصراً تبتغي ملكها ... تحسب أن الزمر يا طبل ريح
فساقك الحين إلى أدهم ... ضاقت به عن ناظريك الفسيح
وكل أصحابك أوردتهم ... بسوء أفعالك بطن الضريح
خمسون ألفاً لا ترى منهم ... إلا قتيلاً أو أسيراً جريح
وفقك الله لأمثالها ... لعل عيسى منكم يستريح
إن كان باباكم بذا راضياً ... فرب غش قد أتى من نصيح
وقل لهم إن أضمروا عودة ... لأخذ ثأر أو لقصد صحيح
دار ابن لقمان على حالها ... والقيد باقٍ والطواشي صبيح
واشتهرت هذه الأبيات؛ لحسنها ورشاقة ألفاظها.
ولما قصد الفرنسيس بلاد تونس، قال فيه بعض شعرائها:(3/441)
يا فرنسيس هذه أخت مصر ... فتيقن لما إليه تصير
لك فيها دار ابن لقمان قبرٍ ... وطواشيك منكر ونكير.
انتهى.
القان ملك التتار
بوسعيد بن خربندا بن أرغون بن أبغا بن هولاكو، المغلي القان ملك التتار، صاحب العراق، وخراسان، وأذربيجان، والروم، والجزيرة.
ومن الناس من يسميه أبو سعيد، وهو خطأ. والصواب ما ذكرناه - بوسعيد لا يعمل فيه الإعراب؛ لأنه اسم وليس بكنية وقيل بوصعيد بالصاد المهملة.
ملك بوسعيد نحو عشرين سنة. وكان مسلماً، قليل الشر، يكره الظلم، وينقاد للشرع، ويكتب خطاً قوياً منسوباً. ويجيد ضرب العود إلى الغاية، وصنف أشياء في فن الموسيقا، نقلت عنه.
وأبطل في أيامه مكوساً كثيرة، وفواحش، وخموراً، وهدم كنائس بغداد، وخلع على من أسلم من أهل الذمة، وأسقط مكوس الفاكهة في سائر مماليكه، وورث ذوي الأرحام.
وكان قبل موته بسنة قد حج ركب العراق من العراق، وكان المقدم عليهم بطلاً، شجاعاً، فلم يمكن العرب من قطع الطريق على الحاج.(3/442)
فلما كانت السنة الثانية خرج العرب على الركب ونهبوه، وأخذوا منهم شيئاً كثيراً؛ فلما عادوا شكوا إليه؛ فقال: هؤلاء العرب في مملكتنا، أم في مملكة الناصر محمد بن قلاوون؛ فقالوا له: لا في مملكتك، ولا في مملكة الناصر، وإنما هم في البرية لا يحكم عليهم أحذ، يعيشون بقائم سيفهم ممن يمر عليهم؛ فقال: هؤلاء فقراء، كم مقدار ما يأخذون من الركب؟ نحن نحمله إليهم من بيت المال من عندنا في كل سنة، ولا ندعهم يأخذون من الرعية شيئاً؛ فقالوا له: يأخذون ثلاثين ألف دينار؛ ليراها كثيراً؛ فيبطلها، فقال: هذا القدر ما يكفيهم، اجعلوها في كل سنة ستين ألف دينار، وتكون تحمل من بيت المال كل سنة إليهم صحبة مسفر من عندنا. فمات بوسعيد في تلك السنة بأذربيجان في شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وسبعمائة، وله نيف وثلاثون سنة، وكان قد أنشأ بالسلطانية تربة؛ فنقل إليها. وانقرض بيت هولاكو بموته، وقيل إنه كان عنيناً، والله أعلم.
؟؟
الحبيس
بولص الراهب، المعروف بالحبيس. وقيل اسمه: ميخائيل.(3/443)
كان أولاً كاتباً، ثم ترهب، وانقطع في جبل حلوان خارج القاهرة؛ فيقال إنه ظفر هناك بمال دفين؛ فلما ظفر به وأثرى، صار يواسي به الفقراء من كل دين، وقام عن المصادرين بجمل وافرة.
وكان أول ظهور أمره أن وقعت نار بحارة الباطلية سنة ثلاث وستين وستمائة؛ فأحرقت ثلاثاً وستين داراً، ثم كثر الحريق بعد ذلك حتى احترق ربع فرج. - وكان وقفاً على أشراف المدينة -، والوجه المطل على النيل من ربع العادل، واتهم بذلك النصارى؛ فعزم الظاهر بيبرس على قتل النصارى واليهود؟، وأمر بوضع الحلفاء والأحطاب في حفيرة كانت في القلعة، وأن تضرم النار فيها، ويلقى فيها اليهود والنصارى؛ فجمعوا حتى لم يبق منهم إلا من هرب، وكتفوا ليلقوا فيها فشفع فيهم الأمراء، وأمر أن يشتروا أنفسهم؛ فقرر عليهم خمسمائة ألف دينار، وضمنهم الحبيس المذكور؛ فحضر موضع الجباية منهم؛ فكان أي من عجز عما قرر عليه وزن الحبيس عنه، سواء كان يهودياً أو نصرانياً.
وكان الحبيس المذكور يدخل الحبوس، ومن كان عليه دين وزنه عنه، وسافر إلى الصعيد وإلى الإسكندرية، ووزن عن النصارى ما قرر عليهم.(3/444)
وكان الناس قد عرفوه؛ فكان بعض الناس يتحيل عليه؛ فإذا رآه قد دخل المدينة أخذ اثنين بقصص - صورة أنهما رسولا القاضي أو المستولي - وأخذا يضربانه؛ فيستغيث به: يا أبونا يا أبونا؛ فيقول ما باله؟ ؛ فيقولان: عليه دين، أو اشتكت عليه زوجته، فيقول: على كم؟ فيقولا: على ألفين أو أقل أو أكثر؛ فيكتب له على شقفة أو غيرها إلى بعض الصيارف بذلك المبلغ؛ فيقبضه منه.
وقيل إن مبلغ ما وصل منه إلى السلطان، وما واسى به الناس في مدة ثلاث سنين ستمائة ألف دينار. مضبوطة بقلم الصيارف الذين كان يجعل عندهم المال، وذلك خارجاً عما كان يعطى من يده.
وكان لا يأكل من هذا المال ولا يشرب، بل النصارى يتصدقون عليه بما يمونه.
فلما كان سنة ست وستين وستمائة، أحضره الملك الظاهر بيبرس؛ فطلب منه المال أن يحضره، أو يعرفه من أين وصل إليه؛ فجعل يدافعه ويغالطه، ولا يفصح له بشيء - وهو عنده داخل الدور - فعذبه حتى مات، ولم يقر بشيء، فأخرج من القلعة، وأرمى ظاهرها على باب القرافة. وكان قد وصل إلى الملك الظاهر بيبرس فتاوى فقهاء الإسكندرية بقتله، وعللوا ذلك بخوف الفتنة من ضعفاء نفوس المسلمين. انتهى.(3/445)
باب الباء الموحدة والياء المثناة من تحت
الملك الظاهر بيبرس البندقداري
بيبرس بن عبد الله، السلطان الملك الظاهر ركن الدين أبو الفتح بيبرس الصالحي النجمي البندقداري التركي، سلطان الديار المصرية والبلاد الشامية والأقطار الحجازية والثغور الإسلامية.
ولد في حدود العشرين وستمائة تخميناً بصحراء اجبقلاق، وأخذ من بلاده صغيراً وأبيع بدمشق؛ فنشأ بها عند العماد الصائغ - على ما قيل - ثم اشتراه الأمير علاء الدين أيدكين البندقداري الصالحي، وبقي في ملكه إلى أن قبض(3/447)
الملك الصالح على أيدكين المذكور وصادره، وأخذ بيبرس هذا فيما أخذه منه، وذلك في شهر شوال سنة أربع وأربعين وستمائة. وأعتقه الملك الصالح نجم الدين، وقدمه على طائفة من الجمدارية؛ لما رأى من فطنته وذكائه واستمر بيبرس على ذلك إلى أن مات الملك الصالح نجم الدين أيوب، وملك بعده ابنه الملك المعظم توران شاه في سنة سبع وأربعين وستمائة. ثم قتل توران شاه في سنة ثمان وأربعين وستمائة، وأجمعوا الأمراء على إقامة الأمير عز الدين أيبك التركماني الصالحي، وولوه السلطنة بعد شجر الدر - أم خليل الصالحية - حسبما ذكرناه في ترجمة الملك المعز في أول هذا الكتاب -.
وكانت ولاية المعز في آخر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين وستمائة.
ولما قتل المعز الأمير فارس الدين أقطاي الجمدار، ركب بيبرس هذا بالبحرية، وقصدوا قلعة الجبل. فلما لم ينالوا مقصودهم، خرجوا من القاهرة مجاهرين بالعداوة للملك المعز أيبك التركماني، قاصدين الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب دمشق، وهم: بيبرس هذا، وبلبان الرشيدي، وعز الدين أزدمر السيفي، وسنقر الرومي، وسنقر الأشقر، وبدر الدين بيسرى،(3/448)
وسيف الدين قلاوون الألفي وبلبان السنقري وغيرهم.
فلما شارفوا دمشق سير إليهم الملك الناصر صاحب دمشق يطيب قلوبهم ويستدعيهم إليه؛ فأرسلوا إليه الأمير فخر الدين المقرئ يستحلفه لهم؛ فحلف؛ فاطمأنوا ودخلوا دمشق؛ فأكرمهم الملك الناصر، وأطلق لبيبرس هذا بثلاثين ألف درهم، وثلاثة قطر بغال، وثلاثة قطر جمال، وخيل، وملبوساً. وفرق أيضاً في بقية الجماعة الأموال والخلع - على قدر مراتبهم -.
فلما بلغ الملك المعز ذلك كتب إلى الملك الناصر يحذره منهم، ويغريه بهم؛ فلم يصغ الملك الناصر لذلك، إلى أن استشعر بيبرس من الملك الناصر بالغدر، توجه بمن معه إلى الكرك؛ فجهز صاحبها الملك المغيث عسكره معه؛ فقدم إلى مصر، وعدة من معه ستمائة فارس. وخرج عسكر الديار المصرية؛ فتلقاه، وأراد الملك الظاهر كبسهم؛ فوجدهم على أهبة؛ فالتفت العسكر المصري عليهم وقاتلهم فانكسر عسكر بيبرس، ولم ينج إلا هو بنفسه وقلاوون وبيسرى وبيليك الخازندار.(3/449)
وعاد بيبرس إلى جهة الكرك؛ فجاءه جماعة من أمراء مصر، واجتمعوا بيبرس والملك المغيث صاحب الكرك بظاهر غزة؛ فقويت شوكتهما، وعادوا إلى الصالحية، ولقوا عسكر مصر ثانياً؛ فاستظهر عسكرهما أولاً، ثم عادت الكرة عليهما، وهرب الملك المغيث، ولحقه بيبرس، وأسر أولئك الأمراء الذين كانوا حضروا إليه؛ فقتلوا جميعاً صبراً - ما خلا الأمير بيليك الخازندار -؛ فإن جمال الدين الجوكندر شفع فيه؛ فخير بين المقام والذهاب؛ فاختار الذهاب إلى أستاذه.
ثم إلى الملك المغيث حصلت بينه وبين بيبرس وحشه أوجبت مفارقته إياه، وعوده إلى الملك الناصر صاحب دمشق بعد أن أستحلفه على أن يقطعه خبز مائة فارس؛ فأجاب الملك الناصر لذلك.
وكان قدوم بيبرس في هذه المرة على الملك الناصر، في شهر رجب سنة سبع وخمسين وستمائة، ومعهم الجماعة الذين حلف لهم الناصر وهم: أيتمش السعدي، بيسرى الشمسي، وطيبرس الوزيري، وبلبان الرومي، وآقوش الرومي، وكشتغدي الشمسي، وأيدغميش الحلبي، ولاجين الدرفيل، وكشتغدي الشرقي، وأيبك الشيخي، وبيبرس خاس ترك الصغير، وبلبان المهراني، وسنجر الهمامي، وسنجر الباشقردي، وأيبك العلائي، ولاجين الشقيري، وبلبان الأقسيسي،(3/450)
وعلم الدين سلطان الألد كزى؛ فأكرمهم الملك الناصر، ووفى لهم بما حلف.
فلما ورد الخبر بأن الملك الظفر قطز وثب على ابن أستاذه، حرض الملك الناصر بيبرس على قصد الديار المصرية، فلم يجبه الناصر، فقال بيبرس: فقد منى على أربعة آلاف فارس أقوم بها إلى شط الفرات أمنع التتار من العبور إلى الشام، فلم يمكنه الملك الصالح صاحب حمص؛ لباطن كان له مع التتار.
ثم إن بيبرس أرسل استحلف الملك المظفر قطز، وفارق الملك الناصر صاحب دمشق، ودخل إلى القاهرة في الثاني والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ثمان وخمسين وستمائة؛ فركب الملك المظفر قطز للقائه، وأنزله في دار الوزارة، وأقطعة قليوب لخاصته، وصار عنده خصيصاً إلى أن خرج الملك المظفر قطز لملتقى التتار، سير بيبرس هذا في عسكر؛ ليتجسس أخبارهم؛ فأول من وقعت عينه عليهم ناوشهم القتال؛ فلما كسر التتر تبعهم يقتص آثارهم، ويقتل من وجد منهم إلى حمص. ثم عاد بيبرس؛ فوافى المظفر قطز بدمشق؛ فلما توجه المظفر إلى نحو الديار المصرية، عاد بيبرس هذا صحبته بعد أن اتفق مع جماعة من ممن وافقه على قتل الملك المظفر قطز؛ فقتلوه في سادس عشر ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وستمائة.(3/451)
وكان المتولى قتله الملك الظاهر بيبرس هذا، بين منزلة الغرابي والصالحية، ودفن بالقصير. وهو أن الملك المظفر قطز ساق خلف أرنب؛ فلما انفرد عن عسكره، تقدم بعض الأمراء - ممن اتفق مع بيبرس وشفع عنده شفاعة - وتقدم ليقبل يده؛ فقبض عليها، وأخذته السيوف حتى تلف، ثم ساقوا إلى الدهليز، فتقدم فارس الدين الأتابك؛ فحلف له، ثم الرشيدي، ثم الأمراء على طبقاتهم، ثم ركب ومعه الأتابك فارس الدين المذكور، وبيسرى وجماعة من خواصه؛ فدخل القاهرة؛ وملك قلعة الجبل، وتلقب بالملك القاهر أولاً؛ فأشار الوزير زين الدين على السلطان بتغيير لقبه - وكان فاضلاً - وقال: ما لقب أحد بالقاهرة فأفلح، لقب به: القاهر بن المعتضد، فلم تطل أيامه وخمل وهمل، ولقب به القاهر ابن صاحب الموصل؛ فسم؛ فأبطل السلطان اللقب الأول ولقب بالملك الظاهر، وكتب بذلك إلى جميع الأعمال، ثم كتب إلى الملك(3/452)
الأشرف صاحب حمص، وإلى الملك المنصور صاحب حماة، وإلى علاء الدين ابن صاحب الموصل يعرفهم بما جرى، ثم أفرج عمن بالحبوس، وأقر الصاحب زين الدين على الوزارة، وأفرج عن الأجناد، وأرسل الأمير جمال الدين آقوش المحمدي بتقاليد إلى دمشق باستقرار الأمير علم الدين سنجر الحلبي في نيابة دمشق عوضاً عن الأمير حسام الدين لاجين؛ فوجده قد تسلطن بدمشق.
وكانت سلطنة الملك الظاهر بيبرس في سنة ثمان وخمسين وستمائة، واستقر في الملك وعظمت ممالكه، وسافر إلى دمشق غير مرة، وفتح الفتوحات الهائلة، وكسر التتار؛ فأول ركوبه كان في سنة تسع وخمسين وستمائة، ركب من قلعة الجبل في سابع شهر صفر متوجهاً إلى دمشق وبخدمته أعيان الأمراء، ومن جملتهم أستاذه الأمير علاء الدين أيدكين البندقداري - يعني أستاذ الملك الظاهر قبل السلطان صلاح الدين، كما ذكرناه في أول هذه الترجمة - ومهد أحوال دمشق، وعاد إلى الديار المصرية، وأقام بها إلى أن سافر ثانياً إلى صفد في سنة أربع وستين؛ ففتحها عنوة من يد الفرنج، ثم جهز صاحب حماة(3/453)
والفارقاني إلى غزو سيس وصحبتهم عسكراً هائلاً؛ فتوجهوا إلى بلاد سيس، وقتلوا، وأسروا، وغنموا، وأسر ابن صاحب سيس وابن أخته. ثم فتح يافا سنة ست وستين وستمائة، ثم سار إلى أنطاكية؛ فوصلها في أول شهر رمضان، وفتحها بالسيف في رابع شهر رمضان المذكور، واستمر السيف فيهم، ولا نجا منهم إلا اليسير.
قال ابن كثير: وما رفع السيف عن أحد حتى لو حلف الحالف أنه ما سلم منها أحد صدق. انتهى.
وفيها فتح الشقيف بعد أن حاصرها عشرة أيام وتسلمها، وكان بها نحو خمسمائة رجل، وفيها أيضاً فتح صور، ثم أغار على طرابلس، وخرب قراها، وقطع أشجارها، ثم رحل ونزل على حصن الأكراد؛ فنزل إليه رسول صاحبها بإقامة وضيافة؛ فردها، وطلب منهم دية: مائة رجل، مائة ألف دينار، ثم حصرها يوماً واحداً؛ فملكها في يوم السبت، ووضع فيها السيف، ونهب، وسبا، وقتل، وأسر، ثم تسلم دركوش، وصالح أهل القصير على مناصفته ومناصفة(3/454)
القلاع المجاورة له. ثم وصل إليه صاحب بغراص يطلبون منه تسليمها إليه، فسير إليها الأمير شمس الدين الفارقاني بالعساكر؛ فتسلمها في ثالث عشر شهر رمضان، ثم عاد الملك الظاهر بيبرس إلى دمشق فعيد بها، ثم توجه نحو القاهرة؛ فدخلها، واستمر بها إلى سنة سبع وستين وستمائة أجلس ولده الملك السعيد على تخت الملك، ثم خرج من القاهرة؛ فتوجها إلى الشام؛ فدخلها في جمادى الآخرة، ثم ركب منها ونزل على الخربة، ثم سار منها في أواخر شهر رجب إلى ديار مصر على البريد، ثم عاد؛ فكانت غيبته أحد عشر يوماً.
وكان غرضه برجوعه إلى القاهرة كشف خبر ولده، بعد أن ترك عسكره بالقرب من دمشق إلى أن عاد إليهم، ثم توجه إلى صفد؛ فأقام بها يومين وشن، الغارة على بلد صور ثانياً، ثم سار إلى الكرك، وأخذ معه بيليك الخازندار، والقاضي فخر الدين سليمان، وغيرهما من الأمراء وثلاثمائة مملوك. وسار إلى الحج، وعاد إلى دمشق، ثم إلى حلب؛ فوصلها في سادس المحرم سنة ثمان وستين، ثم خرج منها في عاشر المحرم، وسار إلى دمشق، ثم توجه من دمشق إلى نحو البلاد(3/455)
المصرية؛ فدخلها في يوم الثلاثاء من صفر، فصادف في هذا اليوم دخول الحج المصري إلى القاهرة.
ثم في سنة تسع وستين قبض الظاهر على الملك العزيز ابن الملك المغيث صاحب الكرك واعتقله. ثم في سنة إحدى وسبعين وستمائة توجه إلى دمشق على البريد، وعاد في سابع عشرين المحرم - وقيل في يوم السبت ثالث عشرينه من السنة - فكانت غيبته في هذه السفرة نحواً من عشرين يوماً، فأقام بالقاهرة إلى ليلة الجمعة السابع والعشرين من المحرم، ثم عاد إلى دمشق على البريد؛ فدخل قلعة دمشق ليلة الثلاثاء رابع صفر في خمسة نفر.
وفي أوائل هذه السنة قصد الكافر صاحب النوبة عيذاب؛ فنهبها، وقتل منها خلقاً، منهم واليها وقاضيها؛ فسار متولي قوص وقصد بلاد النوبة؛ فدخل بلاد الجون وقتل من فيه وأحرقه، وكذا فعل بجميع بلاده.
وفي خامس جمادى الأولى ورد الخبر على الملك الظاهر بدمشق أن فرقة(3/456)
من التتار قصدت الرحبة، فبرز إلى القصير بالعساكر، فبلغه عودهم من الرحبة ونزولهم على البيرة، فسار الظاهر إلى حمص، وأخذ مراكب الصيادين بالبحرية على الجسور، ثم سار حتى بلغ الباب من أعمال حلب، وبعث بجماعة من المماليك لكشف أخبارهم، وسار إلى منبج؛ فعادوا، وأخبروا بأن طائفة من التتار نحو من ثلاثة آلاف فارس على شط الفرات؛ فرحل الملك الظاهر من منبج يوم الأحد ثامن عشر جمادى الأولى، ووصل إلى شط الفرات - مما يلي الجزيرة -؛ فتقدم العسكر يخوضون الفرات؛ فخاض الأمير سيف الدين قلاوون الألفي، والأمير بدر الدين بيسرى في أول الناس، ثم تبعها الملك الظاهر بنفسه، وتتابع الناس إلى أن وقعوا على التتار، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وأسروا تقدير مائتي نفس، ولم ينج من التتار إلا القليل، وتبعهم بيسرى إلى قريب سروج، ثم عاد إلى السلطان، فرجع السلطان إلى البيرة في الثاني والعشرين من جمادى الأولى؛ فدخلها، وخلع على نائبها، وعلى جماعة أخر.
وقال في هذه الواقعة العلامة شهاب الدين أبو الثناء محمود بن سليمان قصيدة يمدح الملك الظاهر بها، ويذكر خوضه الفرات، وأول القصيدة:
سر حيث شئت لك المهيمن جاره ... وأحكم فطوع مرادك الأقدار(3/457)
ومنها:
خضت الفرات بسابح أقصى منىً ... هوج الصبا من فعله الآثار
وفي هذا المعنى يقول أيضاً الأديب ناصر الدين بن النقيب:
ولما ترامينا الفرات بخيلنا ... سكرناه منا بالقوى والقوائم
فأوقفت التيار عن جريانه ... إلى حيث عدنا بالغناء والغنائم
وقال الفاضل موفق الدين عمر بن المتطيب في المعنى:
الملك الظاهر سلطاننا ... نفديه بالمال وبالأهل
اقتحم الماء ليطفي به ... حرارة القلب من المغل
وفي سنة اثنتين وسبعين وستمائة قدم ملك الكرج؛ ليزور بيت المقدس والقمامة منكراً في زي الرهبان ومعه طائفة؛ فسلك أرض الروم إلى(3/458)
سيس، ثم ركب البحر وطلع من عكا، وأتى القدس، فاطلع الأمير بيليك الخازندار على أمره، وهو على يافا؛ فأرسل من قبض عليه، ثم أرسله مع الأمير منكورس إلى الملك الظاهر، والظاهر بدمشق؛ فسأله السلطان، وقرره بلطف حتى اعترف، وحبسه وأمره أن يكتب إلى بلاده بأسره. وعاد السلطان إلى ديار مصر في شهر رجب.
وفي سنة ثلاث وسبعين وستمائة - في صفر منها - توجه السلطان إلى الكرك على الهجن، وكان قد وقع بها برج أحب السلطان أن يصلح بحضوره، ثم دخل دمشق في آخر شهر شعبان. ثم سار إلى سيس، وعبر إليها من الدربند، فافتتحها، وأخذ إياس، وأذنة، والمصيصة في العشر الأخير من رمضان، وبقي الجيش بها شهراً، وقتلوا وأسروا وسبوا منها خلائق.
وفي هذا المعنى يقول العلامة محيي الدين بن عبد الظاهر:
يا ملك الأرض الذي جيشه ... يملأ من سيس إلى قوص
مصيصة التكفور قالت لما ... بالله إفرادي وتخصيصي
كم بدن فصله سيفك الغراء ... والأكثر مصيصي
وفي يوم الخميس العشرين من شهر رمضان سنة خمس وسبعين وستمائة خرج الملك الظاهر من الديار المصرية متوجهاً إلى بلاد الروم، بعد أن قرر في السلطنة(3/459)
بالديار المصرية ولده الملك السعيد، وجعل الفارقاني كالمدبر له، وترك عند الملك السعيد من العسكر خمسة آلاف فارس، ورحل الظاهر يوم السبت ثاني عشرين شهر رمضان، وسار حتى دخل دمشق في سابع عشر شوال، ثم خرج منها متوجهاً إلى حلب؛ فدخلها في أول ذي القعدة، ثم خرج منها متوجهاً إلى الروم، وجد في السير إلى أن وصل إلى أقجا دربند، فقطعه في نصف نهار.
فلما خرجت عساكره وتكاملت، قدم الأمير سنقر الأشقر على جماعة من العسكر وأمره بالمسير؛ فسار حتى وقع على كتيبة للتتار، عدتهم ثلاثة آلاف فارس، ومقدمهم الأمير كراي التتري؛ فهزمهم الأمير سنقر الأشقر وأسر منهم طائفة، ثم وردت الأخبار على الملك الظاهر بأن برواناه على نهر جيحان، ثم سار السلطان.
فلما صعد العسكر على الجبال وأشرف على صحراء إبلستين؛ فشاهد التتار قد رتبوا عساكرهم أحد عشر طلباً، في كل طلب ألف فارس، وعزلوا عسكر الروم إلى جانب؛ خوفاً من باطن لهم مع المسلمين، وجعلوا عسكر الكرج طلباً واحداً.
فلما تراءى الجمعان، حملت ميسرة التتار حملة واحدة على ميمنة الظاهر، فأردفهم الظاهر بنفسه، ثم كانت منه التفاتة؛ فرأى ميسرته قد لحت عليها ميمنة التتار؛ فأردفها أيضاً بنفسه، ثم حمل وحملت العساكر برمتها حملة رجل واحد؛ فترجل التتار عن خيولهم، وقاتلوا أشد القتال، فلم يغن عنهم ذلك شيئاً،(3/460)
وأنزل الله بأسه بهم، وانتصر المسلمون؛ فقتل أكثر التتار، وفر من نجا منهم واعتصموا بالجبال، وأحاط بهم الجيش الإسلامي، وترجلوا عن خيولهم، وقاتلوا؛ فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وأسروا منهم جماعة كثيرة من أعيان الروم والتتار.
وفي هذا المعنى يقول العلامة شهاب الدين أبو الثناء محمود بن سليمان الحلبي الكاتب قصيدة طنانة منها:
كذا فلتكن في الله عز العزائم ... وإلا فلا تجفوا الجفون الصوارم
عزائم جازتها الرياح فأصبحت ... مخلفة تبكي عليها الغمائم
ومنها:
بجيش تظل الأرض منه كأنها ... على سعة الأرجاء في الضيق خاتم
كتائب كالبحر الخضم جيادها ... إذا ما تهادت موجه المتلاطم
تحيط بمنصور اللواء مظفر ... له النصر والتأييد عبد وخادم
مليك يلوذ الدين من عزماته ... بركن له الفتح المبين دعائم(3/461)
وفي السنة المذكورة دخل الملك الظاهر بلاد الروم، ونزل بمدينة قيصرية، وجلس بها في دار الملك، وصلى بها الجمعة، وخطبوا له، وضربت السكة باسمه في القعدة من السنة. ثم رجع، وقطع الدربند، وعبر النهر، ثم عاد إلى دمشق في سابع المحرم مؤيداً منصوراً، ونزل بالقلعة، ثم انتقل إلى قصره الأبلق بدمشق؛ فمرض في نصف المحرم من سنة ست وسبعين وستمائة؛ فمات من مرضه يوم الخميس بعد الظهر الثامن والعشرين من المحرم من السنة المذكورة، وحمل إلى القلعة ليلاً مع أكابر أمرائه، وغسله، وصبره المهتار شجاع الدين عنبر، والكامل علي بن المنبجي الإسكندراني المؤذن، والأمير عز الدين الأفرم.
ووضع في تابوت، وعلق في بيت بالقلعة، وهو في عشر الستين إلى أن يحصل الاتفاق على موضع دفنه.
وكان قد أوصى أن يدفن على الطريق السالكة، قريباً من داريا، وأن يبنى عليه هناك قبة؛ فرأى ولده الملك السعيد أن يدفنه داخل السور، فابتاع دار العقيقي، وبنيت له قبة. فلما تكمل بناؤها نقل إليها، ووقف عليها وعلى المدرسة الأوقاف الكثيرة، ثم في يوم السبت رابع عشر صفر شرع في عمل أغربة الملك الظاهر بيبرس المذكور بالديار المصرية.(3/462)
قال الأمير بيبرس الدوادار في تاريخه: وكان القمر قد كسف كسوفاً كاملاً، أظلم له الجو، وتأول ذلك المتأولون بموت رجل جليل القدر؛ فقيل إن السلطان لما بلغه ذلك حذر على نفسه، وخاف، وقصد أن يصرف التأويل إلى غيره؛ لعله يسلم من شره.
وكان بدمشق شخص من أولاد الملوك الأيوبية - وهو الملك القاهر بهاء الدين عبد الملك ابن السلطان الملك المعظم عيسى ابن السلطان الملك العادل أبي بكر بن أيوب -؛ فأراد الظاهر - على ما قيل - اغتياله بالسم؛ فأحضره في مجلس شرابه؛ فأمر الساقي أن يسقيه قمزاً، كان ممزوجاً فيما يقال بسم؛ فسقاه الساقي ذلك الكأس؛ فأحس به، وخرج من وقته، ثم غلط الساقي، وملأ الكأس المذكور، وفيه أثر السم، ووقع الكاس في يد الملك الظاهر فشربه. انتهى كلام بيبرس الدوادار باختصار.
قلت: هذا القول مشهور بأفواه الناس، والله أعلم. وخلف الملك الظاهر بيبرس - صاحب الترجمة - عشرة، أولاد وهم: الملك السعيد محمد، وسلامش، وخضر. وسبع بنات.(3/463)
وقال الشيخ قطب الدين: كان له عشرة آلاف مملوك.
وقال الحافظ الذهبي في تاريخه: حكى الشيخ شرف الدين عبد العزيز الأنصاري الحموي، قال: كان الأمير علاء الدين البندقداري الصالحي لما قبض عليه، وأحضر إلى حماة، واعتقل بجامع قلعتها اتفق حضور ركن الدين بيبرس هذا من بلاده مع تاجره، وكان الملك المنصور صاحب حماة إذ ذاك صبياً. وكان إذا أراد شراء رقيق تبصره الصاحبة والدته؛ فأحضر بيبرس هذا مع جخداشه؛ فرأتهما من وراء الستر، فأمرت بشراء جخداشه، وقالت: هذا الأسمر - يعني الملك الظاهر بيبرس - لا يكون بينك وبينه معاملة؛ فإن في عينيه شراً لائحاً؛ فردهما الملك المنصور جميعاً، فطلب البندقداري الغلامين، فاشتراهما، وهو معتقل، ثم أفرج عنه وسار بهما إلى مصره وآل أمر ركن الدين بيبرس هذا إلى ما آل.
ثم قال: واشتهر - يعني الملك الظاهر - بالشجاعة والإقدام.(3/464)
ولما سارت الجيوش المنصورة من مصر لحرب التتار كان هو طليعة الإسلام.
ثم قال: وكان غازياً، مجاهداً، مرابطاً، خليقاً للمملكة لولا ما كان فيه من الظلم، والله يرحمه ويغفر له؛ فإن له أياماً بيضاء في الإسلام، ومواقف مشهودة، وفتوحات معدودة. انتهى كلام الذهبي، رحمه الله.
قلت: وكان الملك الظاهر - رحمه الله - ملكاً شجاعاً، مقداماً، خبيراً بالحروب، ذا رأي وتدبير وسياسة، ومعرفة تامة. وكان سريع الحركات، كثير الأسفار، نالته السعادة والظفر في غالب حروبه، وفتح عدة فتوحات من أيدي الفرنج وهي: قيسارية، وأرسوف، وصفد، وطبرية، ويافا، والشقيف، وأنطاكية، وبغراس، والقصير، وحصن الأكراد، وحصن عكار، وصافيثا، ومرقية، وطرابلس، وبلاد أنطرطوس، وناصفهم على المرقب وبانياس. وله مآثر بالقاهرة ودمشق وغيرها. وبنى عدة جوامع، ومدارس، وقناطر، وجسور مشهورة به بسائر الأقاليم منها: المدرسة الظاهري بين القصرين(3/465)
من القاهرة. ولما فرغ من عملها جعل بها مدرس الحنفية الصاحب مجد الدين بن العديم، ومدرس الشافعية الشيخ تقي الدين بن رزين. وولى مشيخة الحديث للحافظ شرف الدين عبد المؤمن الدمياطي. وولى مشيخة القراء للشيخ كمال الدين الحلي.
وفي أيامه في سنة ثلاث وستين وستمائة جعل بالديار المصرية قضاة أربع، من كل مذهب قاض. وسبب ذلك: توقف القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز عن تنفيذ كثير من الأحكام، وكثرة توقفه؛ فكثرت الشكاوى منه، وتعطلت الأمور؛ فوقع الكلام في ذي الحجة بين يدي الملك الظاهر. وكان الأمير جمال الدين أيدغدي العزيزي يكره القاضي تاج الدين؛ فقال له نترك لك مذهب الشافعي، ونولي معك من كل مذهب قاضياً؛ فمال السلطان الملك الظاهر إلى كلامه. وكان لأيدغدي العزيزي محل عظيم عند الظاهر؛ فولى قاضي قضاة(3/466)
الحنفية الشيخ صدر الدين سليمان، وقاضي القضاة المالكية الشيخ شرف الدين عمر السبكي، وقاضي قضاة الحنابلة شمس الدين محمد بن العماد، واستنابوا النواب. وأبقى للشافعي النظر في أموال اليتامى وأمور بيت المال، ثم فعل ذلك بسائر الأقاليم إلى يومنا هذا. رحمه الله وعفا عنه.
الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير
بيبرس بن عبد الله، الملك المظفر ركن الدين بيبرس البرجي المنصوري الجاشنكير.(3/467)
أصله من مماليك الملك المنصور قلاوون وعتقائه، وتنقل في الخدم حتى صار من جملة الأمراء بالديار المصرية. وتولى الأستادارية للملك الناصر محمد بن قلاوون.
وكان إقطاعه كبير، فيه عدة إقطاعات لأمراء.
ولما كان أستاداراً كان سلار نائباً بالديار المصرية؛ فحكما في البلاد وتصرفا في الممالك، وصار الملك الناصر ليس له من السلطنة إلا الاسم فقط.
وكان نواب البلاد الشامية جخداشية الجاشنكير من البرجية؛ فقوى أمره بهم، إلى أن توجه الملك الناصر إلى الحجاز ورد من الطريق إلى الكرك وأقام بها، وأرسل يعلم أمراء الديار المصرية؛ ليقيموا سلطاناً.
لعب الأمير سيف الدين سلار بالجاشنكير هذا، وحسن له السلطنة حتى تسلطن، ولقب بالملك المظفر بعد أن أفتى له جماعة من القضاة والفقهاء بذلك، وكتب محضراً مثبوتاً على القضاة، وناب سلار له، واستوثق له الأمر.
وكانت سلطنته في يوم السبت بعد العصر ثالث عشرين شوال سنة ثمان وسبعمائة - وقيل في ذي القعدة في بيت سلار -، وركب من بيت سلار بخلعة السلطنة إلى القلعة، ومشوا الأمراء بيني يديه، ودقت البشائر، وسارت البريدية(3/468)
بذلك إلى سائر الممالك، وكتب له الخليفة المستكفي بالله على تقليده بخطه. وكان من جملة عنوانه أنه: من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم.
وجلس الأمير بتخاص والأمير قلى والأمير لاجين لاستحلاف الأمراء والعساكر، واستفحل أمره، وأعطى، وأنعم. قيل إن خلعه التي خلعها وصلت إلى ألفين ومائتي خلعة. ودام في الملك إلى أن وقع بينه وبين الملك الناصر وحشة؛ وهو أن الملك الناصر لما دخل إلى الكرك سأل من نائبها الأمير آقوش عن الأموال الحاصلة بها؛ فأحضر النائب بمائتي ألف درهم لا غير؛ خوفاً أن يطلعه على المال؛ فيأخذه كله، وأخرج آقوش من نيابة الكرك، وقنع بالكرك. وخطب للملك المظفر بيبرس هذا بجامع الكرك بحضرة الملك الناصر محمد بن قلاوون، وتأدب الملك الناصر معه وسكت حتى أنه كان إذا كاتبه يكتب: الملكي المظفري. وقصد بذلك سكون الأحوال.
فلما كان بعد ذلك بقليل أرسل الملك المظفر يطلب من الملك الناصر الخيل والمماليك التي عنده، والأموال التي كانت بالكرك؛ فبعث إليه الملك الناصر بالمبلغ الذي أخذه؛ فأعاد الملك المظفر الجواب بتجديد الطلب للخيول والمماليك، والتهديد إن لم يرسل الخيول والمماليك؛ فعند ذلك أهان الملك الناصر رسوله، وأمر(3/469)
بإخراجه ماشياً إلى الغور، وأخذ من وقته في التحفل حتى كان من أمره ما كان. وأخذ أمر الملك المظفر بيبرس هذا في إدبار، ثم إن الملك المظفر جهز عسكراً لقتال الملك الناصر، لما بلغه خروجه من الكرك، وجعل مقدم عساكره الأمير برلغي.
وكان برلغي هو المشار إليه في الدولة المظفرية بيبرس، وكثر قلق الملك المظفر، وأتى بعض المماليك السلطانية بالمواطأة، وقبض على جماعة منهم، ثم جرد الأمير برلغي مقدماً على العساكر، ومعه ثلاثة أمراء من مقدمي الألوف وهم: آقوش الأشرفي نائب الكرك كان، وأيبك البغدادي، والدكر السلاح دار ومن معهم من الأمراء؛ فبرزوا في يوم السبت تاسع رجب من سنة تسع وسبعمائة، وخيموا بمسجد التبن، ولم يتوجهوا، بل عادوا إلى القاهرة بعد أربعة أيام.
وكان الباعث لهم على العود أن كتب الأفرم نائب دمشق: وردت تتضمن عود الملك الناصر محمد إلى الكرك. ثم أرسل الملك المظفر إلى الملك الناصر محمد رسالة ثانية على يد الأمير مغلطاي وقطلوبغا تتضمن وعيداً، وتهديداً، ونكاراً شديداً. فلما وقف عليها الناصر اشتد غضبه، وقبض عليهما بعد أن أوجهما بالضرب الشديد، ثم كتب للأمراء بالبلاد الشامية، وذكر لهم ما لوالده عليهم من الحقوق والتربية. ثم خرج بعد ذلك من الكرك ثانياً بعد الاهتمام بالتوجه إلى(3/470)
دمشق. فلما بلغ الملك المظفر الخبر ثانياً، جرد الأمراء المذكورين - كما ذكرناه أولاً - ومعهم أربعة آلاف فارس، وبرزوا في الوقت، وشرع المظفر في النفقة على الجند والعامة. وسبب نفقته على العامة ما وقع له معهم في السنة المذكورة عند توقف النيل عن الزيادة، فقالت العامة:
سلطاننا ركين ونائبنا دقين ... يجينا الماء من أين
يسيبوا لنا الأعرج ... يجينا الماء وهو يتدحرج
ولهجت العامة بذلك؛ فعظم هذا القول على الملك المظفر، وأراد أن يوقع بهم. انتهى.
ثم إن الملك المظفر وقع بينه وبين جماعة من الخاصكية - وهم نحو المائة - وصحبتهم الأمير نوغاي، وكانوا مع العسكر؛ فخامروا الجميع، وتوجهوا إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون؛ وأخبروا الناصر بمحبة المصريين له.
وقدم الملك الناصر دمشق، ونزل بالقصر الأبلق، وجاءته نواب البلاد الشامية وجماعة أخر من المصريين، وتوجه الجميع صحبة الملك الناصر نحو الديار المصرية، وخرج العسكر المصري صحبة الأمير برلغي لقتال الناصر، ووقع له مع عسكر الناصر أمور أسفرت عن توجه برلغي ودخوله تحت طاعة الملك الناصر محمد. فلما بلغ الملك المظفر بيبرس الجاشنكير ذلك، ذل وهرب في مماليكه نحو الغرب بعد أن خلع نفسه،(3/471)
وكتب إلى الملك الناصر كتاباً فيه: الذي أعرفك به أنني قد رجعت لأقلدك بغيك، فإن حبستني عددت ذلك خلوة، وإن نفيتني عددت ذلك سياحة، وإن قتلتني كان ذلك لي شهادة.
فلما سمع الناصر ذلك عين له صهيون؛ فسار الملك المظفر إليها مرحلتين؛ فتكلم فيه؛ فرده الناصر، وأحضره قدامه، وسبه، وعنفه، وعدد عليه ذنوباً، ثم خنقه قدامه بوتر حتى كاد يتلف، ثم سيبه حتى أفاق، وعنفه، وزاد في شتمه، ثم خنقه حتى مات في شهر شوال سنة تسع وسبعمائة.
وكان المظفر ملكاً ثابتاً، كثير السكون والوقار، جميل الصفات، نذب إلى المهمات مراراً عديدة. وكان يتكلم في أمر الدولة سنين عدة، وحسنت سيرته. وكان يرجع إلى خير ودين ومعروف تولى السلطنة على كره منه. وله أوقاف على وجوه البر والصدقة، وعمر ما هدم من الجامع الحاكمي داخل باب النصر من القاهرة بعد ما شققته الزلازل.
وأنشأ الخانقاه داخل باب النصر - المعروفة قديماً بدار الوزارة، وهي الآن معروفة به -.(3/472)
وكان من أعيان الأمراء في الدولة المنصورية قلاوون، والدولة الأشرفية خليل بن قلاوون، والدولة الناصرية محمد بن قلاوون.
وكان أبيضاً أشقراً، مستدير اللحية، وهو جاركسي الجنس - على ما قيل - ولا يعرف غيره من الجراكسة ملك الديار المصرية إلى أن تسلطن الملك الظاهر برقوق، وقيل إنه كان تركياً، والأقوى عندي أنه كان جركسياً؛ فإنه كان بينه وبين الأفرم نائب دمشق محبة زائدة؛ قيل قرابة، وكان الأفرم جاركسياً، والله أعلم.
ولما هرب الملك المظفر بيبرس عند قدوم الملك الناصر محمد، قال بعض الأدباء:
تثنى عطف مصر حين وافى ... قدوم الناصر الملك الخبير
فذاك الجشنكير بلا لقاء ... وأمسى وهو ذو جأش نكير
إذا لم تعضد الأقدار شخصاً ... فأول ما يراع من النظير
انتهى.(3/473)
الجالق
بيبرس بن عبد الله الصالحي النجمي الجالق، الأمير ركن الدين، أحد أكابر الأمراء بالديار المصرية - والجالق صفة الفرس إذا كان قوي النفس كثير اللعب - كان أولاً في أيام أستاذه الملك الصالح نجم الدين أيوب من جملة الجمدارية، ثم أمره الملك الظاهر بيبرس، وجعله من جملة أمراء البحرية. ولا زال الملك الظاهر يرقبه حتى صار من أكابر أمراء دولته، ونالته السعادة، وكثر ماله. ثم أخرج إلى دمشق على إقطاع هائل؛ فدام في السعادة، وطالت أيامه، وهو آخر البحرية موتاً.
ولما كان بدمشق خرج منها إلى الرملة؛ لقسم إقطاعه، فمات بها سنة سبع وسبعمائة، وقد عمر، ونقلت رمته إلى القدس. رحمه الله تعالى وعفا عنه.
الحاجب
بيبرس بن عبد الله المنصوري الحاجب، الأمير ركن الدين. أظنه من(3/474)
مماليك الملك المنصور قلاوون، وترقى إلى أن صار أمير آخوراً. واستمر إلى أن عزله الملك الناصر محمد عند حضوره من الكرك بالأمير أيدغمش، وولاه الحجوبية؛ فدام على ذلك مدة إلى أن جرده الملك الناصر إلى اليمن هو وجماعة من العسكر المصري؛ فغاب مدة في اليمن، ثم حضر.
ولما حضر نقم السلطان عليه أموراً نقلت إليه عنه؛ فقبض عليه؛ واعتقله، ثم أطلقه بعد مدة، ورسم له بإمرة في حلب؛ فتوجه إليها وأقام بها مدة. فلما قدم تنكز إلى الديار المصرية في سنة تسع وثلاثين وسبعمائة طلبه من السلطان أن يكون عنده بدمشق؛ فرسم له بذلك؛ فاستمر بدمشق إلى أن مات الملك الناصر محمد، وتسلطن الملك الناصر أحمد بن محمد بن قلاوون، صار المذكور نائب الغيبة بدمشق. وكان قد أسن؛ فحصل له ما شرى في وجهه أقام معها مقدار جمعة، ومات في شهر رجب سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة.
وكانت داره بالقاهرة داخل باب الزهومة، كانت مشهورة به، وهو صاحب القنطرة على خليج الناصري. رحمه الله تعالى وعفا عنه.(3/475)
العديمي
بيبرس بن عبد الله العديمي، الشيخ المسند أبو سعيد التركي، مولى الصاحب محمد بن عبد الرحمن بن العديم.
مولده في حدود عشرين وستمائة. رحل مع أستاذه، وسمع ببغداد جزء البانياسي من الكاشغري، وجزء العيسوي من ابن الخازن، وأسباب النزول من أبي سهل، وتفرد بأشياء، وسمع من ابن أبي قميرة، وحدث بدمشق وحلب، وسمع منه الحافظ علم الدين البرزالي، وابن حبيب وأولاده، والواني، وابن خلف، وابن خليل المكي، وعدة.
وكان مليح الشكل، أمياً فيه عجمة. توفى بحلب سنة ثلاثة عشر وسبعمائة. رحمه الله تعالى.(3/476)
الخطائي الدوادار
بيبرس بن عبد الله المنصوري الخطائي الدوادار، الأمير ركن الدين.
أصله من مماليك الملك المنصور قلاوون، اشتراه، ورباه مع أولاده، ثم ترقى من بعده إلى أن ولى الدوادارية، ثم صار رأس الميسرة وكبير الدولة، ثم ولى نيابة السلطنة بالديار المصرية إلى أن قبض عليه وحبس مدة، ثم أطلق وأعيد إلى رتبته.
وكان عاقلاً، فاضلاً، بارعاً، عارفاً، سيوساً، ذا مشاركة وفضل، وصنف تاريخاً كبيراً أجاد فيه وأبدع، ويقال إنه صنفه بإعانة كاتبه ابن كبر النصراني وغيره، وسمى تاريخه: بزبدة الفكرة في تاريخ الهجرة، في أحد عشر مجلداً.
ومما يدل على فضله ما أورده في تاريخه من الكلام المسجع. وانتهى تاريخه إلى سنة أربع وعشرين وسبعمائة.
وكانت وفاته بالقاهرة في ليلة الخميس خامس عشرين شهر رمضان سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وهو من أبناء الثمانين.(3/477)
وكان فاضلاً، وافر الحرمة، مهاباً. وكان الملك الناصر محمد بن قلاوون يجله، ويقوم له لما يدخل عليه، ويأذن له بالجلوس.
قلت: كان يستحق هذا وأكثر؛ لما احتوى عليه من العلم، والفضل، والعقل، والكرم، والسياسة؛ فهؤلاء كانوا هم الأمراء، لا مثل أمراء عصرنا، هذا البقر العاجزة. انتهى.
السلاري
بيبرس بن عبد الله السلاري، الأمير ركن الدين حاجب صفد.
كان أولاً من أمراء الديار المصرية، ثم أخرجه الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى صفد بعد سنة سبع وعشرين وسبعمائة؛ فدام بصفد إلى أن مات الأمير أقطوان الجمالي الحاجب؛ فتولى بيبرس هذا حجوبية صفد من بعده، واستمر في الحجوبية إلى أن ولى الأمير أصلم السلاري نيابة صفد، نقل بيبرس هذا إلى دمشق على إمرة حتى لا يجتمعا؛ لأن كلا منهما كان سلارياً، ثم أعيد المذكور إلى حجوبية صفد، بعد مت الملك الناصر محمد؛ فدام بها إلى أن مات في أوائل شهر رجب الفرد سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة.(3/478)
الأحمدي
بيبرس بن عبد الله الأحمدي، الأمير ركن الدين، أميرجندار.
كان أحد أعيان أمراء الدولة، وكان أمير جندار في الدولة الناصرية محمد ابن قلاوون والمشار إليه، ثم عظم حتى صار له كلمة في الدولة وأمر ونهي.
ولما مات الملك الناصر محمد بن قلاوون صار هو صاحب العقد والحل في المملكة، وهو الذي قوى عزم قوصون على تولية الملك المنصور أبي بكر بعد موت والده الملك الناصر محمد، وخالف بشتك، وقال له: هذا السلطان أستاذك قد ولى ولده، وما اختار الذي تختاره أنت، وأبوهما أخبر بهما.
ولما نسب إلى الملك المنصور الذي نسب من اللهو، واللعب، واستعمال الشراب، حضر بيبرس هذا إلى باب القصر، وقال: إيش هذا اللعب؟ فانفل الجماعة الذين كانوا عند السلطان. ثم رغب عن وظيفته، ووليها الأمير أرنبغا إلى أن ولى الملك الناصر أحمد بن محمد بن قلاوون السلطنة، ولاه نيابة صفد؛ فباشرها إلى أن وقع له بها أمور. وخرج عن صفد بعد لبس آلة الحرب، وألبس مماليكه، ثم توجه إلى دمشق على تلك الهيئة؛ فأراد أمراء دمشق القبض(3/479)
عليه؛ فقال لهم: أنا جئت إليكم غير محارب؛ فإن جاء أمر من السلطان بإمساكي؛ فأمسكوني، وأنا ضيف عندكم. فأخرجوا الإقامة له، وبات تلك الليلة وأصبح والأمراء معه، فجاء البريد من الكرك بإمساكه؛ فكتب الأمراء إلى السلطان الملك الناصر أحمد يسألونه فيه، وقالوا له: هذا مملوكك ومملوك والدك، وركن من أركان دولتك، وما له ذنب، واليوم يعيش وغداً يموت، ونسأل صدقات السلطان العفو عنه، وأن يكون أميراً بدمشق، فرد الجواب بإمساكه، فردوا الجواب بالسؤال فيه، فأبى ذلك، وقال: أمسكوه، وانهبوه، وخذوا أمواله لكم؛ وابعثوا إلي برأسه؛ فأبوا ذلك، وخلعوا طاعته، وشقوا العصا عليه، فلم يكن إلا مدة يسيرة، وقدم عليهم الأمير طقتمر الصلاحي من الديار المصرية مخبراً بأن الأمراء المصريين خلعوا الملك الناصر أحمد المذكور، وولوا السلطان الملك الصالح إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون؛ فاطمأنت نفوس الأمراء الشاميين.
ودام بيبرس هذا مقيماً بدمشق - بقصر الأمير تنكز بالمزة - إلى أن ورد مرسوم الملك الصالح له بنيابة طرابلس؛ فتوجه إليها، وأقام بها نحو الشهرين، وطلب إلى الديار المصرية، وولى عوضه طرابلس الأمير أرنبغا أمير جندار، ثم جهز بيبرس هذا بحصار الملك الناصر أحمد بالكرك؛ فحصره مدة، وبالغ فلم ينل منه قصداً، وعاد إلى ديار مصر، وأقام بها إلى أن مات في أوائل سنة ست وأربعين وسبعمائة. وهو في عشر الثمانين.(3/480)
وكان شكلاً تاماً، ذا شيبة منورة، ووجه أحمر. وكان يميل إلى دين وخير، ويحب الفقراء وأهل الصلاح، وكان مثرياً، وله عدة أملاك ودور معروفة به. رحمه الله تعالى.
الموفقي
بيبرس بن عبد الله الموفقي المنصوري. الأمير ركن الدين.
أصله من مماليك الملك المنصور قلاوون الصالحي الألفي، وترقى إلى أن صار من جملة الأمراء بالقاهرة، ثم وقع حوادث نقل فيها أميراً بدمشق؛ فدام بها إلى أن مات في يوم الأربعاء ثالث عشرين جمادى الآخرة سنة أربع وسبعمائة، وصلى عليه ودفن، ثم ظهر بعد ذلك أن مماليكه خنقوه وهو نائم سكران، نسأل الله حسن الخاتمة.
الأتابكي
بيبرس بن عبد الله الظاهري الأتابكي، أحد مماليك الملك الظاهر برقوق وابن أخته.(3/481)
استقدمه الملك الظاهر برقوق صغيراً مع والدته وأقاربه في حدود سنين نيف وثمانين وسبعمائة؛ فربى في الحرم السلطاني إلى أن كبر أنعم عليه بإمرة عشرة.
ولا زال الملك الظاهر يرقيه إلى أن جعله أمير مجلس بعد نفي الأمير شيخ الصفوي إلى القدس في تاسع صفر سنة ثمانمائة؛ فدام على ذلك إلى تاسع عشرين جمادى الأولى من السنة نقل إلى الدوادارية الكبرى بعد موت الأمير قلمطاي الدوادار، وأنعم بإمرة مجلس على الأمير أقبغا اللكاش؛ فاستمر بيبرس دواداراً إلى أن نقله الملك الناصر فرج بن برقوق إلى الأتابكية، بعد عصيان الأتابك أيتمش البجاسي، وخروجه إلى الشام في سنة اثنتين وثمانمائة. واستقر عوضه في الدودارية الأمير يشبك الشعباني الظاهري الخازندار؛ فاستمر بيبرس المذكور أتابكاً مدة إلى أن اختفى الملك الناصر فرج، وخلع، وتسلطن أخوه الملك المنصور عبد العزيز ابن الملك الظاهر برقوق في سنة ثمان وثمانمائة؛ فلم تطل أيام الملك المنصور عبد العزيز، وظهر الملك الناصر فرج طالباً ملكه من بيت الأمير سودون الحمزاوي(3/482)
الدوادار في يوم الجمعة رابع جمادى الآخرة من السنة، وتلاحق به كثيراً من أمرائه، ولم يطلع الفجر حتى ركب الملك الناصر بآلة الحرب وسار بمن اجتمع عليه يريد قلعة الجبل؛ فقاتله الأتابك بيبرس هذا ومعه الأمير إينال باي أمير آخور، وسودون المارديني، ويشبك بن أزدمر من القلعة، قتالاً ليس بذاك، ثم انهزموا، وملك الملك الناصر فرج القلعة، وتوجه بيبرس منهزماً إلى خارج القاهرة؛ فأدركه الأمير سودون الطيار؛ فقاتله، فلم يثبت بيبرس، وأخذه سودون، وقبض عليه، وأحضره بين يدي الملك الناصر فرج بقيده، وبعث به إلى الإسكندرية.
وعاد الملك الناصر إلى ملكه، وخلع المنصور عبد العزيز، فكانت مدة ملك المنصور سبعين يوماً، وخلع السلطان على الأمير يشبك الشعباني الدوادار باستقراره أتابك العساكر، عوضاً عن بيبرس المذكور، واستقر سودون الحمزاوي دواداراً، عوضاً عن يشبك. ولا زال بيبرس في حبس الإسكندرية إلى أن قتل بالثغر في سنة إحدى عشرة وثمانمائة، وقتل معه الأمير سودون المارديني، والأمير بيغوت.
وكان بيبرس أميراً جليلاً، كريماً، لين الجانب، قليل الشر، منهمكاً في اللذات، واللهو، والطرب، منقاداً إلى نفسه، بمعزل عن الشجاعة والفروسية. رحمه الله تعالى.(3/483)
بيبرس المليح
بيبرس بن عبد الله الظاهري، الأمير ركن الدين، أحد الأمراء مقدمي الألوف بديار مصر.
كان أولاً مملوكاً لسيدي علي ابن الأتابك إينال اليوسفي. وكان مبدعاً بالحسن، فأخذه الملك الظاهر برقوق منه، وأخذ معه الملك الظاهر جقمق، وكان صبيين، فصارا من جملة الخاصكية بعد مدة يسيرة. وكان يضرب بحسنه المثل وتأمر في الدولة الناصرية فرج وهو خالي العذار. وكان يعرف ببيبرس المليح.
ولما اختفى الملك الناصر فرج، وتسلطن أخوه الملك المنصور عبد العزيز، صار بيبرس هذا أمير مائة ومقدم ألف بديار مصر، وخلع عليه، واستقر لالا للسلطان الملك المنصور عبد العزيز في يوم الثلاثاء سابع عشرين صفر سنة ثمان وثمانمائة.(3/484)
التمان تمري
بيبرس بن عبد الله التمان تمري، الأمير ركن الدين، أحد أمراء الطبخاناه، وأمير آخور ثاني في الدولة الظاهرية برقوق، واستمر على ذلك مدة طويلة إلى أن مات في رابع عشر جمادى الآخرة سنة تسع وتسعين وسبعمائة. رحمه الله تعالى.
المؤيدي
بيبغا بن عبد الله المؤيدي، الأمير سيف الدين، أحد أمراء الطبلخاناه بحماة.
أصله من مماليك الملك المؤيد إسماعيل صاحب حماة، وتأمر في أيام أستاذه، ثم من بعده إلى أن توفى سنة ست وأربعين وسبعمائة، رحمه الله. - وبيبغا صوابه باي بغا، ومعناه: ثور سعيد، فإن باي بالتفخيم: سعيد بالتركي، وبغا: هو الثور الهائل - انتهى.(3/485)
الأشرفي
بيبغا بن عبد الله الأشرفي، الأمير سيف الدين، نائب الكرك.
كان أولاً من جملة أمراء الديار المصرية، ثم ولى نيابة الكرك بعد العشرين وسبعمائة من قبل الملك الناصر محمد بن قلاوون ثم عزل وتوجه إلى دمشق، فدام بها إلى أن أضر بآخره وتعطل.
أرس
بيبغا بن عبد الله القاسمي، الأمير سيف الدين.
كان من جملة أمراء الملك الناصر محمد بن قلاوون، ثم ولى نيابة السلطنة بالديار المصرية بعد الملك الناصر مدة، ثم نقل إلى نيابة حلب، عوضاً عن أرغون الكاملي، في سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة.
ولما استقر في نيابة حلب شدد على من يشرب الخمر بها إلى الغاية، وظلم، وحكم في ذلك بغير أحكام الله، من ذلك: أن بعض المباشرين بالديوان السلطاني بحلب شرب الخمر، ثم ركب، وسار إلى دار الإمارة بغير(3/486)
اختياره، فأمر بيبغا أرس المذكور لما ظفر به بتسميره على جمل، فسمر، وطيف به ساعة من النهار، ثم أطلق.
وفي هذا المعنى يقول الأديب ابن حبيب:
أهل الطلا توبوا وكل منكم ... يعود عن ساق الطلا مشمرا
فمن يبت راووقه معلقا ... أصبح ما بين الورى مسمرا
وفي المعنى يقول القاضي شرف الدين حسين بن ريان:
تب عن الخمر في حلب ... والزم العقل والأدب
حدها عند بيبغا ... بالمسامير والخشب
ودام الأمير بيبغا المذكور في نيابة حلب إلى أن خرج عن الطاعة في سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة، ووافقه الأمراء، وحلفوا له على ذلك. ثم وافقه نواب البلاد الشامية بطرابلس وحماة وصفد، وانضم إليه الأمير قراجا بن دلغادر، وبرز إلى ظاهر حلب في ثالث عشر شهر رجب من السنة متوجهاً إلى الديار المصرية. فلما وصل إلى قبلي دمشق، وأقام بها نحو شهر إلى أن ورد عليه الخبر بأن الملك الصالح خرج من الديار المصرية بعساكره لقتاله، استشار بيبغا أصحابه، فأشاروا(3/487)
عليه بعدم اللقاء، ثم عادوا هاربين، ونزلوا على ظاهر حلب في سلخ شعبان، وأرادوا الدخول إلى حلب، فمنعهم أهلها، وقاتلوهم قتالاً شديداً.
ولما قرب العسكر المصري ولوا هاربين إلى جهة الشمال، فتبعهم جماعة من العسكر، ونهبوا مالهم، وقبضوا على بعضهم.
وأقام الملك الصالح بدمشق، وجهز نائبها في طلب بيبغا أرس المذكور، فسار المذكور في طلبهم إلى أن ظفر بنائب صفد، ثم بنائب طرابلس الأمير بكلمش ثم بنائب حماة الأمير أحمد، وجيء بهم، ثم أمسك الأمير بيبغا أرس المذكور، وجيء به إلى حلب، فحبس بقلعتها إلى أن قتل صبراً بالقلعة المذكورة في سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة.
وفيه يقول بعض الأدباء:
لما اعتدى بيبغا العادي ومن معه ... على الورى فارقوا كرها مواطنهم
خوف الهلاك سروا ليلاً على عجل ... فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم
وفي المعنى لابن خضر السنجاري:
بغى بيبغا بغي المماليك عنوة ... وما كان في الأمر المراد موفقا(3/488)
أغار على الشقرا في قيد جهله ... لكي يركب الشهباء في الملك مطلقا
فلما علا في ظهرها كان راكبا ... على أدهم لكنه كان موثقا
ولابن ريان من أبيات في المعنى:
أتى القوم بالأعداء أسرى أذلة ... إلى حلب الشهباء إلى خير مقدم
فبكلمش وافوا به وبأحمد ... ومن بيبغا قد أدركوا كل مغنم
ومن رام ظلم الناس يقتل بسيفه ... ولو نال أسباب السماء يسلم
قضوا ومضوا لا خفف الله عنهم ... إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم
قال الشيخ أبو محمد بن حبيب في تاريخه: وباشر شامخاً بأنفه سالكاً طريق عنفه لابساً ثياب الكبر راكباً من العز بحراً ليس له عبر. انتهى كلام ابن حبيب.
قلت: وبيبغا تقدم الكلام عليه، وأرس بألف مضمومة، وراء مهملة مضمومة أيضاً، وسين مهملة ساكنة، قبيلة من قبائل التتر في الشمال، بالإقليم السادس.
المظفري الأتابك
بيبغا بن عبد الله المظفري الظاهري، الأمير سيف الدين، أتابك العساكر بالديار المصرية.(3/489)
أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق ومن خاصكيته، ثم تنقل في الدولة الناصرية فرج إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، واستمر على ذلك إلى أن تجرد الملك الناصر فرج إلى البلاد الشامية في سنة أربع عشرة وثمانمائة، لقتال الأمير ابن شيخ المحمودي ونوروز الحافظي، وقدم الملك الناصر عدة أمراء أمامه جاليشاً. كان الأمير بيبغا هذا أيضاً في الجاليش، وتوجهوا إلى أن قدموا دمشق، ودخلوا على والدي الجميع بدار السعادة، وهو ملازم للفراش، فباسوا يده، ثم شكوا من فعل الناصر بهم وبغيرهم من الأمراء والجند، وعرفوه توجههم إلى الأميرين وعصيانهم على الناصر، فنهاهم والدي نهياً هيناً، ثم خرجوا من عنده وذهبوا بأجمعهم إلى الأمراء، وعصوا على الناصر، وكانوا عدة أمراء، فكان من أمراء الألوف: الأمير بكتمر جلق، والأمير طوغان الحسني الدوادار، والأمير بيبغا هذا وعدة أخر. واستمر بيبغا من حزب الأمير شيخ المحمودي ودخل معه إلى الديار المصرية بعد قتل الملك الناصر فرج في السنة المذكورة بدمشق، وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالقاهرة، كما كان أولاً، ثم إخراجه بعد مدة أتابكاً بدمشق، فتوجه إلى دمشق، ودام بها إلى(3/490)
أن خرج نائبها قاني باي المحمدي عن طاعة الملك المؤيد شيخ، وعصى في سنة ثماني عشرة وثمانمائة، ثم قاتل أمراء دمشق، فكان بيبغا هذا من حزب الملك المؤيد، وقاتل قاني باي المذكور مع من انضم إليه من أمراء دمشق وغيرهم.
ثم انكسر بيبغا وهرب إلى بعض البلاد الشامية إلى أن خرج الملك المؤيد من الديار المصرية، لقتال قاني باي، وانتصر عليه، وظفر به وبالأمير إينال الصصلاني نائب حلب وغيرهما، فعند ذلك أنعم الملك المؤيد على بيبغا المذكور ثانياً بتقدمة ألف بديار مصر، وأخذه معه، وعاد إلى القاهرة، فاستمر بيبغا على ذلك مدة يسيرة، وقبض عليه الملك المؤيد ثانياً، وحبسه بثغر الإسكندرية إلى أن أطلقه الأمير ططر بعد موت الملك المؤيد شيخ، وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف على عادته، ثم صار أمير مجلس، ثم أمير سلاح.
واستمر على ذلك إلى أن تسلطن الملك الأشرف برسباي أخلع عليه باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية عوضاً عن الأمير طرباي بعد القبض عليه بمدة، وذلك في سنة أربع وعشرين وثمانمائة، وصار الأمير جقق أمير سلاح عوضه، واستمر بيبغا على(3/491)
ذلك إلى أن قبض عليه الملك الأشرف برسباي في يوم البت تاسع عشرين شوال سنة سبع وعشرين وثمانمائة، وحمله إلى الإسكندرية، فسجن بها مدة إلى أن أطلقه الملك الأشرف، ورسم له بالإقامة بثغر دمياط بطالاً، فتوجه إليها، ودام بها إلى أن نقل إلى القدس بطالاً أيضاً بشفاعة زوجته خوند قنقباي، أم الملك المنصور عبد العزيز بن الملك الظاهر برقوق، فلم تطل أيامه بالقدس، وطلب إلى القاهرة، وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف وصار أمير مجلس، لكنه كان يجلس في الخدمة السلطانية رأس الميسرة، بخلاف قاعدة أمراء مجلس، وذلك مراعاة لمنزلته السالفة، فأقام على ذلك مدة يسيرة، وتوفى بالطاعون في ليلة الأربعاء سادس جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وله نحو ستين سنة.
وكان أمراً جليلاً، مهاباً، شجاعاً، معظماً في الدولة، وعنده تعصب لمن يلوذ به ومروءة، لكنه كان سيئ الخلق، قوي النفس، وله بادرة وخسة إلى الغاية مع سلامة باطن.
وكان تركي الجنس مستحقاً باجلراكسة، وعنده جنكزخان المغلي بمنزلة الخضر - عليه السلام -. وكان يخاطب الملك باللفظ الخشن، ولهذا كان كثيراً ما يمسك ويحبس. رحمه الله تعالى.(3/492)
البهادري
بيبغا بن عبد الله البهادري، الأمير سيف الدين، مقدم البريدية.
أصله من مماليك الأمير الطواشي بهادر مقدم المماليك السلطانية، ثم اتصل بخدمة الملك الظاهر برقوق، وصار من جملة خاصكيته، ثم تنقلت به الأيام إلى أن صار في الدولة الأشرفية برسباي مقدم البريدية، ودام على ذلك سنين إلى أن عزله الملك الأشرف بالأمير أسنبغا الطياري، وتعطل، ولزم داره إلى أن مات، وقد طعن في السن، وعجز عن الحركة في يوم الأربعاء ثامن شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وثمانمائة.
وكان مهملاً، منهمكاً في اللذات، مسرفاً على نفسه مع كرم وحشمة. سامحه الله تعالى، وغفر له.
المنصوري
بيدرا بن عبد الله المنصوري، الأمير بدر الدين، نائب السلطنة بالديار المصرية في الدولة الأشرفية خليل بن قلاوون.(3/493)
كان أصله من مماليك الملك المنصور قلاوون، وأعز أمرائه، ثم صار إلى نيابة السلطنة بالديار المصرية في دولة ولده الملك الأشرف خليل.
وكان بيدرا جليل القدر، ويرجع إلى دين وعقل وعدل. وكان يحب جمع الكتب في أنواع العلوم، واقتنى منها جملة، واستنسخ جملة أيضاً. وكان يحب الفضلاء وأهل العلم ويقدمهم ويكرمهم، وهو الذي خرج على الأشرف خليل بن قلاوون وقتله هو والأمير حسام الدين لاجين - على ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى في ترجمة الأشرف خليل.
ولما قتل الأشرف بالطرانة من البحيرة رجع بيدرا المذكور تحت العصابة السلطانية، وحلفوا له الأمراء، ووعدوه بالملك، وقيل بل بايعوه، ولقب بالملك القاهر، فلم يتم أمره، وقتلته المماليك الأشرفية من الغد في ثالث عشر المحرم سنة ثلاث وتسعين وستمائة، ولم يتكهل، ودخلت الأشرفية برأسه على رمح إلى القاهرة.
وكان بيدرا أميراً جليلاً، حسن الوجه والهيئة، وجرح مرة برمح في وجهه، فقال في السراج الوراق:(3/494)
عجباً لرمح في يمينك طرفه ... من جرأة فيه لطرفك طامح
ولو أنه في غير طرفك ما ارتقى ... يوماً ولو كان السماك الرامح
وفيه يقول الشيخ علاء الدين الوداعي:
عمرت بعد لكم البلاد وأقبلت ... فنرى ربوعاً أو ربيعاً أخضرا
والناس كلهم لسان واحد ... داع أدام الله دولة بيدرا
مقدم التتار
بيدرا مقدم التتار - من قبل هولاكو - جهزه هولاكو في سنة ثمان وخمسين وستمائة بعد كسرتهم، لما بلغه قتل الملك المظفر قطز، ومعه ستة آلاف مقاتل من التتار، ووصلوا إلى حلب، وجفل أهل حلب إلى الشام.
وكان بحلب الأمير حسام الدين الجوكندار مقدماً على العسكر، وكان النائب بحلب أنس صاحب الموصل، فأمسكه الأمير حسام الدين الجوكندار ومن معه، لسوء سيرته، ثم اندفع الجوكندار ومن معه من العسكر إلى جهة دمشق، فدهم التتار حلب وملكوها، وأخرجوا من فيها من المسلمين بعيالهم وأولادهم قهراً، وأحاط التتار بهم، ووضعوا السيف فيهم، وأبادوا، ثم أطلقوا بعض جماعة فدخلوا حلب في أسوء حال.(3/495)
ووصل الجوكندار بمن معه من العساكر إلى حماة وبها صاحبها الملك المنصور، فنزلوا بظاهرها من جهة القبلة، وقام المنصور بضيافتهم، وهو مستشعر منهم بأمور، ثم قدم التتار إلى جهة حماة: فلما قربوا منها رحل الملك المنصور والجوكندار بعسكرهما إلى حلب، ووصلت التتار إلى حماة ونازلوها فأغلقت أبوابها، فطلبوا منهم فتح الأبواب وإنهم يؤمنوا لهم كالمرة الأولى، فلم يجيبوهم، ولم يكن مع التتار خبز وشاه، ولم يكن أهل حماة يتقون إلا به، فاندفع التتار عن حماة للقاء العسكر، واحتفل الجوكندار والملك المنصور صاحب حماة والملك الأشرف صاحب حمص في ألف وأربعمائة فارس، وحملوا على التتار حملة رجل واحد، فهزموهم، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وهرب بيدرا هذا مقدم التتار في نفر يسير، وأتى القتل على معظمهم. وكانت الوقعة عند قبر خالد بن الوليد - رضي الله عنه - في أوائل المحرم سنة تسع وخمسين وستمائة، وتوجه بيدرا إلى هولاكو بخيبة وصغار.
وكان عارفاً بالحروب مقداماً شجاعاً، عليه من الله ما يستحق.(3/496)
البدري
بيدمر بن عبد الله البدري، الأمير سيف الدين.
كان ممن أنشأه الملك الناصر محمد بن قلاوون، ورقاه حتى صار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، ثم ولاه نيابة طرابلس، ثم نقل إلى نيابة حلب بعد موته في سنة سبع وأربعين وسبعمائة، عوضاً عن الأمير طقتمر الأحمدي، فباشر نيابة حلب إلى أن طلب إلى الديار المصرية، وتوجه إليها وكثر أسف الناس على عزله؛ لهمته العالية ونظره في مصالح الرعية.
وكان جليل القدر يميل إلى العدل والخير، ذا حرمة ومهابة، معظماً في الدول. وكان له ثروة وحشم، وعمر تربة مليحة بالقاهرة.
ولما حضر إلى القاهرة أقام بها نحو الشهرين، ثم أخرج إلى نيابة حلب ثانياً، فقبض عليه بغزة في جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وسبعمائة.(3/497)
الحاج بيدمر
بيدمر بن عبد الله، الأمير سيف الدين، المعروف بالحاج بيدمر.
كان أيضاً من جملة أمراء الملك الناصر محمد بن قلاوون، ثم أخرجه إلى صفد بطالاً فدام بها مدة، وصار نائبها الأمير أرقطاي يعظمه وينادمه، ثم نقل إلى دمشق على إمرة هينة في أيام تنكز. ولما حضر قطلوبغا الفخري، وجرى له ما جرى، جهز بيدمر هذا إلى بلاد الروم، لإحضار الأمير طشتمر حمص أخضر نائب حلب، وعاد، ودام بدمشق إلى أن أعطاه الملك الناصر أحمد بن محمد بن قلاوون إمرة طبلخاناه بدمشق، فاستمر بها إلى أن توفى سنة سبع وأربعين وسبعمائة، رحمه الله.
الخوارزمي
بيدمر بن عبد الله الخوارزمي، الأمير سيف الدين.
كان من أجل الأمراء بالديار المصرية، ثم ولى نيابة حلب في سنة ستين(3/498)
وسبعمائة، عوضاً عن الأمير بكتمر المؤمني، ودام بها إلى سنة إحدى وستين توجه بعساكر حلب إلى غزو بلاد سيس، وأخذها بالأمان، ثم نزلوا أذنة، واستولوا عليها، وأسروا، وقتلوا وغنموا، ثم فتحوا قلعة كلال ودليون والحديدة، ثم أقروا بطرسوس وأذنة نائبين للسلطان، ثم عادوا إلى حلب، وأرسل الأمير بيدمر مملوكه جبريل بمفاتح طرسوس وأذنه إلى السلطان الملك الناصر حسن، بعد أن خطب له بتلك البلاد، وضربت السكة باسمه، ثم نقل بيدمر المذكور في عدة ولايات، ووقع له أمور إلى أن مات في صفر سنة تسع وثمانين وسبعمائة في سلطنة الملك الظاهر برقوق.
وكان أميراً كبيراً، معظماً، مهاباً، طالت أيامه في السعادة زماناً. وكان ديناً، خيراً، وله آثار جميلة، وفتح فتوحات كثيرة. وكان مشهوراً بالشجاعة والرأي الحسن. رحمه الله تعالى.
الظاهري
بيدمر بن عبد الله الظاهري، الأمير سيف الدين.
أحد الحجاب بالديار المصرية في دولة أستاذه الملك الظاهر برقوق. مات من جرح أصابه في وقعة الأتابكي أيتمش البجاسي سنة اثنتين وثمانمائة. رحمه الله تعالى.(3/499)
بيدو بن طرغاي
بيدو، وقيل بندو، بن طرغاي بن هولاكو بن باطو بن جنكزخان، القان ملك التتار بالبلاد المشرقية.
جلس في الملك سنة ثلاث وتسعين وستمائة، فلم تطل أيامه، وقتل بعد ثمانية شهور بنواحي همذان، قتله بعض أقاربه.
الشمسي
بيسرى بن عبد الله الشمسي الصالحي، الأمير بدر الدين.
كان من أعيان الأمراء بالديار المصرية، وكان أحذ من رشح للسلطنة لما قتل الملك الأشرف خليل بن قلاوون.
أصله من مماليك الملك الصالح نجم الدين، وترقى في الدول إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، ثم قبض عليه الملك المنصور قلاوون وحبسه.(3/500)
وبقي في الحبس تسع سنين إلى أن أطلقه الملك الأشرف خليل بن قلاوون، وأعاده إلى رتبته أولاً. ودام على ذلك إلى أن قبض عليه الملك المنصور حسام الدين لاجين وحبسه؛ فدام أيضاً في الحبس إلى أن أعيد الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى السلطنة ثانياً؛ فتكلموا في أمره؛ فأبى الناصر إلا حبسه إلى أن مات بالجب في قلعة الجبل في تاسع عشر شوال سنة ثمان وتسعين وستمائة. وكانت له دار كبيرة بين القصرين بالقاهرة معروفة به.
قلت: تغيرت رسومها الآن.
وكان جليل القدر، معظماً في الدول، قبض عليه الملك المنصور خوفاً منه. وكان ضخماً، عالي الهمة، شجاعاً، كثير الصدقات والمعروف، كان عليه في أيام إمرته رواتب لجماعة من مماليكه وحواشيه وخدمه؛ فكان يرتب لبعضهم في اليوم من اللحم سبعين رطلاً، وما يحتاج إليه من التوابل، وسبعين(3/501)
عليقة، ولأقلهم خمسة أرطال وخمس علائق، ولبعضهم عشرة ولبعضهم عشرين - بحسب مقامه -. وكان ما يحتاج إليه في كل يوم لسماطه، ودوره، والمرتب عليه ثلاثة آلاف رطل لحم، وثلاثة آلاف عليقة كل يوم. وكانت صدقته على الفقير ما فوق خمسمائة، ولا يعطي أقل من ذلك. وكان إنعامه ألف أردب غلة، وألف قنطار عسل، وألف دينار. وله من هذا المنوال أشياء يطول شرحها من مأكله ومشربه وملبسه. وبالجملة، فإنه كان أعظم أمراء عصره.
قلت: ومن بعده؟، رحمه الله.
وبيسرى اسم مركب من لفظة تركية، ولفظة أعجمية. وصوابه: باي سرى، فباي باللغة التركية بالتفخيم هو: السعيد - كما تقدم ذكره في غير موضع - وسرى بالعجمية، الرأس، فمعناه: رأس سعيد أو سعيد الرأس. انتهى.
أمير الحاج
بيسق بن عبد الله الشيخي الظاهري، الأمير سيف الدين.
أحد المماليك الظاهرية برقوق، وأمراء الطبلخانات بالديار المصرية.
ونسبته بالشيخي إلى جالبه خواجا شيخ، تأمر المذكور في أيام أستاذه الملك الظاهر برقوق، ثم في دولة ابن أستاذه الملك الناصر فرج إلى أن صار أمير طبلخاناه وأمير آخور ثاني. وتولى إمرة الحاج غير مرة في الأيام
الظاهرية(3/502)
برقوق، ثم الأيام الناصرية فرج، ثم تولى عمارة المسجد الحرام بمكة لما احترق في سنة ثلاث وثمانمائة، وله مع أهل مكة أمور وحوادث، ومنهم من يثنى عليه، ومنهم من يقول: كان متعصباً لفقهاء الحنفية على فقهاء الشافعية. وغالب بره وصدقاته ما كان يعطيها إلا إلى الفقهاء الحنفية.
قلت: لفعله ذلك معنى: وهو أن أمر مكة وحكمها إنما هو للقاضي الشافعي بها، ومهما جاء من المآثر إلى مكة من الإفطار لا يعطى إلا إليه، وهو لا يفرقه إلا في أهل مكة وفي أقاربه وألزامه، والجميع شافعية، فيصير من هو حنفي أو مالكي محروماً بهذه الواسطة، وغالب من هو مجاور بمكة الآن حنفية ومالكية. ثم سخر الله للسادة المالكية التكاررة، يأتون إليهم بالأموال الجزيلة يفرقونها فيهم. فلما علم الأمير بيسق ما ذكرته صار لا يعطي صدقاته إلا للسادة الحنفية، ثم المالكية في بعض الأحيان، فتغير خواطر أهل مكة منه بهذا السبب لا غير. ولهذا السبب أيضاً ما جعل الأتابكي يلبغا العمري وقفه بمكة إلا على السادة الحنفية لما رأى أيضاً من قلة موجودهم بمكة - رحمه الله -.
ثم تنكر السلطان الملك الناصر فرج على الأمير بيسق، وأخرجه إلى بلاد الروم منفياً، فأقام بالروم إلى أن تسلطن الملك المؤيد شيخ قدم إلى القاهرة بعد ما أقام(3/503)
عند الأمير نوروز الحافظي مدة قبل دخوله إلى الديار المصرية، فتنكر عليه الملك المؤيد شيخ أيضاً بهذا السبب، ولم يقبل عليه، وأقام بداره بطالاً مدة، ثم أخرجه إلى القدس بطالاً أيضاً، فمات به في جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين وثمانمائة.
وكان عارفاً بالسياسة، ويشارك في الفقه. وكان له ثروة زائدة، فإن أخته كانت زوجة إسفنديار ملك الروم، وكانت ترسل إليه بالهدايا والتحف. ولما نفى توجه إليها، وعاد بجملة مستكثرة من المماليك والقماش وغير ذلك. وكان شرس الخلق وعنده حدة، لكنه كان عفيفاً عن المنكرات والفروج. وقيل إنه كان مملوكاً لبعض الأمراء، وخدم عند الملك الظاهر برقوق - وليس من عتقائه، والأول أقوى رحمه الله تعالى.
اليشبكي
بيسق بن عبد الله اليشبكي، الأمير سيف الدين، نائب قلعة دمشق.
هو من مماليك الأتابك يشبك الشعباني الظاهري، ثم صار بعد موته من جملة المماليك السلطانية إلى أن جعله الملك الظاهر جقمق أمير خمسة(3/504)
في أوائل سلطنته سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، ثم جعله نائب دمياط، وأنعم عليه بإمرة عشرة؛ فدام بها مدة إلى أن عزل، وقدم إلى ديار مصر، وصار من جملة أمراء العشرات بها إلى أن أخلع عليه الملك الظاهر بنيابة قلعة صفد بعد الجمالي يوسف بن يغمور في سنة خمسين وثمانمائة؛ فباشرها مدة، ثم عزل، وطلب إلى القاهرة وأنعم عليه بإمرة عشرة بها إلى أن نقله السلطان إلى نيابة قلعة دمشق بعد موت نائبها شاهين الطوغاني الأشقر في سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة؛ فاستمر بها إلى أن مات في شهر شعبان سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، وتولى نيابة قلعة دمشق من بعده سودون تركمان اليشبكي نقل إليها من صفد.
وكان بيسق هذا من خيار أبناء جنسه ديناً، وأدباً، وشجاعة، وتواضعاً، وكرماً. وكان ذا شيبة نيرة، ووجه صبيح. رحمه الله تعالى.
الظاهري
بيغوت بن عبد الله الظاهري، الأمير سيف الدين.
أحد مقدمي الألوف في دولة ابن أستاذه الملك الناصر فرج بن الملك الظاهر(3/505)
برقوق، وزوج أخت الملك الناصر المذكور. ودام على ذلك إلى سنة عشرة وثمانمائة إلى أن تجرد الملك الناصر فرج إلى البلاد الشامية، ووصل إلى دمشق، وفر نائبها الأمير شيخ المحمودي أخلع عليه الملك الناصر بنيابة دمشق، عوضاً عن المذكور، في يوم سادس عشر صفر من السنة المذكورة؛ فباشر بيغوت المذكور نيابة دمشق مدة إقامة السلطان بدمشق لا غير، ثم عزل بالأمير نوروز الحافظي نائب حلب في شهر ربيع الأول من السنة، واستقر على عادته أميراً بالديار المصرية، وعاد صحبة السلطان إليها؛ فلم تطل مدته بها، وقبض السلطان عليه، وحبسه بحبس الإسكندرية إلى أن قتل بها في سنة إحدى عشرة وثمانمائة.
وكان معدوداً من أكابر الأمراء. رحمه الله تعالى.
الأعرج
بيغوت بن عبد الله من صفر خجا المؤيدي، نائب حماة، الأمير سيف الدين، المعروف بالأعرج.
اشتراه الملك المؤيد شيخ أيام إمرته، وأعتقه، وجعله من جملة مماليكه الصغار.
ولما آلت السلطنة إليه جعله من جملة المماليك السلطانية، ثم صار خاصكياً بعد موته. ودام على ذلك إلى أن أنعم عليه الملك الأشرف(3/506)
برسباي بحصة في ناحية مرصفا بالقليوبية، عوضاً عن الأمير يلخجا الساقي؛ فأقام مدة يسيرة، وتوجه بيغوت المذكور إلى جهة إقطاعه المذكور؛ فاجتاز عليه كاشف القيلوبية، ولم ينصف بيغوت هذا، ووقع بينهما كلام بسبب فلاحين الناحية المذكورة؛ فأغلظ الكاشف في الكلام؛ فبادره بيغوت وضربه بالدبوس ضرباً بليغاً؛ فبلغ الملك الأشرف الخبر؛ فرسم بنفيه؛ فنفي إلى دمشق. واستمر بها مدة يسيرة، وأنعم عليه بإمرة عشرين بها، فدام على ذلك مدة، ونقل إلى إمرة طبلخاناه.
ثم ولي نيابة حمص من قبل الملك الظاهر جقمق؛ فباشر نيابة حمص مدة طويلة إلى أن نقل إلى نيابة صفد، بعد انتقال الأمير قاني باي البهلوان منها إلى نيابة حماة في حدود سنة سبع وأربعين وثمانمائة؛ فباشر المذكور نيابة صفد إلى أن نقل منها إلى نيابة حماة، بعد الأمير تنم بن عبد الرزاق المؤيدي المتنقل إلى نيابة حلب بعد موت الأمير برسباي في سنة إحدى وخمسين وثمانمائة؛ فاستمر الأمير بيغوت في نيابة حماة إلى أواخر سنة ثلاث وخمسين شكى منه بعض أهل حماة؛ فحضر ولده إبراهيم إلى الديار المصرية، وأجاب عن والده، وعاد(3/507)
إلى حماة وعلى يده خلعة الاستمرار لوالده. فلم يكن غير أيام قلائل وقتل جمعة بالمعرة من أعمال حماة؛ فشكى أهل من قتل إلى المقام الشريف في نائب حماة المذكور ثانياً؛ فأرسل السلطان السيفي جانم الخاصكي الساقي إلى حماة، وعلى يده مرسوم شريف يتضمن: إمساك ولده الصارمي إبراهيم وابن العجيل شيخ المعرة، وحملهما إلى القاهرة صحبة جانم المذكور، ويكون ابن بيغوت هذا مزنجراً؛ فتوجه جانم إلى أوافى حماة، وأوقف بيغوت على المرسوم الشرف؛ ففي الحال سلم ولده إبراهيم، ووضع الزنجير في عنقه بيده، وقيده، وأرسله إلى السلطان صحبة جانم المذكور، فوصل إلى القاهرة في يوم حادي عشرين المحرم من سنة أربع وخمسين.
وتمثل به جانم بين يدي المواقف الشريفة وبإزائه ابن العجيل؛ فلم يلتفت السلطان إليهما، ورسم بحبسهما بالبرج من قلعة الجبل. ثم بعد أيام قلائل صرح السلطان بعزل بيغوت من نيابة حماة، وولى مكانه الأمير حاج إينال نائب الكرك، ثم بطل ذلك في الحال، وكثر الكلام في حق بيغوت إلى أن رسم السلطان بعزله عن نيابة حماة في يوم الاثنين عشرين ربيع الأول من سنة أربع وخمسين، وتوجهه إلى دمشق بطالاً - والمقصود حبسه بقلعة دمشق - وولى عوضه نيابة حماة الأمير سودون المؤيدي أتابك حلب، وحمل تقليده على يد السيفي(3/508)
سودون الخاصكي أمير آخور السلطان في حال إمرته، وتوجه بمرسوم الأمير بيغوت قرا جانبك الظاهري، أحد رءوس النوب، وتوجها إلى ما ندبا إليه، فقبل أن يصل قرا جانبك إلى بيغوت عصى بيغوت، وخرج من حماة بمن معه إلى جهة الشرق، وورد الخبر بذلك إلى الديار المصرية في يوم الخميس ثامن جمادى الأولى من السنة.
واستمر بيغوت عاصياً، وولده إبراهيم محبوساً بالبرج بقلعة الجبل.
ووقع له أمور إلى أن عدى الفرات وانضم على جهان كبر بن علي بك بن قرايلك واستفحل أمرهما، وكثر الكلام في ذلك، فلم يكن بعد قليل إلا وطرق ديار بكر عسكر جهان شاه بن قرا يوسف صاحب تبريز؛ لقتال جهان كير؛ فانهزم جهان كير، وتحصن بآمد، وطلب الأمير بيغوت أن يدخل معه في آمد؛ فامتنع بيغوت من دخول آمد، وأراد التوجه إلى بلاد الروم؛ فعندما توجه في أثناء الطريق صدفه رستم مقدم عساكر جهان شاه؛ فظفر رستم ببيغوت المذكور وبمن معه من مماليكه وبركه؛ فأنزله عنده محتفظاً به نحو ثلاثة أيام، ثم قبض عليه وعلى أمير آخوره، وأودعهما بقلعة الرها، وأرسل رستم يخبر الملك الظاهر بذلك؛ فدام بيغوت محبوساً بقلعة الرها إلى أن طرقها أويس بن علي بك بن قرايلك أخو جهان كير، وملكها عنوة من نائب رستم، وأطلق بيغوت وأمير آخوره وخير بيغوت فيما(3/509)
يرومه، وقال له: إن شئت فتوجه إلى أخي جهان كير بآمد، وإن شئت تروح إلى ابن قرمان؛ فأرسلت معك من يتوجه صحبتك؛ فقال بيغوت: ما أروح إلا نحو الديار المصرية إلى أستاذي؛ فأرسل به إلى البيرة، فأخذه نائبها، وتوجه به إلى حلب وبها نواب البلاد الشامية؛ فأرسل نواب البلاد الشامية يطلبون له من السلطان الأمان، ويشفعون فيه؛ فأجيبوا لذلك، وكتب مرسوم شريف له بقدومه إلى القاهرة معظماً مبجلاً.
وكان الملك الظاهر قد أطلق ولده إبراهيم من البرج قبل ذلك بمدة يسيرة، وجعله من جملة الخاصكية. وقدم بيغوت إلى الديار المصرية في يوم السبت ثالث عشر ربيع الآخرة سنة خمس وخمسين وثمانمائة؛ فأقام بالقاهرة مدة، ثم رسم له بالتوجه إلى دمشق، ورتب له بها ما يكفيه؛ فتوجه إليها، وأقام بها مدة يسيرة، وأنعم عليه بتقدمة ألف بعد موت بردبك العجمي اجلكمي؛ فلم تطل مدته في ذلك غير أيام، ونقل إلى نيابة صفد ثانياً بعد موت الأمير يشبك الحمزاوي، وحمل إليه التشريف والتقليد الأمير يشبك من سلمان شاه المؤيدي، المعروف بالفقيه، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة.(3/510)
المسعودي
بيليك بن عبد الله المسعودي، الأمير بدر الدين.
أحد الأمراء بالديار المصرية. استشهد على عكا في سنة تسعين وستمائة. رحمه الله تعالى.
أبو شامة
بيليك بن عبد الله المحسني
الصالحي، الأمير بدر الدين أبو أحمد الحاجب، المعروف بأبي شامة.
كان من أعيان الأمراء بالديار المصرية، وعمل الحجوبية بها للملك المنصور قلاوون مدة، ثم أعطى إمرة بدمشق بعد التسعين وستمائة من قبل الملك الأشرف خليل بن قلاوون؛ فدام بها إلى أن قتل الأشرف خليل طلب إلى الديار المصرية وصار أميراً بها إلى أن توفى سنة خمس وتسعين وستمائة. وكان خيراً، ديناً، سيوساً، فاضلاً، وله مشاركة في الفقه، وروى عن ابن المقير وابن رواح عاقلاً، وابن الجميزي. رحمه الله تعالى.(3/511)
الصالحي
بيليك بن عبد الله الصالحي، الأمير بدر الدين، أمير سلاح. وقيل كان اسمه بكتاش، أحد الشجعان المشهورين.
كان له غزوات ومشاهد مشهورة. وكانت فيه تجمل وسياسة، وعمر دهراً إلى أن شاخ وأسن، ولم يزل معظماً في الدول يتقلب من وظيفة إلى غيرها حتى إنه سئل مرة: كيف سلمت دون غيرك من هذه الأهوال التي مرت؟: فقال: لأني لا أعارض سعيداً؛ فإني كنت إذا رأيت أحداً قد أقبل سعده لم أعارضه في شيء. توفى سنة ست وسبعمائة عن سن عال. رحمه الله تعالى.
الخازندار
بيليك بن عبد الله الظاهري الخازندار، الأمير بدر الدين، نائب السلطنة بالديار المصرية، ومقدم الجيوش بها.
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي، رحمه الله: كان أميراً جليل المقدار، عالي الهمة، واسع الصدر، كثير البر والمعروف والصدقة، لين الكلمة، حسن المعاملة(3/512)
والنظر للفقراء، يتفقد أرباب البيوت، وعنده: ديانة، وفهم، وإدراك، وذكاء، ويقظة. سمع الحديث وطالع التواريخ. وكان يكتب خطاً حسناً، وله وقف بالجامع الأزهر على زاوية لمن يشتغل بمذهب الشافعي، وبها درس، وله أوقاف أخر على جهات البر.
ويحكى أنه لما أحضره التاجر من البلاد قال للملك الظاهر بيبرس: يا خوند. وهو يكتب خطاً مليحاً؛ فأمره السلطان أن يكتب، فأخذ القلم وكتب: لولا الضرورات ما فارقتكم أبداً، ولا ترحلت من ناس إلى ناس؛ فأعجب السلطان؛ كونه كتب هذا البيت دون غيره، وزاد ثمنه في مشتراه. وقيل إن التاجر المذكور افتقر في آخر أمره، فجاء إليه وقد عظم وصار نائباً، وكتب إليه:
كنا جميعين في بؤس نكابده ... والعين والقلب منا في قذى وأذى
والآن أقبلت الدنيا عليك بما ... تهوى فلا تنسني إن الكرام إذا
فوصله بعشرة آلاف درهم.
وكان له الإقطاعات العظيمة بالديار المصرية وبالشام، وله قلعة الصبيبة، وبانياس وأعمالها، وبيت جنى وغير ذلك.
ولما مات الملك الظاهر بيبرس ساس الأمور أحسن سياسة، ولم يظهر موته وكتب، إلى الملك السعيد مطالعة بخطه. وسار بالجيوش إلى مصر على(3/513)
أحسن نظام، بحيث أنه لم يظهر لموت الملك الظاهر أثر.
ولما وصل إلى القاهرة مرض عقيب وصوله. ولم يطل مرضه؛ وتوفى ليلة الأحد سادس شهر ربيع الأول سنة ست وسبعين وستمائة بقلعة الجبل يوم الاثنين؛ فدفن بتربته التي أنشأها بالقرافة الصغرى، ووجد الناس عليه وجداً عظيماً، وحزنوا لفقده، وشمل مصابه الخاص والعام؛ فكانت له جنازة مشهودة، وأقيم النوح عليه بالقاهرة والقلعة ثلاث ليال متواليات، والخواتين ونساء الأمراء يدورون في شوارع القاهرة ليلاً بالشمع، والنوائح والطارات، وصدع موته القلوب. وقيل إنه مات مسموماً. ومنذ مات اضطربت أحوال الملك السعيد، وظهرت إمارات الإدبار عليه. وكان عمره خمساً وأربعين سنة. وخلف تركة عظيمة تفوت الحصر، وخلف ابنين.
وكتب إليه شهاب الدين بن يغمور، وقد أهدى إليه شاهيناً.
يا سيد الأمراء يا من غدا ... وجه الزمان به منيراً حالكا
وافاك ذا الشاهين قبل أوانه ... ليفوز قبل الحائمات ببابكا
حتى الجوارح قد غدت بدرية ... لما رأت كل الوجود كذالكا(3/514)
الأيدمري
بيليك بن عبد الله الأيدمري المنصوري، الأمير بدر الدين.
أحد مماليك الملك المنصور قلاوون وخواصه.
كان من أعيان الأمراء بالديار المصرية في أيام أستاذه إلى أن توفى بالقاهرة في رابع المحرم سنة ست وثمانين وستمائة، ودفن بتربته التي أنشأها بقرب مشهد الإمام الشافعي، رضي الله عنه، ووجد الملك المنصور عليه وجداً عظيماً. رحمه الله تعالى.
الفرنجي صاحب طرابلس
بيمند الفرنجي، متملك طرابلس.
قال الشيخ قطب الدين اليونيني: رأيته وقد حضر إلى بعلبك إلى خدمة كتبغا نوين مقدم عساكر هولاكو، وصعد إلى قلعة بعلبك ودارها، وحدثته نفسه أن يطلبها من هولاكو، ويبذل له ما يرضيه، وشاع ذلك ببعلبك؛ فشق على(3/515)
أهلها وعظم عليهم؛ فحصل بحمد الله كسرة التتار في آخر شهر ما آمنهم فيه.
ولما ملك المنصور قلاوون طرابلس سنة ثمان وثمانين وستمائة نبش الناس عظم بيمند المذكور من كنيسة طرابلس.
تم بحمد الله الجزء الثالث من كتاب المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي.(3/516)
137 17 - /حرف التاء المثناة من فوق
752 - تاج الشويكي بعد 750 - 829هـ؟ - 1435م
تاج بن سيفة الشويكي الدمشقي، القازاني الأصل، وإلى القاهرة.
الأمير شيخ المحمودي نيابة دمشق، في سنة خمس وثمانمائة، اتصل تاج هذا بخدمته بالتمسخر والدعابة، وصار يغسله ويحلق رأسه، ولا زال يتقرب إليه بأنواع الهزل إلى أن صار من ندمائه، فلما تسلطن شيخ المذكور وتلقب بالملك(4/5)
المؤيد، قرب التاج هذا وولاه ولاية القاهرة، وأنعم عليه بإمرة، ثم ولاه أستادارية الصحبة لأنه كان يحسن طبخ الطعام، ثم ولاه حسبة القاهرة، كل ذلك لدعابة كانت فيه لا لحسن سيرته ومعرفته، ثم ولى إمرة حاج المحمل المصري في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، ولا زال ينتقل من وظيفة إلى أخرى حتى صار له كلمة في الدولة وحرمة، وأثرى فعند ذلك طغى وتجبرن وظلم وعسف، وأخذ يتجاهر بالمعاصي والفسوق، وصار لا يكف عن قبيح، وهو من ذلك قبيح المنظر والشكل، فإنه كان شيخا طوالا غليظا، كث اللحية، ليس عليه تورانية ولا أبهة، وكان لا يتجمل في ملبسه بل يسير على طبعة أولا، وهو من مساوئ الملك المؤيد شيخ، بل من الأوباش الذين قربهم، ومن الأندال الذين رقاهم.
ولم يزل على ذلك حتى مات الملك المؤيد شيخ أخذ أمره في انحطاط بموته إلى أن تسلطن الملك الأشرف برسباى أبعده وأخرج غالب وظائفه وإقطاعاته، وتبهدل في الدولة الأشرفية إلى الغاية، ووقع له أمور وحوادث منها أني دخلت(4/6)
يوماً إلى الأمير أزبك الدوادار في الدولة الأشرفية فوجدته قد ألقى التاج هذا على الأرض وضربه ضرباً مبرحاً لأمر أوجب ذلك.
ولما طالت دولة الملك الأشرف أخذ التاج هذا يتقرب إليه بأنواع التحف والمسخر، ولا زال يفعل ذلك إلى أن نادمه الملك الأشرف، وعاد إلى بعض رتبته أولا، وولى ولاية القاهرة، وصار يتمسخر بالحضرة الشريفة، ويضرب بحضرة السلطان حتى ينحرف عامداً ليضحك السلطان من ذلك، ويقع منه في هزله ما يوجب ضرب عنقه من الألفاظ الكفرية دواماً، ويمعن في ذلك.
واستمر على طغيانه واستخفافه بالدين وفسقه إلى أن مرض ولزم الفراش، طال مرضه، وصار يعتريه الأرق إلى أن كان قبل موته بمدة يسيرة جداً أتاني من عنده بعض حفدته يطلب مني فرشا محشيا ريش نعام لينام عليه لعله يغمض، فقلت لقاصده: ما حاله اليوم؟ فقال: بشر، فإنه في الليلة الماضية حصل له سهر عظيم وقلق، فقالت له زوجته القديمة أم محمد: استغفر ربك واسأله العافية، فسبها ثم سب أهل السموات والأرضين بلفظ يوجب ضرب عنقه على فراشه، ثم مات بعد ذلك بقليل، في ليلة الجمعة حادي عشرين شهر ربيع الأول سنة تسع وثلاثين وثمانمائة.(4/7)
وكان شيخا جاهلا، مسرفا على نفسه، مستخفا بالمحار من متجاهرا بذلك، وداره كبعض الخانات لما بها من أنواع القبائح، وكان لا يحجب زوجته زهور الجنكية من أحد، ويعجبه محبة بعض أعيان الدولة لهان وكانت داره بسويقة الصاحب بالقرب من دار سكنها منذ قدم من دمشق إلى أن مات.
ولم يكن بيني وبين المذكور عداوة توجب الحط عليه، فإنه كان أقل من ذلك، وإنما حملني على ما ذكرته غيرة الإسلام، فإنه كان شيخاً ضالاً مضلا، عليه من الله ما يستحقه، ومات وسنه نيف على الثمانين سنة.
قال الشيخ تقي الدين المقريزي في ترجمة التاج هذا بعد كلام طويل: أنه لما قدم مع المؤيد شيخ إلى الديار المصرية صار من جملة أخصائه وندمائه، فولاه ولاية القاهرة مدة، فسار فيها سيرة ما عف فيها عن حرام ولا كف عن إثم، وأحدث من أخذ الأموال ما لم يعهد قبله، ثم تمكن في الأيام الأشرفية برسباى، وصار جليسا نديما، وأضيفت إليه عدة وظائف حتى مات من غير نكبة، ولقد كان عارا على جميع بني آدم، لما اشتمل عليه من الخازي التي جمعت سائر القبائح وأربت بشاعتها على جميع الفضائح. انتهى كلام المقريزي باختصار.(4/8)
؟
753 - تاشفين المريني
تاشفين بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق، السلطان أبو عمر بن السلطان صاحب فاس أبي الحسن صاحب فاس وما والاها.
أقامه في السلطنة الوزير عمر بن عبد الله بن علي بن سعيد الفودودي في ليلة السابع من ذي القعدة سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وقاتل به أبا سالم إبراهيم بن أبي الحسن حتى استوثق له الأمر، فاستقل عمر بن عبد الله بملك أبي عمر تاشفين هذا، وصارت الكلمة له وثقل على الناس، فحسن سليمان ابن ونصار مقدم الموالى والجند لغرسية بن أنطوان قائد الجند إغتيال عمر وإقامة سليمان بن داود في الوزارة، وكان سليمان في الاعتقال، وبلغ ذلك عمر، فقرر مع إبراهيم البطروجي قائد الركب، ويحيى بن عبد الرحمن شيخ بني(4/9)
مرين وصاحب شوارهم الفتك بغرسية المذكرو ومن معه، فاضطرب الناس بالبلد، وقتلوا جند النصارى وزحفوا إلى محلتهم، فركب بنو مرين وانتهبت بيوت النصارى بعد ما قتل النصارى كثيراً من العامة، وقوى عمر، وقبض على سليمان بن ونصار وقتله، وصار يحيى بن عبد الرحمن صاحب الشورى ومعه بنو مرين في حزب، وقد ترفع على الوزارة وأهل الدولة فاختلف رأيه ورأى عمر وتنافسا حتى خالفوا عليه، وركبوا مع كبيرهم يحيى بن عبد الرحمن ودعوا لعبد الحليم بن أبي علي المدعو حلى، فأطلق عمر بن عبد الله عند ذلك الوزير مسعود ابن رخو بن ما مساي من الحبس وبعثه إلى مراكش ليجلب له عسكرا إن حوصر، وكان عبد الحليم المدعو حل ابن أبي على من أبى سعيد عثمان بن يعقوب ابن عبد الحق في عدة من بني أمية بغرناطة من الأندلس، فبعث أبو حمو موسى بن يوسف العبدوادي تلمسان يرغب ابن الأحمر صاحب غرناطة حتى بعث عبد الحليم وإخوته ليغيظ السلطان أبا سالم بذلك، فجهزهم ونصب عبد الحليم لملك الغرب، فبلغه مهلك أبي سالم ووافت قصاد بني مرين يطلب عبد الحليم فقام بأمره وجهزه بما يليق به، وبعثه فتلقته أكابر بني مرين بتازي، ونزلوا على البلد الجديد يوم السبت سابع المحرم سنة ثلاث وستين وسبعمائة، وقاتلوا من في البلد سبعة أيام، فبرز عمر بن عبد الله في يوم السبت(4/10)
ثالث عشرينه بسلطانه أبي عمر، وقاتلهم وهزمهم، فلحق عبد الحليم وإخواته بتازي. هذا وقد بدا لعمر بن عبد الله أن يبعث في طلب أبي زيان محمد بن لأمير أبي عبد الرحمن بن أبي الحسن، وكان عند طاغية الفرنج بأشبيلية خوفاً من السلطان أبي سالم، فخرج منها أول المحرم المذكور ونزل سبته، فلما بلغ ذلك عمر بن عبد الله خلع أبا عمر ناشفين صاحب الترجمة من الملك وحبسه من حرمه، واستدعى أبا زيان وبعث إليه بآلة الملك، وأخرج إليه العساكر في لقائه حتى قدم ظاهر فاس في نصف صفر سنة ثلاث وسبعمائة، فكانت مدة أبي عمر تاشفين هذا نحو شهرين وهو تحت الحجر. انتهى.
754 - تأني بك اليحياوي 800هـ؟ - 1398م
تأني بك بن عبد الله اليحياوي الظاهري، الأمير آخور، الأمير سيف الدين،(4/11)
وصواب تأني بك في الكتابة والقراءة تنبسك، بتاء مثناه من فوق مفتوحة، ومعناه باللغة التركية أمير جسد. انتهى.
قلت وهو من مماليك الملك الظاهر برقوق وأعز أمرائه، أمره في سلطنته الثانية بعد خروجه خمن حبس الكرك عشرة، ثم رقاه إلى أن جعله أمير مائة ومقدم ألف وأمير آخور كبير بعد الأمير بكلمش العلائى، لما ولى إمرة سلاح، وعظم في الدولة الظاهرية وضخم، وصار له كلمة نافذة وحرمة وافرة، ودام على هذا إلى أن توفي ليلة الخميس رابع عشر شهر ربيع الآخر سنة ثمانمائة، ومشى الملك الظاهر برقوق في جنازته، ووجد عليه وجدا عظيماً، وركب حتى شاهد دفنه، وأقام القراء على قبره أسبوعاً، ومات قبل الكهولة.
قال العيني: ومات ولم يوص لأحد بشئ، وكان رجلاً مسيكا، لكن كان عنده حلم وحسن خلق، وملاقاة حسنة للناس، وكان متجنبا عن الكلام الفاحش، وكان عنده طمع وحرص في جمع الأموال، وقلة مبالاة في أخذ الرشا والبراطيل.
انتهى كلام العيني.(4/12)
755 - تنبك ميق
826هـ -؟ - 1423م تنبك بن عبد الله العلائي، الأمير سيف الدين نائب الشام، المعروف بمبق، بميم مكسورة وياء آخر الحروف مكسورة أيضاً وقاف ساكنة، ومعناه باللغة التركية شوارب.
كان المذكور من أكابر المماليك الظاهرية ومن أشرارهم، وممن ترقى في الدولة الناصرية فرج، ولما تسلطن الملك المؤيد شيخ جعله أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، ثم رأس نوبة النوب، ثم أمير آخورا كبيرا، واستمر في الأمير آخورية إلى أن توجه الملك المؤيد في سنة تسع عشرة وثمانمائة إلى البلاد الشامية وسار إلى جهة ابلستين وغيرها، ثم عاد إلى دمشق ودخلها يوم الثلاثاء مستهل شهر رمضان من السنة، فلما كان يوم الإثنين سابع الشهر المذكور قبض(4/13)
الملك المؤيد على مملوكه آقباي نائب دمشق وحبسه بقلعتها وولى الأمير تنبك ميق هذا نيابة الشام عوضاً عن آقباي المذكرو بعد امتناع زائد، فباشرها إلى سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة استدعاه الملك المؤيد إلى القاهرة، فركب من وقته من دمشق.
وكان المقام الصارمي إبراهيم ولد الملك المؤيد قد خرج من دمشق عائدا إلى الديار المصرية من سفرته إلى بلاد الروم، فاستحث الأمير تنبك في السير حتى وافى المقام الصارمي بالقرب من خانقاة سرياقوس ضحى، وركب في الموكب إلى أن دخل القاهرة بين يدي السلطان وولده الصارمي إبراهيم بعد أن رحب به السلطان وبالغ في إكرامه، وذلك في تاسع عشرين شهر رمضان من السنة.
وعزل الأمير تنبك عن نيابة دمشق بالأمير جقمق الأرغون شاوي الدوادار، وأنعم عليه بإقطاع جقمق المذكور، وصار يجلس في رأس الميسرة تحت المقام(4/14)
الصارمي، ودام على ذلك إلى أن مات الملك المؤيد وتسلطن ولده الملك المظفر أحمد المرضع وصار الأمير ططر مدبر الممالك، وصاحب العقد والحل في الديار المصرية، ثم توجه الأتابك ططر بالمظفر إلى البلاد الشامية، واستقر بالأمير تنبك هذا في نيابة دمشق ثانياً بعد عصيان الأمير جقمق المذكور والقبض عليه وقتله، فاستمر في نيابة دمشق إلى سنة خمس وعشرين وثمانمائة، وتوفي الملك الظاهر ططر وتسلطن ولده الملك الصالح محمد وصار الأمير الكبير برسباى الدقماقي مدبر المماليك، وقدم المير ناصر الدين محمد بن إبراهيم بن منجك من دمشق، فأعاده الأمير برسباى الدقماق إلى دمشق بطلب الأمير تنبك هذا إلى الديار المصرية.
فقدم تنبك صحبة ابن منجك المذكور بعد مدة يسيرة في سادس شهر ربيع الآخرة، وخرج الناس إلى لقائه، وصعد إلى القلعة، فخرج الأمير برصباى ماشيا إليه لقرب باب القلعة، اعتذر له عن ملاقاته من المماليك الجلبان، ودخلا(4/15)
جميعا، ثم خلا به الأمير برسبامى واستشاره فيمن يكون سلطانا، وذكر له أن أحوال الناس ضائعة بصغر الملك الصالح محمد، وما في الدولة من يليق بالسلطنة غيرك، فلما سمع تنبك هذا الكلام وثب قائماً وقال: إن كان ولا بد فما يكون سلطانا إلا أنت، ثم قبل الأرض بين يدي برسباى، وخلع الصالح، وتسلطن برسباى في يوم الأربعاء ثامن ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وثمانمائة ولقب بالملك الأشرف، ثم أخلع الأشرف المذكور عليه بنيابة دمشق على عادته، ودام بها إلى أن مات يوم الاثنين ثامن عشر شعبان سنة ست وعشرين وثمانمائة، وتولى بعده نيابة دمشق الأمير تنبك البجامي الآتي ذكره إن شاء الله تعالى.
756 - تبك البجاسي
تنبسك بن عبد البجاسي، الأمير سيف الدين، نائب دمشق.
كان من جملة أمراء العشرات في الدولة الناصرية فرج بن برقوق، ثم ولى نيابة حماه في الدولة المؤيدية شيخ في شهور سنة سبع عشرة وثمانمائة، فباشر(4/16)
نيابة حماة مدة يسيرة، وخرج عن الطاعة وعصى مع الأمير قائي باي المحمدي نائب الشام، والأمير إينال الصصلاني نائب حلب، والأمير سودون من عبد الرحمن نائب طرابلس، والأمير طرباي نائب عزة، واتفقوا الجميع على محاربة الملك المؤيد شيخ، فخرج إليهم المؤيد من الديار المصرية في يوم الجمعة ثاني عشرين شهر رجب سنة ثماني عشرة وثمانمائة وسافر حتى واقع الأمراء المذكورين وكسرهم، فهرب منهم جماعة وقبض على جماعة، فكان تنبك هذا ممن انهزم وتوجه إلى قرا يوسف صاحب تبريز، ودام عنده إلى أن مات الملك المؤيد في أول سنة أربع وعشرين وثمانمائة، وبلغ تنبك المذكور موته قدم إلى دمشق مع من قدم من الأمراء المنهزمين عند قرا يوسف من رفقته، فوافوا الجميع ططر وهو بدمشق، فقوى جأش ططر بهم في الباطن وفرح بهم.(4/17)
فلم يكن بعد أيام إلا وقبض ططر على جماعة
من الأمراء المؤيدية وأمر هؤلاء الجماعة، وتسلطن فولى تنبك هذا نيابة حماة ثانيا، فلم تطل مدته بها ونقل إلى نيابة طرابلس، فلما بلغه هذا الخبر ركب الهجن من وقته وساق خلف الملك الظاهر ططر إلى أن وفاه بالغور في عوده إلى الديار المصرية، فنزل وقبل الأرض بين يديه، وليس الشريف عوضا عن الأمير أركماس الجلباني وذلك في شهر رمضان سنة أربع وعشرين وثمانمائة.
فتوجه إلى طرابلس، واستمر بها إلى يوم عرفة من السنة ورد عليه مرسوم شريف من الملك الظاهر ططر بنيابة حلب عوضاً عن الأمير تغرى بردى المعروف بأخي قصروه بحكم عصيانه، وبالتوجه لقتال تغرى بردى المذكور، فخرج تنبك من طرابلس بالعساكر في رابع عشر ذي الحجة إلى ظاهر طرابلس، وأقام إلى سادس عشر ذي الحجة فبلغه موت الملك الظاهر ططر فأقام بمكانه إلى أن ورد عليه مرسوم الملك الصالح محمد بن ططر بالخلعة والاستمرار على نيابة حلب وبالمسير إلى حلب، فسار إليها لإخراج تغرى بردى منها، وعند مسيره إلى جهة حلب وافاه الأمير إينال النوروزي نائب صفد بعسكرها، وتوجهوا الجميع إلى(4/18)
حلب فلما سمع بردى بقدومهم فر منحلب وتوجه نحو بلاد الروم، وبلغ خبره الأمير تنبك البجاسي هذا، فسار خلفه من ظاهر حلب إلى الباب فلم يدركه، ورجع إلى حلب فدخلها وحكمها إلى أن نقله الملك الأشرف برسباى إلى نيابة الشام بعد موت نائبها الأمير تنبك العلائي المعروف بميق المتقدم ذكره في شهر رمضان سنة ست وعشرين وثمانمائة، وكان مسفره الأمير جانبك الأشرفي الدواداو الثاني.
فاستمر تنبك هذا في نيابة دمشق إلى سنة سبع وعشرين أخذ في أسباب العصيان، وبلغ ذلك الملك الأشرف فأرسل إلى حاجب دمشق الأمير برسباى الناصري وإلى عدة أمراء بالقبض عليه في الباطن، فلم يمكنهم القبض عليه، فركبوا عليه ليلا، ووقفوا خارج باب النصر إلى الصبح، فركب تنبك بمماليكه بكرة نهار يوم الجمعة وتقاتلوا ساعة، فكسر العسكر الشامي وانتصر تنبك المذكور واستفحل أمره.
وعاد الخبر إلى الملك الأشرف فخلع على الأمير سودون من عبد الرحمن الدوادار الكبير عوضه في نيابة الشام. فنزل الأمير سودون من عبد الرحمن بخلعته إلى(4/19)
الريدانية خارج القاهرة، ونزل بمخيمه، ثم سافر بعد مدة يسيرة لقتال تنبك المذكور، وبلغ الأمير تنبك البجاسي مجيء الأمير سودون إلى لقائه، فخرج هو أيضاً من دمشق إلى لقاء سودون المذكور إلى أن نزل بجسر يعقوب، وترامى الجمعان، وباتوا تلك الليلة كل واحد في جهة بعد أن تراموا بالسهام، فلما أظلم الليل رحل سودون من عبد الرحمن إلى دمشق، ولم يعلم تنبك المذكور، وخلى سودون نيرانه موقودة فلم يفطن تبنك بتوجهه إلى باكر النهار، فلوى عنان فرسه في أثره إلى أن وصل إلى قبة يلبغا خارج دمشق، وقد كلت خيوله ورجاله وهو في عسكر قليل، ثم ركب من وقته يلبغا وقصد دمشق، فخرج إليه الأمير سودون من عبد الرحمن بجموعه من مماليكه وعساكر دمشق وصفد، فانكسر عسكر سودون وانهزم نحو دمشق، وفي إثره الأمير تنبك هذا إلى أن جاوز باب الجابية من خارج المدينة تقنطر به فرسه في حفرة كانت هناك من القناة، فأراد أن يرجع فما أمكنه ذلك لإزدحام ثقله من خلفه وقد سد الطريق، وتكاثر الناس عليه، فأمسك من وقته، وقيد واعتقل بقلعة دمشق في صفر سنة سبع وعشرين وثمانمائة، إلى أن ورد المرسوم الشريف بقتله فقتل بالقلعة في شهر ربيع الأول من السنة.(4/20)
وكان أميراً شجاعاً مقداما، ذا شكالة حسنة ووجه صبيح كريماً محببا للرعبة، رحمه الله تعالى، وعفا عنه.
757 - تنبك الجقمقي
845هـ -؟ - 1441م
تنبك بن عبد لله الجقمقى، الأمير سيف الدين، نائب قلعة الجبل وأحد أمراء العشرات.
أصله من مماليك الأمير نوروز الحصري حاجب حلب، وقيل غير ذلك، ثم خدم عند الأمير جقمق الدوادار وبه عرف بالحقمقى، ثم اتصل بخدمه الملك الأشرف برسباى لما كان أميراً، فلما تسلطن الملك الأشرف أنعم على تنبك المذكور بإقطاع جيد، ثم أمره في سنة ثمان وعشرين وثمانمائة إمرة عشرة، وجعله من جملة رؤوس النوب، واستمر على ذلك سنين عديدة إلى سنة سبع وثلاثين وثمانمائة ولى نيابة قلعة الجبل عوضاً عن الأمير تنبك من بردبك الظاهري بحكم انتقاله إلى تقدمة ألف بالقاهرة.(4/21)
وإستمر تنبك هذا في نيابة قلعة الجبل إلى أن
مات الأشرف وقع بين الملك العزير يوسف بن الأشرف وبين الأتابك جقمق ما حكيناه في غير موضع، ثم استفحل أمر جقمق قبض على تنبك المذكور مع من قبض عليه من الأشرفية وغيرها، وحبس بثغر الإسكندرية مدة طويلة، ثم نقل من حبس الإسكندرية إلى بعض الحبوس الشامية إلى أن مات في سجنه في حدود سنة خمس وأربعين وثمانمائة تخمينا.
وكان رحمه الله مهملاً، بخيلاً ذميما، سئ الخلق، عاريا من كل علم وفن، محباً لجمع الأموال، لم يكن له من المحاسن غير أنه كان جار كسيا.
حكى لي عنه بعض نقباء القلعة قال: لما كان يصل مغله من بلاد الصعيد يبيع منه ما يباع ثم يأخذ مؤنته في السنة ويحملها إلى بيته، ويتوجه هو بنفسه مع الترأسين خوفاً من سرقة القمح، وحكى لي أيضاً الرجل المذكور قال: كنت كثيراً ما أدخل عليه فأجده يأكل البيض المصلوق فقلت له: يا خوند لم تكثر من أكل هذا البيض؟ فقال: يقعد على المعدة ما يدعني أجوع - بسرعة، انتهى.(4/22)
758 - تنبك المصارع
836هـ -؟ - 1433م
تنبك بن عبد الله من سيدي بك الناصري، الأمير سيف الدين، المعروف بالمصارع وبالساقي.
أحد أمراء العشرات، ورأس نوبة، أصله من مماليك الملك الناصر فرج، وصار خاصكيا بجمقدارا في دولة الملك المؤيد شيخ، ثم صار ساقياً، وبقي على ذلك دهراً، وجهد في طلب الإمرة حتى أتته بعد مسك الأمير شيخ الحسنى رأس نوبة، فصار من جملة العشرات ورأس نوبة.
وكان رأساً في الصراع من الأقوياء، لكنه لم يكن شجاعاً، ولما توجه الملك الأشرف برسباى إلى آمد في سنة ست وثلاثين وثمانمائة أصابه من قلعتها سهم لزم منه الفراش إلى أن مات بتلك البلاد في السنة المذكورة، وأنعم باقطاعه على الأمير آقبغا الجمالي الأستادار كان.(4/23)
وكان تنبك المذكور شكلا طوالا، ساكنا، قليل المعرفة، وعنده تكبر مع جمود وعدم بشاشة. رحمه الله تعالى.
759 - تنبك الحاجب
863هـ -؟ - 1460م
تنبك بن عبد الله من بردبك الظاهري، حاجب الحجاب بالديار المصرية.
هو من صغار المماليك الظاهرية برقوق، وصار خاصكيا ورأس نوبة الحمدارية في الدولة المؤيدية شيخ إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر ططر بإمرة عشرة، وصار من جملة رؤوس النوب إلى أن نقله الملك الأشرف برسباى في سنة سبع وعشرين وثمانمائة إلى نيابة قلعة الجبل وإمرة طبلخاناه عوضا عن تغرى برمش التركماني بحمم إنتقاله إلى تقدمة ألف بالديار المصرية.(4/24)
واستمر الأمير تنبك المذكور في نيابة قلعة الجبل سنين إلى أن أنعم عليه الأشرف بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية عوضاً عن آقبعا التموازي أمير مجلس، بحكم انتقاله إلى تقدمة الأمير قرقماس الشعباني الحاجب المنتقل إلى نيابة حلب بعد الأمير قصروة التمرازي المتولي نيابة دمشق بعد موت الأتابك جار قطلو.
واستمر تنبك من جملة المقدمين بالقاهرة إلى أن ثب الأتابك جقمقى نائب القلعة، أمر لتنبك صاحب الترجمة أن يعود إلى نيابة القلعة كما كان أولا، قبل تنبك الحقمقي، وهو مستمر على تقدمته، فطلع إلى القلعة وسكنها ثانياً بعد سنين، فلم تطل مدة إقامته بها، وتسلطن الملك الظاهر جقمق، وأخلع عليه بحجوبية الحجاب بديار مصر عوضاً عن الأمير تغرى بردى المؤذى البكامشى بحكم انتقاله إلى وظيفة الدوادارية بعد نفي الأمير أركماس الظاهري وذلك في شهر شوال(4/25)
سنة اثنتين وأربعون وثمانمائة، ثم استقر المذكرو أمير حاج المحمل عوضاً عن الأمير إينال الأبو بكرى الأشرفي بعد القبض عليه وأنعم عليه ببعض بركه، وكان ذلك في السنة المذكورة وحج المذكور بالناس، وعاد إلى أن استقر أمير حاج المحمل ثانياً في سنة ست وأربعين وثمانمائة، ثم وليها ثالثاً في سنة إحدى وخمسين وثمانمائة.
كل ذلك وهو
مستمر على إقطاعه، ووظيفته الحجوبية الكبرى إلى أن ظهر أمر عبد قاسم الكاشف بعد موته، وصار العبد المذكور معتقداً تزوره الناس فوجا فوجا في أوائل سنة أربع وخمسين، وازدحم الخلائق على زيارته بحيث أنه احتجب عن الناس، وصار له حجاب لا يدخل إليه إلا من له جاه أو كلمة مسموعة، وتردد إليه ذو العاهات وأرباب الأمراض المزمنة، وصار أمر الناس فيه على قسمين، فمنهم من يعتقده ويقول: أقام المقعد، ووضع إصبعه في فم الأخرس فتكلم، ومنهم من ينكر ذلك ويقول بعدم هذه الأقاويل، ويقول:(4/26)
هذا عبد صغير سنة دون العشرين سنة، ولم يكن له قدم في الفقر ولا تسلك على فقير من الفقراء، وما ظهر أمره إلا في هذا الشهر بعد واقعته مع زين الدين الأستادار.
وهو أن زين الدين الاستادار لما أراد أخذ مال قاسم الكاشف ورمم على موجوده دخل إليه هذا العبد وأفحش في حق زين الدين، وجرى له معه أمور ذكرناها في الحوادث فمن ثم ظهر اسمه وشاع ذكره حتى ترددت إليه الناس والأكابر، وتوجه إليه الأمير تنبك هذا ليزوره، وبلغ السلطان ذلك فأنكر عليه توجهه إلى هذا العبد، ثم بلغ السلطان أشياء تفعل بداره من ازدحام الخلق عليه، وكثر الكلام في أمره إلى يوم الخميس حادي عشر المحرم من سنة أربع وخمسين رسم السلطان للأمير تنبك المذكور بن يتوجه هو وتانبك الدوادار إلى بيت هذا العبد، ويأخذه ويضربه على ظهره نيفا على سبعين سوطاً، ويشهره(4/27)
بالقاهرة، ثم يحبسه في حبس المقشرة، فتوجه تنبك إلى دار العبد وتهاون في ضربه، وجلس بجانبه وأخذ يحادثه، فكلموه فيما رمم به السلطان فسكت ولم يفعل شيئاً، فعند ذلك وثب إليه الطواشي خشقدم وأقام العبد المذكور من مجلسه ونهره، وأغلظ للأمير تنبك في الكلام، فإنه هو كان الرسول إليه من عند السلطان، وسلمه لوالى القاهرة فضربه كما رسم به السلطان، وحبسه بحبس المقشرة مخشبا.
ولما بلغ السلطان تهاون تنبك هذا فيما رسم به في حق هذا العبد أمر بنفيه إلى ثغر دمياط بطالا، ويكون مسفره الأمير جانبك اليشبكى وإلى القاهرة، فتوجه به من الغد في يوم الجمعة ثاني عشر المحرم سنة أربع وخمسين وثمانمائة، ثم عاد وأنعم بإقطاعه ووظيفته على الأمير خشقدم الساق الناصري المؤيدي، أحد أمراء الألوف بدمشق.(4/28)
فدام الأمير تنبك بثغر دمياط أشهرا إلى أن طلبه السلطان إلى القاهرة فقدمها وتمثل بين يدي السلطان فأكرمه السلطان وطيب خاطره ووعده بكل خير، وما مواعيدها إلا الأباطيل، ورسم له بالمشي في الخدمة الشريفة، وعاد إلى رتبته من غير أن يعطيه إمرة ولا وظيفة، وصار يعطل إلى الخدمة ويجلس في مرتبته أولاً كما كان أولاً، واستمر على ذلك من يوم قدومه وهو يوم الأربعاء رابع شهر رمضان سنة أربع وخمسين وثمانمائة إلى أن توفي الشهابي أحمد بن علي بن الأتابكى إينال اليوسفي، أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية في ليلة الثلاثاء سابع عشين ذي القعدة سنة خمس وثمانمائة فأنعم بإقطاعه وإمرته على تنبك المذكور، على مال بذله للخزانة الشريفة، وهو مبلغ عشرة آلاف دينار على ما قيل.(4/29)
باب التاء والغين المعجمة
760 - تعزى بردى الأتابكى
815هـ -؟ - 1412م
تغرى بردى بن عبد الله من يشبغا الأتابكى الظاهري، نائب الشام.
قال القاضي علاء الدين ابن خطيب الناصرية في تاريخه: تغرى بردى الأمير الكبير سيف الدين، نائب حلب، ثم دمشق، من عتقاء الملك الظاهر برقوق، قدم بالديار المصرية، ثم لما جاء إلى حلب في سنة ست وتسعين وسبعمائة ولاء نيابتها في أواخر السنة المذكورة عوضاً عن الأمير جلبان، فسار سيرة حسنة، وكان عنده عقل وحياء وسكون، وبنى بحلب جامعاً كان قد أسسه ابن طومان(4/31)
بالقرب بمن الأسفرايس، فأكل بناءه ووقف عليه قرية معرة عليا إلا يسيرا منها بعد أن اشتراها من بيت المال، وهي من عمل سرمين، ونصف سوقه التي بحلب تحت قلعتها وغير ذلك، ولما أكل بناءه ولى خطابته قاضي القضاة كمال الدين أبا حفص عمر بن العديم الحنفي، ورتب فيه مدرساً شافعياً وثمان طلبة شافعية، ومدرساً حنفيا وثمان طلبة حنفية، كان أولاً رتب من كل طائفة عشرة نفر ثم استقر بهم كل طائفة ثمانية، وولى تدريس الشافعية فيه شيخنا أبا الحسن علي الصرخدي، والحنفية شيخا يقال له شمس الدين القرمي، ثم عزله وولى شيخنا أبا الحسن يوسف الملطي، وحضر شيخنا بعد صلاة الجمعة الدرس، وحضر النائب المشار إليه والقضاة وأعيان العلماء، وكان الدرس في حديث النهى عن تلقي الركبان، ثم ولاني به تصدير حديث، وكان ولاني قبل ذلك به فقاهة، ثم أضاف إلى التكلم فيه وفي أوقافه، رحمه الله تعالى.
وفي الجامع المشار إليه يقول الإمام الرئيس زين الدين أبو حفص عمر بن إبراهيم الرهاوي كاتب السر بحلب، وكتبت على منبره:(4/32)
منبر جامع محاسن فضل ... والجمع ماله من نظير
خص عن غيره بجمعة وخطاب ... عن رسول مبشر ونذير
بناه لله تغرى بردى كي ما ... به يجازي بجنة وحرير
وتوجه إلى القاهرة مطلوباً، فبقى هناك أميراً على مائة فارس، فلما توفي السلطان الملك الظاهر برقوق وحرى الخلف بين الأمراء المصريين، على ما حكيناه في غير هذا الموضع، وهرب الأمير تغرى بردى من القاهرة إلى الشام إلى الأمير تنم نائبها، وجرى له ما جرى واتفق أمر تمولنك ثم توجه إلى بلاده، ولاه السلطان الملك الناصر فرج نيابة الشام في سنة ثلاث وثمانمائة، ثم عزل بالأمير علاء الدين آقبغا الهذباني وتوجه إلى حلب هارباً إلى عند الأمير دمرداش نائبها، ثم خرجا عن الطاعة وتوجها إلى التركمان، فركب الأمير تغرى بردى في البحر وتوجه إلى الديار المصرية، فأكرمه السلطان وولاه مائة ثم توجه إلى القدس بطالا، فأقام به مدة، ثم توجه إلى القاهرة وولى بها إمرة مائة فارس، ثم استقر(4/33)
أتابك العساكر الإسلامية بالديار المصرية، ثم لما صالح السلطان الملك الناصر فرج الأمير شيخ بالكرك ولى تغرى بردى الحجة سنة ثلاثة عشرة وثمانمائة، واستمر بها ثم حصل له مرض في أثناء سنة أربع عشرة، وتزايد به إلى أن مات في سنة خمس عشرة وثمانمائة في المحرم.
وكان رحمه الله أميراً كبيراً، كثير الحياء والسكون، حليما عاقلا، مشارا إليه في الدول. انتهى كلام ابن خطيب الناصرية باختصار.
قلت: وصاحب الترجمة رحمه الله هو الذي، كان رومي الجنس، اشتراه الملك الظاهر برقوق في أوائل سلطنته تقريباً وأعتقه وجعله في يوم عتقه خاصكيا، ثم صار ساقيا، وأنعم عليه بحصة من شبين القصر، ثم جعله رأس نوبة الجمدارية إلى أن نكب الملك الظاهر برقوق في ملكه وحبس بالكرك في سنة إحدى وتسعين(4/34)
وسبعمائة كان والدي إذ ذاك محبوساً بدمشق، فإنه كان قد توجه صحبة العسكر لقتال الناصري فلما انكسر العسكر قبض عليه مع من قبض عليه من حواشي برقوق ودام في حبس دمشق إلى أن أخرجه الأمير بزلار نائب دمشق، وصار بخدمته هو والأمير دمرداش المحمدي، والأمير دقماق المحمدي، فداموا بخدمة الأمير بزلار إلى أن خرج الملك الظاهر برقوق من حبس الكرك طالباً ملكه، فبادر والدي إليه، وفر من عند الأمير بزلار ولحق به قبل أن يستفحل أمره، وشهد الوقعة المشهورة بين الظاهر وبين منطاش بعد خروج الظاهر من حبس الكرك، وحمل والدي رحمه الله تعالى في الوقعة المذكورة على شخص من الأمراء المنطاشية يسمى آقبغا اليلبغارى، فقنطره عن فرسه، فسأل الملك الظاهر برقوق وقال: من هذا الذي قنطر آقبغا: فقيل له: تغرى بردى فتفاءل بإسمه، فإن معناه بالعربي الله أعطى، فأنعم الملك الظاهر بإقطاع المذكور على والدي رحمه الله إمرة عشرين، ولهذا كان يقال تغرى بردى أخذ الإمرة برمحه.(4/35)
ولما انتصر بوقوق أرسل والدي رحمه الله مشر بسلطنته إلى الديار المصرية، وقد هم الملك الظاهر في إثره إلى الديار المصرية، وقرب والدي رحمه الله 123 ولا زال يرقيه إلى أن جعله أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، وولاه رأس نوبة النوب في مدة قليلة، ثم ولاه نيابة حلب حسبما ذكره ابن خطيب الناصرية، ثم عزل وعاد إلى الديار المصرية أمير مائة مقدم ألف، وأنعم عليه بإمرة مجلس عوضاً عن الأمير شيخ الصفوى، قبل قدومه إلى القاهرة، ولما قدم إلى الديار المصرية في خامس عشر ربيع الأول سنة ثمانمائة أخلع عليه الملك الظاهر بإمرة سلاح عوضاً عن الأمير بكلمش العلائي، واستقر بيبرس ابن أخت الملك الظاهر أمير مجلس عوضه.
واستمر والدي رحمه الله على ذلك إلى أن توفي الظهر برقوق وتسلطن الملك الناصر فرج، ووقع بين الأتابك أيتمش وبين الأمراء الظاهرية الأصاغر،(4/36)
كان والدي رحمه الله مع الأتابك أيتمش، ووقع ما ذكرناه في ترجمة أيتمش وغيره من إنهزامهم وتوجههم إلى الأمير تنم نائب الشام، وعودهم صحبة تنم إلى غزة، وقتالهم مع الملك الناصر فرج والقبض عليهم، ولما قبض على الأنابك أيتمش وعلى تنم، وعلى جماعة أمراء أخر، قبض على والدي أيضاً معهم، قتل منهم من قتل وبقي والدي رحمه الله مدة في حبس دمشق، ثم أفرج عنه وتوجه إلى القدس بطالا، إلى أن ورد تيمور إلى البلاد الحلبية، وخرج الملك الناصر إلى البلاد الشامية، فلما وصل إلى غزة طلب والدي رحمه الله من القدس، ورسم له بنيابة دمشق عوضاً عن الأمير سودون قريب الملك الظاهر برقوق بحكم قبض تيمور عليه وأسره بأيدي الجغتاى، فامتنع والدي رحمه لله من لبس التشريف، وقال: معي رأى اسمعوه منى، فقالوا له: قل، فقال: هذه دمشق بلد عظيم عامر بالخلق والسلاح وأهله داخلهم الرعب لما سمعوا ما وقع لأهل حلب، وأنا إلى نيابتها وأنوجه إليها وأحصن أسوارها وأبراجها وأقاتل تيمور بها أشهرا، وهو لا يطيق أخذها مني في مدة يسيرة، والسلطان يستقر بعسكره في غزة، وفصل الشتاء قد أقبل، فيصير تيمور بيني وبين السلطان إن توجه إلى السلطان صرت أنا خلفه فيصير بين عسكرين فلا ينهض بالظفر،(4/37)
وإن دام على دمشق يحاصرها فيرسل السلطان من بعض عسكره من يضرب أطراف عسكره وينهبه فلا يسعه إلا العود إلى بلاده، فإذا توجه سرنا في أثره فيهلك غالب عسكره لعدم معرفتهم بالبلاد ولكثرتهم، فإن شأن العسكر الكبير إذا عاد إلى بلاده لا يلتفت إلى خلفه، ويصير أول العسكر في بلاد وأخرهم في بلاد أخر وبينهم مسافة أيام.
فلم يقبل الأمراء كلام والدي رحمه الله بنصح، وقالوا فيما بينهم: يريد يأخذ دمشق ويسلمها لتيمور ويتفق معه على قتالنا لما في نفسه منان وبلغ والدي رحمه الله ذلك فسكت عن مقالته، وليس تشريفه، وتوجه إلى دمشق.
وأخبرني من أثق به أن هذا الخبر بلغ تيمور، فشكر هذا الرأي إلى الغاية، ثم حمد الله تعالى على عدم فعلهم إياه.
ووقع لأهل دمشق محن، وآخر الأمر أخذها تيمور وفر والدي رحمه الله مع الملك الناصر فرج عائدا إلى القاهرة، فدام بها إلى أن نزح تيمور عن دمشق، أخلع عليه ثانياً بنيابتها، فتوجه إليها ودخلها وباشرها إلى أن أراد السلطان القبض عليه، فخرج من دمشق وتوجه إلى حلب، فوافقه نائبها الأمير دمرداش المحمدي على الخروج على الملك الناصر، ووقع لهما مع عسكر السلطان أمور ووقائع إلى أن انهزما بعد أشهر، وتوجها إلى بلاد التركمان، فأقاما بها مدة إلى أن أرسل السلطان إلى والدي، رحمه الله، خاتم الأمان، وطلبه إلى ديار(4/38)
مصر، فقدمها وأنعم عليه بتقدمتي ألف بالديار المصرية، وجلس رأس الميسرة فوق أمير سلاح، واستمر على ذلك إلى أن اختفى الملك الناصر فرج، وخلع عن الملك بأخيه الملك المنصور عبد العزيز، فر والدي من القاهرة على البرية إلى القدس، فدخل إلى القدس في خامس يوم، ودام بها إلى أن عاد الملك الناصر إلى ملكه طلبه، وكان الناصر قد عقد عقدة على ابنته أختي فاطمة، فدخل عليها في غيبة والدي، رحمه الله، ثم قدم والدي إلى الديار المصرية وأنعم عليه أيضاً بعدة إقطاعات، وعظم في الدولة، كل ذلك في سنة ثمان وثمانمائة، ثم أخلع عليه باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية عوضاً عن الأتابك يشبك الشعباني.
فاستمر على وظيفته إلى أن أستقربه في نيابة دمشق ثالث مرة، على كره منه، وهو أن المير شيخ المحمودي ونوروز الحافظي طال خروجهما على الملك الناصر، وصارا كلما ولى السلطان أميراً في نيابة دمشق يخرجاه منها مهزوماً على(4/39)
أقبح الوجوه، فلما حصرهما السلطان بقلعة الكرك مدة، ثم وقع الصلح بين السلطان وبينهما على أن يعطي الأمير شيخ نيابة حلب، ويعطي الأمير نوروز نيابة طرابلس، ويكون نائب دمشق من قبل الملك الناصر، فقالوا: إن كان ولا بد فلا يكون علينا من هو دوننا نائب دمشق، ونحن راضون بالأمير الكبير، يعني والدي رحمه الله فإنه آغتنا قديماً وحديثاً، فالتفت الملك الناصر إليه وقال له: يا أبي ما بقي في هذا إلا استقرارك في نيابة دمشق، فامتنع والدي رحمه الله غير مرة، والملك الناصر يكرر السؤال عليه ويعانقه ويقبل رأسه حتى قبل ووليها، وهي ولا يته لها ثالث مرة، وذلك في أواخر سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، وخمدت الفتنة بتوليته.
وصار شيخ ونوروز في طاعته إلى أن مرض في سنة أربع عشرة ولزم الفراش عدة أشهر، وأفحش الناصر ثانياً في حقهما، فخرجا عن طاعته وتوجه الناصر إلى البلاد الشامية في السنة المذكورة لقتالهما، ولما بلغ الأمير شيخ والأمير نوروز الحافظي مجيء الملك الناصر إلى البلاد الشامية، وعلما أن والدي، رحمه الله على خطه، عظم عليهما ذلك، وقدما إلى دمشق ليعوداه، فنزلا ظاهر دمشق بثقلهما، ودخلا إليه كل واحد معه خمسة مماليك لاغير، وأقاما عنده بدار السعادة ساعة كبيرة، والناس يتعجبون من دخولهما إلى دمشق والملك الناصر في طلبهما، لا سيما دخولهما إلى دار السعادة ومكثهما عنده هذه المدة، ثم خرجا من عنده بعد أن أخلع عليهما كل واحد كاملية سمور هائلة، وقيد لكل منها فرس بسرج(4/40)
ذهب وكنبوش زركش، وألف دينار ذهب لكل منهما، ثم قدم الملك الناصر دمشق بعد ذلك بأيام يسيرة.
وتوفي والدي رحمه الله في يوم الخميس سادس عشر المحرم سنة خمس عشرة وثمانمائة، دفن من الغد في يوم الجمعة بتربة الأمير تنم نائب الشام بميدان الحصا، وصلى عليه الملك الناصر فرج، وشهد دفنه، ثم قتل بعد أيام في شهر صفر من السنة المذكورة.
وخلف والدي رحمه الله عشرة أولاد: ستة ذكور وأربع بنات، ونذكرهم بالأسن، وهم الزينى قاسم أحد أمراء الطبلخانات، كان في أيام والده، ومولده بحلب في سنة ثمان وتسعين وسبعمائة تقريباً، وأمه أم ولد تركية، كلاهما في قيد الحياة الآن، والشرفى حمزة ومولده في أواخر سنة ثمانمائة بالقاهرة وبها توفي سنة ثمان وأربعين وثمانمائة، وأمه أم ولد جار كسية، والصارمى إبراهيم، ومولده في حدود الثمان والثمانمائة وتوفي بدمشق مطلعوناً في سنة ست وعشرين وثمانمائة، وأمه أم ولد رومية، والناصري محمد، ومولده في سنة ثمانمائة ومات في سنة تسع عشرة وثمانمائة مطعوناً بالقاهرة وأمه أم ولد رومية، والعمادي إسماعيل، ومولده في أواخر سنة إحدى عشرة وثمانمائة وتوفي بالطاعون سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وأمه أم ولد رومية، وجامعه الجمالي يوسف ومولدي بعد سنة أحدى عشرة وثمانمائة تخمينا، ووالدتي أيضاً أم ولد(4/41)
مجهولة الجنس، ونحن الجميع غير أشقة ما خلا أختى هاجر فإنها شقيقتي، وخلف من البنات أربعلوهن: خوند فاطمة زوجة الملك الناصر فرج، ومولدها سنة خمس وتسعين وسبعمائة وماتت سنة ست وأربعين وثمانمائة، وأمها أم ولد رومية، وبيرم، ومولدها في سنة سبع وثمانمائة، وتوفيت سنة ست وعشرين وثمانمائة بالطاعون في دمشق، وأمها أم ولد تترية، وهاجر وهي شقيقتي ومولدها في سنة سبع وثمانمائة تقريباً، وهي زوجة قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقيني الشافعي، ومات عنها، توفيت سنة ست وأربعين وثمانمائة، وأمها والدتي تقدم الكلام عليها، وعائشة وتدعي شقراء زوجة الأتابك آقبغا التمرازى نائب دمشق ومات عنها، وتزوجت بعده بالمقام الغرسى خليل بن الملك الناصر فرج إلى يومنا هذا، وأمها خوند حاج ملك بنت ابن قرا زوجة الملك الظاهر برقوق.
وخلف رحمه الله من الأموال والخيول والسلاح شيئاً كثيراً، استولى على غالبه الملك الناصر فرج لما عاد إلى دمشق منهزما، بعد موت والدي رحمه الله من الأميرين شيخ ونوروز، فتحايا بموجود والدي وبركه ومماليكه،(4/42)
لأنه كان في خدمته بدمشق ألف مملوك إلا ثلاثين مملوكاً، وعاد إلى شيخ ونوروز وقاتلهما ثم انهزم وحوصر إلى أن قتل في صفر من السنة المذكورة.
اننهى ما أوردته من ترجمة والدي، رحمه الله، ولم أطنب في ذلك خوفاً من قول القائل، وقد ذكره غالب أهل التاريخ في أماكن لا تحصر، وأخبار الناس معروفة، والأصول محفوظة، رحمه الله تعالى، وعفا عنه.
تغرة بردى المؤيدى، أخو قصروه
تغرى بردى بن عبد الله المؤيدي، الأمير سيف الدين، نائب حلب المعروف بأخي قصروه.
وأصله
من مماليك المؤيدية شيخ، إشتراه ورفاه إلى أن جعله خاصكيا، ثم أمره عشرة، ولما مات أستاذه الملك المؤيد وثب تغرى بردى هذا، وصار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية وأمير أخور كبيرا عوضاً عن الأمير طوغان(4/43)
أمير أخور بحكم غيابة في التجريدة صحبة الأمراء إلى البلاد الشامية، ودام تغرى بردى على ذلك أشهرا إلى أن توجه الأمير الكبير ططر بالملك المظفر أحمد إلى البلاد الشامية في سنة أربع وعشرين وثمانمائة، ووصل إلى دمشق ثم إلى حلب استقر بالأمير تغرى بردى هذا في نيابة حلب عوضاً عن الأمير إينال الجكمى بحكم عزله في السنة المذكورة، فاستمر بحلب مدة يسيرة وخرج عن طاعة الملك الظاهر ططر، وبلغ ططر ذلك فأرسل تشريفا إلى الأمير تنبك الجباسى نائب طرابلس بنيابة حلب، فبرز الأمير تنبك المذكور إلى ظاهر طرابلس للتوجه إلى حلب، فورد عليه الخبر بموت الملك الظاهر ططر، وسلطنة ولده الملك الصالح محمد بن ططر، فكف تنبك عن السفر إلى أن قدم عليه مرسوم شريف بتوجهه إلى حلب لإخراج تغرى بردى منها واستيلائه عليها فسار تنبك وصحبته عساكر طرابلس وحماه، ووافاه الأمير إينال النور وزى نائب صفد بعسكرها بطريق حلب، وبلغ مجيء هؤلاء العساكر تغرى بردى ففر من حلب قبل وصول تنبك إليها ومعه الأمير كزل نائب البهسنا وتوجها إلى بهسنا بعد أن أفحشا في(4/44)
العصيان، ووقع منهما أمور عجيبة مع أهل حلب، فتبعه تنبك إلى الباب، فلم يقف له على أثر، فعاد إلى حلب، ثم خرج إلى بهسنا ومعه العساكر، وحاصر تغرى بردى مدة طويلة، وقتل الأمير كزل نائب بهسنا في الحصار، ولما طال الأمر عاد الأمير تنبك الجباسى إلى حلب، وخلف على حصار بهسنا الأمير جار قطلو نائب حماة، والأمير إينال النوروزى نائب صفن كل ذلك وتغرى بردى صابر على القتال، ولم يكن عنده بقلعة بهسنا إلا نفر يسير، وطال الأمر عليه إلى أن طلب الأمان من الأمير جار قطلو، وبلغ الخبر تنبك البجاسى فركب من وقته من حلب حتى وصل إلى بهسنا في يومين، فوجد الأمير تغرى بردى قد نزل من قلعة بهسنا فتسلمه وعاد به إلى حلب، فحبسه بقلعتها في العشر الأخير من رمضان سنة حمس وعشرين وثمانمائة.
فاستمر الأمير تغرى بردى المذكور محبوساً بقلعة حلب إلى أن قتل بها في شهر ربيع الأول سنة ثلاثين وثمانمائة، وسنة نيف على ثلاثين سنة.
وكان شابا شجاعاً، جميلا، مقداماً، كريماً، عارفا بفنون الفروسية، الا أنه كان عنده تكبر وإسراف على نفسه، سامحه الله تعالى.(4/45)
762 - تغرى بردى سيدي الصغير ابن أخي دمرداش
816هـ -؟ - 1414م
تغرى بردى بن عبد الله، الأمير سيف الدين، المدعو بسيدي الصغير، المعروف بابن أخي دمرداش.
استقدمه عمه الأمير دمرداش المحمدي لما كان نائب طرابلس في الدولة الظاهرية برقوق، فوصل المذكور مع والدته، وأخيه قرقماس سيدي الكبير.
وكان دمرداش قد عزل من طرابلس وصار أتابكا بسفارة والدي رحمه الله، لما ولي نيابة حلب، فتزوج دمرداش المذكور بزوجة أخيه أم سيدي الصغير هذا، وضم أولاد أخيه إليه، وصار بخدمته إلى أن ترعرع كل من سيدي الكبير قرقماس وسيدي الصغير تغرى بردى هذا.(4/46)
وتأمر تغرى بردى المذكور، وترقى إلى أن صار نائب حماة في الدولة الناصرية فرج، واشتهر بالشجاعة والإقدام، وتنقل في عدة ولايات، ونالته السعادة إلى أن عزل عن نيابة حماة وعصى على الملك الناصر فرج، وانضم إلى الأمير شيخ المحمودى، ودام معه إلى أن تسلطن الأمير شيخ زاد في تعظيمه وأنعم عليه بإقطاعات هائلة، وأرسل خلفه في خلوة فاسر إليه بأنه يريد مسك الأمير طوغان الحسنى الدوادار، وأنعم عليه بالدوادارية عوضه، وأمره بكتم ذلك إلى وقته، فنزل تغرى بردى المذكور من وقته إلى الأمير طوغان وأعلمه بجميع ما وقع، فعصى طوغان المذكور من يومه، وركب على السلطان من الغد، ولم ينتج أمره، وقبض عليه وحبس بثغر الإسكندرية حسبما سنذكره في محله إن شاء الله تعالى، والعجب أن الأمير تغرى بردى هذا أخبر طوغان بالواقعة واتفق معه على العصيان، فلما ركب طوغان تخلف عنه وقعد في داره إلى أن ظفر المؤيد بطوغان المذكور أرسل خلف تغرى بردى هذا وعاتبه عتاباً هيناً، وولاه نيابة غزة، ولم يسعه إلا مداراته لأجل عمه دمرداش وأخيه قرقماس، وكان دمرداش إذ ذاك بحلب، والأمير قرقماس قد ولاه الملك المؤيد نيابة الشام عوضاً عن نوروز، وندبه إلى قتاله وهو مقيم بالقرب من صف، وهو لا يطيق دخول دمشق من الأمير نوروز، وكان هذا شأنهم لا يجتمعون عند سلطان حتى لا يقبض عليهم،(4/47)
فأخذ سيدي الصغير هذا في عمل مصالح السفر، فقبل خروجه من القاهرة حضر أخوه الأمير قرقماس المدعو سيد الكبير وعرف الملك المؤيد أنه يضعف عن ملاقاة الأمير نوروز، وطلب من الملك المؤيد أن يردفه بالعساكر لقتال نوروز، فبينما هم كذلك إذ ورد الخبر على الملك المؤيد بأن عمهم الأمير دمرداش قد وصل إلى الطينة من البحر، فاستحث الأمير قرقماس أخاه سيدي الصغير هذا على الخروج من القاهرة قبل أن يصل عمه الأمير دمرداش إلى القاهرة، وأخلع عليه الملك المؤيد وأكرمه وأنزله بدار أعدت له.
حكى بعض أعيان
مماليك الأمير دمرداش قال: لما خرج دمرداش من المركب إلى الطينة سأل عن ابن أخيه الأمير قرقماس فقيل له قدم إلى القاهرة في أمسه، وكان في ظنه أنه بنواحي صفد، ثم سأل عن ابن أخيه تغرى بردى صاحب الترجمة، فقيل له أنه أيضاً بالقاهرة لكنه خرج متوجهاً إلى مدينة غزة، فهز دمرداش رأسه، ثم وبخ دراداره الأمير آقبلاط، فأجاب دواداره بأن قال: الملك المؤيد مشغول بما هو أهم من ذلك، وهو الأمير نوروز، ثم حسن له دخول القاهرة حتى دخلها، فلما وصلها انتهز الملك المؤيد الفرصة وأراد القبض عليهم، فاستشار أخصاءه في أمرهم، فقالوا: وكيف نقبض على هؤلاء(4/48)
ومثل الأمير نوروز غريمك؟ دعهم فإنهم كفؤ لقتاله، فإذا ظفرت بنوروز إفعل ما بدا لك، فقال: ليس هذا الرأي بشئ هؤلاء ثلاثة ونوروز واحد، ومتى يسمح الدهر باجتماع الثلاثة في مدينة واحدة حتى أقبض عليهم، وصمم على قبضهم إلا أنه خاف عاقبة الأمير تغرى بردى سيدي الصغير صاحب الترجمة أنه سمع بالقبض على عمه وأخيه يفر إلى نوروز، فدبر حيلة قبل القبض على دمرداش وقرقماس بأن ندب جماعة من الأمراء للقبض على سيدي الصغير حيثما أدركوه في طريق غزة في الباطن، وقال لهم في الظاهر اذهبوا إلى الشرقية وقاتلوا من بها من قطاع الطريق وكتب لكاشف الشرقية ولمشايخ العربان بالمسير مع الأمراء حيثما ساروا، وخرج الأمراء من يومهم، فلما تكامل مسير الأمراء وخرجوا من القاهرة، أرسل الملك المؤيد يطلب الأمير دمرداش وابن أخيه الأمير قرقماس سيدي الكبير إلى القلعة للفطر قرقماس قلبي يتخوف من هذا الرجل ليقبض علينا، يعني المؤيد، فقال قرقماس صرت قطيع يا عم، ذهبت الشجاعة منك، خلفه مثل نوروز، وقد خرج عن طاعته، وولاني نيابة الشام عوضه، وندبني لقتاله، فإذا قبض على وعليك من يبقى عنده لقتال نوروز، اسكت عن هذا التخيل الفاسد، ثم صعدا إلى القلعة،(4/49)
وجلسا عند السلطان الملك المؤيد، ومد السماط، وانقضى، ثم قبض عليهما قبل أن يرد خبر الأمراء المتوجهين لقبض الأمير تغرى بردى سيدي الصغير هذا، وقيدهما وحبسهما بالبرج من القلعة، وفي تلك الليلة ورد عليه الخبر الجميع بقلعة الجبل، كل ذلك في شهر رمضان سنة ستة عشر وثمانمائة، ثم أرسل بالأمير دمرداش المحمدى وبابن أخيه قرقماس سيدي الكبير إلى سجن الأسكندرية، وبقى تغرى بردى سيدي الصغير المذكور بالبرج من قلعة الجبل إلى أن قتله في أول شهر من السنة وعلقت رأسه على الميدان أياماً، وسنه دون الثلاثين سنة.
وكان كريما، شجاعاً إلى الغاية، مقداما، مفرطا في الشجاعة والكرم، وكان جميلاً في أول أمره، لكنه تغيرت محاسنه من كثرة الجراحات التي أصابته في وجهه، وكانت إحدى عينيه قد ذهبت في وقعة من الوقائع، وكان يدخل إلى القتال بثلاثة سيوف في وسطه، وكان أول ما ينزل للقتال يرمى بالنشاب، ثم يأخذ الرمح، ثم الطبر، ثم السيف، فلا يرجع في غالب الأوقات حتى يعوز السلاح، ويذهب ما معه من السلاح، وكذلك كان أخوه، رحمهما الله.(4/50)
تغرى بردى المحمودي
836هـ -؟ - 1433م
تغرى بردى بن عبد الله المحمودى الناصر، الأمير سيف الدين، رأس نوبة النوب، ثم أتابك دمشق.
نسبته إلى الملك الناصر فرج بن رقوق، اشتراه وأعتقه ورقاه إلى أن أنعم عليه بإمرة عشرة بالديار المصرية، ودام على ذلك إلى أن قتل الملك الناصر، وتسلطن الخليفة المستعين بالله من بعده، وصار الأمير نوروز الحافظى نائب دمشق بعد والدي رحمه الله وأضيف إليه من الفرات إلى مدينة غزة يولى فيها من يشاء ويعزل من يشاء إنضم إليه الأمير تغرى بردى المحمودي هذا، وصار من جملة أمرائز وحزبه، إلى أن تسلطن الملك المؤيد شيخ وخرج نوروز عن طاعته وافقه تغرى بردى هذا على العصيان، واستمر عنده إلى أن ظفر المؤيد بالأمير نوروز وجماعته حبس تغرى بردى هذا مدة طويلة بحبس المرقب، ثم أطلقه قبل موته بمدة يسيرة، فلما مات المؤيد وصار ططر مدبر ملك ولده الملك(4/51)
المظفر أحمد أنعم على تغرى بردى المذكور بإمرة طبلخاناة، ثم لما تسلطن جعله أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، واستمر على ذلك إلى أن أخلع عليه الملك الأشرف برسباى باستقراره رأس نوبة النوب بعد انتقال الأمير أزبك منها إلى الدوادارية الكبرى عوضاً عن الأمير سودون من عبد الرحمن لما ولى نيابة دمشق بعد عصيان الأمير تنبك البجاسى في سنة سبع وعشرين وثمانمائة، فباشر الوظيفة بحرمه وافرة، وعظمة زائدة، ونالته السعادة، وعظم في الدولة.
وتوجه إلى غزو قبرس مقدما على العساكر إذا حلوا بجزيرة قبرس، وكان الأمير اينال الجكمى مقدما على العساكر في المركب، وعاد من غزو قبرس بعد النصرة والظفر بصاحب قبرص، وحج أمير حاج المحمل في بعض السنين بتجمل زائد وعظمة وافرة.
ولا زال فيما هو فيه إلى أن قبض عليه الملك الأشرف في يوم الثلاثاء عاشر جمادى الآخرة سنة ثلاثين وثمانمائة، وقيد وأخرج إلى الإٍسكندرية ليحبس بها، فاتفق بمسكه أمر عجيب، وهو أن رجلاً يعرف بابن الشامية من مباشريه لما(4/52)
بلغه القبض عليه، خرج إلى جهة القلعة فوافا نزول أستاذه مقيدا، فصار يصرخ ويبكي وهو ماشيا معه تجاه فرسه حتى وصل إلى ساحل البحر، فأنزلوا أستاذه في الحراقة ليمضوا به، فاشتد صراخه حتى سقط ميتا، هذا مما شاهدناه بالعين.
واستمر الأمير تغرى بردى المذكور بحبس الأسكندرية مدة إلى أن أفرج عنه، ورسم له بالإقامة بثغر دمياط بطالا، فرام بالثغر المذكور إلى أن نقل إلى دمشق أتابك العساكر بها، عوضا عن الأمير قانى باى الحمزاوي بحكم انتقاله إلى إمرة مائة وتقدمه ألف بالديار المصرية، فاستمر بدمشق إلى أن تجرد الملك الأشرف في سنة ست وثلاثين وثمانمائة إلى آمد بديا بكر وحاصرها، فكان الأمير تغرى بردى هذا ممن توجه إليها مع العساكر الشامية صحبه السلطان، فأصابه سهم في رجله لزم منه الفراش إلى أن مات في شهر شوال من السنة المذكورة، ودفن بآمد، ثم نقل صحبة العساكر في عودهم إلى جهة الديار المصرية في سحلية إلى مدينة الرها، فدفن بها، رحمه الله.
وولى أتابكية دمشق من بعده الأمير قانى باي البهلوان أتابك حلب، وأنعم(4/53)
بأتابكية حلب على الأمير قطج أحد أمراء حلب.
وكان أمير اجليلا، شجاعاً مقداما كريما، متجملا في ملبسه ومركبه وخدمه، وله مروءة تامة وعصبة لمن يلوذ به، هذا مع البشاشة والصباحة وحسن الملتقى إلى من يقصده ويأتيه، وكان طوالا رقيقا، حلو الوجه، خفيف اللحية مدورها، وكان بلسانه بعض عجمة، كما هو عادة جنس الروم، ومع هذا كانت الجراكسة معه في الدرجة السفلى في كل مجلس، وكانوا يراعونه ويدارونه حيثما حل بهم، وبالجملة كان به تجمل في الزمان. رحمه الله تعالى.
تغرى بردى القرمى
798هـ -؟ - 1395م
تغرى بردى بن عبد الله القرمى، الأمير سيف الدين، أحد أمراء العشرات بالقاهرة في دولة الظاهر برقوق إلى أن توفي سنة ثمان وتسعين وسبعمائة.
765؟ - تغرى بردى البكلمشى المؤذى
؟ 846هـ؟ - 1442
م
تغرى بردى بن عبد الله البكلمشى الدوادار، المعروف بالمؤذى، الأمير(4/54)
سيف الدين.
أحد
مماليك الأمير بكلمش العلائي، أمير سلاح في دولة الظاهر برقوق، ولما قبض الظاهر على أستاذه بكلمش المذكور صار تغرى بردى هذا من جملة المماليك السلطانية إلى أن تأمر عشرة في الدولة الناصرية فرج، وأقام على ذلك زيادة على عشرين سنة إلى أن نقله الملك الأشرف برسباى إلى إمرة طبلخاناة في سنة أربع وثلاثين وثمانمائة، ثم جعله أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية في سنة تسع وثلاثين تخمينا، فدام على ذلك إلى أن ولاه الملك الظاهر جقمق حجوبية الحجاب بالديار المصرية عوضاً عن الأمير شبك السودونى المشد، بحكم إنتقال يشبك إلى إمرة مجلس عوضاً عن الأمير آقبغا التمرازى المنتقل إلى إمرة سلاح بعد استقرار الأمير قرقماس الشعبانى أتابك العساكر بالديار المصرية عوضاً عن السلطان الملك الظاهر جقمق.
فلم تطل مدة تغرى بردى هذا في الحجوبية، ونقل إلى الدوادرية الكبرى بعد نفي الأمير أركماس الظاهري إلى ثغر دمياط، كل ذلك في سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، وباشر الدوادارية بحرمة وافرة، وعظمة زائدة، بحيث أنه لم يدع لأرباب(4/55)
الدولة شيئاً من الأمر والنهي، وسار على قاعدة السلف من الأمراء المتقدمين، ونالته السعادة.
وكان مشكور السيرة في أحكامه، لا يسمع رسالة مرسل بل يجتهد في عمل الحق حسب ما يظهر له، إلا أنه كان فظاً غليظا بذاء اللسان، شرس الخلق، يخاطب الرجل بما يكره، غير بشوش، متكبرا وعنده جبروت، ولما عظم أظهر ما كان مخفياً من لقبه، فانطبق الإسم على المسمى، فلله در القائل.
الظلم كمين في النفس ... القوة تظهره والعجز يخفيه
وكان له مشاركة هينة، ويذاكر بالتاريخ فيمن عاصره، يحفظ مسائل يمارى بها الفقهاء، وكان عنده نباهة وفظنة، ومعرفة بأنواع الفروسية، يحب الجد ويكره الهزل، وعمر جامعا لطيفاً بخط صليبة جامع أحمد بن طولون، ووقف عليه عدة أوقاف، وكان يروم المرتبة العليا، ويقول في نفسه أنه هو حرف التاء، فادركته المنية بعد أن لزم الفراش مدة طويلة، ومات في يوم حادي عشرين جمادى الآخرة سنة ست وأربعين وثمانمائة، وهو في عشر الثمانين تقريباً، رحمه الله تعالى.
766 - تغرى برمش الفقيه التركماني
820هـ -؟ - 1417م
تغرى برمش بن يوسف، الشيخ زين الدين التركماني الجندي الحنفي، أبو المحاسن.(4/56)
أصله من بلاد الروم، واعتنى يطلب العلم في بلده، ثم قدم إلى القاهرة في دولة الملك الظاهر برقوق وهو شاب، واشتغل بالعلم، وأخذ عن المشايخ، وتفقه بجماعة من أعيان العلماء كالشيخ جلال الدين التبانى وغيره، وكان كثير الاستحضار لفروع مذهبه، ويحفظ بعض مختصرات إلا أن ذكاءه لم يكن بذاك، وكان يميل إلى الصوفية، مع أنه كان يبالغ في ذم ابن عربى، وأحرق كتبه.
وكان لجماعة من الأمراء فيه محبة، ونال بصحبتهم جاها وتعظيما عند الأعيان وقتا بعد وقت في دولة الظاهر برقوق، ثم في دولة ابنه الملك الناصر فرج، ثم في الدولة المؤيدية شيخ، وأرسله الملك المؤيد إلى الحجاز وعلى يده مراسيم تتضمن النظر في أحوال مكة المشرفة، 130أوجاور بمكة، وأخذ في الأمر فيها بالمعروف والنهى عن المنكر، ومنع المؤذنين من المدائح النبوية فوق المنابر ليلا، ومنع المداحين من الإنشاد في المسجد الحرام، ومنع الصغار من الخطابة في ليالي رمضان، والوقيد في الليالي المعروفة بالحرم، وجرى له مع أهل مكة أمور بسبب ذاك يطول الشرح في ذكرها، ثم عاد إلى القاهرة، وكان يميل إلى دين خير.
توفي سنة عشرين وثمانمائة، رحمه الله.(4/57)
؟
767 - تغرى برمش نائب حلب
842هـ -؟ - 1439م
تغرى برمش، اسمه الأصلي حسين بن أحمد.
كان أبوه يدعى بابن المصرى، من أهل بهسنا، كان أحد الأجناد بها، وكان له ثروة في أول أمره، فلما قدم تيمور إلى بهسنا وأخذها افتقر، وقدم حلب، ومعه أولاده حسن وحسين هذا، ثم إنه مات فانتقل تغرى برمش هذا مع أخيه حسن ووالدتهما إلى القاهرة، واتصلا بخدمة الأمير قراسنقر الظاهري أمير الحاج.
فأقاما عنده مدة إلى أن أخذ تغرى برمش المذكور الأمير أينال حطب أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية، واستمر أخوه حسن بخدمة الأمير قراسنقر، وسمى أيضاً حسن شاه.
ولما مات الأمير إينال حطب اتصل تغرى برمش هذا بخدمة والدي رحمه الله بسفارة الأمير فارس دوادار الأمير إينال حطب، وكان تغرى برمش(4/58)
المذكور إذ ذاك صغيرا، فأخرج له والدي رحمه الله خيلا وقماشا، وجعله من جملة الجمدارية، وسمى تغرى برمش، واستمر عندنا سنين إلى أن استقر والدي في نيابة الشام سنة ثلاثة عشرة وثمانمائة، فلما وصل والدي رحمه الله إلى دمشق، وأقام بها مدة، فر تغرى برمش هذا من عنده وأخذ معه جماعة من طبقته. وكان تغرى برمش ومن هرب معه من المماليك آنيات شاهين أمير آخور والدي رحمه الله الكببر، وكان شاهين المذكور له ميل زائد إلى تغرى برمش هذا، فأخفى شاهين خبر تغرى برمش ورفقته عن والدي مدة لكثرة مماليكه، ثم علم ذلك فشق عليه، ثم بلغه أنه هو ورفقته بمدينة طرابلس، فرسم بأن يكتب إلى نائب طرابلس الأمير جانم من حسن شاه بالقبض على تغرى برمش المذكور ورفقته، فلما سمع شاهين أمير آخور ذلك صعب عليه، ولم يمكنه مراجعة ملك الأمراء في الكلام، فسأل أن يتوجه هو إلى طرابلس ويقبض عليهم، ويعود بهم إلى دمشق، قصد شاهين بذلك الشفقة عليهم، وتوجه إلى طرابلس، فبلغه خبرهم أنهم يتعاطون الشراب في قاعة بطرابلس، فترك شاهين مماليكه وخدمه، وركب وتوجه إليهم، ودخل عليهم هجما في القاعة المذكورة، فلما وقع نظره عليهم سبهم قبل السلام، فقام إليه(4/59)
تغرى برمش المذكور، وسل سيفه وضربه به ضربة أتلفه فيها، ومات من وقته وفرهو وأصحابه، وبلغ الخبر الأمير جانم نائب طرابلس، فركب من وقته إلى القاعة المذكورة، فوجد شاهين قد مات، بعد أن أشهد عليه جماعة من الناس قبل موته أن الذي قتله هو تغرى برمش، فكتب الأمير جانم بذلك محضرا وأثبته على قاضي طرابلس، وأرسل به إلى والدي رحمه الله واعتذر أنه لم يعلم بمجئ شاهين إلى طرابلس، ولا بما وقع له إلا بعد فوات الأمر، وأنه شدد الطلب على تغرى برمش المذكور، ومتى حصل في يده أرسله مقيدا إلى الخدم العالية، فلما سمع والدي رحمه الله بموت شاهين أمير آخورشق عليه ذلك، وكتب إلى نواب البلاد الشامية يعلمهم بواقعة تغرى برمش المذكور، ويأمرهم بشنقه متى ظفروا به.
وكان والدى ملازما للفراش من مرضه الذي مات فيه، فلم تطل أيامه، ومات، وتقلبت الدولة، واتصل تغرى برمش يخدمة الأمير طوخ نائب حلب، ودام المحضر عندنا، ثم صارا بخدمة الأمير جقمق الأرغون شاوي الدوادار، فحظى عنده، وصار رأس نوبته، ثم دواداره إلى أن قتل جقمق بدمشق في سنة أربع وعشرين وثمانمائة على ما يأتي إن شاء الله تعالى في ترجمته(4/60)
واتصل تغرى برمش هذا بعد قتله بالأمير ططر، فلما تسلطن ططر أمره طبلخاناة وجعله نائب قلعة الجبل، فدام بقلعة إلجبل إلى سنة سبع وعشرين وثمانمائة نقله الملك الأشرف برسباى إلى تقدمة ألف بالديار المصرية، وتولى نيابة القلعة عوضه الأمير تنبك البردبكى.
كل ذلك وتغرى برمش يسأل منا عن المحضر ونحن ننكره منه فيقو ما قصدكم إلا قتلى، وسلط على الملك الأشرف غير مرة حتى دفعته بأن قلت له: أنت قتلت شاهين أم لا؟ فقال: لا، فقلت: فما خوفك من التهمة؟، فسكت من حينئذ، وصار في نفسه ما فيها، ثم ولاه الملك الأِشرف نيابة الغيبة بالديار المصرية عند توجهه إلى آمد في سنة ست وثلاثين وثمانمائة، وسكن بباب السلسلة من الإصطبل السلطاني، وحمدت سيرته، ثم نقله الملك الأشرف بعد عوده بمدة إلى الأمير آخورية الكبرى بعد انتقال الأمير جقمق العلائي عنها إلى إمرة سلاح، فدام في وظيفته إلى سنة تسع وثلاثين وثمانمائة نقل إلى نيابة حلب عوضا عن الأمير إينال الجكمى بحكم انتقال الجكمى إلى نيابة دمشق بعد موت الأمير قصروه من تمراز الظاهري.
فباشر ثغرى برمش المذكور نيابة حلب على أتم وجه وأحسنه وأجمل طريقة، ومهد بلادها، وعظم في الأعين، وتجرد إلى إبلستين غير مرة في طلب الأمير جانبك الصوفي إلى أن وصل إليه جماعة من أمراء الديار المصرية نجدة إلى مقصده، فتوجه بهم إلى مدينة أرزنكان وغيرها، ثم عادوا الجميع نحو مدينة حلب، فبلغ تغرى برمش المذكور موت الملك الأشرف برسباى وسلطنة ولده(4/61)
الملك العزيز يوسف، فاستوحش حبنئذ من العساكر المصرية، وصار بمعزل عنهم، وتخلف بعدهم بعين تاب، ولم يدخل حلب حتى خرج منها العسكر المصري خوفاً على نفسه منها.
وكانت العساكر المصرية تشتمل على ثمانية من مقدمى الألوف بالديار المصرية وهم: الأمير قرقماس الشعباني أمير سلاح، والأمير آقبغا التمرازى أمير مجلس، والأمير أركماس الظاهري الدوادار الكبير، والأمير تمراز القرمشى رأس نوبة النوب، والأمير جانم أمير آخور قريب الملك الأشرف برسباى، والأمير يشبك التمربغاوي حاجب الحجاب، والأمير خجا سودون البلاطى، والأمير قراجا الخازندار الأشرفي، فلما وصلت الأمراء إلى حلب أرسلت إليه بالأميرين قانى باى الحمزاوى نائب حماه، والأمير تمراز القرمشى رأس نوبة النوب إلى عين تاب لإحضاره، فأبى عن الحضور إلا بعد خروجهم منها، فعادا إلى حلب بهذا الخبر، ثم عاد العسكر إلى محله في أواخر المحرم من سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، وبلغ الخبر تغرى برمش فركب من عين تاب ودخل حلب، ودام في نيابته إلى شهر ربيع الآخر من السنة، ورد عليه الخبر بخلع الملك العزيز وسلطنة الملك الظاهر جقمق، ثم قدم عليه الخاصكى بخلعة الاستمرار فلبسها، وقبل الأرض وحلف للملك الظاهر جفمق.(4/62)
ثم شرع بعد ذلك يتعاطى أسباب العصيان في الباطن، ويكاتب العربان والتركمان، واستمر على ذلك إلى شهر شعبان من السنة بدا لأمراء حلب الركوب عليه خوفاً منه على أنفسهم، فركبوا عليه وقاتلوه بالبياضة من حلب، فكسر أمراء حلب وانهزم كل واحد منهم إلى جهة، ثم أخذ تغرى برمش في حصار قلعة حلب واستفحل أمره، ثم وقع بينه وبين أهل حلب وحشة، وركبوا عليه وقاتلوه، ورموا عليه من القلعة، فلم يسعه إلا الفرار من حلب، وخروجه جريدة من دار السعادة، من غير أن يصحب معه شيئاً من خيله وقماشه، وخرج ومعه نحو مائة فارس من باب السر قاصدا باب أنطاكية، فتبعه العوام ورموا عليه وعلى أصحابه، ثم نهبت العوام ماله بدار السعادة وغيرها، فأخذ له مال لا يحصى كثرة.
وتوجه ثغرى برمش بمن معه إلى الميدان، ثم إلى خان طومان، ثم توجه إلى ابن سقلسيز التركماني نائب شيراز لا ئذابه، فوافقه ابن سقلسيز على العصيان فاستفحل به أمره، واجتمع عليه خلق من التركمان وغيرهم، ثم توجه ومعه ابن سقلسيز إلى طرابلس وطرقها، ففر منها نائبها الأمير جلبان من غير قتال، واستولى تغرى برمش هذا على جميع برك جلبان وذلك في حادي عشر(4/63)
رمضان من السنة، ثم خرج عن طرابلس وصار ينتقل من مكان إلى آخر، ويأخذ ما ظفر به من أموال الناس إلى أن عاد إلى حلب في عشرين شهر شوال فاستعد أهل حلب جماعة، ومعهم عدة من العوام لظاهر حلب، وقاتلوه قتالا شديدا استظهر فيه أمراء حلب، ومسكوا بعض أمراء التركمان، وقتلوا منهم جماعة، ثم حمل تغرى برمش على أهل حلب فهزمهم، وقبض على جماعة منهم ممن بقى خارج البلد، وقطع أيديهم فنفرت القلوب منه، وقويت العداوة بينهم، ودام ذلك إلى شهر ذي القعدة من السنة المذكورة، ورد عليه الخبر بقدوم العساكر السلطانية إلى حلب، وبالقبض على الأمير إينال الجكمى نائب دمشق، فتهيأ لقتالهم، وسار إلى جهة حماه، ونزل بالقرب منها إلى يوم الخميس سادس عشر ذي القعدة، نزل العسكر السلطاني ظاهر حماه من جهة الشمال، وبأن تغرى برمش من جهة الغرب على عزم القتال، فلما أصبح نهار الجمعة سابع عشرة ركب العسكر السلطاني وركب تغرى برمش بمن معه والتقى الجمعان، فلم يثهت تغرى برمش وانهزم من غير قتال، وتوجه في أناس قلائل إلى جهة أنطاكية، ونهب جميع ما كان معه، وتوجه معه ابن سقلسيز، فلما وصلوا إلى الدر بند خرج عليهم فلاحو تلك القرى مع من انضم إليهم وقاتلوهم، فانكسر نغرى برمش وأمسك معه ابن سقلسيز أيضاً، فورد الخبر على العسكر المصري بذلك، فخرج منهم جماعة إليهم وأمسكوهما وقيدوهما، وجاءوا(4/64)
بهما إلى حلب، فحبسا بقلعتها، فكان يوم قدومهم إلى حلب من الأيام المشهودة، واستمر تغرى برمش وابن سقلسيز في حبس قلعة حلب حتى ورد المرسوم بقتلهما، فقتلا في يوم الجمعة رابع عشر ذي الحجة سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، بعد أن شهرا، وسمر ابن سقلسيز، وضربت رقبة تغرى برمش هذا تحت قلعة حلب.
وكان تغرى برمش أمير جليلا، عاقلا عارفا سيوسا ذا رأي وتدبير، ودهاء ومكر مع ذكاء مفرط وفطنة، وكان رجلا طوالا، أسود اللحية، مليح الوجه، فصيح اللسان باللغة التركية، عارفا بأمور الدنيا وجمع المال، وله قدرة على مداخلة الملوك، وكان جاهلا بسائر العلوم حتى لعله لم يحفظ مسألة في دينه، بل كانت جميع حواسه مجموعة على أمر دنياه، وكان جبانا، بخيلا بالبر والصدقة، كريما على مماليكه، متجملا في مركبه وملبسه ومأكله، وكان حريصا، جبارا يميل إلى الظلم والعسف، ولقد أخرب في حروبه هذه عدة قرى من أعمال حلب وما حولها، وقتل من أهلها جماعة، لا جرم أن الله عامله وجازاه من جنس أعماله وما ربك بظلام للعبيد.
768 - تغرى برمش الزرد كاش
854هـ -؟ - 1450م
تغرى برمش بن عبد الله البشبكى الزرد كاش، أحد أمراء الطبلخاناه بديار مصر، الأمير سيف الدين.(4/65)
أصله من مماليك الأمير يشبك بن أزدمر، وصار بعد موته من جملة المماليك السلطانية، ثم صار في الدولة الأشرفية من جملة الزرد كاشية مدة طويلة إلى أن صار زردكاشا كبيرا بعد انتقال أحمد الدوادا منها إلى نيابة الإسكندرية في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وأنعم عليه بإمرة عشرة، ودام على ذلك مدة طويلة إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر جقمق بإقطاع الأمير أقطوه الموساوى بعد نفيه، زيادة على ما بيده، فصار إقطاعه نحو الطبخاناة، وعظم ونالته السعادة، وعمر عدة أملاك معروفة به، وعمر جامعاً بخط بولاق على ساحل النيل، ووقف عليه أوقافا هائلة، وسافر أمير الحاج غر مرة، وتوجه إلى غزو الفرنج عدة مرات.
حكى لي من لفظه قال: سافرت في البحر المالح مغازيا وغير ذلك ما يزيد على عشرين مرة.(4/66)
ثم توجه مع الرجبية إلى الحجاز في سنة أربع وخمسين وثمانمائة، وأقام بمكة مدة، ومرض ولزم الفراش إلى أن توفي بمكة في السنة المذكورة، وسنه نحو الثمانين سنة.
وكان شيخاً أشقرا جسيما، للقصر أقرب، وكان عارفا بدنياه، خبيراً بجمع المال، مغرما بإنشاء العمائر، مسيكا، وله بر وصدقات على الفقراء في السر.
وخلف مالا جزيلاً، لم ينل ولده فرج منه شيئاً، لأن تغرى برمش هذا كان قد شخط عليه لسوء سيرته ونفاه إلى دمشق من عدة سنين، وأشهد على نفسه أنه ليس بولده، فلما بلغ فرج موت أبيه تغرى برمش المذكور وقدم إلى القاهرة قبل قدوم أخته من الحجاز، وطلب ميراث والده فمنع من ذلك إلى أن حضرت أخته زوجة السيفى دمرداش الأشرفي من الحجاز ببقية موجود أبيها تغرى برمش المذكور، أراد فرج الدخول إليها فمنع زوجها دمرداش من ذلك وقال: أنت رجل أجنبي، مالك دخول على زوجتي، وأبيعت تركه تغرى برمش وأخذت ابنته زوجة دمرداش ما خصها، وأخذ السلطان ما بقى، ولم ينل ولده فرج من مال أبيه غير ثمانمائة دينار، أعطاه السلطان إياها صدقة عليه لما تكلفه(4/67)
لمجيئه من دمشق، وأشهد عليه أنه لم يكن ابن تغرى برمش المذكور، وعاد إلى دمشق خائباً مبعودا من حقه في الدنيا، مطالباً به في الآخرة.
انتهت ترجمة تغرى برمش الزردكاش.
769 - تغرى برمش نائب القلعة
852هـ -؟ - 1448
م تغرى برمش بن عبد الله الجلالى المؤيدى، الفقيه الحنفي المحدث، الأمير سيف الدين أبو محمد، نائب القلعة بالديار المصرية.
في معتقه أقوال كثيرة، سألته عن ذلك فقال: أصلى من بلاد الروم، وأبي كان مسلماً، ثم جلبني خواجا جلال الدين من بلادي إلى حلب وأنا في السابعة أو التي بعدها في عدة مماليك أخر، وكان النائب بها إذ ذاك الأمير جكم من عوض وذلك في سنة ثمان وثمانمائة، فطلب الأمير جكم المماليك المذكورين من خواجا جلال الدين فأحضرهم بين يديه، فاشترى منه جكم الجميع إلا أنا ورفيقا لي صغيراً، فعاد بنا خوجا جلال الدين إلى محله، واتفق في تلك الأيام قدوم الملك الظاهر جقمق إلى حلب بكاملية نائبها الأمير جكم من عند السلطان الملك الناصر فرج،(4/68)
وكان الملك الظاهر جقمق إذ ذاك خاصكيا ساقيا، فلما أقام جقمق بحلب اشتراني أنا ورفيقي، وعاد بنا إلى الديار المصرية، وقدمني إلى أخيه الأمير جاركس القاسمي المصارع الأمي آخور، فأقمت عند الأمير جاركس المذكور إلى أن خرج عن طاعة الناصر فرج وفد إلى البلاد الشامية، واستولى الملك الناصر على مماليك جاركس وموجوده، أخذني فيمن أخذ، وجعلني من جملة المماليك السلطانية الكتابية بالطبقة بقلعة الجبل إلى أن قتل الناصر، واستولى الملك المؤيد شيخ على الديار المصرية اشتراني فيمن اشتراه من المماليك الناصرية، وأعتقني، وجعلني جمدارا مدة طويلة، وكان الملك الظاهر إذ ذاك أمير طبلخاناه وخازندار، فوقف في بعض الأحيان إلى الملك المؤيد وادعاني وقال: هذا مملوكي وهبته لأخي، ومات أخي وليس له وارث غيري، وهو إلى الآن لم يخرج عن ملكي، فقال له الملك المؤيد: هذا يحسن قراءة القرآن ويعرف الفقه لا أعطيه لك، وأمر له بمبلغ ومملوك يسمى قمارى، فقبض الملك الظاهر جقمق الدراهم وأخذ المملوك قمارى وذهب إلى حال سبيله، واستمريت على ذلك إلى أن مات الملك المؤيد ووثب ططر على الأمر، وقيل له أن مشترى الملك المؤيد شيخ لمماليك الملك الناصر ما يصح، ووجهوا له وجها في شرائهم، فاشترى عدة، منهم تغرى برمش هذا، وأعتقه وجعله خاصكيا، واستمر خاصكيا إلى أن نفاه الملك الأشرف برسباى إلى قوص، ثم عاد بعد مدة إلى القاهرة، واستمر من جملة المماليك السلطانية مدة طويلة إلى أن أعاده خاصكيا بسفارة تغرى برمش نائب حلب.
فاستمر على ذلك إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق وأمر جماعة من المؤيدية(4/69)
فعظم ذلك على تغرى برمش المذكور، وكان في ظنه أنه يتأمر قبل هؤلاء لأنه مملوكه قديما ومشتراه من حلب، وأن الملك الظاهر جقمق يدعى أن تغرى برمش المذكور لم يخرج من ملكه إلى يومنا هذا بطريق شرعي، فوقف إليه وسأله في الإمرة فلم يجبه، فألح عليه فأمر بنفيه، فنفى إلى قوص، وأقام بها نحو شهرين، ثم طلب إلى القاهرة، وأنعم عليه بحصة من شبين القصر، عوضاً عن يشبك الصوفي بحكم انتقاله إلى إمرة عشرة، عوضاً عن الأمير آفبغا التركماني المنتقل إلى نيابة الكرك.
واستمر تغرى برمش على ذلك إلى يوم السبت أول رجب سنة أربع وأربعين وثمانمائة أنعم عليه عشرة ونيابة القلعة بعد موت الأمير ممجق النوروزي نائب القلعة، فباشر نيابة القلعة بحرمة وافرة، وصار معدودا من أعيان الدولة، وقصدته الناس لقضاء حوائجهم، ثم أخذ أمره في انحطاط لسوء تدبيره، وصار يتكلم في كل وظيفة، ويداخل السلطان فيما لا يعنيه، فسهر عليه من له عنده رأس حتى اثخن جراحه عند السلطان، وهو لا يعلم إلى أن أمر السلطان ينفيه إلى القدس في يوم الخميس حادي عشر صفر إحدى وخمسين وثمانمائة، فتوجه إلى القدس ودام إلى أن توفي به في ثالث شهر رمضان سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وسنه نيف على خمسين سنة، رحمه الله.(4/70)
وكان له فضل ومعرفة بالحديث، لا سيما في أسماء الرجال، فإنه كان بارعاً في ذلك، وكان له مشاركة لطيفة في الفقه والتاريخ والأدب، مع أنه كان يحسن فنون الفروسية كالرمح والنشاب وغير ذلك.
وكان رجلاً أشقرا ضخما، للقصر أقرب، كث اللحية، بادره الشيب قبل موته بسنين، وكان فصيحاً باللغة العربية والتركية، مقداماً، محباً لطلبة العلم وأهل الخير، متواضعاً، كثير الأدب جهوري الصوت، وله إلمام بكتابة الخط المنسوب على قدره، وبالجملة فكان نادرة في أبناء جنسه مع جودة علمي بهذه الطائفة.
وكان أحسن علومه الحديث، وفيه كان غاية اجتهاده، وسمع الكثير. ذكر لي أنه قرأ صحيح البخاري على قاضي القضاء محب الدين أحمد بن نصر الله الحنبلي البغدادي قاضي قضاة الديار المصرية، وقرأ صحيح مسلم على الشيخ زين الدين عبد الرحمن بن محمد الزركشى، وقرأ السنن الصغرى للنسائي على الشيخ شهاب الدين أحمد الكلوتاتي. وقرأ السنن لابن ماجه على الشيخ شمس الدين(4/71)
محمد المصري، وقرأ بعض الدارمي على القاضي ناصر الدين محمد بن حسن الفاقوسى، وقرأ على قاضي القضاة شيخ الإسلام حافظ العصر شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر السنن لأبي داود السجستاني، وقرأ أيضاً على الشيخة الأصيلة أم الفضل عائشة بنت القاضي علاء الدين على الكناني العسقلاني الفوائد لأبي بكر الشافعي المعروفة بالغيلانيات، وسمع عليها أيضاً بقراءة صاحبنا تقي الدين عبد الرحمن القلقشندى المعجم الصغير للطبراني، وعلى القاضي شمس الدين محمد بن محمود البالسى السنن لأبي داود بافوات، وسمعنا معاً أيضاً بقراءة تقي الدين القلقشندي(4/72)
المذكور على المشايخ الثلاثة زين الدين عبد الرحمن بن يوسف بن الطحان، وعلاء الدين علي بن الإمام عماد الدين إسماعيل بن بردس، وشهاب الدين أحمد بن عبد الرحمن بن ناظر الصاحبة السنن لأبي داود بكماله في عدة مجالس، وبعض مسند أحمد على الأول، وكله على الآخرين، وكذا جامع الترمذي كاملا في عدة مجالس، والشمائل للترمذي أيضاً كاملا، ومشيخة ابن البخاري، وأجازوا لنا جميع ما يجوز لهم وعنهم روايته بشرطه، وذكر لي أنه تفقه بالشيخ سراج الدين عمر قارئ الهداية، وبشيخ الإسلام سعد الدين بن الديري.
وكان ينظم القريض باللغة التركية والعربية، ولعله أنشدني غالب نظمه من لفظه، أذكر منه أحسن ما سمعته من لفظه لنفسه في مليح يدعى شقير:(4/73)
تفاح خدي شقير فيه ... مسكى لونٍ زها وأزهر
قد بان منه النوى فأضحى ... زهري لونٍ بخد مشعر
وهذا أحسن ما سمعته من نظمه، وله نظم غير ذلك نازل عن هذه الطبقة، انتهى.(4/74)
770 - تقتميش ملك الدشت تقتميش بن بردبك بن جانبك بن أزبك بن طفر لحاى بن منكو تمر بن طغان ابن باطوخان بن دوشى خان بن جنكز خان بن باى سوكى بن تريان بن تبل خان ابن تومنيه بن باى سنقر بن بيدو بن توتين بن بغا بن بوذ نجرين ألان قوا، وهي المرأة التي ولدت بوذ نجر ابن عمهم من غير أب، السلطان الفان ملك القبجاق والدشت، وأول من ملك المشرق.
واشتهر من أولاد بوذنجر جنكر خان، وهو صاحب اليسق، وعظيم ملوك التتار.
واليسق باللغة التركية: الترتيب وأمر الملك في عساكره، وأصله يسا، فلما أمر جنكز خان في عسكره بثلاثة تراتيب، وفرع منها بقية الترتيب(4/75)
كإمرات الجندار والداوادارية والخازندارية ورؤس النوب والحجاب وما أشبه ذلك، وجعل الأصل في الأمور أصول ثلاثة، والثلاثة باللغة العجمية سى، فصاروا يقولون سى يسا، وتداول الناس هذه الأحكام وسموها السياسة في جميع أقاليم الإسلام، حتى صارت العوام تقول: اشتكى فلان من الشرع والسياسة، انتهى.
وكان جنكز خان أعظم ملوك التتار، ومن ذريته ملوك الشرق بتمامه وكماله إلى صاحب الترجمة، ولما أشرف جنكز خان على الموت وأيس من الحياة جمع المعتمد عليه من أولاده وهم: جغتاى، وأوكتاى، وأوليغ نوين، وكا كان، وجرجاى، وأورجاى، وأوصاهم بوصايا ثبتت لهم من ملكهم أساسا لم ينهدم، وأقامت بنيانا قواعد أركان لم تنخرم، هذا مع كثرة عددهم، وشراسة أخلاقهم، واختلاف أديانهم، وسعة بلادهم، وغلبة الجهل والحمية عليهم، فإن فيهم المسلمين والنصارى واليهود والمجوس والمشركين وعباد الشمس والنجوم والأصنام والصباه، ومن لا يتقيد بدين ولا ملة، فمن جملة وصاياه: أنه أعطى كل واحد منهم سهماً وأمره بكسره، فكسره من غير(4/76)
انزعاج، ثم جعله سهمين فكسرهما، ثم ثلاثة فكسرها، ولا زال يزيد السهام واحداً بعد واحد وهم يكسرونها، حتى تكاتفت السهام فعجزوا عن كسرها، فقال لهم: مثلكم مثل هذه السهام إن انفردتم واختلفت كلمتكم وصار كل واحد منكم وحده كسركم كل من لقيكم من غير صداع ولا تعب، ثم مثل لهم من هذا النمط أشياء يطول شرحها.
وكانت أولاد جنكرخان وأقاربه يزيدون على عشرة آلاف نسمة، والترك لا يعتبرون في تقديم الأولاد إلا بالأمهات، فمن كانت أمه من الخوندات فهو المقدم، وهذا أيضاً مما رتبه جنكز خان، ثم أخذ جنكر خان على رعيته العهود والمواثيق لئن أقام عليهم من يختار ليطيعونه الباقون ولا يختلف عليه أحد، فأجابوه بالسمع والطاعة، فعهد إلى ابنه أوكتاى، وهلك جنكر خان في رابع شهر رمضان في سنة أربع وعشرين وستمائة.
فجمع أوكتاى المذكور ملوك الأطراف للمشورة، وتسمى هذه الجمعية باللغة المغلية قورلناى، وجلس على السرير سنة ست وعشرين، وتلقب بالقان، وجعل محل إقامته وتخت ملكه أيميل وقوناق، وذلك ما بين ممالك الخطار وبلاد أويغور، وهو موضعهم الأصلي ومنشأهم ومولدهم وسرة ممالكهم، وكان جنكر خان قد جعل محل إقامته وتخت ملكه أيميل وقوناق، وذلك ما بين ممالك الخطا وبلاد أو يغور، وهو موضعهم الأصلي ومنشأهم ومولدهم وسرة ممالكهم، وكان جنكز خان قد جعل ابنه جغتاى هو الذي يرجع إليه في أمور السياسة وتنفيذ الأحكام، وجعل ابنه(4/77)
تولى وهو أبو هولاكو وقبلاي - هو الذي يرجع إليه في أمر الجيوش وزعامة العساكر والاسفهسالارية وترتيب الجنود والحرب، ثم قسم جنكرخان على أولاده قبل موته الممالك، فأعطى كل من أولاده وأحفاده وأعمامه وأخوته طائفة من أجناد الأطراف، وأضاف إليهم ما يليق به، فأعطى أخاه أو تكين توقات مع أولاده وأحفاده، وجماعاته، وأعطى ابنه تولى مملكة مجاورة لممالك أخيه أو كتاي مضافاً إلى خراسان وولايات العجم والعراق وما وصلت يده إليه، وأعطى أكبر أولاده توشى خان الذي تقتميش هذا من ذريته من حدود قالين وخوارزم إلى أقصى بلاد ساقسين وبلغارا المتاخمة لبلاد الروم والأرمن وتنتهي حدود ممالكه إلى حدود بلاد القسطنطينية، وهي مملكة متسعة.
فاستمر توشى خان بها إلى أن مات، فملك بعده ابنه باطوخان وقيل إن توشى خان مات في حياة جنكزخان، والله أعلم.(4/78)
فدام باطوخان في الملك إلى أن مات سنة خمسين وستمائة، فولى بعده أخوه صرطق، فدام إلى سنة اثنتين وخمسين وستمائة فمات، فملك بعده أخوه بركة، وأسلم بركة المذكور على يد الشيخ شمس الدين الباخرزي الحنفي، وحمل قومه على الإسلام وبنى المساجد والمدارس في جميع أعماله، ودام في الملك إلى أن حدثت بينه وبين قبلاي بن طولي بن جنكر خان فتنة انتزع فيها بركة من الملك، وولى عليها ابن أخيه سرخاد بن باجر، ثم قتله لممالات عمه هولاكو إليه، وولى ملكه خاله، فزحف إليه هولاكو وحاربه على نهر إتل سنة ستين، ومات بعدها سنة ثلاث وستين، وولى بعده ابنه أبغا بن هولاكو فسار لحربه بركة، فلم ينتج أمره، ومات بركة سنة خمس وستين وستمائة، فولى مكانه ابن أخيه منكو تمر بن طغان ابن باطو بن توشى، وطالت أيامه إلى أن مات في سنة إحدى وثمانين، وملك بعده تدان متكو خمس سنين، وترهب من الملك سنة ست وثمانين، وملك بعده تدان منكو خمس سنين، وترهب من الملك سنة ست وثمانين، وملك بعده تدان منكو خمس سنين، وترهب من الملك سنة ست وثمانين، فولى بعده تلابغا ودام في الملك إلى أن قتل سنة تسعين وستمائة، وتولى أخوه طقطاى عوضه فحاربه نوغاي واستولى على الملك ودام فيه إلى أن قتل، وملك بعده ابنه جكا إلى أن مات، وعاد طقطاى إلى الملك إلى أن مات سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، فملك بعده أزبك(4/79)
ابن طغو لجاى بن منكو تمر إلى أن مات في سنة نيف وأربعين وسبعمائة، فولى بعده ابنه جانبك إلى أن مات، وولى بعده ابنه بردبك ثلاث سنين ومات سنة تسع وخمسين وسبعمائة، وترك ابنه تقتميش هذا صغيراً، فأقيم في الملك بعده، وكانت أخته جانم بنت بردبك تحت الأمير ما ماى أحد أمراء المغل الأكابر وصاحب مدينة قرم، فأخرج ماماي تقتميش من بلاده واستولى عليها، وسار تقتميش إلى خوارزم واستنجد بتيمورلنك بعد أن وقع بين ماماي وبين تقتميش حوادث وحروب وخطوب، ونصب عدة ملوك على تخت الملك إلى أن عاد تقتميش إلى ملكه، وقتل ماماي، ودام تقتميش في الملك ووقع بينه وبين تيمورلنك وقائع آخرها الوقعة العظيمة التي انتصر فهيا تيمور، وهو أنهما تواقعا في يوم واحد نحو خمس عشرة وقعة إلى أن انهزم تقتميش واستولى تيمور على ملكه، كما هو مذكور في ترجمة الشريف بركة، ولا زال تيمور يتتبع تقتميش إلى أن قتله في سنة ثلاث وتسعين سبعمائة.(4/80)
باب التاء والكاف
771 - تكا الأشرفي
793هـ - 1391
م تكا بن عبد الله الأشرفي، الأمير سيف الدين.
أحد مقدمي الألوف، ونائب غيبة منطاش بالديار المصرية لما توجه لقتال الملك الظاهر برقوق، بعد خروج برقوق من حبس الكرك في أوائل سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة. وكان سكنه بقلعة الجبل كالنائب بها إلى خرجت المماليك المحابيس بقلعة الجبل من مماليك برقوق ووقع لهم ما حكيناه في ترجمة الأمير بطا وغيره، ثم قبض عليه الملك الظاهر برقوق، وهلك مع من هلك في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
وأصله من مماليك الملك الأشرف شعبان بن حسين، رحمه الله تعالى.(4/81)
باب التاء واللام
772 - تلكتمر 791هـ؟ - 1389م تلكتمر بن عبد الله، الأمير سيف الدين.
أحد أمراء الطبلخانات في الدولة الظاهرية برقوق، وكان مشكور السيرة، توفي بالطاعون في جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
؟
773 - تلكتمر من بركة الناصري
؟؟ 764هـ؟ - 1363م
تلكتمر بن عبد الله من بركة الناصري، الأمير سيف الدين.
أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية في دولة أستاذه الملك الناصر محمد بن قلاوون، ثم صار رأس نوبة النوب، ثم نقل إلى إمرة مجلس في دولة الملك الأشرف شعبان بن حسين، ثم صار أستادارا، ثم نقل إلى نيابة صفد أولى وثانية، ثم بطل في آخر وقته ولزم داره إلى أن مات يوم الأحد حادي عشرين شهر ربيع الآخر سنة أربع وستين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.(4/83)
تلابغا بن منكو تمربن طغان بن باطوخان بن دوشى خان بن جنكز خان، القان ملك الترك بالبلاد الشمالية.
جلس على سرير الملك بركة خان، وأقام في الملك إلى أن توجه إلى غزو بعض البلاد، فسار إليه نوغيه نجدة له إلى أن قضيا الوطر، وعاد كل منهما إلى مقامه، سلك نوغيه الطريق المستسهلة فوصل بعسكره سالما، وسلك تلابغا الطريق المستصعبة فهلك أكثر عسركه، فتمكنت العداوة بينه وبين نوغيه، وكان نوغيه شجاعاً له ممارسة بالمكائد، ثم أخبر أن تلابغا جمع لحربه العساكر، ثم أرسل يستدعيه موهماً أنه يحتاجه، فأرسل نوغيه إلى والدة تلابغا وقال لها: إن ابنك هذا شاب وأنا أشتهي أنصحه وأعرفه لكن في خلوة لا يطلع عليها سواه، وأن ألقاه في نفر يسير، فانخدعت المرأة لمقالته وأشارت على ولدها بموافقته، ففرق تلابغا العسكر، ثم أرسل إلى نوغيه ليحضر، فتجهز نوغبة من وقته وأرسل إلى(4/84)
أولاد منكو تمر الذين يميلون إليه بأن يلحقوا به، فلما قرب من تلابغا أكمن بعض عسكره، وحضر بأناس قلائل، فلما اجتمعا وأخذ في الحديث لم يشعر تلابغا إلا والخيول قد أحاطت به، فأمسك، وسلم إلى أخيه طقطاى، فقتله طقطاى وملك بعده في سنة تسعين وستمائة.(4/85)
باب التاء والميم
775 - تمان تمر العمري نائب غزة
764هـ -؟ - 1363م
تمان تمر بن عبد الله العمري، الأمير سيف الدين، نائب غزة.
كان أولا من جملة الأمراء بالديار المصرية، ثم نقل إلى نيابة غزة إلى أن توفي بها سنة أربع وستين وسبعمائة.
وكان أميراً جليلا، كثير البر إلى الفقراء والصالحين، وكان دينا خيراً عابداً، وقبره يزار ويؤخذ من ترابه للتبرك، رحمه الله تعالى.
؟
776 - تمان تمر الأشرفي
792هـ -؟ - 1390م
تمان تمر بن عبد الله الأشرفي، الأمير سيف الدين، نائب بهسنا.
أصله من مماليك الملك الأشرف شعبان بن حسين، ثم أخرج بعد قتل أستاذه إلى نيابة بهسنا إلى أن مات بها سنة إثنتين وتسعين وسبعمائة، رحمه الله.(4/87)
؟
777 - تمر بى الدمرداشي
785هـ -؟ - 1383م
تمر باى بن عبد الله الدمرداشي، الأمير سيف الدين.
كان أولا
ً من جملة الأمراء بالديار المصرية، ثم ولى نيابة حلب في سنة ثمانين وسبعمائة، عوضاً عن الأمير أشقتمر المارديني، فباشر نيابة حلب مدة، وحسنت سيرته، وجمع الجيوش بها، وتوجه منها إلى غزو بلاد سيس لردع طائفة التركمان الأجقية والأغاجرية، فلما وصل بعسكره من الشاميين والحمويين إلى أطراف بلاد سيس، بلغ التركمان خبره وما قصده، بادروا إليه بالخضوع والطاعة، وحضر منهم أربعون نفراً من أكابرهم وأمرائهم، واستصحبوا معهم ما قدروا عليه من الهدايا والتحف، وطلبوا الأمان، فلم يقبل ذلك منهم، وسبى نساءهم وقتل رجالهم، بعد أن قيد من جاءه من الأمراء، واشتغل العسكر بالغنيمة، فلما رأى التركمان ذلك أكمنوا للعسكر بمضيق هناك يقال له باب الملك على شاطئ البحر، فأوقعوا بعسكر تمرباي المذكور وكسروه كسرة شنيعة أتت على أكثرهم ما بين جريح وقتيل وغريق، ولم ينج منهم إلا القليل، ونهب التركمان جميع ما معهم، ورجعوا إلى أوطانهم على أقبح وجه، وبلغ السلطان ما وقع، فعزل تمرباي المذكور عن نيابة حلب بالأمير إينال اليوسفي.(4/88)
ثم ولى تمر باى المذكور بعد ذلك بمسدة نيابة صفد إلى أن توفي بها في سنة خمس وثمانين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
؟
778 - تمرباي اليوسفي
839 - هـ؟ - 1436م
تمرباي بن عبد الله اليوسفي المؤيدى، الأمير سيف الدين.
هو ممن أنشأه الملك المؤيد شيخ، وجعله شاد الشراب خانة، ثم جعله أمير مائة ومقدم ألف بالقاهرة، ثم ولاه الأمير ططر إمرة حاج المحمل، فتوجه إلى الحجاز الشريف، وعاد في رابع عشرين المحرم من سنة أربع وعشرين وثمانمائة، وقد حمدت سيرته في الحج، فدام بالقاهرة إلى ثامن عشرينه، قبض عليه وعلى الأمير قرمش الأعور، أحد أمراء الألوف بالديار المصرية، ثم أخرجا إلى ثغر دمياط.
فاستمر تمرباى المذكور بثغر دمياط إلى أن طلبه الملك الأشرف برسباى إلى القاهرة وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بحلب، وجعله دوادار السلطان بها، وذلك قبل سنين ثلاثين وثمانمائة، فاستمر بحلب مدة طويلة إلى أن توفي بها في حدود سنة تسع وثلاثين وثمانمائة تخمينا.
وكان متوسط السيرة، قصيرا، وعنده بعض معرفة بالنسبة إلى أبناء جنسه، رحمه الله تعالى.(4/89)
779 - تمرباى الحسنى
792هـ -؟ - 1390م
تمرباى بن عبد الله الحسنى، الأمير سيف الدين، حاجب الحجاب بالديار المصرية.
كان أولاً من جملة أمراء دمشق، وولى نيابة سيس وغيرها، وتنقل في عدة وظائف إلى أن وافق الأمير يلبغا الناصري ومنطاش على مخالفة الملك الظاهر برقوق، ولما خلع الملك الظاهر برقوق وصار الناصري نظام مملكة الملك المنصور حاجي استقر بتمرباي هذا في حجوبية الحجاب بالديار المصرية، فاستمر على ذلك إلى أن قبض منطاش على الناصري وعلى أصحابه، قبض على تمرباى هذا أيضاً، وحبس إلى أن تجرد منطاش لقتال برقوق، وخرج من القاهرة، ورد في غيبته محضر يقال أنه مفتعل بموت جماعة الأمراء الحبوسين من حائط سقطت عليهم بالحبس المذكور، وهم: الأمير تمر باى الحسنى هذا، وقرابغا الأبو بكرى، وطغاى تمر الجر كتمرى، ويونس الأسعردي، وقازان السيفى، وتنكز العثماني، وعيسى التركماني، وذلك في أوائل المحرم سنة إثنتين وتسعين وسبعمائة، وذلك بإشارة صراى تمر نائب غيبة منطاش.(4/90)
وكان تمر باى هذا أميراً جليلا، عاقلا، معظما في الدول، وكانت ابنته تحت والدي رحمه الله، تزوجها بعد موت زوجها الأمير ألطنبغا الأشرفي، وماتت عنده، رحمها الله تعالى.
؟
تمر باى رأس نوبة النوب
852هـ -؟ - 1449م
تمرباى بن عبد الله السيفي تمربغا المشطوب، وقيل غير ذلك، الأمير سيف الدين، رأس نوبة النوب.
أصله من مماليك الأمير تمربغا المشطوب، ثم خدم بعد موته عند الأمير ططر وحظى عنده إلى أن تسلطن وأنعم عليه بحصة من شبين القصر، وجعله دوادارا ثالثاً، فاستمر على ذلك دهراً إلى أن توفي الأمير جانبك الأشرفي الدوادارية الثانية عوضه من غير إمرة، بل استمر على إقطاعه المذكور نحو أشهر، وأنعم(4/91)
عليه بإمرة عشرة، ثم شرع يزيده الملك الأشرف قليلا قليلاً إلى أن صار من جملة الطبلخاناة.
ودام على ذلك إلى أن مات الأشرف وتسلطن ولده الملك العزيز يوسف، ووقع ما حكيناه في غير موضع من الاختلاف بين الملك العزيز وحواشيه وبين الأثابك جقمق، وصار تمر باى هذا من حزب الأثابك جقمق، ودام من حزبه إلى أن أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، واستقر في الدوادارية الثانية عوضه الأمير إينال الأبو بكرى الأشرفي شاد الشراب خانة، ثم أخلع عليه بنيابة الإسكندرية بعد عزل زين الدين عبد الرحمن بن علم الدين ابن الكويز عنها، فتوجه إليها وباشر نيابتها مدة، وعزل وطلب إلى القاهرة، واستقر رأس نوبة النوب، وعوضا عن الأمير قراجا الحسنى بحكم انتقاله أمير آخورا(4/92)
بعد انتقال تمراز القرشي إلى إمرة سلاح، عوضاً عن يشبك التمر بغاوي بحكم انتقاله أتابك العساكر، عوضاً عن آقبغا التمرازي نائب الشام، كل ذلك في سنة إثنتين وأربعين ثمانمائة.
وندب للسفر لقتال الأمير إينال الجكى صحبة العسكر السلطاني، فتوجه ثم عاد، وإستمر على وظيفته وإقطاعه.
وسافر غير مرة أمير حاج المحمل إلى أن توفي في يوم الأربعاء تاسع عشرين صفر سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة وهو في عشر الستين.
وكان مهملا، عاريا من كل علم وفن، شرس الأخلاق، خبيث اللسان، بخيلا غير شجاع، إلا أنه كان عفيفا عن المنكرات، وله بر على الفقراء، عفا الله عنه.
؟
781 - تمرباى الساقي
تمرباى بن عبد الله الساقى الناصري، الأمير سيف الدين.
أصله من مماليك الملك الناصر فرج، وقاسى خطوب الدهر بعد قتل أستاذه(4/93)
ألوانا، إلى أن صار من جملة المماليك السلطانية في أيام الملك الظاهر ططر، ثم صار خاصكيا، واستمر على ذلك إلى أن جعله الملك الظاهر جقمق ساقيا، فدام في السقاية مدة إلى أن أنعم عليه بإمرة عشرة، ودام على ذلك.
782
- منطاش
795هـ -؟ - 1393م
تمر بغا بن عبد الله الأفضلي المدعو
منطاش، الأمير سيف الدين، المتغلب على الديار المصرية، وصاحب الوقعة المشهورة.
أصله من مماليك الملك الأشرف شعبان بن حسين وممن خاصكيته، ثم تأمر عشرة في أيام أستاذه إلى أن قتل الأشرف وتشتت مماليكه في البلاد، نفى منطاش هذا إلى البلاد الشامية، ودام بها إلى أن تسلطن الملك الظاهر برقوق طلبه إلى القاهرة، فقدمها مع من قدم من المماليك الأشرفية، واستمر بخدمة الملك الظاهر برقوق ودام عنده إلى سنة سبع وثمانين وسبعمائة، اشتراه الملك الظاهر برقوق من أولاد أستاذه بوجه شرعي، وأعتقه وولاه نيابة ملطية في سنته، فتوجه إليها وأقام بها إلى سنة ثمان وثمانين وسبعمائة عصى على الملك الظاهر وخرج عن طاعته، وبلغ(4/94)
خبره الملك الظاهر برقوق، فأرسل بتوجه العساكر الحلبية صحبة نائبها الأمير يلبغا الناصري وغيرهم لقتال منطاش المذكور والقبض عليه، فلما توجهت العساكر إليه خرج هو من ملطية وقصد القاضي برهان الدين أحمد صاحب سيواس، والتجأ إليه، فوافقه القاضي برهان الدين أحمد المذكور على العصيان، وضمه عنده بسيواس، فتوجهت العساكر الحلبية نحو سيواس في سنة تسعين وسبعمائة وحصروها، ووقع بين الفريقين حروب يطول الشرح في ذكرها، واستظهر العسكر الحلبى على أهل سيواس إلا أنهم لم يظفروا بأحد منها، ثم عادوا إلى حلب، ووعده بأنه يعود إلى قتاله في القابل، وقال لا يعرف السلطان أمر منطاش إلا منى، فلم يأخذ برقوق كلامه بالقبول في الباطن، وأرسل يطلب الأمير ألطنبغا الجوبانى نائب دمشق إلى القاهرة، فلما وصل الجوبانى إلى خانفاة سرياقوس أرسل الظاهر قبض عليه وبعثه لحبس الإسكندرية، ثم أرسل الظاهر أيضاً قبض على الأمير كمشبغا الحموي نائب طرابلس.(4/95)
فلما بلغ الناصري هذه الأخبار استوحش وخاف على نفسه من القبض عليه، ويفعل به كما بغيره، فلم يجد بدا من موافقة منطاش والعصيان على الملك الظاهر، وأرسل بطلب منطاش إليه فحضر منطاش ودخل تحت طاعة الناصري، وانضم عليهم خلائق من الأمراء وغيرهم، وتوجه الجميع نحو الديار المصرية، ووقع ما حكيناه وما سنحكيه في غير موضع إن شاء الله تعالى.
ولا زال أمر منطاش والناصري في إقبال وأمر برقوق في إدبار حتى قبضا عليه وحبس بحبس الكرك، وصار الناصري هو مدبر مملكة الملك المنصور حاجى وله الأمر والنهي.
وصار منطاش المذكور كا حاد الأمراء الأكابر، وليس له من الأمر شيء، فعظم ذلك على منطاش وأضمر الشر للناصري، وصار يمنعه من إثارة الفتنة عدم موجوده وقلة أعوانه إلى أن زاد به الأمر دبر حيلة، وذلك بأنه تمارض فدخل الأمير ألطنبغا الجو بأني يعوده في العشر الأوسط من شعبان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، فقبض عليه منطاش وعلى غيره ممن دخل من أمراء الناصري لعيادته، ونهض منطاش من وقته، وأمر لجماعة من حواشيه بالطلوع إلى سطح مدرسة السلطان حسن وبالرمي على الناصري بسكنه بباب السلسلة، كل ذلك والناصري لا يكترث بذلك إلى أن عظم الأمر، وتناوشوا بالقتال وتراموا بالسهام، ثم قوى الرمي على باب السلسلة من مدرسة السلطان حسن، واستمر ذلك بينهم أياماً، وكل يوم يقوى جانب منطاش إلى أن اجتمع عليه كثير(4/96)
من الجند، فلما رأى الأمير يلبغا الناصري أن أمره لا يزداد إلا شدة ركب من الإسطبل بنفسه بجموعة، ونزل من باب السلسلة ومعه أعيان الأمراء، ولا يشك أحد في نصرته والتقى مع منطاش، فلم يثبت الناصري غير ساعة وانكسر وانهزم إلى جهة بلبيس، وملك منطاش قلعة الجبل، وقبض على من استوحش منهم من الأمراء، ثم أحضر إليه الأمير يلبغا الناصري ممسوكاً من بلاد الشرقية، فقيده وجهزه إلى ثغر الإسكندرية، وصحبته الأمير ألطنبغا الجوبانى، فحبسا بالثغر المذكور، واستقر منطاش أتابك العساكر ومدبر المماليك كما كان الناصري وصار يمهد مملكته، ويقرب واحداً ويبعد آخر، وقبض على خلائق من اليلبغاوية والبرقوقية ممن كان الناصري أمنهم، وأنشأ خلائق ممن لا يؤبه إليهم، واستفحل أمره، ثم أرسل إلى دمشق بالقبض على نائبها الأمير بزلار العمري واعتقاله، واستقرار جردمر المعروف بأخي طازفي نيابة دمشق، واعتمد غير ذلك من التولية والعزل إلى أن بدا له أن يرسل إلى الكرك بقتل برقوق على يد الشهاب البريدي، فتوجه الشهاب إلى الكرك، فلم(4/97)
يسمع له ذلك، ووقع ما ذكرناه في ترجمة الملك الظاهر برقوق من خروجه من حبس الكرك ومساعدة نائبها له الأمير حسن الكجكنى، وقتل الشهاب البريدي وقدوم برقوق إلى دمشق، وخروج منطاش بالملك المنصور والعساكر المصرية لقتال الملك الظاهر برقوق.
وكان خروج منطاش من الديار المصرية في ثاني عشرين ذي الحجة من سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، ومعه عدة من أعيان الأمراء كالجاليش، ثم تبعه السلطان الملك المنصور حاجي بمن معه، والخليفة والقضاة وغيرهم، وساروا الجميع إلى أن التقى منطاش مع الظاهر برقوق وحصل بينهما الوقعة المشهورة، فانكسر منطاش وانهزم إلى دمشق وانتصر الظاهر برقوق، واستولى على الملك المنصور والخليفة والقضاة، ودخل منطاش إلى الشام، واحتفل لقتال برقوق ثانياً، فلم ينتج أمره، وعاد إلى دمشق وتحصن بها، وحصره الظاهر برقوق مدة أيام، ثم تركه وعاد إلى دمشق وتحصن بها، وحصره الظاهر برقوق مدة أيام، ثم تركه وعاد إلى الديار المصرية، وجلس على كرسي الملك، وأطلق الناصري والجوبانى وغيرهم ممن كانوا غرماءه في الأولى، ثم قبض عليهم منطاش وحبسهم حسبما ذكرناه، وأخلع على الجوباني بنيابة دمشق، وندبه لقتال منطاش واخراجه من دمشق، فتوجه الجوبانى بالعساكر إلى نحو دمشق، وبلغ خبرهم منطاش، فخرج منها لقتاله، وتقاتلا، فقتل الجوبانى في المعركة، ثم انهزم منطاش(4/98)
وتوجه إلى نعير لا ئذابه، فوافقه نعير وتوجه معه وصحبتهم عنقاء بن شطي أمير آل مرا إلى حلب، وبها نائبها الأمير كمشبغا الحموي، فحاصروها مدة، ثم رجعوا إلى بلادهم بغير طائل.
واستمر منطاش عند نعير سنين، والملك الظاهر برقوق يتتبعه، ويرسل في كل قليل يطلبه، ونعير يسوف به من وقت إلى وقت إلى أن طال الأمر على نعير فقبض عليه وأرسله إلى الأمير جلبان قراسقل نائب حلب، فاعتقله المذكور بقلعة حلب، وأرسل إلى الملك الظاهر برقوق يعرفه بذلك، فأرسل الملك الظاهر إلى منطاش من يعاقبه ويقرره على أموال الديار المصرية وعلى ذخائره، فلا زال تحت العقوبة حتى هلك بقلعة حلب، فقطعت رأسه وأرسلت إلى الديار المصرية، فعلقت على باب قلعة الجبل، ثم على باب زويلة، وله من العمر نحو أربعين سنة تقريباً، وكانت قتلته في سنة خمس وتسعين وسبعمائة.
وفي هذا المعنى يقول الشيخ زين الدين طاهر.
الملك الظاهر في عزه ... أذل من ضل ومن طآشآ
ورد في قبعته طائعاً ... نعيرا العاصي ومنطاشا(4/99)
؟؟؟
783 - تمربغا المشطوب
تمربغا بن عبد الله من باشا الظاهري، الأمير سيف الدين.
أحد المماليك الظاهرية برقوق، وممن صار أمير عشرة في دولة أستاذه، ثم ترقى في الدولة النصارية فرج بن برقوق حتى صار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية في سنة ثلاث وثمانمائة، عوضاً عن الأمير قطلوبغا الحركي بعد حبسه، ثم تنقل في عدة ولايات منها نيابة حلب وغيرها بعد انضمامه إلى الأميرين شيخ المحمودي ونوروز الحافظي، وطال مقامه بتلك البلاد إلى أن توفي بالطاعون في حسبان من البلاد الشامية في شعبان سنة ثلاثة عشر وثمانمائة.
وكان تمربغا المشطوب هذا مشهوراً بالشجاعة والإقدام، وهو أستاذ الأتابك يشبك المشد، وأستاذ الأمير تمرباي الدوادار ثم رأس نوبة النوب، كلاهما في دولة الملك الظاهر جقمق. انتهى.
784 - تمربغا الظاهري الدوادار
879هـ -؟ - 1474م
تمربغا بن عبد الله العلمي الظاهري الدودار، الأمير سيف الدين.(4/100)
أصله من مماليك علم الدين بن الكويز كاتب العمر، ثم من بعد موته ملكته خوند مغل بنت البارزي زوجه علم الدين بن الكويز المذكور ودام عندها إلى أن تزوجت بالملك الظاهر جقمق وهو إذ ذاك أمير آخور فوهبته لزوجها جقمق المذكور فأعتقه وجعله من جملة مماليكه، وقيل أنها لم تنعم به عليه وأنه إلى الآن في ملكها، وهذا القول الثاني أيضاً شائع بأفواه الناس، والجميع إلى الآن في قيد الحياة، ولما تسلطن الملك الظاهر جقمق قرب تمربغا المذكور وجعله خاصكيا، ثم سلاح دارا، ثم خازندار، إلى أن أنعم عليه بإمرة عشرة زيادة على ما بيده من حصة بشين القصر، عوضاً عن أقبردي الأشرفي أمير آخور ثالث، بعد انتفال أقبردي المذكور إلى إمرة عشرين بطرابلس، واستمر على ذلك إلى سنة تسع وأربعين توجه إلى الحجاز أمير حاج الركب الأول، ثم عاد إلى القاهرة واستمر بها إلى العشر الأوسط من صفر سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، واستقر في الدوادارية الثانية، عوضاً عن الأمير دولات باى المحمودي بحكم انتقاله إلى تقدمة ألف بالديار المصرية، بعد موت الأمير تمراز القرشي أمير سلاح، واستقر في السنة المذكورة أمير حاج الركب الأول فحج بالناس ثانياً، وعاد إلى(4/101)
ديار مصر، وعند عوده رسم له السلطان بإمرة حاج المحمل في العام القابل، فسافر بالمحمل في سنة أربع وخمسين وثمانمائة، وهذه سفرته الثالثة.
وفي هذه الأيام المذكورة عظم تمربغا هذا في الدولة، وكثر ترداد الناس إلى بابه، وقصده أرباب الحوائج لقضاء حوائجهم، واشترى بيت الأمير منجك اليوسفي وشرع في عمارته.
؟ 785 تمر الجر كتمرى
792هـ -؟ - 1390م
تمر بن عبد الله الجر كتمرى، الأمير سيف الدين أحد أمراء الطبلخانات في دولة الملك الظاهر برقوق، قتل في الواقعة بين الملك الظاهر برقوق وبين منطاش في سنة إثنتين وتسعين وسبعمائة.
؟ 786 تمر الشهابي
798هـ -؟ - 1396م
تمر بن عبد الله الشهابي، الأمير سيف الدين الحاجب، أحد أمراء الطبلخانات وأعيان فقهاء الحنفية.(4/102)
كان له معرفة بالفقه والأصول، وتصدر للإقراء مدة طويلة إلى أن سافر مرة فخرج عليه العرب فقاتلهم فجرح ومات من جراحه بعد أيام بالقاهرة في سنة ثمان وتسعين وسبعمائة. وكان شجاعاً فاضلا، عالما دينا خيراً، رحمه الله.
؟
787 - تمرلنك الطاغية
728 - 807هـ؟ - 1328 - 1405
م
تمر وقيل تيمور كلاهما يجوز بن أيتمش قنلغ بن زنكي بن سنيبا بن طارم طرا بن طغريل بن قليج سنقوز بن كنجك بن طغر سبوقا بن ألتاخان، الطاغية تيمور كوركان، وكولا كان، معناه باللغة العجمية صهر الملكوك.
مولده سنة ثمان وعشرين وسبعمائة بقرية تسمى خواجا أبغار من عمل كش، أحد مدائن ما وراء النهر، وبعد هذه البلد عن سمرقند يوم واحد ويقال: أنه رؤى ليلة ولد كأن شيئاً يشبه الخوذة تراءى طائرا في جو السماء،(4/103)
ثم وقع إلى الأرض في فضاء فتطاير منه جمر وشرر حتى ملا الأرض.
وقيل: أنه لما خرج من بطن أمه وجدت كفاه مملوءتين دماً، فزجروا أنه يسفك على يديه الدماء، قلت: وهكذا وقع، لا عفا الله عنه.
وقيل: أن والده كان إسكافا، وقيل بل كان أميرا عند السلطان حسين صاحب مدينة بلخ، وكان أحد أركان دولته، وأن أمه من ذرية جنكزخان، وقيل كان للسلطان حسين أربعة وزراء فكان تيمور من أحدهم.
وأصله من قبيلة بلاص، وقيل: أن أول ما عرف من حاله أنه كان يتجرم فسرق في بعض الليالي غنمه وحملها ليمر بها، فانتبه الراعي ورماه بسهم فأصاب كنفه، ثم ردفه بآخر فلم يصبه، ثم بآخر فأصاب فخذه، وعمل الجرح الثاني الذي في فخذه حتى عرج منه، ولهذا سمي تمرلنك، فإن لنك باللغة العجمية أعرج، ولما تعافى أخذ في التجرم وقطع الطريق، وصحبه في تجرمه جماعة عدتهم أربعون رجلاً، وكان تيمور يقول لهم في تلك الأيام: لا بد أن أملك الأرض وأقتل ملوك الدنيا، فيسخر منه بعضهم ويصدقه البعض لما يروه من شدة حزمه وشجاعته.
وقيل: أنه تاه في بعض تجرماته عدة أيام إلى أن وقع على خيل السلطان حسين صاحب بلخ، فأنزله الدشاري عنده وعطف عليه وآواه، وأتى إليه بما(4/104)
يحتاجه من طعام وشراب، وكان لتيمور معرفة تامة في جياد الخيل، فأعجب الدشاري منه ذلك، فاستمر به عنده إلى أن أرسل معه بخيول إلى السلطان حسين وعرفه به، فأنعم عليه وأعاده إلى الدشاري، فلم يزل عنده حتى مات الدشاري، فولاه السلطان عوضه على دشاره، ولا زال يترقى بعد ذلك من ظيفة إلى أخرى حتى عظم وصار من جملة الأمراء، وتزوج بأخت السلطان حسين، وأقام معها مدة إلى أن وقع بينهما في بعض الأيام كلام فعايرته بما كان عليه من سوء الحال فقتلها، وخرج هاراباً وأظهر العصيان على السلطان حسين، واستفحل أمره، واستولى على ما وراء النهر، وتزوج بنات ملوكها، فعند ذلك لقب بكور كان، تقدم الكلام على كور كان في أول الترجمة.
ولا زال أمره ينمو وأعماله تتسع إلى أن خافه السلطان حسين وعزم على قتاله، وبلغه ذلك فخرج هارباً من بلد إلى أخرى.
وكان إبتدأ أمره بعد سنة ستين وسبعمائة، لما قوى أمره وملك عدة حصون بعث إلى ولاة بلخشان، وكانا أخوين قد ملكا بعد موت أبيهما، يدعوهما إلى طاعته فأجاباه، وكانت المغل قد نهضت من جهة الشرق على السلطان حسين وكبيرهم(4/105)
الخان قمر الدين، فتوجه السلطان حسين إليهم وقاتلهم، فأرسل تيمور يدعوهم إليه، فأجابوه ودخلوا تحت طاعته، فقويت بهم شوكته، ثم قصده السلطان حسين في عسكر عظيم حتى وصل إلى قاغلغا، وهو موضع ضيق يسير الراكب فيه ساعة وفي وسطه باب إذا أغلق وأحمى لا يقدر عليه، وحوله جبال عالية، فملك العسرك فم هذا الدر بند من جهة سمرقند، ووقف تيمور بمن معه على الطريق الآخر، وفي ظنهم أنهم حصروه وضيقوا عليه، فتركهم ومضى في طريق مجهولة، فسار ليله في أوعار مشقة حتى أدركهم في السحر، وقد شرعوا في تحميل أثقالهم، على أن تيمور قد انهزم وهرب خوفاً منهم، فأخذ تيمور يكيدهم بان نزل هو ومن معه عن خيولهم وتركوها ترعى في تلك المروج، وناموا كأنهم من جملة العسكر، فموت بهم خيوله وهم يظنون أنهم منهم قد قصدوا الراحة، فلما تكامل مرور العسكر ركب تيمور بمن معه أقفيتهم وهم يصيحون، وأيديهم تدقهم بالسيوف دقا، فاختبط الناس، وانهزم السلطان حسين بمن معه لا يلوى أحد على أحد حتى وصل إلى بلخ، فاحتاط تيمور بما كان معه، وضم إليه من بقى من العسكر، فعظم جمعه، وكثرت أمواله، واستولى على ممالك ما وراء النهر، ورتب جنوده، وكتب إلى شيره على نائب السلطان حسين بسمرقند بتسليمها له، فمال إليه على أن تكون المملكة بينهما نصفين، فاقتسما تلك الأعمال، ثم قدم(4/106)
عليه شيره على، فأكرمه ومضى على ما وافقه عليه، ثم سار يريد بلخشان فتلقاه ملكها بالهدايا والتحف وأمده بعسكره ومضى معه إلى بلخ، فنزل عليها وحصرها وبها السلطان حسين إلى أن ضعف عليه حاله، وسلم نفسه، فقبض عليه، ورد صاحب بلخشان إلى عمله مكرما مبجلا، ثم عاد إلى سمرقند ومعه السلطان حسين فنزلها واتخذها دار ملكه، ثم قتل السلطان حسين في شعبان سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، وأقام عوضه رجلاً من ذرية جنكر خان يقال له سرغتميش وجعله السلطان، ولم يجعل له شيئاً من لأمر.
وكان الخان تقتميش صاحب الدشت والتتار بلغه ما جرى للسلطان حسين، فشق عليه ذلك وجمع عساكره وخرج يريد قتال تيمور، ومضى من جهة سغناق، فجمع له تيمور أيضاً، وسار من سمر قند فالتقيا بأطراف تركستان قريباً من نهر خجند، فاشتدت الحرب بينهما، وكثرت القتلى من عساكر تيمور حتى كادت تفنى، وعزم تيمور على الهزيمة، وإذا هو بالمعتقد الشريف بركة قد أقبل إليه على فرسه، فقال له تيمور وقد جهده البلاء: يا سيدي جيشى انكسر: فقال له الشريف بركة:(4/107)
لا تخف، ثم ترك عن فرسه وتناول كفا من الحصا، ثم ركب فرسه ورمى بها في وجوههم، يعني جماعة تقتميش، وصرخ قائلا: يا غي قشتى، يعنى باللغة التركية، العدو هرب، وصرخ بها أيضاً تيمور، فامتلأت آذان التمرية بصرختهما، وأتوه بأجمعهم بعد ما كانوا هاربين، وتركوا جميع ما معهم، فكربه تيمور ثانياً، وما منهم أحد إلا وهو بصرخ ياغي قشتى، فانهزم عسكر تقتميش خان، وركبت التمرية أقفيتهم، وغنموا منهم من الأموال ما لا يدخل تحت الحصر.
ثم عاد تيمور إلى سمرقند، وقد استولى على تركستان، وبلاد نهر خجند، ثم وقع بينه ونبين شيره على، ولا زال عليه تيمور حتى دهاه وقبض عليه وقتله، فعظم بذلك أكثر مما كان، وبلغت دعوته ما زندران وكيلان وبلاد الري والعراق، وخافه القريب والبعيد، وكل ذلك بعد قتل السلطان حسين بنحو السنتين.
ثم توجه إلى بلاد العراق وكتب إلى شاه شجاع بن محمد بن مظفر اليزدي صاحب شيراز وعراق العجم يدعوه إلى طاعته وأن يحمل إليه المال، ومن جملة كتابه: إن الله قد سلطني على ظلمة الحكام وعلى الجائرين من ملوك الأنام،(4/108)
ورفعني على من ناوأني، ونصرني على من خالفني من عاداني، وقد رأيت وسمعت، فإن أجبت وأطعت، فبها ونعمت، وإلا فاعلم أن في قدومي ثلاثة أشياء: القتل والسبي والخراب، وإثم ذلك كله عليك ومنسوب بأجمعه إليك.
فلم يسع شاه شجاع إلا مهاداته ومصاهرته، وزوج انبه لبنت تيمور، فلم يتم ذلك، وحدث بينهما شرور بواسطة الواسطة بينهما مدة حياة شاه شجاع، حتى مات بعد أن قسم ممالكه بين أولاده وأقاربه، فأعطى ابنه زين العابدين شيراز كرسي مملكته، وأعطى ابنه أحمد كرمان، وأعطى ابن أخيه شاه يحيى يزد، وأعطى ابن أخيه شاه منصور أصبهان، وأسند وصيته إلى تيمور، فلم يكن بعد موته غير قليل حتى اختلفوا، فسار شاه منصور من أصبهان وقبض على زين العابدين وملك شيراز، وملك عيني زين العابدين، فغضب تيمور لذلك، ثم مشى على شاه منصور لأخذ شيرز منه، فبرز إليه شاه منصور في ألفى فارس بعد ما حصن شيراز، ففر منه أمير يقال له محمد بن أمين الدين إلى تيمور بأكثر(4/109)
العسكر حتى بقي في أقل من ألف فارس، فقاتل بهم تيمور يومه إلى الليل، ثم مضى كل من الفريقين إلى معسكره، فبيت شاه منصور التمرية، يقال إنه قتل منهم في تلك الليلة نحو الشعرة آلاف، ثم انتخب من فرسانه خمسمائة فارس قاتل بهم من الغد، وقصد تيمور ففر تيمور منه واختفى، فأحاط به التمرية وهو يقاتلهم حتى كلت يداه، وقتلت أبطاله فانفرد عن أصحابه، وألقى نفسه بين القتلى، فضربه بعض التمرية فقتله، وأتى تيمور برأسه، فقتل تيمور قاتله.
واستولى تيمور على ممالك فارس وعراق العجم، وكتب يستدعي أقارب شاه شجاع وملوك تلك الأقطار، فوصل إليه السلطان أحمد صاحب كرمان، وشاه يحيى صاحب يزد، وعصري عليه سلطان أبو إسحاق في سيرجان، فأكرم من أتاه، ثم مضى إلى أصبهان، وأكرم زين العابدين بن شاه شجاع، ورتب له ما يكفيه، ثم جاء الملوك من كل جانب، وسلموه ما بأيديهم حتى أطاعه السلطان أبو إسحاق صاحب سيرجان، فاجتمع عنده من ملوك عراق العجم سبعة عشر ملكاً، ما بين سلطان وابن أخي سلطان، مثل سلطان أحمد بن شاه شجاع، وشاه يحيى ابن أخي شاه شجاع، وسلطان إبراهيم من ملوك خراسان، ومن ملوك ما زندران إسكندر الجلابى، وأزدشير الفارسي، وكوري صاحب الجبال، وإبراهيم القمى وغيرهم.(4/110)
واتفق أن هؤلاء الجميع اجتمعوا يوماً عنده بمخيمه وقد اتفقوا على قتله، فتفرس ذلك منهم ففض الجميع، وأقام عدة أيام، ثم جلس جلوسا عاماً وقد لبس ثياباً حمرا، واستدعى بهؤلاء الملوك السبعة عشر فأتوه بأجمعهم، فلما تكاملوا عنده أمر بهم فقتلوا عن آخرهم في ساعة واحدة، ثم استولى على بلادهم، وقتل جميع أولادهم وأقاربهم أحفادهم وأجنادهم، بحيث أنه كان إذا سمع بأحد له منهم نسب قتله، ورأى أنه إذ قتلهم تصفو له الممالك، فكان كذلك.
فصار بيده من الممالك سمرقند وولايتها فيما وراء النهر، وتركستان وبلادها، وجعل نائبه عليها الأمير خداي داود، وممالك خوارزم وكاشغر وهي في غير ممالك الخطا، وبلخشان وجميع أقاليم خراسان، وغالب ممالك ما زندران ورستمدا وزاو لستان والري واستراباذ وسلطانية وجبال الغور وعراق العجم وفارس، ولم يبق له في هذه الممالك بأجمعها منازع، بل جعل في كل من هذه الممالك ولداله أو ولد ولد، فاتسعت لذلك مملكته وقويت مهابته، واشتدت الأراجيف به في أقطار الأرض، وخافه القريب والبعيد.
ثم استولى على بلاد اللور، وهي بلاد متسعة عامرة كثيرة الفواكه، تجاور همدان، ثم سار حتى طرق همدان بغنة، فخرج إليه أهلها وصالحوه على مال جمعوه له، وأقام حتى أتاه عسكره، وأما عز الدين صاحب اللور فانه أقام(4/111)
عنده مدة بسمر قند، ثم حلفه ورده إلى بلاده وألزمه بحمل مال إليه في كل سنة.
ولما أخذ تيمور بلاد اللور وأقام على همدان، وخافه السلطان أحمد ابن أويس صاحب بغداد فبعث بأمواله وأهله مع ولده طاهر إلى قلعة النجا، فسار تيمور إلى تبريز ونهبها، وبعث عسكره إلى قلعة النجا، ومضى هو إلى بغداد، فطرقها بغتة ليلة الحادي والعشرين من شهر شوال سنة خمس وتسعين وسبعمائة، وأخذ أموال أهلها، وسار يريد ديار بكر، وعصت عليه قلعة تكربت، فنزل عليها وحصرها من يوم الثلاثاء رابع عشر ذي القعدة حتى أخذها في شهر صفر بالأمان، ونزل إليه متوليها حسن بن يولتمور وقد تذرع بكفته، وحمل أطفاله وأولاده، بعد ما حلف له تيمور أن لا يريق دمه، فقبض عليه وبعث به إلى حائط فألقيت عليه فهلك، وقتل من كان بتكريت وقلعتها من الرجال والنساء والأولاد.
ثم سار إلى الموصل، فنزل عليها يوم الجمعة حادي عشرين صفر سنة ست وتسعين وسبعمائة، فنهبها وخربها، ومضى إلى رأس عين، فنهبها أيضاً وأسر أهلها، وسار إلى الرها، ونزل عليها في يوم الأحد مستهل شهر ربيع الأول حتى أخذها في ثاني عشرينه، بعد ما أتلف ظواهرها.
وانتشرت عساكره في ديار بكر، ثم نزلوا على ما ردين، فنزل إليه السلطان الملك الظاهر مجد الدين عيسى صاحبها، وقد جمع أهله وأمواله وأعيان دولته في قلعتها،(4/112)
واستخلف عليها ابن عمه وزوج ابنته الملك الصالح شهاب الدين أحمد بن إسكندر، وأكد عليه وعلى من معه أن لا يسلموا القلعة لتيمور ولو قتلوا دونها، فلما مثل الظاهر بين يدي تيمور في آخر ربيع الأول، ألزمه بتسليم القلعة إليه، فاعتذر أنها في يد غيره، فلم يقبل تيمور عذره وقبض عليه، وقاتل أهل القلعة حتى أعياه أمرهم، فخرب ظواهر المدينة وما بينها وبين نصيبين إلى الموصل.
ثم سار عنها، وطرقها سحر يوم الثلاثاء ثامن عشر جمادى الآخرة، وأخذ المدينة عنوة، ووضع السيف في من بقى بها، وقد ارتفع الناس إلى القلعة، وأسرف تيمور وأعوانه في القتل والسبي والنهب على عوائدهم القبيحة، وأهل القلعة يرمون عليهم بالنشاب والنفوط، ثم هدم سورها بأجمعه.
ورحل عنها يريد مدينة آمد، وقد قدم بين يديه السلطان محمود، وحصرها خمسة أيام حتى نزل عليها تيمور، فما زال بالبواب حتى فتح له الباب، فدخلها، ووضع فيها السيف حتى أفنى جميع رجالها، وسبى نساءها وأولادها، وكان قد دخل منهم إلى الجامع نحو الألفين فقتلوهم عن آخرهم، وأحرقوا الجامع ورحلوا، وقد صارت آمد خرابا بلقعا.
فنزل على قلعة أو نيك وحصرها حتى أخذها، وقتل من فيها.
ثم رحل إلى بلاده في سابع ذي القعدة من سنة ست وتسعين ومعه الظاهر عيسى صاحب ماردين في أسوأ حال، حتى نزل سلطانية فحبسه بها وضيق عليه.
ثم توجه يريد دشت فبجاق، ثم عاد إلى سلطانية في شهر شعبان سنة ثمان(4/113)
وتسعين وسبعمائة، فأقام بها ثلاثة عشر يوماً، ومسار إلى همدان، واستدعى بالظاهر من سلطانية مكرما، فقدم عليه مكرما في سابع عشر رمضان من السنة، فخلع عليه وجهزه إلى ماردين، بعد أن أنعم عليه بأنواع السلاح والخيول وغير ذلك.
ثم توجه نحو العراق، ثم عاد إلى الرها فصالحه أهلها بجملة عن نهبها، ثم كتب إلى القاضي برهان الدين أحمد صاحب سيواس وقيصرية وتوقات يرهبه سطوته ويأمره بإقامة الحطبة باسم محمود خان المدعو سرغتميش وباسمه هو أيضاً، ويضرب سكة الدنانير باسمهما، وجهز إليه رسله، فقبض عليهم القاضي برهان الدين صاحب سيواس، وقطع رؤوس بعضهم وعلقها في أعناق الآخرين، وشهرهم ثم وسطهم.
فغضب تيمور لذلك، ورجع عن قصد بلاد الشام خوفا من الملك الظاهر برقوق صاحب مصر لما بلغه نزوله إلى البلاد الحلبية، وأخبر تيمور أيضاً أن الظاهر برقوق لما وصل إلى حلب عرض بها عسكره، فبلغت عدتهم ستمائة ألف مقاتل، فلما بلغ الظاهر برقوق عود تيمور إلى بلاده أرسل خلفه الأمير تنم نائب الشام بالعساكر الشامية، وأردفه بوالدى رحمه الله وكان(4/114)
إذ ذاك نائب حلب بالعساكر الحلبية وتركمان الطاعة، فخرج الجميع في إثره إلى أرزنكان، ثم عادوا ولم يقفوا له على أثر.
ولما سار تيمور إلى بلاده بلغه موت فيروز شاه ملك الهند عن غير ولد، وأن أمر الناس بمدينة دلى في اختلاف، وأنه جلس على تخت الملك بدلي وزير يقال له: ملو، فخالف عليه أخو فيروز شاه سارنك خان متولي مدينة مولتان، فلما سمع تيمور هذا الخبر اغتنم الفرصة وسار من سمرقند في ذي الحجة سنة ثمانمائة إلى مولتان، وحاصر ملكها سارنك خان، وكان في عسكره ثمانمائة فيل، فأقام تيمور على مضايقته وحصاره ستة أشهر حتى ملك مدينة مولتان، ثم جد في السير منها يريد مدينة دلى وهي تخت الملك، فخرج لقتاله ملكها ملو المذكور وبين يديه عساكره ومعهم الفيلة، وقد جعل على كل فيل برجافيه عدة من المقاتلة، وقد ألبست تلك الفيلة العدد والبركستوانات، وعلق عليها من الأجراس والقلائل ما يهول صوته، وشدوا في خراطيمها عدة من السيوف المرهفة وسارت العساكر من وراء الفيلة لتنفر هذه الفيلة خيول التمرية بما عليها، فكادهم تيمور بأن عمل آلافا من الشوكات الحديد المثلثلة الأطراف ونثرها في مجالات الفيلة، وجعل(4/115)
على خمسمائة بعير أحمال قصب محشوة بالفتائل المغموسة بالدهن، وقدمها أمام عسكره، فلما تراءى الجمعان وزحف الفريقان للحرب، أضرم في تلك الأحمال النار، وساقها على الفيلة، فركضت تلك الأباعر من شدة حرارة النار ثم نخسها سواقها من خلف، هذا وقد أكمن تيمور كميناً من عسكره، ثم زحف بعساكره قليلا قليلاً وقت السحر، فعندما تناوش القوم للقتال لوى تيمور عنان فرسه راجعاً يوهم القوم أنه انهزم منهم ويكف عن طريق الفيلة كأن خيوله قد جفلت منهم، وقصد المواضع التي نثر فيها تلك الشوكات الحديد التي صنعها فمشت حيلته على الهنود ومشوا بالفيلة وهم يسوقونها خلفه أشد السوق حتى وقعت على تلك الشوكات الحديد فلما وطئتها نكصت على أعقابها، ثم التفت تيمور بعسكره عليها بتكل الجمال، وقد عظم لهيبها على ظهورها من النيران، وتطاير شررها في تلك الآفاق، وشنع زعيقها من شدة النخس في أدبارها، فلما رأت الفيلة ذلك اضطربت وكرت راجعة على عساكر الهنود، فأحست بخشونة الشوكات فبركت وصارت في الطريق كالجبال مطروحة على الأرض لا تستطيع الحركة، وصارت أنهار من دمائها، فخرج عند الكمين من عسكر تيمور من جنبي عسكر الهنود، ثم حطم تيمور بمن معه، فتراجعت الهنود وتراموا، ثم إنهم تضايقوا وتقاتلوا بالرماح ثم بالسيوف والأطبار، وصبر كل من الفريقين زمانا طويلا إلى أن كانت الكسرة(4/116)
على الهنود بعد ما قتل أعيانهم وأبطالهم، وانهزم باقيهم بعد أن ملوا من القتال، فركب تيمور أقفيتهم حتى نزل على مدينة دلى وحصرها مدة حتى أخذها من جوانبها عنوة، واستولى على تخت ملكها، واستصفى ذخائر ملوكها وأموالهم، وفعلت عساكره فيها عادتهم القبيحة من القتل والأسر والسبي والنهب والتخريب.
فبينما هو كذلك إذ بلغه موت السلطان الملك الظاهر برقوق سلطان الديار المصرية، وموت القاضي برهان الدين أحمد صاحب سيواس، فرأى تيمور أنه بعد موتهما قد ظفر بمملكتي مصر والروم، وكاد يطير فرحاً بموتهما، فنجز أنه بعد موتهما قد ظفر بمملكتي مصر والروم، وكاد يطير فرحاً بموتهما، فنجز أمره من دلى بسرعة، وأستناب بها، ثم سار عائداً حتى وصل سمرقند، وخرج منها عجلاً في أوائل سنة إثنتين وثمانمائة فنزل خراسان ومضى منها، ثم قدم تبريز فاستخلف ابنه أميران شاه عليها، ثم سار حتى نزل قراباغ في سابع عشر شهر ربيع الأول منها، فقتل وسبى، ثم رحل إلى تفليس فوصلها يوم الخميس ثاني جمادى الآخرة، فخرج منها وعبر بلاد الكرج فأسرف فيها أيضاً، ثم قصد بغداد، ففر منها صاحبها السلطان أحمد بن أويس في ثامن عشر شهر رجب إلى قرا يوسف، فتمهل تيمور عن المسير إلى بغداد، فعاد إليها السلطان أحمد بن أويس ومعه(4/117)
قرا يوسف، ثم خرجا منها نحو بلاد الروم، فصيف تيمور ببلاد التركمان، ثم سار إلى ماردين فعصى صاحبها عليه الملك الظاهر مجد الدين عيسى.
فتركه تيمور ومضى إلى سيواس وقد فر منها الأمير سليمان بن أبي يزيد بن عثمان، فحصرها تيمور ثمانية عشر يوماً حتى أخذها في خامس المحرم سنة ثلاث وثمانمائة، وقبض على مقاتليها وهم ثلاثة آلاف، فحفر لهم سراباً وألقاهم فيه وطمهم بالتراب بعد أن كان قد حلف لهم أنه لا يريق لهم دما، ثم وضع السيف في أهل البلد وأخربها حتى محى رسومها وأفقرها من سكانها.
ثم سار إلى بهسنا فنهب ضواحيها وحصر قلعتها ثلاثة وعشرين يوماً حتى أخذها، ومضى إلى ملطية فدكها دكاً، وسار حتى نزل قلعة الروم فلم يصل لأخذها لمدافعة نائبها ناصر الدين محمد بن موسى بن شهري، فتركها وقصد عينتاب ففر منها نائبها الأمير أركماس.
فكتب تيمور إلى نواب البلاد الشامية وهم بمدينة حلب بأن يقيموا له الخطبة باسمه واسم محمود خان، ويبعثوا إليه بأطلاميش زوج بنت أخته، وكان قد قبض عليه في الأيام الظاهرية برقوق وحبس بقلعة الجبل.
فلما ورد رسوله بالكتاب إلى حلب، بادر الأمير سودون نائب الشام قريب الظاهر برقوق فقتله قبل أن يسمع كلامه، فبلغ تيمور ذلك، فخرج من عينتاب(4/118)
حتى نزل ظاهر حلب في يوم الخميس تاسع عشر شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثمانمائة بعد أن سار من عينتاب إلى حلب في سبعة أيام، فلما نزل على ظاهر حلب أرسل إلى نواب البلاد الشامية نحو الألفي فارس، فبرز لهم من العسكر الحلبى نحو ثلاثمائة فارس والتقوا معهم، فانكسرت التمرية أقبح كسرة، بعد أن قتل منهم خلائق ثم بعث تيمور في يوم الجمعة خمسة آلاف فقاتلوهم يومهم كله إلى الليل، فلما كان يوم السبت حادي عشره ركب تيمور بعساكره ومشى على نواب البلاد الشامية حتى التقوا بقرية حيلان، فكان بين القريقين وقعة هائلة، وثبت العسكر الحلبي مع قلتهم بالنسبة إلى عسكر تيمور، وقاتلوا قتالا شديداً بالرماح والسيوف، وكسروا مقدمة تيمور، وبددوا عسكره شذر مذر.
فبينما هم في القتال، وقد أشرف تيمور على الهرب، أمر تيمور لبقية عسكره أن يمشوا على الحلبيين يميناً وشمالاً، فساروا حتى امتلأت البرية منهم، واحتاطوا بالعسكر الحلبي من كل من جانب، ففر دمرداش المحمدي نائب حلب، وكان على الميمنة إلى جهة حلب، فانكسر من بقى من النواب، وركبت التمرية أففيتهم حتى وصلوا باب المدينة فهجموا يدا واحدة، وداسوا بعضم بعضاً حتى امتلأ ما بين عتبة الباب وسكفته من أجساد بني آدم، ولم يمكنهم الدخول منه، فتشتت الناس في البلاد، وكسر العسكر الحلبي باب أنطاكية من أبواب حلب، وخرجوا منه إلى جهة دمشق.(4/119)
كل ذلك والسلطان إلى الآن لم يخرج من الديار المصرية لصغر سنه ولعدم اجتماع كلمة من بالديار المصرية من الأمراء ثم طلع الأمير دمرداش نائب حلب إلى قلعتها فهجمت التمرية حلب، وصنعوا فيها ما هو عادتهم، وحاصروا قلعتها إلى أن نزل إليهم الأمير دمرداش نائب حلب بالأمان، فأخلع تيمور عليه وأعاده إلى القلعة، فأعلم من بها من النواب بأنه حلف لهم، ولا زال دمرداش بهم حتى سلم له قلعة حلب في يوم الثلاثاء تاسع عشرينه، ونزل إليه نواب البلاد الشامية وهم: الأمير سودون قريب الظاهر برقوق نائب الشام، والأمير دمرداش المحمدي نائب حلب، والأمير شيخ الحموي نائب طرابس وهو المؤيد، والأمير دقماق المحمدي نائب حماة، والأمير ألطنبغا العثماني نائب صفد، والأمير عمر بن الطحان نائب عزة بمن معهم من أعيان الأمراء بالبلاد الشامية، فقبض تيمور على الجميع وقيدهم، ما خلا الأمير دمرداش فأنه أخلع عليه وأكرمه.
ثم طلع تيمور من الغد إلى قلعتها، وطلب في آخر النهار قضاة حلب وفقهاءها، فرفعوا بين يديه، فأشار إلى إمامه جمال الدين عبد الجبار فسألهم عن قتاله ومن هو الشهيد منهم، فانتدب لجوابه محب الدين محمد بن الشحنة فقال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا، فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي(4/120)
العليا فهو الشهيد، فأعجبه ذلك، وحادثهم، فطلبوا منه أن يعفو عن الناس ولا يقتل أحدا، فأمنهم جميعاً وحلف لهم، ثم أخذ جميع ما في قلعة حلب، ثم عاقب أهل القلعة من الغد عقوبة شديدة حتى أخذ جميع أموالهم، فحاز منهم مالا يوصف كثرة حتى قيل أنه ما أخذ من مدينة قدرما ما أخذ من قلعة حلب، لكثرة ما كان بها من أموال الحلبيين.
ثم صنع تيمور وليمة بدار النيابة ونزل إليها وبخدمته جميع الملوك وأدار الخمر عليهم، فأكلوا وشربوا، هذا والناس في أشد العقوبة من العذاب والعقاب والسبي والأسر والفجور بنسائهم، والمدارس والجوامع في هدم، والدور في خراب وحريق إلى أن سار من حلب أول يوم من شهر ربيع الآخر من السنة بعد أن بنى بحلب عدة مآذن من رؤوس بني آدم، ونزل على ميدان حماة في العشرين منه، ومر على حمص فلم يتعرض لها، وقال: وهبتها لخالد بن الوليد رضي الله عنه، ثم رحل ونزل على مدينة بعلبك فنهبها، وسار حتى أناخ على ظاهر دمشق من داريا إلى قطنا والجول وما يلي تلك البلاد.(4/121)
وكان السلطان الملك الناصر قد قدم دمشق بالعسكر المصري في عاشره بعد أن ولى والدي رحمه الله نيابة دمشق من مدينة غزة، عوضاً عن الأمير سودون قريب الملك الظاهر برقوق، وقد مات سودون المذكور في أسر تيمور على قبة يلبغا خارج دمشق، وهرب الأمير شيخ المحمودي نائب طرابلس يعني المؤيد من أسر تيمور، فقتل تيمور الموكلين به، وكانوا ستة عشر رجلاً، وذلك بعد ما هرب الأمير دمرداش المحمدي نائب حلب من منزلة قارا.
فلما نزل تيمور على دمشق كانت بين الفريقين مناوشات وقتال في كل يوم، وقتل فيها جماعة حتى أبادوا التمرية، فأخذ تيمور لعنه الله يكيد العسكر المصري، فبعث إليهم ابن أخته سلطان حسين في صورة أنه خامر عليه، فمشى ذلك عليهم، وعرفوه أحوالهم، كل ذلك وتيمور لعنه الله لا يقدر عليهم، وفي كل يوم يتجدد بينهم القتال، ثم أخذ تيمور يظهر أنه خاف من القوم، فرحل كأنه راجع عنهم، وقيل كان رجوعه حقيقة لما رأى من شدة قتال العسكر المصري، ثم خاف عاقبة هربه لبعد بلاده من دمشق، فأخذ يتحير فيما يفعله بعد أن اشتد الأمر عليه، فبينما هو كذلك إذ رحل الأمراء بالملك الناصر فرج من دمشق إلى نحو الديار المصرية لخلف وقع بين الأمراء، لتوجه بعضهم لأخذ الديار الصمرية، عليهم من الله ما يستحقونه.(4/122)
وتركوا دمشق وأهلها لتيمور يأخذها من غير تعب ولا نصب، فبلغ تيمور ذلك فاحتاط بالمدينة، وانتشرت عساكره في ظواهرها يتخطف الهاربين، وصار تيمور ويلقى من ظفر به منهم تحت أرجل الفيلة، حتى خرج إليه أعيان المدينة بعد أن أعياه أمرهم يطلبون منه الأمان، فأوقفهم ساعة، ثم أجلسهم، وقدم لهم طعاماًن وأخلع عليهم، وألزمهم حتى أخرجوا إليه أموال العساكر المصرية، وجميع ما هو منسوب إليهم، وألزمهم بعد ذلك بفريضة فرضها عليهم، وندب لجبي ذلك رجلاً من أصحابه يقال له الله داد، فاستخرج ذلك بحضور دواوينه وكتابه، وقد نادى في المدينة بالأمان والأطئنان، وأن لا يتعدى أحد على أحد، فاتفق أن بعض الجغتاى نهب شيئاً نهب شيئاً من السوق فشنقه وصلبه برأس سوق البذوريين، فمشى ذلك على الشاميي، وفتحوا أبواب المدينة، فوزعت الأموال على الحارات، وجعلوا دار الذهب هي المستخرج، ونزل تيمور بالقصر الأبلق من الميدان، ثم تحول منه إلى دار وهدمه وحرقه، وعبر المدينة من باب الصغير حتى صلى الجمعة بجامع بني أمية، وقدم القاضي الحنفي محي الدين محمود بن الكشك للخطبة والصلاة.(4/123)
ثم جرت مناطرات بين عبد الجبار وبين فقهاء دمشق، وهو يترجم عن تيمور بأشياء منها وقائع على بن أبي طالب رضي الله عنه مع معاوية، وما وقع ليزيد بن معاوية مع الحسين، وإن ذلك كله كان بمعاونة أهل دمشق له، فإن كانوا استحلوه فهم كفار، وإلا فهم عصاة بغاة، وإثم هؤلاء على أولئك، فأجابواه بأجوبة قبل بعضها ورد البعض، وغضب تيمور من القاضي شمس الدين محمد النابلسي الحنفي وأقامه من مجلسه وأمره أن لا يدخل عليه بعد اليوم.
ثم قام من الجامع وجد في حصار قلعة دمشق حتى أعياه أمرها، ولم يكن بها يومئذ إلا نفر يسير جداً، ونصب عليها عدة مناجنيق، وعمر تجاهها قلعة عظيمة من خشب، فرمى من بالقلعة على القلعة الخشب التي عمرها تيمور بسهم فيه نار فاحترقت عن آخرها، فأنشأ تيمور قلعة آخرى، ونقب القلعة وعلقها حتى أخذها بالأمان.
وكان من جملة المماليك الذين بقلعة دمشق لما حصرها تيمور صاحبنا السيفى كمشبغا جاموس وهو إلى الآن في قيد الحياة، وكان إذ ذاك شابا لم بطر شاربه، ولقد حكى لي غير مرة أن غالب من كان بالقلعة في الحصار الجميع في هذا السن، ولم يكن بينهم رجل له معرفة بالحروب، ومع هذا عجز تيمور عن أخذ القلعة من هؤلاء حتى سلموها له بعد أربعين يوماً، فكيف لو كان بها من أعرفه من أعيان الأمراء إذ ذاك، فلا قوة إلا بالله.(4/124)
ولما أخذ تيمور قلعة دمشق أباح لمن معه النهب والسبي والقتل والإحراق، فهجموا المدينة، ولم يدعوا بها شيئاً قدروا عليه، وطرحوا على أهلها أنواع العذاب، وسبوا النساء والأولاد، وفجروا بالنساء جهارا، وكلا زالوا على ذلك أياماً، وألقوا النار في المباني حتى احترقت بأسرها إلى أن رحل عنها في يوم السبت ثالث شهر شعبان سنة ثلاث وثمانمائة.
واجتاز على حلب وفعل بأهلها ما قدر عليه، ثم اجتاز على الرها، ثم رحل إلى ما ردين فنزل عليها يوم الإثنين عاشر شهر رمضان من السنة، ووقع له بها أمور ثم رحل عنها، وأوهم أنه سائر إلى سمرقند يورى بذلك عن بغداد، وكان السلطان أحمد بن أويس قد استناب ببغداد أميراً يقال له فرج، وتوجه هو وقرا يوسف نحو بلاد الروم، ثم بعث تيمور أمير زاده رستم ومعه عشرون ألفاً لأخذ بغداد، ثم تبعه بمن بقي معه، ونزل على بغداد وحصرها حتى أخذها عنوة في يوم عيد النحر من السنة ووضع السيف في أهل بغداد، وألزم جميع من معه أن يأتي كل واحد منهم برأسين من رؤوس أهل بغداد، فوقع القتل في أهل بغداد حتى سالت الدماء أنهارا، وقد أتوه بما التزموه، فبنى من هذه الرؤوس مائة وعشرين مأذنه.
اخبرني غير واحد ممن كان ببغداد إذ ذاك أن عدة من قتل في هذا اليوم قد بلغت تسعين ألف إنسان تخمينا، سوى من قتل في أيام الحصار، وسوى من قتل عند دخول تيمور إلى بغداد في المضايق، وسوى من ألقى نفسه في الدجلة فغرق، وهذا شيء كثير للغاية، وقيل أن الرجل الملزوم بإحضار رأسين كان إذا عجز عن(4/125)
الرجال قطع رأس امرأة من النساء وأزال شعرها وأحضرها، وقيل أن بعضهم كان يقف في الطرقات ويصطاد من مر به ويقطع رأسه، وبالجملة فكانت هذه المحنة من أعظم البلايا في الإسلام.
ثم جمع تيمور أموال بغداد وأمتعتها، وسار إلى قرا باغ بعد ما جعلها خراباً بلقعا، ثم كتب من قراباغ إلى أبي يزيد بن عثمان أن يخرج أحمد بن أويس وقرا يوسف من ممالك الروم، وإلا قصده وأنزل به ما أنزل بغيره، فرد أبو يزيد جوابه بلفظ خشن إلى الغاية، فسار تيمور لعنه الله يريد قتاله، وبعث بين يديه حفيده محمد سلطان بن جهان كير بن تيمور إلى قلعة كماخ، فأخذها في شوال سنة أربع وثمانمائة.
ولما بلغ ابن عثمان مجيء تيمور إليه جمع عساكره من المسلمين، وجمع من علوج النصارى خلقاً وطوائف الططر، فأتوه بمواشيهم، فلما تكاملوا سار لحرب تيمور، فأرسل تيمور قبل وصوله إلى الططر يخدعهم ويقول نحن جنس واحد، وهؤلاء تركمان نرفعهم من بيننا، ويكون لكم الروم عوضه، فانخدعوا له وواعدوه أنهم عند اللقاء يكونون معه، وسار ابن عثمان في شهر رمضان وفي ظنه أنه يلقى تيمور خارج سيواس، ويرده عن عبور أرض الروم، فسلك تيمور لعنه الله غير الطريق، ومشى في أرض غير مسلوكة، ودخل بلاد ابن عثمان ونزل بأرض مخصبة ذات ماء كثير وسعة.(4/126)
فلم يشعر ابن عثمان إلا وقد نهبت بلاده، وقد قامت قيامته وكرراجعاً، وقد بلغ منه ومن عساكره التعب مبلغا أوهن قوائمهم، ونزل على غير ماء، وكادت عساكره تموت عطشاً، فلما تدانوا للحرب، كان أول بلاء نزل بأبي يزيد بن عثمان مخامرة الططر بأسرهم عليه، فضعف بذلك عسكره، لأنهم كانوا معظم عسكره، ثم تلاهم ولده سليمان بن أبي يزيد، ورجع عن أبيه بباثي عسكره، وقصد مدينة برصادار ملكهم، فلم يبق مع أبي يزيد إلا نحو الخمسة آلاف، فثبت بهم حتى أحاطت به عساكر تيمور، فصدق وصدق من معه في ضربهم بالسيوف والأطبار حتى أفنوا من التمرية أضعافهم، هذا مع كثرة التمرية وشدة عزمهم، واستمر القتال بينهم من ضحى يوم الأربعاء إلى العصر، فكلت عساكر ابن عثمان وتكاثر التمرية عليهم، يضربونهم بالسيف إلى أن صرع منهم جماعة من أبطالهم، وأخذ أبو يزيد بن عثمان المذكور قبضا باليد على نحو ميل من مدينة أنقرة في يوم الأربعاء المذكور سابع عشرين ذي الحجة سنة أربع وثمانمائة، بعد أن قتل غالب عسكره بالعطش، فإنه كان يومئذ ثامن عشرين تموز.
ثم دخل سليمان بن أب يزيد بمن معه مدينة برصا، فحمل ما فيها من الأموال والحرير والقماش، ودخل إلى برأدرنة، وتلاحق به الناس، فصالح أهل استنبول، فبعث تيمور فرقة كبيرة من عسكره إلى برصا مع الشيخ نور الدين، ثم تبعهم، فأخذ ما وجد بها وسبى النساء والصبيان، وخلع على أمراء الططر الذين خامروا(4/127)
إليه من عند أبي يزيد وفرقهم على أمرائه، وأخذ في إكرامهم، وأوسع الحيلة في القبض عليهم حتى قبض على الجميع وأفناهم قتلا.
ثم أخذ التمرية في أفعالهم السيئة، فما عفوا ولا كفوا، وصار تيمور في كل يوم يوقف أبا يزيد بين يديه ويسخر به وينكيه، وجلس مرة لمعاقرة الخمر مع أصحابه، وطلب أبا يزيد المذكور طلبا مزعجاً، فحضر وهو يرفل في قيوده، وهو يرجف، فأجلسه وأخذ يحادثه ويؤانسه، ثم سقاه من يد جواريه، ثم أعاده إلى مكانه، ثم قدم على تيمور سفنديار بن يا يزيد أحد ملوك الروم بتقادم هائلة فأكرمه تيمور، ورده إلى ملكه بقسطمونية.
ثم أخرج تيمور محمدا وعليا ابني علاء الدين بن فرمان من حبس أبي يزيد ابن عثمان، وخلع عليهما، وولاهما بلادهما، وألزم كلا منهما بإقامة الخطبة، وضرب السكة باسمه واسم محمود خان المدعو سرغتميش، ثم شتى في معاملة منتشا.
ولما كان تيمور ببلاد الروم حدثته نفسه بأخذ بلاد الصين، وكان بعث إليها أميره الله داد حتى كتب له بصفاتها، فلما عرف أحوالها جهز إليها جماعة من رؤوس دولته وهم: بردبك، وتغرى بردى، ومعدات الناصى، وأمرهم أن يمضوا(4/128)
إلى الله داد بمدينة أشبارة، وأن يبنوا بها يسموها باش خمرة بموضع على مسافة عشرة أيام من أشبارة، فساروا في أوائل سنة سبع وثمانمائة، وكان قصده بعمارة القلعة المذكورة أن تكون له معقلا يلجأ إليه إذا توجه إلى بلاد الخطا، فوصلوا إليها وبنوا أساس القلعة، وإذا بمرسومه قد ورد عليهم بتأخير عملها ويرجعون عنها، فعلقوا البلاد بالزراعة من حدود سمرقند إلى مدينة أشبارة التي هي آخر أعماله من حدود الصين، ثم أخذوا في تحصيل الأبقار والبذار.
فما فرغوا من ذلك حتى انقضى فصل الصيف ودخل الخريف، فأخذ عند ذلك تيمور في الحركة إلى بلاد الصين والخطا، وكتب إلى عساكره أن يأخذوا الأهبة لمدة أربع سنين، فاستعدوا لذلك، وأتوه من كل جهة، فلما تكاملت عدة العساكر أمر فصنع له خمسمائة عجلة تحمل أثقاله وجرها، ثم خرج من سمرقند في شهر رجب، وقد اشتد البرد حتى نزل على سيحون وهو جامد، فعبره ومر سائراً، فأرسل الله عليه من عذابه جبالاً من الثلج التي لم يعهد بمثلها في تلك البلاد مع قوة البرد الشديد، فلم يبق أحد من عساكره حتى امتلأت آذانهم وعيونهم وخياشميهم وآذان وأعينها من الثلج إلى أن كادت أرواحهم تذهب، ثم اشتدت تلك الرياح وملأ الثلج جمعي الأرض مع سعتها فهلكت دوابهم، وجمد كثير من الناس وتساقطوا عن خيولهم هلكا، وجاء(4/129)
يعقب هذا الريح والثلج أمطار كالبحار، وتيمور مع ذلك لا يرق لأحد ولا يبالي بما نزل بالناس، بل يجد في السير، هذا والدروب قد تعطلت من شدة البرد الخارج عن الحد.
فما وصل تيمور إلى مدينة أترار حتى هلك خلق من قوة سيره، وأمر تيمور أن يستقطر له الخمر حتى يستعمله بأدوية حارة وأفاوية لدفع البرد وتقوية الحرارة، فعمل له ما أراد من ذلك، فشرع يتناوله ولا يسأل عن أخبار عساكره وما هم فيه إلى أن أثرت حرارة ذلك العرق المستقطر من الخمر، وأخذت في إحراق كبده وأمعائه، فالتهبت مزاجه حتى ضعف بدنه وهو يتجلد ويسير السير السريع، وأطباؤه يعالجونه بتدبير مزاجه إلى أن صاروا يضعون الثلج على بطنه لعظم ما به من التلهب، وهو مطروح مدة ثلاثة أيام، فتلفت كبده، وصار يضطرب ولونه يحمر، ونساؤه وذووه في صراخ إلى أن هلك، وعجل الله بروحه إلى النار، وبئس القرار لعنه الله في يوم الأربعاء تاسع عشر شعبان سنة سبع وثمانمائة، وهو نازل بضواحي أترار، وأترار بالقرب من أهنكران، ومعنى أهنكران بالغة العربية الحدادين، فأهنكر يعنى حداد وأهنكران جمع حدادين، فلبسوا عليه المسوح وناحوا عليه.
ومات تيمور لعنه الله ولم يكن معه من أولاده أحد سوى حفيده سلطان خليل بن أميران شاه بن تيمور، وسلطان حسين بن أخته، فأراد كتمان موته، فلم يخف على الناس، وملك خليل المذكور خزائن جده، وبذلك الأموال وتسلطن، وعاد إلى سمرقند برمة جدة تيمورلنك لعنة الله فخرج الناس(4/130)
إلى لقائه لابسين المسوح بأسرهم يبكون يصيحون، ورمة تيمور بين يديه في تابوت أبنوس، والملوك والأمراء وكانفة الناس مشاه، وقد كشفوا رؤوسهم وعليهم ثياب الحداد إلى أن دفنوه على حفيده محمد سلطان بمدرسته، وأقيم عليه العزاء أياما، وقرئت عنده عدة ختمات، وفرقت الصدقات عنه، لا خفف الله عنه، وجعل مأواه سقر، ومدت الأسمطة والحلوات بتلك الهمة العظيمة.
ونشرت أقمشته على قبره، وعلقوا سلاحه وأمتعته علاى الحيطان وحواليه، وكلها ما بين مرصع ومكال ومزركش في تلك القبة العظيمة، وعلقت بالقبة المذكورة قناديل الذهب والفضة، ومن جملتها قنديل من ذهب زنته أربعة الآف مثقال، وهي رطل بالسمرقندى، وهو عشرة أرطال بالدمشقي، وفرشت المدرسة بالبسط الحرير والديباج، ثم نقلت رمته إلى تابوت من فولاذ عمل بشيراز، فصار على قبره إلى الآن، وتحمل إليه النذور من الأعمال البعيدة، ويقصد للتبرك به، لا تقبل الله ممن يفعل ذلك، ويأتي قبره من له حاجة ويدعو عنده، وإذا مر على هذه المدرسة أمير أو جليل خضع ونزل عن فرسه إجلال لقبره لما له في صدورهم من الهيبة.
وكان تيمور صاحب الترجمة لعنه الله طويل القامة، كبير الجبهة، عظيم الهامة، شديد القوة، أبيض اللون مشربا بجمرة، عريض الأكتاف،(4/131)
غليظ الأصابع، سميك الأكارع، مستكمل البنية، مسترسل اللحية، أشل اليد، أعرج اليمنى، تتوقد عيناه، جهوري الصوت، لا يهاب الموت، قد بلغ الثمانين وهو متمتع بحواسه وقوته.
وكان يكره المزاح، ويبغض الكذاب، قليل الميل إلى اللهو، على أنه كان يعجبه، وكان نقش خاتمه راستى رستى ومعناه صدقت نجوت، وكان لا يجري في مجلسه شئ من الكلام الفاحش ولا يذكر فيه سفك دماء ولا سبى ولا نهب ولا غارة، وكان مهابا مكاعا، شجاعاً مقداماً، يجب الشجعان ويقدمهم، وكانت له فراسات عجيبة، وله سعد عظيم وحظ زائد من رعيته، وكان له عزم ثابت وفهم دقيق، محجاجا جدلا، سريع الإداراك، ريضا متيقظاً يفهم الرمز، ويدرك اللمحة، ولا يخفى عليه تلبيس ملبس وكان إذا أمر بشيء لا يرد عنه، وإذا عزم على رأى لا ينثنى عنه، لئلا ينسب إلى قلة الثبات.
وكان يقال له صاحب قران الأقاليم السبعة، وقهرمان الماء والطين، قاهر الملوك والسلاطين.
وكان مغرما بسماع التاريخ وقصص الأنبياء عليهم السلام، حتى صار لمعرفتها يرد على القارئ إذا غلط فيها في القرآن. وكان يحب أهل العلم والعلماء، ويقرب السادة الأشراف، ويدنى منه أرباب الفضائل في العلوم والصنائع، ويقدمهم على كل أحد، وكان انبساطه بهيبه ووقار، وكان يباحث أهل العلم وينصف(4/132)
في بحثه، ويبغض يطبعه الشعراء والمضحكين، ويعتمد على أقوال الأطباء والمنجمين، ويقربهم ويدنيهم، حتى أنه كان لا يتحرك إلا باختيار فلكى، فلذلك كانت أصحابه تزعم أنه لم ترد له راية، ولا انهزم له عسكر مدة حياته.
وكان يلازم اللعب بالشطرنج، ثم علت همته عن الملاعب بالشطرنج الصغير المتداول بين الناس، صار يلعب بالشطرنج الكبير، ورقعته عشرة في إحدى عشرة، وتزيد قطعه على الصغير بأشياء.
وكان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، ولا يعرف من اللغة العربية شيئاً، وإنما يعرف اللغة الفارسية والتركية والمغلية.
وكان يعتمد على قواعد جنكزخان في جميع أموره، كما هي عادة جغتاى والترك بأسرهم ويسمونها الترا، والترا باللغة المذهب، وكان فردا في معناه، بعيد الغور.
قال الشيخ تقي الدين أحمد المقريزى في تاريخه: وحدثني من لفظة، قال أخبرني شيخنا الأستاذ العلامة أعجوبة الزمان قاضي القضاة ولى الدين أبو زيد عبد الرحمن ابن محمد بن خلدون الحضرمي الأشبيلى رحمه الله، قال: أخبرني عبد الجبار إمام تيمور، قال: ركب تيمور في يوم الخميس وأمرني فركبت معه، وليس معه سوى رجل واحد ماش في ركابه، وسار من عسكره وهو نازل على مدينة دمشق وقصد عسكر المصريين وهم قيام على خيولهم حتى دنا منهم، ثم وقف طويلاً.
وأمر الرجل الماشي في ركابه أن يمضي نحو العسكر المصري حتى يقرب منه، ثم يرجع إليه فيحدثه وينحني إليه كأنه يقبل الأرض، ففعل ذلك وتمهل قليلاً، ثم ولى بفرسه عائداً إلى معسكره: وقال لي: يا عبد الجبار هؤلاء يهربون في هذه(4/133)
الليلة، ونزل بمخيمه، وأقمنا يومنا، فلما كان في الليل جاءتنا الأخبار بفرار الملك الناصر فرج بن برقوق وأمرائه، فخرج من مبيته، وصرنا إليه مع أولاده وأمرائه ليلا، فسألته من أين علمت أنهم يهربون؟ قال: أني لما سرت لرؤيتهم لم أرلهم كشافة، فدنوت منهم، وماثلتهم فإذا هم طوائف طوائف، فأردت أن أعلمهم بمجيء إليهم، فأمرت الرجل حتى مضى نحوهم ثم عاد إلىّ فخدمني كما يخدم الملوك فلم يفطنوا بي، هذا وأنا محاربهم ولا شئ أهم عند المحارب ممن يحاربه، فلما علمت أنهم غير مهتمين بي، وأنهم مع ذلك كل طائفة منضمة بعضها إلى بعض، علمت أنهم في أمر يهمهم، ولا شئ إلا في فرارهم، فهم مهتمون كيف يفرون. انتهى كلام المقريزى باختصار.
قلت: وله أشياء كثيرة من هذا النمط، منها أنه لما دخل بلاد الهند نازل قلعة منيعة لأترام لعلوها، وتعذر النزول حولها فناوش أهلها من بعيدوهم يرومونه من أعلاها حتى قتلوا كثير من عسكره، وكان من أمرائه محمد فاوجين، وكان عنده بمكانة، وله به اختصاص زائد بحيث أنه تقدم عنده على جميع الأمراء والوزراء، فجلس على عادته ثم قال له: يا مولانا هب أنا فتحنا هذه القلعة بعد أن أصيب منا جماعة هل يفي هذا بذا، فلم يجبه تيمور بل طلب رجلاً من المطبخ قبيح المنظر رسخ الثياب مسود الوجه واليدين بالدخان يقال له: هراملك، فعندما حضر الرجل المذكور أمر تيمور بنزع ثياب قاوجين عنه، فنزعت، ثم أمر بنزع خلقات هراملك عنه فنزعت أيضاً، وألبس كلا منهما(4/134)
ثياب الأخر، وطلب دواوين محمد قاوجين وألزمهم بتعيين ماله من صامت وناطق وعقار وإقطاع وغير ذلك، فكتبوا جميع ماله وما يتعلق به حتى زوجاته، ثم أنعم بالجميع على هراملك، ثم أقسم لئن كلم أحد قاوجين أو ما شاه أو أكل معه لقمة فما فوقها أو راجعني في أمره أو شفع فيه لا جعلنه مثله، ثم أمر به فسحب على وجهه، فأقام في أسوأ حال حتى مات تيمور، فرد عليه السلطان خليل جميع ما كان له، كل ذلك بسبب كلمة واحدة.
وحكى أن إثنين جلسا للعب النرد، فقال أحدهما ورأس الأمير ما هو إلا كذا وكذا، لشئ اختلفا فيه؛ فضربه خصمه وسبه، وقال له: يا فاعل أو بلغ من قدرك وسوء تربيتك أن تذكر رأس الأمير تيمور، ومن أنت! ومن أنا! حتى تجعل خدك أو أجعل خدي موطئاً لمداسه، فضلاً أن تحلف برأسه.
وكان له من النساء: الملكة الكبرى، والملكة الصغرى، وهما من أولاد ملوك الخطا، والخاتون تومان بنت الأمير موسى حاكم نخشب، والخاتون جلبان، وكانت سرايه لا تدخل تحت الحصر. وخلف من الأولاد أميران شاه الذي قتله قرا يوسف، والقان معين الدين شاه رخ صاحب هراة، وترك إبنة تدعى سلطان يخت تزوج بها سليمان شاه، وكانت تكره الرجال لميلها إلى النسوة، يذكر عنها في هذا المعنى عدة أخبار.(4/135)
وكان له من الأحفاد: ألوغ بك بن شاه رخ، وولاه أبوه سمرقند، فحكمها إلى أن قتل في سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، حسبما ذكرناه في ترجمته، وإبراهيم سلطان بن شاه رخ، وولاه أبوه شيراز، وباي سنقر بن شاه رخ وولاه أبوه كرمان، وأحمد جوكى بن شاه رخ، وسلطان خليل بن أميران شاه بن تيمور، وولى السلطنة بعد تيمور في حياة والده.
وكانت دواوين تيمور: خواجا محمود بن الشهاب الهروي، ومسعود السمنانى، ومحمد الساغرجى، وتاج الدين السليماني، وعلاء الدولة، وأحمد الطوسي، وآخرين.
ومنشئه وكاتب سره: مولانا شمس الدين، وكان ينشئ بالفارسية والعربية، ولم يكتب بعد تيمور لأحد، وقال: ذهب من كان يعرف قيمتي.
وكان تؤم به في الصلوات الخمس: العلامة عبد الجبار بن النعمان.
وكان صدر مملكته: مولانا الدين.(4/136)
وكان طبيبه: فضل الله، ثم شاركه جمال الدين رئيس الأطباء بدمشق عندما أخذه تيمور من دمشق، وكانا يركبان له المعاجين، فانه كان يكثر من استعمالها للباه ليستعين بها على افتضاض الأبكار في شيخوخته.
واجتمع في أيامه بسمرقند ما لم يجتمع لغيره من الملوك فمن ذلك: الفقيه عبد الملك، من أولاد صاحب الهداية في الفقه، فإنه كان الغاية في الدرس والفتيا، وينظم القريض، ويعرف النرد، والشطرنج، ويلعب بهما جيداً في حالة واحدة دائماً مدى الأيام.
والخواجا محمد الزاهد البخاري المحدث المفسر، كتب تفسير القرآن الكريم في تصنيفه مائة مجلد، ومات بالمدينة النبوية سنة إثنتين وعشرين وثمانمائة.
وأحمد الطبيب النحاس المنجم، حل تقاويم من الزيج إلى مائتي سنة مستقبلة ابتداؤها سنة ثمان وثمانمائة.
والمحدث علاء الدين التبريزي، بلغ الغاية في لعب الشطرنج حتى لقد كان تيمور مع عالي رتبته في الشطرنج يقول: أنت في الشطرنج فريد، وله مناصيب كثيرة في الشطرنج، وكان فقيها شافعياً محدثاً، لم يغلبه أحد قط في لعب الشطرنج على ما قيل، وكان يلعب بالغائب على رقعتين.
والشيخ عمر العريان، عاش ثلاثمائة سنة وخمسين سنة ولم ينحن ظهره، ولا ظهر في وجهه تجعيد، وكان أطلس لا لحية له، حدثني العلامة شهاب الدين أحمد(4/137)
ابن عبد الله بن عرب شاه من لفظه ومن خطه نقلت عن مولانا محمود الخوارزمي المعروف بالمحرق أنه حكى له عن تيمور أنه قال في مجلس خلوه: يا مولانا محمود انظر إلى ضعفي وقلة حيلتي، ولا يدلى ولا رجل، لو رماني أحد لهلكت، ولو تركني الناس لا رتبكت، ثم تأمل كيف سخر الله لي العباد، ويسر لي فتح البلاد، وملأ برعبس الخافقين في المشارق والمغارب، وأذل لي الملوك والجبابرة، فهل هذا إلا منة، ثم بكى وأبكى، قال: وكان مع ذلك قد اشتد به الحمى وهو ينظر إلى أصحابه وهم يحاصرون حصنا، ويقتلون فيه قتلاً ذريعاً.
وكانت عساكره تركب الأبقار وتحمل عليها الأثقال، وتركب الحمير بالسروج، ويسابق عليها وعلى البقر أرباب الخيول العربيات فتسبقها، وكانت تطعم الجمال التي معها لحوم الكلاب والأغنام، وتعلف خيولها بالأرز والدخن والبر والزبيب والعدس فتسمن على ذلك.
وبالجملة، فكان تيمور لعنه الله فردا من الأفراد، وكانت وفاته حسبما ذكرناه في ليلة الأربعاء تاسع عشر شعبان سنة سبع وثمانمائة، لعنه الله، وجعل الجحيم مأواه.(4/138)
788 - تمرتاش بن جوبان
- 728هـ؟ 1328م
تمرتاش بن جوبان النوين المغلي.
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: كان حاكم البلاد الرومية، فتح بلادا وكسر جيوشاً، وكان إذا كان وقت اللقاء نزل فقعد على مقعدٍ على الأرض، وأمر أصحابه بالقتال واستعمل الشراب، فإذا انتشى ركب جواده وحمل، فلا يثبت له أحد، قال: وكان خطر له أنه المهدى وتسمى بذلك، فبلغ أباه جوبان الخبر، فأتاه واستتوبه من ذلك، قال: ولما مات أخوه دمشق خجا وهرب أبوه جوبان من بو سعيد ملك التنار، واجتمع هو بالأمير سيف الدين أيثمش وطلب الحضور إلى مصر، وحلف له، فحضر في جمع كبير، وخرج الأمير سيف الدين تنكز وتلقاه، وتوجه إلى الديار المصرية، ولم يخرج له السلطان، وأخلع على من حضر معه إلا القليل، وأعطى لكل واحدٍ خمسمائة درهم، فعاد الجميع إلا نفر يسير، فأراد السلطان أن يقطعه شيئاً من أخباز الأمراء، فقال له(4/139)
الأمير سيف الدين بكتمر الحاجب: يأخ ايش؟ يقال عنك أنك وفد عليك واحد، ما كان في بلادك ما تقطعه حتى أخذت له من أخباز الأمراء، فرسم له بقطيا، ثم أمر له بألف درهم إلى أن ينحل له إقطاع يناسبه، ورسم له السلطان على لسان الأمير سيف الدين قجليس أن يطلق له من الخزانة والإسطبل ما يريد، ويأخذ منهما ما يحتاج، فما فعل من ذلك شيئاً.
ونزل يوماً إلى الحمام التي عند حوض ابن هنس، فأعطى الحمامي خمسمائة درهم، وللحارس ثلاثمائة درهم، وكان الناس كل يوم موكب يقعدون بالشمع بين القصرين، ويجلس الرجال والنساء على الطريق يقولون ننتظر أنهم يؤمرون تمرتاش. قال: وعبرت عينه على الناس من مماليك السلطان الخاصكية الأمراء،(4/140)
وكان يقول هذا كان كذا، وهذا كان كذا، وهذا ألماس كان جمالاً، فما حمل السلطان منه ذلك، وألبس يوماً قباء من أقبية الشتاء ألبسه إياه أياس الحاجب الصغير، فرماه عن كتفه، وقال: ما ألبسه إلا من يد ألماس الحاجب الكبير.
ولم يزل بالقاهرة إلى أن قتل أبوه جويان في تلك البلاد، أمسكه الملك الناصر محمد واعتقله، فوجد لذلك ألما عظيماً، ولبث أياماً لا يأكل شيئاً إنما يشرب ماء ويأكل البطيخ، لما يجد في باطنه من النار، وكان يدخل إليه قاصد السلطان ويخرج ويطيب خاطره، ويقول: إنما فعل السلطان ذلك لأن رسل بو سعيد على وصول، وما يهون على بو سعيد أن يبلغه أن السلطان أكرمك، وقد حلف كل منهما للآخر، فقال: أنا ضامن عندكم، انكسر على مال، إن كان شئ فالسيف وإلا فما فائد الحبس؟ ولا له ما جزائي إلا أن أسمر على جمل ويطاف بي في بلادكم، ويقال هذا جزاء، وأقل جزاء، على من يأمن إلى الملوك أو يسموع من أيمانهم.
ثم إن الرسل حضروا يطلبون
من السلطان تجهيز تمرتاش المذكور إلى بو سعيد فقال: ما أسيره حيا، ولكن خذوا رأسه، فقالوا: ما معنا أمر أن نأخذه إلا حيا،(4/141)
أما غير ذلك فلا، فأمر أن يقفوا على قتله، وأخرج من حبسه ومعه أيتمش وقجليس وغيرهما، وخنق جوا باب القرافة، فكان يستغيث ويقول: أين أيتمش، يعنى الذي حلف لي، وأيتمش يختبئ حياء منه، وقال: ما عندكم سيف تضربونني به، ثم حز رأسه، وجهز إلى بو سعيد من جهة السلطان ولم يتسلمه الرسل.
وكتب السلطان إلى بوسعيد يقول: قد جهزت لك غريمك فجهز لي غريمي قرا سنقر، فما وصل الرأس حتى مات قرا سنقر حتف أنفه، فقيل لبو سعيد: لم لا تجهز رأس قرا سنقر إليه، فقال: لا لأنه مات بأجله ولم أقتله أنا.
وكانت قتله تمرتاش هذا في شهر رمضان سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، ودفنت جثته براباب القرافة.
ولما وصل إلى مصر أقاموا الأمير شرف الدين حسين بن جند من الميمنة إلى الميسرة، وأجلسوا تمرتاش في الميمنة بدار العدل، وشاور السلطان الأمير تنكز في إمساكه، فلم يشر بذلك، ثم إنه شاوره في قتله، فقال: المصلحة إبقاؤه، فلم يرجع إلى رأيه، ثم إن الدهر ضرب ضرباته، وحالت الأيام والليالي، وظهر في بلاد التتار إنسان بعد موت بو سيعد وادعى أنه تمرتاش، وقال أنا كنت عند(4/142)
بكتمر الساقي، وبكتمر الساقي جهزني خفية إلى بلادي، وقتل غيري وأحد يشبهني، وجهز رأسه إلى بو سعيد، وصدق على ذلك، وأقبل عليه أولاده ونساؤه والتفت عليه جماعة كبيرة، وحشد عظيم، وعزم على الدخول إلى الشام إلى أن كفى الله شره، ولم يزل أمره يقوى حتى أن الملك الناصر كابر نفسه وحسه وقال: ربما يكون الأمر صحيحاً، وقد تكون مماليكى خانوا في أمري، ونبش قبره، وأخرجت عظامه، وأحضر المنجمين وغيرهم ممن يضرب المندل، وأحضر رمة تمرتاش، وقال صاحب هذا يعيش أو مات؟، فقالوا له: مات، ولم يزل الملك الناصر في الشك إلى أن مات هذا المدعى، انتهى كلام الصفدي، رحمه الله تعالى.
؟
789 - تمراز الناصري
814هـ -؟ 1412م
تمراز بن عبد الله الناصري الظاهري الأمير سيف الدين، نائب السلطنة بديار مصر.
هو من جملة مماليك الظاهر برقوق وأمرائه، ونسبته بالناصري لحالبه خواجا ناصر الدين، كان خصيصاً عند الملك الظاهر برقوق، رقاه إلى أن(4/143)
جعله أمير طبلخاناة معلما للرمح، وكان ينادمه ويلعب معه الشطرنج، ويعجبه كلامه ويداعبه، ثم نقله إلى إمرة مائة وتقدمة ألف في شهر صفر سنة إحدى وثمانمائة بعد مسك الأمير نوروز الحافظي الأمير آخور، وحبسه بسجن الإسكندرية لأمر أو جب ذلك، واستقر سيدي سودون عوضه أمير أخورا، قدام تمراز المذكور على ذلك إلى أن قبض عليه الملك الناصر فرج في أوائل دولته وحبسه بثغر الإسكندرية مدة يسيرة، ثم أطلقة بعد واقعة الأمير الكبير أيتمش وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، عوضاً عن الأمير أرغون شاه أمير مجلس، بحكم عصيان أرغون شاه مع الأتابك أيتمش في سنة إثنتين وثمانمائة، فاستمر تمراز من السنة المذكورة إلى سنة ثلاث استقر نائب الغيبة بالديار المصرية عند خروج الملك الناصر فرج لقتال تيمورلنك لعنه الله فباشر نيابة الغيبة بالديار المصرية إلى أن عاد الملك الناصر فرج من البلاد الشامية بعد استيلاء تيمور عليها إلى القاهرة.
واستمر تمراز على إقطاعة إلى شهر شوال سنة خمس وثمانمائة أخلع عليه بإمرة سلاح، عوضاً عن الأمير بكتمر رأس توبة الأمراء.
قلت وهذه الوظيفة
مفقودة الآن، واستقر عوضه في إمرة مجلس الأمير سودون المارديني، واستقر بعد سودون المارديني رأس نوبة النوب سودون الحمزاوي، وأقام الأمير تمراز في هذه الوظيفة إلى سنة سبع وثمانمائة وقع للأمير يشبك وقعته المشهورة، ثم انكسر وخرج إلى البلاد الشامية، فكان تمراز هذا ممن(4/144)
خرج معه، واستقر عوضه في إمرة سلاح الأمير أقباي الطرنطاي حاجب الحجاب، ثم عاد تمراز المذكور إلى القاهرة، ووقع له أمور يطول شرحها إلى أن صار نائب السلطنة بالديار المصرية، ثم فر بعد ذلك بمدة من عند الملك الناصر إلى الأميرين شيخ المحمودي، ونوروز الحافظي، فأكرماه وعظماه وأجلا محله، فلم تطل مدة إقامته عندهم، وفر من عندهم وعاد إلى الملك الناصر ثانياً، فأنعم عليه الملك الناصر بإمرة مائة وتقدمة ألف، وفي النفس ما فيها بسبب هروبه من عنده بغير موجب وعوده إليه، فتمهل عليه إلى شهر صفر من سنة أربع عشرة وثمانمائة، وأخرج إقطاعه ورسم له بالإقامة في داره بطالا أو يتوجه إلى ثغر دمياط، فتوجه إلى الثغر، وأقام به بطالاً إلى العشر الأوسط من شهر ذي الحجة من السنة رسم بالقبض عليه وتجهيزه إلى حبس الإسكندرية فقبض عليه وأودع في سجن الإسكندرية ثم قتل في التاريخ المذكور.
حكى لي بعض أعيان الأمراء قال: قال الملك المؤيد شيخ بعد سلطنته إن كان الملك الناصر فرج يدخل الجنة يدخلها بقتلة لتمراز: قال: فقيل له وكيف ذلك يا مولانا السلطان؟، قال: لأن الملك الناصر كان يعظمه وجعله نائب السلطنة بالديار المصرية بعد شغورها عدة سنين من أيام سودون الشيخوني النائب، وجعله أعظم أمراء الديار المصرية، فلم يقنعه ذلك وفر من عنده، وقدم على فقلت(4/145)
في نفسي: وما أفعل أنا هذا حتى يعجبه مني؟ فخرجت إلى تلقيه، ومشيت في خدمته حتى أرضيه وأطيب خاطره، فمنعني من ذلك بعد أن رأى مني من الحرمة والتعظيم له ما لا يزيد عليه، وأقام عندي مدة وأنا لا أخرج عما يأمرني به، فلم يكن بعد قليل إلا وقد هرب من عندي وعاد إلى الناصر، فاحتار الملك الناصر يرضيه بماذا، فإنه أولاً كان أنعم عليه بنيابة السلطنة وأشياء يطول شرحها فلم يعجبه ذلك، وفر من عنده إلى عندي، ثم عاد إليه، فلم يجد بداً من القبض عليه وقتله، فكان ذلك من أعظم مجازاته، انتهى.
قلت: وكان الأمير تمراز المذكور تركيا، رأسا في فنون الفروسية، حشما وفورا، وعنده خفة روح ودعابة، وهو أستاذ أقبغا التمرازي، وغيره من التمرازية، رحمه الله تعالى، وعفا عنه.
790 - تمراز الأعور
830هـ -؟ - 1427م
تمراز بن عبد الله الظاهري، الأمير سيف الدين الحاجب، المعروف بتمراز الأعور.(4/146)
كان أيضاً من جملة المماليك الظاهرية برقوق، وممن صار أميراً في الدولت المؤيدية شيخ، وكان المؤيد ينادمه لدعابة كانت فيه، واستمر من جملة الحجاب، وأمره العشرات إلى قطعة من دولة الأشرفية برسباى، ورأيته غير مرة، وكان شيخاً مسمنا طوالا أحولا، تركي الجنس، مهملاً، ودام على ذلك إلى أن توفي بعد الثلاثين وثمانمائة تخمينا، رحمه الله.
791 - تمراز المؤيدي الخازندار نائب غزة
814هـ -؟ - 1437م
تمراز بن عبد الله المؤيدي، المعروف بالخازندار، الأمير سيف الدين، نائب غزة، ثم صفد
كان
من جملة المماليك المؤيدية شيخ، ومن أعيان خاصكيته، ومن جملة خازنداريته الصغار، ثم تغير المؤيد عليه وضربه ضرباً مبرحاً، ونفاه إلى البلاد الشامية، فاستمر بتلك البلاد على إقطاع هين بدمشق إلى أن عصى الأمير تنبك البجاسى نائب دمشق على الملك الأشرف برسباى في سنة ست وعشرين وثمانمائة وافقه تمراز المذكور على العصيان، ثخم أختفى بعد القبض على تنبك البجاسى مدة طويلة، ثم ظهر بعد ذلك، فلم يؤاخذه الأشرف على فعله، وأنعم عليه بإمرة بدمشق، فدام على ذلك إلى أن توجه السلطان الملك الأشرف برسباى إلى آمد في سنة ست وثلاثين وثمانمائة، وخرج تمراز المذكور صحبة الأشرف مع جملة أمراء دمشق إلى آمد، وصار يظهر الشجاعة بها إلى أن أنعم عليه بإمرة مائة(4/147)
وتقدمة ألف بدمشق، ثم بعد مدة يسيرة نقله إلى نيابة غزة، ثم إلى نيابة صفد، فساءت سيرته، وأفحش في القتل وأبدع، فترادفت الشكاة عليه حتى طلب إلى القاهرة، وقبض عليه، وحبس بثغر الإسكندرية إلى أن قتل بها خنقاً في ثالث عشرين جمادى الأخرة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، في أوائل الكهولية.
وكان غير مشكور السيرة، عفا الله عنه.
793 - القرشي أمير سلاح
853هـ -؟ - 1449م
تمراز بن عبد الله القرشي الظاهري، الأمير سيف الدين، أمير سلاح.
أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق، ومن آنيات الأتابك يلبغا الناصري، وتقلب في الدول ألواناً إلى أن ولى نيابة قلعة الروم مدة إلى أن نقله الملك الأشرف برسباى إلى نيابة غزة، فباشرها سنين إلى أن عزل عنها، وطلب بعد الثلاثين وثمانمائة وأنعم عليه بتقدمة ألف بالديار المصرية، ثم بعد مدة يسيرة أخلع عليه باستقراره رأس نوبة النوب، بعد الأمير أركماس الظاهري(4/148)
بحكم انتقال أركماس إلى الدرادارية الكبرى بعد نفي الأمير أزبك الدوادار إلى القدس بطالا.
وصار تمراز المذكور مقرباً عند الملك الأشرف إلى الغاية، ودام على ذلك إلى أن توفي الملك الأشرف وتسلطن من بعده انبه الملك العزيز يوسف، فكان تمراز هذا في التجريدة من جملة الأمراء المصرية بالبلاد الشامية، ثم قدم بعد ذلك صحبة الأمراء إلى البلاد المصرية، ووقع ما سنحكيه من القبض على الأمير جانم قريب الملك الأشرف برسباى، واستقر الأمير تمراز هذا عوضه أمير آخورا، وسكن باب السلسلة من الإسطبل السلطاني، فلم تطل مدته، ونقل إلى إمرة سلاح، عوضاً عن الأمير يشبك المشد المنتقل إلى الأتابكية بعد الأمير أقبغا التمرازي المتولي نيابة دمشق بعد عصيان الأمير إينال الجكمى.
واستمر الأمير تمراز هذا في إمرة سلاح دهرا إلى أن توفي بالطاعون في آخر يوم الجمعة عاشر شهر صفر سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة.
وكان رحمه الله أميراً جليلاً، ساكنا عاقلا، متواضعاً، رئيساً، وافر الحرمة، وقورا كريما.
حدثني الأمير أقبغا التمرازي من لفظه قال: ما رأيت عيناي مثل الأمير تمراز، ولا مثل عقله، قلت: وكيف ذلك؟ قال: رافقني في هذه السفرة، يعني لما تجرد الأمراء إلى البلاد الشامية سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، فكنت أحادثه في أمرو الناس قديماً وحديثاً، فلم أسمع منه في هذه المدة الطويلة يذكر أحداً إلا بخير، ولا يتكلم فيما لا يعنيه قط، ولولا أن عنده إسراف على نفسه لكنت أقول أنه من الأولياء.(4/149)
قلت: وإن كان مسرفاً على نفسه فالمرجو من كرم الله أن يسامحه لأن الناس كانت في أمن من لسانه ويده، رحمه الله تعالى، وعفا عنه.
793 - تمراز النوروزي
848هـ -؟ - 1444م
تمراز بن عبد الله النوروزى، الأمير سيف الدين، أحد أمراء العشرات، ورأس نوبة، المعروف بتمراز تعريص.
نسبته إلى معتقه الأمير نوروز الحافظي، ثم صار بعد أستاذه خاصكيا في دولة الملك الظاهر ططر، واستمر على ذلك إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر جقمق بإمرة عشرة، وجعله من جملة رؤوس النوب، وتوجه الىغزور ودس مع من توجه من الأمراء في سنة ثمان وأربعين وثمانمائة، فأصابه في مدينة رودس سهم لزم منه الفراش إلى أن مات على ظهر البحر بالقرب من ثغرد مياط، ودفن بالثغر، رحمه الله.
وكان متجملاً في ملبسه ومركبه، وعنده كرم وحشمة، إلا أنه كان مسرفاً على نفسه، سامحه الله تعالى.
وكان قد غلب عليه هذا اللقب القبيح، وقد سألته عن تسميته بتعريص، وما السبب في ذلك؟، فقال: كنت صغيراً في الطبقة، وكنت إذا كلمني أحد
من(4/150)
العوام، أقول له: في تعريصك، أقصد بذلك المزح والدعابة، فلقبوني خجداشيتى بتعريص، وغلب على هذا الإسم، ولا قوة إلا بالله.
794 - تمراز المؤيدي المصارع
855هـ -؟ - 1451م
تمراز بن عبد الله بكتمر المؤيدي المصارع، الأمير سيف الدين.
أصله من مماليك الملك المؤيد شيخ، ثم صار بعد موت الملك المؤيد في خدمة الأمير تنبك العلائي ميق نائب الشام، لأن أخت تمراز كانت تحت تنبك المذكور، ثم عاد إلى بيت السلطان في الدولة الأشرفية بعد موت تنبك المذكور، وصار خاصكيا، وعرف بجودة الصراع، ثم صار من جملة الدوادارية الصغار في الدولة العزيزية يوسف، ودام على ذلك سنين، وتوجه إلى شد بندر جدة بالبلاد الحجازية، وحمدت سيرته، ثم توجه إليها ثانياً، وقبض على أميرمكة بها الشريف على بن حسن بن عجلان، وعلى أخيه إبراهيم، واستمر بيندر جدة إلى أن مات بمكة(4/151)
الأمير أقبردي المظفري، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة وأمير المماليك السلطانية بمكة، فأرسل تمراز المذكور من جدة يطلب إقطاع آقبردى المذكور، فأنعم به عليه، وصار من جملة أمراء العشرات.
وعاد إلى الديار المصرية، ودام بها إلى أن ولى نيابة القدس في سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، فتوجه إلى القدس، وباشر النيابة أشهراً، وعزل عنها، ونفى إلى دمشق، ثم طلب إلى القاهرة في أوائل سنة ثلاث، وخمسين، فدام بها أياماً، وأعيد إلى نيابة القدس، فلم يقم به إلا مدة يسيرة، وعزل ثانياً، وطلب إلى القاهرة، واستمر بها بطالاً إلى أن طلبه الملك الظاهر وندبه للتوجه إلى بندر جدة، وأمر بتجهيزه فجهزه، وسافر صحبة الحاج في سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، وهذه سفرته الثالثة، فتوجه إلى البندر المذكور، وباشر شدها على العادة إلى أن انتهى أمره، اشترى مركباً من الهنود وأشحنها بمال السلطان وبماله، واستخدم عدة رماة وبعض أجناد، وهو يظهر أنه يركب فيها إلى نحو الديار المصرية إلى إن إنتهى أمره ودخل المركب المذكور، توجه إلى جهة اليمن بكل ما حصل في قبضته من مال السلطان وغيره، فكان ما أخذه من مال السلطنة نيفا على ثلاثين ألف دينار سوى ما حصله لنفسه، وسار ولم يقف له على خبر.
وورد الخبر بذلك على الملك الظاهر جقمق فكلد يموت غيظاً، واستمر السلطان لا يعرف له خبراً إلى سنة خمس وخمسين وثمانمائة ورد عليه كتاب(4/152)
الشريف بركات، وكتاب الأمير جانبك القصير مشد جدة أن تمراز المذكور وصل إلى مدينة كالى كوت من الهند، وأن السامري صاحبها علم بحاله فطلبه وألزمه بشراء البهار بجميع ما معه، واشحن ذلك كله في عدة مراكب، وأمره بالعود إلى بندر جدة.(4/153)
باب التاء والنون
795 - تنكز ناظر الرباط بالصالحية
690هـ -؟ - 1291م
تنكز بن عبد الله الناصري، الأمير بدر الدين.
كان المذكور من أكابر الأمراء، وتنقل في عدة وظائف، كان ناظر الرباط بالصالحية عن أستاذه الملك الناصر، وتوفي فيها، ودفن بالتربة الكبيرة في سنة تسعين وستمائة، رحمه الله.
796 - تنكز العثماني
792هـ -؟ - 1389م
تنكز بن عبد الله العثماني، الأمير سيف الدين.
أحد أمراء الطبلخانات في دولة الملك الظاهر برقوق، قتل في وقعة الملك(4/155)
الظاهر برقوق بعد خروجه من سجن الكرك مع منطاش في سنة إثنتين وتسعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
- 797 - تنكز الحسامي نائب الشام
741هـ -؟ - 1340م
تنكز بن عبد الله الحسامى الناصري، الأمير سيف الدين نائب الشام.
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: جلب إلى مصلا وهو حدثن فنشأ بها، وكان أبيض إلى السمرة أقرب، رشيق القد، مليح الشعر، خفيف اللحية، قليل الشيب، حسن الشكل ظريفه، جلبه الخواجا علاء الدين السيواسى، فاشتراه الأمير لاجين، فلما قتل لاجين في سلطنتة صار من خاصكية السلطان، وشهد معه واقعة وادي الخزندار، ثم وقعة شقحب.(4/156)
أخبرني القاضي شهاب الدين بن القسراني قال: قال لي يوماً أنا والأمير سيف الدين طينال من مماليك الملك الأشرف.
قلت: يعني بذلك الأشرف خليل بن قلاوون. انتهى.
وسمع تنكز صحيح البخاري غير مرة من ابن الشحنة، وسمع كتاب الآثار للطحاوي، وقرأ عليه المقر يزى ثلاثيات البخاري بالمدينة النبوية، وأمره السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون إمرة عشرة قبل توجهه إلى الكرك، وكان قد سلم إقطاعه إلى الأمير صاروجا المظفري، فكان على مصطلح الترك أغاله، ولما توجه الملك الناصر إلى الكرك كان في خدمته، وجهزه مرة إلى الأفرم نائب دمشق(4/157)
رسولا، فاتهمه أن معه كتبا إلى أمراء دمشق، فحصل له منه مخافة شديدة، وفتش وعرض عليه العقوبة، فلما عاد إلى الملك الناصر عرفه بذلك، فقال له: إن عدت على الملك فأنت نائب الشام، فلما عاد السلطان ضم تنكز إلى أرغون الدوادار ليتعلم منه الأحكام، فلما مهر ولاه نيابة دمشق سنة إثنتي عشرة وسبعمائة، الدوادار ليتعلم منه الأحكام، فلما مهر ولاه نيابة دمشق سنة إثنتي عشرة وسبعمائة، وأقام بدمشق نائباً بها ثمانية وعشرين سنة، وهو الذي عمر بلاد دمشق، ومهد نواحيها، وأقام شعائر المساجد بها بعد التتار، وبنى بها جامعاً معروفاً به، وجدد يصفد بيمار ستانا للشفاء، وبنى بالقدس رباطاً جم المحاسن، وعمر أيضاً عدة أماكن، وطالت أيامه، انتهى كلام الصفدي باختصار.
قلت: وفي ولايته لدمشق توجه إلى البلاد الحلبية مرتين: الأولى سنة خمس عشرة وسبعمائة، ثم توجه لغزو ملطية فأخذها، وأسر وقتل، ثم عاد على محل كفالته، والثانية في سنة ست وثلاثين وسبعمائة، ندبه لذلك الملك الناصر محمد بن قلاوون لعمارة قلعة جعبر، المعروفة قديماً بالدوسرة، فامتثل المرسوم الشريف، وجمع الصناع والعمال، وأنفق الأموال، وجد واجتهد إلى أن عمرت بعد اهتمام وافر ومشقة زائدة، وقرر بها النواب والحكام.(4/158)
وفي هذا المعنى يقول بعض الشعراء من أبيات:
وتحركت سكانها وتبسمت ... زهراتها وأضاء منها المعهد
وتبرجت أبراجها باهلة ... أين السها من أهلها والفرقد
ومنها:
وإذا نظرت إلى البقاع وجدتها ... تشقى كما تشقى الرجال وتسعد
وكان الأمير تنكز في مدة ولايته دمشق يتوجه في كل قليل إلى القاهرة، ويتمثل في الخدم الشيفة بالتحف والهدايا، وتكرر ذلك منه إلى سلخ سنة أربعين وسبعمائة، رسم السلطان الملك الناصر محمد للأمير طشتمر حمص أخضر نائب صفد بالتوجه إلى دمشق والقبض على الأمير تنكز المذكور، فتوجه طشتمر إلى دمشق وقبض عليه، وأرسله إلى القاهرة في أول سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وولى نيابة دمشق عوضه الأمير ألطنبغا نائب حلب.
وفيه يقول الصلاح الصفدي:
ألا لييلات تقضت على الحمى ... تعود بوعد للسرور منجز
ليال إذا رام المبالغ وصفها ... يشبهها حسناً بأيام تنكز(4/159)
ولما قبض على تنكز وحمل إلى القاهرة، جهز السلطان الأمير بشتك الناصري، والأمير طاجار الدوادار، وبيغرا، وبكا الخضري، والحاج أرقطاى، بسب الحوطة على مال تنكز المذكور.
قال الصفدي: فكان الذي وصل إلى السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون من مال تنكز من الذهب وخمسمائة ألف، ومن أصناف الجوهر والطرز الزركش وحوائص الذهب والخلع والأطلس شئ كثير، حمل ذلك على ثمانية جمال، ثم استخرج برسبغا أيضاً من بقايا مال تنكز بدمشق أربعين ألف دينار وألف ألف درهم ومائة ألف درهم. انتهى.(4/160)
قلت: وكانت وفاة تنكز المذكور بحبس الإسكندرية في يوم الثلاثاء النصف من المحرم سنة إحدى وأربعين وسبعمائة.
وكان رحمه الله ملكاً جليلاً، محترماً مهابا، عفيفاً عن أموال الرعية، حسن المباشرة والطريقة، إلا أنه كان صعب المراس، ذا سطوة عظيمة، وحرمة وافرة على أهل الدنيا والأعيان من أرباب الدولة، متواضعاً للفقراء وأهل الخير، وعمر عدة عمائر، ووقف عدة أوقاف على وجوه البر والصدقة، وكان يميل إلى فعل الخير.
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: ورد مرسوم السلطان إلى دمشق بتقويم أملاكه، فعمل ذلك بالعدول وأرباب الخبرة وشهود القيمة، وحضرت بذلك محاضر إلى ديوان الإنشاء لتجهز إلى السلطان، فنقلت منها ما صورته: دار الذهب بمجموعها واسطبلاتها: ستمائة ألف درهم، دار الزمرد: مائتا ألف وسبعون ألف درهم، دار الزرد كاش وما معها: مائتا ألف وعشرون ألف درهم، الدار التي يجوار جامعه بدمشق: مائة ألف درهم، الحمام التي بجوار الجامع: مائة ألف درهم، خان العرصة: مائة ألف درهم وخمسون ألف درهم، إسطبل حكر السماق: عشرون ألف درهم، الطبقة التي بجوار حمام ابن يمن: أربعة آلاف وخمسمائة درهم، قيسارية المرحليين: مائتا ألف وخمسون ألف درهم، الفرن والحوض بالقنوات(4/161)
من غير أرض: عشرة آلاف درهم، حوانيت التعديل: ثمانية آلاف درهم، الأهراء من إسطبل بهادر آص: عشرون ألف درهم، خان البيض وحوانيته: مائة ألف وعشرة آلاف درهم، حوانيت باب الفرج: خمسة وأربعون ألف درهم، حمام القابون: عشرة آلاف درهم، حمام القصير العمري: ستة آلاف درهم، الدهشة والحمام: مائتا ألف وخمسون ألف درهم، بستان العادل: مائة ألف وثلاثون أللاف درهم، بستان النجيبى والحمام والفرن: مائة ألف درهم وثلاثون ألف درهم، بستان الحلبي بحرستا: أربعون ألف درهم، الحدائق بها: مائة ألف وخمسة وستون ألف درهم، بستان القوصى بها: ستون ألف درهم، بستان الدردور بزبدين: خمسون ألف درهم، الجنينة المعروفة بالحمام بها: سبعة آلاف درهم، بستان الرزاز خمسة وثمانون ألف درهم، مزرعة الركن البوقي والعنبري: مائة ألف درهم، الحصة بالدفوف القبلية بكفر بطنا ثلثاها: ثلاثون ألف درهم، بستان السقلاطوني: خمسة وسبعون ألف درهم، حقل البيطارية بها خمسة عشر ألف درهم، الفاتكيات والرشيدي والكروم من زملكا: مائة ألف وثمانون ألف درهم، مزرعة المرفع بالقابون: مائة ألف وعشرة آلاف(4/162)
درهم، الحصة من غراس غيضة الأعجام: عشرون ألف درهم: نصف الضيعة المعروفة بزوينة: خمسة آلاف درهم، غراس قائم في جوار دار الجالق: ألفا درهم، النصف من خراج الهامة: ثلاثون ألف درهم، الحوانيت التي قبالة الحمام: مائة ألف درهم، الإسطبلات التي عند الجامع: ثلاثون ألف درهم، بيدر تبدين: ثلاثة وأربعون ألف درهمن أرض خارج باب الفرج: ستة عشر ألف درهم، القصر وما معه: خمسمائة ألف وخمسون ألف درهم، ربع القصرين ضيعة: مائة وعشرون ألف درهم، نصف البيطارية: مائة وثمانون ألف درهم، حصة من البويضا: مائة ألف وسبعة وثمانون ألف درهم نصف بوابة: مائة وثمانون ألف درهم، العلائية بعيون الفاسريا: ثمانون ألف درهم، حصة ديرا بن عصرون: خمسة وسبعون ألف درهم، العديل: مائة ألف وثلاثون ألف درهم، حوانيت داخل باب الفرج: أربعون ألف درهم، التنورية: إثنان وعشرون ألف درهم.(4/163)
الأملاك التي له بمدينة حمص: الحمام بحمص: خمسة وعشرون ألف درهم، الحوانيت: سبعة آلاف درهم، الربع: ستون ألف درهم، الطاحون الراكبة على العاصي: ثلاثون ألف درهم زور قبجق: خمسة وعشرون ألف درهم، الخان: مائة ألف درهم، الحمام الملاصقة للخان: ستون ألف درهم، الحوش الملاصق له: ألف وخمسمائة درهم، المناخ: ثلاثة آلاف درهم، الحوش الملاصق للخندق: ثلاثة آلاف درهم، حوانيت العريضة: ثلاثة آلاف درهم، الأراضي المحتكرة: سبعة آلاف درهم.
بيروت الخان: مائة وخمسة وثلاثون ألف درهم، الحوانيت والفرن: مائة وعشرون ألف درهم، المصبنة بآلاتها: عشرة آلاف درهم؛ الحمام: عشرون ألف وثمانون ألف درهم، المباركة: خمسة وسبعون ألف درهم، المسعودية: مائة ألف وعشرون ألف درهم الضياع الثلاثة المعروفة(4/164)
بالجوهري: أربعمائة ألف وسبعون ألف درهم، السعادة: أربعمائة ألف درهم، أبروطيا: ستون ألف درهم، نصف بيرود والصالحية الحوانيت: أربعمائة ألف درهم، المباركة والناصرية: مائة ألف درهم، رأس المآبيم الروس: سبعة وخمسون ألف وخمسمائة درهم، حصة من خربة روق: إثنان وعشرون ألف درهم، رأس الماء والدلى بمزارعها: خمسمائة ألف درهم، حمام صرخد: خمسة وسبعون ألف درهم، طاحون الغولر: ثلاثون ألف درهم، السالمية: سبعة آلاف وخمسمائة درهم، طاحون المغار: عشرة آلاف درهم، قيسارية أذرعات: اثنتا عشر ألف درهم، قيسارية عجلون: مائة ألف وعشرون ألف درهم.
الأملاك بقارا: الحمام: خمسة وعشرون ألف درهم، الهرى: ستمائة ألف درهم، الصالحية والطاحون والأراضي
: مائتا ألف وخمسة وعشرون ألف درهم، راسليا ومزارعها: مائة ألف وخمسة وعشرون أف درهم، القصيبة: أربعون ألف درهم، القريتان العروفة إحداهما بالمزرعة والأخرى بالبينسية: تسعون ألف درهم.(4/165)
هذا جميعه خارج عماله من الأملاك ووجوه البر في صفد وعجلون والقدس الشريف ونابلس والرملة وجلجولية والديار المصرية، وعمر بصفد بيمار ستانا مليحا، وله بها بعض أوقافه، وعمر بالقدس رباط وحمامين وقياسر، وله بجلجولية خان مليح إلى الغاية، أظنه سبيلاً، وله بالرملة، بالقاهرة بالكافوري دار عظيمة وحمام، وغير ذلك من حوانيت.
ولما كان في أوائل شهر رجب سنة أربع وأربعين وسبعمائة حضر تابوته من الإسكندرية إلى دمشق ودفن في تربته بجوار جامعة المعروفة بإنشائه، رحمه الله.
فقلت في ذلك:
إلى دمشق نقلوا تنكزا ... فيالها من آية ظاهرة
في جنة الدنيا له جثة ... ونفسه في جنة الآخرة
وقلت أيضاً:
في نقل تنكز سر ... أراده الله ربه
أتى به نحو أرض ... يحبها وتحبه
وقلت وكأنني أخاطبه:
أعاد الله شخصك بعد دهرٍ ... إلى بلد وليت فلم تخنها(4/166)
أقمت بها تدبرها زماناً ... وتأمر في رعاياها وتنهى
فلا هذا الدخول دخلت فيها ... ولا هذا الخروج خرجت منها
وكان تنكز رحمه الله معظماً جليلاً، بلغ في علو الدرجة والإرتقاء ما لم يبلغه غيره، حتى كتب إليه عن السلطان: أعز الله أنصار المقر الكريم، العالي الأميري وفي الألقاب: الأتابكى الزاهدي العابدي، وفي النعوت: معز الإسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين، وهذا لم يعهد أنه كتب عن سلطان لنائب ولا لغيره، انتهى.
قلت: لا سيما الملك الناصر محمد بن قلاوون، فإنه كان أعظم ملوك الديار المصرية بلا مدافعة، وأيضاً كان تنكز المذكور مملوكه وعتيقه، ولم يكن من قدماء الأمراء المشايخ، حتى أنه كان يرعى له المقدمة والشيخوخة انتهى.
وكان الملك الناصر لا يفعل شيئاً حتى يرسل إليه ويشاوره، وقل ما كتب هو إلى السلطان في شئ فرده، وكان مع ذلك عفيف اليد، لم يعهد عنه أنه أخذ رشوة من أحد، رحمه الله تعالى، وعفا عنه، انتهى كلام الصفدي رحمه الله باختصار.(4/167)
798 - تنم الحسنى نائب الشام
802هـ -؟ - 1400م
تنم بن عبد الله الحسنى الظاهري، اسمه الأصلي تنبك وغلب عليه تنم، الأمير سيف الدين، نائب دمشق.
أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق، اشتراه وأعتقه وجعله خاصكيا في أوائل سلطنتة ثم أمره عشرة بالقاهرة في سلطنته الثانية، أو في أواخر الأولى، عند زوال ملكه في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، ثم نقله إلى دمشق أمير مائة ومقدم ألف بها، ثم صار أتابكها إلى سنة خمس وتسعين وسبعمائة استقر به في نيابة دمشق بعد موت الأمير كمشبغا الأشرفي الخاصكي، واستقر عوضه في أتابكية دمشق الأميراياس الجرجاوي نائب طرابلس، كل ذلك في المحرم من سنة خمس وتسعين وسبعمائة.
واستمر المير تنم في نيابة دمشق مدة طويلة، ونالته السعادة، وعظم في الدولة وضخم، وقدم إلى الديار المصرية على أستاذه الملك الظاهر في نيابته غير مرة بالهدايا والتحف والتقادم الهائلة، وتجرد إلى سيواس وغيرها بمرسوم الملك الظاهر برقوق له، وفي صحبته نواب البلاد الشامية وغيرها من التركمان والعربان، ثم عاد إلى محل كفالته بعد أن وقع بينه وبين والدي رحمه الله(4/168)
مناوشة في هذه السفرة، وسبب ذلك أن العادة إذا سار نائب دمشق بسنجقه يحفظ نائب حلب سنجقه إذا كانا معا، فلم يفعل والدي ذلك، بل سارا معاً وسنجقها مرتفع، فوقع بعض كلام بين السلاح دجارية من الطائفتين وتقاتلا بالدبابيس ساعة، ثم خمدت الفتنة بينهم، كل ذلك ووالدي رحمه الله يتجاهل تجاهل العارف حتى نزل كل إلى مخيمه ظاهر حلب، فكلم والدي رحمه الله بعض أعيان ماليكه في هذه الواقعة، فقال: أنا ما خرجت من مصر جنديا، أراد بذلك أنه ولى نيابة حلب لما كان رأس نوبة النوب بالديار المصرية، وتنم خرج من مصر أمير عشرة وصار مقدماً بدمشق، حسبما ذكرناه وبلغ تنم ذلك فبقى في النفس ما فيها، وفي الظاهر الصلح بينهما واقع، فلما وصل تنم إلى دمشق أرسل إلى الملك الظاهر يلوح له بعصيان والدي إلى أن وغر خاطره عليه، وطلب والدي رحمه الله وعزل من نيابة حلب، وصار أمير سلاح بديار مصر.
كل ذلك وتنم في نيابة دمشق إلى أن توفي الملك الظاهر برقوق في سنة إحدى وثمانمائة، وتسلطن من بعده ابنه الملك الناصر فرج، وجهز إلى تنم تشريفاً باستمراره على نيابة دمشق، فلبس الأمير تنم التشريف وقبل الأرض، واستمر في ولايته بدمشق إلى أن بلغه ما وقع للأتابكى أيتمش المذكور بمن معه من أعيان الأمراء حسبما ذكرناه وتوجه نحو الأمير تنم إلى دمشق، وكان والدي(4/169)
رحمه الله من جملة من خرج مع أتيمش إلى دمشق، فسر الأمير تنم بقدوم والدي رحمه الله صحبه أيتمش إلى الغاية، وأخذ تنم يزول ما في خاطر والدي منه قديماً، حتى لقد زاد في إكرامه ورواتبه على الأتابك أيتمش، وقوى أمر تنم الأتابك أيتمش وغيره.
ووافقه غالب نواب البلاد الشامية بل الجميع، وأذعنوا له بالطاعة، وقدموا عليه إلى دمشق، واستفحل أمره، ثم خرج من دمشق يريد الديار المصرية، وصحبته الأمراء المصريين وهم: الأتابك أيتمش البجاسى، ووالدي أمير سلاح، وأرغون شاه أمير مجلس، وفارس حاجب الحجاب، ويعقوب شاه أحد مقدمي الألوف، والأمير أحمد بن يلبغا العمري أحد المقدمين أيضاً، وعدة أخر من أمراء الطبلخانات والعشرات والخاصكية، وهؤلاء الذين خرجوا من الديار المصرية، وخرج معه من نواب البلاد الشامية الأمير أقبغا الهذباني نائب(4/170)
حلب، والأمير يونس بلطا نائب طرابلس، والأمير دمرداش نائب حماة، والأمير ألطنبغا العثماني نائب صفد، وعمر بن الطحان نائب غزة، وخلق من التركمان والعربان.
وسار بهذه العساكر العظيمة من المصريين والشاميين إلى أن وصل بالقرب من الرملة، بلغه قدوم الملك الناصر فرج بعساكره إلى مدينة غزة، فندب والدي لقتاله بعد أن أضاف إليه جماعة من أمراء المصريين ونواب البلاد الشامية، وجعلهم كالجاليش له، فساروا في جميع موفور إلى الغاية. والتقوا مع جاليش الملك الناصر فرج بظاهر غزة، فكانت بين الفريقين وقعة هائلة استظهر فيها عسكر تنم، لولا أن هرب منهم جماعة مثل دمرداش نائب حماة، وفرج بن منجك وغيرهما إلى الملك الناصر فرج، فعند ذلك انكسر عسكر تنم وعاد جاليشه إليه، فركب من وقته إلى أن نزل على غزة، وقد دخل الوهم قلب العساكر المصرية مما رأوا من قتال جاليشه.
فأرسل الملك الناصر إلى الأمير تنم قاضي القضاة صدر الدين المناوي الشافعي، وناصر الدين الرماح يسألانه في الصلح، وأن يكون على حاله، فأبى إلا القتال(4/171)
بعد أن شرط شروطاً لا تقبل، فعند ذلك ركب الملك الناصر فرج وهو كالآلة مع الأمراء لصغر سنه، وركب أمراء الديار المصرية بعساكرهم والتقوا مع الأمير تنم، وتقاتلوا معه ساعة هينة، فكبا فرس تنم فقبض عليه، وانكسر عسكره، فقيد وحمل محتفظاً به إلى دمشق صحبة الملك الناصر فرج.
فحبس بقلعة دمشق أياماً إلى أن قتل في ليلة الخميس رابع شهر رمضان سنة إثنتين وثمانمائة بقلعة دمشق، وقتل معه جمع كبير من الأمراء يطول الشرح في ذكرهم، يكفيك أنه لم يسلم من القتل في هذه النوبة ممن خرج مع تنم من المصريين والشاميين غير والدي وأقبغا الهذباني نائب حلب، وقتل الجميع في الليلة المذكورة.
فكانت هذه الحادثة من أشنع الحوادث وأقبحها، والسبب لدخول تيمور إلى البلاد الشامية، وهو أن تيمور كان يترقب زوال الملك الظاهر برقوق، فلما ورد عليه الخبر بموته سر بذلك وعزم على دخوله إلى البلاد الشامية، لكنه صار يقدم رجلاً ويؤخر أخرى خوفاً من الأمير تنم هذا، ورفقته من النواب بالبلاد الشامية، وعظم العساكر المصرية، فلما بلغه ثانياً الخلف بين أمراء الديار المصرية وما وقع لأيتمش، ثم القبض على تنم وقتله، انتهز الفرصة وركب غارة حتى طرق البلاد الشامية.
أخبرني من أثق به من مماليك والدي قال: لما ورد الخبر على الملك الناصر بأن تيمور قبض على سيدي سودون نائب الشام بالبلاد الحلبية، وكان الناصر بغزة، أرسل بطلب أستاذناً من القدس، يعنى والدي رحمه الله وولاء(4/172)
نيابة الشام، عوضاً عن سيدي سودون، ودخل إلى دمشق صحبة الناصر فرج، ثم نزل تيمور على دمشق، ووقع بين الفريقين مناوشة في كل يوم، فكان والدك على أحد أبواب دمشق، والأمير نوروز الحافظي على باب آخر، وطال القتال بينهم في كل يوم، فلما كان في بعض ركب نوروز من موضعه مخففاً وجاء إلى والدك وتكلم معه في أمر تيمور وفي عظم عساكره إلى أن قال: يا أخي أظن لو كان أستاذناً يعيش، يعنى الملك الظاهر برقوق، ما قدر على لقي عساكر تيمور، فقال له والدك: والله لو عاش تنم نائب الشام إلى قدوم تيمور لكان يلقاه من قبل تعديته الفرات، وكل أحد يعلم صدق مقالتي مما رأيته من شدة عزمه وحزمه وشجاعته وعظم عساكره، وأنتم تدرون حالكم لما لقيتموه بظاهر غزة، ولكن خطيئة هؤلاء الرعية كلها في أعناقكم لأنكم أنتم السبب لقدوم هذا الظالم إلى البلاد الشامية، فلم يسمع نوروز إلا أن قال: إيش كنت أنا، هؤلاء الصبيان هم أصحاب العقد والحل في المملكة بعد خروجكم منها وعند القبض عليكم، ووالله لقد أتعبني أمرك حتى نجوت، وإلا كانوا ألحقوك برفيقك الأتابك أيتمش والأمير تنم، ثم عدد من قتل من الأمراء معهما، فقال له والدك: المستعان بالله، إذهب إلى مخيمك، انتهى.
قلت: وكان تنم أميراً جليلاً، مقداماً كريماً، مهاباً، محترماً ذا عقل وسكينة، وحشمة، ووقار وتدبير، ورأى، وكان طوالا، مليح الوجه، خفيف اللحية كاملها، أبيض مشرباً بجمرة. وكان عارفاً بأنواع الفروسية، جريئاً على الحروب، وعنده دهاء وخديعة مع سياسة ومعرفة، وكان عفيفاً عن أموال(4/173)
الرعية، محبباً إليهم، وكان يميل لفعل الخير، ويحب الفقراء وأهل الصلاح، وبني خانا للسبيل بالقرب من القطيفة، وبني بميدان الحصى خارج دمشق تربة عظيمة، ووقف عليها عدة أوقاف، ودفن بقبتها في الفسقية، وبها دفن والدي أيضاً عليه في الفسقية المذكورة. رحمهما الله تعالى.
799 - تنم الساقي المؤيدي
837هـ -؟ - 1434م
تنم بن عبد الله، الساقي المؤيدي، الأمير سيف الدين.
أحد مماليك الملك المؤيد شيخ، صار ساقياً في أيام أستاذه، ثم آل آمره إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف بدمشق في الدولة الأشرفية برسباى. رأيته في سنة ست وثلاثين وثمانمائة بدمشق.
كان شكلا تاما، طوالا، مليح الشكل، كثير السكون، عليه وقار.
توفي بدمشق في سنة سبع وثلاثين وثمانمائة، رحمه الله تعالى وعفا عنه؟ 800 - تنم العلائي الدوادار؟ 842هـ؟ 1438
م تنم بن عبد الله، العلائي المؤيدي الدوادار، الأمير سيف الدين.
هو أيضاً من جملة المماليك المؤيدية، وممن صار دوادار صغيراً في دولة(4/174)
أستاذه الملك المؤيد شيخ، وطالت أيامه في الدوادارية بعد أن تعطل في داره مدة سنين، وابتلى برمد مزمن ثم عوفي، وباشر وظيفته إلى أن أنعم عليه الملك العزيز بإمرة عشرين بدمشق، فتوجه إلى دمشق وأقام بها إلى أن عصى نائبها العزيز بإمرة عشرين بدمشق، فتوجه إلى دمشق وأقام بها إلى أن عصى نائبها الأمير إينال الجكمى على الملك الظاهر جقمق وافقه تنم المذكور على العصيان، وانضم معه إلى أن انهزم إينال المذكور وقبض عليه، قبض على تنم هذا أيضاً معه، فبرز المرسوم الشريف بشنقه، فشنق في سنة إثنتين وأربعين وثمانمائة.
وكان يجيد ركوب الخيل، ويعرف من فنونه يسيرا، رحمه الله تعالى.
؟
801 - المحتسب المؤيدي أمير مجلس
868 - هـ؟ 1463م
تنم بن عبد الله من عبد الرزاق، الأمير سيف الدين، أمير مجلس.
هو أيضاً من مماليك الملك المؤيد شيخ، وممن صار في أيامه خازندار صغيراً، ودام على ذلك مدة يسيرة إلى أن نقله الملك الأشرف إلى وظيفة رأس نوبة الجمدارية، وأنعم عليه بحصة من شبين القصر، ثم أنعم عليه بعد مدة بإمرة عشرة وجعله رأس نوبة. فاستمر على ذلك إلى أن غير إقطاعه الملك الظاهر جقمق وولاه حسبة القاهرة الحجوبية مضافاً على ما بيده، فباشر الحسبة سنين إلى أن عزل عنها بقاضي القضاة بدر الدين محمود العينتابي الحنفي.(4/175)
واستمر على إمرته ووظيفته إلى أن عينه الملك الظاهر جقمق للتوجه إلى نظر الحرم بمكة المشرفة، ونديه لعمارة ما تهدم بها، فتوجه الأمير تنم المذكور إلى مكة، وأقام بها نحو السنتين تخمينا، ثم عاد إلى القاهرة، وولى نيابة الإسكندرية بعد عزل الأمير ألطنبغا المعلم اللفاف عنها، فباشر نيابتها إلى سنة خمسين، قدم إلى القاهرة لسبب من الأسباب، وأنعم عليه السلطان بإمرة يشبك الصوفي المؤيدي بعد نفيه إلى حلب زيادة على ما بيده، وتوجه إلى الإسكندرية، وأقام بها إلى أن عزل في يوم الخميس ثالث شهر ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وثمانمائة بالأمير برسباى البجاسى.
فلم تطل مدته بالقاهرة، وأخلع عليه بنيابة حماة بعد توجه الأمير يشبك الصوفي إلى نيابة طرابلس في يوم الإثنين حادي عشرين الشهر المذكور، فتوجه الأمير تنم المذكور إلى حماة وقام بها إلى شهر رجب من السنة برز المرسوم الشريف بانتقاله إلى نيابة حلب، عوضاً عن الأمير برسباى الناصري بحكم مرضه، وحمل إليه التشريف على يد إينال آخي قشتم، ولبسه وتوجه إلى حلب(4/176)
فباشر نيابتها مدة يسيرة، ووقع بينه وبين أهلها وحشة، وكثر الكلام في حقه إلى أن عزل عن نيابة حلب بنائبها قديماً المير قاني باى الحمزاوي، وطلب إلى القاهرة، فقدمها في يوم الإثنين مستهل شهر شعبان سنة إثنتين وخمسين وثمانمائة، فأخلع السلطان عليه، وأنعم عليه بفرس بقماش ذهب، وأجلسه تحت أمير مجلس فوق بقية الأمراء، وأعطاه إقطاع الأمير قاني باى الحمزاوي، وهي إمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، فدام على ذلك إلى أن غير السلطان اقطاعه بإقطاع الأمير قراقجا الحسنى الأمير آخور بعد موته، وأنعم بإقطاع تنم المذكور وتقدمته على الأمير جرباش المحمدي الأمير آخور الثاني، وصار من جملة المقدمين، ثم نقله بعد أيام في يوم الإثنين ثالث عشر صفر سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة إلى إمرة مجلس بعد انتقال الأمير جرباش الكريمي المعروف بقاشوق إلى إمرة سلاح، بعد موت الأمير تمراز القرمشي بالطاعون.(4/177)
باب التاء والواو
802 - توبة بن علي الصاحب تقي الدين
620 - 698هـ؟ 1223 - 1299م
توبة بن علي بن مهاجرين شجاع بن توبة، الصاحب تقي الدين أبو البقاء الربعي التكريتي، المعروف بالبيع.
ولد يوم عرفة سنة عشرين وستمائة، وتعانى التجارة والسفر، واتصل بالملك المنصور قلاوون في حال إمرته، وعامله وخدمه، فلما تسلطن الملك المنصور قلاوون ولاه وزارة الشام بعد مدة، ثم عزله، ثم ولى وصودر غير مرة.
قال الصفدي: وكان مع ظلمه فيه مروءة حسن إسلام، وتقرب إلى أهل الخير، وعدم خبث، وله همة عالية، وفيه سماحة وحسن خلق، ومزاج، واقتنى الخيل المسومة، وبنى الدور الحسنة، واشترى المماليك الملاح، وعمر لنفسه تربة مليحة، وبها دفن.(4/179)
يقال عنه: أنه كان عنده مملوك مليح اسمه أقطوان، فخرج ليلة يسير وأقطوان خلفه إلى وادي الربوة، فمر على مسطول وهو نائم، فلما أحس بركض الخيل فتح عينيه وقال يا الله توبة، فقال تقي الدين: والك ايش تعمل بتوبة، واحد شيخ نحسن، أطلب منه أقطوان أحب إليك.
ولما أعيد إلى الوزارة، قال فيه شمس الدين بن منصور، موقع غزة:
عتبت على الزمان وقلت مهلاً ... أقمت على الخنا ولبست ثوبه
ففاق من التجاهل والتعامى ... وعاد إلى التقى وأتى بتوبة
توفي الصاحب تقي الدين المذكور بدمشق في سنة ثمان وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
؟؟
803 - توران شاه الملك المعظم
577 - 658هـ؟ 1181 - 1260
م
ثوران شاه بن يوسف بن أيوب بن شادي بن يعقوب بن مروان، الملك المعظم فخر الدين أبو المفاخر، المصري المولد، الحلبي الدار.
ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة.(4/180)
قال القاضي علاء الدين ابن خطيب الناصرية: وسمع من يحيى بن محمود الثقفي وغيره، وأجاز له عبد الله بن برى، وهبة الله البوصيري، ومحمد ابن أحمد الأرتاحى من مصر، والفضل بن الحسين، وعبد الرحمن بن علي الخرقي، وبركات بن إبراهيم الخشوعي، والقاسم بن علي بن عساكر، والحسن ابن عبد الله من دمشق، وغيرهم، وخرج الدمياطي الحافظ أبو محمد له عنهم أحاديث في جزء، وقرأ عليه المائة حديث، وذكره في معجمه، فقال: وكان(4/181)
صحيح السماع والإجازة، غير أنه كان له حالات، وما سمعنا عنه إلا في حال استقامته، عفا الله عنه.
وذكره العلامة أبو الثناء محمود بن سليمان الحلبي في تاريخه فقال: وكان قد بقي كبير البيت الأيوبي، وكان الملك الناصر صلاح الدين يوسف يعظمه ويحترمه ويثق به، ويسكن إليه كثيراً، لعلمه بسلامة جانبه، وكان عنده في أعلا المنازل، يتصرف في قلاعه وخزائنه وعساكره، ولما استولى التتار على مدينة حلب اعتصم بقلعتها، ثم نزل منها بالأمان. انتهى.
قلت ومما كتب إليه أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني في ضرس قلعه، ملغزا:
وصاحب لا أمل الدهر صحبته ... يشقى لنفعى ويسعى سعي مجتهد
لم ألقه مذ تصاحبنا فمذ وقعت ... عيني عليه افترقنا فرقة الأبد
توفي الملك المعظم توران شاه المذكور بعد وقعة التتار بأعمال حلب في أحد الربيعين سنة ثمان وخمسين وستمائة، قاله الحافظ عبد المؤمن الدمياطي في معجمه.
وقال الشهاب محمود في تاريخه: وكانت وفاته بحلب في السابع والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ثمان وخمسين وستمائة، ودفن بدهليز داره.(4/182)
هذا غير توران شاه بن أيوب، والملك المعظم شمس الدين، أخي السلطان صلاح الدين بن أيوب، ووفاته سنة ست وسبعين وخمسمائة، وأيضاً خلاف توران شاه ابن الأمير العباسي الحلبي المعرف بالشيخ شمس الدين الزاهد، ووفاته سنة خمس وثلاثين ستمائة، كلاهما لا يدخلان في تاريخنا لأن وفاتهما قبل الدولة التركية انتهى.
؟
804 - توران شاه الملك المعظم سلطان الديار المصرية
684هـ -؟ 1250م
توران شاه بن أيوب بن محمد، السلطان الملك المعظم بن السلطان الملك الصالح نجم الدين بن السلطان الملك الكامل بن السلطان الملك العادل، سلطان الديار المصرية.
جلس على تخت الملك بعد وفاة والده الملك الصالح نجم الدين أيوب، ولما مات أبوه كان المذكور بحصن كيفا، فجمع فخر الدين ابن الشيخ أمراء الديار(4/183)
المصرية وحلفوا له، وسيروا خلفه الفارس أقطاي، فساق على البريد وعاد به على البريد لا يعترض عليه أحد من ملوك الشام، فكاد يهلك عطشا، ودخل دمشق بأبهة السلطنة في آخر شهر رمضان، ونزل بقلعتها، ونفق الأموال، وأحبه الناس، ثم سار إلى القاهرة، بعد عيد الأضحى، فاتفق كسرة الفرنج عند قدومه، ففرح الناس وتيمنوا بوجهه.
ثم بدت من أمور نفرت الناس عنه، منها أنه كان فيه خفة وطبش، وكان والده الملك الصالح يقول: ولدي ما يصلح للملك، وألح عليه يوماً الأمير حسام الدين بن أبي علي طلب إحضاره من حصن كيفا، فقال: أجيبه إليهم ليقتلوه، فكان الأمر كذلك، وقتل قبل الخمسين وستمائة.
وكان توران شاه المذكور لا يزال يرحك كتفه الأيمن مع نصف وجهه، وكثيراً ما يولع بلحيته، رحمه الله تعالى.(4/184)
حرف الثاء المثلثة
805 - ثابت الهاشمي أمير المدينة 811هـ؟ 1408م
ثابت بن نعير بن منصور بن جماز بن شيحة بن سالم بن قاسم بن جماز بن قاسم بن مهنا بن الحسين بن مهنا بن داود بن القاسم بن أبي علي عبيد الله بن أبي القاسم طاهر بن الفقيه المحدث النسابة أبي يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين الأصغر بن زين العابدين أبي الحسين بن علي بن الحسين السبط بن علي ابن أبي طالب رضي الله عنهم، الأمير عز الدين أبو قيس الشريف الهاشمي الحسيني، أمير المدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.
قال الشيخ تقي الدين أحمد المقريزى رحمه الله: أعلم أن المدينة النبوية، طيبة، المسماه في الجاهلية يثرب، كانت أولاً بيد اليهود، ثم نزلها الأوس والخزرج، وهم الذين قيل لهم في الإسلام الأنصار، وغلبوا اليهود عليها، وجاء الله بالإسلام وهي بأيديهم واليهود نازلون معهم، كما ذكرته في كتاب إمتاع الأسماع، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، وهاجر أصحابه رضي الله عنهم إليها، صارت دار الهجرة، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل(4/185)
الله للأنصار خلافة رسوله وإنما في أمته المهاجرون أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم على رضي الله عنهم، فتفرق الأنصار في الأقطار من أجل خروجهم من المدينة إلى غزو الكفار، وانقرضوا، فلم يبق منهم إلا بقايا متفرقين بنواحي الحجاز وغيرها.
وولى إمارة المدينة بعد الخلفاء الراشيدين العمال من قبل بني أمية، ثم من قبل بني العباس، وكان بها من ولد الإمام أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه جماعة كثيرة تناسلوا بها من ابنه زين العابدين أبي الحسن على منذ استقر بها في أيام يزيد بن معاوية، وقد قتل أبوه السيد حسين رضي الله عنه وإخوته بكلا بلاء، ولم يبق من ولده سوى علي زين العابدين، فكانت الرئاسة بالمدينة بين بني الحسين وبين بني جعفر بن أبي طالب، فغلب بنوا الحسين بني جعفر وأخرجوهم من المدينة، فسكنوا بين مكة والمدينة إلى أن أجلاهم بنو حرب من بطون زبيد إلى القرى من مصر، فنزل بصعيد مصر جماعة من الجعافرة، وأقام الحسينيون بالمدينة إلى أن جاءهم طاهر بن مسلم من مصر فملكوه عليهم.
واستمرت الإمرة فيهم إلى يومنا هذا.
وبيان لك: أن زين العابدين كان له من الولد سبعة وهم: عبد الله الأرقط، وعلى، وعمر، وزيد الإمام الشهيد، ومحمد الباقر، وعبد الله، الحسين(4/186)
الأصغر وهو الأعرج حجة الله جد أمراء المدينة، وكان قد أقطعه السفاح البند شير بخراسان وخراجها في السنة ثمانون ألف دينار، ثم زاده محمد المهدي إقطاعاً بالمدينة، وذلك أن أبا مسلم الخراساني دعاء للخلافة فرمى بنفسه من السطح ليفر منه، فانكسرت رجله فعرج، فرعى له ذلك السفاح ونبوه، وكانت له ضيعة الجوانية بالمدينة النبوية، وتسمى البصرة الصغرى، وترك من الولد جعفرا، حجة الله، ومحمد الجواني، وآخرين نزلوا الكوفة، واستقرت الضيعة لمحمد الجواني، وبه سميت، اشتراها الورثة، وكان له من الولد الحسن والحسين، فصارت للحسن. وكانا يصحبان محمد بن علي الرضا بن موسى الكاظم، بوصية على الرضا لابنه محمد، فكان لا يفارقهما، ويركب إليهما إلى الجوانية.
وجعفر حجة الله، هو أصل بيت بني مهنا، أمير المدينة، ومن ولده الحسن ابن جعفر، وأبي الحسين يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله، وكن فقيها بأنسابه، وله كتاب في نسب أبي طالب، وكتاب في أخبار المدينة النبوية، وهو الذي أصلح بين بني جعفر وبين الحسن والحسين، ومضى في ذلك إلى وإلى المدينة يومئذ أحمد بن يعقوب الهاشمي، خال بني الجواني، فأذن له فيه، وسار إليهم إلى وادي القرى فأصلح بينهم، وتوفي سنة سبع وسبعين ومائتين عن ثلاث وستين سنة.
وكان أبه أبو القاسم طاهر بن يحيى بن الحسن بن جعفر قد سار في عصره وبني بالعقيق دارا ونزلها حتى مات في سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة، وكان له من الولد عبيد الله ويدعي زيداً والحسن، فدخل الحسن إلى الأمير أبي بكر محمد(4/187)
ابن طغج الأخشيد بمصر وأصلح بينه وبين الأمير محمد بن رائق وسيف الدولة ابن حمدان، فأقطعه الإخشيد ما يغل مائة ألف دينار، وسكن بمصر، وكان له من الولد طاهر بن الحسن بن طاهر بن يحيى، ومدحه أبو الطيب أحمد المتنبي يقوله:
أعيدوا صباحي ... فهو عند الكواعب
وكان صديقاً للأستاذ أبي المسك كافور الإخشيدي أمير مصر، ولم يكن بها يومئذ أوجه منه، إلا أن عبد الله بن أحمد بن علي بن الحسن بن إبراهيم طباطبا الحسنى كان يضاهيه في رئاسته.
فلما قتل أمراء الدولة الإخشيدية بعد موت كافور، دعى الشريف مسلم هذا إلى الإمام المعز لدين الله أبي تميم معد، وهو يؤمئذ بالقيروان، فلما قدم المعز لقيه مسلم بالحمام خارج الإسكندرية فيمن لقيه، فأكرمه المعز وأركبه معه في معادلته واختص به وبولده، وتوفي سنة ست وستين وثلاثمائة، وصلى عليه العزيز بن المعز.
وذكره الشيف نقيب النقباء أبو علي محمد بن سعد بن علي الجواني في كتاب نزهة المهنا في نسبة الأشراف بني مهنا، ومنه نقلت ما تقدم.(4/188)
وفي كتاب العتبى مؤرخ دولة محمود بن سبكتكين أن المعز خطب كريمة مسلم هذا فرده، فسخطه المعز ونكبه، وهلك في اعتقاله، وليس هذا بصحيح.
وكان لمسلم من الولد أبو الحسن طاهر وأبو عبد الله جعفر، فلحق طاهر بالمدينة وقدمه بنو الحسين على أنفسهم، فاستقل بإمارتها سنين، وكان يلقب بالمليح، وتوفي سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة.
وولى بعده ابنه الحسن بن طاهر أبو محمد، ثم غلب على إمارة المدينة بنو عم أبيه أبي أحمد القاسم بن عبيد الله، وهو أخو جده مسلم، واستقلوا بها، وكان لأبي أحمد القاسم من الولد داود ويكنى أبا هاشم، وعند العتبى أن الذي ولى بعد طاهر بن المسلم بالمدينة هو صهره وابن عمه داود بن القاسم بن عبيد الله بن طاهر، وكناه أبا علي، ويظهر أنه غلب الحسن عليها لأن الجواني قال بعد أن ذكر الحسن ابن طاهر ونعته بالأمير، وقال: وفد على يكجور بدمشق، وأهدى له من شعر النبي صلى الله عليه وسلم أربع عشرة شعرة، ثم رحل إلى محمود سبكتكين فأقطعه، واستقر عنده إلى أن توفي ببست في سنة سبع وتسعين وثلاثمائة بعمان.
وكان له من الولد هاني ومهنا والحسين فيما قال الجواني.
وقال العتبي: ولي هاني ثم مهنا، وكان الحسن زاهدا.
وذكر الجواني هنا أمير آخر منهم، قال فيه: الأمير أبو عمارة حمزة أمير المدينة، لقبه أبو الغنائم، ومات سنة ثمان وأربعمائة.
وخلف الحسن بن داود الزاهد ابنه هاشماً، وولى المدينة سنة ثمان وعشرين وأربعمائة من قبل المستنصر، وقال: وخلف مهنا بن داود عبيد الله، والحسين،(4/189)
وعمارة، فولى بعده ابنه عبيد الله ولقبه أبو الغنائم بن النسابة، ومات سنة ثمان وأربعمائة، وقتله موالى الهاشميين بالبصرة، ثم ولى الحسين، وبعده ابنه مهنا بن الحسين.
وقال أبو سعيد: في سنة تسعين وثلاثمائة ملك المدينة أبو الفتح الحسن بن جعفر، من بني سليمان أمراء مكة، بأمر الحاكم بأمر الله، وأزال عنها إمارة بني مهنا من بني الحسين، وحاول نقل الجسد النبوي إلى مصر ليلاً، فأصابتهم ريح عاصفة أظلم لها الجو كادت تقتلع المباني من أصلها، فردهم أبو الفتح عن ذلك ورجع إلى مكة، وعاد بنو مهنا إلى المدينة.
وذكر الجواني من أمرائهم: منصور بن عمارة ولم ينسبه، وقال صاحب حماة: مات سنة سبع وتسعين وأربعمائة، وولى بعده ابنه، والظاهر أنه ابن عمارة بن مهنا بن داود الذي مر ذكره، لأن أبا الغنائم لقى أبا عمارة سنة ثمان وأربعمائة كما مر، ثم ولى من بعد الحسين بن مهنا ابنه مهنا، قال فيه الجواني: أمير المدينة، وكان له من الأولاد الحسين وعبد الله وقاسم، قال: وولى الحسين المدينة، ومات عبد الله قتيلاً في وقعة نخلة، وذكر من ولد الحسين منصور بن محمد بن عبد لله بن عبد الواحد ابن مالك بن الحسين ونعته بالأمير، وذكر أنه وفد على العاضد وتعت أباه بالمير، وذكر منهم داود مهنا بن الحسين، وذكر من ولده عبد الله بن مهنا(4/190)
ونعته وأباه بالأمير وقال: وفد على العاضد مع بني عمه في وزارة صلاح الدين، وذكر قاسم بن مهنا وكناه بأبي الحسن ونعته بالأكرم جمال الشرف فخر العرب صنيعة أمير المؤمنين.
وذكر صاحب حماة: أن القاسم بن مهنا بن الحسين كنيته أبو فليته، وأنه حضر مع السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب غزاة أنطاكية وفتحها سنة أربع وثمانين وخمسمائة.
وقال الزنجاني، مؤرخ الحجاز: وقد مر ذكر أمراء المدينة وأحقهم بالذكر لجلالة قدره قاسم بن مهنا، ولاه المستضئ فأقام خمساً وعشرين سنة، ومات سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة.
وولى ابنه سالم بن قاسم، وذكر الجواني من ولد قاسم بن مهنا سالماً هذا وجمازا ومهنا وآخر، ونعت كلا منهم بالأمير، ونعت سالماً بأمير المدينة، وذكر من ولد جماز قاسماً وفليته ومهنا، وذكر من ولد قاسم سالم بن قاسم، وفيه قال(4/191)
بان سعيد: أنه ولى بعد أبيه قاسم بن جمازن قال: وكان شاعراً، وهو الذي كان بينه وبين أبي عزيز قتادة صاحب مكة من بني حسن وقعة المصارع ببدر سنة إحدى وستمائة، زحف أبو عزيز من مكة وحاصره بالمدينة واشتد في حصاره، ثم ارتحل وجاء المدد إلى سالم من بني لام إحدى بطون طي، فأدرك أبا عزيز ببدر فاقتلوا، فهلك من الفريقين خلق، وانهزم أبو عزيز إلى مكة، وسالم بن قاسم في اتباعه، وحاصره مثل أيم حصاره بالمدينة، ثم رجع عنه، وفي سنة إثنتي عشرة وستمائة حج المعظم عيسى بن العادل أبي بكر بن أيوب، فحدد المصانع والبرك، وكان معه سالم بن قاسم أيمر المدينة جاء يشكو من قتادة فرجع معه، ومات في الطريق قبل وصوله إلى المدينة، جاء يشكو من قتادة فرجع معه، ومات في الطريق قبل وصوله إلى المدينة وولى بعده ابنه شيحة، وكان سالم قد استخدم عسكراً من التركمان، فمضى بهم جماز بن شيحة إلى قتادة وغلبه، وفر إلى ينبع وتحصن بها، وفي تاريخ مكة: أن شيحة شامير المدينة بعثه السلطان الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب مع عسكره لإخراج راجح بن قتادة من مكة في سنة تسع وعشرين وستمائة، ثم وصل إلى مكة في ألف فارس جهزهم السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل في سنة سبع وثلاثين(4/192)
وستمائة، فأخذها من نواب صاحب اليمن، قال: وكانت ولايته المدينة بعد قتل قاسم بن جماز بن قاسم بن مهنا جد الجمايزة، فثار عليهم عمير بن قاسم بن جماز في صفر سنة تسع وثلاثين وستمائة، ففر من المدينة، ثم عاد وملكها حتى مات مقتولاً بيد بين لام في سنة سبع وأربعين وستمائة.
فلما قتل شيحة ولى المدينة ابنه عيسى بن شيحة، ثم قبض عليه أخوه جماز ابن شيحة في السنة المذكورة، وولى مكانه.
وقال ابن سعيد: وفي بسنة إحدى وخمسين وستمائة كان بالمدينة أبو الحسين ابن شيحة بن سالم، وقال غيره: كان بالمدينة سنة ثلاث وخمسين وستمائة أبو مالك منيف بن شيحة، ومات سنة سبع وخمسين، وولى أخوه جماز، وطال عمره حتى مات بعد السبعمائة.
وفي تاريخ مكة: جماز بن شيحة بن هاشم بن قاسم بن مهنا بن حسين بن مهنا بن داود بن قاسم بن عبد الله بن طاهر، الأمير عز الدين، ولى بعد وفاة أخيه منيف بن شيحة سنة سبع وخمسين وستمائة، ثم انتزعها منه بن(4/193)
أخيه مالك بن منيف بن شيحة سنة ست وستين، فاستنجد عليه عمه بأمير مكة وغيره من العربان، فلم يقدروا عليه ورحلوا عنه عجزاً، فأسلمها إليه ابن أخيه مالك بن منيف، فاستقل جماز بإمارتها من غير منازع حتى سلمها هو لإبنه الأمير منصور ابن جماز في سنة سبعمائة لأنه كان قد أضر وشاخ وضعف، ثم مات في سنة أربع سبعمائة.
وكان ذا حزم ورأى، وهو الذي حاصر مكة وأخذها من ابني نمى.
فقام منصور بن جماز بإمرة المدينة إلى أن قبض عليه في موسم سنة عشر وسبعمائة، وحمل إلى القاهرة ولحق أخواه مقبل وودي ابنا جماز بالشام، ثم قدم مقبل إلى القاهرة، والقائم بأمر الدولة بيبرس الجاشنكير، فأشرك بينهما في الإمرة وفي الإقطاع، وسارا إلى المدينة، فأقام مقبل بين أحياء العرب، ونزل منصور بالمدينة، ثم غاب عنها وأقام عليها ابنه كبيشا، فهجم عليه مقبل وملكها وفر كبيش، فاستجاش بالعرب، وزحف على عمه مقبل فقتله في سنة تسع، ورجع منصور إلى المدينة، وتغير على عمه منصور حتى خرج من المدينة، فاستنجد أيضاً بقتادة ابن إدريس بن حسين صاحب ينبع، فكانت بين منصور وبين(4/194)
قتادة حروب شديدة في سنة إحدى عشرة وسبعمائة آلت إلى مسير ماجد إلى المدينة وأخذها من منصور في سنة سبع عشرة وسبعمائة، وكتب منصور إلى السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ملك مصر والشام والحجاز، فبعث إليه عسكرا حاصر ماجدا حتى فر من المدينة، وملكها منصور في ربيع الأول منها، ثم تمكر عليه السلطان وعزله بأخيه ودي قليلا، ثم أعاده، فأقام على ولايته إلى أن مات قتيلاً في شهر رمضان سنة خمس وعشرين وسبعمائة، قتله قريب له على غرة، وله من العمر سبعون سنة، وولى عوضه ابن كبيش بن منصور بن جماز.
وإلى منصور هذا يرجع بنو حسين بالمدينة، وذلك أنه كان له من الولد طفيل وجماز وعطيفة ونعير وريان وكوير وكبيش، فمن ولد طفيل ابن منصور آل منصور، وذكر منهم يحيى بن طفيل بن منصور، ومن ولد جماز بن منصور آل حماز وهم: آل هبة وآل شفيع بن جماز، فمن بني هبة بن جماز بن منصور الأمراء بالمدينة وهما: جماز وسليمان ابنا هبه بن جماز، وعزيز ابن هيازع بن هبة بن جماز، وحشرم بن دوغان بن جعفر بن هبة بن جماز بن منصور، ومن ولد عطيفة بن منصور بن جماز بن شيحة الأمراء أيضاً: وهم ومانع بن علي بن عطيفة بن منصور، ومن نعير بن منصور بن جماز بن شيحة الأمراء آل نعيروهم: ثابت بن نعير صاحب الترجمة وعجلان بن نعير، ومن ولد ريان بن منصور بن جماز بن شيحة آل ريان ومنهم: زهير بن سليمان بن ريان، وآل كويروهم: مخزوم بن كوير، ومن ولد كبيش بن(4/195)
منصور آل هدف بن كبيش ويعرفون بالهدفان، ومن ولد كبيش بن منصور الآخر آل حرمين.
ولما ولى كبيش بن منصور بن جماز بعد أبيه حكاربه عسكر بن ودي في صفر سنة سبع وعشرين وسبعمائة، وفر إلى القاهرة، وملك المدينة وجى بن جماز بن شيحه، فقيض بمصر على كبيش وسجن، وولى عوضه بالمدينة طفيل بن منصور بعد ما قتل كبيش في يوم الجمعة سلخ رجب منها، فقدم طفيل المدينة في حادي عشرين شوال فأقام ثمان وسنتين وثلاثة عشر يوماً، وولى عوضه ودي بن جماز في سنة ست وثلاثين وسبعمائة، واستمر إلى سنة ثلاث وأربعينن فملك طفيل المدينة عنوة، واستمر ودي معز ولا حتى مات سنة خمس وأربعين وسبعمائة، ثم عزل طفيل عن المدينة في سنة خمسين فنهبها أصحابه وفر هو، ثم قدم إلى القاهرة فسجن حتى مات في شوال سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، وولى بعده الأمير سعد ابن ثابت بن جماز، وقدم المدينة يوم الثلاثاء ثاني عشر ذي الحجة، فشرع في عمل الخندق حول المدينة من وراء السور، فمات ولم يكمله، في ثاني عشرين شهر ربيع الآخر سنة إثنتين وخمسين وسبعمائة، فولى بعده فضل بن قاسم بن جماز بن شيحة حتى مات في سادس عشر بن ذي القعدة سنة أربع وخمسين، وقد أكل الخندق، فولى بعده مانع بن علي بن مسعود بن جماز بن(4/196)
شيحة، ثم عزل بجماز بن منصور بن جماز بن شيحة، فاستمر جماز حتى قتل بيد الفداوية أيام السلطان حسن بن محمد بن قلاوون في حادي عشرين ذي القعدة سنة تسع وخمسين وسبعمائة، قتله فدلويان لما حضر إلى خدمة المحملن فاتفق أمراء الركب عبد قتله على توليه ابنه هبة بن جماز حتى يرد مرسوم السلطان، وكتبوا بالخبر إلى السلطان، فولى عوض جماز مانع بن علي بن مسعود، هو يؤمئذ بالقاهرة، ثم عزل وهو بها، وولى عطيفة بن منصور بن جماز بن شيحة، وحمل إليه التشريف والتقليد من مصر، فقدما في ثامن شهر ربيع الآخر سنة ستين إلى المدينة، فاستمر حتى عزل بابن أخيه هبة بن جماز بن منصور في سنة ثلاث وسبعين، وقبض عليه وأعيد عمه عطيفة بن منصور حتى مات سنة ثلاث وثمانين بالمدينة، وفيها مات أيضاً هبة بن جماز بن منصور حتى مات سنة ثلاث وثمانين بالمدينة، وفيها مات أيضاً هبة بن جماز بن منصور ووليها بعد عطية جماز بن هبة بن جماز بن منصور الحسيني، واستقل بها حتى شاركه في الإمرة بن عمه محمد بن عطيفة بن منصور في سنة خمس وثمانين، ثم تغلب جماز عليها وانفرد بالإمرة، ثم عزل في سنة سبع وثمانين بمحمد بن عطيقة حتى مات في جمادى سنة(4/197)
ثمان وثمانين، وأعيد جماز، وقدمها بعد أن كسرت رجله وعرج، ثم انتزعت المدينة منه ليلاً في غيبته لأيام من شهر ربيع سنة تسع وثمانين وسبعمائة، وولى ثابت بن نعير بن منصور صاحب الترجمة وأقام جماز الأعرج خارج المدينة، ثم أعيد في صفر سنة خمس وثمانمائة بعد ما قبض عليه وأقام في السجن بالإسكندرية من سنة تسع وتسعين إلى أن أفرج عنه وأعيد، فقدم المدينة في جمادى الآخرة سنة خمس.
ثم أعيد ثابت في ربيع الأول سنة إحدى عشر وثمانمائة، وجعل السلطان الملك الناصر فرج بن برقوق النظر على ثابت هذا وعلى أمير ينبع وجميع بلاد الحجاز للشريف حسن بن عجلان بن رميثة الحسنى، فلم يصل الخبر بذلك حتى مات ثابت صاحب الترجمة في صفر سنة إحدى عشرة وثمانمائة.
ففوض ابن عجلان أمير مكة إمارة المدينة لعجلان بن نعير بن منصور في آخر شهر ربيع الآخر، وقد زوجه ابنته، وبعث معه عسكراً من مكة عليه ابنه أحمد ابن حسن بن عجلان، ودخلوا المدينة يوم النصف من جمادى الأولى بعد خروج جماز منها بأيام، بعد أن أخذ حاصل المسجد النبوي وقناديل الذهب والفضة، يأتي ذكر ذلك إن شاء الله تعالى.(4/198)
باب الثاء المثلثة والقاف
806 - ثقبة أمير مكة
762هـ -؟ 1361م
ثقبة بن رميثة بن أبي نمى محمد بن أبي سعد حسن بن علي بن قتادة بن إدريس بن مطاعن الحسنى المكي، الأمير أسد الدين أبو شهاب، أمير مكة.
وليها سنين شربكا لأخيه عجلان في حياة أبيهما، لما تركها لهما أبوهما، على ستين ألف درهم، وذلك في سنة أربع وأربعين وسبعمائة، ثم مستقلا بها مدة، وسببه أنه توجه إلى القاهرة في السنة المذكورة فقبض عليه السلطان الملك الصالح إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون بها ثم أطلقه، فعاد إلى مكة، ثم توجه من مكة في سنة ست وأربعين وسبعمائة إلى القاهرة أيضاً، فقبض عليه ثانيا، واستمر عجلان أمير مكة بمفرده وذلك في حياة أبيه، فاستمر ثقبة هذا محبوساً بالقاهرة مدة، ثم أطلق هو وأخواه سند ومغامس وابن عمهم محمد بن عطيفه فوصلوا إلى مكة في سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، وأخذوا من عجلان تصف البلاد بغير قتال.
وداموا على ذلك إلى سنة خمسين وسبعمائة حصل بينهما وحشة، وكان عجلان بمكة وثقبة بالجديدة، ثم اصطلحا، وسافر عجلان إلى القاهرة فولى البلاد بمفرده(4/199)
في السنة المذكورة، فتوجه ثقبة إلى اليمن، وعاد في الموسم صحبة الملك المجاهد صاحب اليمن ولم يحص قتال، ثم توجه ثقبة إلى الديار المصرية بعد أمور واستقل بإمرة مكة، ورجع إليها ومعه خمسون مملوكاً فمنعه عجلان، فرجع إلى خليص، فأقام بها إلى أن دخلها مع الحج، وأراد عجلان منعه ومنع الحاج، ثم رضى ثقبة أن يكون شريكاً لعجلان أيضاً، وكان المصلح بينهما المحمدي أمير الحاج المصري في سنة إثنتين وخمسين وسبعمائة، ثم استقل ثقبة بالأمرة في أثناء سنة ثلاث وخمسين بعد القبض على أخيه عجلان.
واستمر ثقبة المذكور في الإمرة إلى أن قبض عليه الأمير عمر شاه أمير حاج المصري في موسم سنة أربع وخمسين وسبعمائة، واستقر عوضه أخوه عجلان، وحمل ثقبة إلى القاهرة فأقام بها معتقلاً إلى أن هرب منها في سنة ست وخمسين ووصل إلى مكة، وأعاث وأفسد، وقع بينهما أيضاً، ثم اصطلحا على أن يكون الأمر بينما نصفين على العادة، ثم بعد مدة استقل ثقبه بالأمر في سنة سبع وخمسين وسبعمائة، ثم ولى عجلان وهرب ثقبة، وأقام مدة، ثم اشتركا إلى سنة ستين وعزلا، وولى أخوهما سند وابن عمهما محمد بن عطيفة، وقيل أن ثقبة اشترك في الإمرة مع أخيه سند في سنة إحدى وستين، ثم عزل سند وأشرك معه عجلان، فلم يصل عجلان من القاهرة إلا وهو ضعيف مدنف، فأقام(4/200)
أياماً، ثم مات في شوال سنة إثنتين وستين وسبعمائة، وحمل إلى مكة ودفن بالمعلاه.
قلت: وكان زيدياً ويراعى هذا المذهب القبيح، وخلف عدة أولاد وهم: أحمد، وحسن، وعلي، ومبارك، وفاطمة، وانتهى.(4/201)
حرف الجيم
807 - الإمام أبو محمد الواد آشى المالكي
610 - 694هـ؟ - 1213 - 1295م
جابر بن محمد بن قاسم بن حسان، الإمام أبو محمد الأندلس الوادآشى المالكي، ونزيل تونس.
مولده سنة عشر وستمائة، ورحل إلى تونس وتفقه بها، قدم القاهرة وحج ودخل الشام والعراق، وقرأ لأبي عمر، وعلى السخاوى، وسمع منه الشاطبية وسمع من ابن القبيطى، وعز الدين عبد الرزاق، ورجع إلى الاندلس واستوطن تونس، وسمع منه ابنه، وتوفي سنة أربع وتسعين وستمائة.(4/203)
؟
808 - إفتخار الدين الخوارزمي الحنفي
667 - 741هـ؟ - 1269 - 1340م
جابر بن محمد بن محمد بن عبد العزيز بن يوسف، العلامة إفتخار الدين أبو عبد الله الخوارزمي الحنفي، الإمام الفقيه النحوى.
مولده في عاشر شهر شوال سنة سبع ستين وستمائة، وتفقه على خاله أبي المكارم بن أبي المفاخر الخوارزمي، وقرأ المفصل والكشاف على أبي عاصم الأسفندرى عن سيف الدين عبد الله بن أبي سعيد محمود الخوارزمي، عن أبي عبد الله البصرى عن الزمخشرى، وعلى جماعة أخر، وبرع، وأفتى ودرس، وأقرأ عدة سنين، وولى مشيخة الخانقاة الركنية المظفرية بيبرس الجاشنكير بالقاهرة، وسمع من الحافظ شرف الدين الدمياطي، وغيره.
مات في المحرم سنة أحدى وأربعين وسبعمائة بظاهر القاهرة، ودفن بالقرافة، وكانت جنازته مشهودة، رحمه الله تعالى.(4/204)
809 - جاركس الخليلي
791هـ -؟ - 1381م
جاركس بن عبد الله الخليل اليلبغاوي، الأمير سيف الدين، أمير آخور الملك الظاهر برقوق وعظيم دولته.
أصله من مماليك الأتابك يلبغا العمري، ونسبته بالخليل إلى تاجره، وقيل أن أصله كان من تركمان طرابلس، والله أعلم.
قلت: تأمر جاركس الخليل هذا بعد أن قتل الملك الأشرف شعبان بن حسين في سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، واستمر على ذلك إلى أن وثب برقوق العثماني على الأمر، وصار هو مدبر مملكة الملك المنصور علي بن الأشرف، أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، ثم جعله أمير آخورا كبيراً بعد القبض على الأمير بركة، وصار جاركس المذكور عضد للأتابك برقوق، فلما تسلطن برقوق بقي لجاركس هذا كلمة نافذة في الدولة، وعظمه زائدة، ونالته السعادة وأثرى وعمر الأملاك الكثيرة، منها: خانه بالقاهرة المعروف(4/205)
بخان الخليل، ثم شرع في عمل جسر بين الروضة والجزيرة في سنة أربع وثمانين وسبعمائة، وكان طول الجسر المذكور ثلاثمائة قصبة، وعرضه عشرة أقصاب، وكان ابتداء العمل في الجسر المذكور فس شهر ربيع الأول واتهاؤه في أواخر ربيع الآخر من السنة، وحفر في وسط البحر خليجا من الجسر إلى مزريبة قوصون.
وفي هذا المعنى يقول البارع شهاب الدين بن العطار:
شكت النيل أرضه ... للخليلى فأحصره
ورأى الماء خائفاً ... أن يضاهي فجسره
ثم في ذي القعدة عمل جاركس المذكور طاحوناً على الجسر المذكور، تدور بالماء وتطحن في كل يوم خمسة ارادب من القمح وأكثر.
وفي هذا المعنى أيضاً يقول ابن العطار.
شكا النيل من جوو السواقي ... فجاءه طواحين ماء والخليلى ناظر
وهذا جزاء من زاد يا نيل تعتدي ... وتشكو إذا دارت عليك الدوائر
كل ذلك قبل سلطتة الملك الظاهر برقوق، فلم يقم الجسر بعد ذلك إلا أياماً يسيرة، وعمل فيه الماء حتى أخذه كأنه لم يكن.
واستمر الخليلى معظماً في دولة الملك الظاهر، والمشار إليه في المملكة إلى أن خرج الأمير يلبغا الناصري نائب حلب على الملك الظاهر برقوق، ووافقه منطاش وغيره، واستفحل أمره بالبلاد الحلبية وغيرها، وندب السلطان لقتاله عسكراً وغيره، واستفحل أمره بالبلاد الحلبية وغيرها، وندب السلطان لقتاله عسكرا هائلاً، وعليهم من الأمراء المقدمين الأمير الكبير أيتمش البجاسى، وأحمد بن يلبغا أمير(4/206)
مجلس، وجاركس الخليلى صاحب الترجمة، وأيدكار الحاجب، ويونس النوروزى الدوادار الكبير وغيرهم، وخرجوا من القاهرة في يوم السبت رابع عشر شهر ربيع الأول سنة أحدى وتسعين وسبعمائة إلى أن وصلوا إلى دمشق ودخلوها قبل وصول الناصري اليها، وأقاموا بها حتى نزل الناصري على خان لاجين ظاهر دمشق في يوم السبت تاسع عشر شهر ربيع الآخر، وكانت الوقعة بين الفريقين في يوم الإثنين حادي عشرين شهر ربيع الآخر، فقتل الأمير جاركس في يوم الإثنين حادي عشرين شهر ربيع الآخر، فقتل الأمير جاركس الخليلى في المعركة بالبرزة خارج دمشق في يوم الإثنين المذكور سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، ووجد الملك الظاهر برقوق عليه وجدا عظيماً، وخارت قواه بقتله.
قال قاضي القضاة العينى: وكان رجلاً حسن الشكالة مهيبا، ذا خبرة ومعرفة، لين الكلام، كثير الإحتشام، ذا همة واجتهاد، وعزيمة صادقة، وحسن اعتماد، ولكنه كان عنده نوع من الكبر والتجبر والعسف، وكان يعجبه رأيه وعقله، وكان صاحب خير كثير سراً وجهراً، وكان رتب في كل يوم خميس بغلين من الخبز يدور بها أحد مماليكه في القاهرة ويفرقه على الفقراء والمساكين، وكل سنة كان يبعث في الحرمين الشريفين قمحاً كثيراً للصدقات، وكان يحب جمع المال، ويتاجر في سائر البضائع في سائر البلاد.
وجاركس بجيم وألف وراء مهملة ساكنة وكاف مهملة وسين مهملة ساكنة، وهو لفظ أعجمي معناه أربعة أنفس، أنتهى.(4/207)
؟؟
810 - جاركس الناصري
608 - 1211م
جاركس بن عبد الله الناصري، الأمير فخر الدين.
كان من أمراء الملك الناصر صلاح الدين يوسف، ومن أكابر دولته، وكان يقال أن اسمه أباز والأول أصحر، وكان نبيلاً عاقلاً كريماً، كبير القدر، عالي الهمة، ينقاد إلى الخير، وهو باني القيسارية الكبرى بالقاهرة المسماه بقيسارية جاركس.
قال القاضي شمس الدين أحمد بن خلكان في تاريخه: رأيت جماعة من التجار الذين طافوا البلاد يقولون، لم نر في شئ من البلاد مثلها في حسنها وإحكام بنائها، وبنى بأعلاها مسجداً كبيراً، وربعاً معلقاً وتوفي في بعض شهور سنة ثمان وستمائة، ودفن بجبل الصالحية، وتربته مشهورة هناك، وكان الملك العادل أعطاه بانياس وتبنين والشقيف إقطاعا فأقام بها مدة، ولما مات أقر العادل ولده على ما كان عليه، وكان أكبر من بقى من الأمراء الصلاحية. انتهى.(4/208)
قلت: وليس لذكر جاركس المذكور محل في تاريخنا هذا لما شرطناه من أننا لا نذكر إلا من دولة الأتراك إلى يومنا هذا، وقد تقدم الكلام على اسم جاركس في ترجمة السابق.
811 - جاركس المصارع أخو الملك الظاهر جقمق
810 - 1407م
جاركس بن عبد الله القاسمي الظاهري، الأمير سيف الدين، والمعروف بجاركس المصارع. انتهت إليه الرئاسة في فن الصراع شرقاً وغرباً.
أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق، ومن أعيان خاصكيته، وتأمر بعد موته في الدولة الناصرية فرج بن برقوق إمرة عشرة، ثم صار دوادار ثانيا، ثم نقل بعد مدة إلى تقدمة ألف بالديار المصرية، ثم صار أمير آخورا كبيراً في يوم الإثنين سابع جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانمائة عوضاً عن سودون المحمدي المعروف بتلى يعنى مجنون، واستمر على ذلك إلى أن توجه الملك الناصر فرج إلى حلب في سنة تسع وثمانمائة، ولاه نيابة حلب، عوضاً عن الأمير دمرداش المحمدي، فباشر نيابة حلب يوماً واحداً أو يومين، وتوجه صحبة الملك الناصر أيضاً عائداً نحو الديار المصرية، وعدم مكثه بحلب خوفاً من الأمير جكم من عوض.(4/209)
ودام بالديار المصرية إلى تجرد الملك الناصر فرج ثانياً نحو البلاد الشامية، فلما وصل إلى دمشق وقبض على الأميرين الأتابك يشبك الشعباني وشيخ المحمودي نائب الشام، أعنى المؤيد، وحبسهما بقلعة دمشق، وكان الأمير جاركس هذا قد تأخر عن الخدمة في ذلك اليوم، فلما بلغه الخبر فر من ساعته، فلم يدرك، وذلك في يوم الأحد خامس عشرين شهر صفر سنة عشرة وثمانمائة، وتوجه إلى جهة حلب، فلما كان ليلة الإثنين ثالث ربيع الأول فر الأميران يشبك وشيخ من حبس قلعة دمشق باتفاق من نائبها الأمير منطوق، وفر معهما، فاختفى شيخ بدمشق، وسار يشبك حتى اجتمع بالأمير جاركس المصارع هذا على حمص.
وأما منطوق فكان من خبره أنه لما خرج مع الأتابك يشبك وسارا إلى جهة حلب، وبلغ الملك الناصر خبرهما، أرسل بطلبهما الأمير بيغوت، فساق يشبك ونجا بنفسه، وتخلف منطوق عن السوق حتى قبض عليه بيغوت وقطع رأسه، وبعث به إلى الملك الناصر فرج لأن منطوقاً كان مجسماً بديناً قد كلت به خيوله حتى قبض عليه، ثم أرسل السلطان الملك الناصر فرج بالأمير سلامش إلى الأمير نوروز الحافظي، وعلى يده تقليده بنيابة دمشق، عوضاً عن الأمير شيخ المحمودي، وندبه لقتال العصاة من أمرائه.(4/210)
ثم أن شيخاً اجتمع بالأمير يشبك والأمير جاركس هذا وطرق دمشق بهما في ليلة الأحد ثامن شهر ربيع الآخر
من السنة، ففر من كان بها من الأمراء، وملكها شيخ وأقام بها، وعنده يشبك وجاركس، أياماً قلائل حتى ورد عليهم الخبر بنزول بكتمر جلق على مدينة بعلبك، فعند ذلك برز إليه الأميران يشبك وجاركس بمن معهم غارة لقتاله، فوافاهم الأمير نوروز على غفلة وقاتلهم، فكانت بينهم وقعة هائلة، قتل فيها يشبك وجاركس صاحب الترجمة، وذلك في يوم الجمعة ثالث عشر شهر ربيع الآخر سنة عشر وثمانمائة، رحمهما الله تعالى.
وكان الأمير جاركس المذكور اميراً جليلاً، شجاعاً مقداماً، رأسا في الصراع، معدوداً من نوادر الدنيا، لم يخلف بعده مثله في فنه، بل ولا رأى هو مثل نفسه، هذا مع الخلق الحسن، وصباحة الوجه، وكان طوالا جسيماً، أسود اللحية جيدها، وكان مع شدته وعظيم قواه هينا ليناً، بشوشاً لطيفاً، حلوا المحاضرة، كريماً، وهو أخو الملك الظاهر جقمق، نصره الله، وهو الأسن والسبب في ترقية، وكلاهما جاركسى الجنس، رحمه الله.(4/211)
812 - جار قطلو نائب الشام
837هـ -؟ - 1434م
جار قطلو بن عبد الله الظاهري، الأمير سيف الدين، نائب الشام، أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق، اشتراه في سلطنته وأعتقه وجعله خاصكياً بسفارة إنياته الأمير سودون المارديني الدوادار، ثم صار في الدولة الناصرية فرج من جملة أمراء العشرات، وضرب الدهر ضرباته إلى أن صار نائب حماة في الدولة المؤيدية شيخ، عوضاً عن الأمير تنبك البجاسى بحكم عصيانه وفراره، واستمر في نيابة حماة إلى أن تجرد الملك المؤيد إلى البلاد الشمالية ونازل القلاع التي بها، وأخذ البعض وحاصر البعض، ثم عاد إلى البلاد الشامية، وخلف على حصار قلعة كختا الأمير آقباى نائب دمشق، والأمير قجقار القردمى(4/212)
نائب حلب، والأمير جار قطلو المذكور نائب حماة، وأمرهم بحصار قلعة كحتا المذكورة حتى يأخذوها عنوة، فلما رحل الملك المؤيد عنها، أقاموا بعده أياماً قلائل، ثم رحلوا عنها لما بلغهم مجئ قرا يوسف إلى نواحي تلك الجهات من غير إذن الملك المؤيد، وساروا خلف الملك المؤيد حتى أدركوه بحلب، فعظم ذلك عليه، وعزل قجقار القردمى عن نيابة حلب بالأمير يشبك المؤيدي نائب طرابلس، وعزل جار قطلو عن نيابة حماة، وولاه نيابة صفد، عوضاً عن الأمير خليل الجشارى، فاستمر في نيابة صفد إلى أن طلب إلى الديار المصرية، فلما وصل إلى قطيا قبض عليه وحمل مقيدا إلى ثغر الإسكندرية، فحبس بها، وذلك في سابع شهر ربيع الآخر سنة أحدى وعشرين وثمانمائة، فاستمر في الحبس مدة، بطالاً إلى أن استقر به الملك الظاهر ططر في نيابة حماة ثانياً، عوضاً عن تنبك، ثم أطلق البجاسى المنتقل إلى نيابة طرابلس.
والغريب أن جار قطلو المذكور ولى نيابة حماة مرتين، وكلاهما عن الأمير تنبك البجاسى، وأغرب من ذلك أن جار قطلوا المذكور كان أغاة تنبك البجاسى المذكور في الطبقة، وله عليه تربية وفضل، وكان تنبك معترفاً بإحسانه ويرعى له الحرمة القديمة، على إنه كان أعلى منزلة منه بولايته نيابة حلب.
واستمر الأمير جار قطلو في نيابة حماة إلى أن نقله الملك الأشرف برسباى إلى نيابة حلب، عوضاً عن الأمير تنبك البجاسى أيضاً، بحكم انتقال تنبك البجاسى(4/213)
إلى دمشق، بعد موت الأمير تنبك العلائي ميق، وذلك في شوال سنة ست وعشرين وثمانمائة، فباشر جار قطلو نيابة حلب إلى أن عزل عنها في شهر جمادى الأولى سنة احدى وثلاثين وثمانمائة، وطلب إلى القاهرة وصار من جملة المقدمين بها مدة يسيرة، وأخلع عليه باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية بعد موت الأمير الكبير يشبك الساقى الأعرج في خامس جمادى الآخرة سنة أحدى وثلاثين وثمانمائة.
ولما صار أتابكا عظم في الدولة وحظى عند الملك الأشرف برسباى حتى أتى لقد سمعت الملك الاشرف غير مرة يقول في أمر لا ينعم به لأحد لو جاء جار قطلو ما فعلت كذا وكذا ثم نقله الملك الأشرف إلى نيابة الشام، عوضاً عن الأمير سودون من عبد الرحمن، واستقر سودون من عبد الرحمن عوضه أتابك العساكر بالديار المصرية في سنة خمس وثلاثين وثمانمائة.
وفي توليتهما نادرة، وهو أن الأمير سودون
من عبد الرحمن لما طلب إلى القاهرة وطلع إلى قلعة الجبل ودخل إلى الخدمة الشريفة بالقصر مع الأمراء فلما خرج السلطان إلى القصر البراني، وقف أيضاً جار قطلو على الميمنة، ووقف سودون من عبد الرحمن نائب الشام على الميسرة، فطلب السلطان الخلع، وأخلع على جار قطلو بنيابة الشام، وعلى سودون من عبد الرحمن بالأتابكية، وقبلا الأرض، ثم مشى جار قطلو حتى وقف في الميسرة، وقف سودون من عبد الرحمن في الميمنة،(4/214)
ثم انقضت الخدمة ونزلا معاً، فحجب جار قطلو سودون من عبد الرحمن ومشى أمامه، كل ذلك من غير أن يشير إليهما أحد بذلك، وما ذلك إلا لعظم ما كانا عليه من التربية والآداب والمعرفة بقواعد المملكة والترتيب.
واستمر الأمير جار قطلو في نيابة دمشق، رسافر صحبة الملك الأشرف إلى آمد في سنة ست وثلاثين وثمانمائة، وكثر الكلام في حقه في حصار آمد، وأشيع عنه أنه يريد الوثوب على السلطان، وما أظن ذلك كان له حقيقة، حتى عاد الملك الأشرف إلى دمشق، فأخلع عليه أيضاً خلعة الإستمرار، وعاد الأشرف إلى الديار المصرية.
واستمر جار قطلو هذا في نيابة دمشق إلى أن توفي بها في تاسع عشر شهر رجب سنة سبع وثلاثين وثمانمائة وهو من أبناء السبعين.
وكان أميراً جليلاً، وقوراً، معظماً في الدولة، كريماً، إلا أنه كان مسرفاً على نفسه، وفيه دعابة، وكان غير مشكور السيرة في نيابته بحلب، ورجمه أهلها غير مرة، وحمدت سيرته في نيابته بدمشق إلى الغاية، وكان شيخاً أبيض اللحية، قصيراً جداً، سميناً، متجملاً في ملبسه ومركبه، كريماً على حواشيه ومماليكه، وكان عفيفاً عن أموال الرعية، قليل الطمع، إلا أنه كان عنده بادرة وحدة خلق مع سفه وسطوه، وكان جاركسى الجنس.
وجار قطلو، بجيم الأعاجم، وبعدها ألف، وراء ساكنة مهملة، وقاف مضمومة، وطاء مهملة ساكنة، ولام مضمومة، ويجوز كسرها، كلاهما بمعنى واحد، وجار قطلو لفظ مركب من أعجمي وتركى، فجار بالعجمي أربعة، وقطلو بالتركى مبارك انتهى.(4/215)
؟
813 - جانم الظاهري نائب طرابلس
814هـ -؟ - 1411م
جانم بن عبد الله من حسن شاه الظاهري، الأمير سيف الدين نائب طرابلس.
وكان من أصاغر مماليك الملك الظاهر برقوق وخاصكيته، وترقى في الدولة الناصرية فرج حتى صار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، ثم ولى نيابة حماة، ثم طرابلس، ووقع له أمور وحوادث، وتكرر عصيانه على الملك الناصر فرج غير مرة، ومشرى مع الأميرين شيخ ونوروز بتلك البلاد مدة، ثم عاد إلى الملك الناصر فرج، وصار من جملة المقدمين بالديار المصرية، ثم ولى إمرة مجلس، واستمر على ذلك مدة يسيرة، وتوجه إلى إقطاعه بالوجه البحري، فبد الملك الناصر للصيد في شهر رجب من سنة أربع عشرة وثمانمائة، وبات ليلته وعزم على مبيته ليلة أخرى بسرياقوس، فبلغه أن طائفة من الأمراء والمماليك اتفقوا عليه، فعاد إلى القلعة سريعاً، وتتبع ما قيل له حتى ظفر بمملوكين عندهما الخبر، فعوقبا في ثامن عشره، فاظهرا ورقة فيها خطوط جماعة وكبيرهم جانم المذكور، كل ذلك وجانم مسافر في جهة إقطاعه منية ابن سلسيل من الغربية،(4/216)
فلما تحقق الملك الناصر مقالتهما، أرسل الأمير طوغان الحسنى الدوادار، والأمير بكتمر جلق لإحضار جانم المذكور إلى القاهرة، والقبض عليه إن امتنع، فخرجا في يوم السبت، على ن طوغان يلقاه في البحر، وبكتمر جلق يمسك عليه الطريق في البر، ثم قبض الملك الناصر على جماعة من الأمراء والمماليك، وسار طوغان إلى أن وافى جانم بشاطئ النيل فأحس جانم بالأمر فامتنع، فاقتتلا في البر ثم في المراكب على ظهر النيل قتالاً شديداً، تعين فيه طوغان، فألقى جانم بنفسه في الماء لينجو بمهجته، فرماه أصحاب طوغان بالنشاب حتى هلك، وقطع رأسه في ثاني عشرين شهر رجب من سنة أربع عشرة وثمانمائة، وقدم به في رابع عشرينه رحمه الله.
ومات قبل الكهولة.
وكان شاباً جميلاً، أشقر، طوالاً، مشهوراً بالشجاعة، إلا أنه كان مسرفاً على نفسه، كثير الشرور والفتن، عفا الله عنه.
؟ 814 - جانم الأشرفي قريب الملك الأشرف برسباى
؟ 867هـ؟ - 1462م
جانم بن عبد الله الأشرفي، الأمير سيف الدين، قريب الملك الأشرف برسباى، وأمير آخوره.(4/217)
استقدمه الملك الأشرف برسباى في أوائل سلطنته
، مع جملة أقاربه، وجعله خاصكياً، ثم أنعم عليه وعلى قريبه أقطوه بإمرة طبلخاناة دفعة واحدة، ثم استقل جانم المذكور بالإقطاع كله بعد موت قريبه أقطوه المذكور في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، فاستمر جانم هذا من جملة أمراء الطلبخانات إلى سنة ست وثلاثين وثمانمائة أنعم عليه السلطان بعدة بلاد زيادة على ما بيده حتى صار من جملة أمراء الألوف بالديار المصرية.
واستمر على ذلك إلى سنة تسع وثلاثين وثمانمائة استقر أمير آخورا كبيراً، بعد ولاية تغرى برمش نيابة حلب، بعد انتقال الأتابكى إينال الجكمى إلى نيابة دمشق، بحكم وفاة قصروه من تمراز الظاهري، فدام الأمير جانم في وظيفته إلى أن عينه الملك الأشرف إلى البلاد الشامية في جملة من عين من الأمراء، فتوجه المذكور صحبه الأمراء إلى جهة أرزنكان وغيرها، فمات الأشرف وهو بتلك البلاد، وصار الأتابك جقمق العلائي مدبر مملكة الملك العزيز يوسف، ووقع ما سنحكيه أن شاء الله تعالى في محله في عدة مواضع من الوقعة بين الأتابك جقمق وبين المماليك الأشرفية، ثم كتب بحضور الأمراء إلى الديار المصرية فحضروا، وحضر جانم هذا صحبتهم، فنزل بداره بيت الأمير طازتجاه(4/218)
حمام الفارقانى، ولم ينزل بالإسطبل السلطاني، على عادته أولاً، لأن الأتابك جقمق كان قد سكن بالإسطبل السلطاني، مكان سكنه، فلا جل ذلك نزل بداره، وعظم ذلك عليه، وما خفاه أعظم، فلم تطل مدته وقبض عليه مع من قبض عليه من الأشرفية وغيرهم، وحمل إلى الأسكندرية فحبس بها مدة سنين، ثم نقل إلى بعض الحبوس بالبلاد الشامية، وطال حبسه زيادة على سبع سنين.
ثم أفرج عنه ورسم له بالتوجه إلى مكة المشرفة بطالاً، فتوجه إلى مكة وأقام بها نحوا من ثلاث سنين، ولما جاورت أنا بمكة في سنة إثنتين وخمسين وثمانمائة حصل له بمجاورتي سرور زائد، وبقى لا يفارقني مدة المجاورة، وكان يتبرم من حرمكة ويطلب القدس، فكنت أنهاه عن التحدث في ذلك إلى أن عدت أنا إلى القاهرة، أرسل في سنة أربع وخمسين يطلب التوجه إلى القدس، فرسم له بذلك، فسافر من مكة في موسم السنة المذكورة مع حجاج الكرك حتى وصل إلى القدس، فلما ورد الخبر على الملك الظاهر بوصوله إلى القدس رسم في الحال بالقبض عليه وحبسه بالكرك، فقبض عليه وحبس بها.(4/219)
؟
815 - جانم المؤيدي الدوادار
833هـ -؟ - 1430م
جانم بن عبد الله المؤيدي، الأمير سيف الدين.
أحد مماليك المؤيد شيخ وخاصكيته. ثم صار في دولة أستاذه من جملة الدوادارية الصغار، ثم تأمر بعد موته إمرة عشرة، واستمر على ذلك سنين في الدولة الأشرفية برسباى، وهو لا يؤبه إليه إلى أن مات في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة بالطاعون، وكان لا بأس به، رحمه لله.
؟
816 - جانم الأشرفي
؟ 850هـ؟ - 1446م
جانم بن عبد الله الأشرفي الدوادار، المعروف برأس نوبة سيدي الأمير سيف الدين، أحد أمراء العشرات، ثم أتابك غزة.
أصله من مماليك الملك الأشرف برسباى، من جملة خاصكيته، ثم جعله رأس نوبة ثانياً بخدمة ولديه محمد، ثم يوسف العزيز بعد موت محمد، ثم استقر من جملة الدوادارية الصغار، واستمر على ذلك إلى أن تأمر عشرة في دولة الملك العزيز يوسف، فلم تطل مدته، وركب مع الأمير قرقماس بن عبد الله الشعباني على(4/220)
الملك الظاهر، فلما انهزم قرقماس المذكور، ثم قبض عليه، قبض على جانم المذكور أيضاً، وحبس بالبلاد الشامية، ثم أفرج عنه، وأقام مدة بطالاً إلى أن ولى أتابكية غزت، فأقام بها حتى مات في حدود سنة خمسين وثمانمائة تخميناً وهو في عنفوان شبيبته.
وكان جاركسى الجنس، جميلاً، وعنده تكبر مع طيش وخفة زائدة، وإسراف على نفسه، وكان من أندادى في السن، لأننا كنا معا عند المقام الناصري محمد بن الملك الأشرف برسباى رحمه الله.
817 - جان بك المؤيدي الدوادار
817 - هـ؟ - 1414م
جان بك بن عبد الله المؤيدي الدوادار، الأمير سيف الدين.
هو من مماليك الملك المؤيد شيخ في حال إمرته، فلما تسلطن المؤيد جعله طلبخاناة ودوادارا ثانياً دفعه واحدة، ثم نقله بعد مدة يسيرة إلى الدوادارية الكبرى بعد القبض على الأمير طوغان الحسنى الدوادار، وأنعم عليه بتقدمة ألف، وذلك في ثامن عشر جمادى الأولى سنة ست عشرة وثمانمائة.(4/221)
وصار جانبك المذكور عظيم الدولة المؤيدية، وصاحب أمرها ونهيها، حتى أنه أمعن في التجربر والتكبر، وحدثته نفسه بأشياء بعيدة عنه، إلى أن توجه الملك المؤيد إلى البلاد الشامية لقتال الأمير نوروز الحافظي، ووصل الملك المؤيد إلى دمشق، ووقع القتال بين الفريقين، أصاب جانبك هذا سهم لزم منه الفراش، بعد ان كان ولاه أستاذه الملك المؤيد نيابة الشام، عوضاً عن نوروز الحافظي بحكم عصيانه.
واستمر مريضاً إلى أن مات بمدينة حمص، وهو متوجه صحبة العساكر المصرية إلى حلب، بعد قتل نوروز.
وكانت وفاته في شهر جمادى الأولى سنة سبع عشرة وثمانمائة.
وكان أميراً شجاعاً، مقداماً، كريما جوادا، جباراً متكبراً لم تطل أيامه في السعادة، ومات رحمه الله.
وجانبك: لفظ تركي معناه أمير روح، وصوابه في الكتابة كما هو مكتوب بغير ياء آخر الحروف، يعرف ذلك من عنده فضيله وعلم باللغات. وانتهى.
؟
818 - جان بك الحمزاوي
؟ 836 - هـ؟ - 1433م
جانبك بن عبد الله الحمزاوي، الأمير سيف الدين.(4/222)
أصله من مماليك الأمير سودون الحمزاوي الظاهري، ثم ولى بعد موت أستاذه بعض القلاع بالبلاد الشامية إلى أن عصى الأمير قانى باي المحمدي نائب دمشق وافقه جانبك المذكور، ولما انكسر قانى باي وقبض عليه فر جانبك مع من فر إلى قرا يوسف صاحب تبريز حتى توفي الملك الظاهر ططر بدمشق فأنعم عليه بإمرة في تلك البلاد، ثم صار حاجب حجاب مدينة طرابلس في الدولة الأشرفية برسباى مدة سنين، إلى أن وقع بينه وبين نائبها الأمير طرباى وقدما إلى القاهرة أخلع الملك الأشرف على طرباى باستمراره في نيابة طرابلس وعزل جانبك المذكور عن حجوبية طرابلس، وأنعم عليه بتقدمة ألف بالديار المصرية.
جانبك المذكور عن حجوبية طرابلس، وأنعم عليه بتقدمة ألف بالديار المصرية.
واستمر على ذلك إلى أن تجرد الملك الأشرف إلى آمد في سنة ست وثلاثين وثمانمائة، ولاه نيابة غزة في عوده إلى الديار المصرية، عوضاً عن الأمير إينال العلائي الأجرود، بحكم توليته نيابة الرها، ثم توعك جانبك المذكور ولا زال مريضاً حتى توفي بالقرب من بعلبك عائداً من سفرته إلى جهة كفالته في أواخر سنة ست المذكورة.(4/223)
وكان شيخاً طوالا، عنده جهل، وشجاعة، مسرفاً على نفسه، مهملاً عفا الله عنه.
؟ 819 - جان بك الصوفي؟ 841هـ؟ - 1438م جانبك بن عبد الله الصوفي الظاهري، الأيمر سيف الدين، أتابك العساكر بالديار المصرية.
هو من مماليك الظاهر برقوق، وممن صار أمير مائة ومقدم ألف في دولة الملك الناصر فرج بن برقوق، ثم استقر رأس نوبة النوب في دولة الملك المؤيد شيخ، ثم نقله إلى إمرة مجلس، ثم إلى إمرة سلاح إلى أن قبض عليه وحبسه بثغر الأسكندرية في رابع عشر شهر رجب سنة ثماني عشرة وثمانمائة.
واستمر محبوساً إلى سنة إثنتين وعشرين وثمانمائة أفرج عنه الملك المؤيد، وأنعم عليه بإقطاع ولده المقام الصارمى إبراهيم بعد موته، فلم تطل أيامه، ومات الملك المؤيد شيخ في أول سنة أربع وعشرين وثمانمائة، وتسلطن من بعده ولده الرضيع أحمد المظفر، وصار الأمير ططر مدبر المملكة أخلع على جانبك المذكور باستقراره أمير سلاح، عوضاً عن فجقار القردمى بعد القبض(4/224)
عليه، ثم صار أتابك العساكر بالديار المصرية بعد سلطنة ططر في شهر رمضان سنة أربع وعشرين وثمانمائة.
ولما مات الملك الظاهر ططر أوصى أن يكون جانبك الصوفي هذا مدبر مملكة ولده الملك الصالح محمد، فسكن جانبك المذكور بباب السلسلة من الإسطبل السلطاني بعد موت الظاهر ططر، فلم تطل مدته غير أيام وتغلب عليه الأميران برسباى الدقماقي الدوادار وطرباى حاجب الحجاب، وكثر الكلام بينهم حتى ركب الأتابك جانبك الصوفي في يوم عيد الأضحى بآلة الحرب، ولبس الأمراء الذين يقلعة الجبل، ولم تقع حرب بين الفريقين، بل تراموا بالسهام ساعة، ثم خمدت الفتنة، ومشى جماعة من الأمراء بينهم في الصلح، فنزل الأتابك من باب السلسلة إلى بيت الأمير بيبغا المظفرى أمير سلاح لعمل المصالحة، ومعه الأمير يشبك الحكمى أمير آخور، فلما صارا في وسط حوش بين بيبغا قبض عليهما، وقيدا، وحملا إلى ثغر الإسكندرية، فحبسا بها في شهر ذي الحجة سنة أربع وعشرين وثمانمائة.
فاستمر الأمير جانبك في حبس الأسكندرية إلى أن فر من حبسه في سنة ست وعشرين وثمانمائة، ووورد الخبر بتسحبه على الملك الأشرف في يوم الجمعة(4/225)
سابع شهر شعبان من السنة، ولما سمع الملك الأشرف برسباى بفراره من حبس الإسكندرية قلق لذلك، وقبض على جماعة من الأمراء، وعاقب جمامة من خاصكيته.
واستمر هذا البلاء بالناس سنين عديدة، والسلطان حثيث الطلب عليه، والناس في شدة وبلاء من الكبس عليهم في بيوتهم على غفلة، والقبض على من أتهم أنه يعلم به، واستمر ما بين هلاك الشخص وبينه إلا أن يقال جانبك الصوفي عند فلان، فيؤخذ ويعاقب، وطال هذا الأمر، وعم هذا جانبك الصوفي من حبس الإسكندرية، إلى أن ظهر خبره أنه توجه إلى بلاد الشرق سنة تسع وثلاثين وثمانمائة، ونزل عند الأمير ناصر الدين بك محمد بن دلغادر، فلما تحقق الملك الأشرف هذا الخبر أرسل الأمير شادبك الجكمى رأس نوبه ثاني إلى الأمير ناصر الدين بك بطلب جانبك الصوفي منه، وتمكينه من القبض عليه، وعوده به إلى الديار المصرية، فسافر شاد بك إلى ابن دلغادر المذكور وصحبته الهدايا والتحف حتى وصل إليه، وسأله فيما ندب بسببه، فصار يسوف به من وقت إلى وقت بعد أن أخذ جميع ما جاء به من الهدايا طائل، بعد ما قاسى من شدة البرد والثلوج مالا مزيد عليه، فتأكدت الوحشة(4/226)
بين الملك الأشرف وبين ابن دلغار بسبب جانبك الصوفي، فجهز إليه عسكراً من الديار المصرية، ومقدم العسكر الأتابك جقمق العلائي، أعني الملك الظاهر وصحبته جماعة أخر من الأمراء، وساروا من الديار المصرية حتى وصلوا إلى حلب خرج معهم، نائبها الأمير تغرى برمش بعساكر حلب وجموع التركمان، ونزلوا بظاهر حلب، فجاءهم الخبر بمجئ الأمير جانبك الصوفي إلى عينتاب، وكان قد هرب إليه جماعة من أمراء حلب وغيرها قبل وصول العسرك المصري إليها.
وكان الأمير خجا سودون أحد مدقمي الألوف بديار مصر خرج من حلب قبل تاريخه ونزل بالقرب من عينتاب، فوقع بينه وبين أعوان جانبك الصوفي وقعة هائلة انهزم فيها عسكر جانبك، وقبض على الأمير قرمش الأعور، الذي كان أولاً أتابك حلب، ثم صار من جملة مقدمي الألوف بالقاهرة، ثم قبض عليه الأشرف وحبسه، ثم صار من جملة مقدمي الألوف بالقاهرة، ثم قبض عليه الأشرف وحبسه، ثم أطلقه، وجعله من جملة المقدمين بدمشق، فلما عصى الأمير تنبك البجاسى نائب الشام على الملك الأشرف وافقه قرمش هذا على العصيان، فلما انهزم تنبك البجاسى وقبض عليه فرقرمش واختفى إلى أن انضم على الأمير جانبك الصوفي، لما صار جانبك عند ناصر الدين بك بن دلغادر،(4/227)
وقبض أيضاً على الأمير كمشبغا المعروف بأمير عشرة، أحد أمراء حلب، وأمسك معهم جماعة من المماليك والتركمان، وجئ بالجميع إلى حلب وحبسوا بقلعتها، وكاتب الأمراء السلطان بذلك، فعاد المرسوم بقتلهم أجمعين، فقتلوا وعلقوا ببا قلعة حلب في أوائل سنة أربعين وثمانمائة.
ثم توجهت العساكر المصرية والحلبية من حلب إلى جهة إبلستين لقتال ناصر الدين بك بن دلغادر والأمير جانبك الصوفي. فساروا إلى أن وصلوا إلى مدينة سيواس، بعد ان أخرجوا ابن دلغادر وجانبك الصوفي من إبلستين وشتت شملهما، ولما وقع لابن دلغادر ما وقع من تغربه عن وطنه، وخراب غالب بلاده ندم ندماً كثيراً، وصار لا يمكنه استدراك فرطه، فإنه كن وزج الأمير جانبك الصوفي بإحدى بناته وولدت منه بنتا، فضم إليه ولده سليمان بن ناصر الدين بك، ثم انعزل هو عنهما، فأخذهما الأمير تغرى برمش نائب حلب من دأبه، حتى ضيق عليهما واسع الفضاء، وطال الأمر على جانبك الصوفي فتوجه إلى ديار بكر عند بعض أولاد قرايلك والتجأ إليه، فلم تطل مدته عنده.
ومات في ويم الجمعة خامس عشرين شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين وثمانمائةن وسنة نيف على خمسين سنة تخميناً، أو مناهز الستين.
ولما مات قطع رأسه وجئ به إلى الديار المصرية، فحمل على رمح ونودى عليه، وعلق على بعض أبواب القاهرة.(4/228)
واختلفت الأقاويل في موته، فمنهم من يقول أن ابن قرايلك قتله تقرباً لخاطر الملك الأشرف برسباى، وهو بعيد، ومنهم من يقول أنه مات بالطاعون، فلما رأى ابن قرايلك أنه قد فرط فيه الفرط بالموت قطع رأسه وبعث به إلى الأشرف، وهذا هو الأقرب. المتداول بين الناس، والله أعلم.
وكان جانبك الصوفي أميراً جليلا
ً، معظماً في الدول، طوالا، جميلاً، مليح الشكل، إلا أنه كان قليل السعادة إلى الغاية، حبس بثغر الإسكندرية غير مرة، حتى أن مجموع أيام إمارته لو حصرت كانت نحو ثلاث سنين لا غير، وباقي عمره كان في الحبوس أو مشتتا في البلاد، وطال خموله في الدولة الأشرفية لما كان مختفياً، وقاسى خطوب الدهر ألواناً، ورأى الأهوال.
أخبرني من أثق بقوله من أصحابه بعد موت الملك الأشرف: أنه كبس عليه مرة وهو في دار فنام تحت حصيرة في البيت المذكور فاختفى عنهم، وكبس عليه مرة أخرى وهو بدار في الحسينية فاختفى بمكان غير بعيد عن أعين الناس، وستره الله فيهما، ونجاه من القبض.
وحدثني صاحبنا يشبك الظاهري أن ركب مرة من داره بعد صلاة الصبح وقصد الفضاء، فلما كان عند باب النصر صدفه وقد أسفر النهار، فأردا أن ينزل عن فرسه إجلالاله فمنعه جانبك الصوفي من ذلك، وسار يتحادثان وجانبك غير خائف من يشبك لما كان بينهما من الصحبة قديماً، فكان من جملة كلام يشبك له: يا خوند تمشى في هذا الوقت وأنت تعلم من خلفك؟ وما الناس فيه(4/229)
بسنبك؟ إيش هذا الحال؟ فقال جانبك الصوفي له ما معناه: المستعان بالله إلى متى أقاسي هذه الأهوال؟ وإلى كم؟ فقال له يشبك: يا خوند صبرت الكثير بقى القليل، فقال: يهون الله، ثم تفارقنا بعد أن سألته بمبلغ من الذهب فأبى قبوله، وقال: عندي ما يكفيني. انتهى.
؟
820 - جان بك الناصري الثور
841 - هـ؟ - 1438م
جانبك بن عبد الله الناصري، الأمير سيف الدين.
أحد أمراء الطبلخانات ونائب إسكندرية، ثم حاجب ثاني، المعروف بثور، وبراس نوبة سيدي.
أصله من مماليك الأتابك يلبغا الناصري المتأخر الظاهري، ولما مات أستاذه المذكور أنعم عليه الملك المؤيد شيخ يعد مرة بإمرة عشرة وجعله رأس نوبة ثانياً لولده المقام الصارمى إبراهيم، ثم صار بعد موت الصارمى إبراهيم من جملة رؤوس نوب السلطان، وترقى إلى أن صار في الدولة الأشرفية رأس، نوبة ثانياً، وأمير طبلخاناة، ثم نقل إلى نيابة الإسكندرية بعد موت(4/230)
أحمد الدوادار في شهر جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين وثمانمائة، فباشر نيابة الإسكندرية إلى أن عزل عنها بالغرسى خليل بن شاهين الشيخى في يوم الثلاثاء ثالث عشرين شوال سنة سبع وثلاثين وثمانمائة، وعاد إلى القاهرة على إقطاعه.
واستمر على ذلك إلى يوم السبت حادي عشر المحرم من سنة ثمان وثلاثين أخلع عليه بالحجوبية الثانية، عوضاً عن الأمير بردبك الإسماعيلي بحكم نفيه إلى دمياط، ودام الأمير جانبك على ذلك إلى أن أخلع عليه السلطان باستقراره في شد بندر جدة بالبلاد الحجازية، وأن يكون مقدماً على المماليك السلطانية بمكة المشرفة.
فتوجه إلى جدة وباشرها بحرمة وافرة وعظمة زائدة مع عدم معروفة.
ومما وقع له بتلك البلاد أنه كان ببندر جده مصطبة من التجأ أليها من أرباب الجرائم وطلع عليه لا يجسر أحد على أخذه من عليها كائناً من كان، ولو كان على الملتجئ دم لبعض أشراف مكة، فلما كان في بعض الأيام بدا للأمير جانبك المذكور أن يهدم هذه المصطبة المذكورة، فكلمه بعض أعيان الناس في عدم هدمها، فأبى إلا هدمها، وكان هذا شأنه لا يسمع لأحد، ولهذا سمي جانبك التور، وأمر بهدمها فهدمت حتى لم يبق لها أثر، بعد أن وقع بينه وبين أشراف مكة وقعة هائلة قتل فيها جماعة من الفريقين، ومشى له ذلك، وتم إلى يومنا هذا، فالله يغفر له بإزالته هذه البدعة السيئة من بين المسلمين.(4/231)
واستمر الأمير جانبك بالبلاد الحجازية إلى أن مرض ومات في حادي عشر شعبان سنة إحدى وأربعين وثمانمائة.
وكان رحمه الله عاقلاً ساكناً، متجملاً في ملبسه ومركبه، كثير الإحسان لمماليكه وأعوانه، ومات وصنه نيف على خمسين سنة، عفا الله عنه.
؟
821 - جان بك الأشرفي الدوادار
831هـ -؟ - 1427م
جانبك بن عبد الله الأشرفي الدوادار الثاني، الأمير سيف الدين، أحد
مماليك الملك الأشرف برسباى، وعظيم دولته، اشتراه في أيام إمرته، وتبنى به، ورباه بين حرمه، وجعله خازنداره إلى أن قبض على الملك الأشرف وهو إذ ذاك نائباً بطرابلس، وحبس بقلعة المرقب، وتخلى عنه جميع أعوانه إلا جانبك هذا، فإنه لازمه في محبسه إلى أن أفرج عنه وآل أمره إلى سلطنة الديار المصرية، فلما جلس تخت الملك أنعم على جانبك المذكور بإمرة عشرة وجعله خازنداره.
ثم أرسله إلى حلب وعلى يده تشريف لنائبها الأمير البجاسى باستقراره في نيابة دمشق بعد موت الأمير تنبك ميق العلائي، فتوجه إلى ما ندب إليه، وعاد(4/232)
إلى الديار المصرية بالأموال والتحف والهدايا، فحال قدومه أنعم عليه السلطان بإمرة طبلخاناة والدوادارية الثانية في يوم سادس عشر ذي القعدة سنة ست وعشرين وثمانمائة، عوضاً عن الأمير قرقماس الشعباني بحكم انتقاله إلى تقدمة ألف بالديار المصرية، وتوجه إلى مكة المشرفة على إمرتها.
فباشر جنبك المذكور الدوادارية بحرمة وافرة وعظمة زائدة، وصار هو صاحب العقد والحل في الممالك، وإليه مرجع أمور الدولة الأشرفية من الولاية والعزل، وشاع اسمه، وبعد صيته، وتسامع الناس به في الآفاق، وقصده أرباب الحوائج من الأقطار، وصار كل كبير في الدولة يتصاغر عنده، ويمشي في خدمته، حتى أني رأيت في بيته الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن كاتب المناخ الوزير، والقاضي كريم الدين عبد لكريم كاتب جكم ناظر الخواص، لما ينزلان من الخدمة السلطانية يأتيان إلى بيت الأمير جانبك ومجلس كل منهما على دكة ويتعاطى أشغال الأمير جانبك المذكور، كأحد كتابه، وقع ذلك منهما غير مرة، وكان الدوادار الطبير يومئذ الأمير أزبك فكان بالنسبة إلى الأمير جانبك الدوادار الثاني هذا كآحاد الدوادارية الصغار.(4/233)
ثم جعله الملك الأشرف لالا لولده المقام الناصري محمد، فزادت حرمته بذلك وعظم وضخم، ونالته السعادة، وأخذ يقتني من كل شئ أحسنه، حتى جمع من الأموال والخيول ما يستحي من ذلك كثرة، وكثر ترداد أعيان الدولة إليه، وخضع إليه كل متكبر، ولان له كل متجبر، حتى حدثته نفسه بما كان فيه حتفه، فمرض ولزم الفراش، وطال مرضه، ونزل الملك الأشرف لعيادته غير مرة، وكان يسكن بالدار التي بابها من قبو السلطان حسن، وكان قد فتح له بابا آخر من حدرة البقر، وصار هو الباب، الباب الكبير، ولما طال مرضه نقله السلطان إلى عنده بقلعة الجبل، وصار يتردد إليه في كل يوم حتى نصل وتعافى، ونزل إلى داره راكباً.
ثم انتكس بعد أيام، ودام فيها إلى أن أشرف على الموت نزل إليه الملك الأشرف ليلاً ودام عنده إلى أن مات في آخر الليلة المذكورة، وهي ليلة الخميس سابع عشرين شهر صفر سنة أحدى وثلاثين وثمانمائة، وسنه دون الثلاثين.
ولما مات ركب السلطان إلى القلعة، ثم عاد باكر نهار الخميس، وحضر غسله، وركب حتى حضر الصلاة عليه بمصلاة المؤمنى، ودفن بمدرسته التي أنشأها بالشارع خارج بابي زويلة، مشهورة به، ثم نقل منها بعد مدة إلى تربة عمرها أستاذه الملك الأشرف بعد موته بالصحراء بالقرب من تربته.(4/234)
وكان شاباً ظريفاً، حسن الشكالة، أخضر اللون يعلوه بياض، معتدل القامة، إلى القصر أقرب، صغير اللحية كاملها، وكان أهيف، حلو الوجه والكلام، وعنده عقل ومعرفة وتدبير وخديعة، ورأى حسن، إلا أنه كان يعتريه خفة الشبيبة وعز الجاه والمال، فكان يظهر ما يتأمله ويريده، ولم يكن في خاطره العصيان على أستاذه، لكنه كان يؤمل بعد موته.
وكان كريماً جواداً إلى الغاية، من كان من أعيان الخاصكية وغيرهم إلا وأخذ إنعمامه وتخول في إحسانه، وكان يميل إلى فعل الخير، ويكرم الفقراء وأهل الصلاح، ويتقاضى حوائجهم، وعمر مدرسته التي دفن بها في الشارع، ووقف عليها عدة أرباع وقياسر وضياع.
ومات عن ابنة واحدة تولى تربيتها الملك الأشرف حتى زوجها لمملوكه وخازنداره الأمير علي باي الأشرفي، وجهزها بنيف على خمسين ألف دينار، وذلك من بعض ما خلفه والدها جانبك صاحب الترجمة، ولا يحتاج لتعريف ذلك لإختصاص هذا الإسم في زماننا هذا بالجراكسة. انتهى.
822 - جان بك الساقي وإلى القاهرة
857هـ -؟ - 1453م
جانبك بن عبد الله اليشبكي الساقي، وإلى القاهرة، ثم الزرد كاش، الأمير سيف الدين.(4/235)
أصلخ من مماليك الأمير يشبك الجكمى الأمير آخور، واستمر بخدمة أستاذه المذكور إلى أن مات في حبسه بثغر الإسكندرية، اتصل بخدمة الملك الأشرف برسباى وصار خاصكياً، ثم صار ساقيا بعد موت الملك الأشرف إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر جقمق بعد سنة سبع وأربعين وثمانمائة بإمرة عشرة، ثم ولاه رأس نوبة من جملة رؤوس النوب، ثم ولاه ولاية القاهرة على كره منه، بعد عزل منصور بن الطبلاوى، وأضيف إليه الحجوبية وشد الدواوين، كل ذلك زيادة على ما بيده.
واستمر على ذلك إلى سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، أضيف إليه أيضاً حسبة القاهرة مضافاً إلى ما بيده من الوظائف المذكورة، عوضاً عن زين الدين يحيى الإستادار، فباشر الحصسبة مدة إلى أن عزل عنها بيار على الطويل الخراساني في سنة أربع وخمسين، وبقي على ما بيده من الولاية وغيرها إلى أن تسلطن الملك المنصور عثمان أخلع عليه بالزرد كاشية، عوضاً عن الأمير لاجين الظاهري بحكم انتقال لاجين لشد الشراب خاناة، عوضاً عن الأمير يونس الأقباى.(4/236)
فباشر جانبك المذكور الزرد كاشية أقل من شهر، ومرض في أول سلطنة الملك الأشرف إينال بيوم واحد إلى أن مات في ليلة الخميس ثامن عشر شهر ربيع الأول سنة سبع وخمسين وثمانمائة، ودفن من الغد، وتولى الزرد كاشية من بعده نو كار الناصري.
وكان جانبك المذكور شاباً ظريفاً، عارفاً بأنواع الملاعبة، وفيه ذكاء وفطنة، وعنده مشاركة ومذاكرة حلوة، وكان متجملاً في مركبه وملبسه ومماليكه، وبالجملة كان نادرة في أبناء جلسه، رحمه الله وعفا عنا وعنه.
؟
823 - جان بك القرماني حاجب الحجاب
861هـ -؟ - 1456م
جانبك بن عبد الله القرماني الظاهري، الأمير سيف الدين حاجب الحجاب بالديار المصرية.
أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق، وتأمر عشرة بعد موت الملك المؤيد شيخ، بعد أن قاسى خطوب الدهر ألواناً حتى أنه سمر على جمل ورسم بتوسيطه في الدولة الناصرية فرج، ثم شفع فيه وحبس ثم أطلق،(4/237)
ولما تسلطن الملك الأشرف برسباى جعله من جملة معلمى الرمح، وكان قاني باي الجار كسى من جملة صيانة.
واستمر على ذلك إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق غير اقطاعة بعد مدة، ثم أنعم عليه بإمرة طبلخاناة، ثم ولاه رأس نوبة ثانياً بعد طوخ الجكمى، بحكم تعطله لرمد أصابه عمى منه، فدام على ذلك إلى أن تسلطن الملك الأشرف إينال أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية في يوم الخميس حادي عشر شهر ربيع الأول سنة سبع وخمسين وثمانمائة، ثم بعد أيام قليلة نقل إلى حجوبية بالديار المصرية، بعد الأمير قراجا الظاهري الخازندار بعد توجهه إلى القدس بطالا، وكان قراجا المذكور من خيار الناس.
؟ 2؟ 824
- جان بك المشد دوادار سيدى
881هـ -؟ - 1476م
جانبك بن عبد الله من قجماس الأشرفي، الأمير سيف الدين، شاد الشراب خاناة، المعروف بدوادار سيدى.(4/238)
أصله من مماليك الملك الأشرف برسباى ومن خاصكيته، وكان ولاه داودارا لولده محمد فعرف بذلك، ووقع له أمور بعد موت أستاذه الأشرف، وأخرج إلى البلاد الشامية وأنعم عليه بإمرة طبلخاناة بطرابلس، ثم قدم إلى القاهرة وأقام بها إلى أن أنعم عليه الملك المنصور عثمان بإمرة عشر، فلم تطل مدته ونقله الملك الأشرف إينال لما تسلطن إلى شد الشراب خاناة، وغير إقطاعه، وهو إلى الآن على ذلك.
؟ 825 - جان بك الخازندار الظريف؟ 870هـ؟ - 1465
م جانبك بن عبد الله من أمير، الأشرفي الخازندار، المعروف بالظريف، أصله من مماليك الأشرف برسباى الصغار، ولم يتعرض إليه الملك الظاهر(4/239)
جقمق لما نفى أعيان المماليك الأشرفية وحبسهم، لكونه اذ ذاك لا يؤبه إليه، واستمر على عادته، ثم جعله في أواخر دولته من جملة الدوادارية الصغار إلى أن استقر بدقماق اليشبكى زرد كاشا، بعد موت بعد تغرى برمش الزرد كاش، وأمره عشرة من إقطاع تغرى برمش المذكور، أنعم بإقطاعه على جانبك هذا، فلم يباشر دقماق الزرد كاشية إلا دون الجمعة، وغضب عليه السلطان وعزله من الزرد كاشية بالأمير لاجين وأخذ الإمرة منه، واحتاج الظاهر أن يرد إقطاع دقماق الجندية إليه، ورده إليه، فصار جانبك هذا بغير إقطاع، فأعطاه الإمرة التي كانت بيد دقماق دفعة واحدة، فكان هذا سبب أخذه الإمرة.
ثم صار رأس نوبة في دولة المنصور عثمان إلى أن تسلطن الملك الأشرف إينال صار أمير طبلخاناة وخازندار كبيراً، عوضاً عن أزبك الساقى الظاهرى، بحكم القبض عليه، ولما أراد الملك الأشرف إينال أن يجدد دوران المحمل في شهر رجب على قديم العوائد، وطلب معلماً للرماحة سأل جانبك هذا أن يكون معلماً، وارتجى معرفة ذلك، فأجابه السلطان، وسوق المحمل سنة سبع وسنة ثمان بالفقيرى، وفيهما أيضاً ولى امرة حاج المحمل، وحج بالناس سنتى سبع وثمان، ولقى الحاج في السنة الثانية شدائد من قطع الطريق وغيره، حسبما ذكرناه في كتابنا حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور.(4/240)
826 - جان بك الظاهري المعروف بقرا
جانبك بن عبد الله الظاهري، المعروف بقرا جانبك، الأمير سيف الدين.
أحد أمراء العشرات وزرد كاش السلطان، وهو من مماليك الملك الظاهر جقمق، اشتراه لما كان أميراً وأعتقه، وجعله من جملة مماليكه إلى، تسلطن، جعله خاصكياً، ثم رأس نوبة الجمدارية، وإلى أن أنعم عليه بإمرة عشرة في سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة.
ولم يكن جانبك هذا ممن له كلمة في الدول، ولا عليه أبهة الأمراء، وإنما هو كأحاد الأجناد، وهو كما قبل لا للسيف ولا للضيف، غير أنه هادئ الطبقة، مكفوف عن الناس، ثم صار من جملة رؤوس النوب.
ودام على ذلك مدة إلى أن نقله الملك المنصور عثمان إلى الزرد كاشية، عوضاً عن الأمير لاجين بحكم انتقاله شد الشراب خاناة، عوضاً عن الأمير يونس الأقباى بحكم انتقاله إلى تقدمة ألف بالديار المصرية، فلم تطل مدته، وأخذ تسفير الأمير دولات باي الدوادار إلى ثغر الإسكندرية، ثم ولى نيابتها بعد يوم(4/241)
واحد عوضاً عن الأمير برسباى البجاسى في يوم الخميس ثاني عشر صفر سنة سبع وخمسين وثمانمائة.
827 - جان بك الجكمى 854هـ؟ - 1450
م جانبك نب عبد الله الجكمى؛ الأمير سيف الدين، أحد أمراء العشرات بالديار المصرية.
أصله من مماليك الأمير جكم من عوض نائب حلب، وترقى بعد موت أستاذه إلى أن صار في دولة الملك الظاهر جقمق أمير عشرة، واستمر على ذلك إلى أن مرض وطال مرضه واختلط عقله.
ومات في يوم السبت تاسع عشرين شوال سنة أربع وخمسين وثمانمائة، وكان مهملاً، وأنعم بإقطاعه على شخص من بني دلغادر، رحمه الله تعالى.
828 - جان بك المرتد
871هـ -؟ - 1466م
جانبك بن عبد الله الناصري، المعروف بالمرتد، الأمير سيف الدين، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة.(4/242)
نسبته إلى معتقه الملك الناصر فرج، وترقى من بعده حتى صار خاصكياً في دولة الملك الأشرف برسباى، ثم صار ساقياً في أوائل دولة الملك الظاهر جقمق، ثم تأمر عشرة وصار من جملة رؤوس النوب.
ودام على ذلك سنين لا يؤبه إليه في الدولة إلى أن أنعم عليه الملك الأشرف إينال بامرة طبلخاناة، واستمر على ذلك.
؟
829 - جان بك نائب جدة
؟ 867 - هـ؟ - 1462م
جانبك بن عبد الله الظاهري، الأمير سيف، الدين أستادار العالية كان، أحد أمراء الطبلخانات الآن، المعروف بنائب جدة.
أصله من مماليك الملك الظهر جقمق، اشتراه من بعض الأمراء وأعتقه، وجعله من جملة مماليكه في حال إمرته، فلما تسلطن جعله خاصكياً، وتخيل فيه لوائح النجابة والفطنة، فقربه وأدناه، وندبه للمهمات، وولاه إمرة بندر جدة في موسم سنة تسع وأربعين ثمانمائة، وهو أول توجهه إلى البندر المذكور، فتوجه إليه على(4/243)
عادة من تقدمه من الأمراء والخاصكية في كل سنة، وحرر متحصله، وضبط أموره، نهض بمالم ينهض به غيره ممن تقدمه، وعاد إلى الديار المصرية بجمل مستكثرة من الأموال، فأعجب السلطان ذلك منه، وخلع عليه ووعده بكل جميل، وأقره على عادته لسفر البندر المذكور فعاد إليه في السنة الثانية، وقد عظم أمره، فباشر بحرمة وافرة، وعظمه زائدة، ونفذ الأمور على أجمل وجه، فهابته الناس، وعظم وضخم، ونال من الحرمة والمهابة مالم ينله غيره قديماً ولا حديثاً من نفوذ الكلمة ووفور الحرمة، وإشاعة الإسم إلى أن اتفق جماعة من التجار على شكواه، وهم على بن حسن البزاز بقيسارية جدة، وابن البيطار، ويعقوب الأقرع النابلسى، وشخص آخر شامي.
وكان سبب شكوى هؤلاء على جانبك هذا أن السلطان أرسل إلى مكة مرجاناً كثيراً مع يونس أمير مشوى ومعه مرسوم شريف برمى المرجان على التجار بثمن المثل يومئذ، فلما كان بعد خروج الحاج طلب جانبك تجار مكة إلى جدة لأخذ المرجان المذكور، فلما قدموا عليه عرفهم بأمر المرجان، فأخذوه واقتسموه برضى خواطرهم، كل واحد على قدر حاله بثمن المثل كما قدمنا، ثم أنهم قالوا: قد بقى من التجار بمكة فلان وفلان ممن سميناهم، فأرسل جانبك يطلبهم فامتنعوا واستغاثوا، وانضم عليهم جماعة من أوباش مكة ممن بذلوا له شيئاً، فكثرت الغوغاء، وكان ذلك يوم الثلاثاء، فلما كان يوم الجمعة قاموا وقت الصلاة، ومسكوا القضاة، وعرقوا الخطيب وطلبوا منهم كتابة محضر في أمر(4/244)
جانبك المذكور، فامتنعوا، وبلغ الخبر الشريف بركات، وكان نازلاً بوادي امبار بالقرب من مكة، فأرسل إلى مكة كتاباً يقول فيه: من كتب في حق جانبك محضراً شنقته، فتعوق الجميع وصبروا حتى رحل جانبك إلى مصر كتبوا فيه محضراً خفية، وكان الذي كتب لهم المحضر شخص يدعى بالأسيوطى، فحضر التجار بالمحضر المذكور إلى القاهرة. بعد أن قاموا شدائد في الطريق من العربان، فوقفوا إلى السلطان شكاة على جانبك المذكور وبيدهم المحضر المكتتب، فأخذه منهم كاتب السر وقرأه، فسأله السلطان هل في المحضر خطوط القضاة أو أعيان مكة، فقال كاتب السر: لم يكن فيه شئ من ذلك، فعند ذلك أمر السلطان بعلي بن حسن البزاز وضربه بالمقارع، لأنه هو كان سبب الفتنة، وضرب من بقى من الشكاة على مقاعدهم، ثم أطلقهم إلى حال سبيلهم.
وسافر بعد ذلك جانبك مرتين، وحضر التجار المذكورون إلى عنده، فلم يؤاخذهم بما رقع منهم، ثم حضر الأسيوطي الذي كتب المحضر أيضاً إلى عنده ومدحه بأبيات، وأحسن إليه، إلى أن وقع بين جانبك هذا وبين أبي الخير النحاس، فلا زال النحاس بالسلطان إلى أن عزل جانبك عن بندر جدة، وولى تمراز البكتمرى المؤيدي المصارع في موسم سنة خمس وخمسين.(4/245)
وكان تمراز قد توجه إليه قبل ذلك مرتين، فتوجه تمراز إلى البندر المذكور وباشره، واستولى على ما تحصل منه ثم بداله أن يأخذ جميع ما تحصل ويتوجه إلى الهند عاصياً على السلطان، فاشترى مركباً مزوسا بألف دينار من شخص يسمى يوسف الرصاوى الرومى، وأشحنها بالسلاح والرجال، وأخذ جميع ما تحصل للسلطان من بندر جدة، وسافر.
وبلغ السلطان خبره، فولى جانبك هذا على عادته في السنة الآتية، فقدم البندر على عادته.
وأما أمر تمراز المذكور فأنه لما سافر من بندر جده صار كلما أتى إلى بلد ليقيم بها تستغيث تجار تلك إلى حاكمها ويقولون أموالنا بجدة، ومتى عرف صاحب جدة أنه عندنا أخذ جميع ما لنا بسبب دخول تمراز هذا إلى بلدنا، فانه قد أخذ مال السلطان فيطرده حاكم تلك البلد، فوقع له ذلك بعدة بلاد حتى بلغ مسيره على ظهر البحر سنة أشهر، فعندما عاين الهلاك رمى بنفسه إلى مدينة كا كلوت، وحاكم البلد سامرى وأهلها سمره، وبها تجار مسلمون، فاستغاث التجار بالسامرى وقالوا له مثل مقالة غيرهم، فقصد السامري صد تمراز، فأحس تمراز بذلك، فأرسل إلى السامري هدية هائلة، فأرسل السامري يقول له أن التجار يقولون أن معك مال السلطان، فقال تمراز: نعم أخذت المال لأشتري للسطان به فلفلا، فقال له السامري: فاشتر به في هذا الوقت واشحنه في مراكب التجار، فاشترى الفلفل وأشحنه في مركبين للتجار، وأشحن الباقي في المركب المروس الذي تحته،(4/246)
وسافر تمراز وقصد جدة، فلما وصل إلى باب المندب من عمل اليمن عند مدينة عدن أخذ المركبين الذين معه المشحونين بالفلفل وتوجه بهما إلى جزيرة مقابلة الحديدة تسمى كمران، فحضر أكابر الحديدة إلى عند تمراز المذكور، وحسنوا له أخذ معه جمعي ما في المراكب، ثم قال له أهل الحديدة: لنا عدو وما نقدر نملك اليمن حتى ننتصر عليه، وبلد العدو تسمى سحية، فتوجه صحبتهم وقصد عدوهم والتقى الجمعان، فكان بينهم وقعة هائلة قتل فيها تمراز المذكور، وقتل معه جماعة من اخصائه، وسلم ممن كان معه شخص يسمى أيضاً تمراز من المماليك السلطانية، وهو حي إلى يومنا هذا.
فلما بلغ جانبك
موت تمراز المذكور، أرسل شخصاً من الخاصكية ممن كان معه بجدة يسمى تنم رصاص، ومعه كتب جانبك إلى الحديدة بطلب ما كان مع تمراز من الأموال، فوصل المذكور إلى الحديدة فتلقاه أهلها بالرحب والقبول، وسلموه جميع ما كان مع تمراز والمركب المروس، فعاد بالجميع إلى جدة.
واستمر جانبك في التكلم على بندر جدة في كل سنة إلى أن مرض السلطان الملك الظاهر جقمق وخلع نفسه وسلطن ولده الملك المنصور عثمان، فقبض المنصور على زين الدين الأستادار وأخلع على جانبك هذا باستقراره في الأستادارية، وسلم إليه زين الدين المذكور على أن يستخرج منه خمسمائة ألف دينار، فأخذه(4/247)
جانبك ونزل به إلى داره على أقبح وجه وعاقبه، ثم تركه وبعث به إلى السلطان، وأجرى عليه أنواع العقوبة.
واستمر جانبك في وظيفته إلى أن خلع المنصور وتسلطن الملك الأشرف إينال خلع عليه باستمراره في وظيفة الأستدارية، ثم بدا له بعد مدة عزل جانبك المذكور وإعادة زين الدين ففعل ذلك، وأنعم على جانبك بإقطاع زيادة على ما بيده وجعله من جملة أمراء الطبلخانات وأقره على التكلم على بندر جده، فاسترم على ذلك إلى.
830 - جان بك النوروزى نائب بيروت
854هـ -؟ - 1450م
جانبك بن عبد الله النوروزى، الأمير سيف الدين.
أحد مماليك الأمير نوروز الحافظي، وممن صار خاصكياً في دولة الملك الأشرف برسباى، وولى نيابة بيروت بالبلاد الشامية، ثم عاد إلى الديار المصرية، واستمر على ما هو عليه إلى أن أمر في أوائل دولة الملك الظاهر جقمق إمرة خمسة(4/248)
بعد موت الأمير بيبغا مقدم البربدية، ودام على ذلك مدة إلى أن تأمر عشرة بعد موت الأمير إينال ابزا، وأقام بعد ذلك مدة إلى أن ولى نيابة صهيون في سنة خمسين، واستمر بها إلى سنة إثنتين وخمسين عزل بشادبك الصارمى، ثم أعيد بعد أيام ودام بها إلى أن استعفى عنها لما أصابه داء الأسد، وكتب بطلبه إلى القاهرة، فتوجه إلى نحو الديار المصرية، فمات بمنزلة العريش في شهر رجب سنة أربع وخمسين وثمانمائة، وسنة نحو الستين تقريباً، وكان معروفاً بالشجاعة، رحمه الله.
؟
831 - جان بك الزينى عبد الباسط الأستادار
858هـ -؟ - 1454م
جانبك بن عبد الله، الزينى عبد الباسط، الأمير سيف الدين الأستادار.
هو مملوك عبد الباسط ودواداره، استمر بخدمة أستاذه دهراً إلى أن اراد الملك(4/249)
الأشرف أن يولى عبد الباسط الأستدارية وإن أبى نكبه، ففطن لها بعد الباسط، وكان قد قال قبل ذلك: أنه لا يليها أبداً، استدرك فارطه، وصار لا يمكنه ولا يتها فيعلم به كل أحد أنه ليس خوفاً، فعند ذلك قال: يلبسها مملوكى جانبك، فقال الملك الأشرف: المقصود سد باب السلطان، فولى جانبك المذكور الاستدارية وصار حسا لا معنى، وبقى لا يتصرف في أمر من أمور الدولة إلا بأمر أستاذه عبد الباسط، ودام على ذلك إلى أن قبض الملك الظاهر جقمق على أستاذه عبد الباسط فقبض على جانبك هذا أيضاً صحبة أستاذه إلى مكة، ثم إلى دمشق، ودام بها إلى أن حضر بعد سلطنة الملك الأشرف إينال، وأقام بالقاهرة إلى أن توفي في سنة ثمان وخمسين وثمانمائة.
ولم يكن جانبك هذا من أعيان الأمراء حتى تشكر سيرته أو تذم، ولو لم يل وظيفة الأستدارية لما ذكرناه، رحمه الله تعالى وعفا عنه.(4/250)
؟
باب الجيم والباء الموحدة
832 - جبريل العسقلاني المحدث
610 - 695هـ؟ - 1213 - 1296م
جبريل بن أبي الحسن بن جبريل بن إسماعيل المحدث المسند أمين الدين أبو الأمانة العسقلاني ثم المصري.
ولد سنة عشر وستمائة، وطلب بنفسه، وسمع من ابن المقير، والعلم بن الصابوني، وابن الجميزى، وطبقتهم، ورحل إلى دمشق، وأدرك أصحاب ابن عساكر. وكان محدثاً نبيها، عارفاً، جيد المشاركة في العلم، وقد أعاد بالقاهرة عند الدمياطي، وأجاز له الذهبي باستدعائه.
توفي سنة خمس وتسعين وستمائة. رحمه الله.(4/251)
833 - جبريل الخوارزمى
793هـ -؟ - 1391م
جبريل بن عبد الله الخوارزمي، الأمير زين الدين.
أحد أمراء الطبلخانات بالديار المصرية، وممن انضم إلى الأمير يلبغا الناصري وتمربغا الأفضلي أعنى منطاشا ولا زال من حزبهما إلى أن أمسكه الملك الظاهر برقوق وقتله في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة مع من قتله من الأمراء الطبلخانات، وهم: قرابغا الألجاوى، وآقبغا الألجاوى، ومنبغا الألجاوى، وألطنبغا الجربغارى، وأرغون العثماني البجمقدار الأشرفي، وطقطاى الطشتمرى الطواشى، وإسماعيل التركماني أمير البطالين، وألا بغا الطشتمرى، الطواشى، وإسماعيل التركماني أمير البطالين، وألابغا الطشتمرى، وحسين ابن الكورانى وإلى القاهرة، ومحمد بن بيدمر الخوارزمي، وبزلار الخليل وإلى القلعة، ومنصور حاجب عزة، رحمهم الله تعالى، وعفا عنهم.(4/252)
باب الجيم والراء المهملة
834 - جرباش الشيخى الظاهري
809هـ -؟ - 1406م
جرباش بن عبد الله الشيخى الظاهري، الأمير سيف الدين.
أحد أمراء الطبلخانات، وثاني رأس نوبة.
تأمر في دولة أستاذه الملك الظاهر برقوق، ثم صار أمير طبلخاناة ورأس نوبة ثانياً في دولة ابن أستاذه الملك الناصر فرج، واستمر على ذلك إلى أن وقع من أمر الأمير إينال باى بن قجماس ما حكيناه في غير هذا الموضع، أخلع على جرباش هذا باستقراره أمير آخورا كبيرأ عوضه، فوليها، وباشر الوظيفة، وسكن الحدود من باب السلسلة نحو عشرة أيام، وعزل بالأمير سودون، وأعيد على ما كان عليه أولاً، واستمر على ذلك إلى سنة ثمان وثمانمائة نفى بطالاً إلى ثغر دمياط، فأقام بالثغر مدة، وطلب إلى القاهرة فحضر اليها، وأقام بها بطالا مدة يسيرة.(4/253)
ومات باطلاعون في يوم سادس عشر ذي الحجة سنة تسع وثمانمائة.
وجرباش هذا هو والد صاحبنا الناصر محمد بن جرباش.
؟ 835 - جرباش كباشة؟ 818هـ؟ - 1415
م جرباش بن عبد الله الظاهري، الأمير سيف الدين، المعروف بكباشة، حاحب حجاب حلب.
هو ايضاً من مماليك الملك الظاهر برقوق، وممن صار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية في دولة ابن أستاذه الملك الناصر فرج، ثم وقع له أمور في دولة الملك المؤيد شيخ، وآل أمره إلى أن ولى حجوبية حلب الكبرى بعد شاهين الأيدكارى؛ فتوجه إليها وأقام بها إلى أن عصى نائبها الأمير إينال الصصلانى على الملك المؤيد شيخ موافقة للأمير قاني باي المحمدي نائب(4/254)
الشام، فوافقهما أيضاً الأمير جرباش المذكور مع من انضم عليهما من النواب بالبلاد الشامية وغيرهم، ثم وقع ما حكيناه في غير موضع من قتالهم مع المؤيد وانهزامهم والقبض عليهم، ولما قبض المؤيد على إينال نائب حلب، قبض أيضاً على جرباش هذا معه، وعلى غيره، وقتل الجميع في العشر الأوسط من شعبان سنة ثمان عشة وثمانمائة، وجاءت روسهم إلى الديار المصرية، وعلقت على باب النصر أياماً، رحمهم الله تعالى.
وخلف جرباش هذا ولد ذكرا وبنتا، وكان الولد الذكر ليس بذاك، فنسأل الله حسن العاقبة في الذرية.
وكباشة: اسم فروة من جلود الأغنام معروفة، كان يلهسها جرباش هذا لما كان صغيراً عند لعبه بالرمح من تحت ثيابه لتحمل عنه الضرب، فسمى بها. انتهى.
؟
836 - جرباش العمري
814 - هـ؟ - 1411م
جرباش بن عبد الله العمري الظاهري، الأمير سيف الدين.
هو أيضاً من مماليك الملك الظاهر برقوق، وممن صار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية في الدولة الناصرية فرج بن برقوق، ودام على ذلك مدة إلى أن قبض عليه الملك الناصر فرج لأمور بدت منه في ثالث عشرين شهر رجب سنة أربع عشرة وثمانمائة، وكان ذلك آخر العهد به، رحمه الله تعالى.(4/255)
837 - جرباش الظاهري
803هـ -؟ - 1401م
جرباش بن عبد الله الظاهري، الأمير سيف الدين، أحد أمراء العشرات في دولة ابن أستاذه الملك الناصر فرج بن برقوق.
كان جرباش المذكور مشهورا بالشجاعة والإقدام، قتل في كائنة تيمور في المعركة بالبلاد الشامية بعد أن أباد التمرية شرا، وذلك في سنة ثلاث وثمانمائة.
حدثني بعض خشدا شيته أنه لما أراد السفر صحبة العساكر المصرية إلى قتال تيمور لنك أوصى وفرق ثلث ماله في حياته، فلامه بعض أخوته على ذلك، فقال له: هل في قدوم تيمورلنك إلى البلاد الشامية شك؟ فقال له القائل:
لا بد من وروده إلى دمشق، فقال: وهل في توجه السلطان إليه وقتاله مع شك؟ فقال له: لا بد من ذلك، فقال جرباش: فكيف إذا أعيش وأعود إلى منزلي، هذا مستحيل، رحمه الله تعالى.
؟ 838 - جرباش من عبد الكريم؟ 861هـ؟ - 1456م جرباش بن عبد الله من عبد الكريم الظاهري، الأمير سيف الدين، أمير سلاح، وحمو السلطان الملك الظاهر جقمق ويعرف بقاشق.(4/256)
حدثني من لقظه قال: اشترا الملك الظاهر برقوق في سلطنته الأولى وأعتفنى، وأخرج لي خيلاً قبل واقعة الناصري ومنطاش، ولما ملكا الديار المصرية وحبس الملك الظاهر برقوق بالكرك، وأراد منطاش أن يقبض على من بقى من مماليك برقوق، خرجت فارا إلى حماة، وخدمت عند نائبها محمد بن المهمندار إلى ان كان من أمر برقوق ما كان.
قلت: فعلى هذا يكون مولده في حدود السبعين وسبعمائة ببلاد الجاركس. ولما عاد الملك الظاهر برقوق إلى ملكه استمر جرباش هذا من جملة المماليك السلطانية إلى أن تأمر عشرة في الدولة الناصرية فرج، ثم صار في أواخر الدولة المؤيدية شيخ أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، واستمر على ذلك إلى أن أخلع عليه الملك الأشرف بحجوبية الحجاب بالديار المصرية، عوضاً عن الأمير جقمق العلائي بحكم انتقاله إلى الأمير آخورية، بعد توجه الأمير قصروه من تمراز إلى نيابة طرابلس بع عزل الأمير إينال النوروزى عنها وقدومه إلى القاهرة على إقطاع قصروه المذكور من غير وظيفة، وذلك في يوم الخميس عشرين شعبان سنة ست وعشرين وثمانمائة، بعد أن شغرت وظيفة الحجوبية عن جقمق المذكور من جمادى الأولى من السنة المذكورةن واستمر في الحجوبية إلى(4/257)
يوم الإثنين خامس عشر شوال سنة تسع وعشرين وثمانمائة، وأخلع عليه بأمرة مجلس عوضاً عن إينال الجكمى المنتقل إلى إمرة سلاح، بعد استقرار الأمير يشبك الساقي الأعرج أتابك العساكر بعد وفاة الأمير قجق الشعباني في شعبان من السنة، واستقر في الحجوبية من بعده الأمير قرقماس الشعباني المعروف بأهرام ضاغ يعنى جبل الأهرام لتكبره.
واستمر الأمير جرباش هذا على ذلك إلى أن خلع عليه باستقراره في نيابة طرابلس، عوضاً عن الأمير قصروه المنتقل إلى نيابة حلب بعد عزل جار قطلو عنها وقدومه إلى القاهرة على إمرة مائة وتقدمة ألف بها في يوم الخميس سابع جمادى الأولى سنة ثلاثين وثمانمائة.
فتوجه إلى طرابلس، وباشر النيابة بها مدة إلى أن عزل بالأمير طرباى المقيم بالقدس من جملة الأمراء البطالين، وطلب إلى القاهرة فقدمها في ثالث عشرين شهر رجب من سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة، واستقر على عادته أولاً أمير مجلس، عوضاً عن الأمير جار قطلو بحكم استقراره أتابك العساكر بالديار المصرية بعد موت الأتابك شبك الساقي الأعرج، فلم تطل مدة جرباش المذكور بالقاهرة وقبض عليه، وعلى الأمير قطج أحد مقدمي الألوف، فحمل قطج في(4/258)
الحديد إلى الإسكندرية، ونفى جرباش المذكور إلى ثغر دمياط بطالاً، وأنعم بإقطاعه ووظيفته على الأتابك بيبغا المظفرى، وطلب من ثغر دمياط، وذلك في ثامن عشرين شوال سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة.
فدام بثغر دمياط مدة طويلة إلى أن طلبه الملك الأشرف إلى القاهرة ليستقر في نيابة غزة، فحضر إلى القاهرة واستعفى من ذلك، وطلب العود إلى دمياط، فأعفى، ورسم له بالعود إلى دمياط، فتوجه إليها، وأقام بالثغر إلى أن افتضت السلطنة إلى الملك الظاهر جقمق أرسل بطلبه فحضر إلى القاهرة، وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف، وأخلع عليه بإمرة مجلس، وهذه ولايته لهذه الوظيفة ثالث مرة، عوضاً عن يشبك السودوني بحكم انتقاله إلى إمرة سلاح بعد انتقال الأمير آقبغا التمرازي إلى الأتابكية بالديار المصرية، بعد عصيان الأتابك قر قماس الشعباني.
كل ذلك في سنة إثنتين وأربعين وثمانمائة، فاستمر على ذلك مدة طويلة، وتزوج الملك الظاهر بابنته زينتب، وحج غير مرة إلى أن نقله الملك الظاهر جقمق إلى إمرة سلاح بعد موت الأمير تمراز القرمشى في صفر سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، وحج في السنة المذكورة أمير الرجيبة، وصحبته الزينى عبد الباسط، وعاد إلى القاهرة واستتمر بها إلى أن أخرج السلطان الملك المنصور إقطاعه للأمير(4/259)
قراجا الخازندار في يوم الإثنين سادس عشر شهر صفر سنة سبع وخمسين وثمانمائة، واستقر الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيدي أمير مجلس سلاح عوضاً عنه.
839 - جرباش كرد
877هـ -؟ - 1472
م
جرباش بن عبد الله المحمدي الناصري، الأمير سيف الدين، أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية، المعروف بكرد.
أصله من مماليك الملك الناصر فرج بن برقوق، وتنقل في الدول حتى صار في الدولة الأشرفية برسباى رأس نوبة الجمدارية، ثم أمير عشرة ورأس نوبة، وتزوج ببنت أستاذه الملك الناصر فرج خوند شقرا، واستمر على ذلك إلى أن نقله الملك الظاهر جقمق إلى إمرة طبلخاناة وجعله أمير آخورا ثانيا،(4/260)
عوضاً عن الأمير دولات باى المحمودي بحكم انتقاله إلى الدوادارية الثانية، بعد الأمير أسنبغا الطيارى المنتقل إلى تقدمة ألف بالديار المصرية.
فاستمر المذكور في هذه الوظيفة من سنة إثنتين وأربعين إلى سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة أنعم عليه بتقدمة ألف بالديار المصرية، عوضاً عن الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيدي أمير مجلس، بحكم انتقال تنم إلى إقطاع الأمير قراقجا الحسنى بعد وفاته.
؟
840 - جرباش مشد سيدى
852هـ -؟ - 1448م
جرباش بن عبد الله الأشرفي، الأمير سيف الدين، أحد أمراء العشرات، المعروف بمشد سيدي.
هو من مماليك الملك الأشرف برسباى، ومن أعيان خاصكيته، وكان قد جعله أولاً شاد شراب خاناة ولده المقام الناصري محمد، وبعد موت ولده محمد المذكور جعله رأس نوبة الجمدارية، واستمر على ذلك إلى أن توفي الملك الأشرف وتسلطن ولده الملك العزيز أبو المحاسن يوسف أنعم عليه بإمرة عشرة، فلم يقم إلا مدة يسيرة وقبض عليه وحبس مع من حبس من المماليك الأشرفية وغيرهم، وطال حبسه إلى أن أطلق، ورسم له بالإقامة بطرابلس على إقطاع هين.(4/261)
وتردد إلى القاهرة غير مرة، حتى مرض وطال مرضه إلى أن توفي، وهو في أوائل الكهولة، في سنة إثنتين وخمسين وثمانمائة.
؟
841 - جرجى الناصري نائب حلب
؟ 772هـ؟ - 1370م
جرجى بن عبد الله الناصري، الأمير سيف الدين، نائب حلب.
أصله من مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون، وترقى من بعده إلى أن صار في دولة ابن أستاذه الملك الصالح إسماعيل دوادار ثانياً، واستمر على ذلك إلى أن جعله الملك المظفر حاجى بن محمد بن قلاوون دوادارا كبيراً في جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، ودام على وظيفته إلى أن قتل الملك المظفر المذكور في شهر رمضان منها أخرج جرجى هذا إلى الشام على إمرة عشرة بها، واستقر عوضه في الدوادارية الأمير طشبغا قاستمر بدمشق مدة، وأعيد إلى القاهرة على إمرة طبلخاناة، واستقر حاجباً ثانياً بها، عوضاً عن الأمير طشتمر الفاسى،(4/262)
ثم استقر في سلطنة الملك الناصر حسن الثانية خازندار، ثم صار أمير آخورا كبيراً في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين، ثم ولى نيابة حلب بعد عزل الأمير أشقتمر المارديني عنها، فباشر نيابتها نحو السنتين، وتولى عوضه أمير آخورا الأمير يعقوب شاه، ثم عزل عن نيابة حلب بالأمير منكلى بغا الشمس.
واستقر أتابك دمشق إلى أن مات في صفر سنة إثنتين وسبعين وسبعمائة، عن بضع وسبعين سنة.
وكان أميراً جليلاً، ذا همة عالية، ونعمة زائدة، وسعادة وافرة، وكان عفيفاً عن المنكرات والفروج، ولم يكن عفيفاً عن الأموال والظلم، قاله الحافظ عماد الدين بن كثير، رحمه الله تعالى.
842 - جردمر أخى طاز نائب الشام
793هـ -؟ - 1391م
جردمر بن عبد الله، الشهير بأخي طاز، الأمير سيف الدين، نائب دمشق.(4/263)
ولى نيابة دمشق من قبل منطاش لما آل إليه تدبير مملكة المنصور حاجى بعد القبض على الأمير بزلار نائب دمشق في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، واستمر في نيابة دمشق إلى أن قبض عليه الملك الظاهر برقوق بعد روجه من حبس الكرك في سنة إثنتين وتسعين وسبعمائة.
وسببه أن الظاهر لما خرج من حبس الكرك، وكسر منطاشا، وأراد الدخول إلى دمشق منعه جردمر المذكور من الدخول إليها، وقاتله بأهل دمشق قتالاً شديداً، وعاد برقوق إلى الديار المصرية ولم يدخل دمشق، ثم أن الظاهر ظفر بجردمر المذكور وحبسه بقلعة الجبل إلى أن قتل بها في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة.
حدثني بعض أصحاب جردمر المذكور أنه كان طوالاً من الرجال، ذا شكالة حسنة، وله هيبة وحرمة وافرة، ووقار واحتشام، وكان قديم الهجرة، خدم الملوك، وباشر الوقائع، وعنده حسن معاشرة مع الناس، وعدل في الرعية، وكان يحب أهل الصلاح والفقراء، ويحضر مجالس السماع، وأماكن الذكر، وفيه بروصدقة، رحمه الله تعالى.
؟
843 - جر كتمر الأشرفي
778هـ -؟ - 1376م
جركتمر بن عبد الله الأشرفي، الأمير سيف الدين.(4/264)
أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية في دولة أستاذه الملك الأشرف شعبان ابن حسين، قتل بقبة النصر خارج القاهرة بعد عوده من عقبة أيله صحبة أستاذه المذكور بعد انهزامه في سنة ثمان وسبعين وسبعمائة.
وجركتمر: بجيم مفتوحة، وراء مهمله مفتوحة أيضاً، وكاف ساكنة، وتاء مثناه من فوق مفتوحة أيضاً، وميم مضمومة، وراء مهملة ساكنة، رحمه الله تعالى.(4/265)
باب الجيم والعين المهملة
844 - جعفر الدميرى
555 - 623هـ؟ - 1160 - 1226م
جعفر بن الحسن بن إبراهيم، الإمام الفقيه تاج الدين أبو الفضل بن أبي علي، الدميرى الأصل، المصري المولد والدار والوفاة، الحنفى العدل.
قال الحافظ عبد العظيم المنذرى: مولده في سنة خمس وخمسين وخمسمائة، انتهى.
قلت: وقرأ القراءات بالروايات على أبي الجيوش عساكر بن علي المصري، وتفقه على الجمال عبد الله بن محمد بن سعد الله، وعلى الفقيه بدر الدين أبي محمد عبد الوهاب بن يوسف، وسمع من عبد الله بن برى، وأبي الفضل محمد ابن يوسف الغزنوى.(4/267)
وبرع في الفقه والأصول والعربية، ودرس بالمدرسة السيوفية داخل القاهرة إلى حين وفاته، ونسخ بخطه المليح كثيراً، وكان حسن السمت، منجمعا عن الناس، وروى عنه المنذرى المذكور، وقال: مات سنة ثلاث وعشرين وستمائة، وقيل بعد الخمسين وستمائة، والأول أقوى والله أعلم.
؟
845 - الحسن البصرى
604 - 698هـ؟ - 1207 - 1299م
جعفر بن علي بن جعفر بن الرشيد المسند المعمر شرف الدين الموصلى المقرئ المعروف بالحسن البصرى.
مولده بالموصل في سنة أربع وستمائة وكان شيخاً فاضلاً عارفاً، حافظة للأخبار والشعر والأدب.
ذكره الحافظ علم الدين البرزالى وقال: سمع من السهروردى كتاب العوارف بالموصل، وسمع بدمشق من ابن الزبيدي، وبمصر من ابن الجميزى، وبالثغر(4/268)
من ابن رواح، وتوفي بدمشق سنة ثمان وتسعين وستمائة، رحمه الله.
قلت: وصاحب الترجمة يلتبس على من لا يعرف التاريخ بالحسن البصرى التابعي المشهور المتوفى سنة عشر ومائة.
846 - جعفر بن دبوقا
621 - 691هـ؟ - 1224 - 1292م جعفر بن القاسم بن جعفر بن علي بن محمد بن علي الربعي الشافعي، رضى الدين أبو الفضل، المعروف بابن دبوقا.
مولده بحران بكرة يوم الإثنين رابع عشر ذي الحجة سنة إحدى وعشرين وستمائة، ونزل دمشق وسكنها.
قال البرازلى في معجمه: شيخ جليل، صالح فاضل، مفنن في القراءات والعربية، وله محفوظ في الفقه، وله النظم الحسن، وبيته مشهور بالكتابة والرئاسة، انتهى كلام البرزالى.
قلت: وكانت وفاته بدمشق في يوم الأحد السادس والعشرين من شهر رجب سنة إحدى وتسعين وستمائة، ودفن بسفحر قاسيون، رحمه الله.(4/269)
باب الجيم والقاف
847 - جقمق الأرغون شاوى الدوادار ثم نائب دمشق
824هـ -؟ - 1421م
جقمق بن عبد الله الأرغون شاوى الدوادار، الأمير سيف الدين، نائب دمشق.
أخذ من بلاد الجاركس مع والدته صغيرا، فاشتراهما بعض التجار، وقدم بهما إلى الديار المصرية، فاشتراهما بعض أمراء الديار المصرية وهو ابن ثلاث سنين، فأقاما عنده مدة يسيرة، وقبض على الأمير المذكور، فاشتراهما أمير آخر، ثم انتقلا من ملكه بالشراء أيضاً إلى ملك الأمير ألطنبغا الرجبى أحد المماليك الظاهرية برقوق، ثم ابتاعهما من ألطنبغا الرجبى الأمير قردم الحسنى،(4/271)
وأنعم بوالده جقمق المذكور على زوجته، وأنعم بولدها جقمق على ابنه صاحبنا سيدي علي بن قردم، واستمرا عند أربابهما إلى أن توفي الأمير قردم، وبعد مدة انتقل جقمق المذكور من ملك سيدي على بن قردم إلى ملك الأمير أرغون شاه أمير مجلس، فاعتقه أرغون شاه وجعله بخدمته إلى أن قتل في سنة إثنتين وثمانمائة بقلعة دمشق.
اتصل جقمق هذا بخدمة الأمير شيخ المحمودي نائب طرابلس، وصار عنده رأس نوبة الجمدارية، ثم جعله دوادار ثانياً، واستمر على ذلك حتى تسلطن الأمير شيخ وتلقب بالمؤيد، أنعم عليه بإمرة عشرة، وجهزه في الرسلية إلى الأمير نوروز الحافظي نائب الشام، فاعتقله نوروز بقلعة دمشق إلى أن أطلقه الملك المؤيد بكعد أن ظفر بنوروز المذكور، وأنعم عليه بإمرة طبلخاناة بالقاهرة، وجعله دوادارا ثانياً.
فاستمر على ذلك
مدة، ثم نقل إلى الدوادارية الكبرى، بعد الأمير أقباى المؤيدي، فباشر وظيفة الدوادارية بحرمة وافرة، وعظمة زائدة، ونالته السعادة، وعظم وضخم إلى أن ولى نيابة دمشق، بعد عزل الأمير تنبك العلائي المعروف بميق في إثنتين وعشرين وثمانمائة، فتوجه المذكور إلى دمشق وحكمها إلى أن(4/272)
توفى الملك المؤيد شيخ في أول سنة أربع وعشرين، وصار الأمير ططر مدبر مملكة ولده الملك المظفر أحمد بن شيخ، وبلغ ذلك الأمير جقمق صاحب الترجمة فأظهر العصيان بدمشق على الأمير ططر، وأخذ يستميل الأتابك ألطنبغا القرمشى بمن معه من الأمراء المصريين، ويحسن له العود من حلب إلى عنده بدمشق، وذلك بعد أن وقع بين الأتابك ألطنبغا القرمشى وبين الأمير يشبك المؤيدي نائب حلب الوقعة المشهورة التي قتل فيها يشبك المذكور، وولى القرمشى مكانه في نيابة حلب الأمير ألطنبغا الصغير رأس نوبة النوب، ثم عاد بمن معه من أمراء الديار المصرية إلى دمشق، فخرج إليه الأمير جقمق وتلقاه، وبالغ في إكرامه، وأراد بذكل الرئاسة على الأتابك ألطنبغا القرمشى، فما مشى له ذلك، ووقع بينهما وقعة انكسر جقمق فيها، وانهزم إلى قلعة صرخد.
فاستمر بقعلة صرخد إلى أن قدم الأمير ططر إلى دمشق، وصحبته السلطان الملك المظفر أحمد بن الملك المؤيد شيخ، وأخلع على الأمير تنبك العلائي مبق بنيابة دمشق عوض الأمير جقمق، وندبه لمحاصرته بقلعة صرخد، فتوجه الأمير تنبك ميق إليه وصحبته جماعة من العساكر، ونزل على قلعة صرخد وحصره بها إلى ثاني عشر شعبان سنة أربع وعشرين وثمانمائة، أرسل جقمق يطلب الأمان، فحلف له الأمير ططر أيمانا مؤكدة، وجهز له الأمان، فنزل الأمير جقمق من قلعة صرخد، وحضر إلى دمشق صحبة الأمير تنبك ميق العلائي، فوافاهما الأمير ططر في عوده من حلب، وقبض على جقمق المذكور، وحبسه بقلعة دمشق وعصره،(4/273)
وأخذ منه مالاً كثيراً، ثم أمر بقتله، فقتل في أواخر شعبان المذكور من السنة المذكورة، ودفن بمدرسته التي بناها بدمشق بالقرب من الجامع الأموي.
وكان الأمير جقمق المذكور أميراً عارفاً، مكر وخديعة، مع حرمة ومهابة، وكان منهمكا في اللذات، مسرفاً على نفسه، وعنده بادرة مع سفه ووقاحة.
قال المقريزى رحمه الله: وكان شديداً في دواداريته على الناس، حصل أمولاً كثيرة، وكان فاجراً ظالماً غشوماً، لا يكف عن قبيح، انتهى كلام المقريزى. قلت: ورأيته أنا غير مرة، فكان قصيراً، للسمن أقرب، مدور اللحية أسودها، وعنده فصاحة في حديثه كعوام مصر، وفي حديثه سرعة، على أنه كان عارياً من سائر العلوم، رحمه الله تعالى، وعفا عنه.
؟
848 - جقمق الصفوى
808هـ -؟ - 1405م
جقمق بن عبد الل الصفوى، الأمير سف الدين، حاجب حجاب حلب. كان أميراً عارفاً، قديم الهجرة، تنقل في عدة وظائف وأعمل، وباشر حجوبية حلب في نيابة والدي رحمه الله لحلب في الدولة الظاهرية برقوق، ثم عزل بعد ذلك عن حجوبية حلب وولى حجوبية دمشق، ووقع له أمور إلى أن قبض عليه الملك المؤيد شيخ قبل سلطنته بمدة، وأمر به فضربت رقبته بين يديه في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثمانمائة بدمشق، رحمه الله تعالى.(4/274)
؟
849 - السلطان الملك الظاهر جقمق
857هـ -؟ - 1453م
جقمق بن عبد الله العلائي الظاهري، السلطان الملك الظاهر أبو سعيد، سلطان الديار المصرية، والبلاد الشامية، والأقطار الحجازية، والرابع والثلاثون من ملوك الترك، والعاشر من الجراكسة.
قلت: جلبه خواجا كزلك من بلاد الجاركس أو غيرها إلى الديار المصرية في سلطنة الملك الظاهر برقوق الثانية، فاشتراه أمير على بن الأتابك إينال، ورباه وأدبه، ثم أرسله إلى الحجاز الشريف صحبة والدته، وكانت والدة سيدي على المذكور متزوجة بشخص جندي من الأمير آخورية الصغار يسمى نغتاى، فتوجه جقمق هذا معها وحج وعاد في صحبتها، ثم بعد عوده بمدة تعارف مع أخيه جاركس(4/275)
القاسمي المصارع، وجاركس كان الأكبر، وهو إذ ذاك من اعيان خاصكية الملك الظاهر برقوق، فكلم الملك الظاهر برقوق في أخذ جقمق هذا من أستاذه سيدي علي بن إينال، فطلبه الظاهر منه وأخذه، وأعطاه لأخيه جاركس آنيا له في طبقة الزمان.
وقد اختلفت الأقوال في أمره: فمن الناس من يقول: أن العلائي علي كان قد أعتقه قبل أن يأخذه الظاهر برقوق، وسكت أمر علي عن ذلك لتنال جقمق هذا السعادة بخدمة الملك الظاهر برقوق، وكان كذلك، وهذا القول هو المتواتر بين الناس.
ومن الناس من يقول: أنه كان في الرق وملكه الملك الظاهر برقوق وأعتقه، قلت أما عتق الملك الظاهر برقوق له فلا خلاف، لكن هل صادف العتق محلا أم لا؟ فالله أعلم.
واستمر جقمق عند أخيه جاركس بطبقة الزمان مدة يسيرة وأعتقه الملك الظاهر برقوق، وأخرج له خيلاً وقماشاً، ثم جعله خاصكياً، كل ذلك بسفارة أخيه جاركس، ودام على ذلك حتى مات الملك الظاهر برقوق في سنة إحدى وثمانمائة صار في دولة ولده الملك الناصر فرج ساقياً، ثم نقل إلى إمرة عشرة، ثم أمسك وسجن بواسطة عصيان أخيه جاركس المذكور، فاستمر إلى أن(4/276)
شفع فيه والدي رحمه الله وجمال الدين الأستادار، فأطلقه الملك الناصر إلى حال سبيله.
وضرب الدهر ضرباته إلى أن صار في الدولة المؤيدية شيخ أمير طبلخاناة، وخازندارا، بعد الأمير يونس الركنى بحكم انتقاله إلى نيابة غزة، ثم صار في الدولة المظفرية أحمد بن شيخ أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية.
واستمر على ذلك حتى تجرد الأمير ططر وهو إذ ذاك مدبر مملكة الملك المظفر أحمد إلى البلاد الشامية أمره بالإقامة بالقاهرة مع جملة من أقام بها من أمراء الألوف وهم: الأمير قاني باي الحمزاوي نائب حلب الآن، وكان هو نائب الغيبة والمشار إليه إذ ذاك، والأمير جقمق هذا، والأمير قرا مراد خجا الظاهري، والأمير أقبغا التمرازي، واستمر الجميع بالقاهرة إلى أن عاد الأمير ططر إلى الديار المصرية بعد أن تسلطن وخلع الملك المظفر أحمد بن شيخ، وقدم مع والدته صحبته.
ولما وصل ططر إلى القاهرة أخلع على جقمق هذا باستقراره في نيابة قلعة الجبل مضافاً إلى تقدمته، فدام على ذلك إلى سنة خمس وعشرين وثمانمائة نقل(4/277)
إلى حجوبية الحجاب بالديار المصرية، بعد القبض على الأمير طرباى بمدة، واستمر على ذلك إلى أن خلع عليه الملك الأشرف برسباى باستقراره أمير آخورا، عوضاً عن الأمير قصروه من تمراز بحكم انتقاله إلى نيابة طرابلس، بعد عزل الأمير إينال النوروزي وقدومه إلى القاهرة على تقدمة ألف بها، وذلك في أواخر صفر سنة ست وعشرين وثمانمائة، وولى الحجوبية من بعده الأمير جرباش الكريمى الظاهري المعروف بقاشق.
فاستمر في وظيفته إلى سنة سبع وثلاثين أخلع عليه باستقراره أمير مجلس، عوضاً عن أقبغا التمرازي، بحكم انتقال أقبغا لإمرة سلاح، بعد انتقال الأمير إينال الجكمى إلى الأتابكية، واستقر في الأمير آخورية من بعده الأمير تغرى برمش نائب القلعة، ونزل الجميع بخلعهم إلى دورهم إلى آخر النهار رسم السلطان بأن يكون أقبغا التمرازي أمير مجلس علي عادته، ويكون جقمق هذا أمير سلاح، عوضاً عن الأمير إينال الجكمى، فامتثل أقبغا المرسوم الشريف.
واستمر جقمق المذكور أمير سلاح إلى أن نقل إلى الأتابكية بالديار المصرية، بعد الأتابك إينال الجكمى، بحكم انتقاله إلى نيابة حلب، عوضاً عن قر قماس الشعباني بحكم عزله وحضوره إلى القاهرة على وظيفة إمرة سلاح، عوضاً عن جقمق المذكور، وذلك في يوم الإثنين تاسع شهر ربيع الأول سنة تسع وثلاثين وثمانمائة.
واستمر على ذلك إلى أن مات الملك الأشرف برسباى في سنة إحدى وأربعين،(4/278)
بعد أن عهد إلى ولده الملك العزيز يوسف، وجعل الأتابكى جقمق المذكور مدبر مملكته.
فلما تسلطن الملك العزيز، وأقام مدة يسيرة، شرع جماعة من أطراف المماليك الأشرفية يأمرون في الدولة وينهون، فعظم ذلك على أعيان الدولة من المؤيدية والناصرية والظاهرية والسيفية، وخاف كل واحد على نفسه، كل ذلك والأتابك جقمق سامع لهم ومطيع إلى أن زاد أمرهم وتفرقت كلمتهم، وانضم فرقة منهم على الأتابك جقمق كبيرهم الأمير إينال الأبو بكرى الأشرفي الدوادار الثاني، فعند ذلك انتهز الفرصة من كان تخوف قبل تاريخه من المماليك الأشرفية، وتوجهوا إلى دار الأتابك جقمق، وكان سكنه تجاه الكبش على بركة الفيل بالدار الملاصقة لقصر بكتمر الساقي، فاجتمع عليه خلائق لا تدخل تحت الحصر من الأمراء والخاصكية وطوائف من المؤيدية والناصرية والظاهرية والسيفية، وكانوا هم الطالبين له والراغبين في تقدمه لحسن سيرته ولا ستنقاذ مهجهم من أيدي هؤلاء الأجلاب الأشرفية، وصاروا معه عصبا واحداً على كلمة واحدة، وآل أمرهم إلى الحرب مع من بقى من المماليك الأشرفية عند الملك العزيز بقلعة الجبل.
وركب الأتابكى جقمق بمن انضم عليه من المذكورين من داره إلى أن نزل بدار الأمير نوروز الحافظي تجاه مصلاة المؤمنى من الرملة، وترامى كل من الطائفتين بالنبال، وتواجها في بعض الأحيان، ودام ذلك بينهم نحو ثلاثة أيام(4/279)
والملك العزيز مقيم بالقصر الأبلق من قعلة الجبل، وأمره في إدبار وأمر الأتابك جقمق في استظهار، كل ذلك والأتابك جقمق يظهر الطاعة للملك العزيز يوسف، وانما يستخصم جماعة من المماليك الأشرفية، ويبالغ في الحط عليهم، ثم ترددت الرسل بينهما إلى أن وقع الصلح، على أن يرسل السلطان إلى الأتابك جقمق بأربعة من الخاصكية، فأرسلهم إليه، ويشبك الفقيه الأشرفي الدوادار، وأزبك البواب الأشرفي، فحال وصولهم قبض عليهم الأتابكى جقمق، ثم ركب فرسه من وقته من بيت نوروز في جموعه حتى صار تحت القلعة نزل عن فرسه تجاه باب السلسلة، وقبل الأرض للملك العزيز، ثم ركب وعاد وصحبته الخاصكية الأربعة المقبوض عليهم إلى داره على بركة الفيل، وسكنت الفتنة، ثم بدا للأتابكى جقمق أن يفرج عن هذه الأربعة الخاصكية فأفرج عنهم، وأخلع على كل واحد منهم كاملية مخمل بفرو سمور بمقلب سمور، وأعادهم إلى الملك العزيز، وكثر الكلام بين الطائفتين إلى أن طلع الأتابك جقمق إلى الإسطبل السلطاني، وسكن بالحراقة من باب السلسلة، ثم أمر بنزول المماليك الأشرفية من الأطباق بالقلعة إلى القاهرة بعد أن حلفوا له باطلاعة، وحلف لهم.
واستفحل أمره، وعظم في النفوس، وصارت حرمته تتزايد، وأمره ينمو إلى أن وصل من تجرد من الأمراء إلى البلاد الشامية في حياة الملك الأشرف في يوم الأربعاء خامس شهر ربيع الأول سنة إثنتين وأربعين وثمانمائة، وهم: الأمي قرقماس الشعباني أمير سلاح، والأمير أقبغا التمرازي أمير مجلس، والأمير تمراز القرمشى رأس نوبة النوب، والأمير أركماس الظاهري بالدوادار الكبير، والأمير جانم قريب الملك الأشرف الأمير آخور الكبير، والأمير يشبك السودوني(4/280)
حاجب الحجاب، والأمير قراجا الأشرفي، ولم يتخلف من الأمراء عن الحضور إلى الديار المصرية غير الأمير خجا سودون البلاطى، فإنه نفى إلى القدس الشريف من مدينة غزة، وكل هؤلاء مقدمي ألوف بالديار المصرية.
ولما وصل هؤلاء الأمراء نضموا أيضاً على الأتابك جقمق ووافقوه على قصده، وانقطعوا عن الطلوع لخدمة الملك العزيز، وأصبحوا في يوم الخميس سادس شهر ربيع الأول اجتمعوا عند الأتابك جقمق بالحراقة من باب السلسلة، وقد تعين من الجماعة القادمين من البلاد الشامية الأمير قمرقماس أمير سلاح لاقتحامه على الرئاسة، ويظهر بذلك التنصح للأتابك جقمق، وشارك الأتابك في مجلسه، وجلس من عداه في مراتبهم، ثم أسر للأتابك بكلام، فندب الأتابك بعض جماعته بطلب جماعة من الأشرفية وغيرهم، فاحضروا سريعاً، فلما حضروا أخذ فرقماس يشير بالقبض عليهم، وصار واحداً بعد واحد، فأول من بدأ به الأمير جانم أمير آخور، وفقبض عليه الزينى خشقدم اليشبكي الطواشى مقدم المماليك، ونائبه الأمير فيروز الركنى، ثم على الأمير على باي الأشرفي شاد الشراب خاناة، ثم على الأمير يخشى باي الأمير آخور(4/281)
الثاني، ثم على الأمير تنبك الجقمقي نائب القلعة، ثم على الأمير خشكلدى من سيدي بك أحد العشرات ورأس نوبة، ثم على الأمير جانبك الساقي المعروف بقلقسيز، ثم على الأمير جرباش مشد سيدي الأشرفي، ثم على جكم الخازندار خال العزيز، وعلى أخيه بايزيد، وكلاهما غير أمير، ثم على جماعة من الخاصكية، وهم: دمرداش وإلى القاهرة، ويشبك الفقيه الأشرفي الدوادار، وتنم الساقي، وأزبك البواب، وهؤلاء الثلاثة، المقبوض عليهم صحبة جكم قبل تاريخه، ثم قبض على السيفى بيرم خجا أمير مشوى، وعلى تنبك القيسى رأس نوبة الجمدارية المؤيدي، وعلى أرغون شاه الساقي، وأرسلوا الجميع إلى سجن الإسكندرين في يوم السبت ثامن شهر ربيع الأول.
ثم خلع على الأمير تمرباي أحد مقامي الألوف بنيابة الإسكندرية، عوضاً عن الزينى عبد الرحمن بن الكويز، ورسم له بالتوجه في يومه، ثم إن الأمير الكبير جقمق ندب الأمير تنبك نائب القلعة كان، ومعه الأمير أقطوه، في جماعة، فطلعوا إلى القلعة لحفظها، واستقر تنبك المذكور كالنائب بها، وهو من جملة أمراء الألوف، ثم انفض الموكب بعد أن علم كل أحد بزوال مملكة الملك العزيز يوسف وذهاب دولته.(4/282)
وإستمر أمر الأتابك جقمق يقوى، ودولة الملك العزيز تضف، إلى أن خلع الملك العزيز في يوم الأربعاء تاسع عشر شهر ربيع الأول سنة إثنتين وأربعين وثمانمائة.
وكانت مدته أربعة وتسعين يوماً.
ذكر سلطنة الملك الظاهر جقمق
وجلوسه على تخت الملك
لما كان يوم الأربعاء تاسع عشر شهر ربيع الأول لب الخليفة أمير المؤمنين المعتضد بالله والقضاة الأربع إلى الإسطبل السلطاني عند الأمير الكبير جقمق، وقد اجتمع عنده سائر الأمراء وأعيان الدولة، ثم تكلم بعض من حضر من الأمراء بأن قال: السلطان الملك العزيز صغير، والأحوال ضائعة، ولا بد من سلطان ينظر في مصالح المسلمين، وينفرد بالكلمة في الممالك، فقال الأتابكى جقمق: هذا لا يتم إلا برضى الجماعة، فصاح الجميع بلسان واحد: نحن راضون بالأمير الكبير، ومد الخليفة يده فبايعه، ثم بايعه القضاة والأمراء على مراتبهم، ثم قام من فوره ولبس الخلعة الخليفتية السوداء، وتقلد بالسيف على العادة، وركب فرس النوبة، والأمراء مشاة بين يديه، وحمل الأمير قرقماس(4/283)
القبة والطير على رأسه إلى أن طلع إلى القصر الكبير من قعلة الجبل، وجلس على تخت الملك، وقبل الأمراء الأرض بين يديه.
وكان جلوسه على تخت الملك في يوم الأربعاء تاسع عشر شهر ربيع الأول سنة إثنتين وأربعين وثمانمائة، على مضى سبع عشرة درجة من النهار، الطالع برج الميزان بعشر درجات وخمس وعشرين دقيقة، وكان الشمس في السادس والعشرين من السنبلة والقمر في العاشر من الجوزاء، وزحل في الثاني والعشرين من الحمل، والمشترى في السابع عشر من القوس، والمريخ في الخامس من الميزان، والزهرة في الحادي عشر من الأسد، وعطارد في الرابع عشر من السنبلة، والرأس في الثاني من الميزان. وتم أمره وزال ملك الملك العزيز يوسف بن الملك الأشرف برسباى.
ثم رسم بأن ينادي بالنفقة في المماليك السلطانية لك مملوك مائة دينار.
ورسم للملك العزيز بأن يقيم بقاعة البربرية من دور الحرم السلطاني، وأن يحتفظ به، ثم أخلع على الطواشي فيروز الجاركمى باستقراره زمام دار، عوضاً عن الصفوى جوهر الجلباني اللالا، وشرع الملك الظاهر جقمق في الفنقة على المماليك السلطانية من يوم السبت ثامنه إلى أن انتهت النفقة فيهم، ثم خلع(4/284)
على الأمير قرقماس الشعابني المعروف بأهرام ضاغ، يعنى جبل الأهرام، بأتابكية العساكر بالديار المصرية عوضه، وعلى أقبغا التمرازي بإمرة سلاح، عوضاً عن قرقماس المذكور، وعلى يشبك السودوني بإمرة مجلس، عوضاً عن أقبغا، وعلى تمراز القرمشى باستقراره أمير آخور، عوضاً عن جانم بحكم القبض عليه وحبسه بالإسكندرية؛ وعلى قراخجا باستقراره رأس نوبة النوب، عوضاً عن تمراز القرمشى، وعلى تغرى بردى المؤذى البكلمشى بحجوبية الحجاب، عوضاً عن يشبك السودوني، على أركماس الظاهري باستمراره في وظيفة الدوادارية، كل ذلك في يوم الخميس ثاني يوم سلطنته، وأنعم على عدة أخر بتقادم وطبلخانات وعشرات، يطول الشرح في ذكرهم، وتطاول كل وضيع إلى المرتبة العليا، ومشى ذلك لجماع منهم، بل لغالبهم.
واستمر الملك الظاهر في أمر ونهى وأخذ وعطاء إلى يوم الأربعاء رابع شهر ربيع الآخر ركب السلطان إلى لعب الكرة بالحوش السلطاني، وحضر الأتابك قرقماس ولعب معه حتى انتهى، وأراد النزول إلى داره أسر بعض خواص السلطان إليه بأن قرقماس يريد إثارة فتنة، فلم يقبل السلطان كلامه، ونزل قرقماس إلى أن وصل تحت باب المدرج من القلعة أحاطوا به المماليك السلطانية، وطلبوا منه أن يتكلم مع السلطان في زيادة جوامكهم، ولزموه وطلبوا منه أن يركب معهم، فأراد أن يرجع إلى القلعة فما مكنوه من ذلك، وأخذوه إلى داره، وتلاحق بهم من المماليك الأشرفية جماعة، ولا زالوا به حتى وافقهم على الركوب ومحاربة السلطان، فلبس سلاحه وركب على كره منه.(4/285)
وهو كان يريد العصيان على السلطان، لكن بعد أيام، على غير هذا الوجه حتى يصلح أمره ويثق بمن يركب معه من الأعيان ويتهيأ لذلك، فلما غصبوه هؤلاء بالركوب في هذا اليوم، وحسن له بعض أعوانه ذلك، وحذره أنه اذا لم يركب في هذا اليوم لا يجتمع عليه أحد بعد ذلك أذا أراد الركوب، فأذعن، وسار ومعه جماعة كبيرة إلى الغاية، غير أنه منقبض الخاطر حتى وصل إلى الرميلة، ووقف تجاه باب السلسلة، وهو غير منشرح الصدر، لما رأى من خلف عسكره واختلاف أغراضهم، فكان منهم من يقول: الله ينصر الملك العزيز، ومنهم من يقول: الله ينصر السلطان، فكان قرقماس إذا سمع ذلك يقول: الله ينصر الحق، وتكرر ذلك في مسيرهم من بيته إلى أن وصل إلى الرميلة غير مرة، حتى أنه كشف رأسه وقال: الله ينصر الحق، فتطير من أصحابه من له خبرة بكشف رأسه، ثم سقطت درفته في الرميلة عن كتفه، فتزايد تطير الناس لذلك.
ولما وقف بالرميلة، أمر لبعض أعوانه بالمناداة بالقاهرة على لسانه: أنه من حضره إلى عنده من المماليك ينعم عليه بكيت وكيت، وأنه ينفق فيهم إذا صار الأمر إليه بمائتي دينار لكل مملوك، وبمجئ الزعر إليه، وأنه ينفق فيهم أيضاً لكل واحد عشرين دينارا، فعظم جمعه، وتكاثفت عساكره، وبلغ السلطان(4/286)
خبره، فأسرع بنزوله إلى المقعد المطل على الرميلة من باب السلسلة ومعه نفر قليل جداً، ورسم بالمناداة: من كان من حزب السلطان فليحضر عند الأمير أقبغا التمرازي أمير سلاح في بيته، ثم بعث إلى الأمير أقبغا بأمره بأنه يجمع من حضر عنده من الأمراء وغيرهم ويسير بهم إلى الرميلة من جهة باب السلسلة لقتال قرقماس، فاجتمع على أقبغا المذكور عدة من أمراء الألوف وغيرهم، وساروا حتى وصلوا إلى صليبة طولون، استشارهم أقبغا من أين يتوصلوا إلى الرميلة، فإن وصلوا إلى صليبة ابن طولون، استشارهم أقبغا من أين يتوصلوا إلى الرميلة، فإن قرقماس بجموعه إلى الرميلة، فكيف التوصل إلى باب السلسلة منهم، فكثر الكلام في ذلك حتى وقع الانفاق أنهم يسيروا من سويقة منعم غارة إلى باب السلسلة، ففعلوا ذلك.
فلم يفطن به فرقماس لكثرة عساكره، حتى وقفوا تحت باب السلسلة وتهيؤا لقتاله، فعند ذلك حمل عيلهم قرقماس بمن معه، بعد أن فر من عنده إلى جهة السلطان الأمير قراجا الأشرفي، أح مقدمي الألوف، والأمير مغلباي الجقمقي أستادار الصحبة، ووقع القتال بين الفريقين، واشتد الحرب بينهم، وتلاقوا غير مرة، وفشت الجراح بينهم وقتل من جهة السلطان الأمير جكم المجنون النوروزى أحد(4/287)
العشرات، ودام ذلك إلى نصف النهار المذكور، وتعين الظفر لقرقماس غير مرة، لكنه كان في قلة من أكابر الأمراء فلهذا انهزم، فإنه كان تارة يقف تحت رايته، وتارة يحرك فرسه ويقاتل حتى أصابه لذلك سهم في وجهه وكل فتتفرقت عنه عساكره قليلاً بقليل حتى كانت الكسرة عليه، وانهزم واختفى، وأحاط الملك الظاهر على موجوده وحواشيه، ودقت البشائر لذلك، وتطلبه حتى ظفر به في يوم الجمعة سادسه، وقيد وحمل إلى الأسكندرية في يوم السبت سابعة، وأنعم السلطان بإقطاعه وأتابكيته على الأمير أقبغا التمرازي أمير سلاح، وخلع على يشبك أمير مجلس بإمرة سلاح، عوضاً عن أقبغا، وعلى الأمير جرباش الكريمي المعروف بقاشق بإمرة مجلس، عوضاً عن يشبك.
واستمر السلطان بعد ذلك إلى شهر رمضان من السنة ترادفت عليه الأهوال فيه بورود الخبر بعصيان الأمير تغرى برمش نائب حلب، ثم عقبه البريد بعد مدة يسيرة بعصيان الأيمر إينال الجكمى نائب دمشق، ثم فرار الملك العزيز من وسط الدور السلطاني من قاعة البربرية في ليلة الإثنين سلخه.
سببه أن العزيز لما حبس بقاعة البربرية من الدور السلطاني، وكانت دادته سر النديم الحبشية عنده ومعها عدة جواري له، ثم مكنت مرضعته من الدخول إليه وكان القائم في حوائجه، وفي قبض ما رتب له من أوقاف والده في كل شهر طواشى هندي يسمى صندل، لم يبلغ العشرين من العمر، من عتقاء أمه خوند جلبان، وكان عنده نباهة وفطنة، فاحتوى على جميع أحواله لإنفراده(4/288)
بخدمته، وكان بخدمته، وكان أرجف بقتل العزيز غير مرة أو بكحله، ثم أشيع ينقله إلى حبس الإسكندرية، فصار صندل يخبر العزيز بمهما سمعه، فداخل العزيز الخوف واتسع خياله إلى أن بلغه أيضاً أن بعض القضاة أتى بقتله لصيانة دم الرعية، فرمى العزيز نفسه على صندل المذكور وقال له: تحيل في فراري، وأبق على مهجتي، فانفعل صنل، وكان للعزيز طباخ من أيام أبيه، فكلمه صندل في إخراج العزيز، فوافقه على ذلك، فأمر العزيز لجوارية أن ينقبن في البربرية يخرج منه إلى المطبخ، وساعدهم الطباخ من الخارج، حتى انتهى.
وكان صندل أعلم بذلك جماعة من الأشرفية، وكان ذلك مرادهم، فلما كان وقت الأفطار من يوم الإثنين المذكور، والناس في شغل بأكلهم، خرج العزيز من النقب المذكور عرياناً مكشوف الرأس، فألبسه الطباخ من خلقاته ثوباً ملوثاً بسواد القدور، وأخذه معه، ونزل كأنه من بعض صبيانه، وهو يمر على الخدام من غير أن يتفطن به أحد، فوافا الأمراء وقد خرجوا بعد الفطر من عند السلطان، وصاروا جملة واحدة، فلما رأى الطباخ ذلك ضرب العزيز ظهره ضربة وصاح عليه كأنه من بعض صبيانه، ليرد بذلك الوهم عنه، فمشت حيلته؛ ونزل من باب المدرج حتى وصل تحت الطبلخاناة، وإذا بصندل الطواشي، وطوغان الزرد كاش، ومشده ازدمر في آخرين من الأشرفية فقبلوا يده.
وكان صندل كان قد أخبر العزيز أنه إذا نزل مماليك أبيه الأشرفية يركبون معه لقتال الملك الظاهر أو يتوجهون به إلى الشام، فلما رأى غير ذلك ندم، وطلب العود إلى مكانه، فلم يمكنه ذلك، والتزم له طوغان الزرد كاش(4/289)
أن يمضي إلى بلاد الصعيد، ويأتي بمن هناك من المماليك الأشرفية الذين في التجريدة لقتال هوارة صحبة الأمير يشبك السودوني، وهم نحو سبعمائة فارس، ومضى من ليلته حتى وصل إليهم، فلم ينتج أمره، وقبض عليه وحمل إلى القاهرة، وحبس وعوقب، ثم وسط بعد أيام.
واختفى العزيز هو وطواشيه صندل، وأزدمر مشده، وطباخه، وصار يتنقل من مكان إلى آخر، والسلطان في طلبه، وعوقب جماعة بسببه، وهجم على جماعة من البيوت، ومرت بالعزيز شدائد في اختفائه، وفر الأمير إينال الأبو بكري الأشرفي أحد مقدمي الألوف، بسببه، ثم قبض على جماعة من الخاصكية للقبض على الأمير قراجا الأشرفي، أحد مقدمي الألوف أيضاً بالغربية، فانه كان قد توجه لعمل جسورها، فقبض عليه وحبس بالأسكندرية.
واستمر العزيز مختفياً إلى أن خرجت تجريدة لقتال الأمير إينال الجكمى نائب الشام، ولقتال الأمير تغرى برمش نائب حلب، ومقدم العساكر الأمير أقبغا التمرازي المتولى نيابة الشام، عوضاً عن الجكمى، وصحبته الأمير قراخجا، وقد استقر أمير آخورا، والأمير تمرباي الدوادار، وقد صار رأس نوبة النوب، وعدة من أمراء العشرات والخاصكية.(4/290)
وتزايدت الهموم والمحن على السلطان في هذه المدة من سائر الجهات، وبقى في حيرة، وصار تارة يشتغل بتجهيز العساكر لقتال العصاة من النواب بالبلاد الشامية، وتارة في طلب العزيز وفي الفحص عنه، ولا زال على ذلك إلى يوم الأربعاء ثالث عشرين شوال من سنة إثنتين وأربعين وثمانمائة ظفر بسر النديم دادة الملك العزيز بعد ما كبس عليها عدة بيوت، وعوقب جماعة، وقاست الناس في هذه المدة أهوالا بسبب العزيز وحواشيه، ثم ظفر السلطان بالطواشي صندل الهندي فتحقق منهما أن العزيز وإينال لم يخرجا من القاهرة، وأنهما لم يجتمعا قط، فهان عليه الأمر قليلا، فإنه كان في ظن السلطان أن الأمير إينال أخذ العزيز على نجبه التي هيأها لسفر الججاز، ومضى به إلى الأمير إينال الجكمى نائب الشام.
قلت: ولو كان اينال فعل ذلك لكان تم أمر الملك العزيز، فما شاء الله كان. ثم اجتهد السلطان في طلب العزيز، وطرق الناس بهذا السبب أهوالاً ومحن إلى ليلة الأحد سابع عشرينه قبض على الملك العزيز، فاستراح بالقبض عليه وأراح، وهو أنه لما نزل من القلعة واختفى كان معه طواشيه صندل وأزدمر مشده، وطباخه إبراهيم لا غير، وصار العزيز ينتقل بهم من موضع إلى موضع لكثرة ما يكبس عليه، وصار كل يوم في رجيف ومحنة، حتى وقع بين أزمر وصندل الطواشي، وطرد صندل، ففارق صندل العزيز ومضى إلى حال سبيله بعد أن أنعم عليه العزيز بخمسين ديناراً، ثم أن أزدمر طرد أيضاً إبراهيم الطباخ، وبقي(4/291)
مع العزيز وحده ليكونا أخف على من يختفيا عنده، هذا والسلطان يستحث في طلبهما حتى ضيق عليهما المسالك، واستوحش من قبولهما كل أحد حتى أرسل العزيز إلى خاله الأمير بيبرس، أحد أمراء العشرات وأعلمه بمجيئه ليختفي عنده، فواعده بيبرس المذكور أن يأتيه ليلاً، ثم خاف بيبرس عاقبة ذلك، فأعلم جاره الأمير بلباي الإينالي المؤيدي، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، بذلك، وقال: يقبح بي أن يكون مسك العزيز على يدي، ولكن أفعل أنت ذلك، وأعلمه بطريقة التي يمر منها في قدومه، فترصد له يلباى المذكور، ومعه أناس قلائل جداً، بزقاق حلب خارج القاهرة، حتى مر به الملك العزيز بعد عشاء الآخرة ومعه أزدمر، هما في هيئة مغربيين، فوثب يلباى على أزدمر ليقبض عليه، فدفع عن نفسه، فضربه يلباي أدمى وجهه وأعانه عليه من معه حتى أوثقوه، وأخذوا العزيز وعليه جبة صوف حتى طلعوا بهما إلى القعلة من باب السلسلة، العزيز حاف، وقد أخذ مملوك من المؤيدية بأطواقه إلى أن أوقف بين يدي الملك الظاهر جقمق، فكادت نفسه تزهق فرحاً، فأوقفه الظاهر ساعة، ثم أدخله إلى قاعة العواميد من الدور، عند زوجته خوند الكبرى مغل بنت القاضي ناصر الدين محمد بن البارزى، وأمرها أن تجعله في المخدع، ولا تبرح عن بابه، وأن تتولى أمر أكله وشربه، فأقام على ذلك مدة، ونقل إلى الأسكندرية وحبس بها، على ما سيأتي في ترجمته إن شاء الله تعالى.(4/292)
فعند ذلك خف عن الملك الظاهر بعض ما كان يجده من أمر العزيز، والتفت إلى البلاد الشامية حتى ورد عليه الخبر بعد ذلك في يوم الخميس تاسع ذي القعدة من السنة بواقعة الأمير إينال الجكمى وبالقبض عليه، فدقت البشائر لذلك، وهان عليه أمر تغرى برمش نائب حلب، فإنه كان يجزع من اجتماعهما معاً، فلم تكن إلا أيام يسيرة، وورد عليه الخبر في يوم الجمعة رابع عشرين ذي القعدة بكسرة تغرى برمش ثم بالقبض عليه، فرسم بقتله حسبما ذكرناه في ترجمته، وقتل الجكمى كما ذكرناه أيضاً في ترجمته.
وصفا الوقت للملك الظاهر جقمق في مدة يسيرة، وظفر بأعدائه بعد أن كانت دولته قد أشرفت على الزوال فلما صفا وقته وزال عنه الضد والمعاند أخذ يقرب جماعة من الأندال والأوباش، وأنعم عليهم بالإمريات والإقطاعات والوظائف، السنية، ولكن المعطى هو الله، لأن قلوب الملوك بيده سبحانه وتعالى يقلبها كيف يشاء فسبحان المتفضل بالنعم على مستحقي النقم، قلت: ولا يحمد على المكروه إلا الله سبحانه وتعالى.
واستمر الملك الظاهر جقمق في سلطنة الديار المصرية من غير معاند، وطالت مدته، وصفت حتى أنه لم يحتج فيها لمساعد، وأخذ ينتهز الفرصة فيما ذكره(4/293)
يطول، ولسان الحال عنه يقول: إذا هبت رياحك فاغتنمها فعقبى خافقة سكون.
ولا زال على ذلك، والدهر مطاوعه، والمقادير تساعده، حسبما ذكرناه في تاريخا حوادث الدهور في مدى الأيام والأيام والشهور مفصلا في اليوم والوقت، إلى أن مرض في أواخر ذي الحجة سنة ست وخمسين وثمانمائة، وطال مرضه إلى أن خلع نفسه من السلطنة في الساعة الثانية في يوم الخميس الحادي والعشرين من محرم سنة سبع وخمسين وثمانمائة، وسلطن ولده الملك المنصور عثمان، ودام متمرضاً بقاعة الدهيشة من القلعة إلى أن توفي ليلة الثلاثاء ثالث صفر سنة سبع المذكورة، وذلك بعد خلعه بإثنتي عشر يوماً، وصلى عليه من الغد بمصلاة باب القلة من قلعة الجبل، وحضر ولده السلطان الملك المنصور الصلاة عليه، وصلى عليه الخليفة القائم بأمر الله أبو البقاء حمزة إماماً، ودفن من ساعته بتربة الأمير قاني باي الجاركسي الأمير آخور التي أنشأها عند دار الضيافة بالقرب من قلعة الجبل.(4/294)
وكانت جنازته مشهودة بخلاف جنائز الملوك، وذلك لعدم اضطراب الدولة، فإنه كان قد تسلطن ولده الملك المنصور قبل وفاته بأيام حسبما ذكرناه، ومات وسنه نيف على الثمانين سنة.
وكانت مدة ملكه من يوم تسلطن بعد خلع الملك العزيز يوسف في يوم الأربعاء تاسع عشر شهر ربيع الأول سنة إثنتين وأربعين وثمانمائة إلى أن خلع بولده الملك المنصور عثمان المذكور في الثانية من يوم الخميس المذكور الحادي والعشرين من محرم سنة سبع وخمسين وثمانمائة أربع عشرة سنة وعشرة شهور ويومان، وكانت وفاته بعد خلعه بإثنتي عشر يوماً كما ذكرناه.
وكان سلطاناً ديناً، خيراً، صالحاً، متفقهاً، شجاعاً، عفيفاً عن المنكرات والفروج، لا نعلم أحدا من ملوك مصر في الدولة الأيوبية والتركية على طريقته من العبادة والعفة؛ لم يشهر عنه في حداثة سنه ولا في كبره أنه تعاطى مسكراً، ولا اكتشف حراماً قط، وأما حب الشباب فلعله كان لا يصدق أن أحداً يفعل ذلك لبعده عن معرفة هذا الفعل، وكان غالب أوقاته على طهارة كاملة، وكان متقشفاً في ملبسه ومركبه إلى الغاية، لم يلبس الأحمر من الألوان في عمره، ولم أراه منذ تسلطن أنه لبس كاملية بمقلب سمور غير مرة واحدة، وأما الركوب(4/295)
على السرج الذهب والكنبوش الزركش فلم يفعله قط، وكان ما يلبسه في أيام الصيف وما على فرسه لا يساوي عشرة دنانير، وكان معظماً للشريعة، محباً للفقهاء وطلبة العلم، معظماً للسادة الأشراف، وكان يقوم لمن دخل عليه من الفقهاء والصلحاء كائناً من كان، وكان إذا قرأ عنده أحد فاتحة الكتاب نزل عن مدورته وجلس على الأرض تعظيماً لكلام الله تعالى، وكان كريماً جداً، مسرفاً مبذراً، أتلف في مدة سلطنته من الأموال مالا يدخل تحت حصر كثرة، وكان لا يلبس إلا القصير من الثياب، ونهى الأمراء وأكابر الدولة وأصاغرها عن لبس الثوب الطويل، وأمعن في ذلك حتى أنه ضرب جماعة كثيرة بسبب ذلك، وقص أثواب جماعة أخر من أعيان الدولة في الموكب السلطاني بحضرة الملأ من الناس، وكان كثيراً ما يوبخ من يلبس الثوب الطويل، ومن لا يحف شاربه من الأتراك.
وفي الجملة: أنه كان آمرا بالمعروف، ناهياً عن المنكر، إلا أنه كان قد قيض الله له أعوان سوء وحاشية ليست بذاك، وكان رحمه الله سريع الإستحالة، وعنده بطش وحدة مزاج، وبادرة مع طيش وخفة، فكانوا، أغنى حاشيته، مهما أوحوه له قيله منهم، وأخذه على الصدق والنصيحة، فلهذا كان يقع منه تلك الأمور القبيحة التي ذكرناها في وقتها، في كتابنا المسمى(4/296)
بحوادث الدهور في مدى الأيام والشهور، من ضرب العلماء، وبهدلة الفقهاء والرؤساء وسجنهم بحبس المقشرة مع أرباب الجرائم، حتى أنه حبس بها جماعة كبيرة من الفقهاء والأعيان، والذي يحضرني منهم الآن قاضي القضاة ولى الدين محمد السفطى قاضي قضاة الشافعية بالديار المصرية، وأحد ندمائه، والقاضي بدر الدين محمود بن عبد الله أحد نواب الحكم الحنفية، والقاضي محب الدين أبو البركات الهيتمى أحد نواب الشافعية، والعلامة قوام الدين القمى العجمي الحنفي، والحافظ برهان الدين إبراهمي البقاعي الشافعي، والقاضي شهاب الدين الزفتاوي أحد النواب الشافعية، والقاضي علاء الدين بن القاضي تاج الدين البلقيني أحد نواب الشافعية، وقاضي بولاق شهاب الدين أحمد المدعو قرقماص أحد النواب الحنفية، والقاضي عز الدين البساطي أحد النواب المالكية، والقاضي شهاب الدين بن إسحاق أحد نواب الشافعية بمصر القديمة، والناصري محمد بن أمير عمر بن الحاجب من بيت رئاسة، سكنه خارج باب النصر، والأمير بيبرس بن تغر، وابن شعبان وأما غير الأعيان فخلائق لا تحصى من بياض الناس.
وكل ذلك كان لعدم تثبته في أحكامه، وعظم بادرته وسلامة باطنه، فإنه كان يصدق ما ينقل إليه بسرعة، ولا يتروى في أحكامه حتى يأتيه من يخبره بالحق، فلهذه الخصال كانت الرعية قد سمته وطلبت زواله، وكانت الدعوى عنده لم سبق، لا لمن صدق، على قاعدة الأتراك.(4/297)
وبالجملة كانت محاسنه أكثر من مساوئه، وكان حاله أحسن من حال غيره من ملوك مصر السالفة من حيث الدين وعفة الذيل، فإنه كان قد قمع المفسيدين والجبابرة من كل طائفة، وكسدت في أيامه حال أرباب الملاهي والمسكرات، وتصولح غالب أمرائه وجنده، وبقي أكثرهم يصوم الأيام الكثيرة في كل شهر، ويعف عن المنكرات، وكل ذلك مراعاة لخاطره، وخوفاً من بطشه لما يرون من تشديده على من يفعل القبائح والمنكرات، وهذا بخلاف الملوك السابقة فإنهم كانوا كثيراً ما يفعلون ذلك، فكان يصير كل قبيح جهارا، ومن عظم حرمته وشدة بطشه قال بعض الفضلاء: تابت هذه الدولة عن الموت في هدم اللذات والأيام الطيبة، وان الذين يتعاطون المسكرات في أيامه وهم القليل من الناس صاروا يتعاطون في خفية، ويرجفهم في تلك الحالة صغيرة الصافر.
وأبطل من تقشفه أشياء كثيرة من شعار المملكة، مثل: سوق المحمل، والنرول إلى الصيد بالجوارح، وخدخمة الإيوان، الحكم بباب السلسلة بالإصطبل السلطاني، ونوابة خاتون التي كانت تدق بقلعة الجبل عند الصباح والمساء، أشياء كثيرة من هذا النمط، ذكرناها مفصلة في كتابنا الحوادث، وكل ذلك كان يكرهه مما يقع فيه من المفاسد، لا يفعل ذلك توفرة للأموال، فإن(4/298)
المال كان عنده كلا شئ، على أنه كان يحب جمعه من حلاله وحرامه، ثم يصرفه على قدر اجتهاده في أي جهة كانت.
وكانت صفته قصيراً، للسمن أقرب، أبيض اللون مشرباً؟ بحمرة، صبيح الوجه، منور الشيبة، فصيحاً في اللغة التركية، وفي العربية لا بأس به بالنسبة لأبناء جنسه، وكان له اشتغال وطلب قديماً، وكان يستحضر مسائل جيدة، ويبحث مع العلماء الفقهاء، ويلازم مشايخ القراءات، ويقرأ عليهم دواماً، وكان يقتني الكتب النفسية، ويعطي فيها الإثمان الزائدة عن ثمن المثل، وكانت أيامه آمنه، رحمه الله تعالى.
؟
ذكر من عاصره من الخلفاء العباسية حفظهم الله:
وهو: أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو الفتح داود إلى أن توفي يوم الأحد رابع شهر ربيع الأول سنة خمس وأربعين وثمانمائة بعد أن عهد لأخيه سليمان وأمير المؤمنين المستكفى بالله أبو الربيع سليمان ولى الخلافة بعهد من أخيه داود إلى أن مات يوم الجمعة ثاني المحرم سنة خمس وخمسين وثمانمائة، وأمير المؤمنين(4/299)
القائم بأمر الله البقاء حمزة، ولى الخلافة بعد وفاة أخيه المستكفى بالله من غير عهد منه إليه في يوم الإثنين خامس المحرم سنة خمس وخمسين وثمانمائة.
ذكر من مات في أيامه من ملوك الأقطار:
توفي القان معين الدين شاه رخ بن تيمورلنك في سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، وولده ألوغ بك بن شاه رخ صاحب سمرقند، قتله ولده عبد اللطيف في سنة ثلاث وخمسين، ثم قتل عبد اللطيف المذكور خارج سمرقند بعد سنة أشهر من السنة، والأمير ناصر الدين بك محمد بن دلغادر صاحب أبلستين في حدود سنين خمس وأربعين، وولى بعده ابنه سليمان، وتوفي خوند كار مراد بك بن محمد بن عثمان سلطان الروم في المحرم سنة خمس وخمسين وتسلطن بعده ابنه محمد، بن عثمان سلطان الروم في المحرم سنة خمس وخمسين وتسلطن بعده ابنه محمد، وتوفي أصبهان بن قرا يوسف صاحب بغداد بعد سنة خمس وأربعين وثمانمائة، وكان فاسقاً زنديقاً يميل إلى دين النصرانية، إلى لعنة الله، ألحق الله به من بقي من أخوته وأقاربه، فانهم شر عصابة، وفي أيامهم خرجت بغداد وما والاها، وتوفي الشريف علي بن حسن بن عجلان أمير مكة، وهو معزول بثغر دمياط بالطاعون في سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، وفيها مات الشريف أبو القاسم بالقاهرة، وهو معزول أيضاً بعد قدومه من الحجاز بمدة يسيرة، وتوفي الشريف سليمان بن عزيز الحسيني أمير المدينة قليلاً، وتوفي الشريف ضيغم أمير المدينة.(4/300)
ذكر من ولى في أيامه من قضاة القضاة بالديار المصرية:
فضاته الحنفية: شيخ الإسلام قاضي القضاة سعد بن محمد الديري الحنفي، ولاه وهو نظام ملك الملك العزيز يوسف في إثنتين وأربعين وثمانمائة بعزل قاضي القضاة بدر الدين محمود بن أحمد العينى.
قضاته الشافعية: شيخ الإسلام حافظ العصر شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر، ولى في سلطنته غير مرة إلى أن توفي وهو معزول في سنة إثنتين وخمسين وثمانمائة، ثم قاضي القضاة علم الدين صالح بن عمر البلقيني، ثم قاضي القضاة العلامة شمس الدين محمد القاياتي إلى أن مات في أوائل سنة خمسين وثمانمائة، ثم قاضي القضاة ولي الدين محمد السفطي، وعزل وامتحن وحبس بالمقشرة، ثم أطلق، واختفى مدة، ثم ظهر وأقام بالقاهرة إلى أن توفي بها في عصر يوم الثلاثاء مستهل ذي الحجة سنة أربع وخمسين وثمانمائة، ثم قاضي القضاة شرف الدين يحيى المناوى.
قضاته الماليكة: شيخ الإسلام قاضي القضاة أبو عبد الله شمس الدين ابن أحمد البساطي إلى أن مات في ليلة ثالث عشر شهر رمضان سنة إثنتين وأربعين وثمانمائة، ثم قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أحمد التنيسى إلى أن مات بالطاعون في آخر يوم الأحد ثاني عشر صفر سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، وكان مشكور السيرة، ثم قاضي القضاة ولي الدين محمد السنباطي.(4/301)
قضاته الحنابلة: شيخ الإسلام قاضي القضاة محب الدين أحمد بن نصر الله البغدادي إلى أن مات في يوم الأربعاء خامس عشر جمادى الأولى سنة أربع وأربعين وثمانمائة، ثم قاضي القضاة بدر الدين محمد بن عبد المنعم البغدادي.
ذكر من ولى في أيامه الوظائف السنية من الأمراء:
وظيفة الأتابكية بالقاهرة: وليها من بعده الأتابك قرقماس الشعباني الناصري أياماً يسيرة، ثم قبض عليه يعد عصيانه وحبس بثغر الإسكندرية حتى قتل بها في سنة إثنتين وأربعين وثمانمائة، ثم الأتابك أقبغا التمرازي أشهرا، ثم ولى نيابة الشام، ومات في سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة، ثم الأتابك يشبك السودوني المعروف بالمشد، وليها بعد أقبغا التمرازي إلى أن مات في سنة تسع وأربعين وثمانمائة، ثم من بعده الأتابك إينال العرئي الظاهري ثم الناصري وليها من ظيفة الدوادارية الكبرى.
وظيفة إمرة سلاح: وليها الأمير أقبغا التمرازي أياماً بعد قرقماس، ثم من بعده يشبك السودوني أشهرا، ثم من بعده الأمير تمراز القرمشي الظاهري برقوق إلى أن توفي بالطاعون في صفر سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، ثم من بعده الأمير جرباش الكريمي المعروف بقاشق.(4/302)
وظيفة إمرة مجلس: وليها الأمير تمراز القرمشي أشهرا إلى أن نقل منها إلى إمرة سلاح في سنة إثنتين وأربعين ثمانمائة، ثم من بعده الأمير قرخجا الحسنى إلى أن توفي بالطاعون سنة ثلاث وخمسين، ثم من بعده قاني باي الجركسى.
وظيفة رأس نوبة النوب: باشرها في أول دولته الأمير تمراز القرمشى أياماً ثم نقل إلى الأمير آخورية، ثم من بعده الأمير قراخجا الحسنى أشهرا، ونقل أيضاً إلى الأمير آخورية، ثم من بعده الأمير تمر باي التمر بغاوى إلى أن مات بالطاعون سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، ثم من بعده الأمير أسنبغا الطيارى.
وظيفة الحجوبية: باشرها الأمير يشبك السودوني في أوائل دولته أياماً ونقل إلى إمرة مجلس، ثم من بعده الأمير تغرى بردى المؤذى البكمشى أشهرا، ونقل إلى الدوادارية، ثم من بعده الأمير تنبك من بردبك الظاهري برقوق إلى أن عزل عنها ونفى إلى دمياط في سنة أربع وخمسين وثمانمائة، ثم من بعده الأمير خشقدم الناصري المؤيدي أحد أمراء الألوف بدمشق على مال بذله.(4/303)
وظيفه الدوادارية الكبرى: باشرها في أوائل دولته الأمير أركماس الظاهري أشهرا إلى أن نفى إلى ثغر دمياط بطالاً، ثم من بعده الأمير تغرى بردى البكلمش إلى أن مات في سنة ست واربعين وثمانمائة، ثم من بعده الأمير إينال العلائي الأجرود إلى أن نقل منها إلى الأتابكية، ثم من بعده الأمير قاني باي الجاركسي إلى أن نقل منها إلى الأمير آخورية الكبرى، ثم من بعده الأمير دولات باي المحمودي المؤيدي على مال بذله.
وظيفة الأمير جندارية الكبرى: شاغرة بعد الأمير قرامراد خجا الظاهري من الدولة الأشرفية برسباى.
وظيفة الخازندارية الكبرى: لم يلها أحد من مقدمي الألوف في زماننا هذا، وإنما وليها الأمير قانبك الأشرفي إلى أن تعطل وعزل، ثم مات، ثم من بعده مملوكه الأمير قراجا، وكلاهما كان أمير عشرة.
وظيفة الزرد كاشية: الأمير تغرى برمش السيفى يشبك من أزدمر إلى أن توفي بمكة لما حج في الرجبية في سنة أربع وخمسين وثمانمائة، ثم من بعده دقماق الخاصكي اليشبكي، أقل من جمعة، وعزل وأعيد إلى جنديته، ثم مملوكه الأمير لاجين أحد أمراء العشرات.
ظيفة شد الشراب خاناة: وليها الأمير قاني باي الجاركسي بعد الأمير علي باي إلى أن نقل إلى الدوادارية الكبرى، باشرها أمير عشرة، ثم أمير طبلخاناة، ثم مقدم ألف، ثم من بعد الأمير يونس آقباي نائب الشام.(4/304)
ذكر الأعيان من مباشرى الدولة
وظيفة كتابة السر الشريف: باشرها الصاحب بدر الدين بن نصر الله إلى أن عزل، ثم بعده القاضي كمال الدين بن البارزي إلى أن مات في يوم الأحد سادس عشرين صفر سنة ست وخمسين، ثم القاضي محب الدين ابن الأشقر.
نظار جيشه: الزينى عبد الباسط إلى أن أمسك وصودر، ثم من بعده القاضي محب الدين محمد بن الأشقر، ثم من بعده القاضي بهاء الدين محمد بن حجى وعزل بعد مدة، وأعيد القاضي محب الدين بن الأشقر المذكور إلى أن نقل إلى كتابة السر، ثم عظيم الدولة الجمالي يوسف مضافاً إلى نظر الخاص وتدبير المملكة.
وزراؤه: الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن كاتب المناخ إلى، استعفى في سنة إحدى وخمسين لطول مرضه، ومات في السنة المذكورة، ثم من بعده الصاحب أمين الدين إبراهيم بن عبد الغني بن الهيصم، ثم الأمير تغرى بردى القلاوي الظاهري جقمق.(4/305)
نظار خاصة: القاضي جمال الدين يوسف بن عبد الكريم ابن كاتب جكم.
أستاداريته: جانبك الزيني عبد الباسط إلى أن عزل عندما قبض على أستاذه الزيني عبد الباسط وصودر، ثم من بعده الناصري محمد بن أبي الفرج نقيب الجيش، وعزل وأعيد إلى نقابة الجيش بعد مدة، ثم الأمير قيز طوغان أحد أمراء العشرات وأمير آخور ثالث إلى أن عزل ثم من بعده الزيني عبد الرحمن ابن الكويز إلى أن عزل، ثم من بعده زين الدين يحيى ناظر ديوان المفرد المعروف بقريب بن أبي الفرج.
وظيفة الحسبة: وليها الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيدي إلى أن عزل، ثم من بعده قاضي القضاة بدر الدين محمود العيني الحنفي إلى أن عزل، ثم الشيخ يار علي بن نصر الله الخراساني الطويل محتسب مصر، وعزل ثم أعيد العيني، ثم عزل وأعيد يار على ثانيا إلى أن عزل بالقاضي علاء الدين علي بن أقبرس، فباشر المذكور إلى أن عزل، ثم ولى علي بن إسكندر، ثم عزل على أقبح وجه بزين الدين يحيى الإستادار من غير خلعة، فباشرها زين أشهرا، وعزل بالأمير جانبك الساقي اليشبكي وإلى القاهرة، مضافاً على الولاية إلى أن عزل، وأعيد الشيخ يار علي الطويل ثالث مرة في سنة أربع وخمسين وثمانمائة.(4/306)
ذكر ولاة القاهرة: الأمير قراجا العمري مدة إلى أن عزل، وتولى منصور بن الطبلاوي إلى أن عزل، وتولى الأمير جانبك اليشبكي.
ذكر أمرائه بمكة والمدينة والبلاد الشامية وغيرهم:
أمراء مكة المشرفة: باشرها الشريف بركات بن حسن مدة إلى أن عزل، ثم وليها أخوه الشريف علي بن حسن إلى أن قبض عليه وحمل إلى القاهرة، فحبس بها ثم بالإسكندرية، ثم أطلق وأقام بثغر دمياط إلى أن توفي حسبما ذكرناه في من توفى من الملوك في هذه الترجمة، ثم وليها أخوه الشريف أبو القاسم بن حسن بن عجلان إلى أن عزل، وأعيد الشريف بركات إلى إمرة مكة المشرفة من بعده.
أمراء المدينة النبوية: على ساكنها أفضل الصلاة والسلام: وليها في أيامه الشريف أميان مدة، وعزل ونزح عنها، ثم من بعده الشريف سليمان بن عزيز إلى أن قتل، ثم من بعده الشيف ضيغم إلى أن قتل، ثم أعيد الشيف أميان إلى أن توفي سنة خمس خمسين وثمانمائة، وولى بعده الشريف زبير بن قيس.(4/307)
ذكر نوابه بالبلاد الشامية:
نوابه بدمشق: الأتابك إينال الجكمى إلى أن عصى وقتل في سنة إثنتين وأربعين وثمانمائة، ثم من بعده الأتابك أقبغا التمرازي إلى أن توفي سنة ثلاث وأربعين، ثم بعده الأمير جلبان الأمير آخور.
نوابه بحلب: الأمير تغرى برمش إلى أن خرج عن الطاعة وقتل بحلب في سنة إثنتين وأربعين وثمانمائة، ثم الأمير جلبان الأمير آخور إلى أن نقل إلى نيابة دمشق بعد موت أقبغا التمرازي في سنة ثلاث وأربعين، ثم الأمير قاني باي الحمزاوي إلى أن عزل بعد سنين وقدم إلى القاهرة أميراً بها، ثم من بعده الأمير قاني باي البهلوان إلى أن توفي سنة إحدى وخمسين، ثم من بعده الأمير برسباي الناصري إلى أن استعفى بعد مدة يسيرة، ومات بظاهر حلب في سنة إثنتين وخمسين وثمانمائة، ثم من بعده الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيدي المحتسب، إلى أن عزل بعد مدة يسيرة، وقدم إلى الديار المصرية ليكون من جملة أمرائها، ثم من بعده أعيد الأمير قاني باي الحمزاوي إلى نيابتها ثانياً، وقدم تم على إقطاعه وذلك في سنة إثنتين وخمسين وثمانمائة.
ذكر نوابه بطرابلس: الأمير جلبان الأمير آخور أشهرا، ونقل إلى نيابة حلب بعد تغرى برمش، ثم من بعده الأمير قاني باي الحمزاوي أشهرا، ونقل أيضاً إلى نيابة حلب، ثم من بعده الأمير برسباي حاجب حجاب دمشق سنين،(4/308)
إلى أن نقل أيضاً لنيابة حلب، ثم من بعده الأمير يشبك الصوفي المؤيدي، إلى أن عزل ونفي ألى ثغر دمياط في أواخر سنة ثلاث وخمسين، ثم من بعده الأمير يشبك النوروزي حاجب حجاب دمشق.
ذكر نوابه بحماة: الأمير قاني باي الحمزاوي أشهرا، ثم من بعده الأمير بردبك الجكمى العجمي حاجب حجاب حلب سنين، إلى أن عزل وحبس بالإسكندرية ثم أطلق وأنعم عليه بتقدمة ألف بدمشق، ثم الأمير قاني باي البهلوان إلى أن نقل إلى نيابة حلب، ثم من بعده الأمير شادبك الجكمى إلى أن عزل وتوجه إلى القدس بطالاً، وتوفي سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، ثم من بعده الأمير يشبك من جانبك الصوفي المؤيدي، إلى أن نقل إلى نيابة طرابلس، ثم من بعده الأمير بيغوت من صفر خجا الأعرج المؤيدي إلى أن عصى وتوجه إلى ديار بكر، ثم عاد طائعاً بعد مدة، ثم من بعده الأمير سودون المؤيدي أتابك حلب إلى أن عزل، ثم حاج إينال الجكمى.
نوابه بصفد: الأمير إينال العسلائي الأجرود إلى أن عزل وقدم إلى القاهرة على تقدمة ألف بها، ثم الأمير قاني باي الناصري البهلوان إلى أن نقل إلى نيابة(4/309)
حماة، ثم من بعده الأمير بيغوت الأعرج إلى أن نقل أيضاً إلى نيابة حماة، ثم من بعده الأمير يشبك الحمزاوي إلى أن توفي سنة خمس وخمسين، ثم من بعده أعيد بيغوت الأعرج ثانياً.
ذكر نوابه بغزة: طوخ
مازى الناصري إلى أن مات في سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة، ثم من بعده الأمير طوخ الأبو بكري المريدي إلى أن قتل خارج غزة في سنة تسع وأربعين، ثم من بعده الأمير يلخجا من مامش الساقي الناصري إلى أن استعفى ومات في سنة خمسين وثمانمائة، ثم من بعده الأمير حطط نائب قلعة حلب كان، إلى أن عزل وتوجه إلى القدس بطالا، ثم من بعده الأمير يشبك الحمزاوي إلى أن نقل إلى نيابة صفد، ثم من بعده الأمير طوغان العثماني حاجب حلب إلى أن توفي سنة إثنتين وخمسين، ثم من بعده الأمير خير بك النوروزي حاجب صفد، إلى أن عزل وتوجه إلى دمشق بطالا في سنة أربع وخمسين، ثم من بعده الأمير جانبك التاجي المؤيدي نائب بيروت.
نوابه بالكرك: الغرسي خليل بن شاهين الشيخي إلى أن عزل، ثم من بعده الأمير مازي الظاهري برقوق إلى أن عزل، ثم من بعده الأمير أقبغا من مامش المعروف بأقبغا تركمان إلى أن قبض عليه وحبس بقلعة الكرك، ثم من بعده الأمير حاج إينال الجكمى أحد أمراء دمشق سنين إلى أن ... ثم طوغان السيفي أقبردي المنقار.(4/310)
نوابه بالقدس الشريف: الأمير طوغان العثماني سنين إلى أن عزل، ثم الأمير برسباي الناصري إلى أن عزل، ثم خشقدم مملوك سودون من عبد الرحمن غير مرة، ثم الأمير تمراز من بكتمر المؤيدي المصارع أولى وثانية، ثم مبارك شاه مملوك سودون من عبد الرحمن إلى أن عزل، ثم قراجا العمري الناصري إلى أن عزل، ثم أعيد مبارك شاه المذكور ثانياً.
نوابه بملطية: الأمير حسن شاه أخو تغرى برمش نائب حلب إلى أن عزل وقتل في سنة اثنتين وأربعين، ثم الغرسي خليل بن شاهين الشيخي إلى أن عزل، ثم من بعده الأمير قيزطوغان العلائي إلى أن عزل، ثم الأمير قانصوه النوروزي إلى أن عزل، ثم الأمير جانبك الجكمى.
نوابه بثغر الإسكندرية: الأمير تمرباي التمر بغاوي الدوادار أحد مقدمي الألوف إلى أن عزل، ثم الأمير أسنبغا الطيارى أحج مقدمي الألوف أيضاً إلى أن عزل، ثم الأمير يلبغا البهائي الظاهري برقوق إلى أن توفي، ثم الشهابي أحمد بن علي ابن إبنال إلى أن عزل، ثم الأمير ألطنبغا اللفاف إلى أن عزل، ثم الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيدي إلى أن عزل، ثم من بعده برسباي الساق السبقي تنبك البجاسي إلى أن ...
ذكر زوجاته: خوند الكبرى صاحبة القاعة مغل بنت القاضي ناصر الدين البارزي إلى أن طلقها في سنة اثنتين وخمسين، ونزلت إلى القاهرة، ثم خوند(4/311)
زينب الأمير جرباش الكريمي المعروف بقاشق أمير سلاح تزوجها في أول سلطنته، ثم جعلها بعد بنت البارزي صاحبة القاعة، ثم خوند شاه زاده بنت أنب عثمان تزوجها بعد موت زوجها الملك الأشرف برسباي إلى أن طلقها في سنة خمس وخمسين وأنزلها إلى القاهرة، ثم خوند نفيسه بنت الأمير ناصر الدين بك التركماني صاحب إبلستين إلى ن ماتت سنة ثلاث وخمسين بالطاعون، ثم خوند بنت سليمان بن نصار الدين بك أعنى بنت أخي نفيسة السابقة، ثم خوند الجاركسية بنت كرت باي أمير الجاركس، قدمت مع أبيها حتى تزوجها السلطان، ثم عاد أبوها إلى بلاد الجاركس، ثم خوند فاطمة بنت الزيني عبد الباسط تزوجها بعد وفاة أبيها في سنة خمس وخمسين وثمانمائة.
خلف من الأولاد الذكور: الملك المنصرو عثمان سلطان الديار المصرية، ومن الإناث إبنتين زوجة الأمير أزبك من ططخ الظاهري الساقي، وأمها خوند مغل بنت القاضي ناصر الدين البارزي، وبنتا أخرى بكرا مراهقة وأمها أم ولد ماتت في أيامه.(4/312)
باب الجيم والكاف
850 - جكم نائب جلب
809هـ -؟ - 1406م
جكم نائب حلب
809هـ -؟ - 1406م
جكم بن عبد الله من عوض الظاهري، الأمير سيف الدين، المتغلب على حلب، الملقب بالملك العادل.
كان من عتقاء الملك الظاهر برقوق ومن أعيان خاصكيته، ثم أمره عشرة، ثم طبلخاناة في العشرين من شهر من ربيع الآخر سنة إحدى وثمانمائة، ثم صار في دولة ابن أستاذه الملك الناصر فرج بن برقوق أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، ولا زال يترقى حتى صار دوادارا كبيراً بعد ركوبه على الأمير يشبك الشعباني الدوادار ونصرته عليه.
وسببه أن جكم المذكور وقع بينه وبين يشبك وحشة، فاستمال يشبك السلطان الملك الناصر فرج، وكان صغيراً إذ ذاك، بأن يولى جكم هذا نيابة صفد، فرسم السلطان له بذلك، وأرسل إليه بالتقليد، فقال جكم نحن مماليك السلطان ومهما أشار به فلا خلاف، غير أني لم أكن وحدي حتى أتوجه إلى صفد،(4/313)
وكان انضم عليه جماعة كبيرة، ولكن نحن لنا أخصام، فلا يدخل السلطان بيننا، وكلنا مماليك السلطان.
فلما عاد الرسول إلى السلطان بالجواب بكى الأمير يشبك وجماعته وهم: الأمير قطلوبغا الكركي أحد مقدمي الألوف، وأقباي الكركي الخازندار أحد مقدمي الألوف وغيرهما من الأمراء والخاصكية، وألحوا على السلطان في عمل المصلحة بينهم، فندب السلطان الأمير نوروز الحافظي، ومعه قاضي القضاة، وناصر الدين الرماح إلى الأمير جكم، في طلب الصلح، فامتنع جكم ومن معه وقالوا: لا بد من تسليم يشبك ورفقته وحبسهم، وعوقوا عندهم الأمير نوروز بعد أن استمالوه، فعاد قاضي القضاة، بالجواب على السلطان، فالتفت السلطان إلى يشبك وقال: ما رضى دونك غريمك، فنزل يشبك من وقته إلى داره، ونادى بالقاهرة من قاتل معي من المماليك السلطانية فله عشرة آلاف درهم، ثم ركب بآلة الحرب، فلم يكن غير ساعة إلا وجكم قد أقبل من بركة الحبش ومعه الأمير نوروز الحافظي وسودون طاز وجماعة آخر، وحملوا على يشبك وجماعته وكانوا جمعا موفوراً، فلم يثبت يشبك وانكسر واختفى، وقبض جكم على قطلو بغا الكركى، وتتبع يشبك حتى ظفر به في تربة بالقرافة، فلما أحيط بيشبك المذكور ألقى نفسه من مكان(4/314)
مرتفع، فشج جبينه، وقبض عليه جكم، وحضر به الأمير نوروز الحافظي وقيده، وأرسله إلى ثغر الإسكندرية، هو وأصحابه من ليلتله، وذلك في يوم لأحد خامس عشر شوال سنة ثلاث وثمانمائة، وأصبح طلع إلى القلعة وخلع عليه بالدوادارية الكبرى، عوضاً عن يشبك المذكور، وتفرق أصحابه إقطاعات أصحاب يشبك.
وعظم جكم في الدولة وهابته الأمراء والأعيان، وحسنت سيرته، وأظهر العدل في الرعية، واستمر على ذلك إلى أن انتمى إليه جماعة من الأمراء، ثم وقع بينه وبين الأمير سودون طاز الأمير آخور وحشة، وأعلم سودون طاز السلطان بأحوالهم فأرسل للسلطان يطلبهم من جكم، فأبى جكم، وركب من الغد بمن معه إلى بركة الحبش، وأقاموا هناك إلى ليلة السبت عاشر شوال من سنة أربع وثمانمائة فأتاهم في اليوم المذكور توروز الحافظي، وسودون طاز من زادة، وتمر بغا المشطوب في نحو ألفي مملوك، وأقاموا جميعاً ببركة الجيش إلى يوم الأربعاء، نزل الملك الناصر فرج إلى الأسطبل السلطاني عند سودون طاز، فأخذه سودون طاز وركب، وسار في جموعه حتى خرج من باب القرافة، وواقع جكم ونوروز فكسرهما، وأسر تمربغا المشطوب، وسودون من زاده، وعلى بن إينال، وأرغز، وفر نوروز وجكم في عدة كبيرة يريدون بلاد الصعيد، وعاد السلطان إلى القلعة منصوراً، وبعث من يومه بإطلاق الأمراء المحبوسين بالإسكندرية، فوصلوا إلى القاهرة في يوم الإثنين تاسع عشر شوال من السنة.(4/315)
وأما جكم هذا فانه نزل بمن معه على بر منبابة ليلة الثلاثاء، فتركه الأمير نوروز وعدي إلى بربولاق، ثم حضر إلى بيت الأتابك بيبرس، وكان بيرس وإينال باي قد تكلما مع السلطان في أمره، وطلعا به إلى السلطان، فأمنه ووعده بنيابة دمشق، فاختل عند ذلك أمر جكم وتفرقت عنه أصحابه، وبقي فريداً، فكتب إلى بيبرس يستأذنه في الحضور، فبعث إليه بالأمير أزبك الأشقر، وبسباي الحاجب، فقدما به ليلة الأربعاء حادي عشرينه، فتسلمه عدوه سودون طاز وقيده، وبعث به إلى الإسكندرية في ليلة الخميس، فسجن حيث كان عدوه الأمير يشبك محبوساً، واستقر يشبك في الدوادارية على عادته أولاً.
والغريب أن حكم لما كان في الحبس بالإسكندرية قبض الملك الناصر على عدوه سودون طاز وحبسه بحبس المرقب، ونقل جكم إلى حبس المرقب أيضاً، فحبسا معاً فهذه أغرب من قضيته مع يشبك، وذلك في سنة خمس وثمانمائة.
واستمر جكم محبوساً إلى أن أخذه الأمير دمرداش المحمدي نائب طرابلس لما ولى نيابة حلب، ممسوكاً معه إلى حلب، وكان وصول دمرداش إلى حلب في مستهل شهر رمضان سنة ست وثمانمائة، واستمر جكم أيضاً محبوساً عنده بدار العدل إلى أن توجه دمرداش من حلب في ذي القعدة لقتال صاحب الباز التركماني، فصحب جكم معه إلى قلعة القصير، فحبسه بها، ثم أخذه منها في عوده(4/316)
إلى صاحب حلب في يوم عرفة واعتقله بحلب مدة، ثم أطلقه وطيب خاطره، فلم يكن إلا أياماً يسيرة وهرب جكم إلى حماة، ثم خرج من حماة إلى أنطاكية إلى عند صاحب الباز عدو دمرداش، وبلغ دمرداش خبره فجمع لقتالهما، وخرج من حلب حتى وصل إلى أنكاكية، فتحصن جكم وابن صاحب الباز بأنطاكية، فلم يقدر دمرداش عليهما، وعاد إلى حلب.
ثم توجه جكم إلى طرابلس وملكها من نائبها الأمير شيخ السليماني، وأقام بها مدة، ثم توجه إلى حلب فخرج إليه دمرداش وتقاتلا فانكسر دمرداش وفر، ودخل جكم حلب من باب أنطاكية آخر نهار السبت سابع شعبان سنة سبع وثمانمائة، واستفحل أمره في حلب، وخرج لقتال يغمور التركماني حتى عدى الفرات، ثم عاد إلى حلب، وضرب الدهر ضرباته حتى خرج يشبك الشعباني هارباً من الديار المصرية إلى الشام ومعه جمع كبير، فتلقاه نائب دمشق الأمير شيخ المحمودي بالإكرام، وأنزله بدمشق، واتفقوا على كلمة واحدة، وأرسلوا الجميع إلى جكم يسألونه موافقتهم، فأجاب وخرج من حلب في شهر رمضان وقدم دمشق.
واتفق رأي الجميع على قصد الديار المصرية، فساروا نحوها، وهم: الأمير جكم صاحب الترجمة، والأتابك يشبك الشعباني، والأمير شيخ المحمودي نائب الشام، أعني المؤيد، وسودون الحمزاوي، وقطلوا بغا الكركى، ويلبغا الناصري، وجاركس المصارع القاسمي، وقرا يوسف بن قرا محمد التركماني صاحب تبريز، وكان قد قدم إلى دمشق فاراً من التتار فاعتقل بقلعة دمشق بأمر السلطان الملك الناصر فأخرجوه هؤلاء الأمراء لما قدموا الديار المصرية، وصاروا الجميع بعساكرهم(4/317)
حتى وصلوا بالقرب من منزلة السعيدية، وخرج الملك الناصر لقتالهم، فأشار عليهم قرا يوسف بأن قال: هذا سلطان وله دولة وسطوة، وأنتم شرذة قليلة، وما تطيقون قتاله، وإن كان ولا بد فبيتوه ليلاً، فقبلوا قوله، وركبوا ليلة الخميس ثالث عشر ذي الحجة سنة سبع وثمانمائة، وكبسوا الملك الناصر بمنزله السعيدية، وتقاتلا، واستمر القتال بينهم إلى قريب الفجر، وإنهزم الملك الناصر وعاد إلى الديار المصرية على النجب، وأصبح جكم ورفقته متوجهين نحو الديار المصرية حتى نزلوا بالريدانية، خارج القاهرة، وقتل من أصحاب السلطان الأمير صرق، قتله شيخ المحمودي صبراً، فإنه كان ولي نيابة الشام عوضه.
واستمروا بالريدانية إلى يوم الإثنين سابع عشر ذي الحجة ركبوا حتى وصلوا قريباً من دار الضيافة من تحت القلعة، فقاتلهم المماليك السلطانية من بكرة النهار إلى بعد الظهر، وفر من الشامبين جماعة إلى الملك الناصر وهم: أسنباى أمير ميسرة دمشق، ويلبغا الناصري، وسودون اليوسفي، وإينال حطب، وجمق، فضعف أمر الشاميين، وأطلقوا الخليفة والقضاة وغيرهم، ممن كان مقبوضاً عليه عندهم، وركب الأمير يشبك وقطلوبغا الكركى وتمراز الناصري وجاركس القاسمي المصارع، واختفوا بالقاهرة، فعند ذلك ولى من بقي منهم إلى جهة الشام وهم: جكم وشيخ وقرا يوسف في طائفة يسيرة، وبلغ ذلك الملك الناصر، فأخلع على الأمير نوروز الحافظي بنيابة دمشق، عوضاً عن شيخ المحمودي، وأرسل إلى(4/318)
الأمير علان نائب حماة بنيابة حلب، عوضاً عن جكم، وأخلع على بكتمر جلق بنيابة طرابلس، وأنعم بنيابة حماة على الأمير دقماق المحمدي، وتوجهوا الجميع إلى البلاد الشامية.
فلما قاربوا دمشق خرج جكم وشيخ منها وافترقا، ودخل نوروز دمشق، فأما جكم فإنه توجه نحو طرابلس فدخلها، ثم خرج منها في أناس قلائل، وقصد الصبيبة إلى عند الأمير شيخ، فإنه كان قد توجه إليها عند خروجه من دمشق، فداما بالصبيبة إلى شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثمانمائة، قصدا دمشق فخرج نوروز نائبها لقتالهما، فانكسر وتوجه هارباً نحو طرابلس، فأخذ جكم وشيخ دمشق، ودخلاها بمن معهما، ثم خرجا في طلب نوروز بطرابلس، فخرج نوروز منها ومعه بكتمر جلق نائبها إلى عند الأمير دقماق نائب حماة، وأرسلوا بطلب الأمير علان نائب حلب لقتال جكم وشيخ، فحضر، وحضر أيضاً جكم وشيخ، وتقاتلوا أياماً، والسلطان يومئذ الملك المنصور عبد العزيز بن الملك الظاهر برقوق، وكان دمرداش إذ ذاك عند التركمان، فجمع وأتى حلب فملكها في غيبة نائبها علان، وبلغ علان فركب من فوره هو والأمير نوروز وتوجها إلى حلب وكبسوا الأمير بكتمر جلق ونائبها الأمير دقماق، وعجزوا عن ملاقاة جكم وشيخ؛ فانتهز جكم الفرصة وقاتلهم، فانكسر دقماق وقبض عليه، وقتل بين يدي جكم، وهرب بكتمر جلق إلى حلب، وأخذ جكم وشيخ حماة؛(4/319)
ففي أثناء ذلك ظهر الملك الناصر فرج بن برقوق، وتسلطن ثانياً، وخلع أخوه المنصور عبد العزيز وحبس.
ولما بلغ الملك الناصر خبر جكم وشيخ، أرسل إلى شيخ بنيابة دمشق، وإلى جكم بنيابة حلب، وذلك في جمادى الآخرة من سنة ثمان وثمانمائة، فدخل جكم إلى حلب، ثم أخيفت إيه نيابة طرابلس، وكان الأمير فارس بن صاحب الباز التركماني قد تغلب على أنطاكية وبغراص والقصير بيرين وصهيون واللاذقية وجبلة وعدة بلاد خر، وقويت شوكته بحيث أن عسكر حلب كان قد ضعف عن ملاقاته، فتوجه الأمير جكم وكسره ونهبه، وقتل وأسر، واستمر في إثره إلى أن حصره بأنطاكية، ولما كان بحصاره بلغه أن الأمير نعير بن حيار، أمير العرب، توجه لأخذ حلب، حمية لابن صاحب الباز، فترك جكم حصار ابن صاحب الباز وتوجه إلى نعير، فوافاه على قنسرين فقابله وكسره بعد قتال شديد، وقبض عليه وجهزه إلى حلب، وكان آخر العهد به، ثم رجع جكم لحصار صاحب الباز، وقد تحصن ابن صاحب الباز بقلعة القصير، فطال عليه الأمر، فسأل الأمان، ونزل من القلعة، فقتل هنو وولده وأخوه، واستولى جكم على جميع القلاع.
وبلغ الناصر ذلك فاستوحش منه؛ وعزله بالأمير دمرداش المحمدي، فجمع دمرداش العساكر والنواب بالبلاد الشامية، والتقى الفريقان بين حمص والرستين، فانكسر دمرداش وشيخ نائب الشام، وولوا الأدبار إلى دمشق،(4/320)
وقبض جكم على علان، وطولو من باشاه نائب صفد، وقتلهما معاً في ذي الحجة صنة ثمان وثمانمائة، وبلغ ذلك الملك الناصر فتجرد إلى البلاد الشامية لا ستنقاذها من الأمير جكم، فلما سمع بخروج الملك الناصر توجه إلى جهة بلاد الروم، وتبعه الأمير نوروز الحافظي موافقة له، فدخل الملك الناصر حلب في خامس عشرين شهر ربيع لآخر سنة تسع وثمانمائة، وخرج منها عائداً في مستهل جمادى الآخرة من السنة، بعد أن ولى الأمير جاركس القاسمي المصارع نيابة حلب، فوليها يوماً واحداً، وخرج صحبة الملك الناصر خوفاً من جكم.
فلما سمع جكم بعود الملك الناصر عاد إلى حلب، فدخلها في يوم الإثنين تاسع جمادى الآخرة من السنة، وأرسل جكم الأمير نوروز من تحت أمره إلى نيابة دمشق.
واستمر جكم في حلب إلى يوم السبت تاسع شوال من سنة تسع وثمانمائة أمر بجمع أعيان أهل حلب من القضاة والفقهاء والأمراء والأعيان، فجمعوا في جامع حلب الأموي، وحلفهم لنفسه وأظهر الدعوة له، وخلع السلطان الملك الناصر فرج بن برقوق، واستمر إلى يوم الأحد عاشره لبس أبهة السلطنة في دار العدل، وركب بشعار السلطنة من دار العدل إلى القلعة، وتلقب بالملك العادل أبي الفتحر، وكتب بشعار السلطنة من دار العدل إلى القلعة، وتلقب بالملك العادل أبي الفتح، وكتب إلى المملكة الشامية بذكلن فرد عليه الجواب على يد رسلهم بالإمتثال، وقبل الأمير نوروز له الأرض وغيره، ثم توجهوا نحو البيرة لما بلغه عصيان(4/321)
نائبها عليه الأمير كزل، فملكها بالأمان وقتل نائبها، ثم توجه إلى آمد لقتال قرابلك، فلما وصل إلى ماردين نزل إليه صاحبها الملك الظاهر، وتوجه معه إلى آمد، فلما وصل جكم إلى آمد تهيأ قرايلك لملاقاته وصاففه فلم يثبت قرايلك وانكسر أقبح كسرة، وولوا عساكره الأدبار، ودخلوا البلد، وقتل الأمير جكم إبراهيم بن قرايلك بيده، ثم اقتحم جكم في طائفة من عسكره حتى توسط بين بستاني آمد، وكانوا قد أرسلوا المياه على أراضي آمد فوحلت الأرض بحيث يدخل فيها الفارس بفرسه.
قلت: وهذا مما شاهدناه في سنة ست وثلاثين وثمانمائة لما توجه الملك الأشرف برسباي، انتهى.
فدخل جكم بفرسه إلى تلك المياه، وأخذه الرجم من كل جهة، ثم ضربه بعض التركمان بحجر في مقلاع، وهو لا يعرفه فأصاب وجهه، فتجلد قليلاً، ث سقط من فرسه، وتكاثرت التركمان على من معه: وقتلوهم، ثم فطنوا بذهاب جكم، فأخذت عساكره سيوف التركمان، فما عفوا ولا كفوا، وطلب جكم بين القتلى حتى عرفوه، فقطع قرايلك رأسه وبعث به إلى الملك الناصر فرج.(4/322)
وقتل في هذه الوقعة ممن كان مع جكم الأمير ناصر الدين بن شهري، والملك الظاهر عيسى صاحب ماردين، وحاجبه وفر الأمير تمر بغا المشطوب، وكمشبغا العيساوي، ووصلا حلب.
وكانت قتلة جكم في يوم الأربعاء خامس عشرين ذي القعدة سنة تسع وثمانمائة.
وقال المقريزي: في أوائل ذي الحجة، والله أعلم.
وكان جكم صاحب الترجمة ملكاً جليلاً، شجاعاً، مقداماً مهاباً، جواداً، وافر الحرمة، كثير الدهاء، حسن الرأي والتدبير، ذا قوة وجبروت، وسطوة، وفيه ميل إلى العدل في الرعية، وهذا ايخلاف المتغلبين على البلاد من الملوك، حتى قيل في حقه: حكم جكم وما ظلم، وكان عفيفاً عن المنكرات والفروج، وكان يجتمع عنده في كل ليلة بقلعة حلب الفقهاء ويتذاكرون بين يديه في العلوم، وكأن يحب المديح ويهش له، وكان حريصاً على حب الرئاسة، مغرماً بذلك قديماً وحديثاً، هكذا حدثني عنه غالب اخوته في الطبقة ومماليكه، وكانت صفته للطول أقرب، حنطي اللون، أسود اللحية والحاجبين، كثير الشعر في جسده، قليل الهزل كثر الوقار، وكان عارفاً بطرق الرئاسة والاستجلاب لخواطر الرعية.
حدثني بعض أعيان المماليك الظاهرية برقوق قال: كانت سفرته إلى آمد(4/323)
بسعادة الملك الناصر فرج، وإلا لو توجه جكم إلى القاهرة ما اختلف عليه أحد لحب الناس له، انتهى. رحمه الله تعالى.
851 - جكم النوروزي المجنون
842هـ -؟ - 1438م
جكم بن عبد الله النوروزي المجنون، الأمير سيف الدين.
أصله من مماليك الأمير نوروز الحافظي، وممن تأمر عشرة بعد موت الملك الأشرف برسباى في أوائل سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، فلم تطل أيامه وقتل بالرميلة من تحت قلعة الجبل في وقعة الأتابك قرقماس الشعباني مع الملك الظاهر جقمق في يوم الأربعاء رابع شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة.
وكان مهملاً جداً إلا أنه كان مشهوراً بالفروسية، وكان يعتريه خلط مصرع، اعتراه غير مرة في القصر السلطاني في الخدمة السلطانية، فنسأل الله العفو العافية، آمين.(4/324)
//بسم الله الرحمن الرحيم
باب الجيم واللام
التباني
00 - 0 - 792هـ - 000 - 1389
م جلال بن أحمد بن يوسف بن طوغ أرسلان، العلامة جلال الدين الثيري الحنفي التباني.
قال قاضي القضاة بدر الدين محمود العيني: هو الشيخ الإمام العالم العلامة(5/3)
جلال الدين جلال. وذكر بقية نسبه إلى " أن قال ": شيخ المدرسة الصرغتمشية والتربة القجاوية.
أصله من بلد يقال لها ثيرة من بلاد الروم بكسر بالثاء المثلثة بعدها ياء آخر الحروف وبعدها راء مهملة " و " في آخرها هاء.
قدم الديار المصرية في الدولة الناصرية حسن وسكن بمسجد في التبانة، فلذلك ينسب إليها. واشتغل بالعلوم، واجتهد في تحصيلها اجتهاداً عظيماً، أخذ العربية عن الشيخ جمال الدين بن هشام، وبهاء الدين بن عقيل، وبدر الدين ابن أم قاسم النحوي وغيرهم. وسمع صحيح البخاري على علاء الدين ابن التركماني، وأخذ الفقه عن الإمام قوام الدين الفارابي الإتقاني وغيرهما.(5/4)
وكان فقيهاً، أصولياً، نحوياً بارعاً، وله مشاركة في جميع الفنون. انتصب للأشغال والإفادة والفتوى مدة طويلة. وكان من أهل الصيانة والدين والتعفف، وسئل أن يولى قضاء القضاة بديار مصر، فأبى. وكان ألجاي اليوسفي يعظمه. ولم يشتهر إلا في أيامه، وكان الملك الظاهر يعظمه ويرجع إليه ولا يرد كلامه، ولكن نزلت مرتبته عنده بعد ما عاد الظاهر إلى سلطنته؛ وذلك لما كتب مع من كتب من الفتاوى على الظاهر.
وله مصنفات مفيدة منها: شرح المنار في أصول الفقه. ومختصر في التلويح في شرح الجامع الصحيح للحافظ علاء الدين مُغْلَطاي. ومختصر على إيضاح ابن
الحاجب. ومنظومة في الفقه وشرحها في أربع مجلدات. ومختصر ترجيح مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه. وتعليقة على البزدوي، ولم تكمل. وقطعة على مشارق الأنوار ولم يكملها. ورسالة في الفرق بين الفرض العملي العمل والواجب.
ولقد أجازني بالإفتاء والتدريس ورواية جميع مسموعاته من النقل والعقل وجميع مصنفاته.
وكتب لي بخطه في رابع وعشرين ربيع الأول من سنة إحدى وتسعين وسبعمائة.(5/5)
وتوفي يوم الجمعة ثالث عشر رجب من سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة بالقاهرة، وتولى عوضه في الصرغتمشية بدر الدين محمود السرائي الكلستاني الحنفي.
وفي تربة قجا السلاح دار شخص من تلامذته يقال له: الشيخ مصطفى القرماني. انتهى كلام العيثي برمته.
وقال الشيخ تقي الدين المقريزي: توفي الشيخ جلال الدين بن رسول بن أحمد بن يوسف العجمي التباني الحنفي، إلى أن قال: خارج القاهرة في يوم الجمعة ثالث عشر شهر رجب سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة. انتهى كلام المقريزي بعد أن اختلفا في الأب، وفي سنة الوفاة والله أعلم بالصواب.
الحاجب
00 - 0 - 788هـ - 000 - 1386م جُلُبَان بن عبد الله الحاجب، الأمير سيف الدين، أحد أمراء الطبلخانات والحجاب في الدولة الظاهرية برقوق.(5/6)
وكان ديناً مشكور السيرة.
مات في شهر رمضان سنة ثمان وثمانين وسبعمائة. رحمه الله تعالى.
العمري الظاهري
00 - 0 - بعد 830هـ - 000 - 1426م جُلُبَان بن عبد الله العمري الظاهري، الأمير سيف الدين، أحد أمراء العشرات والحجاب بالقاهرة، ثم حاجب حجاب غزة.
أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق. رأيته في الدولة الأشرفية برسباي وهو من جملة الحجاب بالقاهرة.
وكان سليم الباطن، تركي الجنس، يميل إلى دين وخير، ثم ولي حجوبية غزة، وبها توفى بعد الثلاثين وثمانمائة تخميناً رحمه الله.
قراسقل نائب حلب
00 - 0 - 802هـ - 000 - 1399م جُلُبَان بن عبد الله الظاهري المعروف بقَرَاسُقْل الأمير سيف الدين نائب حلب.(5/7)
أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق وخواصه، رقاه إلى أن جعله أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، ثم رأس نوبة النوب، ثم ولاه نيابة حلب، عوضاً عن الأمير قرادمرداش الأحمدي في أواخر سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة.
وتولى والدي - رحمه الله - بعده رأس نوبة النوب.
ولما استقر في نيابة حلب وقع بينه وبين نُعَيْر بن حيار بَسَلْيَمة وقعة انتصر فيها جلبان في سنة خمس وتسعين، ثم أرسل نعير يسأله الصلح؛ فكتب جلبان بذلك إلى الملك الظاهر برقوق، فأرسل السلطان يقول: بشرط أنه يدخل إلى حلب ويدوس بساط السلطان، ثم كتب الظاهر ملطفات صحبة القاصد الوارد إلى حلب تتضمن مسك نعير؛ فعلم بذلك الأمير ألطنبغا الأشرفي أتابك حلب، فأعلم الأمير جلبان بذلك؛ فكتب جلبان إلى نعير في الباطن أن لا تحضر. وبلغ الملك الظاهر الواقعة، فأسرها في نفسه إلى أن توجه إلى البلاد الشامية، ووصل إلى حلب في سنة ست وتسعين وسبعمائة، قبض على الأمير ألطنبغا الأشرفي(5/8)
أتابك حلب، وحبسه إلى أن مات بقلعة حلب، ثم قبض على الأمير جلبان المذكور، وأخلع على والدي - رحمه الله - باستقراره في نيابة حلب عوضه، وحبس الملك الظاهر جلبان هذا مدة، ثم أطلقه، وجعله أتابك دمشق بعد الأمير إياس الجرجاوي، فاستمر جلبان في أتابكية دمشق مدة، ثم حبس بقلعتها إلى أن أطلقه الأمير تنم الحسني
نائب الشام، بعد أن عصى وخرج عن طاعة الملك الناصر فرج في سنة اثنتين وثمانمائة، فوافقه جلبان المذكور على العصيان، ودام معه، حتى قبض عليه بعد وقعة الأمير تنم نائب الشام مع الناصر فرج. حسبما ذكرناه.
وقتل جلبان بقلعة دمشق مع من قتل من الأمراء في شعبان سنة اثنتين وثمانمائة. وكان كريماً، شجاعاً، عاقلاً، عفيفاً، ذا شكالة حسنة، وجهه صبيح، وهو أستاذ الأمير أركماس الجلباني نائب طرابلس، رحمهما الله تعالى.(5/9)
نائب الشام
جُلُبان بن عبد الله، المعروف بأمير آخور، الأمير سيف الدين نائب الشام. في معتقه وجنسه أقوال. اتصل بخدمة الملك المؤيد شيخ لما كان أميراً، ودام عنده، حتى طرق الملك المؤيد الديار المصرية في غيبة الملك الناصر فرج بالبلاد الشامية، وحاصر قلعة الجبل بمن معه من الأمراء، ثم انكسر المؤيد وأصحابه وانهزموا إلى جهة باب القرافة، تقنطر المؤيد عن فرسه؛ فلحقه جلبان هذا بالجنيب، فعرفها له المؤيد لما تسلطن، ورقاه حتى جعله أمير طبلخاناه وأمير آخور ثاني، ثم مقدم ألف بالديار المصرية، وجرده صحبة من تجرد من الأمراء(5/10)
المصريين إلى البلاد الشامية ومات المؤيد في غيبته، ثم قبض عليه الأمير ططر بدمشق مع من قبض عليه من المؤيدية وغيرهم، وحبسه بتلك البلاد، إلى أن أطلقه الملك الأشرف برسباي، وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، ثم نقله إلى نيابة حماة في يوم الخميس عشرين شعبان سنة ست وعشرين وثمانمائة، عوضاً عن الأمير جارقطلو بحكم انتقاله إلى نيابة حلب بعد الأمير تنبك البجاسي المنتقل إلى نيابة دمشق بعد موت الأمير تنبك العلائي ميق، واستمر في نيابة حماة سنين إلى أن نقل إلى نيابة طرابلس في سنة سبه وثلاثين وثمانمائة بعد موت الأمير طرباي؛ فباشر نيابة طرابلس إلى أن نقله الملك الظاهر جقمق إلى نيابة(5/11)
حلب في شوال سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة بعد عصيان تغري برمش نائب حلب؛ فدام في نيابة حلب إلى أن نقل إلى نيابة الشام بعد موت الأمير آقبغا التمرازي في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة، وحمل إليه التقليد والتشريف على يد الأمير دولات باي المحمدي المؤيدي الدوادار الثاني، واستمر في نيابة دمشق سنين، ولا نعلم أحداً أقام في نيابة دمشق بعد تنكز أكثر من جلبان هذا. قلت: وأيضاً له منذ ولي نيابة حماة إلى يومنا هذا - أعني من سنة ست وعشرين - يتنقل من نيابة إلى أخرى. لم يعزل فيها عن عمل إلا عندما ينقل إلى عمل أعلى منه، وهذا أيضاً لم نعلمه وقع لأحد من أهل الدولة الكثير، مع أنه لا فارس الخيل، ولا وجه العرب، وإن كان يعرف فنون الملاعيب وركوب الخيل، لكنه لم يشهر بشجاعة، ولا إقدام، غير أنه عارف بالسياسة؛ وجمع المال وإنفاقه إلى ذخائر الملوك؛ ولذلك طالت أيامه.(5/12)
رأس نوبة سيدي
00 - 0 - 824هـ - 000 - 1421م جَلُبَان بن عبد الله، الأمير سيف الدين، أحد أمراء الألوف في الدولة المؤيدية شيخ، ورأس نوبة ولده المقام الصارمي إبراهيم.
هو ممن أنشأ الملك المؤيد شيخ، حتى جعله أمير مائة ومقدم ألف ورأس نوبة ولده. واستمر الأمير جلبان هذا بعد موت المقام الصارمي إبراهيم على إمرته إلى أن توفي الملك المؤيد شيخ، قبض عليه الأمير ططر في يوم السبت رابع عشر المحرم سنة أربع وعشرين وثمانمائة، وعلى الأمير شاهين الفارسي أحد مقدمي الألوف أيضاً، وحملا إلى الإسكندرية، وكان آخر العهد بهما، رحمهما الله تعالى.(5/13)
خوند زوجة الملك الأشرف
00 - 0 - 839هـ - 000 - 1435م جُلُبَان بنت عبد الله الجاركسية الأشرفية، زوجة الملك الأشرف برسباي، والخوند الكبرى صاحبة القاعة في أيامه إلى أن ماتت، وأم ولده الملك العزيز يوسف.
اشتراها الملك الأشرف في أوائل سلطنته، واستولدها الملك العزيز يوسف، ثم تزوجها بعد وفاة زوجته خوند الكبرى وأم ولده المقام الناصري محمد في خامس عشر جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين وثمانمائة، فأقامت بعد وفاة خوند المذكورة أياماً، وعقد عليها، ورسم لها بالسكنى في قاعة العواميد على عادة من تقدمها من الخوندات، وحظيت عنده ونالتها السعادة وعظمت حرمتها في الدولة، وقصدها الناس لقضاء حوائجهم، وبعث السلطان يطلب أخوتها وأقاربها من بلاد الجاراكس، فقدموا بعد مدة شيئاً بعد شيء، وكانوا عدة(5/14)
كثيرة، يزيدون على عشرة أنفس، وهم: والدتها، ثم زوجة والد ضرة أمها، وأخوتها الرجال وهم: بيبرس، وأخته، وهما غير أشقتها من زوجة والدها المذكورة، ثم جكم وقاني باي، وهما شقيقاها، وأختها أصيل وأختها أرز، ومعها أولادها عدة بنات، وزوجها خوني تبعها، وحضر إلى القاهرة، وهؤلاء أيضاً أشقتها.
ومن أشقتها أيضاً: أخوها أبا يزيد كان قد قدم القاهرة في الدولة المؤيدية شيخ؛ فقربهم الملك الأشرف وأدناهم، وأنعم عليهم بالرواتب والإقطاعات والوظائف. ثم حجت خوند جلبان ومعها أهلها وأقاربها في سنة أربع وثلاثين وثمانمائة بتجمل زائد وأبهة عظيمة، وفي خدمتها الزيني خشقدم الزمام أمير الركب الأول، والزيني عبد الباسط بن خليل ناظر الجيش، إلى أن قضت المناسك وعادت.
واستمرت في عزها إلى أن مرضت وطال مرضها. واختلفت الأقاويل في ضعفها، واتهم جماعة بسمها إلى أن توفيت يوم الجمعة ثاني شوال سنة تسع وثلاثين وثمانمائة، ونقلت خوند فاطمة بنت الملك الظاهر ططر زوجة الملك(5/15)
الأشرف إلى قاعة العواميد بعدها. وكانت خوند جلبان من عظماء النساء، ولو عاشت حتى تسلطن ولدها العزيز لكانت دبرت ملكه أحسن تدبير، رحمها الله تعالى.(5/16)
باب الجيم والميم
ابن أيتمش
جُمَق بن الأتابك أيتمش. اسمه محمد، مذكور في المحمدين في حرف الميم، يطلب هناك.
أمير مكة
00 - 0 - 653هـ - 000 - 1255م جَماز بن حسن بن قتادة بن إدريس بن مُطاعن، الشريف الحسَني أمير مكة وليها بعد قتله لأبي سعيد بن علي بن قتادة.
قال ابن خلدون في تاريخه: إن جماز ابن حسن هذا سير إلى الملك الناصر يوسف بن العزيز محمد بن الظاهر غازي بن الناصر صلاح الدين(5/17)
يوسف صاحب الشام وحلب يستعين به على أبي سعيد بن علي، وأطمعه بقطع خطبة صاحب اليمن، فجهز له عسكراً، وسار به إلى مكة، فلما وصلها نقض عهد الناصر، واستمر يخطب لصاحب اليمن. انتهى كلام ابن خلدون، ثم أخرجه من مكة راجح بن قتادة في سنة ثلاث وخمسين وستمائة، فلحق بالينبع.
أمير المدينة
00 - 0 - 704هـ - 000 - 1304م جَماز بن شِيحَة بن قاسم بن مهنا بن حسين بن مهنا بن داود بن قاسم بن عبد الله بن طاهر بن يحيى بن الحسين بن جعفر بن الحسين الأصغر بن علي(5/18)
بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - الأمير الشريف الحسيني عز الدين، أمير المدينة، وليها بعد وفاة أخيه.
ولما استفحل أمره بالمدينة، قصد صاحب مكة نجم الدين أبا نُمَي محمداً، وحاصره، وأخذ مكة منه. واستولى عليها وحكم فيها ثم رحل عنها، كل ذلك في سنة سبع وثمانين وستمائة.
وكانت ولاية جماز المذكور للمدينة بعد وفاة أخيه منيف بن شيحة في سنة سبع وخمسين وستمائة وطالت أيامه بها، ووقع له بها حروب وخطوب، ودام بها إلى سنة سبعمائة؛ سلمها لابنه منصور بعد أن شاخ وطعن في السن وأضر، واستمر بطالاً إلى أن توفي سنة أربع وسبعمائة.
وجَمَاز بجيم مفتوحة وميم مشددة وألف وزاي، وشِيحَة - بشين معجمة مكسورة وياء آخر الحروف ساكنة وحاء مفتوحة وبعدها هاء - انتهى.(5/19)
باب الجيم والنون
جُندُل
00 - 0 - 675هـ - 000 - 1276م جُنْدُل بن محمد، الشيخ الصالح المعتقد.
كان رجلاً صالحاً صاحب عبادة وأوراد. وكان له كرامات، وأحوال، ومعرفة بطريق القوم.
وكان الشيخ تاج الدين عبد الرحمن الفزاري يتردد إليه، وله به اختصاص كبير. واستمر على قدمه وطريقته إلى أن مات بقرية منين في شهر رمضان سنة خمس وسبعين وستمائة. رحمه الله تعالى.(5/20)
التَنْكُزي
جَنْغَاي بن عبد الله التَنْكُزي، الأمير سيف الدين.
قال الشيخ صلاح الدين: لم نسمع ولم نعلم أن أستاذه - يعني الأمير تنكز نائب الشام - أحب أحداً وقرَبه مثله. كان لا يدعه يقف قُدامه في الخلوة.
أخبرني القاضي علم الدين بن قطب الدين مستوفي ديوان تنكز. قال: كان الأمير رَسَمَ بأن يطلق من الخزانة العشرة آلاف درهم فما دونها لمن أراد. ولم نعلم أنه مضى يوم من الأيام ولم ينعم عليه بشيء إلا نادراً. انتهى.
قال: وكنا نراه في الصيد إذا خرج يركب أستاذه ناحيةً ويركب هذا ناحية في طُلْب آخر. وله بازدارية وكلابزية وأناس في خدمته، ويكون معه في الصيد مائتا عليقة، ويكون على السيبة خمس أو ست حوائص ذهباً.
وعلى الجملة فما نعلم أحداً رزق حظوته عنده. وكان أهيف، رقيقاً مصفر الوجه، وبه القرحة، لا يزال ينفث الدم والقيح. وكان لأجل ذلك قد أُذِنَ له في استعمال الشراب.(5/21)
وكان يقال أنه قرابته، والله أعلم. ثم إنه في الآخر أرجف بأنه هو وطغاي أمير آخور قد حسنا لأستاذهما التوجه إلى بلاد التتار، فطلبهما السلطان منه، فلم يجهزهما.
ولما أُمسك تنكز قُبض عليهما، وأودعا معتقلين في قلعة دمشق. فلما حضر بشتاك إلى دمشق أحضرهما وسلمهما إلى برسبغا، فضربهما بالمقارع ضرباً عظيماً إلى الغاية في الليل والنهار، واستخرج ودائعهما، وقررهما على مال أستاذهما، ثم بعد جمعه وسَّطهما بسوق الخيل يوم موكب بحضور بشتاك والأمراء. انتهى كلام الشيخ صلاح الدين.
ابن البابا
00 - 0 - 746هـ - 000 - 1345م جَنكلي بن البابا، الأمير بدر الدين، عظيم الدولة الناصرية، ورأس الميمنة بعد الأمير آقوش نائب الكرك.(5/22)
قال الصفدي في تاريخه: خطبه الملك الأشرف خليل بن قلاوون وهو في تلك البلاد، ورغبه، وبالغ في حضوره إلى بلاد الإسلام، وكتب منشوره بالإقطاع الذي عينه، فلم يتفق حضوره. ثم إنه وفد على السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، فأكرمه وأمره، وذلك في سنة أربع وسبعمائة، ولم يزل عنده معظماً مكرماً مبجلاً.
وكان يجهز إليه الذهب مع الأمير سيف الدين بكتمر الساقي ومع غيره. ويقول له عن السلطان: لا تبوس الأرض على هذا، وتنزله في ديوانك، كأنه يريد إخفاء ذلك.(5/23)
وكان يجلس أولاً ثاني نائب الكرك. فلما أخرج إلى طرابلس جلس الأمير بدر الدين هذا رأس الميمنة، وهو من الحشمة والدين والوقار وعفة الفَرج في المحل الأقصى.
قال لي ولده الأمير ناصر الدين محمد: إن والدي يعرف ربع العبادات في الفقه من أحسن ما يكون في معرفة خلاف الفقهاء والأئمة.
وله ولدان أميران، أحدهما الأمير ناصر الدين محمد، والآخر الأمير شهاب الدين أحمد.
وكان السلطان قد زوج ابنه إبراهيم بابنة الأمير بدر الدين المذكور. ولم يزل معظماً في هذه البلاد من حين وَرَدَ إلى أن توفى - رحمه الله - في يوم الاثنين العصر سابع ذي الحجة سنة ست وأربعين وسبعمائة. وكان ركناً من أركان المسلمين، ينفع العلماء والصلحاء والفقراء بماله وجاهه. وكان عفيف الفرج صيناً. ويقال إنه يتصل نسبه بإبراهيم بن أدهم - رحمة الله عليه -.(5/24)
وقلت: ولم أكتب إليه:
لا تنس لي يا قاتلي في الهوى ... حشاشة من حرقي تنسلي
لا تُرس لي ألقى به في الهوى ... سهام عينيك متى تُرْسلي
لا تخت لي يَشْرُف قدري به ... إلا إذا ما كنت به تَخْتَلي
لا جَنَك لي تضرب أوتاره ... إلا ثنى يملي على جنكلي
انتهى كلام الشيخ صلاح الدين الصفدي - رحمه الله - باختصار.(5/25)
باب الجيم والهاء
صاحب بغداد وتبريز
810هـ - 000 - 1407م - 000 جَهَان شاه بن قَرَا يوسف بن قرا محمد، صاحب تبريز أعني كرسي مملكة أذربيجان وبغداد وغيرهما.
قيل أن اسمه كان أولاً ماردين شاه؛ فإن مولده كان بماردين في حياة والده في سنين عشرة وثمانمائة أو بعدها تخميناً. فلما قدم والده إلى ماردين ورآه سأل عن اسمه؛ فقيل له: ماردين شاه؛ فغضب من ذلك، وقال: هذا اسم للنسوة؛ سموه جَهَان شاه؛ فغلب عليه جَهَان شاه.
ونشأ جهان شاه يتيماً تحت كنف أخيه اسكندر بن قرا يوسف في قلعة جوشين إلى أن ترعرع وكبر، فر من أخيه اسكندر المذكور إلى جهة القان معين(5/26)
الدين شاه رخ بن تيمورلنك؛ فبعث اسكندر في طلبه جماعة؛ فأدركوه بالري؛ فقبضوا عليه، وحضروا به إلى أخيه اسكندر، فأراد اسكندر قتله؛ فمنعته أمه من ذلك، وشفعت فيه؛ فقبل شفاعتها وأطلقه. فأقام جهان شاه عنده مدة، وفر ثانياً، ولحق بشاه رخ؛ فأكرمه شاه رخ، وأنعم عليه بزردخانة هائلة وخيول وقماش. وأمده بعساكر كثيفة، وندبه لقتال أخيه اسكندر. فعاد جهان شاه لقتال اسكندر. وتصاففا وتقاتلا؛ فانكسر اسكندر وانهزم. ووقع بينهما حروب وخطوب، إلى أن انكسر اسكندر مرة أخرى من أخيه جَهَان شاه المذكور، والتجأ إلى قلعة ألِنجا، فحصره جهان شاه، إلى أن قتل ابنه شاه قوماط في ذي القعدة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة. وبعث قوماط شاه إلى عمه جهان شاه - صاحب الترجمة - يعلمه بذلك ولم يسلمه قلعة ألِنجا، وقال: هي لشاه رخ، وبعث بمفاتيحها إلى شاه رخ. فأرسل جهان شاه أيضاً قاصداً صحبة القاصد إلى شاه رخ، يطلب مفاتيحها من شاه رخ؛ ليكون نائبه بها. فأنعم عليه شاه رخ بها وبممالك اسكندر المذكور أيضاً. فملك تبريز وما والاها، على أنه نائب لشاه رخ، وعظم وضخم وأثرى، وأخذ أمره يتزايد إلى أن صار معدوداً من ملوك الأقطار. ثم ملك بغداد بعد موت أخيه أصبهان؛ فعند ذلك كثرت عساكره وعظمت جنوده وأخذ في مخالفة شاه رخ في الباطن.(5/27)
وحج الناس في أيامه بالمحمل العراقي من بغداد في سنين نيف وخمسين. ولا زال على ذلك حتى مات شاه رخ، وتفرقت كلمة أولاده؛ استفحل أمره بذلك أعظم مما كان. وجمع عساكره، ومشى على ديار بكر في سنة أربع وخمسين وثمانمائة؛ لقتال جهان كير بن علي بك بن قرايلك
صاحب آمد، وأخذ منه مدينة أرْزَنكان بعد قتال عظيم ومدينة الرها وقلعتها، وأرسل قطعة من عسكره لحصار جهان كير بآمد. ووصلت عساكره إلى أراضي ملطية ودوركي، ثم أرسل قُصَّاده في سنة خمس وخمسين إلى السلطان الملك الظاهر جقمق يُعَرِّفه: بأنه باقٍ على مودته، وأنه ما مشى على جهان كير إلا لما بلغه مخالفة جهان كير على السلطان. وذكر عن جهان كير أموراً، ورماه بعظائم؛ فأكرم السلطان قُصَاده، وردهم إليه بعد أن أحسن إليهم إحساناً زائداً. وأرسل صحبتهم أيضاً رسوله الأمير قانم من صفر خجا المؤيدي، المعروف بالتاجر، وعلى يده جملة من الهدايا والتحف.
صاحب آمد
جَهَان كَير بن علي بك بن عثمان، المدعو قَرَايُلْك بن قطلوبك. الأمير سيف الدين، صاحب آمد وماردين وأرزنكان وغيرهم.(5/28)
مولده بديار بكر في حدود العشرين وثمانمائة تقريباً. ونشأ تحت كنف والده وجده قرايلك. وقدم مع والده إلى الديار المصرية، وأنعم عليه بإمرة حلب؛ فتوجه إلى حلب. وأقام بها مدة إلى أن ولاه الملك الظاهر جقمق نيابة الرها؛ فباشرها مدة طويلة، وعظم وكثرت جنوده، ثم ملك آمد بعد موت عمه حمزة بعد حروب، ثم أرزنكان، ثم ملك ماردين، ولا زال يملك قلعة بعد قلعة حتى صار حاكم ديار بكر وأميرها.
فلما ضخم وأثرى أظهر الخلاف على الملك الظاهر جقمق، وضرب بعض بلاد السلطان، وانضم عليه الأمير بَيْغُوت من صفر خُجَا المؤيدي الأعرج لما عُفِي من نيابة حماة سنة أربع وخمسين وثمانمائة، ووافقهما خلائق، وعظم جمعه. فبينما هو في ذلك إلا طرقه جَهَان شاه بن قرا يوسف صاحب تبريز وبغداد وغيرهما في السنة المذكورة، وشتت شمله ومزق عساكر، وأباده وأخذ(5/29)
منه أرزنكان ومدينة ماردين في سنة أربع وخمسين ووقع بين عساكر جَهَان شاه وبين جهان كَير هذا حروب في هذه المدة.
فلما ضاق الأمر عليه أرسل بوالدته إلى البلاد الشامية، تستأذن نواب البلاد الشامية - وكانوا جميعاً بالبلاد الحلبية - في قدومها إلى الديار المصرية؛ لتسترضي الخواطر الشريفة على ولدها جهان كير المذكور. وكان جهان كير أيضاً أرسل بولده قبل تاريخه يسأل الدخول في طاعة السلطان؛ فمنعوها نواب البلاد الشامية من قدومها إلى الديار المصرية، ثم عادت إلى آمد. وبعد عودها أرسل جهان كير هذا بأخيه حسن في شرذمة من عسكره إلى عمه الشيخ حسن بن قرايلك.
وكان الشيخ حسن المذكور في عسكر كثيف من عسكر جهان شاه، فطرقه حسن بغتة؛ فظفر به وقتله، وبعث برأسه إلى أخيه جهان كير، وقتل حسن أيضاً جماعة من عسكر جهان شاه الذين كانوا مع عمه الشيخ حسن.
فلما بلغ جهان شاه ذلك غضب، واشتد حنقه، وقدم إلى آمد وحصرها، وبها جهان كير هذا.(5/30)
باب الجيم والواو
ابن معن
705 - 756هـ - 1305 - 1355م جواد بن سليمان بن غالب بن معن بن مغيث بن أبي المكارم بن الحسين بن إبراهيم. ينتهي نسبه إلى النعمان بن المنذر. هو عز الدين بن أمير الغرب. مولده في خامس المحرم سنة خمس وسبعمائة، وكان من أتقن الناس للصنائع. برع في جميع ما يعلمه بيده من الكتابة المنسوبة - التي هي غاية في الحسن -. وعمل النشاب بالكزلك، ونجارة الدق، والتطعيم، والخياطة، والتطريز، والزركش، والخردفوشية، والبيطرية، والحداد، ونقش الفولاذ، ومد قوساً بين يدي الأمير تنكز وزنه مائة وثلاثة وعشرون رطلاً بالدمشقي، وكتب مصحفاً(5/31)
مضبوطاً مشكولاً يقرأ فيه بالليل - وزن رقه سبعة دراهم وربع، وجلده خمسة دراهم - وكتب آية الكرسي على حبة أرْز، وعمل زرقُبْع لابن الأمير تنكز اثني عشر قطعة - وزنه ثلاثة دراهم، يُفَك ويركب بغير مفتاح - وكتب عليه حفراً مجرى بسواد سورة الإخلاص، والمعوذتين والفاتحة، وآية الكرسي وغير ذلك، يقرأ عليه ذلك وهو مركب، ومن داخله أسماء الله الحسنى، لا يبين منها حرف واحد إلى حين يفك، وجعل لمن يفكه ويركبه مائة درهم فضة، فلم يجد من يفكه ويركبه.
وأراد تنكز أن يجعله زرد كاشاً في وقت، وأعطاه إقطاعاً في الحلقة، وقربه وأدناه، وكتب له قصة قصا في قص في قص.
وأما عمل الخواتيم، وإتقان عملها وتحريره، وإجراء الميناة عليها، فأمر باهر معجز، لا يلحقه فيه أحد. وحفظ القرآن الكريم، وطرفاً من الفقه والعربية، ولعب الرمح، ورمى النشاب وجوده.
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: وعلى الجملة، فلم ير مَن أتقن الكتابة المنسوبة في السبعة أقلام، ولا مَن أتقن الصنائع التي يعملها بيده مثله لأنه غاية في التحرير والإتقان. وفيه مع هذا كله كرم نفس وسيادة، وكتب(5/32)
لامية العجم قصا في غاية الحسن، وأهدى إليَّ شيئاً من طرائف الجبل، وهدايا بيروت، فكتبت إليه:
يا سيداً جاءت هداياه لي ... على المُنى مني وفوق المراد
أنت جوادٌ سابقٌ بالندى ... من ذا الذي ينكر سبق الجواد
فكتب إليَّ جواباً:
وافى كتابك مطوياً على نُزَه ... يحار مسمعه فيها وناظرُهُ
فالعين ترمق فيها خط كاتبه ... والسمع ينعم فيما قال شاعرُهُ
وإن وقف أمام الحيِّ أُنْشِده ... ودَّ الخرائد لو تُقْنَى جواهرُهُ
انتهى كلام الشيخ صلاح الدين الصفدي - رحمه الله - ولم يذكر وفاته وتوفي رحمه الله في جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وسبعمائة.
نائب القان بو سعيد
00 - 0 - 728هـ - 0001327م جَوبان نائب القان بو سعيد بن خَرَابَنْدا متملك البلاد المشرقية.(5/33)
كان المذكور مناصحاً للمسلمين في الباطن، وكان فيه الخير، وبنى بالمدينة الشريفة مدرسة، ووقف عليها أوقافاً.
قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي في ذيل تاريخه سير النبلاء: جوبان النوين الكبير، نائب المملكة المغلية. كان رجلاً شجاعاً، مهيباً، كبير الشأن، صحيح الإسلام، وله حظ من صِلاَتٍ. وبذل ذهباً كثيراً حتى أوصل الماء إلى بطن مكة يعني عمارته عين بازان. وكانت ابنته بغداد خاتون زوجة القان بو سعيد، وابنه تمرتاش متولي ممالك الروم، وابنه دمشق خجا قائد عشرة آلاف وكان سلطانه بو سعيد تحت يده، ثم زالت سعادتهم. انتهى كلام الذهبي.
قلت: وكانت قتلة جوبان هذا بهراة في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، ونقل إلى المدينة النبوية، ودفن بالبقيع.(5/34)
القواس
00 - 0 - في حدود 680هـ - 000 - 1281م جوبان بن مسعود بن سعد الله، أمين الدين الدُّنِيْسري، الشهير بالقوَّاس التوزي، الشاعر المشهور.
قال الإمام شمس الدين محمد الجزري. اسمه رمضان ولقبه جوبان. ولم يكن يعرف الخط ولا النحو، وكانت كتابته من جهة التنوين في غاية القوة، بحيث إنه استعار من القاضي عماد الدين محمد الشيرازي درجاً بخط ابن البَوَّاب، ونقل ما فيه إلى درج بورق التوز، وألزق التوز على خشب، وأوقف عليه ابن الشيرازي، فأعجبه، وشهد له أن في بعض ذلك شيئاً أقوى من خط ابن البواب. واشتهر ذلك بدمشق، وبقي الناس يقصدونه، ويتفرجون عليه. وكان له ذهن خارق. انتهى كلام الجزري.
قلت: وكان له نظم جيد، من ذلك قوله:
جاءت سحراً تشقُّ فجر الغَلَس ... كالطَّيف توارت في ظلال الخُلَس
ما أطيب ما سمعت من منطقها ... لا تسل ما لاقيتُه من حَرَسِي
مات في حدود الثمانين وستمائة، رحمه الله.(5/35)
المعلم
00 - 0 - نيف 830هـ - 000 - 1426م جوبان بن عبد الله الظاهري، المعلم، الأمير سيف الدين.
نسبته إلى معتقه الملك الظاهر برقوق.
كان أحد الخاصكية في أيام أستاذه الملك الظاهر، وممن صار معلماً للرمح في أيامه. وكان تركي الجنس، سليم الباطن. انتهت إليه الرئاسة في تعلم الرمح في زمانه، وكان حكماً لهذا الفن في الدولة المؤيدية والأشرفية برسباي. رأيته وأخذت عنه، وقد شاخ. وطعن في السن، وهو على ما هو عليه من القوة في تعليمه. ولم يزل على ذلك إلى أن توفي في حدود سنين نيف وثلاثين وثمانمائة، رحمه الله تعالى.
اللاَّلاَ
00 - 0 - 842هـ - 000 - 1438م جوهر بن عبد الله الجُلْباني الطواشي الحبشي، الأمير صفي الدين. أصله من خدام الأمير بَهادَرْ المشرَّف.(5/36)
اشتراه بمكة المشرفة، وقدم به إلى القاهرة، وأعطاه لأخته زوجة الأمير جُلْبَان الحاجب؛ فدام عندها إلى أن أعتق من قبلها أو من قبل زوجها جلبان.
ثم اتصل جوهر بخدمة الملك الأشرف برسباي قبل سلطنته بمدة طويلة إلى أن تسلطن؛ فعند ذلك قرَّبه، وأدناه، وجعله لالاة لولده المقام الناصري محمد. وعظم قدره وأثرى، وصار له كلمة في الدولة الأشرفية، وحرمة وافرة. ثم استقر بعد موت المقام الناصري محمد لالاة لأخيه الملك العزيز يوسف في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة. ودام على ذلك إلى أن توفي الأمير الطواشي الرومي خُشْقَدَم الظاهري الزمّام في سنة تسع وثلاثين وثمانمائة، استقر المذكور زماماً عوضه؛ فتزايدت عظمته وكثر ماله. وبنى بخط المصنع مدرسته المعروفة به، ووقف عليها عدة أوقاف. واستمر في وظيفته إلى أن مات الملك الأشرف برسباي وتسلطن ولده الملك العزيز يوسف من بعده. فمرض جوهر المذكور، وطال مرضه إلى أن خلع الملك العزيز، وتسلكن من بعده الملك الظاهر جَقْمَق، عزله بالأمير الطواشي فيروز الجاركسي الساقي الرومي، وصادره ونكبه إلى أن توفي بعد ذلك بمدة يسيرة في يوم الأربعاء ثالث عشرين جمادى الأولى سنة اثنتين(5/37)
وأربعين وثمانمائة، وله نحو ستين سنة تقريباً. وكان ديناً، خيراً، كريماً، متجملاً في ملبسه ومركبه، وكان يحب العلماء، وأهل الصلاح ويكرمهم ويحسن إليهم. رحمه الله تعالى.
القَنْقَبائي الخازندار
00 - 0 - 844هـ - 000 - 1440م جوهر بن عبد الله القنقبائي الطواشي الحبشي، الأمير صفي الدين الخازندار، والزمَّام، وعظيم الدولة الأشرفية برسباي، والعزيزية يوسف، والظاهرية جقمق.
أصله من خدام الحطي داؤد بن يوسف بن سيف أرعد متملك بلاد الحبشة.
أرسله في جملة تقدمة إلى الملك الظاهر برقوق؛ فأنعم به الملك الظاهر بعد مدة على الأمير قُنْقَبائي الألجائي اللاّلا؛ فاعتقه قُنْقَبائي المذكور، ودام بخدمته إلى أن مات.(5/38)
تنقل جوهر هذا في عدة خدم، وقاسى من الفقر ألواناً إلى أن اتصل بخدمة علم الدين داؤد بن الكُوَيْز، كاتب السر، ودام عنده إلى أن مات علم الدين ابن الكويز.
وكان بين جوهر هذا وبين جوهر الجلباني
اللالا - المتقدم ذكره آنفاً - صُحبة وأخوة قديمة، ومحبة زائدة. فصار جوهر - المتقدم ذكره - يحسن إلى جوهر هذا إحساناً زائداً، ونزَّله بباب السلطان من جملة الخدام.
واستمر على ذلك دهراً إلى أن مات الأمير الطواشي كافور الصرغتمشي الزمَّام في يوم الأحد خامس عشرين شهر ربيع الآخر سنة ثلاثين وثمانمائة. واستقر زمَّاماً من بعده الأمير خشقدم الظاهري الخازندار، وشغرت وظيفة الخازندارية من بعده مدة يسيرة، وطلب الملك الأشرف مَن يوليه الخازندارية من بعده؛ فذكر له أرباب الدولة عدة من أعيان الخدام؛ فلم يرض بأحد منهم، وقال: أريد من يكون عاقلاً، عارفاً؛ فقال له جوهر اللالا - المتقدم ذكره -:(5/39)
يا مولانا السلطان عندي من هو غرض السلطان، غير أنه لم يكن من أعيان الخدام. فقال له الأشرف: ومَن هو. قال: أخي جوهر القنقبائي، ويُجرِّبه السلطان، ويحدثه فيما يختار. فطلبه السلطان في الوقت، وكلمه؛ فأعجبه كلامه، وولاه الخازندارية، وتسلم الخزانة الشريفة، وضبط الأموال، وساس الأمور.
وكان حاذقاً، عاقلاً، عارفاً، وعنده سكون ورزانة. فلما رأى الأشرف منه ذلك أضاف إليه التكلم في الذخيرة وغيرها. وعظم في الدولة، ونالته السعادة، وحظي عند الأشرف، وانقاد إليه بكليته، وكثر ترداد الناس إلى بابه، بل صار هو صاحب العقد والحل، والمشار إليه في الممالك.
وصار جوهر اللالا الساعي له أولاً إذا طرأ له حاجة عند الأشرف يسأله في قضائها له. حتى إنه لما مات خشقدم الزمَّام وشغرت وظيفة الزمامية عنه، سأل جوهر اللالا السلطان بأن يكون زماماً، فلم ينعم له بها حتى دخل إلى جوهر هذا، وسأله أن يتحدث له في وظيفة الزمامية مع الملك الأشرف؛ فغرب عليه جوهر - صاحب الترجمة - وقال له: يا أغاة! والسلطان يعلم أنك تريد الزمامية، ويتوقف معك في ولايتها! فقال له جوهر اللالا: نعم، وسألته فيها غير مرة، وسأله غالب الخوندات، ولا أعرف ولايتها إلا منك، ثم قام من(5/40)
فوره؛ فدخل جوهر هذا إلى الملك الأشرف، فلم يخرج من عنده حتى جعله زماماً، من هذا أشياء يطول شرحها.
ولا زال على ما هو عليه من الحرمة والعظمة، حتى توفي الملك الأشرف في سنة إحدى وأربعين وثمانمائة. وتسلطن الملك العزيز يوسف بن الأشرف، وخُلع، وتسلطن الملك الظاهر جقمق، وهو على ذلك إلى أن فر الملك العزيز يوسف من دور الحرم بقلعة الجبل. وغضب الملك الظاهر بسببه على الطواشي فيروز الجاركسي، وعزله من وظيفة الزمامية. استقر بجوهر هذا في وظيفة الزمامية عوضه، مضافاً على الخازندارية وغيرها، ثم شرع جوهر في بناء مدرسته التي بجوار الجامع الأزهر، ومات قبل أن تكمل عمارتها.
وخرج جوهر من الدنيا بغير نكبة. ولم يظهر له من الذهب العين إلا القليل؛ بالنسبة إلى ما كان يقاس عليه، وذهب جميع ماله عند مَن له فيه رزق. فحصل بسبب ذلك للسلطان الملك الظاهر جقمق من القهر والغبن ما لا مزيد عليه. وتولى الخازندارية من بعده الطواشي جوهر التمرازي - الآتي ذكره - وتولى الزمامية من بعده أيضاً الطواشي هلال الرومي الظاهري شاد الحوش السلطاني.(5/41)
وكانت وفاته في ليلة الاثنين أول شعبان سنة أربع وأربعين وثمانمائة، وعمره نحواً من سبعين سنة تخميناً، ودفن بمدرسته التي أنشأها بالقرب من جامع الأزهر. وحضر السلطان الصلاة عليه. وكان عاقلاً، ديناً، تالياً لكتاب الله، عارفاً بالقراءات.
وكان مقتصراً في مركبه، وملبسه، ومأكله بالنسبة إلى مقامه. وعنده قبض كفٍّ إلا على الفقراء، ومَن هو مشهور بالصلاح، فإنه كان يبدر المال عليهم إلى الغاية.
حدثني بعض أصحابه أنه سأله مرة رجل من طلبة العلم في شيء من الدنيا، ولم يكن ذلك الرجل من أصحابه وقال: لي ابنة، وأريد أزوجها. فقال جوهر المذكور لخازنداره: أعطه ما بقي في الكيس. فتوقف الخازندار، وقال: يا خوند بقي فيه مبلغ له جرم، يرسم الأمير له بشيء، وأنا أعطيه. فقال له جوهر ثانياً: أعطه الجميع. فكرر الخازندار الكلام حتى نهره جوهر، فأعطاه جميع ما كان في الكيس، وهو مبلغ ثلاثمائة دينار، فهذه كانت طريقته. وأما ليقال؛ فكان لا يعطي لذلك الدرهم الفرد. رحمه الله تعالى.
التمرازي الخازندار
00 - 0 - 850هـ - 000 - 1446م جوهر بن عبد الله التِّمرَازي الخازندار، الأمير صفي الدين الطواشي الحبشي.(5/42)
كان أصله من خدام الأمير تِمْراز الناصري نائب السلطنة بالديار المصرية، واتصل من بعده بخدمة الملك المؤيد شيخ، وصار من جملة الجمدارية الكبار. ودام على ذلك دهراً إلى أن ولاّه الملك الظاهر جقمق الخازندارية، بعد موت جوهر القُنْقَبائي - المتقدم ذكره قريباً - فباشر وظيفة الخازندارية، إلى أن عزل عناه بالأمير فيروز النوروزي في سنة ست وأربعين وثمانمائة. ورَسَّمَ السلطان عليه، وأخذ منه مبلغاً ليس بذاك، فلزم المذكور داره إلى سنة ثمان وأربعين وثمانمائة، أخلع عليه الملك الظاهر باستقراره في مشيخة الخُدام بالحرم النبوي على ساكنه أفضل الصلاة والسلام بعد موت الأمير فيروز الركني نائب مقدم المماليك السلطانة في الدولة الأشرفية برسباي. فتوجه المذكور إلى المدينة، ودام بها إلى أن مات في سنة خمسين وثمانمائة، وهو في الخمسين من العمر تقريباً.(5/43)
وكان صبيحاً، بشوشاً، مليح الشكل، وعنده كرم، وحشمة، وأدب. رحمه الله تعالى.
المنجكي النائب
00 - 0 - 852هـ - 000 - 1448م جوهر بن عبد الله المنجكي، نائب مقدم المماليك السلطانية.
أصله من عتقاء الصارمي إبراهيم بن منجك، ثم صار من مقدمي الأطباق. واستمر على ذلك سنين، وهو مقدم طبقة المقدم، إلى أن جعله الملك الظاهر جقمق نائب مقدم المماليك السلطانية، بعد القبض على الأمير فيروز الركني، وحبسه بثغر الإسكندرية. ولما صار نائباً عمَّر مدرسته التي أنشأها تجاه مُصلاة المؤمني بالرميلة من تحت قلعة الجبل، وهي بين المدارس كهيئته بين الخدام، ثم عزل عن النيابة، واستمر بطالاً إلى أن مات في سنة(5/44)
اثنتين وخمسين وثمانمائة. وكان حبشياً رقيقاً، للطوا أقرب، مهملاً، غير مليح الشكل. رحمه الله، وعفا عنه.
التفليسي المحدّث
00 - 0 - 700هـ - 000 - 1300م جَوْهر بن عبد الله التفليسي المحدِّث، الطواشي صفي الدين.
كان عنده فضيلة ومشاركة، وحبب إليه سماع الحديث، وتحصيل الأجزاء.
ولما مات وقف أجزاءه التي ملكها على أهل الحديث بعد أن سمع الكثير وحصل ودأب. وكانت وفاته في سنة سبعمائة.
وكان رجلاً صالحاً، ديِّناً، مباركاً. رحمه الله تعالى.
جوكي بن شاه رخ
جُوكي بن القان شاه رُخّ بن تَيْمُورلنك، اسمه أحمد ذكرناه في باب الألف والحاء المهملة من حرف الهمزة، يُراجَع هناك. انتهى.(5/45)
باب الجيم والياء
المثناة من تحت
متملك قبرص
00 - 0 - 835هـ - 000 - 1426م جَيْنُوس بن جاك بن بيدو بن أنطون بن جينوس الفرنجي، متملك جزيرة قبرص. ملكها بعد موت أبيه جاك في حدود سنة ثمانمائة، واستمر بها إلى أن قبض عليه العساكر الإسلامية من قبل الملك الأشرف، وقدموا به إلى القاهرة من جملة الأسرى حسبما ذكرناه في ترجمة الملك الأشرف برسباي مفصلاً. وأقام جينوس هذا بالقاهرة مدة، ثم أعاده الملك الأشرف إلى مملكته، بعد أن ضرب عليه الجزية في كل سنة، إلى أن توفي سنة خمس وثلاثين وثمانمائة. وملك قبرس من بعده ابنه جوُآن إلى يومنا هذا.
وجينوس المذكور رأيته بالقاهرة. وكان شكلاً طوالاً، خفيف اللحية أشقرها، وعنده معرفة وذوق. وكان لا يعرف بلسان العربي شيئاً، وقد(5/46)
استوعبنا أمره في ترجمة الملك الأشرف في غزوة قبرس فلا حاجة لإعادة ما وقع له هنا. انتهى.
وجينوس بجيم مفتوحة، وبعدها ياء آخر الحروف ساكنة، ونون مضمومة وواو، ثم سين مهملة. انتهى.(5/47)
حرف الحاء المهملة
الملك الصالح ثم المنصور
00 - 0 - 814هـ - 000 - 1411م حاجِّي بن شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون، السلطان الملك الصالح أولاً، ثم الملك المنصور ثانياً - حسبما سنذكره إن شاء الله تعالى - ابن الأشرف شعبان بن الأمير حسين بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون.
ولي السلطنة بعد موت أخيه الملك المنصور علي بن الأشرف شعبان، في يوم الاثنين رابع عشرين صفر سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة، وعمره نيف على عشر سنين.
وكان مدبر المملكة إذ ذاك الأتابك برقوق العثماني اليلبغاوي؛ فأقام المذكور في الملك إلى أن خلع بالملك الظاهر برقوق العثماني في يوم الأربعاء تاسع عشر شهر(5/48)
رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة. وكان الموافق ليوم الأربعاء المذكور آخر شهر هاتور من شهور القبط، فكانت مدة ملكه سنة واحدة ونصف سنة وخمسة عشر يوماً.
ولما خُلع من السلطنة رسم له الملك الظاهر برقوق بلزوم داره بقلعة الجبل على ما كانت عادة أولاد الأسياد أولاً. فاستمر مقيماً بداره إلى أن خَلَع الملكَ الظاهرَ برقوق من الملك، الأمير يلبغا الناصري والأمير تمربغا الأفضلي - المدعو منطاش - وحبساه بقلعة الكرك في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، واجتمعا على سلطنة الملك الصالح حاجّي ثانياً، لما امتنع يلبغا الناصري من السلطنة. فجلس المذكور على تخت الملك ثانياً في يوم الثلاثاء سادس جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وغيَّر لقبه بالملك المنصور. وصار الأتابك يلبغا الناصري مدبر مملكته. بل صار هو السلطان في الحقيقة، إلى أن وقع بينه وبين منطاش وحشة، وتقاتلا وانكسر الناصري، وقبض عليه منطاش، وحبسه بثغر الإسكندرية.(5/49)
ثم أراد منطاش قتل برقوق، وأرسل بذلك على يد البريدي، وقتل الشهاب المذكور بالكرك، وتخلص برقوق - حسبما ذكرناه في ترجمته مفصلاً - وعاد إلى ملكه.
خُلع الملك المنصور هذا ثانياً بالملك الظاهر برقوق أيضاً، ودخل برقوق إلى الديار المصرية ومعه الملك المنصورَ صاحب الترجمة مبجلاً في يوم الثلاثاء رابع عشر صفر سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة. واستمر المنصور ملازماً لداره بقلعة الجبل إلى أن توفي بعد أن أُقْعِدَ في ليلة الأربعاء تاسع عشر شوال سنة أربع عشرة وثمانمائة - رحمه الله - عن بضع وأربعين سنة، ودفن بتربة جدته خوند بركة أم الملك الأشرف شعبان. رحمه الله تعالى.
الملك المظفر ابن محمد بن قلاوون
00 - 0 - 748هـ - 000 - 1347م حَاجِّي بن محمد بن قلاوون، الملك المظفر ابن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي.(5/50)
مولده في سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، وأبوه في الحجاز؛ فسمي حاجي.
جلس على تخت الملك في مستهل جمادى الآخرة سنة سبع وأربعين وسبعمائة بعد خلع أخيه الملك الكامل شعبان.
وسبب خلع الملك الكامل وسلطنة المظفر هذا، أن الكامل شعبان أراد قتل حاجي هذا، وقيل: إنه أمر أن تُبْنَى عليه حائط.
وكان الكامل غير محبب للأمراء؛ فكاتب الأمراء الأمير يلبغا نائب الشام بخروجه عن الطاعة؛ فامتثل ذلك؛ وبرز إلى ظاهر دمشق وعصَى.
وبلغ الكامل الخبر؛ فاحتاج إلى أن جَّرد إلى الشام عسكراً لقتال يلبغا المذكور. فخرجوا من القاهرة إلى منزلة السعيدية أو الخطارة، ورجعوا إليه بعد أن خرجوا عن طاعته. فركب بآلة الحرب، ونزل إليهم، وقاتلهم؛ فانكسر. وجرح الأمير أرغون العلائي في ووجهه - حسبما ذكرناه في ترجمته - وقبض على الكامل، وخلع. فقام الأمير ملكتمر الحجازي ومعه الأمير آق سنقر والأمير أرغون شاه والأمير شجاع الدين أغزلو، الذي جرح أرغون العلائي، واتفقوا، وأخرجوا حاجي هذا من حبسه، وسلطنوه في التاريخ المذكور، ولقبوه بالملك(5/51)
المظفر. فلم يقم في الملك سوى سنة واحدة وثمانية أشهر واثني عشر يوماً، وخلع في ثاني عشر شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، وقتل في يومه على ما سيأتي ذكره.
وسبب خلع المظفر أنه لما تسلطن انتظمت له الأحوال، وسكنت الفتن، وصفا له الوقت، فحسن بباله مسك جماعة من الأمراء. فقبض على الأمير ملكتمر الحجازي القائم بسلطنته، والأمير شمس الدين آقسنقر، وأيتمش، وصمغار، وبُزْلار، وطُقْبَغا وهؤلاء كانوا من أكابر الأمراء ثم قبض على جماعة من أولاد الأمراء فنفرت القلوب منه، وتوحش الأمير يلبغا نائب الشام منه، ووقع معه أمور وحروب.
وكان الذي حَسَّنَ له مسك الأمراء المذكورين شجاع الدين أغزلو، فأمسكه أيضاً، وفتك به بعد أربعين يوماً. ثم إنه همَّ أيضاً بالقبض على الأمير ألجبغا الخاصكي وغيره، وفرَّق أكثر مماليك السلطان، وأخرجهم إلى الشام وإلى الوجه البحري والقبلي.(5/52)
وقتل أيضاً: الأمير بيدمر البدري، وطغيتمر الدوادار، والأمير نجم الدين محمود بن شَرْوِين الوزير، قبل الفتك بأغزلو. وهؤلاء الأمراء هم كانوا بقية الدولة الناصرية. فعند ذلك ركب الأمير أرُقطاي النائب بالديار المصرية، وغالب الأمراء والخاصكية، وخرجوا إلى قبة النصر - خارج القاهرة. وبلغ الملك المظفر ذلك؛ فركب فيمن بقي معه من القلعة - وهم معه في الظاهر، وعليه في الباطن.
فلما تراءى الجمعان ساق بنفسه إليهم؛ فجاء إليه الأمير بيبغا أروس أمير مجلس وطعنه بالرمح أقلبه على الأرض، وضربه الأمير طان يرق بالطبر من خلفه؛ فجرح وجهه وأصابوه. ثم كتفوه، وأحضروه إلى بين يديّ الأمير(5/53)
أرقْطَاي ليقتله فلما رآه نزل، وترجل، ورمى عليه قباءَهُ وقال: أعوذ بالله هذا سلطان ابن سلطان، ما أقتله. فأخذوه ودخلوا به إلى تربة هناك، وقضى الله أمره فيه.
وقيل: إن سبب خلعه وقتله أن الأمير ألجبغا المذكور أتى إليه يوماً؛ فوجده فوق سطح يلعب بالحمام؛ فقال له ألجبغا: ما تقول الناس! تدبر المملكة برأي الخدام والنساء، وتلعب بالحمام. فحنق المظفر من كلامه، وقال: ما بقيت ألعب بها. فأخذ ألجبغا منها طائرين وذبحهما. فلما رآهما مذبوحين طار عقله، وقال: والله لا بد ما أَحُزُ رأسك هكذا. فتركه ألجبغا ومضى. فقال الملك المظفر لخواصه: متى دخل عليكم ألجبغا اقتلوه؛ فبلغ ألجبغا الكلام؛ فكان ما ذكره من ركوب الأمراء عليه.
وفي هذا المعنى يقول البارع صلاح الدين خليل بن أيبك:
أيها العاقلُ اللبيب تفكرْ ... في المليك المظفر الضِّرغامِ
كم تمادى في البغي والغيِّ حتى ... كان لُعْب الحَمَام جِدَّ الحَمامِ
وقال أيضاً فيه:
حان الرَّدَى للمظفر ... وفي التراب تَعفَّرْ(5/54)
كم قد أباد أميراً ... على المعالي توفَّرْ
وقاتل النفس ظلماً ... ذُنُوبُهُ ما تُكَفَّرْ
ثم إن الأمراء كتبوا إلى الأمير أرغون شاه نائب دمشق، في ثاني عشر شهر رمضان - يعني يوم قتل المظفر - يعلمونه بما وقع ويطلبون منه الجواب فيمن يولونه سلطاناً. وجهزوا الكتاب على يد الأمير أسنبغا الحموي السلاح دار. ثم في يوم الثلاثاء رابع عشر شهر رمضان المذكور اتفق رأي الأمراء على سلطنة الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون؛ فتسلطن، ولقب بالملك الناصر - وهي سلطنة الملك الناصر حسن الأولى انتهى -.
هنى الدين المقرىء
00 - 0 - 684هـ - 000 - 1285م حَازم بن القاضي محمد بن الحسن بن محمد بن خلف، الشيخ العلامة هنى الدين أبو الحسن الأنصاري، شيخ البلاغة والأدب، صاحب النظم والنثر.
كان من أعيان العلماء، وهو من أهل قرطاجنَّة بالأندلس. توفي سنة أربع وثمانين وستمائة، وله ست وسبعون سنة. رحمه الله تعالى وعفا عنه.(5/55)
باب الحاء والباء الموحدة
حُبُكْ الظاهري
00 - 0 - 803هـ - 000 - 1400م حُبُكْ بن عبد الله الظاهري، الأمير سيف الدين. أحد أمراء الطبلخاناة في دولة ابن أستاذه الملك الناصر فرج ابن الملك الظاهر برقوق.
مات ليلة الثلاثاء مستهل ذي القعدة سنة ثلاث وثمانمائة، وأنعم بإقطاعه على خمسين مملوكاً من المماليك السلطانية.
وحُبُكْ بحاء مهملة مضمومة، وبعدها ياء موحدة مضمومة أيضاً، وكاف ساكنة. وهذا اسم جاركسي لا أعرف معناه، رحمه الله تعالى.(5/56)
باب الحاء والجيم
خاتون زوجة ملك التتار
00 - 0 - 693هـ - 000 - 1293م حُجُكْ خاتون، زوجة منكوتمر ملك التتار.
كانت قد تحكمت في زمان زوجها المذكور، في مملكة الملك يدان منكو الذي ملك بعد منكوتمر، وثقلت وطأتها عليهم؛ فشكوها إلى نوغيه؛ فأمر بها أن تخنق؛ فخنقت وقتل معها أيضاً أميراً كان يلوذ بها وينفِّذ أمورَها، كان اسمه بي طرا، وذلك في سنة ثلاث وتسعين وستمائة.(5/57)
باب الحاء والراء المهملة
القاضي مجد الدين المصري
649هـ - 734هـ - 1251 - 1333م حرمِي بن قاسم، القاضي مجد الدين المصري. وكيل بيت المال، ونائب القاضي بدر الدين بن جماعة، ونائب القاضي جلال الدين القزويني.
مولده في سنة تسع وأربعين وستمائة تخميناً. وكان شيخاً طوالاً، صغير الذقن، رقيقاً، ناسكاً، خيِّراً. قلَّ أن يموت أحد من الأمراء الأكابر إلا وأسند وصيتُه إليه.
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: أخبرني العلامة قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن السبكي الشافعي من لفظه قال: قرأ القاضي مجد الدين حرمي على الشيخ(5/58)
علاء الدين الباجي الأصلين. وقرأ على السيف البغدادي في الموجز والإرشاد. وسَمعَ من قاضي القضاة عبد الرحمن بن بنت الأعز قصيدة من نظمه وحدَّث بها. وكان يدرس بقبة الشافعي، ثم حفظ الحاوي الصغير على كبر. وحُكِيَ لي عن مروءته في السعي مع الناس في قضاء أشغالهم أمراً عجيباً. انتهى كلام الصفدي.
وقال غيره: وكان يتوكل للظاهر بيبرس ولمملوكه بكتمر الجوكندار الكبير، ولأيبك الخازندار، ولجماعة كثيرة.
وكان الناس يقولون عنه، هو آدم أبو البشر. وتوفي سنة أربع وثلاثين وسبعمائة. رحمه الله تعالى وعفا عنه.(5/59)
باب الحاء والزاي
اليَشْبُكي
00 - 0 - 824هـ - 000 - 1421م حَزْمَان بن عبد الله اليَشْبُكي، الأمير سيف الدين، أحد أمراء العشرات، ورأس نوبة.
نسبته إلى معتقه الأتابك يشبك الشعباني. وترقى بعد موت أستاذه، إلى أن تأمرَّ في أواخر الدولة المؤيدية شيخ، أوفى دولة ولده الملك المظفر أحمد ابن شيخ. فلم تطل أيامه، ومات في سنة أربع وعشرين وثمانمائة تقريباً، ودفن بتربة أستاذه يشبك بالصحراء، خارج باب النصر.
وحزمان بفتح الحاء المهملة، وبعدها زاي ساكنة، وميم وألف ونون ساكنة وهو اسم جاركسي.
؟؟
حزمان الظاهري
00 - 0 - 814هـ - 000 - 1411م حَزْمَان بن عبد الله الظاهري، الأمير سيف الدين، أحد المماليك الظاهرية(5/60)
برقوق، وممن ترقى في الدولة الناصرية فرج بن برقوق إلى أن صار نائب القدس الشريف. ثم وقع له أمور إلى أن صار دواداراً ثانياً، ثم تخوف من الملك الناصر فرج وخرج عن طاعته، وفر بمفرده من القاهرة، وقصد دمشق. وخرج في إثره جماعة؛ فلم يدركه أحد، ومضى حتى وصل إلى قرب غزة. فصادفه بعض أمراء الملك الناصر ممن كان توجه إلى الأمير شيخ في الرسلية، فعرفه وقبضه، فلم يقدر يفر؛ لعجز فرسه وتعبه. وأتى به إلى الملك الناصر فرج فحبسه أياماً، ثم وسَّطَهُ في سنة أربع عشرة وثمانمائة مع جماعة أخر رحمه الله.(5/61)
باب الحاء والسين
ابن أمين الدولة
00 - 0 - 658هـ - 000 - 1259م الحسن بن أحمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن محمد بن أبي القاسم، الوزير هبة الله بن محمد بن عبد الباقي، مجد الدين أبو محمد، المعروف بابن الرعياني، وبابن أمين الدولة، الحلبي الحنفي، الفقيه، المحدِّث، الفاضل.
سمع بحلب من القاضي بهاء الدين يوسف بن رافع بن تميم، ومن ابن أبي الحسن بن روزبة، وأبي الفضل مكرم ابن أبي الصقر، وابن رواحة. وببغداد من الكاشغري، وابن الخازن.
قال الحافظ قطب الدين في تاريخ مصر: قرأ بنفسه، وأعاد بالحلاوية في زمن. صاحب كمال الدين بن العديم، وشرح الفرائض السراجية في مجلد لطيف، وذكره الدمياطي في معجمه.(5/62)
وقال فيه الفقيه الفرضي: المحدِّث الشهيد، وأنشد عنه شعراً.
أنشدنا الشيخ تقي الدين أحمد المقريزي إجازةً، أنشدنا الحراوي إجازةً عن أبي الحافظ أبي محمد الدمياطي إجازةً قال: أنشدنا رفيقنا الحسن بن أحمد لنفسه بحلب:
كأن البدرَ حين يلوح طوراً ... وطوراً يختفي تحت السحاب
فتاة كلما سفرت لخِلٍّ ... توارت خوف واشٍ بالحجاب
توفي صاحب الترجمة مقتولاً بأيدي التتار في العشر الأوسط من صفر سنة ثمان وخمسين وستمائة. رحمه الله.
قاضي القضاة حسام الدين أنو شروان
631هـ - 699هـ - 1233 - 1299م الحسن بن أحمد بن الحسن بن أنو شروان، قاضي القضاة حسام الدين، أبو الفضائل بن قاضي القضاة تاج الدين أبي المفاخر والرَّازي الرومي الحنفي.
مولده في ثالث عشر المحرم سنة إحدى وثلاثين وستمائة بأقصرا. وبها نشأ وتفقه، ثم رحل إلى ملطية، فولي قضاءها أكثر من عشرين سنة. ثم قدم إلى دمشق في سنة خمس وسبعين وستمائة خوفاً من التتار، فأقام بها مدة ثم ولي(5/63)
قضاءها بعد قاضي القضاة صدر الدين سليمان في سنة سبع وسبعين وستمائة. فامتدت أيامه إلى أن تسلطن الملك المنصور حسام الدين لاجين. طلبه إلى الديار المصرية، وولاه قضاءها، وتولى ابنه جلال الدين مكانه في قضاء دمشق، وذلك في سنة ست وتسعين وستمائة. فباشر قضاء الديار المصرية بعفة وحرمة، وحمدت سيرته، وعلا قدرهُ، ونالته السعادة إلى أن قتل الملك المنصور لاجين عزل عن قضاء مصر، وعاد إلى دمشق قاضياً بها، وعزل ولده جلال الدين، فباشر قضاء دمشق ثانياً، وأكب على الاشتغال والأشغال.
وكان بارعاً، عالماً، مفنناً، مجموع الفضائل، كثير المكارم، وافر الحرمة متودداً للناس، وفيه خير، ومروءة، ودين، وحشمة، وله نظم، ونثر، ومعرفة تامة بالطب. ودام على ذلك إلى أن شهد المصاف في سنة تسع وتسعين وستمائة، فكان ذلك آخر العهد به.
وقيل إنه لم يقتل في تلك الغزوة، وإنما أسر، وبيع للفرنج، وأدخل إلى(5/64)
جزيرة قبرس هو وجمال الدين الطوخي، وأنه جلس بقبرس يطب الناس، ويعالج المرضى.
وقيل إنه لمَّا دخل إلى قبرس كان الملك ضعيفاً؛ فطبُّهُ إلى أن تعافى.
وكان وَعَدَهُ أنه إذا تعافى يطلقه، فلما تعافى الملك مرض هو بالإسهال إلى أن مات رحمه الله تعالى.
العز الأربلي
00 - 0 - 726هـ - 000 - 1325م الحسن بن أحمد بن زُفَر، الحكيم عز الدين الأربلي.
سمع من ابن الخلاَّل والموازيني.
قال الحافظ الذهبي: كان مظلماً في دينه، متفلسفاً، صادقاً في نقله، حصَّل إثبات سماعاته، وألف كتباً وتواريخ منها: السيرة في مجلدين. وسمع مَعَنَا(5/65)
كثيراً، ومجاميعه بخطه معروفة، وغالبها تراجم شعراء وتواريخ وقومات، وكان يعرف بالعز الأربلي. انتهى.
قلت: وكانت وفاته في سنة ست وعشرين وسبعمائة.
القاضي بدر الدين البرديني
حدود 750 - 831هـ - 1349 - 1427م الحسن بن أحمد بن محمد، القاضي بدر الدين البُرْدَيْنِي الشافعي، أحد خلفاء الحكم.
مولده بقرية بردين بالشرقية من أعمال القاهرة في حدود الخمسين وسبعمائة.
وقدم إلى القاهرة صغيراً، وتفقه بها يسيراً، وجلس في حانوت الشهود سنين إلى أن قرره القاضي قاضي القضاة صدر الدين المناوي في جملة موقعي الحكم بالقاهرة. واستمر على ذلك إلى أن استنابه قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقيني بعد سنة عشر وثمانمائة.
قال الشيخ تقي الدين المقريزي رحمه الله: وكان فيه عُصْبيةٌ ومحبة لقضاء(5/66)
حوائج الناس ولم يوصف بعلم ولا دين، صَحِبَنا سنين ومستراح منه. انتهى كلام المقريزي باختصار.
قلت: هو كما قاله المقريزي وزيادة.
كان سكنه بالقرب منا وكان يصحب الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله، ناظر الخاص، وكان قاضيه، ويحكم لأجله بمهما وافق غرض ابن نصر الله، وله في هدم الأماكن التي أخذها الملك المؤيد شيخ وبناها مدرسته المشهورة بباب زويلة مصائب استوعبها المقريزي في الحوادث.
ولم يزل قاضياً إلى أن مات في يوم الاثنين لخمس بقين من شهر رجب سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة، وقد أناف على الثمانين سنة، رحمه الله تعالى وعفا عنه.
الشيخ الحسن
00 - 0 - 748هـ - 000 - 1347م الحسن بن أَرْثَنَا، الأمير بدر الدين، المعروف بالشيخ حسن.
كان من أحسن الأشكال وأتمها. وكان عارفاً، عاقلاً، فاضلاً.(5/67)
ولما توجه الشيخ حسن هذا رسولاً إلى الشيخ حسن الكبير إلى بغداد، ووصل إلى بهسنا سمع به الأمير طشتمر حمص أخضر نائب حلب؛ فكتب إلى نائب بهسنا يطلبه، فحضر إليه، فأعجبه شكله وسمته، وخلع عليه خلعة سنية وأعاده إلى والده الأمير أرثنا.
فلما وصل إلى بلده خطب له والده ابنة الملك الصَّالح شمس الدين صاحب ماردين؛ فأجابه إلى ذلك، وجهزها إليه؛ فلم يدخل بها، ومات بسيواس في شوال سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، وكان والده في قيصرية؛ فكتب أبوه إلى صاحب ماردين يقول له: إن لي ابناً آخر يصلح لزواجها، وأعطاه مدينة خرت برت رحمه الله.
الصدر نظام الدين
00 - 0 - 715هـ - 000 - 1315م الحسن بن أسعد، الصدر نظام الدين، أخو الصاحب عز الدين بن القلانسي.(5/68)
كان فقيهاً، عالماً، فاضلاً.
توفي سنة عشرة وسبعمائة. رحمه الله تعالى.
ابن درباس
00 - 0 - 676هـ - 000 - 1277م الحسن بن إسماعيل بن عبد الملك بن درباس، الشيخ الإمام نصر الدين ابن القاضي صدر الدين، الشهير بابن درباس.
كان إماماً، عالماً، فقيهاً، أديباً وهو مدرس مدرسة سيف الإسلام بالبندقانيين من القاهرة وتوفي سنة ست وسبعين وستمائة.
صاحب بغداد
00 - 0 - 657هـ - 000 - 1258م الحسن بن حسين بن آقْبُغَا بن أيلكان النُّوين، الأمير الكبير المعروف(5/69)
بالشيخ حسن، صاحب بغداد وما والاها. وهو سبط أرغون ابن أبغا بن هولاكو.
كان في ابتداء أمره في خدمة القان بو سعيد. وكان الشيخ حسن هذا متزوجاً ببغداد، خاتون ابنة جوبان؛ فأحبها القان بو سعيد، وأخذها منه بعد ما ولدت منه ابنه أيلكان، ثم أَبعد بو سعيد الشيخ حسن المذكور. فلما خرج من بلده عصى عليه وخالفه، ولم يزل على ذلك حتى ملك مدينة بغداد، وجرى له حروب وخطوب بعد موت بو سعيد مع طغاي بن سوتاي، ومع إبراهيم بن سوتاي أيضاً، ومع أولاد تمرتاش وغيرهم، وتداولوهُ بالحروب إلى أن نصره الله عليهم.
وتزوج بعد موت بو سعيد بالخاتون دلشاد ابنة الأمير دمشق خجا، وهي ابنة أخي زوجته الأولى بغداد خاتون.
ولما ملك بغداد واستقر بها مال إلى ملوك مصر وهادنهم، وانتظمت كلمة الوفاق بينهم، ومال إلى المسلمين ميلاً كثيراً.(5/70)
وكان في أيامه الغلاء العظيم ببغداد حتى أبيع بها الخبز بصنج الدراهم، ونزح الناس عنها، ثم تراجع الناس إليها قليلاً بقليل في سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، عندما أظهر العدل بها في الرعية.
وكان مشكور السيرة، واستمر على ذلك إلى سنة تسع وأربعين، توجه إلى شُشْتر، ثم عاد إلى بغداد؛ فوجد نوابه قد وجدوا في رواق العزيز ببغداد ثلاثة أجباب نحاس، طول كل جب ذراعان ونصف، مملوءة ذهباً مصرياً، وفي بعضه صكة الإمام الناصر لدين الله، أحد خلفاء بغداد.
وكان وزن ذلك أربعة آلاف رطل بالبغدادي، يكون ذلك خمسمائة ألف مثقال. واستمر على ذلك إلى أن توفي سنة سبع وخمسين وستمائة.
وكانت دولته سبعة عشر سنة، وملك بغداد بعده ابنه أويس. رحمه الله.
ابن المهمندار
الحسن بن بَلَبَان، الأمير حسام الدين، المعروف بابن المِهْمِندَار الحلبي، أخو الأمير بن علاء الدين على حاجب حجاب حلب، والأمير ناصر الدين محمد أحد مقدمي الألوف بحلب، ثم نائب قلعتها.(5/71)
كان الأمير حسام الدين هذا أحد أمراء حلب، وبنى بها جامعاً مليحاً داخل باب اليهود، المعروف الآن بباب النصر، وكان رئيساً عريقاً. وبيت المهندار بيت كبير بحلب، رحمه الله تعالى.
المغلي
00 - 0 - 774هـ - 000 - 1372م الحسن بن تَمُرْتَاش بن جوبان التركي المغلي، الأمير بدر الدين، المعروف بالشيخ حسن ملك التتار.
كان عارفاً مقداماً داهيةٍ صاحب رأي وخديعة. وكان مجتهداً في القدوم إلى البلاد الشامية، إلا أنه كان يخشى من الأمير تنكز نائب الشام. وقيل إنه كان يقول: دَبَّرْتُ في أمر تنكز أحد عشر حيلة، إن لم يَرَح بواحدة راح بأخرى، ثم أرسل رسوله إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون بأول حِيَلِهِ التي(5/72)
دبرها على تنكز؛ فكان مما قاله: إن تنكز كتب إليَّ في الباطن يريد الحضور إلى عندي؛ فاستوحش الملك الناصر من تنكز، وقبض عليه حسبما ذكره في ترجمته.
فلما بلغ الشيخ حسن إمساك تنكز فرح بذلك، ثم قال: أنا كنت أظن أن إزالة تنكز صعب، وقد راح بأهون حيلة. وكان لما يريد يتفكر في أمر يفعله مع تنكز يدخل الحمام، ويخلو بنفسه فيها اليومين والثلاثة حتى يتيقن ما يريد يفعله، ولما أُمسك تنكز قوي عزمه على المجيء إلى البلاد الشامية؛ فوقع بينه وبين زوجته وحشة؛ فهددها بالقتل؛ فبادرته بأن خبأت له عندها خمسة من المغل؛ فخنقوه، وأصبح ميتاً، ودفن بمدرسته التي أنشأها بتبريز.
ولم يأخذ له أحد بثأر؛ وذلك لبغض الناس فيه، وحصل للمسلمين وللترك بموته فرج كبير. وكانت وفاته في شهر رجب سنة أربع وسبعين وسبعمائة، ولله الحمد.
ابن خاص بك العلامة
00 - 0 - 813هـ - 000 - 1410م الحسن بن خاص بك، العلامة بدر الدين، أحد أعيان فقهاء السادة الحنفية، وأحد مقدمي المماليك السلطانية.
كان جندياً بارعاً، عالماً، مفنناً في الفقه، والعربية، والأصول، وله مشاركة في عدة علوم، وتصدر للإفتاء والتدريس عدة سنين، وانتفعت به الطلبة. وكان(5/73)
له وجاهة عند أكابر الدولة من الأمراء وغيرهم. وكانت رسالته عندهم غير مردوده.
قال المقريزي بعدما أثنى عليه: وسمعنا بقراءته صحيحي البخاري ومسلم بمكة في سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة.
وتوفي سنة ثلاث عشرة وستمائة، عن نحو ستين سنة، رحمه الله تعالى وعفا عنه.
الملك الأمجد
00 - 0 - 670هـ - 000 - 1271م الحسن بن داود بن عيسى بن أبي بكر بن محمد بن أيوب بن شاذي. الملك الأمجد مجد الدين أبو محمد بن الملك الناصر صلاح الدين داود بن الملك المعظم عيسى بن الملك العادل أبي بكر محمد.(5/74)
كان من العلماء الفضلاء، وكان له مشاركة في كثير من العلوم، ثم تزهد بآخره، وصحب المشايخ، وانتفع بهم، وأخذ عنهم، وهو الذي رتب ديوان شعر والده، وأظهر فيه من البلاغة فوق ما يوصف. ودلَّ على معرفته بالتاريخ والأنساب. وكان له معرفة تامة بالأدب، غير أنه لم يكن له طبع في نظم الشعر، وكان له محاسن كثيرة، وكان كثير البر لمن صحبه من المشايخ، لا يدخر عنهم شيئاً. وكانت همته عالية، ونفسه ملوكية مع شجاعة وإقدام، وصبر على المكاره، يتلقى ما يَرِدُ عليه بالرضى. وكان جميع أهل بيت بني أيوب يعظمونه، وتوفي سنة سبعين وستمائة، ورثاه جماعة من الشعراء. رحمه الله تعالى.
ابن صَصُرَّى
00 - 0 - 664هـ - 000 - 1265الإمام الحسن بن سالم بن الحسن بن هبة الله بن محفوظ بن صَصُرى، الإمام الصدر الجليل بهاء الدين أبو المواهب.(5/75)
كان ديناً خيراً وسمع من الكندي وابن طبرزد، وروى عنه الدمياطي، وقاضي القضاة نجم الدين أحمد بن صصرى، وأبو علي ابن الجلاَّل، وأبو المعالي البالسي، وأبو الفدا ابن الخباز. توفي سنة أربع وستين وستمائة، رحمه الله تعالى.(5/76)
ابن ريّان
00 - 0 - 769هـ - 000 - 1367م الحسن بن سليمان بن أبي الحسن بن سليمان بن ريّان، القاضي بهاء الدين أبو محمد.
مولده في جمادى الآخرة سنة أحد وسبعمائة. وسمع من والده، وأخيه، وست الوزراء، ونقل بعض القراءات، وقرأ الحاجبية على الشيخ علم الدين طلحة، وكتب على ناصر الدين محمد بن بكتوت القلندري.
ثم إن والده القاضي جمال الدين نزل له عن وظيفة نظر الجيش بحلب في أيام ألطنبغا الحاجب، فاستمر على ذلك إلى أن هرب الأمير ألطنبغا المذكور، وولي بعده الأمير طشتمر الساقي حمص أخضر، ثم عزل، وأعيد ألطنبغا ثم عزل(5/77)
ألطنبغا، وولي طشتمر ثانياً لما عاد من بلاد الروم، ورَسَمَ على بهاء الدين هذا، وحبسه بقلعة حلب، وطلب منه مالاً.
واستمر محبوساً إلى أن توجه طشتمر إلى البلاد المصرية. ثم عاد إلى حلب في أول دولة الملك الناصر أحمد بن الملك الناصر محمد، وإلى أن أمسك طشتمر، فعند ذلك تخلص المذكور.
وفي هذا المعنى يقول:
طشتمر الساقي سرى ظلمه ... إلى بني الريّان لا عن سببْ
فأرسلوا منهم سهام الدُعَا ... عليه في جنح الدجى فانقلبْ
وهذه عادتهم قط مَا ... عاداهم الظالم إلا انعَطبْ
ثم أعيد إلى نظر الجيش في نيابة الأمير أيدغمش، واستمر حتى عزل، ووليها الأمير طقزدمر الحموي، فاستمر به وأحبه.
قال الشيخ تقي الدين المقريزي: هو الشيخ شرف الدين أبو عبد الله بن جمال الدين أبي الربيع الطائي الحلبي الشافعي، برع في الإنشاء والكتابة.
وله النظم الفائق واللفظ الفصيح، مع كثرة الإطلاع، وحسن الشكالة، وجميل المحاضرة، وصحة الذهن، والخط المنسوب، وله تصانيف مفيدة، وولي(5/78)
النظر بحماة مدة، وباشر كتابة الإنشاء بحلب، وبها مات سنة تسع وستين وسبعمائة عن نيف وستين سنة انتهى كلام المقريزي.
قلت: ومن شعره،
نحن الموقعون في وظائف ... قلوبنا من أجلها في حرق
قِسْمتنا في الكتب لا في غيرَها ... وقطِّعنا ووصِّلنا في وَرَق
صهر الملك الظاهر ططر
00 - 0 - 825هـ - 000 - 1421م الحسن بن سُودُون، الفقيه الأمير بدر الدين، صهر الملك الظاهر ططر، وخال ولده الملك الصالح محمد بن ططر.
كان والده سودون الفقيه جندياً من جملة المماليك الظاهرية برقوق، وتزوج الأمير ططر بابنته شقيقة حسن المذكور، فصار حسن بخدمة صهره ططر، وترك(5/79)
والده سودون، واستمر عنده إلى أن تسلطن بدمشق في سنة أربع وعشرين وثمانمائة، ولقب بالملك الظاهر، قَرَّبَ حسن هذا، وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه بالديار المصرية دفعة واحدة، بعد القبض على الأمير مُغْلُبَاي الساقي، ثم صار بعد مدة يسيرة أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية.
ومات الملك الظاهر ططر، وتسلطن ولده الملك الصالح - أعني ابن أخته - فلم تطل مدته، ومرض، وطال مرضه إلى أن مات في يوم الجمعة ثالث عشر صفر سنة خمس وعشرين وثمانمائة. وورثه والده سودون المذكور وهو على حاله جندي، غير أنه كان معظماً في الدولة لكونه حمو الملك الظاهر ططر، وجِد ولده الملك الصالح محمد.
وعاش سودون المذكور إلى بعد سنة ثلاثين وثمانمائة.
وكان حسن صاحب الترجمة شكلاً حسناً في شبيبته، ثم حصل في إحدى عينيه خلل.(5/80)
وكان عارياً، مهملاً، أجنبياً عن كل علم وفن، رحمه الله تعالى وعفا عنه.
ابن الفُقَيْسي
00 - 0 - 687هـ - 000 - 1288 الحسن بن شاور بن طُرْخَان، الأديب الشاعر، ناصر الدين أبو محمد الكناني، المعروف بابن الفُقَيْسي، وبابن النقيب المصري، وكان بارعاً، ماهراً، ذكياً، برع في النظم والنثر، وقال الشعر الفائق.
وكان بينه وبين العلامة شهاب الدين محمود صحبة ومجالسة ومذاكرة في القريض، إلى أن مات في نصف شهر ربيع الأول سنة سبع وثمانين وستمائة، وهو في عشر الثمانين، رحمه الله تعالى.
فمن شعره:
يا من أدَارَ سلافةً من ريقه ... وحَبَابُها الثَّغرُ الشَّنيب الأشنبُ
تُفَّاحُ خّدِّك بالعذار مُمَسَّكٌ ... لكنه بدم القلوب مُخَضَّبُ(5/81)
وله:
وجُرِّدت مع فقري وشيخوختي التي ... تراها فنومي عن جفوني مشرَّدُ
فلا يَدَّعي غيري مقامي فإنني ... أنا ذلك الشيخ الفقير المُجَرَّدُ
وله أيضاً عفا الله عنه:
بخالد الأشواق يحيا الدُّجى ... يعرف هذا العاشق والوامقُ
فخذ حديث الوجد عن جعفر ... من دمع عيني إنه صادقُ
وله:
حَدَّثت عن ثغره المحلَّى ... فَمِلْ إلى خده المُوَرَّد
خدٌّ وثغرٌ فَجَلَّ ربِّ ... بمُبدع الحسن قد تفرَّد
هذا عن الواقدي يروى ... وذاك يروى عن المبرد
وله أيضاً عفا الله عنه:
أنا العُذْرِيُّ فاعذرني وسامحْ ... وجُرَّ عليَّ بالإحسان ذَيْلا
ولما صرت كالمجنون عشقاً ... كتمت زيارتي وأتيت ليلا(5/82)
وله أيضاً:
أراد الظبي أن يحكي التفاتك ... وجيدك قلت لا يا ظبي فاتك
وقد الغصن قدك إذ تثنى ... وقاك الله يبقي لي حياتك
فيا آس العذار فدتك نفسي ... وإن لم أقتطف بفمي نباتك
ويا ورد الخدود حمتك مني ... عقارب صدغه فأمن جناتك
ويا قلبي ثبَّت على التجني ... ولم يثبت له أحد ثباتك
وله:
وخود دعتني إلى وصلها ... وعصر الشبيبة عني ذهب
فقلت مشيبي ما ينطلي ... فقالت بلى ينطلي بالذهب
وله:
في الناس قوم إذا ما أيسروا بطروا ... فأصلح الأمر أن يبقوا مفاليسا
لا نسأل الله إلا في خمولهم ... فهم جياد إذا كانوا مناحيسا
وله:
نهى شيبي الغواني عن وصالي ... وأوقع بين أحبابي وبيني
فلست بتاركٍ تدبير ذقني ... إلى أن ينقضي أجلي بحيني
أدبر لحيتي ما دمت حياً ... وأعتقها ولكن بعد عيني(5/83)
ابن فتح الغماري
617هـ - 712هـ - 1220 - 1312م الحسن بن عبد الكريم بن عبد السلام بن فتح الغُمَارِي المغربي الشيخ الإمام العالم الفقيه المقرئ، أبو محمد المالكي الملقن المؤدب، سبط زيادة بن عمران.
مولده سنة سبع عشرة وستمائة بمصر، وقرأ بالروايات على أصحاب أبي الجود وسمع من أبي القاسم بن عيسى جملة صالحة، وكان آخر من حدث عنه وسمع الشاطبيَّتين من أبي عبد الله القرطبي تلميذ الشاطبي. وتفرد بمروياته.
وكان شيخاً جليلاً، حسناً، متواضعاً، روى عنه أثير الدين أبو حيان، وفتح الدين بن سيد الناس، وابن الفخر، وتقي الدين السبكي. وتوفي سنة(5/84)
اثنتي عشرة وسبعمائة رحمه الله.
ابن محب الدين المشير
00 - 0 - 824هـ - 000 - 1421م الحسن بن عبد الله، المعروف بابن محب الدين الطرابلسي، الأمير بدر الدين المشير، الوزير الأستادار.
كان أبوه من مسالمة طرابلس، وتعانى الخدم الديوانية، ونشأ ولده الأمير بدر الدين هذا على ذلك إلى أن اتصل بخدمة الأمير شيخ المحمودي نائب طرابلس، ولزم خدمته حتى صار شيخ المذكور كافل مملكة الخليفة المستعين بالله العباس أخلع عليه بأستدارية السلطان بالديار المصرية، فباشر المذكور بحرمة وعظمة، ونالته السعادة إلى أن تسلطن أستاذه الأمير شيخ المذكور، ولقب بالملك المؤيد، فحينئذ عظم في الدولة أكثر مما كان.
واستمر على ذلك إلى أن عزل بفخر الدين عبد الغني بن أبي الفرج في(5/85)
يوم الاثنين ثامن ذي القعدة سنة ست عشرة وثمانمائة، وتولى نيابة الإسكندرية عوضاً عن الأمير خليل التوريزي، المعروف بالشحاري؛ فتوجه إلى الإسكندرية، وباشر نيابتها إلى أن عزل بالأمير صُومَاي الحسنِّي في ثالث عشر رمضان سنة سبع عشرة وثمانمائة، وقدم القاهرة؛ فأعيد إلى الأستادارية بعد عزل ابن أبي الفرج في يوم الإثنين سادس عشر شهر رمضان؛ فسار على سيرته أولاً، وطالت يده لغياب ابن أبي الفرج؛ وزاد ظلمه وعسفه إلى ثاني عشر شهر ربيع الآخر سنة تسع عشرة قبض عليه الملك المؤيد شيخ بعد ما أوسعه سباً، وهمَّ بقتله حتى شفع فيه الأمير جَقْمق الأرغون شاوي الدوادار؛ فأسلم له على أن يحمل إلى الخزانة الشريفة ثلاثمائة ألف دينار، ونزل معه آخر النهار.
وسبب قبض السلطان عليه تأخر جوامك المماليك السلطانية وعليق خيولهم.
وكان فخر الدين بن أبي الفرج قد ولي كشف الوجه البحري، وهو يواصل(5/86)
حمل المال إلى السلطان حتى كان ما حمله في هذه المدة اليسيرة زيادة على مائة ألف دينار، سوى الخيول وغيرها، فطلبه السلطان، وولاه الأستادارية عوضه، وتقرر على ابن محب الدين هذا حمل مائة ألف دينار وخمسين ألف دينار بعد ما عُصِرَ في بيت الأمير جقمق الدوادار وعوقب، ونقل إلى بيت الأمير فخر الدين بن أبي الفرج، وأهينت حاشيته وأتباعه، وعوقبوا عقوبات متعددة.
وكان المشير هذا قد تزوج بزوجة - والدي رحمه الله بعد موته خوند - حاج ملك زوجة الملك الظاهر برقوق؛ فقبض على زوجته القديمة الشريفة، وعوقبت حتى أظهرت مالاً كثيراً، ولم يتعرض أحد لزوجته خوند حاج ملك المذكورة ولا لحواشيها. ثم طلبه السلطان وضربه ضرباً مبرحاً. ودام في المصادرة مدة طويلة، ثم أفرج عنه.
ولزم داره مدة إلى أن طلب وأخلع عليه باستقراره في كشف الوجه القبلي في يوم الثلاثاء سلخ شهر رجب سنة تسع عشرة وثمانمائة؛ فنوجه إلى الصعيد وظلم وأبدع إلى أن عزل وصودر ثانياً، وأهين ونكب. وبعد مدة أُنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بطرابلس؛ فتوجه إليها وأقام بها إلى أن مات الملك المؤيد شيخ وتوجه الأتابك ططر إلى دمشق صحبة الملك المظفر أحمد بن المؤيد شيخ قُبض على الأمير بدر الدين هذا بدمشق في يوم الأحد(5/87)
خامس عشر جمادى الأولى سنة أربع وعشرين وثمانمائة، ولا زال تحت العقوبة إلى أن هلك في سابع عشر جمادى الآخرة من السنة المذكورة.
وكان رجلاً طوالاً، ظالماً، مسرفاً على نفسه، منهمكاً في اللذات قليل الحيز كثير الشر وكان ينوع الظلم في أخذ الأموال فأخذه الله من حيث يأمن. وكان قد ولي الوزارة أيضاً في الدولة المؤيدية في وقت، وولي كتابة سر طرابلس في ابتداء أمره، عفا الله عنه.
المقدسي الحنبلي
605 - 659هـ - 1208 - 1260م الحسن بن عبد الله بن الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد، الإمام شرف الدين أبو محمد بن جمال الدين المقدسي الحنبلي.
ولد سنة خمس وستمائة، وسمع من الكندي، وابن الحرستاني، وابن(5/88)
مُلاعب، وموسى بن عبد القادر، وابن راجح، والشيخ الموفق، وتفقه عليه أيضاً وعلى غيره، وأفتى ودرَّسَ، ورحل في طلب الحديث، وكتب عنه الدمياطي والأبيوردي وغيرهم، وتوفي سنة تسع وخمسين وستمائة رحمه الله تعالى.
ابن قدامة
00 - 0 - 695هـ - 000 - 1295م الحسن بن عبد الله بن الشيخ الزاهد أبي عمرو محمد بن أحمد بن محمد بن محمد ابن قُدَامة، قاضي القضاة، شرف الدين أبو الفضل بن الخطيب شرف الدين أبي بكر المقدسي الصالحي الحنبلي.
ولد سنة ثمان وثلاثين وستمائة. وسمع من ابن قميرة، وابن مُسْلمة،(5/89)
والمرسي وغيرهم، وقرأ الحديث على الكَفَرطاي وغيره، وتفقه على عمه شمس الدين، وبرع في مذهبه.
وكان مليح الشكل، مديد القامة، حسن الهيئة، وعنده لطف، ومكارم ومروءة، وديانة، وسيرة حسنة في الاحتكام، وسمع منه البرزالي وغيره.
توفي بجبل الصالحية في سنة خمس وتسعين وستمائة، ودفن بمقبرة جده، رحمه الله تعالى.
الملك السعيد صاحب الصُّبيبة
00 - 0 - 658هـ - 000 - 1259م الحسن بن عثمان، الملك السعيد، صاحب الصُّبيْبة وبانياس، ابن الملك العزيز بن الملك العادل.
توفي أبوه الملك العزيز في سنة إحدى وثلاثين وستمائة؛ فملك بعده ابنه الملك الظاهر، فتوفي في سنة إحدى وثلاثين، فتملك من بعده الملك السعيد هذا،(5/90)
وبقي عليها إلى أن ملكها منه الملك الصالح نجم الدين أيوب، وأعطاه إقطاعاً بالقاهرة.
فلما قتل الملك المعظم، هرب الملك السعيد إلى غزة وملكها، ثم توجه إلى الصبيبة؛ فتسلمها.
فلما ملك الملك الناصر الشام، أخذ الملك السعيد هذا واعتقله بقلعة البيرة، فلما دخل هولاكو الشام وملك البيرة أخرجه، وأخلع عليه، وصار من جملة أمرائه، ومال إليهم بكليته، وصار يقع في الملك الناصر عندهم، ويحرض على هلاكه، ثم سلموا إليه الصبيبة وبانياس، وبقي في خدمة كتبغا نوين، وحضر معه مصاف عين جالوت، وقاتل من جهة التتار قتالاً شديداً، فلما كُسِرَ كتبغا أمسك الملك السعيد هذا، وأحضر بين يدي السلطان الملك المظفر قطز؛ فقال هذا ما يجيء منه خير، وأمر بضرب عنقه؛ فضربت، وذلك في سنة ثمان وخمسين وستمائة.(5/91)
قلت: عليه من الله ما يستحقه لموافقته مع التتار وقتاله للمسلمين. انتهى.
أمير مكة
00 - 0 - 829هـ - 000 - 1427م الحسن بن عجلان بن رُمَيْثَة بن أبي نمى محمد بن أبي سعد حسن بن علي بن قتادة الحسني المكي، الأمير بدر الدين أمير مكة.
مولده في سنة خمس وسبعين وسبعمائة بمكة، ونشأ في كفالة أخيه أحمد مع أخيه علي بن عجلان أمير مكة.
قال الشريف تقي الدين الفاسي في تاريخه: " ولي حسن بن عجلان هذا إمرة مكة من غير شريك إحدى عشرة سنة وتسعة أشهر وستة أيام، ووليها سنة وسبعة(5/92)
أشهر شريكاً لابنه السيد بركات، وهو الساعي له في ذلك، وولي نيابة السلطنة سبع سنين إلا أشهراً وأياماً، وولي ابنه السيد أحمد عوضه نصف الأمر الذي كان بيده قبل أن يلي نيابة السلطنة؛ فمدة ولايته مكة أميراً ونائباً للسلطنة عشرون سنة وثلاثة أشهر إلا أربعة أيام " انتهى كلام الفاسي.
قلت: واستمر في إمرة مكة إلى أن وقع منه ما أوجب غيظ الملك الأشرف برسباي عليه وعزله، وعزل ولده بركات بالشريف علي بن عنان بن مغامس بن رميثة الحسني، وأرسله إلى مكة وصحبته العسكر المصري مع الأمير قُرقماس الشعباني الناصري أحد أمراء الألوف بالديار المصرية، والأمير طوخ مازي الناصري أحد أمراء العشرات ورأس نوبة بديار مصر؛ فوصل الجميع إلى مكة في جمادى الأولى سنة سبع وعشرين وثمانمائة. ولما قرب العسكر من مكة نزح الشريف حسن هذا(5/93)
عنها بأولاده، واستمر نازحاً عنها إلى أن حج الأمير تغري بردى المحمودي الناصري أمير حاج المحمل في موسم سنة ثمان وعشرين وثمانمائة.
دُعِي الشريف حسن هذا إلى طاعة السلطان؛ فأجاب، وحضر إلى مكة، وتوجه صحبة الحاج إلى الديار المصرية، وأخلع عليه بإمرة مكة شريكاً لولده بركات.
واستمر الشريف حسن المذكور مستمراً بالديار المصرية مترقباً عود قُصَّاده من مكة بعد أن أذن لولده بركات في الحكم بمكة في غيبته؛ فبينما هو في ذلك إذ أدركه الأجل؛ فمرض أياماً. ومات في يوم الخميس سادس عشر جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين وثمانمائة، ودفن بجوار تربة الملك الأشرف برسباي، بحوش الشيخ خليفة، إنشاء الملك الأشرف المذكور بالصحراء، خارج باب النصر، وحضر السلطان الصلاة عليه، وتأسف عليه.
وكان الشريف حسن هذا من أجلِّ أمراء مكة ممن أدركنا، سؤدداً، وكرماً، وسياسة، وعقلاً. وأثرى، وكثر ماله، وعقاره؛ لكثرة ظلمه وعسفه ولجبروت كان فيه.
ووقع له ما لم يقع لغيره من أمراء مكة، فإنه أضيف إليه في بعض السنين إمرة المدينة النبوية، وإمرة الينبُع مضافاً لإمرة مكة وملك علي بن يعقوب من بلاد اليمن(5/94)
من صاحبها الأمير موسى بن أحمد بن موسى الحرامي. وبنو حَرام بطن من كنانة ثم رجع الأمير موسى المذكور إلى بلدة حَلي ابن يعقوب بعد أمور وقعت بينه وبين الشريف حسن هذا.
ولما توجه القاضي شرف الدين إسماعيل بن محمد بن أبي بكر العذري، الشهير بابن المقرّي إلى الحج من زبيد في سنة ثمان وثمانمائة اجتاز بالأمير موسى بن الحرامي ببلدة حلي ابن يعقوب فرغب، الأمير موسى للقاضي شرف الدين إسماعيل المذكور أن يسعى في الصلح بينه وبين الشريف حسن صاحب الترجمة؛ فالتزم له القاضي شرف الدين بن المقري المذكور بذلك، وسار حتى وصل إلى مكة، وأخذ في إنشاء قصيدة يمدح بها الشريف حسن ويوصيه ويسأله الرضى عن الأمير موسى صاحب حلي وهي:
" أحسنت في تدبير ملكك يا حسنْ ... وأجدت في تحليل أخلاط الفتنْ "
ما كنت بالزق العجول إلى الأذى ... عند النزاع ولا الضعيف أخي الوهَنْ
تمشي ورأيك عن هواك معوقا(5/95)
ذا الرئاسة في متابعة الهوى ... ودواؤها في الدفع بالوجه الحسنْ
لا تصغ في سرٍ دعا فالسر أن ... تنهض له ينهض وإن تسكن سكنْ
وإذا الفتى استقصى لنصرة نفسه ... قلب الصديق لحربه ظهر المجنْ
رَدُ العدو إلى الصداقة حكمة ... صفَّت من الأكدار عيش ذوي الفطنْ
وسديد رأي لا يحرك فتنةً ... سكنت وإن حركته الفتن اطمأنْ
بالسيف والإحسان تقتنص العلا ... وحصولها بهما جميعاً مرتهنْ
لا خير في منن ولا سيف لها ... ماض ولا في السيف ليس له مننْ
في السيف جور فاجتنب تحكيمه ... ما لم يضع أمر المهيمن أو يهنْ
فاكرم سيوفك عن دماء طردائها ... فالحزم يكرم سيفه أن يُمْتَهَنْ
فاغمد سيوفك رغبة لا رهبة ... ما في قتيل فر مرعوباً سمنْ
قد كان لا يرضى يجرِّب سيفَهُ ... في ظهر من ولى أبوك أبو الحسنْ
أما حلى فإن خوفك لم يدع ... أهلاً بها للقاطنين ولا سكنْ
أجليتهم منها وجسمك وادع ... في مكةٍ لم يحوجوك إلى ظَعَنْ
حفظوا نفوساً بالفرار أصلَها ... سيف على الأرواح ليس بمؤتمنْ
تركوا لك الأوطان غير مدافع ... وتعلقوا بذُرى الشوامخ والفتنْ
ولحفظها بالغر أكبر شاهد ... لك بالعلى فلم التأسف والحزنْ(5/96)
فانظر إلى موسى فقد ولعت به ... لما سَخَطَتْ عليه أحداث الزمنْ
لو شئت وهو عليك سهلٌ هينٌ ... لجمعت بين الجفن منه والوسَنْ
بع منه مهجته وخذ ما عندَه ... عوضاً يكن منك المثمن والثمنْ
هذي مساومة الفحول ومن يبع ... ما بعت لم تعلق بصفقته الغبنْ
موسى هزبْر لا يطاق نزاله ... في الحرب لكن أين موسى من حسنْ
هذاك في يمن ولم تسلم له ... يمن وذا في الشام لم يدع اليمنْ
جئنا بحسن الظن نسألك الرضى ... والعفو عنه فلا تخيب فيك ظنْ
فالحر يكرم سائليه يرى لهم ... فضلاً إذا ابتدءوه بالظن الحسنْ
ويهين سائله اللئيم لظنه ... في مثله خيراً وذلك لا يظنْ
لا زلت بالشرف المخلد نائباً ... شرفاً ومجداً ثانياً لبني الحسنْ
ولما تم إنشادها أنعم عليه الشريف حسن المذكور بثلاثين ألف درهم بعد أن أجابه لسؤاله من الرضى عن الأمير موسى صاحب الحلي. واستمر الصلح بينهما إلى أن ماتا، رحمهما الله تعالى.(5/97)
الآمدي
00 - 0 - 805هـ - 000 - 1402م الحسن بن علي، شيخ الشيوخ بدر الدين الآمدي.
كان خيراً ديناً معتقداً. مات خارج القاهرة في أول شعبان سنة خمس وثمانمائة رحمه الله تعالى وعفا عنه.
القلانسي
629 - 702هـ - 1231 - 1302م الحسن بن علي بن أبي بكر بن يونس بن يوسف، الشيخ بدر الدين أبو علي الدِّمشْقي القلانِسي.(5/98)
مولده في عاشر أو حادي عشر صفر سنة تسع وعشرين وستمائة، واعتنى به خال أمه الحافظ أبو العباس ابن الجوهري؛ فأسمعه الكثير واستجاز له خلائق، وتفرد في وقته، وحدث. سمع منه الحافظ البرزالي، وخرَّج له مشيخة، وذكرهُ في معجمه؛ فقال: سمع كثيراً في صغره بإفادة خال أمه المحدث شرف الدين أبي العباس الجوهري من جماعة كثيرة كأبي المنجا اللتي، ومكرم بن أبي الصفا، وابن المقير، وسالم بن صصري، وجعفر الهمذاني والسخاوي، وكُريمة، والقرطبي، وخلق كثير غيرهم من أصحاب ابن عساكر، والثقفي، والخشوعي، وابن طبرزد، وأحضر على الفخر الإربلي، وسمع من الشيرازي، وشيوخه الذين سمع منهم نحو المائتي شيخ.
وله إجازات بغدادية ومصرية ودمشقية، ولمن أجاز له ولعمته أسماء، من بغداد السهروردي وابن القطيعي، وابن روزبة، وابن بهز، وزكريا الحلبي، وعبد الواحد بن نزار، وأبو بكر بن عمر بن كمال، وعلي بن الجوزي، وإسماعيل(5/99)
ابن باكين، وياسمين بنت البيطار، وجماعة كثيرة، ومن أصحاب ابن البطي وشُهْدَهُ، وتاريخها في رجب سنة ثلاثين وستمائة.
قال البرزالي سمعت منه بأماكن كثيرة؛ وذلك أني سافرت معه من دمشق إلى حلب، ومرة أخرى من دمشق إلى مصر، وكان فيه مروءة كبيرة، وخير كثير، وديانة، وتصوف.
وكان مكثراً عن ابن اللتي، وابن المقير، وجعفر الهمذاني، وكُريمة. انتهى كلام البرزالي.
وسمع منه الحافظ الذهبي، وأكثر عنه، وذكره في معجمه، قال: وكان من خيار الشيوخ، ديِّناً، وقوراً، مسمناً، طويل الروح، حدَّث عنه ابن الخباز، وابن العطار، وابن أبي الفتح، ورئيس المؤذنين أبو عبد الله الداني. انتهى كلام الذهبي.
وكانت وفاته يوم الجمعة السابع عشر من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وسبعمائة،(5/100)
ودفن ضحى يوم السبت بمقبرة الشيخ موفق الدين بسفح قاسيون، رحمه الله تعالى، وعفا عنه.
ابن البناء الحلبي
00 - 0 - 765هـ - 000 - 1360م الحسن بن علي بن الحسن بن علي، الأديب، عز الدين أبو محمد، الشهير بالبناء الحلبي.
كان أديباً ماهراً، برع في النظم والنثر، ومدح أعيان حلب وغيرها. ومن شعره:
أنفقت عمري رجاء وَصْلِكم ... والعَصْر إني بكم لفي خُسْرِ
ردوا فؤاداً أمسى أسيركمُ ... معذباً بالصدود والهجرِ
أو فهبوا لي عقلاً أعيش به ... ودبروني قد حِرْتُ في أمري
توفي عز الدين هذا بحلب في سنة خمس وستين وسبعمائة عن نحو سبعين سنة.(5/101)
ابن النشابي
00 - 0 - 699هـ - 000 - 1299م الحسن بن علي بن محمد، الأمير عماد الدين بن النشابي، والي دمشق.
كان في صغره تعلم الصِّياغة، ثم خدم جندياً، وتنقلت به الأحوال، وولي ولايات كثيرة، ثم صار من جملة أمراء الطبلخانات بدمشق.
وتوفي بالبقاع سنة تسع وتسعين وستمائة، وحمل إلى دمشق، ودفن بسفح قاسيون بتربته.
وكان عارفاً، ناهضاً، وكان من أبناء الخمسين، رحمه الله تعالى.
ابن الصوفي اللخمي المصري
00 - 0 - 699هـ - 000 - 1299م الحسن بن علي بن عيسى بن الحسن، الإمام الفقيه المحدِّث، شرف(5/102)
الدين، الشهير بابن الصوفي اللخمي المصري، شيخ الحديث بالمدرسة الفارقانية.
سمع من عبد الوهاب بن رواج، وأبي الحسين بن الجميزي، ويوسف الشاوي، وفخر القضاة بن الحبَّاب، والزكي عبد العظيم، والمؤتمن ابن قميرة، والرشيد العطار، وسمع بالإسكندرية من سبط السلفي، وجماعة.
وكان شيخاً محدثاً، فاضلاً، صدوقاً، خيراً ديناً، حسن الأخلاق، مليح الشيبة. مات سنة تسع وتسعين وستمائة، وهو من أبناء الثمانين رحمه الله تعالى.
الشهرزوري الشافعي
00 - 0 - 682هـ - 000 - 1283م
الحسن بن علي بن عبد الله، أبو عبد الله الشهرزوري، الفقيه الشافعي.
كان إماماً، فقيهاً، زاهداً، وهو من شيوخ القَرَضى.
قال ابن الفوطي: أفتى عدة سنين، وكان يحفظ المهذب لأبي إسحاق، وكان أمياً. توفي سنة اثنتين وثمانين وستمائة.(5/103)
ابن الشيخ علي الحريري
621 - 697هـ - 1224 - 1297م الحسن بن علي بن أبي الحسن بن منصور، الزاهد بقيَّة المشايخ ابن الشيخ علي الحريري ولد سنة إحدى وعشرين وستمائة.
كان شيخ الطائفة الحريرية.
وكان مهيباً، مليح الشيبة، حسن الأخلاق، وله وجاهة عند الناس وحرمة زائدة، قدم مرات إلى دمشق من قرية يُسْر.
وتوفي بدمشق في سنة سبع وتسعين وستمائة.
المشطوب
00 - 0 - 677هـ - 000 - 1278م الحسن بن علي بن نباتة الفارقي الكاتب، المعروف بالمشطوبُ. والد أولاد المشطوب.(5/104)
كتب المذكور في الإجازات، ذكره الحافظ أبو عبد الله الذهبي في سنة سبع وسبعين وستمائة، ثم قال: ولم أتحقق وفاته.
أمير مكة
00 - 0 - 651هـ - 000 - 1253م الحسن بن علي بن قَتادة بن إدريس بن مُطاعن بن عبد الكريم، الشريف الحسني المكي، أبو سعد صاحب مكة وينبع.
ولي إمرة مكة نحو أربع سنين.
قال الشريف تقي الدين الفاسي مؤرخ مكة: وسبب استيلائه على مكة فيما بلغني أن بعض كبار الأعراب من زبيد حسَّن له الاستيلاء على مكة، والفتك بمن فيها من جهة صاحب اليمن، وهوَّن عليه أمرهم، وكانوا فرقتين، تخرج واحدة إلى أعلى مكة، والأخرى إلى أسفلها كل يوم؛ فحمل أبو سعد على إحدى الفرقتين؛ فكسرها؛ فضعفت الأخرى عنه؛ فاستولى على مكة، وقبض على الأمير الذي كان بها من جهة صاحب اليمن.
وكان صاحب اليمن قد أمره بالإقامة بوادي مُرْ؛ ليساعد عسكره الذي بمكة.(5/105)
وذكر بعض العصريين أن أبا سعدٍ لما قبض على الأمير الذي كان بها من جهة صاحب اليمن - وهو ابن المُسَيَّبْ على ما ذكره العصري وغيره - أخذ أبو سعد ما كان مع ابن المسيب من خيل وعدد ومماليك، وأحضر أعيان الحرم، وقال " ما لزمته إلا لتحققي خلافه على مولانا الملك المنصور صاحب اليمن. وعلمت أنه أراد الهرب بهذا المال الذي معه إلى العراق، وأنا غلام مولانا السلطان، والمال عندي محفوظ، والخيل والعدد إلى أن يصل مرسوم السلطان؛ فوردت الأخبار بعد أيام يسيرة بموت السلطان المذكور وقوي بموته أمر أبي سعد بمكة ودامت ولايته عليها وكان قبضه على ابن المسيب يوم الجمعة لسبع خلون من ذي القعدة سنة سبع وأربعين وستمائة، على ما وجدت بخط الميورْقي " انتهى.
قلت: واستمر الشريف حسن هذا على مكة مدة وهو والد عبد الكريم جد قتيلاً في أوائل الأشراف ذوي عبد الكريم، ووالد أبي نمى صاحب مكة. وتوفي صاحب الترجمة شهر رمضان سنة إحدى وخمسين وستمائة. قاله الحافظ فتح الدين ابن سيد الناس وقال غيره: في شوال من السنة وقيل في ثالث شعبان من السنة.(5/106)
أخو المؤيد صاحب حماة
نيف 660 - 726هـ - 1261 - 1325م الحسن بن علي بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب، الأمير بدر الدين بن الملك الأفضل بن الملك المظفر، وأخو الملك المؤيد إسماعيل صاحب حماة.
مولده في سنين نيف وستين وستمائة.
كان أميراً جليلاً، معظماً في الدول، وله إقطاعات هائلة، وأملاك كثيرة، وكان ذا ثروة، وحشم، وله فضيلة، ومشاركة جيدة في عدة فنون، وكان حسن الأخلاق، حلو المعاشرة والمحاضرة. توفي بحماة في سلطنة أخيه المؤيد في سنة ست وعشرين وسبعمائة عن نيف وستين سنة، رحمه الله تعالى.
نائب الكرك
00 - 0 - 801هـ - 000 - 1398م الحسن بن علي بن أحمد، الأمير حسام الدين الحلبي البانقوسي الكُجْكُنِّي نائب الكرك وهو أحد أسباب خلاص الملك الظاهر برقوق من حبس الكرك.(5/107)
والكجكني منسوب لكجكن - ومعناه اليوم الصعب - بضم الكافين وسكون الجيم والنون.
كان أولاً من جملة أمراء طرابلس، وقدم القاهرة مع الأمير يلبغا الناصري ومنطاش.
فلما قبض الناصري على الظاهر برقوق، وأراد حبسه بالكرك عزل الأمير مأمور عن نيابة الكرك وولاها لحسام الدين المذكور في يوم الخميس النصف من جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وأوصاه بالظاهر برقوق وتوجه إلى الكرك، وحبس برقوق بها إلى أن وقع بين منطاش والناصري، وقبض منطاش على الناصري - حسبما حكيناه في غير موضع - ثم بعث إلى الكرك بقتل برقوق على يد الشهاب البريدي، فلم يلتفت حسام الدين إلى مرسوم منطاش، وأطلق برقوق، وصار من أمره ما حكيناه في ترجمته.
فلما تسلطن برقوق ثانياً قرَّب حسام الدين المذكور، وجعله أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية. واستمر على ذلك إلى أن مات في يوم الخميس(5/108)
رابع شهر رجب سنة إحدى وثمانمائة، وقد أناف على الستين، وأنعم بإقطاعه على الأمير يلبغا الأحمدي، المعروف بالمجنون.
وكان الأمير حسام الدين أميراً جليلاً، جميل المحاضرة، تام المعرفة بالخيل الجياد، وجوارح الطير، محباً لأهل العلم والخير، سيوساً.
وكان فيه دعابة حلوة، رحمه الله.
القَوْنَويّ
721هـ - 776هـ - 1321 - 1374م الحسن بن علي بن إسماعيل بن يوسف، الشيخ بدر الدين شيخ خانقاة سعيد السعداء، ابن قاضي القضاة علاء الدين
القونوي الأصل الشافعي.
ولد سنة إحدى وعشرين وسبعمائة بالقاهرة، وحضر على يونس الدبوسي في الرابعة، وسمع من الميدومي، ومن الحجار، وتفقه على جماعة، وناب في الحكم(5/109)
بالقاهرة، وأفتى ودرس، واختصر الأحكام السلطانية للماوردي ووُلي شيخ الطيبرسية، وسعيد السعداء إلى أن مات في يوم السبت سادس عشر شعبان سنة ست وسبعين وسبعمائة.
الغزِّي الشاعر المعروف بالزغاري
707هـ - 753هـ - 1307 - 1352م الحسن بن علي بن أحمد بن حميد بن إبراهيم بن شَنآن بفتح الشين والنون بعد الألف الشيخ بدر الدين أبو علي، المعروف بالغَزِّي وبالزُّغاري أيضاً.
مولده سنة سبع وسبعمائة بغزة.
كان بارعاً، أديباً، شاعراً، ماهراً، بليغاً، كاتباً، لطيف المحاضرة، عذب المذاكرة، مجيداً في نظم القريض، تنقل في البلاد، وولي وظائف جليلة، باشر كتابة الإنشاء بدمشق وغير ذلك. وكان له النظم الرائق والنثر الفائق.(5/110)
ومن شعره:
فُتِنت بأسمر حُلو الّلمى ... لسُلوانه الصَّبُّ لم يستطع
تقطَّع قلبي وما رق لي ... ودمعي يرق ولا ينقطع
وله:
أعجب ما في مجلس اللهو جرى ... من أدمعِ الراووق لما انسكبت
لم تزل البطة في قهقهة ... ما بيننا تضحك حتى انقلبت
وله أيضاً في المعنى - عفا الله عنه -:
يا من يلوم على التصابي خلِّني ... فأذني عن الملام قد نبت
تصفية الكاسات في شواربي ... أضحكت البطة حتى انقلبت
وله:
حبست الدمع ثم جعلت جفني ... سياج ما له عنه انفراجُ
فما زلتم بجوركم إلى أن ... تجرى الدمع وانخرق السياجُ
وله أيضاً - عفا الله عنه -:
قالت وقد أنكرت سقامي ... لم أر ذا السقم يوم بَيْنِكْ(5/111)
لكن أصابتك عين غيري ... فقلت لا عين بعد عينك
وله موشحة عارض فيها قول ابن سناء الملك: الراح في الزجاجة؛ فقال:
أذكى الجوى وهاجه، برد اللَّمى في ثغور ريم، مائس القد يحميه أن أرومه
لحظ أرى فرط الفتور، سيفه الهندي.
ظبي رمى فؤادي ... من لحظه بسهم
وقد حمى رقادي ... لما أباح سقمي
فالطرف للسهاد ... وللسقام جسمي
وأعجب من انقيادي ... إليه وهو خصمي
لكنَّها اللجاجة، ترمي بها عقل ... بعقل الحليم، سورة الوَجْدِ
إياك أن تلومهُ، فاللوم في ... هذي الأمور، قلما يجدي
أفديه ظبي أنس ... ألمى الشفاه أحوى
حشاشتي ونفسي ... مرعىً له ومثوى
كذَّبت فيه حسي ... إذ لم تنله شكوى(5/112)
وجسمه بلمسي ... عند العناق يطوى
يا حسن الاندماجة، في خصره المضنى السقيم، وهو في البرْدِ
والقامة القويمة، بالخد كالغصن النضير، ناضر الوردِ
لله منه طرف ... يدمي القلوب لحظا
ووجنة تشفُّ ... ولا تنيل حظا
يرق إذ يرفُّ ... قلبي لها ليحظى
يريك حين تصفو ... جسماً تخال فظا
كالراح في الزجاجة، تزهى بها كف النديم، عندما تبدي
أشعةً عظيمة، تبدي إذا شيمت وتوري، جذوةً تهدي
يا لوعة الغرام ... زيدي ويا جفوني
بأدمعي الهوامي ... جودي ولا تخوني
فهتف الحمام ... قد هيجت شجوني
وكل مستهامٍ ... مستأنف الحنين
لا تنكرا انزعاجه، للبرق في الليل البهيم، مقلة تهدي
إلى الحشا السليمة، خفقاً أبانته سميري، ليلة الصد(5/113)
دع ذا وقل مديحاً ... في أحمد بن يحيى
من لم يزل مزيحا ... أعذار كل عليا
منتسباً صريحاً ... آخرةً ودنيا
تخال منه يوحا ... في الدست حسن رؤيا
إذا رأى ابتهاجه، للجود وللداعي المضيم، ساعة الجهد
فالكف منه ديمهْ، والوجه شمس ذات نور، في سماء المجد
وتوفي بدمشق في سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة، عن نيف وخمسين سنة رحمه الله.
ابن القيم
00 - 0 - 720هـ - 000 - 1320م الحسن بن عمر بن عيسى بن خليل الدمشقي الكردي، الشيخ المسند المعمر، المقرئ أبو علي ابن القيم.(5/114)
كان أبوه قيماً بتربة أم الصالح، فأسمعه حضوراً في الرابعة من ابن الَّلتِّي كثيراً، وسمع الموطأ من مكرم بن أبي الصقر، وسمع من أبي الحسن السخاوي وتلا عليه ختمة.
وتنقلت به الأحوال، وصار إلى مصر، وسكن بالجيزة. وكان يؤذن بمسجد، ويبيع الورق للشهود على باب الجامع، وخَفِيَ خبره غالب عمره إلى سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، فَعُرِفَ بثبت كان معه؛ فأقبل عليه الطلبة، وأحضر إلى القاهرة أربع مرات، ووصلوه بدراهم، ثم شاخ وأصم، وحدَّث آخر عمره بالجزء الأول من حديث ابن السمّاك بتلقين القاضي تقي الدين السبكي، ثم أخذ عنه ابن الفخر، وابن رافع، وابنا المزي وآخرون، إلى أن توفي سنة عشرين وسبعمائة، وله تسعون سنة رحمه الله تعالى.
بدر الدين ابن حبيب
710هـ - 779هـ - 1310م - 1377م الحسن بن عمر بن الحسن عمر بن حبيب، القاضي بدر الدين ابن الشيخ زين الدين، الدمشقي الأصل الحلبي المولد والمنشأ.(5/115)
مولده سنة عشر وسبعمائة، وحضر في الرابعة على بيبرس العديمي، وعلى أبي بكر العجمي، وسمع من أبي المكارم النصيبي، ومن أبي طالب عبد الرحيم ابن العجمي، والكمال بن النحاس، وأجاز له جماعة من مصر وغيرها، وقرأ على القاضي فخر الدين بن خطيب جزئين.
وكان يرتزق بالشروط عند الحكام بحلب، وكان له فضل، ومشاركة جيدة، واليد الطولى في النظم والنثر، وله سماع ورواية، ومؤلفات مفيدة منها: كتاب نفحات الأرج من كتاب تبصرة أبي الفرج، وتاريخه: درة الأسلاك في دولة الأتراك، وذيل عليه ولده الشيخ أبو العز طاهر، وكتاب نسيم الصبا،(5/116)
وكتاب النجم الثاقب في أشرف المناقب، وكتاب أخبار الدول وتذكار الأول، مسجعاً. وكان له وجاهة وباشر كتابة الحكم العزيز، وكتابة الإنشا، والتوقيع الحكمي، وغير ذلك من الوظائف الدينية.
ثم تخلى عن ذلك جميعه في آخر عمره، ولزم داره حتى توفي بحلب في يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة تسع وسبعين وسبعمائة. رحمه الله.
ومن شعره يمدح القاضي شهاب الدين أحمد بن فضل الله بقصيدةٍ منها:
جوانحي للقا الأحباب قد جنحت ... وعاديات غرامي نحوهم جنحت
وعبرتي عبرةً للناظرين غدت ... لأنها بجفوني إذ جرت جرحت
يا حبذا جيرةٌ سفح النَّقا نزلوا ... آيات حسنهم ذكر الحسان محت
صدوا فطرفي لبعد الدار ينشدهم ... يا ساكني السفح كم عين بكم سفحت
آهاً لعيش تقضَّى في معاهدهم ... وطيب أوقات أنفاس بهم نفحت
حيث الحواسد والأعداء قد صدرت ... والسعد من فوقنا أطياره صدحت(5/117)
والدهر قد غض طرف الحادثات لنا ... والزهر أعينه في الحضرة انفتحت
والورق ساجعة والقضب راكعةٌ ... والسحب هامعة والغدر قد طفحت
والعود عودان هذا نشره عطرُ ... وذاك ألحانه أحزاننا نزحت
والراح تشرق في الراحات تحسبها ... أشعة الشمس في الأقداح قد قدحت
أكرم بها بنت كرمٍ كف خاطبها ... كفُّ الخطوب وأسدا الندى منحت
مظلومة سجنت من بعد ما عصرتْ ... مع أنها ما جنت ذنباً ولا اجترحت
كم أعربت عن سرورٍ كان منكتماً ... وكم صدورٍ لأرباب الهوى شرحت
تديرها بيننا حوراء ساحرة ... كأنها من جنان الخلد قد سرحت
ألحاظها لو بدت للبيض لاحتجبت ... وقدها لو رأته الشمس لافتضحت
ظلاّمة للكرى عن مقلتي حبست ... أما تراها ببحر الدمع قد سبحت
ورب عاذلة فيمن كلفت بها ... تكلفت لملامي في الهوى ولحت
جاءت وفي عزمها نصحي وما علمت ... أني أزيد غراماً كلما نصحت
بالروح أفدي من النقصان عاريةً ... تسربلت برداء الحسن واتشحت
غيداء من ظبيات الإنس كانسةً ... لكنها عن معاني الأنس قد سنحت
عيني إلى مرأى حسن طلعتها ... وغير فضل ابن فضل الله ما طمحت
وله فيمن اسمه موسى:(5/118)
لما بدا كالبدر قال عاذلي ... من ذا الذي قد فاق على شمس الضحى
فقلت موسى واستفق فإنه ... أهون شيءٍ عنده حلق اللحى
وله:
يا أيها الساهون عن أخراهم ... إن الهداية فيكم لا تعرف
المال بالميزان يصرف عندكم ... والعمر بينكم جزافاً يصرف
ابن كُرَّ
00 - 0 - 658هـ - 000 - 1259م الحسن بن كر، الأمير الجليل فتح الدين البغدادي.
كان من أكابر الزعماء ببغداد، وكان موصوفاً بالكرم، والشجاعة، وأصالة الرأي. قيل إنه ما أكل شيئاً إلا وتصدق بمثله.
وكان يحب الفقهاء، وأهل الفضل، ويكرم الفقراء، ويقضي حوائجهم، وهو غير
ابن كر صاحب التصانيف في علم الموسيقا - يأتي ذكره إن شاء الله في محله -.(5/119)
استشهد صاحب الترجمة في ملتقى هولاكو سنة ثمان وخمسين وستمائة، رحمه الله.
ابن المزلق
الحسن بن محمد، القاضي الخواجا بدر الدين الدمشقي، المعروف بابن المزلق.
مولده بدمشق 000 - 000 ونشأ تحت كنف والده الخواجا شمس الدين ابن المزلق، وسلك طريق والده في المتاجر، وجال في الأقطار، وجاور بمكة غير مرة، وقدم القاهرة مراراً عديدة لا تدخل تحت حصر.
ثم ولي نظر الجيش بدمشق عوضاً عن زين الدين عبد الباسط خليل في سنة أربع وخمسين وثمانمائة، فباشر الوظيفة سنين، مع بعده عن الفضيلة بالكلية، وعلى ما به من صمم فاحش.(5/120)
الصاغاني اللغوي المحدث الحنفي
577هـ - 650هـ - 1181م - 1252م الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر بن علي، العلامة رضي الدين، أبو الفضائل القرشي العدوي الغزني المحدث الفقيه اللغوي، الصاغاني الأصل، اللوهوري، البغدادي الوفاة، الحنفي النحوي.
وصاغان من بلاد ما وراء النهر، والَلوهور - بفتح اللام وسكون الواو -.
قال ياقوت: قدم العراق وحج، ثم دخل اليمن، ونفق له بها سوق، وله تصانيف في الأدب منها: تكملة العزيزي، وكتاب في التصريف ومناسك في الحج، ختمه بأبيات قالها، أولها: شوقي إلى الكعبة الغراء قد زادا.
ثم قال ياقوت: وفي سنة ثلاث عشرة وستمائة كان بمكة وقد رجع من اليمن، وهو آخر العهد به. انتهى كلام ياقوت.(5/121)
وقال أبو عبد الله الذهبي: هو صاحب التصانيف، ولد بمدينة لهاوور في سنة سبع وسبعين، ونشأ بغزنة، ودخل بغداد سنة خمس عشرة، وذهب منها بالرئاسة الشريفة إلى صاحب الهند سنة سبع عشرة، فبقي مدة، ثم رجع، وقدم سنة أربع وعشرين، ثم أعيد رسولاً إليها، فما رجع إلى بغداد إلى سنة سبع وثلاثين، وسمع بمكة، وباليمن، وبالهند من القاضي سعد الدين خلف بن محمد الحسنابادي، والنظام محمد بن الحسن المرغيناني، وببغداد.
وكان إليه المنتهى في معرفة اللسان العربي، صنف كتاب مجمع البحرين في اللغة، اثني عشر مجلداً، والعباب الزاخر في اللغة في عشرين مجلداً، ولم يتمه. انتهى.
وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي: رأيته بخطه في دمشق، ورأيت بخطه تعزيز بيتي الحريري من نظمه، ورأيت في بعض أبياته كسراً وزحافاً، لكن خط جيد، محرر الضبط. وله كتاب الشوارد في اللغات، وكتاب توشيح الدريدية، وكتاب التركيب وكتاب فعال، وكتاب فَعلان، وكتاب الإنفعال، وكتاب يفعول، وكتاب الأضداد، وكتاب للعروض، وكتاب أسماء العادة، وأسماء الأسد، وأسماء الذئب، وكتاب في علم الحديث، ومشارق الأنوار في الجمع بين الصحيحين، ومصباح الدجى، والشمس المنيرة، وشرح البخاري، ودر السحابة في وفيات الصحابة، وكتاب الضعفاء، والفرائض، وشرح أبيات المفصل، وغير ذلك.
وقال الدمياطي: كان شيخاً صالحاً، صدوقاً، صموتاً عن فضول الكلام، إماماً في اللغة والفقه والحديث، قرأت عليه، وحضرت دفنه بداره بالحريم(5/122)
الظاهري، ثم نقل بعد خروجي من بغداد إلى مكة ودفن بها، وكان أوصى بذلك، وأعد خمسين ديناراً لمن يحمله. انتهى.
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: وتوفي سنة خمسين وستمائة.
وحكى لي العلامة قاضي القضاة تقي الدين السبكي قال: حكى لي الشيخ شرف الدين الدمياطي أن الصاغاني كان معه مولد وقد حكم فيه بموته في وقت، فكان يترقب ذلك اليوم؛ فحضر ذلك اليوم، وهو معافى، قائم ليس به علة؛ فعمل لأصحابه وتلاميذه وليمة شكران ذلك، قال: وفارقته، وعدَّيت إلى هذا الشط؛ فلقيني من أخبرني بموته؛ فقلت له: الساعة فارقته، فقال: والساعة وقع الحَمَام بخبر موته فجاءةً. انتهى.
عز الدين الإربلي الرافضي
580هـ - 660هـ - 1164م - 1358م الحسن بن محمد بن أحمد بن نجا، العلامة عز الدين الإربلي الرافضي، الفيلسوف الضرير، كان بارعاً في العربية، والأدب، رأساً في علوم الأوائل. وكان يعري(5/123)
في منزله بدمشق المسلمين، وأهل الكتاب، والفلاسفة. وله حرمة وافرة، وكان يهين الرؤساء وأولادهم بالقول، إلا أنه كان مجرماً تاركاً الصلاة يبدو منه ما يشعر بانحلاله. وكان يصرح بتفضيل علي على أبي بكر - رضي الله عنهما - وكان حسن المناظرة خبيث الهجو.
روى عنه من شعره الدمياطي وأبي الهيجاء وغيرهما.
مولده بنصيبين سنة ثمانين وخمسمائة.
قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي: وكان قذراً، رزيء الشكل، قبيح المنظر، لا يتوقى النجاسات، ابتلى مع العمى بقروح وطلوعات. وكان ذكياً، جيد الذهن انتهى.
قلت: ومن شعره:
توهم واشينا بليل مزارنا ... فهم ليسعى بيننا بالتباعد
فعانقته حتى اتحدنا تلازماً ... فلما أتانا ما رأى غير واحد(5/124)
قال الشهاب محمود: ولما أنشد هذين البيتين بين يدي الملك الناصر صلاح الدين صاحب دمشق قال: لا تلوموه؛ فإنه لزمه لزوم أعمى.
فلما بلغ العز قول الملك الناصر قال: والله هذا أحلى من شعري. انتهى.
ومن شعره أيضاً:
ذهبت بشاشة ما عهدت من الجوى ... وتغيرت أحواله وتنكرا
وسلوت حتى لو سرى من نحوكم ... طيف لما حياه طيفي في الكرى
توفي صاحب الترجمة في شهر ربيع الآخر سنة ستين وستمائة، انتهى.
الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون
نيف 730هـ - 762هـ - 1329م - 1360م الحسن بن محمد بن قلاوون، السلطان الملك الناصر أبو المعالي - كنيته ولقبه ككنية أبيه ولقبه - ابن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي.(5/125)
مولده في سنة نيف وثلاثين وسبعمائة، وأمه أم ولد.
أقيم في السلطنة بعد خلع أخيه المظفر سيف الدين حاجيِّ في بكرة يوم الثلاثاء رابع عشر شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وسبعمائة.
وجلس على تخت الملك، وضربت البشائر، وتم أمره، وطاوعته الممالك.
واستمر في السلطنة إلى أن وقع بينه وبين بعض الأمراء وحشة، وخلع من السلطنة بأخيه الملك الصالح صالح في أوائل شهر رجب سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، وحبس مدة إلى أن أطلق، وأعيد إلى السلطنة بعد خلع أخيه الملك الصالح صالح في أوائل شهر شوال سنة خمس وخمسين وسبعمائة، وتم أمره، وعظمت مملكته، وطالت أيامه، وعمر في هذه السلطنة مدرسته التي لم يبن في الإسلام مثلها بالرميلة تجاه قلعة الجبل، وصرف عليها من الأموال ما يستحي من ذكره كثيرةً.
وكان كريم النفس، باراً لأهله وأقاربه، يميل إلى فعل الخير والصدقات.
وكان يحب أولاد الناس دون المماليك ولهذا طالت مدته لولا أنه قدم مملوكه يلبغا؛ فكان ذلك هو السبب لزوال دولته.(5/126)
وأمَّر من أولاد الناس جماعة كثيرة، وكان غالب نواب القلاع بالبلاد الشامية في زمانه أولاد الناس، وكان في زمانه من أولاد الناس ثمانية من مقدمي الألوف بالديار المصرية، ثم أنعم على ولديه بتقدمتي ألف، فصارت الجملة عشرة، أما الثمانية، فهم: الأمير عمر بن أرغون النائب، وأسنبغا بن الأبو بكري، والأمير محمد بن طوغان، ومحمد بن بهادر رأس نوبة، ومحمد بن المحسني، وموسى بن أرقطاي، وأحمد بن آل ملك، وموسى بن الأزكشي. وجعل ابن القشتمري نائب حلب. وابن صبيح نائب صفد. وكان قد جعل نائب دمشق أمير على المارديني، ثم عزله.
ولامه بعض خواصه في تقدمة أولاد الناس على المماليك؛ فقال: والله لا لمحبة فيهم أقدمهم، لكن أفعل ذلك مصلحةً لي وللرعية وللبلاد، فأما مصلحتي، فإنهم لا يخرجون عن طاعتي، ومتى أرادوا ذلك نهاهم أقاربهم وحواشيهم عن ذلك؛ خوفاً على أملاكهم وأرزاقهم، بخلاف المماليك؛ فإنهم لا رأس مال لهم في مملكة من الممالك. وأما للرعية، فإن عندهم شبع نفس، وعدم طمع، وأيضاً خوفاً مني لا يظلمون أحداً. وللبلاد فلا شك أنهم أعرف بالأحكام والسياسة والأخذ بخواطر الرعية من المماليك. انتهى.(5/127)
قلت: وكان له همة عالية، ومعرفة تامة، وله مآثر بمكة المشرفة، وعمر بها أماكن، واسمه مكتوب في الجانب الشرقي، وعمل في زمانه باب الكعبة الذي هو بابها الآن، وكسا الكعبة الكسوة التي هي اليوم في باطنها، وأشياء غير ذلك.
وكان كثير البر لأهل مكة إلى أن بلغه ما وقع لعسكره الذي كان بمكة ومقدمه الأمير قندش، وابن قرا سنقر من القتل والنهب وإخراجهما من مكة على أقبح وجه في آخر سنة إحدى وستين وسبعمائة. غضب على أهل الحجاز، وأمر بتجهيز عسكر كبير إلى الحجاز للانتقام من أهله، وعزم على أن ينزعها من أيدي الأشراف إلى الأبد، وكان يتم له ذلك بسرعة وسهولة، وفبينا هو في ذلك إذ وقع بينه وبين مملوكه يلبغا العمري الخاصكي الوقعة التي قتل فيها. وهو أن السلطان حسن كان قد خرج من القاهرة للصيد بكوم برا - وهي بليدة من قرى القاهرة - وكان قد تغير خاطره على مملوكه يلبغا المذكور، لكلام بلغه عنه؛ فركب في نفر قليل على أنه يكبس يلبغا في منزله.
وكان عند يلبغا خبرٌ من ذلك بطريق الدسيسة؛ فخرج يلبغا للقاء السلطان بجماعته وهم مستعدون للحرب؛ فلم يقدر السلطان حسن عليه، وهرب في جماعة يسيرة، وعدى النيل من وقته في ليلة الأربعاء تاسع جمادى الأولى سنة اثنتين وستين وسبعمائة؛ فتبعه يلبغا، وحصل بينه وبين ابن المحسني وقشتمر المنصوري وقعة(5/128)
ببولاق انكسر فيها يلبغا مرتين حتى ردف يلبغا الأمير ألجاي اليوسفي وغيره، وتكاثروا على ابن المحسني.
كل ذلك وابن المحسني يهزمهم كرة بعد أخرى إلى أن صار يلبغا في جمع موفور، وأرسل في الدس يسأل ابن المحسني ويعده بكل خير، ولا زال به حتى كف عن قتاله، وذهب إلى حال سبيله، ولما طلع الملك الناصر إلى قلعة الجبل، وأعاق يلبغا ابن المحسني عن حضوره إلى القلعة في إثره دار رَمَق السلطان حسن، وألبس مماليكه المقيمين بالقلعة؛ فلم يجدوا خيولاً؛ فإن خيل السلطان كانت في الربيع، فضاقت حيلته.
فلما سبح المسبح ركب السلطان حسن ومعه أيدمر الدوادار، ولبسا لبس العرب؛ ليتوجها إلى الشام، فلقيهما بعض المماليك، فأنكروا عليهم، ثم قبضوا عليهم، وأحضروهم إلى بيت الأمير شهاب الدين الأزكشي أستادار العالية كان، فمسكهما وأحضرهما الأمير شهاب الدين إلى عند يلبغا، فكان ذلك آخر العهد بالسلطان حسن - رحمه الله - ولم يعلم له خبر ولا أثر، وذلك في يوم الأربعاء تاسع جمادى الأولى سنة اثنتين وستين وسبعمائة.
وكان عمره يوم قتل نيفاً على ثلاثين سنة تقريباً.(5/129)
وكانت مدة سلطنته الثانية ست سنين وسبعة أشهر، وسلطن يلبغا من بعده الملك المنصور محمد بن الملك المظفر حاجي بن الملك الناصر محمد بن قلاوون، وصار يلبغا مدبر مملكته ومعه الأمير طيبغا الطويل وهما من عتقاء الملك الناصر حسن، فوفيا حقوق التربية لأستاذهما المذكور.
وكان الملك الناصر حسن ملكاً شجاعاً، كريماً، حازماً، ذا شهامة، وحرمة، وصرامة، وهيبة.
وكان عالي الهمة، جيد التدبير، كثير الصدقات. ومما يدل على علو همته عمارته لمدرسته بالرميلة.
وصفته: كان للطول أقرب، أشقر، وبوجهه نمش مع كيس، وكان قد رسم أن تعمل له خيمة عظيمة؛ فعملت، وضربت بالحوش السلطاني من قلعة الجبل، فكانت من الحسن إلى الغاية.
وفيها يقول الشيخ شهاب الدين بن أبي حجلة:
حوت خيمة السلطان كل عجيبةً ... فأمسيت فيها باهتاً أتعجب(5/130)
لساني بالتقصير فيها مقصرٌ ... وإن كان في أطنابها بات يطنب
وكان رحمه الله مغرماً بالنساء والخدام، واقتنى من الخدام ما لم يقتنه أحد من ملوك الترك قبله، وكان إذا سافر يستصحب النساء معه؛ لكونه لم يكن له ميل إلى الشباب كعادة الملوك من قبله، وفي قصته مع يلبغا ومحبته للنساء يقول بعض الأدباء:
لما أتى للعاديات وزلزلت ... حفظ النساء وما قرا للواقعة
فلأجل ذاك الملك أضحى لم يكن ... وأتى القتال وفصلت بالقارعة
لو عامل الرحمن فاز بكهفه ... وبنصره في عصره في السابعة
من كانت القينات من أحزابه ... عطعط به الدخان نار لامعة
تبت يدا من لا يخاف من الدعا ... في الليل إذ يغشى يقع في النازعة
وخلف الملك الناصر حسن من الأولاد عشرة وهم: أحمد، وقاسم، وعلي، واسكندر، وشعبان، وإسماعيل، ويحيى، وموسى، ويوسف، ومحمد. وستاً من البنات، وخلف من الذهب العين والخيول والقماش شيئاً كثيراً إلى الغاية، استولى يلبغا على جميع ذلك.(5/131)
ومن غريب ما اتفق في أيامه سنة ثمان وخمسين وسبعمائة ما ذكره الحافظ عماد الدين بن كثير: أن جارية من عتقاء الأمير الهمذاني حملت قريباً من تسعين يوماً، ثم شرعت تطرح ما في بطنها، فوضعت قريباً من أربعين ولداً منهم أربعة عشرة بنتاً، ثم صبياناً وقد تشكل الجميع وقد تميز الذكر من الأنثى.
قلت: وابن كثير معاصر لهذه الحكاية وهو ثقة حجة، رحمه الله تعالى، وعفا عنه.
أبو علي القرشي الصوفي
574هـ - 656هـ - 1178م - 1258م الحسن بن محمد بن محمد بن محمد ابن محمد بن عمروك بن محمد.
ينتهي نسبه إلى محمد بن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - الحافظ(5/132)
صدر الدين أبو علي القرشي التيمي البكري النيسابوري، ثم الدمشقي الصوفي.
ولد بدمشق سنة أربع وسبعين وخمسمائة، وسمع بمكة من جده، ومن أبي حفص عمر بن الميانشي. وبدمشق من ابن طبرزد، وحنبل، وجماعة. وبنيسابور من المؤيد الطوسي. وبهراة، ومرو، وأصبهان، وبغداد، وإربل والموصل، وحلب، والقدس، والقاهرة. وكتب العالي والنازل، وصنف، وجمع، وشرع في التاريخ ذيلا لتاريخ دمشق، وحصل منه أشياء حسنة، وعدم بعد موته. وروى الكتب الكبار الأنواع لابن حبان، والصحيح لأبي عوانة، والصحيح لمسلم وخرَّج الأربعين البلدية، وحمل عنه خلق كثير، وولي مشيخة الشيوخ بدمشق ونفق سوقه عند الملك المعظم، وانتقل في آخر عمره إلى مصر، فمات بها في سنة ست وخمسين وستمائة.
قال الحافظ أبو عبد الله شمس الدين الذهبي: وليس هو بالقوي، ضعفه عمر بن الحاجب، قال: كان كثير البهت، كثير الدعاوي، وعنده مداعبة ومجون، وداخل الأمراء وولي الحسبة. انتهى.(5/133)
القرطبي
00 - 0 - 723هـ - 000 - 1323م الحسن بن محمد، الشيخ نجم الدين أبو محمد بن الشيخ كمال الدين القرشي القرطبي الكركي المولد الصفدي.
كان والده بصفد خطيب القلعة، وكان هو ينوب عن والده، وكان يكتب في الإنشاء بصفد، ويوقع بين يدي النواب، ثم انتقل إلى دمشق وكتب الإنشاء بها، وصار بيده خطابة جامع جراح بدمشق، وعظم قدره بها، ثم جرى له أمور، وعاد إلى صفد خطيباً وموقعاً بها.
قال: الشيخ صلاح الدين الصفدي: ولم تسمع أذناي خطيباً افصح منه، ولا أعذب عبارة، ولا أصح إذا كان يقرأ الخطبة؛ تجويداً لمخارج الحروف.
وكان لكلامه في الخطابة وقع في السمع وأثر في القلب، وتخرج به جماعة فضلاء، وقلَّ من قرأ عليه، ولم ينتبه، ولم أر مثله في مبادئ التعليم، ولم أر مثله في تنزيل قواعد النحو على قواعد المنطق.
وكان يحب فساد الحدود والرد عليها والجواب عنها. انتهى.
قلت: وكان له نظم جيد من ذلك من قصيدةٍ:
سرى برق نعمان فاذكره السقطا ... وأبدى عقيق الدمع في خده سمطا(5/134)
ولاح كسيف مذهب سل نصله ... وروع وسمى السحائب فانحطَّا
وأدى رسالات عن البان والنقا ... وأقراه معنى للغرام فما أخطا
وأهدى إليه نسمةً سحريةً ... أعادت فؤاداً طال ما عنه قد شطا
تمر على روض الحما نفحاتها ... فتهدي إلى الأزهار من نشرها قسطا
وتنثر عقد الكل في وجناتها ... فتظهر في لالاء أوجهنا بسطا
وتطلع منه في الدجى أي أنجمٍ ... وتلبس عطف الغصن من سندس مرطا
وتوقظ فوق الدوح ورق حمائم ... جعلنا قلوب العاشقين لها لقطا
هم نسبوا حزنا إليها وما دروا ... وما أرسلت من جفنها أبداً نقطا
وكم تيمت صبا بلحن غريبةٍ ... رواه الهوى عنها وما عرفت ضبطا
وهي أطول من هذا، أضربت عن بقيتها لطولها، وكلها على هذا النموذج. وله أيضاً من قصيدة:
يوم العقيق أسأل من أجفانه ... عقيان دمع فاق عقد جمانه
صب على خديه قد كتب الهوى ... رفقاً به إن كنت من أعوانه
رام العناق مودعاً غصن النقا ... وجداً عليه فخاف من نيرانه
وأراد لثم لثام بارق ثغره ... ليلاً فأدهشه سنا لمعانه(5/135)
وأدار كأساً من رحيق عذيبه ... صرفاً فلجَّ القلب في خفقانه
وبدت تروحه نسيمات سرت ... تهدي إليه النشر من نعمانه
حملت شذا من جيرة سكنوا الحما ... وروت صحيحاً مسنداً عن بانه
توفي صاحب الترجمة فجأةً في شهر رمضان سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة رحمه الله.
سبط الشيخ عبود
00 - 0 - 733هـ - 000 - 1322م الحسن بن محمد، الشيخ نجم الدين، سبط الشيخ المعتقد عَبُّود.
مات بالقرافة الصغرى سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، ودفن عند جده بزاويته، رحمه الله.
النسَّابة
00 - 0 - 809هـ - 000 - 1406م الحسن بن محمد بن حسن، السيد الشريف الحسني بدر الدين،(5/136)
المعروف ب
النسابة، شيخ خانقاة بيبرس الجاشنكير بالقاهرة.
توفي ليلة السبت سادس عشر شوال سنة تسع وثمانمائة، عن سبع وثمانين سنة رحمه الله تعالى.
أبو أحمد الشاعر
00 - 0 - 803هـ - 000 - 1400م الحسن بن محمد بن علي، عز الدين العراقي، المعروف بأبي أحمد الشاعر المشهور، نزيل حلب.
قال ابن خطيب الناصرية: كان من أهل الأدب، وله النظم الجيد، وكان يمدح أكابر حلب ويجيزونه على ذلك، وكان خاملاً، وينسب إلى التشييع وقلة الدين.
وكان يجلس مع العدول للشهادة بمكتب داخل باب النيرب، رأيته ولم أكتب عنه شيئاً، ونظمه فائق؛ فمنه ما رأيته بخطه:(5/137)
ولما اعتنقنا للوداع عشية ... وفي كل قلب من تفرقنا جمر
بكيت فأبكيت المطي توجعاً ... ورق لنا من حادث السفر السفر
جرى در دمعٍ أبيضٍ من جفونهم ... وسالت دموع كالعقيق لنا حمر
فراحوا وفي أعناقهم من دموعنا ... عقيق وفي أعناقنا منهم در
وله مؤلف سماه الدر النفيس من أجناس التجنيس، يشتمل على سبع قصائد يمدح بها قاضي القضاة برهان الدين أبا إسحاق إبراهيم بن جماعة الكنائي، منها ما رأيته بخطه، وهي القصيدة الأولى:
لولا الهلال الذي من حيكم سفرا ... ما كنت أعني إلى مغناكم سفرا
ولا جرى فوق خدي مدمعي دررا ... حتى كان جفوني ساقطت دررا
يا أهل بغداد لي في حيكم قمرٌ ... بمقلتيه لعقلي في الهوى قمرا
يثني من القد غصناً أهيفاً نضراً ... إذا انثنى في الحلي يسبي لمن نظرا
لم يغن عن حسنهم بدو ولا حضرٌ ... إلا إذا قيل هذا الحب قد حضرا
أفدي غزالاً غريراً كم سبا نفراً ... من الأنام وكم من عاشقٍ نفرا
ريمٌ أتى في معانيه على قدرٍ ... لو رام قلبي أن يسلوه ما قدرا
كم حل من عقد صبري بالغرام عراً ... حتى السقام بجسمي في هواه عرا(5/138)
لو لم يكن قلبه قد من حجر ... ما كان عني لذيذ النوم قد حجرا
قلت: والقصيدة أطول من ذلك، استوعبها القاضي علا الدين بن خطيب الناصرية بتمامها. ثم قال: وله عدة قصائد في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - مرتبة على حروف المعجم.
توفي بحلب في سابع عشر المحرم سنة ثلاث وثمانمائة.
ابن شواق الإسنائي
632هـ - 706هـ - 1234م - 1306م الحسن بن منصور بن محمد بن المبارك، الأديب جلال الدين بن شَوَّاق الإسنائي. مولده سنة اثنتين وثلاثين وستمائة.
كان فاضلاً، أديباً، واسع الصدر، كريماً، متواضعاً. وكان بنوا السديد بإسنا يحسدونه ويعملون عليه، فعلَّموا عليه بعض العوام، فرماه بالتشييع، ولا زالوا عليه حتى صودر، وحضر إلى القاهرة، فعرض عليه التوقيع، فامتنع.
قال الشيخ كمال الدين جعفر الأدفودي: أخبرني الفقيه ابن النفيس الإسنائي أنه تحدث معه في شيء من مذهب الشيعة، فحلف أنه يحب الصحابة، ويعظمهم، ويعترف بفضلهم، قال: إلا أني أقدم علياً عليهم، انتهى.(5/139)
قلت: وهذا أيضاً قريب من الرفض؛ فإنه كان يتستر بهذا القول؛ خوفاً من أهل السنة.
وكان له نظم ونثر، ومن شعره يمدح - النبي صلى الله عليه وسلم - بقصيدة منها:
هوا طيبة أهواه من حيث أرَّجا ... فعوجا بنا نحو العقيق وعرِّجا
وسيروا بنا سيراً حثيثاً ملازماً ... ولا تَنِبا فالعيس لم تعرف الوجى
ومن شعره أيضاً:
كيف لا يحلو غرامي وافتضاحي ... وأنا بين غَبوق واصطباح
مع رشيق القد معسول اللمى ... أسمرٍ فواق على سمر الرماح
جوهري الثغر ينحو عجباً ... رفع المرضى لتعليل الصحاح
نصب الهجر على تمييزه ... وابتدا بالصد جداً في مزاح
فلهذا صار أمري خبراً ... شاع في الآفاق بالقول الصراح
يا أهيل الحي من نجدٍ عسى ... تجبروا قلب أسيرٍ من جراح
لم خفضتم حال صبٍّ جازمٍ ... ما له نحو حماكم من براح
ليس يصغي قول واشٍ سمعه ... فعلى ماذا سمعتم قول لاح(5/140)
ومحوتم اسمه من وصلكم ... وهو في رسم هواكم غير ماح
وصحا كل محبٍّ ثملٍ ... وهو من خمر هواكم غير صاح
توفي صاحب الترجمة سنة ست وسبعمائة، رحمه الله وعفا عنه.
ابن نصر الله الصاحب بدر الدين
726هـ - 846هـ - 1325م - 1442م الحسن بن محمد بن نصر الله بن الحسن بن محمد بن أحمد، الصاحب بدر الدين، المعروف بابن نصر الله، وزير الديار المصرية، وكاتب سرها، وناظر جيشها، وأستادار العالية، وناظر الخواص الشريف، ومحتسب القاهرة.
مولده بفوة في ليلة الثلاثاء ثالث عشر شهر ربيع الأول سنة ست وستين وسبعمائة.
كان أصله من إدكو قرية بالمزاحميتين من أعمال القاهرة وكان جد أبيه، شرف الدين محمد بن أحمد، على خطابة إدكو، ثم سكن جده حسن(5/141)
ابن محمد مدينة فوة واستوطنها، وولد له بها نصر الله، فنشأ نصر الله بفوة، وباشر بها، ثم بالإسكندرية عدة وظائف بعلم الديونة. وولد له بها ابنه الصاحب بدر الدين هذا، ونشأ بها أيضاً وباشر بالطالع والنازل، إلى أن قدم القاهرة في حدود التسعين وسبعمائة.
حدثني الصاحب بدر الدين المذكور من لفظه، قال: لما قدمت إلى القاهرة جعلني قاضي قضاة المالكية - أظنه ناصر الدين بن التنسي - موقعاً للحكم؛ فحسدني أقوام على ذلك، وظننت أني ملكت الدنيا بذلك التوقيع. انتهى.
قلت: ثم باشر عند بعض الأمراء، ولا زال يترقى إلى أن ولي عدة وظائف سنية، يطول الشرح في ذكرها بتاريخ الولاية والعزل، بل نذكر ما ولي من الوظائف شيئاً بعد شيء؛ فنقول: أول ما ولي نظر الجيوش المنصورة بالديار المصرية، ثم الوزر، ثم نظر الخواص. كل ذلك في الدولة الناصرية فرج، ثم ولي الخاص، والوزر أيضاً في الدولة المؤيدية شيخ، وصودر، ونكب غير مرة. ثم ولي الأستادارية في دولة الملك الصالح محمد بن الملك الظاهر ططر من قبل مدبر مملكته الأمير برسباي الدقماقي، ثم عزل، وولي الخاص أيضاً مدة إلى أن ولي الأستادارية في الدولة الأشرفية برسباي الدقماقي، عوضاً عن ولده صلاح الدين محمد، وعزل عن الخاص بكريم الدين عبد الكريم بن كاتب جكم في أوائل جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وثمانمائة.(5/142)
وهذا آخر عهده بوظيفة الخاص؛ فلم تطل مدته في الأستادارية، وعزل، وصودر، هو وولده صلاح الدين محمد، وأخذ منهما نحو الخمسين ألف دينار، ورسم لهما بلزوم دورهما، فدام الصاحب بدر الدين مدة طويلة بطَّالاً إلى أن ولي الأستادارية ثالثاً؛ فلم ينتج أمره فيها وعزل بعد أيام.
واستمر بطالاً سنين إلى أن ولي كتابة السر بالديار المصرية، عوضاً عن ولده صلاح الدين محمد، بعد وفاته في ليلة الأربعاء خامس ذي القعدة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة؛ فباشر وظيفة كتابة السر مدة يسيرة، وتسلطن الملك الظاهر جقمق.
وقدم القاضي كمال الدين محمد بن البارزي من دمشق، وتولى وظيفته - كما كان أولاً - وعزل صاحب الترجمة، ولزم داره من ثم إلى أن توفي بالقاهرة في جمادى الأولى سنة ست وأربعين وثمانمائة.
وكان شيخاً طوالاً، ضخماً، حسن الشكل، مدور اللحية كريماً، واسع النفس في الطعام، تأصل في الرئاسة، وطالت أيامه، وصار هو وولده صلاح الدين محمد من أعيان رؤساء الديار المصرية.
وكان له رواتب، وإنعام على خلائق كثيرة جداً، على أنه كان لا يسلم في كل قليل أيام مباشرته من مصادرة. ولو صفا له الوقت كما وقع لغيره من بعده؛ لكان له وللإنعام شأن، إلا أنه كان له بادرة، وخلق سيء مع حدة، وصياح في كلامه.(5/143)
وكان يتحدث بأعلى صوته؛ ولهذا أبغضه الملك الأشرف برسباي، وأبعده.
وكان غير فاضلٍ أكولاً، أقصى أمانيه الناب والنصاب. وكان يميل إلى فعل الخير، وعمر مدرسة بقوة مليحة، ووقف عليها وقفاً هائلاً. وله مآثر غير ذلك. وبالجملة كانت محاسنه أكثر من مساوئه، عفا الله عنه.
الهذباني الشافعي
00 - 0 - 699هـ - 000 - 1299م الحسن بن هارون بن حسن، الفقيه نجم الدين الهذباني الشافعي، أحد أصحاب الشيخ محي الدين النووي.
كان خيراً ديناً، ورعاً. سمع من ابن عبد الدائم، ولم يُحدث، وتفقه على النووي.
توفي وهو كهل سنة تسع وتسعين وستمائة.(5/144)
الجواليقي القلندري
00 - 0 - 722هـ - 000 - 1322م الحسن، الشيخ حسن الجواليقي العجمي القلندري، نزيل دمشق.
كان قريباً من خواطر الملوك، لا سيما أهل بيت الملك المنصور قلاوون، وذريته؛ فإنه كان له عندهم حظ وافر. وكان له معرفة بتنميق الكلام، وكان كثيراً ما ينشد قول الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبي بكر ابن أيوب على ما قيل:
سلام على ربع به نعم البال ... وعيشٍ مضى ما فيه قيل ولا قال
لقد كان طيب العيش فيه مجرداً ... من الهم والقوم واللوائم غُفال
ملاعب ما حلت بها آفة النائي ... ولا كان فيها للمحبين إشغال
فلا عيش إلا والشبيبة غضةٌ ... ووصل إلا والمحبون أطفال
وهم زعموا أن الجنون أخو الصبا ... فليت جنوني دام والناس عقَّال
على مثل ذا تستفرغ العين دمعها ... بكاءً وإلا ما البنون وما المال(5/145)
مات الشيخ حسن - صاحب الترجمة - في سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة بدمشق، رحمه الله.
الكردي
00 - 0 - 700هـ - 000 - 1300م الحسن الكردي، الشيخ الصالح الزاهد، المعروف بالكردي، صاحب حال وكرامات، وكشف. عمَّر نحواً من تسعين سنة. وكان مقيماً بالشاغور من دمشق. وكان له بها حاكورة يزرع فيها البقل ويرزق بذلك.
وكان جواداً، قلَّ من دخل عليه إلا وقدم له طعاماً، وكان يقصد للزيارة والتبرك به. يقال إنه أخذ من شعره واغتسل، واستقبل القبلة ومات - رحمه الله - في سنة سبعمائة.
الهذباني الإربلي
568هـ - 653هـ - 1172م - 1255م الحسين بن إبراهيم بن الحسين بن يوسف، الشيخ شرف الدين أبو عبد الله الهذباني الإربلي الشافعي اللغوي.(5/146)
مولده سنة ثمان وستين وخمسمائة بإربل، وقدم دمشق، وتفقه، وسمع من الخشوعي، وحنبل، وعبد اللطيف بن أبي سعد، وابن طبرزد، والكندي وطائفة. ورحل وهو كهل، وسمع من أبي علي بن الجواليقي، والفتح ابن عبد السلام.
وتوفي سنة ثلاث وخمسين وستمائة، رحمه الله تعالى.
الشيخ بدر الدين
743هـ - 834هـ - 1342م - 1421م الحسين بن أحمد بن محمد بن ناصر الشيخ بدر الدين، الهندي الأصل، المكي المولد والدار، الحنفي.
ولد سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة بمكة، وسمع بها على القاضي عز الدين ابن جماعة وغيره.
وحدَّث عن الشيخ جمال الدين الأميوطي، والعفيف عبد الله بن محمد(5/147)
النشاوري بصحيح البخاري.
وتفقه على العلامة شيخ الحنفية بمكة ضياء الدين الهندي، وعلى قاضي القضاة صدر الدين بن منصور الحنفي. وبرع في الفقه وغيره.
وكان يعمل مواعيد بالمسجد الحرام، ويدرس به مقابل مدرسة عز الدين عثمان الزنجيلي وهي المعروفة بدار السلسلة بالجانب الغربي من المسجد الحرام.
وناب في الحكم بمكة، ورحل إلى القاهرة والشام، ثم عاد إلى مكة، وسافر إلى جهة اليمن في أوائل سنة أربع وعشرين وثمانمائة، وقصد عوق، فأدركه الأجل، فأدرك يوم الأربعاء ثاني عشر صفر من السنة، وقيل في جمادى الأولى رحمه الله تعالى.(5/148)
ابن أويس صاحب بغداد وتبريز
00 - 0 - 784هـ - 0001382م الحسين بن أُوَيْس بن الشيخ حسن بن الحسين بن آقبغا بن أيلكان، المنعوت بالشيخ حسين، سلطان بغداد وتبريز وغيرهما.
ولي ملك بغداد في حياة والده أويس؛ وهو أن والده أويس رأى مناماً يدل على موته في يوم معين؛ فاعتزل عن السلطنة، وخلع نفسه، وولى ولده الشيخ حسين صاحب الترجمة. وانجمع عن الناس، وأخذ في الصلاة والعبادة إلى أن مات بعد أيام في اليوم الذي عين له، وذلك في سنة ست وسبعمائة.
واستمر الشيخ حسين هذا في الملك، وتم أمره. وسار على سيرة والده بالعدل في الرعية، ومهَّد البلاد، وأطاعته الأمراء والجند إلى أن قتله أخوه السلطان أحمد - المتقدم ذكره في محله - بإشارة خجا شيخ الكححاني. وتسلطن أخوه أحمد المذكور من بعده، ولقب بالملك المعز، وذلك في سنة أربع وثمانين وسبعمائة.(5/149)
وكان الشيخ حسن هذا ملكاً شاباً، جميلاً، جليلاً شجاعاً، مقداماً كريماً، محبباً للرعية، كثير البر، قليل الطمع.
ولقد كانت العراق في أيامه مطمئنة معمورة إلى أن ملكها قرا يوسف وأولاده من بعده، هؤلاء الأطراف التركمان رعاة الغنم - عليهم من الله ما يستحقونه - وإلى يومنا هذا، والفتنة مستمرة في إقليمي العراق وديار بكر من بنيه؛ فالله يلحق بهم من سلف من آبائهم.
جمال الدين النحوي
00 - 0 - 681هـ - 000 - 1282م الحسين بن إياز؛ العلامة جمال الدين شيخ العربية.
ولي تدريس المستنصرية ببغداد، وكان من أعيان العلماء، وله مصنفات منها: كتاب المطارحة، وكتب عند أبو العلاء الفرضي، وابن الفوطي(5/150)
وغيرهما. وقرأ على الشيخ تاج الدين الأرموي.
توفي في سنة إحدى وثمانين وستمائة.
ابن باكيش
00 - 0 - 793هـ - 000 - 1390م الحسين بن باكيش، الأمير بدر الدين التركماني، نائب غزة من قبل منطاش. واستمر في نيابة غزة إلى أن خرج الملك الظاهر برقوق من الكرك، واستفحل أمره، أراد حسين هذا أن يظهر لمنطاش نتيجة. فجمع عساكر غزة وغيرها من العربان والتركمان، وتوجه لقتال برقوق، فوصل إليه بعد أن كسر برقوق عسكر دمشق بيوم أو بيومين، فتقاتلا قتالاً شديداً، وثبت كل منهما إلى أن انتصر برقوق، وانهزم ابن باكيش هذا. وركبت الظاهرية أقفية الباكيشية ونهبت سائر ما كان معهم ونجا حسين بن باكيش بنفسه وحده، وبلغ منطاش خبره، فخارت قواه، ولم يزل المذكور من حزب منطاش حتى قبض عليه الملك الظاهر برقوق، وقتله بالقاهرة في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة.
وكان مشهوراً بالشجاعة.(5/151)
أمير حسين
00 - 0 - 728هـ - 000 - 1327م الحسين بن جندر، الأمير شرف الدين الرومي.
قال الصفدي: كان وهو أمرد رأس مدرج لحسام الدين لاجين لما كان نائب الشام. وكان يؤثره، لأنه كان رأساً في الصيد، ولعب الطير.
ولما ملك لاجين الديار المصرية، خلع عليه، ورسم له بإمرة عشرة، فأقام بمصر حتى حضر الملك الناصر محمد بن قلاوون من الكرك، فأقره على حاله، ثم أمَّره طبلخاناه بدمشق، ونادم الأفرم إلى أن فر الأفرم توجه الأمير حسين هذا إلى الملك الناصر إلى الكرك، وتوجه معه إلى القاهرة، ودخل عليه في الطريق بأنواع الحيل إلى أن صار مقرباً عنده، فكان يقول: يا خوند إن كنا ندخل إلى مصر، فهذا الطير يصيد. ويرمي الطير الذي يكون معه، فيصيد.(5/152)
قلت: وكان الأمير حسين هذا محظوظاً في الصيد ورمي النشاب، لا يكاد يفوته منه شيء.
فلما دخل الملك الناصر إلى القاهرة، أنعم عليه بتقدمة ألف بالديار المصرية، وأفرد له زاوية من طيور الجوارح، وصار أمير شكار مع الأمير كوجري، وصار له حرمة وافرة بالديار المصرية.
واستمر على ذلك مدة إلى أن حصل له ضعف في بدنه، فرسم له السلطان بالتوجه إلى دمشق، فحضر إليها، وأقام بها عند الأمير تنكز على محبته له القديمة إلى أن وقع بينهما بسبب القصب الذي في قرية عيثا، وتخاصما في سوق الخيل، ورجعا إلى دار السعادة. وتحاكما. ثم إنهم سعوا بينهما في الصلح، فقام تنكز، وقام أمير حسين، فوضع أمير حسين يده على عنق تنكز، وقبل رأسه فما حمل تنكز منه ذلك، فاعتذر أمير حسين بعد ذلك بأن قال: والله ما تعمدت ذلك، ولكن كان خطأً كبيراً، فطالع السلطان تنكز فشد قطلو بغا الفخري من أمير حسين، فما أفاد كلام تنكز، ورسم السلطان لأمير حسين بأن يقيم بصفد،(5/153)
وإقطاعه على حاله. وكتب السلطان إليه: إنك أسأت الأدب على نائبنا تنكز، وما كان يليق بك هذا. فاستمر بصفد مدة وهو لا يركب بخدمة نائبها، ولا يخرج إلى اليزك حسبما رسم له السلطان بذلك، فدام بصفد نحو السنتين حتى بلغ تنكز أن السلطان له ميل إلى الأمير حسين. وكان تنكز متوجهاً إلى القاهرة، فلما حضر إلى الغور أرسل إلى الأمير حسين أن يلتقيه بالغور، فقدم عليه واصطلحا هناك، وخلع عليه تنكز، ووعده بأنه إذا ما عاد إلى دمشق أخذه معه.
فلما قدم تنكز القاهرة سأل السلطان في ذلك، فما وافق السلطان، وأرسل طلب أمير حسين إلى القاهرة.
فلما وصل إليها أنعم عليه بإقطاع الأمير أصلم السلاح دار.
واستمر من جملة مقدمي الألوف بالديار المصرية إلى أن توفي بداره في أوائل سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، ودفن بجوار جامعه الذي عمره في حكر جوهر النوبي خارج القاهرة، وتأسف السلطان عليه. وهو الذي عمر القنطرة المشهورة به على الخليج، وإلى جانبها الجامع الذي له.(5/154)
ولما فرغ عمارة الجامع، أحضر إليه المشد والكاتب حساب المصروف، فرمى به إلى الخليج، وقال أنا خرجت عن هذا لله تعالى، فإن خنتما فعليكما، وإن وفيتما فلكما.
وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي: كنت بخدمته سفراً وحضراً، وكنت أكتب عنده، فكان شحيحاً على الدرهم والدينار من يده.
وأما من خلفه، فما كان يقف في شيء وكان الفرس والقباء عنده هيناً. وكان خفيف الروح، دائم البشر، لطيف العبارة. وكانت في عبارته عجمه، لكنه إذا قال الحكاية أو ندر يظهر لكلامه حلاوة في القلب والسمع.
قال لي الشيخ فتح الدين بن سيد الناس: نحن إذا حكينا ما يقوله الأمير حسين ما يكون لذلك حلاوة.
وكان ظريفاً إلى الغاية، وهو الذي عمر الجامع الأبيض بالرملة وعمر تلك المنارة العجيبة.
وكان فيه الخير والصدقة، لكن كان يستحيل في الآخر.
ولم يخلف إلا بنتين.(5/155)
وكان يجلس في الميمنة، فلما حضر تمرتاش المغلي من بلاد التتار جلس مكانه. فصار هو يجلس في الميسرة.
وكان الملك الناصر محمد بن قلاوون يحبه كثيراً، ولم يخلص من مخاليب تنكز أحد من الأمراء غيره، رحمه الله تعالى وعفا عنه.
ابن ريّان
702هـ - 000 - 1302الإمام - 000 الحسين بن سليمان بن أبي الحسن شرف الدين أبو عبد الله بن ريّان، أخو القاضي بهاء الدين حسن.
ولد شرف الدين المذكور بحلب سنة اثنتين وسبعمائة. وسمع البخاري من ابن مشرف، وست الوزراء بدمشق حضوراً. واشتغل، وتفقه، وكتب، وأتقن، وكتب الخط المنسوب، وتولع بالنظم إلى أن أجاد فيه ونظم في الهزلية؛ فصار فيها إماماً، ونظم صور الكواكب، ونظم في البديع كتاباً سماه: زهر الربيع. وأنشأ مقامات عدة.
ومن نظمه في هلال مقارن الزهرة:(5/156)
كأن الهلال نزيل السماء ... وقد قارن الزهرة النيرة
سوارٌ لحسناء من عسجدٍ ... على قفله وضعت جوهرة
وله في عذار أشقر:
كأنما عذاره الأ ... شقر في الخد الندي
قنديل بلور له ... سلسلة من عسجد
قال الشيخ صلاح الدين: أنشدني المذكور من لفظه سنة ثمان وأربعين وسبعمائة:
أهوى حلاويَّاً بدت خدوده ... وردية يا ما أحيلى سالفه
صير قلبي دنفاً ومدمعي ... سكباً وروحي بالبعاد تالفه
القاضي شهاب الدين الكفري
00 - 0 - 719هـ - 000 - 1319م الحسين بن سليمان بن فزاره، القاضي شهاب الدين الكفري الحنفي.(5/157)
كان إماماً، عالماً، مفتياً. سمع من أبي طلحة؛ وابن عبد الدائم، وتلا بالسبع على علم الدين القاسم، وتصدر للإقراء، والتدريس، وطال عمره، وانتفع به جماعة من الفضلاء، وتفقه به ولده قاضي القضاة شرف الدين وغيره. وقرأ بنفسه على أبي اليسر، وكتب الطباق، وأفتى عدة سنين، وناب في الحكم.
وكان شيخ الإقراء بالقرمية والزنجيلية، وأضر بآخره إلى أن توفي سنة تسع عشرة وسبعمائة بالطرخانية عن اثنتين وثمانين سنة.
وهو والد قاضي القضاة شرف الدين - وشرف الدين أيضاً اضر بآخره - وجد قاضي القضاة شمس الدين بن شرف الدين المذكور.
والكفري. بفتح الكاف وسكون الفاء، رحمه الله تعالى.
قاضي القضاة تقي الدين ابن شاس
00 - 0 - 685هـ - 000 - 1286م الحسين بن عبد الله بن شاس، قاضي القضاة، تقي الدين المالكي.(5/158)
كان فقيهاً، عارفاً بالمذهب، جيد النقل.
أفتى ودرس عدة سنين. حدث عن ابن الجميزي وغيره. وتولى قضاء الديار المصرية مدة؛ فلم تحمد أحكامه، وساءت سيرته؛ فإنه كان مسرعاً، سمحاً في التعديل.
توفي سنة خمس وثمانين وستمائة، رحمه الله.
الأمير ناصر الدين القيمري
00 - 0 - 665هـ - 000 - 1266م الحسين بن عبد العزيز بن أبي الفوارس، الأمير ناصر الدين، أبو المعالي(5/159)
القيمري، صاحب المدرسة القيمرية الكبرى التي بسوق الخرميين.
كان من أجل الأمراء، وأعظم الناس وجاهة، وإقطاعاً. وكان شجاعاً، مقداماً وهو الذي ملك الملك الناصر دمشق.
وكان الملك الظاهر بيبرس قد أقطعه إقطاعاً جيداً، وجعله مقدم العساكر بالساحل؛ فمات به مرابطاً سنة خمس وستين وستمائة، رحمه الله.
وكان أميراً جليلاً، يضاهي الملوك في موكبه، وتجمله، وغلمانه، وحاشيته.
قيل إنه غرم على الساعات التي على باب مدرسته ما يزيد على أربعين ألف درهم.
وكان أبوه الأمير شمس الدين أيضاً من أجل الأمراء، رحمهما الله تعالى.
السلطان حسين صاحب العراق ما خلا بغداد
00 - 0 - 835هـ - 0001431م الحسين بن علاء الدولة بن القان غياث الدين أحمد بن أُوَيْس مر بقية نسبه في غير موضع الشهير بالسلطان حسين، صاحب بغداد. ملكها بعد موت شاه محمد بن شاه ولد.(5/160)
وسبب تملكه؛ انه لما مات السلطان أحمد بن أويس - المتقدم ذكره في محله - أقيم بعده في سلطنة بغداد شاه ولد بن شاه زادة بن أويس؛ فقتل بعد ستة أشهر بتدبير زوجته تندو بنت السلطان حسين بن أويس عليه، وقامت بتدبير ملك بغداد من بعده، ثم خرجت من بغداد بعد ستة أشهر فراراً إلى شُشْتَر من شاه محمد بن قرا يوسف، وملك شاه محمد المذكور بغداد، وأقامت تندو بششتر؛ فأقيم معها في السلطنة سلطان محمود بن شاه ولد مدة، فدبرت عليه تندو، وقتلته أيضاً بعد خمس سنين، وانفردت بمملكة ششتر، ثم ملكت البصرة بعد حروب، وماتت بعد انفرادها بثلاث سنين؛ فأقيم ابنها أويس بن شاه ولد، فقتله أصبهان بن قرا يوسف في المعركة بعد سبع سنين؛ فأقيم بعده بششتر أخوه شاه محمد بن شاه ولد؛ فأقام بششتر ست سنين، ومات؛ فملك بعده السلطان حسين هذا.
واستفحل أمره، وملك البصرة أيضاً وواسط، وعامة العراق ما خلا بغداد، فإنها كانت بيد شاه محمد بن قرا يوسف، وهما متفقان على أصبهان بن قرا يوسف. ثم وقع بين السلطان حسين هذا وبين أصبهان وقعة - بعد عدة وقائع - انكسر فيها السلطان حسين، والتجأ بالحلة، فنزل عليه أصبهان، وحصره سبعة أشهر إلى أن قبض عليه وقتله في ثالث صفر سنة خمس وثلاثين وثمانمائة. وانقرضت بقتله من العراق دولة الأتراك بني أويس، وملك العراق بأجمعه بنو قرا يوسف، وبهم خربت تلك الممالك العظيمة، انتهى.(5/161)
ابن الكوراني
00 - 0 - 793هـ - 000 - 1390م الحسين بن علي بن الكوراني، الأمير حسام الدين، أحد الأمراء، ووالي القاهرة.
قتل بها مخنوقاً في عاشر شعبان سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة بعد عقوبة كبيرة.
وسببه أن الملك الظاهر برقوق لما حبس بالكرك أخذ ابن الكوراني هذا في التشويش على حواشيه وأعوانه، وافحش في ذلك إلى الغاية، ولم يبق في إيصال الأذى إلى برقوق وحواشيه ممكناً.
واستمر على ذلك إلى أن خرج الملك الظاهر برقوق من حبس الكرك، وانتصر على منطاش، وشاعت الأخبار بالديار المصرية بنصرته.
كل ذلك وهو لا يلتفت إلى ما يرد عليه من الأخبار، ولا يكف عما هو فيه من الإشاعات الشنعة على الظاهر برقوق.
واستمر على ذلك إلى أن خرج الأمير بطا من حبس القلعة، وملك باب السلسلة(5/162)
قبض عليه، وعاقبه. ثم أطلقه بعد مدة، عندما وصل إليه من الملك الظاهر برقوق مرسوم يتضمن أشياء من جملتها: أن حسين المذكور يفعل الشيء الفلاني، فخاف الأمير بطا، وظن أن الملك الظاهر له فيه بقية؛ فأطلقه.
ولما وصل الملك الظاهر إلى الديار المصرية أخلع عليه. ثم أمسكه بعد مدة، وأجرى عليه العقوبة إلى أن هلك في التاريخ المتقدم ذكره.
قلت: وكان إبقاؤه - إلى أن قبض عليه الظاهر - حلماً منه، ولو كان غيره؛ لكان فتك به في يوم دخوله إلى الديار المصرية؛ لعظيم فعله مع حرم الملك الظاهر برقوق وأخوته الخوندات؛ وسحبه لهن حاسرات في الشوارع عندما كان يطلب منهن منطاش الأموال، وأشياء يطول شرحها من هذا النمط.
وكان ظالماً، جباراً؛ قليل الخير، كثير الشر، غير أنه كان حاذقاً ماهراً في وظيفته ومباشرته. وله وقائع مشهورة مع زعر القاهرة والمفسدين بها، سمعنا بها من أفواه الناس، انتهى.
العلامة حسام الدين الصِّغناقي، شارح الهداية
الحسين بن علي بن حجاج بن علي، الإمام العالم العلامة حسام الدين الصغناقي، الحنفي، الفقيه الكبير، البارع المفنن، شارح الهداية.(5/163)
تفقه على الإمام حافظ الدين محمد بن محمد بن نصر، وفوض إليه الفتوى والتدريس وهو شاب، وعلى العلامة فخر الدين محمد بن محمد المايمريمي، وروى عنهما الهداية بسماعهما عن شمس الأئمة الكردري عن المصنف.
قال الحافظ تقي الدين محمد بن رافع في كتابه الذيل: هو الحسين بن حجاج الصغناقي البخاري، المنعوت بالحسام الفقيه الحنفي، من تلامذة حافظ الدين الكبير، دخل مصر وحج، ودخل بغداد، وشرح الهداية على مذهبه، وأصول الفقه للإخسيكتي، ودرس بمشهد الإمام أبي حنيفة، ورفع إلى بلده، فأدركته المنية؛ فتوفي بمرو.
وكان صاحب جماعة من الفضلاء؛ فتفرقوا في البلاد، وبقي منهم بدمشق شمس الدين عبد الله بن حجاج الكاشغري، مدرس الشبلية كان. انتهى(5/164)
قلت: وذكر غيره أنه اجتمع في حلب بقاضي القضاة ناصر الدين محمد بن القاضي كمال الدين أبي حفص عمر بن العديم، وكتب له نسخة من شرح الهداية، وأجاز له بجميع تواليفه ومروياته بتاريخ سنة إحدى عشرة وسبعمائة. وكان فراغ صاحب الترجمة من شرح الهداية في سنة سبعمائة.
وله أيضاً شرح التمهيد للمكحولي، في مجلد ضخم.
وروى التمهيد عن الإمام حافظ الدين عن الإمام أبي بكر صاحب الهداية عن ضياء الدين الإمام محمد بن الحسين اليوسوفي عن الإمام علاء الدين أبي بكر محمد ابن أحمد السمرقندي، عن الإمام سيف الدين أبي الهدى ميمون بن محمد بن محمد المكحولي المصنف.
وكلما ذكر الصغناقي هذا في شرح الهداية من لفظة الشيخ؛ فالمراد به حافظ الدين. وما ذكر من لفظة الأستاذ، فالمراد به فخر الدين المايمريمي - كذا قال في الشرح - وله كتاب: الكافي في شرح أصول الفقه، لفخر الإسلام أبي العز البزدوي، وله عدة تواليف أخر.
واستمر ملازماً للأشغال والتصنيف إلى أن توفي.(5/165)
وكان إماماً، علامة؛ انتهت إليه رئاسة السادة الحنفية في زمانه، رحمه الله تعالى.
الحسين بن السبكي
00 - 0 - 755هـ - 000 - 1354م الحسين بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام، القاضي جمال الدين أبو الطيب بن قاضي القضاة تقي الدين الأنصاري السبكي الشافعي.
كان شاباً، فقيهاً، فاضلاً، تقدم في عصر شبابه على كثير من أقرانه، وباشر الحكم بدمشق نيابة عن والده.
توفي يوم السبت ثاني شهر رمضان سنة خمس وخمسين وسبعمائة.
الإمام نور الدين الحنفي
575 - أو 572هـ - 653هـ - 1179 أو 1176م - 1254م الحسين بن عمر بن طاهر الفارسي، الإمام نور الدين الحنفي.(5/166)
تفقه على جماعة، وبرع في الفقه والأصول، واشتغل بعلم الطب حتى برع فيه أيضاً، واشتهر به.
وسمع، وحدَّث، وأمَّ بالسادة الحنفية بالمدرسة الصالحية بالقاهرة إلى حين وفاته.
وكان شيخاً عفيفاً، ديناً، فاضلاً ذكره الشيخ قطب الدين، وأثنى على علمه إلى أن قال: وجدت بخط الرشيد من الزكي عن النور هذا قال لي: ولدت سنة خمس وسبعين أو اثنتين وسبعين، انتهى.
قلت: يعني وخمسمائة، وتوفي حادي عشر المحرم سنة ثلاث وخمسين وستمائة رحمه الله تعالى.
أمير التركمان الكبكية
00 - 0 - 821هـ - 000 - 1418م الحسين بن كُبُك التركماني، الأمير حسام الدين أمير التركمان الكبكية.(5/167)
كان بطلاً، شجاعاً، قتل في يوم ثالث جمادى الأولى سنة إحدى وعشرين وثمانمائة.
الملك الأمجد والد الأشرف شعبان بن حسين
00 - 0 - 764هـ - 000 - 1362م الحسين بن محمد بن قلاوون، الملك المجد بن السلطان الملك الناصر بن السلطان الملك المنصور.
هو والد الملك الأشرف شعبان بن حسين، وهو آخر مَن مات من أولاد الملك الناصر محمد بن قلاوون.
ولما تسلطن أخوه الملك الناصر حسن، تراسلت المماليك الجراكسة على أن يعملوه سلطاناً، ففطن السلطان حسن بذلك، فقبض على أربعين منهم، وأخرجوا إلى الشام، وضرب ستة منهم، وحبسوا.(5/168)
ثم احتفظ بأخيه حسين هذا إلى أن مات الملك الناصر حسن. وتسلطن من بعده الملك المنصور محمد بن المظفر حاجي بن الناصر محمد بن قلاوون - أعني ابن أخيه -؛ فلم تطل مدة صاحب الترجمة من بعده، ومات قبل سلطنة ولده الأشرف شعبان بأشهر، في ليلة السبت رابع شهر ربيع الآخر سنة أربع وستين وسبعمائة.
وتسلطن ولده الأشرف بعد خلع المنصور محمد بن شعبان من السنة. وكثر تأسف يلبغا على موته؛ فإن غرض يلبغا كان سلطنة المذكور؛ فمات قبل ذلك؛ فسلطن ولده الأشرف شعبان وسيأتي ذكره في محله إن شاء الله تعالى.
نقيب الأشراف
00 - 0 - 772هـ - 000 - 1370م الحسين بن محمد بن الحسين بن الحسن بن زيد بن طغر بن علي بن إبراهيم ابن محمد بن عبد الله العوكلاتي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - الأرموي الأصل، المصري المولد والدار والوفاة. الشريف شهاب الدين بن الشريف شمس الدين بن الشريف شهاب الدين، المعروف بابن قاضي العسكر، الشهير بأبي الركب - بضم الراء المهملة وفتح الكاف - نقيب الأشراف بالديار المصرية،(5/169)
وكاتب الإنشاء بها، ثم نقل إلى حلب؛ فباشر كتابة سرها مدة، ثم عزل، وعاد إلى القاهرة. وكان سيداً فاضلاً، عالماً، بارعاً في النظم والنثر.
درَّس بالمدرسة القراسنقرية بالقاهرة مدة، وخطب بجامع ابن عبد الظاهر مدة، وكتب، وأنشأ، وقال الشعر الفائق، ومن شعره:
وخلٍ جاء يسل عن قبيلي ... وضوء الشمس للرائي جلي
فقلت له: ولم أفخر وإني ... يحق لمثلي الفخر العلي
محمد خير خلق الله جدي ... وأمي فاطمة وأبي علي
وله أيضاً:
تلق الأمور بصبرٍ جميل ... وصدرٍ رحيبٍ وخلِّ الحرج
وسلم لربك في حكمه ... فإما الممات وإما الفرج
توفي بالقاهرة في سادس عشر شعبان سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة.
ابن العليف
794هـ - 000 - 1391م - 000
الحسين بن محمد بن حسن بن عيسى بن محمد بن أحمد بن مسلَّم - بتشديد اللام -(5/170)
العكي العدنين، الحلوي الأصل، المكي المولد والمنشأ والدار. الشيخ بدر الدين، المعروف بابن العُلَيْف - بضم العين المهملة، ولام مفتوحة وياء آخر الحروف ساكنة، وفاء - قلت: رأيته لما جاورت بمكة المشرفة سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة يجلس بالمسجد الحرام، بالقرب من باب حزورة، ويشتغل في العربية والأدبيات، ثم اجتمعت به غير مرة بمكة المشرفة؛ فوجدته بارعً في الأدب، عارفاً بالنحو وغيره. وله محاضرة حلوة، ومذاكرة حسنة، ومعرفة بأيام الناس، لا سيما أمراء مكة وأعيانها. وهو شاعر بني عجلان، والمقدم عندهم. وسألته عن مولده؛ فقال: مولدي بمكة المشرفة سنة أربع وتسعين وسبعمائة، ثم سألته عن مشايخه ممن أخذ عنهم، وبمن تخرج في نظم القريض وغيره؛ فقال تخرجت بوالدي، وبه أيضاً تفقهت، وعنه أخذت الأدب، ثم قرأت على جماعة أخر من المشايخ. وأنشدني كثيراً من شعره.
الشريف الأخلاطي
00 - 0 - 799هـ - 000 - 1396م الحسين الأخلاطي، الشريف الحسيني.(5/171)
قال قاضي القضاة بدر الدين محمود العيني الحنفي: كان رجلاً منقطعاً عن الناس، لا يروح عند أحد، ولا يأذن لأحد في الدخول عليه إلا لمن يختاره.
وكان يعيش عيش الملوك في المأكل، والمشرب، والملبس.
وكان ينسب إلى عمل اللازورد، وبعضهم ينسبه إلى الكيمياء، وبعضهم إلى الاستخدام. والظاهر إنه كان على معرفة من علم الحكمة، ويتعانى صنعة اللازورد. ومع هذا كان ينسب إلى الرفض؛ فلهذا لم يشتهر عنه أنه حضر صلاة الجماعة والجمعات.
وكان يدعي بعض أصحابه أنه المهدي المنتظر في آخر الزمان، وأمثال ذلك؛ فكان أول ما قدم الديار الشامية أقام في حلب منقطعاً مدة عن الناس، في مكان يسمى بابِلا بطرف حلب، من ناحية المشرق، ثم طلب إلى الديار المصرية، بسبب مداواة ولد السلطان الملك الظاهر برقوق من مرض حصل له في رجله وأفخاذه؛ فقدم، وأقبل عليه السلطان إقبالاً عظيماً؛ فأقام يداوي ابنه، فلم ينجع. ثم إنه أقام بالديار المصرية مستمراً على حالته المذكورة على على شاطئ النيل إلى أن توفي. وخلف موجوداً كثيراً من أصناف القماش، ومن الذهب شيئاً كثيراً، ومماليكاً، وجوارٍ. ولم يوص لأحد بدرهم، ولا أعتق أحداً من مماليكه وجواريه.
ولما بلغ السلطان خبر وفاته، رسم لقلمطاي الداودار أن ينزل إلى بيته،(5/172)
ويحتاط على تركته؛ فنزل، واحتاط على موجوده، فوجد في جملة تركته جام ذهب، وخمر في قناني، وزنار الرهابين، والإنجيل الذي بأيدي النصارى، وكتب كثيرة مما يتعلق بعلوم الحكمة. والنجوم، والرمل وغير ذلك. ولم يخلف وارثاً؛ فورثه السلطان.
ويقال وجد في تركته صندوق فيه أنواع الفصوص والأحجار المقومة. انتهى كلام العيني.
قلت: وكانت وفاته في العشر الأول من جمادى الآخرة سنة تسع وتسعين وسبعمائة بالقاهرة، وعمره ما ينيف على الثمانين سنة.
ابن الزكي
00 - 0 - 669هـ - 000 - 1270م الحسين بن يحيى، القاضي زكي الدين بن القاضي محي الدين، المعروف بابن الزكي.(5/173)
كان فاضلاً، نبيلاً. مات شاباً عن سبع وعشرين سنة، سنة تسع وستين وستمائة.
ابن المطهر المعتزلي
00 - 0 - 726 أو 725هـ - 000 - 1325 - 1324م الحسين بن يوسف بن المطهر، الإمام العلامة ذو الفنون جمال الدين بن المطهر الأسدي الحلي المعتزلي، عالم الشيعة، وفقيههم، وصاحب التصانيف التي اشتهرت في حياته.
تقدم في دولة خربندا ملك التتار، تقدماً زائداً.
وكان له مماليك ونزوة. وكان يصنف وهو راكب، شرح مختصر ابن الحاجب، وهو مشهور من حياته. وله كتاب في الإمامة، ورد عليه الشيخ تقي الدين بن تيمية في ثلاث مجلدات. وكان ابن تيمية يسميه ابن المنجس.(5/174)
وكان ابن المطهر المذكور ريض الخلاق، مشتهر الذكر، تخرج به أقوام كثيرة، وحج في أواخر عمره، واخمل، وانزوى إلى الحلة، واستمر في انحطاط إلى أن مات في المحرم سنة ست وعشرين. وقيل في أواخر سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وقد ناهز الثمانين. وكان إماماً في علم الكلام.
قال الذهبي - رحمه الله -: وقيل إن اسمه يوسف.
وله كتاب الأسرار الخفية في العلوم العقلية.(5/175)
حرف الدال المهملة
الحبال
00 - 0 - 679هـ - 000 - 1280م
داود بن حاتم بن عمر، الشيخ الصالح المعتقد، الحرَّاني الأصل، البعلبكي الدار والوفاة، الحنبلي، المعروف بالحبّال. كان له أحوال صالحة وكرامات ومكاشفات صادقة.
توفي ببعلبك في سنة تسع وسبعين وستمائة عن ست وتسعين سنة رحمه الله.
الملك المظفر صاحب ماردين
00 - 0 - 778هـ - 000 - 1376م داود بن صالح بن غازي بن قرا أرسلان بن أرتق، الملك المظفر، فخر(5/288)
الدين صاحب ماردين، وابن صاحبها الملك الصالح صالح، وابن صاحبها الملك المنصور، ابن الملك المظفر الأرتقي.
ولي ملك ماردين بعد ابن أخيه الملك الصالح محمود، الذي أقام في ملك ماردين أربع أشهر، عوضاً عن والده الملك المنصور أحمد بن الملك الصالح صالح.
ولما تسلطن الملك المظفر هذا، اقتفى أثر والده الملك الصالح في العدل للرعية والإحسان إليهم، وصار محبباً للناس، ودام على ذلك إلى أن توفي بها في سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، بعد أن حكمها نحو عشر سنين، وتولى سلطنة ماردين من بعده ابنه الملك الظاهر مجد الدين عيسى - يأتي ذكره إن شاء الله تعالى في محله -.
ابن الكويز
00 - 0 - 826هـ - 000 - 1422م داود بن عبد الرحمن، الرئيس علم الدين بن زين الدين المعروف بابن الكويز الكركي الأصل والمولد، المصري الدار والوفاة، كاتب السر الشريف بالديار المصرية.
قال الشيخ تقي الدين المقريزي رحمه الله0 كان أبوه من كتاب الكرك(5/289)
النصارى، يقال له جرجس، فأظهر الإسلام، وتسمى عبد الرحمن، وباشر عدة جهات بالكرك ودمشق والقاهرة، آخرها نظر الدولة. وخدم ابنه داود هذا في الجيزة، ثم لحق بالشام، وباشر نظر جيش طرابلس، واتصل بخدمة شيخ المحمودي هو وأخوه صلاح الدين، فولاه جيش دمشق، وجعل أخاه صلاح الدين خليل في ديوانه، فقبض عليهما في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة، وحملا إلى القاهرة على حمارين في أسوأ حال، ثم أفرج عنهما، ففرا إلى دمشق. وما زالا في خدمة شيخ حتى قدم بهما إلى مصر وتسلطن؛ فولي داود هذا نظر الجيش، عوضاً عن الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله، بحكم انتقاله إلى نظر الخاص، عوضاً عن تقي الدين عبد الوهاب بن أبي شاكر، وذلك في يوم السبت ثامن جمادى الأولى سنة ست عشرة وثمانمائة، ثم ولاه ططر كتابة السر عوضاً عن القاضي كمال الدين محمد بن البارزي. واستقر كمال الدين في نظر الجيش عوضه وذلك في يوم الخميس سادس عشرين المحرم سنة أربع وعشرين وثمانمائة.
وكانت تؤثر عنه فضائل منها: أنه ملازم الصلاة، وصيام الأيام البيض من كل شهر، ويتنزه عن القاذورات المحرمة، كالخمر، واللواط، والزنا، ويتصدق كل يوم على الفقراء، إلا أنه كان متعاظماً، صاحب حجاب وأعجاب، مع بعدٍ عن جميع العلوم، وضبطت عليه ألفاظ سخر الناس منها زماناً وهم يتناقلونها.
وكان مهاباً إلى الغاية متمكناً في الدولة، موثوقاً به فيها، بحيث أنه مات ولا أحد أعلى رتبةً منه. وتولى مكانه جمال الدين يوسف بن الصفي الكركي.(5/290)
فأذكرتني ولايته بعد ابن الكويز هذا، قول أبي القاسم خلف بن فرج الإلبيري المعروف بالشميسر، وقد هلك وزير يهودي لباديس بن حيوس الحميري، صاحب غرناطة من بلاد الأندلس، فاستوزر بعد اليهودي وزيراً نصرانياً، فقال:
كل يوم إلى وراء ... بدَّلَ البول بالخراء
فزماناً تهودا وزماناً تنصراً ... وسيصبوا إلى المجوس إذا الشيخ عمَّرا
وقد كان أبو الجمال هذا من نصارى الكرك، وتظاهر بالإسلام في واقعة كانت للنصارى، هو وأبو العلم هذا. وخدم كاتباً عند قاضي الكرك عماد الدين أحمد المقبري. انتهى كلام المقريزي باختصار.
قلت: وذكر الشيخ تقي الدين المقريزي هنا حكاية العرب - لها محل - فإن كلا منهما لا يصلح لهذه الوظيفة العظيمة؛ لبعدهما عن الفضيلة وصناعة الإنشاء وغير ذلك. وقد أوضح الشيخ تقي الدين أمرهما؛ فلا حاجة في ذكر ذلك ثانياً.
وأما تفسير قول الشيخ تقي الدين: وضبطت عليه ألفاظ سخر الناس منها(5/291)
زماناً. قيل إنه رأى مع بعض فقهاء الشافعية كتاب التنبيه في الفقه، فقال: هذا الكتاب اسمه عجيب البنيه في القفّه. وقيل إنه صلى به بعض الناس، وقرأ في صلاته بعد الفاتحة: سبحان ربك رب العزة عما يصفون. " وسلامٌ على المرسلين. والحمد لله رب العالمين " فلما فرغ من صلاته قال علم الدين هذا: ما ظننت أن الصلاة تصح بالدعاء، إلا في هذا اليوم.
وله أشياء كثيرة من هذا النمط.
توفي بالقاهرة في يوم الاثنين سلخ شوال سنة ست وعشرين وثمانمائة، ودفن بالصحراء، رحمه الله تعالى.
الخطيب المقدسي
586 - 656هـ - 1190 - 1258م داود بن عمر بن يوسف بن يحيى ين عمر بن كامل، الخطيب عماد الدين(5/292)
أبو المعالي، وأبو سليمان الزبيدي المقدسي الشافعي، خطيب بيت الآبار وابن خطيبها.
ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة وسمع من الخشوعي، وعبد الخالق بن فيروز، والجوهري، وعمر بن طبرزد، وحنبل، والقاسم بن عساكر، وجماعة.
وروى عنه الدمياطي، والزين الفاروقي، والعماد بن البالسي، والشمس نقيب المالكي، والخطيب شرف الدين، والفخر بن عساكر، وولده الشرف محمد، وطائفة.
وكان مهذباً، فصيحاً، مليح الخطابة، لا يكاد يسمع موعظته أحد إلا بكى. وخطب بدمشق ودرس بالزاوية الغزالية سنة ثمان وثلاثين بعد الشيخ عز الدين ابن عبد السلام، لما انفصل عن دمشق. وتوفي سنة ست وخمسين وستمائة رحمه الله تعالى.(5/293)
الملك الناصر صاحب حماة
603 - 656هـ - 1206 - 1258م داود بن عيسى بن محمد بن أيوب، السلطان الملك الناصر صلاح الدين، أبو المفاخر، وأبو المظفر بن السلطان الملك المعظم بن السلطان الملك العادل.
ولد بدمشق في جمادى الآخرة سنة ثلاث وستمائة. وتفقه على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة - رضي الله عنه - كما كان والده الملك المعظم. وبرع في الفقه، والعربية، والأدب، وصار معدوداً من الفضلاء. كل ذلك في أيام أبيه، وسمع ببغداد من القطيعي وغيره، وبالكرك من ابن اللتي. وأجاز له المؤيد(5/294)
الطوسي، وأبو روح عبد العزيز. وحدث؛ سمع منه الحافظ شرف الدين عبد المؤمن الدمياطي، وذكره في معجمه، وكتب عنه قطعة من شعره. وتسلطن بعد موت والده وأخيه في سنة أربع وعشرين وستمائة، وأحبه أهل دمشق، ثم سار عمه الملك الكامل من الديار المصرية، ليأخذ دمشق منه فاستنجد بعمه الملك الأشرف موسى شاه أرمن فجاء لنصرته ونزل بالدهشة بدمشق، ثم تغير الأشرف عليه، ومال لأخيه الكامل، وأوهم الناصر هذا أنه يصلح قضيته؛ فاتفقا عليه، وحاصراه أربعة أشهر، وأخذا دمشق منه، وسار الملك الناصر إلى الكرك، وكانت لوالده، وأعطى معها الصلت، ونابلس، وعجلون، وأعمال القدس، وعقد نكاحه على بنت عمه الملك الكامل.
ثم إن الكامل تغير عليه؛ ففارق ابنته قبل الدخول.
ثم إن الملك الناصر هذا قصد الخليفة المستنصر بالله ببغداد، وقدم له تحفاً ونفائس، وسار إليه على البرية، ومعه فخر القضاة ابن بصاقة، وشمس الدين الخسر وشاهي، والخواص من مماليكه، وطلب الحضور بين يدي الخليفة كما فعل بصاحب إربل، فامتنع الخليفة؛ فنظم الناصر قصيدته التي أولها:
ودانٍ ألمت بالكثيب ذوائبه ... وجنح الدجى وحف تجول غياهبه(5/295)
وهي طويلة جداً.
فلما وقف الخليفة عليها أعجبته كثيراً، فاستدعاه سراً، بعد شطرٍ من الليل؛ فدخل من باب السر إلى إيوان فيه ستر مضروب؛ فقبَّل الأرض؛ فأُمر بالجلوس، وجعل الخليفة يحدثه ويؤنسه. ثم أمر الخدام فرفعوا الستر؛ فقبَّل الأرض، ثم قبل يده، ثم أمره بالجلوس؛ فجلس وجاراه في أنواع من العلوم وأساليب الشعر، ثم أخرجه ليلاً، وأخلع عليه خلعة سنية، وعمامة مذهبة سوداء وجبة سوداء مذهبة.
وخلع على أصحابه ومماليكه خلعاً جليلة، وأعطاه مالاً جزيلاً، وبعث في خدمته رسولاً مشربشاً من أكابر خواصه إلى الملك الكامل يشفع في الناصر المذكور، وفي إخلاص النية له، وإبقاء مملكته عليه.
وخرج الملك الكامل إلى تلقيهما إلى القصير، وأقبل على الناصر إقبالاً كبيراً وجعل الناصر رنكه أسوداً، انتماءً للخليفة.
وكان الخليفة زاد في ألقابه: الولي المهاجر، وذلك في سنة ثلاث وثلاثين وستمائة.
واستمر الناصر على ذلك إلى أن وقع بين الملك الكامل محمد وبين الملك الأشرف موسى، وأراد كل منهما أن يكون الناصر هذا معه؛ فمال إلى الكامل(5/296)
وجاءه في الرسلية القاضي الأشرف بن الفاضل، وسار الناصر هذا إلى عمه الملك الكامل في تعظيمه.
ثم اتفق موت الكامل والأشرف والناصر المذكور بدمشق في دار أسامة، فتشوق إلى السلطنة؛ ولم يكن يومئذٍ أميز منه، ولو بذل المال؛ لحلفوا له. فتسلطن الملك الجواد، فخرج الناصر عن دمشق إلى القابون، ثم حشد كل واحد منهما، ووقع المصاف بين نابلس وجينين، فكسر الناصر، وأخذ الجواد خزائنه، وكانت على سبعمائة جمل، فافتقر الناصر، وأخذ أمره في انحطاط إلى أن ملك الملك الصالح نجم الدين أيوب دمشق، وسار لقصد مصر، جاء عمه الصالح إسماعيل وملك دمشق، فسحب جيش نجم الدين عنه، فجهز الناصر عسكراً من الكرك، فأمسكوه وأحضروه إلى الكرك، فاعتقله مكرماً عنده، وأخذ الناصر هذا بعد موت الكامل القلعة التي عمرها الفرنج بالقدس وطرد من بها من الفرنج.
وفي ذلك يقول الصاحب جمال الدين بن مطروح:
المسجد الأقصى له عادة ... سارت فصارت مثلاً سائرا
إذا غدا للكفر مستوطناً ... أن يبعث الله له ناصرا
فناصر طهَّره أولاً ... وناصر طهَّره آخرا(5/297)
حكي أنه لما وقعت المباينة بين الملك الكامل وبين أخيه الملك الأشرف، وعزما على القتال، وانضم إلى الملك الأشرف جميع ملوك الشام؛ وسير الملك الأشرف إلى الملك الناصر هذا يدعوه إلى موافقته، على أن يحضر إليه ليزوجه بابنته، ويجعله ولي عهده، ويملِّكه البلاد بعده. ثم بعث الملك الكامل أيضاً إلى الناصر هذا يدعوه إلى موافقته وأنه يحدد عقده على ابنته، ويفعل معه كل ما يختار، وتوافى الرسولان عند الناصر المذكور بالكرك، فرجَّح الميل إلى الكامل، ورشح رسول الأشرف بجواب إقناعي. ويقال إنه إنما فعل ذلك؛ إلا ليُعَرِّفْ الكامل بما وقع، واستنشد الملك الناصر صاحب الترجمة في جواب الكامل بقول المتنبي:
وما شئت إلا أن أدلَّ عواذلي ... على أن رأيي في هواك صوابُ
ويعلم قوم خالفوني وشرقوا ... وغربت أني قد ظفرت وخابوا
واتفق أن الأشرف توفي عقيب ذلك، وندم الناصر هذا عن تخلفه عنه.
ثم مات الكامل، ولم يحصل للناصر أيضاً منه أرب.
قلت: كان الناصر غير مسعود في حركاته وأموره، وقضى عمره على أقبح حال، فإنه كان غالب أيامه في الغربة عن أوطانه والشتات عن بلاده.(5/298)
وكان مذموم السيرة يحكى عنه أشياء من القبائح منها: أنه كان إذا دخل في الشراب، وأخذ السكر منه يقول: أشتهي أبصر فلاناً طائراً في الهواء، فيرمى به في المنجنيق، ويراه وهو في الهواء، فيضحك ويسر به، ويقول: أشتهي أشم روائح فلان وهو يُشوى، فيحضر ذلك المعتز، ويقطع لحم، ويشوى منه، وهو يضحك.
وكان له من هذه الأشياء القبيحة جملة مستكثرة.
قلت: ولهذا كانت مساوئه غطت محاسنه، وقاسى هو أيضاً محناً، ولا يظلم ربك أحداً.
ثم وقع له أمور مع أولاده، وفر إلى بغداد غير مرة، ولم يزل كذلك حتى قتل بيد التتار في سنة ست وخمسين وستمائة.
وكان أديباً شاعراً، فاضلاً، جواداً، ممدحاً.
وفيه يقول الصاحب جمال الدين بن مطروح:
ثلاثة ليس لهم رابع ... عليهم معتمد الجود
الغيث والبحر وعززهما ... بالملك الناصر داود
وكان له نظم رائق، من ذلك قوله:
بأبي أهيف إذا رمت منه ... لثم ثغر يصدني عن مرامي
قد حمى خده بسور عذار ... مقلتاه أصحت عليه مرامي(5/299)
وله:
إذا عاينت عيناي أعلام جلق ... وبان من القصر المشيد قبابه
تيقنت أن البين قد بان والنوى ... نأى شخصها والعيش عاش شبابه
وله أيضاً:
عيون عن السحر المبين تبين ... لها عند تحريك القلوب سكون
تصول بيض وهي سود يزيدها ... ذبول فتور والجفون جفون
إذا ما رأت قلباً خلياً من الهوى ... تقول له كن مغرماً فيكون
العلامة القونوي
00 - 0 - 715هـ - 000 - 1315م
داود بن غُلْبك بن علي، الشيخ الإمام العالم بدر الدين الرومي، القونويّ الأصل، الحنفي، المعروف بالبدر الطويل.
نشأ بمدينة قونية وتفقه بها على جماعة. وقرأ: اللغة، والعربية، والأدب، والأصلين وبرع. ثم قدم دمشق، فبحث على علمائها، وتفقه بها أيضاً على العلامة جلال الدين الخبازي وغيره وبرع، وأفتى ودرَّس، وأقام بدمشق نحواً من(5/300)
ثلاثين سنة، ثم توجه إلى حلب، ودرَّس بها أيضاً بالمدرسة القليجية والطرخانية نحواً من خمسة عشر سنة، وتفقه به جماعة، وانتفع به الطلبة مدة طويلة، ثم توجه من حلب يريد قلعة المسلمين، فأدركه الأجل، فمات في سنة خمس عشرة وسبعمائة، رحمه الله تعالى وعفا عنه.
الخليفة المعتضد بالله
00 - 0 - 845هـ - 000 - 1441م داود، الخليفة، أمير المؤمنين المعتضد بالله، أبو الفتح بن الخليفة المتوكل على الله محمد بن الخليفة المعتضد بالله أبي بكر بن الخليفة المستكفي بالله أبي الربيع سليمان بن الخليفة الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد بن الحسين بن أب(5/301)
ي بكر بن علي بن الحسن بن الخليفة الراشد بأمر الله منصور بن الخليفة المسترشد بالله الفضل بن الخليفة المستظهر بالله أحمد بن الخليفة المقتدي بالله عبد الله بن الإمام ذخيرة الدين محمد بن الخليفة القائم بأمر الله عبد الله بن الخليفة القادر بالله أحمد ابن الموفق طلحة بن الخليفة المتوكل على الله جعفر بن الخليفة المعتصم بالله محمد ابن الخليفة الرشيد هارون بن الخليفة المهدي محمد بن الخليفة أبي جعفر المنصور ابن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - الهاشمي العباسي.
بويع بالخلافة بعد أخيه المستعين بالله أبي الفضل العباس في يوم الخميس سادس عشر ذي الحجة سنة ست عشرة وثمانمائة.
قال الشيخ تقي الدين المقريزي رحمه الله: وفيه - يعني التاريخ المذكور - استدعى السلطان الملك المؤيد داود بن المتوكل على الله؛ فحضر بين يديه بقلعة الجبل، وقد حضر قضاة القضاة الأربع، فعندما رآه الملك المؤيد، قام له، وقد البس خلعة سوداء، وأجلسه بجانبه بينه وبين قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقيني، فدعا القضاة وانصرفوا على أنه استقر خليفة. ولم يقع خلع المستعين بالله، ولا قامت بينة بما يوجب شغور الخلافة عنه، ولا بويع داود هذا، بل خلع عليه فقط.
ولقب بابي الفتح المعتضد بالله.(5/302)
وكانت العادة بديار مصر أن يدعى على منابرها أيام الجمع وفي الأعياد، ويذكر كنية الخليفة ولقبه، فمن حين منع المستعين بالله في أول شعبان من السنة الحالية، لم يذكر على المنبر.
قول الشيخ تقي الدين: منع، أي من السلطنة؛ فإنه دام خليفة بعد ذلك مدة. ثم قال: واستمروا على ذلك في أيام المعتضد. وصار من الخطباء من يقول: اللهم أصلح الخليفة، من غير أن يعينه. ومنهم من يقول: اللهم أيد الخلافة العباسية ببقاء مولانا السلطان. ومنهم من يقتصر على الدعاء للسلطان. انتهى كلام المقريزي.
قلت: وهذه البدعة السيئة بقيت إلى يومنا هذا. وأما قول المقريزي: لم يقع خلع المستعين ولا قامت بينة بما يوجب شغور الخلافة، ليس هو كذلك، بل إنما الملك المؤيد لما أراد أن يتسلطن لم يلبس الخلعة السوداء حتى خلع القضاة المستعين من السلطنة، لأمور توجب خلعه، ثم أبقوه على الخلافة إلى أن خرج الأمير نوروز الحافظي نائب الشام عن طاعة الملك المؤيد، ودعا للمستعين بالسلطنة، وصار يخطب بالبلاد الشامية له.
وبلغ المؤيد ذلك؛ فجمع القضاة، وحذرهم وقوع فتنة من هذه القضية؛ فأشار بعض القضاة بخلعه من الخلافة، صيانة لدم المسلمين، وخوفاً من إفساد أحوال الرعية، فمنع المستعين بدار بالقلعة، وطلب المعتضد؛ فهذا خلع وزيادة.(5/303)
وأما البينة؛ فقد تكلم بهذا بين يدي القضاة في اليوم المذكور خلائق من أعيان الأمراء وغيرهم، وأي بينة تكون أعظم من ذلك. وأما شغور الخلافة فلا يلزم؛ فقد يمكن الخلع والتولية في ساعة واحدة. انتهى.
قلت: واستمر المعتضد في الخلافة دهراً، وطالت أيامه، وتسلطن في خلافته عدة سلاطين.
وكان خليقاً للخلافة، سيد بني العباس في زمانه.
وكان أهلاً للخلافة بلا مدافعة، كريماً، عاقلاً، سيوساً، ديناً، حلو المحاضرة، كثير الصدقات والبر للفقراء، وكان يحب طلبة العلم، ويكرمهم، ويحاضرهم كثيراً.
وكان جيد الفهم، ذكياً، ويميل إلى الأدب وأهله. وكان يجتهد في السير على طريقة الخلفاء ممن قبله مع جلسائه وندمائه، فيضعف موجوده عن إدراك ما يرومه، وربما كان يتحمل بسبب هذا المعنى دينا، وذلك لعلو همته مع قلة متحصله لأن متحصل إقطاعه في السنة دون الأربعة آلاف دينار. وجميع ما كان يتكلفه لنفسه ولحواشيه ولمماليكه من النفقات والجوامك، والكلف، والمترددين، وغير ذلك كله من هذا الإقطاع لا غير. هذا وهو خليفة الوقت، ومتحصله هذا النزر الهين.(5/304)
والعجب أن متحصل بعض أصاغر الأقباط الأسلمية أضعاف ذلك. فليت شعري، ماذا يكون جواب الملوك عن ذلك.
قلت: وكان يحب اللطافة والدقة الأدبية، وكان له مشاركة وفضيلة. هذا مع الدين المتين، والأوراد الهائلة في كل يوم.
جالسته غير مرة، فلم أر عليه ما أكره، وكنت أدخل إلى حرمه، لأن زوجته بنت الأمير دمرداش كانت قبله تحت والدي - رحمه الله -.
ثم اتصلت بأمير المؤمنين المذكور من بعده إلى أن توفي عنها في يوم الأحد رابع شهر ربيع الأول سنة خمس وأربعين وثمانمائة، بعد مرض طويل. وعهد لأخيه أبي الربيع سليمان الملقب بالمستكفي، واجتهد بعد موت ابن أخيه يحيى بن المستعين بالله العباس غاية الاجتهاد، فلم ينله رحمه الله، ونفعنا بسلفه.
العلامة الملطي
00 - 0 - 717هـ - 000 - 1317م داود بن مروان بن داود، العلامة نجم الدين الملطي الحنفي.(5/305)
كان إماماً بارعاً في الفقه والعربية، والأصلين، والمعاني، والبيان. وتصدر للإفتاء، والتدريس عدة سنين، وانتفع به الطلبة، وتفقه به جماعة كثيرة، ودرس بالمنصورية بالقاهرة، والظاهرية، والقراسنقرية، وناب في الحكم مدة. ثم تنزه عن ذلك بعد أن حمدت سيرته.
وكان له مشاركة في الأدب، وله نظم. وهو والد العلامة صدر الدين سليمان - يأتي ذكره في محله إن شاء الله تعالى -.
توفي بالقاهرة في شهر ربيع الأول سنة سبع عشرة وسبعمائة، ودفن بالقرافة - رحمه الله تعالى وعفا عنه -.(5/306)
العلامة البصروي
00 - 0 - 684هـ - 000 - 1285م داود بن يحيى بن كامل، الشيخ عماد الدين القرشي البصروي الحنفي " مدرس المعزية ".
كان فقيهاً عالماً، فاضلاً. أفتى ودرَّس، وناب في الحكم عن القاضي مجد الدين بن العديم، وسمع الحديث، وبرع في المذهب. وهو والد العلامة نجم الدين القجقاري شيخ الحنفية، وخطيب جامع تنكز بدمشق.
توفي ليلة نصف شعبان سنة أربع وثمانين وستمائة، رحمه الله تعالى.
الملك المؤيد صاحب اليمن
00 - 0 - 721هـ - 000 - 1321م داود بن يوسف بن عمر بن رسول، الملك المؤيد هِزَبر الدين صاحب اليمن ابن الملك المظفر صاحب اليمن أيضاً، التركماني الأصل، اليمني.(5/307)
تسلطن بعد أخيه الملك الأشرف في المحرم سنة ست وتسعين وستمائة، فملك نيفاً وعشرين سنة.
وكان قبل سلطنته قد تفقه، وحفظ كفاية المتحفظ، ومقدمة ابن بابشاذ، وبحث التنبيه. وطالع، وفضل، ودأب، وحصل، وسمع من المحب الطبري وغيره، وجمع الكتب النفيسة من الأقطار.
قيل إن خزانة كتبه اشتملت على مائة ألف مجلد - والله أعلم -.
وكان مشكور السيرة، محباً لأهل الخير والصلاح، مثابراً على زيارة الصالحين.
وأنشأ بظاهر زبيد قصره المشهور بالحسن؛ فقال فيه الأديب تاج الدين عبد الباقي اليمني قصيدة أولها:
يا ناظم الشعر في نعم ونعمان ... وذاكر العهد من لبنا ولبنان(5/308)
ومنها:
أنس بإيوانه كسرى فلا خبر ... من بعد ذكري عن كسرى لإيوان
وفيه يقول تاج الدين المذكور، وقد ركب المؤيد فيلاً:
الله ولاك يا داود مكرمة ... ورتبةً ما أتاها قبل سلطان
ركبت فيلاً وظل الفيل ذا رهج ... مستبشراً وهو بالسلطان فرحان
لك الإله أذل الوحش أجمعه ... هل أنت داود فيه أم سليمان
وكانت وفاته في ذي الحجة سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، وتولى من بعد ابنه الملك المجاهد، واضطرب أمر اليمن مدة، وتولى عدة سلاطين، يأتي ذكرهم في محلهم إن شاء الله تعالى.(5/309)
باب الدال والقاف
دقماق الظاهري 000 - 808هـ - 000 - 1405م دقماق بن عبد الله المحمدي الظاهري، الأمير سيف الدين.
هو من عتقاء الملك الظاهر برقوق، وممن صار خاصكياً في سلطنته الأولى.
فلما خلع الملك الظاهر برقوق وحبس بالكرك، وتشتت مماليكه في الأقطار، خدم دقماق هذا ووالدي ودمرداش المحمدي نائب حلب عند الأمير بزلار العمري نائب دمشق من قبل الملك المنصور حاجّي إلى أن ظهر الملك الظاهر برقوق من حبس الكرك توجه إليه مع رفيقيه، وصار من حزب أستاذه إلى أن تسلطن ثانياً، وملك الديار المصرية، أنعم عليه دقماق هذا بإمرة مائة وتقدمة ألف بحلب. ثم نقله بعد مدة إلى نيابة ملطية؛ فأقام بها نحو سنتين.
وفي تلك الأيام قدم دقماق الملك الأشرف برسباي في جملة مماليك وغيرها إلى الملك الظاهر برقوق؛ فلهذا كان الملك الأشرف يعرف بالدقماقي. ثم عزل الأمير(5/310)
دقماق عن نيابة ملطية بالأمير جقمق الصفوي حاجب حجاب حلب، وقدم إلى حلب بطالاً إلى أن مات الملك الظاهر برقوق، قدم إلى الديار المصرية في الدولة الناصرية فرج. وتولى نيابة حماة بعد واقعة الأمير تنم الحسني نائب الشام في سنة اثنتين وثمانمائة، عوضاً عن دمرداش المحمدي، بحكم انتقاله إلى نيابة حلب. واستمر بحماة إلى أن قدم تيمور إلى البلاد الحلبية، وخرج دقماق لقتاله مع جملة نواب البلاد الشامية، وانكسر العسكر الحلبي، فقبض تيمور على دقماق المذكور في جملة من قبض عليه من النواب والأمراء.
ودام في أسر تيمور إلى أن فر من الأسر، وقدم إلى الديار المصرية مع العساكر المصرية إلى أن عاد تيمور إلى بلاده، ولاه الملك الناصر فرج نيابة صفد، فاستمر بها إلى سنة أربع وثمانمائة، نقل إلى نيابة حلب، عوضاً عن الأمير دمرداش المحمدي، بحكم عصيانه؛ فتوجه إليه وواقعه بنواحي حماة، فانتصر دقماق على دمرداش، وملك حلب ودخلها، وفرَّ دمرداش هارباً إلى جهة التركمان، فاستمر دقماق في نيابة حلب إلى سنة ست وإلى أن ورد إلى حلب مرسوم بلطف بالقبض عليه، ففطن دقماق بذلك، وقبض على القاصد، وأخذ الملطف منه. ثم خرج من حلب هارباً في ليلة الخميس(5/311)
خامس عشر شهر ربيع الآخر من السنة. وتولى مكانه الأمير آقبغا الهذباني، ودخلها في يوم السبت سادس عشر جمادى الأولى وهو مريض؛ فاستمر بها مريضاً إلى أن توفي بعد شهر في ليلة الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة.
وبلغ دقماق موته، فعاد إلى حلب، فدخلها في ليلة الاثنين سلخ جمادى الآخرة، فهرب منها حاجب حجابها الأمير ناصر الدين محمد بن شهري، وتوجه إلى دمشق خجا بن سالم الدكزي، واستنجد به، فسارا جميعاً إلى حلب، وحاصرا الأمير دقماق. وكان دقماق في أناس قلائل، ففر إلى جهة التركمان، ودام بتلك البلاد إلى أن أرسل يطلب الأمان من الملك الناصر، فأعطيه، وأنعم عليه بنيابة حماة ثانياً، وذلك بعد وقعة السعيدية، فتوجه إلى حماة، فلما قاربها خرج عليه جماعة من تركمان تلك البلاد، وقاتلوه أيضاً في جمع يسير، فانكسر، وأمسك. ثم أطلق ودخل حماة في سنة ثمان وثمانمائة ودام بها إلى أن توجه لقتاله الأمير جكم والأمير شيخ المحمودي بمن معهما فتهيأ دقماق لقتالهما، وأنجده(5/312)
الأمير نوروز الحافظي، والأمير علان نائب حلب، والأمير بكتمر جلق
نائب طرابلس بمن معهم من العساكر، فحاصرهم جكم ودقماق عدة أيام إلى أن ورد الخبر على علاّن بأن دمرداش طرق حلب، ودخلها بغتة، فركب علاّن من وقته ومعه نوروز الحافظي، وسارا لإخراج دمرداش من حلب، فبقي دقماق وحده في نفر قليل، فانتهز جكم الفرصة، واقتحم العاصي ودخل حماة، وقبض على الأمير دقماق المذكور، وقتله صبراً بظاهر حماة في شهر رجب سنة ثمان وثمانمائة.
وكان أميراً جليلاً، كريماً، شجاعاً، ذا شكل مليح، وخلق حسن.
وكان متواضعاً قريباً من الناس، وعنده حشمة ورئاسة، وعدل في الرعية، وعفة عن أموالهم.
وبنى تربة خارج حلب، ووقف عليها وقفاً. وبقتله نفرت القلوب من جكم، وخالفه كثير من أصحابه. وكان بيني وبين ولده الأمير ناصر الدين محمد صحبة أكيدة، ومحبة زائدة، ولاّه الملك الأشرف برسباي نيابة المرقب، وأنعم عليه بإمرة طبلخاناة بطرابلس بعد أن استقدمه من حلب،(5/313)
وبالغ في إكرامه، فدام بالمرقب مدة، ثم عزله، وأنعم عليه بإمرة عشرة بالقاهرة؛ فدام بها إلى أن توفي بالطاعون في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة.
وكان مليح الشكل، رأساً في رمي النشاب، رحمه الله تعالى.(5/314)
باب الدال والميم
نائب طرابلس
00 - 0 - 793هـ - 000 - 1390م
دمرداش بن عبد الله اليوسفي، الأمير سيف الدين، نائب طرابلس.
كان من أعيان الأمراء بالديار المصرية، ولي عدة وظائف جليلة إلى أن صار من حزب منطاش والناصري على الملك الظاهر برقوق، وولي لهما نيابة طرابلس وغيرها. واستمر مع منطاش إلى أن ظفر به الظاهر برقوق وقتله، بعد خذلان منطاش في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة.
ودمرداش بالدال المهملة المفتوحة وبالتاء المثناة من فوق، كلاهما لغة بلسان التركي، وميم مضمومة وراء ساكنة، ودال، وقيل ضاد، كلاهما أيضاً لغة، وألف وشين معجمة، ومعناه: حديد حجر، فإن دمر حديد، وضاش حجر. انتهى.(5/315)
نائب الكرك
00 - 0 - 793هـ - 000 - 1390م دمرداش بن عبد الله القَشْتَمري، الأمير سيف الدين، نائب الكرك، ثم أحد المقدمين في أيام الناصري ومنطاش. ودام معهما إلى أن قبض عليه الملك الظاهر برقوق وقتله في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة تقدم الكلام على اسم دمرداش ومعناه، انتهى.
نائب حلب ثم نائب دمشق
00 - 0 - 818هـ - 000 - 1415م دمرداش بن عبد الله المحمدي الأتابكي الظاهري، الأمير سيف الدين.
هو أيضاً من مماليك الملك الظاهر برقوق، وممن صار خاصكياً سلاح دارا في سلطنة برقوق الأولى.(5/316)
فلما خلع برقوق وحبس بالكرك، ونفيت مماليكه أخرج دمرداش هذا إلى الشام، وصار بخدمة نائبها الأمير بزلار العمري كما تقدم ذكره في ترجمة دقماق. واستمر بدمشق إلى أن خرج أستاذه الملك الظاهر برقوق من حبس الكرك، وتسلطن ثانياً أنعم على دمرداش هذا بإمرة بالبلاد الشامية، ثم ولاه نيابة حماة. فاستمر في نيابة حماة إلى سنة خمس وتسعين، نقل إلى نيابة طرابلس بعد عزل الأمير إياس الجرجاوي عنها وتوجهه إلى دمشق أتابكاً بها بعد انتقال تنم الحسني منها إلى نيابة دمشق.
وتولى نيابة حماة بعد الأمير آقبغا الصغير؛ فدام دمرداش في نيابة طرابلس إلى أن تجرد الظاهر برقوق إلى البلاد الشامية في سنة ست وتسعين، قبض عليه، وولي عوضه في نيابة طرابلس الأمير أرغون شاه الإبراهيمي نائب صفد.
واستقر في نيابة صفد بعد أرغون شاه المذكور آقبغا الهذباني أتابك حلب، ثم أطلقه برقوق من يومه بشفاعة والدي - رحمه الله - فيه، وأنعم عليه بأتابكية حلب عوضاً عن آقبغا الهذباني المستقر في نيابة صفد؛ فدام دمرداش بحلب، وقد ولي نيابتها والدي سنين إلى أن نقل إلى نيابة حماة ثانياً، عوضاً عن الأمير يونس بلطا بحكم انتقاله إلى نيابة طرابلس، عوضاً عن أرغون شاه(5/317)
الإبراهيمي بحكم انتقاله إلى نيابة حلب، بعد عزل والدي عنها وقدومه إلى الديار المصرية أمير مائة ومقدم ألف بها، واستقراره أمير سلاح.
فاستمر الأمير دمرداش المذكور في نيابة حماة إلى أن توفي الملك الظاهر برقوق وعصى الأمير تنم نائب الشام على الملك الناصر، وسأله تنم على موافقته فأبى؛ فأرسل تنم إلى حصاره عسكراً، ثم أذعن لموافقته لما بلغه موافقة والدي لتنم المذكور، وحضر إلى دمشق، وسار مع تنم لقتال الملك الناصر.
فلما التقى الفريقان فر دمرداش المذكور من عسكر تنم، ولحق بالملك الناصر.
فلما انتصر الملك الناصر، وقبض على تنم ورفقته واستقر دمرداش هذا في نيابة حلب، فتوجه إليها ودخلها في أول شهر رمضان سنة اثنتين وثمانمائة. وأقام بها إلى شوال من السنة، ورد عليه الخبر بقدوم قرا يوسف والسلطان أحمد بن أويس صاحب بغداد إلى الساجور جافلين من تيمور، فجمع الأمير دمرداش العساكر، واستنجد بالأمير دقماق المحمدي نائب حماة - المتقدم ذكره - وتوجه لقتال قرا يوسف والسلطان أحمد، فطرقهم دمرداش(5/318)
بالساجور، واقتتل الفريقان إلى أن انكسر الأمير دمرداش هذا كسرةً شنيعة، ورجع دمرداش إلى حلب في دون العشرة أنفس، وأخذ جميع ما كان معهم، وأمسك الأمير دقماق نائب حماة إلى أن افتدى وأطلق، فأخذ أمر حلب من يومئذ في النقص والتلاشي إلى أن قدمها تيمور في سنة ثلاث وثمانمائة، وأخذها بالأمان في شهر ربيع الأول من السنة، وفعل فيها ما فعل حسبما ذكرناه في غير هذا الموضع.
ثم أن تيمور أخلع على دمرداش وأكرمه؛ ولهذا تقول أهل حلب إن دمرداش كان مباطناً مع تيمور في أخذ حلب، وأخذه تيمور صحبته نحو دمشق.
فلما سمع دمرداش بقدوم الملك الناصر بالعساكر المصرية لقتال تيمور فر من تيمور وأتى الناصر، ودام معه إلى أن عاد تيمور إلى بلاده، خلع عليه بنيابة حلب ثانياً، وعلى والدي بنيابة دمشق أيضاً ثانياً، وتوجها إلى محل كفالتهما، ودام دمرداش في نيابة حلب إلى أن عزل بالأمير دقماق نائب حماة. ووقع بينهما وقعة انكسر دمرداش فيها، وانهزم إلى بلاد التركمان، وذلك في سنة أربع وثمانمائة، فدام في تلك البلاد نحواً من سنة، وطلب الأمان، فأنعم عليه بنيابة طرابلس، فتوجه إليها، واستمر بها إلى سنة ست وثمانمائة نقل إلى نيابة حلب ثالثاً، فدخلها في مستهل شهر رمضان سنة ست، واستمر بها إلى شعبان من سنة سبع وثمانمائة طرقه الأمير جكم من عوض بها، وتقاتلا، فانكسر دمرداش، وتوجه إلى(5/319)
ناحية إياس، وركب منها البحر، وتوجه إلى القاهرة، فولاه الملك الناصر نيابة حلب، ورسم له بالعود. ثم عزله بعد خروجه إليها، فعاد إلى التركمان، وجال في تلك البلاد.
ثم جمع وطرق حلب بغتة، وأخذها في سنة ثمان وثمانمائة.
فلما سمع نائبها الأمير علان، وهو بحماة عند دقماق نائب حماة، ركب من وقته إلى حلب، ومعه الأمير نوروز الحافظي، وأخرجاه منها، فهرب. ثم هجم بعد ذلك على حماة وأخذها، فجاءه ابن سقلسيز التركماني نائب شيزر وأخرجه منها، فتوجه إلى الأمير شيخ المحمودي نائب دمشق، ودام عنده إلى أن اتفق بين جكم وبين شيخ الوقعة المشهورة بين حمص والرستن، وانكسر شيخ، عاد دمرداش مع شيخ إلى القاهرة؛ فأنعم عليه الملك الناصر بإمرة مائة وتقدمة ألف بها. واستمر بالقاهرة إلى أن توجه الناصر إلى البلاد الشامية في سنة تسع خرج معه دمرداش المذكور.
فلما وصل السلطان إلى حلب، ولاه نيابتها، فلم يثبت، وخرج منها خوفاً من جكم من عوض، وعاد صحبة السلطان إلى الديار المصرية، فاستمر بها إلى(5/320)
سنة عشر ولي نيابة صفد، فلم تطل مدته بها، ونقل إلى نيابة حلب بعد قتل جكم من عوض بآمد، فدام بحلب مدة يسيرة، وطرقه الأمير شيخ، وأخذ حلب منه، فخرج هارباً إلى أنطاكية، واستمر بأنطاكية إلى أن وصل الملك الناصر إلى حلب حضر دمرداش إليه، وعاد صحبته إلى الديار المصرية، واستقر بها أتابك العساكر، عوضاً عن والدي - رحمه الله - بحكم انتقاله إلى نيابة دمشق - وهي نيابته الثالثة - ودام على ذلك إلى أن تجرد الملك الناصر إلى البلاد الشامية في أواخر سنة أربع عشرة وثمانمائة، لقتال الأمير شيخ ونوروز، وواقعهم.
ثم انهزم الناصر - حسبما سنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى - ودخل إلى دمشق، فوجد والدي محتضراً، ثم توفي من الغد، فحضر الناصر الصلاة عليه، ودفنه بتربة الأمير تنم الحسني، وذلك في يوم الخميس سادس عشر المحرم من سنة خمس عشرة ثم توجه إلى قلعة دمشق، واستقر بالأمير دمرداش هذا في نيابة دمشق عوضاً عن والدي - رحمه الله - فباشر دمرداش نيابة دمشق عشرة أيام، وخلع الناصر فرج في يوم السبت خامس عشرينه.
وتسلطن الخليفة المستعين بالله العباسي، واشتد الحصار على الملك الناصر بقلعة دمشق، وعنده الأمير دمرداش المذكور، ودام معه إلى ليلة الأحد عاشر صفر من السنة، فر دمرداش من عنده، وتوجه إلى حلب، وأقام بالبلاد(5/321)
الحلبية مدة، وصار ينتقل من بلد إلى أخرى إلى أن تسلطن المؤيد شيخ، وعصى عليه الأمير نوروز الحافظي، وجهز كل منهما يستميل دمرداش إلى نفسه فمال إلى نوروز على أن يعطيه نيابة حلب.
وكان فيها من قبل نوروز يشبك بن أزدمر نائباً فرسم له نوروز بذلك، ثم رجع عن ذلك، ثم وردت ملطفات من الملك المؤيد إلى حلب بنيابة دمرداش نيابة حلب، فلم تصل يده لإخراج نائبها، وطال عليه الأمر، فركب البحر، وقدم إلى الديار المصرية حسبما ذكرنا في ترجمتي أولاد أخيه قرقماس وتغري بردى - يعني سيدي الكبير وسيدي الصغير - ووصل القاهرة في يوم السبت مستهل شهر رمضان، فأكرمه السلطان الملك المؤيد، وأخلع عليه.
وكان الأمير دمرداش هذا هو وأولاد أخيه سيدي الكبير قرقماس وسيدي الصغير تغري بردى، لا يجتمعون عند سلطان جملة؛ خوفاً من القبض عليهم. فلما اجتمع هؤلاء الثلاثة عند الملك المؤيد - يعني دمرداش وولدا أخيه - لكن كان ابن أخيه سيدي الصغير قد خرج من القاهرة، بمنزلة الصالحية لنيابة غزة، وكان في ظن دمرداش أنه خرج قبل ذلك، وأنه بغزة.(5/322)
فلما رأى المؤيد حضور دمرداش إلى القاهرة، وعود سيدي الكبير من نيابة دمشق، وهو أيضاً بالقاهرة، أرسل بجماعة من الأمراء من يومه إلى الشرقية على أنهم يكبسوا العرب، وندبهم في الباطن للقبض على تغري بردى سيدي الصغير بالصالحية.
ثم أرسل خلف دمرداش هذا وخلف ابن أخيه قرقماس سيدي الكبير - المتولي نيابة دمشق، عوضاً عن الأمير نوروز الحافظي - إلى القلعة، وقبض عليهما في ليلة السبت ثامن شهر رمضان سنة ست عشرة وثمانمائة، وحملا إلى حبس الإسكندرية.
ثم حضرت الأمراء من الصالحية، ومعهم سيدي الصغير في الحديد؛ فحبس بقلعة الجبل إلى أن قتل في أول شوال. ثم قتل سيدي الكبير قرقماس بثغر الإسكندرية في السنة المذكورة أيضاً.
ودام دمرداش هذا في حبس الإسكندرية إلى سنة ثمان عشرة وثمانمائة، أرسل المؤيد بقتله؛ فقتل في يوم السبت ثامن عشر المحرم من السنة، وله نحو خمسين سنة.
وكان أميراً كبيراً، شجاعاً، مقداماً، عارفاً، جواداً كريماً، باشر الحروب وحضر الوقائع، وتنقل في عدة ولايات وأعمال جليلة، إلا أنه كان قليل السعادة في حركاته، مع معرفة تامة، وخديعة، ومكر، ودهاء. وكان يعظم العلماء، ويحب أهل الصلاح.(5/323)
وبنى بحلب جامعاً كان قد أسسه الأمير أقبغا الهذباني الأطروش؛ فكمله، ووقف عليه وقفاً جيداً، وبنى بطرابلس أيضاً زاوية عظيمة على بركة راوية، معروفة به.
وكان يلوذ لنا بقرابة، وهو أحد أوصياء والدي رحمهما الله تعالى وعفا عنهما.
ابن سالم الدكزي
00 - 0 - 806هـ - 000 - 1403م دمشق خجا بن سالم الدكزي، الأمير سيف الدين، نائب جعبر، وأمير التركمان.
كان غالب أيامه عاصياً على السلطنة ووقع له أمور مع نواب البلاد الشامية.(5/324)
ثم وقع بينه وبين الأمير نعير عداوة، وتقاتلا. ودام القتال بينهما أياماً إلى يوم الخميس سابع عشرين شهر رمضان سنة ست وثمانمائة انتصر نعير على دمشق خجا المذكور وقتله. واستمر القتل في تركمانه وحفدته، وتفرق شملهم، ونهبت أموالهم.
قلت: ومستراح منه؛ لأنه كان من شرار خلق الله المفسدين في الأرض. وكان يرتكب عظائم من القتل والنهب، لم تأخذه رأفة على مسلم، وكان كهفاً للصوص وقطاع الطريق، عليه من الله ما يستحقه.(5/325)
باب الدال والواو
الدوادار
00 - 0 - 857هـ - 000 - 1453م دُولات باي بن عبد الله المحمودي، الساقي المؤيدي الدوادار، الأمير سيف الدين.
قدم به خواجا محمود من بلاد الجاركس في جملة مماليك إلى ثغر الإسكندرية؛ فاشتراه نائبها الأمير آقبردي المنقار المؤيدي، وأحبه، فبلغ الملك المؤيد شيخ ذلك، فبعث بطلبه، فوجهه إليه، فأخذه المؤيد، وجعله في طبقة الطواشي مرجان الخازندار. ثم أعتقه، وجعله خاصكياُ، ثم صار خازنداراً، ثم ساقياً(5/326)
في آخر دولته، أو بعد موته. واستمر على ذلك إلى أن عزل عن السقاية في دولة الملك الصالح محمد بن الملك الظاهر ططر. واستمر على إقطاعه دهراً طويلاً.
وكان إقطاعه حصة من جينين القصر، إلى أن أنعم عليه الملك الأشرف برسباي بإمرة عشرة بسفارة صهره زوج ابنته الأمير جانم أمير آخور، قريب الملك الأشرف برسباي، وذلك في حدود سنين خمس وثلاثين وثمانمائة. ثم جعله من جملة رؤوس النواب الصغار. ولا زال على ذلك إلى أن مات الملك الأشرف، وتسلطن ولده الملك العزيز يوسف من بعده، ثم وقع بين العزيز وبين الأتابك جقمق العلائي ما ذكرناه في غير موضع. فانضم دولات باي هذا مع خجداشيته على الأتابك جقمق، وركبوا معه، وصاروا من حزبه إلى أن خلع الملك العزيز، وتسلطن جقمق، ولقب بالملك الظاهر، أنعم على دولات باي المذكور بإمرة طبلخاناة، وجعله أمير آخوراً ثانياً، عوضاً عن الأمير نخْشي باي الأشرفي المقبوض عليه قبل تاريخه.(5/327)
ثم نقله الملك الظاهر بعد مدة يسيرة إلى الدوادارية الثانية، بعد الأمير أسنبغا الطياري بحكم انتقاله إلى تقدمة ألف بالديار المصرية. واستقر عوضه في الأمير آخورية الثانية الأمير جرباش المحمدي، المعروف بُكرد.
كل ذلك في سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، فباشر المذكور وظيفة الدوادارية الثانية بحرمة وافرة وعظمة زائدة، ونالته السعادة وأثرى، وعمّر الأملاك الجيدة، وحصّل الأموال الكثيرة، وطالت أيامه. وحج أمير الحج في سنة تسع وأربعين وثمانمائة، ثم عاد إلى القاهرة. واستمر على ذلك إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر جقمق بإمرة مائة وتقدمةألف بالديار المصرية، بعد موت الأمير تمراز القرمشي أمير سلاح بالطاعون في يوم الاثنين ثالث عشر صفر سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، وأنعم بطبلخانته على الأمير يونس السيفي آقباي شاد الشراب خاناة. واستقر عوضه في الدوادارية الثانية الأمير تمربغا الظاهري على(5/328)
إمرة عشرة، فلم يكن بعد أيام إلا وأخلع عليه باستقراره في الدوادارية الكبرى في يوم الخميس ثاني عشرين صفر المذكور، عوضاً عن الأمير قاني باي الجاركسي بحكم انتقاله إلى الأمير آخورية الكبرى بعد موت الأمير قراقجا الحسني بالطاعون أيضاً.
وقيل إن تولية دولات باي المذكور للدوادارية الكبرى كانت على بذله نحواً من عشرين ألف دينار للخزانة الشريفة. ولا يبعد ذلك.
واستمر دولات باي هذا في الدوادارية مدة، ورسم له في سنة خمس وخمسين بنيابة حلب لبغيضٍ بدا من السلطان على الأمير قاني باي الحمزاوي نائب حلب. ثم بطل ذلك من الغد، واستمر على وظيفته إلى أن قبض عليه المنصور عثمان ابن جقمق في صفر سنة سبع وخمسين، وحبسه بالإسكندرية مدة يسيرة، وبعد خلع عثمان أطلقه الأشرف إينال، فلم تطل مدته وتوفي في السنة المذكورة، وخلَّف مالاً جماً، أخذه من يستحقه من بعده.(5/329)
والي القاهرة
00 - 0 - 841هـ - 000 - 1437م دولات خجا بن عبد الله الظاهري، سيف الدين، والي القاهرة ومحتسبها.
هو من أصاغر مماليك الملك الظاهر برقوق الذين كانوا لا يؤبه إليهم.
كان المذكور من جملة المماليك السلطانية، ودام على ذلك دهراً طويلاً إلى أن جعله الملك الأشرف برسباي كاشفاً ببعض أقاليم الوجه البحري، فأظهر في ولايته للكشف من الظلم والعسف ما صيره بعد ذلك والياً بالقاهرة، لما كثر فساد الزعر.
فلما ولي القاهرة أطلق عدة من المحابيس أرباب الجرائم، وهدد من أمسكه منهم ثانياً بالتوسيط، فوسط جماعة منهم عندما ظفر بهم.
ولما كثر ظلمه، عزله السلطان عن الولاية، وولاه الكشوفية؛ ففعل في الكشوفية أيضاً ما لا يليق ذكره. ثم عزل عن الكشوفية، وطلبه(5/330)
السلطان وولاه حسبة القاهرة، عوضاً عن القاضي صلاح الدين محمد بن نصر الله، فأظهر في حسبة القاهرة أيضاً من الظلم والعقوبة للباعة، ما هو مشهور عنه؛ فلم تطل أيامه، وأخذه الله بالموت بالطاعون في يوم السبت أول ذي القعدة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وقد قارب السبعين تخميناً.
وكان شيخاً تركياً، للقصر أقرب، ذا لحية بيضاء، وضيعاً في الدول، وعنده ظلم وعسف وجور، إلا أنه كان قليل الطمع فتاكاً. انتهى.(5/331)
باب الدال والياء
المثناة من تحت
صاحب كيلان
00 - 0 - 711هـ - 000 - 1311م ديباج بن عبد الله، الأمير سيف الدين صاحب كيلان.
خرج متوجهاً من كيلان متوجهاً إلى الحج، فلما وصل إلى دمشق أدركه أجله؛ فمات بها في سنة أربع عشرة وسبعمائة، ودفن بالصالحية.
وكان جميل الصورة، وله مآثر وصدقات ببلده.
ويقال إنه لما مات بدمشق وجد له شيء كثير.
قلت: وما أدري هل كان يعتقد ما يعتقده غالب أهل كيلان من التجسيم، وسب العلماء، والأشياء القبيحة التي يتجاهرون بها في كيلان، أم كان جيد الاعتقاد، فالله سبحانه وتعالى أعلم.(5/332)
شيخ الخدام بالحرم النبوي
00 - 0 - 761هـ - 000 - 1359م دينار بن عبد الله، الطواشي عز الدين، شيخ الخدام بالمدينة الشريفة.
كان أولاً من جملة الخدام بالقاهرة، ثم توجه إلى المدينة، وصار من جملة الخدام بها بالحرم النبوي - على ساكنه أفضل الصلاة والسلام - واستمر بها إلى أن توفي شيخ الخدام ناصر الدين نصر في سنة سبع وعشرين وسبعمائة، فولي دينار هذا مكانه، وحسنت سيرته إلى الغاية.
وكان ملازماً لتلاوة القرآن والعبادة. وطالت أيامه في مشيخة الخدام بالحرم النبوي وله مآثر حسنة بالحرم النبوي.
وكان فيه من الشدة على الرافضة، والقيام في الأمور الشرعية. ثم عزل بصفي الدين جوهر، فلم يثمر أمر جوهر المذكور، وعزل قبل خروجه من القاهرة. واستمر دينار هذا على عادته مدة طويلة. ثم عزل بشرف الدين مختص الخازندارية؛ فباشر مختص بأخلاق غير مرضية، وترفع على الناس؛ فعزل. وأعيد دينار صاحب الترجمة، وصار مختص المذكور نائبه في المشيخة؛ لضعف عز الدين دينار هذا وكبر سنه.
واعتزل عن المشيخة، وأقبل على العبادة إلى أن مات في سنة إحدى وستين وسبعمائة، بعد ما عزل قبيل موته في سنة ثمان وخمسين وسبعمائة بافتخار الدين ياقوت، رحمه الله تعالى.(5/333)
حرف الذال المعجمة
باب الذال والباء الموحدة
الشيخي والي القاهرة
00 - 0 - 704هـ - 000 - 1304م ذبيان بن عبد الله، الأمير ناصر الدين الشيخي، والي القاهرة.
حضر من بلاد المشرق، صحبة الشيخ عبد الرحمن الكواشي، رسول الملك أحمد إلى الملك المنصور قلاوون. فلما توفي الشيخ عبد الرحمن، صار ناصر الدين هذا يخيط الكوافي، فعمل الصنعة بدمشق مدة، ثم قدم إلى القاهرة، وتوصل(5/334)
إلى الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير إلى أن تولى الولاية بالقاهرة، والتزم بيبرس، وصار بيبرس يعضده إلى أن ولي الوزارة بالديار المصرية. ثم قبض عليه وصودر، ثم توفي سنة أربع وسبعمائة بالقاهرة، رحمه الله تعالى.(5/335)
باب الذال المعجمة والواو
ذون بطرو القرنجي
00 - 0 - 719هـ - 000 - 1319م ذُون بُطُرو، وقيل ذون بَتْرو، الملك الكبير الطاغية الفرنجي الأندلسي.
قتل في سنة تسع عشرة وسبعمائة وسلخ، وحُشِيَ قطناً وعلِّق على باب غرناطة.
وكان من خبره: أن الفرنج حشدوا، ونفروا من البلاد، وذهب سلطانهم ذون بطرو المذكور إلى طليطلة؛ فدخل على الباب؛ فسجد له وتضرع. وطلب ليستأصل من بقي من المسلمين بالأندلس، وأكد عزمه، فقلق المسلمون لذلك، وعزموا على الاستنجاد بالمريني، ونفدوا إليه؛ فلم ينجد، فلجأ أهل غرناطة إلى الله تعالى.(5/336)
وأقبل الفرنج في جيش لا يحصى فيه خمسة وعشرون ملكاً، فقتل الجميع من آخرهم. وأقل ما قيل أنه قتل في هذه الملحمة خمسون ألفاً من النصارى، وأكثر ما قيل ثمانون ألفاً. وكان نصراً عزيزاً ويوماً مشهوداً.
والعجيب أنه لم يقتل من المسلمين من الأجناد سوى ثلاثة عشر فارساً، وأن عسكر الإسلام كانوا نحو ألف وخمسمائة فارس، والرجَّالة نحواً من أربعة آلاف راجل، وقيل دون ذلك.
وكانت الغنيمة تفوق الوصف، وطلبت الفرنج الهدنة؛ فعقدت، وبقي ذون بطرو - صاحب الترجمة - على باب غرناطة سنوات، ولله الحمد.(5/337)
حرف الراء المهملة
السيدة النبوية
00 - 0 - 685هـ - 000 - 1286م رابعة، بنت ولي العهد أبي العباس أحمد بن المستعصم بالله، أمير المؤمنين، وتعرف بالسيدة النبوية، زوجة الصاحب الملك هارون بن الصاحب شمس الدين محمد بن محمد الجويني، وأم أولاده: المأمون عبد الله، والأمير أحمد، وزبيدة.
وكان صداقها على زوجها هارون المذكور مائة ألف دينار، " كصداق خديجة السلجوقية على الخليفة القائم بأمر الله، وكذلك المكتفي زوج ابنته زبيدة بالسلطان مسعود بن محمد بن ملكشاة السلجوقي على صداق مائة ألف دينار ". وماتت رابعة - صاحبة الترجمة - ببغداد سنة خمس وثمانين وستمائة في جمادى الآخرة.
وفي التاريخ المذكور أيضاً قتل زوجها هارون المذكور، فلم يعلم أحد منهما بموت الآخر.(5/338)
وهي خلاف رابعة بنت محمود بن عبد الواحد أم الغيث الأصبهانية عمة أبي نصر محمود بن الفضل، العالمة الصالحة.
وكانت وفاتها سنة سبع وخمسمائة.
وأيضاً خلاف رابعة العدوية أم عمرو، وقيل أم الخير، ووفاتها سنة خمس وثمانين ومائة.
وأيضاً خلاف رابعة العابدة. وكانت رابعة العابدة معاصرة لرابعة العدوية، وربما تداخلت أخبارهما. ذكرنا هؤلاء خوف الالتباس والله الموفق.
أمير مكة
00 - 0 - 654هـ - 000 - 1256م راجح بن قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم، الشريف الحسني المكي أمير مكة.
ولي إمرتها غير مرة، وجرى له في ذلك أمور ومنازعة مع أخيه حسن، بعد موت والده، وحصل بينهما وقائع وحوادث إلى أن مات راجح المذكور في سنة أربع وخمسين وستمائة.(5/339)
أمير مكة أيضاً
راجح بن أبي نمى محمد بن أبي سعيد حسن بن علي بن قتادة بن إدريس ابن مطاعن، الشريف الحسني المكي، أمير مكة.
" ولي إمرتها غير مرة "، استولى عليها أشهراً، ثم انتزعت منه، وقدم القاهرة على السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون في سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة.
أبو محمد الصميدي
00 - 0 - 718هـ - 000 - 1318م رافع بن هجرس، الشيخ المقرئ المحدث الفقيه الزاهد الصوفي أبو محمد الصميدي، نزيل القاهرة.(5/340)
سمع بدمشق من أصحاب ابن طبرزد، وبمصر من طائفة. وعني بالرواية والقراءات، وكتب وحصَّل بعض الأصول، وعلق، وأفاد، وتفقه.
توفي. كهلاً في سنة ثمان عشرة وسبعمائة بالقاهرة، رحمه الله تعالى.
راشد التكروري
00 - 0 - 796هـ - 000 - 1393م راشد، وقيل رشيد، الصالح المعتقد التكروري المجذوب، المقيم بجامع راشدة - خارج مدينة مصر القديمة -.
كان للناس فيه اعتقاد حسن، ويتبركون بزيارته إلى أن توفي بالبيمارستان المنصوري في يوم السبت ثالث عشرين جمادى الآخرة سنة ست وتسعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.(5/341)
باب الراء والباء الموحدة
القرطبي المغربي
00 - 0 - 767هـ - 000 - 1365م رُبَيع بن يحيى بن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن بن ربيع، أبو الزهر الأشعري القرطبي المغربي.
هو من بيت كبير شعيرٍ بالأندلس.
روى عن أبيه أبي عامر وغيره، وولي قضاء بعض الأندلس.
وتوفي بحصن بلَّش سنة سبع وستين وستمائة.(5/342)
باب الراء والتاء
المثناة من فوق
الهندي
حدود 000 - 632هـ - 000 - 1234م رتن الهندي، المدعي أنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الشيخ صلاح الدين خليل الصفدي: نقلت من خط علاء الدين علي بن مظفر الكندي: حدثنا القاضي الأجل العالم جلال الدين أبو عبد الله محمد بن سليمان بن إبراهيم الكاتب من لفظه، قال: أخبرنا الشريف قاضي القضاة بدر الدين أبو الحسن علي بن الشريف شمس الدين أبي عبد الله محمد بن الحسين الحسيني الأثيري الحنفي من لفظه في العشر الآخر من جمادى الأولى عام أحد وسبعمائة بالقاهرة، قال: أخبرني جدي الحسين بن محمد قال: كنت في زمن الصبا - وأنا ابن سبع عشرة سنة أو ثمان عشرة سنة - سافرت مع أبي محمد وعمي عمر من خراسان إلى بلاد الهند في تجارة.
فلما بلغنا أوائل بلاد الهند وصلنا إلى ضيعة من ضياع الهند، فعرج أهل القفل نحو الضيعة، ونزلوا بها، وضج أهل القافلة، فسألناهم عن الشأن، فقالوا: هذه ضيعة الشيخ رتن - اسمه بالهندية وعرّبه الناس وسموه بالمعمّر؛ لكونه عُمّر عمراً خارجاً عن العادة -.(5/343)
فلما نزلنا خارج الضيعة رأينا بفنائها شجرة عظيمة تظل خلقاً عظيماً، وتحتها جمع عظيم من أهل الضيعة، سلمنا عليهم وسلموا علينا، ورأينا زنبيلاً كبيراً معلقاً في بعض أغصان الشجرة؛ فسألنا عن ذلك، فقالوا: هذا الزنبيل فيه الشيخ رتن الذي رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعا له بطول العمر ست مرات؛ فسألنا جميع أهل الضيعة أن ينزل الشيخ ونسمع كلامه، وكيف رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - وما يروى عنه؟؛ فتقدم شيخ من أهل الضيعة إلى الزنبيل - وكان بكرة - فأنزله؛ فإذا هو مملوء بالقطن، والشيخ في وسط القطن، ففتح رأس الزنبيل، وإذا الشيخ فيه كالفرخ، فحسر عن وجهه، ووضع فمه على أذنه وقال: يا جداه: هؤلاء قوم قدموا من خراسان، وفيهم شرفاء أولاد النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد سألوا أن تحدثهم كيف رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وماذا قال لك؟ فعند ذلك تنفس الشيخ وتكلم بصوت كصوت النحل بالفارسية، ونحن نسمع ونفهم كلامه، فقال: سافرت مع أبي وأنا شاب من هذه البلاد إلى الحجاز في تجارة، فلما بلغنا بعض أودية مكة، وكان المطر قد ملأ الأودية بالسيل، فرأيت غلاماً أسمر اللون مليح الكون، حسن الشمائل وهو يرعى إبلاً في تلك الأودية، وقد حال السيل بينه وبين إبله، وهو يخشى خوض السيل لقوته، فعلمت حاله، فأتيت إليه وحملته، وخضت السيل إلى عند إبله من غير معرفة سابقة. فلما وضعته عند إبله، نظر إلي وقال لي بالعربية: بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك؛ فتركته ومضيت إلى سبيلي إلى أن دخلنا مكة وقضينا ما كنا أتينا له من أمر التجارة، وعدنا إلى الوطن.(5/344)
فلما تطاولت المدة على ذلك كنا جلوساً في فناء ضيعتنا هذه في ليلة مقمرة رأينا ليلة البدر في كبد السماء إذ نظرنا إليه وقد انشق نصفين، فغرب نصف في المشرق ونصف في المغرب، ساعة زمانية، وأظلم الليل، ثم طلع النصف من المشرق والنصف الثاني من المغرب إلى أن التقيا في وسط السماء، كما كان أول مرة، فعجبنا من ذلك غاية العجب، ولم نعرف لذلك سبباً. وسألنا الركبان عن خبر ذلك وسببه؛ أخبرونا أن رجلاً هاشمياً ظهر بمكة، وادعى أنه رسول من الله إلى كافة العالم، وأن أهل مكة سألوه معجزة كمعجزة سائر الأنبياء، وأنهم اقترحوا عليه أن يأمر القمر فينشق في السماء ويغرب نصفه في المغرب ونصفه في المشرق، ثم يعود إلى ما كان عليه؛ ففعل لهم ذلك بقدرة الله تعالى.
فلما سمعنا ذلك من السفار اشتقت إلى أن أرى المذكور؛ فتجهزت في تجارة، وسافرت إلى أن دخلت مكة، وسألت عن الرجل الموصوف، فدلوني على موضعه، فأتيت إلى منزله، واستأذنت عليه؛ فأذن لي، ودخلت عليه؛ " فوجدته جالساً في صدر المنزل، والأنوار تتلألأ في وجهه "، وقد استنارت محاسنه، وتغيرت صفاته التي كنت أعهدها في السفرة الأولى، فلم أعرفه.
فلما سلَّمت عليه نظر إليَّ وتبسَّم وعرفني، وقال: وعليك السلام، أدنُ مني، وكان بين يديه طبق فيه رُطَب، وحوله جماعة من أصحابه كالنجوم(5/345)
يعظمونه ويبجلونه؛ فتوقفت لهيبته؛ فقال ثانياً: أدن مني وكُلْ - الموافقة من المروءة، المنافقة من الزندقة -؛ فتقدمت وجلست وأكلت معهم من الرطب، وصار يناولني الرطب بيده المباركة إلى أن ناولني ست رُطبات، من سوى ما أكلت بيدي، ثم نظر إلي وتبسم وقال لي: ألم تعرفني. قلت: كأني، غير أني لم أتحقق؛ فقال: ألم تحملني في عام كذا، وجاوزت بي السيل حين حال السيل بيني وبين إبلي؟؛ فعند ذلك عرفته بالعلامة، وقلت له: بلى يا صبيح الوجه؛ فقال لي: امدد يدك، فمددت يدي اليمنى إليه؛ فصافحني بيده اليمنى، وقال لي: قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ فقلت ذلك كما علمني، فسرَّ بذلك، وقال لي عند خروجي من عنده: بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك؛ فودعته وأنا مستبشر بلقائه وبالإسلام، فاستجاب الله دعاء نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وبارك في عمري بكل دعوة مائة سنة. وها عمري اليوم نيف وستمائة سنة، وجميع من في هذه الضيعة أولاد أولاد أولادي، وفتح الله عليَّ وعليهم بكل خير وبكل نعمة ببركة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتهى.
وذكر عبد الوهاب القارئ الصوفي أنه مات في حدود سنة اثنتين وثلاثين وستمائة.
وذكر النجيب عبد الوهاب أيضاً: أنه سمع من الشيخ محمود بابا رتن، وأنه بقي إلى سنة تسع وسبعمائة، وأنه قدم عليهم شيراز. انتهى.(5/346)
قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي: من صدق هذه الأعجوبة وآمن ببقاء رتن: فما لنا فيه حيلة، فليعلم أنني أول من كذب بذلك، وأنني عاجز منقطع معه في المناظرة، وما أبعد أن يكون حين تبدّى بأرض الهند وادعى ما ادعى؛ فصدقوه. لا بل هذا شيخ مفترٍ دجال، كذب كذبة ضخمة، لكي تنصلح خائبة الضباغ. وأتى بفضيحة كبيرة، والذي يحلف به أنه رتن الكذاب قاتله الله أنّى يؤفك. وقد أفردت له جزءاً فيه أخبار هذا الضال وسميته: " كسر وَثَنْ رَتَنْ ".
وقال الشيخ علم الدين البرزالي: وقد سألته عن هذا الحديث، فقال لي: هو من أحاديث الطرقية. انتهى كلام الذهبي رحمه الله.
قلت: ومعتقدي في رتن المذكور كمعتقد الذهبي - رحمه الله - ولولا أنه مشهور ما ذكرته في هذا التاريخ.(5/347)
باب الراء المهملة والزاي
رزق الله، أخو النشو
00 - 0 - 740هـ - 000 - 1339م رزق الله بن فضل الله، مجد الدين، أخو النشو.
كان أولاً نصرانياً. جعله أخوه في استيفاء الخزانة والخاص.
وكان يدخل على الملك الناصر محمد بن قلاوون لما ينوب عن أخيه.
فلما كان في بعض الأيام وهو يوم الجمعة سنة ست وثلاثين وسبعمائة أراد السلطان أن يستسلمه؛ فأبى عليه؛ فلكمه السلطان بيده، وعرض عليه السيف؛(5/348)
فأسلم، وخلع عليه، واستخدمه في ديوان الأمير ملكتمر الحجازي، فساد وظهر صيته وعظم وشاع ذكره. وكان فيه كرم نفس ونظافة ملبس وميل إلى المسلمين. وكان إذا فصَّل قماشه يقول للخياط: طوله عن تفصيلي، وكف الفضل عن قدري.
قال الصفدي: سألته عن ذلك فقال: أنا قصير، وأهب قماشي لمن يكون أطول مني، " فإذا فتقه جاء طوله ".
وكان يهب قماشه كثيراً إلى الغاية، قل ما يغسل له قماشاً، إلا إن كان أبيض. وكان في الصيف يغير غالب الأيام مرتين. وعمَّر داراً مليحة إلى الغاية على الخليج الناصري.
وكان له سُبْع يقرأ بالجامع الأزهر ويجهز إلى مكة للمجاورين في كل سنة ستين قميصاً. وكان يستسلم من محبة من خدمه خفية من أمه.
ولما أمسك النشو سلم مجد الدين هذا إلى الأمير قوصون، فأصبح مذبوحاً - ذبح نفسه - ولم يمكن أحداً من معاقبته، وذلك في ثالث صفر سنة أربعين وسبعمائة. وكان حلو الوجه مليح العينين، ربعة. انتهى كلام الصفدي.(5/349)
باب الراء والسين المهملتين
التباني الحنفي
00 - 0 - 793هـ - 000 - 1390م رسولا بن أحمد بن يوسف، العلامة جلال الدين التباني العجمي الأصل الحنفي. تفقه على علماء عصره، وأخذ العربية عن الشيخ جمال الدين بن هشام وغيره. وبرع في الفقه، والأصلين، والعربية واللغة، والمعاني، والبيان. وتصدر للإفتاء والتدريس عدة سنين، وانتفع به عامة الطلبة، وتفقه به جماعة كبيرة. وعرض عليه قضاء القضاة بالديار المصرية؛ فامتنع وتنزه عن ذلك. وكتب وصنف التواليف الكثيرة، وشرح كتاب المنار في أصول الفقه، وشرح مختصر ابن الحاجب في الأصول، والتلويح في شرح الجامع الصحيح لمغلطاي، ونظم(5/350)
كتاباً في الفقه وشرحه، وكتب على البرذوي وعلى مشارق الأنوار في الحديث وغير ذلك. وكان له حرمة زائدة في الدولة، محبباً عند الملوك، وفيه تواضع وبر وصدقة. وله نسك من صيام وقيام وفعل الخير إلى أن توفي خارج القاهرة في يوم الجمعة ثالث عشر شهر رجب سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة.
والتباني بالتاء المثناة من فوق وبعدها باء موحدة مشددة وألف ونون وياء آخر الحروف نسبة إلى التبانة مكان خارج القاهرة بالقرب من باب الوزير. انتهى.
البلقيني
756 - 803هـ - 1355 - 1400م رسلان بن أبي بكر بن رسلان بن نصير بن صالح، القاضي بهاء الدين أبو الفتح البلقيني الشافعي، مولده سنة ست وخمسين وسبعمائة.
كان فقيهاً فاضلاً، ناب في الحكم، وشارك في عدة علوم، وهو ابن أخي شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني، توفي يوم الثلاثاء رابع عشرين جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانمائة.(5/351)
باب الراء المهملة والشين المعجمة
الرقي
625 - 711هـ - 1227 - 1311م رشيد بن كامل، الشيخ رشيد الدين الحرشي الرقي الشافعي. وكيل بيت المال بحلب.
ولد سنة خمس وعشرين وستمائة. كان فقيهاً، وسمع ابن سلمة، وابن علاّن، والقوصي.
وكان له نظم ونثر، وكتب في ديوان الإنشاء بدمشق، وحضر مجالس الناصر الحلبي، وولي نظر جيش دمشق، ودرَّس بعصرونية حلب. وكان ذا عقل وصيانة.
توفي غريباً سنة إحدى عشرة وسبعمائة، رحمه الله.(5/352)
باب الراء المهملة والضاد المعجمة
العقبي المحدث المستملي 000 - 852هـ - 000 - 1448م رضوان بن محمد بن يوسف بن سلامة بن البهاء بن سعيد العقبي المصري الشافعي المحدث المستملي البارع، مفيد القاهرة، زين الدين أبو النعيم بفتح النون.
مولده في يوم الجمعة من شهر رجب سنة تسع وستين وسبعمائة بمنية عقبة بالجيزة، ونشأ بها، ثم انتقل إلى القاهرة، واشتغل بها في عدة علوم، واشتغل بالقراءات؛ فتلا على الإمام نور الدين علي بن عبد الله الدميري المالكي بالسبع سبع ختمات، ولم يكمل لنافع. ثم تلا بالسبع القرآن العظيم إلى رأس الحزب الأول من الأعراف، ومن ثم بالسبع. وقراءة يعقوب إلى رأس الحزب بالبعض على الشيخ شمس الدين الغماري وأجاز له.(5/353)
ثم تلا بالثمان المذكورة على ركن الدين أبي البركات محمد بن محمد الأشعري المالكي، وتفقه بالشيخ شمس الدين العراقي، وشمس الدين محمد بن إبراهيم بن أبي بكر الشطنوفي، وشمس الدين محمد بن عبد الله بن أبي بكر الأنصاري القليوبي، وصدر الدين الأبشيطي، وعز الدين محمد بن أبي بكر بن جماعة، وحضر دروس السراج البلقيني، والسراج ابن الملقن، وصدر الدين المناوي، وعز الدين محمد بن أبي بكر بن جماعة.
وأخذ النحو عن شمس الدين الشطنوفي، والغماري وشمس الدين البساطي، وكتب عن الحافظ زين الدين العراقي مجالس كثيرة من أماليه، وسمع الحديث من التقي بن حاتم، والبرهان الشامي، وابن أبي المجد، وابن الشيخة، والتقي الدجوي، والبلقيني، وابن الملقن، والعراقي، والهيثمي، وصدر الدين المناوي، وصدر الدين الأبشيطي، وبرهان الدين الأبناسي، والغماري، وأحمد بن أبي الدر الجوهري، ونجم الدين أحمد بن إسماعيل بن العز، ومن غيرهم.(5/354)
ثم حبب إليه الحديث؛ فلازم السماع من أبي الطاهر بن الكويك؛ فأكثر عنه. ولم يزل يسمع حتى سمع مع أولاده، وقرأ بنفسه الكثير. ولازم العلامة حافظ العصر قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر، وكتب عنه الكثير وتفقه به أيضاً.
وحج ثلاث حجات، وجاور مرتين. وسمع بمكة من القاضي زين الدين أبي بكر بن الحسين المراغي، والقاضي جمال الدين بن ظهيرة، وابن عمه الخطيب أبي الفضل محمد بن أحمد، وزين الدين الطبري وغيرهم. وخرج لبعض الشيوخ ولنفسه الأربعين المتباينات وغير ذلك.
وكان ديناً، خيراً متواضعاً، غزير المروءة، رضي الخلق، ساكناً، بشوشاً، طارحاً للتكلف، سليم الباطن.
وتوفي عصر يوم الاثنين ثالث شهر رجب سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، عن ثلاث وثمانين سنة، ودفن من الغد بسكنه بتربة قجماس بالصحراء. وتقدم للصلاة عليه بالناس العلامة حافظ العصر قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن علي ابن حجر، رحمهما الله تعالى.(5/355)
باب الراء المهملة والميم
أمير مكة
00 - 0 - 746هـ - 000 - 1345م رميثة بن أبي نمى محمد بن أبي سعد حسن بن علي بن قتادة بن إدريس ابن مطاعن الشريف أسد الدين أبو عرادة المكي الحسني أمير مكة.
وليها نحو ثلاثين سنة أو أزيد في سبع مرات مستقلاً بذلك أربعة عشر سنة ونصف سنة، وشريكاً لأخيه حميضة في مرتين مجموعهما نحو عشر سنين، وشريكاً لأخيه عطيفة خمس سنين. ووقع له مع إخوته وغيرهم حروب وحوادث إلى أن مات في يوم الجمعة ثامن ذي القعدة سنة ست وأربعين وسبعمائة بمكة. وطيف به وقت صلاة الجمعة والخطيب على المنبر قبل أن يفتتح الخطبة، وسكت الخطيب حتى فرغوا من الطواف به.(5/356)
وكان ابنه عجلان يطوف معه، وحطه في مقام إبراهيم. وتقدم أبو القاسم ابن الشقيف الزيدي للصلاة عليه؛ فمنعه من ذلك قاضي مكة شهاب الدين الطبري، وصلى عليه بحضرة عجلان، ولم يقل شيئاً.
ودفن بالمعلاة، عند القبر الذي يقال إنه قبر خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.
ورميثة براء مهملة مضمومة وبعدها ميم مفتوحة وياء آخر الحروف ساكنة، ثم ثاء مثلثة مفتوحة، وهاء ساكنة، انتهى.
أمير مكة أيضاً
00 - 0 - 837هـ - 000 - 1433م رميثة بن محمد بن عجلان، الشريف الحسني المكي، أمير مكة.
ولي إمرة مكة مدة ولم تحمد سيرته، ثم عزل، وقتل خارج مكة في خامس شهر رجب سنة سبع وثلاثين وثمانمائة. وقد تقدم الكلام قريباً على اسم رميثة. انتهى.(5/357)
حرف الزاي
مولانا زادة
00 - 0 - 791هـ - 000 - 1388م زادة، اسمه أحمد بن أبي يزيد بن محمد، الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين، المعروف بمولانا زادة، ابن الشيخ أبي يزيد بن الشيخ شمس الدين.
وشمس الدين هذا كان يعرف بالركن الحنفي السرائي. هو والد العلامة محب الدين بن مولانا زادة إمام المقام الشريف.
كان مولانا زادة المذكور إماماً بارعاً مفنناً في عدة علوم، تصدر للإقراء والتدريس بالديار المصرية عدة سنين.
وهو أول من تولى تدريس الحديث بالمدرسة الظاهرية برقوق. وعند(5/358)
إجلاسه أنشأ خطبة بليغة، وهي: الحمد لله الذي صحح بحسان مننه لكل ضعيف انقطع إليه طرق الاتصال. ورفع بمتابعة سننه عن كل غريب استند إليه علل الاعتضال. وقدر طبقات المعتبرين في أطوار التحقيق كما قدر الأرزاق والآجال وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال. ابتعث سيدنا محمداً - صلى الله عليه وسلم - من أروية المجد وجويرية الأفضال، وأوقد في مشكاة رسالته الغراء لإيضاح سنن الهدى بمصابيح العلوم والأعمال، وأطفأ بأنوار درايته وأسرار هدايته تواتر الجهل والضلال، " نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال ". وأمد دينه المتين بأصحابه البهم الأبطال، أسد غابة النزال، المكللين باكلين نهاية المعارف واستيعاب تهذيب الكمال، الثابتين لنصرة الدين بقوة اليقين إذ القلوب لدى الحناجر من أهوال السجال، " وإذ غدوت من أهلك تبوء المؤمنين مقاعد للقتال "،. اطلع من مشارق نبوته الزهر شموس السعد وبدور الإقبال، ونشر رايات آيات جلالته ومعجزات رسالته على صفحات الأيام والليال، ونصب لأعلى معالم سنن سنته بأفصح بيان وأوضح تبيان رجالا وأي رجال، " في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال "، ووفق لتشييد أركانها وتمهيد بنيانها من جنابه بالعناية(5/359)
الأزلية والسعادة الأبدية من العروم الأقيال، فصرفوا عنان العناية نحو رفع منارها وإعلاء آثارها بأعمال العمال وبذل الأموال، ليقيموا شعائر الله ويتخلقوا بمكارم الأخلاق ومحاسن الخصال. " وينفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية من قبل أن يأتي يومٌ لا بيع فيه ولا خلال "، والذي اختصه الله تعالى بهذا الفضل العظيم، واللطف الجسيم، في زماننا هذا وهو زمان الأمان وارتفاع اليمن والإيمان حتى عمر البلاد بعدله، وغمر العباد بفضله وأشاد منار الإحسان، وأباد مقار العدوان، مولانا السلطان الملك الظاهر، اللهم انصره نصراً عزيزاً، وافتح له فتحاً مبيناً، وضاعف أعضاد دولته قوة متينا، وكن اللهم مؤيده وحافظه وناصره، وعمر بشكرك باطنه وظاهره، ووتد أطناب بقائه بأوتاد الدوام، ومد ظله الظليل مدا الليالي والأيام، اللهم ومن نظر بالإحسان في مصالح هذا المكان، فانظر إليه بعين إحسانك، وامطر عليه سحائب جودك وامتنانك، ثم دعا وتمم بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله وأصحابه. انتهى.
قيل وكان لأبيه شهرة بالزهد، والعبادة، وكرم النفس؛ فولاه ملك سراي النظر على الأوقاف، وكانت كثيرة جداً يجمع منه مال جم في كل سنة؛ فلم يتناول منها درهماً فما فوقه لا لنفسه، ولا لعياله، حتى ولا علف خيوله. كل هذا الزهد في هذا المال الدني؛ ليرزقني الله ولداً صالحاً. فإني رأيت فساد أولاد(5/360)
المشايخ من تناول هذا المال الخبيث؛ فولد له أحمد - صاحب الترجمة - في يوم عاشوراء سنة أربع وخمسين وسبعمائة بمدينة سراي. ومات أبوه وهو ابن تسع سنين؛ فربي يتيماً، فأصلحه الله تعالى، فبرع في عدة علوم وهو ابن ثمان عشرة سنة، وضرب به المثل في الذكاء والحفظ. ثم خرج من وطنه وله عشرون سنة. فاشتهر في كل بلد دخلها حتى استوطن دمشق مدة وقدم القاهرة، وولي تدريس الظاهرية المذكورة إلى أن مات في يوم الأربعاء حادي عشر المحرم سنة إحدى وتسعين وسبعمائة. رحمه الله تعالى.
شيخ خانقاة شيخو
00 - 0 - 808هـ - 000 - 1405م زادة العجمي الحنفي، العلامة شيخ الشيوخ بخانقاة شيخو.
قال الحافظ شهاب الدين بن حجر: الشيخ زادة المعروف بمولانا زادة قدم(5/361)
بغداد بطلب من الملك الظاهر برقوق. وكان إماماً عالماً، فاضلاً، بارعاً في المعقولات وغيرها.
وكان فقيهاً على مذهب الحنفية، قادراً على حل المشكلات بارعاً في النحو والمعاني والبيان. يتكلم في البحث بسكون وأدب وتصدر للإقراء والتدريس عدة سنين.
واستمر على ذلك إلى أن اختلط في آخر عمره، وخرجت عنه الخانقاة المذكورة للقاضي كمال الدين بن العديم الحنفي، فأقام بعد ذلك مدة لطيفة وتوفي رحمه الله في آخر سنة ثمان وثمانمائة. انتهى.
قلت: وهذا يلتبس على كثير من الناس بمولانا زادة السرائي السابق والد الشيخ محب الدين الإمام سبط الأقصرائي. انتهى.
أمير آل فضل
00 - 0 - 791هـ - 000 - 1388م زامل بن مهنا، الأمير زين الدين، أمير عرب آل فضل.
كان جليل القدر، محترماً في الدول، معظماً عند الملك الظاهر برقوق إلى أن مات في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، رحمه الله وعفا عنه.(5/362)
باب الزاي والكاف
أبو يحيى صاحب تونس
نيف 640 - 727هـ - 1242 - 1326م زكريا بن أحمد بن محمد بن يحيى بن عبد الواحد بن الشيخ عمر، الملك أبو يحيى صاحب تونس، وطرابلس، والمهدية، وقابس، وتوزر البربري الهنتاني، المغربي المالكي اللحياني.
ولد يتونس سنة نيف وأربعين وستمائة، ووزر ابن عمه المستنصر مدة. وتفقه، وأتقن النحو، ثم ملك سنة ثمانين. ثم خلع، وحج في سنة تسع وسبعمائة، واجتمع بالشيخ تقي الدين بن تيمية. ثم رد إلى تونس وقد مات صاحبها؛ فملكوه سنة إحدى عشرة وسبعمائة، ولقب بالقائم بأمر الله.
وكان له نظم، ونثر، وفضيلة تامة، ثم سافر إلى طرابلس سنة ثماني عشرة فوثب على تونس قرابته أبو بكر وملكها.(5/363)
وضعف حال زكريا هذا؛ ففر ولحق بالإسكندرية سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، وقد رفض الملك.
وكان جده من أكبر أصحاب ابن تومرت. وكان اللحياني قد أسقط ذكر المهدي من الخطبة.
وكان جد أبيه قد ملك الغرب بضعاً وعشرين سنة، ثم ابنه المستنصر الملقب بأمير المؤمنين، وذلك في دولة الملك الظاهر بيبرس البندقداري ودامت دولته إلى سنة ست وسبعين وستمائة، وكان شهماً، ذا جبروت. وتسلطن بعده ابنه الواثق بالله يحيى، ثم خلع بعد سنين وأشهر. وتملك المجاهد إبراهيم، فبقي أربعة أعوام، ثم وثب عليه الدعي أحمد بن مروان البجائي، الذي زعم أنه ولد الواثق، وتم له ذلك، لأن المجاهد قتل الفضل بن الواثق سراً، فقال: هذا أنا، هو الفضل. وتملك عامين حتى قام عليه أبو حفص أخو المجاهد، فهرب الدعي. ثم أسر، وهلك تحت السياط بعد اعترافه أنه دعي وكذب، فتملك أبو حفص ثلاثة عشر عاماً، وأحسن السيرة إلى أن مات سنة أربع وتسعين وستمائة. وقام بعده أبو عصيدة محمد بن الواثق، فتملك خمس عشرة سنة. انتهى.
قلت: وأما اللحياني هذا صاحب الترجمة، فإنه استوطن إسكندرية حتى توفي بها في سنة سبع وعشرين وسبعمائة. وكان فاضلاً، بارعاً، إلا أنه كان بخيلاً.(5/364)
قلت: لا ينكر هذا على مغربي؛ فإن البخل في طبعهم، والعجب الكرم منهم. انتهى.
القزويني، صاحب عجائب المخلوقات
00 - 0 - 682هـ - 000 - 1283م زكريا بن محمود، القاضي عماد الدين أبو يحيى الأنصاري القزويني. كان قاضي واسط والحلة أيام الخليفة. وكان إماماً عالماً، فقيهاً، وله التصانيف المفيدة، من ذلك: كتاب عجائب المخلوقات.
مات في يوم الخميس سابع المحرم سنة اثنتين وثمانين وستمائة. رحمه الله.
بدر الدين الدشناوي
00 - 0 - 700هـ - 000 - 1300م زكريا بن يحيى بن هارون بن يوسف بن يعقوب بن عبد الحق بن عبد الله، الشيخ بدر الدين الدشناوي المولد التونسي المنشأ.
كان فقيهاً مالكياً، أديباً فاضلاً، وله نظم ونثر، وحدث بشيء من شعره،(5/365)
سمع منه الحافظ فتح الدين بن سيد الناس، والشيخ زين الدين عمر بن الحسن ابن حبيب وغيرهما ومن شعره:
لا تسلني عن السلو وسل ما ... صنعت بي لطفاً محاسن سلمى
أوقعت بين مقلتي ورقادي ... وسقامي والجسم حرباً وسلما
توفي رحمه الله بعد السبعمائة بقليل، عفا الله عنه.(5/366)
باب الزاي والهاء
الزهوري المجذوب
00 - 0 - 801هـ - 000 - 1398م الزهوري، الشيخ المجذوب العجمي المعتقد.
كان شيخاً عجمياً، ذاهب العقل، وكان للناس فيه اعتقاد عظيم، لا سيما الملك الظاهر برقوق؛ فإنه كان غالب إقامة الزهوري المذكور بقلعة الجبل في دور حرم الملك الظاهر برقوق. وقيل إنه هو الذي قال لبرقوق: يا برقوق أنا آكل فراريج، وأنت تأكل دجاج! وأشار بموته ثم بموت برقوق من بعده بمقدار ما يكبر الفروج، فحفظ ذلك عنه؛ فكان كذلك. ونسبت هذه المقالة(5/367)
أيضاً للشيخ أبي عبد الله محمد بن سلامة النويري المغربي، المعروف بالكركي، والله أعلم.
قلت: كلاهما كان خصيصاً عند الملك الظاهر برقوق، ولكن هذه المقالة للمجاذيب أقرب.
حكى لي جماعة من سراري الملك الظاهر برقوق وبعض زوجاته: فإنه والدي - رحمه الله - كان قد تزوج ببعض زوجات الملك الظاهر برقوق، واشترى أيضاً من سراريه جماعة كبيرة، منهن أربعة بقين أمهات أولاد. غالب من حكى لي منهن: أن الملك الظاهر برقوق لما مات الزهوري - صاحب الترجمة - في أول صفر سنة إحدى وثمانمائة داخله الوهم. ثم مرض إلى أن مات في شوال من السنة انتهى.
قلت: وسماه العيني محمد بن عبد الله، وقال المقريزي كما قلنا، والله أعلم.
الشريف الحسيني
00 - 0 - 838هـ - 000 - 1434م زهير بن سليمان بن زيان بن منصور بن جماز بن شيخة، الشريف الحسيني(5/368)
- على ما قيل - كان فاتكاً، خارجاً عن طاعة السلطان، قليل الدين، كثير الفسق، ويخيف السبل، ويقطع الطريق. وكان يسير في بلاد نجد وبلاد العراق وأراضي الحجاز في جمع كبير من المفسدين، نحو ثلاثمائة فارس وعدة رماة بالسهام؛ فكان يأخذ بهؤلاء القفول من الحجاج والمسافرين. ودام على ذلك مدة طويلة إلى أن أراح الله الناس منه.
وقتل في شهر رجب في سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة في محاربة أمير المدينة النبوية الشريف مانع بن علي بن عطية بن منصور بن جماز بن شيخة الحسيني.
وقتل مع زهير هذا جماعة من بني حسين منهم ولد غرير بن هيازع بن هبة ابن جماز وغيره. انتهى.
الصاحب بهاء الدين زهير
581 - 656هـ - 1185 - 1258م زهير بن محمد بن علي بن يحيى بن الحسن بن جعفر، العلامة الأديب البارع الكاتب الصاحب بهاء الدين زهير، أبو الفضل، وأبو العلاء الأزدي المهلبي، القوصي الأصل، المكي المولد، المصري الدار والوفاة.(5/369)
ولد بمكة سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، ونشأ بالقاهرة، وحفظ القرآن العزيز.
وسمع من علي بن أبي البنا وغيره. واشتغل وبرع في عدة علوم كالفقه والعربية واللغة.
وأما الأدبيات؛ فكان به يضرب المثل فيها. كان إمام وقته وفريد عصره، لا سيما في البلاغة ورقة الألفاظ. وديوان شعره مشهور.
قال بعض الفضلاء: ما تعاتب الأصحاب ولا تراسل الأحباب بمثل شعر البهاء زهير.
وشعره في غاية الانسجام والعذوبة والفصاحة. وهو السهل الممتنع.
وكان - رحمه الله - فاضلاً، كاتباً، كريماً، نبيلاً، جميل الأوصاف، حسن الأخلاق، طويل الروح، حلو النادرة.
وكان في مبادئ أمره خدم الملك الصالح أيوب، وسافر معه إلى الشرق.
فلما ملك الملك الصالح الديار المصرية رقاه إلى أرفع المراتب، ونفده رسولاً(5/370)
إلى الملك الناصر صاحب حلب يطلب منه أن يسلم إليه عمه الملك الصالح إسماعيل، فقال: كيف أسيره إليه وقد استجار بي، وهو خال أبي ليقتله؛ فرجع إليها زهير إلى الملك الصالح بذلك، فعظم على الصالح وسكت عن حنق.
ولما كان الملك الصالح مريضاً بالمنصورة في حصار الفرنج لها تغير على البهاء زهير وأبعده؛ لأنه كان كثير التخيل والغضب والمعاقبة على الوهم. وكانت السيئة عنده ما تغفر.
ولما مات الملك الصالح اتصل البهاء زهير بخدمة الملك الناصر صاحب الشام. وله فيه غرر مدائح. ثم رجع إلى القاهرة، ولزم داره يبيع كتبه وموجوده حتى انكشف حاله بالكلية.
وكان البهاء زهير - فيما قيل - أسود اللون، قصيراً، شيخاً بذقن مقرطمة صغيرة؛ فكان يسلك مسلك ابن الزبير في وضع الحكايات على نفسه حذقاً منه؛ لئلا يدع للناس عليه كلاماً. من ذلك أنه حكى مرة لجماعة الديوان، قال: جاءت اليوم إلي امرأة ما رأيت عمري أحسن منها، وراودتني على ذلك الفعل. فلما كان ما كان أردت أن أدفع إليها شيئاً من الذهب، فقالت: ما فعلت هذا من حاجة، ولكن أرأيت عمرك أحسن مني، فقلت: لا والله، فقالت: إن زوجي يدعني ويميل إلى واحدة ما رأيت عمري أوحش منها. فلما عذلته ونهيته وما انتهى، أردت مكافأته، وقد فتشت هذه المدينة، فلم أر فيها أوحش منك، ففعلت معك هذا مقابلة لزوجي. فقلت لها: ها أنا هاهنا كلما اجتمع زوجك بتلك تعالي أنت إلى هنا انتهى.(5/371)
قلت، ومن شعره:
اغصن النقا لولا القوام المهفهف ... لما كان يهواك المعنى المعنف
ويا ظبي لولا أن فيك محاسناً ... حكين الذي أهوى لما كنت توصف
كلفت بغصنٍ وهو غصنٌ ممنطق ... وهمت بظبيٍ وهو ظبيٌ مشنف
ومما دهاني أنني من حيائه ... أقول قليلٌ طرفه وهو مرهف
وذلك أيضاً مثل بستان خده ... به الورد يسمى مضعفاً وهو مضعف
فيا ظبي هلا كان منك التفاتة؟ ... ويا غصن هلا كان منك تعطف؟
ويا حرم الحسن الذي هو آمن ... ومن حوله ألبابنا تتخطف
عسى عطفه للوصل يا واو صدغه ... وحقك إني أعرف الواو تعطف
أأحبابنا أما غرامي بعدكم ... فقد زاد عما تعرفون وأعرف
أطلتم عقابي في الهوى فتطولوا ... فبي كلفٍ في حمله أتكلف
ووالله ما فارقتكم عن ملالة ... وجهدي لكم أني أقول وأحلف.
وله في سيف:
برسم الغزاة وضرب العداة ... بكف همامٍ رفيع الهمم
تراه إذا اهتز في كفه ... كخاطف برقٍ سرى في يم(5/372)
ذكر الأديب البارع علي بن سعيد المغربي الأندلسي في أول كتاب الغراميات له قال: طرقت البلاد لأكتب من شعر البهاء زهير الحجازي:
فكان مما لعب بخاطري ... لعب الرياح بالغصون
وتمكن منه تمكن العيون ... الدعج من الفؤاد المفتون
شعره الذي أوله:
تعالوا بنا نطوي الحديث الذي جرى ... فلا سمع الواشي بذاك ولا درى
تعالوا بنا حتى نعود إلى الرضى ... وحتى كأن العهد لن يتغيرا
ولا تذكروا الذنب الذي كان بيننا ... على أنه ما كان ذنب فيذكرا
وحملني الشغف بطريقة هذا الرجل على حفظ ما يرد من شعره على أفواه الواردين من الشرق إلى أن جمع الله بيني وبينه بالقاهرة حاضرة الديار المصرية؛ فقل في منهل عذب تمكن منه عطشان.
ثم كانت المؤانسة، فكدت أصعق لما أنشدني قوله، وما وجدت روحي معي البتة:
رويدك قد أفنيت يا بين أدمعي ... وحسبك قد أحرقت يا شوق أضلعي
إلى كم أقاسي بعد فرقةٍ ... وحتى متى يا بين أنت معي معي(5/373)
" وقالوا علمنا ما جرى منك بعدنا ... فلا تظلموني ما جرى غير أدمعي "
رعى الله ذاك الوجه حيث توجهوا ... وحيته عني الشمس في كل مطلع
ويا رب جدد كلما هبت الصبا ... سلامي على ذاك الحبيب المودع
وقلت له، وقد أعجبني انفعالي لما صدر عنه من هذه المحاسن الغرامية: يا سيدي لا يمضي اعتقادي فيكم مذ مدة طويلة " وأنا بالمغرب الأقصى ضائعاً. والغرض كله التهذيب الموصل إلى ما يتعلق " بأهداب طريقتكم فقد علمتم مهياراً " من عجم الديلم لما شرب ماء دجلة والفرات، وصحب سيده الشريف الرضي نمت أشعاره من خلال " أشعاره؛ فتبسم وقال: لا تنزلت أنت إلى أول طبقة مهيار، ولا ترفعت أنا إلى طبقة الشريف الرضي، لكن كل زمانٍ له رؤساء وأتباع في كل فن. وإن تكونوا صغار قوم؛ فستكونوا كبار قومٍ آخرين. واعلم بأنك نشأت ببلاد ولع شعراؤها بالغوص على المعاني، وزهدوا في علوية الألفاظ، والتلاعب بمحاسن صياغتها المكسوة بأسرار الغرام، وطريقة المغاربة في مثل قول ابن خفاجة:(5/374)
دعتني أنس أصفحنا نشوة ... فيها تمهد مضجعي وتدمث
خلف على أبهى الأراكة ظلها ... والغصن يصغي والحمام يحدث
والشمس تجنح للغروب مريضة ... والرعد يرقى والغمامة تنفث
وقول الرصافي:
وغريل لم تزل في الغزل جائله ... بنانه جولان الفكر في الغزل
جدلان تلعب بالمحراك أنمله ... على المدا لعب الأيام بالدول
ما إن بنى تعب الأطراف مشتغلاً ... أفديه من تعب الأطراف مشتغل
جدباً بكفيه أو فحصاً بأخمصه ... تحيط الظبي في أشراك محتبل
لا يشق فيها غبارهم ولا تلحق آثارهم ... وأما مثل قول ابن العلم الواسطي
وحلوا بأفئدة الرجال وغادروا ... بصدورها فكراً هي الأشجان
واستقبلوا الوادي فأطرقت المها ... وتحيرت بغصونها الكثبان
فكأنما اغترفت ضحى بقدودها ... الأغصان أو بعيونها الغزلان
وقول ابن التعاويذي:
إن قلت جرت على ضعفي يقول متى ... كان المحب من المحبوب منتصفا
أو قلت أتلفت روحي قال لا عجب ... من ذاق طعم الهوى يوماً وما تلفا
قد قلتم الغصن ميالٌ ومنعطفٌ ... فكيف مال على ضعفي وما عطفا(5/375)
فطران لا يلم أهل بلادك؛ فقلت: المحاسن - أعزك الله - المقسمة.
وفي المغاربة من تُبْعَثُ من أشعاره أسحار الكلام ويتم عليها أسرار الغرام، مثل الوزير أبي الوليد بن زيدون في قصيدته التي منها:
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا ... شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا
وسرد ابن سعيد القصيدة.
قال ابن سعيد: ثم أمسكت فقال: ما أنشأت أندلسكم مثل هذا الرجل في الطريقة الغرامية، وأظنه كان صادق العشق. قلت: نعم كان يعشق أعلا منه قدراً، وأرق حاشية، وألطف ظرفاً، وهي ولاَّدة بنت المستكفي المرواني علقها بقرطبة حضرة الملك. ثم قص عليه ذكر جماعة من المغرب. وذكر انفصاله من ذلك المجلس. ثم قال: ووصلت إلى ميعاده، فوجدته بخزانة كتبه، فكانت أول خزانة ملكوية رأيتها، لأنها تحتوي على خمسة آلاف سفر ونيف.
وذكر أنه أمره بحفظ أشعار التلعفري والحاجري وابن الفارض، وأنه قال له يوماً: اجز، يا بان وادي الأجزع، فقال ابن سعيد: سقيت غيث الأدمع. فقال له البهاء زهير: قاربت، ولكن طريقتنا أن نقول: هل ملت من شوق معي، فقال: الحق ما عليه غطاء هذا أولى.(5/376)
ولازمته بعد ذلك نحو ثلاث سنين، أنشدته في أثنائها قولي:
وأطول شوقي إلى ثغور ... ملا من الشهد والرحيق
عنها أخذت الذي تراه ... يعذب في شعري الرقيق
فارتاح وقال: سلكت جادة الطريق، ما تحتاج إلى دليل.
قلت: توفي صاحب الترجمة في سنة ست وخمسين وستمائة، رحمه الله.(5/377)
حرف السين المهملة
الفقير الشيرازي
00 - 0 - 692هـ - 000 - 1292م سابقان، وقيل محمود، الفقير الشيرازي، المقيم بالكلاسة.
كان شهماً، مقداماً، معظماً عند الأعيان، مهاباً.
وكان للناس فيه اعتقاد ومحبة. توفي بالكلاسة سنة اثنتين وتسعين وستمائة، ودفن بزاوية القلندرية، وهم الذين تولوا أمره ودفنه بوصيته. رحمه الله تعالى وعفا عنه.
الميداني
00 - 0 - 691هـ - 000 - 1291م سابق الميداني، الأمير سيف الدين.
كان من كبار أمراء دمشق في دولة الملك المنصور قلاوون. وكان شيخاً(5/378)
تركياً مشهوراً بالشجاعة. وكانت داره بالقرب من حمام كري بدمشق.
توفي سنة إحدى وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
قاضي القضاة مجد الدين الحنبلي
00 - 0 - 826هـ - 000 - 1422م سالم بن أحمد، قاضي القضاة مجد الدين المقدسي، ثم المصري الحنبلي.
مولده في سنة ثمان وأربعين وسبعمائة. وتولى قضاء الديار المصرية في سنة ثلاث وثمانمائة، ودام قاضياً مدة طويلة إلى أن عزله الملك المؤيد شيخ بقاضي القضاة علاء الدين بن مغلي الحموي في مستهل صفر سنة ثمان عشرة وثمانمائة. فكانت ولايته نحو خمس عشرة سنة. وحج في غضون ذلك. واستمر معزولاً بالقاهرة إلى أن حصل له فالج، ودام به إلى أن مات في يوم الخميس تاسع عشرين ذي القعدة سنة ست وعشرين وثمانمائة. وكان فقيهاً، عالماً، فاضلاً، ديناً، عفيفاً، يحفظ المحرر في مذهبه، رحمه الله تعالى.(5/379)
أمين الدين بن صصري
644 - 698هـ - 1246 - 1298م سالم بن محمد بن سالم بن الحسن بن هبة الله بن محفوظ بن صصري، القاضي أمين الدين أبو الغنائم الثعلبي الدمشقي الشافعي.
مولده سنة أربع وأربعين وستمائة. وكان على وجهه شامة كبيرة حمراء جميلة. حدث عن مكي بن علان، وسمع من خطيب مردا، والرشيد العطار، والرضي ابن البرهان، وإبراهيم بن خليل وجماعة. وكان إماماً عالماً، زاهداً، فاضلاً، كاتباً. وله عقل وافر، وفضل ظاهر، وتولى نظر الخزانة، ونظر الديوان الكبير وغير ذلك. ثم عفَّ عن ذلك جميعه. وحج وجاور، وتوجه إلى دمشق ولزم داره وأقبل على شأنه حتى توفي سنة ثمان وتسعين وستمائة. وكان موصوفاً بالأمانة والصيانة، رحمه الله تعالى.(5/380)
باب السين والباء الموحدة
سبرج الكمشبغاوي
00 - 0 - 790هـ - 000 - 1388م سبرج بن عبد الله الكمشبغاوي، الأمير سيف الدين، نائب قلعة الجبل بالديار المصرية.
أصله من مماليك الأمير كمشبغا خازندار الأمير صرغتمش الناصري صاحب المدرسة بالصليبة. وتنقل سبرج المذكور في الخدم حتى صار أمير طبلخاناة. ثم ولي نيابة قلعة الجبل في الدولة الظاهرية برقوق. واستمر على ذلك حتى توفي تاسع عشرين شهر ربيع الآخر سنة تسعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.(5/381)
باب السين والتاء
المثناة من فوق
ست الوزراء
624 - 717هـ - 1226 - 1312م ست الوزراء، الشيخة المعمرة الصالحة المسندة رفيقة الحجار، أم عبد الله بنت القاضي شمس الدين عمر بن العلامة شيخ الحنابلة وجيه الدين أسعد بن المنجا ابن أبي البركات التنوخية الدمشقية الحنبلية.
مولدها أول سنة أربع وعشرين وستمائة. وسمعت صحيح البخاري، ومسند الشافعي من أبي عبد الله الزبيدي، وسمعت من والدها جزئين. وعمرت دهراً. وروت الكثير، وطلبت إلى الديار المصرية، وحجت مرتين، وتزوجت بأربعة، رابعهم نجم الدين عبد الرحمن بن الشيرازي. وكان لها ثلاث بنات. وروت الصحيح مرات بدمشق وبالقاهرة، وقرأ عليها الحافظ أبو عبد الله الذهبي مسند الشافعي، وهي آخر من حدث بالكتاب. وكانت ثابتة، طويلة الروح على طول المواعد.(5/382)
سمع منها الداني، وابن المحب، وفخر الدين المصري، وصلاح الدين العلائي وابن قاضي الريداني، وخلق كثير.
توفيت سنة سبع عشرة وسبعمائة، رحمها الله تعالى.
ست العرب
669 - 731هـ - 1270 - 1330م ست العرب، المسندة المعمرة، أم محمد بنت الشيخ المحدث عز الدين عبد الحافظ بن عبد المنعم بن غازي بن عمر المقدسي.
مولدها في سنة تسع وستين وستمائة.
سمعت من الشيخ شمس الدين محمد بن عمر وغيره، وحدثت.
توفيت بدمشق في ثامن شهر رجب الفرد سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، رحمها الله تعالى.(5/383)
باب السين والدال المهملة
الدمياطي الطبيب
00 - 0 - 743هـ - 000 - 1342م السديد الدمياطي الطبيب اليهودي.
كان من أطباء الملك الناصر محمد بن قلاوون. قرأ على الشيخ علاء الدين ابن النفيس، وحضر مباحثه مع القاضي جمال الدين بن واصل.
وكان السديد هذا فاضلاً في الطب وغيره، ويستحضر كثيراً من كلام الأطباء، وكان سعيد العلاج، لم يكن في عصره مثله في العلاج. وتوفي سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، وقيل غير ذلك.
وهذا السديد خلاف أبي أولاد السديد القوصيين؛ كانوا جماعة منهم: جمال الدين محمد بن عبد الوهاب، ومنهم شمس الدين أحمد بن علي، ومنهم مجد الدين هبة الله بن علي. انتهى.(5/384)
باب السين والراء المهملة
الرجبي الطويل
00 - 0 - 791هـ - 000 - 1388م سراي بن عبد الله الرجبي الطويل، الأمير سيف الدين أحد مماليك الأمير الأتابك يلبغا العمري.
كان من جملة أمراء الطبلخانات في الدولة الظاهرية برقوق وكان - رحمه الله - مشكور السيرة.
مات خارج القاهرة في ثالث عشر شهر ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.(5/385)
باب السين والعين المهملة
أمير الينبع
00 - 0 - 804هـ - 000 - 1401م سعد بن أبي الغيث بن عبادة بن إدريس بن حسن بن قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى بن حسين بن سليمان بن علي بن عبد الله بن محمد بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
الأمير الشريف الحسني الينبعي، أمير الينبع. وليها غير مرة وتردد إلى القاهرة مراراً. وكان له فضيلة ومحاسن. مات معزولاً في ذي القعدة سنة أربع وثمانمائة وقد أناف على الستين.
الإسفراييني
00 - 0 - 783هـ - 000 - 1381م سعد الله بن عمر بن محمد بن علي، الشيخ سعد الدين أبو السعادات الإسفراييني الصوفي نزيل مكة.(5/386)
سمع على الميدومي المسلسل بالأولية، وعلى أحمد بن الجوخي مشيخته، وسنن النسائي رواية ابن السني، ومعجم ابن جميع - إلافوتا - من أوله إلى آخر حرف الغين المعجمة.
وحدث بمكة، وجاور بها سنين إلى أن مات بها بعد الحج سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة، ودفن بالمعلاة، رحمه الله تعالى.
شيخ الإسلام سعد الدين، العلامة ابن الديري الحنفي
768 - 868هـ - 1366 - 1463م
سعد بن محمد بن عبد الله بن سعد بن أبي بكر بن مصلح بن أبي بكر بن سعد،(5/387)
قاضي القضاة، شيخ الإسلام، علامة الدنيا، وحيد دهره وفريد عصره، ابن قاضي القضاة شمس الدين العبسي الديري المقدسي الحنفي. مولده ببيت المقدس المبارك في سابع عشر شهر رجب سنة ثمان وستين وسبعمائة، وبها نشأ.
وسمع على العلامة شهاب الدين أبي الخير بن الحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي، وشمس الدين محمد بن أبي بكر بن كريم المقدسي وعلى أبيه قاضي القضاة شمس الدين محمد وبه تفقه، والشيخ زين الدين عبد الرحمن " ابن عمر بن عبد الرحمن " القباني القدسي وقاضي القضاة برهان الدين إبراهيم ابن جماعة.
وبرع في الفقه، والعربية، والتفسير، والأصول، والوعظ. وأفتى، ودرس.
وتولى بعد موت والده تدريس الجامع المؤيدي، ومشيخة الصوفية بها.
وصار إمام عصره، ووحيد دهره.(5/388)
انتهت إليه رئاسة السادة الحنفية في زمانه شرقاً وغرباً، بلا مدافعة. هذا مع الديانة، والصيانة، وكثرة الحفظ لمختصرات مذهبه، بل وللمطولات أيضاً، ولمتون الحديث.
وأما استحضاره لتفسير القرآن العزيز؛ فغاية لا تدرك.
وبالجملة هو الآن المعمول بفتواه، والمرجع إلى قوله، وبه يقتدي كل إمام مفنن.
هذا مع ملازمته للاشتغال والأشغال، وتصدّيه للإقراء، وانتفاع الطلبة. واستمر على ذلك إلى يوم الاثنين ثالث عشر المحرم سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، استدعاه الأتابك جقمق العلائي وهو يومئذٍ مدبر المملكة العزيزية يوسف بن الملك الأشرف برسباي، وفوض إليه قضاء القضاة الحنفية بالديار المصرية، بعد أن صرف قاضي القضاة بدر الدين محمود العيني الحنفي بعد امتناع قاضي القضاة سعد الدين هذا من قبول الوظيفة، امتناعاً زائداً. وألح الأتابك جقمق والملك العزيز يوسف في السؤال عليه، وهو لا يقبل؛ فألزماه بالقبول، فاشترط عليهما وعلى أهل الدولة شروطاً كثيراً.
كل ذلك وهم راضون بما يقوله حتى أذعن وقبل؛ فأخلع عليه ونزل إلى داره بالمدرسة المؤيدية داخل باب زويلة، فسر الناس بولايته إلى الغاية. فباشر وظيفة القضاء على أجمل سيرة وأحمد طريقة مع رياضة الخلق والتعفف عما يرمي به قضاة السوء.(5/389)
هذا مع علمي أن ببابه أوباش الناس من أقاربه وغيرهم يتناولون من أرباب الحوائج ما يشيع ذكره. غير أن شيخ الإسلام بريء من ذلك، ونعوذ بالله ممن اتهمه بشيء من هذه القاذورات، وحاشى دينه وعقله وصيانته وعفافه من ذلك. وهو خير قاض ولي الديار المصرية ممن رأينا بل وسمعنا.
وسأذكر من ولي من قضاة الحنفية من يوم رتبهم الملك الظاهر بيبرس البندقداري أربع قضاة إلى يومنا هذا. وذلك في سنة ثلاث وستين وستمائة. فأولهم قاضي القضاة معز الدين النعمان بن الحسن إلى أن توفي في سابع عشر شعبان سنة اثنتين وتسعين وستمائة، ثم ولي قاضي القضاة شمس الدين أحمد السروجي. فاستمر إلى أن تسلطن الملك المنصور حسام الدين لاجين عزله وولي قاضي القضاة حسام الدين الرازي، فاستمر إلى أن قتل لاجين، فنقل إلى قضاء دمشق سنة ثمان وتسعين وستمائة، وأعيد شمس الدين السروجي، ثم عزل أول شهر ربيع الآخر سنة عشر وسبعمائة. ثم ولي بعده قاضي القضاة شمس الدين محمد الحريري(5/390)
إلى أن مات يوم السبت رابع جمادى الآخرة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، ثم ولي بعده قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن عبد الحق إلى أن عزل يوم الأحد ثامن عشر جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، ثم ولي بعده قاضي القضاة حسام الدين الغوري إلى أن كانت واقعة الأمير قوصون نهبت الرسل والعامة بيته، وطلبوه ليقتلوه، فهرب، فولي بعده قاضي القضاة زين الدين عمر البسطامي في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة إلى أن عزل عنها أيضاً في سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، وتولاها من بعده قاضي القضاة علاء الدين التركماني في جمادى منها إلى أن توفي عاشر المحرم سنة خمسين وسبعمائة، فولي بعده ولده قاضي القضاة جمال الدين عبد الله بن التركماني إلى أن مات في شعبان سنة تسع وستين وسبعمائة، فتولى بعده قاضي القضاة سراج الدين عمر الهندي إلى أن توفي في شهر رجب سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة. فتولى بعده قاضي القضاة صدر الدين بن جمال الدين التركماني إلى أن مات في ذي القعدة سنة ست وسبعين وسبعمائة؛ فوليها من بعده قاضي القضاة نجم الدين ابن الكشك، طُلِبَ من دمشق في الرابع والعشرين من المحرم سنة سبع وسبعين وسبعمائة، ثم عزل عنها، وتولى من بعده قاضي القضاة صدر الدين علي بن أبي العز الأذرعي، ثم استعفى عنها، وتولاها قاضي القضاة شرف الدين أبو العباس أحمد بن منصور في سنة سبع وسبعين أيضاً، فاستمر إلى سادس عشرين شهر رجب؛ فعزل، وتولاها بعده قاضي القضاة جلال الدين جار الله؛ فاستمر فيها إلى أن مات في يوم الاثنين رابع عشر شهر رجب سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة، وتولى بعده قاضي(5/391)
القضاة صدر الدين محمد بن علي بن منصور في شهر رمضان سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة، فاستمر إلى أن مات في شهر ربيع الأول سنة ست وثمانين وسبعمائة، فتولاها من بعده قاضي القضاة شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي بكر الطرابلسي، فاستمر إلى بعد فتنة الأتابك يلبغا الناصري ومنطاش مع الملك الظاهر برقوق في سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة، فعزل عنها، وتولاها قاضي القضاة مجد الدين إسماعيل ابن إبراهيم الكناني، أقام فيها قليلاً، ثم عزل عنها، وتولاها قاضي القضاة جمال الدين محمود بن محمد القيصري العجمي، مضافاً لنظر الجيش، فاستمر فيها إلى أن مات في ليلة الأحد سابع شهر ربيع الأول سنة تسع وتسعين وسبعمائة، فتولاها من بعده قاضي القضاة شمس الدين الطرابلسي ثانياً في شهر ربيع الأول سنة تسع وتسعين وسبعمائة، فاستمر فيها إلى أن مات في آخر السنة المذكورة. وتولاها من بعده قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن موسى الملطي الحلبي في يوم الخميس العشرين من شهر ربيع الآخر، طلب من حلب، فركب البريد، وحضر، فأخلع عليه. واستمر إلى أن مات في ليلة الاثنين تاسع عشر شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانمائة، وتولاها من بعده قاضي القضاة أمين الدين عبد الوهاب ابن قاضي القضاة شمس الدين محمد الطرابلسي في يوم الخميس ثاني عشر جمادى الآخرة من السنة، واستمر إلى سادس عشرين شهر رجب سنة خمس وثمانمائة، عزل، وتولاها بعده قاضي القضاة كمال الدين عمر بن العديم الحلبي. واستمر إلى أن مات في ليلة السبت ثاني عشر جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة وثمانمائة(5/392)
- ومولده كان بحلب في سنة إحدى وسبعين وسبعمائة - وتولاها من بعده ابنه قاضي القضاة ناصر الدين محمد في يوم الاثنين رابع عشر الشهر المذكور، مضافاً للشيخونية. واستمر إلى أن صرف، وأعيد قاضي القضاة أمين الدين عبد الوهاب الطرابلسي ثانياً في رابع عشرين شهر رجب من السنة، فاستمر أمين الدين إلى سابع المحرم من سنة اثنتي عشرة وثمانمائة صرف، وأعيد قاضي القضاة
ناصر الدين محمد بن العديم ثانياً، واستقر أمين الدين الطرابلسي في مشيخة الشيخونية عوضاً عن ابن العديم المذكور. ناصر الدين محمد بن العديم ثانياً، واستقر أمين الدين الطرابلسي في مشيخة الشيخونية عوضاً عن ابن العديم المذكور.
واستمر ناصر الدين بن العديم إلى أن عزل عنها، وتولاها قاضي القضاة صدر الدين علي بن الآدمي الدمشقي إلى أن مات في يوم السبت ثامن شهر رمضان من السنة، وأعيد قاضي القضاة ناصر الدين محمد بن العديم ثالثاً إلى أن مات في ليلة السبت تاسع شهر ربيع الآخر سنة تسع عشرة وثمانمائة. وشغرت الوظيفة إلى أن برز مرسوم الملك المؤيد شيخ بإحضار قاضي القضاة شمس الدين محمد بن الديري من القدس الشريف، وقدم القاهرة في ثالث عشر جمادى الأولى من(5/393)
السنة، ونزل بقاعة الحنفية من المدرسة الصالحية إلى أن استقر قاضي القضاة في يوم الاثنين سابع عشرة.
واستمر إلى أن عزل برغبة منه عنها. وتولاها قاضي القضاة زين الدين عبد الرحمن التفهني في يوم الجمعة سادس ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة.
واستمر إلى أن عزل، وتولاها قاضي القضاة بدر الدين محمود بن أحمد العيني في يوم الخميس سابع عشرين شهر ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وثمانمائة، واستقر التفهني في مشيخة خانقاة شيخو بعد موت شيخ الإسلام سراج الدين عمر قارئ الهداية.
واستمر العيني إلى أن عزل، وأعيد التفهني في يوم الخميس سادس عشرين صفر سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة إلى أن صرف عنها لطول مرضه، وأعيد العيني ثانياً في يوم سابع عشرين جمادى الآخرة سنة خمس وثلاثين وثمانمائة.
واستمر إلى أن صرفه الأتابك جقمق العلائي بشيخ الإسلام سعد الدين سعد - صاحب الترجمة - في يوم الاثنين ثالث عشر المحرم سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، انتهى.(5/394)
قلت: وهذه عدة القضاة الذين استجدهم الظاهر بيبرس - حسبما ذكرناه في أول الترجمة - بعد خراب الديار المصرية، وانقراض الدولة الفاطمية العبيدية.
وأما قبل ذلك، فكانت قضاة الحنفية هم قضاة الشرق والغرب إلى حدود الأربعمائة من الهجرة. وتمذهبت المغاربة للإمام مالك رضي الله عنه. وملكت العبيدية مصر، ثم ملكت الأكراد بنو أيوب، فمن ثم صارت قضاة الديار المصرية شافعية يعرف ذلك من له اطلاع على التاريخ ومعرفة بأيام الناس، انتهى.
واستمر قاضي القضاة سعد الدين المذكور في قضاء الديار المصرية إلى أن مات ليلة الجمعة تاسع ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثمانمائة.
سعد الدين النووي
727 - 805هـ - 1326 - 1402م سعد بن يوسف بن إسماعيل بن يعقوب بن سرور بن نصر بن محمد، الشيخ سعد الدين النووي، ثم الخليلي الشافعي، نزيل دمشق.
ولد سنة سبع وعشرين وسبعمائة، ومهر في الفقه، ودرَّس في الحكم، وولي قضاء بلد الخليل عليه السلام. وحدث عن عبد الرحيم ابن أبي اليسر سماعة منه، ومن ابن نباتة، والذهبي.(5/395)
توفي ببلد الخليل في سادس عشرين جمادى الأولى سنة خمس وثمانمائة رحمه الله.
ابن القيسراني
587 - 650هـ - 1191 - 1252م سعيد بن خالد بن أبي عبد الله محمد بن نصر بن صغير، أبو المكارم المخزومي الخالدي الحلبي، القاضي نجم الدين بن موفق الدين بن القيسراني.
ولد سنةسبع وثمانين وخمسمائة. وتوفي سنة خمسين وستمائة.
البصروي
00 - 0 - 684هـ - 000 - 1285م سعيد بن علي بن رشيد البصروي، الشيخ رشيد الدين أبو محمد الفقيه الحنفي. كان إماماً، فقيهاً، بارعاً في النحو وغيره. قرأ على الإمام جمال الدين بن مالك كتاب سيبويه.(5/396)
ذكره العلامة شهاب الدين أبو الثناء محمود في تاريخه، قال: كان إماماً فاضلاً، عالماً، كثير الديانة والورع، عُرِضَ عليه القضاء غير مرة؛ فامتنع.
وله معرفة تامة، ويد طولى في النظم ومن نظمه:
قل لمن يحذر أن تدركه ... نكبات الدهر لا يغني الحذر
أذهب الحزن اعتقادي أنه ... كل شيءٍ بقضاءٍ وقدر
قلت: وذكره النويري في تاريخه قال: الشيخ رشيد الدين الحنفي مدرس الشبلية، كان عالماً، فاضلاً، وله تصانيف مفيدة، ونظم حسن، انتهى.
قلت: وكانت وفاته في سنة أربع وثمانين وستمائة بدمشق في يوم السبت ثالث شهر رمضان، وصلى عليه بعد العصر بالجامع المظفري، ودفن بالسفح، رحمه الله تعالى.(5/397)
//باب السين واللام
1073 - سلار المنصوري
- 710 هـ ... - 1310 م
سلار بن عبد الله المنصوري، الأمير سيف الدين، نائب السلطنة بديار مصر.
كان تركي الجنس، وكان أبوه أمير شكار عند صاحب الروم، فلما غزا الملك الظاهر بيبرس التتار والروم كان سلار هذا ممن أسر في الوقعة،(6/5)
فاشتراه قلاوون بعد مدة وأعطاه لولده الصالح علي، ومات الصالح فعاد سلار إلى ملك الملك المنصور ثانيا، واستمر عنده، وصار من أعيان مماليكه، ثم صار في خدمة ولده الملك الأشرف خليل، من جملة أعيان الأمراء، إلى أن قتل، ثم ترقى في دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون، وبقي أحد المتكلمين في الدولة إلى أن خلع الملك الناصر وتسلطن الملك المنصور حسام الدين لاجين، سار سلار المذكور من العوجاء إلى الديار المصرية لتحليف الأمراء بها للملك المنصور لاجين.
ولما قتل لاجين، وأعيد الملك الناصر محمد إلى الملك، صار سلار هذا نائب السلطنة بالديار المصرية، ولم يدع للملك الناصر أمرا ولا نهيا، وبقي له ثروة ومال جزيل يضرب به المثل كثرة، وكان إقطاعه نحوا من أربعين إمرة طبلخاناة، قيل إنه كان متحصله في كل سنة ألف ألف دينار، وكان مع ذلك(6/6)
قليل الظلم، كبير العقل، ذا دهاء وخبرة، ونهضة وسياسة. تمكن من الدولة إحدى عشرة سنة، ورشح للسلطنة لما توجه الملك الناصر محمد إلى الكرك، فامتنع وسلطن بيبرس الجاشنكير مع تقدمه على بيبرس المذكور، وعمل النيابة له.
ولا زال على ذلك حتى عاد الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى ملكه، وقتل الملك المظفر بيبرس، وقبض الملك الناصر على أربعين أميراً ممن كان يستوحش منهم من أصحاب بيبرس، فلما رأى سلار ذلك تخوف وطلب الشوبك، فأنعم عليه الملك الناصر بنيابة كرك الشوبك، فتوجه إليها، وأقام بها مدة، ثم خشي على نفسه ففر إلى البرية، ثم ندم، وطلب الأمان، وحضر إلى القاهرة، فأمسك واعتقل ومنع عنه الطعام والشراب حتى أكل خفه من الجوع. ومات.
قيل: إنهم دخلوا عليه قبل موته وقالوا له: قد عفا عنك السلطان، فقام ومشى من الفرح خطوات، ثم خر ميتاً، وذلك في شهر ربيع الآخر سنة عشرة وسبعمائة، وقيل: في العشرين من جمادى الأولى من السنة، والله أعلم.
وكان أسمر اللون، أسيل الخد، لطيف القد، صغير اللحية.(6/7)
وكان أميراً جليلاً، مهاباً شجاعاً، مقداماً، وكان فيه كرم وحشمة، ورئاسة، قيل: إنه حج مرة ففرق في أهل الحرمين أموالاً كثيرة، وغلالاً وثياباً. تخرج عن الوصف، حتى أنه لم يدع بالحرمين فقيراً، وبعد هذا مات وأكبر شهوته رغيف خبز. وكان في شونته من الغلال ما يزيد عن أربعمائة ألف أردب.
وكان سلار كبير الأمراء في عصره، وافتتح بأشياء من الملابس لم تعرف قبله، معروفة به. وتوجه في سنة تسع وتسعين إلى دمشق، فقرر عز الدين حمزة القلانسي في وزارة دمشق، وابن جماعة في القضاء، ومهد أمورها، ثم عاد بموكب يضاهي الملوك، وكان شهد وقعة شقحب مع الملك الناصر، وابتلى فيها بلاء عظيماً، وثخنت جراحاته.
وكان كثير البر. بعث إلى مكة في سنة إثنتين وسبعمائة في البحر عشرة آلاف أردب قمح، ففرقت في فقراء مكة، وأوفى ديون غالب أهل مكة، حت(6/8)
ى يقال إنه كتب أسماء جميع من كان بمكة ساكناً، فأعطى كلا منهم قوت سنة، وكذا فعل بالمدينة.
وكان إذا لعب بالكرة لا يرى في ثيابه عرق، وكذا في غير ذلك.
قال الجزري: وجد له بعد موته ثمانمائة ألف ألف دينار، وذلك غير الجوهر والحلي والخيل والسلاح.
قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي: هذا كالمستحيل، فإن ذلك يكون حمل خمسة آلاف بغل، وما سمعنا عن أحد من كبار السلاطين ملك هذا القدر، لا سيما وهو خارج عن الجوهر وغيره. انتهى كلام الذهبي باختصار.
قال ابن دقماق في تاريخه المسمى بالجوهر الثمين في الملوك والسلاطين قال: ثم دخلت سنة عشر وسبعمائة، فيها طلب سلار وأحيط بموجود وجميع حواصله، واعتقل بالقلعة، فدخل إليه فأبى أن يأكله، فطولع السلطان بذلك، فمنعه الطعام إلى أن مات جوعاً.
قيل: إنه كان يدخل إليه من أجرة أملاكه في كل يوم ألف دينار.(6/9)
وحكى الشيخ محمد بن شاكر الكتبي فيما رآه مكتوباً بخط الإمام العالم العلامة علم الدين البرزالي، قال: رفع إلى المولى جمال الدين بن الفويرة ورقة فيها بقبض أموال سلار وقت الحوطة عليه، في أيام متفرقة. أولها: يوم الأحد: ياقوت أحمر رطلان، وبهرمان رطلين، بلخش رطلين ونصف، زمرد ريحان وذبابي تسع عشرة رطلاً، صناديق ضمنها فصوص: ستة ما بين زمرد وعين الهر ثلاثمائة قطعة كبار، اللؤلؤ المدور من مثقال إلى درهم ألف وخمسمائة وخمسون حبة، ذهب عين مائتا ألف دينار وأربعة وأربعون ألف دينار، ودراهم: أربعمائة ألف وإحدى وسبعون ألف درهم.(6/10)
يوم الإثنين: فصوص مختلفة رطلان، ذهب عين خمسة وخمسون ألف دينار، دراهم ألف ألف درهم، مصاغ وعقود ذهب مصري أربعة قناطير فضيات طاسات وأطباق وطسوت ستة قناطير.
يوم الثلاثاء: ذهب عين خمسة وأربعون ألف دينار، دراهم ثلاثمائة ألف درهم وثلاثون ألف درهم، قطزيات وأهلة وطلعات صناجق فضة ثلاثة قناطير.
يوم الأربعاء: ذهب عين ألف ألف دينار، دراهم ثلاثمائة ألف درهم، أقبية بفرو قاقم ثلاثمائة قباء، أقبية حرير عمل الدار ملونة بسنجاب أربعمائة قبا، سروج ذهب مائة سرج.
ووجد له عند صهره أمير موسى ثمانية صناديق، لم يعلم ما فيها، حملت إلى الدور السلطانية. وحمل أيضاً من عنده إلى الخزانة تفاصيل طرد وحش وعمل الدار ألف تفصيلة، ووجد له خام للسفر ستة عشر نوبة، ووصل صحبته(6/11)
من الشوبك ذهب مصري خمسون ألف دينار، ودراهم أربعمائة ألف درهم وسبعون ألف درهم، خلع ملونة ثلاثمائة خلعة حزكاة كسوتها أطلس أحمر معدني مبطن بأزرق مروزي وبابها زركش، ووجد له خيل ثلاثمائة فرس، ومائة وعشرون قطار بغال، ومائة وعشرون قطار جمال، هذا خارجاً عما وجد له من الأغنام والأبقار والجواميس والأملاك والمماليك والجواري والعبيد.
ودل مملوكه على مكان مبنى في داره فوجدوا حائطين مبنيين بينهما أكياس ما يعلم ما عدتهم. وفتح مكان آخر فيه فسقية ملآنة ذهباً سكباً بغير أكياس. ووجد في حواصله ثلاثمائة ألف أردب غلة قمح، وفول، وشعير، وغير ذلك. انتهى كلام ابن دقماق بتمامه.(6/12)
قلت: وكانت داره ببين القصرين بالقاهرة. ولما مات أمر الملك الناصر الأمير علم الدين سنجر الجاولي أن يتولى دفنه وجنازته، فدفنه بتربته بالكبش خارج القاهرة.
ومات وهو في أوائل الكهولية. ومما رآه من العظمة في أيامه، قال: لما خلع كتبغا، يعني الملقب بالملك العادل، ثم استقر في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون في نيابة صرخد، ثم نقل إلى نيابة حماة، حضر إلى القاهرة، وقبل الأرض بين يدي الملك الناصر محمد بن قلاوون، ثم نزل إلى الأمير سلار صاحب الترجمة ليسلم عليه، فوجد سلار راكباً وهو يسير في داره فنزل كتبغا عن فرسه وسلم عليه، واستمر سلار راكباً على فرسه وهما يتحادثان حتى انصرف كتبغا وتوجه إلى مكانه، فهذا شيء لم نسمع بمثله، رحمه الله تعالى.
1074 - الملك العادل
...
- 690 هـ - 1291 م
سلامش بن بيبرس، السلطان الملك العادل بدر الدين بن السلطان الملك الظاهر بيبرس البند قداري.(6/13)
جلس سلامش على تخت الملك عند ما خلعوا أخاه الملك السعيد، وخطبوا له، وضربوا السكة باسمه، وصار سلطان الديار المصرية. فلم تطل أيامه، وخلع بعد ثلاثة أشهر بالملك المنصور قلاوون الصالحي الألفي، في يوم الثلاثاء حادي عشر شهر رجب سنة ثمان وسبعين وستمائة. وأرسل إلى الكرك، فأقام بها مدة، ثم رسم الملك المنصور قلاوون بإحضاره، فحضر إلى القاهرة، وبقي خاملاً إلى أن مات الملك المنصور قلاوون، وتسلطن من بعده ابنه الملك الأشرف خليل. جهزه وأخاه الملك خضر وأهله إلى مدينة اصطنبول بلاد الأشكري، فأقام هناك إلى أن توفي بها في سنة تسعين وستمائة.
وكان شاباً مليحاً تام الشكل، رشيق القد، طويل الشعر، ذا حياء ووقار، وعقل تام. مات وله قريب من عشرين سنة. قيل: إنه كان أحسن أهل زمانه، وبه افتتن جماعة من الناس وشبب به الشعراء، وصار مثلاً يضرب به بين الناس، يقولون: شعر سلامشي، انتهى.(6/14)
1075 - سلام بن تركية
...
- 796 هـ - ... - 1394 م
سلام بتشديد اللام بن محمد بن سليمان بن فايد، المعروف بابن تركية، أمير خفاجة بصعيد مصر.
كان من أكابر أمراء العرب، وكان معظماً في الدول، وله ثروة ومال جزيل، وحشم، توفي بالصعيد في سابع ربيع الآخر وسنة ست وتسعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
1076 - ابن كاتب قراسنقر
677 - 744 هـ - 1278 - 1343 م
سليمان بن إبراهيم بن سليمان، القاضي علم الدين أبو الربيع، المعروف بابن كاتب قراسنقر، صاحب الديوان بدمشق.(6/15)
مولده في يوم الجمعة ثامن عشر المحرم سنة سبع وسبعين وستمائة. كان أولا مستوفياً بدمشق، ثم باشر نظر البيوت، ثم الخاص، ثم باشر أيام الأمير قطلوبغا الفخري صحابة الديوان. وكان قبل أن يتوجه إلى دمشق بمصر في زكاة الكارم، ثم باشر في ديوان الأمير منكلي بغا، ثم صار بخدمة الأمير قراسنقر واختص به بعد موت أبيه، وتوجه معه إلى بلاد الشرق، ثم صار إلى القاهرة وكانت له بالشيخ صدر الدين بن المرحل صحبة أكيدة، وصحب الحافظ فتح الدين بن سيد الناس وغيرهما من الفضلاء بالديار المصرية.
وكان حلو البيان، كثير الإحتمال، وكان جماعة للكتب، اقتنى منها شيئاً كثيراً، وكان بارعاً في صنعة الحساب، وكتب الخط المليح، وكان له يد(6/16)
طولى في النظم، وقدرة على الارتجال، وكان نظمه سويا منسجما، عذب التركيب، فصيح الألفاظ، يكاد ألا يتكلم إلا موزونا لرقة طبعه، وكان يتكلم فصيحاً باللغة التركية.
ومن شعره:
غرامي فيك قد أضحى غريمي ... وهجرك والتجني مستطاب
وبلواي ملالك لا لذنبٍ ... وقولك ساعة التسليم طابو
وله:
تقول بحق ودك عدِّ عني ... ودعني ما الكؤس وما العقار
وها ريقي وكاسات الحميا ... وذق هذا وذا ولك الخيار
توفي يوم الأحد سابع عشرين جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وسبعمائة، رحمه الله.
1077 - أبو الربيع الطائي
663 - 749 هـ - 1265 - 1348 م
سليمان بن أبي الحسن بن سليمان بن ريان، القاضي جمال الدين أبو الربيع(6/17)
الطائي الحلبي.
مولده سنة ثلاث أو أربع وستين وستمائة، تولى نظر جيش صفد وطرابلس ثم حلب ودمشق، وكان إمام كاتبا، فاضلا، ذا وجاهة وحرمة، ومآثر كثيرة، ومحاسن غزيرة، تنزه عن المباشرة في أواخر عمره، ولزم داره إلى أن مات في سنة تسع وأربعين وسبعمائة بحلب، رحمه الله تعالى.
1078 - ابن عثمان ملك الروم
...
- 813 هـ - ... - 1410 م
سليمان بن أبي يزيد بن عثمان، متملك برصا وأدرنة وغيرهما من بلاد الروم.
تملك بعد أن قتل والده في أسر تيمور، ووقع له أمور وحوادث إلى أن قتل في سنة ثلاث عشرة وثمانمائة.
1079 - الخليفة المستكفي بالله
683 - 740 هـ - 1284 - 1340 م
سليمان بن أحمد بن الحسن بن أبي بكر بن علي بن المسترشد، أمير المؤمنين،(6/18)
المستكفى بالله، أبو الربيع بن الحاكم بأمر الله أبي العباس الهاشمي العباسي، البغدادي الأصل، المصري المولد والمنشأ والدار والوفاة.
ولد سنة ثلاث وثمانين وستمائة، أو في التي قبلها، وخطب له عند وفاة والده سنة إحدى وسبعمائة.
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: وفوض جميع ما يتعلق به من الحل والعقد إلى السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، وسارا معاً إلى غزو التتار، وشهدا مصاف شقحب، ودخل مع السلطان دمشق في شهر رمضان سنة إثنتين وسبعمائة، وهو راكب وجميع أمراء الدولة مشاة، وعليه فرجية سوداء، مطرزة، وعمامة كبيرة بيضاء بعذبة طويلة، وهو متقلد سيفاً عربياً محلى.
ولما فوض الأمر إلى الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير، وقلده السلطنة بعد توجه الملك الناصر محمد إلى الكرك ولقب بالملك المظفر، وعقد له اللواء وألبسه خلعة السلطنة فرجية سوداء، وعمامة مدورة، فركب بذلك والوزير حامل على رأسه التقليد من إنشاء القاضي علاء الدين بن عبد الظاهر.(6/19)
أوله: إنه من سليمان، وإنه بسم الله الرحمن الرحيم هذا عهد لا عُهد لملك بمثله.
وقد رأيته أنا بالقاهرة غير مرة، وهو تام الشكل، ذهبي اللون، يعلوه هيبة ووقار، وكان يركب في الميدان إذا لعب السلطان بالكرة، وعلى كتفه جوكان، وهو يسير فرسه، ولا يضرب الكرة ولا يمشي معه أحد وإذا عاد السلطان إلى القلعة ركب قدامه.
ولما جرح شرف الدين النشو ناظر الخاص، رأيته وقد حضر إلى بابه عائداً مرتين، ونزل على الباب.
وكان له في السنة على ما قيل من المرتب ما يقارب المائتي ألف درهم، أخبرني شهاب الدين بن فضل الله أن المرتب الذي كان له لم يكن يبلغ خمسين ألفاً في السنة، فلما خرج إلى قوص قوم غالياً، وحسب زائداً، ليكثر في عين(6/20)
السلطان، وجعل ستاً وتسعين ألفاً فرسم بأن يعطى من مستخرج الكارم بقوص نظير ذلك، فأرادوا نقصه فازداد.
وكان له مسكن عند المشهد النفيسي، وله دار على النيل بجزيرة الفيل، وله أصحاب يجتمعون به، ويسعى في حوائجهم.
وتنكر السلطان الملك الناصر عليه، وأنزله بأهله في البرج المطل على باب قلعة الجبل، فلم يركب ولم يخرج، وبقي مدة تقارب الخمسة أشهر، ثم أفرج عنه، ونزل إلى داره، وبقي على ذلك مدة، ثم تنكر عليه بعد نصف سنة أوما يقاربها، وأخرجه بأهله وأولاده، وجهزه إلى قوص في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، فيما أظن، فأقام بها إلى أن توفي ولده صدقة، فوجد عليه وجداً عظيماً، ثم توفي هو بعده في سنة أربعين وسبعمائة، في مستهل شعبان منها، وعهد بالأمر لولده فلم يتم له ذلك، وبويع ابن أخيه أبو إسحاق إبراهيم بيعة خفية لم تظهر إلى(6/21)
أن تولى السلطان الملك المنصور أبو بكر بن الملك الناصر محمد، فأحضر ولده أبا القاسم أحمد، وبايعه هو والناس من بعده بيعة ظاهرة حفلة، وكان يلقب بالمستنصر، فلما بويع هذه البيعة لقب الحاكم، وكنى أبا العباس. انتهى.
1080 - ابن عثمان
...
- 841 هـ - ... - 1437 م
سليمان بن أرخن بك بن محمد كرشجى بن عثمان كان جده محمد كرشجى، ملك بلاد الروم إلى أن مات. فلما مات محمد كرشجى قبض عمه الأمير مراد بك بن محمد كرشجى على أخيه أرخن بك، أعني والد المذكور، وحبسه، وسمله، ومنعه الزواج خوفاً من أن يعقب. فدست له جارية(6/22)
فأولدها سليمان هذا، وأخته خوند شاه زادة. ثم مات أرخن، ففر بسليمان هذا مملوك أبيه، ومعه أخته شاه زادة. وقدم بهما على الملك الأشرف برسباي بالديار المصرية، فأكرمهما الملك الأشرف، وضم سليمان هذا إلى ولده الملك العزيز يوسف، وجعل أخته شاه زادة في الحرم السلطانية.
فأقام على ذلك سنين، إلى أن بدا للمملوك المذكور أن يأخذ سليمان هذا وأخته، ويفر بهما إلى بلاد الروم، لمال وعد به من بعض ملوك الروم. واتفق المملوك مع جماعة من التركمان وغيرهم، وأخذهما من القلعة، وركب بهما بحر النيل ليتوصل إلى فم رشيد، ويركب بهم في الغراب المعتد لهم.
ففطن السلطان بعد خروجهم من القاهرة، فشق عليه ذلك، وبعث في إثرهم جماعة من الخاصكية والمماليك السلطانية غارة، فوافوهم بالقرب من فم رشيد، وقد عاقهم الريح عن الخروج إلى البحر المالح، فاقتتل الفريقان قتالاً شديداً إلى أن انكسر أعوان سليمان هذا، وظفر بهم وأعيدوا إلى القاهرة،(6/23)
فوسط السلطان المملوك الذي فر به وبأخته، وقطع أيدي جماعة كبيرة، وحبس سليمان المذكور بالبرج من قلعة الجبل، فكان يوماً مهولاً إلى الغاية، لعلى ما رأيت الملك الأشرف غضب في سلطنته بمثل هذا الغضب.
ودام سليمان محبوساً مدة يسيرة، ثم أطلق وصار عند العزيز على عادته أولاً، ثم تزوج السلطان بأخته شاه زادة، واستمر سليمان على ذلك إلى أن توفي بالطاعون في سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وسنة نحو خمس عشرة سنة تخميناً. رحمه الله.
وشاه زادة المذكور تزوج بها الملك الظاهر جقمق بعد موت زوجها الأشرف، واستولدها عدة أولاد إلى أن طلقها في سنة خمس وخمسين وثمانمائة.
1081 - ابن بنيمان
...
- 686 هـ - ... - 1287 م
سليمان بن بنيمان بن أبي الجيش بن عبد الجبار بن بنيمان، الأديب الشاعر شرف الدين أبو الربيع الهمداني، ثم الإربلي.
كان شاعراً مجيداً، وله نوادر ومزاح حلو، كان أبوه صائغاً، وتعانى هو أيضاً الصياغة.(6/24)
قيل: إنه جاء إليه مملوك مليح من مماليك الملك الأشرف موسى وقال له: عندك خاتم لإصبعي. فقال له: لا إلا عندي إصبع مليح لخاتمك، وكان له من هذه النوادر أشياء ظريفة.
ولما قامر التلعفري بثيابه وخفافه، قال فيه المذكور قصيدة، وأنشدها للملك الناصر بحضرة التلعفري أولها:
يا مليكاً فاق الأنام جميعاً ... منه جود كالعارض الوكاف
إلى أن استتمها، فلما فرغ من إنشادها، قال له التلعفري: ما أنا جندي أقامر بخفافي. فقال له ابن بنيمان هذا: بخفاف إمرأتك. فقال: مالي إمرأة. فقال له: لك مقامرة من بين حجرين إما بالخفاف أو بالثقال.
فلما وقع ابن بنيمان عن بغلته وانكسرت رجله، قال فيه التلعفري:
سمعت لابن بنيمان وبغلته ... عجيبة خلتها إحدى قصائده
قالوا رمته وداست بالنعال على ... قفاه قلت لهم ذا من عوائده
لأنها فعلت في حق والدها ... ما كان يفعله في حق والده(6/25)
مات سنة ست وثمانين وستمائة، وله أزيد من تسعين سنة، رحمه الله تعالى.
1082 - قاضي القضاة علم الدين البساطي المالكي
...
- 786 هـ - ... - 1384 م
سليمان بن خالد بن نعيم بفتح العين المهملة بن مقدم بن محمد بن حسن ابن غانم بن محمد، قاضي القضاة علم الدين أبو الربيع البساطي المالكي، قاضي قضاة الديار المصرية.
أصله من شبرابيسون من قرى الغريبة بالقرب من النحريرية من أعمال القاهرة، ونزل عمه عثمان بن نعيم بقرية بساط، وكان أخوه خالد والد علم الدين(6/26)
هذا في حجره، فنشأ ببساط، وولد سليمان هذا بها فعرف بالبساطي، وقدم علم الدين إلى القاهرة واشتغل بها حتى برع في الفقه وغيره، وناب في الحكم عن قاضي القضاة برهان الدين الإخنائي، ثم عن بدر الدين عبد الوهاب الإخنائي، ثم وقع بينه وبين البدر الإخنائي المذكور، فسعى عليه بالأمير قرطاي القائم بعد قتل الملك الأشرف شعبان بأمور الدولة، وتولى القضاء في سابع عشرين ذي القعدة سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، عوضاً عن بدر الدين الإخنائي.
وباشر القضاء بعفة وتقشف، وإطراح التكلف في ملبسه ومجلسه وجميع أحواله.
قال المقريزي: حتى لما قرأت عليه كان جالساً على نخ بغير فرش، وصار بطعم الطعام من دخل عليه وتبا له في كلامه، إلا إنه استكثر من النواب،(6/27)
فصرف بعد ثمانين يوماً بالبدر الإخنائي في صفر سنة تسع وسبعين. ثم أعيد في يوم الإثنين ثالث شهر رجب من السنة، فقوى جأشه وتمكن، إلا أنه أخذ في معارضة قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة والشيخ أكمل الدين شيخ الخانقاة الشيخونية، وكان ممن لا يغمز لهما قناة، فقاما في عزله حتى عزل في نصف جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة.
فلزم داره حتى مات معزولاً في ليلة الجمعة سادس عشر صفر سنة ست وثمانين وسبعمائة، وهو الذي أنشأ القضاة البساطية، رحمه الله.
1083 - الأمير أسد الدين بن موسك
600 - 667 هـ - 1204 - 1269 م
سليمان بن داود بن موسك، الأمير أسد الدين بن الأمير عماد الدين بن الأمير الكبير عز الدين الهذباني.(6/28)
ولد في حدود الستمائة بالقدس، وكان عنده فضل ومعرفة، وحسن عشرة، وله يد في النظم، وترك الخدم بآخره وتزهد، ولبس الخشن، وجالس العلماء، وأذهب معظم نعمته، واقتنع.
وكان أبوه خصيصاً عن الملك الأشرف موسى بن الملك العادل، وجده الأمير عز الدين كان خال السلطان صلاح الدين.
ومن شعره صاحب الترجمة:
ما الحب إلا لوعة وغرام ... فحذار أن يثنيك عنه ملام
الحب للعشاق نار حرها ... برد على أكبادهم وسلام
تلتذ فيه جفونهم بسهادها ... وجسومهم إن شفها الأسقام
ولهم مذاهب في الغرام وملة ... أنا في شريعتها الغداة إمام
ولهم وللأحباب في لحظاتهم ... خوف الوشاة رسائل وكلام
لطفت إشارتهم ودقت في الهوى ... معنى فحارت دونها الأفهام
وتحجبت أنوارها عن غيرهم ... وجلت لهم أسرارها الأوهام
فإليك عن عذلي فإن مسامعي ... ما للملام بطرقها إلمام(6/29)
أنا من يرى حب الحسان حياته ... فإلآم في حب الحياة ألام
توفي الأمير أسد الدين المذكور في سنة سبع وستين وستمائة، رحمه الله تعالى.
1084 - صدر الدين بن الملطى الحنفي
...
- 712 هـ - ... - 1312 م
سليمان بن داود بن مروان، الشيخ الإمام صدر الدين الملطى الحنفي، تقدم ذكره والده.
تفقه بوالده وغيره، وبرع في عدة علوم، وأفتى ودرس وأشغل.
قال الحافظ عبد القادر الحنفي في طبقاته، بعد أن أثنى على علمه ودينه:
أنشدني صاحبنا الإمام فخر الدين السنباطي الحنفي لنفسه يعاتب الشيخ صدر الدين المذكور:
أيرجع أحباب بنقص وذلة ... وترجع أعداء بفضل وعزة
لئن كان هذا في الأحبة فعلكم ... فلا فرق ما بين العدا والأحبة(6/30)
انتهى كلام الحافظ عبد القادر.
قلت: وكانت وفاته في يوم الأربعاء ثاني عشرين صفر سنة إثنتي عشرة وسبعمائة بالقاهرة، ودفن يوم الخميس بالقرافة عند أبيه، رحمه الله.
1085 - صدر الدين بن عبد الحق الحنفي
...
- 761 هـ - ... - 1360 م
سليمان بن داود بن سليمان بن محمد بن عبد الحق، القاضي العلامة صدر الدين أبو الربيع، الفقيه النحوي الأديب الحنفي.
كان معدوداً من الفضلاء في عصره، اشتغل في مبدأ أمره حتى برع في الفقه والعربية وغيرهما، وأفتى ودرس، وباشر عدة وظائف سنية، ولى كتابه الإنشاء والنظر، وولى الأحباس، وكان ذا وجاهة وحرمة، ورحل إلى العراق وخراسان ومصر والحجاز واليمن، وكان مثرياً وله حشم وخدم، وهو من بيت رئاسة وعلم، وله النظم والنثر، ومن شعره:
عشقت يحيى فقال لي رجل ... لم يبق في الغرام من بقيا
تعشق يحيى تموت قلت له ... طوبى لصب مات في يحيى(6/31)
وقال أيضاً:
بدا الشعر في الخد الذي كان مشتهى ... فأخفى عن المشتاق خالي وما يخفى
لقد كانت الأرداف بالأمس روضة ... من الحسن فهي اليوم موردة الحلفا
وله أيضاً:
سموت إذ كلمتني ... سلمى بغير رسالة
فقال صحبى تنبا ... وكلمته الغزالة
وله أيضاً:
قل للذي حين رام رزقا ... بكل ما لا يطيق لاذا
إقصر عناء ونم قريراً ... فالرزق يأتى بدون هذا
وله:
لما حكى برق النقا ... لمعان ثغرك إذ سرى
نقل الغرام إليك عن ... دمعي الحديث كما جرى(6/32)
توفي سنة إحدى وستين وسبعمائة، رحمه الله تعالى، وعفا عنه.
1086 - أبو الربيع المصري
......
- 778 هـ - ... - 1376 م
سليمان بن داود بن يعقوب بن أبي سعيد، القاضي جمال الدين أبو الربيع المعروف بالمصري الحلبي، الكاتب الأديب.
كان بارعاً في صناعة الإنشاء والترسل، وله النظم الرائق، والنثر الفائق، مع رياضة الخلق، وحسن الخلق، باشر كتابة الإنشاء وعدة وظائف بحلب حتى مات في سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، وقد قارب الخمسين.
وكان له شعر جيد. وقصائد على حروف المعجم سماها بالشفعية في مدح خير البرية صلى الله عليه وسلم، استوعب فيها بحور الشعر، ومن شعره.
أوحشني أنس أهل نجد ... وهم بسفح التقا نزول
أنس الورى زائل محال ... والأنس بالله لا يزول
وله:
بعدت ولم تقنع بذاك وإنما ... بخلت عن الإخوان بالكتب والرسل(6/33)
وإنا لنجرى في ودادك جهدنا ... وإن كنت تمشي في الوداد على رسل
وله:
رياض جرت بالظلم عادات ريحها ... وسار بغير العدل في الحكم سيرها
فغرقت الأغصان عند اعتناقها ... وسلسلت الأنهار إذ جن طيرها
انتهى.
1087 - الملك المظفر صاحب اليمن
...
- 649 هـ - ... 1251 م
سليمان شاه بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب، الملك المظفر صاحب اليمن، سعد الدين بن الملك المظفر تقي الدين.
كان الملك المظفر هذا قد تمفقر في شبيبته، وصحب الفقراء، وحمل الركوة وحج. ثم إنه كاتب والده الملك الناصر سيف الإسلام صاحب اليمن، وكانت قد تغلبت على زبيد، وضبطت الأموال، وبقيت ملتفتة إلى مجيء رجل من(6/34)
بني أيوب ليقوم بالملك، وذلك في سنين نيف وستمائة، فبعث إلى مكة من يكشف لها الأمر، فوقع مملوكها بسليمان هذا، وهو على تلك الحالة الفقيري، فسأله عن اسمه ونسبه فأخبره، فكتب إليها المملوك بذلك، فبعثت طلبته. فسار المظفر هذا إليها إلى اليمن، فتزوجته وعظم أمره، وملكته اليمن، فلما ملك اليمن ملأ البلاد ظلماً وجوراً، وطلق زوجته أم الناصر وتزوج بغيرها، وكاتب الملك العادل صاحب مصر، فجعل في أول كتابه إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم، فاستقل عقله. ثم جهز الملك العادل سبطه الملك المسعود أقسيس بن الكامل في جيش، فدخل اليمن واستولى على مدائنها، وقبض على المظفر هذا، وبعثه ومعه زوجته بنت سيف الإسلام إلى القاهرة، فأجرى له الملك الكامل ما يقوم بمصالحه، ولم يزل المظفر صاحب الترجمة مقيماً بمصر إلى أن استشهد بالمنصورة سنة تسع وأربعين وستمائة.(6/35)
1088 - سليمان المادح
...
- 790 هـ - ... - 1388 م
سليمان بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن فيروز، الشيخ علم الدين الكردي الأصل، السعودي المعروف بسليمان المادح.
قدم جده فيروز إلى القاهرة صحبة الشيخ أبي السعود ولازم خدمته. ومولد سليمان المذكور بقرافة مصر، وصار يمدح في المجامع بالقصائد النبوية، وكان له صوت شجي طروب يروح النفوس، وكان يتزيا بزي الصوفية، وله حظ وعليه قبول.
قلت: وله ذرية، وبيتهم معروف بالقاهرة، توفي ليلة الخميس تاسع شهر ربيع الأول سنة تسعين وسبعمائة، رحمه الله.
1089 - عون الدين بن العجمي
...
606 - 656 هـ - 1209 - 1258 م
سليمان بن عبد المجيد بن الحسن بن أبي غالب عبد الله بن الحسن بن(6/36)
عبد الرحمن، الأديب البارع، عون الدين بن العجمي الحلبي الكاتب.
ولد سنة ست وستمائة، سمع من الافتخار الهاشمي وجماعة، وروى عنه الدمياطي، وفتح الدين بن القيسراني، ومجد الدين العقيلي. وكان كاتباً مجيداً مترسلاً، ولي الأوقاف بحلب، وتقدم عند الملك الناصر، وحظي عنده، وولي نظر الجيوش بدمشق، وكان متأهلاً للوزارة، كامل الرئاسة، لطيف الشمائل، وله نظم ونثر، ومن شعره:
لهيب الحد حين بدا لعيني ... هفا قلبي إليه كالفراش
فاحرقه فصار عليه خالاً ... وها أثر الدخان على الحواشي
توفي سنة ست وخمسين وستمائة بدمشق، وشيعه السلطان والأعيان، رحمه الله.
1090 - تقي الدين التركماني الحنفي
...
- 690 هـ - ... - 1291 م
سليمان بن عثمان، العلامة المفتي الزاهد الورع، بقية السلف،(6/37)
تقي الدين التركماني الحنفي، مدرس الشبلية والمعظمية.
كان إماماً بارعاً، مفننا، تصدر للإفتاء والتدريس عدة سنين، وانتفع به الناس، وناب في الحكم بدمشق لمجد الدين بن العديم، ثم استعفى ولازم الاشتغال والإشغال، وكان فريد عصره في زمانه، وتفقه به جماعة من الأعيان، منهم قاضي القضاة برهان الدين بن عبد الحق وغيره. توفي سنة تسعين وستمائة بدمشق، رحمه الله تعالى.
وسيأتي ذكر جماعة من أولاده وأقاربه في محلهم إن شاء الله تعالى.
1091 - العفيف التلمساني
620 - 690 هـ - 1223 - 1291 م
سليمان بن علي بن عبد الله عفيف الدين، أبو الربيع العائدي الكوفي ثم(6/38)
التلمساني، الأديب الشاعر الصوفي المشهور.
كان إماماً، بارعاً، فاضلاً، أديباً.
ذكره العلامة شهاب الدين أبو الثناء محمود في تاريخه، قال: ورأيت جماعة ينسبونه إلى رقة الدين والميل إلى مذهب النصيرية. قال: وكان حسن العشرة كريم الأخلاق: له وجاهة وحرمة، وخدم في عدة جهات بدمشق، ومولده في سنة عشرين وستمائة، وكان من الفضلاء في فنون شتى، وحدت بشيء من صحيح مسلم عن المشايخ الإثنى عشر. انتهى.
قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي: خدم في جهات المكس وغيرها، وكتب عنه بعض الطلبة، وكان يتهم بالخمر والفسق، وحاصل الأمر أنه من غلاة الاتحادية.
وذكره الشيخ شمس الدين الجزري في تاريخه، وماكانه عرف حقيقة حاله، وقال: عمل أربعين خلوة في الروم، يخرج من كل واحدة ويدخل في أخرى.
قال الذهبي: هذا الكلام فيه مجارفة ظاهرة، فإن مجموع ذلك ألف وستمائة يوم، قال: وله في كل علم تصنيف، وقد شرح الأسماء الحسنى، وشرح مقامات النفرى. انتهى كلام الذهبي باختصار.
قلت: حاله معروف، وأمره مشهور، لا حاجة في الإطالة في ذلك، ولكن نذكر شيئاً من شعره. من ذلك قوله:(6/39)
سكر الصب في هواك فغنى ... ودعاه داعي الغرام فحنا
كيف يرجو الحياة وهو مع ال ... هجر قتيل وعند رؤياك يفنى
وله أيضاً:
يشكو إلى أردافه خصره ... لو تسمع الأمواج شكوى الغريق
يا ردفه رق على خصره ... فإنه يحمل مالا يطيق
وله أيضاً:
إن كان قتلى في الهوى يتعين ... يا قاتلي فبسيف لحظك أهون
حسبي وحسبك أن تكون مدامعي ... غسلي وفي ثوب السقام أكفن
عجباً لخدك ورده في بانة ... والورد فوق البان مالا يمكن
أدنته لي سنة الكرى فلثمته ... حتى تبدل بالشقبق السوسن
ووردت كوثر ثغره فحسبتني ... في جنة من وجنتيه أسكن
ما راعني إلا بلال الخال فو ... ق الخد في صبح الجبين يؤذن(6/40)
قلت: وهذا مأخوذ من قول الحاجري:
أقام بلال الخال في صحن خده ... يراقب من لألاء غرته الفجرا
ومنه أيضاً أخذ الشيخ جمال الدين بن نباتة:
وانظر إلى الخال فوق الثغر دون لمى ... تجد بلالاً يراعى الصبح في السحر
وللعفيف أيضاً:
بهواك يا أمل النفوس أدين ... وعلى رضاك أرى التلاف يهون
وإذا شنا العذال حسنك في الهوى ... يا منيتي فالصبر كيف يكون
هب أن من يهواك أخفى حبه ... أتراه يخفي والعيون عيون
لو كان لي قلب لصنت به الهوى ... أما بلا قلب فكيف أصون
وأغن أغناه الجمال ولى به ... فقد ووجد ظاهر وكمين
في طرفي السفاح لكن وجهه ... الهادي فليت صدوده المأمون
ومنها:
وعلى ربا نعمان حي كم به ... ميت وكم في حزنه محزون(6/41)
حرب سيوفهم الجفون ومعجز ... في حسنهم أن السيوف جفون
ومعاطف لو أثمرت بسوى الهوى ... ما قلت إلا إنهن غصون
وله أيضاً:
أنا الغريق بدمعي كيف أحترق ... والماء والنار شيء ليس يتفق
وما نأى عاذلي عني مجانية ... يوماً وبي مسكة ترجى ولا رمق
ومنها:
أهوى الأصيل لصدغيك الذين هما ... ليل يقاربه من وجهك الشفق
وأطمع النفس في طيب العناق إذا ... شبهت بالغصن والأغصان تعتنق
فهات راحك يا روحي كأنهما ... شمس وبدر وهذا ابحلس الأفق
وعاكفين على الصهباء قد جمعت ... شتات شملهم فيها وهم فرق
طوتهم أعين الساقي وأكوسه ... حتى كأنهم في كفه ورق
لا يعرفون طريق الصحو مذ سكروا ... ولا الظمأ بعده من راحتيه سقوا
نفسي الفدا لحاد حث عيشهم ... إلى الحميا ولا ضلت به الطرق
ولي نديم مديم لي إفادته ... حسناً ومعنا فتم الخلق والخلق
أسرى وأسرع في المعنى الدقيق ... من البرق اللموع فلا البرق يأتلق
قال الشيخ صلاح الدين: قال الشيخ أثير الدين أبو حيان في حقه: أديب جيد النظم، كان كثير التقلب، تارة يكون شيخ صوفية، وتارة يعاني الخدم(6/42)
الديوانية، قدم علينا القاهرة عند صاحبه الشيخ شمس الدين الأيكي شيخ سعيد السعداء، وكان منتحلاً في أقواله وأحواله طريقة ابن عربي، انتهى.
قلت وكانت وفاته في يوم الأربعاء خامس شهر رجب سنة تسعين وستمائة بدمشق، ودفن من يومه بمقابر الصوفية، عفا الله عنه.
1092 - معين الدين البرواناه
...
- 676 هـ - ... - 1277 م
سليمان بن علي بن محمد بن حسن، صاحب معين الدين البرواناه بن مهذب الدين.
كان أبوه أعجمياً، وسكن الروم، وولد له البرواناه هذا.(6/43)
وكان يقرأ القرآن، ويعلم الأولاد مستوفى الروم، ثم إنه ناب عنه، ثم ولى موضعه في أيام السلطان علاء الدين، وظهرت كفايته، واستوزره، ثم وزر لولده غياث الدين، إلى أن مات غياث الدين سنة اثنتين وأربعين وستمائة، وعظم أمره، واستولى على ممالك الروم، وصانع التتار، وعمرت البلاد به، وكاتب الملك الظاهر بيبرس البندقداري، فنقم عليه أبغا ونسبه إلى أن هو الذي جبر الظاهر على دخول الروم، وحصل ما وقع من قتل أعيان المغل في تلك الواقعة، فبكت الخواتين، وشققن الثياب بين يدي أبغا، وقلن: البرواناه هو الذي قتل رجالنا ولا بد من قتله، وقتل معه خلائق من الروم في سنة ست وسبعين وستمائة.
وكانت موتته أنه قطعت أربعته وهو حي وألقى في مرجل، وصلق وأكل المغل لحمه من غيظهم عليه، قاله ابن كثير. وقيل إن قتلته في أواخر ذي الحجة سنة خمس وسبعين، والله أعلم.
وكان من دهاة العالم وشجعانهم، وله إقدام على الأهوال، وخبرة بجمع المال.(6/44)
والبرواناه لقب له، ومعناه بالأعجمية الحاجب، وهو اسم للفراشة التي تلقي نفسها في النار. انتهى.
1093 - ابن مراجل الدمشقي
...
- 764 هـ - ... - 1363 م
سليمان بن علي بن عبد الرحيم بن أبي سالم، الصاحب تقي الدين أبو الربيع ابن الرئيس علاء الدين أبي الحسن بن مراجل الدمشقي.
كان فاضلاً، بارعاً في الكتابة، تنقل في الخدم الديوانية، تولى نظر الدولة بالديار المصرية، ثم ولى وزارة دمشق ونظر الجامعة.
وفيه يقول البارع جمال الدين بن نباتة، لما ولى وزارة دمشق:
وافى دمشق لحفظ الملك ذو ... قلم له فنون وفي العلياء أفنان
فيا شياطين أرباب الحساب بها ... كفوا الأكف فقد وافى سليمان
وباشر وزارة دمشق، وحمدت سيرته إلى أن توفي.(6/45)
وكان رئيسا، سيوسا، عارفاً بالكتابة، خبيراً بالمباشرة، محترماً في الدولة، وله همة عالية، وفضل غزير وأدب.
ومن شعره قوله:
أأحبابنا شوقي إليكم مضاعف ... وذكركم عندي من البعد وافر
وقلبي لما غبتم طار نحوكم ... وأعجب شيء واقع وهو طائر
قلت: وكانت وفاته بدمشق سنة أربع وستين وسبعمائة، عن نحو ثمانين سنة، رحمه الله.
1094 - قاضي قضاة مصر ثم دمشق جمال الدين الزرعي
...
- 734 هـ - ... - 1334 م
سليمان بن عمر بن سالم بن عمر بن عثمان، قاضي القضاة جمال الدين أبو الربيع الأذرعي الزرعي الشافعي.
قدم في شبيبته إلى دمشق، وهو بغير لحية، واشتغل بها وحفظ التنبيه في(6/46)
الفقه وغيره، وسمع من الشيخ كمال الدين أحمد بن نعمة المقدسي، ومن عبد الدائم وطائفة، ثم ولى قضاء شيزر، ثم قضاء زرع، فأقام بها مدة، ثم تحول إلى دمشق وناب في الحكم بها لابن جماعة، ثم قدم القاهرة وناب بها أيضا في الحكم مدة، ثم ولى قضاء القضاة بها بعد عزل ابن جماعة في سنة عشر وسبعمائة، ثم عزل بعد مد وأعيد ابن جماعة، واستقر صاحب الترجمة في قضاء العسكر بالديار المصرية، واستمر إلى أن توفي قاضي قضاة دمشق ابن صصري استقر جمال الدين هذا في قضاء دمشق عوضه، فأقام في قضاء دمشق سنة، وعزل بقاضي القضاة خطيب دمشق جلال الدين القزويني، واستمر جمال الدين المذكور على تدريس الأتابكية، ومشيخة الشيوخ، ثم عاد إلى القاهرة في آخر سنة ست وعشرين وسبعمائة، واستمر بها إلى أن توفي سنة أربع وثلاثين وسبعمائة.(6/47)
قال القاضي علاء الدين بن خطيب الناصرية: كان قوي النفس، مهيباً، صليباً في الأحكام، تام النزاهة والعفة، ولكنه كان قليل العلم، كان يعمل الدرس من كتاب يقرأ قدامه، ويقول هو شيء بالفقيري، ثم كبر وصار ينسى. انتهى.
1095 - أمير آل فضل
...
- 800 هـ - ... - 1398 م
سليمان بن عنقاء بن مهنا، الأمير علم الدين، أمير آل فضل.
وتولى إمرة العرب بعد موت ابن عمه الأمير موسى بن عساف بن مهنا في شوال سنة ثمان وتسعين وسبعمائة، فحاربه ابن عمه الأمير ناصر الدين نعير ابن حيار بن مهنا، فقتل المذكور في المعركة، قريباً من الرحبة، وقد قارب الخمسين سنة، في شهور سنة ثمانمائة، وولى عوضه أخوه الأمير محمد بن عنقاء بن مهنا.
1096 - الملك العادل صاحب حصن كيفا
...
- 827 هـ - ... 1424 م
سليمان بن غازي بن محمد بن أبي بكر بن شادي، وقيل محمد بن عبد الله(6/48)
ابن توران شاه بن أيوب بن محمد بن أبي بكر بن أيوب بن شادي، الملك العادل فخر الدين أبو المفاخر سليمان صاحب حصن كيفا، وابن صاحبها الملك الكامل شهاب الدين غازي بن الملك العادل مجير الدين محمد بن الكامل سيف الدين ابن أبي بكر بن المعظم توران شاه بن السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب، صاحب مصر، بن السلطان الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبي بكر بن نجم الدين أيوب الكبير.
أقيم الملك العادل هذا في سلطنة الحصن بعد موت أبيه الملك الكامل، وحسنت أيامه، لكنه كان لا يسلم هو ووالده من جور الأمير عثمان بن طرعلي المدعو قرايلك، وتعديه على الحصن، وعلى ديار بكر. وقيل: قرابلك من أعوان قرا يوسف بن قرا محمد التركماني. سلطوا هؤلاء الأوباش التركمانيين الذين لا أصل لهم على إقليم ديار بكر وعلى ملوكها بني أيوب المذكورين، فالله يلحق بهم من مضى من أسلافهم، ويريح المسلمين منهم.
وكان الملك العادل هذا مشكور السيرة، محبباً للرعية، هذا مع الفضيلة التامة، والذكاء، والمشاركة الحسنة، وله نظم ونثر، وديوان شعر لطيف.(6/49)
ومن شعره:
أريعان الشباب عليك مني ... سلام كلما هب النسيم
سروري مع زمانك قد تناءى ... وعندي بعده وجد مقيم
فلا برحت لياليك الغوادي ... وبدر التم لي فيها نديم
يغازلني بغنج والمحيا ... يضيء وثغرة در نظيم
وقد مثل لدن إن تثنى ... وريقته بها يشفى السقيم
إذا مزجت رحيق مع رضاب ... ونحن بليل طرته نهيم
ونصبح في ألذ العيش حتى ... تقول وشاتنا هذا النعيم
ونرتع في رياض الحسن طورا ... وطوراً للتعانق نستديم
وله أيضاً:
سلوا عن سهادي أنجم الليل إنها ... ستخبركم عما لقيت من البعد
وتوضح حالي للنسيم إذا سرى ... إليكم وأنفاسي أحر من الوقد
فلا تتركوا قلبي يذوب صبابة ... بهجركم واشفوا الصدور من الحقد
وله أيضاً:
لم يطرق الغمض جفني بعد فرقتكم ... وقد كسى السقم جسمي بعدكم طلا
أقضي نهارى كئيب القلب مفتكراً ... لا أرعوى قط في يوم لمن عذلا(6/50)
هيهات هيهات أن أسلو وحبكم ... حشو الحشا أوارى لي عنكم بدلا
والله والله لو أني خفيت ضنا ... ما سمتكم قط تقصيراً ولا مللا
إن كان يرضيكم التعذيب قد رضي ... ت نفسي به ولهذا طاب لي وحلا
قلت: واستمر الملك العادل المذكور في مملكة الحصن إلى أن مات بها في سنة سبع وعشرين وثمانمائة، وأقيم بعده في مملكة حصن كيفا ولده الملك الأشرف أحمد المقتول بيد أعوان قرايلك في سنة ست وثلاثين وثمانمائة، حسبما ذكرناه في محله في الأحمدين.
1097 - المستكفى بالله
...
- 855 هـ - ... - 1451 م
سليمان الخليفة أمير المؤمنين المستكفى بالله أبو الربيع بن المتوكل على الله أبي عبد الله محمد بن المعتصم بالله أبي بكر بن المستكفى بالله أبي الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد بن الحسن بن أبي بكر بن علي بن الحسين بن(6/51)
الخليفة الراشد بالله منصور بن المسترشد بالله الفضل بن المستظهر بالله أحمد ابن المقتدى بالله عبد الله بن الأمير ذخيرة الدين محمد بن القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بالله أحمد بن المتقى بالله إبراهيم بن المقتدر بالله جعفر بن المعتصم بالله أحمد بن الأمير الموفق طلحة بن المتوكل علي الله جعفر بن المعتصم بالله محمد ابن الرشيد هارون بن المهدي محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علي ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي العباسي.
بويع سليمان هذا بالخلافة بعهد من أخيه المعتضد بالله أبي الفتح داود في العشر الأول من شهر ربيع الأول سنة خمس وأربعين وثمانمائة، واستمر في الخلافة إلى أن توفي بسكنه بالقرب من المشهد النفيسي بعد مرض دام به أياماً في يوم الجمعة ثاني شهر الله المحرم سنة خمس وخمسين وثمانمائة، وهو في عشر الستين تخميناً، وحضر الملك الظاهر جقمق الصلاة عليه بمصلاة المؤمني تحت القلعة، وعاد أمام جنازته إلى المشهد النفيسي حيث دفنه ماشياً، وتولى حمل نعشه غير مرة إلى أن وصلت الجنازة وحضر دفنه، وكانت جنازته مشهودة.
وكان المستكفى بالله هذا أسمر رقيقاً، للقصر أقرب، خفيف اللحية، بادره المشيب فيها، وكان ساكناً عاقلاً، ديناً خيراً، كثير الصمت، قليل الكلام(6/52)
إلا فيما يعنيه، وكان قليل الاجتماع بالناس، منعزلاً عنهم، لم يسلك طريق أخيه المعتضد بالله مع أصحابه وندمائه، بل صار يتحجب في غالب أوقاته.
وأظن عدم اجتماعه بالناس كان لقلة محاضرته، ولبعده عن المشاركة فيما يقع من أنواع العلوم.
قلت: وكان ما يفعله هو الصواب. هذا مع العقل التام، والتواضع والسيرة الحسنة، والعفة عن المنكرات وغيرها في حداثة سنة وفي كبره. ولقد كان أخوه المعتضد بالله يثني على دينه وخيره في غالب أوقاته، ويبالغ في الثناء عليه بأقوال لا تقع إلا لكبار الأولياء. رحمه الله تعالى ونفعنا بسلفه الطاهر.
وولي الخلافة من بعده أخوه حمزة ولقب بالقائم بأمر الله.
1098 - الصاحب فخر الدين بن السيرجي
...
- 699 هـ - ... - 1300 م
سليمان بن محمد بن عبد الوهاب، الصاحب فخر الدين أبو الفضل بن السيرجي الأنصاري الدمشقي.(6/53)
كان فاضلاً نبيلاً، وسمع من الشيخ تقي الدين بن الصلاحي، والشرف المريني، ولم يحدث، وتعانى الكتابة، وتولى نظر الديوان الكبير، وكان من رؤساء دمشق المعدودين، الموصوفين بالكرم والحشمة والسؤدد والإحسان. ولما استولى التتار نوبة غازان على دمشق ألزموه بوزارتهم، والسعي في تحصيل الأموال، فدخل في ذلك مكرها، وكان قليل الأذى، فلما أقلعهم الله تعالى، مرض هو، ومات بعد قليل في سنة تسع وتسعين وستمائة. ومشى الأعيان في جنازته إلى باب البريد، فجاء مرسوم الأمير علم الدين أرجواش فردهم، ونهاهم عن حضور الجنازة، وضربوا الناس، ولما وصلت الجنازة إلى باب القلعة، أذن لولده شرف الدين في اتباعها.
قلت: هذا يدل على أن صاحب الترجمة لما توزر للتتار مشى في نفعهم وضر المسلمين، وإلا فما وجه منع الناس من الصلاة عليه والمشي في جنازته إلا لأمر حدث منه في الدين، والله أعلم، عفا الله عنه.(6/54)
1099 - أمير آل فضل
...
- 744 هـ ... - 1343 م
سليمان بن مهنا بن عيسى بن مهنا بن مانع بن حديثة بن غضبة بن فضل بن ربيعة، أمير عرب آل فضل.
ولي الإمرة بعد موت أخيه موسى في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، عقيب موت الملك الناصر محمد بن قلاوون. واستمر في الإمرة إلى أن قتل في شهر ربيع الأول سنة أربع وأربعين وسبعمائة، وقيل سنة ثلاث وأربعين.
وقال ابن حبيب في تاريخه: أمير حسن الشيم. زائد الكرم. رفيع الهمة. وافر الحرمة. بطل شجاع. عربي الطباع. فارس الخيل. يسير في بر البر سير السيل، كان عالياً علمه. مورقاً ضاله وسلمه. معشبة أراضيه. نافذة رماحه.(6/55)
قاطعة مواضيه. لبث مدة في بلاد التتار. ثم رجع طويل النجاد كريم النجار. باشر الإمرة حيناً من الدهر واستمر إلى أن جرد له الحتف سيف القهر، انتهى.
فشار ابن حبيب وركيك ألفاظه، وربما كان إذا ضاقت عليه القافية يذم المشكور ويشكر المذموم، لما ألزم به نفسه في جميع تاريخه بهذا النوع السافل في فن التاريخ، انتهى.
1100 - أمير المدينة
...
- 817 هـ - ... - 1414 م
سليمان بن هبة الله بن جماز بن منصور، الشريف الحسيني. أمير المدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.
ولي إمرة المدينة ثم عزل عنها، وقبض عليه الملك المؤيد شيخ، وسجنه إلى أن توفي بسجنه بالقاهرة سنة سبع عشرة وثمانمائة، وهو في عشر الأربعين عفا الله عنه.(6/56)
1101 - قاضي القضاة صدر الدين بن أبي العز الحنفي
...
- 677 هـ - ... - 1278 م
سليمان بن وهيب بن أبي العز، العلامة قاضي القضاة صدر الدين أبو الربيع الحنفي.
كان إماماً بارعاً في الفقه وأصوله، والعربية، واللغة، وغير ذلك. تفقه على الإمام الحصيري وغيره، وأفتى ودرس، وتصدر للاقراء عدة سنين، وتولى قضاء القضاة بدمشق مدة، ثم نقل إلى قضاء الديار المصرية.
قال قاضي القضاة بدر الدين محمود العيني في تاريخه: شيخ الحنفية في زمانه، وعالمهم شرقاً وغرباً. أقام بدمشق مدة يفتى ويدرس، ثم انتقل إلى الديار المصرية، فدرس بالصالحية، ثم عاد إلى دمشق فدرس بالظاهرية، وولي القضاء(6/57)
بعد مجد الدين بن العديم ثلاثة أشهر. ثم كانت وفاته ليلة الجمعة سادس شعبان، يعني من سنة سبع وسبعين وستمائة ودفن من الغد بعد الصلاة عليه بسفح قاسيون، وله ثلاث وثمانون سنة.
ومن لطيف شعره قوله في مملوك تزوج بجارية الملك المعظم:
يا صاحبي قفا بي وانظرا عجبا ... أتى بنا الدهر فينا من عجائبه
البدر أصبح فوق الشمس منزلة ... وما العلو عليها من مراتبه
أضحى يماثلها حسناً وصار لها ... كفؤا وسار إليها في مواكبه
فاستشكل الفرق لولا وشتى نمنمة ... بصدغه واخضرار فوق شاربه
انتهى.
1102 - صدر الدين الياسوفي
...
- 789 هـ - ... - 1387 م
سليمان بن يوسف بن مفلح بن أبي الوفا، الحافظ صدر الدين المقدسي الدمشقي الياسوفي الشافعي.(6/58)
تفقه على عماد الدين الحسباني بدمشق، وتخرج في الحديث بالشيخ الحافظ تقي الدين بن رافع، وسمع من أصحاب الفخر بن البخاري، ومن عمر بن الحسن بن أميلة، ومن الإمام المسند صلاح الدين محمد بن أحمد بن أبي عمر المقدسي، ومن أبي بكر بن محمد بن أبي بكر البالسي، وفخر الدين محمد بن محمد بن عمر بن محبوب، وعلاء الدين أبي الحسن علي بن عبد الرحمن بن محمد بن التقي بن سليمان ابن حمزة، وشمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة وغيرهم، ورحل وسمع بحلب كمال الدين أبا الفضل بن العجمي، ومحمد بن عبد العزيز بن إبراهيم بن العجمي، وعبد العزيز بن عبد الرحمن بن العجمي، وكمال الدين إبراهيم ابن أمية الدولة، وبدر الدين حسن، وكمال الدين أبا الحسن محمد بن حبيب، وشهاب الدين أحمد بن عبد الرحمن بن النصيبي، وشهاب الدين أحمد بن محمد ابن عشائر السلمي، وكمال الدين محمد بن أحمد بن النحاس وغيرهم. وسمع بحمص والقاهرة وغيرهما. وتفقه وبرع، وصار فقيهاً، عالماً حافظاً، وكتب وخرج(6/59)
وعرف العالي والنازل، والجرح والتعديل، وأسماء الرجال وطبقاتهم. وكان حافظاً للمتون، ضابطاً. وامتحن بآخره بسبب شهاب الدين أحمد بن البرهان، وهو أن ابن البرهان كان يتكلم في سلطنة الملك الظاهر برقوق، وكان صدر الدين هذا بينه وبين ابن البرهان صحبة فنم عليه، فقبض عليه صاحب قلعة دمشق ابن الحمصي وحبسه بقلعتها، واستمر صدر الدين المذكور محبوساً بقلعة دمشق إلى أن توفي بها في ليلة السبت ثالث عشرين شعبان سنة تسع وثمانين وسبعمائة، فغسل وصلى عليه بجامع دمشق، ودفن بعد الزوال بقرب الشيخ تقي الدين بن تيمية، رحمه الله.
1103 - المجذوب المعتقد
...
- 713 هـ - ... - 1313 م
سليمان الموله التركماني المعتقد.(6/60)
كان شيخاً صالحاً مولهاً، وللناس فيه اعتقاد حسن زائد.
قال الحافظ الذهبي: كان يجلس بساقية باب البريد وعليه عباءة بخسة ووسخ بين، وهو ساكن، قليل الكلام، له كشف وحال، من نوع أخبار الكهنة. انتهى كلام الذهبي.
قال الشيخ عبد الله اليافعي رحمه الله: وهذا على عادته، يعني عن الحافظ الذهبي، في اعتقاد المجاذبين المخربين. ثم قال اليافعي: وكان للناس فيه اعتقاد حسن زائد، وكان شيخنا إبراهيم يخضع له، ويجلس عنده.
ولما قال الذهبي: وكان يأكل في شهر رمضان ولا يصوم ولا يصلي، قال اليافعي: ومثل هذا قد شوهد من كثير من المخربين، يصلون في أوقات لا يشاهدون فيها وإن الأكل لا يدخل إلى بطونهم، وما يرى الناس أنهم يأكلون. ليس كذلك بل يمضغونه تخريباً وتستراً، وغير ذلك من الأحوال المحتملة لنقل الصلاة في وقتها. فللقوم في ذلك أحوال يحتجبون فيها، وقد ذكرت ذلك في كتاب روحة الرياحين ما يؤيد هذا عن قضيب البان والشيخ ريحان وغيرهما من المخربين، انتهى كلام الشيخ عبد الله بن أسعد اليافعي، رحمه الله.(6/61)
قلت: وكانت وفاة الشيخ سليمان هذا في سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، رحمه الله تعالى وعفا عنه.
1104 - سليم القرافي
...
- 802 هـ - ... - 1399 م
سليم السواق القرافي المعتقد المجذوب.
كان فقيراً صالحاً، يسكن القرافة، وللناس فيه اعتقاد حسن. وكان له أحوال وكشف. مات في تاسع عشر شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثمانمائة، رحمه الله تعالى وعفا عنه.
1105 - الجناني المعتقد
...
- 840 هـ - ... - 1436 م
سليم بن عبد الرحمن بن سليم، الصالح المعتقد، الجناني الأصل والمولد، نزيل القاهرة.
أصله من أهل منية جنان قرية من أعمال الشرقية من ضواحي القاهرة. وجنان بكسر الجيم ونونين بينهما ألف الأولى منهما مفتوحة. ثم قدم إلى القاهرة وأقام بجامع الأزهر سنين، ملازماً للعبادة وقراءة القرآن إلى أن ظهر أمره(6/62)
وصار للناس فيه اعتقاد، وقصد للزيارة. وتزوج ورزق الأولاد، وكان شديداً في أمر الله، لا تأخذه في الله لومة لائم، وكان عنده إقدام وجرأة على أكابر أهل الدولة. وكان لا يتنمق في كلامه معهم، بل يعلى صوته ويتكلم بما شاء، من غير مراعاة الحشمة على طريقة أهل البلاد، وكان عنده خفة وطيش مع بله وسلامة باطن. وكان إذا سمع أن بمكان منكراً جمع فقراءه وتوجه إليه بالسلاح والمطارق، ويدخل من غير إذن هجماً ويكسر ما وجده من الخمور، وإن منعه أحدهم قاتلهم بمن معه. وكان أمره معهم كما قيل: الحرب سجال يوم لك ويوم عليك، ومع هذا كان لا ينتهي عن ذلك مدة حياته.
وكانت له مكانة عند الملك الأشرف برسباي، وكان الملك الأشرف إذا رآه مقبلاً يضحك حتى يقرب منه، يرحب به، ويقضي حاجته، ويجلسه بجانبه، ويصغي لكلامه حتى ينتهي كلامه. فكان يحدثه الشيخ سليم كما يتحدث مع غيره من الفلاحين، من ذلك أنه سأله مرة في حاجة، فقال له الأشرف: نعم. فقال له سليم: لا تكذب علي. فضحك الأشرف، وقال ثانياً: ما أكذب عليك.
وكان لكلامه تأثير في القلوب، وجلس مرة في الجامع الأزهر وسب بعض أعيان الدولة جهاراً، وكان بجانبه بعض أصحابه من الفقراء، فأراد أن يرجعه(6/63)
فأسر له في أذنه بكلام، فلما سمع سليم مقالته، التفت وقال بأعلى صوته: أنا ما أخاف من أحد، ولو كنت أخاف من أم سيسى كنت أخاف من هذا الضراط الذي في القلعة، يعني الملك الأشرف، فهرب الفقير الذي أسر له إلى جهة من الجامع.
ومما شاهدته منه: إني كنت بالجامع الأزهر لصلاة الجمعة، وأظن أن الخطيب كان على المنبر، إذ خرج سليم من رواق الريافة إلى صحن الجامع، وبيده عصاة فضرب بها على الأرض، وصاح: الصلاة على ابن النصرانية، غير مرة، يعني بذلك عن سعد الدين إبراهيم بن كاتب جكم ناظر الخاص، فلم يقم المذكور بعد ذلك إلا أياماً يسيرة، ومرض ولزم الفراش مدة طويلة. وله أشياء في هذا النمط كثيرة.
ومما وقع له من سلامة الباطن أن شخصاً من الشياطين جاءه وبكى وقال: يا سيدي، أنت ما تعرف أن الدار الفلانية داري؟ فقال له الشيخ سليم: نعم. فقال له الرجل: إشهد لي، وأخرج له مكتوباً، فشهد سليم وكتب خطه، ومضى الرجل. وبعد مدة، قيل لسليم إن هذا المكتوب زور، وليست الدار له، فقام(6/64)
من وقته وذهب إلى بعض قضاة الشرع، وقال له: أنا شهدت بالزور عزرني، فسأله القاضي عن القضية، فحكى له، فقال القاضي: ما يجب عليك تعزير، ارجع عن شهادتك. فما أعجب سليما منه ذلك، وتوجه إلى قاض غيره، وهو يستغيث: ما بقي حكام؟ رجل يشهد بالزور وما يعزروه. فالتم عليه خلائق إلى أن اجتمع بقاض غيره، فقال له الثاني أيضاً كمقالة الأول، فاستغاث أكثر من ذلك فقال: أنا أعزر نفسي وأخذ عدة نعال وقباقيب وجعلها في عنقه، وجعل خلفه جماعة من فقرائه ينادون عليه: هذا جزاء من يشهد الزور. وأخذ يدور في الشوارع والأسواق، وهو على تلك الحالة حتى صدفه على ما قيل الزيني عبد الباسط، وأخذ يسكن ما به، فصاح سليم: والله طيب يا عبد الباسط واحد يشهد بالزور ما يعزر. ومضى كما كان إلى أن كل من السير، ورجع إلى داره. فرحمه الله ما كان أقواه في الدين. واستمر الشيخ سليم بالقاهرة إلى أن توفي بالصحراء بعد أن مرض مدة يسيرة في ودفن بالصحراء خلف جامع الأمير طشتمر الساقي المعروف بحمص أخضر، وقبره معروف هناك يقصد للزيارة، رحمه الله تعالى ونفعنا ببركته.(6/65)
باب السين والنون
1106 - علم الدين
- 669 هـ - ... - 1271 م
سنجر بن عبد الله، الأمير علم الدين.
كان من أعيان الأمراء بالديار المصرية، وكان ممن يخشى جانبه. فلما تسلطن الملك الظاهر بيبرس، وتمكن واستفحل أمره، أخرجه إلى الشام ليأمنه، وأقطعه إقطاعاً جيداً، فأقام بدمشق مدة، وخرج إلى جهة بعلبك إلى بعض إقطاعاته، فأدركته المنية ببعلبك، ومات في سنة تسع وستين وستمائة.
1107 - المستنصري
... - 669 هـ - ... - 1271 م
سنجر بن عبد الله المستنصري، الأمير قطب الدين البغدادي المعروف بالياغز.(6/67)
هو من مماليك الخليفة المستنصر بالله العباسي، ولما أخذت بغداد كان هو أيضاً ممن خرج منها، وقدم الشام فأنعم عليه الملك الظاهر بيبرس البندقداري بإقطاع جيد بدمشق، وصار محترماً في الدولة الظاهرية إلى أن توفي سنة تسع وستين وستمائة، وكان عنده معرفة ونباهة، وحسن عشرة، وكان يحاضر بالشعر والحكايات الظريفة، رحمه الله تعالى.
1108 - التركستاني
...
- 667 هـ - ... - 1269 م
سنجر بن عبد الله التركستاني، الأمير علم الدين.
كان من أعيان الأمراء في الدولة الظاهرية بيبرس، وكان له حرمة ووجاهة وتجمل في ملبسه ومركبه، مع الشجاعة الموصوفة عنه والإقدام.
مات سنة سبع وستين وستمائة، رحمه الله تعالى.
1109 - البرنلي الدواداري
628 - 699 هـ - 1231 - 1300 م
سنجر بن عبد الله البرنلي التركي الصالحي النجمي، الأمير الكبير علم الدين(6/68)
أبو موسى الدواداري.
كان من أمراء الألوف بالديار المصرية.
ذكره الحافظ أبو عبد الله الذهبي في معجمه قال: دين فاضل عالم، له مشاركة في الفقه والحديث، سمع الكثير، وحصل الأصول، وكتب الطباق بخط مليح، وكان الفضلاه يحضرون مجلسه، ويذاكرهم ويكرمهم. وقف مدرسة ورباطاً وغير ذلك، وقل من أنجب من الترك مثله. وقد حج ست حجج، مرة منها هو ورجلان على الهجين. وكان يعرف بمكة بالستورى، لأنه أول من كسا الكعبة شرفها الله تعالى بعد الخلفاء واستعمل كسوتها وسار بها من مصر. وسمع الحديث بالحرمين، والقدس، ومصر، ودمشق، والكرك، وحلب، وحمص، وقوص، وخرج له معجم في أربعة عشر جزءاً، وانتقى له شيخنا ابن الظاهري، فسمع من الزكي المنذري، والرشيد العطار، وابن عبد السلام، وإبراهيم بن نجيب، والشرف المرسي، وعبد الغني بن بنين.(6/69)
وقد جمعت مدائحه في مجلدين، وقرأ القرآن على الشيخ جبريل الدلاصي وغيره، انتهى كلام الذهبي. رحمه الله.
قال القاضي كمال الدين الزملكاني: كان فارساً، بطلاً شجاعاً مقداماً، مثابراً على الجهاد، ولم يكن في الأمراء الشاميين مثله في حسن اهتمامه بأمر المسلمين، وقيامه بسد الثغور، وكان عديم الأذى والظلم. ولم يزل مقدماً في الدولة، متعيناً لكل صالح، ديناً تقياً ورعاً، متواضعاً، قريباً إلى الناس. تولى نيابة السلطنة فسار أحسن سيرة، وتولى تدبير الممالك زمناً طويلاً، مراراً متعددة، وأبطل الله على يديه كثيراً من المكوس والمظالم. ثم قال: وكان يحيى كثيراً من السنة ويسهر الليل، وكان يلازم التردد إلى الجامع بثياب الذلة والتواضع والتخشع، يمشي وحده. ثم قال: وله المشاهد المشهورة في الجهاد، والمصابرة في الحروب، وبذل نفسه في ذلك محباً للشهادة. وكانت داره أشبه بالمساجد لكثرة قيام الجماعات فيها، وملازمة جميع غلمانه على الصلوات، وانتظارها قبلها مستقبل القبلة، وكان لا ينام إلا على جلد أضحى من الغنم، ولا يأكل في الغالب إلا من مباح، وقد أعد في مخدة تحت رأسه كفنه أبرادا سحولية مغسولة بماء(6/70)
زمزم، وحنوطاً، وأجرة الغاسل، وجميع ما يحتاج إليه، انتهى كلام الزملكاني.
قال البرزالي بعدما أثنى عليه: وشيوخه في معجمه مائتان وستون شيخاً، ومن مسموعه كتاب دلائل النبوة للبيهقي على لاحق الأرتاحي بإجازة من ابن الطباخ في سنة ست وخمسين وستمائة بقراءة الميدومي وبعضه بقراءة الشرف ابن سراقة. ثم قال: ومولده سنة ثمان وعشرين وستمائة، وتوفي ليلة الجمعة ثالث شهر رجب سنة تسع وتسعين وستمائة بحصن الأكراد، ودفن هناك بمقبرة تعرف بالمشهد، انتهى.
وقال الشيخ صلاح الدين: وكان الشيخ فتح الدين به خصيصاً، ينام عنده ويسامره. فقال لي: كان الأمير علم الدين قد لبس بالفقيري وتجرد، وجاور بمكة، وكتب الطباق بخطه. وكانت في وجهه أثر الضروب من الحروب. وكان إذا خرج غزوة، خرج طلبه وهو فيه، وإلى جانبه شخص يقرأ عليه جزءاً فيه أحاديث(6/71)
الجهاد. وكان السلطان حسام الدين لاجين رتبه في شد عمارة جامع أحمد بن طولون، وفوض أمره إليه، فعمره وعمر وقوفه وقرر فيه دروس الفقه والحديث والطب، وجعل من جملة ذلك وقفاً يختص بالديكة التي تكون في سطح الجامع في مكان مخصوص بها، وزعم أن الديكة تعين المؤقتين وتوقظ المؤذنين في السحر، وضمن ذلك كتاب الوقف، فلما قرأ على السلطان أعجبه ما اعتمده في ذلك، فلما انتهى إلى ذكر الديكة، أنكر ذلك، وقال: أبطلوا هذا، لا يضحك الناس علينا، انتهى.
1110 - الحصني
...
- 674 هـ - ... - 1275 م
سنجر بن عبد الله الحصني، الأمير علم الدين.
كان أولاً من أمراء الألوف، ثم ناب في سلطنة دمشق، توفي سنة أربع وسبعين وستمائة، رحمه الله تعالى.(6/72)
1111 - الدوادار
...
- 686 هـ - ... 1287 م
سنجر بن عبد الله الصالحي الدوادار، الأمير علم الدين.
كان أولاً من أعيان الأمراء المصريين في دولة الملك المنصور قلاوون وغيرها، وهو أستاذ الأمير سيف الدين كجكن المنصوري، توفي بالقاهرة في سنة ست وثمانين وستمائة.
1112 - الباشقردي نائب حلب
...
- 686 هـ - ... - 1287 م
سنجر بن عبد الله الباشقردي الصالحي، الأمير علم الدين.
كان من جملة الأمراء في دولة الملك الظاهر بيبرس: ثم تنقل إلى أن ولي نيابة حلب عوضاً عن الأمير جمال الدين أقوش الشمسي بحكم وفاته في سنة(6/73)
تسع وسبعين وستمائة، واستمر المذكور في نيابة حلب نحو السنتين، ثم عزل بالأمير قراسنقر المنصوري، وتوجه إلى الديار المصرية أميراً بها إلى أن مات في ليلة الثلاثاء تاسع عشر شهر رمضان سنة ست وثمانين وستمائة.
1113 - الجاولي
653 - 745 هـ - 1255 - 1344 م
سنجر بن عبد الله الجاولي، الأمير علم الدين أبو سعيد المعروف والده بالمشد.
وكان سنجر المذكور من أمراء الملك الناصر محمد بن قلاوون، ذكره ابن رافع في معجمه وقال: سمع في دانيال وحدث مراراً بالقاهرة.
قلت: وأظنه كان أصله من الأكراد، فإنه كان يتمذهب للشافعي رضي الله عنه، وله معرفة بمذهبه، ورتب مسند الشافعي وشرحه في مجلدات. وكان اولاً نائب الشوبك بغير إمرة، ثم نقل منها وجعل أميراً أيام سلار وبيبرس الجاشنكير(6/74)
وكان يعمل الأستادارية للملك محمد بن قلاوون لما كان بالكرك، وكان يدخل إليه مع الطعام على العادة، وكان يراعي مصالح الملك الناصر ويتقرب إليه. فلما قدم الملك الناصر من الكرك جهزه إلى غزة نائباً، وإلى القدس، وبلد الخليل، ونابلس، وقاقون، ولد، والرملة، وأقطعه إقطاعاً هائلاً، وعمل نيابة غزة بأعظم حرمة، وكان غالب أرباب الوظائف ترعاه.
واستمر على ذلك حتى وقع بينه وبين تنكز نائب الشام، فأمسكه الملك الناصر وحبسه نحو ثمان سنين، ثم أفرج عنه وولاه ثانياً نيابة غزة، وأقام بها سنين. وعمر بها جامعاً وبيمارستاناً، ووقف عليهما وقفا جيداً، وعمر بها أيضاً خاناً، وعمر أيضاً بقاقون خانا آخر، وعمر جامعا ببلد الخليل عليه السلام. وبنى أيضاً بغزة الميدان، والقناطر بغابة أرسوف والقصر. وهو الذي مدن غزة ومصرها، وجعلها مدينة، وكل عمائره متقنة مليحة محكمة. ثم نقل إلى نيابة حماة، فأقام بها يسيراً، وعزل وطلب إلى القاهرة، واستمر بها، وحج في أواخر عمره.
وتوفي يوم الجمعة تاسع شهر رمضان سنة خمس وأربعين وسبعمائة بمنزله بالكبش ظاهر القاهرة، وصلى عليه بالجامع الطولوني، ودفن من يومه(6/75)
بالخانقاة المجاورة لمنزله بالكبش، رحمه الله.
1114 - الحلبي نائب دمشق
...
- 692 هـ - ... - 1293 م
سنجر بن عبد الله الحلبي، الأمير الكبير علم الدين، نائب دمشق.
كان من أمراء الملك المظفر قطز. ولما كانت وقعة المظفر مع التتار بعين جالوت، وكسرهم الملك المظفر قطز ودخل دمشق ورتب أمور الشام وقرر قواعده، ثم استناب به الأمير سنجر المذكور، وعاد المظفر إلى القاهرة، فلما قتل الملك المظفر قطز بين الغرابي والصالحية على ما نحكيه في موضعه، إن شاء الله تعالى، وتسلطن الظاهر بيبرس البندقداري، وبلغ سنجر هذا ذلك، استخلف الأمراء بدمشق لنفسه، وتسلطن، ولقب بالملك المجاهد. وضربت الدراهم باسمه، وسكن قلعة دمشق، واستولى على عدة بلاد من أعمال دمشق،(6/76)
ثم خطب بدمشق للملك الظاهر بيبرس، وبعد للملك المجاهد سنجر هذا، وذلك في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين وستمائة. ثم كاتب سنجر صاحب حماة ليحلف له، فامتنع، وقال أنا مع صاحب مصر. ثم إن الملك الظاهر بيبرس كاتب أمراء دمشق يستميلهم إليه، ويأمرهم بالقبض على سنجر المذكور، فأجابوه، وخرجوا عن دمشق مناوئين لسنجر، وفيهم الأمير علاء الدين البندقداري أستاذ الملك الظاهر بيبرس أولاً، وغيره من الأمراء والجند. فخرج إليهم الأمير سنجر فحاربوه وهزموه، وألجأوه إلى قلعة دمشق، فأغلقها دونهم، وذلك في يوم السبت حادي عشر صفر سنة تسع وخمسين وستمائة، ثم خرج من القلعة في الليلة المذكورة من باب سر قريب من باب توما، وقصد بعلبك، فدخلها ومعه نحو عشرين نفراً من مماليكه، ودخل علاء الدين البندقداري دمشق واستولى عليها، وحكم فيها نيابة عن مملوكه الملك الظاهر بيبرس.
واستمر سنجر المذكور بقلعة بعلبك، إلى أن جاءه الأمير طيبرس الوزيري، فأمسكه وقيده أرسله إلى الملك الظاهر بيبرس.. فلما وصل إلى القاهرة، وأدخل إلى الملك الظاهر بيبرس ليلاً، قام إليه واعتنقه عتاباً هيناً وأمر له بخيل وقماش، وغير ذلك، وخلع عليه وأمره بالقاهرة.(6/77)
واستمر إلى أن تسلطن الملك المنصور قلاوون، صار سنجر المذكور أيضاً من أمرائه. فلما خرج سنقر الأشقر بدمشق عن طاعة الملك المنصور قلاوون، وتسلطن وحلف الناس لنفسه، كما فعل سنجر هذا مع الملك الظاهر بيبرس، ندب الملك المنصور قلاوون الأمير سنجر هذا، لقتال سنقر الأشقر ومعه عدة من العساكر المصرية، فتوجه سنجر إلى سنقر الأشقر، وجرى بينهم وقعة هائلة، انتصر فيه الأمير سنجر المذكور على سنقر الأشقر، كما سيأتي ذكره في ترجمة سنقر إن شاء الله تعالى. ثم عاد سنجر إلى القاهرة، وأخلع المنصور قلاوون عليه، واستمر بها إلى أن توفي سنة اثنتين وتسعين وستمائة.
وكان أميراً كبيراً، شجاعاً مقداماً، ذا نفس قوية، وهمه ملكية، وكرم وبر وصدقات، رحمه الله.
1115 - الدواداري
...
- 697 هـ - ... - 1297 م
سنجر بن عبد الله الدواداري الناصري، الأمير علم الدين أبو محمد، الشهير بطقصبا.
كان من أعيان أمراء الملك المنصور قلاوون وولده الأشرف خليل وفرسانهم.(6/78)
قال ابن الزملكاني: هو أمير جليل، مشهور بالعقل الوافر والديانة، والسكون، شجاع مقدام، معروف بحسن المواقف، وكثرة الجهاد، وبطل من الأبطال، ملازم لما هو بصدده، قليل الدخول فيما لا يعنيه. انتهى.
وسمع من سبط السلفى وغيره، وحدث، سمع منه الدين الفارقي، وكان يحب طلبة العلم ويجالسهم، وتوجه في وقعة حموص من بلاد سيس، فأصابه جرحاً في ركبته، فكسر العظم، فحمل إلى حلب، فمات في الطريق بالقرب من حلب في التاسع والعشرين من شهر رمضان سنة سبع وتسعين وستمائة، رحمه الله.
1116 - الحمصي
...
- 743 هـ - ... - 1342 م
سنجر بن عبد الله الحمصي، الأمير علم الدين.
تنقل المذكور في عدة ولايات، وباشر نيابة الرحبة، ثم عزل وتوجه لشد حلب، ثم طلب إلى الديار المصرية واستقر مشدا مع الجمالي الوزير، ثم أخرج إلى طرابلس مشداً، ثم طلب إلى القاهرة، ثم أخرج إلى دمشق(6/79)
أميراً، ثم أخرج عنه إقطاعه لابن الأمير أيدغمش نائب الشام وأخرج إلى طرابلس، فمات بالطريق في سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة.
1117 - الشجاعي المنصوري
...
- 693 هـ - ... - 1294 م
سنجر بن عبد الله الشجاعي المنصوري، الأمير الكبير علم الدين، وزير الديار المصرية، ومشد دواوينها، ثم نائب سلطنة دمشق.
كان رجلاً طوالاً، تام الخلقة، أبيض اللون، أسود اللحية، عليه وقار وهيبة وسكون، وكان في أنفه كبر، وفي أخلاقه شراسة، وفي طبيعته جبروت وانتقام وظلم وعسف، وله خبرة بالسياسة والعمارة. وكان أولاً قد ربي بدمشق عند امرأة تعرف بست قجا بجوار المدرسة المنكلائية، ثم انتقل إلى القاهرة وتعلم الخط وقرأ الأدب، واتصل بالأمير عز الدين الشجاعي، مشد الدواوين، وإليه ينسب بالشجاعي، ثم اتصل بالملك المنصور قلاوون وهو من جملة الأمراء،(6/80)
ولما تسلطن قلاوون تقدم سنجر المذكور عنده، وجعله شاد الدواوين، ثم ولاه الوزارة بالديار المصرية، ثم ولاه نيابة دمشق، ولما ولى نيابة دمشق تلطف بأهلها وقلل شره، واستمر فيها سنين، ثم عزل بعز الدين الحموي.
وكان يركب ويعرض بهيئة لا تنبغي إلا لسلطان، وكان له ميل إلى الدين، وتعظيم الإسلام. وهو الذي كان مشداً على عمارة البيمارستان المنصوري ببين القصرين من القاهرة، فتممة في مدة يسيرة، ونهض بهذا العمل العظيم، وفرغ منه في أيام قلائل. وكان يستعمل الصناع والفعول بالبندق، حتى لا يفوته من هو بعيد عنه في أعلى سقالة أو غيرها، ويقال إن بعض الفعول وقع يوماً من أعلى السقالة بجنبه فمات، فما اكترث سنجر له، ولا تغير من مكانه، وأمر بدفنه.
ولما كمل عمارة الجميع امتدحه معين الدين بن تولو بقصيدة أولها:
أنشأت مدرسة ومارستانا ... لتصحيح الأديان والأبدان
ثم عمل الوزارة في أول الدولة الناصرية محمد بن قلاوون أكثر من شهر، وحدثته نفسه بما فوق الوزارة، فعصى ووقع له أمور، وانحاز في القلعة إلى أن عجز وطلب الأمان في الرابع والعشرين من صفر سنة ثلاث وتسعين وستمائة فلم يعطوه أماناً، وطلع إليه بعض الأمراء وقال له: السلطان الملك(6/81)
الناصر يطلبك، وهدده إذا لم ينزل إليه ومشى معه، فضربه واحد طير يده، ثم ضربه آخر طير رأسه، وعلق رأسه في الحال على سور القلعة. ودقت البشائر وطافت المشاعلية برأسه على بيوت كتاب القبط، فبلغت اللطمة على وجهه بالمداس نصفا، والبولة عليه درهما، وحصلت المشاعلية من ذلك جملة.
قلت: وهذا غلط فاحش من المشاعلية، قاتلهم الله، فإنه ولو كان عنده من الظلم ما كان هو خير من الأقباط.
ولما قتل قال فيه السراج الوراق:
أباد الشجاعي رب العباد ... وعقباه في الحشر أضعاف ذلك
عصى رأسه فالعصى نعشه ... وشيع للدفن في نار مالك
ولما ولي نيابة دمشق، وسع ميدانها أيام الملك الأشرف خليل، فقال الأديب علاء الدين الوداعي:
علم الأمير بأن سلطان الورى ... يأتي دمشق ويطلق الأموالا
فلأجل ذلك زاد في ميدانها ... لتكون أوسع للجواد مجالا
قال الشيخ صلاح الدين بن أيبك: أخبرني من لفظه القاضي شهاب الدين أحمد بن فضل الله، قال: أخبرني والدي عن قاضي القضاة نجم الدين بن الشيخ(6/82)
شمس الدين شيخ الجبل، قال: كنت ليلة نائماً فاستيقظت وكأن من أنبهني وأنا أحفظ كأنما قد أنشدت ذلك:
عند الشجاعي أنواع منوعة ... من العذاب فلا ترحمه بالله
لم تغن عنه ذنوب قد تحملها ... من العباد ولا مال ولا جاه
قال: ثم جاءنا الخبر بقتله بعد أيام قلائل، فكنت قتلته في تلك الليلة التي أنشدت فيها الشعر. انتهى.
قلت: تقدم إن وفاته في الرابع والعشرين من صفر سنة ثلاث وتسعين وستمائة.
1118 - أمير مكة
...
- 763 هـ - ... - 1362 م
سند بن رميثة بن أبي نمى محمد بن أبي سعد حسن بن علي بن قتادة، الشريف الحسنى المكي، أمير مكة.
ولي إمارة مكة شريكاً لابن عمه محمد بن عطيفة، بعد عزل(6/83)
أخويه ثقبة وعجلان، وجاء الخبر بولايته وهو معهما في ناحية اليمن، فقدم مكة، وأعطى تقليده، وأخلع عليه وعلى ابن عمه محمد بن عطيفة، وذلك في جمادى الآخرة، وقيل في شهر رجب، سنة ستين وسبعمائة، ودام في إمرة مكة. ووقع بها أمور وحوادث مع أخوته ومع العسكر المصري إلى أن عزل، وتشتت في البلاد إلى أن مات في سنة ثلاث وستين وسبعمائة بالحديدة، انتهى.
1119 - الزيني المسند المعمر
618 - 706 هـ - 1221 - 1306 م
سنقر بن عبد الله الزيني، الشيخ المسند للعمر علاء الدين أبو سعيد الأرمني ثم الحلبي القضائي.
ولد سنة ثمان عشرة وستمائة، ثم جلب إلى حلب سنة أربع وعشرين وستمائة، واشتراه قاضي حلب تقي الدين بن الأستاذ، وسمع منه مع أولاده كثيراً، وكتبوا له في صفر وأنه لا يفهم بالعربي، ثم سمع في سنة خمس وما بعدها، سمع(6/84)
من الموفق عبد اللطيف، وعز الدين بن الأثير، وبهاء الدين بن شداد، وابن روزبة. وسمع الثلاثيات من ابن الزبيدي بدمشق. وسمع ببغداد من الأنجب الحمامي، وعبد اللطيف بن القبيطي، وجماعة وسمع بمصر من عبد الرحمن ابن الطفيل. وعمر طويلا، وتفرد، وروى الكثير، وحدث ببعض مروياته، وأكثر عن ابن الخليل، وسمع منه المعجم الكبير بكماله، خرج له الحافظ الذهبي مشيخة، وخرج له أبو عمرو المقاتلي، وأكثر عنه ابن حبيب وولداه.
توفي سنقر المذكور سنة ست وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
1120 - العزي
...
- 845 هـ - ... - 1441 م
سنقر بن عبد الله العزي الناصري، الأمير سيف الدين.
هو من مماليك الناصر فرج بن برقوق، وممن صار خاصكيا بعد موت الملك المؤيد شيخ، ثم تأمر خمسة في الدولة الأشرفية برسباي، ثم عشرة، ثم نقل إلى نيابة حمص في سنة ست وثلاثين وثمانمائة، فاستمر في نيابة حمص إلى أن(6/85)
توفي الملك الأشرف وآل الملك إلى الملك الظاهر جقمق، بعد خلع الوزير يوسف بن الأشرف برسباي، وجرى من عصيان الأمير إينال الجكمي نائب الشام ما حكيناه، انضم سنقر هذا إلى إينال المذكور، وصار من حزبه إلى أن قبض عليه الملك الظاهر جقمق وحبسه، مدة طويلة، ثم أطلقه وولاه بعض قلاع البلاد الشامية إلى أن توفي هناك في حدود سنة خمس وأربعين وثمانمائة، وكان مهملاً جاهلاً، عفا الله عنه.
1121 - الألفي الظاهري
...
- 680 هـ - ... - 1281 م
سنقر بن عبد الله الألفي الظاهري، الأمير شمس الدين.
كان من جملة الأمراء في الدولة الظاهرية بيبرس، فلما افتضت السلطنة إلى ولده الملك السعيد، وقبض على الفارقاني، رتب سنقر هذا عوضه في نيابة(6/86)
السلطنة بالديار المصرية، فبقي مدة، وحسنت سيرته، وكان محبباً للناس، ثم استعفى، وصرف بالأمير كوندك، وقبض عليه حتى مات معتقلاً بالإسكندرية في سنة ثمانين وستمائة.
وكان ديناً خيراً، وله فضل وأدب، ومات وهو من أبناء الأربعين. رحمه الله.
1122 - الأقرع
...
- 670 هـ - ... - 1272 م
سنقر بن عبد الله الأقرع، الأمير شمس الدين.
أحد مماليك الملك المظفر غازي بن الملك العادل صاحب ميافارقين، تنقلت به الأحوال حتى صار من كبار الأمراء بالديار المصرية، ثم أمسكه الملك الظاهر بيبرس وحبسه إلى أن توفي سنة سبعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
1123 - الأشقر
...
- 692 هـ - ... - 1293 م
سنقر بن عبد الله الصالحي النجمي، الأمير شمس الدين.(6/87)
كان من عتقاء الملك الصالح نجم الدين أيوب، ومن أعيان مماليكه ثم صار، بعد موته من جملة الأمراء، ثم توجه إلى دمشق فأمسكه الملك الناصر يوسف صاحب حلب وحبسه، فاستمر محبوساً إلى أن ورد هولاكو إلى حلب وجده محبوساً فأطلقه، وأخذه صحبته إلى بلاده، وأنعم عليه وأكرمه واستمر عنده مدة، وتأهل هناك، ورزق الأولاد.
فصار رفيقه الملك الظاهر بيبرس يحرض على خلاصه من بلاد التتار فلم يقدر على ذلك، فاتفق أن الملك لما أسر كيفون بن صاحب سيس بعث إلى الملك الظاهر أبو كيفون يطلبه منه وبذل له مالاً كثيراً، فلم يرض الملك الظاهر بذلك واستمر ابنه الملك الظاهر، فلما استولى الملك الظاهر على أنطاكية، بعث إليه هيثوم صاحب سيس رسولاً بسبب ولده المذكور وذكر أنه يسلم للملك الظاهر القلاع التي كان أخذها من التتار عند استيلائهم على حلب وهي: دربساك وبهسنا ورعيان. فأبى السلطان قبول ذلك وإطلاق ولده(6/88)
إلا أن يحتال في إخراج سنقر الأشقر هذا من التتار. فعند ذلك سار إليهم بحيلة الاستعانة بهم على الملك الظاهر، واستصحب معه الأمير علم الدين سلطان أحد البحرية، وكان يجتمع بسنقر الأشقر سراً وعليه زي الأرمن ويرغبه في الهرب. وخاف سنقر الأشقر أن يكون ذلك دسيسة عليه، فلا يصغي إليه، ويقول ما أعرف صاحب مصر، ولا أخرج من عند هؤلاء القوم فإنهم محسنون إلي. ولم يزل سلطان المذكور يذكر له إمارات وعلامات ليهتدي بها إلى صحة مرامه حتى أذعن سنقر للهرب. فلما خرج صاحب سيس لبس زيهم، وخرج معهم، فلما وصل إلى بلده سار علم الدين سلطان المذكور إلى الملك الظاهر، وعرفه بما وقع، فعند ذلك بعث الملك الظاهر إلى القاهرة وأحضر كيفون ابن صاحب سيس فوصل إليه والملك الظاهر على أنطاكية، فسار به إلى دمشق فدخلها يوم السبت سابع عشر شهر رمضان سنة ست وستين وستمائة، ثم سيره إلى سيس، ووقفوا به على النهر من غير أن يطلقوه حتى يحضر سنقر الأشقر ثم وصل سنقر الأشقر مع جماعة من الأرمن ووقفوا به من تلك الجهة على النهر، ثم أطلق كل واحد منهما، وتسلم نواب الملك الظاهر دربساك ورعيان، ولم يبق مما وقع عليه الاتفاق(6/89)
إلا بهسنا فإن صاحب سيس سأل الأمير سنقر الأشقر أن يشفع فيه عند الملك الظاهر في إبقائها عليه على سبيل الإقطاع، فوعده سنقر بذلك، وقال لنواب الملك الظاهر: أنا أجيب الملك الظاهر بالجواب فتوجهوا صحبة سنقر الأشقر إلى جهة الملك الظاهر.
فلما بلغ الملك الظاهر قدوم سنقر الأشقر خرج من دمشق في تاسع عشر شوال، ونزل على القطيفة. فلما بلغه أن سنقر الأشقر وصل إلى خان المناخ ركب الملك الظاهر وحده وسار إليه، فما أحس سنقر إلا والملك الظاهر على رأسه، فقام إليه وترجل له واعتنقا طويلاً، وسارا حتى نزلا في الدهليز ليلاً، فلما أصبحا خرجا منه معاً. فعجب العساكر كيف اجتمعا ولم يشعر بهما، ثم سأل سنقر الأشقر السلطان في إبقاء بهسنا مع صاحب سيس، فامتنع السلطان من ذلك، فقال له سنقر: يا خوند أنا قد رهنت لساني عنده، ووعدته ببلوغ قصده، وقد أحسن إلي غاية الإحسان، فأجابه الملك الظاهر.
واستمر سنقر من أعظم أمراء الملك الظاهر إلى أن توفي الملك الظاهر وتسلطن ولده الملك السعيد، ثم خلع وتسلطن أخوه سلامش، وبقي قلاوون(6/90)
مدبر المملكة استقر الأشقر في نيابة الشام، فوصل إلى دمشق بعظمة زائدة، وخرج إلى لقائه أهل دمشق، وزينت دمشق لقدومه. واستمر إلى أن تسلطن قلاوون، فلم يرض بذلك سنقر المذكور، وتسلطن هو أيضاً بدمشق، بعد أن استولى على قلعتها، ولقب بالملك الكامل، وجهز العساكر إلى نحو غزة، وجرت له أمور. ثم إن الملك المنصور قلاوون أرسل إليه عسكراً كثيفاً إلى دمشق، ومقدم العسكر الأمير سنجر الحلبي، وكان الأمير سنجر أيضاً قد تغلب على الملك الظاهر بيبرس في أول سلطنته، وتسلطن ولقب بالملك المجاهد، ثم قبض عليه الملك الظاهر، حسبما ذكرناه في ترجمته.
ولما اتصل الخبر إلى سنقر الأشقر بوصول الأمير سنجر مقدم العساكر إليه، خرج هو بنفسه وبجميع من عنده من العساكر إليه، والتقى الجيشان يوم الأحد سادس عشر صفر وقت طلوع الشمس، وتقاتلا أشد القتال، وثبت الملك الكامل سنقر الأشقر، وقاتل قتالاً عظيماً واستمر القتال إلى الرابعة من النهار، ولم يقتل من الفريقين إلا نفر يسير جداً، وخامر أكثر عسكر دمشق على سنقر الأشقر، فعند ذلك انهزم سنقر الأشقر وتوجه إلى رحبة مالك ابن طوق، ومعه عيسى بن مهنا، وتسلم المصريون دمشق.
ثم جهز الأمير سنجر فرقة من العساكر تقارب ثلاثة آلاف فارس في طلب سنقر الأشقر ومن معه من الأمراء والجند، ثم ردفهم بعسكر آخر من دمشق،(6/91)
فلما بلغ سنقر الأشقر ذلك فارق عيسى بن مهنا، وتوجه بمن معه إلى البرية، إلى الحصون التي كانت بقيت بيد نوابه، ليحصن هو ومن معه فيها، وهي صهيون. وكان بها أولاده وخزائنه، فدخلها هو أيضاً، وبقية القلاع التي بيده صارت في يد أعوانه، وهم عدة قلاع: بلاطنس، وبرزية، وحصن عكار، وجبلة، واللاذقية، والشغر، وبكاس، وشيزر. ووقع له أمور وحوادث، فبينما هم كذلك إذ وردت الأخبار في جمادى الآخرة بأن التتار خذلهم الله قد قصدوا بلاد الشام، فخرج من كان بدمشق من العسكر الشامي والمصري، ومقدمهم الأمير زين الدين إياجي، ولحق ببقية العسكر الذين كانوا على شيزر، وكانوا قد تأخروا عنها، ونزلوا بظاهر حماة، ووصل من الديار المصرية عسكر أيضاً، واجتمع الجميع على حماة، وأرسلوا بالكشافة إلى بلاد التتار، وأخليت حلب من العساكر التي بها والتجأوا إلى حماة.
وظن التتار أن سنقر الأشقر ومن معه يتفقون معهم، ويكونون جميعاً على العسكر المصري، فأرسل أمراء العسكر المصري إلى أن سنقر الأشقر يقولون له: هذا العدو قد دهمنا، وما سببه إلا الخلف بيننا، وما ينبغي أن نهلك الإسلام في الوسط، والمصلحة أننا نجتمع على وقعة واحدة. فنزل سنقر الأشقر من صهيون(6/92)
والحاج أزدمر من شيزر بإشارة سنقر الأشقر. وخيمت كل طائفة تحت قلعتها، ولم يجتمعوا بالمصريين، واتفقوا على اجتماع الكلمة ودفع العدو عن الشام، واستمروا على ذلك إلى يوم الجمعة حادي عشرين جمادى الآخرة، وصلت طائفة عظيمة من عساكر التتار إلى حلب؛ وقتلوا من كان ظاهراً، وسبوا، وأحرقوا الجوامع والمدارس المعتبرة، ودار السلطنة، ودور الأمراء الكبار، ووأفسدوا فساداً كبيراً، وكان أكثر من تخلف بها استتر في المقابر وغيرها. وأقاموا التتار بحلب يومين على هذه الصورة، وفي يوم الأحد ثالث عشرين جمادى رحلوا من حلب راجعين إلى بلادهم.
ولما بلغ العسكر المصري والشامي عود التتار فرحوا بذلك؛ ثم التفتوا إلى سنقر الأشقر، وترددت الرسل بينهم، ثم هرب جماعة من أمراء سنقر الأشقر ودخلوا في طاعة الملك المنصور قلاوون، واستمر سنقر بصهيون إلى سنة ثمانين وستمائة. خرج الملك المنصور إلى دمشق لنصرة الإسلام ودفع التتار، وترددت الرسل بينه وبين سنقر الأشقر في الصلح، فاصطلحا وحلف الملك المنصور لسنقر، وسر الناس لذلك، ودقت البشائر بدمشق.(6/93)
ووجه ما وقع عليه الصلح أن سنقر الأشقر رفع يده عن شيزر، وسلمها إلى نواب الملك المنصور، وعوضه الملك المنصور عنها أفامية وكفر طاب، وأنطاكية، والسويداء، والشغر، وبكاس، ودير كوش بأعمالها كلها، وعدة ضياع مفرقة، وأن يقيم على ذلك، وعلى ما كان استقر بيده عند الصلح وهو: صهيون، وبلاطنس، وبرزية، وجبلة، واللاذقية. وخوطب بالمقر العالي المولوي السيدي العالمي العادلي الشمسي، ولم يصرح له بلفظ الملك ولا أمير، وكان يخاطب قبل ذلك في مكاتبته بالجناب العالي الأميري الشمسي.
فلما كان يوم الأحد ثالث شهر رجب نزل الملك المنصور على حمص لقتال التتار، وأرسل إلى سنقر الأشقر بالحضور إليه بمن معه من الأمراء والعسكر، فوصل سنقر الأشقر إلى الملك المنصور، واجتمع به، وحصل له احترام وإكرام، والاجتماع على العدو المخذول إلى العدو المخذول إلى يوم المصاف قاتل الأمير سنقر الأشقر بين يدي الملك المنصور قتالاً شديداً، وأبلى بلاء حسناً، وثبت ثباتاً عظيماً، فلما أيد الله المسلمين بنصره عاد سنقر في خدمة الملك المنصور إلى حمص، ثم ودعه وعاد إلى صهيون.
فلما كان سنة ست وثمانين وقعت الوحشة بينهما، فجهز المنصور الأمير قلاووز وطائفة من العساكر صحبة الأمير حسام الدين طرنطاي بمن معه إلى دمشق(6/94)
لحصار صهيون وانتزاعها من يد الأمير سنقر الأشقر، فلما وصل طرنطاي إلى دمشق استصحب معه الأمير حسام الدين لاجين نائب دمشق بعسكر دمشق.
وتوجهوا الجميع حتى نزلوا على صهيون في المحرم، وكان سنقر استعد لقتالهم، فتقاتلوا مدة. وأخذت برزية من سنقر الأشقر، فلما بلغه أخذها منه خارت قواه، ولان لتسليم صهيون على شروط اشترطها. فأجابه طرنطاي إلى ذلك، وحلف له، ونزل من قلعة صهيون بعد حصرها شهراً واحداً، وكان نزوله منها في شهر ربيع الأول من سنة ست وثمانين وستمائة. وتوجه سنقر الأشقر صحبة طرنطاي إلى الديار المصرية، فوفى له طرنطاي بجميع ما وعده، ولم يزل يذب عنه أيام حياته، وسعى له طرنطاي حتى أنعم عليه الملك المنصور قلاوون بإمرة مائة وتقدمه ألف بالديار المصرية. وبقي وافر الحرمة إلى أن توفي الملك المنصور قلاوون وتسلطن من بعده ولده الملك الأشرف خليل. استقر سنقر الأشقر في خدمته أيضاً، وتوجه معه إلى فتح قلعة الروم، فلما عاد الأشرف من فتح قلعة الروم إلى دمشق في سنة إحدى وتسعين وستمائة، أمسك سنقر الأشقر وجهزه إلى الديار المصرية، وتوجه الأشرف بعده إلى القاهرة، وقتله في سنة اثنتين وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى.(6/95)
1124 - الأعسر
...
- 709 هـ - ... - 1309 م
سنقر بن عبد الله المنصوري الأعسر، الأمير شمس الدين.
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: من كبار الأمراء، توفي سنة تسع وسبعمائة، تولى شد الدواوين بدمشق سنة ثمان وثمانين وستمائة، وكان مملوكاً للأمير عز الدين أيدمر الظاهري النائب بالشام، ودواداره، وكانت نفسه تكبر عن الدوادارية، ولما عزل مخدومه وأرسل إلى الديار المصرية في الدولة المنصورية قلاوون، عرضت مماليكه على السلطان، فاختار منهم جماعة منهم سنقر هذا، فاشتراه، ثم أخرجه إلى الشام أميراً في سنة ثلاث وثمانين، ورتبه في شد الدواوين والأستادارية، فأقام بالشام، وله صورة كبيرة، وسمعة شهيرة، إلى أن توفي الملك المنصور وتولى الأشرف، كان في خاطر الوزير شمس الدين بن السلعوس منه، فطلب إلى مصر وعوقب وصودر، فتوصل بتزويج ابنه الوزير، فأعاد إلى الحالة الأولى.(6/96)
ولم يزل إلى الدولة العادلية كتبغا، ووزر له الصاحب فخر الدين بن الخليلي فقبض على سنقر المذكور، وأخذ منه قريباً من خمسمائة ألف درهم، وأهانه الوزير غير مرة، وعزله بفتح الدين بن صورة، باشتراط شهاب الدين الحنفي أن لا يباشر مع الأعسر لأنه خائن، فتوجه الأعسر صحبتهم إلى مصر.
ولما وثب حسام الدين لاجين على كتبغا وتسلطن، وصل الأمير سيف الدين قبجق نائب الشام وولي الأعسر الوزارة، وسلم إليه شهاب الدين الحنفي فلم يعامله كما عامله. ثم إن الأعسر قبض عليه، وولي الوزارة أيضاً بعد ذلك، وعامل الناس بالجميل، وتوجه لكشف الحصون في سنة سبعمائة، ورتب عوضه عز الدين أيبك البغدادي، فاستمر أمير مائة وعشرة مقدم ألف، وحج صحبة الأمير سيف الدين سلار. وتوفي بمصر بعد أمراض اعترته.
وقال الشيخ صدر الدين بن الوكيل يمدحه موشحة يعارض السراج المحار، وجاء منها في مديح الأعسر:
يا فرحة المحزون ... وفرجة لمن يرى
إن صلت بالجفون ... وصدت من جفني الكرى
فليس لي يحميني ... سوى الذي فاق الورى
شمس العلا والدين ... أبي سعيد سنقرا(6/97)
مولى حوى كل علا وسؤدد ... في معشر فرسان
وقد صفا ثم حلا في المورد ... للمعسر والعان
وفيه يقول علاء الدين الوداعي، ومن خطه نقلت، لما سبق الأمراء في عمارة الميدان:
لقد جاد شمس الدين بالمال والقرى ... فليس له في حلبة الفضل لاحق
وأعجز في هذا البناء بسبقه ... وكل جواد في الميادين سابق
انتهى كلام الصفدي، رحمه الله تعالى.(6/98)
باب السين والهاء
1125 - أبو الفرج الإسنائي
...
- 670 هـ - ... - 1272 م
سهل بن الحسن أبو الفرج الإسنائي، ذكره العماد في الخريدة.
كان شاعراً، تأدب على الشريف أسعد النحوي، وكان له نظم رائق، كتب إلى كنز الدولة وقد غرق في النيل:
يا من جعلت فداك ... أشكو إليك أخاك
كأنما حسبتني ... أمواجه من علاك
فغرقتني كما قد ... غرقت في نعماك
وله أيضاً:
قالت: أراك عظيم الهم قلت لها: ... لا يعظم الهم حتى تعظم الهمم
وصمم الحي في عذلي فقلت لهم ... عني إليكم فبي عن عذلكم صمم(6/99)
إن الضراغم لا تلقى فرائسها ... حتى تفارقها الأكياس والأجم
والهندواني لا يحوي به شرف ... حتى يجرد وهو الصارم الخذم
توفي صاحب الترجمة في حدود السبعين وستمائة، رحمه الله تعالى.(6/100)
باب السين والواو
1126 - سوتاي النوين
...
- 732 هـ - ... - 1332 م
سوتاي بن عبد الله النوين، الحاكم على ديار بكر.
ذكره ابن حبيب في تاريخه قال: كان جليلاً كبيراً، ماجداً خطيراً. ذا حماسة ورئاسة، وعزم وحزم وسياسة. محبباً إلى رعيته، مقدماً بحسن سمته وسجيته. متع بعمر طويل، ومال نافع، وحضر وقعة بغداد وهو يافع. واستمر نازلاً بديار بكر بن وائل، إلى أن غالته بعد حين من دهره الغوائل. انتهى.
قلت: وكانت وفاته ببلاد الموصل في سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، ولم أقف لصاحب هذه الترجمة على خبر غير ما ذكره ابن حبيب، فإنه لم يذكر متى(6/101)
ولي المترجم، ولا عمن أخذ، ولا كم أقام، وإنما هو رجل مقصده تركيب كلام مسجع لا غير. انتهى.
1127 - المظفري
...
- 791 هـ - ... - 1389 م
سودون بن عبد الله المظفري، الأمير سيف الدين.
أصله من مماليك الأمير قطلوبغا المظفري، أحد مقدمي الألوف بحلب، واستمر عنده إلى أن توفي. خدم عند الأمير صقر الناصري نائب حلب، وصار خازندارا عنده، ثم تنقل في الإمريات إلى أن صار حاجب حجاب حلب، ثم ولي نيابة حماة من قبل الملك الظاهر برقوق عوضاً عن صنجق الحسني، فاستمر بها مدة، ثم نقل إلى نيابة حلب بعد مسك الأمير يلبغا الناصري، في سنة سبع وثمانين وسبعمائة، فأقام بها مدة، ثم عزل بالأمير يلبغا الناصري المذكور.
واستقر سودون هذا أتابك عساكر حلب، ووقعت الوحشة بينهما في الباطن.(6/102)
واستمر الحال على ذلك إلى صفر سنة إحدى وتسعين وسبعمائة. مال الأمير يلبغا الناصري إلى العصيان على الملك الظاهر برقوق، وأرسل إلى تمربغا الأفضلي المدعو منطاش نائب ملطية يعرفه بذلك، وكان منطاش قد عصى من العام الماضي. ثم أخذ الناصري يكاتب برقوق بأنه طائع السلطنة، وأن الأمير سودون المظفري يحصل منه أمور قبيحة في حقه، فأرسل الملك الظاهر السيفي ملكتمر الدوادار إلى حلب، وعلى يده مثالان ليلبغا الناصري ولسودون المظفري هذا، أن يصطلحا بحضرة القضاة والأمراء، وسير الملك الظاهر مع ملكتمر المذكور في الباطن عدة مطالعات لسودون المظفري وغيره من امراء حلب بالقبض على الناصري، وبقتله أن امتنع من الصلح. وكان مملوك الناصري قد تأخر بالقاهرة ليفرق كتباً من أستاذه يلبغا الناصري على الأمراء، يدعوهم لموافقته، وأخر السلطان جوابه حتى يسبقه ملكتمر الدوادار، فبلغ مملوك الناصري ما على يد ملكتمر من القبض على أستاذه، فأخذ الجواب وسار، وجد في السير حتى دخل حلب قبل ملكتمر، وأخبر الناصري بالحال كله.
ويقال إن ملكتمر الدوادوار كان بينه وبين الشيخ حسن رأس نوبة الناصري مصاهرة، فلما قرب من حلب بعث يخبره بما أتى فيه. وأظن الأول أقرب.(6/103)
ولما بلغ الناصري الخبر احترز لنفسه، ثم خرج من حلب حتى لقي ملكتمر على العادة، وأخذ منه مثاله، وحضر به إلى دار السعادة، وقد اجتمع الأمراء والقضاة لسماع المثال السلطاني. وتأخر سودون المظفري هذا عن الحضور لما يعلم من عصيان الناصري، فأرسل الناصري يستعجله حتى حضر وهو لابس آلة الحرب من تحت ثيابه. فعندما دخل سودون المظفري الدهليز جس قازان البرقشي أمير آخور الناصري كتفه فوجد السلاح، فقال: يا أمير سودون الذي يريد الصلح يدخل السلاح؟ فسبه سودون المظفري، فسل قازان عليه السيف وضربه، ثم أخذته السيوف من كل جهة من الذين رتبهم الناصري من مماليكه حتى قتل. ثم جرد مماليك سودون المظفري سيوفهم وقاتلوا مماليك الناصري، فقتل بينهم أربعة. وثارت الفتنة ساعة ثم سكنت. وحمل سودون ميتاً، رحمه الله، وذلك في صفر سنة إحدى وتسعين وسبعمائة.
وكان أميراً معظماً، عارفاً ديناً، متواضعاً، محباً للفقراه منفعلاً للخير، كثير البر والمعروف والصدقات، رحمه الله تعالى.
1128 - الشيخوني النائب
...
- 798 هـ - ... - 1396 م
سودون بن عبد الله الشيخوني الفخري، الأمير سيف الدين، نائب السلطنة(6/104)
بالديار المصرية.
ولما تسلطن الملك الظاهر برقوق في يوم الأربعاء تاسع عشر شهر رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة، خلع على الأمير سودون هذا باستقراره في نيابة السلطنة بالديار المصرية، واستقر عوضه في الحجوبية الأمير قطلوبغا الكوكاي أمير سلاح، واستقر عوضاً عن الكوكاي في إمرة سلاح الأمير ألطنبغا المعلم.
قلت: وهذا دليل على أن وظيفة إمرة سلاح كانت قديماً هينة، بخلاف زماننا هذا، فإنها الآن أعظم الوظائف بعد الأمير الكبير، انتهى.
وذلك في يوم الإثنين رابع عشرين شهر رمضان من السنة المذكورة.
واستمر الأمير سودون هذا في النيابة سنين كثيرة معظماً في الدولة، مهاباً، وافر الحرمة، قدوة للملك الظاهر برقوق في أموره، لا يخرج الظاهر عن رأيه ولا عن مايشير إليه ألبتة. ودام على ذلك إلى أن انتكب الملك الظاهر برقوق، وقبض عليه الأمير يلبغا الناصري ومنطاش، وخلعاه من الملك بالملك المنصور حاجي،(6/105)
وحبساه بحبس الكرك في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، فلم يحصل على سودون هذا شر، بل لزم داره، حسبما نذكره إن شاء الله تعالى. وهو أن الناصري ومنطاش لما نزلا بقية النصر خارج القاهرة بمن معهما من العساكر، وأخذ أمر أمراء الملك الظاهر برقوق في انحطاط، وانفل عنه غالب مماليكه وأعيان دولته، ولم يبق عنده سوى الأمير سودون النائب هذا، وابن عمه الأمير قجماس، وسيدي أبي بكر بن سنقر. فلما رأى سودون المذكور أمر الملك الظاهر برقوق في إدبار، أشار عليه بأن يطلب من الناصري أماناً. فأرسل الملك الظاهر أبا بكر بن سنقر إلى الناصري وصحبته الأمير بيدمر المنجكي شاد القصر بنمجة الملك، وسألاه في خلوة الأمان للملك الظاهر برقوق. فأمنه الناصري، وأمره أن يختفي حتى يدبر له أمرا، وقال: الكلمة غير متفقة الآن. فعاد أبو بكر بن سنقر إلى الملك الظاهر بالجواب، فلما صلى الملك الظاهر برقوق العشاء، وقام الخليفة إلى منزله بالقلعة، وتكلم الظاهر مع سودون النائب فيما يفعله، ثم أذن له بالنزول(6/106)
إلى حال سبيله، فنزل سودون النائب إلى داره، ثم نزل برقوق بعده واختفى بالقاهرة، حسبما ذكرنا في ترجمته.
فلما طلع الناصري إلى قلعة الجبل، وتسلطن الملك المنصور حاجي، وصار يلبغا الناصري مدبر مملكته، طلع إليه سودون المذكور فأمنه على نفسه، ولم يقبض عليه، بل أمره الناصري بلزوم داره، فنزل ولزم بيته، إلى يوم ثامن جمادى الآخرة من السنة، قبض عليه وعلى ثمانية أمراء أخر من مقدمي الألوف والطبلخانات، من حواشي برقوق وهم: سودون باق، وسودون الطرنطاي، وشيخ الصفوي، وقجماس ابن عم الملك الظاهر برقوق، وسيدي أبو بكر بن سنقر، وأقبغا المارديني حاجب الحجاب، وبجاس النوروزي، ومحمود بن علي الأستادار، وعلى جماعة من الطبلخانات وغيرها، وحبسوا الجميع في حبس الإسكندرية.
فأقام سودون الشيخوني هذا في حبس الإسكندرية إلى شعبان من السنة، أطلقه الأمير منطاش، لما صار أمر المملكة إليه، بعد القبض على الناصري. فقدم القاهرة في ثامن عشرينه بطالا، وأقام على ذلك إلى ثاني شهر رمضان من السنة،(6/107)
أمسكه منطاش وألزمه بمال يحمله إلى الخزانة الشريفة، فحمل إليه جملة مستكثرة، وأفرج عنه. ولزم داره إلى أن ظهر أمر الملك الظاهر برقوق وخرج من حبس الكرك، وتتبع منطاش حواشي برقوق، قبض على الأمير سودون هذا ثانياً، وحبسه بقاعة الفضة في شهر ذي الحجة. ثم اشتغل منطاش بما هو أهم من ذلك من أمر الملك الظاهر برقوق. ووقع أمور وحروب ذكرناها في غير موضع إلى أن عاد الملك الظاهر برقوق إلى ملكه، أطلق سودون المذكور، وأخلع عليه بنيابة السلطنة بالديار المصرية على عادته أولاً، وزادت رتبته عند برقوق إلى الغاية.
واستمر عظيم الدولة الظاهرية من سلطنة برقوق الثانية سنة إثنتين وتسعين وسبعمائة إلى أن كبر وشاخ. وأخذ يتبرم من الوظيفة والإمرة، ويستعفى إلى أن أعفاه الملك الظاهر برقوق، بعد مجيئه من سفرته إلى البلاد الشامية في صفر سنة سبع وتسعين وسبعمائة. فلزم داره إلى أن توفي بالقاهرة في يوم الثلاثاء خامس جمادى الأولى سنة ثمان وتسعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
وكان أميراً جليلاً وقوراً وافر الحرمة، ديناً خيراً، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، يضرب بجوده المثل.(6/108)
قال الشيخ تقي الدين المقريزي رحمه الله: وكان خيراً ديناً، ومنذ مات تجاهر الملك الظاهر برقوق بمنكرات لم تكن قبل تعرف عنه، انتهى.
وقال العيني: كان رجلاً ديناً عفيفاً، طاهر الذيل، وكان يحب العلماء والفقراء، ويعتقد فيهم. وكان يدور في القاهرة ومصر، وينزل في بيوت الفقراء ويسألهم الدعاء، وكان حصل له شيء من التغفل والتساهي، انتهى كلام العيني.
قلت: وكان عنده سلامة باطن، حتى صار يحكي عنه كما يحكي عن قراقوش في أحكامه. وعمل فخر الدين عبد الرحمن بن مكانس كتاباً في أحكامه سماه دون الدون في أحكام سودون، وأظن ذلك تهكماً عليه. ولقد حدثني جماعة من مماليكه، ممن كان خدم عند والدي من بعده، عن دينه وخيره وعقله ما يطول الشرح في ذكره، رحمه الله تعالى، فلقد كان من محاسن الدهر.(6/109)
1129 - الطرنطاي نائب دمشق
...
- 794 هـ - ... - 1392 م
سودون بن عبد الله الطرنطاي، الأمير سودون نائب الشام.
أصله من مماليك الأمير طرنطاي نائب دمشق. وتنقلت به الأيام بعد موت أستاذه المذكور إلى أن صار من أعيان أمراء الملك الظاهر برقوق. فلما كان من الناصري ومنطاش مع الملك الظاهر برقوق ما كان، دام سودون هذا من حزب برقوق، ولزمه حتى نزل الظاهر من قلعة الجبل واختفى. فلما ملك الناصري الديار المصرية، قبض عليه حسبما ذكرناه في ترجمة سودون النائب فيمن قبض عليه من الأمراء المصريين، وحبسه بثغر الإسكندرية. فاستمر محبوساً إلى أن عاد الملك الظاهر برقوق إلى ملكه، وأرسل أفرج عنه، وأنعم عليه بتقدمة ألف بالديار المصرية، عوضاً عن قطلوبغا الصفوي، بحكم انتقال قطلوبغا المذكور إلى إقطاع قرقماش الطشتمري، وذلك في ثاني جمادى الأولى سنة اثنتين وتسعين(6/110)
وسبعمائة، ثم نقله بعد مدة يسيرة إلى إقطاع أعظم من الأول، وأنعم بإقطاعه على الأمير بجاس النوروزي. واستمر على ذلك إلى أن توفي الأمير بطا الطولوتمري الظاهري نائب الشام، وفي العشر الأخير من المحرم سنة أربع وتسعين وسبعمائة، أخلع عليه باستقراره في نيابة الشام، عوضاً عن بطا المذكور، فتوجه إلى دمشق وحكمها نحوا من نصف سنة.
ومات في عاشر شهر رمضان من السنة، وخلف موجوداً كبيراً من الذهب والقماش والخيول والجمال وغير ذلك.
وكان عفيفاً عن المنكرات والفروج، دينا، إلا أنه كان فيه حدة وسوء خلق. وولى نيابة دمشق من بعده الأمير كمشبغا الأشرفي الخاصكي أمير مجلس.
1130 - نائب دمشق، قريب الظاهر برقوق
...
- 803 هـ - ... - 1401 م
سودون بن عبد الله الظاهري، الأمير سيف الدين، قريب الملك الظاهر(6/111)
برقوق، ونائب الشام، الشهير بسيدي سودون.
قدم من بلاد الجاركس صغيراً مع جدته أخت الملك الظاهر برقوق، وخالة أمه أم الأتابك بيبرس، أخت برقوق الصغير، ومع جد أمه الأمير أنص والد الملك الظاهر برقوق وأقاربه. قدموا الجميع بطلب من الملك الظاهر برقوق، وهو إذ ذاك أتابكا، في سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة، فرباه الملك الظاهر في الحرم السلطاني إلى أن كبر وترعرع أمره، ورقاه إلى أن جعله أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، ثم استقر أمير أخورا كبيراً، بعد مسك الأمير نوروز الحافظي وحبسه بثغر الإسكندرية في تاسع عشر صفر سنة إحدى وثمانمائة. واستمر على ذلك إلى أن مات الملك الظاهر برقوق في السنة المذكورة في شوال، قبض عليه وحبس بالإسكندرية، إلى أن أفرج عنه بعد وقعة الأمير الكبير أيتمش في سنة(6/112)
اثنتين وثمانمائة. وقدم إلى القاهرة، وأنعم عليه بإقطاع الأمير يعقوب شاه الظاهري أحد من خرج مع أيتمش إلى الشام وأخلع عليه باستقراره دوادارا كبيراً بعد قرابته بيبرس، بحكم انتقال بيبرس إلى الأتابكية عوضاً عن أيتمش المذكور، فلم تطل أيامه وتولى نيابة دمشق بعد القبض على الأمير تنم الحسنى، كل ذلك والملك الناصر فرج ليس له من السلطنة إلا مجرد الاسم فقط وهو كالمحجور عليه. فتوجه سودون هذا إلى دمشق وأقام في نيابتها إلى أن طرق تيمورلنك البلاد الحلبية، فعند ذلك جمع سودون العساكر الشامية ونواب البلاد الشامية وتوجه بهم إلى حلب. ودام بحلب إلى أن نزل تيمور ظاهر حلب، برز إليه سودون المذكور، وبين يديه نواب البلاد الشامية: الأمير دمرداش المحمدي نائب حلب، والأمير شيخ المحمودي نائب طرابلس، أعني المؤيد، والأمير دقماق المحمدي نائب حماة، والأمير ألطنبغا العثماني نائب صفد، والأمير عمر بن الطحان نائب غزة، وجميع الأمراء والعساكر بالبلاد الشامية. كل ذلك والملك الظاهر فرج بالديار المصرية(6/113)
لم يتحرك من مكانه لصغر سنه وعدم رأى مدبري مملكته، لأمر يريده الله تعالى.
وصف الأمير سودون العساكر صفاً واحداً، لقلة عسكره بالنسبة إلى عسكر تيمور لعنه الله وأمر المشاة أن يركبوا أسوار حلب، فأبى دمرداش إلا خروج المشاة معهم، وجعلهم خلف الخيالة. فلما التقى مع تيمور، ثبت سودون هذا بمن معه ثباتاً مشهوراً عنه وأبلى بلاء حسناً، وحصل بين الفريقين وقعه وتحاملوا عليه كثرة، فانهزم العسكر الشامي، وولي الأدبار. ركبت التمرية أقفيتهم، ورجعت الخيالة على مشاة عسكر حلب، فهلك تحت أرجل الخيل من المشاة خلائق لا تدخل تحت حصر. وامتلأ خندق حلب من الناس، ودخل الأمراء إلى مدينة حلب، ثم صعدوا إلى قلعتها، واستولى تيمور على مدينة حلب. وجرى منه في حلب ما هو مشهور عنه لعنه الله وبعدت النجدة عن من بقلعة حلب، وكثر عددهم بها، وطال الأمر عليهم. فبعثوا بالأمير دمرداش المحمدي نائب حلب إلى تيمور، فأخلع عليه وحلف له، وأعطاه أمانا ولجميع النواب، فعاد دمرداش بالخبر لهم، فلم يجدا بداً من النزول إليه، فنزلوا وتمثلوا بين يدي(6/114)
تيمور، فعندما وقع بصره أمر بالقبض على الجميع ما خلا الأمير دمرداش نائب حلب، فإنه أخلع عليه وأجلسه. ثم أخذ تيمور يوبخ الأمير سودون صاحب الترجمة ويتوعده بكل سوء، ويهدده بأنواع العذاب لقتله لرسوله قبل تاريخه، واستمر في أسره تحت العقوبة إلى أن توفي بظاهر دمشق، ودفن بقيوده من غير أن يتولاه أحد.
واختلفت الأقوال في موتته فمن الناس من قال تحت العقوبة، ومنهم من قال ذبحا، ومنهم من قال ألقاه تيمور إلى فيل كان معه فداسه برجله حتى مات والله أعلم.
وكانت وفاته في أواخر شهر رجب سنة ثلاث وثمانمائة، وكان أميراً جليلاً ذا شكالة حسنة، ووجه صبيح. كان ربعة في الناس، وكان عارفاً بأنواع الفروسية، متجملاً في ملبسه ومركبه ومماليكه،. نشأ في السعادة، ومات وسنه نيف على ثلاثين سنة تخميناً، وذكر العيني مساوئه وسكت عن محاسنه، لغرض ما. انتهى.
1131 - الطيار
...
- 810 هـ - ... - 1408 م
سودون بن عبد الله الظاهري، المعروف بالطيار، الأمير سيف الدين.(6/115)
أحد مماليك الملك الظاهر برقوق وأعيان خاصكيته، وممن صار في الدولة الناصرية فرج أمير أخوراً ثانيا، ثم صار أمير أخورا كبيراً، بعد القبض على الأمير سودون قريب الملك الظاهر المتقدم ذكره قريباً في حادي عشرين ذي القعدة سنة إحدى وثمانمائة. فأقام مدة يسيرة، وورد الخبر بأن ابن عثمان يلدرم بايزيد ملك الروم مشى لأخذ ملطية، فعين الأمير سودون هذا إلى البلاد الشامية للكشف عن هذا الخبر. فتوجه في ذي الحجة من السنة، وطالت غيبته، وعوقه الأمير تنم الحسنى نائب الشام عنده، فاستقر الأمير سودون طاز في الأمير أخورية عوضه، في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثمانمائة. واستمر الأمير سودون الطيار هذا بالبلاد الشامية إلى أن انفصل أمرتنم، وعاد الملك الناصر فرج إلى القاهرة، ثم خرج ثانياً إلى البلاد الشامية لقتال تيمور. فلما كان(6/116)
الناصر بدمشق وتيمور نازل بظاهرها، والقتال عمال كل يوم، اختفى سودون هذا وقاني بأي العلائي وجماعة أخر، وقصدوا التوجه إلى الديار المصرية ليسلطنوا الشيخ لاجين الجاركسي، وبلغ أرباب الدولة ذلك، فأخذوا الملك الناصر فرج وعادوا به إلى الديار المصرية، وخلوا دمشق تنعى من بناها. فكان هذا الأمر من أكبر الأسباب لأخذ تيمور دمشق، وإلا، لو دام الملك الناصر بها، من أين كان وصوله إليها؟ وتواترت الأخبار عن تيمور أنه كان يريد الترحال عن دمشق في تلك الأيام، فما شاء الله كان.
ولما قدم الملك الناصر إلى القاهرة أنعم بعد مدة على الأمير سودون هذا بإمرة بحلب، وأن يكون حاجبا بها، فامتنع من ذلك وركب مع الأمير جكم من عوض وانضاف إليهم جماعة كبيرة من الأمراء وغيرهم، وقاتلوا يشبك الشعباني الدوادار، فانتصروا عليه، فأنعم على سودون الطيار بإقطاع جكم بحكم انتقال جكم إلى إقطاع يشبك، ثم استقر بعد مدة طويلة أمير مجلس، عوضاً عن(6/117)
سودون المارديني في جمادى الآخرة سنة سبع وثمانمائة، ثم نقل إلى إمرة سلاح، عوضاً عن الأمير آقباي الطرنطاي. واستمر على ذلك إلى أن توفي بالقاهرة في ليلة الثلاثاء ثامن عشرين شوال سنة عشرة وثمانمائة، وحضر السلطان جنازته.
وكان أميراً شجاعاً مقداماً، ديناً، محبا لأهل العلم والصلاح، وكان مشكور السيرة، وإليه ينتسب الأمير أسنبغا، رأس نوبة النوب، بالطياري، فإنه كان خدمه بعد موت أستاذه الأمير ناصر الدين محمد بن رجب. انتهى.
1132 - المحمدي الشهير بتلي
...
- 818 هـ - ... - 1415 م
سودون بن عبد الله المحمدي الظاهري، الشهير بتلي، يعني مجنون، الأمير سيف الدين.(6/118)
كان أيضاً من مماليك الملك الظاهر برقوق، ومن أعيان خاصكيته، وترقى في الدولة الناصرية فرج إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف. ثم قبض عليه وحبس بثغر الإسكندرية، هو وبيبرس الصغير الدوادار، وجانم من حسن شاه، في يوم الخميس سابع عشر ذي الحجة سنة ست وثمانمائة، فاستمروا في السجن إلى أن أفرج عنهم في شوال سنة سبع وثمانمائة. وقدموا القاهرة، فأقام سودون المحمدي المذكور بالقاهرة، من جملة الأمراء، إلى يوم الخميس ثامن شوال سنة ثمان وثمانمائة، استقر أمير أخورا كبيرا، عوضاً عن جرباش الشيخي الظاهري بحكم عزله. فاستمر في وظيفته إلى أن اختفى الملك الناصر فرج، وخلع وتسلطن أخوه الملك المنصور عبد العزيز بن الملك الظاهر برقوق، فاستمر سودون المحمدي على وظيفته، إلى أن ظهر الملك الناصر وأراد الطلوع إلى القلعة، منعه سودون المذكور مع من منعه من الأمراء، وقاتلوه قتالاً ليس بالقوي، ثم انهزموا وملك الناصر القلعة وتسلطن ثانيا، وخلع المنصور عبد العزيز، أمسك سودون هذا وأخرجه إلى دمشق على إقطاع الأمير سودون اليوسفي، واستقر في(6/119)
الأمير أخورية من بعده الأمير جاركس القاسمي المصارع.
ولما توجه سودون المحمدي إلى دمشق قبض عليه نائبها الأمير شيخ المحمودي، وحبسه بقلعتها إلى أوائل سنة تسع وثمانمائة، فر من السجن، ولحق بالأمير نوروز الحافظي، وهو إذ ذاك خارج عن طاعة الملك الناصر فرج. واستمر بتلك البلاد سنين، ووقع له أمور ومحن، وملك مدينة غزة، وشن بها الغارات إلى أن ظفر به الأمير شيخ ثانيا، وحبسه أيضا بقلعة دمشق مدة، وحبس معه سودون اليوسفي وغيره من الأمراء. وبلغ الملك الناصر مسكه، فبعث بطلبه مع الأمير كمشبغا الجمالي، فامتنع شيخ من إرساله، وسودون هذا ورفقته، ثم أطلقهم وخرج هو أيضا عن الطاعة، وذلك في سنة إثنتي عشرة وثمانمائة. فعاد الجمالي إلى الناصر بغير طائل، وصار سودون المحمودي من أعز أصحاب شيخ، ودام معه إلى أن ملك صفد من جهة شيخ، ثم خرج عن طاعة شيخ وفر إلى نوروز ثانيا، ثم اصطلح الجميع على العصيان. واستمر مع شيخ ونوروز إلى أن قتل الملك الناصر فرج، وقدم صحبة الأمير شيخ إلى الديار المصرية، وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف. واستمر على ذلك إلى أن قبض عليه الملك المؤيد شيخ في شوال سنة خمس عشرة وثمانمائة وحبسه بثغر الإسكندرية،(6/120)
فاستمر بها إلى أن قتل في المحرم سنة ثماني عشرة وثمانمائة، وقتل معه الأمير دمرداش المحمدي والأمير طوغان الحسني رحمه الله تعالى.
1133 - المحمدي نائب قلعة دمشق
...
- 850 هـ - ... - 1446 م
سودون بن عبد الله المحمدي، نائب قلعة دمشق، الأمير سيف الدين.
هو مملوك سودون المحمدي المتقدم ذكره آنفا، وعتيقه، وإليه ينسب بالمحمدي. واستمر بخدمته إلى أن أمسكه الملك المؤيد شيخ وحبسه بثغر الإسكندرية ثم قتله حسبما ذكرناه فعند ذلك اتصل سودون المحمدي هذا بخدمة السلطان الملك المؤيد شيخ، واستمر من جملة المماليك السلطانية، إلى أن صار في الدولة الأشرفية برسباي خاصكيا ورأس نوبة الجمدارية مدة طويلة. ثم أراد الأشرف أن يؤمره فامتنع وترك وظيفته أيضاً، وصار من جملة المماليك السلطانية على إقطاعه، ودام على ذلك إلى أن وثب الأتابك جقمق على الملك العزيز يوسف، فانضم سودون المحمدي المذكور على الملك العزيز، ولم يوافق الأتابك جقمق، فعدها عليه جقمق إلى أن تسلطن نفاه، ثم شفع فيه بعد(6/121)
أشهر، وكتب بعوده إلى القاهرة، وأنعم عليه بإمرة عشرة بسفارة خوند مغل بنت القاضي ناصر الدين البارزي زوجة الملك الظاهر جقمق، فإنه سودون المذكور هو زوج أختها لأبيها القاضي ناصر الدين البارزي. فاستمر سودون المذكور مدة ثم توجه إلى مكة المشرفة ناظراً بها وشاد العمائر، كما كان توجه في الدولة الأشرفية برسباي. واستمر بمكة نحو السنتين أو أكثر، وعاد إلى القاهرة وأقام بها مدة يسيرة، واستقر في نيابة قلعة دمشق في سنة ثمان وأربعين وثمانمائة، فتوجه إليها ودام بها إلى أن مات في صفر سنة خمسين وثمانمائة.
وكان ديناً خيراً، عفيفاً عن المنكرات والفروج، عاقلاً ساكناً، إلا أنه كان قليل المعرفة كثير الظن برأي نفسه. من ذلك أنه لما توجه إلى مكة ليصلح ما تشعث من حيطان الحرم، فلما وصل إلى مكة هدم سقف البيت الشريف، ورفع الأخشاب التي كانت بأعلا البيت وغيرها، فمنعه أكابر مكة من ذلك، فأبى، فقالوا له: هذا عليه كتابة تمنع الطير أن يقعد بأعلى البيت، فلم يلتفت إلى كلامهم، وهدم السقف واعتذر بأنه يدلف المطر إلى داخل البيت، فرحل جماعة من أهل مكة خوفا من أن ينزل عيهم بلاء من الله، وصار البيت مكشوفاً(6/122)
أياماً بغير كسوة إلى أن جدد له سقفاً، فدلف ما صنعة أكثر من السقف القديم وتكرر منه هذا الفعل، فلم يحمد على ما فعل، وساءت سيرته بمكة لأجل ذلك، ونقم عليه كل أحد، وصار سقف البيت مأوى للطيور، وأتعب الخدام ذلك، فإنهم صاروا كل قليل ينزلون من أعلى البيت بقفف من زبل الحمام وغيره، فما شاء الله كان، وندم هو أيضاً على فعلته، فلم يفده الندم، فكان أمره كقول القائل:
رام نفعا فضر من غير قصد ... ومن البر ما يكون عقوقا
انتهى.
1134 - الحمزاوي
...
- 810 هـ - ... - 1407 م
سودون بن عبد الله الحمزاوي الظاهري الدوادار، الأمير سيف الدين.
كان خصيصاً عند أستاذه الملك الظاهر برقوق، مقرباً عنده إلى الغاية، ثم تنكر عليه في المحرم سنة إحدى وثمانمائة، وضربه ضرباً مبرحاً، وحبسه بخزانة شمائل مدة، ثم أخرجه إلى البلاد الشامية. واستمر بتلك البلاد إلى بعد موت الملك الظاهر برقوق بمدة، قدم إلى القاهرة، وصار من جملة الأمراء بها، إلى سنة أربع وثمانمائة. فلما وقع في السنة المذكورة فتنة بين الأمير يشبك وجكم ونوروز(6/123)
وسودون طاز، ثم وقع الصلح بينهم على أن يخرجوا سودون هذا إلى نيابة صفد، ويخرج سبعة أخر إلى البلاد الشامية وهم: الأمير أزبك الدوادار، وسودون بشتآو، وهما من العشرات، وقاني باي الخازندار، وبردبك، وهما من الخاصكية وغيرهم. ثم مشى الحال على إخراج الحمزاوي هذا لا غير، فخلع عليه واستقر في نيابة صفد، عوضاً عن الأمير دقماق المحمدي بحكم عزله وذلك في سابع عشرين صفر سنة أربع وثمانمائة. فتوجه إلى صفد وباشرها إلى أن قدم القاهرة في شهر ربيع الأول سنة خمس وثمانمائة معزولاً، باستدعاء من الملك الناصر فرج صحبة الطواشي عبد اللطيف اللالا، وولى نيابة صفد عوضه الأمير شيخ السليماني شاد الشراب خاناة، وأنعم السلطان على سودون الحمزاوي بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، واستقر به شاد الشراب خاناة عوضاً عن شيخ السليماني المذكور، فاستمر من شهر ربيع الأول إلى يوم الإثنين سابع جمادى الآخرة من السنة استقر خازنداراً، عوضاً عن الأميري آقباي الكركي بعد موته، وأقام على(6/124)
ذلك إلى شوال من السنة استقر رأسه نوبة النوب، عوضاً عن الأمير سودون المارديني بحكم استقرار سودون المارديني أمير مجلس، عوضاً عن تمراز الناصري المنتقل إلى إمرة سلاح، عوضاً عن بكتمر الركني بحكم استقرار بكتمر رأس نوبة الأمراء.
قلت: وهذه الوظيفة مفقودة في عصرنا هذا وقبله بمدة، واستمر سودون الحمزاوي على ذلك مدة، وأمسك وحبس بالإسكندرية ثم أفرج عنه بعد مدة يسيرة، وأعيد إليه إقطاعه.
ودام على ذلك حتى اختفى الملك الناصر فر وخلع، وتسلطن أخوه الملك المنصور عبد العزيز، واستمر مختفيا إلى أن طلب العود إلى ملكه. وتوجه إلى بيت سودون الحمزاوي هذا وركب من عنده بآلة الحرب، وبين يديه الحمزاوي هذا وغيره من الأمراء، وانتصر على أخيه المنصور، وتسلطن ثانيا. أخلع على سودون الحمزاوي هذا، واستقر به دوادار كبيراً، عوضاً عن الأمير يشبك الشعباني، بحكم انتقال يشبك إلى أتابكية العساكر بالديار المصرية، بعد القبض على بيبرس ابن أخت الملك الظاهر برقوق، كل ذلك في جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانمائة.(6/125)
واستمر سودون في الدوادارية إلى سنة تسع، توجه مجرداً إلى البلاد الشامية، فلما صار بدمشق عصى وتوجه إلى صفد وملكها، إلى أن طرقه الأمير شيخ المحمودي بصفد، ففر سودون هذا بنفسه إلى دمشق عند الأمير نوروز الحافظي. وأخذ شيخ جميع موجوده، ودام سودون الحمزاوي عند نوروز إلى أن استناب نوروز إينال باي بن قجماس في نيابة غزة، وأردفه بسودون الحمزاوي ويشبك ابن أزدمر وغيرهم. وساروا حتى دخلوا غزة وملكوها، فلم يكن إلا أيام قلائل وطرقهم الأمير شيخ المحمودي أعني المؤيد فخرجوا إليه، وقاتلوه على الجديد خارج غزة في يوم الخميس رابع ذي القعدة سنة تسع وثمانمائة، فقتل الأمير إينال باي بن قجماس في المعركة، ويونس الحافظي نائب حماة، وسودون قرناص. وقبض على سودون الحمزاوي صاحب الترجمة بعدما قلعت عينه، وحمل في القيود إلى الملك الناصر مع آخرين ممن قبض عليهم من الأمراء في المعركة، وصحبتهم رمة الأمير إينال باي بن قجماس. وكان وصوله إلى الديار المصرية في شهر ربيع الآخر سنة عشرة وثمانمائة، فحبسه الملك الناصر إلى سادس عشرين الشهر، استدعى السلطان القضاة إلى بين يديه، وأثبت على سودون الحمزاوي هذا أنه قتل رجلاً ظلماً، فحكموا القضاة بقتله، فقتل. وقتل(6/126)
معه يربغا دواداره، والأمير آقبردي، والأمير جمق، والأمير أسنباي التركماني، والأمير أسنباي أمير أخور. انتهى.
وسودون الحمزاوي هذا هو أستاذ الأمير قاني باي الحمزاوي نائب حلب، وأيضاً أستاذ جانبك الحمزاوي نائب غزة وغيرهما. رحمه الله.
1135 - سودون الظريف
...
- 814 هـ - ... - 1411 م
سودون بن عبد الله الظاهري، الأمير سيف الدولة، المعروف بسودون الظريف.
هو أيضاً من مماليك الملك الظاهر برقوق، وممن ترقى في دولة أستاذه إلى أن ولي نيابة الكرك في يوم حادي عشر ربيع الأول سنة إحدى وثمانمائة، فتوجه إليها وباشر نيابتها، إلى أن توجه الملك الناصر فرج إلى دمشق، بعد القبض على نائبها الأمير تنم الحسنى، في سنة اثنتين وثمانمائة، فقدم عليه الأمير سودون الظريف(6/127)
هذا بدمشق، بعد أن استخلف بالكرك حاجبها الزيني شعبان بن أبي العباس، فعزله الملك الناصر عن الكرك بالأمير بتخاص السودوني، في يوم الخميس رابع شهر رمضان من السنة. وتنقلت به الأحوال إلى أن ولي حجوبية الحجاب بدمشق، بعد القبض على الأمير جقمق الصفوي وحبسه في رابع شهر ربيع الأول سنة خمس وثمانمائة، فاستمر في الحجوبية إلى سنة ثمان وثمانمائة قبض عليه الأمير شيخ المحمودي نائب الشام وسجنه بالصبيبة إلى يوم الإثنين العشرين من شعبان من السنة المذكورة أفرج عنه شيخ المذكور، وأنعم عليه بإمرة بدمشق، فاستمر على ذلك مدة. ثم قبض عليه ثانياً وحبسه بالصبيبة أيضاً، فاستمر محبوساً إلى أن أفرج عنه الملك الناصر فرج، وعن الأمير أرغز لما توجه إلى البلاد الشامية في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة، واستصحبه معه إلى الديار المصرية، وأنعم عليه بإمرة بها. فاستمر سودون الظريف من جملة أمراء مصر مدة، ووقع له أمور، وآخر الحال قبض الملك الناصر عليه وعلى أرغز المذكور وعلى إينال الصصلاني وعدة أخر في ثاني عشرين شهر رجب سنة أربع عشرة وثمانمائة، فاستمر سودون الظريف صاحب الترجمة محبوساً إلى يوم الأربعاء ثامن من شعبان من السنة، أخرجه من الحبس ورسم بتوسيطه، فوسط في اليوم المذكور تحت قلعة الجبل، ووسط معه أيضاً(6/128)
جماعة من الأمراء وهم: الأمير مغلباي، والأمير حزمان نائب القدس، والأمير عاقل، والأمير أرغز والأمير محمد بن قجماس، ثم قتل الملك الناصر، في ليلة الخميس ثانية، من المماليك السلطانية الجراكسة زيادة على مائة مملوك من مماليك والده. انتهت ترجمة الأمير سودون الظريف. رحمه الله.
1136 - سودون باق
...
- 793 هـ - ... - 1391 م
سودون بن عبد الله السيفي تمرباي، الأمير سيف الدين، المعروف بسودون باق.
أحد أمراء الملك الظاهر برقوق وخواصه، ولم يزل على ذلك حتى خرج الناصر ومنطاش نائب ملطية على الظاهر برقوق، وأرسل الظاهر لمحاربتهما جيشاً فانكسر عسكر الملك الظاهر برقوق وقتل من أمرائه جماعة، وبلغ الملك الظاهر ذلك، أخلع على سودون باق المذكور بإمرة سلاح. واستمر على ذلك حتى قدم الناصري ومنطاش إلى نحو الديار المصرية، ونزلا بقية النصر خارج القاهرة، وتلاشى أمر برقوق حتى أنه لم يبق عنده من مماليكه وحواشيه إلا جماعة يسيرة،(6/129)
وكان برقوق قد استقر بالأمير قرا دمرداش الأحمدي أتابك العساكر بالديار المصرية بعد أن قبض الناصري على الأتابك أيتمش بدمشق، وأنعم عليه بثلاثين ألف دينار، وأنعم على سودون هذا أيضاً بجمل مستكثرة. فقبض قرا دمرداش المبلغ المذكور وفر من يومه إلى الناصري، ومعه سودون باق هذا والأمير قرقماش الطشتمري، وصاروا الجميع من حزب الناصري، وتركوا الظاهر برقوق وذلك في يوم الأربعاء رابع جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة. فلما ملك الناصري الديار المصرية واستفحل أمره، قبض على جماعة من الأمراء منهم: الأمير سودون باق المذكور، الأمير سودون النائب والأمير سودون الطرنطاي، والأمير شيخ الصفوي، والأمير قحماس ابن عم الملك الظاهر برقوق، وعلى الأمير أبي بكر بن سنقر، وعلى الأمير أقبغا المارديني حاجب الحجاب، وعلى بجاس النوروزي، وعلى الأمير محمود بن علي بن أصفر عينه الأستادار، وعلى جماعة كبيرة من أمراء الطبلخانات والعشرات والخاصكية.
واستمر سودون باق هذا محبوساً إلى أن وقع بين الناصري ومنطاش ما سيذكر في غير هذا الموضع. وانتصر منطاش على يلبغا الناصري وقبض عليه، وضرب الدهر ضرباته، إلى أن ملك برقوق الديار المصرية ثانيا، وجلس على سرير الملك(6/130)
رسم بالإفراج عن سبعة عشر أميراً من سجن الإسكندرية، وهم: الأمير الكبير يلبغا الناصري غريم الملك الظاهر برقوق، الذي خلعه من الملك وحبسه بالكرك، والأمير ألطنبغا الجوباني نائب الشام، الذي أمسك الظاهر برقوق من الدار التي كان اختفى بها بالصليبة، وطلع به إلى الناصري بباب السلطان حتى أرسله الناصري بحبس الكرك. قلت: وتقلبات الدهر أعجب من ذلك، والناصري والجوباني ممن أمسكهما منطاش لما انتصر على الناصري، والأمير ألطنبغا المعلم، والأمير سودون باق صاحب الترجمة، والأمير الكبير قرا دمرداش الأحمدي، وهؤلاء الذين هربوا من الملك الظاهر برقوق وتوجهوا إلى الناصري بقية النصر خارج القاهرة، والأمير أحمد بن يلبغا أمير مجلس، وهو أيضاً ممن هرب من برقوق إلى الناصري في أوائل الأمر في وقعة شقحب، والأمير قردم الحسني، والأمير سودون الطرنطاي، والأميرأقبغا الجوهري، والأمير أقبغا المارديني، وطشلى القلمطاوي، والأمير الطنبغا الأشرفي، والأمير يلبغا المنجكي، والأمير يونس، والأمير ألابغا العثماني، وهؤلاء الجميع غرماء الملك الظاهر برقوق قبض عليهم منطاش لما ظفر بالناصري. فلما حضروا إلى القاهرة وتمثلوا بين يدي الملك(6/131)
الظاهر برقوق رحب بهم، ثم التفت إلى الناصري وقال له: أنا ما أؤاخذك بما وقع منك ولا ما وقع من غيرك ونحن أولاد اليوم. فقبلوا الجميع الأرض ثانيا، ثم قال برقوق للناصري: وهذا غريمك بالبلاد الشامية يعني منطاش. فإن برقوق لما قبض عليه الناصري وحبسه بالكرك، وثب منطاش على الناصري بعد مدة، وقبض عليه وحبسه بالإسكندرية، حتى أخرجه برقوق الآن.
ثم إن الملك الظاهر أنعم على سودون باق هذا بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، وتوجه إلى دمشق صحبة الأمراء المجردين لقتال منطاش، واستمر بها إلى أن خرج الملك الظاهر بعد مدة إلى البلاد الشامية، قبض عليه وقتله في أواخر سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة لممالأته إلى منطاش على ما قيل، رحمه الله. وقتل معه جماعة من الأمراء مقدمي الألوف والطبلخانات وهم: الأمير ألابغا العثماني الدوادار كان، وغريب الأشرفي، وأحمد بن بيدمر الخوارزمي، ومحمد بن أمير علي المارديني، ويلبغا العلائي، وكمشبغا المنجكي، وبغاحق اليفي، وملكتمر المارديني، وقرابغا العمري.
1137 - سودون طاز
...
- 806 هـ - ... - 1404 م
سودون بن عبد الله بن علي باك الظاهري، الأمير سيف الدين المعروف بسودون طاز.(6/132)
هو أيضاً من مماليك الملك الظاهر برقوق ومن خواصه، وممن أمره إمرة عشرة، وجعله معلماً للرمح، وكان رأسا في لعب الرمح وغيره من أنواع الفروسية، يضرب بقوة طعنه وشدة مقابلته المثل، وأما سرعة حركته وحسن تسريحه لجواده فإليه المنتهى في ذلك. ولما مات أستاذه الملك الظاهر برقوق، وتسلطن من بعده ابنه الملك الناصر فرج، صار سودون طاز هذا في دولته أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، واستمر على ذلك إلى يوم الخميس ثاني عشر شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثمانمائة استقر أمير آخورا كبيراً، عوضاً عن الأمير سودون الطيار بحكم غيبته في البلاد الشامية، ولما ولي الأمير آخورية زادت عظمته في الدولة، وصار من أعيان المتكلمين في المملكة، وإليه مرجع غالب أمور الرعية. وضخم أمره وسار على قاعدة من تقدمه من عظماء الملوك، حتى أنه جعل راتب سماطه في اليوم ألف رطل من اللحم الضأن خارجاً عن الدجاج والأوز والمرمسان من الضأن. وكان واسع النفس على الطعام إلى الغاية، كريماً، كثير الإنعام على المماليك السلطانية وغيرهم، حتى لقد أخبرني جماعة من أصحاب سودون طاز المذكور قالوا: لا نعلم أحداً من المماليك السلطانية إلا ووصل إليه(6/133)
رفد الأمير سودون طاز هذا غير مرة. قلت: وهذا مشهور عنه عند كل أحد، ولولا كرمه الزائد ما كان لما أراد الخروج إلى البلاد الشامية خرج معه من المماليك السلطانية نحو الألف مملوك، وصاروا له طوعاً فيما يريده ويأمر به، وأقاموا عنده بسرياقوس خارج القاهرة نحو الشهر إلى أن انتهى أمره على ما نحكيه.
قلت: واستمر سودون طاز هذا على ما هو عليه من الحرمة والعظمة إلى أن وقع بينه وبين الأمير يشبك الشعباني الدوادار. وهو أن يشبك أراد القبض عليه ففطن هو لذلك، فأخذ خيول السلطان من الإسطبل السلطاني وتوجه إلى عند جكم من عوض ببركة الحبش، فعظم أمر جكم به، واتفقا على قتال يشبك، ومشى الناس بين الفريقين بالصلح، فامتنع كل من الفريقين إلا القتال، فانتصر جكم وسودون طاز هذا على يشبك وأصحابه، وقبضا عليهم، وحبسوا بثغر الإسكندرية، وتولى جكم الدوادارية من بعد يشبك، كل ذلك بسفارة سودون طاز هذا وحاشيته.
وصارا هما أصحاب العقد والحل في المملكة إلى سنة أربع وثمانمائة، وقع الكلام بين سودون طاز وبين جكم من عوض المذكور وبين نوروز الحافظي(6/134)
بمن معهم، وآل الأمراء إلى الحرب والقتال. فلما كان يوم ثاني شوال من السنة نزل الملك الناصر فرج عند الأمير سودون طاز هذا إلى الأسطبل السلطاني لقتال جكم ونوروز بمن معهم، وركب جكم ونوروز وقرقماس الرماح وقاني باي وغيرهم، ووقعت الحروب بينهم من بكرة النهار إلى العصر، فعند ذلك بعث السلطان بالخليفة المتوكل على الله والقضاة إلى الأمير نوروز في طلب الصلح، فلم يجد نوروز بداً من الصلح، فأذعن وترك القتال وخلع عنه آلة القتال، فكف الأمير جكم أيضاً عن القتال، كل ذلك مكيدة من الأمير سودون طاز هذا، وطلع نوروز إلى القلعة فأخلع السلطان عليه ونزل جكم بغير خلعة، فحنق جكم من ذلك وثارت الفتنة أيضاً بعد أيام، وخرج جكم إلى بركة الحبش بمن كان معه أولاً، ونزل سودون طاز بالسلطان إليهم وقاتلهم فكسرهم، وأمسك من أصحاب جكم، الأمير تمربغا المشطوب، وسودون من زاده، وعلي بن إينال، وأرغز، وفرجكم ونوروز وجماعة أخر يريدون بلاد الصعيد، ثم انحل برمحهم وعادوا إلى الجيزة.
ثم اصطلح نوروز مع سودون طاز، وقبض سودون طاز على جكم وأرسله(6/135)
إلى الإسكندرية، فسجن به حيث كان يشبك مسجوناً، وأفرج عن يشبك وأصحابه وقدموا إلى القاهرة.
وصفا الوقت لسودون طاز هذا، حتى أنه لو أراد أن يتسلطن لكان يمشي له ذلك من غير منازع، هكذا حكى لي جماعة من أعيان المماليك الظاهرية ممن كان من أصحاب جكم وغيره، وكان هذا في يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الأولى من سنة أربع وثمانمائة. وقدم يشبك وأصحابه من ثغر الإسكندرية في يوم الإثنين تاسع عشر جمادى الأولى المذكور، وكان رفقة يشبك الأمير قطلوبغا الكركي، وآقباي الكركي الخازندار، وجاركس القاسمي المصارع، وعدة أخر، فقبلوا الجميع الأرض بين يدي الملك الناصر فرج، ونزلوا وقد استقر يشبك على إقطاعه ووظيفته الدوادارية، وأنعم على رفقته بإقطاعاتهم، واستمر سودون طاز هذا هو المشار إليه في المملكة.
ولم يسع يشبك إلا الموافقة له في الظاهر، فإنه أمسكه لما أراد مسكه، وأطلقه لما أراد إطلاقه، واحتمل يشبك منه ذلك إلى سنة خمس وثمانمائة وهو يتكلم في حقه عند الملك الناصر في الباطن، ويخوفه عاقبة أمره، إلى سابع المحرم من السنة المذكورة، فر سودون طاز من الإسطبل السلطاني إلى داره وعزل نفسه عن الأمير أخورية، من غير أن يرسم له السلطان بذلك، لما بلغه من كلام يشبك في حقه.(6/136)
وصار من جملة الأمراء إلى ليلة الإثنين ثالث عشر صفر، خرج سودون طاز بمماليكه وحواشيه من المماليك السلطانية في زيادة على ألف نفر، وطمع أن يأتيه غالب المماليك السلطانية لما له عليهم من الأيادي، وتوجه إلى جهة سرياقوس، وأقام هناك حتى يأتيه من بقي من المماليك السلطانية، فلم يأته أحد.
وترددت الرسل بينه وبين يشبك والملك الناصر وهو يروم أن أمره سيقوى ويظفر بيشبك كما قبض عليه أولا، فجاء حساب الدهر غير حسابه، وعزله الملك الناصر وولي الأمير آخورية عوضه الأمير إينال باي بن قجماس، ثم بعث إليه الملك الناصر بالأمير قطلوبغا الكركي يأمره بالعودة إلى القاهرة على إقطاعه من غير وظيفة، وإن أراد البلاد الشامية فله ما يختار، فامتنع من ذلك، وقال: لا بد من إخراج آقباي الكركي أولاً. فلم يوافق الملك الناصر على ذلك، وبعث إليه بالأمير بشباي ثانياً فلم يوافق، وبعث إليه ثالثاً فلم يوافق.
فلما تحقق السلطان منه ذلك، ركب بالعساكر من قلعة الجبل في يوم الأربعاء سادس شهر ربيع الأول من سنة خمس وثمانمائة ونزل إليه، فلم يثبت من معه من المماليك السلطانية، وبقي في نحو الخمسمائة نفر والأمير قاني باي،(6/137)
وكان إنضاف إليه قبل ذلك بعشرة أيام، فسار سودون طاز بمن معه نحو القاهرة من على الخليج، وسار السلطان خلفه إلى جهة بلبيس ظناً منه أن سودون توجه إلى البلاد الشامية، واستمر سودون طاز غارة إلى أن دخل القاهرة من المقس إلى الميدان، وهجم قاني باي بمن معه إلى الرميلة من تحت القلعة ليأخذ باب السلسلة فلم يقدر على ذلك.
وبلغ السلطان خبرهم فعاد نحو القاهرة بعد مشقة زائدة، وطلع إلى القلعة وقعد بالمقعد من الإسطبل المطل على الرميلة، وندب الأمراء والمماليك لقتال سودون طاز، فقاتلوه في الأزقة، فلم يثبت وانهزم، وقد جرح من الفريقين عالم كبير، وحال الليل بينهم، وتفرق من كان مع سودون طاز، وبات السلطان على تخوف، وأصبح يوم الخميس لم يظهر لسودون طاز ولا لرفيقه خبر ألبتة إلى الليل.
فلما كان بعد عشاء الآخرة، لم يشعر يشبك بسودون طاز إلا وقد دخل عليه بداره في ثلاثة أنفس وترامى عليه، فقبله وبالغ في إكرامه، وأصبح يشبك يوم الجمعة كلم الملك الناصر في أمره، فرسم بتوجهه إلى ثغر دمياط بطالاً، فأقام(6/138)
سودون في عمل مصالحه إلى ليلة الأحد عاشره، أنزل في حراقة بغير قيد وحمل إلى دمياط، ورتب له بها ما يكفيه، وأنعم عليه يشبك بألف دينار مكافأة له على ما كان من إطلاق سودون طاز من حبس الإسكندرية، وأما رفيقه قاني باي فإنه اختفى ولم يعرف له خبر.
واستمر سودون طاز بدمياط إلى جمادى الآخرة، ركب من دمياط وقدم إلى الشرقية، وخرج إليه جماعة من المماليك السلطانية وأقاموا الفتنة هناك، وقوي أمرهم، وكان قبل تاريخه قبض على قاني باي المذكور من دار بالقاهرة وحبس بثغر الإسكندرية.
ولما بلغ السلطان خروج سودون طاز من دمياط، ندب إليه جماعة من الأمراء ومقدمهم والدي رحمه الله وهم: أمير تمراز الناصري أمير سلاح، ويلبغا الناصري، وسودون الحمزاوي، وعدة من أمراء الطبلخانات والعشرات، فبلغهم أنه نزل عند سليمان بن بقر بالشرقية ليساعده على غرضه، وأن سليمان المذكور ركب تعويقه حتى يدركه العسكر السلطاني، فحرك والدي رحمه الله حتى كبس عليه في منزل سليمان، وقبض عليه، وعاد به إلى القاهرة في يوم الأربعاء(6/139)
سلخ جمادى الآخرة من السنة مقيدا، ومعه عدة أيضاً من المماليك السلطانية، فأصبح الملك الناصر من الغد يوم الخميس مستهل شهر رجب سمر خمسة من المماليك السلطانية ممن كان مع سودون طاز هذا، أحدهم سودون الجلب. فاجتمع المماليك السلطانية لإقامة فتنة بسبب تسمير هؤلاء حتى أطلقوهم إلى حال سبيلهم. قلت: لو كانت هذه الكائنة في زماننا هذا، وأراد بعض من سمر أن يوصي بشيء قبل موته لما أتاه أحد وتبرأ منه أعز أصحابه، انتهى.
ولما نزلوا المماليك المسمرين حبسوهم بخزانة شمائل، ونفي سودون الجلب إلى قبرص من بلاد الفرنج، ثم حمل سودون طاز في يوم السبت ثالث شهر رجب مقيداً إلى الإسكندرية، فحبس بها إلى يوم الثلاثاء سابع عشرينه، ندب السلطان آقبردي وتنبك كلاهما أمير عشرة ومعهم ثلاثون نفراً من المماليك السلطانية، فقدموا الإسكندرية في تاسع شعبان وأخرجوا الأمير نوروز الحافظي، وجكم من عوض، وقاني باي رفيق سودون طاز، وسودون طاز المذكور، وأنزلوهم في البحر المالح مقيدين. وساروا بهم إلى البلاد الشامية، فحبس نوروز وقاني باي بالصبيبة، وحبس جكم بحصن الأكراد من عمل طرابلس، وحبس سودون طاز في قلعة المرقب، ولم يبق بالإسكندرية غير سودون من زاده وتمربغا المشطوب.(6/140)
واستمر سودون طاز في حبس المرقب إلى أن قتل في ذي الحجة في سنة ست وثمانمائة، تقدم التعريف به، رحمه الله تعالى.
1138 - سودون المارديني
...
- 811 هـ - ... - 1408 م
سودون بن عبد الله المارديني الظاهري، الأمير سيف الدين أحد المماليك الظاهرية برقوق.
كان خصيصاً عند أستاذه الظاهر برقوق، ترقى في دولته إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف وشاد الشراب خاناة، ثم صار في دولة ابنه الملك الناصر فرج رأس نوبة النوب، واستمر على ذلك إلى ثامن عشر شوال سنة خمس وثمانمائة استقر أمير مجلس، عوضاً عن تمراز الناصري بحكم انتقال تمراز إلى إمرة سلاح، عوضاً عن بكتمر الركني المستقر رأس نوبة الأمراء، وهذه الوظيفة شاغرة مدة سنين، فاستمر سودون المارديني على ذلك مدة إلى أن صار(6/141)
دوادارا كبيراً بعد الأمير يشبك الشعباني بحكم عصيانه، وذلك في جمادى الآخرة سنة سبع وثمانمائة، ودام على ذلك حتى اختفى الملك الناصر فرج، وخلع من الملك بأخيه المنصور عبد العزيز في سنة ثمان وثمانمائة، ثم ظهر الناصر وأراد الطلوع إلى القلعة، منعه من ذلك الأتابك بيبرس وسودون المارديني هذا وغيرهما وقاتلوه، فانتصر الناصر وقبض على الأتابك بيبرس وعلى سودون المارديني صاحب الترجمة وحبسهما بثغر الإسكندرية.
واستمر سودون المارديني محبوساً إلى أن قتل بحبسه في سنة إحدى عشرة وثمانمائة، وقتل معه الأتابك بيبرس وبيغوت رحمهم الله.
وكان سودون المذكور أميراً جليلاً، عاقلاً سيوساً، ساكناً، قليل الشر، كثير الخير والإحسان للناس، مشكور السيرة، رحمه الله تعالى.
1139 - سودون من زاده
...
- 810 هـ - ... - 1407 م
سودون بن عبد الله من زاده الظاهري، الأمير سيف الدين.(6/142)
أحد المماليك الظاهرية برقوق وأعيان خاصكيته، ثم تأمر بعد موت أستاذه في الدولة الناصرية فرج إمرة عشرة، واستمر على ذلك إلى أن وقع بين الأمير يشبك الدوادار وبين جكم ما حكيناه في غير موضع أنعم عليه بإقطاع جاركس القاسمي المصارع، وهو إمرة ستين فارساً، واستقر خازندارا، واستمر إلى ذي الحجة سنة أربع وثمانمائة، استعفى من وظيفته الخازندارية، وصار رأس نوبة على عادته أولا، واستمر على ذلك إلى أن كانت الوقعة بين سودون طاز بين جكم ونوروز، وانكسر جكم ونوروز ثم قبض عليهما، كان سودون من زاده هذا ممن انضاف إليهما، فقبض عليه أيضاً وحبس بثغر الإسكندرية في شهر رمضان من سنة أربع وثمانمائة ثم أفرج عنه بعد مدة وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالقاهرة، واستمر على ذلك إلى أن اختفى الملك الناصر فرج وخلع بأخيه المنصور عبد العزيز في سنة ثمان وثمانمائة، ثم ظهر الناصر السنة المذكورة وتسلطن ثانياً، أخلع على سودون من زاده المذكور بنيابة غزة، عوضاً عن الأمير سلامش، في رابع عشر جمادى الآخرة من السنة، فتوجه إلى غزة وأقام بها إلى أن جرد الملك الناصر فرج إلى البلاد الشامية في سنة تسع(6/143)
وثمانمائة، ثم عاد إلى الديار المصرية بغير طائل فلم يقم إلا أياماً قلائل وقدم في إثره إلى القاهرة الأمير دمرداش المحمدي والأمير سودون من زاده المذكور نائب غزة جافلين من الأمراء العصاة بالبلاد الشامية.
فأقام سودون من زاده من جملة أمراء الديار المصرية إلى أن قبض عليه الملك الناصر فرج في سادس عشر جمادى الآخرة سنة عشرة وثمانمائة، وحمله إلى الإسكندرية فحبس بها، ثم قتل بعد ذلك بمدة يسيرة رحمه الله، وهو صاحب الجامع بالقرب من سويقة العزى.
1140 - سودون الجلب
...
- 815 هـ - ... - 1412 م
سودون بن عبد الله الظاهري المعروف بسودون الجلب، الأمير سيف الدين.
هو أيضاً من جملة مماليك الملك الظاهر برقوق، وممن ترقى في أواخر الدولة الناصرة فرج، ولم يكن من أعيان مماليك برقوق إلا أنه كان مقداماً شجاعاً(6/144)
وعنده جرأة، فذلك تقدم وشاع اسمه، وأول أمره لما خرج سودون طاز من ثغر دمياط وتوجه إلى الشرقية حسبما ذكرناه في ترجمته وانضم عليه سودون الجلب هذا، وسمروه بعد القبض على سودون طاز، ثم شفع فيه ونفى إلى قبرس، فتوجه إلى قبرس وأقام بها مدة، ثم قدم إلى البلاد الشامية وشن بها الغارات، ووقع له أمور يطول شرحها، ثم استولى على الكرك نيابة عن الملك الناصر فرج، ثم ملكها ثانيا بيده، واستمر بتلك البلاد وهو يثير الفتن ويخرج عن طاعة السلطان، إلى أن كان هو أكبر الأسباب في قتل الملك الناصر وفي زوال ملكه.
ولما انكسر الملك الناصر وانحاز في قلعة دمشق وحاصروه بها، وكان سودون الجلب إذ ذاك من المشار إليهم، حدث نفسه بكل أمر، فلم يكن بعد يوم أو يومين حتى أصيب من قلعة دمشق بسهم لزم منه الفراش مدة، ثم أخلع عليه وهو مريض بنيابة طرابلس، وأخلع على قرقماس المدعو بسيدي(6/145)
الكبير بنيابة حلب، كل ذلك والحصار عمال بين الأمراء والملك الناصر، إلى أن طلب الملك الناصر الأمان ونزل، ثم قتل في صفر سنة خمس عشرة وثمانمائة، وتولى نوروز نيابة دمشق، استقر سودون في نيابة حلب ولم يدخل طرابلس ولا حكمها، فتوجه إلى حلب، وجرحه يعمل عليه، حتى مات منه في شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة، واستناب نوروز عوضه الأمير طوخ نائب طرابلس.
كان سودون هذا فرداً في معناه، قوي النفس، شجاعاً، يحكى عنه أشياء غريبة، من ذلك ما حكى لي عنه السيفي صرق الظاهري آنية قال: ولما انكسر الملك الناصر والتجأ إلى قلعة دمشق، طلبني سودون الجلب وقال: أتدري يا صرق ما قصدي أفعل مع الملك الناصر؟ قلت له: لا أعلم. قال: قصدي من يتوجه إليه ويحلف له من جهتي ويطمنه حتى يأتيني ليلاً وآخذه وأخرج إلى البلاد الحلبية وأجمع له التركمان كما أعرف، ثم أعود به وأقاتل هؤلاء الأمراء الذين أنا أعلم بحالهم من غيري، وأقوم بنصرته وأعيده إلى ملكه(6/146)
من غير أن أقصد من الملك الناصر مكافأة على ذلك، بل جل قصدي فيما أفعله أن يقال عني ذلك ويشاع في الآفاق. ثم صار يتلفت إلى ذلك، فلم يكن بعد يوم أو يومين إلا وأصيب بسهم ولزم منه الفراش إلى أن مات في التاريخ المذكور.
1141 - سودون الأشقر
...
- 827 هـ - ... - 1424 م
سودون بن عبد الله الظاهري، الأمير سيف الدين المعروف بسودون الأشقر.
هو أيضاً من المماليك الظاهرية برقوق، وممن ترقى في الدولة الناصرية فرج حتى صار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، وشاد الشراب خاناة، ثم عزل عن وظيفته بالأمير أسنبغا الزردكاش، واستمر على إقطاعه إلى أن أخلع عليه الأتابك شيخ المحمودي نظام مملكة المستعين بالله العباس في سنة خمس عشرة وثمانمائة باستقراره رأس نوبة النوب، عوضاً عن سنقر الرومي بعد قتله، واستمر على ذلك إلى يوم الخميس ثاني عشر جمادى الأولى سنة ست عشرة وثمانمائة(6/147)
أخلع عليه الملك المؤيد شيخ باستقراره أمير مجلس، واستقر عوضه رأس نوبة النوب الأمير جانبك الصوفي، ثم قبض عليه المؤيد في يوم السبت حادي عشرينه، وعلى الأمير كمشبغا العيساوي أميرشكار، وتوجه بهما إلى سجن الإسكندرية الأمير برسباي الدقماقي أحد أمراء العشرات أعني الملك الأشرف واستقر عوضه أمير مجلس الأمير أينال الصصلاني.
قلت: أذكر شيئاً مما شاهدته من تقلبات الأيام، وهو أن الأشرف لما توجه مع سودون هذا إلى الإسكندرية كان إذ ذاك يروم منه رفده، حتى أنعم عليه سودون بما هو عادة أمثاله من مستقري الأمراء، وكان قجق قد استقر حاجب الحجاب، وكان الأشرف من جملة أمراء العشرات، ثم مضت سنوات وتسلطن الأشرف، وصار قجق أمير سلاحه، وسودون الأشقر صاحب الترجمة أمير عشرين فارساً يقوم بين يديه كآحاد أصاغر الأمراء، ولا يلتفت إليه في الدولة، ولقد رأيته مرة وقد نزلت الأمراء من الخدمة السلطانية، وتقدم سودون الأشقر هذا ليركب الأمير قجق المذكور، فمنعه من ذلك بعض أمراء الطبلخانات استقلالاً به وركبه هو وتأخر سودون الأشقر. انتهى.(6/148)
ثم إن الملك الأشرف أنعم على سودون الأشقر هذا بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، وأنعم إقطاع سودون الأشقر على شريكه الأمير كزل العجمي، حتى صار كزل من جملة أمراء الطبلخانات، فإنها كانت أولا إمرة طبلخاناة وقسمت بين كزل وسودون المذكور، وهي قرية الميمون بالوجه القبلي، واستمر سودون الأشقر بدمشق إلى أن توفي بها في سنة سبع وعشرين وثمانمائة.
قال المقريزي: مات في جمادى الأولى، وهو أحد المماليك الظاهرية الذين أنشأهم الملك الناصر فرج، وكان عيباً كله لشدة بخله وفسقه وظلمه، انتهى كلام المقريزي.
قلت: هو كما قال المقريزي وزيادة.
1142 - سودون القاضي
...
- 822 هـ - ... - 1419 م
سودون بن عبد الله الظاهري، الأمير سيف الدين، المعروف بسودون القاضي.(6/149)
هو أيضاً من المماليك الظاهرية برقوق، وممن أنشأه الملك الناصر فرج، ثم خامر على الناصر، وذهب إلى الأمير نوروز وشيخ ودام عندهم حتى قدم القاهرة بعد قتل الملك الناصر فرج صحبة الأمير شيخ، وصار من جملة الأمراء مقدمي الألوف بالديار المصرية في الدولة المؤيدية شيخ، ثم استقر حاجب الحجاب، عوضاً عن الأمير قجق العيساوي بعد القبض عليه سنة سبع عشرة وثمانمائة، واستمر على ذلك إلى يوم الإثنين رابع شهر رجب سنة ثمان عشرة وثمانمائة استقر رأس نوبة النوب، عوضاً عن الأمير تنبك العلائي المعروف بميق بحكم انتقاله إلى الأمير أخورية الكبرى، عوضاً عن الأمير ألطنيغا القرمشي المنتقل إلى أتابكية العساكر بعد الأتابك ألطنبغا العثماني، واستقر في الحجوبية بعده الأمير سودون قراسقل الآتي ذكره. واستمر على ذلك إلى أن توجه الملك المؤيد في السنة المذكورة إلى البلاد الشامية لقتال قاني باي نائب الشام وانتصر، قبض على الأمير سودون القاضي هذا وحبسه بالبلاد الشامية، وتولى بردبك قصقا من بعده رأس نوبة النوب، واستمر المذكور محبوساً بالبلاد الشامية إلى أن تجرد إليها الملك المؤيد ثانيا في سنة عشرين وثمانمائة، أفرج عنه وأنعم عليه بإقطاع(6/150)
الأمير آقبردي المنقار بعد موته، وصار من جملة الأمراء مقدمي الألوف بالديار المصرية، وتولى كشف الوجه القبلي إلى أن طلبه الملك المؤيد وأخلع عليه باستقراره في نيابة طرابلس، عوضاً عن الأمير برسياي الدقماقي أعني الملك الأشرف بحكم عزله والقبض عليه وحبسه بالمرقب، فتوجه إليها وحكمها إلى أن توفي بها في رابع عشر ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة، وتولى نيابة طرابلس من بعده الأمير شاهين الزردكاش نائب حماة، وولى نيابة حماة الأمير إينال النوروزي نائب غزة، وولى نيابة غزة الأمير أركماس الجلباني. انتهى.
1143 - سودون الأسندمري
...
- 821 هـ - ... - 1418 م
سودون بن عبد الله الأسندمري، الأمير سيف الدين.
هو ممن أنشأه الملك الناصر فرج وجعله أمير طبلخاناة وأمير آخورثاني، واستمر على ذلك إلى أن قبض عليه الملك المؤيد شيخ المحمودي، بعد قتل الملك(6/151)
الناصر فرج، وحبسه بالإسكندرية مدة طويلة، ثم أفرج عنه الملك المؤيد وأنعم عليه بإمرة في طرابلس، وجعله أتابكا بها، عوضاً عن الأمير يزدار في شهر ربيع الآخرة سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، فاستمر بها إلى أن قتل في وقعة التركمان الإينالية البياضية مع الأمير برسباي الدقماقي نائب طرابلس على صافيتا من عمل طرابلس، وانكسر برسباي وقتل سودون الأسندمري المذكور، وكان ذلك سبباً للقبض على الأمير برسباي الدقماقي، وذلك في يوم الأربعاء سابع عشرين شعبان سنة إحدى وعشرين وثمانمائة.
1144 - سودون من عبد الرحمن
...
- 841 هـ - ... - 1438 م
سودون بن عبد الله من عبد الرحمن، الأمير الكبير سيف الدين نائب الشام.
وهو أيضاً من مماليك الملك الظاهر برقوق وخاصكيته، وترقى في الدولة الناصرية فرج إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، ثم(6/152)
ولي نيابة غزة، ولما زالت الدولة الناصرية، وتولى الخليفة المستعين بالله العباس السلطنة، وصار الأمير شيخ المحمودي مدبر مملكته، استقر به الأمير شيخ المحمودي أمير مائة مقدم ألف بالديار المصرية، ثم ولاه بعد سلطنته والقبض على نوروز الحافظي نيابة طرابلس.
فاستمر في نيابة طرابلس إلى أن خرج الأمير قاني باي المحمدي نائب الشام عن الطاعة، ووافقه إينال الصصلاني نائب حلب على العصيان، فوافقهما الأمير سودون من عبد الرحمن هذا، والأمير تنبك البجاسي نائب حماة، والأمير طرباي نائب غزة، واتفقوا الجميع على قتال الملك المؤيد، وقاتلوه وانكسروا. وقبض على الأمير قاني باي وإينال الصصلاني وغيرهما، فعند ذلك فر الأمير سودون من عبد الرحمن هذا إلى قرا يوسف صاحب بغداد مع من فر من الأمراء، وأقام عنده إلى أن توفي المؤيد شيخ في سنة أربع وعشرين وثمانمائة، وتسلطن الملك المظفر أحمد بن الملك المؤيد شيخ من بعده، وصار الأمير ططر مدبر مملكته، وتوجه بالمظفر إلى البلاد الشامية، قدم عليه الأمير سودون من عبد الرحمن هذا وغيره، فأكرمه الأمير ططر هذا ورفقته وهم: الأمير طرباي غزة، والأمير تنبك البجاسي نائب حماة، والأمير يشبك الجكمي الدوادار الذي فر من المدينة النبوية لما كان أمير الحاج سنة عشرين وثمانمائة والأمير جانبك الحمزاوي،(6/153)
والأمير أردبغا، ولم يسع ططر أن يؤمر أحداً من هؤلاء خوفاً من المماليك المؤيدية، حتى أمكنته الفرصة وقبض على جماعة من أعيان أمرائهم، ثم أمر المذكور فجعل سودون من عبد الرحمن هذا أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية.
واستمر على ذلك إلى أن توفي ططر وتسلطن ابنه الملك الصالح محمد، وصار الأمير برسباي الدقماقي مدبر مملكته، بعد أمور، استقر سودون هذا دوادارا كبيراً من بعده حكم انتقاله إلا الإمرة الكبرى أو السلطنة.
واستمر المذكور في الدوادارية إلى أن عصى الأمير تنبك البجاسي نائب الشام على الملك الأشرف برسباي أخلع عليه باستقراره في نيابة دمشق، عوضاً عن تنبك البجاسي المذكور، وندبه الأشرف لقتال تنبك المذكور وخروجه من دمشق وذلك في يوم ثالث عشرين المحرم سنة سبع وعشرين وثمانمائة، فنزل الأمير سودون من عبد الرحمن هذا بخلعته إلى الريدانية، ونزل بمخيمه إلى أن تم أمره وسافر نحو دمشق، والتقى مع الأمير تنبك البجاسي، ووقع بينهما ما حكيناه في ترجمة الأمير تنبك البجاسي، وآخر الحال انتصر سودون المذكور، وقبض على تنبك البجاسي وقتل.(6/154)
واستمر سودون في نيابة الشام سنين، وقدم القاهرة في نيابته غير مرة، واستمر إلى أن عزل في سنة خمس وثلاثين وثمانمائة بالأمير الكبير جار قطلو، واستقر هو أميراً كبيراً بالديار المصرية، عوضاً عن جار قطلو المذكور ذكرنا كيفية الخلعة عليهما في ترجمة جار قطلو.
واستمر سودون من عبد الرحمن هذا في الإمرة الكبيرة بالقاهرة، وسافر مع الملك الأشرف برسباي إلى آمد في سنة ست وثلاثين وثمانمائة، وهو ملازم للفراش في محفة، وعاد وهو على ذلك إلى أن رسم له الملك الأشرف أن يقيم بداره بطالاً، فلزم بيته، ثم بدا للسلطان أن يرسله إلى دمياط، فتوجه المذكور إلى دمياط ودام بها إلى أن مات في العشرين من ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة يوم السبت.
وكان أميراً جليلاً، شجاعاً مقداماً، عارفاً سيوساً، وافر الحرمة، متجملا في ملبسه ومركبه، نالته السعادة في نيابته لدمشق، وطالت أيامه، وعمر عدة(6/155)
أملاك بدمشق، وأنشأ بمنشأة خانقاة سر ياقوس مدرسة تقام فيها الخطبة، ورتب فيها صوفية، وفرغ من بنائها سنة ست وعشرين وثمانمائة، وتوجهنا معه عند فراغها، فرأيناها في فلاة ولم يكن حولها من العمران إلا القليل، ثم عمر حولها ما هو موجود الآن.
وكان طوالاً، أحمر اللون، مليح الوجه، منور الشيبة، حلو الكلام والمحاضرة، لم أر في زماننا أحسن وجها منه في الأمراء ولا أجمل، وخلف بنتاً واحدة، وهي ليست بذاك، رحمه الله.
1145 - سودون بقجة
...
- 813 هـ - ... - 1411 م
سودون بن عبد الله الأحمدي الظاهري، الأمير سيف الدين المعروف سودون بقجة.
هو أيضاً من مماليك الظاهر برقوق ومن أعيان خاصكيته، ومن آنيات الأمير تمراز الناصري نائب السلطنة بالقاهرة، وزوج ابنته، تأمر في أول الدولة الناصرية فرج، وترقى إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، ودام على ذلك مدة إلى أن فر مع صهره الأمير تمراز المذكور إلى الأمير شيخ(6/156)
المحمودي، وداما عند شيخ إلى أن تجرد الملك الناصر إلى البلاد الشامية في سنة تسع وثمانمائة، حضر سودون بقجة المذكور إلى بين يدي السلطان، أخلع عليه باستقراره في نيابة طرابلس وذلك في جمادى الآخرة من السنة، فتوجه إلى طرابلس مدة، ثم عزل بعد أمور، وقدم القاهرة وصار من جملة الأمراء بها مقدمي الألوف.
واستمر على ذلك إلى أن قبض عليه الملك الناصر في جمادى الأولى سنة إحدى عشرة وثمانمائة، وأمسك معه جماعة من الأمراء وهم: الأمير بيغوت أحد أعيان أمراء الملك الناصر، والأمير آرنبغا أحد الطبلخانات، والأمير قرا يشبك أحد العشرات، وأرسل بهم إلى الإسكندرية ما خلا آرنبغا، فأقام سودون بقجة في الحبس مدة، ثم أفرج عنه السلطان، ثم أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف. وسافر سودون هذا صحبة السلطان الملك الناصر إلى البلاد الشامية في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة، إلى أن وصل السلطان إلى اللجون في ليلة السبت مستهل صفر من السنة، شاع في العسكر بإثارة فتنة، ثم رحل السلطان من الغد إلى أن نزل على بيسان إلى أن غربت الشمس، ماج العسكر، وهدمت الخيم، واشتد اضطراب الناس، وكثر قلق السلطان طول الليل إلى أن طلع الفجر.
قال المقريزي: وسبب ذلك أن آقبغا دوادار يشبك وهو يومئذ من جملة دوادارية السلطان قال لفتح الدين فتح الله إن الأمير علان وإينال(6/157)
المنقار وسدون بقجة قد عزموا على الركوب في هذه الليلة على السلطان، ومعهم عدة من المماليك السلطانية، فأخذ فتح الله بيد آقبغا ودخل إلى السلطان فأخبره بالخبر ما بينه وبينه، فاستدعى السلطان جمال الدين الأستادار، فأعلمه بذلك، فاستشار فتح الله وجمال الدين فيما يفعل، فدار الرأي بين السلطان وبينهما من غير أن يعلم بذلك أحد حتى استقر رأيهم على أن السلطان يستدعى علان وغيره إلى عنده ويقبض عليهم، فقاموا من عند السلطان على هذا، فغدر جمال الدين وبعث إلى إينال المنقار، وعلان، وسودون بقجة، والأمير تمراز نائب السلطنة، وكان قد خرج تمراز من مصر وهو أرمد في محفة، فأعلمهم بالخبر، وبعث إليهم بمال كبير لهم وللأمير شيخ، فما هو إلا أن غربت الشمس ركب تمراز، وسودون بقجة، وإينال المنقار، وقرا يشبك، وسودون الحمصي، وعدة من المماليك السلطانية، ومروا إلى جهة شيخ يريدون الشام، فاختبط العسكر واشتد قلق السلطان، وطلب جمال الدين وفتح الله، ولا علم له بما فعله جمال الدين، فأشار عليه فتح الله بالثبات، وأشار جمال الدين بركوبه ليلاً وعوده إلى مصر، يريد بذلك إفساد حاله، فمال السلطان لكلام فتح الله وثبت، وسار إلى جهة دمشق. انتهى.(6/158)
قلت: واستمر سودون بقجة عند الأمير شيخ بتلك البلاد إلى سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، توجه صحبة الأمير شيخ ونوروز إلى الكرك، فلما كان ذو القعدة من السنة نزل شيخ من قلعة الكرك ودخل الحمام بالمدينة، ومعه قاني باي المحمدي، وسودون بقجة، وطائفة يسيرة، وبلغ خبرهم الأمير شهاب الدين أحمد بن أبي العباس حاجب الكرك، فركب من وقته ومعه جمع كبير من أهل البلاد، واقتحموا الحمام ليقتلوا الأمير شيخ ومن معه من الأمراء، وبلغ الخبر شيخ فخرج من الحمام، ولبس ثيابه، ووقف في مسلخ الحمام عند الباب ومعه أصحابه، ودفع عن نفسه وقاتل بمن معه من الأمراء وغيرهم، ولا زال القتال عمالاً حتى أدركهم الأمير نوروز الحافظي ببقية العسكر، وقد أصاب شيخ سهم غار في بدنه كاد يأتي على نفسه، وحمل فأقام ثلاثة أيام لا يعقل، وقتل الأمير سودون بقجة في المعركة في اليوم المذكور، رحمه الله تعالى، ثم انكسر حاجب الكرك ومضى إلى حال سبيله، انتهى.
1146 - سودون قراسقل
... - 820 هـ - ... 1418 سودون قراسقل بن عبد الله الظاهري، الأمير سيف الدين، المعروف بسودون قراسقل، يعني لحيته سوداء.(6/159)
أحد المماليك الظاهرية برقوق، وتأمر في الدولة الناصرية فرج، ثم ترك الناصر وانضاف إلى الأميرين شيخ المحمودي ونوروز الحافظي، إلى أن قدم القاهرة بعد قتل الناصر صحبة الأمير شيخ المحمودي، وصار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، ثم ولى نيابة غزة لما خرج الأمير نوروز عن طاعة الملك المؤيد شيخ في شهر رمضان سنة ست عشرة وثمانمائة، فلم تطل مدته، وعزل بالأمير طرباي.
وصار سودون قراسقل على عادته أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، إلى أن خلع عليه الملك المؤيد في شهر رجب من سنة ثماني عشرة باستقراره حاجب الحجاب بالديار المصرية، عوضاً عن الأمير سودون القاضي بحكم انتقال سودون القاضي رأس نوبة النوب كما ذكرناه في ترجمته فاستمر في حجوبية الحجاب إلى أن تجرد الملك المؤيد إلى البلاد الشامية في سنة عشرين، أخلع عليه بتلك البلاد بحجوبية طرابلس، واستقر عوضه في حجوبية الديار المصرية ألطنبغا المرقبي المؤيدي، فتوجه سودون قراسقل إلى طرابلس ودام بها إلى أن توفي....(6/160)
1147 - سودون العلائي نائب حماة
...
- 788 هـ - ... - 1386 م
سودون بن عبد الله العلائي، الأمير سيف الدين، نائب حماة في دولة الملك الظاهر برقوق.
قتل في وقعة سولي بن دلغادر بأبلستين في سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، وتولى نيابة حماة من بعده الأمير سودون العثماني الآتي ذكره نقل إليها من دمشق، وأنعم بتقدمته بدمشق على الأمير مأمور القلمطاوي البطال بحماة، انتهى، رحمه الله تعالى وعفا عنه.
1148 - سودون العثماني
...
- 792 هـ - ... - 1390 م
سودون بن عبد الله العثماني، الأمير سيف الدين نائب حماة.
ترقى في دولة الظاهرية برقوق إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف بدمشق، ثم ولى نيابة حماة بعد قتل العلائي في وقعة أبلستين في سنة ثمان وثمانين وسبعمائة فتوجه إلى حماة وباشر نيابتها إلى سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وخرج الناصري(6/161)
ومنطاش على الملك الظاهر برقوق ومال إليهما كثير من الأمراء والنواب بالبلاد الشامية، استمر سودون المذكور على طاعة الملك الظاهر برقوق، وضعف أمره لكثرة العصاة بتلك البلاد، هموا ممالكيه بقتله، ففطن سودون العثماني بذلك، وهرب إلى دمشق ووثب سيف الدين الغزبي حاجب حماة وملك حماة، ودخل في طاعة الناصري ومنطاش، وبلغ سودون العثماني ذلك فجدد له بركا، واستخدم عدة مماليك أخر، وتوجه إلى أخذ حماة، ومعه الأمير صارم الدين إبراهيم بن همر، فلقيه الأمير تمربغا الأفضلي المدعو منطاش بعسكر حلب وقاتله، وهزمه إلى حمص.
ولم أعلم ما وقع له بعد ذلك، وأظنه مات في تلك الفتن في سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة، والله أعلم.
1149 - سودون اللكاشي
...
- 830 هـ - ... - 1427 م
سودون بن عبد الله اللكاشي، الأمير سيف الدين، أحد مقدمي الألوف بديار مصر.(6/162)
أصله من مماليك الأمير آقبغا اللكاش، السابق ذكره، واتصل بالأمير شيخ، وصار بخدمته إلى أن تسلطن، أمره ورقاه إلى أن جعله أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، واستمر على ذلك إلى أن توجه إلى البلاد الشامية مجرداً صحبة الأتابك الطنبغا القرمشي في سنة ثلاث وعشرين، ومات الملك المؤيد في غيبته، وتسلطن ولده الملك المظفر أحمد بن شيخ، وصار الأمير ططر مدبر مملكته، وتوجه ططر إلى البلاد الشامية المظفر أحمد، وقبض على جماعة من أمراء المؤيدية، ثم قبض على سودون اللكاشي المذكور في شهر شعبان سنة أربع وعشرين وثمانمائة وحبسه.
ودام في الحبس مدة إلى أن أطلقه الملك الأشرف برسباي وأنعم عليه بإمرة طبلخاناة، فأقام بطرابلس إلى أن توفي في حدود الثلاثين وثمانمائة.
قلت: وسودون هذا من الأوباش الذين قدمهم الملك المؤيد في دولته. انتهى.
1150 - سودون ميق
...
- 836 هـ - ... - 1433 م
سودون بن عبد الله الظاهري، الأمير سيف الدين، أحد المماليك الظاهرية، المعروف بسودون ميق.(6/163)
هو من أصاغر المماليك الظاهرية، وممن تأمر بعد موت الملك المؤيد شيخ، ثم صار في الدولة الأشرفية برسباي أمير طبلخاناة، وأمير آخور ثاني بعد الأمير بردبك السيفي يشبك بن أزدمر، بحكم انتقاله إلى تقدمة ألف.
واستمر سودون على ذلك مدة طويلة، ثم صار من جملة مقدمي الألوف بالديار المصرية، وتولى الأمير آخورية الثانية من بعده الأمير شيخ الركني الأمير آخور الثالث، واستمر على ذلك إلى أن توجه صحبة السلطان الملك الأشرف برسباي إلى آمد في سنة ست وثلاثين وثمانمائة، ونازل السلطان مدينة آمد وحاصرها، أصاب سودون ميق المذكور سهم لزم منه الفراش أياماً إلى أن مات في ذي القعدة من السنة، ودفن بآمد.
وكان متوسط السيرة في غالب أحواله، مهملاً، رحمه الله، وخلف مالاً جما، وورثه ابنه فلم يتهن بالمال، ومات بعد مدة، رحمه الله تعالى.
1151 - سودون الفقيه
...
- 830 هـ - ... - 1427 م
سودون بن عبد الله، الفقيه الظاهري، سيف الدين، أحد المماليك الظاهرية برقوق، وصهر الملك الظاهري ططر، وجد الملك الصالح محمد بن ططر، ووالد البدري حسن أحد مقدمي الألوف.(6/164)
كان المذكور في الدولة الناصرية من رءوس الفتن، ولما تسلطن الملك المؤيد أبعده، ولولا مراعاة صهره ططر لكان له معه شأن، وكان فقيهاً مستحضراً لمذهبه، كثير الأبحاث، معصباً للسادة الحنفية، وكان شيخاً طوالاً، أبيض اللحية، رقيق الوجه، وعنده قوة نفس وشهامة، ومعرفة ودهاء، وعظم في دولة صهره الملك الظاهر ططر، وصار ولده حسن أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، كل ذلك وهو من جملة الأجناد لم يتأمر ألبتة، ولما مات ططر وتسلطن سبطه الملك الصالح محمد بن الظاهر ططر زادت عظمته أضعاف ما كانت، لكنه كما قيل ثم ما سلم حتى ودعا.
قلت: ولما تسلطن ططر وقدم إلى القاهرة تلقاه حموه سودون هذا، فقام إليه ططر وأجلسه بإزائه فوق جميع الأمراء، ولما تسلطن ابن بنته الملك الصالح محمد دخل إليه جده المذكور فقام الملك الصالح ليقبل يده فمنعه جده صاحب الترجمة من ذلك، ودام سودون المذكور قيد الحياة إلى أن توفي ولده البدري حسن، وعاش بعده دهراً، رأيته غير مرة في الدولة الأشرفية برسباي، واستمر على حاله إلى أن توفي في حدود الثلاثين وثمانمائة، رحمه الله تعالى.(6/165)
1152 - سودون الحموي
... - 830 هـ - ... - 1427 م سودون بن عبد الله الحموي النوروزي، الأمير سيف الدين، أحد أمراء الطبلخانات ورأس نوبة.
أصله من مماليك الأمير نوروز الحافظي، ثم اتصل بخدمة الملك المؤيد شيخ بعد قتل أستاذه، وحظي عنده حتى صار من جملة أمراء العشرات ورأس نوبة، ثم صار أمير طبلخاناة في دولة الظاهر ططر.
واستمر على ذلك إلى أن نفاه الملك الأشرف برسباي إلى ثغر دمياط في أوائل دولته، ثم نقله بعد مدة إلى البلاد الشامية على إمرة، فاستمر المذكور بتلك البلاد إلى أن توفي بها في حدود الثلاثين وثمانمائة، رحمه الله تعالى.
1153 - سودون العجمي النوروزي
...
- 850 هـ - ... - 1446 م
سودون بن عبد الله العجمي النوروزي، الأمير سيف الدين، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة.
هو أيضاً من مماليك الأمير نوروز الحافظي وممن تأمر في الدولة الظاهرية جقمق عشرة، واستمر على ذلك إلى أن مات في حدود الخمسين وثمانمائة.(6/166)
وكان مهملاً لا للسيف ولا للضيف، عفا الله عنه.
1154 - خجا سودون
...
- 843 هـ - ... - 1439 م
سودون بن عبد الله السيفي بلاط الأعرج، الأمير سيف الدين أحد الأمراء مقدمي الألوف بالديار المصرية.
أصله من مماليك الأمير بلاط شاد شراب خانات الملك الناصر فرج، ولما قتل أستاذه مع الملك الناصر في الفتنة خدم خجا سودون هذا عند الأمير نوروز الحافظي إلى أن قتل نوروز أيضاً، اتصل بخدمة الملك المؤيد وصار عنده خاصكيا، ثم بجمقدار، ولما حصل للملك المؤيد الألم الذي كان يعتريه برجليه، وضعف المؤيد عن الحركة صار خجا سودون هذا يحمله على رقبته ولا يكترث سودون من حمله مع جهامة المؤيد، لأن خجا سودون كان من الأقوياء الذين يضرب بقوتهم المثل.(6/167)
واستمر على ذلك حتى توفي الملك المؤيد، وتسلطن ولده الملك المظفر أحمد، ثم ططر، ثم ولده الصالح محمد، ثم آل الملك إلى الملك الأشرف برسباي قربه وأدناه وأمره عشرة، وجعله من جملة رءوس النوب، ثم أنعم عليه بإمرة طبلخاناة، ثم جعله من جملة أمراء الألف بالديار المصرية.
وكان فرداً في معناه، لا يسلك طريقة أحد من الأمراء ممن تقدمه، فإنه كان يسكن بالأطباق من قلعة الجبل، وكانت طبقته الطازية، فكان يقيم بالطبقة السنة وأكثر، لا ينزل منها، ولا يركب فرساً ألبتة، وكانت الناس تسمع به ولا يطرفونه من عدم نزوله من القلعة وركوبه، فإنه ما كان يرى غالباً إلا في الخدمة السلطانية، ثم يعود من القصر السلطاني إلى الطبقة ويدخل إليها ويقلع ما عليه من قماش الخدمة، ويدخل إلى مدمنه من العلاج بالمخاريق من الحجارة التي كل واحدة منها كفردة الطاحون العظيمة أو أكبر، فإن مخروقه الذي كان يحمله برقبته اثنتي عشر قنطاراً بالمصري.
وكان الملك الأشرف جعله رأس نوبة لولده المقام الناصري محمد، فكان إذا توجه المقام الناصري إلى بعض سرحاته يلزم خجا سودون هذا النزول معه(6/168)
ضرورة، فكان يصعب عليه ذلك إلى الغاية، وكان إذ نزل معه ينزل ويركب على هيئة الأجناد بغير تخفيفة على رأسه، ولا يتعاظم في مركبه، ثم يعود في خدمة المقام الناصري إلى القلعة ويستمر على ما ذكرناه.
ومما اتفق له أن الملك الأشرف بلغه في بعض الأحيان أن الأمير خجا سودون هذا له سنين ما رأى الربيع ولا عدى البحر إلى بر الجيزة، فسأله السلطان عن ذلك، فقال: نعم، فقال له السلطان: إنزل اليوم وعد البحر إلى الربيع واستمر هناك جمعة، فاستعفى من ذلك، فلم يعفه الملك الأشرف ورسم عليه على سبيل المداعبة، حتى نزلوا به بعد أن أنعم عليه بما يأكله في الربيع مع آنياته من سكر وأغنام ودجاج وغير ذلك، فتوجه إلى الربيع وأقام به أياماً، ثم عاد، ولا زال على ذلك إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف، أمره السلطان أن ينزل إلى داره ويسكن بها بمماليكه على عادة الأمراء، وكان سكنه بشارع الصليبة تجاه مدرسة تغرى بردى المؤذى، فنزل إلى داره وسكنها، وسلك فيها أيضاً(6/169)
طريقة مفردة، وهو أنه صار يأمر مماليكه بأن يركبوا في خدمته أيام المواكب إلى أن يصل إلى باب داره يقفون على الباب يميناً وشمالاً على خيولهم، ولا ينزل منهم أحد من فرسه، فيسلم عليهم ويدخل إلى منزله وحده، وينزل عن فرسه، ويتقدم بابا له يتعاطى خدمته كعادة الخاصكية، ولم يكن له جمدار ولا سلاح دار، ولا يمد سماطاً في بيته لمماليكه، بل يأتيه ما يأكله هو وحده بمفرده، فإنه كان رتب لكل واحد من مماليكه لكل واحد ثلاثة أرطال من اللحم الضأن، فكلمة بعض الناس في ذلك، فقال: هذا أنفع في حقهم وأقل حرمة، فإن الواحد منهم يكون متزوجاً فيأكل هو وزوجته راتبه ويكفيه ذلك، بخلاف ما إذا عملت سماطاً فإنه أوفر في حقي وأقل كلفة، لكن ينوب المملوك ما يأكله ثم يحتاج إلى كلفه ثانية لبيته، ثم جمع مماليكه وسألهم أن يعمل سماطاً ويقطع رواتبهم، فأبوا وقالوا: نحن راضون بما نحن فيه.
وكان بخدمته نيف على مائة وخمسين مملوكاً خلاف الكتابية، وكان ينفق عليهم جوامكهم في أول كل شهر من حاصله، وكذلك عليقهم ولحمهم، ولا يركبون في خدمته سوى أيام المواكب لا غير، وكان له ثروة زائدة، ومال جزيل، وسلاح عظيم، وبرك هائل، وكان لا يظهر ذلك عنه إلا إذا توجه إلى تجريدة من التجاريد فيخرج من القاهرة بأبهة وعظمة.(6/170)
وألبس مرة مماليكه السلاح وخرج بهم من الرميلة إلى الريدانية على تلك الهيئة، فإنه كان يسيراً أيضاً في التجريدة وحده ولا يسير مع رفقته من الأمراء المجردين، ولا ينزل معهم بل ينفرد عنهم بمعزل، فكان هذا شأنه إلى يعود من سفرته إلى الديار المصرية، ويبقى على عادته ملازماً لداره، مشتغلاً بأنواع الملاعيب والعلاج بالحجارة، وكان عزباً لا يتزوج خوفاً على قوته.
واستمر على ذلك إلى أن تجرد إلى البلاد الشامية، صحبة الأمير قرقماس الشعباني أمير سلاح وغيره في سنة إحدى وأربعين وثمانمائة. ومات الملك الأشرف برسباي قبل عود الأمراء من أرزنكان إلى البلاد الحلبية، ثم كتب بحضورهم، وقبل وصولهم إلى مدينة غزة، كتب مرسوم شريف على يد دمرداش الحسن الخاصكي بتوجه خجا سودون هذا إلى القدس بطالاً، فتوجه خجا سودون المذكور إلى القدس ودام به سنيات، ومات في حدود سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة، رحمه الله تعالى.
وكان مليح الشكل، أحمر اللون، أسود اللحية مستديرها، للطول أقرب، وكان بيني وبينه صحبة أكيدة، وكان عاقلاً، عارفاً سكينة، يقرأ قراءة هينة،(6/171)
ويحفظ بعض مسائل، قليل الكلام إلا فيما يعنيه، وكان قليل العشرة بالناس، حريصاً على جمع المال، لا يصرفه إلا في طريقه، رحمه الله تعالى.
1155 - حاجب دمشق
...
- 847 هـ - ... - 1443 م
سودون بن عبد الله النوروزي، الأمير سيف الدين، حاجب حجاب دمشق.
هو أيضاً من مماليك الأمير نوروز الحافظي، وتنقلت به الأحوال بعد موت أستاذه إلى أن صار في الدولة الأشرفية برسباي دوادار السلطان بحلب، وأمير مائة ومقدم ألف بها، ودام على ذلك مدة طويلة بحلب، إلى أن نقله الملك الظاهر جقمق إلى حجوبية الحجاب بدمشق، بعد الأمير برسباي من حمزة الناصري بحكم انتقاله إلى نيابة طرابلس، بعد قاني باي الحمزاوي المنتقل إلى نيابة حلب بعد انتقال نائبها الأمير جلبان إلى نيلبة دمشق بعد موت آقبغا التمرازي في سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة.
واستمر سودون المذكور في حجوبية دمشق مدة طويلة، وقدم القاهرة على الملك الظاهر جقمق بتقادم هائلة، ثم عاد مستمراً على حجوبيته، وعظم(6/172)
ونالته السعادة، واستمر إلى أن توفي بدمشق في سنة سبع وأربعين وثمانمائة فيما أظن.
وكان متوسط السيرة لا بأس به، وتولى الحجوبية من بعده الأمير جانبك نائب قلعة دمشق، الذي كان دوادار الأمير برسباي حاجب حجاب دمشق الذي هو الآن نائب طرابلس. انتهى.
1156 - سودون البردبكي
...
- 850 هـ - ... - 1446 م
سودون بن عبد الله البردبكي الظاهري، الأمير سيف الدين، نائب ثغر دمياط، وأحد أمراء العشرات بالقاهرة.
كان من صغار مماليك برقوق، وتأمر عشرة بعد موت الملك المؤيد شيخ، واستمر على ذلك إلى أن ولاه الملك الظاهر جقمق نيابة دمياط، فتوجه إليها، ودام بها إلى أن مات في سنة خمسين وثمانمائة، وكان مهملاً لا يعتد به في الدول، غير أنه كان عفيفاً عن المنكرات والفروج.
1157 - سودون الأبو بكري
...
- 865 هـ - ... 1460 م
سودون بن عبد الله الأبو بكري المؤيدي، الأمير سيف الدين.(6/173)
هو من مماليك الملك المؤيد شيخ، ثم نزل به الدهر وخدم بعد موت أستاذه عند جماعة من الأمراء إلى أن صار من جملة أمراء حلب، ثم ولاه الملك الظاهر جقمق حجوبية الحجاب بحلب بعد انتقال بردبك الجكمي العجمي إلأى نيابة حماة في سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، واستمر في الحجوبية مدة، وقدم القاهرة في سنة خمسين، فلما كان بالقاهرة ورد الخبر بموت الأمير قاني باي خوني أتابك حلب، فأنعم السلطان عليه بالأتابكية، واستقر عوضه في حجوبية حلب السيفي قاني باي طاز الجمكي الخاصكي، ولم نعلم قبل ذلك أن خاصكيا ولي حجوبية حجاب حلب.
ثم توجه سودون إلى حلب، واستمر بها إلى أن خرج الأمير بيغوت من صفر خجا المؤيدي الأعرج نائب حماة عن طاعة السلطان، استقر سودون هذا عوضه في نيابة حماة، واستقر الأمير على باي العجمي المؤيدي أتابك عساكر حلب عوضه، وأنعم بإقطاع على باي، تقدمة ألف بحلب، على إينال الساقي الظاهري جقمق أحد أمراء طرابلس.
1158 - سودون أتمكجي
...
- 853 هـ - ... - 1449 م
سودون بن عبد الله المحمدي المؤيدي، الأمير سيف الدين، الأمير(6/174)
آخور الثاني المعروف بسودون أتمكجي.
هو من مماليك الملك المؤيد شيخ، وممن صار خاصكيا بعد موته، ودام على ذلك مدة، ثم استقر رأس نوبة الجمدارية في الدولة الأشرفية برسباي، واستمر على ذلك إلى أن أمره الملك الظاهر جقمق إمرة عشرة، ثم جعله من جملة رءوس النوب مدة يسيرة، ثم صار أمير آخورا ثالثاً بعد الأمير قيزطوغان المتنقل إلى الأستادارية بعد عزل ابن أبي الفرج في سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة، فاستمر على ذلك إلى سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، استقر أمير آخورا ثانيا، بعد انتقال الأمير جرباش المحمدي المعروف بكرد إلى تقدمة ألف بالديار المصرية، فلم تطل مدته في الأمير آخورية الثانية، ومات في شهر رجب سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة.
وكان رحمه الله مشكور السيرة، سليم الباطن، وعنده حشمة وكرم وشجاعة، عفا الله عنه، واتمكجي يعني خباز. انتهى.
1159 - سودون قراقاش
...
- 865 هـ - ... - 1460 م
سودون بن عبد الله الإينالي المؤيدي، الأمير سيف الدين المعروف بسودون قراقاش.(6/175)
أحد مماليك المؤيدية شيخ، ونسبته بالإينالي إلى جالبه الأمير إينال الساقي المعروف بإينال ضضغ، المقدم ذكره. اشتراه الملك المؤيد في سلطنته وأعتقه، وجعله من جملة المماليك السلطانية إلى أن توفي، صار سودون قراقاش هذا خاصكيا، ودام على ذلك دهراً إلى أن خلع عليه الملك الظاهر جقمق في أوائل دولته باستقراره من جملة الدوادارية الصغار، وكان ذلك في يوم السبت في إحدى الربيعين سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، فأصبح من الغد أنعم عليه بإمرة عشرة من قبل أن يباشر الدوادارية. وكان سبب ذلك أن السلطان كتب مثالاً بإمرة عشر وأراد أن يدفعه إلى جانبك النوروزي نائب بعلبك، فبادر سودون هذا وأخذه من يده، ومشى له ذلك لاضطراب الدولة، ومراعاة السلطان لخواطر جنده إذ ذاك، ثم صار من جملة رءوس النوب الصغار.
واستمر على ذلك سنين، ثم غير إقطاعه بإمرة عشرين بعد الأمير حسن بك الدوكاري بحكم انتقاله إلى نيابة جوبر ودام على ذلك، وحج أمير الركب الأول، وعاد إلى القاهرة على عادته إلى يوم الإثنين ثالث عشر شهر ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وثمانمائة رسم بنفيه إلى القدس الشريف بطالاً، فتوجه المذكور إلى القدس وسبب نفيه أن السلطان كان أرسله إلى البحيرة صحبة(6/176)
الأمير جرباش المحمدي كردا، أحد مقدمي الألوف، فتوجها إلى البحيرة وعادا وصحبتيهما جمال محارب التي كان استولى عليها كاشف البحيرة، فلما وصلا إلى بر الجيزة نزلا إلى البحر، وعدي كل واحد منهم إلى بر بولاق، وبقيت الجمال في بر منبابة، فلم يكن إلا ساعة وهجمت محارب وأخذ جمالها، ونهبوا بعض النواتية، وعادوا إلى البحيرة، فعظم ذلك على السلطان، فرسم بنفيه، واستمر المذكور في القدس إلى أن مات في أول المحرم سنة خمس وستين وثمانمائة.
1160 - السلاح دار النوروزي
...
- 862 هـ - ... - 1457 م
سودون بن عبد الله النوروزي، الأمير سيف الدين.
هو أيضاً من مماليك الأمير نوروز الحافظي، وممن صار خاصكيا بعد موت الملك المؤيد شيخ، وصار سلاح داراً في الدولة الأشرفية برسباي، ودام على ذلك إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر جقمق بإمرة عشرة وجعله من جملة رءوس النوب وذلك(6/177)
في سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، فاستمر على ذلك سنين إلى أن مات في سنة اثنتين وستين وثمانمائة.
1161 - سودون السودوني
...
- 854 هـ - ... - 1450 م
سودون بن عبد الله السودوني الظاهري، الأمير سيف الدين.
أحد أمراء العشرات وثاني حاجب، هو أيضاً من المماليك الظاهرية، وممن تأمر في الدولة المؤيدية شيخ، ودام على ذلك دهراً طويلاً إلى أن صار في الدولة الأشرفية برسباي من جملة الحجاب بالقاهرة، واستمر على ذلك إلى أن نفاه الملك الظاهر جقمق إلى القدس، وأنعم بإقطاعه على الأمير ألطنبغا اللفاف في حدود سنة ست وأربعين وثمانمائة، ثم شفع فيه فرسم له أن يقيم بالقاهرة بطالاً، فأقام ملازماً لداره مدة، ثم أنعم عليه الملك الظاهر بإمرة عشرة واستقر في الحجوبية كما كان أولا.
واستمر على ذلك مدة، ثم نقل إلى الحجوبية الثانية على إمرة عشرة، فباشر الحجوبية الثانية مديدة، ونفى ثانياً إلى القدس، واستقر في الحجوبية الثانية من بعده نوكار الناصري على إمرة عشرة أيضاً، ثم شفع فيه فعاد إلى القاهرة وأقام بها مدة، ثم استقر أمير عشرة وحاجبا ثالثا، وجلس تحت نوكار(6/178)
بسعي منه في ذلك.
واستمر على ذلك نحو السنتين، ورسم بنفيه أيضاً إلى القدس في أحد الجمادين من سنة ثلاث وخمسين، ثم أعيد إلى القاهرة وسأل أن يكون من جملة الحجاب من غير إمرة، فأجيب إلى ذلك، وباشر الحجوبية إلى أن مات في ليلة الأحد العشرين من شهر رمضان سنة أربع وخمسين وثمانمائة، وله نحو الثمانين تخميناً.
وكان شيخاً ضالاً، لا ذات ولا أدوات، عفا الله عنه.
1162 - سودون المغربي
...
- 843 هـ - 1440 م
سودون بن عبد الله الظاهري، الأمير سيف الدين أحد أمراء العشرات، وحاجب ثم نائب دمياط، المعروف بسودون المغربي.
هو أيضاً من مماليك الملك الظاهر برقوق، وممن تأمر بعد موت الملك المؤيد شيخ، وممن صار حاجباً في الدولة الأشرفية برسباي، بعد أن ولي نظر القدس قبل تاريخه بمدة. ثم ولاه الأشرف نيابة دمياط، فتوجه إلى الثغر وباشر مدة سنين، ثم عزل وعاد إلى ما كان عليه إلى أن أعاده الملك الظاهر جقمق إلى نيابة دمياط ثانياً، بعد عزل الأمير أسنباي الزردكاش، وذلك في سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، فتوجه سودون المغربي هذا إلى دمياط وأقام بها مدة يسيرة،(6/179)
ورسم السلطان بنفيه إلى القدس بطالاً، وأنعم بإقطاعه على الأمير ألطنبغا اللفاف، فتوجه إلى القدس وأقام به مدة، ثم طلب إلى الديار المصرية فقدمها في سنة ثلاث وأربعين، ودام بها إلى أن مات في ذي الحجة سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة، بعد قدومه إلى القاهرة بمدة يسيرة.
وكان ديناً، خيراً عفيفاً، فقيهاً بالنسبة إلى أبناء جنسه، يكثر من طلب العلم ويجتهد في ذلك إلى الغاية، وكان تصوره غير صحيح، فهمه غير مستقيم، قل أن يجلس بمكان ولا يبحث فيه مع أحد، وكان عنده نشوفة وظن بنفسه، ولهذا المقتضى سمي بالمغربي. ولما ولي الحجوبية سار في أحكامه سيرة جيدة، ولم يتناول من أحد ببابه ما يتناوله غيره من الحجاب، وكان لا يسمع رسالة مرسل، ولا يعتني بأحد من أصحابه في حكومة، وكان يقع له خطأ كثير في أحكامه، يتعمد ذلك، وهو إنه إذا دخل إليه رجل من وجوه الناس وله خصم من أطراف الناس، والحق ظاهر للرجل الرئيس بين، فيجتهد سودون المغربي هذا في أن ينفع الوضيع ويميل إليه ميلاً زائداً، بحيث يظهر ذلك منه لكل أحد، ويحكم على غالب ظنه بأن القوي يجور على الضعيف ولا يتصور غير ذلك.
وكان يتقشف في ملبسه ومركبه، ويسير في ذلك على قاعدة السلف من القرانيص، فكان يلف على رأسه شاشاً كبيراً، كيف ما كانت اللفة تكون، ويجنب خلفه فرس بعباءة اصطبلي، وتارة من غير سرج يكون جنبيه. وكان كثيراً ما أتى على هذه الهيئة، فكنت لما أنظر إلى جنيبه خلفه، يقول لي: المقصود الجنيب لا القماش المزوق، وأن الجنيب خلف الأمير معناه إذا عجز(6/180)
فرسه الذي تحته يلقى جنبيه فيركبه، وبعد أن يعجز الفرس يؤخذ سرجه ويوضع على الجنيب، وتؤخذ عياءة الجنيب توضع على الفرس الذي عجز، فقلت له مرة: فإن عثر الفرس وانكسر السرج إيش تعمل؟ قال: أركب فرس مملوكي. قلت: إذا ينقص من جندك واحد. قال: أركب الجنيب م غير سرج. قلت: تكون كاالماشي على الأرض، فغضب مني ولوى رأسه فرسه وخرج.
وكان اشتغل بالنحو في أواخر عمره، وصار يكثر من الأسئلة في العربية، وكان إذا جلس بالقصر يجلس حوله جماعة من فضلاء الأمراء والخاصكية ويبحثون معه حتى يتحرف ويستغيث. فوقع مرة أنهم تكلموا معه في غير الصواب، وتعصبوا عليه، ووهوا كلامه، فاستغاث والتفت إلي وقال: قل لي كيفية الخبر، قلت: سودون مجنون، فقال: نعم هذا هو الحق لا قولكم الفشار. انتهى.
وكان رحمه الله جاركسي الجنس.
قلت: وكل من مر في هذا الكتاب ممن اسمه سودون هو جاركسي أيضاً، انتهى.(6/181)
1163 - سودي نائب حلب
...
- 714 هـ - ... - 1314 م
سودي بن عبد الله الناصري، الأمير سيف الدين نائب حلب.
هو من مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون ومن خواصه، وكان الملك الناصر أمره هو والأمير تنكز أن يجلسا عند الأمير سيف الدين أرغون النائب، ويتعلما من أحكامه، فلازماه سنة حتى صار لهما دربة بالأحكام. ثم أمر السلطان سودي المذكور، ولا زال يرقيه حتى جعله أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، ولاه نيابة حلب، عوضاً عن الأمير قراسنقر المنصوري في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، فتوجه إلى حلب، وباشر نيابتها زيادة على سنتين، وشكرت سيرته إلى الغاية. وشرع في وصول نهر الساجور إلى حلب، واجتهد في ذلك وحفر غدرانه، وفتح له أخدوداً طوله أربعون ذراعاً، وصرف عليه نحو الثلاثمائة ألف درهم، غالبها من ماله، فأدركته المنية، ومات قبل فراغه في سنة أربع عشرة وسبعمائة. وتولى بعده نيابة حلب الأمير أرغون الكاملي الدوادار، فقام في إتمام ما شرع فيه سودى، رحمه الله.
وكان سودى أميراً شاباً، شجاعاً، جميلاً، يميل إلى العدل في الرعية، وكان عنده تعفف عن أموال الناس، عفا الله عنه.(6/182)
وسودى بفتح السين المهملة وواو ساكنة ودال مهملة وياء، ومعناه أحب من المحبة، رحمه الله تعالى وعفا عنه. انتهى.
1164 - ابن دلغادر نائب أبلستين
...
- 800 هـ - ... 1398 م
سولى بن قرآجا بن دلغادر التركماني، أمير التركمان الأوجاقية والبوزاوقية، نائب أبلستين.
وليها بعد أخيه غرس الدين خليل، وطالت مدته بها، واتفقت له أمور مع العسكر الحلبي غير مرة حتى أمسك واعتقل بقلعة حلب مدة، إلى أن تحيل وتخلص وهرب إلى بلاده. وسبب ذلك، أن الأمير يلبغا الناصري أطلقه من الحبس، وأمره بالإقامة بحلب، ثم خرج الناصري في بعض الأيام إلى الميدان وسولى هذا معه، فلما كان الليل هرب، وعلم الناصري بذلك فركب خلفه ساعة، ثم عاد إلى مكانه، ويقال إنه هرب بإذن الناصري له في الباطن. ثم وقع له أمور وحوادث، ولا زال عاصي على السلطنة حتى قتل غيلة على فراشه في سنة ثمانمائة، قتله شخص يقال له على جان، بسكين في خاصرته، وهو نائم مع(6/183)
امرأته في بيت خركاة، في أول الليل، بالقرب من مرعش، وذلك بممالأة الملك الظاهر برقوق على ذلك من سنين. فلما قتل، هرب على جان في الليل إلى أن حضر إلى الملك الظاهر برقوق، فأنعم عليه وأحسن إليه وأعطاه عشرة بأنطاكية، وكان على جان المذكور في خدمة ولد سولى هذا، الأمير صدقة ابن سولى.
قال قاضي القضاة بدر الدين محمود العيني: وكان له صيت عظيم، وحرمة عظيمة بين التراكمين. وكان في أيام ولايته أبلستين ومرعش وغيرهما ينصف الناس، وفي أيام عزله يظلم الناس ويأخذ أموالهم، ويفرق عسكره إلى بلاد المسلمين فيقطعون الطريق ويفسدون على وجه الأرض.
وكان سولى هذا هو الذي ساعد منطاشاً على خراب البلاد الشمالية، ولا سيما حين حضر معه على عينتاب، وسلط تراكمينه الذين لا يعرفون الله ولا رسوله على أهلها، فنهبوا أموالهم، وسبوا حريمهم، وفسقوا فيها، وكان قتل هذا من الفتوح العظيم للمسلمين. ولقد اجتمعت به مرارا حين قدم بعسكره إلى عينتاب،(6/184)
في زمرة من العلماء، وتكلمت عنده بالأحاديث الزاجرة، والمواعظ الرائقة ليرق قلبه ويرفع شره عن المسلمين، فكان يظهر الطاعة والقبول في الظاهر، ويضمر السوء والفحشاء في الضمائر، ومع ظلمه الظاهر كان يتعانى اللواطة الظاهرة ويتعاطى الخمر، فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر، وقتل وهو بطال، من جهة السلطنة، ثم قدم ابنه صدقة إلى مصر، فأخلع عليه السلطان وولاه إمرة التركمان، عوضاً عن ناصر الدين محمد بن خليل بن قراجا بن دلغادر، فلما وصل إلى محل ولايته وقع بينهما قتال عظيم، ولم تزل هذه الطائفة(6/185)
تقتل بعضها بعضا، وهذا داء بهم ولولا ذلك لكانوا أفسدوا الأرض ومن عليها. انتهى كلام العبني.
1165 - سو نجبغا اليونسي
...
- 857 هـ - ... - 1453 م
سو نجبغا بن عبد الله التونسي الناصري، الأمير سيف الدين، أخو الأمير أرنبغا، وأرنبغا الأسن.
هو من مماليك الملك الناصر فرج، وممن صار خاصكيا بعد موت الملك المؤيد شيخ. ودام خاصكيا دهراً طويلاً يلتفت إليه، إلى أن أمره الملك الظاهر جقمق لكون زوجته أخت خوند بنت البارزي زوجة الملك الظاهر جقمق، ثم جعله السلطان من جملة رؤوس النوب.(6/186)
واستمر على ذلك سنين، وحج أمير الركب الأول، وأمير حاج المحمل، وأمير الزجبية غير مرة. وغير السلطان إقطاعه في سنة ست وأربعين بإقطاع أيتمش من أزوباي المؤيدي، بحكم انتقال أيتمش المذكور إلى إقطاع الأمير جانبك القرماني، المنتقل إلى إمرة طبلخاناة عوضاً عن الأمير قاني باي الجاركس بحكم انتقاله إلى تقدمه ألف بعد موت الأمير تغرى بردى المؤذي البكلمش الدوادار.
وهذا الإقطاع المنعم به على سونجبغا المذكور والذي خرج عنه وما انتقل إليه أيتمش الجميع إمريات عشرة، والتغيير لتفاوت الزيادة في الخراج لا غير.
وآخر ما توجه إلى الحجاز أمير حاج المحمل سنة خمس وخمسين وثمانمائة. واستمر على ذلك إلى أن أنعم عليه الملك المنصور عثمان بن جقمق بإمرة طبلخاناة، عوضاً عن الأمير بلباي الإينالي بعد القبض على بلباي المذكور وحبسه بثغر الإسكندرية، فاستمر إلى أن ندبه الملك الأشرف إينال إلى القبض على الأمير الوزير تغرى بردى القلاوي كاشف البهنسا في يوم الجمعة خامس عشر جمادى الأولى. فتوجه المذكور إلى القبض على تغرى بردى فوقع بينهما ما ذكرناه في تاريخنا الحوادث مفصلا، وآخر الأمر أنهما قتلا جميعاً، وورد الخبر بقتلهما في يوم الأحد سابع عشر جمادى الأولى المذكور سنة سبع وخمسين وثمانمائة، رحمهما الله تعالى.(6/187)
باب السين والياء
المثناة من تحت
1166 - سيف الدين السيرامي الحنفي
...
- 810 هـ - ... - 1407 م
سيف بن محمد بن عيسى. وسماه الشيخ تقي الدين المقريزي: يوسف، انتهى.
قلت: هو الشيخ الإمام العالم العلامة سيف الدين السيرامي الحنفي، نزيل القاهرة.
مولده بسيرام ونشأ بتبريز، ولما طرق تيمورلنك تبريز، خرج منها سيف الدين المذكور جافلاً حتى قدم حلب واستوطنها، وأقام بها مدة يفتى ويدرس ويشغل، إلى أن استدعاه الملك الظاهر برقوق، وولاه مشيخة مدرسته التي(6/189)
أنشأها ببين القصرين بعد موت العلامة علاء الدين السيرامي، في جمادى الأولى سنة تسعين وسبعمائة. فاستمر العلامة سيف الدين المذكور يدرس ويشغل ويفتى إلى أن مات في شهر ربيع الأول سنة عشر وثمانمائة بالقاهرة.
وكان إماماً عالماً، مفنناً، بارعاً في المعقول والمنقول، متقدماً في الفتوى. وهو والد العلامة نظام الدين يحيى، المتولى مشيخة المدرسة الظاهرية من بعده، يأتي ذكره في محله إن شاء الله تعالى رحمهما الله تعالى.
وصاحب الترجمة ليس هو بقرابة لعلاء الدين السيرامي المتقدم ذكره في الأحمدين، لكنهما ينسبان لبلد واحد. انتهى.
1167 - أمير آل فضل
...
- 759 هـ - ... - 1358 م
سيف بن فضل بن عيسى بن مهنا بن مانع بن حديثة بن غضبة بن فضل ابن ربيعة، أمير آل فضل.(6/190)
تولى إمرة العرب بعد وفاة أخيه عيسى بن فضل في سنة أربع وأربعين وسبعمائة. فباشر الإمرة مدة، ثم عزل الملك الكامل بن الملك الناصر محمد بن قلاوون في سنة ست وأربعين، وتولى مكانه أحمد بن مهنا بن عيسى، واستمر سيف هذا معزولاً، إلى أن قتل في ذي القعدة سنة تسع وخمسين وسبعمائة.
قال ابن كثير: وكان أميراً محترماً، مطاعاً في قومه، مشهوراً بالشجاعة، وجيهاً في الدولة، ذا همة عالية ومكارم.
ولما قتل قال فيه الأديب خليل بن أيبك الصفدي:
سيف بن فضل كان في الدهر ... لا يخاف من حين ولا حيف
حتى إذا ما خانه دهره ... أنفذ حكم السيف في السيف
1168 - سيف الدين الرجيحي
...
- 706 هـ - ... - 1306 م
سيف، وقيل محمود، وقيل غير ذلك، ابن هلال بن يونس، الشيخ سيف(6/191)
الدين الرجيحي بن سابق الدين، شيخ اليونسية بمقامهم.
كان شيخاً طوالاً، ضخم الهامة جداً، محلول الشعر خلفه، وكان له وجاهة، والناس فيه ما بين معتقد ومنكر. واستمر على ذلك إلى أن توفي بداره التي كان يسكنها بدمشق بباب توما، وتعرف بدار أمين الدولة، في سنة ست وسبعمائة، رحمه الله تعالى.(6/192)
حرف الشين المعجمة
1169 - الملك الأوحد
648 - 705 هـ - 1250 م - 1305 م
شادي بن داود بن شيركوه بن محمد بن شيركوه بن شادي، الملك الأوحد، الأمير الكبير تقي الدين بن الملك الزاهر مجير الدين بن الملك المجاهد صاحب حمص، الحمصي الدمشقي.
ولد سنة ثمان وأربعين وستمائة، كان أحد الأمراء الكبار، حفظ القرآن وتفقه، وسمع من اليونيني وابن عبد الدائم، وساد أهل بيته. وكان ذا رأي وتدبير، وسؤدد وفضيلة ومهابة، واختص بالأفرم وولاه أمر ديوانه وتدبير أمره، ولما توجه الأفرم بالعسكر إلى حلب، إلى جبل كسروان، توجه الملك الأوحد هذا معه، ومرض هناك، ومات هناك في سنة خمس وسبعمائة، ثم نقل إلى دمشق فدفن بتربة أبيه بقاسيون، رحمه الله تعالى.(6/193)
1170 - الملك الظاهر
625 - هـ - 681 هـ - 1228 م - 1282 م
شادي بن داود بن محمد بن أيوب بن شادي، الملك الظاهر غياث الدين ابن الملك الناصر صاحب الكرك.
ولد وأبوه يؤمنذ صاحب دمشق سنة خمس وعشرين وستمائة، وسمع بالكرك من ابن المنجا، وابن اللتى، وحدث بدمشق. وكان ديناً خيراً، متواضعاً، يتعانى زي العرب في ملبسه، كعمه الملك القاهر، وأمه هي ابنة الملك الأمجد حسن ابن الملك العادل.
توفي الملك الظاهر المذكور بالغور في سنة إحدى وثمانين وستمائة.
1171 - نائب حماة
...
- 854 هـ - ... - 1450 م
شاد بك بن عبد الله الجكمي، الأمير سيف الدين، أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية، ثم نائب حماة.(6/194)
أصله من مماليك الأمير جكم من عوض نائب حلب، المتقدم ذكره. ثم تنقل في الخدم، بعد موت أستاذه، إلى أن اتصل بخدمة الأمير ططر، ودام عنده حتى تسلطن، جعله خاصكيا، ثم تأمر عشرة في أوائل الدولة الأشرفية برسباي، وصار من جملة رؤوس النوب مدة طويلة إلى أن صار من جملة أمراء الطلبخانات، ثم صار رأس نوبة ثانيا. ثم ولى نيابة الرها، بعد عزل الأمير إينال العلائي الناصري الأجرود، واستمر بالرها سنيات ثم عزل، وطلب إلى الديار المصرية على طبلخانته إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر جقمق بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، فاستمر على ذلك سنين. وسافر أمير حاج المحمل، ثم عاد به إلى الديار المصرية على ما كان عليه، إلى أن ولي نيابة حماة بعد عزل الأمير برديك الجكمي، أيضاً العجمي، وحبسه بثغر الإسكندرية في سنة ثمان وأربعين وثمانمائة. فتوجه شادبك المذكور إلى محل كفالته، ودام بها إلى أن برز المرسوم الشريف بعزله وتوجهه إلى القدس بطالاً في سنة خمسين وثمانمائة، وولي حماة من الغد الأمير يشبك من جانبك الصوفي المؤيدي أحد مقدمي الألوف بحلب، وأنعم بإقطاع يشبك المذكور على(6/195)
الأمير على باي العجمي المؤيدي، وكان على باي بطالاً بالقدس.
فاستمر شادبك بالقدس بطالاً إلى سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، رسم بالقبض عليه وحبسه بقلعة المرقب، فحبس هو والأمير إينال الأبو بكري الأشرفي، لشيء بلغ السلطان عنهما ليس له صحة. ثم أفرج عنه في سنة ثلاث وخمسين، وتوجه إلى القدس بطالاً على عادته، إلى أن مرض وطال مرضه، وتوفي بالقدس في يوم الأربعاء ثاني شهر ربيع الأول سنة أربع وخمسين وثمانمائة، وهو في عشر الستين تخميناً.
وكان قصيراً جداً، وعنده حدة، وبعض خفة، وكان متوسط السيرة في أفعاله وأقواله، وفي الفروسية والكرم، لا يشكر ولا يذم.
وشادبك معناه أمير فرح، فشاد هو الفرح، وبك أمير. انتهى.
1172 - ناصر الدين بن عبد الظاهر
649 - 730 هـ - 1251 - 1330 م
شافع بن علي بن عباس بن إسماعيل بن عساكر، الإمام الأديب الفقيه(6/196)
ناصر الدين الكناني العسقلاني ثم المصري، سبط الإمام محي الدين بن عبد الظاهر.
مولده سنة تسع وأربعين وستمائة، كان يباشر الإنشاء بمصر، ودام على ذلك سنين، إلى أن أصابه سهم في نوبة حمص الكبرى، في سنة ثمانين وستمائة في صدغه فعمي بعد ذلك، وبقي مدة ملازماً بيته إلى أن توفي سنة ثلاثين وسبعمائة.
وروى عن الشيخ جمال الدين بن مالك وغيره، وروى عن الشيخ أثير الدين أبي حيان، وعن الحافظ علم الدين البرزالي، وجمال الدين إبراهيم الغانمي وغيرهم.
وكان إماما ديناً، فاضلاً، ناظماً، ناثراً، جماعة للكتب، خلف ثمانية عشر خزانة كتباً، نفائس أدبية وغيرها.
ومن شعره بعد عماه:
أضحى وجودي برغمي في الورى عدماً ... إذ ليس لي فيهم ورد ولا صدر
عدمت عيني ومالي فيهم أثر ... فهل وجود ولا عين ولا أثر(6/197)
وله:
قال لي من رأى صباح مشيبي ... عن شمالي ولمتي ويميني
أي شيء هذا؟ فقلت مجيباً ... ليل شك محاه صبح يقين
وله في شبابة:
سلبتنا شبابة بهواها ... كلما ينسب اللبيب إليه
كيف لا والمحسن القول فيها ... آخذ أمرها بكلتا يديه
1173 - ابن الجيعان
...
- 882 هـ - ... - 1477 م
شاكر، الرئيس علم الدين، مستوفي ديوان الجيش، المعروف بابن الجيعان القبطي المصري.
هو عظيم بني جيعان، وأكبر إخوته: مجد الدين عبد الرحمن، كاتب الخزانة الشريفة، المتوفى بآخر المحرم سنة خمس وخمسين وثمانمائة، بعد عوده من الحجاز(6/198)
في السنة المذكورة، والبرهاني إبراهيم، ووالد الشرفي يحيى السالك طريق الفقهاء طلبة العلم.
مولد شاكر المذكور بعد التسعين وسبعمائة تخمينا. وتعاني قلم الديونة، وباشر ديوان الجيش، وتولى الاستيفاء، وعظم في الدولة الأشرفية برسباي، ونالته السعادة، وعلا ذكره، وبعد صيته.
قلت: وبيتهم موصوف معروف في الكتبة، وهم الآن أصحاب الحل والعقد في الدولة في الباطن، وإن كان غيرهم في الظاهر فهم الأصل، على أن فيهم الخير وقضاء حوائج الناس، وحج علم الدين شاكر المذكور غير مرة، وبالجملة هم أصلح أبناء جنسهم لولا من عندهم من النسوة.
1174 - شاه رخ بن تيمورلنك
...
- 851 هـ - ... - 1447 م
شاه رخ بن تيمورلنك، بقية نسبه مر في ترجمة والده تمور.
هو القان معين الدين، سلطان هراة، وسمرقند، وشيراز، وما والاهم من بلاد(6/199)
العجم وغيرها. ملك البلاد بعد ابن أخيه خليل بن أميران شاه بن تيمور، فإنه كان لما مات تيمور بأهنكران من شرقي سمرقند، وثب خليل المذكور على الأمر وتسلطن، كما ذكرناه في ترجمته. وبلغ شاه رخ هذا الخبر في هراة، فجمع ومشي عليه، ووقع بينهما حروب وخطوب إلى أن ملك شاه رخ المذكور، واستقل بممالك العجم وعراقة، وعظم أمره وهابته الملوك، وحمدت سيرته، وشكرت أفعاله، وقدمت رسله إلى البلاد المصرية مراراً عديدة.
وراسلته ملوك مصر، إلى أن تسلطن الملك الأشرف برسباي، وقع بينهما وحشة بسبب طلب شاه رخ هذا أن يكسو البيت الشريف، فأبى الأشرف وخشن له الجواب. وترددت الرسل بينهما مراراً، واحتج شاه رخ أنه نذر أن يكسو البيت الشريف، فلم يلتفت الأشرف إلى كلامه، ورد قصاده إليه بالخيبة. ثم أرسل بعد ذلك شاه رخ بجماعة أخر وزعم أنهم أشراف، وعلى يدهم خلعة للملك الأشرف برسباي، فجلس الأشرف مجلساً عاماً للحكم بالإصطبل السلطاني على عادة الملوك، ثم طلب القصاد المذكورين، فحضروا ومعهم الخلعة، فأمر بها الأشرف فمزقت شذرمذر، ثم أمر بضرب حاملها عظيم القصاد، فضرب بين يدي السلطان ضرباً مبرحاً أشرف منه على الهلاك، ثم ضرب الباقين، ثم أمر بهم فألقوا في فسقية ماء بالإصطبل السلطاني منكوسين، رءوسهم إلى أسفل وأرجلهم إلى فوق، والأوجاقية تمسكهم بأرجلهم، واستمروا يغمسونهم في الماء حتى أشرفوا على الهلاك، ولا يستجرئ أحد من الأمراء يشفع فيهم ولا يتكلم لشدة(6/200)
غضب السلطان في أمرهم بكلمة واحدة، والسلطان يسب شاه رخ جهارا، ويحط من قدره، على أنه كان قليل الفحش والسب لآحاد الناس، وصار لونه يتغير لعظم حنقه، ثم طلب القصاد إلى بين يديه، وحدثهم بكلام طويل، سمعت غالبه، محصوله أنه قال لهم: قولوا لشاه رخ الكلام الكثير ما يصلح إلا من النساء، وأما الرجال فإن كلامهم فعل لا سيما الملوك، وها أنا قد أبدعت فيكم كسراً لحرمة شاه رخ، فإن كان له مادة وقوة فيتقدم ويسير إلى نحوي، وأنا ألقاه حيث شاء، وإن كان بعد ذلك ما ينتج منه أمر فكلامه كله فشار، وهو أفشر من كلامه، وكتب له بأشياء من هذا المعنى، وانفض الموكب، فتحقق كل واحد بمجيء شاه رخ المذكور إلى البلاد الشامية، وقاسوا على أنه ما أرسل هذه الخلعة إلا وهو قد تهيأ للقتال، وقد أفحش الأشرف أيضاً وأمعن في الجواب.
فلما بلغ القان شاه رخ ما فعل الأشرف بقصاده، ما زاده ذلك إلا رعباً، وسكت عن كسوة الكعبة، ولم يذكرها بعد ذلك إلى أن مات الملك الملك الأشرف، وآل الملك إلى الملك الظاهر جقمق، بعث شاه رخ رسله إلى الملك الظاهر بهدايا وتحف، وأظهر السرور الزائد بسلطنته، وأنه لما بلغه سلطنة الملك الظاهر جقمق دقت البشائر بهراة وزينت له أياماً، فأكرم الملك الظاهر جقمق قصاده وأنعم(6/201)
عليهم، ثم بعث السلطان إليه في الرسلية الأمير ششك بغا دوادار السلطان بدمشق فتوجه إليه وعاد إلى السلطان الملك الظاهر جقمق بأجوبة مرضية.
ثم بعد ذلك في سنة ست وأربعين وثمانمائة، أرسل شاه رخ المذكور يستأذن في إرسال ما نذر قديماً أنه يكسو الكعبة، فأذن له السلطان الملك الظاهر جقمق في ذلك، فأرسل شاه رخ بعد ذلك كسوة للكعبة. فصعب ذلك على الأمراء وعلى أعيان الديار المصرية، فلم يلتفت السلطان لكلامهم، وأمر أن يأخذها ناظر الكسوة بالقاهرة، ويبعثها كي تلبس من داخل البيت، وتكون كسوة السلطان من خارج البيت على العادة، ورأيت أنا الكسوة المذكورة، وما أظنها تساوي ألف دينار. واستمرت الصحبة بين الملك الظاهر جقمق وبين شاه رخ إلى أن مات شاه رخ في سنة إحدى وخمسين وثمانمائة.
كان خرج لقتال حفيده محمد سلطان بن باي سنقر بن شاه رخ المذكور، وتولى الملك من بعده حفيده علاء الدولة بن باي سنقر، نصبته جدته لأبيه(6/202)
كهرشاه خاتون، أرادت بولاية علاء الدولة المذكور، وعدم ولايتها ولدها ألوغ بك صاحب سمرقند، أن يكون الأمر إليها. فلما سمع ألوغ بك ذلك عز عليه، وحشد ومشى على والدته كهرشاه المذكورة وعلى ابن أخيه علاء الدولة بن باي سنقر، ووقع له معهما أمور وحوادث، ذكرناها في ترجمة ألوغ بك وغيره. ثم قتل ألوغ بك على ما ذكرناه في ترجمته، واستمرت الفتنة بين بني تيمور. وما أظن بيت تيمور عاد يعمر، بعد موت شاه رخ صاحب الترجمة، وبعد قتل ولده ألوغ بك صاحب سمرقند، انتهى.
وكان شاه رخ ملكاً عادلاً ديناً خيراً، فقيهاً متواضعاً، محبباً لرعيته، غير محجوب عنهم، لم يسلك طريقة والده تيمور، لعنه الله وقبحه. وكان يحب أهل العلم والصلاح، ويكرمهم ويقضي حوائجهم. وكان متضعفاً في بدنه، يعتريه مرض الفالج فلا يزال يتداوى منه. وكان يحب السماع الطيب، وله حظ منه، بل كان يعرف يضرب بالعود، وكان ينادمه الأستاذ عبد القادر بن الحاج غيبى ويختص به. وكان له حظ من العبادة وله أوراد هائلة، لم يزل غالب أوقاته على طهارة كاملة، مستقبل القبلة والمصحف بين يديه، وكان مسيكاً لا يصرف المال إلا لحقه، رحمه الله.(6/203)
1175 - شاه شجاع
...
- 787 هـ - ... - 1385 م
شاه شجاع بن محمد بن المظفر اليزدي، سلطان بلاد فارس.
كان قد ملك في حياة والده شيراز وكرمان، ثم اجتمع هو وأخوه محمود صاحب أصبهان على خلع أبيهما، فخلعاه وسملاه في سنة ستين وسبعمائة، ثم انتزع محمود من شاه شجاع شيراز، فلحق شاه شجاع بكرمان، ثم رجع إلى شيراز، بعد أمور يطول شرحها، وخرج عنها محمود منهزماً. ثم توفي محمود بعد مدة فملك شاه شجاع المذكور أصبهان واطمأن واستفحل أمره، ثم ملك شاه شجاع أصبهان لابنه زين العابدين، واستمر على ذلك حتى توفي شاه شجاع في سنة سبع وثمانين وسبعمائة.
وكان ملكاً شجاعاً مقداماً، وله معرفة وتدبير وآثار حسنة، من ذلك: عمارته بمكة المشرفة الرباط الذي تجاه باب الصفا، وقفه على عشرة فقراء، وله أوقاف بمكة على الرباط المذكور، وكان المتولى لعمارته الشيخ غياث الدين محمد بن إسحق الأبرقوهي. وله خزانة كتب موقوفة بالحرم النبوي، على ساكنه(6/204)
أفضل الصلاة والسلام، وله أيضاً كتب موقوفة برباط مكة المذكور. وأما عمائره ببلاد فارس فكثيرة، وكان فيه بر وصدقة، عفا الله عنه.
1176 - شاه منصور
...
- بعد 770 هـ - ... - بعد 1369 م
شاه منصور بن شاه ولي بن محمد بن مظفر اليزدي، سلطان عراق العجم.
نشأ تحت كنف والده أخي شاه شجاع المتقدم ذكره ومات أبوه، وتولى من قبل عمه شاه شجاع أصبهان، ولما مات عمه شاه شجاع ملك شيراز، وخلصت له ممالك مازندران بأجمعها، والتجأ زين العابدين إلى تيمورلنك، فانتصر له تيمور، لصحبة كانت بينه وبين والده شاه شجاع بعد أمور، فسار تيمور لقتال شاه منصور هذا، ومعه زين العابدين.
فحصن شاه منصور مدينة شيراز، وخرج لقتال تيمور في ألفين فارس لا غير، فلامه الناس وأعيان دولته، وقالوا له: كيف تلقى عساكر تيمور مع كثرتها بهذه الشرذمة القليلة؟ وخوفوه عاقبة أمره، فلم يلتفت إلى قولهم، وقال: أنا(6/205)
أقل بجندي، فإن خذلوني قاتلت وحدي. ثم رتب أطلابه، وبرز لمحاربة تيمور، فلما تصافا، خانه من أمرئه أمير خراساني يقال له محمد بن زين الدين، استماله تيمور، فخامر المذكور بمعظم عسكره ومضى إلى تيمور، فلم يلتفت شاه منصور لذلك، وثبت بمن بقي معه، وهم دون ألف فارس، وقاتل بهم تيمورلنك يومه كله حتى أقبل الليل، ورجع كل من الفريقين إلى معسكره، فعمد شاه منصور إلى فرس جفول، وربط في ذنبه قدراً من نحاس، قد لفها ببلاس أسود وأحكم شدها، ثم ساقها في معسكر تيمور وهم نيام بعد هدأة من الليل فعندها جالت في معسكرهم وهي تختبط من حركة القدرة، فثار القوم من وقتهم مذعورين، وأخذوا سلاحهم، ووقعوا في بعضهم بعضا، لا يدرون من يقتلون، وفي ظنهم أن شاه منصور قد بيتهم، هذا وشاه منصور واقف بمن معه يقتل من ظفر به من التمرية، وتجول في نواحي عسكر تيمور برجال فارس، ويخرق بهم صفوف تيمور يميناً وشمالاً، ويقول: أنا شاه منصور، وهم(6/206)
يفرون منه، فما أصبحوا حتى قتل منهم نحو عشرة آلاف نفس، فلما اتضح الفجر اقتحم بمن معه عسكر تيمور حتى وصل إلى تيمور يريد قتله، فاختفى تيمور منه بين النساء، وشاه منصور في طلبه لا يفك عنه، وصار يطلبه من بين النسوة، فأشارت واحدة منهن أن تيمور في تلك الطائفة، خدعته بذلك، فانخدع وقصد الطائفة المشار إليها، وسلم تيمور منه، فاحتاطت به التمرية، وتكاثروا عليه، فقاتلهم قتالاً شديداً حتى كلت يداه من الطعن والضرب، وصرعت رجاله، وكلت خيوله، وعدم سلاحه، فعند ذلك فربمهجته، وألقى ما عليه من السلاح ورمى بنفسه بين القتلى، فطلب من بين القتلى، وأخذ وقتل، رحمه الله.
قلت: وواقعه شاه منصور هذا مشهورة، وشجاعته يضرب بها المثل، ولقد حكى لي عنه جماعة من تلك البلاد بأشياء من فروسيته يستحي من ذكرها، عفا الله عنه.
1177 - شاهين كتك الأفرم
...
- 817 هـ - ... - 1414 م
شاهين بن عبد الله من إسلام الظاهري، الأمير سيف الدين المعروف بشاهين كتك، أعني أفرم أمير سلاح.(6/207)
هو من المماليك الظاهرية برقوق، وممن أنعم الظاهر برقوق عليه بإمرة عشرة في سنة إحدى وثمانمائة، بعد ركوب علي باي، وسبب ذلك، أن الأمير علي باي لما تضاعف، وانقطع بداره، إلى أن نزل الملك الظاهر عند وفاء النيل، لتخليق المقياس وفتح الخليج على العادة، وأراد العود إلى قلعة الجبل، جاءه الخبر بأن علي باي المذكور ظهر من أمره الغدر والفتك بالسلطان، لما يدخل إليه ليعوده عند عود السلطان إلى القلعة، فاحترز الملك الظاهر لنفسه حسبما يحكيه في موضعه، واجتاز بيت علي باي المذكور بعد أن جعل الصنجق السلطاني خلفاً وتقدم هو، ولم يشعر به المترصد له، يظنه تحت العصائب السلطانية، وساق السلطان حتى وصل إلى باب السلسلة، فلما علم علي باي بأن السلطان فاته، خرج من داره بآلة الحرب في إثر السلطان، ولم يكن عسكر السلطان معتدين للقتال، فلم يجد من يرده غير جماعة من الأمراء، ممن كان داره بالقرب من دار علي باي، فوقع بعض قتال.
وكان شاهين الأفرم هذا خاصكيا وقد توجه إلى بركة الحبش من باكر النهار، للعب الرمح، ولم يركب مع السلطان في ذلك اليوم، ثم عاد إلى جهة القاهرة وعليه ثياب اللعب تترى خام ومعه رماح اللعب لا غير، فلما قرب من القاهرة، بلغه واقعة علي باي فحرك فرسه، ثم تناول من رماح اللعب رمحاً ولقي به عسكر علي باي، وقاتلهم أشد قتال حتى أظهر من الفروسية والشجاعة(6/208)
في ذلك اليوم ما هو أعجب من أن يحكى، ثم توجه إلى داره ولم يطلع في يومه إلى القلعة، ولم يفخر بما وقع منه من الفروسية والشجاعة، وبلغ الظاهر ذلك فأعجبه منه، وأنعم عليه بإمرة عشرة.
ولما مات الملك الظاهر برقوق، وتسلطن ولده الملك الناصر فرج من بعده ترقى شاهين كتك هذا في دولته حتى صار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، ثم تنقل في عدة وظائف حتى ولي إمرة سلاح. وتوجه الملك الناصر فرج إلى البلاد الشامية، لقتال الأمير بن شيخ ونوروز في سنة أربع عشرة وثمانمائة، وعين الأمير شاهين الأفرم هذا، مع جماعة من الأمراء في الجاليش، وأمرهم بتقدمهم على عادة الجاليش. فساروا حتى وصلوا إلى دمشق، ودخلوا سلموا على والدي رحمه الله بدار سعادة دمشق، وكان والدي ضعيفاً في مرض موته، وكان شاهين المذكور من إخوة والدي رحمه الله، فأسر لوالدي رحمه الله بأنه يريد العصيان على الملك الناصر والإلحاق بشيخ ونوروز، ثم قبل يده وقام، وخرج من وقته بمن معه عن طاعة الناصر، ولحق بالأمير بن شيخ ونوروز، واستمر عندهما حتى انكسر الملك الناصر، وحوصر بقلعة دمشق، ثم قتل. وتسلطن الخليفة المستعين بالله العباسي، وصار الأمير شيخ المحمودي مدبر المملكة بالديار(6/209)
المصرية، أخلع على الأمير شاهين هذا خلعة الاستمرار بإمرة سلاح على عادته أولا. واستمر على ذلك إلى أن تسلطن الملك المؤيد شيخ، استمر به على عادته أيضاً إلى أن توجه الملك المؤيد شيخ في سنة سبع عشرة وثمانمائة لقتال الأمير نوروز بالبلاد الشامية، وانتصر عليه وظفر به وقتله، ثم عاد إلى نحو القاهرة، عاد صحبته الأمير شاهين الأفرم المذكور، ومات برملة لد بطريق الشام في السنة المذكورة.
وكان أميراً شجاعاً مقداماً، عاقلاً سيوساً، هادئاً، عارفاً بفنون الفروسية وركوب الخيل، وأنواع الملاعيب، ومات وهو في أوائل الكهولية، رحمه الله تعالى.
1178 - شاهين الفارسي
...
- 824 هـ - ... - 1421 م
شاهين بن عبد الله الفارسي، الأمير سيف الدين، أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية.
لا أعلم نسبته بالفارسي لأي فارس، لكن هو ممن أنشأه الملك المؤيد شيخ، حتى جعله أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، واستمر على ذلك حتى قبض عليه الأتابك ططر، لما صار نظام مملكة الملك المظفر أحمد بن الملك(6/210)
المؤيد شيخ، وقبض معه أيضاً على الأمير جلبان رأس نوبة سيدي، وقيدهما وبعثهما إلى حبس الإسكندرية في يوم الأربعاء حادي عشر المحرم سنة أربع وعشرين وثمانمائة.
وأظن ذلك كان آخر العهد به، ولم أقف على تاريخ وفاته، ولا أعرف من حاله إلا ما ذكرت، لكنني كنت أسمع الأتابك أقبغا التمرازي يكثر من ذكره، لما يتحاكى سوقه للمحمل في الدولة المؤيدية شيخ، ويقول: كان يسوق مقابلي شاهين الفارسي، فعلى هذا يكون له إلمام بفنون الفروسية والله أعلم، رحمه الله تعالى، وعفا عنه.
1179 - شاهين الأيدكاري
شاهين بن عبد الله الأيدكاري، الأمير سيف الدين، حاجب حجاب حلب.
ولاه الملك المؤيد شيخ حجوبية حلب، لما ولي الأمير دمرداش المحمدي نيابة حلب، في أوائل دولته عند خروج الأمير نوروز من الطاعة، واستمر على ذلك إلى أن توجه الملك المؤيد إلى البلاد الشامية، في سنة عشرين وثمانمائة، عزله عن حجوبية حلب بالأمير تمراز الأعور.(6/211)
وهذا خلاف شاهين الأيدكاري الناصري، أحد أمراء حلب في زماننا هذا، انتهى.
1180 - شاهين الزردكاش
...
- 840 هـ - ... - 1436 م
شاهين بن عبد الله الزردكاش، الأمير سيف الدين، نائب طربلس.
كان أولا أحد أمراء الألوف بالديار المصرية، ثم صار حاجب حجاب دمشق. ثم نقل إلى نيابة حماة، بعد عزل الأمير نكباي واستقرره عوضه في حجوبية دمشق في جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين وثمانمائة. فاستمر في نيابة حماة إلى المحرم سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة، نقل إلى نيابة طرابلس، بعد موت سودون القاضي. واستقر من بعده في نيابة حماة الأمير إينال النوروزي نائب غزة، واستقر في نيابة غزة الأمير أركماس الجلباني أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية.
فاستمر شاهين المذكور في نيابة طرابلس، إلى أن توفي الملك المؤيد شيخ، وعزله الأمير ططر عن نيابة طرابلس، بالأمير أركماس الجلباني نائب غزة.(6/212)
واستمر شاهين بطرابلس بطالاً، إلى أن مات في حدود الأربعين وثمانمائة. وورثه الشهابي أحمد بن علي بن إينال، فما أدري هل شاهين المذكور عتيق والده علي، أم عتيق جده إينال الأتابك، والله أعلم.(6/213)
باب الشين والباء الموحدة
1181 - تقي الدين الطيب
620 - 695 هـ - 1223 - 1296 م
شبيب بن أحمد بن شبيب بن محمود، الأديب الشاعر تقي الدين أبو عبد الرحمن الطبيب الكحال. نزيل القاهرة، أخو الشيخ نجم الدين شيخ الحنابلة.
ولد بعد العشرين وستمائة بيسير، وسمع من ابن روزبة، وكتب عنه القدماء، والحافظ شرف الدين الدمياطي، وكان فيه شهامة وقوة نفس، وله أدب وفضل.
قال الشيخ صلاح الصفدي: قال الشيخ أثير الدين أبو حيان: عرض على ديوانه فاستنخبت منه ما قرأته عليه، من ذلك قصيدة يمدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم:(6/215)
هذا مقام محمد والمنبر ... فاستجل أنوار الهداية وانظر
والثم ثرى ذاك الجناب معفراً ... في مسك تربته خدودك وافخر
واحلل على حرم النبوة واستجر ... بحماه من جور الزمان المنكر
واغنم بطيبة طيب وقت ساعة ... منه كدهر في التنعم واشكر
فهناك من نور الإله سريرة ... كشفت غطاء الحق للمتبصر
وجلت دجى ظلم الظلام فأشرقت ... أفق الهداية بالصباح المسفر
نور تجشم فارتقى متجاوزاً ... شرفا على الفلك الأثير الأكبر
وله أيضاً:
انهض فزند الصباح قد قدحا ... وامزج لنا من رضا بك القدحا
فالزهر كالزهر في حدائقه ... والطير فوق الغصون قد صدحا
في روضة نقطت عرائسها ... بدر قطر نظمنه سبحا
وصفق الماء في جداوله ... ورقص الغصن طيره فرحا
والزق بين السقاة تحسبه ... أسود مستسقياً وقد ذبحا
فعاطني قهوةً معتقة ... تذهب كأسي وتذهب الترحا(6/216)
بكر إذا عرس النديم بها ... وافتضها الماء تنتج الفرحا
من كف رخص البنان معتدل ... لو لامس الماء خده انجرحا
يسعى بخمر الشراب مغتبقا ... ومن سلاف الشباب مصطبحا
تسلف القلب من سوالفه ... وجداً إذا جد بالهوى مزحا
كم لي بسفح العقيق من كلفي ... عقيق دمع عليه قد سفحا
انتهى.
توفي بالقاهرة سنة خمس وتسعين وستمائة، رحمه الله.(6/217)
باب الشين والجيم
1182 - شجر الدر
...
- 655 هـ - ... 1257 م
شجر الدر، أم خليل الصالحية الملكية، جارية السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب، وأم ولده خليل.
كان الملك الصالح يحبها حباً عظيماً، ويعتمد عليها في أموره ومهماته.
وكانت بديعة الجمال، ذات رأي وتدبير، ودهاء وعقل، ونالت من السعادة ما لم ينله أحد في زمانها، ولما مات الملك الصالح نجم الدين أيوب، في شعبان سنة سبع وأربعين وستمائة، على دمياط في حصار الفرنج، أخفت موته، وصارت تعلم بخطها مثل علامة الملك الصالح، وتقول: السلطان ما هو طيب، وتمنع الناس من الدخول إليه.
وكان أرباب الدولة يحترمونها، ولما علموا بموت السلطان(6/219)
الملك الصالح ملكوها عليهم أياماً، وتسلطنت بعد قتل السلطان الملك المعظم بن الملك الصالح نجم الدين أيوب، وخطب لها على المنابر.
وكان الخطباء يقولون على المنبر بعد الدعاء للخليفة: واحفظ اللهم الجهة الصالحية، ملكة المسلمين، عصمة الدنيا والدين، أم خليل المستعصمية، صاحبة السلطان الملك الصالح. ثم إنها عزلت نفسها، بعد أن تزوجت بأتابكها الملك المعز أيبك التركماني، وأقيم في الملك الملك الأشرف من بني أيوب وقد تقدم ذكر ذلك في أول هذا الكتاب في ترجمة المعز أيبك والملك المعز أيبك المذكور، وخطب للأشرف وللمعز معاً، ورجعت إلى ما كانت عليه أيام أستاذها وزوجها الملك الصالح. وسكنت الدور السلطاني مدة حتى تزوج عليها الملك المعز أيبك المذكور، فثارت عليه وقتلته، وقتلت وزيرها القاضي الأسعد، وبقيت بعد ذلك ثلاثة أشهر. ووقع حروب وحوادث بسببها، بين المماليك والصالحية وبين المعزية، إلى أن ظفروا بها المماليك المعزية وقتلوها وأماتوها، في سنة خمس وخمسين وستمائة، فوجدت ملقاة تحت القلعة مسلوبة، فحملت إلى تربة بنيت لها عند قبر السيدة نفيسة، ودفنت هنادك.(6/220)
قيل أنها لما علمت أنها مقتولة، أودعت جملة من المال عند جماعة متفرقة، وأخذت كثيراً من الجواهر، كسرتها في الهاون، حتى لا يستولي على ذلك حواشي الملك المعز أيبك. انتهى.(6/221)
باب الشين والراء المهملة
1183 - الأديب الخليع
...
- 738 هـ - ... - 1337 م
شرف بن أسد، الأديب الموال المصري الماجن، الخليع.
قرأت في تاريخ الشيخ صلاح الدين الصفدي، الوافي بالوفيات، قال: هو شيخ ماجن متهتك، ظريف، خليع، يعجب الكبار، ويعاشر الندماء، ويشبب في المجالس على القيان. رأيته غير مرة بالقاهرة، وأنشدني له شعراً كثيراً، من البلاليق والأزجال والموشحات وغير ذلك، وكان عامياً، مطبوعاً، قليل اللحن، يمدح الأكابر، ويستعطى الجوائز، ويسترفدهم بأنواع المدائح، وصنف عدة مصنفات في مشاشات الخليج والزوائد التي للمصريين،، والنوار والأمثال، ويخلط ذلك بأشعاره. انتهى.(6/223)
أنشدنا القاضي عز الدين بن الفرات إجازة، وأنشدنا الشيخ صلاح الدين الصفدي إجازة، قال: أنشدني ابن أسد من لفظه لنفسه بالقاهرة، سنة ثمان وعشرين وسبعمائة:
رمضان كلك فتوه ... وصحيح دينك عليه
وأنا في ذا الوقت معسر ... وأشتهي الإرفاق شوية
حتى تروي الأرض بالنيل ... ويباع القرط بدري
وأعطك الدرهم ثلاثة ... وأصوم شهرين وما أدري
وإن طلبتني في ذا الوقت ... فأنا أثبت عسري
فامتهل واربح ثوابي ... لا تربحني خطية
وتخليني أسقف ... طول نهاري لا عشيه
لك ثلاثين يوم عندي ... أصبر أعطي المثل مثلين
وإن عسفتني ذا الأيام ... ما اعترف لك قط بدين
وأنكرك وأحلف وأقول لك ... أنت من أين وأنا من أين(6/224)
واهرب أقعد في قمامة ... أو قلالى بوبشية
وآجي في عيد شوال ... واستريح من ذي القضية
وإلا خذ مني نقيده ... في المعجل نصف رحلك
صومي من بكرة إلى الظهر ... وأقاسي الموت لأجلك
وأصوم لك شهر طوبة ... ويكون من بعض فضلك
إيش أنا في رحمة الله ... من أنا بين البرية
أنا إلا عبد مقهور ... تحت أحكام المشية
من زبون نحس مثلي ... رمضان خذ ما تيسر
أنت جيت في وقت لو كان ... الجنيد في مثله أفطر
هون الأمور ومشي ... بعلي ولا تعسر
وخذ إيش ما سهل الله ... ما الزبونات بالسوية
الملي خذ منو عاجل ... وامهل المعسر شوية
ذي حرور تذوب القلب ... ونهار أطول من العام
وأنا عندي أي من صام ... رمضان في ذي الأيام(6/225)
ذاك يكون الله عونه ... ويكفر عنو الاثام
وجميع كلامي هذا ... بطريق المسخرية
والله يعلم ما في قلبي ... والذي لي في الطوية
قال الصفدي: ووضع ابن شرف هذا في ما وضعه، حكاية حكاها لي بالقاهرة المحروسة، ونحن على الخليج بشق الثعبان، في سابع المحرم سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. وهي اجتاز بعض النحاة ببعض الأساكفة، فقال له:
أبيت اللعن واللعن يأباك ... رحم الله أمك وأباك
وهذه تحية العرب في الجاهلية قبل الإسلام، لكن عليك السلام، والسِّلْم والسَّلْم. ومثلك من يعز ويحترم، ويكرم ويحتشم. قرأت القرآن والتيسير والعنوان. والمقامات الحريرية. والدرة الألفية. وكشاف الزمخشري. وتاريخ الطبري، وشرحت اللغة مع العربية على سيبويه، ونفطويه. والحسين بن خالويه. والقاسم بن كميل. والنضر بن شميل. وقد دعتني الضرورة إليك، وتمثلت بين يديك، لعلك تتخفني من بعض(6/226)
حكمتك، وحسن صنعتك، بنعل يقيني الحر، ويدفع عني الشر، وأعرب لك عن اسمه حقيقاً، لأتخذك بذلك رفيقاً. ففيه لغات مختلفة، على لسان الجمهور مؤتلفة. ففي الناس من كناه بالمداس، وفي عامة الأمم من لقبه بالقدم. وأهل شهرنوزة، سموه بالسارموزة. وإني أخاطبك بلغات هؤلاء القوم، ولا إثم علي في ذلك ولا لوم. والثالثة به أولى، وأسألك أيها المولى. أن تتحفني بسارموزة. أنعم من الموزة. أقوى من الصوان، وأطول عمراً من الزمان. خالية البواشي، مطبقة الحواشي. لا يتغير على وشيها، ولا يروعني مشيها. لا تنقلب إن وطئت بها جروفا، ولا تنفلت إن طحت بها مكانا مخسوفاً. ولا تلتوق من أجلي، ولا يؤلمها ثقلي، ولا تتمزق من رجلي. ولا تتعوج، ولا تتلقوج ولا تنبعج، ولا تنفلج. ولا تقب تحت الرجل، ولا تلصق بخبز الفجل. ظاهرها كالزعفران، وباطنها كشقائق النعمان. أخف من ريش الطير، شديدة البأس على السير. طويلة الكعاب، عالية الأجناب. لا يلحق بها التراب، ولا يغرقها ماء السحاب. تصر صرير الباب، وتلمع كالسراب، وأديمها من غير جراب، جلدها من(6/227)
خالص جلود الماعز، ما لبسها أحد إلا افتخر بها وعز، مخروزة كخرز الخردفوش، وهي أخف من المنفوش. مسمرة بالحديد ممنطقة، ثابتة في الأرض المزلقة، نعلها من جلد الأفيلة، لا الحمير الفطير، وتكون بالنزر الحقير.
فلما أمسك النحوي من كلامه، وثب الإسكافي على أقدامه. وتمشى وتبختر، وأطرق ساعة وتفكر وتشدد وتشمر، وتحرج وتنمر. ودخل حانوته وخرج، وقد داخله الحنق والحرج. فقال له النحوي: جئت بما طلبته. فقال: لا بل بجواب ما قلته. فقال: قل وأوجز، وسجع ورجز. فقال: أخبرك أيها النحوي. أن الشرسا بحزوي. شطبطبات المتقرقل. والمتقبعقب. لما قرب من قرى قوق القرنقنقق. طرق ررقنا. شراسيف قصر القشتبغ من جانب الشرشنكل. والديوك تصهل.(6/228)
كنهيق الرقاريق الصولجانات. والحرفرف الفرتاح. يبيض القرقنطق. والزعر برجو احلبنبوا ياحيز، من الطير، بحج بحمندك بشمردل. خاط الركبنبو. شاع الجبربر. بجفر الترتاح. ابن يوشاخ. على لوى شمندخ. بلسان القرواق. مازكلوخ. إنك أكيت أرس برام. المسلنطح بالشمردلند مخلوط، والزيبق بحبال الشمس مربوط. علعل بشعلعل. مات الكركندوش أدعوك في الوليمة، ياتيس تش يا حمار بهيمة. أعيذك بالرحواح، وأبخرك بحصى لبان المستراح. وأوفيك، وأوقيك، وأرقيك. برقوات مرقات قرقرات البطون، لتخلص من داء البرسام والجنون.
ونزل من دكانه، مستغيثاً بجيرانه. وقبض لحية النحوي بكفيه، وخنقه بأصبعيه، حتى خر مغشياً عليه. وبربر في وجهه وزمجر، ونأى بجانبه واستكبر. وشخر ونخر، وتقدم وتأخر. فقال النحوي الله أكبر الله أكبر. ويحك أنت تجننت؟! فقال له: بل أنت تخرفت، والسلام، انتهى. هذا ما أورده الصفدي.(6/229)
قلت: وقد نقلت ما ذكرته من نسخة غير محررة، ولا أدري ما معنى الجواب، والله أعلم.
وكانت وفاته بعد مرض طويل في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، عفا الله عنه.
1184 - شرف النووي
...
- 685 هـ - ... - 1286 م
شرف بن مري، الحاج شرف النووي، والد العلامة الشيخ محي الدين النووي الشافعي، صاحب المنهاج في الفقه.
كان رجلاً صالحاً فاضلاً، موصوفاً بالصلاح والفلاح. مات بعد موت ولده بسنين في، سنة خمس وثمانين وستمائة، رحمه الله.(6/230)
باب الشين والطاء المهملة
1185 - أمير آل عقبة
...
- 748 هـ - ... 1347 م
شطى بن عبية، الأمير بدر الدين، أمير آل عقبة، عرب البلقاء وحسبان والكرك إلى تخوم الحجاز.
كان المذكور وجيهاً عند ملوك الديار المصرية، وكان شكلاً حسناً، وكان نظير مهنا، مات سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، بالقرب من المدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.
وسبب موته، أنه نزل على بني لام، فلما كانت ليلة عيد الأضحى، قال: كتفي فأحضرت بعض جواريه ناراً، وحمت حديداً وكوته يسيرا، ثم توجهت لتعيد النار وتعود إليه، فوجدته قد مات. انتهى.(6/231)
باب الشين والعين
1186 - الملك الأشرف شعبان بن حسين
754 - 778 هـ - 1353 - 1377 م
شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون، السلطان الملك الأشرف أبو المفاخر ابن الملك الأمجد بن السلطان الملك الناصر بن السلطان الملك المنصور.
ولد سنة أربع وخمسين وسبعمائة، وجلس على تخت الملك بعد خلع ابن عمه الملك المنصور محمد بن الملك المظفر حاجي بن الناصر محمد. وسبب خلع المنصور المذكور، أن الأتابك يلبغا العمري بلغه عنه أمور قبيحة، منها: أنه يدخل بين نساء الأمراء، وأنه باع في زنبيل كعكاً وأخذ ثمنه منهن على سبيل المداعبة. وأنه يعمل مكاري للجواري، وأنه يفسق بالحرم، ويترك الصلاة، وأنه يقعد على كرسي الملك جنباً. فخلعه يلبغا وسلطن الأشرف هذا، في يوم الثلاثاء خامس عشر(6/233)
شعبان سنة أربع وستين وسبعمائة، وعمره عشر سنين، وتم أمره، وملك الديار المصرية. وصار يلبغا أتابكه على عادته، وطيبغا الطويل أمير سلاح على عادته. وطلب أمير علي المارديني نائب دمشق إلى الديار المصرية، وتولى نيابة دمشق الأمير منكلى بغا الشمسي نائب حلب، وتولى عوض الشمسي بحلب أشقتمر المارديني، واستقر أرغون الأحمدي الخازندار لالا الملك الأشرف المذكور، واستقر في الخازندارية من بعده يعقوب شاه.
كل ذلك بترتيب يلبغا وطيبغا، فإنهما كانا صاحبا العقد والحل، والأشرف ليس له من الأمر سوى الاسم فقط.
واستمر الحال على ذلك، حتى أراد يلبغا أن يستبد بالأمر وحده، ويبعد طيبغا الطويل. ولا زال يرتقب الفرصة، إلى أن خرج الطويل إلى العباسة يتصيد، في سنة سبع وستين وسبعمائة، فلما وصل طيبغا الطويل إلى نواحي العباسة(6/234)
جهز له يلبغا تشريفاً بنيابة دمشق، على يد جماعة من الأمراء، وبلغ طيبغا ذلك فخرج عن الطاعة، ووقع من أمره ما سنحكيه في ترجمته من إمساكه وحبسه. وصفا الوقت ليلبغا، إلى أن توجه الملك الأشرف شعبان هذا إلى الطرانة، يتصيد على عادة الملوك، في ليلة الأربعاء سادس شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وسبعمائة. وكان يلبغا قد زاد ظلمه وعسفه في مماليكه وغيرهم، وقبل تاريخه بمدة يسيرة، كان يلبغا ضرب الأمير سابق الدين مثقال الأنوكي، مقدم المماليك السلطانية داخل القصر ستمائة عصاة، ونفاه إلى أسوان، وولي مكانه مختار الدمنهوري المعروف بشاذروان، مقدم الأوجاقية بباب السلسلة. وفعل يلبغا مثل هذه الفعلة مع عدة أناس أخر، وكان سيىء الخلق إلى الغاية، فأضمروا مماليكه له السوء، واتفقوا على قتله، حسبما نذكره في ترجمته مفصلاً، من تسحبه إلى القاهرة هارباً، وسلطنته لأنوك بن حسن بالجزيرة الوسطى، ثم انهزم وانتصر الأشرف بمماليك يلبغا على يلبغا وقتلوه.
وأصبح الأشرف بكرة قتل يلبغا، انتبز إليه جماعة من الأمراء، وصاروا هم أصحاب الأمر والنهي في المملكة كما كان يلبغا، وهم: طغيتمر النظامي، وأقبغا(6/235)
الأحمدي جلب، وقجماس الطازي، وأسندمر الناصري. وأخذوا وأعطوا وأمروا ونهوا، ولا زالوا على ذلك حتى أراد أسندمر أن يستبد بالأمر وحده كما كان يلبغا، فوقع بينهم وقعة هائلة، انتصر فيها أسندمر على الثلاثة المذكورين، وأمسكهم وحبسهم بثغر الإسكندرية، وخلع عليه الملك الأشرف بالأتابكية، وسكن بالكبش في بيت يلبغا، ثم ما قنع أسندمر ذلك، حتى وافق مماليك يلبغا على خلع الأشرف، وركب بمماليك يلبغا على السلطان الملك الأشرف صاحب الترجمة، فنزل إليه الأشرف بنحو مائتي مملوك وبعض أعيان الأمراء، وكانت مماليك يلبغا الذين مع أسندمر أكثر من ألف وخمسمائة مملوك، فانتصر الأشرف، وقبض على أسندمر، فشفع فيه من حضر من أكابر الأمراء، فأطلقه وأخلع عليه على جاري عادته، وجعل خليل بن قوصون شريكاً له في الأتابكية، ونزل معه خليل كالترسيم. فلما وصلا إلى الكبش، اتفقا على الملك الأشرف وعصيا عليه، من الغد، ثم الأشرف ظفر بهما ثانيا وحبسهما بثغر الإسكندرية، وصفا له الوقت بعض شيء.
وفي هذا المعنى يقول الأديب شهاب الدين بن العطار:
هلال شعبان جهراً لاح في صفر ... بالنصر حتى أرى عيداً بشعبان
وأهل كبش كأهل الفيل قد أخذوا ... رجماً وما انتطحت في الكبش شاتان(6/236)
ثم أفرج الأشرف عن طغيتمر النظامي وألجاي اليوسفي وعن جماعة أخر، ثم أخلع على يلبغا آص المنصوري باستقراره أتابك العساكر هو وتلكتمر المحمدي الخازندار، وأنعم على كل منهما بتقدمة ألف، وأجلسهما بالإيوان في سادس عشر صفر، ثم أمسكهما من الغد لأنهما أردا أن يخرجا مماليك يلبغا المحبوسين، ثم شرع الأشرف في الإنفاق على سائر المماليك السلطانية أرباب الوظائف، لكل نفر مائة دينار، وأرباب الوظائف البرانية، لكل نفر خمسين ديناراً. ثم رسم الأشرف بطلب الأمير منكلى بغا الشمسي إلى الديار المصرية، فحضر إليها، فأراد الأشرف أن يخلع عليه خلعة النيابة فأبى، فأمر له السلطان بتقدمة ألف، وأن يكون أتابك العساكر. ثم رسم له أن يتزوج بكريمة الملك الأشرف، فتزوجها ودخل بها في شهر رجب من السنة، قلت: واستولدها منكلى بغا الشمسي المذكور، خوند هاجر زوجة الملك الظاهر برقوق، المعروفة بخوند الكعكيين، توفيت هاجر المذكورة بالطاعون في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة.
ثم أن الأشرف أخلع على ألجاي اليوسفي، زوج أمه خوند بركة، بإمرة سلاح كل ذلك في سنة تسع وستين وسبعمائة.
واستمر الملك الأشرف من حينئذ، أمره ينمو وحرمته تتزايد. ثم ولي أمير على(6/237)
المارديني نيابة السلطنة بالديار المصرية في سنة سبعين، واستقر بالأمير منجك اليوسفي في نيابة دمشق قبل تاريخه، عوضاً عن منكلى بغا الشمسي.
ثم حجت والدته في السنة المذكورة بتجمل عظيم زائد خارج عن الحد، وفي خدمتها من الأمراء، مقدمان: بشتاك العمري، وبهادر الجمالي، ومائة مملوك، ومعها أشياء خارجة عن الوصف. من ذلك: جمال محملة بقولاً وخضراً، وقس على ذلك، إلى أن حجت وعادت إلى القاهرة.
وفي سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، رسم الملك الأشرف المذكور بأن الأشراف بالديار المصرية والبلاد الشامية، كلهم يسون عمائمهم بعلامة خضراء بارزة للخاصة والعامة، نظراً في حقهم وتعظيماً لقدرتهم، ليقابلوا بالتعظيم ويمتازوا من غيرهم.
وفي هذا المعنى يقول الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن جابر الأندلسي رحمه الله:(6/238)
جعلوا لأبناء الرسول علامة ... إن العلامة شأن من لم يشهر
نور النبوة في كريم وجوههم ... يغني الشريف عن الطراز الأخضر
وفي هذا المعنى أيضاً يقول الأديب شمس الدين محمد بن إبراهيم المزين الدمشقي:
أطراف تيجان أتت من سندس ... خضر كأعلام على الأشراف
والأشرف السلطان خصصهم بها ... شرفا ليعرفهم من الأطراف
وفي هذا المعنى يقول بدر الدين طاهر بن حسن بن حبيب الحلبي:
عمائم الأشراف قد تميزت ... بخضرة وقت وراقت منظرا
وهذه إشارة أن لهم ... في جنة الخلد لباساً أخضرا
وله أيضاً:
ألا قل لمن يبغي ظهور سيادة ... تملكها الزهر الكرام بنو الزهرا
لئن نصبوا للفخر أعلام خضرة ... فكم رفعوا للمجد ألوية حمرا
وفي هذا المعنى يقول شهاب الدين بن أبي حجلة المغربي الحنفي:
لآل رسول الله جاه ورفعة ... بها رفعت عنا جميع النوائب
وقد أصبحوا مثل ملوك برنكهم ... إذا ما بدوا للناس تحت العصائب
وقلت: وهذا مما يدل على حسن اعتقاد الملك الأشرف هذا رحمه الله وآل بيت النبوة وتعظيمه لهم.
وفي سنة سبع وسبعين، ختن الملك الأشرف فيها أولاده، وأقام لهم سبعة أيام، صرف فيها من الأموال، ما يستحي من ذكره، ضربنا عن ذكرها خوف الإطالة.(6/239)
وفيها أخلع الأشرف على الأمير آقتمر الصاحبي، باستقراره في نيابة السلطنة بالديار المصرية، بعد موت الأمير منجك اليوسفي، يأتي ذكر منجك في محله إن شاء الله تعالى.
وفيها في العشر الأوسط من صفر ابتدأ الملك الأشرف بعمارة مدرسته التي أنشأها بالصوة. قلت: هي الآن بيمارستان للملك المؤيد شيخ، وهو أن الأشرف اشترى بيت سنقر وشرع في هدمه، وجعل مكانه المدرسة المذكورة، وأمر الاجتهاد والاهتمام في عملها.
وفي سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، غرقت الحسينية خارج القاهرة، خرب بها ألف بيت أو أكثر، وسبب ذلك، أن أحمد بن قايماز، أستادار محمد بن آقبغا آص، استأجر مكاناً وجعله بركة وفتح له مجرى من الخليج فتحرك الماء، وغفلوا عنه إلى أن وقع منه ما حكيناه.
وأرسل الأشرف في يوم الإثنين ثاني عشر جمادى الأولى من السنة، قبض على الناصري محمد بن آقبغا آص المذكور أستادار العالية، ونفاه إلى القدس بطالاً، ونفى بعده بيوم ولده محمد شاه، وعد من ذنوبه خراب الحسينية.(6/240)
وفيها رسم الأشراف بإبطال ضمان المغاني بجميع أعمال الديار المصرية.
ثم ضعف الأشرف مدة ثم تعافى ودقت البشائر لذلك.
وفي السنة المذكورة، أعني سنة ثمان وسبعين، وقع الاهتمام لسفر السلطان إلى الحجاز، واجتهد كل واحد من أرباب الدولة فيما يتعلق به، إلى أن انتهى جميع ما أمر به السلطان. فلما كان يوم السبت الثاني عشر من شوال، خرجت أطلاب الأمراء المتوجهين إلى الحجاز الشريف، وفي يوم الأحد ثالث عشرة، خرج طلب الملك الأشرف في ترتيب عظيم، وتجمل زائد، وفي جملة الطلب عشرون قطاراً من الهجن بقماش ذهب، وخمس عشرة قطاراً بقماش حرير، وقطار واحد بخليفتي، وقطار آخر بلبس أبيض لأجل الإحرام، ومائة فرس ملبسة، وكجاوتان بغشا زركش، وتسع محفات غشا خمسة منهن زركش، وستة وأربعون زوجاً من المحائر، والخزانة عشرون جملاً، وقطاران من الجمال محملة من الخضر المزروعة. ثم في يوم الإثنين رابع عشرة، خرج السلطان بأبهة عظيمة فتوجه إلى سرياقوس وأقام بها يوماً، وخلع على الشيخ ضياء الدين القرمي واستقر في مشيخة خانقاته، أعني المدرسة التي أنشأها الملك الأشرف بالصوة، ثم رحل السلطان من سرياقوس ونزل ببركة الحاج فأقام بها إلى يوم الثلاثاء ثاني عشرين شوال، ركب منها بمن كان معه من الأمراء وغيرهم متوجهاً إلى الحجاز.(6/241)
وكان معه من مقدمي الألوف تسعة، وهم: أرغون شاه الأشرفي. وبيبغا الساقي الأشرفي. وصرغتمش الأشرفي، وبهادر الجمالي. وصراي تمر المحمدي. وطشتمر العلائي. ومبارك الطازي. وقطلقتمر العلائي الطويل. وبشتاك من عبد الكريم.
ومن الطبلخانات خمسة وعشرون نفراً، وهم: عبد الله بن بكتمر الحاجب، وأيدمر الخطاي الصديقي، وبدري الأحمدي، وبلوط الصرغتمشي، وأروس المحمدي، وأرغون العزي الأفرم، وطغى تمر الأشرفي، ويلبغا المنجكي، ويلبغا الناصري، وكزك الأرغوني، وقطلوبغا الشعباني، وعلي بن منجك اليوسفي، وأمير حاج بن مغلطاي، ومحمد بن تنكزبغا، وتمر باي الحسني، وأسندمر العثماني، وقرابغا الأحمدي، وأينال اليوسفي، وأحمد بن يلبغا العمري، وموسى ابن دندار بن قرمان. وبدي قرطغا بن سوسون. ومغلطاي البدري، وبكتمر العلمي.
ومن العشرات خمسة عشر أميراً وهم: آقبغا بوري، وأحمد بن محمد بن لاجين، وأبو بكر بن سنقر، وأسنبغا، وتلكي شيخون، ومحمد بن بكتمر الشمسي، ومحمد بن قطلوبغا البزلاري، وتكتمر العيسوي، وطوغان العمري الظهير، ومحمد بن سنقر، ومنجك الأشرفي، وخضر بن عمر بن بكتمر الساقي.
وجعل الأشرف نائب الغيبة بالديار المصرية آقتمر عبد الغني عن السلطنة،(6/242)
وجعل نائب الغيبة بقلعة الجبل أيدمر الشمسي. وسافر الملك الأشرف وهو ضعيف، بعد أن أشار عليه جماعة من الصلحاء والأعيان بتأخير السفر في هذه السنة، فأبى وسافر.
فلما كان يوم السبت ثاني ذي القعدة، اتفق طشتمر اللفاف، وقرطاي الطازي، وأسندمر الصرغتمشي، وأينبك البدري، وجماعة أخر من المماليك السلطانية، وجماعة من مماليك الأسياد، ومماليك الأمراء المسافرين في صحبة السلطان، ولبسوا آلة الحرب في ذلك اليوم، فنزل الذين بالأطباق وطلع الذين بالمدينة، واتفقوا ومضوا إلى باب الستارة من القلعة، فقفل سابق الدين مثقال الزمام باب الساعات، ووقف داخل الباب هو والأمير جلبان لالا أولاد السلطان، وآقبغا جاركس اللالا أيضاً، وألحوا الأمراء في دق الباب، وقالوا: إعطونا سيدي أمير علي بن السلطان الملك الأشرف. فسألهم الأمير جلبان اللالا: من هو منكم المتحدث(6/243)
في هذا الأمر؛ حتى نسلم أمير علي. وكثر الكلام بين الطائفتين، وآخر الأمر كسروا شباك الزمام المطل على باب الساعات، وطلعوا منه، ونهبوا بيت الزمام، ونزلوا إلى رحبة باب الستارة، ومسكوا مثقال الزمام وجلبان اللالا، وفتحوا الباب فدخلت البقية، وقالوا: أخرجوا سيدي أمير علي حتى نسلطنه فإن أباه الملك الأشرف مات، فدخل الزمام وأخرج لهم سيدي علي، فأقعدوه بباب الستارة، ثم أحضروا أيدمر الشمسي فبوسوه الأرض بين يديه، ثم أركبوا أمير على بعض خيولهم، وتوجهوا به إلى الإيوان الكبير، ثم أرسلوا خلف الأمراء الذين بالمدينة فطلعوا إلى سوق الخيل، وأبوا أن يطلعوا إلى القلعة، فأنزلوا أمير علي إلى الأسطبل السلطاني، وطلع إليه سائر الأمراء، وباسوا له الأرض وحلفوا له وكان السيفي ألجاي المعروف بالكبير، وطشتمر الصالحي، وحطط رأس نوبة لم يوافقوا الجماعة، فمسكوهم وجعلوهم بالقصر، ولقبوا أمير علي بالملك المنصور، ونادوا بالأمان والاطمئنان بعد أن أخذوا خطوط الأمراء الكبار.
وتابوا تلك الليلة، وأصبحوا يوم الأحد وهم لابسون بسوق الخيل، فينما هم كذلك، إذ ورد عليهم الخبر بأن شخصاً يقال قازان البرقشي، وهو ممن سافر صحبة الملك الأشرف إلى الحجاز، وجدوه بالقاهرة متنكراً، فمسكوه وأتوا به إلى(6/244)
الأمراء، فسألوه عن خبر قدومه، وعن خبر السلطان، فأبى أن يخبرهم بشيء، فهددوه بالتوسط، فأخبر بأن قال لهم: لما نزل السلطان إلى العقبة أقام بها يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء فطلب المماليك منه العليق، فقال لهم اصبروا إلى الأزلم، فأبوا وتأخروا عن أكل السماط عصر يوم الأربعاء، وركبوا على السلطان الملك الأشرف ليلة الخميس، ورؤوسهم: طشتمر العلائي، وصراي تمر المحمدي، مبارك الطازي، وطقتمر العلائي الطويل، وسائر مماليك الأسياد. ثم ركب السلطان وتواقعوا، فانكسر السلطان وهرب، وصحبته من الأمراء: صرغتمش، وبشتاك، وأرغون شاه، ويلبغا الناصري، وأرغون كبك، وأن الأشرف بمنزلة عجرود.
فلم يأخذوا كلامه بالقبول، وكذبوه، وأرادوا توسيطه. فقال لهم: خلوني أدلكم عليه. فأخذهم وذهب بهم إلى قبة النصر، فوجدوا فيها صرغتمش، وأرغون شاه، وبشتك، وأرغون كبك، ويلبغا. وقيل إن الذين توجهوا معه من الأمراء المصريين هو: أسندمر الصرغتمشي، وطولو الصرغتمشي، ومعهما جماعة من المماليك، فقتلوا الأمراء المماليك المذكورين وأتوا برؤوسهم إلى سوق الخيل.
وأما الملك الأشرف، فإنه لما وصل إلى قبة النصر، وسمع ما وقع في الديار المصرية، توجه هو ويلبغا الناصري واختفيا عند أستادار يلبغا الناصري، فلم(6/245)
يأمن الأشرف على نفسه في هذا المكان، فتوجه منه في الليل واختفى عند امرأة تسمى آمنة زوجة المشتولى، فاختفى عندها، فنَّمت عليه امرأة أخرى إلى الأمراء وقالت لهم: السلطان مختفي عند فلانة في الجودرية، فتوجه معها ألطنبغا السلطاني ومعه جماعة وكبسوا بيت آمنة المذكورة. فهرب الملك الأشرف، واختفى بالباذهنج، فطلعوا إليه فوجدوه هناك وعليه قماش النساء، فمسكوه وألبسوه عدة الحرب، وأحضروه إلى القلعة، فتسلمه أينبك البدري وقرره على الذخائر، فأخبره بذلك بعد أن ضربه أينبك تحت رجليه بالعصى، ثم خنقوه. والذي تولى خنقه جاركس شاد عمائر ألجاي اليوسفي، فأعطي جاركس المذكور إمرة عشرة وجعل شاد العمائر السلطانية. ثم وضعوا الأشرف في قفة وخيطوا عليه بلاساً، وأرمى في بئر، فأقام بها أياماً إلى أن ظهرت رائحته، فأخرجوه من البئر، وأخذه بعض خدامه ودفنه عند كيمان السيدة نفيسة، ثم نقل إلى تربة والدته خوند بركة، بعد أن غسل وكفن وصلي عليه، ودفن بقبة وحده، وقيل في موته غير ذلك، والصحيح ما حكيناه.
وكانت موتته في ليلة الثلاثاء خامس ذي القعدة سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، وتسلطن من بعده ابنه الملك المنصور علي، المتقدم ذكره.(6/246)
وكان الملك الأشرف ملكاً جليلاً، شجاعاً، مهاباً، كريماً، ليناً هيناً، محبباً للرعية. قيل إنه لم يل الملك في الدولة التركية أحلم منه، ولا أحسن منه خُلُقاً وخَلْقاً. وكان محباً للعلماء والفقهاء وأهل الخير، مقتدياً بالأمور الشرعية، أبطل عدة مكوس في سلطنته، وكان محسناً لأخوته وأقاربه وأولاد عمه، أنعم عليهم بالإقطاعات الهائلة، وجعل بعضهم أميراً، وهذا شيء لم يعهد بمثله من ملك. وكان يفرق في كل سنة على الأمراء، أقبية بطرز زركش، والخيول المسومة بالسروج الذهب والكنابيش الزركش والسلاسل الذهب، وكذلك على جميع أرباب الوظائف. ولم يكن فيه ما يعاب غير أنه كان محباً لجمع المال، ولكنه كان يصرف غالبه في وجوه البر والصدقة، وكان له محاسن كثيرة، وكانت أيامه بهجة، وأحوال الناس في أيامه هادئة مطمئنة، والخيرات كثيرة، ومشي شوق أرباب الكمالات في زمانه من كل علم وفن، وافتتحت سيس في أيامه وبلادها، وزالت دولة الكفر الأرمن.
وممن وقع في أيامه من الغرائب: وهو أن في سنة ست وتسعين وسبعمائة كان للأمير شرف الدين عيسى بن بابجك وإلى الأشمونين بنت راهقت، فلما(6/247)
بلغ عمرها خمسة عشر سنة استد فرجها ونبت لها ذكر وانثيان واحتلمت، وبلغ ذلك منجك اليوسفي نائب السلطنة فأرسل بطلبها فأحضرت، فشاهدها منجك، فلما تحقق ذلك، أمرها أن تلبس ثياب الرجال وسماها محمداً، وأمره بالمشي في خدمته وأقطعه إقطاعاً، انتهى.
وخلف الملك الأشرف من الأولاد ستة بنين وسبع بنات، ثم ولدت زوجته خوند سمرا بعد موته ولداً سموه أحمد، فصار الذكور أيضاً سبعة، فالذكور هم: الملك المنصور علي، الذي تسلطن في غيبته ثم بعد موته، والملك الصالح أمير حاج، وقاسم، ومحمد، وإسماعيل، وأحمد المولود من بعده.
وكانت مدة ملكه أربعة عشر وشهرين وعشرين يوماً، فإنه تسلطن بعد خلع ابن عمه، الملك المنصور محمد بن المظفر حاجي، في يوم الثلاثاء خامس عشر شعبان سنة أربع وستين وسبعمائة، وعمره إذ ذاك عشر سنين، ومات في ليلة الثلاثاء خامس ذي القعدة سنة ثمان وسبعين وسبعمائة. انتهت ترجمة الملك الأشرف شعبان، رحمه الله تعالى.
1187 - الأثاري الأديب
...
- 828 هـ - ... - 1425 م
شعبان بن محمد بن داود، الشيخ الأديب زين الدين، المعروف بالأثاري المصري.(6/248)
نشأ بالقاهرة، وتعاني النظم، وكان اشتغل في مباديء أمره وكتب الخط المنسوب، وغلب عليه نظم الشعر، فقال الكثير، ومدح الأعيان والأكابر، وكان له محاضرة حسنة. وولي حسبة مصر القديمة بمال عجز عنه، ففر إلى اليمن وأقام هناك مدة، ثم عاد إلى مكة المشرفة بعد سنين، ثم خرج من مكة إلى القاهرة وأقام بها مدة يسيرة، وتوجه إلى دمشق ثم عاد إلى القاهرة مريضاً، فمات بعد قدومه في سابع جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وثمانمائة.
ومن شعره:
ولما رأينا السفن تحمل عالما ... عطاياه للعارفين ليس لها حصر
عجبت له إذ يحمل البحر والذي ... عهدناه أن السفن يحملها البحر
وله في قاضي القضاة جلال الدين البلقيني لما عزل بالهروي، وزينت القاهرة لولد، ولد للملك المؤيد، وعلق الترجمان في الزينة حماراً حياً، وتفرج الناس عليه فقال:
أقام الترجمان لسان حال ... عن الدنيا يقول لنا جهارا
زمان فيه قد وضعوا جلالاً ... عن العليا وقد رفعوا حمارا(6/249)
1188 - الملك الكامل شعبان
...
- 747 هـ - ... - 1346 م
شعبان بن محمد بن قلاوون، السلطان الملك الكامل بن السلطان الملك الناصر ابن السلطان الملك المنصور.
تسلطن بعهد من أخيه الملك الصالح، فإنه كان شقيقه، ولما مات أخوه الملك الصالح، بعد أن عهد له، اختلفت الأمراء الخاصكية، ومالت فرقة إلى أخيه حاجي، وفرقة إلى شعبان هذا. فقام بأمر شعبان هذا الأمير سيف الدين أرغون العلائي، وحدث الأمير سيف الدين أل ملك، وكان أل ملك إذ ذاك نائب السلطنة بالديار المصرية، فقال له أل الملك: بشرط أنه لا يلعب بالحمام. فبلغ(6/250)
شعبان ذلك، فنقم عليه لما تسلطن، وأخرجه إلى نيابة دمشق، ثم سيره من الطريق إلى نيابة صفد نائباً.
وكان جلوس الملك الكامل المذكور على تخت الملك، في يوم الخميس ثاني شهر ربيع الآخر سنة ست وأربعين وسبعمائة، وحلفوا له الأمراء على العادة. وتوجه الأمير بيغرا إلى الشام وحلف أمراءها، وملا تمكن الملك الكامل أخرج الأمير قماري أخابكتمر الساقي، والأمير طرنطاي البجمقدار، وهابه الناس.
وصار يخرج القطاعات والوظائف بالبدل، وعمل لذلك ديواناً وكان يعين في المناشير بذلك، وكان محباً لجمع المال.
قال الشيخ صلاح الدين بن أيبك: وكان شجاعاً يقظاً فطناً ذكياً، وكان أشقراً، محدد الأنف، أزرق العينين، على ما قيل لي. لم يخل بالجلوس للخدمة طرفي النهار مع اللهو واللعب دائماً، ولو ترك اللعب لكان ملكاً عظيماً.
ولما تسلطن أنشدني لنفسه جمال الدين محمد بن نباتة:(6/251)
جبين سلطاننا المرجى ... مبارك الطالع البديع
يا بهجة الدهر إذ تبدى ... هلال شعبان في ربيع
ثم قال: ولم يزل في الملك، حتى برز الأمير يلبغا اليحياوي إلى ظاهر دمشق، وجرى من الأمراء سيف الدين ملكتمر الحجازي، وشمس الدين آفسنقر، وغيرهما، ما تقدم ذكره في ترجمة أخيه الملك المظفر حاجي، من خلعه وجلوس الملك المظفر حاجي على كرسي الملك، في يوم الإثنين مستهل جمادى الآخرة سنة سبع وأربعين وسبعمائة.
وكان مدة ملك شعبان هذا، سنة سبعة عشر يوماً، وأخرج أخوه حاجي من السجن وجلس مكانه.
حكى لي سيف الدين أسنبغا دوادار الأمير أرغون شاه قال: مددنا السماط على أن يأكله الملك الكامل، وجهزنا طعام حاجي إليه في حبسه، فخرج حاجي أكل(6/252)
السماط، ودخل الكامل السجن وأكل سماط حاجي، وقلت في واقعته:
بيت قلاوون سعاداته ... في عاجل كانت بلا آجل
حل على أملاكه للردى ... دين قد استوفاه بالكامل
انتهى كلام الصفدي.
قلت: ولما حبس الملك الكامل شعبان، صاحب الترجمة، كان ذلك آخر العهد به، رحمه الله تعالى.
1189 - شرف الدين السيوطي
699 - هـ - ... - 1300 م - ...
شعيب بن يوسف بن محمد، القاضي شرف الدين أبو مدين السيوطي.
ولد بإسنا سنة تسع وتسعين وستمائة. وقرأ الفقه على أبيه وعلى أبي الحسن علي بن محمد الفوّي وغيرهما. وبرع واشتغل، واستنابه والده عنه في الحكم بأسوان، ثم ولى بعد وفاته من قبل القاضي بدر الدين بن جماعة مكان أبيه(6/253)
واستمر إلى سنة تسع وعشرين وسبعمائة، ثم ولي إسنا وإدفو، ودرس بالمدرستين بأسوان، وكان خيراً ديناً صالحاً عفيفاً.
قال القاضي كمال الدين جعفر الإدفوي في تاريخه، المسمى بالطالع السعيد في تاريخ الصعيد: أخبرني أنه قرأ النحو على تقي الدين بن الهمام السمهودي، والفرائض على عطاء الله بن علي الإسنائي. ثم قال: وكان في عمل قوص ثلاثة قضاة، فصار الإثنان يقصدان أن يضما جهته إلى جهتهما، ويضاف عمله إلى عملهما. فصرفا عن العمل واستمر في جهته وأضيف إليه من كل جهة من جهات ويضاف عمله إلى عملها. فصرفا عن العمل واستمر في جهته وأضيف إليه من كل جهة من جهات المذكورين جهة إلى جهته.
ونظم بعضهم في ذلك فقال:
إن القضاة ثلاثة بصعيدنا ... قد حققوا ما جاء في الأخبار
قاض بإسنا قد ثوى في جنة ... والقاضيان كلاهما في النار
هذا بحسن صفاته وفعاله ... وهما بما اكتسبا من الأوزار(6/254)
باب الشين والهاء
1190 - المحسني
...
- 708 هـ - ... - 1308 م
شهاب بن علي بن عبد الله، الشيخ الصالح المعتقد أبو علي المحسني.
كان رجلاً أمياً، مقيماً بتربة الفارس أقطاي بظاهر القاهرة. روى الكثير عن ابن القيرواني، وابن رواح، وتفرد بأجراء. وأخذ عنه شمس الدين الواني، وقاضي القضاة تقي الدين السبكي، وابن الفخر، وأبو شامة، وطائفة.
قلت: وأظنه هو الشيخ المدفون خارج باب الشعرية المعروف بسيدي شهاب، والله أعلم.
توفي المذكور سنة ثمان وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
1191 - الموله التركماني
...
- 678 هـ - ... - 1279 م
شهرمان، الموله التركماني الأصل الدمشقي.(6/255)
كان تاجراً صاحب دكان بدمشق، فوقع له يوم خروج الحاج بكاء كثير، ولحقه عبرة فتهيأ لوقته، وتبع الركب وحج. وعاد مسلوب العقل، وصار له حال مثل المولهين، وبقي للناس فيه اعتقاد عظيم، ولما مات في سنة ثمان وسبعين وستمائة شيع جنازته خلق كثير، رحمه الله(6/256)
باب الشين والياء
المثناة من تحت
1192 - شيخو صاحب الخانقاة بالصليبة
...
- 758 هـ ... - 1357 م
شيخو بن عبد الله الناصري الأمير الكبير سيف الدين.
أصله من كتابية الملك الناصر محمد بن قلاوون، وتقدم في دولة الملك المظفر حاجي بن محمد بن قلاوون، وصار من أعيان الأمراء. ولما خلع المظفر وقتل، وتسلطن أخوه الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون، في يوم الثلاثاء رابع عشر شهر رمضان ثمان وأربعين وسبعمائة، وصار المتحدث في الدولة الأمير شيخو هذا، والأمير بيبغا أرس، وألمير ألجبغا العادلي، والأمير طاز، والحاج أرقطاي نائب السلطنة.
واستمروا على ذلك إلى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، كتب إليه وهو(6/257)
في الصيد بنيابة طرابلس، فلم يقبل وقدم القاهرة، فرسم بمسكه، فأمسك هو والأمير منجك اليوسفي. وكان شيخو رأس نوبة، ومنجك وزير وأستادار، فقيداً وأرسلا إلى دمشق، ثم رسم بعودهما وحبسهما بالإسكندرية.
وكان ذلك بدسيسة مغلطاي بوري أمير آخور. فإنه قال للملك الناصر حسن: لا يصفو لك الملك، حتى يخرج من بيننا بيبغا أرس ومنجك وشيخو.
وكان السلطان بعث بالأمير طاز قبل تاريخه، بمسك بيبغا أرس. فمسكه من الينبع بعد قضاء الحج، وقيده وأرسله إلى الكرك. وكان الملك المجاهد صاحب اليمن، قد حج في هذه السنة، فوقع بينه وبين الأمير طاز حرب بجبل عرفات. فانتصر الأمير طاز، وأمسك الملك المجاهد، وحضر به إلى السلطان مقيداً، ووقع له ما حكيناه في ترجمة المجاهد. ثم أخلع الملك الناصر على مغلطاي باستقراره رأس وبه، عوضاً عن شيخو، وبأرغون تتر نائب السلطنة بالديار المصرية.(6/258)
واستمر شيخو محبوساً، إلى أن خلع الملك الناصر حسن، وتسلطن الملك الصالح. أطلق شيخو المذكور، وأحضر إلى القاهرة في شهر رجب سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، واستقر على عادته أولاً. وتوجه مع الملك الصالح، في وقعة أرغون الكاملي وعاد صحبة السلطان إلى الديار المصرية، ثم وجهه السلطان وصحبته عسكراً إلى بلاد الصعيد لقتال ابن الأحدب، فأظهر في هذه الوقعة ما أخفى على الناس من شجاعته، وأبلى في العرب المفسدين بلاء حسناً، ثم عاد.
وصار طاز وشيخو مدبري المملكة، فأخلع على طاز واستقر أتابكا، وعلى الأمير شيخو رأس نوبة النوب، وأخرجا بيبغا أرس إلى نيابة حلب، عوضاً عن أرغون الكاملي. فتوجه بيبغا إلى محل كفالته، وخرج من الطاعة، فخرج إليه طاز وشيخو، ومعهما السلطان، إلى البلاد الشامية لقتال بيبغا أرس المذكور فقتلوه وظفروا به، وعادوا إلى القاهرة، والمتكلم في الدولة الأمير شيخو.
واستمر الأمر على ذلك، إلى سنة خمس وخمسين وسبعمائة، وقع بين شيخو وبين السلطان. فلما كان يوم الإثنين ثاني شوال، اتفق أكثر الأمراء مع الأمير شيخو(6/259)
على خلع الملك الصالح، وسلطنة السلطان حسن ثانيا. وكان الأمير طاز مسافراً بالبحيرة، وتم لهم ما أرادوه. وخلع الملك الصالح صالح بن محمد بن قلاوون، وجلس حسن على تخت الملك ثانيا. وكانت مدة سلطنة الملك الصالح صالح، وحبس الملك الناصر حسن، ثلاث سنين وثلاث شهور وأربعة عشر يوماً.
فلما استقر الملك الناصر حسن في الملك، قبض على الأمير طاز وإخوته. ثم شفع الأمير شيخو فيه، فرسم له بنيابة حلب. واستقر الأمير شيخو صاحب الأمر والنهي من غير مشارك، وصار أتابك العساكر، وسمي بالأمير الكبير. وهو أول من سمي بهذا الاسم. وأخذ في عمارة الخانقاة والجامع بالصليبة، فكملت الخانقاة في سنة ست وخمسين وسبعمائة. وجعل العلامة أكمل الدين البابرتي شارع الهداية شيخ خانقاته ومدرسها، وعمر أوقافها وعدة أماكن أخر. وصار عظيم الدولة ومدبرها، وأثرى وكثر ماله وأملاكه، حتى قيل إنه كان يدخل إلى حاصله في اليوم مائتا ألف درهم من أملاكه وإقطاعه ومستأجراته.(6/260)
واستمر في عزه، إلى يوم ثامن شعبان سنة ثمان وخمسين وسبعمائة، وثب عليه مملوك من مماليك السلطان، يقال له قطلوخجا السلحدار، وضربه بالسيف ثلاث ضربات في وجهه وفي يده وفي ذراعه، وهو جالس في دار العدل بحضرة السلطان حسن، فأمسك قطلوخجا المذكور، وسقط شيخو إلى الأرض. وقام السلطان، وطلعوا مماليك الأمير شيخو إلى القلعة ملبسين راكبين من باب السر، وصحبيتهم من الأمراء، الأمير خليل بن قوصون، إلى طبقة الأشرفية، وحملوا شيخو المذكور على جنوية، ونزلوا به إلى داره، فوجدوا به رمقا فخيطوا جراحاته وبات تلك الليلة، ونزل إليه السلطان الملك الناصر حسن من الغد إلى بيته، واستعطفه وحلف له، أن الذي جرى لم يكن به علم. وأحضر قطلوخجا المذكور فقال: ما أمرني أحد، ولكني قدمت إليه قصة فما قضى لي حاجتي.
فرسم السلطان بتسميره وتوسيطه، فسمر وطيف به، ثم وسط.
واستمر شيخو ملازماً للفراش، إلى أن مات في سادس عشر ذي القعدة من سنة ثمان وخمسين وسبعمائة، وقيل في ذي الحجة، وفي يوم موته زلزلت الأرض زلزلة لطيفة.(6/261)
وكان أميراً كبيراً، جليلاً، شجاعاً مقداماً، جواداً كريماً، ممدحاً، ديناً خيراً، عفيفاً. بنى عدة أماكن بالقاهرة وغيرها، معروف غالبها به، ووقف وقفاً جيداً على عمائره، وعلى وجوه البر والصدقة. وخانقاته بالصليبة من أعظم الخوانق. وكان ذا رأي وتدبير ومعرفة وسياسة، وكان يحب مجالسة العلماء ويجلهم إلى الغاية، ويكرم أهل الصلاح ويبرهم. وكان كثير الصدقات، وكانت عدة صدقته من المائة دينار إلى ما دونها، دواما ليس ذلك نادرا، وكان يرسل بمال عظيم في كل سنة، يفرق في الحرمين الشريفين، وكان يتفقد معارفه وأصحابه ويقضي حوائجهم، رحمه الله تعالى وعفا عنه.
1193 - الساقي
...
- 752 هـ - ... 1351 م
شيخو بن عبد الله الساقي، الأمير سيف الدين.
كان من جملة الأمراء بالديار المصرية، ثم خرج في الدولة المظفرية حاجي، في سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، إلى دمشق أميراً بها، وكان من أحسن الأشكال.
قال ابن أيبك: وكان يكتب الخط المنسوب، وكتب بخطه ربعة في ربع البغدادي الكبير، بقلم خفيف المحقق من أحسن ما يكون. وكان يتعانى الكتب النفيسة من كل فن ويشتريها، انتهى كلام ابن أيبك.(6/262)
قلت: وأظن وفاته بعد الخمسين وسبعمائة بمدة رحمه الله تعالى.
1194 - الملك المؤيد شيخ
...
- 824 هـ - ... - 1421 م
شيخ بن عبد الله المحمودي الظاهري، السلطان الملك المؤيد، سيف الدين أبو النصر الجاركسي. الرابع من ملوك الجراكسة، والثامن والعشرون من ملوك الترك.
جلبه من بلاد الجاركس، الخواجا محمود شاه اليزدي، إلى القاهرة في سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة، فاشتراه الملك الظاهر برقوق وهو إذ ذاك أتابك العساكر وأعتقه. فلما تسلطن، جعله بعد مدة خاصكيا ثم ساقيا، واختص به إلى الغاية.
وكان شيخ المذكور في شبيبته متهتكاً، يميل إلى اللهو والطرب وغير ذلك.
فنهاه الملك الظاهر عن ذلك غير مرة، ثم غضب عليه، بسبب ما ذكرناه، وضربه(6/263)
ضرباً مبرحاً، ولم يعزله عن وظيفته ولا أبعده، ثم أنعم عليه بإمرة عشرة في سلطنته الثانية بعد وقعة شقحب، واستمر نقله إلى إمرة أربعين.
ودام على ذلك، إلى أن توفي الملك الظاهر برقوق، وتسلطن ولده الملك الناصر فرج. صار شيخ هذا أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، عوضاً عن الأمير بجاس النوروزي، بحكم استعفاء بجاس عن الإمرة واستقراره بطالا. ثم أخلع على شيخ المذكور بإمرة حاج المحمل، وعلى الطواشي بهادر بإمرة الركب الأول. فحج وعاد واستمر على ما هو عليه، إلى أن عصى الأمير تنبك الحسني، المدعو تنم نائب الشام، في سنة اثنتين وثمانمائة، ووقع ما حكيناه في ترجمة تنم. استقر شيخ المذكور في نيابة طرابلس، عوضاً عن الأمير يونس بلطا بحكم موافقته لتنم(6/264)
المذكور. فتوجه شيخ إلى طرابلس، ودام بها إلى أن طرق تيمور البلاد الحلبية، وخرج لقتاله الأمير سودون نائب الشام، ومعه سائر نواب البلاد الشامية، ووقع ما حكيناه أيضاً في ترجمة سودون وغيره، من أسر سودون المذكور وغيره من الأمراء والنواب. فكان شيخ ممن أسر أيضاً، وبقي في قبضة تيمور، إلى أن قدم تيمور إلى البلاد الشامية، فر منه شيخ ولحق بالملك الناصر فرج، بعد أن كان وكل تيمور به جماعة كثيرة، فخلصه الله منهم. وبقي عند الملك الناصر فرج، إلى أن عاد تيمور لعنه الله إلى بلاده، أخلع عليه باستقراره في نيابة طرابلس على عادته. فتوجه إليها ودخلها، ودام بها إلى ذي الحجة من سنة أربع وثمانمائة، وقامت الفتنة بين الأمراء في الديار المصرية، توجه هو أيضاً إلى دمشق، وملكها من غير مدافع، بعد عزل الأمير آقبغا الجمالي الأطروش. ثم جاءه التشريف من عند الملك الناصر فرج بعد ذلك باستقراره في نيابة دمشق، وتوجه آقبغا إلى القدس بطالاً.(6/265)
فاستمر شيخ في نيابة دمشق إلى سنة سبع وثمانمائة، ووقع بين الأمير يشبك الشعباني الدوادار، وبين إينال باي أمير آخور، الفتنة المشهورة، التي أسفرت على خروج يشبك المذكور بمن معه من الأمراء من الديار المصرية، وقدومه إلى دمشق على الأمير شيخ. فلما بلغ شيخ قدوم يشبك بمن معه، خرج الأمير شيخ إلى لقائهم وأكرمهم، واحتفل بأمرهم احتفالاً زائداً، ورتب لهم الرواتب الهائلة. وكانوا جماعة كبيرة وهم: الأمير يلبغا الناصري، وقطلوبغا الكركي، وتمراز(6/266)
الناصري، وجاركس القاسمي المصارع، وطولو من على باشاه، وسودون الحمزاوي، وإينال العلائي المعروف بإينال حطب. فوافقهم الأمير شيخ المذكور على العصيان وتهيأ للسفر، ثم كاتب الأمير جكم من عوض نائب حلب، فأجاب جكم أيضاً بموافقتهم، وخرج من حلب حتى قدم عليهم بدمشق.
ثم توجه الجميع إلى الديار المصرية، ومعهم أيضاً قرا يوسف صاحب تبريز، والأمير نوروز الحافظي، فإنهما كانا في حبس الملك الناصر فرج بقلعة دمشقز وساروا الجميع إلى نحو الديار المصرية حتى وصلوا إلى الصالحية، وقد خرج الملك الناصر فرج من القاهرة لقتالهم، ونزل بمنزلة السعيدية. فاستشار شيخ من(6/267)
معه من الأمراء في لقاء الملك الناصر، فكثر الكلام واختلفت الآراء، حتى قال قرايوسف: كم يكون عسكر السلطان؟ فعرفوه تقريباً ما يكون مقدار ما معه في الأمراء والعساكر، فالتفت إليهم وقال: لا أنتم ولا نحن، لا نطيق ملتقى الملك الناصر، وإن كان ولا بد، فبيتوه حيث هو نازل، وماتم غير ذلك. فأعجب شيخ ويشبك رأيه، وكان وافقه الأمير جكم أيضاً على هذا الرأي.
فنهض شيخ بمن معه من الأمراء من وقته، وركبت الأمراء بمماليكهم وحواشيهم غارة، وهم الجميع، نحو أربعة آلاف نفر، حتى كسبوا الملك الناصر في ليلة الخميس ثالث عشر ذي الحجة من سنة سبع وثمانمائة. فركب الملك الناصر بمن التم عليه من عسكره، وثبت لهم، وتقاتل الفريقان قتالاً شديداً، من بعد عشاء الآخرة إلى بعد نصف الليل. وكان الذي التم على الملك الناصر مقدار ثلث عسكره، فإنهم تشتتوا في الليل يميناً وشمالاً، ولا يدرون أين يتوجهون. ثم إن الملك الناصر انهزم، وعاد إلى نحو القاهرة، حتى طلع قلعة الجبل في أناس قلائل جداً. وقيل إنه ما كان معه خلاف سودون الطيار، وسودون الأشقر على الهجن لا غير.(6/268)
وقبض الأمير الشيخ، على الأمير صرق وقتله صبراً بين يديه، فإنه كان ولي نيابة دمشق عوضه من قبل الملك الناصر فرج.
ثم أصبح شيخ ورفقته من الغد، ركبوا حتى وصلوا إلى الريدانية خارج القاهرة، وأقاموا بها ثلاثة أيام. فاختلفت الكلمة بين الأمراء الشاميين، ثم تحامل عسكر الملك الناصر فرج وخرج لقتال شيخ المذكور وغيره، فتقاتلا معه فانكسر شيخ ورفقته، ودخل أكثرهم إلى القاهرة مختفياً.
فلما رأى شيخ ما وقع، أخذ في الرجوع إلى الشام، ورجع صحبته الأمير جكم وقرايوسف. وأخلع الملك الناصر على الأمير نوروز الحافظي بنيابة دمشق. وتوجه شيخ قلعة الصبيبة، وتولى نيابة حلب الأمير علان، وتولى نيابة طرابلس بكتمر جلق، وتولى نيابة حماة دقماق المحمدي، وتوجه كل أحد إلى محل كفالته.
واستمر شيخ بالصبيبة إلى ربيع الآخر سنة ثمان، توجه وصحبته الأمير جكم إلى دمشق، لقتال نوروز في عسكر قليل. فخرج إليه نوروز بعسكر كثيف،(6/269)
وتقاتلا، فانكسر نوروز وتوجه نحو طرابلس، وملك الأمير شيخ هذا دمشق. وفي غضون ذلك، اختفى الملك الناصر فرج بالديار المصرية، وخلع بأخيه الملك المنصور عبد العزيز، ثم تسلطن ثانياً، وتذكر ذلك كله، في ترجمة الملك الناصر إن شاء الله تعالى مفصلا.
واصطلح الملك الناصر فرج مع الأمير يشبك. ثم كتب السلطان إلى الأمير شيخ، بتسليم حلب إلى جكم. فاجتمع نوروز الحافظي، وبكتمر جلق نائب طرابلس، ودقماق نائب جماة، وعلان حلب، واتفقوا على قتال شيخ، فالتقيا على حماة، وتقاتلا أشد قتال، حتى كسرهم شيخ، وملك حماة عنوة بالسيف. ثم توجه إلى حلب، فدخلها في شهر رجب سنة ثمان وثمانمائة، وسلمها إلى الأمير جكم، ثم عاد إلى دمشق. وبعد أيام صالح الأمير نوروز الحافظي ومن معه، واتفقوا على مخالفة الملك الناصر.
ثم ورد على شيخ المذكور مرسوم من الملك الناصر، يتضمن عزل جكم عن نيابة حلب بدمرداش المحمدي، وتوليه علان نيابة طرابلس، وأنه يركب(6/270)
ويسلم حلب وطرابلس إليهما. فركب شيخ بمن معه من الأمراء والعساكر ما عدا نوروز، فإنه كان قد توجه قبل تاريخه إلى الأمير جكم من عوض. وبلغ جكم من عوض ما ورد على شيخ، فخرج هو أيضاً من حلب وقصد شيخ. فالتقى الجمعان بين حمص والرستين، فخامر بعض أمراء الأمير شيخ إلى جهة جكم من عوض، وفر دمرداش منهزماً، وبقي شيخ وحده، فلوى عنان فرسه راجعاً إلى دمشق، فدخلها في ذي الحجة من سنة ثمان وثمانين. ثم خرج منها متوجهاً إلى الديار المصرية، حتى وصلها في صفر سنة تسع. فخرج الملك الناصر والتقاه في خارج القاهرة، واحتفل به، وأنعم عليه وأكرمه. ثم تجهز الملك الناصر، وخرج من ديار مصر إلى البلاد الشامية، يريد قتال جكم من عوض، فإنه كان ولي نوروز نيابة دمشق من قبله، واستمر هو بحلب. فلما سمع بخروج الناصر إليه، أرسل طلب نوروز من دمشق إلى عنده، ثم خرج هو أيضاً من حلب إلى جهة بلاد الروم، وخلت البلاد الشامية من الحكام.
فسار الأمير شيخ جاليشا للملك الناصر، وساق خلف القوم حيث ما ذهبوا، حتى وصل الفرات، وهم منهزمون أمامه، والملك الناصر بحلب. ثم رجع الشيخ إلى حلب، وعاد صحبة السلطان الملك الناصر، إلى أن وصل بالقرب من صفد،(6/271)
سأل الملك الناصر في صفد فأعطاه إياها، وتوجه إليها، واستمر بها شيخ مناصحاً للملك الناصر، وجكم يرسل إليه بالصلح وهو لا يسمع له. إلى أن عص الأمير إينال باي بن قجماس على الملك الناصر، وخرج من القاهرة، والملك غزة وتلك البلاد، وانضاف إليه سودون الحمزاوي وغيره من الأمراء، حسبما ذكرناه في غير موضع، ثم أرسل إينال باي كاتب نوروز هو ومن معه.
فلما بلغ شيخ ذلك، ركب من صفد، حتى طرق إينال باي ومن معه بغزة، وتقاتلوا قتالاً شديداً، فانكسر إينال باي وقتل، معه جماعة من الأمراء، وأسر جماعة آخر، ثم عاد شيخ إلى صفد، بعدما أرسل برأس إينال باي وغيره إلى الملك الناصر.
واستمر بصفد، إلى أن خرج السلطان إلى الشام بعد قتل جكم، فلما قارب الملك الناصر دمشق، توجه إليه شيخ هذا ودخل معه دمشق. فلما استقر الملك الناصر فرج بدمشق، هرب منها الأمير نوروز، فبادر الملك الناصر وقبض على الأمير شيخ هذا، وعلى الأتابكي يشبك الشعباني، وحبسهما بقلعة دمشق، إلى أن استمالا الأمير منطوق نائب قلعة دمشق فأفرج عنهما، وتسحب من قلعة دمشق صحبتهما. نزلوا من قلعة دمشق اختفى شيخ بمدينة دمشق، وتوجه يشبك(6/272)
الشعباني نحو حمص، فأرسل الملك الناصر الأمير بيغوت ومعه جماعة أخر خلفهم. فساق بيغوت حتى لحق منطوق نائب قلعة دمشق المتقدم ذكره، وقطع رأسه، وفاز يشبك بنفسه. ثم عاد بيغوت من معه إلى السلطان وعرفه الحال، فأرسل السلطان إلى الأمير نوروز الحافظي بنيابة دمشق، وعاد السلطان إلى جهة الديار المصرية.
وكان شيخ قد خرج من دمشق وانضم عليه جماعة، فلما خرج الملك الناصر من دمشق، عاد إليها شيخ ومعه يشبك الشعباني وغيره، وقدم. نوروز إلى بعلبك فندب شيخ لقتاله الأتابك يشبك الشعباني. وخرج معه الأمير جاركس المصارع حتى وصلا إلى بعلبك، فرجع إليهم نوروز وواقعهم، فانكسر يشبك وقتل، وقتل أيضاً الأمير جاركس القاسمي المصارع. وقدم نوروز دمشق، فخرج منها شيخ ولحق بحلب، ووقع بينهما أمور وحوادث إلى أن اصطلحا على سرمين، وتوجه شيخ إلى طرابلس، واستمر نوروز بدمشق. فلما بلغ الملك الناصر صلحهما، أرسل استمال شيخ هذا وولاه نيابة دمشق، ورسم له باستنقاذ البلاد التي استولى عليها نوروز.(6/273)
فأخذ شيخ في قتال نوروز ثانيا، ووقع بينهما حروب وخطوب، حتى تقاتلا خارج دمشق قتالاً شديداً، انكسر فيه نوروز. ودخل شيخ إلى دمشق وملكها في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشر وثمانمائة، واستمر بدمشق، ووقع بينه وبين نوروز وقعة أخرى، انتصر فيه شيخ أيضاً، وقبض على نوروز.
وفي هذا المعنى يقول شاعره، الشيخ تقي الدين أبو بكر حجة الحموي الحنفي رحمه الله تعالى:
بدا بثغور الأرض منك تبسم ... ولاح بجيد الدهر عقد منظم
وقد كادت الدنيا تقول لأهلها ... خذوا لذة لو أنها تتكلم
فيا ملكا قد صار شيخ زمانه ... وكل ملوك الأرض منه تعلموا
وصب عذاب منك يوم صبيبة ... على حرب أهل البغي صبا فاحجموا
حملت وجند الله حولك جملة ... ومن لجنود الله في الحرب يصدم
ومزقتهم أيدي سبا فتمزقوا ... وسيفك يبدي الصفح فيهم ويحلم
وكم بفتوح الشام أبديت سيرة ... وذكرك فيها خالداً يتكلم
ثم وقع بين الملك الناصر وبين الأمير شيخ أيضاً وحشة، أوجبت خروج الناصر إلى البلاد الشامية في سنة اثنتي عشر. فلما قارب الملك الناصر دمشق، خرج منها شيخ إلى قلعة صرخد فتوجه إليه الناصر وهو بصرخد، وحاصره بقلعتها(6/274)
مدة ثم اصطلحا على تولية شيخ نيابة طرابلس، وبكتمر جلق نيابة دمشق، ودمرداش نيابة حلب. وعاد السلطان إلى القاهرة فنزل شيخ من قلعة صرخد وتوجه إلى دمشق واستولى عليها بعد قتال، وهرب بكتمر جلق إلى صفد. فلما سمع دمرداش ما وقع لبكتمر، أرسل طلب نوروز من عند التركمان، وأحسن إليه، وكتب يسأل السلطان في توليته دمشق، عوضاً عن الأمير شيخ.
فلما بلغ شيخ ذلك، توجه إلى نوروز وقاتله وحصره بحماة. فأرسل نوروز إلى دمرداش يستنجده، فقدم دمرداش بعسكر حلب، فلما حضر إلى حماة صدمه شيخ بعسكره، فكسره كسرة شنيعة، وأما نوروز فإنه لم يجسر أن يخرج إلى ظاهر حماة.
واستمر الحصار والقتال بينهم، إلى رابع شهر ربيع الأول، انتظم الصلح بينهما. وخرج نوروز بمن معه إلى ظاهر حماة، وركب شيخ إلى ملاقاتهم، وأكرمهم إكراماً زائداً. وصار نيروز نائب حلب، والأمير جانم من حسن شاه نائب حماة، وسيدي الكبير قرقماس نائب طرابلس.(6/275)
وعاد شيخ المذكور إلى دمشق، واتفقوا الجميع على مخالفة الملك الناصر، وداموا على ذلك، حتى خرج السلطان الملك الناصر إلى البلاد الشامية لقتالهم في سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، فلما قارب الناصر دمشق، خرج منها شيخ وتوجه إلى حلب إلى الأمير نوروز، وخرجا بمن معهما من حلب، وقدم السلطان حلب في إثرهم. وتوجها إلى إبلستين والسلطان في إثرهم، ثم توجهوا الجميع إلى قيصرية. فعند ذلك رجع السلطان إلى حلب ورجع الأمراء، أعني شيخ ورفقته من على تدمر، ثم من البرية، إلى أن وصلوا إلى الكرك. واجتمع عليهم جماعة أيضاً من الأمراء وغيرهم، ممن خرج عن طاعة الناصر، وتوجهوا جميعاً إلى الديار المصرية، وهم فيما دون الثلاثمائة فارس. فوصلوا القاهرة في شهر رمضان، سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، وقاتلوا نائب الغيبة بها، وأقاموا بالديار المصرية ثلاثة أيام. ثم جاءهم الخبر بمجيء الملك الناصر بعسكر كبير، ثم تحققوا أن الواصل غير الملك الناصر، وهو بكتمر جلق في نحو الألف فارس، فركب شيخ بمن معه، وقاتل بكتمر جلق ساعة.
وانكسر شيخ وتقنطر عن فرسه، وبقي ساعة ماشياً بالقرب من باب القرافة، حتى أدركه أمير آخوريته الأمير جلبان، الذي هو الآن نائب الشام،(6/276)
بجنيب له فأركبه. ونجا بنفسه من البرية، في نفر قليل من الأمراء وغيرهم من الذين قدموا معه، وقاسوا في البرية شدائد حتى وصلوا الكرك، كل ذلك والملك الناصر فرج مقيم بدمشق.
وطلع شيخ ورفقته إلى قلعة الكرك وأقام بها أياماً يسيرة، ونزل من القلعة إلى الحمام ومعه سودون بقجة وجماعة قليلة. فلما صار بالحمام، ركب حاجب الكرك بجماعة كبيرة وانتهز الفرصة، وكبس على الأمير شيخ بالحمام المذكورة، فخرج شيخ، وقبل أن يلبس ثيابه، وقعت القتلة على باب الحمام. واشتد القتال بينهم، وقتل سودون بقجة على باب الحمام، وأصاب شيخ هذا سهم كاد يموت منه. ودام القتال بينهم حتى أدركه الأمير نوروز بمن معه من قلعة الكرك، وانهزم حاجب الكرك، فحمل شيخ المذكور إلى القلعة وهو في أسوأ حال. ومشى له المزين أياماً، إلى أن نزل الناصر بالكرك وحصر قلعتها، وكان بها مع شيخ ونوروز أناس قلائل، بالنسبة إلى من مع الملك الناصر من العساكر، ودام الناصر على حصارها أياماً، وقلت الأزواد على العسكرين.(6/277)
وأرسل الأمير شيخ ونوروز يستجيران بوالدي رحمه الله، في عمل الصلح بينهما وبين الملك الناصر. فمشى والدي رحمه الله بينهم بالصلح رحمة لشيخ المذكور ورفقته، حتى أذعن السلطان للصلح. واتفقوا على أن يكون والدي رحمه الله في نيابة دمشق، وشيخ في نيابة حلب، ونوروز في نيابة طرابلس، فأبى والدي رحمه الله أن يلي نيابة دمشق، ورشح بكتمر جلق إلى نيابة دمشق. وعاد الخبر بذلك إلى قلعة الكرك، إلى الأمراء، فنقضوا الصلح، وقالوا: لا يمكن أن يكون بكتمر في نيابة دمشق، ونحن تحت يديه، وإن كان ولا بد فيكون الأمير الكبير تغرى بردى، فإنه أكبرنا وأعظمنا. فسأل السلطان والدي رحمه الله في أن يلي نيابة دمشق وألح عليه، وقال له: إن كان لي غرض في أن أبقى هؤلاء، فالبس تشريف نيابة دمشق، وإلا فأنا أقاتلهم حتى آخذها عنوة بالسيف، وأقتل جميع من بها. فعند ذلك أذعن والدي ولبس التشريف، وحمل لكل أمير تشريفة، وتم الصلح، وعاد الملك الناصر إلى الديار المصرية.
واستمر شيخ في نيابة حلب مدة، ووقع بينه وبين نائب قلعة حلب وحشة، فبادره نائب قلعة حلب بالقتال، فخرج الأمير شيخ إلى ظاهر حلب، واستدعى نوروز إليه فجاءه، واجتمع جماعة أخر، وبلغ السلطان ذلك(6/278)
فخرج إلى البلاد الشامية لقتالهما، فتوجها نحو حماة، ثم جاءهم الخبر بوصول الملك الناصر.
وكان شيخ ونوروز، لما بلغهما أن والدي رحمه الله على خطه، قدما دمشق لعيادته، وخلا إليه بدار السعادة في أناس قلائل جداً، فتعجب الناس لذلك، وجلسا عند والدي ساعة كبيرة، ثم خرجا من عنده. هذا والملك الناصر قد خرج من الديار المصرية في طلب هؤلاء، وجل قصده الظفر بهم. وقد دخلوا الجميع عند والدي رحمه الله بدار السعادة، وطال جلوسهم عنده، وكان يمكنه القبض عليهم وعلى أمثالهم، فلم يفعل. وأنعم على شيخ بفرس بسرج ذهب، وكنبوش زركش، وألف دينار، وعلى الأمير نوروز كذلك. وبلغ الملك ذلك فعظم عليه. وقيل إن بعض أعيان مماليك والدي رحمه الله، كلمه بعد خروجهم من عنده في ذلك، فقال له: أنا مريض وللموت أقرب، أمسكهم وأسلمهم له حتى يقتلهم عن آخرهم، ويكون ذلك في ذمتي؟ وأيضاً كان من المروءة أن هؤلاء يدخلون إلى عيادتي فأمسكهم؟ لا والله.
ثم خرج الأمير شيخ ونوروز ومن معهما إلى حماة، وبعد خروجهم من دمشق بمدة يسيرة، وصل إلى دمشق الأمراء الذين هم جاليش الملك الناصر فرج،(6/279)
ودخلوا أيضاً إلى والدي وهو ملازم للفراش، فشكوا له من الملك الناصر، وأعلموه بأنهم خرجوا عن طاعته، وقصدهم التوجه إلى شيخ ونوروز، ثم قبلوا يده، وقاموا من عنده، وخرجوا من دمشق حتى لحقوا بشيخ، وهم: الأمير بكتمر جلق، وطوغان الحسني الدوادار الكبير، وشاهين الأفرم أمير سلاح في آخرين، وخرج معهم من دمشق سيدي الكبير قرقماس، كل ذلك في أوائل المحرم سنة أربع عشرة وثمانمائة، فقدموا الجميع على شيخ ونوروز بظاهر حماة.
وكان في نيابة حماة إذ ذاك، سيدي الصغير تغرى بردى بن أخي دمرداش، فسأله أخوه سيدي الكبير قرقماس، أن يسلم حماة للأمير شيخ، فأبى وامتنع من ذلك. فتوجهوا الجميع نحو بحيرة حمص، فبلغهم خروج الملك الناصر من دمشق، في يوم الإثنين سادس المحرم، ونزل برزة، ثم رحل منها إلى جهة شيخ ورفقته. وسار حتى نزل حسيا بالقرب من حمص، فبلغ شيخ ومن معه(6/280)
ذلك، فرحل من قارا إلى جهة بعلبك، فتبعهم الملك الناصر، ونزل أثقاله بحسيا وسار في إثرهم. فتوجهوا إلى البقاع فقصدهم وقفا أثرهم، فمضوا نحو الصبيبة وهو يتبعهم حتى نزلوا اللجون. فأشار على الملك الناصر أصحابه، بالعود إلى دمشق، ويرسل لهم عسكراً، فلم يرض الناصر بذلك وقصدهم، وركب من ساعته وساق وهو ثمل، وفي ظنه أنه ساعة ما يقع بصره عليهم يأخذهم. وساق حتى وصل إلى اللجون، فما وصل إليها حتى تقطعت عساكره من شدة السوق، ولم يبق معه من عسكره إلا القليل، وقد دخل وقت العصر، من يوم الإثنين ثالث عشر المحرم. فأشار عليه الأتابك دمرداش المحمدي، أن يبيت تلك الليلة هناك حتى تستريح خيوله، ثم يركب من الغد ويواقعهم، فقال له الناصر وما فائدة ذلك. فقال له دمرداش: يا خوند الراحة، وأيضاً فينا من له ميل إلى هؤلاء، فإذا بتنا في مكاننا هذا، يتسحب عنا من له غرض عند هؤلاء، ويبقى عندنا من هو منا، فنعرف عند ذلك ما مقدار عسكرنا، وما نقدم عليه. فنهره الملك الناصر، وقال: أنا لي سنين أترقب هذا اليوم، وقد حصل لي ما رمته فأبيت هنا فيفروا الجميع، ويتبعوني أيضاً في طلبهم، ثم حرك فرسه ودق طبله وساق.(6/281)
وأما الأمير شيخ ورفقته، فإنهم نزلوا وأراحوا خيولهم، وفي ظنهم أنه يتمهل ليلته ويلقاهم في الغد. فإذا جنهم الليل ساروا بأجمعهم من وادي غارة إلى جهة الرملة، وسلكوا البر عائدين إلى حلب، وليس في عزمهم أن يقاتلوه أبدا خوفاً منه وعجزا عنه. فأراد الله سبحانه وتعالى هلاك الناصر، فحمل بنفسه من فوره حال وصوله كما ذكرناه. وعندما زحف للقتال وحلت طائفة من عسكره، في وحل كان هناك، فأشرفت على الهلاك، وفرت طائفة أخرى، وثبت الناصر في جماعة. وقتل الأمير مقبل الرومي، أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية، وقتل أحد رءوس الفتنة، ألطنبغا قراسقل. فعند ذلك انهزم الملك الناصر وقد جرح في عدة مواضع من بدنه، ولوى رأس فرسه يريد دمشق. فاقتحم شيخ العسكر السلطاني واحتاط بالخليفة المستعين بالله وأرباب الدولة. فما جاء وقت المغرب، حتى انتصر شيخ ورفقته، وباتوا بمخيماتهم ليلة الثلاثاء، ثم أصبحوا وليس فيهم واحد مشاراً إليه، بل نادى شيخ أنه الأمير الكبير،(6/282)
ونادى نوروز كذلك، ونادى بكتمر كذلك. وأخذ سودون المحمدي بيده الاصطبل السلطاني واستولى على جميعه. ثم بعث الأمير شيخ ونوروز، إلى فتح الله كاتب السر، فأحضراه في خلوة، وقالا له: اكتب بما جرى إلى الديار المصرية. فقال لهما: من السلطان الذي أكتب عنه؟ فاطرق كل منهما رأسه ساعة، ثم قالا: ابن أستاذنا ما هو هنا، يعني ابن الملك الناصر فرج، حتى نسلطنه. فقال لهم فتح الله: الرأي أن يتقدم كل منكما إلى موقعه بأن يكتب بما شاء، ففعلا كذلك، ثم نودي بالرحيل، فرحل العسكر يريدون دمشق.
وأما الملك الناصر فإنه ساق حتى دخل دمشق ليلة الأربعاء خامس عشرة فمات والدي يوم الخميس، ثاني يوم دخول الناصر دمشق، فحضر الناصر الصلاة عليه، وورثه، واستولى على جميع موجوده وأخذ ينادي في دمشق، بإبطال المكوس والنفقة في المماليك السلطانية وأنواع ذلك. إلى أن نزل الأمير شيخ بمن معه، على قبة يلبغا، في بكرة نهار السبت ثامن عشر المحرم، فندب الملك الناصر لقتالهم عسكرا، فوصلوا إلى القبيبات، فبرز لهم من جهة شيخ، سودون المحمدي(6/283)
وسودون جلب، ومعهم جماعة، واقتتلوا حتى تقهقر الناصرية مرتين، ثم انصرف الفريقان.
وفي يوم الأحد ارتحل شيخ برفقته، ونزلوا غربي البلد من جهة الميدان، ووقفوا من جهة القلعة، وتراموا بالسهام في كل يوم، إلى يوم الأربعاء ثاني عشرينه. وقع القتال في ناحية شرقي البلد، ونزل نوروز بدار الطعم، وامتدت أصحابه إلى العقيبة، ونزل شيخ بدار غرس الدين خليل، تجاه جامع كريم الدين، بطرف القبيبات، ومعه الخليفة وكاتب السر ورفقته، واشتد القتال بينهم في كل يوم.
فلما كان يوم الجمعة رابع عشرين المحرم، أحضر الأمير شيخ، بلاط الأعرج شاد الشراب خاناة، وكان ممن قبض عليه في الوقعة، فوسطه من أجل أنه كان يتولى ذبح المماليك الظاهرية بقلعة الجبل، ثم وسط أيضاً بلاط أمير علم، وكان ممن قبض عليه أيضاً في الوقعة.
وفي يوم السبت خامس عشرين المحرم، خلع الخليفة المستعين بالله، الملك الناصر فرج من الملك. وأشار شيخ على الأمراء، بأن يتسلطن الخليفة المستعين بالله، فبايعوه الأمراء. ولبس الخليفة خلعة السلطنة، في يوم السبت المذكور، آخر الساعة الخامسة من نهار السبت، والطالع برج الأسد، وجلس الخليفة على كرسي الملك وقبلوا الأمراء(6/284)
الأرض بين يديه، ووقفوا على مراتبهم. وأخلع على الأمير بكتمر جلق بنيابة الشام، وعلى سيدي الكبير قرقماس بنيابة حلب، وعلى سودون الجلب بنيابة طرابلس. وركب المستعين والأمير بين يديه، ونادى مناد، بأن الناصر فرج قد خلع، فلا يحل لأحد مساعدته، فانكف الناس عن الناصر، وأخذ أمره في انحطاط.
واستمر القتال في كل يوم، إلى يوم السبت تاسع صفر، ركب شيخ بنفسه، وباشر القتال، حتى ملك مدينة دمشق. وفر دمرداش المحمدي إلى جهة حلب، وانحاز الملك الناصر بقلعة دمشق، إلى يوم الأحد عاشر صفر. بعث الملك الناصر بالأمير أسندمر أمير آخور، ليحلف لهم الأمراء، فكتب نسخة اليمين، وحلفوا له، ووضعوا خطوطهم، وكتب أمير المؤمنين خطه أيضاً، فلم يتم الصلح بذلك. وتقاتلوا بعد ذلك، ثم اصطلحوا. ونزل الملك الناصر فرج بأولاده من قلعة دمشق، في ليلة الإثنين حادي عشر صفر إلى الاصطبل عند الأمير شيخ، فقام له شيخ وقبل له الأرض وأجلسه بمكانه بصدر المجلس، وسكن روعه، وتركه وانصرف. فأقام الناصر بمكانه، إلى يوم الثلاثاء ثاني عشر صفر.
جمع شيخ القضاة، بدار السعادة بين يدي أمير المؤمنين، فأفنوا بإراقة دم الملك الناصر. فأخذ ليلة الأربعاء من الاصطبل، وتوجه به في موضع من قلعة دمشق وحده، واستمر إلى ليلة السبت سادس عشرة، فقتل في تلك الليلة.(6/285)
ثم وقع الاتفاق بين الأميرين شيخ ونوروز، أن تكون المملكة بينهما بالسوية، فواحد يتوجه صحبة الخليفة إلى الديار المصرية، وواحد يقيم بدمشق، ويكون حكمه من الفرات إلى غزة. فبادر شيخ وقال: أنا أكون بدمشق، وأنت تتوجه إلى القاهرة مع الخليفة. وكان نوروز عنده خفة، فقال نوروز: لا بل أنا أقيم بدمشق، وأنت تتوجه صحبة المستعين بالله، وانخدع له. فأجابه شيخ من ساعته، وأخلع المستعين على الأمير نوروز تشريفاً بنيابة دمشق، وفوض إليه الحكم في سير ممالك الشام، وذلك في خامس عشرين صفر من سنة خمس عشرة وثمانمائة.
وأقام المستعين وشيخ بالبلاد الشامية، إلى يوم السبت ثامن عشر ربيع الأول، برز المستعين بالله إلى جهة الديار المصرية، ومعه الأمير شيخ، وسارا حتى وصلا إلى الديار المصرية، في يوم الثلاثاء ثاني شهر ربيع الآخر. فأقام إلى يوم الإثنين ثامنه، وأخلع الخليفة على الأمير شيخ تشريفاً، واستقر به أميراً كبيراً، وفوض إليه جميع الأمور من الولاية والعزل وغير ذلك. وسكن شيخ بباب السلسلة من الإصطبل السلطاني. ثم أخلع على الأمير شاهين الأفرم، باستقراره أمير سلاح على عادته وعلى الأمير يلبغا الناصري أمير مجلس، وعلى طوغان الحسني دوادارا على عادته، وعلى إينال الصصلاني حاجب الحجاب عوضاً عن يلبغا الناصري، وعلى(6/286)
سودون الأشقر رأس نوبة النوب. واستمر الأمر على ذلك، إلى أن مات الأميري بكتمر جلق، في جمادى الآخرة، من مرض تمادى به نحو الشهرين. فخلا الجو للأمير شيخ بموت بكتمر جلق، وأخذ في تدبير سلطنته إلى أن تم له ذلك.
ذكر سلطنة الملك المؤيد شيخ
وجلوسه على تخت الملك
ولما كان يوم الإثنين، مستهل شعبان سنة خمس عشرة وثمانمائة، اجتمع القضاة الأربع، وأعيان الدولة من الأمراء، وغيرهم عند شيخ. فلما تكامل الجمع، قام فتح الله كاتب السر على قدميه، وقال لمن حضر: إن الأحوال ضائعة، ولم يعهد أهل مصر باسم خليفة، ولا يستقيم الأمر إلا بسلطان على العادة. ودعاهم إلى الأمير شيخ، فقال شيخ: هذا لا يتم إلا برضى الجماعة. فقال من حضر: نحن راضون بالأمير الكبير. فمد قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقيني يده وبايعه، ثم بايعه الناس بعد ذلك. وقام من فوره إلى مخدع بجانبه، ولبس الخلعة الخليفتية، وخرج وركب فرس النوبة، إلى أن طلع إلى القصر، والأمراء(6/287)
مشاة بين يديه، وجلس على تخت الملك، وقبل الأمراء الأرض له، ولقب بالملك المؤيد.
وفي هذا المعنى، يقول الأديب البارع، تقي الدين أبو بكر بن حجة الحموي الحنفي:
كأس المسرة في البرية دائر ... والكون بالملك المؤيد زاهر
ملك من الأنصار قد أمسى لد ... ين محمد وله الأنام تهاجر
يا حامي الحرمين والأقصى ومن ... لولاه لم يسمر بمكة سامر
والله إن الله نحوك ناظر ... هذا وما في العالمين مناظر
فرج على اللجون نظم عسكراً ... وأطاعه في النظم بحر وافر
فانبث منه زحاقة في وقفة ... يا من بأحوال الوقائع شاعر
وجميع هاتيك الطغاة بأسرهم ... دارت عليهم من علاك دوائر
ثم جلس الملك المؤيد شيخ بالإيوان، فأخلع على الأمراء. فاستقر بالأمير يلبغا الناصري أمير مجلس، أتابك العساكر عوضاً عنه، وعلى الأمير شاهين الأفرم أمير سلاح على عادته، وأخلع على الأمير طرباي بتوجهه إلى الأمير(6/288)
نوروز الحافظي، باستمراره في نيابة دمشق على عادته. فتوجه طرباي إلى دمشق فدخلها في سابع عشر شعبان من سنة خمس عشرة وثمانمائة. وعندما وصل الأمير طرباي إلى دمشق، قدمها أيضاً من الغد أمير جقمق الأرغون شاوي من طرابلس، فقبض عليه نوروز، وكان الأمير جقمق إذ ذاك أمير عشرة بالقاهرة، وحبس نوروز جقمق. ورسم بعود الأمير طرباي إلى الديار المصرية بجواب خشن، ولم يخاطب فيه الملك المؤيد، إلا كما كان يخاطبه قديماً، ولم يلبس التشريف. فاحتمله الملك المؤيد، وأرسل إليه ثانياً بالشيخ شرف الدين التباني الحنفي، فوصل شرف الدين إلى دمشق في سابع شوال، فلم يلتفت نوروز إليه، ولا سمع كلامه، ومنعه من الكلام مع الأمراء الذين عنده بدمشق.
ثم في يوم الخميس تاسع شوال، قبض الملك المؤيد على الأمير سودون المحمدي المعروف بسودون تلي، يعني مجنون، وحمل إلى الإسكندرية. وفيه أيضاً قبض على فتح الدين فتح الله كاتب السر ثم خلع الملك المؤيد على سيدي الكبير(6/289)
قرقماس، واستقر به في نيابة الشام، عوضاً عن نوروز الحافظي، في ثالث ذي الحجة. وأخذ الملك المؤيد في تجهيز سيدي الكبير، وأنعم عليه بما يحتاج إليه، من خيل وسلاح وقماش وغير ذلك. وكان أخو قرقماس هذا، تغرى بردى المعروف بسيدي الصغير، نائب حماة، قد توجه إلى الأمير نوروز ولبس خلعته. فأرسل المؤيد بقرقماس المذكور، لكي يستمل أخاه تغرى بردى المذكور، وعمه الأمير دمرداش. فسار قرقماس المذكور من القاهرة، في عشرين المحرم سنة ست عشرة وثمانمائة، حتى وصل إلى غزة، وأقام بها أياما. ثم توجه من غزة في تاسع صفر يريد قتال نوروز، وقد وافقه أخوه تغرى بردى سيدي الصغير نائب حماة، فتوجها معاً، ومعهم أيضاً الأمير ألطنبغا العثماني نائب غزة. فبلغهم عود نوروز من حلب إلى دمشق، فأقاموا بالرملة. ثم قدم على الملك المؤيد كتاب الأمير نوروز في ثامن عشر شهر ربيع الآخر، على يد بلبان رأس نوبة والدي رحمه الله. وخاطب المؤيد في الكتاب بمولانا، وافتتحه بالإمامي المستعيني، وأمر حامل الكتاب أن لا يقبل الأرض بين يديه، فامتثل بلبان أمر نوروز له، من عدم تقبيل الأرض، فحصل له من الإخراق مالاً مزيد عليه. والكتاب يتضمن العتب على السلطان، لتولية دمرداش نيابة حلب، وابن أخيه تغرى بردى سيدي الصغير نيابة حماة، وابن أخيه سيدي الكبير قرقماس نيابه الشام، وقد(6/290)
تقدمت بينهما عهود. فإن كان القصد أن يستمر على الأخوة، ويقيم على العهد، فلا يتعرض إلى ما هو في يده، وينقل دمرداش إلى نيابة طرابلس، ويجعل قرقماس سيدي الكبير، من جملة الأمراء بالقاهرة.
هذا ونوروز لا يعلم بتوجه قرقماس لقتاله، فلما بلغه ذلك، تجهز وخرج إلى جهة غزة. فلما بلغ قرقماس ذلك، عاد بمن معه إلى نحو الديار المصرية، حتى نزل بمنزلة الصالحية، فوصل نوروز إلى غزة، ثم عاد إلى دمشق.
وفي رابع جمادى الأولى أوفي النيل، فركب السلطان الملك المؤيد وعدى نيل حتى خلق المقياس، وعاد لفتح خليج السد. فقال الشيخ تقي الدين أبو بكر ابن حجة الحموي، يخاطب الملك المؤيد، وهو معه في المركب:
أيا ملكاً بالله أضحى مؤيدا ... ومنتصبا في ملكه نصب تمييز
كسرت بمسرى نيل مصر وتنقضي ... وحقك بعد الكسر أيام نوروز
ثم قدم الأمير جانبك الصوفي، وألطنبغا العثماني إلى القاهرة. واستمر قرقماس سيدي الكبير، وتغرى بردى سيدي الصغير بقطيا. فأخلع الملك المؤيد على جانبك الصوفي، باستقراره رأس النوبة، عوضاً عن سودون الأشقر، بحكم انتقاله(6/291)
إلى إمرة مجلس، عوضاً عن يلبغا الناصري، المتولى أتابك العساكر قبل تاريخه.
ثم أشيع بالقاهرة، ركوب الأمير طوغان الحسني الدوادار، واستعد طوغان المذكور للركوب، واتفق معه جماعة من الأمراء، فعندما ركب أخلفوا عليه، فركب وحده، فلم ينتج أمره، فرجع واختفى، حتى أمسك في ليلة الجمعة عشرين جمادى الآخرة، وحمل إلى الإسكندرية، فسجن بها.
ثم قبض السلطان على سودون الأشقر أمير مجلس، وكمشبغا العيساوي أمير شكار، وأحد المقدمين. وتوجه بهما الأمير برسباي الدقماقي، أحد أمراء العشرات إلى الإسكندرية، وبرسباي المذكور هو الملك الأشرف. ثم وسط السلطان أربعة نفر، أحدهم مغلباي نائب القدس من جهة نوروز، كان قبض عليه قرقماس سيدي الكبير، اثنان من مماليك السلطان، وآخر من أصحاب طوغان الحسني.
ثم أنعم السلطان بإقطاع طوغان، على الأمير إينال الصصلاني، واستقر به أمير مجلس. وبإقطاع سودون الأشقر، على تنبك البجاسي نائب الكرك. وأخلع على الأمير فجق العيساوي، باستقراره حاجب الحجاب، عوضاً عن الصصلاني. وخلع على شاهين(6/292)
الأفرم خلعة الرضى، فإنه كان اتهم بممالات طوغان الحسني الدوادار، واستقر جانبك المؤيدي الدوادار الثاني، دوادار كبيرا بعد طوغان.
ثم قدم الأمير جارقطلو أتابك دمشق، فاراً من نوروز، فأخلع الملك المؤيد عليه. ثم قدم الأمير ألطنبغا القرمشي نائب صفد، إلى القاهرة باستدعاء، وتولى عوضه صفد، قرقماس سيدي الكبير، وعزل عن نيابة دمشق، لعجزه عن الأمير نوروز، واستقر أخوه تغرى سيدي الصغير في نيابة غزة، بعد عزل الأمير ألطنبغا العثماني.
ثم بعد ذلك، قدم الأمير قرقماس سيدي الكبير إلى القاهرة فأكرمه السلطان. وسبب قدومه إلى القاهرة، أن الأمير نوروز توجه إلى صفد وغزة، فلم يثبت الأخوان، قرقماس المذكور وتغرى بردى، في محل كفالتهما، وسارا نحو القاهرة، فدخل قرقماس، واستمر تغرى بردى سيدي الصغير بقطيا. وهذه كانت عادتهما، لا يجتمعان عند ملك، حذراً من القبض عليهما. ثم قدم دمرداش من البحر، وفي ظنه أن ابني أخيه قرقماس وتغرى بردى بالبلاد الشامية. فلما قدم(6/293)
إلى القاهرة، وجد بها قرقماس، فندم على قدومه وما بقي يسعه العود. فأخلع عليه الملك المؤيد، وانتهز الفرصة، فأرسل تجريدة إلى جهة الشرقية، للعرب المفسدين. وأسر لهم السلطان في الباطن، بالقبض على تغرى بردى سيدي الصغير بالصالحية. ثم قبض الملك المؤيد على دمرداش، وابن أخيه قرقماس سيدي الكبير، وفي اليوم، ورد الخبر بالقبض على تغرى بردى سيدي الصغير. فبعث السلطان بدمرداش وابن أخيه قرقماس سيدي الكبير إلى سجن الإسكندرية، وحبس تغرى بردى سيدي الصغير بالبرج من قلعة الجبل، كما ذكرناه في تراجمهم، ثم قتله في أول شوال.
وكان القبض عليهم، في ليلة السبت ثامن شهر رمضان سنة ست عشرة وثمانمائة، وعندما قبض عليهم المؤيد سجد لله شكراً، وقال: هؤلاء أهم من نوروز، فإن نوروز واحد وهؤلاء ثلاثة.
ثم في ثالث عشر شهر رمضان المذكور، أخلع السلطان على الأمير قاني باي المحمدي أمير أخور، واستقر به في نيابة الشام، عوضاً عن نوروز. وعلى الأمير إينال الصصلاني أمير مجلس، واستقر به في نيابة حلب. وعلي سودون قراسقل،(6/294)
واستقر به في نيابة غزة. وعلى الأمير ألطنبغا القرمشي، واستقر أمير أخور، عوضاً عن قاني باي، ثم علق السلطان جاليش السفر.
وفي ذي الحجة من السنة، استدعى السلطان سيدي داود بن المتوكل على الله محمد، وأخلع عليه بالخلافة، ولقب بالمعتضد، عوضاً عن المستعين، بحكم عزله.
واستمر الملك المؤيد إلى رابع المحرم سنة عشرة وثمانمائة، نزل من قلعة الجبل إلى مخيمه بالريدانية. وقد استقر في نيابة الغيبة بالديار المصرية، الأمير ألطنبغا العثماني، وأنزل بباب السلسلة. واستقر الأمير بردبك قصقا، أحد مقدمي الألوف نائب الغيبة بالقاهرة. وكل بباب الستارة الأمير صوماي الحسني، وجعل الحكم لقجمق حاجب الحجاب.
ثم سار السلطان من الريدانية في يوم السبت تاسع المحرم، يريد دمشق من غير سرعة، حتى نزل على قبة يلبغا خارج دمشق، في يوم الأحد ثامن صفر، وقد تحصن نوروز للقتال بدمشق، وكان جل قصد المؤيد. فأقام(6/295)
السلطان بقبة يلبغا أياماً، ثم رحل ونزل بطرف القبيبات، واستمر إلى يوم الثلاثاء خامس عشرين صفر، تناوش العسكران بالقتال، كل ذلك، ونوروز لم يتجاوز خان السلطان، ثم قدم على السلطان كزل نائب صهيون بعسكر كبير، وشرع السلطان في القتال. واستمر الحرب بينهم إلى بين الصلاتين، ركب السلطان بعساكر، وقصد دخول دمشق، فلم يثبت نوروز، وولى هارباً بجميع أمرائه وعساكره، ودخلوا قلعة دمشق، وتحصنوا بها في جمع كبير.
واستمر الملك المؤيد داخلاً إلى دمشق، ولم ينزل عن فرسه إلا في الإصطبل تجاه قلعة دمشق. واستمر يحاصر نوروز بمن معه، ووقع أمور، إلى أن طلب نوروز الصلح، وترددت الرسل بينهم، إلى أن نزل نوروز بالأمان، ومعه جميع الأمراء الذين كانوا معه، في يوم الأحد تاسع عشر شهر ربيع الآخر سنة سبع عشرة وثمانمائة. فحال نزول نوروز مع رفقته قبلوا الجميع الأرض، وتقدموا قبلوا يد السلطان، وأهوى نوروز ليقبل رجل السلطان، فمنعه السلطان من ذلك، ووقفوا في مراتبهم والقوم سكوت، فقام القاضي ناصر الدين محمد بن البارزي على قدميه وقال: إن هذا يوم مبارك برضى السلطان على الأمراء، لكن هذا الصلح يدوم أم(6/296)
لا؟ فقال المؤيد: والله ما يدوم. ثم أمر بهم فقبض على الجميع، وحبسوا في مكانهم.
وكان الذين قبض عليهم مع نوروز هم: الأمير طوخ نائب حلب، والأمير يشبك بن أزدمر، وقمش، وإينال الرحبي، وبرسبغا الدوادار، وآنيه الأمير أزبك، في آخرين يطول الشرح في ذكرهم. فاستمر نوروز محبوساً يومه كله، إلى الليل قتل، وقتل معه جماعة، وحملت رؤوسهم على يد الأمير جرباش إلى القاهرة، وعلقت الرؤوس على باب النصر أياماً.
ثم توجه السلطان إلى حلب، فدخلها يوم السبت سادس عشر جمادى الأولى، وجاءته بها مفاتيح بها قلعة البيرة، وقلعة المسلمين. ثم خرج من حلب يوم السبت مستهل جمادى الآخرة، قاصداً أبلستين، ونزل بميدان حلب، وأقام به إلى يوم الثلاثاء رابع الشهر، سار إلى أن نزل أبلستين. فبعث إليه الأمير ناصر الدين بك بن خليل بن دلغادر، بمفاتيح قلعة درندة، مع جملة تقدمة. فأرسل إليه السلطان خلعة، وولاه نيابة قلعة درندة. ثم توجه إلى ملطية، ثم رجع إلى حلب، ثم توجه عائداً إلى الديار المصرية، فدخلها في أول شهر رمضان من السنة، وقد نقض عليه ألم رجله، وفي يوم الخميس ثامن شهر رمضان، أخلع على الأمير ألطنبغا العثماني، واستقر به أتابك العساكر بالديار المصرية، بعد موت الأتابك يلبغا الناصري.(6/297)
وبعد يومين قبض على الأمير قجق، ويبغا المظفري، وتمان تمر أروق، وبعث بهم إلى الإسكندرية، صحبة الأمير صوماي الحسنى.
ثم في خامس عشرة، أخلع على الأمير جانبك الصوفي، واستقر به أمير سلاح، بعد موت الأمير شاهين الأفرم، وعلى قجقار القردمي أمير مجلس، عوضاً عن جانبك الصوفي، وعلى سودون القاضي، واستقر به حاجب الحجاب، عوضاً عن قجق، وعلى الأمير تنبك ميق، واستقر به رأس نوبة النوب، وعلى آقباي الخازندار، واستقر به دوادارا كبيراً، بعد موت جانبك المؤيدي.(6/298)
وفي عاشر المحرم سنة ثمان عشرة، أفرج عن بيبغا المظفري، وتمان تمر اليوسفي أروق. ورسم بقتل جماعة من الأمراء بسجن الإسكندرية، وهم: الأتابك دمرداش المحمدي، والأمير سودون المحمدي، والأمير أسنبغا الزردكاش، وطوغان الحسني الدوادار الكبير.
ثم في شهر ربيع الأول من السنة، ابتدأ السلطان في هدم خزانة شمائل، وعمر الجامع المؤيد مكانها بباب زويلة.
وفي شهر ربيع الآخر من السنة، شرع السلطان في عمل الجسر تجاه منشية المهراني، ونزل بنفسه بمخيم هناك، ونودي بخروج الناس إلى العمل في الحفر. فخرجت الناس طوائف طوائف، ومعهم الطبول والزمور، وغلقت الأسواق، وتوجه الناس للعمل، وعمل فيه جميع العسكر، من الأمراء وأرباب الدولة. ثم ما ركب السلطان من مخيمه العصر، حتى فرض على كل واحد من الأمراء حفر قطعة. ثم عاد من يومه إلى القلعة، واستمر النداء والعمل في كل يوم، وغلقت الأسواق، ووقف حال الناس في البيع والشراء، وهم مع ذلك في هزل وانبساط، وتغنوا المغاني في هذا المعنى. واستمر الناس مدة في العمل، إلى أن رأى السلطان في بعض الأيام همم الناس باردة عن العمل، فألزم القاضي(6/299)
ناصر الدين محمد بن البارزي، كاتب السر بالعمل، فنزل ومعه الموقعون والبريدية وأتباعهم، وعملوا نهارهم، كل ذلك والناس في غير قبض، وترامى الناس للعمل على سبيل الهزل، واستمر هذا العمل أشهر.
ثم إن السلطان رسم بنقل الأمير طوغان نائب صفد إلى حجوبية دمشق، عوضاً عن خليل التبريزي الجشاري، واستقر خليل المذكور في نيابة صفد. وكان مسفرهما الأمير إينال الأزعري، أحد رءوس النوب. ثم أرسل السلطان الأمير جلبان أمير آخور الذي هو الآن نائب الشام إلى الشام، يستدعي نائبها، الأمير قاني باي المحمدي إلى القاهرة، ليكون أتابكا بها، وأن يكون ألطنبغا نائب دمشق عوضه. ووصل جلبان إلى الشام، فأظهر قاني باي المذكور الطاعة والامتثال في الظاهر، وأضمر الغدر في الباطن، ونقل حريمه إلى بيت غرس الدين الأستادار، ثم طلع بنفسه إلى بيت غرس الدين، بطرف القبيبات، على أنه متوجه مع جلبان إلى مصر. فظهر منه لأمراء دمشق وأتابكها بيبغا المظفري أنه عاص، فركبوا عليه، واقتتلوا معه، من بكرة نهار الخميس ثاني جمادى الآخرة إلى العصر، فهزمهم، وفروا على وجوههم إلى صفد، وملك قاني باي دمشق. ثم أرسل قاني باي، يستدعي الأمير إينال الصصلاني نائب حلب، والأمير سودون من عبد الرحمن نائب طرابلس، والأمير تنبك البجاسي(6/300)
نائب حماة، والأمير طرباي نائب غزة لموافقته، فأجابوه الجميع وعصوا معه، واتفقوا على قتال الملك المؤيد شيخ. وبلغ هذا الخبر الملك المؤيد، فأخلع على الأتابك ألطنبغا العثماني بنيابة الشام، عوضاً عن قاني باي المذكور، واستقر ألطنبغا القرمشي أتابك العساكر عوضاً عن العثماني، وأخلع على الأمير تنبك العلائي ميق رأس نوبة النوب، واستقر به أمير آخورا عوضاً عن القرمشي، ثم قبض السلطان على الأمير جانبك الصوفي أمير سلاح في رابع عشر شهر رجب، كل ذلك في سنة ثماني عشرة وثمانمائة.
وقوى عزم السلطان على السفر، وفرق النفقة على المماليك السلطانية، لكل مملوك، ثلاثين ديناراً، وتسعين نصفاً من الفضة المؤيدية. ثم نزل السلطان، في يوم الجمعة ثاني عشر شهر رجب المذكور، من قلعة الجبل إلى مخيمة بالريدانية. وخلع على الأمير ططر، وجعله نائب الغيبة، وأنزله بباب السلسلة، وأخلع على سودون قراسقل حاجب الحجاب، وجعله للحكم بين الناس في غيبة السلطان، وعلى الأمير قطلوبغا التنمي وأنزله بباب قلعة الجبل. وسافر من الغد، ولم يصحبه في هذه السفرة خلاف قاضي القضاة ناصر الدين محمد بن العديم الحنفي. وأيضاً لم يتوجه مع السلطان في هذه السفرة، إلا مقدار نصف المماليك السلطانية، لسرعة(6/301)
خروج السلطان، ولشدة البرد. وسار السلطان حتى نزل غزة في تاسع عشرينه، وكان قاني باي خرج من دمشق يريد حلب في سابع عشرينه. ووصل المؤيد دمشق، في يوم الجمعة سادس شعبان، وخرج منها بعد يومين، وقدم جاليشه، الأمير آقباي الدوادار، في عدة من الأمراء المصريين أمامه، وسار آقباي حتى نزل قريب تل السلطان، ونزل الملك المؤيد على سرمين.
فخرج الأمير قاني باي بمن معه من النواب والأمراء وغيرهم، وقاتلوا آقباي، فقاتلهم قتالاً شديداً، وثم انكسر. وقبض عليه وعلى جماعة من أمراء مصر، منهم: برسباي الدقماقي، الذي تسلطن بعد ذلك. وبينما هم كذلك، إذ أتى الصارخ إلى السلطان بما وقع، فركب من وقته وأدركهم، فلقي عسكره قد تبدد، فخارت طباعه. وأراد العود، وطلب النجب، ليركب ويفوز بنفسه، فمنعه أعوانه من ذلك. فبينما هم في الكلام، انهزم قاني باي بمن معه، فعند ذلك ساق المؤيد حتى ظفر بأعدائه.
وسبب كسرة قاني باي، أنه رأى جيش المؤيد قد أقبل، سأل عنه، فقيل له: السلطان. وكان في ظن قاني باي، أن الذي انكسر هو السلطان، فداخله الوهم، فرد هارباً من غير قتال، فانكسر عسكره لذلك. ولو ثبت لكان له شأن، فإن عسكر السلطان الذي كان معه بمقدار جاليشه لا غير. ثم ساق الملك المؤيد خلفهم، حتى قبض على الأمير إينال الصصلاني نائب حلب،(6/302)
وعلى الأمير جرباش كباشة حاجب حجاب حلب، وعلى تمان تمر اليوسفي أروق أتابك حلب، وعلى الأمير جرياش كباشة حاجب حجاب حلب، وعلى تمان تمر اليوسفي أروق أتابك حلب، وعلى جماعة أخر. ودخل حلب في يوم الخميس رابع عشر شعبان، أو يوم السبت سادس عشرة. وفي الغد أمسك الأمير قاني باي، وهرب الباقون إلى جهة قرا يوسف صاحب بغداد، ثم قتل الأمير قاني باي، وهرب الباقون إلى جهة قرا يوسف صاحب بغداد. ثم قتل الأمير قاني باي، وإينال الصصلاني، وجرباش كباشة وتمان تمر أروق، وبعث برءوسهم إلى مصر.
ثم أخلع السلطان على الأمير آقباي المؤيدي الدوادار، باستقراره في نيابة حلب، وعلى يشبك المؤيدي شاد الشرابخاناة بنيابة طرابلس، عوضاً عن سودون من عبد الرحمن، وعلى جار قطلوا بنيابة حماة، عوضاً عن تنبك البجاسي. ثم رجع السلطان إلى الديار المصرية مؤيداً منصوراً، وجد في السير حتى نزل على السماسم، بالقرب من سرياقوس، في يوم الخميس نصف ذي الحجة. ثم ركب في الليلة المذكورة إلى خانقاة سرياقوس، وعمل بها وقتا، وجمع القراء وعدة من المنشدين، ومدت لهم أسمطه جليلة، ثم أقيم السماع طول الليل، فكانت ليلة تعد بليال، ثم أنعم على القراء والمنشدين بمائة ألف درهم. وركب بكرة يوم السبت، سادس عشر ذي الحجة من الخانقاة، حتى نزل بطرف الريدانية، خارج(6/303)
القاهرة، ثم ركب رشق القاهرة من يومه حتى طلع إلى القلعة، وقد صفا له الوقت.
واستمر على ذلك إلى سنة عشرين، تحرك للسفر إلى البلاد الشامية، ثم قوى عزمه في يوم الثلاثاء رابع صفر. وأخلع على طوغان أمير آخور، واستقر به نائب الغيبة، وعلى أزدمر شيا، واستقر به نائب قلعة، واستقر بقجقار القردمي أمير سلاح في نيابة حلب، عوضاً عن آقباي، بحكم انتقال آقباي لنيابة دمشق، لما قدم القاهرة، قبل تاريخه بأيام على النجب. وأرسل الأمير آقبغا التمرازي بمسك الأمير ألطنبغا العثماني نائب دمشق. ثم سار السلطان إلى أن وصل إلى دمشق، فدخلها في أول شهر ربيع الأول، وأنعم على سودون القاضي بتقدمة ألف بالقاهرة، بعد موت الأمير أقبردي المنقار. وأقام أياماً ثم رحل يريد حلب، فدخلها في عشرين شهر ربيع الأول وأقام بها نحو عشرة أيام. ورحل إلى البلاد الشمالية، حتى أخذ عدة قلاع من أيدي التركمان. فأخذ كختا، ودرندة، وبهنسا، وولى بهم نوابا. وحاصر قلعة كركر أياماً، ثم رجع وخلف(6/304)
على حصارها آقباي نائب الشام، وقجقار القردمي نائب حلب، وجارقطلو نائب حماة، وكان قرا يوسف يحاصر قرايلك.
فلما عاد السلطان إلى حلب، تحوف النواب المشار إليهم من قرا يوسف، فتركوا حصار كركر وقدموا إلى حلب. فغضب السلطان لقدومهم، وأوسعهم سبا. وأمسك قجقار نائب حلب ثم أطلقه، وولي مكانه بحلب الأمير يشبك اليوسفي نائب طرابلس، واستقر بردبك راس نوبة النوب في نيابة طرابلس عوضاً عن يشبك، واستقر الأمير ططر رأس نوبة النوب. وعزل جارقطلو عن نيابة حماة بالأمير نكباي، وتولى نيابة صفد عوضاً عن خليل الجشاري التبريزي، واستقر خليل في حجوبية طرابلس، ثم استعفى فأعفى. وأخلع على سودون قراصقل حاجب الحجاب بالديار المصرية، واستقر في حجوبية طرابلس، وأنعم بإقطاع سودون ووظيفته على الأمير ألطنبغا المرقبي نائب قلعة حلب، واستقر في نيابة قلعة حلب الأمير شاهين الأرغون شاوي.
ثم عاد السلطان إلى دمشق، فدخلها في يوم الخميس ثالث شهر رمضان. وفي سابعه، قبض على آقباي نائب الشام، وحبسه بقلعة دمشق. وأخلع على الأمير تنبك العلائي المعروف بميق، واستقر به في نيابة الشام، عوضاً عن آقباي. وأنعم بإقطاع تنبك، على قجقار القردمي، واستقر به أمير سلاح على عادته. ثم خرج من دمشق(6/305)
عائداً إلى الديار المصرية، حتى وصلها في يوم الخميس ثامن شوال، فدخلها بأبهة السلطنة، وولده المقام الصارمي إبراهيم يحمل القبة على رأسه، وطلع إلى القلعة. وكان يوم قدومه إلى القاهرة من الأيام المشهودة، ثم أخلع على طوغان بعد أيام، واستقر به أمير آخورا كبيرا، عوضاً عن تنبك ميق.
ثم دخلت سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، ففي شهر ربيع الأول منها، حضر الأمير جارقطلو نائب صفد منها، حتى وصل إلى قطيا، أمسك وتوجه به إلى الإسكندرية فحبس بها. وفي ثالث عشرين الشهر المذكور، أخلع السلطان على الأمير برسباي الدقماقي، الذي تسلطن، واستقر به في نيابة طرابلس، عوضاً عن الأمير بردبك. ثم بعد مدة، أخلع على الأمير قرا مراد خجا باستقراره في نيابة صفد، وأنعم بخبزه على الأمير جلبان أمير آخور ثاني، والإقطاع تقدمه ألف. وفي شهر رمضان من السنة، رسم السلطان بمسك الأمير برسباي الدقماقي، نائب طرابلس، وحبسه بالمرقب، بسبب كسرته من التركمان.
ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين، والسلطان غالب أيامه في النزه واللهو والطرب، ونزل فيها إلى البحر بساحل بولاق، ببيت القاضي ناصر الدين بن البارزي كاتب السر غير مرة. وعام في البحر غير متستر، على أنه كان إذ ذاك،(6/306)
في أسوأ حال من ألأم رجليه، ومما به من ضربان المفاصل. حتى أنه كان لا ينهض بالقيام على رجليه، بل يحمل على الأعناق، أو في مقعد بين أربعة أنفس. كل ذلك والناس في ألذ عيش، وقضت الناس في تلك الأيام، أوقاتاً طيبة، إلى الغاية. واستمر السلطان يتردد إلى بولاق، ثم وجه ولده المقام الصارمي إبراهيم إلى البلاد الشمالية، فتوجه إليها، وفتح بها عدة قلاع، وأسر وغنم، وعاد نحو الديار المصرية. وخرج السلطان إلى لقائه حسبما ذكرناه في ترجمة المقام الصارمي إبراهيم، في أوائل هذا الكتاب.
ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة، في المحرم منها، أفرج السلطان عن الأمير برسباي الدقماقي، من حبس المرقب، بشفاعة الأمير ططر، وأنعم عليه بتقدمة ألف دمشق. وفي شهر ربيع الآخر منها، وقع الشروع في عمارة منظرة الخمس وجوه، التي بالقرب من التاج الخراب، لينشيء السلطان حوله بستاناً. فصرف على المنظرة المذكورة، جملة مستكثرة.
قلت: أخربها الظاهر جقمق، وأنعم بأنقاضها على محمد بن علي بن إينال، فباع المذكور منها بجمل مستكثرة. ولعله لم يزل في تبعه ذلك. من ورثة الملك المؤيد، إلى أن يموت.(6/307)
ثم مرض المقام الصارمي وطال مرضه، وفي هذا الشهر نقض على السلطان ألم رجله، وفيه انتكس المقام الصارمي إبراهيم، واستمر إلى أن مات في ليلة الجمعة خامس عشر جمادى الآخرة، ودفن من الغد بالجامع المؤيدي بباب زويلة.
وفي شعبان من السنة، عقد السلطان عقد الأمير الكبير ألطنبغا القرمشي، على ابته، بصداق مبلغ خمسة آلاف دينار، بالجامع المؤيدي.
ثم برز الأمير الكبير ألطنبغا القرمشي المذكور، إلى الريدانية بمن معه من الأمراء، إلى البلاد الشامية في يوم السبت. وكان معه من الأمراء: الأمير طوغان أمير آخور، وألطنبغا من عبد الواحد المعروف بالصغير رأس نوبة النوب، وألطنبغا المرقبي حاجب الحجاب، وجرباش الكريمي المعروف بقاشق، وآق بلاط الدمرداش، وجلبان أمير آخور كان، وأزدمر الناصري. ثم رحلوا إلى البلاد الشامية، فكان ذلك آخر عهدهم بالملك المؤيد.(6/308)
واستمر السلطان متوعكاً، إلى أن مات في يوم الإثنين تاسع المحرم سنة أربع وعشرين وثمانمائة. فارتج الناس لموته ساعة، ثم سكنوا. وسلطنوا ولده الملك المظفر أحمد أبا السعادات، وعمره سنة واحدة وثمانية أشهر وسبعة أيام.
ومات المؤيد وقد أناف على الخمسين سنة، وكانت مدة ملكه، ثمان سنين وخمسة أشهر وثمانية أيام. وحضرت أنا جنازته في اليوم المذكور، وصلى عليه خارج باب القلة، وحمل حتى دفن بقبته، التي أنشأها بالجامع المؤيدي بباب زويلة.
قال الشيخ تقي الدين المقريزي: واتفق في موت الملك المؤيد موعظة. وهو أنه لما غسل، لم يوجد له منشفة ينشف فيها، فنشف بمنديل بعض من حضر من الأمراء. ولا وجد له مئزر ليستره، حتى أخذ له مئزر صوف صعيدي من فوق رأس بعض جواريه. ولا وجد له طاسة، يصب بها عليه الماء وهو يغسل، مع كثرة ما خلفه من الأموال. انتهى كلام المقريزي.(6/309)
قلت: وكان سلطاناً شجاعاً مقداما. مهاباً، سيوساً. عارفاً بالحروب والوقائع. جواداً على من يستحق الإنعام عليه، بخيلاً على من لا يستحق إلى الغاية. وكان طوالا، بطينا، واسع العينين، أشهلهما، كث اللحية، بادره الشيب في لحيته. جهوري الصوت، فحاشاً سباباً. ذا خلق سيء، وسطوة وجبروت، وهيبة زائدة، يرجف القلب عند مخاطبته. وكان له صبر وإقدام على الحروب، وخبرة كاملة بذلك. وكان يحب أهل العلم ويجالسهم، ويجل الشرع النبوي، ويذعن له، ولا ينكر على من طلبه منه، إذا تحاكم بين يديه، أن يمضي إلى الشرع، بل يعجبه ذلك. وكان غير مائل إلى شيء من البدع. إلا أنه كان مسرفاً على نفسه، متظاهراً بذلك، على أنه كان منقاداً إلى الخير، كثير الصدقات والبر. وعمر عدة أماكن يقام بها الجمعة، منها: جامعه المؤيدي، داخل باب زويلة، الذي ما عمر في الإسلام أكثر زخرفة وأحسن ترخيماً منه، بعد الجامع الأموي بدمشق. وعمر خطبة بالمقياس من الروضة، والمدرسة الخروبية بالجيزة. وعمر عدة سبل(6/310)
ومكاتب، ووقف على كل ذلك الأوقاف الهائلة. وكان ذا قصد جميل للرعية. ولكن خربت في أيامه، وأيام الملك الناصر فرج، كثير من الضياع بأعمال الديار المصرية، لكثرة الفتن في أيامهما. وأيضاً لعظيم ظلم جمال الدين يوسف البيري الأستادار في الدولة الناصرية فرج، وكثرة ظلم فخر الدين عبد الغني بن أبي فرج الأستادار في الدولة المؤيدية.
هذا، وكان الملك المؤيد رحمه الله، شرها في جمع المال، حريصاً عليه. وكان من محاسنه أنه يقدم الشجاع، ويبعد الجبان من كل جنس من المماليك، لا يميل إلى جنسه وينزل غيره. بل حيثما ظهر له النجابة من الشخص، قربه. ولا يلتفت إلى جنسه، كغيره من المملوك، فإنه حيث رأى أحداً من جنسه، قربه وأنعم عليه، ورقاه وأدناه، وربما يكون المنعم عليه، ليس فيه معنى من المعاني ألبتة، فهذا من أكبر عيوب الملك. بل يحرم عليه هذه الفعلة، فإنه(6/311)
لا يجوز له أن يقدم، إلا من ينتفع المسلمون بمعرفته وفروسيته و، عقله وتدبيره ودينه، فلا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وخلف من الأولاد ستة، الذكور: الملك المظفر أبو السعادات أحمد، وإبراهيم. وأربع بنات بكر. وخلف من الأموال والخيول والقماش والسلاح شيئاً كثيراً. أتلف جمع ذلك الملك الظاهر ططر، في مدة يسيرة لسوء تدبيره وطيشه وخفته، عامله الله بعدله.
انتهت ترجمة الملك المؤيد شيخ المحمودي، رحمه الله تعالى وعفا عنه.
1195 - الصفوي
...
- 801 هـ - ... - 1398 م
شيخ بن عبد الله الصفوي، الأمير سيف الدين، أمير مجلس، المعروف بشيخ الخاصكي.(6/312)
كان من أمراء الملك الظاهر برقوق، ومن أعيان دولته، واستمر على ذلك مدة طويلة، إلى المحرم من سنة ثمانمائة. أرسل الملك الظاهر بالأمير قلمطاي الدوادار، ونوروز الحافظي رأس نوبة النوب، وفارس حاجب الحجاب، إلى الأمير شيخ المذكور، وبيدهم خلعة له بنيابة غزة. فلبسها، وخرج من يومه، ونزل بخانقاة سرياقوس. ثم استعفى من الغد عن نيابة غزة، وسأل أن يقيم بالقدس بطالا، فرسم له بذلك. فتوجه إلى القدس، وأقام به. وأخلع الملك الظاهر على بيخجا، المدعو طيفور الشرقي، بنيابة غزة، وأنعم بإقطاعه ووظيفته، على والدي، لما عزل عن نيابة حلب.
واستمر شيخ الصفوي هذا بالقدس، إلى ذي الحجة من السنة. رسم السلطان بنقله من القدس إلى حبس المرقب، لشكوى أهل القدس عليه، من أنه يتعرض لأولاد الناس بالفاحشة، وأنه يكثر من الفساد. واستمر بحبس المرقب، إلى أن توفي به، في سنة إحدى وثمانمائة.
وقال العيني: مات في أوائل شهر ربيع الآخر.(6/313)
وكان شاباً جميل الصورة، سخي الكف، كثير المعرفة. قليل الأذى للناس. وكان له مشاركة في بعض الأمور مسائل، واعتقاد صحيح في الكتاب والسنة، وكان يحب العلماء ويجالسهم، ويلقي عليهم المسائل. وكان عنده ذكاء عظيم، ومعرفة بوجوه الكلام، ولكن كان عنده نوع كبر، وميل كثير إلى اللهو والرقص، والطرب، وسماع المعاني والمساخر، ولذلك سقطت منزلته عند السلطان. وكنت صنفت له شرحاً لطيفاً، على المختصر المسمى بتحفة الملوك في عشرة أبواب من الفقه، وكتاب عقيدة الطحاوي، انتهى كلام العيني.
1196 - السليماني
...
- 808 هـ - ... - 1405 م
شيخ بن عبد الله السليماني الظاهري، المعروف بالمسرطن، الأمير سيف الدين.
أحد المماليك الظاهرية برقوق، وأعيان أمراء الألوف بالقاهرة. وتنقل في عدة نيابات، وتولى نيابة طرابلس وغيرها. إلى أن مات في شهر ربيع الآخر، سنة ثمان وثمانمائة، خارج دمشق، رحمه الله.(6/314)
1197 - الركني
...
- 840 هـ - ... - 1436 م
شيخ بن عبد الله الركني، الأمير سيف الدين. الأمير آخور الثاني.
أصله من مماليك الأتابك بيبرس، وتنقلت به الأحوال، إلى أن صار أمير آخورا ثانيا، بعد سودون ميق، في دولة الملك الأشرف برسباي. واستمر على ذلك إلى أن مات، سنة أربعين وثمانمائة تقريباً.
وكان كريماً حشماً، حلو المحاضرة. وعنده دعابة، إلا أنه كان مسرفاً على نفسه، عفا الله عنه.
1198 - الحسني
...
- 830 هـ - ... - 1427 م
شيخ بن عبد الله الحسني الظاهري، الأمير سيف الدين، أحد أمراء العشرات، ورأس نوبة.(6/315)
أصله من أصاغر مماليك الملك الظاهر برقوق، وممن تأمر بعد موت الملك المؤيد شيخ، وصار من جملة أمراء العشرات ورأس نوبة. واستمر على ذلك، إلى أن نفاه الملك الأشرف برسباي إلى البلاد الشامية. ومات بتلك البلاد، في حدود الثلاثين وثمانمائة. وكان يعرف بشيخ المجنون. كان تركي الجنس، وعنده نوع خفة وطيش، مع عدم معرفة، عفا الله عنه.
1199 - خوند أم الملك الناصر فرج
...
- 802 هـ - ... - 1400 م
شيرين بنت عبد الله الرومية، أم الملك الناصر فرج.
كانت أم ولد للملك الظاهر برقوق، وهي بنت عم والدي. ولما تسلطن ولدها الملك الناصر فرج، بعد موت أبيه الملك الظاهر برقوق، صارت خوند الكبرى، وسكنت قاعة العواميد بقلعة الجبل، بعد أن تحولت منها، خوند أزد، زوجة الملك الظاهر برقوق.(6/316)
واستمرت خوند شيرين المذكورة في أيام ولدها مدة يسيرة، وتعللت ولزمت الفراش. وكثرت القالة في مرضها، واتهم جماعة بأنهم سحروها. وظن الملك الناصر، أن بعض الخوندات من زوجات أبيه سحرتها، حسداً وبغضاً، لأنها سارت سيرة حسنة جميلة، من الحشمة والرئاسة والكرم، مع الاتضاع الزائد، والخير والدين.
ولها معروف ومآثر حسنة. جددت بمكة رباط الخوزي، ووقفت عليه وقفا، وأصلحت ما كان تهدم منه. ووقفت أوقافاً على تربة ولدها الناصر بالصحراء، وعلى عدة قراء بمدرسة الظاهر برقوق بين القصرين.
وكانت بديعة الجمال، توفيت ليلة السبت أول ذي الحجة سنة اثنتين وثمانمائة رحمها الله تعالى وعفا عنها.(6/317)
حرف الصاد المهملة
1250 - نقيب النقباء
...
- 736 هـ - ... - 1336 م
صاروجا بن عبد الله، الأمير صارم الدين، نقيب النقباء بالديار المصرية.
أنشأه الملك الناصر محمد بن قلاوون، وأمره بعد موت دقماق، واستقر به مكانه، وصار من أخصائه. وعظم في الدولة الناصرية، حتى يدخل على الناصر في ضوء الشمع، ويتحدث معه في كل ما يريد، حتى خافه النشو وغيره.
واستمر على ذلك، إلى أن توجه الملك الناصر إلى الصعيد، ووصل إلى خانق دندرا، ثم عاد. فلما قرب إلى القاهرة وقف صاروجا هذا يعدى بالأطلاب على بعض الجسور، ومد يده بالعصا ليضرب شخصاً، فوقع من أعلى الفرس إلى الأرض ميتاً، وذلك في سنة ست وثلاثين وسبعمائة.(6/319)
وكان فطناً شجاعاً، صاحب معرفة ورأي وتدبير، عفا الله عنه.
وصاروجا تصغير أصفر باللغة التركية، انتهى.
1201 - الأمير صارم الدين
...
- 743 هـ - ... - 1343 م
صاروجا بن عبد الله المظفري، الأمير صارم الدين.
كان أميراً في أول دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون بالديار المصرية، وكان صاحب أدب وحشمة، ومعرفة. ولما أعطى الملك الناصر تنكز إمرة عشرة جعل صاروجا هذا اغاة له، وضمه إليه ليتحدث في إقطاعه وأموره. فأحسن صاروجا لتنكز ودربه، واستمر إلى أن حضر الملك الناصر من الكرك اعتقله، ثم أفرج عنه بعد عشر سنين تقريباً، وأنعم عليه بإمرة في صفد فأقام بها نحو السنتين،(6/320)
ونقل إلى دمشق أميراً بها، بسفارة تنكز نائب الشام. فلما وصل إلى دمشق، رعى له تنكز خدمته السالفة، وحظي عنده، وصارت له كلمة بدمشق. وعمر بها عمائر مشهورة به. إلى أن أمسك تنكز، في ذي الحجة سنة أربعين، وحضر بشتك إلى دمشق، قبض على صاروجا المذكور، وأودعه الاعتقال في جملة من أمسك بسبب تنكز. وحضر المرسوم بتكحيلة، فدافع الأمير ألطنبغا نائب دمشق عنه، يويمات يسيرة، ثم خاف فكحل وعمى. وأصبح من الغد، ورد مرسوم السلطان بالعفو عنه، ثم إنه جهز إلى القدس الشريف، فأقام به إلى أن مات في أواخر سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، رحمه الله.
قلت: وهو صاحب السويقة بدمشق، المعروفة بسويقة صاروجا. انتهى.
1202 - صلاح الدين الزرعي
706 - 768 هـ - 1306 - 1367 م
صالح بن إبراهيم بن محمد بن حاجي بن عبد الله، الشيخ صلاح الدين(6/321)
أبو البقاء بن برهان بن عز الدين الزرعي الحنفي، الفقيه المحدث النحوي.
ولد خارج القاهرة سنة ست وسبعمائة. وسمع صحيح البخاري، بقراءة الشيخ شهاب الدين عبد اللطيف بن عبد العزيز الحراني النحوي، عرف بابن المرحل، وبقراءة غيره على مشايخ عصره. وحدث عن القطب عبد الكريم بن عبد النور الحلي، والحافظ فتح الدين بن سيد الناس. وقرأ القرآن الكريم على ضياء الدين القطبي، وشهاب الدين المشهدي. وتفقه على علماء عصره، وبرع في الفقه والعربية والحديث وغير ذلك. ومات في عوده من الحج، بوادي الصفرا في أواخر ذي الحجة سنة ثمان وستين وسبعمائة، بعد أن حدث ودرس سنين، رحمه الله تعالى.(6/322)
1203 - الضياء النحوي
615 - 665 هـ - 1218 - 1267 م
صالح بن إبراهيم بن أحمد بن نصر بن قريش، الشيخ ضياء الدين أبو العباس الأسعردي الفارقي المقريء النحوي.
قرأ القراءات، وأتقن العربية، وتصدر للإقراء والتدريس، وسمع من ابن الصلاح وجماعة، وكتب عنه جماعة من المحدثين.
وكان ساكناً خيراً ديناً فاضلاً، توفي بالقاهرة سنة خمس وستين وستمائة، رحمه الله.
1204 - الصلاح القواس
...
- 723 هـ - ... 1323 م
صالح بن أحمد بن عثمان، الأديب الفاضل صلاح الدين القواس الخلاطي.(6/323)
كان شاعراً ماهراً، خيراً ديناً، صحب الفقراء، وسافر البلاد، وكان له يد في تعبير الرؤيا، وهو صاحب القصيدة ذات الأوزان التي أولها:
داء ثوى بفؤادي شفه سقم ... لمحنتي من دواعي الهم والكمد
توفي سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
1205 - ابن السفاح
712 - 779 - 1312 - 1377 م
صالح بن أحمد بن عمر، القاضي صلاح الدين أبو النسك الشافعي الحلبي، الشهير بابن السفاح.
ولد سنة اثنتي عشرة وسبعمائة بحلب، وبها نشأ، وولي وكالة بيت المال، ونظر الأوقاف، وعدة وظائف أخر.
وكان يعد من رؤساء حلب، وكان له فضل وكرم، وهو أبو القاضي شهاب الدين أحمد كاتب سر حلب، ثم كاتب السر بالديار المصرية، وأبو الرئيس ناصر الدين أبو عبد الله محمد.(6/324)
وكان كاتباً، حسن التصرف، عالي الهمة، ديناً خيراً، ذكره أبو العز زين الدين طاهر بن حبيب وأثنى عليه، وأورد له نظماً، من ذلك:
لا نلت من الوصال ما أملت ... إن كان متى ما حلت عني حلت
أحببتكم طفلا وها قد شبت ... أبغي بدلا ضاق على الوقت
توفي بقرية بصرى، متوجهاً إلى الحج في سنة تسع وسبعين وسبعمائة.
1206 - قاضي حمص
570 - 662 هـ - 1174 - 1264 م
صالح بن أبي بكر بن أبي الشبل، القاضي أبو التقى المقدسي، ثم المصري السمنودي الشافعي.
كان قاضي حمص زماناً طويلاً. ولد سنة سبعين وخمسمائة بمصر، وسمع ببغداد من الحسين بن سعيد، وبدمشق من الكندي، وابن ملاعب، روى عنه الدمياطي وغيره، توفي سنة اثنتين وستين وستمائة. رحمه الله تعالى.(6/325)
1207 - الجعبري
بعد 620 - 706 هـ - 1323 - 1306 م
صالح بن تامر بن حامد، القاضي تاج الدين أبو الفضل الفرضي الجعبري الشافعي.
ولد سنة بضع وعشرين وستمائة، سمع من ابن خليل، والضياء صقر، وعبد الحق المنبجي، والنظام البلخي، وعبد الله بن الخشوعي، ومجد الدين بن تيمية، والعماد وعبد الحميد بن عبد الهادي، وروى عنه البرزالي، وابن الفخر، وجماعة، وخرج له أمين الدين الداني مشيخه، وناب في الحكم بدمشق، وولي قضاء بعلبك، وكان حميد الأحكام، توفي سنة ست وسبعمائة.
وكان طوالا، مليح الشكل، حسن الأخلاق، عفيفاً مشكور السيرة، رحمه الله تعالى.(6/326)
1208 - البلقيني
790 - 868 هـ - 1388 - 1463 م
صالح بن عمر بن رسلان بن نصير، قاضي القضاة علم الدين بن شيخ الإسلام سراج الدين، وأخو قاضي القضاة جلال الدين البلقيني الشافعي، قاضي قضاة الديار المصرية.
مولده بحارة بهاء الدين من القاهرة، في أوائل سنة تسعين وسبعمائة، كما رأيته بخط ابن فهد، وبها نشأ تحت كنف والده، ثم أخيه لأبيه قاضي القضاة جلال الدين، وبه تفقه وبغيره، وناب عن أخيه المذكور سنين، وبرع في الفقه وأفتى ودرس، واستمر ملازماً لأخيه إلى أن توفي سنة أربع وعشرين وثمانمائة. فعند ذلك صار علم الدين المذكور، هو المشار إليه في البلاقنة، وعمل الميعاد بمدرسة والده مكان أخيه. وتصدر للفتيا والتدريس، وولى تدريس الخشابية، ثم ولي قضاء القضاة بالديار المصرية، عوضاً عن قاضي القضاة ولي الدين أحمد العراقي بحكم عزله، في يوم السبت سادس ذي الحجة سنة خمس(6/327)
وعشرين وثمانمائة، واستمر إلى أن صرف بالحافظ شهاب الدين بن حجر، في يوم السبت سادس ذي الحجة سنة خمس وعشرين وثمانمائة.
واستمر المذكور معزولاً، إلى سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، أعيد إلى القضاء بعد عزل الحافظ شهاب الدين بن حجر. فباشر الوظيفة إلى أن صرف بابن حجر، في جمادى الآخرة أربع وثلاثين، واستمر مصروفاً إلى أن أعيد في حدود سنة أربعين وثمانمائة عوضاً عن ابن حجر. ثم عزل به سنة إحدى وأربعين، واستمر معزلاً سنين، إلى أن أعيد عوضاً عن ابن حجر، في يوم السبت أول المحرم سنة إحدى وخمسين. وبقي إلى أن عزل بالشيخ ولي الدين السفطي، في يوم الخميس عشر شهر ربيع الآخر من سنة إحدى وخمسين المذكور، واستمر معزولاً إلى أن أعيد، بعد أن عزل ابن حجر نفسه، في يوم الثلاثاء سادس عشر جمادى الآخرة سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة.
واستمر قاضياً، إلى يوم السبت عاشر شهر رجب من السنة عزل. ورسم السلطان الملك الظاهر جقمق بإخراجه إلى القدس بطالاً، فشفع فيه بعض أعيان الدولة، فرسم له بأن يلزم بيته، ثم تكلم فيه فرسم بنفيه ثانياً، وصمم السلطان على ذلك، وأخذ قاضي القضاة ولي الدين المذكور في تجهيزه، وعمل(6/328)
مصالح السفر. وتولى عوضه الشيخ شرف الدين يحيى المناوي في يوم الإثنين ثاني عشره، ثم شفع في قاضي القضاة علم الدين هذا، فرسم له بالإقامة في الديار المصرية على وظائفه.
وأما سبب غيظ السلطان عليه، فهو لشكوى بعض الأوباش عليه، لأمر لا يحرز أنه يعتب على فعله. فكيف، وقد حصل عليه من العزل والنفي والبهدلة مالا مزيد عليه، فلله الأمر من قبل ومن بعد. فاستمر قاضي القضاة علم الدين المذكور ملازماً للاشتغال والأشغال والتصنيف إلى أن....
1209 - الملك الصالح صاحب ماردين
...
- 766 هـ - ... 1375 م
صالح بن غازي بن قرا أرسلان بن غازي بن أرتق بن أرسلان بن إيل غازي بن ألبي بن تمرداش بن إيل غازي بن أرتق، السلطان الملك الصالح شمس الدين صالح بن الملك المنصور نجم الدين بن الملك المظفر بن الملك السعيد الأرتقي، صاحب ماردين.(6/329)
كان من أجل ملوك ماردين، من بني أرتق، حزماً وعزماً، ورأيا وسؤددا، وكرماً ودهاء، وشجاعة وإقداماً. وكان يحب الفقهاء والفضلاء وأهل الخير، ويجالسهم، وكان له فضل وفهم جيد وذوق للشعر، وكان يحب المديح، ويجيز عليه بالجوائز السنية. ولصفي الدين عبد العزيز الحلي فيه غرر مدائح.
قال ابن كثير: وكان ملكاً جليلاً، نبيهاً نبيلاً، صالحاً مظفراً سعيد الرأي، حسن السياسة، كامل الحشمة والرئاسة. انتهى كلام ابن كثير باختصار. قلت: ودام في سلطنة ماردين أربعاً وخمسين سنة، إلى أن توفي بها في سنة ست وستين وسبعمائة، وهو من أبناء السبعين، وتولى من بعده ولده الملك المنصور أحمد، رحمه الله تعالى، وعفا عنه.
1210 - الملك الصالح صاحب مصر
738 - 761 هـ - 1337 - 1360 م
صالح بن محمد بن قلاوون، السلطان الملك الصالح، صلاح الدين صالح بن(6/330)
الملك الناصر ناصر الدين أبي المعالي محمد بن الملك المنصور قلاوون الألفي الصالحي التركي.
مولده في شهر ربيع الأول، سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، بقلعة الجبل. وأمه خوند قطلو ملك ابنه الأمير تنكز الناصري نائب الشام، ولما ولد سر السلطان بولادته سروراً زائداً. وكان قبل ولادته بشهرين، جمع السلطان العمال، وعمل لأمه بشخاناة، ودار بيت، وغير ذلك من المساند والستور، وأطباق الذهب والفضة، ما ينيف مصروفه على مائة ألف دينار وأربعين ألف دينار مصرية. وقامت الأفراح والمهمات لولادته سبعة أيام بلياليها، وحضر نساء الأمراء بأجمعهم. فلما انقضى الأسبوع، بعث السلطان لكل واحدة من نساء الأمراء، بقشة قماش على قدر مقام زوجها. واجتمع للمغاني من النقوط، ما جاء قسم كل جوقة من مغاني القاهرة، نحو عشرة آلاف درهم فضة، سوى التفاصيل الحرير، والمقاطع الحرير المزركشة، والقنادير الحرير، وكن عدة جوق، سوى مغاني السلطان، ومغاني الأمراء، فإن متحصلهن لم ينضبط لكثرته، ووصل في أول هذا المهم من جهة الأمير تنكز نائب الشام لإبنته، مقنعة وطرحة بسبعة(6/331)
آلاف دينار مصرية، وفرجية آلاف دينار، وعمل السلطان لها حركاة وصلت إليه من بلاد الشرق، بلغ مصروف كسوتها، ثوب حرير أطلس بليقة مزركشة، برصعات فيها قطع بلخش ولؤلؤ وياقوت، مائة ألف دينار واثني عشر ألف دينار مصرية، وبلغ مصروف هذا المهم خمسمائة ألف دينار، ولم يسمع بمثل ذلك في الدولة التركية، قاله غير واحد.
قلت: ونشأ الملك الصالح صاحب الترجمة في الدور من قلعة الجبل، إلى أن طلب بعد خلع أخيه حسن، وأجلس على تخت الملك، ولقب بالملك الصالح. وهو الثامن ممن تسلطن، من أولاد الملك الناصر محمد بن قلاوون. وكان جلوسه على سرير الملك، في يوم الإثنين السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة. وصار الأمير طاز الناصري هو مدبر مملكته، وصاحب الحل والعقد فيها، وليس للملك الصالح فيها سوى الاسم لا غير. حتى أفرج عن شيخو ومنجك وبيبغا أرس. وبقي الأمر لهؤلاء الثلاثة وهم: طاز(6/332)
وشيخو وصرغتمش، فاستقر شيخو اللالا أتابك العساكر، وطاز أمير مجلس، وصرغتمش رأس نوبة النوب، ومشت الأمور على ذلك.
واستمر الحال إلى أن وقع بين طاز وبين طرغتمش وحشة، حسبما ذكرناه في غير موضع من تراجم المذكورين. ثم خرج طاز إلى الصيد، وأمر رفقته أن يركبوا على صرغتمش في غيابه، استحياء من شيخو، ففعلوا ذلك فركب شيخو مع صرغتمش، وانكسر حاشية طاز، وأمسك غالبهم. ثم اتفق الأميران على خلع الصالح هذا، وإعادة الملك الناصر حسن إلى ملكه. ووقع ذلك، في يوم الإثنين ثاني شوال سنة خمس وخمسين وسبعمائة، ولزم الملك صالح داره بقلعة الجبل، كل ذلك، وطاز في الصيد، فلما حضر، أخرج إلى نيابة حلب.
فكانت مملكة الملك الصالح، ثلاث سنين وثلاثة أشهر وأربعة عشر يوماً، وما كان له في هذه المدة إلا الاسم فقط.
واستمر الملك الصالح محبوساً بقلعة الجبل، إلى أن توفي بها في ذي الحجة سنة إحدى وستين وسبعمائة، ودفن بتربة عمه الملك الصالح علي بن قلاوون الخاتونية، بالقرب من المشهد النفيسي، رحمه الله.(6/333)
1211 - المعتقد
...
- 780 هـ - ... - 1379 م
صالح بن نجم بن صالح، الشيخ الصالح المعتقد أبو النسك، نزيل منية السيرج من ضواحي القاهرة.
كان يقصد للزيارة، وللناس فيه اعتقاد حسن. وكان على مكانه من الورع والعبادة والتقوى، وإطعام الطعام للفقراء والمساكين. توفي بزاويته بالمنية، في يوم الأربعاء خامس عشرين شهر رمضان سنة ثمانين وسبعمائة، وكانت جنازته مشهودة، ومات وقد أناف على الستين.
وكان له قدم هائل في التجرد والسلوك.
وفيه يقول زين الدين أبو العز طاهر بن حبيب:
إذا رمت وجه الخير فالشيخ صالح ... عليك به فالقصد إذ ذاك ناجح
وحي هلا وأنشده في الحي منشدا ... ألا كل ما قرت به العين صالح
1212 - الرفاعي
...
- 707 هـ - ... - 1307 م
صالح الأحمدي الرفاعي، الشيخ الصالح شيخ الفقراء الرفاعية في وقته.(6/334)
كان للناس في اعتقاد وترداد، لاسيما التتار والمغل. وكانت الملوك يكرمونه غاية الإكرام، وقدم إلى القاهرة، وحضر مجلس السلطان مراراً عديدة، وكان له فضل ومشاركة جيدة، وهو الذي تناظر مع الشيخ تقي الدين بن تيمية بالقصر بحضرة السلطان، وحنق الشيخ صالح من ابن تيمية وقال: نحن ما يتفق حالنا إلا عند التتر، وأما قدام الشرع فلا. ومعنى كلامه، أنه كان للتتار فيه اعتقاد عظيم، ويروج عندهم كلامه، لما يتكلم من أقوال الصوفية بكلام لا يقبله أهل الشرع. ثم عاد إلى دمشق وأقام بها، وكان يسكن بالمنيبع إلى أن طرقها التتار، فلما وصل قطلوشاه مقدم التتار نزل عنده وأظهر من المحبة له مالا يوصف، ونفع الناس بذلك.
توفي سنة سبع وسبعمائة، رحمه الله تعالى.(6/335)
باب الصاد والدال المهملتين
1213 - ابن الحاج بيدمر
...
- 749 هـ - ... - 1348 م
صدقة بن بيدمر، الأمير بدر الدين بن الأمير سيف الدين.
قال ابن أيبك: كان من جملة الأمراء، وكان من أحسن الصور، وأظرف الأشكال.
كان شاباً طويلاً أسمر، لم يثقل خده، توفي بالطاعون في أوائل شهر رجب سنة تسع وأربعين وسبعمائة، انتهى كلام ابن أيبك باختصار. فإنه أطنب في ذكره، وما أظنه إلا رثاه، وشارك أمه في حزنها عليه لحسن صورته، عفا الله عنه.(6/337)
باب الصاد والراء المهملتين
1214 - صراي تمر
...
- 793 هـ - ... - 1391 م
صراي تمر بن عبد الله، الأمير سيف الدين.
أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية، ودوادار منطاش ونائب غيبته بباب السلسلة، لما خرج بالملك المنصور لقتال الملك الظاهر برقوق.
قلت: وصراي تمر هذا، هو صاحب الوقعة مع من كان محبوساً من مماليك برقوق بقلعة الجبل، كما ذكرناه في ترجمة برقوق وغيره، وما وقع فيها من الاتفاق الغريب، من فرار صراي تمر المذكور من باب السلسلة، ثم من القبض عليه وحبسه، إلى أن قتل بسيف الملك الظاهر برقوق، في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة بالقاهرة، رحمه الله تعالى وعفا عنه.
1215 - أمير الينبع
...
- 833 هـ - ... - 1430 م
صرداح، وقيل سرداح، والأول أصح، والثاني هو المشهور، ابن مقبل بن(6/339)
نخبار بن مقبل بن محمد بن راجح بن إدريس بن حسن بن أبي غرير بن قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى بن حسن بن سليمان بن علي بن عبد الله بن محمد بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وكان أبوه قد ولي إمرة الينبع مدة، إلى أن وثب عليه ابن أخيه عقيل بن وبير ابن نخبار، وحاربه بأهل الدولة، في سنة خمس وعشرين وثمانمائة، وقبض عليه على ولده صرداح هذا، وحملا إلى سجن الإسكندرية، فمات مقبل به. وكحل صرداح المذكور، حتى تفقأت حدقتاه وسالتا، وورم دماغه ونتن. فتوجه به بعد مدة من عماه إلى المدينة النبوية، فوقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم وشكى ما به، وبات تلك الليلة فأصبح وعيناه أحسن مما كانتا. وذلك أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه، فمسح بيده الشريفة على عينيه، فأنتبه وهو يبصر. واشتهر ذلك عند أهل المدينة. وبلغ الملك الأشرف برسباي ذلك فشق عليه، ظناً بأن الذي أكحله تهاون في أمره. فطلب الذين تولوا كحله، والذي سمل عينيه وضربه. فأقام عنده بينة بأنهم شاهدوا الميل وهو يحمى بالنار، ثم كحل(6/340)
به فسالت حدقتاه بحضورهم، وكذلك أخبر أهل المدينة، أنهم رأوه ذاهب البصر، وأنه أصبح عندهم وهو يبصر.
قلت: ومعجزات النبي صلى الله عليه وسلم أعظم من ذلك.
توفي صرداح المذكور، في آخر جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة بالطاعون، في القاهرة، عفا الله عنه.
1216 - الأشرفي
...
- 778 هـ - ... - 1376 م
صرغتمش بن عبد الله الأشرفي، الأمير سيف الدين.
أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية، في دولة أستاذه الملك الأشرف شعبان ابن حسين.
كان خصيصاً عند الملك الأشرف، مقرباً عنده إلى الغاية. وهو من جملة الأمراء الذين سافروا معه إلى الحجاز. ولما وقع للملك الأشرف ما حكيناه في ترجمته، من رجوعه من عقبة أيلة، وانهزامه من مماليكه وأمرائه، وعوده نحو الديار المصرية، كان صرغتمش هذا ممن عاد معه. فلما وصلوا إلى القاهرة، دخلها الملك الأشرف واختفى بها، واختفى صرغتمش هذا، وأرغون شاه وغيره بقبة(6/341)
النصر خارج القاهرة، فدل عليه قازان البرقشي. فأرسل الأمراء، الذين وثبوا على الأشرف بالقاهرة، من قبض عليه وعلى رفقته، وحز رؤوسهم، وقدم بها إلى الأمراء بالقاهرة، في سنة ثمان وسبعين وسبعمائة.
وصرعتمش هذا، هو أستاذ الأمير الطواشي كافور الرومي الزمام، صاحب التربة بالصحراء.
1217 - الناصري صاحب المدرسة بالصليبة
...
- 759 هـ - ... - 1358 م
صرغتمش بن عبد الله الناصري، الأمير سيف الدين، صاحب المدرسة بالصليبة.
أصله من مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون، ومن كبار الأمراء في الدولة الناصرية حسن، ومدبر المملكة بعد موت الأمير شيخون الأتابك. ولما مات الأمير شيخون، عظم في الدولة واستطال، وأخذ وأعطى وزادت حرمته، وكثرت أمواله، ثم إنه لم يرض بما هو فيه وطلب غير ذلك. وبلغ الملك(6/342)
الناصر حسن خبره، فرسم السلطان لمماليكه بالقبض على صرغتمش المذكور، عند دخوله إليه في الخلوة. فلما دخل إليه، أمسكوه وأمسك معه الأمير طشتمر القاسمي حاجب الحجاب، وطيبغا الماجاري، وأزمر، وقماري، وجماعة من أمراء الطبلخانات.
فلما سمعوا مماليك صرغتمش، ركبوا وطلعوا إلى الرميلة، فنزل إليهم مماليك السلطان، وتقاتلوا من بكرة النهار إلى العصر. ونهبت دار صرغتمش ودكاكين الصليبة، ومسك من الأعاجم الذين بخانقاته جماعة، وذلك في يوم الإثنين العشرين من شهر رمضان سنة تسع وخمسين وسبعمائة. ثم حمل إلى الإسكندرية وسجن بها، إلى أن مات في ذي الحجة من السنة. وفي موتته أقوال، والله أعلم.
وكان أميراً جليلاً، مهاباً شجاعاً كريماً، لكنه كان عنده ظلم وعسف. وهو صاحب المدرسة التي أنشأها بالصليبة، وله مآثر غيرها. وعمر بمكة المشرفة ميضاة بين رباط الخليفة والبيمارستان المستنصري، وعمر أيضاً أماكن بالمسجد الحرام بمكة، وجدد المشعر الحرام.(6/343)
وكان مليح الصورة، جميلاً، يكتب جيداً، ويقرأ تجويداً، ويتكلم في الفقه والعربية بكلام مقبول، وكان جيد المشاركة حسن التصور.
ولما حبس بثغر الإسكندرية، كتب للملك الناصر حسن قبل موته بمدة يسيرة كتاباً، في أوله فائية ابن الفارض يتخضع له:
قلبي يحدثني بأنك متلفى ... روحي فداك عرفت أم لم تعرف
فلم يلتفت الملك الناصر إليه، وفعل ما كان مقدراً على صرغتمش المذكور، رحمه الله.
1281 - المحمدي
...
- 801 هـ - ... - 1399 م
صرغتمش بن عبد الله المحمدي القزويني، الأمير سيف الدين.
كان من جملة المماليك الظاهرية برقوق، ورقاه حتى جعله من جملة الأمراء.
ثم ولاه نيابة الإسكندرية، عوضاً عن الأمير قديد القلمطاوي، في يوم الخميس ثاني عشر شعبان، سنة تسع وتسعين وسبعمائة. وبها مات في جمادى الأولى سنة إحدى(6/344)
وثمانمائة، واستقر عوضه في نيابة الإسكندرية، الأمير فرج أستادار الأملاك والذخيرة.
1219 - القلمطاوي
...
- 852 هـ - ... - 1448 م
صرغتمش بن عبد الله القلمطاوي، الأمير سيف الدين. أحد أمراء العشرات.
هو من مماليك الأمير قلمطاوي الدوادار، وتأمر عشرة بعد موت أستاذه في الدولة الناصرية فرج. واستمر على ذلك سنين لا يلتفت إليه، إلى أن أخرج الملك الأشرف برسباي إقطاعه في وسط دولته، فأقام بطالا بداره، من قرب خوخة أيدمش سنين، إلى أن أنعم عليه الملك الأشرف بإمرة عشرة على عادته أولا، فدام على ذلك إلى أن مات في سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة بالقاهرة، وقد شاخ.
وكان رومي الجنس، وعنده بخل وسوء خلق، مع جبن وعدم بشاشة، رحمه الله تعالى وعفا عنه.(6/345)
1220 - صرق الظاهري
...
- 807 هـ - ... - 1405 م
صرق بن عبد الله الظاهري، الأمير سيف الدين، أحد مقدمي الألوان بديار مصر.
أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق، وترق، وترقي في الدولة الناصرية فرج، حتى صار أمير مائة ومقدم ألف. ثم ولى الكشوفية بالوجه البحري، فأبدع وفتك، وأشرف في القتل، إلى أن ولاه الملك الناصر فرج دمشق، عوضا عن الأمير شيخ المحمودي بحكم عصيانه. وتجهز المذكور للتوجه إلى دمشق، فورد الخبر بمجيء شيخ المذكور، مع جماعة الأمراء الذين خرجوا عصاة من القاهرة، أعنى بهم: يشبك الشعباني ورفقته. وخرج الملك الناصر فرج لقتالهم، ونزل بمنزلة السعيدية، فكبس شيخ ورفقته الملك الناصر بمنزلة السعيدية، وتقاتلوا من بعد عشاء الآخرة إلى بعد نصف الليل. ثم انكسر الملك الناصر، وقبض على صرق المذكور، وأتى به إلى بين يدي شيخ، فقتل صبرا، في ليلة الخميس المذكورة ثالث عشر ذي الحجة سنة سبع وثمانمائة.
وكان أميراً شجاعاً مقداماً، وعنده ظلم وجبروت. وهو والد خوند بنت صرق، زوجة الملك الناصر فرج، التي قتلها الناصر فرج، بدور الحرم من قلعة الجبل،(6/346)
بالسيف أشر قتله، تعبيرا على تهمة اتهمها بعض من له عندها غرض، أنها اجتمعت بالشهابي أحمد بن الطبلاوي بعد أن طلقها السلطان، فصدق السلطان ما قيل، فطلبها وقتلها عند كريمتي خوند صاحبة القاعة، ثم أحضر الملك الناصر ابن الطبلاوي المذكور، وضرب عنقه بيده في اليوم المذكور، والله أعلم بحقيقة ذلك.(6/347)
باب الصاد والقاف
1221 - ضياء الدين الحلبي الشافعي
559 - 653 هـ - 1163 - 1255 م
صمقر بن يحيى بن سالم بن يحيى بن عيسى بن صقر، الشيخ ضياء الدين أبو المظفر وأبو محمد الكلبي الحلبي الشافعي.
ولد سنة تسع وخمسين وخمسمائة تقريباً. وتفقه وسمع من يحيى بن محمود الثقفي، والخشوعي، وابن طبرزد. ودرس، وأفتى، وأفاد. روى عنه الدمياطي، وابن الظاهري، وأخوه أبو إسحاق إبراهيم، وسنقر القضائي، وتاج الدين الجعبري، وبدر الدين محمد بن التوزي، والكمال إسحاق، والعفبف إسحاق، وجماعة. وكان خيراً ديناً، أضر بآخره، حتى توفي سنة ثلاث وخمسين وستمائة، رحمه الله تعالى.(6/349)
باب الصاد والنون
1222 - صنجق الحسني
...
- 793 هـ - ... - 1391 م
صنجق بن عبد الله الحسني، الأمير سيف الدين نائب طرابلس.
كان من أعيان الأمراء بالديار المصرية، وتولى عدة مناصب جليلة، حتى أبعده الملك الظاهر برقوق، ونفاه إلى البلاد الشامية. فلما عصى الأمير يلبغا الناصري ومنطاش، على الظاهر برقوق، وافقهما صنجق المذكور، وانضم إليهما مع من وافقهما من الأمراء وغيرهم، لما كان في نفسه من برقوق. واستمر مع الناصري، إلى أن ملك الديار المصرية. وولاه نيابة طرابلس.
واستمر إلى أن خرج الظاهر برقوق من حبس الكرك، وملك الديار المصرية ثانياً، وحبس المذكور مدة، ثم قتل في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة.
وكان أميراً جليلاً. حكى صاحبنا، الرئيس شرف الدين الطرابلسي، عنه أشياء منها، أنه قال: كنت بخدمته في طرابلس سنين، فلم أسمعه يسب أحداً من غلمانه، وكانت الرعية تحبه. وفيه يقول بعض العوام:
قرابغا وصنجق ... ترك سادة عصيبة
وبزلار وجيشه ... مالهم على الناس أذية(6/351)
قلت: وصنجق بصاد مهملة مضمومة ونون ساكنة وجيم مضمومة وقاف، انتهى.
1223 - المنجكي
...
- 801 هـ - ... - 1399 م
صندل بن عبد الله المنجكي الطواشي الرومي، الأمير زين الدين خازندار الملك الظاهر برقوق، وصاحب الطبقة الصندلية بقلعة الجبل.
أصله من خدام الأمير منجك اليوسفي نائب الشام، ثم تنقل في الخدم، حتى صار بخدمة الظاهر برقوق، وحظي عنده إلى الغاية، وجعله خازندارا كبيرا، وقربه وأدناه، لما كان يعلم من دينه وخيره وعفته. وكان برقوق، بعد قتل أستاذه يلبغا العمري الخاصكي، خدم عند منجك اليوسفي، وصار له صحبة بصندل المذكور من حينئذ.
ونال صندل في الدولة الظاهرية برقوق، من الوجاهة والحرمة، مالم ينله غيره من أبناء جنسه، وهو مع ذلك لا يزداد إلا ديناً وصلاحاً وعفة.
قلت: وآنياته الذين هم من مماليك برقوق، يعني بالطبقة الصندلية، يعتقدون بركته، وقد حكى لي عنه غير واحد منهم، حكايات ما تقع إلا لكبار الصالحي(6/352)
ن من ذلك أنه كان لا يأكل من سماط السلطان، ولا من رواتبه شيئاً. بل كان له جهة حقيرة يتحقق حلها فكان قوته منها، وكان غالب أيامه يسرد الصوم، وكان لما يريد الفطر من صيامه، يأتيه الطباخ بزبدية واحدة فيها مقدار خمسة أرطال لحم، ثم علاها شوربه. قال بعضهم: فكنا نقعد نأكل معه من تلك الزبدية نحواً من عشرين نفراً، ويأكل هو أيضاً شبعه، ونشبع كلنا، ويفضل منه ما يأكله الغلمان. ومنها، أنه كان يدعو أن يكون موته قبل موت الملك الظاهر برقوق، فكان كذلك، فإنه توفي يوم ثالث شهر رمضان سنة إحدى وثمانمائة. وكانت وفاة برقوق، بعد نصف ليلة الجمعة خامس عشر شوال من السنة المذكورة.
ومما يدل على دينه وصلاحه، أنه مات وهو أعلى منزلة عند الملك الظاهر برقوق من كل أحد. وبعد هذا أبيع موجود وخيوله وقماشه، وما وجد له عين، الجميع لم يدخل ثلاثمائة دينار، ولا وجد له ملك. وإنما وقف بعض دور وحوانيت، على الصهريج الذي أنشأه بتربة أستاذه منجك، تجاه القلعة بالقرب من باب الوزير، وفي هذا كفاية.
هذا مع تمكنه عند الملك الظاهر برقوق، وطول مكثه في وظيفة الخازندارية،(6/353)
ومع ما ناله من الحرمة وانفراد الكلمة، واتساع الأرزاق في تلك الأيام، وعظيم سلطنة برقوق وضخامته. فلله در هذا الرجل الصالح.
قلت: هذا هو الزهد مع القدرة، لا كمن لا يملك شيئاً فيتزهد. وأيضاً لا كخدام زماننا هذا، فإنهم مع ما هم عليه من الحرفشة، وقلة الحرمة، واختلاف الرتبة، يخلف الواحد منهم موجوداً يزيد على مائة ألف دينار وأكثر. وثم في زماننا هذا، منهم من يمكن أن يكون موجوده أزيد من خمسمائة ألف دينار.
انتهت ترجمة صندل، رحمه الله وعفا عنه.(6/354)
باب الصاد والواو
1224 - صواب السهيلي
...
- 706 هـ - ... - 1306 م
صواب بن عبد الله السهيلي، الطواشي شمس الدين الخازندار.
كان خصيصاً عند الملك الظاهر بيبرس، مشاراً إليه في الدولة. وكان الملك الظاهر قد سلمه قلعة الكرك، لما علم من عقاه ومعرفته ودينه. واستمر بها إلى سنة إحدى وثمانين وستمائة. توجه في السنة المذكورة، في أيام السلطان الملك المسعود، نجم الدين خضر بن الملك الظاهر بيبرس، إلى الحجاز الشريف، في جملة الركب الشامي. فلما وصل إلى تبوك، لحقه الأمير عبية أمير بني عقبة وقبض عليه، وحمله إلى الملك المنصور قلاوون، ثم أخلع الملك الظاهر، وولاه نيابة الكرك ثانياً، وثوقا بأمانته وديانته. فلم يزل بها إلى أن مات، في سنة ست وسبعمائة، وقد قارب المائة سنة.(6/355)
قلت: ولعله صواب صاحب الطبقة من قلعة الجبل. والله أعلم.
1225 - صوماي الظاهري
...
- 820 هـ - ... 1417 م
صوماي بن عبد الله الحسني الظاهري، الأمير سيف الدين أحد أمراء الديار المصرية، ورأس نوبة في الدولة الناصرية ثم المؤيدية.
ولما قبض الملك المؤيد شيخ على الأمير بيبغا المظفري، وعلى قجق حاجب الحجاب، وعلى تمان تمر اليوسفي المعروف بأروق، في سنة سبع عشرة وثمانمائة، وحملهم إلى سجن الإسكندرية، كان صوماي المذكور هو مسفرهم، إلى أن وصل بهم إلى الإسكندرية. ثم عاد إلى القاهرة، حتى مات بها في حدود العشرين وثمانمائة تقريباً.
وكان تركيا سليم الباطن، عديم الشر، رحمه الله تعالى، وعفا عنه.(6/356)
حرف الضاد المعجمة
خال من التراجم لعدم وجود الأسماء في هذا الحرف.(6/357)
حرف الطاء المهملة
1226 - طابطا
...
- 748 هـ - ... - 1347 م
طابطا بن عبد الله الأمير سيف الدين، أحد المقدمين بدمشق، ووالد نائبها الأمير يلبغا اليحياوي، ووالد الأمير أسندمر، والأمير قراكز.
استقدمه ولده الأمير يلبغا من بلاد التتر، لما حظي عند أستاذه الملك الناصر محمد بن قلاوون. فقدم طابطا المذكور وولداه أسندمر وقراكز إلى الديار المصرية. ثم خرج مع ولده يلبغا لما خرج إلى نيابة دمشق، وصار من جملة مقدميها، إلى أن أمسك ولده يلبغا، في أيام الملك المظفر حاجي، وذبح. طلب(6/358)
طابطا المذكور وحبس بالإسكندرية، إلى أن أفرج الملك الناصر حسن عنه، في شهر رمضان، سنة ثمان وأربعين وسبعمائة. ثم مات بعد ذلك بمدة يسيرة، رحمه الله تعالى عفا عنه.
1227 - طاجار الدوادار
...
- 742 هـ - ... 1341 م
طاجار بن عبد الله الناصري الدوادار، الأمير سيف الدين.
أصله من مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون وخاصكيته، ثم ولاه الدوادارية بعد خجداشة الأمير بغا، بعناية القاضي شهاب الدين بن فضل الله، وعناية شرف الدين النشو ناظر الخاص. لأن طاجار كان صغيراً، وكانا كرهاً بغا، وتوهما أن طاجار يكون طوع ما يحاولانه، فلما تمكن. طاجار عاملهما بضد ما توهماه فيه وأملاه منه. وأنعم عليه الملك الناصر بإمرة طبلخاناة ثم إمرة مائة. وقال له الملك الناصر: ويلك يا طاجار. ما كان دوادار أمير مائة قط، وأنا أعطيتك إمرة مائة. فاجعل بالك مني، واقض أشغالي في ضمن أشغالك،(6/360)
ولا تقض أشغالي في ضمن أشغالك. وإذا دفع إليك أحد شيئاً من المال، أحضره إلى كاتبي النشو. فسمع طاجار ذلك، فاستمر في الدوادارية، إلى أن توفي الأمير طشتمر الساقي حمص أخضر نيابة صفد. كان طاجار المذكور مسفره، فأعطاه طشتمر مائة ألف درهم، ثم توجه إلى دمشق عند نائبها الأمير تنكز، فأنعم عليه أيضاً بجملة مستكثرة. وكان تنكز خارج دمشق بمرج الغسولة، فلما رأى طاجار خامه، قال: هذا أكبر من خام السلطان فبلغ ذلك تنكز، فوقعت العداوة بينهما. واستمر ذلك بينهما إلى أن أمسك تنكز، توجه طاجار مع الأمير بشتاك إلى دمشق للحوطة على مال تنكز، ثم عادا إلى القاهرة.
واستمر طاجار على ذلك، إلى أن مات الملك الناصر محمد، وملك بعده انبه الملك المنصور أبو بكر استمر طاجار دواداره أيضاً، وحسن للملك المنصور القبض على قوصون. فلما بلغ قوصون ذلك، خلع المنصور، وسلطن أخاه الملك الأشرف علاء الدين كجك، ثم أمسك طاجار المذكور وحبسه بالإسكندرية، إلى أن قتل مع الأمير بشتك، في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة.(6/361)
وكان طاجار أميراً لطيفاً، كثير اللعب والتهتك، وكان يحضر السماع، ولا يمل من الرقص. وكان بشتك يكرهه، ويضع منه عند السلطان. وكان متمولاً، يقال إنه لما أمسك، حمل من بيته ست صناديق ذهباً. وكان يميل إلى فعل الخير، وهو الذي عمر الخان الذي بجبنين، والحوض في طريق غزة، رحمه الله تعالى.
1228 - الناصري
...
- 763 هـ - ... - 1362 م
طاز بن عبد الله الناصري، الأمير سيف الدين، أحد أعيان الأمراء بالديار المصرية، ثم نائب حلب.
أصله من مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون، ومن خاصكيته. ثم تنقلت به الأحوال بعد موته، حتى صار من أعظم أمراء الديار المصرية، وهو كان أكبر الأسباب لخلع السلطان الملك الناصر حسن، وتولية أخيه الملك الصالح صالح. ولما تسلطن الملك الصالح صالح، وصار الأمر لطاز المذكور، ودام على ذلك سنين.(6/362)
ثم وقع بينه وبين جماعة من أكابر أمراء الدولة وحشة، وهم: الأمير مغلطاي، ومنكلي، وطاز هذا. فركب مغلطاي ومنكلي بآلة الحرب، وتوجها إلى قبة النصر خارج القاهرة فعند ذلك ركب طاز ومعه الملك الصالح والخاصكية، ونودي، أي من وجد أحداً من مماليك مغلطاي ومنكلي يقتله. فقتل من مماليكهم جماعة، ومسك منكلي ومغلطاي عند خليج الزعفران خارج القاهرة. وحبسا بخزانة شمائل، ثم أرسلا إلى الإسكندرية، واستولى طاز على المملكة. وأفرج عن شيخو اللالا، وبيبغا أرس ومنجك اليوسفي. وصار شيخون أتابك العساكر، وتولى بيبغا أرس نيابة حلب. وبقي الأمر في المملكة لثلاثة: طاز، وشيخون، وصرغتمش، فكان شيخو أتابك العساكر، وطاز أمير مجلس، وصرغتمش رأس نوبة النوب، وقبلاي نائب السلطنة، والأمر كله لطاز هذا، لعظم شوكته.
وقوي أمره في الدولة إلى الغاية، حتى أنه لما فرغ من بناء بيته والقصر الذي فيه، بالشارع خارج باب زويلة، تجاه حمام الفارقاني، عمل مأدبة، وعزم على السلطان والأمراء، ومد لهم سماطاً عظيماً. فلما فرغ السماط، وعزم السلطان على الركوب، قدم إليه أربعة أروس من الخيل، بسروج ذهب وكنابيش مزركش. وقدم لشيخون فرسين على تلك الهيئة، ولصرغتمش أيضاً فرسين، ولكل مقدم(6/363)
ألف فرساً، والجميع بقماش ذهب. ولم يعهد قبل ذلك نزول سلطان لبيت أمير، بعد الملك الناصر محمد بن قلاوون.
ثم وقع بين طاز وبين صرغتمش وحشة في الباطن. وصار شيخون يسكن الفتنة بينهما، إلى أن اتفق طاز مع حاشيته، أنه يخرج إلى الصيد، فإذا غاب عن القاهرة، يركب هؤلاء على صرغتمش وذويه ويمسكونهم في غيبته. كل ذلك استحياء من شيخون، فوقع ذلك. فلما سمع شيخون بركوبهم، أمر هو أيضاً مماليكه أن يركبوا، وكانوا سبعمائة مملوك، فركبوا مع صرغتمش، وقاتلوا جماعة طاز حتى هزموهم وقبضوا عليهم.
ثم خلع شيخون الملك الصالح صالح، وأعاد الملك الناصر حسن إلى الملك الناصر حسن إلى الملك.
كل ذلك وطاز في الصيد. فلما حضر طاز بعد أن طلب الأمان من شيخون، فأمنه بعد معاتبة. ودخل إلى السلطان حسن، فرسم له بنيابة حلب، عوضاً عن الأمير أرغون الكاملي، في سنة خمس وخمسين وسبعمائة.
فتوجه إلى حلب، ودام في نيابتها إلى سنة تسع وخمسين، أخذ في أسباب العصيان، ففطن به أمراء حلب، فكلموه في ذلك فأغلظ عليهم. ثم ركب من الغد، وحصل بينه وبينهم بعض قتال، ليس بذاك، ثم اصطلحوا على أنه يتوجه إلى القاهرة، فتوجه في السنة المذكورة. فلما قرب من غزة، أمسك(6/364)
وأرسل إلى الكرك، فحبس بها، ثم سمل وعمى، ثم أطلق بطالاً بدمشق، إلى أن توفي سنة ثلاث وستين وسبعمائة.
وكان أميراً جليلاً، شجاعاً مقداماً، عالي الهمة، ذا رأي وتدبير، ومعرفة وسياسة. وكان شكلاً حسناً جميلاً، حلو اللفظ، وعنده كرم وحشمة، رحمه الله تعالى.
وطاز بطاء مهملة وألف بعدها وزاي، انتهى.
1229 - طاز العثماني
...
- 788 هـ - ... - 1386 م
طاز بن عبد الله العثماني الأشرفي، الأمير سيف الدين، أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية.
هو من مماليك الملك الأشرف شعبان بن حسين، وممن قتل معه بعد عوده من العقبة، في سنة ثمان وثمانين وسبعمائة. تقدم ذكر هذه الواقعة، في ترجمة الملك الأشرف شعبان.
1230 - طاهر الخجندي
770 - 841 هـ - 1369 - 1437 م
طاهر بن أحمد بن محمد بن محمد، الشيخ عز الدين أبو المعالي بن الشيخ جلال(6/365)
الدين أبي طاهر بن الشيخ شمس الدين أبي عبد الله بن جلال الدين أبي محمد الخجندي، ثم المدني الحنفي.
ولد سنة سبعين وسبعمائة، وسمع على أبيه وغيره، وأجاز جماعة. وتفقه وبرع في الفقه، والأصول والنحو، وشارك في عدة فنون. وصار معدوداً من أعيان الحنفية، ومات يوم الإثنين ثاني رجب سنة إحدى وأربعين وثمانمائة.
1231 - طاهر بن حبيب
740 - 808 هـ - 1339 - 1406 م
طاهر بن الحسن بن عمر بن حسن بن عمر بن حبيب، الشيخ زين الدين أبو العز بن الشيخ بدر الدين أبي محمد الحلبي الحنفي، الإمام البليغ الأديب المنشئ.
ولد بعد الأربعين وسبعمائة بقليل، وسمع من إبراهيم بن الشهاب محمود وغيره. وأجاز له أبو العباس المرداوي خاتمة أصحاب ابن عبد الدايم، وجماعة. واشتغل وحصل، وبرع في الأدب وغيره، وصنف. وكتب في ديوان الإنشاء بحلب، ثم رحل إلى دمشق وأقام بها مدة، ثم توجه إلى القاهرة(6/366)
وكتب بها في ديوان الإنشاء، وولى وظائف غير ذلك. وكان يكتب الخط المنسوب، وله نظم ونثر. نظم تلخيص المفتاح في المعاني والبيان، وشرح البردة للبوصيري، وخمسها، وذيل على تاريخ والده.
ومن شعره:
قلت له إذ ماس في أخضر ... وطرفه ألبابنا يسحر
لحظك ذا؟ أو أبيض مرهف؟ ... فقال هذا موتك الأحمر
وله في الملك الظاهر برقوق لما قبض على منطاش وقتله:
الملك الظاهر في عزه ... أذل من ضل ومن طاشا
ورد في قبضته طائعاً ... نعيراً العاصي ومنطاشا
وله دو بيت مردوف:
أفدي رشأ مامر بي أو خطراً ... كالغصن رشيق
إلا ولقيت في هواه خطراً ... باللحظ رشيق
والسالف الوجنة عقلي قمراً ... آس وشقيق
مذ أسفر وجهه يحاكي قمراً ... للبدر شقيق(6/367)
وله أيضاً:
يا عاشق قم وانهض عجلا ... لحمى قمر ختم الرسلا
فالوقت صفا والعيش صفا ... والحب وفا وقضى الأملا
خير الرسل مهدى السبل ... بشفاعته يمحو الزللا
كالبدر سنا كالقضب جنا ... كالزهر حلا كالزهر علا
بزيارته وخفارته ... يشفي الغللا ونفى العللا
أفدي قمرا عقلي قمرا ... قضى وطرا صب وصلا
خير البشر خير البشر ... من فاق علا وزكا عملا
ما أسعده ما أرشده ... من قربه وبه اتصلا
هو سيدنا هو مقصدنا ... هو منجدنا مغنى النزلا
كم نوله من أم له ... ما أمله وجلاً وجلا
سر قاصده لتشاهده ... ولك الإسعاد إذ أقبلا
فصلاة الله تواصله ... وسلام رضى أن يتفضلا
انتهى.
توفي بالقاهرة يوم الجمعة سابع عشر ذي الحجة سنة ثمان وثمانمائة. رحمه الله وعفا عنه.(6/368)
1232 - المدلجي الزاهد
...
- 685 هـ - ... - 1286 م
طاهر بن عمر بن طاهر بن مفرج المدلجي المصري، الزاهد العابد، نزيل دمشق.
كان فقيهاً، وله فضل وزهد. قرأ قطعة من الفقه على الشيخ عز الدين ابن عبد السلام، وتسلك على جماعة من المشايخ. وكان له أحوال وكرامات، وأخبر بكسر التتار على حمص قبل وقوعه بأيام.
توفي سنة خمس وثمانين وستمائة، رحمه الله تعالى، ونفعنا ببركته.
1233 - محي الدين الصوري الكحال
597 - 665 هـ - 1201 - 1267 م
طاهر بن محمد بن طاهر بن خضر، محي الدين أبو الفرج بن أبي الفضل، الحكيم الكحال الأنصاري الصوري الأصل الدمشقي.(6/369)
ولد سنة سبع وتسعين وخمسمائة.
وكان فاضلاً، سمع من ابن طبرزد، والكندي، وجماعة. وروى عنه الدمياطي، وأبو محمد الفارقي، وجماعة. توفي سنة خمس وستين وستمائة، رحمه الله تعالى. وعفا عنه.(6/370)
باب الطاء والباء الموحدة
1234 - طبج المحمدي
...
768 هـ - ... 1384 م
طبج بن عبد الله المحمدي، الأمير سيف الدين.
كان أولا من جملة الأمراء، مقدمي الألوف بالديار المصرية. ثم وقع له أمور وحوادث، آلت إلى خروجه إلى دمشق، وصار بها أمير مائة ومقدم ألف. واستمر بها إلى أن توفي سنة ست وثمانين وسبعمائة. وطبج بطاء مهملة مضمومة وباء موحدة مضمومة أيضاً، وجيم. رحمه الله.(6/371)
باب الطاء والراء المهملة
1235 - الأتابك ثم نائب طرابلس
...
- 838 هـ - ... 1435 م
طرباي بن عبد الله الظاهري،، الأمير سيف الدين، أتابك العساكر، كان، ثم نائب طرابلس.
هو من مماليك الملك الظاهر برقوق، ومن رؤوس الفتن في الدولة الناصرية فرج. ولما كان الملك الناصر بدمشق، في سنة ثلاث وثمانمائة، يقاتل تيمورلنك، كان طرباي هذا، ممن اختفى مع سودون الطيار وغيره، وعاد إلى الديار المصرية مع رفقته، حتى يسلطنوا الشيخ لاجين الجاركسي. وبلغ جماعة الملك الناصر الخبر، فأخذوا الناصر وعادوا به إلى الديار المصرية. فكان ذلك من أكبر الأسباب لأخذ تيمور دمشق، وإلا لو استمر السلطان بالشام، لكان يعجز تيمور عن أخذ دمشق، ويعود بالخزي واللعنة.(6/373)
واستمر طرباي المذكور يثير الفتن، يقيم الشرور، إلى أن تسلطن الملك المؤيد شيخ، وأنعم عليه بإمرة الطبلخاناة بديار مصر. ثم وجهه في الرسلية إلى نوروز الحافظي، لما خرج عن طاعة الملك المؤيد. يأمره بالدخول في الطاعة، ويحذره المخالفة. فلم يلتفت نوروز لذلك، وعاد طرباي بجواب، ذكرناه في ترجمة المؤيد شيخ.
ولما انتصر الملك المؤيد على نوروز المذكور، أخلع على الأمير طرباي هذا، بنيابة غزة، فتوجه إليها، ودام بها، إلى أن عصى الأمير قاني باي المحمدي نائب الشام، وإينال الصصلاني نائب حلب، وسودون من عبد الرحمن نائب طرابلس، وتنبك البجاسي نائب حماة. وافقهم طرباي المذكور، على مخالفة الملك المؤيد، وتوجه إليهم، وبقي معهم إلى أن خرج الملك المؤيد شيخ لقتالهم. ووافاهم بالقرب من حلب، وقاتلهم حسبما ذكرناه في غير موضع. ثم انتصر الملك المؤيد عليهم، وقبض على إينال الصصلاني، وجرباش كباشة وتمان تمر اليوسفي أروق ثم قبض على قاني باي نائب الشام، وفر الباقون من حلب، حتى وصلوا إلى قرا يوسف بن قرا محمد صاحب تبريز وبغداد.(6/374)
فكان طرباي المذكور ممن فر إلى قرا يوسف، وأقام عنده، إلى أن توفي الملك المؤيد شيخ. في سنة أربع وعشرين وثمانمائة. وتسلطن ولده الملك المظفر أحمد أبو السعادات من بعده، وصار ططر أتابكه ونظام الملك. ثم توجه ططر في السنة المذكورة بالمظفر إلى دمشق، فقدم عليه طرباي هذا، مع من قدم من الأمراء من عند قرا يوسف، فرحب ططر به وبرفقته، ووعده في الباطن بكل خير. ولم يسعه إظهار ذلك، خوفاً من الأمراء المؤيدية حتى قبض عليهم الجميع حسبما هو مذكور في هذا الكتاب، في عدة تراجم ممن قبض عليهم. ثم خلع الملك المظفر، وتسلطن ولقب بالملك الظاهر أبو الفتح، أخلع على طرباي المذكور، بحجوبية الحجاب بالديار المصرية عوضاً عن الأمير إينال الشيخي المعروف بالأزعري. ثم قدم إلى الديار المصرية صحبة الملك الظاهر ططر.
واستمر على وظيفته إلى أن مات الظاهر ططر في السنة المذكورة، وتسلطن ولده الملك الصالح محمد بن ططر. ووقع ما حكيناه، من اتفاق طرباي هذا، مع الأمير برسباي الدقماقي، وقبضهما على الأتابك جانبك الصوفي. ولما قبض عليه، أخلع عليهما الملك الصالح محمد، باستقرار برسباي الدقماقي الدوادار الكبير نظام الملك، وعلي طرباي هذا واستقر أتابك العساكر، وذلك في يوم الإثنين ثالث ذي الحجة(6/375)
سنة أربع وعشرين وثمانمائة، وأن يسكن برسباي بطبقة الأشرفية بقلعة الجبل ويسكن طرباي في بيت الأمير الكبير على العادة.
واستمر الحال على ذلك، وأشيع بركوب طرباي المذكور على برسباي، وكثر الكلام في ذلك. وانقطع طرباي عن طلوع الخدمة السلطانية مدة، وعدى بر الجيزة للربيع. فأرسل إليه جماعة في الدس يطيبوا خاطره، ولا زالوا به حتى أذعن لطلوع الخدمة. هذا وحواشية تحذره الطلوع، فصار لا يلتفت إليهم وطلع إلى الخدمة. فلما انتهى السلطان من العلامة، وحضر السماط على العادة، تفاوض كل من الأميرين في الكلام مع الآخر. فكان كلام برسباي أن قال: الحال ضائع، والكلمة متفرقة، ولا بد من كبير ترجع الناس إليه في أمور الرعية. فقال قصروه من تمراز رأس نوبة النوب لبرسباي، أنت كبيرنا، افعل ماشئت. فقال: إذا اقبضوا على هذا، وعني طرباي صاحب الترجمة. فجذب طرباي سيفة ليدفع عن نفسه، وقام من مجلسه، فسبقه الأمير برسباي وضربه بالسيف ضربة، جاءت في يده كادت تبينها، ثم بادره قصروه وعاقه عن القيام، وتقدم إليه تغرى بردى المحمودي وقبض عليه. وحمل من وقته وقيد، وقد تضمخ(6/376)
بدمه. ووقعت الضجة بالقصر السلطاني ساعة، ثم سكنت عندما رأى أصحاب طرباي أن الأمر فاتهم، وتكسر بعض صيني. ثم أخرج من الغد، يوم الجمعة خامس شهر ربيع الأول سنة خمس وعشرين وثمانمائة، إلى الإسكندرية فحبس بها. وخلا الجو للأمير برسباي، فتسلطن، ولقب بالملك الأشرف.
واستمر طرباي في السجن مدة طويلة، إلى أن أطلقه الملك الأشرف برسباي وأرسله إلى القدس بطالاً، فأقام بالقدس مدة يسيرة. وولاه نيابة طرابلس، بعد عزل الأمير جرباش الكريمي المعروف بقاشوق عنها، في جمادي الآخرة سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة، فتوجه طرباي إلى طرابلس، وباشر نيابتها مدة طويلة. وقدم القاهرة، فأكرمه الملك الأشرف وأجل مقدمه، وأخلع عليه باستقراره في نيابة طرابلس.
ومن جملة إكرامه له مما شاهدته، وهو أنه لما خلع عليه خلعة السفر، وقبل طرباي الأرض، وأراد أن يمشي إلى الأشرف، قام الأشرف عن المدورة، ومشى خارج القصر حتى لا يلقاه جالساً، وعانقه. فأهوى طرباي ليقبل رجله، فمنعه من ذلك، وصار يحادثه حتى افترقا. ولم يلتقيا بعد ذلك، حتى خرج الملك الأشرف إلى البلاد الشامية، وتوجه إلى آمد، في سنة ست وثلاثين وحصرها، ثم عاد نحو الديار المصرية، وأخلع على طرباي باستمراره في نيابة طرابلس على عادته.(6/377)
ولما كان الملك الأشرف بآمد، تحدثت الناس بوقوع فتنة من قبل جارقطلو نائب الشام، ومن قبل طرباي المذكور، وشاع في ذلك على أفواه الناس، ولم يقع ذلك. واستمر طرباي في نيابة طرابلس؛ إلى أن توفي بها فجأة على مصلاه، بكرة نهار السبت رابع شهر رجب سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة، بعد صلاة الصبح، وقد أناف على الستين.
وكان أميراً جليلاً شجاعاً، ديناً عفيفاً عن القاذورات، غزير العقل، حسن الشكالة، ضخماً، وعنده إقدام وبعض تكبر. وكان يميل إلى أبناء جنسه الجراكسة دون غيرهم. رحمه الله تعالى.
1236 - طرجي الساقي
...
- 731 هـ - ... - 1331 م
طرجي بن عبد الله الناصري الساقي، الأمير سيف الدين.
أصله من جملة مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون، وساقيه، ثم رقاه إلى أن جعله أمير مجلس، إلى أن توفي. وأظن هذه الوظيفة ما عظمت(6/378)
إلا في زماننا هذا والذي قبله بمدة يسيرة، وهو أن ابن كثير قال: ولما توفي طرجي في يوم الثلاثاء خامس شهر ربيع الآخرة سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، أنعم الملك الناصر بإقطاعه طبلخاناة على الأمير أولاجا. وتولى عوضه في إمرة مجلس طقزدمر. انتهى كلام ابن كثير.
قلت: هذا يحتمل، ويحتمل إما أن إمرة مجلس كانت أولا هينة، فيكون صاحبها أمير طبلخاناة، ثم عظمت في زماننا هذا. وإما أنهم كانوا يسمون المقدم طبلخاناة أيضاً، لكون الطبلخاناة تدق على بابه. أما الطبلخاناة في زماننا هذا فهي إمرة أربعين. انتهى.
1237 - الجاشنكير نائب حلب وطرابلس
...
- 743 هـ - ... 1343 م
طرغاي بن عبد الله الناصري، الأمير سيف الدين.(6/379)
أصله من مماليك الطباخي الجاشنكير، وهو خجداش الأمير أيدغمش، وهو أحد من أنشأه الملك الناصر محمد بن قلاوون، ورقاه حتى ولاه نيابة حلب، عوضاً عن الأمير ألطنبغا الصالحي، في سنة تسع وثلاثين وسبعمائة. فدخل حلب وحكمها، وحمدت سيرته، واستمر إلى سنة إحدى وأربعين أو اثنتين وأربعين وسبعمائة، عزل وقدم إلى القاهرة أميراً بها.
واستمر بالقاهرة، إلى أن توجه منها لحصار الملك الناصر أحمد بن محمد بن قلاوون بالكرك. وعاد، فأنعم عليه بنيابة طرابلس، في سنة ثلاث وأربعين، فتوجه إليها واستمر بها، إلى أن مات في شعبان سنة ثلاث وأربعين المذكورة.
وكان مشكور السيرة، ديناً، كثير الصدقات، رحمه الله.
وطرغاي اسم طير باللغة التركية، بطاء مهملة مضمومة، وراء مهملة ساكنة، وغين معجمة، وألف وياء مثناة من تحت، وقيل بلا ألف. رحمه الله تعالى. وعفا عنه. انتهى.(6/380)
1238 - التتري
...
- 696 هـ - ... - 1297 م
طرغاي بن عبد الله التتري، أحد أمراء المغل.
قال ابن حبيب في تاريخه: سنة خمس وتسعين وستمائة، فيها، وفد الأمير طرغاي أحد أكابر أمراء المغل إلى الديار المصرية، وصحبته نحو عشرة آلاف من المغل الأويراتية، خوفاً من الملك غازان، ورغبة في الدخول إلى دار الإمارة والإيمان. فقابلهم المسلمون بالإقبال، وتلقوهم بالترحاب والاحتفال. ومنحهم أرباب الدولة بالإكرام، وأفاضوا عليهم ملابس الإحسان والإنعام، وأجروا على أكابرهم الإقطاعات والرواتب، ورفعوا أعيانهم إلى ذي المنازل(6/381)
والمراتب. واستقر أمرهم، وتضاعف حمدهم وشكرهم، وسكنوا ديار مصر وبلاد الشام. ولبثوا مسرورين بما حصل لهم من السلامة والإسلام. انتهى كلام ابن حبيب برمته.
1239 - طرمش
...
- 801 هـ - ... - 1399 م
طرمش بن عبد الله، الأمير سيف الدين، دوادار الأمير الكبير كمشبغا الحموي.
كان أولا بخدمة الأمير كمشبغا، ثم صار من جملة أمراء حلب. وبنى بها جامعاً مليحاً ببانقوسا، ووقف عليه أوقافاً، وهو معروف به. ثم نقله الملك الظاهر برقوق، إلى حجوبية الحجاب بطرابلس، عوضاً عن الأمير أسندمر، وأقام بها مدة. وبنى بطرابلس أيضاً تربة، ووقف عليها وقفا، ثم توجه منها إلى حصن الأكراد، بعد سنة إحدى وثمانمائة، فتوفي بحصن الأكراد.(6/382)
وكان مشكور السيرة، ذكرنا لغرابة اسمه. وطرمش بضم الطاء المهملة، وسكون الراء المهملة، وكسر الميم وسكون الشين المعجمة، ومعناه باللغة التركية قام.
1240 - نائب الشام
...
- 792 هـ - ... - 1389 م
طرنطاي بن عبد الله، الأمير سيف الدين، نائب دمشق.
كان أولا من جملة أمراء دمشق، ثم ولي حجوبية الحجاب بها. ولما ولي الحجوبية، شدد على العوام وأبادهم، وحرض على النهي عن بيع المنكرات، وعن السكر، وعاقب على ذلك خلائق. واستمر على ذلك مدة، وعظمت حرمته، وقويت هيبته على العوام إلى الغاية، وحسنت به أحوال الرعية. واستمر على ذلك، إلى أن طلب الأمير ألطنبغا الجوباني نائب دمشق إلى الديار المصرية، وأمسكه الملك الظاهر برقوق، بالقرب من قطيا قبل وصوله إلى القاهرة، وحبسه بالإسكندرية. فعند ذلك، أرسل الملك الظاهر إلى طرنطاي المذكور، تشريفاً بنيابة دمشق، عوضاً عن الجوباني، وذلك في سلخ شوال سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، فوصل إليه التشريف السلطاني في أوائل ذي القعدة.(6/383)
واستمر في نيابة دمشق، واشتغل بحرب منطاش عن العوام، فصار مثلا بين عوام الشام يقولون: طرنطاي، وطالما أخذ نيابة الشام.
حدثني صاحبنا الرئيس شرف الدين موسى الطرابلسي قال: كنت بدمشق لما كان طرنطاي حاجباً بها، وكان يحرض على النهي عن الخمور والمسكرات. وكان الناس لما يجلسون بمكان يكثرون من ذكر طرنطاي وما وقع له. فجلسنا يوماً وتحاكينا ما وقع له مع الناس في هذا المعنى، فحكى عنه بعض من حضر قال: وقع لي مع طرنطاي واقعة غريبة، وهو أني مضيت بعض الأيام متنزهاً بدمشق، وأبعدت عن الطريق والناس إلى الغاية. وقلت في نفسي: هذا مكان لم يصل إليه أحد، ثم أخرجت مشروباً كان معي، واستأنست بروحي حتى حصل لي البسط الكامل، وأخذ مني السكر حديث، فطربت وغنيت. حتى كانت مني التفاتة إلى خلفي، فإذا أنا بطرنطاي واقف على رأسي بفرسه، وهو يتفرج في وأنا لا أعلم به، فقمت حال وقوع بصري عليه واقفاً على قدمي، وقلت له: الله معك يا خوند فقال: ليش أبعدت وجيت هنا. فقلت: خوفاً من واش يطرقني يا خوند. ففطن لها، ثم قال: وما هذا الذي في هذه الصراحية،(6/384)
فقلت من غير أن أهزل: سكر يا خوند. فقال: أو يكون سكراً أحمر؟ فلم أجد بداً من الدعابة وإلا هلكت. فقلت: رأت وجهك يا خوند استحت، فلعن الله من لا يستحي ومن يشوش على الناس. فلما سمع كلامي تبسم وأطرق ساعة، ثم ولي عنان فرسه ومضى حيث أتى، وشاعت هذه الحكاية بدمشق فقيل طرنطاي وطي.
قلت: وقد نسبت هذه الواقعة لغير طرنطاي من الملوك، والعهدة فيها على الحاكي والله أعلم.
واستمر طرنطاي في نيابة دمشق، إلى أن قدمها الأمير يلبغا الناصري ومنطاش، وخرج إليهم طرنطاي صحبة العسكر السلطاني المصري والشامي، وتقاتل مع الناصري ومنطاش حتى انهزم، وقتل الأمير جاركس الخليلي أمير آخور، وقبض على الأتابك أيتمش وعلي طرنطاي المذكور، وحبس بقلعة حلب إلى أن(6/385)
ملكها الأمير كمشبغا الحموي، بعد خروج برقوق من حبس الكرك أطلقه وأنعم عليه، وأقام عند كمشبغا، وقاتل أهل البانقوسة معه، ثم سيره إلى الملك الظاهر برقوق، فوافاه بظاهر دمشق، فقبل الأرض بين يديه وأقام عنده، حتى وصل منطاش بالملك المنصور إلى ظاهر دمشق، وواقع برقوق، فقاتل الأمير طرنطاي المذكور يومئذ بين يدي برقوق، حتى قتل في المعركة في يوم الأحد سادس عشر المحرم سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة.
وكان أميراً جليلاً، مهاباً مطاعاً، عادلاً في حكمه، مشكور السيرة، منقاداً إلى الخير. جدد بحلب المدرسة خارج باب النيرب، وعمل لها خطبة، ووقف على ذلك وقفاً جيداً، ومات وهو من أبناء الخمسين، رحمه الله.
1241 - المنصوري نائب السلطنة بمصر
...
- 689 هـ - ... 1290 م
طرنطاي بن عبد الله المنصوري، الأمير حسام الدين أبو سعيد.
قال العلامة شهاب الدين أبو الثناء محمود في تاريخه: لم يكن له نظير في معرفته وفطنته، وذكائه وشجاعته، وإقدامه وحسن تدبيره، وسياسته مع المهابة الشديدة.(6/386)
تنقلت به الأحوال، كان في أول أمره مملوكاً لأحد أولاد الموصلي، ثم اشتراه الملك المنصور قلاوون من سيده. فلما رأى فيه مخايل النجابة، ترقى عنده إلى أن جعله أستاداره، فرأى من كفايته ما أرضاه، فصار هو المستولى على أمره لا يخرج عن رأيه في جليل الأمور وحقيرها، ولم يكن السلطان الملك المنصور يفارقه. ولما اقتضت السلطنة إلى الملك الأشرف خليل يعني ولد قلاوون استبقاه أياماً، إلى أن استقر قدمه أمسكه، وانتهى الأمر إلى هلاكه.
وكان خلف أموالاً لا تحد ولا توصف، وكان رحمه الله فرداً في الأمر، لولا شحه وبذاءة لسانه، انتهى كلام الشهاب محمود.
وقال غيره: لما أمسك الملك الأشرف خليل طرنطاي نائب السلطنة يعني صاحب الترجمة وسجنه بقلعة الجبل، بسط عليه أنواع العذاب إلى أن مات. وبقي ثمانية أيام لا يدري به، فلف في حصير وكفن كآحاد الفقراء، بعد أن أخذ من حواصله ستمائة ألف دينار وإحدى وسبعين قنطاراً بالمصري فضة. وقيل إنه حمل إلى زاوية أبي السعود، فغسله وكفنه الشيخ عمر خادم الزاوية من عنده، ودفنه قبلى الزاوية، إلى أن تسلطن كتبغا، نقله إلى مدرسته التي أنشأها بقرب داره بالبندقانيين داخل القاهرة، انتهى.
وقال الحافظ أبو عبد الله الذهبي: أمسك الأمير طرنطاي المنصوري في ذي(6/387)
القعدة سنة تسع وثمانين وستمائة، وبسط عليه العذاب إلى أن تلف وأمسك مملوكه الأمير بدر الدين المسعودي بدمشق. انتهى.
1242 - البجمقدار
...
- 748 هـ - ... - 1347 م
طرنطاي بن عبد الله البجمقدار، الأمير حسام الدين.
كان من جملة الأمراء بالقاهرة، إلى أن ولي تنكز نيابة الشام، صار طرنطاي هذا حاجباً بدمشق، ولم يزل معظماً عند تنكز إلى سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة تغير ما بينهما. وتأكدت الوحشة وعزل من الحجوبية، ثم عاد إليها لما ولي الأمير ألطنبغا نيابة دمشق، ولما توجه العسكر إلى حلب في نوبة طشتمر حمص أخضر، كان هو المشير المدبر.
ثم انتقل في دولة الصالح إلى نيابة غزة، فتوجه إليها وأقام نحو السنة. ثم طلب إلى الديار المصرية، فتوجه إليها في شعبان سنة أربع وأربعين وسبعمائة، فرسم له أن يكون حاجب. ولما توفي الأمير سنجر الجاولي أنعم عليه بإقطاعه،(6/388)
فأقام بالقاهرة حاجباً كبيراً، إلى أن توفي الملك الصالح إسماعيل، أخرج إلى نيابة حمص، عوضاً عن الأمير إياز الساقي، فتوجه إليها. ثم ورد المرسوم برده إلى دمشق، ويتوجه الأمير قطلقتمر الحاجب بدمشق إلى نيابة حمص فرد الأمير حسام الدين لاجين طرنطاي هذا من منزلة القسطل، وأقام بدمشق مدة يسيرة إلى أن أمسك الأمير آل ملك نائب صفد، ولى صفد عوضه الأمير أراق نائب غزة، وولى نيابة غزة عوضاً عن أراق الأمير أولاجا نائب حمص، فولى نيابة حمص طرنطاني هذا عوضه.
فأقام طرنطاي بحمص مدة يسيرة، إلى أن برز الأمير يلبغا اليحياوي إلى ظاهر دمشق، في آخر أيام الملك الكامل شعبان، كان الأمير طرنطاي هذا أول من جاء إليه وهو في محفة.(6/389)
ولما تسلطن الملك المظفر حاجي، استقر به أميراً بدمشق أيضاً، ولم يزل بها إلى أن مات في يوم الجمعة، بكرة خامس شعبان المكرم سنة ثمان وأربعين وسبعمائة. وخلف ولده واحداً يسمى أمير علي، أحد أمراء الطبلخانات بدمشق.
وكان طرنطاي أميراً عاقلاً، له ثروة زائدة، لم يكن في زمانه أحسن حالا منه في سكنه ودائرته ومماليكه، رحمه الله تعالى، وعفا عنه.(6/390)
باب الطاء والشين المعجمة
1243 - الدوادار
...
- 752 هـ - ... 1351 م
طشبغا بن عبد الله الدوادار الناصري، الأمير سيف الدين.
كان أول من جملة الأمراء بالديار المصرية. فلما خرج الأمير جرجى الدوادار من القاهرة، في أول دولة الملك الناصر حسن، استقر الأمير طشبغا هذا دواداراً عوضه، في شهر رمضان سنة ثمن وأربعين وسبعمائة، انتهى.
1244 - الساقي
...
- 749 هـ - ... - 1348 م
طشبغا بن عبد الله الساقي، الأمير سيف الدين.
كان من جملة الأمراء بالقاهرة، ولما تسلطن الملك الناصر حسن صار طشبغا المذكور أمير ومقدم ألف بالديار المصرية. فأقام على ذلك مدة إلى(6/391)
أن أقيم ألجبغا إلى دمشق، فأخرج طبشغا المذكور بعده إلى حماة، صحبة علم الدين قيصر لابريدي على إمرة طبلخاناة، عوضاً عن الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير لاجين أمير آخور، في سنة أربعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
1245 - حمص أخضر الساقي
....
- 743 هـ -.... - 1342 م
طشتمر بن عبد الله الناصري الساقي، الأمير سيف الدين، المشهور حمص أخضر.
هو من مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون، وأحد خواصه. ترقي في دولة أستاذه، ثم من بعده، حتى صار من جملة الأمراء بالقاهرة. ثم ولى نيابة صفد، ثم نقل إلى نيابة حلب عوضاً عن طوغان الناصري في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، فباشر نيابة حلب مدة. وكثر الكلام في حقه، ووقع له أمور أوجبت خروجه إلى بلاد الروم.(6/392)
ثم طلب إلى الديار المصرية فتوجه إليها، وولي نيابة السلطنة بها في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة. فاستمر في النيابة خمسة وثلاثين يوماًن وقبض عليه في يوم السبت عشرين ذي القعدة من السنة. ولما توجه الملك الناصر أحمد بن الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى الكرك، أخذه معه في محفة لعجزه عن الركوب وهو مقيد، فكان ذلك آخر العهد به.
قال ابن حبيب في تاريخه: كان وافر الحرمة، ظاهر الحشمة، عزيز الهمة عوناً عند المسألة. جزيل الأموال، كثير الجود والأفضال. كبيراً في الدولة، معروفاً بالسطوة والصولة. مهيب المنظر، ملقباً بالحمص الأخضر. ذا نفس قوية، وكف سخية. يعطف على السائلين، ويحسن إلى الفقراء والمساكين. ولي نيابة السلطنة بصفد وبحلب والديار المصرية، واستمر إلى أن رحل مع الناصر أحمد إلى الكرك، وبسيفه أدركته المنية.
وفيه يقول صلاح الدين أبو الصفا خليل الصفدي:
طوى الردى طشتمرا بعدما ... بالغ في دفع الأذى واحترس
عهدي به كان شديد القوى ... أشجع من يركب ظهر الفرس
ألم تقولوا حمصا أخضرا ... فاعجب له ما صاح كيف اندرس(6/393)
قلت: وهو الذي بنى الدار العظيمة والربع الذي بجانبها، في حدرة البقر خارج القاهرة، والجامع بالصحراء، ومأذنته غاية في الحسن وفي جودة العمل، وعمر الجامعين بالزربية، والربع الذي بالحرير بين داخل القاهرة.
وكان شجاعاً مقداماً، كريماً، كثير الإنعام والإيثار، رحمه الله تعالى.
1246 - المحمدي الأتابك
...
- 779 هـ - ... - 1377 م
طشتمر بن عبد الله المحمدي، الأمير سيف الدين، كان يعرف باللفاف.
وكان من جملة أمراء العشرات بالقاهرة، في دولة الملك الأشرف شعبان بن حسين. واستمر على ذلك إلى أن قصد الملك الأشرف الحج، وخرج من الديار المصرية، وثارت الفتنة بعد خروجه بالقاهرة، ووقع ما حكيناه في عدة أماكن. كان طشتمر المذكور من جملة رؤوس الجماعة الذين خرجوا على الملك الأشرف، وسلطنوا ولده المنصور علي، وصار من إمرة عشرة إلى أتابكية العساكر بالديار المصرية، وكان حريصاً على الإمرة، وقيام الفتنة، فلما حصل له مارامه من الإمرة سلبه الله إياها، ومات في أوائل المحرم سنة تسع وسبعين وسبعمائة بالطاعون، عفا الله عنه(6/394)
1247 - العلائي الدوادار
...
- 786 هـ - ... - 1384 م
طشتمر بن عبد الله العلائي الدوادار، الأمير سيف الدين.
كان من أجل الأمراء وأعظمهم، وتنقل في عدة وظائف جليلة. ولي الدوادارية الكبرى بالديار المصرية، وطالت مدته فيها. وهو أول دوادار صار أمير مائة ومقدم ألف. ثم نقل إلى نيابة دمشق فباشرها مدة، ثم عزل وطلب إلى الديار المصرية، واستقر بها أتابك العساكر.
واستمر إلى أن وثب الأمير زين الدين بركة، والأمير سيف الدين برقوق على الأمراء. وصارا هما صاحبا العقد والحل في مملكة الديار المصرية، أمسكا طشتمر هذا، ووجهاه إلى ثغر دمياط بطالا، فأقام بالثغر مدة، ثم نقل إلى القدس الشريف، فدام به إلى أن مات في سنة ست وثمانين وسبعمائة.
وكان خير ملوك زمانه حزماً وعزماً، وكرماً وشهامة، وسؤددا ونباهة. وكان عاقلاً سيوسا، مدبراً فاضلاً ذكياً، محباً لأهل العلم والخير والصلاح،(6/395)
كثير الاجتماع بالعلماء والفضلاء، حريصاً على تلاوة القرآن، وكان له ميل إلى مذاكرة الشعر وغيره، وكان يسمع الألحان ويطرب. وكانت الأيام به في غاية الحسن، وأحوال الناس على السداد، وأمور الناس ساكنة لحسن تدبيره، وعدم طعمه، وجودة تنفيذه في تصرفات الدولة. ولم يزل أمر الناس مستقيماً، حتى قبض عليه، وصار الأمير لبرقوق وبركة، وفعلا في المملكة ما الناس في شره إلى يومنا هذا. ثم استقل برقوق بالأمر، وقلب ترتيب المملكة ظهر البطن، هو ومن جاء من بعده إلى يومنا هذا، من تقديمه لأبناء جنسه دون غيرهم، وإعطائه الإقطاعات الهائلة إلى أقاربه الأجلاب الصغار، وتوليته إياهم الوظائف السنية، وهذا هو أكبر الأسباب لاضمحلال المملكة. وأي أمر أعظم من تقديم الأصاغر على الأكابر، وهذا بخلاف المتقدمين من الملوك، لأنهم كانوا لا يعرفون جنساً بعينه، وحيثما وجدوا في شخص نجابة أو شجاعة قدموه وقربوه وأدنوه، فكان لا يلي وظيفة إلا من يستحقها. انتهى.(6/396)
باب الطاء والطاء
1248 - الملك الظاهر أبو الفتح
...
- 824 هـ - ... - 1421 م
ططر بن عبد الله الظاهري، السلطان الملك الظاهر أبو الفتح سلطان الديار المصرية والبلاد الشامية.
كان من جملة مماليك الملك الظاهر برقوق، وممن انضم على الأمير ونوروز في الدولة الناصرية فرج، بعد موت الأمير جكم من عوض. فإنه كان أولا توجه إلى جكم وأقام عنده، فلما قتل جكم انضم على شيخ ونوروز ودام معهما، إلى أن قتل الملك الناصر فرج، ودخل الأمير شيخ المحمودي صحبة السلطان والخليفة المستعين بالله العباسي إلى الديار المصرية، قدم معه ططر المذكور وتأمر بعد سلطنة الملك المؤيد. ولا زال يترقى حتى صار أمير مائة. ومقدم ألف بالديار(6/397)
المصرية. ولما توجه الملك المؤيد لقتال قاني باي المحمدي نائب الشام، في سنة ثماني عشرة وثمانمائة، جعل ططر هذا نائب الغيبة بالديار المصرية، وسكن باب السلسلة إلى أن عاد الملك المؤيد إلى القاهرة، وأخلع عليه بعد مدة، في يوم الخميس العشرين من شهر رجب سنة عشرين وثمانمائة، باستقراره رأس نوبة النوب، عوضاً عن بردبك قصقا بحكم انتقاله إلى نيابة طرابلس.
واستمر ططر على ذلك إلى سنة إحدى وعشرين، استقر في إمرة مجلس، واستقر عوضه رأس نوبة النوب الأمير ألطنبغا من عبد الواحد المعروف بالصغير. فدام ططر على ذلك إلى أن مرض الملك المؤيد ومات، بعد أن أوصى إليه بالتكلم على ابنه الملك المظفر أحمد بن شيخ، هو والأتابك ألطنبغا القرمشي والأمير قجقار القردمي، وأن يكون التحدث في أمور الدولة للأمير الكبير ألطنبغا القرمشي، وكان القرمشي في التجريدة بالبلاد الشامية.
فلما مات الملك المؤيد، قبض ططر على قجقار القردمي، وصار هو المتكلم في المملكة. وأنعم على جماعة الملك المؤيد بإقطاعات الأمراء الذين في التجريدة، حتى تم له الأمرو التكلم، وأخذ وأعطى، حتى ورد عليه الخبر بعصيان الأمير جقمق الأرغون شاوي الدوادار نائب الشام، وأنه بعث يستميل(6/398)
الأمير الكبير ألطنبغا القرمشي بمن معه، وأنه مال إليه، وقدم دمشق بعد ما قتل يشبك نائب حلب، ووقع بينهما فتنة آلت الحرب، وانكسر جقمق.
وكان ططر قد عزم على خروج الملك المظفر إلى البلاد الشامية، فعند ذلك أنفق في المماليك السلطانية لكل مملوك مائة دينار. وخرج بالسلطان والخليفة والقضاة والعساكر المصرية على العادة، في يوم الثلاثاء تاسع عشر شهر ربيع الآخر سنة أربع وعشرين وثمانمائة. فعندما قارب ططر دمشق، خرج منها الأتابك ألطنبغا القرمشي لتلقيه، والتقيا، فأكرمه ططر، ومشى القرمشي على يمين السلطان الملك المظفر وططر عن يساره، حتى دخلوا الجميع إلى دمشق، في يوم الأحد خامس عشر جمادى الأولى. وطلعوا إلى قلعة دمشق، في ساعة استقرارهم بالقلعة، قبض الأمير ططر على الأتابك ألطنبغا القرمشي، وعلى الأمير ألطنبغا المرقبي حاجب الحجاب، وعلي الأمير جرباش، وعلي الأمير أردبغا أحد الألوف بدمشق، وعلي الأمير بد الدين حسن بن محب الدين الأستادار كان. ثم أصبح من الغد يوم الإثنين، أخلع على الأمير تنبك العلائي الظاهري المعروف بميق باستقراره في نيابة دمشق، عوضاً(6/399)
عن جقمق الأرغون شاوي، وعلي الأمير إينال الجكمي رأس نوبة النوب باستقراره في نيابة حلب، عوضاً عن ألطنبغا الصغير الذي ولاه القرمشي بعد قتل يشبك المؤيدي، وعلي الأمير يونس الركني أتابك دمشق باستقراره في نيابة غزة، عوضاً عن أركماس الجلباني بحكم استقرار الجلباني في نيابة طرابلس، عوضاً عن شاهين الزردكاش، ثم أرسل الأمير ططر بجماعة من الأمراء إلى قلعة صرخد في طلب جقمق نائب الشام.
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرة، فيه قدم جماعة من الأمراء، الذين كانوا تسحبوا بعد وقعة قاني باي نائب الشام إلى قرا يوسف، خوفاً من الملك المؤيد شيخ وهم: الأمير طرباي نائب غزة كان، والأمير سودون من عبد الرحمن نائب طرابلس كان، والأمير تنبك البجاسي نائب حماة كان، والأمير يشبك الجكمي الدوادار الثاني كان، والأمير جانبك الحمزاوي نائب طرسوس كان. فرحب بهم الأمير ططر وأخلع عليهم، ثم توجه ططر بالسلطان إلى حلب ودخلها(6/400)
وأقام بها نيفاً وأربعين يوماً، وعزل نائبها الأمير إينال الجكمي بالأمير تغرى بردى الأقبغاوي المؤيدي المعروف بأخي قصروه، ثم خرج ططر من حلب عائداً إلى دمشق في يوم الإثنين ثاني عشر شعبان، فدخل دمشق في يوم السبت عشرين شعبان في خدمة الملك المظفر أحمد بن شيخ.
وكان ططر قد تزوج بوالدة الملك المظفر خوند سعادات، بعد خروجه من الديار المصرية، فاستمر ططر بدمشق إلى يوم الأربعاء ثامن عشرين شعبان المذكور، وطلع الأمراء إلى الخدمة على العادة، فلما تكامل حضور الأمراء أمر الأتابك ططر بالقبض على من يذكر من الأمراء المؤيدية، فقبض عليهم وهم: الأمير علي باي المؤيدي الداودار الكبير، وعلي مغلباي الساقي المؤيدي أحد أمراء الطبلخاناة، ثم علي الأمير إينال الأزعري حاجب الحجاب بالديار المصرية، ثم علي إينال الجكمي نائب حلب، وقد استقر أمير سلاح، وعلي سودون اللكاشي أحد مقدمي الألوف بالقاهرة، وعلي جلبان أمير آخور أحد مقدمي الألوف بالقاهرة أيضاً، وهما ممن كانا في التجريدة صحبة ألطنبغا القرمشي، وعلي الأمير يشبك أنالي المؤيدي رأس نوبة النوب، وأنالي يعني له أم باللغة التركية، وعلي الأمير أزدمر الناصري أحد المقدمين بالقاهرة أيضاً.(6/401)
ثم عزم الأتابك ططر على خلع الملك المظفر فخلعه في تاسع عشرين شعبان سنة أربع وعشرين وثمانمائة، فكانت مدة ملكه سبعة أشهر وعشرين يوماً.
وتسلطن ططر، ولقب بالملك الظاهر أبي الفتح، وجلس على تخت الملك بالخلعة الخليفية في يوم الجمعة تاسع عشرين شعبان سنة أربع وعشرين وثمانمائة، الموافق له يوم نوروز القبط، وخطب له في يومه، وكتب بذلك إلى الأمصار، واستمر إلى يوم الإثنين ثالث شهر رمضان خلع علي الأمير برسباي الدقمامي، أعني الأشرف، واستقر دوادار كبيراً، عوضاً عن علي باي المؤيدي، وعلي الأمير طرباي باستقراره حاجب الحجاب، عوضاً عن إينال الأزعري، وعلي يشبك الجكمي الدوادار كان باستقراره أمير أخورا كبيرا، عوضاً عن تغرى بردى الأقبغاوي المؤيدي المعروف بأخي قصروه.
ثم في يوم الإثنين سابع عشر شهر رمضان، وقيل يوم الجمعة رابع عشرة، برز الملك الظاهر ططر من دمشق عائداً إلى الديار المصرية فوصلها في يوم الخميس رابع شوال، وطلع القلعة من يومه، وأصبح من الغد أخلع على مرجان الطواشي الهندي الخازندار، واستقر به زمام دار بعد عزل كافور الصرغتمشي، وفي يوم الإثنين خامس عشرة أخلع على الشيخ ولي الدين أحمد العراقي، واستقر به قاضي قضاة الشافعية بالديار المصرية، بعد موت قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقيني.(6/402)
واستمر إلى يوم الإثنين ثاني عشرين شوال مرض ولزم الفراش إلى يوم الثلاثاء أول ذي القعدة، فصل، ودخل الحمام، وتباشر الناش بعافبة السلطان، ثم في ثالثه خلع على مملوكه ودواداره الأمير فارس باستقراره في نيابة الإسكندرية، عوضاً عن الأمير قشتم المؤيدي بعد القبض عليه، وعلي الأمير قاني باي الحمزاوي، وحملهما إلى الإسكندرية.
في يوم الإثنين سابعة خلع علي زين الدين عبد الباسط بن خليل الدمشقي، واستقر به ناظر الجيش بعد عزل كمال الدين محمد بن البارزي، فمن حينئذ أعطى القوس لغير راميه، ثم في سادس عشرينه رسم بالإفراج عن أمير المؤمنين المستعين بالله أبي الفضل العباس بن المتوكل على الله محمد من سجنه بالإسكندرية، وأن يسكن بها حيث ما شاء، وأرسل له بفرس بسرج ذهب وكنبوش زركش وبقشة قماش، ورتب له على الثغر في كل يوم ثمانمائة درهم برسم نفقته.(6/403)
ثم اخذ مرض السلطان يتزايد إلى ثاني ذي الحجة، جمع الخليفة المعتضد بالله داود والقضاة، وعهد لولده محمد، وأن يكون الأمير جانبك الصوفي متكلماً في الأمور، ويكون الأمير برسباي الدقماقي الدوادار الكبير لالا، وحلف الأمراء على ذلك، كما حلف هو غير مرة لابن الملك المؤيد شيخ.
واستمر الملك الظاهر ططر أمره في انحطاط إلى أن توفي ضحى يوم الأحد رابع ذي الحجة من سنة أربع وعشرين وثمانمائة وله نحو خمسين سنة، ودفن من يومه بالقرافة بجوار الإمام الليث بن سعد، ونزل معه نحو الثلاثين رجلاً، وأنزل من باب السلسلة، فكانت مدة سلطنته أربعة وتسعين يوماً.
قلت: وفي هذه المدة اليسيرة لا تستقل بما فعله من الإنتقام والجور وسفك الدماء، فأتعب نفسه ومهد لغيره، فانظر إلى هذه الدنيا وما تفعل بمحبيها.
وكان، عفا الله عنه، ملكاً عارفاً، فطناً، عفيفاً عن المنكرات، مائلاً إلى العدل، يحب الفقهاء وأهل العلم ويجلهم، ويذاكر بالفقه، ويشارك فيه، وله فهم وذوق في البحث، وكان بارعاً في حفظ الشعر باللغة التركية، عارفاً بمعانيه ودقائقه، وعنده إقدام وجرأة وكرم مفرط، مع طبش وخفة، وكان يميل إلى أبناء جنسه الجراكسة في الباطن دون غيرهم من الأجناس.(6/404)
وكان قصيراً جداً، كبير اللحية أسودها، مليح الشكل، يتكلم بأعلى حسه، وفي صوته بحة بشعة.
قال الشيخ تقي الدين أحمد المقريزي: وكان يميل إلى تدين، وفيه لين واعطاء وكرم مع طيش وخفة، وكان كثير التعصب لمذهب الحنفية، يريد أن لا يدع أحداً من الفقهاء غير الحنفية، وأتلف في مدته مع قلتها أموالاً عظيمة، وحمل الدولة كلفاً كثيرة، أتعب بها من بعده، ولم تطل أيامه حتى تشكر أفعاله أو تذم، انتهى كلام المقريزي.
وقال القاضي علاء الدين بن خطيب الناصرية: وكان رحمه الله مائلاً للعدل، وأهل العلم، يحبهم ويكرمهم، ويتكلم في مسائل من الفقه على مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه، وكان صاحبي حين كان أميراً، انتهى كلام ابن خطيب الناصرية.(6/405)
باب الطاء والغين المعجمة
1249 - أمير آخور تنكز
...
- 741 هـ - ... - 1341 م
طغاي بن عبد الله، الأمير سيف الدين أمير آخور الأمير تنكز نائب الشام.
كان عند أستاذه خصيصا هو والأمير جنغاي المتقدم ذكره، وكان الأمير تنكز لا يفعل أمراً إلا برأيهما، قيل إن طغاي هذا في أيام أستاذه خلص من الإقطاعات للأويراتية التتر الوافدين بدمشق ألف اقطاع، ولما أمسك أستاذه تنكز أمسك هو أيضاً، وخجداشه جنغاي، وكان الملك الناصر محمد بن قلاوون يغض منهما في الباطن، فلما قدم بشتاك للحوطة على مال تنكز، ور عليه مرسوم شريف بتوسيطهما، فوسط بسوق الخيل من دمشق في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، ووجدوا لطغاي المذكور أموالاً عظيمة، رحمه الله.
1250 - التتري
...
- 744 هـ - ... - 1343 م
طغاي بن سوتاي، المعروف بالحاج طغاي المغلي.(6/407)
كان بن طغاي المذكور وبين علي باشا خال السلطان بو سعيد ملك التتار حروب كثيرة، وانكسر طغاي هذا من علي باشا غير مرة، وهو يعود لحربه حتى قال علي باشا في حقه: ما رأيت مثل هذا، ولكن هذا حمار الحرب، واستمر على ذلك إلى أن قتله إبراهيم شاه في سنة أربع وأربعين وسبعمائة، وكان طغاي ملاحظ المسلمين ويميل إليهم دون أبناء جنسه، انتهى.
1251 - الأمير الكبير الناصري
...
- 718 هـ - ... - 1318 م
طغاي بن عبد الله الناصري، الأمير سيف الدين.
كان من أعظم أمراء الملك الناصر محمد بن قلاوون، لم يكن أحد في محله ولا رتبته.
قال الصفدي رحمه الله: كان يقال إن طغاي المذكور كان أصله من مماليك الملك المنصور حسام الدين لاجين، ولذلك كان الاتفاق بينه وبين الأمير تنكز، ولما أمسك الأمير طغاي آخي السلطان بين تنكز وبين بكتمر الساقي،(6/408)
وكان طغاي يعرف بطغاي الكبير، وكان له مهابة في قلوب الخاصكية وكان الملك الناصر لما يكون يمزح مع مماليكه وهم معه في بسط وانشراح حتى يقال جاء طغاي، فحينئذ ينجمع السلطان ويحتشم، وتقف الناس في مراتبهم.
وكان طغاي يضع يده في حياصة الأمير ويخرج به من بين يدي السلطان ويضربه مائتي عصى أو أكثر، والسلطان يسمع ضربه وما ينكر من ذلك شيئاً.
ولما مرض السلطان تلك المرضة التي أشفى فيها على الموت طلب كل واحد من المقربين إليه من الخاصكية، وقال له فيما بينه وبينه: يكون نظرك على أولادي وحريمي ومماليكي، فأنت الذي يتم الأمر من بعدي، فكم منهم تنصل وبكى، وقال هذا الأمر ما يكون أبداً، ولا أوافق عليه أبدا، والله تعالى يجعلنا كلنا فداء مولانا السلطان، ولم ير من أحد منهم إقبالاً على ما أشار عليه، فلما قال مثل ذلك لطغاي رأى منه إقبالاً، وشم من أنفاسه الميل إلى الملك، وتوقع السلطنة، فأكمن له ذلك في باطنه، وحلق السلطان شعره في تلك المرضة، فحلق الخاصكية كلهم شعورهم، واستمر ذلك سنة إلى اليوم، إلا طغاي فإنه لم(6/409)
يحلق، فزاد ذلك في حنق السلطان عليه وأخرجه إلى صفد نائباً.
فتوجه إليها، وأقام بها مدة شهرين. وكان الأمير تنكز يجهز إليه في كل يوم والثاني ستة بغال فاكهة وحلوى، وكذلك أصاحب شمس الدين، ولم يخلا بذلك مدة إقامته، وحضر إليه يوماً بريدي من دمشق وعلى يده كتاب من الأمير تنكز، على العادة فيما كان يكتب به إلى النواب بالشام في مهمات الدولة، فلما رأى الكتاب رمى البريدي وضربه مائتي عصا، وقال: أنا إلى الآن ما برد فخذي من فخذ السلطان صار تنكز يأمر علي.
ثم إن الأمير علاء الدين مغلطاي الجمالي حضر على البريد، من يوم الأربعاء، وقال له: السلطان قد رسم لك بنيابة الكرك فتهيأ لتتوجه، وكان معه كتب السلطان في الباطن إلى أمراء صفد بإمساكه، فلما كان يوم الخميس ركب عسكر صفد ووقفوا في الميدان، فلما علم ذلك، قال يا خجداش عليك سمع وطاعة لمولانا السلطان، قال: نعم، وحل سيفه وأحضر إليه القيد من القلعة وقيده، وتوجه به إلى مصر في سنة ثمان عشرة وسبعمائة.(6/410)
وقد رأيته وقد خرج من دار النيابة ليركب البغل الذي أحضر له، وكلما هم بالركوب تعلق فيه مماليكه ومنعوه من الركوب، وبكى هم وهو، وفعلوا ذلك مرات، وهو من طول قامته ظاهر عنهم ببعض صدره.
وهو من أحسن الأشكال، ووجهه من أحسن الوجوه، مفرط الحسن، بارع الجمال، حتى جهز إلى الإسكندرية، ولم يدخل إلى القاهرة، وتوفي بها معتقلا أو قتيلاً سنة ثمان عشرة وسبعمائة، وهو الذي عمر الخان المليح بالقصر العيني، وأهل الإسكندرية يزورون قبره وله تربة ظاهرة، انتهى كلام الصفدي. رحمه الله.
1252 - النجمي الدوادار
...
- 748 هـ - ... - 1347 م
طغاي بن عبد الله النجمي الدوادار، الأمير سيف الدين.
كان ممن أنشأه الملك الناصر محمد بن قلاوون وجعله أميراً، ولما مات الملك الناصر ترقى إلى أن صار دواداراً كبيراً للملك الصالح، والملك الكامل شعبان، وللمظفر حاجي، وكان له وجاهة في الدولة، وخدمة الناس، وصار أمير مائة(6/411)
ومقدم ألف في أول دولة المظفر، وعمر الخانقاة التي أنشأها خارج باب المحروق من القاهرة في دولة الملك الصالح، وعمر الدار العظيمة.
ولما كان في واقعة الحجازي وآق سنقر وغيرهم من الأمراء إمساكهم، رمى الأمير طغاي تمر هذا سيفه، ثم إن السلطان أعطاه سيفه.
واستمر في وظيفته، ولما كان بعد شهر أخرج هو والأمير نجم الدين محمود ابن شروين الوزير، والأمير بيدمر البدري إلى الشام على الهجن، فلما ساروا لحقهم الأمير سيف الدين منجك في غزة وعلى يده مرسوم شريف، وقضى الله تعالى فيهم أمره. رحمهم الله تعالى، وذلك في شهر جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وسبعمائة.
وكان مليح الشكل شجاعاً، رحمه الله تعالى.(6/412)
1253 - الناصري
...
- 734 هـ - ... - 1333 م
طغاي تمر بن عبد الله الناصري، الأمير سيف الدين.
قال ابن أيبك في الوافي: كان شكلاً مليحاً ممشوقاً، بارع الحلاوة، باهر الجمال قال الناس: ما كان للسلطان في الخاصكية بعد طغاي الكبير أحسن من طغاي تمر، إلا أن طغاي الكبير كان أبيضاً مشرباً بحمرة، وهذا كان أسمر أحمر، إلا أنه ألطف حركات وأرشق، وكان قد زوجه السلطان بابنته، ولم يعمل له زفة عرس، لكن رسم له السلطان بأن يصرف عليه من الخزانة نظير مكارمة الأمراء لقوصون لما دخل على ابنة السلطان، وكان ذلك خمسون ألف دينار.
وكان ساكناً عاقلاً مهيباً وادعاً للشر، وما كان يلازم السلطان كثيراً ولا يتطرح عليه مثل غيره، وتوفي بعد حضورهم من الحجاز في أوائل سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، أو أواخر سنة ثلاث وثلاثين فيما أظن، ووجد السلطان عليه، رحمه الله.(6/413)
وهو كان أحد الأربعة المشار إليهم في عصره، هو وبكتمر الساقي، وقوصون، وبهادر التمرتاشي. انتهى.
1254 - مملوك الأشرف
...
- 698 هـ - ... 1298 م
طغجي بن عبد الله الأشرف، الأمير سيف الدين.
كان مملوك الملك الأشرف خليل بن قلاوون، وكان خصيصاً عنده إلى الغاية، وكان من أحسن الأشكال وأظرفهم، قد أرقاه أستاذه الملك الأشرف وأمره وقدمه وأعطاه الأموال الجزيلة والنفائس، ثم صار بعد قتل أستاذه الملك الأشرف أميراً في دولة الملك العادل كتبغا، والملك المنصور لاجين، فخاف من القتل، فشارك في قتل لاجين وزواله، وعمل بعده نيابة السلطنة بالديار المصرية أربعة أيام، وقدم الأمير بدر الدين أمير سلاح فتلقاه طغجي المذكور، فسأله بدر الدين وقال: كان للسلطان عادة يطلع إلينا ويلقانا، فقال طغجي: السلطان قتلناه. فعرج بدر الدين بفرسه، وقال كلما قام سلطان وثبتم عليه وقتلتموه، ثم أعتوره أعوان الملك المنصور لاجين المقتول، فقتلوه ظاهر القاهرة، ورموه على مزبلة(6/414)
غير مستور، يمر به من الناس خلائق، وهو على تلك الحالة، ثم دفن بتربة، وقد نيف على ثلاثين سنة.
وكانت قتلته في سنة ثمان وتسعين وستمائة.
قال الصلاح الصفدي: ومن حلاوة شكله وظرفه ومحاسنه أطلع الناس تفاصيل قماش وسموها طغجي، انتهى.
ويقال إنه كان ماراً في خدمة أستاذه الملك الأشرف وهم بالبلاد الحلبية، فمر السلطان بقرية جيلان، فقال له: مااسم هذه ياطغجي؟ فقال له السلطان ثانيا: قم فاركب، فقال له: جيلان فقال له السلطان: اقعد فنزل عن الفرس وقعد، فقال له السلطان ثانيا: قم فاركب، فقال له طغجي: السلطان رسم بالقعود، وما أقوم، فقال له قم: فقال ما أقوم، فقال الأشرف قم وخذها لك، فقام وباس الأرض ورجله، وأخذ جيلان، وركب وسار في خدمته. انتهى.
1255 - استادار المظفر صاحب حماة
...
- 654 هـ - ... - 1256 م
طغريا المظفري، الأمير سيف الدين.(6/415)
استدار الملك المظفر تقي الدين صاحب حماة.
ولما توفي الملك المظفر وتسلطن ولده الملك المنصور محمد بن بعده، قام طغريل بتدبير أموره بمراجعة والدته غازية خاتون بنت الكامل، ويشاركهم أيضاً شيخ شيوخ حماة شرف الدين عبد العزيز، واستمروا على ذلك حتى توفي طغريل المذكور في سنة أربع وخمسين وستمائة، رحمه الله.(6/416)
باب الطاء والقاف
1256 - الحسني
...
- 799 هـ - ... - 1397 م
طقتمش بن عبد الله الحسني، الأمير سيف الدين، أحد أمراء الطبلخانات.
هو من مماليك الأتابك يلبغا العمري الخاصكي، وتوقى بعد قتل أستاذه حتى صار أمير طلبخاناة، واستمر إلى أن مات في سابع شهر رجب سنة تسع وتسعين وسبعمائة.
1257 - الأحمدي نائب حلب
...
- 747 هـ - ... - 1347 م
طقتمر بن عبد الله الأحمدي، المعروف بطاسه، الأمير سيف الدين.
كان ممن أنشأه الملك الناصر محمد بن قلاوون، ثم ولي الاستادارية في دولة الملك المنصور أبي بكر بن محمد بن قلاوون بعد مسك أقبغا عبد الواحد، فأقام(6/417)
مدة يسيرة وأخرج إلى نيابة صفد، ثم نقل إلى نيابة حماة بعد الأمير علم الدين سنجر الجاولي، ثم استقر في نيابة حلب بعد الأمير يلبغا اليحياوي بحكم انتقاله إلى دمشق، فاستمر بحلب إلى أن خلع الملك الكامل وتسلطن أخوه الملك المظفر حاجي، طلب طقتمر هذا إلى القاهرة، وتولى حلب عوضه بيدمر البدري، وصار طقتمر هذا أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، مدة يسيرة، ومات أواخر سنة سبع وأربعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
1258 - الصلاحي
...
- 747 هـ - ... - 1347 م
طقتمر بن عبد الله الصلاحي الناصري، الأمير سيف الدولة.
كان من جملة الأمراء في أواخر الدولة الناصرية محمد بن قلاوون، ولما تسلطن الملك الكامل شعبان اختص به كثيراً، ولما خلع الملك الكامل وتسلطن أخوه الملك المظفر حاجي أخرج طقتمر هذا إلى نيابة حمص، فتوجه إليها وأقام بها نحو الأربعين يوماً، وتوفي سنة سبع وأربعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.(6/418)
1259 - الشريفي
...
- 749 هـ - ... 1348 م
طقتمر بن عبد الله الشريفي، الأمير سيف الدين.
كان أولا أحد أمراء دمشق وحجابها، فلما تولى الأمير طقزدمر نيابة دمشق ولاه حاجب الحجاب بدمشق، فصار في أول أمره شديداً على الناس، ثم جاد وحسنت أخلاقه، وحمدت سيرته، واستمرت في حجوبية دمشق إلى أوائل سنة تسع وأربعين استقر به الأمير أرغون شاه في نيابة الرحبة، عوضاً عن ناصر الدين محمد بن شهري، فأقام مدة يسيرة، ثم عزل عنها وعاد إلى دمشق. انتهى.
1260 - الكلتاي
...
- 787 هـ - ... 1385 م
طقتمر بن عبد الله الكلتاي، الأمير سيف الدين، نسبته إلى الأمير كلتاي.
كان من أكابر الأمراء، وتولى وظائف ونيابات، ولي نيابة سنجار والبيرة وقلعة الروم، ثم حجوبية طرابلس الكبرى، ثم نقل إلى حلب أمير مائة ومقدم(6/419)
ألف بها، ثم استقل في آخر عمره بحجوبية حجاب حلب، وبنى بها مدرسة بالبياضاء، ووقف عليها وقفاً كبيراً على السادة الحنفية، وكان له ثروة ووجاهة، وكان فيه ظلم وتعسف، إلا أنه كان يجل أهل العلم ويكرمهم، وكان شكلاً ضخماً، وتوفي بحلب في حادي عشر شهر رمضان سنة سبع وثمانين وسبعمائة، ودفن بمدرسته بحلب، رحمه الله تعالى.
1261 - طقزدمر الساقي
...
- 746 هـ - ... - 1345 م
طقزدمر بن عبد الله الحموي الناصري الساقي، الأمير سيف الدين.
كان مملوكاً للملك المؤيد إسماعيل صاحب حماة، ثم قدمه إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون، فاختص بالملك الناصر اختصاصاً زائداً إلى أن أمره إمرة عشرة، ولا زال يرقيه حتى صار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، ولم تنحط رتبته عند السلطان قط، فإنه كان يعد نفسه غريباً في بيت السلطان لكونه(6/420)
لم يكن خجداش، ومع ذلك لم يزل معظماً في الدولة حتى مرض السلطان مرض موته، وأوصى بأن يكون طقزدمر هذا نائب السلطنة بديار مصر، فلما مات الملك الناصر وتسلطن ابنه الملك المنصور أبو بكر من بعده، ولما جلس الملك المنصور طلب طقزدمر هذا وأحضر له تشريفاً بنيابة السلطنة، فامتنع من ذلك، فقال له المنصور: كنت امتنعت لما أوصى والدي بذلك، ثم ألزمه، فلبس، ولبس الأمير محمود بن شروين خلعة الوزارة.
واستمر طقزدمر في النيابة إلى أن خلع الملك المنصور وتسلطن الأشرف كجك، طلب طقزدمر من السلطان نيابة حماة، فولاه نيابة حماة، وكان بها الملك الأفضل بن الملك المؤيد إسماعيل، وهو أول من ولي حماة من أمراء مصر، ثم نقل إلى نيابة حلب عوضاً عن الأمير أيدغمش الناصري في سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، فاستمر بحلب خمسة أشهر، ونقل إلى نيابة دمشق عوضاً عن الأمير أيدغمش أيضاً بحكم وفاته في السنة المذكورة في نصف شهر رجب.
فاستمر بها إلى أن طلب إلى القاهرة في سنة ست وأربعين وسبعمائة، بعد موت الملك الصالح وسلطنة الملك الكامل، وكان القائم بطلبه الأمير بيبغا أرس القاسمي ليكون نائباً بالديار المصرية، عوضاً عن الأمير الحاج آل ملك،(6/421)
فلم تطب نفسه على الخروج من دمشق، ومرض وحصل له فالج، وعدم نطقه، وسير يستعفى من التوجه إلى القاهرة، وكتب إلى الأمراء بالقاهرة في ذلك، ثم إن حواشيه خوفوه عاقبة ذلك، ووجد في نفسه خفة فجهز إياز الحاجب يسأل في الحضور إلى القاهرة في محفة لعجزه عن ركوب الفرس، فخرج من دمشق في محفة وهو متثاقل مرضاً في يوم السبت خامس جمادى الأولى حتى وصل إلى بلبيس، سير ولده أمير حاج واستاداره يسألان إعفاءه من النيابة، فأجيب إلى ذلك، ودخل إلى بيته فأقام به أياماً ولم يطلع القلعة، وذلك في آخر جمادى الأولى، ثم توفي بعد ذلك في سنة ست وأربعين وسبعمائة.
وكان أميراً جليلاً، مبجلاً معظماً في الدول، محبباً للناس، كثير الأدب، سليم الباطن، خيراً ديناً، ساكناً، عديم الشر، ولي عدة ولايات، ونقل في وظائف سنية، وهو الذي ينسب إليه حكر طقزدمر، والقنطرة خارج القاهرة، والربع الذي براً باب زويلة، ودار التفاح والحمام التي عند قبو الكرماني، وكان الملك الناصر محمد بن قلاوون زوج ابنه الملك أبو بكربابنة الأمير طقزدمر هذا، ثم زوج ابنه الملك الصالح أيضاً بابنة طقزدمر الأخرى. انتهى.(6/422)
1262 - حمو لاجين
...
- 691 هـ - ... - 1292 م
طقصو بن عبد الله، الأمير سيف الدين، هو السلطان الملك المنصور، لاجين.
كان طقصو المذكور من كبار الأمراء المصريين، وممن رشح للسلطنة، وكان معظماً في دولة الملك المنصور قلاوون، فلما مات قلاوون وتسلطن ولده الأشرف خليل أمسك طقصو المذكور وقتله في سنة إحدى وتسعين وستمائة بالقاهرة.
وكان فيه سؤدد وخبرة بالأمور وشجاعة مكارم وخير وبر وصدقه، رحمه الله تعالى، وعفا عنه.
1263 - دوادار يلبغا
...
- 760 هـ - ... - 1359 م
طقطاي بن عبد الله، الأمير عز الدين دوادار الأمير يلبغا اليحياوي نائب الشام.(6/423)
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: كان المذكور من جمدارية الملك الناصر محمد بن قلاوون، وإنما أعطاه ليلبغا فعمله دواداره، وكان يقول عنه هذا قرابتي وخجداشي، وكان سلم قياده إليه، وهو النائب لم يكن يقرر شيئاً فيخالفه.
وهو حسن الوجه، عاقل، كثير الإطراق، قليل الكلام، ساكن، كثير الخير، عديم الشر، لم يؤذ أحداً، ولا تطلع لمال أحد، نعم، إذا أهدى الإنسان إليه شيئاً قبله ورعى له خدمته، وكان ينفع أصحابه كثيراً.
أعطاه الملك الكامل إمرة عشرة بدمشق، فكتبت إليه ونحن على منزلة الكسوة متوجهون إلى الصيد، وقد ورد المرسم بذلك.(6/424)
ثم لما خلع الملك الكامل وتولى الملك المظفر توجه إليه من دمشق، فرعى له خدمته ورسم له بإمرة طبلخاناة.
ولم يزل عند أستاذه حظيا إلى أن توجه معه في نوبة أستاذه وخروجه على الكامل، وتوجه معه إلى حماة وأمسك مع بقية الأمراء، وجهز معهم إلى مصر مع أخوه يلبغا فجهز إلى الإسكندرية، ثم إن الأمير شيخو والأمير صرغتمش شفعا فيه، فأفرج عنه وعن أخوه يلبغا. وأقام هو عند شيخو، ثم صار من جملة الدوادارية الخاص.
قلت: لا أعلم في دوادارية السلطان خاص وخرجي، ولكن قد يكون كان ذلك قديماً، والله أعلم.
ثم توجه إلى طرابلس أميراً، فأقام بها إلى أن توفي سنة ستين وسبعمائة، انتهى كلام الشيخ صلاح الدين الصفدي باختصار، رحمه الله تعالى.
1264 - القان ملك التتار
...
- 716 هـ - ... - 1316 م
طقطاي بن منكوتمر بن طغاي بن باطو، ابن الطاغية الأكبر جنكز خان المغلي التتري، ملك القبجاق.(6/425)
جلس على تخت الملك وعمره سبع سنين وكان يحب السحرة ويعظمهم، ويحب الأطباء، وممالكه واسعة جداً منها: قرم وسراي وغير ذلك، وكان له جيش عظيم إلى الغاية، يقال إنه جهز مرة عسكراً يشتمل على مائتي ألف فارس، وطالت أيامه إلى أن توفي سنة ست عشرة وسبعمائة.
وكانت دولته ثلاثاً وعشرين سنة، وملك بعده أزبك خان.
وكان فيه عدل وميل إلى أهل الخير من أهل الملل، ويرجح الإسلام، وكان له ولد نجيب أسلم وصار يحب سماع القرآن، مات قبل أبيه المذكور بمدة، رحمه الله تعالى.
1265 - طقطاي المنصوري
... - 691 هـ - ... - 1292 م
طقطاي بن عبد الله المنصوري، الأمير سيف الدين.
أظنه من مماليك الملك المنصور قلاوون، كان من أكابر أمراء(6/426)
الألوف بالديار المصرية، وكان ممن يصلح للملك لكماله وجماله وعقله وتدبيره، ولما تسلطن الملك الأشرف خليل بن قلاوون أخلع عليه باستمراره على ما كان عليه أولا، وأنعم عليه أيضاً بإنعام كثيرة، واستمر إلى أن تسلطن الملك المنصور لاجين، عظم عنده أيضاً وزادت رتبته أياماً، ثم قبض عليه وخنقه، لأمر نقمه عليه، في سنة إحدى وتسعين وستمائة رحمه الله تعالى.
1266 - الأشرفي
...
- 697 هـ - ... - 1298 م
طقطاي بن عبد الله الأشرفي، الأمير عز الدين.
كان من مماليك الملك الأشرف خليل بن قلاوون، وكان خصيصاً عند أستاذه إلى الغاية، ولما تسلطن الملك المنصور لاجين قدمه ورقاه حتى جعله من كبار الأمراء بالديار المصرية، وعلت منزلته عنده، وأنعم على بمنية خصيب دربستا، كما كانت للأمير بدر الدين بيسرى، واستمر على ذلك إلى أن توفي سنة سبع وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى.(6/427)
1267 - الطواشى الرومي
...
- 793 هـ - ... - 1391 م
طقطاي بن عبد الله الطواشي الرومي، الأمير عز الدين.
كان من رؤوس الفتن في وقعة الناصري ومنطاش، وممن بارز برقوق بالعداوة، ولما قدم الناصري ومنطاش إلى قبة النصر خارج القاهرة، وركب بزلار العمرة مقدمة جيش الناصري ومعه جماعة من عسكر الناصري لقتال جماعة الملك الظاهر برقوق، كان طقطاي هذا فيهم، فأظهر يومئذ من الشجاعة ما يستحى من ذكره، وقاتل قتالاً شديداً، وصار في وسط القتال يصيح أين الجراكسة أصحاب ... ها أنا طقطاي الطواشي، فما برز إليه أحد إلا وانقلب على أقبح وجه.
ثم لما الملك الناصري الديار المصرية، وتسلطن الملك المنصور، وصار الناصري(6/428)
مدبر المملكة، أنعم على طقطاي المذكور بإمرة طبلخاناة، وصار مع الناصري حتى وقع بينه وبين منطاش وتقاتلا، وظفر منطاش بالناصري، وقبض عليه وعلى حواشيه، قبض على طقطاي هذا معهم أيضاً، وحبس حتى قدم برقوق إلى الديار المصرية وتسلطن ثانياً، قتله في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.(6/429)
باب الطاء واللام
1268 - طلحة بن الزكي
640 - 699 هـ - 1242 - 1300 م
طلحة بن الخضر بن عبد الرحمن بن عبد العزيز بن الحسن بن علي، وعلي هو القاضي الزكي، قاضي القضاة شمس الدين.
ولد بدمشق بعد الأربعين وستمائة.
وكان إماماً، عالماً، قرأ واشتغل وسمع من مكي بن علان، والصدر البكري وغيرهم، وسمع منه الحافظ الذهبي وغيره، وتولى قضاء دمشق وحسنت سيرته، وتوفي سنة تسع وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
1269 - القاضي ولي الدين
...
- 696 هـ - ... - 1296 م
طلحة بن محمد بن علي بن وهب، القاضي ولي الدين بن العلامة قاضي القضاة تقي الدين بن دقيق العيد الشافعي.(6/431)
قرأ على والده واشتغل وتفقه، وناب في الحكم عن والده، ومات وهو شاب في سنة ست وتسعين وستمائة، رحمه الله.
1270 - الشيخ علم الدين الحلبي
...
- 726 هـ - ... - 1326 م
طلحة، الشيخ الإمام الحلبي النحوي، المقرئ الشافعي.
كان أصله مملوكاً يدعي سنجر، فغيره بذلك.
وكان إماماً في النحو، يعرف الحاجبية جيداً، ومختصر ابن الحاجب، والتعجيز.(6/432)
قال ابن أيبك: قرأت عليه بحلب مدة إقامتي بها، قطعة جيدة من كتاب البيوع من التعجيز، وكان يراعي الإعراب في كلامه وبحثه، وكان شيخاً طوالاً حسن القراءة جيد الصوت طيبه، يعرف القراءات جيداً، سافر إلى الشيخ برهان الدين الجعبري، وأخذ التعجيز عنه، وتوفي سنة ست وعشرين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
1271 - المعتقد
...
- 794 هـ - ... - 1392 م
طلحة المغربي، المجذوب المعتقد.
كان للناس فيه اعتقاد كبير لا سيما الملك الظاهر برقوق، فإنه كان جيد الاعتقاد فيه إلى الغاية وكان غالب إقامة طلحة المذكور بقلعة الجبل عند السلطان، وكان يدخل مع السلطان إلى الحريم، ويحكي عنه كرامات وكشف. واستمر على ذلك إلى أن توفي بمدينة مصر، في رابع عشر شوال سنة(6/433)
أربع وتسعين وسبعمائة، وكانت جنازته مشهودة، ودفن خارج باب النصر، أعني بالموضع الذي هو الآن تربة الملك الظاهر برقوق.
وطلحة هذا هو ممن أوصى الملك الظاهر برقوق عند موته بدفنه تحت أرجلهم، رحمه الله تعالى ونفعنا ببركته.
والحمد لله رب العالمين.(6/434)
//بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلى على محمد وآله وصحبه وسلم
باب الطاء والهاء
1272 - زين الدين البغدادي 574 - 650هـ؟ 1178 - 1252م طه بن إبراهيم بن أحمد بن إسحاق، الشيخ الإمام العالم زين الدين أبو بكر البخاري البغدادي الحنفي، الفقيه العالم الزاهد.
مولد في سنة أربع وسبعين وخمسمائة ببخارى، وبها تفقه وبرع، ثم قدم بغداد وسكنها، وتصدى بها للإفتاء والتدريس، وتولى عدة وظائف دينية، وعرف بالديانة والصيانة والورع والعبادة، وحج إلى بيت الله الحرام، وعاد(7/7)
إلى بغداد واستمر بها ملازماً للإشغال والتصنيف إلى أن مات في حدود سنة خمسين وستمائة تقريباً، رحمه الله.
وله عدة مصنفات منها: كتاب في الأدبيات نحو العشرين مجلداً، يشتمل على شعر وترسل وخطب وحكايات وغير ذلك، كان بخطه وقفاً بالمستنصرية ببغداد، وشرح الهداية في الفقع عل مذهبه، وله عدة تصانيف أخرى. ومن شعره:.... ....
؟
جمال الدين الإربلي
595 - 677هـ؟ 1198 - 1278م
طه بن إبراهيم بن أبي بكر بن فبرك بن شيرك بن أحمد بن بختيار، الفقيه(7/8)
الأديب الصوفي جمال الدين أبو محمد الإربلي بن الشيخ برهان الدين بن الشيخ زين الدين الإربلي الشافعي الهذباني.
قال الحافظ قطب الدين الحلبي رحمه الله تعالى في تاريخه: كن - يعني الشيخ زين الدين طه المذكور - إماماً فاضلاً زاهداً، ولي نيابة الحكم ببلبيس عن أبي المحاسن السنجاري ثم عزل، وقرأ القرآن على السنجاري، وسمع من أبي عبد الله محمد بن عماد الحراني الحلقات كلها بالإسكندرية، وسمع بإربل ودمشق وسم من ابن أبي يعقوب يوسف بن محمد الشاوي، وحدث، وسمع منه الأبيوردي، وشيخنا أبو محمد الدمياطي، وفخر الدين عثمان بن الظاهر. ومولده تخميناً سنة خمس وتسعين وستمائة بالشارع ظاهر القاهرة، ودفن من الغد بالقرافة. انتهى كلام الحافظ قطب الدين.
وذكره الإمام شهاب الدين محمود في تاريخه وأثنى عليه وقال: ومن شعره ما أنشده للملك الصالح، وقد تحدث في أحكام النجوم، والعمل بها لنفسه:
دع النجوم لطرقىً يعيش بها ... وبالعزيمة فانهض أيها الملك(7/9)
؟ إن النبي وأصحاب النبي نهوا ... عن النجوم وقد أبصرت ما ملكوا
ومن نظمه أيضاً في تفضيل البيض على السمر.
البيض أقتلُ في الهوى ... وبمهجتي منها الحسانُ
والسمرُ إن قتلتْ فمن ... بيضٍ يصاغ لها السنانُ
وله دوبيت:
غنت فأجاب شدْوها المزمار ... ألحان شج لما بها أوطار
ما أحسب إلا أن في نغمتها ... ألحان هوى تهيجها الأوتار
انتهى.(7/10)
باب الطاء والواو
1274 - الخازندار
...
- 812هـ؟ ... - 1409م
طوخ بن عبد الله الظاهري الخازندار، الأمير سيف الدين.
هو من مماليك الملك الظاهري برقوق، وممن ترقى في الدولة الناصرية فرج بن برقوق حتى صار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، ثم ولاه الملك الناصر فرج خازنداراً كبيراً، وصار له أمر في الدولة، واستمر على ذلك إلى أن توفي بالقاهرة في آخر جمادى الآخرة سنة اثني عشرة وثمانمائة.
وكان أميراً ضخماً، رحمه الله. وطوخ بطاء مهلمة مضمومة وبعدها واو وخاء معجمة ساكنة، وكانت العامة تسميه، طوق بالقاف، وهذا أيضاً من تحريف أولاد العرب وتلاعبهم بالأسماء العجمية. انتهى.(7/11)
؟
1275 - نائب حلب
...
- 817هـ؟ ... - 1414م
طوخ بن عبد الله الظاهري، الأمير سيف الدين المعروف ببطيخ.
هو أيضاً من مماليك الملك الظاهر برقوق. ووقع له بعد موت أستاذه الظاهر برقوق أمور وحوادث إلى أن قتل الملك الناصر فرج وصار الأمير نوروز الحافظي نائب دمشق وحاكم البلاد الشامية انضم طوخ المذكور إلى نوروز وولي نيابة حلب، فلما عصى نوروز عن الملك المؤيد وافقه طوخ ودام معه إلى أن ظفر المؤيد بنوروز وقبض عليه قبض على طوخ هذا وقتله ذبحاً في العشر الخير من شهر ربيع الآخر سنة سبع عشرة وثمانمائة، بعد أن حوصر بقلعة دمشق مدة طويلة مع الأمير نوروز.
؟
1276 - مازى نائب غزة
...
- 843هـ؟ - 1439م
طوخ بن عبد الله الناصر، الأمير سيف الدين نائب غزة المعروف بطوخ مازى، نسبته إلى آغاته الأمير مازى الظاهري.(7/12)
هو من مماليك الملك الناصر فرج، وامتحن بعد قتل أستاذه، وتشتت إلى أن تأمر بعد موت الملك المؤيد شيخ عشرة، ثم صار من جملة رؤوس النوب سنين، وتوجه إلى مكة المشرفة غير مرة: أمير حاج المحمل، وأمير الركب الأول، ومقدم على المماليك السلطانية، ثم أنعم عليه الملك الأشرف برسباي في سنة إحدى وأربعين بإمرة طبلخاناة، ثم صار رأس نوبة ثانياً إلى أن توفي الملك الأشرف برسباي في سنة إحدى وأربعين وثمانمائة ولي نيابة بغزة إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق قدم إلى القاهرة وأخلع عليه باستمراره، واستمر بها إلى أن مات في ليلة السبت خامس شهر رجب سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة، ومات وسنه نيف على الخمسين تقريباً، وتولى من بعده غزة الأمير طوخ الأبو بكري المؤيدي.
وكان رحمه الله مهملاً، مسرفاً على نفسه، غير متحشم، تغلب عليه المداعبة والمزاج سامحه الله، ومازي بفتح الميم وبعدها ألف وزاي مكسورة وياء آخر الحروف، وهو اسم جاركسي. انتهى.(7/13)
؟
1277 - المؤيدي الأبو بكري نائب غزة
...
- 848 هـ؟ .... - 1444م
طوخ بن عبد الله الأبو بكري المؤيدي، الأمير سيف الدين نائب غزة.
أَصله من مماليك الملك المؤيد شيخ وخواص؛ وأخرج بعد موته إلى البلاد الشامية وأنعم عليه بإمرة بغزة، وصار أتابكها سنين طويلة إلى أن نقله الملك الظاهر جقمق إلى إمرة مائة وتقدم ألف بدمشق، فتوجه إلى دمشق ودام بها إلى أن مات الأمير طوخ مازي - المتقدم ذكره آنفاً - نائب غزة في شهر رجب سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة نقله الملك الظاهر جقمق إلى نيابة غزة عوضه، بسفارة إخوته المؤيدية، فتوجه إلى غزة وباشر نيابتها سنين إلى أن مات قتيلاً في وقعة كانت بينه وبين أبي طبر الخارج عن الطاعة في سنة ثماني وأربعين وثمانمائة.
وكان غير مشكور السيرة لكثرة طمعه، غير أنه كان عنده نوع كرم فيما يقال، وكان جماعة للأموال، وخلف موجوداً هائلاً، وتولى عوضه نيابة غزة الأمير يلخجا من مامش الناصري الساقي ثاني رأس نوبة النوب.(7/14)
1278 -؟ بيني بازق
...
- 862هـ؟ - ... - 1458م
طوخ بن عبد الله من تمراز الناصري، المعروف ببني بازق، باللغة التركية غليظ الرقبة، الأمير سف الدين، أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية.
هو من مماليك الملك الناصر فرج بن برقوق، وممن قاسى خطوب الدهر ألواناً بعد موت أستاذه إلى أن صار أتابك حماة بعد مدة طويلة ثم قدم الديار المصرية صحبة الملك الظاهر ططر، وصار من جملة أمراء العشرات بها، ثم صار من جملة رؤوس النوب في الدولة الأشرفية برسباي، ودام على ذلك مدة سنين إلى أن نقله الملك الأشرف إلى إمرة طبلخاناة، ثم صار رأس نوبة ثانياً بعد الأمير طوخ مازي المنتقل إلى نيابة غزة والمستمر على ذلك إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق وتولى الأتابك آقبغا التمرازي نيابة دمشق بعد عصيان الأمير إينال ألجمي وخرج لحربه صحبة العساكر المصرية خرج طوخ مع آقبغا(7/15)
التمرازي مسفراً له على العادة، ثم عاد إلى القاهرة بعد أن نابه من آقبغا نحو العشرة آلاف دينار، وهو غير راضي بذلك، واستمر على حاله بالديار المصرية إلى أن توفي الأمير ألطنبغا المرقبي المؤيدي في يوم الاثنين عاشر شهر رجب سنة أربع وأربعين وثمانمائة أنعم عليه الملك الظاهر جقمق بإمرة مائة وتقدمة ألف، وصار من بعده رأس نوبة ثاني الأمير يلخجا الساقي، واستمر طوخ على ذلك سنين لا يؤبه إليه في الدولة، وطالت أيامه لعدم التفات الناس إليه، وأرجف بأخذ إقطاعه غير مرة، وهو ممن قيل في حقهم لا للسيف ولا للضيف.
1279 - الجكمي
...
- 868هـ؟ ... - 1463م
طوخ بن عبد الله الجكمي، الأمير سيف الدين، أحد أمراء الطبلخاناة وثاني رأس نوبة.
أًصله من مماليك الأمير جكم من عوض المتغلب على حلب، ثم تنقل في الخدم بعد موت أستاذه سنين إلى أن تأمر في أوائل الدولة الأشرفية برسباي عشرة، ثم قبض عليه بعد مدة يسيرة، ثم أطلقه ونعم عليه بإمرة عشرة على عادته أولاً.(7/16)
ودام على ذلك سنين إلى أن نقله الملك الظاهر جقمق إلى إمرة طبلخاناة بعد يلبغا البهائي نائب إسكندرية بحكم وفاته، ثم صار رأس نوبة ثانياُ بعد خروج الأمير يلخجا الساقي إلى نيابة غزة في سنة ثمان وأربعين وثمانمائة أخرج السلطان إقطاعه للأمير بيسق اليشبكي وغيره، بحكم ضعف بصره وطول رمده، وأخلع على الأمير جانبك القرماني باستقراره رأس نوبة ثانياً من بعده.
واستمر طوخ المذكور ملازماً لداره بالذل والقهر والصغار، قلت: وهو مستحق لذلك، فإنه متجاهر بالمعاصي، مدمن للخمر، بلغ من السن ما بلغه وطالت أيامه في الإمرة هذه المدة الطويلة وهو إلى الآن لم يحج ولا قضى الفرض، هذا على ما اشتمل عليه من الكبر والجبن والبخل وعدم معرفته لأنواع الفروسية ولا أعرف فيه من المحاسن غير أنه جاركسي الجنس من جنس القرم لا غير، وهو عندهم في الغاية القصوى لا سيما الشريه منهم فإنه إمامهم والمقتدى في هذا المعنى(7/17)
؟
1280 - طوغان الناصري
...
- 800هـ؟ ... - 1397م
طوغان بن عبد الله الناصري، الأمير سيف الدين، أحد أمراء العشرات بالقاهرة.
أصله من مماليك الملك الناصر حسن، كان شيخاً مسناً، قيل أنه كان في شبيبته ذا قوة مفرطة حتى قيل إنه كان يلطم الثور العظيم فيصرعه على الأرض، توفي سنة ثمانمائة بالقاهرة، وأنعم بإقطاعه على صهره سودون من زاده الظاهري الخاصكي، فصار من جملة أمراء العشرات.
1281 - الحسني الدوادار
...
- 818هـ؟ ... - 1415م
طوغان بن عبد الله الحسني الظاهري الدوادار الكبير، الأمير سيف الدين، كان يعرف بالمجنون.(7/18)
هو من جملة المماليك الظاهرية برقوق، وممن أنشأه الملك الناصر فرج بن برقوق إلى أن جعله أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، ثم استقر دواداراً كبيراً بعد موت الأمير قجاجق وباشر الوظيفة بحرمة وافرة وعظمة زائدة، ونالته السعادة، وضخم في الدولة الناصرية، ولا زال على ذلك إلى أن تجرد الملك الناصر فرج إلى البلاد الشامية لقتال الأميرين شيخ ونوروز في سنة أربع عشرة وثمانمائة، وجعل الأمير طوغان هذا جاليشاً في عدة أمراء أخر، وقدمهم الملك الناصر أمامه إلى البلاد الشامية، وساروا حتى دخلوا الجميع إلى دمشق، ودخلوا سلموا على والدي رحمه الله بدار السعادة وهو في مرض موته، ثم خرجوا من عنده وخامروا على الملك الناصر بأجمعهم وتوجهوا إلى شيخ ونوروز، ولا زالوا عندهم حتى قتل الملك الناصر فرج - حسبما سنذكره في محله إن شاء الله تعالى - وتسلطن الخليفة المستعين بالله العباس وصار الأمير شيخ المحمودي نظام مملكته أخلع على طوغان المذكور باستمراره في الدوادارية على عادته، ثم تسلطن الملك المؤيد شيخ وهو على حاله، وعظم أكثر مما كان، وتزايدت حرمته أضعاف ما كانت، واستمر على ذلك إلى سادس عشر جمادى(7/19)
الأولى سنة ست عشرة وثمانمائة أشيع في اليوم المذكور بركوب طوغان هذا على السلطان، وأنه وافقه جماعة على ذلك، ثم تحقق السلطان ما قيل، ولبس طوغان آلة الحرب وألبس مماليكه، ثم انتظر من واعده فلم يأت أحد ممن واعده حتى قرب الفجر فزفى مملوكين، وأصبح الناس يوم الثلاثاء تاسع عشر جمادى الأولى يتوقعون القتال والحوانيت مغلقة إلى أن نادى الملك المؤيد بالأمان وأن من أحضر طوغان فله ما عليه مع خبز في الحلقة، ولم يحرك ساكناً إلى ليلة الجمعة عشرينه وجد وقد اختفى بمدينة مصر القديمة فأخذ، وحمل إلى قلعة الجبل، ثم أرسل إلى الإسكندرية مع الأمير طوغان أمير آخور، أعني مسفره، فاستمر محبوساً بسجن الإسكندرية إلى أن قتل بها في المحرم سنة ثماني عشرة وثمانمائة، وقتل معه أيضاً من الأمراء المحبوسين الأتابك دمرداش المحمدي، والأمير سودون المحمدي، والأمير اسنبغا الزردكاش، وورد الخبر بذلك إلى القاهرة في يوم السبت ثامن عشر المحرم، وأقيم عزاؤهم بالقاهرة.
وكان طوغان شجاعاً مقداماً أهوجاً، وعنده إسراف على نفسه مع ظلم وعسف، وسطوة ومهابة، وحرمة وافرة، وكرم مع خفة وطيش وعدم تستر بالمعاصي، وهو صاحب المدرسة برأس حارة برجوان بالشارع، والربع والدار بحارة بهاء الدين.(7/20)
وله مآثر غير ذلك، وهو أحد من أوصاه والدي رحمه الله فإنه كان من حواشي والدي، رحمهما الله تعالى.
؟
1282 - الأمير آخور
...
- 828هـ؟ - ... - 1425م
طوغان بن عبد الله الأمير آخور، الأمير سيف الدين.
كان المذكور في مبدأ أمره مكارياً للبغال عند الأمير طولو نائب صفد، ثم تنقلت به الأحوال إلى أن صار جندياً وركب فرساً واتصل بخدمة المؤيد شيخ وهو أمير، واستمر عند شيخ إلى أن تسلطن قربه وأدناه وأنعم عليه بإمرة عشرة بالقاهرة، ولا يزال يرقيه حتى ولاه نيابة صفد ثم حجوبية الحجاب بدمشق، ثم أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، ثم أخلع عليه باستقراره أمير آخورا كبيراً بعد تنبك العلائي ميق بحكم انتقال تنبك إلى نيابة دمشق بعد القبض على الأمير ألطنبغا العثماني وذلك في يوم الاثنين تاسع عشر شوال سنة تسع عشرة(7/21)
وثمانمائة، فاستمر طوغان أمير آخورا مدة، وعظم وضخم ونالته السعادة إلى أن جرده الملك المؤيد إلى البلاد الحلبية صحبة الأتابك ألطنبغا القرمشي وغيره من الأمراء المؤيدية في سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة، ثم مات الملك المؤيد الملك المؤيد وهم بتلك البلاد وتسلطن ولده الملك المظفر أحمد، وصار ططر مدبر مملكته وسافر به إلى البلاد الشامية بعد أن أخرج إقطاع الأمير طوغان المذكور ووظيفته إلى الأمير تغري بردى الأفبغاوي المؤيدي المعروف بأخي قصروه، فلما وصل ططر بالملك المظفر إلى البلاد الشامية نفى طوغان المذكور إلى طرابلس، وأحبسه مدة إلى أن أنعم عليك الملك الأشرف برسباي بإمرة عشرة بطرابلس، فأقام على ذلك مدة إلى أن بلغ الملك الأشرف عنه ما أوغر خاطره عليه رسم بقبضه وحبسه بالمرقب، فأمسك وحبس بها إلى أن قتل في ذي الحجة سنة ثمان وعشرين وثمانمائة.
وكان طوغان هذا من الأطراف الذين قدمهم الملك المؤيد شيخ ليجد بهم راحة لعجزه عن الحركة مما كان يعتريه من ألم رجليه والمفاصل، رحمه الله.(7/22)
1283 - العثماني
...
- 852هـ؟ - ... - 1448م
طوغان بن عبد الله العثماني، الأمير سيف الدين نائب القدس، ثم نائب غزة.
أصله من مماليك الأتابك الطنبغا العثماني نائب الشام، وممن صار خاصكيا بعد موت الملك المؤيد شيخ، ثم ولاه الملك الأشرف برسباي القدس في أوائل دولته، فدام في نيابة القدس سنين بتلك الأرضي، وشكرت سيرته لكنه أِسرف في القتل وأنواع العذاب، واستمر على ذلك سنسن أيضاً بعض سلطنة الملك الظاهر جقمق إلى أن عزله الظاهر جقمق عن نيابة القدس بخشقدم السيفي سودون من عبد الرحمن وولاه حجوبية الحجاب بحلب بعد موت قاني باي الجكمي في حدود الخمسين وثمانمائة، فاستمر بحلب سنة أو أكثر ونقل إلى نيابة غزة بعد عزل نائبها الأمير حطط في سنة إحدى وخمسين، فقدمها وباشر نيابتها مدة يسيرة، وتوفي بها في سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة.(7/23)
وكان مشهوراً بالشجاعة والكرم، سامحه الله تعالى.
1284 - حاجب حلب
...
- 840هـ؟ ... - 1436م
طوغان بن عبد الله السيفي تغري بردي، الأمير سيف الدين حاجب حجاب حلب، ثم أحد مقدمي الألوف بدمشق.
أصله من مماليك والدي رحمه الله، أعتقه ورقاه وجعله خازنداره ثم دواداره، واستمر بخدمته إلى أن ولي والدي رحمه الله نيابة دمشق المرة الثالثة أنعم عليه الملك الناصر فرج بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق على أن يكون على حاله دواداراً بخدمة أستاذه، وهذا لم يتفق لأحد من النواب بدمشق أن يكون دواداره أمير مائة ومقدم ألف، واستمر على ذلك إلى أن توفي والدي رحمه الله، صار أيضاً في الدولة المؤيد شيخ أمير مائة ومقدم ألف بدمشق، واسمر على ذلك سنين إلى أن نقله الملك الأشرف برسباي إلى حجوبية الحجاب بحلب في حدود الثلاثين وثمانمائة، فتوجه إلى حلب ودام بها سنين إلى أن عزل بعد سنة ست وثلاثين وقدم إلى دمشق أمير مائة ومقدم ألف بها، وأقام على ذلك مدة إلى أن توفي بها في حدود الأربعين وثمانمائة، وله نحو سبعين سنة تخميناً.
وكان عارفاً بفنون الفروسية وأنواع الملاعيب كالرمح والنشاب ولعب الصولجان وغير ذلك إلا أنه كان بخيلاً حريصاً على جمع الأموال، وكان(7/24)
مغرماً باقتناء الخيول الجيدة إلى الغاية ويبالغ من أثمانها إلى أن يصير الفرس في ملكه يصاب بعد مدة يسيرة لكثرة ما كان يدور حول الفرس ويمدحه ويتغالى في شكره، ولا يزال على ذلك حتى يصاب الفرس المذكور من عينيه، فهذا كان شأنه، وكان شكلاً حسناً، عارفاً عاقلاً، صاحب رأي وتدبير، وله خبرة بالوقائع والحروب، موقراً في الدولة، رحمه الله تعالى.
؟
1285 - دوادار السلطان بدمشق
...
- 856هـ؟ - ... - 1452م
طوغان بن عبد الله، الأمير سيف الدين، في معتقه أقوال كثيرة، قيل: أنه من مماليك نوروز الحافظي، وقيل: من مماليك آقبردي المنقار، وقيل: غير ذلك.
كان من جملة الأجناد في الدولة الأشرفية برسباي إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق جعله خاصكيا، ثم ولاه نيابة دمياط مدة، ثم عزله وجعله أتابك غزة فأقام بها مدة، ثم نقل إلى إمرة طبلخاناة بدمشق، ثم صار دوادار السلطان بها، واستمر بدمشق سنين، وسافر منها أمير الحاج غير مرة، وشكرت(7/25)
سيرته في سيره وأفعاله لا في أخلاقه، فإنه ذو خلق سيئ وبادره معه خفة وطيش، على أنه لم يكن أهلا لما وليه من الوظائف فإنه كان من أصاغر المماليك السلطانية إلى أن مات الأشرف وتسلطن الظاهر جقمق، فلما أراد الظاهر قتل الأتابك قرقماس الشعباني بالإسكندرية ندب إلى قتله جماعة وهم يستعفون من ذلك حتى ندب طوغان هذا فبادر طوغان وتوجه لقتله فأعجبه ذلك منه، وهذا هو سبب وصلته، وما ثم غير ذلك من المعاني.
؟
1286 - الأستادار
..
- 863هـ؟ ... - 1458م
طوغان قيز بن عبد الله العلاني، الأمير سيف الدين.
أصله من مماليك الأمير علان أحد مقدمي الألوف في الدولة الناصرية فرج، وترقى بعد موت أستاذه حتى صار نوبة الجمدارية في الدولة المؤيدية شيخ، ودام على ذلك دهراً طويلاً بقية دولة المؤيد، ثم دولة الملك الأشرف برسباي(7/26)
بتمامها إلى أن أمره الملك الظاهر جقمق عشرة وجعله أمير آخورا ثالثاً، ثم نقله إلى الأستادارية بعد عزل محمد بن أبي الفرح في يوم الخميس ثامن المحرم سنة أربع وأربعين فباشر الأستادارية، واستقر معه زين الدين يحيى - قريب ابن أبي الفرح - ناظر ديوان المفرد، فصار طوغان قيز المذكور يقرب يحيى ناظر ديوان المفرد ويركن إليه، وزين الدين المذكور يبحث خلفه إلى أن حسن له زين الدين المذكور أن يستعفي ولا يباشر إلا بغزة، فانخدع له طوغان واستعفى، فأعفى، وعزل بعبد الرحمن بن الكويز، وأخرج إلى البلاد الشامية، وتنقل في عدة ولايات: عمل نيابة ملطية، ثم أتابكية حلب، ثم أمير مائة ومقدم ألف بدمشق، وسافر أمير حاج المحمل الشامي، فوقع منه بالمدينة الشريفة قلة أدب من أنه طلب القبض على بعض قطاع الطريق فاستجار بأحد أبواب المدينة فأراد قيزطوغان أن يحرق باب المدينة، وقيل إنه أوقد به النار، فبلغ السلطان ذلك، فحينئذ وجد منم له غرض في آذاه سبيلاً، ولا زالوا بالسلطان حتى قبض عليه وحبسه بقلعة دمشق، وكان زين الدين يحيى قد لبس الأستادارية وصار يتخوف من قيز طوغان المذكور، فلما وقع ذلك صار زين الدين من أعظم الأسباب في ذهاب مهجته، وكتب عليه محضراً: أنه كفر فخلصه الله(7/27)
من أيديهم، لكنه دام في الحبس سنين إلى أن ... ...
1287 - طولو الظاهري
..
- 808هـ؟ - ... - 1406م
طولو بن عبد الله من علي باشا الظاهري، الأمير سيف الدين.
هو من مماليك الظاهر برقوق، ومن أعيان خاصكيته، وترقى بعد موته حتى صار من جملة أمراء الديار المصرية، ثم ولى نيابة غزة عند قدوم تيمورلنك إلى البلاد الشامية في سنة ثلاث وثمانمائة، عوضاً عن عمر بن الطحان بحكم القبض عليه عند تيمور مع جملة النواب، فلما عاد الملك الناصر إلى الديار المصرية وعاد تيمور إلى بلاده عزل طولو عن نيابة عزة واستقر في نيابة الإسكندرية، عوضاً عن الأمير ارنسطاي، فتوجه إلى الإسكندرية وباشر نيابتها مدة، ثم عزل وعاد إلى القاهرة وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بديار مصر، فاستمر على ذلك إلى أن خرج الأمير يشبك الدوادار من الديار المصرية مغاضباً للناصر فرج، وخرج معه جماعة من الأمراء، وهم: الأمير(7/28)
تمراز النائب، ويلبغا الناصر، وإينال حطب، وقطلوبغا الكركي، وسودون الحمزاوي، وجاركس القاسمي والمصارع، وسعد الدين إبراهيم بن غراب، ومحمد بن سنقر البكجري، ومحمد بن كلبك، وطولو صاحب الترجمة، وخرجوا الجميع إلى دمشق ونائبها يومئذ الأمير شيخ المحمودي، ووقع ما حكيناه في غير موضع من اتفاق شيخ وجكم نائب حلب معهم وعودهم إلى الديار المصرية لقتال الملك الناصر فرج، وكبسوا الناصر بالسعيدية، وانهزم منهم إلى جهة القاهرة، ثم وقع الحلف بين الأمراء، واختفى بعضهم، ورجع البعض إلى البلاد الشامية، فكان طولو هذا ممن عاد صحبة شيخ نائب الشام وجكم نائب حلب وقرا يوسف صاحب تبريز إلى دمشق، وذلك في أواخر سنة سبع وثمانمائة.
واستمر طولو بالشام إلى شهر رمضان من سنة ثمان وثمانمائة برز المرسوم الشريف من الديار المصرية باستقراره في نيابة صفد، عوضاً عن الأمير بكتمر الركني، وجهز تقليده على يد الأمير أقبردي رأس نوبة، فتوجه طولو إلى صفد وحكمها مدة إلى أن أرسل إليه الأمير شيخ المحمودي نائب الشام يستنجده لقتال(7/29)
جكم من عوض نائب حلب، فتوجه إلى دمشق وحضر الوقعة بأرض الرستن، فيما بين حماة وحمص، فقتل طولو المذكور في الوقعة، وقتل أيضاً الأمير علان وجماعة أخر وذلك في ذي الحجة سنة ثمان وثمانمائة، رحمهما الله تعالى.
وطولو هذا هو أستاذ طوغان أمير آخور المؤيد، كان طوغان المذكور مكارياً لبغاله.
وطولو بضم الطاء المهملة وبعدها واو ساكنة ولام مضمومة وواو، وتقال أيضاً باللام المكسورة وبها ياء مثناة من تحت، وكلاهما يجوز: طولو وطولي، لكن الأول أشهر ومعنى هذا الاسم غريب لا يعرفه إلا الفصيح في اللغة التركية لأن طو: هو اسم للقطعة الفولاذ المنقوشة على رأس الصنجق الذي فيه الراية، ولو: مضاف إليه، فكأن معنى هذا الاسم صاحب الصنجق، والله أعلم.(7/30)
1288 - الناصرية
...
- 765هـ؟ ... - 1363م
طولوبية بنت الناصرية، خوند.
زوجة الملك الناصر حسن ثم من بعده تزوجت بالأتابك يلبغا العمري الخاصكي، وتوفيت في رابع عشرين شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين وسبعمائة، ودفنت بتربتها التي أنشأتها بجوار تربة خوند طغاي أم أنوك، رحمها الله تعالى، وخلف مالاً جماً.(7/31)
باب الطاء والياء
المثناة من تحت
1289 - طيبرس الظاهري
...
- 650هـ؟ - ... - 1252م
طيبرس بن عبد الله، الأمير الكبير علاء الدين الظاهري البغدادي التركي.
اشتراه الخليفة الظاهر بأمر الله فحظي عنده وجعله دواداره، ولما آلت الخلافة للمستنصر بالله قدمه أيضاً وأدناه ورفع قدره، فشاع ذكره.
قال الخزرجي في تاريخه المسمى بالعسجد المسبوك في تاريخ دولة الإسلام وطبقات الخلفاء والملوك: وزوجه لؤلؤ صاحب الموصل ابنته، وكان العقد في دار الوزارة بحضور قاضي القضاة على صداق مبلغه عشرون ألف دينار، ووهب له المستنصر بالله ليلة زفافه مائة ألف دينار، ثم ألحقه بأكابر الزعماء وأرباب العمائم، وأقطعه توسان فكانت تعمل له في كل سنة مائتي ألف دينار، وكان(7/33)
جواداً كريماً، خلع على مماليكه في سنة ست وعشرين وستمائة سبعمائة خلعة، وكان وهاباً للخيل، قال ابن الخازن حدثني ابن الأشقر كاتب ديوانه، وكان ثقة: إنه جمع كاغد ما وهبه من الخيل منذ أنعم عليه بالإمارة، وذلك في سنة خمس وعشرين إلى حين وفاته، فبلغ سبعة آلاف وخمسمائة ونيفاً وسبعين فرساً، انتهى كلام الخزرجي.
قلت وكان مع هذا الكرم جميل الصورة، كامل الحسن، رضي الخلق، متواضعاً، شجاعاً، توفي بعد مرض طويل في سادس عشر شوال سنة خمسين وستمائة، وصلِّي عليه في الجامع خلق كثير من الخاص والعام، واشتد الزحام عند خروجهم فمات جماعة من الناس، ودفن في إيوان الحسن من مشهد موسى بن جعفر، ورثاه جماعة من الشعراء منهم عز الدين عبد الحميد بن أبي الحديد، وكان وكيله وصرفه قبل موته، بقصيدة أولها:
بابي علاء الدين فاضت نفسه ... لم تغنيه الأنصار والأعوان
ثم ذكر أبياتاً كثيرة أخر إلى أن ذكر ما كان وقع له معه في آخر القصيدة:
ما كان ذلك منك بل من معشر ... خانوك إذ كذبوا علي وخانوا
طلبوا القطيعة بيننا ووددت لو ... تبقى ويبقى بيننا الهجران(7/34)
1290 - الوزيري
...
- 689 - هـ؟ ... - 1290م
طيبرس بن عبد الله الوزيري، الأمير الحاج علاء الدين صهر الملك الظاهر بيبرس.
قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة: وفي ثالث ذي القعدة سنة ستين وستمائة وصل من مصر إلى دمشق عسكر مقدمهم الأمير عز الدين الدمياطي وبكر الدخول إلى دمشق، فخرج الناس يلقونهم، وفيهم الحاج علاء الدين طيبرس الوزيري نائب السلطنة بدمشق، فلما وصل إليه أهوى ليكارشه على ما جرت به عادة الملتقين قبض الدمياطي بيده الأخرى سيفه ونزله عن فرسه وأركبه بغلاً، وشد عليه ثم قيده وتركه بمصلى العيد، فلما دخل عليه الليل وكل به وسيره إلى مصر، وهرب أصحابه، ثم استخرجت أمواله التي بدمشق بعد ما سير منها ما كان سير مع العرب، وقبضت حواصله.
وكان الحاج طيبرس قد أهلك أهل دمشق بإخراجهم من بلدهم، والرسم على أكابرهم حتى أخرجهم بآلهم وأنفسهم، وأهانهم وضيق عليهم بتمكين العرب(7/35)
من شراء الغلال من دمشق، وتخويف الناس من التتار، فكان البدوي يجلب الجمل ويبيعه بأضعاف قيمته ويشتري به الغلة رخيصة لأن الناس يحتاجون إلى السفر إلى مصر.
قال الصفدي: توفي طيبرس المذكور سنة تسع وثمانين وستمائة بالقاهرة.
؟
1291 - الطويل
...
- 769هـ؟ ... - 1367م
طيبغا بن عبد الله الناصري، الأمير علاء الدين المعروف بالطويل.
هو من مماليك الملك الناصر حسن ومن خواصه، أمره عند قبضه على الأمير صرغتمش، وبعد موت الأتابك شيخون، وجعله أمير مائة ومقدم ألف هو وخجداشه يلبغا العمري الخاصكي، واستعان بهما على أعيان الأمراء، فإنهما من(7/36)
عتقائه وخواصه، فلما استفحل أمرهما اتفقا عليه، ووقع ما حكيناه في غير موضع من أنهما ركبا على أستاذهما الملك الناصر حسن وقبضا عليه وقتلاه وسلطنا مكانه الملك المنصور محمد بن المظفر حاجي، واستبدا بالأمر، فصار يلبغا يتميز على طيبغا الطويل هذا وأهمله، ولا زال على ذلك حتى خرج طيبغا إلى الصيد بالعباسة في سنة سبع وستين وسبعمائة، فلما وصل طيبغا إلى العباسة أرسل إليه يلبغا خلعة مع جماعة من الأمراء بنيابة دمشق، فلما بلغ طيبغا ذلك عصى وقصد قبة النصر خارج القاهرة، فخرج إليه يلبغا بالملك الأشرف شعبان، وتواقعا، فانكسر طيبغا، وأمسك بمن كان معه من الأمراء، وحبس بالإسكندرية، واسترجع إقطاعه ولداه، وهما علي وحمزة، وكانا أميري طبلخاناة.
واستمر محبوساً بالإسكندرية إلى يوم الاثنين تاسع عشرين شعبان من السنة وقف يلبغا وجماعة من الأمراء بدار العدل وطلبوا مراحم الملك الأشرف في إطلاق طيبغا فأجابهم إلى ذلك، وتوجه طيبغا إلى القدس بطالا، فأقام به إلى أن نقل إلى نيابة حلب، بعد عزل منكلي بغا الشمسي في سنة تسع وستين وسبعمائة، فلبس تشريفه وتوجه إلى حلب فأقام بها إلى أن توفي يوم السبت سلخ شوال في(7/37)
وقت الظهر من سنة تسع وستين وسبعمائة، ودفن خارج باب المقام.
قيل: إنه سم، لأنه لما بلغه واقعة يلبغا أراد الوثوب والمخالفة: فعاجلته المنية فاستراح وأراح.
قال ابن حبيب: سنة تسع وستين وسبعمائة: فيها ولي الأمير علاء الدين طيبغا الطويل الناصري نيابة السلطنة بحلب عوضاً عن منكلي بغا الشمسي، وباشر ذا نفس مليكة. ومنزلة فليكة. وحشمة أنهارها زائدة. ونعمة صلتها على الرعية عائدة واستمر يعمل على شاكلته الحسنة إلى أن اخترمته المنية في آخر هذه السنة.
انتهى كلام ابن حبيب، ولم يبين في أي يوم مات فيه طيبغا ولا أي شهر فإن جل مقصوده كمال السجعة لا إتمام الفائدة.
قلت: وكان طيبغا المذكور أميراً شجاعاً مقداماً، وكان له ميل إلى فعل الخير، وأنشأ تربة مليحة بالصحرا ووقف عليها أوقافاً جيدة، وله أيضاً مآثر أخر.
وقد رأيت جماعة من ممليك يلبغا العمري حدثني بعضهم قال: كان أستاذنا - يعني يلبغا - لما يركب وينزل من الخدمة السلطانية يوافيه طيبغا الطويل - يعني صاحب الترجمة - ويتوجها إلى دورهما، فتقول العامة: يا طويل حسك من هذا القصير، وربما سمعا كلامهم في بعض الأحيان فكان يتبسمان، فلم يكن بعد أيام إلا ووقع ما قيل. انتهى.(7/38)
1292 - المحمدي
...
- 771هـ؟ -.. - 1369م
طيبغا بن عبد الله المحمدي، الأمير علاء الدين أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية.
كان من أعيان الأمراء وأوفرهم حرمة، توفي بالقاهرة في صفر سنة إحدى وسبعين وسبعمائة.
1239 - البالسي
...
- 778هـ؟ -.. - 1377م
طيدمر بن عبد الله البالسي. الأمير سيف الدين.
أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية في دولة الملك الأشرف شعبان، وممن قتل معه في سنة ثمان وسبعين بعد عود من عقبة أيلا.(7/39)
1294 - نائب غزة
...
- 802هـ؟ ... - 1399م
طيفور بن عبد الله الظاهري، الأمير سيف الدين، قيل إنه كان يسمى بيخجا: ولكن غلب عليه طيفور.
هو من ممليك الملك الظاهر برقوق، وممن ترقى في دولة أستاذه إلى أن صار أمير آخورا ثانياً، ثم ولاه نيابة غزة، بعدما استعفى عن ولايتها الأمير شيخ الصفوى، وتوجه إلى القدس بطالا، فاستقر طيفور المذكور في نيابة غزة، وذلك بعد عزل الأمير شهاب الدين أحمد بن الشيخ على وانتقاله إلى نيابة صفد، بعد انتقال نائبها الأمير آقبغا الجمالي إلى نيابة طرابلس، بعد انتقال نائبها أرغون شاه الإبراهيمي إلى نيابة حلب، بعد عزل والدي رحمه الله عنها(7/40)
وقدوم والدي رحمه الله إلى الديار المصرية على إقطاع الأمير شيخ الصفوي المذكور، واستقر أمير مجلس عوضه، انتهى.
واستمر طيفور في نيابة غزة مدة، ثم نقل إلى حجوبية حجاب دمشق، ولا زال على ذلك حتى مات الملك الظاهر برقوق وخرج الأمير تنم الحسني نائب الشام عن طاعة الملك الناصر فرج بن برقوق وافقه المذكور على العصيان مع من وافقه، واستمر معه حتى قبض على الجميع معاً - حسبما ذكرناه في عدة مواطن - وقتل مع من قتل من الأمراء بقلعة في منتصف شعبان سنة اثنتين وثمانمائة.
وكان تركي الجنس، حسن القامة، مليح الصورة، متصلفاً، مسيكا، على أنه كان كثير الميل إلى اللهو والطرب، وكان عمره على ما قيل نيفاً على ثلاثين سنة تخميناً، وهو غير طيفور الرماح العواد. انتهى.(7/41)
؟
1295 - المارديني
...
- 799هـ؟ - ... - 1396م
طينال بن عبد الله المارديني الناصري، الأمير سيف الدين، أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية.
كان من مماليك الملك لناصر محمد بن قلاوون، وممن صار في أيام الملك الناصر حسن أمير مائة ومقدم ألف بالقاهرة، ثم نفاه الملك الناصر حسن إلى البلاد الشامية، فأقام بها إلى أن ملك الأشرف شعبان بن حسين أحضره إلى القاهرة وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، فاستمر كذلك مدة، ثم انتزعها منه وأعطاه إمرة طبلخاناة، ثم جعله وإلى قلعة الجبل، فباشر ذلك مدة، ثم استكثر ذلك عليه وانتزع الطبلخاناة منه وأعطاه إمرة عشرة، وترك طرخانا حتى مات في شهر رمضان سنة تسع وتسعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.(7/42)
حرف الظاء المعجمة
1296 - الحداد
...
- 563هـ؟ ... - 1167م
ظافر بن القاسم بن منصور بن عبد الله بن خلف بن عبد الغني، الشيخ الأديب البارع أبو نصر الجذامي الإسكندري، المعروف بظافر الحداد، الشاعر المشهور.
كان من فحول الشعراء المجيدين، وله ديوان شعر قليل الوجود، وهو صاحب القصيدة المشهورة:
لو كان بالصبر الجميل ملاذه ... ما سح وابل دمعه ورذاذه(7/43)
ما زال جيش الحب يغزو قلبه ... حتى وهى وتقطعت أفلاذه
لم يبق فيه مع الغرام بقيةٌ ... إلا رسيس يحتويه جذاذه
من كان يرغب في السلامة فليكن ... أبداً من الحدق المراض عياذه
لا يخدعنك بالفتور فإنه ... نظر يضر بقلبك استلذاذه
يا أيها الرشأ الذي من طرفه ... سهم إلى حب القلوب نفاذه
؟؟ در يلوح بفيك من نظامه خمر يجود عليك من نباذه
وقتاة ذاك القد كيف تقومت ... وسنان ذاك اللحظ ما فولاذه
رفقاً بجسمك لا يذوب فإنني ... أخفى بأن يجفو عليه ملاذه
هاروت يعجز عن مواقع سحره ... وهو الإمام فمن ترى أستاذُه
تالله ما علقت محاسنك امرءاً ... إلا وعز على الورى استنقاذه
أغريت حبك بالقولب فأذعنت ... طوعاً وقد أودى بها استحواذه
مال أتيتُ اللحظ من أبوابه ... جهدي فدام نفوذه ولواذه
إياك من طمع المنى فعزيزه ... كذليله وغنيه شحاذه
ذالية بن دريد استهوى بها ... قوم غداة نبت به بغداذه
دانوا لزخرف قوله فتفرقت ... طمعاً به طرغاؤه وجذاذه
من قدر الرزق السنى لك إنما ... قد كان ليس يضره إنفاذه(7/44)
؟
1297 - أبو نصر
601 - 677هـ؟ 1204 - 1278م
ظافر بن نصر بن ظافر بن هلال، الشيخ جمال الدين أبو نصر، الحموي الأصل، المصري الشافعي.
ولد بالقاهرة سنة إحدى وستمائة، وروى عن ابن باقا وغيره، وكان له فضل، ونظم ونثر، وولي وكالة بيت المال بالديار المصرية، كانت له مكانة عند السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب بحيث أنه كتب في وصيته إلى ولده باقراره على وكالة بيت المال، فلم يزل عليها حتى توفي سنة سبع وسبعين وستمائة.
وكان له رئاسة وحشمة، غير أنه كان لا يقدر على إمساك الريح، وفشا حاله بذلك في مجالس الملوك وغيرهم، وعلموا عذره، رحمه الله تعالى.(7/45)
؟
1298 - الأرفادي
627 - 694هـ؟ 1229 - 1294م
ظافر بن أبي غانم يحيى بن سيف بن طي بن محمد أبي سالم بن علي بن تغلب ابن سويد بن فهد الحلبي الأرفادي، وأرفاد قلعة: بين حلب وأعزاز.
قال الحافظ البرزالي: هو شيخ حسن، طلب الحديث، وسمع من جماعة، وقرأ وحصل، وله نثر ونظم جيد، وكان بواب بباب القراطي من أبواب سور القاهرة، وكتب عنه قديماً أبو الفتح الأسوردي الصوفي وغيره، مولده لأربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة سبع وعشرين وستمائة بميافارقين، انتهى كلام البرزالي.
قلت: وكانت وفاته في ليلة السبت السادس من المحرم سنة أربع وتسعين وستمائة بالقاهرة، ودفن من الغد بسفح المقطم.
وقال الحافظ الذهبي: إنه توفي سنة ست وتسعين، والله أعلم.
ومن شعره:
ولقد ظننت بأننا ما نلتقي ... حتى رأيتك في المنام مضاجعي
فوقعت في نومي لوجهك ساجداً ... ونثرت من فرح عليك مدامعي(7/46)
؟
1299 - ابن ظهيرة
...
- 743هـ؟ ... - ... - 1342م
ظهيرة بن أحمد بن عطية بن ظهيرة، أبو بكر وأبو أحمد وأبو عبد الله القرشي المخزومي.
قال القاضي تقي الدين الفاسي: سمع من الفخر التوزري الموطأ، وسمع من الرضى الطبري، ومن غيره، وسألت عنه حفيده شيخنا قاضي القضاة جمال الدين محمد بن عبد الله بن ظهيرة، فقال: كان رجلاً صالحاً عابداً، وأخبرني الوالد أنه كان مواظباً على الجماعة وله أوراد، ومن كثرة خيره خطبة الشيخ عبد الله الدلاصي لابنته، وكان يلازم مجلس حموه الشيخ نجم الدين الأصفوني، وكان كثير الصدقة، ومات في شوال سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة عن نحو خمس وخمسين سنة.(7/47)
1300 - ظهيرة بن حسين
745 - 819هـ؟ 1344 - 1416م
ظهيرة بن حسين بن علي بن أحمد بن عطية بن ظهيرة، القرشين المخزومي، المكي.
ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وسمع بمكة من القاضي عز الدين بن جماعة أربعينه التساعيات وغيرها، وسمع من غيره، وأجاز له من شيوخ مصر الجزائري، وأبو الحرم القلانسي، وجماعة، وبدمشق، وبمكة، وروى عن القلانسي جزء الغطريف بسماعه له من ابن خطيب المزة، وأخذ عنه حافظ العصر قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن حجر لغرابة اسمه جزء الغطريف.
مات في ليلة الخميس عاشر صفر سنة تسع عشرة وثمانمائة، رحمه الله.(7/48)
حرف العين المهملة
باب العين والباء الموحدة
عامر بن عبد الله، أبو ثابت ملك الغرب، مذكور بكنيته يطلب في الكنى.
1301 - أبو سعيد الحراني
691 - 729هـ؟ 1292 - 1338م
عبادة بن عبد الغني، الإمام المفتي زين الدين أبو سعيد الحراني، المؤذن، الشروطي، الحنبلي.
مولده سنة إحدى وتسعين وستمائة، واشتغل وبرع في الفقه وغيره، وكان أولاً قد طلب الحديث وقتاً، ودار على الشيوخ قليلاً، ونسخ أجزاء سنة بضع(7/49)
وتسعين وستمائة، وتقدم في الفقه، وناظر وتميز وكان عنده صحيح مسلم عن القسم الإربلي، توفي سنة تسع وثلاثين وسبعمائة.
؟
1302 - الأندلسي الأديب
...
- 422هـ؟ ... - 1031م
عبادة بن عبد الله بن ماء السماء، المفنن أبو بكر، شاعر الأندلس، ورأس الشعراء في الدولة العامرية، وهو صاحب الموشحة:
من ولى في أمة أمراً ولم يعدل ... يعزل إلا لحاظ الرشإ الأكحل
جرت في حكمك ... في قتلى يا مسرف(7/50)
فانصف فواجب ... أن ينصف المنصف
وارأف فإن هذا ... المشوق لا يرأف
عللي قلبي بذاك البارد السلسل ... ينجلي ما فؤادي من جوى مشعل
إنما تبرز كي ... توقد نار الفتن
صنما مصوراً من كل شيئ حسن
إن رمى لم يخط من دون القلوب الجنن
كيف لي مخلص من سهمك المرسل ... فصل واستبقني حياً ولا تقتل
يا سنا الشمس ويا أبهى من الكوكب
يا منى النفس ويا سؤلي ويا مطلبي
ها أنا حل بأعدائك ما حل بي
عذلي من ألم الهجران في معزلٍ ... والخلى في الحب لا يسل عمن بلي
أنت قد صيرت بالحسن من الرشد غي(7/51)
لم أجد في طرق حبك ذنباً علي
فاتئد إن تشأ قتلي شيئاً فشي
أجمل ووالني منك يا ذا المفضل فهي لي ... من حسنات الزمن المقبل
ما اغتذى طرفي إلا بسنا ناظريك
وكذا في الحب ما بي ليس يخفى عليك
ولذا أنشد والقلب رهين لديك
يا علي سلطت جفنيك على مقتلي ... فابق لي قلبي وجد بالفضل يا موئلي
؟
1303 - الشيخ عبادة المالكي
778 - 846هـ؟؟ 1376 - 1442م
عبادة بن علي بن صالح بن عبد المنعم بن سراج بن نجم بن فضل بن فهد، شيخ الإسلام زين الدين بن نور الدين الزرزاري الأنصاري المالكي، شيخ المالكية بالديار المصرية في زمانه.(7/52)
ولد في جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين وسبعمائة بزرزا، وقرأ القرآن بها، ثم انتقل إلى القاهرة وحفظ بعض مختصرات في مذهبه، ثم أقبل على الاشتغال، واجتهد في ذلك بفكره الثاقب وذهنه المستقيم حتى صار إمام وقته، ورأساً في المعقول والمنقول، مع الصلابة في الدين والورع المتين، والزهد والصلاح، وطلب الحديث أيضاً في مبدأ أمره فسمع على جماعة منهم الإمام أبو إسحاق إبراهيم ابن أحمد التنوخي، والمسند أبو الحسن علي بن محمد بن أبي المجد، والحافظان أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي، وأبو الحسن علي بن أبي بكر الهيثمي، والمسند أبو علي محمد بن محمد بن اجلال، والعابد أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد ابن الشيخة، وأبو المعالي عبد الله بن عمر الحلاوي، والناج عبد الرحيم(7/53)
ابن الفصيح، والشمس محمد بن المطريز، وحدث ودرس وأعاد وأفتى عدة سنين، وانتهت إليه رئاسة مذهب الإمام مالك بآخره، ولزم طريقة السلف من عدم اجتماعه بأرباب الدولة، وطرحه التكلف، وجاهد نفسه في الطاعات، وكتب الكثير بخطه الحسن، وتصدى للإقراء سنين، وانتفع به غالب الطلبة، ورحل إلى مكة المشرفة، والى اليمن، ثم ولي بعد ذلك تدريس المدرسة الأشرفية برسباي قرره بها واقفها المذكور بنفسه حين أحدث فيها بقية المذاهب بعد فراغها بمدة، ثم ولي تدريس الشيخونية فعند ذلك لازم الانشغال وكثر تردد الطلبة إلى دروسه، هذا مع الخلق الحسن، وفصاحة اللفظ، وطلاقة اللسان، وكان عفيفاً وقوراً، عاقلاً، ديناً خيراً، كثير الصمت قليل الكلام إلا فيما يعنيه، ولما توفي قاضي القضاة شمس الدين محمد البساطي المالكي طلب الشيخ عبادة للمنصب فأبى وامتنع أشد امتناع، لا كغيره، لسانه يقول لا وجميع أعضائه تقول نعم، وصمم على عدم القبول، فأمر(7/54)
الملك الظاهر جقمق القاضي كمال الدين بن البارزي كاتب السر الشريف أن يطلبه إلى عنده ويكلمه في ذلك ويلح عليه ليقبل، وطلبه القاضي كمال الدين المذكور وكلمه في ذلك وأمعن حتى إنه قال له: السلطان يقول: أنا وليت السلطنة إلا غصباً لمصالح المسلمين، وأنت أيضاً تلي غصباً، فلما سمع الشيخ عبادة ذلك قال: حتى أستخير الله، وخرج من وقته واختفى أياماً، وسافر إلى دمياط إلى أن ولي قاضي القضاة بدر الدين محمد بن التنسي، فعند ذلك قدم إلى القاهرة، وتأكدت صحبته بالشيخ مدين، وصار لا يفارقه إلا نادراً، وأخذ في جهاد نفسه الزكية إلى أن تعلل ومات بكرة يوم الجمعة سابع شوال سنة ست وأربعين وثمانمائة، وصلى عليه بجامع الأزهر عقيب صلاة الجمعة، رحمه الله تعالى ورضي عنه، ونفعنا ببركته وبركة علومه.
1304 - أبو الفضل الدمشقي
578 - 656هـ؟ 1182 - 1258م
العباس بن سالم بن عبد الملك، الإمام العالم الفقيه المحدث أبو الفضل الدمشقي الحنفي.
مولده سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، سمع الحديث وحدث، وقرأ واشتغل،(7/55)
وتفقه على مشايخ عصره، وسمع بدمشق من أبي علي حنبل بن عبد الله بن الفرج، وبحلب من الشريف أبي هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي، ورحل وكتب وحصل، وكان من أعيان فقهاء الحنفية، ديناً ورعاً متعهداً، ملازماً لطلب العلم إلى أن توفي بدمشق سنة ست وخمسين وستمائة، رحمه الله تعالى ودفن بمقابر الصوفية.
1305 - الملك الأفضل صاحب اليمن
...
- 778هـ؟ ... - 1376م
العباس بن علي بن داود بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول، الملك الأفضل ابن الملك المجاهد بن الملك المؤيد بن الملك المظفر بن الملك المنصور، صاحب اليمن وابن صاحبها.
ولي سلطنة اليمن بعد أبيه في جمادى الأولى سنة أربع وستين وسبعمائة، ولما(7/56)
ملك اليمن خرج في أيامه ابن ميكائيل المتغلب على البلاد الشامية باليمن حرض والهجر وما يلي ذلك إلى صوب زبيد، فبعث إليه الأفضل عسكراً مع الأمير زياد، فحاربوا ابن ميكائيل حتى انهزم وزالت دولته بعد أن كانت قويت شوكته، وكان استولى على البلاد لعدم عناية الملك المجاهد بالبلاد المذكورة.
ولما مات الملك المجاهد لم يكن حاضراً عنده من أولاده إلا الملك الأفضل هذا، وسئل في السلطنة فتوقف خوفاً من أخيه يحيى بن الملك المجاهد، لأنه(7/57)
كان خرج عن طاعة أبيه. وقصد عدن للاستيلاء عليها، وكاد أن يتم أمره لولا تشاغل يحيى المذكور ومن معه بأكل بطيخ على باب عدن، وفي حال شغلهم وصل نذير من الملك المجاهد لأهل عدن فغلق بابها دون يحيى، فقصد يحيى غيرها، ولم يتم له أمر بعد أبيه، وتلاشى حاله حتى مات، ولما توجه الملك المجاهد إلى عدن بسبب ابنه يحيى المذكور كان ابنه الأفضل هذا معه، ولم يكن معه إذ ذاك خيمة ينزل فيها وربما استظل بالشجر، وذكر ذلك لأبيه فلم ينظر في حاله، فمات المجاهد في تلك السفرة، وتسلطن الأفضل هذا وعاد من عدن، فصار ينزل في خيام أبيه، ويضع أباه في تابوت تحت ظل الشجر، فسبحان من يغير ولا يتغير.
وكان الأفضل سلطاناً مهاباً، كريماً جواداً، وله إلمام بالعلم والفضل، ومشاركة جيدة في عدة علوم وتواليف منها: كتاب العطايا السنية في ذكر أعيان اليمنية، وكتاب نزهة العيون في تاريخ طوائف القرون، ومختصر تاريخ ابن خلكان، وكتاب بغية ذوي الهمم في أنساب العرب والعجم، وكتاب في الألغاز الفقهية، وغير ذلك، وكان عنده بر وصدقة، وله مآثر حسنة: بنى مدرسة عظيمة بتعز، وله بمكة مدرسة معروفة به بالصفا.(7/58)
وقيل: إن هذه التصانيف المذكورة إنما هي لقاضي تعز رضي الدين أبي بكر بن محمد بن يوسف النزاري الصبري عمل ذلك على لسان الأفضل، والله أعلم.
واستمر الملك الأفضل في مملكة اليمن حتى مات في شعبان سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، وتسلطن بعده ولده الملك الأشرف إسماعيل حتى مات في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثمانمائة بتعز، ودفن بمدرسته التي أنشأها كما تقدم ذكره في محله، إن شاء الله تعالى.
؟
1306 - الملك الأمجد
...
- 669هـ؟ ... - 1270م
العباس بن محمد بن أيوب، الملك الأمجد تقي الدين ابن الملك العادل.
كان آخر إخوته وفاةً، وكان محترماً عند الملوك لا سيما عند الملك الظاهر بيبرس البندقداري، وكان لا يرتفع عليه أحد في مجلس ولا في موكب، وكان له فضل ومشاركة، وحدث عن الكندي، والبكري، وروى عنه الدمياطي، وابن الخباز، وجماعة، وكان دمث الأخلاق، حسن العشرة، حلو المجالسة،(7/59)
رئيساً عاقلاً محترماً، توفي سنة تسع وستين وستمائة، ودفن بقاسيون بالتربة التي له، رحمه الله تعالى.
؟
1307 - الخليفة السلطان المستعين بالله
...
- 833هـ؟ - 1430م
العباس، أمير المؤمنين، الخليفة المستعين بالله، أبو الفضل، سلطان الديار المصرية، ابن الخليفة المتوكل على الله أبي عبد الله محمد بن المعتضد بالله أبي بكر بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد ابن الحسن بن أبي بكر بن علي القبي ابن الخليفة الراشد بالله منصور بن المسترشد بالله الفضل بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بالله أبي القاسم عبد الله بن القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بالله أحمد بن الأمير إسحاق ابن الخليفة المقتدر بالله جعفر ابن المعتضد بالله أحمد بن الأمير طلحة الموفق ابن الخليفة المتوكل على الله جعفر ابن المعتصم بالله محمد بن الرشيد هارون بن المهدي محمد بن أبي جعفر عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس عم النبي صلى اله عليه وسلم الهاشمي العباسي.
بويع المستعين بالله صاحب الترجمة بالخلافة بقلعة الجبل بعد وفاة والده -(7/60)
بعهد منه إليه - في يوم الاثنين مستهل شعبان سنة ثمان وثمانمائة، وكان ذلك بعد موت أبيه بأربعة أيام، واستقر بالخلافة، وتجرد صحبة الملك الناصر فرج إلى البلاد الشامية غير مرة إلى أن خرج الملك الناصر فرج من الديار المصرية إلى البلاد الشامية - في سفرته الأخيرة - لقتال شيخ ونوروز ومن معهما في أواخر سنة أربع عشرة وثمانمائة، وكان المستعين بالله أيضاً صحبة الملك الناصر، وحضر معه القتال إلى أن انكسر الملك الناصر وتوجه نحو دمشق، وأحاط شيخ ونوروز على ثقل الملك الناصر فرج وعلى الخليفة هذا والقضاة، وتوجهوا الجميع إلى دمشق لقال الناصر وقاتلوه وهزموه، وانحاز بقلعة دمشق فحاصروه بها أياماً إلى أن ظفروا به وقتل - حسبما سنذكره في ترجمته إن شاء الله تعالى - فاجتمع رأي الأمراء الشاميين والمصريين على سلطنة الخليفة المستعين بالله لخمود الفتنة، فبايعوه بالسلطنة، فصار خليفة وسلطاناً، ولم يغير لقبه، واستقر الأمير شيخ المحمودي نظام مملكته، والأمير نوروز الحافظي نائب الشام وإليه مرجع البلاد الشامية في الولاية والعزل وغير ذلك، وصار المستعين بالله يعلم على المراسيم، وعاد إلى الديار المصرية وشيخ بخدمته، وسكن بقلعة الجبل، وسكن الأمير شيخ بباب السلسله(7/61)
وصارت أمور المملكة بيد شيخ المذكور، والخليفة في السلطنة اسم والأمير شيخ معناه، وليت ذلك دام له، واستمر على ذلك إلى يوم الاثنين مستهل شعبان خلع من السلطنة بالأمير شيخ من غير أن يوافق المستعين على خلع نفسه، فأكره حتى خلع غصباً، فكانت مدة إقامة المستعين بالله هذا في السلطنة إلى أن خلع نفسه، فأكره حتى خلع غصباً، فكانت مدة إقامة المستعين بالله هذا في السلطنة إلى أن خلع ستة أشهر وخمسة أيام، واحتفظ به بقلعة الجبل، لكنهه كان مكرماً غير مهان.
واستمر في الخلافة إلى يوم الخميس سادس عشر ذي الحجة سنة ست عشرة وثمانمائة استدعى الملك المؤيد هذا اليوم المذكور داود بن المتوكل على الله من داره فحضر إلى بين يدي الملك المؤيد بقلعة الجبل وقد حضر القضاة الأربعة، فعندما رآه المؤيد قام له وقد ألبسه خلعة الخلافة، وأجلسه بجانبه بينه وبين قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقيني، ثم دعا القضاة وانصرفوا، على أن المستعين هذا خلع واستقر داود في الخلافة عوضه ولقب بالمعتضد بالله.
قال المقريزي: وكانت العادة أن يدعى على المنابر بذكر كنية الخليفة ولقبه، فمن حين منع المستعين بالله المذكور لم يذكر ذلك وإلى الآن، بل استمر(7/62)
الخطباء يقولون: اللهم اصلح الخليفة، من غير أن يذكره، ومنهم من يقول: اللهم أيد الخلافة العباسية ببقاء مولانا السلطان، انتهى كلام المقريزي.
قلت: واستمر المستعين بالله بعد ذلك بقلعة الجبل مدة يسيرة، وأرسل إلى الإسكندرية وسجن بها إلى أن مات الملك المؤيد في سنة أربع وعشرين وثمانمائة وتسلطن ولده الملك المظفر أحمد، ثم خلع بالملك الظاهر ططر، فلما كان يوم سادس عشرين ذي القعدة رسم الظاهر ططر أن يفرج عن المستعين بالله من محبسه، وأن يسكن حيث شاء بالإسكندرية، ويخرج راكباً لصلى الجمعة، ويتوجه حيث شاء، وأرسل إليه بفرس بسرج ذهب. وكنبوش زركش، وبقجة قماش، ورتب له على الثغر في كل يوم ثمانمائة درهم، ولم يزل على ذلك إلى أن توفي بالثغر في يوم الأربعاء العشرين من جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة بالطاعون وهو في أوائل الكهولية، وخلف ولد اذكرا يسمى يحيى يأتي ذكره في محله إن شاء الله تعالى.(7/63)
وكان المستعين رحمه الله خيراً ديناً، حشماً وقوراً كريماً، وعنده تواضع وسؤدد، خليقا للخلافة إلا أن المقادير لم تساعده، رحمه الله.
؟
1308 - الشرائحي
748 - 820هـ؟ 1347 - 1417م
عبد الله بن إبراهيم بن خليل بن عبد الله بن محمود بن يوسف بن تمام، الحافظ جمال الدين أبو محمد الشرائحي البعلبكي الدمشقي.
ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، وسمع بإفادة الشيخ عماد الدين بن بردس ابن إسماعيل بن سيف، وسمع على عمر بن أميلة، وأخذ عن جماعة من أصحاب الفخر، ثم من أصحاب ابن الفواس، وابن عساكر من أصحاب زينب بنت الكمال، ثم من أصحاب الحجار، وأكثر جداً من المسموع، وعرف العالي والنازل، وشارك في فنون الحديث، وقدم القاهرة في جفلة تيمورلنك في سنة ثلاث وثمانمائة، وحدث بالكثير من مسموعاته، ثم عاد إلى دمشق فأقام بها إلى أن توفي يوم الخميس ثالث المحرم سنة عشرين وثمانمائة.
قال الشيخ تقي الدين المقريزي: وكان أمياً ضعيف النظر جداً، وقد خرج لجماعة من أقرانه ومن دونهم. انتهى.(7/64)
1309 - ابن تاج الدين موسى
777 - 844هـ؟ 1375 - 1440م
عبد الله بن أبي الفرج بن موسى، الرئيس أمين الدين بن الرئيس سعد الدين ناظر الخاص بن الرئيس تاج الدين، الشهير بجده تاج الدين موسى.
كان أمين الدين المذكور من أعيان القبطة، وكانت له رئاسة ضخمة في أيام والده سعد الدين ناظر الخاص، وتولى أمين الدين المذكور - بعد موت والده - نظر الإسطبلات السلطانية، ثم انحط قدره بعد حين، وتكسح في أواخر عمره. وكان يصحب جماعة من أكابر الدولة، وهم الطالبون له، وكان إذا دخل إليهم حمله بعض خدمه حتى يجلسه ثم يحمله عند ذهابه أيضاً ويركبه بغلته.
وكان صحيح الإسلام، حج غير مرة، وانعزل عن أبناء جنسه، وكان له محاضرة حسنة، ومنادمة لطيفة، ومذاكرة جيدة بالشعر، ومعرفة بأيام الناس، وكان لا يتشبه بالأقباط في كلامهم الملحون الركيك بل يجيد ما يقول من الشعر وغيره، وكانت له مروءة ومكارم أخلاق مع خفة روح ودعابة.
وكان يتردد إلي كثيراً، وكنت أنفعل المنادمة، ومن الناس من كان ينفر منه لما كان يعتريه من وجع الركبة، فنسأل الله العافية.(7/65)
توفي أمين المذكور في يوم الأحد ثالث جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وثمانمائة.
؟
1310 - البشبيشي
768 - 820هـ؟ 1360 - 1417م
عبد الله بن أحمد بن عبد العزيز بن موسى بن أبي بكر، الشيخ جمال الدين.
ولد في ليلة الاثنين عاشر شعبان سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وتفقه بالشيخ سراج الدين عمر بن الملقن، وأخذالعربية عن الشيخ شمس الدين الغماري، واختص به ولازمه، وبرع في الفقه والعربية واللغة، وكتب الخط المنسوب، وبرع في معرفة الوراقة، وكتب كتاباً جليلاً في الألفاظ المعربة، وكتاباً استوعب فيه أخبار قضاة مصر، وكتاباً في شواهد العربية وأوسع الكلام عليها، ونسخ بخطه كثيراً إلى أن توفي بالإسكندرية في رابع ذي القعدة سنة عشرين وثمانمائة رحمه الله تعالى.(7/66)
؟
1311 - تقي الدين الصالحي
635 - 718 هـ؟ 1237 - 1318م
عبد الله بن أحمد بن تمام بن حسان، الشيخ تقي الدين الصالحي الحنبلي.
؟ ذكره ابن حبيب في تاريخه، قال: سنة عشرة وسبعمائة، - فيها توفي الشيخ تقي الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن تمام الصالحي الحنبلي، إمام قدوة. زهده ثابت. وغرس ورعه نابت. وبرق صلاحه متألق. ونهر عرفانه متدفق. كان معروفاً بحسن الأدب، متمسكاً بفروع القرب. طاف البلاد، واجتمع بالعلماء والعباد. وحج وجاور. وسابق إلى فعل الخير وبادر. وروى ما سمع من الأحاديث والأخبار، وأمل من نظمه في الورق أحسن مما غنته الورق على الأشجار. انتهى كلام ابن حبيب.
قلت: وكان له نظم ونثر، ومن شعره من أبيات:
تبدى فهو أحسن ما رأينا ... وألطف من تهيم له العقول(7/67)
له قد يميل إذا تثنى ... كذاك الغصن من هيف يميل
وخد ورده الجوزي غض ... وطرف لحظه سيف صقيل
وكم لام العذول عليه جهلاً ... وآخر ما جرى: عشق العذول
وكتب إليه العلامة شهاب الدين محمود بن سليمان الحلبي:
كتمت شأن الهوى يوم النوى فنمى ... بسره من شؤني أي نمام
كانت ليالي بيضاً في دنوهم ... فلا تسل بعدهم عن حال أيامي
ضنيت وجدا بهم والناس تحسب بي ... سقماً فأبهم حالي عند لوامي
وليس أصل ضنى جسمي النحيل سوى ... فرط اشتياقي إلى لقيا ابن تمام
توفي الشيخ تقي الدين بدمشق في سنة ثمان عشرة وسبعمائة، عن ثلاث وثمانين سنة، قاله غير واحد، وهذا بخلاف ما ذكره ابن حبيب. انتهى.
1312 - ابن الأخرس
...
- 670هـ؟ ... - 1271م
عبد الله بن أحمد، الشيخ الأديب أبو جعفر القرموني المغربي، عرف بابن(7/68)
الأخرس.
كان أديباً فاضلاً، نحوياً، بحث في كتاب سيبويه وغيره على أبي الحسن الآمدي الحافظ.
وكان له شعر كثير، من ذلك قوله:
يا دارمية كلما دنت انقضت ... لمحبها من وصلها أشياء
الله يعلم أنني بك هائم ... ويصدني من أن أزور حياء
توفي بعد السبعين وستمائة، بمدينة فاس، رحمه الله تعالى.
؟
1313 - ابن زنبور الوزير
...
- 755هـ؟ ... - 1354م
عبد الله بن أحمد بن إبراهيم، الوزير الصاحب علم الدين ابن تاج الدين الشهير بابن زنبور، القبطي المصري.
كان وزيراً بالديار المصرية، ثم ولي نظر جيشها أيضاً والخاص، اجتمعت له هذه الوظائف الثلاثة معاً ولم تجتمع لأحد قبله، قلت: ولا من بعده، أعني(7/69)
بذلك في وقت واحد، على أن سعد الدين بن غراب وليهم غير مرة في أوقات متعددة، وكذلك الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله الفوي، وكذلك جمال الدين يوسف البيري الأستادار ما خلا الجيش، انتهى.
ولما اجتمعت هذه الوظائف لابن زنبور عظم في الدولة وضخم، ونالته السعادة، وكان سكنه بالبندقيين داخل القاهرة، وهو صاحب السبع قاعات وبانيهم، ولا زال في عزه حتى وقع بينه وبين الأمير صرغتمش الناصر - صاحب المدرسة الصليبية - وحشة، ولا زال صرغتمش به حتى قبض عليه ونكبه، وكان القبض عليه في يوم الخميس سابع عشرين شوال سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة، واعتقله صرغتمش عنده تسعين يوماً، وأجرى عليه أنواع العقوبة كالمقارع وغيره، ثم نفي إلى قوص بعد أخذ سائر موجوده وذخائره وحواصله، وكان شيئاً كثيراً إلى الغاية، فمن جملة(7/70)
ما أخذ له: أردبان لؤلؤ، وألفا ألف دينار، وقس على ذلك من القماش وغيره، واستقر في وظائفه من بعده جماعة، فأخلع على القاضي الموفق كاتب المارديني بالوزارة، وعلى تاج الدين ابن الغنام ناظر الجيوش المنصورة، وعلى البدري كاتب يلبغا اليحياوي نائب الشام ناطر الخاص.
واستمر ابن زنبور معتقلاً بقوص إلى أن توفي سنة خمس وخمسين وسبعمائة.
وكان ابن زنبور هذا عنده رئاسة وكرم على ذويه، وكان جماعة للأموال والأملاك حتى صار يضرب بسعادته المثل، ومع هذا كان عنده تواضع وحشمة، وحلم، قيل إن المعمار هجاه فقال:
ذا ابن زنبور الصاحب ... في الناس ياما أقوى اسموا
يا ترى زنبور إيش كان ... زنبور أبوه وآلا أموا
فبلغ ابن زنبور ذلك، فقل: ما قال وحش: سأل سؤال، ثم أنعم عليه، انتهى.
؟
1314 - النسفي الحنفي
...
- 701هـ؟ ... - 1301م
عبد الله بن أحمد بن محمود، الإمام العلامة شيخ الإسلام حافظ الدين(7/71)
أبو البركات النسفي الحنفي.
أحد العلماء الزهاد، وصاحب التصانيف المفيدة في الفقه والأصول والعربية، وغير ذلك، نشأ على قدم هائل، وتفقه بجماعة من أعيان العلماء، حتى برع في الفقه والأصول والعربية واللغة، وروى الزيادات عن أحمد بن محمد العباسي، وتصدر للإفتاء والتدريس سنين عدية، وانتفع به غالب علماء عصره منهم: شمس الآية الكردري وغيره، وسمع منه الصغناقي، وانتهت إليه رئاسة الحنفية في زمانه علماً وعملاً، هذا مع الخلق الحسن، والتواضع الزائد، وفصاحة اللفظ، وطلاقة اللسان، ومحبته للفقراء والطلبة والإحسان إليهم، وأكب على الاشتغال والإشغال والتصنيف، ومن مصنفاته: المصفى شرح المنظومة، وشرح النافع وسماه المنافع، وله الكافي في شرح الوافي تصنيفه أيضاً، وله كتاب كنز الدقائق في الفقه، وله المنار في أصول الفقه، وله المنار في أصول الدين، وله العمدة في أصول الدين، اعتنى جماعة بشرحها، فشرحها المصنف شرحاً واسعاً مفيداً سماه الاعتماد في الاعتقاد، وشرحها الشيخ الأقشهري، والشيخ عز الدين البخاري شرحاً واسعاً مفيداً، وشرحها قاضي القضاة القونوي شرحا سماه الزبدة في شرح العمدة، وله شرحان على المنار في أصول الفقه اسم أحدهما الكشف، وهو الأكبر، والآخر ألطف منه، وله المدارك في تفسير القرآن الكريم في أربع(7/72)