ثلاث نُسَخ. ولم يخلّف وارثًا.
وكان يسكن بدرب حبيب ببغداد.
وله شعر جيّد، فمنه:
عَنَّتِ الدُّنيا لطالبها ... واسْتراح الزّاهد الفطِن
كُلُّ مَلْكٍ نال زُخْرُفَها ... حسْبُهُ ممّا حوى كَفَن
يَقْتَني مالًا ويتركُهُ، ... في كِلا الحالتين مُفْتَتَنُ
أكره الدُّنيا وكيفَ بها، ... والذي تسخو بِهِ وَسَنُ
لم تدُمْ قبلي عَلَى أحدٍ، ... فلماذا الهمُّ والحَزَنُ؟
توفي فجأة في ذي الحجّة.
وقيل: تُوُفّي سنة تسع وتسعين.
وسيأتي في سنة ثمان عشرة ابن الخازن الشّاعر الكاتب.
32- حَمْد بْن عَبْد الله بْن أحمد بْن حَنّة. أبو أحمد المعبّر، إصْبهانيّ، فقيه، مشهور.
سَمِعَ: أبا الوليد الحَسَن بْن محمد الدَّربَنْديّ، وأبا طاهر بْن عَبْد الرحيم الكاتب، وأحمد بْن محمد بْن النُّعْمان الصّائغ، ومنصور بْن الحسين سِبْط بحروَيْه، وجماعة.
وأملى عدّة مجالس.
روى عنه: أبو طاهر السلفي، وَأَبُو الفتح عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الخِرَقيّ، وآخرون.
قَالَ السّلَفيّ: ذكره ابن نُقْطة فقال: خرَّج لَهُ إسماعيل بْن محمد بْن الفُضَيْل الحافظ فوائده. وكان يؤم في الجامع الأعظم ثلاث صَلَوات، ويُفتي، ويعبّر الرؤيا.
وكان مِن شيوخ الصُّوفيّة. قَالَ لي إسماعيل بْن محمد بْن الفُضَيْل: النّزول عَنْ أَبِي الصّلْت الطّهراني، ومحمد بْن عزيزة، وحمْد بْن حنّة، أحبّ إليّ مِن العلو عمن سواهم فهم لا يدرون ما يروون.(35/39)
"حرف الزاي":
33- زيد بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْن الحُسَيْن بْن حَسَن بْن القاسم بْن محمد بْن القاسم بْن الحَسَن بْن زيد بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ1.
أبو هاشم الحُسَيْنيّ الهَمَذَانيّ، رئيس البلد وأميره.
روى عَنْ أَبِي سعْد جامع بْن محمد الأديب حديثًا واحدًا.
وكان هَيُوبًا، مُطاعًا، سائسًا. جمع الأموال، وظلم، وعسَف. وكان يطرح الشّيء الَّذِي يساوي درهمًا بثلاثة دراهم وأكثر. واستعبد الناسُ، وعُمّر دهرًا.
تُوُفّي في رجب وله ثلاث وتسعون سنة. وهو ابن بِنْت الصّاحب إسماعيل بْن عبّاد.
"حرف الصاد":
34- صاعد بْن محمد بْن عَبْد الرَّحْمَن2.
أبو العلاء الْبُخَارِيّ، القاضي.
قَالَ السّمعانيّ: هُوَ مِن أهل إصبهان، الإمام المقدَّم في زمانه عَلَى أقرانه فضلًا، وعلمًا، وزهدًا، وتواضعًا.
تفقَّه عَلَى مذهب أَبِي حنيفة حتّى صار مفتي إصبهان.
سمع مِن أصحاب ابن المقرئ ولقي ببغداد ابن النَّقُّور، وبمكّة أبا عليّ الحَسَن بْن عَبْد الرَّحْمَن الشّافعيّ.
قُتِل في جامع إصبهان يوم عيد الفِطْر وله خمسٌ وخمسون سنة. قتله باطِنيّ.
"حرف الطاء":
35- طاهر بْن سَعِيد بْن فضل اللَّه بْن أَبِي الخيْر3. أبو الفتح الميهني. والد أحمد. وأبي القاسم.
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 473، 474".
2 المنتظم "9/ 160"، والكامل في التاريخ "10/ 472"، وشذرات الذهب "4/ 4".
3 معجم البلدان "5/ 247"، والكامل في التاريخ "11/ 123".(35/40)
كَانَ مِن أهل الخير، ومن بيت المشيخة والتَّصُوّف. أقام ببغداد مدّة يسمع ويطلب، وسافر الكثير، ولقي الكبار.
وسمع مِن: جدّه الشَّيْخ أَبِي سَعِيد فضل الله، وخلف بْن أحمد الأبيوَرديّ، وأبي القاسم القُشَيْريّ، وأبي عليّ الحَسَن بْن غالب المقرئ البغداديّ، وأبي الغنائم بْن المأمون.
روى عَنْهُ: أبو شجاع عُمَر بْن محمد البِسْطاميّ، وغيره.
تُوُفّي في جُمَادَى الآخرة.
وكان ذا تعبّد وتألُّه وخير.
"حرف العين":
36- عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم. أبو عليّ الدّيَنَوريّ، المؤذّن.
حدث عن: عَبْد الرّزّاق بْن الفُضَيْل الكَلاعيّ.
سَمِعَ منه: سهل بْن بِشْر مَعَ تقدُّمه، وأبو محمد بْن صابر.
37- عَبْد الله بْن سَعِيد بْن حَكَم1. الزّاهد، أبو محمد القُرْطُبيّ، المقتليّ.
قرأ القرآن عَلَى أَبِي محمد مكّيّ بْن أَبِي طَالِب. وكان آخر مِن قرأ عَليْهِ.
وكان أحد العُبّاد الزُّهّاد، المتبرَّك بهم.
38- عُبَيْد الله بْن عُمَر بْن محمد بْن أَحْيَد2. أبو القاسم الكُشانيّ، الخطيب.
ثقة، إمام، مشهور. أملى مدة سِنين، وطال عمره.
سَمِعَ: محمد بْن الحَسَن الباهليّ، وعليّ بْن أحمد السَّنْكَبَاثيّ3، وأبا سهل عَبْد الكريم الكَلاباذيّ، وأبا نصر أحمد بْن عَبْد الله بْن الفضل، وعبد العزيز بن أحمد الحلواني.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "1/ 290، 291".
2 الأنساب "10/ 433، 434".
3 السنكباثي: نسبة إلى سنكباث، وهي قرية من قرى أربنجن بسمرقند "الأنساب 7/ 172".(35/41)
قَالَ السّمعانيّ: ثنا عَنْهُ إبراهيم بْن يعقوب الكُشَانيّ، وأبو العلاء آصف بْن محمد النسفيّ، وعطاء بْن مالك النّقّاش، وآخرون كثيرون بما وراء النَّهر.
وُلِد في حدود سنة عشر وأربعمائة.
وتوفي في رجب.
39- عَبْد الله بْن يحيى1. أبو محمد التُّجَيْبيّ، الأندلسيّ، الأُقليشيّ، ويعرف بابن الوَحْشيّ.
أخذ القراءات بطُلَيْطلَة عَنْ أَبِي عَبْد الله المَغَاميّ.
وسمع مِن: خازم بْن محمد، وأبي بَكْر بْن جُمَاهر.
وكان مِن أهل المعرفة والذّكاء. واختصرَ كتاب "مُشْكل القرآن" لابن فُورَك، وولي أحكام أُقْليش.
40- عَبْد الله بْن أَبِي بَكْر2. أبو القاسم النَّيْسابوريّ، البزّاز، الفقيه شيخ الحنفية في عصره، ومُناظرهم، وواعظهم.
سَمِعَ مِن: أَبِي الحُسَيْن عَبْد الغافر الفارسي، وغيره، وأبي طاهر محمد بْن عليّ الإسماعيلي الْبُخَارِيّ، سَمِعَ منه "الشّمائل".
قَالَ: أنبا إبراهيم بْن خَلَف، أَنَا الهيثم الشّاشيّ، ثنا التّرْمِذيّ.
تُوُفّي في جُمَادَى الآخرة.
41- عَبْد الباقي بْن محمد بْن سَعِيد بْن أصْبَع3. أبو بَكْر الأنصاريّ، الحجازيّ، الأندلسيّ، ويُعرف بابن بُريال.
روى عَنْ: المنذر بْن المنذر، وهشام بْن أحمد الكِناني، وابن عم الطَّلَمَنْكيّ، والقاسم بْن فتح.
وكان نبيلًا، حافظًا، ذكيًا، شاعرًا، محسنًا.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "1/ 291"، ومعجم البلدان "1/ 237".
2 المنتخب من السياق "288"، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي "رقم 428".
3 الصلة لابن بشكوال "2/ 385".(35/42)
قَالَ ابن بَشْكُوال: ثنا عَنْهُ غير واحدٍ مِن شيوخنا. وتُوُفّي في شَعْبان ببَلنْسِية. وكان مولده سنة ست عشرة وأربعمائة.
قلت: أخذ عَنْهُ ابن العريف وله سماع أيضًا مِن أَبِي عُمَر بْن عَبْد البَرّ، عرضَ عَليْهِ القرآن.
42- عَبْد الواحد بْن إسماعيل بْن أحمد بْن محمد1. أبو المحاسن الرُّويَانيّ2، الطَّبَريّ، فخر الإسلام، القاضي؛ أحد الأئمّة الأعلام.
لَهُ الجاه العريض، والقَبُول التّامّ في تِلْكَ الدّيار.
سَمِعَ: أبا منصور محمد بْن عَبْد الرحمن الطبري، وأبا محمد عبد الله بْن جعفر الخبّازيّ، وأبا حفص بْن مسرور، وأبا بَكْر عَبْد المُلْك بْن عَبْد العزيز، وأبا عَبْد الله محمد بْن بيان الفقيه، وأبا غانم أحمد بن علي الكراعي، وعبد الصّمد بْن أَبِي نصر العاصميّ الْبُخَارِيّ، وأبا نصر أحمد بْن محمد البلْخيّ، وأبا عثمان الصّابونيّ، وجدّه أبا العبّاس أحمد بْن محمد بن أحمد الروياني، وتفقه عليه.
وسمع بمَرْو، وغَزْنَة، وببُخارى مِن طائفة.
روى عَنْهُ: زاهر الشّحّاميّ وأبو رشيد إسماعيل بْن غانم، وأبو الفتوح الطّائيّ، وعبد الواحد بْن يوسف، وإسماعيل بْن محمد التَّيْميّ الحافظ، وأبو طاهر السّلَفيّ، وجماعة كثيرة.
وُلِد في ذي الحجّة سنة خمس عشرة وأربعمائة، وتفقَّه ببُخارى مدّة، وبرع في المذهب، حتّى كَانَ يَقُولُ فيما بَلَغَنَا: لو احترقت كُتُب الشّافعيّ أَمْلَيتها مِن حِفْظي3.
وله مصنفات في المذهب ما سبق إليها منها: كتاب "بحر المذهب" وهو من أطول كُتُب الشّافعيّة، وكتاب "مناصيص الشّافعيّ"، وكتاب "الكافي"، وكتاب "حِلْية المؤمن". وصنَّف في الأُصول والخلاف.
وكان قاضي طبرستان.
__________
1 سير أعلام النبلاء "19/ 260-262"، والبداية والنهاية "12/ 170".
2 الروياني: نسبة إلى رويان بلدة بنواحي طبرستان "الأنساب 6/ 189".
3 الكامل في التاريخ "10/ 473".(35/43)
قَالَ السّلَفيّ: بَلَغَنَا أَنَّهُ أملى بآمُل، وقُتِل بعد فراغه مِن الإملاء، بسبب التّعصُّب في الدّين، في المحرَّم.
قَالَ: وكان العماد محمد بْن أَبِي سعْد صدر الرَّيّ في عصره يَقُولُ: القاضي أبو المحاسن، شافعيّ عصره.
وقال مَعْمَر بْن الفاخر: قتل بجامع أمُل يوم الجمعة ثالث عشر المحرَّم؛ قَتَلَتْه الملاحدة. وكان نظام المُلْك كثير التّعظيم لَهُ.
رُويان: بلدة بنواحي طَبَرِسْتان.
43- عَبْد الواحد بْن محمد بْن عُمَر بْن هارون1. الفقيه أبو عُمَر الوَلاشْجِرْدِيّ.
وولاشْجِرْد مِن قرى كِنكْوَر2، وهي قرية مِن هَمَذَان.
كَانَ فقيهًا، دَيّنًا، خيّرًا.
سَمِعَ ببغداد في رحلته مِن: أَبِي الحُسَيْن بْن المهتدي بالله، والصّرِيفِينيّ، والخطيب.
وتُوُفّي بكِنْكَوِر.
44- عُبَيد اللَّه بْن عليّ بْن عُبَيد اللَّه3. أبو إسماعيل الخطيبيّ الفقيه، قاضي القُضاة بإصبهان.
سَمِعَ عَبْد الرّزّاق بْن شَمَة.
روى عَنْهُ السّلَفيّ: وقال: قُتِل بهَمَذَان شهيدًا، وأنا بها، في صَفَر رحمه الله. قتلته الباطنيّة.
45- عُبَيْد الله بْن عُمَر بْن محمد بْن أَحْيَد4. الخطيب، العالم، أبو القاسم الكشاني.
__________
1 الأنساب "12/ 299"، ومعجم البلدان "5/ 383"، واللباب "3/ 377".
2 كنكور: بليدة بين همذان وقرميسين "معجم البلدان 4/ 484".
3 المنتظم "9/ 160"، والكامل في التاريخ "10/ 471، 472"، والعبر "4/ 24".
4 تقدمت ترجمته برقم "38".(35/44)
ثقة، مُكْثِر، مَعْمَر، وُلِد في حدود سنة عشر وأربعمائة، وروى الكثير. وأملى عَنْ: محمد بْن الحَسَن الباهليّ، وعليّ بْن أحمد بْن ربيع الشَّنْكباثيّ، وأبي سهل عبد الكريم الكلاباذي، وطائفة.
وعنه: إبراهيم بْن يعقوب الكُشانيّ، وأبو العلاء أحفُ بْن محمد الخالديّ، وعطاء بْن مالك بْن أحمد النّقّاش، وأبو المعالي محمد بْن نصر المَدِينيّ، وآخرون.
مات في سادس عشر رجب عَنْ نيّفٌ وتسعين سنة.
46- عُبَيْد الله بْن محمد بْن طلحة1. الدّامَغَانيّ2، القاضي، ابن أخت قاضي القُضاة أَبِي عَبْد الله محمد بْن عليّ الدّامَغَانيّ.
شهد عند خاله في سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة، وولي قضاء ربع الكَرْخ سنة سبعين.
وكان صالحًا، ورِعًا، عفيفًا.
سَمِعَ: أبا القاسم التّنُوخيّ، وعبد الكريم بْن محمد بْن المَحَامِليّ.
روى عنه: عبد الوهاب الأنماطي، وعمر بن ظفر، وأبو طاهر السلفي.
وتوفي في صَفَر.
وكان مولده بالدّامغان سنة ثلاثٍ وعشرين وأربعمائة.
47- عليّ بْن أحمد بْن عليّ بْن الإخوة3. المحدّث، المفيد، أبو الحَسَن البيّع، الحريميّ.
مِن كبار المحدّثين.
سَمِعَ: الخطيب، وأبا الغنائم بْن المأمون، وغيره.
انتقى عليه أبو علي البَرَدانيّ.
وكتب عَنْهُ: أبو عامر العَبْدَريّ، وابن ناصر.
مات كهلًا.
__________
1 ذيل تاريخ بغداد لابن النجار "1/ 124، 125".
2 الدامغاني: بلدة من بلاد قومس "الأنساب 5/ 259".
2 ذيل تاريخ بغداد لابن النجار "3/ 102، 103".(35/45)
48- علي بْن الحُسَيْن بْن عَبْد اللَّه بْن عُرَيْبَة1. أبو القاسم الرَّبَعيّ، البغداديّ.
تفقَّه عَلَى أقضى القُضاة، أَبِي الحَسَن المَاوَرْديّ، وأبي الطَّيّب الطَّبَريّ.
ولم يبْرع في المذهب.
ثمّ صحِب أبا عليّ بْن الوليد وغيره مِن شيوخ المعتزلة، وأخذ عَنْهُمْ.
وقد سَمِعَ: أبا القاسم بن بشران، وأبا الحسين بْن مَخْلَد البزّار.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن منصورٍ السّمعانيّ، وعَبْد الخالق بْن أحمد اليُوسُفيّ، وأبو طاهر السّنْجيّ، وابن ناصر، وأبو طاهر السّلَفيّ، وأبو محمد بْن الخشّاب النَّحْويّ، وشُهْدَة.
قَالَ شُجاع الذُّهْليّ: كَانَ يذهب إلى الاعتزال.
وقال أبو سعْد السّمعانيّ: سَمِعْتُ أبا المَعْمَر الأنصاريّ إنْ شاء الله، أو غيره يذكر أنّه رجع عَنْ ذَلِكَ، وأشهد المؤتمن السّاجيّ وغيره عَلَى نفسه بالرجوع عَنْ رأيهم، والله أعلم.
قَالَ: وسمعت عليّ بْن أحمد اليَزْديّ يَقُولُ: قَالَ لي أبو القاسم الربعي: ولدت في سنة أربع عشرة وأربعمائة.
تُوُفّي في ثالث وعشرين رجب.
49- عليّ بْن عَبْد الرَّحْمَن2. أبو الحَسَن السّمِنْجَانيّ، الفقيه. أحد الأئمّة.
تفقَّه ببُخارى عَلَى أَبِي سهل الأبيوردي.
وسمع مِن: محمد بْن عَبْد العزيز القَنْطَريّ، وغيره.
روى عَنْهُ: تامر بْن عليّ الصُّوفيّ، وإسماعيل بْن محمد الحافظ، والسّلَفيّ.
تُوُفّي فِي شَعْبان.
50- علي بْن عَبْد الوهاب بْن موسى. أبو الكرم الهاشمي، الخطيب. بغدادي جليل.
__________
1 سير أعلام النبلاء "19/ 194، 195"، وشذرات الذهب "4/ 4".
2 الأنساب "7/ 150".(35/46)
حدَّث مجلسين عَنْ أَبِي عليّ بْن المُذْهب.
روى عَنْهُ: أبو المُعَمَّر الأنصاريّ.
51- عليّ بْن أَبِي طَالِب محمد بْن عليّ بْن عُبَيْد الله. المؤدب، أبو الحَسَن الهَمَذَانيّ، ثمّ البغداديّ.
روى عَنْ أَبِي الطَّيّب الطَّبَريّ، وأبي محمد الجوهريّ.
"حرف الميم":
52- محمد بْن عَبْد القادر1. أبو الحُسَيْن بْن السّمّاك البغداديّ.
روى عَنْ: ابن غَيْلان، وغيره.
روى عَنْهُ: إسماعيل بْن محمد الحافظ، وأبو طاهر السلفي.
وتوفي في رجب.
وكان واعظًا.
رماه ابن ناصر بالكذِب كأبيه.
53- مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّطيف بْن مُحَمَّد بْن ثابت بْن الحَسَن. المُهَلَّبيّ، الخُجَنْدِيّ2، أبو بَكْر، صدْر الدّين، ويُعرف بصدر العراق على الإطلاق في زمانه. كذا قَالَ أبو سعْد في "الذَّيْل".
وكان إمامًا، مناظرًا، وواعظًا، جوادًا، سَمْحًا، مَهيبًا.
كَانَ يروي الحديث، في وعْظه مِن حِفْظه. وكان السّلطان محمود يصدر عَنْ رأيه. وكان بالوزراء أشبه منه بالعلماء.
وقد درَّس ببغداد وناظر، وسمع مِن أَبِي عليّ الحدّاد.
يؤخَّر خمسين سنة.
54- محمد بْن عَبْد الكريم بْن خُشَيْش3. أبو سعْد البغداديّ.
__________
1 المنتظم "9/ 161"، وميزان الاعتدال "3/ 630"، ولسان الميزان "5/ 263".
2 الخجندي: نسبة إلى خجند على طرف سيحون من بلاد المشرق "الأنساب 5/ 52".
3 سير أعلام النبلاء "19/ 240، 241"، والعبر "4/ 5".(35/47)
سمع: أبا علي بن شاذان وغيره.
روى عنه: أبو طاهر السلفي، وشهدة، وأبو السعادات القزاز.
وسمع "جزء بن عَرَفَة" مِن أَبِي مَخْلَد. وكان شيخًا صالحًا، صحيح السَّماع.
تُوُفّي في عاشر ذي القِعْدة، وله تسعٌ وثمانون سنة.
55- محمد بْن يحيى بْن مُزَاحم1. أبو عَبْد الله الأَشْبُونيّ2، ثمّ الطُّلَيْطُليّ.
المقرئ؛ مصنَّف كتاب "النَّاهج" في القراءات.
وقد رحل إلى مصر وأكثر السَّماع، وحمل عن القُضاعيّ وطبقته.
مات في أول السّنة.
وذكره أحمد بْن محمد بْن حرب المستملي أنّه قرأ عَليْهِ القرآن، وأنّه قرأ عَلَى أَبِي عَمْرو الدّانيّ.
56- محمد بْن يوسف بْن عَطّاف. أبو عَبْد الله الأَزْدِيّ، قاضي المَرِيّة.
روى عَنْ: أبي القاسم عَبْد الرَّحْمَن بْن مالك، وأبي عَبْد الله بْن القزّاز، الفقيه. وغيرهما مِن علماء الأندلس.
وكان فقيهًا، مُدرّسًا، يُناظَر عَليْهِ، ويُجْتَمَعُ في علم الرّأي إِليْهِ.
أخذ عَنْهُ: أبو بَكْر بْن أسود، وعبد الرحيم بن الفرس، وأبو عَبْد الله بْن أَبِي يد، وأبو الحسن بن اللواتي، وغيرهم.
تُوُفّي بالمَريّة.
57- مسعود بْن عثمان بْن خَلَف3. أبو الخيار الشّْنتمَريّ.
رحل وَسَمِعَ من: أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن سلامة القضاعي.
وكان شيخًا صالحًا.
توفي بمرسية.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 562، 563"، ومعجم المؤلفين "12/ 111".
2 الأشبوني: نسبة إلى أشبون مدينة بالأندلس يقال لها تشبونة "معجم البلدان 1/ 195".
3 الصلة لابن بشكوال "2/ 618".(35/48)
58- منصور بْن أحمد بْن الفضل بْن نصر بْن عصام1. أبو القاسم المنْهاجيّ، الإسْفِزَاريّ، الفقيه الصّالح.
كَانَ ورِعًا، حَسَن السّيرة، ظهر لَهُ القبول التام بالجبال ونواحيها، وبنى بهمذان وغيرهما خانقاهات، وكثُر عَليْهِ المريدون، وازدحَمَ، عَليْهِ النّاس، وتبرَّكوا بلقائه.
وكان قد تفقَّه بمَرْو عَلَى الإمام أَبِي المظفَّر السّمعانيّ، ولزِمه مدّة.
وسمع ببَغْشُور2 "جامع التّرْمِذيّ" مِن أَبِي سعْد محمد بْن عليّ البَغَويّ الدّبّاس.
وقُتِل فتْكًا عَلَى باب خانقاه المقرى بهَمَذَان فِي شوّال.
"حرف الهاء":
59- هبة اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَليّ بْن إِبْرَاهِيم بْن سعْد الزُّهْرِيّ بن المَوْصِليّ3. أبو عَبْد الله، مِن أهل باب المراتب ببغداد.
شيخ صالح، صحيح السَّماع.
سَمِعَ: عَبْد المُلْك بْن بِشْران، والحسين بْن عليّ بْن بطْحا.
روى عَنْهُ: عَبْد الوهّاب الأَّنْماطيّ، وعبد الخالق اليُوسُفيّ، وابن ناصر، والسّلَفيّ، وخطيب المَوْصِل، وشهده، وآخرون.
وكان مولده في ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، وقيل: في ربيع الآخر.
وتُوُفّي في شوّال.
60- هبة الله بْن محمد بْن بديع4. الوزير أبو النّجْم الإصْبهانيّ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وأبا طاهر بْن عَبْد الرحيم الكاتب، وإبراهيم سِبْط بحرُوَيْه، وغيرهم. وانتقى عَليْهِ الحافظ أحمد بْن محمد بن شيرويه.
__________
1 الأنساب "1/ 239، 240".
2 بغشور: بليدة بين هراة ومرو الروذ "معجم البلدان 1/ 467".
3 المنتظم "9/ 161"، وسير أعلام النبلاء "19/ 260".
4 ذيل تاريخ دمشق لابن القلانسي "161، 163"، وزبذة الحلب "2/ 129".(35/49)
روى عَنْهُ: أبو نصر اليُونَارتيّ، وأبو مسعود عَبْد الجليل كُوتاه، وأبو طاهر السّلَفيّ.
وقدم دمشق، ووَزَرَ بحلب لرضوان بْن تُتُش1.
ثمّ استوزره طُغتِكين أتابك مدّة، ثمّ صادره في هذا العام، وخُنِق، وأُلقيَ في جُبّ بقلعة دمشق.
وكان مولده في سنة ستٌّ وثلاثين وأربعمائة.
"حرف الياء":
61- يحيى بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن الحَسَن بْن بِسْطام2. أبو زكريّا الشَّيْبانيّ، التّبْرِيزيّ3، الخطيب، اللُّغَويّ، أحد الأعلام في علم اللّسان.
رحل إلى الشّام، وقرأ اللّغة والأدب عَلَى أَبِي العلاء بْن سليمان بالمَعَرَّة، وعلى عُبَيْد الله بْن عليّ الرَّقيّ، وأبي محمد الدّهّان اللُّغويّ.
وسمع بصور مِن سُلَيْم بْن أيّوب الفقيه، ومن عَبْد الكريم بْن محمد السَّيَّاريّ.
وسمع كُتُبًا عديدة أدّبته مِن أَبِي بَكْر الخطيب، ومن أَبِي ثمال، ومن ابن برهان.
وأقام بدمشق مدّة، ثمّ سكن بغداد وأقرأ بها اللُّغة.
روى عنه: أبو منصور موهوب بْن الجواليقيّ، وابن ناصر الحافظ، وسعْد الخير الأندلسيّ، وأبو طاهر السّلَفيّ، وأبو طاهر محمد بْن أَبِي بَكْر السّنْجيّ.
وقد روى عَنْهُ شيخه الخطيب في تصانيفه. وكان موثَّقًا في اللغة ونَقْلها.
تخرَّج عَليْهِ خلْق، وصنَّف "شرح الحماسة"، و"شرح ديوان المتنبي"، و"شرح سقط الزند"، و"شرح السَّبْع قصائد المعلَّقات"، وكتاب "تهذيب غريب الحديث".
وكانت له نسخة بـ "تهذيب اللُّغة" للأزهريّ فحمله في مِخْلاةٍ عَلَى ظهره من تبريز إلى المعرة.
__________
1 زبدة الحلب "2/ 129".
2 الأنساب "3/ 21"، والكامل في التاريخ "10/ 473"، وسير أعلام النبلاء "19/ 269-271"، والبداية والنهاية "12/ 171"، وشذرات الذهب "4/ 5".
3 التبريزي: نسبة إلى تبريز، وهي من بلاد أذربيجان "الأنساب 3/ 21".(35/50)
ودخل إلى مصر أيضًا، وأخذ عَنْ أَبِي الحَسَن طاهر بْن بابْشَاذ، وغيره.
ومن شِعْره:
خليلّي ما أحلى صُبُوحي بدجلةٍ ... وأطْيبُ منه بالصُّراة غُبُوقي
شربتُ عَلَى الماءين مِن ماء كَرْمةٍ ... فكانا كدُرّ ذائبٍ وعقيق
عَلَى قَمَري أفقٍ وأرض تَقَابلا ... فمن شائق حُلْو الهوى ومَشُوقِ
فما زلت أسقيه وأشرب رِيقَه ... وما زال يسقيني ويشرب ريقي
وقلت لبدر التّمّ تعرفُ ذا الفتى؟ ... فقال نعم هذا أخي وشقيقي1
ومما رواه عَنْ شيخه ابن نحرير مِن شِعْره:
يا نساء الحيّ مِن مُضَر ... إنّ سَلْمى ضَرّةُ القَمر
إنّ سلمى لَا فُجِعْتُ بها ... أسلمتْ طَرْفي إلى السَّهَر
فهي إنْ صدّتْ وإنْ وصلتْ ... مُهجتي منها عَلَى خطرِ
وبياضُ الشّعْر أسكنها ... في سواد القلب والبصرِ2
كَانَ أبو زكريّا يُقرئ الأدب بالنّظامية.
وقال أبو منصور بْن مُحَمَّدُ بْن عَبْد المُلْك بْن خيرون: ما كانْ بَمْرضيّ الطّريقة، وذكر منه أشياء.
توفي في جمادى الآخرة لليلتين بقيتا منه.
وعاش إحدى وثمانين سنة.
وقال ابن نُقْطة: ثقة في علِمه، مخلّطًا في دينه، لُعَبَة بلسانه.
وقيل إنّه تاب مِن ذَلِكَ.
وقال ابن ناصر، عَنْ أَبِي زكريّا: التّبْريزيّ، بكسر التّاء.
62- يحيى بْن المفرّج. أبو الحسين اللخمي، المقدسي، الفقيه، الشافعي.
__________
1 وفيات الأعيان "6/ 193".
2 وفيات الأعيان "6/ 194".(35/51)
قاض الإسكندريّة.
تفقَّه عَلَى الفقيه نصر المقدسيّ، وحدث عنه.
وفيات سنة ثلاث وخمسمائة:
"حرف الألف":
63- أَحْمَد بْن إبراهيم بْن محمد1. الدّيَنَوريّ، ثمّ الدّمشقيّ.
سَمِعَ: رشأ بْن نظيف، وأبا عثمان الصّابونيّ، وجماعة.
سَمِعَ منه: أبو محمد بْن صابر.
64- أحمد بْن عليّ بْن أحمد2. أبو بَكْر بْن العُلثِيّ، الحَنْبليّ، العَبْد الصّالح.
كَانَ أحد المشهورين بالصّلاح والزُّهْد، وإجابة الدّعوة. وظهر لَهُ قبولٌ زائد.
تفقَّه عَلَى القاضي أَبِي يَعْلَى، وحدَّث عَنْهُ بشيءٍ يسير.
روى عَنْهُ: عليّ بْن المبارك بْن الصُّوفيّ، وابن ناصر، وأبو طاهر محمد بْن أَبِي بَكْر السّنْجيّ.
وكان في صباه يعمل في صنعة الجصّ والإسفيذاج، ويتنزّهُ عَنِ التّصوير3.
وورث مِن أَبِيهِ عقارًا، فكان يبيع منه شيئًا بعد شيء، ويتقوَّت بِهِ.
حجَّ في هذا العام، وتُوُفّي عشيّة عَرَفة بعَرَفَة مُحْرِمًا، فَحُمِل إلى مكّة، وطيف بِهِ، ودُفِن عند قبر الفُضَيْل بْن عياض.
وقيل: كان إذا حج يجيء إلى قبر الفُضَيْل، ويخطّ بعصاه، ويقول: يا رب ها هنا، يا رب هنا هنا. فأتّفق أنّه مات ودُفن عنده، رحمهما الله4.
__________
1 مختصر تاريخ دمشق لابن منظور "3/ 14، 15".
2 المنتظم "9/ 163، 164"، والبداية والنهاية "12/ 171"، وشذرات الذهب "4/ 6".
3 طبقات الحنابلة "2/ 255".
4 طبقات الحنابلة "2/ 256، 257".(35/52)
وروى عَنْهُ السّلَفيّ، وقال: كَانَ مِن زُهّاد بغداد، ومن القوّالين بالحقّ، والنّاهين عَنِ المنكر.
65- أحمد بْن المظفَّر بْن الحُسَيْن بْن عَبْد الله بْن سُوسَن1. أبو بَكْر البغداديّ، التّمّار.
حدَّث عَنْ: أَبِي عليّ بْن شاذان، وأبي القاسم الحرفي، وأبي القاسم بن بشران.
روى عنه: إسماعيل بن السَّمَرْقَنْديّ، وعبد الوهاب الأنْماطيّ، وابن سِلَفَهِ، وآخرون.
وكان ضعيفًا.
قَالَ السّمعانيّ: كَانَ يُلحق سماعاته في الأجزاء. قاله شجاع الذُّهْليّ.
تُوُفّي في صَفَر، وله اثنتان وتسعون سنة.
وقال عَبْد الوهاب الأنْماطيّ: هُوَ شيخ مقارِب.
66- أَحْمَد بْن هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن المهتدي بالله. الخطيب، أبو تمام بن الغريق، الهاشميّ، البغداديّ.
سمع: جَدَّه القاضي أبا الحُسَيْن محمد بْن عليّ.
وحدَّث.
وتُوُفّي في جُمَادَى الآخرة. وكان مِن كبار المعدّلين.
روى عَنْهُ: السّلَفيّ.
67- إسماعيل بْن إبراهيم بْن العبّاس2. أَبُو الفضل الحسيني، أخو أَبِي الْقَاسِم النسيب.
كان إمامًا كبير القدر، ولي قضاء دمشق وخطابتها بعد والده.
وسمع: أبا الحُسَيْن أحمد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أبي نصر التّميميّ.
سمع منه: أبو محمد بن صابر.
__________
1 المنتظم "9/ 164"، وسير أعلام النبلاء "19/ 241، 242"، ولسان الميزان "1/ 311".
2 ذيل تاريخ دمشق "96، 97"، والوافي بالوفيات "1/ 62".(35/53)
وتُوُفّي في صَفَر عَنْ ثلاثٍ وثمانين سنة1.
"حرف الحاء":
68- حمْد بْن الفضل بْن محمد. الإصبهانيّ، الخوّاص، أبو محمد.
تُوُفّي في ذي الحجة، وصلّى عَليْهِ القاضي أبو زُرْعة، واجتمع لجنازته خلْق كثير.
"حرف العين":
69- عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن البقّال. أبو الكَرَم المقرئ، البغداديّ.
سَمِعَ: الحَسَن بْن المقتدر، وابن غَيْلان، وأبا طاهر محمد بْن عليّ العلّاف.
روى عَنْهُ: عَبْد الوهّاب الأنْماطيّ، وأبو بَكْر بْن النَّقُّور.
وتُوُفّي في ذي القِعْدة وله سبْعٌ وسبعون سنة.
70- عليّ بْن عليّ بْن شِيران2. أبو القاسم الواسطيُّ المقرئ، المجوّد للقراءات.
كَانَ حافظًا للقراءات، جيّد الأخْذ. قِدم بغداد في شعبان مِن السّنة.
وحدث عن: الحَسَن بْن أحمد الغَنْدَجَانيّ.
روى عَنْهُ: عليّ بْن أحمد اليَزْديّ.
وقال سعْد الله بْن محمد الدّقّاق: كَانَ يميل إلى الاعتزال.
71- عليّ بْن محمد بْن الحبيب بْن شمّاخ3. أبو الحَسَن الغافقيّ.
مِن أهل مدينة غافق بالأندلس.
روى عَنْ: أبيه، والقاضي أبي عَبْد الله بْن السّفّاط.
وكان مِن أهل المعرفة والنُّبْل والذّكاء. وُلّي قضاة بلدة مدة. وحمدت سيرته.
__________
1 مولده سنة "420هـ".
2 الجواهر المضية "2/ 584"، وغاية النهاية "1/ 557".
3 الصلة لابن بشكوال "2/ 424".(35/54)
72- عُمَر بْن عَبْد الكريم1 بْن سَعْدُوَيْه بْن وَهْمَت. أبو الفتيان الدّهسْتانيّ2، الرَّوَّاسيّ3، الحافظ، الرّحّال.
رحل إلى خُرَاسان، والعراق، والحجاز، والشّام، ومصر، والسّواحل.
وكأن أحد الحُفّاظ المبرّزين، حسن السّيرة، جميل الأمر. كتب ما لَا يوصف كثرةً.
وسمع: أبا عثمان الصّابونيّ، وأبا حفص بْن مسرور، وأبا الحُسَيْن عَبْد الغافر الفارسيّ، وطائفة.
وببغداد: أبا يَعْلَى بْن الفرّاء، وابن الَّنُّقور.
وبمَرْو، ومصر.
وسمع بِدِهِسْتان. أبا مسعود البَجَليّ وبه تخرَّج.
وسمع بحرّان: مُبادر بْن عليّ بْن مبادر.
روى عَنْهُ: شيخه أبو بَكْر الخطيب، وأبو حامد الغزاليّ، وأبو حفص عُمَر بْن محمد الْجُرْجانيّ، ومحمد بْن عَبْد الواحد الدّقّاق، وشيخه نصر المقدسيّ الفقيه، وهبة الله بْن الأكفانيّ، وإسماعيل بْن محمد التَّيْميّ الحافظ، ومحمد بْن أبي الحُسَيْن الْجُوَيْنيّ، وآخرون، والسّلَفيّ بالإجازة.
ودخل طوس في آخر عمره، وصحَّح عَليْهِ أبو حامد الغزاليّ "الصّحيحين".
ثمّ خرجَ مِن طوس إلى مَرْو قاصدًا إلى الإمام أَبِي بَكْر السمعاني باستدعائه إيّاه، فأدركته المَنِيّة بسرخس، فتُوُفّي في ربيع الآخر كما هُوَ مؤرَّخ عَلَى بلاطة قبره.
قَالَ أبو جعفر محمد بْن أبي عليّ الهَمَذَانيّ الحافظ: ما رَأَيْت في تِلْكَ الدّيار أحفظ منه، لَا بل في الدّيار كلّها. كَانَ كَتّابًا، جوّالًا، دار الدنيا لطلب الحديث. لقِيتُه بمكّة، ورأيت الشّيوخ يثُنون عَليْهِ ويُحسنون القول فيه. ثمّ لقِيتُه بجُرجان، وصار من إخواننا.
__________
1 سير أعلام النبلاء "19/ 317-320"، والبداية والنهاية "12/ 171، 172".
2 الدهستاني: نسبة إلى دهستان بلدة مشهورة عند مازندان وجرجان "الأنساب "5/ 378".
3 الرواسي: "الأنساب 6/ 172".(35/55)
وقال أبو بَكْر بْن السّمعانيّ: قَالَ لي إسماعيل بْن محمد بْن الفُضَيْل بإصبهان: كَانَ عُمَر خرّيج أبي مسعود البَجَليّ. سمعته يَقُولُ: دخل أبو مسعود دِهستان، فأشترى مِن أَبِي رأسًا، ودخل المسجد يأكله. فبعثني والدي إِليْهِ، فقال لي: تعرف شيئًا؟ فقلت: لَا. فقال لوالدي: سلَّمه إليَّ فسلّمني أبي إِليْهِ، فحملني إلى نَيْسابور، وأفادني، وانتهى أمري إلى حيث انتهى1.
وقال خُزَيْمَة بْن عليّ المَرْوَزِيّ الأديب: سقطت أصابعُ عُمَر الرَّوَّاسيّ في الرحلة مِن البرد الشّديد.
وقال الدّقّاق في رسالته: إنّ عمر حدث بطوس بـ "صحيح مُسْلِم" مِن غير أصله، وهذا أقبح شيء عند المحدثين. وحدَّثني أنّ مولده بدِهستان سنة ثمان وعشرين وأربعمائة. وأنّه سَمِعَ منه هبة الله بْن عبد الوارث الشيرازي في سنة ست وخمسين وأربعمائة.
قال ابن نقطة في كتابه "الإستدرارك": سَمِعْتُ غير واحدٍ مِن أهل العِلْم، أنّ أبا الفتيان سَمِعَ مِن ثلاثة آلاف وستّمائة شيخِ.
وقال الرَّوَّاسيّ: أريد أن أخرج إلى مَرْو وسرخس عَلَى الطّريق، وقد قِيلَ: إنّها مقبرة العِلْم، فلا أدري كيف يكون حالي بها.
قَالَ الراوي: فبَلَغَنَا أنّه تُوُفّي بها.
قَالَ ابن طاهر2، وغيره: الرَّوَّاسيّ نسبة إلى بيع الرءوس.
وقال ابن ماكولا3: كتب الرَّوَّاسيّ عني، وكتبت عَنْهُ، ووجدته ذكيّا.
وقال السّمعانيّ: سَمِعْتُ أبا الفضل أحمد بْن محمد السّرْخَسيّ يَقُولُ: لمّا قِدم عُمَر بْن أَبِي الحَسَن الرَّوَّاسيّ سرخس روى بها وأملى. حضر مجلسه جماعة كثيرة فقال: أَنَا أكتب أسماء الجماعة عَلَى الأصل بخطّي. وسأل الجماعة وأثبت، ففي المجلس الثّاني حضرت الجماعة، فأخذ القلم وكتب أسماءهم كلّهم عَنْ ظهر قلب، بحيث ما احتاج أن يسألهم. أو كما قال.
__________
1 الأنساب "6/ 173".
2 في الأنساب المتفقة "72".
3 في الإكمال "7/ 99".(35/56)
ثمّ سَمِعْتُ محمد بْن محمد بْن أحمد يَقُولُ: حضرت هذا المجلس، وكان الجمْع اثنان وسبعون نفسًا.
وقال عبد الغافر بْن إسماعيل1: عُمَر بْن أَبِي الحَسَن الرَّوَّاسيّ، مشهور، عارف بالطُّرُق. كتب الكثير، وجمع الأبواب، وصنَّف، وكان سريع الكتابة. وكان عَلَى سيرة السَّلَف، مُقِلًا، مُعيلًا. خرج مِن نَيْسابور إلى طوس، فأنزله الغزاليّ عنده وأكرمه، وقرأ عَليْهِ "الصحيح"، ثمّ شرحه.
"حرف الميم":
73- مُحَمَّد بْن أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن سَنْدَة2. الإصبهانيّ، المطرّز، أبو سعْد، خازن الرئيس أَبِي عَبْد الله.
سَمِعَ: الحُسَيْن بْن إبراهيم الجمّال، وأبا نُعَيْم، أحمد بْن عَبْد الله الحافظ، وأبا عليّ بْن يزداد غلام محسّن، وأبا الحَسَن بْن عَبدكَويْه، ومحمد بْن عبد الله العطّار.
كنيته أبو سعْد.
وُلِد في ربيع الأول سنة إحدى عشرة وأربعمائة.
روى عنه: أبو طاهر السلفي، وسعد الخير الأندلسي، وأبو طاهر محمد بن محمد السّنْجيّ، وجماعة مِن الإصبهانيّين.
وروى عنه حضورًا الحافظ أبو موسى المَدِينيّ وقال: تُوُفّي في الثّاني والعشرين من شوّال سنة ثلاثٍ، وهو أول من حضرت عنده للسّماع.
قَالَ السّمعانيّ: ثقة، صالح.
وقال السّلَفيّ في معجمه: كَانَ في الفضل عَلَى غاية من الجلالة، قرأنا عليه عن غلام محسّن، وابن مُصْعَب، وجماعة. وقرأتُ عَليْهِ القرآن، عَنْ أَبِي بَكْر بْن البقاء المقرئ صاحب أَبِي عليّ بْن حَبَش، وغيره.
خرَّج لَهُ غانم بْن محمد الحافظ خمسة أجزاء، سمعناها.
__________
1 في المنتخب من السياق "370".
2 سير أعلام النبلاء "10/ 254، 255"، وشذرات الذهب "4/ 7".(35/57)
74- مُحَمَّد بْن عَبْد الحميد بْن عَبْد الرَّحْمَن. أبو بكر الْقُرَشِيّ، الزُّهْرِيّ، الْبُخَارِيّ.
كَانَ فقيهًا، صالحًا، مُسِنًا، خيّرًا. سمّعه أَبُوهُ مِن جماعة من المتقدمين، وعمر حتى حدث وأملى.
وتوفي في رجب، وله ثمانون سنة.
75- محمد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد1. أَبُو عَبْد الله الطُّلَيْطُليّ.
سَمِعَ مِن: عَبْد الرَّحْمَن بْن سَلَمَة، وقاسم بْن هلال، وأبي الوليد الباجي. وولي خطابة فاس، ثمّ سَبْتَة.
وكان أعمى، صالحًا.
تُوُفّي خطيبًا بسَبْتَة في المحرَّم.
76- محمد بْن عَبْد العزيز بْن السّنْدِوانيّ2. أَبُو طاهر البَغْدَادِيّ، شيخ صالح من أهل نهر الدجاج.
حدَّث عَنْ: أَبِي الحَسَن القَزْوينيّ، وأبي إِسْحَاق البرمكيّ.
روى عنه: أبو طالب بن خضير.
وتوفي في ربيع الأوّل.
77- المُحَسَّر بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الحُسَيْن. أَبُو طاهر الإسكاف، الإصبهانيّ.
حدث بـ "المعجم الكبير" للطّبَرانيّ عَنْ: ابن أَبِي الحُسَيْن بْن فاذشاه.
قَالَ مَعْمَر، وغيره: مات فِي ربيع الآخر.
"حرف الهاء":
78- هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عليّ3. أبو المعالي الكرماني، ويُعرف بابن المطلب الوزير.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 567".
2 الأنساب "7/ 168"، ومعجم البلدان "3/ 268"، واللباب "2/ 148".
3 المنتظم "9/ 165".(35/58)
وَزَرَ للخليفة مدة.
وسمع مِن: أَبِي الحُسَيْن بْن المهتدي بالله.
وما كأنّه حدَّث.
وُلِد سنة أربعين وأربعمائة، وتوفي في ثاني شوّال. وكان كاتبًا مجيدًا حاسبًا بارعًا، تفرَّد في زمانه بعلم الديوان والتَّصَرُّف. ومدة وزارته سنتان وأربعة أشهر.
وكان ذا بر ومعروف وجلالة.
وفيات سنة أربع وخمسمائة:
"حرف الألف":
79- أحمد بْن أَبِي الفتح عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن القاسم1. أبو العبّاس الإصبهانيّ، الخِرَقيّ.
سَمِعَ: ابن رِيذة، وأبا القاسم بْن أَبِي بَكْر الذَّكْوانيّ، ومحمد بْن أحمد بْن عَبْد الرحيم الكاتب، وغيرهم.
روى عنه: ابنه أبو الفتح عَبْد الله، والحافظ أبو موسى المَدِينيّ، وجماعة.
تُوُفّي في السّابع والعشرين مِن ذي القِعْدة. نعم.
روى عَنْهُ السّلَفيّ، وجماعة مِن شيوخ ابن اللّتّيّ الّذين بالإجازة.
وخرق: موضع بإصبهان.
قَالَ السلفي: كَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ ببغداد مِن أَبِي عليّ بْن شاذان مَعَ سليمان الحافظ.
80- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الله2. أبو المكارم بْن السُّكّري، الكاتب، البغداديّ.
سَمِعَ: الحَسَن بْن المقتدر بالله.
روى عنه: عَبْد الوهّاب الأنماطي، وغيره، والسلفي.
__________
1 الأنساب "5/ 91، 92".
2 المنتظم "9/ 166".(35/59)
81- إسماعيل بْن عَبْد الغافر بْن محمد بْن عَبْد الغافر بْن أحمد1. أبو عَبْد الله ابن الشّيخ أَبِي الحُسَيْن الفارسي، ثمّ النَّيْسابوريّ.
زوج بِنْت القُشَيْريّ.
سَمِعَ في صباه مِن: أَبِي حسّان محمد بْن أحمد المُزَكّيّ، وأبا سعْد عَبْد الرَّحْمَن بْن حمدان النَّصرويّ، وأحمد بن محمد بن الحارث النحوي، ومحمد ابن عَبْد العزيز النّيْليّ.
ورحل سنة ثلاثٍ وخمسين، وبقي يطوف عشر سنين في خوزستان وفارس. وكتب قريبًا مِن ألف جزء بخطّه.
وسمع ببغداد: عَبْد الصّمد بْن المأمون، وقبله أبا محمد الجوهريّ، وجماعة.
روى عَنْهُ: عَبْد الله بْن الفَرَاويّ، وعبد الخالق بْن الشّحّاميّ، وأبو شجاع عُمَر البِسْطاميّ، وأمّ سَلَمَة، والحافظ عبد الغافر، وعمر بْن الصَّفّار، وأبو بَكْر التّفْتَازانيّ، وطائفة سواهم.
وتُوُفيّ فِي ذي القعدة.
وكان مولده في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة.
قَالَ السّمعانيّ: كَانَ فاضلًا، عالمًا، لم يفتر مِن السّماع والتّحصيل.
"حرف الحاء":
82- الحُسَيْن بْن عليّ. أبو عَبْد الله بْن الحبّال، الحنبليّ، المقرئ.
سَمِعَ: أبا محمد الخلّال، والغسّانيّ.
مات في ذي القِعْدة.
83- حمزة بْن محمد بْن عليّ2. أبو يَعْلَى، أخو طِراد الزَّيْنَبيّ، الهاشميّ.
توفي في رجب، في سادس عشره.
__________
1 المنتظم "9/ 166"، وسير أعلام النبلاء "19/ 262، 263"، وشذرات الذهب "4/ 7، 8".
2 العبر "4/ 8"، وسير أعلام النبلاء "19/ 352، 353".(35/60)
قَالَ السّلَفيّ: كَانَ أبو يَعْلَى جليل القدر. ولد سنة سبع وأربعمائة. وروى لنا عن أَبِي العلاء الواسطيّ، وأبي محمد الخلّال. وذكر لي أنّه قرأ "الفصيح" عَلَى عليّ بْن عيسى الرَّبَعيّ.
قلت: وكذا ورّخ ابن السّمعانيّ مولده، ولو أنّ حمزة سُمّع في صغره مثل أخيه طِراد، لسَمِعَ مِن أَبِي الحُسَيْن بْن بِشْران، وهلال الحفّار، ولصار مُسْنَد الدُّنيا في عصره، وأنا أتعجّب كيف لم يسمّعوه1؟.
قَالَ السّلَفيّ: قَالَ لي أبو يَعْلَى: قد سَمِعْتُ عَلَى القاضي أبا الحُسَيْن التَّوَّزيّ، وأبي الحَسَن بْن فشش المالكيّ. وتموَّل الوزير ابن أَبِي الرّيّان عَلَى حملي إلى أَبِي الحَسَن بْن الحمّاميّ المقرئ، فلم يتّفق ذَلِكَ، ولا سَمِعْتُ منه.
قلت: عاش سبْعًا وتسعين سنة.
"حرف العين":
84- عَبْد الغفّار بْن عَبْد المُلْك بْن عَبْد الغفار. أبو منصور البصْريّ الأديب، مِن شيوخ هَمَذَان. ثقة صدوق.
لَهُ رحلة إلى بغداد.
سَمِعَ مِن: أَبِي الحُسَيْن بْن الَّنُّقور، وطبقته.
تُوُفّي في رجب.
وقد روى اليسير.
85- عَبْد المنعم بْن عليّ بْن أحمد بْن الغَمْر. أبو القاسم الكِلابيّ، الدّمشقيّ، الورّاق، المعروف بالمُدَيد.
سَمِعَ: أبا عَبْد الله بْن سلْوان، وأبا القاسم بْن الفُرات، وأبا عليّ الأهوازي، ورشأ بْن نظيف، وأبا الحُسَيْن بْن أَبِي نصر، وجماعة.
روى عَنْهُ: الصّائن هبة الله بْن عساكر، وأبو المعالي بن صابر، وغيرهما.
__________
1 وقال المؤلف الذهبي في السير "19/ 352": وأنا أتعجب من هذا كيف لم يسمع من أبي الحسين بن بِشْران، وأبي عليّ بن شاذان.(35/61)
وكان مولده في سنة ثمان وعشرين وأربعمائة.
وأوّل سماعه بعد الأربعين.
وتوفي في ثامن ذي القِعْدة. فذكر ابن الأكفانيّ أنّه نزل في بركة حمّام حارّة فمات.
86- عَبْد الوهاب بْن هبة اللَّه بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ1. أبو الفَرَج السّيِبيّ2، ثمّ البغداديّ.
كَانَ يعرف النَّحْو واللُّغة، وأدّب أولاد الخليفة.
سَمِعَ: أبا محمد الصَّريْفينيّ.
تُوُفّي في المحرَّم، وقد جاوز الثّمانين، في طريق الحجّ، ودُفِن بالمدينة المنورة.
87- عليّ بْن الحُسَيْن بْن المبارك. أبو الحَسَن، ابن أخت المَزْرَفيّ. إمام مسجد درب السّلْسلة.
كَانَ إمامًا فاضلًا، حسن الإقراء؛ ختم عَليْهِ خلْق.
وكان قد قرأ عَلَى: أَبِي بَكْر الخيّاط، وأبي عليّ بْن البنا، وغيرهما.
قرأ عَليْهِ القرآن سعْد الله الدّقّاق وقال: كَانَ أوحد عصره في حُسن الأداء، والقراءة الحَسَنة، والنَّغَمة الطّيّبة. وما كَانَ لسانه يفتر عَنْ ذِكر الموت.
تُوُفّي في ربيع الأخر.
88- عليّ بْن محمد بْن عليّ إلْكيا3. أبو الحَسَن الهرّاسيّ، الطَّبَرِسْتانيّ، الفقيه الشّافعيّ، عماد الدين.
تفقَّه بنَيْسابور مدّةً عَلَى إمام الحرمين، وكان مليح الوجه، جهْوريّ الصوت، فصيحًا، مطبوع الحركات، زكي الأخلاق.
__________
1 المنتظم "9/ 167".
2 السيبي: نسبة إلى سيب قرية بنواحي قصر ابن هبيرة "الأنساب 7/ 215".
3 سير أعلام النبلاء "19/ 350-352"، والبداية والنهاية "12/ 172، 173"، وشذرات الذهب "4/ 8-10"، ومعجم المؤلفين "7/ 220".(35/62)
ثمّ خرج إلى بيْهق، فأقام بها مدّة، ثمّ قِدم العراق، وولي تدريس النّظاميّة ببغداد إلى أن تُوُفّي. وحظي بالحشمة والجاه والتّجمُّل، وتخرَّج بِهِ الأصحاب.
وروى شيئًا يسيرًا عَنْ أَبِي المعالي، وغيره.
روى عنه: سعْد الخير الأنصاريّ، وعبد الله بْن محمد بْن غلّاب الأنباريّ، وأبو طاهر السّلَفيّ.
وكان يستعمل الحديث في مناظراته.
وإلْكِيا: بالعجميّ هُوَ الكبير القدْر، المُقدَّم.
تُوُفّي أوّل المحرَّم.
وكان مولده في سنة خمسين. وأربعمائة.
وقد رُمي إلْكِيا، رحمه الله، بأنّه يرى في المناظرة رأيَ الإسماعيلية، وليس كذلك، بل وقع الاشتباه على القائل بإن صاحب الأَلمُوت ابن الصّبّاح يلقَّب بإلْكِيا أيضًا. فافْهم ذَلِكَ، وأمّا الهَراسيّ فبرئ مِن ذَلِكَ.
قَرَأْتُ عَلَى الْعَلَّامَةِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدَ الْمُؤْمِنِ بن خَلَفَ الْحَافِظِ: أَخْبَرَكُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْعَظِيمِ بْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ الْحَافِظُ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ إِمْلَاءً، أَنَّهُ قَرَأَ مِن حِفْظِهِ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ الْمُفَضَّلِ الْحَافِظِ قَالَ: ثَنَا أَبُو طَاهِرِ بْنُ سِلَفَةِ الْحَافِظِ، ثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّبَرِيُّ إِلْكِيَا: أَنَا إِمَامُ الْحَرَمَيْن أَبُو الْمَعَالِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ: أَنَا وَالِدِي أَبُو مُحَمَّدٍ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، ثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ -صلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ- قَالَ: "الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ" 1. مُتَّفَقٌ عَليْهِ.
وَمِمَّنْ يَشْتَبِهُ بِإِلْكِيَا الْهَرَّاسِيِّ مُعَاصِرُهُ الْإِمَامُ الْقَاضِي:
89- أبو الحَسَن عليّ بْن محمد بْن عليّ الطَّبَرِسْتانيّ الآمُليّ2. سمع من
__________
1 أخرجه البخاري "2079"، ومسلم "1531"، والنسائي "7/ 248"، ومالك "1363"، وأحمد "2/ 56".
2 طبقات الشافعية الكبرى للسبكي "5/ 291-296".(35/63)
الحافظ عَبْد الله بْن جعفر الخبّاز بآمُل في سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، ومن أبي يعلى الخليلي، وأبي جعفر بن المسلمة، وابن المأمون.
وله قصيدة رثى بها إمام الحرمين.
ذكره ابن الصّلاح في "الشافعية"، ولم يذكر لَهُ وفاة. وكأنّه مات قبل هذا الأوان، فالله أعلم.
روى عنه: قاضي آمُل ابن أخته أبو جعفر محمد بْن الحُسَيْن بْن أميركا.
"حرف الميم":
90- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَليّ بن الصَّنْدليّ. أبو بَكْر المقرئ البابَصْريّ.
سَمِعَ: أبا محمد الخلّال.
وحدَّث.
روى عَنْهُ: سعْد الله بْن محمد الدّقّاق.
ومات في صَفَر.
91- محمد بْن صالح بْن حمزة بْن مُحَمَّد1. أَبُو يَعْلَى بْن الهبّارّية، الهاشميّ، العبّاسيّ الشّريف البغداديّ نظام الدّين.
أحد الشّعراء المشهورين. أكثر شِعْره في الهجاء والسُّخْف.
وكان ملازمًا لخدمة نظام المُلْك. وله كتاب "نتائج الفطْنة في نظمْ كليلة ودِمْنَة". وديوان شِعْره في ثلاث مجلَّدات.
وهو القائل:
رأيتُ في النّوم عرسي وهي ممسكةٌ ... ذقني وفي كفّها شيءٌ مِن الأَدَمِ
مِعْوجَ الشّكل مسْوَدّ بِهِ نُقَط ... لكّن أسفله في هيئة القَدَم
حتّى تنبّهتُ مُحَمَّر القَذَال، فلو ... طال الرقاد على الشيخ الأديب عم2
__________
1 الأنساب "12/ 306"، وسير أعلام النبلاء "19/ 392"، ولسان الميزان "5/ 367".
2 وفيات الأعيان "4/ 455".(35/64)
قَالَ العماد الكاتب1: تُوُفّي بِكَرْمان سنة أربعٍ وخمسمائة.
وهبّار جدّ لأمّه.
وقيل: تُوُفّي سنة تسعٍ، فسأعيده هناك.
92- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن محمد بْن أَبِي النَّضْر2. أبو بَكْر البَلديّ3، النَّسَفّي، المحدّث. منسوب إلى بلد نَسَف، يعني أنّه لَيْسَ مِن قُرى نَسَف.
حدَّث بالكُتُب الكبار كـ "الصحيح" لعمر بن محمد بن بجير.
سَمِعَ مِن: جعفر بْن محمد المستغفري، وأحمد بْن عليّ المايْمَرْغِيّ4، وغيرهما.
قَالَ ابن السّمعانيّ: ثنا عَنْهُ نحو مِن عشرين نفسًا.
وقال عمر بن محمد النسفي في كتاب "القند": إنّه تُوُفّي في ثالث صَفَر سنة خمسٍ وخمسمائة، وإنه ولد في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة.
قَالَ أبو سعْد: كَانَ إمامًا فاضلًا، وعُمَّر العُمر الطّويل حتّى روى الكثير.
وسمع: أَبَاهُ أبا نصر، ومحمد بْن يعقوب السّلاميّ، وأبا مسعود أحمد بْن محمد البجلي، والحسين بْن إبراهيم القَنْطريّ.
روى لنا عَنْهُ أحمد بْن عَبْد الجبّار البلديّ، والحسن بْن عَبْد الله المقرئ، ومسعود بْن عُمَر الدّلّال، وميمون بْن محمد الدّرْبيّ.
93- محمد بْن الحسين5. أبو جعفر السّمِنْجانيّ. إمام مسجد راعُوم.
تفقَّه ببُخارى عَلَى: أَبِي سهل الأبِيَوَرْدِيّ.
وبمَرْو الرّوذ عَلَى: القاضي حسين.
__________
1 في الخريدة "2/ 72".
2 الأنساب "2/ 288، 289".
3 النسفي: نسبة إلى نسف، وهي من بلاد ما وراء النهر "الأنساب 12/ 80".
4 المايمرغي: نسبة إلى مايمرغ، وهي قرية كبيرة على طريق بخارى "الأنساب 11/ 109، 110".
5 الأنساب "7/ 150".(35/65)
وأملى ببلْخ.
قَالَ السّمعانيّ: ثنا عَنْهُ جماعة بما وراء النّهر، وخُراسان، ومات ببلْخ.
94- محمد بْن علي بْن محمد. أبو الحَسَن بْن الحديثي1، البغداديّ، عُرِف بابن الشّدّاد.
سَمِعَ: أبا طَالِب بْن غَيْلان.
وعنه: أبو المُعَمَّر الأنصاريّ، والسّلَفيّ.
95- محمد بْن عمر بْن أَبِي العصافير2. الخزرجيّ، الْجَيّانيّ.
أَبُو عَبْد الله.
كَانَ فقيهًا مبُرّزًا، تفقَّه عَلَى أَبِي مروان بْن مالك بقُرْطُبَة.
ورحل فأخذ عَنْ عَبْد الحقّ بْن هارون الفقيه. وشُوور في الأحكام. وطال عُمره، وشاخ.
"حرف الياء":
96- يحيى بْن عليّ بْن الفَرَج3. أبو الحُسَيْن الْمَصْرِيّ، الخشّاب، المقرئ، الأستاذ.
قرأ عَلَى: أَبِي العبّاس بْن نفيس، ومصنَّف "العنوان" أَبِي الطّاهر إسماعيل بْن خَلَف، ومحمد بْن أحمد القَزْوينيّ، وأبي الحُسَيْن الشّيرازيّ، وجماعة.
قرأ عَليْهِ الشّريف أبو الفُتُوح الخطيب شيخ أبي الجود، وغيره.
وتوفي في هذه السّنة.
فأمّا:
97- عليّ بْن أحمد. المَصّيصيّ، الأبْهريّ، الضّرير، صاحب أَبِي عليّ الأهوازيّ، فلم أظفر لَهُ بترجمة، وهو أكبر شيخ للشريف الخطيب. تلا عليه بعد عام خمسمائة.
__________
1 الحديثي: نسبة إلى الحديثة، وهي بلدة على الفرات فوق هيت والأنبار "الأنساب 4/ 84".
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 567".
3 العبر "4/ 8"، والنجوم الزاهرة "5/ 202"، وشذرات الذهب "4/ 10".(35/66)
وفيات سنة خمس وخمسمائة
"حرف الألف":
98- أحمد بْن الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْن كوشيذ. أبو غالب الإصبهانيّ.
تُوُفّي في غرة جُمَادَى الأولى، وله ثمانون سنة.
مِن شيوخ الحافظ أبي موسى المَدِينيّ، سَمِعَ منه جميع "الكبير"1 للطّبَرانيّ، عَنِ ابن رِيذة.
99- أحمد بْن عُمَر بْن عطية2. أبو الحُسَيْن الصَّقَلّيّ، المؤدّب.
سَمِعَ: أبا القاسم السّمَيْساطيّ، وعبد العزيز الكَتَّانيّ.
وكان يؤدب في مسجد رحْبة البَصل.
قَالَ الحافظ ابن عساكر: أدركته وأجاز لي، وتُوُفّي في ربيع الآخر، وهو ثقة.
سأله ابن صابر عن مولده فقال: سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة.
100- أصْبَغ بْن محمد بن أصْبَغ3. أبو القاسم الأَزْديّ، القُرْطُبيّ، العلّامة، كبير المُفْتين بقُرْطُبَة.
روى الكثير عَنْ: حاتم بْن محمد.
وتفقَّه عَلَى أبي جعفر رزق.
وأخذ عَنْ: أَبِي مروان بن سراج، وأبي علي الغساني.
وأجاز له أبو عُمَر بْن عَبْد البَرّ، وأبو عُمَر بْن الحذّاء ما رووه.
وكان مِن جِلّة العلماء وكبار الفقهاء، بارعًا في المذهب، قُدْوة في الشروط لا يجارى. وأم بجامع قرطبة.
__________
1 هو "المعجم الكبير".
2 مختصر تاريخ دمشق لابن منظور "3/ 193، 194"، وتهذيب تاريخ دمشق "1/ 417".
3 الصلة لابن بشكوال "1/ 109، 110".(35/67)
وكان مجوّدًا للقرآن، فاضلًا، متصوَّنًا، عزيز النّفس. سَمِعَ النّاس منه، وناظروا عَليْهِ.
تُوُفّي في صَفَر. ووُلِد في سنة خمسٍ وأربعين.
101- إبراهيم بْن سعد بْن إبراهيم1. النَّيْسابوريّ.
شيخ، صالح، دلّال.
سَمِعَ: أبا حفص بْن مسرور، وأبا عثمان الصّابوني، وجماعة.
تُوُفّي فجأة.
102- إبراهيم بْن محمد2. الفقيه أبو إسحاق الْجُرْجانيّ، الزّاهد، نزيل إسفراين.
ذكره عَبْد الغافر، وأنّه تُوُفّي سنة خمس تخمينًا، وقال: أحد الأولياء والعُبّاد، وأرباب الفنون، المشتغلين بمراعاة الأنفاس مع الله، المعرضين عَنِ الدُّنيا؛ بنى دوَيْرة بإسْفَراين.
إلى أن قَالَ: وكان مِن أصحاب الكرامات الظّاهرة، رحمه الله.
"حرف الباء":
103- بركات بْن الفضل بْن محمد. التَّغْلبيّ، الفارقيّ.
سَمِعَ: أبا الحُسَيْن بْن المهتدي بالله، وأبا الحُسَيْن بْن الَّنُّقور، وابن البَطِر، وجماعة في كهولته.
مولده بميّافارِقين سنة سبع وعشرين وأربعمائة.
وتوفي بصور.
قال ابن عساكر: ثنا عَبْدان بْن رزين، ثنا بركات الفارقيّ في سنة تسع وثمانين وأربعمائة، أنا ابن البطر.
__________
1 المنتخب من السياق "127".
2 المتنخب من السياق "126".(35/68)
"حرف التاء":
104- تَمِرتاش بْن ... كين التُّرْكيّ.
روى عن: أبي جعفر بن المسلمة.
ذِكره شجاع الذُّهْليّ في "مُعْجَمه".
"حرف الحاء":
105- الحَسَن بْن إسماعيل بْن حفص. أبو المعالي المصريّ.
روى عن: أَبِي القاسم بْن القطّاع.
روى عَنْهُ: أبو محمد العثمانيّ.
106- الحَسَن بْن عبد الأعلى. أبو عليّ الكَلاعيّ، السَّفَاقُسِيّ.
أخذ ببلده عَنْ أبي الحَسَن اللَّخْميّ.
وسمع بالأندلس من: أبي عبد الله بن سعدن، وأبي علي الغساني.
وسكن سبتة، وأريد علي قضاء الجزيرة فامتنع.
وكان فقيها، متكلما، عارفا بالهندسة والفرائض.
مات كهلا.
107- الحسن بن عبد الواحد بن أحمد بن الحصين1. أبو القاسم الدسكري، ويعرف بابن الفقيه، وكيل الخليفة المستظهر، وناظر المخزن.
ذهب رسولًا إلى أصبهان.
وحدث عَنْ: الصَّريْفينيّ، وابن الَّنُّقور.
روى عَنْهُ: محمد بن عبد الخالق الجوهري، وطائفة.
__________
1 المنتظم "9/ 168".(35/69)
"حرف الخاء":
108- خَلَف بْن سُلَيْمَان بْن خَلَف بْن مُحَمَّد بْن فتحون1. أبو القاسم الأندلسيّ.
من أهل أوريوله.
روى عَنْ: أَبِيهِ، وابن الوليد الباجي، وطاهر بن مفوز.
وكان فقيها، أديبا، شاعرا، مفلقا. ولي قضاء شاطبة، ودانية.
روى عنه: ابنه محمد، وزياد بن محمد.
وكان يصوم الدهر. وله مصنف في الشروط، رحمه الله.
"حرف السين":
109- سعد بن محمد بن المؤمل. أبو نصر النيسابوري.
سمع: أبا حفص بن مسرور.
قال يحيى بن منده: سَمِعْتُ منه، وقدِم إصبهان مرارًا.
مات في ربيع الآخر، وله إحدى وسبعون سنة.
"حرف العين":
110- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بن الآبنُوسيّ2. أبو محمد، أخو أَبِي الحَسَن أحمد الفقيه.
كَانَ أحد وكلاء القاضي أَبِي عَبْد الله الدّامَغَانيّ، وغيره مِن القُضاة.
وكان قد اشتغل وحصّل، وسمع الحديث مِن: التّنُوخيّ، والجوهريّ، وأبي طَالِب العُشَاريّ.
وسمع "التّاريخ" مِن الخطيب.
__________
1 معجم شيوخ الصدفي "104".
2 العبر "4/ 9"، وسير أعلام النبلاء "19/ 277، 278".(35/70)
روى عَنْهُ: محمد بْن محمد السّنْجيّ، وعبد الله الحلْوانيّ بمَرْو، وجماعة ببغداد، والسّلَفيّ.
قَالَ أبو بَكْر السّمعانيّ: سَمِعْتُ أبا محمد الآبنُوسيّ يَقُولُ: كنت لَا أسمع مُدّة مِن التّنُوخيّ لما أسمع من مليه إلى الاعتزال، ثمّ سَمِعْتُ منه حتّى صرت عنده أعز مِن كلّ أحد، وكان يسمّيني يحيى بْن مَعِين.
وُلِد سنة ثمانٍ وعشرين.
وتُوُفّي في يوم الثّلاثاء سادس عشر جُمَادَى الأولى.
111- عبد المُلْك بْن محمد بْن حسين1. البزوغاني، الحربيّ، أبو محمد.
روى عَنْ: أَبِي الحَسَن القَزْوينيّ.
روى عَنْهُ: محمد بْن محمد السّنْجيّ، وأبو المُعَمَّر، وغيرهما، وعبد الحقّ.
مات في المحرَّم.
112- عبد الواحد بْن أحمد بْن عُمَر بْن السَّمَرْقَنْديّ. أَبُو طاهر، أخو عَبْد الله، وإسماعيل.
سَمِعَ: أبا محمد الصَّريْفينيّ، وابن الَّنُّقور.
ومات في صَفَر، ولم يَرْوِ.
113- علي بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن يوسف بْن يعقوب2. أبو الحَسَن بْن أَبِي طاهر بن العلّاف البغداديّ.
مِن بيت الحديث والقراءة.
وكان أحد حجّاب الخليفة.
عُمّر حتّى رحل إِليْهِ النّاس، وكان ذا طريقةٍ جميلة وخصالٍ حميدة. وهو آخر مِن روى عن الحمّاميّ. وسمع عبد الملك بن بشران أيضًا.
__________
1 المنتظم "9/ 168".
2 المنتظم "9/ 168"، وسير أعلام النبلاء "19/ 242"، وشذرات الذهب "4/ 10".(35/71)
روى عَنْهُ: ابنه أبو طاهر محمد، ومحمد بْن محمد السّنْجيّ، والسّلَفيّ، وخطيب المَوْصِل، وأبو بَكْر بْن الَّنُّقور، وخلق كثير.
وآخر مِن حدَّث عَنْهُ أبو السّعادات القزّاز.
وقال أبو بَكْر السّمعانيّ بعد أن ذكر مِن لحِق مِن أصحاب ابن بِشْران فسمّى ابن العلّاف، وقال: هُوَ أجلّ أصحابه عندي. سمعته يَقُولُ: ولدت في المحرم سنة ست وأربعمائة، وسمعتُ مِن أَبِي الحُسَيْن بْن بِشْران.
وقال: وعظ والدي النّاس سبعين سنة.
تُوُفّي في الثّالث والعشرين مِن المحرَّم سنة خمسٍ. وكمّل تسعًا وتسعين سنة.
"حرف الميم":
114- المبارك بْن سعيد1. أبو الحسن الأسدي، البغدادجي، التّاجر، ويُعرف بابن الخشّاب.
سمع: القُضاعيّ، وأبا بكر الخطيب.
ودخل الأندلس تاجرًا، فحدث بـ "تاريخ بغداد".
سَمِعَ منه: أبو عليّ الغسّاني، والكبار.
وسمع هُوَ مِن أَبِي مروان بْن سِراج.
قال ابن يشكوال: كَانَ مِن أهل الثّقة والثّروة. رجع إلى بغداد.
وقال ابن السّمعانيّ: كَانَ أحد الشُّهُود المُعدّلين.
مات في ذي القِعْدة.
115- المبارك بْن فاخر بْن محمد بْن يعقوب2. الأستاذ، إمام النحو، أبو الكرم بن الدقاق.
ولد سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة، ولازم ابن برهان الأسدي.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 634".
2 ميزان الاعتدال "3/ 431"، ولسان الميزان "5/ 11".(35/72)
وروى عَنْ: الجوهري، وابن المسلمة، والقاضي أبي يَعْلَى، وغيره.
أخذ عَنْهُ: ابن ناصر، والسّلَفيّ، وابن السّجْزيّ.
وصنَّف، وتصدَّر، وبرع.
تُوُفّي في ذي القِعْدة.
حطّ عَليْهِ ابن ناصر وكذّبه.
116- محمد بْن أحمد بْن أَبِي النَّضْر بْن موسى بن سعيد بن منذر بن صاحب1. البَلَديّ، أبو بَكْر النَّسَفيّ.
محدّث ما وراء النَّهر.
قد ذكرناه في السّنة الماضية، والأصحّ وفاته في هذه، فينقل إلى هنا.
117- محمد بْن حَيْدَرة بْن مفوَّز بْن أَحْمَد بْن مفوَّز2. أبو بَكْر المَعَافِريّ، الشّاطبيّ.
روى عَنْ: عمّه طاهر، وأبي عليّ الغسّانيّ وأكثر عَنْهُمَا.
وأخذ أيضًا عَنْ: أبي مروان بْن سراج، ومحمد بْن فرج الطلّاع.
وأجاز له أبو عمر بن الحذاء، وأبو الوليد الباجي.
وكان حافظا للحديث وعلله، عارفا برجاله، متقنا، ضابطا، عارفا بالأدب، والشعر، والمعاني، كامل العناية بذلك.
أسمع الناس بقرطبة، وخلف أبا علي شيخه في مجلسه، وأقرأ على ابن حزم في جزء، وتصدر وعلم إلى أن تُوُفّي سنة خمس وخمسمائة.
وكان مولده سنة ثلاثٍ وستّين، رحمه اللَّه.
118- مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعِيد3. أبو عبد الله بن المحتسب القرطبي، المقرئ.
__________
1 تقدمت ترجمته برقم "92".
2 الصلاة لابن بشكوال "2/ 567، 568".
3 الصلة لابن بشكوال "2/ 568".(35/73)
أخذ عَنْ: أَبِي محمد بْن أَبِي شعيب، وأبي مروان بن سراج. وكان نحويا، لغويا، علامة.
أخذ الناس عنه.
119- مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم. أَبُو سعد الإصبهاني المديني، يعرف بسر فرتج الثاني.
كان من أجلاء الكتبة.
روى عَنْ: أَبِي نُعَيْم الحافظ.
وحدث عنه جماعة، منهم أبو موسى المديني، وهو من كبار شيوخه.
توفي في آخر يوم من السنة.
وقد حدَّث ببغداد.
وروى عَنْهُ: أبو الفتح بْن البَطّيّ، والسّلَفيّ.
وقد خدم بالشّام.
120- محمد بْن عليّ بْن محمد1. شيخ الحنابلة، أبو الفتح الحلوانيّ، الزّاهد.
تُوُفّي يوم الأضحي، وشيّعه خلائق.
صحِب القاضي أبا يَعْلَى قليلًا، ثمّ بَرَع عَلَى الشّريف أَبِي جعفر.
وأفتى، ودرّس، وتعبّد، وتألّه.
121- محمد بْن عيسى بْن حسن2. القاضي أبو عَبْد الله التّميميّ، الفقيه، المالكيّ، السّبْتيّ.
أخذ عَنْ: أَبِي محمد المَسِيليّ، ولزمه مدّة.
وتفقَّه أيضًا عَلَى أَبِي عَبْد الله بْن العجوز.
وسمع بالمَريّة صحيح البخاري على ابن المرابط.
__________
1 المنتظم "9/ 170"، ومعجم المؤلفين "11/ 50".
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 605"، وسير أعلام النبلاء "19/ 266".(35/74)
ورحل إلى قُرْطُبَة، فأخذ عَنْ: عَبْد المُلْك بْن سِراج، وأبي عليّ الغسّانيّ، ومحمد بْن فرج.
وكتان حسن السَّمْت، وافر العقل، مليح المَلْبَس.
تفقَّه بِهِ أهل سَبْتَة، وكان يُسمّى: الفقيه العامل.
تفقَّه عَليْهِ: أبو محمد بْن شَبُونَة، والقاضي عِياض، وأبو بَكْر بْن صلاح.
ورحل إليه النّاس مِن النُواحي، وبَعُد صِيته، واشتهر اسمُه، ونَجَب مِن أصحابه خلْق.
وكان خيّرًا، رقيق القلب، سريع الدّمْعَة، مُؤْثرًا للطَّلَبَة.
بنى جامع سَبْتَة، وعَزَل نفسه مِن القضاء بأخرة. ثمّ ولّوه قضاء الجماعة بفاس، فلم تُعجبه الغُربة، فرجع، وتُوُفّي بسَبْتَة في جُمَادَى الآخرة.
قاله تلميذه أبو عَبْد الله محمد بْن حمادة الفقيه، وبالغ في تعظيمه حتّى قَالَ: كَانَ إمام المغرب في وقته. ولم يكن في قُطْر مِن الأقطار منذ يحيى بْن يحيى الأندلسيّ مِن حَمَل النّاس عَنْهُ أكثر منه، ولا أكثر نجابةً مِن أصحابه.
وقال عياض1: مولده سنة ثمان وعشرين وأربعمائة.
122- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد2. الإمام زين الدّين أبو حَامد الغزّاليّ، الطّوسيّ، الفقيه الشّافعيّ، حُجّة الإسلام.
قرأ قطعة مِن الفقه بطُوس عَلَى أحمد الرّاذكَانيّ3، ثمّ قِدم نيسابور في طائفة مِن طَلَبة الفقه، فجدّ واجتهد، ولزِم إمام الحرمين أبا المعالي حتّى تخرَّج عن مدّة قريبة، وصار أنْظَرَ أهل زمانه، وواحد أقرانه، وأعادً للطّلبة، وأخذ في التّصنيف والتّعليق.
وكان الإمام أبو المعالي مَعَ عُلُوّ درجته وفرط ذكائه، لا يطيب له تصديه
__________
1 في ترتيب المدارك "4/ 584".
2 المنتظم "9/ 168-170"، وسير أعلام النبلاء "19/ 322-346"، والعبر "4/ 10"، والبداية والنهاية "12/ 173، 174".
3 الراذكاني: نسبة إلى راذكان بليدة بأعالي طوس "الأنساب "6/ 37".(35/75)
للتّصنيف، وإن كَانَ في الظّاهر مبتهجًا بِهِ1.
ثمّ إنّ أبا حامد خرج إلى المعسكر، فأقبل عَليْهِ نظام المُلْك، وناظر الأقران بحضرته، فظهر اسمُه، وشاع أمره، فولّاه النّظّام تدريس مدرسته ببغداد، ورسَم لَهُ بالمصير إليها، فقدِمها، وأعجبَ الكُلّ مناظرته. وما لَقِي الرجل مثل نفسه. ثمّ أقبل عَلَى عِلم الأصول، وصنَّف فيها وفي المذهب والخلاف، وعظُمَت حشْمته ببغداد، حتى كانت تغلب حشمة الأمراء والأكابر، فانقلب الأمر مِن وجهٍ آخر، وظَهَر عَليْهِ بعد مطالعة العلوم الدّقيقة، ومُمارسة التّصانيف طريق التّزهُّد والتّألُّه فترك الحشمة، وطرح الرُّتْبة، وتزوَّد للمَعَاد، وقصد بيت الله، وحجّ، ورجع عَلَى طريق الشّام، وزار القدس، وأقام بدمشق مدّة سِنين2، وصنف بها "إحياء علوم الدّين" وكتاب "الأربعين"، و"القسطاس"، و"محك النَّظَر"، وغير ذَلِكَ.
وأخذ في مجاهَدَة النَّفْس، وتغيير الأخلاق، وتهذيب الباطن، وانقلب شيطان الرُّعونة، وطلب الرئاسة والتّخلُّق بالأخلاق الذّميمة، إلى سكون النَّفْس، وكرم الأخلاق، والفراغ عَنِ الرسوم، وتَزَيّا بزيّ الصّالحين.
ثمّ عاد إلى وطنه، لازمًا بيته، مشتغلًا بالتّفكير، مُلازِمًا للوقت، فبقي عَلَى ذَلِكَ مدّة. وظهرت لَهُ التّصانيف. ولم يبدُ في أيّامه مناقضةٌ لِما كَانَ فيه، ولا اعتراضٌ لأحدٍ عَلَى مآثره، حتّى انتهت نوبة الوزارة إلى فخر المُلْك، وقد سَمِعَ وتحقَّق بمكان أَبِي حامد وكمال فضله، فحضره وسمع كلامه، فطلب منه أن لَا تبقى أنفاسه وفوائده عقيمة، لَا استفادة منها ولا اقتباس من أنوارها، وألح عليه كل الإلحاح، وتشدد في الاقتراح إلى أن أجاب إلى الخروج، وقدم نَيْسابور. وكان اللَّيْثُ غائبًا عَنْ عرينه، والأمر خافيا في مستور قضاء الله ومكنونه. ورُسِم لَهُ بأن يُدرسّ بالمدرسة النّظامية، فلم يجد بُدًا من ذَلِكَ.
قَالَ هذا كلّه وأكثر منه عَبْد الغافر بْن إسماعيل في "تاريخه". ثمّ قَالَ: ولقد زُرْته مِرارًا، وما كنتُ أحدُسُ في نفسي مَعَ ما عهِدْته في سالف الزّمان عَليْهِ مِن الزَّعارة، وإيحاش النّاس، والنّظر إليهم بعين الازدراء، والاستخفاف بهم كِبَرًا وخُيَلاء واغتِرارًا بما رُزِق مِن البسْطة في النُّطْق، والخاطر، والعبارة، وطلب الجاه، والعُلُوّ في المنزلة أنه
__________
1 انظر طبقات ابن الصلاح "1/ 260".
2 انظر طبقات ابن الصلاح "1/ 261".(35/76)
صار عَلَى الضّدّ، وتصفيّ مِن تِلْكَ الكُدُورات. وكنت أظنّ أنّه متلفّعٌ بجلباب التَّكَلُّف، متنمّس بما صار إليه، فتحققت بعد السَّبْرِ والتَّنقير أنّ الأمر عَلَى خلاف المظنون، وأنّ الرجل أفاق بعد الجنون.
وحكى لنا في ليالٍ كيفيّة أحواله، مِن ابتداء ما ظهر لَهُ بطريق التّألُّه، وغَلَبة الحال عليه، بعد تبحُّره في العلوم، واستطالته عَلَى الكلّ بكلامه، والاستعداد الّذي خصّه الله بِهِ في تحصيل أنواع العلوم، وتمكّنه مِن البحث والنَّظَر، حتّى تبرَّم بالاشتغال بالعلوم العَريَّة عَنِ المعاملة، وتفكَّر في العاقبة، وما ينفع في الآخرة؛ فابتدأ بصُحبة أبي عليّ الفارْمَذيّ1، فأخذ منه استفتاح الطّريقة، وامتثل ما كَانَ يشير بِهِ عَليْهِ مِن القيام بوظائف العبادات، والإمعان في النّوافل، واستدامة الأذكار والاجتهاد والجدّ، طلبًا للنّجاة، إلى أن جاز تِلْكَ العِقاب، وتكلّف تِلْكَ المشاقّ، وما حصل عَلَى ما كَانَ يرومه.
ثم حكى أنه راجع العلوم، وخاض في الفنون، وعاود الْجَدّ في العلوم الدّقيقة، والتقى بأربابها، حتّى تفتَّحت لَهُ أبوابها، وبقي مدّةً في الوقائع، وتكافؤ الآداب، وأطراف المسائل.
ثمّ حكى أنّه فُتِح عَليْهِ بابٌ مِن الخوف، بحيث شغله عَنْ كلّ شيء، وحمله عَلَى الإعراض عمّا سواه، حتّى سهل ذَلِكَ عَليْهِ. وهكذا إلى أن ارتاض كلّ الرياضة، وظهرت لَهُ الحقائق، وصار ما كنّا نظن به ناموسًا وتخلقًا، طَبْعًا وتحقُّقًا. وأنّ ذَلِكَ أثر السّعادة المُقَدَّرة لَهُ مِن الله تعالى.
ثمّ سألناه عَنْ كيفية رغبته في الخروج مِن بيته، والرجوع إلى ما دُعيَ إليه مِن أمر نَيْسابور.
فقال معتذرًا: ما كنت أجوّز في ديني أن أقف عَنِ الدّعوة، ومنفعة الطّالبين، وقد خفَّ عليَّ أن أبوح بالحقّ، وأنطق بِهِ، وأدعو إِليْهِ. وكان صادقًا في ذَلِكَ2.
فلمّا خفّ أمر الوزير، وعلم أنّ وقوفه عَلَى ما كان فيه ظهور وحشة وخيال طلب جاهٍ وحِشْمة، ترك ذَلِكَ قبل أن يُتْرَك، وعاد إلى بيته، واتَّخَذَ في جواره مدرسة لطلبة
__________
1 الفارمذي: هو الفضل بن محمد بن علي، لسان خراسان وشيخها. توفي سنة 477هـ"، وقد تقدمت ترجمته في الطبقة الثامنة والأربعين.
2 طبقات ابن الصلاح "1/ 262"، وتبيين كذب المفتري "294، 295".(35/77)
العِلْم، وخانقاه للصُّوفيّة، ووزّع أوقاته عَلَى وظائف الحاضرين، مِن ختْم القرآن، ومجالسته أصحاب القلوب، والقعود للتّدريس لطالبه، إلى أن توفّاه الله بعد مُقاساة أنواع مِن القَصْد، والمناوأة مِن الخصوم، والسّاعين بِهِ إلى الملوك، وكفاية الله إيّاه، وحِفْظه وصيانته عَنْ أن تنوشه أيدي النَّكَبَات، أو يُنتهكَ سِتْرُ دينه بشيءٍ مِن الزّلّات.
وكانت خاتمة أمره إقباله على طلب حديث المصطفى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومجالسة أهله، ومطالعة "الصّحيحَين". ولو عاش لسبق الكلّ في ذَلِكَ الفنّ بيسيرٍ مِن الأيّام. ولم يتَّفق لَهُ أن يروي، ولم يُعْقِبْ إلّا البنات.
وكان لَهُ مِن الأسباب إرثًا وكسْبًا ما يقوم بكفايته، وقد عرضت عليه أموال فما قَبِلَها1.
وممّا كَانَ يُعترض بِهِ عَليْهِ، وقوعُ خَلَلٍ مِن جهة النَّحْو يقع في أثناء كلامه، ورُوجع فيه، فأنْصف من نفسه، واعترف بأنّه ما مارسه، واكتفى بما كَانَ يحتاج إليه في كلامه، مَعَ أنّه كَانَ يؤلّف الخُطَب، ويشرح الكُتُب بالعبارة التّي يعجز الأدباء والفُقهاء عَنْ أمثالها.
وممّا نُقِم عَليْهِ أيضًا ما ذَكَر مِن الألفاظ المستبشعة بالفارسيّة في كتاب "كيمياء السّعادة والعلوم"، وشرح بعض الصُّوَر والمسائل، بحيث لَا يوافق مراسم الشّرع، وظواهر ما عَليْهِ قواعد الإسلام.
وكان الأَوْلَى بِهِ، والحقّ أحقّ ما يُقال، ترك ذَلِكَ التّصنيف، والإعراض عَنِ الشّرح لَهُ2، فإنَّ العَوام ربّما لَا يُحكمون أُصول القواعد بالبراهين والحُجَج، فإذا سمعوا أشياء مِن ذَلِكَ تخيَّلوا منه ما هُوَ المُضِرّ بعقائدهم، ويَنْسِبُون ذَلِكَ إلى بيان مذهب الأوائل عَلَى أنّ المنصف اللّبيب إذا رَجَع إلى نفسه، علم أنّ أكثر ما ذكره ممّا رمز إليه إشارات الشّرع، وإنْ لم يَبُحْ بِهِ. ويوجد أمثاله في كلام مشايخ الطّريقة مرموزةً، ومصرَّحًا بها، متفرّقة. وليس لفظٌ منه إلّا وكما يُشعر أحدُ وجوهه بكلامٍ موهوم، فإنّه يُشِعر بسائر وجوهه بما يوافق عقائد أهل الملة، فلا يجب إذا حمْله إلّا عَلَى ما يوافق، ولا ينبغي أن يتعلَّق بِهِ في الرّدّ عَليْهِ متعلّق، إذا أمكنه أن يبيّن لَهُ وجهًا. وكان الأَوْلَى بِهِ أن يترك الإفصاح بذلك كما تقدم.
__________
1 تبيين كذب المفتري "296".
2 المنتخب من السياق "74".(35/78)
وقد سمعت أنه سمع مِن "سنن أَبِي داود"، عَنِ القاضي أَبِي الفتح الحاكميّ الطّوسيّ.
وَسَمِعَ مِن أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أحمد الخُوَاري، مَعَ ابنيه الشّيخين: عَبْد الجبّار، وعبد الحميد، كتاب "المولد" لابن أَبِي عاصم، عَنْ أبي بَكْر أحمد بْن محمود بْن الحارث، عَنْ أَبِي الشّيخ، عَنْهُ1.
قلت: ما نقم عَبْد الغافر عَلَى أَبِي حامد مِن تِلْكَ الألفاظ الّتي في "كيمياء السّعادة" فلأبي حامد أمثاله في بعض تواليفه، حتّى قَالَ فيه، أظّنه تلميذه ابن العربيّ: بَلَغ شيخنا أبو حامد الفلاسفة، وأراد أن يتقيَّأهم فما استطاع. رَأَيْت غير واحدٍ مِن الأئمّة يقولون، إنّه ردّ عَلَى الفلاسفة في مواضع، ووافقهم عليها في بعض تواليفه، ووقع في شكوك، نسأل الله السّلامة واليقين، ولكنّه مثال حسن القصْد.
وللإمام أَبِي عَبْد الله محمد بْن عليّ المازريّ الصَّقَلّيّ كلام عَلَى "الإحياء" يدلّ عَلَى تبحُّره وتحقيقه، يَقُولُ فيه: وبعد فقد تكرّرتْ مكاتبتُكُم في استعلام مذهبنا في الكتاب المترجم بـ "إحياء علوم الدّين"، وذكرتم أنّ آراء النّاس فيه اختلفت، فطائفة انتصرت وتعصّبت لإشهاره، وطائفة منه حذّرت وعنه نفّرت، وطائفة لعَيْبِه أظهرت، وكُتُبه حرّقت، ولم تنفردوا أهل المغرب باستعلام ما عندي، بل كاتبني أهل المشرق مثل ذَلِكَ، فوجب عندي إبانة الحق. ولم نتقدّم إلى قراءة هذا الكتاب سوى نُبَذٍ منه. فإن نفس الله العمر، مددت في هذا الكتاب للأنفاس، وأزلت عن القلوب الالتباس. واعلموا أنّ هذا الرجل، وإن لم أكن قرأت كتابه، فقد رَأَيْت تلامذته وأصحابه، فكلٌ منهم يحكي لي نوعًا مِن حاله وطريقته، استلْوح منها مِن مذاهبه وسيرته، ما قام لي مقام العِيان، فأنا أقتصر في هذا الإملاء عَلَى ذِكر حال الرجل، وحال كتابه، وذِكر جُمِل مِن مذاهب الموحّدين، والفلاسفة، والمتصوّفة وأصحاب الإشارات. فإنّ كتابه متردّد بين هذه الطّرائق الثّلاث، لَا تعدوها، ثمّ أُتْبع ذَلِكَ بذِكر حيَل أهل مذهبٍ عَلَى أهل مذهب آخر، ثُمَّ أبين عن طرق الغرور، وأكشف عما فيه من خيال الباطل، ليُحذَر مِن الوقوع في حبائل صائده.
ثمّ أثنى المازَريّ عَلَى أَبِي حامد في الفقه، وقال: هُوَ بالفقه أعرف منه بأُصُوله، وأمّا عِلم الكلام الَّذِي هُوَ أُصول الدّين، فإنّه صنف فيه أيضًا، وليس بالمستبحر فيها،
__________
1 المنتخب من السياق "74" وفيه: "وتمام الكتاب من جزءين مسموع له".(35/79)
ولقد فطنت لسبب عدم استبحاره، وذلك لأنّه قرأ علوم الفلسفة قبل استبحاره في فنّ الأُصُول، فِأكسَبَتْه قراءةُ الفلسفة جُرأةً عَلَى المعاني، وتسهُّلًا للهجوم عَلَى الحقائق، لأنّ الفلاسفة تمرّ مَعَ خواطرها، وليس لها حُكْم شَرْع يزَعُها، ولا يَخاف مِن مخالفة أئمّة تتعبها. وعرّفني بعض أصحابه أنّه كَانَ لَهُ عُكُوف عَلَى رسائل إخوان الصّفاء، وهي إحدى وخمسون رسالة، ومصنفها فيلسوف قد خاض في عِلْم الشّرْع والنَّقْل، فخرج ما بين العِلْمَيْن، وذكر الفلسفة، وحسّنها في قلوب أهل الشّرع بآياتٍ يتلو عندها، وأحاديث يذكرها.
ثمّ كَانَ في هذا الزّمان المتأخّر رجلٌ مِن الفلاسفة يُعرف بابن سينا، ملأ الدُّنيا تواليف في علوم الفلسفة، وهو فيها إمامٌ كبير، وقد أدّاه قُوتُه في الفلسفة إلى أن حاول ردّ أُصول العقائد إلى علم الفلسفة، وتلطّف جَهْدَه حَتَّى تم لَهُ ما لم يتم لغيره. وقد رَأَيْت جملا من دواوينه، ووجدت هَذَا الغَزَالِي يعوّل عليه في أكثر ما يشير إِليْهِ مِن علوم الفلسفة.
إلى أن قَالَ: وأمّا مذاهب الصُّوفيّة، فلست أدري عَلَى مِن عوَّل فيها، ولكنّي رَأَيْت فيما علّق عَنْهُ بعضُ أصحابه، أنّه ذكر كُتُب ابن سينا وما فيها، وذكر بعد ذَلِكَ كُتُب أَبِي حَيّان التّوحيديّ، وعندي أنّه عَليْهِ عوّل في مذاهب الصُّوفيّة. وقد أُعْلِمتُ أنّ أبا حَيّان ألّف ديوانًا عظيمًا في هذا الفنّ، ولم يُنقل إلينا شيءٌ منه.
ثمّ ذكر المازَرِيّ تَوَهُّنَه أكثر ما في "الإحياء" مِن الأحاديث. وقال: عادة المتورّعين أن لَا يقولوا: قَالَ مالك، قَالَ الشّافعيّ. فيما لم يثبُت عندهم. وفي كتابه مذاهب وآراء في العمليّات هِيَ خارجة عَنْ مذاهب الأئمّة. واستحسانات عليها طلاوة، لَا تستأهل أن يُفتى بها. وإذا تأمّلتَ الكتابَ وجدتَ فيه مِن الأحاديث والفَتْوى ما قلته، فَيَستحسن أشياء مبناها عَلَى ما لَا حقيقة لَهُ، مثل قصّ الأظْفار أن تبدأ بالسَّبّابة، لأنّ لها الفضل عَلَى بقيّة الأصابع، لأنها المُسَبّحة، ثمّ نقصّ ما يليها مِن الوسطى، لأنّها ناحية اليمين، ونختم بإبهام اليمنى. وذَكَر في ذَلِكَ أثرًا.
وقال: مِن مات بعد بلوغه ولم يعلم أنّ البارئ قديم، مات مسلمًا إجماعًا. ومن تَساهلَ في حكاية الإجماع في مثل هذا الَّذِي الأقرب أن يكون فيه الإجماع يعكس ما قَالَ، الحقيق أن لَا يوثَّق بما فعل.
وقد رَأَيْت لَهُ في الجزء الأوّل أنّه ذكر أنّ في علومه هذه ما لَا يسوغ أن تُودَع في(35/80)
كتاب. فليت شِعْري، أحقٌ هُوَ أو باطل؟ فإنْ كَانَ باطلًا فصَدق، وإن كَانَ حقًا، وهو مُرادُه بلا شكّ، فلِمَ لَا يودَع في الكُتُب، أَلغُمَوضه ودِقّته؟ فإن كَانَ هُوَ فَهْمُه، فما المانع لأن يفهمه غيره1.
قَالَ الطُّرْطُوشيّ محمد بْن الوليد في رسالة لابن المظفَّر: فأمّا ما ذكرت مِن أمر الغزّاليّ، فرأيت الرجل وكلّمته، ورأيته جليلًا مِن أهل العلم، قد نهضت به فضائله، واجتمع فيه العقل والفَهْم، وممارسة العلوم طول عُمره. وكان عَلَى ذَلِكَ مُعْظَم زمانه، ثمّ بدا لَهُ عَنْ طريق العالم، ودخل في غُمار العُمّال، ثمّ تصوّف، فهجر العلومَ وأهلها، ودخل في علوم الخواطر، وأرباب العقول، ووساوس الشّيطان، ثم شابَها بآراء الفلاسفة، ورموز الحلّاج، وجعل يطعن عَلَى الفقهاء والمتكلّمين. ولقد كَاد أن ينسلخ مِن الدّين. فلمّا عمل "الإحياء" عمد يتكلّم في عُلُوم الأحوال ومرامز الصُّوفيّة، وكان غير أنيسٍ بها، ولا خبير بمعرفتها، فسقط عَلَى أمّ رأسه وشحن كتابه بالموضوعات.
وقال أبو عَمْرو بْن الصّلاح: فصْلٌ لبيان أشياء مهّمة أُنْكِرتْ عَلَى الغزّاليّ في مصنَّفَاته، ولم يَرْتضِها أهلُ مذهبه وغيرهم مِن الشّذوذ في تصرّفاته، منها قولُه في المنطق: هُوَ مقدّمة العلوم كلّها، ومن لَا يحيط بِهِ، فلا ثقة لَهُ بمعلومه أصلًا، وهذا مردودٌ، فكلّ صحيح الذّهْن مَنْطِقيّ بالطَّبْع، وكيف غفل الشّيخ أبو حامد حال مشايخه مِن الأئمّة، وما رفعوا بالمنطق رأسًا.
قَالَ ابن الصّلاح2: وأمّا كتاب "المضْنوُن بِهِ عَلَى غير أهله"، فَمَعَاذ الله أن يكون لَهُ. شاهدتُ عَلَى نسخة بخطّ القاضي كمال الدِّين محمد بن عبد الله بن الشّهْرزُوريّ أنّه موضوعٌ عَلَى الغزاليّ، وأنّه مخَتَرعٌ مِن كتاب "مقاصد الفلاسفة"، وقد نقضه بكتاب "التّهافُت".
وقال أبو بَكْر الطُّرْطُوشيّ: شحن الغزاليّ كتابه "الإحياء" بالكذِب عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا أعلم كتابًا عَلَى بسطة الأرض أكثر كذبًا عَلَى رَسُول اللهِ منه. ثم شبكه بمذاهب الفلاسفة، ومعاني رسائل إخوان الصَّفَاء وهم قومٌ يرون النُّبُوَّة اكتسابًا. فليس نبيّ في زعمهم أكثر مِن شخص فاضل، تخلَّق بمحاسن الأخلاق، وجانب سفاسفها،
__________
1 انظر طبقات ابن الصلاح "1/ 255-259".
2 في طبقاته "263".(35/81)
وساس نفسه، حتّى مَلَك قيادها، فلا تغلبه شهواته، ولا يقهره سوء أخلاقه، ثمّ ساس الخلق بتلك الأخلاق. وزعموا أنّ المعجزات حِيَل ومخاريق.
وقال الحافظ أبو القاسم بْن عساكر في ترجمته: ثمّ حجّ، ودخل الشّام، وأقام بها نحوًا مِن عشر سِنين، وصنَّف، وأخذ نفسه بالمجاهدة، وكان مُقامه بدمشق في المنارة الغربيّة مِن الجامع.
وقد سَمِعَ "صحيح الْبُخَارِيّ" من أبي سهل محمد بْن عُبَيْد الله الحفْصيّ.
وقدم دمشق في سنة تسعٍ وثمانين.
قلتُ: وجالس بها الفقيه نصر المقدسيّ.
وقال القاضي شمس الدّين بْن خَلّكان1: إنّه لزِم إمامَ الحرمين، فلمّا تُوُفّي خرج إلى نظام المُلْك، فبالغ في إكرامه، وولّاه نظاميّة بغداد، فسار إليها في سنة اربعٍ وثمانين، وأقبل عَليْهِ أهْل العراق، وارتفع شأنه. ثمّ ترك ذَلِكَ في سنة ثمانٍ وثمانين، وتزهَّد، وحجَّ، ورجع إلى دمشق، فاشتغل بها مدّة بالزّاوية الغربيّة، ثمّ انتقل إلى بيت المقدس، وجُدَّ في العبادة، ثمّ قصد مصر، وأقام مدّة بالإسكندرية، ويقال إنّه عزم عَلَى المُضِيّ إلى الأمير يوسف بْن تاشفين سلطان مَرّاكُش، فبلغه نَعيُّه.
ثمّ أنّه عاد إلى وطنه بطُوس.
وصنَّف التصانيف: "البسيط"، و"الوسيط، والوجيز"، و"الخلاصة في الفقه"، و"إحياء علوم الدين".
وفي الأصول: "المستصفى"، و"المنخول"، و"اللباب"، و"بداية الهداية"، و"كيمياء السعادة"، و"المأخذ"، و"التحصين"، و"المعتقد"، و"إلجام العوام"، و"الرد على الباطنية"، و"الاقتصاد في اعتقاد الأوائل"، و"جواهر القرآن"، و"الغاية القصوى"، و"فضائح الإباحية"، و"عود الدّور".
وله: "المِنْجَل في عِلم الْجَدَل"، وكتاب "تهافت الفلاسفة"، وكتاب "محك النظر"، و"معيار العلم"، و"المضنون به على غير أهله".
و"شرح الأسماء الحسنى"، و"مشكاة الأنوار"، و"المنقذ من الضلال"، و"حقيقة القولين"، وغير ذلك من الكتب. وقد تصدر للإملاء.
__________
1 في وفيات الأعيان "4/ 216".(35/82)
ولد سنة خمسين وأربعمائة.
وقال عَبْد الغافر1: تُوُفّي يوم الإثنين رابع عشر جُمَادَى الآخرة سنة خمس، ودُفِن بمقبرة الطّابران، وهي قصبة بلاد طوس.
وقولهم: الغزّاليّ، والعطّاريّ، والخبّازيّ، نسبة إلى الصَّنائع بلغة العجم، وإنّما ينبغي أن يقال الغزّال، والعطّار، ونحوه.
وللغزاليّ أخٌ واعظ مدرّس لَهُ القَبُول التّامّ في التّذكير واسمه:
- أبو الفتوح أحمد. درّس بالنظاميّة ببغداد، نيابة عن أخيه لمّا ترك التّدريس، قليلًا، وبقي إلى حدود سنة عشرين وخمسمائة.
وقال ابن النّجّار في "تاريخه": الغزّاليّ إمام الفُقهاء عَلَى الإطلاق، وربّانيّ الأمة بالاتّفاق، ومجتهد زمانه، وعين أوانه. برع في المذهب، والأُصول، والخلاف، والْجَدَل، والمنطق، وقرأ الحكمة، والفلسفة، وفهم كلامهم، وتصدّى للرّدّ عليهم. وكان شديد الذّكاء، قويّ الإدراك ذا فِطْنة ثاقبة، وغوص عَلَى المعاني، حتى قِيلَ إنّه ألّف كتابه "المنخول"، فلمّا رآه أبو المعالي قَالَ: دَفنتني وأنا حيّ، فهلّا صبرتَ حتّى أموت، لأنّ كتابك غطّى عَلَى كتابي2.
ثمّ روى ابن النّجّار بسنده، أنّ والد الغزّاليّ كَانَ رجلًا مِن أرباب المِهَن يغزل الصُّوف، ويبيعه في دُكّانه بطُوس، فلمّا احتضر أوصى بولديه محمد وأحمد إلى صديقٍ لَهُ صوفيّ صالح، فعلّمهما الخطّ، وفني ما خلَّف لهما أبوهما، وتعذّر عليهما القُوت، فقال: أرى لكما أن تلجأ إلى المدرسة كأنّكما طالبَيْن للفِقْه، عسى يحصل لكما مقدار قُوتكما. ففعلا ذَلِكَ.
وقال أبو العبّاس أحمد الخطيبيّ: كنت يومًا في حلقة الغزّاليّ، رحمه الله، فقال: مات أَبِي، وخلّف لي ولأخي مقدارًا يسيرًا، ففني، بحيث تعذّر القُوت علينا، وصرنا إلى مدرسةٍ نطلب الفقه، لَيْسَ المراد سوى تحصيل القُوت. وكان تعلُّمنا لذلك لا لله. فأبى أن يكون لله.
__________
1 في المنتخب "74/ 75".
2 المنتظم "9/ 168، 169".(35/83)
وقال أسعد المَيْهنيّ: سَمِعْتُ الغزّاليّ يَقُولُ: هاجرت إلى أَبِي نصر الإسماعيلي بجُرْجان، فأقمت إلى أن أخذت عَنْهُ "التّعليقة"1.
قَالَ ابن النّجّار: وقرأتُ عَلَى أبي القاسم الأَسَديّ العابد بالثّغر، عن أبي محمد عبد الله بن علي الأشيري قال: سمعت أبا محمد عبد المؤمن بن علي القيسي، سمعت أبا عبد الله محمد عَبْد الله بْن تُومرْت السُّوسيّ يَقُولُ: أبو حامد الغزّاليّ قرع الباب وفُتِح لنا.
قَالَ ابن النّجّار: بلغني أنّ أبا المعالي الْجُوَيْنيّ كَانَ يصف تلامذته يَقُولُ الغزّاليّ بحرٌ مُغْرِق، إلْكِيا أسدٌ مخرِق، والخَوَافي نارٌ تحرق.
وقال أبو محمد العثمانيّ، وغيره: سمعنا محمد بْن يحيى بْن عبد المنعم العَبْدَريّ المؤدّب يقول: رأيت بالإسكندرية سنة خمسمائة كأن الشّمس طلعت مِن مغربها، فعبّره لي عابرٌ ببدعةٍ تَحْدُث فيهم، فبعد أيّامٍ وصل الخبر بإحراق كُتُب الغزّاليّ بالمَرِية.
وقال أبو عامر العَبْدري الحافظ: سَمِعْتُ أبا نصر أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد القاهر الطُّوسيّ يحلف بالله أنّه أبصر في نومه كأنّه ينظر في كُتُب الغزّاليّ، فإذا هِيَ كلّها تصاوير.
قلت: للغزّاليّ غَلَط كثير، وتناقض في تواليفه، ودخولٌ في الفلسفة، وشُكوك. ومن تأمَّل كُتُبُه العقْليّة رَأَى العجائب. وكان مزجيّ البِضاعة مِن الآثار، عَلَى سعة علومه، وجلالة قدره، وعظمته.
وقد روى عَنْهُ أبو بَكْر بْن العربيّ الإمام "صحيح الْبُخَارِيّ"، بروايته عَنِ الحفصيّ، فيما حكى ابن الحدّاد الفاسي، ولم يكن هذا بثقة، فالله أعلم.
أَنَا صَبٌّ مُسْتهامُ ... وهمومٌ لي عظام
طال ليلي دون صحبتي ... سهرتْ عينيّ وناموا
بي غليلٌ وعليل ... وغريم وغرامُ
ففؤادي لحبيبي ... ودمي لَيْسَ حرامُ
ثمّ عرضي لعذولي ... أمة العشق كرام
__________
1 انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي "16/ 195".(35/84)
123- مقاتل بْن عطيّة بْن مقاتل1. أبو الهَيْجا البكْريّ، الحجازي.
الأمير شبْل الدّولة. مِن أولاد أمراء العرب.
دخل خُرَاسان، وغَزْنَة لوحشةٍ وقعت بينه وبين إخواته، واختصّ بالوزير نظام المُلْك وصاهره، ثمّ عاد إلى بغداد لمّا قُتِل النّظام.
وله شِعْر جيد.
ثمّ قصد كَرْمان ليمتدح وزيرَها ناصر الدّين مُكْرَم بْن العلاء، فوفد عَليْهِ، فوصَلَه بألفيْ دينار لمّا أنشده قصيدته:
دَعِ العِيسَ تذْرعُ عرْضَ الفلا ... إلى ابنِ العَلاءِ وإلا فلا
ثمّ إنّه دخل هَرَاة، وأحبّ بها امرأةً، وقال فيها الأشعار، ثمّ مرض، وغلبت عَليْهِ السَّوداء، وتُوُفّي في حدود هذه السّنة، في ربيع الأوّل بمرو وله ديوان.
"حرف الهاء":
124- هبة اللَّه بْن عَليّ بْن الفَضْل.
أبو سعْد الشّيرازيّ، الأديب.
سَمِعَ: أبا طَالِب محمد بْن محمد بْن غَيْلان.
روى عَنْهُ: مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عليّ زُفرة المفيد الإصبهاني، وغيره.
وتُوُفّي في صَفَر عَنْ: أربعٍ وسبعين سنة.
"حرف الياء":
125- يوسف بْن عَبْد العزيز بْن عُدَيْس2. أبو الحَجّاج الأنصاريّ، الأندلسيّ.
مكثر عَنْ: أَبِي عُمَر بْن عَبْد البَرّ.
وسمع بطُلَيْطلَة من جُماهر بْن عَبْد الرَّحْمَن. وسكنها وتفقَّه بها.
__________
1 وفيات الأعيان "5/ 257-260"، وسير أعلام النبلاء "19/ 271".
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 681، 682".(35/85)
وكان حافظًا، ذكيا، متقنًا، مصنفًا.
روى عنه: أبو عامر بْن حبيب الشّاطبيّ.
تُوُفّي في نصف شوال.
وفيات سنة ست وخمسمائة
"حرف الألف":
126- أحمد بْن الفَرَج بْن عُمَر1. أبو نصر الدّيَنَوريّ، الإبريّ، والد شُهْدَة.
شيخ، زاهد، ثقة، خيّر.
سَمِعَ: أبا يَعْلَى بْن الفراء، وأبا الغنائم بْن المأمون، وجماعة.
روى عَنْهُ: بنته.
وتوفي في جمادى الأولى مِن السّنة.
127- أحمد بْن أَبِي عاصم. الصَّيْدلانيّ، الهَرَويّ. أحد المعمَّرين.
سَمِعَ: أبا يعقوب القرّاب الحافظ.
قَالَ أبو سعْد السّمعانيّ: أجاز لي مَرْويّاته في سنة ستٌّ هذه.
128- أحمد بْن محمد بْن عُمَر بْن إبراهيم.
أبو منصور الكرمانيّ، ثمّ الإصبهاني، الواعظ، الزّاهد، ويُعرف بابن إدريس.
روى عَنْ: أَبِي طاهر بْن عَبْد الرحيم.
روى عَنْهُ: أبو موسى الحافظ وقال: تُوُفّي في تاسع صَفَر. ودُفِن عند قبر حُممة الدَّوْسيّ.
129- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن محمد بن القارئ2. أبو غالب الهَمَذَانيّ، الخفّاف، العدْل.
كَانَ شيخًا مُسِنًا، مَعْمَرا، مِن أهل الشّهادات. وُجِد سماعه في كتب المحدثين.
__________
1 المنتظم "9/ 172"، والكامل في التاريخ "10/ 493، 494".
2 العبر "4/ 11"، وشذرات الذهب "4/ 13، 14".(35/86)
روى عَنْ: أَبِي سَعِيد بْن شُبانة، ومنصور بْن عَبْد الرَّحْمَن الحنبليّ، والحسين بن عمر النهاوندي الصوفي.
روى عنه: السلفي، وشهردار بن شيرويه.
وأظن الحافظ أبا العلاء روى عنه. وآخر من روى عنه أبو الكرم علي بن عبد الكريم.
وقد حدَّث في سنة ستٌّ هذه. ولم يذكر لَهُ شِيرَوَيْه وفاة.
130- أحمد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الحُسَيْن1. الأستاذ أبو الحسين الكرماني، الزاهد، شيخ الصوفية.
ذكره عَبْد الغافر الفارسيّ فقال: أحد أولياء الله، ومن أفراد عصره مجاهدة ومعاملة وخلقًا مشاهدة.
ورد نَيْسابور، وأقام عند أَبِي القاسم القُشَيْريّ، وسلك طريق الإرادة ونفذ منها. وكان أبو القاسم يعتني بِهِ.
وحصّل مِن العلوم ما يحتاج إليه مِن الأصول والفُروع، وجمع كتب أَبِي القاسم وسمعها، ثمّ غلب عَليْهِ قوة الحال، فصار مستغرقًا في الإرداة.
وكان ظريف اللّقاء، مقبول المشاهدة، رخيم الصَّوْت، ولم يزل في صُحْبة الشَّيْخ أَبِي القاسم إلى أن تُوُفّي، فعاد إلى كَرمان، وقد طاب وقتُه مرّةً، فخرج مِن الكُتُب الّتي حصّلها، ووضعها في الوسط، فأشار عَليْهِ أبو القاسم بحِفْظ ذَلِكَ. وقال: احفظها وديعةً عندك، ولم يأذن لَهُ في بَيْعها ولا هِبتها، فكان يستصحبها، يصونُها ولا يُطالعها، ويقول: إنّها وديعة للإمام عندي. واشتغل بما كَانَ لَهُ مِن الأحوال العالية الصّافية، ثمّ بعدما صار إلى كَرْمان، بقي شيخَ وقته، ووقع لَهُ القبول عند الملوك، والوزراء، والأكابر، واستكانوا لَهُ، وتبرَّكوا بِهِ. وما كَانَ يرغب فيهم ولا يأخذ أموالهم، بل كَانَ يجتنبهم، ويختار العُزلة والإنزواء ببعض القرى.
__________
1 المنتخب من السياق "116".(35/87)
جاء نِعيُّه إلى نَيْسابور في سنة أربعٍ وسبعين وأربعمائة، ثمّ ظهر خلاف ذَلِكَ، وعاش إلى سنة ست وخمسمائة، فجاء نعيُّه في منتصف ربيع الأوّل.
سَمِعَ الكثير، وما روى إلّا القليل.
قلت: عاش سبعين أو ثمانين سنة.
131- أحمد بْن عليّ بْن محمد بْن عَبْدُوس1. أبو حامد بْن الحذاء النَّيْسابوريّ.
ذكره عَبْد الغافر فقال: شيخ مستور مِن أقارب الحاكم الحسكانيّ.
سَمِعَ مِن: صاعد بْن محمد. وسمع "مُسْنَد العشرة" مِن أَبِي سعْد النّصرويّ.
وسمع "فضائل الصّحابة" لأحمد بْن حنبل مِن النّصروي، بسماعه مِن أَبِي بَكْر القَطِيعيّ سنة سبْعٍ وستّين.
أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَد: نا أَبِي وقرئ عَليْهِ بدلالة الوالد عَليْهِ. واسم أَبِي سعْد عَبْد الرَّحْمَن بْن حمدان.
وُلِد أحمد في سنة ثمان عشرة، وتُوُفّي في شوّال.
روى عَنْهُ: عُمَر بْن أحمد الصَّفّار، وجماعة مِن مشيخة عَبْد الرحيم السّمعانيّ.
132- أحمد بن عبد الواحد بن مُحَمَّد بن الدّبّاس. أبو سعْد، ويُعرف بابن السّقْلاطونيّ وبابن الحريريّ.
حدَّث عَنْ: أَبِي محمد الجوهريّ.
وعنه: أبو المُعَمَّر الأنصاريّ، وأبو طاهر السلفي.
توفي في شعبان.
133- أحمد بن أبي نصر. البغدادي، الغضاري.
سمع: الحسن بن محمد الخلال.
روى عنه: المبارك بن كامل، وأبو طالب بن خضير.
توفي في ذي الحجة، ودفن بباب حرب، رحمه الله.
__________
1 المنتخب من السياق "117".(35/88)
134- إبراهيم بن حمزة بن ينكي بن محمد بن علي1. أبو محمد الخداباذي، البخاري.
حج سنة خمسمائة، فسمع بالبصرة، وسمع بمكّة أبا محمد بْن بتنّة.
روى عَنْهُ ابنه حمزة ببُخارى.
تُوُفّي بالمدينة، ودُفِن بالبقيع يوم عاشوراء.
135- إدريس بْن هارون بْن الحُسَيْن. أبو محمد البغداديّ، الصّائغ، المقرئ.
شيخ صالح، روى قليلًا عَنْ أَبِي الحُسَيْن بْن الَّنُّقور.
وتُوُفّي في رمضان.
روى عنه: السلفي، وأبو عامر العبدري.
وما زال يسمع إلى أن مات.
136- إسماعيل بْن أَحْمَد بْن محمد بْن أَحْمَد. أبو الرجاء ابن الشَّيْخ أَبِي الفتح الحداد الأصبهاني.
روى عن: أبي بكر بْن رِيذة، وعبد العزيز بْن أحمد بْن ماذَوْيه، وأبي طاهر بْن عَبْد الرحيم.
روى عَنْهُ: المبارك بْن المبارك السَّرَّاج، والمبارك بْن أحمد الأنصاريّ، وأبو طاهر السّلَفيّ.
سكن بغداد، ثمّ سكن مصر، وبها تُوُفّي.
137- إسماعيل بْن الحَسَن بْن عليّ بْن حمدون2. أبو القاسم السَّنْجَبَسْتيّ الفرائضيّ، القاضي، مُسْنَد وقته.
وُلِد في حدود سنة عشر وأربعمائة.
وسمع: أبا بَكْر أحمد بْن الحَسَن الحِيريّ، والصَّيْرفيّ، وأبا عليّ الحَسَن البلْخيّ.
وسمع منه الآباء والأبناء، وعُمّر دهرًا طويلًا، وكان ذا مروءة وحشمة.
__________
1 الأنساب "5/ 55"، ومعجم البلدان "2/ 348".
2 سير أعلام النبلاء "19/ 244"، والعبر "4/ 11".(35/89)
روى عَنْهُ: محمد بْن محمد السّنْجيّ، وأبو شجاع عُمَر بْن محمد البِسْطاميّ، ومحمد بْن الحُسَيْن الواعظ بواسط، وأبو الفتوح الطّائيّ، وجماعة كثيرة.
تُوُفّي في شهر صَفَر بسَنْجَبَسْت.
وثّقه عَبْد الغافر.
وسَنْجَبَسْت: عَلَى مرحلة مِن نَيْسابور.
وكان يدخل البلد ويحدّث.
"حرف الجيم":
138- جعفر الحنبليّ1. المعروف بالدَّرْزِيجانيّ، الفقيه.
صاحب القاضي أَبِي يَعْلَى بْن الفرّاء.
ذكره أَبُو الْحُسَيْن بْن الفرّاء فِي "طبقات أصحاب أحمد".
وقد لقّن خلْقًا القرآن.
وكان جوادًا، مَهيبًا، ذا سطوة وجلالة. وهو جعفر بْن الحَسَن.
وبالغ في تعظيمه ابن النّجّار، وأنّه كَانَ يختم كلّ يَوْمٍ القرآن في رَكْعةٍ واحدة، وأنّه تفقَّه عَلَى أَبِي يَعْلَى.
"حرف الحاء":
139- حبيبة بِنْت عَبْد العزيز بْن موسى بْن سباع. الأندلُسيّة، زَوْجَة أَبِي القاسم بْن مُدبر.
سَمِعْتُ: أبا عُمَر بْن عَبْد البَرّ، وأبا العبّاس العُذْريّ.
وكان لها خطّ مليح ومعرفة، وفيها دين.
وولدت سنة سبع وثلاثين.
140- الحسين بن الحاكم أحمد بن عبد الرحيم2. الإسيماعيلي أبو سعيد.
__________
1 طبقات الحنابلة "2/ 257"، وسير أعلام النبلاء "19/ 414، 415".
2 المنتخب من السياق "189".(35/90)
سَمِعَ من: أَبِي الحُسَيْن عَبْد الغافر، وجماعة.
وتُوُفّي في ذي الحجة.
141- الحَسَن بْن محمد بْن محمود بْن سَوْرَة1. أبو سَعِيد النَّيْسابوريّ، سِبْط شيخ الإسلام أبي عثمان الصّابونيّ.
ذكره عَبْد الغافر فقال: فاضل، عالم، عَهْدِناه أفضل أهل بيته. سَمِعَ مِن جدّه ومشايخ عصره، وسمع مِن الواحديّ تفسيره. وعقد مجلس الإملاء.
تُوُفّي في شوّال في آخر الكهولة.
142- حَمْد بْن إسماعيل بْن حَمْد بْن محمد2. أبو الْحَسَن الْهَمَذَانيّ، المعروف بالشّيخ الزكيّ.
كَانَ صدوقًا حَجّاجًا.
سَمِعَ: ابن غَيْلان، والخلّال، والطَّنَاجيريّ، وعبد العزيز بْن عليّ الأزَجيّ، وابن المُذْهِب.
روى عَنْهُ: عَبْد الخالق بْن يوسف، والسّلَفيّ.
وتُوُفّي في نصف ربيع الأوّل بالمدينة، ودُفِن بالبقيع.
روى عَنْهُ السّلَفيّ في البلد الأوّل مِن أربعيه.
143- حمْد بْن محمد بْن أحمد بْن منصور. أَبُو القاسم الأصبهاني، القصاب، والصوفي، الطّويل.
144- حَمْدُ بْن محمد بْن أَبِي بَكْر. أبو شُكْر الإسكاف.
145- حمد بْن طاهر بْن أحمد. أبو الفضل الأنماطيّ، المؤذّن.
إصبهانيّ يروي عن الباطِرْقانيّ.
روى عَنْهُ: أبو موسى الْمَدِينيّ.
__________
1 التحبير "1/ 209"، والمنتخب من السياق "190".
2 معجم السفر للسلفي ق "1/ 167، 168".(35/91)
146- حَيْدَرة بْن أحمد بْن حُسَين1. أبو تراب الأنصاريّ، الدّمشقيّ المقرئ، المعروف بالخروف.
سَمِعَ: أبا الحُسَيْن بْن مكّيّ، وأبا القاسم الحِنَّائيّ، وأبا بَكْر الخطيب.
قَالَ ابن عساكر: سمعتُ منه جزءًا من "تاريخ بغداد". وكان مكثرًا.
وتوفي في ربيع الأوّل.
قلت: وهو أقدم شيخ لابن عساكر موتا.
"حرف الخاء":
147- خَلَف بْن محمد2. الشَّيْخ أبو القاسم بْن الْمَرِيّيّ.
كَانَ مِن سكان الْمَرِية مِن الأندلس.
قَالَ ابن الدباغ: رأيته سنة ست وخمسمائة.
سمع من: أَبِي العبّاس العُذريّ.
ولقي أبا عَمْرو عثمان بْن سَعِيد الدّانيّ.
وكان عنده أدب.
"حرف الصاد":
148- صاعد بْن منصور بْن إسماعيل بْن صاعد3. أبو العلاء النَّيْسابوريّ، الخطيب، القاضي، المدرّس، قاضي القُضاة.
كَانَ إمام الحرمين يُثني عَليْهِ، وكان محبوبًا، مقبولًا، رضيّ الأخلاق، خَلَف أَبَاهُ في الخطابة، والتّدريس، والوعظ، ثمّ وُلّي قضاة خُوارَزْم.
وحجّ، وأقام ببغداد مدّةً، ثم عاد إلى نَيْسابور، وعقد مجلس الإملاء.
سَمِعَ جدّه: أبا الْحَسَن، وعمّه أبا عليّ، وأباه القاضي أبا القاسم، وعمر بن
__________
1 مختصر تاريخ دمشق لابن منظور "7/ 295".
2 الصلة لابن بشكوال "1/ 175".
3 المنتخب من السياق "260"، والمنتظم "9/ 172"، والبداية والنهاية "12/ 175".(35/92)
مسرور، وأبا عثمان الصّابونيّ، وعبد الغافر الفارسي، والحسن بن محمد الدَّربَنْديّ، وجماعة.
روى عنه: أبو عثمان إسماعيل العصائديّ، وأبو شجاع عُمَر البِسْطاميّ، وغيرهما.
تُوُفّي في رمضان.
"حرف الطاء":
149- طُونة بِنْت عَبْد العزيز بْن موسى بْن طاهر1. العالمة، زوجة أبي القاسم بْن مدبّر.
أخذت عَنْ أَبِي عُمَر بْن عبد الْبَرّ، وكتبت تصانيفه.
وكانت حسَنة الخطّ.
عاشت سبعين سنة.
"حرف العين":
150- العبّاس بْن أحمد بن محمد2. أبو الفضل الْحَسْنَويّ، النَّيْسابوريّ، الشَّقَّانيّ، الفقيه، المحدّث.
أنفق عمره في طلب الحديث، وأفاد، وكتب، وكان رقيق الحال، فقيرًا، قانعًا.
سَمِعَ: عَبْد الرَّحْمَن بن حمدان النصروبي، وأحمد بْن محمد بْن الحارث التّميميّ الإصبهانيّ، وأبا حسّان محمد بْن أحمد بْن جعفر، ومحمد بن إبراهيم المزكي، وجماعة كثيرة.
وقل أن يوجد بنَيْسابور جزء إلّا قد سمعه.
روى عَنْهُ: محمد بْن محمد السّنْجيّ، وعمر بْن محمد البِسْطاميّ، وعبد الرحيم بْن الإخوة، وآخرون كثيرون.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 696، 697".
2 المنتخب من السياق "402، 403"، والأنساب "7/ 360".(35/93)
وتُوُفّي في ذي الحجّة.
وكان مِن المُسْنِدِين بنَيْسابور.
وكان أَبُوهُ أبو العبّاس مِن الأئمّة.
وابنه أبو بَكْر محمد: يروي عَنِ القُشَيْريّ. سوف يأتي.
والآخر اسمه أحمد، يأتي أيضًا.
151- عَبْد الله بْن الْحَسَن بْن هلال بْن الْحَسَن1. أبو القاسم الأزْديّ، الدّمشقيّ.
سَمِعَ: أبا عليّ الأهوازيّ، وأبا عَبْد الله بْن سَعْدان، ورشأ بن نظيف، وسحنام، وجماعةً سواهم.
وكان يسكن بقرية سَقْبا، ولم يكن الحديث مِن شأنه.
روى عَنْهُ: الصّائن هبة الله، وجماعة.
تُوُفّي في سقبا، في ذي القِعْدة، وبها دُفِن.
152- عَبْد الجبّار بْن عُبَيْد الله بْن أَبِي سَعْد محمد بْن ظوروَيْه. أبو بَكْر الإصبهانيّ، الدّلّال، الصَّفّار.
وُلِد سنة ثلاث عشرة وأربعمائة.
وسمع مِن: أَبِي نُعَيْم.
روى عَنْهُ: أبو موسى الْمَدِينيّ، وغيره.
ومات في ربيع الآخر.
153- عَبْد المُلْك بْن عَبْد الله بْن أحمد بْن رضوان2. أبو الحسين الْمَرَاتبيّ، مِن أهل باب المراتب.
كَانَ صالحًا، خيرًا، رئيسًا، كثير الصَّدَقة.
وكان صاحب ديوان الرسائل لأمير المؤمنين المستظهر بالله.
__________
1 معجم البلدان "3/ 226"، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور "12/ 119".
2 المنتظم "9/ 172".(35/94)
روى عن1: أَبِي محمد الجوهريّ.
وعنه: أبو المعمر الأنصاري.
وتوفي في شوّال.
154- عليّ بْن عَبْد المُلْك بْن محمد بْن شاذان2. أبو الْحَسَن الطّوسيّ، الجوهريّ، الصُّوفيّ، الزّاهد، سَمِعَ الكثير بنفسه مِن: أَبِي حفص بْن مسرور، وأبي الحُسَيْن عَبْد الغافر، وأبي سَعْد الكنْجَرُوذيّ.
ورحل فسمع مِن: أَبِي يَعْلَى بْن الْفَراء، وابن المهتديّ بالله.
روى عَنْهُ: عليّ بْن الْحَسَن المقرئ، ومحمد بْن أَبِي بَكْر السّنْجيّ، وغيرهما.
قَالَ ابن السّمعانيّ: توفي بعد سنة أربع وخمسمائة، وكان مُقرئًا، صالحًا.
قلت: إنّما كتبته هنا على سبيل التقريب، لا أنه تُوُفّي في هذا العام.
155- عليّ بْن ناصر بْن محمد بْن الْحَسَن3. أبو الفضل الْعَلَويّ المحمدّي. مِن وُلِد محمد بْن الحنفيّة.
وكان نقيب مشهد باب التّبْن. وكان يسكن الكرْخ، وله معرفة بالأنساب.
سَمِعَ: أبا محمد الجوهريّ.
روى عَنْهُ: أبو المُعَمَّر الأنصاريّ، وأبو طَالِب بْن خُضَيْر، وغيرهما.
وحدَّث في هذه السّنة، ولم تؤرَّخ وفاته.
"حرف الفاء":
156- الفضل بْن أحمد بْن محمد بْن مَتُّوَيْه4. أبو عَمْرو الكاكويي. كان يقال لأبيه كاكو.
__________
1 من هنا يبدأ النقص في نسخة "آيا صوفيا" والمستدرك ما بين الحاصرتين عن نسخة دار الكتب المصرية.
2 التحبير "1/ 100".
3 الأنساب "11/ 170".
4 الأنساب "10/ 330، 331"، واللباب "3/ 77".(35/95)
سَمِعَ مِن: عَبْد الغافر الفارسيّ، وأبي عثمان الصّابونيّ، وابن مسرور بإفادة والده.
قَالَ أبو سَعْد السّمعانيّ: أجاز لي، وحدَّثني عَنْهُ جماعة.
وتُوُفّي ليلة عيد الفِطْر.
وكان مولده في سنة تسعٍ وثلاثين.
ومن الرُّواة عَنْهُ ولده، وبقي إلى سنة أربعٍ وخمسين.
وروى أَبُوهُ أحمد كاكُو عَنْ: أَبِي عَبْد الله بْن نظيف.
157- الْفَضْلُ بْن محمد بْن عُبَيْد بْن محمد بْن محمد بْن مهديّ1. أبو محمد القُشَيْريّ، النَّيْسابوريّ.
شيخ، ثقة، مشهور، مِن بيت العدالة والصّلاح.
كَانَ مبالغًا في الاحتياط في الشّهادات، ومن أعيان العدول.
كَانَ صوفيا، مليحًا، خيرًا.
سمع: عبد الرحمن بن حمدان النضرويي، وعبد القاهر أبا منصور البغداديّ، وأبا حسّان المُزَكّيّ، وأبا الحُسَيْن الفارسيّ.
وحدَّث ببغداد لمّا حجّ.
روى عَنْهُ: أبو الفتح محمد بْن عَبْد السلام الكاتب، وغيره.
وُلِد سنة عشرين وأربعمائة.
وتُوُفّي في رمضان. وهو آخر عُبَيْد القُشَيْريّ، سيأتي.
158- فضل الله بْن محمد بْن أحمد بْن أَبِي جعفر2. أبو محمد بْن أَبِي الْفَضْلُ الطَّبَسيّ3. مِن أولاد المحدّثين.
سافر الكثير، وسمع، ونسخ.
__________
1 المنتخب من السياق "414، 415"، والعبر "4/ 11"، وشذرات الذهب "4/ 14".
2 المنتخب من السياق "417".
3 الطبسي: نسبة إلى طبس، وهي بين نيسابور وأصبهان وكرمان "الأنساب 8/ 209".(35/96)
سَمِعَ ببلده: أَبَاهُ، وأبا عثمان العيّار، وأبا بَكْر الْبَيْهَقيّ، وعبيد الله بْن محمد بْن مَنْدَهْ.
وبنَيْسابور. وسمع ببغداد مِن: أَبِي الْفَضْلُ بْن خيرون.
وبالبصرة مِن: أَبِي عليّ القُشَيْريّ.
وبإصبهان مِن: إبراهيم بْن محمد القفّال.
روى عَنْهُ: عَبْد العزيز بْن محمد بْن سيما، وجماعة.
وأجاز للجُنَيْد القاينيّ في هذه السّنة.
ولم تُضبط وفاته.
"حرف الميم":
159- محمد بْن أَبِي القاسم الْفَضْلُ بْن محمد بْن عَبْد الله.
أبو بَكْر الإصبهانيّ الأعسر، القِرابيّ القصّار.
عبدٌ صالحٌ، يقال إنّه كَانَ مِن الأبدال.
روى عَنْ: ابن رِيذَة.
روى عَنْهُ: أبو موسى في مُعْجَمه.
وتُوُفّي فِي ذي الحجّة.
160- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أيّوب بْن محسّن1. أبو محمد القطواني، السمرقندي.
وقطوان: على خمسة فراسخ من سمرقند كَانَ إمامًا في الوعظ، لَهُ القبول2. التّامّ مِن الخاصّ والعامّ، سَمِعَ مِن جماعة، وحدَّث.
روى عَنْهُ جماعة مِن أهل سَمَرْقَنْد. وكان مولده في سنة أربع وأربعين وأربعمائة.
__________
1 الأنساب "10/ 198"، والمنتظم "9/ 172، 173".
2 إلى هنا ينتهي النقل من نسخة دار الكتب المصرية والعودة إلى نسخة آيا صوفيا.(35/97)
رماه فرسه فاندقّت عنقه.
وتُوُفّي مِن الغد في سادس رجب.
161- محمد بْن محمد بْن الْحَسَن بْن عَيْشُون. موفَّق المُلْك، أبو الْفَضْلُ المنجّم.
كَانَ رأسًا في صنعة التّنجيم بالعراق، وله شِعْر رقيق.
روى عنه: أبو الوفاء أحمد بْن محمد بْن الحُصَين.
فمن شِعْره:
أنت يا مغرور ميت ... فتأهّب للفِرَاق
وذَرِ الحرص على الرز ... ق فما أنت بباقِ
فالأماني والمنايا ... تتَجَارَى في سَباقِ
لك بالأخرى اشتغالٌ ... فتهيَّأ للتَّلاقِ
162- محمد بْن موسى بْن عَبْد اللَّه1. القاضي أبو عَبْد اللَّه التُّرْكيّ، الْبَلاسَاغُونيّ2، الحنفيّ.
سَمِعَ ببغداد مِن شيخه القاضي أبي عَبْد الله الدّامَغَانيّ، ومن: أبي الفضل بن خَيْرون.
ونزل بدمشق.
روى عَنْهُ: أبو البركات الحضريّ عَبْد الحارثيّ.
وولي قضاء القدس مُدّة، فَشَكوه وعُزِل. ثمّ وُلّي قضاء دمشق، وكان قد عزم عَلَى نصْب إمام حنفيّ بجامع دمشق، مِن محبّته في مذهبه، وعيّن إمامًا، فامتنع أهل دمشق مِن الصّلاة خلفه، وصلّوا بأجمعهم في دار الْخَيْل، وهي الْقَيْساريّة الّتي قبل المدرسة الأمينية.
__________
1 الأنساب "2/ 351، 352"، وميزان الاعتدال "4/ 51، 52"، والبداية والنهاية "12/ 175".
2 البلاساغوني: نسبة إلى بلاساغون، وهي بلدة من ثغور الترك وراء نهر سيحون قريبة من كاشغر "الأنساب 2/ 351".(35/98)
وهو الَّذِي رتَّب الإقامة في الجامع مَثْنَى مَثْنَى، فبقي إلى أن أزيل في أيّام صلاح الدّين في سنة سبْعين.
قَالَ ابن عساكر1: سمعتُ أبا الْحَسَن بْن قُبَيْس الفقيه يذمّه، ويذكر أنّه كَانَ يَقُولُ: لو كَانَ لي أمرٌ لأخذتُ مِن الشّافعيّة الْجِزْية.
وكان مبغِضًا للمالكيّة أيضًا.
تُوُفّي في جُمَادَى الآخرة.
163- محمود بْن يوسف بْن حسين2. أبو القاسم التَّفْلِيسيّ، الشّافعيّ.
قِدم بغداد، وتفقَّه بها عَلَى الشَّيْخ أَبِي إِسْحَاق.
سَمِعَ مِن: أَبِي يَعْلَى بْن الفرّاء، وعبد الصّمد بْن المأمون، وجماعة. ورجع إلى بلاده.
روى عنه: الطَّيّب بْن محمد الغضائري.
وتوفي في هذه السنة أو بعدها.
164- مُصْعَب بْن محمد بْن أَبِي الفُرات3. أبو العرب الْقُرَشِيّ الْعَبْدَريّ، الصَّقَلّيّ، الشّاعر المشهور.
دخل الأندلس عند تغلُّب الرّوم عَلَى صَقَلّية. وحظي عند المعتمد بْن عبّاد.
وديوانه بأيدي النّاس.
روى عن: أبي عمر بن عبد البر.
أخذ عَنْهُ: أبو عليّ بْن عُرَيْب "أدب الكاتب" لابن قُتَيْبة، ثمّ أنّه صار في آخر أمره إلى صاحب مَيُورقَة ناصر الدّولة، فتُوُفّي هناك.
وله:
كأن أديمَ الأرضِ كفّاكَ إنْ يَسِرْ ... بِهِ راكبٌ تَقْبض عَليْهِ الأناملا
__________
1 في تاريخه ومختصره "23/ 269".
2 طبقات الشافعية الكبرى للسبكي "4/ 308".
3 عيون التاريخ "12/ 15-19".(35/99)
فأين يَفِرُّ المرءُ عنكَ بجُرمِهِ ... إذا كَانَ في كفّيَكْ يَطْوِي الْمَرَاحلا
165- المُعَمَّر بْن عليّ بْن المُعَمَّر بْن أبي عمامة1. أبو سَعْد الْحَنْبليّ، الواعظ.
بغداديّ كبير، درّس، وأفتى، وناظَر، وحفظ الكثير مِن النّوادر والغُرَر، وانفرد بالكلام عَلَى لسان الوعظ، وانتفع الخلق بمجالسه.
وكان يُبكي الحاضرين ويُضْحِكهم، وله قَبُولٌ عظيم. وله مِن سرعة الجواب، وحدّة الخاطر، ما شاع وذاع، ووقع عَليْهِ الإجماع.
وكان يؤُمّ المقتدي بالله في التّراويح ويُنادِمه.
وسمع مِن: أَبِي طَالِب بْن غَيْلان، والخلّال، والأَزَجيّ، والحسن بْن المقتدر، وجماعة.
روى عَنْهُ: ابن ناصر، وأبو المُعَمَّر الأنصاريّ.
وُلِد في سنة تسعٍ وعشرين وأربعمائة.
وتوفي في ربيع الأوّل. قاله ابن النّجّار.
"حرف النون":
166- ناجية بنت أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الْحَسَن بْن جَرَدة. وتُعرف بستّ السُّعود، الحاجبة.
رَوَت عَنْ: أَبِي محمد الجوهريّ.
روى عَنْهَا: أبو المُعَمَّر الأنصاريّ.
وتُوُفّيت في شوال، ودفنت بالحربية.
وفيات سنة سبع وخمسمائة:
"حرف الألف":
167- أحمد بْن أحمد بْن هبة الله. أبو الفتح العراقي.
__________
1 المنتظم "9/ 173، 174"، وسير أعلام النبلاء "19/ 451، 452"، والبداية والنهاية "12/ 175"، وشذرات الذهب "4/ 14، 15".(35/100)
روى عَنْ: الأمير حسن بْن المقتدر، والحسن بْن محمد الخلّال، وأبي القاسم التّنُوخيّ.
روى عنه: أبو المعمر الأنصاري.
وتوفي في شوّال وله تسع وثمانون سنة.
وقد سَمِعَ "ديوان المطرّز" منه.
وعنه أيضًا: المبارك بْن خُضَيْر، وغيره.
168- أحمد بْن عثمان بْن عليّ بْن قُرايا. أبو الْحَسَن البغداديّ البزّاز.
سَمِعَ: الحُسَيْن بْن جعفر السَّلَمَاسيّ، صاحب أَبِي حفص بْن شاهين.
روى عَنْهُ: المبارك بْن كامل، والسلفي.
169- أحمد بن أبي نصر القصاري. البغدادي.
سمع: أبا محمد الخلال.
مات في ذي الحجة.
170- أحمد بْن علي بْن بدران بن علي1. أبو بكر الحلواني، البغدادي، المعروف بخالوه.
شيخ صالح، دين.
سمع الكثير بنفسه، وكتب، وخرج له الحميدي فوائد عَنْ شيوخه.
سمع: أبا بكر محمد بن علي بن شبانة الدّيَنَوريّ، وأبا الطَّيّب الطَّبَريّ، وأبا الْحَسَن الماورديّ، والجوهريّ.
روى عَنْهُ: أبو القاسم السَّمَرْقَنْديّ، والسّلَفيّ، وأبو طَالِب بْن خُضَيْر، وخطيبُ الْمَوْصِل أبو الْفَضْلُ، وخلْق آخرهم ابن كُلَيْب.
ذكره ابن ناصر فقال: شيخ صالح، ضعيف، لَا يُحتجّ بحديثه، ولم يكن لَهُ معرفة بالحديث.
__________
1 المنتظم "9/ 175"، وسير أعلام النبلاء "19/ 380، 381"، وغاية النهاية "1/ 84".(35/101)
ولد في حدود سنة عشرين وأربعمائة.
وتُوُفّي في جُمَادَى الآخرة سنة ستٌّ، وأوصى أن يُدْفن بجنْب إبراهيم الْحَرْبيّ.
وقال السّلَفيّ: كَانَ ثقة، زاهدًا.
وقال ابن النّجّار: قرأ بالرّوايات عَلَى أبي عليّ الْحَسَن بْن غالب، وعليّ بْن محمد بْن فارس الخيّاط.
وسمع الكثير وخرَّج تخريجات. وأثنى عَليْهِ الحُمَيْديّ.
قرأ عَليْهِ أبو الكرم الشّهْرَزُورِيّ.
171- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عمروس1. الفقيه، أبو العبّاس المالكيّ. مِن أهل محلّه النَّصْريّة ببغداد.
كَانَ صالحًا، خيرَّا، عارفًا بمذهب مالك.
وُلِد سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، وأجاز لَهُ أبو عليّ بْن شاذان، وأحمد بْن الباداء.
قَالَ شجاع الذُّهْليّ: قرأتُ عَليْهِ بهذه الإجازة مِن نحو ثلاثين سنة.
وقال غيره: كَانَ أبوه إمامًا مبّرزا في مذهب مالك.
وتُوُفّي في ثالث عشر رمضان.
حدَّث عَنْهُ: المبارك بْن خُضَيْر، ونصر الله بْن القزّاز.
172- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد السَّلَام بْن قَيْداس. أبو نصر.
سَمِعَ: أبا بَكْر محمد بْن عليّ الدّيَنَوريّ المقرئ، وأبا بَكْر بْن بِشْران.
روى عَنْهُ: أبو محمد بْن الخشّاب.
وتُوُفّي في هذه السّنة أو بعدها.
173- أحمد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الله. أبو منصور الصيرفي، المراتبي.
__________
1 المنتظم "9/ 175"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1241"، وفيه: "أحمد بن محمد بن عروس".(35/102)
روى عن أبي الحسن القزويني يسيرا.
روى عَنْهُ: المبارك، وعبد الوهاب الصابوني.
174- إبراهيم بن عبد الواحد بن أبي ذر محمد بن إبراهيم بن علي. الصالحاني، الإصبهاني.
تُوُفّي فِي جمادى الآخرة. وهو من شيوخ أبي موسى الحافظ.
روى عَنِ ابن ريذة.
175- إسماعيل بْن الحُسَيْن بْن حمزة. أبو الْحَسَين العلويّ، الْهَرَويّ، العمري، من ولد عمر بن علي بن أبي طالب.
ولد سنة تسع وأربعمائة.
وسمع: سَعِيد بْن العبّاس الْقُرَشِيّ.
مات في سابع المحرَّم، وله مائة إلّا سنتين.
176- إسماعيل بْن الإمام أبي بَكْر أحمد بْن الحُسَيْن بْن عليّ بْن موسى1. شيخ القُضاة أبو عليّ الْبَيْهَقيّ، الخسْروْجرْديّ.
حدَّث عَنْ أبيه، وعن: أَبِي حفص بْن مسرور، وأبي عثمان الصّابونيّ، وعبد الغافر الفارسيّ.
روى عَنْهُ: أبو القاسم بْن السَّمَرْقَنْديّ، وإسماعيل بْن أَبِي سَعْد الصُّوفيّ. وأجاز لأبي سَعْد السّمعانيّ.
وتُوُفّي في جُمَادَى الآخرة في بَيْهق. وكان قد سافر عَنْهَا نحو ثلاثين سنة، وعاد إليها قبل وفاته بأيّام.
وسكن خُوارَزْم مدّةً، ثمّ بَلْخ وكان إمامًا، مدرّسًا، فاضلًا، عالمًا.
وُلِد سنة ثمانٍ وعشرين وأربعمائة.
__________
1 المنتظم "9/ 175، 176"، وسير أعلام النبلاء "19/ 313، 314"، والبداية والنهاية "12/ 176"، والنجوم الزاهرة "5/ 205".(35/103)
"حرف الحاء":
177- الحُسَيْن بْن عقيل بْن سِنان1. الْخَفَاجيّ، الحلبيّ، المعدّل، الأصُوليّ، الشّيعيّ.
لَهُ كتاب "المُنْجي مِن الضّلال في الحرام والحلال"، فقه، بلغ عشرين مجلّدة، ذكر فيه خلاف الفقهاء، يدلّ عَلَى تبحّره.
"حرف الخاء":
178- خَيْرون بْن عبد المُلْك بْن الْحَسَن بْن خَيْرون الدّبّاس. أخو محمد.
سَمِعَ الكثير مِن: أَبِي عليّ بْن المُذْهِب، وأبي إِسْحَاق البرمكيّ، والجوهريّ.
روى عَنْهُ: أبو المُعَمَّر الأنصاريّ، وغيره.
وتُوُفّي في المحرّم.
"حرف الراء":
179- رابعة بِنْت محمود بْن عَبْد الواحد. أمّ الغيث الإصبهانيّة.
سَمِعْتُ: سَعِيد بْن أبي سَعِيد العيّار، وأبا بَكْر الباطِرْقاني.
وحدَّثت ببغداد لمّا حجّت.
روى عنها: عُمَر بْن ظَفَر.
180- رضوان ابن سلطان دمشق تُتُش بْن ألْب رسلان السّلْجُوقيّ2. وُلّي سلطنة حلب بعد أَبِيهِ إلى أن مات بها في هذه السّنة.
وولي بعده ابنه ألْب رسلان الأخرس، وله ستّ عشرة وكان رضوان لمّا مات أَبُوهُ بالرَّيّ في القتال.
أقيمت السّكّة والخطبة بدمشق أيّامًا لرضوان، ثمّ استقرّ عَلَى إمرة حلب ونواحيها. ومنه أخذت الفرنج أنطاكيّة سنة اثنتين وتسعين.
وقد ذكر مِن سيرته المذمومة في الحوادث.
__________
1 لسان الميزان "2/ 299"، ومعجم المؤلفين "4/ 26، 27".
2 الكامل في التاريخ "10/ 252"، وسير أعلام النبلاء "19/ 315، 316".(35/104)
"حرف السين":
181- سِرَاج بْن عَبْد المُلْك بْن سِرَاج بْن عَبْد الله1. الإمام أبو الحُسَيْن بْن العلّامة اللُّغَويّ أَبِي مروان.
وقد مرَّ أبوه بعد الثمانين وأربعمائة.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وأبا عَبْد الله بْن عتّاب.
وخَلَف أَبَاهُ بالأندلس في معرفة الأدب.
وكان مِن أذكياء العالم.
تُوُفّي بقُرْطُبَة. قاله ابن الدّبّاغ.
"حرف الشين":
182- شجاع بْن فارس بْن الحُسَيْن بْن فارس بْن الحُسَيْن بْن غريب بْن بشير بْن عَبْد الله بْن مُنخل بْن ثور بْن مَسْلَمة بْن سَعْنة بْن سَدُوس بْن شيبان بْن ذُهَل بْن ثعلبة2.
الحافظ أبو غالب الذُّهْليّ، السُهْروَرْديّ، ثمّ البغداديّ، الْحَريميّ.
قَالَ ابن السّمعانيّ: نسخ بخطّه مِن التّفسير، والحديث، والفقه، ما لم ينسخه أحدٌ مِن الورّاقين.
قَالَ لي عَبْد الوهّاب الأنْماطي: دخلت عَليْهِ يومًا، فقال لي: تَوّبْني. فقلت: مِن أيّ شيء؟ قَالَ: كتبت شِعر ابن الْحَجّاج3 بخطّي سبْعٍ مرّات.
سَمِعَ: أبا طَالِب بْن غَيْلان، وعبد العزيز بْن عليّ الأَزَجيّ، والأمير أبا محمد بْن المقتدر، وأبا محمد الجوهري، وأبا جعفر بن المسلمة، وأبا بَكْر الخطيب، وطبقتهم، ومن بعدهم، إلى أن سمع مِن جماعة من طبقته.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "1/ 227"، والوافي بالوفيات "15/ 128".
2 الأنساب "7/ 198"، والمنتظم "9/ 176"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1240"، وسير أعلام النبلاء "19/ 355-357"، والبداية والنهاية "12/ 176".
3 هو: حسين بْن أحْمَد بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن محمد بْن الحجاج النيلي البغدادي، توفي سنة 391هـ"، انظر وفيات "381-400هـ"، وفيها مصادر ترجمته.(35/105)
روى عنه: إسماعيل بن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنْماطيّ، وأبو طاهر السّلَفيّ، وعمر بْن ظَفَر، وسلمان بن جزوان، وطائفة مِن الطّلبة.
وملكتُ بخطّه عدّة أجزاء.
قَالَ عَبْد الوهاب: قَلّ ما يوجد بلدٌ مِن بلاد الإسلام إلّا وفيه شيء بخطّ شجاع الذُّهْليّ، وكان مفيد وقته ببغداد، ثقة، سديد السّيرة. أفنى عمره في الطَّلَب. وكان قد عمل مسوَّدة "تاريخ بغداد" ذيلًا عَلَى "تاريخ" الخطيب، فغسَله في مرض موته.
تُوُفّي في ثالث جُمَادَى الأولى، ووُلِد في سنة ثلاثين.
"حرف العين":
183- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْن عُمَر بْن جحشوَيْه. أبو محمد الطَّوَابيقيّ1، الآجُرّيّ، الحربيّ، القصّار.
شيخ صالح، سَمِعَ: أبا الْحَسَن الْقَزْوينيّ، والجوهريّ.
روى عَنْهُ: المبارك بْن خُضَيْر، ومحمد بْن جعفر بن عقيل، وغيرها.
وتوفي في صَفَر.
184- عَبْد الله بْن مرزوق بْن عَبْد الله2. الْهَرَويّ، أبو الخير الحافظ، مولى أَبِي إسماعيل عَبْد الله بْن محمد الأنصّاريّ.
كَانَ أصمّ، غير أنّه تعلَّم ورُزِق فهْم الحديث. وكان حسن السّيرة. جميل الأمر، متقِنًا، متثّبتًا.
سَمِعَ: أبا إسماعيل الأنصاريّ، وغيره بهَرَاة، وأبا عَمْرو بْن مَنْدَهْ، وغيره بإصبهان، وأبا القاسم بْن البُسْري، وطبقته ببغداد، وأبا الْفَضْلُ محمد بْن أحمد الحافظ بطَبَس.
وجال في الآفاق، ثم سكن أصبهان.
__________
1 الطوابيقي: نسبة إلى التطواربيق، وهي الآجر الكبير الذي يفرش في صحن الدار "الأنساب 8/ 259".
2 سير أعلام النبلاء "19/ 300، 301"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1246".(35/106)
روى عَنْهُ: حنبل الفخاريّ، وأبو العلاء أحمد بْن محمد بْن الفُضَيْل الإصبهاني، وآخرون.
تُوُفّي في جُمَادَى الآخرة.
وأكبر شيخ لَهُ أبو عمر المليحي.
185- عبد القدر بْن محمد1. أبو محمد الصَّدَفيّ، الْقَرَويّ، المعروف بابن الحنّاط، نزيل الْمَريّة.
روى عَنْ: أَبِي بَكْر أحْمَد بْن مُحَمَّد بْن يحيى الصَّقَلّيّ، وعبد الرَّحْمَن بْن محمد الخِرقيّ، وأبي مروان عبد الملك بْن زيادة الله الطُبّيّ، سَمِعَ منه بالقيروان، ومحمد بْن الْفَرَج، سَمِعَ منه بمصر، وعبد الله بْن محمد الْقُرَشِيّ، والفقيه عَبْد الحقّ الصَّقَلّيّ، وغيرهم.
وكان صالحًا، زاهدًا، مُعْتنيا بالعلم والرّواية.
روى عَنْهُ جماعة.
وتُوُفّي في ربيع الأوّل عَنْ بضعٍ وثمانين سنة.
186- عَبْد الوهّاب بن أحمد بن عبيد الله بن الصحنائي2. أبو غالب البغداديّ، المستعمليّ.
سَمِعَ: أبا محمد الخلّال، وعليّ بْن محمد بْن قُشَيْش، وأبا طَالِب بْن غَيْلان، وأبا القاسم الأَزَجيّ.
روى عنه: عمر بن ظفر، وأبو المعمر الأنصاري، وعبد الحقّ اليُوُسُفيّ، وآخرون.
تُوُفّي فِي ذي الحجة.
وكان مولده فِي سنة عشرين وأربعمائة.
187- علي بن الحسين المردستي. أبو الفوارس الحاجب.
__________
1 الغنية للقاضي عياض "99"، "في ترجمة أحمد بن سعيد بن خالد بن بشتغير اللخمي".
2 ذيل تاريخ بغداد لابن النجار "1/ 319-321".(35/107)
سَمِعَ: أبا محمد الجوهري.
وكان شيعيا مِن بيت حشمة.
188- عليّ بْن عليّ بْن عَبْد السّميع بْن الْحَسَن. الهاشميّ، العبّاسيّ، أبو الحارث.
سَمِعَ: أبا طَالِب بْن غَيْلان.
وحدَّث.
سمع منه: أبو المُعَمَّر الأنصاريّ، وأبو طاهر السّلَفيّ.
189- عليّ بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن أَحْمَد بْن إسماعيل1.
الواعظ، أبو منصور الأنباريّ.
كَانَ يسكن دار الخلافة.
سَمِعَ الكثير، وانتشرت عَنْهُ الرّواية.
سَمِعَ: ابن غَيْلان، وأبا بَكْر بْن بِشْران، وأبا إِسْحَاق البرمكيّ، وجماعة.
وقرأ بالروايات عَلَى أَبِي عليّ الشَّرْمقَانيّ.
وتفقَّه عَلَى القاضي أبي يَعْلَى.
روى عَنْهُ: عَبْد الوهّاب الأنْماطيّ، وعبد الخالق اليُوسُفيّ، وأبو المُعَمَّر الأَزَجيّ، وجماعة.
تُوُفّي في ذي الحجّة، ووُلِد سنة خمسٍ وعشرين. وهو مِن علماء الحنابلة.
190- عُمَر بْن أحمد بْن رزق2. أبو بَكْر بْن الْفَصيح التُّجَيْبيّ، الأندلسيّ.
مِن أهل الْمَريّة.
روى عَنْ: أبي عمرو الداني المقرئ، وغيره.
__________
1 طبقات الحنابلة "2/ 257، 258"، وسير أعلام النبلاء "19/ 281"، وشذرات الذهب "4/ 17، 18".
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 403".(35/108)
قَالَ ابن بَشْكُوال: كَانَ ثقة فيما رواه. أخذ النّاس عَنْهُ. أخبرني بأمره يحيى بْن محمد صَاحُبنا.
"حرف الميم":
191- مالك بْن عَبْد الله1. أبو الوليد العُتْبيّ، السَّهْليّ، القُرْطُبيّ، اللُّغَويّ.
مِن أئمّة الأدب.
سَمِعَ مِن: محمد بْن عتّاب، وحاتم بْن محمّد، وأبي مروان بْن حَيّان المؤرخ، وسِراج القاضي.
روى النّاس عَنْهُ كثيرًا.
ومات بقُرْطُبَة.
192- محمد بْن أحمد بْن الحُسَيْن بْن عمر2. الإمام أبو بَكْر الشّاشيّ، الفقيه، الشافعي، مؤلف "المستظهري"، بميافارقين سنة تسع وعشرين وأربعمائة.
وتفقَّه عَلَى الإمام أبي عَبْد الله محمد بْن بيان الكازْرُونيّ.
وتفقَّه عَلَى قاضي ميَّافارقين أَبِي منصور الطّوسيّ3 تلميذ الأستاذ أَبِي محمد الجويني. ثم رحل أبو بَكْر إلى العراق، ولازم الشَّيْخ أبا إِسْحَاق، وكان مُعيد درسه. وكان يتردّد إلى أَبِي نصر بْن الصّبّاغ، فقرأ عَليْهِ "الشّامل".
وسمع الحديث مِن الكازْرُونيّ شيخه، ومن ثابت بْن أبي القاسم الخيّاط.
وبمكّة مِن أَبِي محمد هَيّاج الحِطّينيّ.
وسمع ببغداد مِن: أَبِي بَكْر الخطيب، وجماعة.
روى عَنْهُ: أبو المُعَمَّر الأَزَجيّ، وأبو الْحَسَن عليّ بْن أحمد الْيَزْديّ، وأبو بَكْر بْن النُّقور، وشُهْدة، والسّلَفيّ، وغيرهم.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 620، 621".
2 المنتظم "9/ 179"، وسير أعلام النبلاء "19/ 393، 394".
3 هو: أبو منصور محمد بن شاذان الطوسي وليس القضاء بميارفارقين سنة "435 أو 436هـ"، وعزل سنة "449هـ"، انظر: تاريخ الفارقي "162-174".(35/109)
وتفقَّه بِهِ جماعة.
قَالَ القاضي ابن خَلّكان1: أبو بَكْر الشّاشيّ، الفارقيّ، المعروف بالمُسْتَظهري، الملقّب فخر الإسلام. كان فقيه وقته. ودخل نَيْسابور صُحبة الشَّيْخ أبي إِسْحَاق، وتكلّم في مسألة بين يدي إمام الحرمين؛ وتعيَّن في الفِقْه ببغداد بعد أستاذه أَبِي إِسْحَاق.
وانتهت إِليْهِ رئاسة الطّائفة الشّافعيّة، وصَنَّف تصانيف حَسَنَة، مِن ذَلِكَ كتاب "حلْية العلماء" في المذهب ذكر فيه مذهب الشّافعيّ، ثمّ ضمّ إلى كلّ مسألةٍ اختلافَ الأئمّة فيها، وسمّاه "المستظهريّ"، لأنّه صنَّفه للإمام المستظهر بالله.
وصنَّف أيضًا في الخلاف. وولي تدريس النظامية ببغداد بعد شيخه، وبعْد ابن الصّباغ، والغزاليّ. ثمّ وليها بعد موت إلْكِيا الْهَرَّاسيّ سنة أربع وخمسمائة في المحرَّم. ودرّس بمدرسة تاج المُلْك وزير ملكشاه.
وتوفي في خامس وعشرين شوّال، ودُفِن مَعَ شيخه أَبِي إِسْحَاق في قبرٍ واحد.
وقيل: دُفِن إلى جانبه.
وكان أشعرّيا، أُصُوليا.
193- محمد بْن إبراهيم بْن سَعِيد بْن نِعَم الخلفاء2. أبو عَبْد الله الرُّعَيْنيّ، الأندلسيّ.
سَمِعَ بسَرَقُسْطَة مِن أَبِي الوليد الباجيّ، ورحل وحجّ.
وقرأ القراءات عَلَى أَبِي معشر الطَّبَريّ.
وكان مولده في سنة ثلاثٍ وأربعين وأربعمائة.
وتوفي بأورْيُولة. وكان ثقةً، خيارًا.
194- محمد بْن الحُسَيْن بْن وهْبان. أبو المكارم الشَّيْبانيّ.
عَنْ: القاضي الطَّبَريّ، والجوهريّ.
سَمِعَ لنفسه مِن ابن غَيْلان.
__________
1 في وفيات الأعيان "4/ 219".
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 569".(35/110)
195- محمد بْن طاهر بْن عليّ بْن أحمد1. الحافظ أبو الْفَضْلُ المقدسيّ، ويُعرف بابن الْقَيْسَرانيّ، الشَّيْبانيّ.
لَهُ الرحلة الواسعة.
سَمِعَ ببلده مِن: نصر المقدسيّ، وابن وَرْقاء، وجماعة.
ودخل بغداد سنة سبْعٍ وستّين، فسمع مِن: الصَّريْفينيّ، وابن النّقور، وطبقتهما.
وحجَّ، وجاور فسمع مِن: أَبِي عليّ الشّافعيّ، وسعْد الزَّنْجانيّ، وهَيَّاج الحِطّينيّ.
وصحِب الزَّنْجانيّ2، وتخرّج بِهِ في التّصوُّف، والحديث، والسُّنَّة، ورحَلَ بإشارته إلى مِصْر، فَسَمِعَ بها مِن أَبِي إِسْحَاق الحبّال.
وبالإسكندرية مِن الحُسَيْن بْن عَبْد الرَّحْمَن الصَّفْراويّ.
وبتِنّيس مِن عليّ بْن الحُسَيْن بْن مُحَمَّد بن أحمد بْن الحدّاد، حدَّثه عَنْ جدّه، عَنْ أحمد بْن عيسى الوشاء، عن عيسى بن زُغْبَة؛ وذلك مِن أعلى ما وقع لَهُ في الرحلة المصرية.
وسمع بدمشق مِن أَبِي القاسم بْن أبي العلاء الفقيه.
وبحلب مِن الْحَسَن بْن مكّيّ الشيرازي.
وبالجزيرة العمرية من أبي أحمد عَبْد الوهّاب بْن محمد اليمنيّ، عَنْ أبي عُمَر بْن مَهْديّ.
وبالرَّحْبَة مِن الحُسين بْن سعدون.
وبصور مِن القاضي عليّ بْن محمد بْن عبد الله الهاشميّ.
وبإصبهان مِن: عَبْد الوهاب بن منده، وإبراهيم بن محمد القفال، وطائفة.
وبنيسابور من: الفضل بن المحب، وموسى بن عمران، وأبي بكر بن خلف.
وبهراة من: محمد بن أبي مسعود الفارسي، وكلار، وبيبى، وشيخ الإسلام.
__________
1 التحبير "1/ 82"، والمنتظم "9/ 177-179"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1242"، وسير أعلام النبلاء "19/ 361-371"، والبداية والنهاية "12/ 176، 177".
2 نسبة إلى زنجان، وهي بلدة على حد أذربيجان من بلاد الجبل "الأنساب 6/ 306".(35/111)
وبجرجان من: إسماعيل بن مسعدة، والمظفر بن حمزة البيع.
وبآمد من قاسم بن أحمد الخياط الأصبهاني، وهو من كبار شيوخه، سمع سنة أربع وثمانين وثلاثمائة مِن محمد بْن أحمد بْن جِشْنس، صاحب ابن صاعد.
وبأَسْتِراباذ مِن: عليّ بْن عبد المُلْك الحفْصي، حدَّثه عَنْ هلال الحفّار.
وببُوشَنْج مِن: عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عفيف كُلار.
وبالبصرة مِن: عَبْد المُلْك بْن شَغَبَة.
وبالدّيَنورَ مِن: أَحْمَد بْن عِيسَى بْن عَبّاد الدّيَنَوريّ، عَنِ ابن لال الْهَمَذَانيّ.
وبالرَّيّ مِن: إسماعيل بْن عليّ الخطيب، عَنْ يحيى بْن إبراهيم المُزَكّيّ.
وبسَرْخَس مِن: محمد بْن عَبْد المُلْك المظفَّري، عَنْ أحمد بْن محمد بْن الْفَضْلُ الكرابيسيّ، عَنْ محمد بْن حَمْدَوَيْه الْمَرْوَزِيّ.
وبشيراز مِن: عليّ بْن محمد بْن عليّ الشّرَوطيّ، عَنِ الْحَسَن بْن أحمد بْن محمد بن الليث الحافظ إملاء سنة إحدى وأربعمائة، ثنا ابن الْبَخْتَرِيّ ببغداد.
وبقزوين مِن: أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن عليّ العِجْليّ الإمام، عَنْ أَبِي عُمَر بْن مهديّ، قِدم عليهم.
وبالكوفة مِن: أَبِي القاسم الحُسَيْن بْن محمد، مِن طريق ابن أبي غَرْزَة.
وبالْمَوْصل مِن: هبة الله بْن أحمد المقرئ، عَنْ محمد بْن عليّ بْن بحشَل، عَنْ محمد بْن يحيى بْن عَمْر بْن عَلِيّ بْن حرب.
وبمرو: محمد بن الحسن المهربندقشابي، عَنْ أحمد بْن عَبْدُوس النَّسَويّ.
وبمَرْو الرّوذ مِن: الْحَسَن بْن محمد الفقيه، عَنِ الحِيريّ.
وبنُوقان مِن: محمد بْن سَعِيد الحاكم، عَنِ السُّلَميّ.
وبنهاوند مِن: عُمَر بْن عُبَيْد الله القاضي، عَنْ عَبْد المُلْك بْن بِشْران.
وبهَمَذَان مِن: عَبْد الواحد بْن علي الصُّوفيّ، عَنْ محمد بْن عليّ بْن حَمْدَوَيْه الطّوسيّ.
وبالمدينة النبويّة مِن: طِراد الزَّيْنَبيّ.(35/112)
وبواسط مِن صَدَقة بْن محمد المتولّي.
وبساوة مِن: محمد بْن أحمد الكامِخيّ.
وبأسَدَاباذ مِن: أبي الْحَسَن عليّ بْن محمد المحلميّ، عَنِ الحِيريّ.
وبالأنبار مِن: أَبِي الْحَسَن عليّ بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الخطيب.
وبإسْفَرايِن مِن: عَبْد المُلْك بْن أحمد العدْل، عَنْ عليّ بْن محمد بْن عليّ السّقّاء.
وبآمُل طَبَرِسْتان مِن: الْفَضْلُ بْن أحمد البصْريّ، عَنْ جدّه، عَنْ أبي أحمد بن عَدِيّ.
وبالأهواز من: عُمَر بْن محمد بْن حَيْكان النَّيْسابوريّ، عَنِ ابن ريذة.
وببِسْطام مِن: أبي الْفَضْلُ محمد بْن عليّ السَّهْلكيّ، عَنِ الحيريّ.
وبخُسْرُوجِرْد مِن: الْحَسَن بْن أحمد الْبَيْهَقيّ، عن الحيري.
فهذه أربعون مدينة قد سمع فيها الحديث، وسمع في بلدان أُخَر تركتُها.
روى عَنْهُ: شِيرَوَيْه الْهَمَذَانيّ، وأبو جعفر محمد بْن الْحَسَن الْهَمَذَانيّ، وأبو نصر أحمد بْن عمر الْغَازي، وعبد الوهّاب الأنْماطيّ، وابن ناصر، والسّلَفيّ، وطائفة كبيرة، آخرهم موتًا محمد بْن إسماعيل الطَّرَسُوسيّ الإصبهانيّ.
قَالَ أبو القاسم بْن عساكر: سمعتُ إسماعيل بْن محمد بْن الْفَضْلُ الحافظ يَقُولُ: أحفظ مِن رَأَيْت محمد بْن طاهر.
وقال يحيى بْن مَنْدَهْ في "تاريخه": كَانَ أحد الحُفّاظ، حسن الاعتقاد، جميل الطّريقة، صدوقًا، عالمًا بالصحيح والقيم، كثير التّصانيف، لازمًا للأثَر.
وقال السّلَفيّ: سَمِعْتُ ابن طاهر يقول: كتبت "صحيح البخاري" و"مسلم" و"ابن داود" سبْعٍ مرّات بالوراقة، وكتبت "سُنَن ابن ماجه" بالوراقة عشر مرّات، سوى التّفاريق بالرَّيّ.
وقال ابن السّمعانيّ: سَأَلت أبا الْحَسَن محمد بْن أَبِي طَالِب عَبْد المُلْك الفقيه بالْكَرَج، عَنْ محمد بْن طاهر، فقال: ما كَانَ عَلَى وجه الأرض لَهُ نظير. وعظَّمَ أمره، ثمّ قَالَ: كَانَ داوديَّ المذهب.(35/113)
قَالَ لي: اخترت مذهب داود.
فقلت: لَهُ: ولم؟ قَالَ: كذا اتّفق.
فسألته عَنْ أفضل من رأى، فقال: سعد الزنجاني، وعبد الله بْن محمد الأنصاريّ.
وقال أبو مسعود الحاجّيّ: سَمِعْتُ ابْن طاهر يَقُولُ: بُلْتُ الدَّم في طلب الحديث مرَّتين. مرَّة ببغداد، ومرّة بمكّة. وذاك أنّي كنت أمشي حافيا في حرّ الهواجر، فلحِقَني ذَلِكَ. وما ركبتُ دابّةً قطّ في طلب الحديث. وكنتُ أحمل كُتُبي عَلَى ظهري، إلى أن استوطنت البلاد. وما سَأَلت في حال الطّلب أحدًا. وكنت أعيش عَلَى ما يأتي مِن غير مسألة1.
وقال ابن السّمعانيّ يَقُولُ: سَمِعْتُ بعض المشايخ يَقُولُ: كَانَ ابن طاهر يمشي في ليلة واحدة قريبًا مِن سبعة عشر فرسخًا. وكان يمشي عَلَى الدّوام باللّيل والنّهار عشرين فرسخًا.
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الأَسَدِيُّ، أَنَا ابْنُ خَلِيلٍ، أَنَا خليل بْن أَبِي الرجاء الرازانيّ، نا محمد بْن عَبْد الواحد الدّقّاق قَالَ: محمد بْن طاهر كَانَ صوفيا مَلامتّيا، سكن الرَّيّ، ثمّ هَمَذَان. لَهُ كتاب "صَفْوة الصُّوفيّة". لَهُ أدنى معرفة بالحديث في باب شيوخ الْبُخَارِيّ ومسلم، وغيرهما. شاهدناه بجرجان، ونيسابور. ذكر لي عَنْهُ حديث الإباحة، أسأل الله أن يُجَنّبنا منها، وممن يَقُولُ بها من الرجال والنساء، والأخابث الكحلية من جوانية زماننا، وصوفيّة وقتنا، وأن ينقذنا مِن المعاصي كلّها، وهم قومٌ ملاعين، لهم رموز ورَطَانات، وضلالة، وخذْلان، وإباحات، إنّ قولهم عند فعل الحرام المنع شُؤم، والسّراويل حجاب. وحال المذنبين مِن شربة الخمور والظَّلَمة، يعني خير منهم.
وقال ابن ناصر: محمد بْن طاهر ممّن لَا يُحْتَجّ بِهِ. صنَّف كتابًا في جواز النَّظر إلى المُرْد، أورد فيه حكاية يحيى بْن مَعِين أنّه قَالَ: رَأَيْت جارية بمصر مليحة صلّي الله عَليْهَا.
فقيل لَهُ: تُصلّي عليها؟! فقال: صلى الله عليها وعلى كل مليح.
__________
1 تاريخ دمشق، مختصر تاريخ دمشق "22/ 247".(35/114)
ثمّ قَالَ ابن ناصر: كَانَ يذهب مذهب الإباحة. يعني في النَّظَر إلى المِلاح. وإلّا فلو كَانَ يذهب إلى إباحة مطلَقَة لكان كافرًا، والرجل مُسْلم متَّبِع للأثر، سَيّء. وإن كَانَ قد خالف في أمورٍ مثل جواز السّماع، وقد صنَّف فيه مصنّفًا ليته لَا صنّفه.
وقال ابن السّمعانيّ: سألت عَنْهُ إسماعيل الحافظ، فتوقّف، ثمّ أساء الثّناء عَليْهِ. وسمعت أبا القاسم بْن عساكر يَقُولُ: جمع ابن طاهر أطراف الصّحيحين، وأبي داود، والتّرْمِذيّ، والنَّسَائيّ، وابن ماجه، وأخطأ فيه في مواضع خطأ فاحشًا. رَأَيْته يخطّ عند أَبِي العلاء العطّار.
وقال ابن ناصر: محمد بْن طاهر كَانَ لُحَنَة وكان يصحّف. قرأ وإنّ جبينه لَيَتَقَصَّدُ عرقًابالقاف1 فقلتُ: بالفاء، فكابَرَني.
وقال السّلَفيّ: كَانَ فاضلًا يعرف، ولكنه كان لحنة. حكى لي المؤتمن قَالَ: كنّا بهَرَاة عند عَبْد الله الأنصاريّ، وكان ابن طاهر يقرأ ويَلْحَن، فكان الشَّيْخ يحرّك رأسه ويقول: لَا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ.
وَقَالَ ابن طاهر: وُلِدتُ في شوّال سنة ثمانٍ وأربعين ببيت المقدس، وأوّل ما سَمِعْتُ سنة ستّين2.
ورحلت إلى بغداد سنة سبْعٍ وستّين. ثمّ رجعت إلى بيت المقدس، فأحرمت مِن ثَمَّ إلى مكّة.
وقال ابن عساكر3: كَانَ ابن طاهر لَهُ مصنَّفات كثيرة، إلّا أنّه كثير الوهْم، وله شِعْر حسن، مَعَ أنّه كَانَ لَا يُحسن النَّحْو. وله كتاب "المختلف والمؤتلف".
وقال ابن طاهر في "المنثور": رحلت مِن مصر إلى نَيْسابور، لأجل أَبِي القاسم الْفَضْلُ بْن المحبّ صاحب أَبِي الحُسَيْن الْخَفّاف، فلمّا دخلت عَليْهِ قرأت في أوّل مجلس جزءين مِن حديث أَبِي العبّاس السَّرَّاج فلم أجد لذلك حلاوة، واعتقدت أنّي نلته بغير تعبٍ، لأنّه لم يمتنع علي، ولا طالبني بشيء، وكل حديث من الجزءين يسوى رحلة.
__________
1 يريد الحديث الذي أخرجه البخاري "2"، ومسلم "2333".
2 التقييد لابن نقطة "69".
3 في تاريخ دمشق ومختصر تاريخ دمشق "22/ 247".(35/115)
وقال: لمّا قصدت الإسكندرية كَانَ في القافلة مِن رشد إليها رجلٌ مِن أهل الشّام، ولم أدْرِ ما قصْده في ذَلِكَ. فلمّا كانت اللّيلة الّتي كُنَّا في صبيحتها ندخل الإسكندريّة رحلنا باللّيل، وكان شهر رمضان، فمشيت قُدّام القافلة، وأخذتُ في طريق غير الجادّة، فلمّا أصبح الصّبّاح، كنت عَلَى غير الطّريق بين جبال الرّمْل، فرأيتُ شيخًا في مِقْثأة، فسألته عَنِ الطّريق، فقال: تصعد هذا الرمل، وتنظر البحر وتقصده، فإنّ الطريق عَلَى شاطئ البحر. فصعدت الرمل، ووقعت في قصب الأقلام، وكنت كلما وجدت قلمًا مليحًا اقتلعته، إلى أن اجتمع مِن ذَلِكَ حزْمة عظيمة، وحمِيَت الشمس وأنا صائم، وكان الصَّيْف. فتعبت، فأخذت أنتقي الجيّد، وأطرح سواه، إلى أن بقي معي ثلاثة أقلام لم أر مثلها؛ طول كلّ عُقْدة شِبْرين وزيادة: فقلت إنّ الْإنْسَان لَا يموت مِن حمل هذه. ووصلتُ إلى القافلة المغرب، فقام إليَّ ذَلِكَ الرجل وأكرمني. فلمّا كَانَ في بعض اللّيل رحلت القافلة، فقال لي: إنّ في هذه اللّيلة مُكس، ومعي هذه الفضّة، وعليها العُشر، فإنْ قدرت وحملتها معك، لعلّها تَسْلَم، فعلتَ في حقّي جميلًا.
فقلت: أفعل.
قَالَ: فحملتها ووصلت الإسكندرية وسلمت، ودفعتها إِليْهِ فقال: تحبّ أن تكون عندي، فإنّ المساكنة تتعذّر.
فقلت: أفعل.
فلمّا كَانَ المغرب صلّيت، ودخلت عَليْهِ، فوجدته قد أخذ الثّلاثة الأقلام، وشقّ كلّ واحدٍ منها نصفين، وشدّها شدّة واحدة، وجعلها شبه المسرَجَة وأقعد السَّرَّاج عليها. فلحِقَني مِن ذَلِكَ مِن الغمّ شيءٌ لم يمكنيّ أن آكل الطّعام معه، واعتذرت إليه، وخرجت إلى المسجد، فلمّا صلّيت التّراويح، أقمت في المسجد، فجاءني القيّم وقال: لم تجر العادة لأحدٍ أن يبيت في المسجد.
فخرجت وأغلق الباب، وجلست عَلَى باب المسجد، لا أدري إلى أَيْنَ أذهب، فبعد ساعةٍ عبر الحارس، فأبصرني، فقال لي: مِن أنت؟ فقلت: غريب مِن أهل العِلْم، وحكيت لَهُ القصّة.(35/116)
فقال: قُم معي. فقمت معه، فأجلسني في مركزه، وثمَّ سراجٌ جيّد، وأخذ يطوف ويرجع إلى عندي، واغتنمت أَنَا السَّرَّاج، فأخرجت الأجزاء، وقعدت أكتب إلى وقت السَّحَر، فأخرج إليَّ شيئًا مِن المأكول، فقلت: لم تجر لي عادة السُّحُور.
وأقمتُ بعد هذا بالإسكندرية ثلاثة أيّام، أصوم النّهار، وأبيت عنده، واعتذر إليه وقت السَّحَر، ولا يعلم إلى أن سهَّل الله بعد ذَلِكَ وفتح.
وقال: أقمت بِتّنيس مدّةً عَلَى أبي محمد بْن الحدّاد ونُظَرائه، فضاق بي، ولم يبق معي غير درهم، وكنت في ذَلِكَ أحتاج إلى خبز، وأحتاج إلى كاغَذ، فكنت أتردّد إنْ صرفته في الخبر لم يكن لي كاغذ، وإنْ صرفتُهُ في الكاغَذْ لم يكن لي خبز، ومضى على هذا ثلاثة أيّام ولياليهنّ لم أُطْعَم فيها، فلمّا كَانَ بُكْرَةَ اليوم الرابع قلت في نفسي: لو كَانَ لي اليوم كاغَذ لم يمكن أن أكتب فيه شيئًا لما بيَ مِن الْجُوع، فجعلت الدّرهم في فمي، وخرجتُ لأشتري الخبز، فبَلَعْتُه، ووقع عليّ الضَّحك، فلِقيني أبو طاهر بْن حُطَامة الصّائغ، المواقيتيّ بها وأنا أضحك، فقال لي: ما أضحكك؟
فقلت: خير.
فألحَّ علي وأبيت، فحلف بالطّلاق لَتَصْدُقَنّي لم تضحكْ؟ فأخبرته. وأخذ بيدي، وأدخلني منزله، وتكلَّف لي ذَلِكَ اليوم أطعمة، فلمّا كَانَ وقت صلاة الظُّهر خرجت أَنَا وهو إلى الصّلاة، فاجتمع بِهِ بعض وكلاء عامل تِنّيس، فسأله عنّي، فقال: هُوَ هذا. فقال: إنّ صاحبي منذ شهر أمرني أن أوصل إِليْهِ في كلّ يوم عشرة دراهم، قيمتها ربع دينار، وسهوت عنه.
قال: فأخذ منه ثلاثمائة درهم، وجاءني وقال: قد سهّل الله رزقًا لم يكن في الحساب. وأخبرني بالقصّة، فقلت: تكون عندك، ونكون عَلَى ما نَحْنُ من الاجتماع إلى وقت الخروج، فإنني وحدي. ففعل. وكان بعد ذَلِكَ يصِلُني ذَلِكَ القدر، إلى أن خرجت مِن البلد إلى الشّام.
وقال: رحلت مِن طوس إلى إصبهان لأجل حديث أبي زُرْعة الرّازيّ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِم عَنْهُ في "الصّحيح"1، ذاكَرَني بِهِ بعض الرّحّالة باللّيل، فلمّا أصبحت شددت عليَّ، وخرجت إلى إصبهان، فلم أحلُلْ عنّي حتّى دخلت عَلَى الشَّيْخ أبي
__________
1 انظر صحيح مسلم "2739"، باب: أكثر أهل الجنة الفقراء.(35/117)
عَمْرو، فقرأته عَليْهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَكْر القطّان، عَنْ أَبِي زُرْعة، ودفع إليَّ ثلاثة أرغفة وكُمّثْراتَيْن، ثمّ خرجتُ مِن عنده إلى الموضع الَّذِي نزلت فيه، وحَللْت عنّي.
وقال: كنت ببغداد في أوّل الرحلة الثّانية مِن الشّام، وكنت أنزل برباط الزّوزنيّ وكان بِهِ صوفيّ يُعرف بأبي النّجم، فمضى علينا ستّة أيام لم نطْعَم فيها، فدخل عليَّ الشَّيْخ أبو عليّ المقدسيّ الفقيه، فوضع دينارًا وانصرف، فدعوتُ بأبي النّجم وقلت: قد فتح الله بهذا، أيّ شيء نعمل بِهِ؟.
فقال: تعبر ذاك الجانب، وتشتري جبزًا، وشِواءً، وحلْواء، وباقِلَّى أخضر، ووردًا، وخسًا بالجميع، وترجع. فتركت الدّينار في وسط مجلَّدة معي وعبرت، ودخلت عَلَى بعض أصدقائنا، وتحدّثت عنده ساعة، فقال لي: لأيّ شيءٍ عبرت؟.
فقلت لَهُ.
فقال: وأين الدينار؟ فظننت أني قد تركته في جيبي، فطلبته فلم أجده، فضاق صدري ونمت، فرأيت في المنام كأنّ قائلًا يَقُولُ لي: أليس قد وضعته في وسط المجلَّدة؟ فقمت مِن النّوم، وفتحت المجلَّدة، وأخذت الدّينار، واشتريت جميع ما طلب رفيقي، وحملته عَلَى رأسي، ورجعت إِليْهِ وقد أبطأتُ عليه، فلم أُخبره بشيءٍ إلى أن أكلت، ثمّ أخبرته، فضحك وقال: لو كَانَ هذا الأكل لكنت أبكي.
وقال: كنت ببغداد في سنة سبْعٍ وستّين، فلمّا كَانَ عشيّة اليوم الَّذِي بويع فيه المقتدي بأمر الله دخلنا عَلَى الشَّيْخ أَبِي إِسْحَاق جماعة مِن أهل الشّام، وسألناه عَنِ الْبَيْعة، كيف كانت؟ فحكى لنا ما جرى، ثم نظر إلي، وأنا يؤمئذ مختطّ، وقال: هُوَ أشبهُ النّاس بهذا. وكان مولد المقتدي في الثاني عشر مِن جمادي الأولى سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، ومولدي في سادس شوّال مِن هذه السّنة.
قَالَ أبو زُرْعة طاهر بْن محمد بْن طاهر: أنشدني أَبِي لنفسه:
لمّا رَأَيْت فتاة الحيّ قد برزَتْ ... مِن الحِطَم تَرُوم السَّعيَ في الظُّلمِ
ضوءُ النّهار بدا مِن ضوء بهجتها ... وظُلْمةُ اللّيل مِن مسْوَدّها الفحمِ
خدعتها بكلامِ يُستلَذُّ بِهِ ... وإنّما يُخْدع الأحرارُ بالكلمِ
وقال المبارك بْن كامل الخفّاف: أنشدنا ابن طاهر لنفسه:(35/118)
ساروا بها كالبدر في هودجٍ ... يميس محفوفًا بأترابه
فاستعبرتْ تبكي، فعاتَبْتُها ... خوفًا مِن الواشي وأصحابه
فقلت: لَا تبكِ عَلَى هالكٍ ... بعدَكِ ما يبقى عَلَى ما بِهِ
للموت أبوابٌ، وكل الورى ... لا بد أن تدخل مِن بابه
وأحسنُ الموتِ بأهل الهوى ... مِن مات مِن فُرْقة أحبابه
وله:
خلعتُ العِذارَ بلا مِنّةٍ ... عَلَى مِن خلعت عَليْهِ العِذارا
وأصبحت حَيْران لَا أرتجي ... جَنانًا ولا أتّقي فيه نارًا1
وقال شِيرَوَيْه في "تاريخ هَمَذَان": محمد بْن طاهر سكن هَمَذَان، وبنى بها دارًا. وكان ثقة، صدوقًا، حافظًا، عالمًا بالصّحيح والسّقيم، حسن المعرفة بالرجال والمُتُون، كثير التّصانيف، جيّد الخطّ، لازمًا للأثر، بعيدًا مِن الفُضول والتّعصُّب، خفيف الرّوح، قويّ السَّير في السَّفَر، كثير الحجّ والعُمْرة. كتب عَنْ عامّة مشايخ الوقت.
قَالَ شجاع الذُّهْليّ: مات ابن طاهر عند قدومه بغداد من الحجّ يوم الجمعة في ربيع الأوّل.
وقال أبو المُعَمَّر: تُوُفّي يوم الجمعة النّصف مِن ربيع الأوّل ببغداد.
196- محمد بْن أَبِي العباس أحمد بن محمد أحمد بْن إسحاق2. الرئيس أبو المظفَّر الأُمَويّ، الْمَعَاويّ، الأبِيَوَرْدِيّ، اللُّغَويّ، الشّاعر المشهور، مِن أولاد عَنْبَسة بْنِ أَبِي سُفْيَان بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ.
كَانَ أوحد عصره، وفريد دهره في معرفة اللُّغة والأنساب، وغير ذَلِكَ. وله تصانيف كثيرة مثل "تاريخ أَبِيَوردْ ونَسَا".
وكان حَسَن السّيرة، جميل الأمر، مَنْظرانيا مِن الرجال، وكان فيه تيه تكبر.
__________
1 عيون التواريخ "12/ 26".
2 المنتظم "9/ 176، 177"، والكامل في التاريخ "10/ 500"، واللباب "3/ 230"، وسير أعلام النبلاء "29/ 283-292"، والبداية والنهاية "12/ 176".(35/119)
وكان يفتخر بنسَبِه ويكتب: الْعَبْشَميّ الْمَعَاويّ، لا أنّه مِن وُلِد معاوية بْن أبي سُفْيان، بل مِن وُلِد معاوية بْن محمد بْن عثمان بْن عَنْبَسة بْن أَبِي سُفْيان1.
وله شِعْرٌ فائق، وقسَّم ديوان شِعْره إلى أقسام، منها العراقيّات، ومنها النَّجْديّات2، ومنها الْوَجْديّات.
وأثنى عليه أبو زكريّا بْن مَنْدَهْ في "تاريخه" بحسن العقيدة، وحميد الطريقة، وكمال الفضلية.
وقال ابن السّمعانيّ: صنَّف كتاب "المختلف"، وكتاب "طبقات العِلْم"، "وما اختلف وائتلف مِن أنساب العرب".
وله في اللُّغة مصنَّفات ما سُبِق إليها.
سَمِعَ: إسماعيل بْن مَسْعدة الإسماعيليّ، وأبا بَكْر بْن خلف الشّيرازيّ، ومالك بْن أحمد البانياسي، وعبد القاهر الْجُرْجانيّ النَّحْويّ.
وسمعتُ غير واحد من شيوخي يقولون: إنّه كَانَ إذا صلّي يَقُولُ: اللهمَّ ملّكني مشارق الأرض ومغاربها.
وذكره عَبْد الغافر فقال: فَخْر العرب، أبو المظفّر الأبِيَوَرْدِيّ، الكوفنيّ، الرئيس، الأديب، الكاتب، النَّسّابة، مِن مفاخر العصر، وأفاضل الدهر. لَهُ الفضائل الرائقة، والفصول الفائقة، والتّصانيف المعجزة، والتّواليف المعجبة، والنَّظْم الَّذِي نسخ أشعار المحدثين، ونسج فيه عَلَى منْوال الْمَعَرّي ومن فوقه مِن المفلِقين. رَأَيْته شابًا قام في درس إمام الْحَرَمَيْن مِرارًا، وأنشأ فَيه قصائد طِوالًا كبارًا، يلفظها كما يشاء زَبَدًا مِن بحر خاطره، كما نشأ ميسّر لَهُ الإنشاء، طويل النَّفَس، كثير الحِفْظ، تلتفت في أثناء كلامه إلى النّثْر والوقائع والاستنباطات الغريبة. خرج إلى العراق، وأقام مدّة يجذب فضله بطبعه، ويشتهر بين الأفاضل كمال فضله، ومتانة طبْعه حتّى ظهر أمره، وعلا قَدره، وحصل لَهُ مِن السّلطان مكانة ونعمة.
ثمّ كَانَ يرشح مِن كلامه نوعُ تشبُّث بالخلافة، ودعوةٌ إلى أتّباع فضله، ادّعاء استحقاق الإمامة. تبيض وساوس الشّيطان في رأسه وتفرّخ، ويرفع الكِبْرَ بأنفه،
__________
1 الأنساب "11/ 387".
2 الأنساب "11/ 387".(35/120)
ويَشْمُخ، فاضطّره الحال إلى مفارقة بغداد، ورجع إلى هَمَذَان، فأقام بها يدرّس ويفيد، ويصنَّف مدّة.
ومن شِعْره:
وهَيْفاء لَا أُصغي إلى مِن يَلُومُني ... عليها ويُغْريني أن يَعيبَها
أميل بإحدى مُقْلَتَيَّ إذا بَدَتْ ... إليها، وبالأُخْرى أُراعي رقيبَها
وقد غَفَلَ الواشي فلم يدْرِ أنّني ... أخَذْتُ لعيني مِن سُلَيْمَى نصيبَها1
وله:
أكوكبٌ ما أرى يا سَعْد أمْ نارُ ... تشُبُّهَا سَهْلَةُ الْخَدَّين مِعْطارُ
بيضاءُ إنّ نَطَقَتْ في الحيّ أو نَظَرَتْ ... تَقَاسَمَ الشَّمْس أسماعٌ وأبصارُ
والرَّكْبُ يسيرون والظَّلْماءُ راكدةٌ ... كأنَّهُمْ في ضمير اللّيل أسرارُ
فاسْرَعُوا وطُلا الأعناقِ مائلةٌ ... حيثُ الوسائدُ للنُّوَّام أكوارُ2
عَنْ حمّاد الْحَرّانيّ قَالَ: سَمِعْتُ السّلَفيّ يَقُولُ: كَانَ الأبِيَوَرْدِيّ -والله- مِن أهل الدّين والخير والصَّلاح والعِفّة، قَالَ لي: والله ما نمت في بيتٍ فيه كتاب الله، أو حديث رسول لله، احترامًا لهما أن يبدو منّي شيء لَا يجوز.
أنشدنا أبو الحُسَيْن النُّوبيّ، أَنَا جعفر، نا السّلَفيّ: أنشدنا الأبِيَوَرْدِيّ لنفسه:
وشادنٍ زارني عَلَى عَجَلٍ ... كالبدر في صَفْحة الدُّجا لَمَعَا
فلم أزلْ مُوهِنًا لحديثه ... والبدْرُ يُصْغي إليّ مستعما
وصلْتُ خدّي بخدّه شَغَفًا ... حتى التقى الرَّوْض والغدِيرُ معًا3
وقال أبو زكريّا بْن مَنْدَهْ: سُئل الأديب أبو المظفَّر الأبِيَوَرْدِيّ عَنْ أحاديث الصّفات، فقال: نُقِرَّ ونَمُرّ.
وقال أبو الْفَضْلُ بْن طاهر المقدسيّ: أنشدنا أبو المظفَّر الأبِيَوَرْدِيّ لنفسه:
__________
1 سير أعلام النبلاء "19/ 287"، وعيون التواريخ "12/ 29".
2 سير أعلام النبلاء "19/ 287".
3 سير أعلام النبلاء "19/ 285".(35/121)
يا مِن يُساجِلُني وُلّيس بمُدْرِكٍ ... شأوي، وأين لَهُ جلالةُ مَنْصبي
لا تَتْعَبَنّ فدُونَ ما حاوَلْتَهُ ... خَرْطُ الْقَتَادة وامتطاءِ الكواكبِ
والمجدُ يعلمُ أيُّنَا خيرٌ أبًا ... فأسالْهُ يعلم أيُّ ذي حَسَبٍ أَبِي
جدّي مُعاويةُ الأَغَرّ سَمَتُ بِهِ ... جُرثُومةٌ مِن طِينها خُلِق النَّبِيّ
ورّثْتُهُ شرَقًا رفعتُ مَنَاره ... فبنو أُمَيَّة يفخرون بِهِ وبي1
وَقِيلَ: إِنَّهُ كتب رقعة إلى الخليفة المستظهر بالله، وَعَلَى رأسها: المملوك المعاوي، فحك الخليفة الميم، فصار العاوي، ورد إِلَيْهِ الرقعة2.
ومن شِعْره:
تنكَّر لي دهري ولم يدر أنّني ... أعزّ وأحداث الزّمان تَهُونُ
فبات يُريني الخطْب كيف اعتداؤه ... وبِتُّ أريه الصَّبْرَ كيف يكون3
ومن شِعْره:
نزلنا بنُعْمان الأراكِ وللنَّدَى ... سَقيطٌ بِهِ ابتلَّتْ علينا المطارفُ
فبِتُّ أُعاني الوجْدَ والركْبُ نُوَّمُ ... وقد أخَذَتْ منّا السّرَى والتّنائفُ
وإذا خُودًا إنْ دَعاني عَلَى النَّوَى ... هواهَا أجابتْهُ الدّموعُ الذَّوارفُ
لها في مَغَاني ذَلِكَ الشّعْبِ منزلٌ ... لئنْ أنْكَرَتْه العينُ فالقلبُ عارفُ
وقفتُ بِهِ والدَّمْع أكثرُهُ دَمٌ ... كأنيّ مِن جفني بنعمان راعف
أنشدنا أبو الحسن ببَعْلَبَكّ: أنشدنا أبو الْفَضْلُ الْهَمَذَانيّ: أنشدنا السّلَفيّ: أنشدنا الأبِيَوَرْدِيّ لنفسه:
مِن رَأَى أشباحَ تِبْرٍ ... حُشيَتْ رِيقةَ نَحلهْ
فجمعناها بُذُورًا ... وقَطَعْناها أهِلَّهْ
توفي بأصبهان في ربيع الأول مسمومًا.
__________
1 معجم الأدباء "17/ 262"، وسير أعلام النبلاء "19/ 287، 288".
2 الأنساب "11/ 387".
3 سير أعلام النبلاء "19/ 287"، والبداية والنهاية "12/ 176"، والنجوم الزاهرة "5/ 207".(35/122)
197- مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الواحد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الواحد بْن عَبْد اللَّه بْن محمد بْن الحَجّاج بْن مندوَيْه.
أبو منصور الإصبهاني، الشُّرُوطيّ، المعدّل.
سَمِعَ: أبا نُعَيْم.
روى عَنْهُ: أبو موسى الْمَدِينيّ، وقال: تُوُفّي في الثّامن، وقيل: السّادس، والعشرين مِن جُمَادَى الآخرة.
198- محمد بْن عيسى بْن محمد اللَّخْميّ1. أبو بَكْر الأندلسيّ، الشّاعر، المعروف بابن اللّبّانة الدّانيّ.
كَانَ مِن جِلّة الأُدباء وفحول الشّعراء، مَعِين الطّبع، واسع الذَّرْع، عزيز الأدب، قويّ العارضة، متصرّفًا في البلاغة.
لَهُ تصانيف. لَهُ كتاب "مناقل الفتنة"، وكتاب "نَظْم السلوك في وعظ المملوك"، وكتاب "سقيط الدّرّ ولقيط الزّهر" في شِعْر ابن عبّاد، ونحو ذَلِكَ. وديوان شِعْره موجود.
أخذ عَنْهُ: أبو عَبْد الله بْن الصَّفّار.
وتُوُفّي بمَيُورقَة.
وقد سُقْتُ من شِعْره في ترجمة المعتمد بْن عبّاد. وكان مِن كبراء دولة محمد بن صمادح.
وهو القائل في صاحب مَيُورقَة مبشّر العامريّ:
وضَحتْ وقد فضحتْ ضياءَ النّيّر ... فكأنّما التحفتُ ببشِرْ مبشّر
وتبسّمتْ عَنْ جوهرٍ فحسِبْتُهُ ... ما قلّدته محامدي مِن جوهر
وتكلَّمتْ فكان طِيبُ حديثها ... متعب منه بطيب مسك وإذفر
هزّت بنَغَمة لفْظِها نفسي كما ... هزّت بذِكراه أعالي المنبر
ولئمت فاها فاعتقدت بأنّني ... مِن كفّه سوّغت لثْم الخنصر
__________
1 العبر "4/ 15"، وشذرات الذهب "4/ 20"، ومعجم المؤلفين "11/ 108".(35/123)
بمعاطِف تحت الذّوائب خِلْتُها ... تحت الخوافق ما لَهُ مِن سمْهَرِي
ملك أزِرّة بُردِه ضُمّت عَلَى ... بأس الوصيّ وعزْمة الإسكندر
وهي طويلة.
199- محمد بْن محمد بْن أحمد بْن محمد. الآبنُوسي، أبو غالب بْن أبي الحُسَيْن.
روى عَنْ أبيه.
وعنه: المُعَمَّر بْن أحمد، وأبو طاهر السّلَفيّ.
مات في شوّال، وله ثمانون سنة.
200- محمد بْن مكّيّ بْن دُوَسْت1. أبو بَكْر البغداديّ.
يروي عَنْ: أَبِي محمد الجوهريّ، والقاضي أَبِي الطَّيّب.
وعنه: السّلَفيّ، وابن خُضَيْر.
201- محمد بن وهبان. أبو المكارم البغداديّ.
روى عَنْ: أَبِي الطَّيّب الطَّبَريّ، وأبي محمد الجوهريّ.
تُوُفّي في صَفَر.
روى عَنْهُ: المبارك بْن كامل.
202- المفضَّل بْن عَبْد الرّزّاق2.
سديد الدّين، أبو المعالي الإصبهانيّ، صاحب ديوان الحسن ببغداد.
ولد بعد الأربعين وأربعمائة.
وتفقه عَلَى: أبي بَكْر محمد بْن ثابت الخُجَنْديّ.
وولي ديوان العرض، ورأى مِن الجاه والمال ما لم يكن لعارض.
__________
1 المنتظم "9/ 179".
2 الكامل في التاريخ "10/ 329".(35/124)
قِدم بغداد مَعَ السّلطان بَركْيَارُوق سنة أربعٍ وتسعين وأربعمائة فأقام بها، فسفر لَهُ أبو نصر بْن الْمَوْصِلايا كاتب الإنشاء في الوزارة، وطلب، وخلع عَليْهِ خِلَع الوزارة.
وكان ابن الْمَوْصلايا يجلس إلى جانبه فيسدّده، لأنه كَانَ لَا يعرف الاصطلاح، ثمّ عُزِل بعد عشرة أشهر. وكانت حاشيته سبعين مملوكًا مِن الأتراك، فاعتُقِل بدار الخلافة سنةً، ثمّ أُطِلق بشفاعة بركْيَارُوق، فتوجّه إلى المعسكر، فولّاه السّلطان الاستيفاء، ثمّ صودر، وجَرَت لَهُ أمور.
تُوُفّي في ربيع الأوّل. ورخّه أبو الْحَسَن الْهَمَذَانيّ.
203- مَلَكَةُ بنتُ دَاوُد بْن محمد1. الصُّوفيّة، العالمة.
سَمِعْتُ بمصر سنة اثنتين وخمسين مِن الشّريف أحمد بْن إبراهيم بْن ميمون الحُسَينيّ. وبمكة مِن كريمة.
وسكنت مدّة بدُوَيْرة السُّمَيْساطيّ بدمشق.
سَمِعَ منها: غيث بْن عليّ، وقال: سألتها عَنْ مولدها، فذكرت انّه عَلَى ما أخبرتها أمُّها في ربيع الأول سنة وأربعمائة، بناحية جَنْزة، ونشأت بتَفْلِيس.
توفيت بشوال سنة سبْعٍ، ولها مائة وخمسُ سِنين.
قَالَ ابن عساكر: أجازت لي، وحضرتُ دفْنَها بمقبرة باب الصّغير.
204- المؤتمن بْن أحمد بن عليّ بن الحسين بن عبد الله2. الحافظ أبو نصر الرَّبَعيّ، الدَّيْرعَاقُوليّ، ثمّ البغداديّ، المعروف بالسّاجيّ. أحد أعلام الحديث.
حافظ كبير، متقْن، حُجّة، ثقة، واسع الرحلة، كثير الكتابة، ورِع، زاهد.
سَمِعَ: أبا الحُسَيْن بْن النّقور، وعبد العزيز بْن علي الأنماطي، وأبا القاسم بن البسري، وأبا القاسم عبد الله بن الجلال، وأبا نصر الزَّيْنَبيّ، وإسماعيل بْن مَسْعَدة، وخلْقًا ببغداد.
__________
1 تاريخ دمشق "تراجم النساء 393".
2 المنتظم "19/ 179، 180"، وسير أعلام النبلاء "19/ 308-311"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1246-1248"، والبداية والنهاية "12/ 7178".(35/125)
وأبا بَكْر الخطيب بصور؛ وأبا عثمان بْن ورقاء ببيت المقدس؛ والحسن بْن مكّيّ الشّيرازيّ بحلب.
ولم أره سَمِعَ بدمشق، ولا كأنّه رآها. ودخل إلى إصبهان فسمع: أبا عَمْرو عَبْد الوهّاب بْن مَنْدَهْ، وأبا منصور بْن شكروَيْه، وطبقتهما.
وبنَيْسابور: أبا بَكْر بْن خلف.
وبهَراة: أبا إسماعيل الأنصاريّ، وأبا عامر الأزْديّ، وهؤلاء وأبا علي التستري وجماعة بالبصرة.
ثم سَمِعَ ببغداد ما لَا يُحْصَر، ثمّ تزهّد وانقطع.
روى عَنْهُ: سَعْد الخير الأنصاريّ، وأبو الْفَضْلُ بْن ناصر، وأبو المُعَمَّر الأنصاريّ، ومحمد بْن محمد السّنْجيّ، وأبو طاهر السّلَفيّ، وأبو سعد البغداديّ، وأبو بَكْر بْن السّمعانيّ، ومحمد بْن عليّ بْن فولاذ، وطائفة.
قَالَ ابن عساكر: سَمِعْتُ أبا الوقت عَبْد الأوّل يَقُولُ: كَانَ الإمام عَبْد الله بْن محمد الأنصاريّ إذا رَأَى المؤتمن يَقُولُ: لَا يمكن أحد أن يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما دام هذا حيا. حدَّثني أخي أبو الحُسَيْن هبة الله قَالَ: سَأَلت السّلَفيّ، عَنِ المؤتمن السّاجيّ، فقال: حافظ متقن، لم أر أحسن قراءةً منه للحديث، تفقَّه في صباه عَلَى الشَّيْخ أبي إِسْحَاق، وكتب "الشامل"، عَنِ ابن الصَّبّاغ بخطّه، ثمّ خرج إلى الشّام، فأقام بالقدس زمانًا. وذكر لي أنّه سَمِعَ مِن لفظ أَبِي بَكْر الخطيب حديثًا واحدًا، بصور، غير أَنَّهُ لم يكن عنده نسخة. وكتب ببغداد كتاب "الكامل" لابن عَدِيّ، عَنِ ابن مَسْعَدة الإسماعيليّ؛ وكتب بالبصرة السُّنَن عَنِ التُّسْتَرِيّ. وانتفعت بصُحبته ببغداد، ونُعي إليَّ وأنا بثغر سَلَمَاس، وصلّينا عَليْهِ صلاة الغائب يوم الجمعة.
وقال أبو النَّضْر الفاميّ: أقام المؤتمن بهَرَاة نحو عشر سنين، وقرأ الكثير، وكتب "الجامع" للتّرْمِذيّ ستٌّ كرّات. وكان فيه صَلَفُ نفْسِ، وقناعة، وعفّة واشتغال بما يعنيه.
وقال أبو بَكْر محمد بْن منصور السّمعانيّ: ما رَأَيْت بالعراق من يفهم الحديث غير رجلين: المؤتمن السّاجيّ ببغداد، وإسماعيل بْن محمد التَّيْميّ بإصبهان.(35/126)
وسمعت المؤتمن يَقُولُ: سَأَلت عَبْد الله بْن محمد الأنصاريّ، عَنْ أَبِي عليّ الخالديّ، فقال: كَانَ لَهُ في الكذب قصّة، ومن الحِفْظ حِصّة.
وقال السّلَفيّ: لم يكن ببغداد أحسن قراءةً للحديث منه، يعني السّاجيّ، كَانَ لَا يملّ قراءته وإن طالت. قرأ لنا عَلَى أَبِي الحُسَيْن بْن الطُّيُوريّ كتاب "الفاضل" للرّامَهُرْمُزِيّ في مجلس.
وقال يحيى بْن مَنْدَهْ الحافظ: قِدم المؤتمن السّاجيّ إصبهان، وسمع مِن والدي كتاب "معرفة الصحابة" وكتاب "التوحيد" و"الأمالي"، و"حديث ابن عُيَيْنَة" لجدّي، فلمّا أخذ في قراءة "غرائب شُعْبَة" بلغ إلى حديث عُمَر في لبْس الحرير فلمّا انتهى إلى آخر الحديث كَانَ الوالد في حال الانتقال إلى الآخرة، وقضى نحْبه عند انتهاء ذَلِكَ بعد عشاء الآخرة. هذا ما رأينا وشاهدنا وعَلِمْنا. ثمّ قدم أبو الْفَضْلُ محمد بْن طاهر سنة ست وخمسمائة، وقرأنا عَليْهِ جزءًا مِن مجموعاته، وقرأ عَليْهِ أبو نصر اليُونارتيّ جزءًا مِن الحكايات فيه. سَمِعْتُ أصحابنا بإصبهان يقولون: إنّما تَمَّم المؤتمن السّاجيّ كتاب "معرفة الصّحابة" عَلَى أَبِي عَمْرو بعد موته، وذلك أنّه كَانَ يقرأ عَليْهِ وهو في النَّزْع، ومات وهو يقرأ عَليْهِ. وكان يُصاح بِهِ: نريد أن نغسّل الشَّيْخ.
قَالَ يحيى: فلمّا سَمِعْتُ هذه الحكاية قلت: ما جرى ذَلِكَ، يجب أن تصلح هذا، فإنه كذِب وزور. وكتب اليُونارتيّ في الحال عَلَى حاشية النّسخة صورة الحال. وأمّا قراءة "معرفة الصّحابة" فكان قبل موت الوالد بشهرين. وكان المؤتمن والله، متورعًا، زاهدًا، صابرًا عَلَى الفقر، رحمه الله.
وقال أبو بَكْر محمد بْن فولاذ الطَّبَريّ: أنشدنا المؤتمن لنفسه.
وقالوا كُنْ لنا خَدْنًا وخِلًا ... ولا والله أفعل ما شاءوا
أُحابيهم ببعضي أو بكلّي ... وكيف وجلّهم نعَمٌ وشاءُ
وقال ابن ناصر: سَأَلت المؤتمن عَنْ مولده فقال: في صَفَر سنة خمس وأربعين وأربعمائة. وتوفي في صَفَر سنة سبْعٍ. وصلّيت عَليْهِ. وكان عالمًا، فهْمًا، ثقة، مأمونًا.(35/127)
205- مودود بْن ألْتُونكين1. سلطان الْمَوْصِل.
قُتل بدمشق في رمضان صائمًا، كما هو مذكور في الحوادث.
"حرف النون":
206- ناصر بْن أحمد بْن بكران. القاضي أبو القاسم الخُوَيّيّ2.
قِدم بغداد وتفقَّه عَلَى: أَبِي إِسْحَاق الشّيرازيّ.
وسمع: أبا الحُسَيْن بْن النُّقور.
وقرأ العربية وبرع فيها.
روى عَنْهُ: السّلَفيّ، وقال: كتبنا عَنْهُ بخُوَيّ. وكان شيخ الأدب ببلاد أَذرْبَيْجان بلا مدافعة، وله ديوان شِعْر ومصنَّفات. وولي القضاء مدة كأبيه.
تُوُفّي في ربيع الآخر.
207- نصر بْن عَبْد الجبّار بْن منصور بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن3. أَبُو منصور التّميميّ، الْقَزْوينيّ، الواعظ، المعروف بالقُراّئيّ. مِن أهل قَزْوين.
كَانَ واعظًا، صالحًا، صَدُوقًا، قِدم بغداد.
وسمع: أبا محمد الجوهريّ، وأبا طَالِب العُشَاريّ.
وسمع بقَزْوين مِن: أبي يَعْلَى الخليل بْن عَبْد الله الحافظ.
روى عَنْهُ: إسماعيل بْن أَبِي الْفَضْلُ النّاصحيّ، وطيّب بْن محمد الأبِيَوَرْدِيّ، وأظنّ السّلَفيّ سَمِعَ منه.
وقد حدث في سنة سبع وخمسمائة، ولا أعلم وفاته.
وقد جمع لنفسه مُعْجَمًا.
__________
1 المختصر في أخبار البشر "2/ 226"، والدرة المضية "476".
2 الخويي: نسبة إلى خوى، وهي إحدى بلاد أذربيجان "الأنساب 5/ 213".
3 التدوين في أخبار قزوين "4/ 169"، وفيه اسمه: "نصير".(35/128)
"حرف الهاء":
208- هادي بْن إسماعيل بْن الْحَسَن بْن عليّ بْن أَبِي محمد الْحَسَن بْن علي بْن الْحَسَن بْن عليِّ بْن عُمَر بن الحسن بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أبي طَالِب1.
الشّريف أبو المحاسن الْعَلَويّ، الحُسَيْني، الإصبهانيّ.
قَالَ السّمعانيّ: كان لَهُ تقدُّم ووجاهة، وصيت وشُهْرة ببلده. وَرَدَ بغداد حاجًا، فتُوُفّي بها بعد حَجّة.
روى عَنْ: أَبِي طاهر بْن عَبْد الرحيم، وأبي عثمان العيّار.
روى عَنْهُ: أبو موسى الْمَدِينيّ، وأبو المُعَمَّر الأنصاريّ، وأبو العلاء أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الْفَضْلُ الإصبهاني، وعبد الحقّ بْن يوسف.
تُوُفّي في ثالث عشر ربيع الأوّل، وهو أخو داعي.
وقد تقدَّم في سنة تسعين وأربعمائة وفاة سَميّه هادي بْن الْحَسَن العلويّ. وفي سنة خمسٍ وتسعين ذُكر والده إسماعيل.
وقال السّلَفيّ في معجم إصبهان: قرأنا عَليْهِ، وعلى أبيه، وأخيه، وهذا فأحسنهم خُلُقًا، وكتابةً، وخطًا. وأنشدنا فيه أبو عَبْد الله النَّضْريّ:
لهادي بْن إسماعيل خلال أربع ... بها غدا مستوجبًا للإمامة
خطابُ ابن عَبّادٍ وخطّ ابن مُقْلَة ... وخلق ابن يعقوب وخُلُق أُمامة
"حرف الياء":
209- يحيى بْن أحمد بْن حُسين. أبو زكريّا الْغَضَائريّ2، الدّرْبَنْديّ.
سَمِعَ بمصر: أبا عَبْد الله القُضاعيّ؛ وبمكّة: كريمة الْمَرْوَزيّة؛ وبآمد: أبا منصور بن أحمد الإصبهانيّ؛ وبنَيْسابور: أبا القاسم القُشَيْريّ.
روى عنه: إسماعيل بن الفضيل بطبرستان، وغيره.
__________
1 المنتظم "9/ 139".
2 الغضائري: نسبة إلى الغضارة، وهو إناء يؤكل فيه الطعام "الأنساب 9/ 155".(35/129)
وكان عالمًا، فاضلًا، صالحًا، ورعًا، متميزًا.
كَانَ حيا في سنة سبْعٍ.
210- يحيى بْن عَبْد الله بْن الجدّاء1. أبو بَكْر الفِهْريّ، اللّبْليّ، نزيل إشبيلية.
كَانَ جامعًا لفنون مِن العِلْم، وشُوِور في الأحكام بإشبيلية.
وتُوُفّي في جُمَادَى الأولى.
211- يحيى بْن عَبْد الوهّاب بْن عثمان بْن الْفَضْلُ. أبو سالم بْن المخْبزيّ، البغداديّ، ابن خال أبي الحُسَيْن بْن الطُّيُوريّ.
صالح، خير. سَمِعَ: أبا الطَّيّب الطَّبَريّ، والجوهريّ.
روى عَنْهُ: عَبْد الوهّاب الأنْماطيّ، والسّلَفيّ، وأبو المُعَمَّر الأنصاري، وغيرهم.
ومات في جمادى الأولى.
وفيات سنة ثمان وخمسمائة
"حرف الألف":
212- أحمد بْن بَغْراج2.
أبو نصر البغداديّ.
سَمِعَ: أبا الْحَسَن الْقَزْوينيّ، وغيره، وأبا محمد الخلّال.
تُوُفّي يوم عاشوراء.
روى عَنْهُ: المبارك بْن كامل، وابن ناصر.
وقد قرأ بالروايات عَلَى أبي الخطّاب الصُّوفيّ، وأبي ياسر محمد بن علي الحمامي.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 672".
2 المنتظم "9/ 181"، وغاية النهاية "1/ 118".(35/130)
قرأ عَليْهِ يوسف بْن إبراهيم الضّرير.
وكان شيخًا صالحًا، كثير التّلاوة.
تُوُفّي في المحرَّم، وهو أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز بْن بغراج.
213- أحمد بْن الْحَسَن1. المُخَلَّطِيّ، أبو العبّاس الْحَنْبليّ، الفقيه.
مِن علماء بغداد وثقاتهم.
سَمِعَ مِن: القاضي أبي يَعْلَى.
214- أحمد بْن خَالِد الطّحّان. تُوُفّي في رجب ببغداد.
روى عَنْ: أبي يَعْلَى أيضًا.
215- أحمد بْن عُبَيْد الله بْن أَبِي الفتح محمد بْن أحمد2. أبو غالب المُعيّر، البغداديّ، المقرئ. ابن خال أَبِي طاهر بْن سوَار.
قرأ لابن عَمْرو على عبد الله بْن مكّيّ السّوّاق، عَنْ أَبِي الْفَرَج الشَّنَبُوذيّ.
قَالَ المبارك بْن كامل: قرأت عَليْهِ برواية أبي عمرو. وقد سمع: محمد بْن غَيْلان، ومحمد بْن الحُسَيْن الحرّانيّ، وأبا محمد الخلّال، وأبا الفتح الْمَحَامِليّ، وأحمد بْن عليّ التَّوَّزيّ، وجماعة.
روى عَنْهُ: السّلَفيّ، وابن ناصر، وأبو المُعَمَّر الأنصاريّ، وأبو الحُسَيْن عبد الحق.
وكان ثقة، مقرئًا، صالحًا.
وتوفي في جُمَادَى الأولى، وله ثمانون سنة.
216- أحمد بْن محمد بْن أحمد.
أبو نصر البغداديّ، سِبْط الأقفاليّ، الزّاهد.
سَمِعَ: أبا محمد الجوهريّ.
وعنه: السّلَفيّ.
سقط مِن سطح فمات في جمادى الأولى.
__________
1 طبقات الحنابلة "2/ 258"، والمنتظم "9/ 181".
2 المنتظم "9/ 181"، وسير أعلام النبلاء "19/ 313"، وغاية النهاية "1/ 79".(35/131)
217- أَحْمَد بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن غلبُون1. أبو عَبْد اللَّه الخَوْلانيّ، القُرْطُبيّ، ثمّ الإشبيليّ.
روى عَنْ أبيه الحافظ أَبِي عَبْد الله الْخَوْلانيّ كثيرًا. وسمع معه مِن: أَبِي عُمَر، وعثمان بْن أحمد القشْطاليّ، وأبي عَبْد الله الأحدب، وأبي محمد الشّنْتجاليّ، وعليّ بْن حَمُّوَيْه الشّيرازيّ.
وأجاز لَهُ يونس بْن عَبْد الله القاضي، وأبو عُمَر الطَّلَمَنْكيّ، وأبو عَمْرو المرشاني الَّذِي لَهُ إجازة أَبِي بَكْر الآجُرّيّ، وَأَبُو ذَرّ عَبْد بْن أحْمَد الهَرَوِي، وَأَبُو عِمران الفاسيّ، ومكّيّ بْن أبي طَالِب، وأبو عَمْرو الدّانيّ المقرِئان.
قَالَ ابن بَشْكُوال2: وكان شيخًا، فاضلًا، عفيفًا، مُنقبضًا، مِن بيت عِلْم، ودِين، وفضل. ولم يكن عنده كبير عِلْم أكثر مِن روايته عَنْ هَؤلَاءِ الْجِلّة. وكانت عنده أيضًا أُصُول يلجأ، ويعوّل عليها.
أخذ عَنْهُ جماعة مِن شيوخه وكبار أصحابنا.
قَالَ لي أبو الوليد بْن الدّبّاغ إنّ هذا وُلِد سنة ثمان عشرة وأربعمائة وتُوُفّي في شَعْبان، وله تسعون سنة.
وهو خال أبي الْحَسَن شُرَيْح.
وقد أجاز لابن الدّبّاغ. وسمع من خلْق منهم عليّ بْن الحُسَيْن اللُّوَاتيّ.
وقرأ عَليْهِ ابن الدّبّاغ "الموطّأ"، بسماعه مِن عثمان بْن أحمد، والْحَرَميّ. روى عَنْهُ كتابةً أبو ... 3.
218- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز بْن بَغْراج4.
أبو نصر السّقْلاطُونيّ.
كان مولده في سنة ثلاث وعشرون.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "1/ 73"، وعيون التواريخ "12/ 49".
2 في الصلة "1/ 73".
3 بياض في الأصل: وقد قال القاضي عياض: سمع منه أعيان من الشيوخ واستجازوه وحدثوا عنه، منهم: القاضي أبو عبد الله بن الحاج، وأبو بكر بن مفوز، وأبو بكر بن فتحون، والقاضي أبو الحسن بن شريح ابن أخته، وأبو عبد الله مالك بن وهيب "الغنية 107".
4 تقدم قبل قليل رقم "212".(35/132)
وقد ذُكِر في أوّل السّنة فنُسِب إلى أَبِيهِ.
219- إبراهيم بْن محمد بْن مكّيّ بْن سعد1. الفقيه أبو إِسْحَاق السّاوي، الملقَّب بشيخ الملك.
فاضل معروف، مشتغل بالتجارة والدهقفة. وكان يُعدّ مِن دُهاة الرجال.
روى عَنْ: أَبِي الحُسَيْن عَبْد الغافر، وأبي عثمان الصّابونيّ، والحاكم أبي عَبْد الرَّحْمَن الشّاذْياخيّ، وغيرهم.
ومرض مدّة، وقاسي حتّى تُوُفّي في سلْخ صَفَر.
220- إسماعيل بْن المبارك بْن وصيف2. أبو خازم الْحَنْبليّ.
تفقَّه عَلَى أبي يَعْلَى بْن الفرّاء، وسمع منه.
ومن: أبي محمد الجوهري.
وتوفي في رجب.
روى عَنْهُ: المبارك بْن كامل؛ وبالإجازة ابن كُلَيب.
221- ألْب رسلان ابن السّلطان رضوان ابن السّلطان تُتُش بْن ألْب التُّرْكيّ3. وُلّي إمارة حلب في جُمَادَى الآخرة بعد أَبِيهِ صاحب حلب وله ستٌّ عشرة سنة. وولي تدبير مملكته البابا لؤلؤ، فقتل أخويه ملكشاه ومباركًا، وقتل جماعة مِن الباطنيّة، والقرامطة، وكانت دعوتهم قد ظهرت في أيّام أَبِيهِ.
ثمّ قِدم دمشق في رمضان مِن سنة سبْعٍ، فتلقّاه طُغتِكين والأعيان، وأنزلوه في القلعة، وبالغوا في خدمته، فأقام أيّامًا، ثمّ عاد إلى حلب وفي خدمته طُغتِكين، فلمّا وصلا إلى حلب لم يَرَ منه طُغتِكين ما يحبّ، ففارقه وردّ إلى دمشق4.
ثمّ إنّ ألْب رسلان ساءت سيرته بحلب، وانهمك في المعاصي واغتصاب الحرم،
__________
1 المنتخب من السياق "126".
2 الذيل على طبقات الحنابلة "1/ 112".
3 الكامل في التاريخ "10/ 508"، والعبر "4/ 16"، وشذرات الذهب "4/ 23".
4 ذيل تاريخ دمشق "189-191".(35/133)
وخافه البابا لؤلؤ، فقتله في ربيع الآخر سنة ثمانٍ1، ونصّب في السّلطة أخًا لَهُ طفلًا عُمره ستٌّ سِنين. ثمّ قُتِل لؤلؤ ببالِس في سنة عشر2.
"حرف الباء":
222- بغدوين3. ملك الفرنج الَّذِي أخذ القدس.
هلك -لعنة الله- مِن جراح أصابته يوم مصافّ طَبريّة.
وقيل: بل تُوُفّي بعد ذَلِكَ كما هُوَ في الحوادث.
"حرف الخاء":
223- خَلَفُ بْن مُحَمَّد بْن خَلَف4. أبو القاسم بْن الْعَربيّ، الأنصاريّ، الأندلسيّ.
مِن أهل المريّة.
روى عَنْ: أحمد بْن عُمَر العُذْريّ، وأبي بَكْر ابن صاحب الأحباس، وأبي عليّ الغسّانيّ.
وكان مَعْنيا بالآثار، جامعًا لها. كتب بخطّة عِلْمًا كثيرًا ورواه. وكان متقنًا، أديبًا، شاعرًا. يذكر أنّه لقي أبا عَمْرو الدّانيّ، وأخذ عَنْهُ قليلًا.
وكان مولده في سنة إحدى وعشرين وأربعمائة.
"حرف الدال":
224- دَعْجاء بنتُ أَبِي سهل الْفَضْلُ بْن محمد بْن عَبْد الله الإصبهانيّ الكاغدِيّ. رَوَت عَنْ جدّها أحمد بْن محمد بْن محمد بْن زْنجُوَيْه، عَنِ ابن فُورَك القبّاب.
روى عنها: أبو موسى المديني.
__________
1 زبدة الحلب "2/ 167-170".
2 زبدة الحلب "2/ 177".
3 العبر "4/ 15"، ودول الإسلام "2/ 36"، وعيون التواريخ "12/ 48".
4 الصلة لابن بشكوال "1/ 175".(35/134)
225- دلال بِنْت الخطيب أبي الْفَضْلُ محمد بْن عَبْد العزيز بْن المهتدي بالله1. سَمِعْتُ: أباها، وأبا عليّ بْن المُذْهب.
روى عَنْهَا: ابن ناصر.
أرّخها ابن النّجّار.
"حرف الراء":
226- رَيْحان. غلام أَبِي عَبْد الله بْن جَرَدة البغداديّ.
روى عَنْهُ أبو المُعَمَّر الأنصاريّ، عَنْ أَبِي عليّ بْن البنّا.
تُوُفّي في ربيع الآخر.
"حرف السين":
227- سالم بْن إِبْرَاهِيم بْن الْحَسَن. أَبُو عَبْد اللَّه الجرّار، البغداديّ، الْمَرَاتبيّ.
سَمِعَ: أبا يَعْلَى بْن الفرّاء.
وعنه: أبو المُعَمَّر.
228- سُبَيْع بْن المسلم بْن عليّ بْن هارون2. المعروف بابن قيراط.
أبو الوحش الدّمشقيّ، المُقْرِئ، الضّرير.
قرأ لابن عامر عَلَى رشأ بْن نظيف، والأهوازي، وسمع منهما.
ومن: عَبْد الوهّاب بْن برهان بصور، وأبي القاسم السّميساطيّ، وجماعة.
وانتهت إليه الرئاسة في الدّعوة بدمشق، وصار أعلى النّاس فيها إسنادًا. وكان يُقرئ القرآن مِن ثُلث اللّيل إلى قريب الظُّهْر. وأُقْعِد، فكان يُؤتَى به محمولًا إلى الجامع.
__________
1 المنتظم "9/ 181".
2 ذيل تاريخ دمشق لابن القلانسي "192"، والعبر "4/ 16"، وشذرات الذهب "4/ 23"، وتهذيب تاريخ دمشق "6/ 66".(35/135)
قال ابن عساكر1: سَمِعْتُ منه: وكان ثقةً. ولد سنة تسع عشرة وأربعمائة.
وتُوُفّي في شَعْبان سنة ثمانٍ.
229- سراج بْن عبد الملك بن سراج بن عبد الله2. الوزير أبو الحُسَيْن القُرْطُبيّ.
روى عَنْ أَبِيهِ كثيرًا؛ وعن: محمد بْن عتّاب الفقيه.
وبرع في الآداب واللّغة، وحمل النّاس عَنْهُ الكثير.
وله شِعْر رائق.
مات في جمادي الآخرة وقد ناطح السبعين.
وهو مِن بيت علم وجلالة.
230- سليمان بْن حسين3. أبو مروان الأنصاريّ، الأندلسيّ.
سَمِعَ بقُرْطُبَة: أبا عبد الله محمد بْن عَتَّاب، وأبا عِمران بْن القطّان، وحاتم بْن محمد.
وبشرق الأندلس: أبا عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ، وأبا الوليد الباجيّ.
ووليّ قضاء لَارِدَة.
روى عَنْهُ: ابنه أبو الوليد يحيى، والحافظ أبو محمد القلنيّ.
وعاش أكثر مِن تسعين سنة.
231- سَعِيد بْن إبراهيم بْن أحمد.
أبو الفتح الإصبهانيّ، الصَّفّار.
يروي عن: أَبِي طاهر بْن عبد الرحيم.
روى عَنْهُ: الحافظ أبو موسى.
توفي في ذي الحجة.
__________
1 تاريخ دمشق "15/ 117".
2 الصلة لابن بشكوال "1/ 227"، وإنباء الرواة "2/ 66"، وبغية الوعاة "1/ 576".
3 التكملة لابن الأبار رقم "1977".(35/136)
232- سَعِيد بْن محمد بن سَعِيد1. أبو الْحَسَن الْجُمَحيّ، الأندلسيّ، المعروف بابن قوطة الفرجي.
من أهل مدينة الفرج.
له راحلة في القراءآت، قرأ فيها عَلَى عَبْد الباقي فارس، وغيره.
وأخذ أيضًا عَنْ: أَبِي عَمْرو الدّانيّ، وأبي الوليد الباجيّ.
وأقرأ النّاس ببلده.
وأخذ عَنْهُ غيرُ واحد.
تُوُفّي سنة ثمانٍ أو تسع وخمسمائة.
"حرف العين":
233- عَبْد العزيز بْن عَبْد اللَّه بْن محمد بْن أحمد بْن حزمون2. أبو الأَصْبَغ القُرْطُبيّ.
روى عَنْ: حاتم بْن محمد، وأبي جعفر بْن رزق وناظر عَليْهِ.
وأجاز لَهُ أبو العبّاس العُذْري.
وكان إمامًا بصيرًا بالفتوى، أخذ النّاس عَنْهُ وتفقّهوا لَهُ.
وولي الإمامة بجامع قُرْطُبَة.
وتُوُفّي بشعبان وله ثمانٌ وستّون سنة.
234- عَبْد الله بْن الحُسَيْن بْن أحمد بْن جعفر. أبو جعفر النّوبيّ، الْهَمَذَانيّ.
شيخ صالح، مُسِنّ، هُوَ آخر من روى عَنْ أَبِي منصور محمد بن عيسى الْهَمَذَانيّ. وسمع أيضًا من والده، وتوفي والده سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، ومن: أبي حاتم أحمد بن الحسن بن خاموش الرازي، وجعفر بن محمد بن مظفر، وجماعة.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "1/ 223، 224".
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 372".(35/137)
قال شيرويه الحافظ: سَمِعْتُ منه، وكان صدُوقًا، حسن السيرة، عدْلًا، مَرْضيا. تُوُفّي في السّادس والعشرين مِن رمضان.
وقال السّلَفيّ في مُعْجَمه: كَانَ مِن أعيان الْهَمَذَانيّين وشُهودهم. وكان لَهُ كتاب وأصول جيّدة. وما كتبته عَنْهُ قد أودعته بسلماس.
قلت: سَمِعَ منه: محمد بْن السّمعانيّ، ومحمد بْن محمد السّنْجيّ، والسّلَفيّ.
ومات في رمضان.
235- عثمان بْن إبراهيم بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الْفَضْلُ1. أبو عَمْرو الأَسَديّ، الفضْليّ، الْبُخَارِيّ.
كَانَ شيخًا، مَعْمَرا، صالحًا، عالمًا.
سَمِعَ: إبراهيم بْن الرّيْوَرْثُونيّ2، وعليّ بْن الحُسَيْن السُّغْديّ، القاضي.
قَالَ ابن السّمعانيّ: ثنا عَنْهُ جماعة كثيرة. وعاش اثنتين وثمانين سنة وكان ابنه السّيف عَبْد العزيز قاضي بُخَارى.
236- عليّ بْن أحمد بْن عليّ بْن فتحان3. أبو الْحَسَن الشّهْرَزُورِيّ، البغداديّ.
شيخ كبير مُسِنّ، صالح.
سَمِعَ مجلسًا مِن إملاء أَبِي القاسم بْن بِشْران. وسمع أيضًا أبا عليّ بْن المُذْهب.
روى عنه: أبو المعمر الأنصاري، والسلفي، وابن الخشّاب، وجماعة.
تُوُفّي في جُمَادَى الآخرة، ووُلِد سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة.
237- عليّ بْن إبراهيم بْن العباس بْن الحُسَيْن بْن العبّاس بْن الْحَسَن بْن الرئيس أبي الجنّ حُسين بْن علي بْن مُحَمَّد بْن علي بْن إسماعيل بْن الصّادق جعفر بْن محمد4.
__________
1 الأنساب "9/ 314".
2 الريورثوني: نسبة إلى ريورثون من قرى بخارى "معجم البلدان 3/ 115".
3 المنتظم "9/ 181، 182".
4 الكامل في التاريخ "10/ 508"، وسير أعلام النبلاء "19/ 358-360"، وعيون التواريخ "12/ 49"، وشذرات الذهب "4/ 21".(35/138)
الشّريف، النّسيب أبو القاسم الحُسَيْني، الدّمشقيّ، الخطيب.
كَانَ صدْرا، نبيلًا، مَرْضيا، ثقة، محدّثًا، مَهيبًا، سُنّيا، ممدوحًا بكلّ لسان خرج لَهُ شيخه الخطيب عشرين جزءًا سمّعها بكاملها؛ وعلى أكثر تصانيف الخطيب خطّه وسماعه.
وأوّل سماعه في سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة. وكان مولده في سنة أربعٍ وعشرين.
وقرأ القرآن عَلَى أَبِي عليّ الأهوازيّ، وغيره.
وسمع: أبا الحُسَيْن محمد بْن عَبْد الرَّحْمَن التّميميّ، ورشأ بْن نظيف، ومحمد بْن عليّ المازنيّ، وسليمان بْن أيّوب الفقيه، وأبا عَبْد الله القُضَاعيّ، وكريمة الْمَرْوَزيّة، وأبا القاسم الحِنَّائيّ، وأبا بَكْر الخطيب، وجماعة.
روى عَنْهُ: هبة الله الأكفانيّ، والْخَضِر بْن شِبْل الحارثيّ، وعبد الباقي بْن محمد التّميميّ، وعبد الله أبو المعالي بْن صابر، والصّائن، وأبو القاسم ابنا ابن عساكر، وخلق سواهم.
قَالَ ابن عساكر1: كَانَ ثقة مُكِثرًا، لَهُ أُصُول بخطوط الورّاقين. وكان متسننًا، وسبب تسنُّنه مؤدّبُه أبو عِمران الصَّقَلّيّ وكثْرةُ سماعه للحديث.
سَمِعَ منه شيخه عَبْد العزيز الكتّانيّ، وسمعتُ منه كثيرًا. وحكى لي أنني لما ولدت سَأَلَ أبي: ما سمَّيْتَه وكَنَّيْتَه؟ فقال: أبو القاسم عليّ. فقال: أخذت اسمي وكنيتي.
قال لي أبو القاسم السّمَيْساطيّ، أو قَالَ أبو القاسم بْن أبي العلاء، إنّه ما رَأَى أحدًا اسمه عليّ وكُنّي أبا القاسم إلّا كَانَ طويل العُمر.
وذكر أنّه صلّى عَلَى جنازةٍ، فكبّر عليها أربعًا.
قَالَ: فجاء صاحب مصر إلى أَبِيهِ يُعاتبه في ذَلِكَ، فقال لَهُ أبوه: لَا تُصَلّ بعدها عَلَى جنازة.
قلت: كان صاحب مصر رافضيًا.
__________
1 في تاريخ دمشق "28/ 458".(35/139)
قَالَ ابن عساكر1: كانت لَهُ جنازة عظيمة، ووصّى أن يُصلّي عَليْهِ أبو الْحَسَن الفقيه جمال الإسلام، وأن يُسنم قبرُهُ، وأن لَا يتولّاه أحد مِن الشّيعة. وحضرت دفنه.
وتُوُفّي فِي الرابعِ والعشرينَ مِن ربيع الآخرِ، ودُفِن في المقبرة الفخريّة في المُصلّي، ولَقَبُه نسيب الدّولة، وإنْما خُفّف فقيل: النّسيب.
238- عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن جَهير2. الوزير، ابن الوزير، ابن الوزير زعيم الدّولة أبو القاسم.
وُلّي نظر ديوان الزّمام في أيّام جدّه، ووَزَرَ للمستظهر بالله مرّتين، تخلّلهما الوزير أبو المعالي بْن المطَّلب.
وكان عاقلًا، حليمًا، سديد الرأي، مُعْرِقًا في الوزارة.
مات في أوائل الشّيخوخة.
"حرف الميم":
239- مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد. الأستاذ أبو بَكْر بْن الصَّنّاع، المقرئ، الملقّب بالهدهد.
مِن أهل بَلَنْسِية.
أخذ القراءات عَنْ أبي دَاوُد، وكان أنبل أصحابه.
أخذ عنه: أبو عَبْد الله بْن أبي إِسْحَاق الْمَرييّ؛ وأقرأ بقُرْطُبَة.
وتُوُفّي كَهْلًا.
240- محمد بْن سليمان3. أبو بَكْر الْكَلاعيّ، الإشبيليّ، الكاتب المعروف بابن القصيرة.
رأس أهل البلاغة في زمانه.
__________
1 في تاريخ دمشق "28/ 458".
2 المنتظم "9/ 182"، والكامل في التاريخ "10/ 498"، والنجوم الزاهرة "5/ 308"، الصلة لابن بشكوال "2/ 539"، وعيون التواريخ "12/ 47، 48".(35/140)
أخذ عَنْ: أَبِي مروان بْن سِراج، وغيره.
وكان مِن أهل الأدب البارع، والتّفنُّن في أنواع العلوم.
وتوفي عَنْ سِن عالية، وقد خَرِف.
241- محمد بْن عَبْد الواحد بْن الْحَسَن1. أبو غالب الشَّيْبانيّ، البغداديّ، القزّاز.
قرأ القراءات عَلَى: الشّرمَغَانيّ، وأبي الفتح بْن شيطا.
وحدَّث عن: أَبِي إِسْحَاق الْبَرْمَكِيّ، وَالْجَوْهَرِيّ، والعشاري، وجماعة.
وكان مولده سنة ثلاثين وأربعمائة. نَسَخ الكثير، وسمع، وسمّع ولده أبا منصور عَبْد الرَّحْمَن.
وتوفي في رابع شوّال.
وكان ثقة، مقرئًا، فاضلًا، حاذقًا بالقراءات.
روى عَنْهُ: حفيده نصر الله بْن عَبْد الرَّحْمَن، وسعد الله الدّقّاق، ويحيى بْن السدنك.
242- مُحَمَّد بن عليّ بْن محمد2. القاضي أبو سَعِيد الْمَرْوَزِيّ الدّهّان.
سَمِعَ: أبا غانم الكراعيّ، وابن عَبْد العزيز الْقَنْطَريّ، وجماعة.
أجاز للسّمعانيّ، وعنده "تفسير ابن راهَوَيْه"، يرويه عَنِ الحاكم محمد بْن عَبْد العزيز الْقَنْطريّ، عَنِ الحاكم محمد بْن الحسين الحدّادي، عَنْ محمد بْن يحيى بْن خَالِد الْمَرْوَزِيّ، عَنْهُ.
وُلِد في حدود سنة ثلاثين وأربعمائة.
وقيل: مات سنة عشر.
243- مُحَمَّد بْن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَبْد العزيز بن حمدين3. أبو عبد الله، قاضي القضاة بقرطبة.
__________
1 معرفة القراء الكبار "1/ 464"، وغاية النهاية "2/ 192، 193".
2 التحبير في المعجم الكبير "2/ 189، 190".
3 الصلة لابن بشكوال "2/ 570"، والغنية للقاضي عياض "46، 47".(35/141)
تفقَّه عَلَى والده.
وروى عَنْهُ، وعن: محمد بْن عتّاب، وجماعة.
وكان مِن أهل التّفنُّن في العلوم. وكان حافظًا، ذكيا، فطنًا، أديبًا، شاعرًا، لغويًا أُصُوليا. وُلّي القضاء سنة تسعين، فحُمدت سيرته.
وتوفي في المحرم سنة ثمان وخمسمائة.
وكان مولده سنة تسع وثلاثين وأربعمائة.
244- محمد بْن المختار بْن محمد بْن عبد الواحد بْن عَبْد الله بْن المؤيّد بالله1. أبو العزّ الهاشميّ، العبّاسيّ، المعروف بابن الخُصّ. والد الشَّيْخ أَبِي تمّام وأحمد.
نزيل خُراسان. مِن أهل الْحَرَم الطّاهري، شريف، ثقة، صالح، ديّنْ، سَمِعَ الكثير، وعُمّر حتى حمل عنه.
روى عَنْ: أَبِي الْحَسَن الْقَزْوينيّ، وأبي عليّ بْن المُذْهِب، وعبد العزيز الأَزَجيّ، والْبَرْمكيّ.
روى عَنْهُ: أبو عليّ الرحْبيّ، وأحمد بْن السَّدنك، وابن كليب.
وتوفي في عاشر المحرّم وله ثمانون سنة.
245- ميمون بْن محمد بْن محمد بْن مُعْتَمد بْن محمد بْن محمد بْن مكحول بْن الْفَضْلُ. الإمام، الزّاهد، أبو المعين المكحوليّ، النَّسَفيّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
قَالَ عُمَر بْن محمد النَّسَفيّ في كتاب "الْقَنْد": هو أستاذي. كَانَ بسَمَرْقَنْد مدّة، وسكن بُخَارى، يغترفُ علماءُ الشّرق والغرب مِن بحاره، ويستضيئون بأنواره.
تُوُفّي في الخامس والعشرين مِن ذي الحجة، وعمره سبعون سنة.
قلت: روى عَنْهُ شيخ الإسلام محمود بْن أحمد الشاغرجيّ، وعبد الرشيد بْن أبي حنيفة الوأوالجي.
__________
1 المنتظم "9/ 182"، وسير أعلام النبلاء "19/ 383، 384".(35/142)
"حرف الهاء":
246- هبة اللَّه بْن الحَسَن بْن محمد1. الحافظ، الزّاهد، أبو الخير الأَبَرْقُوهيّ.
رحل إلى إصبهان.
وسمع مِن: أَبِي طاهر بْن عَبْد الرحيم، وطبقته.
وقع لنا مِن حديثه.
روى عَنْهُ: أبو طاهر السّلَفيّ، وأبو موسى الْمَدِينيّ، وأبو الفتح الخِرَقي. وآخرون. تُوُفّي بأبَرْقُوه في شَعْبان، وكان قد عُمّر.
قَالَ السّلَفيّ: كَانَ قاضي أبَرْقُوه، وهي بقرب يَزْد. وكان من المكثرين، من أهل الفضل، ثقة.
وفيات سنة تسع وخمسمائة:
"حرف الألف":
247- أحمد بْن أبي القاسم الْحَسَن بن أحمد بن محمد بن أحمد. أبو العبّاس الإصبهانيّ، المعروف بنجَّوكه.
روى عَنْ: أَبِي نُعَيْم الحافظ.
وتُوُفّي في عَشْر التّسعين.
روى عنه: أبو موسى المَدِينيّ، وقال: تُوُفّي في ثامن شوّال.
248- أحمد بْن الحُسَيْن بْن أَبِي ذَرّ محمد بْن إبراهيم بْن عليّ. أبو العبّاس، الصّالْحانيّ2، الواعظ.
الرجل الصّالح.
وُلِد في حدود سنة أربع وعشرين وأربعمائة.
__________
1 الأنساب "1/ 115، 116"، ومعجم البلدان "1/ 69، 70"، واللباب "1/ 24".
2 الصالحاني: نسبة إلى صالحان، وهي محلة كبيرة بأصبهان "الأنساب 7/ 12".(35/143)
وحدث عَنْ جدّه أبي ذَرّ.
روى عَنْهُ: أبو موسى وقال: تُوُفّي في ربيع الآخر.
وقال غيره: في ربيع الأوّل.
249- إبراهيم بْن حمزة بْن نصر1. أبو طاهر الْجَرْجَرائي2، ثمّ الدّمشقيّ، المقرئ، المعدّل.
قرأ عَلَى أَبِي بَكْر أحمد الْهَرَويّ صاحب الأهوازيّ.
وسمع: الْحَسَن بْن عليّ اللّباد، وأبا بَكْر الخطيب.
وعنه: أبو القاسم بن عساكر وقال: توفي في ربيع الأول.
250- إبراهيم بْن غالب. أبو إسحاق الفقيه، الشّافعيّ، ابن الآمديّة.
مِن علماء الإسكندرية.
روى عنه: أبو محمد العثماني.
251- إسماعيل بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن جعفر بْن أَبِي سَعِيد بْن مَلَّة3. أبو عثمان المحتسب، الواعظ، الإصبهانيّ، صاحب المجالس الْمَرْوية.
سَمِعَ: أبا بَكْر بْن رِيذة، وأبا طاهر بْن عَبْد الرحيم، وجماعة من أصحاب ابن المقري، وغيره.
وأملى بجامع المنصور.
روى عَنْهُ: ابن ناصر، وظاعن بْن محمد الخيّاط، وجماعة آخرهم موتًا عَبْد المنعم بْن كُليب.
وكان ضعيفًا.
قَالَ ابن ناصر: وضع حديثًا وأملاه، وكان يخلط.
__________
1 مختصر تاريخ دمشق لابن منظور "4/ 48"، وتهذيب تاريخ دمشق "2/ 209".
2 الجرجائي: نسبة إلى جرجرايا، وهي بلدة قريبة من الدجلة بين بغداد وواسط "الأنساب 3/ 223".
3 المنتظم "9/ 183"، وسير أعلام النبلاء "19/ 381، 382"، والبداية والنهاية "12/ 179"، ولسان الميزان "1/ 434"، وشذرات الذهب "4/ 22".(35/144)
تُوُفّي في ثاني ربيع الأوّل بإصبهان.
قلت: روايته عَنِ ابن رِيذة حضور، فإنّه قَالَ: وُلِدْتُ في رجب سنة ستٌّ وثلاثين.
قلت: ومات ابن ريذة سنة أربعين.
وقال أبو نصر اليُونَارْتيّ في "معجمه": إسماعيل بْن ملّة كَانَ مِن الأئمّة الْمَرْضيين، يرجع في كلّ فن مِن العِلْم إلى حظً وافر.
وروى عَنْهُ السّلَفيّ فقال: هُوَ مِن المكثرين. يروي عَنْ عَبْد العزيز فاذوَيْه، وأبي القاسم عَبْد الرَّحْمَن مِن أَبِي بَكْر الذَّكْوانيّ. وكان يعظ.
وأبوه يروي عَنْ عُمَر بْن أبي محمد بْن زكريّا البيّع.
"حرف الجيم":
252- جامع بْن أبي بَكْر الْحَسَن بْن عليّ. أبو الْحَسَن الفارسيّ.
سَمِعَ: أباه، وأبا حفص بْن مسرور، وجماعة.
وتوفي في شَعْبان.
253- جامع بْن الْحَسَن بْن عليّ. أبو عليّ الْبَيْهَقيّ.
ذكر أبو عليّ السّمعانيّ أنّه حضر عَليْهِ بقراءة والده، وأنّه كَانَ مَعْمَرا.
سَمِعَ مِن: أَبِي بَكْر أحمد بْن محمد بْن الحارث الإصبهانيّ، والفضل بْن عَبْد الله الأبيوردي.
وأن مولده بعد العشرين وأربعمائة.
ومات في شَعْبان أيضًا.
"حرف الحاء":
254- الْحَسَن بْن نصر بْن عُبَيْد الله بْن عُمَر بْن محمد بْن علّان. النّهَاونديّ، أبو عَبْد الله بن المُرْهَف.
فقيه فاضل، قِدم بغداد.(35/145)
وسمع: أبا محمد الجوهريّ، وجماعة.
وحدَّث بإصبهان، ونهاوند.
روى عَنْهُ: مَهْديّ بْن إسماعيل الْعَلَويّ.
وتُوُفّي في المحرَّم.
255- حَمْدُ بْن نصر بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن معروف1. أبو العلاء الأديب، ويُعرف بالأعمش.
هَمَذَانيّ، حافظ، مُكثِر، ثقة.
سَمِعَ بهَمَذَان مِن: عُبَيْد الله بْن أَبِي عَبْد الله بْن مَنْدَهْ، وأبي مُسْلِم بْن غزو النهاوندي، وأبي محمد بن ماهلة.
وولد في سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة.
قَالَ أبو سَعْد السّمعانيّ: أجاز لي في ذي القِعْدة سنة تسعٍ.
قلت: روى عَنْهُ: السّلَفيّ، وأبو العلاء العطّار، وجماعة.
وكان مَعَ بصره بالحديث عارفًا بمذهب أحمد، ناصرًا للسُّنّة، وافر الحُرْمة.
أملى عدّة مجالس مِن حفظه، رحمه الله تعالى.
وكان أحد الأدباء بارعًا في فضائله. وقع لنا من روايته في السلماسية، مات سنة اثنتي عشرة. وسيُعاد فيُضمّ ما هنا إلى هناك.
"حرف الشين":
256- شِيرَوَيْه بْن شُهْردَار بْن شِيرَوَيْه بْن فَنّاخسرو بن خَسْرُكان2. الحافظ، أبو شجاع الدَّيْلَميّ، الْهَمَذَانيّ، مؤرّخ هَمَذَان، ومصنف كتاب "الفِرْدوس".
سَمِعَ الكثير بنفسه، ورحل.
__________
1 التحبير في المعجم الكبير "1/ 329، 438"، وسير أعلام النبلاء "19/ 276، 277"، وطبقات الحفاظ "454"، وشذرات الذهب "4/ 31".
2 التدوين "3/ 85"، والعبر "4/ 18"، وسير أعلام النبلاء "19/ 294، 295"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1259"، وشذرات الذهب "4/ 23، 24".(35/146)
سَمِعَ: أبا الْفَضْلُ محمد بن عثمان القُومَسَانيّ، ويوسف بْن محمد بْن يوسف المستملي، وسُفْيان بْن الحُسَيْن بْن محمد بْن فَنْجُوَيْه الدّيَنَوريّ، وعبد الحميد بْن الْحَسَن الفقاعي الدلال، وأبا الْفَرَج علي بن مُحَمَّد بن علي الجريري الْبَجَليّ، وأحمد بْن عيسى بْن عبّاد الدّيَنَوريّ، وخلقًا سواهم.
وببغداد: أبا منصور عَبْد الباقي بن محمد العطار، وأبا القاسم بن البسري، وخلقًا.
وبإصبهان: أبا عَمْرو بْن مَنْدَهْ، وغيره.
وبقزوين والجبال.
قَالَ فيه يحيى بْن مَنْدَهْ: شاب كيّس، حسن الخلق والخُلُق، زكيّ القلب، صلْب في السُّنَّة، قليل الكلام.
روى عَنْهُ ابنه شهردار، ومحمد بْن الْفَضْلُ الإسْفرائينيّ، ومحمد بن أبي القاسم الساوي، وأبو العلاء أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الْفَضْلُ الحافظ، وآخرون.
وتُوُفّي في تاسع عشر رجب.
وهو متوسط المعرفة، وليس هُوَ بالمُتْقِن.
وُلِد سنة خمس وأربعين وأربعمائة. وكان صلْبًا في السُّنَّة.
دخل إصبهان في سنة خمس وخمسمائة، فروى عَنْهُ أبو موسى الْمَدِينيّ، وطائفة.
"حرف الصاد":
257- صَدَقة بْن محمد بْن صَدَقة. أبو الْكَرَم الإسكاف.
شيخ صالح بغداديّ.
سَمِعَ: أبا يَعْلَى بْن الفرّاء، وأبا الحُسَيْن بْن المهتدي بالله.
روى عَنْهُ: عُمَر بْن ظَفَر.
"حرف الظاء":
258- ظفر بن عبد الملك. الخلال، والأصبهاني.(35/147)
ورّخه عبد الرحيم الحاجّيّ.
تُوُفّي في ربيع الأوّل.
كأنّه أخو الحُسَيْن.
"حرف العين":
259- عَبْد الله بن بننان1. أبو محمد النَّحْويّ، نزيل إشبيلية.
روى عَنْهُ: أَبِي عَبْد الله بْن يونس الحجازيّ، وعاصم بْن أيّوب، وابن الحجاج الأعلم.
روى عَنْهُ: أبو الوليد بْن خيرة، وأبو عامر بْن ربيع الأشعريّ، وهارون بْن أبي الْغَيْث، وأبو الحسن بن فيل.
وكان حافظًا لكتب الآداب، ذاكرًا "للكامل" للمبردّ، "وأمالي القالي".
علّم النّاسَ النَّحْو بقُرْطُبَة.
وكان حيا في هذه السنة. قاله ابن الأبّار.
260- عبد الرَّحْمَن بن عبد العزيز بْن ثابت2. أبو محمد الأُمَويّ، الأندلسيّ. خطيب شاطبة.
روى كثيرًا عَنْ أَبِي عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ.
وعن: أَبِي العبّاس العُذْريّ.
وكان زاهدًا، ورِعًا، فاضلًا، منقبضًا.
سَمِعَ منه جماعة، ورحلوا إِليْهِ، واعتمدوا عَليْهِ.
وُلِد سنة ست وأربعين وأربعمائة.
وقال: زارنا ابن عَبْد الْبَرّ مرّةً في منزلنا، فحفظت مِن لفظه يَقُولُ:
لَيْسَ المزارُ عَلَى قدْر الودادِ ولو ... كانا كفيّيْن كنّا لا نزال معًا
__________
1 الوافي بالوفيات "17/ 88"، وبغية الوعاة "2/ 35".
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 346".(35/148)
261- عَبْد الله بْن عَبْد العزيز بْن المؤمّل. الأديب، أبو نصر الزَّيْتُونّي.
كَانَ إخباريا، علّامة.
روى عن: أحمد بن عمر النهرواني، وعلي بْن محمود الزّوزَنيّ، ومحمد بْن الحُسَيْن بْن الشّبْل، وجماعة مِن الشُّعراء.
روى عنه: عبد الخالق اليوسفي، وعبد الرحيم ابن الإخوة، والسّلَفيّ، وآخرون.
قَالَ السّمعانيّ: ما كَانَ مَرْضِيّ السّيرة. كَانَ جماعة مِن شيوخي يسيئون الثّناء عَليْهِ.
تُوُفّي في ذي القِعْدة، وله تسعون سنة.
262- عَبْد الوهّاب بْن أحمد بْن عُبَيْد الله بْن الصَّحْنائيّ1. أبو غالب المستعمل.
عَنْ: جدّه لأمّه عَبْد الوهّاب بْن أحمد الدّلّال، وابن غَيْلان، وعبد العزيز الأَزَجيّ، وعدّة.
وعنه: عُمَر المغازليّ، وآخرون.
مات في ذي الحجّة عن تسعين سنة.
263- عليّ بْن أحمد بْن سعيد2. أبو الْحَسَن الْيَعْمريّ، الشّاعر، الأندلسيّ، الأديب.
أخذ بقُرْطُبَة عَنْ أَبِي مروان بْن سِراج.
وأقرأ العربيّة والأدب.
وكان كاتبًا، شاعرا، فقيهًا.
توفي وهو في عشر الثمانين.
264- عليّ بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد3. أَبُو الْحَسَن النيسابوري، الواعظ.
__________
1 سبقت ترجمته في وفيات سنة "507هـ" برقم "186".
2 تكملة الصلة لابن الأبار رقم "1840".
3 مختصر تاريخ دمشق لابن منظور "18/ 123".(35/149)
وأصلة من إصبهان.
سمع: أبا حفص بن مسرور، وأبا الحسين بن عبد الغافر، وغيرهما.
قال السلفي: بلغني أنه تُوفي سنة تسع وخمسمائة.
وقال ابن عساكر: أجاز لي سنة عشر.
قلت: سأعيده سنة عشر.
265- عليّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه1. أبو الْحَسَن الْجُذَاميّ، الأندلسي، مِن أهل الْمَريّة، ويُعرف بالْبَرْجيّ، بفتح الباء.
أخذ القراءات عن: أبي داود، وابن الدش.
وسمع مِن أبي عليّ الغسّانيّ.
وكان مقرئًا حاذقًا، وفقيهًا، مُفْتيا، مِن أهل الخير، والصّلاح، والتّفنُّن في العِلْم.
قَالَ ابن الأبّار: دارت لَهُ مَعَ قاضي الْمَريّة مروان بْن عَبْد المُلْك قصّة غريبة في إحراق ابن حمْدين كتب الغزالي وأوجب فيها حين اسفتي تأديب مُحرقها، وضمّنه قيمَتَها. وتبِعه عَلَى ذَلِكَ أبو القاسم بْن ورد، وعمر بْن الفصيح.
أخذ عَنْهُ: عُمَر بْن نَمارة، والشّيخ أبو العبّاس بْن العريف.
266- عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ. أَبُو الْحَسَن الأنْدش، النَّيْسابوريّ، الشّعريّ.
وُلِد سنة خمس عشرة وأربعمائة.
وسمع: أبا العلاء صاعد بْن محمد، وابن مسرور.
قال السمعاني: حضرت عليه "جزء ابن نُجَيْد".
ومات في رمضان.
"حرف الغين":
267- غْيث بْن عليّ بن عبد السلام بْن محمد2.
__________
1 الأنساب "1/ 140"، والوافي "22/ 49، 50".
2 معجم البلدان "1/ 158"، وسير أعلام النبلاء "19/ 389"، والعقد الثمين "1/ 472"، ولسان الميزان "1/ 322"، وشذرات الذهب "4/ 24".(35/150)
أبو الفَرَج الصُّوري، الأَرْمَنَازيّ. خطيب صور، ومحدّثها مُفيدها.
سَمِعَ: أبا بَكْر الخطيب، وعليّ بْن عُبَيْد الله الهاشميّ، وجماعة.
وقدم دمشق، وسمع: أبا نصر بْن طلاب، وأبا الحَسَن أحمد بْن عَبْد الواحد بْن أَبِي الحديد، وجماعة.
ورحل إلى تِنّيس، فسمع بها في سنة تسعٍ وستّين مِن: رمضان بْن عليّ.
وبمصر، والإسكندرية.
وكتب الكثير، وسوَّد تاريخًا لصُور. وكان ثقة، ثْبتًا، حسن الخطّ.
روى عَنْهُ: شيخه الخطيب شِعْرا.
وسكن دمشق في الآخر، وبها تُوُفّي في صَفَر، وله ستٌّ وستون سنة.
وروى عَنْهُ: أبو القاسم بْن عساكر، وجماعة.
"حرف القاف":
268- قوام بْن زيد بْن عيسى1. الإمام أبو الفَرَج الْقُرَشِيّ، التَّيْميّ، البكْريّ، الدّمشقيّ، المُرّيّ، الفقيه الشّافعيّ.
سَمِعَ: أبا بَكْر الخطيب بدمشق، والصَّريْفينيّ، وابن الَّنُّقور ببغداد.
روى عنه: الصّائن بْن عساكر، وأخوه الحافظ، وعبد الصّمد بن سعد النسوي، وغيرهم.
قال الحافظ ابن عساكر: كَانَ شيخًا ثقة. حدَّث عَنْهُ الفقيه نصر الله المصيصي. وتوفي في رمضان، وحضرتُ دفنه.
قلت: عاش سبْعًا وسبعين سنة.
"حرف الميم":
269- محمد بْن الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْحَسَنِ بْن القاسم الزَّيْنَبيّ بْن إبراهيم طباطبا بْن إسماعيل.
__________
1 مختصر تاريخ دمشق لابن منظور "21/ 92".(35/151)
العلويّ الإصبهانيّ.
شيخ جليل مَعْمَر.
يروي عَنْ: أبي سَعْد عَبْد الرَّحْمَن بْن أحمد بْن عُمَر الصَّفّار.
روى عنه: أبو موسى المَدِينيّ.
وتُوُفّي في ثاني رمضان.
كنيته أبو العسّاف.
270- محمد بْن الخلف بْن إسماعيل1. أبو عَبْد الله الصَّدّفيّ، البَلنْسيّ، المعروف بابن علْقَمَة الكاتب.
صنَّف "تاريخ بَلَنْسِيَة"، وحمله النّاس عَنْهُ عَلَى سوء ما رصفه.
تُوُفّي في شوّال، وقد جاوز الثمانين.
271- محمد بْن أَبِي العافية2.
أبو عَبْد الله الإشبيليّ النَّحْويّ، المقرئ.
إمام جامع إشبيلية.
أخذ عن: أبي لحجاج الأعلم النَّحْويّ.
وكان بارعًا في النَّحْو، واللغة.
حمل النّاس عَنْهُ. وقد قرأ بالقراءات عَلَى أَبِي عَبْد الله محمد بْن شُرَيح.
272- محمد بن علي بن الحسن بن أبي المضاء محمد بْن أحمد بْن أبي المضاء3. أبو المضاء البَعْلَبَكّيّ، ويُعرف بالشّيخ الدَّيّن.
سَمِعَ: أبا بَكْر الخطيب، وعبد العزيز الكتّانيّ، وجماعة.
روى عنه: الصائن هبة الله.
__________
1 تكملة الصلة لابن الأبار "146"، والوافي بالوفيات "3/ 45".
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 570، 571".
3 معجم البلدان "1/ 454، 455"، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور "23/ 76، 77".(35/152)
وأجاز للحافظ أبي القاسم.
تُوُفّي في شَعْبان وله أربعٌ وثمانون سنة. وأول سماعه سنة ست وأربعين وأربعمائة.
273- محمد بْن سَعْد1. الإمام أبو بَكْر البغداديّ، الحَنْبليّ، الغسّال، المقرئ، الملقّب بالتّاريخ.
حدَّث عَنْ: أَبِي نصر الزَّيْنَبيّ، وعدّة.
وكان رأسًا في حفْظ القرآن، وحسن الصَّوت، خيّرا، ثقة، صالحًا. كبير القدْر، محسنًا إلى النّاس.
كانت جنازته مشهودة.
عاش بِضْعًا وأربعين سنة.
274- محمد بْن كُمار بْن حسن بْن عليّ. الفقيه أبو سَعِيد الدّيَنَوريّ، ثمّ البغداديّ.
قَالَ: وُلِدتُ سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة، وكانت زَوْجَة أَبِي بَكْر الخطيب تُرضِعُني، فلمّا كبرت أسمعني مِن: ابن غَيْلان، وأبي محمد الخلّال، وأبي إسحاق البرمكيّ، وأبي الحَسَن القالي، وغيرهم.
وقرأتُ القرآن عَلَى أَبِي الحَسَن القَزْوينيّ، وسمعت منه الحديث.
وقرأت "المقنع" عَلَى القاضي أبي الطَّيّب الطَّبَريّ، ثمّ علّقت تعليقة كاملة في الخلاف عَنْ أَبِي إسحاق الشّيرازيّ، وقرأت الفرائض على أبي عبد الله الوني، إلا أن كُتُبي ذهبت كلّها في النَّهْب، ولم يبق عندي منها شيء إلّا ما بقى بأيدي النّاس مِن مسموعي. ووزَنّا عشرة دنانير حتّى سمعنا "المُسْنَد" من ابن المُذْهب.
وسمعت مِن الأَزَجيّ، يعني عَبْد العزيز، كتاب "يوم وليلة" للمعْمريّ.
قلت: روى عَنْهُ: الحُسَيْن بْن خُسْرُو البلْخيّ، والسّلَفيّ، عَنِ البرمكيّ، والفالي. ثم انحدر إلى واسط، وبها مات في جمادى الآخرة سنة تسع.
__________
1 ذيل طبقات الحنابلة "1/ 113".(35/153)
275- محمد بن الهبارية1. هو محمد بن محمد بن صالح بن حمزة بن مُحَمَّد بن عيسى بْن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ داود بْن عِيسَى بْنُ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ بْن عَبْد اللَّه بن عباس، أبو يعلي الهاشمي، العباسي، البصري.
والهبارية هي من جداته، وهي من ذرية هبار بن الأسود بن المطلب.
قرأ الأدب ببغداد، وخالط العلماء، وسمع الحديث، ومدح الوزراء والأكابر.
وله معرفة بالأنساب، وصنَّف كتاب "الصّادح والباغم والحازم والعازم"، نظمه لسيف الدّولة صَدَقة، وضمّنه حكَمًا وأمثالًا، ونظم كليلة ودِمْنة. وله كتاب "مجانين العقلاء"، وغير ذَلِكَ.
وله كتاب "ذِكر الذّكْر وفضل الشّعْر".
وقد بالغ في الهجو حتّى هجا أَبَاهُ وأمّه.
وشعره كثير سائر، فمنه قصيدة شهيرة: أوّلها:
حَيّ عَلَى خير العمل ... عَلَى الغزال والغَزَل
يَقُولُ فيها:
لو كان لي بِضاعهْ ... أو في يدي صِناعهْ
ألقى بها المَجَاعَهْ ... لم أخلع الخلاعةْ
ولم أُفِقْ مِن الخذَل
ولا درستُ مسألَهْ ... ولا رحلت بعملهُ
ولا قطعت مجهلهْ ... ولا طلبت منزلهْ
ولا تعلّمتُ الْجَدَل
ولا دخلتُ مدرسهْ ... سِباعها مفترسهْ
وجوههم معبَّسَهْ ... ما لي وتلك المَنْحَسَةْ
لولا النفاق والخبل
__________
1 اللباب "3/ 284"، وسير أعلام النبلاء "19/ 392"، ولسان الميزان "5/ 367"، والنجوم الزاهرة "5/ 210".(35/154)
الأصفر المنقوش ... شيدت بِهِ العروش
بِهِ الفتى يعيش ... وباسمه يطيش
مولاه ما شاء فعل
يا عجبًا كلّ العَجَب ... لا أدبٌ ولا حَسَب
ولا تُقَى ولا نَسَب ... يُغْني الفتى عَنِ الذَّهَب
سبحانه عزّ وجل
بؤسًا لربّ المحبره ... وعيشه ما أكدره
ودرسه ودفترهْ ... يا ويله ما أدْبَرَهْ
إنّ لم تصدّقني فَسَل
اصعد إلى تِلْكَ الغُرَف ... وانظر إلى قلب الحِرفَ
وابك لفضلي والشَّرَف ... واحكم لضريّ بالسَّرَف
واضربْ بخذلاني المَثَل
وله أيضًا القصيدة الطّويلة التي أولها:
لو أن لي نَفْسًا هَربتْ لِما ... أَلْقى ولكنْ لَيْسَ لي نَفْسُ
ما لي أُقيمُ لدى زعانفةٍ ... شُمّ القُرُون أُنُوفُهم فُطْسُ
لي مأتمٌ مِن سوء فِعْلِهِمُ ... ولهم بحُسن مدائحي عُرْسُ1
وهجا في هذه القصيدة الوزير، والنقيب، وأرباب الدّولة بأسرهم فأطيح دمه، فاختفى مدّة، ثمّ سافر ودخل إصبهان، وانتشر ذِكره بها، وتقدَّم عند أكابرها، فعاد إلى طبْعه الأوّل، وهجا نظام المُلْك، فأهدر دمه، فاختفى، وضاقت عَليْهِ الأرض. ثمّ رمى نفسه عَلَى الإمام محمد بْن ثابت الخُجَنْديّ، فتشفّع فيه، فعفا عَنْهُ النظام، فاستأذن في مديح، فأذن لَهُ فقام، وقال قصيدته الّتي أوّلها:
بعزّة أمرك دار الفلك ... حنانيك فالخلق والأمر لك
__________
1 الخريدة "2/ 81".(35/155)
فقال النظام: كذبْتَ، ذاك هُوَ الله تعالى.
وتمّم القصيدة، ثمّ خرج إلى كَرمان وسكنها1، ومدح بها، وهجا عَلَى جاري طبيعته.
وحدَّث هناك عَنْ: أَبِي جعفر بن المسلمة.
سمع منه: محمد بن عبد الواحد الدقاق، ومحمد بن إبراهيم الصيقلي في آخر سنة ثمان وتسعين.
وروى عنه: القاضي أحمد بن محمد الأرجاني، الشاعر، حديثًا عَنْ مالك البانْياسيّ.
قَالَ ابن النّجّار: فأخبرنا محمد بْن مَعْمَر الْقُرَشِيّ كتابةً، أنّ أبا غالب محمد بْن إبراهيم أخبره: أَنَا أبو يعلى محمد بن محمد بن صالح العبّاسيّ الشّاعر بكَرْمان، أَنَا أبن المسلمة سنة ستين وأربعمائة، أَنَا أبو الفَضْلُ الزُّهْرِيّ، أنبا الفِرْيابيّ، ثنا إبراهيم بْن الحجاج، نا عَبْد الوارث، نا محمد بْن حجادة، فذكر حديثًا.
وقد روى عَنْهُ مِن شِعْره: عُمَر بْن عَبْد الله الحربيّ، وأبو الفتح محمد بْن عليّ النَّطَنْزِيّ2، وأحمد بن محمد بْن حفص الكاتب، وآخرون.
ومن غُرر قصائده قولّه:
يا صاحبي هات المُدامَة هاتِها ... فصبيحة النَّيْرُوز مِن أوقاتها
كَرْميّة، كَرَميّةً، ذهبيّةً ... لهبيّةً، بِكْرًا تقوم بذاتها
رقَّت وراقت في الزّجاج فخِلْتُها ... جادت بها العشّاق مِن عَبراتها
مِن كفّ هَيْفَاء القوام كأنّما ... عصرت سلّاف الخمْر مِن وَجَناتها
السّحْر في ألحاظها، والغَنْجُ في ... ألفاظها، والدل في حركاتها
أو ما ترى فصلَ الرّبيع وطِيبَه ... قد نَبّه الأرواح مِن رَقَداتها
والطَّيْرُ تصدح في الغُصون كأنمّا ... مدحت نظام الملك في نغماتها
__________
1 الخريدة "2/ 71، 72".
2 النظنزي: نسبة إلى نظنز، وهي بليدة بنواحي أصبهان "الأنساب 12/ 110".(35/156)
فانهض بنا وانشط لنأخُذَ فُرصةً ... مِن لذّة الأيّام قبل فَوَاتها
يا صاحِبَيْ سرّى فلا أُخفيكما ... ما أطيب الدُّنيا عَلَى عِلّاتِها
قُمْ فاسقِنيها بالكبير، ورُحْ إلى ... راحٍ تُريح النَّفْس مِن كُرُباتها
إنْ مِتُّ فخلّني وغوايتي ... إنّ الغواية حُلْوةٌ لِجُناتها
ولقد جريت عَلَى الصَّباية والصّبي ... وجذبت أقراني إلى غاياتها
ثمّ ارْعَوَيْتُ وما بكفّي طائل ... مِن لذّة الدُّنيا سوى تبعاتها
وهي قصيدة طويلة.
قَالَ الأرجانيّ: سَأَلت ابن الهبّاريّة عن مولده، فقال: سنة أربع عشرة وأربعمائة.
وقال أبو المكارم يعيش بْن الفَضْلُ الكرماني الكاتب: مات بكرمان في جُمَادَى الآخرة سنة تسع وخمسمائة.
ولابن الهبّاريّة:
وإذا البيادق في الدُّسْوت تَفَرْزَنَتْ ... فالرأي أن يتبيذق الفرزان
خذ جملة البوى ودعْ تفصيلها ... ما في البَريّة كلّها إنسانُ
276- مغاور بْن الحَكَم. أبو الحَسَن السُّلَميّ، الشاطبي، المؤدّب.
أخذ القراءات عَنْ: أَبِي الحَسَن بْن الدّش.
وأقرأ النّاس.
أخذ عَنْهُ: ابنه محمد، وأبو عَبْد الله بْن بركة، وعبد الغنيّ بْن مكّيّ.
277- مهذّب الدولة1. أمير البطائح. هُوَ أبو العبّاس أحمد بْن محمد بْن عُبَيْد بْن أبي الجبْر الكنانيّ.
أديب، فاضل، شاعر، إخباريّ، دوّن شِعْره.
وُلّي البطيحة وأعمالها. وتولّى النَّظَر بواسط وأعمالها، مضافًا إلى إمرة البطيحة.
ولم يزل آباؤه وأجداده أمراء البطيحة.
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 448، 449".(35/157)
وله شِعْر في المستظهر بالله.
تُوُفّي في المحرَّم.
"حرف الهاء":
278- هابيل بْن محمد بْن أحمد بْن هابيل1. أبو جعفر الألْبِيريّ، الأندلسيّ.
أخذ بقُرْطُبَة عَنْ: أَبِي القاسم بْن عَبْد الوهّاب المقرئ، وأبي مروان الطّبنيّ، وأبي مروان بن سِراج.
روى عَنْهُ: أبو الحَسَن بْن الباذش المقرئ.
وتوفي في رمضان سنة تسعٍ، ويُحتمل أن تكون سنة سبْعٍ.
279- هبة اللَّه بْن أَحْمَد بْن هِبَة اللَّه بْن الرَّحْبيّ. أبو القاسم الدّبّاس.
مِن أولاد الشّيوخ.
سَمِعَ: أبا الحَسَن القَزْوينيّ، وأحمد بْن محمد الزَّعْفرانيّ، وعليّ بْن المحسّن.
روى عَنْهُ: عمر المغازليّ، وأبو المُعَمَّر الأنصاريّ.
280- هبة الله بْن المبارك بْن موسى بْن عليّ2. أبو البركات السَّقَطيّ، المفيد.
أحد مِن عُني بهذا الشأن، وسمع ببغداد، وإصبهان، والموصل، والكوفة، والبصرة، وواسط.
وتعب وبالَغ. وكان فيه فضل ومعرفة باللُّغة.
جمع الشّيوخ، وخرّج الفوائد، وقيل: إنّه ذيّل عَلَى "تاريخ الخطيب"، وما ظهر ذَلِكَ.
وله "مُعْجم" في مجلَّد، ادّعى فيه لُقيّ أُناس كأبي محمد الجوهريّ، ولم يدركه؛ وضعفه شُجاع الذُّهْليّ، وكذّبه ابن ناصر.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 659".
2 المنتظم "9/ 183"، وسير أعلام النبلاء "19/ 282، 283"، والبداية والنهاية "12/ 179"، ولسان الميزان "6/ 189، 190".(35/158)
روى عَنْهُ: ابنه أبو العلاء وجيه، وأبو المعمر الأزجي، وعبد القادر الجيلي، وغيرهم.
وتوفي في ربيع الأوّل، سامحه الله.
281- هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن المطلب1. أبو المعالي الكرمانيّ، الكاتب الوزير.
مِن رؤساء بغداد. تفرَّد في عصره بكتابه الحساب والدّيوان. ووَزَر للمستظهر سنتين ونصف، ثمّ عُزِل.
وكان فقيهًا شافعيا.
سَمِعَ: عَبْد الصّمد بْن المأمون، وطبقته.
وله معروف وصَدَقات.
روى اليسير. ولَقَبَهُ مجد الدّين.
ولد سنة 443، وكان مِن الأذكياء حسن المحاضرة.
عزل سنة اثنتين وخمسمائة.
ومات سنة تسع.
282- هشام بْن أحمد بْن سَعِيد2. أبو الوليد القُرْطُبيّ، المعروف بابن العوّاد.
تلميذ أَبِي جعفر أحمد بْن رزق، وأخذ أيضا عن: أبي مروان بن سراج، ومحمد بْن فَرَج الفقيه، وأبي علي الغساني.
وكان من جلة الأئمة وأعيان المفتين بقرطبة. مقدما في الرأي والمذهب على جميع أصحابه، ذا دين وورع، وانقباض عَنِ الدّولة، وإقبال عَلَى نشر العِلْم وبثّه، واسع الخُلُق، حسن اللّقاء، مُحَبَّبًا إلى النّاس، حليمًا متواضعًا. دُعي إلى القضاء فامتنع.
تفقَّه بِهِ خلْق كثير نفعهم الله به.
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 438-444".
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 654".(35/159)
تُوُفّي في صَفَر، وشيعّه عالم كثير، ومتولّي قرطبة.
مولده في سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة. وعاش سبْعًا وخمسين سنة، رحمه الله، ورضي عَنْهُ.
"حرف الياء":
283- يحيى بْن السّلطان تميم بْن المُعِزّ بْن باديس1. المُلْك أبو طاهر الحِمْيَريّ، الصّنْهاجيّ صاحب إفريقية وبلادها.
تسلطن بعد أَبِيهِ، وخلع عَلَى الأمراء، ونشر العدل، وافتتح قِلاعًا لم يتمكّن أَبُوهُ مِن فتحها.
وكان كثير المطالعة لكتب الأخبار والسّيَر، شفوقًا عَلَى الرعيّة والفقراء، مقرَّبًا للعلماء، جوادًا، مُمَدَّحًا.
وفيه يَقُولُ أبو الصّلْت أُمَيَّة بْن عَبْد العزيز بْن أبي الصّلْت:
وارغب بنفسك إلّا عَنْ ندًى ووغًى ... فالمجد أجمعُ بين البأْسِ والْجُودِ
كدأْب يحيى الَّذِي أحْيَتْ مَواهبُهُ ... مَيْتَ الرَّجاء بإنجاز المواعيد
معطي الصوارم والهيف النواعم والـ ... جرد الصُّلادِم والبُزْلِ الْجَلاميدِ
إذا بدا بسريرِ المُلْك مُحْتبِيا ... رَأَيْتَ يوسُفَ في مِحراب داودِ
تُوُفّي يحيى يوم الأضحي فجأة أثناء النّهار، وخلّف ثلاثين ولدًا ذَكَرًا، وقام بالمُلك بعده ابنه عليّ، فبقي ستٌّ سنين ومات، فأقاموا في المملكة ابنه الحسن بن عليّ، وهو صبيّ ابنُ ثلاث عشرة سنة، فامتدت دولته إلى أن أخذت الفرنْج أَطْرابُلُسَ المغرب بالسيّف، وقتلوا أهلها في سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، فخاف الحَسَن وخرج هاربًا مِن المَهدّية هُوَ وأكثرُ أهلها. ثمّ إنّه التجأ إلى السّلطان عَبْد المؤمن بْن عليّ.
وممّا تمَّ ليحيى أن ثلاثة غرباء كتبوا إليه أنهم كيمائيون، فأحضرهم ليعملوا ويتفرَّج. وكان عنده الشّريف أبو الحسن وقائد الجيش إبراهيم، فجذب أحدهم
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 512-514"، وسير أعلام النبلاء "19/ 412-414"، والبداية والنهاية "12/ 179"، وشذرات الذهب "4/ 26".(35/160)
سكّينًا، وضرب يحيى، فلم يصنع شيئًا، ورفسه يحيى ألقاه عَلَى ظهره، ودخل المجلس وأغلقه، وأما الثّاني، فضرب الشّريف قتله، وجذب الأمير إبراهيم السّيف وحطّ عليهم، ودخل الغلمان فقتلوا الثّلاثة، وكانوا من الباطنية.
وفيات سنة عشر وخمسمائة:
"حرف الألف":
284- أحمد بن الحسين بن علي بْن قريش1. أبو العبّاس البغداديّ، البنّاء، النّسّاج، المقرئ.
سَمِعَ: أبا طَالِب بْن غَيْلان، وأبا إسحاق البرمكيّ، وجماعة.
روى عَنْهُ: إسماعيل بْن السَّمَرْقَنْديّ، وأحمد بْن الطّلّاية الزّاهد، وابن ناصر، والسّلَفيّ، وفارس الحفّار.
ومات في رجب وله خمسٌ وثمانون سنة. وكان صالحًا ثقة. أجاز لابن كليب.
285- أحمد بْن عَبْد الله بْن مُظَفَّر بْن محمد بن ماجه. أبو الرجاء الإصبهانيّ.
روى عَنْ: ابن ريذَة، وغيره.
روى عَنْهُ: أبو موسى الحافظ.
286- أحمد بْن محمد بن عمر. المركزي أبو البركات.
شيخ مؤدب ببغداد.
كَانَ يروي عَنْ: إِسْحَاق البرمكيّ.
وعنه: السّلَفيّ، وأبو المُعَمَّر الأنصاريّ.
مات في نصف شَعْبان.
287- أحمد بْن مُحَمَّد بْن الحَسَن بْن مُحَمَّد بْن سُلَيْم. أبو الفَضْلُ بْن أَبِي بَكْر بْن أبي عليّ.
مِن بيت حديث.
__________
1 المنتظم "9/ 185".(35/161)
تُوُفّي في صَفَر.
روى عَنْهُ: أبو موسى المَدِينيّ، عَنْ عليّ بْن أحمد بْن يوسف.
288- إبراهيم بْن أحمد1. أبو الفَضْلُ المخرّميّ، البغداديّ.
روى عَنْ: الصَّريْفينيّ، وابن الَّنُّقور.
289- إسماعيل بْن الفَضْلُ بْن إسماعيل. أبو القاسم بْن أبي عامر التّميميّ، الْجُرْجاني.
قِدم في هذه السّنة بغداد ليحجّ، فحدّث عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعِيد العسكريّ، عَنْ أبي أحمد الغطْريفيّ.
روى عنه: المبارك بن كامل، وروح بن أحمد الحديثي قاضي القضاة، ويحيى بن هبة الله البزاز، وأحمد بن سالم المقرئ، وأبو الفتح عبد الوهاب بن الحسن الفرضي.
"حرف الحاء":
290- حبيب بن أبي مسلم محمد بن أحمد بن يحيى. الفقيه الزاهد الكبير، أبو الطيب الطهراني، الأصبهاني.
روى عَنْ: أَبِي طاهر بْن عَبْد الرحيم.
وعنه: أبو موسى، وغيره.
تُوُفّي ليلة الثّلاثاء، ثاني عشر ربيع الأوّل.
وهو مِن شيوخ السّلَفيّ ومن أقاربه.
291- الحَسَن بْن أحمد بْن يحيى2. أبو أحمد بْن أبي سَلَمَة الكاتب، النَّيْسابوريّ، أحد المعروفين بالفضل والشّعْر.
سَمِعَ مِن: الأمير أَبِي الفَضْلُ عُبَيْد الله بْن أحمد الميكالي، وأبي الحسين عبد الغافر.
__________
1 المنتظم "9/ 185".
2 المنتخب من السياق "189"، وعيون التواريخ "12/ 68".(35/162)
روى عَنْهُ: ولده أحمد.
وتوفي في ربيع الأوّل.
292- الحَسَن بْن عَبْد الكريم. أبو حرب العبّاسيّ، الإصبهانيّ، النّقيب.
سَمِعَ: أبا أحمد المكفوف.
كتب عَنْهُ: يحيى بْن مَنْدَهْ.
تُوُفّي في المحرَّم.
"حرف الخاء":
293- خميس بْن علي بن أحمد بْن علي بْن الحَسَن1. الحافظ، أبو الكرم الواسطيّ، الحَوْزيّ.
ورد بغداد، وسمع: أبا القاسم بْن البُسْري، وطبقته.
وسمع بواسط: عليّ بْن محمد النّديم، وهبة الله بْن الجلخْت، وخلْقًا سواهم، وكتب وجمع.
روى عَنْهُ: أبو الجوائز سَعْد بن عبد الكريم، وأبو طاهر السّلَفيّ، وآخر مِن روى عَنْهُ أبو بِشْر عَبْد الله بْن عِمران الباقلّانيّ، المقرئ.
وله شِعْر جيّد، فمنه:
إذا ما تعلّق بالأشعريّ ... أُناسٌ، وقالوا: وثيق العُرى
وطائفة رأت الاعتزال ... صوابًا، وما هُوَ فيما ترى
وأخرى رَوَافضُ لَا تستحقّ ... إذا ذُكر النّاس أن تذكرا
فنحن معاشرُ أهل الحديث ... علِقْنا بأذيال خير الورى
فمن لم يكن دأبُهُ دأبنا ... فنحن وأحمد منه بُرَا
وقد سال السّلَفيّ خميسًا عَنْ أهل واسط المتأخّرين، فأجابه في جزء، وانتقى
__________
1 العبر "4/ 20"، وسير أعلام النبلاء "19/ 346، 347"، وشذرات الذهب "4/ 27"، ومعجم المؤلفين "4/ 130".(35/163)
عليه جزءا سمعناه، وكان يثني عليه ويقول: كان عالما ثقة، يملي علي من حفظه.
وقد ذكره ابن نقطة1، فذكر معه الحسن بن إبراهيم بن سلامويه.
قال: والحوز قرية بشرقي واسط. حدَّث عَنْ عَبْد العزيز بْن علي الأنماطي، ومحمد بن محمد العُكْبَريّ النديم.
قَالَ: وكان لَهُ معرفة بالحديث والأدب.
قَالَ: ومولده في شَعْبان سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة.
ومات أيضًا في شَعْبان.
"حرف الطاء":
294- طاهر بْن أحمد بْن الفَضْلُ. أبو القاسم الإصبهانيّ، الخطّاط، المعروف بالبزّاز.
تُوُفّي في شَعْبان، وله تسعون سنة.
روى عَنْ: ابن رِيذَة.
وعنه: أبو موسى المَدِينيّ.
"حرف العين":
295- عَبْد الرَّحْمَن بن عبد العزيز بن ثابت2. أبو محمد الأندلسيّ، ثمّ الشّاطبيّ، البلاليّ.
وبلالة مِن عمل شاطبة. ديّن، عاقل، عالم.
سَمِعَ مِن: ابن عَبْد البَرّ، وأبي العبّاس العُذْري.
وعنه: أبو الوليد يوسف بْن الدّبّاغ، وقال: سَمِعْتُ منه كتاب الصحابة، وكتابي التقصي، وكتاب الأنباء.
__________
1 في الاستدراك "138 ب، 138 أ".
2 تقدم في وفيات السنة السابقة برقم "260".(35/164)
وقرأت عليه "الموطأ" و"السيرة". أَنَا بجميع ذَلِكَ، عَنْ أبي عُمَر، وقال: كَانَ بيننا وبين أَبِي عُمَر مصاهرة.
ومولده في سنة ست وأربعين وأربعمائة.
296- عَبْد الغفّار بْن مُحَمَّد بْن الحُسَيْن بْن عليّ بْن شِيرَوَيْه بْن عليّ1. أبو بَكْر الشّيرُويّيّ، النَّيْسابوريّ، التّاجر.
سَمِعَ: أبا بَكْر الحِيريّ، وأبا سَعِيد الصَّيْرفيّ.
وهو آخر من روى فِي الدّنيا عَنْهُمَا.
وروى عَنْ: أبي حسّان المُزَكّيّ، وأحمد بْن محمد بْن الحارث النَّحْويّ، ووالده.
روى عنه: الحافظ أبو سعد السمعاني، وأبو الفتوح الطائي، وعبد المنعم الفراوي، وخلق كثير.
وروى عنه بالإجازة: ذاكر بن كامل الخفاف، وأبو المكارم أحمد بن محمد اللبان.
وكان مولده في ذي الحجَّة سنة أربع عشرة.
وتوفي في ثامن عشر ذي الحجة، وقد استكمل ستا وتسعين سنة.
قال السمعاني في كتاب "الأنساب"2: كان صالحا، عابدا، معمرا، رحل إليه من البلاد، وسمع الحيريّ، والصَّيْرفيّ، وعبد القاهر بن طاهر، ومحمد بن إبراهيم المزكي.
وقد دخل إصبهان، وسمع بها مِن ابْن رِيذَة، وأَبِي طاهر بْن عَبْد الرحيم. أحضرني والدي مجلسه. وكان أَبُوهُ يروي عَنِ المخلّص.
وهو فقد أجاز لمن شاء الرواية عَنْهُ. وهو مِن قرية كُونابَذ، ثمّ عربت، فقيل: جنابذ، بفتح الباء3.
__________
1 التحبير "1/ 464-468"، وسير أعلام النبلاء "19/ 246-248"، والنجوم الزاهرة "5/ 213"، وشذرات الذهب "4/ 27".
2 ج "7/ 467".
3 الأنساب "3/ 306".(35/165)
وهي مِن قُهِسْتان مِن رساتيق نَيْسابور.
وكان صالحًا، عفيفًا، تَجَر إلى البلاد مُضاربةً بأموال النّاس، ثمّ عجز، وانقطع لتسميع الحديث. وكان مُكْثِرًا.
ومن شيوخه أبو سَعِيد نصر الدّين بْن أَبِي الخير المِيهَنيّ، وأبو منصور عَبْد القاهر بْن طاهر البغداديّ.
ألْحق الأحفاد بالأجداد، وسمع منه مِن دبّ ودَرَج. وسار ذِكْرُه، ولم تتغير حواسَّه، إلّا بصره فضَعُف1.
ومن شيوخه: أبو عَبْد الله بْن باكُوَيْه السَّرَّاج.
قَالَ الفَضْلُ بْن عَبْد الواحد الإصبهانيّ: سَمِعْتُ الرئيس الثَّقَفيّ يَقُولُ: لَا جادنا مِن خُراسان ناصر إلّا بأبي بَكْر الشّيرُويّيّ، فإنّه أخْيَرهم وأنفعهم2.
قَالَ السّلَفيّ: سَمِعْتُ منه الكثير، وُلّي ثلاث سنين ونصف بقراءة أبي. وسمّع أخي في الخامسة، فمن ذَلِكَ جزء سُفْيان، وخمسة أجزاء مِن ثمانية مِن "مُسْنَد الشّافعيّ" خمسة أجزاء مِن ثمانية أجزاء.
297- عَبْد الله بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن يونس. أبو محمد بْن خَيْرُون الأندلسيّ، القُضاعيّ.
محدّث مُكِثر عَنِ ابن عَبْد البَرّ.
وسمع: أبا الوليد الباجيّ، وابن دلْهاث.
وكان عارفًا بالفقه، والشّعر. وُلّي قضاء قَربيطر.
روى عَنْهُ: أبو محمد بْن عَلْقَمة، ومحمد بْن محمد بْن يعيش، وعبد الوهّاب التُّجَيْبيّ، وآخرون.
__________
1 التحبير "1/ 465".
2 التحبير "1/ 466".(35/166)
298- عليّ بْن أحمد بن محمد بْن بَيَان1. أبو القاسم بْن الرّزّاز، البغداديّ.
مُسْنَد الدُّنيا في عصره.
روى عَنْهُ خلْق لَا يُحْصَوْن.
سمع: أبا الحسن محمد بن محمد بن محمد بن مخلد، وطلحة بن الصقر الكتابي، وأبا علي بن شاذان، وأبا القاسم بن بِشْران الواعظ، وأبا القاسم الحُرْفيّ، وأبا العلاء الواسطي، وجماعة.
ولد سنة ثلاث عشرة وأربعمائة. وكانت إِليْهِ الرحلة مِن الأقطار. وهو آخر مِن حدَّث بنسخة ابن عَرَفَة.
قَالَ أبو سَعْد السّمعانيّ: وكان يأخذ عَلَى روايتها دينارًا عَنْ كلّ واحدٍ عَلَى ما سَمِعْتُ. وأجاز لي، وحدَّثني عَنْهُ جماعة كثيرة.
سَمِعْتُ أبا بَكْر محمد بْن عَبْد الباقي يَقُولُ: كَانَ أبو القاسم بْن بيان يَقُولُ: أنتم ما تطلبون الحديث والعِلْم، أنتم تطلبون العُلُوّ، وإلّا ففي دَرْبي جماعة سمعوا منّي هذا الجزء، فاسمعوه منهم، ومن أراد أن يسمع منّي يَزِن دينارًا.
سَمِعْتُ أبا بَكْر محمد بْن عَبْد العطّار بمَرْو يَقُولُ: وزنت الذّهب لأبي القاسم بْن بيان، حتّى سَمِعْتُ منه جزء ابن عَرَفَة. وكذا ذكر لي محمد بْن أَبِي العبّاس بسمرقند، أنّه أعطاه دينارًا حتّى سَمِعَ منه.
قلت: روى عَنْهُ: أبو الفُتُوح الطّائيّ، والسّلَفيّ، وخطيب المَوْصِل، وأحمد بْن محمد بْن قُضاعة، وأحمد بْن محمد المنبجيّ، وأبو محمد عَبْد الله بْن الخشّاب النَّحْويّ، ومحمد بْن عبد الباقي بن النَّرْسيّ، والمبارك بْن محمد بْن سكّينة، ووفاء بْن أسعد التُّركيّ، والحافظ أبو العلاء العطّار، ومحمد بْن بدر الشّيحيّ، ومحمد بْن جعفر بْن عَقيل، وأبو الفَرَج محمد بْن أحمد حفيد ابن نبهان، وأبو الفتح بْن شاتيل، وَأَحْمَد بْن المبارك بْن دُرّك، وأحمد بْن أَبِي الوفاء الصّائغ، وأبو السّعادات نصر الله القزّاز، وأبو منصور عَبْد الله بْن عَبْد السلام، وعبد المنعم بْن كُلَيب.
تُوُفّي في سادس شعبان.
__________
1 الأنساب "6/ 107"، والمنتظم "9/ 186"، والكامل في التاريخ "10/ 523، 524"، وسير أعلام النبلاء "19/ 257، 258"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1261"، والبداية والنهاية "12/ 180"، وشذرات الذهب "4/ 27".(35/167)
299- عليّ بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد1. أَبُو الحَسَن النَّيْسابوريّ، الواعظ.
تُوُفّي في سلْخ المحرَّم، وله نيّف وتسعون سنة.
روى بإصبهان عَنْ: ابن حفص بْن مسرور.
وعنه: أبو موسى الحافظ، وأبو طاهر السّلَفيّ، ومحمد بن حمزة الزنجاني، وأبو غانم بْن زينة، وزيد بْن حمزة الطُّوسيّ.
وروى عَنْهُ بالأجازة أبو القاسم بْن عساكر.
وقد سَمِعَ: أبا عثمان الصّابونيّ، وأبا الحُسَيْن عَبْد الغافر الفارسيّ.
وبدمشق: أبا القاسم الحِنائيّ.
رَوَى عَنْهُ: الفقيه نصر المَقْدِسِيّ، قُلْتُ: وَهُوَ أكبر منه، وَأَبُو موسى. وَذَلِكَ يدخل في السابق واللاحق.
قَالَ السّلَفيّ: أَبُو الحَسَن عليّ بْن عَبْد اللَّه بْن الصّبّاغ، ذكر أنّه يُعرف بنَيْسابور بالإصبهانيّ، وبإصبهان بالنَّيْسابوريّ. وكان يعقد المجلس في جامع إصبهان، ثقة.
"حرف الغين":
300- غانم بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن سَعِيد. أبو سهل بْن الشَّيْخ أبو الفتح الحدّاد.
يروي عَنْ: أَبِي القاسم بْن أَبِي بَكْر الذَّكْوانيّ، والإصبهانيّين.
وعنه: أبو موسى، وجماعة.
وحدَّث ببغداد عَنْ: الذَّكْوانيّ، وأبي طاهر بْن عَبْد الرحيم، وأبي نصر الكِسائيّ.
تُوُفّي في ربيع الأول. وهو أخو صاحب الأموال الجزيلة أَبِي سعيد الحدّاد ووالد محمد ومحمود.
سَمِعَ أيضًا مِن أَبِي طاهر بن عبد الرحيم، وأبي الوليد الدَّربَنْديّ، وإبراهيم بن محمد الكسائي، وعدة. أجاز للسمعاني.
__________
1 تقدم في وفيات سنة "509هـ" برقم "264".(35/168)
"حرف الميم":
301- المبارك بْن الحُسَيْن بْن أحمد1.
الغسّال أبو الخير البغداديّ، الشّافعيّ، المقرئ.
كَانَ صالحًا، ثقة، متميّزًا. قرأ القرآن عَلَى: أَبِي القاسم بْن الغُوريّ، وأبي بَكْر محمد بْن عليّ الخيّاط، وأبي عليّ الحَسَن بْن غالب المقرئ، وأبي بَكْر بن الأُطْرُوش، وأبي بَكْر اللّحْيانيّ.
ورحل إلى واسط في طلب القراءات، فقرأ عَلَى أَبِي عليّ غلام الهرّاس، وتصدّر للإقراء، وقصده الطلبة.
وكان محافظًا، مجودًا، يتكلّم عَلَى معاني القرآن.
وسمع الحديث من: أبي محمد الخلال، وأبي جعفر بن المسلمة، وأبي يَعْلَى بْن الفرّاء.
روى عَنْهُ: أبو طاهر محمد بْن محمد السّنْجيّ، وعليّ بْن أحمد المحموديّ، وسعد الله بْن محمد. وآخر مِن روى عَنْهُ: عَبْد المنعم بْن كُلَيب.
وقد أجاز لابن السّمعانيّ.
وكان مولده قبل الثلاثين وأربعمائة.
وتوفي في غُرّة جُمَادَى الأولى والغَسّال بغين معجمة.
302- المبارك بن محمد بْن عليّ2. أبو الفَضْلُ الهَمَذَانيّ.
سَمِعَ: أبا يَعْلَى بْن الفرّاء، وابن المسلمة.
وأجاز لَهُ أبو محمد الجوهريّ.
روى عَنْهُ: أبو المُعَمَّر الأنصاريّ، وغيره.
تُوُفّي في ربيع الآخر.
__________
1 المنتظم "9/ 190"، وطبقات الحنابلة "1/ 113"، والعبر "4/ 21"، وسير أعلام النبلاء "19/ 357، 358"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1261"، ولسان الميزان "5/ 8".
2 المنتظم "9/ 190".(35/169)
303- محفوظ بْن أحمد بْن الحَسَن بْن الحُسَيْن1. الإمام، أبو الخطّاب الكَلْوذانيّ2، الأَزَجيّ، شيخ الحنابلة.
كَانَ مُفْتيا، صالحًا، ورِعًا، دينًا، وافر العقل، خبيرًا بالمذهب، مصنَّفا فيه، حسن العِشْرة والمجالسة. لَهُ شِعْر رائق.
صنَّف كتاب "الهداية" المشهور في المذهب، و"رءوس المسائل". وتفقَّه عَلَى: أَبِي يَعْلَى.
وسمع: أبا محمد الجوهريّ، وأبا طَالِب العُشَاريّ، وأبا عليّ محمد بْن الحُسَيْن الجازريّ، حدَّث عَنْهُ بكتاب "الجليس والأنيس" للمعافَى.
روى عَنْهُ: أبو المُعَمَّر الأنصاريّ، والمبارك بْن خُضَيْر، وأبو الكرم بْن الغسال. وتفقَّه عَليْهِ أئمّة.
وكان مولده في سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة3.
ولأبي الخطّاب قصيدة في العقيدة يَقُولُ فيها:
قَالُوا أَتَزْعُم أنّ عَلَى العرش استوى ... قلت الصّواب كذاك خُبّر سيّدي
قَالُوا فما معنى استواهُ أَبِنْ لنا، ... فأجبتُهُم هذا سؤال المعتدي
قال السمعاني: أنشدنا دلف بن عَبْد الله بْن التّبّان بسَمَرْقَنْد في فتوى جاءت إلى أَبِي الخطّاب:
قلَّ للإمام أبي الخطّاب مسألةً ... جاءت إليك وما إلّا سواك لها
ماذا عَلَى رجلٍ رام الصّلاة، فإذ ... لاحت لناظِرِهِ ذاتُ الْجَمال لَهَا
فكتب في الحال:
قُلْ للأديب الَّذِي وافَى بمسألةٍ ... سَرَّتْ فؤادي لما أن أصخت لها
__________
1 الأنساب "10/ 461"، والمنتظم "9/ 190-193"، واللباب "3/ 107"، وسير أعلام النبلاء "19/ 348-350"، والبداية والنهاية "12/ 180".
2 الكلوذاني: نسبة إلى كلواذان، وهي قرية من قرى بغداد "الأنساب 10/ 460".
3 الكامل في التاريخ "10/ 524".(35/170)
المجلد السادس والثلاثون
الطبقة الثالثة والخمسون
سنة إحدى وعشرين وخمسمائة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
الطبقة الثالثة والخمسون:
سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمَائَةٍ:
حَرْبُ الْخَلِيفَةِ وَالسُّلْطَانِ فِي بَغْدَادَ:
قد ذكرنا أنّ أهل بغداد كانوا بالجانب الغربي، وعسكر محمود في الجانب الشرقي، وتراموا بالنَّشّاب، ثم إن جماعة من عسكر محمود حاولوا الدّخول إلى دار الخلافة من باب النّوبي، فمنعتهم الخاتون، فجاءوا إلي باب الغربة في رابع المحرَّم، ومعهم جمع من الساسة والرُّعاع، فأخذوا مطارق الحدّادين، وكسروا باب الغربة، ودخلوا إلي التاج فنهبوا دار الخلافة من ناحية الشّطّ، فخرج الجواري حاسرات تلْطُمْن، ودخَلْنَ دار خاتون؛ وضجّ الخلْق، فبلغ الخليفة، فخرج من السرداق، وابن صَدَقة بين يديه، وقدّموا السُّفن دفعةً واحدة، ودخل عسكر الخليفة، وألبسوا الملاحين السّلاح، وكشفوا عنهم. ورمى العيّارون أنفسهم في الماء وعبروا. وصاح المسترشد بالله بنفسه، يا آل بني هاشم. فصَدَق الناس معه القتالَ، وعسكرُ السلطان مشغولون بالنَّهْب، فلما رأوا عسكر الخليفة ذلّوا وولوا الأدْبار، ووقع فيهم السيف، واختفوا في السراديب، فدخل وراءهم البغداديون وأسروا جماعة، وقتلوا جماعة من الأمراء ونهب العامة دور أصحاب السلطان، ودار وزيره، ودار العزيز أبى نصر المستوفي، وأبي البركات الطيب وأُخذ من داره ودائع وغيرها بما قيمته ثلاثمائة ألف. وقُتِلَ من أصحاب السلطان عدةٌ وافرةٌ في الدروب والمضائق.
ثم عبر الخليفة إلى داره في سابع المحرَّم بالجيش، وهم ثلاثين ألف مقاتل بالعوام وأهل البر، وحفروا بالليل خنادق عند أبواب الدروب، ورتب على أبواب المحال من يحفظها.
وبقي القتال أيامًا إلى يوم عاشوراء، انقطع القتال، وترددت الرسل، ومال الخليفة إلى الصُّلح والتحالف، فأذعن السلطان وأحب ذلك، وراجع الطاعة، وأطمأن الناس، وطُمَّت الخنادق. ودخل أصحاب السلطان يقولون: لنا ثلاثة أيام ما أكلنا خبزا، ولولا الصلح لمتنا جوعًا.
فكانوا يسلقون القمح ويأكلونه. فما رؤي سلطانٌ(36/3)
حاصر فكان هو المحاصَر، إلا هذا.
وظهر منه حلم وافر عن العوام1.
إرسال الخِلَع إلى ابن طراد:
وبعث الخليفة مع علّي بن طِراد إلى سَنْجر خِلعًا وسيفين، وطوقًا ولواءين، ويأمره بإبعاد دُبَيْس من حضرته2.
مقتل وزير سَنجْر:
وجاء الخبر بأن سنجْر قتل من الباطنية اثني عشر ألفًا، فقتلوا وزيره المعين، لأنه كان يحرّض عليهم وعلى استئصالهم. فتجمل رجل منهم، وخدم سائسا لبغال المعين، فلما وجد الفرصة وثب عليه وهو مطمئن فقتله، وقُتِلَ بعده، وكان هذا الوزير ذا دِين ومروءة، وحُسن سيرة3.
مرض السلطان محمود:
ومرض السّلطان محمود في الميدان، وغُشى عليه، ووقع من فرسه، واشتد مرضه.
ثم تماثل فركب، ثم انتكس، وأُرجِف بموته ثمّ خُلع عليه وهو مريض، وأشار عليه الطّبيب بالرواح من بغداد، فرحل يطلب هَمَذَان، وفوّض شِحْنكيَّة بغداد إلي عماد الدين زنكي4.
القبض على المستوفي والوزير:
وبعد أيام جاء الخبر من همذان بأن السلطان قَبض على العزيز المستوفي وصادره وحبسه، وعلى الوزير فصادره فحبسه وكان السبب أنّ الوزير تكلَّم على العزيز، وأن برتقش الزكوي تكلم على الوزير.
وزاره أنوشروان:
ثمّ بعث السلطان إلي أنوشروان بن خالد الملقب بشرف الدين، فاستوزره، فلم
__________
1 المنتظم "10/ 2-4"، العبر "4/ 49"، البداية والنهاية "12/ 197".
2 المنتظم "10/ 5".
3 النجوم الزاهرة "5/ 232"، المنتظم "10/ 5"، دول الإسلام "2/ 45".
4 المنتظم "10/ 4، 5"، ذيل تاريخ دمشق "218"، العبر "4/ 99".(36/4)
يكن له ما يتجهَّز به حتى بعث له الوزير جلال الدين من عند الخليفة الخِيَم والخيل، فرحل إلي أصبهان في أول رمضان في السنة. أقام في الوزارة عشرة أشهر، واستعفى وعاد إلي بغداد1.
تفويض بهروز ببغداد والحلَّة:
وفي رمضان وصل مجاهد الدّين بهروز إلي بغداد، وقد فوض إليه السلطان بغداد والحِلَّة2.
تفويض زنكي الموصل:
وفوّض إلى زنكي الموصل، فسار إليها.
وفاة مسعود بن آقْسُنْقُر:
ومات عزّ الدّين مسعود بن آقْسُنْقُر البُرْسُقيّ في هذه السّنة. وكان قد وصل إلى الموصل بعد قتل والده، واتفق موتُه بالرَّحْبَة، فإنه سار إليها.
وكان بطلًا شجاعًا، عالي الهمَّة. ردّ إليه السُلطان جميع إقطاع والده، وطمع في التّغلُّب على الشّام، فسار بعساكره، فبدأ بالرَّحْبَة، فحاصرها، ومرض مرضًا حادًّا، فتسلم القلعة، ومات بعد ساعة، وبقي مطروحًا على بساط، وتفرق جيشه، ونهب بعضُهم بعضًا، فأراد غلمانه أن يُقيموا ولده، فأشار الوزير أنوشروان بالأتابك زنكي لحاجة الناس إلى من يقوم بإزاء الفرنج، لعنهم الله3.
سؤال الإسفرائيني عن حديث:
وَفِيهَا سُئِلَ أبو الفتح الإسفرائيني فِي مَجْلِسِهِ بِبَغْدَادَ عَنِ الْحَدِيثِ: "لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا ثَلَاثَ كَذِبَاتٍ". فَقَالَ: لَمْ يَصِحَّ4.
__________
1 المنتظم "10/ 5"، الكامل في التاريخ "10/ 642".
2 المنتظم "10/ 5"، الكامل في التاريخ "10/ 647".
3 الكامل في التاريخ "10/ 643، 644"، تاريخ مختصر الدول "203"، نهاية الأرب "27/ 77".
4 المنتظم "10/ 6".(36/5)
خبر الإسفرائيني:
أبو الفتح الإسفرائيني، رضوان الله عليه من كبار أهل السُّنَّة ومن ذوي الكرامات الظاهرة. وما نسب إليه من الاستخفاف بالقرآن كذِب وزُور هو وغيره من الأشاعرة يصرحون بتكفير من استخفّ بالمصاحف وشيخنا الذّهبيّ غيرّ عادته بهم، وأذن برأيهم، والحديث في الصّحيح.
وقال يومًا على المنبر: قيل لرسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كيف أصبحت؟ فقال: "أعمى بين العُمْيان، ضالًّا بين الضّالّين".
فاستحضره الوزير، فأقرّ، وأخذ يتأول تأولات فاسدة، فقال الوزير للفُقهاء: ما تقولون؟ فقال ابن سلمان مدرّس النّظاميَّة: لو قال هذا الشّافعي ما قبِلْنا منه، ويجب على هذا أن يجدد إيمانه وتوبته. فمُنع من الجلوس بعد أن استقرّ أنّه يجلس، ويشدّ الزّنّار، ثم يقطعه ويتوب، ثم يرحل. فنصره قومٍ من الأكابر يميلون إلى اعتقاده، وكان أشعريًا. فأعادوه إلى الجلوس، وكان يتكلَّم بما يُسقِط حُرْمة المُصْحَف من قلوب العوامّ، فافتتن به خلْق، وزادت الفِتن بِبغداد. وتعرَّض أصحابه بمسجد ابن جردة فرجموه، ورُجم معهم أبو الفتوح. وكان إذا ركب يلبس الحديد ومعه السيوف مُسَلَّلَة، ثم اجتاز بسوق الثُّلاثاء، فرُجم ورُميت عليه الميتات، ومع هذا يقول: ليس هذا الّذي نتلوه كلام الله، إنما هو عبارة ومجاز.
ولما مات ابن فاعوس انقلبت بغداد، وغُلَّقت الأسواق، وكان عوامّ الحنابلة يصيحون على عادتهم: هذا يوم سُنّيّ حنبلي لَا أشعريّ ولا قُشيَريّ ويصرخون بأبي الفتوح هذا. فمنعه المسترشد بالله من الجلوس، وأمره أن يخرج من بغداد.
وكان ابن صَدَقة يميل إلى السُّنَّة، فنصرهم.
ثم ظهر عند إنسان كرّاس قد اشتراها، فيها مكتوب القرآن، وقد كُتِب بين الأسطر بالأحمر أشعار على وزن أواخر الآيات. ففُتَّش على كاتبها، فإذا هو مؤدب، فكبس بيته، فإذا هو كراريس كذلك، فحُمل إلى الديوان، وسُئل عن ذلك، فأقرّ، وكان من أصحاب أبي الفتوح، فنُودي عليه على حمار، وشُهر، وهمّت العامَّة بإحراقه. ثم أذن لأبي الفتوح، فجلس1.
__________
1 المنتظم "10/ 6".(36/6)
ظهور الشيخ عبد القادر الحنبليّ:
وظهر في هذه الأيام الشيخ عبد القادر الحنبليّ، فجلس في الحَلبة، فتشبَّث به أهل السُّنَّة، وانتصروا بحسن اعتقاد الناس فيه1.
وقعة مرج الصُّفَّر:
قال ابن الأثير: كانت وقعة مرج الصُّفَّر بين المسلمين، أنهم التقوا في أواخر ذي الحّجة، واشتد القتال، فسقط طُغتكين، فظن الْجُنْد أنه قُتِلَ فانهزموا إلى دمشق، وركب فرَسَه ولحقهم، فساقت الفرنج وراءهم، وبقية رجالة التركمان قد عجزوا عن الهزيمة، فحملوا على رجَّالة الفرنج، فقتلوا عامّتهم، ونهبوا عسكر الفرنج وخيامهم، ثم عادوا سالمين غانمين إلى دمشق.
ولما ردّت خيالة الفرنج من وراء طُغتِكين، رأوا رجالتهم صَرْعى، وأموالهم قد راحت، فتمّوا منهزمين.
قال: وهذا من الغريب أنّ طائفتين تنهزمان2.
__________
1 المنتظم "10/ 7".
2 الكامل في التاريخ "10/ 639"، المختصر في أخبار البشر "2/ 238"، تاريخ ابن الوردي "2/ 33".(36/7)
وفيات سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة:
وفاة ابن صدقة:
فيها تُوُفّي ابن صَدَقة الوزير، وناب في الوزارة عليّ بن طِراد.
مصالحة السلطان محمود وسنجر:
وفيها ذهب السّلطان محمود إلى السلطان سنجر، فأصلحا بعد خشونة، ثم سلّم سنجر إليه دُبَيْسا وقال: تعزل زنكي ابن آقْسُنْقُر عن الموصل والشّام. وتسلّم البلاد إلى دُبَيْس، وتسأل الخليفة أن يرضى عنه. فأخذه ورحل.
وقال أبو الحسن الزّاغونيّ: تقدم إلى نقيب النُّقباء ليخرج إلى سنجر، فرفع إلى الخزانة ثلاثين ألف دينار، وتقدم إلى شيخ الشّيوخ ليخرج، فرفع إلى الخزانة خمس عشر ألف دينار ليعفى1.
الطموح للوزارة:
وتطاول للوزارة عز الدين بن المطلب، ابن الأنباريّ، وناصح الدّولة ابن المسلمة، وأحمد بن نظام المُلْك، فمُنِعوا من الكلام في ذلك2.
مَلْك زنكيّ حلب:
وفي أول السّنة سار عماد الدّين زنكي فملك حلب، وعظُم شأنه، واتسعت دولته3.
__________
1 المنتظم "10/ 9"، العبر "4/ 50"، تاريخ ابن الوردي "2/ 34".
2 المنتظم "10/ 9".
3 الكامل في التاريخ "10/ 649"، دول الإسلام "2/ 45"، العبر "4/ 50".(36/7)
سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة:
الختم عَلَى وقف مدرسة أَبِي حنيفة:
في المحرَّم دخل السلّطان محمود بغداد، وأقام دُبَيْس في بعض الطّريق، واجتهد في أن يُمكن دبيس فامتنع. وأمر السلطان بالختم على أموال وقف مدرسة أبي حنيفة ومطالبة العمّال بالحساب، ووكّل بقاضي القُضاة الزَّيْنَبيّ كذلك. وكان قد قيل للسّلطان إن دَخْلَ المكان ثمانين ألفًا، ما يُنفق عليه عُشْره1.
وزارة علي بن طراد:
وفي ربيع الآخرة خلع المسترشد على أبي القاسم عليّ بن طِراد واستوزره.
إقرار زنكيّ في مكانه:
وضمن زنكي أن ينفذ السلطان مائة ألف دينار، وخيلًا، وثيابًا، على أن يقر في مكانه. واستقر الخليفة على مثل ذلك، على أن لَا يولّي دُبَيْس شيئًا2.
__________
1 المنتظم "10/ 11".
2 المنتظم "10/ 11"، العبر "4/ 52"، البداية والنهاية "12/ 199"، النجوم الزاهرة "5/ 234".(36/8)
بيع عقار للخليفة:
وباع الخليفة عقارًا بالحرم، وقُرئ لذلك، وما زال يصحح.
دخول دُبَيْس بغداد:
ثم إن دُبَيْسًا دخل إلى بغداد بعد جلوس الوزير ابن طِراد، ودخل دار السلطان، وركب في الميدان ورآه الناس.
تسليم الحلَّة بهروز:
وجاء زنكيّ فخدم.
وسلَّمت الحِلَّة والشَّحْنكيَّة إلى بهروز.
خطْف دُبَيس ولدًا للسلطان:
وكانت بنت سنْجر التي عند ابن عمّها السّلطان محمود قد تسلّمت دُبَيْسًا من أبيها، فكانت تشدّ منه وتمانع عنه، فماتت، ومرض السّلطان محمود، فأخذ دُبَيْس ولدًا صغيرًا لمحمود، فلم يعلم به حتّى قُرب من بغداد، فهرب بهروز من الحِلة، فقصدها دُبَيْس ودخلها في رمضان وبعث بهروز عرَّف السّلطان، فطلب قزل والأجهيليّ وقال: أنتما ضمنتما دُبَيْسًا، فلا أعرفه إلا منكما1.
أخْذُ دُبَيْس الأموال من القرى:
وساق الأجهيليّ يطلب العراق، فبعث دُبَيْس إلى المسترشد: إن رضِيتَ عنّي ردْدتُ أضعاف ما نفذ من الأموال. فقال الناس: هذا لَا يؤمن. وباتوا تحت السلاح طول رمضان، ودُبَيْس يجمع الأموال، ويأخذ من القرى، حتّى قيل: إنه حصل خمسمائة ألف دينار2، وإنه قد دوَّن عشرة آلاف، بعد أن كان قد وصل في ثلاثمائة فارس.
مساومة دُبَيْس للسلطان:
ثمّ قدِم الأجهيليّ بغداد، وقبل يد الخليفة، وقصد الحلة.
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 655"، عيون التاريخ "12/ 202"، تاريخ الزمان "142".
2 دول الإسلام "2/ 46"، العبر "4/ 52"، عيون التواريخ "12/ 202".(36/9)
وجاء السّلطان إلى حُلْوان، فبعث دُبَيْس إلى السّلطان رسالة وخمسة وخمسين مهْرًا عربيَّة، وثلاثة أحمال صناديق ذَهب، وذكر أنْه قد أعدَّ إن رضي عنه الخليفة ثلاثمائة حصان، ومائتي ألف دينار، وإنْ لم يرض عنه دخل البّريَّة.
فبلغه أنّ السّلطان حنق عليه، فأخذ الصّبيّ وخرج من الحِلة، وسار إلى البصرة، وأخذ منها أموالا كثيرة. وقدم السّلطان بغداد، فبعث لحربه قزل في عشرة آلاف فارس، فسار دُبَيْس ودخل البرّيَّة1.
غدْرُ زنكيّ بسونج بن بُوري:
وفي سنة ثلاث أظهر عماد الدّين زنكيّ بن آقْسُنْقُر أنّه يريد جهاد الفرنج، وأرسل إلى تاج المُلُوك بوريّ يستنجده، فبعث له عسكرًا بعد أن أخذ عليه العهد والميثاق، وأمر ولده سونج أن يسير إليه من حماة. ففعل فأكرمهم زنكي، وطمنهم أيّامًا، وغدر بهم، وقبض على سونج، وعلى أمراء أبيه، ونهب خيامهم، وحبسهم بحلب، وهرب جُنْدهم.
ثمّ سار ليومه إلى حماة، فاستولى عليها، ونازل حمص ومعه صاحبها خرخان فأمسكه، فحاصرها مدَّة، ولم يقدر عليها ورجع إلى الموصل. ولم يُطْلق سونج ومن معه حتّى اشتراهم تاج الملوك بوري منه بخمسين ألف دينار.
ثم لم يتم ذلك. ومقت النّاس زنكيّ على قبيح فِعْله.
مقتل ابن الخُجَنْدي:
وفيها وثبت الباطنّية على عبد اللطيف بن الخُجَنْدي رئيس الشَافعية بأصبهان، ففتكوا به.
الفتنة في وادي التّيم:
وأما بهرام، فإنه عتى وتمرد على الله، وحدثته نفسه بقتل برق بن جنْدل من مقدّمي وادي التَّيْم لَا لسبب، فخدعه إلى أن وقع في يده فذبحه.
وتألّم النّاس لذلك لشهامته وحُسْنه وحداثة سِنّه، ولعنوا من قتله علانية، فحملت الحميَّة أخاه الضحاك
__________
1 المنتظم "10/ 12، 13"، دول الإسلام "2/ 46"، البداية والنهاية "12/ 200".(36/10)
وقومه على الأخذ بثأره، فتجمعوا وتحالفوا على بذل المهج في طلب الثأر.
فعرف بهرام الحال، فقصد بجموعه وادي التّيم، وقد استعدوا لحربه، فنهضوا بأجمعهم نهضة الأسود، وبيَّتوه وبذلوا السّيوف في البهراميَّة، وبهرام في مخيَّمه، فثار هو وأعوانه إلى السّلاح، فأزهقتهم سيوف القوم وخناجرهم وسهامهم، وقطع رأسُ بهرام لعنه الله1.
الانتقام من الباطنية في وادي التّيم:
ثمّ قام بعده صاحبه إسماعيل العَجميّ، فجدُّوا في الإضلال والاستغواء، وعامله الوزير المَزْدقانيّ بما كان يعامل به بهرامًا، فلم يُمْهله الله، وأمر الملك بوري بضرب عُنقه في سابع عشر رمضان، وأحرق بدنه، وعلّق رأسه، وانقلب البلد بالسّرور وحُمِد الله وثارت الأحداث والشُّطّار في الحال بالسّيوف والخناجر يقتلون من رأوا من الباطنية وأعوانهم، ومن يتهم بمذهبهم، وتتبعوهم حتى أَفْنَوْهم، وامتلأت الطُرُق والأسواق بجِيَفهم. وكان يومًا مشهودًا أعز الله فيه الإسلام وأهله. وأُخِذ جماعةٌ أعيانٌ منهم شاذي الخادم تربية أبي طاهر الصَائغ الباطنيّ الحلبيّ، وكان هذا الخادم رأس البلاء، فعوقب عقوبة شَفَت القلوب، ثمّ صُلِب هو وجماعة على السُّور2.
الحذر من الباطنيَّة:
وبقي صاحب دمشق يوسف فيروز، ورئيس دمشق أبو الذّواد مفرّج بن الحسن بن الصّوفيّ يلبسان الدّروع، ويركبان وحولهما العبيد بالسّيوف، لأنهما بالغا في استئصال شأفة الباطنيَّة.
تسليم بانياس للفرنج:
ولمّا سمع إسماعيل الدّاعي وأعوانه ببانياس ما جرى انخذلوا وذلُّوا، وسلَّم إسماعيل بانياس إلى الفرنج، وتسلّل هو وطائفة إلى البلاد الإفرنجيَّة في الذَّلَة والقِلَّة.
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 656"، نهاية الأرب "27/ 79"، المقفى الكبير "2/ 518".
2 المنتظم "10/ 13"، الكامل في التاريخ "10/ 656"، عيون التواريخ "12/ 203".(36/11)
هلاك داعية الباطنية:
ثمّ مرض إسماعيل بالإسهال، وهلك في أوائل سنة أربعٍ وعشرين.
موقعة جسر الخشب:
فلما عرف الفرنج بواقعة الباطنيَّة، وانتقلت إليهم بانياس، قويت نفوسهم، وطمعوا في دمشق، وحشدوا وتألّبوا، وتجمّعوا من الرُّها، وأنطاكّية، وطرابُلُس، والسّواحل، والقدس، ومن البحر، وعليهم كُنْدهر الّذي تملّك عليهم بعد بغدوين، فكانوا نحوًا من ستّين ألفًا، ما بين فارسٍ وراجل، فتأهّب تاج الملوك بوري، وطلب التُّرْكُمان والعرب، وأنفق الخزائن.
وأقبل الملاعين قاصدين دمشق، فنزلوا على جسر الخشب والميدان في ذي القعدة من السّنة، وبرز عسكر دمشق، وجاءت التُّركمان والعرب، وعليهم الأمير مُرَّة بن ربيعة وتعبّوا كراديسٍ في عدَّة جهات، فلم يبرز أحد من الفرنج، بل لزِموا خيامهم، فأقام الناس أيّامًا هكذا، ثمّ وقع المَصَافّ، فحمل المسلمون، وثبت الفرنج، فلم يزل عسكر الإسلام يكرّ عليهم ويفتك بهم إلى أن فشلوا وخُذلوا.
ثمّ ولّى كليام مقدَّم شجعانهم في فريقٍ من الخّيالة، ووضع المسلمون فيهم السّيف، وغُودروا صَرْعَى، وغنم المسلمون غنيمة لَا تُحَدّ ولا توصف، وهرب جيش الفرنج في اللّيل، وابتهج الخلْق بهذا الفتح المبين1.
ومنهم من ذكر هذه الملحمة في سنة أربعٍ كما يأتي، وانفرجت الكُرْبة من نصر الله تعالي ما لم يخطر ببال. وأمن النّاس، وخرجوا إلى ضياعهم، وتبدّلوا بالأمن بعد الخوف.
قتْل الباطنيَّة بدمشق:
وفيها قُتِلَ مَن كان يُرمى بمذهب الباطنيَّة بدمشق، وكان عددهم ستَّة آلاف2.
قتل الأسداباذي ببغداد:
وكان قد قِتل ببغداد من مُدَيْدَة إبراهيم الأَسَدَاباذيّ، وهرب ابن أخيه بهرام إلى
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 657، 658"، دول الإسلام "2/ 46".
2 المنتظم "10/ 13"، العبر "4/ 52"، شذرات الذهب "4/ 66".(36/12)
الشّام وأضَلّ خلفاءَه واسْتَغْواهم، ثمّ إنّ طُغتكين ولّاه بانياس، فكانت هذه من سيّئات طُغتكين، عفا الله عنه1.
قتال الباطنيّه في وادي التّيم:
وأقام بهرام له بدمشق خليفة يدعو إلى مذهبه، فكُثر بدمشق أتباعه. وملك بهرام عدَّة حصون من الجبال منها القَدْمُوس. وكان بوادي التَّيْم طوائف من الدَّرْزيَّة والنُصَيْريَّة والمجوس، واسم كبيرهم الضَحّاك، فسار إليهم بهرام وحاربهم، فكبس الضّحّاك عسكر بهرام، وقتل طائفة منهم، ورجعوا إلى بانياس بأسوأ حال.
خيانة المزدقاني وقتله:
وكان المَزْدقانيّ وزير دمشق يُعينهم ويُقوّيهم. وأقام بدمشق أبا الوفاء، فكثُر أتباعه وقويت شوكته، وصار حكمه في دمشق مثل حكم طُغتِكين. ثمّ إنّ المَزْدقاني راسلَ الفرنج، لعنهم الله، ليُسلِّم إليهم دمشق، ويُسلَّموا إليه صور. وتواعدوا إلى يوم جمعة، وقررّ المَزْدقاني مع الباطنيَّة أن يحتاطوا ذلك اليوم بأبواب الجامع، لا يمكنون أحدًا من الخروج، ليجيء الفرنج ويملك دمشق. فبلغ ذلك تاج المُلوك بوري، فطلب المَزْدقاني وطمّنه، وقتله وعلَّق رأسه على باب القلعة، وبذل السّيف في الباطنيَّة، فقتل منهم ستة آلاف. وكان ذلك فتحا عظيمًا في الإسلام في يوم الجمعة نصف رمضان.
فخاف الّذين ببانياس وذلُّوا، وسلّموا بانياس إلى الفرنج، وصاروا معهم، وقاسوا ذلًّا وهوانًا2.
انكسار الفرنج:
وجاءت الفرنج ونازلت دمشق، فجاء إلى بغداد في النّفير عبد الوهّاب الواعظ الحنبليّ، ومعه جماعة من التّجّار، وَهَمُّوا بكسر المنبر، فوُعِدوا بأن ينفّذ إلى السّلطان في ذلك. وتناخى عسكر دمشق والعرب والتركمان، فكسبوا الفرنج، وثبت الفريقان، ونصر الله دينه فقُتل من الفرنج خلق، وأسر منهم ثلاثمائة، وراحوا بشر خيبة، ولله الحمد3.
__________
1 العبر "4/ 52، 53"، شذرات الذهب "4/ 66".
2 الكامل في التاريخ "10/ 657"، دول الإسلام "2/ 46"، العبر "4/ 53"، شذرات الذهب "4/ 67".
3 الكامل في التاريخ "10/ 658"، دول الإسلام "2/ 46"، العبر "4/ 53".(36/13)
سنة أربع وعشرين وخمسمائة:
المطر والحريق بالموصل:
وردت أخبار بأنّ في جُمَادى الأولى ارتفع سحاب أمطر بلدَ الموصل مطرًا عظيمًا، وأمطر عليهم نارًا أحرقت من البلد مواضع ودُورًا كثيرة، وهرب النّاس1.
كسرة الإفرنج عند دمشق:
وفيها كُسِرت الإفرنج على دمشق، وقُتِلَ منهم نحو عشرة آلاف، ولم يفلت منهم سوى أربعين. وَصَل الخبر إلى بغداد بذلك، وكانت ملْحمة عظيمة2.
الملحمة بين ابن تاشفين وابن تومرت:
وفيها كانت ملحمة كبرى بين ابن تاشَفين، وبين جيش ابن تومرت، فقُتل من الموحّدين ثلاثة عشر ألفًا، وقُتِلَ قائدهم عبد الله الوَنْشريسيّ، ثم تحيّز عبد المؤمن بباقي الموحدين. وجاء خبر الهزيمة إلى ابن تومرت وهو مريض، ثمّ مات في آخر السّنة.
غدْر زنكي بسونج مرة أخرى:
وفيها راسل زنكيّ ابن آقْسُنْقُر صاحب حلب تاج الملوك بوري يلتمس منه إنفاذ عسكره ليحارب الفرنج، فتوثّق منه بأيمانٍ وعُهُود، ونفذ إلى زنكي خمسمائة فارس، وأرسل إلى ولده سونج وهو على حماة أن يسير إلى زنكيّ، فأحسن ملتقاهم وأكرمهم، ثمّ عمل عليهم، وغدر بهم، وقبض على سونج وجماعة أمراء، ونهب خيامهم، وهرب الباقون.
__________
1 المنتظم "10/ 14"، البداية والنهاية "12/ 200"، تاريخ الخلفاء "435".
2 المنتظم "10/ 15".(36/14)
تملُّك زنكي حماة:
ثمّ زحف إلى حماة فتملكها، ثم ساق إلى حمص، وغدر بصاحبها خرخان بن قُراجا واعتقله، ونهب أمواله، وتحلّف منه أن يسلّم حمص، ففعل، فأبى عليه بوّابه بها، فحاصرها زنكيّ مدَّة، ورجع إلى الموصل ومعه سونج، ثمّ أطلقه بمالٍ كثير.
مقتل الخليفة الآمر:
وفيها قُتِلَ صاحب مصر الخليفة الآمر بأحكام الله.
استيلاء سنجر على سمرقند:
وفي سنة أربعٍ قُتِلَ أمير سمرقند، فسار السّلطان سنجر فاستولى عليها، ونزل محمد خان من قلعتها بالأمان، وهو زوج بنت سنجر، وأقام سنجر بسمرقند مدَّة1.
انكسار الإفرنج أمام زنكيّ عند الأثارب:
وأمّا أهل حلب فكانوا مع الفرنج الّذين استولوا على حصن الأثارب في ضُرٍّ شديد لقربهم منهم. والأثارب على ثلاثة فراسخ من غربيّ حلب، فجاء عماد الدّين زنكيّ في هذا العام وحاصره، فسارت ملوك الفرنج لنجدته وللكشف عنه، فالتقاهم زنكيّ، واشتدّ الحرب، وثبت الفريقان ثباتًا كُلّيًا ثمّ وقعت الكسرة على الملاعين، ووُضع السّيف فيهم، وأُسِر فيهم خلْق. وكان يومًا عظيمًا. وافتتح زنكيّ الحصن عَنْوةً، وجعله دكًّا2.
محاصرة زنكيّ حارم:
ثمّ نزل على حارِم، وهي بالقرب من أنطاكيَّة، فحاصرها، وصالحهم على نصف دَخْلها. ومنها ذلَّت الفرنج، وعلموا عجزهم عن زنكيّ، واشتدّ أزر المسلمين3.
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 661، 662"، البداية والنهاية "12/ 200"، عيون التواريخ "12/ 207".
2 الكامل في التاريخ "10/ 662، 663"، المختصر في أخبار البشر "2/ 3، 4"، العبر "4/ 55".
3 الكامل في التاريخ "10/ 663".(36/15)
انهزام صاحب ماردين أمام زنكيّ:
وعدّى زنكيّ الفُرات، فنازل بعض ديار بكر، فحشد صاحب ماردين لقتاله، ونَجَده ابن عمُّه داود بن سُقْمان من حصن كَيْفا، وصاحب آمِد، حتى صاروا في عشرين ألفًا، فهزمهم زنكيّ، وأخذ بعض بلادهم1.
خلافة الحافظ بمصر:
وفيها مات الآمر بأحكام الله صاحب مصر، وولي بعده الحافظ.
وفاة زوجة السلطان:
وفيها ماتت زوجة السّلطان محمود خاتون بنت السّلطان سنجر.
مقتل صاحب أنطاكية:
وفيها قُتِلَ بيمُنْد صاحب أنطاكية.
وزارة ابن الصوفي بدمشق:
وفيها وَزَر بدمشق الرّئيس مفرّج ابن الصّوفي.
ظهور عقارب طيّارة:
وفيها ظهر عقارب طيارة، لها شوكتان، وخاف النّاس منها وقد قتلت جماعة أطفال2.
ملْك السّلطان قلعة ألَموت:
وفيها ملك السّلطان محمود قلعة ألموت.
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 644".
2 الكامل في التاريخ "10/ 666"، العبر "4/ 55"، النجوم الزاهرة "5/ 236"، البداية والنهاية "12/ 200".(36/16)
ومن سنة خمس وعشرين وخمسمائة:
رواية ابن الأثير عن دُبَيْس:
وقد ساق "ابن الأثير" قصَّة دُبَيْس فقال: لمّا فارق البصرة قصد الشّام، لأنه جاءه مَن طلبه إلى صرخد، وقد مات صاحبها، وغلبت سريّتُه على القلعة، وحدّثوها بما جرى على دبيس، فطلبته للتزوج به، وتُسلَّم إليه صَرْخَد بما فيها. فجاء إلى الشّام في البرّيَّة، فضلّ ونزل بأُناس من كلْب بالمرج، فحملوه إلى تاج الملوك، فحبسه، وعرف زنكيّ صاحب الموصل، فبعث يطلبه من تاج الملوك، على أن يُطْلق ولده سونج ومَن معه مِن الأمراء، وإن لم يفعل جاء وحاصره بدمشق، وفعل وفعل؛ فأجاب تاج الملوك، وسلّم إليه دُبَيْسًا، وجاءه ولده والأمراء.
وأيقن دُبَيْس بالهلاك للعداوة البليغة الّتي بينه وبين زنكيّ، ففعل معه خلاف ما ظنّ، وبالغ في إكرامه، وغرِم عليه أموالًا كثيرة، وفعل معه ما يفعل مع أكابر الملوك1.
ولما جرى على الباطنية ما ذكرناه عام ثلاثةٍ وعشرين تحّرقوا على تاج الملوك، وندبوا لقتله رجلين، فتوصلا حتّى خدما في ركابه، ثمّ وثبا عليه في جُمادَى الآخرة سنة خمسٍ، فجرحاه، فلم يصنعا شيئًا، وهبروهما بالسّيوف، وخيط جرح بعُنقه فبرأ، والآخر بخاصرته، فتنسّر، وكان سببًا لهلاكه.
وفاة الدبّاس:
وفيها تُوُفّي الشَيخ حمّاد الدّبّاس الزّاهد ببغداد.
عودة زنكيّ إلى الموصل:
قال ابن واصل: وفى المحرَّم سنة خمسٍ وعشرين توجّه زنكيّ راجعًا من الشّام إلى الموصل.
ردّ العراق إلى زنكيّ:
وفي ربيع الآخر من السّنة ردّ السّلطان محمود أمر العراق إلى زنكيّ، مُضافًا إلى ما بيده من الشّام والجزيرتين2.
__________
1 المنتظم "10/ 20"، البداية والنهاية "12/ 202"، دول الإسلام "2/ 47".
2 الكامل في التاريخ "10/ 669".(36/17)
سنة خمس وعشرين وخمسمائة:
القبض على دُبَيْس وبيعه:
فمن الحوادث أنّ دُبَيْسًا ضلّ في البرّيَّة، فقبض عليه مَخْلَد بن حسّان بن مكتوم الكلْبيّ بأعمال دمشق، وتمزّق أصحابه وتقطّعوا، فلم يكن له منجى من العرب، فحُمل إلى دمشق، فباعه أميرها ابن طُغتكِين مِن زنكيّ بن آقسنقر صاحب الموصل بخمسين ألف دينار. وكان زنكي عدوّه، لكنّه أكرمه وخوّله المال والسّلاح، وقدّمه على نفسه1.
وفاة المسترشد:
وتُوُفّي للمسترشد ابنٌ بالْجُدَريّ، وعُمره إحدى وعشرين.
الحرب بين السلطان داود وعمّه مسعود:
وتُوُفي السلطان محمود، فأقاموا ابنه داود مكانه، وأقيمت له الخطبة ببلاد الجبل وأذربيجان، وكثرت الأراجيف. وأراد داود قتل عمّه مسعود بقيام عمّه سَنْجَر.
وكان طُغْرُل يوم المصافّ على ميمنة عمّه، وكان على الميسرة خُوارَزْم بن أتسِز بن محمد، فبدأهم قُراجا بالحملة، فحمل على القلب بعشرة آلاف، فعطف على حنيتي العشرة آلاف ميمنة سنجر وميسرته، فصار في الوسط، وقاتلوا قتال الموت وأثخن قراجا بالجراحات، ثم أسروه، فانهزم الملك مسعود، وذلك في ثامن رجب.
وقيل: وجاء مسعود مستأنسًا إلى السلطان، فأكرمه وأعاده إلى كنجة وصفح عنه2.
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 668، 669".
2 الكامل في التاريخ "10/ 669، 670".(36/18)
سنة ست وعشرين وخمسمائة:
الحرب على السلطنة في بغداد:
فيها سار الملك مسعود بن محمدٍ إلى بغداد في عشرة آلاف فارس، وورد قُراجا السّاقي معه سلْجُوق شاه بن محمد أخو مسعود، وكلاهما يطلب السّلطنة. وانحدر زنكيّ من الموصل لينضم إلى مسعود أو سلْجوق، فأرجف الناس بمجيء عمهما سنجر، فعملت السور وجنى العقار، وخرجوا جريدة بأجمعهم مُتَوَجهين لحرب سَنْجَر، وألزم المسترشد قُراجا بالمسير، فكرهه ولم يجد بُدًّا من ذلك، وبعث سَنْجَر يقول: أنا العبد، ومهما أُريدَ مني فعلت. فلم يقبل منه.
ثمّ خرج المسترشد بعد الجماعة، وقُطعت خطبة سَنْجَر، فقدِم سَنْجَر هَمَذَان، فكانت الوقعة قريبًا من الدَّينَوَر1.
رواية ابن الجوزي:
قال ابن الْجَوْزيّ: وكان مع سَنْجَر مائة ألف وستّون ألفًا.
وكان مع قُراجا ومسعود ثلاثون ألفًا.
وكانت ملحمة كبيرة، أُحصِي القتلى فكانوا أربعين ألفًا، وقُتِلَ قُراجا، وأُجلس طُغْرُل على سرير المُلْك، وعاد سَنْجَر إلى بلاده2.
هزيمة زنكيّ ودُبَيْس:
وجاء زنكيّ ودُبَيْس في سبعة آلاف ليأخذ بغداد، فبلغ المسترشد اختلاط بغداد، وكسْرة عسكره، فخرج من السّرداق بيده السّيف مجذوب، وسكن الأمر. وخاف هو، وعاد من خانقين، وإذا بزنكيّ ودُبَيْس قد قاربا بغداد من غربيّها، فعبر الخليفة إليهم في ألفَين، وطلب المهادنة، فاشتطا عليه، فحاربهما بنفسه وعسكره، فانكسرت ميسرته، فكشف الطّرحة ولبس البُرْدة، وجذب السّيف، وحمل، فحمل العسكر، فانهزم زنكيّ ودُبَيْس، وقتل من جيشهما مقتلة عظيمة، وطلب زنكي تكريت، ودبيس الفرات منهزمين3.
__________
1 المنتظم "10/ 25، 26"، الكامل في التاريخ "10/ 676 - 678"، العبر "4/ 67"، البداية والنهاية "12/ 203".
2 الكامل في التاريخ "10/ 676 - 678"، المنتظم "10/ 25، 26"، دول الإسلام "2/ 47، 48".
3 الكامل في التاريخ "10/ 678"، العبر "4/ 67"، البداية والنهاية "12/ 203".(36/19)
هلاك بغدوين:
وفيها هلك بغدوين الرويس ملك الفرنج بعكّا، وكان شيخًا مُسِنًّا، داهية، ووقع في أسْر المسلمين غير مرَّة في الحروب، ويتخلّص بمكرْه وحِيَله، وتملّك بعده القُومْص كُنْدانحور، فلم يكن له رأس، فاضطّربوا واختلفوا ولله الحمد.
تملّك شمس الملوك دمشق:
وتملّك دمشق شمس الملوك بعد أبيه تاج الملوك بوري بن طُغتِكين، فقام بالأمر، وخافَتْه الفرنج، ومهّد الأمور، وأبطل بعد المظالم، وفرح النّاس بشهامته وفَرْط شجاعته، واحتملوا ظُلْمه.
وقعة همذان:
وفيها كانت وقعة بهَمَذان بين طُغْرُل بن محمد وبين داود بن محمود بن محمد، فانتصر طغرل1.
وزارة أنوشروان:
وفيها وَزَر أنُوشُرْوان بن خالد للمسترشد بعد تمنُّع، واستعفى.
هزيمة دُبَيْس:
وعاد دُبَيْس بعد الهزيمة يلوذ ببلاده، فجمع وحشد. وكانت الحِلَّة وأعمالها في يد إقبال المسترشديّ، وأُمِدَّ بعسكرٍ من بغداد، فهزم دُبَيْس، وحصل دُبَيْس في أَجَمة فيها ماء وقصب ثلاثة أيّام، لَا يأكل شيئًا، حتّى أخرجه جمّاس على ظهره وخلّصه2.
قدوم الملك داود بغداد:
وقدم الملك داود بن محمد إلى بغداد.
القبض على الوزير شرف الدين:
وفيها قبض الخليفة على الوزير شرف الدّين، وأخذ سائر ما في دياره.
__________
1 المنتظم "10/ 26"، البداية والنهاية "12/ 204".
2 المنتظم "10/ 27"، الكامل في التاريخ "10/ 679".(36/20)
سنة سبع وعشرين وخمسمائة:
الخطبة بالسلطنة لمسعود:
خُطِب لمسعود بن محمد بالسّلطنة ببغداد في صَفر، ومِن بعده لداود، وخُلِع عليهما وعلى الأمير آقْسُنْقُر الأحمديليّ مقدَّم جيوش السّلطان محمود، وهو المقيم داود بعده في الملك.
واستقرّ مسعود بهمذان1.
انهزام طُغْرل:
وكانت وقعة انهزم فيها طُغْرُل.
مقتل آقسنقر:
ثمّ قُتِلَ آقْسُنْقُر، قتلته الباطنيَّة.
غارة التركمان على بلاد طرابلس:
وفيها قصد أمير التّركمان الجزريّين بلاد الشام، فأغاروا على بلاد طرابُلُس، وصموا وسبوا، فخرج ملك طرابُلُس بالفرنج، فتقهقر التُرْكُمانيّ، ثمّ كرّوا عليه فهزموه، وقتلوا في الفرنج فأكثروا وأطنبوا، فالتجأ إلى حصن بَعرين، فحاصرته التُرْكُمان أيّامًا. وخرج في اللّيل هاربًا، فجمعت الفرنج لنجدته ملوكهم، وردّ فواقع التُرْكُمان ونال منهم2.
الخلاف بين الفرنج:
وفيها وقع الخُلْف بين الفرنج بالشّام، وتحاربوا وقُتِلَ منهم، ولم يجر لهم بذلك سابقة.
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 686"، المنتظم "10/ 29"، البداية والنهاية "12/ 204".
2 الكامل في التاريخ "11/ 7، 8"، دول الإسلام "2/ 48"، البداية والنهاية "12/ 204".(36/21)
وقعة الأمير سوار بالفرنج:
وفيها واقع الأمير سوار نائب زنكيّ على حلب الفرنج، فقتل من الفرنج نحو الألف، ولله الحمد.
محاولة اغتيال شمس الملوك:
وفيها وثب على شمس الملوك صاحب دمشق مملوك نجدة، فضربه بسيفٍ لم يُغن شيئًا، وقتلوه بعد أن أقرّ على جماعة وادعى أنه إنما فعل ذلك ليريح المسلمين من ظُلمه وعسفه، فقُتِلَ معه جماعة1.
مقتل سونج:
وقتل شمس الملوك أخاه سونج الذي أسره زنكيّ، فحزن النّاس عليه.
انهزام دُبَيْس بواسط:
وفيها جمع دُبَيْس جمْعًا بواسط، وانضم إليه جماعة من واسط، فنفّذ الخليفة لحربه البازدار وإقبال الخادم، فهزموه وأسروا بختيار2.
حصار المسترشد الموصل:
وعزم المسترشد على المسير إلى الموصل، فعبرت الكوسات والأعلام إلى الجانب الغّربي في شعبان، ونودي ببغداد: من تخلّف مِن الْجُنْد حُلّ دمُهُ. ثمّ سار أمير المؤمنين في اثني عشر ألف فارس، ونفِّذ إلى بهروز يقول له: تنزل عن القلعة، وتسلّم الأموال، وتدخل تحت الطّاعة. فقال: أنا رجل كبير عاجز، ولكن أنفَّذ الإقامات وتقدمه. ففعل وعفى عنه.
ووصل الخليفة الموصل في العشرين من رمضان، فحاصرها ثمانين يومًا، وكان القتال كل يوم. ووصل إليه أبو الهيج الكرديّ من الجبل في عساكر كثيرة.
ثمّ إنّ زنكيّ بعث إلى الخليفة: إني أعطيك الأموال، فترحل عنّا. فلم يُجِبْه، ثم
__________
1 الكامل في التاريخ "11/ 8، 9"، المختصر في تاريخ البشر "3/ 8".
2 المنتظم "10/ 29".(36/22)
رحل، فقيل كان سبب رحيله أنّه بلغه أنّ السّلطان مسعودًا قد غار وقتل الأحمديليّ، وخلع على دُبَيْس1.
وعظ ابن الجوزي بجامع المنصور:
وقال "ابن الجوزي": وتوفي شيخنا ابن الزّاغونيّ، فأخذ بحلقته بجامع القصر أبو عليّ بن الراذاني، ولم أعطها لصغري، فحضرت عند الوزير أنوشروان، وأوردت فصلًا في الوعظ، فأذِن لي في الجلوس بجامع المنصور، فحضر مجلسي أوّل يومٍ الكبار من أصحابنا عبد الواحد بن شُنَيْف، وأبو على ابن القاضي، وابن قساميّ، وقوي اشتغالي بفنون العلم. وأخذت عن أبي بكر الدِّينَوَرِيِّ الفقه، وعن ابن الجواليقيّ اللّغة، وتتبّعتُ مشايخ الحديث2.
أخْذ بانياس من الفرنج:
وفيها أخذ شمس الملوك بانياس من الفرنج بالسّيف، وقلعتها بالأمان، فلما نزلوا أسروهم. وقدم شمس الملوك دمشق مؤيدا منصورا، والأسرى بين يديه ورءوس القتلى. ورأى النّاس ما أقرّ أعينهم، فلله الحمد. وكان يومًا مشهودًا3.
وفاة صاحب مكة:
وفيها مات صاحب مكَّة أبو فُلَيْتَة، وولي بعده أبو القاسم.
حصار مدينة أفراغه بالأندلس:
وفيها نازل ابن رُدْمير مدينة أفراغه، فحاصرها وبها ابن مردنش.
__________
1 الكامل في التاريخ "11/ 5، 6"، المنتظم "10/ 30"، تاريخ مختصر الدول "203، 204".
2 المنتظم "10/ 30".
3 الكامل في التاريخ "10/ 684، 685"، دول الإسلام "2/ 48"، النجوم الزاهرة "5/ 250".(36/23)
سنة ثمان وعشرين وخمسمائة:
الخِلْعة لإقبال الخادم:
فيها خُلِع على إقبال الخادم خِلْعة المُلْك، ولُقِّب بسيف الدّولة ملك العرب.
مصالحة زنكيّ:
ووقع الصُلح مع زنكيّ بن آقْسُنْقُر، وجاءَ منه الحمل.
وزارة ابن طِراد:
وصُرِف عن الوزارة أنوشروان، وأُعيد أبو القاسم بن طراد. وقبص على بطر الخادم وسُجن وأُخِذت أمواله. وخُلِع على ابن طِراد خِلْعة الوزارة، وأُعطي فَرَسًا برُقْية، وثلاثة عشر حمْل كوسات، وأعلامًا ومَهْدًا.
الخِلعة لابن الأنباري:
وقدِم رسول السّلطان سنْجر، فخلع عليه، وأرسل إلى سنجر مع رسوله ومع ابن الأنباري خلَعًا عظيمة الخطر بمائة وعشرين ألف دينار1.
محاصرة بهروز:
وبعث الخليفة إلى بهروز الخادم، وهو بالقلعة، يطلب منه حملًا فأبى، فبعث جيشًا لقتاله، فحاصروه.
خدمة السَّلحدار:
وقدِم ألْبقش السَّلحدار التُّرْكي طلبًا للخدمة مع الخليفة.
استعراض الخليفة الجيش:
ثمّ إنّ الخليفة خلع على الأمراء، وعرض الجيش يوم العيد، ونادى: لَا يختلط بالجيش أحد. ومن ركب بَغْلًا أو حمارًا أُبيح دَمُه.
وخرج الوزير وصاحب المخزن والقاضي ونقيب النُقباء وأركان الدَولة في زِيّ لم يُرَ مثله من الخيل والزّينة والعسكر والملبس، فكان الجيش خمسة عشر ألف فارس2.
__________
1 المنتظم "10/ 35"، العبر "4/ 72"، مرآة الجنان "3/ 253".
2 المنتظم "10/ 35".(36/24)
توطُّد المُلك لطُغْرل:
وعاد طُغْرُل إلى هَمذان وانضمت إليه عساكر كثيرة، وتوطّد له المُلْك، وانحل أمر أخيه مسعود. وسببه أنّ الخليفة بعث بخلع إلى خوارزم شاه، فأشار دُبَيْس على طُغْرُل بأخذها، وإظهار أنّ الخَليفة بعثها له. ففعل1.
الخلاف بين الخليفة ومسعود:
وبعث الخليفة يحثّ مسعودًا على المجيء ليرفع عنه، فدخل أصبهان في زِيّ التُرْكُمان، وخاطر إلى أن وصل بغداد في ثلاثين فارسًا، فبعث إليه الخليفة تُحَفًا كثيرة.
وعثر على بعض الأمراء أنه يكاتب طُغْرل، فقبض عليه الخليفة، فهرب بقيَّة الأمراء إلى مسعود، وقالوا: نحن عبيدك، فإذا خَذَلْتنا قَتَلَنا الخليفة، فطلبهم الخليفة، فقال مسعود: قد التجئوا إليّ. فقال الخليفة: إنما أفعل هذا لأجلك، أو يصيبك نوبة بعد نوبة.
ووقع الاختلاف بينهما، وشاش العسكر، ومدوا أيديهم إلى أذى المسلمين، وتعذر المشْي بين المَحَالّ، فبعث إليه الخليفة يقول له: تنصرف إلى بعض الجهات، وتأخذ العسكر الّذين صاروا إليك. فرحل في آخر السّنة والخواطر متوحّشة. فأقام بدار الغربة. وجاءت الأخبار بتوجُّه طُغْرُل إلى بغداد. فلّما كان يوم سلْخ السّنة نفّذ إلى مسعود الخِلع والتّاج، وأشياء بنحو ثلاثين ألف دينار نِعَم2.
هزيمة ابن رُدمير وموته:
وفيها حاصر ملك الفرنج ابن رُدمير مدينة أفراغه من شرق الأندلس، وكان إذ ذاك على قُرْطُبة تاشَفين ابن السّلطان، فجهّز الزّبير اللُّمتُونيّ بألفي فارس، وتجهّز أمير مُرْسيَّة وبَلَنْسِيَة -يحيى بن غانية- في خمسمائة وتجهز عبد الله بن عياض صاحب لارَدَة في مائتين، فاجتمعوا وحملوا الميرة إلى أفراغه. وكان ابن عياض فارس زمانه، وكان ابن رُدْمير في اثني عشر ألف فارس.
فأدركه العجب، وقال لأصحابه: اخرجوا
__________
1 المنتظم "10/ 35"، الكامل في التاريخ "11/ 12، 13".
2 المنتظم "10/ 35، 36".(36/25)
خُذُوا هذه الميرة. ونفّذ قطعة من جيشه، فهزمهم ابن عياض، فساق ابن رُدْمير بنفسه، والْتحم الحرب، واسْتَحَر القتْل في الفرنج، وخرج أهل أفراغه الرّجال والنّساء، فنهبوا خِيَم الروم. فانهزم الطّاغية، ولم يفلت من جيشه إلا القليل، ولحق بسَرَقُسْطة، فبقي يسأل عن كبار أصحابه، فيقال له: قُتِلَ فُلان، قُتِلَ فُلان، فمات غمًّا بعد عشرين يومًا.
وكان بليَّة على المسلمين، فأهلكه الله1.
فتح الموحّدين لتادلة:
وفيها خرج عبد المؤمن في الموحِّدين من " ... "2 فافتتح تادلة ونواحيها، وسار في تلك الجبال يفتتح معموره.
حرب تاشفين للموحّدين:
وأقبل تاشفين من الأندلس باستدعاء ابنه، فانُتدِب لحرب الموحّدين.
مسير الفرنج إلى حلب:
وفيها سار صاحب القدس بالفرنج؛ فقصد حلب، فخرج إليه عسكرها، فالتقوا، فانهزم المسلمون، وقُتِلَ منهم مائة فارس، ثمّ التقوا ونَصَر الله.
محاولة اغتيال شمس الملوك:
وفيها وثب إيليا الطّغتِكينيّ في الصيد على شمس الملوك بأرض صيدنايا بالسّيف، فغطس عنها، ورمى بنفسه إلى الأرض، وضربه ثانية، فوقعت في رقَبَة الفَرَس أتْلَفَتْه.
وتلاحقت الأجناد فهرب إيليا، ثمّ ظفروا به، فقتله صبرًا، وقتل جماعة بمجرّد قول إيليا فيهم، وبنى على أخيه حائطًا، فمات جوعًا. وبالغ في الظُلْم والعَسف، وبنى دار المَسَرَّة بالقلعة، فجاءت بديعة الحسن3.
__________
1 الكامل في التاريخ "11/ 23، 24".
2 بياض في الأصل.
3 الكامل في التاريخ "11/ 8، 9"، نهاية الأرب "27/ 84"، النجوم الزاهرة "5/ 52".(36/26)
خلاف الإسماعيلية والسُنَّة بمصر:
وفيها جاءت الأخبار من مصر بخُلْف ولدي الحافظ لدين الله عبد المجيد وهما: حيدرة، والحسن. وافترق الْجُند فِرقتين، إحداهما مائلة إلى الإسماعيلية، والأخرى إلى مذهب السُّنَّة. فاستظهرت السُّنَّة، وقتلوا خلقًا من أولئك، واستحر القتْل بالسّودان، واستقام أمر وليّ العهد حسن، وتتبّع من كان ينصر الإسماعيليَّة من المقدَّمين والدُّعاة، فأبادهم قتْلًا وتشريدًا.
قال أبو يَعْلى حمزة: فورد كتاب الحافظ لدين الله شمس الملوك بهذا الخلاف1.
نقض الفرنج الهدنة:
وفيها فسخت الفرنج الهدنة وأقبلت بخُيَلائها، فجمع شمس الملوك جيشه، واستدعى تُرْكُمان النواحي، وبرز في عساكره نحو حَوران، فالتقوا. وكانت الفرنج في جمعٍ كثيف، فأقامت المناوشة بين الفريقين أيامًا، ثم غافلهم شمس الملوك، ونهض ببعض الجيش، وقصد عكا والناصرة، فأغار وغنم، فانزعجت الفرنج، وردوا ذليلين، وطلبوا تجديد الهدنة2.
__________
1 ذيل تاريخ دمشق "242"، نهاية الأرب "28/ 299، 300"، المقفي الكبير "3/ 416- 419".
2 ذيل تاريخ دمشق "242، 243"، الكامل في التاريخ "11/ 11، 12"، المختصر في أخبار البشر "3/ 8".(36/27)
سنة تسع وعشرين وخمسمائة:
إخراج مسعود من بغداد:
قد ذكرنا أنّ الخليفة قال لمسعود: أرحل عنّا. وأنه بعث إليه بالخلع والتاج، ثم نفذ إلى الجاوليّ شِحْنَة بغداد، مصانِعًا له على الخروج، وأمره إن هو دافع أن يرمي خيمته. ثمّ أحسَّ منه أنّه قد باطَنَ الأتراك، واطّلع منه على سوء نِية، فأخرج أمير المؤمنين سُرَادقه، وخَرَج أرباب الدّولة، فجاء الخبر بموت طُغْرُل، فرحل مسعود جريدةً، وتلاحَقَتْه العساكر، فوصل هَمَذَان، واختلف عليه الجيش، وانفرد عنه قُزُل، وسُنْقُر، وجماعة، فجهز لحربهم، وفرّق شملهم، فجاء منهم إلى بغداد جماعة، وأخبروا سوء نيته، منهم البازدار، وقُزُل، وسُنْقُر1.
القبض على أنوشروان:
وسار أنوشروان بأهله إلى خُراسان لوزارة السّلطان مسعود، فأُخِذ في الطّريق.
استرجاع زنكيّ المعرَّة:
وفيها افتتح الأتابك زنكيّ بن آقْسُنْقُر المَعَرَّة، فأخذها من الفرنج. وكان لها في أيديهم سبعٌ وثلاثون سنة، وردّ أملاكهم، وكُثر الدّعاء له2.
طاعة ابن زنكيّ للخليفة:
وفيها قدِم الموصلَ ابن زنكيّ من عند والده بمفاتيح المَوصل مُذْعِنًا بالطّاعة والعُبوديَّة للخليفة، فخرج الموكب لتلقّيه، وأكرم مورده. ونزل وقَبل العَتَبَة.
موت رسول دُبَيْس:
وجاء رسول دُبَيْس يقول: أنا الخاطئ المُقِرّ بذنْبه.
فمات رسوله، فذهب هو إلى مسعود.
كتاب ابن الأنباريّ:
وجاء السّديد بن الأنباري من عند السّلطان سنْجر، ومعه كتابه يقول فيه: أنا العبد المملوك.
ثم توارت الأخبار بعزم مسعود على بغداد، وجمع وحشد، فبعث الخليفة إلى بكبة نائب البصرة، فوعدَ بالمجيء.
ووصل إلى حُلوان دُبَيْس وهو سائس عسكر مسعود، فجهّز الخليفة ألفيْ فارس تقدّمه، وبعث إلى أتابك زنكيّ، وكان مُنازِلًا دمشق3.
__________
1 العبر "4/ 75"، المنتظم "10/ 41"، الكامل في التاريخ "11/ 19، 24، 25".
2 العبر "4/ 75"، زبدة الحلب "2/ 259".
3 المنتظم "10/ 42".(36/28)
انفصال الأمراء عن جيش مسعود:
وبعث سَنْجَر إلى مسعود أن هؤلاء الأمراء، وهم البازدار وابن برسُق، وقُزُل، وبرتقش، ما يتركونك تنال غَرَضًا لأنّهم عليك، وهم الّذين أفسدوا أمر أخيك طُغْرُل، فابعث إليَّ برءوسهم. فأطْلَعهم على الكتاب، فقبّلوا الأرض وقالوا: الآن علمنا أنّك صافٍ لنا، فابعث دُبَيْسًا في المقدّمة. ثمّ اجتمعوا وقالوا: ما وراء هذا خير، والرأي أن نمضي إلى أمير المؤمنين، فإن له في رقابنا عهدًا. وكتبوا إليه: إنا قد انفصلنا عن مسعود، ونحن في بلاد برسُق، ونحن معك، وإلّا فاخطب لبعض أولاد السّلاطين، ونفّذه نكون في خدمته. فأجابهم: كونوا على ما أنتم عليه، فإني سائر إليكم. وتهيأ للخروج، فلما سمع مسعود ساق لكبسهم، فانهزموا نحو العراق، فنهب أموالهم.
وجاءت الأخبار، فهيّأ لهم الخليفة الإقامات والأموال1.
مهاجمة مقدّمة جيش الخليفة:
وخرج عسكر بغداد والخليفة، وانزعج البلد.
وبعث مسعود خمسة آلاف ليكسبوا مقدّمة الخليفة، فبيّتوهم وأخذوا خيلهم وأموالهم، فأقبلوا عُراة، ودخلوا بغداد في حالٍ رديئة. فأطلق لهم ما أصلح أمرهم.
وجاء الأمراء الكبار الأربعة في دجلة فأكرموا وخُلِع عليهم، وأُطلق لهم ثمانون ألف دينار، ووُعدوا بإعادة ما مضى لهم2.
قطع الخطبة لمسعود:
وقُطعت خطبة مسعود وخُطِب لسَنْجَر، وداود.
استمالة مسعود الأطراف إليه:
ثمّ برز الخليفة، وسار في سبعة آلاف فارس، وكان مسعود بهمذان في ألفٍ وخمسمائة فارس؛ ثم أفسد نيّات الأطراف بالمكاتبة، واستمالهم حتّى صار في نحو
__________
1 المنتظم "10/ 43"، الكامل في التاريخ "11/ 24، 25"، الإنباء في تاريخ الخلفاء "221".
2 المنتظم "10/ 44"، الكامل في التاريخ "11/ 25".(36/29)
خمسة عشر ألف فارس، وتسلَّل إليه ألفا فارس من عسكر المسترشد. ونفّذ زنكيّ إلى الخليفة نجدةً، فلم يلحق1.
أسر المسترشد:
ووقع المصافّ في عاشر رمضان، فلمّا التقى الْجَمْعان هرب جميع العسكر الّذين كانوا مع المسترشد، وكان على ميمنته قزل، والبازدار، ونور الدّولة الشحنة، فحملوا على عسكر مسعود، فهزموهم ثلاثة فراسخ ثمّ عادوا فرأوا المَيْسَرَة قد غدرت، فأخذ كلّ واحدٍ منهم طريقًا وأُسِر المسترشد وحاشيته، وأُخِذ ما معه، وكان معه خزائن عظيمة، فكانت صناديق الذَّهب على سبعين بغلا أربعة آلاف ألف دينار، وكان الثّقْل على خمسة آلاف جَمَل، وخزانة السبق أربعمائة بغْل.
ونادى مسعود: المال لكم، والدَّمُ لي، فمن قُتِلَ أَقَدْتُه. ولم يُقتل بين الصَّفَّيْن سوى خمسة أنْفُس غَلَطًا.
ونادى: من أقام من أصحاب الخليفة قُتِلَ. فهرب النّاس، وأخذتهم التُّرْكُمان، ووصلوا بغداد وقد تشقَّقت أرجُلُهم، وبقي الخليفة في الأسر2.
كتاب الخليفة إلى أستاذ الدار:
وبعث بالوزير ابن طِراد وقاضي القُضاة الزَّيْنبيّ، وبجماعةٍ إلى قلعة، وبعث شِحْنة بغداد ومعه كتاب من الخليفة إلى أستاذ الدّار، أمره مسعود بكتابته، فيه: ليعتمد الحسين بن جَهِير مُراعاة الرّعيَّة وحمايتهم، فقد ظهر من الولد غياث الدّنيا والدّين، أمتع الله به في الخدمة ما صدقت به الظُّنُون. فلْيجتمع وكاتب الزّمام وكاتب المخزن إلى إخراج العمّال إلى النّواحي، فقد ندب من الجانب الغياثيّ هذا الشِّحْنة لذلك، ولْيَهْتمّ بكِسوَة الكعبة، فنحن في إثر هذا المكتوب3.
__________
1 المنتظم "10/ 44، 45"، الكامل في التاريخ "11/ 25"، مرآة الجنان "3/ 255".
2 المنتظم "10/ 43-48"، الكامل في التاريخ "11/ 24-26"، سير أعلام النبلاء "19/ 565-568".
3 المنتظم "10/ 45، 46".(36/30)
ثورة أهل بغداد:
وحضر يد الفِطْر، فنفر أهل بغداد ووثبوا، ووثبوا على الخطيب، وكسروا المنبر والشّبّاك، ومنعوه من الخطْبة، وَحَثَوْا في الأسواق على رءوسهم التُّراب يبكون ويضجّون، وخرج النّساء حاسراتٍ يندُبن الخليفة في الطُّرُق وتحت التّاج، وهمّوا برجْم الشِّحْنة، وهاشوا عليهم، فاقتتل أجناده والعوامّ، فقتِل من العوامّ مائة وثلاثة وخمسون نفْسًا، وهرب أبو الكَرَم الوالي، وحاجب الباب إلى دار خاتون، ورمى أعوان الشحنة الأبواب الحديد التي عَلَى السور، ونقبوا فِيهِ فتحات، وأشرفت بغداد على النَّهْب، فنادى الشِّحْنة: لَا ينزل أحدٌ في دار أحد، ولا يؤخذ لأحدٍ شيء، والسّلطان جاي بين يدي الخليفة، وعلى كتفه الغاشية. فسكن النّاس. وطلب السّلطان من الخليفة "نظر الخادم" فنفّذ أطلقه، وسار بالخليفة إلى داود، إلى مَرَاغة1.
زلزلة بغداد:
وقال ابن الجوزيّ: وزلزلت بغداد مِرارًا كثيرة، ودامت كلّ يومٍ خمس أو ست مرّات إلى ليلة الثّلاثاء، فلم تزل الأرض تَمِيد من نصف اللّيل إلى الفجر، والنّاس يستغيثون2.
تفاقم الأمر ببغداد:
وتصّرف عمّال السّلطان في بغداد، وعوّقوا قرى وليّ العهد، وختموا على غلّاتها، فافْتَكّ ذلك منهم بستّمائة دينار، فأطلقوها.
وتفاقم الأمر، وانقطع خبر العسكر، واستسلم النّاس3.
رسالة سَنْجَر إلى مسعود بطاعة الخليفة:
ثمّ أرسل سَنْجَر إلى ابن أخيه مسعود يقول: ساعة وقوف الولد غياث الدّنيا والدّين على هذا المكتوب يدخل على أمير المؤمنين ويُقبّل الأرض بين يديه، وتسأله
__________
1 المنتظم "10/ 43-46"، الكامل في التاريخ "11/ 26"، العبر "4/ 77".
2 المنتظم "10/ 46"، الكامل في التاريخ "11/ 34"، البداية والنهاية "12/ 208".
3 المنتظم "10/ 46"، التاريخ الباهر "52".(36/31)
العفْو والصَّفح، وتتنصّل غاية التّنصُّل، فقد ظهرت عندنا من الآيات السّماويَّة والأرضية ما لَا طاقة لنا بسماع مثلها، فضلًا عن المشاهدة من العواصف والبُرُوق والزلازل، ودوام ذلك عشرين يومًا، وتشويش العساكر وانقلاب البلدان، ولقد خِفْت على نفسي من جانب الله وظهور آياته، وامتناع الناس من الصّلوات في الجوامع، ومنْع الخُطَباء ما لَا طاقة لي بحمله، فالله الله بتلافي أمرك، وتعيد أمير المؤمنين إلى مقّر عزّه، وتسلِّم إليه دُبَيْسًا ليحكم فيه، وتحمل الغاشية بين يديه أنت وجميع الأمراء، كما جرت عادتنا وعادة آبائنا.
فنفّذ مسعود بهذه المكاتبة مع الوزير، ونظر، فدخلا على الخليفة، واستأذنا لمسعود، فدخل وقبّل الأرض، ووقف يسأل العفو، فقال: قد عُفِي عن ذنْبك، فاسكن وَطِبْ نفْسًا1.
شفاعة مسعود بدُبَيْس:
ثمّ عامله مسعود بما أمره به عمّه، وسأل من الخليفة أن يُشَفَّعه في دُبَيْس، فأجابه، فأحضروه مكتوفا بين أربعة أمراء، ومع واحد سيف مجذوب، وكَفَن منشور، وأُلقي بين يدي السّرير، وقال مسعود: يا أمير المؤمنين هذا السّبب الموجب لِما تمّ، فإذا زال السّبب زال الخلاف، ومهما تأمر نفعل به. وهو يبكي ويتضرَّع ويقول: العفو عند المقدرة، وأنا أقَلّ وأَذَلّ.
فعفي عنه وقال: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} [يوسف: 92] فخلّوه، وقبّل يد أمير المؤمنين وأَمرَّها على وجهه، وقال: بقرابتك من رَسُول اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلّا ما عفوت عنّي، وتركتني أعيش في الدّنيا، فإنّ الخوف منك قد برّح بي2.
نقضْ سور بغداد:
وأمّا بكبة شِحْنة بغداد، فإنّه أمر بنقْض السُّور ببغداد، فنُقِض مواضع كثيرة.
وقال: عمرتموه بفرح، فانقضوه لذلك.
__________
1 المنتظم "10/ 47"، الكواكب الدرية "100"، أخبار الدول "2/ 169، 170".
2 المنتظم "10/ 48".(36/32)
وضربت لهم الدبادب، وردوا الباب الحديد الّذي أُخِذ من جامع المنصُور إلى مكانه1.
قتل الباطنيَّة الخليفة المسترشد:
وقدِم رسولٌ ومعه عسكر يستحثّ مسعود أمر جهة عمّه على إعادة الخليفة إلى بغداد، فجاء في العسكر سبعة عشر من الباطنيَّة، فذُكر أنّ مسعودًا ما علم بهم، فالله أعلم، فركب السّلطان والعساكر لتلقي الرسول، فهجمت الباطنيَّة على الخليفة، ففتكوا به رحمه الله، وقتلوا معه جماعة من أصحابه، فعلم العسكر، فأحاطوا بالسُّرادق فخرج الباطنيَّة وقد فرغوا من شُغلهم، فقُتِلَوا. وجلس السّلطان للعزاء، ووقع النّحيب والبكاء؛ وذلك على باب مَرَاغة، وبها دُفن.
وجاء الخبر، فطلب الرّاشد النّاس طول الليل فبايعوه ببغداد، فلمّا أصبح شاع قتْله، فأغلق البلد، ووقع البكاء والنّحيب، وخرج النّاس حُفاةً مُخَرَّقي الثّياب، والنّساء منشّرات الشُّعور يلْطِمْن، ويقُلْن فيه المراثي على عادتهنّ، لانّ المسترشد كان محبَّبًا فيهم بمرة، لما فيه من الشّجاعة والعدل والرَّفْق بهم2.
فمن مراثي النّساء فيه:
يا صاحب القضيب ونور الخاتم ... صار الحريم بعد قتلك رائم
اهتزّت الدّنيا ومَن عليها ... بعد النّبيّ ومن ولي عليها
قد صاحت البومة على السُّرادق ... يا سيّدي ذا كان في السّوابق
تُرَى تراك العينُ في حريمك ... والطَّرحة السّواد على كريمك
وَعُمِلَ العزاء في الديوان ثلاثة أيام، تولى ذلك ناصح الدّولة ابن جَهير، وأبو الرّضا صاحب الدّيوان.
بيعة الراشد بالخلافة:
ثمّ شرعوا في الهناء، وكتب السلطان إلى الشحنة بكبة أن يبايع للراشد.
__________
1 المنتظم "10/ 48، 49".
2 الكامل في التاريخ "11/ 27"، المنتظم "10/ 49"، سير أعلام النبلاء "19/ 561، 573"، البداية والنهاية "12/ 208".(36/33)
وجلس الراشد في الشباك في الدار المثمنة المقتدرية، وبايعه الشحنة من خارج الشّبّاك، وذلك في السابع والعشرين من ذي القعدة. وظهر للنّاس؛ وكان أبيض جسيمًا بحمرةٍ مستحسَنَة. وكان يومئذٍ بين يديه أولاده وإخوته، ونادى بإقامة العدل وردّ بعض المظالم1.
ظهور التشيّع أيام الغدير:
وفي أيّام الغدير ظهر التَّشيُّع، ومضى خلقٌ إلى زيارة مشهد عليّ ومشهد الحسين.
منازلة زنكيّ دمشق:
وفيها نازل زنكيّ دمشق، وحاصرها أشدّ حصار، فقام بأمر البلدان أتمّ قيام، وأحبّه النّاس، فجاء زنكيّ رسول المسترشد بالله يأمره بالرحيل2.
مسير سَنْجَر إلى غزنة وهرب ملكها:
وفي ذي القعدة سار السّلطان سَنْجَر بالجيوش إلى غَزْنَة فأشرف عليها، وهرب منه ملكها، فأمّنه ونهاه عن ظُلْم الرّعيَّة، وأعاده إلى مملكته، وهو بهرام شاه. ورجع السّلطان فوصل بلْخ في شوّال من سنة ثلاثين3.
__________
1 المنتظم "10/ 50"، الكامل في التاريخ "11/ 28"، المختصر في أخبار البشر "3/ 10".
2 الكامل في التاريخ "11/ 21، 22"، المختصر في أخبار البشر "3/ 9"، الكواكب الدرية "103".
3 الكامل في التاريخ "11/ 28-30".(36/34)
سنة ثلاثين وخمسمائة:
رفض الراشد بالله مضمون كتاب المسترشد:
جاء برتقش بأمورٍ صعبة، فقالوا للراشد بالله: جاء مطالبًا بخطٍ كتبه المسترشد بالله لتخليص من أسره بمبلغ، وهو سبعمائة ألف دينار، ويطالب لأولاد صاحب المخزن بثلاثمائة ألف، وبقسط على أهل بغداد خمسمائة ألف دينار. فاستشار الراشد الكبار، فأشاروا عليه بالتّجنيد، وأرسل الخليفة إلى برتقش: أما الأموال المضمونة فإنما تُكْتَب لإعادة الخليفة إلى داره، وذلك لم يكن، وأنا مطالب بالثّأر، وأما مال البيعة، فلَعَمري، لكن ينبغي أن تُعاد إلى أملاكي وإقطاعي، حتى يتصوَّر ذلك. وأما الرعيَّة فلا سبيل لكم عليهم، وما عندي إلّا السّيف.
ثمّ أحضر بكبة وخلع عليه، وأعطاه ثلاثة آلاف دينار، وقال له: دوّن بهذه العسكر كله. وجمع العسكر، وبعث إلى برتقش يقول: قد تركنا البلد مع الشِّحْنة والعميد، فلما جئت بهذه الأشياء فعلنا هذا1.
انزعاج أهل بغداد:
وانزعج أهل بغداد، وباتوا تحت السّلاح، ونقل النّاس إلى دار الخلافة ودار خاتون متاعهم، وقيل للخليفة إنهم قد عزموا على كبس بغداد وقت الصّلاة، فركب العسكر، وحفظ النّاس البلد، وقطع الجسر، وجرى في أطراف البلد قتال قويٌ2.
وفي صَفَر قدِم زنكيّ، والبازدار، وإقبال، عليهم ثياب العزاء، وحسّنوا للراشد الخروج فأجابهم، واستوزر أبا الرضا بن صَدَقة، واتفقوا على حرب مسعود3.
دخول السلطان دار المملكة:
وجاء السّلطان داود بن محمود فنزل بالمزرفة، ثمّ دخل دار المملكة، وأظهر العدل، وجاء إليه أرباب الدّولة ومعهم تقدمة من الراشد، فقام ثلاث مرّات، فقبّل الأرض.
تقديم صدقة بن دُبَيْس الطاعة:
وجاء صَدَقة ولد دُبَيْس ابن خمس عشرة سنة وقبّل الأرض بإزاء التّاج وقال: أنا العبد ابن العبد جئت طائعًا.
قطع الخطبة لمسعود:
وقُطعت خطبة مسعود، وخُطِب لداود.
__________
1 الكامل في التاريخ "11/ 36"، البداية والنهاية "12/ 210"، المنتظم "10/ 55".
2 المنتظم "10/ 54، 55"، الكامل في التاريخ "11/ 35"، العبر "4/ 79".
3 المنتظم "10/ 55".(36/35)
القبض على إقبال الخادم:
وقبض على إقبال الخادم ونُهب ماله، فتألّم العسكر من الخليفة لذلك. ونفَّذ زنكيّ يقول: هذا جاء معي. ويعتب ويقول: لَا بدّ من الإفراج عنه. ووافقه على ذلك البازدار. وغضب كجبة ومضى إلى زنكيّ، فرتَّب مكانه غيره.
واستشعر العسكر كلهم وخافوا، وجاء أصحاب البازدار وزنكيّ فخرّبوا عقْد السُّور، فشاش البلد، وأشرف على النَّهْب. وجاء زنكيّ فضرب بإزاء التّاج، وسأل في إقبال سؤالًا تحته إلزام، فأُطلِق له1.
الإفراج عن ابن طِراد:
وأما السّلطان مسعود فإنه أفرج عن الوزير ابن طِراد، وقاضي القُضاة والنّقيب وسديد الدّولة ابن الأنباريّ. فأما نقيب الطالبيين أبو الحسن بن معمر فتُوُفيّ حين أُخرج. وأما القاضي الزَّينبيّ فدخل بغداد سرًا، وأقام الباقون مع مسعود.
القبض على ابن جَهير:
وقبض الراشد على أستاذ داره أبي عبد الله بن جَهِير، فخاف النّاس من الراشد وهابوه.
تأخر ابن صدقة عن الخليفة:
ثمّ نفّذ زنكيّ إلى الراشد يقول: أريد المال الّذي أُخذ من إقبال، وهو دخل الحلَّة، وذلك مال السّلطان. وتردد القول في ذلك، ثمّ نفّذ الراشد إلى الوزير ابن صَدَقة وصاحب الدّيوان يقول: ما الّذي أقْعَدكُما؟ وكانا قد تأخّرا أيامًا عن الخدمة خوفًا من الراشد، فقال ابن صَدَقة: كلّما أُشير به يفعل ضدّه، وقد كان هذا الخادم إقبال بإزاء جميع العسكر، وأشرت بأن لَا يُمسك، فما سمع مني، وأنا لَا أوثر أن تتغيّر الدّولة وينْسَب إليّ. فإن هذا ابن الهاروني الملعون قصد إساءة السمعة وإهلاك المسلمين2.
__________
1 المنتظم "10/ 55".
2 المنتظم "10/ 55، 56".(36/36)
قتل ابن الهارونيّ:
فقبض الخليفة على ابن الهارونيّ في ربيع الأوّل. فجاءت رسالة زنكيّ يشكو ما لقي من ابن الهارونيّ وتأثيراته في المُكُوس والحواضر، ويسأل تسليمه إلى المملوك ليقتله، فقال: ندبّر ذلك.
ثمّ أمر الوالي بقتله فقتله، وصُلب وَمَثَّلَ به العوامّ، فسرقه أهله بالليل، وعفَّوْا أثره.
وظهر له أموال، ووصل إلى الخليفة من ماله مائتا ألف1.
إقطاع أملاك الوكلاء:
وأُقطِعت أملاك الوكلاء. وسببه أن زنكيّ طلب من الخليفة مالًا يجهّز به العسكر لينحدروا إلى واسط، فقال: الأموال معكم، وليس معي شيء، فاقطعوا البلاد2.
مصانعة زنكيّ:
ثمّ استقر أن يُدفع إلى زنكيّ ثلاثون ألفًا مصانعةً عن الأملاك؛ ثمّ بات الحَرَس تحت التّاج خوفًا من زنكيّ.
وزارة ابن صدقة:
ثمّ أشار زنكيّ على ابن صَدَقة أن يكون وزيرًا لداود، فخلع عليه بذلك.
ثمّ استوثق زنكيّ من اليمين من الخليفة وعاهده، وقبّل يده.
وطلب الخليفة أبا الرضا بن صَدَقة فجاء، ففوَّض إليه الأمور كلّها3.
مسير الخليفة لحرب مسعود:
وأمر السّلطان داود والأمراء بالمسير لحرب مسعود، فساروا، فبلغهم أنّه رحل يطلب العراق، فردّهم الراشد وحلَّفهم وقال: أريد أن أخرج معكم.
فلمّا انسلخ شَعبان خرج الخليفة ورحلوا، وخاض العّامة، وشرعوا في إصلاح
__________
1 المنتظم "10/ 56".
2 المنتظم "10/ 56".
3 المنتظم "10/ 57"، الكامل في التاريخ "11/ 37".(36/37)
السُّور، ولبِسوا السّلاح، فكان الأمراء ينقلون اللَّبِن على الخيل، وهم نقضوه.
وجاءت كتبٌ، إلى سائر الأمراء من مسعود، فأحضروها جميعها إلى الخليفة، وأنكر شِحْنة بغداد المكاتبة وأخفاها، ثمّ كتب جوابها إلى مسعود، فأخذه زنكيّ فغرّقه1.
منازلة عسكر مسعود بغداد:
وفي وسط رمضان جاء عسكر مسعود فنازلوا بغداد، ووقع القتال، وخامر جماعة أمراء إلى الخليفة، فخلع عليهم وقبَّلهم، ثمّ بعد أيّام كان وصول رسول مسعود يطلب الصّلح، فقُرِئت الرسالة على الأمراء، فأبوا إلّا القتال. وصلّى النّاس العيد داخل السّور، فوصل يومئذٍ أصحاب مسعود فدخلوا الرّصافة، وكسروا أبواب الجامع ونهبوا، وقلّعوا شبابيك التُّرَب وعاثوا.
وجاء مسعود في رابع شوّال في خمسة آلاف راكب على غفْلة، وخرج النّاس للقتال، ودام الحصار أيّامًا.
وجاء ركابي لزنكيّ، فقتله العّيارون فقال زنكيّ: أريد أن أكبس الشارع والحريم، وآخذ ما قيمته خمسمائة ألف دينار من الحرير والقماش والذهب والفضَّة2.
نهب مسعود النعمانية:
ونفّذ مسعود عسكرًا إلى واسط فأخذها، والنُّعمانية فنهبها، فتبِعهم عسكر الخليفة ونُودي: لَا يبقى ببغداد أحد من العسكر.
دخول الراشد بغداد:
وخرج الراشد فنزل على صرصر، واستشعر بعض العسكر من بعض، فخشي زنكيّ من البازدار والبقش، فعاد إلى ورائه، فرجع أكثر العسكر منهزمين، ودخل الراشد بغداد.
وقيل: إن مسعودًا كاتَب زنكيّ سرًّا، وحلف له أنه يُقِرّه على الموصل والشّام، وكاتب الأمراء أيضا فقال: مَن قبض منكم على زنكي أو قتله أعطيته بلاده.
__________
1 المنتظم "10/ 57".
2 المنتظم "10/ 57، 58"، الكامل في التاريخ "11/ 37".(36/38)
فعرف زنكيّ بذلك، فأشار على الراشد أن يرحل صُحْبته.
وفي رابع عشر ذي القعدة ركب الخليفة ليلًا وسار، وزنكيّ قائم ينتظره، فدخل دار برتقش. ولم ينم النّاس، وأصبحوا على خوفٍ شديد. وخرج أبو الكرم الوالي يطلب الخليفة فأُسر وحُمِل إلى مسعود، فأطلقه وأكرمه، وسلَّم إليه بغداد.
ورحل الراشد يومئذٍ ولم يصحبه شيء من آلة السفر، لأنه لما بات في دار برتقش أصبحوا، ودخل خواصه يصلحون له آله السَّفر، فرحل على غفلة1.
دخول مسعود بغداد:
ودخل مسعود بغداد، ونهب دوابَّ الْجُنْد، وجاء صافي الخادم فقال: لم يفعل الخليفة صوابًا بذهابه، والسّلطان له على نيَّة صالحة. وسكن النّاس.
وأظهروا العدل، واجتمع القُضاة والكبار عند السّلطان مسعود، وقدحوا في الراشد، وبالغ في ذلك الوزير عليّ بن طِراد2.
وقيل: بل أخرج السلطان خط الراشد: "إني متى جَنَّدْت أو خرجت انعزلت".
فشهد العُدول أنّ هذا خطّ الخليفة3. والقول الأوّل أظهر.
كتابة محضر بحقّ الراشد:
ثمّ أحكم ابن طِراد النّوبة، واجتمع بكلٍ من القُضاة والفُقهاء، وخوّفهم وهدّدهم إن لم يخلعوه. وكتب محضرًا فيه: إنّ أبا جعفر بن المسترشد بدا منه سوء أفعال وسفْك دماء، وفعل ما لَا يجوز أن يكون معه إمامًا.
وشهد بذلك الهَيْتِيّ، وابن البيضاوي، ونقيب الطّالبيّين، وابن الرّزّاز، وابن شافع، ورَوْح بن الحُدَيْثيّ، وأُخر.
وقالوا: إنّ ابن البيضاويّ شهد مُكْرَهًا.
وحكم ابن الكرْخيّ قاضي البلد. بخلْعه في سادس عشر ذي القعدة، وأحضروا
__________
1 المنتظم "10/ 59".
2 الكامل في التاريخ "11/ 42".
3 المنتظم "10/ 59"، تاريخ الزمان "151"، العبر "4/ 80"، النجوم الزاهرة "5/ 258".(36/39)
أبا عبد الله محمد بن المستظهر بالله، وهو عم المخلوع1.
البيعة للمقتفي بالله:
قال سديد الدولة ابن الأنْباريّ: أرسل السّلطان إلى عمّه السّلطان سَنْجَر: من نُوَلي؟ فكتب إليه: لَا تولّي إلّا من يضمنه الوزير، وصاحب المخزن، وابن الأنباريّ؛ فاجتمع مسعود بنا، فقال الوزير: نولّي الزّاهد الدَّيِّن محمد بن المستظهر. فقال: وتَضْمَنُه؟ قال: نعم. وكان، صهرًا للوزير على بنته، فإنها دخلت يومًا في خلافة المستظهر، فطلب محمد بن المستظهر هذا من أبيه تزويجها، فزوّجه بها، وبقيت عنده، ثمّ تُوُفّيت.
قلت: فبايعوه، ولُقِّب المقتفي لأمر الله. ولُقِّب بذلك بسبب.
قال ابن الجوزي: قرأتُ بخطّ أبي الفَرَج بن الحسين الحدَّاد قال: حدَّثني من أثق به أنّ المقتفي رأى في منامه قبل أن يُسْتَخْلف بستَّة أيام رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يقول له: "سيصل هذا الأمر إليك، فاقتفي بي". فلُقِّب المقتفي لأمر الله.
ثمّ بويع اليوم الثّاني البيعة العامَّة في محلٍ عظيم.
وبعث مسعود بعد أن أظهر العدل، ومهد بغداد، فأخذ جميع ما في دار الخلافة من دوابّ، وأثاث، وذهب، وسُتُور، وسُرَادق، ومساند، فلم يترك في إصطبل الخلافة سوى أربعة أفراس، وثمانية أبغال برسم الماء. فيُقال: بأنّهم بايعوا المقتفي على أن لَا يكون عنده خيل ولا آله سَفَر، وأخذوا من الدّار جواري وغلمانًا، ومضت خاتون تستعطف السلطان، فاجتازت بالسوق وبين يديها القراء والأتراك. وكان عندها حظايا الراشد وأولاده، فأطلق لهم القرى والعقار.
ثمّ إنّ السّلطان ركب سفينة، ودخل إلى المقتفي، فبايعه يوم عَرَفة. وفي ثاني الأضحى وصلت الأخبار بأنّ الراشد دخل الموصل، وبلغه أنّه خُلِع من الخلافة2.
أتابكية دمشق:
وفي جُمادى الأولى ولي أتابكية جيش دمشق الأمير أمين الدولة كُمُشْتِكين
__________
1 المنتظم "10/ 59"، الكامل في التاريخ "10/ 40-44"، العبر "4/ 80، 81".
2 المنتظم "10/ 60-62"، الكامل في التاريخ "11/ 42، 43"، البداية والنهاية "12/ 210".(36/40)
الأتابكي الطُّغتِكيني، واقف الأمينّية، متولّي بُصرى وصَرْخَد، وأُنزل في دار الأتابك بدمشق، وخُلِع عليه.
قتل الأمير يوسف بن فيروز:
ثمّ بعد يومين قُتِلَ الأمير يوسف بن فيروز الحاجب في الميدان، وكان من أكبر الأمراء، تملّك مدينة تدْمُر مدَّةً، وكان فيه ظُلْم وشرّ. شدّ عليه الأمير بُزْواش فقتله، ثمّ حُمِل إلى المسجد الّذي بناه فيروز بالعَقَبة، فدُفن في تربته.
أتابكية بُزْواش:
وجَرَت أمور؛ ثمّ صُرِف أمين الدّولة. وولي الأتابكية الأمير بُزْواش المذكور، ولُقِب بجمال الدّين. وتوجّه أمين الدّولة مُغاضبًا إلى ناحية صَرْخَد.
السيل العظيم بدمشق:
وفيها، في أيّار، جاء بدمشق سيلٌ عظيم لم يُسمع بمثله، وطلعت على البلد سحابة سوداء، بحيث صار الجوّ كالليل، ثمّ طلع بعدها سحابة حمراء، صار النّاظر يظنّها كالنار الموقَدَة1.
كبس نائب حلب اللاذقية:
وفي شَعْبانها، اجتمعت عساكر حلب مع الأمير سوار نائب حلب، وكبسوا اللاذقيَّة بغتة، فقتلوا وأسروا وغنموا.
قال ابن الأثير: كانت الأسرى سبعة آلاف نفس بالصغار والكبار، ومائة ألف رأس من الدواب والمواشي، وخَربوا اللاذقية، وخرجوا إلى شَيْزَر سالمين.
وفرح المسلمون بذلك فرحًا عظيمًا. ولم يقدر الفرنج، لعنهم الله، على أخْذ الثأر عجزًا ووهنًا2.
__________
1 ذيل تاريخ دمشق "256"، الكواكب الدرية "105، 106".
2 المختصر في أخبار البشر "3/ 11"، العبر "4/ 81"، شذرات الذهب "4/ 94".(36/41)
وفيات الطبقة الثالثة والخمسون:
وفيات سنة إحدى وعشرين وخمسمائة:
"حرف الألف":
1- أَحْمَد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الواحد بْن أَحْمَد بن محمد بن الشمس عُبَيْد الله بن محمد بن أبي عيسي بن المتوكل1.
أبو السّعادات المتوكّليّ الهاشميّ البغدادي.
شريف صالح، حافظ لكتاب الله.
سمع الكثير، وحدَّث عن: أبي بكر الخطيب، وابن المسلمة.
روى عنه: أبو القاسم بن عساكر، وأبو الفَرَج بن الجوزيّ، وعبد الرحمن بن جامع بن غُنَيْمَة.
قال أبو بكر المفيد: ختم أبو السّعادات القرآن في التّواريخ ليلة سبعٍ وعشرين من رمضان، ورجع إلى بيته، فوقع من السَّطح في محلَّة التّوثة فمات لساعته، وعاش ثمانين سنة.
2- أحمد بن ثابت بن محمد2.
أبو العبّاس الطَّرْقيّ الحافظ، نزيل يزد. وطرق من قُرى أصبهان، ويزد بين أصبهان وكرْمان من نواحي إصْطَخْر.
كان حافظًا عارفًا بالفقه والأصول والأدب، حَسَن التّصنيف.
رحل وسمع: أباه، وأبا عَمرو بن مَنْدَهْ، والمُطَهَّر بن عبد الواحد البُزَاني.
ورحل إلى نَيْسابور، وإلى الأهواز، وهَرَاة.
قال ابن السّمعانيّ: سمعت جماعة من الشّيوخ يقولون: إنّه كان يقول: إن الروح قديمة.
__________
1 المنتظم "10/ 7"، سير أعلام النبلاء "19/ 498، 499"، الوافي بالوفيات "6/ 227"، النجوم الزاهرة "5/ 232".
2 الأنساب "8/ 235، 236"، ميزان الاعتدال "1/ 86، 87"، لسان الميزان "1/ 143".(36/42)
توفي بعد العشرين وخمسمائة بَيزْد.
قال عبد الخالق بن أحمد بن يوسف: تُوُفّي في شوّال سنة إحدى وعشرين.
وقد سمع ببغداد من: أبي القاسم عليّ بن البُسْريّ، وأبي نصر الزَّيْنَبيّ. وبَهَراة: شيخ الإسلام.
3- أحمد بن عبد السلام بن محمد المَدِينيّ.
أبو عبد الله الصُّوفيّ ابن الصُّوفيّ، شيخ الصُّوفيَّة بنَيْسابور بدُوَيْرة السُّلَميّ.
سمع من: أبى سعد الحبيبيّ، وأبى القاسم القُشَيْريّ.
وله نفسٌ وقبول عند الصُّدور، وإنفاق على الصُّوفيَّة ومعرفة برسومهم.
4- أحمد بن محمد بن عبد الوهاب.
أبو البركات الدّبّاس، أخو الشَيخ أبي عبد الله البارع.
سمع: أبا يَعْلَى بن الفرّاء، والحسن بن غالب المقرئ.
روى عنه: المبارك بن أحمد الأنصاري، وذاكر بن كامل، وابن يونس.
مات في سابع شوّال.
5- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عبد العزيز بن حَمْدين1.
أبو القاسم الثعلبي الأندلسي، قاضي الجماعة بقُرْطُبة.
تفقّه على أبيه، وسمع من: محمد بن فرج الفقيه، وأبي علي الغسّاني، وجماعة.
وتقلّد القضاء مَرتين. وكان نافذًا في أحكامه، جزْلًا في أفعاله، من بيت عِلم وجلالة.
وتُوُفّي على القضاء في ربيع الآخر، وصلّى عليه ابنه أبو عبد الله، وعاش خمسين سنة.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "1/ 78، 79"، الدرة المضية "498".(36/43)
"حرف العين":
6- عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الله بن يوسف1.
أبو الحسن بن عفيف، وعفيف جدّه لأمه، الأُمَويّ الطُّلَيطُليّ، نزيل قُرْطُبَة.
سمع: قاسم بن محمد بن هلال، وجُمَاهِر بن عبد الرحمن.
وأجاز له محمد بن عَتَّاب مَرْويّاته.
وكان فاضلًا عفيفًا يعِظ النَّاس، ويُصلى بجامع قُرْطُبَة. وكانت العامَّة تعظّمه لصلاحه، ولم يكن بالضابط. كان كثير الوهْم في الأسانيد. قال ابن بَشْكُوال وقال: روينا عنه. وتُوُفّي في جمادى الآخرة. وولد سنة بضعٍ وثلاثين وأربعمائة.
7- عبد الوهّاب بن عبد الله بن عبد العزيز2.
أبو محمد الصَّدَفي القُرْطُبيّ.
أخذ عن: أبي بكر المرادي.
وتفقّه على: أبي الوليد هشام بن أحمد.
وكان ملازمًا لمجلس أبي الوليد بن رشد.
وكان حافظًا للفقه، ذاكرًا للمسائل والفرائض والأصول.
تُوُفّي في ذِي الحجَّة.
8- عليُّ بن عبد الله بن محبوب3.
الطَّرَابُلُسيّ المغربي.
قال السِّلَفيّ: قدِم الإسكندرية متفقّهًا، وكان له اهتمام بالتواريخ. صنف تويريخًا لطَرَابُلُس حدَّثني به. وكُتِب عنه. وكان فاضلًا في فنون.
توفي بمكة.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 350".
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 382".
3 معجم البلدان "3/ 523".(36/44)
9- على بن عبد الواحد بن أحمد1.
أبو الحسن الدِّينَوَري، ثمّ البغداديّ.
سمع: أبا الحسن القَزْوينيّ، وأبا محمد الخلّال، وابا محمد الجوهريّ، وغيرهم. روى عنه: أبو المُعَمَّر الأنصاري، والحافظ ابن عساكر، وأخوه الصّائن، وابن الجوزيّ.
قال ابن السّمعانيّ: كان صاحب الخبر. تُوُفّي في جُمَادَى الأولى.
10- عليّ بن المبارك بن عليّ بن الفاعوس2.
أبو الحسن البغدادي، الإسكاف، الزاهد.
كان شيخًا صالحًا، خيرًا، متقشّفًا، من أصحاب الشّريف أبي جعفر بن أبي موسى.
كان يقرأ للنّاس يوم الجمعة الحديث بلا سَنَد، وكان صاحب إخلاص، وله قبولٌ تامّ عند العامَّة.
سمع: أبا يَعْلَى بن الفّراء، وأبا منصور العطّار.
روى عنه: أبو المعمر الأنصاري، وأبو القاسم بن عساكر.
قال أبو سعد السّمعاني: سمعت أبا القاسم بدمشق يقول: ابن الفاعوس كان يتعسر في الرّواية، وأهل بغداد يعتقدون فيه.
وأبو القاسم بن السَّمَرْقَنْديّ كان يقول: إن أبا بكر ابن الخاضبة يقول لابن الفاعوس الحَجَريّ لأنه كان يقول: الحجر الأسود يمينُ الله حقيقةً.
قلت: هذا تشغيب وأذية لرجلٍ صالح، وإلا فهذا نزاع مَحْض في عبارة، وعرفنا مُراده بقوله: يمينُ الله حقيقةً، كما تقول: بيت الله حقيقةً، وناقةُ الله حقيقةً، إن ذلك إضافة ملْك وتشريف، فهي إضافة حقيقة، وإن شئت قلت: يمين الله مجازًا،
__________
1 المنتظم "10/ 7"، العبر "4/ 50"، سير أعلام النبلاء "19/ 525، 526"، شذرات الذهب "4/ 64".
2 المنتظم "10/ 7"، العبر "4/ 50"، سير أعلام النبلاء "19/ 521-523"، شذرات الذهب "4/ 24".(36/45)
وهو أفصح وأظهر، لأنّ في سياق الحديث ما يوضَّح ذلك. وهو قوله: فمن صافَحَه فكأنما صافح الله1، يعني هو بمنزلة يمين الله في الأرض.
قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: نبا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْحٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَخْزُومِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ هَذَا الرُّكْنَ الأَسْوَدَ يَمِينُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ، يُصَافِحُ بِهِ عِبَادَهُ مُصَافَحَةَ الرَّجُلِ أَخَاهُ.
وَرَوَاهُ عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن مُسْلِمِ بْن هُرمز، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَرُوِيَ بإسناد آخر، عن عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حسين، عن ابن عباس.
ورواه عبد الرّزّاق، عن أبيه، عن وهْب بن منبّه.
قوله: فإما أن يكون أراد به يمين الله، استغفر الله، حقيقة باعتبار صفة الذّات، فهذا لَا يعتقده بشرٌ، فضلًا عن أنْ يعتقده مسلم، بل ولا يدور في ذهْن عاقل.
وأما قوله: كان يتعسر بالرواية، فكان يفعل ذلك إزراءً على نفسه، وتفويتًا لحظَّة.
وقد رأينا غير واحدٍ من الصالحين يمتنع من الرواية، لكن من فعل ذلك ثقالةً ونكادةً كابن يوسف الإرْبِليّ وغيره من شيوخنا، فهو مذموم.
وقال أبو الفَرَج بْن الْجَوْزِيّ: تُوُفّي فِي تاسع عشر شوّال، وانقلبت بغداد بموته، وغُلِّقَت الأسواق، وضجّ العوامّ بذِكْر السّنة، ولعن أهل البِدَع. ودُفن بمقبرة الإمام أحمد.
"حرف الفاء":
11- فاطمة بنت الحسين بن الحسن بن فضلُوَيْه الرازي2.
العالمة المعروفة ببنت حمزة.
واعظة مشهورة ببغداد، متعبدة، لها رباط تأوي إليه النساء.
__________
1 حديث موضوع: أخرجه البغوي في شرح السنة معلقًا باب "27"، كتاب الحج، والخطيب في تاريخه "6/ 328"، وابن عدي في الكامل "1/ 342"، وفيه إسحاق بن بشر الكاهلي وهو كذاب.
2 المنتظم "10/ 7، 8".(36/46)
رَوَت عن: ابن المسلمة، وأبي بكر الخطيب.
روى عنها: أبو القاسم بن عساكر، وقال: تُوُفّيت في ربيع الأوّل.
روى عنها: ابن ناصر، وأبو الفَرَج بن الجوزيّ.
"حرف الهاء":
12- هبة اللَّه بْن عَبْد اللَّه بن الحسن ابن البَصيْدائيّ1.
وبَصِيدَاء: من قرى بغداد.
أبو البقاء؛ أحد الرؤساء والأكابر.
سمع: أبا محمد الجوهريّ، وغيره.
روى عنه: أبو المعمّر الأنصاريّ، وأبو القاسم الحافظ.
تُوُفّي فِي صَفَر.
"حرف الياء":
13- يحيى بْن عُبَيْد بن سعادة.
الزّاهد الخيّر. من أهل الإسكندرية.
قال السِّلَفيّ: أنبا عن: أبي العبّاس أحمد بن إبراهيم الرّازي.
14- يحيى بن عَمرو بن بقاء2.
أبو بكر الحزاميّ المرجونيّ.
نزل قُرْطُبَة، وأخذ بها عن: محمد بن فرج الفقيه، وأبي علي الغساني.
وتفقّه عند أبي الحسن بن حمدين.
وكان حافظًا للفقه، بارعًا في الشّروط، حصّل منها دينًا.
تُوُفّي في جُمَادَى الأولى، وله بضعٌ وستّون سنة.
__________
1 الأنساب "2/ 237".
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 672".(36/47)
وفيات سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة"
"حرف الحاء":
15- الحسين بن عليّ بن صَدَقة1.
أبو عليّ الوزير جلال الدّين، وزير المسترشد بالله.
كان من رجال الدّهر رأيًا وحزْمًا؛ وله في مخدومه المسترشد بالله:
وجَدتُ الوَرَى كالماء طعْمًا ورِقَّةً ... وأَنّ أمير المؤمنين زُلالُهُ
وصوَّرْتُ مَعْنَى العقل شخصًا مصوَّرًا ... وأنَّ أمير المؤمنين مِثالُهُ
ولولا مكان الدّين والشَّرْع والتُّقَى ... لَقُلتُ من الإعظام جَلّ جلالُهُ
تُوُفّي في رجب. قاله ابن الجوزيّ.
وقد تكرر ذِكره في الحوادث.
وذكره ابن النّجّار فقال: وُلد بنصيبين سنة تسعٍ وخمسين، وخدم إبراهيم بن قرْواش صاحب الموصل، فلما أُمسك هرب جلال الدّين إلى بغداد، ثمّ خدم بها، ولم يزل في ارتقاء إلى أن تزوَّج بابنة الوزير ابن المطّلب. ثمّ ولي وزارة في سنة ثلاث عشرة. ثمّ قُبض عليه بعد ثلاث سنين، ونُهبت داره؛ ورضوا عنه ثمّ أعيد إلى الوزارة سنة سبْع عشرة، فكان يومًا مشهودًا.
وكان منسّبًا بليغًا أديبًا.
16- الحسين بن علي بن أبي القاسم2.
الشَيخ أبو علي الّلامشيّ السَّمَرْقنْدي الحنفي.
قال السّمعاني: إمام فاضل متديّن يُضرب به المثل في النَّظر وعلم الخِلاف. وكان على طريقة السَّلف من طَرْح التّكلُّف والأمر بالمعروف والنَّهي عن المُنْكَر.
روى شيخه دينار لنا عن القاضي محمد بن الحسن بن منصور النسفي.
__________
1 المنتظم "10/ 8، 9"، الكامل في التاريخ "10/ 652، 653"، العبر "4/ 51" البداية والنهاية "12/ 199".
2 المنتظم "10/ 10"، معجم البلدان "5/ 8".(36/48)
وسمع أيضًا من: الحافظ عبد الرحمن بن عبد الرحيم القصّار، وأبي علي الحسين بن عبد الملك النَّسفيّ.
وتُوُفّي في رمضان.
قال ابن الجوزيّ: قدِم رسولًا من خاقان ملك سَمَرْقَنْد.
قال السّمعانيّ: مرّ بمْرو رسولًا من ملك سَمَرْقَند محمد بن سليمان. ولامش مِن قُرى فَرغَانَة. سمعتُ منه بقراءة عمّي أبي القاسم.
ولد سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، وكان قوّالًا بالحقّ.
"حرف السين":
17- سهل بن إبراهيم المسْجدي السُّبعيّ1.
أبو القاسم النَّيْسابوريّ.
يروي عن: أبي حفص بن مسرور، وعبد الغافر الفارسيّ، وأبي محمد الجويني.
سمع منه حضورًا أبو سعد السّمعانيّ.
وكان والده يقرأ كلّ يوم سُبْعَين، وابنه أحمد بن سهل يروي عن يعقوب بن أحمد الصَّيْرفيّ.
تُوُفّي سهل سنة نيَّف وعشرين.
قال السّمعاني: كان صالحًا حَسَن السّيرة، كثير العبادة، سمع الكثير، وعمّر الطّويل، وتفرد عن جماعته.
قلت: روى عن: أبي عثمان الصّابونيّ، ودِحية بن أبي الطّيّب الحلّاب، والكَنْجَرُوديّ.
روى عنه: حفيده محمد بن أحمد، وأبو المعالي بن الفُرَاويّ، وعبد الرحيم بن عبد الرحمن الشّعريّ، وأبو سعد الصّفّار، وابن ياسر الجيّانيّ، وآخرون.
وكان خادم مسجد المطرز؛ دين صالح.
__________
1 المنتخب من السياق "246، 247"، الأنساب "7/ 32"، سير أعلام النبلاء "19/ 523، 524".(36/49)
"حرف الطاء":
18- طُغْتِكِين1.
الأمير أبو منصور، المعروف بأتابك.
من أمراء تاج الدولة. زوّجه بأم ولده دُقاق. وكان مع تاج الدّولة لمّا سار إلى الرَّيّ لقتال ابن أخيه. فلما قُتِلَ تاج الدولة رجع إلى دمشق، وصار أتابك دُقاق.
فلّما مات دُقاق تملَّك بدمشق. وكان شَهْمًا، مَهِيبًا، شديدًا على الفرنج والمفسدين، ولَقَبُه ظهير الدّين.
وهو والد تاج المُلوك بوري بن طُغْتِكِين.
قال ابن الأثير: تُوُفّي أتابك طُغْتِكِين -كذا سمّاه ابن الأثير- في ثامن صَفَر، وهو من مماليك الملك تُتُش بن ألْب أرسلان. وكان عاقلًا خبيرًا، كثير الغزوات والجهاد للفرنج، حِسَن السّيرة في رعيته، مُؤْثِرًا للعدل. وملك بعده ابنه بوري أكبر أولاده بوصيةٍ منه، فاقر وزير أبيه أبا علي طاهر بن سعد المَزْدغانيّ على وزارته.
وقال سِبْط الجوزيّ: كان طُغْتِكِين شجاعًا، شَهْمًا، عادلًا، حزن عليه أهل دمشق، ولم يبق فيها محلَّة ولا سوق إلا والمأتم قائم عليه فيه، لأنه كان حَسَن السّيرة، ظاهر العدل، مدبّرًا للممالك. أقام حاكمًا على الشّام خمسة وثلاثين سنة. وسار ابنه سيرته ثمّ تغيّرت نيته، وأضمر السُّوء لأصحاب أبيه، والظُّلم للرعية، وتمكن وزيره المَزْدَغاني من أهل دمشق، وصادق الباطنية، واستعان بهم. وقبض بوري على خواصّ أبيه، فاسترابوا به، ونَفَرَت القلوب منه.
وقال أبو يَعْلَى بن القلانِسِيّ: مرض أتابك طُغْتِكِين مرضًا أنْهك قوّته، وأَنْحَل جسمه.
وتُوُفّي في ثامن صَفَر، فأبكى العيون، وأنكأ القلوب، وفتَّ في الأعضاد، وفتّت الأكباد، وازداد الأسف، فرحمه الله وبرّد مضْجعه.
وماتت زوجته الخاتون شرف النّساء، أمّ بوري، بعده بثلاثة أشهر، ودُفنت بتُربتها الّتي خارج باب الفراديس.
قلت: ومات في هذه السّنة ودُفن بتُربته، قِبليّ المُصَلَّى ثامن صفر.
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 652"، وفيات الأعيان "2/ 423"، سير أعلام النبلاء "19/ 519، 521".(36/50)
"حرف العين":
19- عَبْد اللَّه بْن أحمد بْن سعيد بن سليمان بن يربوع1.
الأستاذ الحافظ أبو محمد الأندلسيّ الشَنْتَرينيّ ثمّ الإشبيليّ.
نزيل قُرْطُبة.
سمع "صحيح البخاريّ" من محمد بن أحمد بن منظور، عن أبي ذَرّ الهَرَويّ.
وسمع من: أبي محمد بن خَزْرج، وحاتم بن محمد، وأبي مروان بن سراج، وأبي علي الغساني.
وأجاز له أبو العباس العذري.
قال ابن بَشْكُوال: وكان حافظًا للحديث وعِلَله، عارفًا برجاله وبالجرح والتّعديل، ضابطًا، ثقة. كتب الكثير، وصحب أبا علي الغسانيّ واختص به. وكان أبو علي يفضله، ويِصفهُ بالمعرفة والذّكاء.
صنَّف كتاب "الإقليد في بيان الأسانيد"، وكتاب "تاج الحلية وسراج البغية في معرفة أسانيد الموطأ"، وكتاب "المنهاج في رجال مسلم" وسمعتُ منه مجالس.
وتُوُفّي في صَفَر.
ومولده في سنة أربعٍ وأربعين وأربعمائة.
20- عبد الرحمن بن سعيد بن هارون2.
أبو المطرف الفهمي السرقسطي المقرئ ابن الوراق.
روى عن: أبي عبد الله المغامي، والحسن بن مبشّر، وأبي داود، وغيرهم من القرّاء.
وجوّد القراءات.
وسمع من: أبي الوليد الباجيّ.
وأجاز له أبو عمر بن عبد البر.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "1/ 282، 283"، العبر "4/ 51"، سير أعلام النبلاء "19/ 578، 579".
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 351".(36/51)
وأقرأ الجناس بجامع قُرْطُبة، وأَمّ بالناسّ فيه.
أخذ الناس عنه، وكان ثقة.
تُوُفّي في صَفَر، وله ثمانون سنة.
أجاز لابن بَشْكُوال.
21- علي بن أستِكِين1.
الأمير أبو الحسن العميديّ، الحاجّيّ، النَّيْسابوريّ.
كان خفيف الرّوح، صالحًا عابدًا. ترك الخدمة ولبس لباس الصّالحين، وقنع بما له من ميراث.
وحدَّث عن: أبي الحسن محمد بن محمد الحسينيّ العَلَويّ، والحسن بن محمد الصّفار، وأبي نصر عبد الرحمن التّاجر، وغيرهم.
توفي بنيسابور.
22- علي بن الحسن بن علي بن سعيد بن محمد2.
أبو الحسن الدّمشقيّ العطّار.
كان أبوه مقدّم الشُّهُود ورئيسهم بدمشق، وكان مُثْريًا فاشترى لابنه جارية مغنِّية، فتعلَّم منها الغناء؛ ثمّ افتقر وتعثّر، فكان يغنّي في مجالس الخمر، ويغنّي ويشرب، ثمّ كبر وضعف.
قال ابن عساكر: سمع الكثير من أبي القاسم السميساطي، وأبي القاسم الحِنّائيّ، وأبي بكر الخطيب، فأتيناه فرغّبناه في التّوبة، فتاب وترك الغناء، وسمعنا منه كُتُبًا.
تُوُفّي فِي صَفَر. وكان مولده فِي سنة خمسٍ وأربعين وأربعمائة.
23- علي بن الحسن بن محمد بن محمد3.
الإمام أبو القاسم ابن الإمام أبي علي النيسابوري الصفار.
__________
1 المنتخب من السياق "398".
2 مختصر تاريخ دمشق لابن منظور "17/ 219".
3 المنتخب من السياق "397".(36/52)
فاضل، علّامة، متفّنن.
روى عن: أبي عثمان البَحِيريّ، وأبي سعد الكَنْجَرُوذيّ، وأحمد بن منصور المغربيّ، وأصحاب الخفاف.
ثم عن: أصحاب الحاكم، وابن يوسف.
ثمّ عن: أصحاب الحِيريّ.
وله النسخ والأجزاء.
وكان بإسفرايين وبها مات في رمضان.
"حرف الميم":
24- محمد بْن أبي شجاع العُبَيْدي1.
الأمير ابن الأمير، المأمون بن نور الدّولة.
كان المأمون وزير الآمر بأحكام الله العُبَيْديّ المصريّ ومدبر دولته، بقي على ذلك أربع سنين. ثم قبض الآمر عليه في سنة تسع عشرة وخمسمائة، ثمّ قُتِلَ في رجب سنة اثنتين وعشرين، وصُلِب بظاهر القاهرة.
25- موسى بن أحمد بن محمد2.
أبو القاسم النّشَادريّ، الفقيه الحنبليّ.
سمع الكثير، وقرأ بالروايات.
وتفقه على أبي الحسن بن الزَّاغُونيّ؛ وناظر.
وتُوُفّي في رجب شابًا.
"حرف الهاء":
26- هبة اللَّه بْن عَليّ بْن محمد3.
__________
1 الوافي بالوفيات "4/ 313، 314".
2 المنتظم "10/ 10".
3 لسان الميزان "6/ 188".(36/53)
أبو القاسم المَرْوَزِيّ، ويُعرف بقاضي مَرْغَرْن، وهي قرية من قرى مَرْو.
محدث كثير المحفوظ، حريص على عقْد المجالس. له قبول عند العامَّة، إلّا أنّه غير ثقة. كان لَا يبالي ما يقول بحسب الوقت.
سمع: أبا إسماعيل الأنصاريّ بَهَراة.
وعاش نيِّفًا وستّين سنة.
وفيات سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة:
"حرف الجيم":
27- جعفر بن عبد الواحد بن محمد بن محمود بن أحمد1. أبو الفضل الثّقفيّ الأصبهانيّ، الرئيس، النّبيل.
سمع: ابن رِيذة الثّاني، وعبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي علي المعدّل، وعبد الرّزّاق بن أحمد الخطيب، وأبا طاهر بن عبد الرحيم، وأحمد بن الفضل الباطِرْقانيّ، وسعيد بن أبي سعيد العَيَّار، ومحمد بن عبد الرحمن بن زياد الأَرْزُنَانيّ.
روى عنه: أحمد بن أبي منصور بن الزَّبْرَقان، والحافظ أبو موسى، وأسعد بن أبي طاهر الثَقفيّ، وعبد الواحد بن أبي المطّهر الصيدلانيّ، وعبد الجليل بن أبي نصر بن رجاء، ومحمد بن أحمد المَهَّاد، وناصر بن محمد الوِيرج الأصبهانيون.
وقد ذكره السّمعانيّ في "التَّحبير".
يقال: كان صالحًا، سديدًا، وكان خير من روى عن الرجال، عن ابن رِيذَة.
ومن مَرْوِيّاته: شروط الذّمة لأبي الشَيخ، والسُّنَّة له، والعتْق له، والضّحايا والعقيقة له، والنّوادر له، وفوائد العراقيَّين له، وأحاديث طلحة بن مصرّف له، وكتاب السَّبق والرَّمي له، وكتاب القطع والسّرقة له، وغير ذلك.
روى الجميع عن ابن عبد الرحيم، عنه.
وكتاب "الأدب" لابن أبي عاصم، وكتاب "معجم ابن المقرئ" و"فوائده" التي
__________
1 التحبير "1/ 159-166"، سير أعلام النبلاء "19/ 527، 528"، النجوم الزاهرة "5/ 235".(36/54)
في خمسة عشر جزءًا، وكتاب "حرملة"، وكتاب "الأسماء والكنى" لأبي عروبة، وكتاب "الجامع" لأحمد بن الفرات، و"سنن الشافعي"، رواية ابن عبد الحكم، وكتاب "الآحاد والمثاني" لابن أبي عاصم، وكتاب "طبقات أصبهان" لأبي الشَيخ، وكتاب "الصّلاة" لأبي نُعَيْم الفضل بن دُكَيْن، وكتاب "البكاء" للفِرْيابيّ، وكتاب "شواهد الشعر" لأبي عروبة.
وسمع "صحيح البخاريّ" من سعيد العيّار.
وكان مولده في سنة أربعٍ وثلاثين وأربعمائة، وتُوُفّي في تاسع جُمَادى الأولى، وله ثمانون سنة.
"حرف الحاء":
28- الحسن بن المظفّر بن الحسن بن المظفّر بن يزيد1.
أبو علي بن أبي سعد السِّبْط.
كان أبوه سِبْط أبي بكر بن لال الهَمَذَانيّ.
سمع: أباه، وأبا محمد الجوهريّ، وأبا الحسين بن المهتديّ بالله.
روى عنه: ابنه هبة الله، ويحيى بن يوسف، وأبو القاسم بن عساكر، وآخرون.
تُوُفّي في ربيع الأوّل.
وثّقه ابن عساكر.
29- حمزة بن هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن داود2.
أبو الغنائم بن أبي البركات العَلَوي الحَسَنيّ النَّيْسابوريّ.
كان جده محدَّث نَيسابور. وكان هو حَسَن السّيرة محدَّث بالكثير، وتفرّد في وقته.
وسمع: أباه، وأبا نصر محمد بن الفضْل النَّسَويّ، وأبا الحسين عبد الغافر
__________
1 مختصر تاريخ دمشق لابن منظور "7/ 73"، تهذيب تاريخ دمشق "4/ 254".
2 التحبير "1/ 255، 256"، الكامل في التاريخ "10/ 660"، المنتظم "10/ 13، 14".(36/55)
الفارسيّ، وأبا حفص بن مسرور، وعبد الرحمن بن محمد الأَنْماطيّ صاحب أبي بكر الإسماعيليّ، وعَمْرو بن أبي عَمْرو البَحِيريّ.
وحجَّ فسمع ببغداد من: القاضي أبي عبد الله الدَّامَغانيّ، وأبي يوسف عبد السّلام القزوينيّ.
وقال ابن السمعاني: أجاز لي، وحدَّثني عنه جماعة. وكان زيديّ المذهب.
تُوُفّي في سادس المحرَّم، وله ستٌّ وتسعون سنة.
"حرف الطاء":
30- طاهر بن سعد1.
الوزير كمال الدين أبو عليّ المَزْدَغَانيّ، وزير صاحب دمشق تاج الملوك بُوري بن طُغْتِكِين.
اتهم بمذهب الباطنيَّة، فقُتِلَ في رمضان، ونُصِب رأسه على باب القلعة، ووضع الْجُنْد السَّيف في الباطنيَّة بدمشق، فقتلوا منهم ستَّة آلاف نفس، كما مرَّ في الحوادث.
"حرف العين":
31- عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بن شاذان2.
أبو الفتح بن عَلُّوَيْه السَّعِيديّ السَّرْخَسِيّ، الفقيه.
سمع: اللَّيْث بن الحَسَن اللّيثي، وزهير بن الحَسَن، والحافظ محمد بن محمد بن زيد العَلَويّ.
ولد سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة.
أجاز لابن السّمعانيّ، وقال: مات يوم التَّرْوِية بسَرْخَس.
32- عبد الله بن أبي المعمر شيبان بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد3.
الحافظ أبو محمد البرجي، الأصبهاني، المحتسب.
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 652، 657"، سير أعلام النبلاء "19/ 520".
2 التحبير "1/ 362، 363".
3 التحبير "1/ 369".(36/56)
وُلِد سنة سبعٍ وأربعين، وسمع: سِبْط حرويه، وجماعة.
وكان عارفًا برجال الصّحيحين.
وكان صحّافًا. روى عنه: أبو موسى المَدِينيّ.
33- عُبيد الله بن محمد ابن الإمام أبي بكر أحمد بن الحسين بن عليّ1.
أبو الحسن البَيْهَقيّ الخُسْرَوْجِرْدِيّ.
لم يكن يعرف شيئًا من العلم، بل سمع الكتب من جدّه.
وسمع من: أبي يَعْلَى إسحاق بن عبد الرحمن الصّابونيّ، وأبي سعد أحمد بن إبراهيم المقرئ.
وقدِم الحجّ بعد العشرين، فحدَّث ببغداد.
روى عنه: ابن ناصر، وأبو المُعَمَّر الأنصاريّ، وأبو القاسم بن عساكر، وأبو الفتح المَنْدَائيّ، وآخرون.
قال ابن السّمعاني: كره السّماع منه جماعةٌ لقلَّة معرفته بالحديث، وسألت عنه أبا القاسم الدّمشقيّ فقال: ما كان يعرف شيئًا.
وكان يتغالى بكُتُب الإجازة ويقول: ما أجيز إلا بطَسُّوج.
قال: وسمع لنفسه في جزءٍ، عن جدّه تسميعًا طَريًا. وكان سماعه فيما عداه صحيحًا.
وقال أبو محمد بن الخشاب: سألته عن مولده فقال: سنة تسعٍ وأربعين.
وقال ابن ناصر: مات في ثالث جُمَادَى الأولى ببغداد. مرض ثلاثة عشر يومًا.
34- علي بن عبد المجيد بن يوسف بن شعيب.
أبو الحسن السُّلَمي السَّمَرْقَنْديّ.
أحد الأئمة.
تُوُفّي في شوال وله اثنتان وثمانون سنة.
__________
1 سير أعلام النبلاء "19/ 503، 504"، ميزان الاعتدال "3/ 15"، لسان الميزان "4/ 116".(36/57)
روى عن: أبي حمية محمد بن أحمد الحنْظَليّ.
وعنه: عمر النُّسَفيّ.
35- علي بن عبد الواحد بن الحسن بن علي بن شواش1.
أبو الحسن الدّمشقيّ المعدّل.
سمع: أبا الحسن بن قبيس، وأبا القاسم بن أبي العلاء.
روى عَنْهُ: أبو القاسم بْن عساكر، وقال: كان أمينًا على المواريث، ووقْف الأشراف. وكان ثقة.
36- عُمَر بْن أَبِي عِيسَى أَحْمَد بْن عُمَر بن أبي عيسى.
الإمام أبو بكر المَدِينيّ الأصبهانيّ المقرئ.
وُلِد سنة أربعٍ أو خمسٍ وستين وأربعمائة بمدينة جيّ. ثمّ انتقل به أبوه إلى أصبهان وهو يرضع.
روى عن: أبي عَمرو بن مَنْدَهْ، وغيره.
روى عنه: ابنه الحافظ أبو موسى، وقال: كانت له يدّ قويَّة في معرفة القرّاء والقراءات وعِلم الفرائض.
وتُوُفّي خامس رجب.
37- عيسى بن موسى بن سعيد.
أبو الأصْبَغ الأنصاريّ البَلَنْسيّ، ويُعرف بالمُتَوَلّيّ.
روى عن: أبيه، وأبي داود المقرئ.
وأجاز له أبو الوليد الباجيّ. وقدَّم للشُّورَى. وصَدَق في علم الرأي، واشتغل وأفتى ببلنسية.
روى عنه: محمد بن سليمان القَلْعيّ.
وتُوُفّي في ربيع الأول.
__________
1 مختصر تاريخ دمشق لابن منظور "18/ 131".(36/58)
"حرف الميم":
38- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم بْن إسماعيل1.
أبو عامر الطُّلَيْطُليّ، نزيل قُرْطُبة.
روى عَنْ: أَبِي المُطَرف عَبْد الرَّحْمَن بْن محمد، وأبي المطرّف عبد الرحمن بن أسد، وأبي أحمد جعفر بن عبد الله، ومحمد بن خلف السقاط، ومحمد بن محمد بن جماهر، وجماعة.
وأجاز له أبو الوليد الباجي، وأبو العباس العذري، وغيرهم.
قال ابن بَشْكُوال: كان مُعتنيًا بلقاء الشّيوخ، جامعًا للكُتُب والأُصُول. كانت عنده جُملة كبيرة من أصول علماء بلده وفوائدهم، وكان ذاكرًا لأخبارهم وأزمانهم.
وقد سمع منه أصحابنا. وترك بعضهم التحديث عنه لأشياء اضطرب فيها شاهدتها منه مع غيري، وتوقّفنا في الرِّواية عنه. وقد كنت أخذت عنه كثيرًا ثمّ زهدت فيه لأشياء أوجبت ذلك.
تُوُفّي في ربيع الأوّل. وكان مولده سنة 453.
39- محمد بن سعد بن الفَرَج بن مهمت.
أبو نصر السّيبانيّ الحلْوانيّ المؤدب.
شيخ بغداديّ، فاضل، ثقة.
روى عن: أبي الغنائم بن المأمون، وأبي الحسين بن المهتدي بالله، وابن النَّقُّور.
وخرّج له عبد الوهاب الأنماطيّ فوائد في جزء.
وروى عنه: ابن ناصر، وأبو محمد بن سوفتين، وذاكر بن كامل.
40- المقّرب بن الحسين بن الحسن. أبو منصور العُقَيْليّ العِيسَوِيّ النّسّاج، والد أحمد الكَرْخيّ.
شيخ صالح، خير.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 578، 579"، لسان الميزان "5/ 59".(36/59)
سمع: أبا يَعْلَى بن الفرّاء، وأبا جعفر ابن المسلمة، وغيرهما.
روى عنه: السَّلَفيّ، وابن بوش.
وتُوُفّي رحمه الله في ربيع الأوّل.
41- منصور بن هبة الله بن محمد المَوْصِليّ.
أبو الفوارس الحنفيّ، من كبار أئمة المذهب.
وُلي القضاء بأماكن من السّواد.
"حرف الياء":
42- يحيى بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن عابد.
أبو محمد الرِّيَاحِي الأندلسيّ.
قال ابن السّمعانيّ: شيخ صالح، عفيف، سمع الكثير ونَسَخ، وبالَغ في الطَّلب؛ وكان ثقة صدوقًا. جاوَرَ مدَّة، وقدِم بغداد، ومضى إلى ما وراء النَّهر.
وكان موته ببُخَارَى.
سمع: أبا مكتوم عيسى بن أبي ذَرّ، وعلي بن المفرّج الصَّقَلّيّ، وأبا إسماعيل الأنصاريّ، وأبا عبد الله العُمَيْريّ، وأبا بكر بن خَلَف الشّيرازيّ.
وسمع أيضًا بسَمَرْقَنْد، ونَسف. وأكثر التّرحال.
وروى لي عنه: الأمير أبو علي أحمد بن محمد بن جبريل الطرازي، وجماعة سمعوا منه.
وفيات سنة أربع وعشرين وخمسمائة:
"حرف الألف":
43- أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن أحمد بن عبد الملك بن رضوان1.
أبو نصر البغدادي المراتبي.
__________
1 مشيخة ابن عساكر "7/ 2"، سير أعلام النبلاء "19/ 530".(36/60)
شيخ صالح من باب المراتب.
سمع: أبا محمد الجوهريّ؛ وسماعه صحيح.
روى عنه: محمد بن طاهر المقدسيّ مع تقدّمه، وأبو القاسم بن عساكر.
ومات في جُمادَى الآخرة وله إحدى وثمانون سنة.
وقد أجاز له عبد العزيز الأزَجيّ الحافظ.
قال ابن النّجّار: روى لنا عنه أبو القاسم ابن السُّبْط. وكان شيخًا صالحًا أمينًا، كثير الصّلاة والصدقة.
سمع أيضًا أبا يَعْلَى بن الفرّاء.
44- أَحْمَد بن عبد الواحد بن الحسن بن زُرَيْق.
الشَّيْبانيّ البغداديّ القزّاز، عم أبي منصور عبد الرحمن بن محمد.
شيخ صالح.
سمع: أبا جعفر ابن المسلمة، وأبا الحسين بن النَّقُّور.
تُوُفّي في شعبان.
روى عنه: أبو القاسم بن عساكر، وأبو المُعَمَّر الأنصاريّ.
45- إبراهيم بن عثمان بن محمد1.
أبو إسحاق، وقيل أبو مَدْيَن الكلْبيّ الغزّيّ، الشّاعر المشهور. أحد فُضلاء الدّهر، ومَن يُضرب به المثل في صناعة الشِّعر. ذو الخاطر الوقّاد، والقريحة الجيّدة.
تنقّل في البُلدان، ومدحَ الأعيان، وهجا جماعة. ودوَّر في الجبال، وخُراسان. وسار شِعْره.
وقد سمع بدمشق من الفقيه نصر سنة إحدى وثمانين وأربعمائة.
قال ابن النّجّار: هو إبراهيم بن عثمان بن عيّاش بْن مُحَمَّد بْن عُمَر بْن عَبْد اللَّه الأشهبي الكلبي.
__________
1 المنتظم "10/ 15، 16"، الكامل في التاريخ "10/ 666، 667"، سير أعلام النبلاء "19/ 554، 555"، النجوم الزاهرة "5/ 236".(36/61)
ثمّ قال: هكذا رأيت نَسَبه بخطّ محمد بن طُرْخان التّركيّ.
روى ببغداد كثيرًا من شِعره.
وعنه من أهلها: محمد بن جعفر بن عَقِيل البصريّ، ومحمد بن علي بن المِعْوَجّ، وعبد الرحيم بن أحمد ابن الأخوة.
وروى السِّلَفيّ عنه. وروى أيضًا عن يوسف بن عبد العزيز المَيُورقيّ، عنه.
ومن شِعره:
أَغْيدُ للعين حين تَرْمُقُهُ ... سلامةٌ في خلالها عطَبُ
واخضرُ في وجْنَتَيْه ... ... ... الماء ينبتُ العشبُ
يدير فينا بخدّه قَدَحا ... يجتمع الماءُ فيه واللهَبُ
قلت: وقيل: هو إبراهيم بن يحيى بن عثمان بن محمد. أقام بالنّظامية ببغداد سِنين كثيرة. وله ديوان شعر مختار نحو ألْفي بيت.
وقال العماد في "الخريدة": مدح ناصر الدّين مُكْرَم بن العلاء وزير كرْمان بالقصيدة الّتي يقول فيها:
حملنا من الأيام ما لَا نُطِيقهُ ... كما حمل العظْمُ الكسِيرُ العصائبا
وليلٍ رَجَوْنا أن يَدبّ عِذَارُهُ ... فما اختطّ حتّى صار بالصُّبح سائبا
قال ابن السّمعانيّ: ما اتّفق أنيّ سمعت منه شيئًا، وكان ضنينًا بشِعْره، إلا أنّه اتّفق له الخروج من مَرْو إلى بلْخ، فباع قريبًا من عشرة أرطال من مُسَوَّدات شِعره من بعض القلانِسيّين، ليفسدها في القلانِس، فاشتراها منه بعض أصدقائي، وحملها إليَّ، فرأيت شِعرًا أُدْهِشْت من حُسنه وجَوْدة صنعته. فبيّضت منه أكثر من خمسة آلاف بيت.
وُلِد رحمه الله سنة إحدى وأربعين وأربعمائة.
وقال ابن نُقْطة في "استدراكه" على الأمير: نبا أبو المعالي محمد بن أبي الفَرَج البغداديّ: حدَّثني سعد بن الحسن التّورانيّ الخُراسانيّ الشاعر قال: كنا نسمع على إبراهيم الغزّيّ ديوانه، فاختلف رجلان في إعراب بيت، فقال: قوموا، فَوَالله لَا أسْمَعْتُ بقيّته، ولأبيعنَّ ورقَهَ للعطّارين يصرّون فيه الحوائج.(36/62)
ومن شعره:
قالوا تركت الشَّعْر قلت ضرورةً ... باب الدّواعي والبواعث مُغْلَقُ
خَلَت الدَّيار فلا كريم يرتجى منه ... النّوالُ ولا مليحٌ يُعشَقُ
ومن العجائب أنه لَا يُشْتَرَى ... ومع الكَسَاد يُخانُ فيه ويسرق
وله:
أإحتمال خدّ يوم وَجرة أمْ جيد ... أمّ اللّحْظُ فيما غازَلَتْكَ المَها الغِيدُ
سَفَرْنَ فقال الصُّبح لست بسفيرٍ ... ومِسنَّ فقال البانُ ما فيّ أملودُ
وخوطّية المهتزّ أمكن وصْلها ... وطرفٌ رقيت الحيّ بالنوم مصفود
لك النّومُ تحت السَّجْف والطّيبُ والحُلَى ... ولى عَزَماتي والعلندات والبيدُ
فقالت أَمِطّ عنك القريضَ وذِكْرَهُ ... فما لَكَ في نَظْم القصائدِ تجويدُ
وله:
طولُ حياةٍ ما لها طائل ... نقص عندي كلّما يُشْتَهى
أصبحت مثل الطَّفْل في ضَعْفه ... تشابه المبتدأ والمُنْتَهى
فلا تَلُم سمعي وإن خانني ... إن الثّمانين وبُلّغْتُها
وله:
بجَمْعِ جَفْنيك بين البُرْء والسَّقَم ... لا تَسْفِكي من دموعي بالفِراقِ دمي
إشارةٌ منكِ تكفيني وأحسن ما ... رُدَّ السّلامُ وغَدَاة البَيْنِ بالعَنَمِ
تَعليقُ قلبي بذاتِ القُرْطِ يُؤلمهُ ... فينكر القُرْطُ تعليقًا بلا ألم
وما نسيت ولا أنسى تجشُّمَها ... ومنسم الجوّ غفلٌ غير ذي عَلَمِ
حتى إذا طاح منها المِرْط من دهشٍ ... وانْحَلّ بالضّمّ سلْك العُود في الظُّلَم
تبسّمت فأضاء الجوّ فالتقطتْ ... حبّات متعثّر في ضوء منتظم
وله:
إذا ما قلّ عقلُ المرءِ قلّت هُمُومُه ... ومن لم يكنْ ذا مقلةٍ كيف يرمد(36/63)
وقد تصقل الضبات وهي كليلةٌ ... وتصيد أحدّ السِّيفِ وهو مُهَنَّد
وله:
إني لأَشْكُو خُطُوبًا لَا أعيّنها ... ليبرأ النّاسُ من لَومي ومن عذْلي
كالشّمع يبكي ولا يُدرى أَعَبْرَتُهُ ... من حُرْقة النّار أو من فرقةِ العَسَلِ
وله القصيدة السّائرة:
أحِطْ عن الدُّرر الزّهر اليَوَاقِيتا ... واجعل لحجّ تَلاقِينا مواقيتا
فثغرك اللؤلؤ المبيض لا الحجر الـ ... ـمسود طالبه يطوي السّباريتا
لنا بذِكراك أذكى الطَّيب رائحةً ... ونورُ وجْهِكَ ردّ البَدر مبهوتا
وفتية من كُماه التُّرْكِ ما تركَتْ ... للرَّعْد كنانهم صَوْتًا ولا صِيتا
قوم إذا قُوبلوا كانوا ملائكةً ... حُسْنًا وإن قُوتلوا كانوا عفاريتا
مُدَّت إلى النَّهْب أيديهم وأعيُنُهم ... وزادهم قلق الأخلاق تثبيتا
وله:
طفقت تقول أسيرة الكَلَل ... لك ناظرٌ أَهدى فؤادَكَ لي
وأراك رائد مهمَّة قذف ... ما عاقَهَا القَمَران عن زُحَلِ
من ضنها بالطَّيْف توعدنا ... جود النبأ يعد في البخل
استغفر الله المركب في أسل ... القُدُودِ لها ذمّ المُقَل
فاسننْ عليك دلاص تسليةٍ ... فاللحظ يُبْطل حُجَّةَ البطلِ
بك من جواري السّرب نازلةٌ ... بالحُسْن بين مراكز الأَسَلِ
بدويَّة الحِلَل افتتنْتُ بها ... لما بَدَت خصريَّة الحُلَلِ
يا دُمْيةً سَفَكَت دمي عشارًا ... أنا ابن بجدة حَوْمة الوهلِ
ما ضقتُ يومًا بتحيّتي لهم ... إلّا وكان نزالُهُمْ نزلي
ومن السّفاهةِ مَقْتُ ذي معةٍ ... ومن العناء عتابُ ذِي ملل(36/64)
وله:
وربّ خطيبٍ حللْتُ عُقْدَتَه ... بمنزلٍ لَا تحل فيه حبا
وما لك جئت نحوه ظلمًا ... فزرته مشرق المُنى شحبا
جاد بما يملأ الحقائب لي ... وحدّث بالمدْح يملأ الحُقبا
وكم تصيّدته والصِّبى شركي ... شرب ظبا لحاطمين ظبا
على عذير بروده نَظَمتْ ... نوادرها حول بدره شُهُبا
يدقّ فيه الغمام أسهُمَهُ ... فيكتسي من نصالها حَسَبا
ويعجم الطَلّ ما يحطّ على ... صفحته مرّ شمال وصبا
ضروب نقشٍ كأنما خلع الز ... هر عليهن بُرده طَرَبا
لو كنّ يتّقين ظنّهن صفيّ ... الدّولة الأحرف التي كتبا
قال ابن السّمعاني: خرج الغّزي متوجّهًا من مَرْو إلى بلْخ في سنة أربعٍ وعشرين، فأدركته المَنِيَّة في الطريق، فحُمِل إلى بلْخ ودُفن بها، وله ثلاثٌ وثمانون سنة.
46- إسماعيل بن الفضل بن أَحْمَد بن محمد بن علي الإخشيد1.
التّاجر الأصبهانيّ المعروف بالسّرّاج.
سمع: أبا القاسم بن أبي بكر الذَّكوانيّ، وأبا طاهر بن عبد الرحيم، وعليّ بن القاسم المقرئ، وأبا العباس بن النُّعْمان الصّائغ، وأحمد بن الفضل الباطِرْقانيّ، وأبا الفضل عبد الرحمن بن أحمد الرازيّ، وجماعة.
روى عنه: أبو طاهر السِّلَفيّ، وكنّاه أبا سعيد ووثقه، وأبو موسى المديني، ويحيى الثقفي، وناصر الويرج، وخلف بن أحمد الفراء، وأسعد بن أحمد الثقفيّ، وأبو جعفر الصَّيْدلانيّ، وآخرون.
سمعه أبو موسى يقول: وُلِدت ليلة نصف شعبان سنة ستٍ وثلاثين وأربعمائة.
قال: وكان أبي اسمه محمد، وكنيته أبو الفضل، فغلب عليه الفضل.
__________
1 التحبير "1/ 101-104"، سير أعلام النبلاء "19/ 555، 556"، غاية النهاية "1/ 167".(36/65)
قلت: وكان من المكثرين في السّماع والرّواية، وقرأ القرآن على المشايخ. وكان تاجرًا أمينًا.
كنّاه أبو سعد السّمعانيّ أبو الفتح وقال: كان سديد السّيرة.
قرأ بروايات، ونسخ أجزاء كثيرة، وكان واسع الرواية، موثوقًا به.
كتب لي الإجازة.
فمن مسموعاته: "طبقات الصّحابة" لأبي عَروبة، في أربعةٍ وعشرين جزءًا، بروايته عن أبي طاهر بن عبد الرحيم، عن ابن المقري، عنه؛ وكتاب "الإشراف في اختلاف العلماء" لابن المنذر، بروايته عن ابن عبد الرحيم، عن ابن المقري، عنه؛ وكتاب "السُّنَن" للحلوانيّ، رواية الفضل الْجُنْديّ، عنه.
قلت: تُوُفّي رحمه الله في رمضان، وقيل في شعبان. وله فوائد مَرْوِيَّة.
"حرف الخاء":
47- خَلَف بن عمر بن عيسى1.
أبو القاسم الحضّرميّ الْقُرْطُبيّ.
روى عن: سراج بن عبد الملك.
وتفقّه عند: هشام بن أحمد الفقيه.
قال ابن بَشْكُوال: عن جماعة معنا.
وكان رحمه الله من العلماء المتفنّنين.
تُوُفّي في رجب.
"حرف السين":
48- سهل بْن إبراهيم بْن أَبِي القاسم2.
أبو القاسم النَّيسابوريّ المسجديّ النَّسفيّ، خادم مسجد المطرّز.
قال السّمعانيّ، وقد أجاز له: كان شيخًا صالحًا، كثير العبادة، معمَّرًا، متفردًا
__________
1 الصلة لابن بشكوال "1/ 177".
2 تقدم برقم "17".(36/66)
بالرواية عن مثل أبي سعيد بن أبي الخير المِيهَنيّ، وأبي محمد الْجُوَيْنيّ، وأبي عبد الرحمن محمد بن أحمد بن مُحَمَّد الشاذياخي.
وسمع من: عبد الغافر الفارسي، وابن مسرور.
سمعني والدي منه أجزاء.
وُلِد في حدود سنة ثلاثين، وحدَّث في آخر سنة ثلاث، ووفاته بعد ذلك.
49- سهل بن محمود بن محمد بن إسماعيل1.
أبو المعالي البخاريّ البَرّاني.
وبرّانية من قرى بُخارى.
كان إماما، ذكيًا، واعظًا، صالحًا، عابدًا، حجّ على التّجريد، وبقي مع وِفاقه حافيًا عُرْيَانًا، حتى توصلوا إلى مكَّة بعد الرّفقة. وجاوَرَ بمكَّة حتى حجّ.
ودخل اليمن، وركب البحر إلى كَرمان.
سمع: أباه، والمظفر بن إسماعيل الْجُرْجانيّ.
روى عنه: ابنه حمزة.
وتُوُفّي ببُخَارَى.
"حرف الطاء":
50- طِراد بن علي بن عبد العزيز2.
أبو فِراس السُّلَمي الدّمشقيّ الكاتب المعروف بالبديع.
مات متوليًا بمصر. وكان مولده بدمشق في سنة أربع وخمسين.
قال السَّلفيّ: علّقت عنه شِعرًا. وكان آيةً في النظم والنثر.
له مقامات ورسائل.
قلت: ومن شِعره في تاج الدّولة تُتُش بن ألب رسلان:
غزالٌ غزا قلبي بعينٍ مريضةٍ
لها ضعف أجفانٍ تهدّ قوى صبري
__________
1 المنتظم "10/ 19"، الأنساب "2/ 122".
2 معجم الأدباء "12/ 229"، الوافي بالوفيات "2/ 131، 133"، شذرات الذهب "4/ 90".(36/67)
له لِينُ أعطافٍ أرقُّ من الهَوَى ... وقلبٌ على العُشّاق أقسى من الصَّخْرِ
وهى طويلة.
ومن شعره أيضًا قوله:
قيل لي لما جلست في طرف القو ... م وأنتَ البديعُ ربُّ القوافي
قلت: آثرته لأنّ المناديـ ... ـل يُرى طَرْزُها على الأطرافِ
وكفاني من الفخار بأني نازلٌ ... في منازلِ الأشرافِ
"حرف العين":
51- عَبْد اللَّه بْن عَلِيّ بْن عبد الملك1. أبو محمد الهلاليّ الغَرْناطيّ، يعرف بابن سَمَجُون. أحد جِلَّة العُلماء والفُقَهاء.
ولي قضاء غَرْناطة.
وأخذه عنه: أبو جعفر بن البادش، وعبد الحق بن بونة.
وعاش بضعًا وسبعين سنة.
يروى عن: أبي علي الغسانيّ، وطبقته.
52- عبد الله بن محمد بن إسْمَاعِيل بن صَدَقة2.
أبو محمد المصريّ، المجاور بمكَّة. ويُعرف بابن الغَزال.
شيخ كبير صالح.
سمع: أبا عبد الله القُضاعيّ بمصر، وأبا القاسم الحِنّائيّ، والكتّانيّ بدمشق؛ وكريمة المَرْوزية.
وطال عُمره وكفّ بصره.
قال ابن عساكر: سمعت من لفظه حديثًا واحدًا لصممٍ شديد كان به. لقَّنَّاه الحديث.
وذكر لي أن جدّه لُقِب بالغزال لسرعة عدوه.
__________
1 بغية الملتمس "336"، تكملة الصلة لابن الأبار "2/ 819"، الوافي بالوفيات "17/ 326".
2 مختصر تاريخ دمشق "13/ رقم 80"، مرآة الجنان "3/ 232".(36/68)
تُوُفّي أبو محمد في صفر.
وقال السّلفيّ: أجاز لي، وقد أخبرني عنه بأصبهان إسماعيل بن محمد الحافظ سنة ثلاثٍ وتسعين وأربعمائة. وحججت سنة تسعٍ وتسعين ولم أعلم به.
سمع: عبد العزيز بن الضّرّاب، وأبا محمد المَحَامليّ، والمقرئ أبا الحسين الشيرازيّ.
وكان مقرئًا صالحًا. وسمعت من أخيه إبراهيم بمصر.
53- عَبْد الحق بْن أحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الحقّ1.
أبو محمد الخَزْرَجيّ القُرْطُبيّ.
روى عن: الفقيه محمد بن فَرَج واختص به؛ وناظر عند: أبي جعفر بن رزق، وأبي الحسن بن حمدين.
وأجاز له أبو العباس بن العُذْريّ.
وكان فقيهًا إمامًا شُرُوطيًّا مدرسًا.
تُوُفّي في صَفَر، وله اثنان وسبعون عامًا.
54- عبد العزيز بن محمد بن معاوية2.
أبو محمد الأنصاريّ الدَّوْرقيّ الأطْرُوش.
سكن قُرْطُبة.
وحدث عن: أبي بكر محمد بن مفوّز، وأبي علي الصَّدفيّ، وأبي عبيد الله الخَوْلانيّ.
وكان حافظًا، عارفًا بالعلل والصحيح والسقيم والرجال، مقدّمًا في جميع ذلك على أهل وقته، قاله ابن بَشْكُوال؛ وجمع كُتُبًا مفيدة. سمعنا منه، وكان حرجًا نكد الخلق.
تُوُفّي في ربيع الآخر.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 386".
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 373".(36/69)
55- عبد الملك بن عبد العزيز بن فِيرَّة بن وهْب1.
أبو مروان المُرْسِيّ.
سمع من: أبي علي الغسانيّ، وغيره.
وحجّ، ودخل بغداد، ودمشق وروى هناك. ولم يذكره ابن عساكر.
وكان حافظًا للرأي، ذاكرًا للمسائل، صالحًا خيّرًا.
وعاش إحدى وسبعين سنة.
56- عبد المنعم بن مروان بن عبد الملك بن سَمَجون.
أبو محمد اللُّواتيّ الطَّنْجيّ.
نشأ بغَرْناطَة وتفقه بها على: أبي محمد عبد الواحد بن عيسى.
وسمع من: أبي علي الغسانيّ.
وكان فقيهًا، جزْلًا، مهيبًا. ولي قضاء إشبيلية بعد عزل أبي مروان الباجيّ. ثمّ نُقِل إلى قضاء غَرْناطَة.
وتُوُفّي في شعبان.
57- عَبْد الواحد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بن سيدة.
أبو المظفر الأصبهاني المقرئ.
تُوُفّي في رمضان.
58- عثمان بن منصور بن عبد الكريم.
أبو عَمْرو الطّرازيّ النّظاميّ.
سكن بلخ، وحدَّث عن: أبي الحسن محمد بن محمد الحسينيّ.
روى عنه: عبد الله بن عمر الفقيه ببلْخ، ومحمد بن الفضل المارشكيّ بطُوس.
وكان رجلا جليل القدر، واعظًا، محتشمًا.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 365".(36/70)
"حرف الفاء":
فاطمة بنت عبد الله بن أحمد بن القاسم بن عَقِيل1.
أمّ إبراهيم، وأم الغيث، وأمّ الخير الْجُوزْدانيَّة.
قال أبو موسى المَدِينيّ: قدِمت علينا من جُوزدان، وكان مولدها نحو الخمس والعشرين وأربعمائة.
وسمعت من: أبي بكر بن رِيذة سنة خمسٍ وثلاثين. وهي آخر أصحابه.
قلت: هي أسند أهل العصر مُطلقًا، وهي للأصبهانيّين كابن الحُصَيْن للبغداديّين.
سمعَتْ من ابن رِيذَة "المعجم الكبير" و"المعجم الصّغير" للطَّبرانيّ، وكتاب "الفِتَن" لنُعَيم بن حمّاد.
روى عنها: أبو العلاء الهَمَذانيّ، وأبو موسى المَدِينيّ، وَمَعْمَرُ بن الفاخر، وأبو جعفر الصَّيدلانيّ، وأبو الفخر أسعد بن سعيد، وعائشة بنت مَعْمَر، وعفيفة بنت أحمد، وأبو سعيد محمد الأَرَّجَانيّ الحلليّ، وعبد الرحيم بن أحمد ابن الأُخوَّة، وداود بن سليمان بن نظام المُلك، وشعيب بن الحسن السَّمَرْقَنْديّ، وفاطمة بنت سعد الخير، لها عنها حضور، وجماعة كثيرة.
أنبا أبو علي القلانِسِيّ: أنبأتْنا كريمة: عن أبي مسعود عبد الرحيم الحاجي أنهل تُوُفّيت في غُرَّة شعبان.
وقال ابن نُقْطة: في رابع عشر رجب.
60- فضل الله بن محمد بن وهْب الله بن محمد2.
أبو القاسم الأنصاريّ المقرئ.
أقرأ بجامع قُرطُبة مدَّة، وأخذ القراءات عن: أبي محمد بن شعيب، وأبي عبد الله بن شُرَيح.
وسمع من: محمد بن فَرَج الطّلاعيّ، وأبي محمد بن خزرج.
__________
1 التحبير "2/ 428، 429"، سير أعلام النبلاء "19/ 504، 505"، شذرات الذهب "4/ 69، 70".
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 465".(36/71)
روى عنه: ابن بَشْكُوال، وقال: تُوُفّي في رمضان، وله سبعون سنة.
وقرأ عليه بالروايات: علي بن محمد بن خاف، شابّ قرْطُبيّ.
"حرف الميم":
61- محمد بن سعدون بن مُرجيّ بن سعدون1.
الإمام أبو عامر القُرَشيّ العَبْدَريّ المَيُورقيّ المغربيّ، نزيل بغداد. أحد الحُفاظ والعلماء المبرزين، ومن كبار الفُقهاء الظّاهرية. رحل إلى بغداد. وسمع: أبا عبد الله البانياسي، وأبا الفضل بن خَيْرُون، وطِراد بن محمد، ويحيى السّبْتيّ، والحُميديّ، وابن البَطر، وخلْقًا سواهم.
قال القاضي أبو بكر محمد بن المغربيّ في "مُعجَمه": أبو عامر العَبْدريّ هو أنبل من لقِيته.
وقال ابن ناصر: كان فهْمًا، عالمًا، متعففًا، مع فقره، وكان يذهب إلى أنّ المناولة كالسّماع.
وذكره السَّلفيّ في "مُعْجَمه" فقال: كان من أعيان علماء الإسلام بمدينة السّلام، متصرفٌ في فنون من العلوم أدبًا ونحْوًا، ومعرفةً بالأنساب.
وكان داوودي المذهب، قُرَشِيّ النَّسَب. كتب عنّي وكتبت عنه. ومولده بقُرْطُبَة من مدن الأندلس.
قال ابن نقطة: نبا أحمد بن أبي بكر البندنيجيّ أنّ الحافظ ابن ناصر قال: لما دفنوا أبا عامر العَبْدريّ:
خلا لكِ الجوُّ فبيضي واصفِري
مات أبو عامر حافظ أحاديث رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَنْ شاء فلْيَقُلْ ما شاء.
وقال ابن عساكر: كان فقيهًا على مذهب داود، وكان أحفظ شيخٍ لقيته ذكر أنّه دخل الشّام في حياة أبي القاسم بن أبي العلاء، وسمعتُ أبا عامر وقد جرى ذِكر مالك، فقال: جلفٌ جاف، ضرب هشام بن عمار بالدرة.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 534"، المنتظم "10/ 19"، سير أعلام النبلاء "19/ 579، 583"، الوافي بالوفيات "3/ 93، 94".(36/72)
وقرأتُ عليه "الأموال" لأبى عُبَيْد، فقال، وقد مرّ قول لأبي عُبَيْد: ما كان إلا حمارًا مغفلًا لَا يعرف الفِقْه.
وقيل لي عنه: إنّه قال في إبراهيم النَّخَعيّ: أعورُ سُوء. فاجتمعنا يومًا عند ابن السَّمَرْقَنْديّ في قراءة "الكامل"، فنقل فيه قولًا عن السَّعْديّ، فقال: يكذب ابن عَدِيّ، إنما هو قول إبراهيم الْجَوْزَجانيّ. فقلت له: فهو السَّعْديّ؛ فإلى كم نحتمل منك سوء الأدب. تقول في إبراهيم النَّخَعيّ كذا، وتقول في مالك كذا، وفي أبي عُبَيْد كذا؟! فغضب وأخذته الرِّعْدَة وقال: كان ابن الخاضبة والبَرَدانيّ وغيرهما يخافوني، فآل الأمر إلى أن تقول فيّ هذا. قال له ابن السمرقندي: هذا بذاك.
فقلت: إنما نحترمك ما احترمت الأئمَّة.
فقال: والله قد علمت من علم الحديث ما لم يعلمه غيري ممّن تقدَّم، وإني لأعلم من "صحيح البخاري" و"مسلم" ما لم يعلماه.
فقلت مستهزئًا: فعِلْمُك إذا إلهامٌ.
وهجرته.
قال: وكان سيئ الاعتقاد، ويعتقد من أحاديث الصّفات ظاهرَهَا.
بَلَغَني أنّه قال في سوق باب الأَزَج: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم: 42] فضرب على ساقه وقال: ساقٌ كساقي هذه.
وبَلَغَني أنّه قال: أهل البِدَع يحتجّون بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء} [الشورى: 11] أي في الإلهيَّة، فأما في الصّورة فهو مثلي ومثلك.
قال الله تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب: 32] أي في الحُرْمة.
وسألته يومًا عن أحاديث الصّفات، فقال: اختلف النّاس فيها، فمنهم مَن تأوَّلها، ومنهم من أمسك، ومنهم من اعتقد ظاهرها. ومذهبي آخر هذه الثلاثة مذاهب.
وكان يُفْتي على مذهب داود بن علي، فبلغني أنّه سُئل عن وجوب الغُسْل على من جامَعَ ولم يُنْزِل، قال: لَا غُسْل عليه، الآن فعلتُ ذلك بأمّ أبي بكر، يعني ولده، وكان بَشِع الصّورة، زَرِيّ اللّباس.(36/73)
وقال ابن السّمعاني: حافظ مبرّز في صَنْعه الحديث، داوودي المذهب، سمع الكثير، ونسخ بخطّه إلى آخر عُمره. وكان يسمع وينسخ.
وقال ابن ناصر: فيه تساهُل في السَّماع، يتحدَّث ولا يُصْغي ويقول: يكفيني حضور المجلس. ومذهبه في القراءات مذهب سوء. مات في ربيع الْآخر.
قلت: روى عَنْهُ أَبُو القاسم بْن عساكر، ويحيى بن بوش، وأبو الفتح المندائيّ، وجماعة.
وخمل ذِكره لبِدْعته.
62- محمد بن عبد الله بن تُومَرْت1.
أبو عبد الله الملَّقب نفسَه بالمهديّ المَصْمُودي، الهَرْغيّ، المغربيّ، صاحب دعوة السّلطان عبد المؤمن ملك المغرب.
كان يدّعي أنّه حَسَنيّ عَلَويّ، وهو من جبل السَّوس في أقصي المغرب.
نشأ هناك، ثمّ رحل إلى المشرق لطلب العِلْم، ولقي أبا حامد الغزّاليّ، وإلِكيا أبا الحسن الهَرّاسيّ، وأبا بكر الطُّرْطُوشيّ.
وجاوَرَ بمكة، وحصّل طَرَفًا جيّدًا من العلم. وكان متورّعًا، متنسّكًا، مَهِيبًا، متقّشفًا، مخشَوْشِنًا، أمَّارًا بالمعروف، كثير الإطراق، متعبّدًا، يبتسم إلى من لقِيه، ولا يصحبه من الدنيا إلى عصاةٌ وركْوَة.
وكان شجاعًا، جريئًا، عاقلًا، بعيد الغور، فصيحًا في العرب، قد طُبع على النَّهْي عن المُنْكَر، متلذّذًا به، متحملًا المشقَّة والأذى فيه. أوذِي بمكة لذلك، فخرج إلى مصر، وبالغ في الإنكار، فزادوا في أَذَاه وطُرِد.
وكان إذا خاف من البْطش وإيقاع الفعل به خلّط في كلامه ليظنّوه مجنونًا، فخرج إلى الإسكندرية، فأقام بها مُدَّة.
ثمّ ركب البحر إلى بلاده.
وكان قد رأى في منامه وهو بالمشرق كأنه قد شرب ماء البحر جميعه كرّتين، فلمّا ركب السّفينة شرع ينكر، وألْزمهم بالصّلاة والتّلاوة، فلما انتهى إلى المَهْديَّة، وصاحبها يومئذٍ يحيى بن تميم الصَّنْهاجيّ، وذلك في سنة خمسٍ وخمسمائة، نزل بها
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 569-582"، سير أعلام النبلاء "19/ 539-552"، البداية والنهاية "12/ 186، 187".(36/74)
في مسجد مُغْلَق على الطّريق. وكان يجلس في طاقته، فلا يرى مُنْكرًا من آلة الملاهي أو أواني الخُمور إلا نزل وكسرها.
فتسامع به الناس، وجاءوا إليه، وقرءوا عليه كُتُبًا في أصول الدّيانة، وبلغ خبرُه الأمير يحيى، فاستدعاه مع جماعةٍ من الفقهاء، فلّما رأى سَمْتَه وسمع كلامه أكرمه، وسأله الدّعاء، فقال له: أَصْلَحَك اللهُ لرعيّتك.
ثمّ نزح عن البلد إلى بَجَّايَة، فأقام بها يُنْكر كدأبه، فأخرج منها إلى قرية ملالة، فوجد بها عبد المؤمن بن علي القَيْسيّ، فيقال: إنّ ابن تُومَرْت كان قد وقع بكتاب فيه صفة عبد المؤمن وصفة رجلٍ يظهر بالمغرب الأقصى مِنْ ذُرِّيَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعو إلى الله يكون مقامه ومدفنه بموضعٍ من المغرب، يُسَمّى ت ي ن م ل، ويجاوز وقته المائة الخامسة. فوقع في ذهنه أنّه هو. وأخذ يتطلب صفة عبد المؤمن فبلغ إلى أن رأى في الطريق شابًّا قد بلغ أشده على الصفة الّتي معه، فقال: يا شابّ ما أسمك؟ قال: عبد المؤمن.
فقال: الله أكبر، أنت بُغْيَتي، فأين مقصِدُك؟ قال: المشرق لطلب العِلم.
قال: قد وجدتُ عِلْمًا وَشَرَفًا وصحِبني شلة. ثمّ نظر في حِلْيته فوافَقَتْ، وقال: ممّن أنت؟ قال: من كُومية.
فربط الشّابّ، وألقي إليه سرّه.
وكان ابن تُومَرْت قد صحِبَه عبدُ الله الوَنْشَرِيسيّ ممّن تهذَّب وتفقّه، وكان جميلًا، فصيحًا في العربية، فتحدَّثا يومًا في كيفية الوصول إلى الأمر المطلوب، فقال لعبد الله: أرى أن تستر ما أنتَ عليه من العلم والفصاحة عن الناس، فتُظْهر من العيّ واللَّكَن والجهل ما تشتهر به، لتجد الخروج عن ذلك، وإظهار العلم دفعةً واحدة، فيكون ذلك معجزة. ففعل ذلك. ثمّ استدنى محمد أشخاصًا أجلادًا في القوى الجسْمانيَّة، أغمارًا، فاجتمع له ستَّة، فتوجهوا إلى مَراكُش، وملِكها علي بن يوسف بن تاشفين، وكان ملكًا حليمًا، عادلًا، متواضعًا، وكان بحضرته مالك بن وُهَيْب الأندلسيّ الفقيه، فأخذ ابن تُومَرْت في الإنكار، حتى أنكر على ابنه الملك، وذلك في قصةٍ طويلة، فبلغ خبرُه الملك، وأنه يحدّث في تغيير الدّولة، فكلّم مالك بن وهيب في أمره، وقال: نخاف من فَتح بابٍ يَعْسُرُ علينا سَدُّه.
وكان محمد وأصحابه مقيمين في مسجدٍ خراب بظاهر البلد، فأحضرهم في محفلٍ من العلماء، فقال الملك: سَلُوَا هذا ما يبغي.
فكلّموه، وقال: ما الّذي يُذكر عنك من القول في حقّ الملك العادل الحليم المُنْقاد إلى الحق؟ فقال: أما ما نُقِل عنّي،(36/75)
فقد قلتُهُ، ولي من ورائه أقوال، وأما قولك: إنّه يُؤْثِرَ طاعةَ الله على هواه، وينقاد إلى الحقّ، فقد حضر اعتبارُ هذا القول عليه، ليعلم بتعرّيه عن هذه الصِّفة.
إنّه مغرورٌ بما تقولون له وتُطرونه به، مع عِلمكم أنّ الحُجَّة عليه متوجّهة. فهل بلغك يا قاضي أنّ الخمر تُباع جَهَارًا، وتمشي الخنازير بين المسلمين، وتؤخذ أموال اليتامى؟ وعدّد من ذلك أشياء، حتّى ذَرَفَتْ عينا الملك، وأطرق حياءً، ففهم الدُّهاة من كلامه طَمَعَه في المُلْك. ولّما رأوا سكوت الملك وانخداعه له لم يتكلّموا، فقال مالك بن وُهَيْب: إنّ عندي نصيحة، إنْ قبِلَها الملكُ حَمَدَ عاقبتها، وإنْ تَرَكَها لم آمَنْ عليه.
قال: وما هي؟ قال: إنّي خائف عليك من هذا الرجل، وأرى أن تسجنه وأصحابه، وتنفق عليهم كلّ يومٍ دينارًا، وإلّا أنفقْتَ عليه خزائنك.
فوافقه الملك، فقال الوزير: أيُّها الملك، يقبح أن تبكي من موعظة هذا، ثمّ تُسيء إليه في مجلسٍ واحد.
وأن يظهر منك الخوف مع عِظَم ملْكك، وهو رجل فقير لَا يملك سدّ جوعه.
فأخَذتَ المَلِكَ العِزَّةُ، واسْتَهْوَن أمره وصَرَفه، وسأله الدّعاء.
وقيل: إنّه لما خرج من عنده لم يزل وجهه تلقاء وجهه، إلى أن فارقه، فقيل له: نراك تأدّبت مع الملك.
فقال: أردت أن لَا يفارق وجهي الباطل حتى أغيّره ما استطعت.
ولما خرج قال لأصحابه: لَا مُقام لنا بمراكُش مع وجود مالك بن وهيب، فإنا نخاف مكره، وإنا لنا بأَغْمات أخًا في الله فنقصده، فلم نُعدم منه رأيًا ودُعاء.
وهو الفقيه عبد الحق بن إبراهيم المصمودي.
فسافروا أليه فأنزلهم، وبثوا إليه سرّهم، وما جرى لهم، فقال: هذا الموضع لَا يحميكم، وإنّ أحصن الأماكن المجاورة لهذا البلد تين مل، وهي مسيرة يوم في هذا الجبل، فانقطعوا فيه بُرْهةً ريثما ينسى ذكركم.
فلّما سمع ابن تُومَرْت بهذا الاسم تجدد له ذكر اسم الموضع الّذي رآه في الكتاب فقصده مع أصحابه. فلما أتَوْه رآهم أهل ذلك المكان على تلك الصّورة فعلِموا أنّهم طلّاب علم.
قال: فتَلَقَّوْهُم وأكرموهم وأنزلوهم.(36/76)
وبلغ الملكَ سفرُهُم، فَسُرَّ بذلك.
وفشا مع أهل الجبل بوصول ابن تُومَرْت، فجاءوه من النّواحي يتبرَّكون به، وكان كلّ من أتاه استدناه، وعرض عليه ما في نفسه من الخروج، فإنْ أجابه أضافه إلى خواصّه، وإنْ خالَفَه أعرض عنه.
وكان يستميل الشّباب والأغمار، وكان ذَوُو الحِلْم والعقل من أهاليهم يَنْهَوْنَهُم ويحذّرونهم من أتِّباعه خوفًا عليهم من المَلِك، فكان لَا يتمّ له مع ذلك حال. وطالت المدَّة، وكثُرَت أتباعُه من أهل جبال دَرَنْ، وهو جبل لَا يفارقه الثَّلْج، وطريقه ضيَّق وعسر.
قال الْيَسَع بن حزْم: لَا أعلم مدينة من تينمل، لأنها بين جبلين، ولا يسع الطّريق إليها إلّا الفارس، وقد ينزل عن فرسه في أماكن صَعْبة، وفيها مواضع لَا يُعْبَر فيها إلّا علي خشب، فإذا أُزيلت خشبة لم يمرّ أحد. وهذه الطّريق مسافة يوم.
فأخذ أصحابه يغيرون على النّواحي سبْيًا وقتْلًا، وتقوَّوا وكثروا.
ثمّ إنّه غدر بأهل تينَمَل الّذين آوَوْهُ ونصروه، وأمر أصحابه، فقتلوا منهم مقتلةً عظيمة، قاتله الله. فقال له الفقيه الإفريقيّ، وهو أحد العشرة، عن ما فعل بأهل تينَمَل: هؤلاء قوم أكرمونا وأنزلونا دُورهم قَتَلْتَهُم؟ فقال لأصحابه: هذا شَكَّ في عصْمتي، خُذُوه فاقتلوه. فقتلوه، وعلّقوه على جِذْع.
قال: وكل ما أذكره من حال المَصَامِدة فمنه ما شاهدته، ومنه ما أخذته بنقل التّواتر.
وَكَانَ فِي وَصِيَّتِهِ إِلَى قَوْمٍ إِذَا ظَفِرُوا بمرابطٍ أَوْ أحدٍ مِنْ تِلِمْسَانَ أَنْ يُحَرِّقُوهُ.
فَلَمَّا كَانَ فِي عَامِ تِسْعَةَ عَشَرَ خَرَجَ إِلَيْهِمْ يَوْمًا، فَقَالَ: تَعْلَمُونَ أَنَّ الْبَشِيرَ، الَّذِي هُوَ الْوَنْشَرِيسِيُّ، إِنَّهُ أُمِّيٌّ لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ وَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ عَلَى دَابَّةٍ، وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ مُبَشِّرًا لَكُمْ مُطَّلِعًا عَلَى أَسْرَارِكُمْ، وَهُوَ آيَةٌ لَكُمْ، فَإِنَّهُ حَفِظَ الْقُرْآنَ، وَتَعَلَّمَ الرُّكُوبَ.
ثُمَّ اسْتَعْرَضَهُ الْقُرْآنُ، فَقَرَأَهُ لَهُمْ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَرَكِبَ حِصَانًا وَسَاقَهُ، فَتَعَجَّبُوا وَعَدُّوا ذَلِكَ آيَةً، وَصَحَّ لابْنِ تُومَرْتَ بِذَلِكَ مَا أَطْوَاهُ عَلَى نفوسٍ سَلِيمَةٍ لَا يَعْرِفُونَ بَوَاطِنَ الْأُمُورِ، فَتَحَقَّقَ تَصْدِيقُهُمْ إِيَّاهُ.
فَقَامَ خَطِيبًا وَقَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِيَمِيزَ اللَّهُ(36/77)
الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال: 37] فَقَالَ: {مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 110] .
وَهَذَا الْبَشِيرُ مُطَّلِعٌ عَلَى الأَنْفُسِ مُحَدَّثٌ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ فِي أُمَّتِي مُحَدَّثِينَ. وَإِنَّ عُمَرَ مِنْهُمْ" 1. وَقَدْ صَحِبَنَا أقوامٌ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى سِرِّهِمْ وَنِفَاقِهِمْ، وَلَا بُدَّ مِنَ النَّظَرِ فِيهِمْ، وَيُتَمِّمُّ الْعَدْلَ فِيهِمْ.
ثُمَّ نُودِيَ فِي جِبَالِ المصامدة: من كان مطيعًا للإمام فلْيُقْبِل.
فكانوا يأتون قبائل قبائل، فيُعرضون عليه، فيخرجون قومًا على يمينه، ويعدّهم من أهل الجنَّة، وقومًا على يساره، ويقول: هؤلاء شاكّون في الأمر.
حتّى كان يؤتى بالرجل فيقول: رُدّوا هذا على اليمين، فإنّه تائب، وقد كان قبل كافرًا، ثمّ أحدَث البارحة توبة، فيَعترف بما أخبر به. واتّفقت له فيهم عجائب.
وكان يطلق أهل اليَسَار وهم يعلمون أنّ مآلهم إلى القتْل فلا يفرّ منهم أحد.
وكان إذا اجتمع منهم كثير قتلهم قراباتُهُم، يقتل الأب ابنه، والأخُ أخاه، وابن العمّ ابن العَمّ. فالّذي صحّ عندي إنّه قُتِلَ منهم سبعون ألفًا على هذه الصّفة، ويسمُّونها التّمييز.
ولما كمل التّمييز وجّه جُمُوعه مع البشير نحو أَغْمات، فالتقوا المرابطين فهزموهم، وَقُتِلَ خلقٌ من المَصَامِدة لكونهم ثبتوا، وَجُرِحَ عمر الهِنْتانيّ جراحات، فحملوه على أعناقهم وهو كالميت، لَا يَنْبض له عِرْق. فقال لهم البشير: إنّه لَا يموت حتّى يفتح البلاد، ويغزو في الأندلس.
وبعد مدَّة من استماتته فتح عينيه، فزادهم ذلك إيمانًا بأمرهم.
ولّما أَتَوْا عزّاهم ابن تُومَرْت وقال: يومٌ بيوم، وكذلك حرْبُ الرُّسُلِ.
ونقل عبد الواحد بن علي التميمي المراكشي في كتاب "المعجب" الذي اختصرته، أن ابن تُومَرْت رحل إلى بغداد، فأخذ الأصول عن أبي بكر الأصوليّ الشّاشيّ، وسمع من المبارك بن عبد الجبار ابن الطيوري.
__________
1 حديث صحيح: أخرجه البخاري "3469، 3689"، وأحمد في المسند "2/ 339"، من حديث أبي هريرة، وفي الباب عن عائشة: أخرجه مسلم "2398"، والترمذي "3693"، وأحمد في المسند "6/ 55"، والحميدي في مسنده "253"، وابن حبان في صحيحه "6894".(36/78)
وقال: إنّ أمير الإسكندرية نفاه منها؛ فبَلَغَني أنّه استمر يُنكر في المركب إلى أنّ أَلْقوْه في البحر.
فأقام نصفَ يومٍ يجري في ماء السّفينة ولم يغرق، فأنزلوا إليه من أطلعه وعظَّموه، إلى أن نزل بَجَّايَة، ووعظ بها، ودرَّس، وحصل له القبول، فأمره صاحبها بالخروج منها خوفًا منه، فخرج، ووقع بعبد المؤمن؛ وكان بارعًا في خطّ الرمْل.
ووقع بجفرٍ فيما قيل، وصحِبَهما من ملالة عبدُ الواحد الشّرقيّ، فتوجّه الثّلاثة إلى أقصى المغرب.
وقيل إنّه لقي عبد المؤمن ببلاد متيحة، فرآه يعلم الصبيان، فأسر إليه، وعرفه بالعلامات.
وكان عبد المؤمن قد رأى رؤيا، وهي أنّه يأكل مع أمير المسلمين علي بن يوسف في صحفةٍ؛ قال: ثمّ زاد أكلي على أكله، ثمّ اختطفت الصَّحْفَة منه.
فقصها على عابرٍ فقال: هذه لَا ينبغي أن تكون لك، إنما هي لرجلٍ ثائر يثور على أمير المسلمين، إلى أن يغلب على بلاده.
وسار ابن تُومَرْت إلى أن نزل في مسجد بظاهر تِلِمْسان، وكان قد وضع له هيبةً في النُّفُوس.
وكان طويل الصَّمت، كثير الانقباض، إذا انفصل عن مجلس العلم لَا يكاد يتكلم.
أخبرني شيخٌ عن رجلٍ من الصالحين كان معتكفًا في ذلك المسجد أنّ ابن تُومَرْت خرج ليلةً فقال: أين فُلان؟ قالوا: مسجون.
فمضى من وقته ومعه رجلٌ، حتى أتى إلى باب المدينة، فدقّ على البوّاب دقًا عنيفًا.
ففتح له بسرعة، فدخل حتّى أتى الحْبس، فابتدر إليه السّجّانون يتمسّحون به.
ونادى: يا فُلان.
فأجابه، فقال: أخرج، فخرج والسّجّانون باهتون لَا يمانعونه، وخرج به حتّى أتى المسجد.
وكانت هذه عادته في كلّ ما يريد، لَا يتعذّر عليه.
قد سُخِّرت له الرّجال.
وعظُم شانه بتِلَمْسان إلى أن انفصل عنها، وقد استحْوَذَ على قلوب كُبَرائها.
فأتى فاسَ، وأظهر الأمر بالمعروف، وكان جلّ ما يدعو إليه عِلم الاعتقاد على طريقة الأشعرية.
وكان أهل المغرب ينافرون هذه العلوم، ويعادون من ظهرت عليه.(36/79)
فجمع والي فاس الفُقَهاء له، فناظرهم، فظهر عليهم لأنه وجد جوّا خاليًا وناسًا لَا عِلْمَ لهم بالكلام، فأشاروا على المتوليّ بإخراجه. فسار إلى مَراكُش، وكتبوا بخبره إلى ابن تاشفين، فجمع له الفُقهاء، فلم يكن فيهم من يعرف المناظرة إلّا مالك بن وُهَيْب، وكان متفنّنًا قد نظر في الفلسفة. فلّما سمع كلامه استشعر حِدَّته وذكاءه فأشار على أمير المسلمين ابن تاشفين بقتْله، وقال: هذا لَا تُؤمن عائلتُه، وإنْ وقع في بلاد المصامدة قَوِيُّ شرُّه، فتوقّف عن قتْله دِينًا، فأشار عليه بحبْسه، فقال: عَلَامَ أسجن مسلمًا لم يتعيَّن لنا عليه حقّ. ولكنْ يخرج عنّا.
فذهب هو وأصحابه إلى السُّوس، ونزل تينمل. ومن هذا الموضع قام أمرُه، وبه قبره، فلّما نزله اجتمع إليه المَصَامِدة، فشرع في بثّ العلم والدّعاء إلى الخير. وكتم أمره، وصنَّف لهم عقيدةً بلسانهم، وعظُم في أعيُنهم، وأحبته قلوبُهُم.
فلما استوثق منهم دعا إلى الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنْكَر، ونهاهم عن سفْك الدّماء، فأقاموا على ذلك مدَّة، وأمر رجالًا منهم ممّن استصلح عقولهم بنصب الدَّعوة. واستمال رؤساء القبائل، وأخذ يذكّر المَهْديّ ويشوّق إليه، وجمع الأحاديث الّتي جاءت في فضله، فلّما قرّر عندهم عَظَمة المهديّ ونَسَبه ونعته، ادّعى ذلك لنفسه، وقال: أنا محمد بن عبد الله، وسرد له نَسَبًا إلى علي عليه السلام، وصرَّح بدعوى العِصْمة لنفسه، وأنّه المهديّ المعصوم، وبسط يده للمبايعة فبايعوه، فقال: أبايعكم على ما أبايع عليه أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصنَّف لهم تصانيف في العِلم، منها كتاب سماه "أعزّ ما يطلب"، وعقائد على مذهب الأشعريّ في أكثر المسائل إلّا في إثبات الصّفات، فإنّه وافق المعتزلةِ في نفْيها، وفي مسائل غيرها قليلة.
وكان يُبْطن شيئًا من التَّشَيُّع. ورتَّب أصحابه طبقات، فجعل منهم العشّرة، وهم الأوّلُون السّابقون إلى إجابته.
وهم الملقَّبون بالجماعة.
وجعل منهم الخمسين، وهم الطّبقة الثّانية.
وهذه الطّبقات لَا تجمعها قبيلة، بل هم من قبائل متفرقة. وكان يسمّيهم المؤمنين، ويقول لهم: ما على وجه الأرض من يؤمن إيمانكم، وأنتم العصابة المَعْنيُّون(36/80)
بقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تزال طائفة بالمغرب ظاهرين على الحقّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ الله" 1.
وأنتم الّذين يفتح الله بكم الرّوم، ويقتل بكم الدجال، ومنكم الأمير الذي يصلي بعيسى ابن مريم.
هذا مع جزيئات كان يخبرهم بها وقع أكثرها.
وكان يقول: لو شئتُ أن أَعُدَّ خُلفاءكم خليفةً خليفةً لَعَدَدْتُ.
فعظُمَت فتنةُ العوام به، وبالغوا في طاعته، إلى أن بلغوا حدًّا لو أمر أحدهم بقتْل أبيه أو أخيه أو أبنه لقتله.
وسهّل ذلك عليهم ما في طباعهم من القسوة المعهودة في أهل الجبال، لا سيما الخاربة البربر، فإنّهم جُبلوا على الإقدام على الدماء، واقتضاه إقليمهم.
حتّى قيل إنّ الإسكندر أُهديت له فرسٌ لَا تُسبق، لكنها لَا تصهل، فلّما حلّ بجبال دَرَنْ، وهي بلاد المَصَامدة هذه، وشربت تلك الفرس من مياهها صهلت.
فكتب الإسكندر إلى الحكيم يخبره، فكتب إليه: هذه بلاد سر وقسوة، فعجِّل بالخروج منها.
وأنا فقد شاهدت من إقدامهم على القتْل لمّا كنت بالسُّوس ما قضيت منه العجب.
قال: وقوي أمر ابن تومرت في سنة خمس عشرة وخمسمائة، فلما كان في سنة سبْع عشرة جهّز جيشًا من المَصَامِدة، جُلُّهم من أهل تينمل والسُّوس، وقال لهم: اقصدوا هؤلاء المارقين المبدّلين الّذين تسمَّوا بالمرابطين، فادْعُوهم إلى إماتة المُنْكَر، وإزالة البِدَع، والإقرار بالإمام المهديّ المعصوم، فإنْ أجابوكم فهُمْ إخوانكم، وإلّا فقاتِلُوهم، وقد أباحت لكم السُّنَّةُ قتالَهم.
وقدم عليهم عبد المؤمن، فسار بهم قاصدًا مَرّاكُش، فخرج لقتالهم الزُّبَير بن أمير المسلمين عليّ بْن يُوسُف بْن تاشفين، فلّما تراءى الْجَمْعان كلموا المرابطين بما أمرهم به
__________
1 حديث صحيح: أخرجه مسلم "1925"، وأبو يعلي "2/ 118"، وأبو نعيم في الحلية "3/ 95، 96"، وقال الشيخ الألباني رحمة الله في الصحيحة "965": واعلم أن المراد بأهل الغرب في هذا الحديث أهل الشام لأنهم يقعون في الجهة الغربية الشمالية بالنسبة للمدينة المنورة التي فيها نطق عليه الصلاة والسلام الحديث الشريف، وبهذا فسر الحديث الإمام أحمد رحمه الله، وأيده شيخ الإسلام ابن تيمية في عدة مواضع من الفتاوي "7/ 446، 27/ 41، 507، 28/ 531، 552".(36/81)
ابن تُومَرْت، فردَوا عليهم أسوأ ردّ، ووقع القتال، فانهزم المَصَامِدة، وَقُتِلَ منهم مقتلة، ونجا عبد المؤمن.
فلمّا بلغ الخبرُ ابن تُومَرْت قال: أَلَيْس قد نجا عبد المؤمن؟ قيل: نعم.
قال: لم يُفْقَد أحد.
ثمّ أخذ يهوّن عليهم، ويقرر عندهم أنّ قتلاهم شُهداء، فزادهم حِرْصًا على الحرب.
وقال الأمير عزيز في كتاب "الجمع والبيان في أخبار القيروان" إنّ ابن تُومَرْت أقام بتينمل، وسمّى أصحابه وأتباعه بالموحدين، والمخالفين أمره: مجسّمين.
وأقام على ذلك نحو العام، فاشتهر أمره سنة خمس عشرة، وبايعته هَرْغَة على أنّه المهديّ، فجهّز له علي بن يوسف جيشًا من الملثَّمين، فقال ابن تومرت لأصحابه الّذين بايعوه: إنّ هؤلاء قد جاءوا في طلبي، وأخاف عليكم منهم، والرأي أن أخرج عنكم بنفسي إلى غير هذه البلاد لِتَسْلموا أنتم.
فقام بين يديه ابن توفيان، من مشايخ هَرْغَة، وقال له: تخاف شيئًا من السماء؟ قال: لَا، بل من السّماء تُنصر.
فقال ابن توفيان: فدع كل من في الأرض يأتينا.
ووافقه جميع قبيلته على ذَلِكَ القول.
فقال: إنما أردت أن أختبر صبرَكم وثَبَاتَكم وأمّا الآن، فأبشروا بالنَّصْر، وأنكم تغلبون هؤلاء الشِّرْذمة، وبعد قليل تستأصِلون دولتهم، وترثون أرضهم.
فالتقوا جيش الملثمين فهزموهم، وأخذوا الغنيمة، ووثقت نفوسُهم بالمهديّ، وأقبلت إليه أفواج القبائل من النّواحي ووحَّدَتْ قبيلة هنتانة، وهي من أقوى القبائل؛ إلى أن قال: ثمّ نَهَجَ لهم طريقَ التَّودُّد والآداب، فلا يخاطبون الواحد منهم إلّا بضمير الجْمع في وقارٍ وبشاشة، ولا يلبسون إلّا الثّياب القصيرة الرخيصة، ولا يخلون يومًا من طِراد ومناصفة ونضارة.
وكان في كل قبيلةٍ قومٌ أشرارٌ مفسدون، فنظر ابن تُومَرْت في ذلك، فطلب مشايخ القبائل ووعظهم، وقال: لَا يصحّ دِينكم إلّا بالنَّهي عن المُنْكَر، فابحثوا عن كلّ مفسد وانهوه، فإنْ لم ينْتَه فاكتبوا أسماءهم، وارفعوها إليَّ.(36/82)
ففعلوا ذلك ثم أمرهم بذلك ثانيًا وثلاثًا.
ثمّ جمع الأوراق، فأخذ ما تكرّر من الأسماء، فأفردها عنده. ثمّ جمع القبائل كلّها وحضهم على أن لا يغيب منهم أحد. ودفع الأسماء الّتي أفردها إلى عبد الله الوَنْشَرِيسيّ، الملقَّب بالبشير، ثمّ جعل يعرضهم رجلًا رجلًا، فمن وجد اسمه أفرده في جهة الشّمال، ومن لم يجده جعله في جهة اليمين. إلى أن عرض القبائل جميعها.
ثمّ أمر بتكتيف جهة الشّمال، وقال لقبائلهم: هؤلاء أشقياء من أهل النار قد وَجَب قتلُهم. ثمّ أمر كلّ قبيلة أنّ تقتل أشقياءها، فقُتِلوا كلّهم. وكانت واقعة عجيبة.
وقال: بهذا الفِعل يصحّ لكم دِينكم ويقوى أمركم.
وعلى ذلك استمرّت الحالة في جميع بلادهم. ويسمّونه: التّمييز.
وكان له أصحاب عشرة يُسمَّون أهل عشرة.
وأصحاب من رءوس القبائل سمّاهم أهل خمسين، كانوا ملازمين مجلسَه.
فأما العشرة: فعبد المؤمن، والشَيخ أبو إبراهيم الهَزْرَجيّ، والشَيخ أبو حفص عمر بن يحيى الهِنْتَانيّ المعروف بعمرانينيّ، والشَيخ أبو محمد عبد الله البشير، والشَيخ أبو محمد عبد الواحد الزّواويّ، وكان يُعرف بطير الجنَّة، والشَيخ أبو محمد عبد الله بن أبي بكر، والشَيخ أبو حفص عمر بن أَرْناق، والشَيخ أبو محمد وإسناد الأَغْماتيّ، والشَيخ أبو إسحاق إبراهيم بن جامع، وآخر.
فهؤلاء الّذين سبقوا وتعرَّفوا به لأخذ العِلْم عنه. وكان اجتماعهم به أفرادًا في حال تَطْوافه في البلاد، فآثرهم واختصّهم.
وفي أوّل سنة أربعٍ وعشرين جهّز جيشًا زُهاء عشرين ألف مقاتل، قدم عليهم البشير، ثمّ دونه عبد المؤمن، بعد أمورٍ وحروب. فساروا إلى مَرّاكُش، وحاصروها عشرين يومًا، فأرسل عليّ بن يوسف بن تاشفين إلى عامله على سجلْماسَة، فجمع جيشًا وجاء من جهة، وخرج ابن تاشفين من البلد من جهة، ووقع الحرب، واستَحَرَّ يومئذٍ القتل بجيش المَصَامِدة، فقتل أميرهم عبد الله البشير، فالتفُّوا على عبد المؤمن، ودام القتال إلى اللّيل.
وصلّى بهم عبد المؤمن صلاة الخوف والحرب قائمة. وتكاثر الملثّمون، وتحيّز المصامدة إلى بستانٍ هناك ملتفٍ بالشجر يُعرف بالبحيرة، فلذا(36/83)
قيل وقعة البحيرة. وبلغت قتلاهُم ثلاثة عشر ألفًا. وأُنهي الخبر إلى المهديّ فقال: عبد المؤمن سالم؟ قيل: نعم.
قال: ما مات أحد، الأمر قائم.
وكان مريضًا، فأمر بأتّباع عبد المؤمن، وعقد له من بعده، وسمّاه أمير المؤمنين، وقال لهم: هذا الّذي يفتح الله البلاد على يده، فلا تشُكّوا فيه وأعْضدوه بأموالكم وأنفسكم.
ثمّ مات في آخر سنة أربعٍ وعشرين.
قال اليَسَع بن حزْم: سَمَّى ابن تُومَرْت أتباع المرابطين مجسّمين، وما كان أهل المغرب يدينون إلّا بتنزيه الله تعالى عمّا لَا يجب له، وصفته بما يجب له، وترك الخوض فيما تقصر العقول عن فهمه. وكان علماء المغرب يعلّمون العامَّة أنّ اللّازم لهم أنَّ اللَّه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البصير؛ إلى أن قال: فكفّرهم ابن تُومَرْت بوجهين، بجهل العرض والجوهر.
وأنّ من لَا يعرف ذلك لَا يعرف المخلوق، ولم يعرف الخالق.
الوجه الثّاني إنّ من لم يهاجر إليه ولم يقاتل المرابطين معه فهو كافر، حلال الدّم والحريم. وذكر أنّ غضبه لله، وإنّما قام حِسْبةً على قومٍ أغرموا النّاس ما لَا يجب عليهم.
وهذا تناقض، لأنّه كفّرهم، وإنّ كانوا مسلمين. فأخذ المرابطين منهم النَّزْر اليسير أشبه من قتْلهم ونهبهم.
وحصل له في نفوس أتباعه من التصديق له والبركة ما لا يجوزه الوصف.
وقال القاضي شمس الدّين: طالت المدَّة على ابن تُومَرْت، فشرع في حيلة، وذلك أنّه رأى أولاد المصامدة شُقْرًا زُرْقًا، ولون الآباء سُمْر، قال لهم عن ذلك، فلم يجيبوه، فلمّا ألحّ عليهم فقالوا: نحن من رعيَّة أمير المسلمين عليّ، وله علينا خَراج. وفي كلّ سنة تصعد مماليكه إلينا، وينزلون في بيوتنا، ويخرجونا عنها، ويخلُون بنسائنا وما لنا قُدرة على دفع ذلك.
فقال ابن تُومَرْت: والله، الموتُ خيرٌ من هذه الحياة. كيف رضيتم بهذا، وأنتم أضربُ خلْق الله بالسّيف وأطعنهم بالرُّمح؟ قالوا: بالرّغم منّا.(36/84)
قال: أرأيتم لو أنّ ناصرًا نصركم على هؤلاء، ما كنتم تصنعون؟ قالوا: كنّا نقدَّم أنفسنا بين يديه للموت، فمن هو؟ قال: ضيفكم.
فقالوا: السّمع والطّاعة.
فبايعهم، ثمّ قال: استعدوا لحضور هؤلاء بالسّلاح. فإذا جاءوكم فأجْرُوهم على عادتهم، ثمّ مِيلُوا عليهم بالخُمُور، فإذا سكروا فآذنوني بهم.
فلمّا جاءوهم ففعلوا ذلك بهم وأعلموه، فأمر بقتلاهم، فلم تمض ساعة من اللّيل حتّى أتوا على آخرهم، وأفلت منهم واحد، فلحِق بمَرّاكُش، فأخبر الملك، فندِم على فوات محمد من يده حيث لَا ينفعه النّدم. وجهّز جيشًا.
وعرف ابن تُومَرْت أنه لَا بد من عسكرٍ يغشاهم. فأمر أهل الجبل بالقعود على أنقاب الوادي، فلّما وصلت إليهم الخيل نزلت عليهم الحجارة من جانَبي الوادي كالمطر، ودام القتال إلى اللّيل، فرجع العسكر، وأخبروا الملك، فعلم أنّه لَا طاقة لنا بأهل الجبل لتحصُّنهم، فأعرض عنهم.
ثمّ قال ابن تُومَرْت لعبد الله الوَنْشَريسيّ: هذا أوان إظهار فضائلك وفصاحتك دفعةً واحدة.
ثمّ اتّفقا على أن يُصلّي الصُّبح، ويقول بلسانٍ فصيح: إني رأيت في النّوم أنّه نزل بي مَلَكان من السماء، وشقّا فؤادي، وغسّلاه، وحَشَياه عِلْمًا وحكمة.
فلّما أصبح فعل ذلك، فدُهشوا وعجبوا منه، وانقادوا إليه كلّ الانقياد. فقال له ابن تُومَرْت: فعجِّل لنا الْبُشْرَى في نفسنا، وعرّفنا أَسُعَداءُ نحن أمْ أشقياء. فقال له: أمّا أنت فإنّك المهديّ القائم بأمر الله، مَن تبعك سَعد، ومَن خالفك شقي.
ثمّ قال: أعرضْ أصحابك حتّى أميّز أهل الجنَّة من أهل النّار.
وعمل ذلك حيلةً، قتل فيها من خالف أمر ابن تُومَرْت؛ ثمّ لم يزل إلى أن جهّز، بعد فصولٍ طويلة، عشرة آلاف مقاتل. وأقام هو في الجبل، فنزلوا لحصار مَرّاكُش، فأقاموا عليها شهرًا، ثمّ كُسِروا كسرة شنيعة وهرب من سَلِم من القتْل، وَقُتِلَ الوَنْشَرُيسيّ المذكور.
وقال عبد الواحد بن عليّ المَرّاكُشيّ: ثمّ جعلوا يشنون الغارات على قرى(36/85)
مَرّاكُش، ويقطعون عنها الْجَلَب، ويقتلون ويَسْبون الحريم. وكثر الدّاخلون في دعوتهم المنحاشون إليهم، وابن تُومَرْت في ذلك كلّه يُكثِر الزُّهد والتَّقَلُّل والعبادة.
أخبرني من رآه يضرب على الخمر بالأكمام والنعال وعُشْب النَّخْلِ كفعل الصّحابة.
وأخبرني من شهده وقد أُتيَ برجلٍ سَكْران فحدّه، فقال يوسف بن سليمان، أحد الأعيان: لو شَدَدْنا عليه حتى يخبرنا من أين شرِبَها. فأعرض عنه، فأعاد قوله، فقال: أرأيت لو قال شربتها في دار يوسف بن سليمان ما كنّا نصنع؟ فاستحى وسكت.
ثمّ ظهر أنّ عبيد يوسف بن سليمان سقَوْه، فزادهم هذا ونحوه فتنةً بابن تُومَرْت.
قال اليَسَع بن حزْم: ألّف ابن تُومَرْت كتاب "القواعد"، وممّا فيه: أن التّمادي على ذرةٍ من الباطل كالتمادي على الباطل كله. وألّف لهم كتاب "الإمامة"، يقول فيه: حتّى جاء الله بالمهديّ، يعني نفسه، وطاعته صافية نقيَّة، لَا ضدّ له ولا مثل له، ولا ندّ في الورى. وإنّ به قامت السّموات والأرض.
قال اليَسَع: هذا نصّ قوله في الإمامة، وهذا نصّ تلقّيته من قراءة عبد المؤمن بن عليّ. دوّن لهم هذا بالعربيّ وبالبربريّ.
فلما قرءوا هذين الكتابين زادهم ذلك شدَّةً في مذهبهم من تكفير النّاس بالذّنوب، وتكفيرهم بالتّأخُّر عن طاعة المهديّ الّذي قامت به السّموات والأرض.
هذا نص ما قاله اليَسَع.
قال: وأمرهم بجمع العساكر، فخرجوا إلى ناحية مَرّاكُش، فوجدوا جيشًا للمرابطين، فالتقوا، فانهزم المرابطون هزيمة مات فيها أكثر من شهِدَها، وصَبَر فيها الموحِّدون.
فلّما كان في سنة إحدى وعشرين تألّفوا في أربعين ألف راجل وأربعمائة فارس، ونزلوا يريدون حضرة مَرّاكُش؛ فحدَّثني جماعة أنّهم نزلوا على باب أَغْمات بعد أن خرج إليهم المرابطون في أكثر من مائة ألف، بين فارسٍ وراجل، فخُذِلوا ودخلوا المدينة في أسوأ حالة. فجاء من الأندلس ابن همبك في مائة فارس، فشجّع أمير المسلمين، وخرج فقاتل، فانتصر المرابطون، وَقُتِلَ من المصامدة نحوٌ من أربعين ألفًا، فما سلِم منهم إلا نحو أربعمائة نفس.(36/86)
كذا قال اليَسَع.
وقال ابن خلِّكان: حَضَرت ابن تُومَرْت الوفاةُ، فأوصى أصحابه وشجّعهم، وقال: العاقبة لكم. ومات في سنة أربعٍ وعشرين إثر الوقعة الّتي قُتِلَ فيها الوَنْشَرِيسيّ، ودُفِن بالجبل، وقبرُه مشهورٌ معظّم.
ومات كهلًا.
وكان رَبْعةً، أسمر، عظيم الهامة، حديد النّظر، مَهِيبًا.
وقيل فيه: آثاره تُغنيك عن أخباره حتّى كأنّك بالعَيَان تراه، قدمٌ في الثَّرَى وهامة في الثريا، ونفس ترى إراقة ماء الحياء دون ماء المُحيّا. أغفل المرابطون ربطْه حتّى دبّ دبيب الفَلَق في الغَسَق، وترك في الدّنيا دَوِيًّا. وكان قُوتُه من غزْل أخته رغيفًا في كلّ يومٍ، بقليل سمنٍ أو زيت. فلم ينتقل عن ذلك حين كثُرت عليه الدّنيا.
ورأى أصحابه يومًا وقد مالت نفوسُهم إلى كثْرة ما غنموه، فأمر بإحراق جميعه، وقال: من كان يبتغي الدّنيا فما له عندي إلّا هذا، ومن كان يبتغي الآخرة فجزاؤه عند الله.
ومن شعره:
أخذت بأعضادهم إذْ نأوا ... وخَلْفك القوم إذْ ودّعوا
فكم أنت تُنْهَى ولا تنتهي ... وتُسْمع وعظًا ولا تَسْمعُ
فيا حجر الشَّحْذ حتّى متى ... تسنّ الحديد ولا تقطعُ
وكان يتمثّل كثيرًا من قول:
تجرّد من الدّنيا فإنك إنما ... خرجت إلى الدُّنيا وأنت مجرَّدُ
ولم يتملك شيئًا من البلاد، وإنما قرّر القواعد ومهّدها، وبَغَتَه الموت.
وكانت الفتوحات على يد عبد المؤمن.
وقد كان الملك أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن في أيّامه، وقد زار قبر ابن تُومَرْت بمحضرٍ من الموحّدين، فقام شاعر وانشد هذه القصيدة، وفيها جُمل ممّا كان يعتقده ابن تُومَرْت يخبر به:
سلامٌ على قبر الإمام الممجَّدِ
سلالةِ خير العالِمين محمد(36/87)
وشبهه في خلْقه ثمّ في اسْمِه ... وفي اسم أبيه والقَضاء المسدّد
أتتنا به البُشْرى بأنْ يملا الدّنا ... بقسطٍ وعدلٍ في الأنام مخلّد
ويفتتح الأمصار شرقًا ومغربًا ... ويملك عربًا من ثعير ومنجد
فمن وصفه أثني واجلي وأن ... علاماته خمس تبين لمهتدي
زمان واسم والمكان ونسبه ... وفعل له في عصمة وتأبُّد
ويلبث سبْعًا أو فتِسْعًا يعيشها ... كذا جاء في نصٍّ من النَّقْلِ مُسْندِ
فقد عاش تسعًا مثل قَوْل نبيّنا ... فذلكُمُ المهديُّ باللهِ يهتدي
وخرج إلى مدْح عبد المؤمن وبنيه.
ولابن تُومَرْت أخبار طويلة عجيبة.
63- مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن أَبِي الغنائم عَبْد الصمد بن عليّ بن المأمون.
أبو غانم الهاشميّ.
يروى عن: جدّه.
وعنه: أبو القاسم بن عساكر، وأبو طاهر السِّلَفيّ.
64- محمد بن عليّ بن محمود1.
المعمّر أبو منصور الزُّولَهيّ التاجر، المعروف بالكُرَاعيّ، ويقال: إنّ اسمه أحمد.
وكتب له محمد وأحمد من قرية زولاه، إحدى قرى مرْو.
شيخ صالح صائن، رحلَ إليه النّاس، وصارت زولاه مقصد الطّلبة والفُقهاء بسببه.
وكان آخر من روى عن جده لأمّه أبي غانم الكُرَاعيّ.
وكان قدّر مسموعاته قريبًا من عشرين جزءًا. سمعت منه. قاله أبو سعد السمعاني.
__________
1 التحبير "2/ 196، 197"، الأنساب "6/ 345"، معجم البلدان "2/ 959".(36/88)
وقال: سمعت منه بقراءة السّنجيّ اثني عشر جزءًا. ثمّ أحضره شيخنا الخطيب أبو الفتح محمد بن عبد الرحمن المَرْوَزِيّ في الخانقاه، وقرأ عليه الأجزاء المسموعة له، فسمعتها منه.
وُلِد في العشرين من شوّال سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة. ومات في أواخر سنة أربعٍ وعشرين أو في أوائل سنة خمسٍ بقريته.
قلت: هو في زمانه لأهل خراسان كفاطمة الْجُوزدَانيَّة لأهل أصبهان، وكابن الحُصَيْن لأهل بغداد، وكالرّازيّ لأهل مصر.
وقد حدَّث عنه بالشّام محمد بن محمد بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن المروزي، وبقي إلى سنة ثمانين وخمسمائة.
65- منصور1.
أبو عليّ. الآمر بأحكام الله ابن المستعليّ بالله أبي القاسم أحمد بن المستنصر بالله أبي تميم مَعَدّ بن الظّاهر بالله عليّ بن الحاكم بن العزيز بن المُعِزّ العُبَيْديّ المصريّ، صاحب مصر.
كان رافضيًا كآبائه.
فاسقًا، ظالمًا، جائرًا، مستهزئًا لعّابًا، متظاهرًا باللَّهْو والمُنْكَر، ذا كبرٍ وجَبَرُوت.
وكان مدبّر سلطانه الأفضل شاهنشاه ابن أمير الجيوش.
ولي الأمر وهو صبيّ، فلمّا كبر قتل الأفضل وأقام في الوزارة المأمون أبا عبد الله محمد بن مختار بن فاتك البطائحيّ، فظلم وأساء السّيرة إلى أن قبض عليه الآمر سنة تسع عشرة وخمسمائة، وصادره ثمّ قتله في سنة اثنتين وعشرين وصَلَبه، وقتل معه خمسةً من إخوته.
وفى أيّام الآمر أخذت الفرنج عكّا سنة سبعٍ وتسعين وأربعمائة، وأخذوا طرابلس الشام في سنة اثنتين وخمسمائة فقتلوا وسبوا، وجاءتها نجدة المصريّين بعد فوات المصلحة؛ وأخذوا عرفة، وبانياس، وجبيل.
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 664، 665"، المنتظم "10/ 15، 16"، البداية والنهاية "12/ 200، 201".(36/89)
وتسلموا سنة إحدى عشرة وخمسمائة قلعة تبنين، وتسلّموا صور سنة ثمان عشرة، وأخذوا بيروت بالسيف في سنة ثلاثٍ وخمسمائة، وأخذوا صيدا سنة أربع.
ثمّ قصد الملك بردويل الإفرنجيّ مصرَ ليأخذها ودخل الفَرَما، وحرق جامعها، والفَرَما قريبة من قطْيا من ناحية البحر، خربت وأحرق مساجدها، فأهلكه الله قبل أن يصل إلى العريش، فشقّ أصحابه بطنه وصبَّروه، ورموا حشوته هناك، فهي تُرجم إلى اليوم بالسَّبْخة، ودفنوه بقُمَامَة.
وكان هو الّذي أخذ بيت المقدس، وعكّا، وعدَّة حصونٍ من السّواحل.
وذلك كلّه بتخلُّف هذا المشئوم الطَّلْعة.
وفي أيّامه ظهر ابن تُومَرْت؛ وفي أيّام أبيه أخذت الفرنج أنطاكّية، والمَعَرَّة، والقدس. وجرى على الشام أمرٌ مهول من ظهر الرَّفْض والسّبّ، ومن استيلاء الفرنج وَالسَّبْيِ والأسْر، نسأل الله العفو والأمن.
ووُلِد الآمر في أول سنة تسعين وأربعمائة، واستخلف وله خمسُ سِنين، وبقي في المُلْك تسعًا وعشرين سنة وتسعة أشهر، إلى أن خرج من القاهرة يومًا في ذي القعدة، وعدَى على الجسر إلى الجيزة، فكمن له قومٌ بالسّلاح، فلمّا عبر نزلوا عليه بأسيافهم، وكان في طائفةٍ يسيرة، فردّوه إلى القصر مُثْخَنًا بالجراح، فهلك من غير عقب، وهو العاشر من أولاد المهديّ عُبَيْد الله الخارج بسجلْمَاسَة، وبايعوا بالأمر ابن عمّه الحافظ أبا الميمون عبد المجيد بن محمد بن المستنصر بالله، فعاش إلى سنة أربعٍ وأربعين.
وكان الآمر رَبْعةً، شديد الأُدْمَةِ، جاحظَ العينين، حَسَن الخطّ، جيّد العقل والمعرفة.
وقد ابتهج النّاس بقتله لعسَفه وسفْكه الدّماء، وكثرة مطاردته، واستحسانه الفواحش.
وعاش خمسًا وثلاثين سنة.
وبنى وزيره المأمون بالقاهرة الجامع الأقمر.(36/90)
"حرف الهاء":
61- هبة اللَّه بْن القاسم بْن عطاء بن محمد1.
أبو سعد المِهْرانيّ النَّيْسابوريّ.
قدِم بغداد، وسمع: أبا محمد الصَّرِيفِينيّ.
وكان قد سمع من عبد الغافر الفارسيّ "صحيح مسلم".
وسمع من: أبي عثمان الصّابونيّ، وأبي سعد الكنجروذي، وأبو نُعَيْم بسرويه بن محمد.
ووُلِد سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة.
قال أبو سعد السّمعانيّ: كان شيخًا أصيلًا نبيلًا، نظيفًا، من بيت العِلم والزُّهد والورع، حافظًا للقرآن، قانعًا بالكفاف. انزوى في آخر عمره، وترك النّاس، وأقبل على العبادة.
أجاز لي؛ وحدَّثني عنه جماعة، منهم: سعيد بن محمد الطُّيُوريّ، وأبو منصور عليّ بن محمد الغيد الطُّرَيْثيثي.
وتُوُفّي في العشرين من جُمَادَى الأولى بنَيْسابور، وعمره ثلاث وتسعون سنة.
قلت: وروى عنه: أبو بكر محمد بن عليّ بن ياسر الحيّانيّ.
"حرف الواو":
67- وَهْبُ الله ابن الحافظ الكبير أَبِي القاسم عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أحمد بن محمد بن حشكان بن حسين بن عبد الله بن الحَكَم بن الوليد بن عُقْبة بن عامر بن عبد المجيد ابن الأمير عَبْد اللَّه بْن عامر بْن كُرَيز بن ربيعة بن حبيب بن عَبْد شمس بن عبد مَنَاف2.
العبْشَميّ، الكُرَيْزيّ، النَّيْسابوريّ، ابن الحذاء.
__________
1 التحبير "2/ 364، 365"، المنتظم "10/ 19"، الكامل في التاريخ "10/ 667"، شذرات الذهب "4/ 73".
2 المنتخب من السياق "473".(36/91)
سمع: أباه، وأحمد بن محمد بن مُكْرَم الصَّيْدلانيّ، وأبا يعلى بن الصابوني.
مات في سابع شوال عن أربعٍ وسبعين سنة.
كنيته أبو الفضل.
وفيات سنة خمس وعشرين وخمسمائة:
"حرف الألف":
68- أحمد بن حامد بن مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن عليّ بْن محمود بْن هبة اللَّه بن آله1.
وآله هو العقاب بالعجميّ.
عزيز الدّين أبو نصر الأصبهانيّ المستوفيّ، عمّ العماد الكاتب.
كان رئيسًا نبيلًا، وكاتبًا بليغًا، كثير البر والصلات.
روى الحديث عن: أبي مطيع محمد بن عبد الواحد المَدِينيّ.
روى عنه: سعد الله بن الدّجاجيّ، وغيره.
وقد ولي مناصب في الدولة السلجوقية، ومدحه الشعراء.
وفيه يقول الحسن بن أحمد بن حكينا:
فميلوا بنا نحو العراق رِكابَكُمْ ... لِنَكْتَال من مالِ العزيز بصاعِهِ
وكان في الآخر متولّي خزانة السّلطان محمود بن محمد السَّلْجُوقيّ، فتزوّج محمود ببنت عمّه سَنْجَر، فماتت عنده، فطالبه عمّه بما كان خرج معها، فجحده محمود، وخاف من العزيز أن يشهد عليه بما وصل صُحبتها لأنّه كان مطّلعًا على ذلك، فقبض عليه، وسَيَّره إلى قلعةِ تِكْريت، وكانت له، فحبسه بها. ثمّ قتله على يد متولّيها في أوائل سنة خمسٍ وعشرين، وله ثلاثٌ وخمسون سنة.
69- أحمد بن علي بن محمد2.
__________
1 المنتظم "10/ 28"، وفيات الأعيان "1/ 188-190".
2 المنتظم "10/ 21"، العبر "4/ 64"، عيون التواريخ "12/ 248".(36/92)
أبو السّعود بن المُجَلّيّ البغداديّ البزّاز.
شيخ، صالح، صَبور على القراءة، ولم يكن يعرف شيئًا من الحديث.
وكان يعِظ ويذكّر بجامع المنصور.
سمّعه أبوه هبة الله من: القاضي أبي يعلى بن الفراء، وعبد الصمد بن المأمون، وأبي جعفر ابن المسلمة، وابن المهتدي بالله، وأبي بكر الخطيب، وجماعة.
روى عنه: أبو القاسم بن عساكر، وابن الْجَوزيّ، وأبو الفتوح بن غَيْث، والحسن بن عبد الرحمن الفارسيّ، وأبو الفتح المندائيّ، وجماعة.
وُلِد سنة ثلاثٍ وخمسين وأربعمائة، وتُوُفّي في ثامن ربيع الأوّل رحمه الله.
"حرف الحاء":
70- حماد بن مسلم بن ددوة1.
أبو عبد الله الدباس الرّحْبيّ، رحبة مالك بن طَوْق.
الزّاهد العارف؛ وُلِد بالرحْبَة، ونشأ ببغداد. وكان له كاركة للدبْس، يجلس في غرفتها.
وكان من الأولياء أولي الكرامات.
صحِبَه خلْق، فأرشدهم إلى الله تعالى، وظهرت بركته عليهم، وكان يتكلم على الأحوال. وقد كتبوا من كلامه نحوًا من مائة جزء. وكان أميًّا لا يكتب.
قال عبد الرحمن بن محمد بن حمزة الشّاهد: رأيت في المنام كأنّ قائلًا يقول لي: حمّاد شيخ العارفين والأبدال.
وعن حمّاد قال: مات أبوايَ في يومٍ واحد، ولي نحو ثلاثين سنة. وكانا من أهل الرحْبَة.
وقال أحمد بن صالح الجيليّ: سمع من أبي الفضل بن خَيْرُون، وكان يتكلَّم على آفات الأعمال في المعاملات، والرياضات، والورع، والإخلاص.
وقد جاهد نفسه بأنواع المجاهدات، وزوال أكثر المهن والصنائع في طلب الحلال.
__________
1 المنتظم "10/ 22، 23"، الكامل في التاريخ "10/ 671"، سير أعلام النبلاء "19/ 594-596". البداية والنهاية "12/ 202".(36/93)
وكان كأنه مسلوب الاختيار، مكاشفًا بأكثر الأحوال.
ومن كلام الشَيخ حمّاد: إذا أحبّ الله عبدًا أكثر همّه فيما فَرَّط، وإذا أبغض عبدًا أكثر همّه فيما قَسَمه له ووعده به.
العلم محجةٌ، فإذا طلبته لغير الله صار حُجَّة.
وقال أبو سعد السّمعانيّ: سمعت أبا نصر عبد الواحد بن عبد الملك يقول: كان الشَيخ حمّاد يأكل من النَّذْر، ثمّ تركه لمّا بلغه قوله عليه السّلام: "إنّه يستخرجه به من البخيل" 1، فكره أكْلَ مال البخيل. وصار يأكل بالمنام. كان الإنسان يرى في النّوم أنّ قائلًا يقول له: أعط حمّادًا كذا فيصبح ويحمل ذلك إلى الشَيخ.
وقال الشَيخ أبو النّجيب عبد القاهر: مرض الشَيخ حمّاد، فاحتاج إلى التَّنَشُّق بماء ورد، فحمل إليه أبو المظفر محمد بن عليّ الشّهْرُزُورِيّ الفَرَضيّ منه شيئًا، فلما وضع بين يديه قال: رُدّوه فإنه نجِس. فردّوه إلى أبي المُظَفَّر فقال: صَدَق الشَيخ، كان قد وقع في طَرَفه نجاسة وتركته وحده لأريقه، فنسيت.
وقال المبارك بن كامل: مات الشَيخ العارف الورع الناطق بالحكمة حمّاد الدّبّاس في سنة خمس، ولم أرَ في زماني مثله صحِبْتُه سنين وسمعت كلامه. وكان مكاشَفًا يتكلَّم على الخواطر، مسلوب الاختيار، زِيّه زي الأغنياء، وتارة زَيّه زِيّ الفقراء متلوّن، كيف أُدير دار. وكان شيخ وقته، يشبه كلامه كلام الحصريّ. كانت المشايخ إذا جاءت إليه كالميت بين يدي الغاسل، لَا يتجاسر الشّخص أن يختلج.
وقال ابن الْجَوزي قاتَلَه الله: كان حمّاد الدّبَاس على طريقة التّصوّف، يدّعي المعرفة والمكاشفة وعلوم الباطن، وكان عاريًا عن علم الشَّرْع فلم ينفق إلّا على الْجُهّال.
وكان ابن عَقِيل ينفّر النّاس عنه، حتّى بلغه أنّه يعطي كلّ من يشكو الْحُمَّى لوزةً وزبيبة ليأكلها فيبرأ، فبعث إليه ابن عَقِيل: إنْ عُدْت إلى مثل هذا ضربتُ عُنقَك.
فكان يقول: ابن عقيل عدوي.
__________
1 حديث صحيح: أخرجه البخاري "6608-6693"، ومسلم "1639"، وأبو داود "3287"، والنسائي "3810، 3811، 3812"، وابن ماجه "2122".(36/94)
وصار النّاس يَنْذُرُون له النُّذُور. ثمّ تركه، وصار يأخذ بالمنامات، ويُنْفق على أصحابه ما يُفْتَح له، ومات في رمضان.
قلت: وقد نقم "ابن الأثير" و"أبو المظفَّر بن قزغليّ" في تاريخيهما على ابن الجوزيّ، حيث حطّ على الشَيخ حمّاد، فقال أبو المظفَّر: ولو لم يكن لحمّاد من الفضائل الّتي اتّصف بها في زهادته وطريقته، إلّا أنّ الشَيخ عبد القادر أحد تلامذته.
"حرف الخاء":
71- خَلَف بن مُفَرِّج بن سعيد.
أبو القاسم بن الحبان الشّاطبيّ الكِنانيّ.
عاش تسعين سنة إلّا أشْهُرًا.
وروى عن: أبي الوليد الباجيّ، وأبي عبد الله بن سعدون، وطاهر بن مُفَوَّز.
وكان فقيهًا، مشاوَرًا، مدرّسًا.
روى عنه: أبو عبد الله بن مفاوز، وعبد الغنيّ بن مكّيّ، وأبو عبد الله المِكْناسيّ.
"حرف الزاي":
72- زُهر بْن عَبْد الملك بْن مُحَمَّد بْن مروان بن زهر1.
أبو العلاء الإيادي الإشبيلي الطبيب.
رحل إلى قرطبة فأخذ عن: أبي عليّ الغسّانيّ، وعبد الله بن أيّوب، وأبي بكر بن مفوّز.
وأخذ الطَّبّ عن والده فمهَر فيه، وصنَّف فيه حتّى إنّ الأندلسيين ليفخرون به، وحلَّ من السّلطان محلًا عظيمًا.
وكانت إليه رئاسة إشبيلية.
وكان بارعًا في الأدب، شاعرًا، محسنًا.
__________
1 وفيات الأعيان "4/ 436"، سير أعلام النبلاء "19/ 596"، شذرات الذهب "2/ 74، 75".(36/95)
روى عنه: ابنه أبو مروان، وأبو بكر بن أبي مروان، وأبو عامر بن يبق، وغيرهم.
وكان محتشمًا جوادًا، لكن فيه بذاءة لسان.
وله كتاب "الخواصّ"، وكتاب "الأدوية المُفْرَدَة"، وكتاب "الإيضاح في الطّب"، وكتاب "حلّ سلوك الرّازيّ على الكتب"، وكتاب "النكت الطبية"، وغير ذلك.
وكان أبوه أبو مروان من رءوس الأطبّاء، وكان جدّه محدَثًا، فقيهًا، مشهورًا.
وتُوُفّي بقُرْطُبة منكوبًا.
ومن شِعره:
يا راشقي بسهامٍ ما لها غَرَضُ ... إلّا الفؤاد وما منها لنا عوضُ
ومُمْرِضي بجفونٍ كلّها غنجٌ ... صحت وفي طبعها التحريض والمرض
جد لي ولو بخيالٍ منك يَطْرُقُني ... وقد يَسُدّ مَسَدَّ الجوهرِ الْعَرَضُ
"حرف العين":
73- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن نجا بن عليّ بن محمد بن شاتيل.
أبو محمد المراتبيّ الدّباس.
شيخ صحيح السّماع، أضرّ في آخر عمره.
وسمع: أبا محمد الجوهريّ، وأبا محمد الصَّرِيفِينيّ.
وعنه: أبو المُعَمَّر، وأبو القاسم الحافظ.
وكان لَا يعرف شيئًا. وهو والد أبي الفتح عُبَيْد الله.
تُوُفّي في نصف المحرَّم.
74- عبد الباقيّ بن الحسين بن إبراهيم.
أبو الحسين النّجّاد، كشلة.
بغداديّ لهُ دكّان بسوق الثُّلاثاء.
سمع: أبا جعفر ابن المسلمة، والصَّرِيفينيّ.(36/96)
وقرأ القراءات على: أبي عليّ بن البنّا.
قال ابن السّمعانيّ: حدَّثني عنه جماعة، وسمعت أنّه ما كانت له سيرة حسنة.
تُوُفّي في نصف المحرَّم أيضًا.
75- عبد الباقيّ بن عامر بن زيد1.
أبو المجد الأنصاريّ الهَرَويّ، سِبْط أبي إسماعيل، شيخ الإسلام.
واعظ حَسَن الإيراد، بارز العدالة، نبيل، عالم.
سمع: جدّه، ومحمد بن عبد العزيز الفارسيّ، وأبا عطاء الجوهري.
وأملى مجلسًا بجامع المنصور.
وتوفي رجب.
76- عليّ بن طاهر البغداديّ.
المغازليّ.
قال المبارك بن كامل: هو عمّ والدتي.
عاش مائة وعشرين سنة.
ورأى: أبا الحسن القَزْوينيّ.
وسمع قليلًا.
77- عيسى بْن حزْم بْن عَبْد اللَّه بْن اليَسَع2.
أبو الأصبَغ الغافقيّ، نزيل المَرِيَّة.
أخذ القراءات عن: أبيه.
وروى عن: أبي داود، وابن الدّوش، وجماعة.
وتصدّر للإقراء.
وكان محمودًا، محققًا، صالحًا. ولي خطَّة الشُّورى والخطابة بالمرية.
وحدث عن: ابن الطلاع، وأبي علي الغساني.
__________
1 التحبير "1/ 419، 420"، المنتخب من السياق "363، 364".
2 غاية النهاية "1/ 608".(36/97)
أخذ عنه: أبو القاسم بن حُبَيْش، وأبو العبّاس البَرَاذِعيّ، وأبو عبد الله بن عبّاد الحِنّائيّ.
ولا يعلم وفاته، لكنه حدَّث في هذا العام. وأكثر عنه ولده أبو يحيى اليَسَع صاحب المغرب.
"حرف الميم":
78- مالك بن يحيى بن أحمد بن عامر1.
أبو عبد الله الإشبيليّ، أحد رجال الكمال والارتسام بمعرفة العلوم على تفارقها.
سمع من: أحمد بن محمد الخَوْلانيّ، وغيره.
ومات رحمه الله تعالى بمَرّاكُش عن اثنتين وسبعين سنة.
ورّخه ابن بَشْكُوال.
79- محمد بْن أحمد بْن إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَد2.
أَبُو عَبْد اللَّه الرّازيّ، ثمّ المصريّ. المعدّل الشّاهد؛ ويُعرف بابن الخطّاب. مُسْنِد الدّيار المصرية وشيخ الإسكندريَّة.
وُلِد سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، وعُني به أبوه وأسمعه الكثير في سنة أربعين.
سمع: أباه، وأبا الحسن بن حِمّصة الحَرّانيّ، وعلي بن ربيعة، ومحمد بن الحسين الطّفّال، وعلي بن محمد الفارسيّ، وأحمد بن محمد بن الفتح الحكيميّ، وأبا الفضل أحمد بن محمد السَّعْديّ، وأَحْمَد بْن عَلِيّ بْن هاشم تاج الْأئمة، وأبا الفتح أحمد بن بابشاذ والد طاهر، وعبد الملك بن مسكين، ومحمد بن الحسين بن سعدون المَوْصِليّ، ومحمد بن الحسين بن التَّرْجُمان، وتتمة سبعة وأربعين شيخًا، تخرج عنهم في مشيخته، وترفد بالرّواية عن كثيرٍ منهم، فانقطع إسنادٌ عالٍ بموته، رحمه الله.
روى عنه: أبو طاهر السَّلَفيّ، ويحيى بن سعدون القُرْطُبيّ، وأبو محمد العثمانيّ، وعبد الواحد بن عسكر المخزوميّ، وأبو القاسم علي بن مهدي الفقيه ابن
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 621".
2 سير أعلام النبلاء "19/ 583-585"، النجوم الزاهرة "5/ 247"، شذرات الذهب "4/ 75".(36/98)
قليتا، وأبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الحضرمي، وبدر الحذاء داوبي، وأبو طالب أحمد بن المسلم التنوخي، والفقيه أبو الطاهر إسماعيل بن عوف، وإسماعيل بن صالح بن ياسين، وخلْق آخرهم موتًا عبد الرحمن بن موقا.
وتوفي سادس جُمَادى الأولى، وله إحدى وتسعون سنة. ولو عاش أصحابه بعده كما عاش هو بعد شيوخه لتأخروا إلى سنة عشرٍ وستمائة.
والسّماع قسميَّة.
80- محمد بن الحَسَن بن عليّ بن الحسن1.
الشيخ أبو غالب الماوردي الصادق.
ولد بالبصرة سنة خمسين وأربعمائة.
وسمع: أبا عليّ التُّسْتَرِيّ، وعبد الملك بن شُعْبة، وجماعة بالبصرة.
وأبا الحسين بن النَّقُّور، وعبد العزيز الأنْماطيّ، وعبد الله بن الحسن الخلّال ببغداد.
وأبا عمر بن مَنْدَهْ، ومحمود بن جعفر الكَوْسَج، والبُرَانيّ بأصبهان.
ومحمد بن أحمد بن علان أبا الفرج، وأبا الحسن محمد بن الحسن بن المنوّر الْجُهنَيّ بالكوفة.
روى عنه: أبو القاسم بن عساكر، وأبو الفَرَج بن الجوزيّ، وأبو أحمد بن سُكَيْنَة، وابن بُوش، وجماعة.
قال ابن الجوزيّ: كتب بخطّه الكثير، وكان يورّق للنّاس. وكان صالحًا.
تُوُفّي في رمضان ببغداد.
قال: ورُؤُيَ في المنام فقال: غفر الله لي ببركات الحديث، وأعطاني جميع ما أَمَّلْتُه.
81- محمد بن داود بن عطيَّة.
أبو عبد الله العكّيّ القلعي القيرواني الأصل.
__________
1 المنتظم "10/ 23"، الكامل في التاريخ "10/ 671"، سير أعلام النبلاء "19/ 589"، شذرات الذهب "4/ 75".(36/99)
روى بالأندلس عن: عبد الجليل الرَّبَعيّ؛ وأكثر عن أبي علي الغساني.
واستقضى بتِلِمْسَان وبعدها بإشبيلية، ثمّ بفاس.
وكان من جِلَّة العلماء. وقد حدَّث.
تُوُفّي في عاشر ذي القعدة في عَشْر الثّمانين.
82- محمد بن عمر بن عبد العزيز1.
أبو بكر البخاريّ الحنفيّ المقرئ المعروف بكاك. إمام أصحاب أبي حنيفة بمكَّة.
كان فقيهًا، صالحًا، محدثًا.
سمع: عبد الباقيّ بن يوسف المراغيّ، وأبا بكر أحمد بن سهل السّرّاج، وجماعة.
وعنه: أبو القاسم بن عساكر، ومحمود بن محمد بن بابشاذ، وغيرهما.
وعاش أربعًا وسبْعين سنة.
"حرف الهاء":
83- هبة الله بن محمود بن عبد الواحد بن حمد بن العبّاس بن الحُصَيْن2.
أبو القاسم الشَّيْبانيّ الهَمَذَانيّ، ثمّ البغداديّ، الكاتب.
مسنِد العراق.
وُلِد في سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة في رابع ربيع الأوّل.
وسمع: أبا طالب بن غيلان، وأبا علي بن المذهب، وأبا محمد بن المقتدر، وأبا القاسم التَّنُوخيّ، والقاضيّ أبا الطَّيِّب الطَّبَريّ.
قال ابن السّمعانيّ: شيخ ثقة، ديّن، صحيح السّماع، واسع الرواية، عُمّر حتّى صار اسْنَد أهل عصره. ورحلَ إليه الطّلبة، وازدحموا عنده.
حدث "بمُسْنَد أحمد" وأحاديث أبي بكر الشّافعيّ، واليَشْكُريّات. وهو آخر من حدث بهذه الكتب.
__________
1 المنتظم "10/ 24".
2 المنتظم "10/ 24"، الكامل في التاريخ "10/ 671"، سير أعلام النبلاء "19/ 536-539"، البداية والنهاية "12/ 203".(36/100)
وحدَّثني عنه: أبو بكر بن أبي القاسم الصّفّار، وأبو عبد الله حامد المَدِينيّ الحافظ، وأبو أحمد مُعَمَّر بن الفاخر، وأبو الخير عبد الرحيم الأصبهانيّ، والحافظ أبو القاسم الشّافعيّ، وجماعة كثيرة.
وكانوا يصِفُونه بالسَّداد والأمانة والخيريَّة.
وقال ابن الجوزيّ: بكّر به أبوه وبأخيه عبد الواحد فأسمعهما، وعُمّر حتّى صار اسْنَد أهل عصره.
وكان ثقة صحيح السَّماع.
سمعت منه "المسند" جميعه، و"الغيلانيات" جميعها، وغير ذلك. وأملى عدَّة مجالس باستملاء شيخنا ابن ناصر.
قلت: هي أربعون مجلسًا.
قال: وتُوُفّي في رابع عشر شوّال، وصلّى عليه ابن ناصر بوصيةٍ منه.
تُوُفّي بعد الظُّهر يوم الأربعاء، وتُرِك إلى يوم الجمعة، يعني حتّى دُفِن.
قال الحسين بن خسْرُو: دُفِن يوم الجمعة بباب حرْب في اليوم الثالث من وفاته.
قلت: حدَّث عنه: الحافظ أبو العلاء الهَمَذَانيّ، والحافظ أبو موسى المَدِينيّ، والإمام أبو الفتح بن الْمُنَى، وقاضي القُضاة أبو الحسن عليّ بن أحمد بن الدّامغَانيّ، وقاضي الشّام أبو سعد بن أبي عصْرون، وأبو منصور عبد الله بن محمد بن حمدِيّه، وأخوه أبو طاهر إبراهيم، وأبو محمد بن شَدقيني، وعبد الرحمن بن سعود القصْريّ، والعلّامة مجير الدّين أبو القاسم محمود بن المبارك الواسطيّ، ويحيى بن ياقوت النّجّار، وعبد الخالق بن هبة الله البُنْدار، والقاضي عُبَيْد الله بن محمد السّاويّ، وعلي بن المبارك بن جابر العدل، وعبد الرحمن بن أبي الكرم بن ملّاح الشّط، وعبد الله بن أبي بكر بن الطَّويلة، وعلي بن عمر الحربيّ الواعظ، وعبد الله بن أبي المجد الحربيّ، وهبة الله بن أبي المجد الحربيّ، وهبة الله بن الحَسَن السِّبْط، وعليّ بن محمد بن عليّ الأنباريّ، وعبد الله بن نصر بن مزروع التّلّاحيّ، وعبد الرحمن بن أحمد العُمريّ، والحسن بن إبراهيم بن أُشْنَانَة، وعبد الله بن محمد بن عُليان الحربيّ، ولاحق بن قَنْدَرَة، روى "المُسْند" سنة ستّمائة، وفاطمة بنت سعد الخير، وأبو القاسم بن شدّقينيّ، وعمر بن جُرَيرة القطّان، والمبارك بن إبراهيم بن مختار بن السّبتي.(36/101)
وبقي بعد السّتّمائة من أصحابه: عَبْد الله بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أيّوب البَقَليّ: تُوُفّي سنة إحدى.
وحنبل المكبّر: تُوُفّي في أوّل سنة أربع؛ وأبو الفتح محمد بن أحمد المنْدائيّ، وهو آخر من حدَّث بالمُسْنَد كاملًا: تُوُفّي في شعبان سنة خمسٍ، ودُفِن بداره بواسط.
والحسين بن أبي نصر بن القارص الحريميّ، وتُوُفّي في شعبان أيضًا.
وعبد الوهّاب بن سُكَيْنة، وتُوُفّي سنة سبعٍ في ربيع الآخر.
وعمر بن طَبرزد، وفيها تُوُفّي في رجب، وهو آخر أصحابه.
وتُوُفّي أبوه محمد بن عبد الواحد الكاتب سنة تسعٍ وستّين.
وفيات سنة ست وعشرين وخمسمائة:
"حرف الألف":
84- أحمد ابن الأفضل شاهنشاه ابن أمير الجيوش بدر الجماليّ1.
الأرمنيّ، ثمّ المصريّ، صاحب مصر وسلطانها، الملك الأكمل أبو عليّ، ابن صاحبها ووزيرها.
ولمّا قُتِلَ أبوه في سنة خمس عشرة وخمسمائة، وأخذ الآمر بأحكام الله جميع أمواله سجَن هذا مدَّة، فلمّا مات الآمر أشغلوا الوقت بعده بابن عمه الحافظ عبد المجيد إلى أن يولد حَمل للآمر، فجاء بنتًا. وأخرجوا من السّجن أبا عليّ عند موت الآمر، وجعلوا الأمور إليه.
وكان شَهْمًا شجاعًا مَهِيبًا، عالي الهِمَّة كأبيه وجدّه، فاستولى على الدّيار المصرية، وحفظ على الآمر، ومنعه من الظهور، وأودعه في خزانة، فلا يدخل إليه أحد إلّا بأمر الأكمل. وعمد إلى القصر فأخذ جميع ما فيه إلى داره كما فعل الآمر بأبيه جزاءً وِفاقًا، وأهمل الخلفاء العُبَيْديين والدعاء لهم، لأنه كان في تسنُّن كأبيه.
وأظهر التّمسُّك بالإمام المنتظر، فجعل الدعاء في الخطبة له، وأبطَلَ من الأذان "حيِّ على خير العمل" وغيرَّ قواعد الباطنيَّة، فأبغضه الأمراء والدُّعاة.
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 672، 673"، العبر "4/ 67"، عيون التواريخ "12/ 251".(36/102)
وأمر الخُطباء بأن يخطبوا له بهذه الألقاب الّتي نصَّ لهم عليها، وهي: السيّد الأفضل الأجل، سيد ممالك أرباب الدولة، المحامي عن حَوْزة الدّين، ناشر جَناح العدْل على المسلمين، ناصر إمام الحقّ في غيبته وحضوره والقائم بنُصْرته بماضي سيفه وصائب رأيه وتدبيره، أمين الله على عباده، وهادي القُضاة إلى اتباع شرع الحقّ واعتماده، ومرشد دُعاة المؤمنين بواضح بيانه وإرشاده، مولى النِّعَم، ورافع الجور عن الأمم، ومالك فضيلتي السيف والقلم، أبو علي ابن السيد الأجل الأفضل، شاهنشاه أمير الجيوش.
فكرهوه وصمموا على قتله، فخرج في العشرين من المحرم للعب بالكرة فكمن له جماعة، وحمل عليه مملوك إفرنجي للحافظ، فطعنه فقتله، وقطعوا رأسه، وأخرجوا الحافظ وبايعوه.
ونهب دار أبي علي، وركب الحافظ إلى الدار فاستولى على خزائنه، واستوزر مملوكه أبا الفتح يانس الحافظي، ولقبه أمير الجيوش، فظهر شيطانا ماكرا بعيد الغور، حتى خاف منه الحافظ، فتحيل عليه بكل ممكن، وعجز حتى واطأ فراشه بأن جعل له في الطّهارة ماءً مسمومًا، فاستنجي به، فعمل على سِفْله ودوَّد، فكان يعالج بأن يلصق عليه اللحم الطري، فيتعلق به الدود، فترجع للعافية، وأتاه الحافظ عائدًا، فقام له، وجلس الحافظ عنده لحظةً وانصرف، فمات من ليلته في السّادس والعشرين من ذي الحجَّة من السّنة، وكانت وزارته إحدى عشر شهرًا.
واستوزر الحافظ ولده وليَّ عصره الحَسَن الّذي قُتِلَ سنة تسعٍ وعشرين.
85- أَحْمَد بن عُبَيْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن محمد بن أحمد1.
أبو العزّ بن كادش، السُّلَمي البغداديّ العُكْبَرِيّ.
سمع: أقضى القُضاة أبا الحسن الماوَرْديّ، وهو آخر من حدَّث عنه، وأبا الطَّيَّب الطَّبَريّ، وابن الفتح العُشَاريّ، وأبا محمد الجوهريّ، وأبا عليّ الجازريّ.
روى الكثير، وأثنى عليه جماعة.
قال ابن الجوزيّ: كان مُكْثِرًا ويفهم الحديث.
__________
1 المنتظم "10/ 28"، الكامل في التاريخ "10/ 683"، سير أعلام النبلاء "19/ 558-560".(36/103)
وقال ابن السّمعانيّ: شيخ مُسْنِد سمع بنفسه، وكان يفهم، وأجاز لي، ونبا عن جماعة.
ونبا ابن ناصر أنّه سمع إبراهيم بن سليمان يقول: سمعتُ أبا العزّ بن كادش يقول: أنا وضعت حديثًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان ابن ناصر سيئ الرأي فيه.
وقال لي عبد الوهّاب الأنماطيّ: كان مخلِّطًا.
وأما أبو القاسم بن عساكر وأبو محمد بن الخشّاب فأثنيا عليه.
وروى عنه: ابن عساكر، ويحيى بن بوش، وهبة الله بن الحسن السِّبط، وأبو موسى المَدِينيّ، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أيّوب الحربيّ، وإبراهيم بن بركة البيَّع، وآخرون.
وتُوُفّي في جمادى الأولى، وله تسعون سنة أو جازها.
قال ابن النّجّار: كان مخلّطًا كذّابًا لَا يُحْتَجّ به. قرأت بخطّ عمر بن عليّ القُرَشيّ القاضي: سمعت أبا القاسم عليّ بن الحسن الحافظ يقول: قال لي أبو العزّ بن كادش: وضع فلان حديثًا في حق علي، فوضعت حديثًا في حقّ أبي بكر، بالله أليس فعلت جيّدًا؟ قال ابن النّجّار: رأيت لأبي العزّ كتابًا سمّاه "الانتصار لدم القِحاب" على نظم جماعةٍ من الشُّعراء يقول فيه: أنشدَتْني فُلانة المغنّية، وأنشدتني ستّوت المغنية بأُوَانا.
وخطُّه رديء إلى الغاية في التّعقُّد والتّسلسل.
قيل: مولده سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة.
86- أحمد بن عمر بن خَلَف1.
أبو جعفر بن قِبْلَيْل الهَمْدانيّ، الغَرْناطيّ، الفقيه.
روى عن: أبي عليّ الغسّانيّ، وأبي عبد الله الطلاعي، وأصبغ بن محمد.
حدَّث عَنْهُ: أبو عبد الله بْن عبد الرحيم، وأبو خالد بن رفاعة، وأبو جعفر بن البادش، وأبو القاسم بن بَشْكُوال.
قال ابن الأبّار: دارت عليه الْفُتْيَا ببلده. وكان من جِلَّة الفقهاء المشاوَرين.
توفي في ذي القعدة.
__________
1 بغية الملتمس "184"، تكملة الصلة "1/ 135"، سير أعلام النبلاء "19/ 609".(36/104)
"حرف الجيم":
87- جهور بن إبراهيم بن محمد بن خَلَف1.
أبو الحزْم التُّجَيْبيّ الأندلسيّ.
حجّ وسمع "صحيح مسلم" من أبي عبد الله الطَّبَريّ.
قال ابن بَشْكُوال: بإشبيلية لقيته وأجاز لي. وكان رجلًا فاضلًا، منقبضًا، مُقبلًا على ما يعنيه تولّى الصّلاة بموضعه، يعني بقرية مورور.
"حرف الحاف":
88- الحسين بن محمد بن خسْرُو.
أبو عبد الله البلْخيّ، ثمّ البغداديّ. السَّمسار، مفيد أهل بغداد ومحدث وقته.
سمع من: أبي الحسين الأنباريّ، والبانياسيّ، وعبد الواحد بن فهد العّلاف، وأبي عبد الله الحُمَيْديّ، وطبقتهم، وخلقٍ بعدهم.
وسمع بإفادته جماعة كثيرة.
روى عنه أبو القاسم بن عساكر، وأبو الفَرَج بن الجوزيّ، وجماعة.
قال السّمعانيّ: سألت أبا القاسم الحافظ فقال: ما كان يعرف شيئًا. وسألت ابن ناصر عنه فقال: كان يذهب إلى الاعتزال. وكان حاطبَ ليلٍ، يسمع من كل أحد.
ومات ابن خسْرُو في شوّال، رحمه اللَّه.
"حرف العين":
89- عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر محمد بْن عبد الله بْن أحمد2.
العلّامة أبو محمد الخُشْنِيّ المُرْسِيّ، الفقيه.
أخذ بقُرْطُبة عن: أبي جعفر أحمد بن رزق الفقيه.
وتخرَّج به أبو محمد بن أبي جعفر.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "1/ 131، 132".
2 الصلة لابن بشكوال "1/ 494، 495"، العبر "4/ 69"، شذرات الذهب "4/ 78".(36/105)
وسمع من: حاتم بن محمد كتاب "الملخّص" بسماعه من القابسيّ.
وحجّ فسمع "صحيح مسلم" من الحسين بن عليّ الطَّبَريّ.
وقال القاضي عياض: سمع من: أبي عمر بن عبد البر، وأبي العباس العذري، وابن مسرور، والطليطلي.
وقال ابن بشكوال: روى عن: أبو الوليد الباجيّ، ومحمد بن سعدون القرويّ.
وكان حافظا للفقه على مذهب مالك، مقدما فيه على جميع أهل وقته، بصيرا بالفتوى، مقدما في الشورى، عارفا بالتفسير، ذاكرا له. يؤخذ عنه الحديث، ويتكلم على بعض معانيه. انتفع به الطلبة.
وكان رفيعا في أهل بلده، معظما فيهم، كثير الصدقة والذكر لله تعالى.
كتب إلينا بإجازة مروياته.
قال محمد بن حمادة الفقيه: كان غالبًا عليه الفقه. دخلتُ عليه بمُرْسِيَة سنة إحدى وعشرين وهو ينام، والقارئ يقرأ عليه، ولُعابه يسيح عن فمه، فسألني عن سبتة وأهلها. ثمّ رفعت مسالةً فيمن خرج باغيًا أو عاديًا، فاضطرّ إلى الميتة، فقلت: مشهورُ مذهب مالك أنّه لَا يباح له أكْلُها. وقال عبد الله بن حبيب: له أكلها.
فقال: ليس هو ابن حبيب إنما هو ابن الماجِشُون.
ثمّ قال لصبيّ: قُم إلى الخزانة، وأخْرِج السِّفْر الفُلانيّ، ثمّ اقلب منه كذا وكذا ورقة.
قال: فإذا بالمسألة كما ذكر. فتعجّبت من حِفْظه وهو على تلك الحال.
وأجاز لي كتاب "الموطّأ".
وحجّ فسمع منه بسبْتَه قاضينا أبو عبد الله بن عيسى التّميميّ، وجماعة.
وطالَ عُمره، ورحلَ النَّاس إِلَيْهِ من الْأقطار.
وقد سمع "صحيح مسلم" من أبيه أبي بكر، ومات أبوه في سنة أربعٍ وتسعين وأربعمائة، بسماعه من أبي حفص عمرو الهوزني المذبوح في سنة ستين وأربعمائة، بسماعه من عبد الله بن سعيد السّبتجاليّ، عن أبي سعد بن عمرو بن محمد السجري، عن الْجُلُوديّ نازلًا.(36/106)
قال ابن بَشْكُوال: وُلد بمُرْسِية سنة سبعٍ وأربعين وأربعمائة وتُوُفّي في ثالث رمضان.
يُعرف بابن أبي جعفر.
90- عَبْد اللَّه بْن مُوسَى بْن عَبْد اللَّه1.
أبو محمد القُرْطُبيّ.
روى عن: حازم بن محمد، ومحمد بْن فَرَج، وأبي علي الغسّانيّ، وأبي الْحَسَن العبسي المقرئ.
وحدَّث.
قال ابن بَشْكُوال: عُنِي بالحديث عناية كاملة، وكان متفننًا في عدَّة علوم مع الحِفْظ والإتقان.
وتُوُفّي في صفر.
91- عبد الرحمن ابن الفقيه محمد ابن الفقيه عبد الرحمن ابن الفقيه عبد الرحيم ابن الفقيه أحمد بن العجوز.
الفقيه أبو القاسم الكُتَاميّ السّبتيّ، قاضي الجزيرة الخضراء، ثمّ قاضي سلا.
كان أحد الأعلام.
قال القاضي عِياض: حضرت مجلسه في تدريس "المدوَّنة"، فما رأيت أحدًا أحسن منه احتجاجًا، ولا أَبْيَن منه تعليلًا. وكان سل سمتٌ وهمَّة.
تُوُفّي بفاس. نبا عن أبيه، عن جدّه.
92- عبد الكريم بن حمزة بن الخضر بن العبّاس2.
أبو محمد السُّلميّ الدّمشقيّ الحدّاد.
سمع: أبا القاسم الحِنّائيّ، وأبا بكر الخطيب، ومحمد بن مكي الأزدي المصري، وعبد الدائم بن الحسن، وعبد العزيز الكتاني، وأبا الحسن بن أبي الحديد، وعُبَيْد الله بن عبد الله الدّارانيّ، وجماعة.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "1/ 294".
2 التقييد لابن نقطة "366، 367"، سير أعلام النبلاء "19/ 600"، النجوم الزاهرة "5/ 249".(36/107)
وأجاز له: أبو جعفر ابن المسلمة، وأبو الحسن بن مَخْلَد الواسطيّ.
روى عَنْهُ: أبو القاسم بْن عساكر وقال: كان ثقة مستورًا سهلًا، قرأتُ عليه الكثير، وتُوُفّي في ذي القعدة؛ وأبو طاهر السِّلَفيّ، وعبد الرحمن بن عليّ الخِرَقيّ، وإسماعيل الخبرويّ، وبركات الخُشُوعيّ، وأبو القاسم بن الحَرَسْتانيّ، وآخرون.
وكان من أسند شيوخ الشّام في عصره.
93- عليّ بن الحسين بن محمد بن مهديّ1.
الأستاذ أبو الحسن البصْريّ، الصُّوفيّ، العارف.
دار في الشام، ومصر، والجزيرة، وأذَرْبَيْجان، ولقي العُبّاد.
وكانت له مقامات، وأحوال، وكرامات. وسكن بغداد في الآخر.
سمع: أبا الحسن الخِلَقيّ، والمُثَنَّى بن إسحاق القُرَشيّ الأَذَرْبَيْجانيّ.
روى عنه: أبو القاسم بن عساكر.
ويُروى أنّه حضرت عنده امرأة فقالت: يا سيّدي، ضاع كتابي الّذي شهدت فيه، وأريد أن تشهد.
قال: ما أشهد إلّا بشيء حلْو.
قال: فتعجّب الحاضرون منه.
فمضت وعادت ومعها كاغَد حَلْواء.
فضحك وقال: والله ما قلت لكِ إلّا مُزاحًا، اذهبي وأطْعِميه لأولادك.
ولمح الكاغد الذي فيه الحلواء فقال: أرينيه. فأرته، فإذا هو كتابُها، وفيها شهادته، فقال: ما ضاعت الحلْواء، هذا كتابك.
تُوُفّي أبو الحسن البصْريّ في جُمَادَى الأولى.
94- عمر بن يوسف.
القُدوة، الزّاهد، أبو حفص ابن الحذّاء القَيْسيّ الصَّقَليّ، نزيل الثَّغْر.
سمع منه: السِّلَفيّ، عن أبي بكر عتيق بن عليّ السْمنْطَاريّ بصقلية: نبا أحمد
__________
1 مختصر تاريخ دمشق لابن منظور "17/ 258، 259".(36/108)
ابن إسحاق المِهرانيّ، ثنا أبو بكر بن خلّاد، ثنا، تمتام، نبا القَعْنَبيّ بحديث: الّذي تفوته العصر.
قال السِّلَفيّ: كان من مشاهير الزُّهاد وأعيان العُباد. له مجدٌ كبير عند أهل صَقَلّية.
وكان من أهل العِلم.
تمنع مِن الرّواية كثيرًا تورُّعًا، وجرى بيني وبينه خطبٌ طويل.
وقفت على سماعه من السّمنْطاريّ بموطّأ القَعْنَبيّ، بهذا الإسناد.
وُلِد بصَقَلّية سنة ثلاثين وأربعمائة، وحجّ سنة إحدى وخمسين.
وقرأ على جماعة القرآن.
تُوُفّي في المُحرم، رحمه الله.
"حرف الميم":
95- منصور بن الخيّر بن تمكيّ1.
أبو عليّ المغراويّ، المالقيّ، المقرئ الأحدب.
حجّ، وأدرك أبا مَعْشَر الطَّبَريّ وأخذ عنه. ولقي أبا عبد الله محمد بن شريح وأخذ عنه.
وجالس أبا الوليد الباجيّ.
وعُنِي بالقراءات، وصنّف فيها كُتُبًا أخذها عنه الناس.
قال ابن بشكوال؛ قال: وسمعت بعض شيوخنا يضعّفه.
تُوُفّي بمالقة في شوال.
قلت: قرأ عليه: محمد بن أبي العيسى الطُّرْطُوشيّ، ومحمد بن عُبَيْد الله بن العويص.
وقيل: إنّه مُتَّهم في لُقِيّ أبي مَعْشَر، مع أنّه رأس في القراءات، قيم بتجويدها وعللها.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 620"، غاية النهاية "2/ 312"، لسان الميزان "6/ 93-95".(36/109)
قال اليَسَع بن حزْم: رحلت إليه، فوجدته بحرًا في علوم القراءات، بعيد الغَوْر والغايات، فجلست واستفدت وتشكّلت، فقال: ما حجَّة من جَهَر وحجَّة من أخفى؟ فقلت: حجَّة الجهر {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ} [النحل: 98] ، وأخفوا لئلّا يتوهّم أنهّا آية من القرآن. وذكر باقي الكلام.
قال أحمد بن ثعبان: انصرفت من مكَّة، فلقِيَني منصور بن الخيّر فقال: ما فعل أبو مَعْشَر؟ قلت: توفي. فلما حج رجع إلى الأندلس وقال: قرأت على أبي معشر.
وفيات سنة سبع وعشرين وخمسمائة:
"حرف الألف":
96- أحمد ابن الشَيخ الإمام أبي عليّ الحسن بن أحمد بن عبد الله1.
أبو غالب بن البنّا البغداديّ الحنبليّ.
شيخ صالح، كثير الرّواية، عالى السَّنَد.
سمع: أبا محمد الجوهري، وأبا الحسين بن حسنون النرسي، وأبا يعلى بن الفراء، وأبا الغنائم بن المأمون ووالده، وابن المهتدي، بالله وطائفة.
وله مشيخة.
وكان مولده في سنة خمسٍ وأربعين وأربعمائة.
وأجاز له: أبو الطَّيب الطَّبريّ، وأبو إسحاق البَرْمكيّ، وأبو بكر بن بِشْران، والعُشَاريّ.
وثّقه ابن الجوزي، وروى عنه هو، و: أبو القاسم بن عساكر، وأبو موسى المَدِينيّ، وهبة الله بن مسعود البابذينيّ، ومحمد بن هبة الله أبو الفَرَج الوكيل، وعبد الوَهاب بن الشَيخ عبد القادر، وإسماعيل بن عليّ القطّان، وعمر بن طَبَرْزد، وخلْق سواهم.
وتُوُفّي في صفر.
وقيل: في ربيع الأوّل.
وتفرد بالأجزاء القطعيات الّتي لم يبق ببغداد شيء أعلى منها في وقته.
__________
1 المنتظم "10/ 31"، سير أعلام النبلاء "19/ 603، 604"، البداية والنهاية "12/ 206".(36/110)
97- أحمد بن عمّار بن أحمد بن عمّار بن المسلم1.
أبو عبد الله الحسينيّ الكوفيّ، مجد الشّرف، الشّاعر المشهور.
مدح المسترشد، والوزير أبا عليّ بن صَدَقة.
ومن شعره:
وباكية أبكت فأبدت محاسنًا ... أراقت فراقت أنفس الركْب عن عمد
حبابًا على خمرٍ وليلٍ على ضُحى ... وغصنًا على دعصٍ وذرا على وردِ
وله:
ناس يسيء برأيه ويري ... صَرْفَ الحوادث غير متَّهمِ
لك في الّذي تُبْديه معذرةً ... من نام لم ينفك في حُلمِ
عاش اثنتين وخمسين سنة.
98- أسعد بن صاعد بن منصور بن إسماعيل2.
أبو المعالي النَّيْسابوريّ الحنفي، خطيب نيسابور.
سمع: جده، وأبا بكر بن خَلَف الشّيرازيّ، وموسى بن عمران الصُّوفيّ، وأبا بكر الشّيرُويّ.
كان إليه الخطابة والوعظ والتّدريس ببلده، وكان مقبولًا عند السّلطان.
توفي في ذي القعدة، وقد قدم بغداد رسولًا من السّلطان سَنْجَر، فسمع منه ابن عساكر، وغيره.
"حرف العين":
99- عَبْد اللَّه بْن أحمد بْن عليّ بن جحشوَيه.
المحدِّث المفيد أبو محمد البغدادي.
سبط قريش.
__________
1 عيون التواريخ "12/ 267-269"، الوافي بالوفيات "7/ 256".
2 المنتخب من السياق "168"، المنتظم "10/ 31، 32"، الوافي بالوفيات "9/ 15".(36/111)
طلب بنفسه وكتب الكثير، وسمع من: النّعاليّ، وطرّاد، وابن البَطِر، وطبقتهم.
وحدَّث بأكثر مسموعاته.
روى عنه: عبد الله بن أبي المجد الحربيّ، وغيره.
قال ابن النّجّار: مات في شوال سنة سبعٍ وعشرين.
100- عبد الجبّار بن أبي بكر بن محمد1.
أبو محمد الأزْديّ، الصَّقَلّيّ، الشّاعر.
له ديوان مشهور.
دخل الأندلس ومدح المعتمد بن عباد.
وتوفي هذه السّنة في رمضان بجزيرة مَيُورقَة. وجزيرة صَقَلّية يحيط بها البحر، وهي بحذاء إفريقية. أخذتْها النصارى في سنة أربعٍ وستين وأربعمائة.
101- عبد الكريم بن إسحاق.
أبو زُرْعة البزّاز الرّازيّ.
قدِم سنة إحدى وثمانين ببغداد، وسمع عاصم بن الحَسَن، وجماعة.
وسمع بالرّي من: عبد الكريم الوزّان؛ وبأصبهان من: أبي عبد الله الرفقي.
قال أبو سعد السّمعانيّ: كان صدوقًا، ثقة. حدّثنا عنه جماعة.
وعاش سبْعًا وثمانين سنة.
102- عبد الملك بْن عبد الله بن داود2.
أبو القاسم الحمزيّ.
من حمزيّ مدينة بالمغرب.
قدِم بغداد وسكنها.
قدِم على أبي عليّ التُّسْتَري، فسمع منه "سنن أبي داود".
__________
1 وفيات الأعيان "3/ 212-215"، الوافي بالوفيات "18/ 41-47"، البداية والنهاية "12/ 206".
2 الأنساب "4/ 220".(36/112)
وسمع ببغداد من: أبي نصر الزينبي.
سمع منه: أبو القاسم بن عساكر السُنَن، وحدَّث عنه هو، وأبو المعمّر.
تُوُفّي في ربيع الآخر.
103- عليّ بن عُبَيْد الله بن نصر بن عُبَيْد الله بن سهل1.
الإمام أبو الحسن بن الزاغوني، شيخ الحنابلة ببغداد.
سمع الكثير بنفسه، ونسخ بخطه.
وولد سنة خمسٍ وخمسين وأربعمائة.
حدث عن: أبي جعفر بن المسلمة، وابن هزار مرد، وعبد الصّمد بن المأمون، وعلي بن البُسْريّ، وأبي الحسين بن النَّقُور، وجماعة.
وقرأ بالرّوايات، وتفقَّه على يعقوب البَرْزَبِينيّ.
وكان إمامًا فقيهًا، متبحّرًا في الأصول والفروع، متفننًا، واعظًا، مُناظرًا، ثقة، مشهور بالصّلاح، والدّيانة، والورع، والصّيانة، كثير التّصانيف.
قال ابن الجوزيّ: صحِبته زمانًا، وسمعت منه، وعلَّقت عنه الفِقْه والوعظ.
وتُوُفّي في سابع عشر المحرَّم. وكان الْجَمع يفوت الإحصاء.
وقال أبو سعد السّمعانيّ: روى لنا عنه: عليّ بن أبي تُراب، وأبو المُعَمَّر الأنصاريّ، وأبو القاسم الحافظ.
وسمعت حامد بن أبي الفتح المَدِينيّ: سمعت أبا بكر محمد بن عُبَيْد الله بن الزّاغُونيّ يقول: حكى بعض النّاس ممّن يوثق بهم أنّه رأى في المنام ثلاثة يقول واحد منهم: اخْسِفْ؛ وواحد يقول: أَغْرِق؛ وواحد يقول: أَطْبِق.
يعني البلد.
فأجاب أحدهم: لَا، لأنّ بالقرب منّا ثلاثة أحدهم أبو الحسن بن الزاغُونيّ، والثاني أحمد بن الطّلّاية، والثالث محمد بن فلان من الحربيَّة.
قلت: وروى عنه: بركات بن أبي غالب السقلاطوني، ومسعود بن غيث
__________
1 المنتظم "10/ 32"، الكامل في التاريخ "11/ 9"، سير أعلام النبلاء "19/ 605، 607".(36/113)
الدّقّاق، وأبو القاسم بن معالي بن شدّقينيّ، وأبو الحسن عليّ بن عساكر، وأبو موسى المَدِينيّ، وأبو حفص بن طَبَرْزَد، وطائفة سواهم.
وهو من متكلّمي الحنابلة ومصنّفيهم.
أملى عليّ القاضي عبد الرحيم بن عبد الله، أنّه قرأ بخط أبي الحسن بن الزاغُونيّ: قرأ أبو محمد عبد الله بن أبي سعد الضّرير عليَّ القرآن من أوّله إلى آخره، بقراءة أبي عَمْرو، رواية اليَزِيديّ، طريقة ابن مجاهد، وكنت رأيت فِي المنام رسول اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- وقرأت عليه القرآن من أوله إلى آخره بهذه القراءة المذكورة، وهو -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- يسمع، وإني لما بلغت في سورة الحجّ إلى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الحج: 14] الْآيَةَ، أشار بيده أي اسمع، ثمّ قال: "هذه الآية من قرأها غُفِر له" ثمّ أشار أن اقرأ، فلمّا بلغت أول يس، قال لي: "هذه السّورة من قرأها أَمن من الفَقْر"؛ فلمّا بلغت إلى سورة الإخلاص قال لي: "هذه السّورة من قرأها، فكأنّما قرأ ثلث القرآن".
فلمّا كملت الخْتمة قال لي: "ما أَعطى الله أحدًا ما أُعطي أهل القرآن". وإنّي قلت له كما قال لي.
وكتب عليّ بن عُبَيْد الله بن الزاغُونيّ قال: وقرأ عليَّ هذا الكتاب، يعني مختصر الخِرَقيّ، من أوّله إلى آخره أبو محمد الضّرير مِن حِفْظه، ورويته لي عن أبي القاسم الخِرَقيّ رحمه الله.
وكتب ابن الزاغوني سنة تسعٍ وخمسمائة.
104- عليّ بن يَعْلَى بن عَوَض1.
أبو القاسم الهاشميّ العلويّ العُمريّ، من ولد عمر بن عليّ بن أبي طالب.
شيخ جليل واعظ مشهور، صاحب قَبُولٍ.
من أهل هَرَاة.
سمع من: أبي عامر الأزْديّ، ونجيب بن ميمون، ومحمد بن عليّ العُميريّ الزّاهد.
وورد بغداد فوعظ بها، وسمع من: أبي القاسم بن الحصين.
__________
1 المنتظم "10/ 32"، الأنساب "9/ 60"، الكامل في التاريخ "11/ 9"، البداية والنهاية "12/ 208".(36/114)
وكان يورد في مجلس وعْظه الأحاديث بأسانيدها، ويُظهر السُّنَّة.
قال ابن الجوزيّ: حصل له ببغداد مالٌ وكُتُب وَقَبُولٌ كثير، وحُمِلت إليه وأنا صغير، وحفّظني مجلسًا من الوعظ، فتكلّمت بين يديه يوم ودّع النّاس وسافر إلى مَرْو.
وقال ابن السّمعانيّ: سمعتُ منه حديثًا واحدًا.
105- عمر بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن موسى.
أَبُو جعفر الشّاشيّ، نزيل قاشان، إحدى قرى مَرْو.
تفقّه على الإمام أبي الفضل التّميميّ، وسمع منه.
ومنه: أبو عبد الله محمد بن الحسين المهْربَنْدَشانيّ، وإسماعيل بن عبد القاهر الجرجاني.
وقدم بغداد قبل الثمانين وأربعمائة حاجًا، وسمع أبا عبد الرحمن بن ميمون المتولّي.
وحدَّث.
تُوُفّي سنة سبعٍ وعشرين، فيُحوَّل إليها.
"حرف الكاف":
106- كريم المُلْك1.
أبو الحسن. وأسمه: أحمد بن عبد الرّزّاق.
وزير الملك شمس الملوك صاحب دمشق.
مات في ذي الحجَّة، وتأسّف النّاس عليه لحسن طريقته، وحميد خلاله، وكثْرة تلاوته.
107- كريمة بنت الحافظ أبي بكر محمد بن أحمد ابن الخاضبة.
رَوَت عن: أبي الحسين بن النقور.
وعنها: أبو القاسم بن عساكر، وأبو المعمّر الأنصاري، وغيرهما.
__________
1 ذيل تاريخ دمشق "240".(36/115)
وتُوُفّيت في رجب.
قال ابن السّمعانيّ: رأيت نسخةً "بتاريخ بغداد" كاملةً بخطّها.
"حرف الميم":
108- محمد بن إدريس.
أبو عبد الله الجذاميّ الغرناطي.
حدث بـ"صحيح البخاريّ"، عن بكّار، عن أبي ذَرّ الهَرَويّ، وكان فقيهًا، مُفْتيًا.
روى عنه: أبو خالد بن رفاعة.
109- محمد بْن الحسين بْن عليّ1.
أبو بَكْر البغداديّ المِزْرَفيّ، ومِزْرَفَة بين عُكْبرا وبغداد، الفَرَضيّ الحاجيّ.
وُلِد سنة تسعٍ وثلاثين وأربعمائة ببغداد.
وسكن به أبوه مُدَّةً في أيّام الفتنة بالمِزْرفة. وقرأ بالروايات وجوّد.
وسمع: أبا جعفر ابن المسلمة، وأبا الحسين ابن المهتديّ بالله، وعبد الصّمد بن المأمون، وأبا عليّ بن البنّا، والصَّرِيفينيّ، وخلْقًا سواهم.
وتلا على أصحاب الحمّاميّ.
روى عنه: ابن عساكر، وأبو الفَرَج بن الجوزيّ، وأبو موسى المَدِينيّ، وأبو الفتح المنْدائيّ، وطائفة.
وأقرأ القراءات.
ويقول الحافظ ابن عساكر وغيره إنّه مات ساجدًا.
مات في أوّل السّنة.
وقال ابن الجوزيّ: كان ثقة، عالمًا، حسن العقيدة رحمه الله.
__________
1 المنتظم "10/ 33، 34"، سير أعلام النبلاء "9/ 631، 632"، الوافي بالوفيات "3/ 10"، غاية النهاية "2/ 131".(36/116)
110- منصور بن محمد بن محمد بن الطَّيِّب1.
أبو القاسم العَلَويّ العُمَريّ الهَرَويّ، المعروف بالفاطميّ.
كان فقيهًا، مناظرًا، وواعظًا، رئيسًا.
كان رفيع المنزلة عند الخاصّ والعامّ، ذا ثروةٍ وأموال.
يقال كان له ثلاثمائة وستون طاحونة.
سمع بهَرَاة من: جدّه لأمه أبي العلاء صاعد بن منصور الأزْديّ، ومحلّم بن إسماعيل، ومحمد بن أبي عاصم العُمَريّ.
وبنَيْسابور من: أبي القاسم القُشَيْريّ، وأبي شجاع المكيالي.
وقَدِم بغداد مرَّتين.
وروى عنه: ابن ناصر، والسِّلَفيّ، ويحيى بن بوش.
قال ابن السّمعانيّ: كان شيخنا أبو الحسن الأزدي سيئ الرأي فيه، قال: لَا أروي عنه حرفًا.
تُوُفّي أبو القاسم الفاطميّ بَهَراة في رمضان.
وقال السّمعانيّ في "التّحبير": أجاز لنا، وكان فقيهًا مبّرزًا مدقّقًا، مولده سنة أربعٍ وأربعين وأربعمائة.
وفيات سنة ثمان وعشرين وخمسمائة:
"حرف الألف":
111- أَحْمَد بْن عليّ بْن إِبْرَاهِيم2.
الشَيخ أبو الوفاء الشّيرازيّ، القُدْوة، الزّاهد، الفيروز أباذيّ، شيخ الرِّباط الّذي حِذَاء جامع المنصور ببغداد.
قَدِم بغداد وسمع من: أبي طاهر الباقلاني، وأبي الحسن الهكاري شيخ الإسلام.
__________
1 التحبير "2/ 318، 319"، اللباب "2/ 193"، طبقات الشافعية الكبرى "7/ 306، 307".
2 المنتظم "10/ 36"، الكامل في التاريخ "11/ 9"، البداية والنهاية "12/ 206".(36/117)
وخدم المشايخ، وسكن بالرّباط المذكور. ويُعرف برباط الزَّوْزَنيّ.
قال ابن السّمعانيّ: اتّفقَت الأَلْسُن على مدحه.
صحب المشايخ بفارس، وكان يحفظ من كلام القوم وسِيَرَهم وأحوالهم، ومن الأشعار المناسبة لذلك شيئًا كثيرًا.
واتَّفق أنّ أبا عليّ المغربيّ أحضر رجلًا يقال له: محمد المغربيّ إلى الشَيخ أبي الوفاء وأثنى عليه، وقال: إنّه يصلح لخدمتك، فاستخدمه الشَيخ وقرّبه، وكان يسعى في مَهَمّاته، فضاق منه أبو عليّ المغربيّ، فقال لأبي الوفاء: أريد أن تُخْرجه من الرباط ولا يخدمك.
فقال: ما يحسُن هذا. تُثنى على رجلٍ فتقرّبه، ثمّ تضيق منه فتُخْرجه.
هذا لَا يليق. فعمل أبو عليّ:
إن خلي أبا الوفا ... في صفاي أبي الوفا
باع ودّي بردٍ من ... لُطْفه غاية الجفا
وقال أبو الفَرَج بن الجوزيّ: كان أبو الوفاء على طريقة مشايخه في سماع الغناء والرَّقْص.
وكان يقول لشيخنا عبد الوهاب: إني لأدعو الله في وقت السَّماع.
وكان شيخنا يتعجَّب ويقول: أَلَيْس يعتقد أنّ ذلك وقت إجابة، وهذا غاية القُبْح.
وحكى أبو الوفاء أنّ فقيرًا كان يموت وعياله يبكون، ففتح عينيه وقال: لمَ تبكون، أَلِمَوْتي؟ قالوا: لَا، الموت لَا بدّ منه، ولكن نبكي على فضيحتنا، لأنّه ليس لك كَفَن.
فقال: إنّما نفتضح لو كان لي كفن.
قال ابن الجوزيّ: تُوُفّي أبو الوفاء في حادي عشر صفر.
وصلّى عليه خلْق، منهم أرباب الدّولة وقاضي القُضاة. ودُفن على باب الرّباط.
وعمل له الخادم نَظَر بعد يومين دعوة عظيمة، أنفق فيها مالًا على عادة الصُّوفيَّة، واجتمع فيها خلق.
وكان أبو الوفاء ينشد أشعارًا، أنشد مرَّة لأبي منصور الثّعالبيّ:(36/118)
وخيط نمَّ في حافّات وجهٍ ... له في كلّ يومٍ ألفُ عاشقٍ
كأنّ الرّيحَ قد مرّت بمسكٍ ... وذرَّت ما حَوَتْهُ من الشّقائقِ
112- أحمد بن عليّ بن الحسن بن سَلْمُوَيْه.
أبو عبد الله النَّيسابوريّ الصُّوفيّ.
شيخ طريفٌ معمَّر. وُلِد قبل الأربعين.
وحدَّث عن: عبد الغافر بن محمد الفارسيّ، وعمر بن مسرور، وأبي سعد الكَنْجرُوذيّ.
ورحل مع والده، وسمع من: أبي محمد الصَّرِيفِينيّ، وغيره.
وخدم أبا القاسم القشيري، وكان يقرئ بين يديه الأبيات بصوت رخيم ليّن.
روى عنه: أبو سعد السمعاني، وقال: تُوُفّي سنة 528 أو قبلها.
113- أحمد بن عليّ بن محمد بن السَّكَن.
أبو محمد بن المِعْوَجّ.
سمع: عليّ بن البُسْريّ، وجماعة.
وعنه: مُعَمَّر بن الفاخر، ومحمود الخيّام، وغيرهما.
114- أُمَيَّة بن عبد العزيز بن أبي الصَّلْت1.
أبو الصَّلْت الأندلسيّ الدّانيّ، مصنّف كتاب "الحديقة".
كان عالمًا بالفلسفة، ماهرًا في الطّبّ، إمامًا فيه وفي علوم الأوائل.
سكن الإسكندرية مدَّةً، وكان مولده بدانية في سنة ستين وأربعمائة.
أخذ عن: أبي الوليد الوقْشيّ قاضي دانية، وغيره.
وقَدِم الإسكندرية سنة تسعٍ وثمانين، ونفاه الأفضل شاهنشاه من مصر في سنة خمسٍ وخمسمائة. ثمّ دخل إلى المَهْديَّة، وحلّ من صاحبها عليّ بن يحيى بن باديس بالمحلّ الجليل.
__________
1 معجم الأدباء "7/ 52-70"، سير أعلام النبلاء "19/ 634، 635"، الوافي بالوفيات "9/ 402".(36/119)
وكان بارعًا في معرفة النّجوم والوقت، بارعًا في الموسيقى وفي الشَّعر، حاذقًا بلعب الشّطرنج. وله رسالة مشهورة في الأسطُرلاب. وله كتاب "الوجيز" في علم الهيئة، وكتاب "الأدوية المفردة"، وكتاب في المنطق، وكتاب "الانتصار" في أصول الطّب.
صنَّف بعضها في سجن الأفضل.
وقيل: إنّ أمير الإسكندرية حبسه مُدَّةً لأنّه قدِم إلى الإسكندرية مركبٌ موقرٌ نحاسًا، فغرق وعجزوا عن استخراجه، فقال أبو الصَّلْت: عندي فيه حيلة.
فطاوعه الأمير، وبذل له أموالًا لعمل الآلات، وأخذ مركبًا كبيرًا فارغًا، وعمل على جنبيه دواليب بحبالٍ حرير، ونزل الغطّاسون، فأوثقوا المركب الغارق بالحبال، ثمّ أُديرت الدّواليب، فارتفع المركب الغارق بما فيه إلى أن لاطخ المركب الّذي فيه الدّواليب وتمّ ما رامه، لكن انقطعت الحبال وهبط، فغضب الأمر للغرامة وسجنه.
ومن شِعره:
إذا كان أصلي من تُراب فكلُّها ... بلادي وكُلُّ العالمين أقاربي
ولا بُدّ لي أن أسأل العِيسَ حاجَةً ... تشُقَّ على شُمّ الذُّرَى والغَوارِبِ
وله:
وقائلةٍ ما بالُ مثلِكَ خاملٌ ... أأنت ضعيفُ الرّأي أم أنتَ عاجزُ
فقلت لها ذنبي إلى القوم أنني ... لما لم يحُوزُوه من المجدِ حائزُ
وله:
ومهفهفٌ تركتْ محاسنُ وجهِهِ ... ما مَجَّهُ في الكأسِ من إبريقِهِ
فَفِعالُها من مُقْلَتْيه ولَوْنها ... من وجْنَتَيه وطَعْمُها من ريقِهِ
وله:
عجِبْتُ من طَرْفِكَ في ضَعْفهِ ... كيف يَصيدُ البَطَلَ الأصْيَدا
يفعَلُ فينا وهو في غِمْدِهِ ... ما يفعلُ السَّيفُ إذا جُرِّدا
ومن شِعره، وأوصى أن يُكتب على قبره، وهو يدلّ على أنّه مسلم الاعتقاد:(36/120)
سكنتُك يا دارَ الفَناء مصدِّقًا ... بأنّي إلى دار البقاء أصيرُ
وأعظم ما في الأمر أنّي صائرٌ ... إلى عادلٍ في الحُكْم ليسَ يجور
فيا ليت شعري، كيف ألفاه عندها ... وزادي قليل، والذّنوبُ كثيرُ
فإنْ أك مُجَزِيًا بذنْبي فإنّني ... بشرٌ عقابِ المذنبين جديرُ
وأنْ يكُ عفوٌ منه عنّي ورحمةٌ ... فثمّ نعيمٌ دائمٌ وسُرورُ
تُوُفّي رحمه الله بمرض الاستسقاء بالمهديَّة في منسلخ العام، وقيل: في مستهلّ سنة تسعٍ.
"حرف الثاء":
115- ثابت بن منصور الكيليّ1.
أبو العزّ مِن أهل العراق.
سمع الكثير ونسخ، وعُنِي بالحديث.
سمع: رزق الله التّميميّ، وعاصم بن الحسن، ومحمد بن إسحاق الباقَرْحيّ.
قال ابن ناصر: هو صحيح السّماع ما يعرف شيئًا. تُوُفّي في ذي الحجَّة. وقال غيره: كان يحفظ ويدريّ.
وقال ابن النّجّار: خرَّج في فنون، وكان صدوقًا.
روى لنا عنه: مظفّر بن عليّ الخيّاط، وستّ الكَتَبة بنت يحيى الهَمَذانيّ.
وروى عنه: السِّلَفيّ وقال: كان فقيهًا على مذهب أحمد. كتب كثيرًا معنا وقبلنا، وكان ثقة زعر الأخلاق.
"حرف الحاء":
116- الحسن بن أحمد بن محمد بن جكينا.
أبو محمد الحريميّ الشّاعر المشهور، صاحب الرَّشاقة، والحلاوة، والظّرافة في شِعْره.
وكان هجّاءً، غوّاصًا على المعاني. ويلقّب بالبرغوث.
__________
1 ذيل طبقات الحنابلة "1/ 186-188".(36/121)
وهو القائل:
ولائمٌ لام في التّحالي ... لمّا استباحوا دم الحُسَيْني
فقلت دعني أحقّ عضو ... ألبسه بالحِداد عيني
مات في ربيع الأوّل، ترجمه ابن النّجّار.
117- الحسن بن أبي الذّكْر محمد بن عبد الله بن حسين1.
القُدوة، أبو عبد الله المصريّ، الجوهريّ، الزّاهد، النّاطق بالحكمة.
قال السِّلَفيّ: قرأنا عليه، عن أبي إسحاق الحبال، وغيره.
وكان حلو الوعظ.
وتوفي في جُمَادى الأولى.
"حرف الخاء":
118- الخَفِرةُ بنت مبشر بن فاتك.
الدمشقية الجديدة.
روت عن: محمد بن الحسين الطّفّال، وأبي طاهر محمد بن سعدون المَوْصِليّ، وغيرهما.
روى عنها: أبو طاهر السِّلَفيّ، وقال: تُوُفّيت في جُمَادى الأولى أيضًا.
قلت: هي آخر من حدّث عن الطّفّال. وكان أبوها محمود الدّولة من أمراء المصريّين، صنَّف في الطّبّ، والمنطق، وغير ذلك.
"حرف العين":
119- عَبْد اللَّه بْن المبارك بْن الحسن2.
أبو محمد البغداديّ المقرئ، ويعرف بابن ينال.
سمع: أبا نصر الزَّيْنبيّ، وعاصمًا، وأبا الغنائم بن أبي عثمان.
__________
1 معجم السفر للسلفي "1/ 162".
2 ذيل طبقات الحنابلة "1/ 185"، المنتظم "10/ 38"، شذرات الذهب "4/ 85".(36/122)
وتفقه على: أبي الوفاء بن عَقِيل، وأبي سعد البَرَدانيّ.
وباع ملكًا له واشترى كتاب "الفنون" وكتاب "الفصول" لابن عَقِيل، ووقَفَهُما.
وتُوُفّي رحمه اللَّه فِي جُمَادَى الأولى.
120- عَبْد الخلّاق بْن عَبْد الواسع بْن عَبْد الهادي ابن شيخ الإسلام أبي إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي1.
الأنصاري الهروي، أبو الفتوح بن أبي رفاعة، من أبي عَرُوبة.
كان حَسَن الأَخلاق، حُلْو الشّمائل.
سمع محمد بن علي العُمَيْريّ، ونجيب بن ميمون الواسطيّ.
وحدَّث ببغداد.
روى عنه: أبو المُعَمَّر الأنصاريّ، وأبو القاسم بن عساكر.
وتُوُفّي في شعبان.
121- عبد الواحد بن شنيف2.
أبو الفَرَج البغداديّ.
تفقّه على أبي عليّ البَرَدانيّ.
وكان فقيهًا، مناظرًا، مجوِّدًا. له مال ورئاسة.
تُوُفِّي فِي شَعْبان.
122- عَلِيّ بْن أحْمَد بْن عليّ3.
العلّامة أبو حسن السّجْزِيّ، ثمّ البلخيّ، الفقيه المعروف بالإسلاميّ.
مقدّم أصحاب أبي حنيفة، رحمه الله، ببلْخ.
عُمّر دهرًا، وروى الكثير، وكان زاهدًا، حَسَن السّيرة.
روى عنه بالإجازة: السمعانيّ، وقال: سمع: منصور بن إسحاق الحافظ،
__________
1 المنتظم "10/ 39".
2 المنتظم "10/ 39"، ذيل طبقات الحنابلة "1/ 185، 186".
3 التحبير "1/ 561"، سير أعلام النبلاء "19/ 635، 636"، الطبقات السنية "1442".(36/123)
والوخْشيّ، والعَيَّار. فمن ذلك "صحيح البخاريّ"، سمعه من منصور ابن إسحاق، عن إسماعيل الكُشَانيّ، ويرويه أيضًا عن أبي عثمان العَيَّار.
وسمع "سُنَن أبي داود" من الوخْشيّ.
مات في سلْخ ربيع الآخر، وقيل: ليلة نصف ذي الحجَّة.
123- عليّ بن عطيَّة الله بن مُطَرِّق1.
أبو الحسن اللّخْميّ، البَلَنْسِيّ، الشّاعر المشهور بابن الزَّقّاق.
أخذ عن أبي محمد البَطَلْيُوسيّ، وبرع في الآداب، وتقدَّم في صناعة الشِّعر، وامتدح الكِبار، واشتهر اسمه، ودُوِّن شِعْره، ولم يبلغ الأربعين.
سمع منه: الحافظ أبو بكر بن رزق الله.
"حرف الميم":
124- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَليّ2.
أبو بكر القطّان البغداديّ، ويُعرف بابن الحلّاج.
حدَّث عن: أبي الغنائم بن أبي عثمان.
قال ابن الجوزي: كان خيرًا، زاهدًا، كثير العبادة، دائم التّلاوة، حَسَن الأخلاق.
كان النّاس يتبرّكون به، وكنت أزوره.
وقال غيره: سمع من: مالك البانياسيّ، وقرأ على أبي طاهر بن سوار.
روى عنه: الحافظان ابن عساكر، وأبو موسى المَدِينيّ.
125- محمد بن حبيب بن عبيد الله بن مسعود3.
أبو عامر الأُمَويّ الشّاطبيّ.
روى عن: طاهر بن مفوّز، وأبي داود المقرئ، ويوسف بن عديس.
__________
1 فوات الوفيات "2/ 135"، عيون التواريخ "12/ 286، 290"، شذرات الذهب "4/ 89".
2 المنتظم "10/ 39"، البداية والنهاية "12/ 207".
3 الصلة لابن بشكوال "2/ 579، 580".(36/124)
قال ابن بَشْكُوال: أجاز لنا، وسمع منه أصحابنا ووصفوه بالجلالة والفضل والدّيانة.
تُوُفّي بشاطبة.
126- مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن مَسْعُود1.
الْإِمَام أَبُو الفضل المَرْوَزِيّ، الزّاهد، المسعوديّ، الواعظ.
قال السّمعاني: كان حَسَن الموعظة والنُّصْح، سريع الدَّمْعة، كان السّلطان سَنْجَر يزوره.
سمع من جماعة، وحدَّث.
مولده في سنة إحدى وخمسين، ومات في جُمَادى الأولى.
127- محمد بن عبد العزيز بن أحمد بن زُغَيْبة2.
أبو عبد الله الكِلابيّ الأندلسي المرسي.
ولد سنة خمسين وأربعمائة.
وروى عن: أبي العبّاس العُذريّ، والقاضي أبي عبد الله بن المرابط، وعبد الجبار بن أبي قحافة، وأبي عليّ الغساني، وجماعة.
وكان ذاكرًا للمسائل، عارفًا بالنوازل، حاذقًا بالفتوى. قاله ابن بَشْكُوال.
وقال: أجاز لنا؛ وتُوُفّي في ذي الحجَّة.
أَنْبَا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ، أَنْبَا أَحْمَدُ بْنُ الْغَمَّازِ، أَنْبَا أَبُو الرَّبِيعِ بْنُ سَالِمٍ، أَنْبَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَنْبَا ابْنُ زُغَيْنَةَ قِرَاءَةً، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْعُذْرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الرَّازِيِّ، أَنْبَا ابْنُ عَمْرُوَيْهِ، ثنا ابْنُ سُفْيَانَ، نبا مُسْلِمٌ: قَالَ ابْنُ قَعْنَبٍ: نبا أَفْلَح بْن حُمَيْد، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِي لحرمه حين أحرم ولحله حين أحل قبل أن يطوف بالبيت3.
__________
1 التحبير "2/ 131، 132"، الأنساب "11/ 308".
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 579".
3 حديث صحيح: أخرجه البخاري "1539"، ومسلم "1191"، وأبو داود "1745"، والنسائي "2684"، وغيرهم.(36/125)
128- محمد بن عليّ بن عبد الواحد1.
أبو رشيد الآمُليّ.
وُلِد سنة سبعٍ وثلاثين؛ وحجّ، وجاور، وكان زاهدًا متبتّلًا، مشتغلًا بنفسه.
قيل: إنّه فارق أصحابه من المركب، وأقام في جزيرة يتعبَّد، ثمّ رجع إلى آمُل.
وتُوُفّي في جُمَادى الأولى.
129- مَعَالِي بْن هِبة الله بْن الحَسَن بْن الحُبُوبيّ2.
أبو المجد الدّمشقيّ، البزّاز.
سمع: أبا القاسم المصِّيصيّ، ونصر المقدسيّ، وسهل بن بِشْر.
روى عنه: ابن عساكر ووثّقه، ومحمد بن حمزة بن أبي الصَّقْر.
تُوُفّي في سلْخ رمضان.
ويروى عنه: ابن الحرستاني.
وفيات سنة تسع وعشرين وخمسمائة:
"حرف الألف":
130- أَحْمَد بْن عَبْد الْعَزِيز بْن مُحَمَّد بْن حبيب3.
الفقيه، أبو الطّيّب المقدسيّ، الواعظ، إمام جامع الرّافقة.
سمع من: نصر المقدسيّ، والحسين بن عليّ الطَّبَريّ.
وله ديوان شِعر. وكان مستورًا، قصيرًا، مُعِيلًا.
سمع منه: أبو القاسم بن عساكر في هذا العام بالرّافقة، وهي الرَّقَّةُ الجديدة.
وله يقول:
يا واقفًا بين الفُرات ودِجْلة ... عَطْشان يطلبُ شَرْبَةً من ماء
__________
1 المنتظم "10/ 4"، الكامل في التاريخ "11/ 18".
2 مختصر تاريخ دمشق "24/ 386".
3 مختصر تاريخ دمشق "3/ 157"، الوافي بالوفيات "7/ 72".(36/126)
إنَّ البلادَ كثيرةٌ أنهارُها ... وسَحَابُها فكثيرة الأنواءِ
أرضٌ بأرضٍ والّذي خَلَق الوَرَى ... قد قسّم الأرزاق في الأحياء
له:
يا ناظري ناظري دَنِفٌ على السَّهَر ... ويا فؤادي فؤادي منك في ضَرَرِ
ويا حياتي حياتي غير طيبةٍ ... وهل تطيب بفقْد السَّمع والبَصَرِ
ويا سُروري سروري قد ذهبْتَ بِهِ ... وإنْ تَبَقّى قليلٌ فهو في الأثَرِ
والعينُ بعدَكِ يا عيني مَدَامِعُها ... تَسْقي مَغَانيكَ ما يغني عن الْمَطَرِ
وله:
مَن لصبٍ نازح الدّارِ ... نَهْبَ أشواقٍ وأفكارِ
مُسْتَهام القلبِ محترقٍ ... بهوَى أذْكَى من النّارِ
فَنَيْتُ بالبُعْد أرْمُقُهُ ... فهو يبكي بالدّمِ الجاري
فإلى من أشتكي زَمَنًا ... عالّني في حكمه الجاري
صرتُ أرضى بعد رؤيتكم ... بخيالٍ أو بأخبارِ
131- إبراهيم بن الحسن بن محمد بن الحسين1.
الشّريف، أبو إسحاق الحُسَينيّ، الكليميّ، النّقيب بالدّيار المصرّية.
روى لنا عن: عبد العزيز بن الضّرّاب، وأبي إسحاق الحبال، وعبيد الله ابن أبي مطر الإسكندراني.
قاله السلفي.
وقال: تُوُفّي في جُمادى الآخرة وله خمسٌ وسبعون سنة.
132- أُمَيَّة بن عبد العزيز بن أبي الصَّلْت.
قال السِّلَفيّ: تُوُفّي في أول سنة تسعٍ وعشرين.
وقد تقدَّم في سنة ثمانٍ.
__________
1 المقفي الكبير "1/ 138".(36/127)
"حرف الحاء":
133- الحسن بن الحافظ لدين الله عبد المجيد بن محمد بن المستنصر العُبَيْديّ1. المصريّ.
استوزره أبوه وجعله وليّ عهده في سنة ستٍ وعشرين، فظلم وعَسَف وسفك الدّماء، وقتل أعوان أبي عليّ الوزير الّذي قبله، حتّى قيل: إنّه قتل في ليلةٍ أربعين أميرًا، فخافه أبوه، وجهّز لحربه جماعةً، فحاربهم، واختلطت الأمور، ثمّ دسَّ أبوه من سقاه السُّمّ، فهلك في هذه السّنة. ولكنّه كان يميل إلى أهل السُّنَّة.
134- الحسن بن المبارك بن أحمد الأنْماطيّ.
أخو الحافظ عبد الوهّاب.
حدَّث عن: أبي نصر الزَّيْنبيّ.
تُوُفّي في جُمَادى الأولى.
"حرف الطاء":
135- طُغْرل بن محمد بن ملكشاه السَّلْجُوقيّ2.
أحد الملوك السّلْجوقيَّة.
تُوُفّي بهَمَذَان في أول السّنة.
وهو أخو السّلطان محمود والسّلطان مسعود.
"حرف الميم":
136- مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الملك3.
الفقيه أبو القاسم الصَّدَفيّ الإشبيليّ.
روى عَنْ: أَبِي عبد الله محمد بْن فرج، وأبي علي الغساني.
__________
1 الكامل في التاريخ "11/ 22-24"، العبر "4/ 78"، الوفيات بالوفيات "12/ 94".
2 المنتظم "10/ 453"، الكامل في التاريخ "11/ 19"، العبر "4/ 75".
3 الصلة لابن بشكوال "2/ 580".(36/128)
وكان فقيهًا حافظًا للمسائل، مُفْتيًا معظمًا ببلده.
تُوُفّي في أوائل سنة 29.
137- محمد بن أبي الخِيار1.
العلّامة أبو عبد الله العَبْدَريّ، القُرطُبيّ، صاحب التّصانيف.
روى عن: أَصْبَغ بْن مُحَمَّد، وأبي عَبْد اللَّه بْن حمدين.
وتفقه بهما، وبالشّهيد أبي عبد الله بن الحاجّ.
ذكره ابن الأبّار، وقال: كان من أهل الحِفْظ والاستبحار في عِلم الرأي. دَرّس ونوظر عليه.
وله ثُنَائيَّة على "المدوّنة"، وردّ على أبي عبد الله بن الفخار.
وصنَّف كتاب "السّجاج"، وكتاب "أدب النّكاح".
ورأسَ قبل موته في النَّظر، فترك التّقليد، وأخذ بالحديث، وبه تفقّه: أبو الوليد بن خير، وأبو خالد بن رفاعة.
قال أبو القاسم بن الشّهيد بن الحاجّ: قرأت عليه "المدوَّنة" تفقُّهًا وَعَرْضًا.
تُوُفّي إلى رحمة الله في عاشر ربيع الأوّل.
138- محمد بن عليّ بن محمد العربيّ2.
أبو سعيد السِّمَنَانيّ.
سمع: أبا القاسم القُشَيْريّ، وكان من مُرِيديه.
حدَّث وأملى، وروى عنه جماعة.
ذكره ابن السّمعانيّ فقال: أحد المشهورين بالفضل والعلم والزُّهْد، وكان مُتَحَلِّيًا بالأخلاق الزّكيَّة. رأيت النّاس مُجْمعين على الثّناء عليه.
وتُوُفّي قبل دخولي سِمَنَان قبل سنة ثلاثين بسنة أو سنتين رحمه الله.
139- المفضّل بْن عبد الله بْن أَبِي الرجاء محمد بْن عَلي بْن أحمد بْن جَعْفَر. أَبُو المعالي، التّميميّ، المعدّل.
__________
1 تكملة الصلة لابن الأبار "163"، الوافي بالوفيات "3/ 51"، معجم المؤلفين "9/ 293".
2 التحبير "2/ 193"، الأنساب "8/ 425".(36/129)
أصبهاني جليل.
روى عن: أبي مسلم بن مَهربزد صاحب ابن المقري.
روى عنه: أبو موسى الحافظ، وَقَالَ: سَأَلْتُهُ عن مولده فَقَالَ: سنة أربعٍ وخمسين.
وتُوُفّي في رجب.
140- منصور بن محمد بن عليّ.
أبو المظفَّر الطّالقانيّ، نزيل مَرْو. قدِمَها وتفقّه على الإمام أبي المظفّر السّمعانيّ.
قال أبو سعد السّمعانيّ: كان منبسطًا في شبيبته، دخّالًا في الأمور، ثمّ حسُنت طريقته، وترك ما لَا يعنيه، واشتغل بالعبادة، وأقبل على المطالعة. حجّ وحدَّث ببغداد. وكان لَيِّنًا فصيحًا.
سمع: جدّي، والفضل بن أحمد بن مَتُوَيْه الصُّوفيّ، وإسماعيل بن الحسين العلويّ.
وكتبتُ عنه. وسمع منه: أبو القاسم بن عساكر ببغداد.
توفي في رمضان بنواحي أبي ورد.
وفيات سنة ثلاثين وخمسمائة:
"حرف الألف":
141- أحمد بن الحسن بن هبة الله1.
أبو الفضل ابن العالمة، عُرف بالإسكاف.
شيخ، صالح، مقرئ، إمام، فقيه، مجوّد، قَنوع، خيّر، حَسَن التّلاوة، محدِّث.
سمع الكثير من: أبي الحسين بن النَّقُّور، وأبي محمد الصَّرِيفينيّ.
وحدث؛ وتوفي في شوال.
__________
1 المنتظم "10/ 62"، معرفة القراء الكبار "1/ 478، 479".(36/130)
وقد قرأ بالروايات على: أبي الوفاء بن القوّاس؛ وتلقَّن على الزّاهد أبي منصور الخيّاط.
روى عنه: ابن الجوزيّ، وغيره.
وكان مولده في رمضان سنة تسعٍ وخمسين.
ومن شيوخه في القراءات، عبد السيد بن عتاب.
أقرأ بالروايات مدَّة.
142- أحمد بن عليّ بن محمد بن موسى المقرئ.
أبو بكر الأصبهانيّ، الأديب، المؤدب.
روى عن: أبي الطّيّب بن شمة.
روى عنه: أبو موسى المَدِينيّ، وقال: كان والدي وأخي في مكتبه، وتُوُفّي في سادس شوّال.
وقال السّمعانيّ في مُعْجَمه الملقّب "بالتّحبير": يُعرف بالزَّين العَلَم.
ومن مسموعاته: فضل رمضان لسَلَمَة بن شبيب، سمعه من أحمد بن الفضل الباطِرْقانيّ، عن محمد بن أحمد بن الحسين، عن الفضل بن الخصيب، عنه، وكتاب "الحجَّة في القراءات الثمان" تأليف أبي الفضل الخزاعي، رواه عن الباطِرْقانيّ عنه.
143- أحمد بن أبي الفضل محمد بن عبد العزيز بن عبد الواحد.
أبو الرَّجاء القارئ.
روى عنه: أبو موسى المَدِينيّ، وقال: لم أرَ مثله في طريقته من الطِّراز الأوّل.
روى عن: أبي الحسين ابن المهتديّ بالله.
144- إبراهيم بن الفضل1.
أبو نصر الأصبهاني البئار المفيد.
__________
1 الأنساب "2/ 27"، سير أعلام النبلاء "19/ 629، 631"، الوافي بالوفيات "6/ 90"، لسان الميزان "1/ 89".(36/131)
قال ابن السّمعانيّ: رحل، وسمع، ونَسَخ، وجمع، وما أظنّ أنّ أحدًا بعد محمد بن طاهر المقدسيّ رحل وطوّف مثلَهَ، وجمع كجمْعه، إلّا أنّ الإدبار لحِقَه في آخر الأمر، وكان يقف في أسواق أصبهان، ويروي من حفظه بالسَّنَد.
وسمعت أنّه يضع في الحال.
سمع: أبا الحسين بن النَّقُّور، وعبد الرحمن بن مَنْدَهْ، وأخاه أبا عَمْرو عبد الوهّاب بن مَنْدَهْ، والفضل بن عبد الله بن المحبّ، وأبا عَمْرو المَحْمِيّ، وأبا إسماعيل الأنصاريّ شيخ الإسلام، وخلْقًا من معاصريهم.
قال لي إسماعيل بن الفضل الحافظ: أشكر الله لئن ما لحقت إبراهيم البارّ، وأساء الثّناء عليه.
تُوُفّي البئّار سنة ثلاثين.
روى عنه جزءًا من حديثه: يحيى الثّقفيّ، وداود بْن سُلَيْمَان بْن أَحْمَد بْن نظام المُلْك، وأبو طاهر السِّلَفيّ وقال: كان يسمّي بدَعْلَج، له معرفة، وسمعنا بقراءته كثيرًا، وغيره أرضى منه.
وقال مَعْمَرُ بن الفاخر: رأيت إبراهيم البئار واقفًا في السّوق، وقد روى أحاديث مُنْكَرَة بأسانيد صحاح، فكنت أتأملُه تأمُّلًا مُفْرِطًا، ظنًّا منّي أنّه الشّيطان على صورته.
قال: وتُوُفّي في شوال.
قلت: كان أبوه يحفر الآبار.
قال ابن طاهر المقدسيّ: حدَّثته عن مشايخ مكّيُين ومصريّين، فبعد أيامٍ بلغني أنّه حدَّث عنهم، فبلغت القصْد إلى شيخ البلد، أبي إسماعيل الأنصاريّ، فسأله عن لُقِيّ هؤلاء بحضرتي، فقال: سمعت مع هذا.
فقلت: ما رأيته قَطّ إلّا هنا.
قال الشَيخ: حججت؟ قال: نعم.
قال: فما علامات عَرَفات؟ قال: دخلناها باللّيل.
قال: يجوز، فما علامة مِنى؟ قال: كنّا بها بالليل.(36/132)
قال: ثلاثة أيّام وثلاث ليالٍ لم يُصبح لكم الصُّبح؟ لَا بارك الله فيك.
وأمر بإخراجه من البلد، وقال: هذا دجّال.
ثمّ انكشف أمره بعد هذا حتّى صار آيةً في الكذِب.
"حرف الحاء":
145- الحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن جعفر1.
أبو عبد الله النَّهْرُبِينيّ المقرئ الفقيه.
سمع: ابن طلْحة النّعَاليّ، ويحيى بن أحمد السَّبْتيّ.
قال ابن عساكر: ذكر لي إنّه سَمِعَ من: أَبِي الحسين بْن النَّقُّور، وسكن دمشق بالمدرسة الأمينية. كتبت عنه، وكان خيرًا، ثقة، يؤم بالناس في مسجد سوق الغزل المعلَّق، ويُقرئ القرآن.
تُوُفّي بقرية الحُدَيْثة عند أخيه أحمد الفلّاح بالغُوطة.
146- الحسين بن عبد الرّزّاق.
أبو عليّ الأبْهَريّ الفقيه، المعروف بالقاضي الرحبة، قاضي هَمَذَان كان صدوقًا، محمودًا في عمله، داهيةً، بعيد النَّظَر والغَوْر.
سمع: عليّ بن محمد بن محمد الخطيب الأنباريّ، وجماعة ببغداد.
وكان مولده في سنة ستٍ وأربعين وأربعمائة.
وتُوُفّي فِي هَذِهِ السّنة، أو فِي الّتي بعدها.
"حرف الدال":
147- دُردانة بنت إسماعيل بن عبد الغافر بن محمد الفارسيّ2.
أَمَةُ الغافر النَّيْسابوريّ. والدة أبي حفص عمر بن أحمد الصفار.
__________
1 مختصر تاريخ دمشق لابن منظور "7/ 167، 168"، تهذيب تاريخ دمشق "4/ 357، 358".
2 المنتخب من السياق "221".(36/133)
سمعت من: جدّها أبي القاسم القُشَيْريّ، ويعقوب بن أحمد الصَّيْرفي، وأبي حامد الأزهريّ.
وعنها: الحافظ ابن عساكر، والسّمعانيّ.
ماتت في صفَر عن أربعٍ وثمانين سنة.
"حرف الشين":
148- شهفيروز بن سعد بن عبد السّيد1.
أبو الهيجا، البغداديّ، الشّاعر.
رقيق النَّظْم، لطيف الطَّبْع. أنشأ مقامات.
وقد سمع من: أبي جعفر ابن المسلمة.
وعنه: ابن ناصر، ويحيى بن بوش، وجماعة.
وكتب عنه: أبو عليّ البَرَدَانيّ، وسمّاه أحمد.
مات في ربيع الأوّل عن سنٍّ عالية.
"حرف العين":
149- عبد الواحد بن الفضل بن محمد بن علي2.
أبو بكر ابن القُدْوة أبي عليّ الفَارْمَذِيّ الطّابرائيّ.
كان جليل القدر، حَسَن الأخلاق، مُكرِمًا للغرباء.
سافر وصحِب المشايخ. وكان بقيَّة أولاد الشَيخ.
سمع ببغداد من أبي القَاسِم بْن بيان، وابن نبهان.
وكان قد سمع بمرْو من: أَبِي الخير مُحَمَّد بْن أَبِي عِمران؛ وبنَيْسابور من: أبي بكر بن خلف الشيرازي.
__________
1 معجم الأدباء "4/ 262"، الوافي بالوفيات "1/ 386"، عيون التواريخ "12/ 323".
2 الأنساب "9/ 219، 220".(36/134)
قال ابن السّمعانيّ: كتبت عنه بطُوس.
تُوُفّي فِي صَفَر.
150- عليّ بْن أَحْمَد بْن الحسن1.
الموحّد أبو الحسن بن البقسلام الوكيل. مِن أعيان البغداديّين ومتميّزيهم. وله معروف كثير.
وُلِد سنة ثلاثٍ وأربعين وأربعمائة.
وسمع: أبا يَعْلَى بن الفرّاء، وهناد بن إبراهيم النسفي، وأبا جعفر ابن المسلمة، وأبا الحسين ابن المهتدي بالله، وابن المأمون، والصَّرِيفينيّ، وأبا عليّ محمد بن وشاح، وخلْقًا كثيرًا.
روى عنه: أبو المعمر الأنصاري، وأبو القاسم بن عساكر، وأبو الفَرَج بن الجوزيّ، وعبد الله بن صافي الخازنيّ.
وسئل ابن عساكر عن عليّ الموحّد فأثنى عليه ووثّقه.
وقال أبو بكر بن كامل: وإنما قيل البقسلام، لأنّ جدّه أو أباه مضى إلى قرية سلام، وكانت كثيرة البَقّ، فكان يقول طول اللّيل: بقّ سلام، فلزِمه ذلك لَقَبًا.
وقال ابن ناصر: كان أبو الحسن في خدمة الدّولة، وكان يظلم جماعة من أهل السّواد.
وكان في أيّام الفتنة ولم يكن من أهل السُّنَّة، ولا العارفين بالحديث، فلا يُحْتَجّ بروايته.
وتُوُفّي في رمضان.
151- عليّ بن الخَضِر2.
أبو محمد البغداديّ الفَرَضيّ.
قرأ الفرائض على أبي حكيم الخَبْريّ، وأبي الفضل الهَمَذَانيّ.
وسمع: أبا الحسين بن النقور، وابن البسري.
__________
1 المنتظم "10/ 62، 63".
2 المنتظم "10/ 63".(36/135)
وكان قيِّمًا بعلم الفرائض.
تُوُفّي في ثالث ربيع الأوّل.
152- عليّ بن عبد القاهر بن خضر.
أبو محمد بن آسة الفَرَضيّ تلميذ الخَبْريّ.
سمع: عبد الرحمن بن المأمون، وأبا جعفر ابن المسلمة.
وعنه: هبة الله بن الحَسَن السَّبْط.
وكان شيخًا صالحًا.
عاش 85 سنة. مات في ربيع الأوّل سنة 530.
153- عمر بن عبد الرحيم1.
أبو بكر الشّاشيّ، المَرْوَزِيّ الصُّوفيّ، نزيل رباط الشَيخ يعقوب.
ذكره ابن السّمعانيّ فقال: شيخ مُسِنّ، حَسَن السّيرة، كثير الصّلاة والعبادة.
صحِب المشايخ.
رأيته.
وسمع من: جدّي أبي المظفَّر، وأبي القاسم إسماعيل الزّاهديّ، وهبة الله الشّيرازيّ الحافظ. كتبتُ عنه، وتُوُفّي بمرْو في سنة ثلاثين.
154- عيسى بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الله بْن عيسى بن مؤمْل الزُّهْريّ2. الشّنْتَرينيّ.
سمع من: أبي الوليد الباجيّ، والدّلائيّ، وأبي شاكر وابن الفلّاس، وأبي الحَجَاج الأعلم.
ذكره ابن بَشْكُوال فقال: رحل إلى المشرق وأخذ عن: كريمة المَرْوَزِيَّة، وأبي مَعْشَر الطَّبَريّ، وأبي إسحاق الحبّال وذكر عنه أنّه كان إذا قرئ عليه حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يبكي بكاء كثيرًا، يعني الحبّال؛ ولقي جماعة غير هؤلاء.
أخذ الناس عنه، وسكن العدوة.
__________
1 التحبير "2/ 518، 519".
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 440، 441".(36/136)
وتوفي نحو الثلاثين وخمسمائة.
كتبه لي القاضي عِياض بخطّه، وذكر أنّه أخذه عنه.
"حرف الفاء":
155- الفضل بن أبي الحَسَن بن أبي القاسم بن أبي عليّ بن أبي زيد. الميمونيّ الآمليّ، أبو زيد، التّاجر.
كان محسنًا لأهل العلم، حريصًا على الطَّلَب. حصّل الأصول، وأنفق المال في جَمْعها، وحجّ تسعًا وعشرين حَجَّة. وورد بغداد غير مرَّة، ومات بطريق الحجّ بحلولا.
سمع: أبا المحاسن الرّويانيّ بآمل، وأبا منصور الكُرَاعيّ بمرْو، وأبا علي الحداد بأصبهان، وأبا سعد الطُّيُوريّ ببغداد.
وحدَّث.
قال ابن السّمعانيّ: أجاز لي، وحدّثني عنه: عليّ بن محمد بن جعفر الفاروثيّ وقال: تُوُفّي في شوّال.
"حرف الميم":
156- مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بن سَعْدُويْه1.
أبو سهل الأصبهانيّ المزكّي.
حدَّث ببغداد، وأصبهان "بمُسْنَد الرُّويانيّ" عن أبي الفضل عبد الرحمن بن أحمد الرّازيّ.
روى عنه: أبو القاسم بن عساكر، والمبارك بن عليّ الطّبّاخ، والمؤيد ابن الأخوة، وَيَحْيَى بن بَوْش، وَعَبْد الخالق بن الصَّابُونيّ، وإبراهيم وعبد الله ابنا محمد بن أحمد بن حمديّه.
__________
1 المنتظم "10/ 63"، التحبير "2/ 55، 56"، سير أعلام النبلاء "10/ 47"، غاية النهاية "2/ 45، 46".(36/137)
ومن شيوخه: إبراهيم بن منصور سِبط بحرُوَيْه، والحافظ محمد بن الفضل الحلاويّ، وآخرون.
وُلِد سنة ست وأربعين وأربعمائة، وتُوُفّي في ذي القعدة.
157- مُحَمَّدُ بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن حبيب1.
أبو بكر العامريّ الصُّوفيّ الواعظ، ويُعرف بابن الخبّاز.
وُلِد سنة تسعٍ وستين وأربعمائة، أظنّ ببغداد.
وسمع: رزق الله التّميميّ، وطرادًا الزَّيْنَبيّ، وابن البَطِر، وابن طلحة النّعاليّ.
ورحل وسمع من: عبد الغفّار بن شيرُوَيْه، وعليّ بن أبي صادق؛ وبنَيْسابور، وبلْخ، وهَراة.
روى عنه: أبو الفَرَج بن الجوزيّ كتاب "الشّهاب". وكانت له معرفة بالحديث والفقه، وكان يعظ ويتكلّم على طريقة التّصوّف والمعرفة من غير تكلف الوعاظ.
وكم من يومٍ المِنْبر وفي يده مِرْوَحة، وليس عنده من يقرأ، كما يفعل الوعّاظ.
قرأت عليه كثيرًا من الحديث والتّفسير، وكان نعْم المؤدِّب يأمُر بالإخلاص وحُسْن القصْد، وبنى رباطًا بقراح ظَفَر واجتمع فيه جماعة من المتزهّدين فلمّا احتضر قال له أصحابه: أوصنا.
قال: أوصيكم بتقوى الله ومراقبته في الخلْوة، واحذروا مصرعي هذا، فقد عشت إحدى وستين سنة، وما كأني رأيت الدّنيا.
ثمّ قال لبعض أصحابه: أنظر هل ترى جبيني يعرق؟ فقال: نعم.
قال: الحمد لله هذه، علامة المؤمن.
ثمّ بسط يده وقال:
ها قد بسط يدي إليك فَرُدَّها ... بالفضل لَا بشماتة الأعداء
تُوُفّي في نصف رمضان، ودُفن برباطه رحمه الله.
والبيت من شِعْر أبي نصر القُشَيْريّ.
__________
1 المنتظم "10/ 64، 65"، الكامل في التاريخ "11/ 46".(36/138)
158- مُحَمَّد بْن عليّ بْن أَبِي ذَرّ محمد بن إبراهيم1.
أبو بكر الصّالحانيّ الأصبهانيّ.
والصّالحان محلَّة.
سمع: أبا طاهر بن عبد الرحيم. وهو آخر من حدَّث عنه.
ومولده في سنة ثمانٍ وثلاثين وأربعمائة.
روى عنه خلْق كثير منهم: أبو موسى المَدِينيّ، وتميم بن أبي الفُتُوح المقرئ، وخَلَف بن أحمد بن حميد، وسعد بن رَوْح الصّالحانيّ، وعُبَيْد الله بن أبي نصر اللُّفْتُوانيّ، ومحمد بن أبي عاصم بن زينة، ومحمد بن أبي نصر الحدّاد الضّرير، وزاهر بن أحمد الثقفي، وأبو مسلم ابن الأخوة، وإدريس بن محمد العّطار، ومحمود بن أحمد المصّريّ، والمخلّص محمد بن مَعمَر بن الفاخر، وعين الشمس بنت أحمد الثقفية.
ووصفه أبو موسى المَدِينيّ بالصّلاح، وقال: تُوُفّي في ثاني جمادى الآخرة. وهو آخر من روى حديث أبي الشَيخ بعُلُوّ.
قلت: وآخر أصحابه عين الشّمس، وسماعها منه حضورًا.
159- محمد بن عبد الله بن أبي الحسن2.
قاضي مَرْو أبو جعفر الصّايغيّ المَرْوَزِيّ.
إمام ورعٌ، كبير القدّر، سديد الأحكام. كان خطيب مَرْو.
تفقّه على القاضي أبي بكر محمد بن الحسين الأرسابَنْديّ.
وحدَّث عنه.
عاش سبعين سنة.
160- مُحَمَّد بْن عليّ بْن عبد الله3.
أبو الفتح المضري الهروي.
__________
1 التحبير "2/ 186"، الأنساب "8/ 13"، سير أعلام النبلاء "19/ 585"، شذرات الذهب "4/ 96".
2 الأنساب "8/ 27، 28".
3 التحبير "2/ 183، 184"، التقييد "94"، المشتبه في الرجال "2/ 594".(36/139)
سمع: أبا عبد الله الفارسيّ، ويَعْلَى بن هبه الله الفُضَيْليّ، وأبا عاصم الفضل، وبيبي الهرثمية.
وببلخ: أبا حامد أحمد بن محمد.
وبنَيْسابور: فاطمة بنت الدّقّاق، وجماعة.
قدِم بغداد، وحدَّث "بجامع التِّرْمِذيّ". وكان صدوقًا مكثِرًا.
روى عنه: هبة الله بن المُكْرَم الصُّوفيّ، وعليّ بن أبي سعيد الخبّاز، ويحيى بن بوش، وجماعة.
تُوُفّي في ذي القعدة بخُرَاسان.
161- محمد بن القاسم بن محمد1.
أبو العز البغداديّ، المقرئ، المعروف بابن الزُّبَيْديَّة.
قرأ القراءات وجوَّدَها، وقال الشَّعر الرّائق، وتفقّه.
وسمع الكثير، ومدح المسترشد بالله.
ومات شابا.
162- محمد بن موهوب2.
أبو نصر البغدادي الفرضي الضرير.
له مصنفات في الفرائض.
مؤرخ في "المنتظم".
163- محمد بن هشام بن أحمد بن وليد بن أبي حمزة3.
أبو القاسم الأموي المرسي.
أخذ عن: أبي عليّ بْن سُكَّرة؛ وصحِبَ أبا محمد عبد الله بن أبي جعفر، وتفقه عنده.
__________
1 عيون التواريخ "12/ 311، 312".
2 المنتظم "10/ 64".
3 الصلة لابن بشكوال "2/ 581".(36/140)
وناظر عند الفقيه هشام بن أحمد، وغيره.
وكان من أهل الحفظ، والفهم، والذكاء. استقضي بغرناطة فنفع الله بها أهلها لصرامته، ونفوذ أحكامه، وقويم طريقته.
تُوُفّي بمُرْسِية في صدر رمضان.
164- مظفَّر بن الحسين بن عليّ بن أبي نزار1.
أبو الفتح المردوستيّ. أحد الحُجاب. ثمّ ترك الحجابة وتصوّف وتزهّد. سَمِعَ: أبا القاسم بْن البُسْريّ، وأبا منصور العُكْبَرِيّ.
روى عنه: أبو المُعَمَّر، وأبو القاسم الحافظ.
ووُلِد في سنة ستٍّ وخمسين وأربعمائة.
وتُوُفّي سنة ثلاثين، أو قبلها بأشهر.
165- مفرِّج بن الحَسَن2.
أبو الذّوّاد الكِلابيّ، رئيس دمشق، وابن رئيسها، ويُعْرف بابن الصُّوفيّ محيي الدّين.
روى عن: الفقيه نصر المقدسيّ، وأبي الفضل بن الفرات.
قرأ عليه أبو البركات بن عُبَيْد "صحيح البخاريّ".
وكان ذا بِرّ ومعروف وحشمة.
ولي الوزارة، بعد قتل أبي علي المزدقاني، لتاج الملوك بوري، ثم صادره وآذاه، ثم أعاده إلى المنصب، إلى أن مات بوريّ، فوَزَرَ بعده لابنه شمس الملوك إسماعيل. ثمّ قُتِلَ ظُلْمًا في رمضان. أغلظ للأمراء فقتلوه.
"حرف الهاء":
166- هشام بن أحمد بن هشام3.
__________
1 المنتظم "10/ 66".
2 الكامل في التاريخ "10/ 666".
3 الصلة لابن بشكوال "2/ 655، 656".(36/141)
أبو الوليد الهلاليّ، الغَرْناطيّ، نزيل المَرِيَّة. ويُعرف بابن بقري.
سمع عامَّة شيوخ المَرِيَّة: طاهر بن هشام، وصَحّاج بن قاسم، وخَلَف بن أحمد الجراديّ.
ومن الطّارئين عليها: القاضي أبي الوليد الباجيّ، ومن أبي العّباس أحمد بن عمر العُذْريّ.
ثمّ خرج سنة ثمانين وأربعمائة إلى غَرْنَاطة بلده، وولي الأحكام بها مُدَّة وبغيرها.
قال ابن بَشْكُوال: كان من حُفاظ الحديث المعتنين بالسبر عن معانيه، واستخراج الفقه منه، مع التَّقدُّم في حفْظ الفقه، والبَصَر بعقْد الوثائق، والتّقدُّم في معرفة أصول الدّين.
روى عنه جماعة من أصحابنا. ووُلِد في صَفَر سنة أربعٍ وأربعين.
وتُوُفّي بغَرْناطة في ربيع الأوّل.
"حرف الياء":
167- يعيش بن مفرّج اللَّخْميّ البابريّ.
أبو البقاء، نزيل إشبيلية.
سمع سنة خمسٍ وتسعين وأربعمائة "جامع التِّرْمِذيّ" ببابرة من أبي القاسم الهَوْزَنيّ، وحجّ، فسمع من: أبي عبد الله الرّازيّ، وأبي طاهر السِّلَفيّ.
وروى عنه: أبو بكر بن طبر.
وسمع منه في هذه السنة أبو القاسم بن بَشْكُوال كتاب "المحدِّث الفاصل"، بسماعه من السِّلَفيّ، فابن بَشْكُوال في هذا الكتاب في طبقة شيخنا أبي الفتح القرشي.(36/142)
المتوفون ما بين العشرين والثلاثين وخمسمائة:
"حرف الألف":
168- أحمد بن إسماعيل بن عيسى1.
أبو بكر الغَزْنَويّ، الجوهريّ، المفسّر، أحد أئمة غَزْنَة وفُضَلائهم.
سافر إلى خُراسان، والحجاز، والعراق، ولقي أبا القاسم القشيري، وسمع منه، ومن: الحاكم أحمد بن عبد الرّحيم السّراج، وجماعة.
وخرّج لنفسه أربعين حديثًا، وعاش إلى بعد العشرين.
وله شُهرة بغَزْنَة.
169- أحمد بن الفضل بن محمود.
الصاحب أبو نصر، سيّد الوزراء، مختصّ الملوك والسّلاطين، أحد الأعيان المشهورين.
ذكره عبد الغافر فقال: أحد أكابر العراق، وخراسان، المجمع على علوم قدْره كلُّ إنسان، ارتضع ثدْي الدّولة في النَّوْبة الملِكْشَهائيَّة ولقي أكابر المتصرفين، وتَلْمَذ للأستاذِين، ومارس الأمور العظام، وصحب الملوك، ومَهَر في أنواع التّصرّف ورسوم الدّولة. وزاد على ما عهد من سنيّ المراتب، وعَليّ المناصب، حتّى اشتهر أنه بذل بعد الإعراض عن ملابسة الأشغال ومُداخلة الأعمال في إرضاء الخصوم، وتدارك ما سلف له من المظالم، يتقرر من المظلوم آلافًا مؤلفة، وصارت أوقاته عن أوضار الأوزار منطقة. وبقي مدة عن طلب الولاية خاليًا، وبرتبة الفقاعة خاليًا، إلى أن ضرب الدّهرُ ضرباته، ودار تبدُّل الأمور والأحوال دَوَرانه، واستوفى أكثر الكُفَاة في الدّولة أعمارهم، وانقرض من الصُّدور بقايا آثارهم. واحتاجت المملكة إلى من يلمّ شَعْثَها، وينفي خَبَثَها، ويحلّ صدْر الوزارة مستحقّها، ويرجحن بالظّلم جانب النّصْفة وشتّها، فاقتضى الرأي المصيب الاستضاءة في المُلْك بنور رأيه، فصار الأمر عليه فَرْض عَيْن، ووقع الاختيار عليه من البَيْن. والتزم قصر اليد عن الرشا والتحف، وإحياء رسوم العدل والإنصاف.
__________
1 طبقات المفسرين "1/ 31"، للداوودي.(36/143)
وهو الآن على المسيرة الّتي التزمها يستفرغ في مناقبة أهل العلم أكثر أوقاته، صَرَف الله عنه بوائق الدّهر وآفاته. وذكر الكثير من هذا.
"حرف العين":
170- عبد الملك الطَّبَريّ.
الزّاهد، شيخ الحَرَم في زمانه.
ذكره ابن السّمعانيّ في "ذيله" فقال: كان أحد المشهورين بالزُّهْد والورع: أقام بمكَّة قريبًا من أربعين سنة على الجهد والاجتهاد في العبادة، والرّياضة، وقهْر النَّفْس. وكان ابتداء أمره أنه كان يتفقه في المدرسة، فلاح له شيءٌ فخرج على التّجريد إلى مكَّة، وأقام بها. وكان يلبس الخشِن، ويأكل الخشب، ويُزْجي وقتَه على ذلك صابرًا. سمعتُ أبا الأسعد هبة الرحمن القُشَيْريّ يقول: لمّا كنت بمكَّة أردتُ زيارته فأتيته فوجدته محمومًا مُنْطَرِحًا، فتكلَّف وجلس، وقال: أنا إذا حُمِمت أفرح بذلك، لأنّ النّفْس تشتغل بالحُمَّى، فلا تشغلني عمّا أنا فيه، وأخلُو بقلبي كما أريد.
وقال الحسين الزّغنْديّ: رأيت حوضًا يقال له: عنبر، والماء في أسفله، بحيث لَا تصل إليه اليد، فرأيت غير مرةٍ أنّ الشَيخ عبد الملك توضّأ منه، وارتفع الماء إلى أن وصل إليه، ثمّ غارَ الماء، ونزل بعد فراغه.
وكنت معه ليلةً في الحَرَم، وكانت ليلةً باردة، وكان ظهْرُه قد تشقّق من البَرد، وكان عريانًا، فنام على باب المسجد، ووضع يده اليمنى تحت خدّه اليمنى، واليد اليُسْرَى على رأسه، وكان يذكر الله. فقلت له: لو نمت في زاوية من زوايا المسجد كان يكُنُّك من البرد. فقال: نمت في بعض اللّيالي، فرأيت شخصين دخلا المسجد، وتقدَّما إليَّ، وقالا لي: لَا تَنَمْ في المسجد، فقلت لهما: من أنتما؟ فقالا: نحن مَلَكان.
فانتبهت، وما نمت بعد ذلك في المسجد.
وقلتُ له: أراك صَبُورًا على الجوع.
قال: آكل قليلًا من ورق الغضا فأشبع.
171- عليّ بن الحسين بن محمد بن مهديّ.
أبو الحَسَن المصريّ الصُّوفيّ، من مشايخ الصُّوفيَّة الكبار.(36/144)
تغرّب إلى الشّام، ومصر، والجزيرة، واستقر ببغداد.
وكان ذا عبادة، وطريقة جميلة.
حدَّث عن: أبي الحسن الخِلَعيّ. وعنه: جماعة.
تُوُفّي بعد سنة خمسٍ وعشرين.
172- عليّ بن عبد القاهر بن الخَضِر بن عليّ.
أبو محمد المراتبيّ الفَرَضيّ؛ المعروف بابن آسة، لأنّ جدّه وُلِد تحت آسةٍ، فسُميّ بها.
إمامٌ في الفرائض، صالح، خيّر، منقبض عن النّاس.
سَمِعَ: أبا جعفر ابن المسلمة، وعبد الصّمد بن المأمون وجماعة.
سمع منه: أبو القاسم بن عساكر.
وأجاز لابن السّمعانيّ. وتُوُفّي بعد ثلاثٍ وعشرين.
173- عليّ بن عليّ بن جعفر بن شيران1.
أبو القاسم الضّرير، الواسطيّ، المقرئ.
قرأ بالروايات على: أبي عليّ غلام الهرّاس.
وحدَّث عن: الحسن بن أحمد الغَنْدَجَانيّ.
وتصدر للإقراء مدَّة مع أبي الفَرّاء القلانِسيّ.
قرأ عليه: أبو بكر عبد الله بن منصور الباقِلانيّ، وأبو الفتح نصر الله بن الكيّال، وجماعة.
وكان قدم بغداد في سنة ثلاث وخمسمائة، وحدَّث بها.
روى عنه: عليّ بن أحمد اليزدي.
وقيل عنه: إنّه كان يميل إلى الاعتزال.
تُوُفّي في سنة نيفٍ وعشرين بواسط.
__________
1 معرفة القراء الكبار "1/ 475، 476"، الجواهر المضية "1/ 368"، غاية النهاية "1/ 557".(36/145)
"حرف الغين":
174- غالب بْن أَحْمَد بْن محمد بْن إبْرَاهِيم.
أبو نصر البغداديّ الأَدَميّ. القارئ بالألحان، المغنّي بالقضيب.
سمع: أبا جعفر ابن المسلمة.
روى عنه: أبو المُعَمَّر الأنصاريّ، وأبو القاسم بن عساكر.
وامتنع بعضهم من السّماع منه للغناءِ.
"حرف الميم":
175- مُحَمَّد بْن أحمد بْن الْحُسَيْن بن علي بن قريش.
أبو غالب البغداديّ، النَّصْريّ، الحنفيّ.
سمع: عبد الصمد بن المأمون، وأبا يَعْلَى بن الفرّاء، وجماعة.
روى عنه: مسعود بن غَيْث الدّقّاق، وعمر بن طَبَرْزَد.
وبقي إلى سنة 527.
"حرف الياء":
176- يوسف بن أحمد بن حسدائيّ بن يوسف.
الإسرائيليّ المسلم الأندلسيّ، أبو جعفر، الطبيب.
من أعيان الفُضَلاء في الطب، وله مصنَّفات.
قدِم ديار مصر، واتصل بالدولة، وكان خصّيصًا بالمأمون وزير الآمر بأحكام الله، وشرح له بعض كُتُب أبقراط.
وله كتاب "الإجمال" في المنطق.
وهو من بيت طبّ وفلسفة، وأجداده من فضلاء اليهود وأخيارهم، لعنهم الله.
آخر الطبقة الثالثة والخمسين من تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام للحافظ شمس الدين الذهبي غفر الله له وللمسلمين أجمعين.(36/146)
وفيات الطبقة الثالثة والخمسون
...(36/8)
بسم الله الرحمن الرحيم
الطبقة الرابعة والخمسون:
سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة:
القبض على أبي الفتوح بن طلحة وجباية الأموال:
وَرَد أبو البركات بن مَسْلَمَة وزير السّلطان مسعود، فقبض على أبي الفتوح بن طلحة، وقرَّر عليه بحمل مائة ألف دينار من ماله ومن دار الخلافة، فبعث إليه المقتفي يقول: ما رأينا أعجب من أمرك، أنت تعلم أنّ المسترشد سار إليك بأمواله، فجرى ما جرى. وأنّ المسترشد ولي ففعل ما فعل، ورحل وأخذ ما تبقى، ولم يبق إلّا الأثاث، فأخذته كلّه وتصرّفت في دار الضَّرب، وأخذت التَّرِكات والجوالي، فمن أيّ وجهٍ نقيم لك هذا المال؟ وما بقي إلّا نخرج من الدّار ونسلّمها، فإني عاهدت أنّ لَا آخذ من المسلمين حبَّةً ظُلْمًا.
قال: فأسقط ستّين ألفًا، وقام أبو الفتوح صاحب المخزن من ماله بعشرة آلاف دينار، وأمر السّلطان بجباية الأملاك، فلقي النّاس من ذلك شدَّة، فخرج رجل صالح يُقال له: ابن الكوّاز إلى السّلطان إلى الميدان، وقال: أنت المطالَب بما يجري على النّاس، فما يكون جوابك؟ فانظر بين يديك، ولا تكن ممن {إِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ} [البقرة: 206] ، فأسقَطَ ذلك1.
الوباء بهمذان وأصبهان:
وجاءت الأخبار بأنّ الوباء شديد بهَمَذَان وأصبهان.
ثمّ عادت الجباية من الأملاك، وصودر التُّجار، ولم يُتْرك إلّا العقار الخاصّ2.
بيعة سَنْجَر للمقتفي:
وجاءت مكاتبة سَنْجَر إلى ابن أخيه مسعود يأمره أنّ يدخل إلى المقتفي ويبايع عنه.
__________
1 المنتظم "10/ 66، 67"، تاريخ الخلفاء "437، 438".
2 المنتظم "10/ 67"، الكامل في التاريخ "11/ 54"، البداية والنهاية "12/ 211".(36/147)
بيعة زنكيّ صاحب الموصل:
ثمّ أخُذت البيعة من زنكيّ صاحب الموصل.
ودفع الرّاشد عن زنكيّ، فتوجّه نحو أَذَرْبَيْجان.
زواج المقتفي أخت السّلطان:
وتزوّج المقتفي بفاطمة أخت السّلطان مسعود.
استبانة ألْبقش على بغداد:
وتوجه مسعود إلى بلاد الجبل، واستناب على بغداد ألْبقش السّلاحيّ، فورد سلجوق شاه، أخو مسعود، إلى واسط، فطرده البقش، وكان مستضعفًا1.
وقعة الملك داود والسلطان:
واجتمع الملك داود وعساكر أَذَرْبَيْجان، فواقعوا السّلطان مسعودًا، وجَرَت وقعة هائلة، ثمّ قصد مسعود أَذَرْبَيْجان، وقصد داود هَمَذَان، ووصلها الرّاشد المخلوع يوم الوقعة، وتقرّرت القواعد أنّ الخليفة المقتفي يكتب لزنكيّ عشرة بلاد، ولا يُعين الرّاشد.
ونفذت إليه المحاضر الّتي أوجبت خلْع الرّاشد، وأُثبتت على قاضي الموصل، فخطب للمقتفي ومسعود. فلمّا سمع الراشد نفّذ يقول لزنكي: غدرت؟! قال: ما لي طاقة بمسعود.
ذهاب الراشد إلى مَراغة:
فمضي الرّاشد إلى داود في نفرٍ قليل، وتخلّف عنه وزيره ابن صَدَقَة، ولم يبق معه صاحب عمامة سوى أبي الفتوح الواعظ.
ونفّذ مسعود ألْفي فارس لتأخذه، ففاتهم ومضي إلى مَرَاغة، فدخل إلى قبر أبيه، وبكى وحثى التّراب على رأسه.
فوافقه أهل مُراغة، وحملوا إليه الأموال، وكان يومًا مشهودًا2.
__________
1 المنتظم "10/ 67"، الكامل في التاريخ "11/ 47".
2 دول الإسلام "2/ 53"، العبر "4/ 84"، عيون التواريخ "12/ 329".(36/148)
عودة الظلم إلى بغداد:
وقويَ داود، وضرب المُصَافّ مع مسعود، فَقُتِلَ من أصحاب مسعود خلْق، وعادت الجباية والظُّلْم ببغداد.
هرب وزير مصر الأرمنيّ:
وفيها هرب الّذي ولي الوزارة بالديار المصرية بعد الحسن ابن الحافظ العُبَيْديّ، وهو تاج الدّولة بهرام الأرمنيّ النَّصْرانيّ. وكان قد تمكّن من البلاد، واستعمل الأرمن، وأساء السّيرة في الرّعيَّة، فأنِف من ذلك رضوان بن الوبخشيّ، فجمع جيشًا وقصَد القاهرة، فهرب منه بهرام لعنه الله إلى الصّعيد، ومعه خلْق من الأرمن، فمنعه متولّي أسوان من دخولها، فقاتله، فقتل السّودان طائفة من الأرمن، فأرسل يطلب الأمان من الحافظ فأمنه، فعاد إلى القاهرة، فسُجن مدَّة، ثمّ ترهَّب وأُخرج من الحبْس1.
وزارة رضوان الأفضل بمصر:
وأما رضوان فَوَزَرَ للحافظ، ولُقِب بالملك الأفضل، وهو أوّل وزير بمصر لقّبوه بالملك. ثمّ فسَد ما بينه وبين الحافظ، فهرب في شوّال سنة ثلاثٍ وثلاثين، ونُهِبت أمواله وحواصله، فأتي الشّام، فنزل على أمين الدّولة كُمُشْتِكِين صاحب صرْخَد، فأكرمه وعظّمه.
وجَرَت له أمور ذكرنا بعضها سنة ثلاثٍ وأربعين.
جلوس ابن الخُجَنديّ بجامع الخليفة:
قال ابن الجوزيّ: ونوديَ في الأسواق لابن الخُجَنديّ الواعظ بالجلوس في جامع الخليفة، فجلس يوم الجمعة بعد الصّلاة، ومنع من كان يجلس.
ونوديَ له بالجلوس في النّظاميَّة، فاجتمع خلائق، وحضر الوزير والشَّحْنة والمستوفي. ونَظَر، وسديد الدّولة، وجماعة من القُضاة. وحضرتُ يومئذٍ، وكان لَا يُحسن يعِظ ولا يندار في ذلك2.
__________
1 الكامل في التاريخ "11/ 48، 49"، البداية والنهاية "12/ 212".
2 المنتظم "10/ 68".(36/149)
إعادة البلاد للخليفة:
وفى جُمَادَى الأولى أُعيدت بلاد الخليفة، ومعاملاته والتَّرِكات إليه، واستقرّ عن ذلك عشرة آلاف دينار.
وعادت ببغداد الجبايات مرَّة خامسة بعنف وعسف1.
إعادة الولاية لأبي الكرم:
وقبض الشِّحنة على أبي الكرم الوالي وقال: لِم تتصرَّف بلا أمري؟ فذهب أبو الكرم إلى رباط أبي النَّجيب، فتاب وحلق رأسه، ثمّ خُلِع عليه، وأُعيد إلى الولاية، وكان كافيًا فيها.
مهاجمة الأمير بُزْواش إفرنج طرابلس:
وفيها سار عسكر دمشق وعليهم الأمير بُزْواش، فحاربوا عسكر طرابُلُس فنُصِروا، وَقُتِلَ خلْق من الفرنج، ورجع المسلمون بالغنائم والسّبْي الكثير.
وقعة بعرين:
وفيها وقعة بَعْرين بقُرب حماة، التقى الأتابك زنكيّ والفرنج، فنُصِر عليهم أيضًا، وأخذ قلعة بَعْرِين. وكان ذلك أول وهنٍ أدخله الله على الفرنج2.
تسلُّم زنكي بعلبكّ:
وسار زنكي إلى بعلبك، فسلمها إلى كُمُشْتِكِين الخادم.
مهاجمة الروم بلادًا لابن لاون الأرمنيّ:
ولما أخذ زنكي قلعة بَعْرين ثارت الرّوم، وقدِمُوا في البحر من القُسطنطينية. وسبق الفُرسان إلى أنطاكّية، ثمّ وصلت مراكبهم، فنازلوا أَذَنَة والمصّيصة، وهما لابن لاون الأرمنيّ، فأخذها منه الرّوم،، ثمّ أخذوا عين زَربة عَنْوَةً، وتل حمدون؛ ثم
__________
1 المنتظم "10/ 68، 69".
2 الكامل في التاريخ "11/ 51، 53"، المختصر في أخبار البشر "3/ 12"، العبر "4/ 84".(36/150)
حاصروا أنطاكّية في آخر سنة إحدى وثلاثين، وضيقوا على أهلها وبها بيمند الفرنجي. ثمّ تصالح الأرمن والروم. ثمّ نازلوا حلب1.
حرب الموحّدين والملثّمين:
وفيها، وفي الّتي بعدها كان بين الموحّدين والملثّمين حروب عدَّة، ومنازلة طويلة ومضاربة. كان عبد المؤمن بالموحّدين في الجبل والشّعراء، وابن تاشفين قبالته في الوطاء. ثمّ جاءت أمطار عظيمة تلف فيها أصحاب ابن تاشفين، وهلكت خيلهم، وجاعوا.
احتجاب هلال رمضان:
وفي ليلة الثّلاثين من رمضان رُقِب الهلال، فلم يُرَ، فأصبح أهل بغداد صائمين أيّام العِدَّة. فلمّا أمسوا رقبوا الهلال، فما رأوه أيضًا، وكانت السّماء جليَّةً صاحية؛ ومثل هذا لم يُسمع بمثله في التّواريخ، وهو عجيب2.
__________
1 ذيل تاريخ دمشق "258"، الكامل في التاريخ "11/ 53"، البداية والنهاية "12/ 212".
2 المنتظم "10/ 69"، البداية والنهاية "12/ 211"، تاريخ الخلفاء "438".(36/151)
سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة:
صلْب العيّارين ببغداد:
فيها ظفروا بأحد عشر عيّارًا، فصُلِبوا في الأسواق ببغداد، وصُلِب صوفيّ من رباط البسْطَاميّ لَكَمَ صبيًّا فمات.
أخذ الروم بُزَاعَة:
وفيها أخذت الرّوم بُزَاعَة فاستباحوها، وجاء النّاس يستنفرون.
القبض على نائب بغداد:
وفيها قُبِض على ألْبقش نائب بغداد، وولي مكانه بهروز الخادم.
زواج السّلطان ببنت دُبَيْس:
وتزوج السّلطان بسفرى بنت دُبَيْس الأسَديّ. وسببه أنّ أولاد دُبَيْس أُقطِعت أماكنهم واحتاجوا، فجاءت بنت دُبَيْس وأمها بنت عميد الدّولة جَهِير، وكانت بديعة الحُسن، فدخلت على خاتون زوجة المستظهر لتشفع لها إلى السّلطان، ليُعيد عليها بعض ما أُخِذ منها، فوُصِفت له، فتزوجها، وأُغلقت بغداد سبعة أيام للفرح، وضُرِبت الطُّبول وشُرِبت الخمور ظاهرًا وكثر الفساد1.
صلْب أحد رجال الشحنة:
وفي جُمَادَى الآخرة قَتَل شِحنة بعض البلدان صبيًّا مستورًا من المختارة، فأمر السّلطان بصلب الشِّحنة فصُلِبَ، ورهطه العوامّ فقطّعوه.
زواج السلطان:
وفي رمضان وصف للسلطان مسعود امرأةٌ بالحُسْن، فخطبها وتزوجها، وأغلق البلد ثلاثة أيّام.
قتل الباطنيَّة الرّاشد:
وكان أمر الرّاشد بالله قد استفحل، واجتمعت عليه عساكر كثيرة، فدخل عليه الباطنيَّة -لعنهم الله- فقتلوه.
قتل ألْبقش:
وفيها أمر السّلطان بقتل ألْبقش الّذي كان نائب بغداد، فَقُتِلَ، وقيل: غرّق نفسه، فأخرجوه من الماء وقطّعوا رأسه.
تسلُّم الروم بُزَاعَة:
وفيها نازل ملك الروم -لعنهم الله- مدينة بزاعة، فتسلموها بالأمان في رجب، وكان عدَّة من خرج منها خمسة آلاف وثمانمائة نفْس، وتنصّر قاضيها وجماعة من أغنيائها نحو أربعمائة نفْس2.
منازلة الفرنج حلب:
ثمّ نازل حلب، فخرج إليه خلقٌ من أهلها، فقاتلوه، فَقُتِلَ خلْق من الروم، وَقُتِلَ بطريقٌ كبير، ثمّ ملكوا قلعة الأثارب.
منازلة الفرنج شَيزر:
ثمّ نازلوا شيْزَر وبها سلطان بن عليّ الكِنانيّ، فنصبوا عليها ثمانية عشر مَنْجَنِيقًا، وعاثوا في الشّام، وقتلوا ونهبوا، فضايقهم عماد الدين زنكيّ، ولم يقحم عليهم، ونفذ في الرُّسْليَّة كمال الدّين الشّهْرُزُوريّ القاضي إلى السّلطان مسعود يستنجد به، فما نفع، ولطف الله، ورحلت الملاعين الرّوم عن الشّام بتهويلٍ من زنكيّ بين الروم والأرمن3.
__________
1 المنتظم "10/ 72"، الكامل في التاريخ "11/ 65"، البداية والنهاية "12/ 213".
2 الكامل في التاريخ "11/ 56".
3 المنتظم "10/ 72"، الكامل في التاريخ "11/ 56-58"، البداية والنهاية "12/ 212".(36/152)
وفيات سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة:
الزلزلة بجنزة:
قال أبو الفَرَج بن الجوزيّ: كانت فيها زلزلة عظيمة بجنْزَة، أتت على مائتي ألف وثلاثين ألفًا، فأهلكهم الله، وكانت الزّلزلة عشرة فراسخ في مثلها، فسمعت شيخنا ابن ناصر يقول: جاء الخبر أنّه خُسِف بجنْزَة، وصار مكان البلد ماء أسود، وقدِم التّجّار من أهلها، فلزِموا المقابر يبكون على أهاليهم، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون1.
قلت: في "مرآة الزّمان" مائتي ألف وثلاثين ألفًا، أعني الّذين هلكوا في جَنْزَة بالزّلزلة.
وكذا قال "ابن الأثير" في "كاملة" ولكن ذكر ذلك سنة أربعٍ وثلاثين.
خطبة زوجة المستظهر لصاحب كرمان:
وفيها وصل رسول ابن قاروت صاحب كرْمان إلى السّلطان مسعود يخطب خاتون زوجة المستظهر بالله، ومعه التّقادُم والتُّحَف. فجاء وزير مسعود إلى الدار
__________
1 المنتظم "10/ 78"، الكامل في التاريخ "11/ 71"، النجوم الزاهرة "5/ 264"، شذرات الذهب "4/ 102".(36/153)
يستأذنها، ونثرت الدّنانير وقت العقْد، وبُعِثت إليه، فكانت وفاتها هناك1.
إزالة المواخير ببغداد:
وفي ربيع الأوّل أُزيلت المواخير والمُكُوس من بغداد، ونُقِشت الألواح بذلك.
قتل الوزير كمال الدين الرازيّ:
كان السّلطان قد استوزر محمد بن الحسن كمال الدّين الرازيّ الخازن، فأظهر العدل ورفع المكوس والضرائب، ثم دخل إليه ابن عمارة، وابن أبي قيراط، فدفعا في المُكُوس مائة ألف دينار، فرفع أمرهما إلى السّلطان، فشُهِّرا في البلد مسوَّدَيْن الوجوه، وحُبسا. فلم يتمكن مع الوزير أعداؤه ممّا يريدون، فأوحشوا بينه وبين قُراسُنْقُر صاحب أَذَرْبَيْجان، فأقبل قُراسُنْقُر في العساكر الكثيرة، وقال: إمّا يحمل رأسه إلي أو الحرب.
فخوفوا السّلطان مسعود من حادثة لَا تتلافى، ففسح لهم في قتله على كرهٍ شديد، فقتله تتر الحاجب، وحمل رأسه إلى قراسنقر2.
واستولى الأمراء على مُغَلّات البلاد؛ وعجز مسعود، ولم يبق له إلا مجرد الاسم.
خروج خوارزم شاه عن طاعة السلطان سنجر:
وفيها خرج خوارزم شاه عن طاعة السّلطان سَنْجَر، فسار سَنْجَر لحربه وقاتله، وقتل في الوقعة ولدٌ لخوارزم شاه، ودخل سَنْجَر خُوارَزْم، وأقطعها ابن أخيه سليمان بن محمد، ورتَّب له وزيرًا وأتابكًا، وردَّ إلى مرو؛ فجاء خوارزم شاه، وهرب منه سليمان، فاستولى على البلد3.
أخْذ الأتابك زنكيّ بعلبكّ:
وفيها قُتِلَ شهاب الدّين محمود، وأحضروا أخاه محمدًا من بَعْلَبَكّ، فتملّك دمشق.
فجاء زنكيّ الأتابك، فأخذ بَعْلَبَكّ بعد أنّ نصب عليها أربعة عشر منجنيقًا ترمي بالليل والنهار، فأشرف أهلها على الهلاك، وسلّموا البلد، وعصى بالقلعة جماعة من الأتراك، ونزلوا بالأمان، فغدر بهم وصلبهم، فمقته النّاس وأبغضوه، ونفر منه أهل دمشق وقالوا: لو ملك دمشق لفعل بنا مثل ما فعل بهؤلاءِ.
الزلازل بالشام والجزيرة:
وفي صفر كانت زلازل هائلة بالشّام والجزيرة، وخرب كثير من البلاد لا سيما حلب، فلما كثرا عليهم خرج اهلها إلى الصحراء.
قال ابن الأثير: عدّوا ليلة واحدة أنها جاءتهم ثمانين مرة، ولم تزل تتعاهدهم بالشّام من رابع صفر إلى تاسع عشرة4.
وكان معها صوت وهدة شديدة.
__________
1 المنتظم "10/ 78".
2 المنتظم "10/ 78، 79".
3 الكامل في التاريخ "11/ 67"، العبر "4/ 91"، البداية والنهاية "12/ 215".
4 الكامل في التاريخ "11/ 71"، ذيل تاريخ دمشق "268"، عيون التواريخ "12/ 334".(36/154)
سنة أربع وثلاثين وخمسمائة:
عقد السّلطان على بنت المقتفيّ:
في رجب عقد السّلطان مسعود على بنت المقتفيّ لأمر الله.
وقوع الوحشة بين الوزير والخليفة:
وتمكّن الوزير أبو القاسم بن طِراد من الدّولتين تمكُّنًا زائدًا، ثمّ وقعت وحشة بينه وبين الخليفة.
عودة الحياة إلى رجل بعد الصلاة عليه:
وتُوُفّي رجلٌ مبارَك من أهل باب الأزَج نودي عليه، واجتمع النّاس في مدرسة الشَيخ عبد القادر للصّلاة عليه، فلمّا أريد غسْله عطس وعاش.
تكاثر كبسات العيّارين ببغداد:
وفيها تكاثرت كبسات العيّارين ببغداد، وصاروا يأخذون جهارًا، وعمَّ الخطب.(36/155)
محاصرة زنكيّ دمشق:
وفيها حاصر زنكي دمشق، فذكر "ابن الأثير" أنّ زنكيّ ملك بَعْلَبَكّ، وسار فنزل داريّا، وراسل جمال الدّين محمد بن بوريّ يطلب منه دمشق، ويعوضه عنها أي بلدٍ يختار، فلم يجبه. فالتقي العسكران، فانهزم الدمشقيون، وقتل كثيرٌ منهم، ثم تقدم زنكي إلى المصلى، فالتقاه جمعٌ كبير من جُنْد دمشق وأحداثها ورجال الغُوطة، وقاتلوه، فانهزموا، وأخذهم السّيف، فقتل فيهم وأكثر الأسر، ومن سلم عاد جريحًا. وأشرف البلد على أنّ يؤخذ، لكن عاد زنكيّ فأمسك عدَّة أيامٍ عن القتال، وتابع الرّسُل إلى صاحب دمشق وبذل له بَعْلَبَكّ وحمص، فلم يجيبوه.
فعاود القتال والزَّحف متتابعًا، فلم يقدر على البلد.
وولي بعد موت محمد ابنه مُجير الدّين أبق، ودبّر دولته أُنُز، فلمّا ألحّ عليهم زنكيّ بالقتال راسل أُنُز الفرنج يستنجد بهم، وخوّفهم من زنكيّ إنْ تملّك دمشق.
فتجمعت الفرنج، وعلم زنكيّ، فسار إلى حَوْران لمُلْتقاهم فهابوه ولم يجيئوا، فعاد إلى حصار دمشق، ونزل بعَذرا، وأحرق قرى المَرْج وترحّل. فجاءت الفرنج واجتمعوا بأُنُز، فسار بعسكر دمشق إلى بانياس، وهي لزنكيّ، فأخذها وسلّمها إلى الفرنج. فغضب زنكيّ، وعاد إلى دمشق، فعاث بحوران وأفسد، وجاء إلى دمشق فخربوا واقتتلوا، وقتل جماعة. ثمّ رحل عنها ومع أصحابه شيء كثير من النَّهْب. وسار إلى الموصل، فملك شَهْرزُور وأعمالها1.
مقتل صاحب تِلِمْسان:
وفيها جهّز عبد المؤمن جيشًا من الموحّدين إلى تِلِمْسان فخرج صاحبها محمد بن يحيى بن فانوا اللّمْتُونيّ، فالتقاهم، فَقُتِلَ وانهزم جيشه، وانتهبهم الموحّدون.
استيلاء عبد المؤمن على جبال غمارة:
وفيها استولى عبد المؤمن على جبال غمارة، ووحّدوا وأطاعوا، وما برح عبد المؤمن يسير في الجبال، وتاشفين بن علي يحاذيه في الوطاء مدَّة طويلة، نحو سنتين، حتّى قُتِلَ تاشفين2.
الخُلْف بين جيش مصر:
وفيها وقع الخُلْف بين جيش مصر، وَقُتِلَ خلقٌ من الجند.
__________
1 الكامل في التاريخ "11/ 73، 74"، العبر "4/ 93"، عيون التواريخ "12/ 354".
2 الكامل في التاريخ "10/ 578، 579"، دول الإسلام "2/ 54".(36/156)
سنة خمس وثلاثين وخمسمائة:
وزارة المظفر أبي نصر:
فيها استوزر أبو نصر المظفر محمد بن جهير. نقل من الأستاذ دارية إلى الوزارة، وعُزل ابن طِراد.
ادَّعاء رجل الزُّهد ببغداد:
وفيها ظهر ببغداد رجل قدِم إليها وأظهر الزُّهد والنُّسُك، وقصده النّاس من كلّ جانب، فمات ولدٌ لإنسان، فدفنه قريبًا من قبر السّبتيّ، فذهب ذلك المتزهّد فنبشه، ودفنه في موضع، ثمّ قال للنّاس: اعلموا أنني رأيت عمر بن الخطّاب في المنام، ومعه عليّ -رضي الله عنهما- فسلّما عليَّ وقالا: في هذا الموضع صبيّ من أولاد عليّ بن أبي طالب. ودّلهم على المكان، فحفروه، فإذا صبي أمرد، فمن الّذي وصل إلى قطعة من أكفانه. وانقلبت بغداد، وخرج أرباب الدولة، وأخذ التراب للبركة، وازدحم الخلق، وبقوا يقبلون يد التزهد وهو يبكي ويتخشّع. وبقي النّاس على هذا أيامًا، والميت مكشوف يراه النّاس، ويتمسحون به. ثمّ أَنْتَن. وجاء الأذكياء وتفقدوا الكَفَن، فإذا هو جديد، فقالوا: كيف يمكن أنّ يكون هذا هكذا من أربعمائة سنة؟! ونقبوا على ذلك حتّى جاء أبوه فعرفه وقال: هو والله ولدي، دفْنتُه عند السّبْتيّ.
فمضوا معه، فرأوا القبر قد نُبِش، فكشفوا فإذا ليس فيه ميت.
وسمع المتزهد فهرب، ثمّ وقعوا به وقرّروه، فأقرّ، فأركب حمارًا، وصُفِع، في ربيع الأوّل1.
تملُّك الإسماعيلية حصن مصيات:
وفي سنة خمسٍ وثلاثين ملكت الإسماعيلية حصن مِصْيات، كان واليه مملوكًا
__________
1 المنتظم "10/ 88، 89"، الكواكب الدرية "12/ 113".(36/157)
لصاحب شَيْزَر، فاحتالوا عليه ومكروا به، حتّى صعدوا إليه وقتلوه، وملكوا الحصن، وبقي بأيديهم إلى دولة الملك الظّاهر1.
وفاة الوزير ابن الأنباري:
وفيها توفي الوزير سيد الدّولة ابن الأنباريّ وزير الخليفة وبعده سَنْجَر.
انهزام سَنْجَر أمام الخِطا:
وكان قد قتل ابنًا لخوارزم شاه أتْسِز بن محمد في الوقعة المذكورة، فحنق خوارزم شاه، وبعث إلى الخطا فطمعهم في خراسان، وتزوَّج إليهم، وحثَّهم على قصد مملكة سَنْجَر، فساروا في ثلاثمائة ألف فارس، فسار إليهم سَنْجَر، فالتقوا بما وراء النّهر، فانهزم سَنْجَر بعد أنّ قُتِلَ من جيشه أحد عشر ألفًا، وأُسِرت زوجة السّلطان سَنْجَر، وانهزم هو إلى بلْخ. فأسرع خُوارَزْمشاه إلى مَرْو، فدخلها وقتل جماعة، وقبض على أعيانها.
ولم يزل السّلطان سَنْجَر سعيدًا هذا الوقت. فطلب ابن أخيه السّلطان مسعود، وأمره أنّ يقرب منه وينزل الرَّيّ2.
رواية ابن الأثير عن إسلام التُرك:
قال ابن الأثير: وقيل: إنّ بلاد تُرْكُسْتان، وهي كاشغر، وبلاساغون، وختن، وطراز، كانت بيد التُّرك الخانيَّة، وهم مسلمون من نسْل فراسياب. وسبب إسلامهم جدّهم الأول أنه رأى في منامه كأن رجلًا ينزل من السماء، فقال له بالتُّركية: أسلِمْ تسلم في الدنيا والآخرة. فأسلم في منامه، وأصبح فأظهر إسلامه.
ولمّا مات قام بعده ولدُه موسى بن سنق؛ ولم يزل المُلْك بتُركستان في أولاده إلى أرسلان خان محمد بن سليمان بن داود بغراجان بن إبراهيم طمغاج بن أيلك أرسلان بن عليّ بن موسى بن سنق. فخرج عليه قدر خان فانتزع المُلْك منه، فظفر السّلطان سَنْجَر بقدر خان، وقتله في سنة أربعٍ وتسعين من إحدى، وله أربعون سنة. وأعاد
__________
1 الكامل في التاريخ "11/ 79"، المختصر في أخبار البشر "3/ 15"، دول الإسلام "2/ 54".
2 ذيل تاريخ دمشق "275"، المنتظم "10/ 96، 97"، الكامل في التاريخ "11/ 81-86".(36/158)
المُلْك إلى أرسلان خان. وكان من جُنْده نوع من التُرك يقال لهم القارُغليَّة، ونوع يقال لهم الغُزّ الّذين نهبوا خُراسان سنة ثمانٍ وأربعين كما يأتي.
القبض على المغربيّ الواعظ ببغداد:
وفيها أخذ المغربيّ الواعظ ببغداد مكشوف الرأس إلى باب النّوبى، وجدوا في داره خابيةَ نبيذ وعُودًا وآلات اللهو، فكان ينكر ويقول: امرأته مغنية والعُود لها.
تسليم البُرْدة والقضيب للمقتفي:
وفيها وصل رسول السّلطان سَنْجَر ومعه البُرْدة والقضيب، فسلّمه إلى المقتفي لأمر الله، وكانا مع الرّاشد لمّا قُتِلَ بظاهر أصفهان1.
غارة الفرنج على عسقلان:
وفيها غارت الفرنج على عمل عسقلان، فخرج جُنْدُها وقتلوا جماعة، وهزموا الفرنج.
__________
1 المنتظم "10/ 90"، البداية والنهاية "12/ 217"، عيون التواريخ "12/ 361".(36/159)
سنة ست وثلاثين وخمسمائة:
موت البهلوي رئيس الباطنية:
فيها مات رئيس الباطنيَّة إبراهيم البهلويّ، فاحرقه شِحنة الرَّيّ في تابوته.
دخول ملك خوارزم مدينة مَرْو:
وفيها دخل ملك خُوارَزْم أتْسِز بن محمد مدينة مَرْو، وفتك بها مُراغَمَةً للسّلطان سَنْجَر حين تمّت عليه الهزيمة، وقبض على رئيس الحنفيَّة أبي الفضل الكرمانيّ، وعلى جماعة من الفقهاء1.
إنجاز شقّ النهروان:
وفيها تمّ عمل شقّ النَهروان، وخلع المقدّم بهروز على الصناع جميعهم جباب
__________
1 المنتظم "10/ 95"، الكامل في التاريخ "11/ 87"، عيون التواريخ "12/ 367".(36/159)
ديباج روميّ، وعمائم مذهّبه. وبنى لنفسه هناك تُربة.
وجاء السّلطان مسعود عَقِيب فراغه، وعند جَرَيان الماء في النَّهر، فقعد بهروز والسلطان في سفينة، وسار في النّهر المحفور، وفرح السّلطان به.
وقيل: إنّه عاتبه في تضييع المال، فقال: أنفقت عليه سبعين ألف دينار، أنا أعطيك إياها من ثمن التَّبْن في سنة واحدة.
شحنكية بغداد:
ثمّ إنّه عزله عن شِحْنكية بغداد، وولّي قزل.
استفحال أمر العيّارين:
وظهر من العيّارين ما حيّر النّاس. وذاك أنّ كلّ قومٍ منهم اجتمعوا بأمير واحتموا به، وأخذوا الأموال، وظهروا مكشوفين.
وكانوا يكبسون الدُّور بالشّموع، ويدخلون الحمّامات، ويأخذون الثّياب، فلبس النّاس السّلاح لمّا زاد النَّهب، وأعانهم وزير السّلطان؛ والنَّهْب يعمل، والكبسات متوالية.
ثمّ أطلق السّلطان النّاس في العيَّارين فتتبّعوهم1.
العفو عن الوزير ابن طِراد:
وفيها عفى الخليفة عن الوزير عليّ بن طِراد بعد شفاعة السّلطان مسعود فيه غير مرَّة إلى الخليفة المقتفيّ، وزادت حُرْمتُه، وعَلَت كلمته.
هزيمة سَنْجَر أمام كافر تُرك:
وفيها كانت وقعة هائلة بين السّلطان سَنْجَر وبين كافر تُرك بما وراء النّهر، فانكسر سَنْجَر، وبلغت الهزيمة إلى تِرْمِذ، وأفلت سَنْجَر، في نفر يسير، فوصل بلْخ في ستَّة أنْفُس، وأُخذت زوجته وبنته زوجة محمود، وَقُتِلَ من جيشه مائة ألف أو أكثر.
وقيل: إنهم أحصوا من القتلى أحد عشر ألفًا، كلّهم صاحب عمامة، وأربعة آلاف امرأة.
وكان سَنْجَر قد قتل أخا صاحب خُوارَزْم، فاستنجد عليهم بكافر تُرْك، وكان مهادِنًا له وقد صاهره، فسار الملعون في ثلاثمائة ألف فارس، فأحاطوا بسَنْجَر.
ولم تُرَ وقعةٌ أعظم منها.
وكانت في المحرَّم، وقيل: في صفر2.
__________
1 المنتظم "10/ 95، 96"، الكامل في التاريخ "11/ 89".
2 المنتظم "10/ 96، 97"، الكامل في التاريخ "11/ 85، 86"، العبر "4/ 98".(36/160)
سنة سبع وثلاثين وخمسمائة:
اجتماع العسكر مع سَنْجَر:
أرسل سَنْجَر إلى السّلطان مسعود أنّ يجمع الجيش وينزل الرَّيّ، بحيث إن احتاجه طَلَبه لأجل النّكبة الماضية من التُرْك. ووصل إلى مسعود عبّاس شِحْنة الرَّيّ بعسكرٍ كثير، وخدمه. ووصل إليه جماعة من الأمراء.
أخْذُ زنكي الحديثة:
وفيها أخذ زنكي الحديثة واعتقل من فيها من آل مهارش.
وفاة صاحب ملطية:
وفيها تُوُفّي محمد بن الدّانشمنْد صاحب مَلَطْيَة، فاستولى على بلاده الملك مسعود بن قلج أرسلان سليمان بن قُتُلْمش السَّلْجُوقيّ صاحب قونية.
الوباء بمصر:
وفيها كان بمصر وباء عظيم، وهلك النّاس1.
هلاك ملك الروم:
وفيها جاء طاغية الرّوم في جُمُوعه يعبر إلى الشام، وخاف النّاس. وتلقاه صاحب أنطاكية. ثمّ أهلك الله طاغية الروم في هذه السّنة.
موت قاضي دمشق:
وفيها مات قاضي دمشق المنتجب أبو المعالي محمد بن يحيى، وولي قضاء دمشق بعده ابنه أبو الحسن عليّ.
بعث إليه بمنشور القضاء قاضي قضاة بغداد.
__________
1 ذيل تاريخ دمشق "276"، الكامل في التاريخ "11/ 92".(36/161)
سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة:
مصالحة السّلطان مسعود وزنكي على مال:
جمع السّلطان مسعود العساكر لقصد الموصل والشّام، وتردّدت رسل زنكي.
ثم تم الصلح على ثلاثمائة ألف دينار في نُوَب. فعجَّل ثلاثين ألفًا، ثم تقلبت الأحوال واحتاج إلى مدارة زنكيّ، وسقط المال، وقبض البعض.
الصلح بين سنجر وخوارزم شاه:
وفيها سار السّلطان سَنْجَر وحاصر خُوارَزْم، وكاد أنّ يفتحها عَنْوةً، فأخرج خُوارَزْمشاه أَتْسِز الرُّسل ببذل الطّاعة والمال، ويعود إلى الانقياد، ويعتذر عمّا تقدَّم. فصالحه سَنْجَر، وانعقد الصُّلح1.
فتوحات زنكيّ:
وافتتح زنكيّ في هذا العصر فتوحاتٍ عظيمة، وهابته الملوك، واتَّسعت ممالكه.
حراميَّة بغداد:
وكان البلاء شديدًا ببغداد من الحراميَّة وأذِيّتهم، ثمّ صُلِب جماعة منهم، فسكن النّاس قليلًا.
قدوم المناظر النيسابوريّ بغداد:
وقدِم السّلطان بغداد، وقدم معه الحسن بن أبي بكر النَّيْسابوريّ الحنفيّ أحد الكِبار والمناظرين.
قال ابن الجوزيّ: جالسْتُه مدَّةً، وسمعت مجالسه كثيرًا، وجلس بجامع القصر.
__________
1 الكامل في التاريخ "11/ 93"، المنتظم "10، 105"، البداية والنهاية "12/ 218".(36/162)
وكان يلعن الأشعريّ جَهرًا على المنبر ويقول: كُنْ شافعيًا ولا تكن أشعريًّا، وكُنْ حنفيًّا ولا تكن معتزِليًّا، وكن حنبليًّا ولا تكن مُشَبِّهًا. وما رأيت أعجب من الشّافعيَّة، يتركون الأصل ويتعلّقون بالفرع. وكان يمدح الأئمة الأعلام، وزاد في الشَّطَرَنْج نقلًا. وقد جلس في رجب في دار السّلطنة، وحضر السّلطان مجلس وعْظه. وكان قد كُتِب على باب النّظاميَّة اسم الأشعريّ، فتقدَّم السّلطان بمحوه وكتب مكانه اسم الشّافعيّ.
وكان أبو الفتوح الإسْفَرَائينيّ يجلس ويعظ في رِباطه، ويتكلم على محاسن مذهب الأشعريّ، فتقع الخصومات، فذهب أبو الحسن الغَزْنَويّ إلى السّلطان وأخبره بالفِتَن وقال: إنّ أبا الفتوح صاحب فتنة، وقد رُجم ببغداد مِرارًا، والصّواب إخراجه.
فأخرج من بغداد، وعاد الحسن بن أبي بكر النَّيْسابوريّ إلى وطنه1.
ترجمة الإسفرائينيّ:
ويُعرف الإسْفَرَائينيّ المذكور بابن المعتمد، واسمه محمد بن الفضل بن محمد.
وُلِد سنة أربعٍ وسبعين وسبعمائة بإسْفَرَاين، ودخل بغداد فاستوطنها.
وكان يبالغ في التّعصب لمذهب الأشعريّ.
وكان بينه وبين الواعظ أبي الحسن الغَزْنَويّ حسدٌ وشَنَآن، وكان كلّ واحدٍ منهما ينال من الآخر على المِنْبر.
فلمّا بويع الرّاشد بالله، وخرج عن بغداد، خرج معه أبو الفتوح إلى الموصل.
فلمّا قُتِلَ الرّاشد سُئل المقتفيّ فيه، فإذن له في العَود إلى بغداد، فجاء وتكلم.
واتفق مجيء الحسن بن أبي بكر النَيْسابوريّ فوعظ.
ووجد الغَزْنَويّ فرصة، فكلَّم السّلطان في أبي الفتوح، فأصغي إليه.
وقال ابن الجوزيّ: بَلَغَني أنّ السّلطان قال للحسن النَيْسابوريّ: تقلَّد دم أبي الفتوح حتّى أقتله.
قال: لَا أتقلّد.
فوكّل بأبي الفتوح حتّى أُخرج من بغداد. ووقف عند السور خمسة عشر تركيًّا،
__________
1 المنتظم "10/ 106".(36/163)
شيّعه خلْق كثير، فلمّا وصلوا إلى السّور ضربتهم الأتراك، فرجعوا. وأرسل إلى هَمَذَان، ثمّ سُلِّم إلى عبّاس، فبعثه إلى إسْفَراين، واشترط عليه أنّه متى خرج من بلد أُهلك. وجاء حَمْوُه، والقاسم شيخ الرّباط، وأبو منصور الرّزّاز، ويوسف الدّمشقيّ، وأبو النّجيب الشّهْرُزُوريّ إلى السّلطان يسألون فيه، فلم يلتفت إليهم. ونودي في بغداد أنّ لَا يذكر أحد مذهبًا، ولا يثير فتنة. فلمّا وصل أبو الفتوح إلى بسْطام تُوُفّي بها في ذي الحجَّة ودُفِن هناك.
قلت: ولمّا بَلَغَت ابن عساكر الحافظ وفاتُه أملى مجلسًا سمعناه بالاتّصال.
وعُمِل له العزاء في رباطه ببغداد، فحضره الغَزْنَويّ، فلامه بعض النّاس وقال: ما لك أظهرت الحزْن عليه وبكيت؟
قال: أنا بكيت على نفسي.
كان يقال فلان وفلان، فعُدم النّظير، ودنا الرحيل1.
حصار تِلِمْسان:
وفيها نازل عبد المؤمن تِلِمْسان، وحاصرها مدَّةً طويلة، فكشف عنها تاشفين بن علي.
__________
1 الكامل في التاريخ "11/ 97"، المنتظم "10/ 111".(36/164)
سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، وفيات سنة أربعين وخمسمائة:
سنة تسعٍ وثلاثين وخمسمائة:
غارة عسكر بَعْلَبَكّ على الفرنج:
فيها نهض عسكر بَعْلَبَكّ، فأغاروا على الفرنج، فقتلوا وسبوا، ثمّ التقوا الفرنج، فنصرهم الله، ورجعوا إلى بَعْلَبَكّ، وكذا فعل عسكر حلب. وأخذوا قَفْلًا كبيرًا للفرنج، وجاءوا بالغنيمة، فلله الحمد1.
فتح الرها:
وفيها نازل زنكي على الرُّها، وهي للفرنج، فنصب عليها المجانيق، ونقب
سورها، وطرح فيها الحطب والنّار، فانهدم، ودخلها، فحاربهم ونُصِر المسلمون، وغنموا وسبوا، وخلص منها خمسمائة أسير.
فلما قتل زنكي استردها الفرنج، وقتلوا من بها من المسلمين، فلله الأمر2.
انتهاب حجّاج العراق:
وفيها حجّ بالنّاس من العراق نَظَر الخادم، فنهب أصحاب هاشم بن فُلَيْتَة ابن القاسم العَلَويّ الحُسَينيّ صاحب مكَّة النّاس في أوسط الحَرَم، ولم يرقبوا منهم إلًّا ولا ذمَّة3.
وفاة قاضي المَرِيَّة:
وفيها تولّى تدبير مملكة غَرْناطة أبو الحسن عليّ بن عمر الهَمَذانيّ قاضي المَرِيَّة، وذلك عند انقضاء دولة الملثَّمين، فلم تطُلْ أيّامه، وتوفي عَشْر السّبعين.
وكان من كبار الفُقهاء، ومن فُصَحاء الشّعراء.
مهاجمة وهْران:
وفيها وجّه عبد المؤمن جيشًا مع أبي حفص الهناتيّ إلى وهْران، فهاجمها وأخذها بَغْتَة، فأسرع إليه تاشفين، ففر منها أبو حفص ونزل عندها.
ثمّ هلك تاشفين كما ذكرنا في ترجمته.
وفيات سنة أربعين وخمسمائة:
................................................4.
__________
1 ذيل تاريخ دمشق "278"، عيون التواريخ "12/ 385".
2 الكامل في التاريخ "11/ 98-100"، المنتظم "10/ 112"، البداية والنهاية 12/ 219".
3 الكامل في التاريخ "11/ 103"، العبر "4/ 106".
4 بياض بالأصل.(36/165)
بسم اللَّه الرَّحْمَن الرحيم
{رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} .
وفيات الطبقة الرابعة والخمسون:
وفيات سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة:
"حرف الألف":
1- أحمد بن بركة بن يحيى البقّال1.
صحيح السّماع، بغداديّ.
يروى عن: أبي القاسم بن السَّرِيّ، وعاصم العاصميّ.
تُوُفّي في شعبان.
2- أحمد بن خلف بن عيشون بن خيار2.
أبو العباس الجذامي، الإشبيلي، المقرئ، ابن النحاس.
ويكنى أبا جعفر أيضا.
أخذ القراءات عَنْ: أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن شُرَيْح، وأبي الحسن العبْسيّ، وأبي عبد الله السَّرَقُسْطيّ، ومحمد بن يحيى العَبْدَريّ.
وأجاز له أبو عليّ الغسّانيّ، وجماعة.
وتصدّر للإقراء في أيّام أبي داود، وابن الدوش.
أخذ عنه: أو جعفر بن الباذش، وأبو بكر بن خَيْر، ونجبه بن يحيى.
وكان يلقّب بالمجوّد لحسن قراءته.
وله مصنف في الناسخ والمنسوخ.
__________
1 المنتظم "10/ 324".
2 تكملة الصلة "1/ 38"، غاية النهاية "1/ 52"، معرفة القراء الكبار "1/ 482، 483".(36/166)
تُوُفّي في رجب: وكان مولده سنة أربعٍ وخمسين وأربعمائة.
تلا عليه بالسّبْع أبو جَهير عبد العزيز السمناني.
3- أحمد بن أبي العلاء بن أحمد العَبْديّ.
النبيل، أبو رشيد القاشاني، الأصبهاني.
سمع من: البزاني، وأبا منصور بن شكروه.
قال السّمعانيّ: كتبت عنه في هذه السّنة.
4- أحمد بن عقيل بن محمد بن عليّ1.
أبو الفتح بن أبي الحوافر البَعْلَبَكّيّ.
حدَّث عن: أبيه.
روى عنه: ابن عساكر، وعبد الخالق بن أسد الحنفيّ وقال: تُوُفّي في ربيع الأوّل.
وأبوه فارسيّ الأصل، فقيه روى عن عبد الرحمن بن أبي نصر.
5- أحمد بن عليّ2.
أبو البَرَكات بن الأبراديّ، الفقيه الحنبليّ، الرجل الصّالح.
تفقه على أبي الوفاء بن عقيل.
وسمع من: أبي الحسن الأنباريّ، وأبي الغنائم بن أبي عثمان، وغيرهما.
وقف داره مدرسةً على الحنابلة، وهي بالبَدْريَّة.
روى عنه: أبو المعمَّر الأنصاريّ، وأشرف بن أبي هاشم.
تُوُفّي فِي رَمَضَان.
6- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أحمد3.
أبو العباس النعالي، الأسداباذي، محدث، رحال.
__________
1 مختصر تاريخ دمشق "3/ 171"، الوافي بالوفيات "7/ 185"، تهذيب تاريخ دمشق "1/ 396".
2 ذيل طبقات الحنابلة "1/ 188، 189".
3 الأنساب "1/ 226".(36/167)
سمع الكثير، وتعِب وجَمَع.
ولم يكن له كبيرُ فَهْم.
سمع ببلده: أبا الحسين المحكميّ.
وببغداد: أبا نصر الزَّيْنبيّ وأخاه طِرادًا، وجماعة.
قال ابن السّمعانيّ: ثنا عنه جماعة من أصحابنا.
وتُوُفِّي فِي ذي القعدة.
7- أحْمَد بْن مُحَمَّد بْن ثابت بن حسن بن عليّ1.
أبو سعد، والد الإمام أبي بكر الخُجَنديّ، الأصبهانيّ.
تفقه على واحد، وشاخ. ووُلّي تدريس النّظاميَّة غير مرة.
قال ابن السّمعانيّ: رأيته بأصبهان لازمًا بيته.
سمع: عليّ بن عبد الرحمن بن عَلِيَّك النَيْسابوريّ، والحسن بن عمر بن يونس الحافظ.
وقرأ عليه جزءًا.
وتُوُفّي في شعبان، وله ثمانٍ وثمانون سَنَةً.
8- أحمد بن أحمد بن محمد2.
أبو الحسن بن القصير، الغَرْناطيّ.
روى عن: القاضي أبي الأصبغ عيسى بن سهل، ومحمد بن سابق، وأب علي الغساني، وأبي عبد الله لكلاعي.
وكان فقيهًا، حافظًا، مُشَاوَرًا ببلده، واستقضى بغير موضع.
وتُوُفّي في ذي الحجَّة.
9- أَحْمَد بن مُحَمَّد بْن عَليّ بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن أبي عثمان.
__________
1 المنتظم "10/ 70"، الكامل في التاريخ "11/ 54"، البداية والنهاية "12/ 211".
2 الصلة لابن بشكوال "1/ 79".(36/168)
أبو عبد الله بن أبي تمّام الدّقّاق، الهمذاني، الشروطي.
بغدادي أصيل.
سمع: أباه، وعمه أبا الغنائم، وعبد الصّمد بن المأمون، وهناد بن إبراهيم النَّسفيّ، وجماعة.
قَالَ ابن النّجّار: ثنا عَنْهُ أحمد بْن صالح المصريّ.
تُوُفّي في ذي الحجَّة وله ثمانٍ وسبعون سنة.
10- أحمد بن محمد بن أبي القاسم فليزة1.
أبو نصر الأصبهانيّ، الكاتب، الخُوزِيّ.
كان يسكن سكَّة الخوزيّين.
سمع: أبا عمرو بن مَنْدَهْ، وجماعة.
تُوُفّي في شوّال في عَشْر السّبعين.
أخذ عنه أبو سعد السّمعانيّ.
11- إبراهيم بن محمد بن عبد الواحد بن عبْدُوَية.
أبو إسحاق الأصبهانيّ، الحلليّ.
روى عن: أبي القاسم عبد الواحد بن أحمد.
وعنه: أبو موسى المَدِينيّ.
تُوُفّي في ربيع الأوّل.
12- إسماعيل بن أبي القاسم عبد الرحمن بن أبي بكر صالح2.
أبو محمد النَيْسابوريّ، القارئ.
قال ابن نُقْطة: سمع "صحيح مسلم" من عبد الغافر بن محمد الفارسيّ، وأحاديث يحيى بن مَعِين.
__________
1 معجم البلدان "2/ 404".
2 التحبير "1/ 94-97"، سير أعلام النبلاء "20/ 19، 20"، النجوم الزاهرة "5/ 260".(36/169)
وسمع من: أبي حفص بن مسرور وجماعة أجزاء.
روى عنه: الحافظ أبو القاسم بن عساكر، وأبو العلاء الهَمَذانيّ، وأبو سعد السّمعانيّ، والحسن بن محمد القُشَيْريّ، وزينب الشّعْريَّة، وآخرون.
وقال أبو سعد: شيخ، صالح، عفيف، صوفيّ، نظيف، مواظِب على الجماعات، خدم الأستاذ أبا القاسم القُشَيْريّ.
ووُلِد في رجب سنة تسعٍ وثلاثين وأربعمائة وتُوُفّي يوم الجمعة العشرين من رمضان سنة إحدى وثلاثين.
وقال أبو نُقْطة: روى عنه "صحيح مسلم" أبو سعد الحسن بن محمد بن المحسّن القُشَيْريّ.
قال: أخبرتنا زينب بنت عبد الرحمن قالت: أنا إسماعيل بن أبي القاسم القارئ، قراءةً عليه وأنا أسمع، في سنة أربعٍ وعشرين وخمسمائة، أنبا عمر بن مسرور، أن ابن نُجَيد، فذكر حديثًا.
قلت: سمعتُ جزء ابن نُجَيد على غير واحدٍ بإجازة زينب المذكورة، بهذا الإسناد.
وقد أجاز لأبي القاسم بن الحَرَسْتانيّ. وحدَّث عنه بأجزاء ابن مسرور.
"حرف الباء":
13- بركات بن عبد العزيز بن الحسين1.
أبو الحسن الدّمشقيّ، الأنْماطيّ.
سمع: أبا بكر الخطيب، وأحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد.
وكان حافظًا للقرآن، مستورًا. قاله ابن عساكر.
وقال: كان شيخًا مغفَّلًا. حدَّثني أبو الحسين القَيسيّ أنّه قال: إنّهم يقولون إنّ صلاتي كافرة. فقال: إنْما يقولون بِدْعة.
فقال: هو هذا.
وكان يُديم الخروج إلى مغارة الدّم، ويصلّي بالنّاس النوافل، ويعمّم الصّبيان يوم العيد.
__________
1 مختصر تاريخ دمشق "5/ 176".(36/170)
وتُوُفّي في رمضان.
قلت: روى عنه: ابن عساكر، وعبد الخالق بن أسد.
"حرف التاء":
14- تميم بن أبي سعيد بن أبي العبّاس1.
أبو القاسم الْجُرْجانيّ، المؤدِّب.
سمع "مُسْنَد أبي يَعْلَى"، من: أبي سعد الكَنْجَرُوذيّ.
وسمع من: أبي حفص عمر بن مسرور، وأبي عامر الحسين بن محمد بن عليّ النَّسَويّ القُومسيّ، وأبي بكر أحمد بن منصور المغربيّ، وعليّ بْن مُحَمَّد بْن علي بْن عُبَيْد اللَّه البحَّاثيّ راوي "التّقاسيم والأنواع"، ومحمد بن محمد بن حمدون السُّلَميّ.
وكان مُسْنِد هَرَاة في زمانه.
روى عَنْهُ: أبو القاسم بْن عساكر، وجماعة. وآخر من روى عنه أبو رَوْح عبد المعزّ الهَرَويّ.
قال ابن نقطة: ذكر لي يحيى بن عليّ المالقيّ ببغداد أنّه لمّا قدِم أَبُو جَعْفَر بن خَولة الغَرْناطيّ من الهند إلى هَرَاة، أخرج إليهم بقيَّة الأصل بمُسْنَد أبي يَعْلَى، وفيه سماع أبي رَوْح، من تميم.
قال يحيى: فكمل له جميع المسند سماعًا منه بتلك المجلَّد.
قلت: لَا أعلم متى تُوُفّي تميم، لكنه كان باقيًا في حدود هذه السّنة بهَرَاة.
وسماعاته بنَيْسابور. وكان يؤدّب.
وسماع أبي روح منه في سنة تسعٍ وعشرين وخمسمائة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلامِ التَّمِيمِيُّ، عَنْ أَبِي رَوْحٍ: أنا تَمِيمُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، نا أَبُو سَعْدٍ الْكَنْجَرُوذِيُّ سَنَةَ ثمانٍ وَأَرْبَعِينَ وَأَرْبَعِمَائَةٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ: أنا أَبُو عَمْرِو بْنُ حمدان، أَبُو يَعْلَى، ثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، ثنا فُلَيْحٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بَعَثَهُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-
__________
1 التحبير "1/ 144-148"، سير أعلام النبلاء "20/ 20-23"، شذرات الذهب "4/ 97".(36/171)
قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ فِي رهطٍ يوذن فِي النَّاسِ: أَنْ لا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مشركٌ، وَلا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ1.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَوَافَقَنَاهُ.
وأخبرنا ابن الخّلال: أنا عتيق السَّلْمانيّ، وغيره قالا: أنا أبو القاسم بن عساكر، أنا تميم الْجُرْجانيّ بهَرَاة في شعبان سنة ثلاثين، فذكر حديث بهْز بن حكيم في البرّ، من جزء ابن نُجَيْد.
وقد قال ابن السّمعانيّ: إنّه لمّا دخل هَرَاة كان تميم قد تُوُفّي، وإنّه أجاز له في سنة ثمانٍ وعشرين.
وقد سمع منه أبو رَوْح في هذه السّنة أيضًا.
وقال ابن السّمعانيّ في "التّحبير": تميم بن أبي سعيد المؤدب، المعلّم، القصّاريّ، أكثر بإفادة خاله القاضي أبي محمد عبد الله بن يوسف الْجُرْجانيّ. ثمّ سكن هَرَاة.
وكان مسْنِدًا، ثقة، صالحًا، يعلم الصِّبْيان.
سمع: ابن مسرور، وأبا الحسين عبد الغافر الفارسيّ، وأبا عثمان الحيريّ، وأبا عثمان الصّابونيّ، والبَيْهقيّ، ومحمد بن عبد الله العُمَريّ الهَرَويّ، وأبا بكر محمد بن الحَسَن بن عليّ الطَّبَريّ.
وروى لي عنه جماعة.
فمن جملة ما سمعه: "مُعْجَم الحاكم".
أنا البيهقي، عنه، و"مسند أبي يَعْلى" القدر الّذي كان عند أبي سعيد، في خمسةٍ وثلاثين جزءًا، وكتاب "المتّفق" للجَوْزقيّ، بروايته عن أبي بكر المغربيّ، للقدر الّذي عنده منه، وكتاب "التّرغيب" لحُمَيْد بن زنْجُوَيْه.
أنا أبو بكر المعمري، أنا ابن أبي شُرَيح، أنا الرَّاذانيّ، عنه، سوى الجزء الخامس من تجزئة عشرة، و"صحيح ابن حِبّان"، روايته عن البحّاثيّ، عن محمد بن أحمد المروزي، عنه، و"فوائد المغربي"، انتقاء خاله عليه، و"معرفة علوم الحديث"، للحاكم، عن الكنجروذي، عنه.
__________
1 حديث صحيح: أخرجه البخاري "369، 1622، 3177، 4363"، ومسلم "1347"، وأبو داود "1946"، والنسائي "2957".(36/172)
"حرف الحاء":
15- الحسن بْن أحمد بْن عَبْد الصّمد بْن مُحَمَّد بن تميم1.
أبو القاسم التّميميّ، الدّمشقيّ، الشّاهد.
سمع من: أبي القاسم بن أبي العلاء، ونصر المقدسيّ، وسهل بن بِشْر، وأبي عبد الله بن أبي الحديد.
وكتب بخطّه الكثير.
روى عنه: عبد الخالق بن أسد.
وقال ابن عساكر: سمع منه أصحابنا، وأجاز لي.
وتوفي في صفر ودُفِن بداره بباب البريد، ثمّ نُقِل بعد خمسٍ وعشرين سنة إلى جبل قاسيون.
وكان مولده في سنة ستٍّ وستين وأربعمائة.
16- الحَسَن بْن منصور بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الجبار2.
الشَيخ أبو محمد التّميميّ، السّمعانيّ، المَرْوَزِيّ. عم الحافظ أبي سعد.
قال: جمع الكثير ونَسَخَه، وجمع جُمُوعًا في الحديث.
وقرأ عليه الكثير. وكان إمامًا، زاهدا، ورعا، وقورا، تاركا لمخالطة الناس.
سمع: نظام الملك، ووالده، وعلي بن أحمد المديني، وخلقا.
ولد سنة ثمانٍ وستين وأربعمائة، دخل السراق في الليل فخنقوه لأجل مالٍ أودع عندهم، والله يرحمه، في غرة جمادي الأولى.
17- الحَسَن بن هادي بن الحسين3.
أبو العز العلوي، الأصبهاني.
سمع: أبا مسلم بن مَهْريزد، وعائشة الوَرْكَانيَّة.
قرأ عليه ابن السمعان ورقة.
__________
1 تهذيب تاريخ دمشق "4/ 278".
2 الأنساب "7/ 141، 142".
3 التحبير "1/ 219، 220".(36/173)
وجئناه مرَّةً، فصاح فينا، فقُلْنا: جئناك لنقرأ حديث جدّك -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتكلَّم بكلامٍ يكفّر الإنسان تدوينُها، وضربتُ على سماعي منه.
عاش نَيّفًا وثمانين سنة.
18- الحسين بن محمد بن مرداس.
أبو محمد البَيْهَقيّ، الخُسْرَوْجِرْديّ، وخُسْرَوْجِرْد إحدى قرى بَيْهق.
سمع بقريته من: عُبَيْد الله بن المعتزّ البَيْهقيّ.
أخذ عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وغيره.
مات في صفر سنة 31.
19- الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن عليّ بْن الفرخان1.
أبو عبد الله السِّمَنَانيّ.
ذكره ابن السّمعانيّ فقال: شيخ صالح، صحِب المشايخ وخَدَمَهم. ورحل إلى نَيْسابور.
وسمع: أبا القاسم القُشَيْريّ، وأبا الحسن الواحديّ المفسّر، وأبا بكر أحمد بن خَلَف.
وروى ببغداد "الوسيط" للواحديّ.
وقد رحل إلى بوشَنْج، وسمع بها من جمال الإسلام أبي الحسين الدّاوديّ.
وكان مولده في سنة ثلاثٍ وأربعين وأربعمائة.
روى عنه: أبو القاسم بن عساكر، وغيره.
قال أبو سعد السّمعانيّ: دخلتُ سِمَنَان في أواخر صفر لأسمع منه، فذكر لي جماعة أنّه مات من شهر، رحمه الله.
20- حمزة بن شجاع بن أبي بكر محمد بن إبراهيم اللفتواني2.
أبو الوفاء.
__________
1 التحبير "1/ 241"، معجم البلدان "3/ 141، 142".
2 التحبير "1/ 252، 253".(36/174)
أسمعه أخوه الحافظ محمد بن أبي بكر من أبي عبد الله الثّقفيّ، وجماعة.
مات كهْلًا في رجب.
أخذ عنه السّمعانيّ.
"حرف السين":
21- سعيد بن طلحة بن حسين بن أبي ذَرّ محمد بن إبراهيم1.
الصّالْحانيّ، الأصبهانيّ، أبو الخير، الأديب.
شاعر مُفْلِق، أجاز له أحمد بن الفضل البطرقاني.
وسمع من: عائشة الوَرْكانية.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وأبو موسى المديني، وغيرهما.
وتوفي في رمضان.
22- سهْلُ بن عليّ بن عثمان2.
أبو نصر النَيْسابوريّ، التّاجر، السَّفار، الشّافعيّ.
حضر درس أبي المعالي الْجُوَيْنيّ.
وسمع: أبا بكر بن خَلَف الشّيرازيّ، وأبا الفتح نصر بن الحسن التُّنْكُتيّ.
ودخل الأندلس، وحدَّث بالإسكندريَّة.
قال القاضي عِياض: حدَّثني بحكايات، وروى عنه: أبو محمد العثمانيّ.
تُوُفّي غريقًا مُنْصَرَفَه من المَرِيَّة في سنة إحدى هذه.
"حرف الشين":
23- شبيب بن عبد الله بن محمد بن خَوْرة3.
__________
1 التحبير "1/ 304"، الأنساب "8/ 14"، معجم البلدان "3/ 263".
2 تكملة الصلة لابن الأبار "2008"، نفح الطيب "3/ 67".
3 التحبير "1/ 323".(36/175)
الأصبهانيّ، أبو المظفَّر.
سمع: أحمد بن الباطِرْقانيّ.
مات في رمضان عن ثمانين سنة.
"حرف الطاء":
24- طاهر بن سهل بن بِشْر بن أحمد بن سعيد1.
أبو محمد الإسْفَرَائينيّ، الصّائغ، دمشقيّ من أولاد الشّيوخ.
وُلِد سنة خمسين وأربعمائة.
وسمع: أباه المحدّث أبا الفَرَج، وأبا القاسم الحِنّائيّ، وعبد الكريم بن الحسين الهلاليّ، وأبا الحسين محمد بن مكّيّ الأزديّ، وأبا بكر الخطيب، والكتّانيّ، وابن أبي الحديد، وغيرهم.
روى عنه: الحافظ أبو نُعَيْم وقال: كان شيخًا عسِرًا، مع جَهْله بالحديث، وعدم ثقته. حكّ اسم أبيه من كتاب "الشّهاب" للقُضاعيّ، وأثبت بدله اسمه، وتُوُفّي في ذي الحجَّة.
قلت: روى عنه: عبد الرحمن بن عليّ الخِرقيّ، وأبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن الحَرَسْتانيّ، وجماعة.
"حرف العين":
25- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أحمد بْن حملة.
أبو منصور الأصبهانيّ، الشُّرُوطيّ، المعروف بالكِسائيّ.
سمع: عبد الرحمن بن مَنْدَهْ، والمظفر البَرَاثيّ، وأبا عيسى بن زياد، وأبا بكر بن ماجة.
روى عنه: أبو موسى المَدِينيّ، وأبو المجد زاهر الثّقفيّ، وآخرون.
تُوُفّي في أوّل سنة إحدى وثلاثين.
__________
1 التقييد "305"، العبر "4/ 85"، ميزان الاعتدال "2/ 335"، لسان الميزان "3/ 206، 207".(36/176)
26- عبد الجبّار بن عبد الوهّاب بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد1.
أَبُو الْحَسَن بن أبي الحسن بن الأستاذ أبي القاسم الدّهّان، النَيْسابوريّ، البَيِّع.
لم أظفر له بوفاة، لكّني أعلم أنّه كان في هذه الحدود.
ذكره عبد الغافر فقال: شابٌّ عهِدْناه في أيّام الصِّبا، سديد الطّريقة، من بيت الثّروة والمروءة.
سمع من الأئمة مثل: البَيْهَقيّ، وسعيد العَيار، والطّبقة.
إلى أنّ تُوُفّي جدّه.
سمع "الانتخاب" منه، وقُرئ عليه الكثير.
قلت: روى عنه: "السُّنَن الكبير" عبد الرحيم بن عبد المؤمن الشّعْريّ.
وذكره أبو سعد السّمعانيّ وأنّه أجاز له في سنة سبعٍ وعشرين؛ وقال: شيخ ثقة، من أهل الخير والأمانة. وكان عنده تصانيف أبي بكر البَيْهَقيّ، وحدَّث بالكثير.
وسمع: أبا طاهر محمد بن عليّ الزَّرّاد الحافظ، والبَيْهَقيّ، وأبا يَعْلى الصّابونيّ.
27- عبد الرحمن بن الحسن بن محمد.
الإمام أبو محمد ابن العلّامة أبي عبد الله الطَّبريّ، الشّافعيّ.
وُلِد ببغداد، وبها نشأ.
ووالده مِن أعيان أصحاب الشَيخ أبي إسحاق.
أنفق هذا أبو محمد الأموال والذخائر حتّى وُلِي تدريس النّظاميَّة ببغداد.
وقال ابن السّمعانيّ: خرج عنه في الرّشوة إلى الأكابر لتحصيل المدرسة ما لو أراد لبنى به مدرسة، تأمّله.
وورد علينا مَرْو، وكان شيخًا بهيّ المنظر، حَسَن الكلام في المسائل.
ثنا عن أبي عليّ الحدّاد وقال: سمعت من الشَيخ أبي إسحاق الشّيرازيّ، وتفقّهت عليه، وأصولي ببغداد.
وذكر أنّه مولده في سنة 463.
تُوُفّي بخُوَارَزْم في سنة إحدى وثلاثين وفي سنة ثلاثين.
__________
1 التحبير "1/ 430"، المنتخب من السياق "344"، سير أعلام النبلاء "20/ 46".(36/177)
28- عبد الرّزّاق بن عبد الله بن الأستاذ أبي القاسم القُشَيْريّ1.
أبو المكارم؛ صالح، خيِّر.
سمع: جدّته فاطمة بنت الدّقّاق، والفضل بن محمد.
مات في صفر، أو في ربيع الأوّل.
أخذ عنه: السّمعانيّ، وغيره.
29- عَبْد العزيز بن علي بْن عيسى2.
أَبُو الأصْبَغ الغافِقيّ، المعروف بالشّقُّوريّ، نزيل قُرْطُبَة.
روى عن: أبي عليّ بن سُكَّرَة، وجماعة.
وكان من كبار الفُقَهاء، كتب للقُضاة بقُرْطُبَة.
تُوُفّي يوم عيد الفطر.
30- عبد الغني بن محمد بْن عَبْد الغني بْن مُحَمَّد بْن حنيفة3.
أبو القاسم الباجِسْري، من أبناء بَعْقُوبا.
كان صالحًا، فاضلًا، متميِّزًا، وله شعرٌ حَسَن.
سمع: أبا القاسم بن البُسْريّ، وأبا نصر الزَّيْنبيّ.
روى عنه: أبو الفضل بن ناصر، وأبو المعمر الأنصاريّ، وابنه أبو المعالي أحمد.
وتوفي في شعبان ببَعْقُوبا.
31- عبد الكريم بن شُرَيْح4.
الفقيه أبو معمر الرُّويَانيّ، قاضي أهل طَبرِسْتان.
إمام مُناظر، سمع ببسْطام، وآمُل، وساوة من: محمد بن أحمد الكامخي؛
__________
1 التحبير "1/ 438"، المنتخب من السياق "358".
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 374".
3 الأنساب "2/ 18".
4 التحبير "1/ 476، 477"، معجم البلدان "3/ 104".(36/178)
وبأصبهان من: محمود الكَوْسَج؛ وبنَيْسابور من: محمد بن إسماعيل التِّفْلِيسيّ.
أخذ عنه السّمعانيّ.
مات في رمضان.
32- عَبْد الملك بْن عليّ بْنُ عَبْد المَلِك بْن مُحَمَّد بْن يوسف1.
أبو الفضل بن أبي الحسن اليُوسُفيّ، البغداديّ.
طلب الحديث بنفسه، وأكثر، وحصّل الأصول. وهو من بيت علم ورواية.
سمع: أبا نصر الزَّيْنبيّ، وعاصم بْن الحَسَن، وعليّ بْن محمد بْن محمد الأنباريّ.
وحدَّث، وسمع منه جماعة.
وتُوُفّي في رابع ذي الحجَّة.
وكان أبوه يروى عن أبي عليّ المُذْهِب.
روى عنه: عبد الرحمن بن محمد القصْريّ، وصالح بن محمد الأزَجيّ.
33- عُبَيْد الله بن الحسن بن عُبَيْد الله بن شباب.
أبو المعالي البَرُوجِرْديّ، أخو القاضي شبيب.
شيخ مُعَمَّر، ممتَّع بحواسه.
سمع من: أبي محمد نصر الزَّيْنبيّ.
وحدَّث ببَرُوجَرْد بالْجَعْدِيّات غير مرَّة.
وتُوُفّي، رحمه الله، في شهر ربيع الأوّل، عن تسعين سنة.
34- عُبَيْد الله بن مسعود بن عبد العزيز2.
أبو البقاء الرّازيّ، ثمّ البغداديّ، القاضي. أخو عبد الله.
سمع: أبا الحسين بن المهتدي بالله، والصريفيني.
__________
1 المنتظم "10/ 70".
2 ذيل تاريخ بغداد لابن النجار "2/ 146-148".(36/179)
روى عنه: أبو المُعَمر الأنصاريّ، ويحيى بن بوش.
تُوُفّي فِي جُمَادَى الأولى.
35- عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن عبد الله1.
أبو الحَسَن الرَّبَعيّ، المَقْدِسيّ، التّاجر، الشّافعيّ.
قال ابن بَشْكُوال: له سَماع من أبي بكر، ومن نصر المقدسيّ. ودرس على أبي إسحاق الشّيرازيّ.
وسكن المَرِيَّة. أنبا عنه القاضي عِياض وقال: أنبأ أبو الحَسَن هذا، عن أبي بكر الخطيب، عن أبي حازم العَبْدويّ، فذكر حديثًا.
قال: وتُوُفّي سنة إحدى وثلاثين.
36- عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ.
أَبُو الحَسَن الهَرَويّ، الأديب، مؤدّب أولاد الوزير أنوشروان بن خالد.
حدَّث عن: البانياسيّ، ورزق الله التميمي.
37- علي بن المبارك بن علي2.
أبو الحسن الدردائي، ودرداء من قرى بغداد.
رئيس متمول.
حدث عن: أبي القاسم بن البُسْريّ.
روى عنه جماعة.
"حرف الكاف":
38- كامل بن بُجَيْر بن فارس بن يوسف.
الأديب، أبو الهيجا القِرْمِيسِينيّ.
شيخ صالح يؤدب الصبيان.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 423".
2 الأنساب "5/ 296"، معجم البلدان "2/ 449، 450".(36/180)
سمع: أباه، ومكّيّ بن بُجَيْر الهَمَذانيّ بهمذان، وأبا معشر الطبري بمكة.
وحدَّث، وأجاز لابن السَّمْعانيّ.
"حرف الميم":
39- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَليّ1.
أبو الحَسَن بن الأبراديّ، الزّاهد.
تفقّه وتعبَّد، وصحِبَ أبا الحسين بن النّاعوس، ووقف دارًا له بالبدْريَّة، مدرسة للحنابلة.
وتُوُفّي في ثاني رمضان ببغداد.
40- محمد بن أحمد بن الحَسَن2.
أبو بكر البَرُوجِرْديّ، الجوهريّ، رئيس بَرُوجِرد، بلدة عند هَمَذَان.
كان محتشمًا متموِّلًا، رحل وعُني بالحديث. وخرّج مُعْجَمًا لنفسه.
سمع ببلده من جماعة، وبالكرْخ من مكّيّ السّلّار، وبهَمَذَان من: صاويّ الكامخيّ، وحمد بن منصور، وأحمد بن عمر البَيِّع.
وبأصبهان من: أبي العلاء محمد الفُرْسانيّ، وأبي مطيع.
وببسطام، وساوة، ودامَغَان.
وسمع بنَيْسابور من: عليّ بن أحمد بن الأخرم، ونصر الله بن أحمد الخُشْناميّ.
وبمَرْو: أحمد بن عبد الوهاب المَرْوزِيّ.
وبهَرَاة: صاعد بن سليم القاضي، وأبا عطاء عبد الأعلى بن عبد الواحد المَلِيحيّ.
وببلْخ من: أحمد بن محمد الخليليّ.
وببغداد من: عليّ بن محمد العلّاف، وابن بيان، وخلق.
__________
1 المنتظم "10/ 70".
2 المنتظم "10/ 70، 71"، سير أعلام النبلاء "20/ 102، 103".(36/181)
روى عنه: المبارك بن كامل، ويحيى بن بوش.
قال ابن ناصر: كان تاجرًا، وما كان يعرف شيئًا من الحديث.
وقال السّمعانيّ: وُلِد سنة ستّين، وتُوُفّي في جُمَادَى الأولى.
قلت: كان يتّجر ويسمع بهذه النّواحي.
41- محمد بن أبي عليّ الحَسَن بن محمد بن عبد الله1.
أبو جعفر الهَمَذانيّ، الحافظ.
شيخ، صالح، ثقة مأمون، مُعَمَّر، رحل إلى العراق في سنة ستين وأربعمائة فسمع بها، ولكن لم يكن مُعْتنيًا حينئذٍ بالسّماع.
ثمّ سمع بعد ذلك من: أبي الحسين بن النقور، وأبي القاسم بن البسري، وهذه الطّبقة ببغداد.
ورحل إلى نَيْسابور: فسمع: الفضل بن عبد أبا صالح المؤذن، وأصحاب العلوي، وأبا نُعَيْم الإسْفَرَائينيّ.
وحجّ فسمع: أبا عليّ الشّافعيّ، وسعد بن عليّ الزَّنْجانيّ شيخ الحَرَم.
وسمع بهَرَاة شيخ الإسلام أبا إسماعيل.
وسمع "صحيح البخاريّ" من أَبِي الخير محمد بْن موسى الصّفّار.
وحدَّث "بجامع" أبي عيسى عن: أبي عامر الأزْديّ، ومحمد بن محمد بن العلاء، وأبي حامد ثابت بن أبي العبّاس بن سهلك القاضي، بسماعهم من الجراحي.
وسمع جماعة بهَمَذَان.
وكان من أئمة السُّنَّة، ومن مشايخ الصُّوفيَّة.
قال ابن السّمعانيّ: سافر الكثير إلى البلدان الشّاسعة، وسمع، ونسخ بخطه.
وما أعرف أنّ في عصره أحدًا سمع أكثر منه.
قال: وحُكيَ عنه أنّه قال: دخلت بغداد سنة ستّين، فكنت أحضر الشّيوخ، وأسمع، ولا أدعهم يكتبون اسمي، لأنّي كنت لَا أعرف العربية، ثم دخلت البادية
__________
1 المنتخب من السياق "70"، سير أعلام النبلاء "20/ 101، 102"، شذرات الذهب "4/ 97".(36/182)
فلم أزل أدور مع الظّاعنين من العرب حتّى رجعت إلى بغداد، فقال لي الشَيخ أبو إسحاق: رجعت إلينا عربيًا. وكان يسمّيني "الخثْعميّ"، لإقامتي في بني خَثْعَم في البادية.
قال ابن السّمعانيّ: وكان خطّه رديئًا، وما كان له كبير معرفة بالحديث على ما سمعت. وسمعت محمد بن أبي طاهر الصُّوفيّ بأصبهان يقول: سمعتُ أبا جعفر بن أبي عليّ يقول: تعسَّر عليَّ بعض شيوخي بجُرْجان، فحلفت أنّ لَا أخرج منها أو لَا أكتب كلّ ما عنده. فأقمت مدَّة. وكان يُخرج إليَّ الأجزاء والرقاع، حتّى كتبت جميع ما عنده.
روى عنه: أبو العلاء الهَمَذانيّ.
ومن القدماء: محمد بن طاهر المقدسيّ.
وآخر من روى عنه: عبد الرحمن بن عبد الوهّاب بن المُعَزّم الهَمَذانيّ.
تُوُفّي في منتصف ذي القعدة، وهو الّذي ردّ على إمام الحرمين في إثبات العُلُوّ لله، وقال: حيَّرني الهَمَذانيّ.
وقد روى عنه ابن عساكر.
42- محمد بن عبد الرحمن بن محمد1.
الهلاليّ، الخَلُوقيّ، المَرْوَزِيّ، إمامٌ، مفتٍ، عارف بالمذهب.
سمع: أبا الخير الصفار، ومحمد بن الحسن المهربندقشائي، وجماعة.
مات في ربيع الأوّل، عن ثمانٍ وسبعين سنة.
43- محمد بن عليّ2.
الخفّاف؛ بغداديّ، يعرف بابن الكُوفيَّة.
روى عن: أبي نصر الزينبي.
وتوفي في رجب.
__________
1 التحبير "2/ 154، 155"، الأنساب "5/ 185".
2 المنتظم "10/ 71".(36/183)
44- محمد بن الفضل بن عبد الواحد1.
القاضي أبو الوفاء النَّايَنْجيّ الأصبهاني. ويُعرف بابن حلَّة.
كان يتولّى القضاء بنايين، وهي ناحية من نواحي أصبهان.
قال ابن السّمعانيّ: شيخ كَيّس، سمع الكثير، وحصّل الأصول.
سَمِعَ: أَبَا بَكْر مُحَمَّد بْن أحمد بْن ماجة، وإبراهيم بن محمد القفّال، وطائفة، ورحل إلى بغداد فسمع من: طِراد، وابن البَطِر.
وخرّج له أبو نصر اليُونَارْتيّ.
وتُوُفّي بأصبهان.
45- محمد بن الفضل بن محمد2.
أبو بكر الأصبهاني، الخانيّ، المقرئ، من مُسْنِدي أصبهان.
روى عن: أبي مسلم بن مهريزد، وأحمد بن الفضل البطرقاني، وبكر بن حَيْد، وعليّ بن محمد الحَسْنَابَاذِيّ، وجماعة.
وعنه: السّمعانيّ، وغيره.
لم أظفر له بوفاة
46- محمد بن محمد بن أحمد3.
أبو نصر الخموشيّ، السَّرْخَسِيّ.
صدوق، مكثر، رئيس.
ولد سنة 443.
وسمع: زُهير بن الحَسَن الْجُذاميّ، وعبد الله بن عَباس العَبْدُوسيّ، وغيرهما.
روى عنه: أبو سعد السّمعانيّ، وأبوه.
مات في ربيع الآخر.
__________
1 التحبير "2/ 203-205"، الأنساب "12/ 25".
2 التحبير "2/ 208، 209"، الأنساب "5/ 31".
3 التحبير "2/ 217، 218".(36/184)
47- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن القاسم بن خميس.
أبو البركات المَوْصِليّ.
من بيت العلم والفضيلة بالمَوْصِل.
روى عن: أبي نصر أحمد بن عبد الباقي بن طَوْق.
وعنه: الصّائن هبة الله بن عساكر، والكمال محمد بن عبد الله بن الشّهْرُزُوريّ القاضي.
وسماع الكمال منه ببغداد سنة ثلاث عشرة وخمسمائة.
قال ابنه سليمان: تُوُفّي أبي في شوال هذه السنة، وكان مولده سنة 437.
48- المبارك بن عليّ بن أبي الجود.
أبو القاسم البغدادي، العَتّابيّ، من شارع العتّابّيين.
كان أمين القاضي.
سمع: أبا الحسين بن النَّقُّور.
روى عنه: أبو المعمر الأنصاري، وأبو القاسم بن عساكر.
تُوُفّي في شعبان.
49- مُرْشد بن عليّ بن نصر بن منقذ1.
أبو سلامة الشَّيْزَرِيّ.
من بيت الإمرة، والفُرُوسيَّة، والحشْمة.
كان سمْحًا، جوادًا، شجاعًا، شاعرًا، مليح الكتابة.
كتب مُصْحَفًا بالذَّهب، فجاء غايةً في الحُسْن.
وُلِد سنة ستين وأربعمائة بحلب، وسافر إلى أصبهان، وبغداد.
قال ابن عساكر: كان بارعًا في العربية، وبحُسْن الخطّ والشِّعْر. حَسَن التّلاوة، كثير الصّيام. بطلًا شجاعًا. نسخ بخطّه سبعين ختْمة. حدَّثني ابنه الأمير محمد، قال: لمّا مات عمّي صاحب شَيْزَر أبو المُرْهَف نصر بن عليّ أوصي بشَيْزَر لأبي،
__________
1 الأنساب "7/ 469"، الكامل في التاريخ "11/ 60، 61"، وفيات الأعيان "1/ 197، 198".(36/185)
فقال: واللهِ، لَا وُلِّيتُها، ولأخْرُجَنَّ من الدّنيا كما دخلت إليها، فولّاها أخاه أبا العشائر سلطان بن عليّ.
ومن شِعْر مرشد:
لنا منك يا سلْمى عذابٌ وتعذيبُ ... وجفنٌ قريحٌ دمعه فيكِ مسكوبُ
ووعدٌ كوعد الدَّهْر للحُرّ بالغِنَى ... ولكنّه بالمَيْن والمَطْلِ مقطوبُ
وهي قصيدة طويلة.
قال أبو المغيث بن مرشد: كنت عند أبي وهو ينْسَخ مُصْحَفًا، ونحن نتذاكر خروج الفرنج الروم، فرفع المُصْحَف وقال: اللهم بحق من أنزلته عليه، إنْ قضيت بخروج الروم فخُذ رُوحي ولا أراهم.
فمات في رمضان سنة إحدى وثلاثين بشَيْزَر، ونازَلَتْها الرّومُ في شعبان سنة اثنتين وثلاثين، ونصبوا عليها ثمانية عشر مَنْجَنِيقًا، ثمّ رحلوا عنها بعد حصار أربعةٍ وعشرين يومًا.
50- مكّيّ بن الحَسَن بن المُعَافَى1.
أبو الحَرَم السُّلَميّ، الْجُبَيْليّ.
سمع: أبا القاسم بن أبي العلاء، ومقاتل بن معكود.
وقال: إنّه سمع بطرابلس كتاب "الشهاب" من مصنِّفه. ووُلِد بجُبَيْل سنة أربعين، أو قبلها.
روى عنه: الحافظان السِّلَفيّ، وابن عساكر.
وتُوُفّي في جُمَادَى الأولى. وكان كثير التّلاوة في المُصْحَف، متين الدّيانة، صالحًا.
"حرف النون":
51- نصر بن الحسين بن الحَسَن2.
أبو القاسم بن الخبازة، البغدادي، الحنبلي، المقرئ.
__________
1 مختصر تاريخ دمشق "25/ 237".
2 المنتظم "10/ 71"، معرفة القراء الكبار "1/ 497"، غاية النهاية "2/ 335".(36/186)
قرأ بالروايات على عبد القاهر العبّاسيّ صاحب الكارَزِينيّ، وعليّ يحيى بن أحمد السبيتي صاحب الحمّاميّ.
وسمع من: طِراد الزَّيْنبيّ، وجماعة.
وحدَّث وأقرأ.
روى عنه: معمّر بن الفاخر، وأبو الفَرَج بن الجوزيّ، وغيرهما.
"حرف الهاء":
52- هبة اللَّه بْن أَحْمَد بْن عمر1.
أبو القاسم البغداديّ، الكُرَيْزيّ، المقرئ، المعروف بابن الطَّبَر.
قال الحافظ عبد الوهّاب الأنْماطيّ، شيخ مشهور، معمَّر، مقرئ، ثقة، صدوق، عارف بالقراءات. وُلِد يوم عاشوراء سنة خمسٍ وثلاثين وأربعمائة، وقرأ القرآن على أَبِي بَكْر محمد بْن عليّ بْن موسى الخيّاط في سنة إحدى وستّين، عن قراءته على أبي أحمد الفَرَضيّ، والسَّوْسَنْجِرديّ، وجماعة.
قرأ عليه: التّاج الكِنْديّ، وهو أقدم شيخ له.
وسمع الحديث من: أبي الحَسَن محمد بن عبد الواحد ابن زوج الحُرَّة، وأبي إسحاق البرمكيّ، وأبي طالب العشاريّ، وغيرهم.
روى عنه: أبو القاسم بن عساكر، وأبو موسى المَدِينيّ، ويحيى بن ياقوت النّجّار، وعبد الخالق بن هبة الله البُنْدار، والحسن بن عبد الرحمن الفارسيّ الصُّوفيّ، وعبد الله بْن أبي بَكْر ابن الطَّويلة، وعليّ بن محمد بن عليّ الأنباريّ، وعبد الرحمن بن أحمد العُمريّ، وفاطمة بنت سعد الخير، وبقاء بن حَيْد، وأبو الفتح محمد بن أحمد المنْدائيّ، وعمر بن طَبَرْزَد، والكِنْديّ، وآخرون.
وقال أبو الفرج بن الجوزيّ: كان صحيح السّماع، قويّ التّديُّن، ثَبْتًا، كثير الذِكْر، دائم التّلاوة. وهو آخر من حدَّث عن ابن زوج الحرة. سمعت عليه الكثير، وقرأت عليه.
__________
1 المنتظم "10/ 71"، الكامل في التاريخ "11/ 54"، سير أعلام النبلاء "19/ 593، 594".(36/187)
وكانت قوّته حَسَنة، كنت أجيء إليه في الحَرّ فيقول: اصعد سطح المسجد، فيسبقني في الدَّرَج. ومُتِّع بسمْعه وبَصَره وجوارحه إلى أنّ تُوُفّي في ثاني جُمَادَى الأولى عن ستٍّ وتسعين سنة وأشهُر ودُفِن بالشُّونِيزيَّة.
قلت: إنّما تُوُفّي في جُمَادَى الآخرة يوم الأربعاء، قاله أبو موسى المَدِينيّ.
وقال المبارك بن كامل: توفي في غرة جمادى الآخرة.
وقال ابن السّمعانيّ: سمعت حامد بن أبي الفتح المَدِينيّ يقول: مات يوم الأربعاء ثاني جمادى الآخرة ودُفِن يوم الخميس.
وقال أبو موسى المَدِينيّ: كان قد ذهب بصرُه وثمّ عاد بصيرًا.
53- هبة الله بن محمد بن الحَسَن.
الكاتب الأَزَجيّ.
سمع من: طِراد الزَّيْنبيّ، وأبي الحَسَن بن أيّوب.
روى عنه: أبو القاسم الحافظ.
وتُوُفّي في رمضان.
"حرف الياء":
54- يحيى بن الْحَسَن بْن أحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن البنّا1.
أبو عبد الله بن أبي عليّ البغداديّ.
قال ابن السّمعانيّ: شيخ صالح، من أهل الجانب الشّرقيّ، حسن السّيرة، مُكْثِر، واسع الرّواية.
ومُتَّع بما سمع، وعُمِّر حتى حدَّث بالكثير.
وكان حسن السّيرة والأخلاق، متودّدًا، متواضعًا، بَرًّا بالطَّلَبة، مُشْفِقًا عليهم.
سمعه أبوه من جماعة: أبي الحَسَن بن المهتديّ بالله، وأبي الحسين بن الأَبَنُوسيّ، وعبد الحميد بن المأمون، وأبي الحسين بن النقور. وأجاز لي، وحدثني عنه جماعة.
__________
1 سير أعلام النبلاء "20/ 6، 7"، عيون التواريخ "12/ 333"، شذرات الذهب "4/ 98".(36/188)
وسمعتُ الحافظ عبد الله بن عيسى بن أبي حبيب الأندلُسيّ يذكر هذا ويُثني عليه، ويمدحه ويُطْريه.
ويصِفُه بالعِلم، والتّمييز، والفضل، وحُسْن الأخلاق، وترك الفُضُول، وعمارة المسجد، وملازمته له.
وقال: ما رأيت في الحنابلة ببغداد مثله، وكان شيخنا عمر بن عبد الله البِسْطاميّ كثير الثّناء عليه، يصفه بالخير، والصّلاح، والعِلم، وكذلك كلّ من رأيته ممّن سمع منه كان يُثْني عليه ويمدحه.
قلت: روى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن عساكر، وأبو موسى، وابن الجوزيّ، وابن طَبَرْزَد، ويحيى بن ياقوت، وفاطمة بنت سعد الخير، وآخرون.
وُلِد في ذي القعدة سنة ثلاثٍ وخمسين وأربعمائة.
وتُوُفّي في ثامن ربيع الأوّل، رحمه الله.
وفيات سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة:
"حرف الألف":
55- أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الواحد بن محمد بن أبي ذَرّ.
أبو الوفاء الصّالْحانيّ، الأصبهانيّ.
من شيوخ أبي موسى المديني.
قال: سمعته يقول: ولدت في نصف رجب سنة خمسٍ وخمسين وأربعمائة.
وتُوُفّي في شوّال.
وكان صالحًا عابدًا، يحجّ كلّ سنةٍ عن النّاس، فيقال: إنّه حجّ نيِّفًا وأربعين حجَّة.
وحدَّث عن: عائشة الوَرْكانيَّة، وأبي سهل حمد بن دلكين، وجماعة.
وروى عنه: ابن عساكر، وسعد الله بن الواديّ.
56- أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن أيوب. أبو القاسم النَيْسابوريّ، القرّيّ. وقرّ: محلَّة.(36/189)
إمامٌ فاضل خيّر، سكن أستوا.
سمع: محمد بن إسماعيل التِّفْليسيّ، وفاطمة بنت الدّقّاق.
مات في هذه السّنة.
كذا ذكره. ابن السّمعانيّ في شيوخه.
57- أحمد بن سهل بن محمد المِيهَنيّ.
قاضي قرية ختن وخطيبها، من أعمال طوس.
سمع من: جدّه أبي الفضل العارف.
وعاش اثنتين وسبعين سنة.
مات في غرَّة صفر.
ذكره السّمعانيّ.
58- أحمد بن طاهر بن عليّ بن عيسى1.
أبو العباس الأنصاريّ، الخَزْرَجيّ، العُباديّ، من ولد مسعد بن عُبَادة -رضي الله عنه، الأندلَسيّ الدّانيّ، الفقيه.
سمع الكثير من: أبي داود المقرئ، وأبي عليّ الغسّانيّ، وأبي الحسين ابن شفيع، وجماعة.
ورحل إلى العَدْوَة، وصنَّف، وأفتى نيِّفًا وعشرين سنة.
قال ابن الأَبّار: كان ورِعًا، فاضلًا، نبيلًا، له مجموع في رجال مسلم.
روى عنه: ابنه محمد، وأبو العبّاس الإقليشيّ، وأبو عبد الله المِكْناسيّ.
وكان يميل إلى القَول بالظّاهر.
تُوُفّي في جُمَادَى الأولى.
59- أحمد بن ظَفَرَ بن أحمد2.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "1/ 76، 77"، بغية الملتمس "180"، تكملة الصلة لابن الأبار "1/ 44-46".
2 المنتظم "10/ 73".(36/190)
البغدادي المغازلي.
أخو المحدّث عمر بن ظَفَر.
قال ابن السّمعانيّ: شيخ صالح، مشتغل بكسْبه.
سمع: أبا الغنائم بن المأمون، وأبا محمد الصَّرِيفينيّ.
ووُلِد سنة 454، وتُوُفّي في سادس رمضان.
وسمعتُ منه جزءًا.
وقال ابن الجوزيّ: سمعت منه، وكان ثقة.
60- أحمد بن عبد الباقي بن الحسين بن منازل.
الشّيْباني، السّقْلاطونيّ، الحريميّ، أبو المكارم.
قال ابن السّمعانيّ: كان شيخًا، صالحًا، فقيرًا، معيلا، مكتسبًا.
كتب الكثير، وسمع: أبا الحسين بن النقور، وأبا نصر الزينبي، وغيرهما.
وكان مولده في صفر سنة ستين. وتوفي في أوائل صفر. كتبتُ عنه يسيرًا.
61- أحمد بن علي بن غزلون.
أبو جعفر الأموي، الأندلسيّ.
قال ابن بَشْكُوال: هو معدود في كبار أصحاب أبي الوليد الباجي، من أهل الحِفْظ، والمعرفة، والذّكاء.
تُوُفّي بالعُدْوة في نحو العشرين وخمسمائة، وقيل: سنة 24، وقيل: سنة 32وخمسمائة، وقد مرّ.
62- أحمد بْن عُمَر بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن محمد1.
الحافظ، أبو نصر الغازي. من كبار محدّثي أصبهان.
وُلِد في حدود سنة 448.
__________
1 التحبير "1/ 261"، الأنساب "9/ 115"، المنتظم "10/ 73، 74"، سير أعلام النبلاء "20/ 8، 9".(36/191)
قال ابن السّمعانيّ: ثقة، ديَّن، حافظ. واسع الرواية، كتب الكثير، وحصّل الكُتُب.
وما رأيت أكثر رحلة منه في شيوخي.
سمع: أبا القاسم عبد الرحمن، وعبد الرحمن ابني أبي عبد الله بن مَنْدَهْ، وابن شكرُوَيْه، وسليمان بن إبراهيم الحافظ، وجماعة كثيرة بأصبهان؛ وأبا الحسين بن النَّقُّور، وعبد الباقي بن محمد العطّار، وأبا القاسم بن البُسْريّ، وجماعة ببغداد؛ والفضل بن المُحِبّ، وأبا بكر بن خَلَف الشّيرازيّ، وطائفة بنَيْسابور؛ وشيخ الإسلام أبا إسماعيل، وأبا عامر محمود بن القاسم، وجماعة بهَرَاة؛ ومحمد بن عبد الملك المظفّريّ بسَرْخَس، وأبا عليّ التُّسْتَريّ بالبصرة.
روى عنه: ابن عساكر، وابن السّمعانيّ، والسِّلفيّ، وأبو موسى المَدِينيّ، والمؤيَّد ابن الأخوة، ومحمود بن أحمد المصريّ، وآخرون.
قال السِّلفيّ: كان من أهل المعرفة والحِفْظ، سمعنا بقراءته كثيرًا، وأملى عليَّ شيئًا.
وقال ابن السّمعانيّ: سمعت عليه الكثير، ونقلت من تاريخه. وكان جماعة من أصحابنا يفضلونه على إسماعيل بن محمد بن الفضل التَّيْميّ الطّلْحيّ في الإتقان والمعرفة، ولم يبلغ هذا الحدّ، لكنه كان أعلى سَنَدًا من إسماعيل وما كان يفرّق بين السّماع والإجازة.
قلت: اين " ... " السّماع والإجازة عنده في الاحتجاج " ... "1 وهناك سواء، إلّا أنّه لَا يعرف السّماع من الإجازة، فإنّ من له أدنى معرفة يدري أنّ السّماع شيءٌ والإجازة شيء.
قال السّمعانيّ: تُوُفّي في ثالث رمضان ودُفِن في بغداد. وحضرتُ دفنْه.
زاد غيره: صلّى عليه إسماعيل الحافظ.
63- أحمد بن الفضل بن أحمد بن سَمْكُوَيْه.
أبو العبّاس الأصبهانيّ، السّمكويّ، المهّاد، الخيّاط.
شيخ مُعَمَّر عامّيّ.
__________
1 بياض بالأصل.(36/192)
روى الكثير عن جدّه لأمّه أبي بكر محمد بن إبراهيم الحافظ، العطّار، وعبد الرّزّاق بن " ... "1 الباطِرْقانيّ.
أخذ عنه: السّمعانيّ، وابن عساكر.
مات بأصبهان.
64- أحمد بن الفضل بْن أَحْمَد بْن عَبْد الله.
أَبُو الْعَبَّاس القصْريّ، الأصبهانيّ، المميز، أحد الطلبة.
سمع الحديث الكثير وعُني به، وبالَغ، وقرأ على الشّيوخ.
وعُمّر دهرًا.
سمع: عائشة الوَرْكانيَّة، وعبد الوهّاب بن مَنْدَهْ.
وعنه: السّمعانيّ، وقال: بقي إلى هذه السَّنة، وقد جاوز الثّمانين.
65- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مَخْلَد بن عبد الرحمن بن أحمد ابن الحافظ الكبير بَقِيّ بن مَخْلَد بن يزيد2.
أبو القاسم الأندلسيّ، القُرْطُبيّ.
سمع من: أبيه بعض ما عنده، ومن محمد بن أحمد بن منظور الأشبيليّ.
وصحب أبا عبد الله محمد بن فَرَج الفقيه. وانتفع بصُحْبته.
وأجاز له أبو العبّاس العُذْريّ.
وبرع في الفقه وأفتى، وشُووِر في الأحكام. وهو من بيت عِلم وصيانة.
وكان بصيرًا بالأحكام، دَرِبًا بالفتوى، رأسًا في معرفة الشّروط وعِلَلها. أخذ النّاس عنه.
روى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن بَشْكُوال وَأَبُو بَكْر بْن خير، وأبو القاسم بن الشراط، وآخرون.
__________
1 بياض بالأصل.
2 الصلة لابن بشكوال "1/ 79"، العبر "4/ 87"، شذرات الذهب "4/ 98".(36/193)
قال ابن بشْكوال: سألت عن مولده، فقال: فِي شَعْبان سنة ستٍ وأربعين وأربعمائة.
قال: وتُوُفّي في يوم الخميس سلْخ ذي الحجَّة، وصلى عليه ابنه أبو الحَسَن.
66- أحمد بن محمد بن أحمد1.
أبو بكر بن أبي الفتح الدِّينَوَرِيّ، ثمّ البغداديّ، الفقيه الحنبليّ.
سمع من: رزق الله التميمي، وجماعة.
وتفقه على: أبي الخطاب.
وبرع في المناظرة.
وكان الإمام أسعد المِيهنيّ يقول: ما اعترض أبو بكر الدِّينَوَرِيّ على دليل أحد إلّا ثَلَمَه.
قال ابن الجوزيّ: قال لي شيخنا أبو بكر الدِّينَوَرِيّ: كنت أتفقّه على الإمام أبي الخطّاب، وكنت في بدايتي أجلس في آخر الحلقة والنّاس فيها على مَرَاتبهم، فجرى بيني وبين رجلٍ كان يجلس قريبًا من الشَيخ كلام.
فلمّا كان في اليوم الآتي جلست على عادتي، فجاء ذلك الرجل، فجلس إلى جانبي، فقال له الشَيخ: لم تركت مكانك؟ فقال: أترك مثل هذا فاجلس معه. يزري عليّ.
فَوَالله ما مضي إلّا قليلٌ حتّى تقدَّمت في الفِقْه، فصرت أجلس إلى جانب الشَيخ، وبيني وبين ذلك الرجل رجال.
تُوُفّي أبو بكر، رحمه الله، في جُمَادَى الأولى.
وكان من أئمة المذهب، إلّا أنّه كان لَحّانًا لَا يعرف النَّحْو.
روى عنه: أبو طاهر إبراهيم بن محمد بن حَمديَّة العُكْبَرِيّ، وغيره.
67- أَحْمَد بْن محمد بْن عَبْد الملك بْن عبد الغافر2.
أبو نصر الأسدي، البغدادي.
__________
1 المنتظم "10/ 73"، الكامل في التاريخ "11/ 66"، البداية والنهاية "12/ 213".
2 الأنساب "1/ 231، 232".(36/194)
سمع: أبا الفَرَج المَخْبَزيّ، وأبا بكر الخطيب.
وحدَّث.
تُوُفّي في ربيع الآخر.
ويُعرف بابن المطَّوِّعة.
روى عنه: ذاكر بن كامل، وعبيد الله بن محمد الشّاويّ القارئ.
68- أحمد بن محمد1.
أبو العباس الْجُذَاميّ، المُرْسِيّ، الزَنَقِيّ. وزَنَقا: بزاي، ونون، وقاف، قرية من عمل مَرْسِيَّة.
أخذ عن: أبي عليّ بن سُكَّرَة.
وأخذ عِلم الأُصول والكلام عن أبي بكر بن سابق الصَّقَلّيّ. وبرع في ذلك صنّف، وبَعُدَ صِيته.
روى عنه: أبو جعفر بن الباذش، وأبو عبد الله بن عبد الرحيم.
مات بعد الثّلاثين تقريبًا.
69- إبراهيم بن أحمد بن الحسين بن أحمد بن حَمْدان2.
أبو تمام الصَّيْمَريّ، رئيس بَرُوجِرْد.
وُلِد سنة ستٍ وأربعين وأربعمائة، وسمع بها.
وحجّ، وسمع بمكَّة من أبي مَعْشَر الطّبَريّ.
وببغداد من: أبي إسحاق الشّيرازيّ.
تُوُفّي ببَرُوجِرْد. وقد كان سمع بها من الحافظ يوسف بن محمد.
روى عنه: أبو سعد بن السّمعانيّ.
70- إسماعيل بن الحافظ أبي صالح المؤذن أحمد بن عبد الملك بن عليّ3.
النَيْسابوريّ، أبو سعد الفقيه، أحد الأئمة.
__________
1 بغية الشمس "165، 166".
2 المنتظم "10/ 74"، الأنساب "8/ 319".
3 التحبير "1/ 90"، المنتظم "10/ 74"، سير أعلام النبلاء "19/ 626-628".(36/195)
قال ابن السّمعانيّ: كان ذا رأي، وعقل، وعِلْم. برع في الفقه.
وكان له عزّ ووجاهة عند الملوك. تفقه على: أبي المعالي الْجُوَيْنيّ، وأبي المظفَّر السّمعانيّ.
وسمّعه أبوه أبو صالح المؤذن من طائفة كبيرة.
وكان مولده في سنة إحدى وخمسين وأربعمائة أو سنة اثنتين.
سمع أبو سعد: أباه، وأبا حامد أحمد بن الحَسَن الأزهريّ، وأبا بكر أحمد بن منصور المغربي، الحاكم أحمد بن عبد الرحيم الإسماعيليّ، وبكر بن محمد بن حَيْد التّاجر، وشجاع بن طاهر المؤدب، ونسيب بن أحمد السَّبِيعيّ، وأبا العلاء صاعد بن منصور بن محمد بن محمد الأزْديّ الهَرَويّ، وأبا القاسم عبد الكريم القُشَيْريّ، وعمر بن سعيد بن محمد البَحيريّ، والفقيه أبا الحَسَن عليّ بن يوسف الْجُوَينيّ، وأبا سهل محمد بن أحمد الحفْصيّ، وأبا بكر محمد بن الحسين الخبازيّ المقرئ، والمُسَيِّب بن محمد الأرْغِيانيّ، ويعقوب بن أحمد الصَّيْرفيّ، وغيرهم.
وأجاز له أبو سعد الكَنْجَرُوذيّ.
روى عنه: الحافظ محمد بن طاهر مع تقدُّمه في "معجم البلدان".
وأنبأنا أحمد بن سلامة، عن محمد بن إسماعيل، أنّ محمد بن طاهر أجازهم، قال: سمعت أبا سعد إسماعيل بن أحمد النَّيْسابوريّ ببردشير دار مملكة كرْمان يقول: سمعتُ محمد بن أحمد الصِّيّرفيّ، سمعتُ أبا عَمْرو البَحِيريّ الحافظ، سمعتُ محمد بن موسى الفقيه، سمعت إبراهيم بن محمد المَرْوَزِيّ، سمعت محمد بن سعيد الرِّباطيّ، سمعت أحمد بن حنبل يقول: طلبنا هذا العلم بالذُّلّ، فلا نُعْطي بالذُّلّ.
وروى عنه: أبو القاسم بن عساكر وأبو موسى المَدِينيّ، وأبو الفَرَج بن الجوزيّ، والقاضي أبو سعيد عبد الله بن أبي عَصْرون، وعبد الخالق بن عبد الوهّاب الصّابوني الخفّاف، وأبو القاسم هبة الله بن الحَسَن السِّبْط، وأبو طاهر عليّ بن فاذشاه، وعبد الواحد بن أبي المُطَهَّر القاسم بن الفُضَيْل الصَّيْدلانيّ.
وقال أبو موسى المَدِينيّ: أنا أبو سعد إسماعيل بن أبي صالح أحمد النَيْسابوريّ الواعظ، الكِرْمانيّ المنزِل. قدِم علينا مِرارًا رسولًا إلى السّلطان من كرمان.(36/196)
وتُوُفّي في آخر شوّال.
وقال ابن الْجَوْزيّ: تُوُفّي ليلة الفِطْر.
زاد غيره: بكِرْمان.
وقال أبو سعد السّمعانيّ: كان ذا رأيٍ، وعقل، وتدبير، وفضل وافر، وعِلْم غزير.
ظهر له العِزّ، والجاه، والثروة. وبقي بكِرْمان.
وقال ابن عساكر في "تبيين كذِب المفتري": كان إمامًا في الأصول والفقْه، حسن الطّريقة، مقدَّمًا في الذِّكْر. وكان وجيهًا عند السّلطان بكِرْمان، مُعَظَّمًا في أهلها، محترمًا بين العلماء في سائر البلاد.
قرأ "الإرشاد" على إمام الحَرَمَيْن.
"حرف الباء":
71- بختيار بن محمد بن الحسين بن محمد الأصبهانيّ الخلّال1.
ابن عمّ الحسين بن عبد الملك الخلّال.
أجاز له عبد الرّزّاق بن شمة.
سمع منه: أبو سعد السّمعانيّ سنة إحدى وثلاثين، ومات بعد ذلك.
وكان مُعَمَّرًا.
72- بدر بن ثابت بن رَوْح2.
أبو الرجاء الأصبهانيّ، الرّارانيّ، الصُّوفيّ، الرجل الصّالح.
والد المُعَمَّر أبي سعيد خليل الرّارانيّ.
سمع: إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطّيّان، وأبا الخير بن ررا، وجماعة.
سمع منه: أبو سعد السّمعانيّ، وابن عساكر.
مات في رمضان عن نحو سبعين سنة.
__________
1 التحبير "1/ 131، 132".
2 التحبير "1/ 132، 133"، الأنساب "6/ 39".(36/197)
73- بدر بن عبد الله1.
أبو النَّجْم الشّيحيّ، الأرمني، مولى المحدث عبد المحسن الشيحي.
سمع الكثير من مولاه، وطال عُمره.
وحدَّث عن: أبي بكر الخطيب، وأبي جعفر ابن المسلمة، وعبد الصَمد بْن المأمون، والصَّرِيفينيّ، وجماعة.
وما كان يعرف شيئًا.
روى عنه: أبو القاسم بن عساكر، وأبو سعد السّمعانيّ، وأبو موسى المَدِينيّ، وجماعة.
قال أبو سعد: سمعتُ بعض الطَّلَبَة يقول، والعهْدة عليه: طلبت من بدر الشيحي إجازة لبعض النّاس، فقال: كم تستجيزون؟ ما بقي عندي إجازة أُجيزها لكم.
روى عنه: أبو الفرج بن الجوزي وقال: كان سماعه صحيحًا.
وتُوُفّي في رابع وعشرين رمضان من ثمانين سنة، ودُفِن عند مولاه.
قلت: آخر من حدَّث عنه أبو الفَرَج محمد بن هبة الله الوكيل.
74- بُزْوَاش2.
مقدَّم عساكر دمشق، سار بالجيش فحارب الفرنج ونُصِر عليهم، وجاء الْجُنْد بالسَّبيّ، وكان شجاعًا، فاتكًا، مفسدًا، في شرّ وجهل.
استوحش من صاحب دمشق شهاب الدّين محمود بن بُوريّ، فأقام بظاهر البلد.
ثمّ راسله وخدعه، فدخل إليه فتركه أيامًا، وقتله على يد الشّمسيَّة، وأُخرِج ملفوفًا في كِساء، ودُفن بقبّته الّتي بالعُقَيْبَة، تُعرف بقُبَّة بُزْوَاش. ووُلّي أتابكيَّة العسكر بعده مُعِين الدّولة أنز.
__________
1 الأنساب "7/ 442، 443"، المنتظم "10/ 74"، سير أعلام النبلاء "20/ 48".
2 الكامل في التاريخ "11/ 50"، تاريخ ابن الفرات "8/ 79"، الدرة المضية "518".(36/198)
75- بُقُش السّلاحيّ1.
من كبار أمراء الدّولة.
قال ابن الجوزيّ: قبض عليه السّلطان، وحُبِس بتِكْريت. ثمّ أمر بقتْله بعد قليل، فغرّق نفسه، فأُخرج من الماء وقُطِع رأسه وَحُمِلَ إلى السّلطان.
"حرف الحاء":
76- الحَسَن بن أحمد بن محمد2.
الواعظ أبو علي الأنصاريّ، الصُّوفيّ، الملقب بالبركان.
سمع: رزق الله التّميميّ، والنّعاليّ.
وعنه: السّمعانيّ، وابن سُكَيْنَة، وجماعة.
مات في شوّال.
77- الحَسَن بن عليّ بن الحَسَن بن عُبَيْد الله.
أبو محمد العلويي، الحُسينيّ، البلْخيّ، الرئيس.
أحد الكبار المذكورين بالسّخاء والْجُود، ومحبَّة العلماء.
كانت داره مجمع الفُضَلاء.
سمع: أبا علي الوحشي، وغيره.
وحدث بـ"سنن أبي داود".
روى عنه: محمد بن عليّ بن ياسر الحِنّائيّ.
78- الحسين بن تكمش بن بزدمر3.
أبو الفوارس التُّرْكيّ، ثمّ البغداديّ.
سمع: مالكًا البانياسي، ورزق الله التميمي.
__________
1 المنتظم "10/ 74".
2 البداية والنهاية "12/ 213"، عيون التواريخ "12/ 335".
3 عيون التواريخ "12/ 336، 337".(36/199)
وتصوّف، وصحب أبا بكر الطُّرَيْثيثيّ.
وكان حسن السّيرة، له شِعْر وكلام في المعرفة.
تُوُفّي في شعبان.
79- الحسين بْن طلْحة بْن الْحُسَيْن بْن أَبِي ذَرّ محمد بن إبراهيم الصالحاني1.
أبو عبد الله. أصبهانيّ، جَلِد، مُسِنْد.
كان يؤدب.
حدَّث عن: أبي القاسم إبراهيم سِبْط بحرويه.
روى عنه: ابن السّمعانيّ، وابن عساكر، وأبو موسى، وآخرون.
وتوفي في شوال، أو في ذي القعدة، قاله أبو موسى.
وقال عبد الرحيم الحاجّيّ: تُوُفّي في أواخر رجب. وكنّاه: أبا منصور.
وقال ابن السّمعانيّ: مولده في سنة 449.
80- الحسين بن عبد الملك بن الحسين بن محمد بن عليّ2.
الشَيخ أبو عبد الله الأصبهانيّ، الخلّال، الأديب، النَّحويّ، البارع، المحدّث، الأثريّ.
سمع: أبا الفضل عبد الرحمن بن الحسين الرازيّ، وأحمد بن محمود الثقفيّ، وأبا طاهر عمر الحُرفيّ، وإبراهيم بن منصور السُّلَميّ السِّبْط، وعبد الرّزّاق بن هتمة، وأبا الفضل أحمد الباطِرْقانيّ، وسعيد بن أبي سعيد العيّار، وعبيد الله وعبد الرحمن وعبد الوهّاب أولاد ابن مَنْدَهْ، وطائفة.
وقدِم بغداد وسمع بها من: أَبِي القاسم بْن بيان، وابن نبهان؛ وحدَّث بها بالبخاريّ، عن العيّار.
وكان أحد من عني بهذا لشأن.
ولد في صفر سنة ثلاثٍ وأربعين وأربعمائة.
__________
1 التحبير "1/ 232"، معجم البلدان "3/ 362، 363".
2 التحبير "1/ 13"، سير أعلام النبلاء "19/ 620، 621"، الوافي بالوفيات "12/ 420".(36/200)
روى عنه: أبو سعد السمعاني، وأبو القاسم الدّمشقيّ، وأبو موسى المَدِينيّ، وأبو المجد زاهر بن أحمد الثّقفيّ، وأبو نَجِيح فضل الله بن عثمان، والمؤيَّد ابن الأخْوة، ومحمود بن أحمد المُضَريّ، وتقيَّة بنت أَمُوسان، ومحمد بن أبي نجيع النُّعْمانيّ، ومحمد بن مَعْمَر بن الفاخر، وخلق سواهم.
قال ابن السمعاني: رأيته بعد أنّ أضرّ وكبر، وكان حسن المعاشرة والمحاورة، بسّامًا، كثير المحفوظ.
قرأ عليه ابن ناصر "صحيح البخاريّ".
وكان عزيز النَّفْس، قانعًا، لَا يقبل من أحدٍ شيئًا، مع احتياجه.
خرّج له محمد بن أبي نصر اللَّفْتُوانيّ مُعْجَمًا في أكثر من عشرة أجزاء.
قلت: سمع منه "البخاريّ": عبد الرحمن بن جامع، وعبد الخالق بن وهاب الصّابونيّ.
وسمع منه "مُسْنَد أبي يَعْلَى" بروايته عن سِبْط بحرُوَيْه: أبو القاسم بن عساكر، والمؤيَّد هشام ابن الأخوة، وزاهر الثقفيّ.
وحدَّث بمُسْنَد الرُّويَانيّ، عن أبي الفضل الرّازيّ.
وكان ثقة صدوقًا، إمامًا في العربية، كثير المحاسن.
تُوُفّي، رحمه الله، في حادي عشر جُمَادَى الأولى، وكان يلقَّب بالأَثَريّ.
81- الحسين بن علي بن الحسين بن أحمد بن أشليها1.
أبو عليّ الدّمشقيّ.
سمع: أَبَا القَاسِم بْن أبي العلاء، ونصر المقدسيّ، وغيرهما.
روى عنه: الحافظ ابن عساكر، وعبد الخالق بن أسد، وغيرهما.
وتُوُفّي في جُمَادَى الأولى، وله اثنتان وثمانون سنة.
82- حَيْدَرَةُ بن بدر.
أبو يَعْلَى العبّاسيّ، الهاشمي، ثم الرشيدي، الواسطي، المعدل.
__________
1 مختصر تاريخ دمشق "7/ 114".(36/201)
سمع "شهاب القضاعي" من الحُمَيْديّ.
رواه عنه أبو الفتح المنْدائيّ. مات في جُمَادَى الأولى، قاله الدَّبِيثيّ.
"حرف الخاء":
83- خَالِد بْن عُمَر بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه1.
أبو الفتح الأصبهانيّ، أخو الحافظ أبي نصر الغازيّ.
روى عن: أبي عَمْرو بن مَنْدَهْ.
وعنه: أبو موسى المَدِينيّ، وغير واحد.
تُوُفّي في صفر.
84- خَلَف بن يوسف بن فرتون2.
أبو القاسم بن الأبرش، الأندلسيّ، الشنتريني، النحوي.
روى عن: عاصم بن أيّوب، وأبي الحسين بن السراج، وأبي علي الغساني.
وكان رأسًا في العربية واللُّغات، مع الفضْل، والدّين، والخير، والانقباض.
وكان كثير التَّجَوّل في الأندلس.
ومن محفوظاته كتاب "سيبويه".
وهو القائل:
لو لم يكن لي آباء أَسُودُ بهم ... ولم يُثبت رجالُ العُرْب لي شَرَفا
ولم أنَلْ عند ملكِ العصرِ منزلةٍ ... لكان في سِيبوَيْه الْفَخْرُ لي وكفا
تُوُفّي بقُرْطُبة في ذي القعدة، ولم يقرأ عليه كثيرُ أحدٍ لأخلاقه.
"حرف السين":
85- سعدة بنت السلطان بركياروق.
__________
1 الأنساب "9/ 116".
2 الصلة لابن بشكوال "1/ 177"، بغية الملتمس "722"، بغية الوعاة "1/ 557".(36/202)
زوجة السّلطان مسعود.
تُوُفّيت بهَمَذَان.
86- سعيد بن أبي الرجاء محمد بن أبي منصور بكر بن أبي الفتح بن بكر بن الحَجَّاج1.
أبو الفَرَج الهَمَذانيّ، الصَّيْرفيّ، الخلّال، السِّمْسار في الدُّور.
وُلِد سنة أربعين تقريبًا، وسمع سنة ست وأربعين وأربعمائة من أحمد بن محمد بن النُّعْمان القضّاض "مُسْنَد العَدَنيّ"، بروايته عن ابن المقرئ.
وسمع "مُسْنَد أحمد بن مَنِيع"، من الشَيخ عبد الواحد بن أحمد المعلّم.
وحدَّث بالكتابين، وبمُسْنَد أبي يَعْلَى، رواه مُلَفَّقًا عن إبراهيم سِبْط بحرُوَيْه، عن ابن النُّعْمان.
وحدَّث أيضًا عن: أحمد بن الفضل الباطِرْقانيّ، ومنصور بن الحسين، وعبد الله بن شبيب، وأبي نصر إبراهيم بن محمد الكِسائيّ، وأبي جعفر أحمد بن محمد بن هاموشة، وأبي مسلم محمد بن عليّ بن مِهْرَبُزْد، وسعيد بن أبي سعيد العيّار، وخلْق.
روى عنه: الحافظان ابن السّمعانيّ، وابن عساكر، وأبو موسى، وأبو الخير عبد الرحيم بن موسى، وعبد الواحد بن محمد التّاجر، ومحمد بن أبي القاسم بن الفضل، ومحمود بن أحمد الثّقفيّ الخطيب، ومحفوظ بن أحمد الثّقفيّ، وزاهر بن أحمد الثّقفيّ، وأبو مسلم ابن الأخوة، وعائشة بنت مَعْمَر، وعين الشّمس بنت أبي سعيد ابن سُلَيم، وزليخا بنت أبي حفص الغَضَائريّ، وآخرون.
وكان عبد الرحيم ابن الأخوة يقول: ثنا سعيد بن أبي الرجاء الدُّوريّ، لأنّه كان يبيع الدُّور.
وقد سئل أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل عنه فقال: كثير السّماع، لَا بأس به.
__________
1 دول الإسلام "2/ 53"، سير أعلام النبلاء "19/ 622، 623"، شذرات الذهب "4/ 99".(36/203)
وقال أبو سعد السّمعانيّ: شيخ، صالح، مُكثِر، صحيح السماع. سمعه خاله الكثير، وعمر. وكان حريصًا على الرواية. سمعت منه الكثير، ولازَمْتهُ. قال لي: رويت ببغداد جزءًا واحدًا.
تُوُفّي في تاسع عشر صفر. وخاله هو محمد بن أحمد الخلّال.
"حرف الطاء":
87- طلحة بن أبي غالب بن عبد السّلام1.
أبو محمد البغداديّ، الرُّنانيّ الفواكهيّ، سِبْط يوسف المِهْروانيّ.
قال ابن السّمعانيّ: كان فقيرًا، مستورًا، صحيح السّماع، مشتغلًا بالكسب يحرّر النّعال واللّوالك.
سمع من: القاضي أبي يَعْلَى بن الفرّاء مجلسين وجزءًا.
روى عنه: أبو القاسم بن عساكر، وأبو موسى المَدِينيّ، وأبو اليُمْن الكِنْديّ، وآخرون.
قال ابن السمعاني: لم يتّفق لي السّماع عنه.
تُوُفّي في ربيع الآخر أو بعده.
قلت: قلّ ما سمع هذا الشَيخ.
"حرف العين":
88- عبد الرحمن بن الحسين بن نصر بن عُبَيْد الله بن المُرْهَف.
أبو القاسم النّهاونْديّ، الفقيه.
ولي القضاء مدَّة ببلده.
وكان أبوه قد سكن بغداد، ووُلِد بها أبو القاسم، وسمع من شيوخها من: هَزَارْمُرْد الصَّرِيفينيّ، وأبي الحسين بن النَّقُّور، وطائفة.
وحدَّث ببلده.
__________
1 الأنساب "11/ 537".(36/204)
قال أبو سعد السّمعانيّ: خرجت من بروجرد إلى نهاونْد قاصدًا لأكتب عن أبي القاسم، فلمّا وصلت إليها لقيت جنازةً وجماعةً تشيّعها، فسألت: جنازة من؟ فقيل لي: جنازة القاضي أبي القاسم بن المُرْهَف.
فنزل بي من الحُزْن والتّحسُّر ما الله به عليم.
وكان قد تُوُفّي بهَمَذَان، وحملوه إلى بلده نهاوند، ودُفِن بها في المحرَّم.
89- عَبْد الملك بْن عَبْد العزيز بْن عَبْد الملك بْن أَحْمَد بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بن شريعة1.
أبو مروان اللَّخْمي، الباجيّ، من عُلماء إشبيلية.
روى عن: أبيه، وعمه أبي عبد الله محمد، وأبي عمر محمد، وابن عمّه عبد الله بن عليّ.
قَالَ ابن بَشْكُوال: كَانَ من أهل الحِفْظ للمسائل، متقدمًا في معرفتها، استُقْضِي بإشبيلية مرَّتين.
وكان من أهل الصّرامة والنُّفوذ في أحكامه.
وقد ناظَرَ النّاس، وتفقّهوا عليه.
وحدَّث، وكُفّ بصَرَه.
وتُوُفّي في رجب، وله خمسٌ وثمانون.
90- عبد الملك بن عبد الواحد بن الحسن.
أبو الفضل بن زُرَيْق الشّيْبانيّ، البغداديّ القزّاز.
عم الشَيخ أبي منصور عبد الرحمن.
شيخ صالح، سمع: أبا الحسين بن النَّقُّور.
قال ابن السّمعانيّ: حدَّثني عنه جماعة من أصحابنا.
91- عبد المنعم بْن أَبِي القَاسِم عَبْد الكريم بْن هوازن2.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 365، 366"، بغية الملتمس للضبي "381".
2 الأنساب "10/ 156". المنتظم "10/ 75".(36/205)
أبو المُظَفَّر بن القُشَيْريّ النَّيْسابوريّ.
آخر من بقي من أولاد الشَيخ.
وُلِد سنة خمسٍ وأربعين وأربعمائة، وسمع "مُسْنَد أبي يَعْلَى" من أبي سعد الكَنْجَرُوذيّ، وسمع "مُسْنَد أبي عَوَانَة" من أبيه.
وسمع من: أبي عثمان سعيد بن محمد البَحِيريّ، وأبي بكر البَيْهقيّ، وأبي الوليد الدّربَنْديّ، وأبي بكر بن خَلَف المغربيّ، وجماعة بنَيْسابور.
وأبا الحسين بن النَّقُّور، وأبا القاسم يوسف النَهْروانيّ، وعبد العزيز بن عليّ الأنماطيّ، وعبد الباقي بن غالب العطّار ببغداد.
وأبا عليّ الشّافعيّ، وأبا القاسم الزَّنْجانيّ بمكَّة.
وحدَّث بنَيْسابور، وبغداد.
روى عنه: عبد الوهّاب الأنْماطيّ، وأبو الفتح محمد بن عليّ بن عبد السّلام، وأبو القاسم بن عساكر، وأبو سعد السّمعانيّ، وعبد الرّحيم بن الشَّعيريّ، وأخته أمّ المؤيَّد زينب، وجماعة.
وقد ذكره ابن السّمعانيّ فقال: شيخ، ظريف، مستور الحال، سليم الجانب، غير مداخل للأمور.
نشأ في حجْر أخيه أبي نصر، وحجّ معه.
ثمّ خرج ثانيًا إلى بغداد، وأقام بها مدَّة، وخرج إلى كِرْمان في أيّام الصّاحب مُكْرَم ابن العلاء، فأنعم عليه.
سمعت منه "مُسْنَد أبي عَوَانَة" وأحاديث السراج في اثني عشر جزءًا، والرسالة لوالده.
وكان حَسَن الإصغاء إلى ما يُقرأ عليه.
كان ابن عساكر يفضّله في ذلك على الفُرَاويّ.
وفد بغداد ثالثًا، وحدَّث بها.
تُوُفّي بين العيدين.(36/206)
وقد ذكره ابن أخته عبد الغافر في "تاريخه".
وقال في ترجمته: وقد خرّج له أبوه جزءًا جزءًا الفوائد، سمعتُ منه.
وقال ابن النّجّار: قال السّمعانيّ: لزِم البيت، واشتغل بالعبادة وكتابة المصاحف رحمه الله.
92- عبد الواحد بن حَمْد بن عبد الواحد1.
أبو الوفا الأصبهانيّ، الشّرابيّ، الصّبّاغ، من شيوخ أبي موسى المَدِينيّ.
تُوُفّي في ثامن جُمَادَى الأولى.
سمع: أبا طاهر بن محمود الثقفيّ، وأبا القاسم إبراهيم سِبْط بحرُوَيْه، وأبا عثمان العَيّار.
وكان محتاجًا، مُقِلًّا، يطلب على الرّواية.
وكان ديِّنًا محلُّه الصِّدْق.
وُلِد سنة ستٍّ وأربعين.
روى عنه أيضًا ابن السّمعانيّ.
93- عليّ بْن مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن بكّار2.
أبو الحسين البغداديّ، المقرئ، الوِقاياتيّ.
حدَّث عن: مالك البانْياسيّ.
وليس بثقة، كان يُلْحِق اسْمَه في الطِّباق.
94- عليّ بن الخَضِر السُّلَميّ، الدّمشقيّ.
المعدَّل.
زوج بنت القاضيّ، الزّكيّ، أبي الفضل.
صحِب الفقيهَ نصرَ المقدسيّ، وحدَّث عنه باليسير.
__________
1 التحبير "1/ 494"، لسان الميزان "4/ 79".
2 الأنساب "12/ 282، 283".(36/207)
95- عَليّ بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن سعيد بن مَوْهب1.
أبو الحَسَن الْجُذَاميّ، الأندلسيّ، المُرِيّيّ.
مُكثر عن: أبي العبّاس العُذْريّ.
وروى أيضًا عن: أبي إسحاق بن وَرْدُون القاضي، وأبي بكر ابن صاحب الأحباس القاضي.
وأجاز له أبو عمر بن عبد البر، وأبو الوليد الباجي.
قَالَ ابن بَشْكُوال: كَانَ من أهل المعرفة، والعلم، والذّكاء، والفَهْم.
صنَّف في التّفسير كتابًا مفيدًا، وله معرفة في أصول الدّين وحجّ، وأخذ النّاس عنه.
وكتب إلينا بالإجازة.
وُلد في عاشر رمضان سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، وتُوُفّي في السّادس عشر من جُمَادَى الأولى، وله إحدى وتسعون سنة.
كَتَبَ إِلَيَّ سَعْدُ الْخَيْرِ وَغَيْرُهُ أَنَّ أَبَا الْقَاسِمِ بْنَ ... أَخْبَرَهُمْ: أن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَشِيرِيُّ بِحَلَبَ سَنَةَ تسعٍ وخمسين وخمسمائة، أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ الْجُذَامِيُّ، أنا أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْحَافِظُ: أَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّدِ بْن عَبْد الْمُؤْمِنِ، نا مُحَمَّدُ بْن يَحْيَى بْن عَمْر بْن عَلِيّ بْن حَرْبٍ: ثنا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، نا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ سَمِعَ ذَرًّا يَقُولُ: أَتَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قُلْتُ: ابْتِغَاءَ الْعِلْمِ.
قَالَ: إِنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضَى بِمَا يَطْلُبُ.
كَذَا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ موقوفًا.
96- عليّ بن عليّ بن عُبَيْد الله2.
أبو منصور البغدادي، الأمين.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 426"، العبر "4/ 88"، سير أعلام النبلاء "20/ 48، 49".
2 المنتظم "10/ 75"، سير أعلام النبلاء "20/ 49، 50"، شذرات الذهب "4/ 100".(36/208)
سمع "الْجَعُدِيّات" من الصَّرِيفينيّ.
وسمع من: جعفر السّرّاج، وأبي الحَسَن العلّاف، وأبي عبد الله النّعالي.
روى عنه: ابنه عبد الوهّاب ابن سُكَيْنَة، وأبو سعد السّمعانيّ، وابن عساكر، وأبو موسى، وآخرون.
كان يسكن دار الخلافة، ثمّ انتقل إلى ربطا صهره شيخ الشّيوخ.
قال ابن السّمعانيّ في "الذّيل": شيخ كبير، متديِّن، ثقة خيِّر، كثير الصّلاة، والصّدقة، والخيرات، مبادرًا إلى الطّاعات، صام صوم داود خمسين سنة.
وكان مع هذه العبادة حسن المعاشرة، دمث الأخلاق، صحِب الكبار، وتخلْق أخلاقهم. ما رأيت في البغداديين مثله.
ولد في المحرم سنة تسعٍ وأربعين وأربعمائة، وتُوُفّي في خامس ذي القعدة، وجاءنا نعيه ونحن بالحِلَّة متوجهين إلى الحجّ.
وروى ابن الْجَوزيّ وقال: كان تحت يده أموال اليَتَامَى.
97- علي بن قاسم بن مُظَفَّر بن عليّ1.
أبو الحَسَن بن الشّهْرُزُوريّ المَوْصليّ الشافعيّ القاضي.
قال ابن عساكر: ولي قضاء واسط، ثمّ قضاء الرحبة، ثمّ قضاء الموصل.
وقد قدم مع قسيم الدّولة زنكي حين حاصر دمشق.
وكان حَسَن الاعتقاد، فَهِمًا، رجلًا من الرجال.
تُوُفّي بحلب في رمضان، وحُمِل تابوته إلى الرَّقَّة.
وهو أحد الإخوة.
98- عليّ بن هبة الله.
البصْريّ، البزّاز، المغفّل.
سمع الكثير من: أبي عليّ بن المهتدي، وطبقته.
__________
1 ذيل تاريخ دمشق "266".(36/209)
وكتب بخطّه.
وله حكايات في التّغفّل، قيل رآه بعضهم ويداه مفتوحتان، كأنه يعانق شيئًا، فقيل: ما شأنك؟ قال: طلبت أمّي أُجّانَة في هذا القدْر.
وقال آخر: لقِيتُه ومعه كُوز زيت يَرْشَح، فأعلمته، فقلبه ليرى الخُرْم، فساح الزّيت على ثيابه.
وكان رجلًا خيِّرًا.
99- عمر بن محمد بن عَمُّوَيْه بْن سعْد بْن الحَسَن بْن القاسم بْن عَلْقَمَة بْن النَّضْر بْن مُعَاذ بْن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بكر الصِّدّيق1.
التَّيْميّ، البكْريّ، أبو حفص السَّهْرُوَرْدِيّ، الصُّوفيّ، نزيل بغداد.
تفقَّه على أبي القاسم الدّبُّوسيّ، وخَدَم الصُّوفيَّة في رباط الشّرط بالجانب الشّرقيّ.
وسمع: عاصم بن الحَسَن، ورزق الله التميمي، وغيرهما.
سمع منه: أبو شجاع عمر البِسْطاميّ، وابن أخيه أبو النّجيب عبد القاهر السَّهْرُوَرْدِيّ.
وكان جميل الأمر، مَرْضِيّ الطّريقة.
لبس منه الخِرْقَة أبو النّجيب.
وكان مولده سنة 455.
وتُوُفّي ثامن ربيع الأوّل.
وهو إدراك شيخ الرباط المذكور.
"حرف الفاء":
100- فاطمة بنت عليّ بن المُظَفَّر بن الحسين بن زعبل2.
البغدادي أبوها، النيسابورية، أم الخير.
__________
1 المنتظم "10/ 75".
2 التحبير "2/ 430، 431"، الأنساب "1/ 297"، سير أعلام النبلاء "19/ 625، 626".(36/210)
قال أبو سعد السّمعانيّ: هي امرأة صالحة، من أهل القرآن.
تعلِّم الجواري القرآن.
سمِعَتْ من أبي الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي جميع "صحيح مسلم"، و"غريب" الخطّابيّ أيضًا، وغير ذلك.
مولدها في سنة خمسٍ وثلاثين وأربعمائة، وتُوُفّيت في أوائل المحرَّم سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاثِينَ، وَقِيلَ: سَنَةَ ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ.
قلت: روى عنها ابن السَّمْعانيّ، وابن عساكر، والمؤيَّد، وزينب الشَّعْريَّة.
"حرف الميم":
101- محمد بن إبراهيم بن غالب1.
أبو بكر العامريّ، الأندلسيّ، الشّلْبيّ، خطيب شلْب.
أخذ العربيَّة عن أبي الحَجّاج الأعلم، وبرع في الآداب، وأشتهر بها، وطال عُمره.
وسَمِعَ "صحيح الْبُخَارِيّ" من أَبِي عَبْد اللَّه بْن منْظُور.
وتُوُفّي فِي جُمادى الأولى، وله ستُّ وثمانون سنة.
قاله ابن بَشْكُوال.
وتُوُفّي ابن منظور سنة سبعٍ وستين.
102- محمد بن إبراهيم بن محمد بن أحمد2.
أبو بكر المَرْوَرذي، ثمّ البلْخيّ.
من مسموعاته: "جامع التِّرْمِذيّ"، عن أبي عبد الله محمد بن محمد المحمَّديّ، عن أبي القاسم الخزاعي، عن الهيثم بن كُلَيْب، عنه.
حدَّث في هذا العام.
قاله السمعاني.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 582".
2 التحبير "2/ 56، 57".(36/211)
103- مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بن أحمد1.
أبو غالب الصَّيْقَليّ، الدّامَغَانيّ، ثمّ الْجُرْجانيّ.
نزيل كرْمان.
وُلِد سنة ثلاثٍ وخمسين وأربعمائة.
ورحل في طلب الحديث، وسمع الكثير.
وكان صالحًا ثبتًا، من أهل السُّنَّة.
روى عن: الفُضَيْل بن عبد الله المُحِبّ، وأبي عَمْرو بن منده، وإسماعيل بن مَسْعَدَة، وغيرهم.
روى عنه: أبو موسى المَدِينيّ.
وتوفي في هذه السّنة بكِرْمان.
وكان كبير الصُّوفيَّة هناك.
وروى عنه: عبد الخالق بن الصّابونيّ، وأبو سعد السّمعانيّ.
104- محمد بن حسين بْن أحْمَد بْن مُحَمَّد2.
أَبُو عَبْد اللَّه الأنصاريّ، الأندلُسيّ، المَرِيّيّ.
روى عَنْ: أبي عليّ الغسّانيّ، وأبي محمد بن أبي قُحَافة، ويزيد بن أبي المعتصم، وعبد الباقي بن محمد.
وصحِب الشَيخ أبا عمر بن الْتمتاش الزّاهد.
وكان متحقّقًا بالحديث ونقله، منسوبًا إلى معرفة الرجال.
له كتابٌ مليحٌ في الجمع بين "الصَّحيحين".
أخذه النّاسُ عنه.
قال ابن بَشْكُوال: كان ديِّنًا، فاضلًا، متواضعًا، مُتَّبعًا للآثار والسُّنَن، ظاهريّ المذهب.
__________
1 التحبير "1/ 51، 52"، المنتظم "10/ 75".
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 581، 582"، بغية الملتمس "69، 70".(36/212)
كتب إلينا بالإجازة.
وتُوُفّي في المحرَّم، وله ستٌّ وسبعون سنة.
وقال غيره: كان يُعرف بابن أبي أحد عشر.
105- محمد بن حمْد بن عبد الله1.
أبو نصر الأصبهانيّ، الكبريتيّ، الفواكهيّ، القبّانيّ، الوزّان.
شيخ صالح.
سمع: أحمد بن المفضل الباطرقاني، وأبا مسلم بن مهربزود.
روى عنه: أبو سعد بن السّمعانيّ، وأبو موسى المَدِينيّ، وابن عساكر، وجماعة.
تُوُفّي في الخامس والعشرين من جُمَادَى الآخرة، وآخر أصحابه محمود بن أحمد الثّقفيّ.
106- محمد بن حمْد بن منصور العطّار2.
أبو نصر الأصبهانيّ.
يروى عن: سعيد العَيّار، وغيره.
وعنه: أبو موسى.
تُوُفّي في نصف ربيع الأوّل.
107- محمد بن حمزة بن إسماعيل3.
أبو المناقب العَلَويّ، الحُسَينيّ، الهَمَذانيّ.
قال ابن السّمعانيّ: فاضل، شاعر، كتب الكثير بخطّه، وطلب، وطاف على الشيوخ، وصنّف، وجمع.
ورحل إلى بغداد، وأصبهان، وحدث.
__________
1 الأنساب "10/ 44".
2 التحبير"2/ 123، 124".
3 لسان الميزان "5/ 147، 148".(36/213)
وقال ابن ناصر: فيه تساهل في الأخْذ والسَّماع، وهو ضعيف عند أهل بلده.
سمع من: الشَيخ أبي إسحاق الشّيرازيّ لمّا ورد همذان.
ومولده في سنة ست وستين وأربعمائة.
وتُوُفّي في شوال.
وقيل: تُوُفّي سنة ثلاثٍ.
روى عنه: ابن عساكر، وأبو محمد بن الخشّاب.
108- مُحَمَّد بن عَبْد الملك بن مُحَمَّد بن عمر1.
الإمام، أبو الحَسَن الكَرَجيّ، الفقيه، الشافعي.
ولد سنة ثمانٍ وخمسين وأربعمائة.
وسمع: مكّي بن منصور السّلار، وجدّه أبا منصور الكَرَجيّ.
وسمع بهَمَذَان: أبا بكر بن فَنْجُوَيْه الدِّينَوَرِيّ، وغيره.
وبأصبهان: أحمد بن عبد الرحمن الذَّكْوانيّ.
وببغداد الحسين بن العلّاف، وابن نبهان.
وحدَّث.
روى عنه: ابن السّمعانيّ، وأبو موسى المَدِينيّ، وجماعة.
قال ابن السّمعانيّ: رأيته بالكَرَج، إمام، ورِع، فقيه، مفتٍ، محدِّث خيّر، أديب، شاعر.
أفنى عُمره في جمْع العِلْم ونشْره.
وكان لَا يقنت في الفجْر ويقول: قال الشّافعيّ: إذا صحّ الحديث فاتركوا قولي وخُذُوا بالحديث.
وصحّ عندي أنّ النّبيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ترك القُنُوت في صلاة الصبح2.
__________
1 الأنساب "10/ 381"، المنتظم "10/ 75، 76"، الكامل في التاريخ "11/ 26"، العبر "4/ 89".
2 "حديث صحيح": أخرجه الترمذي "402"، والنسائي "2/ 204"، وابن ماجه "1241"، وأحمد في المسند "6/ 394، 3/ 472"، وابن حبان في صحيحه "1989"، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الترمذي "404".(36/214)
وله القصيدة المشهورة في السُّنَّة، نحو مائتي بيت، شرح فيها عقيدة السَّلف، وله تصانيف في مذهب التفسير.
كتبت عنه الكثير، وتُوُفّي في شعبان.
قلت: أوّل قصيدته:
محاسنُ جسمي بُدِّلَت بالمعائب ... وشيّب فودي ... الحبائب
منها:
عقائدهم أنّ الإله بذاته ... على عَرْشه مع عِلمِهِ بالغرائبِ
ومنها:
ففي كَرَج والله من خوف أهلِها ... يذوبُ بها البِدْعيُّ بأَشَرّ ذائبِ
يموت ولا يَقْوَى لإظهار بدعةٍ ... مخافةَ حزِّ الرأسِ من كلّ جانبِ
ومن شعره:
العِلمُ ما كان فيه قال حدَّثنا ... وما سِواهُ إنّما خبط في الظّلام
دعائمُ الدّين آياتٌ مبينةٌ ... وبيناتٌ من الأخبار أعلام
109- محمد بْن عَلِيّ بْن أَحْمَد1.
أَبُو عَبْد اللَّه التُّجَيْبيّ، الغَرْناطيّ، النّوالشيّ المقرئ الأستاذ.
أخذ القراءات عِلْمًا وإتقانًا عن: أبي داود بن نجاح، وابن البيّاز، وابن الدّوش، وأبي الحسين العَيْشيّ، وخازم بن محمد القُرْطُبيّ.
قال ابن الأَبّار: تصدّر للإقراء وبَعُد صِيتُه لإتقانه وصَلاحه.
وأخذ النّاس عنه.
وقد وجدت سماعَ عبد المؤمن بن الخلوف الغَرْناطيّ المقرئ منه على "الرعاية" لمكّي في سنة اثنتين وثلاثين.
ومن تلامذته: ابن عروس، وعبد الوهاب بن غياث وغيرهما.
__________
1 غاية النهاية "2/ 200".(36/215)
110- محمد بن عمر بن أميرجة1.
أبو المكارم الأشْهَبيّ، المحدَّث، الحافظ، نزيل بلْخ.
قال أبو سعد السّمعانيّ: الأشْهَبيّ لقبٌ له، وهو حافظ.
سافر إلى الهند، وجال في خُرَاسان، وكتب الكثير.
وسمع بهَرَاة: الزّاهد محمد بن عليّ العُمَيْريّ، وأبا عطاء عبد الأعلى بن المَلِيحيّ.
وببلْخ: أحمد بن محمد الخليليّ.
وتُوُفّي في شوّال.
ولقي بخُراسان نصر الله الخُشْناميّ.
مولده سنة ست وستين وأربعمائة.
111- محمد بن الفضل بن محمد بن عليّ.
أبو بكر الخالنجاني.
شيخ صالح، مقرئ، معمر.
سمع: أبو مسلم بن مهريزد، وأحمد الباطِرْقانيّ، وأبا منصور بكر بن حَيْد.
كتب عنه: السّمعانيّ، وغيره.
مات في رمضان.
112- محمد بن محمد بن طاهر بن النُّعمان2.
أبو بكر الأصبهانيّ، الدّلال.
من أصحاب عبد الرحمن بن مَنْدَهْ.
روى عنه، وعن أخيه أبي عَمْرو.
سمع منه: السمعاني وقال: كبير مسن.
ثم ورخه.
__________
1 الأنساب "1/ 282، 283"، التحبير "2/ 169، 170".
2 التحبير "2/ 221، 222".(36/216)
113- محمد ابن الشّريف أبي الفضل محمد بن عبد السّلام بن أحمد.
الأنصاريّ، البغداديّ، أبو الحَسَن.
سمع: أبا جعفر ابن المسلمة، وأبا بكر الخطيب، وأبا محمد الصَّرِيفينيّ، وابن النَّقُّور.
روى عنه: ابن عساكر، والسِّلَفيّ، وجماعة.
وتُوُفّي في جُمَادَى الأولى.
114- محمد بن نجاح1.
أبو عبد الله الأَمويّ، القُرْطبيّ، الفقيه المالكيّ.
تفقه على أبي جعفر بن رِزْق.
روى عن: أبي الحَسَن حَمْدين، وأبي عليّ الغسّانيّ، وأبي عبد الله محمد بن فرج.
وذكر لي أنّه سمع عليّ أبي القاسم حاتم بن محمد كتاب "الملخّص" للقابسيّ، قاله ابن بَشْكُوال.
قال: وذكر أنّ أبا العباس العُذْريّ أجاز له، ورأيت له تخليطًا كثيرًا ارتبتُ منه.
تُوُفّي في جُمَادَى الآخرة.
115- محمد بن ناصر بن أحمد بن أبي عِياض2.
أبو نصر السَّرْخَسِيّ، العِياضيّ، الواعظ الشّهير.
سمع: السّيد أبا الحسين محمد بن محمد، وعبد الواحد بن عبد الرحمن الزُّبَيْريّ المُعَمر، وجماعة.
مات رحمه الله في ذي الحجة.
قاله السمعاني.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 582، 583"، بغية الملتمس "133".
2 التحبير "3/ 241، 242".(36/217)
116- محمد بن أبي النَّجْم بن محمد1.
أبو طاهر المَرْوَزِيّ، الشَّوَّاليّ، الخطيب.
رجل خيَّر، ذكره ابن السّمعانيّ فقال: سمع محمد بن أبي عمران الصَّفّار، وأبا الفتح أحمد بن عبد الله الزّنْدانْقانيّ، وغيرهما.
ورحل من قرية شَوَّال إلى مَرْو، وحدَّث "بصحيح البخاريّ"، وانتخب له أجزاء.
117- محمد بن أبي نصر محمود بن أحمد بن أبي نصر.
الواعظ، أبو بكر الأصبهانيّ، المعروف بقُل هو الله جران.
روى عن: أبي مطيع.
وعنه: أبو موسى المَدِينيّ.
ومات كهْلًا بواسط غريبًا، رحمه الله.
118- معقل بن الحسين بن أبي نِزَار.
البغداديّ الحاجب.
سَمِعَ: أبا القاسم بْن البُسْريّ، وأبا منصور العُكْبَريّ.
روى عنه أبو القاسم بن عساكر، ويوسف بن مقلَّد.
وتُوُفّي في المحرَّم.
وكان من كبار الحُجاب، ثمّ إنّه زاهد، متصوّف.
119- منصور الرّاشد بالله2.
أمير المؤمنين أبو جعفر بن المسترشد بالله الفضل بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بالله عبد الله، الهاشمي، العباسي.
ولد سنة اثنتين وخمسمائة.
ويقال إنّه وُلِد مسدودًا، وأحضروا الأطباء، فأشاروا بأن يُفتح له مخرجٌ بآلةٍ من ذَهَب، ففعل ذلك به فنفع.
__________
1 الأنساب "7/ 404".
2 المنتظم "10/ 76"، الكامل في التاريخ "11/ 62"، سير أعلام النبلاء "19/ 568-573".(36/218)
وأُمُّه أمّ ولد.
خطب له أبوه بولاية العهد في سنة ثلاث عشرة.
قال ابن واصل القاضي: حُكي عمّن كان يدخل إلى دار الخلافة ويطّلع على أسرارهم، أنّ الخليفة المسترشد أعطى ولده الرّاشد، وعُمره أقل من تسع سنين، عدة جوارٍ، وأمرهن أنّ يلاعبْنَه.
وكانت فيهنّ جارية حَبَشيَّة، فحملت من الرّاشد، فلمّا ظهر الحَمْل وبلغ ذلك المسترشد أنكره، فسألها، فقالت: والله ما تقدَّم إليَّ سواه، وإنّه احتلم. فسأل باقي الجواري، فقلن كذلك.
فأمر أنّ تحمل الجارية قطْنًا، ثمّ دخَّلها الرّاشد، ثمّ أخرجت القطْن وعليه المَنِيّ، ففرح المسترشد؛ وهذا من أعجب الأشياء.
ثمّ وضعت الجارية ولدًا سمّاه "أمير الجيش".
وقد قيل إنّ صبيان تِهامة يحتلمون لتسعٍ، وكذلك نساؤهم.
وكان للراشد نيّف وعشرون ولدًا.
بويع بالخلافة في ذي القعدة سنة تسعٍ وعشرين.
وكان أبيض، مليحًا، تامّ الخَلْق، شديد الأَيْد، شجاعًا.
قيل: إنّه كان في بستان دار الخلافة أيّل عظيم الشّكْل، اعترض في البستان، وأحجم الخَدَمُ عنه، فهجم هو عليه، وأمسك بقَرْنَيْه ورماه إلى الأرض وطلب مِنشارًا، وقطع قَرْنَيْه.
وكان حَسَن السّيرة، جيّد الطَّوِيَّة، يُؤْثر العدْل، ويكره الشر.
وكان فصيحًا، أديبًا، شاعرًا، سَمْحًا، جوادًا، لم تطُل أيّامه حتّى خرج من بغداد إلى الموصل، ودخل ديار بكر، ومضى إلى أَذَرْبَيْجان، ومازَنْدَران، ثمّ عاد إلى أصبهان.
وأقام على باب أصبهان إلى أنّ قتلته الملاحدة هناك.
وكان بعد خروجه من بغداد وصول السّلطان مسعود بن محمد إليها، فاجتمع بالكبار، وخلع الرّاشد بالله، وبايع عمّه الإمام المقتفيّ.(36/219)
ودام الأمر سنةً للراشد قبل ذلك.
قال ابن ناصر الحافظ: دخل السّلطان محمود إلى بغداد وفي صُحبته أصحاب المسترشد بالله الوزير عليّ بن طِراد، وصاحب المخزن ابن طلحة، وكاتب الإنشاء، فخرج الرّاشد بالله طالبًا إلى الموصل في صُحبة أميرها زنكيّ.
وفي اليوم الثالث أحضروا ببغداد القُضاة والعلماء عند الوزير عليّ بن طِراد، وكتبوا محضرًا فيه شهادة طائفةٍ بما جرى من الرّاشد بالله من الظُّلم، وأخْذ الأموال، وسفْك الدّماء، وشرب الخمر، واستفتوا العلماء في من فعل ذلك، هل تصحُّ إمامته؟ وهل إذا ثَبَتَ فِسْقُه يجوز لسلطان الوقت أنّ يخلعه، ويستبدل به خيرًا منه؟ فأفتوا بجواز خلْعه، وفسْخ عقْده؟ ووقع الاختيار على توليه الأمير أبي عبد الله محمد بن المستظهر بالله، فحضر السّلطان مسعود والأمراء إلى دار الخلافة، وأحضر الأمير أبو عبد الله، وحضر الوزير، وأبو الفتوح بن طلْحة، وابن الأنباريّ الكاتب، وبايعوه، ولُقّب بالمقتفيّ لأمر الله، وبايع الخلْق وعُمره أربعون سنة، وقد وَخَطَه الشَّيْب.
وخرج الرّاشد بالله من الموصل إلى بلاد أَذَرْبَيْجان، وكان معه جماعة، فقسّطوا على مَرَاغَة مالًا، وعاثوا هناك، ومضوا إلى هَمَذَان فدخلوها.
وقتلوا جماعة، وصلبوا آخرين، وحلقوا لِحَى جماعة من العلماء وأفسدوا.
ثمّ مضوا إلى نواحي أصبعان فحاصروا البلد ونهبوا القرى.
ونزل الرّاشد بظاهر أصبهان، ومرض مرضًا شديدًا، فَبَلَغَنَا أنّ جماعةً من العجم كانوا فرّاشين معه دخلوا عليه خركانة في سابع وعشرين رمضان، فقتلوه بالسّكاكين، ثمّ قُتِلوا كلّهم.
وبَلَغَنَا أنّهم كانوا سَقَوْهُ سمًَّا، فلو تركوه لَمَا عاش.
وبنى له هناك تربةً، سامحه الله.
قال ابن السّمعانيّ: قُتل فتْكًا في سادس وعشرين رمضان صائمًا، ودُفِن في جامع مدينة جيّ.
وعُقد له العزاء ببغداد.
وعاش ثلاثين سنة.(36/220)
وقال العماد الكاتب: كان له الحُسن اليُوسُفيّ، والكرم الحاتميّ، بل الهاشميّ استدعى والدي صفيّ الدّين ليولّيه الوزارة، فتعلّل عليه.
خلّف ببغداد نيفًا وعشرين ولدًا ذَكَرًا.
وقال ابن الجوزيّ: في سبب موته ثلاثة أقوال: أحدها، أنّه سُقي السُّم ثلاث مرات.
والثّاني، أنّه قتله الفرّاشون.
والثالث: أنّه قتلته الباطنيَّة. وجاء الخبر، فقعدوا له للعزاء يومًا واحدًا.
وقد ذكر الصُّوليّ أنّ النّاس يقولون أنّ كلّ سادسٍ يقوم للنّاس يُخْلَع، فتأملت هذا، فرأيته عَجَبًا.
اعتقد الأمر لنبينا صلى الله عليه والسلام، ثمّ قام بعده أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، والحسن فخُلع، ثمّ معاوية، ويزيد، ومعاوية بن يزيد، ومروان، وعبد الملك، وابن الزُّبير، فخلع وقتل؛ ثم الوليد، وسليمان، وعمر، ويزيد، وهشام، والوليد، فخُلع وَقُتِلَ، ثمّ لم ينتظم لبني أُميَّة أمر، فوُلّي السّفّاح، والمنصور، والمَهْديّ، والهادي، والرشيد، والأمين، فخُلِع وَقُتِلَ؛ ثمّ المأمون، والمعتصم، والواثق، والمتوكل، والمنتصر، والمستعين، فخُلِع وَقُتِلَ، ثمّ المُعتز، والمهتدي، والمعتمد، والمعتضد، والمكتفي، والمقتدر، فخُلِع، ثمّ رد، ثم قتل؛ ثم القاهر، والراضي، والمتقي، والمستكفي، والمطيع، والطائع فخُلِع؛ ثمّ القادر، والقائم، والمقتدي، والمستظهر، والمسترشد، والراشد، فخُلِع.
قلت: وهذا الفصل منخرمٌ بأشياء، أحدها قولُه: وعبد الملك وابن الزُبَير؛ وليس الأمر كذلك بل ابن الزُّبير خامس، وبعده عبد الملك، أو كلاهما خامس أو أحدهما خليفة، والآخر خارج على نزاعٍ بين العلماء في أيّهما خارج على الأمر.
والثّاني: تركه لعدد يزيد النّاقص وأخيه إبراهيم الّذي خُلِع، ومروان، فيكون الأمير باعتبار عددهم تاسعًا، فلا يستقيم ما ادعاه.
والمستعين خلعوه أيضًا كما قال، وخلعوا الّذي بعده، وهو المُعْتَزّ بالله، وقتلوا المهتدي بالله -رضي الله عنه- وخلعوا القاهر وسَمَلوه.
فليس الخلْع مقتصرًا على كلّ سادسٍ لو صحّ العدد.(36/221)
"حرف النون":
120- نُوشروان بن خالد بن محمد1. الوزير، أبو نصر القاشانيّ، الفِينيّ، وفين: من قُرى قاشان.
وزير الدّولتين جميعًا للخليفة المسترشد، وللسّلطان محمود بن محمد.
قال ابن السّمعانيّ: كان قد جمع الله فيه الفضل الوافر، والعقل الكامل، والتواضع، والخيرية، ورعاية الحقوق.
أدركته ببغداد وقد كبر وأسن وتضعضع، وأقعده العجز في داره بالحريم الظّاهريّ.
عاقني المرض عن الحضور عنده.
وقد حدَّث عن: عبد الله بن الحَسَن الكامخيّ العبّاديّ.
وسمع منه جماعة من أصحابنا.
وكان هو السبب في إنشاء "مقامات الحريريّ"، وكان يميل إلى التَّشيُّع.
قال ابن الجوزيّ: كان عاقلًا مَهِيبًا، عظيم الخلْقة.
دخلت عليه فرأيت من هيبته ما أدهشني.
وكان كريمًا.
سأله رجلٌ خيمةً، فلم تكن عنده، فأرسل إليه مائة دينار، وقال: اشترِ بها خيمة.
فكتب إليه الرجل، وهو أبو بكر الأَرَّجانيّ الشّاعر:
للهِ دَرّ ابن خالد رجلًا ... أحيا لنا الجودَ بعدما ذهبا
سألته خيمةً أَلُوذُ بها ... فجاءَ لي مِلْء خيمةٍ ذهبا
وكتب إليه الحريريّ صاحب "المقامات":
ألا ليت شِعْري والتّمنّي تعلةٌ ... وإنْ كان ثمَّة راحة لأخي الكرب
__________
1 المنتظم "10/ 77، 78"، الكامل في التاريخ "11/ 70، 71"، البداية والنهاية "12/ 214".(36/222)
أَتدْرُون أنّي مُذْ نأت دياركم ... وشطّ اقترابي من جنابكم الرحبِ
أكابد شوقًا ما يزال أواره ... يقلبني في اللّيل جنْبًا على جنبِ
وأذكر أيام التّلاقي فأنثني ... لتذكارها بادي الأسى طائر اللّبِ
ولي جَنَّة في كلّ وقتٍ إليكم ... ولا جنة الصادئ إلى الباردِ العذبِ
وممّا شجا قلبي المُعَنَّى وشَقَّه ... رِضاكم بإهمال الإجابة عن كُتُبي
وقد كنت لَا أخشى مع الذَّنْب جفوةً ... فقد صرت أخشاها وما لي من ذَنْبِ
ولما سَرَى الوفد العراقيّ نحوكم ... وأَعْوَزني المَسْرَى إليكم مع الرَّكْبِ
جعلت كتابي نائبي عن ضرورةٍ ... ومن لم يجد ماءً تيمَّم بالتُّرْبِ
قال ابن النّجّار: أنوشروان الوزير، وُلِد بالرَّيّ في رجب سنة تسعٍ وخمسين وأربعمائة، ووَزَرَ ثمّ عُزِل، ثمّ أُعيد.
وكان موصوفًا بالجود والإفضال، محبًّا للعلماء.
أحضر ابن الحُصَيْن إلى داره يُسمع أولاده "مُسْنَد أحمد" بقراءة ابن الخشّاب.
وأذِن للنّاس في الدخول، فعامَّة من سمعه ففي داره.
روى عنه: أبو القاسم بن عساكر في "معجمه".
وسماعه من الساوي في سنة ثمانٍ وسبعين.
تُوُفّي في رمضان، ودُفِن بداره، ثمّ نُقِل بعد ذلك إلى الكوفة، فدُفِن بمسجد عليّ عليه السّلام.
وفي " تاريخ ابن النّجّار" نقل من خطّ قاضي المَرِسْتان: تُوُفّي أنوشروان في ثاني عشر صَفَر سنة ثلاثٍ وثلاثين.
"حرف الياء":
121- يونس بْن مُحَمَّد بْن مغيث بْن مُحَمَّد بن يونس بن عبد الله بن محمد بن مغيث1.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 688"، سير أعلام النبلاء "20/ 123، 124"، شذرات الذهب "4/ 101".(36/223)
أبو الحسين القُرْطُبيّ، أحد الأئمة.
روى عن: جدّه مُغِيث. وعن: القاضي أبي عمر بن الحذّاء، وحاتم بن محمد، ومحمد بن بشير، وأبي مروان بن سِرَاج، وأبي عبد الله بن منصور، ومحمد بن سعدون القَرَويّ، وأبي جعفر بن رزق، ومحمد بن فَرَج، والغسّانيّ، وغيرهم.
قال ابن بَشْكُوال: كان عارفًا باللّغة والإعراب، ذاكرًا للغريب والأنساب، وافر الأدب، قديم الطلب، نبيه البيت والحسب، جامعًا للكتب، رواية للأخبار، عالمًا بمعاني الأشعار، أنيس المجالسة، فصيحًا، حسن البيان، مشاورًا في الأحكام، بصيرًا بالرجال وأزمانهم وثقاتهم، عارفًا بعلماء الأندلس وملوكها.
أخذ النّاس عنه كثيرًا، وقرأتُ عليه، وأجازني.
ومولده في رجب سنة سبعٍ وأربعين وأربعمائة.
وتُوُفّي في ثامن جُمَادَى الآخرة، وصلّى عليه ابنه أبو الوليد.
قلت: كان يونس مِن أسند مَن بقي بالأندلس وأجلّهم.
روى عَنْهُ: مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مفرّج القَنطريّ الحافظ، ومحمد بن عبد الرحمن بن عُبَادة الْجَيّانيّ المقرئ، ومحمد بن عبد الرحيم بن الفَرَس الغَرْناطيّ، ومحمد بن عبد الله بن ميمون العَبْدريّ الشّاعر، وأبو مُحَمَّد عَبْد الله بْن مُحَمَّد بْن عُبَيْد الله الحَجْريّ، وعبد الله بن طلحة المحاربيّ الغَرْناطيّ، وأبو القاسم عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن حُبَيْش، وعبد الرحمن بن محمد الشّرّاط، وآخرون.
وأول سماعه بعد الستين وأربعمائة.
وفيات سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة:
"حرف الألف":
122- أَحْمَد بْن الحُسين بْن أَحْمَد.
أبو العباس البغداديّ، المقرئ، العسّال.
قال ابن السّمعانيّ: شيخ، صالح، مستور.
قرأت عليه يسيرًا، عن أبي عبد الله البُسْريّ.(36/224)
وتُوُفّي في شعبان.
123- أَحْمَد بن عبد الباقي بن الحَسَن بن منازل1.
أبو المكارم الشّيْبانيّ، السّقْلاطُونيّ، الحريميّ، ابن عمّ ابن زُرَيق القّزاز.
سمع الكثير من: أَبِي الحسين بْن النَّقُّور، وأبي نصر الزَّيْنبيّ، وطائفة.
ونسخ بخطّه.
روى عنه: أبو حامد عبد الله بن ثابت بن النّحّاس.
مات في عاشر صَفَر.
أثنى عليه عمر بن أحمد بن سهلان وسمع منه.
124- أحمد بن عبد الرحمن بن أبي عَقِيل2.
أبو المكارم.
ذكره الحافظ ابن المفضّل في "الوَفَيَات" هكذا، ولا أعرفه.
125- أحمد بن عبد الملك بن موسى بن أبي جَمْرَة3.
الأمويّ، مولاهم المُرْسيّ، أبو العباس.
سمع: أباه، وأبا بكر بن أبي جعفر، وهشام بن أحمد، وغيرهم.
وأجاز له أبو عمر بن عبد البر، وأبو عَمْرو المقرئ.
قاله ابن الأَبّار.
وقال: حدَّث عنه ابنه القاضي أبو بكر محمد شيخنا.
وتوفي في رمضان.
قلت: أبو عَمْرو هو عثمان بن سعيد الدّانيّ، وهو آخر من حدَّث عنه في الدنيا بالإجازة.
__________
1 المنتظم "10/ 79".
2 حسن المحاضرة "2/ 52".
3 العبر "4/ 91"، سير أعلام النبلاء "20/ 91، 92"، النجوم الزاهرة "5/ 265"، شذرات الذهب "4/ 102".(36/225)
والقاضي أبو بكر هو آخر من روى عن أبيه، وبقي إلى سنة تسعٍ وتسعين.
وهو أكبر شيخ لأبي عبد الله الأَبار المؤرخ.
سمع "التّيسير" من أبيه، عن المصنّف إجازة.
126- أحمد بن عليّ.
أبو البقاء الظَّفريّ، البيطار.
حدَّث عن: أحمد بن عثمان بن نفيس.
وتُوُفّي بالشُّونِيزيَّة.
127- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد.
أبو الفضل الطُّوسيّ، الشُّلانْجِرْديّ، وشُلانجرد: قرية من قرى طُوس.
كان رجلًا صالحًا، خيِّرًا، استوطن به أبوه الإسكندرية، وأَمّ بمسجد المواريث.
قال السِّلَفيّ: أنبا عن أبي اللَّيث نصر بن الحسين التُنْكُتيّ، وهبة الله بن عبد الوارث الشّيرازيّ.
وكان مولده في سنة سبعٍ وأربعين وأربعمائة.
وتُوُفّي في جُمَادَى الأولى، وشيّعه خلائق.
128- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز1.
أَبُو جَعْفَر اللَّخْميّ، الإشبيليّ، تلميذ أبي عليّ الغسّانيّ.
قال ابن بَشْكُوال: أخذ عنه مُعْظَم ما عنده.
وكان أبو عليّ يصفه بالمعرفة والذكاء.
ويرفع بذِكْره.
وأخذ أيضًا عن: أبي الحَجّاج الأعلم، وأبي مروان بن سِرَاج، وأبي بكر المُصْحفيّ.
وكان من أهل المعرفة بالحديث والرجال، مقدَّمًا في الإتقان، مع التَّقدُّم في اللغة والأدب والأخبار، ومعرفة أيام الناس.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "1/ 80"، بغية الملتمس للضبي "363"، أزهار الرياض "3/ 157".(36/226)
أخذت عنه وجالسته.
وتُوُفّي في ربيع الأوّل بقرطبة.
قال ابن نُقْطَة وغيره: يُعرف بابن المرْجيّ مستفاد من المرجي، بالجيم.
قلت: روى عَنْهُ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الشَّلبيّ، وعليّ بن عتيق بن موسى.
129- أحمد بن محمد بن الحسين بن نَصْرُوَيْه. الفراض، أبو العباس.
من أهل باب المراتب.
سمع: أبا عبد الله الحُمَيْديّ، وابن طلحة النّعاليّ.
قال ابن السّمعانيّ: شيخ صالح، فقير، تابع.
كان يسمع معنا.
وتوفي في إحدى الجماديين.
130- أحمد بْن منصور بْن محمد بْن القاسم بن خَنْب.
أبو نصر النَّيْسابوريّ، الصّفّار، والد عمر، وجدّ أبي سهل.
سمع: أبا سهل الحفْصيّ، وأبا سعد أحمد بن إبراهيم المقرئ، وأبا القاسم القُشَيريّ.
سمع منه: أبو سعد السّمعانيّ وقال: كان شيخًا، متميزًا، عالمًا، سديد السيرة، صالحًا.
ولد سنة سبعٍ وأربعين وأربعمائة في شعبان.
تُوُفّي في أوّل رمضان سنة ثلاثٍ.
سمعت منه، ومن زوجته دردانة بنت إسماعيل بن عبد الغافر، ومن ولديهما عمر، وعائشة.
131- أَحْمَد بْن هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن الزَّيْنبيّ. أبو العباس.(36/227)
تُوُفّي بالبصرة في شُغل للخليفة.
روى عن: أبي نصر الزينبي.
وعنه: ابن السّمعانيّ، وابن عساكر.
132- إبراهيم بن أبي الفتح بن عبد الله بن خَفَاجَة1.
أبو إسحاق الأندلسيّ، الشاعر المشهور.
وديوانه موجود بأيدي النّاس عاش ثلاثًا وثمانين سنة.
وكان رئيسًا مُفَخَّمًا.
له النَّظْم المُفْلِق، والنَّثْر الرّائق، وله تأليفٌ في غريب اللّغة، وهو القائل:
وعَشِيَّ أنسٍ أَضْجَعَتْني نشوةٌ ... فيه تُمَهِّد مضجعي وتُدَمِّثُ
خلعت عليَّ الأراكةُ ظِلَّها ... والغُصْنُ يُصْغِي والحَمَام يُحَدِّثُ
والشّمسْ تَجْنَحُ للغُروب مريضة ... والرّعْدُ يَرْقى والغمامةُ تَخْفُتُ
133- إسماعيل بن محمد بن أحمد2.
أبو طاهر الأصبهانيّ، الوثّابيّ، الشاعر.
أَضرّ في آخر عمره وافتقر.
وقيل: كان يخلّ بالصّلوات.
روى عن: أبي عَمْرو بن مَنْدَهْ.
- أنوشروان.
مرّ في عام أوّل، وهو هنا على قَوْل.
"حرف التاء":
134- تمّام بن عبد الله الظَّنّيّ الدمشقي3.
__________
1 وفيات الأعيان "1/ 56، 57"، سير أعلام النبلاء "20/ 51"، بغية الملتمس "202".
2 التحبير "1/ 106، 108"، نزهة الأدباء "287"، معجم الأدباء "7/ 361".
3 مختصر تاريخ دمشق لابن منظور "5/ 304"، تهذيب تاريخ دمشق "3/ 345".(36/228)
السّرّاج.
شيخ حافظ للقرآن.
سمع: عليّ بن الحَسَن بن طاوس، وسهل بن بِشْر الإسْفَرَائينيّ.
روى عن: الحافظ ابن عساكر.
"حرف الحاء":
135- الحسن بن سلامة بن ساعد1.
المنبجي، الفقيه، قاضي نهر عيسى.
أبو علي.
ورد بغداد، وتفقه بها على: القاضي أبي عبد الله الدامغاني.
وقيل: كان معتزليا.
ولم يظهر عنه.
حدَّث عن: أبي نصر الزَّيْنبيّ.
وعنه: أبو سعد السّمعانيّ، وابن عساكر، ومحمود بن الحَسَن المؤدب.
136- الحَسَن بن الفضل.
أبو عليّ الأصبهانيّ، الأَدميّ، الفقيه، الأديب.
أحد طَلَبَة الحديث.
سمع: أبا منصور بن شكْرُوَيْه، وسليمان بن إبراهيم الحافظ، وطائفة.
روى عنه: رجب بن مذكور، وغيره.
أرخه ابن النّجّار في ربيع الأوّل من السّنة.
137- الحسين بن الخليل بن أحمد.
الإمام أبو علي النسفي، الفقيه.
__________
1 الأنساب "11/ 487".(36/229)
نزيل سَمَرْقَنْد.
سمع "صحيح البخاريّ" من الحَسَن بن عليّ الحَمّاديّ، صاحب أبي عليّ الكِسائيّ، وحدث به.
تفقه ببُخارى على: أبي الخطّاب الكَعْبيّ.
وببلْخ على: الإمام أبي حامد الشُّجَاعيّ.
ذكره ابن السّمعانيّ فقال: إمام، فاضل، ورِع، له يدٌ باسطة في النَّظَر.
وورد بغداد حاجًا في سنة ست عشرة، وحدَّث بها.
ولي منه إجازة.
تُوُفّي أبو عليّ هذا في الحادي والعشرين من رمضان.
وأبو الخطّاب هذا هو: محمد بن إبراهيم القاضي.
138- حُمَيْد بن منصور.
أبو نصر الدَّرْعيّ، الهَمَذانيّ، الصُّوفيّ، المعروف بالشَيخ الزّاهد.
نزيل بغداد، وخادم رباط بهروز.
قال ابن السّمعانيّ: كان صالحًا، كثير التَّهَجُّد، دائم التّلاوة، خدم الفقراء، وناطَحَ التّسعين.
وسمع بهَمَذَان: بُجَيْر بن منصور، ومحمد بن الحسين بن فَنْجُوَيْه.
وسمعت منه، وقال: ثلاث وتسعون سنة.
قال: وذلك في وسط سنة اثنتين.
وتُوُفّي في ثامن عشر رمضان سنة ثلاثٍ وثلاثين.
وصلّى عليه أبو محمد سِبْط الخيّاط بوصيةٍ منه.
وتُوُفّي شيخه بُجَيْر سنة تسعين وأربعمائة.(36/230)
"حرف الزاي":
139- زاهر بْن طاهر بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن يوسف بْن محمد بْن المَرْزُبان1.
أبو القاسم بن أبي عبد الرحمن النَّيْسابوريّ، الشّحّاميّ، الشُّرُوطيّ.
المحدّث المستملي.
وُلِد في ذي القعدة سنة ستٍ وأربعين وأربعمائة بنيسابور، واعتنى به أبوه فسمَّعه الكثير، وبَكَّرَ به، واستجاز له الكبار.
وسمع أيضًا "مُسْنَد أبي يعلى" من أبي سعد الكنجروذي و"السنن الكبير" للبَيْهَقيّ، منه.
وسمع "الأنواع والتقاسيم" من عليّ بن محمد البَحَّاثيّ، عن محمد بن أحمد الزَّوْزَنيّ، عن أبي حاتم البُسْتيّ.
وسمع كتاب "شعب الإيمان" و"الزهد الكبير" و"المدخل إلى السُّنَن" وبعض "تاريخ الحاكم" أو أكثره، من أبي بكر البَيْهَقيّ.
وسمع: أباه، وأبا يعلى إسحاق بن عبد الرحمن الصابزني، وأبا سعد الكَنْجَرُوذيّ المذكور، وأبا عثمان سعيد بن أبي عمرو البجيري، وسعيد بن لأبي سعيد العيّار، ومحمد بن محمد بن حمدون السُّلَميّ، وأبا القاسم عبد الكريم القُشَيْريّ، وسعيد بن منصور القُشَيريّ، وأبا سعد أحمد بن إبراهيم بن أبي شمس، وأحمد بن منصور المغربيّ، وأبا بكر محمد بن الحَسَن المقرئ، ومحمد بن عليّ الخشّاب، وأبا الوليد الحَسَن بن محمد البلْخيّ، وخلْقًا سواهم في مشيخته الّتي وقعت لنا بالإجازة العالية.
وأجاز له: أبو حفص بن مسرور الزّاهد، وأبو محمد الجوهريّ، وأبو الحسين عبد الغافر الفارسيّ.
وحدَّث بنَيْسابور، وبغداد، وهَرَاة، وهَمَذَان، وأصبهان، والرَّيّ، والحجاز.
__________
1 المنتخب من السياق "229، 230"، المنتظم "10/ 79، 80"، ميزان الاعتدال "2/ 64"، البداية والنهاية "12/ 215"، لسان الميزان "2/ 470"، شذرات الذهب "4/ 102".(36/231)
واستملى بعد أبيه على شيوخ نَيْسابور كأبي بكر بن خَلَف الشّيرازيّ فمَن بَعْده.
وكان شيخًا متيقظًا، له فهمٌ ومعرفة، فإنه خرّج لنفسه "عوالي مالك" و"عوالي سُفْيان بن عُيَيْنَة"، والألف حديث "السُّباعيّات".
وجمع عوالي وقع له من حديث ابن خُزَيمة في نيفٍ وثلاثين جزءًا، وعوالي وقع له من حديث السّرّاج، نحوًا من ذلك.
وعوالي عبد الله بن هاشم، وعوالي عبد الرحمن بن بشر، و"تحفة العيدين"، ومشيخته.
وأملى بنَيْسابور قريبًا من ألف مجلس، وصار له أنس بالحديث.
وكان ذا نهمة في تسميع حديثه، رحل في بذْله كما يرحل غيره في طلب الحديث؛ وكان لَا يضجر من القراءة.
قال ابن السّمعانيّ: كان مكثِرًا متيقظًا، وَرَدَ علينا مَرْو قَصدًا للرواية بها، وخرج معي إلى أصبهان، لَا له شغل إلّا الرواية بها.
وازدحم عليه الخلق. وكان يعرف الأجزاء. وجمع، ونسخ، وعُمِّر.
فقرأت عليه "تاريخ نَيْسابور" في أيامٍ قلائل، فكنت أقرأ من قبل طلوع الشمس إلى الظهر، ثمّ أصلّي وأقرأ إلى العصر، ثمّ إلى المغرب. وربّما كان يقوم من موضعه.
وكان يُكرم الغرباء يُعِيرهم الأجزاء، ولكنّه لَا يخلّ بالصّلاة إخلالًا ظاهرًا وقت خروجه معي إلى أصبهان، فقال لي أخوه وجيه: يا فلان، اجتهد حتّى تُقعد هذا الشَيخ ولا يسافر ويفتضح بترك الصّلاة.
وظَهَر الأمر كما قال أخوه، وعرف أهل أصبهان ذلك وشنعوا عليه، حتّى ترك أبو العلاء أحمد بن محمد الحافظ الرواية عنه، وضرب على سماعاته منه.
وأنا فوقت قراءتي عليه التّاريخ، ما كنت أراه يصلّي، وأوّل من عَرَّفَنَا ذلك رفيقُنا أبو القاسم الدّمشقيّ، قال: أتيته قبل طلوع الشّمس، فنبّهوه فنزل ليقرأ عليه وما صلّى، وقيل له في ذلك، فقال: لي عُذْر وأنا أجمع بين الصّلوات كلّها.
ولعلّه تاب في آخر عمره، والله يغفر له.
وكان خبيرًا بمعرفة الشُّرُوط، وعليه العُمْدة في مجلس القضاء.
قلت: روى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن عساكر، وأبو سعد السّمعانيّ، وأبو موسى(36/232)
المديني، وأبو بكر محمد بن منصور السّمعانيّ والد أبي سعد، ومنصور بن أبي الحَسَن الطَّبريّ، وصاعد بن رجاء الهَمَذانيّ، وعليّ بن القاسم الثَّقفيّ، وعليّ بن الحسين بن زيد الثَّقفيّ، وأسعد بن سعيد، ومحمود بن أحمد المقرئ.
وعبد الغنيّ ابن الحافظ أبي العلاء العطّار، وأبو العمد عبد الوهاب بن سُكينة، وزاهر بن أحمد الثَّقفيّ، وعبد اللَطيف بن محمد الخُوارَزْميّ، ومُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْجُنَيْد، وعبد النّبيّ بن عثمان الهَمَذانيّ، وإبراهيم بن بركة البيِّع المقرئ، وعبد الله بن المبارك بن دوما الأَزَجيّ، وأبو الخير أحمد بن إسماعيل القَزْوينيّ وإبراهيم بن محمد بن حمدية، وعبد الخالق بن عبد الوهّاب الصّابونيّ، وثابت بن محمد المَدِينيّ الحافظ، وعليّ بن محمد بن يَعِيش الأنباريّ، ومحمد بن أبي المكارم أسعد القاضي، ومودود بن محمد الهَرَويّ ثمّ الأصبهانيّ، والمؤيد بن محمد الطُّوسيّ، وأبو رَوْح عبد المُعِزّ الهَرَويّ، وزينب الشّعريَّة.
وتُوُفّي في رابع عشر ربيع الآخر بنَيْسابور.
ولا ينبغي أنّ يُروى عن تارك الصّلاة شيء البتَّة.
140- زُهير بن عليّ بن زهير1.
أبو نصير الخدامي، بخاء مكسورة، السَّرْخَسيّ، ثمّ المِيهنيّ.
سمع: عبد الرحمن بن محمد البُوسَنْجيّ، والحافظ محمد بن محمد بن زيد الحسيني.
ولد سنة خمسٍ وخمسين وأربعمائة.
روى عنه: أبو سعد السمعاني، وقال: مات في رمضان.
"حرف السين":
141- سلامة بن غَيّاض2.
أبو الخير الكفرطابي.
من أئمة النحو.
__________
1 التحبير "1/ 292، 293"، الأنساب "5/ 58"، اللباب "1/ 348".
2 معجم الأدباء "11/ 233، 234"، بغية الوعاة "1/ 259"، معجم المؤلفين "4/ 237".(36/233)
أخذ بمصر عن ابن القطّاع.
وصنَّف كتابًا عشر مجلَّدات في الأدب.
أخذ عنه ابن الخشّاب.
كان حيًّا في هذا العام.
"حرف الصاد":
142- صالح بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن المُعَزَّم1.
أبو زيد الهَمَذانيّ، إمام الجامع بهَمَذَان.
شيخ فاضل، حَسَن الطّريقة.
سمع بهَمَذَان: أبا إسحاق الشّيرازيّ، وسُفْيان بن مَنْجُوَيْه، وأحمد بن عمر الصدوقي.
روى عنه: أبو سعد السمعاني.
ولد سنة اثنتين وستين وأربعمائة، وتُوُفّي بهَمَذَان في أواخر شعبان.
"حرف الطاء":
143- الطَّيِّب بن محمد بن أحمد2.
أبو بكر الأَبِيوَرْديّ، الغَضَائريّ.
ذكره السّمعانيّ في "الذَّيْلِ"، فقال: شيخ صالح، ديِّن، خيِّر، مِن أهل القرآن.
حَسَن الأخلاق.
صحِب المشايخ، وجال في الآفاق، وصحِب السِّلَفيّ، وسمع بقراءته من: محمد بن حامد المَرْوَزِيّ، ومحمود بن أبي مَخْلَد الطَّبريّ، وجماعة.
قال: قدِم علينا مَرْو، وانتخب له جزاءً، وما رأيت في الصُّوفيَّة أجمعَ للأخلاق الحَسَنة، مع التّواضع التّامّ والخدمة، على كِبَر السِّنّ مِثلَه.
__________
1 التحبير "1/ 340".
2 التحبير "1/ 354، 355".(36/234)
وسمع بسَلَمَاس من محمود بن شعبان، وأبا الحَسَن بن نعمة الله.
مات بأَبِيوَرْد في أحد الربيعَيْن.
"حرف الظاء":
144- ظالم بْن زيد بْن عَلِيّ بْن شَهْريار.
أَبُو النَّجم الأصبهانيّ، البيِّع.
سمع: شجاع بن عليّ المَعْقِليّ، وعبد الجبّار بن برزة الواعظ، وجماعة.
أخذ عنه السّمعانيّ، وقال: مات في رمضان عن نيفٍ وثمانين سنة.
"حرف العين":
145- عَبْد اللَّه بْن أحمد بْن عَبْد القادر بْن مُحَمَّد بْن يوسف1.
أَبُو القاسم البغداديّ، الحربيّ، النّجّار.
أخو الحافظ عبد الخالق، وعبد الواحد.
وُلِد في مستهل عام اثنتين وخمسين وأربعمائة.
وسمع: أبا جعفر ابن المسلمة، وعبد الصّمد بْن المأمون، ومحمد بن عليّ بن الغريق، والصَّرِيفينيّ، وابن النَّقُّور.
روى عنه: السِّلَفي، وابن السّمعانيّ، وابن عساكر؛ وعبد المجيب بن زهير، وعبد الله بن طُلَيْب، ومحاسن بن أبي بكر، وتامر بن جامع القطّان، وحسين بن عثمان الكوفيّ القطّان، وضياء بن جَنْدَل، وعمر بن عبد الكريم الحمّاميّ، ونفيس بن عبد الجبّار، وأبو اليُمْن زيد بن الحَسَن الكِنْديّ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ السّمعانيّ: ديِّن خيِّر، من بيت الحديث.
صالح، جاور بمكَّة سِنين، وسمع منه والدي بمكَّة مجلسًا أملاه ابن هزارمرد الصريفيني.
__________
1 المنتظم "10/ 80"، الأنساب "4/ 100"، الكامل في التاريخ "11/ 71"، سير أعلام النبلاء "20/ 62، 63".(36/235)
وجرت أموره على سدادٍ واستقامة إلى آخر عمره.
وتُوُفّي في العشرين من رجب بالحربيَّة وله 83 سنة.
146- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عليّ1.
أبو محمد اللَّخْمي، الشّاطبيّ.
سمع من جدّه لأُمّه الحافظ أَبِي عُمَر بْن عَبْد البَرّ، وأجاز لَهُ تواليفه في سنة اثنتين وستين وأربعمائة.
وكان مولده في سنة ثلاثٍ وأربعين.
وسمع "الصحيحين" من أبي العباس العذري، و"صحيح البخاريّ" من القاضي أبي الوليد الباجيّ.
وولي قضاء مدينة أَغْمات.
وأخذ عنه جماعة.
وأجاز لأبي القاسم بن بَشْكُوال، وأغفله ولم يذكره في "الصّلة".
تُوُفّي في صفر وله تسعون سنة.
وقيل: تُوُفّي سنة اثنتين.
ذكره أبو عبد الله الأَبّار.
روى عنه: حفيده ابن بنته عمر بن عبد الله الأغماتيّ، وعيسى بن الملجوم.
147- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن خَلَف.
أبو محمد بن أبي تليد الخَوْلانيّ، الشّاطبيّ.
المعروف بالحمصيّ.
أخذ القراءات عن: أبي الحسين بن الدّوش.
وسمع من: طاهر بن مُفَوَّز، وأبي عِمران بن أبي تليد.
وتصدَّر للإقراء بشاطبة، وحدَّث، وكان فاضلًا، صالحًا، مُجَاب الدّعوة.
روى عنه: أبو عمر بن عباد.
__________
1 بغية الملتمس "349"، سير أعلام النبلاء "20/ 92".(36/236)
148- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن سعد.
أبو جعفر البصْريّ، البَرْذَعيّ الشّاهد.
شيخ متميّز، ذو بيئة.
سمع: أبا عليّ التُّسْترِيّ.
وعنه: أبو سعد السّمعانيّ.
سمع "سُنَن أبي داود".
ومات فِي شوال.
149- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عُبَيد اللَّه بن علي بن جعفر بن زُرَيق1.
أبو القاسم الأَسديّ، المُضَريّ، النَّسَفيّ، ثمّ الأصبهانيّ، الخطيبيّ، الحنفيّ.
خطيب الجامع الكبير بأصبهان.
وُلِد في ربيع الآخر سنة ثمانٍ وأربعين وأربعمائة.
وسمع: أبا الخطيب عبد الرّزّاق بن شمة، وأبا بكر أحمد بن الفضل الباطِرْقانيّ، والشّريف أحمد بن حاتم البكْريّ.
وحدَّث بأصبهان، وبغداد.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وأبو موسى المَدِينيّ، وأبو الفَرَج بن الجوزيّ، ومحمود بن أحمد المضري، وجماعة.
وهو ابن عمّ قاضي أصبهان عُبَيْد الله الخطيبيّ.
150- عبد الرحمن بن كُلَيب.
أبو محمد الْحَمَويّ، المقرئ، الفَرَضيّ.
قال ابن عساكر: كان علّامة في الفرائض، والحساب.
وكان يعلّم الصِّبيان في مكتبه، ولا يأخذ منهم شيئًا.
لما تُوُفّي لم يبق أحدٌ بحماه إلّا شهد جنازته.
__________
1 التحبير "1/ 378".(36/237)
151- عبد العزيز بن عثمان بن إبراهيم1.
أبو محمد الأَسَديّ، الفقيه، البخاريّ، قاضي بُخارَى.
قدِم بغداد، وسمع: أبا طالب بن يوسف، وجماعة.
وأملى ببُخارَى، وبها تُوُفّي.
وكان رئيسًا، كبير الشّأن، عالمًا.
روى عنه: محمد بن عمر القَلانِسيّ.
عبد العزيز بن ناصر بن المَحَامِليّ. أبو القاسم.
حدث عن: أبي الحَسَن الأنباريّ، وحمْد الأصبهانيّ الحدّاد.
سمع منه: أبو بكر المفيد، وغيره.
153- عَبْد الملك بْن مَسْعُود بْن مُوسَى بْن بَشْكُوال بن يوسف2. الأنصاريّ، القُرْطُبيّ، والد الحافظ خَلَف.
يُكنّى: أبا مروان.
أخذ القراءات عن: يحيى بن حبيب، وغيره.
ولازم أبا عبد الله محمد بن فَرَج الفقيه زمانًا.
وكان عارفًا بمذهب مالك، رأسًا في معرفة الشُّروط، كثير التّلاوة.
تُوُفّي في جُمَادَى الآخرة، وله نحوٌ من ثمانين سنة.
ذكره ابنه في "الصّلة".
وقرأ شيخه ابن حبيب على محمد بن أحمد الفرّاء تلميذ مكّيّ.
154- عبد الواحد بن حمد3.
__________
1 المنتظم "10/ 80"، الكامل في التاريخ "11/ 71، 72".
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 366".
3 تقدم برقم "92".(36/238)
ورخه بعضهم سنة ثلاثٍ، والصواب سنة اثنتين.
155- عطية بن علي بن عطية بن علي بن الحسن.
أبو الفضل القَيْرَوانيّ، القُرَشيّ، العُتْبيّ.
يُعرف بابن الأدخان.
جاوَرَ بمكَّة مع أبيه مدَّة، ووُلِد بها.
وقدِما بغداد فسكنها عطيَّة إلى أنّ تُوُفّي بها.
وكان ظريفًا، كيِّسًا، مطبوعًا، حَسَن الِّشعْر.
حدَّث عن: أبي مَعْشَر الطَّبريّ، وغيره.
روى عنه: السِّلَفيّ في "مشيخته".
وتُوُفّي في صفر سنة ثلاث.
156- عليّ بن أفلح1.
أبو القاسم البغداديّ، الكاتب، الشّاعر.
له النَّظم والنَّثر، والهَجْو الكثير السّائر.
ذكره أبو الفرج بن الجوزي فقال: كان المسترشد بالله قد خلع عليه ولقبّه جمال المُلْك، وأعطاه أربعة آدُرّ في درب الشّاكريَّة، عمّر بها وأنشأها دارًا عَلِيَّة مليحة، وأعطاه الخليفة خمسمائة دينار، وأطلق له مائة جذْع، ومائتي ألف آجرة، وأجرى عليه معلومًا، فظهر أنّه يُكاتب دُبَيْسًا، فنمَّ عليه بوّابه لكونه طرده، فهرب ابن أفلح، وأمر المسترشد بنقْض الدّار.
وكان قد غرّم عليها عشرين ألف دينار.
وكان فيها حمّام، ولمُسْتَرَاحها أنبوبٌ، إنْ فُرِك يمينًا جرى ماءٌ ساخن، وإنْ فُرِك شمالًا جرى ماءٌ بارد.
ثم ظهر بتكريت، واستجار بهارون الخادم.
__________
1 المنتظم "10/80، 84"، وفيات الأعيان "3/ 68"، عيون التواريخ "12/ 355-360".(36/239)
ثمّ آل الأمر إلى أنّ عفا عنه.
ومن شِعْره:
دع الهوى لأناسٍ يعرفون به ... قد مارسوا الحبَّ حتّى لان أَصْعَبُه
بَلَوْتَ نفسَكَ فيمًا لست تخبرهُ ... والشّيءُ صعبٌ على من لَا يجرّبُه
أهن اصطبارًا وإن لم تستطع جَلَدًا ... فرُبّ مدرِك أمرٍ عزَّ مطلبُه
أحيوا الضُّلُوع على قلبٍ يحيّرني ... في كلّ يومٍ ويُعْييني تقلُّبُه
تنازعُ الرّيح من نجدٍ يهيّجهُ ... ولامِعُ البرْقِ من نعمان يُطربُه
157- عَلِيّ بْن المسلم بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بن الفتح1.
أبو الحَسَن السُّلَميّ، الدّمشقيّ، الفقيه الشّافعيّ، الفَرَضيّ، جمال الإسلام.
سمع: أبا نصر بن طَلّاب، وأبا الحَسَن بن أبي الحديد، وعبد العزيز الكتّانيّ، ونجا العطّار، وغنائم بن أحمد، وعلي بن محمد المصيصي، والفقيه نصر بن إبراهيم، وجماعة.
وتفقّه على: القاضي أبي المظفَّر المَرْوَزِيّ.
وأعاد الدّرس للفقيه نصر، وبرع في الفقه.
قال الحافظ ابن عساكر: وبَلَغَني أنّ أبا حامد الغزّالي قال: خلّفت بالشّام شابًّا إنْ عاش كان له شأن، فكان كما تفرّس فيه.
ودرسّ في حلقة الغزّالي بالجامع مدَّة.
ثمّ وُلّي تدريس الأمينية سنة أربع عشرة وخمسمائة.
سمعنا منه الكثير، وكان ثقة، ثَبْتًا، عالمًا بالمذهب والفرائض، وكان يحفظ كتاب "تجريد التّجريد" لأبي حاتم القزويني.
وكان حسن الخط موفقًا في الفتاوى.
كان على فتاويه عمدة أهل الشام.
__________
1 سير أعلام النبلاء "20/ 31، 34"، طبقات الشافعية الكبرى "4/ 283"، الوافي بالوفيات "22/ 195".(36/240)
وكان كثير عيادة المَرْضَى وشُهُود الجنائز، ملازمًا للتّدريس والإفادة، حَسَن الأخلاق.
وله مصنّفات في الفِقْه والتّفسير.
وكان يعقد مجلس التّذكير، ويُظهِر السُّنَّة، ويردّ على المخالفين، ولم يخلّف بعده مثله.
قلت: روى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن عساكر، وابنه القاسم، والسِّلَفيّ، وخطيب دُومَة عبد الله بن حمزة الكرماني، وعبد الوهّاب بن عليّ الزُّبَيْريّ المعدّل، وأبو الحزْم مكّيّ بن عليّ، ويحيى بن الخضر الأُرْمَويّ، وإسماعيل الْجَنْزَوِيّ، وبركات الخُشُوعيّ، ومحمد بن الخصيب، وطائفة آخرهم وفاة القاضي أبو القاسم الحَرَسْتانيّ.
وقد أملى عدَّة مجالس.
وقع لنا من طريقه بعلو "معجم" ابن جميع.
وذكره ابن عساكر أيضًا في طبقات الأشاعرة من كتاب "تبيين كذِب المفتري"، فقال: تفقّه أوّلًا على القاضي أبي المظفّر عبد الجليل بن عبد الجبّار المَرْوَزِيّ، وغيره.
وعُنِي بكثرة المطالعة والتكرار، فلمّا قدِم الفقيه نصر المقدسيّ دمشق لازَمَه.
ولزم الغزّاليّ مدَّة مُقامه بدمشق، وهو الّذي أمره بالتّصدُّر بعد موت الفقيه نصر، وكان يُثْني على عِلْمه وفَهْمه.
وكان عالمًا بالتفسير، والأصول، والفقه، والتَّذْكير، والفرائض، والحساب، وتعبير المنامات.
وتُوُفّي في ذي القعدة ساجدًا في صلاة الفجر، رحمه الله تعالى.
158- عليّ بن المُطَهَّر بن مكّيّ بن مِقْلاص.
أبو الحَسَن الدِّينَوَرِيّ، الشّافعيّ.
تفقه على: أبي حامد الغَزّاليّ.
وسمع من: نصر بن البَطِر، ونحوه.
وكان فقيهًا صالحًا.
تُوُفّي ليلة السّابع والعشرين من رمضان ببغداد رحمه الله.(36/241)
"حرف الفاء":
159- فاطمة بنت السيّد ناصر بن الحسين1.
أم المجتبي، العلوية الأصبهانية.
شريفة مُعَمَّرة.
سمعت الكثير من: عبد الرَزَاق بن شمة، وإبراهيم سِبْط بحرُوَية، وسعيد بن أبي سعيد العّيار.
وعنها: ابن عساكر، والسّمعانيّ وقال: ماتت سنة ثلاث.
160- فاطمة بنت محمد بن محمد بن فرحيَّة المقرئ، الدِّينَوَرِيّ. بغدادية.
روت عن أبي القاسم علي بن الحسين الرَّبَعيّ أحاديث يسيرة.
وتُوُفّيت في حدود هذه السنة ببغداد.
"حرف الميم":
161- مُحَمَّد بْن أحمد بْن الْحُسَيْن بن أبي بِشْر2.
الإمام أبو بكر المَرْوَزِيّ، الخَرَقيّ، المتكلّم.
رحل إلى نَيْسابور فتفقه وأحكم الكلام.
وسمع من: أبي بكر بن خَلَف، وجماعة.
وسكن قريته يُفتي ويَعِظ، وهي خَرَق، على ثلاثة فراسخ من مَرْو، بها سوق وجامع.
مات في شوّال في عَشْر الثّمانين.
روى عنه: ابن السمعاني.
__________
1 التحبير "2/ 434"، أعلام النساء "4/ 149".
2 التحبير "2/ 61، 62"، الأنساب "5/ 90"، معجم البلدان "2/ 425"، معجم المؤلفين "8/ 238".(36/242)
162- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بن عثمان.
أبو عامر البَلَنْسِيّ، الرّيّانيّ، الأديب.
كان من جِلَّة الشُّعراء.
عاش ستًّا وثمانين سنة.
أخذ عَنْهُ: أبو عبد الله بْن نابُل.
وكان من طبقة أبي إسحاق الخَفَاجيّ، فماتا في هذا العام.
163- محمد بن يحيى بن بَاجَة1.
أبو بكر الأندلسيّ، السَّرَقُسْطيّ، الشّاعر، الفيلسوف، المعروف بابن الصّائغ.
منسوب إلى انحلال العقيدة وسوء المذْهب.
وكان يعتقد أنّ الكواكب تدبّر العالم.
وقد استولى الفرنج على سَرَقُسْطَة في سنة اثنتي عشرة وخمسمائة.
وباجَة: هي الفضَّة في لسان فرنج المغرب.
وكان آية في آراء الأوائل والفلاسفة.
وهَمّ به المسلمون غير مرَّة، وَسَعَوْا في قتله.
وكان عارفًا بالعربية، والطّبّ، وعلم الموسيقى.
قال أبو الحَسَن عليّ بن عبد العزيز ابن الإمام: هذا مجموع من أفعال أبي بكر بن الصّائغ في العلوم الفلسفيَّة.
قال: وكان في ثقابة الذُّهن ولُطْف الغَوْص على المعاني الدّقيقة أعجوبة دهره، فإنّ هذه الكُتُب الفلسفية كانت متداولة بالأندلس من زمان الحَكَم جالبها، فما انتهج النّاظر فيها قبله بسبيل كما تبدّد عن ابن حزْم، وكان من أجل نظّار زمانه، وكان أبو بكر أثقب منه نظرًا فيها.
قال: ويشبه أنّ هذا لم يكن بعد أبي نصر الفارابيّ مثله في الفنون الّتي تكلم
__________
1 وفيات الأعيان "4/ 429-431"، سير أعلام النبلاء "20/ 93، 94"، شذرات الذهب "4/ 103".(36/243)
عليها، فإنه إذا قرنت أقاويله بأقاويل ابن سينا، والغزّاليّ، وهما اللّذان فُتح عليهما بعد الفارابيّ بالمشرق في فَهْم تلك العلوم، ودوَّنا فيها، بان لك الرَّجَحَان في أقاويله، وحُسْن فَهْمه، لأقاويل أَرِسطو.
قلت: وكان ابن الإمام من تلاميذ ابن باجَة.
كان كاتبًا، أديبًا، وهو غرناطيٌ أدركه الموت بقوص.
ومن تلامذة ابن باجَة أبو الوليد بن رُشْد الحفيد.
تُوُفّي ابن باجَة بفاس، وقبره بقرب قبر القاضي أبي بكر بن العربيّ المَعَافِريّ.
ومات قبل الكهولة؛ وله مصنّفات كثيرة.
ومن شِعره:
ضربوا القِبابَ على أقاحة روضةٍ ... خَطَر النَّسيمُ بها ففاح عبيرا
وتركتُ قلبي سار بين حمولهم ... دامي الكلوم يسوق تلك العيرا
لا والّذي جعل الغصون مَعَاطِفًا ... لهمُ وصَاغ الأقْحُوَانَ ثغورا
ما مرّ بي رِيحُ الصّبا من بعدهم ... إلّا شهقت له، فعاد سعيرا
وقد ذكر أبا بكر بن باجَة أيضًا الْيَسع بن حزْم في تأليفه فقال فيه: هو الوزير، الفاضل، الأديب، العالِم بالفنون، المعظَّم في القلوب والعيون.
أرسَلَ قلمه في ميادين الخطابة فسبق، وحرك بعاصف ذهنه من العلوم ما لا يكاد يتحرّك.
إلى أنّ قال: ومن مِثل أبي بكر؟ جادَ به الزّمان على الخواطر والأذهان، كلامه في الهيئة والموسيقى كلام فاضل، تعقَب كلام الأوائل، وحلَّ عُقَد المسائل، وإني لأتحقّق من عقْله ما يشهد له بالتّقييد للشّريعة ولا شكّ إنّه في صباه عَشِق، وصَبَا، وسَبَح في أنهار المجّانة وحيًا، وشعر ولحن، وامتحن نفسه في الغناء فمُحِن، وأنطق جماد الأوتار، وركب من الخلاعة كلّ عار.
164- محمد بن خَلَف بن إبراهيم1.
أبو بكر بن المقري أبي القاسم بن النحاس القرطبي.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 583".(36/244)
أخذ القراءات عن أبيه.
وسمع من: ابن الطّلّاع، وأبي عليّ الغسّانيّ.
وتفقه وبرع في العلم.
توفي في ربيع الآخر.
165- محمد بن أبي نصر شجاع بن أحمد بن عليّ الأصبهانيّ1.
أبو بكر اللَّفْتُوانيّ، الحافظ، المفيد.
سمع: أبا عَمْرو عبد الوهّاب بن مَنْدَهْ، وسهل بن عبد الله الغازيّ، وسليمان بن إبراهيم الحافظ.
ورحل إلى بغداد بعد العشرين، وحدَّث بها.
وقد سمع من: رزق الله التّميميّ، وطِراد النّقيب.
لكن بأصبهان.
ولم يزل يسمع ويقرأ إلى حين وفاته.
روى عنه: أبو موسى المَدِينيّ، وابن السّمعانيّ، وجماعة.
وأبوه من شيوخ السِّلَفيّ، وابنه عُبَيْد الله ممّن أجاز للفخر بن البخاريّ.
وكان شيخًا صالحًا، فقيرًا، ثقة، متعبدًا.
ولد سنة سبعٍ وستين وأربعمائة، وتُوُفّي في حادي وعشرين جُمَادَى الأولى.
وأثنى عليه أبو موسى المَدِينيّ، وقال: لم أرَ في شيوخي أكثر كُتُبًا وتصنيفًا منه.
استغرق عُمره في طلب الحديث وكتْبه وتصنيفه ونشْره.
وقال ابن السّمعانيّ: كان شيخًا، صالحًا، كثير الصّلاة، حَسَن الطّريقة، خَشِنها.
لقِيتُه بأصبهان، وسمعت منه الكثير.
وما دخلت عليه إلّا وهو مشتغل بخبر، إمّا أنْ يصلّي، أو ينسخ، أو يتلو.
وكان يقرأ قراءةً غير مفهومة، وهو عارف بالحديث وطُرُقه.
كتب عن من أقبل وأدبر.
وخطّه لَا يمكن قراءته لكل أحد.
وكان يقول: يكفي من السّماع شَمُّه.
__________
1 التحبير "2/ 134-136"، الأنساب "11/ 27"، المنتظم "10/ 84".(36/245)
166- محمد بْن الحسين بْن الحَسَن بْن الحسين بن ربينة1.
الشَيخ أبو غانم بن أبي ثابت الأصبهانيّ، الواعظ، المفسّر، المحدّث.
سمع الحديث الكثير، وقرأ وأفاد وتصدّر.
سمع: جدّه لأمّه محمد بن الحَسَن بن سليم، وأخاه عمر بن الحَسَن، ومحمد بن محمد بن عبد الوهاب المَدِينيّ، وعمر بن أحمد بن عمر السمار، وخلائق.
وسمع ببغداد سنة أربع عشرة من الموجودين.
سمع منه ابن الجوزيّ، بقراءة ابن ناصر.
وُلِد في أوّل سنة إحدى وثمانين.
ومات في سلْخ المحرَّم.
167- محمد بن حمْد2.
أبو منصور الأصبهانيّ، العطّار، الطَّيْبيّ.
شيخ متعبّد ومتيقّظ، خيّر.
سمع: إبراهيم بن منصور سِبْط بحرُوَيْه، وسعيد العَيّار، وجماعة.
وعنه: ابن عساكر، والسّمعانيّ.
حدَّث بأجزاء من "مُسْنَد أبي يَعْلَى".
وعاش بِضْعًا وثمانين سنة.
168- محمد بن ظَفَر بن عبد الواحد بن أحمد3.
الأصبهانيّ، أبو بكر المعدّل.
من شيوخ أبي موسى.
تُوُفّي في صفر.
يروي عن: محمد بن عبد العزيز الغزال، عن الجرجاني.
__________
1 التحبير "2/ 117، 118"، طبقات المفسرين للسيوطي "29".
2 تقدم برقم "106".
3 التحبير "2/ 137، 138".(36/246)
169- محمد بن عبد الغنيّ بن عمر بن عبد الله بن فَنْدَلَة1.
أبو بكر الإشْبيلي، الأديب، اللُّغَويّ.
تلميذ أبي الحَجّاج الأعْلِم.
وأخذ أيضًا عن: أبي محمد بن خَزْرَج، وأبي مروان بن سِرَاج.
وذكر أنّه سمع بقُرطُبة من محمد بن عتّاب كُتُبًا ذكرها.
قال ابن بَشْكُوال: ويَبْعُدُ ما ذكره.
والله أعلم.
وقد أخذَ عنه.
وتُوُفّي في عقب شوّال وله تسعون سنة إلّا أشْهُرًا.
170- محمد بن عبد المتكبر بن الحَسَن بن عبد الودود2.
أبو جعفر بن المهتديّ بالله الهاشميّ، العباسيّ، الخطيب.
قاضي باب البصْرة ببغداد.
روى عن: أبي القاسم بن البُسْريّ، وغيره.
روى عنه: أبو القاسم بن عساكر، وأبو سعد السّمعانيّ.
وقال: كان خطيب جامع المنصور.
وحُمِدت سيرته في القضاء.
قال ابن عساكر: تُوُفّي سنة ثلاث.
وقال ابن السّمعانيّ: تُوُفّي سنة أربعٍ وثلاثين.
171- محمد بْن غانم بْن أَبِي الفتح أحمد بْن محمد بن سعيد.
الحدّاد، الأصبهانيّ، أبو عبد الله البيع.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 583، 584"، بغية الوعاة "1/ 161".
2 مختصر تاريخ دمشق "23، 23"، الوافي بالوفيات "4/ 25".(36/247)
شيخ كبير، ثقة، كثير السماع.
سمع من جدّه، وطائفة.
وقدِم بغداد مع جدّه للحجّ، وسمع من: مالك البانياسيّ، وابن البَطِر.
قال ابن السّمعانيّ: قرأت عليه أربعة أجزاء، خرّجها له يحيى بن مَنْدَهْ.
172- المبارك بن عثمان بن حسين.
أبو منصور بن الشّوّا، الدّقّاق، الأزَجيّ.
روى عن: مالك البانياسيّ.
حدَّث عنه: أبو المُعَمَّر، وابن عساكر.
173- مجاهد بن أحمد بن محمد1.
أبو بكر المجاهدي، البوشبجي، الطبيب.
شيخ صالح.
سمع: جمال الإسلام الداودي.
أخذ عنه: السّمعانيّ بالإجازة.
مات في ذي الحجَّة.
174- محمود بن بوري بن طُغْتِكِين2.
الملك شهاب الدّين أبو القاسم.
وُلّي دمشق بعد قتْل أخيه شمس الملوك.
وكانت أمّه زُمُرُد هي الغالبة عليه والمدبرة له، إلى أنّ تزوّجها زنكيّ والد الملك نور الدين، وخرجت إليه إلى حلب.
فقام بتدبير الأمور معين الدولة أنز مملوك جده.
__________
1 التحبير "2/ 327، 328".
2 الكامل في التاريخ "11/ 68"، سير أعلام النبلاء "20/ 50"، البداية والنهاية "12/ 215".(36/248)
قال ابن عساكر: وكانت الأمور تجري في أيامه على استقامة إلى أنّ وثب عليه جماعةٌ من خدمه، وقتلوه في شوّال.
وقدِم أخوه محمد بن بَعْلَبَكّ، فتسلّم القلعة والبلد من غير منازعة.
قال أبو يَعْلَى حمزة: قُتِلَ ليلة جمعةٍ بيد غلمانه الملاعين ألْبقش الأرمنيّ الّذي اصطنعه وقربه، ويوسف الخادم الذي وثق به لِدِينه، والفرّاش الرّاقد حوله.
فكانوا ثلاثتهم يبيتون حول فراشه، فقتلوه في جوف اللّيل وهو نائم، وأخفوا سِرَّهم، بحيث خرجوا من القلعة، فظهر الأمر، وطُلِب ألْبقش فهرب، وأُمْسك الآخران، فصُلبا على باب الجابية.
175- المنذر بن سعد بن سعيد بن أبي الخير فضل الله بن أحمد المِيهَنيّ.
أبو الثّناء الصُّوفيّ.
شيخ صالح، عفيف، لازمٌ لتُرْبه جدّه، ناهضٌ بحقوق الواردين.
وُلِد في حدود سنة 456.
وحدَّث عنه ابن السّمعانيّ.
"حرف النون":
176- ناصر بن سهل1.
أبو سعد النّوقانيّ.
عالم، فقيه، ثقة.
سمع: محمد بن سعيد الفرخزاذيّ، وأبا عاصم عبد الرحمن الجوهريّ.
مات في شوّال عن تسعين سنة.
"حرف الهاء":
177- هبة الله بن سهل بْن عُمَر بْن أبي عُمَر مُحَمَّد بْن الحسين بن محمد بن أبي الهيثم2.
__________
1 التحبير "2/ 339".
2 الأنساب "7/ 217"، المشتبه في أسماء الرجال "1/ 277، 156"، طبقات الشافعية الكبرى "4/ 321".(36/249)
أبو محمد البِسطاميّ، النَيْسابوريّ، المعروف بالسّيّديّ.
وُلِد في ربيع الأول سنة ثلاثٍ وأربعين وأربعمائة.
ذكره ابن المعاني فقال: عالِم، خيّر، كثير العبادة والتّهجُّد، ولكنّه كان عسِر الخُلُق، بسِر الوجه، لَا يشتهيّ الرّواية، ولا يحبّ أصحاب الحديث.
كنّا نقرأ عليه بجهدٍ جهيد وبالشّفاعات.
سمع: أبا حفص عمر بن مسرور، وأبا الحسين عبد الغافر الفارسيّ، وأبا عثمان البَحِيريّ، وأبا سعيد الكَنْجَرُوذيّ، وأبا يَعْلَى إسحاق الصّابونيّ، وأبا بكر البَيْهقيّ، وجماعة.
وسمعت منه "الموطّأ" إلّا كتاب المساقاة والقِراض.
وتُوُفّي في الخامس والعشرين من صَفَر.
قلت: وروى عنه الحافظ ابن عساكر، والمؤيد الطُّوسيّ، وأجاز لأبي القاسم بن الحَرْستانيّ، وغيره.
وكان زوج بنت إمام الحرمين أبي المعالي الْجُوَيْنيّ.
وكان من الفقهاء بنَيْسابور.
وقد روى أجزاء كثيرة تفرّد بها، منها جزء ابن نُجَيْد، وبعض الحُفّاظ استثنى من "الموطّأ" كتاب الفرائض.
وهذا الفَوْت كلّه قديم.
فاته زاهر بن أحمد.
وفيات سنة أربع وثلاثين وخمسمائة:
"حرف الألف":
178- أحمد بْن جَعْفَر بْن أحمد بن مهدوَيْه الأنباريّ1.
سمع: أبا طاهر محمد بن أحمد بن أبي الصَّقْر.
وعنه: ابن السمعاني.
__________
1 المنتظم "10/ 86".(36/250)
179- أحمد بن جعفر بن الفَرَج1.
أبو العبّاس الحربيّ.
شيخ صالح، عابد.
له سَمْت وهَيْبة وسكون.
يروى عن أبي طلحة النّعاليّ.
قال ابن الجوزيّ: كان يُقال إنّه رُئي بعَرَفَات في سنةٍ ما حجّ فيها.
وتُوُفّي في رمضان.
وقال ابن النّجّار أحمد بن جعفر الأكّاف الزّاهد، كان ورِعًا، زاهدًا، دائم الفكرة، سريع الدَّمْعة، مُخْفِيًا لأحواله، مُجاب الدّعوة، ظاهر الكرامات، يُعدّ في درجة الشَيخ أبي الحَسَن القَزْوينيّ.
روى لنا عنه أبو عليّ عبد الله بن طُلَيْب.
قال كرم بن أحمد: كان أحمد بن جعفر يعمل معنا سِنين في السّقلاطون، فما رأيته يحدّث بما لَا يعنيه.
وكان يقول: أقصِروا عمّا ليس فيه فائدة، فإنّه يُكتب عليكم.
وكان إذا جاءه من يقبّل يده يكره ذلك ويقول: مَن أنا حتّى تُقَبّل يدي؟ رحمه الله.
180- أحمد بن محمد بن الحُسين البابانيّ، الواسطيّ2.
مقرئ صالح، سكن بغداد.
حدَّث عن: أبي القاسم بن فهْد، وابن البَطِر.
وتُوُفّي في شعبان.
روى عنه: ابن عساكر، والسمعاني.
__________
1 المنتظم "10/ 86"، 87".
2 المنتظم "10/ 86، 87".(36/251)
181- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الحُسين بْن سرطان الأنباريّ.
سمع من: الخطيب بن الأخضر.
وعنه: ابن السّمعانيّ.
عاش بِضعًا وسبعين سنة.
182- أحمد بن محمد بن المسَلَّم1.
أبو القاسم الهاشميّ، الدّمشقيّ.
سمع: أبا القاسم السُّمَيْساطيّ؛ وكان عنده جزءٌ واحدٌ من موطّأ ابن وهْب.
سمعه منه في سنة إحدى وخمسين وأربعمائة.
وكان لَا بأس به.
روى عَنْهُ: أبو القاسم بْن عساكر.
وتُوُفّي في ثامن المحرَّم.
ودُفِن بمقابر الكهف.
وهو آخر من حدَّث عن السُّمَيْساطيّ.
183- أحمد بن منصور بن المؤمَّل2.
أبو المعالي الغزّال.
بغداديّ.
سمع: أبا الحسين بن النَّقُور، وأبا بكر بن حَمْدوَيْه، وأبا نصر الزَّيْنبيّ.
روى عنه: أبو سعد السّمعانيّ، وعمر بن طَبَرزد، وحنبل المكبّر، وآخرون.
قال ابن الجوزيّ: كان خيَّرًا، ويسقي الأدوية بالمارستان العَضُدِيّ، ويعبّر الرُّؤْيَا.
أتاه رجل يوم الجمعة الثامن والعشرين من ربيع الآخر فقال: رأيتك كأنك قد مت في هذا الموضع. وأشار إلى خربةٍ مقترنةٍ بالمارستان.
ففكّر ساعةً ثم قال: ترحموا
__________
1 مختصر تاريخ دمشق "3/ 285"، تهذيب تاريخ دمشق "2/ 79".
2 المنتظم "10/ 87".(36/252)
عليَّ. ومضى فصلّى الجمعة ورجع، فوصل قريبًا من ذلك الموضع، وسقط ميّتًا، رحمه الله.
184- أحمد بن عمر بن أحمد التَّنْجكرديّ الطُّوسيّ. الضّرير، الواعظ.
سَمِعَ: أبا بَكْر بْن خَلَف، وموسى بْن عِمران الصُّوفيّ.
قال السّمعانيّ: سمعت منه "الأربعين" للحاكم.
مات في المحرّم.
185- إبراهيم بن إسماعيل بن إسحاق بن شيث1.
الإمام أبو إسحاق الأنصاريّ، الزّاهد، المعروف بالصّفّار.
زاهد، عابد، كبير القدر، قوّال بالحقّ، شهير.
أراد بعض الملوك قتله لذلك.
سمع: أباه أبا أحمد الشهيد، ويوسف بن منصور السّيّاريّ الحافظ.
مات في ربيع الأوّل.
أجاز للسّمعانيّ.
186- إبراهيم بن سليمان بن رزق الله2.
أبو الفَرَج الوَرْديسيّ، الضّرير.
ووَرْديس قرية عند إسكاف من النَهْروان، وبها وُلِد.
وكان يسكن بباب الأَزَج.
قال ابن الجوزيّ: كان فَهِمًا للحديث، حافظًا لأسماء الرجال، ثقة.
سمع الكثير، وحدَّث باليسير.
سمع: رزق الله التميمي، وابن البطر.
__________
1 التحبير "1/ 71".
2 المنتظم "10/ 87".(36/253)
وتوفي في سابع ربيع الأول.
قلت: سمع جماعة كثيرة.
روى عنه: يحيى بن بوش.
187- إِبْرَاهِيم بْن طاهر بْن بركات بْن إِبْرَاهِيم بن عليّ1.
أبو إسحاق القُرشيّ الخُشُوعيّ، الدمشقيّ، الرّفّاء، الصّوّاف.
سمع: أبا القاسم عليّ بن محمد المصَّيصيّ، والفقيه نصر بن إبراهيم، وجعفر بن أحمد السّرّاج.
وسمع ولده أبا طاهر كثيرًا.
روى عنه: أبو القاسم بن عساكر، وابنه أبو طاهر بركات، وعبد الخالق بن أسد.
وقال ابن عساكر: كان ثقة خيّرًا.
تُوُفّي في شعبان.
188- أسد بن عَلِيّ بن عَبْد اللَّه بن أَبِي الحَسَن ابن القائد محمد بن الحَسَن الغسّانيّ الحلبيّ2.
ويُكْنَى أبا الفضل.
ذكره يحيى بن أبي طَيّء في تاريخه، فقال: هو عمّ والدي.
وكان فقيهًا، قارئًا نَحْويًا.
وُلِد سنة خمسٍ وثمانين.
وتُوُفّي ببلاد قُمٍّ، ولم يعقب.
وكان قد قرأ القراءات قبل أنّ يبلغ، ثمّ قرأ الأصول على مذهب الإمامية، وصنَّف كتابًا في مناقب أهل البيت، وشرح ديوان أبي تمام.
__________
1 مختصر تاريخ دمشق لابن منظور "4/ 65"، تهذيب "تاريخ دمشق "2/ 223".
2 لسان الميزان "1/ 383"، أعيان الشيعة "11/ 132، 133".(36/254)
"حرف الثاء":
189- ثابت بن حميد1. المستوفي.
مِن أعيان بغداد.
قال ابن الجوزيّ: قبض عليه الوزير البروجرديّ، وحبسه في سرداب بهَمَذَان في الشّتاء بطاق قميص، فمات من البرد.
وأخذ من ماله ثلاثمائة ألف دينار.
"حرف الجيم":
190- جعفر بن محمد بن أبي سعيد بن شَرَف2.
أبو الفضل الْجُذاميّ، القيروانيّ، نزيل الأندلس شاعر عصره.
قال ابن بشكوال: ولد سنة أربعٍ وأربعين وأربعمائة، ودخل الأندلس في سنة سبعٍ وأربعمائة مع والده.
قال: واستوطن بَرْجَة من ناحية المَرِية.
رَوَى عَنْ: أَبِيهِ؛ وَعَنْ: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ المرابط، وأبي الوليد الوَقْشيّ، وأبي سعيد الورّاق، وغيرهم.
كان من جِلَّة الأدباء وكبار الشّعراء.
وكان شاعر وقْته غير مُدَافَع، وطال عمره، فأخذ النّاس عنه، وله تصانيف حِسَان في الأمثال، والأخبار، والآداب، والأشعار.
وكتب إلينا بإجازة ما رواه وصنّفه.
وتُوُفّي في منتصف ذي القعدة.
وكان من خُلَصاء صاحب المَرِيَّة ابن صُمَادح.
قال الْيَسَعُ بن حزْم: ومنهم شيخنا الحكيم الوزير جعفر بن شَرَف، له حفظ
__________
1 المنتظم "10/ 87".
2 الصلة لابن بشكوال "1/ 130".(36/255)
كالسَّيْل، وجَرْي إلى المعالى كالخيل.
ما عسى أنّ أصف به من بَرَع في كلّ فنّ، وأصبح على أترابه له الفضل والمَنّ، مع تواضُع نَفْس.
قال لي: أنشدت المعتصم بن صُمَادِح في روضةٍ حَلَلْنا بها بعد تعب:
رياضٌ تعشّقها سندسٌ ... تَوَشَّتْ معاطِفُها بالزَّهَرْ
مَدَامِعُها فوقَ خَدَّيْ رَيًّا ... لها نظرةٌ فَتَنَتْ من نَظَرْ
لكلّ مكانٍ بها جنةٌ ... وكلُّ طريقٍ إليها سَقَرْ
وله من الكتب كتاب "الحشّ والتّجميش" في الطّبيعيّات والإلهيّات، وكتاب "عَقِيل وعَلِيم" حاكى به كليلة ودِمْنة؛ وله شعرٌ، كثير.
وأخذ يبالغ الْيَسَع ابن حزْم في إطرائه.
191- جوهر الحبشيّ1.
خادم السّلطان سَنْجَر.
كان مستوليًا علة مملكته محكّمًا فيه.
جاءه الباطنيَّة في زِيّ النّساء واستغاثوا ثمّ قتلوه.
وذلك بالرّيّ.
"حرف الحاء":
192- الحَسَن بن عمر2.
أبو عليّ الطُّوسيّ، البيّع.
من أهل نَيْسابور، متميزٌ بها.
سمع: أبا صالح المؤذن، وأبا إسحاق الشّيرازيّ الفقيه، وجماعة.
ولد على رأس الستين وأربعمائة.
روى عنه: أبو سعد، وقال: مات رحمه الله في غرة جمادى الآخرة.
__________
1 المنتظم "10/ 87"، الكامل في التاريخ "11/ 76، 77"، المختصر في أخبار البشر "3/ 15".
2 التحبير "1/ 203، 204".(36/256)
193- الحَسَن بن نصر بن الحَسَن1.
ويُعرف بابن المغنيّ.
أبو محمد الدِّينَوَرِيّ، البزّاز.
وُلِد بالرّيّ، وسكن بغداد. وكان يتّجر بالبَزّ في خان الخليفة.
سمع: أبا القاسم بن البُسْريّ.
وبصور من الفقيه نصر المقدسيّ.
روى عنه: ابن عساكر، وابن السّمعانيّ.
وعاش ثمانين سنة.
وتُوُفّي في حدود هذه السنَّة؛ لأنّه كان باقيًا فيها.
194- حمزة بن الحَسَن بن مفرّج2.
أبو يَعْلَى الأزْديّ، الدّمشقيّ، المقرئ، الدّلّال في الكتب.
سمع: أبا القاسم بن أبي العلاء، وأبا عبد الله بْن أَبِي الحديد، وسهل بْن بِشْر.
روى عنه: ابن عساكر، وعبد الخالق بن أسد.
تُوُفّي في صَفَر.
وكان مستورًا.
"حرف الراء":
195- رابعة بنت معمّر بن أحمد بن محمد اللُّنْبانيّ3.
أمّ الفُتُوح الأصبهانيَّة، زوجة الحافظ أبي سعد البغداديّ.
سمعت المطهر البزاني، وابن ماجه الأبهري.
__________
1 مختصر تاريخ دمشق لابن منظور "7/ 75"، تهذيب تاريخ دمشق "4/ 255".
2 مختصر تاريخ دمشق لابن منظور "7/ 260"، تهذيب تاريخ دمشق "4/ 446".
3 التحيير "2/ 407"، أعلام النساء "1/ 435".(36/257)
قال السّمعانيّ: سمعت منها "جزء لُوَيْن".
ماتت رابع المحرَّم.
"حرف الزاي":
196- زُفْرَةُ الأصبهانيّ المفيد1.
قال السّمعانيّ: هو أَبُو بكر محمد بن أحمد بن عليّ.
حرص وما فاته شيخ بأصبهان.
ولم يكن يعرف شيئًا أصلًا، وصار يعرف أسماء الكُتُب والأجزاء، حتّى أنّ صاحبنا الشّهاب محمد بن أبي الوفا قرأ يومًا فقال: حمزة بن محمد الكتّانيّ.
فصاح فيه زفرة، وقال: الكناني: فتعجبوا من صوابه الشّهاب.
سمع: أبا الفتح الحدّاد، وهبة الله بن عليّ الشّيرازيّ.
وقرأتُ عليه الأوّل من حديث أبي بكر الشّافعيّ، عن الشّيرازيّ، عن ابن غَيْلان، عنه.
مات في جُمَادَى الأولى، رحمه الله.
"حرف الشين":
197- شبيب بْن الحسين بْن عُبَيْد الله بْن الحسين بن شباب.
القاضي، أبو المظهر البروجردي، الفقيه، الشافعي.
قال ابن سمعان: قدم بغداد بعد السبعين وأربعمائة وتفقّه على أبي إسحاق.
وبرع في العلم.
وهو إمامٌ مفتٍ، مناظر، أديب، شاعر، مليح المناظرة حلو النطق، متواضع.
سمع: الفقيه أبا إسحاق، وإسماعيل بن مَسْعَدة الإسماعيليّ، وأبا نصر الزَّيْنبيّ.
وبأصبهان: أَبَا بَكْر مُحَمَّد بْن أحمد بْن ماجه.
__________
1 التحبير "2/ 67، 68"، شذرات الذهب "4/ 104".(36/258)
وببَرُوجِرْد: يوسف بن محمد بن يوسف الهَمَذانيّ الخطيب، صاحب ابن لال.
وسألته عن مولده فقال: في رجب سنة إحدى وخمسين وأربعمائة، وقرأت عليه أجزاء ببَرُوجِرْد، وكان قاضيها؛ وكان من مَفَاخر العراق.
وتُوُفّي بعد رجوعه من حجّته الثّانية لأربعٍ خَلَوْن من ربيع الأوّل ببغداد.
ودُفِن عند أستاذه الشَيخ أبي إسحاق.
وقد كتب عنه السِّلَفيّ.
"حرف العين":
198- عبّاد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الله بْن أَبِي الرجاء1.
أبو نهشل التّميميّ، الأصبهانيّ، المعدّل.
من شيوخ أبي موسى المَدِينيّ.
تُوُفّي في ثامن ذي القعدة.
199- عبد الله بن أسعد بْن أحمد بْن محمد بن محمد بْن حيّان.
أبو سعد النَّسَويّ، النَيْسابوريّ.
ذكره ابن السّمعانيّ فقال: شيخ صالح، مرضٍ، من أولاد المشايخ، خدم الكبار وصَحِبَهم، وشدا طَرَفًا من العِلْم.
وسمعه أبوه من: أبي بَكْر بْن خَلَف، وأبي المظفَّر مُوسَى بن عمران.
كتبتُ عنه، وكان ثقةً، متيقّظًا.
وُلِد سنة إحدى وسبعين وأربعمائة، وتُوُفّي، رحمه الله، في ذي القعدة بنَيْسابور.
200- عبد الرّزّاق بن محمد بن سهل2.
أبو الفتح الأصبهاني، الشرابي.
__________
1 التحبير "1/ 510، 511".
2 التحبير "1/ 440".(36/259)
قال السمعاني: مقرئ، فاضل، حسن السيرة، حَسَن الإقراء، ختم جماعة بأصبهان.
ورحل في الحديث إلى خُراسان، وكرْمان، والبصرة.
وسمع: رزق الله التميمي، وأبا المظفر السّمعانيّ جدّي، وأبا عبد الله النعاليّ، وابن البَطِر، ومظفَّر بن محمد العَبّادانيّ البصْريّ.
وسمع بكرمان: أبا محمد بن محمد بن عبد الرزاق الكْرمانيّ.
سمعتُ منه جزءًا خرّجه بنفسه.
ولد ظنًّا في السبعين وأربعمائة، وتُوُفّي في صَفَر.
قلت: سمعنا من طريقة "الرد على الجهمية" لعثمان الدارمي، على زينب ببعلبك، بإجازتها من عبد العظيم بن عبد اللّطيف الأصبهانيّ الشّرابيّ، قال: أخبرتنا ضَوْء النّساء بنت عبد الرزاق الشّرابيّ، أنا أبي، أنا الخطيب محمد بن عبد الله الهَرَويّ، أنا ثابت بن محمد بن أحمد السَّعديّ، أنا أبي، أنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم القُرشيّ، عن المؤَلّف.
وثابت تقدم في سنة ستين وأربعمائة.
وهذا الكتاب بنزول درجتين، لكنه كتابٌ نفيس.
201- عبد السلام بن الفضل1.
أبو القاسم الجيلي، الشافعي.
أقام ببغداد مدة، وتفقه في النظامية على الكيا أبي الحسن الهراسي.
وولي قضاء البصرة، وسمع بمكَّة "صحيح مسلم" من الحسين بن عليّ الطَّبريّ.
وتُوُفّي في خامس جُمَادَى الآخرة.
قال ابن الجوزيّ: برع في الفقه والأصول.
وكان وقورًا، له هيئة.
وجَرَت أحكامه على السداد.
__________
1 المنتظم "10/ 87، 88"، طبقات الشافعية الكبرى "7/ 169"، البداية والنهاية "12/ 217".(36/260)
وكان أبو العبّاس البَصْريّ الواعظ يقول: ما بالبصرة شيء يُستحسن غير القاضي عبد السّلام والجامع.
202- عبد السلام بن محمود1.
أبو الخير الحَسْنَابَاذِيّ، الأصبهانيّ.
ثقة، عالم، فاضل.
وُلِد في رمضان سنة سبعٍ وأربعين وأربعمائة.
سمع: أحمد الباطِرْقانيّ، وشجاع بن عليّ.
وعنه: السّمعانيّ، وقال: مات في صَفَر.
203- عَبْد الواحد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بن عبد الرحمن.
أبو القاسم المَدِينيّ، دولجة.
رحل إلى خُراسان، والعراق، وغير موضع.
قال ابن السّمعانيّ: ما كان يفهم شيئًا، ويقرأ قراءةً مُدْغَمَة غير مفهومة.
وكان خطّه كقوله.
أظنّ أنّه كان شيخًا صالحًا، خيرًا، فقيرًا.
سمع ببغداد من: ابن البَطِر، وجماعة.
وبأصبهان: أبا المطيع، وخلْقًا كبيرًا.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وأبو موسى المَدِينيّ وقال: توفى في ذي القعدة، وهو ابن عمَّة والدي.
204- علي بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد2.
أَبُو الحَسَن النَيْسابوريّ، الشُّرُوطيّ، الحافظ المزكّي الحاكم.
سمع: أبا بكر محمد بن القاسم الصّفّار، وعبد الرحمن بن رامش.
__________
1 التحبير "1/ 451، 452"، الأنساب "4/ 140".
2 المنتخب من السياق "376"، التحبير "1/ 571".(36/261)
وعنه: السمعاني وقال: ولد سنة خمسين وأربعمائة، ومات رحمه الله في ربيع الآخر.
205- عمر بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد.
أبو العباس الأَرْغِيانيّ، الأحدب.
أخو أبي نصر الفقيه.
شيخ، صالح، فقيه.
سَمِعَ: أبا القاسم القُشَيْريّ، وأبا حامد الأزهريّ، وجماعة.
وتفقه عليّ ابن الحُرينيّ.
سمع منه: أبو سعد السّمعانيّ.
مات في رمضان عن نحو تسعين سنة.
206- عمر بن عليّ بن أحمد1.
أبو حفص الفاضليّ، النّوقانيّ، النَّحْويّ.
قال السّمعانيّ: إمام، فاضل، مُناظر، متواضع.
سمع: الفضل بن محمد الزّجاجيّ، وأبا بكر بن خَلَف، وجماعة.
كتب عنه بُنوقان طُوس.
وتُوُفّي رحمه الله في غُرَّة صَفَر.
207- عنبر بن عبد الله الحبشيّ2.
أبو المسك، المعروف بعنبر الستري؛ لأنك كان يحمل أستار الكعبة من بغداد.
وقد جاور سِنين، وكان صالحًا كثير المعروف.
قال ابن السّمعانيّ: سمعت منه بمكَّة في الحَجّتين.
روى عنه: عبد الله النّعاليّ، وابن البَطِر.
__________
1 التحبير "1/ 523، 524".
2 الأنساب "7/ 40".(36/262)
خرج له ابن ناصر جزأين.
وتُوُفّي في ذي الحجَّة.
"حرف الفاء":
208- فاطمة بنت الفقيه أبي حكيم عبد الله بن إبراهيم الخبريّ الفرضيّ الشّافعيّ1.
خاله ابن ناصر الحافظ.
قال السّمعانيّ: امرأة خيِّرة، ديِّنة، سِتِّيرة.
سمعت: ابن المسلمة، وأبا منصور عليّ بن الحَسَن الكاتب، ويوسف المهْروانيّ، وأبا منصور العُكْبَريّ.
وحدَّثت بالكثير، وتفرّدت في عصرها برواية "المُوَفَّقِيّات" للزُّبَير بن بكّار، عن أبي منصور الكاتب بفَوْت.
وكان مولدها في جُمَادَى الأولى.
روى عنها: ابن ناصر، وابن السّمعانيّ، وأبو الفَرَج بن الجوزيّ، وابن سُكَيْنَة، وعبد الله بن مسلم بن النّحّاس، وطائفة.
وتُوُفّيت في خامس رجب.
"حرف الميم":
209- محمد بن إسماعيل بن الفُضَيْل بن محمد بن الفُضَيْل2.
الفُضَيْلي، الأنصاريّ، الهَرَويّ، المزكّيّ.
سمع: محلّم بن إسماعيل الضّبّيّ، وأبا عمر المَلِيحيّ، وسعيد بن أبي سعد العيار.
روى عنه: الهرويون.
__________
1 المنتظم "10/ 88".
2 التحبير "2/ 94-96"، الأنساب "9/ 315"، سير أعلام النبلاء "20/ 64، 65".(36/263)
وعنه: ابن السّمعانيّ، وابن عساكر، وأبو رَوْح، وغيرهم.
وتُوُفّي بمَرْو غريبًا في صَفَر، وحُمِل إلى هَرَاة.
وقد ذكره ابن السّمعانيّ في "مُعْجَمه" فقال: أملى مدَّة بجامع هَراة، وورد مَرْو وأنا بالعراق، وأجاز لي.
يروي "صحيح البخاري" عن أبي عمر المليحي، عن النعيمي، وكتاب "العلل ومعرفة الرجال" رواية عباس الدوري، عن ابن معين.
يروي عن: حكيم الإسْفَرَائينيّ.
قلت: ما أظنّ ابن السّمعانيّ سمع منه.
210- محمد ابن تاج الملوك بوريّ بن طُغْتِكِين1.
الملك جمال الدّين أبو المظفَّر، صاحب دمشق.
ولّاه أبوه بَعْلَبَكّ، فأقام بها مدَّة إلى أنّ دبّر على أخيه الملك شهاب الدّين محمود بن بوريّ من قتله، ثمّ قدِم من بَعْلَبَكّ، وتسلم دمشق في شوّال من السنة الماضية.
وكان سيئ السّيرة. لم تطُلْ مدَّته ولا متّعه الله، فمات في شعبان من هذه السّنة وأُجلِس في الملك ابنه أبق.
وزاد تعجُّب النّاس من قِصَر مدَّة جمال الدّين، ودُفِن بتُربة جدّه طُغْتِكِين بظاهر دمشق.
211- محمد بن الحَسَن بن منصور2.
أبو الفتوح الأصبهانيّ، المعلّم، المؤذّن.
سمع: عبد الرحمن، وعبد الوهاب ابني أبي عبد الله المطهر البرانيّ.
وعنه: السّمعانيّ، وقال: مات في ذي القعدة عن بضعٍ وثمانين سنة.
212- محمد بن عبد المتكبر بن الحَسَن بن عبد الودود بن المُهتدي باللَّه3.
__________
1 الكامل في التاريخ "11/ 68، 73"، سير أعلام النبلاء "20/ 51"، البداية والنهاية "12/ 216".
2 التحبير "2/ 110، 111".
3 تقدم برقم "170".(36/264)
أبو جعفر الهاشميّ، خطيب جامع المنصور.
كان حَسَن السّيرة بهيّ المنظر.
سمع: أبا القاسم بن البُسْريّ، وطِراد الزَّيْنبيّ، وعاصمًا.
وعنه: أبو القاسم بن عساكر، وأبو سعد السمعاني، ويوسف بن المبارك الخفاف.
وتوفي في جمادى الأول، وله تسع وستون سنة.
213- مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد1.
أبو جعفر بن أبي القاسم بن الشَيخ أبي جعفر السِّمَنَانيّ، ابن الرحْبيّ، الورّاق، الوكيل بباب القُضاة.
كان من مناحيس الوكلاء.
وُلِد سنة إحدى وخمسين وأربعمائة، وحدَّث عن: عبد الصّمد بن المأمون، وأبي بكر الخطيب، والصَّرِيفينيّ، وجماعة.
وحدَّث "بسُنَن أبي داود" عن الخطيب.
روى عنه: ابن السّمعانيّ، وعليّ بن يحيى بن الطّرَّاح، وأبو الفتح المنْدائيّ، وجماعة.
قال ابن السّمعانيّ: شيخ كبير، كان الزّمان قد قعد به، واختلّت أحواله.
وكان صحيح السّماع، ويدفع الحقّ عن أربابه.
قلت: هذا شأن كلّ الوكلاء حتّى لقد دبّ هذا المرض إلى وكلاء بيت المال.
تُوُفّي في المحرَّم.
214- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عطاف2.
أبو الفضل الهَمَذانيّ، الْجَزَريّ.
ولد بجزيرة ابن عمر، وسكن بغداد.
__________
1 الأنساب "7/ 148"، التقييد لابن نقطة "91".
2 الأنساب "3/ 249، 250"، سير أعلام النبلاء "20/ 54".(36/265)
وسمع الأكابر، وصحِب الأئمة.
وكان يرجع إلى فضلٍ وتمييز وديانة.
سمع: رزق الله، وابن البطِر، وجماعة.
روى عنه: أبو سعد السمعاني وَقَالَ: سَأَلْتُهُ عن مولده فَقَالَ: سنة أربعٍ وستين وأربعمائة.
توفي في تاسع عشر شوّال.
قلت: عمل لنفسه مُعجمًا، وصنّف "الطّبّ النّبويّ".
روى عنه: ولده سعيد.
215- محمد بن محمود بن محمد بن عليّ بن شجاع1.
أبو نصر الشُّجَاعيّ، السَّرْخَسيّ، الفقيه، المعروف بالسَّرَهْ مَرْد.
قال السّمعانيّ: قدِم من خُراسان، وتفقه ببغداد على السّيّد عليّ بن أبي يعلى الأبوسي، ثمّ رجع إلى بلاده.
وهو شيخ حَسَن، كبير القَدْر، فاضل، ورع، كثير التّهجُّد، والصّيام، والذِّكْر.
كان يُفْتي ويُنَاظر، ويذهب مذهب الشّافعيّ، ويذبّ عنه.
سمع: أبا نصر محمد بن عبد الرحمن القُرَشيّ آخر أصحاب زاهر بن أحمد، وأبا القاسم العَبْدُوسيّ، وعمّه أبا حامد أحمد بن محمد الشُّجَاعيّ الفقيه، وأبا القاسم عبد الرحمن الفورانيّ الفقيه، وأبا عليّ نظام المُلْك، والسّيّد أبا المعالي محمد بْن محمد بْن زيد، وغيرهم.
روى عنه: ابن السّمعانيّ المذكور، وابن عساكر، وجماعة.
قال ابن السّمعانيّ: سمعت منه بمَرْو جزءًا، ثمّ ارتحلت إليه إلى سرخس.
ومولده سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة.
وتُوُفّي في تاسع عشر ذي الحجَّة.
ودُفِن بمدرسته بسرخس.
__________
1 التحبير "2/ 235"، الأنساب "7/ 292"، طبقات الشافعية الكبرى "6/ 395".(36/266)
وقد سمعته يقول: دخلت جامع طُوس، فلقيت جماعةً يسمعون جزءًا على شيخ يرويه عنّي، فلما رأوني عرفوني وفرحوا، وقاموا فقرءوا الجزء عليَّ.
أخبرنا محمد بن محمود بمَرْو، أنا أبو القاسم عبد الله بن العبّاس العَبْدُوسيّ، أنا زاهر بن أحمد، فذكر حديثًا.
216- محمد بن ناصر بن منصور بن أحمد بن علجة.
أبو الفضائل الأصبهانيّ، عميد بغداد.
وقد ولي الوزارة للخاتون زوجة أمير المؤمنين المقتفيّ، وحُمِدت ولايته.
قال ابن السّمعانيّ: دخلت عليه ببغداد، وهو مريض، فتكلّف وقعد بجهدٍ وتأدّب.
سمع: أبا مسعود سليمان بن إبراهيم الحافظ، والرئيس الثّقفيّ، وجماعة.
وُلِد بأصبهان في سنة سبعٍ وستّين، وتُوُفّي في أوّل سنة 34.
217- محمد بن نصر1.
أبو الفتح الصُّوفيّ، المعروف بالمقرئ الهَمَذانيّ.
شيخ مُعَمَّر، خادم للصُّوفيَّة، ذو همَّة وسعيٍ، وإطعام ومروءة، وكان يصله أهل أصبهان بأموالٍ عظيمة.
قال السّمعانيّ: سمعته يقول، وقد جاوز الثّمانين: كان لي بهَمَذَان خمسة آلاف، يُعْطيني ألفٌ منهم خمسة آلاف دينار، وألفٌ منهم أربعة آلاف، وألفٌ ثلاثةً، وألفٌ دينارين دينارين وألفٌ دينارًا دينارًا، فاليوم لم يبق منهم أحد.
سمع: عَبْدُوس بن عبد الله، ومحمد بن جابار.
كتبت عنه جزءًا.
ولد تقديرًا سنة خمسين وأربعمائة، ومات في المحرَّم.
218- المختار بن محمد بْن المختار بْن محمد بْن عبد الواحد بن المؤيد بالله. الهاشمي، أبو الفضل بن أبي العز، أخو أبي تمام أحمد.
__________
1 التحبير "2/ 244، 245".(36/267)
من أهل الحريم الطّاهريّ، ويُعرف بابن الخصّ.
سمع: نصر الزَّيْنبيّ، وغيره.
روى عَنْهُ: أَبُو سعد السَّمعانيّ، ويوسف بْن كامل.
219- المهديّ بن محمد بن إسماعيل بن مهديّ بْن إبْرَاهِيم بْن إِسْحَاق بْن إبْرَاهِيم بْن موسى بن إسحاق بن إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصّادق1.
أبو البركات بن أبي جعفر العَلَويّ، الموسَوِيّ، الواعظ.
وُلِد بأصبهان في سنة ثلاثٍ وثمانين وأربعمائة، ونشأ ببغداد.
قال ابن السّمعانيّ: هكذا أملى عليَّ نَسَبَه.
وقال السّيّد النّسّابة أحمد بن عليّ بن السّقّاء: هذا نسبٌ مختلِط، وكان مليح الوعظ، متودِّدًا، ظريفًا، كثير التّرداد إلى أصبهان.
ثمّ صاهر شيخنا إسماعيل بن أبي سعد.
وسمع: ابن البَطِر، وأبا عبد الله النّعاليّ، وثابت بن بُندار.
كتبتُ عنه بمَرْو.
خَسِفَ بِجَنْزة سنة أربعٍ وثلاثين، وهلك فيها عالمٌ لَا يُحْصَوْن من المسلمين، منهم المهديّ بن محمد العَلَويّ.
220- موسى بن سيّد.
أبو بكر الأَمويّ، خطيب الجزيرة الخضراء.
حجّ، وجاور وسمع "صحيح مسلم" من الحسين الطَّبريّ.
سمع منه: أبو بكر بن خير فِي هذه السَّنَة.
"حرف الهاء":
221- هبة اللَّه بن الحسين بن يوسف2.
__________
1 المنتظم "10/ 88"، سير أعلام النبلاء "20/ 52".
2 معجم الأدباء "19/ 273، 275"، سير أعلام النبلاء "20/ 52، 53"، الوافي بالوفيات "2/ 614، 616".(36/268)
أبو القاسم البغداديّ، المعروف بالبديع الأصْطُرلابيّ.
الشّاعر المعروف.
ذكره القاضي شمس الدّين بن خَلِّكان فقال: كان وحيد دهره في عمل الآلات الفَلَكية، وحصل له من جهتها مالٌ طائل في خلافة المسترشد.
وممّا أورد له العماد في "الخريدة"، والحَظِيريّ في "زينة الدّهر"، ويقال إنهما لغيره:
أُهدي لمجلسه الكريم وإنما ... أُهدي له ما حزت من نعائمه
البحر يُمْطِرُهُ السَّحابُ وما لهُ ... فضلٌ عليه لأنّه من مائه
وكان كثير الخلاعة والمُجُون.
اختار ديوان ابن حَجّاج، ورتبه على مائةٍ وواحدٍ وأربعين بابًا، وسمّاه "دُرَّة التّاج في شِعر ابن حَجّاج".
تُوُفّي بعِلَّة الفالج ببغداد في هذا العام.
وقال ابن أبي أُصَيْبَعَة: هو طبيب، عالم، وفيلسوف متكلّم، غلبت عليه الحكمة وعلم الكلام، والرّياضيّ.
وكان صديقًا لأمين الدولة ابن التّلميذ.
قال ابن النّجّار: بديع الزّمان، وحيدَ دَهره، وفريدَ عصره، في علم الهيئة، والهندسة، والرَّصْد، وصنعة الآلات.
وله شِعْر مليح.
"حرف الياء":
222- يحيى بن بطْريق1.
أبو القاسم الطَّرَسُوسيّ، ثمّ الدّمشقيّ.
قال ابن عساكر: كان حافظًا للقرآن، مستورًا.
تُوُفّي في رمضان.
سمع: أبا الحسين بن محمد بن مكّيّ، وأبا بكر الخطيب.
__________
1 مختصر تاريخ دمشق "27/ 221"، سير أعلام النبلاء "20/ 53"، شذرات الذهب "4/ 105".(36/269)
روى عنه: ابن عساكر، وابنه القاسم وهو أكبر شيخ للقاسم، وعبد الخالق بن أسد.
223- يَحْيَى بْن عَلِيّ بْن عَبْد الْعَزِيز بْن علي بن الحسين1.
القاضي أبو المفضل القُرشيّ الدّمشقيّ، قاضي دمشق.
ويُعرف بابن الصّائغ.
قال ابن أخته الحافظ ابن عساكر: سمع: عبد العزيز الكتاني، والحسن بن عليّ بن البّريّ، وحَيْدرة بن عليّ، وعبد الرّزّاق بن الفُضَيْليّ، وأبا القاسم بن أبي العلاء، وغيرهم.
ورحل إلى بغداد فسمع بها من: عبد الله بن طاهر التّميميّ الفقيه، وغيره.
وتفقه على أبي بكر الشّاشيّ.
وتفقه بدمشق على القاضي المَرْوَزِيّ، وصحِب الفقيه نصر المقدسيّ مدَّةً.
وكان عالمًا بالعربية.
قرأ على أبي القاسم الفاسيّ، وقال لي: وُلِدتُ سنة ثلاثٍ وأربعين وأربعمائة.
وقد وُلّي القضاء نيابة عَنْ القاضي أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن موسى البلاساغونيّ، ثمّ ناب عن أبي سعد محمد بن نصر الهَرَويّ، وقتل أبو سعد وجدّي على القضاء.
خرج إلى الحجّ على طريق بغداد سنة عشر، فكان ولده القاضي أبو المعالي هو الحاكم.
وكان ثقةً، حُلْو المحاضرة، فصيح اللّسان.
أنا جدي، أنا عبد الرزاق سنة خمسٍ وخمسين وأربعمائة بقراءة أبي الفَرَج الحنبليّ، فذكر حديثًا.
وقال ابن السّمعانيّ: كان جميل الأمر، مَرْضِيّ السّيرة.
كان النّاس يحمدونه في قضاياه وأحكامه.
وهو أبو شيخنا محمد بن يحيى قاضي دمشق، وجد رفيقنا أبي القاسم.
وكان مُقِلًا من الحديث. أجاز لي.
__________
1 الكامل في التاريخ "11/ 77"، سير أعلام النبلاء "0/ 63، 64"، النجوم الزاهرة "5/ 266".(36/270)
قلت: روى عنه: القاسم بن الحافظ، وعبد الخالق بن أسد، وجماعة.
وتُوُفّي في الخامس والعشرين من ربيع الأوّل، ودُفِن عند مسجد القدم بتربة.
وفيات سنة خمس وثلاثين وخمسمائة:
"حرف الألف":
224- أحمد بْن جَعْفَر بْن أحمد بن الخصيب1.
أبو العباس القيسي، القرطبي، المقرئ، المعروف بالقيشطالي.
وقد تُبدَّل الشّين جيمًا.
أخذ القراءات عن أبي القاسم بن النحاس، وحدَّث عن أبي محمد بن عَتّاب.
وأقرأ القرآن والعربيَّة.
روى عنه: أبو الحَسَن بن ربيع، وأبو عبد الله بن العويص، وأبو العبّاس بن مَضَاء، وغيرهم.
225- أحمد بن سعد بن عليّ بن الحَسَن بن القاسم بن عنان2.
أبو عليّ العِجْليّ، الهَمَذانيّ، المعروف بالبديع.
وُلِد سنة ثمانٍ وخمسين.
وسمّعه أبوه، ثمّ رحل هو بنفسه إلى أصبهان، وبغداد، والكوفة، والرَّيّ.
سمع: بكر بن حَيد صاحب أبي الحسين القنْطريّ، وأبا إسحاق الشّيرازيّ، ويوسف بن محمد الهَمَذانيّ الخطيب، وأبا الفَرَج بن عبد الحميد، وأبا طاهر بن الزّاهد، وعامَّة هَمَذَانّيين؛ وسليمان بْن إبراهيم الحافظ، والقاسم بْن الفضل الرئيس بأصبهان، وأبا الغنائم محمد بن أبي عثمان، وابن البَطِر، وجماعة ببغداد؛ ومكي بن علان بالكرج.
__________
1 تكملة الصلة لابن الأبار "1/ 46، 47"، بغية الوعاة "1/ 129، 130".
2 الأنساب "8/ 401".(36/271)
روى كتاب "المُتَحابّين" لابن لال، سماعًا عن أبي الفَرَج عليّ بن محمد بن عبد الحميد، عنه.
روى عنه: ابن عساكر، وابن السّمعانيّ، وابن الْجَوْزيّ، وطائفة.
قال ابن السّمعانيّ: شيخ، إمام، فاضل، ثقة، كبير، جليل القدْر، واسع الرّواية، حسن المعاشرة.
وله نظم جيد.
وقد ذكره شيروَيْه في "الصّفات"، فقال: صَدوق، فاضل، يرجع إلى نصيب من كل العلوم أدبًا، وفقهًا، وحديثًا، وتذكيرًا.
وكان يراعي النّاس ويُداريهم، ويقوم بحقوقهم، مقبولًا بين الخاصّ والعامّ.
وقال غيره: تُوُفّي سنة ستٍّ وثلاثين في رجب، وقبره يُزار، رحمه الله.
226- أحمد بْن محمد بْن أحمد بن هَالة1.
أبو العباس الرُّنانيّ، ورنّان، من قرى أصبهان.
كان من أعيان القرّاء.
قرأ على: أبي علي الحدّاد؛ وبواسط على أبي العِزّ القَلانسيّ.
وسمع من: غانم البرجيّ فمَنْ بعده.
وببغداد من طائفة بعد العشرين وخمسمائة.
ونسخ الكثير، وخرَّج للشّيوخ، وختم خلْقًا.
وتُوُفّي بالحلَّة السَّيْفية، مرجعه من الحجّ، فجأةً في صَفَر.
وقد خرَّجَ الحافظ إسماعيل بن محمد التَّيْميّ عشرة أجزاء له.
227- إسماعيل بن أبي القاسم بن عبد الواحد2.
الإمام، أبو سعيد الخرجردي، وهي بليدة من أعمال بوسنج.
__________
1 تكملة الصلة لابن الأبار "1/ 46، 47"، بغية الوعاة "1/ 129، 130".
2 الأنساب "8/ 401"، سير أعلام النبلاء "20/ 95، 96"، الوافي بالوفيات "6/ 384، 385".(36/272)
فاضل عالم عابد، نزل هَرَاة، وحدَّث عن: أبي صالح المؤذّن، وأبي عَمْرو المَحْمِيّ، وابن خَلَف الشّيرازيّ.
روى عنه: أبو سعد السمعاني، وقال: تُوُفّي في جُمَادَى الأولى.
قلت: هو الآتي في سنة ستّ.
228- إسماعيل بْن محمد بْن الفضل بْن عليّ بْن أحمد بن طاهر1.
الحافظ الكبير، أبو القاسم التَّيْميّ، الطَّلْحيّ، الأصبهانيّ، المعروف بالحُوزيّ، الملقب بقوام السُّنة.
وُلِد سنة سبعٍ وخمسين وأربعمائة في تاسع شوّال.
وسمع من: أبي عَمْرو بن مَنْدَهْ، وعائشة بنت الحَسَن الوَرْكانيَّة، وإبراهيم بن محمد الطَيّان، وأبي الخير بن رَرَا، وأبي منصور بن شكرُوَية، وابن ماجة الأَبْهَريّ، وأبي عيسى بن عبد الرحمن بن محمد بن زياد، وطائفة من أصحاب ابن خُرَّشِيذ قُولَه.
ورحل إلى بغداد، فأدرك أبا نصر الزَّيْنبيّ، وهو أكبر شيخٍ له، فسمع منه، ومن: عاصم الأديب، ومالك البانياسيّ، والموجودين.
ورحل إلى نَيْسابور فسمع: أبا نصر محمد بن سهل السّرّاج، وعثمان بْن محمد المَحْمِيّ، وأبا بَكْر بْن خَلَف، وجماعة من أصحاب ابن مَحْمِش.
وسمع بعدَّة بلاد، وجاور بمكَّة سنة، وصنَّف التّصانيف، وأملى، وتكلّم في الجرْح والتّعديل.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وأبو موسى المَدِينيّ، ويحيى بن محمود الثّقفيّ، وعبد الله بن محمد بن حمْد الخبّاز، والقاضي أبو الفضائل محمود بن أحمد العبدكويّ، وأبو نَجِيح فضل الله بن عثمان، وأبو المجد زاهر بن أحمد، والمؤيَّد ابن الأخوة، وآخرون.
قال أبو موسى في "مُعْجمه": أبو القاسم إسماعيل ابن الشَيخ، الصّالح حقيقة، أبي جعفر محمد بن الفضل الحافظ، إمام أئمة وقته، وأستاذ علماء عصره، وقدوة
__________
1 الأنساب "6/ 168، 169".(36/273)
أهل السُّنَّة في زمانه، حدَّثنا عنه غيرُ واحدٍ من مشايخنا في حال حياته بمكَّة، وبغداد، وأصبهان.
وأصمت في صفر سنة أربعٍ وثلاثين، ثمّ فُلِج بعد مدة، وتوفي بكْرَة يوم الأضحى، وصلى عليه أخوه أبو المَرْضيّ، واجتمع في جنازته جمعٌ لم نَرَ مثلهم كثرةً، رحمه الله.
قلت: وقد أفرد أبو موسى له ترجمةً في جزءٍ كبير مبوَّب، فافتتحه بتعظيم والده أبي جعفر محمد بن الفضل، ووصفه بالصّلاح، والزُّهد، والأمانة، والورع.
ثمّ روى عن أبي زكريّا يحيى بن مَنْدَهْ أنّه قال: أبو جعفر عفيف، ديّن، لم نَرَ مثله في الدّيانة والأمانة في وقتنا، قرأ القرآن على أبي المظفَّر بن شبيب، وسمع من سعيد العيّار، ومات في سنة إحدى وتسعين وأربعمائة.
قال أبو موسى: ووالدته من أولاد طلحة -رضي الله عنه- وهي بنت محمد بن مُصْعَب.
فقال أبو القاسم في بعض أماليه عقيب حديثٍ رواه عن شيخٍ له، عن أبي بكر محمد بن عليّ بن إبراهيم بن مصعب: كان أبو بكر عمّ والدي، وهو من أوائل أهل أصبهان، له أوقاف كثيرة في البلد.
قال أبو موسى: قال أبو القاسم إسماعيل: سمعت من عائشة الوَرْكانيَّة وأنا ابن أربع سِنين.
وقد سمع إسماعيل أيضًا من أبي القاسم عليّ بْن عبد الرحمن بْن عُلَيَّك القادم أصبهان في سنة إحدى وستّين، ولا أعلم أحدًا عابَ عليه قولًا ولا فعلًا، ولا عانده أحدٌ في شيءٍ إلّا وقد نصره الله.
وكان نزه النَّفس عن المطامع، لَا يدخل على السّلاطين، ولا على المتّصلين بهم.
قد خلّى1 دارًا من ملْكه لأهل العِلم، مع خفَّة يده، ولو أعطاه الرجل الدّنيا بأسرها لم يرتفع ذلك عنده، ويكون هو وغيره ممّن لم يُعطه شيئًا سواء.
يشهد بجميع ذلك الموافقون والمخالفون.
بلغ عدد أماليه هذا القدر، وكان يحضر مجلس إملائه المسندون، والأئمة، والحفاظ.
__________
1 المنتظم "10/ 90"، الأنساب "3/ 368"، سير أعلام النبلاء "20/ 80"، العبر "4/ 94".(36/274)
ما رأيناه قد استخرج إملاءه كما يفعله المُمْلُون، بل كان يأخذ معه آجُرَّ، فَيُملي مِنها على البديهة.
أخبرنا أبو زكريّا يحيى بن مَنْدَهْ الحافظ إذْنًا في كتاب "الطّبقات": إسماعيل بن محمد الحافظ أبو القاسم، حَسَن الاعتقاد، جميل الطّريقة، مقبول القول، قليل الكلام، ليس في وقته مثله.
وقال أبو مسعود عبد الجليل بن محمد كوتاه: سمعت أئمة بغداد يقولون: ما رحل إلى بغداد بعد أحمد بن حنبل أفضل وأحفظ من الشَيخ الإمام إسماعيل.
قال أبو موسى: إن الدّليل على أنّه إمام المائة الخامسة الّذي أحيا الله به الدّين.
قال: لَا أعلم أحدًا في ديار الإسلام يصلح لتأويل هذا الحديث إلّا هذا الإمام.
قلت: تكلف أبو موسى في هذا الكتاب تكلفًا زائدًا، وجعل أبا القاسم على رأس الخمسمائة، وإنما كان اشتهاره من العشرين وخمسمائة ونحوها، وإلي أنّ مات.
هذا إذا سُلِّم له أنّه أجلّ أهل زمانه في العلم.
وقال أيضًا: فإن اعترض معترضٌ بقول أحمد: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ في الحديث "برجلٍ من أهل بيتي"1.
قيل لَهُ: لم يُرَد أنّ يكون من بني هاشم أو بني المطَّلِب.
قلت: لم يقُلْ أحدٌ هذا أصلًا، ولا قاله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فالاعتراض باطل.
ثمّ إنّه أخذ يتكلف عن هذا، وقال: كتبتُ أنّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أراد من قريش.
وهذا الإمام الّذي تأولته على الحديث من قريش من أولاد طلحة بن عُبَيْد الله من جهة الأمّ.
ثمّ شرع ينتصر بأنّ ابن أخت القوم منهم.
وهذا يدلّ على أنّ إمامنا قُرَشيّ.
وعن أبي القاسم إسماعيل قال: ما رأيت في عمري أحدًا يحفظ حِفْظي.
قال أبو موسى: وكان رحمه الله يحفظ مع المسانيد الآثار والحكايات.
سمعته يقول يومًا: ليس في "الشّهاب" للقُضاعيّ من الأحاديث إلّا قدْر خمسين حديثًا، أو نحو ذلك.
__________
1 "حديث صحيح بغير هذا اللفظ": أخرجه أبو داود "4291"، والحاكم في المستدرك "4/ 522"، وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة "599"، بلفظ: "إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مَائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا".(36/275)
قال أبو موسى: وقد قرأ عدَّة ختمات بقراءات على جماعة، وأمّا علم التّفسير، والمعنى، والإعراب، فقد صنَّف فيه كتابًا بالعربية وبالفارسية؛ وأمّا علم الفقه فقد شهر فتاويه في البلد والرّساتيق، بحيث لم ينكر أحدٌ شيئًا من فتاويه في المذهب، وأصول الدِّين، والسُّنَّة.
وكان يُجِيد النَّحْو. وله في النَّحْو يد بيضاء. صنف كتاب "إعراب القرآن".
ثمّ قال: أنا أبو سعد محمد بن عبد الواحد، نا أبو المناقب محمد بن حمزة بن إسماعيل العَلَويّ بهَمَذَان: ثنا الإمام الكبير، بديع وقته، وقريع دهره، أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل، فذكر حديثًا.
سألتُ أبا القاسم إسماعيل بن محمد يومًا، وقلت له: أليس قد رُوي عن ابن عباس في قوله تعالى: {اسْتَوَى} قعد؟ قال: نعم.
قلت له: يقول إسحاق بن راهَوَيْه: إنّما يوصف بالقعود من عمل القيام.
فقال: لَا أدري إيش يقول إسحاق.
وسمعته يقول: أخطأ ابن خُزَيْمة في حديث الصّورة، ولا يُطعن عليه بذلك، بل لَا يؤخذ عنه هذا فحسب.
قال أبو موسى: أشار بذلك إلى أنّه قلّ من إمام إلّا وله زلَّة فإذا تُرِك ذلك الإمام لأجل زلته ترك الكثير من الأئمَّة، وهذا لَا ينبغي أنّ يُفْعل.
وكان من شدة تمسُّكه بالسُّنة، وتعظيمه للحديث، وتحرُّزه من العدول عنه، ما تكلَّم فيه من حديث نُعَيم بن حمّاد الّذي رواه بإسناد في النّزول بالذّات.
وكان من اعتقاد الإمام إسماعيل أنّ نزول الله تعالى بالذّات.
وهو مشهور من مذهبه، قد كتبه في فتاوى عدة، وأملى فيه أمالي، إلّا أنّه كان يقول: وعلى بعض رُواته مطعن.
سمعت محمد بن مَحْمِش: سمعت الإمام أبا مسعود يقول: ربّما كنا نمضي مع الإمام أبي قاسم إلى بعض المشاهد المعروفة، فكلّما استيقظنا من اللّيل رأيناه قائمًا يصلّي. وسمعت من يحكي عنه باليوم الّذي قدِم بولده ميّتًا، وجلس للتّعزية، جدَّد الوضوء في ذلك اليوم قريبًا من ثلاثين مرَّة.
كلّ ذلك يصلّي ركعتين.(36/276)
وسمعت غير واحدٍ من أصحابه أنّه كان يُمْلي "شرح مسلم" عند قبر ولده أبي عبد الله، فلمّا كان ختم يوم الكتاب عمل مأدُبةً وحلاوة كثيرة، وحُمِلت إلى المقبرة.
وكان أبو عبد الله محمد قد وُلِد نحو سنة خمسمائة، ونشأ فصار إمامًا في العلوم كلّها، حتّى ما كان يتقدمه كبيرُ أحدٍ في وقته في الفصاحة، والبيان، والذّكاء، والفهم.
وكان أبوه يفضله على نفسه في اللُّغة، وجَريان اللّسان.
وقد شرح في "الصّحيحين" فأملى في شرح كلّ واحدٍ منهما صدرًا صالحًا.
وله تصانيف كثيرة مع صِغَر سِنّه، ثمّ اخترمَتْه المَنِيَّة بهَمَذَان في سنة ستٍّ وعشرين.
وكان والده يروي عنه إجازةً، وكان شديد الفقد عليه.
سمعت أبا الفتح أحمد بن الحَسَن يقول: كنّا نمشي مع أبي القاسم يومًا، فوقف والتفت إلى الشَيخ أبي مسعود الحافظ وقال: أطال الله عُمرك، فإنّك تعيش طويلًا، ولا ترى مثلك.
وهذا من كراماته.
قال أبو موسى: صنَّف أبو القاسم التّفسير في ثلاثين مجلَّدة كبارًا، وسماه "الجامع". وله كتاب "الإيضاح في التّفسير" أربع مجلّدات، وكتاب "الموضح في التّفسير" ثلاث مجلَّدات، وكتاب "المعتمد في التّفسير" عشر مجلَّدات، وكتاب "التّفسير" بالأصبهانيّ عدَّة مجلَّدات، وكتاب "السُّنَّة" مجلَّدة، وكتاب "التّرغيب والتّرهيب"، وكتاب "سير السلف" مجلدة ضخمة، و"شرح صحيح مسلم"، كان قد صنفه ابنه فأتمها، وكتاب "دلائل النُّبُوَّة" مجلَّدة، وكتاب "المغازي" مجلَّدة، وكتاب صغير في السُّنَّة، وكتاب في الحكايات، مجلدة ضخمة، وكتاب "الخلفاء" في جزء، وتفسير كتاب "الشّهاب" باللّسان الأصبهانيّ، وكتاب "التّذكرة" نحو ثلاثين جزءًا.
وقد تقدَّمت أماليه.
قال الحافظ ابن ناصر: حدَّثني أبو جعفر محمد بن الحسين بن محمد ابن أخي(36/277)
الحافظ إسماعيل قال: حدَّثني أحمد الأسواريّ الذّي تولى غسل عمي، وكان ثقة، أنه أراد أنّ يُنَحّي عن سَوْءَته الخِرْقة لأجل الغسْل، فجبذها إسماعيل من يده، وغطّى بها فَرْجه، فقال الغاسل: أحياة بعد موت؟! وقال ابن السّمعانيّ: هو أستاذي في الحديث، وعنه أخذت هذا القدر: وهو إمام في التّفسير، والحديث، واللّغة، والأدب، عارف بالمُتُون والأسانيد، وكنت إذا سألته عن الغوامض والمُشْكِلات أجاب في الحال بجوابٍ شافٍ.
وسمع الكثير ونسخ، ووهب أكثر أصوله في آخر عمره.
وأملى بجامع أصبهان قريبًا من ثلاثة آلاف مجلس.
وسمعته يقول: والدك ما كان يترك مجلس إملائي.
وكان والدي يقول: ما رأيت بالعراق ممّن يعرف الحديث أو يفهمه غير اثنين: إسماعيل الحوزيّ بأصبهان، والمؤتمن السّاجيّ ببغداد.
قال أبو سعد: استفدت منه الكثير، وتتلمذت له.
وسألته عن أحوال جماعة.
وسمعتُ أَبَا القَاسِم الحافظ بدمشق يُثني عليه، وقال: رأيته وقد ضعُف وساء حِفْظُه.
وأثني عليه أبو زكريّا ابن مَنْدَهْ في "تاريخ أصبهان".
وذكره محمد بن عبد الواحد الدّقّاق فقال: عديم النّظير، لَا مثيل له في وقته.
كان والده ممّن يُضرب به المَثَل في الصّلاح والرّشاد.
قال السِّلَفيّ: كان فاضلًا في العربيَّة ومعرفة الرّجال.
سمعت أبا عامر العَبْدَريّ يقول: ما رأيت شابًا ولا شيخًا قطّ مثل إسماعيل.
ذاكَرْتُه فرأيته حافظًا للحديث، عارفًا بكل علم، متقنًا.
استعجل علينا بالخروج.
وسمعت أبا الحسن بن الطُّيُوريّ يقول غير مرَّة: ما قدِم علينا من خُراسان مثل إسماعيل بن محمد، رحمه الله.(36/278)
"حرف الجيم":
229- جعفر بن محمد بن مكي بن أبي طالب بن محمد بن مختار1.
أبو عبد الله القيسي، اللغوي، القُرطُبيّ.
له اليد الباسطة في علم اللّسان.
روى عن: أبيه؛ ولزِم عبد الملك بن سِراج، واختص به.
قال ابن بَشْكُوال: قال لي صحِبتُ أبا مروان خمسة عشر عامًا أو نَحْوها، وأجاز لي أبو عليّ الغسّانيّ.
وأخذ عن خَلَف بن رزق.
قال: وكان عالمًا بالآداب واللغات، متقنًا لها، ضابطًا لجميعها، صنَّف فيها.
اختلفتُ إليه وسمعت منه؛ وقال لي: ولدت بعد الخمسين وأربعمائة بيسير.
ثمّ قال ابن بَشْكُوال: تُوُفّي الوزير أبو عبد الله بن مكّيّ لتسعٍ بَقِين من المحرَّم سنة خمس.
قلت: آخر أصحابه موتًا أبو جعفر بن يحيى، عاش إلى سنة عشر وستمائة.
"حرف الحاء":
230- الحَسَن بن عليّ.
الكاتب أبو عليّ الدَّواميّ.
سمع: ابن البَطِر.
وعنه: عُبَيْد الله، سمع منه في هذه السّنة.
يخدم خطبة القائم الدّواميَّة.
231- الحسين بن مفرّج بن حاتم.
الواعظ، أبو علي المقدسي.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "1/ 129، 130"، الوافي بالوفيات "11/149"، بغية الوعاة "1/ 487".(36/279)
أحد فُقهاء الشّافعيَّة بالثَّغْر المحروس.
وهو عمّ والد الحافظ بن الفضل.
ذكره في "الوَفَيَات"، وقال: تُوُفّي في نصف شعبان.
روى عن: القاضي الرشيد المقدسيّ.
روى عنه: ابنه أبو عبد الله، وأبي، وأبو طاهر السِّلَفيّ، وأبو محمد العثمانيّ.
232- حمزة بن الحسين.
ويقال له: حمزة بن سعادة.
أبو يَعْلَى البُسْتيّ، ثمّ البغداديّ، المقرئ، الصُّوفيّ، نزيل نَيْسابور.
سمع أبا المظفر موسى بن عِمران، وعبد الباقي بن يوسف المراغي.
قال ابن السمعاني: قال لي إنه سمع بمكة من كريمة.
تُوُفّي في ثالثٍ وعشرين ذي القعدة.
233- حمزة بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن سلامة1.
أبو يَعْلَى بن أبي الصَّقْر بن أبي جميل القُرشيّ، الدّمشقيّ، البزّاز.
سمع: أبا القاسم بن أبي العلاء المصِّيصيّ، والفقيه نصر بن إبراهيم.
روى عنه: ابنه محمد، وأبو القاسم الحافظ، وعبد الخالق بن أسد، وجماعة.
وتُوُفّي في صفر.
ودفن بمقبرة باب الصغير.
"حرف الراء":
234- رَزِين بن معاوية بن عمار2.
أبو الحَسَن العبدري، الأندلسي، السرقسطي، الحافظ.
__________
1 مختصر تاريخ دمشق "7/ 267"، تهذيب تاريخ دمشق "4/ 452، 453".
2 الصلة "1/ 186، 187"، سير أعلام النبلاء "20/ 204-206"، النجوم الزاهرة "5/ 267".(36/280)
جاوَرَ بمكَّة دهرًا، وسمع بها "البخاريّ" من: عيسى بن أبي ذر الهروي؛ و" مسلمًا" من: الحسين الطَّبَريّ.
وله مصنَّف مشهور جمع فيه الكُتُب السّتَّة.
روى عنه: قاضي الحَرَم أبو المظفر محمد بن عليّ بن الحَسَن الطَّبريّ، والشَيخ أحمد بن محمد بن قُدَامة المقدسيّ والد أبي عمر، والحافظ أبو موسى المَدِينيّ، وغيرهم.
وقع لنا من حديثه، أناه العماد عبد الحافظ: أنبا الموفق رحمه الله، عن أبيه، عنه.
وتُوُفّي في المحرَّم بمكَّة.
وله في الكتاب زيادات واهية.
235- رستم بن الفَرَج. البغداديّ، التّاجر، نزيل خُراسان.
حدَّث عن: أبي الحسين بن الطُّيُوريّ، وغيره.
روى عنه: أبو سعد السمعاني، وقال: تُوُفّي تقريبًا.
"حرف السين":
236- سلطان بن إبراهيم1.
أبو الفتح المقدسيّ، الفقيه الشّافعيّ.
قال ابن نُقْطَة في "الاستدراك": قال السِّلَفيّ: مات في أواخر جُمَادَى الأولى سنة خمسٍ وثلاثين.
مرَّ سنة 518.
"حرف العين":
237- عَبْد الله بْن يوسف بن سمجون.
أبو محمد السرقسطي، نزيل بلنسية.
__________
1 العبر "4/ 42، 43"، طبقات الشافعية الكبرى "7/ 94"، حسن المحاضرة "1/ 405".(36/281)
حجّ، فلقي بطَنْجَة المقرئ أبا الحسين الخضريّ الضّرير، فأخذ عنه قصيدته في قراءة نافع.
وولي خَطَابة شاطبة.
وأخذ عنه: أبو الحَسَن بن هُذَيْل، وغيره.
238- عَبْد الجبّار بْن أحمد بْن مُحَمَّد بْن عبد الجبّار بن توبة1.
أبو منصور الأَسديّ العُكْبَريّ، ثمّ البغداديّ، أخو أبي الحسين محمد.
قال ابن السّمعانيّ: كان شيخًا صالحًا، ثقة، خيّرًا، قيمًّا بكتاب الله، صحِب الشَيخ أبا إسحاق الشّيرازيّ وخدمه.
وكان حَسَن الإصغاء للسّماع، كثير البكاء.
حضر عبد الصّمد بن المأمون.
وسمع: أبا محمد الصَّرِيفينيّ، وابن النَّقُّور، وأبا القاسم بن البُسْريّ.
قال ابن السَّمْعانيّ: وكتبت عنه الكثير.
قلت: وآخر من حدَّث عنه: التّاج الكِنْديّ.
وروى عنه: يوسف بن مبارك الخفّاف، وعبد العزيز بن الأخضر.
قال ابن السّمعانيّ: تُوُفّي في ثالث جُمَادَى الآخرة.
وقال لي: ولدتُ في جُمَادَى الأولى سنة اثنتين وستين وأربعمائة.
239- عبد الحميد بن محمد بن أحمد2.
القاضي أبو عليّ الخُوازيّ، البَيْهَقيّ، أخو عبد الجبّار.
سمع: البَيْهَقيّ، والقُشَيْريّ، وأبا سهل الحفصيّ، وجماعة.
قال ابن السّمعانيّ: سمعت منه بخُسْرَوْجِرْد.
ومات في نصف رجب.
__________
1 المنتظم "10/ 90، 91"، سير أعلام النبلاء "20/ 35"، شذرات الذهب "4/ 107".
2 التحبير "1/ 434، 435"، الأنساب "5/ 196"، المنتظم "10/ 90".(36/282)
240- عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بن الحَسَن بن مبارك1.
أبو منصور بن زُرَيق الشَّيْبانيّ، القزّاز، البغداديّ، الحَرِيميّ.
قال ابن السّمعانيّ: كان شيخًا، صالحًا، متوددًا، سليم الجانب، مشتغلًا بما يعنيه، من أولاد المحدثين.
سمّعه أبوه وعمّه وشجاع الذُّهليّ كثيرًا، وعُمَّر.
وكان صحيح السّماع، وتفرّقت أجزاؤه وبِيعا عند الحاجة.
سمع "التاريخ" من الخطيب سوى الجزء الثّالث والثّلاثين، فإنّه قال: تُوُفّيت والدتي، واشتغلت بدفنها والصّلاة عليها، ففاتني هذا الجزء، وما أُعيد لي؛ لأنّ الخطيب كان قد اشترط في الابتداء أنّ لَا يُعاد فوتٌ لأحد.
ثمّ حَصَلَ لي أصل شيخنا أبي منصور بالتّاريخ، بخطّ شجاع الذُّهْليّ، وعلى كل جزء منه سماع لأبي غالب محمد بن عبد الواحد القزّاز، ولابنه عبد الرحمن، ولأخيه عبد المحسن.
وكان على وجه السّادس والسّابع والثّلاثين إجازة لأبي غالب وأبي منصور، عن الخطيب.
فكأنهما ما سمعا الجزأين من الخطيب؛ وما كنّا نعرف إجازته عن الخطيب، فشهد شجاع أنّ لهما إجازته.
وقرأنا عليه السّابع والثّلاثين بالسّماع، وهو إجازة؛ لأن شُجاعًا كان شديد البحث عن السماعات، ولو عرف ذلك لأثبته.
خصوصًا إذا كان كتب النّسخة له.
قال أبو سعد: فمن قال إنّ أبا منصور سمع السّابع والثّلاثين فقد وَهِم.
وسمع: أبا الحسين بن المهتديّ بالله، وأبا جعفر ابن المسلمة، وأبا عليّ بن وِشاح، وأبا الغنائم بن المأمون.
وكتبتُ عنه الكثير.
__________
1 المنتظم "10/ 90"، الأنساب "6/ 274"، سير أعلام النبلاء "20/ 69، 70".(36/283)
وكان شيخًا صَبورًا، حَسَن الأخلاق، قليل الكلام.
قال: وُلِدْتُ، أظن، في سنة ثلاثٍ وخمسين.
وتُوُفّي في رابع عشر شوّال، وصلّى عليه أخوه أبو الفتح.
قرأت بخطّ الحافظ ضياء الدّين المقدسيّ قال: شاهدت مجلَّدة من "تاريخ الخطيب" بخطّ الإمام الحافظ أبي البركات الأنماطيّ فيها: السّابع والثلاثين.
وقد نقل الأنماطيّ سماع القزّاز فيه؛ وهي في وقْف الزَّيْديّ.
قلت: وكذلك رواه الكِنْديّ للنّاس، عن القزّاز سماعًا متصلًا.
وروى عنه: ابن عساكر، وأبو موسى المَدِينيّ، وابن الجوزيّ، وأحمد بن عليّ بن بذال، وأحمد بن الحَسَن العاقُوليّ، وعمر بن طَبَرزد، وأبو اليُمْن الكِنْديّ، وأحمد بن يحيى الدّبَيْقيّ، وخلْق سواهم.
وروى عنه بالإجازة: المؤيد الطُّوسيّ، وغيره.
وممّن روى عنه: أبو السّعادات القّزاز.
241- عبد الصمد بن أحمد بن سعيد.
أبو محمد الْجَيّانيّ.
روى عَنْ: أبي الأصْبَغ بن سهل، وأبي نصر الغسّانيّ، وأبي محمد بن العسال.
ذكره ابن الأبار، وقال: كان رحمه الله مائلًا إلى القَول بالظّاهر، ومن أهل المعرفة بالحديث.
له كتاب "المستوعب" في أحاديث "الموطأ".
وقد سمعوا منه "الموطأ" في سنة خمسٍ وثلاثين.
قلت: ولم يؤرّخ وفاته.
242- عبد المنعم بْن عَبْد الواسع بْن عَبْد الهادي ابن شيخ الإسلام أبي إسماعيل عُبَيْد الله. الأنصاريّ، الهَرَويّ، أبو المروح بن أبي رفاعة.(36/284)
ذكره ابن السّمعانيّ فقال: إمام، جميل السّيرة، مرضي الطريقة، ذو سمتٍ، ووقار، وعفة، وحياء.
حريص على سماع الحديث وطلبه.
سافر وتغرب، وسمع الكثير، وحصل الأصول، وحج وجاور سنة.
وسمع من: ابن الحُصَيْن.
ودخل أصبهان، وكان قد سمع ببلده من: نجيب بن ميمون، ومحمد بن عليّ العُمَيْريّ، وأبي عطاء المَلِيحيّ.
كتبتُ عنه بأصبهان.
وتُوُفّي بهَرَاة في ذي القعدة.
243- عبد المنعم بن أبي أحمد نصر بن يعقوب بن أحمد بن عليّ1. الأصبهانيّ، المقرئ.
أبو المطهَّر.
شيخ مُسِنّ.
روى عن: أبي طاهر أحمد بن محمود الثَّقفيّ، وهو جدّه لأمّه.
روى عنه: أبو موسى المَدِينيّ، وقال: تُوُفّي في رجب.
وروى عنه: أبو سعد السّمعانيّ، وجماعة.
244- عبد الوهّاب بن شاه بن أحمد بن عبد الله2.
أبو الفُتُوح النَيْسابوريّ، الشّاذْيَاخيّ، الخَرَزيّ.
كان شيخًا صالحًا يبيع الخَرَز في حانوتٍ بنَيْسابور.
سمع "الرسالة" من القشيري، و"صحيح الْبُخَارِيّ" من أبي سهل محمد بْن أحمد الحفصي.
__________
1 الأنساب "3/ 376"، التحبير "1/ 492"، معجم البلدان "2/ 232، 233".
2 الأنساب "7/ 241"، التحبير "1/ 501-503"، سير أعلام النبلاء "20/ 35"، شذرات الذهب "4/ 107".(36/285)
وسمع من: أبي حامد الأزهري، وعبد الحميد بن عبد الرحمن البحيريّ، وأبي صالح المؤذّن، وشبيب البَسْتيغيّ، وحسّان المَنِيعيّ، ونصْر بن علي الطُّوسيّ الحاكميّ، وأحمد بن محمد بن مُكْرَم.
روى عنه: ابن السّمعانيّ في "معجمه"، وقال: كان من أهل الخير والصّلاح.
وُلِد سنة ثلاثٍ وخمسين.
وتُوُفّي في الحادي والعشرين من شوّال.
روى عنه: ابن عساكر، وإسماعيل بن عليّ المغيثيّ، ومنصور بن الفَرَويّ، والمؤيَّد الطُّوسيّ، وزينب بنت الشّعْريّ، وغيرهم.
وسمع منه جميع "صحيح البخاريّ" منصور، والمؤيد، وزينب، والمغيثيّ المذكورون. قاله ابن نُقْطة.
245- عطاء بن أبي سعد بن عطاء1.
أبو محمد الثعلبيّ، الهَرَويّ، الصُّوفيّ، الفُقّاعيّ.
صاحب شيخ الإسلام أبي إسماعيل.
محدِّث، رحال، وصوفيّ عمّال.
وُلِد سنة أربع وأربعين وأربعمائة بمالين هَرَاة، وسمع من أبي إسماعيل.
وبنَيْسابور من: فاطمة بنت الدّقّاق.
وببغداد من: أبي نصر محمد بن محمد الزَّيْنبيّ، وأبي القاسم عليّ بن البُسْريّ، وأبي يوسف عبد السّلام القَزْوينيّ، وجماعة كثيرة.
روى عنه: أولاده الثّلاثة؛ وقد سمع أبو سعْد السّمعانيّ منهم، عن أبيهم.
وممّن روى عنه: أبو القاسم ابن عساكر، ومحمود بن الفضل الأصبهانيّ.
قال ابن السّمعانيّ: كان ممّن يُضرب به المَثَل في إرادة شيخ الإسلام والجدّ في خدمته وله آثار، وحكايات، ومَقامات وقت خروج شيخ الإسلام إلى بلْخ في المِحْنة.
وجرى بينه وبين الوزير النّظّام مقالات وسؤالات في هذه الحادثة.
__________
1 المنتظم "10/ 91"، الأنساب "9/ 322، 323"، سير أعلام النبلاء "20/ 54، 56".(36/286)
وكان نظام المُلْك يحتمل ذلك كلّه من عطاء.
وسمعتُ أنّ عطاء قُدِّم إلى الخَشَبة ليُصلَب، فنجّاه الله تعالى لحُسْن الاعتقاد والجدّ الّذي كان له فيما مرّ فيه.
فلّما أُطلق قام في الحال إلى التّظلُّم وما فَتَر.
وخرج مع النّظّام إلى الرُّوم ماشيًا.
وسمعت أنّه كان في المدَّة الّتي كان شيخ الإسلام غائبًا فيها عن وطنه ما ركب عطاء دابَّةً، ولا عَبَر على قنطرة، بل كان يمشي مع الخيل، ويخوض الأنهار، ويقول: شيخي في المحنة والغُربة، فلا أستريح.
وما استراح إلى أنّ ردّوا شيخه إلى وطنه.
وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَطَاءٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ وَالِدِي يَقُولُ: كُنْتُ فِي طَرِيقِ الرُّومِ أَعْدُو مَعَ مَوْكِبِ النَّظَّامِ، فَوَقَعَ نَعْلِي، فَمَا الْتَفَتُّ لَهَا، وَرَمَيْتُ الْأُخْرَى، وَجَعَلْتُ أَعْدُو. فَأَمْسَكَ النَّظَّامُ الدَّابَّةَ وَقَالَ: أَيْنَ نَعْلَاكَ؟ قُلْتُ: وَقَعَ إِحْدَاهُمَا، فَمَا وَقَفْتُ عَلَيْهَا خَشْيَةَ أَنْ تَفُوتَنِي وَتَسْبِقَنِي.
فَقَالَ: هَبْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ إِحْدَاهُمَا، فَلِمَ خَلَعْتَ الْأُخْرَى وَرَمَيْتَهَا؟ قُلْتُ: لِأَنَّ شَيْخِي عَبْدَ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَنِي أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "نَهَى أَنْ يَمْشِيَ الْإِنْسَانُ فِي نعلٍ وَاحِدٍ"1، فَمَا أَرَدْتُ أَنْ أُخَالِفَ السُّنَّةَ. فَأَعْجَبَ النَّظَّامُ مَا فَعَلَ وَقَالَ: أَكْتُبُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ حَتَّى يَرْجِعَ شَيْخُكَ إِلَى هَرَاةَ.
وَقَالَ لِي: ارْكَبْ بَعْضَ الْجَنَائِبِ، فَأَبَيْتُ وَقُلْتُ: شَيْخِي فِي الْمِحْنَةِ وَأَنَا أَرْكَبُ الْجَنَائِبَ! وَعَرَضَ عَلَيْهِ مَالًا، فَلَمْ يَقْبَلْهُ.
وَقُدِّمَ أَبِي بِأَصْبَهَانَ إِلَى الْخَشَبَةِ لِيُصْلَبَ عَلَيْهَا بَعْدَ أَنْ حَبَسُوهُ مُدَّةً، فَقَالَ لَهُ الْجَلادُ: صَلِّ رَكْعَتَيْنِ.
فَقَالَ: لَيْسَ ذَا وَقْتُ صَلاةٍ، اشْتَغِلْ بِمَا أُمِرْتَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ شَيْخِي يَقُولُ: إِذَا عُلِّقَتِ الشَّعِيرُ عَلَى الدَّابَّةِ فِي أَسْفَلِ الْعَقَبَةِ لَا تُوَصِّلُكَ فِي الْحَالِ إِلَى أَعْلاهَا.
الصّلاة نافعة في الرّخاء، لَا في حالة اليأس. ووصل مسرعٌ من السّلطان ومعه الخاتم بتسريحه، فتُرِك.
وكانت الخاتون امرأة السلطان معينة في حقه.
__________
1 "حديث صحيح": أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ "5856"، وَمُسْلِمٌ "2097"، وَأَبُو داود "4136"، وَالتِّرْمِذِيُّ "1774"، وَالنَّسَائِيُّ "5385"، وابن ماجه "3617"، وأحمد في المسند "2/ 245، 283"، كلهم من حديث أبي هريرة، وفي الباب عن جابر: أخرجه مسلم "2099"، وأبو داود "4137"، وأحمد في المسند "3/ 293، 367".(36/287)
قال: فكلّما أُطْلِق رجع في الحال إلى التّظلُّم والتّشنيع.
سَمِعْتُ أَبَا الْفُتُوحِ عَبْدَ الْخَالِقِ بْنَ زِيَادٍ يَقُولُ: أَمَرَ بَعْضُ الأُمَرَاءِ أَنْ يُضْرَبَ عَطَاءٌ الْفُقَّاعِيُّ فِي مِحْنَةِ الشَّهِيدِ عَبْدِ القادر ابن شَيْخِ الْإِسْلَامِ مَائَةَ سَوْطٍ.
فَبُطِحَ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ يُضْرَبُ إِلَى أَنْ ضَرَبُوا سِتِّينَ، فَشَكُّوا كَمْ كَانَ خَمْسِينَ أَوْ سِتِّينَ، فَقَالَ عَطَاءٌ: وَهُوَ مكبوبٌ عَلَى وَجْهِهِ: خُذُوا بِالأَقَلِّ احْتِيَاطًا.
وَحُبِسَ بَعْدَ الضَّرْبِ مَعَ جماعةٍ مِنَ النِّسَاءِ، وَكَانَ فِي الْمَوْضِعِ أَتْرِسَةٌ، فَقَامَ بِجَهْدٍ مِنَ الضَّرْبِ، وَأَقَامَ الْأَتْرِسَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّسَاءِ وَقَالَ: "نَهْيِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْخَلْوَةِ مَعَ غَيْرِ مَحْرَمٍ"1.
قال محمد بن عطاء: تُوُفّي أبي تقديرًا سنة خمسٍ وثلاثين.
246- عليّ بن الحَسَن بن عليّ بن عبد الواحد2.
السُّلَميّ، الدمشقيّ، أبو الحَسَن بن البُرِّيّ.
سمع من عمّه عبد الواحد جزء ابن أبي ثابت.
قرأه عليه ابن عساكر.
247- عليّ بن محمد بن إسماعيل بن عليّ3.
الإمام، أبو الحَسَن السَّمَرْقَنْديّ، المعروف بالأَسْبيجابيّ.
وُلِد سنة أربع وخمسين وأربعمائة.
وسمع من: عليّ بن أحمد بن الرّبيع الشيكانيّ.
روى عنه: عمر النَّسَفيّ، وقال: تُوُفّي في ذي القعدة.
وقد ذكره السّمعانيّ في "معجمه" فعظمه وقال: يعرف بشيخ الإسلام، لم يكن
__________
1 "حديث صحيح": أخرجه البخاري "3006، 5233"، ومسلم "1341"، وأحمد في المسند "1/ 222"، وابن خزيمة في صحيحه "2529"، وابن حبان في صحيحه "2731"، 3757"، من حديث ابن عباس.
2 مختصر تاريخ دمشق لابن منظور "17/ 219، 220".
3 التحبير "1/ 578، 579"، الجواهر المضية "2/ 591، 592"، الطبقات السنية "1531".(36/288)
أحدٌ في زمانه بما وراء النّهر يعرف مذهبَ أبي حنيفة مثله، ظهر له الأصحاب، وطال عُمره في نشْر العِلم.
كتب إلى بمرويّاته.
248- عليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الحَسَن بن أبي المضاء1.
الفقيه، أبو الحَسَن البعلبكي، الشافعي.
تلمذ لنصر المقدسيّ، وصحِبَه مدَّة، وسمع منه.
ومن: أبيه محمد، والحسن بْن أحمد بْن عَبْد الواحد بْن أَبِي الحديد.
روى عَنْهُ: أبو القاسم بْن عساكر، وقال: توفي في ربيع الأوّل ببَعْلَبَك.
249- عليّ بن محمد بن لبّ بن سعيد2.
أبو الحَسَن القَيسيّ، الدّانيّ، المقرئ.
روى عَنْ: أَبِي عَبْد الله المَغَامِيّ، وأبي داود.
وأخذ عنه: ابن رزق أبو بكر، وأبو بكر بن خير، وأبو الحَسَن نَجَبة، وآخرون.
استُشْهِد بعد هذا العام بيسير.
250- عليّ بن يوسف بن تاشفين.
صاحب المغرب.
قيل: تُوُفّي فيها، والأصح سنة سبعٍ كما سيأتي.
251- عمر بن محمد بن حَيْذر3، بذال مُعْجَمَة.
أبو حفص المروزي، البرمويي، العارف.
قال السّمعانيّ: شيخ صالح، ثقة، ديِّن، جميل الأمر، جواد النَّفْس، أُمّيّ لَا يكتب، غير أنّ له كلامًا حَسَنًا في علم القوم إذا سُئل.
ما رأيت في فنه مثله، وكان مُزيّنًا بالشّريعة، واستعمال السُّنَن، والعُزلة، والانفراد.
__________
1 طبقات الشافعية للإسنوي "1/ 246، 247".
2 صلة الصلة "87"، تكملة الصلة "1846".
3 الأنساب "2/ 172".(36/289)
سمع بقراءة والدي، أنا عبد الله بن محمد بن الحَسَن المِهْربَنْدَقْشَائيّ، وأبا الخير محمد بن أبي عِمران الصَّفّار، وبمكَّة أبا شاكر أحمد بن عليّ العثمانيّ.
سمعت منه، وكنت أُكثِر من زيارته، وقرأت "صحيح البخاريّ" في رباطه.
وتُوُفّي فِي الحادي والعشرين من جُمَادَى الآخرة.
"حرف الفاء":
252- الفتح بن محمد بن عبد الله بن خاقان1.
الأديب أبو نصر القَيْسيّ، الإشبيليّ، صاحب كتاب "قلائد العِقْيان"، جمع فيه من شعراء المغرب طائفة كبيرة، وتكلّم عليها فأجاد.
وله كتاب "مطمح الأنْفُس في مُلَح أهل الأندلس"، يدلّ كلامه فيه على تبحُّره.
وكان كثير الأسفار والتَّجَوّل، خليع العِذَار.
أمر السّلطان بقتله، فذُبح في سنة خمسٍ هذه، وقيل: بل في سنة تسعٍ وعشرين، فالله أعلم.
ذكره القاضي ابن خَلَّكان.
"حرف القاف":
253- قرسنقر2.
الأتابك، صاحب خُراسان وأرّان. من مماليك الملك طُغْرُل بن السّلطان محمد بن ملكشاه.
وكان شجاعًا، مهيبًا، ظَلومًا، غَشُومًا، عظيم المحلّ.
كان السّلطان مسعود يخافه ويُداريه، وقتل الوزير كمال الدّين الرّازيّ من أجله.
وقد مات له ابنان تحت الزّلزلة بجَنْزَة.
ومرض بالسل، ومات بأردبيل.
__________
1 وفيات الأعيان "4/ 23، 24"، سير أعلام النبلاء "20/ 107، 108"، شذرات الذهب "4/ 107".
2 الكامل في التاريخ "10/ 682، 683"، تاريخ دولة آل سلجوق "170، 173، 176".(36/290)
"حرف الميم":
254- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بن عبد الجبار بن توبة1.
أبو الحَسَن الأسديّ، العُكْبريّ، أخو عبد الجبّار.
وُلِد سنة خمسٍ وخمسين وأربعمائة، وقرأ القراءات بروايات.
وكان حَسَن التّلاوة.
قرأ على أصحاب الحمّاميّ، وقرأ شيئًا من الفقه على أبي إسحاق الشّيرازيّ.
وكان له سمتٌ حسنٌ ووقار.
سمع: أبا جعفر ابن المسلمة، وأبا بكر الخطيب، وأبا الغنائم بن المأمون، وأبا محمد الصَّريفينيّ، وابن النَّقُّور.
قال ابن السّمعانيّ: صالح خيّر، قرأ بروايات، وكان حَسَن الأخذ.
قرأت عليه الكثير، وكنت أقدّم السّماع عليه على غيره.
قلت: روى عنه: ابن عساكر، وأبو اليُمن الكِنْديّ، وآخرون.
تُوُفّي في صَفَر.
وقد أنا بكتاب "السّبعة" لابن مجاهد: أبو حفص القّواص، أنا الكِنْديّ في كتابه، أنا ابن تَوْبة.
255- مُحَمَّد بْن أحْمَد بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم2.
أبو عبد الله الخَوَارَزْميّ، القصاريّ.
وُلِد في رمضان سنة إحدى وستّين وأربعمائة ببغداد.
وسمع حضورًا من: أبي محمد الصَّريفينيّ.
وحدَّث.
وتُوُفّي في جُمَادَى الأولى.
256- محمد بن إبراهيم بن جعفر3.
__________
1 المنتظم "10/ 91، 92"، سير أعلام النبلاء "20/ 34، 35"، غاية النهاية "2/ 84".
2 الأنساب "10/ 166".
3 مختصر تاريخ دمشق لابن منظور "21/ 328".(36/291)
أبو عبد الله الدّمشقيّ، الكُرْديّ، المقرئ.
سمع: أبا القاسم بن أبي العلاء، وغيره.
روى عَنْهُ: الحافظ ابْن عساكر، وابنه القاسم.
وكان يلقّن.
257- محمد بْن عبد الباقي بْن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرحمن بن الربيع بن ثابت بن وهب بن مشجعة بن الحارث بْن عَبْد اللَّه بْن صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وشاعره، وأحد الثّلاثة الّذين خُلِّفُوا كعب بن مالك الأنصاريّ1.
القاضي أبو بكر بن أبي طاهر، البغداديّ، الحنبليّ، البزّاز.
ويُعرف أبوه بصهر هبة، ويعرف هو بقاضي المَرِسْتان.
مُسْنِد العراق، بل مُسْنِد الآفاق.
وُلِد في عاشر صَفَر سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة، ويقال له النَّصْريّ؛ لأنّه من محلَّة النّصْريَّة. ويقال له السَّلَميّ؛ لأنّ كعب بن مالك من بني سَلمَة.
سمعه أبوه حضورًا في الرابعة من أبي إسحاق البرمكيّ جزء الأنصاريّ، وسمعه من عليّ بن عيسى الباقِلّانيّ "أمالي القطيعي" و"الوراق". ثمّ سمَّعه الكثير بإفادة جاره عبد المحسن بن محمد الشّيحيّ التّاجر من: أبي محمد الجوهريّ، وأبي الطَّيب الطَّبَريّ، وعمر بن الحسين الخفّاف، وأبي طالب العُشاريّ، وأبي الحسين بن حَسْنُونَ النَّرْسيّ، وعليّ بن عمر البرمكيّ، والحسن بن عليّ المقرئ، وأبي الحسين بن الأَبَنُوسيّ، وأبي الحَسَن بن أبي طالب المكّيّ، وأبي يَعْلَى بن الفّراء، وأبي الغنائم بن المأمون، وأبي الفضل هبة الله بن المأمون، وغيرهم.
وتفرد برواية عنهم، سوى أبي يَعْلَى، وأبي الغنائم.
وسمع بمصر من أبي إسحاق الحبّال.
وبمكَّة من: أبي مَعْشَر الطَّبَريّ، وأبي الحسين الصقلي.
__________
1 المنتظم "10/ 92-94"، الكامل في التاريخ "11/ 80"، سير أعلام النبلاء "20/ 23-28"، البداية والنهاية "12/ 217".(36/292)
وأجاز له أبو القاسم التّنُوخيّ، وأبو الفتح بن شِيطا المقرئ، وأبو عبد الله محمد بن سلامة القُضاعيّ.
وتفقه على القاضي أبي يَعْلَى ابن الفرّاء، وشهِد عند قاضي القُضاة أبي الحسين بن الدّامَغَانيّ.
روى عنه خلْق لَا يُحْصَوْن، منهم من مات في حياته، ومنهم من تأخّر، وهم: أبو القاسم بن عساكر، وأبو سعد السمعاني، وأبو موسى المَدِينيّ، وابن الجوزيّ، وعبد الله بن مسلم بن جُوالق، والمكرَّم بن هبة الله الصّوفيّ، وأبو أحمد بن تزمش الخيّاط، وسعيد بن عطّاف، وعليّ بن محمد بن يعيش الأنباريّ، وعبد الله بن المظفَّر بن البوّاب، وعبد الخالق بن هبة الله البُنْدار، ويوسف بن المبارك بن كامل الخفّاف، وعبد اللطيف بن أبي سعد الصُّوفيّ، وعمر بْن طَبَرْزَد، وعبد العزيز بْن الأخضر، وزيد بن الحَسَن الكِنْديّ، وعبد العزيز بن معالي بن سِينا، وأبو عليّ ضياء بن الخُرَيف، والحسين بن سعيد بن شُنَيْف، وأحمد بن يحيى بن الدَّبِيقيّ.
وآخر من روى عنه بالإجازة المؤيَّد الطُّوسيّ.
وقد تكلم فيه ابن عساكر بكلام فجّ وحش، فقال: كان يُتّهم بمذهب الأوائل، ويُذكر عنه رقَّة دِين.
قال: وكان يعرف الفقه على مذهب أحمد، والفرائض، والحساب، والهندسة.
ويشهد عند القُضاة، وينظر في وقف المارستان العَضُديّ.
وسرد أبو موسى نَسَبَه كما ذكرنا، ثمّ قال: هو أملاه عليّ، وكان إمامًا في فنون العلم.
قال: وكان يقول: حَفِظْتُ القرآن وأنا ابن سبْعِ سنين، وما من علم إلّا وقد نظرتُ فيه، وحصّلت منه الكلّ أو البعض، إلّا هذا النَّحْو، فإني قليل البضاعة فيه.
وما أعلم أنّي ضيّعت ساعةً من عمري في لهوٍ ولعب.
وقال ابن الجوزيّ: ذكر لنا القاضي أبو بكر أنّ مَنجِّمَيْن حَضَرا حين وُلد، فاجمعا أنّ العُمر اثنتان وخمسون سنة.
قال: وهأنا قد جاوزت التّسعين.(36/293)
قال ابن الجوزي: وكان حَسَن الصورة، حُلْو المنطق، مليح المعاشرة، كان يصلّي في جامع المنصور، يجيء في بعض الأيّام فيقف وراء مجلسي وأنا على منبر الوعظ، فيسلِّم عليّ.
واستملى عليه شيخنا ابن ناصر بجامع القصر.
وقرأت عليه الكثير، وكان ثقة، فَهِمًا، ثَبْتًا، حُجَّة، متفنّنًا في علومٍ كثيرة، متفردًا في عِلم الفرائض، قال لي يومًا: صلّيت الجمعة وجلست أنظر إلى النّاس، فما رأيت أحدًا أشتهي أنّ أكون مثله.
وكان قد سافر فوقع في أسر الرّوم، وبقي سنةً ونصفًا، وقيّدوه وغَلُّوه، وأرادوه أنّ ينطق بكلمة الكُفر، فلم يفعل، وتعلَّم منهم الخطّ الرّوميّ.
وسمعته يقول: من خَدَم المحابر خَدَمته المنابر.
وسمعته يقول: يجب على المعلّم أنّ لَا يعنف، وعلى المتعلم أنّ لَا يأنف.
ورأيته بعد ثلاثٍ وتسعين سنة صحيح الحواس، لم يتغير منها شيء، ثابت العقل، يقرأ الخطّ الدّقيق من بُعْد.
ودخلنا عليه قبل موته بمُديدة فقال: نزلت في أُذني مادة، فقرأ علينا من حديثه، وبقي على هذا نحوًا من شهرين، ثمّ زال ذلك، وعاد إلى الصّحَّة، ثمّ مرض فأوصي أنّ يُعَمّق قبره زيادةً على العادة، وأن يُكتب على قبره {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ، أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} [ص: 67، 68] ، وبقي ثلاثة أيام لا يفتر من قراءة القرآن، إلى أنْ تُوُفّي قبل الظُهر ثاني رجب.
قال ابن السّمعانيّ: ما رأيت أجمع للفنون منه، نَظَر في كلّ علم، وبرع في الحساب والفرائض، وسمعته يقول: ثُبِت من كلّ عِلْم تعلَّمته إلّا الحديث وعِلْمه. ورأيته وما تغير من حواسه شيء. وكان يقرأ الخط البعيد الدّقيق.
وكان سريع النَّسخ، حَسَن القراءة للحديث.
وكان يشتغل بمطالعة الأجزاء الّتي معي، وأنا مُكِبُّ على القراءة، فاتفق أنّه وَجَدَ جزءًا من حديث أبي الفضل الخُزاعيّ، قرأته بالكوفة على الشّريف عمر بن إبراهيم الحُسينيّ، بإجازته من محمد بْن عليّ بْن عَبْد الرَّحْمَن العَلَويّ، وفيه حكايات مليحة فقال: اتركه عندي.
فلمّا رجعت من الغد أخرج الجزء وقد نَسَخَه جميعه، وقال: اقرأه حتّى أسمعه.
فقلت: يا سيدي، كيف يكون، وأنا أفتخر بالسّماع منك؟ فقال: ذاك بحاله.(36/294)
فقرأته، فقال للجماعة: اكتبوا اسمي.
قلت: رأيت الجزء بخطّه في وقف الضّيائية، وفي أوّله بخطه: نا أبو سعد السّمعانيّ.
وقال: قال لي: أسَرَتْني الرّوم، وكان الغِل في عنقي خمسة أشهر، وكانوا يقولون لي: قل: المسيح ابن الله، حتّى نفعل ونصنع في حقك. فما قلت.
وتعلَّمت خطّهم لمّا حُبِست.
كان يعرف علم النجوم، وسمعته يقول: عن الذُّباب إذا وقع على البياض سوّده، وعلى السّواد بيّضه، وعلى التّراب برغثه، وعلى الْجَرح يقيحه.
وسمعت منه "الطبقات" لابن سعد، و"المغازي" للواقديّ، وأكثر من مائتي جزء.
قال لي: ولدت بالكرخ، وانتقل بنا أبي إلى النصرية ولي أربعة أشهر.
وذكر ابن السّمعانيّ أكثر ما نقلناه عن ابن الجوزيّ.
وقال ابن نُقْطَة: حدَّث القاضي أبو بكر "بصحيح البخاريّ"، عن أبي الحسين بن المهتديّ بالله، عن أبي الفتح بن أبي الفوارس، عن أحمد بن عبد الله النَّعَيْميّ.
قلت: والنَّعَيْميّ هو شيخ أبي عمر المَلِيحيّ الّذي أكثر عنه صاحب شرح السُّنَّة.
258- محمد بن عبد القادر بن الحَسَن بن المنصور بالله.
أبو الحسين المنصوريّ، الهاشميّ.
شيخ مُسن، كثير الفِكر، أصابه فالج.
وحدَّث عن: أبي القاسم بن البسري، ويوسف المهرواني.
وتوفي في سابع رجب.
259- محمد بن فَرَج بن جعفر بن أبي سمرة1.
__________
1 غاية النهاية "2/ 228".(36/295)
أبو عبد الله القَيسيّ، نزيل غَرْنَاطة، أحد القرّاء.
عن: أحمد بن عبد الحقّ الخَزْرجيّ، وأبي القاسم بن النّحّاس.
وحدَّث عن: غالب بن عطيَّة، وغيره.
وأقرأ القراءات والنَّحْو.
روى عنه: أبو الأصْبَغ بن المرابط.
وتُوُفّي في حدود سنة خمسٍ.
260- محمد بن المنتصر بن حفْص النّوقانيّ1.
الفقيه، المفتيّ، الزّاهد الورع.
كان عارفًا بالمذهب.
سمع: محمد بن سعيد الفرخزاذيّ؛ وبهَرَاة: محمد بن عليّ العُمَيريّ.
قال السّمعانيّ: سمعت منه "تفسير الثَّعْلبيّ" بروايته عن الفرخزاذيّ، عنه.
مات رحمه الله في رجب.
261- محمود بن عليّ بن أبي عليّ بن يوسف2.
أبو القاسم الطَّرَازيّ.
قال السّمعانيّ: إمام، فاضل، ديِّن، ورِع، حَسَن الأخلاق، تفقّه على القاضي أبي سعد بن أبي الخطّاف.
وورد على المسترشد بالله من قِبَل الخاقان.
وكان مولده بِطَرَّاز سنة 463، وتوفي ببُخارَى في شعبان، وخلّف بها أولادًا نُجباء.
262- موسى بن حماد3.
__________
1 التحبير "2/ 238، 239"، طبقات الشافعية الكبرى "6/ 402"، طبقات الشافعية للإسنوي "2/ 493".
2 الأنساب "8/ 223".
3 الصلة لابن بشكوال "2/ 614"، بغية الملتمس "456".(36/296)
أبو عِمران الصّنْهاجيّ، المالكيّ، قاضي مَراكش.
كان فقيهًا، إمامًا، حاذقًا لمذهب مالك، مقدَّمًا في معرفة الأحكام.
من جِلَّة قُضاة زمانه العادلين.
وله رواية يسيرة.
تُوُفّي في ذي القعدة.
"حرف الياء":
263- يوسف بن أيّوب بن يوسف بن الحسين بن وَهْرة1.
أبو يعقوب الهَمَذانيّ.
من أهل ضياع همذان.
نزل مرو، وكان من سادات الصوفية.
ذكره ابن السّمعانيّ، وقال: هو الإمام الورع.
التّقّي، النّاسك، العامل بعلمه، والقائم بحقّه، صاحب الأحوال والمقامات الجليلة، وإليه انتهت تربية المريدين، واجتمع في رباطة جماعة من المنقطعين إلى الله، ما أتصور أنّ يكون في غيره من الرُّبُط مثلهم.
وكان من صِغره إلى كبره على طريقة مَرْضيَّة، وسدادٍ، واستقامة.
خرج من قريته إلى بغداد، وقصد الشَيخ أبا إسحاق، وتفقه عليه، ولازمه مدَّة، حتّى برع في الفقه، وفاق أقرانه، خصوصًا في علم النَّظَر.
وكان أبو إسحاق يقدّمه على جماعةٍ كثيرة من أصحابه، مع صِغَر سنّهِ، لمعرفته بزُهده، وحُسْن سيرته، واشتغاله بنفسه.
ثمّ ترك كلّ ما كان فيه من المناظرة، وخلا بنفسه، واشتغل بعبادة الله تعالى، ودعوة الخلْق إليها وإرشاد الأصحاب إلى الطّريق المستقيم.
وسمع من شيخه: أبي إسحاق، وأبي الحسين بن المهتدي بالله، وأبي بكر
__________
1 المنتظم "10/ 94، 95"، "2/ 330"، الكامل في التاريخ "11/ 80"، سير أعلام النبلاء "20/ 66، 69".(36/297)
الخطيب، وأبي جعفر ابن المسلمة، وعبد الصّمد بْن المأمون، والصَّرِيفينيّ، وابن النَّقُّور.
وببُخارَى محمد: أبي الخطّاب محمد بن إبراهيم الطَّبريّ؛ وبسمَرَقَنْد من: أبي بكر أحمد بن محمد بن الفضل الفارسيّ.
وبأصبهان من: حمْد بن أحمد بن ولكيز، وغانم بن محمد بن عبد الواحد الحافظ، وآخرين.
وكتب الكثير، غير أنّ أجزاءه تفرقت بين كتبه، وما كان يتفرغ إلى إخراجها، فأخرج لنا أكثر من عشرين جزءًا، فسمعناها.
وقد دخل بغداد سنة ستٍّ وخمسمائة، ووعظ بها، وظهر له قبولٌ تامّ، وازدحم النّاس عليه. ثمّ رجع وسكن مَرْو. وخرج إلى هَرَاة، وأقام بها مدَّة، ثمّ طُلِب منه الرجوع إلى مَرْو، فرجع. ثمّ خرج ثانيًا إلى هَرَاة. ثمّ رجع إلى هَرَاة، ثمّ خرج من هَرَاة فأدركه الأجَل بين هَرَاة وبَغْشُور.
وكان يقول: دخلت جبل زَزْ لزيارة الشَيخ عبد الله الْجَوِّي، وكان قد أقام عنده مدَّة، ولبس من يده الخِرْقة، قال: فوجدت ذلك الجبل معمورًا بأولياء الله، كثير المياه والأشجار، وعلى رأس كلّ عينٍ رجلٌ مشتغل بنفسه، صاحب مقامٍ ومجاهدة. فكنت أدور عليهم وأزورهم. ولا أعلم في ذلك الجبل حجرًا لم تُصِبْه دمعتي. وهذا من بركة أحمد بن فضالة شيخ عبد الله الجويّ.
سمعت الشَيخ الصّالح صافي بن عبد الله الصُّوفيّ ببغداد يقول: حضرت مجلس شيخنا يوسف بن أيّوب في المدرسة النّظاميَّة، وكان قد اجتمع العالَم، فقام فقيه يُعرف بابن السّقاء وآذاه، وسأله غير مسألة، فقال: اجلس، فإني أجد من كلامك رائحة الكُفْر، ولعلّك تموت على غير الإسلام.
قال صافي: فاتّفق بعد مدَّة قدِم رسولٌ نصرانيّ من الرّوم، فمضى إليه ابن السّقاء، وسأله أنّ يستصحبه، فقال له: يقع لي أنّ أدخل في دينكم فقبلَه الرسول، وخرج معه إلى القُسطنطينيَّة، والتحق بملكها وتنصَّر.
وسمعت من أثق به أنّ ابني الإمام أبي بكر الشّاشيّ قاما في مجلس وعْظه، وقالا له: إن كنتَ تنتحل مُعْتَقَدَ الأشعريّ وإلّا فانزِلي ولا تعِظ ههنا.(36/298)
فقال يوسف: اقعد، لَا أَمْتَعَكُما الله بشبابكما.
فسمعت جماعة أنهما ماتا ولم يتكهّلا.
سمعت السّيد إسماعيل بن أبي القاسم بن عَوَض العَلَويّ يقول: سمعت الإمام يوسف بن أيوب يقول للشَيخ لؤلؤ الحيّ، وكان من أصحابه قديمًا، ثمّ عرج عليه، ووقع فيه، ورماه بأشياء: هذا الرجل يُقتل، وسَتَرَوْن ذلك.
وكان كما جرى على لسانه، قُتل قريبًا من سَرْخَس بعد وفاة يوسف.
وقال أبو المظفّر السّمعانيّ: ما قدِم علينا من العراق مثل يوسف الهَمَذانيّ.
وقد تكلَّم معه بمَرْو في مسألة البيع الفاسد، فجرى بينهما تسعة عشر نَوْبة، يعني بالنَّوبة المجلس في هذه المسألة.
قال أبو سعد السّمعانيّ: سمعت الإمام يوسف رحمه الله يقول: خلوت نُوَبًا عدَّة، كلّ مرَّة أكثر من خمس سِنين أو أقل، وما كان يخرج حبّ المناظرة والاشتغال بالخلاف والمذاكرة من قلبي، وصرت إلى ما كنت أشتهي، فإنّ المناظرة كانت تقطع عليّ الطّريق.
سمعت أبا نصر عبد الواحد بن محمد الكرْجيّ الزّاهد يقول: سألت الشَيخ أبا الحسين المقدسيّ: هل رأيت أحدًا من أولياء الله؟ قال: رأيت في سياحتي عجميًا بمَرْو يعظ، ويدعو الخلق إلى الله تعالى يقال له يوسف.
قال أبو نصر: أراد بذلك الإمام يوسف بن أيّوب الهَمَذانيّ.
وأبو الحسين المقدسيّ كبير القدْر، مشهور.
قال أبو سعد: لمّا عزمت إلى الرحلة، دخلت على يوسف رحمه الله مودِّعًا، فصوَّب عزْمي وقال: أُوصِيك، لَا تدخلْ على السّلاطين، وأَبْصِر ما تأكل لَا يكون حرامًا.
تُوُفّي في ربيع الأوّل، وكان مولده تقديرًا سنة أربعين أو إحدى وأربعين.
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو الرَّوْحِ الْهَرَوِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.(36/299)
فَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَسَاكِرَ، أَنَا أَبُو رَوْحٍ عَبْدُ الْمُعِزِّ بْنُ مُحَمَّدٍ إِجَازَةً، أَنَا يُوسُفُ بْنُ أَيُّوبَ الزَّاهِدُ، بِقِرَاءَةِ حَمْزَةَ بْنِ عَسُولٍ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ النَّقُّورِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعِمَائَةٍ، أَنْبَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَرْبِيُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصُّوفِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، ثَنَا مَعْنٌ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ يُصَافِحُ امْرَأَةً قَطُّ1.
وَأَنَا بِهِ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ: أَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَرْمَا، وَالْفَتْحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالا: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْفَقِيهُ أَنَا ابْنُ النَّقُّورِ، فَذَكَرَهُ.
رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِ "حَدِيثِ مَالِكٍ" مِنْ تَأْلِيفِهِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ الْأَشْعَرِيِّ، عَنِ ابْنِ مَعِينٍ.
وفيات سنة ست وثلاثين وخمسمائة:
"حرف الألف":
264- أحمد بن سلامة بن يحيى الدّمشقيّ الأَبّار2.
سمع: أحمد بن عليّ بن الفُرات، وسهل بن بِشْر.
روى عَنْهُ: أبو القاسم بْن عساكر، وقال: تُوُفّي فِي شوّال.
265- أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن جابر3.
أبو عمر الأزْديّ، الإِشْبِيليُّ.
سَمِعَ من: أبي عبد الله بن منظور "صحيح البخاريّ".
وسمع: عبد الله بن عليّ النكاجيّ، والعاص بن خَلَف.
أَمَّ بمسجد ابن بَقِيّ، وأقرأ القرآن نحوًا من ستين سنة.
وكان مشتهرًا بالصلاح.
__________
1 "حديث صحيح": أخرجه البخاري "4891، 7214"، ومسلم "1866"، وأبو داود "2941"، والترمذي "3306"، وابن ماجه "2875"، من حديث عائشة.
2 مختصر تاريخ دمشق لابن منظور "3/ 97، 98".
3 تكملة الصلة لابن الأبار "1/ 47".(36/300)
حدَّث عنه: ابن بَشْكُوال، وابن جَهِير.
وقارب تسعين سنة.
266- أحمد بْن مُحَمَّد بْن أحمد بْن ينال.
أبو منصور الصُّوفيّ الأصبهانيّ، التّرك، والد أبي العبّاس محمد التّرك.
سمع: عائشة الوَرْكانّية، وعبد الجبّار بن برزة الرّازيّ، وشجاعًا المَصْقَليّ.
ومات في عَشْر التّسعين.
267- أحمد بن محمد بن الحسين1.
أبو الفائز ابن البُزُوريّ.
سمع: محمد بن هبة الله اللّالكائيّ في سنة إحدى وسبعين وأربعمائة.
روى عنه: أبو سعد السّمعانيّ، وجدّه.
تُوُفّي فِي رَمَضَان.
268- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عليّ بن محمود ماخُرَّة2.
أبو سعد بن أبي بكر بن الشَيخ أبي الحَسَن الزَّوْزَنيّ، ثمّ البغداديّ.
من قُدماء الصُّوفية برباط شيخ الشّيوخ إسماعيل.
وهو مطبوع خفيف، يحفظ حكايات وأشعارًا.
قال السّمعانيّ: غير أنّه كان منهمكًا في الشّرْب، سامحه الله.
وقال أبو الفَرَج بن الجوزيّ: كانوا ينسبونه إلى التّسمُّح في دينه.
وُلِد في ذي الحجَّة سنة تسعٍ وأربعين وأربعمائة.
وسمع القاضي: أبا يَعْلَى وهو آخر أصحابه، وأبا جعفر ابن المسلمة، وأبا الحسين بْن المهتدي بالله، وأبا محمد الصَّرِيفينيّ، وأبا عليّ بن وشاح، وأبا بكر الخطيب، وجماعة.
__________
1 الأنساب "2/ 299".
2 المنتظم "10/ 97، 98"، سير أعلام النبلاء "20/ 57، 58"، شذرات الذهب "4/ 112".(36/301)
قال ابن السّمعانيّ: قرأت عليه الكثير.
وحدَّثني محمد بن ناصر الحافظ قال: كان أبو سعد متسمّحًا، فرأيته فِي النَّوم، فقلتْ: ما فعل اللَّه بك؟ قَالَ: غُفِر لي.
قلت: فأين أنت؟ قال: في الجنَّة.
قال ابن ناصر: لو حدَّثنيه غيري ما صدّقتُه.
قال ابن الجوزيّ: مرض أبو سعد الزَّوْزَنيّ، وبقي خمسة وثلاثين يومًا بعلَّة النَّصَب لم يضطَّجِع، ومات في تاسع عشر شعبان.
قلت: روى عَنْهُ: أبو أحمد عبد الوهّاب بْن سُكَيْنَة، وأبو حامد بن النّحّاس، ويوسف بن كامل، والمحدّث عَبْد الخالق بْن أسد، وعمر بْن طَبَرْزَد، وأبو الفَرَج بن الجوزيّ.
269- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بن الطَّيّب.
أبو الحسين بن الصَّبّاغ.
سمع: أباه، وأبا نصر الزَّيْنبيّ، وإسماعيل بْن مَسْعَدَة الإسماعيليّ.
روى عنه: ابن عساكر، والسّمعانيّ.
وكان ظاهر الصَّلاح والخير.
مات رحمه الله في آخر شوّال ظنًّا.
270- أحمد بن محمد بن موسى بن عطاء الله1.
أبو العباس بن العريف، الصّنْهاجيّ، الأندلسيّ، الصُّوفيّ، الزّاهد، من أهل المَرِيَّة.
روى عن: يزيد مولى المعتصم، وعمر بن أحمد بن رزق، وعبد القادر بن محمد القَرْويّ، وخَلَف بن محمد بن العربيّ، وجماعة.
قال ابن بَشْكُوال: كانت عنده مشاركة في أشياء من العلم، وعناية بالقراءات،
__________
1 الصلة لابن بشكوال "1/ 81"، سير أعلام النبلاء "20/ 111، 114"، الوافي بالوفيات "8/ 133-135".(36/302)
وجَمْع الرّوايات، واهتمامٌ بطُرُقها وجُملتها.
وقد استجاز منّي تأليفي هذا، يعني "الصّلة" وكتبه عنّي.
واستجزتُه أنا أيضًا، ولم أَلْقه.
وكان متناهيًا في الفضْل والدّين، منقطعًا إلى الخير، وكان العبّاد وأهل الزُّهد يقصدونه ويألفونه، فيحمدون صُحْبَتَه.
سُعي به إلى السّلطان، فأمر بإشخاصه إلى حضرته بمَراكش، فوصلها، وتُوُفّي بها ليلة الجمعة الثّالث والعشرين من صَفَر، واحتفل النّاس لجنازته، وندِم السّلطان على ما كان منه في جانبه. وظهرت له كرامات.
قلت: وُلِد ابن العريف في سنة ثمانٍ وخمسين وأربعمائة، وكان العُبّاد يأتونه ويجتمعون لسماع كلامه في العرفان، وبَعُدَ صِيتُه، فثار الحسدُ في نفوس فقهاء بلده، فرفعوا إلى السّلطان أنّه يروم الثّورة والخروج كما فعل ابن تُومَرت، فأرسل ابن تاشفين إليه وقيّده، وحُمِل إلى مَرّاكُش، فتُوُفّي في الطريق عند مدينة سلا.
أمّا شيوخه: خَلَف، وعمر، فأخذا عن أبي عَمْرو الدّانيّ، وقد لبس الخرقة من أبي بكر عبد الباقي بن بريال؛ وصحب ابن بريال أبا عَمْرو الطَّلَمَنْكيّ.
وآخر من بقي من أصحاب ابن العريف الزّاهد موسى بن مَسْدي.
271- إبراهيم بن أحمد بن محمد1.
الإمام، العلامة، أبو إسحاق المَرْوَرَّوْذيّ، الشّافعيّ.
تفقه على الإمام ابن المظفَّر السّمعانيّ، وغيره.
وصارت إليه الرحلة بمَرْو لقراءة الفِقْه عليه.
تفقّه عليه أبو سعد السّمعانيّ، وغيره.
قُتِلَ بمَرْو، رحمه الله، في ربيع الأول في وقعة الخوارزم شاه، وله ثلاثٌ وثمانون سنة.
قال أبو سعد السّمعانيّ: كان أبي أوصى بنا إليه، وكان يقوم بأمورنا أَتمّ قيام.
وكان من العلماء العاملين.
__________
1 الأنساب "9/ 325"، الكامل في التاريخ "11/ 86"، طبقات الشافعية الكبرى "7/ 31، 32".(36/303)
علّقت عنه كتاب الطّهارة، وسمعت منه الكثير، وحدَّث بالكُتُب الكبار.
سمع بمَرْو الرُّوذ من جماعة.
272- إسماعيل بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث1.
الحافظ أبو القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ.
ولد بدمشق سنة أربعٍ وخمسين وأربعمائة في رمضان.
وسمع من: أبي بكر الخطيب، وعبد الدّائم بن الحَسَن، وأبي نصر بن طلاب، وعبد العزيز الكتّانيّ، وأبي الحَسَن بن أبي الحديد، وغيرهم.
ثمّ رحل به وبأخيه عبد الله، أبوهما المقرئ أبو بكر إلى بغداد في حدود سنة تسعٍ وستين وأربعمائة، وسكنوها.
وسمع بها من: ابن هَزَارْمَرْد الصَّرِيفينيّ، وابن النَّقُّور، وعبد العزيز بن عليّ السُّكريّ، وعبد الباقي بن محمد العطّار، وأبي نصر الزَّيْنبيّ، وابن البُسْريّ، ورزق الله، وخلق كثير.
وعُنِي بالرواية، وقدِم دمشق زائرًا بيتَ المقدس، وسمع من مكّيّ الرُّمَيْليّ، وطال عُمره، وروى الكثير.
حدَّث عنه: أبو سعْد السَّمْعانيّ، وأبو القاسم بْن عساكر، والأعزّ بن عليّ العَبْديّ، وإسماعيل بن أحمد الكاتب، وسعيد بن محمد بن محمد بن عطّاف، ويحيى بن ياقوت الفرّاش، وعمر بن طَبَرْزَد، وأبو اليُمْن الكِنْديّ، وأبو الرضا محمد بن أبي تمّام بن الزوا الهاشميّ، وأبا الحَسَن بن عليّ بن أحمد بن هُبَل، وعبد العزيز بن الأخضر، وسليمان بن محمد المَوْصِليّ، وموسى بن سعيد بن الصَّيْقَل الهاشميّ، وخلْق سواهم.
قال ابن السّمعانيّ: قرأت عليه الكُتُب الكبار والأجزاء، وسمعت الحافظ أبا العلاء العطّار بهَمَذَان يقول: ما أعدل بأبي القاسم الفقيه ابن السَّمَرْقَنْديّ أحدًا من شيوخ العراق، وخُراسان.
وقال أبو شجاع عمر البِسْطاميّ: أبو القاسم إسناد خراسان، والعراق.
__________
1 المنتظم "10/ 98"، الكامل في التاريخ "11/ 90"، سير أعلام النبلاء "20/ 28، 31".(36/304)
وقال أبو القاسم: ما بقي أحدٌ يروى "مُعْجَم ابن جُمَيْع" غيري ولا بدمشق، ولا عن عبد الدّائم بن الحَسَن غيري.
ثمّ قال:
وأعْجبُ ما في الأمر أنْ عشْتُ بعدهُمْ ... عَلَى أنّهم ما خلَّفوا فيَّ مِن بطشِ
وقال ابن عساكر: كان ثقة، مُكْثِرًا، صاحب أصول، وكان دلّالًا في الكُتُب.
وسمعته يقول: أنا أبو هريرة في ابن النَّقُّور، فإنّه قَلّ جزءٌ عندي قُرِئ عليه إلّا وقد سمعته مرارًا.
قال ابن عساكر: وعاش إلى أنّ خَلَت بغداد، وصار محدّثها كثرةً وإسنادًا، حتّى صار يطلب العوَض على التّسميع بعد حرْصه على التّحديث.
وقد أملى في جامع المنصور الْجُمَعَ زيادةً على ثلاثمائة مجلس.
وكان له بخت في بيع الكُتُب.
باع مرة "صحيحي البخاري" و"مسلم" في مجلَّدة لطيفة.
بخطّ الحافظ أبي عبد الله الصُّوريّ بعشرين دينارًا.
وقال لي: وقعت عليَّ هذه المجلَّدة بقيراط؛ لأنّي اشتريتها وكتابًا آخر معها بدينار وقيراط، فبعت ذلك الكتاب بدينار.
قال السلفي: وأبو القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ ثقة، له أنس بمعرفة الرجال، دون معرفة أخيه الحافظ أبي محمد.
وقال ابن ناصر: كان دلالًا، وكان سيئ المعاملة، يُخاف من لسانه وكان ذا مخالطةٍ لأكابر البلدة وسلاطينها بسبب الكُتُب.
وقد قدِم دمشق بعد الثّمانين، وسمع من الفقيه نصر، وأخذ عنه أبو محمد بن صابر، وغيره.
وقال ابن السَّمَرْقَنْديّ: ورواه عنه ابن الجوزيّ بالإجازة، أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوم، كأنه مريض وقد مدّ رِجْلَيه: فدخلتُ وجعلتُ أقبّل أخمص قدميه، وأمرّغ وجهي عليها.(36/305)
فذكرته لأبي بكر ابن الخاضبة فقال: أَبْشِر يا أبا القاسم بطول البقاء وبانتشار الرّواية عنك، فإنّ تقبيل رِجْلَيه اتِّباعُ أَثَره، وأمّا مرضه فوهنٌ في الإسلام.
فما أتى على هذا إلّا قليل حتّى وصل الخبر أنّ الفرنج استولت على بيت المقدس.
تُوُفّي فِي السادس والعشرين من ذي القِعْدة، ودُفن بباب حرب.
273- إسماعيل بن عبد الواحد بن إسماعيل بن محمد1.
أبو سعيد البُوشَنْجيّ، الفقيه الشّافعيّ.
نزيل هَرَاة.
سمع: أبا صالح المؤدب، وأبا بكر بن خَلَف الشّيرازيّ، وحمْد بن أحمد.
وقدم بغداد بعد الخمسمائة، فسمع: أبا عليّ بن نبهان، وغيره.
وتفقه وبرع في المذهب، ودرس وأفتى، وصنَّف التّصانيف.
قال ابن السّمعانيّ: كان كثير العبادة، خَشِن العَيْش، قانعًا باليسير.
سمعتُ منه؛ وعاش خمسًا وسبعين سنة.
قال عبد الغافر في "ذيله": شاب نشأ في عبادة الله، مَرْضيّ السِّيرة على مِنْوال أبيه.
وهو فقيه، مناظر، مدرّس، زاهد.
"حرف الجيم":
274- جميل بن تمّام2.
المقدسيّ.
أبو الحَسَن الطّحّان، المقرئ.
حدَّث عن رجلٍ، عن عبد العزيز الكتّانيّ.
روى عنه: الحافظ أبو القاسم بن عساكر في تاريخه.
__________
1 المنتخب من السياق "151"، المنتظم "10/ 99"، الأنساب "5/ 78".
2 مختصر تاريخ دمشق "6/ 112"، تهذيب تاريخ دمشق "3/ 398".(36/306)
"حرف الحاء":
275- الحَسَن بن عبد الرحيم بن أحمد1.
المعلّم البزّاز، المَرْوَزِيّ.
سمع: أبا الخير الصّفّار.
قُتِلَ في ربيع الآخر في الوقعة الخُوَارَزمشاهيَّة بمَرْو، عن نيفٍ وسبعين سنة.
سمع من السّمعانيّ.
276- الحسين بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن فُطَيْمَة2.
أبو عبد الله بن أبي حامد البيهقي، الخسروجردي، القاضي قاضي بَيْهق.
وبَيْهق: ناحية من أعمال نَيْسابور، قصبتها خسروجرد.
ولد قبل الخمسين وأربعمائة.
وسمع: أبا بكر البَيْهقيّ، وأبا القاسم القُشيريّ، وأبا سعيد بن محمد بن عليّ الخشّاب، وأبا منصور محمد بن أحمد السُّوريّ، وأبا بكر محمد بن القاسم الصّفّار، وأبا بكر أحمد بن منصور المغربيّ، وطائفة.
يروي عنه: أبو سعد السمعاني، وابن عساكر، وغير واحد.
قال ابن السّمعانيّ: هو شيخ مُسِنّ، كثير السَّماع، حَسَن السّيرة، مليح المجالسة، كيِّس، ما رأيت أخفّ روحًا منه، مع السّخاء والبَذْل، سمعت منه الكثير، وكتب لي أجزاء بخطّه.
ومن أعجب ما رأيت منه أنّه ما كان له الأصابع العشْر، فإنّها قُطِعت بكرْمان لعلةٍ لحِقَتْها، فكان يأخذ القلم بكفَّيْه، ويترك الورق تحت رِجله، ويكتب بكفَّيْه خطًا مليحًا، من أسرع ما يكون.
وكان يكتب كلّ يومٍ خمس طاقات خطًّا واسعًا، مقروءًا.
__________
1 التحبير "1/ 202".
2 التحبير "1/ 222-225"، سير أعلام النبلاء "20/ 60، 61"، طبقات الشافعية الكبرى. "4/ 214".(36/307)
وقد تفقه بمَرْو على جدّي الإمام أبي المظفر.
وحج بعد العشرين وخمسمائة.
وتُوُفّي بخسروجرد في ثالث عشر رمضان.
وقد سمع من البيهقيّ كتاب "معرفة السُّنَن والآثار".
وحكى ابن السّمعانيّ أنّه بالَغَ في إكرامه جدًّا، فقال: خرجت إلى قصْد أصبهان، فتركت القافلة، وعرَّجت إلى خسروجرد مع رفيقٍ لي راجِلَيْن، فلمّا دخلنا دار الحسين سلّمنا على أصحابه، وما التفت إلينا أحدٌ.
ثمّ خرج إلينا فاستقبلناه، فأقبل علينا وقال: فيم جِئْتم؟ قلت: لنقرأ عليك جزأين من "معرفة الآثار" للبَيْهقيّ.
فقال: لعلكم سمعتم الكتابَ من الشَيخ عبد الجبار، وفاتكم هذا القدر.
قلت: بلى.
وكان في الجزأين فَوْتًا لعبد الجبّار فقال: تكونون عندي اللّيلة، فإنّ لي مُهِمًّا، أريد أنّ أخرج إلي سَبْزَوَار فإنّ ابني كتب إليَّ: أنّ ابن أستاذي خارجٌ في هذه القافلة، فأريد أنّ أسلّم عليه، وأسأله أنّ يكون عندي أيّامًا.
وسمّاني، فتبسّمت، فقال: تعرفه؟ فقلت: هو بين يديك.
فقام وبرك وبكى، وكان يقبّل رِجْلَيَّ، ثمّ أخرج الكُتُب والأجزاء، ووهبني بعض أُصوله، فكنت عنده ثلاثة أيّام.
"حرف الخاء":
277- خاتون1.
زوجة المستظهر بالله أمير المؤمنين، وزوجة صاحب كِرْمان.
قال ابن الجوزيّ: كانت دارها حِمى.
ولها الهيئة والأصحاب.
وورد الخبر إلى بغداد بموتها، فعُقد لها العزاء في الدّيوان يومين.
__________
1 المنتظم "10/ 100".(36/308)
"حرف السين":
278- سعيد بن أحمد بن سليمان1.
أبو الحَسَن المالكيّ، النَّهْرفَضْليّ، البصْريّ، نزيل بغداد.
شيخ صالح، قرأ طرفًا من مذهب مالك.
وقرأ بالرّوايات.
وكان صابرًا على الفقر.
سمع: أبا الفضل بن خَيْرون، وعبد المحسن الشيحيّ بن البَطِر.
روى عنه: ابن السّمعانيّ، وقال: تُوُفّي في رمضان.
279- سعيد بن محمد بن منصور2.
الفارسيّ، ثمّ الطُّوسيّ، الواعظ، أبو منصور.
سمع: عبد الرحمن بن الواحديّ، وأبا بكر بن خَلَف، وجماعة.
وأخذ عنه: أبو سعد الحافظ، وقال: مات في ذي القعدة.
280- سهل بن الحَسَن بن محمد3.
أبو العلاء البِسْطاميّ، الصُّوفيّ، المعروف بالكافي، نزيل دمشق.
أقام مدَّةً بسُمَيْساطية.
من بيت خَطَابة وقضاء.
روى عن أبيه، عن أبي عثمان الصّابونيّ.
روى عنه: ابن عساكر، وابن السّمعانيّ.
تُوُفّي في صَفَر بدمشق.
__________
1 معجم البلدان "5/ 322".
2 التحبير "1/ 308"
3 مختصر تاريخ دمشق لابن منظور "10/ 220، 221".(36/309)
"حرف الشين":
281- شريفة بنت أبي عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد الفُرَاويّ. النَيْسابُورية1.
سمعت: عثمان بْن محمد المَحْمِيّ، وأبا بَكْر بْن خَلَف، والصّرّام.
كتب عنها السّمعانيّ، وقال: ماتت في عَشْر السّبعين.
"حرف العين":
282- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ المعزّم.
أبو الحسين الهَمَذانيّ، الضّرير، أخو أبي زيد.
صالح، سمع: أبا إسحاق الشّيرازيّ، وغيره.
مات في شوّال.
283- عبد الجبّار بن محمد بن أحمد2.
الخُوَاريّ، البَيْهقيّ، أبو محمد.
وخوار: بُليْدة من أعمال الرّيّ.
كان إمام الجامع المَنِيعيّ بنَيْسابور.
وكان مُفْتيًا، عالمًا، يعرف مذهب الشّافعيّ، وفيه تَواضُع وخير.
وُلِد سنة خمسٍ وأربعين وأربعمائة.
وتفقه عند إمام الحَرَمين أبي المعالي.
وسمع: أبا بكر البَيْهقيّ، وأبا الحسين عليّ بن أحمد الواحديّ، وأخاه أبا القاسم عبد الرحمن بن أحمد، وأبا القاسم القُشيريّ، وغيرهم.
روى عنه: ابن عساكر، وابن السمعاني، وأبو الخير أحمد بن إسماعيل القَزْوينيّ، وأبو الفضائل محمد بن فضل الله السّالاريّ، وأبو سعد عبد الله بن عمر
__________
1 المنتخب من السياق "256"، التحبير "2/ 416"، أعلام النساء "2/ 296".
2 الأنساب "5/ 196"، سير أعلام النبلاء "20/ 71، 72"، النجوم الزاهرة "5/ 270".(36/310)
الصّفّار، ومنصور بن عبد المنعم الفُرَاويّ، وأبو المحاسن أحمد بن محمد الشَّوكانيّ الحافظ، وأبو الحَسَن المؤيِّد الطُّوسيّ، وآخرون.
قال ابن السّمعانيّ: فمن جُملة ما سمعت منه بنَيْسابور كتاب "معرفة السُّنَن والآثار" للبَيْهقيّ في خمس مجلَّدات، ورأيت في جزأين منه سماعًا مُلْحقًا.
وذكر أبو محمد عبد اللَّه بْن محمد بْن حبيب الحافظ أنّه طالع أصل البَيْهقيّ، فلم يجد سماع شيخنا عبد الجبار في جزأين.
وذكر شيخنا عبد الجبّار أنّه وجدّ سماعه بالجزأين.
وأنا قرأت الجزأين بِبَيْهق على القاضي الحسين بن أحمد بن فُطَيْمَة.
وكان الكتاب كلّه سماعه.
قال ابن حبيب العامريّ المذكور: تصفّحت الكتاب ورقةً ورقة، فوجدت سماعه، إلا في جزأين، أحدهما الخامس والأربعون، وهو من أوّل كتاب النّكاح إلى آخر تَسَرّي العبد، والجزء السّادس والخمسون، أوّله ترجمة ما يحرم من الإسلام، وآخره حَدّ اللِّواط.
وسماعه في سنة ثلاثٍ وخمسين، وأكثره بقراءة والده محمد.
قال السّمعانيّ: وكتب شيخنا عبد الجبّار بخطّه: قد وجدت في الأصل سماعنا في الجزء الخامس والأربعين، والجزء السّادس والخمسين من الأصل وقت قراءة الكتاب عليَّ من نسخة الأصل بنَيْسابور في شهور سنة اثنتي عشرة وخمسمائة.
كتبه عبد الجبّار بن محمد، بعد وقوفه على سماع جملة الكتاب على المصنّف.
تُوُفّي، رحمه الله، في تاسع عشر شعبان.
284- عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد1.
أَبُو الفُتُوح السَّلْمُويّي، اللّبّاد.
من فقهاء نَيْسابور.
تفقه على أبي نصر عبد الرحيم بن القشيري.
__________
1 الأنساب "7/ 116".(36/311)
وبمَرْو على أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن منصور السمْعاني.
وكان إمامًا، زاهدًا، قُدوة، تقّيًا، منقبضًا، قانعًا، كبير القدر، كثير الأسفار.
سكن كِرْمان، وانتقل إلى أصبهان فتُوُفّي بها.
حدَّث بمَرْو عن الشّيرُويّيّ.
وكان مولده في سنة سبعٍ وسبعين وأربعمائة.
وتُوُفّي في رمضان بمدينة جَيّ.
285- عبد السلام بن عبد الرحمن بْنُ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ1.
أبو الحَكَم اللَّخْميّ، الإفريقيّ، المغربيّ، ثمّ الإشبيلي.
الصُّوفيّ، العارف، المعروف بابن بَرَّجان.
سمع "صحيح البخاريّ" من: أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد بن منظور.
وحدَّث به.
روى عنه: أبو القاسم القَنْطَريّ، وأبو محمد عبد الحقّ الإشبيليّ، وأبو عبد الله بن جليل القيسي. وآخرون.
ذكره أَبُو عَبْد الله الأَبّار فقال: كان من أهل المعرفة بالقراءات، والحديث، والتَّحقُّق بعِلم الكلام، والتّصوُّف، مع الزُّهْد، والاجتهاد في العبادة.
وله تواليف مفيدة، منها: "تفسير القرآن" لم يكمله، و"شرح أسماء الله الحُسْنَى".
وقد رواهما عنه أبو القاسط القَنْطَريّ.
تُوُفّي بمَرّاكُش مُغَرَّبًا عن وطنه في هذه السّنة.
وقبره بإزاء قبر الزّاهد أبي العبّاس بن العريف.
286- عبد الكريم بن عبد المنعم بن هبة الله2.
__________
1 سير أعلام النبلاء "20/ 72-74"، لسان الميزان "4/ 13، 14"، النجوم الزاهرة "5/ 270"،
2 التحبير "1/ 478".(36/312)
أبو طالب بن الطَّرَسُوسيّ، الحلبيّ، الفقيه.
سمع أباه أبا البركات.
كتب عنه: السّمعانيّ، وقال: ولد سنة أربعٍ وخمسين وأربعمائة.
قلت: مات تقريبًا في هذا العام.
287- عَبْد الوهاب ابن الشَيخ أَبِي الفَرَج عَبْد الواحد بْن مُحَمَّد بن عليّ الأنصاريّ1.
شَرَفُ الإسلام، أبو القاسم الشّيرازيّ، ثمّ الدّمشقيّ.
الفقيه، الحنبليّ، الواعظ.
كان شيخ الحنابلة بدمشق بعد والده.
وكان له القبول التام في وعظه.
وبَعَثَه السّلطان رسولًا إلى المسترشد بالله يستنجده على الفرنج خذلهم الله.
وقد روى شيئًا من مسند أحمد بالإجازة عن أبي طالب عبد القادر بن يوسف.
وتُوُفّي في صَفَر بدمشق.
ووقف المدرسة الحنبلية الّتي قُدّام الرّواحيَّة بدمشق، وكان رئيسًا محتشمًا، عالمًا.
قال حمّاد الحَرّانيّ: سمعتُ السِّلَفيّ يُثْني عليه ويقول: كان فاضلًا له لَسَن.
وكان كبيرًا في أعيُن النّاس والسّلطان.
وكان متقدمًا، وكان ثقة.
سمع من والده، ومن غيره.
وقال أبو يَعْلَى حمزة أُصيب بمرضٍ حادّ أضعفه، وكان على الطّريقة المَرْضِيَّة، والخِلال الرَّضِيَّة ووُفُور العِلْم، وحُسْن الوعظ، وقوَّة الدّين.
وكان يوم دفْنه يومًا مشهودًا من كثرة المشيعين له، والباكين عليه.
__________
1 الكامل في التاريخ "11/ 90"، سير أعلام النبلاء "20/ 103، 104"، البداية والنهاية "12/ 219".(36/313)
288- عشائر بن محمد بن ميمون1.
أبو المعالي التّميميّ، المَعَرّيّ.
نزيل حمص.
صالح خيّر.
وُلِد سنة خمسٍ وأربعين؛ وحضر جنازة أبي العلاء بالمَعَرَّة.
وسمع من: أبي عامر عبد الرّزّاق التَّنُوخيّ.
كتب عنه: السّمعانيّ.
بقي إلى هذا الوقت بحمص.
289- عليّ بن محمد بن رسلان بن محمد2.
أبو الحَسَن المَرْوَزِيّ، الكاتب.
كان صاحب بلاغة، وفصاحة، وشِعْر، وترسُّل فائق.
ذكره ابن السّمعانيّ، فقال: لعله ما رأى مثل نفسه في فنّه.
وسمع من إسماعيل بن أحمد البَيْهقيّ.
وكتب لي من شِعْره.
وسمعت أنّ قصيدة أكثر من أربعين بيتًا كانت تُقرأ عليه فيحفظها في نوبةٍ واحدة.
قُتِلَ بمَرْو في الوقعة الخُوارَزْمشاهيَّة في ربيع الأوّل، وله نيفٌ وأربعون سنة.
290- عمر بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العزيز بْن مازَة3.
أبو حفص بن أبي المَفَاخر البخاريّ.
علامة ما وراء النهر.
__________
1 التحبير "1/ 615، 616".
2 الكامل في التاريخ "11/ 87"، عيون التواريخ "12/ 372".
3 الكامل في التاريخ "11/ 86"، سير أعلام النبلاء "20/ 97"، النجوم الزاهرة "5/ 268".(36/314)
تفقه على والده العلّامة أبي المَفَاخر.
وبرع في مذهب أبي حنيفة، وصار شيخ العصر.
وحاز قَصَب السَّبق في عِلم النَّظر.
ورأى الخصوم وناظرهم، وظهر عليهم، وصار السّلطان يصدر عن رأيه.
وعاش في حرمةٍ وافرة، وَقَبُولٍ زائد، إلى أن رزق الله الشّهادة على يد الكَفَرَة، بعد وقعة قَطَوَان وانهزام المسلمين.
قال ابن السّمعانيّ: سمعت أنّه لمّا خرج هذه النَّوْبة كان يودّع أصحابه وأولاده وداع من لَا يرجع إليهم.
فرحِمه الله تعالى ورضي عنه.
سمع: أباه، وعليّ بن محمد بن خِدَام.
وحدَّث.
ولقِيتُه بمَرْو، وحضرتُ مناظرته.
وقد حدَّث عن جماعةٍ من البغدادين كأبي سعد أحمد بن الطُّيُوريّ، وأبي طالب بن يوسف.
وكان يُعرف بالحُسام.
وُلِد سنة ثلاثٍ وثمانين وأربعمائة.
وسمع منه: أبو عليّ الحَسَن بن مسعود الدّمشقيّ ابن الوزير، وغيره.
وتفقه عليه خلْق، وقتل صبرًا بسمرقند في صفر في سنة ستٍّ وثلاثين.
وقيل: بل قُتل في الوقعة المذكورة.
وكان قد تجمّع جيوشٌ لَا يُحْصَوْن من الصّين، والخِطا، والتُّرك، وعلى الكُلّ كوخان، فساروا لقصد السّلطان سَنْجَر.
وسار سَنْجَر في نحو مائة ألفٍ من عسكر خُراسان، وغَزْنَة، والغور، وسجسْتان، ومازَنْدَران، وعَبَر بهم نهر جَيْحُون في آخر سنة خمسٍ وثلاثين، فالتقى الجيشان، فكانا كالبحرين العظيمين يوم خامس صَفَر.
وأبلى يومئذٍ صاحب سجِسْتان بَلاءً حَسَنًا، ثمّ انهزم المسلمون، وَقُتِلَ منهم ما لَا(36/315)
يُحصى، وانهزم سَنْجَر، وأُسِر صاحب سجِستان، وقماج مقدَّم ميمنة المسلمين، وزوجة سَنْجَر، فأطلقهم الكفار.
قال ابن الأثير: وممّن قُتِلَ الحُسَام عُمَر بن مازَة الحنفيّ، المشهور.
قال: ولم يكن في الإسلام وقعةٌ أعظم من هذه، ولا أكثر ممّن قُتِلَ فيها بخُراسان.
واستقرت دولة الخِطا، والتُّرك الكُفار بما وراء النَّهر، وبقي كوخان إلى رجب سنة سبعٍ وثلاثين فمات فيه.
291- عمر بن محمد1.
أبو حفْص المَرْوَزِيّ، الناطفي.
كان بعمل النّاطف، وكان رجلًا صالحًا، نيَّف على الثمانين.
وروى عن: عليّ بن موسى المُوسَوِيّ، وجماعة.
وعنه: أبو سعد السمعاني.
292- عمر بن محمد بن بدر.
أبو الحَسَن الهَمَذانيّ، الغَرْناطيّ.
سمع "الموطّأ" من ابن الطّلاع، وتفقه أبي الوليد بن رُشْد.
وكان صالحًا زاهدًا.
روى عنه: أبو جعفر بن شراحيل، وغيره.
"حرف الفاء":
293- الفضل بن إسماعيل بن الفُضَيل بن محمد.
الفُضَيليّ، الهَرَويّ، أبو عاصم.
سمع: أبا عطاء عبد الرحمن الجوهريّ، وكلاب البُوسَنجيّ، ومحمد بن عليّ العُمَيْريّ، وطائفة.
مات سنة نيفٍ وثلاثين تقريبًا.
__________
1 التحبير "1/ 540، 541"، معجم البلدان "3/ 376".(36/316)
"حرف الميم":
294- مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بن أسود1.
أبو بكر الغسّانيّ، الأندلسيّ، المَرِيّيّ.
روى عن: الحافظ أبي عليّ الغسّانيّ، وغيره.
له رحلة سمع فيها من أبي بكر الطُّرْطُوشيّ، المالكيّ، وأبي الحَسَن بن شرف.
ووُلي قضاء مَرْسِيَة مدَّة طويلة، ولم تُحمد سيرتُهُ.
ثمّ صُرِف.
وسكن مَراكُش، وبها تُوُفّي في رجب.
295- محمد بن أصْبَغ بن محمد بن محمد بن أصْبَغ2.
قاضي الجماعة بقُرْطُبة وخطيبها أبو عبد الله.
خاتمة الأعيان بقُرْطُبة.
روى عن أبيه واختصّ به.
وقرأ بالرّوايات على أبي القاسم بن مدير المقرئ.
وسمع من: محمد بن فرج الفقيه، وأبي علي الغساني.
وجالس أبا علي بن سكرة.
قال ابن بَشْكُوال: كان من أهل الفضل الكامل، والدّين، والتّعاون والعفاف، والوقار، والسَّمُت الحَسَن، والهَدْي الصّالح.
وكان مجوّدًا للقرآن، عالى الهمَّة، عزيز النَّفْس.
مخزون اللّسان، طويل الصّلاة، واسع الكفّ بالصِّلات، كثير المعروف والخيرات، معظَّمًا عند الخاصَّة والعامَّة.
وصُرِف في الآخر عن القضاء، وأقبل على التدريس وإسماع الحديث.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 553"، المقفى الكبير "5/ 48"، نفح الطيب "2/ 261".
2 الصلة "2/ 585-587"، بغية الملتمس "61، 62".(36/317)
وتُوُفّي في الثّاني والعشرين من رمضان.
من أبناء السّتين.
296- محمد بن جعفر بن مهران1.
أبو بكر التّميميّ، الأصبهانيّ.
سمع: عبد الوهّاب بن مَنْدَهْ، والمطهَّر البُزَانيّ.
وعنه: سليمان الموصلي، لقيه زمن الحج.
297- محمد بن الحسن بن خلف بن يحيى2.
أبو بكر بن برنجال.
رحل بعد الخمسمائة.
وسمع من: محمد بن الوليد الطُّرْطُوشيّ، ومحمد بن منصور الحضْرميّ.
وكان من أهل الحفظ والدّراية.
تُوُفّي في رجب، وقد نيَّف على الخمسين.
298- مُحَمِّد بن الحسين بن مُحَمِّد3.
أبو الخير التكريتي، الملقب بالترك.
من أهل رباط الزوزني ببغداد.
سمع من: جعفر السّرّاج.
299- محمد بن سليمان بن مروان4.
أبو عبد الله القَيسيّ، المعروف بالبوني، نزيل بلنسية.
أحد الأئمة.
__________
1 المنتظم "10/ 100".
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 584، 585".
3 المنتظم "10/ 100".
4 الصلة لابن بشكوال "2/ 584".(36/318)
روى عَنْ: أبي عليّ الغسّانيّ، وأبي داود بن نجاح، وأبي الحسن بن الدّوش، وابن الطلاع، وأبي علي الصدفي، وطائفة.
قال ابن بَشْكُوال: كانت له عناية كبيرة بالعِلم والرّواية والدّين.
مات رحمه الله في صفر سنة ستّ بالمَرِيَّة.
300- محمد بْن عَبْد المَلِك بْن عَبْد العزيز1.
أَبُو بكر القُرْطبيّ، اللّخْميّ.
أصله من إشبيلية.
روى عن: أبي عبيد البكري، وأبي علي الغساني، وأبي الحسين بن سراج.
وكان رأسا في اللغة والعربية، ومعاني الشعر، والبلاغة.
كاتبا مجيدا.
توفي في نصف ذي الحجَّة.
301- مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن أَحْمَد.
أبو طاهر الأنصاري، الدباس.
سمع من أبي طاهر بن عبد الكريم بن رزمة، عن أبي الحسين بن بشران كتاب "مداراة الناس" لابن أبي الدنيا.
وكان رجلًا صالحًا.
روى عنه: سعد الله بن الوادي، وأبو سعد السمعاني، وعلي بن إبراهيم الواسطي.
قال ابن النجار: تُوُفّي فِي ذي الحجَّة.
302- مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عُمَر بْن مُحَمَّد2.
أَبُو عَبْد الله التّميميّ، الفقيه، المازَرِيّ المحدّث، أحد الأئمة الأعلام.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 587".
2 معجم البلدان "5/ 40"، سير أعلام النبلاء "20/ 104-107"، شذرات الذهب "4/ 114".(36/319)
مصنّف شرح "صحيح مسلم"، وأسمعه المعلّم بفوائد كتاب مسلم.
وله كتاب "إيضاح المحصول في الأُصول".
وله مصنَّفات في الأدب.
وكان من أهل الحِفْظ والإتقان.
تُوُفّي في ربيع الأوّل سنة ستّ، وله ثلاثٌ وثمانون سنة.
ومَازَرْ بفتح الزّاي، وقد تُكْسِر، بُليدة بجزيرة صَقَلية.
روى عنه: عِياض القاضي، وأبو جعفر بن يحيى الفَرَضيّ الوزعيّ.
مولده بالمَهْدِية من إفريقيَّة، وبهامات.
وألّف كتابًا في شرح "التّلقين" لعبد الوهّاب، في عشر مجلَّدات، وهو من أنفس الكُتُب.
بَلَغَنا أنّ المازَرِيّ مرض في أثناء عمره فلم يجد من يعالجه إلّا يهوديّ، فلمّا عُوفي على يده قال اليهودي: لولا التزامي بحِفْظ صناعتي لأعدمتك المسلمين.
فأثَّر هذا عند المازَرِيّ، وأقبل على تعلُّم الطّبّ حتّى برع فيه في زمن يسير، وصار يُفتي فيه كما يُفْتي في العِلم، رحمه الله.
303- مُحَمَّد بْن عَليّ بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن السَّكَن. أبو طالب بن المعوّج المراتبيّ.
من أهل البيوتات ببغداد.
سمع: أَبَا محمد الصَّرِيفينيّ، وأبا القاسم بن البُسْريّ، وجماعة.
سمع منه: ابن السَّمْعانيّ، وغيره.
وكان من غُلاة الشّيعة.
تُوُفّي في أحد الربيعين.
304- محمد بن الفضل بن محمد بن أحمد1.
أبو سهل الأبيوردي، العطار.
__________
1 التحبير "2/ 206، 207".(36/320)
شيخ صالح، عفيف، عابد، من أهل نَيّسابور.
سمع: أبا القاسم القُشَيْريّ، وأبا صالح المؤدب، وأبا سهل الحفْصيّ.
وتُوُفّي في رجب.
روى عنه: ابن السَّمْعانيّ، والرّحَّالون.
وكان والده من كبار مشيخة نَيْسابور.
305- محمد بن كامل بن دَيْسَم بن مجاهد1.
أبو الحَسَن النَّضريّ، المقدسيّ.
سمع من أبيه، ومن نصر المقدسيّ وتفقه عليه بصُور، فلم يَنْجُب.
وأجاز له أبو بكر الخطيب.
وكان شاهدًا، فاتهم بشهادة الزُّور، وأسقطه خال ابن عساكر أبو المعالي محمد بن يحيى قاضي دمشق.
ورُتِّبَ على ختْم دار الوكالة.
وكان يرتزق من المَكْس.
روى عَن: ابن عساكر، وابنه القاسم بن علي، والسمعاني، وجماعة.
وتوفي في ذي القعدة.
قال السَّمْعانيّ: وأجاز له أبو جعفر ابن المسلمة، وأبو عليّ غلام الهرّاس، فأجاز له جميع القراءات.
306- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر بن أحمد بن عمر2.
أبو الحسين السَّهْلَكي، خطيب بِسطام، إحدى مدن قُومِس.
كان بارعًا في الأدب.
سمع: أبا الفضل محمد بن عليّ السَّهْلكيّ، ونظام المُلْك، ورزق الله التميمي.
__________
1 التحبير "2/ 213-216"، مختصر تاريخ دمشق "23 / 176".
2 المنتظم "10/ 100".(36/321)
قال ابن السَّمْعانيّ: كتبت عنه ببِسطام.
تُوُفّي في ربيع الأوّل ببَسطام.
307- محمد بن مغاور بن حَكَم بن مغاور.
أبو عبد الله السلمي، الشاطبي.
يروي عَنْ: أبيه، وأبي جعفر بن جحدر، وأبي عمران بن أبي تليد، وابن سُكَّرَة، وأبي الحَسَن بن الدّوش.
وكان بصيرًا بالمذهب، رأسًا في الفتوى، جمّ الفوائد.
تُوُفّي في شوّال عَنْ ثمانٍ وخمسين سنة.
308- محمد بن مفرّج بن سليمان1.
الشيخ أبو عبد الله الصّنْهاجيّ.
سمع يسيرًا من: أبي الوليد الباجيّ، وأبي عبد الله بن شبرين.
وأخذ عنه: القاضي عِياض.
309- محمود بْن أَحْمَد بْن عَبْد المنعم بْن أحمد بن محمود ماشاذة2.
أبو منصور الأصبهاني، الواعظ، الفقيه.
وُلِد سنة ثمانٍ وخمسين وأربعمائة.
وتفقه على: أبي بكر الخُجَنْديّ.
وارتفع أمره وعرض جماعة، وصار المرجع إليه.
وكان يعظ ويفسّر بفصاحة.
ووعظ ببغداد بعد العشْرين، وحدَّث.
روى عنه: أبو موسى المديني، وابن السمعاني، وسِبْطه داود بن محمد بن أبي منصور، وجماعة.
__________
1 تكملة الصلة لابن الأبار "1/ 438"، الغنية للقاضي عياض "86، 87".
2 الأنساب "3/ 341"، المنتظم "10/ 101"، سير أعلام النبلاء "20/ 128، 129".(36/322)
روى عَنْ: شجاع، وأحمد ابني المَصْقَليّ، وعائشة الوَرْكانيَّة، وأبي جعفر السَّمْعانيّ، وأبي بكر بن سُلَيْم.
وتُوُفّي في حادى عشر ربيع الآخر بأصبهان، وعُقِد له العزاء ببغداد.
قال ابن السَّمْعانيّ: إمام، مفسر، واعظ، حُلْو الكلام، مليح الإشارة.
كان له التّقدُّم والجاه العريض، والحشمة وصار أوحد وقْته، والمرجوع إليه في بلده.
وطُعن بالسِّكّين عدَّة نُوَب، وحماه الله بفضله، ولم يؤثّر فيه ذلك.
وكان كثير الصّلاة والذّكْر.
310- المختار بن عبد الحميد بن منتصر1.
أبو الفتح البُوسَنْجيّ، الأديب.
صاحب "الوفيات".
سمع من جدّه لأمّه جمال الإسلام أبي الحَسَن الداودي.
تُوُفّي في رمضان.
وقد قارب الثّمانين.
311- مُرجان الحبشيّ الخادم. أبو الحَسَن، مولى المقتديّ أمير المؤمنين.
سمع من: النّعاليّ، وابن البيع.
روى عنه: يوسف بْن المبارك بن كامل.
وكان صالحًا عابدًا، جاور مدَّة.
وتُوُفّي في شعبان.
212- مُظَفَّر بن القاسم بن المظفَّر بن عليّ2.
__________
1 التحبير "2/ 292، 293"، معجم البلدان "1/ 579"، التقييد لابن نقطة "461".
2 تاريخ إربل "1/ 221، 222".(36/323)
أبو منصور بن الشَّهْرُزُوريّ.
وُلِد بإربل سنة سبعٍ وخمسين وأربعمائة، ونشأ بالموصل.
وقدم بغداد، وتفقه بها على الشيخ أبي إسحاق، وسمع منه ومن أبي نصر الزَّيْنبيّ.
ثمّ رجع إلى الموصل، وولي قضاء سَنْجَار، وسكنها وكان قد أسنّ.
سمع منه ابن السَّمْعانيّ سنة 34 ببغداد، وسنة خمسٍ بسَنْجَار، وقال: كان شيخًا، فاضلًا، كثير العِبادة.
قلت: تُوُفّي تقريبًا سنة ستّ.
"حرف النون":
313- نصر اللَّه بْن مُحَمَّد بْن محمد بن مَخْلَد بن أحمد بن خَلَف بن مَخْلَد بن امرئ القيس1.
أبو الكَرَم الأَزْديّ، الواسطيّ ابن الْجَلَخْت.
سمع: أباه، وأبا تَمَّام عليّ بن محمد العَبْديّ، القاضي، وأبا الحَسَن عليّ بن محمد الحوزيّ، وسعيد بن كثير الشّاهد.
وهو آخر أصحاب أبي تمام.
وُلِد سنة سبعٍ وأربعين وأربعمائة.
وعنه: ابن السَّمْعانيّ، وقال: انحدرت إليه إلى واسط، وهو شيخ ثقة، صالح، من بيت الحديث.
حدَّث ببغداد سنة ستّ عشر.
وروى عنه أيضًا: أبو عليّ يحيى بن الربيع، والقاضيّ أبو الفتح المَنْدائيّ، وعلي بن عليّ بن نَغُوبا، والحسين بن عبد العزيز، وعلي بن عبد الله بن فضل الله، وهو آخر من روى عنه، كما أنه آخر من روى عن أبي تمام.
__________
1 الأنساب "3/ 278، 279"، المنتظم "10/ 101"، سير أعلام النبلاء "20/ 59، 60".(36/324)
قال فيه خميس الحوزيّ: ثقة صالح.
وقال غيره: تُوُفّي في ذي الحجة بواسط.
"حرف الهاء":
314- هبة اللَّه بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن عَلِيّ بْن طاوس1.
أَبُو محمد البغداديّ، ثمّ الدمشقيّ، إمام جامع دمشق.
كان مقرئًا مجودًا، حَسَن الأخذ، ضابطًا متصدرًا بالجامع من دهر، ختم عليه خلْق.
وقد سمع الكثير بنفسه، ونسخ ورحل وأملى، وكان صدوقًا، صحيح السَّماع.
وثّقة ابن عساكر، ووصفه بكثرة السماع، وقال: سمع أباه، وأبا العباس بن قبيس، وأبا القاسم بن أبي العلاء، وأبا عبد الله بن أبي الحديد، والفقيه نصر بن إبراهيم.
وخرج إلى العراق، وأصبهان في صحبة والده، والفقيه نصر الله المصِّيصيّ في رسالة السّلطان تاج الدّولة تُتُش إلى السّلطان ملكشاه، فسمع من: البانياسي، وعاصم بن الحَسَن، ورزق الله التّميميّ، وأبي الغنائم بن أبي عثمان، وأبي الحَسَن عليّ بن محمد بن محمد الأنباريّ، وأبي منصور محمد بن عليّ بن شكروَية، وسليمان بن إبراهيم الحافظ، وعبد الرّزّاق الحَسناباذيّ، وأبي عبد الله الثّقفيّ.
وأقرأ القرآن مدَّة.
وكان قد قرأ للسّبعة على والده أبي البركات.
وكان مؤذِّنًا في مسجد سوق الأحد، فلما وُلي إمامة الجامع ترك المكتب، وكان صحيح الاعتقاد.
ثنا إملاءً: أنا عاصم بقراءتي عليه، فذكر حديثًا.
وقال ابن السَّمْعانيّ: سمعت أنّه يقع في أعراض النّاس.
وكان بينه وبين الحافظ أبي القاسم الدمشقي شيء، ما صلى على جنازته.
__________
1 المنتظم "10/ 101"، الكامل في التاريخ "11/ 90"، سير أعلام النبلاء "20/ 98، 99".(36/325)
وقال السِّلفيّ: هو محدّث ابن محدّث، ومُقْرئ ابن مقرئ، وكان ثقة متصاونًا، من أهل العلم.
وقال محمد بن أبي الصَّقْر: وُلِد في صفر سنة إحدى وستين وأربعمائة.
وقال ابن السَّمْعانيّ: تُوُفّي ضَحْوة يوم الجمعة سابع عشر المحرم، وصلينا عليه بعد الصّلاة، وشيَّعْتهُ إلى أن دُفن في مقبرةٍ له بباب الفراديس.
وكان الخلْق كثيرًا.
قلت: روى عنه: ابن عساكر، والسِّلفيّ، وابن السَّمْعانيّ، وابنه الخضر بن هبة الله، وأبو الفَرَج ابن الحُرة الحمويّ، وأبو محمد القاسم بن عساكر، والقاضي أبو القاسم بن الحَرَسْتانيّ، وآخرون.
وآخر من حدث عنه: أبو المحاسن ابن السّيّد الصّفّار.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمحمد بْنُ عَلِيٍّ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُؤْمِنٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالُوا: أنا مُحَمَّدُ بْنُ السَّيِّدِ بْنِ أَبِي لُقْمَةَ، أنا نَصْرُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصِّيصِيُّ الْفَقِيهُ، وَهِبَةُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ الْمُقْرِئُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلاثِينَ وَخَمْسِمَائَةٍ سَمَاعًا مِنْهُمَا قَالا: أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ، أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أنا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ: ثنا شَاذَانُ، ثنا الثَّوْرِيُّ، ثنا عَمْرُو بن قيس قال: قال عيسى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ: لا تُكْثِرُوا الْكَلامَ لِغَيْرِ ذكر اللَّهِ فَتَقْسُوا الْقُلُوبُ، وَإِنْ كَانَتْ لِيِّنَةً، فَإِنَّ الْقَلْبَ الْقَاسِي بعيدٌ مِنَ اللَّهِ، وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ.
وَلا تَنْظُرُوا فِي ذُنُوبِ النَّاسِ كَهَيْئَةِ الأَرْبَابِ، وَانْظُرُوا فِي ذُنُوبِ أَنْفُسِكُمْ كَهَيْئَةِ الْعَبِيدِ، فَإِنَّمَا النَّاسُ اثْنَانِ: مُبْتَلَى وَمُعَافَى، فَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى الْعَافِيَةِ، وَارْحَمُوا الْمُبْتَلَى.
315- هبةُ اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بن المغربيّ.
شيخ بغداديّ، صالح.
سمع من: الحسين بن البُسْريّ.
روى عنه: ابن السَّمْعانيّ.
وكان بوّاب باب النُّوبيّ.
وعاش ستًّا وستّين سنة.(36/326)
"حرف الياء":
316- يحيى بْن علي بْن محمد بن علي1.
أبو محمد بن الطّرّاح، البغداديّ، المدبر.
ولد قبل الستين وأربعمائة.
وسمع: أبا الحسين بن المهتديّ بالله، وأبا بكر الخطيب، وعبد الصّمد بن المأمون، ومحمد بن أحمد بن المهتديّ بالله الخطيب، وابن النَّقُّور، وجماعة.
قَالَ ابن السَّمْعانيّ: كتبت عَنْهُ الكثير، وكان صالحًا، ساكنًا، مشتغلًا بما يعنيه، قليل الفُضُول، كثير الرغبة في زيارة القبور والخير.
وكان مدبّر قاضي القضاة أبي القاسم الزَّيْنبيّ.
وسمعه أبوه، وحصّل له النُّسَخ.
تُوُفّي في رابع عشر رَمَضَان.
قلت: وَرَوَى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن عساكر، وأبو الفَرَج بن الجوزيّ، وابن طَبَرْزَد، والكِنْديّ، وابن الأخضر، وعبد الكريم بن المبارك البلديّ، وسليمان المَوْصِليّ، ويحيى بن ياقوت الفراش، وآخرون.
وفيات سنة سبع وثلاثين وخمسمائة:
"حرف الألف":
317- أحمد بن أبي الحسين بن أحمد2.
أبو الحارث الهاشميّ، البغداديّ، إمام جامع المنصور.
روى عَنْ: أبي الحسين بن الطُّيُوريّ.
وتوفي في ذي الحجة.
__________
1 المنتظم "10/ 101، 102"، سير أعلام النبلاء "20/ 87، 88"، البداية والنهاية "12/ 218".
2 المنتظم "10/ 104".(36/327)
318- أَحْمَد بْن عليّ بن الحسين العطار.
دمشقيّ، حدَّث عَنْ: أبي البركات أحمد بن طاوس.
كتب عنه: أبو سعد السَّمْعانيّ.
319- أَحْمَد بن علي بن عبد اللَّه.
أبو القاسم الحَلاويّ، بغداديّ.
روى عَنْ: أبي نصر الزَّيْنبيّ.
وعنه: يوسف بن المبارك الخفّاف.
تُوُفّي في رجب.
320- إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن سالم.
أبو منصور الهِيتيّ.
وُلِد بِهِيت سنة ستّين.
وسمع: أَبَا نصر الزَّيْنبيّ، وأبا الغنائم بْن أبي عثمان.
وتفقه على قاضي القُضاة أبي عبد الله الدّامغانيّ.
وبرع في المناظرة.
وتُوُفّي في شوّال.
قال ابن السَّمْعانيّ: كان أنْظَرَ الحنفيَّة في زمانه، وكان ينوب عَنْ قاضي القُضاة الزَّيْنبيّ في الحكومة إلى أن شاخ.
وكان دخوله إلى بغداد في سنة ثلاثٍ وسبعين وأربعمائة.
وقرأت علي كتاب "البعث" لابن أبي داود.
قلت: روى عنه عبد الله بن مسلم بن ثابت.
321- إبراهيم بن هبة الله بن عليّ1.
أبو طالب الديار بكري، الفقيه.
__________
1 المنتظم "10/ 104".(36/328)
قال ابن السَّمْعانيّ: كان فقيهًا، فاضلًا، مُنَاظرًا، صالحًا، كثير الذِّكْر والتّلاوة، أقام ببغداد مدَّةً، وببلْخ مدة، وسمع من مالك البانياسيّ، وجماعة.
وتُوُفّي ببلْخ في المحرَّم.
وقد سمع بأصبهان من أبي منصور بن شكرُوَيْه.
قال أبو شجاع البسطاميّ: سمعت الإمام أبا طالب يقول: لمّا تركنا بناكر، وهي دار مملكة الملك محمد بن أبي حكيم أكرمني كثيرًا، حتّى أنّه سبَى أختين وهما أختا ملك الهند، فقال لي: قد تزوّجت واحدةً وتركت أُختها، حتى أجد لها كفئا، وأنت الكفء.
فوهبها لي، فأعتقتها، وتزوّجتُ بها، وحَسُنَ إسلامها.
فلمّا قُتِلَ ابن أبي حكيم نفذ أخو هذه الجارية، وقد تملَّك بعد أبيه، فقال: تعودي إلينا.
فَأَبت وقالت: لَا أرحَلُ بلاد الكُفْر.
فبعث يقول لها: ارجعي إلينا بزوجك، ونبني لكما مسجدًا، وتكونون مكرَّمين.
فأبت.
فلمَّا سافرت لحقتني حاملةً، فأولها مني وعلي " ... "1 قربه حتى لحقت بي.
"حرف الحاء":
322- الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن عليّ.
أبو محمد ذو الفقار، نقيب مشهد باب التّبْن.
روى عَنْ: أبي " ... "2 بن حشيش.
وكان أديبًا شاعرًا ببغداد.
323- الحَسَن بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الحَسَن بن أبي المضاء2.
البَعْلَبَكّيّ، أبو محمد.
__________
1 بياض بالأصل.
2 طبقات الشافعية الكبرى للسبكي "4/ 247"، تهذيب تاريخ دمشق "4/ 250".(36/329)
سمع من: الفقيه نصر المقدسيّ.
وتُوُفّي في جُمَادَى الأولى.
سمع منه بعض الطّلَبَة.
324- الحَسَن بن نصر1.
أبو محمد الدينوري البزار.
ويُعرف بابن المعبي.
سمع: أبا القاسم بن البُسْريّ، ويوسف بن الحَسَن التّفكزيّ، والفقيه نصر المقدسيّ بصور.
وعنه: ابن عساكر، والسَّمْعانيّ.
مات في صفر في عَشْر التّسعين.
325- الحسين بْن عليّ بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه2.
أبو عَبْد الله المقرئ، البغداديّ، سِبْط أبي منصور الخيّاط.
سمع: أبا الغنائم بن المأمون، وأبا محمد الصَّرِيفينيّ، وأبا منصور العُكْبَريّ، وأبا الحسين بن النقور.
وولد في سنة ثمانٍ وخمسين وأربعمائة.
قال ابن السَّمْعانيّ: صالح، حسن الإقراء، دين، يأكل من كراء يده، سمع الكثير بإفادة ابن الخاضبة في مجلس عفيفٍ القائمي.
وتُوُفّي في ذي الحِجَّة.
روى عَنْهُ: ابنُ السمعاني، وابن الجوزيّ وقال: قرأتُ عليه القرآن، وأبو اليُمْن الكِنْديّ، وجماعة.
وهو أخو الشَيخ أبي محمد، وأكبر منه.
__________
1 تقدمت ترجمته برقم "193" في وفيات سنة "534"، وسيعاد برقم "517".
2 الأنساب "5/ 225"، المنتظم "10/ 104"، العبر "4/ 101"، سير أعلام النبلاء "20/ 129، 130"، شذرات الذهب "4/ 114".(36/330)
"حرف السين":
326- سعيد بن أحمد بن عبد الواحد.
أبو القاسم بن الطُّيُوريّ الأمين.
شيخ أصبهان.
سمع: أبا عَمْرو بن مَنْدَهْ.
مات فجأةً في شوّال.
سمع منه: أبو سعد السَّمْعانيّ، وغيره.
"حرف العين":
327- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن البَيْضاويّ1.
أبو الفتح، أخا قاضي القُضاة أبي القاسم الزَّيْنبيّ لأُمّه.
سَمِعَ: أبا جعفر ابن المسلمة، وعبد الصّمد بن المأمون، والصَّرِيفينيّ، وابن النَّقُّور.
قال ابن السَّمْعانيّ: كتبتُ عنه الكثير، وهو شيخ صالح، متواضع، متحرٍ في قضائه الخير والإنصاف، متثبِّت.
وتُوُفّي في نصف جُمَادَى الأولى.
قلت: وروى عنه: ابن الجوزيّ، والكِنْديّ، وجماعة.
328- عبد الرّزّاق بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عيسى2.
أبو المحاسن الطَّبَسِيّ، نزيل نَيْسابور.
كان مُفيد الغُرباء، قرأ لهم الكثير.
وكان حَسَن القراءة سريعها.
__________
1 الأنساب "2/ 368"، المنتظم "10/ 104، 105"، سير أعلام النبلاء "20/ 182"، النجوم الزاهرة "2/ 343".
2 الأنساب "8/ 210".(36/331)
قرأ "صحيح مسلم" ثماني عشرة مرَّة على الفُرَاويّ للنّاس، وكان كثير الصّلاة، نظيف الظّاهر، جميل الأمر.
سمع: عبد الغفّار الشّيرُويّ، وأبا عليّ الحدّاد، وغانمًا البُرْجيّ، وابن بيان الرّزّاز، وغيرهم.
وتُوُفّي في ربيع الأوّل.
روى عنه: أبو سعد السَّمْعانيّ.
329- عبد المجيد بن إسماعيل1.
القاضي أبو سعيد الهَرَويّ، قاضي الرُّوم.
تفقه بما وراء النّهر على: البَزْدَوِيّ، والسّيّد الأشرف، وجماعة.
وتخرج به الأصحاب.
وله مصنفات في الأصول والفروع، وخُطب ورسائل ونظم ونثر.
قدِم دمشقَ، ودرَّس ببغداد.
ومات بقَيْساريَّة، وقد نيَّف على الثّمانين.
وكان من كبار الحنفيَّة.
330- عبد المجيد بن القاسم بن الحَسَن بن بُنْدار2.
أبو عبد الرحيم الزَّيْديّ، الإسْتِراباذيّ، الحاجيّ.
ديّن، شيخ زَيْديّ المذهب.
سمع: ظَفَر بن الدّاعي، وغيره.
وحدَّث في هذه السّنة.
331- عبد الواحد بن أحمد بن عَبْد القادر بن مُحَمَّد بن يوسف3.
أَبُو محمد اليوسُفيّ، البغداديّ، أخو عبد الله، وعبد الخالق.
__________
1 معجم البلدان "1/ 397"، النجوم الزاهرة "5/ 272"، معجم المؤلفين "6/ 167، 168".
2 لسان الميزان "4/ 56".
3 ذيل تاريخ بغداد لابن النجار "2/ 197-200".(36/332)
شيخ صالح، ديِّن، سافر الكثير، وطاف في الآفاق.
وسمع من: أبي نصر الزَّيْنبيّ، وأخيه طِراد النّقيب؛ وسمع من: أبي المحاسن الرُّويَانيّ، وأبي سعد بن أبي صادق الحِيريّ، وأبي سعد المطرَّز.
وأقام باليمن مدَّة.
وُلِد سنة سبعين وأربعمائة.
وقدِم من الحجاز بغدادَ في سنة خمسٍ وثلاثين وحدَّث، ثمّ رجع وركب البحر، فغرق في حدود سنة سبعٍ.
332- عثمان بن محمد بن حمد بن محمد1.
أبو عَمْرو البلْخيّ، ويُعرف بالشّريك.
قال السَّمْعانيّ: كان فاضلًا، حَسَن السّيرة، من أهل العلم، مكثِرًا من الحديث، معمرًا.
سمع: أباه، وأبا عليّ الوَخشيّ، ومحمد بن عبد الملك الماسكانيّ، وإسماعيل بن عثمان إمام جامع بلْخ، وأبا سعيد الخليل بن أحمد السّجْزِيّ.
كتب إليَّ بمَرْوياتّه.
ومن مسموعاته: "شرح الآثار" للطحاوي، يرويه بواسطة ثلاثة، و"الموطأ" يرويه عَنْ عبد الوهّاب بن أحمد الحديثيّ، عن زاهر السرخسي، و"تفسير أبي اللَّيْث"، رواه عَن الوخْشيّ، عَنْ تميم بن زُرْعَة؛ وروى عَن الوخشيّ عدَّة تفاسير كبار، وكتاب "معاني الآثار" للطّحاويّ، يرويه عَن القاضي إبراهيم بن محمد بن سليمان الورّاق، عن ابن المقرئ، عنه، و"سنن أبي داود"، يرويه عَن الوخْشيّ، عَنْ أبي عمر الهاشميّ، وعن أبي محمد بن النّحّاس المصريّ، وعن أبي محمد النَيّسابوريّ صاحب ابن داسة.
تُوُفّي ببلْخ في سَلْخ جُمَادَى الأولى سنة 537.
__________
1 سير أعلام النبلاء "20/ 166، 167".(36/333)
333- علي بْن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن عليّ بن عَيّاض بن أبي عَقِيل1.
أبو طالب الصُّوريّ، ثمّ الدمشقيّ.
كان أبوه وأجداده من قُضاة صُور، وهو شيخ مَهِيب، ساكن، حَسَن السّيرة، يرجع إلى صيانة وديانة.
سكن مصر مدَّة، وسمع بها من: أبي الحَسَن الخِلَعيّ، ومحمد بن عبد الله الفارسيّ.
ودخل بغداد وسمع بها من: أَبِي القاسم بْن بيان.
قال ابن السَّمْعانيّ: قرأت عليه "المعجم" لابن الأَعرابيّ، ومولده بعد السّتّين بصور.
وكان يُلقَّب بالقاضي بهجة الملك.
تُوُفّي فِي ربيع الْأَوَّل.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: ابن عساكر، وابنه، وجماعة.
قال ابن عساكر: أصله من حَرّان.
وسمع أيضًا من الفقيه نصر، وكان من أعيان مَن بدمشق.
وكان ذا صلاة وصيام، وقورًا، مهيبًا.
حكى له عتيقه نُوشتِكِين أنّه سمعه في مرضه يقول: قرأت أربعة آلاف ختمة.
334- عليّ بن يوسف بن تاشفين2.
أمير المسلمين، صاحب المغرب.
تُوُفّي والده في سنة خمسمائة، فقام بالمُلْك مكانه، وتلقَّب بلقب أبيه أمير المؤمنين، وجرى على سُنته في الجهاد، وإخافة العدو.
__________
1 الأنساب "8/ 105"، العبر "5/ 2"، سير أعلام النبلاء "20/ 108، 109"، النجوم الزاهرة "5/ 273".
2 الكامل في التاريخ "10/ 417"، سير أعلام النبلاء "20/ 124"، العبر "4/ 102"، النجوم الزاهرة "5/ 272"، شذرات الذهب "4/ 115".(36/334)
وكان حَسَن السّيرة، جيّد الطَّويَّة، عادلًا، نزِهًا، حتّى كان إلى أن يُعَدّ من الزّهّاد المتبتّلين أقرب، وأدخل من أن يُعَدّ من الملوك.
واشتدّ إيثاره لأهل العِلم والدّين.
وكان لَا يقطع أمرًا في جميع مملكته دون مشاورتهم.
وكان إذا ولّى أحدًا من قُضاته، كان فيما يعهد إليه أن لَا يقطع أمرًا دون أن يكون بمحضر أربعةٍ من أعيان الفُقهاء، يشاورهم في ذلك الأمر، وإنْ صَغُرَ.
فبلغ الفُقهاء في أيّامه مبلغًا عظيمًا، ونفقت في زمانه كُتُب الفقه في مذهب مالك، وعُمل بمقتضاها، وأنبذ وراءه ما سواها.
وكثُر ذلك حتّى نسي العلماء النَّظَر في الكتاب والسُّنَن، ودان أهل زمانه بتكفير كلّ من ظهر منه الخَوْض في شيءٍ من علوم الكلام.
وقرَّر الفقهاء عنده تقبيح الكلام وكراهية الصَّدْر الأوّل له، وأنّه بِدْعة، حتّى استحكم ذلك في نفسه، وكان يكتب عنه كلّ الأوقات إلى البلاد بالوعيد على مَن وُجِد عنده شيءٌ من كُتُب الكلام.
ولمّا دخَلَت كُتُب أبي حامد الغزّاليّ -رحمه الله- إلى المغرب، أمَرَ أمير المسلمين عليّ بن يوسف بإحراقها، وتوعَّد بالقتل من وجِد عنده شيءٌ منها.
واشتد الأمر في ذلك إلى الغاية.
واعتنى باستدعاء النُّسّاخ والكُتاب، فاجتمع له ما لم يجتمع لسلطانٍ منهم، كأبي القاسم بن الحذاء الأحدب، وألب بكر محمد بن محمد بن القنطرية، وأبي عبد الله محمد بن أبي الخطال، وأخيه أبي مروان، وعبد المجيد بن عَبْدان.
وطالت أيامه؛ إلى أن التقى عسكر بَلَنْسِية مع العدوّ الملعون، فهزموا المسلمين، وقتلوا من المرابطين خلقًا كثيرًا، وذلك بعد الخمسمائة، فاختلّت بعدها حال عليّ بن يوسف، وظهرت في بلاده مناكِرُ كثيرة، لاستيلاء أمراء المرابطين الّذين هم جُنْده على البلاد الأندلُسيَّة، ثمّ ادعوا الاستبداد بالأمور، وانتهوا في ذلك إلى التّصريح، وصار كلّ واحدٍ منهم يجهر بأنّه خيرٌ من أمير المسلمين عليّ بن يوسف، وأنّه أَوْلَى بالأمر منه.(36/335)
واستولى النّساء على الأحوال، وصارت كلّ امرأةٍ من أكابر البربر مشتملةً على كلّ مفسدٍ وشرّير، وقاطعِ سبيلٍ، وصاحب خمرٍ، وأميرُ المسلمين في ذلك يزيد تغافُلُه، وَيقْوَى ضعْفُه، وقنع بالاسم والخُطْبة.
وعكف على العبادة، فكان يصوم النّهار، ويقوم اللّيل، واشتهر عنه ذلك، وأهمل أمر الرعيَّة غاية الإهمال.
وكان يعلم من نفسه العجز، حتّى أنّه رفع مرَّة يديه وقال: اللَّهُم قيِّض لهذا الأمر من يقوى عليه ويُصْلح أمور المسلمين.
حكى عنه هذا عبد الله بن خيار.
وقال ألْيَسع بن حزْم: وُلّي عليّ بن يوسف، فنشأت من المرابطين والفقهاء نشأة أهزلوا دينهم، وأسمنوا براذينهم، قلدهم البلاد، وأصاخ إلى رأيهم فخانوه، وأشاروا عليه بأخْذ مملكة ابن هود، وقرَّروا عنده أنّ أموال المستنصر صاحب مصر أيّام الغلاء حصلت كلُّها عند ابن هود، وأرَوْه الباطلَ في صورة الحقّ.
قلت: وثب عليه ابن تُومَرت كما ذكرنا، وجَرَت بين الطّائفتين حروبٌ، ولم يزل أمر عبد المؤمن يقوى ويظهر، ويستولي على الممالك، وأمر عليّ بن يوسف في سفال وزوال، إلى أن تُوُفّي في هذا العام، وعُهِد إلى ابنه تاشفين، فعجز عَن الموحدين، وانزوى إلى مدينة وهران، فحاصره الموحدون بها، فلمّا اشتدّ عليه الحصار خرج راكبًا، وساق إلى البحر، فاقتحمه وغرق، فيقال إنّهم أخرجوه وصلبوه، ثمّ أحرقوه.
وذلك في عام أربعين.
وانقطعت الدّعوة لبني العبّاس بموت عليّ وابنه تاشفين.
وكانت دولة بني تاشفين بمَرّاكُش بِضْعًا وسبعين سنة.
تُوُفّي عليّ في سابع رجب، وله إحدى وستّون سنة.
335- عمر بْن محمد بْن أحمد بْن إسماعيل بْن محمد بن نُعمان1.
النَّسَفيّ، ثمّ السَّمَرْقَنْديّ.
قال ابن السَّمْعانيّ: كان إمامً، فاضلًا، مبرّزًا، متفنّنًا.
صنَّف في كل نَوع من العِلم، في التّفسير، والحديث، والشُّروط، ونَظَم "الجامع الصغير" لمحمد بن الحَسَن، حتّى صنَّف قريبًا من مائة مصنف.
__________
1 سير أعلام النبلاء "20/ 126، 127"، العبر "4/ 102"، لسان الميزان "4/ 327".(36/336)
وورد بغداد حاجًّا في سنة سبعٍ وخمسمائة.
وحدث عن: إسماعيل بن محمد النّوُحيّ، وطائفة.
وتُوُفّي النّوُحيّ سنة إحدى وثمانين.
قال السَّمْعانيّ: روى لنا عنه: إسماعيل بن أبي الفضل النّاصحيّ.
وكتب لي بالإجازة، وقال: شيوخي خمسمائة وخمسون رجلًا.
قال ابن السَّمْعانيّ: ولمّا وافَيْت من سَمَرْقَنْد، استعرْتُ عدَّة كتبٍ ممّا جمعه وصنفه، فرأيت فيها أوهامًا كثيرة، خارجة عَن الإحصاء، فعرفت أنّه كان ممّن أحبّ الحديث وطلبه، ولم يُرْزَق فَهمه.
وكان له شِعْر حَسَن على طريقة الفُقهاء والحكماء.
وتُوُفّي في ثاني عشر جُمَادَى الأولى.
ومولده سنة إحدى أو اثنتين وستّين وأربعمائة.
قلت: روى عنه كتاب "القَنْد في ذكر علماء سَمَرْقَنْد" أبو بكر محمد بن محمد بن عليّ البغداديّ الأديب، وأبو القاسم محمود بن عليّ النَّسَفيّ.
ومن شِعْره:
كم ساكتٍ أبلغ من ناطقٍ ... وراجلٍ أشجعُ من فارسِ
ولاحقٍ يسبق عُربًا مَضَوْا ... بفضل دينٍ، وهو من فارسِ
"حرف الكاف":
336- كُوخان1.
ملك الخِطَا والتُّرك.
كان مليح الشَّكل، حَسَن الصّورة، عظيم الهيبة، كامل الشجاعة.
__________
1 الكامل في التاريخ "11/ 81، 82"، المختصر في أخبار البشر "3/ 15، 16"، العبر "4/ 103"، سير أعلام النبلاء "20/ 127، 128"، النجوم الزاهرة "5/ 268، 272"، شذرات الذهب "4/ 115".(36/337)
قاد الجيوش، وسار في ثلاثمائة ألف فارس، وهزم السّلطان سَنْجَر، وتملَّك سمرقند وما وراء النّهر في العام الماضي، فما أمهله الله تعالى، وعجّل بروحه إلى النّار في رجب سنة سبْع.
وكان لَا يمكّن، أميرًا من إقطاع، بل يعطيهم من خزائنه ويقول: متى أخذوا الإقطاع ظلموا الناس.
وكان لا يقدّم أميرًا على أكثر من مائة فارس، حتّى لَا يقدر على العصيان.
وكان يشدّد في النَّهي عَن الظُّلْم، ويُعاقب على السُّكر، ولا ينهى عَن الزّنا ولا يقبّحه.
وتملّك بعده ابنةٌ له، فلم تَطُلْ مدّتُها، وتملَّك بعدها أُمّها زوجة كُوخان، وحكمت أمَّة الخِطا على ما وراء النَّهر، إلى أن أخذ البلاد منهم علاء الدّين بن محمد الخُوَارَزْميّ سنة اثنتي عشرة وستّمائة.
"حرف الميم":
337- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بن أحمد1.
أبو بكر البسْطامي، ثمّ النَّيْسابوريّ، البزّاز.
سمع الكثير من: الفضل بن المحبّ، فمن بعده.
قال السَّمْعانيّ: أثبت عنه "مناقب البخاريّ" محمد بن أبي حاتم البخاريّ، بروايته عَنْ أبي بكر بن خَلَف.
مات بسَرْخَس.
338- محمد بْن الْحُسَيْن بْن أحْمَد بْن يحيى بْن بِشْر.
أبو بكر الأنصاري، الميروقي.
نزيل غَرْناطة.
روى عَنْ: أبي عليّ بن سكرة.
__________
1 التحبير "لابن السمعاني" 2/ 69".(36/338)
وحجّ، وسمع من: أبي عَبْد اللَّه الرّازيّ، وأبي بكر الطُّرْطُوشيّ بالإسكندرية.
وكان فقيهًا صالحًا، محدَّثًا، ظاهريّ المذهب، يغلب عليه الزُّهْد والصّلاح.
روى عنه: أبو بكر بن رزق، وأبو عبد الله بْن عبد الرحيم بْن الفَرَس، وابنه عبد المنعم.
وهرب في الآخر لبَجّاية من صاحب المغرب بعد أن حَمل إليه هود أبو العبّاس بن العريف، وأبو الحلم بن بَرَّجان.
وبقي إلى هذا العام.
339- محمد بن الحسين بن عمر1.
أبو بكر الأُرْمَويّ، الأَذَرْبَيْجانيّ، الفقيه الشّافعيّ.
كان عارفًا بالمذهب، تفقه على الشيخ أبي إسحاق.
وسمع من: أبي الحسين بن النقور، وطبقته.
قال ابن السَّمْعانيّ: كان جميل السيرة.
مرضيّ الطريقة، غير أنه كان ببغداد فقيه آخر يقال له محمد بن الحسين الأرمويّ أبو بكر الفقيه، فاشتبه اسمه مع اسمه فتحرَّج عَن الرواية وامتنع، ودخلت عليه داره بباب السلسلة ببغداد وسألته عَنْ مولده فقال: دخلت بغداد في سنة خمس وستين وأربعمائة.
وما تحقَّق مولده.
تُوُفّي في سابع المحرَّم، وهو في عشر المائة.
علّق عنه أبو المعمّر الأنصاريّ.
240- محمد بن خَلَف بن موسى2.
أبو عبد الله الأنصاريّ، الأندلُسيّ، الألْبيريّ، المتكلّم، نزيل قُرْطُبة.
روى عَنْ: أبي بكر محمد بن الحَسَن المُراديّ، ويوسف بن موسى الكلْبيّ.
__________
1 المنتظم "10/ 105"، الأنساب "1/ 191".
2 تكملة الصلة لابن الأبار "173"، الوافي بالوفيات "3/ 46".(36/339)
ذكره الأَبّار فقال: كان حافظًا لكُتُب الأُصول والاعتقادات، واقفًا على مذهب أبي الحَسَن الأشْعريّ وأصحابه، مع المشاركة في الأدب.
وله كتاب "النُّكَت والأمالي في النَّقْض على الغزاليّ"، ورسالة "الانتصار" على مذهب أئمَّة الأخبار، وكتاب "شرح مُشْكل ما في الموطَّأ وصحيح البخاريّ".
وحدَّث عنه: أبو الوليد بن خير، وأبو إسحاق بن قُرْقُول، وأبو عبد الله بن الصَّيْقَل، وأبو خالد المَرْوانيّ.
وذكر ابن الصَّيْقَل أنّ له رواية عَن ابن الطّلّاع.
وقال المَرْوانيّ: ولد في سنة سبعٍ وخمسين وأربعمائة، وتُوُفّي في جُمَادَى الآخرة سنة سبعٍ، رَحِمَهُ اللَّه تعالى.
341- مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَد بن المهتديّ بالله1.
الخطيب، أبو الفضل الهاشميّ، العباسي، البغدادي.
ولد سنة تسعٍ وأربعين وأربعمائة.
وسمع: ابا الغنائم بن المأمون، وأبا الحسين بن المهتديّ، واحترق سماعه منهما.
وحدَّث عَنْ: أبي الحسين بن النَّقُّور، وعبد الله بن الحَسَن الخلّال، وأبي القاسم بن البُسّريّ، وجدّه طاهر بن الحسين القوّاس، وطِراد الزَّيْنبيّ.
وحدَّث.
وكان خطيب جامع القصر، صالح، خيّر.
سرد الصَّوم نيَّفًا وخمسين سنة.
قال: سمعت من: أبي المأمون، وابن المهتديّ بالله، لكن احترقت كُتُبي.
قلت: قرأ القرآن على: أبي الخطّاب أحمد بن عليّ الصُّوفيّ صاحب الحمّاميّ.
وتلا عليه أبو اليمن الكندي بخمس روايات.
__________
1 المنتظم "10/ 105"، سير أعلام النبلاء "20/ 115، 116"، النجوم الزاهرة "5/ 273".(36/340)
وسمع منه هو، وابن طَبَرْزَد، وجماعة.
وتُوُفّي ثامن عشر جُمَادَى الأولى.
342- محمد بن محمد بن المسلَّم بن هلال.
أبو الفضل الأزْديّ، الشاهد، المعدَّل، الدّمشقيّ.
سمع: أبا الفتح المقدسيّ، وسهل بن بشر الإسْفَرَائينيّ، وعبد الكريم الكَفَرْطابيّ.
ثمّ أكثر هو عنهم، وحصل الكُتُب النّفيسة.
وذكر أخوه عبد الواحد أنّه وُلِد سنة أربعٍ وثمانين وأربعمائة.
343- محمد بن محمد بن عليّ بن جناح.
أبو الغنائم الكوفيّ، الهَمَذَانيّ، المعدَّل.
قدم من هَمَذَان، وسمع: أبا البقاء بن الحبّال بالكوفة، وأبا الحَسَن بن العلّاف.
قال ابن السَّمْعانيّ: كتبت عنه يسيرًا، وكانت الألسنة متّفقة على شُكْره وتُوُفّي في أوائل شوّال.
344- محمد بن عبد الرحمن بن سيد بن مَعْمَر1.
أبو عبد الله المَذْحَجِيّ، المالقيّ.
روى عَنْ: أبيه، وابن المطرّف الشَّعْبيّ، وأبي عبد الله بن خليفة القاضي، وأبي عبد الله محمد بن فَرَج، وأبي مروان بن سِرَاج، وأبي عليّ الغسّانيّ.
قَالَ ابن بَشْكُوال: كَانَ من أهل العلم والفضل والدّين والعفاف.
أخذ النّاس عنه، وأجاز لي.
وتُوُفّي في أواخر ذي الحجَّة.
345- مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن عَلِيّ بْن عَبْد العزيز بن عليّ بن حسين بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الوليد بن القاسم بن الوليد2.
__________
1 بغية الملتمس للضبي "101، 102".
2 سير أعلام النبلاء "20/ 137، 138"، الغبر "4/ 103"، النجوم الزاهرة "5/ 272"، شذرات الذهب "4/ 116".(36/341)
القاضي أبو المعالي، ابن القاضي أبي المفضّل المقدسيّ، الدمشقيّ، الفقيه الشّافعيّ، المعروف بابن الصّائغ قاضي دمشق.
سمع: أبا القاسم المصِّيصيّ، وأبا عبد الله بْن أَبِي الحديد، وأبا الفتح المقدسيّ، وأبا محمد بن البريّ، وعبد الله بن عبد الرّزّاق، وطائفة بدمشق.
وأبا الحَسَن الخلعيّ، ومحمد بن عبد الله بن داود الفارسيّ بمصر.
وعلي بن عبد الملك الدَّبِيقيّ الفقيه بعكّاء.
وتفقه على أبي الفتح المقدسيّ، وناب عَنْ والده في القضاء لمّا حجّ أبوه سنة عشر، ثمّ استقلّ بالقضاء لمّا كبر أبوه، وبعد موته.
وهو خال الحافظ ابن عساكر، قال فيه: كان نزِهًا، عفيفًا، صليبًا في الحكم.
ولد في أوائل سنة سبعٍ وستين وأربعمائة، ومات في ربيع الأوّل، ودُفِن عند أبيه بمسجد القدم.
قلت: روى عَنْهُ: الحافظ ابن عساكر، وابنه القاسم، وأبو سعد السَّمْعانيّ، وطرخان بن ماضي التَّيْميّ، ثمّ الشّاغوريّ، الفقيه، وطائفة آخرهم موتًا أبو المحاسن محمد بن أبي لقمة.
وكان يلقب بالقاضي المنتجب.
وهو والد القاضي الزَّكيّ.
قال السَّمْعانيّ: كان محمودًا، حَسَن السّيرة، شفُوقًا على المسلمين، وَقُورًا، حَسَن المنظر، متودِّدًا.
سمعت منه اثنتي عشر جزءًا من حديث القاضي الخِلَعيّ.
346- المبارك بن أحمد بن محمد بن النّاعورة.
أبو المكارم الجحديّ، البغداديّ، المقرئ، ويُعرف بابن أبي الحجر.
قَالَ ابن السَّمْعانيّ: شيخ صالح، خيِّر، حَسَن السّيرة، رضيّ الوجه.
قرأ القرآن على أبي الخير المبارك العسّال، وختم على جماعة.
وحدَّث عَنْ: رزق الله التّميميّ، وطِراد الزَّيْنبيّ.
روى عنه: ابن السَّمْعانيّ، وغيره.
تُوُفّي في ربيع الأول.(36/342)
347- مسعود بن محمد بن حسان بن سعيد.
أبو سعيد المَنِيعيّ، المخزوميّ، المَرْوَرَّوْذِيّ.
حاز قَصَب السَّبق في الصَّدَقة والبِرّ، وإيصال النَّفع إلى المسلمين، وهو من بيت حشمة وتقدُّم.
سمع من: عمّه عبد الرّزّاق بن حسّان، وغيره.
وكانت الألسنة متّفقة على الدّعاء له والثّناء عليه، من كثرة ما أنفق من الأموال في حجته.
ولد في حدود السبعين وأربعمائة بمرو الروذ، ومرض بمَرْو، فحُمِل مريضًا إلى بلده.
وتُوُفّي في شوّال.
وكان يقال له: الأمير.
348- مُفْلِحُ بْن أحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عُبَيد اللَّه بن عليّ1.
أبو الفتح الدُّوميّ، ثمّ البغداديّ، الورّاق.
ولد سنة سبعٍ وخمسين وأربعمائة.
وسمع من: أبي بكر الخطيب، وأبي محمد بن هَزَارْمَرد الصَّرِيفينيّ، وأبي الحسين بن النَّقُّور، وأبي القاسم بن البُسْريّ، وغيرهم.
قال ابن السَّمْعانيّ: كتب عنه الكثير، وكان شيخًا لَا بأس به.
كان يقعد في قطيعة الفُقهاء بالكَرْخ، ويكتب الرّقاع بالأُجرة.
وسمعتُ أنّه جمع مالًا كثيرًا ودفنه، فورثه ابنه مُنْجِح، وكان حريصًا.
وتُوُفّي في ثاني عشر المحرَّم.
قلت: روى عنه: ابن عساكر، وابن طَبَرْزَد، ويوسف بن المبارك، وابن محمد بن السياري.
__________
1 سير أعلام النبلاء "20/ 165"، العبر "4/ 103"، النجوم الزاهرة "5/ 273"، شذرات الذهب "4/ 116".(36/343)
وذكر ابن النّجّار أنّه من ذرّية خالد بن الوليد المخزوميّ -رضي الله عنه- وآخر أصحابه تُرْك بن محمد العطّار.
349- موسى بن عليّ بن قدّاح.
أبو الفضل البغداديّ، الخيّاط، المعروف بن حاجبك.
سمع: عبد الله بن عليّ الدّقّاق، وابن طلحة النّعّال، وجماعة.
روى عنه: ابن عساكر، وابن السَّمْعانيّ.
"حرف الياء":
350- يحيى بن هَمّام بن يحيى1.
أبو بكر السَّرَقُسْطيّ، الكاتب المعروف بابن أرزق.
كان بارع الكتابة، أديبًا، نبيهًا.
كتب مع أبيه للمستعين بن هود، ثمّ كتب ليوسف بن تاشفين صاحب الأندلُس والمغرب، وابنه عليّ.
واستدعاه عليّ بن يوسف إلى مَراكُش سنة 35، وتُوُفّي بقُرْطُبة.
وفيات سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة:
"حرف الألف":
351- أحمد بن الحسين بن محمد بن الحسين2.
أبو سعيد الكُنْدريّ، الإسْفَرَائينيّ، الأديب، من أولاد الفُضَلاء.
قال ابن السَّمْعانيّ: لقِيته بجَوْسَقَان إسْفَرَايِن، وقد شاخ وناطَح التّسعين، وتغيّر، واختل حاله.
كتبت عنه يسيرًا من الحديث وشعرًا لوالده.
__________
1 بغية الملتمس للضبي "510".
2 الأنساب "10/ 484".(36/344)
مولده سنة خمسٍ وخمسين وأربعمائة.
وتُوُفّي في آخر العام.
قال: وكان أديبًا، فاضلًا، عُمّر، وافتقر، وكان مشتغلًا بالعلم.
حكى أنّه كان يصْحَب الصُّوفية، ويتكتَّم من كتابة الحديث قال: فسقطت منّي دواةٌ، فقال صوفيّ: أستر عورتك.
سمع: أبا إسحاق الشّيرازيّ، وفاطمة بنت الدّقّاق، وجماعة.
352- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن ينال1.
أبو منصور الأصبهانيّ، الصُّوفيّ، المعروف بالتّرك.
شيخ مسِن مُعَمِّر، أفنى عمره في خدمة الصُّوفية.
وله رباط بأصبهان.
سمع: عبد الجبّار بن برزة الرّازيّ الواعظ، وسليمان بن إبراهيم الحافظ، وجماعة من أصحاب المَرْزُبان الأبهريّ، وابن خُرَّشِيذ قُولَه.
روى عنه: ابن السمعاني، وأبو موسى المديني، وغيرهما.
توفي في صَفَر.
وقال السَّمْعانيّ: تُوُفّي سنة ستٍّ عَنْ بضعٍ وثمانين سنة.
353- أحمد بْن مُحَمَّد بْن أحمد بْن خالد2.
أبو سعد الخطيب.
شيخ صالح، عالم، من أهل شَرْمَقَان، وهي بُلَيدة بقرب إسْفَرَاين.
سمع بنَيْسابور من: أبي تُراب عبد الباقي المَرَاغيّ، وبجُرْجان من أبي القاسم إبراهيم بن عثمان الخَلَّاليّ.
روى عنه: أبو سعد السمعاني.
وعاش ستًّا وسبعين سنة.
__________
1 تقدم برقم "266"، في وفيات "536".
2 الأنساب "7/ 323"، معجم البلدان "3/ 338".(36/345)
354- أَحْمَد بْن هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن الديناري.
أبو المنصور.
من أهل درب القيّار.
روى عَن الشّريف محمد بن عبد السّلام.
وعنه: ابن كامل.
توفي في رمضان.
355- إبراهيم بن أحمد بن خَلَف.
أبو إسحاق السُّلَميّ، الفارسيّ، المحدث.
المعروف بابن فرتول.
ذكره الأَبار فقال: هو جدّ صاحبنا أبي العبّاس أحمد دخل الأندلس، وروى عَنْ: أبي علي الغساني، وأبي عليّ الصَّدَفيّ.
وسمع بسجلْماسة "صحيح البخاريّ"، سنة ثلاثٍ وسبعين وأربعمائة، من بكّار بن برهول.
روى عنه: محمد بن أحمد بن منصور.
تُوُفّي في جُمَادَى الآخرة.
قلت: تُوُفّي حفيده المؤرخ الحافظ سنة 665.
356- إكز الحاجب الكبير1.
أسد الدّين.
من كبراء دمشق.
ولي الحجابة سنتين أو أكثر.
وله بدمشق مدرسة معروفة.
فلمّا كان في جُمَادَى الأولى من سنة ثمانٍ قُبِض عليه، وأُخِذَت أموالُه، وسُمِلَت عيناه، وسُجِن، وتفرَّق عنه أصحابه.
__________
1 ذيل تاريخ دمشق لابن القلانسي "261-264".(36/346)
"حرف الجيم":
357- جعفر بن أبي جعفر أحمد بن محمد بن رزق الأُمويّ، القُرْطُبيّ.
أبو أحمد.
عُمّر دهرًا، وحدَّث عَنْ أبيه.
وأجاز له أبو العبّاس العُذريّ.
حدَّث عنه: أبو الحَسَن بن مؤمن، وأبو جعفر بن شراحيل.
وسمع منه: محمد بن عبد العزيز النقوري في هذا العام.
قاله أبو عبد الله الأبّار.
"حرف الحاء":
358- الحَسَن بْن محمد بْن الحسين.
الخطيب، أبو عليّ السُّلَميّ، الفارِقيّ.
سمع ببغداد من: رزق التَّيْميّ.
وعنه: السَّمْعانيّ، وابن عساكر.
مات في ربيع الآخر.
359- الحسين بن حَمْد بن محمد بن عمروَية1.
أبو عبد الله، شيخ الشّافعيَّة بأصبهان.
سمع: أبا عليّ بن زياد، وأبا بكر بن ماجة.
روى عنه: السَّمْعانيّ.
مات في عَشر الثّمانين في ذي القعدة.
360- حفّاظ بن الحَسَن2.
أبو الوفا الغساني، الدمشقي، المعروف بابن نصف الطريق.
__________
1 التحبير "1/ 231"، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي "7/ 74".
2 التحبير "1/ 259، 260"، مختصر تاريخ دمشق لابن منظور "7/ 199".(36/347)
سمع من: عليّ بن طاهر النَّحويّ.
قال أبو القاسم بن عساكر: قرأت عليه أشياء بإجازة عبد العزيز الكتّانيّ المُطْلَقَة.
361- حكيم بن إبراهيم بن حكيم.
الفقيه الدَّرْبَنْديّ.
تفقه على أبي حامد الغزالي ببغداد.
وسمع بمَرْو من الموفَّق بن عبد الكريم الهَرَويّ.
تُوُفّي في شوّال ببُخارَى.
"حرف الدال":
362- داود بن محمود بن محمد بن ملكشاه1.
السّلطان السَّلْجوقيّ.
قُتِلَ غِيلةً، ونجا الّذين قتلوه، فلم يقع على خبرهم.
"حرف السين":
363- سليمان بن محمد بن حسين بن محمد2.
أبو سعد البَلَديّ، المتكلِّم، المعروف بالكافي، الكرْجيّ، بالجيم، قاضي الكرج.
تفقه بأصبهان على أبي بكر محمد بن ثابت الخُجَنْديّ.
وسمع: أَبَا بَكْر مُحَمَّد بْن أحمد بْن ماجه الأَبهَريّ، وأبا سهل غانم بن محمد الحافظ.
وبرع في الفِقْه، والأصول، والخلاف.
واشتهر بحُسْن الإيراد، وقوة المناظرة والتحقيق.
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 669".
2 التحبير "1/ 312"، الأنساب "477".(36/348)
وقدم بغداد بعد العشرين وخمسمائة، وبحث مع أسعد المِيهَنيّ في مسائل.
أخذ عنه: ابن السَّمْعانيّ نسخة لُوَيْن.
وقال: له سمتٌ ووقار.
وتُوُفّي في سنة سبعٍ، وعندي في نسخة أخرى سنة ثمانٍ وثلاثين، في ذي القعدة.
وقال ابن الجوزيّ: سنة سبعٍ، ومولده سنة ستّين.
"حرف الشين":
364- شيبان بن عبد الله بن شيبان بن عبد الله بن أحمد1.
أبو سعيد الأَسديّ، الأصبهانيّ، المحتسب، المؤدّب، الملقِّن، الرجل الصّالح.
سمع: إبراهيم بن محمد الطّيّان، وابن ماجة، وجماعة.
روى عنه: السَّمْعانيّ، وقال: مات في رمضان.
وجدّه شَيبان، سمع من الحافظ ابن مَنْدَهْ.
"حرف الصاد":
365- صافي الأرمنيّ2.
أبو الحَسَن، عتيق قاضي القُضاة أبي عبد الله الشّهْرسْتانيّ.
سمع من: الفقيه نصر المقدسيّ.
روى عنه: الحافظ ابن عساكر، وابنه القاسم.
وكان خيّرًا كثير الصّلاة.
تُوُفّي في ربيع الأول.
__________
1 التحبير "1/ 330".
2 التحبير "1/ 339"، تهذيب تاريخ دمشق "6/ 363".(36/349)
"حرف العين":
366- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن محمد1.
المَرْسِيّ، ثمّ السَّبْتيّ، النَّفْزيّ، خطيب سبْتَة.
سمع من حَجّاج بن قاسم "صحيح البخاريّ"، عَنْ أبي ذَرّ الهَرَويّ.
وسمع من: أبي مروان بن سراج.
وكان صالحًا ديِّنًا، كثير الذَّكْر لله تعالى، أثنى عليه القاضي عِياض، ووثَّقه.
أخذ عنه النّاس.
وكان مولده في سنة ثلاثٍ وخمسين وأربعمائة.
وتُوُفّي بقُرْطُبة في ربيع الآخر.
روى عنه: ابن بَشْكُوال.
367- عبد الخالق بن عبد الصّمد بن عليّ بن الحسين بن عثمان بن البَدِن2.
أبو المعالي الصّفّار.
شيخ بغداديّ، متسبّب، صالح، ديَّن، ثقة.
قيّم بكتاب الله، كثير البكاء من خشية الله.
سمع الكثير، وذهبت أصوله في الحريق.
سمع: الحسين بْن المهتدي بالله، وعبد الصّمد بْن المأمون، وأبا جعفر ابن المسلمة، وابن النَّقُّور، وجماعة.
قال ابن السمعاني: قرأت عليه الكثير، وولد سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة.
وتُوُفّي في أحد الربيعين.
قلت: وروى عنه: ابن عساكر، وابن الجوزيّ، وعمر بن طَبَرْزَد، وجماعة.
قال ابن السمعاني: قرأت عليه الكثير، وولد سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة.
وتُوُفّي في أحد الربيعين.
قلت: وروى عنه: ابن عساكر، وابن الجوزيّ، وعمر بن طَبَرْزَد، وجماعة.
قال ابن نُقطة: ثنا عنه أبو أحمد بن سكينة.
__________
1 بغية الملتمس "897".
2 المنتظم "10/ 109"، سير أعلام النبلاء "20/ 60"، العبر "4/ 103"، تذكرة الحفاظ "4/ 1283".(36/350)
368- عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ بْن عَبْد الرَّحْمَن بن محمد1.
أبو زيد الخَزْرجيّ، القُرْطُبيّ، المقرئ.
من كبار القُرّاء بقُرْطُبة.
تصدَّر للإقراء بالجامع.
وكان قد أخذ القراءات عَنْ: أَبِي جَعْفَر أَحْمَد بْن عبد الرحمن الخَزْرجيّ، وأبي الأصْبغ عيسى بن خيرة.
روى عنه: يحيى بن عبد الرحمن المجرْيطيّ، وعبد الحقّ بن محمد الخَزْرجيّ، وأبو الحَسَن عليّ الشَّقُوريّ.
ولم تُضْبَط وفاتُه، ولكنه أجاز لبعض النّاس في هذه السنة.
369- عبد الوهّاب بن المبارك بن أحمد بن الحَسَن بن بُنْدار2.
الحافظ، أبو البركات الأنماطي، مفيد بغداد.
سمع الكثير، وحصل العالي والنّازل، وما زال يسمع، ويفيد، ويجمع إلى آخر عُمره.
وُلِد في رجب سنة اثنتين وستين وأربعمائة.
وسمع: أبا محمد الصَّريْفينيّ، وأبا الحُسَيْن بْن الَّنُّقور، وأبا القاسم عبد العزيز الأنْماطيّ، وأبا القاسم بن البُسْريّ، وأبا نصر الزَّيْنبيّ، وأبا الغنائم بْن أبي عثمان، وعاصم بن الحَسَن، فمَن بعدهم.
وقرأ على أبي الحسين بن الطُّيُوريّ جميع ما عنده.
روى عنه: ابن عساكر، وأبو موسى المَدِينيّ، وأبو سعد السَّمْعانيّ، وابن الجوزيّ، وعبد الوهّاب ابن سُكَيْنة، وعمر بن طَبَرْزَد، ويوسف بن كامل، وعبد العزيز الأخضر، وعبد الواحد بن سعد الصّفّار، وأحمد بن أزهر، وعبد العزيز بن مينا، وعبد العزيز بن زهر، وأحمد الدَّبِيقيّ، وخلْق آخرهم عبد الرحمن بن أحمد بن هدية.
__________
1 غاية النهاية "1/ 375".
2 صفة الصفوة "2/ 498"، الكامل في التاريخ "11/ 96"، سير أعلام النبلاء "20/ 134-136".(36/351)
وقد روى عنه من القدماء محمد بن طاهر المقدسيّ، وغيره.
قال ابن السَّمْعانيّ: هو حافظ، ثقة، كثير السّماع، واسع الرواية، دائم البِشْر، سريع الدّمعة عند الذَّكر، حَسَن المعاشرة، مليح المجاورة؛ جَمَع الفوائد، وخرَّج التّخاريج.
ولعلّه ما بقي من العالي والنازل جزء إلّا قرأه وحصّل نسخته، إما بخطّه، أو بخطّ غيره.
ونسخ الكُتُب الكبار مثل: "طبقات ابن سعد"، و"تاريخ الخطيب".
وكان متفرّغًا، مستعدًا للتّحديث، إمّا أن يُقرأ عليه، أو ينسخ شيئًا.
وكان لَا يجوّز الإجازة على الإجازة.
وجمع في ذلك شيئًا.
قرأت عليه الكثير مثل "الجعديات"، و"مسند يعقوب بن سفيان الفسوي"، و"مسند يعقوب بن شَيْبة"، ما كان سماعه وانتقاء ابن البقّال، على المخلّص.
وقال ابن ناصر: كان عبد الوهّاب الأنْماطيّ بقيَّة الشيوخ، سمع الكثير، وكان يفهم.
وكان ثقة صحيح السّماع.
ومضى مستورًا، ولم يتزوَّج قطّ.
وقال السَّلَفيّ: كان عبد الوهاب رفيقنا حافظًا، ثقة، لديه معرفة جيدَّة.
وقال ابن الجوزيّ: كنت أقرأ عليه الحديث وهو يبكي، فاستفدت ببكائه أكثر من استفادتي بروايته.
وكان على طريقة السَّلَف.
وانتفعت به ما لم انتفع بغيره.
وذكره أبو موسى المَدِينيّ في "مُعْجمه" فقال: حافظ عصره ببغداد.
تُوُفّي حادى عشر المحرم.(36/352)
370- عُبَيْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن أحمد بْن إبراهيم بْن عليّ بْن سَعْدُوَيْه1.
أبو الفضل ابن الشيخ أبي سهل الأصبهانيّ.
سمع: جدّه أبا نصر، والمطهّر بن عبد الواحد البُزَانيّ، وأبي منصور محمد بن عليّ بن شكرويه، وجماعة كثيرة.
ذكره أبو سعد في "الذَّيْل" فقال: سمعت منه الكثير، وهو شيخ، عالم، فاضل، عاقل، ثقة، ساكن، متميز، من بيت الحديث والتّزكية بأصبهان.
تُوُفّي في ذي الحجَّة.
قرأت عليه "تاريخ أصبهان" لابن مردوَيْه، يرويه عَنْ أبي الخير بن ررا، عنه.
371- عتيق بن أسد بن عبد الرحمن2.
أبو بكر الأنصاريّ.
نشأ بمَرْسية، وأخذ القراءات عَنْ أبي الحسين بن البياز، وغيره.
والحديث عن أبي عليّ الصَّدَفيّ فأكثر عنه.
وتفقّه بأبي محمد بن جعفر، وبرع في الفقه، وغلب عليه، وولي قضاء شاطبة، ودانِيَة.
ذكره أَبُو عَبْد الله الأبار فقال: كان نسيجَ وحده في الفِقْه وجَوْدة الفتاوى، مع المشاركة في عدَّة فتون.
روى عنه: أبو بكر مُفَوَّز بن طاهر، وأبو محمد بن سُفْيان، وغيرهما.
وتُوُفّي في جُمَادَى الآخرة.
372- عليّ بْن الحسين بْن محمد.
أبو الحَسَن القصْريّ، قصر كَنْكِوَرَ: بين بغداد وهمذان.
كان دليل الحاج.
__________
1 الأنساب "3/ 401"، التحبير "1/ 383-385".
2 معرفة القراء الكبار "1/ 489"، غاية النهاية "1/ 499، 500".(36/353)
وحجّ نحوًا من خمسين حجَّة.
وصنَّف مجموعًا حَسَنًا في مجلَّدين في معرفة طريق مكَّة.
قال ابن السَّمْعانيّ: هو شيخ لَا بأس به، مشتغل بما يعنيه.
سمع: مالكًا البانياسيّ، وابن البَطِر.
وكتبت عنه.
وتُوُفّي بمِنَى صبيحة عيد النَّحْر، رحمه الله.
373- عَلَى بْن طِراد بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بن الحَسَن1.
الوزير الكبير، أبو القاسم ابن نقيب النّقباء، الكامل أبي الفوارس الهاشميّ، العبّاسيّ، الزَّيْنبيّ.
وزير الخليفتين المسترشد، والمقتفيّ.
وُلِد في شوال سنة اثنتين وستين وأربعمائة.
وأجاز له أبو جعفر ابن المسلمة.
وسمع من: أبيه، وعمّه أبي نصر، وأبي القاسم بن البُسْريّ، ورزق الله التميمي، وجماعة.
قال ابن السمعاني: كان صدرًا، مهيبًا، قورًا، حادّ الفراسة، دقيق النَّظَر، ذا رأيٍ وتدبير، ومعرفة بالأمور العظام.
وكان شجاعًا جريئًا.
خلع الراشد الّذي استُخْلف بعد أن قُتِلَ أبوه المسترشد، وجمع النّاس على خلْعه، وعلى مبايعة المقتفيّ لأمر الله في يومٍ واحد.
وكان النّاس يتعجّبون من ذلك.
ولم يزل أمرُه مستقيمًا، وأحواله على التّرقّي إلى أن تغيَّر عليه المقتفيّ لأمر الله، وأراد القبض عليه، فالتجأ إلى دار السّلطان مسعود بن محمد، إلى أن قدِم السّلطان بغداد، فأمر بحمله إلى داره مكرّمًا، وجلس في داره ملاصق دار الخلافة واشتغل بالعبادة.
__________
1 المنتظم "10/ 109"، الكامل في التاريخ "11/ 97"، سير أعلام النبلاء "20/ 149-151"، شذرات الذهب "4/ 117".(36/354)
وكان طلْق الوجه، دائم البِشْر، كثير التّلاوة والصّلاة؛ وكلّ من كان له عليه رسم وإدرار من القرّاء والصُّلَحاء كان يوصله إليهم بعد العزْل، إلى أن توفّاه الله تعالى حميدًا مُكرَمًا.
قرأتُ عليه الكثير من الكُتُب والأجزاء، وكنت أُلازمه، وأحضر مجلسه مرَّتين في الأسبوع، أقرأ عليه.
وكان يكرمني غاية الإكرام ويُخرج إليَّ الأجزاء والأصول.
وتُوُفّي في أوّل رمضان، ودُفن في داره، ثمّ نُقِل إلى تُربته بالحربيَّة سنة أربعٍ وأربعين.
قلت: وروى عنه: أبو منصور مُحَمَّد بْن أحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي النَّرْسيّ، وعمر بن طَبَرْزَد، وابن سُكَيْنَة، وجماعة.
وأوصى إلى ابن عمّه قاضي القضاة عليّ بن الحسين الزَّيْنبيّ.
وكان يُضرب المثل بحُسْنه في صِباه؛ ولأبي عبد الله البارع فيه:
قالوا: عليٌّ ملك الحَسَن قد ... أقسم أنْ لَا يشربَ الخمرا
قلت: فما يصنع في ريقِهِ ... فقد حنث البدْرُ وما برّا
لو طلب الأجرَ لَما حقّق إلا ... صداع، أو ما زنّر الخصْرا
لِتَبْكِ شمسُ الرّاح من نُسْكِهِ ... فإنّها قد فارقتْ بدرا
374- عليّ بن عبد الملك بن مسعود.
أبو الحَسَن الهَرَويّ الأصل، الحلبيّ المولد، البغداديّ الدّار.
وُلِد سنة 459.
وسمع: أبا محمد نصر الصَّرِيفينيّ، وجماعة.
روى عنه: ابن السَّمْعانيّ، وقال: شيخ، صالح، مستور.
تُوُفّي فِي المحرَّم.
375- عُمَر بْن مُحَمَّد بْن الحسين1.
__________
1 الأنساب "9/ 278، 279".(36/355)
الإمام، الأديب، أبو جعفر الفَرْغُوليّ، الدِّهِسْتانيّ، نزيل مَرْو.
مكثرٌ، سمع عبد الحكيم بن عبد الحليم بِدِهسْتان، وكامل بن إبراهيم بجُرْجان، وإسماعيل بن مسعدة، وأبو عثمان المَحْمِيّ، وأبا بكر بن خَلَف، وخلْق بالنّواحي.
وحصّل الأُصول.
قال السَّمْعانيّ: استمليت عليه، وأكثرت عنه.
مات في جُمَادَى الآخرة عَن اثنتين وثمانين سنة.
"حرف الغين":
376- غانم بن أحمد بن الحَسَن بن محمد بن عليّ الْجُلُوديّ1.
أبو الوفاء الأصبهانيّ.
وُلِد في ثاني عشر رجب، سنة ثمانٍ وأربعين وأربعمائة.
وسمع من سعيد بن أبي سعيد العيّار "صحيح البخاريّ".
روى عنه: أبو موسى المَدِينيّ، وأبو القاسم بن عساكر، وابن السَّمْعانيّ، وخلْق آخرهم وفاة: أبو الفتوح داود بن مَعْمَر بن الفاخر.
سمع منه "صحيح البخاريّ".
وقرأته لولديّ بالإجازة العامَّة منه، على ابن الشِّحْنة، تَبَعًا لسماعه المتّصل.
وسمع أيضًا من: أبي نصر محمد بن عليّ الكاغَدِيّ.
كره الأخذ عنه اللَّفْتُوانيّ، وحطّ عليه، كان ذلك لميله إلى الأشعرية، والله أعلم.
تُوُفّي في ثالث ذي الحجَّة.
377- غانم بن أبي طاهر بن عبد الواحد بن أحمد بن خالد2.
أبو القاسم الأصبهاني، التاجر.
__________
1 التحبير "2/ 5، 6"، التقييد "420"، سير أعلام النبلاء "20/ 99".
2 التحبير "2/ 6-8"، التقييد "420، 421"، سير أعلام النبلاء "20/ 100".(36/356)
سمع كتاب "السُّنَن" لموسى بن طارق، من عبد الرّزّاق بن شَمِه، سوى الجزء الرّابع، وانفرد بعُلُوِّ هذا الكتاب.
روى عنه: أبو القاسم بن عساكر، وابن السَّمْعانيّ، وأبو عبد الله أحمد بن أبي العلاء الهَمَذَانيّ العطّار، وحفيده محمد بن أبي نصر بن غانم، وحفيده الآخر محمد بن أبي طاهر بن غانم الضّرير، ومحمد بن عبد الله بن محمد الرُّوَيْدشْتيّ، وأخرون.
وتُوُفّي في ثالث عشر رجب، وقد غلط مَعْمَر وقال: تُوُفّي سنة ستّ، وكأنه شَيْن قلمٍ من مَعْمَر.
قال السَّمْعانيّ: كان سديدًا، ثقة، مُكْثِرًا، سمع بإفادة ابن عمّته محمد بن أحمد الجرْكانيّ، من ابن شَمِه، والباطَرْقانيّ، وأبي مسلم بن مِهْرَبْزُد، وعائشة الوَرْكانيَّة، وعبد الله بن محمد الكرمانيّ.
ومولده سنة اثنتين وخمسين بأصبهان.
"حرف الفاء":
378- فاطمة بنت أَبِي الحَسَن عَلي بْن عَبْد اللَّه بْن محمد1.
النَّيْسابورية الأصل، الأصبهانيَّة، الواعظة.
وُلِدت بطريق الحجاز، ونشأت بأصبهان.
وكانت ديَّنةً، متعبدة، زاهدة، لها قدمٌ راسخٌ في التّصوُّف والزُّهْد.
سمعت القاضي عبد الله بن عليّ التّميميّ الأصبهانيّ.
قال ذلك ابن السَّمْعانيّ، وقال: قرأت عليها مجلسين من أماليه.
وكان مولدها قبل الستين وأربعمائة، وتُوُفّيت في رمضان.
379- فاطمة بنت الشّريف محمد بن عدنان بن محمد.
أُمّ عَمْرو الهاشمية، الزينبية، البغدادية.
قال ابن السَّمْعانيّ: امرأة صالحة افتقرت.
__________
1 التحبير "2/ 429، 430"، أعلام النساء "4/ 56".(36/357)
سمعت من: أبي نصر الزَّيْنبيّ.
روى عنها: ابن السَّمْعانيّ.
تُوُفّيت في ربيع الآخر.
"حرف الكاف":
380- الكندايجور الفرَنْجيّ1.
صاحب القدس.
هلك ببيت المقدس، وأُقيم في المُلْك ابنُه صبيّ، وأم الصّبيّ.
ورُمِيت الفرنْج، خذلَهم الله، بذلك.
ذكره أبو يَعْلَى.
"حرف الميم":
381- محمد بن إبراهيم.
أبو عُبَيْد الله الْجُذاميّ، القُرْطُبيّ.
روى في هذا العام عَن: ابن الطّلّاع، وأبي عليّ الجبائي.
وعنه: عليّ بن أحمد الشَّقُوريّ.
382- مُحَمَّد بْن أحْمَد بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم2.
أبو الحَسَن بن صرْما الدّقّاق، الصّائغ، ابن عمّه الحافظ ابن ناصر.
وُلِد يوم نصف شعبان سنة ستين وأربعمائة.
وسمع من: ابن هزارمرد، والصَّرِيفينيّ، وأبي الحسين بن النقور، وجماعة.
وكان شيخًا صالحًا، سيدًا.
__________
1 ذيل تاريخ دمشق "277".
2 المنتظم "10/ 110".(36/358)
روى عَنْهُ: ابن السَّمْعانيّ، وابن الْجَوْزِيّ، وعمر بن طَبَرْزَد، وعبد الخالق بن أسد الدّمشقيّ، وأبو اليُمْن الكِنْديّ، وآخرون.
وتُوُفّي في نصف شعبان أيضًا.
383- محمد بن حَكَم بن محمد بن أحمد بن جعفر باقي1.
أبو جعفر السَّرَقُسْطيّ، النَّحْويّ، حفيد الصّاحب ذي الوزارتين محمد، صاحب مدينة سالم الّذي قُتِلَ بها في سنة عشرين وأربعمائة.
روى هذا عَنْ: أبي الوليد الباجيّ، ومحمد بن يحيى بن هاشم، وأبي الأصْبَغ بن عيسى، وأبي جعفر بن جرّاح، وجماعة.
ووُلّي قضاء مدينة فاس، ودرّس، وأفْتى، وأقرأ العربيَّة والكلام.
قال الأبار: كان ذا حظ من علم الكلام، حَسَن الأخلاق، قوّالًا بالحقّ، شرح "الإيضاح" لأبي عليّ الفارسيّ، وكان واقفًا على كُتُب أبي عليّ، وكتب أبي الفتح بن جنيّ، وأبي سعيد السِّيرافيّ.
روى عنه: أبو الوليد بن خِيرة، وأبو مروان بن الصَّيْقَل، وقاسم بن دُحْمان، وأبو محمد بن بونة، وأبو الحسن اللواتي.
وتوفي بتلمسان في حدود سنة ثمانٍ وثلاثين.
384- محمد بن حمْد بن خَلَف بن أبي المُنى2.
أبو بكر البَنْدَنِيجيّ، البغداديّ، المعروف بحنفش.
شيخ مُسِنّ، قدِم في صباه، وتفقّه على الإمام أبي سعد المتوليّ.
حصّل طرفًا من الخلاف، وكان يبحث ويتكلَّم.
وسمع من: أبي محمد الصَّرِيفينيّ، وأبي الحسين بن النَّقُّور.
قال ابن السَّمْعانيّ: كان عسرًا، سيئ الأخلاق، يبغض المحدّثين.
وسمعت غير واحد يقول: إنه يخل بالصلوات، وليس له طريقة محمودة.
__________
1 تكملة الصلة "174، 175"، بغية الوعاة "1/ 96"، معجم المؤلفين "9/ 266، 267".
2 الأنساب "2/ 313".(36/359)
كتبتُ عنه شيئًا بجهدٍ جَهيد، وكان أكثر الأوقات إذا سلمت عليه لا يرد.
روى عَنْهُ: ابن سُكَيْنَة، ويوسف بْن المبارك.
وكان حنبليًا، ثمّ صار حنفيًا، ثمّ شافعيًا.
وقد رُمي بالتّعطيل.
385- محمد بن الخضر بن إبراهيم1.
أبو بكر الخطيب، المُحَوَّليّ، خطيب المُحَوَّل.
كان من مشاهير القُراء ببغداد.
قرأ القرآن على أبي محمد رزق الله التّميميّ، وأبي طاهر أحمد بن سوار.
وكان حَسَن الأخْذ.
ختم عليه جماعة، وروى عنه: ابن السَّمْعانيّ.
وقرأ عليه بالروايات: أبو اليمن الكِنْديّ، وهو آخر من لقيه.
ومات فِي ذي القعدة وهو فِي عَشْر السبعين.
وقال: لزِمت ابن سِوار خمس عشرة سنة.
وقد قرأ بنهر الملك سنة أربعٍ وثمانين على أحمد بن الفتح بن عبد الجبّار المَوْصِليّ صاحب الشّريف الحرّانيّ.
وقال أحمد بن شافع: كان أبو بكر الخطيب المجوّد يُضْرَب به المَثَل في الإقراء، وتجويد الأخْذ، والتّحقيق.
وكان حَسَن الخَلُق خطابةً، مع الخشوع، وحضور القلب.
كان يُقصَد من الأماكن البعيدة لسماع خُطْبته.
386- محمد بن طلحة بن عليّ بن يوسف2.
أبو عبد الله الرّازيّ، ثمّ البغداديّ، العطّار، من صوفيَّة رباط أبي سعيد الزوزني.
__________
1 المنتظم "10/ 110"، تذكرة الحفاظ "4/ 1283"، غاية النهاية "2/ 137".
2 لسان الميزان "5/ 212".(36/360)
وكان قليل الدَّين.
روى عَنْ: أبيه؛ وعن الصَّرِيفينيّ حضورًا.
وعن: عبد العزيز الأنْماطيّ، وابن البُسْريّ، وجماعة.
روى عَنْهُ: ابن سُكَيْنَة، ويوسف بْن المبارك الخفّاف.
ومات فِي جُمَادى الآخرة.
387- مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الحسين1.
أبو الفتح بن فوران، الفقيه، من أهل الرَّيّ.
نزل آمُل طَبَرسْتان.
وكان فقيهًا، ظريفًا، واعظًا، لعّابًا، ليس بمرضيّ الطّريقة.
وله شِعْر.
388- محمد بن عليّ بن خَلَف.
أبو عبد الله التُّجيْبيّ، الشّاطبيّ.
أخذ القراءات عَن ابن شفيع، وبعض القراءات عَن ابن الدّوش.
روى عنه: ابنه عبد الله.
ومات رحمه الله فِي عَشْر الثّمانين.
389- مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن سعيد بن المطهّر2.
أبو الفضل المُطَهَّرِيّ، البخاريّ.
فاضل مُعَمَّر، من أولاد المحدّثين.
قال السَّمْعانيّ: قدِم مَرْو، فأظن أني سمعت منه.
أجاز لنا.
__________
1 التحبير "2/ 140"، طبقات الشافعية الكبرى "6/ 121".
2 التحبير "2/ 177-182"، الجواهر المضية "2/ 93".(36/361)
سَمِعَ: أبا بَكْر محمد بْن عَبْد الله الكرابيسي، والحافظ قتيبة بن محمد العثماني، وأبا عصمة عبد الواحد بن أحمد، وعبد الصّمد بن محمد الرّباطيّ، وعمر بن خنْب الحافظ.
ومن عواليه: "تفسير الأشَجّ".
قال: أنبا به ابن خنب، أنا إبراهيم بن محمد بن عبد الله الرّازيّ، أنا الحافظ عبد الرحمن بن أبي حاتم، عنه.
و"تفسير هُشَيْم"؛ أنا عمر بن منصور بن أحمد بن محمد بن موسى بن أفلح بن خنب الحافظ البزّاز، أنا أبو بكر محمد بن إدريس الْجَرْجرائيّ الحافظ، أنا محمد بن عيسى بن عبد الكريم بالرملة، أنا محمد بن إبراهيم بن بطال، أنا زياد بن أيّوب، عَنْ هُشَيْم.
وسمع "خ" من ابن خنْب، بسماعه من إسماعيل بن حاجب.
وسمع "ت" من طريق الهَيْثَم بن كُلَيْب.
وسمع "د" بعده، و"تاريخ غنجار"، عن رجلٍ، عنه، و"المسند" لوكيع، عاليًا.
مات رحمه الله في ذي القعدة، وله أربعٌ وثمانون سنة.
390- محمد بن عليّ بن منصور1.
أبو الفضل السّنْجيّ، المَرْوَزي، الخُوجانيّ، الغازيّ.
كان يَقْدَم مَرْو من قرية خوجان. وكان ثقة مكثِرًا.
سمع بنفسه، ورحل وكتب.
سمع جدّي أبا المظفّر، قاله أبو سعد.
ثمّ قال: وسمع من: إسماعيل بن محمد الزّاهديّ؛ وبنَّيْسابور: أحمد بن سهل السّرّاج.
وُلِد سنة سبعٍ وستّين بمَرْو، وبها تُوُفّي في صفر.
خرجت له جزءًا.
__________
1 الأنساب "5/ 223"، التحبير "2/ 197، 198"، معجم البلدان "2/ 428".(36/362)
391- محمد بن الفضل بن أبي الحَسَن بن محمد.
أبو بكر الأصبهانيّ، المؤدب، المعروف ببستة.
شيخ صالح، مُسِنّ.
سمع: أبا القاسم بن عبد الرحمن، وأبا عَمْرو ابن الحافظ ابن مَنْدَهْ.
وتُوُفّي في ذي الحجَّة أيضًا.
392- محمد بن الفضل بن محمد1.
أبو الفتوح الإسْفَرَائينيّ، المعروف بابن المعتمد.
إمامٌ في الوعظ، مليح المحاورة، فصيح العبارة، طريف الْجُملة والتّفصيل.
سمع: أبا الحَسَن المَدِينيّ بنَّيْسابور، وشيروَيه الدَّيْلَميّ بهَمَذَان.
روى عنه: ابن السَّمْعانيّ، وقال: حضرت يومًا مجلسه في رباط أمّ الخليفة، وسألته عَنْ مولده فقال: في سنة أربعٍ وسبعين وأربعمائة بإسْفَرَاين.
وأُزْعج من بغداد، فخرج منها متوجّهًا إلى خُراسان، فأدركه الموت بِبِسْطام في ثاني ذي الحجة، ودفن بجنب أبي يزيد البسْطاميّ، رحمه الله.
وهو مذكورٌ في حوادث هذه السنة.
قال ابن النّجّار: كان من أفراد الدَّهر في الوعظ، فصيح العبارة، دقيق الإشارة، حُلْو الإيراد.
وكان أوحد وقته في مذهب الأشعريّ، وله في التّصوُّف قدمٌ راسخ، وكلام دقيق فائق.
صنّف في الحقيقة كُتُبًا منها: كتاب "كشف الأسرار على لسان الأخيار"، وكتاب "بيان القلب"، وكتاب "بثّ الأسرار".
وكلّ كتبه نكت وإشارات.
وهي مختصرة الحجم.
__________
1 المنتظم "10/ 110-112"، الكامل في التاريخ "11/ 96، 97"، سير أعلام النبلاء "20/ 139-142".(36/363)
ورد بغداد سنة خمس عشرة، وظهر له القبول التّامّ، بين الخاصّ والعامّ، وكان يتكلَّم على مذهب الأشعريّ، فثار عليه الحنابلة، ووقعت فِتَن، فأمر المسترشد بإخراجه، فخرج إلى أن ولي المقتفيّ، فعاد واستوطن بغداد، فلم يزل يعِظ ويُظهر مظهر الأشعريّ إلى أن عادت الفِتَن، فأخرجوه من بغداد إلى بلده، فأدركه الأجل.
ثمّ قَالَ ابن النّجّار: قرأت فِي كتاب أَبِي بكر المارِسْتانيّ: حدَّثني أبو الفتح مسعود بن محمد بن ماشاذَة قال: قال لي الحافظ ابن ناصر: أحبّ أن تسأل أبا الفتوح: هل القرآن الّذي تكلَّم الله به بحرفٍ وصوت؟ فأتيت الشيخ أبا الفتوح، وحكيت له قول ابن ناصر، فقال لي: سلّم على الحافظ أبي الفضل عنّي، وقل له: بحرف يكتب، وبصوت يسمع.
قعدت إلى ابن ناصر، فصلّيت خلفه المغرب، وحدَّثته بالجواب، فحلف أن لا يمشي إلّا حافيًا، وخرج وأنا معه، فسبقته إليه وحدثته، فقال: أنا والله لَا أخرج لتلقِّيه إلّا حافيًا إجلالًا لمجيئه.
وخرج من الرّباط، وقطع درب راجي، فتلاقيا حافيَيْن، فاعتنقا، وقبّل كلٌّ منهما صاحبه، وتحادثا ساعة.
قلت: فرحُ ابن ناصر ما لَهُ مَعْنَى، وعسى خبره لأنه يخالطه في الجواب، كما خبط هو في السّؤال.
وقال أبو القاسم بن عساكر: أبو الفتوح أجرأ من رأيته لسانًا وجَنَانًا، وأكثرهم فيما يورد إعرابًا وإحسانًا، وأسرعهم جوابًا، وأسلمهم خطابًا، مع ما رُزق بعد صحَّة العقيدة من السّجايا الكريمة، والخصال الحميدة، من قلَّة المُرَاءاة، لأبناء الدّنيا، وعدم المبالاة بذوي الرُّتْبة العالية، والإقبال على إرشاد الخلْق، وبذْل النَّفس في نُصرة الحقّ.
إلى أن قال: فمات غريبًا شهيدًا.
وقد كنت لازمت حضور مجلسه ببغداد، فما رأيت مثله واعظًا ولا مذكرًا.
وقال ابن النّجّار: قرأت فِي كتاب أَبِي بَكْر المارستاني: حدَّثني قاضي القُضاة أبو طالب بن الحديثيّ قال: كنت جالسًا، فمرّ أبو الفتوح الإسْفَرَائينيّ، وحوله جمٌّ غفير من عصبّيته، ومنهم من يصيح ويقول: لَا بحرف ولا صوت بل هي عبارة عَنْ ذلك.
فرجمه العوامّ، ورُجِم أصحابُه، حتّى لم يكد يبقى في الطّريق ما يُرجم به.(36/364)
وكان هناك كلبٌ ميّت، فتراجموا به، وصار من ذلك فتنة كبيرة، لولا قُرْبُها من باب النُّوبي لهلك فيها جماعة.
فاتّفق جواز موفّق المُلْك عثمان عميد بغداد، فهرب معظم أصحابه من حوله، صار قُصَارَى أمره أن يلقي نفسه عَنْ فَرَسه، ودخل في بعض الدّكاكين، وأغلق الباب، ووقف من تخلّف معه على الباب.
حتّى انقضت الفتنة.
ثمّ ركب طائر العقل إلى المملكة، ودخل إلى السّلطان مسعود، فحكى له الحال، فتقدَّم السّلطان إلى الأمير قيماز بالقبض على أبي الفتوح، وحمله إلى هَمَذَان، وتسليمه من هَمَذَان إلى الأمير عبّاس ليحمله إلى إسفراين، ويشهد عليه أنه متى يخرج منها فقد أطاح دم نفسه.
393- محمد بن القاسم بن المظفَّر بن عليّ بن الشَّهْرُزُوريّ، ثمّ المَوْصِليّ1.
أبو بكر.
شيخ مُسِنّ، كبير القدر، فاضل، محترم.
أكثر الأسفار في شبيبته، ورأى الأئمَّة.
وجد في خُراسان، ووُلّي القضاء بعدَّة أماكن في بلاد الجزيرة، والشّام، وكان يلقَّب بقاضي الخافِقَين.
تفقه ببغداد على أبي إسحاق، وسمع منه.
ومن: أبي القاسم الأنْماطيّ، وأبي نصر الزَّيْنبيّ.
وبنَيْسابور من: أبي بكر بن خَلَف، وغيره.
وحدَّث ببغداد، والمَوْصل.
وُلِد بإربل في سنة ثلاثٍ وخمسين وأربعمائة.
روى عنه: ابن السَّمْعانيّ، وابن عساكر، وعمر بن طَبَرْزَد، وجماعة.
قال ابن عساكر: قدِم دمشق مِرارًا، أحدها رسولًا من المسترشد لأخذ البيعة.
أنا أبو بكر بن أبي أحمد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة بدمشق، أنا عثمان المحمي، فذكر حديثًا.
__________
1 الأنساب "7/ 418، 419"، المنتظم "10/ 112"، سير أعلام النبلاء "20/ 139".(36/365)
تُوُفّي ببغداد في جُمَادَى الآخرة.
وقال عليّ بن يحيى الطّرّاح: مات في ثاني ربيع الأوّل.
394- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بن حسين1.
أبو نصر الأصبهانيّ، الصّائغ، المؤذن.
شيخ صالح، تفرَّد بعدةٍ من تصانيف عبد الرحمن بن مَنْدَهْ، عنه.
وسمع أيضًا من أخيه عبد الوهّاب، وجماعة.
أخذ عنه: السَّمْعانيّ، وغيره.
395- محمد بن يوسف بن عبد الله2.
أبو طاهر التّميميّ، السَّرَقُسْطيّ.
نزيل قُرْطُبة.
سمع كثيرًا من: أبي عَلِيّ الصَّدَفيّ، وأبي عِمران بْن أَبِي تليد، وجماعة.
قال ابن بَشْكُوال: كان مقدَّمًا في اللّغة والعربيَّة، شاعرًا محسنًا.
له مقامات صنَّفها، أُخِذَت عنه واستُحْسِنَت.
تُوُفّي في جُمَادَى الأولى.
قلت: آخر من سمع منه وفاة خطيبُ قُرْطُبة أبو جعفر بن يحيى.
396- المبارك بن محمد بن حسين3.
أبو القاسم بن البُزُوريّ، الدّوانيّ.
كان يخدم نقيب الطّالبيّين.
وهو صالح، ساكن، خيِّر، راغب في حضور مجالس العلم.
سمع: أبا الحسين بن النقور، ونصر بن معمر.
__________
1 التحبير "2/ 227".
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 588"، الأعلام "8/ 22"، معجم المؤلفين "12/ 129".
3 الأنساب "2/ 199".(36/366)
وأجاز له: أبو بكر الخطيب، وأبو عليّ بن البنّا.
قال ابن السَّمْعانيّ: قرأت عليه الكثير، وقال: ولدت سنة تسعٍ وخمسين وأربعمائة.
قلت: وروى عَنْهُ عبد الخالق بْن أسد.
397- محسن بن النُّعْمان1.
أبو الفضل البسْطاميّ، المؤدّب، فقير، صالح.
ولد في حدود الخمسين وأربعمائة.
وروى عَنْ: محمد بن عبد الجبّار الإسْفَرَائينيّ، وطاهر الشّحّاميّ.
398- محمود بن عمر بن محمد2.
العلّامة، أبو القاسم الزَّمَخْشَرِيّ، الخُوَارَزْميّ، النَّحْويّ، اللُّغَويّ، المتكلم، المعتزليّ، المفسر.
مصنّف "الكشّاف" في التّفسير، و"المفصل" في النّحْو.
وزَمَخْشَر: من قُرى خُوارَزْم. وكان يقال له جار الله؛ لأنّه جاوَرَ بمكَّة زمانًا.
ووُلِد بزَمَخْشَر، في رجب سنة سبعٍ وستين وأربعمائة.
وقدم بغداد.
وحدَّث.
وأجاز لأبي طاهر السِّلَفيّ، ولزينب الشَّعْريَّة، وغيرهما.
قال ابن السَّمْعانيّ: كان ممّن برع في علم الأدب، والنَّحْو، واللّغة، لقي الكبار، وصنَّف التّصانيف في التّفسير، والغريب، والنَّحْو.
وورد بغداد غير مرَّة، ودخل خُراسان عدَّة نُوَب.
وما دخل بلدًا إلا واجتمعوا عليه، وتلمذوا له.
__________
1 التحبير "2/ 269، 270".
2 المنتظم "10/ 112"، الكامل في التاريخ "11/ 97"، ميزان الاعتدال "4/ 78"، سير أعلام النبلاء "20/ 151، 156".(36/367)
وكان علّامة الأدب، ونسّابة العرب.
أقام بخُوَارَزْم تُضْرَب إليه أكباد الإبل، ثمّ خرج منها إلى الحجّ، وأقام برهةً من الزمان بالحجاز حتّى هبّت على كلامه رياح البادية، ثمّ انكفأ راجعًا إلى خُوَارَزْم.
ولم يتّفق أنّي لقيته، وكتبت من شِعْره عَنْ جماعةٍ من أصحابه.
ومات ليلة عَرَفَة.
وقال القاضي ابن خَلِّكان: كان إمام عصره، له التّصانيف البديعة، منها "الكشّاف"، ومنها "الفائق" في غريب الحديث، ومنها كتاب "أساس البلاغة"، وكتاب "ربيع الأبرار وفصوص الأخبار"، وكتاب "تشابُه أسماء الرُّواة"، وكتاب "النصائح الكبار"، وكتاب "ضالة الناشد"، و"الرائض في الفرائض"، و"المنهاج" في الأصول، و"المفصل".
وسمعت بعض المشايخ يحكي أنّ رِجْله سقطت وكان يمشي على جارِف خَشَب، وسقطت من الثّلج.
وقيل إنّه سُئل عَنْ قَطْع رِجْله، فقال: سببه دعاء الوالدة.
كنت في الصِّغَر اصطدْتُ عصفورًا وربطه بخيط في رجْله، فطار، ودخل في حَرف، فجذبتُه، فانقطعت رِجْله، فتألّمت أمّي.
وقالت: قطع الله رِجْلك كما قطعتَ رِجْله.
فلمّا كبرتُ ورحلنا إلى بُخَارَى سقطت عَن الدّابَّة، وانكسرت رِجْلي، وعَمِلَتْ عملًا أوجب قطعها.
وكان متظاهرًا بالاعتزال، وقد استفتح "الكشّاف" بالحمد لله الّذي خلْق القرآن؛ فقالوا له: متى تركته هكذا هجره الناس.
فغيرها بـ: جَعَلَ القرآن. وهي عندهم بمعنى خَلَق.
ومن شِعْره يرثي شيخه أبا مُضَر منصور:
وقائلة: ما هذه الدرر الّتي ... تَسَاقَطُ من عينيك سِمْطَين سَمْطَين؟
فقلت: هو الدّرّ الّذي كان قد حشا ... أبو مضر أذني تساقط مع عيني(36/368)
وقد كتب إليه السِّلَفيّ إلى مكَّة يستجيزه، فأجازه بجزءٍ لطيف فيه لغة وفصاحة، يزر فيه على نفسه.
قلت: كان داعية إلى الاعتزال والبِدْعة.
399- مقداد بن المختار1.
أبو الجوائز بن المطاميريّ، التِّكْرِيتيّ، الشّاعر المشهور.
ذكره ابن النّجّار فقال: كان جيّد القول رقيق الغَزَل، كثير النَّظْم.
روى عنه: الحَسَن بن جعفر بن المتوكّل، وعليّ بن أحمد بن محمْوَيْه الأزديّ، وغيرهما.
فمن شِعره:
ولمّا تناحوا للفراق غديَّة ... رموا كلّ قلبٍ مطمئنٍّ برابِعِ
وقفنا....................2 ... نقوِّم بالأنفاس عُوجَ الأضالِع
مواقف تُدمي كلّ سواتره ... صدوق الكرى نهانهًا غير هاجع
أنبئوا الواشي أَن يَلْهَجُوا بنا ... فلم نَتَّهِم إلّا وُشاةَ المدامِعِ
"حرف الهاء":
400- هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن الحسن بن الصاحب.
أبو الفض الحاجب.
كان حاجب الدّيوان العزيز مدَّةً، ثمّ عُزِل.
وحدَّث عَنْ: أبي نصر الزَّيْنبيّ.
ومولده في سنة ثلاثٍ وخمسين.
وتُوُفّي في ربيع الآخر.
قاله ابن السمعاني.
__________
1 عيون التواريخ "12/ 337، 339".
2 بياض بالأصل.(36/369)
401- هلال بن الحَسَن بن عليّ1.
القاضي أبو بدر السعيديّ، السَّرْخَسِيّ.
سمع السّيّد محمد بن محمد بن زيد الحُسَينيّ، وغيره.
وأجاز لعبد الرحيم بن السَّمْعانيّ.
"حرف الواو":
402- واثق بن عليّ.
البغداديّ، المقرئ.
روى عَنْ: هبة الله بن الحُصَيْن بدمشق.
"حرف الياء":
403- يحيى بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الغفّار.
أبو الوفاء الهَمَذَانيّ الصّبّاغ.
متودّد، كَيِّس، من بيت تصوُّف.
سمع: الحَسَن بن عبد الله بن ياسين إمام هَمَذَان، وأبا الفتح عَبْدُوس بن عبد الله.
كُتُب عنه: ابن السمعاني.
وتوفي في ربيع الأول.
وفيات سنة تسع وثلاثين وخمسمائة:
"حرف الألف":
404- أحمد بن سهل بن إبراهيم.
أبو عمر المساجدي، النيسابوري.
__________
1 التحبير "2/ 367".(36/370)
سمع: أبا إسحاق الشّيرازيّ، ويعقوب بن أحمد الصَّيْرفيّ، ومحمد بن إسماعيل التَّفْلِيسيّ، وأبا المعالي الْجُوَيْنيّ، وغيرهم.
روى عنه جماعة آخرهم المؤيَّد بن محمد الطُّوسيّ.
405- أحمد بن عليّ بن محمد. الأنصاريّ، البغداديّ، أبو العبّاس.
سمع: الحسين بن عليّ بن البُسْريّ، والعلّاف.
وعنه: السَّمْعانيّ، وابن عساكر.
وكان صالحًا، زاهدًا، جاوز الثّمانين.
406- أحمد بن محمد بن سعيد بن حرب1.
أبو العبّاس المسيليّ، المقرئ.
أخذ القراءات عَنْ: أَبِي داود بْن نجاح، وخازم بن محمد، وأبي الحسين العبْسيّ.
وكان من أهل الحِذق والتجويد.
صنف كتابًا "التّقريب في القراءات السَّبْع"، وتصدَّر للإقراء بإشبيلية.
أخذ عنه: عبد يحيى، وابن خير.
وحدث في هذا العام.
407- أحمد بن أبي الحسين بن أحمد بن ربيعة.
أبو الحارث الهاشميّ.
إمام جامع المنصور.
شيخ، صالح، حَسَن.
سمع: أبا الحسين بن السُّيُوريّ في حال كِبَره.
وُلِد في سنة بضعٍ وستين وأربعمائة.
وأخذ عنه ابن السمعاني قليلًا.
__________
1 غاية النهاية "1/ 115، 116"، معجم المؤلفين "2/ 106".(36/371)
408- أحمد بن محمد بن أبي عَقِيل أحمد بن عيسى.
أبو بكر السُّلَميّ، الحريريّ.
سمع: أبا نصر الزَّيْنبيّ، وعاصم بن الحَسَن، والحُمَيْديّ، وجماعة.
روى عنه: عبد الحقّ اليُوسُفيّ، وغيره.
وله شعرٌ جيّد.
كان حيًّا في هذه السَّنة ثمّ انقطع خبره.
409- إبراهيم بن محمد بن منصور بن عمر1.
أبو البدر الكَرْخيّ.
صحِب الشَيخ أبا إسحاق، وقرأ عليه شيئًا من الفقه.
وتفرّد برواية "أمالي ابن سَمْعُون"، عَنْ خديجة بنت محمد الشّاهْجانيَّة.
وسمع أيضًا من: أبي محمد الصَّرِيفينيّ، وابن النَّقُّور، وعبد الصّمد بن الميمون، وأبي بكر الخطيب، وغيرهم.
وله مشيخة في جزءٍ صغير سمعتُهُ.
قال ابن السَّمْعانيّ: وُلِد تقديرًا في سنة خمسين وأربعمائة، وأصله من كَرْخ جُدّان.
وكان يسكن في دار أبي حامد الإسْفَرَائينيّ.
وهو شَيْخ، صالح، مُعَمَّر، عجز عَن المشْي.
قلت: روى عنه هو، والحافظ ابن عساكر، وعبد الوهّاب ابن سُكَيْنَة، وعبد الله بن عثمان سِبْط ابن هَدية، وعبد العزيز بن معالي بن مَنيِنا، وعبد الملك بن المبارك الخريميّ القاضي، وعمر بن طبرزد، وإسماعيل بن هبة الله بن أبي نصر، والحسن بن مسلم الفارسيّ الزّاهد، والنّاس لثقته وحُسْن سماعه.
وتُوُفّي في التاسع والعشرين من ربيع الأَوَّل.
وآخر من روى عنه ترك بن محمد العطار.
__________
1 الأنساب "10/ 394"، المنتظم "10/ 112، 113"، سير أعلام النبلاء "20/ 79، 80"، البداية والنهاية "12/ 219".(36/372)
410- إبراهيم بن شَيْبان1.
أبو طاهر النُّفَيْليّ.
قال ابن عساكر: لم يكن بالمَرْضِيّ.
أنا عَنْ أَبِي نصر محمد بْن محمد الزَّيْنبيّ.
وإن مولده ببانياس.
"حرف التاء":
411- تاشفين2.
أمير المسلمين، ابن أمير المسلمين عليّ بْن يُوسُف بْن تاشفين، المَصْموديّ.
سلطان الملثَّمين.
وكانت تَسْمِيتُهم بالمنقبين أَوْلَى؛ لأنّهم يعملون اللّثام على أكثر الوجه، حتّى لَا يكاد يُعرف الشَيخ من الشّابّ.
وكانت دولتهم قريبًا من تسعين سنة.
خرجوا من بَرّيَّة المغرب من جهة الجنوب، كما تقدَّم في ترجمة سلطانهم أبي بكر المُتَوَفّى سنة اثنتين وستين وأربعمائة.
وُلّي تاشفين هذا الأمر بعد موت أبيه سنة سبعٍ وثلاثين، وعبد المؤمن على كَنَفه، فلم يدعْه يبلع ريقه، ولا قر له قرار.
وكانت أيامه سنتين وشهرين.
وكان فيها مقهورًا مع عبد المؤمن، وتيقّن أنّ مُلكهم سيزول، فاتي مدينة وهْران، وهي حصينة على البحر، ورأى إنْ أحاط به أمرٌ ركب منها في البحر إلى الأندلس، فإنّه كان له بالأندلس آثار حميدة، وغزوات مشهورة، نُصِر فيها على الرّوم، إذ كان واليًا عليها لأبيه.
__________
1 مختصر تاريخ دمشق لابن منظور "4/ 61، 62"، تهذيب تاريخ دمشق "2/ 220".
2 الكامل في التاريخ "10/ 578-580"، سير أعلام النبلاء "20/ 125"، الوافي بالوفيات "10/ 375، 376".(36/373)
وكان بظاهر وهْران ربْوَة على البحر، بأعلاها رِباط يأوي إليه العُبّاد، فصعِد تاشفين إليه في ليلة السّابع والعشرين من رمضان، واتّفق أنّ عبد المؤمن أرسل منْسَرًا إلى وهْران فأتوها في اليوم السّادس والعشرين، ومقدَّمهم الشَيخ عمر بن يحيى صاحب ابن تُومَرْت، فكمنوا تلك اللّيلة، وشعروا برَوَاح تاشفين إلى ذلك المكان، فقصدوه وبيّتوه، وأحرقوا الباب، فأيقن الشّابّ بالهَلَكَة، فخرج راكبًا فَرَسَه، فركضه ليثب به النّارَ وينجو، فشبّ الفَرَس واضطّرب من النّار، فتردّى في جرفٍ هناك إلى جهة البحر على حجارة، فتهشّم تاشفين، وتلف في الحال، وَقُتِلَ من كان معه من الخواص.
ومن ذلك الوقت نزل عبد المؤمن من الجبل إلى السهل، ثم توجه وتملّك تِلْمِسان سنة أربعين.
ثمّ إنّهم صلبوا تاشفين على خَشَبَة.
وعمل الموحّدون عند أخذ تِلْمِسان بأهلها مثلَ ما يعمله الفرنج، بل أشدّ، فلا قوَّة إلّا بالله.
"حرف الجيم":
412- جعفر بن يحيى1.
أبو الحَكَم الدّاني، المعروف بابن غتّال.
أخذ القراءات عَنْ أبي داود، وسمع منه ومن: أبي عَلِيّ بْن سُكَّرَة.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الأبّار: كان أديبًا، شاعرًا، كاتبًا، مفسرًا.
له خطبٌ عارض بها خُطَبَ ابن نُبَاته، وأقرأ النّاس العربيَّة.
روى عنه: أبو عبد الله المِكْناسيّ، وأبو محمد بن سُفْيان، وقرأ عليه: أبو الحَسَن بن هُذَيْل كتاب "الواضح" للزّبيديّ.
وتُوُفّي مسجونًا من قبل الدولة.
__________
1 تكملة الصلة لابن الأبار "1/ 240"، عيون التواريخ "12/ 321، 322"، غاية النهاية "1/ 199".(36/374)
المجلد السابع والثلاثون
الطبقة الخامسة والخمسون
أحداث سنة إحدى وأربعين وخمسمائة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
الطبقة الخامسة والخمسون:
"أحداث سنة إحدى وأربعين وخمسمائة":
مقتل زنكي:
في ربيع الآخر وثب ثلاثة من غلمان زنكي من آقْسُنقُر، فقتلوه وهو يحاصر جَعْبَر، فقام بأمر المَوْصِل ابنُه غازي، وبحلب نور الدّين محمود1.
احتراق قصر المسترشد:
وفيها احترق قصر المسترشد الّذي بناه في البستان، وكان فيه الخليفة، فسلِم، وتصدَّق بأموال2.
خلاف السلطان والخليفة حول دار الضرب:
وفي رَجب قدِم السّلطان مسعود، وعمل دار ضرْب، فقبض الخليفة عَلَى الضّرّاب الّذي تسّبب في إقامة دار الضّرْب، فنفذ الشِّحْنة وقبض عَلَى حاجب الخليفة، وأربعةٍ من الخواص، فغضب الخليفة، وغلّق الجامع والمساجد ثلاثة أيّام، ثمّ أُطلق الضّراب، فأطلقوا الحاجب، وسكن الأمر3.
موت ابْنَة الخليفة:
ووقع حائط بالدّار عَلَى ابْنَة الخليفة، وكانت تصلح للزَواج، واشتد حزنهم عليها، وجلسوا ثلاثة أيام4.
__________
1 الكامل في التاريخ "11/ 109-112"، والمنتظم "10/ 119"، وسير أعلام النبلاء "20/ 189-191"، والدرة المضية "546"، والجوهر الثمين "1/ 208"، وشذرات الذهب "4/ 128".
2 البداية والنهاية "12/ 220"، وعيون التواريخ "12/ 407".
3 المنتظم "10/ 119"، وتاريخ الخلفاء "438".
4 البداية والنهاية "12/ 221".(37/3)
إبطالُ مَكْس حقّ البيع:
وفي ذي القعدة جلس ابن العبّاديّ الواعظ، فحضر السّلطان مسعود، فعرَّض بذِكر حقّ البيع، وما جرى عَلَى النّاس، ثمّ قَالَ: يا سلطان العالم: أنت تهبُ في ليلةٍ لمطربٍ بقدْر هذا الّذي يوجد من المسلمين، فاحسبني ذَلكَ المطرب، وهبْه لي، واجعله شُكرًا لله بما أنعم عليك.
فأشار بيده: إنّي قد فعلت، فارتفعت الضّجَّة بالدّعاء لَهُ، ونودي في البلد بإسقاطه، وطيف بالألواح الّتي نقِش عليها تَرْك المُكوس في الأسواق، وبين يديها الدّبادب والبُوقات، إلى أن أمر الناصر لدين اللَّه بقلْع الألواح، وقال: ما لنا حاجة بآثار الأعاجم1.
حجّ الوزير ابن جَهير:
وحجّ الوزير نظام الدّين بْن جَهير.
حَجّ المؤرّخ ابن الجوزي:
قَالَ ابن الجوزيّ: وحججت أَنَا بالزوجة والأطفال2.
ملْك الفرنج طرابلس المغرب:
وفيها، قَالَ ابن الأثير3: ملَكَت الفرنج طرابُلُسَ المغرب. جهّز الملك رُجار صاحب صَقَلِّية في البحر أسطولًا كبيرًا، فسار يومًا في ثالث المحرَّم، فخرج أهلها، ودام الحرب ثلاثة أيّام، فاتّفق أن أهلها اختلفوا، وخلَت الأسوار، فنصبت الفرنج السّلالم، وطلعوا وأخذوا البلد بالسّيف واستباحوه، ثمّ نادوا بالأمان، فظهر من سلِم، وعمّرتها الفرنج وحصّنوها4.
__________
1 البداية والنهاية "12/ 221"، وعيون التواريخ "12/ 407".
2 المنتظم "10/ 120"، ومرآة الزمان "ج8 ق1/ 188".
3 الكامل في التاريخ "11/ 108".
4 العبر "4/ 111"، والبداية والنهاية "12/ 221"، واتعاظ الحنفا "2/ 181".(37/4)
مقتل زنكي:
وفيها: قُتل زَنكي1.
تسلمّ صاحب دمشق بعلبكَّ صُلحًا:
وفيها: قصد صاحب دمشق بَعْلَبَكّ وحاصرها، وبها نائب زنْكيّ الأمير نجم الدّين أيّوب بْن شاذي، فسلّمها صُلحًا لَهُ، وأقطعه خُبزًا بدمشق، وملّكه عدَّة قرى، فانتقل إلى دمشق وسكنها2.
فتوحات عبد المؤمن بالمغرب:
وفيها: سار عبد المؤمن بجيوشه بعد أن افتتح فاس إلى مدينة سَلا فأخذها، ووَحَّدَتْ مدينةُ سَبْتَة، فأمّنهم، ثمّ سار إلى مَرّاكُش، فنزل عَلَى جبلٍ قريبٍ منها، وبها إسحاق بْن عليّ بْن يوسُف بْن تاشفين، فحاصرها أحد عشر شهرًا، ثمّ أخذها عَنْوةً بالسّيف في أوائل سنة اثنتين وأربعين، واستوثق لَهُ الأمرُ ونزلها. وجاءه جماعةٌ من وجوه الأندلسيّين وهو عَلَى مَرّاكُش باذِلين لَهُ الطّاعة والبَيْعة، ومعهم مكتوبٌ كبيرٌ فيه أسماء جميع الّذين بايعوه من الأعيان. وقد شهد من حضر عَلَى من غاب. فأعجبه ذَلكَ، وشكر هجرتهم، وجهّز معهم جيشًا مَعَ أَبِي حفص عُمَر بْن صالح الصّنْهاجيّ من كبار قُواده، فبادر إلى إشبيلية فنازلها، ثم افتتحها بالسّيف.
وذكر اليَسَع بْن حزْم أنّ أهل مَرّاكُش مات منهم بالجوع أيّام الحصار نيفٌ عَلَى عشرين ومائة ألف. حدَّثنيه الدافنُ لهم.
ولمّا أراد فتحها، داخلت جيوش الرّوم الّذين بها أمانًا، فأدخلوه من باب أَغْمات، فدخلها بالسّيف، وضرب عنق إسحاق المذكور، في عدَّةٍ من القُوّاد.
قَالَ اليَسَع: قُتل ذَلكَ اليوم ممّا صحّ عندي نيف على السبعين ألف رجل3:
__________
1 تقدم قبل قليل مفصلًا.
2 الكامل في التاريخ "11/ 118"، والبداية والنهاية "12/ 221".
3 المختصر في أخبار البشر "3/ 19"، وعيون التواريخ "12/ 408".(37/5)
أحداث سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة:
ولاية ابن هبيرة ديوان الزمام:
فيها: ولي أبو المظفر يحيى بن هُبيرة ديوان الزمام1.
مقتل بُزَبَة شِحنة أصبهان:
وفيها: سار الأمير بُزَبة واستمال شِحْنة أصبهان، وانْضاف معه محمد شاه، فأرسل السّلطان مسعود عساكر أَذَرْبَيْجان، وكان بُزَبة في خمسة آلاف، فالتقوا، فكسرهم بُزَبَة، واشتغل جيشه بالنَّهْب، فجاء في الحال مسعود بعد المصافّ في ألف فارس، فحمل عليهم، فتقنطر الفَرَسُ ببُزبة، فوقع وجيء بِهِ إلى مسعود، فوسَّطه، وجيء برأسه فعُلِّق ببغداد2.
وزارة عليّ بْن صَدَقة:
وعُزل أبو نصر جَهِير عَن الوزارة بأبي القاسم عليّ بْن صَدَقَة، شافهه بالولاية المقتفي، وقرأ ابن الأنباريّ كاتبُ الإنشاء عهدَه3.
محاربة سلاركُرد لابن دُبَيس:
وقدِم سلاركُرد عَلَى شِحنكية بغداد، وخرج بالعسكر لحرب عليّ بْن دُبيس، فالتقوا، ثمّ اندفع عليّ إلى ناحية واسط، ثمّ عاد وملك الحِلة4.
مباشرة أَبِي الوفا قضاء بغداد:
وباشر قضاءَ بغداد أبو الوفا يحيى بْن سعيد بْن المرخّم في الدَّسْت الكامل، عَلَى عادة القاضي الهَرَويّ.
وكان أبو الوفا بئس الحاكم، يرتشي ويُبطل الحقوق5.
__________
1 المنتظم "10/ 124"، والكامل في التاريخ "11/ 123"، والبداية والنهاية "12/ 222".
2 المنتظم "10/ 120"، والكامل في التاريخ "11/ 119"، وذيل تاريخ دمشق "294، 295".
3 المنتظم "10/ 125".
4 المنتظم "10/ 125".
5 المنتظم "10/ 125"، ومرآة الزمان "ج8 ق1/ 187".(37/6)
بروز ابن المستظهر إلى ظاهر بغداد:
وفي رمضان برز إسماعيل بْن المستظهر أخو الخليفة من داره إلى ظاهر بغداد، فبقي يومين، وخرج متنكِّرًا، عَلَى رأسه شَكّة، وبيده قَدَحٌ، عَلَى وجه التنزّه، فانزعج البلد، وخافوا أن يعود ويخرج عليهم، وخاف هُوَ أن يرجع إلى الدّار، فاختفى عند قومٍ، فأذِنوا لَهُ، فجاء أستاذ الدار والحاجب وخدموه وردّوه1.
فتح نور الدين أرتاح:
وفيها: سار نور الدّين محمود بْن زَنْكيّ صاحب حلب يومئذٍ ففتح أَرْتاح2، وهي بقرب حلب، استولت عليها الفرنج، فأخذها عَنْوَةً. وأخذ ثلاثة حصون صغار للفرنج، فهابتْه الفرنج، وعرفوا أنه كبْسٌ نطّاح مثل أبيه وأكثر3.
أخذ غازي دارا وحصاره ماردين ووفاته:
وفيها: سار أخوه غازي صاحب المَوْصِل إلى ديار بَكْر، فأخذ دارا وأخربها ونهبها، ثمّ حاصر ماردين، فصالحه حسام الدّين تِمرتاش بْن إيلغازيّ، وزوّجه بابنته، فلم يدخل بها، ومرض ومات، فتزوّجها أخوه قَطْب الدّين4.
الغلاء بإفريقية:
وفيها: وفي السّنين الخمس الّتي قبلها، كَانَ الغلاء المُفرط بإفريقيَّة، وعظُم البلاء بهم في هذا العام حتّى أكل بعضهم بعضًا5.
زواج نور الدين محمود:
وفيها تزوّج الملك نور الدّين بالخاتون ابْنَة الأتابك معين الدّين أُنُر، وأُرسلت إِلَيْهِ إلى حلب.
__________
1 المنتظم "10/ 126".
2 أرتاح: اسم حصن منيع كان في العواصم من أعمال حلب "معجم البلدان 1/ 140".
3 الكامل في التاريخ "11/ 122"، والمختصر في أخبار البشر "3/ 19"، والعبر "4/ 114"، والنجوم الزاهرة "5/ 280".
4 الكامل في التاريخ "11/ 123، 124".
5 الكامل في التاريخ "11/ 124"، والبداية والنهاية "12/ 222".(37/7)
أحداث سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة:
هزيمة الفرنج عند دمشق:
فيها: جاءت من الفرنج ثلاثة ملوك إلى بيت المقدس، وصلّوا صلَاة الموت، وردّوا عَلَى عكّا، وفرّقوا في العساكر سبعمائة ألف دينار، وعزموا عَلَى قصد الإسلام. وظنّ أهل دمشق أنّهم يقصدون قلعتين بقرب دمشق، فلم يشعروا بهم في سادس ربيع الأوّل إلّا وقد صبّحوا دمشق في عشرة آلاف فارس، وستّين ألف راجل، فخرج المسلمون فقاتلوا، فكانت الرَّجّالة الّذين برزوا لقتالهم مائةً وثلاثين ألفًا، والخيّالة طائفةً كبيرة، فقُتل في سبيل اللَّه نحو المائتين، منهم الفقيه يوسف الفنْدلاويّ1، والزّاهد عبد الرحمن الحلْحُوليّ2. فلمّا كَانَ في اليوم الثّاني، خرجوا أيضًا، واستُشْهِد جماعة، وقتلوا من الفرنج ما لا يُحصى.
فلمّا كَانَ في اليوم الخامس، وصل غازي بْن أتابك زنْكي في عشرين ألف فارس، ووصل أخوه نور الدّين محمود إلى حماه رديفًا لَهُ. وكان في دمشق البكاء والتّضرُّع وفرْش الرّماد أيّامًا، وأُخرج مُصحف عثمان إلى وسط الجامع. وضجّ النساء والأطفال مكشّفين الرؤوس، فأغاثهم اللَّه.
وكان مَعَ الفرنج قِسّيس ذو لحية بيضاء، فركب حمارًا، وعلّق في حلقه الطِّيب، وفي يديه صليبين، وقال للفرنج: أَنَا قد وعدني المسيح أن آخذ دمشق، ولا يردّني أحد. فاجتمعوا حوله، وأقبل يريد البلد، فلمّا رآه المسلمون صدقت نيّتُهم، وحملوا عَلَيْهِ، فقتلوه، وقتلوا الحمار، وأحرقوا الصّلْبان، وجاءت النّجدة المذكورة، فهزم اللَّه الفرنج، وقُتل منهم خلْق3.
رواية ابن الأثير عَن انهزام الفرنج:
قَالَ ابن الأثير4: سار ملك الألمان من بلاده في خلْقٍ كثير، عازمًا عَلَى قصد الإسلام، واجتمعت معه فرنج الشّام، وسار إلى دمشق، وفيها مجير الدين أبَق بن
__________
1 ستأتي ترجمته برقم "187".
2 ستأتي ترجمته برقم "154".
3 الكامل في التاريخ "11/ 129-131"، والبداية والنهاية "12/ 223، 224".
4 في الكامل "11/ 129-131".(37/8)
محمد بْن بُوري، وأتابكه مُعِزّ الدّين أُنُر، وهو الكُلّ، وكان عادلًا، عاقِلًا، خيِّرًا، استنجد بأولاد زنْكيّ، ورتّب أمور البلد، وخرج بالنّاس إلى قتال الفرنج، فقويت الفرنج، وتقهقر المسلمون إلى البلد. ونزل ملك الألمان بالميدان الأخضر، وأيقن النّاس بأنّه يملك البلد، وجاءت عساكر سيف الدّين غازي، ونزلوا حمص، ففرح النّاس وأصبح معين الدّين يَقُولُ للفرنج الغرباء: إنّ ملك الشّرق قد حضر، فإنْ رحلتم، وإلّا سلّمت دمشق إِلَيْهِ، وحينئذٍ تندمون.
وأرسل إلى فرنج الشّام يَقُولُ لهم: بأيّ عقلٍ تساعدون هَؤُلّاءِ الغرباء علينا، وأنتم تعلمون أنّهم إنّ ملكوا أخذوا ما بأيديكم من البلاد السّاحليَّة؟ وأنا إذا رَأَيْت الضعفَ عَنْ حَفْظ البلد سلّمته إلى ابن زنْكي، وأنتم تعلمون أنّه إن ملَك لا يبقى لكم معه مُقامٌ بالشّام.
فأجابوه إلى التّخلّي عَنْ ملك الألمان، وبذلَ لهم حصن بانياس، فاجتمعوا بملك الألمان، وخوّفوه من عساكر الشّرق وكثْرتها، فرحل وعاد الى بلاده، وهي وراء القسطنطينيَّة.
قلت: إنّما كَانَ أجل قدومه لزيارة القدس، فلمّا ترحّلوا سار نور الدّين محمود إلى حصن العزيمة، وهو للفرنج، فملكه. وكان في خدمته معين الدّولة أنُر بعسكر دمشق.
ظهور الدولة الغوريَّة:
وفيها: كَانَ أول ظهور الدّولة الغوريَّة، وحشدوا وجمعوا. وكان خروجهم في سنة سبعٍ وأربعين1.
هرب رضوان وزير مصر ومقتله:
وفيها: نقب الحبس رضوان2، الّذي كَانَ وزير الحافظ صاحب مصر، وهرب عَلَى خيل أُعِدَّت لَهُ، وعبَر إلى الجيزة. وكان لَهُ في الحبْس تسعُ سِنين.
وقد كنّا ذكرنا أنّه هرب إلى الشّام، ثمّ قدِم مصرَ في جمْعٍ كبير، فقاتل المصريّين
__________
1 الكامل في التاريخ "11/ 135".
2 هو: رضوان بن ولخشي.(37/9)
عَلَى باب القاهرة وهزمهم، وقتل خلْقًا منهم، ودخل البلد، فتفرَّق جَمْعُه، وحبسه الحافظ عنده في القصر، وجمع بينه وبين أهله، وبقي إلى أن بعث الجيش يأتي من الصّعيد بجموع كثيرة، وقاتل عسكر مصر عند جامع ابن طولون فهزمهم، ودخل القاهرة، وأَرسل إلى الحافظ يطلب منه رسم الوزارة عشرين ألف دينار، فبعثها إِلَيْهِ، ففرَّقها، وطلب زيادةً، فأرسل إِلَيْهِ عشرين ألف أخرى، ثمّ عشرين ألف أخرى. وأخذ النّاس منه العطاء وتفرّقوا. وهيّأ الحافظ جَمْعًا كبيرًا من العبيد وبعثهم، فأحاطوا بِهِ، فقاتلهم مماليكه ساعةً. وجاءته ضربةٌ فقُتل1. ولم يستوزر الحافظ أحدًا من سنة ثلاثٍ وثلاثين إلى أن مات.
ظهور الدعوة النزاريَّة بمصر:
قَالَ سِبط الجوزيّ2: فيها ظهر بمصر رجلٌ من ولد نزار بْن المستنصر يطلب الخلافة، واجتمع معه خلْق، فجهّز إِلَيْهِ الحافظ العساكر، والتقوا بالصّعيد، فقُتل جماعة، ثمّ انهزم النزاري، وقُتل ولده3.
إبطال الأذان بـ "حيّ عَلَى خير العمل" بحلب:
وفيها أمر نور الدّين بإبطال "حيَّ عَلَى خير العمل" من الأذان بحلب، فعظُم ذَلكَ عَلَى الإسماعيليَّة والرَّافضة الّذين بها4.
فتنة خاصّبك السلطان مسعود:
وكان السّلطان مسعود قد مكّن خاصّبَك من المملكة، فأخذ يقبض عَلَى الأمراء، فتغيّروا عَلَى مسعود وقالوا: إمّا نَحْنُ، وإمّا خاصّبَك، فإنّه يحملك عَلَى قتْلنا. وساروا يطلبون بغداد، ومعهم محمد شاه ابن السّلطان محمود، فانجفل الناس واختبطوا، وهرب الشِحنة إلى تِكْريت، وقطع الجسر، وبعث المقتفي ابن العبّاديّ الواعظ رسولًا إليهم، فأجابوا: نَحْنُ عبيد الخليفة وعبيد السّلطان، وما فارقناه إلّا خوفًا من خاصّبَك، فإنّه قد أفنى الأمراء، فقتل عبد الرحمن بن طُوَيرك، وعبّاسًا،
__________
1 أخبار مصر لابن ميسر "2/ 87"، والنجوم الزاهرة "5/ 281".
2 في مرآة الزمان "ج8 ق1/ 199".
3 ذيل تاريخ دمشق "302"، والنجوم الزاهرة "5/ 282".
4 ذيل تاريخ دمشق "301"، وعيون التواريخ "12/ 418"، والنجوم الزاهرة "5/ 282".(37/10)
وبُزَبَه، وتَتر، وصلاح الدّين، وما عَن النَّفس عوض. وما نحن بخوارج ولا عُصاة، وجئنا لنُصلح أمرنا مَعَ السّلطان.
وكانوا: ألبُقُش، وألْذكز، وقيمز، وقرقُوب1، وأخو طُويرك2، وطرْنطاي، وعليّ بْن دُبيس. ثمّ دخلوا بغداد، فمدّوا أيديهم، وأخذوا خاصّ السّلطان، وأخذوا الغلّات، فثار عليهم أهل باب الأزَج3 وقاتلوهم، فكتب الخليفة مسعود، فأجابه: قد برِئَت ذِمَّة أمير المؤمنين من العهد الّذي بيننا، بأنّه لا يجنِّد، فيحتاط للمسلمين. فجنّد وأخرج السُّرادقات، وخندق، وسدّ العقود، وأولئك ينهبون في أطراف بغداد، وقسّطوا الأموال عَلَى مَحال الجانب الغربيّ وراحوا إلى دُجيل وأخذوا الحريم والبنات، وجاءوا بهنّ إلى الخِيَم.
ثمّ وقع القتال، وقاتلت العامَّة بالمقاليع، وقُتل جماعة. فطلع إليهم الواعظ الغزْنَوي فذمّهم وقال: لو جاء الفرنج لم يفعلوا هذا. واستنقذ منهم المواشي، وساقها إلى البلد، وقبض الخليفة عَلَى ابن صَدَقَة، وبقي الحصار أيّامًا، وخرج خلقٌ من العوامّ بالسّلاح الوافر، وقاتلوا العسكر، فاستجرّهم العسكر، وانهزموا لهم، ثمّ خرج عليهم كمين فهربوا، وقُتل من العامَّة نحو الخمسمائة.
ثمّ جاءت الأمراء، فرموا نفوسهم تحت التّاج وقالوا: لم يقع هذا بِعلْمنا، وإنّما فعله أَوْباشٌ لم نأمرهم. فلم يَقْبل عُذرهم. فأقاموا إلى الليل وقالوا: نحن قيامٌ على رؤوسنا، لا نبرح حتّى تعفي عَنْ جُرمنا.
فجاءهم الخادم يقول: عفا عنكم أمير المؤمنين فأمْضوا. ثمّ سار العسكر، وذهب بعضهم إلى الحِلَّة، وبعضهم طلب بلاده4.
الغلاء والجوع:
ووقع الغلاء، ومات بالجوع والعري أهلُ القرى، ودخلوا بغداد يستعطون5.
__________
1 في المنتظم "قرقوت".
2 في الكامل "11/ 132"، "وابن طغايرك".
3 الأزج: محلة معروفة ببغداد.
4 المنتظم "10/ 131-133"، والكامل في التاريخ "11/ 132-134".
5 المتظم "10/ 134"، والكامل في التاريخ "11/ 137"، والعبر "4/ 118".(37/11)
وفاة القاضي الزينبي:
ومات قاضي القُضاة الزَّيْنَبيِّ، وقُلِّد مكانه أبو الحسن عليّ بْن أحمد بْن عليّ بْن الدّامغانيّ1.
دخول ملك صقلّية مدينة المهديَّة:
وفيها: الغلاء مستمر بإفريقية، وجلا أكثر النّاس ووجد خلْق في جزيرة صَقَلِّية، وعظُم الوباء. فاغتنم الملعون رُجار صاحب صَقَلّية هذه الشّدَّة، وجاء في مائتين وخمسين مركبًا، ونزل عَلَى المَهْديَّة، فأرسل إلى صاحبها الحسين بْن عليّ بْن يحيى بْن تميم بْن باديس: إنّما جئت طالبًا بثأر محمد بْن رشيد صاحب فاس، وردّه إلى فاس. وأنت فبيننا وبينك عهدٌ إلى مدَّةٍ، ونريد منك عسكرًا يكون معنا.
فجمع الحَسَن الفُقهاء والكبار وشاورهم، فقالوا: نقابل عدوّنا، فإنّ بلدنا حصين.
قَالَ: أخاف أن ينزل البرَّ ويحاصرنا برًّا وبحرًا ويمنعنا الميرة، ولا يحلّ لي أن أُعطيه عسكرًا يقاتل بِهِ المسلمين، وإنِ امتنعتُ قَالَ: نقَضْت. والرأي أن نخرج بالأهل والولد، ونترك البلد، فمن أراد أن ينزح فلْيَنْزَح.
وخرج لوقته، فخرج الخلْق عَلَى وجوههم، وبقي من احتمى بالكنائس عند أهلها، وأخذت الفرنج المهدّية بلا ضرْبة ولا طَعْنة، فإنّا لله وإنّا إِلَيْهِ راجعون. فوقع النّهب نحو ساعتين، ونادوا بالأمان.
وسار الحَسَن إلى عند أمير عرب تِلْكَ النّاحية، فأكرمه. وصار الإفرنج من طرابُلُس الغرب إلى قرب تونس.
وأمّا الحَسَن، فعزم عَلَى المسير إلى مصر، ثمّ عزم على المسير إلى عبد المؤمن هُوَ وأولاده، وهو التّاسع من ملوك بني زيري. وكانت دولتهم بإفريقيَّة مائتين وثمان سنين2.
__________
1 المنتظم "10/ 134"، وذيل تاريخ دمشق "303".
2 الكامل في التاريخ "11/ 125"، والبداية والنهاية "12/ 223".(37/12)
أحداث سنة أربع وأربعين وخمسمائة:
ارتفاع الغلاء عَنْ بغداد:
في المحرَّم ارتفع عَن النّاس ببغداد الغلاء، وخرج أهل القرى1.
مقتل صاحب أنطاكية:
وغزا نور الدّين محمود بْن زنْكي فكسر الفرنج، وقتل صاحب أنطاكية. وكانت وقعة عظيمة، قُتل فيها ألف وخمسمائة من الفرنج، وأُسر مثلُهم، وذلّ دين الصّليب2.
فتح فامية:
ثمّ افتتح نور الدّين حصن فامية، وكان عَلَى أهل حماة وحمص منه غاية الضَّرَر3.
وقوع جوسلين في الأسر:
وكان جوسلين، لعنه اللَّه، قد أَلَهبَ الخلْق بالأَذّية والغارات، وهو صاحب تلّ باشر، وأعزاز، وعينتاب، والرّاوندان، وبهَسْنا والبيرة، ومَرْعَش، وغير ذَلكَ، فسار لحربه سِلَحْدار نور الدّين، فأسره جوسلين، فدسّ نور الدّين جماعةً من التُّركمان: مَن جاءني بجوسلين أعطيتُه مهما طلب.
فنزلوا بأرض عَنْتاب، فأغار عليهم جوسلين، وأخذ امْرَأَةً مليحةً فأعجبته، وخلا بها تحت شجرة، فكمن لَهُ التُّركمان وأخذوه أسيرًا حقيرًا، وأحضروه إلى نور الدّين، فأعطى الّذي أسره عشرة آلاف دينار.
وكان أسرُه فتحًا عظيمًا. واستولى نور الدّين عَلَى أكثر بلاده4.
__________
1 المنتظم "10/ 137"، والكامل في التاريخ "11/ 146".
2 ذيل تاريخ دمشق لابن القلانسي "304، 305"، والمنتظم "10/ 137"، والعبر "4/ 120، 121"، والبداية والنهاية "12/ 225".
3 الكامل في التاريخ "11/ 149"، والعبر "4/ 121"، وعيون التواريخ "12/ 231".
4 الكامل في التاريخ "11/ 144"، وعيون التواريخ "12/ 421".(37/13)
وزارة ابن هبيرة:
وفي ربيع الآخر استوزر الخليفة أبا المظفر بْن هُبيرة، ولَقَبُه: عون الدّين1.
قصْدُ ألْبقش العراق وطلب السلطنة لملكشاه:
وفي رجب جمع ألبُقُش وقصد العراق، وانضمّ إِلَيْهِ مَلِكْشاه بْن السّلطان محمود، وعليّ بْن دُبيس، وطرنْطاي، وخلْق من التُّرْكمان. فلمّا صاروا عَلَى بريدٍ من بغداد، بعثوا يطلبون أن يسلطن ملكشاه، فلم يَجِبْهم الخليفة، وجمع العسكر وتهيّأ وبعث البريد إلى السّلطان مسعود يستحثّه، فلم يتحرّك، فبعث إِلَيْهِ عمّه سَنْجَر يَقُولُ لَهُ: قد أخربت البلاد في هوى ابن البلنكريّ، فنفّذه هُوَ، والوزير، والجاوليّ، وإلّا ما يكون جوابك غيري. فلم يلتفت لسَنْجَر، فأقبل سَنْجَر حتّى نزل الرّيّ، فعلم مسعود، فسار إِلَيْهِ جريدةً، فترضّاه وعاد. ثمّ قدِم بغداد في ذي الحجَّة واطمأنّ النّاس.
الحجّ العراقيّ:
وفيها: حجّ بالعراقيّين نَظَر الخادم، فمرض من الكوفة فردّ، واستعمل مكانه قَيماز الأُرْجُوانيّ. ومات نَظَر بعد أيّام2.
الزلزلة ببغداد:
وفي ذي الحجَّة جاءت زلزلة عظيمة، وماجت بغداد نحو عشْر مرّات، وتقطّع بحُلْوان جبلٌ من الزّلزلة. وهلك عالَمٌ من التُّرْكمان3.
وفاة صاحب الموصل:
وفيها: مات صاحب المَوْصِل سيف الدّين غازي بْن زنْكيّ، وملَك بعده أخوه مَوْدُود. وعاش غازي أربعًا وأربعين سنة. مليح الصّورة والشَّكْل، وخلّف ولدًا توفي شابًا، ولم يُعقب4.
__________
1 المنتظم "10/ 137"، والبداية والنهاية "12/ 225".
2 المتظم "10/ 138" والبداية والنهاية "12/ 226".
3 الكامل في التاريخ "11/ 146"، والبداية والنهاية "12/ 225".
4 الكامل في التاريخ "11/ 138"، وسير أعلام النبلاء "20/ 192، 193"، والبداية والنهاية "12/ 227".(37/14)
الخلاف بين رُجار وصاحب القسطنطينية:
وفيها: وقع الخُلف بين رُجار الإفرنجيّ صاحب صَقَلِّية، وبين صاحب القُسطنطينيَّة. ودامت الحروب بينهم سِنين، فاشتغل رُجار عَنْ إفريقيَّة1.
ومن حوادث سنة أربع وأربعين وخمسمائة:
رواية ابن القلانسي عَن انتصار نور الدين عَلَى صاحب أنطاكية:
قَالَ أبو يَعلى التّميميّ في "تاريخه"2: كَانَ قد كَثُر فساد الفرنج المقيمين بعكا، وصور، والسواحل، بعد رحيلهم عَنْ حصار دمشق، وفساد شروط الهدنة الّتي بين أُنُر وبينهم. فشرعوا في العَبَث بالأعمال الدّمشقيَّة، فنهض معين الدّين أنُر بالعسكر مُغيرًا عَلَى ضياعهم، وخيّم بحَوْران، وكاتَب العربَ، وشنّ الغارات عَلَى أطراف الفرنج، وأطلق أيدي التُّرْكمان في نهْب أعمال الفرنج، حتّى طلبوا تجديد الهدنة والمسامحة ببعض المقاطعة، وتردّدت الرُسل، ثمّ تقرَّرت الموادعة مدَّة سنتين، وتحالفوا عَلَى ذَلكَ.
ثمّ بعث أنُر الأميرَ مجاهد الدّين بُزان بْن مامين في جيشٍ نجدةً لنور الدين عَلَى حرب صاحب أنطاكية، فكانت تِلْكَ الوقعة المشهودة الّتي انتصر فيها نور الدّين عَلَى الفرنج، ولله الحمد والمِنة. وكان جَمعه نحوًا من ستَّة آلاف فارس سِوَى الأتباع، والفرنج في أربعمائة فارس، وألف راجل، فلم ينجُ منهم إلّا اليسير، وقُتل ملكهم البلنس، فحُمل رأسه إلى نور الدّين. وكان هذا الكلب أحد الأبطال والفُرسان المشهورين بشدَّة البأس، عظيم الخلْقة والتّباهي في الشّرّ.
ثمّ نازل نور الدّين أنطاكية وحاصرها إلى أن ذَلّوا وسلّموها بالأمان. فرتَّب فيها مَن يحفظها، فجاءتها أمداد الفرنج، ثمّ اقتضت الحال مهادنَة من في أنطاكية وموادعتهم.
__________
1 الكامل في التاريخ "11/ 145"، ودول الإسلام "2/ 60".
2 ذيل تاريخ دمشق "304، 305".(37/15)
موت معين الدين أنُر:
وأمّا معين الدّين أنُر فإنّه مرض، وجيء بِهِ من حَوْران في مِحَفَّةٍ، ومات بدُوسنْطاريا في ربيع الآخر، ودُفن بمدرسته1.
الوحشة بين مؤيّد الدين ومجير الدين:
ثمّ جَرَت واقعة عجيبة. استوحش الرئيس مؤيَّد الدّين من الملك مُجير الدّين استيحاشًا أوجب جمعَ من أمكنه واقعةً من أحداث دمشق والْجَهَلة، ورتّبهم حول داره، ودار أخيه زين الدّولة حَيْدرة للاحتماء بهم، وذلك في رجب. فنفذ مجير الدّين يطيّب نفوسهما، فما وُفِّق، بل جَدّا في الجمْع والاحتشاد من العوامّ والجُند، وكسروا السجن وأطلقوا مَن فيه، واستنفروا جماعة من الشّواغرة2 وغيرهم، وحصلوا في جمعٍ كثيرٍ امتلأت بهم الطُّرُق. فاجتمعت الدّولة في القلعة بالعُدد، وأخرِجت الأسلحة، وفرَقت عَلَى الجند، وعزموا عَلَى الزّحف إلى جمْع الأوباش، ثمّ تمهّلوا حقنًا للدّماء، وخوفًا من نهْب البلد، وأَلَحُّوا عَلَى الرئيس وتلطّفوا إلى أن أجاب، واشترط شروطًا أُجيب إلى بعضها، بحيث يكون ملازمًا لداره، ويكون ولده وولد أخيه في الدّيوان، ولا يركب إلى القلعة إلّا مُسْتَدْعيًا إليها.
ثمّ حدث بعد ذَلكَ عَوْد الحال إلى ما كانت عَلَيْهِ، وجمع الجمْع الكثير من الأجناد والمقدَّمين، والفلّاحين، واتّفقوا عَلَى الزّحف إلى القلعة وحصرها، وطلب من عيَّنَه من أعدائه، فنشبت الحرب، وجُرح وقُتل جماعة. ثمّ عاد كلّ فريقٍ إلى مكانه.
ووافق ذَلكَ هروب السّلار زين الدّين إسماعيل شِحنة البلد وأخوه إلى ناحية بَعْلَبَكّ.
ولم تزل الفتنة هائجةً، والمحاربة متّصلةً، إلى أن أُجيب إلى إبعاد من التمس إبعادَه من خواصّ مُجير الدّين. ونُهبت دار السّلار وأخيه، وخلع عَلَى الرئيس وأخيه، وحَلَف لهما مُجير الدّين، وأعاد الرئيس إلى الوزارة، بحيث لا يكون له في الأمر معترض ولا مُشارك3.
__________
1 الكامل في التاريخ "11/ 147"، وسيأتي ترجمته برقم "201".
2 الشواغرة: نسبة إلى الشاغور محلة بالباب الصغير من دمشق وهي في ظاهر المدينة: "معجم البلدان 3/ 310".
3 ذيل تاريخ دمشق "307، 308"، وعيون التواريخ "12/ 430، 431".(37/16)
موت الحافظ لدين الله وخلافة الظاهر بمصر:
وأمّا مصر، فمات بها الحافظ لدين اللَّه عبد المجيد العُبيدي، وأقيم بعده ابنه الظّافر إسماعيل.
ووَزَرَ لَهُ أمير الجيوش ابن مصال المغربيّ، فأحسن السّيرة والسّياسة. ثمّ اضطّربت الأمور واختلفت العساكر، بحيث قُتل خلقٌ منهم1.
محبَّة الدمشقيّين نور الدين:
وأمّا أعمال دمشق كَحْوران، وغيرها، فعبث بها الفرنج، وأجدبت الأرض، ونزح الفلّاحون، فجاء نور الدّين بجيشه إلى بَعْلَبَكّ ليوقع بالفرنج، ففتح اللَّه بنزول غيثٍ عظيم، فعظُم الدعاء لنور الدين، وأحبه أهل دمشق وقالوا: هذا ببركته وحُسن سيرته2.
مصالحة نور الدين ومجير الدين:
ثمّ نزل عَلَى جسر الخشب في آخر سنة أربع، وراسل مُجير الدّين، والرئيس يَقُولُ: إنّني ما قصدتُ بنزولي هنا طلبًا لمحاربتكم، وإنّما دعاني كثرة شكاية أهل حَوْران والعُربان. أخذت أموالهم وأولادهم، ولا ينصرهم أحد فلا يَسَعني مَعَ القُدرة عَلَى نُصرتهم القعودُ عَنْهُمْ، مَعَ عِلْمٍ بعجزكم عَنْ حِفْظ أعمالكم والذّبّ عَنْهَا، والتّقصير الّذي دعاكم إلى الاستصراخ بالإفرنج عَلَى محاربتي، وبذلكم لهم أموالَ الضعفاء من الرَعيَّة ظُلْمًا وتعديًا. ولابد من المعونة بألف فارس يجرَّد مَعَ مقدَّمٍ لتخليص ثغر عسقلان وغيره.
فكان الجواب: لَيْسَ بيننا وبينك إلّا السّيف. فكثر تعجُّب نور الدّين، وأنكر هذا، وعزم عَلَى الزَّحْف إلى البلد، فجاءت أمطارٌ عظيمة منعته من ذَلكَ3.
ثمّ تقرَّر الصُّلْح في أوّل سنة خمسٍ وأربعين، فإنّ نور الدّين أشفق من سفْك
__________
1 ذيل تاريخ دمشق "308"، والكامل في التاريخ "11/ 141، 142"، والبداية والنهاية "12/ 226"، وشذرات الذهب "4/ 138".
2 ذيل تاريخ دمشق "308، 309"، وعيون التواريخ "12/ 431".
3 ذيل تاريخ دمشق "309".(37/17)
الدّماء، فبذلوا لَهُ الطّاعة، وخطبوا لَهُ بجامع دمشق بعد الخليفة والسّلطان، وحلفوا لَهُ. فخلع نور الدّين عَلَى مجير الدّين خِلْعةً كاملةً بالطَّوْق، وأعاده مكرّمًا، محتَرَمًا. ثمّ استدعى الرئيس إلى المخيَّم، وخلع عَلَيْهِ، وخرج إِلَيْهِ المقدَّمون، واختلطوا بِهِ، وردّ إلى حلب.
مضايقة الملك مسعود تلّ باشر:
وجاء الخبر بأنّ الملك مسعود نزل عَلَى تلّ باشِر وضايقها1.
عودة الحُجاج وما أصابهم:
ثمّ قدِم حُجاج العراق وقد أُخذوا، وحكوا مُصِيبةً ما نزل مثلُها بأحدٍ. وكان رَكْبًا عظيمًا من وجوه خُراسان وعُلمائها، وخواتين الأمراء خلْق. فأُخذ جميع ذَلكَ، وقُتل الأكثر، وسلِم الأقل، وهُتكت الحُرم، وهلك خلقٌ بالجوع والعطش2.
رحيل مسعود عَنْ تلّ باشر 3:
وأمّا مسعود، فإنّه ترحّل عَنْ تلّ باشِر.
مصالحة مجاهد الدين لصاحب دمشق:
وتوجّه مجاهد الدّين بُزان إلى حصن صرْخد، وهو لَهُ، لترتيب أحواله. وعرضت لَهُ نفرةٌ من صاحب دمشق ورئيسها، ثمّ طُلب، واصطلحوا عَلَى شرط إبعاد الحافظ يوسف عَنْ دمشق، فأُبعد، فقصد بَعْلِبَكّ، فأكرمه متولّيها عطاء4.
اتصال الخلاف في مصر:
وأمّا مصر، فالأخبار واصلة بالخُلف المستمرّ بين وزيرها ابن مصال، وبين المظفّر ابن السّلار عَلَى الأمر، فسكنت الفتنة. ثمّ ثار الجُند، وجَرَت أمور، وقُتل جماعة. نسأل الله العافية5.
__________
1 ذيل تاريخ دمشق "310".
2 الكامل في التاريخ "11/ 148، 149"، والبداية والنهاية "12/ 226".
3 ذيل تاريخ دمشق "310، 311".
4 ذيل تاريخ دمشق "311"، وكتاب الروضتين "1/ 194، 195".
5 ذيل تاريخ دمشق "311، 312".(37/18)
أحداث سنة خمس وأربعين وخمسمائة:
الأخبار بما جرى عَلَى الركْب العراقي:
جاءت الأخبار بما جرى عَلَى رَكْب العراق. طمع فيهم أمير مكَّة، واستهون بقَيماز، وطمعت فيهم العرب، ووقفوا يطلبون رسومهم، فأشار بذلك قَيماز، فامتنع النّاس عَلَيْهِ، ولمّا وصلوا إلى الغرابيّ خرجت عليهم العرب، فأخذوا ما لا يُحصى، حتّى أنّه أُخذ من خاتون أخت السّلطان مسعود ما قيمته مائة ألف دينار. وذهب للتّجار أموال كثيرة. واستعْنَتَ العربُ، وتمزَّق النّاس، وهربوا مُشاةً في البرّيَّة، فمات خلقٌ جوعًا وَعَطَشًا وبَردًا، وطلى بعض النّساء أجسادهنّ بالطِّين ستْرًا للعورة. وتوصّل قَيماز في نفرٍ قليل1.
الصلح بين نور الدين ومجير الدين:
وفيها: كَانَ الصُّلْح. فإنّ نور الدّين نازل دمشق وضايقها، ثمّ اتقى اللَّه في دماء الخلْق، وخرج إِلَيْهِ مُجير الدّين أَبق صاحب البلد، ووزيره الرئيس ابن الصّوفيّ، وخلع عليهما، ورحل إلى حلب والقلوب معه لِما رَأَوْا من دينه2.
مطر الدم باليمن:
قَالَ ابن الجوزيّ: وجاء في هذه السّنة باليمن مطر كلُّه دم، وصارت الأرض مرشوشة، وبقي أثره في ثياب النّاس3.
دفاع الموحّدين عَنْ قرطبة:
وفيها: جهَّز عبد المؤمن بْن عليّ ثاني مرَّة جيشًا من الموحّدين في اثني عشر ألف فارس إلى قُرْطُبة، لأنّ الفرنج نازلوها في أربعين ألفًا ثلاثة أشهر، وكادوا أن يملكوها، فكشف عَنْهَا الموحّدون، ولطَف اللَّه4.
مرض خاص بك ومعافاته:
وفيها: مرض ابن البلنكريّ، وهو خاصّ بك التُّركمانيّ أتابك جيش السّلطان مسعود. فلمّا عوفي أسقط المُكوس.
وفاة مختص الحضرة:
ثمّ مات بعد أيّام ببغداد مختصّ الحضرة مكس البلد، وكان يبالغ في أذى الخلْق ويقول: أَنَا قد فرشت حصيرًا في جهنّم5.
__________
1 المنتظم "10/ 142، 143"، والكامل في التاريخ "11/ 148، 149"، والبداية والنهاية "12/ 226".
2 العبر "4/ 123"، ودول الإسلام "2/ 61".
3 المنتظم "10/ 143"، والبداية والنهاية "12/ 228"، والنجوم الزاهرة "5/ 298".
4 الكامل في التاريخ "11/ 150"، والمختصر في أخبار البشر "3/ 22".
5 المنتظم "10/ 143".(37/19)
أحداث سنة ستّ وأربعين وخمسمائة:
وعْظ ابن العبّادي بجامع المنصور:
قدِم السّلطان بغداد في رمضان، وسأل الواعظ ابن العبّاديّ أن يجلس في الجامع المنصور.
فقيل لَهُ: لا تفعل، فإنّ أهل الجانب الغربيّ لا يمكّنون إلّا الحنابلة. فلم يقبل، وضمن لَهُ نقيب النُقباء الحماية. فجلس في ذي الحجَّة يوم جمعة، وحضر أستاذ دار، والرؤساء، وخلائق، فلمّا شرع في الكلام كثُر اللَّغط والضّجات، ثمّ أُخذت عمائم وفُوَط، وجُذبت السّيوف حول ابن العبَّاديّ، فثبت، وسكن النّاس. ثمّ وعظ2.
أسْر جوسلين:
وفيها: أسر نور الدّين جوسلين فارس الفرنج وبطلَها المشهور، وأخذ بلاده، وهي عَزاز، وعينتاب، وتل باشِر3.
ومن أحداث سنة ستٍ وأربعين وخمسمائة:
تحشُّد عساكر نور الدين قرب دمشق:
في عاشوراء نزل عسكر نور الدّين بعَذْرا ونواحيها، ثم قصد من الغد طائفة منهم
__________
1 المنتظم "10/ 145"، والدباية والنهاية "12/ 229".
2 الكامل في التاريخ "11/ 154، 155"، والبداية والنهاية "12/ 229".(37/20)
إلى ناحية النَّيْرَب1 والسَّهْم، وكمنوا عند الجبل لعسكر دمشق، فلمّا خرجوا جاءهم النذير، فانهزموا إلى البلد وسَلِمُوا. وانتشرت العساكر الحلبيَّة بنواحي البلد، واستؤصلت الزُّرُوع والفاكهة من الأَوْباش، وغَلَت الأسعار. وتأهبوا الحفظ البلد. فجاءت رسُل نور الدّين يَقُولُ: أَنَا أؤثر الإصلاح للرعيَّة وجهاد المشركين، فإنْ جئتم معي في عسكر دمشق وتعاضدْنا عَلَى الجهاد، فذلك المراد.
فلم يُجيبوه بما يُرضيه، فوقعت مناوشة بين العسكرين، ولم يزحف نور الدّين رِفقًا بالمسلمين.
ولكنْ خربت الغُوطة والحواضر إلى الغاية بأيدي العساكر وأهل الفساد، وعُدم التّبْن، وعظُم الخطْب، والأخبار متوالية بإحشاد الفرنج، واجتماعهم لإنجاد أهل البلد. فضاقت صدور أهل الدّين. ودام ذَلكَ شهرًا، والجيش النُّوريّ في جمْع لا يُحصى، وأمداده واصلة، وهو لا يأذَن لأحد في التّسرُّع إلى القتال. ولكنْ جُرح خلْق2.
تحالف الفرنج وعسكر دمشق:
ثمّ ترحّل بهم إلى ناحية الأعوج لقرب الفرنج، ثمّ تحوّل إلى عين الجرّ3 بالبقاع، فاجتمعت الفرنج مَعَ عسكر دمشق، وقصدوا بُصْرَى لمنازلتها، فلم يتهيّأ لهم ذَلكَ، وانكفأ عسكر الفرنج إلى أعمالهم، وراسلوا مجير الدّين والرئيس المؤيّد يلتمسون باقي المقاطعة المبذولة لهم عَلَى ترحيل نور الدّين، وقالوا: لولا نَحْنُ ما ترحّل4.
غزوة الأسطول الْمَصْرِيّ إلى سواحل الشام:
وورد الخبر بمجيء الأسطول المصريّ إلى ثغور السّاحل في هيئة عظيمة وهم سبعون مركبًا حربيَّة مشحونة بالرجال، قد أُنفِق عليها عَلَى ما قِيلَ ثلاثمائة ألف دينار. فقربوا من يافا، فقتلوا وأسروا، واستولوا عَلَى مراكب الفرنج، ثمّ قصدوا عكّا، ففعلوا مثل ذَلكَ، وقتلوا خلْقًا عظيمًا من حجاج الفرنج، وقصدوا صيدا،
__________
1 النيرب: قرية مشهورة بدمشق على نصف فرسخ "معجم البلدان 5/ 330".
2 ذيل تاريخ دمشق "312-314"، تاريخ الزمان "166، 167".
3 ذيل تاريخ دمشق "314"، كتاب الروضتين "1/ 201، 202".
4 ذيل تاريخ دمشق "315"، أخبار مصر لابن ميسر "2/ 91".(37/21)
وبيروت، وطرابُلُس، وفعلوا بهم الأفاعيل. ولولا شغل نور الدّين لأعان الأصطول. وقيل إنّه عرض عسكره، فبلغوا ثلاثين ألفًا.
مصالحة نور الدين وصاحب دمشق:
ثمّ عاد نحو دمشق، وأغارت جنوده عَلَى الأعمال، واستاقوا المواشي، ونزل بدارَيّا، فنوديَ بخروج الْجُنْد والأحداث، فقَلَّ من خرج، ثمّ إنّه قرُب من البلد، ونزل بأرض القَطِيعة، ووقعت المناوشة. فجاء الخبر إلى نور الدّين بتسلّم نائبه الأمير حسن تلّ باشر بالأمان، ففرح، وضُربت في عسكره الكوسات والبُوقات بالبشارة. وتوقّف عَنْ قتال الدّمشقيّين ديانةً وتحرُّجًا.
وتردّدت الرسُل في الصُّلْح عَلَى اقتراحاتٍ تردّد فيها الفقيه برهان الدّين البلْخيّ، وأسد الدين شيركوه، وأخوه، ثم وقعت الأَيْمان من الجهتين، فرحل إلى بُصْرَى لمضايقتها، وطلب من دمشق آلات الحصار، لأنّ واليها سرخاك قد عصى، ومال إلى الفرنج، واعتضد بهم، فتألَّم نور الدّين لذلك، وجهّز عسكرًا لقصده1.
الوباء بدمياط:
وفيها: كَانَ الوباء المُفْرِط بدِمْياط، فهلك في هذا العام والّذي قبله أربعة عشر ألفًا، وخَلَت البُيُوت2.
استنابة مجير الدين بدمشق:
وفي شهر رجب سار صاحب دمشق مجير الدّين أبق في خواصّه إلى حلب، فأكرمه نور الدّين، وقرَّر معه تقريرات أقرَّ بها بعد أن بذل الطّاعة والنّيابة عَنْهُ بدمشق. ورجع مسرورًا3.
هزيمة الفرنج أمام التركمان عند بانياس:
وفي شعبان قصدت التُّركُمان بانياس، فخرجت الفرنج والتقوا، فعمل السّيف في العدوّ، وانهزم مقدَّمُهم في نفرٍ يسير4.
__________
1 ذيل تاريخ دمشق "315، 316".
2 ذيل تاريخ دمشق "316".
3، 4 ذيل تاريخ دمشق "317".(37/22)
غارة الفرنج عَلَى البقاع:
وأغارت الفرنج عَلَى قُرى البقاع، فاستباحوها. فنهض عسكر من بَعْلَبَكّ وخلْق من رجال البقاع، فلحِقوا الفرنجَ وقد حبستهم الثّلوج، فقَتلوا خلْقًا من الفرنج، واستنقذوا الغنائم1.
فتح أنطرطوس:
وافتتح نور الدّين أنْطَرَطُوس في آخرها.
__________
1 ذيل تاريخ دمشق "317، 318"، وعيون التواريخ "12/ 443".(37/23)
أحداث سنة سبع وأربعين وخمسمائة:
فتح أنطرطوس وغيرها:
جاءت الأخبار بافتتاح أنْطَرَطُوس وقتل من بِها من الفرنج، وأمِّن بعضُهم وافتتح نور الدين عدة حصور صِغار. وظفر أهل عسقلان بفرنج غزَّة وقتلوا2.
دخول نور الدين دمشق:
ومن سنة سبعٍ وأربعين وخمسمائة، في أوّلها قدِم شيركوه رسولًا من نور الدّين، فنزل بظاهر دمشق في ألف فارس، فوقع الاستيحاش منه، ولم يخرجوا لتلقِّيه. وتردّدت المراسلات، ولم يتّفق حال. ثمّ أقبل نور الدّين في جيوشه، فنزل ببيت الآبار وزحف عَلَى البلد، فوقعت مناوشة، ثمّ زحف يومًا آخر، فلمّا كَانَ في عاشر صفر باكَر الزَّحف، وتهيَّأ لصدْق الحرب، وبرز إِلَيْهِ عسكر البلد، ووقع الطِّراد، وحملوا من الجهة الشرقية من عدة أماكن، فاندفعوا بين أيديهم، حَتَّى قربوا من سور باب كيسان والدّبّاغة، وليس عَلَى السّور آدميّ، لسوء تدبير صاحب دمشق، غير نفرٍ يسير من الأتراك لا يعوَّل عليهم، فتسرَع بعض الرَّجّالة إلى السّور، وعليه يهوديَّة، فأرسلت إِلَيْهِ حَبْلًا، فصعِد فيه، وحصل عَلَى السّور، ولم يدرِ بِهِ أحد، وتبِعه مَن تَبِعه، ونصبوا علمًا وصاحوا: نور الدّين يا منصور. فامتنع الْجُنْد والرّعية من الممانعة
__________
1 ذيل تاريخ دمشق "318".(37/23)
محبةً في نور الدّين، وبادر بعض قطّاعي الخشب بفأسه، فكسر قفل الباب الشّرقيّ، فدخل العسكر. وفتح باب تومًا، ودخل الْجُنْد، ثمّ دخل نور الدّين، وسُرَّ الخلْق.
ولمّا أحسّ مجير الدّين بالغَلَبَة، انهزم إلى القلعة، وطلب الأمان عَلَى نفسه وماله، ثمّ خرج إلى نور الدّين، فطيَّب قلبه. وتسرّع الغوغاء إلى سوق عليّ وغيره، فنهبوا، فنودي في البلد بالأمان.
وأخرج مجير الدّين ذخائره وأمواله من القلعة إلى الأتابكيَّة دار جَدّه، ثمّ تقدَّم إِلَيْهِ بعد أيّام بالمسير إلى حمص في خواصّه، وكتب لَهُ المنشور بها1.
إطلاق بُزان من الاعتقال:
وقد كَانَ مجاهد الدّين بُزان قد أُطلق يوم الفتح من الاعتقال، وأُعيد إلى داره2.
وفاة ابن الصوفي:
ووصل الرئيس مؤيَّد الدّين المسيّب ابن الصُّوفيّ إلى دمشق متمرّضًا، فمات ودُفن في داره. وفرح النّاس بهلاكه3.
وفاة السلطان مسعود:
وفيها: جاءت الأخبار بموت السّلطان مسعود بباب هَمَذَان.
وذكر ابن هُبيرة في "الإفصاح" قَالَ: لمّا تطاول عَلَى المقتفي أصحابُ مسعود، وأساءوا الأدب، ولم يمكن المجاهرة بالمحاربة. اتّفق الرأي عَلَى الدّعاء عَلَيْهِ شهرًا، كما دعا النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رِعل وذكْوان شهرًا4، فابتدأ هُوَ والخليفة سرًّا، كلّ واحدٍ في موضعه يدعو سحَرًا، من ليلة تسعٍ وعشرين من جُمادى الأولى، واستمر الأمر
__________
1 ذيل تاريخ دمشق "327، 328".
2 ذيل تاريخ دمشق "329".
3 ذيل تاريخ دمشق "329".
4 "حديث صحيح": أخرجه البخاري "4089، 4090"، وأبو داود "1443"، والنسائي "1070".(37/24)
كلّ ليلةٍ، فلمّا تكمّل الشّهر، مات مسعود عَلَى سريره، لم يزد عَلَى الشّهر يومًا، ولا نقص يومًا، فتبارك اللَّه ربّ العالمين1.
سلطنة ملكشاه:
واتّفق العسكر عَلَى سلْطَنَة ملِكْشاه، وقام بأمره خاصّ بك. ثم إنّ خاصّ بك قبض عَلَى ملكشاه، وطلب أخاه محمدًا من خُوزسْتان، فجاءه وسلَّم إِلَيْهِ السَّلْطَنة. فلمّا استقرّ قتل خاصّبك2.
هرب شحنة بغداد:
وهرب شِحنة بغداد لمّا سَمِعَ بموت مسعود. وأمر الخليفة: أيّ مَن تخلَّفَ من الجُند عَن الخدمة أُبيح دمَه3.
تدريس ابن النظام:
وأمر الخليفة ابن النّظام أن يمضي إلى مدرستهم، ويدرّس بها من جهة السّلطان4.
القبض عَلَى الحَيص بَيْص:
وقبضوا عَلَى الحَيْص بَيص، وأخرجوه من بيته حافيًا مُهانًا، وحُبس في حَبس اللُّصوص5.
ضرب أَبِي النجيب وحبْسه:
ثمّ أُحضر الشّيخ أبو النجيب إلى باب النّوبيّ، وكُشف رأسُه، وضُرب خمس دِرَر، ثم حُبس6.
__________
1 المنتظم "10/ 151"، وسير أعلام النبلاء "20/ 384-386"، والبداية والنهاية "12/ 230"، وشذرات الذهب "4/ 145".
2 الكامل في التاريخ "11/ 160-162"، والمنتظم "10/ 147"، والبداية والنهاية "12/ 229".
3 المنتظم "10/ 147".
4 المنتظم "10/ 147".
5 المنتظم "10/ 147".
6 المنتظم "10/ 147"، وعيون التواريخ "12/ 453".(37/25)
"أخْذُ البديع الصوفي":
ثمّ أُخذ البديع الصُّوفيّ الواعظ صاحب أَبِي النّجيب، واتُهم بالرَّفْض، فشُهِّر وصُفع1.
احتفالات بغداد بالخليفة:
وبلغَ الخليفةَ أنّ في نواحي واسط تخبيطًا، فسار بعسكره وراءه النّاس، وسار إلى واسط، فرتّب بها شِحنةً، ثمّ مضى إلى الحِلَّة، والكوفة، ثمّ عاد إلى بغداد مؤيَّدًا منصورًا، فغُلِّقت بغداد، وزُيّنت، وعُملت القباب، وعمل الذَّهبيّون بباب الخان العتيق قُبَّة، عليها صورة مسعود، وخاصّ بك، وعبّاس، بحَرَكاتٍ تدور، وعُملت قباب عديدة عَلَى هذا النّموذج. وانطلق أهل بغداد في اللّعب والخبال، واللَّهْو إلى يوم عيد النَّحْر2.
ظهور الغوريَّة وامتلاكهم بلْخًا وغزْنة:
وفيها: كَانَ خروج الغُوريَّة، وحاربهم السّلطان سَنْجر. وملكهم حسين بْن حسين ملك جبال الغور، وهي من أعمال غَزْنَة. فأوّل ما ملكوا بلْخ، فقاتل سَنْجَر، وأسره وعفا عَنْهُ وأطلقه، فسار حسين إلى غَزْنَة، وملكها بهرام شاه بن مسعود بن إبراهيم بن مسعود بن محمود بْن سُبُكتكين، فانهزم من غير قتال، وتسلّم علاء الدين حسين الغوري غَزْنَة، واستعمل عليها أخاه سيف الدّين، وردّ إلى الغور. فلمّا جاء الشّتاء قدِم بهرام، وقام معه أهل غَزْنَة، فقبض عَلَى سيف الدّين وصَلَبَه3.
وفاة بهرام شاه:
ثمّ لم يلبث بهرام شاه أن مات4.
تلقُّب علاء الدين بالسلطان المعظّم:
فأقاموا بعده ولده خُسروشاه، فقصده علاء الدّين حسين، فهرب منه إلى الهاوور
__________
1 المنتظم "10/ 147".
2 المنتظم "10/ 148، 149".
3 الكامل في التاريخ "1/ 164-170"، والبداية والنهاية "12/ 229".
4 البداية والنهاية "12/ 229".(37/26)
سنة خمسين، وملك علاء الدّين غَزْنَة، ونهبها ثلاثة أيّام، وقتل جماعةً وبدّع، وتلقّب بالسّلطان المعظَّم. وشال الجتْرَ فوق رأسه عَلَى عادة السّلاطين السَّلْجوقيَّة، واستعمل ابنَي أخيه، وهما غياث الدّين أبو الفتح محمد بْن سام، وأخوه السّلطان شهاب الدّين أبو المظفّر محمد، فأحسنا السّيرة في الرَّعية، وأحبّهما الناس، وانتشر ذِكرهما، وطال عُمرهما، وملكا البلاد.
عصيان ابنَي الأخ عَلَى السّلطان:
وأوّل أمرهما أنّهما أظهرا عصيان عمّهما، فبعث إليهما جيشًا فهزموه، فسار بنفسه إليهما والتقوا، فأُسر عمّهما علاء الدّين فأحسنا إِلَيْهِ، وأجلساه عَلَى التَّخْت، ووقفا في الخدمة، فبكى وقال: هذان صبيّان فعلا ما لو قدرت عَلَيْهِ منهما لم أفعلْه. وزوَّجَ غياثَ الدّين بابنته، وفوَّض إِلَيْهِ الأمورَ من بعده، فلمّا مات استقلّ غياث الدّين بالملك.
ثمّ ملكت الغُزّ غَزْنَة خمس عشرة سنة، وعسفوا وظلموا مدَّة، ثمّ حاربهم غياث الدّين ونُصر عليهم فافتتح البلاد، وأحسن، وعدل1.
وكانت الغُزّ تُركُمان ما وراء النّهر.
رواية ابن الأثير عَن الغُزّ:
قَالَ ابن الأثير2: لمّا تملّكت الخِطا ما وراء النَّهر، طردوا الغُزّ، فنزلوا بنواحي بلْخ عَلَى مراعيها، واسم مقدَّميهم: دينار، وبختيار، وطوطى، وأرسلان، وجقر، ومحمود، فأراد قُماج نائب سَنْجَر عَلَى بلْخ إبعادهم، فصانعوه، وبذلوا لَهُ مالًا، وأقاموا عَلَى حالةٍ حسنة لا يُؤذون ويقيمون الصّلاة، ويؤتون الزّكاة. ثمّ عاودهم قماج، وأمرهم بالترَّحُّل، فامتنعوا وتجمّعوا، فخرج قماج إليهم في عشرة آلاف، فهزموه، ونهبوا عسكره وأمواله، وأكثروا القتل في العسكر والرّعايا، وأسروا النّساء والأطفال، وقتلوا الفُقهاء، وعملوا العظائم، وخرّبوا المدارس، وانهزم قماج إلى مَرو.
__________
1 المختصر في أخبار البشر "3/ 25، 26".
2 في الكامل في التاريخ "11/ 164".(37/27)
وأرسل السّلطان سَنْجَر يتهدّدهم، فاعتذروا، وبذل لَهُ مالًا، فلم يُجبهم، وجمع عساكر من النّواحي، فاجتمع معه ما يلزمه عَلَى مائة ألف فارس، والتقاهم فهزموه، وتبِعوا عسكره قتْلًا وأسْرًا، فصارت قتلى العسكر كالتّلال. وقُتل الأمير علاء الدّين قماج وأُسر السّلطان وجماعة من أمرائه، فضربوا رقاب الأمراء. ونزل أمراء الغُزّ، فقبّلوا الأرض بين يدي سَنْجَر، وقالوا: نَحْنُ عبيدك، ولا نخرج عَنْ طاعتك، فقد علِمنا أنّك لم تُرد قتالنا، وإنّما حُملت عَلَيْهِ، فأنت السّلطان، ونحن العبيد، فمضى عَلَى ذَلكَ شهران أو ثلاثة، ودخلوا معه إلى مرْو، وهي كرسيّ المُلك، فطلبها منه بختيار إقطاعًا، فقال: هذه دار المُلك، لا ينبغي أن يكون إقطاعًا لأحد.
فصفا لَهُ وأخذه، فلمّا رَأَى ذَلكَ، نزل عَنْ سريره، ثمّ دخل خانكاه مرْو، وتاب من الملك، واستولى الغُزّ عَلَى البلاد، وظهر من جورهم ما لم يُسمع بمثله، وولّوا عَلَى نَيْسابور واليًا، فعلّق في السّوق ثلاث غرائر، وقال: أريد ملء هذه ذَهَبًا، فثار عَلَيْهِ العامَّة فقتلوه، وقَتلوا من معه، فركبت الغُزّ، ودخلوا بلد نَيْسابور، ونهبوها، وقتلوا الكبار والصّغار، وأحرقوها، وقتلوا القُضاة والعلماء في البلاد كلّها. ويتعذَّر وصْفُ ما جرى منهم عَلَى تِلْكَ البلاد، ولم يسلم منهم شيء سوى هَراة ودهسان، فامتنعت بحصانتها.
قصَّة الغزّ برواية أخرى:
وساق بعضُهم قصَّة الغُزّ وفيها طُول.
قَالَ: وفارق السّلطان سَنْجَر جميعُ أمراء خُراسان، ووزيرهُ طاهرُ بْن فخر المُلك بْن نظام المُلك، ولم يبق غيرُ نَفَر يسيرٍ من خواصّه1، فلمّا وصلت الأمراء إلى نَيْسابور، أحضروا سليمان شاه بْن محمد ملكشاه، فدخل نيسابور في جُمادَى الآخرة من سنة ثمانٍ وأربعين، وخطبوا لَهُ بالسَّلطنة، وساروا فوَاقعوا الغُزّ، وقتلوا منهم مقتلة. فتجمّعت الغُزّ للمصافّ، فلمّا التقى الْجَمْعان انهزم الخُراسانيّون يقصدون نَيْسابور، وتبِعَتْهم الغُزّ، ودخلوا طُوس، فاستباحوها قتْلًا وسبْيًا، وقتلوا إمامها محمد الماركشي، ونقيب العلويّين عليًّا المُوسَويّ، وخطيبها إسماعيل بْن عبد المحسّن، وشيخ الشيوخ محمد بْن محمد. ووصلوا إلى نَيْسابور سنة تسع وأربعين في شوال، فلم
__________
1 ذيل تاريخ دمشق "325".(37/28)
يجدوا دونها مانعًا، فنهبوها نهبًا، وقتلوا أهلها، حتّى أنّه أُحصي في محلّتين خمسة عشر ألف قتيل.
وكانوا يطلبون من الرجل المالَ، فإذا أعطاهم المال قتلوه. وقتلوا الفقيه محمد بْن يحيى الشّافعيّ، ورثاه جماعة من العلماء، وممّن قُتل الشّيخ عبد الرحمن بْن عبد الصّمد الأكّاف الزّاهد، وأحمد بْن الحسن، الكاتب سِبط القُشَيري، وأبو البركات بْن الفُراوي، والفقيه الصّبّاغ أحد المتكلّمين، وأحمد بْن محمد بْن حامد، وعبد الوهّاب المُولْقاباذيّ، والقاضي صاعد بْن عبد الملك بْن صاعد، والحسين بْن عبد الحميد الرّازيّ، وخلْق.
وأحرقوا ما بها من خزائن الكُتُب، فلم يسْلَم إلّا بعضُها، وفعلوا ما لا يفعله الكُفّار، وانحلّ أمر السّلطان بالكُلّية، فاجتمع الأمراء، وراسلوا محمود بْن محمد ابن أخت السّلطان سَنْجَر، وخطبوا لَهُ بخُراسان، وأحضروه وملّكوه، وانقادوا لَهُ في شوّال سنة تسعٍ. وساروا معه إلى الغُزّ، وهم يحاصرون هَراة، فَجَرت بينهم حروب في أكثرها الظّفَر للغُزّ. وكان لسَنْجَر مملوك أي أبَه، ولَقَبُه المؤيَّد، استولى عَلَى نَيْسابور، وطوس، ونَسا، وأبيوَرد، وأزاح الغُزّ، وقتل منهم خلْقًا، وأحسن السّيرة، وعظُم شأنُه، وكُثر جَمْعُه، والتزم بحمل مالٍ إلى خاقان محمود بْن محمد ابن أخت سَنْجَر.
أخذ الفرنج عسقلان:
قَالَ ابن الأثير1: وفيها أخذت الفرنج عسقلان، وكانت للظّافر بالله وكان الفرنج كلّ سنةٍ يقصدونها ويحضرونها المصريّون، يرسلون إليها الأسلحة والذّخائر والأموال. فلمّا قُتل ابن السّلار في هذا العام اغتنم الفرنج اشتغالَ المصريّين، ونازلوها، وجدّوا في حصارها، فخرج المسلمون وقاتلوهم وطردوهم، فأيسوا مِن أخْذها، وعزموا عَلَى الرحيل عَنْهَا، فأتاهم الخبر بأنّ أهلها قد اختلفوا، وذلك لأنّهم لمّا قهروا الفرنج داخَلَهُم العجب، وادعى كلّ طائفة أنّ النُّصْرة عَلَى يده، ووقع بينهم خصامٌ عَلَى ذَلكَ، حتّى قُتل بينهم رَجُل، فعظُمت الفتنة، وتفاقم الشّرّ، وتجادلوا، فقُتل بينهم جماعة، وزحفت الفرنج في الحال، فلم يكن عَلَى السّور من يمنعهم، فملكوا البلد2، فإنّا لله وإنا إِلَيْهِ راجعون.
__________
1 في الكامل في التاريخ "11/ 188، 189".
2 تاريخ الزمان "168، 189"، وكتاب الروضتين "1/ 223".(37/29)
أحداث سنة ثمان وأربعين وخمسمائة:
خروج الغُزّ عَلَى السلطان سنجر:
فيها: خرجت التُرك عَلَى السلطان سَنْجَر، وهم الغُزّ، يدينون بالإسلام في الجملة، ويفعلون فِعل التّتار. وكان بينهم ملحمة عظيمة، فكُسر سَنْجَر، واستُبيح عسكره قتْلًا وأسْرًا، ثمّ هجمت الغُزّ نَيْسابور، فقُتل معظم من فيها من المسلمين، ثمّ ساروا إلى بلْخ، فملكوا البلد، وكانت عدّتهم فيما قِيلَ مائة ألف خرْكاه. ثمّ أسروا سَنْجَر وأحاطوا بِهِ، وذاق الذّلّ، وملكوا بلاده، وبَتّوا الخطبة باسمه وقالوا: أنت السّلطان ونحن أجنادُك، ولو أمِنّا إليك لمكّناك من الأمر، وبقي معهم صورةً بلا معنى1.
محاصرة عسكر المقتفي تكريت:
وبعث المقتفي عسكرًا يحاصرون، تِكْريت، فاختلفوا، وخامر ترشك المقتفويّ، واتّفق مَعَ متولّي تِكْريت، وسلكوا درْب خُراسان، ونهبوا وعاثوا، فخرج الخليفة لدفْعهم، فهربوا، فسار إلى تِكْريت، وشاهد القلعة ورجع، ثمّ برز السُرادق للانحدار إلى واسط لدفع ملكشاه، فانهزم إلى خُوزسْتان، فنزل الخليفة بظاهر واسط أيّامًا، ورجع إلى بغداد2.
نجاة الوزير ابن هُبيرة من الغرق:
وسلِم يوم دخوله الوزير ابن هُبيرة من الغَرَق، انفلقت السّفينة الّتي كَانَ فيها، وغاصوا في الماء، فأعطى للّذي استنقذه ثيابه، ووقّع له بذهب كثير3.
__________
1 المتنظم "10/ 152"، والكامل في التاريخ "11/ 176"، والعبر "4/ 128"، والبداية والنهاية "12/ 230، 231".
2 المنتظم "10/ 152، 153"، والكامل في التاريخ "11/ 189".
3 المنتظم "10/ 153".(37/30)
مقتل ابن السلار:
وفيها: قُتل العادل عليّ بْن السّلار بمصر1.
تسلُّم الغوريّ هَراة:
وفيها: حاصر الملك غياث الدّين الغُوريّ مدينة هَراة، وتسلّمها بالأمان، وكانت للسّلطان سَنْجَر2.
إصابة شهاب الدين الغوري أمام الهند:
وفيها: سار شهاب الدّين الغُوريّ أخو غياث الدّين، فافتتح مدينةً من الهند، فتحزَّبت عَلَيْهِ ملوك الهند، وجاءوا في جيشٍ عرمرم، فالتقوا، فانكسر المسلمون. وجاءت شهابَ الدّين ضربةٌ في يده اليُسرى بطُلت منها. وجاءته ضربةٌ أخرى عَلَى رأسه فسقط. وحَجَزَ اللّيل بين الفريقين، والتُمس شهاب الدّين بين القتلى، فحمله أصحابه ونجوا بِهِ، فغضب عَلَى أُمرائه لكونهم انهزموا، وملأ لكلّ واحدٍ منهم مِخلاة شعير، وحلف لئن لم يأكلوا ليضْربنّ أعناقهم، فأكلوا بعد الْجَهْد. ثمّ نجده أخوه بجيشٍ ثقيل، فالتقى الهندَ ونُصر عليهم3.
رواية ابن الأثير عَنْ محاربة الهنود لشهاب الدين:
قَالَ ابن الأثير4: عاد الهنود، وسارت ملكتهم في عددٍ يضيق عَنْهُ الفضاء، فراسلها شهاب الدّين الغوريّ بأنّه يتزوّجها، فأبت، فبعث يخادعها، وحفظ الهنود المخاضات. فأتى هنديّ إلى شهاب الدّين، فذكر أنّه يعرف مخاضةً، فجهَّز جيشًا عليهم حسين بْن حرملك الغوريّ الّذي صار صاحب هَرَاة بعد. وكان شجاعًا مذكورًا. فسَاروا مَعَ الهنديّ، وكبسوا الهنود، ووضعوا فيهم السّيف، واشتغل الموكَّلون بحفْظ المخاضات، فعبر شهاب الدّين في العسكر، وأكثروا القتل في الهنود، ولم ينج منهم إلّا من عجز المسلمون عَنْهُ. وقُتلت ملكتهم. وتمكّن شهاب الدّين من
__________
1 ذيل تاريخ دمشق "319، 320"، وأخبار مصر لابن ميسر "2/ 92".
2 العبر "4/ 129"، ودول الإسلام "2/ 63".
3 الكامل في التاريخ "11/ 172، 173"، والعبر "4/ 129".
4 في الكامل "11/ 171- وما بعدها".(37/31)
بلاد الهند، والتزموا لَهُ بحمل الأموال وصالحوه. وأقطع مملوكه قُطْب الدّين أَيْبَك مدينة دهلي، وهي كرسيّ مملكة الهند، وجهّز جيشًا، فافتتحوا مواضع ما وصل إليها مسلمٌ قبل، حتّى قاربوا لجهة الصين1.
تسلّم مجير الدين مفاتيح صرْخد:
ومن سنة ثمانٍ وأربعين، في صفر توجّه صاحب دمشق مُجير الدّين، ومعه مؤيَّد الدّين الوزير، فنازل بُصْرى لمخالفته وجوره عَلَى أهل النّاحية، وسلّم إِلَيْهِ مجاهد الدّين مفاتيح صَرْخَد، فأعطاه جملةً. ثمّ صالحه سرخَاك نائب بُصرى.
أخْذ الفرنج عسقلان:
وجاءت الأخبار بأنّ نور الدّين يجمع الجيوش للغزو، وليكشف عَنْ أهل عسقلان، فإنّ الفرنج نزلوا عليها في جمْعٍ عظيم، فتوجّه مُجير الدّين صاحب دمشق إلى خدمة نور الدّين، واجتمع بِهِ في أمر الجهاد، وساروا إلى بانياس، فبلغهم أخُذُ عسقلان وتخاذُل أهلها واختلافهم2.
الوزارة بدمشق:
وقد مرّ شرح حال الرئيس وتمكَنه من وزارة دمشق، فعرض الآن بينه وبين أخويه عزّ الدّولة وزين الدّولة مشاحنات وشرّ أفضى إلى اجتماعهما بمجير الدّين صاحب دمشق، فأنفذ يستدعي الرئيس للإصلاح بينهم، فامتنع، فآلت الحال إلى أن تمكّن زين الدّولة منه بإعانة مُجير الدّين عَلَيْهِ، فتقرّر بينهما إخراج الرئيس من دمشق، وجماعته إلى قلعة صَرْخد مَعَ مجاهد الدّين بُزان، وتقلّد زين الدّولة الوزارة. فلم يلبث إلّا أشهرًا، فظلم فيها وعسف، إلى أن ضرب عنقَه مجيرُ الدّين، وردّ أمرَ الرئاسة والنّظر في البلد إلى الرئيس رضيّ الدّين أَبِي غالب بْن عبد المنعم بْن محمد بْن راشد بْن عليّ التّميميّ.
فاستبشر الناس قاطبةً.
__________
1 الكامل في التاريخ "11/ 171، 172"، ودول الإسلام "2/ 64".
2 الكامل في التاريخ "11/ 188، 189"، والبداية والنهاية "12/ 231".(37/32)
الغلاء بدمشق:
وكان الغلاء بدمشق شديد، بلغت الغرارة خمسة وعشرين دينارًا، ومات الفقراء عَلَى الطُّرُق، فعزم نور الدّين عَلَى منازلتها، وطمع لهذه الحال في تملُّكها1.
رئاسة رضيّ الدين التميمي:
وأمّا رضِيّ الدّين التّميميّ، فإنّه طُلب إلى القلعة، وشُرّف بالخِلع المكمد، والمركوب بالسّخت، والسّيف المحلّى، والتَّرس، وركب معه الخواصّ إلى داره، وكُتب لَهُ التّقليد، ولُقِّب بالرئيس، الأجلّ، وجيه الدّولة، شرف الرؤساء2.
قتْل متولّي بعلبَكّ:
ونفذ مجير الدّين إلى بَعْلَبَكّ، فاعتقل وقيَّد متولّيها عطاء الخادم، وكان جبّارًا، ظالمًا، غشومًا. فسُرَّت بمصرعه النفوس، ونُهبت حواصله، ثم ضُربت عنقه.
__________
1 ذيل تاريخ دمشق "325، 326".
2 ذيل تاريخ دمشق "326".(37/33)
أحداث سنة تسع وأربعين وخمسمائة:
حصار تكريت:
فيها: نفذ الخليفة عسكرًا، فما أخذوا تِكْريت بعد حصار ومجانيق وتعب، وقُتل من الفريقين عدَّة، ثمّ رَأَى الخليفة أنّ أخْذها يطول، فرجع بعد أن نازلَها مدَّةَ أيّام. ثمّ بعد شهر عرض جيشه، فكانوا ستَّة آلاف، فجهّزهم لحصارها مَعَ الوزير ابن هُبيرة، وأنفق في الجيش نحو ثلاثمائة ألف دينار، سوى الإقامة، فإنّها كانت تزيد عَلَى ألف كرّ، فوصل الخبر بأنّ مسعود بلال جاء في عسكرٍ عظيم إلى شهرابان، ونهبوا النّاس. وطلب ابن هُبيرة للخروج إليهم1.
موقعة الخليفة والسلطان:
وكان مسعود بلال وألْبقش قد اجتمعا بالسّلطان محمد، وحثّاه عَلَى قصْد
__________
1 المنتظم "10/ 156"، والكامل في التاريخ "11/ 194"، والعبر "4/ 134، 135".(37/33)
العراق، فلم يتهيّأ لَهُ، فاستأذناه في التّقدُّم أمامه، فأذِن لهما، فجمعا خلْقًا من التُّركمان، ونزلا في طريق خُراسان، فخرج الخليفة إليهما، فتنازلوا ثمانية عشر يومًا، وتحصّن التُّركمان بالخركاوات والمواشي. ثم كانت الوقعة في سلْخ رجب، فانهزمت ميسرة الخليفة وبعض القلب، كسرهم مسعود الخادم، وتُرشك. وثبت الخليفة، وضربوا عَلَى خزائنه، وقتلوا خازنه يحيى بْن يوسف الجزَري، فجاء منكورس، وأمير آخر، فقبّلا الأرض، وقالا: يا مولانا، ثبت علينا ساعة حتّى نحمل. فقال: لا والله إلّا معكما. ورفع الطّرحة، وجذب السّيف، ولبس الحديد هُوَ وولّي العهد وكُبّرا، وصاح الخليفة: يالَ مُضر، كذب الشّيطان وفرّ، {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ} [الأحزاب: 25] ، ثلاثة. فحمل العسكر بحملته، ووقع القتْل، حتّى سُمع وقْع السّيوف كوقْع المطارق عَلَى السّنادين، وانهزم القوم وسُبي التّركمان، وأُخِذت مواشيهم وخيلهم، فقيل: كانت الغنم أربعمائة ألف رأس، وبيعت كلّ ثمانين بدانق.
ثمّ نُودي بردّ من سُبي من أولادهم, وأخذ ألْبقشُ أرسلان شاه بْن طُغرل، وهرب بِهِ إلى بلده، وانهزم تُرشك، ومسعود الخادم إلى القلعة. ثمّ أغارا بعد أيّامٍ عَلَى واسط، ونهبوا ما يختصّ بالوزير ابن هُبَيْرة فرجع الخليفة إلى القتال، فخرج بالعسكر، فانهزم العدوّ، فأدركهم، ونهب منهم، وعاد منصورًا، فخلع عَلَيْهِ الخليفة، ولَقَّبه: سلطان العراق، ملك الجيوش. وعرض الجيش في أُبَّهَة كاملة1.
زلزلة بغداد:
ولمّا كَانَ يوم الفِطْر، جاء مطرٌ، ورعدٌ، وبرق، وزُلزلت بغداد من شدَّة الرّعد. ووقعت صواعق، منها صاعقة في التّاج المسترشديّ2.
موت ألبقش:
وجاءت الأخبار بمجيء محمد شاه، وبإيفاده إلى عسكر الموصل يستنجدهم، وإلى مسعود بلال صاحب تِكْريت يستنجد بِهِ، فأخرج الخليفة سُرادقه، واستعرض الجيش، فزادوا عَلَى اثني عشر ألف فارس، فجاء الخبر بموت ألْبقش، فضعُف محمد شاه وبطَل، فتسحّب جماعة من أمرائه، ولجأوا إلى الخليفة. وحصل الأمن3.
__________
1 المنتظم "10/ 156، 157"، والكامل في التاريخ "11/ 195، 196".
2 المنتظم "10/ 157".
3 المنتظم "10/ 158"، والعبر "4/ 135".(37/34)
التجريد إلى همذان:
ثمّ جرّد الخليفة ألفي فارس إلى جهة هَمَذَان1.
ظهور دم بنواحي واسط:
وفيها: حدث بنواحي واسط ظهورُ دمٍ من الأرض، لا يُعلم لَهُ سبب2.
حال السلطان سنجر في الأسر:
وجاءت الأخبار أنّ السّلطان سَنْجَر تحت الأسر وتحت حكْميَّة الغُزّ، وله اسم السّلطنة، وراتبه في قدْر راتب سائسٍ من سيّاسه، وأنّه يبكي عَلَى نفسه3.
دخول الغُزّ مرو:
ودخلت الغُزّ مرو وغيرها، فقتلوا خلْقًا، ونهبوا، وبدّعوا4.
مقتل الظافر العُبيدي:
وفيها: قُتل بمصر خليفتُها الظّافر بالله العُبيدي وهو شاب، وأقاموا الفائز صبيًا صغيرًاو ووَهَى أمر المصريّين5.
ولاية نور الدين مصر:
فكتب المقتفي لأمر اللَّه عهدًا لنور الدّين محمود بْن زنْكيّ، وولّاه مصر، وأمره بالمسير إليها، وكان مشغولًا بحرب الفرنج، وهو لا يفتر من الجهاد، وما له إلا أيامًا قد تملّك دمشق في صَفَر، وأخذها من صاحبها مجير الدّين أبق بْن محمد بْن بوري بن طُغتكين.
__________
1 المنتظم "10/ 158".
2 المنتظم "10/ 158".
3 المنتظم "10/ 158، 159"، والعبر "4/ 135".
4 دول الإسلام "2/ 65".
5 المنتظم 10/ 158"، والكامل في التاريخ "11/ 91، 192"، وتاريخ الزمان "170"، وأخبار مصر لابن ميسر "2/ 92، 93"، والعبر "4/ 136".(37/35)
أخْذ نور الدين دمشق:
وكانت الفرنج قد ملكوا عسقلان، وطمعوا في دمشق، حتّى أنّهم استعرضوا مَن بها مِن الرّقيق، فمن أراد المُقام تركوه، ومن أراد العَوْد إلى وطنه أُخذ قهرًا من مالكه. وكان لهم عَلَى أهلها كلّ سنة قطيعة، فتجيء رُسُلُهم ويأخذون من النّاس. فراسل نور الدّين مالكها مجير الدّين واستماله، وواصَلَه بالهدايا، وأظهر لَهُ المودَّة حتّى رَكَن إِلَيْهِ، وكان يرسل إِلَيْهِ أنّ فلانًا قد بعث إليَّ وكاتبني في تسلُّم دمشق فاحْذَرُه. فكان مجير الدّين يقبض عَلَى ذَلكَ الرجل، ويقطع خبره، إلى أن قبض عَلَى نائبه عطاء بْن حَفّاظ وقتله.
وكان نور الدّين لا يتمكّن مَعَ وجود عطاء من أخْذ دمشق. ثمّ كاتب نور الدّين مَن بدمشق من الأحداث، واستمالهم، ووعدهم، ومنّاهم، فوعدوه بأن يسلّموا إِلَيْهِ البلد، فلمّا وصل نور الدّين إلى دمشق بعث مجير الدّين يستنجد بالفرنج، فتسلّم نور الدّين البلد من قبل أن يَقْدَمُوا، وذلك أنّ نور الدّين حاصرها، فسلّم إِلَيْهِ أهل البلد من ناحية الباب الشّرقيّ، وحصر مجير الدّين في القلعة، وبذل لَهُ إنْ سلّم القلعةَ بلدَ حمص، فنزل، فلمّا سار إلى حمص أعطاه عِوَضَها بالِس، فغضب ولم يرض بها، وسار إلى بغداد، فبقي بها مدة، وبنى بها دارًا فاخرة بقرب النّظاميَّة1.
انهزام الإسماعيلية أمام الخراسانيين:
وفيها: ثارت الإسماعيلية، واجتمعوا سبعة آلاف مقاتل من بين فارسٍ وراجل، وقصدوا خُراسان ليملكوها عندما ينزل بها من الغُزّ، فتجمَع لهم أمراء من جُنْد خُراسان، ووقع المصافّ، فهزم الله الإسماعيلية، وقتل رؤوسهم وأعيانهم، ولم ينج منهم إلّا الأقلّ. وخلَت قَلاعهم مِن الحُماة. ولولا أنّ عسكر خُراسان كانوا مشغولين بالغُزّ لَمَلكوا حصونهم، واستأصلوا شأفتهم2.
__________
1 الكامل في التاريخ "11/ 197، 198"، والبداية والنهاية "12/ 231، 232".
2 دول الإسلام "2/ 66، 67".(37/36)
أحداث سنة خمسين وخمسمائة:
دخول الغُزّ نيسابور:
من أوّلها جاءت الأخبار إلى بغداد بدخول الغُزّ التّركُمان نيْسابور، والفتْك بأهلها، فقتلوا بها نحْوًا من ثلاثين ألفًا، وكان سَنَجْر معهم، عَلَيْهِ اسم السّلْطَنَة، وهو في غاية الإهانة بين الغُزّ، ولقد أراد أن يركب، فلم يجد من يحمل سلاحه، فشدّه عَلَى وسَطَه، وإذا قُدّم إِلَيْهِ الطّعام خبّأ منه شيئًا لوقتٍ آخر، خوفًا من انقطاعه عَنْهُ1.
الوقعة بين عسكر التركماني وعسكر الخليفة:
كانت وقعة بين العسكر التُّركمانيّ وبين عسكر الخليفة، فهزموه وتبِعوه، ثمّ خرج لهم كمينٌ فهزمهم، ثمّ أذعن بطاعة الخليفة، وأطلق الأسرى2.
دخول المقتفي الكوفة:
وفيها: سار المقتفي إلى الكوفة، واجتاز في سوقها، ودخل جامعها3.
مسير ابن رزّيك إلى القاهرة:
وفي أوّلها سار الصّالح طلائع بْن رُزّيك من الصّعيد عَلَى قصْد القاهرة للانتقام من عبّاس صاحب مصر الّذي قتل الظّافر بالله. فلمّا سَمِعَ مجيئه خرج من مصر لقلَّة مَن بقي معه مِن الْجَنْد، وسار نحو الشّام بما معه من الأموال والتُّحف الّتي لا تُحصى، لأنّه كَانَ قد استولى عَلَى القصر، وتحكّم في ذخائره ونفائسه4.
قتل الفرنج صاحب مصر:
فخرجت عَلَيْهِ الفرنج من عسقلان، فقاتلوه وقتلوه، واستولوا عَلَى جميع ما معه، وأسروا ابنه نصرًا، وباعوه للمصرّيين5.
دخول ابن رُزّيك القاهرة:
وأمّا طلائع فدخل القاهرة بأعلام مسوّدة، وثياب سود في هيئة الحزن، وعلى
__________
1 المنتظم "10/ 161"، والكامل في التاريخ "11/ 201".
2 المنتظم "10/ 161".
3 المنتظم "10/ 161"، ودول الإسلام "2/ 66".
4 أخبار مصر لابن ميسر"2/ 94"، ودول الإسلام "2/ 66".
هـ أخبار مصر لابن ميسر "2/ 94، 95"، وإتعاظ الحنفا "2/ 220"، والنجوم الزاهرة "5/ 289"، والدرة المضية "567".(37/37)
الرّماح شعور النّساء مقطّعة حزْنًا عَلَى الظّافر. ثمّ نبش الظّافر من دار عبّاس، ونقله إلى مقبرة آبائه1.
هجوم إفرنج صقلّية عَلَى تِنّيس:
وجاءت مراكب الفرنج من صَقَلِّية، فأرسَوا عَلَى تِنِّيس وهجموها، فقتلوا وأسروا، وردّوا بالغنائم، وخاف أهل مصر من استيلاء الفرنج، فإنّا لله وإنّا إِلَيْهِ راجعون، حتّى عزم ابن رُزّيك وزيرُها عَلَى موادعة الفرنج بمالٍ يُحمل إِلَيْهِ من الخزانة، فأوكس ذَلكَ الأمراءَ، وعزموا عَلَى عزله2.
اشتداد شوكة المقتفي:
وأمّا المقتفي لأمر اللَّه، فإنّه عظُم سلطانه، واشتدّت شوكته، واستظهر عَلَى المخالفين، وأجمع عَلَى قصْد الجهات المخالفة لأمره3.
تملّك نور الدين قلاعًا بنواحي قونية:
وأمّا نور الدّين، فإنّه سار بجيشه، فملك عدَّة قلاع وحصون بالسّيف وبالأمان من بلاد الروم، من نواحي قونية، وعظُمت ممالكه وبعُد صَيتُه، وبعث إِلَيْهِ المقتفي تقليدًا، وأمر بالمسير إلى مصر، ولُقِّب بالملك العادل4.
آخر الطبقة الخامسة والخمسين والحمد لله رب العالمين.
__________
1 أخبار مصر "2/ 94"، والعبر "4/ 139".
2 الكامل في التاريخ "11/ 190"، وعيون التواريخ "12/ 480".
3 ذيل تاريخ دمشق "332".
4 ذيل تاريخ دمشق "332، 333"، ودول الإسلام "2/ 66".(37/38)
بسم اللَّه الرَّحْمَن الرحيم
{رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} .
وفيات الطبقة الخامسة والخمسون:
وفيات سنة إحدى وأربعين وخمسمائة:
"حرف الألف":
1- أَحْمَد بْن حامد بْن أَحْمَد بْن محمود.
الثّقفيّ، أبو طاهر الأصبهانيّ، حفيد الشّيخ أَبِي طاهر.
تُوُفّي في هذه السّنة. قاله عبد الرحيم الحاجّيّ.
قلت: هُوَ والد أَبِي المجد زاهر الثّقفيّ، مِن أعيان طلبة الحديث بأصبهان يلقَّب بالرفيع من بيت علم ورئاسة وجلالة، وله شِعر حَسَن، وخطّ مليح، قرأ الكثير لولده.
قَالَ ابن السّمعانيّ: لمّا قدمتُ صادفتُه يقرأ لوالده "مُسند أَبِي يَعْلَى"، عَنْ أَبِي عبد الله الخلّال.
سَمِعَ: القاسم الثّقفيّ، وأبا مطيع.
وُلِد سنة ثمانين تقريبًا.
2- أحمد بْن محمد بْن أحمد1:
أبو نصر الحَدِيثيّ2 المعدّل، البغداديّ.
تفقّه عَلَى: أَبِي إسحاق الشّيرازيّ وكان من أوائل شهود قاضي القضاة الزَّيْنبيّ.
تُوُفّي في جُمادى الآخرة. وحضره القضاة والكبار.
__________
1 المنتظم "10/ 121"، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي "4/ 49".
2 الحديثي: نسبة إلى الحديثة وهي بلدة على الفرات فوق هيت والأنبار "الأنساب 4/ 84".(37/39)
روى عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، وقال: وُلِد سنة سبع وخمسين وأربعمائة. وتُوُفّي في جُمادى الآخرة، وصلّى عَلَيْهِ ابنه أبو طالب رَوح. ثنا عَنْ أَبِي الفضل بن طوق.
3- أحمد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن الإخْوة1.
أبو العبّاس البغداديّ، العطّار، الوكيل.
سَمِعَ: أبا القاسم بْن البُسري، وأبا منصور العُكبَري. وهو آخر من حدَّث بكتاب "المجتَنى" لابن دُرَيْد، عَن العُكْبَرِيّ.
روى عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، وقال: شيخ بهيّ، حَسَن المنظر، خيِّر، متقرِّب إلى أهل الخير، وهو أبو شيخنا عبد الرحيم، وعبد الرحمن.
تُوُفّي في خامس رمضان.
روى عَنْهُ جماعة آخرهم أبو الفَرَج الفتح بْن عبد السّلام الكاتب. عاش ستًّا وثمانين سنة.
4- إبراهيم بْن محمد بْن أحمد بْن مالك.
أبو أحمد العاقوليّ، الوزّان.
شيخ من أهل باب الأزَج لا بأس بِهِ.
سَمِعَ: عاصم بْن الحَسَن، وجماعة.
وكان مولده في سنة ثلاث وستين وأربعمائة.
روى عنه: أبو سعد السمعاني، وقال: تُوُفّي في جُمادى الأولى هُوَ وأخوه محمد في يوم واحد.
وروى عَنْهُ: يوسف بْن المبارك الخفّاف. وأجاز لأبي منصور بْن غُنيمة، وغيره.
5- إسماعيل بن أبي سعد أحمد بن محمد بْن دُوَسْت2:
أبو البَرَكات النّيْسَابُوريّ، الصّوفيّ. شيخ الشيوخ ببغداد.
__________
1 سير أعلام النبلاء "2/ 160".
2 المنتظم "10/ 121"، والكامل في التاريخ "11/ 118"، والتقييد "210"، وسير أعلام النبلاء "20/ 160، 161"، وشذرات الذهب "4/ 128".(37/40)
ولد سنة خمس وستين وأربعمائة ببغداد.
وسمع من: أَبِي القاسم عبد العزيز الأَنْماطيّ، وأبي القاسم بْن البُسري، وأبي نصر الزينبي، ورزق الله التميمي، وجماعة.
قال ابن السَّمْعانيّ: كَانَ عَلَى شاكلة حميدة إلى أن طعن في السّنّ، وكان وَقورًا، مَهِيبًا، ما عرفت لَهُ هَفْوَة، قرأت عَلَيْهِ الكثير، وكنت نازلًا عنده في رباطه.
قلت: وروى عنه: ابناه عبد الرحيم وعبد اللَّطيف، وعبد الخالق بْن أسد، وأبو القاسم بْن عساكر، وسِبطه عبد الوهّاب بْن سُكينة، وأحمد بْن الحسن العاقلويّ، وسليمان بْن محمد المَوْصِليّ، وطائفة سواهم.
توفي في عاشر جمادى الآخرة، وعُمل له عُرس على عادة الصوفية، غرِم عليه نحو ثلاثمائة دينار.
قَالَ ابن النّجّار: سمعتُ ابن سُكينة يَقُولُ: لمّا حضرَت جدّي الوفاةُ كنت حاضرًا، وأولاده حوله، وهو في السّياق، فقالت لَهُ والدتي: يا سيدتي، ما تجد؟ فما قدر عَلَى النُّطْق، فكتب بيده على يدها: {رَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيم} [الواقعة: 89] ثمّ مات رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
6- إسماعيل بْن طاهر:
أبو عليّ المَوْصِليّ، ثمّ البغداديّ.
سَمِعَ أَبَاهُ عَنْ أَبِي الحسن بْن مَخلَد.
روى عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، وابن طبرزَد.
توفي سنة إحدى وأربعين في جُمادى الأولى.
7- أمين الدولة1:
نائب قلعة صرخد، وقلعة بُصرى، واسمه كمشتكين.
أمير جليل، كثير الحُرمة. ولاه على القلعتين الأتابك طُغتكين. فامتدت أيامه إلى أن تُوُفّي في ربيع الآخر سنة 14. وهو واقف المدرسة الأمينية بدمشق.
__________
1 ذيل تاريخ دمشق "215"، والكامل في التاريخ "11/ 49".(37/41)
ولمّا مات توثّب مملوكه ألتُنْتاش فتملّك بُصْرى، وصَرْخد، وانتصر بالفرنج وحالفهم، فسار لحربهم نائب دمشق معين الدّين أنُر فهزمهم، وانهزم معهم إلى بلادهم ألتُنتاش.
ونازل أنُر قلعتي بُصْرَى وصَرْخَد، فافتتحهما.
"حرف الباء":
8- بختيار بْن عبد الله1:
أبو الحَسَن الهنْديّ، عتيق أَبِي بَكْر محمد بْن منصور السّمعانيّ.
سَمِعَ ببغداد، وأصبهان، وهَمَذَان كثيرًا مَعَ مولاه.
وحدَّث عَنْ: أَبِي سعد محمد بْن عبد الملك الأَسَديّ، وأبي سعد محمد بْن عبد الكريم بْن خُشيش.
روى عَنْهُ: أبو سعد ابن مُعتقه، وقال: تُوُفّي ثاني صَفَر.
9- بختيار بْن عبد الله2:
الهِنديّ، أبو الحَسَن الصّوفيّ، عتيق القاضي أَبِي منصور محمد بْن إسماعيل البوشَنجي.
رحل مَعَ مولاه إلى بغداد، وسمع: أبا نصر محمد بْن محمد الزَّيْنبيّ، وعاصم بْن الحسن.
روى عَنْهُ: أبو القاسم بْن عساكر، وأبو سعد السّمعانيّ.
وقد سمّاه مولاه بعد العتْق: عبد الرحيم بْن عبد الرحمن.
قَالَ أبو سعد: رحل إلى بغداد، والحجاز، والبصرة، وأصبهان وعُمّر، وهو شيخ، صالح، متعبّد، متخلّي عَن الدّنيا.
سَمِعَ أيضًا بالبصرة من أَبِي عليّ التُستري، وانتخبتُ عليه ببوشنج ثلاثة أجزاء.
__________
1 الأنساب "12/ 351".
2 الأنساب "12/ 351"، واللباب "3/ 394".(37/42)
وحُمل من بوشَنج إلى هَراة، ونزل في دار الحافظ أَبِي النضْر الفاميّ، وكانت محطَّ رِحال الشّيوخ الطّارئين، وقُرئ عَلَيْهِ كتاب "السُنّة" للالكائي. وكان شيخًا متيقّظًا، قد ناطح الثّمانين.
تُوُفّي ببوشَنج في سنة إحدى أو سنة اثنتين وأربعين.
"حرف الحاء":
10- الحَسَن بْن مُحَمَّد بْن أحمد بْن عليّ1:
أبو محمد الأستِراباذي، الحنفيّ، الفقيه، قاضي الرّيَ.
قدِم بغداد سنة ستٍّ وسبعين، وتفقّه عَلَى قاضي القُضاة أَبِي عبد اللَّه الدّامغانيّ حتّى برع في الفقه.
وسمع من: أَبِي نصر الزَّيْنبيّ، وعاصم بْن الحَسَن، وابن خيرون، وطِراد.
قَالَ ابن السّمعانيّ: كتبتُ عَنْهُ بالرّيّ، تُوُفّي أواخر جُمادى الآخرة بها. ووُلِد في جُمادى الأولى سنة خمسٍ وخمسين وأربعمائة.
وكان يرى الاعتزال، وفيه بُخل، فقالوا فيه:
وقاضٍ لنا خبز ربّهُ ... ومذهبُهُ أنّه لا يُرى
11- الحسين بْن الحسن بْن أَبِي نصر بن يوسف المروروذي:
أبو محمد الصائغ، المعروب بالحاجّيّ.
دخل بغداد، وسمع مَعَ أَبِي بَكْر السَّمْعانيّ من ثابت بْن بُندار، وبهَمَذَان من: مكّيّ بْن بَحيرة الحافظ، وعبد الرحمن الدُّونيّ.
وبأصبهان من: أَبِي الفتح أحمد بْن محمد الحدّاد.
تُوُفّي في العشرين من رمضان.
روى عنه: أبو سعد.
__________
1 الجواهر المضية "2/ 80، 81".(37/43)
12- حنبلُ بْن عليّ بْن الحسين بْن الحَسَن1:
أبو جعفر البخاريّ، ثمّ السّجْستانيّ، الصُّوفيّ.
قدِم هَراة، وأدرك بها شيخ الإسلام أبا إسماعيل، وصحِبه، وسمع منه.
ومن: أَبِي عامر محمود بْن القاسم الأزْديّ، وأبي نصر التّرياقيّ، ونجيب بْن ميمون، وأحمد بْن عُبيد اللَّه بْن أَبِي سعيد الأزْديّ.
وببغداد من: ابن طلحة النّعاليّ، وابن البطِر، وأبي بَكْر الطُّرَيْثِيثيّ.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وابن عساكر، وأبو رَوح عبد المعزّ، وجماعة. وأجاز لعبد الرحيم بْن السّمعانيّ.
وكان شيخًا، كيّسًا، ظريفًا، حدَّث بمَرْو، وهَراة. ووُلِد بسِجِسْتان في سنة أربعٍ وستين وأربعمائة.
ورحل وهو ابن بضْع عشرة سنة.
وتُوُفّي بهَراة في السّابع والعشرين من شوّال.
"حرف الخاء":
13- خَلَفُ بْن محمد بْن أَبِي الحسن بْن أَبِي الحسين بْن مروان2.
البوسَنجي، أبو عليّ المحتسب. نزيل هَراة.
كَانَ يخدم جمال الإسلام أبا الحسن الدّاووديّ، وسمع منه مجلسين. وأجاز لعبد الرحيم بْن السّمعانيّ. وعُمّر دهرًا طويلًا.
وآخر من روى عَنْهُ أبو رَوح الهَرَويّ.
قَالَ أبو سعد السّمعانيّ3: وجدنا لَهُ مجلسين من أمالي الدّاووديّ، وقرأناهما.
وُلِد في غرة ربيع الأول سنة ثلاثين وأربعمائة، وكان صالحًا معمرًا، رحمه الله.
__________
1 الأنساب "7/ 47"، وسير أعلام النبلاء "20/ 273"، والعبر "4/ 112".
2 التحبير "1/ 266".
3 في التحبير.(37/44)
"حرف الزاي":
14- زَنْكيّ بْن آقسُنقُر1:
الملك عماد الدّين صاحب المَوْصل، ويُعرف أَبُوهُ بالحاجب قسيم التُّركيّ، وقد تقدَّم ذِكره.
وزنكيّ فوّض إِلَيْهِ السّلطان محمود بْن محمد بْن ملكشاه السّلْجوقيّ ولاية بغداد وشرطتها في سنة إحدى عشر وخمسمائة، ثمّ نقله إلى الموصل، وسلّم إِلَيْهِ ولده فرّوخ شاه الملقلب بالخفاجيّ ليربّيه، ولهذا قِيلَ لَهُ أتابَك2. وذلك في سنة اثنتين وعشرين3.
واستولى عَلَى البلاد، وقوي أمره، وافتتح الرُّها في سنة تسعٍ وثلاثين. وترقَّت بِهِ الحال إلى أن ملك الموصل، وحلب، وحماه، وحمص، وبَعْلَبَكّ، ومدائن كثيرة يطول تَعْدادها.
وسار بجيشه إلى دمشق وحاصرها، ثمّ استقرّ الحال عَلَى أن خُطب لَهُ بدمشق. واسترجع عدَّةَ حصون من الفرنج، مثل كَفرْطاب وافتتح الرها.
وكان بطلًا، شجاعًا، صارمًا. وقد نازَل قلعة جَعْبَر4، وصاحبها يومئذٍ عليّ بْن مالك، فحاصرها، وأشرف عَلَى أخْذها، فأصبح يوم الأربعاء خامس ربيع الآخر مقتولًا. قتله خادمه غيلة وهو نائم، ودُفن بصِفّين عند الرَّقَّة. وسار ولده الملك نور الدّين محمود، فاستولى عَلَى حلب، واستولى ولده الآخر سيف الدين غازي قُطب الدّين مَوْدود الأعرج عَلَى الموصل.
قَالَ ابن الأثير5: نزل أتابَك زنكيّ عَلَى حصن جَعْبر المُطل عَلَى الفُرات، وقاتَله مَن بها، فلمّا طال أرسل إلى صاحبها ابن مالك العُقيلي رسالة مع الأمير
__________
1 المنتظم "10/ 121"، والكامل في التاريخ "11/ 110-112"، وسير أعلام النبلاء "20/ 189-191"، والبداية والنهاية "12/ 221".
2 الأتابك: كلمة مركبة من "أتا" بالتركية وهو الأب. و "بك" وهو الأمير.
3 بغية الطلب لابن العديم "251، 252".
4 جعبر: على الفرات بين بالس والرقة قرب صفين "معجم البلدان 2/ 142".
5 في الكامل "11/ 109".(37/45)
حسّان المَنْبِجيّ، لمودَّةٍ بينهما في معنى تسليمها، ويبذل لَهُ القطاع والمال، ويتهدّده إن لم يفعل، فما أجاب، فَقُتِلَ أتابَك بعد أيّام، وثب عَلَيْهِ جماعة من مماليكه في اللّيل، وهربوا إلى القلعة، فدخلوها، فصاح أهلها وفرحوا بقتله، فدخل أصحابه إِلَيْهِ.
حدَّثني أَبِي، عَنْ بعض خواصّه قَالَ: دخلت إِلَيْهِ في الحال وهو حيّ، فظنّ أَنّى أريد قتْله، فأشار إليَّ بإصبعه يستعطفني، فقلت: يا مولانا مَن فعل هذا؟ فلم يقدر عَلَى الكلام، وفاضت نفسه.
قَالَ1: وكان حَسَن الصّورة، أسمر، مليح العينين، قد وَخَطَه الشَّيْب، وزاد عمره عَلَى السّتّين، وكان صغيرًا لمّا قُتل أَبُوهُ. وكان شديد الهَيْبة عَلَى عسكره ورعيّته، وكانت البلاد خرابًا من الظُّلم ومجاورة الفرنج، فعمَّرها.
حكى لي والدي قال: رأيت الموصل وأكثرها خراب، بحيث يقف الْإِنْسَان قريب محلَّة الطّبّالين، ويرى الجامع العتيق، ودار السّلطان، ولا يقدر أحد أن يصل إلى جامع إلّا ومعه من يحميه، لبُعْده عَن العمارة، وهو الآن في وسط العمارة2.
وكان شديد الغيرة لاسيما على نساء الأجناد، ويقول: إنْ لم نحفظْهُنّ بالهيبة، وإلّا فَسَدْن لكثرة غَيْبة أزواجهنّ.
قَالَ3: وكان من أشجع خلْق اللَّه. أمّا قبل أن يملك، فيكفيه أنّه حضر مَعَ الأمير مودود صاحب الموصل مدينة طبريَّة، وهي للفرنج، فوصلت طعنته إلى باب البلد، وأثّر فيه. وحَمَل أيضًا عَلَى قلعة عُقر الحميديَّة، وهي عَلَى جبلٍ عالٍ، فوصلت طعنته إلى سورها. إلى أشياء أخَر.
وأمّا بعد ملْكه، فكان الأعداء محدقين ببلاده، وكلهم يقصدها، ويريد أخْذَها، وهو لا يقنع بحفْظها، حتّى أنّه لا ينقضي عَلَيْهِ عامٌ إلّا وهو يفتح من بلادهم. قَالَ: وقد أتينا عَلَى أخباره في كتاب "الباهر"4 في تاريخ دولته وأولاده.
وكان معه حين قُتل الملك ألْب أرسلان بْن السّلطان محمود، فركب يومئذٍ،
__________
1 في الكامل "11/ 110".
2 في الكامل "11/ 111".
3 في الكامل في التاريخ "11/ 112".
4 التاريخ الباهر في الدولة الأنابكية "74-84".(37/46)
واجتمعت حوله العسكر، وحسّنوا لَهُ اللَّهْو والشُّرْب، وأدخلوه الرَّقَّة، فبقي بها أيّامًا لا يظهر، ثمّ سار إلى ماكِسين، ثمّ إلى سَنْجار، وتفرّق العسكر عَنْهُ، وراح إلى الشرق، ثمّ ردّوه، وحُبس في قلعة الموصل. وملك البلاد غازي بْن زنكي، واستولى نور الدّين عَلَى حلب وما يليها. ثمّ سار فتملّك الرُّها، وسبى أهلها، وكان أكثرهم نصارى1.
وقال القاضي جمال الدّين بْن واصل2: لم يخلّف قسيمُ الدّولة آقسُنْقُر مولى السّلطان ألْب أرسلان السَّلْجوقيّ ولدًا غير أتابَك زنكيّ، وكان عمره حين قُتل والده عشر سِنين. فاجتمع عَلَيْهِ مماليك والده وأصحابه. ولمّا تخلّص كرْبُوقا من سجن حمص بعد قتل تُتُش، ذهب إلى حَرّان، وانضم إِلَيْهِ جماعة، فملك حَرّان، ثمّ ملك الموصل وقرَّبَ زنكيّ، وبالغ في الإحسان إِلَيْهِ، وربّاه.
"حرف السين":
15- سعد اللَّه بْن أحمد بْن عليّ بْن الشّدّاد:
أبو القاسم البغداديّ.
سَمِعَ: أبا نصر الزَّيْنبيّ، وعاصم بْن الحَسَن.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وابن أسد الحنفيّ.
وتُوُفّي في ذي القعدة.
16- سعد الخير بْن محمد بْن سهل بْن سعد3:
أبو الحَسَن الأنصاريّ، البَلَنْسيّ، المحدّث.
رحل إلى أن دخل الصّين، ولهذا كَانَ يكتب الأندلسيّ، الصّينيّ.
وكان فقيهًا، متديِّنًا، عالمًا، فاضلًا.
سَمِعَ ببغداد: أبا عبد الله النعالي، وابن البطر، وطِراد بن محمد.
__________
1 الكامل "11/ 113".
2 في مفرج الكروب "1/ 99".
3 المنتظم "10/ 121"، وسير أعلام النبلاء "20/ 158-160"، والبداية والنهاية "12/ 221، 222".(37/47)
وسمع بأصبهان: أبا سعد المطرِّز. وسكنها وتزوّج بها. ووُلِدت لَهُ فاطمة، فسمّعها حضورًا "معجم الطبراني"، وغير ذلك، و "مُسند أَبِي يَعْلَى".
وسمع بالدّون1 "سُنَن النَّسائيّ" من الدُّونيّ، وحصّل الكثير من الكُتُب الجيّدة.
وحدَّث ببغداد، وسكنها مدَّة بعد انفصاله عَنْ أصبهان.
روى عنه: ابن عساكر2، وابن السمعاني، وأبو موسى المَدِينيِ، وعبد الخالق بْن أسد ووصفه بالحِفْظ، وأبو اليُمن الكِنْديّ، وأبو الفَرَج بْن الجوزيّ، وبنته فاطمة بِنْت سعد الخير، وعمر بْن أَبِي السّعادات بْن صرما.
وقال ابن الْجَوْزيّ3: سافر وركب البحار، وقاسى الشّدائد، وتفقَّه ببغداد عَلَى أَبِي حامد الغزّاليّ، وسمع الحديث.
وقرأ الأدب عَلَى أَبِي زكريّا التّبْريزيّ. وحصّل كُتُبًا نفيسة وقرأتُ عَلَيْهِ الكثير، وكان ثقة.
تُوُفّي في عاشر المحرَّم ببغداد.
قلت: آخر من روى عنه بالإجازة: أبو منصور بن عفيجة.
وأورد ابن السّمعانيّ في "الأنساب"4 حكايةً غريبة فقال: سمّع بناته إلى أن رُزق ابنًا سمّاه جابرًا، فكان يُسمعه بقراءتي. واتّفق أنّه حمل إلى الشيخ أَبِي بَكْر قاضي المَرِسْتان شيئًا يسيرًا من عود بغدان، وجد الشّيخ منه رائحةً، فقال: ذا عود طِيب. فحَمَلَ إِلَيْهِ منه نزْرًا قليلًا، ثمّ دفعه إلى جاريته، فاستحيت الجارية أن تُعْلِم الشّيخَ بِهِ لقلّته، فلمّا دخل عَلَى الشّيخ قَالَ: يا سيّدنا، وصل العُود؟ قَالَ: لا. فطلب الجارية فسألها، فاعتذرت لقلّته، وأحضرته، فقال لسعد الخير: أهُوَ هذا؟ قَالَ: نعم. فرمى بِهِ الشّيخ وقال: لا حاجة لنا فيه.
ثمّ طلب منه سَعْد الخير أن يسمّع لابنه جزء الأنصاري، فحلف الشيخ أن لا
__________
1 الدون: قرية من أعمال الدينور.
2 انظر مشيخة ابن عساكر ورقة 70ب.
3 في المنتظم "10/ 121".
4 انظر: الأنساب "2/ 197".(37/48)
يُسمعه إيّاه إلّا أن يحمل إِلَيْهِ سعد الخير خمسة أمْناء1 عُود. فامتنع سعد الخير، وألحّ عَلَى الشيخ أن يكفّر عَنْ يمينه، فما فعل. ولا حمل هُوَ شيئًا.
ومات الشّيخ، ولم يُسمّع ابنَه الجزء.
"حرف الشين":
17- شافع بْن عبد الرّشيد بْن القاسم2:
أبو عبد الله الْجِيليّ.
سكن بالكَرْخ، وتفقّه عَلَى إلكِيا الهَرّاسيّ، ورحل إلى أَبِي حامد الغزّاليّ فتفقّه عَلَيْهِ. وكانت لَهُ حلقة بجامع المنصور للمناظرة. وكل جمعة يحضرها الفُقهاء.
سَمِعَ بالبصرة: أبا عُمَر النّهاوَنْديّ القاضي. وبطبَس: فضل اللَّه بْن أَبِي الفضل الطَّبَسيّ.
روى عَنْهُ: أبو سعد السمعاني، وقال: سألته عن مولده، فقال: دخلت بغداد سنة تسعين وأربعمائة ولي نيِّفٌ وعشرون سنة.
وتُوُفّي في العشرين من المحرَّم.
وقال ابن الْجَوْزيّ3: كنت أحضر حلقته وأنا صبيّ، فألقى المسائل.
قلت: هذا من أئمَّة الشّافعيَّة.
"حرف الصاد":
18- صاعد بْن أَبِي الفضل بْن أَبِي عثمان4:
الشيخ أبو العلاء الشُعيثي، المالينيّ، شيخ خيِّر.
سَمِعَ: أبا إسماعيل الأنصاريّ، وأبا عطاء عبد الرحمن بْن محمد الجوهري، وبِيبَى بنت عبد الصمد.
__________
1 الأمناء: مفردها المنا، وهو كيل أو ميزان يوزن به "القاموس المحيط".
2 المنتظم "10/ 121، 122"، وسير أعلام النبلاء "20/ 161، 162".
3 في المنتظم "10/ 121".
4 التحبير "1/ 335، 336".(37/49)
وكان فقيهًا فاضلًا، قديم المَوْلد. وُلِد سنة سبع وخمسين وأربعمائة. وآخر من سَمِعَ منه رَوْح بْن المعزّ الهَرَويّ.
"حرف الظاء":
19- ظاهر بْن أحمد بْن محمد1:
أبو القاسم البغداديّ، المساميريّ، البزّاز.
شيخ صالح، مُكثر.
سَمِعَ من: رزق اللَّه التّميميّ، وطِراد الزَّيْنبيّ، وابن البطِر، وطائفة.
وتُوُفّي فِي ذي القعدة.
روى عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، ويوسف بْن المبارك، ومحمد بْن عليّ بْن القُبَيطي.
وكان معمَّرًا.
20- ظفَر بْن هارون بْن ظَفَر2:
أبو الفوح الهَمَذَانيّ.
أصله مَوْصِليّ.
سَمِعَ: ثابت بْن الحسين التّميميّ.
كتب عَنْهُ السّمعانيّ وقال: مات في جُمادى الأولى عَنْ ثلاثٍ وثمانين سنة.
"حرف العين":
21- عائشة بِنْت عبد الله بْن عليّ البلْخيّ، ثمّ البُوشَنْجيّ3:
أمّ الفضل، صالحة، معمَّرة.
سَمِعْتُ: أباها أبا بَكْر البلْخيّ، وأبا الحسن الداوودي، وأبا منصور كَلار.
كتب عَنْهَا السّمعانيّ وقال: ماتت سابع ذي الحجة.
__________
1 سير أعلام النبلاء "20/ 171".
2 التحبير "1/ 357".
3 التحبير "2/ 422، 423"، وأعلام النساء "3/ 157".(37/50)
22- عبّاس1:
شِحنة الرَّيّ.
دخل في الطّاعة، وسلّم الري إلى السّلطان مسعود. ثمّ إنّ الأمراء اجتمعوا عند السلطان ببغداد، وقالوا: ما بقي لنا عدوّ سوى عبّاس، فاستدعاه السّلطان إلى دار المملكة في رابع عشر ذي القعدة وقتله، وأُلقي عَلَى باب الدّار. فبكى النّاس عَلَيْهِ لأنّه كَانَ يفعل الجميل، وكانت لَهُ صَدَقات.
وقيل: إنّه ما شرب الخمر قطّ، ولا زنى، وإنّه قتل من الباطنيَّة - لعنهم اللَّه - ألوفًا كثيرة، وبنى من رؤوسهم منارة.
ثم حُمل ودُفن في المشهد المقابل لدار السلطان. قاله ابن الجوزي.
23- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عبد الله2.
الإمام أبو محمد المقرئ، النَّحْويّ، سِبط الزَّاهد أَبِي منصور الخيّاط، وإمام مسجد ابن جَردة، وشيخ القرّاء بالعراق.
وُلِد في شعبان سنة أربع وستين وأربعمائة، وتلقّن القرآن من أَبِي الحسن بْن الفاعوس.
وسمع من: أَبِي الحسين بْن النَّقُّور، وأبي منصور محمد بْن محمد العُكْبَريّ، وطِراد الزَّيْنبيّ، ونصر بْن البَطِر، وثابت بْن بُندار، وجماعة.
وقرأ العربية على أبي الكَرَم بْن فاخر.
وسمع الكُتب الكبار، وصنَّف المصنفات في القراءات مثل "المبهج"، و"الكفاية"، و"الاختيار"، و"الإيجاز".
وقرأ القرآن عَلَى جدّه، وعلى: الشّريف عبد القاهر بْن عبد السّلام المكّيّ، وأبي طاهر بْن سِوار، وأبي الخطّاب بْن الجرّاح، وأبي المعالي ثابت بْن بُندار، وأبي البركات محمد بْن عُبَيد اللَّه الوكيل، والمقرئ المعمّر يحيى بن أحمد السيبي صاحب الحمّامي،
__________
1 المنتظم "10/ 123"، والبداية والنهاية "12/ 222".
2 المنتظم "10/ 122"، وسير أعلام النبلاء "20/ 130-133"، والبداية والنهاية "12/ 222"، وشذرات الذهب "4/ 128-130".(37/51)
وابن بدران الحلْوانيّ، وأبي الغنائم محمد بن علي الزينبي، وأبي العز القلانسي، وغيرهم.
وتصدر للقراءات والنحو، وَأَمَّ بالمسجد المذكور سنة سبْعٍ وثمانين وأربعمائة إلى أن تُوُفّي.
وقرأ عَلَيْهِ خلْق وختم ما لا يُحصى. قاله أبو الفَرَج بْن الْجَوزيّ1، وقال: قرأتُ عَلَيْهِ القرآن والحديث، الكثير، ولم أسمع قارئًا قطّ أطيب صوتًا منه ولا أحسن أداء عَلَى كِبَر سِنّه. وكان لطيف الأخلاق، ظاهر الكياسة والظّرافة وحُسن المعاشرة للعوامّ والخاصّ.
قلت: وكان عارفًا باللّغة، إمامًا في النَّحْو والقراءات وعِلَلها، ومعرفة رجاله، وله شِعْر حَسَن.
قَالَ ابن السّمعانيّ: كَانَ متواضعًا، متودّدًا، حَسَن القراءة في المحراب، خصوصًا في ليالي رمضان. وكان يحضر عنده النّاس لاستماع قراءته. وقد تخرَّج عَلَيْهِ جماعة كثيرة، وختموا عَلَيْهِ القرآن. وله تصانيف في القراءات. وخولف في بعضها، وشنّعوا عَلَيْهِ، وسمعتُ أنّه رجع عَنْ ذَلكَ، والله يغفر لنا وله. وكُتبت عَنْهُ، وعلقت عَنْهُ من شعره. ومنه:
ومن لم تؤدّبه اللّيالي وصَرْفها ... فما ذاك إلا غائب العقل والحُسن
يظنّ بأنّ الأمر جارٍ بحُكمه ... وليس له عِلم، أيُصبح أَوْ يُمسي2
وله:
أيّها الزّائرون بعد وفاتي ... جَدَثًا ضمّني ولَحْدًا عميقا
سَتَروْني الذي رأيت من المو ... ت عيانًا وتسلكون الطريقا
وقال الحمد بْن صالح الجيليّ: سار ذِكره في الأغوار والأنجاد. ورأس أصحاب الإمام أحمد، وصار أوحد وقته، ونسيج وحده، ولم أسمع في جميع عمري مَن يقرأ
__________
1 في المنتظم "10/ 122".
2 ذيل طبقات الحنابلة "1/ 210، 211".(37/52)
الفاتحة أحسن ولا أصحّ منه. وكان جمال العراق بأسره، وكان ظريفًا كريمًا، لم يُخَلِّف مثله في أكثر فنونه1.
قلت: قرأ عَلَيْهِ القراءات: شهاب الدّين محمد بْن يوسف الغَزْنَويّ، وتاج الدّين أبو اليُمن الكَنْديّ، وعبد الواحد بْن سلطان، وأبو الفتح نصر اللَّه بْن عليّ بْن الكيّال الواسطيّ، والمبارك بْن المبارك بْن زُريق الحدّاد، وأبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن هارون الحلّيّ المعروف بابن الكال المقرئ، وصالح بْن عليّ الصَّرْصَريّ، وأبو يَعْلَى حمزة بْن عليّ بْن القُبيطيّ، وأبو أحمد عبد الوهّاب بْن سُكينة، وزاهر بْن رُسْتَم نزيل مكَّة.
وحدَّث عنه: محمود بن المبارك بن الذّارع، ويحيى بْن طاهر الواعظ، وإسماعيل بْن إبراهيم بْن فارس السِّيبيّ، وعبد اللَّه بْن المبارك بْن سُكينة، وعبد العزيز بْن مَنِينا، وتلميذه الكِنْديّ، وعليه تلقَّن القرآنَ وعِلم العربيَّة.
وتُوُفّي في ثامن وعشرين ربيع الآخر. وصلّى عَلَيْهِ الشّيخ عبد القادر.
قَالَ ابن الجوزيّ2: قد رَأَيْت أَنَا جماعة من الأكابر، فما رَأَيْت أكثر جمعًا من جَمْعه.
قَالَ عبد الله بْن حريز القُرَشيّ: ودُفن مِن الغد بباب حرب عند جدّه عَلَى دكَّة الإمام أحمد.
وكان الْجَمْع كثيرًا جدًّا يفوق الإحصاء، وغُلِّق أكثر البلد في ذَلكَ اليوم.
24- عبد الله بْن عليّ بْن عبد العزيز بْن فَرَج3.
الغافقيّ، القُرْطُبيّ، أبو محمد.
عَنْ: أَبِي محمد بْن رزق، وعبد اللَّه محمد بْن فَرَج، وأبي عليّ الغسّانيّ.
قَالَ ابن بَشْكُوال: كَانَ فقيهًا، حافظًا، متيقّظًا.
تُوُفّي رحمه اللَّه في ربيع الآخر.
__________
1 ذيل طبقات الحنابلة "1/ 210"، وغاية النهاية "1/ 435".
2 في المنتظم "10/ 122".
3 الصلة لابن بشكوال "1/ 296".(37/53)
25- عبد الله بْن نصر بْن عبد العزيز بْن نصر1:
أبو محمد المَرَنْدِيّ.
دار في الآفاق، وأخذ عَن الأئمة، وأفنى أكثر عمره في الأسفار، وتفقّه ببغداد عَلَى أسعد الميهني، ثم سكن مرْو.
وكان بارِعًا في الأدب.
أخذ عَنِ: الأبيوردي الأديب، وله شعر حسن.
توفي في يوم عاشوراء. قاله ابن السمعاني.
26- عبد الباقي بْن أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي2:
الأَنْصَارِيّ، البزّاز، أبو طاهر.
قَالَ ابن السّمعانيّ: هُوَ أحد الشّهود المعدّلين، سمّعه أَبُوهُ من نصر بْن البَطِر، وطبقته. سمعنا بقراءته عَلَى أبيه "مغازي" الواقديّ. وكان سريع القراءة.
ولد سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة.
ومات في رمضان.
27- عبد الحقّ بْن غالب بْن عبد الملك بْن غالب بْن تمّام بْن عطيَّة3:
الإمام الكبير، قُدْوة المفسّرين، أبو محمد بْن الحافظ النّاقد الحُجَّة أَبِي بَكْر المحاربي، الغرناطي، القاضي.
أخذ عن: أبيه، وأبي عليّ الغسّانيّ الحافظ، ومحمد بْن الفَرَج الطّلاعيّ، وأبي الحسين يحيى بْن البَيَاز، وخلْق سواهم.
وكان فقيهًا، عارفًا بالأحكام، والحديث، والتفسير، بارع الأدب، بصيرًا بلسان
__________
1 التحبير "1/ 381"، والأنساب "522"، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي "4/ 241".
2 انظر معجم شيوخ ابن السمعاني.
3 الصلة لابن بشكوال "2/ 386، 387"، وسير أعلام النبلاء "19/ 587، 588"، وكشف الظنون "439".(37/54)
العرب، ذا ضبْطٍ وتقييد، وتحرٍ، وتجويد، وذهنٍ سيّال، وفكرٍ إلى موارد المُشكل ميّال. ولو لم يكن لَهُ إلّا تفسيره1 الكبير لكَفَاه.
وكان والده من حفّاظ الأندلس، فاعتني بِهِ، ولحِق بِهِ المشايخ. وقد ألّف برنامجًا ضمّنه مروياته.
ولد في سنة ثمانين وأربعمائة.
حدَّث عَنْهُ: أولاده، والحافظ أَبُو القاسم بْن حُبيش، وأَبُو مُحَمَّد بْن عبيد الله البستي، وأبو جعفر بْن مضاء، وعبد المنعم بْن الفَرَس، وأبو جعفر بْن حَكَم، وآخرون.
مات بحصْن لُورقة في الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة إحدى وأربعين وخمسمائة.
وولي قضاء المَرِيَّة في سنة سبْعٍ وعشرين وخمسمائة. وكان يتوقّد ذكاءً، رحمه اللَّه.
قَالَ الحافظ ابن بَشْكُوال2: تُوُفّي سنة اثنتين وأربعين.
وقال: كَانَ واسع المعرفة، قويّ الأدب. متفنّنًا في العلوم، أخذ الناس عَنْهُ.
28- عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الرحيم بْن أَبِي حامد3.
الخطيب، أبو عبد الله الدّارِميّ، الهَرَويّ.
قَالَ ابن السّمعانيّ4: كَانَ فاضلًا، صالحًا، ورِعًا، عابدًا، كَانَ ينوب عَنْ خطيب هَراة.
وسمع من: بِيبي، وكلاب، وعبد اللَّه بْن محمد الأنصاريّ، وأبي عبد الله العميري، وأبي بكر الغورجي5، وجماعة.
__________
1 وهو: "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز".
2 في الصلة "2/ 387".
3 التحبير "1/ 397، 398"، والتقييد "339".
4 في التحبير.
5 الغورجي: نسبة إلى غورج قرية على باب هراة وأبو بكر الغورجي هو راوي جامع الترمذي عن عبد الجبار الجراحي توفي سنة "481".(37/55)
وحدَّث.
وتُوُفّي بهَرَاة في المحرَّم.
روى عَنْهُ: أبو رَوح في مشيخته، وبالإجازة: أبو المظفّر بْن السّمعانيّ. وظنّي أنّ أَبَاهُ روى عَنْهُ أيضًا.
وكان مولده سنة أربع وستين وأربعمائة.
29- عَبْد الرَّحْمَن بْن عبد الملك بْن غَشَلْيان1:
المحدِّث، أبو الحَكَم الأنصاريّ، السَّرَقُسْطيّ.
لَهُ إجازة من القاضي أَبِي الحسن الخِلَعيّ، وجماعة عَلَى يد أَبِي عليّ الصّدَفيّ.
وسمع من: الصَّدَفيّ، وجماعة. حتّى إنّه سَمِعَ من ابن بَشْكُوال.
وقال ابن بَشْكُوال: أخذتُ عَنْهُ، وأخذ عنّي كثيرًا. وكان من أهل المعرفة والذّكاء واليَقَظَة.
سكن قُرْطُبة، وبها تُوُفّي في رمضان.
قلتُ: آخر مَن روى عَنْهُ في الدّنيا بالإجازة: محمد بْن أحمد ابن صاحب الأحكام، شيخ سَمِعَ منه ابن سيسريّ، وبقي إلى سنة 714.
30- عبد الرحمن بْن عُمَر بْن أَبِي الفضل2:
أبو بَكْر البصْريّ، ثمّ المَرْوَرُّوذِيّ، شيخ صالح، حَسَن السّيرة، معمَّر. وهو آخر مَن سَمِعَ مِن القاضي حسين بْن محمد الشّافعيّ المَرْوَرُّوذيّ صاحب التّعليق. سَمِعَ منه مجلسًا من أماليه.
وسمع من: شيخ الإسلام أَبِي إسماعيل الأنصاريّ.
وكان مولده في سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة.
وتُوُفّي في ذي الحجَّة سنة إحدى وأربعين.
أجاز لأبي المظفر بن السمعاني.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 352".
2 معجم الشيوخ لابن السمعاني.(37/56)
31- عبد الرحمن بْن عُمَر بْن أحمد1.
أبو مسلم الهَمَذَانيّ، الصُّوفيّ، العابد.
مات في شوّال عَنْ سبْعٍ وسبعين سنة.
أجاز لَهُ محمد بْن عثمان القُومسانيّ.
32- عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ بْن مُحَمَّد بْن سليمان:
أبو القاسم، وأبو زيد التُجيبي، ابن الأديب الأندلسيّ، نزيل أورِيولة2، ووالد الشيخ أَبِي عبد الله.
أخذ بمُرسية عَنْ: أَبِي محمد بْن أَبِي جعفر تلمَذ لَهُ. ولقي بالمَرية: أبا القاسم ابن ورد، وأبا الحسن بن موهب الجذامي.
وحج سنة تسع وعشرين وخمسمائة، وسمع بمكَّة من الحسين بْن طحّال.
وأخذ القراءات عَنْ أَبِي عليّ الحَسَن بْن عبد الله. باشر القضاء ووليه مُكرَهًا.
وكان خاشعًا، متقلّلًا من الدّنيا، لَهُ بضاعة يعيش من كسْبها. وكان إذا خطب بكى وأبكى، وكان فصيحًا، مشوَّهًا.
ثمّ إنّه أُعْفي من القضاء بعد شهرين من ولايته.
وبعد الأربعين وفاته.
33- عبد الرحمن بْن عيسى بْن الحاجّ3:
أبو الحَسَن القُرطبي، المَجْريطيّ4.
أخذ القراءات عَنْ: أَبِي القاسم بْن النّحّاس.
وولي قضاء رنْدة.
أخذ عنه القراءات ابنه يحيى القاضي.
__________
1 الأنساب "3/ 395"، والتحبير "1/ 400، 401".
2 أوريولة: مدينة قديمة من أعمال الأندلس من ناحية تدمير "معجم البلدان 1/ 280".
3 غاية النهاية "1/ 376".
4 المجريطي: بلدة بالأندلس "معجم البلدان 5/ 58".(37/57)
34- عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عيسى1:
أبو القاسم الأُمَويّ، الأشْبيلي، النَّحْويّ، المعروف بابن الرماك.
روى عَنْ: أَبِي عبد اللَّه بْن أَبِي العافية، وأبي الحَسَن بْن الأخضر، وأبي الحسين بْن الطّراوة.
وكان أستاذًا في صناعة العربيَّة، محقّقًا، مدقّقًا، متصدّرًا للإقراء بها، قائمًا عَلَى "كتاب" سِيبَوَيْه.
قَلَّ مشهورٌ من فُضَلاء عصره إلّا وقد أخذ عَنْهُ.
قَالَ أبو عليّ الشّلوبينيّ: ابن الرّماك عَلَيْهِ تعلَّم طَلَبة الأندلس الجِلّة.
أخذ عَنْهُ: أبو بَكْر بْن خَيْر، وأبو إسحاق بْن مَلْكُون، وأبو بَكْر بْن طاهر المحدّث، وأبو العبّاس بْن مَضَاء، وآخرون.
وتُوُفّي كهلًا.
35- عبد الرحيم بْن عبد الرحمن2:
أبو الحسن الكِنْديّ، الصُّوفيّ، مولى أَبِي منصور محمد بْن إسماعيل اليَعْقوبيّ. مرّ "بختيار" تقدَّم.
36- عبد الرحيم بْن محمد بْن الفضل:
الأصبهانيّ الحدَّاد.
تُوُفّي في شوَّال.
37- عبد الكريم بن خلف بن طاهر بن محمد بْن محمد.
أبو المظفَّر الشَّحّاميّ، النَّيْسابوريّ.
من بيت الحديث والعدالة.
سَمِعَ: الفضل بْن المُحِبّ، وأبا إسحاق الشّيرازيّ الفقيه لمّا قدِم عليهم، وأبا بَكْر بْن خَلَف، وجماعة كثيرة.
__________
1 سير أعلام النبلاء "20/ 175"، والوافي بالوفيات "18/ 234".
2 تقدم باسم "باختيار بن عبد الله الهندي الصوفي" برقم "9".(37/58)
وكان مولده في سنة ست وستين وأربعمائة، ومات في سلْخ جُمادى الأولى بنَيْسابور.
روى عَنْهُ: جماعة.
وممّن روى عَنْهُ بالإجازة: عبد الرحيم بْن السّمعانيّ.
38- عبد الكريم بْن عبد المنعم بْن أَبِي القاسم القُشيري.
أبو محمد بْن أَبِي المظفَّر النَّيْسابوريّ.
سَمِعَ من: عبد الواحد، وعليّ بْن الحمْد المَدِينيّ، المؤدّب.
وببغداد: أبا القاسم بْن بيان.
حدَّث، وتُوُفّي رحمه اللَّه في الثّالث والعشرين من شعبان.
39- عبد المحسن بْن غُنيمة بْن أحمد بْن فاحة1.
أبو نصر البغداديّ.
شيخ صالح، ديّن، خيّر.
سَمِعَ: أبا عبد الله النّعاليّ، وابن نبهان، وشُجاعًا الذُّهْليّ.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وقال: تُوُفّي فِي المحرَّم.
"حرف الميم":
40- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن خَلَف بْن بيش.
أبو عبد الله العبْدَريّ، الأندلسيّ، الأثريّ.
إمام مشاوَر، لَهُ إجازة من أَبِي عبد الله الخَوْلانيّ.
روى عَنْهُ: أبو بَكْر بلبيس.
وتُوُفّي في صفر.
41- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد القاهر:
الطوسي، أخو خطيب الموصل.
__________
1 المنتظم "10/ 122".(37/59)
سَمِعَ: النِّعاليّ، وابن البطِر.
وعنه: ابن أخيه.
وكان فقيهًا شافعيًا، مناظِرًا.
مات في المحرَّم.
42- محمد بْن أحمد بْن مالك.
العاقوليّ.
عَنْ: طِراد، وابن البطِر.
وعنه: ابن هُبل الطَّبيب.
43- محمد بْن إسماعيل بْن أَبِي بَكْر بْن عبد الجبّار1.
النّاقديّ، الجراحيّ، المَرْوَزِيّ، السّاسيانيّ.
وساسيان محلَّة بمرْو، شيخ صالح.
قرأ عَلَيْهِ أبو سعد السّمعانيّ "صحيح البخاريّ" بسماعه من أَبِي الخير محمد بْن موسى الصّفّار، وقال: تُوُفّي سنة إحدى أو اثنتين وأربعين.
44- محمد بْن الحسن بْن محمد بْن سَوْرة:
أبو بَكْر التّميميّ، النَّيْسابوريّ.
سَمِعَ: الفضل بْن أَبِي حرب، وأحمد بْن سهل السّرّاج، وابن خَلَف.
تُوُفّي في جُمادَى الأولى.
45- محمد بْن طِراد بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ2.
أَبُو الحسين العبّاسيّ، الزَّيْنَبيّ، نقيب الهاشميّين ببغداد.
سَمِعَ: عمّه أبا نصر، وأباه، وأبا القاسم بْن البُسري، وإسماعيل بْن مَسْعَدَة الإسماعيليّ، وهو أخو الوزير أَبِي القاسم عليّ.
__________
1 الأنساب "6/ 8، 9"، واللباب "2، 92".
2 المنتظم "10/ 123"، والكامل في التاريخ "11/ 118"، والبداية والنهاية "12/ 222".(37/60)
ولد سنة اثنتين وستين وأربعمائة. وكان كثير الحجّ، صدرًا، نبيلًا، مسنِدًا.
روى عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، وأبو أَحْمَد بْن سُكَيْنَة، وعمر بْن طبَرزد، وجماعة.
وبالإجازة أبو القاسم بْن صَصْرى.
وتُوُفّي في شعبان. ودُفن بداره بباب الأزَج، وبقي في النّقابة ثمان عشرة سنة.
46- مُحَمَّد بْن عليّ بْن عبد الله1.
أبو بَكْر الكِشمَردي2.
سَمِعَ: الحسين بْن السّرِيّ، وثابت بْن بُندار.
وعنه: أبو سعد السّمعانيّ، وابن عساكر في مُعجميهما.
وكان صالحًا.
تُوُفّي في رجب ببغداد.
47- محمد بْن عليّ بْن عبد الله3.
الإمام أبو عبد الله العراقي، البغداديّ، نزيل البَوَازيج4.
من كبار أئمَّة الشّافعيَّة القائمين عَلَى المذهب.
تفقّه عَلَى: إلْكِيا الهرّاسيّ، وأبي حامد الغزالي، وأبي الشّاشيّ.
وأخذ عَنْ: أَبِي الوفاء بْن عقيل، وأبي بَكْر بْن المظفّر الشّاميّ.
لقيه المحدث أبو الفوارس الحسن بن عبد الله بن شافع الدمشقي بإربل، وسمع منه جزءًا ومَقَاطع مِن شِعْره.
وكان العراقيّ قد قدِم إرْبِلَ لحاجة.
مولده في حدود الثمانين وأربعمائة، وبقي إلى بعد الأربعين وخمسمائة.
__________
1 الأنساب "10/ 435، 436"، واللباب "3/ 99".
2 الكشمردي: نسبة إلى كشمرد نسبة إلى بعض أجداد المنتسب إليه قاله ابن السمعاني.
3 طبقات الشافعية الكبرى للسبكي "4/ 88"، والوافي بالوفيات "4/ 155"، وكشف الظنون "342"، ومعجم المؤلفين "11/ 23".
4 البوازيج: بلدة قديمة على الدجلة فوق بغداد "الأنساب 2/ 321".(37/61)
48- محمد بْن عليّ بْن محمد.
أبو جعفر المَرْوَزِيّ، الدّرقيّ.
فقيه، صالح، معمَّر.
أخذ عَنْ: أَبِي القاسم الدَّبُّوسيّ.
وعنه: السّمعانيّ، وغيرة.
49- محمد بن فضل الله1.
أبو الفتح بن مخمخ البنجديهي، الفقيه، العابد.
سمع من: أبي سعيد البغوي الدباس.
ومات ببنج ديه في جمادى الآخرة عَنْ ثلاثٍ وسبعين سنة.
أخذ عَنْهُ: السّمعانيّ.
50- محمد بْن محمد بْن عبد الرحمن2.
أبو الفتح النَّيْسابوريّ، الخشّاب، الكاتب.
سمع: أبا القاسم بن هوازن القُشيري، وفاطمة بِنْت أَبِي عليّ الدّقّاق، والفضل بْن المحبّ.
قَالَ أبو سعد: لِقيته بأصبهان، وله شعرٌ رائق، وخطّ فائق.
قلت: هو آخر من حدَّث بأصبهان عَن القُشَيريّ وزوجته بِنْت الدّقّاق رحمه اللَّه.
51- محمد بْن محمد بْن أحمد بْن أحمد السّلّال3.
أبو عبد الله الكَرْخيّ، الورّاق، الحبّار.
كَانَ يبيع الحبر في دكّان عند باب النُّوبيّ.
سَمِعَ: أبا جعفر ابن المسلمة، وعبد الصّمد بْن المأمون، وجابر بْن ياسين، وأبي بَكْر بْن سياوش الكازَروني، وأبي الحسن بْن البيضاويّ، وأبي عَلِيّ بْن وشاح.
__________
1 التحبير "2/ 210، 211".
2 الأنساب "5/ 120"، وسير أعلام النبلاء "20/ 77"، والوافي بالوفيات "1/ 165".
3 المنتظم "10/ 123"، وسير أعلام النبلاء "20/ 75، 76"، ولسان الميزان "5/ 364".(37/62)
وتفرّد بالرواية عَنْ هَؤُلّاءِ الثّلاثة، وطال عمره، وتفرد.
وُلِد في رمضان سنة سبع وأربعين وأربعمائة.
قَالَ ابن السّمعانيّ: كَانَ في خُلُقه زَعارَّة، وكنّا نسمع عَلَيْهِ بجّهْد. وهو مُتَّهَم، معروف بالتّشيُّع.
قَالَ أبو بَكْر محمد بْن عبد الباقي: بيت السّلّال معروف في الكرْخ بالتّشيُّع.
وقال الحافظ ابن ناصر: كنت أمضي إلى الجمعة وقد ضاق وقتُها، فأراه عَلَى باب وكأنّه فارغ القلب، لَيْسَ عَلَى خاطره من الصّلاة شيء.
قلت: روى عنه: ابن السمعاني، وعمر بن طَبَرْزَد، وأبو الفَرَج بْن الجوزيّ، ومحمد بْن أَبِي عبد الله بْن أبي فتح النّهْروانيّ، ومحمد بْن عَبدة البروجِردي، وسليمان المَوْصليّ، وأخوه عليّ، والنّفيس بْن وهْبان، وآخرون.
تُوُفّي في جُمادى الأولى، وله أربعٌ وتسعون سنة.
روى عَنْهُ بالإجازة أبو منصور بْن عُفَيْجة. وأبو القاسم بْن صَصرى.
52- محمد بْن محمد بْن الفضل بْن دلّال.
أبو منصور الشَّيْبانيّ، الباجِسرائي1، ثمّ البغداديّ، الحافظ.
سَمِعَ الكثير، وقرأ، وكتب، وعُني بهذا الشّأن وكان سريع القراءة، جيّد التّحصيل.
سَمِعَ: طِراد بْن محمد، وابن البَطِر، وطبقتهما.
روى عَنْهُ: أبو اليُمن الكِنْديّ.
تُوُفّي فِي شَعْبان وله إحدى وثمانون سنة.
ذكره ابن النّجّار.
53- المبارك بْن أحمد بْن محبوب.
أبو المعالي المحبوبي، أخو أبي علي البغدادي.
__________
1 الباجسرائي: نسبة إلى باجسرا وهي قرية كبيرة بنواحي بغداد "الأنساب "2/ 17".(37/63)
سَمِعَ من: طِراد الزَّيْنَبيّ، ونصر بْن البَطِر، وجماعة.
وكان شيخًا صالحًا، خيّرًا.
تُوُفّي في نصف رجب.
روى عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، وابن الجوزيّ.
54- المبارك بْن المبارك بْن أحمد بْن المحسّن بْن كيلان.
أبو بَكْر الكيْلانيّ، السِّقلاطوني، البابَصري، من أهل باب البصْرة من أهل السّتْر والصَّلاح.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وثابت بْن بُندار.
وتُوُفّي في رجب وقد قارب السّتّين.
55- مسلم بْن الخضِر بْن قسيم1.
أبو المجد الحَمَويّ، من شعراء نور الدّين.
لَهُ شِعر في "الخريدة".
فمن شعره:
أهلًا بطَيْف خيالٍ جاءني سَحَرًا ... فقمت واللّيل قد شابتْ ذوائبُه
أقبّل الأرضَ إجلالًا لزَوْرَتهِ ... كأنّما صدقتْ عندي كواذبُه
ومودع القلب من نار الجوى حرقا ... قضى بها قبل أن تُقضى مآربُه
تكاد من ذِكر يوم البَين تحرقُه ... لولا المدامع أنفاسٌ تُغالبه
56- مسعود بْن أَبِي غالب بْن التُرَيكي.
السّقْلاطُونيّ.
سَمِعَ: محمد بْن عبد الواحد الأزرق في سنة ثمان وتسعين وأربعمائة.
روى عَنْهُ: عُمَر بْن طبَرْزَد، وسمع منه في هذا العام، بقراءة أخيه أَبِي البقاء محمد.
__________
1 الكامل في التاريخ "11/ 24"، وعيون التواريخ "12/ 408، 409".(37/64)
57- المفضَّل بْن أحمد بْن نصر بْن عليّ بْن أَبِي الحُسين أحمد بْن محمد بْن قاذشاه:
أبو عبد الله الأصبهانيّ.
سَمِعَ: أبا عبد الله الثّقفيّ، وأبا بَكْر بْن ماجة الأَبْهَرِيّ.
وتُوُفّي بهَمَذَان في جُمادى الأولى.
كتب عَنْهُ: الحافظ أبو سعد، وعبد الخالق بْن أسد.
58- المَهدي بْن هبة اللَّه بْن مَهْدِيّ1:
أبو المحاسن الخليليّ، القَزْوينيّ.
إمامٌ، زاهد، عابد، ورِع، قوّال بالحقّ، نزل بنواحي مَرو.
وقد تفقّه عَلَى أسعد المَيهني، وقرأ "المقامات" بالبصْرة عَلَى المصنِّف، ثمّ تزهّد، وصحِب يوسف بْن أيّوب مدَّة.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ: حدَّثنا عَنْ محيي السُنّة البَغَويّ.
وُلِد سنة خمسٍ وثمانين وأربعمائة، وتُوُفّي بقرية جيرنج في شعبان.
"حرف النون":
59- نصر بْن أسعد بْن سعد بْن فضل اللَّه بْن أحمد2:
المَيهني، الصُّوفي.
سَمِعَ: أبا الفضل محمد بْن أحمد العارف في سنة بضعٍ وستّين.
أخذ عَنْهُ: أبو سعد، وقال: مات في المحرَّم.
"حرف الواو":
60- وجيه بْن طاهر بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن يوسف بن محمد بن المَرزبان3:
__________
1 التدوين في أخبار قزوين "4/ 126"، وطبقات الشافية الكبرى للسبكي "4/ 317".
2 التحبير "2/ 343".
3 المنتظم "10/ 124"، وسير أعلام النبلاء "20/ 109-111"، والبداية والنهاية "12/ 222".(37/65)
أبو بَكْر الشّحّاميّ، أخو زاهر.
من بيت الحديث والعدالة بنَيْسابور.
رحل بنفسه إلى هَراة أو إلى بغداد.
ومولده في شوّال سنة خمسٍ وخمسين وأربعمائة.
سَمِعَ: أبا القاسم القُشيري، وأبا حامد الأزهريّ، وأبا المظفَّر محمد بْن إسماعيل الشّحّاميّ، وأبا نصر عبد الرحمن بْن محمد بْن موسى التّاجر، ويعقوب بْن أحمد الصَّيْرفيّ، وأبا صالح المؤذّن، ووالده أبا عبد الرحمن الشّحّاميّ، وشيخ الحجاز عليّ بْن يوسف الجُوَيني، وشبيب بْن أحمد البَسْتيغيّ، وأبا سهل الحفْصيّ، وأبا المعالي عمر بن محمد بن الحسين البِسطامي، وأخته عائشة بِنْت البسْطاميّ، ومحمد بْن يحيى المزكيّ، وأبا القاسم إسماعيل بْن مَسعدة، الإسماعيليّ، وطائفة بنَيْسابور.
وبهَراة: شيخ الإسلام، وبِيبي الهَرثَمية، وعاصم بْن عبد الملك الخليليّ، وأبا عطاء عبد الرحمن بْن محمد الجوهري، وأبا العلاء صاعد بْن سيّار، ونجيب بْن ميمون الواسطيّ، وعطاء بْن الحسَن الحاكم، وجماعة بهَراة.
وعبد الرحمن بْن محمد بْن عفيف البُوشَنْجيّ، وأبا سعد محمد بْن محمد الحجْريّ ببوشنج.
وأبا نصر محمد بْن محمد الزَّيْنبيّ، وأبا الحسين الصّاحبيّ ببغداد.
وأبا نصر محمد بْن وَدعان الموصليّ بالمدينة.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وابن عساكر، وأبو الفضل محمد بْن أحمد الطّبَسي، ومحمد بن فضل الله السالاري، ومنصور الفراوي، والمؤيَّد الطُّوسيّ، وزينب الشَّعْرِيَّة، ومجد الدّين سعيدِ بْن عَبْد اللَّه بْن القاسم الشّهْرُزُوريّ، والقاسم بْن عبد الله الصّفّار، وأبو النّجيب إسماعيل بْن عثمان الغازي، وأبو سَعْد عبد الواحد بْن عليّ بْن حمّوَيه الجُويني، وآخرون.
قَالَ ابن السَّمْعانيّ: كتبت عَنْهُ الكثير، وكان يُملي في الجامع الجديد بنَيْسابور كلّ جمعة في مكان أخيه زاهر. وكان كخير الرجال، متواضعًا، ألُوفًا، متودّدًا، دائم الذِّكر، كثير التّلاوة، وصُولًا للرجم، تفرّد في عصره بأشياء، ومرض أسبوعًا1.
__________
1 التقييد لابن نقطة "472"، والمنتخب "473".(37/66)
وتُوُفّي في ثامن عشر جُمادى الآخرة. ودُفن بجنب أبيه وأخيه.
"حرف الياء":
61- يحيى بْن خَلَف بْن النّفيس1.
أبو بَكْر، المعروف بابن الخَلوف، الغَرْناطيّ، المقرئ، الأستاذ.
لقي من المقرئين: أبا الحسن العبْسيّ، وخازم بْن محمد، وأبا بَكْر بْن المفرّج البَطَلْيُوسيّ، وأبا القاسم بْن النّحّاس، وأبا الحسن بْن كرز، وعيّاش بْن خَلَف.
ومن المحدّثين: ابن الطّلّاع، وأبا عليّ الغسّانيّ، وأبا مروان بْن سرّاج، فسمع من بعضهم، وأجاز لَهُ سائرهم.
وحجّ فسمع "صحيح مسلم" بمكَّة، من أَبِي عبد الله الحسين الطَّبَريّ، ودخل العراق، فسمع من: أَبِي طاهر بْن سِوار المقرئ، وبالشّام من أَبِي الفتح نصر بْن إبراهيم المقدسيّ.
وأقرأ النّاس بجامع غَرْناطَة زمانًا، وطال عُمره، واشتهر اسمه وحدَّث، وأقرأ الناس، وكان بارعًا فيها، حاذِقًا بها، مَعَ التّفنُّن، والحِفْظ، ومعرفة التفاسير، والجلالة والحُرمة.
حدَّث عَنْهُ: أبو عبد الله النُّميريّ، ويقول فيه: يحيى بْن أَبِي سعيد، وأبو بَكْر بْن رزق، وأبو الحَسَن بْن الضّحّاك، وأبو عبد الله محمد بْن عبد الرحيم بْن الفَرَس، وابنه عبد المنعم بْن محمد، وابنه عبد المنعم بْن يحيى بْن الخَلوف، وأبو القاسم القَنْطريّ، وأبو محمد بن عُبيد الله الحَجري، وأبو عبد الله بْن عروس.
وتُوُفّي بغَرْناطة في آخر العام.
وكان مولده في أول ست وستين وأربعمائة.
ترجمه الأَبّار.
ومن بقايا الرُّواة عَنْهُ: أحمد بْن عبد الودود بْن سمجون، بقي إلى سنة ثمانٍ وستمائة.
__________
1 بغية الملتمس للضبي "501، 502".(37/67)
62- يحيى بْن زيد بْن خليفة بْن داعي بْن مَهدي بْن إسماعيل1.
أبو الرِّضا العَلَويّ، الحَسني، السّاويّ، شيخ الصُّوفيَّة بساوة.
ديّن صالح، خيّر، متودّد، متواضع، جميل.
سَمِعَ بأصبهان: أبا سعد المطرِّز، وأبا منصور بْن مَندويه، وأبا عليّ الحّداد.
وتُوُفّي في شعبان عَنْ بضعٍ وسبعين سنة.
روى عَنْهُ أبو سعد السّمعانيّ.
63- يحيى بْن عبد الله بْن أَبِي الرجاء محمد بْن عليّ التّميميّ2.
أبو الوفاء الأصبهانيّ.
تُوُفّي في الخامس والعشرين من رمضان. وكان فاضلًا، نبيلًا، معدَّلًا، عالِمًا بالشّروط.
روى عَنْهُ: أبو موسى المَدِينيّ، والسّمعانيّ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وعَبْد الجبّار بْن عَبْد اللَّه بْن بُرزة، وأبا طاهر النّقّاش.
64- يحيى بْن موسى بْن عبد الله3.
أبو بكر القُرطبي.
روى عَنْ: محمد بْن فَرَج، وأبي عليّ الغسّانيّ.
وكان رجلًا صالحًا، طاهرًا، مُقبلًا عَلَى ما يعنيه.
روى عَنْهُ: ابن بَشكوال فوائد أَبِي الحسن بْن صخْر، بسماعه من عبد العزيز بْن أَبِي غالب القَرَويّ، عَنْهُ، وقال: تُوُفّي في عقِب صفر.
وفيات سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة:
"حرف الألف":
65- أحمد بْن الحُصين بْن عبد الملك بن عطاف:
__________
1 التحبير "2/ 375"، ومعجم شيوخ ابن السمعاني ورقة "283أ".
2 التحبير "2/ 376، 377".
3 الصلة لابن بشكوال "2/ 673".(37/68)
القاضي، أبو العبّاس العُقيلي، الجيّانيّ.
طلب العِلم وهو ابن ستّ عشرة سنة، وهذا يندُر في المغاربة، ورحل إلى قُرْطُبة، فسمع من: أَبِي محمد بْن عَتّاب، وأبي الأصْبَغ بْن سهل.
وسمع بإشبيلية من: أبي القاسم الهَوزَني.
وسكن غَرْناطَة، وأفتى بها، وحدَّث.
روى عَنْهُ: أبو محمد بْن عُبيد اللَّه الحَجري.
66- أَحْمَد بْن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ1.
أبو الحسن بْن أَبِي موسى بْن الآبنُوسيّ، الفقيه الشّافعيّ، الوكيل.
وُلِد سنة ستٍّ وستين وأربعمائة، وسمع: أبا القاسم بْن البُسري، وأبا نصر الزَّيْنبيّ، وإسماعيل بْن مَسعدة الإسماعيليّ، وعاصم بْن الحَسَن، وأبا الغنائم بْن أَبِي عثمان، ورزق اللَّه، وجماعة كثيرة.
وتفقّه عَلَى القاضي محمد بْن المظفَّر الشّاميّ، وعلى أَبِي الفضل الهَمَذَانيّ.
ونظر في عِلْم الكلام والاعتزال. ثم فتح اللَّه لَهُ بحسن نيّته، وصار من أهل السُّنة.
روى عَنْهُ: بنته شرف النّساء وهي آخر من حدَّث عَنْهُ، وابن السّمعانيّ، وابن عساكر، وأبو اليُمن الكِندي، وسليمان الموصليّ، وآخرون.
قال ابن السمعاني: فقيه، مُفتٍ، زاهد. يعرف المذهب والفرائض. اعتزل عن الناس، واختار الخمول، وترك الشهرة، وكان كثير الذِّكر. دخلت عليه، فرأيته على طريقة السلف من خشونة العيش، وترك التكلف.
وقال ابن الجوزي2: صحب شيخنا أبا الحسن بن الزاغوني، فحمله على السُنّة بعد أن كَانَ مُعْتزليًّا، وكانت لَهُ اليد الحسَنة في المذهب، والخلاف، والفرائض، والحساب، والشُّروط. وكان ثقة، مصنّفًا، عَلَى سَنَن السَّلَف، وسبيل أهل السُّنة في الاعتقاد. وكان يُنابذ مَن يخالف ذَلكَ من المتكلّمين.
__________
1 المنتظم "10/ 126"، والعبر "4/ 114"، وسير أعلام النبلاء "20/ 162، 163".
2 في المنتظم.(37/69)
وله أذْكار وأوراد من بكرةٍ إلى وقت الظُّهْر، ثم يُقرأ عَلَيْهِ من بعد الظّهر. وكان يلازم بيته، ولا يخرج أصلًا. وما رأيناه في مسجد، وشاعَ أنّه لا يصلّي الجمعة، وما عَرَفْنا عَنْهُ في ذَلكَ.
وتُوُفّي في ثامن ذي الحجَّة.
قلت: وأجاز لأبي منصور بْن عُفيجة، ولأبي القاسم، يعني ابن سعد.
67- أحمد بْن عبد الخالق بْن أَبِي الغنائم.
الهاشميّ، أبو العبّاس.
سَمِعَ مجلسًا من طِراد.
روى عَنْهُ: الفضل بْن عبد الخالق الهاشميّ.
68- أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عبد الباري1.
أبو جعفر البِطرَوجي، ويقال: البِطْرَوْشيّ، بالشّين، الحافظ.
أحد الأئمَّة المشاهير بالأندلس.
أخذ عَنْ: أَبِي عبد الله الطَّلَّاعيّ، وأبي عليّ الغسّانيّ، وأبي الحسن العبْسيّ، وخازم بْن محمد، وخَلَف بْن مدبّر، وخَلَف بْن إبراهيم الخطيب المقرئ، وجماعة.
وأكثر عَنْ أَبِي عبد الله الطَّلّاعيّ. وقرأ القراءات بقُرطبة عَلَى عيسى بْن خيرة.
وناظر في "المدوَّنة"2 عَلَى عبد الصّمد بْن أَبِي الفتح العَبْدَريّ، وفي "المستخرَجة" عَلَى أَبِي الوليد بْن رشد. وعرض "المستخرجة" مرَّتين عَلَى أَصْبغ بْن محمد.
وأجاز لَهُ أبو المطرّف الشّعبيّ، وأبي داود الهَرَويّ، وأبو عليّ بْن سُكّرة، وأبو عبد الله بْن عَوْن، وأبو أسامة يعقوب بْن عليّ بْن حزْم.
وكان إمامًا عاقلًا، عارفًا بمذهب مالك، بصيرًا، حافظًا، محدّثًا، عارفًا بالرجال، وأحوالهم، وتواريخهم، وأيامهم، وله مصنّفات مشهورة.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "1/ 82"، وسير أعلام النبلاء "20/ 116-118".
2 المدونة: أشهر كتب المالكية في الفقه لأبي سعيد سحنون بن سعيد بن حبيب التنوخي واسمه عبد السلام، وسبقت ترجمته في وفيات "231-240هـ" رقم "249".(37/70)
وكان إذا سُئل عَنْ شيء فكأنّما الجواب عَلَى طَرَف لسانه، ويُورِد المسألة، بنصّها ولفْظها لقوَّة حافظته، ولم يكن للأندلس في وقته مثله، لكنّه كَانَ قليل البضاعة من العربيَّة رثّ الهيئة، خاملًا لخفَّةٍ كانت بِهِ. ولذلك لم يلحق بالمشاهير، ولا ولّوه شيئًا من أمور المسلمين، وعسى كَانَ ذَلكَ خيرًا لَهُ، رحمه الله.
وروى عَنْهُ "الموطّأ": أبو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عُبيد اللَّه الحَجْريّ، وخَلَف بْن بَشْكُوال الحافظ، وأخوه محمد بْن بَشْكُوال، وأبو الحسن محمد بْن عبد العزيز الشَّقُوريّ1، ومحمد بْن إبراهيم بْن الفَخّار، ويحيى بْن محمد الفِهري البَلَنْسيّ، وخلْق سواهم.
قَالَ ابن بَشْكُوال2: كَانَ من أهل الحِفظ للفقه، والحديث، والرجال، والتّواريخ، مقدَّمًا في ذَلكَ عَلَى أهل عصره.
وتُوُفّي لثلاثٍ بقين من المحرَّم.
وهو قُرْطُبيّ، أصله من بِطروش.
69- أحمد بْن أَبِي الحسن بْن الباذِش3.
الإمام أبو جعفر بْن عليّ بْن أحمد بْن خَلَف الأنصاريّ، الغَرْناطيّ.
روى عَنْ: أبيه وأبي عليّ الصَّدفّي، وابن عَتّاب، وطبقتهم فأكثر، وتفنّن في العربيَّة - وكان من الحفاظ الأذكياء. خطب بغَرْناطَة، وحمل النّاس عَنْهُ. واشتهر اسمه.
مات في هذا العام ببلده كهْلًا أو في الشّيخوخة.
70- أحمد بْن عليّ بْن عبد الواحد4.
أبو بَكْر ابن الأشقر، البغدادي، الدلال.
ولد سنة سبع وخمسين وأربعمائة.
__________
1 الشقوري: نسبة إلى شقورة ناحية بقرطبة "الأنساب "7/ 366، 367".
2 في الصلة "1/ 82".
3 الصلة لابن بشكوال "1/ 82"، وكشف الظنون "140"، ومعجم المؤلفين "1/ 316".
4 المنتظم "10/ 126"، وسير أعلام النبلاء "20/ 163"، وشذرات الذهب "4/ 131".(37/71)
وسمع: أبا الحسن بْن المهتدي بالله، وأبا محمد الصَّرِيفِينيّ، وأبا نصر الزَّيْنبيّ.
روى عنه: أبو سعد السّمعانيّ، وعمر بْن طَبرزد، وأبو بَكْر محمد بْن المبارك بْن عتيق، وعبد اللَّه بْن يحيى بْن الخزّاز الخريميّ، وعمر بْن الحسين بْن المِعوجّ، وتُرْكُ بْن محمد العطّار، وفاطمة بِنْت المبارك بْن قَيداس، وإسماعيل بْن إبراهيم السّيبيّ الخبّاز، وأحمد بْن سَلْمان بن الأصفر، وعبد الملك بْن أَبِي الفتح الدّلّال، وآخرون.
قَالَ ابن الْجَوْزيّ1: كَانَ خيِّرًا، صحيح السّماع.
تُوُفّي في ثامن صفر.
71- أحمد بْن عليّ بْن أحمد بْن يحيى بْن أَفْلَح بْن رزقون بْن سحْنُون2.
المُرسي، الفقيه، المالكيّ، المقرئ.
أخذ القراءات عن: أبي داود البيار، وابن أخي الدّوش.
وَسَمِعَ من: أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن الفرج الطلاعي، وأبي علي الغساني. وقرأ لورش على أبي الحسن بن الجزار الضرير صاحب مكّيّ.
وتصدَّر للإقراء بالجزيرة الخضراء، وأخذ النّاس عَنْهُ. وكان فقيهًا، مشاوَرًا، حافظًا، محدّثًا، مفسّرًا، نَحْويًّا.
روى عَنْهُ: أبو حفص بْن عكبرة، وابن خَيْر، وأبو الحسن بْن مؤمن، وجماعة آخرهم موتًا أحمد بْن أَبِي جعفر بْن فطَيس الغافِقيّ، طبيب الأندلس، وبقي إلى سنة 613.
تُوُفّي في ذي القعدة سنة اثنتين، وقيل: تُوُفّي في حدود سنة خمسٍ وأربعين.
72- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن حاطب3.
أبو العبّاس الباجيّ.
كَانَ رأسًا في اللغة والنحو، مع الصلاح والزهد.
__________
1 في المنتظم.
2 الديباج المذهب "1/ 219"، وغاية النهاية "1/ 83".
3 بغية الوعاة "1/ 371".(37/72)
أخذ عَنْ: عاصم بْن أيّوب، وجماعة.
وعاش نحوًا من ثمانين سنة رحمه اللَّه.
73- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز.
أَبُو البقاء بْن الشّطْرَنْجيّ، البغداديّ، العُمري.
كَانَ يكتب العمر مجاورًا بمكَّة.
سَمِعَ: مالكًا البانياسيّ، وأبا الحَسَن الأنباريّ، وأبا الغنائم بْن أَبِي عثمان.
روى عَنْهُ: محمد بْن معمَّر بْن الفاخر، وثابت بْن محمد المَديني.
تُوُفّي في رمضان أو في شوّال.
74- أحمد بْن محمد بْن غالب1.
أبو السّعادات، العُطاردي، الكَرْخيّ، الخزّاز، البيِّع.
سَمِعَ: عاصم بْن الحَسَن، وأبا يوسف القَزْوينيّ، المعتزليّ، وجماعة.
وعنه: أحمد بْن عليّ بْن حَراز، ويوسف بْن المبارك الخفّاف.
وله شِعر مليح، ومعرفة بالكلام.
عاش ثمانيًا وثمانين سنة.
75- أحمد بْن محمد بْن محمد2:
أبو المعالي بْن أَبِي اليُسر البخاريّ، الفقيه.
تفقَّه عَلَى والده.
وسمع منه، ومن غيره وأفتى وناظر وأملى الحديث، وكان حسن السيرة.
توفي في وسط السنة بسرخس، وحُمل إلى بخارى.
76- أحمد بْن ما شاء الله.
أبو نصر السِّدري3.
__________
1 الأنساب "8/ 477"، واللباب "2/ 246".
2 المنتظم "10/ 126، 127".
3 السدري: نسبة إلى السدر وهو ورق شجرة النبق "الأنساب 7/ 57".(37/73)
سَمِعَ: أبا الفضل بْن خَيرون.
وحدَّث.
وكان مستورًا من أهل القرآن والسُنّة ببغداد.
وتُوُفّي في ثالث صَفَر.
روى عَنْهُ: المبارك بْن كامل، ومحمد بْن حسين النّهْروانيّ.
77- إبراهيم بْن خَلَف بْن جماعة بْن مَهْديّ.
أبو إسحاق البكْريّ، بَكْر بْن وائل.
من الأندلس، من أهل دانية.
سَمِعَ: أبا داود المقرئ، ومحمد بْن يوسف بْن خليفة، وأبا عليّ الصَّدَفيّ. وولي قضاء بلده سنة تسعٍ وعشرين، وعُزل سنة ثلاثين وخمسمائة. وولي قضاء شاطبة مدَّة. وكان حَسَن السّيرة، ثقة، معتنيًا بالحديث.
روى عَنْهُ: أبو عُمَر بْن عيّاد، وعليم بْن عبد العزيز، وأبو بَكْر بْن مفوَّز، وتُوُفّي في رجب، وغسّله وصلّى عَلَيْهِ أبو عبد الله بْن سعيد الدّانيّ. وكان مولده في سنة ثلاثٍ وستّين وأربعمائة.
78- إسحاق بن علي بن يوسف بن تاشفين اللّمْتُونيّ1.
ولي نيابة مَرّاكُش لأخيه تاشفين، وهو صبيّ حدَث، فقُتل أخوه سنة تسعٍ وثلاثين، فانضمّت العساكر إلى هذا وملّكوه، فقصده عبد المؤمن، وحاصر مَرّاكُش أحَدَ عشر شهرًا، ثمّ أخذها عَنْوةً لمّا اشتدّ بها القحط. وأخرج إسحاق إلى بين يدي عبد المؤمن، فعزم أن يعفو عَنْهُ لأنّه دون البلوغ، فلم توافق خواصُّه، فخلّى بينهم وبينه، فقتلوه، وقتلوا معه سير بن الحاجّ أحد الشّجعان المذكورين.
وكان إسحاق آخر ملوك بني تاشفين.
79- أسعد بْن عبد الله بْن حُميد بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الصّمد2.
أبو منصور بن المهتدي.
__________
1 البيان المغرب "4/ 99".
2 المنتظم "10/ 127"، والبداية والنهاية "12/ 223".(37/74)
شيخ جليل، شريف، مُعَمَّر.
وُلِد سنة بضعٍ وثلاثين وأربعمائة، وكان يمكنه السّماع من أَبِي طالب بْن غَيْلان، وابن المُذهِب.
ثمّ كَانَ يمكنه أن يسمع بنفسه من أَبِي الطَّيِّب الطَّبَريّ، والجوهريّ، وإنّما سَمِعَ وقد تكهَّل من: طِراد الزَّيْنَبيّ، وطاهر بْن الحسين.
وهو أخو الشّيخ أَبِي الفضل محمد شيخ الكِندي.
قَالَ ابن السّمعانيّ: شيخ بهيّ المنظر، أضرَّ في آخر عمره، وكان منسوبًا إلى الصّلاح.
قَالَ ابن الجوزيّ في كتابه "المنتظم"1: كَانَ النّاس يُثنون عَلَيْهِ.
وقال ابن السّمعانيّ: قَالَ لي: حَمَلوني إلى أَبِي الحسن القَزْوينيّ، فمسح يده عَلَى رأسي، فمن ذَلكَ الوقت ما أوجعني رأسي ولا اعتراني صُداع. ورأيته وأنا منتصب القامة في هذا السّنّ.
قلت: روى عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، وعبد الخالق بْن أسد، وعمر بْن طَبرْزد، ويوسف بْن المبارك، والخفّاف، وغيرهم.
وتُوُفّي في رمضان، وله مائة وبضعُ سِنين.
قَالَ ابن الْجَوزيّ2: وُلِد سنة ثلاثٍ أو أربعٍ وثلاثين وأربعمائة.
وقال عبد المغيث بْن زُهير: أنشدني أسعد بْن عبد الله بْن المهتدي بالله: سَمِعْتُ أبا الحسن القَزْوينيّ يُنشد:
إنّ السلامة في السُّكُوتِ ... وفي مُلازمة البيوت
فإذا تحصّل ذا وذا ... فاقنع إذًا بأقلّ قُوت
__________
1 "10/ 127".
2 في المنتظم.(37/75)
"حرف الدال":
80- دَعوان بْن عليّ بْن حمّاد بْن صدقَة1.
أبو محمد الجُبّي، الضّرير، المقرئ.
وُلِد بجُبّة، قرية عند العقر في طريق خراسان من بغداد، في سنة ثلاثٍ وستّين. وقدِم بغداد.
وسمع من: رزق اللَّه التّميميْ، ونصر بْن البَطِر، وجماعة.
وقرأ القراءات عَلَى: عبد القاهر العبّاسيّ، وأبي طاهر بْن سِوار.
وتفقّه عَلَى أَبِي سعد المخرَّميّ.
وحدَّث، وأقرأ، وأفاد النّاس. وكان يعيد الخلاف بين يدي أَبِي سعد شيخه. وكان خيِّرًا، دينًا، مُتصاونًا، عَلَى طريق السَّلَف.
تُوُفّي فِي السادس والعشرين من ذي القِعْدة.
قرأ عَلَيْهِ: منصور بْن أحمد الجميليّ الضّرير، وجماعة.
وقال عبد الله بْن أَبِي الحسن الجُبّائي: رَأَيْت دَعْوان في النّوم، فقال: عُرضت عَلَى اللَّه خمسين مرَّة، وقال لي: إيش عملتَ؟ قلت: قرأت القرآن وأقرأته.
فقال لي: أَنَا أتولّاك، أَنَا أتولّاك.
"حرف الذال":
81- ذَكْوان بْن سيّار بْن محمد بْن عبد الله.
أبو صالح الهَروي، الدّهّان. أخو أَبِي العلاء صاعد بْن سيّار الحافظ.
سمّعه أخوه مِن محمد بْن أَبِي مسعود الفارسيّ أجزاء يحيى بْن صاعد. وكان يُلقَّب بأميرجَهْ.
روى عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، وأبو رَوح الهروي.
__________
1 المنتظم "10/ 127، 128"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1294"، والوافي بالوفيات "14/ 18".(37/76)
وبالإجازة أبو المظفّر بْن السّمعانيّ.
تُوُفّي سابع ذي الحجَّة.
"حرف السين":
82- سعيد بْن خَلَف بْن سعيد:
أبو الحسن القُرْطُبيّ، المقرئ.
أخذ القراءات عَنْ: أَبِي القاسم بْن النّحاس، وغيره.
وسمع من: أَبِي عبد الله الطّلّاع، وخازم بْن محمد، وأبي عليّ الغسّانيّ، وجماعة.
وتصدَّر للإقراء وتعليم النَّحْو.
أخذ عَنْهُ: أبو عليّ والد الحافظ أَبِي محمد القُرْطُبيّ، وغيره.
وقرأ عَلَيْهِ إبراهيم بْن يوسف المعاجريّ.
"حرف الطاء":
83- طاهر بْن زاهر بْن طاهر1:
أبو يزيد الشّحّاميّ، النَّيْسابوريّ، السّرُوجيّ.
سَمِعَ: أبا بَكْر بْن خَلَف، وعبد الملك بْن عبد الله الدَّشْتيّ.
مات في شوّال، وله ستّون سنة.
84- طلْحةُ الأندلس.
أحد الأبطال الموصوفين.
جاء إلى الموحّدين وخَدَمهم، ثمّ نفَّرته أخلاقهم، فكان يأخذ المائة راجل فيغير بها عَلَى تيملك، وينْكي فيهم، وكان شَهْمًا شجاعًا، فهابته المصامدة.
ثمّ كَانَ في حصار مَرّاكُش بها، فلمّا افتتحها عبد المؤمن وبذل فيها السيف تطلّب
__________
1 التحبير "1/ 344، 345"، والمنتخب من السياق "268".(37/77)
طلحة فوجدوه في برج، فقاتل حتّى قتل جماعة، فأتوه بأمانٍ بخطّ عبد المؤمن، فسلَّم نفسه، وأتوه بِهِ، فقال أبو الأحسن، شيخ من العشيرة: أَنَا أتقرَّب بدمه.
فقال طلحة: ألم يَنْهكم المهديّ عَنْ إضاعة المال، وعليَّ ما يساوي مالًا كثيرًا، وقد أمركم المهديّ، فكيف تفسدوه بالدّم.
فقال أبو الأحسن: حلّوًا ثيابه وجرّدوه.
فأخرج في الحال سكّينًا من قَلَنْسُوَته، ووثب بها عَلَى أَبِي الأحسن والسّيف في يده، فلم يُغنِ عَنْهُ. وقتله طلْحة، فقتلوه، وماتا جميعًا.
"حرف العين":
85- عَبْد اللَّه بْن أحمد بْن عُمَر1.
أبو محمد القَيْسيّ، المالِقيّ، المعروف الوحِيديّ، القاضي.
روى عَنْ: أَبِي المطرّف الشّعبيّ، وأبي الحسين العَبْسيّ، وأبي عليّ الغسّانيّ.
وكان من أهل العلم والفهم. ولّي قضاء مالقة مدة حُمد فيها.
وتوفي عَنْ بضْعٍ وثمانين سنة.
قَالَ فيه أليَسَع بْن حزْم: طودٌ علا، أظهره سبوقه، وعلق فصل نفقت أبدًا سوقُه، فلا تُعجزه المَحَاضر، ولا يقطعه المُحاضر، فمن ذا الّذي يجاريه في الحديث والسُّنَن، ومعرفة الصّحيح والحَسَن. كنّا نقرأ عَلَيْهِ "صحيح مسلم"، فيُصلحه من لفْظه، ونجد الحقّ موافِقًا لحِفْظه، وإذا وقع غريب ذَكَر اختلاف المحدّثين فيها مَعَ اللُّغَويّين.
86- عَبْد الله بْن عَبْد المُعِزّ بْن عَبْد الواسع بْن عَبْد الهادي ابن شيخ الإسلام الأنصاريّ، أبو المعالي الهَروي.
شابٌ فاضل، مليح الوعْظ، لم يكن أهل بيته مثله في عصره، رَحَل بِهِ أَبُوهُ، وسمع المُسنَد من ابن الحُصين.
وبمكَّة من: عبد الله بْن محمد بن غزال.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "1/ 296"، والوافي بالوفيات "17/ 49".(37/78)
وبأصبهان من: فاطمة، وجعفر الثّقفيّ.
وبهَراة من: أَبِي الفتح نصر بْن أحمد الحنفيّ.
كتب عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وقال: سَمِعَ منّي الكثير، وخرج معي إلى بوشَنج، وكتبنا جميعًا.
تُوُفّي في ربيع الأوّل، وله ثمان وثلاثون سنة.
87- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْن عَلِيّ بن خلف1.
أبو محمد اللَّخْميّ، المعروف بالرُّشاطي، الأندلسيّ، المَرِيّيّ، الحافظ، مصنِّف كتاب "اقتباس الأنوار والْتماس الأزهار في أنساب الصّحابة ورُواة الآثار". وهو عَلَى أسلوب "الأنساب" لابن السّمعانيّ.
وقد ذكرناه في الطّبقة الماضية وأنّه تُوُفّي في حدود الأربعين، ثمّ وقعتُ بوفاته في يوم الجمعة العشرين من جُمادى الأولى من سنتنا هذه، وأنّه استُشهد عند تغلُّب العدوّ عَلَى المَرِيَّة، رحمه اللَّه.
88- عَبْد اللَّه بْن عليّ بْن سعيد2:
أبو محمد القَصْريّ3، الشّافعيّ، الفقيه.
قَالَ ابن عساكر4: أدرك أبا بَكْر الشّاشيّ، وأبا الحسن الهَرّاسيّ، وعلّق المذهب والأصول عَلَى أسعد الميهَني.
وسمع: أبا القاسم بْن بَيَان، وجماعة.
وقدِم دمشق، وسمعتُ درسه، وسمعتُ منه. وانتقل إلى حلب، وتُوُفّي بها، رحمه الله.
__________
1 سير أعلام النبلاء "20/ 259-260"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1307، 1308"، والبداية والنهاية "12/ 223".
2 الأنساب "10/ 173"، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور "13/ 145".
3 القصري: نسبة إلى القصر موضع على ساحل البحر بين حيفا وقيسارية "الأنساب".
4 في تاريخ دمشق انظر المختصر "13/ 145".(37/79)
89- عبد الله بن محمد بن سهل1.
أبو المعالي العدويّ، الصُّوفيّ.
سَمِعَ بنَيْسابور: أبا بَكْر بْن خَلَف، وأبا الحسن بْن الأخرم.
مات في شعبان.
أخذ عَنْهُ السّمعاني.
90- عبد الرحمن بْن طاهر بْن سعيد بْن أَبِي سعيد بْن أَبِي الخير.
أبو القاسم المِيهَنيّ2. شيخ رباط البِسطامي ببغداد، كَانَ لَهُ سُكُونٌ ووقار.
سَمِعَ بنَيْسابور أبا المظفَّر موسى بْن عِمران، وأبا الحسن المديني، وجماعة.
قال أخوه أبو الفضل أحمد بْن طاهر: وُلِد في سنة سبع وستين وأربعمائة. روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وغيره.
تُوُفّي في ربيع الأوّل ببغداد.
91- عبد الرحمن بْن عليّ بْن الموفَّق3.
الفقيه، أبو محمد النُعَيمي، المَرْوَزِيّ.
من جِلة فقهاء مَرْو.
تفقّه عَلَى أَبِي المظفَّر السّمعانيّ، وسمع منه ومن أَبِي سعد عبد العزيز القاينيّ.
مات في ربيع الأوّل.
عَنْهُ: أبو سعد.
92- عبد الرحيم بْن محمد بْن الفَرَج4.
أبو القاسم بْن الفَرَس الأنصاري، الغرناطي.
__________
1 التحبير "1/ 375".
2 الميهني: نسبة إلى ميهنة وهي إحدى قرى خابران ناحية بين سرخس، وأبيورد "الأنساب: 11/ 580".
3 طبقات الشافعية الكبرى للسبكي "4/ 246، 247".
4 بغية الملتمس للضبي "372، 373"، وغاية النهاية "1/ 383".(37/80)
قرأ القرآن عَلَى موسى بْن سليمان، وطبقته.
وقرأ الفقه عَلَى جماعة، وارتحل إلى أَبِي داود، وابن الدّوش فأخذ عنهما القراءات. سمع من جماعة. وتصدَّر للإقراء بجامع المَرِيَّة، ثمّ عاد إلى بلده, ولازم الإقراء، والفُتيا، وخطَّة الشُّورَى، وارتحل إِلَيْهِ القرّاء، وانتفعوا بِهِ. وكان محقّقًا، عارِفًا بالقراءات وعلَلها.
روى عَنْهُ: ابنه أبو عبد الله، وأبو القاسم القَنْطريّ، وأبو العبّاس بْن اليتيم، وأبو جعفر بْن حَكَم، وأبو الحَجّاج الشّعريّ.
فلمّا وقعتْ الفتنةُ في غَرْناطَة عند زوال الدّولة اللّمْتونيَّة سنة تسعٍ وثلاثين وخمسمائة، خرج إلى المُنَكَّب1، فأقرأ بها إلى أن تُوُفّي في شعبان، وله 75 سنة.
93- عبد السيّد بْن عليّ بْن الطّيّب2.
أبو جعفر ابن الزَّيْتُونيّ.
تفقّه عَلَى أَبِي الوفاء بْن عقِيل، ثمّ انتقل حنفيًّا، واتّصل بنور الهدى الزَّيْنبيّ، وقرأ عَلَيْهِ الفقه، وعلى خلَف الضّرير عِلم الكلام، وصار داعيةً إلى الاعتزال، ثمّ اشتغل عَنْ ذَلكَ بمشارفة المارستان.
وتُوُفّي في شوّال.
94- عبد الملك بْن محمد بْن عُمَر3.
التّميميّ، الأندلسيّ، أبو مروان، من أهل المَرِيَّة، ويُعرف بابن وَرْد.
كَانَ فقيه، مُفْتيًا.
لقي: أبو عليّ الغسّاني، والصّدَفيّ.
وتُوُفّي في هذه السّنة ظنًّا. قاله الأبّار.
95- عليّ بْن عبد السّيّد بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَحْمَدَ4.
__________
1 المنكب: بلد على ساحل جزيرة الأندلس من أعمال إلبيرة "معجم البلدان 5/ 216".
2 المنتظم "10/ 128"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1294"، ومعجم المؤلفين "5/ 232".
3 تكملة الصلة لابن الأبار "1709".
4 سير أعلام النبلاء "20/ 167، 168"، وشذرات الذهب "4/ 31".(37/81)
أبو القاسم ابن العلّامة أَبِي نصر ابن الصّبّاغ، البغداديّ، العدْل الشّاهد. سَمِعَ كتاب "السّبعة" لابن مجاهد من الصَّرِيفِينيّ، وسمع منه غير ذَلكَ. ومن: والده، وطِراد الزَّيْنبيّ.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وابن عساكر، وابن طبَرْزد، والمؤيَّد ابن الإخوة الأصبهانيّ، وآخرون.
قَالَ ابن السّمعانيّ: شيخ كبير، مُسِنّ، ثقة، صالح، صَدُوق، حَسَن السّيرة. وُلِد سنة إحدى وستين وأربعمائة، وتُوُفّي في رابع عشر جُمادى الأولى.
قلت: آخر من روى عَنْهُ بالإجازة أبو القاسم بْن صَصْرى.
96- عمّار بْن طاهر بْن عمّار بْن إسماعيل.
أبو سعد الهَمَذَانيّ.
رحل في شبيبته، وتفرّج في مصر، والشّام، والعراق.
وسمع بالقدس من مكّيّ بْن عبد السّلام الرُميلي كتاب "فضائل بيت المقدس".
قرأ عَلَيْهِ الكتاب أبو سعد السّمعانيّ بهَمَذَان، وبها مات في ذي القعدة عَنْ سنٍ عالية.
97- عُمَر بْن أحمد بْن حسين1.
أبو حفص الهَمَذَانيّ، الصُّوفيّ، الورّاق، المقرئ.
سمع ببغداد من أَبِي الحسين بْن الطُّيوري، وبأصبهان من غانم البجي.
روى عَنْهُ: أبو القاسم بْن عساكر.
وتُوُفّي بهَمَذَان في جُمادى الآخرة.
98- عُمَر بْن ظَفَر بْن أحمد2.
أبو حفص المَغَازِليّ، البغداديّ، المقرئ، المحدِّث.
__________
1 التحبير "1/ 515"، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور "18/ 248".
2 المنتظم "18/ 60"، وسير أعلام النبلاء "20/ 170، 171"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1294".(37/82)
ولد في سنة إحدى وستين وأربعمائة.
وسمع: أبا القاسم بْن البُسري، ومالكًا البانياسيّ، وطِرادًا الزَّيْنبيّ، وابن البطِر، وخلقًا كثيرًا.
روى عَنْهُ: ابن عساكر1، وابن السّمعانيّ، وأبو اليُمن الكِنْديّ، وأبو الفَرَج بْن الْجَوْزيّ2، وجماعة.
وطلب بنفسه: ونسخ، وحصّل وجوَّد القرآن.
وقرأ بالروايات عَلَى: أحمد بْن عُمَر السَّمَرْقَنْديّ صاحب الأهوازيّ.
قرأ عَلَيْهِ: يحيى بْن أحمد الأذَني، وغير واحد.
قَالَ ابن السَّمْعانيّ: شيخ صالح، خيِّر، حَسَن السّيرة، صحِب الأكابر وخدَمهم، وهو قيّم بكتاب اللَّه. ختم عَلَيْهِ القرآن خلقٌ في مسجده، وكتبتُ عَنْهُ الكثير.
وأظهر المبارك بْن كامل المفيد في الجزء السّادس من المخلّصيّات، سماع عُمَر عَلَى ورقة عتيقة، من أَبِي القاسم بْن البُسري، فشنَّع أبو القاسم بْن السَّمَرْقَنْديّ عَلَيْهِ، وقال: ما سَمِعَ عُمَر من ابن البُسري شيئًا. وذكر أنّ الطّبقة الّتي أثبت اسم عُمَر معهم شاهدها في نسخة أخرى، وما كَانَ عُمَر معهم.
قَالَ ابن السّمعانيّ: كَانَ سِنّ عُمَر يحتمل ذَلكَ، فإنّ ابن البُسري مات ولعُمَر ثلاث عشرة سنة.
تُوُفّي في حادي عشر شعبان، وقد روى عَنْهُ بالإجازة عبد الوهّاب السّمعانيّ.
"حرف الفاء":
99- فاطمة خاتون3.
بِنْت السّلطان محمد بْن ملكشاه، زَوْجَة أمير المؤمنين المقتفي.
تُوُفّيت في ربيع الآخر ببغداد، وعُمل لها العزاء ثلاثة أيّام، وجلس الأعيان.
__________
1 مشيخة ابن عساكر ورقة "311".
2 المنتظم "18/ 60".
3 المنتظم "10/ 128"، والكامل في التاريخ "11/ 123".(37/83)
100- الفضل بْن زاهر بْن طاهر الشّحّامي1.
أبو الفتح.
كبير مشهور بنَيْسابور.
سَمِعَ: نصر اللَّه الخشناميّ، وابن الأخْرم.
عاش ثلاثًا وخمسين سنة.
"حرف الميم":
101- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَبِي الفتح حسن2.
أبو عبد الله الطّرائفيّ.
قَالَ ابن السّمعانيّ: شيخ، صالح، مستور. سَمِعَ "صفة المنافق" من أَبِي جعفر ابن المسلمة، وأجاز لَهُ: ابن المسلمة، وأبو القاسم بْن المأمون، وأبو بَكْر الخطيب. كتبتُ عَنْهُ.
وكان مولده تقريبًا في سنة خمسين وأربعمائة، وتُوُفّي في ذي الحجَّة. قلت: سَمِعَ منه الفتح بْن عبد السّلام الجزء المذكور، وهو آخر من روى عَنْهُ.
102- محمد بْن أحمد بْن طاهر3.
أبو بَكْر الإشبيليّ، القَيْسيّ.
أكثر عَنْ أَبِي عليّ الغسّانيّ، واختصّ بِهِ.
وسمع من: عبد العزيز بْن أَبِي غالب القَيْروانيّ، وأبي الحسن العبْسيّ. وعُني بالحديث.
أخذ عَنْهُ النّاس، وعمِّر دهرًا.
وتُوُفّي في جُمادى الأولى وله ثلاثٌ وتسعون سنة.
__________
1 التحبير "2/ 19، 20".
2 المنتظم "10/ 129"، وسير أعلام النبلاء "20/ 174"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1294".
3 الصلة لابن بشكوال "2/ 589، 590".(37/84)
103- محمد بْن أحمد بْن أَبِي بَكْر.
أبو بَكْر الصَّدَفيّ، الخُراساني، النّجّار، الْجُوجانيّ. نزيل وإمام رباط إسماعيل بْن أَبِي سعد.
سَمِعَ بمكَّة شيئًا سنة أربعٍ وخمسين.
روى عَنْهُ: عبد الخالق بن أسد، وأبو سعد السمعاني، وقال: كَانَ رفيقي في سفرة الشّام، وخرجنا صُحبةً إلى زيارة القدس، وما افترقنا إلى أن رجعنا إلى العراق، وكان نِعم الرّفيق، شيخ صالح، قيِّم بكتاب اللَّه، دائم البكاء، كثير الحزْن. جاور بمكَّة مدَّة.
وتُوُفّي سابع ربيع الأوّل وله ثمانون سنة.
104- محمد بْن سعد بْن محمد بْن إبراهيم.
أبو الفتح الأَسَدَابَاذيّ1.
سَمِعَ: أبا بَكْر بْن خلَف، وأبا موسى بْن عِمران، وأبا نصر عبد الله بْن الحسين بنَيْسابور.
وكان يذكر أنّه سَمِعَ "الكامل" لابن عديّ، من كامل بْن إبراهيم الجنْديّ، عَنْ حمزة السَّهْميّ، عَنْهُ.
روى عَنْهُ: أبو سعد، وابنه أبو المظفَّر وقال: تُوُفّي بمَرْو في جُمادى الأولى.
105- مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن سَهْلُون.
أبو السّعادات الصَّرِيفينيّ، سِبط أَبِي محمد بن هزارمَرد الصّريفيني.
روى عنه جدّه.
روى عَنْهُ: أحمد بْن الحسين العراقي نزيل ... 2.
وأجاز لمحمد بْن يوسف الغَزْنوي في المحرَّم في هذا العام.
ولا أعلم حتى مات.
__________
1 الأسداباذي: نسبة إلى أسداباذ وهي بليدة على منزل من همذان إذا خرجت من الطرق "الأنساب 1/ 224".
2 بياض في الأصل.(37/85)
106- مُحَمَّد بْن عَبْد الغفّار بْن عبد السّلام1.
أبو الفتح الغياثيّ، الماهانيّ، المَرْوَزِيّ.
سَمِعَ: أبا سعيد عبد الله بْن أحمد الظّاهريّ.
وعنه: السّمعانيّ وقال: مات في عاشر جُمادى الأولى.
107- محمد بْن عَبْد الغفّار بْن محمد بْن سعيد2.
أبو الفضل القاشانيّ، المعدَّل.
تُوُفّي بأصبهان في جُمادى الأولى. قاله أبو مسعود الحاجّيّ.
سَمِعَ ابن شكروَيه.
108- مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن الطّيّب3.
القاضي أبو عبد الله بْن الجُلابي، الواسطي، يعرف بالمَغازلي.
سمّعه أبوه من: أَبِي الحسن محمد بْن محمد بْن مَخلَد الأزْديّ، والحَسَن بْن أحمد بْن موسى الغَندجاني4، وأبي عليّ إسماعيل بْن محمد بْن كُماري، وأبي يَعلى عليّ بْن عبد الله بْن العلّاف، وأبي منصور محمد بْن محمد العُكبري قدِم عليهم، وجماعة.
وسمع ببغداد من: أَبِي عبد الله الحُميدي.
وأجاز لَهُ: أبو غالب بْن بِشران النَّحْويّ، وأبو بَكْر الخطيب، وأبو تمّام عليّ بْن محمد بْن الحسَن القاضي صاحب محمد بْن المظفَّر الحافظ.
وطال عُمره وتفرَّد في وقته.
وكان مولده في سنة سبعٍ وخمسين وأربعمائة.
قَالَ ابن السّمعانيّ: شيخ من بيت الحديث، متودد إلى الناس، حسن المجالسة.
__________
1 التحبير "2/ 158، 159"، واللباب "2/ 184"، والجواهر المضية "2/ 84".
2 التحبير "2/ 160".
3 الأنساب "3/ 400"، وسير أعلام النبلاء "20/ 171-173"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1294".
4 الغندجاني: نسبة إلى غندجان وهي بلدة من كور الأهواز من بلاد الخوذ "الأنساب 9/ 179".(37/86)
كَانَ ينوب عَنْ قاضي واسط، انحدرتُ إليه قاصدا في سنة ثلاثٍ وثلاثين، وسمعتُ منه الكثير، من ذَلكَ "مُسند الخلفاء الراشدين" لأحمد بْن سِنان، وكتاب "البِرّ والصِّلَةِ" لابن المبارك، يرويه عَن الغَندجاني، عَن المخلّص.
وقدِم بغدادَ بعد العشرين وخمسمائة، وحدَّث بها، وكان شيخنا أحمد بْن الأغْلاقيّ يرميه بأنّه ادّعى سماع شيءٍ لم يسمعه، وأمّا ظاهره فالصّدق والأمانة، وهو صحيح السَّماع والأصول.
قلت: وروى عَنْهُ أيضًا: أبو الفتح محمد بْن أحمد المَنْدائيّ، والحَسَن بْن مكّيّ المَرَندي، وأبو المظفَّر عليّ بْن عليّ بْن نغوبا، وأبو المكارم عليّ بْن عبد الله بْن فضل اللَّه بْن الجَلَخْت، وأبو بَكْر أحمد بْن صَدَقة بْن كُلَيز الغدّانيّ، وآخرون.
وتُوُفّي في رمضان.
والجُلابي: مختلَفٌ في ضمّه وفتحه، فقال أبو طاهر بن الأنماطي: قَالَ لنا شيخنا أبو الفتح المانْدائيّ: هُوَ الجَلابي، بفتح الجيم بلا شكّ. فراجعتُه، فغضب وقال: كان ينوب عن والدي في القضاء وأنا أخبَر بِهِ.
قَالَ ابن الأنْماطيّ: وسألت عَنْهُ الشّريفَ ابنَ عبد السّميع، فقال: لا أعرفه إلّا بالضّمّ. وتعجَّب من قول أَبِي الفتح.
قلت: والصّحيح الضّمّ، لأنّي رأيته مضبوطًا بخطّ والده عليّ في غير موضع فيما جمعه من "ذيل تاريخ واسط"، وبخطّ جماعةٍ في سياق السّماع لهذا التّاريخ عَلَى مؤلّفه بالضّمّ.
وكذا قيّده ابن نُقْطَة، وغيره. ولم يذكروا فيه خلافًا. فأمّا الجَلابي بالفتح، فهو:
- أبو سعيد أحمد بْن عليّ1 الفقيه.
فاضل، سمع منه أبو سعد السّمعانيّ شيئًا بخُراسان.
109- مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الحُسَيْن بن السّكَن.
أبو غالب بن المفرّج البغدادي، الحاجب، صاحب باب النُوبي.
__________
1 الأنساب "3/ 399، 400".(37/87)
متودّد إلى النّاس، راغب في الخير، محبّ للرواية.
سمع: الخطيب أبا الحسن الأنباريّ، وأبا سعد بن الكوّاز.
روى عنه: ابن السّمعانيّ، وقال: تُوُفّي في صَفَر وله ستٌ وسبعون سنة.
110- محمد بن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن1.
أبو عَبْد اللَّه الأُمَويّ، من أولاد سليمان بن النّاصر لدين الله.
سمع من: ابن مروان بن سِراج، ومحمد بن الفَرَج الكَلاعيّ.
وكان مقدَّمًا في مذهب مالك، عارفًا به، وقد عَمِي.
111- محمد بن محمد بن معمّر بن يحيى2.
أبو البقاء بْن طَبَرْزَد.
وكان اسمه: المبارك، فسمّى نفسه محمد. وهو أحد من عُني بالحديث، وجمْعه ونسْخه.
سَمِعَ النّاس بإفادته من أَبِي الحُصين، وأبي غالب بْن البنّا، وأبي بَكْر بْن القاضي، وخلْق.
قَالَ ابن النّجّار: قَالَ عُمَر بْن المبارك بْن شهلان: لم يكن أبو البقاء من طبَرزَد ثقة، كَانَ كذّابًا يضع النّاس أسماءهم في الأجزاء، ثمّ يذهب فيقرأ عليهم. علِم بذلك شيخنا عبد الوهّاب، وابن ناصر، وغيرهما.
قلت: وسمع أخاه عَنْهُ الكثير. وله شِعر مقارِب.
تُوُفّي في جُمادى الأولى وله نحوٌ من أربعين سنة، سامحه اللَّه.
112- محمد بْن محمد بْن أَبِي إسماعيل.
السّعْديّ، السَّرْخَسيّ.
سَمِعَ: أبا حامد الشجاعي.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 589".
2 ميزان الاعتدال "4/ 30"، ولسان الميزان "5/ 368، 369".(37/88)
كتب عَنْهُ السّمعاني بسرخَس وقال: مات في رمضان.
قِيلَ: عاش مائة سنة وستِّ سِنين.
133- محمد بْن المظفّر بْن عليّ ابن المسلمة1.
أبو الحَسَن بْن أَبِي الفتح بْن الوزير أَبِي القاسم.
وُلِد سنة أربعٍ وثمانين، وسمع من: جعفر السّرّاج، وغيره.
وحدَّث، وانزوى وتصوّف. وأقبل عَلَى الطّاعة. ولزِم المراكبة. وجعل داره الّتي بدار الخلافة رباطًا للصُّوفيَّة.
تُوُفّي في تاسع رجب، وتقدَّم في الصَّلاة عَلَيْهِ الوزير أبو عليّ بْن صَدَقَة.
114- المبارك بْن خَيرون بْن عبد المُلْك بْن الْحَسَن بْن خَيرون2.
أبو السُّعُود.
سَمِعَ: عمّ أبيه أبا الفضل بْن خَيرون، ومالكًا البانياسيّ، وجماعة.
روى عَنْهُ: أبو الفرج بن الجوزي، وغيره.
وتوفي في المحرَّم.
وكان رحمه اللَّه صحيح السّماع خيّرًا. قاله أبو الفَرَج.
115- محمود بْن محمد بْن عبد الحميد بْن أَبِي بَكْر.
أبو القاسم بْن أَبِي بَكْر الحدّاديّ، الرّازيّ، الواعظ.
حدَّث عَنْ: أحمد بْن محمد بْن صاعد النَّيْسابوريّ، القاضي.
روى عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، وقال لِقيته بالرَّيّ وله نحوٌ من سبعين سنة، وقد دخل بغداد غير مرَّة.
116- محمشاد بْن محمد بْن محمشاد بْن محمد3.
أبو القاسم العبْديّ، النيسابوري، الرجل الصالح.
__________
1 المنتظم "10/ 129"، والكامل في التاريخ "11/ 123".
2 المنتظم "10/ 129".
3 التحبير "2/ 329، 330".(37/89)
سَمِعَ: أبا بَكْر بْن خلَف.
تُوُفّي في ربيع الآخر.
قَالَ السّمعانيّ: بتّ عنده ليلة، فما نام تِلْكَ اللّيلة أحياها في الصّلاة والذِّكر، رحمه اللَّه.
"حرف النون":
117- نصر اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عبد القويّ1.
الفقيه أبو الفتح المصِّيصيّ، ثمّ اللاذِقي، ثمّ الدّمشقيّ. الشّافعيّ، الأصولي، الأشعري، نسبًا ومذهبًا. كذا قَالَ الحافظ ابن عساكر.
وقال: نشأ بصور، وسمع بها من: أَبِي بَكْر الخطيب، وعَمْرو بْن أحمد العطّار الآمِديّ، وعبد الرحمن بْن محمد الأبْهَريّ، والفقيه نصر المقدسيّ، وتفقّه عَلَيْهِ.
وسمع بدمشق: أبا القاسم بْن أَبِي العلاء، وغيره.
وببغداد: عاصم بْن الحَسَن، ورزق اللَّه بْن عبد الوهّاب.
وبأصبهان: أبا منصور محمد بْن عليّ بْن شكروَيه، ونظام المُلك الوزير.
وبالأنبار: أبا الحسن عليّ بْن محمد بْن الأخضر.
وقرأ بصور عِلم الكلام عَلَى أَبِي بَكْر محمد بْن عتيق القَيْروانيّ. ثمّ سكن دمشق.
قَالَ: وكان متصلّبًا في السُنّة، حَسَن الصّلاة، متجنّبًا أبواب السّلاطين.
وكان مدرّس الزّاوية الغربيَّة بالجامع الأُمويّ بعد وفاة شيخه الفقيه نصر. وقد وقف وُقُوفًا في وجه البِرّ.
وكان مولده باللّاذقيَّة في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة. وهو آخر من حدَّث بدمشق عَن الخطيب.
__________
1 ذيل تاريخ دمشق "295"، والمنتظم "10/ 129"، والعبر "4/ 116"، وسير أعلام النبلاء "20/ 118، 119"، والبداية والنهاية "12/ 223".(37/90)
وقال ابن السّمعانيّ في "ذيله": إمام، مفتي، فقيه، أُصُولي، متكلِّم، خيّر، ديّن، بقيَّة مشايخ الشّام.
كتبتُ عَنْهُ. وكان يشتهي أن يتحدّث وأقرأ عَلَيْهِ. وكان متيقظًا، حَسَن الإصْغاء. وانتقل من صور إلى دمشق سنة ثمانين وأربعمائة.
وقال ابن عساكر1: تُوُفّي ليلة الجمعة ثاني ربيع الأوّل ودُفن بعد صلاة الجمعة بباب الصّغير.
قلت: روى عَنْهُ: هُوَ، وابنه القاسم بْن عساكر، وابن السّمعانيّ، ومكّيّ بْن عليّ العراقيّ، وأبو الفَرَج جابر بْن محمد بْن اللحية الحمَوي، وعسكر بن خليفة الحموي، والخطيب أبو القاسم بْن ياسين الدَّولعي، ويوسف بْن مكّيّ الحارثيّ، وولده نصر اللَّه، والخضِر بْن كامل المعبّر، وزينب بِنْت إبراهيم القَيْسيّ، وأحمد بْن محمد بْن سيّدهم الأنصاريّ، وأبوه، وأبو القاسم عبد الصّمد بْن الحَرستاني، وهبة اللَّه بْن الخضِر، وابن طاوس.
وآخر من حدَّث عَنْهُ أبو المحاسن بْن أَبِي لُقمة، روى عَنْهُ العاشر من "الرّقائق" لخَيثمة2.
118- نور عزيز بِنْت مسعود بْن أحمد بْن السَّرْنك.
أخت أَبِي الغنائم محمد. امْرَأَة صالحة من بيت حديث.
روت عَن ابن الأخضر الأنباريّ.
ماتت فِي شوّال.
"حرف الهاء":
119- هبة اللَّه بْن أَحْمَد بْن عليّ بْن عُبَيْد اللَّه بْن سوار3.
الوكيل أبو الفوارس، ابن المقرئ الأستاذ أبي طاهر.
__________
1 في تاريخ دمشق "44/ 425".
2 هو خيثمة بن سليمان القرشي الأطرابلسي سبقت ترجمته في وفيات "331-350"، وكتابه هو "الرقائق والحكايات".
3 المنتظم "10/ 130".(37/91)
شيخ مطبوع، متودّد، محتَرم، قيّم بالوكالة والدَّعَاوَى وكتابة الوثائق والمحاضر.
سَمِعَ: أَبَاهُ، ومالكًا البانياسيّ، وعاصم بْن الحسين، وأبا يوسف القَزْوينيّ، وأبا الفوارس الزَّيْنَبيّ.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وغيره.
ولد سنة سبع وسبعين وأربعمائة.
وتُوُفّي في رابع عشر شوّال.
قَالَ ابن الجوزيّ: كَانَ ثقة، أمينًا، توحّد في علم الشُّروط. وأخوه محمد بقي إلى سنة ستٍّ وخمسين.
120- هبة اللَّه بْن الفَرَج1.
أبو بَكْر الهَمَذَانيّ، المعروف بابن أخت الطّويل.
شيخ صالح خيّر، مُكثر، مشهور.
سَمِعَ من: عليّ بْن محمد بْن عبد الحميد الجريريّ، ويوسف بْن محمد القُومسانيّ، وعَبْدُوس بْن عبد الله، وبكر بْن حِيْد، وسُفْيان بْن الحسين بْن فنْجُوَيْه.
روى "سُنن أَبِي داود" بعُلُوّ. وعُمّر تسعين سنة.
وكان الحافظ أبو العلاء يَقُولُ: هُوَ أحبّ إليَّ من كلّ شيخٍ بهَمَذَان.
وذكره السّمعانيّ في التّحبير وأثنى عَلَيْهِ، وقال: قَالَ لي: ولدتُ سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة.
وقال لأبي العلاء: ولدتُ سنة ثلاثٍ.
ومن مسموعاته كتاب "مكارم الأخلاق" لابن لال، سمعه من أَبِي الفَرَج الجريريّ، بسماعه منه.
قلت: روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، والحافظ أبو العلاء الهَمَذَانيّ، وأولاده أحمد، وعبد الغنيّ، ووائلة، والمؤيَّد ابن الإخْوة، وأبو القاسم بْن عساكر، وجماعة.
وتوفي في شعبان.
__________
1 التحبير "2/ 362-264"، وسير أعلام النبلاء "20/ 163، 164".(37/92)
121- هبة اللَّه بْن عليّ بْن مُحَمَّد بْن حمزة1.
أبو السّعادات بْن الشَّجَريّ2، العَلَويّ، النَّحْوِي، النقيب.
ولد سنة خمسين وأربعمائة.
أحد الأئمَّة الأعلام في علم اللّسان.
قرأ عَلَى الشّريف أَبِي المعمّر يحيى بْن محمد بْن طباطبا النَّحْوي، وقرأ الحديث في كُهولته عَلَى: أَبِي الحسين بْن المبارك بْن الطُّيوري، وأبي عليّ بْن نبهان، وغيرهما.
وطال عمره، وانتهى إِلَيْهِ عِلم النَّحْو، وناب في النّقابة بالكرْخ. ومُتِّع بجوارحه وحواسّه. وأظنّه أخذ الأدب أيضًا عَنْ أَبِي زكريّا التّبْريزيّ.
قرأ عَلَيْهِ التّاج الكِنْدي كتاب "الإيضاح" لأبي عليّ الفارسيّ، و"اللُّمع" لابن جني، وتخرّج به طائفة كبيرة.
وصنّف التصانيف في العربية.
قال أبو الفضل بن شافع في تاريخه: مُتّع بجوارحه إلى آخر وقت، وكان نحويًا، حسن الشرح، والإيراد، والمحفوظ. قد صنّف أمالي قُرئت عليه، فيها أغاليط، لأن اللغة لم يك مضطلعًا فيها.
قال ابن السمعاني: سَمِعْتُ منه، وكان فصيحًا، حُلْو الكلام، حَسَن البيان والإفهام. دُفن يوم الجمعة السّابع والعشرين مِن رمضان بداره بالكرْخ.
وعن أَبِي السّعادات بْن الشّجريّ قَالَ: ما سَمِعْتُ في المدْح أبلغ من قول أَبِي فِراس:
وأَمامكَ الأعداءُ تَطْلُبُهُم ... ووراءك القُصّاد في الطَّلَبِ
فإذا سَلَبْتَهُم وقفتَ لهم ... فسُلبت ما تَحْوي من السّلبِ
__________
1 المنتظم "10/ 130"، والعبر "4/ 116"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1294"، وسير أعلام النبلاء "20/ 194-196"، والبداية والنهاية "12/ 223".
2 قال ياقوت: نسب إلى بيت الشجري من قبل أمه "معجم الأدباء 19/ 282".(37/93)
122- هَمَّام بْن يوسف.
أبو محمد العاقوليّ، ثمّ الأَزجيّ، الوكيل عند القضاء.
سَمِعَ: الخطيب أبا الحسين الأنباريّ.
وعنه: أبو أحمد بْن سُكينة.
"حرف الياء":
123- يحيى بْن عليّ بْن محمد بْن زُهَير1.
أبو القاسم السُّلمي، الدّمشقيّ، المعدّل، محتسب دمشق.
سَمِعَ: عبد المنعم الكُريدي، وأبا القاسم النّسيب، وأبا طاهر الحِنّائي.
روى عَنْهُ: الحافظ ابن عساكر2، وقال: مات في رمضان، وأخلف مالًا عظيمًا وذخائر. وورثه السّلطان. وكان مقتِّرًا عَلَى نفسه في الأكل واللّبْس، عفا اللَّه عَنْهُ.
124- يحيى بْن المعتزّ بْن أسعد3.
أبو القاسم العُتبي، من ذرية بْن غَزْوان. شيخ من أهل نَيْسابور.
سَمِعَ: أحمد بْن سهل السّرّاج، وابن خَلَف.
أخذ عَنْهُ السّمعانيّ، وأرّخه.
125- يوسف بْن عليّ بْن محمد4.
أبو الحَجّاج القُضاعي، الأُندي5. نزيل المَرِيَّة. ويُعرف بالقفّال، وبالحدّاد. حجّ ودخل العراق، وسمع من أَبِي القاسم بْن بيان، وأُبي النَّرْسِيّ، وأبي طالب الحسين بن محمد الزينبي.
__________
1 التحبير "2/ 383"، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور "27/ 288".
2 في تاريخه.
3 التحبير "2/ 385".
4 معجم البلدان "1/ 364"، وسير أعلام النبلاء "20/ 186، 187".
5 الأندي: نسبة إلى أندة وهي مدينة من أعمال بلنسية بالأندلس.(37/94)
وسمع "صحيح مسلم" من إسماعيل بْن عبد الغافر الفارسيّ، عَنْ والده، ومن الحريريّ "مقاماته".
وكتب الكثير، وقفل إلى الأندلس سنة اثنتي عشرة وخمسمائة.
ثم ترحّل من الأندلس، ثم عاد إليه سنة عشرة وسكن المرية، وحدَّث بالكثير.
روى عَنْهُ: أبو الحسن رَزِين العَبْدريّ، وأبو محمد، وأبو الطّاهر ابني العثماني، وخطيب الموصل، وأبو الوليد بن الدباغ، وأبو القاسم بن بشوال، وأبو عبد الله بن عبد الرحيم النَّرْسيّ، وأبو القاسم بْن حُبيش، وأبو محمد بْن عُبَيد اللَّه الحَجْرِيّ، وخلْق سواهم.
قَالَ أبو عبد الله الأَبَّار: كَانَ صدوقًا، صحيح السّماع، لَيْسَ عنده كبير عِلم ولا ضبْط. استُشهد يوم غَلَبة العدوّ الملعون عَلَى المَرِيَّة في العشرين من جُمادى الأولى وقُتل يومئذٍ خلق كثير.
عاش خمسًا وثمانين سنة.
126- يوسف بْن يَبقى بْن يوسف بْن مسعود بْن عبد الرحمن بن يَسعون1.
أبو الحجاج التُجَيبي، الأندلسي، المريي، النحوي، المعروف بالشنشي. صاحب الأحكام بالمرية.
سَمِعَ من: أَبِي عبد الله محمد بْن فَرَج، وأبي عليّ الغسّانيّ، وأبي الوليد العبْسيّ، وأبي الحسين بْن سرّاج، وجماعة.
وعُني بالعربيَّة وبرع فيها. وله كتاب "المصباح في شرح أبيات الإيضاح"، دلّ عَلَى تبحُّرهِ في النَّحْو. وإمامته.
حدَّث وأقرأ، وطال عمره.
روى عَنْهُ: عُلَيم بْن عبد العزيز، وأبو عبد الله بن حُميد، وأبو العباس ابن اليتيم، وأبو عُبيد اللَّه، وآخرون.
وكان حيًّا يُرزق في هذا العام، وانقطع خبره بعده، رحمه الله.
__________
1 كشف الظنون "213"، ومعجم المؤلفين "13/ 342".(37/95)
وفيات سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة:
"حرف الألَف":
127- أَحْمَد بْن عُبَيْد اللَّه بْن المبارك بْن أحمد.
أبو المكارم بْن الشَّهْرُزُوريّ، البغداديّ.
من أولاد المحدّثين.
سَمِعَ: نصر بْن البطِر، وأحمد بْن عبد القادر اليُوسُفيّ.
وعنه: ابن عساكر، والسّمعانيّ.
وكان يؤمّ بأمير الحاجّ نظر.
تُوُفّي في رجب.
128- أحمد بْن عليّ بْن الفضْل بْن الإمام أَبِي محمد بْن حزْم1.
الأندلسيّ، القُرْطُبيّ، أبو عَمْرو، الكاتب، الأديب.
تُوُفّي بالأندلس، قاله الأَبّار.
129- أحمد بْن أَبِي العزّ محمد بْن المختار بْن محمد بْن عبد الواحد بْن المؤيَّد بالله2.
أبو تمّام العبّاسيّ، الهاشميّ، البغداديّ، المعروف بابن الخُص، أخو أَبِي الفضل المختار.
كَانَ تاجرًا سَفّارًا، ركب البحار، ودخل الهند، وما وراء النّهر، وكثُر ماله، وطال عُمره، وسكن خُراسان.
وكان مولده في حدود سنة خمسين وأربعمائة أو قبلها.
وسمع: أبا جعفر ابن المسلمة، وأبا نصر الزَّيْنبيّ، وغيرهما.
وهو آخر من حدَّث بخُراسان عَن ابن المسلمة بجزء صفة المنافق.
__________
1 تكملة الصلة لابن الآبار "1/ 54".
2 المنتظم "10/ 134"، وسير أعلام النبلاء "20/ 173".(37/96)
حضر عَلَيْهِ هذا الجزء أبو المظفَّر عبد الرحيم بن السمعاني، بقراءة والده، وقال: هُوَ أوّل شيخ حضرتُ عنده لقراءة الحديث.
وتُوُفّي بنَيْسابور في خامس ذي القعدة.
وروى عَنْهُ أيضًا: القاسم الصّفّار، وإسماعيل القارئ.
130- أَحْمَد بْن محمد بْن إِسْمَاعِيل بْن محمد بْن إسماعيل بْن بشّار1.
الإمام أبو بَكْر البوشَنجي، المعروف بالخَرْجِرْديّ2، نزيل نَيْسابور.
إمام متفنّن، ورِع، تفقَّه بمَرْو عَلَى أَبِي المظفَّر بْن السّمعانيّ. وبهَراة عَلَى الشّاشيّ.
وبرع في الفقه، وسمع الكثير، وحدَّث.
تُوُفّي في رمضان بنَيْسابور.
وصَفَه السّمعانيّ بالعبادة والعِلم، وأنّه كتب تصانيف جدّه جميعها، وتخلّى للعبادة.
131- أحمد بْن محمد بْن الفضل3.
أبو العلاء الأصبهانيّ، المحدِّث، المعروف ببنحِك.
تُوُفّي في صفر.
قَالَ السّمعانيّ: كَانَ حافظًا، متقنًا، وَرِعًا، وقورًا، نزِهًا، وبالغ في الطّلب، ونسخ بخطّه "الصّحيح" المليح كثيرًا.
سَمِعَ: أبا عليّ الحدّاد، وطبقته.
استفدتُ منه الكثير، ومات كُهْلا.
132- إبراهيم بْن محمد بْن نبهان بن محرز4.
__________
1 التحبير "2/ 448-450"، ومعجم البلدان "2/ 357".
2 الخرجردي: نسبة إلى خرجرد وهي بلدة من بلاد فوشبخ هراة "الأنساب 5/ 77، 78".
3 في مشيخة ابن السمعاني.
4 المنتظم "10/ 134"، وتذكرة الحفاظ "1297"، وسير أعلام النبلاء "20/ 175، 176"، والبداية والنهاية "12/ 224"، وشذرات الذهب "4/ 135".(37/97)
أبو إسحاق الغَنَويّ1، الرَّقّيّ، الصُّوفيّ، الفقيه، الشّافعيّ.
ولد سنة تسع وخمسين وأربعمائة.
وسمع: أبا محمد الشِّيحيّ، وأبا محمد بْن السّرّاج، وغيرهم.
وتفقَّه عَلَى: الأستاذ أَبِي بَكْر الشّاشيّ، وأبي حامد الغزّالي. وكتب كثيرًا من مصنَّفات الغزّاليّ، وقرأها عَلَيْهِ، وصحِبه مدَّة.
قَالَ أبو الفَرَج بْن الْجَوْزيّ2: رأيته وله سمتٌ وصَمْت، وعليه وَقار وخشوع. قلت: روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وأبو اليُمن الكِنْديّ، وحدَّث عَنْهُ بخُطب ابن نُباتة.
وروى عَنْهُ: عُمَر بْن طَبَرْزَد، وآخرون.
وتُوُفّي في رابع عشر ذي الحجَّة ببغداد، وله خمسٌ وثمانون سنة إلّا أشهُرًا.
قَالَ ابن طَبَرْزَد: أَنَا أبو إسحاق بْن نبهان: ثنا الحُميدي قَالَ: قرأت عَلَى القُضاعي: أخبركم أحمد بْن عُمَر بْن محمد بْن عَمرو الْجِيزيّ قراءةً: أَنَا زيد بن محمد بن خلف القرشي، أنا ابن أخي ابن وهب، ثنا عمّي، فذكر حديثًا.
كَانَ قدوم ابن نبهان من الرَّقَّة إلى بغداد في سنة إحدى وثمانين.
قَالَ ابن ناصر: قدِم الخطيب أبو القاسم يحيى بْن طاهر بْن محمد بْن عبد الرَّحيم بْن محمد بْن نُباتة إلى بغداد في سنة أربعٍ وثمانين ليتجر من نظام المُلك أدرارًا، فقال: إنّ الخُطَب سَمَاعي من أَبِي، عَنْ جدّي. ولم يكن معه كتابٌ ولا أصل، فقرأ عَلَيْهِ هذا الشّيخ، يعني أبا إسحاق الغَنَويّ، الخُطَبَ من نسخةٍ جديدة غير مقروءة، ولا عليها سَماعٌ لأحد. ولم يكن سِبْط ابن نُباتة هذا كبيرًا في العُمر، ولا يعرف العربيَّة، ولو كَانَ لَهُ سماع لم يسبقني إِلَيْهِ أحد. ثمّ أثنى ابن ناصر عَلَى أَبِي إسحاق الغَنَويّ، ووصفه بالدِّين والصِّدْق.
133- إسماعيل بْن أَبِي نصر بْن عَبْدِيل.
الأصبهاني، الشاعر.
__________
1 نسبة إلى: غني بن أعصر.
2 في المنتظم "10/ 134".(37/98)
ذكره العماد في "الخريدة" فقال: كَانَ من أشعر شُعراء أصبهان وأَفْوَههم. لم يُعْهَد بعد أَبِي إسماعيل الطُّغْرائيّ من عرف مجراه.
مات بفارس سنة ثلاث أو أربع وأربعين وخمسمائة.
134- أسعد بْن محمد بْن موسى1.
أبو منصور الفُوشَنْجيّ.
فاضل، عالِم، سَمِعَ: أبا عامر الأزْديّ، وعبد الرحمن بْن محمد بْن عفيف كلاز.
روى عنه: أبو سعد السمعاني، وقال: مات في ذي القعدة.
135- أميرك بْن إسماعيل بْن أميرك2.
أبو الفتوح العَلَويّ، الهَرَويّ.
سَمِعَ: إلياس بْن نصر، وعبيد بْن ميمون الواسطيّ، وجماعة.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وغيره.
مات في ثاني وعشرين شوّال.
"حرف الباء":
136- بقاء بْن عليّ بْن خطّاب3.
أبو المُعَمَّر البغداديّ، الرّقّاق، السّاكينيّ، ابن أخت أَبِي نصر أحمد بْن عُمَر بْن الفَرَج الإبَريّ.
حدَّث عَنْ: طِراد الزَّيْنبيّ، وغيره.
وتُوُفّي في ربيع الأوّل عَنْ ستّين سنة.
عَنْهُ: ابن عساكر، وابن سُكينة.
__________
1 التحبير "1/ 122، 123".
2 التحبير "1/ 128، 129".
3 مشيخة ابن عساكر.(37/99)
"حرف الثاء":
137- ثابت بْن زيد بْن القاسم.
أبو البَرَكات بْن جوالق النّحّاس. ثمّ البزّاز.
حلّث عن: الحسين بن علي بن البُسري.
وتوفي في جُمادَى الآخرة.
"حرف الحاء":
138- الحافظ لدين اللَّه1.
قِيلَ: مات في جُمَادَى الآخرة عَلَى الصّحيح، وقيل: سنة أربعٍ كما سيأتي.
139- الحَسَن بْن مسعود بْن الحَسَن2.
أبو عليّ ابن الوزير، الدّمشقيّ، الحافظ.
أصله من خُوارَزْم.
كَانَ جدّه الحَسَن وزير المُلك تاج الدّولة تُتُش، وتزيَّا أبو عليّ بزيّ الْجُنْد مدَّةً، ثمّ اشتغل بالفِقه والحديث، ورحل قبل سنة عشرين وخمسمائة إلى بغداد، وسمع، ودخل إلى أصبهان، وأدرك بها حديث الطَّبَرانيّ بعُلُوّ.
وكتب عَنْ: فاطمة الْجُوزدانيَّة3. وتوجَّه إلى نَيْسابور، ومَرْو، وبلْخ، والهند، وسمع الكثير، وعُني: بهذا الشّأن.
قَالَ ابن السمعاني4: حافظ، فطِن، له معرفة بالحديث، والأنساب. وقال لي: ولدتُ في صَفَر سنة ثمانٍ وتسعين وأربعمائة.
وتوفي بمرو في سابع المحرّم.
__________
1 ستأتي ترجمته برقم "220".
2 تذكرة الحفاظ "4/ 1297"، وسير أعلام النبلاء "20/ 177"، ولسان الميزان "2/ 256".
3 الجوزدانية: نسبة إلى جوزدان وهي قرية على باب أصبهان كبيرة "الأنساب 3/ 362".
4 في معجم شيوخه.(37/100)
وقال ابن عساكر1: كان يُحدِّث من غير مقابلة بسماعه، واستوطن مَرْو، وتفقَّه بها لأبي حنيفة عَلَى أَبِي الفضل الكِرماني.
وأملى بجامع مَرْو.
ومن شِعر أَبِي عليّ:
أَخِلّائي إنْ أصبحتم في دِياركم
فإنّي بمَرْو الشّاهجان غريبُ
أموتُ اشْتياقًا ثمّ أحيى تذكُّرًا
وبين التّراقي والضُّلُوع لهيبُ
فما في موتِ الغريبِ صبابةٌ
ولكن بقاءه في الحياة عجيبُ
140- الحسين بْن إبراهيم بْن الحسين بْن جعفر2.
الحافظ، المجوَّد، أبو عبد الله الْجُوزْقانيّ، وجُوزْقان من قرى هَمَذَان.
لَهُ مصنَّف في الموضوعات ما قصّر فيه. وروى فيه عَن الدّونيّ فمَن بعده. وعليه بنى ابن الْجَوزيّ كتابه في "الموضوعات"، ومنه أخذ كثيرًا.
قَالَ ابن شافع: مات، فَبَلَغَنَا خبرُه في رجب سنة ثلاثٍ وأربعين وخمسمائة.
أدركه أجَلُه في السَّفَر.
141- حمدُ بْن أَبِي الفتح3. الأصبهانيّ.
عَنْ: عبد الرحمن بْن مَنْدَهْ، وأبي المظفَّر الكَوْسج.
وعنه: ابن السّمعانيّ.
مات في رجب رحمه اللَّه.
"حرف الخاء":
142- خَضِرُ بْن الْحُسَيْن بْن عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن بْن عُبيد الله بن أحمد بن عبدان4.
__________
1 تهذيب تاريخ دمشق "4/ 253".
2 سير أعلام النبلاء "20/ 177، 178"، ولسان الميزان "2/ 269-271".
2 التحبير"1/ 246".
3 التحبير "1/ 263، 264"، وسير أعلام النبلاء "20/ 222".(37/101)
الأزْدِيّ، الدّمشقيّ، أبو القاسم الصّفّار.
سَمِعَ: والده، وأبا القاسم المصِّيصيّ، وأبا عبد الله بْن أَبِي الحديد، وعليّ بْن أحمد بْن زُهير، ونصر بْن إبراهيم الفقيه، وسهل بْن بِشْر، وأجاز لَهُ عبد العزيز الكتّانيّ.
قَالَ ابن عساكر: كتبت عَنْهُ، وكان شيخًا سليم الصَّدْر.
ولد في شوال سنة خمسٍ وستين وأربعمائة. ومات في نصف شعبان. قلت: روى عَنْهُ: هُوَ، وابنه القاسم، وأبو المحاسن بْن أَبِي لُقمة، وجماعة.
"حرف الذال":
143- ذو النُّون بْن أَبِي الفَرَج بْن عليّ1.
المِيهَنيّ2 الصُّوفيّ.
سَمِعَ: أبا بَكْر بْن زاهر الطرَيثيثي3.
وروى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ وقال: مات في ذي الحجَّة ببغداد.
"حرف السين":
144- سلطان بْن عَليّ بْن مُقَلّد بْن نَصْر بْن منقذ4.
الأمير أبو العساكر الكِنانيّ، صاحب شَيْزَر.
وُلِد بأطْرابُلُس في سنة أربع وستين وأربعمائة.
وسمع بشَيْزَر "صحيح البخاريّ" من أَبِي السّمْح إبراهيم الحَيْفيّ.
وله شِعْر حَسَن.
تُوُفّي في شوال بشيزر.
__________
1 معجم شيوخ ابن السمعاني.
2 الميهني: نسبة إلى ميهنة وهي إحدى قرى خابران ناحية من سرخس وأبيورد "الأنساب 11/ 580".
3 الطريثيثي: نسبة إلى طريثيث وهي ناحية كبيرة من نواحي نيسابور "الأنساب "8/ 238".
4 الكامل في التاريخ "11/ 219، 220"، والوافي بالوفيات "15/ 297، 298".(37/102)
145- سهل بْن محمد بْن أحمد بْن حسين بْن طاهر1.
أبو عليّ الأصبهانيّ، الحاجّيّ، المقرئ.
شيخ كبير، فاضل، مُكثر من الحديث، أديب، خيِّر، مبارَك.
سَمِعَ: أبا القاسم يوسف بْن جُبارة الهُذَلي، وإسماعيل بْن مَسْعدَة الإسماعيليّ، ونظام المُلك الوزير، وأبا المظفَّر منصور بْن محمد السّمعانيّ، ومحمد بْن أحمد بْن ماجة الأَبْهَريّ، وسليمان بْن إبراهيم الحافظ، والقاسم بْن الفضل الثقفي.
وولد سنة خمس وخمسين وأربعمائة، وقيل: وُلِد بعد سنة خمسين وختم خلْقًا كثيرًا.
وكان شيخ القرّاء بأصبهان. وهو آخر من حدَّث عَن الهُذلي، مصنِّف "الكامل في القراءات".
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وأبو موسى المَدِينيّ، وقال: هُوَ مؤدِّبي، وكان من الطِّراز الأوّل. تُوُفّي في نصف شعبان.
"حرف الشين":
146- شاهنشاه بْن أيّوب بْن شاذي بْن مروان بْن يعقوب2.
الأمير أكبر الإخوة، وأقدم بني أيّوب وفاةً.
وهو والد المَلِكين: المظفّر تقيّ الدّين عُمَر صاحب حماة، وعزّ الدّين فروخشاه، والد صاحب بَعْلَبَكّ الملك الأمجد.
قُتل في الوقعة الكائنة بظاهر دمشق بين الفرنج خذلهم اللَّه وبين المسلمين كما نذكره في الحوادث، وذلك في ربيع الأوّل وفُجع بِهِ أَبُوهُ نجم الدّين.
"حرف الصاد":
147- صاعِد بْن محمد بن الحسين3.
__________
1 غاية النهاية "1/ 20"، ومعجم المؤلفين "4/ 284".
2 البداية والنهاية "12/ 224"، والوافي بالوفيات "16/ 93، 94".
3 الأنساب "7/ 199" والتحبير "1/ 337، 338".(37/103)
أبو القاسم السّهْلُويّ، السَّرْخَسيّ.
شيخ كبير، ورِع، فاضل.
وُلِد بسَرْخَس في سنة تسعٍ وخمسين وأربعمائة.
وسمع بسَرْخَس من: أَبِي الحسن محمد بْن محمد بْن زيد الحُسيني.
قدِم عليهم، وسمع من أَبِي الخير محمد بْن موسى الصّفّار.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وغيره.
وتُوُفّي بسَرْخَس سنة 43.
148- صالحُ بْن شافع بْن صالح بْن حاتِم1.
أبو المعالي الْجِيليّ.
كَانَ أَبُوهُ فقيهًا حنبليًّا، سكن بغداد ووُلِد لَهُ بها صالح وغيره.
وصالح: عالِم، فاضل، مليح الكتابة، شاهِد، متودِّد، حَسَن الشِّكل. سَمِعَ: أبا الحسين بْن الطُيوري، وأبا منصور محمد بْن أحمد الخيّاط.
وجدتُ وفاته في رجب.
روى عَنْهُ: أبو الفَرَج محمد بْن عليّ بْن القُنّبيطي، وابنه الحافظ أحمد.
149- صالح بْن كامل بْن أَبِي غالب2.
أَبُو محمد الظّفَريّ، البقّال.
سَمِعَ: أبا الحسن بْن منجَاب الشَّهْرُزُوريّ، وأبا القاسم بْن بيان.
وكان اسمه قديمًا: المبارك، فغيَّره بصالح.
سَمِعَ منه: أخوه أبو بَكْر المفيد، وابن السمعاني.
__________
1 المنتظم "10/ 134"، وشذرات الذهب "4/ 135".
2 معجم شيوخ ابن السمعاني.(37/104)
"حرف العين":
150- عبّاد بْن سَرْحان بْن مسلم بْن سيّد النّاس1.
أبو الحَسَن المَعافِريّ، الأندلسيّ، الشّاهد.
سكن العُدوة. وكان مولده في سنة أربعٍ وستين وأربعمائة.
وسمع من: طاهر بم مُفَوَّز بشاطبة، وحجّ، ودخل بغداد، وسمع من: رزق اللَّه بْن عبد الوهّاب التّميميّ، والمبارك بْن الطَّبَريّ. وأجاز لَهُ أبو عبد الله الحُميدي.
وسمع بمكَّة من: الحسين بْن عليّ الطَّبَريّ.
قَالَ ابن بَشكُوال: قدِم قُرطبة، فسمعنا منه. وكانت عنده فوائد. وكان يميل إلى مسائل الخلاف ويدّعي معرفة الحديث ولا يُحسنه، عفا اللَّه عَنْهُ.
تُوُفّي بالعدْوة في نحو سنة ثلاثٍ وأربعين.
151- عبد الله بْن الحَسَن بْن أحمد بْن الحَسَن بْن أحمد بن قَسَاميّ2.
أبو القاسم الحَرِيميّ3، المعدّل، الفقيه الحنْبليّ.
سَمِعَ: أبا نصر الزَّيْنبيّ، وأبا الحُصين العاصميّ.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ وأثنى عَلَيْهِ، وسأله عَنْ مولده فقال: سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة.
وتُوُفّي في سادس ذي القعدة. وحدَّث بالنَّعْت في مكَّة، وكان يُفتي.
قَالَ ابن النّجّار: ثنا عَنْهُ أحمد بْن عبد الملك المقرئ.
وقَسَاميّ: بفتح ثمّ كسْر. قيّده ابن نقطة.
152- عبد الله بن سعيد بن محمد4.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 452، 453".
2 المنتظم "10/ 135"، والذيل على طبقات الحنابلة "1/ 215، 216".
3 نسبة إلى الحريم الطاهري وهي محلة كبيرة بالجانب الغربي منها "الأنساب "4/ 125".
4 التحبير "1/ 368"، والأنساب "5/ 178"، واللباب "1/ 386".(37/105)
أبو المحاسن البَنجَدِيهيّ، الخمقَري. وهي نسبة إلى خمس قرى بحذف السّين. والخمس قرى هِيَ بَنَجديه، من أعمال مَرْو.
كَانَ رجلًا فاضلًا، عالمًا.
روى عَنْ: هبة اللَّه بْن عبد الوارث الشّيرازيّ.
روى عَنْهُ أبو سعد السّمعانيّ.
153- عبد الله بْن عليّ بْن سعيد1.
أبو محمد القَيْسَرانيّ، القصْريّ، الفقيه.
فاضل، إمام، ديِّن، فصيح، مُناظر، من كبار فُقهاء النّظاميَّة.
سَمِعَ: أبا القاسم بْن بَيان.
وقد مرّ في سنة اثنتين وأربعين.
وقال ابن السّمعانيّ: بنى ابن العجميّ بحلب لَهُ مدرسة، ودرَّس بها، وكتبتُ عَنْهُ بها جزء ابن عَرَفَة. وقال لي: ولدتُ بقَيْساريَّة. والقصْر الّذي انتسب لَهُ بُليدة بين عكّا وحَيْفا عَلَى السّاحل.
قَالَ: ومات بحلب في سنة ثلاثٍ أو أربعٍ وأربعين. يحوَّل.
154- عبد الرحمن بْن عبد الله الحلْحُوليّ، الحلبيّ2.
سافر وأقام بمصر مدَّة. ثمّ سكن دمشق. وكان من كبار الصّالحين والعُبّاد.
وحلْحُول: قرية بها قبر يونس صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يُقال، وهي بين القدس والخليل. أقام بها سبْع سِنين، بنى بها مسجدًا، وتعبَّد فيه بين الفرنج، وسمعنا أنّهم كانوا يتبرّكون بِهِ، ويعتقدون فيه.
ثمّ انتقل إلى دمشق.
قَالَ ابن عساكر: مضيت إِلَيْهِ غير مرَّة، وانتفعت بروايته وبكلامه، وما رَأَيْت بالشام في فنه مثله. واستُشهد بظاهر دمشق في وقعة الفرنج، رحمه الله.
__________
1 سبقت ترجمته برقم "88".
2 معجم البلدان "2/ 290".(37/106)
155- عبد الرحمن بْن محمد بْن أميروَيْه بْن محمد1.
العلامة أبو الفضل الكَرْمانيّ، شيخ الحنفيَّة بكَرْمان في زمانه.
تفقّه بمَرْو عَلَى القاضي محمد بْن الحسين.
تزاحم عَلَيْهِ الطَّلَبَة، وتخرَّج بِهِ الأصحاب. وانتشرت سيرته في الآفاق، وصار معظَّمًا عند الخاصّ، والعامّ. وكان في رمضان يقرأون عَلَيْهِ التّفسير والحديث.
سَمِعَ: أَبَاهُ بكرْمان، وشيخه القاضي الأرسابَندي، وأبا الفتح عُبَيد اللَّه بْن أَرْدَشِير الهُشامي.
سَمِعَ منه أبو سعد السّمعانيّ، وبالَغَ في تعظيمه، وقال: وُلِد سنة سبْعٍ وخمسين، ومات في الحادي والعشرين من ذي القعدة بمدرسة القاضي الشّهيد سنة 543.
156- عبد الرَّحْمَن بْن محمد بْن حَسَن بْن طَوْق.
أبو القاسم البغداديّ.
سَمِعَ: نصر بْن البطِر، وغيره.
وكان ضعيفًا في دِينه.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ.
157- عبد الرحيم بْن قاسم بْن محمد2.
أبو الحسن القَيْسيّ، الأندلسيّ، الحجازيّ، الفَرَجيّ، من أهل مدينة الفَرَج.
روى عَنْ: أَبِي عليّ الغسّانيّ، وخازم بْن محمد، ومحمد بْن المورَة، وغيرهم.
قَالَ ابن بَشكوال: كَانَ من أهل المعرفة والفَهْم والذّكاء والحِفظ، قويّ الأدب، كثير الكتب، ديِّنًا فاضلًا، صاحب ليل وعبادة وكثرة بكاء، حتّى أثّر ذَلكَ بعينيه.
توفي في شعبان.
__________
1 الكامل في التاريخ "11/ 137"، وسير أعلام النبلاء "20/ 206".
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 389".(37/107)
قَالَ ابن مَسْدي: آخر من روى عَنْهُ بالسّماع الخطيب أبو جعفر بْن يحيى الحِميري. وأجاز أبو جعفر لي، ومات سنة إحدى عشرة وستمائة.
قلت: بل مات سنة عشر بقُرْطُبة.
158- عبد الرشيد بْن محمد بْن خليل1.
أبو محمد البُوشَنْجيّ.
سَمِعَ: عبد الرحمن بْن عفيف كلاز.
أخذ عَنْهُ: السّمعانيّ، وقال: مات في محرَّم أو صفَر سنة ثلاثٍ وأربعين.
159- عبد العزيز بْن محمد بْن بَشكولة2.
المِيهَنيّ، الصُّوفيّ.
سَمِعَ من العارف أَبِي الفضل محمد بْن أحمد الميْهنيّ كتاب "المرض" لابن أَبِي الدّنيا، عَن الصَّيْرفيّ، عَن الصّفّار، عَنْهُ.
قرأه عَلَيْهِ السّمعانيّ وقال: مات في جُمادَى الآخرة.
160- عبد القادر بْن جَندَب بْن سَمُرة3.
أبو محمد الصُّوفيّ، الهَرَويّ.
صالح عابد، خيّر، من مُريدي شيخ الإسلام أَبِي إسماعيل، كَانَ يسكن برباطه.
سَمِعَ: محمد بْن أَبِي مسعود الفارسيّ، وأبا إسماعيل شيخه.
وولد بعد سنة ستين وأربعمائة.
روى عنه: ابن السمعاني، وأبو رَوح عبد المعزّ.
وبالإجازة: عبد الرحيم بْن السّمعانيّ.
وأخوه هُوَ سمُرة بْن جَندب يروي أيضًا عَنْ محمد بن أبي مسعود.
__________
1 التحبير "1/ 444".
2 التحبير "1/ 463، 464".
3 التحبير "1/ 471".(37/108)
روى عَنْهُ: أبو رَوح.
تُوُفّي عبد القادر ثالث عشر ربيع الأوّل.
161- عَبْد الواحد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد1.
أبو المظفَّر بْن الصّبّاغ، بغداديّ.
سَمِعَ من: طِراد الزَّيْنَبيّ، وابن البطِر، وحَمْد الحّداد.
وحدَّث.
تُوُفّي في جُمَادَى الآخرة.
162- عليّ بْن الحسين بْن محمد.
أبو عبد الله الطَّابَرانيّ2، الصُّوفيّ، النّقّاش.
سَمِعَ بطُوس من: أَبِي عليّ الفضل بْن محمد الفارَمْذي.
وبالرَّيّ: البيّاضيّ.
وبهَمَذَان: شيروَيه الدَّيْلَميّ.
وعنه: السّمعانيّ.
163- عليّ بْن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن عليّ3.
قاضي القُضاة، أبو القاسم، الأكمل ابن نور الهُدى أَبِي طالب الزَّيْنبيّ، الهاشميّ، العباسيّ، البغداديّ.
ولد سنة سبع وسبعين وأربعمائة.
سَمِعَ من: أبيه، وعمّه طِراد، وابن البَطِر، وأبي الحسن العلّاف، وغيرهم.
روى عَنْهُ: الفتح بن عبد السلام.
__________
1 المنتظم "10/ 135".
2 الطابراني: نسبة إلى "طابران" وهي إحدى بلدتي طوس "الأنساب 8/ 167".
3 المنتظم "10/ 135، 136"، والكامل في التاريخ "11/ 146"، وسير أعلام النبلاء "20/ 207، 208"، والبداية والنهاية "12/ 225"، وشذرات الذهب "4/ 135".(37/109)
وكان للمسترشد إِلَيْهِ مَيْل، فوعده بالنّقابة، فاتّفق موت الدّامغانيّ، فطُلب مكانه، فناله.
ذكره ابن السّمعانيّ فقال: كَانَ غزير الفضل، وافر العقل، لَهُ سُكُون، ووقار، ورزانة، وثبات.
ولي قضاء القضاة بالعراق في سنة ثلاث عشرة وخمسمائة. وقرأتُ عليه جزءين.
قَالَ أبو شجاع محمد بْن عليّ بْن الدّهّان: يُحكى أنّ الزَّيْنبيّ منذ ولي القضاء ما رآه أحد إلا بطرحة1 وخفاف حتى زوجته. ولقد دخلت عليه في مرض موته وهو نائم بالطرحة.
قلت: هذا تكلف وبأوٌ زائد.
وقال أبو الفرج بن الجوزي2: كان رئيسا، ما رأينا وزيرا ولا صاحب منْصبٍ أوقر منه، ولا أحسنَ هيبةً وسمْتًا. قلّ أنْ سُمع منه كلمة. وطالت ولايتُه، فأحكم الزّمان، وخدم الرّاشد، وناب في الوزارة. ثمّ استوحش من الخليفة، فخرج إلى الموصل، فأسِر هناك. ووصل الراشد إلى الموصل وقد بلغه ما جرى ببغداد من خلْعه فقال لَهُ: اكتب خطَّك بإبطال ما جرى، وصحَّة إمامتي. فامتنع، فتواعده زنكي، وناله بشيء من العذاب، وأذن في قتْله، ثمّ دفع اللَّه عَنْهُ. ثمّ بُعث من الدّيوان لاستخلاصه، فجيء بِهِ، فبايع المقتفي، وناب في الوزارة لمّا التجأ ابن عمّه الوزير عليّ بْن طِراد إلى دار السّلطان. ثمّ إنّ المقتفي أعرض عَنْهُ بالكُلّيَّة.
قَالَ ابن الْجَوْزيّ: وقال لي: التّقيت الطّاهر، جاء إليَّ فقال: يا ابن عمّ، انظر ما يصنع معي، فإن الخليفة ُعرض عنّي. فكتبت إلى المقتفي، فأعاد الجواب بأنّه فعل كذا وكذا، فعذرتُه، وجعلت الذّنْب لابن عمّي.
ثمّ جعل ابن المرخّم مناظِرًا لَهُ، ومناقضًا ما يبني، والتوقعيات تصدر بمراضي ابن المرخّم، وسخطان الزَّيْنبيّ، ولم يبق لَهُ إلّا الاسم، فمرض وتُوُفّي يوم عيد النّحر
__________
1 الطرحة: نوع من الأكسية تشبه الطيلسان كان المدرسون يضعونها فوق العمامة
2 في المنتظم.(37/110)
وصلّى عَلَيْهِ ابن عمّه نقيب النقباء طلْحة بْن عليّ. ودُفن بمشهد أَبِي حنيفة إلى جانب والده. وخَلَّف جماعة بنين ماتوا شبابًا. وعاش ستًّا وسبعين سنة.
164- عليّ بْن أَبِي الوفاء سعد بْن عليّ بْن عبد الواحد بْن عبد القاهر بْن أحمد بْن مُسهر1.
مهذّب الدّين، أبو الحسن المَوصلي، الشّاعر.
صدرٌ، رئيس، وشاعر مُحسن. مدح الملوك الكُثُر، وتنقَّل في المناصب الكبار ببلده. وديوانه في مجلّدتين.
ومن شِعْره:
إذا ما لسانُ الدّمع نَمَّ عَلَى الهَوَى ... فليس بسرٍ ما الضلوعُ أجنّتِ
فَوَالله ما أدري عشيَّةَ ودّعتْ ... أناحَت حماماتُ اللِّوى أَمْ تغنّتِ
وأعجب من صبري القَلوص الّتي سرتْ ... بهودجكِ المزحوم كيف استقلّت
أعاتبُ فيك اليَعمُلات عَلَى السَّرَى ... وأسأل عنكَ الرّيحَ من حيث هبّتِ
أطبقُ أَحْنَاء الضُّلُوع عَلَى جَوًى ... جميعٍ وصبرٍ مستحيلٍ مشتّتِ
وله:
ولمّا اشتكيتَ اشتكى كلُّ ما ... عَلَى الأرض، واعتلّ شرقٌ وغربُ
لأنّك قلبٌ لجسم الزّمانِ ... وما صحَّ جسمُ إذا اعتلَّ قلبُ
165- عليّ بْن محمد بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّد بْن أَحْمَد بن محمد بن جعفر2.
أبو الحسن البَحِيريّ. من شيوخ نَيْسابور.
من بيت الرواية.
حدَّث عَنْ: أَبِي بَكْر بْن سنان، وغيره.
ذكره ابن السّمعانيّ في "مُعجمه"، وأنه مات في ذي الحجة.
__________
1سير أعلام النبلاء "20/ 234" والوافي بالوفيات "21/ 129-133"، ومعجم المؤلفين "7/ 99".
2 التحبير "1/ 584، 585".(37/111)
166- عُمَر بْن أَبِي غالب بْن بُقيرة1.
أبو الكرم البغداديّ، البقّال.
سَمِعَ: ثابت بْن بُندار.
كتب عَنْهُ السّمعانيّ، وقال: تُوُفّي في شوّال، وصلّيت عَلَيْهِ ببغداد.
167- عيسى بْن يوسف بْن عيسى بْن عليّ.
أبو موسى بْن الملْجوم، الأَزْديّ، الفانيني.
سَمِعَ من: أبيه قاضي القُضاة أَبِي الحَجّاج يوسف، وأبي الفضل النَّحْويّ، وأبي الحَجّاج الكلْبيّ.
وبأَغْمات من: أَبِي محمد عبد الله اللَّخْميّ سِبط أَبِي عُمَر بْن عَبْد البَرّ.
ودخل الأندلس فسمع من: أَبِي عليّ، وابن الطّلّاع، وخازم بْن محمد.
وكان جمّاعةً للكُتُب، ابتاع من أَبِي عليّ الغسّانيّ أصله بسُنَن أَبِي داود الّذي سمعه من أَبِي عُمَر بْن عبد البَرّ.
روى عَنْهُ: ابنه عبد الرحيم، وأبو محمد بْن ماتح.
وتُوُفّي في رجب، رحمه اللَّه، وله سبعٌ وستّون سنة.
"حرف الفاء":
168- فضل اللَّه بْن أحمد بْن المحسّن2.
أبو البدر الطُّوسيّ.
وكان حَسَن السّيرة، جميل الأمر، متواضعًا، كثير الخير.
سَمِعَ: أبا عليّ الفضل الفارَمذي، وأحمد بْن عبد الرحمن الكِنْديّ، وأبا تُراب المراغيّ.
سَمِعَ منه: أبو سعد السمعاني بطوس.
__________
1 معجم شيوخ ابن السمعاني.
2 التحبير "2/ 26".(37/112)
تُوُفّي في آخر يوم من السّنة وله سبعون سنة. وهو من طَابران قَصَبة طُوس.
169- الفضل بْن يحيى بْن صاعد بْن سيّار بْن يحيى1.
أبو القاسم الكِنَانيّ، الهَرَويّ، الحنفيّ.
ولي قضاة هَراة مدَّة. وكان عالمًا، كريمًا، متودِّدًا.
سَمِعَ من: جَدّه أَبِي العلاء، وأبي عامر الأزْديّ، ونجيب بْن ميمون.
كتبتُ عَنْهُ الكثير، قاله أبو سعد السّمعانيّ، فمن ذَلكَ: "الزّهد" لسعيد بْن منصور، بإسناد هَرَوِيٍّ، إلى أحمد بْن نجدة، عَنْهُ.
مات في نصف ذي الحجَّة وقد نيَّف عَلَى السّبعين.
"حرف الميم":
170- محمد بْن الحسين بْن أَبِي القاسم2.
أبو بَكْر الطَّبَريّ، الشّالوسيّ الصُّوفيّ، الواعظ. وشالوسا من قرى طرستان.
كَانَ مليح الوعظ، خيِّرًا، حريصًا عَلَى طلب الحديث.
سَمِعَ: نصر اللَّه الخُشنامي، فمَن بعده.
سَمِعَ منه: السّمعانيّ، وقال: مات فِي المحرَّم.
171- مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله بْن أحمد3.
الإمام أبو بَكْر بْن العربيّ، المَعَافِريّ، الأندلسيّ، الإشبيليّ، الحافظ.
أحد الأعلام.
وُلِد في شعبان سنة ثمانٍ وستّين وأربعمائة.
قَالَ ابن بَشْكُوال4: أخبرني أنّه رحل مَعَ أبيه إلى المشرق سنة خمسٍ وثمانين،
__________
1 التحبير "2/ 21-23"، والتقييد "425"، ومعجم البلدان "3/ 840".
2 التحبير "2/ 121، 122"، ومعجم البلدان "3/ 311".
3 الصلة لابن بشكوال "2/ 590، 591"، وسير أعلام النبلاء "20/ 197-204"، والبداية والنهاية "12/ 228، 229"، وشذرات الذهب "4/ 141".
4 في الصلة "2/ 590".(37/113)
وأنّه دخل الشّام ولقي بها: أبا بَكْر محمد بْن الوليد الطُّرطوشي، وتفقّه عنده. ولقي بها جماعة من العلماء والمحدّثين. وأنّه دخل بغداد، وسمع بها من طِراد الزَّيْنبيّ.
ثمّ حجّ سنة تسعٍ وثمانين، وسمع من الحسين بْن عليّ الطَّبَريّ.
وعاد إلى بغداد، فصحِب أبا بَكْر الشّاشيّ، وأبا حامد الغزّاليّ، وغيرهم، وتفقه عندهم. ثمّ صدر عَنْ بغداد، ولقي بمصر، والإسكندرية جماعة، فاستفاد منها، وعاد إلى بلده سنة ثلاثٍ وتسعين بعِلمٍ كثير لم يدخله أحدٌ قبله ممّن كانت لَهُ رحلة إلى المشرق.
وكان من أهل التّفنّن في العلوم، والاستبحار فيها، والجّمْع لها، مقدَّمًا في المعارف كلها، متكلِّمًا في أنواعها، نافذًا في جميعها، حريصًا عَلَى آدابها ونشرها، ثاقب الذّهن في تمييز الصّواب منها. يجمع إلى ذَلكَ كلّه آداب الأخلاق مَعَ حُسن المعاشرة، ولِين الكَنَف، وكثْرة الاحتمال، وكَرَم النَّفْس، وحُسن العهد، وثَبَات الودّ. واستُفتي ببلده، فنفع اللَّه بِهِ أهلَها لصرامته وشدّته، ونفوذ أحكامه.
وكانت لَهُ في الظّالمين سورةٌ مرهوبة. ثمّ صُرف عَن القضاء، وأقبل عَلَى نشر العِلْم وبثّه.
قرأتُ عَلَيْهِ، وسمعت منه بإشبيلية، وقُرْطُبة كثيرًا من روايته وتواليفه.
وتُوُفّي بالعدْوة، ودُفن بفاس في ربيع الآخر.
قَالَ ابن عساكر: سَمِعَ أبا الفتح نصر بْن إبراهيم المقدسيّ، وأبا الفضل بْن الفُرات، وأبا البركات أحمد بْن طاوس، وجماعة.
وسمع ببغداد: نصر بْن البطِر، وأبا طلْحة النِّعَالِي، وطِراد بْن محمد.
وسمع ببلده من خاله الحسن بْن عُمَر الهَوْزَنيّ، يعني المذكور سنة اثنتي عشرة.
قلت: ومن تصانيفه: كتاب "عارضة الأحوَذي في شرح التِّرْمِذيّ"، وكتاب "التّفسير" في خمس مجلّدات كبار، وغير ذَلكَ من الكُتُب في الحديث، والفقه، والأُصُول.
وورّخ موتَه في هذه السّنة أيضًا الحافظ أبو الحَسَن بْن الفضل، والقاضي أبو العباس بن خلّكان1.
__________
1 وفيات الأعيان "4/ 297".(37/114)
وكان أَبُوهُ رئيسًا، عالمًا، من وزراء أمراء الأندلس، وكان فصيحًا، مفوَّهًا، شاعرًا، تُوُفّي بمصر في أوّل سنة ثلاثٍ وتسعين.
روى عَنْ أَبِي بَكْر: عبد الرحمن وعبد اللَّه ابني أحمد وصابر، وأحمد بْن سلامة الأبّار الدّمشقيّون. وأحمد بْن خَلَف الكَلاعيّ قاضي إشبيلية، والحَسَن بْن عليّ القُرْطُبيّ الخطيب، والزّاهد أبو عبد الله محمد بْن أَحْمَد بْن المجاهد، وأبو بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن الْجَدّ الفِهري، ومحمد بْن أحمد بْن الفخّار، ومحمد بْن مالك الشَّرِيشيّ، ومحمد بْن يوسف بْن سعادة الإشبيليّ، ومحمد عليّ الكُتّامي، ومحمد بْن جابر الثّعلبيّ، ونجيَّة بْن يحيى الرّعَيني، وعبد اللَّه بْن أحمد بْن جُمهور، وعبد اللَّه بْن أحمد بْن علّوش نزيل مراكُش، وأبو زيد عبد الرحمن بْن عبد الله السُهَيلي، وعبد الرحمن بْن أحمد بْن عبد الرحمن بْن ربيع الأشعريّ، وعبد المنعم بْن يحيى بْن الخلوف الغَرْناطيّ، وعليّ بْن صالح بْن عزّ النّاس الدّاني، وعليّ بْن أحمد الشَّقوري، وأحمد بْن عُمَر الخَزْرجيّ التّاجر.
وروى عَنْهُ خلْق سوى هؤلاء، وكان أحد من بلغ رُتبة الاجتهاد، وأحد من انفرد بالأندلس بعُلُوّ الإسناد.
وقد وجدتُ بخطّي أنّه تُوُفّي سنة ستٍ وأربعين، فما أدري من أين نقلته. ثمّ وجدت وفاته في سنة ستٍّ في "تاريخ ابن النّجّار"، نقله عَن ابن بَشْكُوال، والأوّل الصّحيح إن شاء اللَّه.
وذكر ابن النّجّار أنّه سَمِعَ أيضًا من مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي دَاوُد الفارسيّ بمصر، ومن أَبِي الحسن القاضي الخِلَعيّ، وبالقدس من مكّي الرُميلي. وقرأ كتب الأدب ببغداد على أبي زكريا التبريزي، وقرأ الفقه والأصلين عَلَى الغزّاليّ، وأبي بَكْر الشّاشيّ، وحصّل الكتب والأصول، وحدّث ببغداد عَلَى سبيل المذاكرة، فروى عَنْهُ: أبو منصور بْن الصّبّاغ، وعبد الخالق المَوْصِليّ.
وروى الكثير ببلده، وصنَّف مصنَّفات كثيرةً في الحديث، والفقه، والأصول، وعلوم القرآن، والأدب، والنَّحْو، والتّواريخ، واتّسع حاله، وكثُر أفضاله، ومدحه الشّعراء. وعمل عَلَى إشبيلية سورًا من ماله، وولي قضاءها، وكان من الأئمَّة المقتدى بهم.(37/115)
وقد ذكره اليَسَع بْن حزْم، وبالغ في تعظيمه، وقال: وليَ القضاء فمُحِن، وجرى في أعراض العابرة فلحن، وأصبح يتحرّك بإثارة الألسنة، ويأبى بما أجراه القدرُ عَلَيْهِ النّومُ والسِّنَة، وما أراد إلّا خيرًا، نصب الشّيطان عَلَيْهِ شباكه، وسكَّن الإدبارُ حِراكه، فأبداه للنّاس صورة تبدو، وسورة تُتلى، لكونه تعلَّق بأذيال المُلك، ولم يجر مجرى العلماء في مجاهرة السّلاطين وحرْبهم، بل داهن.
ثمّ انتقل إلى قُرْطُبة مكرَّمًا، حتّى حُوِّل إلى العُدْوة، فقضى بما قرأت.
قرأت بخطّ ابن مَسدي في "مُعْجَمه": أَخْبَرَنَا أبو العبّاس أحمد بْن محمد بْن مفرّج النباتي بإشبيلية: سَمِعْتُ الحافظ أبا بَكْر بْن الجدّ وغيره يقولون: حضر فقهاء إشبيلية أبو بَكْر بْن المُرجّى، وفلان، وفلان، وحضر معهم أبو بَكْر بْن العربيّ، فتذاكروا حديث المِغفَر1، فقال ابن المُرَجّى: لا يُعرف إلّا من حديث مالك، عَن الزُهري. فقال ابن العربيّ: قد رويته من ثلاثة عشر طريقا، غير طريق مالك.
فقالوا لَهُ: أفِدنا هذه الفوائد، فوعدهم، ولم يُخرج لهم شيئًا. وفي ذلك يقوم خَلَفُ بنُ خَير الأديب:
يا أهل حمصَ ومَن بها أوصيكمُ ... بالبرّ والتَّقْوَى وصيَّةً مشفقِ
فخُذُوا عَن العربيّ أسمارَ الدّجا ... وخُذوا الرّوايةَ عَنْ إمامٍ متّقي
إنّ الفتى حُلْوُ الكلام مهذّبٌ ... إنْ لم يجِدْ خَبَرًا صحيحًا يخلقِ2
قلت: هذه الحكاية لا تدل عَلَى ضعف الرجل ولابد.
172- محمد بْن عبد الرحمن بْن إبراهيم بْن يحيى3.
أبو الحَسَن ابن الوزّان، صاحب الصّلاة بجامع قُرْطُبَة.
روى عَنْ: أَبِي عبد الله محمد بْن فَرَج.
وكان أديبًا، فاضلا، معتنيا بالعلم والرواية، ثقة، ثَبتًا، طويل الصلاة، كثير الذِّكر.
__________
1 "حديث صحيح": رواه البخاري "1846"، ومسلم "1357"، ومالك في الموطأ "1/ 423"، وأبو داود "2685"، والترمذي "1693"، والنسائي "5/ 201".
2 التذكرة "4/ 1296، 1297"، وسير أعلام النبلاء "20/ 202".
3 الصلة لابن بشكوال "2/ 591".(37/116)
توفي رحمه الله في جُمَادَى الآخرة.
173- مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن الطفيل بن الحسن بن عظيمة1.
الإشبيلي، الأستاذ، المقرئ.
رحل وأخذ القراءات عَن ابن الفحّام بالثَّغْر، وأبي الحسين بن الخشّاب بمصر.
أخذ عنه ولده عَيّاش.
وله قصيدة في القراءات، وكتاب "الغنية".
روى عَنْهُ: أبو مروان الباجي، وأبو بَكْر بن خير.
وقد حدَّث عَنْ أَبِي عليّ الغسّانيّ، وطبقته.
تُوُفّي في صفر 43، قاله ابن الأبّار.
174- محمد بْن عليّ2.
أبو غالب البغداديّ، المكبّر، المعروف بابن الدّاية.
سَمِعَ: "صفة المنافق" من ابن المسلمة، وسماعه صحيح، ثُبّت في سنة أربعٍ وستّين بخطّ طاهر النيْسابوريّ.
وتُوفي في المحرّم، قاله أبو سعد.
قلت: روى عَنْهُ: حمزة ومحمد ابنا عليّ بْن القنَّبِيطيّ، وسليمان وعليّ ابنا المَوْصِليّ، وجماعة آخرُهم الفتْح بْن عبد السّلام.
وعاش تسعًا وثمانين سنة.
وكان أَبُوهُ فرّاشًا في بيت رئيس الرؤساء.
175- محمد بْن عليّ بْن عُمَر بْن أَبِي بَكْر بْن عليّ3.
أبو بَكْر الكابُلي4.
__________
1 تكملة الصلة لابن الأبار.
2 المنتظم "10/ 136"، وسير أعلام النبلاء "20/ 174، 175".
3 الأنساب "10/ 301، 302"، والتحبير "2/ 185، 186"، واللباب "3/ 18".
4 الكابلي: نسبة إلى كابل وهي عاصمة أفغانستان حاليًا.(37/117)
روى عَنْ: عبد الجبّار بْن عبد الله بْن برزة الواعظ بأصبهان.
روى عَنْهُ: أبو موسى بْن المَدِينيّ، وقال: تُوُفّي في العشرين من صَفَر سنة ثلاثٍ وأربعين.
وقال: قِيلَ: إنّ مولده سنة ثلاثٍ أو أربعٍ أو ست وأربعين وأربعمائة. وروى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وأبو بَكْر أحمد بْن أَبِي نصر الخِرقي.
176- محمد بْن أَبِي بَكْر عَمْرو بْن محمد بْن القاسم1.
أبو غالب الشّيرازيّ، من شيوخ أَبِي موسى المَدِينيّ.
هُوَ نَسَبه.
وذكره أبو سعد السّمعانيّ فسمّى جدّه محمد: أحمد. وكذا قَالَ عبد الرحيم الحاجّيّ في "الوَفَيَات".
تُوُفّي يوم عيد الفِطر.
وقال ابن السّمعاني: كَانَ شيخًا، عالمًا، صالحًا، سديد السّيرة، سَمِعَ: المظفَّر البزاني، وابن شكرويه، وجماعة.
ولد سنة ست وستين وأربعمائة.
وقال أبو موسى: كَانَ خازن كُتُب الصّاحب.
177- محمد بْن عليّ بْن محمد بْن خُشنام2.
المَرْوَزِيّ، المُلحمي، الصُّوفيّ.
شيخ معمّر، عاش بضْعًا وتسعين سنة، فيه خير ودين.
سُمع منه سنة أربعٍ وستّين، من عبد العزيز بْن موسى القصّاب عَن الدّهّان، عَنْ فاروق الخطّابيّ.
روى عنه: السمعاني، وعبد الرحيم.
__________
1 التحبير "2/ 202، 203".
2 التحبير "2/ 186، 188"، والأنساب "11/ 465، 466".(37/118)
178- محمد بْن علي بْن محمد بْن علي1.
أبو العزّ البُستي، الصُّوفيّ.
سَمِعَ بمَرْو، وغيرها جماعة، وسافر الكثير، وسلك البوادي عَلَى التّجريد والوحدة.
وحدَّث عَنْ: موسى بْن عِمران، وجماعة، حتى إنه روى عَن السِّلَفيّ.
قَالَ السّمعانيّ: كتبت عَنْهُ بمَرْو وبشاوَر، وكان شيخنا إسماعيل بْن أَبِي سعد يسيء الثّناء عَلَيْهِ.
وُلِد سنة 471، ومات في ثاني ذي القعدة.
179- محمد بْن محمد بْن الطّبْر.
أبو الفَرَج القصْريّ، الضّرير، المقرئ.
عَنْ: ابن طلْحة النِّعاليّ، وابن البطِر، وجماعة.
وعنه: أبو سعْد السَّمْعانيّ، وأبو القاسم بْن عساكر، وعليّ بْن أحمد بْن وهْب.
شيخ ابن النّجّار، وهو صالح خيّر لا بأس بِهِ، يؤمّ بمسجد.
تُوُفّي في جُمادَى الآخرة وأنّما أضرّ بأخَرَة.
180- المبارك بْن كامل بْن أَبِي غالب الحسين بْن أَبِي طاهر2.
أبو بَكْر الخفّاف، البغداديّ، الظَّفَريّ، المفيد. كَانَ يفيد الغُرباء عَن الشّيوخ.
سَمِعَ الكثير، وأفْنَى عُمره في الطَّلَب. وسمع العالي والنّازل. وأخذ عمّن دبّ ودرج، وما يدخل أحدٌ بغدادَ إلّا ويبادر ويسمع منه.
قَالَ ابن السّمعانيّ: وهو سريع القراءة والخطّ، يشبه بعضه بعضًا في الرّداءة. وكان يدور معي عَلَى الشيوخ.
__________
1 في معجم الشيوخ لابن السمعاني.
2 المنتظم "10/ 137"، والكامل في التاريخ "11/ 136"، والعبر "4/ 119، 120"، وسير أعلام النبلاء "20/ 299، 300"، ولسان الميزان "5/ 11، 12".(37/119)
سمع: أَبَا القاسم بْن بيان، وأبا عليّ بْن نبهان، وعليّ بْن أحمد بْن فتحان الشهرزوري، فمن بعدهم.
سمعت منه وسمع منّي، وقال لي: وُلِدتُ في سنة تسعين وأربعمائة.
تُوُفّي في تاسع وعشرين جُمادى الأولى.
وقال أبو الفَرَج بْن الْجَوزيّ1: أبو بَكْر المفيد، يُعرف أبوه بالخفّاف، سمع خلقًا كثيرًا، ومازال يسمع العالي والنّازل، ويتتبّع الأشياخ في الزّوايا، وينقل السّماعات، فلو قِيلَ: إنّه سَمِعَ من ثلاثة آلاف شيخ لما رُدّ القائل.
وانتهت إِلَيْهِ معرفة المشايخ، ومقدار ما سمعوا والإجازات لكثرة دِربته في ذَلكَ. وكان قد صحِب هزارسبَ بن عوض، ومحمود الأصبهاني، إلّا أنّه كَانَ قليل التّحقيق فيما ينقل من السّماعات، لكونه يأخذ عَنْ ذَلكَ ثمنًا، وكان فقيرًا إلى ما يأخذ، ولكن كثير التّزويج والأولاد.
181- المبارك بْن المبارك بْن أَبِي نصر بْن زُوما2.
أبو نصر البغداديّ، الحنْبليّ الرّفّاء، ثمّ تحوَّل شافعيًّا، وتفقّه عَلَى أَبِي سعد المِيهنيّ. وبرع في المذهب، وكان من الصُّلحاء العُبّاد.
سَمِعَ من: أُبي النَّرْسيّ، وطبقته.
وحدَّث.
ومات كهْلًا، رحمه اللَّه.
182- منير بْن محمد بْن منير.
أبو الفضل النَّخَعيّ3، الرّازيّ، واعظ.
سَمِعَ ببغداد: عاصم بْن الحَسَن، ومالك البانياسيّ، وأبا الغنائم بْن أَبِي عثمان، وجماعة.
__________
1 في المنتظم.
2 المنتظم "10/ 136، 137"، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي "4/ 299"، وفيه "روما".
3 النخعي: نسبة إلى النخع، وهي قبيلة من العرب نزلت الكوفة "الأنساب 12/ 60".(37/120)
روى عَنْهُ: عبد الوّهاب بْن سُكينة، وغيره.
قَالَ ابن السّمعانيّ: كَانَ عَلَى التَّرِكات، وسمعت جماعة يسيئون الثّناء عَلَيْهِ. كتبتُ عَنْهُ.
وتُوُفّي في ذي القعدة. ووُلِد في سنة خمسٍ وستّين.
183- موسى بْن أَبِي بَكْر بْن أَبِي زيد.
أبو عبد الله الفَرْغَانيّ، الصُّوفيّ.
قدِم بغدادَ، وحجَّ كثيرًا. وكان شيخًا صالحًا، خَدُومًا، ذكر أنّه سَمِعَ من أصحاب أَبِي عليّ بْن شاذان، ولم يظهر لَهُ شيء.
تُوُفّي بدمشق في صَفَر.
"حرف الياء":
184- ياقوت1.
أبو الدُّرّ الرُّوميّ، التّاجر، السّفّار، عتيق عُبيد اللَّه بن أحمد البخاريّ. سَمِعَ معه من ابن هزارمُرد الصَّرِيفِينيّ كتاب "المُزاح والفُكاهة" للزُبير، وسمع مجالس المخلّص.
قَالَ ابن السّمعانيّ2: كَانَ شيخًا ظاهره الصّلاح والسّداد، لا بأس بِهِ، حدَّث بالعراق ودمشق، ومصر.
وقال ابن عساكر3: قدِم دمشقَ، ومصر، مرّات للتّجارة، ولم يكن يفهم شيئًا، وتُوُفّي بدمشق في شعبان.
قلت: روى عَنْهُ: ابن عساكر، وولده القاسم، وابن السّمعانيّ، وأبو المواهب بْن صَصْرَى، ومحمد بْن وهْب بْن الزّنْف، والحسين بْن كامل المعبّر، وعقيل بْن الحسين بْن أَبِي الجنّ، وأحمد بْن وهْب بْن الزَّنْفِ، وعبد الرحمن بْن سلطان بْن يحيى
__________
1 سير أعلام النبلاء "20/ 170"، والعبر "4/ 120"، وشذرات الذهب "4/ 136".
2 في الأنساب "6/ 188".
3 في مشيخته ورقة "239".(37/121)
القُرَشيّ، وعبد الرحمن بْن إسماعيل الجنْزَويّ، وعبد الرحمن بْن عبد الواحد بْن هلال، وعبد الصّمد بْن يونس التَّنُوخيّ، وطائفة سواهم.
185- يحيى بن أَحْمَد بن مُحَمَّد بن أَحْمَد.
أبو جعفر بْن الزوّال.
سَمِعَ: أبا نصر الزَّيْنَبيّ، وعامر بْن الحَسَن.
وعنه: ابن سُكينة، ويوسف بْن المبارك بْن كامل.
مات في ربيع الأَوَّل. قاله ابن النّجّار.
186- يحيى بْن محمد بْن سعادة بْن فصّال.
أبو بَكْر القُرْطُبيّ، المقرئ.
أخذ القراءات عَنْ: أَبِي الحسن العبْسيّ، وأبي القاسم بْن النّخّاس.
وحجَّ فسمع من رزين بْن مغرب كتاب "تجريد الصّحاح" وكتاب "فضائل مكَّة".
روى عَنْهُ: أبو القاسم بْن بَشْكُوال، وأبو خَالِد المَرَوانيّ، وأبو الحَسَن بْن مؤمن، وأبو القاسم الشّرّاط.
187- يوسف بْن دوناس بْن عيسى1.
أبو الحَجّاج الفِندلاوي، المغربيّ الفقيه المالكيّ، الشّهيد، إن شاء اللَّه.
قدِم الشّام حاجًّا، فسكن بانياس مدَّةً، وكان خطيبًا بها، ثمّ انتقل إلى دمشق، ودرَّس بها الفقه، وحدّث بـ "الموطأ".
أَنْبَأَنَا الْمُسْلِمُ بْنُ محمد عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عساكر: أَنَا أَبِي، أَنَا أبو الحَجّاج الفِندلاوي: أنبا محمد بْن عبد الله بْن الطّيّب الكلْبيّ، أنبا أَبِي، أنبا عبد الرحمن الخِرَقيّ، أَنَا عَلِيّ بْن محمد الفقيه، فذكر حديثًا.
قَالَ الحافظ ابن عساكر: كَانَ الفِنْدَلاويّ حَسَن الفاكهة، حُلْو المحاضرة، شديد التّعصُّب لمذهب أهل السُّنَّة، يعين الأشاعرة، كريم النّفس، مطّرحًا التّكلُّف، قوي
__________
1 معجم البلدان "4/ 277، 278"، وسير أعلام النبلاء "20/ 209، 210"، والبداية والنهاية "12/ 224، 225"، والنجوم الزاهرة "5/ 282".(37/122)
القلب. سَمِعْتُ أبا تُراب بْن قيس يذكر أنّه كَانَ يعتقد اعتقاد الحَشَويَّة، ويبغض الفِنْدَلاويّ لردّه عليهم، وأنه خرج إلى الحج، وأُسر في الطريق، وألقي في جبّ، وألقي عليه صخرة، وبقي كذلك مدَّة يُلقى إِلَيْهِ ما يأكل، وأنّه أحسّ ليلةً بحسّ، فقال: من أنت؟ فقال: ناولْني يدك. فناوله يده، فأخرجه من الْجُبّ، فلمّا طلع إذا هُوَ الفِندلاوي، فقال: تُب ممّا كنت عَلَيْهِ. فتاب عَلَيْهِ.
قَالَ ابن عساكر: وكان ليلة الختْم في رمضان يخطب رَجُل في حلقة الفِنْدَلاويّ بالجامع ويدعو، وعنده أبو الحسن بْن المسلم الفقيه، فرماهم خارجٌ من الحلقة بحجر، فلم يُعرف. وقال الفِنْدلاويّ: اللَّهُمَّ اقطَعْ يدَه. فما مضى إلّا يسير حتّى أُخذ قُصَيْر الرّكابيّ من حلقة الحنابلة ووُجد في صندوقه مفاتيح كثيرة تفتح الأبواب للسّرقة، فأمر شمس الملوك بقطْع يديه، ومات من قطْعهما.
قُتل الفِنْدَلاويّ يوم السّبت سادس ربيع الأوّل سنة ثلاثٍ بالنَّيْرَب مجاهدًا للفرنج. وفي هذا اليوم نزلوا عَلَى دمشق، فبقوا أربعة أيّام، ورحلوا لقلَّة العَلَف والخوف من العساكر المتواصلة من حلب، والموصل نجدةً.
وكان خروج الفِنْدَلاويّ إليهم راجلًا فيمن خرج.
وذكر صاحب "الرَّوضتين" أنَّ الفِنْدَلاويّ قُتل عَلَى الماء قريب الرّبوة، لوقوفه في وجوه الفرنج، وترك الرجوع عَنْهُمْ، اتّبع أوامر اللَّه تعالى وقال بِعنا واشتري. وكذلك عبد الرحمن الحلحوليّ الزّاهد، رحمه الله، جرى أمره هذا المجرى.
وذكر ابن عساكر أنّ الفِندلاوي رُؤيّ في المنام، فقيل لَهُ: أين أنت؟ فقال: في جنات عدن {عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِين} [الصافات: 44] . وقبره يُزار بمقبرة باب الصّغير من ناحية حائط الْمُصَلَّى، وعليه بلاطة كبيرة فيها شرحُ حاله.
وأمّا عبد الرحمن الحلحوليّ1 فقبره في بستان الشّعبانيّ، في جهة شرفه، وهو البستان المحاذي لمسجد بستان شعبان المعروف الآن بمسجد طالوت.
وقد جَرَت للفِنْدَلاويّ، رحمه اللَّه، بحوث، وأمور، وحِسبة مَعَ شرف الإسلام ابن الحنبليّ في العقائد، أعاذَنا الله من الفتن والهوى.
__________
1 تقدمت ترجمته برقم "154".(37/123)
وفيات سنة أربع وأربعين وخمسمائة:
"حرف الألف":
188- أَحْمَد بْن الوزير نظام المُلك الحَسَن بْن عليّ بْن إسحاق1.
أبو نصر الطُّوسيّ، الصّاحب، الرّئيس.
سكن بغداد عند مدرسة والده، وكان وزيرًا في دولتي الخليفة والسّلطان، وآخر ما وزَر للمسترشد بالله في رمضان سنة ستّ عشرة وخمسمائة، وعُزل بعد ستَّة أشهر، ولزِم منزله، ولم يتلبَّس بعدها بولاية.
وآخر من روى عَنْهُ حفيده الأمير داود بْن سليمان بْن أحمد.
وكان صدْرًا، بهيّ المنظر، مليحَ الشَّيْبة، يملأ العين والقلب، قعد عَن الأشغال، وكان جليس يَمنة.
وحدَّث عَنْ: أبيه، وأبي الفضل الحَسْناباذيّ، وغيرهما، وأبو الفضل كان عبد الرزاق الراوي، عَن الحافظ ابن مردوَيه، وغيره.
روى عَنْهُ: أبو أسعد السّمعانيّ، وذكره في "معجمه"، وقال: تُوُفّي في الخامس والعشرين مِن ذي الحجَّة، ودُفن بداره. عاش تسعًا وسبعين سنة.
189- أَحْمَد بْن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ2.
أَبُو نَصْرٍ البَهْوَنيّ3. وبَهْوَنَة: من قرى مَرْو.
إمام فاضل، لكن اختلط في آخر عمره واختلّ.
سَمِعَ: هبة اللَّه بْن عبد الوارث الشّيرازيّ، وأبا سعيد محمد بْن عليّ البَغَويّ.
ذكره ابن السّمعانيّ في مُعْجَمه، وقال: تُوُفّي في ربيع الآخر.
190- أحمد بن عبد الباقي بن الجلا.
__________
1 المنتظم "10/ 138، 139"، ومسير أعلام النبلاء "20/ 236"، والبداية والنهاية "12/ 226"، والوافي بالوفيات "6/ 321".
2 التحبير "2/ 444، 445"، ومعجم البلدان "1/ 517".
3 البهوني: نسبة إلى بهونة: اسم لإحدى القرى من بنج ديه.(37/124)
أبو البَرَكات، أمين القاضي ببغداد.
حدَّث عَنْ: نصر بْن البطِر.
وعنه: ابن السّمعانيّ، وإبراهيم بْن سُفْيان بْن مَنده.
وكان مقرئًا، مجوِّدًا.
تُوُفّي في جُمادى الأولى.
191- أحمد بْن عليّ بْن أَبِي جعفر بْن أَبِي صالح1.
الإمام، أبو جعفر البيهقي، النحوي، المفسّر، المعروف ببوجعفرَك.
نزيل نَيْسابور، وعالِمها.
قَالَ السّمعانيّ: كَانَ إمامًا في القراءة، والتّفسير، والنَّحْو، واللّغة، وصنَّف المصنَّفات المشهورة.
وسمع: أحمد بْن محمد بْن صاعد، وعليّ بْن الحسين بْن العبّاس الصَّنْدليّ.
ووُلد في حدود السبعين وأربعمائة.
وذكره جمال الدّين القفْطيّ في "تاريخ النَّحْويّين"2 فقال: صنَّف التّصانيف المشهورة، منها كتاب "تاج المصادر". وظهر لَهُ تلامذة نُجباء. وكان لا يخرج من بيته إلّا في أوقات الصّلاة. وكان يُزار ويُتَبَرَّك بِهِ.
تُوُفّي رحمه اللَّه بلا مرض في آخر يوم من رمضان، وازدحم الخلْق عَلَى جنازته.
192- أحمد بْن عليّ بْن حمزة بْن جبيرة3.
أبو محمد البَصْلانيّ4، ويُعرف بطفان.
طلب بنفسه، وكتب عَنْ: ابن البطِر، والنِّعالي، وعاصم بْن الحَسَن، وطِراد.
__________
1 معجم الأدباء "4/ 49-51"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1306"، وسير أعلام النبلاء "20/ 208، 209"، والوافي بالوفيات "7/ 214، 215".
2 إنباه الرواة بأنباه النحاة "1/ 89، 90".
3 ميزان الاعتدال "1/ 123"، ولسان الميزان "1/ 232، 233".
4 البصلاني: نسبة إلى البصلية وهي محلة على طرف بغداد "الأنساب 2/ 236".(37/125)
وقال ابن النّجّار: روى اليسير لسوء طريقه، وقُبح أفعاله. كَانَ ينجّم ويتمسخر عَلَى العرب، ويحضر مجالس اللهو، فتركوه.
روى عَنْهُ: الحافظ ابن عساكر، والمبارك بْن كامل، ونور العين بنت المبارك.
قال ابن ناصر: متروك، لا تجوز الرّواية عَنْهُ.
وقال ابن شافع: مات في رجب.
193- أحمد بْن محمد بْن الحسين1.
القاضي، أبو بَكْر الأرّجانيّ، ناصح الدّين، قاضي تُستَر2، وصاحب الدّيوان الشّعر المشهور.
كَانَ شاعر عصره، مدح أمير المؤمنين المسترشد بالله.
وسمع من أَبِي بَكْر بْن ماجة الأَبْهريّ حديث لُوَين3.
روى عَنْهُ جماعة منهم: أبو بَكْر محمد بْن القاسم بْن المظفّر بْن الشَّهْرُزُوريّ، وعبد الرحيم بْن أحمد ابن الإخْوَة، وابن الخشّاب النَّحْويّ، ومنوجهر بْن تُركانشاه، ويحيى بْن زيادة الكاتب.
وأصله شيرازيّ. وكان في عنفوان شبابه بالمدرسة النّظاميَّة بأصبهان، وناب في القضاء بعسكر مُكرَم. والّذي جُمِع من شِعره لا يُكَوِّن العُشر منه.
قَالَ العِماد في "الخريدة"4: لمّا وافيت عسكر مُكرَم5 لقيتُ بها ولد رئيس الدّين محمدًا، فأعارني إضْبارةً كبيرةً من شِعر والده. منبتُ شجرته أَرَّجان، ومواطن أُسرته تُستَر، وعسكر مُكرَم من خُوزِسْتان. وهو وإن كَانَ في العجم مولده، فمن العرب محتِده، سَلَفُه القديم من الأنصار، لم يسمح بنظيره سالف الأعصار، أوسيّ
__________
1 المنتظم "10/ 139، 140"، وسير أعلام النبلاء "20/ 210، 211"، والبداية والنهاية "12/ 226، 227"، وشذرات الذهب "5/ 285".
2 تستر: مدينة مشهورة بخوزستان "معجم البلدان 2/ 29".
3 هو الحافظ أبو جعفر محمد بن سليمان بن حبيب الأسدي وسبقت ترجمته في حوادث ووفيات "241-250هـ" رقم "437".
4 "1/ 141".
5 عسكر مكرم: بلد مشهور من نواحي خوزستان "معجم البلدان "4/ 123".(37/126)
الأسّ خزرَجيُّه، قسيُّ النُّطْق إِيادِيُّه، فارسيُّ القَلَم، وفارس ميدانه، وسلمان برهانه، من أبناء فارس، الّذين نالوا العِلم المعلَّق بالثُّرَيّا. جمع بين العذوبة والطيب والريّا.
وله:
أَنَا أشعر الفُقهاء غير مُدافعٍ ... في العصر، أو أَنَا أفقهُ الشعراءِ
شِعري إذا ما قلتُ دوّنه الورى ... بالطبع لا يتكلّفِ الإلقاءِ
كالصَّوت في حُلل الْجِبال إذا علا ... للسَّمْع هاجَ تجاوبَ الأصْداءِ
وله:
شاوِر سواكَ إذا نابتكَ نائبةٌ ... يومًا، وإن كنتَ من أهلِ المشوراتِ
فالعينُ تَنظر منها ما دَنَا ونَأَى ... ولا ترى نفسَها إلَّا بمرآةِ1
وله:
ولمّا بلوتُ الناسَ أطلبُ عندهُم ... أخا ثقةٍ عند اعتراض الشدائدِ
تطلّعتُ في حالَي رخاءٍ وشدةٍ ... وناديتُ في الأحياء: هَلْ من مُساعد؟
فلم أرَ فيما ساءني غيرَ شامتٍ ... ولم أرَ فيما سَرَّني غيرَ حاسدِ
مُتِّعتُما يا ناظِريَّ بنظْرةٍ ... وأوردتْما قلبي أشرَّ المواردِ
أَعَيْنَيَّ كُفّا عَنْ فؤادي فإنّهُ ... من البغْي سعيُ اثنينِ في قتْلِ واحدِ2
وله يمدح خطير المُلك محمد بْن الحسين وزير السّلطان محمد السَّلْجُوقيّ:
طلعتْ نجومُ الدّين فوق الفرقَد ... بمحمدٍ، ومحمدٍ، ومحمدِ
نبيُّنا الهادي وسُلْطانِ الوَرَى ... ووزيره المولى الكريم المُنجدِ
سَعْدان للأفلاك يَكْنفانها ... والدّين يكنفُه ثلاثةُ أسعدِ
بكتاب ذا، وبسيفِ ذا، وبرأي ذا ... نُظمتْ أمورُ الدّين بعد تبدُّدِ
__________
1 وفيات الأعيان "1/ 152"، والوافي بالوفيات "7/ 378".
2 المنتظم "10/ 139"، والبداية والنهاية "12/ 227".(37/127)