5340- ابن رشد الحفيد 1:
العَلاَّمَةُ. فَيْلَسُوْفُ الوَقْتِ، أَبُو الوَلِيْدِ، مُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ أَحْمَدَ ابْنِ شَيْخِ المَالِكِيَّةِ أَبِي الوَلِيْدِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَحْمَدَ بنِ رُشْدٍ القُرْطُبِيُّ.
مَوْلِده قَبْل مَوْت جدّه بِشهر سَنَة عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
عرض "المُوَطَّأ" عَلَى أَبِيْهِ.
وَأَخَذَ عَنْ أَبِي مَرْوَانَ بن مسرَّة وجماعة، وبرع في الفقه، وأخذ الطب عَنْ أَبِي مَرْوَانَ بن حَزْبُول، ثُمَّ أَقْبَل عَلَى علُوْم الأَوَائِل وَبلاَيَاهُم، حَتَّى صَارَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي ذَلِكَ.
قَالَ الأَبَّار: لَمْ يَنشَأْ بِالأَنْدَلُسِ مِثْله كَمَالاً وَعلماً وَفضلاً، وَكَانَ مُتَوَاضِعاً، مُنْخَفض الجنَاح، يُقَالُ عَنْهُ: إِنَّهُ مَا ترك الاشتغَال مُذْ عَقَلَ سِوَى لَيْلَتَيْنِ: لَيْلَة مَوْت أَبِيْهِ، وَليلَة عرْسه، وَإِنَّهُ سوّد فِي مَا أَلّف وَقيّد نَحْواً مِنْ عَشْرَة آلاَف وَرقَة، وَمَال إِلَى علُوْم الحكمَاء، فَكَانَتْ لَهُ فِيْهَا الإِمَامَة. وَكَانَ يُفزَع إِلَى فُتْيَاهُ فِي الطِّبّ، كَمَا يُفزَع إِلَى فُتيَاهُ فِي الفِقْه، مَعَ وَفور العَرَبِيَّة، وَقِيْلَ: كَانَ يَحفظ "دِيْوَان أَبِي تَمَّام"، وَ"المتنبِي".
وَلَهُ مِنَ التَّصَانِيْف: "بدَايَة المُجْتَهِد" فِي الفِقْه، وَ"الكُليَّات" فِي الطِّبّ، وَ"مُخْتَصَر المُسْتصفَى" فِي الأُصُوْل، وَمُؤلَّف فِي العَرَبِيَّة.
وَوَلِيَ قَضَاءَ قُرْطُبَة، فَحُمِدَت سيرَته.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 154"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 320".(15/426)
قَالَ ابْنُ أَبِي أُصِيْبعَة فِي "تَارِيخ الحكمَاء": كَانَ أَوحد فِي الفِقْه وَالخلاَف، وَبَرَعَ فِي الطِّبّ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي مَرْوَانَ بن زهر مَوَدَّة، وَقِيْلَ: كَانَ رَثَّ البِزَّة، قوِيّ النَّفْس، لاَزم فِي الطِّبّ أَبَا جَعْفَرٍ بنَ هَارُوْنَ مُدَّة، وَلَمَّا كَانَ المَنْصُوْرُ صَاحِب المَغْرِب بقُرْطُبَة، اسْتدعَى ابْن رُشْدٍ، وَاحْتَرَمه كَثِيْراً، ثُمَّ نَقَمَ عَلَيْهِ بَعْدُ -يَعْنِي لأَجْل الفَلْسَفَة- وَلَهُ "شرح أُرْجُوزَة ابْنِ سِيْنَا" فِي الطِّبّ، وَ"المقدمات" في الفقه، كتاب "الحيوان"، كِتَاب "جَوَامع كتب أَرِسْطُوطَاليس"، "شرح كِتَاب النَّفْس"، كِتَاب "فِي الْمنطق"، كِتَاب "تَلْخِيص الإِلاَهيَات" لنِيَقُوْلاَوس، كِتَاب "تَلْخِيص مَا بَعْد الطّبيعَة" لأَرِسْطُو، كِتَاب "تَلْخِيص الاسْتقصَات" لجَالينوس، وَلخّص لَهُ كِتَاب "المِزَاج"، وَكِتَاب "القوَى"، وَكِتَاب "الْعِلَل"، وَكِتَاب "التعرِيف"، وَكِتَاب "الحُمّيَات"، وَكِتَاب "حِيْلَة الْبُرْء" وَلخّص كِتَاب "السَّمَاع الطبيعي"، وله كتاب "تهافت التهافت"، وكتاب "منهاج الأَدلَّة" أُصُوْل، وَكِتَاب "فَصل المَقَالِ فِيمَا بَيْنَ الشرِيعَة وَالحِكْمَة مِنَ الاتصَال"، كِتَاب "شرح القيَاس" لأَرِسْطُو، "مَقَالَة فِي العَقْل"، "مَقَالَة فِي القيَاس"، كِتَاب "الْفَحْص فِي أَمر العَقْل"، "الْفَحْص عَنْ مَسَائِل فِي الشّفَاء"، "مَسْأَلَة فِي الزَّمَان"، "مَقَالَة فِيمَا يَعتقده المشَّاؤُون وَمَا يَعتقده المُتَكَلِّمُوْنَ فِي كَيْفِيَة وَجُوْد العَالَم"، "مَقَالَة فِي نَظَرَ الفَارَابِيّ فِي الْمنطق وَنظر أَرِسْطُو"، "مَقَالَة فِي اتّصَال العَقْل المفَارق لِلإِنْسَان"، "مَقَالَة فِي وَجُوْد المَادَّة الأُوْلَى"، "مَقَالَة فِي الرّدّ عَلَى ابْن سينَا"، "مَقَالَة فِي المِزَاج"، "مَسَائِل حكمِيَّة"، "مَقَالَة فِي حركَة الفَلَك"، كِتَاب "مَا خَالف فِيه الفَارَابِيّ أَرِسْطُو".
قَالَ شَيْخ الشُّيُوْخِ ابْن حَمُّوَيْه: لَمَّا دَخَلتُ البِلاَد، سَأَلت عَنِ ابْن رُشْدٍ، فَقِيْلَ: إِنَّهُ مهجُور فِي بَيْته مِنْ جِهَةِ الخَلِيْفَة يَعْقُوْب، لاَ يَدخل إِلَيْهِ أَحَد؛ لأَنَّه رُفِعت عَنهُ أَقْوَال رديَّة، وَنُسبت إِلَيْهِ العلُوْم المهجورَة، وَمَاتَ محبوساً بدَاره بِمَرَّاكش فِي أَوَاخِرِ سَنَةَ أَرْبَعٍ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: مَاتَ فِي صَفَرٍ، وَقِيْلَ: ربيع الأول سنة خمس.
وَمَاتَ السُّلْطَان بَعْدَهُ بِشهر.
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَوْط الله، وَسَهْل بن مَالِكٍ، وَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يُرْوَى عَنْه.(15/427)
5341- ابن ملاح الشط 1:
الشيخ الصالح المسند، أبو الفرج عبد الرحمن بنُ مُحَمَّدِ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى، القَصْرِيُّ، البَوَّابُ، وَيُعْرَفُ بِابْن ملاَّح الشَّطّ.
كَانَ يَسكن بقَصْر عَلِيّ بن عِيْسَى الهَاشِمِيّ.
سَمِعَ الكَثِيْر مِنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ الحصين، وأبي غالب بن البَنَّاءِ، وَأَبِي البَرَكَاتِ يَحْيَى بن حُبَيْش الفَارِقِيّ، وأبي الحسن علي بن الزَّاغُوْنِيِّ، وَعِدَّة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَتَبْتُ عَنْهُ كَثِيْراً، وَكَانَ شَيْخاً صَالِحاً، حسن الأَخلاَق، مُحِبّاً لِلرِّوَايَةِ، لاَ يَسأَم، وَلاَ يَضجر، وَكَانَ بوَّاباً بِمَدْرَسَة أُمّ الخَلِيْفَة. سَأَلت عَنْ مَوْلِده، فَقَالَ: أَذْكُر خِلاَفَة المُسْتَظْهِر. مَاتَ شَيْخنَا فِي صَفَرٍ سنة سبع وتسعين وخمس مائة.
قُلْتُ: لَعَلَّهُ جَاوَزَ التِّسْعِيْنَ.
وَرَوَى عَنْهُ: ابْنُ خَلِيْل، وَالضِّيَاء، وَابْن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالنَّجِيْب الحَرَّانِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَبِالإِجَازَة ابْنُ أَبِي الخَيْرِ، وَالقُطْبُ ابْنُ أَبِي عَصْرُوْنَ، وَالفَخْرُ ابْنُ البُخَارِيِّ.
وَفِيْهَا مَاتَ ابْنُ الجَوْزِيِّ، وَأَبُو المَكَارِمِ اللَّبَّانُ، وَالمُحَدِّثُ تَمِيْمُ ابن البندنيجي، وعبد الله بن المبارك بن الطَّوِيْلَةِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ مُحَمَّدِ بن عبد الرحيم بن الفَرَسِ الأَنْصَارِيُّ الغَرْنَاطِيّ، شَيْخُ المَالِكِيَّةِ، وَالوَاعِظُ عُمَرُ بنُ عَلِيٍّ الحَرْبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي زَيْدٍ الكَرَّانِيُّ، وَالعِمَادُ الكَاتِبُ، وَشَيْخُ المَالِكِيَّةِ أَبُو المَنْصُوْرِ ظَافِرُ بنُ الحُسَيْنِ الأَزْدِيُّ بِمِصْرَ، وَالأَمِيْرُ بَهَاءُ الدِّيْنِ قَرَاقُوْشُ الخَادِمُ الأَبْيَضُ مَوْلَى شِيرْكُوْه الَّذِي بَنَى سُورَ مِصْرَ وَقَلْعَةَ الجَبَلِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الفَارفَانِيّ أَخُو عَفِيْفَةَ، وَالمُقْرِئُ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الكَالِ الحِلِّيُّ، وَأَبُو شُجَاعٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ المَقْرُوْنُ اللوزي المقرئ.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب "4/ 331".(15/428)
5342- صاحب المغرب 1:
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ، المُلَقَّبُ بِأَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ المَنْصُوْرُ، أَبُو يوسف، يَعْقُوْبُ ابْنُ السُّلْطَانِ يُوْسُفَ ابْنِ السُّلْطَانِ عَبْدِ المُؤْمِنِ بنِ عَلِيٍّ، القَيْسِيُّ، الكُوْمِيُّ، المَغْرِبِيُّ، المَرَّاكُشِيُّ، الظَّاهِرِيُّ، وَأُمّه أَمَةٌ رُومِيَّة اسْمهَا سَحَر. عقدُوا لَهُ بِالأَمْرِ سَنَة ثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ عِنْد مهلك أَبِيْهِ، فَكَانَ سنُّه يَوْمَئِذٍ ثِنْتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً.
وَكَانَ تَامّ القَامَة، أَسْمَر، صَافِيَا، جَمِيْل الصُّوْرَة، أَعْيَن، أَفوَهَ، أَقنَى، أَكحلَ، سمِيناً، مُسْتدير اللِّحْيَة، جهورِيَّ الصَّوت، جزل العبَارَة، صَادِق اللَّهجَة، فَارِساً، شُجَاعاً، قوِيّ الفرَاسَة، خَبِيْراً بِالأُمُوْر، خليقاً لِلإِمَارَة، يَنطوِي عَلَى دين وَخير وَتَأَلُّه وَرزَانَة.
عمل الوزَارَة لأَبِيْهِ، وَخبَرَ الخَيْر وَالشَّرّ، وَكشف أَحْوَال الدَوَاوِيْن.
وَزَرَ لَهُ عُمَرُ بن أَبِي زَيْدٍ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ اللهِ بن الشَّيْخِ عُمَر إِيْنتِي، ثُمَّ ابْن عَمّ هَذَا مُحَمَّد الَّذِي تَزَهَّد، وَاخْتَفَى، ثُمَّ أَبُو زَيْد الهنتَانِيُّ، وَزِيْر وَلده مِنْ بَعْدِه. وَكَتَبَ لَهُ السّرّ ابْن مَحْشُوَّة، ثُمَّ ابْن عَيَّاشٍ الأَدِيْب. وَقضَى لَهُ ابْنُ مضَاء، ثُمَّ الوَهْرَانِيّ، ثُمَّ أَبُو القَاسِمِ بنُ بَقِيٍّ.
وَلَمَّا تَملَّك، كَانَ حَوْلَهُ منَافسُوْنَ لَهُ مِنْ عُمُومَته وَإِخْوَته، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى سَلاَ، وَبِهَا تَمَّت بيعتُه، وَأَرْضَى آله بِالعَطَاء، وَبَنَى مدينَة تلِي مَرَّاكش عَلَى البَحْر، فَمَا عَتمَ أَن خَرَجَ عَلَيْهِ عَلِيّ ابن غَانِيَة الملثّم، فَأَخَذَ بِجَايَة، وَخَطَبَ لِلنَاصِر العَبَّاسِيّ، فَكَانَ الخَطِيْب بِذَلِكَ عَبْد الحَقِّ مصَنّف "الأَحكَام"، وَلَوْلاَ حُضُوْر أَجَله، لأَهْلكه المَنْصُوْر.
ثُمَّ تَملّك ابْن غَانِيَة قَلْعَة حَمَّاد، فَسَارَ المَنْصُوْر، وَاسْتردّ بِجَايَة، وَجَهَّزَ جَيْشه، فَالتقَاهُم ابْن غَانِيَة فَمزّقهُم، فَسَارَ المَنْصُوْر بِنَفْسِهِ، فَكسر ابْن غَانِيَة، وَذَهَبَ مُثْخَناً بِالجرَاح، فَمَاتَ فِي خيمَةِ أَعرَابيَة، وَقَدَّمَ جيشه عليهم أخاه يحيى، فانحاز بهم إلى الصحراء مَعَ الْعَرَب، وَجَرَتْ لَهُ حُرُوْب طَوِيْلَة، وَاسْتردّ المَنْصُوْر قَفْصَة، وَقَتَلَ فِي أَهْلهَا، فَأَسرف، ثُمَّ قتل عَمَّيه سُلَيْمَان وَعُمَر صَبْراً، ثُمَّ نَدِم، وَتزَهَّد، وَتَقشّف، وَجَالِس الصُّلَحَاء وَالمُحَدِّثِيْنَ، وَمَال إِلَى الظَّاهِر، وَأَعرض عَنِ المَالِكِيَّة، وَأَحرق مَا لاَ يُحصَى مِنْ كُتُب الفُرُوْع.
قَالَ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ عَلِيٍّ: كُنْت بفَاس، فَشهدْتُ الأَحمَال يُؤْتَى بِهَا، فَتُحرق، وَتهدَّد عَلَى الاشتغَال بِالفُرُوْع، وَأَمر الحُفَّاظ بِجمع كِتَاب فِي الصَّلاَةِ مِنَ "الكُتُب الخَمْسَة"، وَ"المُوَطَّأ"، وَ"مُسْنَد ابْن أَبِي شَيْبَةَ"، وَ"مُسْنَد البَزَّار"، وَ"سُنَن الدَّارَقُطْنِيّ"، وَ"سُنَن البَيْهَقِيّ"، كَمَا جَمَع ابْن تُوْمَرْت فِي الطّهَارَة. ثُمَّ كَانَ يُمْلِي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ عَلَى كِبَارِ دَوْلَته، وَحَفِظَ ذَلِكَ خلق، فَكَانَ لِمَنْ يَحفظُه عَطَاء وَخِلْعَة. إِلَى أَنْ قَالَ: وَكَانَ قصدهُ مَحْو مَذْهَب مَالِك مِنَ البِلاَد، وَحَمَلَ النَّاس عَلَى الظَّاهِر، وَهَذَا الْمَقْصد بِعَيْنِهِ كَانَ مقْصد أَبِيْهِ وَجدّه، فَلَمْ يُظْهِرَاهُ، فَأَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ أَن ابْن الجَدِّ أَخْبَرَهُم قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ يُوْسُف، فَوَجَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ كِتَاب ابْن يُوْنُسَ، فَقَالَ: أَنَا أَنظر فِي هذَة الآرَاء الَّتِي أُحْدثَت فِي الدِّيْنِ، أَرَأَيْت المَسْأَلَة فِيْهَا أَقْوَال، فَفِي أَيِّهَا الحَقّ? وَأَيُّهَا يَجِبُ أَنْ يأْخذَ بِهِ المقلِّد? فَافْتتحت أُبَيِّن لَهُ، فَقطع كَلاَمِي، وَقَالَ: لَيْسَ إلَّا هَذَا، وَأَشَارَ إِلَى المُصْحَف، أَوْ هَذَا، وَأَشَارَ إِلَى سُنَن أَبِي دَاوُدَ، أَوْ هَذَا، وَأَشَارَ إِلَى السَّيْف.
قَالَ يَعْقُوْبُ: يَا مَعْشَر الموحِّدين، أَنْتُم قبَائِل، فَمَنْ نَابه أَمر، فَزِع إِلَى قَبيلَته، وَهَؤُلاَءِ -يَعْنِي طلبَة العِلْم- لاَ قبيل لَهُم إلَّا أَنَا، قَالَ: فَعظمُوا عِنْد الموحِّدين.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "7/ ترجمة 829".(15/429)
وَفِي سَنَة خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ: غَزَا الفِرنْج، ثُمَّ رَجَعَ، فَمَرِضَ، وَتَكلّم أَخُوْهُ أَبُو يَحْيَى فِي الْملك، فَلَمَّا عوفِي، قَتَلَه، وَتهدَّد القَرَابَة.
وَفِي سَنَةِ تِسْعِيْنَ انْتقضت الهدنَة، فَتَجَهَّز، وَعرض جُيُوشه بإشبيلية، وَأَنفق الأَمْوَال، فَقَصَدهُ أَلْفُنْش فَالتَقَوا، وَكَانَ نصراً عزِيزاً، مَا نَجَا أَلْفُنش إلَّا فِي شُريذِمَة، وَاسْتُشْهِدَ مِنَ الكِبَارِ جَمَاعَة، وَاسْتَوْلَى يَعْقُوْب عَلَى قلاع، وَنَازل طليطلَة، ثُمَّ رَجَعَ، ثُمَّ غَزَا، وَوَغل، بِحَيْثُ انْتَهَى إِلَى أَرْضٍ مَا وَصلت إِلَيْهَا المُلُوْك، فَطَلبَ أَلْفُنْش المهَادنَة، فَعُقدتْ عشراً، ثُمَّ رَدَّ السُّلْطَان إِلَى مَرَّاكش بَعْد سَنَتَيْنِ، وَصرَّح بِقصد مِصْر.
وَكَانَ يَتولَّى الصَّلاَة بِنَفْسِهِ أَشْهُراً، فَتعوَّق يَوْماً، ثُمَّ خَرَجَ، وَهُم يَنْتظرُوْنَهُ، فلامهم، وقال: قد قدم الصحابة عبد الرحمن بن عَوْف لِلْعذر، ثُمَّ قرّر إِمَاماً عَنْهُ. وَكَانَ يَجلسُ لِلْحَكَمِ، حَتَّى اخْتصم إِلَيْهِ اثْنَانِ فِي نِصْفِ، فَقضَى، ثُمَّ أَدَّبهُمَا، وَقَالَ: أَمَّا كَانَ فِي البَلَد حكَّام?
وَكَانَ يَسْمَع حَكَم ابْن بَقِيٍّ مِنْ وَرَاء السّتر، وَيدخل إِلَيْهِ أُمنَاء الأَسواق، فَيَسْأَلهُم عَنِ الأُمُوْر.
وَتَصدّق فِي الغَزْوَة المَاضيَة بِأَرْبَعِيْنَ أَلْفَ دِيْنَار.
وَكَانَ يَجْمَع الأَيْتَام فِي العَامِ، فَيَأْمُر لِلصبِيِّ بدِيْنَار وَثَوْب وَرَغِيْف وَرُمانَة.
وَبَنَى مَارستَان مَا أَظَنّ مِثْله، غرس فِيْهِ مِنْ جَمِيْع الأَشجَار، وَزخرفَه وَأَجرَى فِيْهِ المِيَاهَ، وَرتَّب لَهُ كُلّ يَوْم ثَلاَثِيْنَ دِيْنَاراً لِلأَدويَة، وَكَانَ يَعُوْد المَرْضَى فِي الجُمُعَة.
وَوَرَدَ عَلَيْهِ أُمَرَاء مِنْ مِصْرَ، فَأَقطع وَاحِداً تِسْعَة آلاَف دِيْنَار.
وَكَانَ لاَ يَقُوْلُ بالعِصْمَة فِي ابْن تُوْمَرْت.
وَسَأَل فَقِيْهاً: مَا قَرَأْت? قَالَ: تَوَالِيف الإِمَام، قَالَ: فَزَوَرَنِي، وَقَالَ: مَا كَذَا يَقُوْلُ الطَّالب! حُكْمك أَنْ تَقُوْلَ: قَرَأْت كِتَاب اللهِ، وَقَرَأْت مِنَ السّنَّة، ثُمَّ بَعْد ذَا قُل مَا شِئْت.
قَالَ تَاج الدِّيْنِ ابْن حَمُّوَيْه: دَخَلت مَرَّاكش فِي أَيَّامِ يَعْقُوْب، فَلَقَدْ كَانَتِ الدُّنْيَا بسيَادته مجملَة، يُقصَد لِفَضْلِهِ وَلعدله وَلبذله وَحسن مُعْتَقده، فَأَعذب موردِي، وَأَنجح مقصدِي، وَكَانَتْ مَجَالِسُه مُزَيَّنَة بِحُضُوْرِ العُلَمَاء وَالفُضَلاَء، تُفتتَح بِالتِّلاَوَة ثُمَّ بِالحَدِيْثِ، ثُمَّ يَدعُو هُوَ، وَكَانَ يُجِيْد حَفِظ القُرْآن، وَيَحفظ الحَدِيْث، وَيَتكلَّم فِي الفِقْه، وَيُنَاظر، وَيَنسبونه إِلَى مَذْهَب الظَّاهِر. وَكَانَ فَصِيْحاً، مَهِيْباً، حسن الصُّوْرَة، تَامّ الخلقه، لاَ يُرَى مِنْهُ اكفهرَار، وَلاَ عَنْ(15/430)
مَجَالِسه إِعرَاض، بزِيّ الزُّهَّاد وَالعُلَمَاء، وَعَلَيْهِ جَلاَلَة المُلُوْك، صَنّف فِي العِبَادَات، وَلَهُ "فَتَاو"، وَبَلَغَنِي أن السودان قدموا له فِيلاً فَوصلهُم، وَردّه، وَقَالَ: لاَ نُرِيْد أَن نَكُوْن أَصْحَاب الفِيْل، ثُمَّ طوّل التَّاج فِي عدله وَكرمه، وَكَانَ يَجْمَع الزَّكَاة، وَيُفرّقهَا بِنَفْسِهِ، وَعَمِلَ مكتباً لِلأَيتَام، فِيْهِ نَحْو أَلف صَبِيّ، وَعَشْرَة مُعَلِّمُوْنَ. حَكَى لِي بَعْض عُمَّاله: أَنَّهُ فَرّق فِي عيد نَيِّفاً وَسَبْعِيْنَ أَلْفَ شَاة.
وَقَالَ عَبْدُ الوَاحِدِ: كَانَ مُهتّماً بِالبنَاء، كُلّ وَقت يُجدِّد قَصْراً أَوْ مدينَة، وَأَنَّ الَّذِيْنَ أَسلمُوا كرهَا أَمرهُم بِلبْس كحلِيّ وَأَكمَام مُفرِطَة الطّول، وَكلوتَاتّ ضَخْمَة بشعَة، ثُمَّ أَلْبَسَهُم ابْنه العَمَائِم الصُّفْر، حمل يَعْقُوْب عَلَى ذَلِكَ شكّه فِي إِسلاَمهِم، وَلَمْ تَنعقد عِنْدنَا ذِمَّة ليَهُوْدِيّ وَلاَ نَصْرَانِيّ مُنْذُ قَامَ أَمر المَصَامِدَة، وَلاَ فِي جَمِيْع المَغْرِب كنِيسَة، وَإِنَّمَا اليَهُوْد عِنْدنَا يُظهرُوْنَ الإِسْلاَم، وَيُصلُّوْنَ، وَيُقرِئون أَولاَدَهُمُ القُرْآنَ جَارِيْنَ عَلَى مِلَّتنَا.
قُلْتُ: هَؤُلاَءِ مُسْلِمُوْنَ، وَالسَّلاَم.
وَكَانَ ابْن رُشْدٍ الحَفِيْد قَدْ هذّب لَهُ كِتَاب "الحيوَان" وَقَالَ: الزُّرَافَة رَأَيْتُهَا عِنْد ملك البَرْبَر، كَذَا قَالَ غَيْر مُهتبل، فَأَحنَقَهُم هَذَا، ثُمَّ سَعَى فِيْهِ مَنْ يُنَاوئه عِنْد يَعْقُوْب، فَأَرَوهُ بِخَطِّهِ حَاكياً عَنِ الفَلاَسِفَة أَنَّ الزُّهرَة أَحَد الآلهَة، فَطَلَبَهُ، فَقَالَ: أَهَذَا خطّك? فَأَنْكَر، فَقَالَ: لَعَنَ اللهُ مَنْ كتبه، وَأَمر الحَاضِرِيْنَ بِلَعْنِهِ، ثُمَّ أَقَامَه مُهَاناً، وَأَحرق كتب الفَلْسَفَة سِوَى الطِّبّ وَالهندسَة. وَقِيْلَ: لَمَّا رَجَعَ إِلَى مَرَّاكش، أحب النظر في الفلسفة، وطلب ابْنَ رُشْدٍ ليُحسن إِلَيْهِ، فَحضر، وَمَاتَ، ثُمَّ بَعْد يَسير مَاتَ يَعْقُوْب.
وَقَدْ كتب صَلاَح الدِّيْنِ إِلَى يَعْقُوْبَ يَسْتَنجد بِهِ فِي حِصَار عكَّا، وَنفّذ إِلَيْهِ تَقدمَةً، وَخضع لَهُ، فَمَا رضِي لِكَوْنِهِ مَا لقّبه بِأَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ، وَلَقَدْ سمح بِهَا، فَامْتَنَعَ مِنْهَا كَاتبه القَاضِي الفَاضِل.
وَقِيْلَ: إِنَّ يَعْقُوْب أَبطل الخَمْر فِي مَمَالِكه، وَتوعّد عَلَيْهَا فَعدمت، ثُمَّ قَالَ لأَبِي جَعْفَرٍ الطَّبِيْب: ركِّب لَنَا ترِيَاقاً، فَأَعوزَه خمر، فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: تلطّف فِي تَحْصِيله سرّاً، فَحرص، فَعَجِزَ، فَقَالَ الْملك: مَا كَانَ لِي بِالتِّرْيَاق حَاجَة، لَكِن أَردت اخْتبَار بلاَدِي.
قِيْلَ: إِنَّ الأَدفنش كتب إِلَيْهِ يُهدِّده، وَيُعنِّفه، وَيطلب مِنْهُ بَعْض البِلاَد، وَيَقُوْلُ: وَأَنْت تُمَاطل نَفْسك، وَتُقدِّم رِجْلاً، وَتُؤخِّر أُخْرَى، فَمَا أَدْرِي الجبنُ بَطَّأَ بِك، أَوِ التَّكذِيب بِمَا وَعدك نَبِيّك? فَلَمَّا قرَأَ الْكتاب، تَنمَّر، وَغَضِبَ، وَمزّقه، وَكَتَبَ عَلَى رقعَة مِنْهُ: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا ... } الآيَةَ [النَّمْلُ: 37] ، الجَوَابُ مَا تَرَى لاَ مَا تسَمِع.(15/431)
وَلاَ كُتْب إلَّا المشرفِيَّةُ عِنْدنَا ... وَلاَ رُسْل إلَّا لِلْخَمِيْسِ العَرَمْرَمِ
ثُمَّ اسْتنْفرَ سَائِر النَّاس، وحشد، وجمع، حتى احتوى ديوان جيشه عَلَى مائَة أَلْف، وَمِنَ المطَّوِّعَة مِثْلهُم، وَعدَّى إِلَى الأَنْدَلُسِ، فَتمّت المَلْحَمَة الكُبْرَى، وَنَزَلَ النَّصْر وَالظفر، فَقِيْلَ: غنمُوا سِتِّيْنَ أَلْفَ زرديَّة.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: قُتِلَ مِنَ العَدُوّ مائَة أَلْف وَسِتَّة وَأَرْبَعُوْنَ أَلْفاً، وَمِنَ المُسْلِمِيْنَ عِشْرُوْنَ أَلْفاً.
وَذكره أَبُو شَامَةَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: وَبعد هَذَا فَاختلفت الأَقْوَال فِي أَمره، فَقِيْلَ: إِنَّهُ ترك مَا كَانَ فِيْهِ، وَتَجرّد، وَسَاح، حَتَّى قَدِمَ المَشْرِق مُتَخفِّياً، وَمَاتَ خَامِلاً، حَتَّى قِيْلَ: إِنَّهُ مَاتَ بِبَعْلَبَكَّ. وَمِنْهُم مَنْ يَقُوْلُ: رَجَعَ إِلَى مَرَّاكش، فَمَاتَ بِهَا، وَقِيْلَ: مَاتَ بِسَلاَ، وَعَاشَ بِضْعاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: إِلَيْهِ تُنسب الدَّنَانِيْر اليَعْقُوْبيَّة.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: حَكَى لِي جمع كَبِيْر بِدِمَشْقَ أَن بِالبِقَاعِ بِالقُرْبِ مِنَ الْمجْدَل قَرْيَة يُقَالُ لَهَا: حَمَّارَة، بِهَا مشْهد يُعرف بِقَبْر الأَمِيْر يَعْقُوْب ملك المَغْرِب، وَكُلّ أَهْل تِلْكَ النَّاحيَة متفقُوْنَ عَلَى ذَلِكَ.
قيل: الأَظهر مَوْته بِالمَغْرِبِ، فَقِيْلَ: مَاتَ فِي أَوَّلِ جُمَادَى الأُوْلَى، وَقِيْلَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، وَقِيْلَ: مَاتَ فِي صَفَرٍ سَنَة خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ.
وَقَدْ يُقَالُ: لَوْ مَاتَ مِثْل هَذَا السُّلْطَان فِي مقرّ عزّه، لَمْ يُخْتَلَفْ هَكَذَا فِي وَفَاتِهِ -فَاللهُ أَعْلَم- لَكِن بُوْيِع فِي هَذَا الحين ولده محمد بن يعقوب المؤمني.(15/432)
5343- صاحب غزنة 1:
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ، غِيَاثُ الدِّيْنِ، أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ سَامِ بنِ حُسَيْنٍ الغُوْرِيُّ، أَخُو السُّلْطَانِ شِهَابِ الدِّيْنِ الغُوْرِيِّ.
قَالَ عِزّ الدِّيْنِ ابْن البُزُوْرِيِّ: كَانَ ملكاً عَادِلاً، وَللمَال باذلاً، فَكَانَ محسناً إِلَى الرَّعِيَّةِ، رَؤُوْفاً بِهِم، كَانَتْ بِهِ ثُغُور الأَيَّام باسمَة، وَكلّهَا بوجُوْده موَاسم. قرّب العُلَمَاء، وَأَحَبّ الفُضَلاَء، وَبَنَى المَسَاجِد وَالرُّبُط وَالمدَارس، وَأَدرّ الصَّدَقَات، وَبَنَى الخَانَات.
قُلْتُ: كَانَ ابْتدَاء دَوْلَتهِم مُحَارَبَتَهُم لسُلْطَانِهِم بَهْرَامَ شَاه بنِ مَسْعُوْدٍ السُبُكْتِكِيْنِيِّ، وَكَانَ رَأْس أَهْل الغوْر عَلاَء الدِّيْنِ الحُسَيْن بن الحَسَنِ، فَهَزمه بَهْرَامُ شَاه غَيْرَ مَرَّةٍ، وَقَتَلَ إِخْوَته، ثُمَّ تَمَكَّنَ عَلاَء الدِّيْنِ، وَتسلطن، وَأَمّر ابْنَي أَخِيْهِ غِيَاثَ الدِّيْنِ وَشِهَابَ الدِّيْنِ ابْنَيْ سَامَ، ثُمَّ قَاتلاَهُ، وَأَسرَاهُ، ثُمَّ تَأَدّبا مَعَهُ، وَردَّاهُ إِلَى ملكه، فَخضع، وَصَاهرهُمَا عَلَى بنِيه، وَجَعَلهُمَا وَلِيَّي عَهْده، فَلَمَّا مَاتَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ، تَسَلَّطن غِيَاث الدِّيْنِ المَذْكُوْر، وَاسْتَوْلَى عَلَى غَزْنَة، ثُمَّ قَهره الغُزّ، وَاسْتولُوا عَلَى غَزْنَة خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. ثُمَّ نَهَضَ شِهَاب الدِّيْنِ، وَهَزَمَ الغُزَّ، وَقَتَلَ مِنْهُم خلائق، وافتتح البلاد الشَّاسعَة، وَقصدَ لَهَا، وَردّ بِهَا خسرو شَاه بنَ بَهْرَامَ شَاه آخر مُلُوْك الهِنْد السُبُكْتِكِيْنِيَّة، فَأَخَذَهَا سَنَة تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ، وَأَمّن خسرو شَاه، ثُمَّ بعثَه مَعَ وَلده، وَأَسلمهُمَا إِلَى أَخِيْهِ، فَسجنهُمَا، وَكَانَ آخِر العَهْد بِهِمَا، وَكَانَ دَوْلَتهُم أَزْيد مِنْ مائَتَيْ عَام.
وَيُقَالُ: بَلْ مَاتَ خسرو كَمَا قَدَّمْنَا فِي حُدُوْدِ سَنَةِ خَمْسِيْنَ، وَتسلطن بَعْدَهُ ابْنه مَلِكْشَاه، فَيُحرَّر هَذَا.
وَحكم الغُوْرِيّ عَلَى الهِنْد وَالأَقَالِيم، وَتلقّب بِقَسِيم أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ، ثُمَّ سَارَ الأَخوَان، وَافْتَتَحَا هَرَاة وَبُوْشَنْج وَغَيْر ذَلِكَ، ثُمَّ حَشَدت مُلُوْك الهِنْد، وَعملُوا المَصَافّ، وَانكسر المُسْلِمُوْنَ، وَجُرِحَ شِهَاب الدِّيْنِ، وَسقط، ثُمَّ جمع، وَالتَقَى الهِنْد، فَاسْتَأصلهُم، وَطوَى المَمَالِك.
نعم، وَكَانَ غِيَاث الدِّيْنِ وَاسِع البِلاَد مُظَفَّراً فِي حُرُوْبه، وَفِيْهِ دهَاء، وَمكر، وَشجَاعَة، وَإِقدَام.
وَتمرّض بِالنِّقْرِس.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَسقط مُكُوسَ بلاَده. وَكَانَ يَرْجِع إِلَى فَضِيْلَة وَأَدب.
وَكَانَ يَقُوْلُ: التعصّب فِي المَذَاهِب قَبِيح.
وَقَدِ امْتَدَّتْ أَيَّامه، وَتَمَلَّكَ بَعْدَ عَمّه، وَلَهُ غَزَوَات وَفُتُوْحَات.
مَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَتَمَلَّكَ بَعْدَهُ أَخُوْهُ السُّلْطَان شِهَاب الدِّيْنِ مُدَّة، ثُمَّ قُتِلَ غِيلَة، وَتسلطن بَعْدَهُ ابْنُ أَخِيْهِ السُّلْطَان غِيَاث الدِّيْنِ مَحْمُوْد بن مُحَمَّد، ثم تملك غلامهم السلطان تاج الدِّيْنِ إِلْدُز، وَاستولَى عَلَى مَدَائِن، وَعظُم أَمره، ثُمَّ قُتِلَ فِي مَصَافّ.
وَلهذه المَمْلَكَة جُيُوش عظيمة جدًا.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 184-185"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 342".(15/433)
أخوه السلطان شهاب الدين، ابن القصاب:
5344- أَخُوْهُ السُّلْطَانُ شِهَابُ الدِّيْنِ 1:
أَبُو المُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بنُ سَامٍ. قتلته البَاطِنِيَّة فِي شَعْبَان سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتّ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: قَتَلَ صَاحِبُ الهِنْدِ شِهَابَ الدِّيْنِ بِمخيَّمه بَعْد عَوْده مِنْ لُهَاوور، وَذَلِكَ أَنَّ نَفراً مِنَ الكُفَّارِ الكوكرِيَّة لزمُوا عَسْكَره ليغتَالُوْهُ، لِمَا فَعل بِهِم مِنَ الْقَتْل وَالسّبْي، فَتفرّق خوَاصّه عَنْهُ لَيْلَة، وَكَانَ مَعَهُ مِنَ الخَزَائِن مَا لاَ يُوْصَف؛ ليُنفقهَا فِي العَسَاكِر لِغَزْو الخَطَا، فَثَار بِهِ أَولئك، فَقتلُوا مِنْ حَرسه رَجُلاً، فَثَارت إِلَيْهِ الْحَرس عَنْ موَاقفهِم، فَخلاَ مَا حَوْل السّرَادِق، فَاغتنم أَولئك الوَقْت، وَهجمُوا عَلَيْهِ، فَضربوهُ بِسكَاكينهِم، وَنَجوا، ثُمَّ ظُفِرَ بِهِم، وَقُتِلُوا، وَحَفِظَ الوَزِيْر والأمراء والأموال، وَصَيَّرُوا السُّلْطَان فِي مِحَفَّة، وَدَارُوا حَوْلهَا بِالحشمِ والصناجق، وكانت خزائنه على ألفي جمل ومائةين، فَقَدمُوا كِرْمَان، فَخَرَجَ إِلَيْهِم الأَمِيْر تَاج الدِّيْنِ إلدز، فشق ثيابه، وبكى، وَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً، وَتطلّع تَاج الدِّيْنِ إِلَى السّلطنَة، وَدُفن شِهَاب الدِّيْنِ بِتربَة لَهُ بغَزْنَة، وَكَانَ بَطَلاً شُجَاعاً مَهِيْباً جَيِّد السّيرَة، يَحكم بِالشّرع.
بَلَغَنَا أَن فَخْر الدِّيْنِ الرَّازِيّ وَعظ مرَّة عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا سُلْطَان العَالم، لاَ سُلْطَانك يَبْقَى، وَلاَ تَلْبِيس الرَّازِيّ يَبْقَى، {وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غَافر] . قَالَ: فَانْتحب السُّلْطَان بِالبُكَاء.
وَكَانَ شَافِعِيّاً كَأَخِيْهِ. وَقِيْلَ: كَانَ حنفِيّاً.
5345- ابْنُ القَصَّابِ 2:
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، مُؤَيّدُ الدِّيْنِ، أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ ابْنِ القَصَّابِ، البَغْدَادِيُّ.
مِنْ رِجَالِ الدَّهْر شَهَامَة، وَهَيْبَة، وَحَزْماً، وَغوراً، وَدهَاء، مَعَ النّظم وَالنّثر وَالبلاغَة.
نَاب فِي الوزَارَة، وَخدم فِي دِيْوَان الإِنشَاء، وَسَارَ فِي العَسَاكِر، فَافْتَتَحَ هَمَذَان وَأَصْبَهَان، وَحَاصَرَ الرَّيّ، وَرجع، فولي الوزارة، وسار فِي جَيْش عَظِيْم إِلَى هَمَذَان، فَجَاءهُ المَوْت فِي شَعْبَان سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَدْ جَاوَزَ سَبْعِيْنَ سَنَةً. وَكَانَ أَبُوْهُ قصَّاباً عجمِيّاً بسُوْق الثُّلاَثَاء، ثُمَّ نَبَشَه خُوَارِزْمشَاه مِنْ قَبْره، وَقطعَ بِهِ، وَطَافَ بِهِ عَلَى رمحٍ بخراسان.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 191"، وشذرات الذهب "5/ 7-8".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 139"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 311".(15/434)
5346- ابن المقرون 1:
الإِمَامُ القُدْوَةُ العَابِدُ، شَيْخُ القُرَّاءِ، أَبُو شُجَاعٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ أَبِي المَعَالِي بن المَقْرُوْنِ، البَغْدَادِيُّ، اللَّوْزِيُّ، مِنْ مَحَلَّةِ اللَّوْزِيَّة.
وُلِدَ سَنَةَ بِضْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَجَوَّد القِرَاءات عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ سِبْط الخَيَّاط، وَأَبِي الكَرَمِ الشَّهْرُزُوْرِيّ.
وَسَمِعَ مِنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ كِتَاب الجعديَات بكمَاله.
وَقرَأَه عَلَيْهِ الزِّين بن عبد الدائم.
وسمع من علي بن الصَّبَّاغ، وَأَبِي الفَتْحِ البَيْضَاوِيّ، وَسِبْط الخَيَّاط، وَأَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيّ، وَعِدَّة.
وَرَوَى الكَثِيْر، وَأَقرَأَ الكِتَاب العزيز ستين عامًا، وكان محققًا لِحُرُوفِهِ، عَامِلاً بِحُدُوْده، يَأْكُل مِنْ كسب يَده، وَيَتعفّف وَيَتعبّد، وَيَأْمر بِالمَعْرُوف، وَلاَ يَخَاف فِي اللهِ لُوْمَة لاَئِم.
لقّن الأَوْلاَد وَالآبَاء وَالأَجدَاد.
قرَأَ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَات خلق، مِنْهُم: أَبُو عَبْدِ الله بن الدُّبَيْثِيِّ، وَقَالَ: نِعْمَ الشَّيْخ.
كَانَ دفنُهُ بِصُفَّةِ بِشْرٍ الحَافِي.
قُلْتُ: وَحَدَّثَ عَنْهُ: الشَّيْخ الضِّيَاء، وَابْن خَلِيْل، وَالتَّقِيّ اليَلْدَانِيّ، وَالنَّجِيْب الحَرَّانِيّ، وَابْن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: لَقَّنَ خلقاً لاَ يُحصَوْنَ، وَحُمِلَت جِنَازَته عَلَى الرُّؤُوس، مَا رَأَيْتُ جمعاً أَكْثَر مِنْ جمع جِنَازَته.
قَالَ: وَكَانَ مُسْتَجَاب الدعوَة، وَقُوْراً. مَاتَ فِي سَابع عشر رَبِيْع الآخِرِ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَمِنْ مَرْوِيَّاته: "الْجمع بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ" لِلْحُمَيْدِيِّ، تحمَّله عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الغَنَوِيّ عَنِ المُؤلف، قرَأَه عَلَيْهِ العِزّ مُحَمَّد بن عَبْدِ الغَنِيِّ سَنَة سِتٍّ. أَجَازَ مَرْوِيَّاته لأَحْمَدَ بن سلامة، وعلي بن البخاري، وجماعة.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب "4/ 333".(15/435)
5347- ابن زهر 1:
العَلاَّمَةُ، جَالِيْنُوس زَمَانِهِ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عبد الملك بن زُهْرُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مُحَمَّدُ بنُ مَرْوَانَ بنِ زُهْرٍ، الإِيَادِيُّ، الإِشْبِيْلِيُّ.
أَخَذَ الطِّبّ عَنْ جَدِّهِ أَبِي العَلاَءِ، وَعَنْ أَبِيْهِ، وَبلغ الغَايَة وَالحظّ الوَافر مِنَ اللُّغَة وَالأَداب وَالشّعر وَعلوِّ المرتبَة فِي الْعِلَاج عِنْد الدَّوْلَة، مَعَ السّخَاء وَالجُود وَالحِشْمَة.
أَخَذَ عَنْهُ: ابْنُ دِحْيَة، وَأَبُو عَلِيٍّ الشَّلَوْبِيْن.
قَالَ الأَبَّار: كَانَ أَبُو بَكْرٍ بنُ الجَدِّ يُزكّيه، وَيَحْكِي عَنْهُ أَنَّهُ يَحفظ "صَحِيْح البُخَارِيِّ" مَتْناً وَإِسْنَاداً. مَاتَ بِمَرَّاكش فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَوُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ: مَكَانه مكين فِي اللُّغَة، وَموردُه معِين فِي الطِّبّ، كَانَ يَحفظ شعر ذِي الرُّمَّةِ وَهُوَ ثلث اللُّغَة، مَعَ الإِشرَاف عَلَى جَمِيْع أَقْوَال أَهْل الطِّبّ، مَعَ سموّ النّسب، وَكَثْرَة النّشَب، صَحِبته زَمَاناً، وَلَهُ أَشعَار حلوَة، وَقَدْ رَحل أَبُو جدّه إِلَى المَشْرِق، وَوَلِيَ رِيَاسَة الطِّبّ بِبَغْدَادَ، ثُمَّ بِمِصْرَ، ثُمَّ بِالقَيْرَوَان، ثُمَّ نَزل دَانِيَة، وَطَار ذِكْرُهُ.
قُلْتُ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ هَذَا يُقَالُ لَهُ: الحَفِيْد، كَمَا يُقَالُ لِصديقِهِ ابْن رُشْدٍ: الحَفِيْد، وَكَانَ فِي رُتْبَة الوُزَرَاء، وقيل: كان دينًا عدلًا، قوي النَّفْس، مليح الشّكل، يَجرّ قوساً قويّاً، وَلَهُ نَظْمٌ رَائِقٌ، فَمِنْهُ:
للهِ مَا فَعَلَ الغَرَامُ بقلبه ... أودى له بِهِ لَمَّا أَلَمَّ بلبِّهِ
يَأْبَى الَّذِي لاَ يَسْتَطيع لِعُجبِهِ ... رَدَّ السَّلاَمِ وَإِنْ شككْتَ فَعُجْ بِهِ
ظبيٌ مِنَ الأَترَاك مَا تَرَكَتْ ضنىً ... أَلحَاظُه مِنْ سلوةٍ لِمُحِبِّهِ
إِنْ كُنْت تُنْكِرُ مَا جنَى بِلحَاظِهِ ... فِي سَلْبِهِ يَوْم الغُوَيْرِ فَسَل بِهِ
يَا مَا أُميلحه وَأَعذَبَ رِيقَهُ ... وَأَعَزَّهُ وَأَذَلَّنِي فِي حُبِّه
بَلْ مَا أُليطف وَْردَةً فِي خَدِّهِ ... وَأَرَقَّهَا وَأَشَدَّ قَسْوَةِ قَلْبِهِ
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 672"، وشذرات الذهب "4/ 320".(15/436)
ابن زريق الحداد، البندار:
5348- ابن زريق الحداد 1:
الإمام، شيخ المقرئين، أبو جعفر، المبارك بن الإِمَامِ أَبِي الفَتْحِ المُبَارَكُ بنُ أَحْمَدَ بنِ زُرَيْقٍ، الوَاسِطِيُّ، ابْنُ الحَدَّادِ، إِمَامُ جَامِعِ وَاسِط بَعْدَ وَالِدِهِ.
مَوْلِده سَنَة تِسْعٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
تَلاَ عَلَى أَبِيْهِ، وَمَهَرَ، ثُمَّ سَافر مَعَهُ إلى بغداد في سنة532، فقرأ بها بالمبهج وَغَيْره عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ سِبْط الخَيَّاط.
وَسَمِعَ من: قاضي المارستان، وإسماعيل بن السمرقندي، وطائفة، وبواسط من علي بن عَلِيِّ بنِ شيرَان، وَالقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ الفَارِقِيّ، وَجَمَاعَة، وَتَفَرَّد عَنِ ابْن شيرَان الفَارِقِيّ، وَتَفَرَّد بإجازة خميس الحوزي، وأبي الحسين محمد بن غُلاَم الهَرَّاس أَبِي عَلِيٍّ، وَرَزِيْن بن مُعَاوِيَةَ العَبْدَرِيّ، وَأَجَازَ لَهُ أَيْضاً أَبُو طَالِبٍ بنُ يوسف، وعبد الله بن السَّمَرْقَنْدِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ النَّفِيْس بن مُنْجِبٍ، وَيُوْسُف بن خَلِيْل، وَإِبْرَاهِيْم بن مَحَاسِنَ، وَابْن الدُّبَيْثِيّ وَآخَرُوْنَ.
وَتَلاَ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَات: الشَّرِيْف مُحَمَّد بن عُمَرَ الدَّاعِي، وَغَيْرهُ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَانَ مِنْ أَعيَان القُرَّاء المَوْصُوْفِيْن بجُوْدَة القِرَاءة، وَحسن الأَدَاء، وَطيب الصّوت، وَكَانَ بَقِيَّة الأَكَابِر، وَهُوَ صَدُوْقٌ مُتَدّين.
مَاتَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَزُرَيْقٌ أَوّله زاي.
5349- البندار 2:
الشَّيْخُ الصَّالِحُ القُدْوَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ، عَبْدُ الخَالِقِ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ القَاسِمِ بنِ مَنْصُوْرٍ، الحَرِيْمِيُّ، البُنْدَارُ، أَخُو عَبْدِ الجَبَّارِ.
سَمِعَ هِبَة اللهِ بن الحُصَيْنِ، وَأَبَا المَوَاهِب بن مُلُوْك، وَهِبَة اللهِ الحَرِيْرِيّ، وَقَاضِي المَارستَان. وَسَمِعَ بِالرَّيِّ عبد الرحمن بن أبي القاسم الحصيري.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 159"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 328".
2 ترجمته في شذرات الذهب "4/ 319-320".(15/437)
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيّ، وَابْن خَلِيْل، وَابْن النَّجَّار، وَجَمَاعَة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَانَ صَالِحاً، زَاهِداً، كَثِيْر العِبَادَة، حسن السّمْت، عَلَى مِنْهَاج السَّلَف، كَأنَّ النُّوْر يَلوح عَلَى وَجهه، وَيَجد النَّاظر إِلَيْهِ رَوْحاً فِي نَفْسِهِ. مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَة خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَفِيْهَا مَاتَتْ أَسْمَاء بنت محمد ابن البزاز الدمشقية، وأختها آمنة والدة القاضي محيي الدين محمد بن الزَّكِيِّ، وَالمُحَدِّثُ أَبُو الفَرَجِ ثَابِت بن مُحَمَّدٍ المَدِيْنِيّ، وَدُلَف بن أَحْمَدَ بنِ قُوْفَا، وَطَرْخَان بن مَاضِي الشَّاغُوْرِيّ الَّذِي أَمّ بِالملك نُوْر الدين، وصاحب مصر الملك العزيز بن صَلاَحِ الدِّيْنِ، وَأَتَابك المَوْصِل مُجَاهِد الدِّيْنِ قَيْمَاز الرُّوْمِيّ الخَادِم، وَالفَيْلَسُوْف أَبُو الوَلِيْدِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَحْمَدَ بنِ رُشْدٍ القُرْطُبِيّ الحَفِيْد صَاحِب المُصَنَّفَات، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الطَّرَسُوْسِيّ، وَطَبِيْب الوَقْت أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ زُهْرٍ الإِشْبِيْلِيّ، وَمُسْلِم بن عَلِيٍّ السِّيْحِيّ المَوْصِلِيّ، وَمَنْصُوْر بن أَبِي الحَسَنِ الطَّبَرِيّ الوَاعِظ، وَشَيْخ الشَّافِعِيَّة جَمَال الدِّيْنِ يَحْيَى بن عَلِيِّ بنِ فضلان البغدادي، ويعقوب صاحب المغرب.(15/438)
5350- خوارزمشاه 1:
السُّلْطَانُ عَلاَءُ الدِّيْنِ، تَكش بنُ أَرْسَلاَنُ بنُ آتسز بن مُحَمَّدِ بنِ نُوشْتِكِيْنَ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: هُوَ مِنْ وَلد طَاهِر بن الحُسَيْنِ الأَمِيْر. قَالَ: وَكَانَ جَوَاداً شُجَاعاً، تَملّك الدُّنْيَا مِنَ السّند وَالهِنْد وَمَا وَرَاء النَّهْر إِلَى خُرَاسَانَ إِلَى بَغْدَادَ، فَإِنَّهُ كَانَ نُوَّابه فِي حُلْوَان، وَكَانَ جُنْده مائَة أَلْف، هزم مَمْلُوْكُه عَسْكَر الخَلِيْفَة، وَأَزَال هُوَ دَوْلَة السّلاجقَة، وَكَانَ حَاذِقاً بِلعب العُوْد. هَمّ بِهِ باطنِيّ، فَأرعد، فَأَخَذَهُ، وَقرّره، فَأَقرّ، فَقَتَلَهُ، وَكَانَ يُباشر الحَرْب بِنَفْسِهِ، وَذَهَبت عينه بِسهْم. عزم عَلَى قصد بَغْدَاد، وَوصل دِهِسْتَان، فَمَاتَ، ثُمَّ قَامَ بَعْدَهُ ابْنه مُحَمَّد، وَلُقّب عَلاَء الدِّيْنِ بِلَقَبِهِ.
قَالَ لَنَا ابْن البُزُوْرِيّ: كَانَ تَكش عِنْدَهُ آدَاب وَمَعْرِفَة بِمَذْهَب أَبِي حَنِيْفَةَ. بَنَى مَدْرَسَة بِخُوَارِزْم، وَلَهُ المقامَات المَشْهُوْرَة. حَارب طُغْرِيْلَ، وَقتله، ثُمَّ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْن القَصَّابِ الوَزِيْر، فَكَانَ قَدْ نَفّذ إِلَيْهِ تَشرِيفاً مِنَ الدِّيْوَان، فَرَدَّهُ، ثُمَّ نَدم، وَاعتذر، وَبُعِثَ إِلَيْهِ بتشرِيف، فَلبِسَه.
مَاتَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ سِتٍّ وتسعين بشهر ستانة، فحمله ولده محمد، فدفنه بمدرسته بخوارزم. وقيل: مات بالخوانيق.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 159"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 324".(15/438)
العجلي، صاحب اليمن:
5351- العجلي 1:
رَأْسُ الشِّيْعَةِ، وَعَالِمُ الرَّافِضَّةِ، العَلاَّمَةُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ بنِ أَحْمَدَ بنِ إِدْرِيْسَ، العِجْلِيُّ، الحِلِّيُّ.
صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، مِنْهَا كِتَاب الحَاوِي لِتحَرِيْرِ الفَتَاوِي، وَكِتَاب السّرَائِر، وَكِتَاب خلاَصَة الاستدلاَل، وَمَنَاسِك وَأَشيَاء فِي الأُصُوْل وَالفُرُوْع.
أَخَذَ عَنِ الفَقِيْه رَاشِد، وَالشَّرِيْف شَرَف شَاه.
وَلَهُ بِالحِلَّةِ شهْرَة كَبِيْرَة وَتَلاَمِذَة، وَلبَعْض الجَهَلَة فِيْهِ قصيدَة يُفضّله فِيْهَا عَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِدْرِيْسَ إمامنا.
مَاتَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
5352- صاحب اليمن 2:
سَيْفُ الإِسْلاَمِ، طُغْتِكِيْنُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ شَاذِي.
كَانَ أَخُوْهُ المَلِك المُعَظَّم تُوْرَانْشَاه قَدِ افْتَتَح اليَمَن سَنَة تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ، ثُمَّ رَجَعَ بَعْد عَامَيْنِ، وَاستنَاب عَنْهُ، وَقَدِمَ دِمَشْق، ثُمَّ بَعَثَ صَلاَح الدِّيْنِ أَخَاهُ سَيْفَ الإِسْلاَم إِلَى اليَمَنِ سَنَة تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ، فَتملّك اليَمَن كُلّه، وَحَارَبَ الزَّيْدِيَّة، وَبعد أَعْوَام أَخَذَ صَنْعَاء، وَكَانَتْ دَوْلَته أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمَّا احتُضر، سلطن مَمْلُوْكه بُوْزَبَا، وَمَاتَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ، ثُمَّ تَملّك وَلده المُعِزّ، وَقَتَلَ بُوْزَبَا وَجَمَاعَة مِنْ مَمَالِيْك أَبِيْهِ، وَحَارَبَ رَأْس الزَّيْدِيَّة، وَهزمه، وَأَنشَا بِزَبِيْد مَدْرَسَة، وَادّعَى أَنَّهُ أُموِيّ، وَرَام الخِلاَفَة، وَلَهُ "دِيْوَان شعر"، فَقَتَلَهُ أُمَرَاؤُهُ الأَكرَاد، وملكوا أخاه الناصر أيوب بن طغتكين.
__________
1 ترجمته في لسان الميزان "5/ ترجمة 215".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 141-142"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 311-313"، وقد توفى في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة.(15/439)
5353- عبد اللطيف 1:
ابن أبي البركات إسماعيل بن الشَّيْخِ أَبِي سَعْدٍ مُحَمَّدِ بنِ دُوستَ شَيْخُ الشُّيُوْخِ، أَبُو الحَسَنِ النَّيْسَابُوْرِيُّ الأَصْلِ البَغْدَادِيُّ الصُّوْفِيُّ، أَخُو شَيْخِ الشُّيُوْخِ صَدْرِ الدِّيْنِ عَبْد الرَّحِيْمِ الَّذِي مَاتَ بِالرَّحْبَة.
كَانَ أَبُو الحَسَنِ شَيْخاً عَامِيّاً بليداً عَرِيّاً مِنَ العِلْمِ.
سَمِعَ مِنَ القاضي أبي بكر، وإسماعيل بن السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَعَلِيّ بن عَلِيٍّ الأَمِيْن، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَطَائِفَة.
وَتَمَشْيَخَ برِبَاط جدّه بَعْد أَخِيْهِ فِي سَنَةِ ثَمَانِيْنَ، وَقَدْ حَجَّ، وَركب البَحْر، وَقَدِمَ مِصْر وَبَيْت المَقْدِسِ زَائِراً وَدِمَشْق. وَحَدَّثَ، فَأَدْرَكته المنِيَّة بِدِمَشْقَ فِي رَابِعَ عشر ذي الحجة سنة ست وتسعين وخمس مائَةٍ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
ذكر هَذَا أَوْ مَعْنَاهُ ابْنُ النَّجَّار، وَرَوَى عَنْهُ هُوَ وابن خليل، واليلداني، وعثمان بن خَطِيْبِ القَرَافَةِ، وَفَرَج الحَبَشِيّ، وَعَبْد اللهِ وَعَبْد الرحمن ابْنَا أَحْمَدَ بنِ طِعَانٍ، وَالقَاضِي صَدْر الدِّيْنِ ابن سني الدولة، وابن عبد الدَّائِم، وَابْن أَبِي اليُسْرِ، وَالكَمَال بن عَبْدٍ، وَعَدَد كَثِيْر. وَبِالإِجَازَة أَحْمَد بن أَبِي الخَيْرِ.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيّ: كَانَ بليداً لاَ يَفهم، قَالَ مرَّة -فِيمَا بَلَغَنِي- لِمَنْ قصدهُ فِي سَمَاع جُزْء: امْضِ بِهِ إِلَى ابْن سُكَيْنَةَ يُسْمِعْك عَنِّي، فَإِنِّي مَشْغُوْل.
وَفِيْهَا مَاتَ ابْن كُلَيْبٍ، وَالإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ القُرْطُبِيّ، وَأَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ ابْنِ البَخِيْلِ، وَالعَلاَّمَة أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَنْصُوْرٍ العِرَاقِيّ الخَطِيْب، وَإِسْمَاعِيْل بن صَالِحِ بنِ يَاسِيْنَ الشَّارعِيّ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ الفَارِسِيّ الزَّاهِد، وَخَلِيْل بن أَبِي الرَّجَاءِ الرَّارَانِيّ، وَخُوَارِزْمشَاه تَكش، وَالقَاضِي الفَاضِل، وَالوَجِيْه عَبْد العَزِيْزِ بن عِيْسَى اللَّخْمِيّ بِالثَّغْرِ، وَالقَاضِي عُبَيْد اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الجَلِيْلِ السَّاوِيّ، وَالفَقِيْه عَسْكَر بن خَلِيْفَةَ الحَمَوِيّ، وَالنّظام مُحَمَّد بن عبد الله ابن الظَّرِيْفِ البَلْخِيّ، وَالأَمِيْر ابْن بُنَانٍ، وَالشِّهَاب مُحَمَّد بن محمود الطوسي شيخ الشافعية بمصر.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري "6/ 159"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 327".(15/440)
5354- ابن زبادة 1:
الصَّاحِبُ الأَثِيْرُ، رَئِيْسُ دِيْوَانِ الإِنشَاءِ، قَوَامُ الدِّيْنِ، أَبُو طَالِبٍ يَحْيَى بنُ سَعِيْدِ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَلِيِّ بنِ زَبَادَةَ الوَاسِطِيُّ ثُمَّ البَغْدَادِيُّ.
كَانَ رَبّ فُنُوْنٍ: فَقه، وَأُصُوْل، وَكَلاَم، وَنظم، وَنثر. سَارَتِ الركبَان بِترسله المُؤنّق.
وَلِي المنَاصب الجَلِيْلَة.
وَرَوَى عَنْ: أَبِي الحَسَنِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَأَبِي القَاسِمِ عَلِيّ ابن الصَّبَّاغِ، وَأَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الأَرَّجَانِيّ الشَّاعِر، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ ابْنِ الجَوَالِيْقِيِّ، وَأَخَذَ عَنْهُ العَرَبِيَّة.
وَلِي نَظَرَ وَاسِط، وَوَلِيَ حجَابَة الحجَاب، ثُمَّ الأسْتَاذدَارِيَة، ثُمَّ نُقل إِلَى كِتَابَةِ السّرِّ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيّ، وَابْن خَلِيْل، وَغَيْرهُمَا.
وَكَانَ دَيِّناً صَيِّناً، حَمِيْد السّيرَة، وَهُوَ القَائِلُ:
لاَ تغبِطَنَّ وَزِيْراً لِلمُلُوْكِ وَإِنْ ... أَنَالَهُ الدَّهْرُ مِنْهُم فَوْقَ هِمَّتِهِ
وَاعلمْ بِأَنَّ لَهُ يَوْماً تَمورُ بِهِ ال ... أَرْضُ الوقورُ كَمَا مَارت بهيبتِهِ
هَارُوْنُ وَهُوَ أَخُو مُوْسَى الشّقيقُ لَهُ ... لَوْلاَ الوزَارَةُ لَمْ يَأْخُذْ بِلحيتهِ
أَنْبَؤُوْنَا عَنِ ابْن الدُّبَيْثِيّ، أَنْشَدَنَا أَبُو طَالِبٍ بنُ زَبَادَةَ، أَنْشَدَنِي القَاضِي الأَرَّجَانِيّ لِنَفْسِهِ:
وَمَقْسُوْمَة العَيْنَيْنِ مِنْ دَهَشِ النَّوَى ... وَقَدْ رَاعهَا بِالعِيْسِ رَجَعَ حُدَاءِ
تُجِيْبُ بِإِحْدَى مُقْلَتَيْهَا تَحِيَّتِي ... وأُخرى تُرَاعِي أَعْيُنَ الرُّقَبَاءِ
وَلَمَّا بَكَتْ عَيْنِي غَدَاةَ رَحِيْلِهِم ... وَقَدْ رَوَّعتْنِي فُرقَةُ القُرَنَاءِ
بَدَتْ فِي مُحَيَّاهَا خيَالاَتُ أَدْمُعِي ... فَغَارُوا وَظنُّوا أَنْ بَكتْ لبُكَائِي
تُوُفِّيَ ابن زبادة في سابع عشر ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وله اثنتان وسبعون سنةً وأشهر.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "6/ ترجمة 808"، وشذرات الذهب "4/ 318"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 144- 145".(15/441)
5355- القاضي الفاضل 1:
المَوْلَى الإِمَامُ العَلاَّمَةُ البَلِيْغُ، القَاضِي الفَاضِلُ، مُحْيِي الدِّيْنِ، يَمِيْنُ المَمْلَكَةِ، سَيِّدُ الفُصَحَاءِ، أَبُو عَلِيٍّ عبد الرحيم بن علي بن الحسن بن الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ المُفَرِّجِ، اللَّخْمِيُّ، الشَّامِيُّ، البَيْسَانِيُّ الأَصْلِ، العَسْقَلاَنِيُّ المَوْلِدِ، المِصْرِيُّ الدَّارِ، الكَاتِبُ، صَاحِبُ دِيْوَانِ الإِنشَاءِ الصَّلاَحِيِّ.
وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ فِي الكُهُوْلَةِ مِنْ أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ العُثْمَانِيِّ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ عَسَاكِرَ، وَأَبِي الطَّاهِر بنِ عَوْفٍ، وَعُثْمَانَ بنِ فَرَجٍ العَبْدَرِيِّ.
وَرَوَى اليَسِيْرَ.
وَفِي انتسَابِهِ إِلَى بيسَانَ تَجوُّزٌ، فَمَا هُوَ مِنْهَا، بَلْ قَدْ وَلِيَ أَبُوْهُ القَاضِي الأَشرفُ أَبُو الحَسَنِ قَضَاءهَا.
انتهتْ إِلَى القَاضِي الفَاضِلِ برَاعَة التَّرسُّلِ وَبلاغَة الإِنشَاءِ، وَلَهُ فِي ذَلِكَ الفَنِّ اليَدُ البيضَاءُ، وَالمَعَانِي المبتكرَةُ، وَالبَاعُ الأَطولُ، لاَ يدرك شأوه، وَلاَ يُشَقُّ غُبَارُهُ، مَعَ الكَثْرَةِ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: يُقَالُ إِنَّ مسوَّدَاتِ رَسَائِلِهِ مَا يَقَصْرُ عن مائة مجلد، وله النظم الكثير. أخذ الصّنعَةَ عَنِ المُوَفَّقِ يُوْسُفَ بنِ الخَلاَّلِ صَاحِبِ الإِنشَاءِ لِلْعَاضدِ، ثُمَّ خدمَ بِالثَّغْرِ مُدَّةً، ثُمَّ طلبه ولد الصالح بن رزيك، وَاسْتخدمَهُ فِي دِيْوَانِ الإِنشَاءِ.
قَالَ العِمَادُ: قضَى سعيداً، وَلَمْ يُبْقِ عَملاً صَالِحاً إلَّا قدَّمَهُ، وَلاَ عهداً فِي الجَنَّةِ إلَّا أَحْكَمَهُ، وَلاَ عقْدَ بِرٍّ إلَّا أَبرمَهُ، فَإِنَّ صَنَائِعَهُ فِي الرِّقَابِ، وَأَوقَافَهُ متجَاوزَةُ الحسَابِ، لاَ سِيَّمَا أَوقَافُهُ لفكَاكِ الأَسرَى، وَأَعَانَ المَالِكيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ بِالمَدْرَسَةِ، وَالأَيْتَامَ بِالكُتَّابِ، كَانَ لِلْحُقُوقِ قَاضِياً، وَفِي الحَقَائِق مَاضياً، وَالسُّلْطَانُ لَهُ مُطِيعٌ، مَا افْتَتَحَ الأَقَالِيمَ إلَّا بِأَقَاليد آرَائِهِ، وَمقَاليد غِنَاه وَغَنَائِهِ، وَكُنْتُ مِنْ حَسَنَاتِهِ محسوباً، وَإِلَى آلاَئِهِ مَنْسُوْباً، وَكَانَتْ كِتَابَتُهُ كَتَائِبَ النَّصْرِ، وَيَرَاعتُهُ رَائِعَة الدَّهْرِ، وَبرَاعتُهُ بارِيَةً لِلبرِّ، وَعبَارتُهُ نَافثَة فِي عُقَدِ السِّحْرِ، وَبلاغتُهُ لِلدَّولَةِ مُجَمِّلَة، وَللمَمْلَكَةِ مُكَمِّلَة، وَلِلْعصرِ الصَّلاَحِيِّ عَلَى سَائِرِ الأَعصَارِ مُفَضَّلَة. نسخَ أَسَاليبَ القُدَمَاءِ بِمَا أَقدَمَهُ مِنَ الأَسَاليْبِ، وَأَعرَبَهُ مِنَ الإِبدَاعِ، مَا أَلْفَيْتهُ كرَّرَ دُعَاءً فِي مكَاتَبَةٍ، وَلاَ رددَّ
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 374"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 156-158" وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 324-327".(15/442)
لفظاً فِي مخَاطبَةٍ. إِلَى أَنْ قَالَ: فَإِلَى مَنْ بَعْدَهُ الوِفَادَةُ? وَمِمَّنِ الإِفَادَةُ? وَفِيْمَنِ السيَادَة? وَلِمَنِ السعَادَةُ?
وَقَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: وَزَرَ لِلسُّلْطَانِ صَلاَحِ الدِّيْنِ بن أَيُّوْبَ، فَقَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سنَاء الْملك قصيدَةً مِنْهَا:
قَالَ الزَّمَانُ لغَيْرِهِ لَوْ رَامَهَا ... تَرِبَتْ يَمِيْنُكَ لَسْتَ مِنْ أَربَابِهَا
اذهَبْ طرِيقَكَ لَسْتَ مِنْ أَربَابِهَا ... وَارْجِعْ وراءك لست من أترابها
وَبِعِزِّ سيِّدِنَا وَسَيِّدِ غَيرِنَا ... ذلَّتْ مِنَ الأَيَّامِ شَمْسُ صِعَابِهَا
وَأَتَتْ سعَادتُهُ إِلَى أَبْوَابِهِ ... لاَ كَالَّذِي يَسْعَى إِلَى أَبْوَابِهَا
فَلْتَفْخَرِ الدُّنْيَا بِسَائِسِ مُلْكِهَا ... مِنْهُ وَدَارسِ علمِهَا وَكِتَابِهَا
صوَّامِهَا قوَّامِهَا علاَّمِهَا ... عَمَّالِهَا بِذَّالِهَا وَهَّابِهَا
وَبَلَغَنَا أَنَّ كُتُبَهُ الَّتِي ملكَهَا بلغَتْ مائَة أَلْفِ مُجَلَّدٍ، وَكَانَ يُحصِّلُهَا مِنْ سَائِرِ البِلاَدِ.
حكَى القَاضِي ضِيَاءُ الدِّيْنِ ابْنُ الشَّهْرُزُوْرِيِّ أَنَّ القَاضِي الفَاضِلَ لَمَّا سَمِعَ أَنَّ العَادلَ أَخَذَ مِصْرَ، دَعَا بِالموتِ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَدعيَهُ وَزِيْرُهُ ابْنُ شُكْرٍ، أَوْ يُهِينَهُ، فَأَصْبَحَ مَيْتاً، وَكَانَ ذَا تَهجُّدٍ وَمعَامِلَةٍ.
وَلِلْعِمَادِ فِي "الخريْدَةِ": وَقبلَ شروعِي فِي أَعيَانِ مِصْرَ أُقَدِّمُ ذِكْرَ مَنْ جَمِيْعُ أَفَاضِلِ العصرِ كَالقطرَةِ فِي بحرِهِ المَوْلَى القَاضِي الفَاضِلُ. إِلَى أَنْ قَالَ: فَهُوَ كَالشَّرِيعَةِ المحمَّدِيَّةِ نسخَتِ الشَّرَائِعَ، يَخترعُ الأَفكَارَ، وَيَفترِعُ الأَبكَارَ، هُوَ ضَابطُ المُلكِ بآرَائِهِ، وَرَابطُ السِّلكِ بآلاَئِهِ، إِنْ شَاءَ، أَنشَأَ فِي يَوْمٍ مَا لَوْ دُوِّنَ، لَكَانَ لأَهْلِ الصناعة خير بِضَاعَةٍ، أَيْنَ قُسٌّ مِنْ فَصَاحتِهِ، وَقيسٌ فِي حَصَافتِهِ، وَمَنْ حَاتِمٌ وَعَمْرٌو فِي سمَاحتِهِ وَحمَاستِهِ، لا من في فعله، ولا مين في قَوْلِهِ، ذُو الوَفَاءِ وَالمُروءةِ وَالصَّفَاءِ وَالفتوَّةِ، وَهُوَ مِنَ الأَوْلِيَاءِ الَّذِيْنَ خُصُّوا بِالكرَامَةِ، لاَ يَفترُ مَعَ مَا يَتولاَّهُ مِنْ نوَافلِ صَلاَتِهِ وَنوَافلِ صِلاَتِهِ، يَتلو كُلَّ يَوْمٍ.. إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَنَا أُوثِرُ أَنْ أُفرِدَ لنظمِهِ وَنثرِهِ كِتَاباً.
قِيْلَ: كَانَ القَاضِي أَحَدبَ، فَحَدَّثَنِي شَيْخُنَا أَبُو إِسْحَاقَ الفَاضِلِيُّ أَنَّ القَاضِي الفَاضِلَ ذهبَ فِي الرُّسليَّةِ إِلَى صَاحِبِ المَوْصِلِ، فَأُحْضِرَتْ فَوَاكهُ، فَقَالَ بَعْضُ الكِبَارِ مُنَكِّتاً: خيَارُكُم أَحَدبُ، يُوَرِّي بِذَلِكَ، فَقَالَ الفَاضِلُ: خَسُّنَا خَيْرٌ مِنْ خيَارِكُم.(15/443)
قَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ: رَكَنَ إِلَيْهِ السُّلْطَانُ رُكُوناً تَامّاً، وَتَقدَّمَ عِنْدَهُ كَثِيْراً، وَكَانَ كَثِيْرَ البِرِّ، وَلَهُ آثَارٌ جَمِيْلَةٌ. تُوُفِّيَ لَيْلَةَ سَابعِ رَبِيْعٍ الآخر سنة ست وتسعين وخمس مائة.
وَقَالَ المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ: كَانُوا ثَلاَثَةَ إخوَةٍ:
أَحَدهُم: خدَمَ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَخلَّفَ مِنَ الخوَاتِيمِ صنَادِيقَ، وَمِنَ الحُصْرِ وَالقُدُورِ بُيُوتاً مَمْلُوْءةً، وَكَانَ مَتَى سَمِعَ بِخَاتمٍ، سَعَى فِي تحصيلِهِ.
وَأَمَّا الآخَرُ: فَكَانَ لَهُ هَوَسٌ مُفْرِطٌ فِي تحصيلِ الكُتُبِ، عِنْدَهُ نَحْوُ مائَتَيْ أَلف كِتَاب.
وَالثَّالِثُ: القَاضِي الفَاضِلُ كَانَ ذَا غرَامٍ بِالكِتَابَةِ وَبِالكُتُبِ أَيْضاً، لَهُ الدِّينُ، وَالعفَافُ، وَالتُّقَى، موَاظِبٌ عَلَى أَورَادِ اللَّيْلِ وَالصِّيَامِ وَالتِّلاَوَةِ. لَمَّا تَملَّكَ أَسَدُ الدِّيْنِ، أَحضرَهُ، فَأُعْجِبَ بِهِ، ثُمَّ اسْتخلَصَهُ صَلاَحُ الدِّيْنِ لِنَفْسِهِ، وَكَانَ قَلِيْلَ اللَّذَّاتِ، كَثِيْرَ الحَسَنَاتِ، دَائِمَ التَّهَجُّدِ، يَشتغلُ بِالتَّفْسِيْرِ وَالأَدبِ، وَكَانَ قَلِيْلَ النَّحْوِ، لَكنَّهُ لَهُ دُرْبَةٌ قويَّةٌ، كتبَ مِنَ الإِنشَاءِ مَا لَمْ يَكتبْهُ أَحَدٌ، أَعْرِفُ عِنْدَ ابْنِ سنَاء الملكِ مِنْ إِنشَائِهِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِيْنَ مُجَلَّداً، وَعِنْدَ ابْنِ القَطَّانِ عِشْرِيْنَ مُجَلَّداً، وَكَانَ مُتَقَلِّلاً فِي مطعَمِهِ وَمنكحِهِ وَملبسِهِ، لباسُهُ البيَاضُ، وَيَرْكُبُ مَعَهُ غُلاَمٌ وَركَابِيٌّ، وَلاَ يَمكِّنُ أَحَداً أَنْ يَصحبَهُ، وَيُكْثِرُ تَشييعَ الجَنَائِزِ، وَعيَادَةَ المَرْضَى، وَلَهُ معروف مَعْرُوفٌ فِي السِّرِّ وَالعَلاَنِيَةِ، ضَعِيْفُ البُنْيَةِ، رقيقُ الصُّوْرَةِ، لَهُ حَدْبَةٌ يُغَطِّيهَا الطَّيْلَسَانُ، وَكَانَ فِيْهِ سُوءُ خُلُقٍ يُكْمِدُ بِهِ نَفْسَهُ، وَلاَ يضرُّ أَحَداً بِهِ، وَلأَصْحَابِ العِلْمِ عِنْدَهُ نفَاقٌ، يُحْسِنُ إِلَيْهِم، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ انتقَامٌ مِنْ أَعدَائِهِ إلَّا بِالإِحسَانِ أَوِ الإِعرَاضِ عَنْهُم، وَكَانَ دَخْلُهُ وَمَعْلُوْمُهُ فِي العَامِ نَحْواً مِنْ خَمْسِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ سِوَى مَتَاجر الهِنْدِ وَالمَغْرِبِ. تُوُفِّيَ مَسْكُوتاً، أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَى المَوْتِ عِنْدَ تَوَلِّي الإِقبالِ وَإِقبالِ الإِدبارِ، وَهَذَا يَدلُّ عَلَى أَنَّ لله به عنايةً.
قَالَ العِمَادُ: تَمَّتِ الرَّزِيَّةُ بَانتقَالِ القَاضِي الفَاضِلِ مِنْ دَارِ الفنَاءِ إِلَى دَارِ البقَاءِ فِي مَنْزِلِهِ بِالقَاهِرَةِ فِي سَادسِ رَبِيْعٍ الآخَرَ، وَكَانَ لَيْلَتَئِذٍ صَلَّى العشَاءَ، وَجَلَسَ مَعَ مُدَرِّسِ مَدْرَسَتِهِ، وَتحدَّثَ مَعَهُ مَا شَاءَ، وَانفصلَ إِلَى مَنْزِلِهِ صَحِيْحاً، وَقَالَ لغُلاَمِهِ: رَتِّبْ حوَائِجَ الحَمَّامِ، وَعرفنِي حَتَّى أَقضِي مُنَى المَنَامِ، فَوَافَاهُ سَحَراً، فَمَا اكترَثَ بصوتِهِ، فَبَادَرَ إِلَيْهِ وَلدُهُ، فَأَلفَاهُ وَهُوَ سَاكِتٌ باهِتٌ، فَلبثَ يَوْمَهُ لاَ يُسْمَعُ لَهُ إلَّا أَنِيْنٌ خفِيٌّ، ثُمَّ قضَى رَحِمَهُ الله.
قيل: وَقَفَ مُنَجِّمٌ عَلَى طَالعِ القَاضِي، فَقَالَ: هَذِهِ سعَادَةٌ لاَ تَسَعُهَا عَسْقَلاَنُ.
حفظَ القُرْآنَ، وَكَتَبَ ختمَةً، وَوقفَهَا، وَقرَأَ "الجمعَ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ" عَلَى ابْنِ فَرحٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الحُمَيْدِيِّ، وَصَحِبَ أَبَا الفَتْحِ مَحْمُوْدَ بنَ قَادوس المنشِئ، وَكَانَ مَوْتُ أَبِيْهِ سَنَة46، وَكَانَ لَمَّا جرَى عَلَى أَبِيْهِ نَكبَةً اتَّصَلَتْ بِمَوْتِهِ، ضُرِبَ، وَصُودِرَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْء، وَمَضَى إِلَى الإسكندرية، وصحب بني حديد، فاستخدموه.
قال جماد الدِّيْنِ ابْنُ نُبَاتَةَ: رَأَيْتُ فِي بَعْضِ تَعَاليقِ القَاضِي: لَمَّا رَكِبْتُ البَحْرَ مِنْ عَسْقَلاَنَ إِلَى الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، كَانَتْ مَعِي رزمَةٌ فِيْهَا ثِيَابٌ، وَرزمَةٌ فِيْهَا مُسَوَّدَاتٌ، فَاحتَاجَ الرُّكَّابُ أَنْ يُخَفِّفُوا، فَأَردتُ أَنْ أَرمِي رزمَةَ المُسَوَّدَاتِ، فَغلِطْتُ، وَرَمَيْتُ رزمَةَ القِمَاشِ.
وَذَكَرَ القَاضِي ابْنُ شَدَّادٍ أَنَّ دَخْلَ القَاضِي كَانَ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسِيْنَ دِيْنَاراً.(15/444)
5356- العماد 1:
القَاضِي الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ المُفْتِي، المنشِئُ البَلِيْغُ، الوَزِيْرُ، عِمَادُ الدِّيْنِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَامِدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيِّ بنِ مَحْمُوْدِ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ أَلُه الأَصْبَهَانِيُّ الكَاتِبُ، وَيُعْرَفُ بِابنِ أَخِي العَزِيْزِ.
وُلِدَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ بِأَصْبَهَانَ.
وَقَدِمَ بَغْدَادَ، فَنَزَلَ بِالنّظَامِيَّةِ، وَبَرَعَ فِي الفِقْهِ عَلَى أَبِي مَنْصُوْرٍ سَعِيْدِ بنِ الرَّزَّازِ. وَأَتقنَ العَرَبِيَّةَ وَالخِلاَفَ، وَسَادَ فِي عِلْمِ التَّرَسُّلِ، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ، وَاشْتُهِرَ ذِكْرُهُ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ خَيْرُوْنَ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَعَلِيِّ بنِ عَبْدِ السَّيِّدِ ابْنِ الصَّبَّاغِ، وَالمُبَارَكِ بنِ عليٍّ السّمذِيّ، وَأَبِي بَكْرٍ ابْنِ الأَشْقَرِ.
وَأَجَازَ لَهُ الفُرَاوِيُّ مِنْ نَيْسَابُوْرَ، وَابْنُ الحُصَيْنِ مِنْ بَغْدَادَ، وَرجعَ إِلَى أَصْبَهَانَ مُكِبّاً عَلَى العِلْمِ، وَتَنَقَّلَتْ بِهِ الأَحْوَالُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، وَالخطيرُ فُتُوْحُ بنُ نُوْحٍ، وَالعِزُّ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عُثْمَانَ الإِرْبِلِيُّ، وَالشِّهَابُ القُوْصِيُّ، وَجَمَاعَةٌ. وَأَجَازَ مَرْوِيَّاتِهِ لِشيخِنَا أَحْمَدَ بنِ أَبِي الخَيْرِ.
وَأَلُه: فَارِسِيٌّ مَعْنَاهُ عُقَابٌ، وَهُوَ بِفَتحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَانِيهِ وَسكُوْنِ الهَاءِ.
اتَّصلَ بِابْنِ هَبِيرَةَ، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى دِمَشْقَ سَنَة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ، وَاتَّصلَ بِالدَّوْلَةِ، وَخدمَ بِالإِنشَاءِ الملكَ نُوْرَ الدِّيْنِ. وَكَانَ يُنشِئُ بِالفَارِسِيِّ أَيْضاً، فَنفّذَهُ نُوْرُ الدِّيْنِ رَسُوْلاً إِلَى المُسْتَنْجِدِ، وَوَلاَّهُ تدرِيسَ العِمَادِيَّةِ سَنَة سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ، ثُمَّ رتَّبَهُ فِي إِشرَافِ الدِّيْوَانِ. فَلَمَّا تُوُفِّيَ نُوْرُ الدِّيْنِ، أُهْمِلَ، فَقصدَ المَوْصِلَ، وَمَرِضَ، ثُمَّ عَادَ إِلَى حَلَبَ، وَصَلاَحُ الدِّيْنِ محاصر لها سنة سبعين،
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان "5/ ترجمة 705"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 332-333".(15/445)
فَمدحَهُ، وَلَزِمَ رِكَابَهُ، فَاسْتكتبَهُ، وَقرَّبَهُ، فَكَانَ القَاضِي الفَاضِلُ يَنقطعُ بِمِصْرَ لمُهِمَّاتٍ، فَيَسُدُّ العِمَادَ فِي الخدمَةِ مَسَدَّهُ.
صَنّفَ كِتَابَ "خريْدَة القَصْرِ وَجرِيْدَة العصرِ" ذيلاً عَلَى زِينَةِ الدَّهْرِ لِلْحظيرِيِّ، وَهِيَ ذيلٌ عَلَى "دميَةِ القَصْرِ وَعصرَةُ أَهْلِ العصرِ" لِلبَاخَرْزِيِّ الَّتِي ذَيَّلَ بِهَا عَلَى "يَتيمَةِ الدَّهْرِ" لِلثعَالبِيِّ الَّتِي هِيَ ذَيلٌ عَلَى "البَارِعِ" لِهَارُوْنَ بنِ عَلِيٍّ المُنَجِّمِ، فَالخريْدَةُ مشتملٌ عَلَى شُعَرَاءِ زَمَانِهِ مِنْ بَعْدِ الخَمْسِ مائَة، وَهُوَ عشرُ مجلدات.
وَلَهُ "البَرْقُ الشَّامِيُّ" سَبْع مُجَلَّدَاتٍ، وَ"الفَتْحُ القُسِّيُّ فِي الفَتْحِ القُدْسِيِّ" مجلدَانِ، وَكِتَابُ "السَّيْلُ وَالذَّيلُ" مُجَلَّدَانِ، وَ"نُصْرَةُ الفَتْرَةِ" فِي أَخْبَار بنِي سَلْجُوْق، وَ"دِيْوَانُ رَسَائِل" كَبِيْرٌ، وَ"دِيْوَانُهُ" فِي أَرْبَعِ مُجَلَّدَاتٍ.
وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الفَاضِلِ مخَاطبَاتٌ وَمُكَاتَبَاتٌ. قَالَ مَرَّةً لِلْفَاضِلِ مِمَّا يُقرَأُ مَنْكوساً: سِرْ فَلاَ كَبَا بِكَ الفَرَسُ، فَأَجَابَهُ بِمِثْلِهِ فَقَالَ: دَامَ عُلاَ العِمَادِ.
قَالَ ابن خلكان: ولم يزل العماد على مكانته إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ صَلاَحُ الدِّيْنِ، فَاخْتَلَّتْ أَحْوَالُهُ، فَلَزِمَ بَيْتَهُ، وَأَقْبَلَ عَلَى تَصَانِيْفِهِ.
قَالَ المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ: حَكَى لِي العِمَادُ، قَالَ: طلبنِي كَمَالُ الدِّيْنِ لنِيَابتِهِ فِي الإِنشَاءِ، فَقُلْتُ: لاَ أَعْرفُ الكِتَابَةَ، قَالَ: إِنَّمَا أُرِيْدُ مِنْكَ أَنْ تُثْبِتَ مَا يَجرِي، فَتُخْبِرنِي بِهِ، فَصِرْتُ أَرَى الكُتُبَ تُكْتَبُ إِلَى الأَطرَافِ، فَقُلْتُ: لَوْ طُلبَ مِنِّي أَنْ أَكْتُبَ مِثْلَ هَذَا، مَا كُنْتُ أَصْنَعُ? فَأَخَذتُ أَحْفَظُ الكُتُبَ، وَأُحَاكيهَا، وَأُروِّضُ نَفْسِي، فَكَتَبتُ إِلَى بَغْدَادَ كُتُباً، وَلَمْ أُطلِعْ عَلَيْهَا أَحَداً، فَقَالَ كَمَالُ الدِّيْنِ يَوْماً: ليتنَا وَجَدْنَا مَنْ يَكْتُبُ إِلَى بَغْدَادَ، وَيُرِيْحُنَا، فَقُلْتُ: أَنَا، فَكَتَبتُ، وَعرضْتُ عَلَيْهِ، فَأَعْجَبَهُ، وَاستكتَبَنِي، فَلَمَّا تَوجَّهَ أَسَدُ الدِّيْنِ إِلَى مِصْرَ المَرَّةَ الثَّالِثَةَ، صَحِبتُهُ.
قال الموفق: وكان فقهه على طريقة أَسْعَدَ المِيْهَنِيِّ. وَيَوْمَ تدرِيسِهِ تسَابقَ الفُقَهَاءُ لسَمَاعِ كَلاَمِهِ، وَحُسْنِ نُكَتِهِ، وَكَانَ بطيءَ الكِتَابَةِ، لَكنَّهُ دَائِمَ العملِ، وَلَهُ تَوسُّعٌ فِي اللُّغَةِ لاَ النَّحْوِ. تُوُفِّيَ بَعْدَ مَا قَاسَ مُهَانَاتِ ابْنِ شكر، وَكَانَ فَرِيْدَ عصرِهِ نَظماً وَنثراً، وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَجْلِسِ ابْنِ شُكْرٍ مزحوماً فِي أُخرِيَاتِ النَّاسِ.
وَقَالَ زَكِيُّ الدِّيْنِ المُنْذِرِيُّ: كَانَ العِمَادُ جَامِعاً لِلْفَضَائِلِ: الفِقْهِ، وَالأَدبِ، وَالشِّعْرِ الجيِّدِ، وَلَهُ اليَدُ البيضَاءُ فِي النَّثْرِ وَالنَّظمِ. صَنَّفَ تَصَانِيْفَ مُفِيْدَةً، وَللسُلْطَانِ الملكِ النَّاصِرِ مَعَهُ مِنَ الإِغضَاءِ وَالتَّجَاوزِ وَالبَسْطِ وَحُسْنِ الخُلُقِ مَا يُتَعَجَّبُ مِنْ وُقوعِ مِثْلِهِ. تُوُفِّيَ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَدُفِنَ بِمقَابرِ الصُّوْفِيَّةِ رحمه الله.(15/446)
أَنْبَأَنِي مَحْفُوْظُ ابْنُ البُزُوْرِيِّ فِي "تَارِيْخِهِ"، قَالَ: العِمَادُ إِمَامُ البُلَغَاءِ، شَمْسُ الشُّعَرَاءِ، وَقُطْبُ رَحَى الفُضَلاَءِ، أَشرقَتْ أَشعَّةُ فَضَائِلِهِ وَأَنَارَتْ، وَأَنجدَتِ الرُّكبَانُ بِأَخْبَارِهِ وَأَغَارَتْ، هُوَ فِي الفَصَاحَةِ قُسُّ دَهْرِهِ، وفي البلاغة سحبانه عصرِهِ، فَاقَ الأَنَامَ طُرّاً، نَظماً وَنثراً.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ فِي كِتَابِهِ، عَنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الكَاتِبِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ السَّيِّدِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الصَّرِيْفِيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَبَابَةَ، حَدَّثَنَا البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي ذِبيَان -هُوَ خَلِيْفَةُ بن كعب- قال: سمعت ابن الزبير يقول: لاَ تُلْبِسُوا نسَاءكُمُ الحَرِيْرَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يلبسه في الآخرة" 1.
وَمِنْ نَظمِهِ فِيمَا أَجَازَ لَنَا ابْنُ سَلاَمَةَ عَنْهُ:
يَا مَالِكاً رَقَّ قَلْبِي ... أَرَاكَ مَالِكَ رقه
ها مهجتي خُذْهَا ... فَإِنَّهَا مُسْتَحقَّه
فَدَتْكَ نَفْسِي بِرِفْقٍ ... فَمَا أُطِيْقُ المَشَقَّه
وَيَا رَشِيْقاً أَتَانِي ... مِنْ سَهْمِ عَيْنَيْهِ رَشْقَه
لِصَارِمِ الجَفْنِ مِنْهُ ... فِي مُهْجَتِي أَلْفُ مَشْقَه
وَخَصْرُهُ مثلُ مَعْنَىً ... بَلاَغِيٍّ فِيْهِ دِقَّه
وَلَهُ مِنْ قصيدَةٍ:
كَالنَّجْمِ حِيْنَ هَدَا كَالدَّهْرِ حِيْنَ عَدَا ... كَالصُّبْحِ حِيْنَ بَدَا كَالعَضْبِ حين بري
في الحكم طودعلا فِي الحِلْمِ بَحْرُ نُهَىً ... فِي الجُوْدِ غَيْثُ نَداً فِي البَاسِ لَيْثُ شَرَا
وَلَهُ مِنْ أُخْرَى:
وَلِلنَّاسِ بِالمَلِكِ النَّاصِرِ الصَّلاَحِ ... صلاَحٌ وَنَصْرٌ كبير
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "5834" ومسلم "2069" "11" والنسائي "8/ 200" من طريق ابن الزبير، به.
أخرجه أحمد "3/ 101 و281"، وابن أبي شيبة "8/ 345"، والبخاري "5832"، ومسلم "2073"، وابن ماجه "3588"، وأبو يعلى "3930"، والطحاوي "4/ 246-247 و247"، والبيهقي "2/ 422"، من طريق عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ صُهَيْب، عَنْ أَنَسِ بنِ مالك، به.(15/447)
هُوَ الشَّمْسُ أَفلاَكُهُ فِي البِلاَدِ ... وَمَطْلَعُهُ سَرْجُهُ والسرير
إذا ما سطا أو حبا واحتبى ... فَمَا اللَّيْثُ؟ منْ حَاتِمٌ؟ مَا ثَبِيْر؟
وَارْتَحَلَ فِي مَوْكِبٍ فَقَالَ فِي القَاضِي الفَاضِلِ:
أَمَّا الغُبَارُ فَإِنَّهُ ... مِمَّا أَثَارَتْهُ السَّنَابِكْ
فَالجَوُّ مِنْهُ مظلم ... لكن تباشير السنابك
يا دهر لي عبد الرحيم ... فلست أخشى مس نابك(15/448)
5357- الدولعي 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِمُ المُفْتِي، خَطِيْبُ دِمَشْقَ، ضِيَاءُ الدِّيْنِ، عَبْدُ المَلِكِ بنُ زَيْدِ بنِ يَاسِيْنَ بنِ زَيْدِ بنِ قَائِدٍ التَّغْلِبِيُّ، الأَرْقَمِيُّ، المَوْصِلِيُّ، الدولعي، الشافعي.
وله سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ عَبْدِ المَلِكِ الكَرُوْخِيِّ "جَامِعَ أَبِي عِيْسَى التِّرْمِذِيِّ"، وَسَمِعَ: "سُنَنَ النَّسَائِيِّ" مِنْ عَلِيِّ بن أحمد بن محمويه اليزدي. وثفقه بِبَغْدَادَ، وَبَرَعَ وَسَكَنَ دِمَشْقَ، وَسَمِعَ بِهَا مِنَ: الفقيه فَضْلِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ المصِّيْصِيِّ، وَعُمِّرَ دَهْراً.
حدث عنه: أبو الطاهر بن الأنماطي، وأبو الحجاج بن خليل، وَلِيَ خطَابَةَ دِمَشْقَ دَهْراً، وَدرَّسَ بِالغَزَاليَّةِ، وَكَانَ مُتَصَوِّناً، حُمَيْدَ الطَّرِيقَةِ.
مَاتَ فِي ثَانِي عشرَ رَبِيْعٍ الأَوّلِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ وَلَهُ إِحْدَى وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.
وَالدَّوْلَعِيَّةُ: مِنْ قُرَى المَوْصِلِ.
وَوَلِيَ خطَابَةَ دِمَشْقَ بَعْدَهُ ابْنُ أَخِيْهِ وَتِلْمِيْذُهُ الإِمَامُ جَمَالُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الفضل الدولعي، واقف المدرسة التي يجيرون، وَبِهَا دُفِنَ عَامَ خَمْسَةٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 181" ووقع عنده [الدولغي] بالغين المعجمة بدل [الدولعي] بالعين المهملة. وشذرات الذهب لان العماد "4/ 336".(15/448)
السبط، الطاووسي:
5358- السبط 1:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ المُعَمَّرُ، أَبُو القَاسِمِ، هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ بنِ أَبِي سَعْدٍ المُظَفَّرِ بنِ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ الأَصْلِ البَغْدَادِيُّ المَرَاتِبِيُّ.
وُلِدَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ عَشْرٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ أَبِي عَلِيٍّ، وَأَبِي نَصْرٍ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ رِضْوَانٍ، وَأَبِي العِزِّ بنِ كَادِشٍ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ الحُصَيْنِ، وَأَبِي بَكْرٍ المَزْرَفِيِّ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ الفَرَّاءِ، وَأَبِي غَالِبٍ بنِ البَنَّاءِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي صَالِحٍ المُؤَذِّنِ، وَطَائِفَةٍ.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: هُوَ صَحِيْحُ السَّمَاعِ، فِيْهِ تسَامُحٌ فِي الأُمُوْرِ الدِّينِيَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: كَانَ غَيْرَ مَرْضِيِّ السِّيرَةِ فِي دِيْنِهِ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالشَّيْخُ الضِّيَاءُ اليَلْدَانِيُّ، وَالنَّجِيْبُ الحَرَّانِيُّ، وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَعِدَّةٌ.
وَبِالإِجَازَةِ: الفَخْرُ عَلِيٌّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي الخير.
تُوُفِّيَ فِي العِشْرِيْنَ مِنَ المُحَرَّمِ سَنَة ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقِيْلَ: كَانَ مَوْلِدُهُ فِي رَجَبٍ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ فَهماً ذَكِيّاً، حَفظَةً لِلنَّوَادِرِ، عَمِلَ مَرَّةً شطْرنجاً وَزْنُهُ خَرُوبتَانِ، وَرزَّةٌ مِنْ عَاجٍ وَأَبنوس، ثُمَّ كَبُرَ وَسَاءَ خُلُقُهُ، وَكَانَ يَتعَاسَرُ، وَيَسُبُّ أَبَاهُ الَّذِي سَمَّعَهُ، وَفِيْهِ قِلَّةُ دِيْنٍ، اللهُ يسامحه.
5359- الطاووسي:
العَلاَّمَةُ، رُكْنُ الدِّيْنِ، أَبُو الفَضْلِ، العِرَاقِيُّ بنُ محمد بن العِرَاقِيِّ القَزْوِنِيُّ الطَّاوُوْسِيُّ، المُتَكَلِّمُ، صَاحِبُ الطَّرِيقَةِ المَشْهُوْرَةِ فِي الجَدَلِ.
كَانَ رَأْساً فِي الخِلاَفِ وَالنَّظَرِ، مفحِماً لِلْخُصُوْمِ.
أَخَذَ عَنِ الرَّضِيِّ النَّيْسَابُوْرِيِّ الحَنَفِيِّ صَاحِبِ الطَّرِيقَةِ.
صَنَّفَ ثَلاَثَ تَعَاليقَ، وَبَعُدَ صِيْتُهُ، وَرحلُوا إِلَيْهِ.
مَاتَ سَنَةَ سِتِّ مائَةٍ بِهَمَذَانَ.
وَمِنْ تَلاَمِذتِهِ القَاضِي نَجْمُ الدِّيْنِ ابْنُ رَاجِحٍ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 181"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 338".(15/449)
الحربي، ابن الزينبي، الخشوعي:
5360- الحربي 1:
الإِمَامُ الوَاعِظُ، المُسْنِدُ، الأَدِيْبُ، أَبُو عَلِيٍّ عُمَرُ بن علي بن عمر الحَرْبِيُّ، ابْنُ النَّوَّامِ.
سَمِعَ هِبَةَ اللهِ بنَ الحُصَيْنِ، وَالقَاضِي أَبَا الحُسَيْنِ بنَ أَبِي يَعْلَى.
حدث عنه: ابن الدبيثي، وابن خليل، والضياء، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَجَمَاعَةٌ.
وَبِالإِجَازَةِ: أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَالفَخْرُ عليٌّ.
مَاتَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَوُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
5361- ابْنُ الزَّيْنَبِيِّ:
الرَّئِيْسُ الصَّالِحُ الخَاشعُ، أَبُو الحَسَنِ، مُحَمَّدُ ابْنُ قَاضِي القُضَاةِ أَبِي القَاسِمِ عَلِيِّ ابْنِ الإِمَامِ قَاضِي القُضَاةِ نُوْرِ الهُدَى أَبِي طَالِبٍ الزَّيْنَبِيِّ.
سَمِعَ مِنْ قَاضِي المَارستَان، وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بن القاسم الشهرزوري.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْنَا مِنْهُ، وَكَانَ صَالِحاً مُتَدَيِّناً، صَدُوْقاً، خَاشعاً، افْتَقَرَ فِي الآخِرِ فَقراً مُدْقِعاً، فَصبرَ، وَاحتسبَ، وَلَمْ يَكُنْ يَعرفُ شَيْئاً مِنَ العِلْمِ.
مَاتَ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ ثَمَانٍ وتسعين وخمس مائة.
5362- الخشوعي 2:
الشَّيْخُ العَالِمُ، المُحَدِّثُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ الشَّامِ، أَبُو طَاهِرٍ بَرَكَاتُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ طَاهِرِ بنِ بَرَكَاتِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الدِّمَشْقِيُّ الخُشُوْعِيُّ الأَنْمَاطِيُّ الرَّفَّاءُ الذَّهَبِيُّ، نِسبَةً إِلَى مَحَلَّةِ حَجر الذَّهب.
وُلِدَ في صفر سنة عشر وخمس مائة.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 331".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 181"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 335".(15/450)
وسمع من: هبة الله بن الأَكْفَانِيِّ، فَأَكْثَر، وَمِنْ: عَبْدِ الكَرِيْمِ بن حَمْزَةَ، وَطَاهِر بن سَهْلٍ، وَابْن قُبَيْس المَالِكِيّ، وَابْن طَاوُوْسٍ، وَجَمَال الإِسْلاَمِ أَبِي الحَسَنِ، وَعِدَّةٍ.
أَجَازَ لَهُ أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادِ مِنْ أَصْبَهَانَ، وَأَبُو صادق المديني، والفراء مِنْ مِصْرَ، وَمُحَمَّد بن بَرَكَات السَّعِيْدِيّ، وَأَبُو القَاسِمِ ابْنُ الفَحَّامِ، وَالرَّازِيّ، وَعِدَّة.
وَأَجَازَ لَهُ الحَرِيْرِيُّ صَاحِب المَقَامَات فِي سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وأبو طالب اليوسفي، وأبو علي بن المَهْدِيِّ، وَعِدَّة.
وَرَوَى الكَثِيْر، وَتَفَرَّد، وَتَكَاثرُوا عَلَيْهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَوْلاَدُهُ: إِبْرَاهِيْم وَعَبْد العَزِيْزِ وَعَبْد اللهِ، وَسِتُّ العَجَمِ، وَسِتُّهُم، وَالشَّيْخ المُوَفَّق، وَعَبْد القادر الرهاوي، والبهاء عبد الرحمن، وَالضِّيَاء، وَاليَلْدَانِيّ، وَأَحْمَد بن يُوْسُفَ التِّلِمْسَانِيّ، وَالزَّيْن ابْن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالشِّهَاب القوْصِيّ، وَحَفِيْد الشَّيْخ بَرَكَات بن إِبْرَاهِيْمَ، وَالخَطِيْب دَاوُد بن عُمَرَ، وَعُبَيْد اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ طِعَانٍ وَأَخُوْهُ عبد الرحمن، وَعَلِيّ بن المُظَفَّر النُّشْبِيّ وَابْنه مُحَمَّدٌ، وَالخَطِيْبُ عماد الدين عبد الكريم بن الحرستاني، وفرج الحبشي، وفراس بن العسقلاني، والشيخ الفقيه محمد اليُوْنِيْنِيّ، وَالتَّاج مُظَفَّر ابْن الحَنْبَلِيّ وَابْن عَمِّهِ يحيى بن النَّاصِحِ، وَيُوْسُف بن يَعْقُوْبَ الإِرْبِلِيّ، وَيُوْسُف بن مَكْتُوْم الحبَّال، وَأَيُّوْب بن أَبِي بَكْرٍ الحَمَّامِيّ، وَعَلِيّ بن عَبْدِ الوَاحِدِ الأَنْصَارِيّ، وَالمَجْد مُحَمَّد بن عَسَاكِرَ، وَالتَّقِيّ ابْن أَبِي اليُسْرِ، وَعَبْد الوَهَّابِ بن مُحَمَّدٍ القُنَّبِيْطِيّ، وَالكَمَال عَبْد العَزِيْزِ بن عَبْدٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَبِالإِجَازَة القُطْب بن عَصْرُوْنَ، وَأَحْمَد بن أَبِي الخَيْرِ، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ، وَالفَخْرُ عَلِيّ، وَعِدَّة.
قَالَ القُوْصِيّ: كَانَ أَعلاَهُم إِسْنَاداً مَعَ تَوَاضع وَافر، وَدين ظَاهِر، وَمُروءة تَدُلُّ عَلَى أَصلٍ طَاهِر، لاَزمته إِلَى حِيْنَ مَوْته.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: سَمَاعَاتُه وَإِجَازَاتُه صَحِيْحَةٌ.
قُلْتُ: مَا ظهرتْ لَهُ إِجَازَةُ الحَدَّاد إلَّا بَعْد مَوْته، وَقَدْ خَبَّط القُوْصِيُّ، وَزَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ عَلَيْهِ بِهَا جُمْلَةً.
وَقَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ فِي نَسَبِ الخُشُوْعِيِّ: الفُرْشِيُّ يَعْنِي بِالفَاءِ، وَقَالَ: قَالَ وَالِدُهُ إِبْرَاهِيْمُ: كَانَ جدُّنَا الأَعْلَى يَؤُمّ بِالنَّاسِ، فَمَاتَ فِي المِحْرَاب، وَالفُرْشِيُّ: نسبة إلى بيع الفرش.
قُلْتُ: وَقَدْ ضَبطه بِالقَاف ابْن خَلِيْل وَالضِّيَاء، وَترك جَمَاعَة هَذِهِ النّسبَة لِلْخلف الوَاقع فِيْهَا.
وَقَدْ رَوَى عِدَّة مِنْ آبَائِهِ وَأَوْلاَده.
مَاتَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقَدْ رَوَى كتباً كبارًا بالسماع وبالإجازة.(15/451)
ابن الزكي، ابن أبي المجد:
5363- ابن الزكي 1:
قَاضِي دِمَشْقَ، مُحْيِي الدِّيْنِ، أَبُو المَعَالِي، مُحَمَّد ابن القاضي علي ابن مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ الزَّكِيِّ القُرَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ الشَّافِعِيُّ.
مِنْ بَيْت كَبِيْر، صَاحِب فُنُوْن وَذكَاء، وَفقه وَآدَاب وَخُطَبٍ وَنظم.
وَلِيَ القَضَاءَ وَالِده زَكِيّ الدِّيْنِ، وَجدّه مَجْد الدِّيْنِ، وَجدّ أَبِيْهِ الزَّكِيّ، وَوَلِيَ القَضَاءَ وَلدَاهُ زَكِيّ الدِّيْنِ الطَّاهِر، ومحيي الدين يحيى بن محمد.
وَكَانَ صَلاَح الدِّيْنِ يُعزّه وَيَحترمه، ثُمَّ وَلاَّهُ القَضَاء سَنَة ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَدْ مَدحه بقصيدَة فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ مِنْهَا ذَلِكَ:
وَفَتْحُكَ القَلْعَة الشَّهبَاء فِي صفرٍ
مُبَشِّراً بِفُتُوْحِ القُدْسِ فِي رَجَبِ
فَاتَّفَقَ فَتح القُدْس فِي رَجَبٍ بَعْد أَرْبَع سِنِيْنَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ تَبَشِيْر ابْن بَرَّجَانَ فِي: {الم، غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم: 1، 2] .
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: وَجَدْته حَاشيَة لاَ أَصلاً.
توفي في شعبان سنة ثمان وتسعين وخمس مائة عن ثمان وأربعين سنةً.
5364- ابن أبي المجد 2:
الشَّيْخُ المُعَمَّر، الثِّقَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي المَجْدِ بنِ غَنَائِم الحَرْبِيُّ العَتَّابِيُّ الإِسْكَافُ.
رَاوِي "مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ" عَنْ أَبِي القَاسِمِ بنِ الحُصَيْنِ، وَيَرْوِي أَيْضاً عن أبي الحسين بن الفَرَّاءِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاء، وَابْن الدُّبَيْثِيّ، وَابْن خَلِيْل، وَشَرَف الدِّيْنِ عَبْد العَزِيْزِ الأَنْصَارِيّ، وَابْن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالنَّجِيْب عَبْد اللَّطِيْفِ، وَعَدَد كَثِيْر مِنْ مَشْيَخَةِ الدِّمْيَاطِيّ.
حَدَّثَ بِـ"المُسْنَدِ" غَيْرَ مَرَّةٍ بِبَغْدَادَ، وَبِالمَوْصِل، وَقَدْ أَجَازَ لِسَعْد الدِّيْنِ الخضر بن حمويه، ولقطب الدين بن عصرون، وللفخر بن البُخَارِيّ. وَاسم جدّه صَاعِد.
مَاتَ أَبُو مُحَمَّدٍ بِالمَوْصِل فِي ثَانِي عَشَر المُحَرَّم سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ رَحِمَهُ الله.
وَمَاتَ أَبُوْهُ أَحْمَد بن صَاعِد فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ وَلَهُ سَبْعُوْنَ سَنَةً، وَهُوَ أَخُو المُقْرِئ عُمَر بن عَبْدِ اللهِ الحَرْبِيّ لأُمِّهِ، وقد سمعا مِنِ ابْنِ طَلْحَةَ النِّعَالِيّ، وَالمُبَارَكِ بنِ الطُّيُوْرِيِّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: وَهِمَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ، فَجَعَلَه أَحْمَد بن عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ الحَرْبِيّ، وَظنّه أَخاً لِعُمَرَ مِنْ أَبِيْهِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: رَوَى لَنَا عَنْهُ ابْنُ الأَخْضَرِ، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ يَاسِيْنَ البَزَّاز، وَكَانَ صَالِحاً وَرِعاً، حَافِظاً لِكِتَابِ اللهِ، كَثِيْر البُكَاء، يَؤمّ بِالنَّاسِ، وَيَغْسِل الموتَى حسبَة، مَكَثَ عَلَى ذَلِكَ زمانًا.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 181-182"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 337-338".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 181"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 335".(15/452)
5365- اللبان 1:
القَاضِي العَالِمُ، مُسْنِدُ أَصْبَهَانَ، أَبُو المَكَارِمِ، أَحْمَدُ بنُ أَبِي عِيْسَى مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الإِمَامِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ ابْنُ المُحَدِّثِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ النُّعْمَانِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ، التَّيْمِيُّ الأَصْبَهَانِيُّ الشُّرُوْطِيُّ، ابْنُ اللَّبَّان.
وُلِدَ فِي صَفَرٍ سَنَة سَبْعٍ، وَقَالَ مرَّة: سَنَة سِتٍّ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَهُوَ مِنْ تَيْمِ اللهِ بنِ ثَعْلَبَةَ.
وَقِيْلَ: بَلْ وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِ مائَةٍ، حكاه الحافظ الضياء.
وَهُوَ مُكْثِر عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الحَدَّاد، وَتَفَرَّد بِإِجَازَة عَبْد الغَفَّارِ الشّيروبِيّ الرَّاوِي عَنْ أَصْحَابِ الأَصَمّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: العِزّ مُحَمَّد، وَأَبُو مُوْسَى وَلد الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ، وَإِسْمَاعِيْل بن ظفر، وَيُوْسُف بن خَلِيْل، وَأَبُو رَشِيْدٍ الغَزَّال، وَعِدَّة.
وَبِالإِجَازَة أَحْمَد بن سَلاَمَةَ، وَالفَخْر ابْن البُخَارِيّ، وَطَائِفَة.
مَاتَ فِي السَّابِع وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي الحجة سنة سبع وتسعين وخمس مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 179"، وشذرات الذهب "4/ 329".(15/453)
الكراني، ابن الفرس:
5366- الكراني 1:
الشَّيْخُ المُعَمَّرُ، الصَّدُوْقُ، مُسْنِدُ أَصْبَهَان، أَبُو عَبْدِ اللهِ، مُحَمَّدُ بنُ أبي زيد بن حمد بنِ أَبِي نَصْرٍ الكَرَّانِيُّ الأَصْبَهَانِيُّ، الخَبَّازُ.
وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَعَاشَ مائَةَ عَام.
سَمِعَ الحَدَّاد، وَمَحْمُوْداً الأَشْقَرَ، وَفَاطِمَةَ الجُوْزْدَانِيَّة.
حَدَّثَ عنَة: بَدَلٌ التَّبْرِيْزِيّ، وَأَبُو مُوْسَى ابْنُ الحَافِظِ، وَابْن خَلِيْل، وَابْن ظفر، وَعِدَّة.
وَأَجَازَ لابْنِ أَبِي الخَيْرِ، وَابْن البُخَارِيّ.
مَاتَ فِي ثالث شوال سنة سبع.
وكران: محلة بأصبهان.
5367- ابن الفرس 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ، شَيْخُ المَالِكِيَّةِ بغَرْنَاطَةَ فِي زَمَانِهِ، أبو محمد بن الفَرَسِ، وَاسْمُهُ عَبْدُ المُنْعِمِ ابْنُ الإِمَامِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ أَحْمَدَ الأَنْصَارِيُّ الخَزْرَجِيُّ.
سَمِعَ أَبَاهُ وَجدّه العَلاَّمَة أَبَا القَاسِمِ، وَبَرَعَ فِي الفِقْه وَالأُصُوْل، وَشَارك فِي الفَضَائِل، وَعَاشَ بِضْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
وَسَمِعَ أَبَا الوَلِيْدِ بن بَقْوَةَ، وَأَبَا الوَلِيْدِ بن الدَّبَّاغ، وَتَلاَ بِالسَّبْع عَلَى ابْنِ هذِيل، وَأَجَازَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَكِّيٍّ، وَأَبُو الحَسَنِ بن مَوْهَبٍ. بلغَ الغَايَة فِي الفِقْه.
قَالَ أَبُو الرَّبِيْعِ بن سَالِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بن الجَدِّ -وَنَاهيكَ بِهِ- يَقُوْلُ غَيْر مرَّة: مَا أَعْلَم بِالأَنْدَلُسِ أَحْفَظ لِمَذْهَب مَالِك مِنْ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ الفَرَسِ بَعْد أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ زرقون.
قَالَ الأَبَّار: أَلّف فِي أَحكَام القُرْآن كِتَاباً مِنْ أَحْسَن مَا وُضِع فِي ذَلِكَ. قِيْلَ: أَصَابه فَالِج وَخَدَرٌ غَيَّر حَفِظه قَبْل مَوْته بِعَامَيْنِ، فَتُرك الأَخْذُ عَنْهُ إِلَى أَنْ مَاتَ فِي جُمَادَى الآخرَةِ سنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ يَحْيَى العَطَّار، وَعَبْد الغَنِيِّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو الحُسَيْنِ يَحْيَى بن عَبْدِ اللهِ الدَّانِيّ الكَاتِب، وَالشَّرَف المرسي؛ سمع منه "الموطأ".
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 180"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 332".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 180".(15/454)
5368- أبو الفرج ابن الجوزي 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ المُفَسِّرُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، مَفْخَرُ العِرَاقِ، جَمَالُ الدِّيْنِ، أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَمَّادِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ القَاسِمِ بنِ النَّضْرِ بن القاسم بن محمد بن عبد الله ابن الفقيه عبد الرحمن ابْنِ الفَقِيْهِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ ابْنُ خَلِيْفَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، القرشي التَّيْمِيُّ البَكْرِيُّ البَغْدَادِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، الوَاعِظُ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ أَوْ عَشْرٍ وَخَمْسِ مائَةٍ. وَأَوُّلُ شَيْءٍ سَمِعَ فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ.
سَمِعَ مِنْ أَبِي القَاسِمِ بنِ الحُصَيْنِ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الحُسَيْن بن مُحَمَّدٍ البَارِع، وَعَلِيّ بن عَبْدِ الوَاحِدِ الدِّيْنَوَرِيّ، وَأَحْمَد بن أَحْمَدَ المُتَوَكِّلِيّ، وَإِسْمَاعِيْل بن أَبِي صَالِحٍ المُؤَذِّن، وَالفَقِيْه أبي الحسن بن الزَّاغُوْنِيِّ، وَهِبَة اللهِ بن الطَّبَرِ الحَرِيْرِيّ، وَأَبِي غالب بن البَنَّاءِ، وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ المَزْرَفِيّ، وَأَبِي غَالِبٍ مُحَمَّد بن الحَسَنِ المَاوَرْدِيّ،، وَأَبِي القَاسِمِ عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيّ الخَطِيْب، وَالقَاضِي أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ البَاقِي الأنصاري، وإسماعيل بن السمرقندي، ويحيى بن البَنَّاءِ، وعَلِيّ بن المُوَحِّد، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ بن خَيْرُوْنَ، وَبدر الشِّيْحِيّ، وَأَبِي سَعْدٍ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ الزَّوْزَنِيّ، وَأَبِي سَعْدٍ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيّ الحَافِظ، وَعَبْد الوَهَّابِ بن المُبَارَكِ الأَنْمَاطِيّ الحَافِظ، وَأَبِي السُّعُوْدِ أَحْمَد بن عَلِيِّ بنِ المجلي، وأبي منصور عبد الرحمن بنِ زُرَيْقٍ القَزَّاز، وَأَبِي الوَقْت السِّجْزِيّ، وَابْن نَاصِر، وَابْن البَطِّيِّ، وَطَائِفَة مَجْمُوْعهُم نَيِّفٌ وَثَمَانُوْنَ شَيْخاً قَدْ خَرَّجَ عَنْهُم مَشْيَخَة فِي جُزْءيْنِ.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 370"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1098"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 174- 176"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 329-331".(15/455)
وَلَمْ يَرْحَلْ فِي الحَدِيْثِ، لَكنه عِنْدَهُ "مُسْنَد الإِمَام أَحْمَد" وَ"الطَّبَقَات لابْنِ سَعْدٍ"، وَ"تَارِيْخ الخَطِيْب"، وَأَشيَاء عَالِيَة، وَ"الصَّحِيْحَانِ"، وَالسُّنَنُ الأَرْبَعَةُ، وَ"الحِلْيَة" وَعِدَّة توَالِيف وَأَجزَاء يُخَرِّج منها.
وَكَانَ آخِر مَنْ حَدَّثَ عَنِ الدِّيْنَوَرِيِّ وَالمُتَوَكِّلِيّ.
وَانتفع فِي الحَدِيْثِ بِمُلاَزِمَة ابْن نَاصِر، وَفِي القُرْآن وَالأَدب بِسِبْط الخَيَّاط، وَابْن الجَوَالِيْقِيِّ، وَفِي الفِقْه بطَائِفَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ الصَّاحب العَلاَّمَة مُحْيِي الدِّيْنِ يُوْسُفُ أُسْتَاذ دَار المُسْتَعْصِمِ بِاللهِ، وَوَلَده الكَبِيْر عَلِيّ النَّاسِخ، وَسِبْطهُ الوَاعِظ شَمْس الدِّيْنِ يُوْسُف بن قُزْغُلِيّ الحَنَفِيّ صَاحِب مِرَآة الزَّمَانِ، وَالحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ، وَالشَّيْخ مُوَفَّق الدِّيْنِ ابْن قُدَامَةَ، وَابْن الدُّبَيْثِيِّ، وَابْن النَّجَّارِ، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاء، وَاليَلْدَانِيّ، وَالنَّجِيْب الحَرَّانِيّ، وَابْن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَبِالإِجَازَةِ الشَّيْخ شَمْس الدِّيْنِ عبد الرحمن، وَابْن البُخَارِيِّ، وَأَحْمَد بن أَبِي الخَيْرِ، وَالخَضِر بن حَمُّوْيَه، وَالقُطْب ابْن عَصْرُوْنَ.
وَكَانَ رَأْساً فِي التَّذْكِير بِلاَ مدَافعَة، يَقُوْلُ النَّظم الرَّائِق، وَالنّثر الفَائِق بديهاً، وَيُسهِب، وَيُعجِب، وَيُطرِب، وَيُطنِب، لَمْ يَأْت قَبْله وَلاَ بَعْدَهُ مِثْله، فَهُوَ حَامِل لوَاء الْوَعْظ، وَالقيِّم بِفنونه، مَعَ الشّكل الحَسَن، وَالصّوت الطّيب، وَالوقع فِي النُّفُوْس، وَحُسْن السِّيْرَةِ، وَكَانَ بَحْراً فِي التَّفْسِيْر، علاَّمَة فِي السّير وَالتَّارِيْخ، مَوْصُوَفاً بِحسن الحَدِيْث، وَمَعْرِفَة فُنونه، فَقِيْهاً، عليماً بِالإِجْمَاعِ وَالاخْتِلاَف، جَيِّد المشَاركَة فِي الطِّبّ، ذَا تَفنُّن وَفَهم وَذكَاء وَحفظ وَاسْتحضَار، وَإِكْبَابٍ عَلَى الْجمع وَالتَّصْنِيْف، مَعَ التَّصَوُّنِ وَالتَّجَمُّلِ، وَحسن الشَّارَةِ، وَرشَاقَة العبَارَة، وَلطف الشَّمَائِل، وَالأَوْصَاف الحمِيدَة، وَالحرمَة الوَافرَة عِنْد الخَاص وَالعَام، مَا عَرَفْتُ أَحَداً صَنَّفَ مَا صَنَّفَ.
تُوُفِّيَ أَبُوْهُ وَلَهُ ثَلاَثَة أَعْوَام، فَرَبَّتْهُ عَمَّتُه. وَأَقَارِبُه كَانُوا تُجَّاراً فِي النُّحاسِ، فَرُبَّمَا كتبَ اسْمَهُ فِي السماع عبد الرحمن بن عَلِيٍّ الصَّفَّار.
ثُمَّ لمَا تَرَعْرَعَ، حَملته عَمَّته إِلَى ابْنِ نَاصِر، فَأَسمعَهُ الكَثِيْر، وَأَحَبّ الْوَعْظ، وَلهج بِهِ، وَهُوَ مُرَاهِق، فَوَعَظ النَّاس وَهُوَ صَبِيّ، ثُمَّ مَا زَالَ نَافق السُّوق مُعظَّماً مُتغَالياً فِيْهِ، مُزدحماً عَلَيْهِ، مضروباً بِروَنق وَعظه المَثَل، كَمَالُه فِي ازديَاد وَاشتهَار، إِلَى أَن مَاتَ -رَحِمَهُ الله وَسَامَحَهُ- فَلَيْتَهُ لَمْ يَخُض فِي التَّأْوِيْل، وَلاَ خَالف إِمَامه.(15/456)
صَنّف فِي التَّفْسِيْر "المغنِي" كَبِيْر، ثُمَّ اخْتصره فِي أَرْبَع مُجَلَّدَاتٍ، وَسَمَّاهُ: "زَاد المَسِيْر" وَلَهُ "تذكرَة الأَرِيب" فِي اللُّغَة مُجَلَّد، "الوُجُوه وَالنَّظَائِر" مُجَلَّد، "فُنُوْن الأَفنَان" مُجَلَّد، "جَامِع المسَانِيْد" سَبْع مُجَلَّدَاتٍ وَمَا اسْتَوْعَبَ وَلاَ كَادَ، "الحدَائِق" مُجَلَّدَان، "نَقْي النّقل" مُجَلَّدَان، "عُيُون الحِكَايَات" مُجَلَّدَان، "التّحقيق فِي مَسَائِل الخلاَف" مُجَلَّدَان، "مُشكل الصِّحَاح" أَرْبَع مُجَلَّدَاتٍ، "المَوْضُوْعَات" مُجَلَّدَان، "الوَاهيَات" مُجَلَّدَان. "الضُّعَفَاء" مُجَلَّد، "تَلْقِيح الْفُهُوم" مُجَلَّد، "الْمُنْتَظِم فِي التَّارِيْخ" عَشْرَة مُجَلَّدَاتٍ، "المَذْهَب فِي الْمَذْهَب" مُجَلَّد، "الانتصَار فِي الخلاَفِيَات" مُجَلَّدَان، "مَشْهُوْر المَسَائِل" مُجَلَّدَان، "اليَواقيت" وَعظ، مُجَلَّد، "نَسِيم السّحر" مُجَلَّد، "الْمُنْتَخب" مُجَلَّد، "الْمُدْهِشُ" مُجَلَّد، "صفوَة الصّفوَة" أَرْبَع مُجَلَّدَاتٍ، "أَخْبَار الأَخيَار" مُجَلَّد، "أَخْبَار النِّسَاء" مُجَلَّد، "مُثِير العَزْم السَّاكن" مُجَلَّد، "الْمقْعد الْمُقِيم" مُجَلَّد، "ذَمّ الهَوَى" مُجَلَّد، "تلبيس إبليس" مجلد، "صيد الخَاطر" ثَلاَث مُجَلَّدَاتٍ، "الأَذكيَاء" مُجَلَّد، "المغفّلين" مُجَلَّد، "منَافِع الطِّبّ" مُجَلَّد، "صبَا نَجد" مُجَلَّد، "الظرفَاء" مُجَلَّد، "الْمُلَهَّب" مُجَلَّد، "الْمُطْرِب" مُجَلَّد، "منتهَى المشتهَى" مُجَلَّد، "فُنُوْن الأَلبَاب" مُجَلَّد، "الْمُزْعِج" مُجَلَّد، "سلوَة الأَحزَان" مُجَلَّد، "مِنْهَاج القَاصدين" مُجَلَّدَان، "الوَفَا بفَضَائِل المُصْطَفَى" مُجَلَّدَان، "مَنَاقِب أَبِي بَكْرٍ" مُجَلَّد، "مَنَاقِب عُمَر" مُجَلَّد، "مَنَاقِب عليّ" مُجَلَّد، "مَنَاقِب إِبْرَاهِيْم بن أَدْهَمَ" مُجَلَّد، "مَنَاقِب الفُضَيْل" مُجَلَّد، "مَنَاقِب بشر الحَافِي" مُجَلَّد، "مَنَاقِب رَابِعَة" جُزْء، "مَنَاقِب عُمَر بن عَبْدِ العَزِيْزِ" مُجَلَّد، "مَنَاقِب سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ" جُزْءانِ، "مَنَاقِب الحَسَن" جُزْءانِ، "مناقب الثَّوْرِيّ" مُجَلَّد، "مَنَاقِب أَحْمَد" مُجَلَّد، "مَنَاقِب الشَّافِعِيّ" مُجَلَّد، "مُوَافِق المرَافق" مُجَلَّد، مَنَاقِب غَيْر وَاحِد جُزْء جُزْء، "مُخْتَصَر فُنُوْن ابْن عَقِيْل" فِي بَضْعَة عشر مُجَلَّداً، "مَنَاقِب الْحَبَش" مُجَلَّد، "لِبَاب زِين الْقَصَص"، "فَضل مَقْبَرَة أَحْمَد"، "فَضَائِل الأَيَّام"، "أَسبَاب البدَايَة"، "وَاسطَات الْعُقُود"، "شُذُورِ الْعُقُود فِي تَارِيخ الْعُهُود"، "الخوَاتيم"، "المَجَالِس اليَوسفِيَّة"، "كُنُوز الْعُمر"، "إِيقَاظ الوسنَان بِأَحْوَال النّبَات وَالحيوَان"، "نَسِيم الرّوض"، "الثبَات عِنْد المَمَاتَ"، "المَوْت وَمَا بَعْدَهُ" مُجَلَّد، "دِيْوَانه" عِدَّة مُجَلَّدَاتٍ، "مَنَاقِب مَعْرُوف"، "العزلَة"، "الرِّيَاضَة"، "النَّصْر عَلَى مِصْرَ"، "كَانَ وَكَانَ" فِي الْوَعْظ "خطب اللَّآلِئ"، "النَّاسخ وَالمَنْسُوْخ"، "موَاسم الْعُمر"، "أَعْمَار الأعيان" وأشياء كثيرة تركتها، ولم أرها.
وَكَانَ ذَا حظّ عَظِيْم وَصيت بعيد فِي الْوَعْظ، يَحضر مَجَالِسه المُلُوْك وَالوُزَرَاء وَبَعْض الخُلَفَاء وَالأَئِمَّة وَالكُبَرَاء، لاَ يَكَاد المَجْلِس يَنقص عَنْ أَلوف كَثِيْرَة، حَتَّى قِيْلَ فِي بَعْضِ مَجَالِسه: إِن حُزر الْجمع بِمائَةِ أَلْف. وَلاَ رِيب أَنَّ هَذَا مَا وَقَعَ، وَلَوْ وَقَعَ، لَمَا قدر أَنْ يُسْمِعَهُم، وَلاَ المَكَان يَسعهُم.(15/457)
قَالَ سِبْطه أَبُو المُظَفَّرِ: سَمِعْتُ جَدِّي عَلَى المِنْبَرِ يَقُوْلُ: بأُصْبُعَيَّ هَاتَيْنِ كَتَبتُ أَلْفَي مُجَلَّدَةٍ، وَتَاب عَلَى يَدَيَّ مائَةُ أَلْفٍ، وَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيَّ عِشْرُوْنَ أَلْفاً. وَكَانَ يَخْتِم فِي الأُسْبُوْع، وَلاَ يَخْرُج مِنْ بَيْته إلَّا إِلَى الجُمُعَةِ أَوِ المَجْلِس.
قُلْتُ: فَمَا فَعَلَتْ صَلاَةُ الجَمَاعَةِ?!
ثُمَّ سرد سِبْطه تَصَانِيْفه، فَذَكَر مِنْهَا كِتَاب "المُخْتَار فِي الأَشعَار" عشر مُجَلَّدَاتٍ، "درَة الإِكليل" فِي التَّارِيْخ، أَرْبَع مُجَلَّدَاتٍ، "الأَمثَال" مُجَلَّد، "المَنْفِعَة فِي المَذَاهِب الأَرْبَعَة" مُجَلَّدَان، "التبصرَة فِي الْوَعْظ"، ثَلاَث مُجَلَّدَاتٍ، "رُؤُوْس القوَارِير" مُجَلَّدَان، ثُمَّ قَالَ: وَمَجْمُوْع تَصَانِيْفه مائَتَانِ وَنَيِّفٌ وَخَمْسُوْنَ كِتَاباً.
قُلْتُ: وَكَذَا وُجِدَ بِخَطِّهِ قَبْل مَوْتِهِ أَنَّ تَوَالِيفه بلغت مائتين وخمسين تأليفًا.
ومن غرر ألفاظه:
عقَارب المنَايَا تَلْسَع، وَخُدرَانُ جِسْمِ الأَمَالِ يَمنَعُ، وَمَاء الحَيَاة فِي إِنَاء الْعُمر يَرشح.
يَا أَمِيْرُ: اذْكُر عِنْد القدرَة عَدْلَ الله فِيك، وَعِنْد العقوبَة قدرَةَ الله عَلَيْك، وَلاَ تَشفِ غَيظَك بِسَقَم دينك.
وَقَالَ لِصديق: أَنْتَ فِي أَوسع الْعذر مِنَ التَأخُّر عَنِّي لثقتِي بِك، وَفِي أَضيقِه مِنْ شَوْقِي إِلَيْك.
وَقَالَ لَهُ رَجُل: مَا نِمتُ البَارِحَة مِنْ شَوْقِي إِلَى المَجْلِس قَالَ: لأَنَّك تُرِيْد الفرجَة، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي اللَّيْلَة أَنْ لاَ تَنَام.
وَقَام إِلَيْهِ رَجُل بغِيض، فَقَالَ: يَا سيّدِي: نُرِيْد كلمَة ننقلهَا عَنْكَ، أَيُّمَا أَفْضَل أَبُو بَكْرٍ أَوْ عَلِيُّ? فَقَالَ: اجْلِسْ، فَجَلَسَ، ثُمَّ قَامَ، فَأعَاد مقَالَته، فَأقعده، ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ: اقعدْ، فَأَنْتَ أَفْضَل مِنْ كُلِّ أَحَد.
وَسَأَله آخر أَيَّام ظُهُوْر الشِّيْعَة، فَقَالَ: أَفْضَلُهُمَا مَنْ كَانَتْ بِنْتُهُ تَحْتَه.
وَهَذِهِ عبَارَة مُحْتَمَلَة تُرضِي الفَرِيْقَيْنِ.
وَسَأَله آخرُ: أَيُّمَا أَفْضَلُ: أُسبح أَوْ أَسْتَغْفِر? قَالَ: الثَّوْب الْوَسخ أَحْوَج إِلَى الصَّابُوْنِ مِنَ الْبخُور.(15/458)
وَقَالَ فِي حَدِيْث: "أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّيْنَ إِلَى السَّبْعِيْنَ" 1: إنما طَالت أَعَمَّار الأَوَائِل لطول البَادِيَة فَلَمَّا شَارف الركب بلد الإِقَامَة، قِيْلَ: حُثُّوا المَطِيّ.
وَقَالَ: مَنْ قنع، طَاب عيشه، وَمِنْ طمع، طَالَ طَيشه.
وَقَالَ يَوْماً فِي وَعظه:
يَا أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ، إِنْ تَكلّمت، خفت مِنْكَ، وَإِن سكتّ، خفت عَلَيْك، وَأَنَا أُقدّم خوفِي عَلَيْك عَلَى خوفِي مِنْكَ، فَقول النَّاصح: اتَّقِ الله خَيْرٌ مِنْ قَوْل القَائِل: أَنْتُم أَهْل بَيْت مغْفُور لَكُم.
وَقَالَ: يَفتخر فِرْعَوْن مِصْرَ بِنهر مَا أَجرَاهُ، مَا أَجرَأَه!
وَهَذَا بَاب يَطول، فَفِي كُتُبِه النفَائِس مِنْ هَذَا وَأَمثَاله.
وَجَعْفَر الَّذِي هُوَ جَدُّهُ التَّاسع: قَالَ ابْنُ دِحْيَة: جَعْفَر هُوَ الجَوْزِيّ، نُسب إِلَى فُرْضَةٍ مِنْ فُرَضِ البَصْرَة يُقَالُ لَهَا: جَوْزَةُ. وَقِيْلَ: كَانَ فِي داره جوزة لم يكن بواسط جوز سِوَاهَا. وَفرضَة النَّهْر ثلمتُهُ، وَفرضَة البَحْر محطُّ السُّفُنِ.
قَالَ أَبُو المُظَفَّرِ: جَدِّي قَرَأَ القُرْآنَ، وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الدِّيْنَوَرِيّ الحَنْبَلِيّ، وَابْن الفَرَّاء.
قُلْتُ: وَقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى سِبْط الخَيَّاط.
وَعنِي بِأَمره شَيْخه ابْن الزَّاغونِيّ، وَعَلّمه الوَعْظَ، وَاشْتَغَل بِفنُوْن العلُوْم، وَأَخَذَ اللُّغَة عَنْ أَبِي منصور بن الجَوَالِيْقِيِّ، وَرُبَّمَا حضَر مَجْلِسه مائَة أَلْف، وَأَوقع الله لَهُ فِي القُلُوْب الْقبُول وَالهَيْبَة.
قَالَ: وَكَانَ زَاهِداً فِي الدُّنْيَا، متقلّلاً مِنْهَا، وَكَانَ يَجلسُ بِجَامِع القَصْر وَالرُّصَافَة وَببَاب بدر وَغَيْرهَا. إِلَى أَنْ قَالَ: وَمَا مَازح أَحَداً قَطُّ، وَلاَ لعِب مَعَ صَبِيّ، وَلاَ أَكل مِنْ جهة لا يتيقن حلها.
__________
1 حسن: أخرجه الترمذي "3550"، وابن ماجه "4236"، والحاكم "2/ 427"، والبيهقي "3/ 370"، والخطيب في "تاريخ بغداد" "6/ 397" والقضاعي في "مسند الشهاب "252" من طرق عن الحسن بن عرفة قال: حدثنا المُحَارِبِيُّ، عَنْ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِوٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أبي هريرة، به.
قلت: إسناده حسن، محمد بن عمرو، هو ابن علقمة الليثي، صدوق، روى له البخاري مقرونا بغيره. وروى له مسلم في المتابعات. والمحاربي هو عبد الرحمن بن محمد بن زياد، وأخرجه الترمذي "2331" من طريق محمد بن ربيعة عن كامل أبي العلاء، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، به.(15/459)
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ فِي "تَارِيْخِهِ": شَيْخنَا جَمَال الدِّيْنِ صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ فِي فُنُوْن العلُوْم مِنَ التَّفْسِيْر وَالفِقْه وَالحَدِيْث وَالتَّوَارِيخ وَغَيْر ذَلِكَ. وَإِلَيه انْتَهَت مَعْرِفَة الحَدِيْث وَعلُوْمه، وَالوُقُوْف عَلَى صَحِيْحه مِنْ سَقِيمه، وَكَانَ مِنْ أَحْسَن النَّاس كَلاَماً، وَأَتمّهم نَظَاماً، وَأَعذبهم لِسَاناً، وَأَجْوَدهم بيَاناً. تَفَقَّهَ عَلَى الدِّيْنَوَرِيّ، وَقرَأَ الْوَعْظ عَلَى أَبِي القَاسِمِ العَلَوِيّ، وَبورك لَهُ فِي عُمُرِه وَعِلْمه، وَحَدَّثَ بِمُصَنّفَاته مرَاراً، وَأَنْشَدَنِي بِوَاسِط لِنَفْسِهِ:
يَا سَاكنَ الدُّنْيَا تَأَهَّبْ ... وَانتَظِرْ يَوْمَ الفِرَاقِ
وَأَعِدَّ زَاداً لِلرَّحيلِ ... فَسَوْفَ يُحدَى بِالرِّفَاقِ
وَابكِ الذُّنُوبَ بأدمعٍ ... تَنهَلُّ مِنْ سُحُبِ المآقِي
يَا مَنْ أَضَاعَ زَمَانَهُ ... أَرَضِيْتَ مَا يَفنَى بِباقِ
وَسَأَلته عَنْ مَوْلِده غَيْرَ مَرَّةٍ، وَيَقُوْلُ: يَكُوْن تَقَرِيْباً فِي سَنَةِ عَشْرٍ، وَسَأَلت أَخَاهُ عُمَر، فَقَالَ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِ مائَةٍ تقريبًا.
وَمِنْ تَوَالِيْفِهِ "التَّيْسِيْر فِي التَّفْسِيْر" مُجَلَّد، "فُنُوْن الأَفنَان فِي علُوْم القُرْآن" مُجَلَّد، "وَرد الأَغصَان فِي معَانِي القُرْآن" مُجَلَّد، "النّبعَة فِي القِرَاءات السَّبْعَة" مُجَلَّد، "الإِشَارَة فِي القِرَاءات المُخْتَارَة" جُزْء، "تذكرَة الْمُنْتَبِه فِي عُيُون الْمُشْتَبه"، "الصّلف فِي المُؤتلف وَالمُخْتَلِف" مُجَلَّدَان، "الخطَأ وَالصَّوَاب مِنْ أَحَادِيْث الشِّهَاب" مُجَلَّد، "الفَوَائِد المنتقَاة" سِتَّة وَخَمْسُوْنَ جُزْءاً، "أُسود الغَابَة فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَة"، "النقاب فِي الأَلقَاب" مُجَيْلِيْد، "المُحْتَسب فِي النَّسَبِ" مُجَلَّد، "المُدَبَّج" مُجَلَّد، "المُسَلْسَلاَت" مجيليد، "أَخَاير الذّخَاير" مُجَلَّد، "المجتَنى" مُجَلَّد، "آفَة المُحَدِّثِيْنَ" جُزْء، "الْمُقْلِق" مُجَلَّد، "سلوَة الْمَحْزُون فِي التَّارِيْخ" مُجَلَّدَان، "الْمجد العضدِي" مُجَلّد، "الفَاخر فِي أَيَّامِ النَّاصِر" مُجَلَّد، "الْمُضِيء بِفضل المُسْتَضِيْء" مجيليد، "الأَعَاصر فِي ذَكَرَ الإِمَام النَّاصِر" مُجَلَّد، "الفَجْر النُّوْرِيّ" مُجَلَّد، "المَجْدُ الصَّلاَحِيُّ" مُجَلَّد، "فَضَائِل الْعَرَب" مُجَلَّد، "كَفّ التَّشبيه بِأَكَفّ أَهْل التنزِيه" مجيليد، "البدَايع الدَّالة عَلَى وَجُوْد الصَّانع" مجيليد، "مُنْتَقَدٌ الْمُعْتَقد" جُزْء، "شَرَف الإِسْلاَمِ" جُزْء، "مَسْبُوك الذّهب فِي الفِقْه" مُجَلَّد، "البلغَة فِي الفِقْه" مُجَلَّد، "التَّلْخِيص فِي الفِقْه" مُجَلَّد، "البَاز الأَشْهَب" مُجَلَّد، "لقطَة العَجْلاَن" مُجَلَّد، "الضّيَا فِي الرد على إلكيا" مجلد، "الجدل" ثلاثة أَجزَاء، "دَرْء الضّيم فِي صَوْم يَوْم الْغَيْم" جُزْء، "المَنَاسِك" جُزْء، "تَحْرِيْم الدُّبُر" جُزْء، "تَحْرِيْم المتعَة" جُزْء، "الْعدة فِي أُصُوْل الفِقْه" جُزْء، "الفَرَائِض" جُزْء، "قيَام الليَل" ثَلاَثَة أَجزَاء، "منَاجزَة الْعُمر" جُزْء، "السّتر الرّفِيع" جُزْء، "ذَمّ الْحَسَد" جُزْء، "ذَمّ الْمُسكر" جُزْء، "ذَكَرَ القصَاص" مُجَلَّد، "الحفاظ"(15/460)
مُجَلَّد، "الآثَار العَلَوِيَّة" مُجَلَّد، "السهُم المصِيْب" جُزْآنِ، "حَال الحلاّج" جُزْآنِ، "عطف الأُمَرَاء عَلَى العُلَمَاء" جُزْآنِ، "فُتُوْح الفُتُوْح" جُزْآنِ، "إِعلاَم الأَحْيَاء بِأَغلاَط الإِحيَاء" جُزْآنِ، "الْحَث عَلَى العِلْم" مُجَلَّد، "المُسْتدرك عَلَى ابْنِ عَقِيْل" جُزْء، "لفتَة الْكبد" جُزْء، "الْحَث عَلَى طلب الوَلَد" جُزْء، "لقط المنَافِع فِي الطِّبّ" مُجَلَّدَان، "طب الشُّيُوْخ" جُزْء، "الْمُرْتَجل فِي الْوَعْظ" مُجَلَّد، "اللطَائِف" مُجَلَّد، "التّحفه" مُجَلَّد، "المَقَامَات" مُجَلَّد، "شَاهِد وَمَشْهُوْد" مُجَلَّد، "الأَرج" مُجَلَّد، "مغَانِي المَعَانِي" مجيليد، "لُقَط الجمَان" جُزْآنِ، "زوَاهر الجَوَاهِر" مجيليد، "المَجَالِس البدرِية" مجيليد، "يَوَاقيت الْخطب" جزآن، "لآلئ الْخطب" جُزْآنِ، "خطبَ الْجمع" ثَلاَثَة أَجزَاء، "الموَاعِظ السُّلْجُوْقِيَّة"، "اللُؤْلُؤة"، "اليَاقُوتَة"، "تَصديقَات رَمَضَان"، "التعَازِي الملوكيَّة"، "روح الرّوح"، "كُنُوز الرّموز". وَقِيْلَ: نَيّفت تَصَانِيْفه عَلَى الثَّلاَثِ مائَةٍ.
وَمِنْ كَلاَمه: مَا اجْتَمَع لامْرِئٍ أَملُهُ، إلَّا وَسَعَى فِي تَفرِيطه أَجَلُهُ.
وَقَالَ عَنْ وَاعِظ: احذرُوا جَاهِل الأَطبَّاء، فَرُبَّمَا سَمَّى سُمّاً، وَلَمْ يَعرف المُسَمَّى.
وَكَانَ فِي المَجْلِسِ رَجُل يُحسن كَلاَمه، وَيُزَهْزِهُ لَهُ، فَسَكَتَ يَوْماً، فَالتفت إِلَيْهِ أَبُو الفَرَجِ، وَقَالَ: هَارُوْنُ لَفْظك معينٌ لِمُوْسَى نطقِي، فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً.
وَقَالَ يَوْماً: أَهْل الكَلاَم يَقُوْلُوْنَ: مَا فِي السَّمَاءِ رَبّ، وَلاَ فِي المُصْحَف قُرْآن، وَلاَ فِي القَبْرِ نَبِيّ، ثَلاَث عورَات لَكُم.
وَحضر مَجْلِسَه بَعْض المخَالفِيْن، فَأَنْشَدَ عَلَى المِنْبَرِ:
مَا لِلْهوَى العُذْرِيّ فِي ديَارنَا ... أَيْنَ العُذَيْب مِنْ قُصُوْر بَابِلِ
وَقَالَ -وَقَدْ تَوَاجد رَجُل فِي المَجْلِسِ- وَاعجباً، كلّنَا فِي إِنشَاد الضَّالة سَوَاء، فَلِمَ وجدْتَ أَنْتَ وَحْدَكَ:
قَدْ كَتَمْتُ الحبَّ حَتَّى شفَّنِي ... وَإِذَا مَا كُتِمَ الدَّاء قَتَلْ
بَيْنَ عَيْنَيْكَ علاَلاتُ الكَرَى ... فَدَعِ النَّومَ لرَبَّاتِ الحَجَلِ
وَقَدْ سُقْتُ مِنْ أَخْبَارِ الشَّيْخ أَبِي الفَرَجِ كرَّاسَة فِي "تَارِيخ الإِسْلاَم".
وَقَدْ نَالَتْهُ مِحْنَة فِي أَوَاخِرِ عُمُره، وَوَشَوْا بِهِ إِلَى الخَلِيْفَة النَّاصِر عَنْهُ بِأَمر اخْتُلف فِي حَقِيْقته، فَجَاءَ مَنْ شَتَمَه، وَأَهَانه، وَأَخَذَه قبضاً بِاليد، وَختم عَلَى دَاره، وَشتّت عيَاله، ثُمَّ أُقعد فِي سَفِيْنَة إِلَى مدينَة وَاسِط، فَحُبس بِهَا فِي بَيْتٍ حرجٍ، وَبَقِيَ هُوَ يغسل ثَوْبه، ويطبخ(15/461)
الشَّيْء، فَبقِي عَلَى ذَلِكَ خَمْس سِنِيْنَ مَا دَخَلَ فِيْهَا حَمَّاماً. قَامَ عَلَيْهِ الرُّكْن عَبْدُ السَّلاَّم بن عَبْدِ الوَهَّابِ ابْن الشَّيْخ عَبْد القَادِرِ، وَكَانَ ابْنُ الجَوْزِيِّ لاَ يُنْصِف الشَّيْخَ عبد القادر، وَيَغضّ مِنْ قدره، فَأَبغضه أَوْلاَده، وَوزر صَاحِبهُم ابْنُ القَصَّاب، وَقَدْ كَانَ الرُّكْن رَدِيء الْمُعْتَقد، متفلسفاً، فَأُحرقت كتبه بِإِشَارَة ابْن الجَوْزِيّ، وَأُخِذت مَدْرَسَتهُم، فَأُعْطيت لابْنِ الجَوْزِيّ، فَانسمّ الرُّكْن، وَقَدْ كَانَ ابْن القَصَّاب الوَزِيْر يَترفّض، فَأَتَاهُ الرُّكْن، وَقَالَ: أَيْنَ أَنْتَ عَنِ ابْن الجَوْزِيّ النَّاصِبِيِّ? وَهُوَ أَيْضاً مِنْ أَوْلاَد أَبِي بَكْرٍ، فَصرَّف الرُّكْنَ فِي الشَّيْخ، فَجَاءَ، وَأَهَانه، وَأَخَذَهُ مَعَهُ فِي مركب، وَعَلَى الشَّيْخ غلاَلَةٌ بِلاَ سرَاويل، وَعَلَى رَأْسه تخفِيفَة، وَقَدْ كَانَ نَاظر وَاسِط، شِيْعِيّاً أَيْضاً، فَقَالَ لَهُ الرُّكْن: مكّنِّي مِنْ هَذَا الفَاعِل لأَرمِيه فِي مطمورَة، فَزجره، وَقَالَ: يَا زِنْدِيْق، أَفْعَل هَذَا بِمُجَرَّد قَوْلك? هَاتِ خطّ أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ، وَاللهِ لَوْ كَانَ عَلَى مَذْهَبِي، لبذلت روحِي فِي خِدْمَته، فَردَّ الرُّكْنُ إِلَى بَغْدَادَ. وَكَانَ السَّبَبُ فِي خَلاَص الشَّيْخ أَن وَلده يُوْسُف نشَأَ وَاشْتَغَل، وَعَمِلَ فِي هذَة المُدَّة الْوَعْظ وَهُوَ صَبِيّ، وَتوصّل حَتَّى شفعت أُمُّ الخلِيفة، وَأَطلقت الشَّيْخ، وَأَتَى إِلَيْهِ ابْنه يُوْسُف، فَخَرَجَ، وَمَا ردّ مِنْ وَاسِط حَتَّى قرَأَ هُوَ وَابْنه بِتَلْقِينِهِ بِالعشر عَلَى ابْنُ البَاقِلاَّنِيّ، وَسنّ الشَّيْخ نَحْو الثَّمَانِيْنَ، فَانْظُرْ إِلَى هَذِهِ الهِمَّة العَالِيَة.
نَقَلَ هَذَا الحَافِظ ابْن نُقْطَةَ عَنِ القَاضِي مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ حَسَنٍ.
قَالَ المُوَفَّق عَبْد اللَّطِيْفِ فِي تَأْلِيْف لَهُ: كَانَ ابْن الجَوْزِيّ لطيف الصّورَة، حُلْو الشَّمَائِل، رَخِيم النّغمَة، مَوْزُون الحَرَكَات وَالنّغمَات، لذِيذ المفَاكهة، يَحضر مَجْلِسه مائَة أَلْف أَوْ يَزِيدُوْنَ، لاَ يَضيّع مِنْ زَمَانه شَيْئاً، يَكتب فِي اليَوْمِ أَرْبَع كَرَارِيْس، وَلَهُ فِي كُلِّ علم مشَاركَة، لَكنّه كَانَ فِي التَّفْسِيْر مِنَ الأَعيَان، وَفِي الحَدِيْثِ مِنَ الحُفَّاظِ، وَفِي التَّارِيْخ مِنَ المتوسّعين، وَلَدَيْهِ فَقه كَاف، وَأَمَّا السّجع الوعظي، فله فيه ملكة قوية، وله فِي الطِّبّ كِتَابُ "اللقط" مُجَلَّدَان.
قَالَ: وَكَانَ يُرَاعِي حِفْظ صحّته، وَتلطيف مِزَاجه، وَمَا يُفِيد عَقْله قُوَّة، وَذهنه حدَّة. جلّ غذَائِهِ الفرَارِيج وَالمزَاوير، وَيَعتَاض عَنِ الفَاكهة بِالأَشرِبَة وَالمعجونَات، وَلباسه أَفْضَل لِبَاس: الأَبيض النَّاعم المطيّب، وَلَهُ ذِهْن وَقَّاد، وَجَوَاب حَاضِر، وَمجُوْن وَمدَاعبَة حلوَة، وَلاَ يَنفكّ مِنْ جَارِيَة حسنَاء، قَرَأْت بِخَطِّ مُحَمَّد بن عَبْدِ الجَلِيْلِ الموقَانِيّ أَنَّ ابْنَ الجَوْزِيّ شَرِبَ البَلاَذُر، فَسَقَطت لِحْيته، فَكَانَتْ قصِيْرَة جِدّاً، وَكَانَ يَخضبهَا بِالسَّوَاد إِلَى أَنْ مَاتَ.
قَالَ: وَكَانَ كَثِيْرَ الغَلَطِ فِيمَا يُصنّفه، فَإِنَّهُ كَانَ يَفرغ مِنَ الكِتَاب وَلاَ يَعتبره.
قُلْتُ: هَكَذَا هُوَ لَهُ أَوهَام وَأَلوَان مِنْ ترك المرَاجعَة، وَأَخَذَ العِلْم مِنْ صحف، وَصَنَّفَ شَيْئاً لَوْ عَاشَ عُمراً ثَانِياً، لَمَا لحق أَنْ يُحرّره ويتقنه.(15/462)
قَالَ سِبْطه: جلس جَدِّي تَحْت تربَة أُمّ الخلِيفة عِنْد مَعْرُوف الكَرْخِيّ، وَكُنْت حَاضِراً، فَأَنْشَدَ أَبيَاتاً، قطع عَلَيْهَا المَجْلِس وَهِيَ:
الله أَسْأَلُ أَنْ يُطَوِّلَ مُدَّتِي ... لأَنَالَ بِالإِنعَامِ مَا فِي نيّتي
لِي همّةٌ فِي العِلْمِ مَا إِنْ مِثْلُهَا ... وَهِيَ الَّتِي جَنَتِ النُّحُوْلَ هِيَ الَّتِي
خُلِقَتْ مِنَ العلْقِ العَظِيْمِ إِلَى المُنَى ... دُعِيَتْ إِلَى نَيْلِ الكَمَالِ فَلبَّتِ
كَمْ كَانَ لِي مِنْ مجلسٍ لَوْ شُبِّهَتْ ... حَالاَتُه لَتَشَبَّهَتْ بِالجَنَّةِ
أَشتَاقُهُ لَمَّا مَضَتْ أَيَّامُهُ ... عُطْلاً وَتُعذَرُ ناقةٌ إِن حَنَّتِ
يَا هَلْ لليلاتٍ بجمعٍ عودةٌ ... أَمْ هَلْ عَلَى وَادِي مِنَىً مِنْ نَظرَةِ
قَدْ كَانَ أَحلَى مِنْ تَصَارِيفِ الصَّبَا ... وَمِنَ الحَمَامِ مُغَنِّياً فِي الأَيكَةِ
فِيْهِ البَدِيْهَاتُ الَّتِي مَا نَالهَا ... خلقٌ بِغَيْرِ مُخَمَّرٍ وَمُبَيَّتِ
فِي أَبيَات.
وَنَزَلَ، فَمَرِضَ خَمْسَة أَيَّام، وَتُوُفِّيَ لَيْلَة الجُمُعَة بَيْنَ العِشَاءيْنِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ فِي دَارِهِ بقَطُفْتَا. وَحكت لِي أُمِّي أَنَّهَا سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ قَبْل مَوْته: أَيش أَعمل بطوَاويس? -يُرَدِّدهَا- قَدْ جبتُم لِي هَذِهِ الطّوَاويس.
وَحضر غسله شَيْخنَا ابْن سُكَيْنَة وَقت السّحر، وَغلّقت الأَسواق، وَجَاءَ الْخلق، وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنه أَبُو القَاسِمِ عليّ اتفَاقاً، لأَنَّ الأَعيَان لَمْ يَقدرُوا مِنَ الوُصُوْل إِلَيْهِ، ثُمَّ ذهبُوا بِهِ إِلَى جَامِع المَنْصُوْر، فَصلُّوا عَلَيْهِ، وَضَاق بِالنَّاسِ، وَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً، فَلَمْ يَصل إِلَى حفرته بِمَقْبَرَة أَحْمَد إِلَى وَقت صَلاَة الجُمُعَة، وَكَانَ فِي تَمُّوْز، وَأَفطر خلق، وَرَمَوا نُفُوْسهُم فِي المَاء. إِلَى أَنْ قَالَ: وَمَا وَصل إِلَى حفرته مِنَ الْكَفَن إلَّا قَلِيْل، -كَذَا قَالَ- وَالعهدَة عَلَيْهِ، وَأُنْزِل فِي الحُفْرَة، وَالمُؤَذِّن يَقُوْلُ الله أَكْبَر، وَحزن عَلَيْهِ الخلق، وَبَاتُوا عِنْد قَبْره طول شَهْر رَمَضَان يَخْتِمُوْنَ الختمَات، بِالشّمع وَالقَنَادِيْل، وَرَآهُ فِي تِلْكَ الليَلة المُحَدِّث أَحْمَد بن سَلْمَانَ السُّكَّرُ فِي النَّوْمِ، وَهُوَ عَلَى مِنْبَر مَنْ يَاقُوْت، وَهُوَ جَالِس فِي مَقْعَد صدق وَالمَلاَئِكَة بَيْنَ يَدَيْهِ. وَأَصْبَحنَا يَوْم السَّبْت عَملنَا العزَاء، وَتَكلّمت فِيْهِ، وَحضر خلق عَظِيْم، وَعملت فِيْهِ المرَاثِي، وَمِنَ العَجَائِب أَنَا كُنَّا بَعْد انْقَضَاء العزَاء يَوْم السَّبْت عِنْد قَبْره، وَإِذَا بِخَالِي مُحْيِي الدِّيْنِ قَدْ صعد مِنَ الشّطّ، وَخلفه تَابوت، فَقُلْنَا: نَرَى مَنْ مَاتَ، وَإِذَا بِهَا خَاتُوْن أُمّ مُحْيِي الدِّيْنِ، وَعهدِي بِهَا لَيْلَة وَفَاة(15/463)
جَدِّي فِي عَافِيَة، فَعد النَّاس هَذَا مِنْ كرامَاته، لأَنَّه كَانَ مغرَىً بِهَا. وَأَوْصَى جدّه أَنْ يُكتب عَلَى قَبْرَه:
يَا كَثِيْرَ العَفْوِ عَمَّنْ ... كَثُرَ الذَّنْبُ لَدَيْهِ
جَاءكَ المُذْنِبُ يَرْجُو ال ... صَّفْحَ عَنْ جُرْمِ يَدَيْهِ
أَنَا ضيفٌ وَجزَاءُ ال ... ضَّيْفِ إحسانٌ إِلَيْهِ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو الفَرَجِ عبد الرحمن بن عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ البُرْقَانِيّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ الوَزَّان، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الأَزْدِيّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن المَدِيْنِيّ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ الحِمْصِيّ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَالَ حِيْنَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاَةِ القَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّداً الوَسِيْلَةَ وَالفَضِيْلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَاماً مَحْمُوْداً الَّذِي وعدته، حلت له الشفاعة" 1.
وأنبأناه عاليًا بدَرَجَات عَبْد الرَّحْمَانِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ الهَيْثَمِ البَلَدِيّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ مِثْله، لَكِن زَادَ فِيْهِ: "إلَّا حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ يَوْمَ القِيَامَةِ" فَكَأنَّ شَيْخِي سَمِعَهُ مِنْ أَحْمَد بن إِبْرَاهِيْمَ الإِسْمَاعِيْلِيّ الفَقِيْه.
وَكَتَبَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ بنُ طَرْخَان، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ مُوَفَّق الدِّيْنِ، قَالَ: ابْنُ الجَوْزِيِّ إِمَام أَهْل عصره فِي الْوَعْظ، وَصَنَّفَ فِي فُنُوْن العِلْم تَصَانِيْف حَسَنَة، وَكَانَ صَاحِبَ فُنُوْن، كَانَ يَصَنّف فِي الفِقْه، وَيدرّس، وَكَانَ حَافِظاً لِلْحَدِيْثِ، إلَّا أَننَا لَمْ نَرض تَصَانِيْفه فِي السُّنَّةِ، وَلاَ طرِيقته فِيْهَا، وَكَانَتِ العَامَّة يُعظّمونه، وَكَانَتْ تَنْفلتُ مِنْهُ فِي بَعْضِ الأَوقَات كَلِمَات تُنكر عَلَيْهِ فِي السُّنَّةِ، فَيُستفتَى عَلَيْهِ فِيْهَا، ويضيق صدره من أجلها.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "3/ 354"، والبخاري "614" و"4719"، وفي "خلق أفعال العباد" "ص29"، وأبو داود "529"، والترمذي "211"، والنسائي "2/ 26-28"، وفي "عمل اليوم والليلة" "46"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" "1/ 146"، وابن خزيمة "420"، والطبراني في "الصغير" "1/ 420"، والبيهقي "1/ 410"، وابن أبي عاصم في "السنة" "826"، والبغوي "420"، من طرق عن علي بن عياش قال: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بن المنكدر، عن جابر، به مرفوعا.(15/464)
وَقَالَ الحَافِظُ سَيْف الدِّيْنِ ابْن المَجْدِ: هُوَ كَثِيْر الوَهْمِ جِدّاً، فَإِنَّ فِي مَشْيَخته مَعَ صغرهَا أَوْهَاماً: قَالَ فِي حَدِيْث: أَخْرَجَهُ البُخَارِيّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُثَنَّى، عَنِ الفَضْلِ بنِ هِشَامٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنِ الفَضْلِ بنِ مُسَاوِر، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ. وَقَالَ فِي آخَرَ: أَخْرَجَهُ البُخَارِيّ، عَنْ عَبْدِ الله بن منير، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَار، وَبَينَهُمَا أَبُو النَّضْرِ، فَأَسقطه. وَقَالَ فِي حَدِيْث: أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَثْرَم، وَإِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ. وَقَالَ فِي آخَرَ: أَخْرَجَهُ البُخَارِيّ عَنِ الأُوَيْسِيّ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ فِي آخَرَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَإِنَّمَا هُوَ حَدَّثَنَا حَاتِم. وَفِي آخَرَ: حَدَّثَنَا أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ العُشَارِيّ، وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو طَالِبٍ. وَقَالَ: حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ، عَنْ عَفَّانَ بن كَاهِلٍ، وَإِنَّمَا هُوَ هِصَّان بن كَاهِلٍ. وَقَالَ: أَخْرَجَهُ البُخَارِيّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ أَبِي إِيَاسٍ، وَإِنَّمَا هُوَ آدَم. وَفِي وَفَاةِ يَحْيَى بن ثَابِتٍ، وَابْن خُضَيْرٍ، وَابْن المُقَرّبِ ذكر مَا خُولِفَ فِيْهِ.
قُلْتُ: هذَة عُيُوب وَحشَة في جزئين.
قَالَ السَّيْف: سَمِعْتُ ابْنَ نُقْطَةَ يَقُوْلُ: قِيْلَ لابْنِ الأَخْضَرِ: إلَّا تُجيب عَنْ بَعْض أَوهَام ابْن الجَوْزِيّ? قَالَ: إِنَّمَا يُتَتَبَّع عَلَى مَنْ قل غلطه، فأما هذا، فأوهامه كثيرة.
ثُمَّ قَالَ السَّيْفُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً يُعتَمَدُ عَلَيْهِ فِي دِيْنِهِ وَعِلْمِهِ وَعَقْلِهِ رَاضياً عَنْهُ.
قُلْتُ: إِذَا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَلاَ اعْتِبَار بِهِم.
قَالَ: وَقَالَ جَدِّي: كَانَ أَبُو المُظَفَّرِ ابْنُ حَمْدِيٍّ يُنكر عَلَى أَبِي الفَرَجِ كَثِيْراً كَلِمَات يُخَالِف فِيْهَا السُّنَّة.
قَالَ السَّيْف: وَعَاتَبَه أبو الفتح بن المَنِّيِّ فِي أَشيَاء، وَلَمَّا بَان تَخْلِيطه أَخيراً، رَجَعَ عَنْهُ أَعيَان أَصْحَابنَا وَأَصْحَابه.
وَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ العَلْثِيّ يُكَاتِبهُ، وَيُنْكِر عَلَيْهِ.
أَنْبَأَنِي أَبُو مَعْتُوْقٍ مَحْفُوْظ بن مَعْتُوْق ابْن البُزُوْرِيّ فِي "تَارِيْخِهِ" فِي تَرْجَمَة ابْن الجَوْزِيّ يَقُوْلُ: فَأَصْبَح في مذهبه إمامًا يُشَار إِلَيْهِ، وَيَعقد الخنصرُ فِي وَقْتِهِ عَلَيْهِ، درّس بِمَدْرَسَة ابْن الشّمحل، وَبمَدْرَسَة الجهَة بَنَفْشَا، وَبمَدْرَسَة الشَّيْخ عَبْد القَادِرِ، وَبَنَى لِنَفْسِهِ مدرسَة بدرب دينار، ووقف عَلَيْهَا كتبه، بَرَعَ فِي العلُوْم، وَتَفَرَّد بِالمَنْثُوْر وَالمنظوم، وَفَاق عَلَى أُدبَاء مصره، وَعلاَ عَلَى فُضلاَء عصره، تَصَانِيْفه تَزِيد عَلَى ثَلاَث مائَة وَأَرْبَعِيْنَ مُصَنّفاً مَا بَيْنَ عِشْرِيْنَ مُجَلَّداً إِلَى كرَّاس، وَمَا أَظَنّ الزَّمَان يَسمح بِمِثْلِهِ، وَلَهُ كِتَاب "الْمُنْتَظِم"، وَكِتَابُنَا ذَيْلٌ عَلَيْهِ.(15/465)
قَالَ سِبْطه أَبُو المُظَفَّرِ: خَلَّفَ مِنَ الوَلَدِ عَلِيّاً، وَهُوَ الَّذِي أَخَذَ مُصَنَّفَات وَالِده، وَبَاعهَا بيع العبيد، وَلِمَنْ يَزِيْد، وَلَمَّا أُحْدِر وَالِده إِلَى وَاسِط، تَحَيّل عَلَى الكُتُب بِاللَّيْلِ، وَأَخَذَ مِنْهَا مَا أَرَادَ، وَبَاعهَا وَلاَ بِثمن المدَاد، وَكَانَ أَبُوْهُ قَدْ هَجره مُنْذُ سِنِيْنَ، فَلَمَّا امْتحن، صَارَ أَلَباً عَلَيْهِ. وَخلّف يُوْسُف مُحْيِي الدِّيْنِ، فَولِي حسبَة بَغْدَاد فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَترسّل عَنِ الخُلَفَاء إِلَى أَنْ وَلِي فِي سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ أُسْتَاذ دَارِية الخِلاَفَة. وَكَانَ لجدِّي وَلد أَكْبَرُ أَوْلاَده اسْمه عَبْد العَزِيْزِ، سَمَّعَهُ مِنَ الأُرْمَوِيّ وَابْن نَاصِر، ثُمَّ سَافر إِلَى المَوْصِل، فَوَعَظ بِهَا، وَبِهَا مَاتَ شَابّاً، وَكَانَ لَهُ بنَات: رَابِعَةُ أُمِّي، وَشَرَف النِّسَاءِ، وَزَيْنَب، وَجَوْهَرَة، وَسِتّ العُلَمَاءِ الصّغِيرَة.(15/466)
لؤلؤ العادلي، حماد بن هبة الله:
5369- لُؤْلُؤٌ العَادِلِيُّ 1:
الحَاجِبُ مِنْ أَبْطَالِ الإِسْلاَمِ، وَهُوَ كَانَ المَنْدُوْبُ لِحَرْبِ فِرنج الكَرَك الَّذِيْنَ سَارُوا لأَخْذِ طيبَة، أَوْ فِرنج سِوَاهُم سَارُوا فِي البحر المالح، فلم يسر لُؤْلُؤ إلَّا وَمَعَهُ قُيُود بَعْددهُم، فَأَدْرَكهُم عِنْد الْفَحْلَتَيْنِ، فَأَحَاط بِهِم، فَسلّمُوا نُفُوْسهُم، فَقيّدهُم، وَكَانُوا أَكْثَر مِنْ ثَلاَث مائَة مقَاتل، وَأَقْبَلَ بِهِم إِلَى القَاهِرَة، فَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً.
وَكَانَ شَيْخاً أَرمنِيّاً مِنْ غلمَان العَاضد، فَخدم مَعَ صَلاَح الدِّيْنِ، وَعُرف بِالشَّجَاعَة وَالإِقدَام، وَفِي آخِرِ أَيَّامه أَقْبَل عَلَى الخَيْر وَالإِنفَاق فِي زَمَنِ قَحط مِصْر، وَكَانَ يَتَصَدَّق فِي كُلِّ يَوْم بِاثْنَيْ عشرَ أَلف رَغِيْف مَعَ عِدَّة قُدُور مِنَ الطَّعَام. وَقِيْلَ: إِنَّ الملاعِين التجؤُوا مِنْهُ إِلَى جبل، فَترَجَّل، وَصعد إِلَيْهِم فِي تِسْعَة أَجنَاد، فَأَلقَى فِي قُلُوْبهم الرّعب، وَطَلَبُوا مِنْهُ الأَمَان، وَقُتلُوا بِمِصْرَ، تَولَّى قتلهُم العُلَمَاء وَالصَّالِحُوْنَ.
تُوُفِّيَ لُؤْلُؤ -رَحِمَهُ الله- بِمِصْرَ فِي صَفَرٍ سَنَة ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
5370- حَمَّادُ بنُ هِبَةِ الله 2:
ابن حماد بن الفضل، الإمام المحدث، الصادق، أبو الثناء الحَرَّانِيُّ التَّاجِرُ السَّفَّارُ.
رَحل إِلَى مِصْرَ وَالعِرَاق وَخُرَاسَانَ، وَكَتَبَ، وَخَرَّجَ وَأَفَاد. وَلَهُ نَظْمٌ، وَأَدب، وسيرة حميدة.
روى عن: إسماعيل بن السمرقندي، -وهو أكبر شيوخه- وأبي بكر بن الزاغوني،
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 336-337".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 181"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 335".(15/466)
وسعيد بن البَنَّاءِ، وَأَبِي النَّضْرِ الفَامِيّ، وَسَالِم بن عَبْدِ اللهِ العُمَرِيّ، وَعَبْد السَّلاَّم بن أَحْمَدَ الإِسكَاف، وَابْن رِفَاعَةَ، وَالسِّلَفِيّ، وَابْن البَطِّيِّ، وَخَلْق.
حَدَّثَ عَنْهُ: عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ العُلَيْمِيّ، وَابْن أُخْته محمد بن عماد، والتاج بن أَبِي جَعْفَرٍ، وَطَائِفَة.
وَأَجَازَ لأَحْمَدَ بن أَبِي الخَيْرِ.
وَكَانَ لَهُ عَمل جَيِّد فِي الحَدِيْثِ.
قَالَ ابْن النَّجَّارِ: قَرَأْت بِخَطِّ حَمَّاد الحَرَّانِيّ: مَوْلِدِي بَعْد سِتِّيْنَ يَوْماً مِنْ سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَتُوُفِّيَ بِحَرَّانَ فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا: تُوُفِّيَ أَحْمَد بن تَزمش الخَيَّاط، وَأَسَعْد بن أَحْمَدَ بنِ أَبِي غَانِم الثَّقَفِيّ الفَقِيْه، أَخُو زَاهِر، عَنْ ثَلاَث وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَأَبُو طَاهِرٍ الخُشُوْعِيّ، وَالمُحَدِّثُ الشَّرِيْف جَعْفَر بن مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ العَبَّاسِيّ شَابّاً، وَسَعْد بن طَاهِرٍ المزدقَانِيّ الأَمِيْر، وَأَبُو بَحْرٍ صَفْوَان بن إِدْرِيْسَ المُرْسِيّ الكَاتِب أَحَد البلغَاء الكِبَار، وَعَبْد اللهِ بن أَبِي المَجْدِ الحَرْبِيّ رَاوِي المُسْنَد، وَالقَاضِي عَبْد الرحمن بن أَحْمَدَ ابْنِ العُمَرِيِّ عَنْ بِضْع وَثَمَانِيْنَ سنةً. وزين القضاة عبد الرحمن بن سُلْطَان القُرَشِيّ الزكوِيّ، وَعَبْد الرَّحِيْمِ بن أَبِي القَاسِمِ الجُرْجَانِيّ الشَّعْرِيّ أَخُو زَيْنَب، وَخَطِيْب دِمَشْق ضِيَاء الدِّيْنِ الدَّوْلَعِيّ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ يَعِيشَ البَغْدَادِيّ، وَقَاضِي القُضَاةِ مُحْيِي الدِّيْنِ مُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ مُحَمَّد بن الزَّكِيِّ، وَأَبُو الهمَامِ مَحْمُوْد بن عَبْدِ المنعم التميمي، وهبة الله بن الحسن بن السِّبْطِ، وَأَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ البُوصِيْرِيّ.(15/467)
5371- الشهاب الطوسي 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ، العَالِمُ العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ، شِهَابُ الدِّيْنِ، أَبُو الفَتْحِ، مُحَمَّدُ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ مُحَمَّدٍ الخُرَاسَانِيُّ الطُّوْسِيُّ صَاحِبُ الفَقِيْهِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى.
وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَحَدَّثَ عَنْ أَبِي الوَقْتِ السِّجْزِيِّ، وَغَيْرِهِ.
وَقَدِمَ بَغْدَادَ، وَعَظُمَ قَدْرُهُ، وَصَاهر قَاضِي القُضَاةِ أَبَا البركات بن الثَّقَفِيِّ، ثُمَّ حَجَّ، وَأَتَى مِصْر سَنَة تِسْعٍ وسبعين، ونزل بالخانقاه، وتردد إليه الفقهاء.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 159"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 327-328".(15/467)
وَرَوَى عَنْهُ: الإِمَام بَهَاء الدِّيْنِ ابْن الجُمَّيْزِيِّ، وَشِهَاب الدِّيْنِ القُوْصِيّ.
ثُمَّ درّس بِمَنَازِل العِزّ، وَتَخَرَّجَ بِهِ أَئِمَّة، وَكَانَ جَامِعاً لِلْفنُوْن، غَيْر مُحتفلٍ بِأَبْنَاء الدُّنْيَا. وَعظ بِجَامِع مِصْر مُدَّة.
قَالَ الإِمَامُ أَبُو شَامَةَ: قِيْلَ: إِنَّهُ قَدِمَ بَغْدَادَ، فَكَانَ يَرْكُب بِالسّنجق وَالسُّيوف المسلّلَة وَالغَاشيَة وَالطّوق فِي عُنُق البَغْلَة، فَمُنِعَ مِنْ ذَلِكَ، فَسَافر إِلَى مِصْرَ، وَوعظ، وَأَظهر مَقَالَة الأَشْعَرِيّ، فَثَارت الحنَابلة، وَكَانَ يَجرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَيْن الدِّيْنِ ابْن نُجَيَّةَ كَبِيْرهُم العَجَائِب وَالسّبُّ.
قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ سُئِلَ: أَيُّمَا أَفْضَلُ دَم الحُسَيْن، أَوْ دَم الحَلاَّجِ? فَاسْتعظم ذَلِكَ، قَالُوا: فَدم الحَلاَّج كتب عَلَى الأَرْضِ: الله، الله، وَلاَ كَذَلِكَ دَمُ الحُسَيْن?! قَالَ: المتَّهم يَحتَاج إِلَى تَزكية!
قُلْتُ: لَمْ يَصحَّ هَذَا عَنْ دَم الحَلاَّج، وَليسَا سَوَاء: فَالحُسَيْن -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- شَهِيد قُتِلَ بِسيف أَهْل الشَّرّ، وَالحَلاَّج فَقُتل عَلَى الزَّنْدَقَة بِسيف أَهْل الشّرع.
وَقَالَ المُوَفَّق عَبْد اللَّطِيْفِ: كَانَ طُوَالاً، مَهِيْباً، مِقْدَاماً، سَادّ الجَوَاب فِي المحَافل، أَقْبَل عَلَيْهِ تَقِيّ الدِّيْنِ عُمَر، وَبَنَى لَهُ مَدْرَسَة، وَكَانَ يُلقِي الدّرس مِنْ كِتَاب، وَكَانَ يَرتَاعه كُلّ أَحَد، وَهُوَ يَرتَاع مِنَ الخُبُوْشَانِيّ، وَيَتضَاءل لَهُ، وَكَانَ يَحمق بظرَافَة، وَيَتيه عَلَى المُلُوْك بلباقَة، وَيُخَاطب الفُقَهَاء بصرَامَة، عرض لَهُ جُدَرِيّ بَعْد الثَّمَانِيْنَ عَمّ جسده، وجاء يوم عيد، وَالسُّلْطَان بِالمَيْدَان، فَأَقْبَل الطُّوْسِيّ وَبَيْنَ يَدَيْهِ مُنَادٍ يُنَادِي: هَذَا ملك العُلَمَاء، وَالغَاشيَة عَلَى الأَصَابع، فَإِذَا رَآهَا المُجَّان، قرَأَوا: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغَاشِيَةِ: 1] ، الغَاشِيَةُ فَتفرّق الأُمَرَاء غَيظاً مِنْهُ. وَجَرَى لَهُ مَعَ العَادل وَمَعَ ابْن شكر قضَايَا عَجِيْبَة، لما تَعرضُوا لأَوقَاف المدَارس، فَذبّ عَنِ النَّاس، وَثبت.
قَالَ ابْن النَّجَّارِ: مَاتَ بِمِصْرَ فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ وَحمله أَوْلاَد السُّلْطَان عَلَى رِقَابِهِم، رَحِمَهُ الله.(15/468)
السديد، البوصيري:
5372- السديد 1:
إِمَامُ الطِّبِّ، بقرَاطُ العَصْرِ، شَرَفُ الدِّيْنِ، أَبُو المَنْصُوْرِ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ دَاوُدَ بنِ مُبَارَكٍ.
أَخَذَ الفنّ عَنْ أَبِيْهِ الشَّيْخ السَّدِيْد، وَعدلاَنَ بن عَيْن زَرْبِيّ.
وَسَمِعَ بِالثَّغْرِ مِنِ ابْنِ عَوْفٍ، وَصَارَ رَئِيْس الأَطبَّاء بِمِصْرَ، وَخدم ملوكهَا، وَأَخَذَ عَنْهُ الأَطبَّاء، وَأَقْبَلت عَلَيْهِ الدُّنْيَا، وَخدم العَاضد صَاحِب مِصْر، وَطَالَ عُمُرُهُ.
أَخَذَ عَنْهُ شَيْخ الأَطبَّاء النَّفِيْس بن الزُّبَيْرِ، فَرَوَى عَنْهُ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ أَبِيْهِ عَلَى الْآمِر العُبَيْدِيّ.
وَحَكَى ابْنُ أَبِي أُصَيْبِعَةَ عَنْ أَسَعْدِ الدِّيْنِ أَنَّ السَّديْد حَصَلَ لَهُ فِي نهار ثَلاَثُوْنَ أَلْفَ دِيْنَار.
وَنَقَلَ عَنْهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ خَتَنَ وَلَدَيِ الحَافِظ لِدِيْنِ اللهِ، فَحصَلَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ نَحْو خَمْسِيْنَ أَلْفَ دِيْنَار.
وَكَانَ السُّلْطَان صَلاَح الدِّيْنِ يَحترمه، وَيَعتمد عَلَى طبّه.
مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. وقيل: اسمه داود.
5373- البوصيري2:
الشَّيْخُ العَالِمُ المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ الدِّيَارِ المِصْرِيَّة، أَمِيْن الدِّيْنِ، أَبُو القَاسِمِ، سَيِّدُ الأَهْلِ، هِبَةُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ سعُوْدِ بنِ ثَابِتِ بنِ هَاشِمِ بنِ غَالِبٍ الأَنْصَارِيُّ الخَزْرَجِيُّ، المُنَسْتِيْريُّ الأَصْلِ البوصيري المِصْرِيُّ، الأَدِيْبُ الكَاتِبُ.
وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مَعَ السِّلَفِيّ مِنْ أَبِي صَادِق مُرْشِد بن يَحْيَى المَدِيْنِيّ، وَمُحَمَّد بن بَرَكَات السعيدي، وأبي الحسن علي بن الفَرَّاءِ، وَالفَقِيْه سُلْطَان بن إِبْرَاهِيْمَ المَقْدِسِيّ، وَالخفرَة بِنْت فَاتكٍ، وَجَمَاعَة.
وَأَجَازَ لَهُ أَبُو عَبْدِ الله بن الحطاب الرازي، وأبو الحسن بن الفَرَّاءِ.
وَسَمِعَ مِنَ الرَّازِيّ أَيْضاً، وَمِنَ السِّلَفِيّ، وَحَدَّثَ وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ، وَرُحِلَ إِلَيْهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحُفَّاظ: عَبْد الغَنِيِّ، وَابْن المُفَضَّلِ، وَالضِّيَاء، وَابْن خليل، وأبو الحسن
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 309".
2 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "6/ ترجمة 778"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 182"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 338" ووقع عنده [ابن مسعود] بدل [ابن سعود] .(15/469)
السخاوي، وأبو سليمان بن الحَافِظِ، وَخَطِيْب مَرْدَا، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ مَكَارِم، وأبو عمرو بن الحَاجِبِ، وَإِسْمَاعِيْل بن عَزُّوْنَ، وَإِسْمَاعِيْل بن صَارم، وَعَبْد اللهِ بن علاق، وَعَبْد الغَنِيِّ بن بَنِينَ، وَعَدَد كَثِيْر.
وَأَجَازَ لِشيخنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ، بَلْ وَأَجَازَ لِمَنْ أَدْرَكَ حيَاته، نَقل ذَلِكَ المُحَدِّث حَسَن بن عَبْدِ البَاقِي الصَّقَلِّيّ فِيمَا قرَأَه بِخَطِّهِ المُحَدِّث أَحْمَد بن الجَوْهَرِيّ.
وَقَالَ الشَّيْخُ الضِّيَاء: كَانَ قَدْ ثقُلَ سَمْعَهُ، وَكَانَ يَسْمَع بِأُذُنِهِ اليُسْرَى أَجْوَد، وَكَانَ شرساً، شَاهِدته وَشيخنَا عَبْد الغَنِيِّ يَقرَأُ عَلَيْهِ مِنَ البُخَارِيّ حَدِيْث: "لاَ إِلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ" 1 فَقَالَ: لَيْسَ فِيْهَا "يحيي ويميت".
تُوُفِّيَ البُوْصِيْرِيُّ فِي ثَانِي صفر سَنَة ثَمَانٍ وتسعين وخمس مائة.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "844"، ومسلم "593"، وأبو داود "1505"، والنسائي "3/ 70".(15/470)
5374- ابن موقى 1:
الشَّيْخُ الفَقِيْهُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، أَبُو القَاسِمِ، عبد الرحمن بنُ مَكِّيٍّ بنِ حَمْزَةَ بنِ مُوَقَّى بنِ عَلِيٍّ الأَنْصَارِيُّ السَّعْدِيُّ الثَّغْرِيُّ المَالِكِيُّ التَّاجِرُ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ عَلاَّسٍ.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الرَّازِيّ "مَشْيَخته" وَأَجَازَ لَهُ، وَهُوَ خَاتمَة أَصْحَابه.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ المُفَضَّلِ، وَالزَّيْن مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بن النَّحْوِيِّ، وَأَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ اللَّخْمِيّ، وأحمد بن عبد الله بن النَّحَّاسِ، وَأَخُوْهُ مَنْصُوْر، وَجَعْفَر بن تَمَّام، وَالحُسَيْن وَعَبْد اللهِ ابْنَا أَحْمَدَ بنِ خُلَيْد الكِنَانِيّ، وَالحَسَن بن عُثْمَانَ المُحْتَسِب، وَهِبَة اللهِ بن رُوَيْنَ، وَعُثْمَان بن هِبَةِ اللهِ بنِ عَوْفٍ، وآخرون آخرهم ابن عوف.
قَالَ الحَافِظُ عَبْد العَظِيْمِ المُنْذِرِيّ: لَمْ يَزَلْ صَحِيْح السَّمْع وَالبصر وَالجَسَد إِلَى أَنْ مَاتَ، وَتَصدّق مِنْ ثلثه بِأَلف دِيْنَار بَعْد مَوْته.
تُوُفِّيَ فِي سَلْخِ رَبِيْع الآخِرِ سَنَةَ تِسْعٍ وتسعين وخمس مائة، وله أربع وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ قَحْطَبَة الفَرْغَانِيّ ثُمَّ البَغْدَادِيّ بن أُشْنَانَة، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ دَهْبَل بن كَارِهٍ الحَرِيْمِيّ، وَقَاضِي فَاس أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
عِيْسَى التَّادَلِيّ الفَاسِيّ، وَعَبْد اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ عليَّانَ الحَرْبِيّ، وَالوَاعِظ زَيْن الدِّيْنِ عَلِيّ بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ نَجَا الحَنْبَلِيّ بِالشَّارع، وَعَلِيّ بن حَمْزَةَ الكَاتِب بِمِصْرَ، وَعَلِيّ بن خَلَف بن مَعْزُوْز بِالمُنْيَةِ، وَالسُّلْطَان غِيَاث الدِّيْنِ مُحَمَّد بن سَام بن حُسَيْنٍ الغُوْرِيّ، وَقَاضِي القُضَاةِ بِبَغْدَادَ ضِيَاء الدِّيْنِ القَاسِم بن يَحْيَى الشّهروزِيّ، ثُمَّ قَاضِي حمَاة، وَالزَّاهِد الكَبِيْر أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُرَشِيّ الأَنْدَلُسِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي جَمْرَةَ مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ، وَشِهَاب الدِّيْنِ محمد بن يوسف الغزنوي بالقاهرة، والمبارك بن المَعْطُوْشِ، وَمَحْمُوْد بن أَحْمَدَ العَبْدَكَوِيّ، وَمَسْعُوْد بن عَبْدِ اللهِ بنِ غَيْثٍ الدَّقَّاق، وَيُوْسُف بن الطفيل الدمشقي.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 183".(15/470)
5375- ابن نجية 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِمُ الرَّئِيْسُ الجَلِيْلُ الوَاعِظُ، الفَقِيْهُ، زين الدين، أبو الحَسَنِ، عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ نَجَا بنِ غَنَائِمَ الأَنْصَارِيُّ الدِّمَشْقِيُّ الحَنْبَلِيُّ نَزِيْلُ الشَّارعِ بِمِصْرَ، ويعرف بابن نجية.
ولد بدمشق في سَنَة ثَمَانٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ قُبَيْسٍ المَالِكِيِّ، وَمِنْ خَالِهِ شَرَفِ الإِسْلاَمِ، عَبْدُ الوَهَّابِ ابْنُ الشَّيْخِ أَبِي الفَرَجِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ مُحَمَّدٍ الحَنْبَلِيِّ، وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ الأَشْقَرِ، وَأَبِي سَعِيْدٍ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيِّ، وَابْنِ نَاصِرٍ، وَمَوْهُوْبِ بنِ الجَوَالِيْقِيِّ، وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ جَامِعَ أَبِي عِيْسَى مِنْ عَبْدِ الصَّبُوْرِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ الهَرَوِيِّ، وَسَمِعَ مِنَ الحَافِظِ عَبْدِ الخَالِقِ اليُوْسُفِيِّ، وَسَعْدِ الخَيْرِ الأَنْصَارِيِّ، وَتَزَوَّجَ بَابْنتِهِ المُسْنِدَةِ فَاطِمَةَ.
كتب عَنْهُ أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ حكَايةً.
وَوعظَ بِجَامِعِ القَرَافَةِ مُدَّةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ خَلِيْلٍ، والشيخ الضياء، ومحمد بن البهاء، وأبو سُلَيْمَانَ ابْنُ الحَافِظِ، وَالزَّكِيُّ المُنْذِرِيُّ، وَعَبْدُ الغَنِيِّ بنُ بَنِينَ، وَالحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ أَيْضاً.
وَبِالإِجَازَةِ: أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ، وَغَيْرُهُ.
وَكَانَ صدراً مُحْتَشِماً نبيلاً، ذَا جَاهٍ وَرِيَاسَةٍ وَسُؤْدُدٍ وَأَمْوَالٍ وتجمل وافر، واتصال بالدولة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 183-184".(15/471)
تَرَسَّلَ لنُوْرِ الدِّيْنِ إِلَى الدِّيْوَانِ العَزِيْزِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ مليحَ الوعظِ، لطيفَ الطَّبعِ، حلوَ الإِيرَادِ، كَثِيْرَ المَعَانِي، مُتَدَيِّناً، حَمِيْدَ السِّيرَةِ، ذَا مَنْزِلَةٍ رفِيعَةٍ، وَهُوَ سِبْطُ الشَّيْخِ أَبِي الفَرَجِ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: كَانَ كَبِيْرَ القَدْرِ، مُعَظَّماً عِنْدَ صَلاَحِ الدِّيْنِ، وَهُوَ الَّذِي نَمَّ عَلَى الفَقِيْهِ عُمَارَةَ اليَمَنِيِّ وَأَصْحَابِهِ بِمَا كَانُوا عزمُوا عَلَيْهِ مِنْ قَلْبِ الدَّوْلَةِ، فَشنقَهُم صَلاَحُ الدِّيْنِ وَكَانَ صَلاَحُ الدِّيْنِ يُكَاتِبُهُ، وَيُحضِرُهُ مَجْلِسَهُ، وَكَذَلِكَ وَلدُهُ الملكُ العَزِيْزُ مِنْ بَعْدِهِ، وَكَانَ وَاعِظاً مُفَسِّراً، سَكَنَ مِصْرَ، وَكَانَ لَهُ جَاهٌ عَظِيْمٌ، وَحُرمَةٌ زَائِدَةٌ، وَكَانَ يَجرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشِّهَابِ الطُّوْسِيِّ العَجَائِبُ، لأَنَّه كَانَ حَنْبَليّاً، وَكَانَ الشِّهَابُ أَشعرِيّاً وَاعِظاً. جلسَ ابْنُ نُجَيَّةَ يَوْماً فِي جَامِعِ القرَافَةِ، فَوَقَعَ عَلَيْهِ وَعَلَى جَمَاعَةٍ سقفٌ، فَعملَ الطُّوْسِيُّ فَصْلاً ذَكَرَ فِيْهِ: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النَّحْلُ: 26] . جَاءَ يَوْماً كلبٌ يَشقُّ الصُّفوفَ فِي مَجْلِسِ ابْنِ نُجَيَّةَ، فَقَالَ: هَذَا من هناك، وأشار إلى جهة الطوسي.
قَالَ أَبُو المُظَفَّرِ السِّبْطُ: اقتنَى ابْنُ نُجَيَّةَ أَمْوَالاً عَظِيْمَةً، وَتنعَّمَ تَنعُّماً زَائِداً، بِحَيْثُ أَنَّهُ كَانَ فِي دَارِهِ عِشْرُوْنَ جَارِيَةً لِلْفِرَاشِ، تُسَاوِي كُلُّ وَاحِدَةٍ أَلفَ دِيْنَارٍ وَأَكْثَرَ، وَكَانَ يُعمَلُ لَهُ مِنَ الأَطعمَةِ مَا لاَ يُعمَلُ لِلمُلُوْكِ، أَعْطَاهُ الخُلَفَاءُ وَالمُلُوْكُ أَمْوَالاً جَزِيْلَةً. قَالَ: وَمَعَ هَذَا مَاتَ فَقيراً كفَّنَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ.
قَالَ المُنْذِرِيُّ: مَاتَ فِي سَابعِ رَمَضَانَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. وَمَاتَتْ بَعْدَهُ زوجتُهُ فَاطِمَةُ بسنة.(15/472)
5376- علي بن حمزة 1:
ابن علي بن طلحة بن علي، الشَّيْخُ الجَلِيْلُ أَبُو الحَسَنِ بنُ أَبِي الفُتُوْحِ، الكَاتِبُ البَغْدَادِيُّ. وُلِدَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ.
وَسَمِعَ مِنْ هِبَةِ اللهِ بنِ الحُصَيْنِ، وَوَلِيَ الحجَابَةَ بِبَابِ النّوْبِيِّ، وَكَانَ يَكتبُ خَطّاً بَدِيْعاً، وَسَكَنَ مصر.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاءُ، وَخَطِيْبُ مَرْدَا، وَجَمَاعَةٌ.
وَكَانَ أَبُوْهُ وَكيلاً لِلمُسْترشدِ بِاللهِ.
مَاتَ عليٌّ فِي غرَّةِ شَعْبَان سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ بِمِصْرَ.
كَانَ أَبُوْهُ أَخَا المُسْترشدِ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَبَلَّغَهُ أَعْلَى المَرَاتِبِ، وَبعدَهُ تَزَهَّدَ، وَلَزِمَ العِبَادَةَ، وَبَنَى مَدْرَسَةً لِلشَافِعِيَّةِ، وَحَدَّثَ عَنِ ابْنِ بيَانٍ الرَّزَّازُ. تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وخمس مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 184"، وشذرات الذهب "4/ 342".(15/472)
ابن المارستانية، ابن أبي جمرة
5377- ابن المارستانية 1:
الصَّدْرُ الكَبِيْرُ، الأَدِيْبُ البَلِيْغُ، أَبُو بَكْرٍ عُبَيْدُ الله بن علي بن نصر بن حمزة التيمي.
قرَأَ الفِقْهَ وَالآدَابَ، وَصَنَّفَ وَسَادَ، إلَّا إِنَّهُ زَوَّرَ لِنَفْسِهِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنَ الأُرْمَوِيِّ.
وَقَدْ سَمِعَ مِنِ ابْنِ البَطِّيِّ وَطَبَقَتِهِ، وَقرَأَ الكَثِيْرَ، وَحصَّلَ، وَقرَأَ الطِّبَّ وَالفَلْسَفَةَ، وَعَمِلَ الكِتَابَةَ، ثُمَّ نُفِّذَ رَسُوْلاً إِلَى ابْنِ البَهْلوَانِ، فَمَاتَ بتَفْلِيْسَ فِي آخِرِ سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ عَنْ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً. وَكَانَ كَذَّاباً.
5378- ابن أبي جمرة 2:
الشَّيْخُ الإِمَامُ المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ المَغْرِبِ، أَبُو بَكْرٍ، مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مُوْسَى بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ وَليدِ بنِ أَبِي جَمْرَةَ الأُمَوِيُّ، مَوْلاَهُم، الأَنْدَلُسِيُّ المُرْسِيُّ.
سَمِعَ الكَثِيْرَ مِنْ وَالِدِهِ، مِنْ ذَلِكَ: التَّيْسِيْر لأَبِي عَمْرٍو الدَّانِيِّ، بِإِجَازتِهِ مِنَ الدَّانِيِّ.
وَسَمِعَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَسودَ، وَمِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَأَجَازَ لَهُ أَبُو بَحْرٍ سفيان بن العاص، والفقيه أبو الوليد بن رُشْدٍ، وَأَبُو الحَسَنِ شُرَيحٌ، وَخَلْقٌ. وَقَدْ عرضَ "المدونة" على أبيه.
قَالَ الأَبَّارُ: عُنِيَ بِالرَّأْيِ وَحفظهُ، وَوَلِيَ خُطَّةَ الشُّوْرَى وَهُوَ ابْنُ نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَتَقلَّدَ قَضَاءَ مُرْسِيَةَ وَشَاطِبَةَ مَرَّاتٍ، وَكَانَ بَصِيْراً بِمَذْهَبِ مالك، عاكفًا عَلَى نشرِهِ، فَصِيْحاً، حَسَنَ البيَانِ، عدلاً، جزلاً، عرِيقاً فِي النَّباهَةِ وَالوجَاهَةِ.
صَنَّفَ كِتَابَ "نَتَائِج الأَفكَارِ فِي معَانِي الآثَارِ" أَلَّفَهُ عِنْدَمَا أَوقعَ السُّلْطَانُ بِالمَالِكِيَّةِ، وَأَمرَ بِإِحرَاقِ "المُدَوَّنَةِ"، وَلَهُ "إِقليدُ الإِقليدِ المُؤدِّي إِلَى النَّظَرِ السَّديْدِ".
قرَأَ عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَوْطِ اللهِ "المُوَطَّأَ" بِسَمَاعِهِ مِنْ أَبِيْهِ عَنْ جَدِّهِ قِرَاءةً. وَتَكلَّمَ فِيْهِ بَعْضُ النَّاسِ بكَلاَمٍ لاَ يَقدَحُ فِيْهِ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ أَبُو عُمَرَ بنُ عَاتٍ وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ زُلاَلٍ. وَكَتَبَ إِلَيَّ بِالإِجَازَةِ، وَأَنَا ابْنُ عَامَيْنِ، وَهُوَ أَعْلَى شُيُوْخِي إِسْنَاداً.
مَاتَ بِمُرْسِيَةَ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ عَنْ نَيِّفٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ أَبُو الرَّبِيْعِ بنُ سَالِمٍ: ظهرَ مِنْهُ فِي بَابِ الرِّوَايَةِ اضطرَابٌ طَرَّقَ الظِّنَّةَ إِلَيْهِ، وَأَطلَقَ الأَلسَنَةَ عَلَيْهِ.
قُلْتُ: وَقَدْ سَمِعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ التَّيْسِيْرَ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ جوبر بِسَمَاعِهِ مِنْهُ.
__________
1 ترجمته في لسان الميزان "4/ ترجمة 218"، وشذرات الذهب "4/ 339".
2 ترجمه في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 342".(15/473)
الهاشمي، ابن المعطوش:
5379- الهاشمي 1:
القُدْوَةُ الرَّبَّانِيُّ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ القُرَشِيُّ الهَاشِمِيُّ الأَنْدَلُسِيُّ، مِنَ الجَزِيْرَةِ الخَضْرَاءِ، لَهُ كَرَامَاتٌ فِيمَا يُقَالُ وَأَحْوَالٌ.
نزلَ بَيْتَ المَقْدِسِ، وَصحِبَهُ الصَّالِحُوْنَ.
صحِبَ جَمَاعَةً، وَلَهُ جَلاَلَةٌ عَجِيْبَةٌ وَشُهْرَةٌ.
مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ رَحِمَهُ الله.
5380- ابن المعطوش 2:
الشَّيْخُ العَالِمُ الثِّقَةُ، المُعَمَّرُ، أَبُو طَاهِرٍ، المُبَارَكُ بن المبارك بن هبة الله بن المَعْطُوْشِ الحَرِيْمِيُّ البَغْدَادِيُّ العَطَّارُ، أَخُو أَبِي القَاسِمِ المبارك.
ولد في رجب سنة Results
الهاشمي، ابن المعطوش
الهاشمي، ابن المعطوش:
5379- الهاشمي 1:
القُدْوَةُ الرَّبَّانِيُّ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ القُرَشِيُّ الهَاشِمِيُّ الأَنْدَلُسِيُّ، مِنَ الجَزِيْرَةِ الخَضْرَاءِ، لَهُ كَرَامَاتٌ فِيمَا يُقَالُ وَأَحْوَالٌ.
نزلَ بَيْتَ المَقْدِسِ، وَصحِبَهُ الصَّالِحُوْنَ.
صحِبَ جَمَاعَةً، وَلَهُ جَلاَلَةٌ عَجِيْبَةٌ وَشُهْرَةٌ.
مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ رَحِمَهُ الله.
5380- ابن المعطوش 2:
الشَّيْخُ العَالِمُ الثِّقَةُ، المُعَمَّرُ، أَبُو طَاهِرٍ، المُبَارَكُ بن المبارك بن هبة الله بن المَعْطُوْشِ الحَرِيْمِيُّ البَغْدَادِيُّ العَطَّارُ، أَخُو أَبِي القَاسِمِ المُبَارَكِ.
وُلِدَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِ مائة.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بن المهدي، وأبي الغَنَائِمِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المُهْتَدِي بِاللهِ، وَهِبَةِ اللهِ بنِ الحُصَيْنِ وَحَدَّثَ عَنْهُ بِجَمِيْعِ "المُسْنَدِ"، وَأَبِي المَوَاهِبِ أَحْمَدَ بنِ ملوك، والقاضي أبي بك، وَهُوَ آخرُ مَنْ سَمِعَ مِنِ ابْنِ المَهْدِيِّ وَابْنِ المُهْتَدِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ خليل، وابن النجار، وأبو موسى بن الحَافِظِ، وَاليَلْدَانِيُّ، وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالنَّجِيْبُ، وَآخَرُوْنَ.
وبالإجازة ابن أبي الخير، والفخر بن البُخَارِيِّ.
قَالَ ابْن الدُّبَيْثِيِّ: سَمَاعُهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَكَانَ يَقِظاً فَطِناً صَحِيْحَ السَّمَاعِ.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: تُوُفِّيَ فِي عَاشرِ جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَكَانَ سَمَاعُهُ صَحِيْحاً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَرَأْتُ عَلَيْهِ كَثِيْراً. وَكَانَ شَيْخاً مُتيقِّظاً، لطيفَ الطَّبعِ، مليحَ النَّادرَةِ، سرِيعَ الجَوَابِ، مِنْ مَحَاسِنِ النَّاسِ، قَرَأَ القُرْآنَ، وَطَلَبَ الحَدِيْثَ بِنَفْسِهِ، وَقرَأَ عَلَى المَشَايِخِ، وَكَتَبَ بِخَطِّهِ، وَعُمِّرَ حَتَّى تَفَرَّدَ بِأَكْثَر مَرْوِيَّاتِهِ. وحدث بمسند أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ مَرَّاتٍ، وَكَانَتِ الرِّحلةُ إِلَيْهِ. وَمتَّعَهُ اللهُ بِسَمْعِهِ وَبصرِهِ وَعقلِهِ إِلَى حِيْنِ وَفَاتِهِ، وَكَانَ مُكْرِماً لِمَنْ يَقصدُهُ مِنَ الطَّلبَةِ، بسامًا، مزاحًا.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان "4/ ترجمة 632"، والنجوم الزاهرة "6/ 184"، وشذرات الذهب "4/ 342".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 184"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 343" ووقع عنده [ابن المعطوس] بالسين المهملة بدل [ابن المعطوش] بالشين المعجمة.(15/474)
5381- العجلي 1:
الإِمَامُ العَلاَّمَةُ، مُفْتِي العَجَمِ، مُنْتَخَبُ الدِّينِ، أَبُو الفُتُوْحِ، أَسَعْدُ بنُ أَبِي الفَضَائِلِ مَحْمُوْدِ بنِ خَلَفِ بنِ أَحْمَدَ العِجْلِيُّ الأَصْبَهَانِيُّ الفَقِيْهُ الشَّافِعِيُّ الوَاعِظُ.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسمِعَ مِنْ فَاطِمَةَ الجُوْزْدَانِيَّةَ "المُعْجَمَ الصَّغِيْرَ" وَبَعْضَ "الكَبِيْرِ" أَوْ جَمِيْعَهُ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ الحَافِظِ، وَغَانِمِ بنِ أَحْمَدَ وَجَمَاعَةٍ. وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ فِي الكُهُوْلَة مِنِ ابْنِ البَطِّيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو نِزَارٍ رَبِيْعَةُ اليَمَنِيُّ، وَالحَافِظُ الضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَجَمَاعَةٌ. وَأَجَازَ لابْنِ أَبِي الخَيْرِ وَابْنِ البُخَارِيِّ.
وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ. لَهُ تَصَانِيْفُ.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: كَانَ زَاهِداً، لَهُ معرفة تامة بالمذهب، وكان يأكل مِنَ النَّسْخِ، وَعَلَيْهِ كَانَ المعتمَدُ فِي الفَتْوَى بِأَصْبَهَانَ.
وَقَالَ القَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ: هُوَ أَحَدُ الفُقَهَاءِ الأَعيَانِ، لَهُ كِتَابٌ فِي شَرْحِ مُشكلاَتِ "الوجِيْزِ" وَ"الوسيطِ" لِلْغزَالِيِّ، وَكِتَابُ "تَتمَّة التَّتِمَّة". تُوُفِّيَ بِأَصْبَهَانَ فِي الثَّانِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ صفرٍ سَنَةَ سِتِّ مائَةٍ.
وَقَالَ الحَافِظُ الضِّيَاءُ: شَيْخُنَا هَذَا كَانَ إِمَاماً مُصَنِّفاً، أَملَى وَوعظَ، ثُمَّ تَرَكَ الوعظَ، جمعَ كِتَاباً سَمَّاهُ "آفَاتِ الوُعَّاظِ"، سمعت منه "المعجم الصغير" للطبراني.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 186"، ووقع عند [أبو الفتح] بدل [أبو الفتوح] وشذرات الذهب "4/ 344".(15/475)
5382- الصفار 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ، المُعَمَّرُ، فَخرُ الإِسْلاَمِ، أَبُو سَعْدٍ، عَبْدُ اللهِ ابْنُ العَلاَّمَةِ أَبِي حَفْصٍ عُمَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَنْصُوْرِ ابْنِ فَقِيْهِ خُرَاسَانَ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ بنِ حَبِيْبِ ابْنِ الصَّفَّارِ النَّيْسَابُوْرِيُّ الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ جدِّهِ لأُمِّهِ الإِمَامِ أَبِي نصر بن القُشَيْرِيّ، فَكَانَ آخِرَ مَنْ رَوَى عَنْهُ، وَسَمِعَ مِنَ الفُرَاوِيِّ "صَحِيْحَ مُسْلِمٍ"، وَمِنْ عَبْدِ الجَبَّارِ بن مُحَمَّدٍ الخُوَارِيِّ، وَزَاهِرِ بنِ طَاهِرٍ، وَالحَافِظِ عَبْدِ الغَافِرِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَسَهْلِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَالفَضْلِ الأَبِيْوَرْدِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ صَاعِدٍ، وَمِنْ أَبِيْهِ، وَجَمَاعَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: بَدَلٌ التِّبْرِيْزِيُّ، وَنجمُ الدِّينِ أَبُو الجَنَّابِ الخَيْوَقِيُّ، وَأَبُو رَشِيْدٍ الغَزَّالُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ ظَفَرٍ، وَالقَاسِمُ بنُ أَبِي سَعْدٍ الصَّفَّارُ وَلَدُهُ، وَجَمَاعَةٌ.
وَبِالإِجَازَةِ: الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي عُمَرَ، وَابْنُ البُخَارِيِّ، وَطَائِفَةٌ.
وَكَانَ مِنَ الأَئِمَّةِ العُلَمَاءِ الأَثْبَاتِ.
وَمِنْ مَسْمُوْعَاتِهِ: "سُنَنُ الدَّارَقُطْنِيِّ" بفُوَيْتٍ مَعْلُوْمٍ عَلَى أَبِي القَاسِمِ الفَضْلِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَبِيْوَرْدِيِّ بِسَمَاعِهِ مِنْ أَبِي مَنْصُوْرٍ النّوْقَانِيِّ، بِسَمَاعِهِ مِنْهُ، وَسَمِعَ "السُّنَنَ الكَبِيْرَ" مِنْ زَاهِرِ بنِ طَاهِرٍ، وَسَمِعَ "سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ" مِنْ عَبْدِ الغَافِرِ: أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الحَاكمِيُّ، وَسَمِعَ "السُّنَنَ" وَ"الآثَارَ" مِنْ عَبْدِ الجَبَّارِ.
أَنْبَأَنِي أَبُو العَلاَءِ الفَرَضِيُّ قَالَ: مَجْدُ الدين أبو سعد بن الصَّفَّارُ إِمَامٌ عَالِمٌ بِالأُصُوْلِ،
فَقِيْهٌ، ثقَةٌ، سَمِعَ أَبَاهُ وَعَمَّتَهُ عَائِشَةَ وَجَدَّتَهُ دُرْدَانَةَ أُخْتَ عَبْدِ الغَافِرِ، وَهِبَةَ اللهِ السَّيِّدِيَّ، وَسَهْلَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ المَسْجِدِيَّ، وَعِدَّةً.
قَالَ المُنْذِرِيُّ: مَاتَ فِي سَابِع عشر رمضان سنة ست مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 186"، وشذرات الذهب "4/ 345".(15/476)
5383- القاسم 1:
الإِمَامُ المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، العَالِمُ الرَّئِيْسُ، بَهَاءُ الدِّيْنِ، أَبُو مُحَمَّدٍ، القَاسِمُ ابْنُ الحَافِظِ الكَبِيْرِ مُحَدِّثِ العَصْرِ ثِقَةِ الدِّيْنِ أَبِي القَاسِمِ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ هِبَة اللهِ الدِّمَشْقِيُّ الشَّافِعِيُّ المَعْرُوفُ بِابْنِ عَسَاكِرَ، وَمَا علمتُ هَذَا الاسْم فِي أَجدَادِهِ وَلاَ مَنْ لُقِّبَ بِهِ مِنْهُم.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَأَجَازَ لَهُ: الفُرَاوِيّ، وَزَاهِر، وَقَاضِي المَارستَان، وَالحُسَيْن بن عبد الملك، وعبد المنعم بن القُشَيْرِيّ، وَابْنُ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ الطَّبَرِ، وَمُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ الفَارِسِيّ، وَهِبَة اللهِ بن سهل السيدي، وعبد الجَبَّار الخُوَارِيّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنَ البِلاَد، لقيهُم وَالِده وَلَمْ أَجِدْ لَهُ حُضُوْراً وَلاَ لأَبِيْهِ وَعَمِّهِ الصَّائِن.
سَمِعَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ مِنْ جَمَال الإِسْلاَمِ أَبِي الحَسَنِ السُّلَمِيّ، وَجدّ أَبِيْهِ القَاضِي الزَّكِيّ يَحْيَى بن عَلِيٍّ القُرَشِيّ، وَيَحْيَى بن بِطْرِيْقٍ، وَنَصْر اللهِ بن مُحَمَّدٍ المصِّيْصِيِّ، وَأَبِي الدُّرّ يَاقُوْت الرُّوْمِيّ، وَهِبَة اللهِ بن طَاوُوْس، وَأَبِي طَالِبٍ عَلِيّ بن أَبِي عَقِيْلٍ، وَأَبِي الفُتُوْح أُسَامَة بن مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ العَلَوِيِّ، وَأَبِي الكَرَمِ يَحْيَى بن عَبْدِ الغَفَّارِ عَنْ رِزْق اللهِ، وَخَال أَبِيْهِ أَبِي المَعَالِي مُحَمَّد بن يَحْيَى بنِ عَلِيٍّ، وَنَاصِر بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيّ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ البُنِّ الأَسَدِيّ، وَالخَضِر بن الحُسَيْنِ بنِ عَبْدَان، وَعَبْدَان بن زَرِّيْنَ الدُّوِيْنِيّ، وَيَحْيَى بن سعدُوْنَ القُرْطُبِيّ، وَالحَافِظ أَبِي سَعْدٍ ابْنِ السَّمَّان، وَأَبِيْهِ أَبِي القَاسِمِ الحَافِظ، فَأَكْثَر إِلَى الغَايَة؛ فَإِنَّنِي مَا علمت أَحَداً سَمِعَ مِنْ أَبِيْهِ أَكْثَر مِنْ هَذَا الابْنِ حَتَّى وَلاَ ابْن الإِمَامِ أَحْمَد، لَعَلَّ القَاسِم سَمِعَ مِنْ أَبِيْهِ ثَلاَثَة آلاَف جُزْء، وَسَمِعَ مِنْ عَمّه الصَّائِن، وَمِنْ أبي يعلى بن الحبوبي، وحمزة بن كروس، وعبد الرحمن بن أَبِي الحَسَنِ الدَّارَانِيّ، وَإِبْرَاهِيْم بن طَاهِرٍ الخشوعي، وعبد الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَسَنِ بنِ أَبِي الْحَدِيد، وَأَبِي البَرَكَاتِ الخَضِر بن عَبْدٍ الحَارِثِيّ، وَنَصْر بن أَحْمَدَ بنِ مُقَاتِل وَأَخِيْهِ عَلِيّ بن أَحْمَدَ، وَمُحَمَّد بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ جَعْفَرٍ، وَفَضَائِل بن الحَسَنِ، وَأَبِي العشَائِر مُحَمَّد بن خَلِيْل، وَالوَزِيْر الفَلَكِيّ، وَأَبِي نَصْرٍ غَالِب بن أحمد، ونصر بن قاسم
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1368"، والنجوم الزاهرة "6/ 186"، وشذرات الذهب "4/ 347".(15/477)
المَقْدِسِيّ المُلَقِّن، وَحُفَّاظ بن الحَسَنِ الغَسَّانِيّ، وَمَحْفُوْظ بن صَصْرَى التَّغْلِبِيّ، وَمُحَمَّد بن كَامِلٍ بن ديسم، وعلي بن الحُسَيْن بن أَشلِيهَا، وَحَمْزَة بن الحَسَنِ بنِ مُفَرِّجٍ الأَزْدِيّ، وَأَبِي طَاهِرٍ رَاشِد بن مُحَمَّدٍ، وَأَبِي الحَسَنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ النَّبِيْهِ، وَعَلِيّ بن زَيْدٍ، وَعَلِيّ بن هِبَةِ اللهِ بنِ خَلْدُوْنَ، وَهِبَة اللهِ بن الْمُسلم الرَّحَبِيّ، وَعَلِيّ بن أَحْمَدَ الحَرَسْتَانِيّ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم.
وَهُوَ أَوسع رِوَايَة وَسَمَاعاً مِنْ أَبِي الفَرَجِ بن الجَوْزِيِّ، وَلَهُ عَمل جَيِّد، وَلَكِن ابْن الجَوْزِيّ أَعْلَم مِنْهُ بِكَثِيْر بِالرِّجَال وَالمتُوْن وَبعدَة فُنُوْن، وَكُلّ مِنْهُمَا لَمْ يَرْحَلْ، بَلْ قنع أَبُو مُحَمَّد بِبلده وَوَالِده، وَنَاهيك بِذَلِكَ، وَقنع أَبُو الفَرَجِ بِبَغْدَادَ.
نعم، وَحَجّ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي سَنَةِ555، فَسَمِعَ بِمَكَّةَ مِنْ مَسْعُوْد بن الحُصَيْنِ، وَأَحْمَد بن المُقَرِّبِ، وَأَبِي النَّجِيْب السُّهْرَوَرْدِيّ، وَفَخْرِ النِّسَاءِ شُهْدَة. وَسَمِعَ بِمِصْرَ، وَحَدَّثَ بِهَا، وَبِالحِجَاز، وَبَيْت المَقْدِسِ، وَدِمَشْق.
وَكَتَبَ مَا لاَ يُوْصَف كَثْرَة بِخَطِّهِ العَدِيْم الجوْدَة، وَأَملَى، وَصَنَّفَ، وَنُعِتَ بِالحِفْظ وَالفهمِ، وَلَكِنّ خطّه نَادر النَّقْط وَالشّكل.
جمع كِتَاباً كَبِيْراً فِي الجِهَادِ، وَمَا قَصَّر فِيْهِ، وَمُجَلَّداً فِي فَضَائِل القُدْس، وَمُجَلَّداً فِي المَنَاسِك، وَكِتَاباً فِي مَنْ حَدَّثَ بِمَدَائِنِ الشَّامِ وَقُرَاهَا، وَخَرَّجَ لِنَفْسِهِ مُوَافقَات وَأَبَدَالاً وَسُبَاعِيَات، وَأَملَى عِدَّة مَجَالِس، وَرَوَى الكَثِيْر، وَتَفَرَّد بِأَشيَاء عَالية.
ذكره العِزُّ النَّسَّابَةُ فَقَالَ: كَانَ أَحَبَّ مَا إليه المزاح.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: هُوَ ثِقَةٌ، لَكِنّ خطّه لاَ يُشبِه خطّ أَهْل الضَّبْط.
وَذَكَرَ المُحَدِّث عبد الرحمن بن مُقَرّبٍ عَنْ نَدَى العُرضِيّ، قَالَ:
قَرَأْتُ عَلَى بَهَاء الدِّيْنِ القَاسِمِ، فَقُلْتُ: عَنِ ابْنِ لَهِيْعَة، فَردّ عليّ بِالضمِّ!
قُلْتُ: ذكر مُحَدِّث أَنَّهُ اجْتَمَع بِالمَدِيْنَةِ بِبَهَاء الدِّيْنِ القَاسِم، فَسَأَلَهُ أَنْ يُحَدِّثهُ، فَرَوَى لَهُ مِنْ حِفْظِهِ أَحَادِيْث، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ قَابل تِلْكَ الأَحَادِيْث بِأَصلهَا، فَوَافَقت، وَبمثل هَذَا يُوْصَف المُحَدِّث فِي زَمَانِنَا بِالحِفْظ.
وَبَلَغَنِي أَنَّ الحَافِظ بَهَاء الدِّيْنِ وَلِي بَعْد أَبِيْهِ مَشْيَخة النّورِيَّة فَمَا تَنَاول مِنَ الجَامكيَّة شَيْئاً، بَلْ كَانَ يُعْطِيه لِمَنْ يَرحل فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ.(15/478)
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو المَوَاهِبِ بنُ صَصْرَى، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ المُفَضَّلِ، وَعَبْد القَادِرِ الرُّهَاوِيّ، وَيُوْسُف بن خَلِيْل، وَوَلَده عِمَاد الدِّيْنِ عَلِيّ بن القاسم، وأبو الطاهر بن الأَنْمَاطِيِّ، وَالتَّاج القُرْطُبِيّ، وَفتَاهُ فَرَج، وَالتَّقِيّ اليَلْدَانِيّ، وَالشِّهَاب القُوْصِيّ، وَعَبْد الغَنِيِّ بن بَنِينَ، وَبَدَل بن أَبِي المُعَمَّر التَّبْرِيْزِيّ، وَالزَّيْن خَالِد بن يوسف، والمجد محمد بن عساكر، والتقي إِسْمَاعِيْل بن أَبِي اليُسْرِ، وَالنُّشْبِيّ وَوَلَده أَبُو بَكْرٍ، وَالكَمَال عَبْد العَزِيْزِ بن عَبْدِ، وَعَبْد الوَهَّابِ بن زَين الأُمَنَاءِ، وَفرَاس بن عَلِيٍّ العَسْقَلاَنِيّ، وَعِمَاد الدِّيْنِ عَبْد الكَرِيْمِ بن الحرستَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَبِالإِجَازَة: أَحْمَد بن سَلاَمَةَ الحَدَّاد، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ، وَطَائِفَة.
أَخْبَرَنَا ابْنُ عَلاَّنَ، وَابْن سَلاَمَةَ، كِتَابَةً، عَنِ القَاسِمِ بن عَلِيٍّ الحَافِظ، أَخْبَرَنَا أَبُو المُفَضَّل يَحْيَى بن عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا حَيْدَرَة بن عَلِيٍّ المُعَبِّر، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُثْمَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ حَذْلَم، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنِي عُقْبَة بن مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ عَلِيِّ بنِ حُسَيْنٍ، عَنْ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ: شَهِدت عَلِيّاً وَعُثْمَان بَيْنَ مَكَّة وَالمَدِيْنَة، وَعُثْمَان يَنْهَى عَنِ المتعَة، وَأَنْ لاَ يُجْمَع بَيْنهُمَا، وَأَبَى عَلِيٌّ ذَلِكَ، أَهَلَّ بِهِمَا، فَقَالَ: لبّيك بعُمْرَة وَحجَّة مَعاً، فَقَالَ عُثْمَانُ: أَنْهَى النَّاسَ، وَأَنْت تَفْعَلُه? فَقَالَ: لَمْ أَكن أَدع سُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِقَوْل أَحَد مِنَ النَّاس1.
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَفِيْهِ أَن مَذْهَب الإِمَام عَلِيّ كَانَ يَرَى مخالفة ولي الأَمْر لأَجْل متَابعَة السُّنَّة، وَهَذَا حسن لِمَنْ قَوِيَ، وَلَمْ يُؤْذِهِ إِمَامه، فَإِنْ آذَاهُ، فَلَهُ ترك السّنَّة، وَلَيْسَ لَهُ ترك الْفَرْض، إلَّا أَنْ يَخَافَ السَّيْفَ.
أَخْبَرَنِي ابْنُ رَافِعٍ أَنَّهُ قرَأَ بِخَطِّ عِمَاد الدِّيْنِ عَلِيّ بن القَاسِمِ الحَافِظ تَرْجَمَة لأَبِيْهِ فَقَالَ: كَانَ وَالِدِي بَهَاء الدِّيْنِ مِنَ الأَئِمَّةِ وَالعُلَمَاء حِيْنَ بلغَ حدّ السَّمْعِ، سَمَّعَهُ عَمَّاهُ الحَافِظُ أَبُو الحُسَيْنِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ مِنَ المَشَايِخ الأَعيَان، ثُمَّ قَدِمَ أَبُوْهُ -يَعْنِي مِنَ الرّحلَة- سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ، فَأَسْمَعَهُ. إِلَى أَنْ قَالَ: فَتَقْرُبُ عِدَّةُ مَشَايِخه مِنْ مائَة شَيْخ، تَفَرَّد بِالرِّوَايَة عَنْ أَكْثَرِهِم، وَلَمْ يَزَلْ يَسْمَعُ، وَيَكْتُب، وَيُؤَلِّف. قَالَ: وَحَجّ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ، فَسَمِعَ بِمَكَّةَ. إِلَى أَنْ قَالَ: وَلَوْلاَ تَبييضُه لِكِتَابِ التَّارِيْخ، وَنقله مِنَ المسوّدَة، لَمَّا قدر الشَّيْخ الكَبِيْر يَعْنِي وَالِده عَلَى إِتقَانه، وَلاَ جَوَّده، فَإِنَّهُ حِيْنَ فَرغ مِنْ تَسْوِيده، عجز عَنْ نَقله، وَتَجديده، وَضَبْطِ مَا فِيْهِ مِنَ المشْكِلِ، وَتَحدِيده، كَأنَّ نَظره قَدْ كَلَّ، وَبصره قَدْ قلّ، فلم يزل
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "1563" من طريق محمد بن بشار، حدثنا غندر به.
وأخرجه النسائي "5/ 148"، من طريق أبي عامر حدثنا شعبة، به.(15/479)
وَالِدِي يَكتب، وَيَنْقله مِنَ الأَورَاق الصّغَار وَالظُهُوْر، وَيهذّب إِلَى أَنْ نَجز مِنْهُ نَحْو مائَة وَخَمْسِيْنَ جُزْءاً، وَكَأنَّ بَيْنَهُمَا نَفرَة، فَكَانَ لاَ يَحضر السَّمَاع تِلْكَ المُدَّة، فَحكَى لِي وَالِدِي، قَالَ: ضَاق صَدْرِي، فَأَتَيْتُ الوَالِد لَيْلَة النِّصْف فِي المنَارَة الشَّرْقِيَّة، وَزَال مَا فِي قَلْبه. وَسَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ القُرْطُبِيّ كَثِيْراً يَقُوْلُ عِنْد غَيبَة وَالِدك عَنْهُ: جزَاهُ الله عَنِّي خَيراً، فَلولاَهُ مَا تَمّ التَّارِيْخ، هَذَا أَوْ مَعْنَاهُ.
قُلْتُ: يُقَالُ: إِنَّ الحَافِظ أَبَا القَاسِمِ حَلَفَ أنه لا يكلم ابْنَهُ حَتَّى يَكتبَ التَّارِيْخَ، فَكَتَبَهُ، وَلَمَّا عَمل بَهَاءُ الدِّيْنِ كِتَاب "الجِهَاد"، سَمِعَهُ مِنْهُ كُلّه السُّلْطَان صَلاَح الدِّيْنِ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ، قَالَ: فَدعوت فِي أَوله وَآخره بِفَتح بَيْت المَقْدِسِ، فَاسْتجَاب الله ذَلِكَ، وَلَهُ الْحَمد، وَفتح بَيْت المَقْدِسِ فِي السَّادِس وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَجَب سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ وَأَنَا حَاضِرٌ فَتحه.
تُوُفِّيَ الحَافِظ بَهَاء الدِّيْنِ فِي تَاسع صفر سَنَة سِتّ مائَة، وَكَانَتْ جِنَازَته مَشْهُوْدَة.
تم الجزء الخامس عشر ويليه:
الجزء السادس عشر، وأوله: شميم(15/480)
فهرس موضوعات الجزء الخامس عشر:
فهرس الموضوعات:
الصفحة الموضوع.
5/ 4878/ سبط الخَيَّاطِ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ أحمد.
5/ 4879/ سبط الخياط أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ أحمد البغدادي النحوي.
7/ 4880/ الأنماطي أَبُو البَرَكَاتِ عَبْد الوَهَّابِ بن المُبَارَكِ بن أحمد البغدادي.
9/ 4881/ ابن الزكي قاضي دمشق أبو المعالي محمد بن يحيى بن علي الدمشقي الشافعي.
9/ 4882/ ابْنُ الشَّهْرُزُوْرِيِّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ بن مظفر الموصلي الشافعي.
10/ 4883/ ابْنُ المُعْتَمِدِ أَبُو الفُتُوْحِ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ الإسفراييني الواعظ.
11/ 4884/ شُرَيْحُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شُرَيْحِ بنِ أَحْمَدَ الإشبيلي المالكي أبو الحسن.
13/ 4885/ البديع أبو علي أحمد بن سعد بن علي العجلي الهمذاني.
13/ 4886/ الزَّيْدِيُّ أَبُو البَرَكَاتِ عُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ محمد العلوي الكوفي الحنفي.
14/ 4887/ ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ البغدادي.
15/ 4888/ فاطمة بنت محمد بن أبي سعد بن الحسن بن البغدادي.
15/ 4889/ أكز حسام الدين الحاجب.
16/ 4890/ ابن طراد أبو القاسم علي بن طراد بن محمد الزينبي الوزير.
17/ 4891/ الزمخشري أبو القاسم محمود بن عمر النحوي المفسر.
19/ 4892/ البحيري أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النيسابوري.
20/ 4893/ سَعْدُ الخَيْرِ أَبُو الحَسَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سهل الأندلسي التاجر.
21/ 4894/ ابن الإخوة أبو العباس أحمد ابن محمد بن محمد البغدادي العطار.(15/481)
21/ 4895/ شيخ الشيوخ أبو البركات إسماعيل بن أحمد بن محمد النيسابوري.
22/ 4896/ شافع بن عبد الرشيد الجبلي أبو عبد الله الشافعي.
22/ 4897/ ابْنُ الآبَنُوْسِيِّ أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ علي البغدادي الشافعي.
23/ 4898/ ابْنُ الأَشْقَرِ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ الواحد البغدادي الدلال.
23/ 4899/ ابْنُ أُخْتِ الطَّوِيْلِ أَبُو بَكْرٍ هِبَةُ اللهِ بن الفرج الهمذاني.
24/ 4900/ الدُّومِيُّ أَبُو الفَتْحِ مُفلِحُ بنُ أَحْمَدَ بنِ محمد البغدادي الوراق.
25/ 4901/ الشَّرِيكُ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ البلخي.
25/ 4902/ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ السَّيِّدِ بنِ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ الشافعي.
26/ 4903/ ابْنُ الرَّزَّازِ أَبُو مَنْصُوْرٍ سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدِ بن عمر البغدادي الشافعي.
26/ 4904/ الدهان أبو نصر عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي الفضل الهروي الصوفي.
27/ 4905/ عمر بن ظفر بن أحمد الشيباني المقرئ أبو حفص.
28/ 4906/ ظاهر بن أحمد البغدادي المساميري البزاز أبو القاسم.
28/ 4907/ الجُلاَّبِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ محمد الواسطي المالكي.
29/ 4908/ ابن المختار أَبُو تَمَّام أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ المُخْتَارِ العباسي البغدادي المسند.
29/ 4909/ الطَّرَائِفِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحسن البغدادي.
29/ 4910/ ابْنُ الدَّايَةِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ البَغْدَادِيُّ.
30/ 4911/ ابْنُ الرماك أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأموي الإشبيلي.
30/ 4912/ الغَنَوِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ محرز الرقي الشافعي الصوفي.
31/ 4913/ ابْنُ الوَزِيْرِ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مَسْعُوْدٍ الدمشقي الحافظ.
31/ 4914/ الجورقاني أبو عبد الله الحسين بن الهمذاني الحافظ.
32/ 4915/ أبو الدر ياقوت الرومي التاجر.(15/482)
33/ 4916/ هبة الرحمن بن عبد الواحد بن عبد الكريم القشيري أبو الأسعد.
34/ 4917/ البَيْضَاوِيُّ أَبُو الفَتْحِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بن محمد الفارسي الحنفي.
34/ 4918/ السِّمِّذِيُّ أَبُو المَكَارِمِ المُبَارَكُ بنُ عَلِيِّ بنِ عبد العزيز البغدادي.
34/ 4919/ الأُرْمَوِيُّ أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ يوسف البغدادي الشافعي.
36/ 4920/ الأُمَوِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ سَعِيْدِ بنِ أحمد القرشي الجزري الشافعي.
36/ 4921/ الأُنْديُّ أَبُو الحجَّاجِ يُوْسُفُ بنُ عَلِيٍّ القُضَاعِيُّ المحدث.
37/ 4922/ المراي أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ أَحْمَدَ القرطبي الشافعي.
38/ 4923/ الأتابك عماد الدين زنكي بن آقْسُنْقُرَ بنِ عَبْدِ اللهِ التُّرْكِيُّ صَاحِبُ حَلَبَ.
39/ 4924/ غازي بن زنكي الملك سيف الدين.
39/ 4925/ أَبُو بَكْرٍ يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرحمن البقوي القرطبي الشاعر.
40/ 4926/ ابن الشجري أَبُو السَّعَادَاتِ هِبَةُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ محمد الحسني البغدادي.
41/ 4927/ المِيْهَنِيُّ أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ طَاهِرِ بنِ سعيد الخراساني الصوفي.
42/ 4928/ ابْنُ العَرَبِيِّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ محمد الأندلسي المالكي.
45/ 4929/ رزين بن معاوية بن عمار العبدري الأندلسي أبو الحسن.
46/ 4930/ الكرماني أَبُو الفَضْلِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أميرويه الحنفي الخرساني.
47/ 4931/ الزينبي أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ نور الهدَى الحُسَيْن بن محمد الهاشمي الحنفي.
47/ 4932/ أبو جعرك أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي جَعْفَرٍ البَيْهَقِيُّ النيسابوري المفسر.
48/ 4933/ الفَنْدَلاَوِيُّ أَبُو الحَجَّاجِ يُوْسُفُ بنُ دُوْنَاسَ المَغْرِبِيُّ المالكي.
48/ 4934/ الأرجاني الشاعر أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ الشافعي.
49/ 4935/ الزِّيَادِيُّ أَبُو المَحَاسِنِ أَسَعْدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الموفق الهروي الحنفي.
49/ 4936/ القاضي عياض أبو الفضل بن موسى اليحصبي الأندلسي.
52/ 4937/ أبو عبد الله محمد بن عياض بن محمد بن القاضي عياض النحوي.
53/ 4938/ ابن الدباغ أَبُو الوَلِيْدِ يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ يوسف المالكي.(15/483)
53/ 4939/ البيع أبو بكر محمد بن عبد العزيز علي الزهري البغدادي.
54/ 4940/ ابن عبدان أَبُو القَاسِمِ الخَضِرُ بنُ حُسَيْنِ بنِ عَبْدِ الله الأزدي الدمشقي.
54/ 4941/ موفق أَبُو السَّدَادِ الحَبَشِيُّ مَوْلَى الوَزِيْرِ نِظَامِ المُلْكِ.
55/ 4942/ الشَّحَّامِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحسين النيسابوري.
55/ 4943/ الرفاء الشاعر أبو الحسين أحمد بن منير بن أحمد بن ملح الأطرابلسي.
56/ 4944/ القَيْسَرَانِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ نَصْرِ بن صغير بن خالد سيد الشعراء.
56/ 4945/ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ أَبُو المَعَالِي الفَضْلُ بنُ سَهْلِ بنِ بشر الدمشقي.
57/ 4946/ ابن الفراوي أَبُو البَرَكَاتِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفضل بن النيسابوري.
58/ 4947/ السُّلْطَانُ أَبُو سَعْدٍ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بنِ سهل الدامغاني الشافعي.
58/ 4948/ أنر ملك الأمراء بدمشق معين الدين الطغتكيني.
59/ 4949/ السَّنْجَبَسْتِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ، شيخ مسند.
59/ 4950/ العَبَّادِيُّ أَبُو مَنْصُوْرٍ المُظَفَّرُ بنُ أَرْدَشِيْرَ المَرْوَزِيُّ.
60/ 4951/ أبو عبد الله مردنيش الجذامي المغربي.
61/ 4952/ ابْنُ مُسْهِرٍ عَلِيُّ بنُ سَعْدِ بنِ عَلِيٍّ الموصلي الشاعر مهذب الدين.
62/ 4953/ بن نظام الملك الوزير أبو نصر أحمد بن نظام الملك الحسن بن علي الطوسي.
63/ 4954/ أبو محمد بن عياض المجاهد.
64/ 4955/ ابن أبي ركب أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الخُشَنِيُّ النحوي.
64/ 4956/ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَرْدَنِيْشَ الجذامي الأندلسي الملك أبو عبد الله.
66/ 4957/ حيدرة بن مفرج بن حسن، الوزير ابن الصوفي الدمشقي زين الدولة.
66/ 4958/ المسيب بن مفرج بن حسن، الوزير العميد أبو الذواد، أخو حيدرة.
66/ 4959/ ابن حمدين أَبُو جَعْفَرٍ حَمْدِين بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ الثعلبي.
67/ 4960/ خياط الصوف أبو سعد بن جامع بن أبي نصر النيسابوري.(15/484)
68/ 4961/ الحَمَّامِيُّ أَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحسين النيسابوري الصوفي.
68/ 4962/ ابن البن أَبُو القَاسِمِ الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الأسدي الشافعي.
69/ 4963/ ابْنُ مَطْكُودٍ أَبُو القَاسِمِ نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ بن مقاتل السوسي الدمشقي.
69/ 4964/ ابن مطكود علي بن أحمد بن مقاتل أخو نصر.
70/ 4965/ ابن أبي مروان أبو عمر وأبو جعفر أحمد بن عبد الله بن محمد الأنصاري.
70/ 4966/ حَامِدُ بنُ أَبِي الفَتْحِ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ المديني الحافظ أبو عبد الله.
70/ 4967/ حمزة بن محمد بن بحسول الهمذاني أبو الفتح الهروي.
71/ 4968/ علي بن حيدرة بن جعفر الحسيني أبو طالب نقيب الأشراف.
71/ 4969/ ابن دادا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ حُسَيْنٍ الجرباذقاني.
71/ 4970/ الكشميهني أبو الفتح مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي تَوبَةَ المروزي.
72/ 4671/ عبد الخالق بن زاهر بن طاهر النيسابوري الشحامي أبو منصور.
74/ 4972/ عبدان بنُ زَرِّيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ الدُّوِيْنِيُّ المُقْرِئُ أَبُو محمد.
74/ 4973/ هبة الله بن الحسن بن علي البغدادي الحاسب أبو القاسم.
75/ 4974/ الحرضي أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ عَبْدِ الرحيم النيسابوري.
75/ 4975/ الرُّشَاطِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ عبد الله الأندلسي الحافظ.
76/ 4976/ الأَزَجِيُّ أَبُو المُعَمَّرِ المُبَارَكُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عبد العزيز الانصاري الحافظ.
76/ 4977/ ابن الطلاية أبو العَبَّاس أَحْمَد بنُ أَبِي غَالِبٍ بنِ أَحْمَدَ البغدادي.
78/ 4978/ نصر بن المظفر بن الحسين البرمكي أبو المحاسن، الشخص العزيز.
78/ 4979/ ابن البناء أبو القاسم سعيد بن أبي غالب أحمد بن الحسن البغدادي.
79/ 4980/ ابن ناصر أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ نَاصرِ بنِ مُحَمَّدِ بن علي السلامي البغدادي الحافظ.
83/ 4981/ الجنيد بن محمد، أبو القاسم القايني، شيخ الصوفية.
84/ 4982/ حنبل بن علي البخاري أبو جعفر الصوفي.
84/ 4983/ الكروخي أبو الفتح عَبْدِ المَلِكِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي سهل الهروي.(15/485)
85/ 4984/ البَلْخِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ محمد الحنفي الدمشقي.
86/ 4985/ الرُّطَبِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ الله بن سلامة الكرخي.
86/ 4986/ ابْنُ الزَّاغُوْنِيِّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ نصر البغدادي.
87/ 4987/ عبد الخالق بن أحمد بن عبد القادر اليوسفي، أبو الفرج الحافظ.
88/ 4988/ ابن الإخوة أَبُو الفَضْلِ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ أَحْمَدَ بنِ محمد البغدادي.
89/ 4989/ ابن السلار الْملك العَادل سَيْف الدِّيْنِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ الكردي الوزير.
90/ 4990/ ابن جهير الوزير أبو نصر مُظَفَّرُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ ابن جهبر.
90/ 4991/ البُسْتِيُّ أَبُو العِزِّ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ محمد الصوفي.
90/ 4992/ السِّنْجِيُّ أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عبد الله المروزي الشافعي.
91/ 4993/ السبخي أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ عثمان البزدوي الحنفي.
92/ 4994/ الشَّهْرَسْتَانِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ أَحْمَدَ، أبو الفتح، المتكلم.
93/ 4995/ عَبَّاسَةُ أَبُو مُحَمَّدٍ العَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أبي منصور الطابراني.
93/ 4996/ الشَّهْرُزُوْرِيُّ أَبُو الكَرَمِ المُبَارَكُ بنُ الحَسَنِ بنِ أحمد البغدادي المقرئ.
94/ 4997/ ابن خميس أبو عبد الله الحسين بن نصر بن محمد الجهني الكعبي الشافعي.
95/ 4998/ القَيْسِيُّ أَبُو العَشَائِرِ مُحَمَّدُ بنُ الخَلِيْلِ بنِ فارس الدمشق.
96/ 4999/ حَامِدُ بنُ أَبِي الفَتْحِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ المدني الحافظ.
96/ 5000/ الخطير أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ خطاب، خطير الدولة.
97/ 5001/ العُكْبَرِيُّ أَبُو القَاسِمِ نَصْرُ بنُ نَصْرِ بنِ علي بن يونس الشافعي.
97/ 5002/ الشلبي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عِيْسَى بنِ عبد الله الأندلسي.
98/ 5003/ الفامي أبو النضر عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ بنِ عُثْمَانَ الهروي.
98/ 5004/ المُبَارَكُ بنُ كَامِلِ بنُ أَبِي غَالِبٍ الخَفَّافُ، أبو بكر البغدادي.
99/ 5005/ ابن الخل أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ مُحَمَّدِ البغداد الشافعي.
100/ 5006/ بكبرة أَبُو الفَتْحِ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ أَحْمَدَ بنِ إسماعيل الهروي المقرئ.
101/ 5007/ أَبُو الوَقْتِ عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى بنِ شعيب السجزي الهروي.(15/486)
106/ 5008/ المُشْكَانِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الروذراوري الشافعي.
106/ 5009/ محمد بن يحيى بن منصور، شيخ الشافعية، أبو سعد النيسابوري.
108/ 5010/ ابن ناجية أبو القاسم أحمد بن أَبِي المَعَالِي عَبْدِ اللهِ بنِ بَرَكَةَ الحَرْبِيُّ.
108/ 5011/ أحمد بن وقشى.
108/ 5012/ الزَّبِيْدِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ علي بن مسلم القرشي.
110/ 5013/ البروجردي أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ العلاء.
110/ 5014/ الحصكفي معينُ الدِّينِ أَبُو الفَضْلِ يَحْيَى بنُ سَلاَمَةَ بن حسين الطنزي.
111/ 5015/ علي بن مهدي.
112/ 5016/ خوارز مشاه الملك أتشز بن محمد بن نوشتكين.
112/ 5017/ الشَّحَّامُ أَبُو مُحَمَّدٍ سَلْمَانُ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ حسن البغدادي.
113/ 5018/ الغَزْنَوِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، الوَاعِظُ.
114/ 5019/ مُجَلِّي بنُ جُمَيْعِ بنِ نَجَا القُرَشِيُّ المَخْزُوْمِيُّ الشافعي أبو المعالي.
114/ 5020/ أبو البيان نبأ بن محمد بن محفوظ الحوراني الشافعي.
114/ 5021/ الخَرَّازُ أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ علي الحريمي البغدادي.
115/ 5022/ صاحب نصيبين شمس الملوك أبو نصر إبراهيم بن رضوان بن تتش.
115/ 5023/ عَبْدُ الصَّبُورِ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَبُو صَابِرٍ الهروي التاجر.
116/ 5024/ كوتاه أَبُو مَسْعُوْدٍ عَبْدُ الجَلِيْلِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عبد الواحد الأصبهاني.
117/ 5025/ العَبَّاسِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عبد العزيز، نقيب الهاشميين بمكة.
118/ 5026/ ابْنُ غَبْرَةَ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحسن الهاشمي الحارثي.
119/ 5027/ ابْنُ مَحْمُويه أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بن الحسين اليزدي الشافعي.
120/ 5028/ الأَغرجِيُّ أَبُو الفَرَجِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أبي سعيد الخوارزمي.
120/ 5029/ البِيْكَنْدِيُّ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بنُ عَلِيِّ بنِ محمد البخاري.
121/ 5030/ ابن الصفار أبو حفص عمر ابن أحمد بن منصور النيسابوري الشافعي.(15/487)
122/ 5031/ الكرماني أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ الحَسَنِ بنِ عبد الله النيسابوري.
122/ 5032/ ابن القطان أَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ الفَضْلِ بنِ عبد العزيز المتوثي.
123/ 5033/ جعفر بن زيد بن جامع، أبو الفضل الطائي الشامي.
124/ 5034/ عدي بن صخر -أو ابن مسافر- بن إسماعيل الشامي الهكاري.
125/ 5035/ ابن الحطيئة أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أحمد اللخمي المغربي.
127/ 5036/ الدَّارَانِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الحسن بن إبراهيم الكناني الدمشقي.
128/ 5037/ الجواد الوزير أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي منصور الأصبهاني.
128/ 5038/ جلال الدين علي بن الوزير أبي جعفر الجواد الأصبهاني.
128/ 5039/ سَدِيدُ الدَّوْلَةِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ إبراهيم الشيباني ابن الأنباري.
129/ 5040/ اللَّبَّادُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الأصبهاني.
129/ 5041/ البزري أَبُو القَاسِمِ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الجزري الشافعي.
130/ 5042/ الحَرَّانِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بن العباس البغدادي.
130/ 5043/ ابن الفراء أبو يعلى الصغير محمد بن محمد بن القاضي الكبير أبي يعلى الحنبلي.
131/ 5044/ ابن التلميذ أَمِيْنُ الدَّوْلَةِ أَبُو الحَسَنِ هِبَةُ اللهِ بنُ صاعد المسيحي الطبيب.
131/ 5045/ ابن الصابوني أبو الفتح عبد الوهاب بن محمد الحسين.
132/ 5046/ عَلِيُّ بنُ عَسَاكِرَ بنِ سُرُوْرٍ، أَبُو الحَسَنِ المقدسي الخشاب.
132/ 5047/ ابن قفرجل أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ عَبْدِ الباقي القطان.
133/ 5048/ ابن الحبوبي أيو يعلى حمزة بن علي هبة الله بن حسن الدمشقي البزاز.
133/ 5049/ الأُقْلِيْشِيُّ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مَعَدِّ بنِ عيسى التجيبي.
134/ 5050/ ابْنُ التُّرَيْكِيِّ أَبُو المُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بن علي الهاشمي العباسي.
134/ 5051/ الغَانِمِيُّ أَبُو المَحَاسِنِ مَسْعُوْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غانم الهروي.
135/ 5052/ الطَّائِيُّ أَبُو الفُتُوْحِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ علي الهمذاني.(15/488)
136/ 5053/ سنجر السلطان ملك خراسان بن ملكشاه بن ألب أرسلان.
138/ 5054/ أبق صاحب دمشق مجبر الدين أبو سعيد بن محمد بن بوري بن طغتكين.
138/ 5055/ عبد المؤمن بن علي بن علوي، سلطان المغرب.
143/ 5056/ شَهْرَدَارُ بنُ شِيْرَوَيْه بنِ شَهْرَدَارَ بنِ شِيْرَوَيْه بن شهردار ن شيرويه بن فناخسره الديلمي.
144/ 5057/ الباغبان أَبُو الخَيْرِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ بنِ عُمَرَ الأصبهاني المهندس.
145/ 5058/ الشَّيْخُ رِسْلاَنُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدمشقي.
146/ 5059/ أَبُو الحُسَيْنِ الزَّاهِدُ بنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ بن حمزة المقدسي.
148/ 5060/ السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه السلجوقي غياث الدين أبو الفتح.
149/ 5061/ الخجندي صَدْرُ الدِّيْنِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللطيف بن محمد الشافعي.
150/ 5062/ ابْنُ المُتَوَكِّلِ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ جَعْفَرٍ بن عبد الصمد الهاشمي.
150/ 5063/ ابن القلانسي أَبُو يَعْلَى حَمْزَةُ بنُ أَسَدِ بنِ عَلِيٍّ التميمي الدمشقي المؤرخ.
151/ 5064/ صاحب غزنة خسروشاه بن بهرام بن مَسْعُوْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَسْعُوْدِ بنِ مَحْمُوْدِ.
151/ 5065/ الكَرْخِيُّ أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بن جعفر.
152/ 5066/ ابْنُ المَادِحِ أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بن عبد الكريم التميمي البغدادي.
152/ 5067/ ابْنُ كَرُّوْسٍ أَبُو يَعْلَى حَمْزَةُ بنُ أَحْمَدَ بن فارس السلمي الدمشقي.
153/ 5068/ الشِّبْلِيُّ أَبُو المُظَفَّرِ هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بن محمد البغدادي المؤذن.
154/ 5069/ المُوْسَوِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ حَمْزَةَ بنِ إسماعيل الهاشمي الهروي.
154/ 5070/ الزِّيَادِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ البغوي.
155/ 5071/ أَبُو حَكِيْمٍ إِبْرَاهِيْمُ بنُ دِيْنَارٍ النُّهْرُوَانِيُّ الحَنْبَلِيُّ البغدادي.
155/ 5072/ الزَّيَّاتُ أَبُو النَّدَى حَسَّانُ بنُ تَمِيْمِ بنِ نصر الدمشقي.
156/ 5073/ الصالح وزير مصر طلائع بن رزيك أبو الغارات.(15/489)
157/ 5074/ المقتفي لأمر الله أمير المؤمنين العباسي.
164/ 5075/ المستنجد بالله ابن المقتفي لأمر الله الخليفة العباسي.
168/ 5076/ أَبُو البَرَكَاتِ هِبَةُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ ملكا الفيلسوف الطبيب.
168/ 5077/ كمال بنت أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ السمرقندي أم الحسن.
169/ 5078/ أبو المظفر هِبَةُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ، أخو المحدثة كمال.
169/ 5079/ الخزرجي أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الحَقِّ بن أحمد القرطبي المالكي.
169/ 5080/ الحَرَسْتَانِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ القرشي البستاني.
170/ 5081/ الفَلَكِيُّ أَبُو المُظَفَّرِ سَعِيْدُ بنُ سَهْلِ بنِ محمد النيسابوري الخوارزمي الوزير.
170/ 5082/ العَلَوِيُّ أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ محمد بن علي البصري.
172/ 5083/ ابن هبيرة الوزير أَبُو المُظَفَّرِ يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ هُبَيْرَةَ الحنبلي.
175/ 5084/ الرُّسْتُمِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَسَنُ بنُ العَبَّاسِ بن علي الأصبهاني الشافعي.
177/ 5085/ ابْنُ رِفَاعَةَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ رفاعة بن غدير بن علي السعدي الشافعي.
179/ 5086/ خزيفة أَبُو المُعَمَّرِ عَبْدُ اللهِ بنُ سَعْدِ بنِ الحين البغدادي العطار.
179/ 5087/ الشيخ عبد القادر الجيلاني.
186/ 5088/ عَبْدُ الجَلِيْلِ بنُ أَبِي سَعْدٍ مَنْصُوْرِ بنِ إسماعيل الهروي أبو محمد الفامي.
187/ 5089/ عَبْدُ الهَادِي بنُ أَبِي سَعِيْدٍ بنِ عَبْدِ الله السجستاني أبو عروبة.
187/ 5090/ البَسْطَامِيُّ أَبُو شُجَاعٍ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ البلخي.
188/ 5091/ الكِيْزَانِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ ثابت المصري الواعظ.
189/ 5092/ القَنْطَرِيُّ أَبُو القَاسِمِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بن أحمد الأندلسي.
189/ 5093/ السمعاني أبو سَعْدٍ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرِ الخراساني المروزي.
194/ 5094/ ابْنُ اللَّحَّاسِ أَبُو المَعَالِي مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الحريمي.
195/ 5095/ الأَشِيْرِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الصنهاجي.(15/490)
196/ 5096/ ابن الماسح أبو القاسم علي بن الحسن بن الحسن الدمشقي الشافعي.
196/ 5097/ البارزي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عبد الواحد البغدادي.
197/ 5098/ مسعود بن الحسن بن القاسم بن أحمد أبو الفرج مسند العصر.
198/ 5099/ الدَّقَّاقُ أَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ بن هلال البغدادي.
199/ 5100/ الباجسرائي أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ بنِ محمد التانئ.
199/ 5101/ ابن المقرب أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ المُقَرِّبِ بنِ الحُسَيْنِ البغدادي الكرخي.
200/ 5102/ الطَّامِذِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ عبد الله الأصبهاني.
200/ 5103/ أبو النجيب عبد القاهر بن عبد الله بن محمد الهروردي الشافعي.
202/ 5104/ ابن تاج القراء أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ محمد الطوسي.
203/ 5105/ ابن الطبي أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي بنِ أحمد البغدادي الحاجب.
206/ 5106/ ابْنُ الفَاخِرِ أَبُو أَحْمَدَ مَعْمَرُ بنُ عَبْدِ الواحد بن رجاء بن الفاخر القرشي.
207/ 5107/ ابْنُ خُضَيْرٍ أَبُو طَالِبٍ المُبَارَكُ بنُ عَلِيٍّ بن محمد البغدادي الصيرفي.
208/ 5108/ نفيسة -وَتُسَمَّى فَاطِمَةَ- بِنْتَ مُحَمَّدِ بن عَلِيٍّ البَزَّازَةَ البغدادية.
209/ 5109/ ابن الزبير القَاضِي الرَّشِيْدُ أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بن إبراهيم الغساني.
209/ 5110/ ابْنُ الكُرَيْدِيِّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مَهْدِيِّ بن مفرج الهلالي الدمشقي.
209/ 5111/ السَّوِيْقِيُّ أَبُو عَاصِمٍ قَيْسُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إسماعيل الأصبهاني الصوفي.
210/ 5112/ الزَّاغُوْلِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ محمد المروزي.
211/ 5113/ البَاذَرَائِيُّ أَبُو المَكَارِمِ المُبَارَكُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المعمر البغدادي.
211/ 5114/ ابن الدامغاني أبو مَنْصُوْرٍ جَعْفَر بن عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ البغدادي.
212/ 5115/ الصائن أَبُو الحُسَيْنِ هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ بنِ هِبَةِ اللهِ بن عساكر الشافعي.
213/ 5116/ عبد الخالق بن أسد بن ثابت الفقيه الحنفي الدمشقي أبو محمد.(15/491)
214/ 5117/ ابن النقور أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ البَغْدَادِيُّ البزاز.
214/ 5118/ ابن هلال أَبُو المَكَارِمِ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المسلم الأزدي الدمشقي.
215/ 5119/ الفارقي أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بن عبد الحميد البغدادي.
216/ 5120/ فورجه أَبُو القَاسِمِ مَحْمُوْدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ علي الأصبهاني التاجر.
217/ 5121/ أَبُو زُرْعَةَ المَقْدِسِيُّ طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ طاهر الشيباني.
218/ 5122/ ابْنُ الخَلاَّلِ أَبُو الحَجَّاجِ يُوْسُفُ بنُ مُحَمَّدٍ المصري كاتب السر للحافظ العبيدي.
218/ 5123/ يَحْيَى بنُ ثَابِتِ بنِ بُنْدَارَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ البغدادي البقال أبو القاسم.
219/ 5124/ ابن هذيل أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ البلنسي.
220/ 5125/ ابْنُ سَعَادَةَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ سعادة المرسي الأندلسي.
220/ 5126/ الجَيَّانِيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ ياسر الأنصاري.
222/ 5127/ الرَّحَبِيُّ أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ، بواب الحريم.
222/ 5128/ البَطَلْيَوْسِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحسن الأندلسي.
223/ 5129/ ابْنُ بُنْدَارَ أَبُو المَحَاسِنِ يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ الله الدمشقي الشافعي.
224/ 5130/ شاور بن مجبر السعدي أبو شجاع وزير الديار المصرية.
225/ 5131/ محمد بن عبد الله بن محمد القيسي المالكي أبو عبد الله.
226/ 5132/ ابْنُ قُزْمَانَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ القرطبي الفقيه.
226/ 5133/ عُلَيْمُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العمري الأندلسي أبو محمد.
227/ 5134/ الزكي أبو الحسن عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ عَلِيٍّ القرشي الشافعي.
227/ 5135/ ابن قرقول أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ يُوْسُفَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الوهراني.
229/ 5136/ السلطان مودود صاحب الموصل بن زنكي بن آقسنقر.
229/ 5137/ ابن ظفر أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ بن محمد الصقلي.
230/ 5138/ ابن الخشاب أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ أحمد البغدادي النحوي.
232/ 5139/ الصيدلاني أَبُو المُطَهَّرِ القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ بنِ عَبْدِ الواحد الأصبهاني.
233/ 5140/ الصيدلاني أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ الحُسَيْنِ الأصبهاني.(15/492)
233/ 5141/ نور الدين الشهيد أبو القاسم محمود بن زنكي بن آقسنقر.
238/ 5142/ حَفَدَه أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَسْعَدَ بنِ محمد الطوسي الشافعي.
239/ 5143/ ابن الرخلة أبو محمد صالح بن المبارك بن محمد البغدادي الكرخي.
239/ 5144/ علي بن حميد بن عمار الطرابلسي النحوي.
240/ 5145/ شُهْدَةُ بِنْتُ المُحَدِّثِ أَبِي نَصْرٍ أَحْمَدَ بنِ الفرج الدينوري البغدادي.
241/ 5146/ ابن ماشاذة أبو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي الفَرَجِ الأصبهاني.
241/ 5147/ المَعْدَانِيُّ أَبُو القَاسِمِ رَجَاءُ بنُ حَامِدِ بنِ رجاء الأصبهاني.
242/ 5148/ نَصْرُ بنُ سَيَّارِ بنِ صَاعِدِ بنِ سَيَّارٍ الهروي الحنفي أبو الفتح.
242/ 5149/ ابن قلاقس الشاعر أبو الفتح نصر الله بن عبد الله الإسكندري.
243/ 5150/ القُرْطُبِيُّ أَبُو بَكْرٍ يَحْيَى بنُ سَعْدُوْنَ بنِ تمام الأزدي.
244/ 5151/ البطائحي أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَسَاكِرَ بنِ المُرَحَّبِ الضرير.
245/ 5152/ تجني بنت عبد الله الوهبانية أم عتب.
245/ 5153/ خديجة بنت أحمد بن الحسن بنت النهرواني.
246/ 5154/ عبد الحق بن عبد الخالق بن أحمد اليوسفي أبو الحسين.
247/ 5155/ ابن عساكر الحافظ المؤرخ أبو القاسم ثقة الدين علي بن الحسن بن هبة الله.
255/ 5156/ ابْنُ شَافِعٍ أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ بن شافع الجيلي البغدادي.
256/ 5157/ أبو الخير عبد الرحيم بن محمد بن أحمد الأصبهاني الحافظ.
257/ 5158/ الحَاجِّيُّ أَبُو مَسْعُوْدٍ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ عَلِيِّ بن حمد الأصبهاني.
258/ 5159/ أَبُو رَشِيْدٍ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ اللهِ الأصبهاني.
258/ 5160/ البَرَوِيُّ أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ بن سعد الخراساني الواعظ.
259/ 5161/ الجبريلي أبو أحمد أسعد بن بلدرك البواب.
259/ 5162/ ابْنُ العَصَّارِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرحيم بن الحسن العباسي.
260/ 5163/ الحَظِيْرِيُّ أَبُو المَعَالِي سَعْدُ بنُ عَلِيِّ بنِ قاسم الأنصاري الشاعر.
260/ 5164/ ابن الدهان أبو محمد سعيد بن المبارك البغدادي النحوي.
261/ 5165/ عبد النبي بن المهدي علي بن مهدي.(15/493)
262/ 5166/ الطَّاهِرِيُّ أَبُو المَكَارِمِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الخزاعي الحريمي.
262/ 5167/ ابن النعمة أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ خلف الأندلسي.
263/ 5168/ البَيْهَقِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ زَيْدِ بنِ أميرك الأنصاري الخزيمي.
264/ 5169/ ابْنُ البَلَدِيِّ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بن سعيد، وزير المستنجد بالله.
264/ 5170/ شيركوه بن شاذي بن مروان الكردي أسد الدين.
265/ 5171/ نجم الدين أيوب والد الملوك.
265/ 5172/ يوسف بن آدم بن محمد المراغي الدمشقي أبو يعقوب.
267/ 5173/ ابن عبد أَبُو البَرَكَاتِ الخَضِرُ بنُ شِبْلِ بنِ الحُسَيْنِ الدمشقي الشافعي.
267/ 5174/ عمارة بن علي بن زيدان اليمني الشافعي الشاعر أبو محمد.
269/ 5175/ العثماني أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن يحيى الديباجي الاسكندراني.
270/ 5176/ ابن بنيمان أبو الفضل محمد ابن بنيمان بن يوسف الهمذان.
271/ 5177/ السلفي: أحمد بن محمد.
287/ 5178/ أبو العلاء الهمذاني: الحسن بن أحمد.
291/ 5179/ الخطيبي: محمد بن عبد الله.
292/ 5180/ ابن البوقي: هبة الله بن يحيى.
292/ 5181/ اليوسفي: عبد الرحيم بن عبد الخالق.
292/ 5182/ العليمي: عمر بن محمد.
293/ 5183/ الحديثي: روح بن أحمد.
293/ 5184/ ابنه: عبد الملك بن روح.
294/ 5185/ المأموني: هارون بن العباس.
294/ 5186/ صاحب اليمن: تورانشاه بن أيوب.
295/ 5187/ ملك الموصل: غازي بن صاحب الموصل.
295/ 5188/ خوارزمشاه: أرسلان بن خوارزم شاه.
296/ 5189/ ابن حنين: علي بن أحمد.
297/ 5190/ ابن الشهرزوري: كمال الدين أبو الفضل.
298/ 5191/ ابنه: أبو حامد محمد.
299/ 5192/ الحيص بيص: سعد بن محمد.
299/ 5193/ أبو المسعودي: عبد الرحمن بن محمد.(15/494)
299/ 5194/ ابن صيلا: عتيق بن عبد العزيز.
300/ 5195/ السقلاطوني: يحيى بن يوسف.
300/ 5196/ شملة: التركماني.
300/ 5197/ الطوسي: محمد بن علي.
301/ 5198/ قايماز: مولى المستنجد بالله.
301/ 5199/ صدقة بن الحسين.
302/ 5200/ المستضيء بأمر الله: الحسن بن المستنجد بالله.
304/ 5201/ ابن غانية: يحيى بن علي.
305/ 5202/ الرصافي: محمد بن غالب.
305/ 5203/ عضد الدين: محمد بن عبد الله.
306/ 5204/ الرفاعي: أحمد بن أبي الحسين.
308/ 5205/ الكشميهني: محمد بن محمد.
309/ 5206/ ابن مواهب: محمد بن محمد.
309/ 5207/ الوشابي: عيسى بن محمد.
310/ 5208/ ابن العطار: منصور بن نصر.
310/ 5209/ حفيد الشاشي: أحمد بن عبد الله.
311/ 5210/ ابن خير: محمد بن خير.
311/ 5211/ خطيب الموصل: عبد الله بن أحمد.
312/ 5212/ ابن حكما: محمود بن أبي القاسم.
313/ 5213/ الخرقي: عبد الله بن أحمد.
314/ 5214/ الصفاري: حماد بن إبراهيم.
314/ 5215/ أبوه: أبو إسحاق إبراهيم.
314/ 5216/ ابن صابر: عبد الله بن سيدة.
315/ 5217/ ابْنُ أَبِي العَجَائِزِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ العزيز.
315/ 5218/ تقية: بنت المحدث غيث بن علي.
316/ 5219/ أبو طالب: أحمد بن سالم.
316/ 5220/ الرافعي: محمد بن عبد الكريم.
317/ 5221/ ابن المطلب: حسن بن الوزير.
317/ 5222/ ابن عبد المؤمن: يوسف بن السلطان.
319/ 5223/ السلماسي: محمد بن هبة الله.
319/ 5224/ ابن الصائغ: أحمد بن أبي الوفاء.
320/ 5225/ الزيدي، علي بن أحمد.
321/ 5226/ القرشي: عمر بن علي.(15/495)
321/ 5227/ القطب: مسعود بن محمد.
322/ 5228/ ابن أبي الصقر: محمد بن حمزة.
323/ 5229/ أبو الكرام: علي بن عبد الكريم.
323/ 5230/ صاحب حلب: أبو الفتوح إسماعيل.
324/ 5231/ صاحب أذربيجان.
325/ 5232/ الكمال الأنباري: عبد الرحمن بن محمد.
326/ 5233/ الكتاني: محمد بن أبي الأزهر.
327/ 5234/ ابْنُ شَاتِيْلَ: عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ.
328/ 5235/ ابن حبيش: عبد الرحمن بن محمد.
330/ 5236/ ابن عوف: إسماعيل بن مكي.
330/ 5237/ أبو المحاسن: محمد بن عبد الخالق.
331/ 5238/ الترك: أحمد بن أبي منصور.
331/ 5239/ ابْنُ أَبِي عَصْرُوْنَ: عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ.
333/ 5240/ الصائغ: محمد بن عبد الواحد.
334/ 5241/ الحلاوي: محمد بن أبي السعود.
335/ 5242/ الأبله: محمد بن بختيار.
335/ 5243/ القزاز: أبو السعادات نصر الله.
336/ 5244/ الثقفي: يحيى بن محمود.
337/ 5245/ ابن بري: عبد الله بن بري.
338/ 5246/ ابن المنى: نصر بن فتيان.
338/ 5247/ ابن بشكوال: خلف بن عبد الملك.
341/ 5248/ صاحب حمص: محمد بن شركوه.
341/ 5249/ البهلوان: ابن الأتابك إلدكز.
342/ 5250/ أبو اليسر: شاكر بن عبد الله.
342/ 5251/ الباقداري: محمد بن أحمد.
342/ 5252/ ابن زرقون: محمد بن سعيد.
344/ 5253/ ابن مغاور: عبد الرحمن بن محمد.
345/ 5254/ أبو موسى المديني: محمد بن عمر.
349/ 5255/ عبد المغيث البغدادي الحربي.
350/ 5256/ ابن الموازيني: أحمد بن حمزة.
351/ 5257/ ابن الصابوني: محمود بن أحمد.(15/496)
351/ 5258/ ابن الصاحب: هبة الله.
352/ 5259/ ابن منقذ: أسامة بن مرشد.
353/ 5260/ الحازمي: محمد بن موسى.
355/ 5261/ الجابري: عمر بن بكر.
356/ 5262/ المسعودي: محمد بن عبد الرحمن.
356/ 5263/ ابن التعاويذي: أبو الفتوح بن عبيد الله.
357/ 5264/ ابن الدهان: عبد الله بن أسعد.
358/ 5265/ ابن الجد: محمد بن عبد الله.
359/ 5266/ ابْنُ الفُرَاوِيِّ: عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ عَبْدِ اللهِ.
360/ 5267/ ابن عياد: يوسف بن عبد الله.
360/ 5268/ حياة: حياة بن قيس.
361/ 5269/ سنان: سنان بن سلمان.
366/ 5270/ الطالقاني: أحمد بن إسماعيل.
367/ 5271/ ابن صدقة: محمد بن علي.
368/ 5272/ ابن قائد: محمد بن قائد.
368/ 5273/ الخرقي: عبد الرحمن بن علي.
369/ 5274/ قزل: عثمان بن إلكز.
369/ 5275/ عبد الحق: عبد الحق بن عبد الرحمن.
371/ 5276/ صاحب حماة: عمر بن شاهنشاه.
372/ 5277/ الخبوشاني: محمد بن موفق.
374/ 5278/ السهروردي: يحيى بن حبش.
376/ 5279/ صاحب الروم: قلج أرسلان بن مسعود.
376/ 5280/ النميري: نصر بن منصور.
377/ 5281/ ابن مجبر: يحيى بن عبد الجليل.
378/ 5282/ الحضرمي: محمد بن عبد الرحمن.
379/ 5283/ أخوه: أحمد بن عبد الرحمن.
379/ 5284/ سلطان شاه: محمود بن خوارزمشاه.
380/ 5285/ أبو مدين: شعيب بن حسين.
381/ 5286/ ابن بنان: محمد بن محمد.
382/ 5287/ ابن حيدرة: محمد بن حيدرة.
382/ 5288/ أبو طالب الكرخي: المبارك بن المبارك.
384/ 5289/ القاضي الفاضل: محمود بن علي.
384/ 5290/ ابْنُ أَبِي حَبَّةَ: عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ هِبَةِ الله.(15/497)
385/ 5291/ رجب: رجب بن مذكور.
385/ 5292/ والد كريمة: عبد الوهاب بن علي.
386/ 5293/ قاضي خان: حسن بن منصور.
386/ 5294/ المرغيناتي: علي بن عبد الجليل.
386/ 5295/ الجويني: حسن بن علي.
387/ 5296/ الجنزوي: إسماعيل بن علي.
388/ 5297/ ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ.
389/ 5298/ صاحب الموصل: مسعود بن مودود.
390/ 5299/ الشيرازي: يوسف بن أحمد.
391/ 5300/ ابن الفخار: محمد بن إبراهيم.
392/ 5301/ ابن بوش: يحيى بن أسعد.
393/ 5302/ الطرسوسي: محمد بن إسماعيل.
393/ 5303/ الكاغدي: عبد الرحيم بن محمد.
394/ 5304/ ابن الباقلاني: عبد الله بن منصور.
395/ 5305/ النوقاني: محمد بن أبي علي.
395/ 5306/ ذاكر بن كامل: محمد بن حسين.
396/ 5307/ الحجري: عبد الله بن محمد.
398/ 5308/ المجير: محمود بن المبارك.
399/ 5309/ ابن فضلان: يحيى بن علي.
400/ 5310/ ابْنُ كُلَيْبٍ: عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ.
401/ 5311/ جاكير: محمد بن دشم.
401/ 5312/ الشاطبي: القاسم بن فيره.
403/ 5313/ ابْنُ صَصْرَى: الحَسَنُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ منصور.
404/ 5314/ أبوه الرئيس أبو البركات.
404/ 5315/ جده محفوظ.
405/ 5316/ طغرل: طغرل شاة بن أرسلان.
405/ 5317/ الجمال: مسعود بن محمد.
406/ 5318/ الراراني: خليل بن بدر.
406/ 5319/ ابن ياسين: إسماعيل بن صالح.
407/ 5320/ أحمد بن طارق: الكركي البغدادي.
408/ 5321/ ابن حمدية: عبد الله بن محمد.
408/ 5322/ أبو طاهر إبراهيم بن محمد.
409/ 5323/ الصابوني: عبد الخالق بن عبد الوهاب.
409/ 5324/ ابْنُ بُوْنُهْ: عَبْدُ الحَقِّ بنُ عَبْدِ المَلِكِ.(15/498)
410/ 5325/ ابن مأمون: محمد بن جعفر.
410/ 5326/ بكتمر: سيف الدولة.
411/ 5327/ صلاح الدين وبنوه: يوسف بن شاذي.
418/ 5328/ العزيز: عثمان بن يوسف.
419/ 5329/ الأفضل: علي بن يوسف.
421/ 5330/ الظاهر: غازي بن يوسف.
422/ 5331/ ابن يونس: عبيد الله بن يونس.
423/ 5332/ الفراتي: يعيش بن صدقة.
423/ 5333/ الفارسي: الحسن بن مسلم.
423/ 5334/ طاهر بن مكارم: الموصلي القلانسي.
423/ 5335/ مسلم بن علي.
424/ 5336/ أبو جعفر القرطبي: أحمد بن علي.
425/ 5337/ العراقي: إبراهيم بن منصور.
425/ 5338/ الساوي: عبيد الله بن محمد.
425/ 5339/ الويرج: ناصر بن محمد.
426/ 5340/ ابن رشد الحفيد: محمد بن أحمد.
427/ 5341/ ابن ملاح الشط: عبد الرحمن بن محمد.
428/ 5342/ صاحب المغرب: يعقوب بن يوسف.
432/ 5343/ صاحب غزنة: محمد بن سام.
434/ 5344/ أخوه السلطان شهاب الدين.
434/ 5345/ ابن القصاب: محمد بن علي.
435/ 5346/ ابن المقرون: البغدادي اللوزي.
436/ 5347/ ابن زهر: محمد بن عبد الملك.
437/ 5348/ ابن زريق الحداد: المبارك بن أحمد.
437/ 5349/ البندار: عبد الخالق بن هبة الله.
438/ 5350/ خوارزمشاه: تكش بن أرسلان.
439/ 5351/ العجلي: محمد بن إدريس.
439/ 5352/ صاحب اليمن: طغتكين بن أيوب.
440/ 5353/ عبد اللطيف: بن إسماعيل بن محمد.
441/ 5354/ ابن زبادة: يحيى بن سعيد.
442/ 5355/ القاضي الفاضل: عبد الرحيم بن علي.
445/ 5356/ العماد: محمد بن حامد.
448/ 5357/ الدولعي: عبد الملك بن زيد.(15/499)
449/ 5358/ السبط: هبة الله بن الحسن.
449/ 5359/ الطاووسي: العراقي بن محمد.
450/ 5360/ الحربي: عمر بن علي.
450/ 5361/ ابن الزينبي: محمد بن علي.
450/ 5362/ الخشوعي: بركات بن إبراهيم.
452/ 5363/ ابن الزكي: محمد بن علي.
452/ 5364/ ابن أبي المجد: عبد الله بن أحمد.
453/ 5365/ اللبان: أحمد بن محمد.
454/ 5366/ الكراني: محمد بن حمد.
454/ 5367/ ابن الفرس: عبد المنعم بن محمد.
455/ 5368/ أبو الفرج بن الجوزي: عبد الرحمن بن علي.
466/ 5369/ لؤلؤ العادلي.
466/ 5370/ حماد بن هبة الله.
467/ 5371/ الشهاب الطوسي: محمد بن محمود.
468/ 5372/ السديد: عبد الله بن علي.
469/ 5373/ البوصيري: هبة الله بن علي.
470/ 5374/ ابن موقى: عبد الرحمن بن مكي.
471/ 5375/ ابن نجية: علي بن إبراهيم.
472/ 5376/ علي بن حمزة: الكاتب البغدادي.
473/ 5377/ ابن المارستانية: عبيد الله بن علي.
473/ 5378/ ابن أبي جمرة: محمد بن أحمد.
474/ 5379/ الهاشمي: محمد بن أحمد.
474/ 5380/ ابن المعطوش: المبارك بن المبارك.
475/ 5381/ العجلي: أسعد بن محمود.
476/ 5382/ الصفار: عبد الله بن عمر.
477/ 5383/ القاسم: بهاء الدين.
481/ فهرس الموضوعات.
503/ فهرس التراجم.(15/500)
فهرس التراجم على حروف المعجم
الجزءالخامس عشر:
الصفحة التراجم:
138/ 5054/ أبق صاحب دمشق مجير الدين أبو سعيد بن محمد بن بوري بن طغتكين.
322/ 5228/ ابن أبي الصقر: محمد بن حمزة.
315/ 5217/ ابْنُ أَبِي العَجَائِزِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ العزيز.
452/ 5364/ ابن أبي المجد: عبد الله بن أحمد.
473/ 5378/ ابن أبي جمرة: محمد بن أحمد.
384/ 5290/ ابْنُ أَبِي حَبَّةَ: عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ هِبَةِ الله.
64/ 4955/ ابن أبي ركب أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الخُشَنِيُّ النحوي.
331/ 5239/ ابْنُ أَبِي عَصْرُوْنَ: عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ.
70/ 4965/ ابن أبي مروان أبو عمر وأبو جعفر أحمد بن عبد الملك بن محمد الأنصاري.
23/ 4899/ ابْنُ أُخْتِ الطَّوِيْلِ أَبُو بَكْرٍ هِبَةُ اللهِ بن الفرج الهمذاني.
22/ 4897/ ابْنُ الآبَنُوْسِيِّ أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ علي البغدادي الشافعي.
21/ 4894/ ابْنُ الإِخْوَةِ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بن محمد البغدادي العطار.
88/ 4988/ ابن الإخوة أَبُو الفَضْلِ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ أَحْمَدَ بنِ محمد البغدادي.
23/ 4898/ ابْنُ الأَشْقَرِ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ الواحد البغدادي الدلال.
394/ 5304/ ابن الباقلاني: عبد الله بن منصور.
203/ 5105/ ابن البطي أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي بنِ أحمد البغدادي الحاجب.
264/ 5169/ ابْنُ البَلَدِيِّ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بن سعيد، وزير المستنجد بالله.(15/501)
68/ 4962/ ابن البن أَبُو القَاسِمِ الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الأسدي الشافعي.
78/ 4979/ ابن البناء أبو القاسم سعيد بن أبي غالب أحمد بن الحسن البغدادي.
292/ 5180/ ابن البوقي: هبة الله بن يحيى.
134/ 5050/ ابْنُ التُّرَيْكِيِّ أَبُو المُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ علي الهاشمي العباسي.
356/ 5263/ ابن التعاويذي: أبو الفتح بن عبيد الله.
131/ 5044/ ابن التلميذ أَمِيْنُ الدَّوْلَةِ أَبُو الحَسَنِ هِبَةُ اللهِ بنُ صاعد المسيحي الطبيب.
358/ 5265/ ابن الجد: محمد بن عبد الله.
133/ 5048/ ابن الحبوبي أبو يعلى حمزة بن علي هبة الله بن حسن الدمشقي البزاز.
125/ 5035/ ابن الحطيئة أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أحمد اللخمي المغربي.
230/ 5138/ ابن الخشاب أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ أحمد البغدادي النحوي.
99/ 5005/ ابن الخل أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ مُحَمَّدِ البغدادي الشافعي.
218/ 5122/ ابْنُ الخَلاَّلِ أَبُو الحَجَّاجِ يُوْسُفُ بنُ مُحَمَّدٍ المصري كاتب السر للحافظ العبيدي.
211/ 5114/ ابن الدامغاني أبو مَنْصُوْرٍ جَعْفَر بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ.
29/ 4910/ ابْنُ الدَّايَةِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ البَغْدَادِيُّ.
53/ 4938/ ابْنُ الدباغ أَبُو الوَلِيْدِ يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ يوسف المالكي.
260/ 5164/ ابن الدهان أبو محمد سعيد بن المبارك البغدادي النحوي.
357/ 5264/ ابن الدهان: عبد الله بن أسعد.
239/ 5143/ ابن الرخلة أبو محمد صالح بن المبارك بن محمد البغدادي الكرخي.
26/ 4903/ ابْنُ الرَّزَّازِ أَبُو مَنْصُوْرٍ سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدِ بن عمر البغدادي الشافعي.
30/ 4911/ ابن الرماك أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأموي الإشبيلي.
86/ 4986/ ابن الزغوني أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ نصر البغدادي.
209/ 5109/ ابن الزبير القَاضِي الرَّشِيْدُ أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بن إبراهيم الغساني.(15/502)
9/ 4481/ ابن الزكي قاضي دمشق أبو المعالي محمد بن يحيى بن علي الدمشقي الشافعي.
452/ 5363/ ابن الزكي: محمد بن علي.
450/ 5361/ ابن الزينبي: محمد بن علي.
89/ 4989/ ابن السلار الْملك العَادل سَيْف الدِّيْنِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ الكردي الوزير.
40/ 4926/ ابن الشجري أَبُو السَّعَادَاتِ هِبَةُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ محمد الحسني البغدادي.
9/ 4482/ ابْنُ الشَّهْرُزُوْرِيِّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ بن مظفر الموصلي الشافعي.
297/ 5190/ ابن الشهرزوري: كمال الدين أبو الفضل.
319/ 5224/ ابن الصائغ: أحمد بن أبي الوفاء.
131/ 5045/ ابن الصابوني أَبُو الفَتْحِ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ.
351/ 5257/ ابن الصابوني: محمود بن أحمد.
351/ 5258/ ابن الصاحب: هبة الله.
25/ 4902/ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ السيد محمد البغدادي الشافعي.
121/ 5030/ ابن الصفار أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَنْصُوْرِ النيسابوري الشافعي.
76/ 4977/ ابن الطلاية أبو العَبَّاس أَحْمَد بنُ أَبِي غَالِبٍ بنِ أَحْمَدَ البغدادي.
42/ 4928/ ابْنُ العَرَبِيِّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ محمد الأندلسي المالكي.
259/ 5162/ ابْنُ العَصَّارِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرحيم بن الحسن العباسي.
310/ 5209/ ابن العطار: منصور بن نصر.
206/ 5016/ ابْنُ الفَاخِرِ أَبُو أَحْمَدَ مَعْمَرُ بنُ عَبْدِ الواحد بن رجاء بن الفاخر القرشي.
391/ 5300/ ابن الفخار: محمد بن إبراهيم.
130/ 5043/ ابن الفراء أبو يعلى الصغير محمد بن محمد بن القاضي الكبير أبي يعلى الحنبلي.
57/ 4946/ ابن الفراوي أَبُو البَرَكَاتِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفضل النيسابوري.
359/ 5266/ ابْنُ الفُرَاوِيِّ: عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ عَبْدِ اللهِ.
454/ 5367/ ابن الفرس: عبد المنعم بن محمد.
434/ 5345/ ابن القصاب: محمد بن علي.(15/503)
122/ 5032/ ابن القطان أَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ الفَضْلِ بنِ عبد العزيز المتوثي.
150/ 5063/ ابن القرنسي أَبُو يَعْلَى حَمْزَةُ بنُ أَسَدِ بنِ عَلِيٍّ التميمي الدمشقي المؤرخ.
ابْنُ الكُرَيْدِيِّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مَهْدِيِّ بن مفرج الهلالي الدمشقي.
194/ 5094/ ابْنُ اللَّحَّاسِ أَبُو المَعَالِي مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الحريمي.
152/ 5066/ ابْنُ المَادِحِ أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بن عبد الكريم التميمي البغدادي.
473/ 5377/ ابن المارستاتية: عبيد الله بن علي.
196/ 5096/ ابن الماسح أبو القاسم علي بن الحسن بن الحسن الدمشقي الشافعي.
150/ 5062/ ابْنُ المُتَوَكِّلِ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ جَعْفَرٍ بن عبد الصمد الهاشمي.
29/ 4908/ ابن المختار أَبُو تَمَّام أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ المُخْتَارِ العباسي البغدادي المسند.
317/ 5221/ ابن المطلب: حسن بن الوزير.
10/ 4883/ ابْنُ المُعْتَمِدِ أَبُو الفُتُوْحِ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ الإسفراييني الواعظ.
474/ 5380/ ابن المعطوش: المبارك بن المبارك.
199/ 5101/ ابن المقرب أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ المُقَرِّبِ بنِ الحُسَيْنِ البغدادي الكرخي.
435/ 5346/ ابن المقرون: البغدادي اللوزي.
338/ 5246/ ابن المنى: نصر بن فتيان.
350/ 5256/ ابن الموازيني: أحمد بن حمزة.
262/ 5167/ ابن النعمة أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ خلف الأندلسي.
214/ 5117/ ابن النقور أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ البَغْدَادِيُّ البزاز.
31/ 4913/ ابْنُ الوَزِيْرِ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مَسْعُوْدٍ الدمشقي الحافظ.
337/ 5245/ ابن برى: عبد الله بن برى.
338/ 5247/ ابن بشكوال: خلف بن عبد الملك.
381/ 5286/ ابن بنان: محمد بن محمد.
223/ 5129/ ابْنُ بُنْدَارَ أَبُو المَحَاسِنِ يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ الله الدمشقي الشافعي.
270/ 5176/ ابن بنيمان أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ بُنَيْمَانَ بنِ يُوْسُفَ الهمذان.(15/504)
392/ 5301/ ابن بوش: يحيى بن أسعد.
409/ 5324/ ابْنُ بُوْنُهْ: عَبْدُ الحَقِّ بنُ عَبْدِ المَلِكِ.
202/ 5104/ ابن تاج القراء أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ محمد الطوسي.
90/ 4990/ ابن جهير الوزير أبو نصر مُظَفَّرُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ ابن جهير.
328/ 5235/ ابن حبيش: عبد الرحمن بن محمد.
312/ 5212/ ابن حكما: محمود بن أبي القاسم.
408/ 5321/ ابن حمدية: عبد الله بن محمد.
66/ 4959/ ابن حمدين أَبُو جَعْفَرٍ حَمْدِين بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ الثعلبي.
296/ 5189/ ابن حنين: علي بن أحمد.
382/ 5287/ ابن حيدرة: محمد بن حيدرة.
207/ 5107/ ابْنُ خُضَيْرٍ أَبُو طَالِبٍ المُبَارَكُ بنُ عَلِيٍّ بن محمد البغدادي الصيرفي.
94/ 4997/ ابن خميس أبو عبد الله الحسين بن نصر بن محمد الجهني الكعبي الشافعي.
311/ 5210/ ابن خير: محمد بن خير.
71/ 4969/ ابن دادا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ حُسَيْنٍ الجرباذقاني.
426/ 5340/ ابن رشد الحفيد: محمد بن أحمد.
177/ 5085/ ابْنُ رِفَاعَةَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ رفاعة بن غدير بن علي السعدي الشافعي.
441/ 5354/ ابن زيادة، يحيى بن سعيد.
342/ 5252/ ابن زرقون: محمد بن سعيد.
437/ 5348/ ابن زريق الحداد: المبارك بن أحمد.
436/ 5347/ ابن زهر: محمد بن عبد الملك.
220/ 5125/ ابْنُ سَعَادَةَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ سعادة المرسي الأندلسي.
327/ 5234/ ابْنُ شَاتِيْلَ: عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ.
255/ 5156/ ابْنُ شَافِعٍ أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ بن شافع الجيلي البغدادي.
314/ 5216/ ابن صابر: عبد الله بن سيدة.
367/ 5271/ ابن صدقة: محمد بن علي.
403/ 5313/ ابْنُ صَصْرَى: الحَسَنُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ منصور.
299/ 5194/ ابن صيلا: عتيق بن عبد العزيز.(15/505)
16/ 4890/ ابن طراد أبو القاسم علي بن طراد بن محمد الزينبي الوزير.
229/ 5137/ ابن ظفر أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ بن محمد الصقلي.
267/ 5173/ ابن عبد أَبُو البَرَكَاتِ الخَضِرُ بنُ شِبْلِ بنِ الحُسَيْنِ الدمشقي الشافعي.
14/ 4887/ ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ البغدادي.
ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ.
317/ 5222/ ابن عبد المؤمن: يوسف بن السلطان.
54/ 4940/ ابن عبدان أبو القاسم الخضر بن حسين بن عبيد الله الأزدي الدمشقي.
247/ 5155/ ابن عساكر الحافظ المؤرخ أبو القاسم ثقة الدين علي بن الحسن بن هبة الله.
330/ 5236/ ابن عوف: إسماعيل بن مكي.
360/ 5267/ ابن عياد: يوسف بن عبد الله.
304/ 5201/ ابن غانية: يحيى بن علي.
118/ 5026/ ابْنُ غَبْرَةَ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحسن الهاشمي الحارثي.
399/ 5309/ ابن فضلان: يحيى بن علي.
368/ 5272/ ابن قائد: محمد بن قائد.
227/ 5135/ ابن قرقول أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ يُوْسُفَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الوهراني.
226/ 5132/ ابْنُ قُزْمَانَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ القرطبي الفقيه.
132/ 5047/ ابن قفرجل أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ عَبْدِ الباقي القطان.
242/ 5149/ ابن قلاقس الشاعر أبو الفتح نصر الله بن عبد الله الإسكندري.
152/ 5067/ ابْنُ كَرُّوْسٍ أَبُو يَعْلَى حَمْزَةُ بنُ أَحْمَدَ بن فارس السلمي الدمشقي.
400/ 5310/ ابْنُ كُلَيْبٍ: عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ.
241/ 5146/ ابن ماشاذة أبو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي الفَرَجِ الأصبهاني.
410/ 5325/ ابن مأمون: محمد بن جعفر.
377/ 5281/ ابن مجبر: يحيى بن عبد الجليل.
119/ 5027/ ابْنُ مَحْمُويه أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بن الحسين البزدي الشافعي.
61/ 4952/ ابْنُ مُسْهِرٍ عَلِيُّ بنُ سَعْدِ بنِ عَلِيٍّ الموصلي الشاعر مهذب الدين.
69/ 4963/ ابْنُ مَطْكُودٍ أَبُو القَاسِمِ نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ بن مقاتل السوسي الدمشقي.(15/506)
69/ 4964/ ابن مطكود علي بن أحمد بن مقاتل أخو نصر.
644/ 5253/ ابن مغاور: عبد الرحمن بن محمد.
427/ 5341/ ابن ملاح الشط: عبد الرحمن بن محمد.
352/ 5259/ ابن منقذ: أسامة بن مرشد.
309/ 5206/ ابن مواهب: محمد بن محمد.
470/ 5374/ ابن موقي: عبد الرحمن بن مكي.
108/ 5010/ ابن ناجية أبو القاسم أحمد بن أَبِي المَعَالِي عَبْدِ اللهِ بنِ بَرَكَةَ الحَرْبِيُّ.
79/ 4980/ ابن ناصر أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ نَاصرِ بنِ مُحَمَّدِ بن علي السلامي البغدادي الحافظ.
471/ 5375/ ابن نجية: علي بن إبراهيم.
62/ 4953/ ابن نظام الملك الوزير أبو نصر أحمد بن نظام الملك الحسن بن علي الطوسي.
172/ 5083/ ابن هبيرة الوزير أَبُو المُظَفَّرِ يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ هُبَيْرَةَ الحنبلي.
219/ 5124/ ابن هذيل أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ البلنسي.
214/ 5118/ ابن هلال أَبُو المَكَارِمِ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المسلم الأزدي الدمشقي.
406/ 5319/ ابن ياسين: إسماعيل بن صالح.
422/ 5331/ ابن يونس: عبيد الله بن يونس.
298/ 5191/ ابنه: أبو حامد محمد.
293/ 5184/ ابنه: عبد الملك بن روح.
168/ 5076/ أَبُو البَرَكَاتِ هِبَةُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ ملكا الفيلسوف الطبيب.
114/ 5020/ أبو البيان نبأ بن محمد بن محفوظ الحوراني الشافعي.
146/ 5059/ أَبُو الحُسَيْنِ الزَّاهِدُ بنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ بن حمزة المقدسي.
256/ 5157/ أبو الخير عبد الرحيم بن محمد بن أحمد الأصبهاني الحافظ.
32/ 4915/ أبو الدر ياقوت الرومي التاجر.
287/ 5178/ أبو العلاء الهمذاني: الحسن بن أحمد.
455/ 5368/ أبو الفرج بن الجوزي: عبد الرحمن بن علي.
323/ 5229/ أبو الكرام: علي بن عبد الكريم.(15/507)
330/ 5237/ أبو المحاسن: محمد بن عبد الخالق.
299/ 5193/ أبو المسعودي: عبد الرحمن بن محمد.
169/ 5078/ أبو المظفر هِبَةُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ، أخو المحدثة كمال.
200/ 5103/ أبو النجيب عبد القاهر بن عبد الله بن محمد السهروردي الشافعي.
101/ 5007/ أَبُو الوَقْتِ عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى بنِ شعيب السجزي الهروي.
342/ 5250/ أبو اليسر: شاكر بن عبد الله.
39/ 4925/ أَبُو بَكْرٍ يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرحمن البقوي القرطبي الشاعر.
424/ 5336/ أبو جعفر القرطبي: أحمد بن علي.
47/ 4932/ أَبُو جَعْفَرَكَ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي جعفر البيهقي النيسابوري المفسر.
155/ 5071/ أَبُو حَكِيْمٍ إِبْرَاهِيْمُ بنُ دِيْنَارٍ النُّهْرُوَانِيُّ الحَنْبَلِيُّ البغدادي.
258/ 5159/ أَبُو رَشِيْدٍ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ اللهِ الأصبهاني.
217/ 5121/ أَبُو زُرْعَةَ المَقْدِسِيُّ طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ طاهر الشيباني.
382/ 5288/ أبو طالب الكرخي: المبارك بن المبارك.
316/ 5219/ أبو طالب: أحمد بن المسلم.
408/ 5322/ أبو طاهر إبراهيم بن محمد.
52/ 4937/ أبو عبد الله محمد بن عياض بن محمد بن القاضي عياض النحوي.
60/ 4951/ أبو عبد الله مردنيش الجذامي المغربي.
63/ 4954/ أبو محمد بن عياض المجاهد.
380/ 5285/ أبو مدين: شعيب بن حسين.
345/ 5254/ أبو موسى المديني: محمد بن عمر.
404/ 5314/ أبوه الرئيس أبو البركات.
314/ 5215/ أبوه: أبو إسحاق إبراهيم.
408/ 5320/ أحمد بن طارق: الكركي البغدادي.
108/ 5011/ أحمد بن وقشي.
434/ 5344/ أخوه السلطان شهاب الدين.
379/ 5283/ أخوه: أحمد بن عبد الرحمن.
15/ 4889/ أكز حسام الدين الحاجب.
335/ 5242/ الأيله: محمد بن بختيار.
38/ 4923/ الأتابك عماد الدين زنكي بن آقْسُنْقُرَ بنِ عَبْدِ اللهِ التُّرْكِيُّ صَاحِبُ حَلَبَ.
48/ 4934/ الأرجاني الشاعر أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ الشافعي.(15/508)
34/ 4919/ الأُرْمَوِيُّ أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ يوسف البغدادي الشافعي.
76/ 4976/ الأَزَجِيُّ أَبُو المُعَمَّرِ المُبَارَكُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عبد العزيز الأنصاري الحافظ.
56/ 4945/ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ أَبُو المَعَالِي الفَضْلُ بنُ سَهْلِ بنِ بشر الدمشقي.
195/ 5095/ الأَشِيْرِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الصنهاجي.
120/ 5028/ الأَغرجِيُّ أَبُو الفَرَجِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أبي سعيد الخوارزمي.
419/ 5329/ الأفضل: علي بن يوسف.
133/ 5049/ الأُقْلِيْشِيُّ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مَعَدِّ بنِ عيسى التجيبي.
36/ 4920/ الأُمَوِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ سَعِيْدِ بنِ أحمد القرشي الجزري الشافعي.
36/ 4921/ الأُنْديُّ أَبُو الحجَّاجِ يُوْسُفُ بنُ عَلِيٍّ القُضَاعِيُّ المحدث.
7/ 4880/ الأنماطي أبو البركات بن عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد البغدادي.
199/ 5100/ الباجرائي أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ بنِ محمد التأني.
211/ 5113/ البَاذَرَائِيُّ أَبُو المَكَارِمِ المُبَارَكُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المعمر البغدادي.
196/ 5097/ البارزي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عبد الواحد البغدادي.
144/ 5057/ الباغبان أَبُو الخَيْرِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ بنِ عُمَرَ الأصبهاني المهندس.
342/ 5251/ الباقداري: محمد بن أحمد.
19/ 4892/ البحيري أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النيسابوري.
13/ 4885/ البديع أبو علي أحمد بن سعد بن علي العجلي الهمذاني.
110/ 5013/ البروجردي أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ العلاء.
258/ 5160/ البَرَوِيُّ أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ بن سعد الخراساني الواعظ.
129/ 5041/ اليزري أَبُو القَاسِمِ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الجزري الشافعي.
90/ 4991/ البُسْتِيُّ أَبُو العِزِّ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ محمد الصوفي.
187/ 5090/ البَسْطَامِيُّ أَبُو شُجَاعٍ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ البلخي.
244/ 5151/ البطائحي أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَسَاكِرَ بنِ المُرَحَّبِ الضرير.
222/ 5128/ البَطَلْيَوْسِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحسن الأندلسي.
85/ 4984/ البَلْخِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ محمد الحنفي الدمشقي.(15/509)
437/ 5349/ البندار: عبد الخالق بن هبة الله.
341/ 5249/ البهلوان: ابن الأتابك إلدكز.
469/ 5373/ البوصيري: هبة الله بن علي.
34/ 4917/ البَيْضَاوِيُّ أَبُو الفَتْحِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بن محمد الفارسي الحنفي.
53/ 4939/ البيع أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ علي الزهري البغدادي.
120/ 5029/ البِيْكَنْدِيُّ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بنُ عَلِيِّ بنِ محمد البخاري.
263/ 5168/ البَيْهَقِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ زَيْدِ بنِ أميرك الأنصاري الخزيمي.
331/ 5238/ الترك: أحمد بن أبي منصور.
336/ 5244/ الثقفي: يحيى بن محمود.
355/ 5261/ الجابري: عمر بن بكر.
259/ 5161/ الجبريلي أبو أحمد أسعد بن بلدرك البواب.
28/ 4907/ الجُلاَّبِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ محمد الواسطي المالكي.
405/ 5317/ الجمال: مسعود بن محمد.
387/ 5296/ الجنزوي: إسماعيل بن علي.
83/ 4981/ الجنيد بن محمد، أبو القاسم القايني، شيخ الصوفية.
128/ 5037/ الجواد الوزير أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي منصور الأصبهاني.
31/ 4914/ الجورقاني أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الحسين الهمذاني الحافظ.
386/ 5295/ الجويني: حسن بن علي.
220/ 5126/ الجَيَّانِيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ ياسر الأنصاري.
257/ 5158/ الحَاجِّيُّ أَبُو مَسْعُوْدٍ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ عَلِيِّ بن حمد الأصبهاني.
353/ 5260/ الحازمي: محمد بن موسى.
396/ 5307/ الحجري: عبد الله بن محمد.
293/ 5183/ الحديثي: روح بن أحمد.
130/ 5042/ الحَرَّانِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بن العباس البغدادي.
450/ 5360/ الحربي: عمر بن علي.
169/ 5080/ الحَرَسْتَانِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ القرشي البستاني.
75/ 4974/ الحرضي أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ عَبْدِ الرحيم النيسابوري.
110/ 5014/ الحصكفي معينُ الدِّينِ أَبُو الفَضْلِ يَحْيَى بنُ سَلاَمَةَ بن حسين الظنزي.
378/ 5282/ الحضرمي: محمد بن عبد الرحمن.
260/ 5163/ الحَظِيْرِيُّ أَبُو المَعَالِي سَعْدُ بنُ عَلِيِّ بنِ قاسم الأنصاري الشاعر.(15/510)
334/ 5241/ الحلاوي: محمد بن أبي السعود.
68/ 4961/ الحَمَّامِيُّ أَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحسين النيسابوري الصوفي.
الحيص بيص: سعد بن محمد.
372/ 5277/ الخبوشاني: محمد بن موقق.
149/ 5061/ الخجندي صَدْرُ الدِّيْنِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللطيف بن محمد الشافعي.
114/ 5021/ الخَرَّازُ أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ علي الحريمي البغدادي.
368/ 5273/ الخرقي: عبد الرحمن بن علي.
313/ 5213/ الخرقي: عبد الله بن أحمد.
169/ 5079/ الخزرجي أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الحَقِّ بن أحمد القرطبي المالكي.
450/ 5362/ الخشوعي: بركات بن إبراهيم.
291/ 5179/ الخطيبي: محمد بن عبد الله.
96/ 5000/ الخطير أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ خطاب، خطير الدولة.
127/ 5036/ الدَّارَانِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الحسن بن إبراهيم الكناني الدمشقي.
198/ 5099/ الدَّقَّاقُ أَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ بن هلال البغدادي.
26/ 4904/ الدهان أبو نصر عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي الفضل الهروي الصوفي.
309/ 5207/ الدوشابي: عيسى بن أحمد.
448/ 5357/ الدولعي: عبد الملك بن زيد.
24/ 4900/ الدُّومِيُّ أَبُو الفَتْحِ مُفلِحُ بنُ أَحْمَدَ بنِ محمد البغدادي الوراق.
406/ 5318/ الراراني: خليل بن بدر.
316/ 5220/ الرافعي: محمد بن عبد الكريم.
222/ 5127/ الرَّحَبِيُّ أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ، بواب الحريم.
175/ 5084/ الرُّسْتُمِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَسَنُ بنُ العَبَّاسِ بن علي الأصبهاني الشافعي.
75/ 4975/ الرُّشَاطِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ عبد الله الأندلسي الحافظ.
305/ 5202/ الرصافي: محمد بن غالب.
86/ 4985/ الرُّطَبِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ الله بن سلامة الكرخي.
55/ 4943/ الرفاء الشاعر أبو الحسين أحمد بن منير بن أحمد بن مفلح الأطرابلسي.(15/511)
306/ 5204/ الرفاعي: أحمد بن أبي الحسين.
210/ 5112/ الزَّاغُوْلِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ محمد المروزي.
108/ 5012/ الزَّبِيْدِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ علي بن مسلم القرشي.
227/ 5134/ الزكي أبو الحسن عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ عَلِيٍّ القرشي الشافعي.
17/ 4891/ الزمخشري أبو القاسم محمود بن عمر النحوي المفسر.
155/ 5072/ الزَّيَّاتُ أَبُو النَّدَى حَسَّانُ بنُ تَمِيْمِ بنِ نصر الدمشقي.
49/ 4935/ الزِّيَادِيُّ أَبُو المَحَاسِنِ أَسَعْدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الموفق الهروي الحنفي.
154/ 5070/ الزِّيَادِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ البغوي.
13/ 4886/ الزَّيْدِيُّ أَبُو البَرَكَاتِ عُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ محمد العلوي الكوفي الحنفي.
320/ 5225/ الزيدي: علي بن أحمد.
47/ 4931/ الزينبي أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ نور الهدَى الحُسَيْن بن محمد الهاشمي الحنفي.
425/ 5338/ الساوي: عبيد الله بن محمد.
91/ 4993/ السبخي أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ عثمان البزدوي الحنفي.
449/ 5358/ السبط: هبة الله بن الحسن.
468/ 5372/ السديد: عبد الله بن علي.
300/ 5195/ السقلاطوني: يحيى بن يوسف.
58/ 4947/ السُّلْطَانُ أَبُو سَعْدٍ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بنِ سهل الدامغاني الشافعي.
148/ 5060/ السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه السلجوقي غياث الدين أبو الفتح.
229/ 5136/ السلطان مودود صاحب الموصل بن زنكي بن آقسنقر.
271/ 5177/ السلفي: أحمد بن محمد.
319/ 5223/ السلماسي: محمد بن هبة الله.
34/ 4918/ السِّمِّذِيُّ أَبُو المَكَارِمِ المُبَارَكُ بنُ عَلِيِّ بنِ عبد العزيز البغدادي.
189/ 5093/ السمعاني أبو سَعْدٍ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرِ الخراساني المروزي.
59/ 4949/ النجبستي أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ، شيخ مسند.
90/ 4992/ السِّنْجِيُّ أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عبد الله المروزي الشافعي.(15/512)
374/ 5278/ السهروردي: يحيى بن حبش.
209/ 5111/ السَّوِيْقِيُّ أَبُو عَاصِمٍ قَيْسُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إسماعيل الأصبهاني الصوفي.
401/ 5312/ الشاطبي: القاسم بن فيره.
153/ 5068/ الشِّبْلِيُّ أَبُو المُظَفَّرِ هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بن محمد البغدادي المؤذن.
112/ 5017/ الشَّحَّامُ أَبُو مُحَمَّدٍ سَلْمَانُ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ حسن البغدادي.
55/ 4942/ الشَّحَّامِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحسين النيسابوري.
25/ 4901/ الشَّرِيكُ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ البلخي.
97/ 5002/ الشلبي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عِيْسَى بنِ عبد الله الأندلسي.
467/ 5371/ الشهاب الطوسي: محمد بن محمود.
93/ 4996/ الشَّهْرُزُوْرِيُّ أَبُو الكَرَمِ المُبَارَكُ بنُ الحَسَنِ بنِ أحمد البغدادي المقرئ.
92/ 4994/ الشَّهْرَسْتَانِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ أَحْمَدَ، أبو الفتح، المتكلم.
145/ 5058/ الشَّيْخُ رِسْلاَنُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدمشقي.
179/ 5087/ الشيخ عبد القادر الجيلاني.
390/ 5299/ الشيرازي: يوسف بن أحمد.
333/ 5240/ الصائغ: محمد بن عبد الواحد.
212/ 5115/ الصائن أبو الحسن هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ بنِ هِبَة اللهِ بن عساكر الشافعي.
409/ 5323/ الصابوني: عبد الخالق بن عبد الوهاب.
156/ 5073/ الصالح وزير مصر طلائع بن رزيك أبو الغارات.
476/ 5382/ الصفار: عبد الله بن عمر.
314/ 5214/ الصفاري: حماد بن إبراهيم.
232/ 5139/ الصيدلاني أبو المظهر القاسم بن الفضل بن عبد الواحد الأصبهاني.
233/ 5140/ الصيدلاني أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ الحُسَيْنِ الأصبهاني.
135/ 5052/ الطَّائِيُّ أَبُو الفُتُوْحِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ علي الهمذاني.
366/ 5270/ الطالقاني: أحمد بن إسماعيل.
200/ 5102/ الطَّامِذِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ عبد الله الأصبهاني.
262/ 5166/ الطَّاهِرِيُّ أَبُو المَكَارِمِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الخزاعي الحريمي.
449/ 5359/ الطاووسي: العراقي بن محمد.(15/513)
29/ 4909/ الطَّرَائِفِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحسن البغدادي.
393/ 5302/ الطرسوسي: محمد بن إسماعيل.
300/ 5197/ الطوسي: محمد بن علي.
421/ 5330/ الظاهر: غازي بن يوسف.
59/ 4950/ العَبَّادِيُّ أَبُو مَنْصُوْرٍ المُظَفَّرُ بنُ أَرْدَشِيْرَ المَرْوَزِيُّ.
117/ 5025/ العَبَّاسِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عبد العزيز، نقيب الهاشميين بمكة.
269/ 5175/ العثماني أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن يحيى الديباجي الاسكندراني.
475/ 5381/ العجلي: أسعد بن محمود.
439/ 5351/ العجلي: محمد بن إدريس.
425/ 5337/ العراقي: إبراهيم بن منصور.
418/ 5328/ العزيز: عثمان بن يوسف.
97/ 5001/ العُكْبَرِيُّ أَبُو القَاسِمِ نَصْرُ بنُ نَصْرِ بنِ علي بن يونس الشافعي.
170/ 5082/ العَلَوِيُّ أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ علي البصري.
292/ 5182/ العليمي: عمر بن محمد.
445/ 5356/ العماد: محمد بن حامد.
134/ 5051/ الغَانِمِيُّ أَبُو المَحَاسِنِ مَسْعُوْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غانم الهروي.
113/ 5018/ الغَزْنَوِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، الوَاعِظُ.
30/ 4912/ الغَنَوِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ محرز الرقى الشافعي الصوفي.
423/ 5333/ الفارسي: الحسن بن مسلم.
215/ 5119/ الفارقي أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بن عبد الحميد البغدادي.
98/ 5003/ الشامي أبو النضر عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ بنِ عُثْمَانَ الهروي.
423/ 5332/ الفراتي: يعيش بن صدقة.
170/ 5081/ الفَلَكِيُّ أَبُو المُظَفَّرِ سَعِيْدُ بنُ سَهْلِ بنِ محمد النيسابوري الخوارزمي الوزير.
48/ 4933/ الفَنْدَلاَوِيُّ أَبُو الحَجَّاجِ يُوْسُفُ بنُ دُوْنَاسَ المَغْرِبِيُّ المالكي.
477/ 5383/ القاسم: بهاء الدين.
442/ 5355/ القاضي الفاضل: عبد الرحيم بن علي.
384/ 5289/ القاضي الفاضل: محمود بن علي.
49/ 4936/ القاضي عياض أبو الفضل بن موسى اليحصبي الأندلسي.(15/514)
321/ 5226/ القرشي: عمر بن علي.
243/ 5150/ القُرْطُبِيُّ أَبُو بَكْرٍ يَحْيَى بنُ سَعْدُوْنَ بنِ تمام الأزدي.
335/ 5243/ القزاز: أبو السعادات نصر الله.
321/ 5227/ القطب: مسعود بن محمد.
189/ 5092/ القَنْطَرِيُّ أَبُو القَاسِمِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بن أحمد الأندلسي.
56/ 4944/ القراني أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ نَصْرِ بنِ صغير بن خالد سيد الشعراء.
95/ 4998/ القَيْسِيُّ أَبُو العَشَائِرِ مُحَمَّدُ بنُ الخَلِيْلِ بنِ فارس الدمشقي.
393/ 5303/ الكاغدي: عبد الرحيم بن محمد.
326/ 5233/ الكتاني: محمد بن أبي الأزهر.
454/ 5366/ الكراني: محمد بن حمد.
151/ 5065/ الكَرْخِيُّ أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بن جعفر.
46/ 4930/ الكرماني أَبُو الفَضْلِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أميرويه الحنفي الخراساني.
122/ 5031/ الكرماني أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ الحَسَنِ بنِ عبد الله النيسابوري.
84/ 4983/ الكروخي أبو الفتح عَبْدِ المَلِكِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي سهل الهروي.
71/ 4970/ الكشميهني أبو الفتح مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي تَوبَةَ المروزي.
308/ 5205/ الكشميهني: محمد بن محمد.
325/ 5232/ الكمال الأنباري: عبد الرحمن بن محمد.
188/ 5091/ الكِيْزَانِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ ثابت المصري الواعظ.
129/ 5040/ اللَّبَّادُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الأصبهاني.
453/ 5365/ اللبان: أحمد بن محمد.
294/ 5185/ المأموني: هارون بن العباس.
98/ 5004/ المُبَارَكُ بنُ كَامِلِ بنُ أَبِي غَالِبٍ الخَفَّافُ، أبو بكر البغدادي.
398/ 5308/ المجير: محمود بن المبارك.
37/ 4922/ المُرَادِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ أحمد القرطبي الشافعي.
386/ 5294/ المرغناني: علي بن عبد الجليل.
302/ 5200/ المستضيء بأمر الله: الحسن بن المستنجد بالله.
164/ 5075/ المستنجد بالله ابن المقتفي لأمر الله الخليفة العباسي.(15/515)
356/ 5262/ المسعودي: محمد بن عبد الرحمن.
66/ 4958/ المسيب بن مفرج بن حسن، الوزير العميد أبو الذواء، أخو حيدرة.
106/ 5008/ المُشْكَانِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الروذراوي الشافعي.
241/ 5147/ المعنداني أبو القاسم رجاء بن حامد بن رجاء الأصبهاني.
157/ 5074/ المقتفي لأمر الله أمير المؤمنين العباسي.
154/ 5069/ المُوْسَوِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ حَمْزَةَ بنِ إسماعيل الهاشمي الهروي.
41/ 4972/ المِيْهَنِيُّ أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ طَاهِرِ بنِ سعيد الخراساني الصوفي.
176/ 5280/ النميري: نصر بن منصور.
195/ 5305/ النوقاني: محمد بن أبي علي.
474/ 5379/ الهاشمي: محمد بن أحمد.
425/ 5339/ الويرج: ناصر بن محمد.
292/ 5181/ اليوسفي: عبد الرحيم بن عبد الخالق.
58/ 4948/ أنر ملك الأمراء بدمشق معين الدين الطغتكين.
100/ 5006/ بكيرة أَبُو الفَتْحِ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ أَحْمَدَ بنِ إسماعيل الهروي المقرئ.
410/ 5326/ بكتمر: سيف الدين.
245/ 5152/ تجنى بنت عبد الله الوهبانية أم عتب.
315/ 5218/ تقية: بنت المحدث غيث بن علي.
401/ 5311/ جاكير: محمد بن دشم.
404/ 5315/ جده محفوظ.
123/ 5033/ جعفر بن زيد بن جامع، أبو الفضل الطائي الشامي.
128/ 5038/ جلال الدين علي بن الوزير أبي جعفر الجواد الأصبهاني.
70/ 4996/ حَامِدُ بنُ أَبِي الفَتْحِ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ المديني الحافظ أبو عبد الله.
96/ 4999/ حَامِدُ بنُ أَبِي الفَتْحِ: أَبُو عَبْدِ اللهِ المديني الحافظ.
238/ 5142/ حَفَدَه أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَسْعَدَ بنِ محمد الطوسي الشافعي.
310/ 5209/ حفيد الشاشي: أحمد بن عبد الله.
446/ 5370/ حماد بن هبة الله.
70/ 4967/ حمزة بن محمد بن بحول الهمذاني أبو الفتح الهروي.
84/ 4982/ حنبل بن علي البخاري أبو جعفر الصوفي.
360/ 5268/ حياة: حياة بن قيس.
66/ 4957/ حيدرة بن مفرج بن حسن،(15/516)
الوزير بن الصوفي الدمشقي زين الدولة.
245/ 5153/ خديجة بنت أحمد بن الحسن بنت النهرواني.
179/ 5086/ خزيفة أَبُو المُعَمَّرِ عَبْدُ اللهِ بنُ سَعْدِ بنِ الحين البغدادي العطار.
311/ 5211/ خطيب الموصل: عبد الله بن أحمد.
112/ 5016/ خوارزمشاه الملك آتز بن محمد بن نوشتكين.
295/ 5188/ خوارزمشاه: أرسلان بن خوارزم شاه.
438/ 5350/ خوارزمشاه: تكش بن أرسلان.
67/ 4960/ خياط الصوف أبو سعد بن جامع بن أبي نصر النيسابوري.
395/ 5306/ ذاكر بن كامل: محمد بن حسين.
385/ 5291/ رجب: رجب بن مذكور.
45/ 4929/ رزين بن معاوية بن عمار البعدري الأندلسي أبو الحسن.
5/ 4878/ سبط الخَيَّاطِ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ أحمد.
5/ 4879/ سبط الخياط أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ أحمد البغدادي النحوي.
128/ 5039/ سَدِيدُ الدَّوْلَةِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ إبراهيم الشيباني بن الأنباري.
20/ 4893/ سَعْدُ الخَيْرِ أَبُو الحَسَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سهل الأندلسي التاجر.
379/ 5284/ سلطان شاه: محمود بن خوارزمشاه.
361/ 5269/ سنان: سنان بن سلمان.
136/ 5053/ سنجر السلطان ملك خراسان بن ملكشاه بن ألب أرسلان.
22/ 4896/ شافع بن عبد الرشيد الجيلي أبو عبد الله الشافعي.
224/ 5130/ شاور بن مجير السعدي أبو شجاع وزير الديار المصرية.
11/ 4884/ شُرَيْحُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شُرَيْحِ بنِ أَحْمَدَ الإشبيلي المالكي أبو الحسن.
300/ 5196/ شملة: التركماني.
240/ 5145/ شُهْدَةُ بِنْتُ المُحَدِّثِ أَبِي نَصْرٍ أَحْمَدَ بنِ الفرج الدينوري البغدادي.
143/ 5056/ شَهْرَدَارُ بنُ شِيْرَوَيْه بنُ شَهْردَارَ بنِ شِيْرَوَيْه بنِ فَنَّاخُسْره الديلمي.
21/ 4895/ شيخ الشيوخ أبو البركات إسماعيل بن أحمد بن محمد النيسابوري.(15/517)
264/ 5170/ شركوه بن شاذي بن مروان الكردي أسد الدين.
324/ 5231/ صاحب أذربيجان.
376/ 5279/ صاحب الروم: قلج أرسلان بن مسعود.
428/ 5342/ صاحب المغرب: يعقوب بن يوسف.
389/ 5298/ صاحب الموصل: مسعود بن مودود.
294/ 5186/ صاحب اليمن: تورانشاه بن أيوب.
439/ 5352/ صاحب اليمن: طغتكين بن أيوب.
323/ 5230/ صاحب حلب: أبو الفتوح إسماعيل.
371/ 5276/ صاحب حماة: عمر بن شاهنشاه.
341/ 5248/ صاحب حمص: محمد بن شيركوه.
151/ 5064/ صاحب غزنة خسروشاه بن بهرام بن مَسْعُوْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَسْعُوْدِ بنِ مَحْمُوْدِ.
432/ 5343/ صاحب غزنة: محمد بن سام.
115/ 5022/ صاحب نصيبين شمس الملوك أبو نصر إبراهيم بن رضوان بن تتش.
301/ 5199/ صدقة بن الحسين.
411/ 5327/ صلاح الدين وبنوه: يوسف بن شاذي.
433/ 5334/ طاهر بن مكارم: الموصلي القلانسي.
405/ 5316/ طغرل: طغرل شاه بن أرسلان.
28/ 4906/ ظاهر بن أحمد البغدادي المساميري البزاز أبو القاسم.
93/ 4995/ عَبَّاسَةُ أَبُو مُحَمَّدٍ العَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أبي منصور الطابراني.
186/ 5087/ عَبْدُ الجَلِيْلِ بنُ أَبِي سَعْدٍ مَنْصُوْرِ بنِ إسماعيل الهروي أبو محمد الفامي.
246/ 5154/ عبد الحق بن عبد الخالق بن أحمد اليوسفي أبو الحسين.
369/ 5275/ عبد الحق: عبد الحق بن عبد الرحمن.
87/ 4987/ عبد الخالق بن أحمد بن عبد القادر اليوسفي، أبو الفرج الحافظ.
213/ 5116/ عبد الخالق بن أسد بن ثابت الفقيه الحنفي الدمشقي أبو محمد.(15/518)
72/ 4971/ عبد الخالق بن زاهر بن طاهر النيسابوري الشحامي أبو منصور.
115/ 5023/ عَبْدُ الصَّبُورِ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَبُو صَابِرٍ الهروي التاجر.
440/ 5353/ عبد اللطيف: بن إسماعيل بن محمد.
138/ 5055/ عبد المؤمن بن علي بن علوي، سلطان المغرب.
349/ 5255/ عبد المغيث البغدادي الحربي.
261/ 5165/ عبد النبي بن المهدي علي بن مهدي.
187/ 5089/ عَبْدُ الهَادِي بنُ أَبِي سَعِيْدٍ بنِ عَبْدِ الله السجستاني أبو عروبة.
74/ 4972/ عبدان بنُ زَرِّيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ الدُّوِيْنِيُّ المُقْرِئُ أَبُو محمد.
124/ 5034/ عدي بن صخر أو ابن مسافر بن إسماعيل الشامي الهكاري.
305/ 5203/ عضد الدين: محمد بن عبد الله.
472/ 5376/ علي بن حمزة: الكاتب البغدادي.
239/ 5144/ علي بن حميد بن عمار الطرابلسي النحوي.
71/ 4968/ علي بن حيدرة بن جعفر الحسيني أبو طالب نقيب الأشراف.
132/ 5046/ عَلِيُّ بنُ عَسَاكِرَ بنِ سُرُوْرٍ، أَبُو الحَسَنِ المقدسي الخشاب.
111/ 5015/ علي بن مهدي.
226/ 5123/ عُلَيْمُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العمري الأندلسي أَبُو مُحَمَّدٍ.
267/ 5174/ عُمَارَةُ بنُ عَلِيِّ بنِ زَيْدَانَ اليمني الشافعي الشاعر أبو محمد.
27/ 4905/ عمر بن ظفر بن أحمد الشيباني المقرئ أبو حفص.
39/ 4924/ غازي بن زنكي الملك سيف الدين.
15/ 4888/ فاطمة بنت محمد بن أبي سعد بن الحسن البغدادي.
216/ 5120/ فورجه أَبُو القَاسِمِ مَحْمُوْدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ علي الأصبهاني التاجر.
386/ 5293/ قاضي خان: حسن بن منصور.
301/ 5198/ قايماز: مولى المستنجد بالله.
369/ 5274/ قزل: عثمان بن إلكز.
168/ 5077/ كمال بنت أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ السمرقندي أم الحسن.
116/ 5024/ كوتاه أَبُو مَسْعُوْدٍ عَبْدُ الجَلِيْلِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عبد الواحد الأصبهاني.
446/ 5369/ لؤلؤ العادلي.
114/ 5019/ مُجَلِّي بنُ جُمَيْعِ بنِ نَجَا القُرَشِيُّ المَخْزُوْمِيُّ الشافعي أبو المعالي.(15/519)
64/ 4956/ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَرْدَنِيْشَ الجذامي الأندلسي الملك أَبُو عَبْدِ اللهِ.
225/ 5131/ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بن محمد القيسي المالكي أَبُو عَبْدِ اللهِ.
106/ 5009/ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ منصور، شيخ الشافعية، أبو سعد النيسابوري.
197/ 5098/ مسعود بن الحسن بن القاسم بن أحمد أبو الفرج مسند العصر.
423/ 5335/ مسلم بن علي.
295/ 5187/ ملك الموصل: غازي بن صاحب الموصل.
54/ 4941/ موفق أَبُو السَّدَادِ الحَبَشِيُّ مَوْلَى الوَزِيْرِ نِظَامِ المُلْكِ.
265/ 5171/ نجم الدين أيوب والد الملوك.
78/ 4978/ نصر بن المظفر بن الحسين البرمكي أبو المحاسن، الشخص العزيز.
242/ 5148/ نَصْرُ بنُ سَيَّارِ بنِ صَاعِدِ بنِ سَيَّارٍ الهروي الحنفي أبو الفتح.
208/ 5108/ نفيسة وَتُسَمَّى فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدِ بن عَلِيٍّ البَزَّازَةَ البغدادية.
233/ 5141/ نور الدين الشهيد أبو القاسم محمود بن زنكي بن آقسنقر.
33/ 4916/ هبة الرحمن بن عبد الواحد بن عبد الكريم القشيري أبو الأسعد.
74/ 4973/ هبة الله بن الحسين بن علي البغدادي الحاسب أبو القاسم.
385/ 5292/ والد كريمة: عبد الوهاب بن علي.
218/ 5123/ يَحْيَى بنُ ثَابِتِ بنِ بُنْدَارَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ البغدادي البقال أبو القاسم.
265/ 5172/ يوسف بن آدم بن محمد المراغي الدمشقي أبو يعقوب.(15/520)
المجلد السادس عشر
تابع الطبقة الحادية والثلاثون
بسم الله الرحمن الرحيم
شُمَيْم، بنت سعد الخير:
5384- شميم 1:
أبوا لحسن عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ عَنْتَرَ الحِلِّيُّ الأَدِيْبُ.
شَاعِرٌ لغوِيٌّ مُتَقَعِّرٌ رقيعٌ أَحْمَقُ، قَلِيْلُ الخَيْر.
لَهُ عِدَّةُ تَوَالِيف أَدبيَّة فِيْهَا الغثُّ وَالسَّمِينُ.
كَانَ كَثِيْرَ الدّعَاوَى، مُقيم الفُشَار، يَشتم أَبَا تَمَّامٍ وَأَبَا العَلاَءِ، وَيزرِي بِامْرِئِ القَيْسِ، فَهُوَ فِي عدَاد مَجَانِيْنِ الفُضَلاَءِ.
حطّ عَلَيْهِ ابْن المُسْتوفِي وَابْن النَّجَّارِ وَغَيْرهُمَا، وَأَنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّم فِي الأَنْبِيَاء، وَيستخفّ بِمعجزَاتِهِم، وَأَنَّهُ عَارض القُرْآن، وَكَانَ إِذَا تلاَهُ، يَخشع وَيسجد فِيْهِ.
أَخَذَ عَنْ ملك النُّحَاة أَبِي نزَار، وَعَنِ ابْنِ الخَشَّاب.
وَأَلّفَ "حمَاسَة" مِنْ أَشعَاره خَاصَّة، وَيَنْدُرُ لَهُ المَعْنَى الجيّد، وَلَعلَّهُ تَابَ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتّ مائَةٍ بِالمَوْصِل، عَنْ أَزْيَدَ مِنْ تسعين سنةً.
5385- بنت سعد الخير 2:
الشَّيْخَةُ الجَلِيْلَةُ، المُسْنِدَةُ، أُمُّ عَبْدِ الكَرِيْمِ، فَاطِمَةُ بِنْتُ المُحَدِّثِ التَّاجِرِ أَبِي الحَسَنِ سَعْدُ الخَيْرِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَهْلِ الأَنْصَارِيِّ، البَلَنْسِيِّ.
مَوْلِدهَا بِأَصْبَهَانَ، فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَتْ حُضُوْراً فِي الثَّالِثَة مِنْ فَاطِمَة الجُوْزْدَانِيَّة جملةً من "المُعْجَم الكَبِيْر"، وَحَضَرت بِبَغْدَادَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ عَلَى: هِبَة اللهِ بن الحُصَيْنِ، وَزَاهِر بن طَاهِر، وَأَبِي غَالِبٍ ابْنِ البَنَّاءِ.
وَسَمِعَتْ بَعْدُ مِنْ أَبِيْهَا، وَمِنْ هِبَة اللهِ بن الطَّبَرِ، وَالقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَيَحْيَى بن حُبَيْشٍ
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 445"، وشذرات الذهب "5/ 4".
2 ترجمتها في تذكرة الحفاظ "4/ ص1369" والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 186"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 347".(16/5)
الفَارِقِيّ، وَيَحْيَى ابْن البَنَّاءِ، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ القَزَّاز، وَإِسْمَاعِيْل السَّمَرْقَنْدِيّ وَعِدَّة. وَأَجَازَ لَهَا خلق. وَحدّثت بِدِمَشْقَ، وَبِمِصْرَ.
تَزوَّج بِهَا الرَّئِيْس زَيْن الدِّيْنِ ابْن نُجَيَّةَ الوَاعِظ، وَسَكَنَ بِهَا بِدِمَشْقَ، ثُمَّ بِمِصْرَ، وَرَأَت عِزّاً وَجَاهاً.
حَدَّثَ عَنْهَا: أَبُو موسى ابن الحافظ، وعبد الرحمن بن مُقَرّبٍ، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ ابْنِ الوَزَّان الحَنَفِيّ، وَمُحَمَّد ابْن الشَّيْخِ الشَّاطِبِيّ، وَالحَافِظ الضِّيَاء، وَخَطِيْب مَرْدَا، وَعَبْد اللهِ بن عَلاَّنَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَرَوَى عَنْهَا بِالإِجَازَةِ: الحَافِظ زَكِيّ الدِّيْنِ عَبْد العَظِيْمِ، وَقَالَ: تُوُفِّيَت فِي ثَامن رَبِيْع الأَوَّلِ، سَنَةَ سِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: عَاشت ثَمَانِياً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَأَجَازت لِشيخنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخير سلامة.(16/6)
5386- النوقاني:
الشَّيْخُ الإِمَامُ، الفَقِيْهُ العَلاَّمَةُ، أَبُو المَكَارِمِ، فَضْلُ الله ابن المحدث العَالِمِ أَبِي سَعِيْدٍ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ النَّوْقَانِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وَنَوْقَانُ بِالفَتْح، وَهِيَ مدينَة صغِيرَة هِيَ قصبَة طُوْس.
وُلِدَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ، وَقِيْلَ: سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَبَادر أَبُوْهُ، فَأَخَذَ لَهُ الإِجَازَة مِنْ مُحْيِي السُّنَّةِ أَبِي مُحَمَّدٍ البَغَوِيِّ بِمَرْوِيَّاته.
وَسَمِعَ "الأَرْبَعِيْنَ الصُّغْرَى" لِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ عَبْدِ الجَبَّارِ بن مُحَمَّدٍ الخُوَارِيّ، وَسَمِعَ مِنْ أَبِيْهِ "مُسْنَد الشَّافِعِيّ". وَتَفَقَّهَ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى صَاحِب الغَزَالِيّ، حَتَّى بَرَعَ فِي المَذْهَب، وَدرّس، وَأَفتَى، وَسَاد، وَتَقدَّمَ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو رَشِيْدٍ الغَزَّال، وَغَيْرهُ.
وَأَجَازَ لِلإِمَامِ شَمْسُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي عُمَرَ، وَلِلْفَخْرِ عليّ مَرْوِيَّاته.
قَالَ لَنَا أَبُو العَلاَءِ الفَرَضِيّ: مرِض بِنَيْسَابُوْرَ، فَحُمِلَ إِلَى نَوْقَانَ، فَمَاتَ بِهَا، فِي سَنَةِ سِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: نَروِي تَوَالِيف مُحْيِي السُّنَّةِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، وَالفَخْر إِجَازَة، عَنْهُ، عَنْ مُحْيِي السُّنَّةِ.
وَفِيْهَا مَاتَ: العَلاَّمَة أَسَعْد بن مَحْمُوْدٍ العِجْلِيّ، وَإِسْمَاعِيْل بن عَلِيِّ بنِ وَكَّاسٍ القَطَّان، وَبقَاء بن عُمَرَ بنِ حُنَّدٍ الأَزَجِيّ، وأبو الفرج جابر بن محمد ابن اللِّحْيَة الحَمْوِيّ، وَصَاحِب الرُّوْم رُكْن الدِّيْنِ سُلَيْمَان بن قلج أَرْسَلاَن السَّلْجُوْقِيّ، وَشُجَاع بن مَعَالِي بن شدقينِي الغَرَّاد، وَالإِمَامُ أَبُو سَعْدٍ ابْنُ الصَّفَّارِ، وَأَبُو حَامِدٍ عَبْد اللهِ بن مُسْلِمِ بنِ ثَابِتٍ النَّخَّاس، وَالحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ، وَعَبْد المَلِكِ بن مَوَاهِب الوَرَّاق، وَالرُّكْن الطَّاوُوْسِيّ صَاحِب الطّرِيقَة بقَزْوِيْن، وَفَاطِمَة بِنْت سَعْد الخَيْر، وَبَهَاء الدِّيْنِ القَاسِم ابْن الحَافِظِ، وَمُحَمَّد بن صَافِي النَّقَّاش، وَضِيَاء الدِّيْنِ مُحَمَّد بن يُوْسُفَ الآمُلِيّ المُقْرِئ، وَصنعَة الْملك هِبَة اللهِ بن حَيْدَرَةَ.(16/6)
5387- الأرتاحي 1:
الشَّيْخُ الثِّقَةُ، الصَّالِحُ، الخَيِّرُ، المُسْنِدُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، مُحَمَّدُ ابْنُ الشَّيْخِ الصَّالِحِ أَبِي الثَّنَاءِ حَمْدِ بنِ حَامِدِ بنِ مُفَرِّجِ بنِ غِيَاثٍ الأَنْصَارِيُّ، الشَّامِيُّ، الأَرْتَاحِيُّ، ثُمَّ المِصْرِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، الأَدَمِيُّ.
وُلِدَ تَقَرِيْباً سَنَة سَبْعٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَأَجَازَ لَهُ مَرْوِيَّاته أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ الفراء سَنَة ثمَانِي عَشْرَةَ، فَرَوَى بِهَا كَثِيْراً، وَتَفَرَّد بِهَا، وَسَمِعَ فِي كبره مِنْ: عَلِيِّ بنِ نَصْرٍ الأَرْتَاحِيّ، وَالمُبَارَك ابْن الطَّبَّاخِ بِمَكَّةَ.
وَهُوَ من بيت القرآن والحديث والصلاح.
حدث عنه: الحفاظ: عبد الغني، وابن المفضل، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاءُ، وَأَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بنُ صَدْر الدِّيْنِ ابْن دِرْبَاس، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ مَكَارِم، وَالكَمَال الضّرِير، وَالنَّظام عُثْمَان بن عَبْدِ الرحمان بن رشيق، والمعين أحمد ابن زَيْن الدِّيْنِ، وَالخَطِيْب عَبْد الهَادِي القَيْسِيّ، وَأَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ مُهَلْهل، وَأَحْمَد بن حَامِدٍ الأَرْتَاحِيّ، وَجَمَاعَة. وَأَجَازَ إِلَى ابْن بِنْتِهِ وَقَرَابَته لاَحقِ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ قَاسم بنِ أَحْمَدَ بنِ حَمْدٍ الأَرْتَاحِيّ، وَجَمَاعَة. وَأَجَازَ لأَحْمَدَ بن أَبِي الخَيْرِ.
قَالَ الشَّيْخُ الضِّيَاء: كَانَ ثِقَةً، ديِّناً، ثَبْتاً، حَسَن السِّيْرَةِ، لَمْ نَعلم لَهُ شَيْئاً عَالِياً سِوَى إِجَازَة الفَرَّاءِ، وَكَانَ لاَ يَمَلُّ مِنَ التَّسْمِيْعِ، رَحِمَهُ الله.
قَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ: سَمِعْتُ مِنْهُ بِإِفَادَة أَبِي، تُوُفِّيَ فِي العِشْرِيْنَ مِنْ شَعْبَان، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّ مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 188"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 6".(16/7)
الطبقة الثانية والثلاثون:
ابن كامل، ابن الخريف:
5388- ابن كامل 1:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ أَبُو الفُتُوْحِ يُوْسُفُ ابْنُ المُحَدِّثِ أَبِي بَكْرٍ المُبَارَكِ بنِ كَامِلِ بنِ أَبِي غَالِبٍ البَغْدَادِيُّ، الخَفَّافُ، المُقْرِئُ.
سَمَّعَهُ أَبُوْهُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ القَاضِي، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ القَزَّاز، وَإِسْمَاعِيْل ابْن السَّمَرْقَنْدِيّ، وَيَحْيَى ابْن الطّرَاح، وَخَلْق.
حَدَّثَ عنه: ابن الدبيثي، وابن خليل، والضياء، وابن النَّجَّارِ، وَاليَلْدَانِيّ، وَالنَّجِيْبُ، وَأَخُوْهُ؛ العِزّ عَبْد العَزِيْزِ، وَآخَرُوْنَ.
وَأَجَازَ لِلزكِيّ المُنْذِرِيّ، وَالفَخْر عَلِيّ، وَالشَّيْخ شَمْس الدِّيْنِ.
وَكَانَ أُمِّيّاً لاَ يَكتب، قَالَهُ ابن النجار، وقال: هو صالح، حافظ لكتاب الله، ولا يعرف شيئًا من الفقه، عسر في الرواية، سيء الْخلق، مُتَبَرِّمٌ بِالسَّمَاع، كُنَّا نلقَى مِنْهُ شِدَّة، وَكَانَ فَقيراً مُدْقعاً، وَكَانَ مِنْ فُقَهَاء النّظامِيَة، وَكَانَ يأْخذ عَلَى الرِّوَايَة. وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ، وَسَمِعَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ.
مَاتَ فِي الخَامِسِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ إحدى وست مائة.
3589- ابن الخريف 2:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ أَبُو عَلِيٍّ ضِيَاءُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ ابْنِ الخُرَيْفِ السَّقْلاَطُوْنِيُّ، النَّجَّارُ.
مُكْثِرٌ عن قاضي المارستان.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الحُسَيْنِ ابْنِ الفَرَّاءِ، وَابْن السَّمَرْقَنْدِي، وَكَانَ أُمِّياً.
حَدَّثَ عَنْهُ: الدُّبَيْثِيّ، وَابْن النَّجَّارِ، وَابْن خَلِيْلٍ، وَابْن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالنَّجِيْب، وَأَخُوْهُ العِزّ.
وَأَجَازَ لِلْفخر عليّ.
مَاتَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتّ مائَةٍ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: يُوْسُف بن كَامِلٍ الخَفَّاف، وَمُحَمَّد بن حَمْدٍ الأرتاحي، وشميم الحلي، ومحمد بن الخصيب.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 188"، وشذرات الذهب "5/ 6".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 191"، وشذرات الذهب لابن المبارك "5/ 8".(16/8)
البستنبان، القصري، ابن خطيب الموصل:
5390- البستنبان 1:
الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَيُّوْبَ الحَرْبِيُّ، الفَلاَّحُ، البَقْلِيُّ، البُسْتَنْبَان، وَتَفْسِيْرُه النَّاطور.
سَمِعَ مِنْ: هِبَة اللهِ بن الحُصَيْنِ، وتفرد بالسماع من أبي العز بن كَادش. وَعَاشَ سَبْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
وَرَوَى عَنْهُ: ابْن الدُّبَيْثِيِّ، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاء مُحَمَّد، وَالنَّجِيْب عَبْد اللَّطِيْفِ، وَآخَرُوْنَ.
وَبِالإِجَازَة ابْن أَبِي الخَيْرِ، وَالفَخْر عليّ.
مَاتَ فِي رَبِيْع الأَوَّلِ، سَنَةَ إحدى وست مائة.
5391- القصري:
العَلاَّمَةُ الزَّاهِدُ العَابِدُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الجَلِيْل بنُ مُوْسَى الأَنْصَارِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، القَصْرِيُّ، مِنْ أَهْلِ قَصْرِ عَبْدِ الكَرِيْمِ.
رَوَى عَنْ: أَبِي الحَسَنِ بنِ حُنَيْنٍ، وَفتح بن مُحَمَّدٍ المُقْرِئ.
قَالَ الأَبَّار: كَانَ مُتَقَدِّماً فِي علم الكَلاَم، مشَاركاً فِي فُنُوْن، عمل "تَفْسِيْر القُرْآن"، وَكِتَاب "شعب الإيمان"، وكتاب "المسائل والأجوبة"، وأشياء، وكان صاحب زهد وتبتل.
أَجَازَ لأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ حَوْط اللهِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتّ مائَةٍ.
5392- ابْنُ خَطِيْب المَوْصِلِ:
الشَّيْخُ الخَطِيْبُ أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ ابْنُ خَطِيْبِ الموصل عبد الله بن أحمد بن محمد الطُّوْسِيُّ، ثُمَّ المَوْصِلِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: جدّه أَبِي نَصْرٍ الخَطِيْب، وَأَبِي البَرَكَاتِ بن خَمِيْس، وَبِبَغْدَادَ مِنْ عَبْدِ الخَالِقِ اليُوْسُفِيّ، وَغَيْرِهِ، وَوَلِيَ خِطابة المَوْصِل زَمَاناً، وَخِطابَة حِمْص مُدَيدَة، وَرجع وَحَدَّثَ هو وأبوه وجده وعمه عبد الرحمن، وأخو عبد الرحمن عَبْد الوَهَّابِ، وَعَبْد المُحْسِنِ أَخُو هَذَا.
رَوَى عَنْهُ ابْن خَلِيْلٍ، وَالتَّقِيُّ اليَلْدَانِيّ. وَأَجَازَ: لابْنِ أَبِي الخَيْرِ، وَغَيْرهِ.
مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتّ مائَةٍ، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ. وَقِيْلَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وست مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 188"، وشذرات الذهب "5/ 3".(16/9)
التقي الأعمى، الفراء، سبط الشهرزوري:
5393- التَّقِيُّ الأَعْمَى 1:
مُدَرِّسُ الأَمِينِيَّة، إِمَامٌ، مُفتٍ، خَبِيرٌ بِالمَذْهَبِ، ابْتُلِي بِأَخْذِ مَالِهِ، فَاتَّهَمَ بِهِ شَخْصاً يَقرَأُ عَلَيْهِ وَيَقوده، فَنَالَ النَّاس مِنْهُ، فَتَسَوْدَنَ، وَشَنَقَ نَفْسَه بِالمئذنَةِ الغربيَة، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتّ مائَةٍ. وَدرَّس بِالأَمِينِيَّةِ الْجمال المِصْرِيّ بَعْدَه.
5394- الفَرَّاءُ:
مُفْتِي أَصْبَهَان، أَبُو المَفَاخِرِ خَلَفُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَمْدٍ الأَصْبَهَانِيُّ، الفَرَّاءُ، الشَّافِعِيُّ.
سَمِعَ: إِسْمَاعِيْل بن الإِخشيذ، وَابْن أَبِي ذَرٍّ الصَّالحَانِيّ.
وَعَنْهُ ابْن خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاء.
وَأَجَازَ لِلشَّيْخِ، وَلابْنِ البُخَارِيّ، وابن شيبان.
مَاتَ فِي شَعْبَان، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتّ مائَةٍ، وله أربع وثمانون سنة.
5395- سبط الشهرزوري:
المُفْتِي شَرَفُ الدِّيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ ابْنِ شَيْخِ الشَّافِعِيَّةِ جَمَالِ الإِسْلاَمِ أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ المُسَلَّم السُّلَمِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، الشَّافِعِيُّ، مُدَرِّس الأَمِينِيَّة، وَيُعْرَف جدّه أَبُو الحَسَنِ: بِابْنِ بِنْت الشَّهْرُزُوْرِيّ. وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي العشَائِر الكُرْدِيّ، وَحَمْزَة ابْن الحُبُوْبِيِّ، وَخَالِهِ الصَّائِن ابْن عَسَاكِرَ، وَبِبَغْدَادَ مِنْ شُهْدَة.
وَحَدَّثَ بِمِصْرَ وَبِبَغْدَادَ، وَكَانَ طَوِيْل البَاع فِي المُنَاظرة، فَصِيْحاً، بَلِيْغاً.
رَوَى عَنْهُ الضِّيَاء، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالقُوْصِيُّ.
قَالَ القُوْصِيُّ: أَخْبَرَنَا مُفْتِي الشَّام شَرَف الدِّيْنِ بِمَدْرَسَته الأَمِينِيَّة.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: سَكَنَ حِمْص مُنْذُ أُخرج مِنْ دِمَشْقَ، وَكَانَ مُدَرِّس الأَمِينِيَّة وَالزَّاويَة المقَابلَة لِلبَرَادَة، وَكَانَ عَالِماً بِالمَذْهَب وَالخلاَف، مَاهراً.
قُلْتُ: مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ اثنتين وست مائة، بحمص غريبًا.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 7".(16/10)
محمد بن كامل، الماكسيني:
5396- محمد بن كامل:
ابن أحمد بن أسد، الشَّيْخُ، أَبُو المَحَاسِنِ التَّنُوْخِيُّ، المَعَرِّيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ الشَّاهدُ.
سَمِعَ مِنْهُ: الفَخْر ابْن البُخَارِيِّ الجُزْء السَّادِس مِنَ "الحِنائِيَات" فِي الخَامِسَة، بِسَمَاعه فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ مِنْ طَاهِر بن سهل.
وَرَوَى عَنْهُ أَيْضاً ابْن خَلِيْل، وَالضِّيَاء، وَجَمَاعَة.
مَاتَ فِي رَبِيْع الأَوَّلِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّ مائة، وله ثمان وسبعون سنة.
5397- الماكسيني 1:
العَلاَّمَةُ إِمَامُ العَرَبِيَّة صَائِنُ الدِّيْنِ أَبُو الحُرَمِ مَكِّيُّ بنُ رَيَّانَ بنِ شَبَّةَ بنِ صَالِحٍ المَاكِسِيْنِيُّ، ثُمَّ المَوْصِلِيُّ، المُقْرِئُ، الضَّرِيرُ.
عمِي وَلَهُ ثَمَانِ سِنِيْنَ، وَسَارَ إِلَى بَغْدَادَ بَعْدَ أَنْ تَلاَ بِالسَّبْع، وَتَأَدّب عَلَى يَحْيَى بنِ سَعْدُوْنَ القُرْطُبِيّ، فَمهر فِي النَّحْوِ عَلَى: ابْنِ الخَشَّاب، وَعَلَى: أَبِي الحَسَنِ بنِ الْعصار، وَالكَمَال الأَنْبَارِيّ، وَتَقدّم فِي الآدَاب؛ تخرّج بِهِ عُلَمَاء المَوْصِل.
وَكَانَ ذَا تَقوَى وَصلاَح، إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَتعصّب لأَبِي العَلاَءِ المَعَرِّيّ؛ لاتِّفَاقِهِمَا فِي الأَدب والعمى بالجدري.
قَدِمَ فِي أَوَاخِرِ عُمُره وَحَدَّثَ بِدِمَشْقَ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ السَّخَاوِيّ كِتَاب "أَسرَار العَرَبِيَّة" لِشيخه كَمَال الدِّيْنِ، وَكَانَ مَعَ برَاعته فِي القِرَاءات وَاللُّغَة يَدْرِي الفِقْه وَالحسَاب وَأَشيَاء. كَانَ أَحَدَ الأَذكيَاء.
رَوَى عَنْهُ القُوْصِيّ، وَضِيَاء الدِّيْنِ، وَابْن أَخِيْهِ؛ الفَخْر عَلِيّ، وَتَلاَ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَات وَالِد المُوَفَّق الكواشي.
توفي بالموصل، في شوال سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقَدْ نَاهز السَّبْعِيْنَ.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 738"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 11".(16/11)
5398- عَبْدُ الرَّزَّاقِ 1:
ابْنُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ عَبْدُ القَادِرِ بنُ أَبِي صَالِحٍ، الشيخ الإمام المحدث أَبُو بَكْرٍ الجِيْلِيُّ ثُمَّ البَغْدَادِيُّ الحَنْبَلِيُّ الزَّاهِدُ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنَ: القَاضِي أَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيّ، وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ صِرْمَا، وَابْن نَاصِر، وَأَبِي الكَرَمِ ابْنِ الشَّهْرُزُوْرِيِّ، وَعُنِي بِهَذَا الشَّأْن، وَكَتَبَ الكَثِيْر.
حدث عنه: ابن الدبيثي، وابن النجار، والضياء، وَالتَّقِيّ اليَلْدَانِيّ، وَالنَّجِيْب عَبْد اللَّطِيْفِ، وَجَمَاعَة.
وَأَجَازَ لِلشَّيْخِ شَمْس الدِّيْنِ، وَأَحْمَد بن شَيْبَان، وَخَدِيْجَة بِنْت رَاجِح، وَالفَخْر عَلِيّ.
وَيُقَالُ لَهُ: الحَلْبِيُّ؛ نِسبَة إِلَى مَحَلَّة الحَلْبَةِ.
وَقَالَ الضِّيَاء: لَمْ أَرَ بِبَغْدَادَ فِي تيقُّظه وَتحرِّيه مِثْله.
وَقَالَ أَبُو شَامَةَ: كَانَ زَاهِداً، عَابِداً، ثِقَة، مُقْتَنِعاً بِاليَسِيْر.
وَقَالَ ابْن النَّجَّارِ: كتب لِنَفْسِهِ كَثِيْراً، وَكَانَ خطّه رديئاً. قَالَ: وَكَانَ حَافِظاً، مُتْقِناً، ثِقَة، حسن المَعْرِفَة، فَقِيْهاً، وَرِعاً، كَثِيْر العِبَادَة، مُنْقَطِعاً فِي مَنْزِلِهِ، لاَ يَخْرُج إلَّا إِلَى الجُمُعَةِ، وَكَانَ مُحِبّاً لِلرِّوَايَةِ، مكرماً لِلطَّلبَة، سخيّاً بِالفَائِدَة، ذَا مُروءة، مَعَ قلّة ذَات يَده، صابرًا على فقره على منهاج السلف، وَكَانَتْ جِنَازَته مَشْهُوْدَة، وَحُمِلَ عَلَى الرُّؤُوس، رَحِمَهُ الله.
مَاتَ فِي شَوَّالٍ، فِي سَادِسِه سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَمَاتَ فِيْهَا: أَبُو جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيّ، وَمُحَمَّد بن مَعْمَر بن الفَاخِرِ، وَمَكِّيّ بن ريان الماكسيني.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1116"، والنجوم الزاهرة "6/ 192"، وشذرات الذهب "5/ 9، 10".(16/12)
صاحب الروم، ابن الفاخر:
5399- صاحب الروم:
السُّلْطَانُ رُكْنُ الدِّيْنِ سُلَيْمَانُ ابْنُ السُّلْطَانِ قِلْج أَرْسَلاَن بنِ مَسْعُوْدِ بنِ قِلْج أَرْسَلاَن بنِ سُلَيْمَانَ السَّلْجُوْقِيُّ.
مرض بِالقُوْلَنْج فَهَلكَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة سِتّ مائَة، وَكَانَتْ دَوْلَته ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ قَبْل مَوْته بِأَيَّام قَدْ غدر بِأَخِيْهِ صَاحِب أَنقرَة الَّتِي يُقَالُ لَهَا الآنَ أَنكورِيَة.
قَالَ المُؤَيَّد الحَمْوِيّ: كَانَ يَمِيْل إِلَى مَذْهَب الفَلاَسِفَة، وَيُقَدِّمهُم.
وَملّكُوا بَعْدَهُ وَلده قِلْج أَرْسَلاَن، فَلَمْ يَتمّ ذَلِكَ.
5400- ابْنُ الفَاخِرِ 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ الفَقِيْهُ المُحَدِّثُ الأَدِيْبُ الكَامِل بَقِيَّة المشايخ، مخلص الدِّيْنِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ مَعْمَرِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ الفَاخِرِ القُرَشِيُّ، العَبْشَمِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ.
وُلِدَ فِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ فَاطِمَة الجُوْزْدَانِيَّة حُضُوْراً، وَمِنْ جَعْفَرِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ، وَإِسْمَاعِيْل الإِخشيذ، وَابْن أَبِي ذَرٍّ، وَإِسْمَاعِيْل بن أَبِي صَالِحٍ المُؤَذِّن، وَالحُسَيْن بن عَبْدِ المَلِكِ الخَلاَّل، وَزَاهِر الشَّحَّامِيّ، وَعِدَّة.
وَأَملَى بِبَغْدَادَ، وَكَانَ رَئِيْساً، مُحْتَشِماً، مُحَدِّثاً، مُفِيْداً، مُتَفَنِّناً، بَصِيْراً بِمَذْهَب الشَّافِعِيّ، لَهُ صُوْرَة كَبِيْرَة فِي الدَّوْلَة.
رَوَى عَنْهُ: ابْن خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاء، وَأَبُو مُوْسَى ابْنُ الحَافِظِ، وَجَمَاعَة.
وَأَجَازَ لِلبُرْهَان ابْن الدَّرَجِيِّ، وَابْن البُخَارِيِّ.
مَاتَ بَشِيْرَاز، فِي رَبِيْع الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكَانَ لا يجيز المناكير والموضوعات.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 193"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 11".(16/13)
الصيدلاني، حنبل:
5401- الصيدلاني 1:
الشَّيْخُ الصَّدُوْقُ المُعَمَّرُ مُسْنِدُ الوَقْتِ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ نَصْرِ بنِ أَبِي الفَتْحِ حُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ خَالويه الأَصْبَهَانِيُّ، الصَّيْدَلاَنِيُّ، سِبْطُ حُسَيْنِ بنِ مَنْدَةَ.
وَلد لَيْلَة النَّحْر، سَنَة تِسْعٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ حُضُوْراً فِي الثَّالِثَة شَيْئاً كَثِيْراً مِنْ أَبِي عَلِيٍّ، وَكَانَ يُمكنه السَّمَاع مِنْهُ، فَمَا اتَّفَقَ. وَحَضَرَ: مَحْمُوْدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ الأَشْقَرَ، وَعَبْدَ الكَرِيْمِ بنَ عَلِيٍّ فَورجَة، وَحَمْزَةَ بنَ العَبَّاسِ، وَعَبْدَ الجَبَّارِ بن الفضل الأموي، وجعفر ابن عَبْدِ الوَاحِدِ الثَّقَفِيَّ، وَأَبَا عَدْنَان مُحَمَّدَ بنَ أَبِي نِزَارٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: فَاطِمَة بِنْت عَبْدِ اللهِ "المُعْجَم الكَبِيْر" لِلطَّبَرَانِيِّ بكمَاله، وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، وَتَفَرَّد بِالرِّوَايَة عَنِ المَذْكُوْرِيْنَ سِوَى فَاطِمَة.
وَكَانَ يُعرف بِسِلَفَةَ.
رَوَى عَنْهُ الشَّيْخ الضِّيَاء فَأَكْثَر، وَبَالَغَ، وَمُحَمَّد بن عُمَرَ العُثْمَانِيّ، وَعَبْد اللهِ ابْن الحَافِظِ، وَبَدَل التَّبْرِيْزِيّ، وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ الزَّنْجَانِيّ، وَابْن خَلِيْلٍ، وَحَسَن بن يُوْنُسَ سِبْط دَاوُد بن مَعْمَرٍ، وَعَبْد اللهِ بن يُوْسُفَ ابْن اللَّمْطِ، وَأَبُو الخَطَّابِ بن دحية، وخلق.
وَأَجَازَ لابْنِ الدَّرَجِيِّ، وَابْن البُخَارِيِّ، وَابْن شَيْبَان، وَطَائِفَة.
تُوُفِّيَ فِي سَلْخِ رَجَب، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّ مائَةٍ، فِيمَا قَرَأْت بِخَطِّ الضِّيَاء.
5402- حَنْبَلُ 2:
ابن عَبْدِ اللهِ بنِ فَرَجِ بنِ سَعَادَةَ، بَقِيَّةُ المُسْنَدينَ أَبُو عَلِيٍّ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الوَاسِطِيُّ ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الرُّصَافِيُّ، المُكَبِّرُ، رَاوِي "المُسْنَدِ" كُلِّهِ عَنْ هِبَةِ اللهِ بنِ الحُصَيْنِ، وَسَمَاعُهُ لَهُ بِقِرَاءةِ ابْنِ الخَشَّابِ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. وَسَمِعَ أَحَادِيْث مِنْ: إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ مَنْصُوْرِ بنِ المُؤَمِّلِ، وَكَانَ يُكبِّرُ بِجَامِعِ المَهْدِيِّ، وَيُنَادِي فِي الأَملاَكِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَأَبُو الطَّاهِرِ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ، وَالتَّاجُ القُرْطُبِيُّ، وَالمُوَفَّقُ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الأَبارِيُّ، وَالصَّدْرُ البَكْرِيُّ، وَخَطِيْبُ مردا، والتقي بن أبي
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 193"، وشذرات الذهب "5/ 10، 11".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 195"، وشذرات الذهب "5/ 12".(16/14)
اليُسْرِ، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَالشَّيْخُ الفَخْرُ، وَغَازِي ابْنُ الحَلاَوِيِّ، وَزَيْنَبُ بنت مكي، وخلق كثير.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: كَانَ فَقِيراً جِدّاً، رَوَى "المُسْنَدَ" بِإِرْبِلَ، وَبِالمَوْصِلِ، وَدِمَشْقَ، وَكَانَ يَمرض بِالتخم، كَانَ السُّلْطَانُ يَعملُ لَهُ الأَلوَانَ.
وَقَالَ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ: كَانَ أَبُوْهُ قَدْ وَقَفَ نَفْسَه عَلَى مصَالِحِ المُسْلِمِيْنَ، وَالمَشْيِ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِم، وَكَانَ أَكْثَرَ هَمِّهِ تَجهيزُ المَوْتَى عَلَى الطُّرُقِ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ بِدِمَشْقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَنْبَلُ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمَّا وُلِدتُ، مَضَى أَبِي إِلَى الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ الجِيْلِيِّ، وَقَالَ لَهُ: قَدْ وُلِدَ لِيَ ابْنٌ، مَا أُسَمِّيْهِ? قَالَ: سَمِّهِ حَنْبَلَ، وَإِذَا كَبِرَ سَمِّعْهُ "مُسْنَدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ". قَالَ: فَسمَّانِي كَمَا أَمرَهُ، فَلَمَّا كَبِرْتُ، سَمَّعَنِي "المُسْنَدَ"، وَكَانَ هَذَا مِنْ بَركَةِ مَشُوْرَةِ الشَّيْخِ.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: كَانَ دَلاَّلاً فِي بَيعِ الأَملاَكِ، سُئِلَ عَنْ مَوْلِدِه، فَذَكَرَ مَا يَدلُّ عَلَى أَنَّهُ فِي سَنَةِ عَشْرٍ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَوْ إِحْدَى عَشْرَةَ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَتُوُفِّيَ بَعْد عَوْدِه مِنَ الشَّامِ، فِي لَيْلَةِ الجُمُعَةِ، رَابِع مُحَرَّمٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ: سَمِعْتُ مِنْهُ جَمِيْعَ "المُسْنَدِ" بِبَغْدَادَ، أَكْثَرُهُ بِقِرَاءتِي عَلَيْهِ، فِي نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ مَجْلِساً، وَلَمَّا فَرغْتُ، أَخذتُ أُرَغِّبُهُ فِي السَّفَرِ إِلَى الشَّامِ، فَقُلْتُ: يَحصلُ لَكَ مَالٌ، وَيُقْبِلُ عَلَيْكَ وُجُوهُ النَّاسِ وَرُؤَسَاؤُهُم. فَقَالَ: دَعْنِي؛ فَوَاللهِ مَا أُسَافرُ لأَجْلِهِم، وَلاَ لِمَا يَحصلُ مِنْهُم، وَإِنَّمَا أسافر خدمَةً لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْوِي أَحَادِيْثَه فِي بَلَدٍ لاَ تُرْوَى فِيْهِ.
قَالَ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ: اجْتَمَعَ لَهُ جَمَاعَةٌ لاَ نَعلمُهَا اجْتَمَعتْ فِي مَجْلِسِ سَمَاعٍ قَبْلَ هَذَا بِدِمَشْقَ، بَلْ لَمْ يَجتمعْ مِثْلُهَا لأَحدٍ مِمَّنْ رَوَى "المُسْنَدَ".
قُلْتُ: أَسْمَعُهُ مَرَّة بِالبَلَدِ، وَمرَّةً بِالجَامِعِ المُظَفَّرِيِّ.
وَفِيْهَا: مَاتَ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ سُلْطَانَ المُقْرِئُ، وَسِتُّ الكَتَبَةِ بِنْتُ الطَّرَّاحِ.(16/15)
5403- ابن القارص 1:
الشَّيْخُ المُعَمَّرُ العَالِمُ المُقْرِئُ المُسْنِدُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ أَبِي نَصْرٍ بنِ حَسَنِ بن هبة الله ابن أَبِي حَنِيْفَةَ الحَرِيْمِيُّ، الضَّرِيرُ، المَعْرُوفُ: بِابْنِ القَارِصِ.
قال ابن الدبيثي: هو آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْ هِبَةِ اللهِ بنِ الحُصَيْنِ شَيْئاً مِنَ "المُسْنَدِ"، وَبَلَغَنِي أَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ أَبِي حَنِيْفَةَ الإِمَامِ، وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ: أَبِي مَنْصُوْرٍ القَزَّازِ، وَأَبِي عَلِيٍّ الخَزَّازِ، وَأَضَرَّ بِأَخَرَةٍ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالشَّيْخُ الضِّيَاءُ. وَأَجَازَ: لِلْفَخْرِ ابْنِ البُخَارِيِّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قرَأَ بِالرِّوَايَاتِ على المبارك بن أحمد بن الناعورة، وَسَمِعَ أَكْثَرَ "المُسْنَدِ" مِنِ ابْنِ الحُصَيْنِ، وَكَانَ صَالِحاً، حَسَنَ الأَخْلاَقِ.
تُوُفِّيَ فِي التَّاسِعِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ شَعْبَان، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ تسعون سنة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 196، 197"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 14".(16/15)
ست الكتبة، عبد الواحد:
5404- ست الكتبة 1:
اسْمُهَا نِعْمَةُ بِنْتُ عَلِيِّ بنِ يَحْيَى بنِ عَلِيٍّ ابْنِ الطَّرَّاحِ.
سَمِعَتْ مِنْ: جَدِّهَا كِتَابَ "الكِفَايَةِ" لِلْخَطِيْبِ، وَكِتَابَ "البُخَلاَءِ" لَهُ، وَكِتَابَ "الجَامِعِ"، وَكِتَابَ "السَّابِقِ وَاللاَّحِقِ"، وَكِتَابَ "القُنُوْتِ"، وَأَشيَاءَ.
وَسَمِعَتْ من: أبي شجاع البِسْطَامِيِّ. وَأَجَازَ لَهَا: مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي ذَرٍّ الصَّالحَانِيُّ، وَالفُرَاوِيّ.
حَدَّثَ عَنْهَا: الضِّيَاء، وَابْن خَلِيْلٍ، وَاليَلْدَانِيّ، وَالمُنْذِرِيّ، وَابْن أَبِي عُمَرَ، والفخر علي، وجماعة.
وَلدت سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ، وَقِيْلَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ.
وَتُوُفِّيَتْ بِدِمَشْقَ، فِي الثَّامن وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
5405- عَبْدُ الوَاحِدِ:
ابن أبي المطهر القاسم بن الفضل، الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، المُسْنِدُ، الرّحلَةُ، أَبُو القَاسِمِ الأَصْبَهَانِيُّ، الصيدلاني.
__________
1 ترجمتها في النجوم الزاهرة "6/ 195"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 12".(16/16)
سَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَجَعْفَر بن عَبْدِ الوَاحِدِ الثَّقَفِيّ، وَفَاطِمَة الجُوْزْدَانِيَّة، وَإِسْمَاعِيْل الإِخشيذ، وَابْن أَبِي ذَرٍّ الصَّالحَانِيّ. وَسَمِعَ حُضُوْراً مِنْ: عَبْدِ الوَاحِدِ الدَّشْتَج صَاحِب أَبِي نُعَيْمٍ، وَعُمِّرَ دَهْراً، فَإِنَّ مولده في ذي الحجة، سنة أربع عشرة وَخَمْسِ مائَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحَافِظَان؛ الضِّيَاء وَابْن خَلِيْلٍ، وَجَمَاعَة. وَأَجَازَ: لِلشَّيْخِ شَمْس الدِّيْنِ عَبْد الرحمن، وَالكَمَال عَبْد الرَّحِيْمِ، وَأَحْمَد بن أَبِي الخَيْرِ، وَأَحْمَد بن شَيْبَان، وَالفَخْر عَلِيّ.
تُوُفِّيَ بِأَصْبَهَانَ، فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ كتابة عن عبد الواحد بن القَاسِم، أَنَّ عَبْد الوَاحِدِ بن مُحَمَّد أَخْبَرَهُم فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ فِي آخِرِ سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الصَّوَّافُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الخَطْمِيّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْب، قَالَ: دُعِي عَبْد اللهِ بن يَزِيْدَ إِلَى طَعَامٍ، فَلَمَّا جَاءَ، رَأَى البَيْتَ مُنَجَّداً، فَقعد خَارِجاً، وَبَكَى، وَقَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَطَالَعَتْ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا ثَلاَثاً -أَيْ أَقْبَلَتْ ". ثُمَّ قَالَ: "أَنْتُمْ خَيْرٌ أَمْ إِذَا غَدَتْ عَلَيْكُمْ قَصْعَةٌ وَرَاحَتْ أُخْرَى، وَيَغْدُو أَحَدُكُم فِي حلَّةٍ وَيَرُوْحُ فِي أُخْرَى، وَتَسْتُرُوْنَ بُيُوْتَكُم كَمَا تُسْتَرُ الكَعْبَةُ". قَالَ عَبْدُ اللهِ: أَفَلاَ أَبْكِي؟ وَقَدْ رَأَيتكُم تَسْتُرُوْنَ بيوتكُم كَمَا تُسْتر الكَعْبَة.
النَّسَائِيُّ فِي "اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ"، عَنْ هِلاَلِ بنِ العَلاَءِ، عَنْ عَفَّانَ.(16/17)
5406- ابن المنجى 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ شَيْخُ الحَنَابِلَة، وَجِيْهُ الدِّيْنِ أَبُو المَعَالِي أَسَعْدُ بنُ المُنَجَّى بنِ أَبِي المُنَجَّى بَرَكَاتِ بنِ المُؤَمَّلِ التَّنُوْخِيُّ، المَعَرِّيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، الحَنْبَلِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَارْتَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ بَعْدَ أَنْ تَفَقَّهَ على شرف الإسلام عبد الوهاب ابن الحَنْبَلِيِّ، فَتَفَقَّهَ أَيْضاً عَلَى: الشَّيْخ عَبْد القَادِرِ، وَالشَّيْخ أَحْمَد الحَرْبِيّ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيّ، وَأَنُوشْتِكِيْن الرَّضْوَانِيّ، وَأَبِي جَعْفَرٍ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ العَبَّاسِيّ. وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنْ: نَصْر بن مُقَاتِل، وَطَائِفَة.
رَوَى عَنْهُ الشَّيْخ مُوَفَّق الدِّيْنِ ابْن قُدَامَةَ، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاء، وَالزَّكِيّ المُنْذِرِيّ، وَالشِّهَاب القُوْصِيّ، وَابْن أَبِي عُمَرَ، وَالفَخْر ابْن البُخَارِيِّ، وَجَمَاعَة.
وَلأَجْلِهِ بَنَى الرَّئِيْس مِسْمَار مَدْرَسَته، وَوقفهَا عَلَيْهِ وَعَلَى ذُرِّيَته.
وَلَهُ شعر جَيِّد، وَمَعْرِفَة تَامَّة، وَجَلاَلَة وَافرَة.
أَلَّفَ كِتَاب "النِّهْايَةِ فِي شَرْحِ الهِدَايَةِ" فِي عِدَّةِ مُجَلَّدَاتٍ، وَكِتَاب "الخُلاَصَةِ فِي المَذْهَبِ"، وَغَيْرَ ذَلِكَ.
وَفِي أَوْلاَدِهِ عُلَمَاء وَكُبَرَاء.
تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ سَبْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَقَدْ وَلِيَ قَضَاءَ حرَّان فِي دَوْلَةِ الْملك نُوْر الدِّيْنِ.
وَمَاتَ أَخُوْهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الوَهَّابِ عَنْ غَيْر عَقِبٍ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ. رَوَى عَنْهُ الفَخْرُ ابْنُ البُخَارِيِّ، عن ابن مقاتل.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 18، 19".(16/17)
5407- المندائي 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ القَاضِي المُعَمَّرُ مُسْنِدُ العِرَاقِ أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ ابْنُ القَاضِي أَبِي العَبَّاسِ أَحْمَدَ بنِ بختيَار بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ المَنْدَائِيُّ، الوَاسِطِيُّ.
وُلِدَ بِوَاسِطَ، فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ.
وَاعْتَنَى بِهِ أَبُوْهُ، وَقَدِمَ بِهِ، فَسَمِعَ مِنْ أَبِي القَاسِمِ بنِ الحُصَيْنِ كَثِيْراً، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ البَارِعِ، وَهِبَةِ اللهِ بنِ الطَّبَرِ، وَأَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ المُجْلِي، وَالحَافِظِ أَبِي عَامِرٍ العَبْدَرِيِّ، وَمكِيِّ البُرُوْجِرْدِيِّ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ البَيْهَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ المَزْرَفِيِّ، وَقَاضِي المَارستَانِ، وَأَبِي منصور القزاز، وأبي منصور بن خيرون، وعدة.
وَقَدْ وَلِيَ أَبُوْهُ قَضَاءَ الكُوْفَةِ، فَسَمَّعَهُ بِهَا مِنْ أَبِي البَرَكَاتِ عُمَرَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الزَّيْدِيِّ. وَبِوَاسِطَ مِنْ: أَبِي الكَرَمِ نَصْرِ اللهِ بنِ الجَلَخْتِ، وَالقَاضِي مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الجُلاَّبِيِّ، وَالمُبَارَكِ ابن نَغُوْبَا. وَتَلاَ بِهَا عَلَى: أَحْمَدَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الآمِدِيِّ، وَابْنِ تركَانَ. وَتَفَقَّهَ بِبَغْدَادَ عَلَى: أَبِي مَنْصُوْرٍ ابْن الرَّزَّاز، وَتَأَدَّبَ عَلَى: أَبِي منصور ابن الجواليقي.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الطَّاهِرِ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ نُقْطَةَ، وَفُتُوْحُ بنُ نُوْحٍ الجُوَيْنِيُّ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَعِدَّةٌ.
وَأَجَازَ لابْنِ أَبِي عُمَرَ، وَالفَخْرِ عَلِيٍّ، وَالقَاضِي عَبْدِ الوَاحِدِ الأَبْهَرِيِّ.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: كَانَ حَسَنَ المَعْرِفَةِ، جَيِّدَ الأُصُوْلِ، صَحِيْحَ النَّقْلِ، متيقِّظاً، صَارَ أَسنَدَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَنِعْمَ الشَّيْخُ كَانَ، عَقْلاً وَخُلُقاً وَمَوَدَّةً.
وَقَالَ الحَافِظُ عَبْدُ العَظِيْمِ: كَانَ بَقِيَّةَ السَّلَفِ، وَشَيْخَ القُضَاةِ وَالشُّهُودِ، وَآخِرُ مَنْ حَدَّثَ بـ"المُسْنَدِ" كَامِلاً، وَكَانَ يَعرف مَا يُقرَأُ عَلَيْهِ.
وَسُئِلَ عَنْ مَعْنَى المَاندَائِيِّ، فَقَالَ: كَانَ أَجدَادِي قَوْماً مِنَ العجَمِ تَأَخَّرَ إِسلاَمُهُم، فَسُمُّوا بِذَلِكَ، وَهُوَ البَاقِي بِالفَارِسيَّةِ.
مَاتَ فِي ثَامنِ شَعْبَان، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَدُفِنَ بدَارِهِ، وَخُتمت عِنْدَهُ عِدَّةَ خِتَمٍ -رَحِمَهُ الله- وَقَدْ نَابَ مُدَّةً فِي قَضَاءِ وَاسِطَ.
كتبَ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ الحَازِمِيُّ، وَحَدَّثَ عَنْهُ بِبَغْدَادَ بِالكَثِيْرِ، وثقه ابن النجار.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 196"، وشذرات الذهب "5/ 17".(16/18)
5408- ابن مشق 1:
الإِمَامُ الفَاضِلُ المُحَدِّثُ مُفِيْدُ بَغْدَادَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنٍ البَغْدَادِيُّ، البَيِّعُ، عُرِفَ بِابْنِ مَشِّق.
وُلِدَ سَنَةَ "533"، وَسَمَّعَهُ وَالِدُهُ، ثُمَّ طَلَبَ بِنَفْسِهِ.
سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بنَ الأَشْقَرِ، وَالقَاضِي مُحَمَّدَ بنَ عُمَرَ الأُرْمَوِيَّ، وَسَعِيْدَ ابْنَ البَنَّاءِ، وَسَعْدَ الخَيْرِ الأَنْدَلُسِيَّ، فَمَنْ بَعْدَهُم.
رَوَى عَنْهُ ابْنُ النَّجَّارِ، وَالضِّيَاءُ، وَالنَّجِيْبُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ، وَطَائِفَةٌ. وَأَجَازَ: لِلْفخرِ عَلِيٍّ، وَلإِسْمَاعِيْلَ العَسْقَلاَنِيِّ، وَكَانَ صَدُوْقاً، مُتودِّداً، جَمِيْلَ السِّيرَةِ.
قَالَ الدُّبَيْثِيُّ: لَمْ يَرْوِ إلَّا اليَسِيْرَ، وَقَدْ عَملَ "المُعْجَمَ"، وَبلغَتْ أَثبَاتُهُ سِتَّ مُجَلَّدَاتٍ، وَاختلطَ قَبْلَ مَوْتِهِ بنَحْوٍ مِنْ ثَلاَثِ سِنِيْنَ، حَتَّى كَانَ لاَ يَأْتِي بِشَيْءٍ عَلَى وَجهِ الصِّحَّةِ، فَتركَهُ النَّاسُ.
مَاتَ فِي حَادِي عشرَ شَعْبَان، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَمَاتَ فِيْهَا: أَبُو الفَتْحِ المَنْدَائِيُّ، وَالقَاضِي صَدْرُ الدِّيْنِ ابْنُ دِرْبَاسٍ، وَشَيْخُ القُرَّاءِ أَبُو الجُودِ اللَّخْمِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ أَبِي نَصْرٍ الحَرِيْمِيُّ ابْنُ القَارصِ، وَعبدُ الوَاحِد بنُ أَبِي المطهِّر الصَّيْدَلاَنِيّ، وَعبدُ الله بن أبي الحسن الجبائي.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 196"، وشذرات الذهب "5/ 18".(16/19)
5409- حمزة بن علي 1:
ابن حمزة بن فارس الإِمَامُ شَيْخُ القُرَّاءِ أَبُو يَعْلَى ابْنُ القُبَّيْطِيِّ الحَرَّانِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، أَخُو المُحَدِّثِ أَبِي الفَرَجِ مُحَمَّدٍ.
وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قرَأَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى: أَبِيْهِ، وَسِبْط الخَيَّاطِ، وَأَبِي الكرم الشهرزوري، وعمر بن ظفر، وعلي ابن أَحْمَدَ اليَزْدِيِّ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي مَنْصُوْرٍ القَزَّازِ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ تَوْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ ابْنِ السَّلاَّلِ، وَعَلِيِّ بن الصَّبَّاغِ، وَأَبِي سَعْدٍ البَغْدَادِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَكَتَبَ وَتعبَ وَحصَّلَ الأُصُوْلَ، لَكِنِ احترقَتْ كتُبُهُ، وَكَانَ مليحَ الكِتَابَةِ، مُتْقِناً، إِمَاماً.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وابن خليل، وعدة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: أَكْثَرتُ عَنْهُ، وَلاَزمتُهُ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ مِنْ كُتُبِ القِرَاءاتِ وَالأَدبِ، وَكَانَ ثِقَةً، حُجَّةً، نبيلاً، مَوْصُوَفاً بِحُسْنِ الأَدَاءِ، وَطيبِ النَّغْمَةِ، يَقصُدُهُ النَّاسُ فِي التَّرَاويحِ، مَا رَأَيْتُ قَارِئاً أَحلَى نَغمَةً مِنْهُ، وَلاَ أَحْسَنَ تَجويداً، مَعَ عُلُوِّ سِنِّهِ، وَانقلاعِ ثَنِيَّتِهِ، وَكَانَ تَامَّ المَعْرِفَةِ بوُجُوهِ القِرَاءاتِ وَعِلَلِهَا، وَحَفِظَ أَسَانِيْدَهَا وَطُرُقهَا، وَكَانَتْ لَهُ مَعْرِفَةٌ حَسَنَة بِالحَدِيْثِ، وَكَانَ دَمِثاً، لطيفاً، متودِّداً، وَكَانَ فِي صِبَاهُ مِنْ أَحْسَنِ أَهْلِ زَمَانِهِ وَأَظرفِهِم، مَعَ صيَانَةٍ وَنزَاهَةٍ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ الشُّيُوْخِ صُوْرَةً، وَقَدْ أَكْثَرَ الشُّعَرَاءُ فِي وَصْفِهِ؛ فَأَنْشَدَنِي يَحْيَى بنُ طَاهِرٍ، أَنْشَدَنَا أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الكَاتِبُ لِنَفْسِهِ فِي حَمْزَةَ بنِ القُبَّيْطِيِّ:
تَمَلَّكَ مُهْجَتِي ظبيٌ غريرٌ ... ضَنِيتُ بِهِ وَلَمْ أَبْلُغْ مُرَادِي
فَتَصْحِيْفُ اسْمِهِ فِي وَجْنَتَيْهِ ... وَمِنْ ريقٍ بِفِيْهِ وَفِي فُؤَادِي
قَرَأْتُ عَلَى حَمْزَةَ بنِ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ تَوبَةَ، حَدَّثَنَا الخَطِيْبُ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
تُوُفِّيَ فِي ثَامِنَ عَشَرَ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتّ مائَةٍ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: الضِّيَاءُ بنُ الخُرَيفِ، وَسُلْطَانُ غزنة الشهاب الغوري.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 191"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 7"، ووقع عنده [ابن القسطى] بالسين المهملة بدل [ابن القبيطي] .(16/20)
ابن الخصيب، عبد الغني:
5410- ابن الخصيب 1:
الشيخ العالم الفقيه أبو المفضل مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ أَبِي الرِّضَا بنِ الخصيب بن زيد القرشي، الدمشقي، الشافعي.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: جَمَالِ الإِسْلاَمِ أَبِي الحَسَنِ، وَأَبِي طَالِبٍ عَلِيِّ بنِ أَبِي عَقِيْلٍ الصُّوْرِيِّ، وَنَصْرِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَقْدِسِيُّ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عَبْدِ الكَافِي، وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَبِي بَكْرٍ الوَاعِظُ الحَمْوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُسَلَّمِ بنِ أَبِي الخوفِ، وَيُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ القُوْصِيُّ، وَخَالِدٌ النَّابلسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَيَّانَ العَامِرِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَأَجَازَ لأَحْمَدَ بنِ سَلاَمَةَ الحَدَّادِ، وَالفَخْرِ ابْنِ البُخَارِيِّ، وَالكَمَالِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ.
وَثَّقَهُ بَعْضُهُم، وَضَعَّفَهُ ابْنُ خَلِيْلٍ، وَمَا فَسَّرَ، وَقَالَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتَّ مائَةٍ، فِي ثَالِثِ المُحَرَّمِ، وَكَانَ يُعرَفُ قَدِيْماً بِسِبْطِ زِيدٍ المُحْتَسِبِ.
5411- عبد الغني 2:
الإِمَامُ العَالِمُ الحَافِظُ الكَبِيْرُ الصَّادِقُ القُدْوَةُ العَابِدُ الأثري المتبع عَالِمُ الحُفَّاظِ تَقِيُّ الدِّيْنِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الغني بن عبد الواحد بن علي بن سُرُوْرِ بنِ رَافِعِ بنِ حَسَنِ بنِ جَعْفَرٍ المَقْدِسِيُّ الجَمَّاعِيْليُّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ المَنْشَأ الصَّالِحيُّ الحَنْبَلِيُّ، صَاحِبُ "الأَحكَامِ الكُبْرَى"، وَ"الصُّغْرَى".
قَرَأْتُ سِيرتَهُ في جزئين جَمْعِ الحَافِظِ ضِيَاءِ الدِّيْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ المَقْدِسِيِّ، عَلَى الشَّيْخِ عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ أَحْمَدَ البَنَّاءِ، بِسَمَاعِهِ عَامَ سِتَّةٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ من المؤلف، فعامة ما أورده فمنها.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 188"، وشذرات الذهب "5/ 6".
2 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1112"، وشذرات الذهب "4/ 345، 346".(16/21)
قَالَ: وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ بِجُمَّاعِيلَ، أَظنُّهُ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، قَالَتْ وَالِدتِي: هُوَ أَكْبَرُ مِنْ أَخِيْهَا الشَّيْخِ المُوَفَّقِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَالمُوَفَّقُ وُلِدَ فِي شَعْبَان.
سَمِعَ الكَثِيْرَ بِدِمَشْقَ، وَالإِسْكَنْدَرِيَّةَ، وَبَيْتَ المَقْدِسِ، وَمِصْرَ، وَبَغْدَادَ، وَحَرَّانَ، وَالمَوْصِلَ، وَأَصْبَهَانَ، وَهَمَذَانَ، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ.
سَمِعَ: أَبَا الفَتْحِ ابْنَ البَطِّيِّ، وَأَبَا الحَسَنِ عَلِيَّ بنَ رَبَاحٍ الفَرَّاءَ، وَالشَّيْخَ عَبْدَ القَادِرِ الجِيْلِيَّ، وَهِبَةَ اللهِ بنَ هِلاَلٍ الدَّقَّاقَ، وَأَبَا زُرْعَةَ المَقْدِسِيَّ، ومعمر بن الفاخر، وأحمد بن المقرب، ويحيى بن ثابت، وأبا بكر بن النَّقُّوْرِ، وَأَحْمَدَ بنَ عَبْدِ الغَنِيِّ البَاجِسْرَائِيَّ، وَعِدَّةً بِبَغْدَادَ، وَالحَافِظَ أَبَا طَاهِرٍ السِّلَفِيَّ، فَكَتَبَ عَنْهُ نَحْواً مِنْ أَلفِ جزءٍ، وَبِدِمَشْقَ أَبَا المَكَارِمِ بنَ هِلاَلٍ، وَسَلْمَانَ بنَ عَلِيٍّ الرَّحَبِيَّ، وَأَبَا المَعَالِي بنَ صَابرٍ، وَعِدَّةً. وَبِمِصْرَ: مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ الرَّحَبِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ بَرِّيٍّ، وَطَائِفَةً، وَبِأَصْبَهَانَ الحَافِظَ أَبَا مُوْسَى المَدِيْنِيَّ، وَأَبَا الوَفَاءِ مَحْمُوْدَ بنَ حَمَكَا، وَأَبَا الفَتْحِ الخِرَقِيَّ، وَابْنَ يَنَال التُّرْك، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ الوَاحِدِ الصَّائِغَ، وَحَبِيْبَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الصُّوْفِيَّ، وَبِالمَوْصِلِ أَبَا الفَضْلِ الطُّوْسِيَّ، وَطَائِفَةً. وَلَمْ يَزَلْ يَطلبُ وَيَسْمَع وَيَكْتُبُ، وَيسهَرُ، وَيدأَبُ، وَيَأْمرُ بِالمَعْرُوفِ وَيَنَهى عَنِ المُنْكَرِ، وَيَتقِي اللهَ، وَيَتعبَّدُ وَيَصُوْمُ، وَيَتهجَّدُ، وَيَنشرُ العِلْمَ إِلَى أَنْ مَاتَ. رَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ مرَّتينِ، وَإِلَى مِصْرَ مرَّتينِ؛ سَافرَ إِلَى بَغْدَادَ هُوَ وَابْنُ خَالِهِ الشَّيْخُ المُوَفَّقُ فِي أَوَّلِ سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ، فَكَانَا يَخْرُجَانِ مَعاً وَيَذْهَبُ أَحدُهُمَا فِي صُحْبَة رفِيقِهِ إِلَى دَرْسِهِ وَسَمَاعِهِ، كَانَا شَابَّيْنِ مُخْتَطّين، وَخوَّفَهُمَا النَّاسُ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ، وَكَانَ الحَافِظُ مَيْلُهُ إِلَى الحَدِيْثِ وَالمُوَفَّقُ يُرِيْدُ الفِقْهَ، فَتفقَّهَ الحَافِظُ وَسَمِعَ المُوَفَّقُ مَعَهُ الكَثِيْرَ، فَلَمَّا رَآهُمَا العُقَلاَءُ عَلَى التَّصَوُّنِ وَقِلَّةِ المُخَالَطَةِ أَحَبُّوهُمَا، وَأَحْسَنُوا إِلَيهُمَا، وَحصَّلاَ عِلْماً جمّاً، فَأَقَامَا بِبَغْدَادَ نَحْوَ أَرْبَعِ سِنِيْنَ، وَنَزَلاَ أَوَّلاً عِنْد الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ فَأَحْسَنَ إِلَيهِمَا، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ قُدُومِهِمَا بخَمْسِيْنَ لَيْلَةً، ثُمَّ اشْتَغَلاَ بِالفِقْهِ والخلاف عَلَى ابْنِ المنِّي. وَرَحَلَ الحَافِظُ إِلَى السِّلَفِيِّ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ، فَأَقَامَ مُدَّةً، ثُمَّ رحل أيضًا إلى السلفي سنة سَبْعِيْنَ. ثُمَّ سَافرَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَسَبْعِيْنَ إِلَى أَصْبَهَانَ، فَأَقَامَ بِهَا مُدَّةً، وَحَصَّلَ الكتُبَ الجيِّدَةَ.
قَالَ الضِّيَاءُ: وَكَانَ لَيْسَ بِالأَبيضِ الأَمهَقِ، بَلْ يَمِيْلُ إِلَى السُّمرَةِ، حسن الشَّعْرِ، كَثّ اللِّحْيَةِ، وَاسِع الجبينِ، عَظِيْم الخَلْقِ، تَامّ القَامَةِ، كَأَنَّ النُّوْر يَخْرُجُ مِنْ وَجهِهِ، وَكَانَ قَدْ ضعُفَ بصرُهُ مِنَ البُكَاءِ وَالنَّسْخِ وَالمُطَالَعَةِ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ، وَالحَافِظُ عِزُّ الدِّيْنِ مُحَمَّدٌ، وَالحَافِظُ أَبُو مُوْسَى عَبْدُ(16/22)
اللهِ، والفَقِيْهُ أَبُو سُلَيْمَانَ أَوْلاَدُهُ، وَالحَافِظُ الضِّيَاءُ، وَالخَطِيْبُ سُلَيْمَانُ بنُ رَحْمَةَ الأَسْعَرْدِيُّ، وَالبَهَاءُ عَبْدُ الرحمان، والشيخ الفقيه محمد اليونيني، والزين بن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَأَبُو الحَجَّاجِ بنُ خَلِيْلٍ، وَالتَّقِيُّ اليَلْدَانِيُّ، وَالشِّهَابُ القُوْصِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ القَلاَنسِيُّ، وَالوَاعِظُ عُثْمَانُ بنُ مَكِّيٍّ الشَّارعِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَامِدٍ الأَرْتَاحِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ القوِيِّ بنِ عَزُّوْنَ، وَأَبُو عِيْسَى عَبْدُ اللهِ بنُ عَلاَّقٍ الرَّزَّازُ، وَخَلْقٌ، آخِرُهُم مَوْتاً سَعْدُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ مُهَلْهَلٍ الجينِيُّ.
وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ شَيْخُنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ الحَدَّادُ.
تَصَانِيْفُهُ:
كِتَابُ "المِصْبَاح فِي عُيونِ الأَحَادِيْثِ الصِّحَاحِ" مشتمل على أحاديث "الصَّحِيْحَيْنِ"، فَهُوَ مُسْتخرَجٌ عَلَيْهِمَا بِأَسَانِيْدِهِ، فِي ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِيْنَ جُزْءاً، كِتَابُ "نِهَايَة المُرَادِ" فِي السُّنَنِ، نَحْوُ مائَتَيْ جزءٍ لَمْ يَبَيِّضْهُ، كِتَابُ "اليَواقيت" مُجَلَّدٌ، كِتَابُ "تُحْفَة الطَّالبينَ فِي الجِهَادِ وَالمُجَاهِدِيْنَ" مُجَلَّدٌ، كِتَابُ "فَضَائِل خَيْرِ البرِيَّةِ" أَرْبَعَةُ أَجزَاءٍ، كِتَابُ "الرَّوْضَة" مُجَلَّدٌ، كِتَابُ "التَّهجُّد" جُزْآنِ، كِتَابُ "الفَرَج" جزآنِ، كِتَابُ "الصِّلاَت إِلَى الأَمْوَاتِ" جزآنِ، "الصِّفَات" جزآنِ، "مِحْنَة الإِمَامِ أَحْمَدَ" جُزْآنِ، "ذَمّ الرِّيَاءِ" جُزْء، "ذَمّ الغِيبَةِ" جُزْء، "التَّرغِيب فِي الدُّعَاءِ" جُزْء، "فَضَائِل مَكَّةَ" أَرْبَعَةُ أَجزَاءٍ، "الأَمْر بِالمَعْرُوفِ" جزءٌ، "فَضل رَمَضَانَ" جُزْء، "فَضل الصَّدَقَةِ" جُزْء، "فَضل عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ" جزءٌ، "فَضَائِل الحَجِّ" جزءٌ، "فَضل رَجَب"، "وَفَاة النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" جزءٌ، "الأَقسَام الَّتِي أَقسمَ بِهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، كِتَابُ "الأَرْبَعِيْنَ" بِسندٍ وَاحِدٍ، "أَرْبَعِيْنَ مِنْ كَلاَمِ رَبِّ العَالِمِينَ"، كِتَابُ "الأَرْبَعِيْنَ" آخرُ، كِتَابُ "الأَرْبَعِيْنَ" رَابعُ، "اعْتِقَاد الشَّافِعِيِّ" جزءٌ، كِتَابُ "الحِكَايَاتِ" سَبْعَةُ أَجزَاءٍ، "تَحَقِيْق مُشْكِلِ الأَلْفَاظِ" مجلَّدَيْنِ، "الجَامِعُ الصَّغِيْرِ فِي الأَحكَامِ" لَمْ يَتِمَّ، "ذِكْر القُبُوْرِ" جزءٌ، "الأَحَادِيْث والحكايات" كان يَقرؤهَا لِلْعَامَّةِ، مائَة جزءٍ، "مَنَاقِب عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ" جزءٌ، وَعِدَّةُ أَجزَاءٍ فِي "مَنَاقِبِ الصَّحَابَةِ"، وَأَشيَاءَ كَثِيْرَةً جِدّاً مَا تَمَّتْ، وَالجَمِيْعُ بِأَسَانِيْدِهِ، بِخَطِّهِ المَلِيْحِ الشَّدِيدِ السُّرعَةِ، وَ"أَحكَامه الكُبْرَى" مُجَلَّدٌ، وَ"الصَّغرَى" مُجَيْلِيْدٌ، كِتَابُ "دُرَر الأَثرِ" مُجَلَّدٌ، كِتَابُ "السَّيرَة" جزءٌ كَبِيْرٌ، "الأَدعيَة الصَّحيحَة" جزءٌ، "تَبيين الإِصَابَةِ لأَوهَامٍ حصلَتْ لأَبِي نُعَيْمٍ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ" جُزْآنِ، تَدُلُّ عَلَى برَاعتِهِ وَحفظِهِ، كِتَابُ "الكَمَال فِي مَعْرِفَةِ رِجَالِ الكُتُبِ السِّتَّةِ" فِي أَرْبَعَةِ أَسفَارٍ، يَرْوِي فِيْهِ بأسانيده.(16/23)
فِي حِفْظِهِ:
قَالَ ضِيَاءُ الدِّيْنِ: كَانَ شَيْخُنَا الحَافِظُ لاَ يَكَادُ يُسْأَلُ عَنْ حَدِيْثٍ إلَّا ذَكَرَهُ وَبَيَّنَهُ، وَذَكَرَ صِحَّتَهُ أَوْ سقمَهُ، وَلاَ يُسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ إلَّا قَالَ: هُوَ فُلاَنُ بنُ فُلاَنٍ الفُلاَنِيُّ وَيذكرُ نسبَهُ، فَكَانَ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ الحَافِظِ أَبِي مُوْسَى، فَجرَى بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ منَازعَةً فِي حَدِيْثٍ، فَقَالَ: هُوَ فِي "صَحِيْحِ البُخَارِيِّ". فَقُلْتُ: لَيْسَ هُوَ فِيْهِ، قَالَ: فَكَتَبَهُ فِي رُقْعَةٍ، وَرفعهَا إِلَى أَبِي مُوْسَى يَسْأَلُهُ، قَالَ: فَنَاوَلَنِي أَبُو مُوْسَى الرُّقْعَةَ، وَقَالَ: مَا تَقُوْلُ? فَقُلْتُ: مَا هُوَ فِي "البُخَارِيِّ"، فَخجِلَ الرَّجُلُ.
قَالَ الضِّيَاءُ: رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ بِمَرْوَ كَأَنَّ البُخَارِيَّ بَيْنَ يَدَي الحافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ، يَقرَأُ عَلَيْهِ مِنْ جزءٍ وَكَانَ الحَافِظُ يَردُّ عَلَيْهِ، أَوْ مَا هَذَا مَعْنَاهُ.
وَسَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ ظَفَرٍ يَقُوْلُ: قَالَ رَجُلٌ لِلْحَافِظ عَبْدِ الغني: رَجُلٌ حلفَ بِالطَّلاَقِ أَنَّكَ تَحفَظُ مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ، فَقَالَ: لَوْ قَالَ أَكْثَرَ لصدَقَ!
وَرَأَيْتُ الحَافِظَ عَلَى المِنْبَرِ غَيْرَ مَرَّةٍ يَقُوْلُوْنَ لَهُ اقرَأْ لَنَا مِنْ غَيْرِ كِتَابٍ، فِيقرَأُ أَحَادِيْثَ بأسانيده من حفظه.
وسمعت ابنه عبد الرحمن يَقُوْلُ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِنَا يَقُوْلُ: إِنَّ الحَافِظَ سُئِلَ: لِمَ لاَ تَقرَأُ مِنْ غَيْرِ كِتَابٍ? قَالَ: أَخَافُ العُجْبَ.
وَسَمِعْتُ خَالِي أَبَا عُمَرَ أَوْ وَالِدِي، قَالَ: كَانَ الملِكُ نُوْرُ الدِّيْنِ بنُ زَنْكِي يَأْتِي إِلَيْنَا، وَكُنَّا نَسْمَعُ الحَدِيْثَ، فَإِذَا أَشْكَلَ شَيْءٌ عَلَى القَارِئ قَالَهُ الحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ، ثُمَّ ارْتَحَلَ إِلَى السِّلَفِيِّ، فَكَانَ نُوْرُ الدِّيْنِ يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَيْنَ ذَاكَ الشَّابُّ? فَقُلْنَا: سَافرَ.
وَسَمِعْتُ عَبْدَ العَزِيْز بنَ عَبْدِ المَلِكِ الشَّيْبَانِيّ، سَمِعْتُ التَّاجَ الكِنْدِيَّ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِثْلُ الحَافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ.
وَسَمِعْتُ أَبَا الثَّنَاءِ مَحْمُوْدَ بنَ هَمَّامٍ، سَمِعْتُ الكِنْدِيَّ يَقُوْلُ: لَمْ يَرَ الحَافِظُ مِثْلَ نَفْسِهِ.
شَاهَدْتُ بِخَطِّ أَبِي مُوْسَى المَدِيْنِيِّ عَلَى كِتَابِ "تَبيينِ الإِصَابَةِ" الَّذِي أَملاَهُ عَبْدُ الغَنِيِّ -وَقَدْ سَمِعَهُ أَبُو مُوْسَى، وَالحَافِظُ أَبُو سَعْدٍ الصَّائِغُ، وَأَبُو العَبَّاسِ التّرك: "يَقُوْلُ أَبُو مُوْسَى عفَا اللهُ عَنْهُ: قَلَّ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا يَفهَمُ هَذَا الشَّأْنَ كفَهْمِ الشَّيْخِ الإِمَامِ ضِيَاءِ الدِّيْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الغَنِيِّ المَقْدِسِيِّ، وَقَدْ وُفِّقَ لِتبيينِ هَذِهِ الغلطَات، وَلَوْ كَانَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَمثَالُهُ فِي الأَحْيَاءِ لَصَوَّبُوا فَعلَهُ، وَقَلَّ مَنْ يَفهَمُ فِي زَمَانِنَا مَا فَهِمَ، زَادَهُ الله علمًا وتوفيقًا".(16/24)
قَالَ أَبُو نِزَارٍ رَبِيْعةُ الصَّنْعَانِيُّ: قَدْ حضَرْتُ الحَافِظَ أَبَا مُوْسَى، وَهَذَا الحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ، فَرَأَيْتُ عَبْدَ الغَنِيِّ أَحْفَظَ مِنْهُ.
سَمِعْتُ عَبْدَ الغَنِيِّ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ الجَوْزِيِّ فَقَالَ: وُرَيْرَةُ بنُ مُحَمَّدٍ الغَسَّانِيُّ، فَقُلْتُ: إِنَّمَا هُوَ وَزِيْرَةُ. فَقَالَ: أَنْتُم أَعْرفُ بِأَهْلِ بلدِكُم.
فِي إِفَادَتِهِ وَاشتِغَالِهِ:
قَالَ الضِّيَاءُ: وَكَانَ -رحمَهُ اللهُ- مُجْتَهِداً عَلَى الطَّلَبِ، يُكرِمُ الطَّلبَةَ، وَيُحسِنُ إِلَيْهِم، وَإِذَا صَارَ عِنْدَهُ طَالبٌ يَفهَمُ أَمرَهُ بِالرِّحلَةِ، وَيَفرحُ لَهُم بِسَمَاعِ مَا يَحصِّلُونَهُ، وَبسَبَبه سَمِعَ أَصْحَابُنَا الكَثِيْرَ.
سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدٍ الحَافِظَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ الحَدِيْثَ فِي الشَّامِ كُلِّهِ إلَّا بِبركَةِ الحَافِظِ، فَإِنَّنِي كُلَّ مَنْ سَأَلتُهُ يَقُوْلُ: أَوَّلُ مَا سَمِعْتُ عَلَى الحَافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ، وَهُوَ الَّذِي حَرَّضَنِي.
وَسَمِعْتُ أَبَا مُوْسَى ابْنَ الحَافِظِ يَقُوْلُ عِنْدَ مَوْتِهِ: لاَ تُضَيِّعُوا هَذَا العِلْمَ الَّذِي قَدْ تَعِبْنَا عَلَيْهِ.
قُلْتُ: هُوَ رَحَّلَ ابْنَ خَلِيْلٍ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَرَحَّلَ ابْنَيْهِ العِزَّ مُحَمَّداً، وَعَبْدَ اللهِ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ صغِيراً، وَسَفَّرَ ابْنَ أُخْتِهِ مُحَمَّدَ بنَ عُمَرَ بنِ أَبِي بكر، وابن عمه علي ابن أَبِي بَكْرٍ.
قَالَ الضِّيَاءُ: وَحرَّضَنِي عَلَى السَّفَرِ إِلَى مِصْرَ، وَسَافَرَ مَعَنَا ابْنُهُ أَبُو سُلَيْمَانَ عبد الرحمن ابْنُ عشرٍ، فَبَعَثَ مَعَنَا "المُعْجَمَ الكَبِيْرَ" لِلطَّبَرَانِيِّ، وَكِتَابَ "البُخَارِيِّ"، وَ"السِّيرَةَ"، وَكَتَبَ إِلَى زَيْنِ الدين علي بن نجيا يُوصِيهِ بِنَا، وَسَفَّرَ ابْنَ ظَفَرٍ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَزوَّدَهُ، وَلَمْ يَزَلْ عَلَى هَذَا.
قَالَ الضِّيَاءُ: لَمَّا دخلنَا أَصْبَهَانَ فِي سفرتِي الثَّانِيَةِ كُنَّا سَبْعَةً، أَحَدُنَا الفَقِيْهُ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَافِظِ، وَكَانَ طِفْلاً، فَسمِعنَا عَلَى المَشَايِخِ، وَكَانَ المُؤَيَّدُ ابْنُ الإِخْوَةِ عِنْدَهُ جُمْلَةٌ مِنَ المَسْمُوْعَاتِ، وَكَانَ يَتشدَّدُ عَلَيْنَا، ثُمَّ تُوُفِّيَ، فَحَزِنْتُ كَثِيْراً، وَأَكْثَرَ مَا ضَاقَ صَدْرِي لثَلاَثَةِ كُتُبٍ: "مُسْنَدِ العَدَنِيِّ"، وَ"مُعْجَمِ ابْنِ المُقْرِئ"، وَ"مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى"، وَقَدْ كُنْتُ سَمِعْتُ عَلَيْهِ فِي النَّوبَةِ الأُوْلَى "مُسْنَدَ العَدَنِيِّ" لَكِنْ لأَجْلِ رِفْقَتِي، فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ الحَافِظَ عَبْدَ الغَنِيِّ قَدْ أَمسَكَ رَجُلاً وَهُوَ يَقُوْلُ لِي: أُمَّ هَذَا، أُمَّ هَذَا، وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ ابْنُ عَائِشَةَ بِنْتِ مَعْمَرٍ. فَلَمَّا استيقظْتُ قُلْتُ: مَا هَذَا إلَّا لأَجْلِ شَيْءٍ، فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَنَّهُ يُرِيْدُ الحَدِيْثَ، فَمضيتُ إِلَى دَارِ بَنِي مَعْمَرٍ، وَفتَّشْتُ الكُتُبَ، فَوَجَدْتُ "مُسْنَدَ العَدَنِيِّ" سَمَاع عَائِشَةَ مِثْلَ ابْنِ الإِخْوَةِ، فَلَمَّا(16/25)
سَمِعْنَاهُ عَلَيْهَا قَالَ لِي بَعْضُ الحَاضِرِيْنَ: إِنَّهَا سَمِعَتْ "مُعْجَمَ ابْنِ المُقْرِئ" فَأَخذنَا النُّسْخَةَ مِنْ خَبَّازٍ، وَسَمِعنَاهُ، وَبعدَ أَيَّامٍ نَاولنِي بَعْضُ الإِخْوَانِ "مسند أبي يعلى" سماعها، فسمعناه.
مَجَالِسُهُ:
كَانَ -رَحِمَهُ الله- يَقرَأُ الحَدِيْثَ يَوْمَ الجُمُعَةِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ وَليلَة الخَمِيْسِ، وَيَجْتَمِع خلق، وَكَانَ يَقرَأُ وَيَبْكِي وَيُبْكِي النَّاسَ كَثِيْراً، حَتَّى إِنَّ مَنْ حَضَرَه مَرّة لاَ يَكَاد يَتركه، وَكَانَ إِذَا فَرَغَ دَعَا دُعَاءً كَثِيْراً.
سَمِعْتُ شَيْخَنَا ابْنَ نَجَا الوَاعِظ بِالقَرَافَةِ يَقُوْلُ عَلَى المِنْبَرِ: قَدْ جَاءَ الإِمَامُ الحَافِظُ، وَهُوَ يُرِيْد أَنْ يَقرَأَ الحَدِيْثَ، فَاشْتَهَى أَنْ تَحضرُوا مَجْلِسه ثَلاَث مَرَّات، وَبعدهَا أَنْتُم تَعرفُوْنَهُ وَتحصل لَكُم الرّغبَة، فَجَلَسَ أَوّل يَوْم، وَحَضَرتُ، فَقَرَأَ أَحَادِيْث بِأَسَانِيْدهَا حِفْظاً، وَقرَأَ جُزْءاً، فَفَرح النَّاس بِهِ، فَسَمِعْتُ ابْنَ نَجَا يَقُوْلُ: حَصَلَ الَّذِي كُنْت أُرِيْده فِي أَوَّلِ مَجْلِس.
وَسَمِعْتُ بَعْضَ مِنْ حضَر يَقُوْلُ: بَكَى النَّاس حَتَّى غُشِيَ عَلَى بَعْضهِم، وَكَانَ يَجلسُ بِمِصْرَ بِأَمَاكن.
سَمِعْتُ مَحْمُوْدَ بنَ هَمَّامٍ الأَنْصَارِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الفَقِيْهَ نَجْمَ بنَ عَبْدِ الوَهَّابِ الحَنْبَلِيَّ يَقُوْلُ وَقَدْ حضَر مَجْلِس الحَافِظ: يَا تَقِيّ الدِّيْنِ، وَاللهِ لَقَدْ حَملتَ الإِسْلاَم، وَلَوْ أَمكننِي مَا فَارقتُ مَجْلِسك.
أَوْقَاتُهُ:
كَانَ لاَ يُضيِّع شَيْئاً مِنْ زَمَانه بِلاَ فَائِدَة، فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الفَجْر، وَيلقّن القُرْآن، وَرُبَّمَا أَقرَأَ شَيْئاً مِنَ الحَدِيْثِ تلقيناً، ثُمَّ يَقوم فَيَتَوَضَّأُ، وَيُصَلِّي ثَلاَث مائَة رَكْعَة بِالفَاتِحَة وَالمعوّذتين إِلَى قَبْل الظُّهْر، وَيَنَام نَوْمَة ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْر، وَيَشتغل إِمَّا بِالتّسمِيْع، أَوْ بِالنّسخ إِلَى المَغْرِب، فَإِنْ كَانَ صَائِماً أَفطر، وَإِلاَّ صَلَّى مِنَ المَغْرِب إِلَى العشَاء، وَيُصَلِّي العشَاء، وَيَنَام إِلَى نِصْف اللَّيْل أَوْ بَعْدَهُ، ثُمَّ قَامَ كَأَنَّ إِنْسَاناً يُوقظه، فَيُصَلِّي لَحْظَةً ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي إِلَى قُرب الفَجْر، رُبَّمَا تَوضَأَ سَبْع مَرَّاتٍ أَوْ ثَمَانِياً فِي اللَّيْلِ، وَقَالَ: مَا تَطِيبُ لِي الصَّلاَة إلَّا مَا دَامت أَعضَائِي رطبَة، ثُمَّ يَنَام نَوْمَة يَسِيْرَة إِلَى الفَجْر، وَهَذَا دَأْبُهُ.
أَخْبَرَنِي خَالِي مُوَفَّق الدِّيْنِ قَالَ: كَانَ الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ جَامِعاً للعلم والعمل، وكان رفيقي في الصبا، وفي طَلَبِ العِلْمِ، وَمَا كُنَّا نَسْتَبِق إِلَى خَيْر إلَّا سبقنِي إِلَيْهِ إلَّا القَلِيْل، وَكمّل الله فَضِيْلته بَابتلاَئِه بِأَذَى أَهْل البدعَة وَعدَاوتهِم، وَرِزْقِ العِلْم، وَتحصيل الكُتُب الكَثِيْرَة، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يعمر.(16/26)
قَالَ أَخُوْهُ الشَّيْخ العِمَاد: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشدّ محَافِظَة عَلَى وَقته مِنْ أَخِي.
قَالَ الضِّيَاء: وَكَانَ يَسْتَعْمَل السّوَاك كَثِيْراً حَتَّى كَأَنَّ أَسْنَانه البَرَدُ.
سَمِعْتُ مَحْمُوْدَ بنَ سَلاَمَةَ التَّاجِر الحَرَّانِيّ يَقُوْلُ: كَانَ الحَافِظُ عَبْد الغَنِيِّ نَازلاً عِنْدِي بِأَصْبَهَانَ، وَمَا كَانَ يَنَام مِنَ اللَّيْلِ إلَّا قَلِيلاً، بَلْ يُصَلِّي وَيَقرَأُ وَيَبْكِي.
وَسَمِعْتُ الحَافِظَ يَقُوْلُ: أَضَافَنِي رَجُلٌ بِأَصْبَهَانَ، فَلَمَّا تَعَشَّينَا، كَانَ عِنْدَهُ رَجُل أَكل مَعَنَا، فَلَمَّا قُمْنَا إِلَى الصَّلاَةِ لَمْ يصل، فَقُلْتُ: مَا لَهُ? قَالُوا: هَذَا رَجُل شَمْسِيّ. فَضَاق صَدْرِي، وَقُلْتُ لِلرَّجُلِ: مَا أَضفتَنِي إلَّا مَعَ كَافِر! قَالَ: إِنَّهُ كَاتِب، وَلَنَا عِنْدَهُ رَاحَة، ثُمَّ قُمْت بالليل أصلي، وذاك يَسْتَمع، فَلَمَّا سَمِعَ القُرْآن تَزَفَّر، ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْد أَيَّام، وَقَالَ: لَمَّا سَمِعتك تَقرَأُ، وَقَعَ الإِسْلاَم فِي قَلْبِي.
وَسَمِعْتُ نَصْر بن رِضْوَان المُقْرِئ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً عَلَى سِيرَةِ الحَافِظ، كَانَ مُشْتَغِلاً طول زَمَانه.
قِيَامُهُ فِي المُنْكَرِ:
كَانَ لاَ يَرَى مُنْكراً إلَّا غَيَّرَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِلِسَانِهِ، وَكَانَ لاَ تَأْخُذُه فِي اللهِ لَوْمَة لاَئِم. قَدْ رَأَيْتُهُ مرَّة يهرِيق خمراً، فَجبذ صَاحِبُهُ السَّيْف فَلَمْ يَخَفْ مِنْهُ، وَأَخَذَهُ مَنْ يَدِهِ، وَكَانَ قَوِيّاً فِي بَدَنِهِ، وَكَثِيْراً مَا كَانَ بِدِمَشْقَ يُنكِرُ وَيَكسر الطَّنَابِيرَ وَالشَّبابَات.
قَالَ خَالِي المُوَفَّق: كَانَ الحَافِظ لاَ يَصبر عَنْ إِنْكَار المُنْكَر إِذَا رَآهُ، وَكُنَّا مرَّة أَنْكَرنَا عَلَى قَوْم، وَأَرقنَا خمرهُم، وَتضَارَبْنَا، فَسَمِعَ خَالِي أَبُو عُمَرَ، فَضَاق صَدْره، وَخَاصمنَا، فَلَمَّا جِئْنَا إِلَى الحَافِظِ طَيَّبَ قُلُوْبنَا، وَصوّب فِعلنَا وَتَلاَ: {وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان: 17] .
وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَحْمَدَ الطَّحَّان، قَالَ: كَانَ بَعْض أَوْلاَد صَلاَح الدِّيْنِ قَدْ عُملت لَهُم طنَابِير، وَكَانُوا فِي بُستَان يَشربُوْنَ، فَلقِي الحَافِظ الطّنَابِير، فَكسرهَا. قَالَ: فَحَدَّثَنِي الحَافِظ، قَالَ: فَلَمَّا كُنْت أنَا وَعَبْد الهَادِي عِنْد حمَّام كَافُوْر، إِذَا قَوْم كَثِيْر مَعَهُم عصيّ، فَخففت المشِي، وَجَعَلت أَقُوْل: حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيْلُ، فَلَمَّا صرت عَلَى الجِسْر، لحقُوا صَاحِبِي، فَقَالَ: أَنَا مَا كسرت لَكُم شَيْئاً، هَذَا هُوَ الذي كسر. قال: فإذا فارس يركض، فَترَجَّل، وَقبَّل يَدِي، وَقَالَ: الصِّبْيَان مَا عَرَفُوك. وَكَانَ قَدْ وَضَع الله لَهُ هَيْبَة فِي النفوس.(16/27)
سَمِعْتُ فَضَائِلَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ سُرُوْرٍ المَقْدِسِيَّ يَقُوْلُ: سمِعتهُم يَتحدثُونَ بِمِصْرَ أَنَّ الحَافِظ كَانَ قَدْ دَخَلَ عَلَى العَادل، فَقَامَ لَهُ، فَلَمَّا كَانَ اليَوْم الثَّانِي، جَاءَ الأُمَرَاء إِلَى الحَافِظ مِثْل سركس وَأُزكش، فَقَالُوا: آمنَّا بِكَرَامَاتك يَا حَافِظ.
وذكرُوا أَنَّ العَادل قَالَ: مَا خفتُ مِنْ أَحَد مَا خفت مِنْ هَذَا. فَقُلْنَا: أَيُّهَا الْملك، هَذَا رَجُل فَقِيْه. قَالَ: لَمَّا دَخَلَ مَا خُيّل إِلَي إلَّا أَنَّهُ سَبعٌ.
قَالَ الضِّيَاء: رَأَيْت بِخَطِّ الحَافِظ: وَالملك العَادل اجْتَمَعت بِهِ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْهُ إلَّا الجَمِيْل، فَأَقْبَل عَلَيّ، وَقَامَ لِي، وَالتزَمَنِي، وَدعوت لَهُ، ثُمَّ قُلْتُ: عِنْدنَا قصُوْر هُوَ الَّذِي يُوجب التَّقْصِير. فَقَالَ: مَا عِنْدَك لاَ تَقصِيْر وَلاَ قصُوْر، وَذَكَرَ أَمر السّنَّة، فَقَالَ: مَا عِنْدَك شَيْء تُعَاب بِهِ لاَ فِي الدِّيْنِ وَلاَ الدُّنْيَا، وَلاَ بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ حَاسدين.
وَبَلَغَنِي بَعْد عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ بِالشَّامِ وَلاَ مصر مِثْل فُلاَن، دَخَلَ عليّ، فَخُيّل إِلَيَّ أَنَّهُ أَسد، وَهَذَا بِبركَة دعَائِكم وَدُعَاء الأَصْحَاب.
قَالَ الضِّيَاء: كَانُوا قَدْ وَغَروا عَلَيْهِ صدر العَادل، وَتَكلّمُوا فِيْهِ، وَكَانَ بَعْضهُم أَرْسَل إِلَى العَادل يَبذل فِي قتل الحَافِظ خَمْسَة آلاَف دِيْنَار.
قُلْتُ: جرّ هَذِهِ الفِتْنَة نَشْر الحَافِظ أَحَادِيْث النُّزَول وَالصِّفَات، فَقَامُوا عَلَيْهِ، وَرَمَوْهُ بِالتّجسيم، فَمَا دَارَى كَمَا كَانَ يُدَارِيهِم الشَّيْخ المُوَفَّق.
سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابنَا يَحكِي عَنِ الأَمِيْر دِرباس: أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ الحَافِظ إِلَى الْملك العَادل، فَلَمَّا قضَى الْملك كَلاَمه مَعَ الحَافِظ، جَعَلَ يَتَكَلَّم فِي أَمر مَارْدِيْن وَحصَارهَا، فَسَمِعَ الحَافِظ، فَقَالَ: أَيش هَذَا، وَأَنْت بَعْدُ تُرِيْد قِتَال المُسْلِمِيْنَ، مَا تَشكر الله فِيمَا أَعْطَاك، أَمَا ... أَمَا?! قَالَ فَمَا أَعَاد ولا أبدى. ثم قام الحَافِظُ وَقُمْت مَعَهُ، فَقُلْتُ: أَيش هَذَا? نَحْنُ كُنَّا نخَاف عَلَيْك مِنْ هَذَا، ثُمَّ تَعْمَل هَذَا الْعَمَل? قَالَ: أَنَا إِذَا رَأَيْت شَيْئاً لاَ أَقدر أَن أَصْبِر، أَوْ كَمَا قَالَ.
وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ ابْنَ الطَّحَّانِ، قَالَ: كَانَ فِي دَوْلَةِ الأَفْضَلِ جَعَلُوا المَلاَهِي عِنْد الدَّرَجِ، فَجَاءَ الحَافِظ فَكسّر شَيْئاً كَثِيْراً، ثُمَّ صعد يَقرَأُ الحَدِيْث، فَجَاءَ رَسُوْل القَاضِي يَأْمره بِالمشِي إِلَيْهِ لينَاظره فِي الدُّفّ وَالشَّبَّابَة، فَقَالَ: ذَاكَ عِنْدِي حَرَام، وَلاَ أَمْشِي إِلَيْهِ، ثُمَّ قرَأَ الحَدِيْث. فَعَاد الرَّسُول، فَقَالَ: لاَ بُدَّ مِنَ المشِي إِلَيْهِ، أَنْتَ قَدْ بطّلت هَذِهِ الأَشيَاء عَلَى السُّلْطَان. فَقَالَ الحَافِظُ: ضَرَبَ الله رقبته وَرقبَة السُّلْطَان. فَمَضَى الرَّسُول وَخفنَا، فَمَا جَاءَ أحد.(16/28)
وَمِنْ شَمَائِله:
قَالَ الضِّيَاء: مَا أَعْرف أَحَداً مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ رَآهُ إلَّا أَحَبّه وَمَدَحَهُ كَثِيْراً؛ سَمِعْتُ مَحْمُوْد بن سَلاَمَةَ الحَرَّانِيّ بِأَصْبَهَانَ، قال: كان الحافظ يصطف الناس فِي السُّوق يَنظُرُوْنَ إِلَيْهِ، وَلَوْ أَقَامَ بِأَصْبَهَانَ مُدَّة وَأَرَادَ أَنْ يَملكهَا، لملكهَا.
قَالَ الضِّيَاء: وَلَمَّا وَصل إِلَى مِصْرَ، كُنَّا بِهَا، فَكَانَ إِذَا خَرَجَ لِلْجمعَة لاَ نَقدر نَمْشِي مَعَهُ مِنْ كَثْرَة الْخلق، يَتبركُوْن بِهِ، وَيَجْتَمِعُوْنَ حَوْلَهُ، وَكُنَّا أَحَدَاثاً نَكْتُب الحَدِيْث حَوْلَهُ، فَضحكنَا مِنْ شَيْءٍ، وَطَال الضحك، فَتبسَّم وَلَمْ يَحْرَد عَلَيْنَا، وَكَانَ سخيّاً، جَوَاداً، لاَ يَدّخر دِيْنَاراً وَلاَ دِرْهَماً مهمَا حصَّل أَخْرَجَهُ، لَقَدْ سَمِعْتُ عَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ يَخْرُج فِي اللَّيْلِ بِقفَاف الدّقيق إِلَى بيُوت مُتَنَكِّراً فِي الظّلمَة، فَيُعْطِيهم وَلاَ يُعرَف، وَكَانَ يُفتح عَلَيْهِ بِالثِّيَاب، فَيُعْطِي النَّاس وَثَوْبه مرقّع.
قَالَ خَالِي الشَّيْخ مُوَفَّق الدِّيْنِ: كَانَ الحَافِظ يُؤثر بِمَا تَصل يَده إِلَيْهِ سِرّاً وَعَلاَنِيَّة، ثُمَّ سرد حِكَايَات فِي إِعطَائِهِ جُمْلَةَ دَرَاهِمَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ بدر بن مُحَمَّدٍ الجَزَرِيّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَكرم مِنَ الحَافِظ؛ كُنْت أَسْتدين يَعْنِي لِأطْعم بِهِ الفُقَرَاء، فَبقِي لِرَجُلٍ عِنْدِي ثَمَانِيَة وَتِسْعُوْنَ دِرْهَماً، فَلَمَّا تَهَيَّأَ الوَفَاء، أَتَيْتُ الرَّجُل، فَقُلْتُ: كَمْ لَكَ؟ قَالَ: مَا لِي عِنْدَك شَيْء! قُلْتُ: مَنْ أَوَفَاهُ؟ قَالَ: قَدْ أُوفِي عَنْكَ، فَكَانَ وَفَّاهُ الحَافِظُ وَأَمره أَنْ يَكتم عَلَيْهِ.
وَسَمِعْتُ سُلَيْمَان الأَسْعَرْدِيّ يَقُوْلُ: بعثَ الأَفْضَل ابْن صَلاَح الدِّيْنِ إِلَى الحَافِظ بنفقَة وَقمح كَثِيْر، فَفَرَّقه كُلّه.
وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ اللهِ العِرَاقِيّ؛ حَدَّثَنِي مَنْصُوْرٌ الغَضَارِيُّ، قَالَ: شَاهَدْتُ الحَافِظَ فِي الغَلاَءِ بِمِصْرَ وَهُوَ ثَلاَث لَيَالٍ يُؤثر بعشائه ويطوي. رَأَيْت يَوْماً قَدْ أُهدِيَ إِلَى بَيْت الحَافِظ مشْمش فَكَانُوا يفرقُون، فَقَالَ مِنْ حِينه، فَرِّقُوا: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] .
وَقَدْ فُتح لَهُ بِكَثِيْر مِنَ الذَّهب وَغَيْرِهِ، فَمَا كَانَ يَترك شَيْئاً حَتَّى قَالَ لِي ابْنه أَبُو الفَتْحِ: وَالِدِي يُعطِي النَّاس الكَثِيْر، وَنَحْنُ لاَ يَبعثَ إِلَيْنَا شَيْئاً، وَكُنَّا بِبَغْدَادَ.(16/29)
مَا ابْتُلِيَ الحَافِظُ بِهِ:
قَالَ الضِّيَاء: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْد الرَّحْمَانِ بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ، سَمِعْتُ الحَافِظَ يَقُوْلُ: سَأَلت الله أَنْ يَرْزُقنِي مِثْل حَال الإِمَام أَحْمَد، فَقَدْ رزقنِي صلاَته قَالَ: ثُمَّ ابْتُلِي بَعْدَ ذَلِكَ، وَأُوذِي.
سَمِعْتُ الإِمَام عَبْد اللهِ بن أَبِي الحَسَنِ الجُبَّائِيّ بِأَصْبَهَانَ يَقُوْلُ: أَبُو نُعَيْمٍ قَدْ أَخَذَ عَلَى ابْنِ مَنْدَةَ أَشيَاء فِي كِتَابِ "الصَّحَابَة"، فَكَانَ الحَافِظُ أَبُو مُوْسَى يَشتهِي أَنْ يَأْخذ عَلَى أَبِي نُعَيْمٍ فِي كِتَابِهِ الَّذِي فِي الصَّحَابَة، فَمَا كَانَ يَجسر، فَلَمَّا قَدِمَ الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ، أَشَارَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، قَالَ: فَأَخَذَ عَلَى أَبِي نُعَيْمٍ نَحْواً مِنْ مائَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ مَوْضِعاً، فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ الصَّدْر الخُجَنْدِيّ، طلب عَبْد الغَنِيِّ، وَأَرَادَ هَلاَكه، فَاخْتَفَى.
وَسَمِعْتُ مَحْمُوْد بن سَلاَمَةَ يَقُوْلُ: مَا أَخرجنَا الحَافِظ مِنْ أَصْبَهَان إلَّا فِي إِزَار، وَذَلِكَ أَن بَيْت الخُجَنْدِيّ أَشَاعِرَة، كَانُوا يَتعصّبُوْنَ لأَبِي نُعَيْمٍ، وَكَانُوا رُؤسَاء البَلَد.
وَسَمِعْتُ الحَافِظَ يَقُوْلُ: كُنَّا بِالمَوْصِل نَسْمَع "الضُّعَفَاء" لِلْعُقَيْلِيّ، فَأَخذنِي أَهْل المَوْصِل وَحَبَسُونِي، وَأَرَادُوا قتلِي مِنْ أَجْل ذكر شَيْء فِيْهِ، فَجَاءنِي رَجُلٌ طَوِيْل وَمَعَهُ سَيْف، فَقُلْتُ: يَقتلنِي وَأَسْترِيح. قَالَ: فَلَمْ يَصنع شَيْئاً، ثُمَّ أَطلقونِي، وَكَانَ يَسْمَع مَعَهُ ابْنُ البَرْنِيِّ الوَاعِظ، فَقلع الْكرَّاس الَّذِي فِيْهِ ذَلِكَ الشَّيْء، فَأَرْسَلُوا، وَفتشُوا الكِتَاب، فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئاً، فَهَذَا سَبَب خَلاَصه.
وَقَالَ: كَانَ الحَافِظ يَقرَأُ الحَدِيْث بِدِمَشْقَ، وَيَجْتَمِع عَلَيْهِ الْخلق، فَوَقَعَ الْحَسَد، فَشرعُوا عَملُوا لَهُم وَقتاً لقِرَاءة الحَدِيْث، وَجَمَعُوا النَّاس، فَكَانَ هَذَا يَنَام وَهَذَا بِلاَ قَلْب، فَمَا اشتفَوْا، فأمروا الناصح ابن الحنبلي بِأَنْ يَعظ تَحْت النّسر يَوْمَ الجُمُعَةِ وَقت جُلُوْس الحَافِظ. فَأَوّل ذَلِكَ: أَنَّ النَّاصح وَالحَافِظ أَرَادَا أَنْ يَخْتلفَا الوَقْت، فَاتفقَا أَنَّ النَّاصح يَجْلِس بَعْد الصَّلاَة، وَأَنْ يَجْلِس الحَافِظ الْعَصْر، فَدسُّوا إِلَى النَّاصح رَجُلاً نَاقص العَقْل مِنْ بَنِي عَسَاكِر، فَقَالَ لِلنَّاصح فِي المَجْلِسِ مَا مَعْنَاهُ: إِنَّك تَقُوْلُ الْكَذِب عَلَى المِنْبَرِ. فَضُرِبَ، وَهَرَبَ، فَتمت مكيدتهُم، وَمَشَوا إِلَى الوَالِي، وَقَالُوا: هَؤُلاَءِ الحَنَابِلَة قصدهُم الفِتْنَة، وَاعْتِقَادهُم يُخَالِف اعْتِقَادنَا ... ، وَنَحْو هَذَا. ثُمَّ جَمعُوا كبرَاءهُم، وَمضُوا إِلَى القَلْعَة إِلَى الوَالِي، وَقَالُوا: نشتهِي أَنْ تحضر عَبْد الغَنِيِّ، فَانحدر إِلَى المَدِيْنَةِ خَالِي المُوَفَّق، وَأَخِي الشَّمْس البُخَارِيّ، وَجَمَاعَة، وَقَالُوا: نَحْنُ ننَاظرهُم. وَقَالُوا لِلْحَافِظ: لاَ تَجِئْ، فَإِنَّك حدّ، نَحْنُ نَكفِيك. فَاتَّفَقَ أَنَّهُم أَخذُوا الحَافِظ وَحْدَه، وَلَمْ يَدر أَصْحَابنَا، فَنَاظروهُ، وَاحتدّ، وَكَانُوا قَدْ كَتَبُوا شَيْئاً مِنَ الاعْتِقَاد، وَكتبُوا(16/30)
خُطُوطهُم فِيْهِ، وَقَالُوا لَهُ: اكْتُبْ خطّك. فَأَبَى، فَقَالُوا لِلوَالِي: الفُقَهَاء كلّهُم قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ يُخَالِفهُم. وَاسْتَأَذنوهُ فِي رفع مِنْبَره، فَبَعَثَ الأَسرَى، فَرفعُوا مَا فِي جَامِع دِمَشْق مِنْ مِنْبَر وَخزَانَة وَدَرَابزِين، وَقَالُوا: نُرِيْد أَنْ لاَ تَجعل فِي الجَامِع إلَّا صَلاَة الشَّافِعِيَّة. وَكسّرُوا مِنْبَر الحَافِظ، وَمَنَعونَا مِنَ الصَّلاَةِ، فَفَاتتنَا صلاة الظهر. ثُمَّ إِنَّ النَّاصح جمع البَنَويَّة، وَغَيْرهُم، وَقَالُوا: إِنْ لَمْ يخلونَا نُصَلِّي بِاخْتِيَارهِم، صلّينَا بِغَيْرِ اخْتيَارهِم. فَبَلَغَ ذَلِكَ القَاضِي، وَكَانَ صَاحِبَ الفِتْنَة، فَأَذن لَهُم، وَحمَى الحَنَفِيَّة مقصُوْرتهُم بِأَجنَاد، ثُمَّ إِنَّ الحَافِظ ضَاق صَدْره وَمَضَى إِلَى بَعْلَبَكَّ، فَأَقَامَ بِهَا مُدَّة، فَقَالَ لَهُ أَهْلهَا: إِنِ اشْتهيت جِئْنَا مَعَكَ إِلَى دِمَشْقَ نؤذِي مَنْ آذَاكَ، فَقَالَ: لاَ. وَتوجّه إِلَى مِصْرَ، فَبقِي بِنَابُلُسَ مُدَّة يقرأُ الحَدِيْث، وَكُنْتُ أَنَا بِمِصْرَ، فَجَاءَ شَابّ مِنْ دِمَشْقَ بِفَتَاو إِلَى صَاحِب مِصْر الْملك العَزِيْز وَمَعَهُ كتب أَنَّ الحَنَابِلَة يَقُوْلُوْنَ كَذَا وَكَذَا مِمَّا يُشنِّعُوْنَ بِهِ عَلَيْهِم. فَقَالَ -وَكَانَ يَتصيد: إِذَا رَجَعنَا أَخرجنَا مِنْ بلاَدنَا مَنْ يَقُوْلُ بِهَذِهِ المَقَالَة. فَاتَّفَقَ أَنَّهُ عدَا بِهِ الْفرس، فَشب بِهِ، فَسَقَطَ، فَخُسِف صَدْره، كَذَلِكَ حَدَّثَنِي يُوْسُفُ بنُ الطُّفَيْل شَيْخنَا وَهُوَ الَّذِي غسّله، فَأُقيم ابْنه صَبِيّ، فَجَاءَ الأَفْضَل مِنْ صَرْخَدُ، وَأَخَذَ مِصْر، وَعَسْكَر، وَكرّ إِلَى دِمَشْقَ، فَلقِي الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ فِي الطَّرِيْق، فَأَكْرَمَه إِكرَاماً كَثِيْراً، وَنفّذ يُوصي بِهِ بِمِصْرَ، فَتُلُقِّي الحَافِظ بِالإِكرَام، وَأَقَامَ بِهَا يُسْمِع الحَدِيْث بِموَاضِع، وَكَانَ بِهَا كَثِيْر مِنَ المخَالفِيْن، وَحصر الأَفْضَل دِمَشْق حصراً شدِيداً، ثُمَّ رَجَعَ إلى مصر، فسار العَادل عَمُّه خَلفه، فَتملّك مِصْر، وَأَقَامَ، وَكثر المخَالفُوْنَ عَلَى الحَافِظ، فَاسْتُدعِي، وَأَكْرَمَهُ العَادل، ثُمَّ سَافر العَادل إِلَى دِمَشْقَ، وَبَقِيَ الحَافِظ بِمِصْرَ، وَهُم يَنَالُوْنَ مِنْهُ، حَتَّى عزم الْملك الكَامِل عَلَى إِخرَاجه، وَاعْتُقِل فِي دَار أُسْبُوْعاً، فَسَمِعْتُ أَبَا مُوْسَى يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَا وَجَدْت رَاحَة فِي مِصْر مِثْل تِلْكَ اللَّيَالِي. قَالَ: وَكَانَتِ امرَأَة فِي دَار إِلَى جَانب تِلْكَ الدَّار، فَسمِعتهَا تَبْكِي، وَتَقُوْلُ: بِالسِّرِّ الَّذِي أودعته قلب موسى حتى قوي عَلَى حمل كَلاَمك. قَالَ: فَدعوت بِهِ، فَخلصتُ تِلْكَ اللَّيْلَة.
سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الغَنِيِّ، حَدَّثَنِي الشُّجَاع بن أَبِي زكرِي الأَمِيْر، قَالَ: قَالَ لِي الْملك الكَامِل يَوْماً: هاهنا فَقِيْه قَالُوا إِنَّهُ كَافِر. قُلْتُ: لاَ أَعْرفه، قَالَ: بَلَى، هُوَ مُحَدِّث، قُلْتُ: لَعَلَّهُ الحَافِظُ عَبْد الغَنِيِّ؟ قَالَ: هَذَا هُوَ، فَقُلْتُ: أَيُّهَا الْملك، العُلَمَاء أَحَدهُم يَطلب الآخِرَة، وَآخر يَطلب الدُّنْيَا، وَأَنْت هُنَا بَاب الدُّنْيَا، فَهَذَا الرَّجُل جَاءَ إِلَيْك أَو تَشَفَّع يطْلب شَيْئاً؟ قَالَ: لاَ. فَقُلْتُ: وَاللهِ هَؤُلاَءِ يَحسدُوْنَهُ، فَهَلْ فِي هَذِهِ البِلاَد أَرْفَع مِنْكَ؟ قَالَ: لاَ. فَقُلْتُ: هَذَا الرَّجُل أَرْفَع العُلَمَاء كَمَا أَنْتَ أَرْفَع النَّاس، فَقَالَ: جَزَاكَ اللهُ خَيراً كَمَا عَرَّفْتَنِي، ثُمَّ بعثَتُ رقعَة إِلَيْهِ أُوصيه بِهِ، فَطَلبنِي فَجِئْت، وَإِذَا عِنْدَهُ شَيْخ الشُّيُوْخِ ابْن حَمُّوَيْه، وعز(16/31)
الدِّيْنِ الزّنجَارِيّ، فَقَالَ لِي السُّلْطَان: نَحْنُ فِي أَمر الحَافِظ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْملك، القَوْم يَحسدُوْنَهُ، وَهَذَا الشَّيْخ بَيْنَنَا -يَعْنِي: شَيْخ الشُّيُوْخِ- وَحلفته هَلْ سَمِعْتَ مِنَ الحَافِظ كَلاَماً يُخْرِج عَنِ الإِسْلاَم؟ فَقَالَ: لاَ وَاللهِ، وَمَا سَمِعْتُ عَنْهُ إلَّا كُلَّ جَمِيْلٍ، وَمَا رَأَيْتهُ. وَتَكلّم ابْن الزّنجَارِيّ فَمدح الحَافِظ كَثِيْراً وَتَلاَمِذته، وَقَالَ: أَنَا أَعْرفهُم، مَا رَأَيْتُ مِثْلهُم، فَقُلْتُ: وَأَنَا أَقُوْل شَيْئاً آخر: لاَ يَصل إِلَيْهِ مكروهٌ حَتَّى يُقْتَل مِنَ الأَكرَاد ثَلاَثَة آلاَف، قَالَ: فَقَالَ: لاَ يُؤذَى الحَافِظ، فَقُلْتُ: اكْتُبْ خطّك بِذَلِكَ، فكتب.
وَسَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابنَا يَقُوْلُ: إِنَّ الحَافِظ أُمِر أَنْ يَكتبَ اعْتِقَادَه، فَكَتَبَ: أَقُوْل كَذَا؛ لِقَوْل الله كَذَا، وَأَقُوْل كَذَا؛ لِقَوْل الله كَذَا ولِقَوْل النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَذَا، حَتَّى فَرغ مِنَ المَسَائِل الَّتِي يُخَالِفُوْنَ فِيْهَا، فَلَمَّا رَآهَا الكَامِل قَالَ: أَيش أَقُوْل فِي هَذَا يَقُوْلُ بقول الله وَقول رَسُوْله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! ?
قُلْتُ: وَذَكَرَ أَبُو المُظَفَّرِ الوَاعِظ فِي "مِرَآة الزَّمَانِ"، قَالَ: كَانَ الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ يَقرَأُ الحَدِيْث بَعْد الجُمُعَة، قَالَ: فَاجْتَمَعَ القَاضِي مُحْيِي الدِّيْنِ، وَالخَطِيْب ضِيَاء الدِّيْنِ، وَجَمَاعَة، فَصعدُوا إِلَى القَلْعَة، وَقَالُوا لوَالِيهَا: هَذَا قَدْ أَضلّ النَّاس، وَيَقُوْلُ بالتّشبيه، فَعقدُوا لَهُ مَجْلِساً، فَنَاظرهُم، فَأَخذُوا عَلَيْهِ موَاضِع مِنْهَا: قَوْلُهُ: لاَ أُنزهه تَنزِيهاً يَنفِي حَقِيْقَة النُّزَول، وَمِنْهَا: كَانَ اللهُ وَلاَ مَكَان، وَلَيْسَ هُوَ اليَوْم عَلَى مَا كَانَ، وَمِنْهَا: مَسْأَلَة الْحَرْف وَالصّوت، فَقَالُوا: إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى مَا كَانَ فَقَدْ أَثْبَت لَهُ المَكَان، وَإِذَا لَمْ تنَزهه عَنْ حقِيْقَة النُّزَول فَقَدْ جوزت عَلَيْهِ الانتقَالَ، وَأَمَّا الْحَرْف وَالصّوت فَلَمْ يَصحَّ عَنْ إِمَامك، وَإِنَّمَا قَالَ إِنَّهُ كَلاَم اللهِ، يَعْنِي غَيْر مَخْلُوْق، وَارتفعت الأَصوَات، فَقَالَ وَالِي القَلْعَة الصَّارم برغش: كُلّ هَؤُلاَءِ عَلَى ضلاَلَة وَأَنْت عَلَى الحَقِّ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَمر بِكسّر مِنْبَره.
قَالَ: وَخَرَجَ الحَافِظ إِلَى بَعْلَبَكَّ، ثُمَّ سَافر إِلَى مِصْرَ إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَفتَى فُقَهَاء مِصْر بِإِباحَة دَمه، وَقَالُوا: يُفسد عقَائِد النَّاس، وَيذَكَرَ التّجسيم، فَكَتَبَ الوَزِيْر بنفِيه إِلَى المَغْرِب، فَمَاتَ الحافظ قبل وصول الكتاب.
قَالَ: وَكَانَ يُصَلِّي كُلّ يَوْم وَليلَة ثَلاَث مائَة رَكْعَة، وَيَقوم اللَّيْل، وَيَحْمِل مَا أَمكنه إِلَى بيُوت الأَرَامل وَاليتَامَى سرّاً، وَضَعف بَصَره مِنْ كَثْرَة البُكَاء وَالمُطَالَعَة، وَكَانَ أَوحد زَمَانه فِي علم الحَدِيْث.
وَقَالَ أَيْضاً: وَفِي ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ كَانَ مَا اشْتُهِرَ مِنْ أَمر الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ وَإِصرَاره عَلَى مَا ظهر مِنِ اعْتِقَاده وَإِجمَاع الفُقَهَاء عَلَى الفُتْيَا بتكفِيره،(16/32)
وَأَنَّهُ مُبْتَدِع لاَ يَجُوْزُ أَنْ يُترك بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ، فَسَأَلَ أَنْ يُمهل ثَلاَثَة أَيَّام لِيَنْفَصِل عَنِ البَلَد فَأُجيب.
قُلْتُ: قَدْ بلوتُ عَلَى أَبِي المُظَفَّرِ المجَازفَة وَقِلَّة الوَرَع فِيمَا يُؤرّخه -وَاللهُ الموعدُ- وَكَانَ يَترفّض، رَأَيْت لَهُ مُصَنّفاً فِي ذَلِكَ فِيْهِ دَوَاهٍ، وَلَوْ أَجْمَعت الفُقَهَاء عَلَى تَكفِيره -كَمَا زَعَم- لَمَا وَسعهُم إِبقَاؤُه حيّاً، فَقَدْ كَانَ عَلَى مقَالَته بِدِمَشْقَ أَخُوْهُ الشَّيْخ العِمَاد وَالشَّيْخ مُوَفَّق الدِّيْنِ، وَأَخُوْهُ القُدْوَةُ الشَّيْخ أَبُو عُمَرَ، وَالعَلاَّمَة شَمْس الدِّيْنِ البُخَارِيّ، وَسَائِر الحَنَابِلَة، وَعِدَّة مِنْ أَهْلِ الأَثر، وَكَانَ بِالبَلَدِ أَيْضاً خلق مِنَ العُلَمَاءِ لاَ يُكفّرُوْنَهُ، نَعم، وَلاَ يُصرّحُوْنَ بِمَا أَطْلَقَهُ مِنَ العبَارَة لَمَّا ضَايقوهُ، وَلَوْ كَفّ عَنْ تِلْكَ العبَارَات، وَقَالَ بِمَا وَردت بِهِ النّصوص لأَجَاد وَلسلم، فَهُوَ الأَوْلَى، فَمَا فِي تَوسيع العبَارَات المُوهِمَة خَيْر، وَأَسوَأ شَيْء قَالَهُ أَنَّهُ ضللَ العُلَمَاء الحَاضِرِيْنَ، وَأَنَّهُ عَلَى الحَقِّ، فَقَالَ كلمَة فِيْهَا شَرّ وَفسَاد وَإِثَارَة لِلبلاَء، رَحِمَ اللهُ الجَمِيْع وَغفر لَهُم، فَمَا قصدهُم إلَّا تَعَظِيْم البَارِي -عَزَّ وَجَلَّ- مِنَ الطّرفِيْن، وَلَكِنَّ الأَكمل فِي التعَظِيْم وَالتنزِيه الوُقُوْف مَعَ أَلْفَاظ الكِتَاب وَالسّنَّة، وَهَذَا هُوَ مَذْهَب السَّلَف -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.
وَبِكُلِّ حَال فَالحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ مِنْ أَهْلِ الدِّيْنِ وَالعِلْم وَالتَأَلّه وَالصّدع بِالْحَقِّ، وَمَحَاسِنه كَثِيْرَة، فَنَعُوذ بِاللهِ مِنَ الهَوَى وَالمِرَاء وَالعصبيَّة وَالافترَاء، وَنبرَأُ مِنْ كُلِّ مُجَسِّم وَمُعطِّل.
مِنْ فِرَاسَةِ الحَافِظِ وَكَرَامَاتِهِ:
قَالَ الحَافِظُ الضِّيَاء: سَمِعْتُ الحَافِظَ أَبَا مُوْسَى بن عَبْدِ الغَنِيِّ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ وَالِدِي بِمِصْرَ، وَهُوَ يذكر فَضَائِل سُفْيَان الثَّوْرِيّ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: إِن وَالِدِي مِثْله، فَالْتَفَت إِلَيَّ، وَقَالَ: أَيْنَ نَحْنُ مِنْ أَولئك؟
سَمِعْتُ نَصْر بن رِضْوَان المُقْرِئ يَقُوْلُ: كَانَ مِنْبَر الحَافِظ فِيْهِ قِصَر، وَكَانَ النَّاسُ يُشرفُوْنَ إِلَيْهِ، فَخطر لِي لَوْ كَانَ يُعَلَّى قَلِيْلاً، فَترك الحَافِظ القِرَاءة مِنَ الجُزْء، وَقَالَ: بَعْضُ الإِخْوَان يَشتهِي أَنْ يُعَلَّى هَذَا المِنْبَر قَلِيْلاً، فزادوا في رجليه.
سَمِعْتُ أَبَا مُوْسَى ابْنَ الحَافِظِ، حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَخُو اليَاسَمِيْنِيّ، قَالَ: كُنْتُ يَوْماً عِنْد وَالِدك، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: أَشتهِي لَوْ أَنَّ الحَافِظ يُعْطِينِي ثَوْبه حَتَّى أُكفَّن فِيْهِ. فَلَمَّا أَردت القِيَام خلع ثَوْبه الَّذِي يَلِي جَسَده وَأَعْطَانِيه، وَبَقِيَ الثَّوْب عِنْدنَا كُلُّ مَنْ مَرِضَ تركوه عليه فيعافى.(16/33)
سمعت الرضي عبد الرحمن المَقْدِسِيّ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ الحَافِظ بِالقَاهِرَةِ، فَدَخَلَ رَجُل، فَسَلَّمَ، وَدفعَ إِلَى الحَافِظ دِيْنَارَيْنِ، فَدَفَعهُمَا الحَافِظ إِلَيَّ، وَقَالَ: مَا كَأَنَّ قَلْبِي يَطيب بِهِمَا، فَسَأَلت الرَّجُل: أَيش شغلك؟ قَالَ: كَاتِب عَلَى النّطرُوْنَ، يَعْنِي وَعَلَيْهِ ضمَان.
حَدَّثَنِي فَضَائِل بن مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ سُرُوْر بِجَمَّاعِيْل، حَدَّثَنِي ابْنُ عَمِّي بَدْرَان بن أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ الحَافِظ -يَعْنِي: فِي الدَّار الَّتِي وَقفهَا عَلَيْهِ يُوْسُف المسجّف- وَكَانَ المَاء مَقْطُوْعاً، فَقَامَ فِي اللَّيْلِ، وَقَالَ: امْلأْ لِي الإِبرِيق، فَقضَى الحَاجَة، وَجَاءَ فَوَقَفَ، وَقَالَ: مَا كُنْت أَشتهِي الوُضُوْء إلَّا مِنَ البركَةِ، ثُمَّ صَبَر قَلِيْلاً فَإِذَا المَاء قَدْ جرَى، فَانْتظر حَتَّى فَاضت البركَة، ثُمَّ انْقَطَع المَاء، فَتَوَضَّأَ، فَقُلْتُ: هَذِهِ كرَامَة لَكَ، فَقَالَ لِي: قل أَسْتَغْفِرُ اللهَ، لَعَلَّ المَاء كَانَ محتبساً، لاَ تقل هذا!
وسمعت الرضي عبد الرحمن يَقُوْلُ: كَانَ رَجُل قَدْ أَعْطَى الحَافِظ جَامُوْساً في البحرة فقال لي: جئ به وَبِعْهُ، فَمضيت فَأَخَذتهُ فَنفر كَثِيْراً وَبَقِيَ جَمَاعَة يَضحكُوْن مِنْهُ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ بِبركَة الحَافِظ سهّل أَمره فَسُقته مَعَ جَامُوْسَيْنِ، فَسهُل أَمره، وَمَشَى فَبعته بقَرْيَة.
وَفَاتُهُ:
سَمِعْتُ أَبَا مُوْسَى يَقُوْلُ: مَرِضَ أَبِي فِي رَبِيْع الأَوَّلِ مرضاً شدِيداً مَنعه مِنَ الكَلاَم وَالقِيَام، وَاشتدَّ سِتَّةَ عشرَ يَوْماً، وَكُنْت أَسْأَلُهُ كَثِيْراً: مَا يَشتهِي؟ فَيَقُوْلُ: أَشتهِي الجَنَّة، أَشتهِي رَحْمَة الله، لاَ يَزِيْد عَلَى ذَلِكَ، فَجِئْته بِمَاء حَارّ فَمدَّ يَده فَوضأته وَقت الفَجْر، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ قُمْ صلّ بِنَا وَخفّف، فَصَلَّيْت بِالجَمَاعَة، وَصَلَّى جَالِساً، ثُمَّ جلَسْت عِنْد رَأْسه، فَقَالَ: اقْرَأْ يس، فقرأتها، وجعل يدعو وَأَنَا أُؤمّن، فَقُلْتُ: هُنَا دَوَاء تَشْرَبُهُ، قَالَ: يَا بُنَيَّ! مَا بَقِيَ إلَّا المَوْت. فَقُلْتُ: مَا تَشتهِي شَيْئاً؟ قَالَ: أَشتهِي النَّظَر إِلَى وَجه الله -سُبْحَانه. فَقُلْتُ: مَا أَنْتَ عَنِّي رَاض؟ قَالَ: بَلَى وَاللهِ، فَقُلْتُ: مَا تُوصي بِشَيْءٍ؟ قَالَ: مَا لِي عَلَى أَحَد شَيْء، وَلاَ لأَحدٍ عَلَيَّ شَيْء، قُلْتُ: تُوصينِي؟ قَالَ: أُوصيك بتَقْوَى الله وَالمحَافِظَة عَلَى طَاعته، فَجَاءَ جَمَاعَة يَعُوْدُوْنَهُ، فَسلّمُوا، فَردّ عَلَيْهِم، وَجَعَلُوا يَتحدثُونَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ اذكرُوا الله، قَوْلُوا لاَ إِلَهَ إلَّا الله، فَلَمَّا قَامُوا جَعَلَ يذَكَرَ الله بِشفتيه، وَيُشِيْر بِعَيْنَيْهِ، فَقُمْت لأنَاول رَجُلاً كِتَاباً مِنْ جَانب المَسْجَد فَرَجَعت وَقَدْ خَرَجت روحه، -رَحِمَهُ الله، وَذَلِكَ يَوْم الاثْنَيْنِ الثَّالِث والعشرين من ربيع الأول، سنة ست مائَةٍ، وَبَقِيَ لَيْلَة الثُّلاَثَاء فِي المَسْجَدِ وَاجْتَمَعَ الْخلق مِنَ الغَدِ، فَدَفَنَّاهُ بِالقرَافَة.(16/34)
قَالَ الضِّيَاء: تَزَوَّجَ الحَافِظ بِخَالتِي رَابِعَة ابْنَة خَاله الشَّيْخ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ قُدَامَة، فَهِيَ أُمّ أَوْلاَده مُحَمَّد وَعَبْد اللهِ وَعَبْد الرحمن وَفَاطِمَة، ثُمَّ تسرَّى بِمِصْرَ.
قُلْتُ: أَوْلاَده عُلَمَاء: فَمُحَمَّدٌ هُوَ المُحَدِّثُ الحَافِظُ الإِمَام الرَّحَّال عِزّ الدِّيْنِ أَبُو الفَتْحِ، مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ كَهْلاً، وَكَانَ كَبِيْرَ القَدْرِ.
وَعَبْد اللهِ هُوَ المُحَدِّثُ الحَافِظُ المُصَنِّف جَمَال الدِّيْنِ أَبُو مُوْسَى، رَحل وَسَمِعَ مِنِ ابْنِ كُلَيْبٍ وَخَلِيْلٍ الرَّارَانِيِّ، مَاتَ كَهْلاً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سنة تسع وعشرين.
وعبد الرحمن هُوَ المُفْتِي أَبُو سُلَيْمَانَ ابْنُ الحَافِظِ، سَمِعَ مِنَ البُوْصِيْرِيّ وَابْن الجَوْزِيِّ، عَاشَ بِضْعاً وَخَمْسِيْنَ سنة، تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
مِن المَنَامَاتِ:
أَوْرَد لَهُ الشَّيْخ الضِّيَاء عِدَّة مَنَامَات، مِنْهَا: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ يُوْنُسَ المَقْدِسِيّ الأَمِيْن يَقُوْلُ: رَأَيْتُ كَأَنِّيْ بِمسجد الدَّيْرِ وَفِيْهِ رِجَال عَلَيْهِم ثِيَابٌ بِيْضٌ، وَقَعَ فِي نفسي أنهم ملائكة، فدخل الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ، فَقَالُوا بِأَجْمَعهِم: نشْهد بِاللهِ إِنَّك مِنْ أَهْلِ اليَمِين مرَّتين أَوْ ثَلاَثاً.
سَمِعْتُ الحَافِظَ عَبْد الغَنِيِّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ وَأَنَا أَمْشِي خَلفه إلَّا أَنّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ رَجُلاً.
سَمِعْتُ الرَّضِيَّ عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّد يَقُوْلُ: رَأَيْتُ كَأَنَّ قَائِلاً يَقُوْلُ: جَاءَ الحَافِظ مِنْ مِصْرَ، فَمضيتُ أَنَا وَالشَّيْخ أَبُو عَمْرٍو العِزّ ابْن الحَافِظِ إِلَيْهِ، فَجِئْنَا إِلَى دَار فَفُتِحَ الباب، فإذا الحافظ وعلى وَجهه عَمُود مِنْ نور إِلَى السَّمَاءِ، وَإِذَا وَالِدته فِي تِلْكَ الدَّار.
سَمِعْتُ الشَّيْخ الصَّالِح غشيم بن نَاصِر المِصْرِيّ قَالَ: لَمَّا مَاتَ الحَافِظ كُنْت بِمَكَّةَ، فَلَمَّا قَدمتُ، قُلْتُ: أَيْنَ دُفِنَ؟ قِيْلَ: شرقِي قَبْر الشَّافِعِيّ، فَخَرَجت، فَلقيت رَجُلاً، فَقُلْتُ: أَيْنَ قَبْر عَبْد الغَنِيِّ؟ قَالَ: لاَ تسَأَلنِي عَنْهُ، مَا أَنَا عَلَى مَذْهَبه وَلاَ أُحبّه، فَتركته، وَمشيت، وَأَتيت قَبْر الحَافِظ، وَترددت إِلَيْهِ، فَأَنَا بَعْضُ الأَيَّام فِي الطَّرِيْق فَإِذَا الرَّجُل فَسَلَّمَ عليّ وَقَالَ: أَمَا تَعرفنِي؟ أَنَا الَّذِي لَقِيتك مِنْ مُدَّة وَقُلْتُ لَكَ كَذَا وَكَذَا، مَضَيْت تِلْكَ اللَّيْلَة فَرَأَيْت قَائِلاً يَقُوْلُ لِي: يَقُوْلُ لَكَ فُلاَن وَسَمَّانِي: أَيْنَ قَبْر عَبْد الغَنِيِّ؟ فَتَقُوْلُ: مَا قُلْت؟! وَكرّر القَوْل عَلَيَّ، وَقَالَ: إِنْ أَرَادَ الله بِك خَيراً فَأَنْت تَكُوْن عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: فَلَو كُنْت أَعْرف مَنْزِلك لأَتيتك.(16/35)
سَمِعْتُ أَبَا مُوْسَى ابْنَ الحَافِظِ، حَدَّثَنِي صنِيعَة الْملك هِبَة اللهِ بن حَيْدَرَةَ قَالَ: لَمَّا خَرَجت لِلصَّلاَة عَلَى الحَافِظ لَقِيَنِي هَذَا المَغْرِبِيُّ فَقَالَ: أَنَا غَرِيْب، رَأَيْت البَارِحَة كَأَنِّيْ فِي أَرْض بِهَا قَوْم عَلَيْهِم ثِيَاب بيض، فَقُلْتُ ما هَؤُلاَءِ؟ قِيْلَ: مَلاَئِكَة السَّمَاء نَزلُوا لِمَوتِ الحَافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ، فَقُلْتُ: وَأَيْنَ هُوَ؟ فَقِيْلَ لِي: اقعدْ عِنْد الجَامِع حَتَّى يَخْرُج صنِيعَة الْملك فَامض مَعَهُ، قَالَ: فَلقيته وَاقفاً عِنْد الجَامِع.
سَمِعْتُ الفَقِيْه أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الغني سنة اثنتي عشرة يقول: رأيت البارحة أَخَاك الكَمَال عَبْد الرَّحِيْمِ -وَكَانَ تُوُفِّيَ تِلْكَ السّنَة- فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: يَا فُلاَنُ أَيْنَ أَنْتَ؟ قَالَ: فِي جَنَّة عدن، فَقُلْتُ: أَيُّمَا أَفْضَلُ الحَافِظُ أَوِ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ؟ فَقَالَ: مَا أَدْرِي، وَأَمَّا الحَافِظ فُكُلُّ لَيْلَة جُمُعَة يُنْصب لَهُ كُرْسِيّ تَحْت الْعَرْش، وَيُقْرَأُ عَلَيْهِ الحَدِيْث، وَيُنْثَرُ عَلَيْهِ الدُّرُّ وَالجَوْهَر، وَهَذَا نَصِيْبِي مِنْهُ، وَكَانَ فِي كُمِّه شَيْء.
سَمِعْتُ الشَّيْخ عَبْد اللهِ بن حَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الكُرْدِيّ بِحَرَّانَ يَقُوْلُ: قَرَأْت فِي رَمَضَانَ ثَلاَثِيْنَ ختمَة، وَجَعَلت ثوَاب عشر مِنْهَا لِلْحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: ترَى يَصل هَذَا إِلَيْهِ؟ فَرَأَيْت فِي النَّوْمِ كَأَنَّ عِنْدِي ثَلاَثَة أَطباق رطب، فَجَاءَ الحَافِظ وَأَخَذَ وَاحِداً مِنْهَا. وَرَأَيْتهُ مرَّة فَقُلْتُ: أَلَيْسَ قَدْ مُتَّ؟ قَالَ: إِنَّ اللهَ بقَى عَلَيَّ وِرْدِي مِنَ الصَّلاَةِ، أَوْ نَحْو هَذَا.
سَمِعْتُ القَاضِي الإِمَام عُمَر بن عَلِيٍّ الهَكَّارِيّ بِنَابُلُسَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ الحَافِظَ كَأَنَّهُ قَدْ جَاءَ إِلَى بَيْت المَقْدِسِ، فَقُلْتُ: جِئْتَ غَيْرَ رَاكِبٍ، فَعل اللهُ بِمَنْ جِئْتِ مِنْ عِنْدِهِم! قَالَ: أَنَا حَمَلَنِي النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَخْبَرَنَا الإِمَامُ عَبْد الحَافِظِ بن بَدْرَانَ بِنَابُلُسَ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الفَقِيْهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا الحَافِظُ عَبْد الغَنِيِّ بن عَبْدِ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَسْعُوْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ السُّوْذَرْجَانِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَمْدَانَ الحبَّال، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الفَابَجَانِيّ، حَدَّثَنَا جَدِّي عِيْسَى بن إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا آدَم بن أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ حَيَّان، عَنِ الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السُّجُوْدَ، فَسَجَدَ، اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي، وَيَقُوْلُ: يَا وَيْلَهُ! أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُوْدِ، فَسَجَدَ، فَلَهُ الجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُوْدِ، فَعَصَيْتُ، فلي النار".(16/36)
ابن الساعاتي، عبد المجيب:
5412- ابن الساعاتي 1:
عَيْنُ الشُّعَرَاءِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ رُسْتُمٍ، بَهَاءُ الدِّيْنِ الخُرَاسَانِيُّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، ابْنُ السَّاعَاتِيِّ.
كَانَ أَبُوْهُ يَعملُ السَّاعَاتِ، فَتَجنَّدَ بَهَاءُ الدِّيْنِ وَمدحَ المُلُوْكَ وَسَكَنَ مِصْرَ، وَقَالَ النَّظْمَ الفَائِقَ، وَهُوَ أَخُو الطَّبِيْبِ الأَوحدِ فَخْرُ الدِّيْنِ رَضْوَانُ ابْنُ السَّاعَاتِيِّ. بلغَ "دِيْوَانُ البَهَاءِ" مجلدتين، وانتخب منه ديوانًا صغيرًا. وَهُوَ القَائِلُ:
وَالطَّلُّ فِي سِلْكِ الغُصُوْنِ كلؤلؤٍ ... رطبٍ يُصَافِحُهُ النَّسِيْمُ فَيَسْقُطُ
وَالطَّيْرُ تقرأُ وَالغَدِيْرُ صحيفةٌ ... وَالرِّيْحُ تَكْتُبُ وَالغَمَامُ يُنَقِّطُ
تُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ نَيِّفٌ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً.
وَأَمَّا أَخُوْهُ فَتَقَدَّمَ بِالطِّبِّ إِلَى أَنْ وَزَرَ لِلملكِ المُعْظَّمِ، وَكَانَ يُنَادِمُهُ بِلَعِبِ العود.
5413- عبد المجيب 2:
ابن أَبِي القَاسِمِ عَبْدِ اللهِ بنِ زُهَيْرِ بنِ زُهَيْرٍ، المَوْلَى الكَبِيْرُ، الصَّالِحُ، أَبُو مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ.
سَمَّعَهُ عَمُّهُ عَبْدُ المُغِيْثِ مِنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ اليُوْسُفِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَعَبْدِ الصَّبُوْرِ الهَرَوِيِّ، وَقَدِمَ رَسُوْلاً عَلَى العَادلِ سَنَةَ سِتِّ مائَةٍ، وَزَارَ البَيْتَ المُقَدَّسِ، وَكَانَ كثير التلاوة، يتلو في اليوم ختمة.
رَوَى عَنْهُ: الضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَالدُّبَيْثِيُّ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَالنَّجِيْبُ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَغَيْرُهُم.
تُوُفِّيَ بحَمَاةَ، فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ سبع وسبعون سنة.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 478"، وشذرات الذهب "5/ 13، 14".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 195"، وشذرات الذهب "5/ 12، 13".(16/37)
أبو الجود، ابن درباس:
5414- أبو الجود 1:
الإِمَامُ المُحَقِّقُ شَيْخُ المُقْرِئِينَ أَبُو الجُودِ غِيَاثُ بنُ فَارِسِ بنِ مَكِّيٍّ اللَّخْمِيُّ، المُنْذِرِيُّ، المِصْرِيُّ، الفَرَضِيُّ، النَّحْوِيُّ، العَرُوضِيُّ، الضَّرِيرُ.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَتَلاَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى: الشَّرِيْفِ الخَطِيْبِ أَبِي الفُتُوْحِ الزَّيْدِيِّ، وَسَمِعَ مِنْهُ وَمِنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ رِفَاعَةَ. وَتَلاَ أَيْضاً عَلَى: اليَسَعِ بنِ حَزْمٍ الغَافِقِيِّ بِمَا فِي "التَّيْسِيْرِ"، عَنْ أَبِيْهِ وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ بنِ نَجَاحٍ. وَتَصَدَّرَ لِلإِقْرَاءِ دَهْراً، وَانتشرَ أَصْحَابُهُ، مِنْهُم: الشَّيْخُ عَلَمُ الدِّيْنِ السَّخَاوِيُّ، وَعَبْدُ الظَّاهِرِ بنُ نشوَانَ، وَالفَقِيْهُ زِيَادَةُ، وَأَبُو عَمْرٍو بنُ الحاجب، والمنتجب الهمذاني، وَعَلَمُ الدِّيْنِ القَاسِمُ بنُ أَحْمَدَ اللُّورَقِيُّ، وَالكَمَالُ العَبَّاسِيُّ الضَّرِيرُ، وَأَبُو عَلِيٍّ مَنْصُوْرُ بنُ عَبْدِ الله الضرير، والتقي عبد الرحمن بن مرهف الناشري، وأبو الفتح عبد الرحمن بنُ مرهفٍ النَّاشرِيُّ، وَأَبُو الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ هِبَةِ اللهِ المِلَنْجِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
ذَكَرَهُ الحَافِظُ عَبْدُ العَظِيْمِ فِي "الوفَياتِ" فَقَالَ: أَقرَأَ النَّاسَ دَهْراً، وَرُحِلَ إِلَيْهِ، وَأَكْثَرُ المتصدِّرِيْنَ لِلإِقْرَاءِ بِمِصْرَ أَصْحَابُهُ، وَأَصْحَابُ أَصْحَابِهِ، سَمِعْتُ مِنْهُ، وَقَرَأْتُ القِرَاءاتِ فِي حيَاتِهِ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَلَمْ يَتيسَّرْ لِي القِرَاءةُ عَلَيْهِ، وَكَانَ دَيِّناً، فَاضِلاً، بارعاً فِي الأَدبِ، حَسَنَ الأَدَاءِ، لَفَّاظاً، مُتَوَاضِعاً، كَثِيْرَ المُروءةِ، لاَ يُطْلَبُ مِنْهُ قَصْدُ أَحَدٍ فِي حَاجَةٍ إلَّا يُجِيبُ، وَرُبَّمَا اعتذرَ إِلَيْهِ المشفوعُ إِلَيْهِ وَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ يُطْلَبُ مِنْهُ العَوْدُ إِلَيْهِ فَيَعُوْدُ إِلَيْهِ، تَصَدَّرَ بِالجَامِعِ العَتِيْقِ بِمِصْرَ، وَبمسجدِ الأَمِيْرِ مُوسك وَبِالفَاضِليَّةِ، إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ فِي تَاسعِ رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ، رَحِمَهُ الله.
5415- ابن درباس 2:
قَاضِي الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ الإِمَامُ الأَوْحَدُ صَدْرُ الدِّيْنِ أبو القاسم عبد الملك ابن عِيْسَى بنِ دِرباسِ بنِ فِيْرِ بنِ جَهْمِ بنِ عَبْدُوْسٍ المَارَانِيُّ الكُرْدِيُّ الشَّافِعِيُّ.
مَوْلِدُهُ بِأَعْمَالِ المَوْصِلِ، فِي حُدُوْدِ سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ تَقَرِيْباً.
وَبَنُو مَارَانَ إِقَامتُهُم بِالمرُوجِ، تَحْت الموصل.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 196"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 17".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 196".(16/38)
رَحَلَ فِي طَلَبِ الفِقْهِ، وَاشْتَغَلَ بِحَلَبَ عَلَى أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ سُلَيْمَانَ المُرَادِيِّ، وَسَمِعَ مِنْهُ. وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنْ: أَبِي الحُسَيْنِ بنِ البُنِّ الأَسَدِيِّ، وَالحَافِظِ ابْنِ عَسَاكِرَ، وَبِمِصْرَ مِنْ: عَلِيٍّ ابْنِ بِنْتِ أَبِي سَعْدٍ، وَخَرَّجَ لَهُ الحَافِظُ أَبُو الحَسَنِ بنُ المُفَضَّلِ أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً.
رَوَى عَنْهُ الحَافِظُ زَكِيُّ الدِّيْنِ المُنْذِرِيُّ، وَقَالَ: كَانَ مَشْهُوْراً بِالصَّلاَحِ وَالغَزْوِ، وَطَلَب العِلْمَ، يُتَبَرَّكُ بآثَارِهِ لِلمَرْضَى.
قُلْتُ: كَانَ مِنْ جِلَّةِ العُلَمَاءِ وَفضلاَئِهِم، وَفِي أَقَارِبِهِ وَذُرِّيَّتِهِ جَمَاعَةٌ فَضلاَءُ، وَروَاةٌ.
تُوُفِّيَ إِلَى رَحْمَةِ اللهِ فِي خَامِسِ شَهْرِ رَجَبٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكَانَ مِنْ أبناء التسعين.
وَأَخُوْهُ: القَاضِي ضِيَاءُ الدِّيْنِ عُثْمَانُ بنُ عِيْسَى، مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ، نَابَ فِي الحُكْمِ بِالقَاهِرَةِ، وَتَفَقَّهَ بِإِرْبِلَ عَلَى: الخَضِرِ بنِ عَقِيْلٍ، وَبِدِمَشْقَ عَلَى ابْنِ أَبِي عَصْرُوْنَ، وَبَرَعَ فِي الأُصُوْلِ وَالفُرُوْعِ، وَشرحَ "المُهَذَّبَ" شَرْحاً شَافِياً فِي عِشْرِيْنَ مُجَلَّداً، لَكِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَات إِلَى آخرِهِ، وَشَرَحَ كِتَابَ "اللُّمَعِ"، وَأَفتَى، وَدرَّسَ. تُوُفِّيَ فِي: ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّ مائَةٍ، وَهُوَ وَالِدُ المُحَدِّثِ الرَّحَّالِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عثمان بن درباس.(16/39)
الجلياني، ابن أبي ركب:
5416- الجلياني:
العَلاَّمَةُ الطَّبِيْبُ الزَّاهِدُ المتَصَوُّفُ الأَدِيْبُ أَبُو الفَضْلِ عَبْدِ المُنْعِمِ [بنِ] عُمَرَ بنِ عَبْدِ اللهِ الغَسَّانِيُّ، المَغْرِبِيُّ.
وَجِلْيَانة: مِنْ قُرَى غَرْنَاطَةَ.
سَكَنَ دِمَشْقَ، وَنَزَلَ بِنظَامِيَّةِ بَغْدَادَ، وَدَخَلَ فِي علُوْمِ البَاطِنِ، وَلَهُ شِعْرٌ رَائِقٌ، وَاللهُ أَعْلَمُ بسِرِّهِ.
مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقَدْ نَيَّفَ عَلَى السَّبْعِيْنَ.
5417- ابْنُ أَبِي ركب 1:
العَلاَّمَةُ اللُّغَوِيُّ إِمَامُ النَّحْوِ أَبُو ذَرٍّ مُصْعَبُ بنُ مُحَمَّدُ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الخُشَنِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، الجَيَّانِيُّ، النَّحْوِيُّ، المَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي رُكَبٍ.
أَخَذَ عَنْ وَالِدِهِ الأُسْتَاذ أَبِي بَكْرٍ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ طَاهِرٍ الخِدَبّ، وَسَمِعَ مِنْهُمَا، وَمِنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ حُنَيْنٍ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ النُّمَيْرِيِّ، وَجَمَاعَةٍ، وَأَجَازَ لَهُ أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ.
أَقرَأَ العَرَبِيَّةَ دَهْراً، وَلَهُ مصَنَّفٌ فِي شَرْحِ غَرِيْبِ "السِّيْرَةِ"، وَمصَنَّفٌ كَبِيْرٌ فِي شرحِ "سِيْبَوَيْه"، وَكِتَابُ "شرحِ الإِيضَاحِ"، وَ"شَرْح الجُمَلِ"، وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَكَانَ مُحْتَشِماً، مَهِيْباً، وَقُوْراً، مليح الشكل، كان الوُزَرَاءُ وَالأَعيَانُ يَمشُوْنَ إِلَى مَجْلِسِهِ، وَإِذَا رَكِبَ مَشَوا مَعَهُ، يُقرِئُ النَّهَارَ كُلَّهُ، وَبَعْضَ اللَّيْلِ.
قَالَ الأَبَّارُ: أَخَذَ عَنْهُ جِلَّةٌ، وَكَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ القُرْطُبِيُّ يُنْكِرُ سَمَاعَهُ مِنَ النُّمَيْرِيِّ، وَلِيَ خطَابَةَ إِشْبِيْلِيَةَ، ثُمَّ قَضَاءَ جَيَّانَ، ثُمَّ سَكَنَ فَاسَ مُدَّةً، وَبَعُدَ صِيْتُهُ.
وَقِيْلَ: عُزِلَ مِنْ قَضَاءِ جَيَّانَ، وَأُهِيْنَ لِتِيهِهِ، وَيُقَالُ: ارْتشَى.
مَاتَ بفَاس، فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، عن سبعين سنة، وله نظم جيد.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 14".(16/40)
الميرتلي، ابن الشيخ:
5418- الميرتلي:
الإِمَامُ العَارِفُ زَاهِدُ الأَنْدَلُسِ أَبُو عِمْرَانَ مُوْسَى بنُ حُسَيْنِ بنِ مُوْسَى بنِ عِمْرَانَ القَيْسِيُّ، المِيْرتُليُّ، صَاحِبُ الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ المُجَاهِدِ.
قَالَ الأَبَّارُ: كَانَ مُنْقَطِعَ القَرِيْن فِي الزُّهْدِ وَالعِبَادَةِ وَالوَرَعِ وَالعُزْلَةِ، مشَاراً إِلَيْهِ بِإِجَابَةِ الدَّعوَةِ، لاَ يُعدَلُ بِهِ أَحَدٌ، وَلَهُ فِي ذَلِكَ آثَارٌ مَعْرُوْفَةٌ، مَعَ الحظِّ الوَافرِ مِنَ الأَدبِ وَالنَّظمِ فِي الزُّهْدِ وَالتَّخويفِ، وَكَانَ مُلاَزِماً لمسجدِهِ بِإِشْبِيْلِيَةَ، يُقرِئُ وَيُعَلِّمُ وَمَا تَزَوَّجَ.
حَدَّثَنَا عَنْهُ: أَبُو سُلَيْمَانَ بنُ حَوْطِ اللهِ، وَبَسَّامُ بن أحمد، وأبو زيد بن مُحَمَّدٍ، وَعَاشَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. تُوُفِّيَ سَنَةَ أربع وست مائة.
5419- ابن الشيخ:
الإِمَامُ القُدْوَةُ المُجَابُ الدَّعوَةِ أَبُو الحَجَّاجِ يُوْسُفُ بن محمد بن عبد الله ابن غَالِبٍ البَلَوِيُّ المَالقِيُّ المَعْرُوفُ بِابْنِ الشَّيْخِ.
حملَ القِرَاءاتِ عَنِ ابْن الفَخَّارِ، وَسَمِعَ مِنْهُ، وَمِنَ: السُّهَيْلِيِّ، وَابْنِ قرْقُول، وَالسِّلَفِيِّ، وَعَبْدِ الحَقِّ الأَزْدِيِّ، وَالعُثْمَانِيِّ.
وَعَنْهُ أَبُو الرَّبِيْعِ بنُ سَالِمٍ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ قطرَالٍ، وَابْنُ حَوْطِ اللهِ. وَكَانَ رَبَّانِيّاً، مُتَأَلِّهاً، قَانِتاً للهِ، كَثِيْرَ الغَزْوِ، يُعَدُّ مِنَ الأَبْدَالِ، وَفحُوْلِ الرِّجَالِ.
تَلاَ بِالسَّبْعِ، وَأَقرَأَ وَأَفَادَ.
تُوُفِّيَ بِمَالَقَةَ، عَنْ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، فِي رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ.(16/40)
النفيس، ابن سناء الملك:
5420- النفيس 1:
القُطْرُسِيُّ الشَّاعِرُ صَاحِبُ "الدِّيْوَان" أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بن عبد الغني ابن أَحْمَدَ اللَّخْمِيُّ، المِصْرِيُّ، المَالِكِيُّ.
مِنْ فُحُوْلِ الشُّعَرَاءِ، وَلَهُ فِقهٌ وَيدٌ فِي علُوْمِ الفلاسفَةِ، وَهُوَ القَائِلُ:
يَا رَاحِلاً وَجَمِيْلُ الصَّبْرِ يَتبَعُهُ ... هَلْ مِنْ سبيلٍ إِلَى لُقيَاكَ يَتَّفِقُ
مَا أَنْصَفَتْكَ جُفُونِي وَهِيَ داميةٌ ... وَلاَ وَفَى لَكَ قَلْبِي وَهُوَ يَحترقُ
تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّ مائَةٍ بقوص.
5421- ابن سناء الملك 2:
القَاضِي الأَثيرُ البَلِيْغُ المُنشِئُ أَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ ابْنِ القَاضِي سنَاءِ المُلْكِ مُحَمَّدِ بنِ هِبَةِ اللهِ المِصْرِيُّ، الشَّاعِرُ المَشْهُوْرُ.
قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى الشَّرِيْفِ أَبِي الفُتُوْحِ، وَالنَّحْوَ على ابن بري، وَسَمِعَ مِنَ السِّلَفِيِّ، وَلَهُ "دِيْوَانٌ" مَشْهُوْرٌ، وَمُصَنَّفَاتٌ أدبية، وكتب في ديوان التوسل مُدَّةً.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: هُوَ هِبَةُ اللهِ ابْنُ القَاضِي الرَّشِيْدِ أَبِي الفَضْلِ جَعْفَرِ ابْنِ المعتمدِ سنَاءِ المُلْكِ السَّعْدِيِّ، كَانَ أَحَدَ الرُّؤَسَاءِ النُّبَلاَءِ، وَكَانَ كَثِيْرَ التَّنَعُّمِ، وَافرَ السَّعَادَةِ، لَهُ رَسَائِل دَائِرَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القَاضِي الفَاضِلِ، وَهُوَ القَائِلُ:
وَلَوْ أَبصرَ النَّظَّامُ جَوْهَرَ ثَغْرِهَا ... لَمَا شَكَّ فِيْهِ أَنَّهُ الجَوْهَرُ الفَرْدُ
وَمَنْ قَالَ إِنَّ الخَيْزُرَانَةَ قَدُّهَا ... فَقُوْلُوا لَهُ: إِيَّاكَ أَنْ يَسْمَعَ القَدُّ
وَلَهُ:
ومليّةٍ بِالحُسْنِ يسخرُ وَجْهُهَا ... بِالبَدْرِ يهزأُ رِيْقُهَا بِالقَرْقَفِ
لاَ شَيْءَ أَحْسَنَ مِنْ تَلَهُّبِ خَدِّهَا ... بِالمَاءِ إلَّا حُسْنُهَا وَتعَفُّفِي
والقلب يحلف أن سيسلو ثمّ لا ... يسلو وَيَحْلِفُ أَنَّهُ لَمْ يَحْلِفِ
تُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ بِضْعٍ وَسِتِّيْنَ سنة.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان "1/ ترجمة 66".
2 ترجمته في وفيات الأعيان "6/ ترجمة 777"، والنجوم الزاهرة "6/ 204"، وشذرات الذهب "5/ 33-36".(16/41)
5422- عفِيفَةُ 1:
بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حسن بن مِهْرَان، الشَّيْخَةُ الجَلِيْلَةُ، المُعَمَّرَةُ، مُسْنِدَةُ أَصْبَهَانَ، أُمُّ هَانِي الأَصْبَهَانِيَّةُ، الفَارفَانِيَّةُ -بفَائَيْنِ.
وُلِدت سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَكَانَتْ آخر مَنْ حَدَّثَ بِالسَّمَاعِ عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ مُحَمَّدٍ الدَّشْتَجِ، وَسَمِعَتْ أَيْضاً مِنْ: حَمْزَةَ بنِ العَبَّاسِ العَلَوِيِّ، وَإِسْحَاقَ بنِ أَحْمَدَ الأُشناني، وَفَاطِمَةَ الجُوْزْدَانِيَّةِ؛ سَمِعَتْ مِنْهَا "المُعْجَمَ الكَبِيْرَ" بكمَالِهِ، وَ"المُعْجَمَ الصَّغِيْرَ"، وَ"الفِتَنَ" لنُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، وَأَجَازَ لَهَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ.
وَسَمِعْتُ أَيْضاً مِنْ جَعْفَرِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الثَّقَفِيِّ، وَانْتَهَى إِلَيْهَا عُلُوُّ الإِسْنَادِ.
وَقَدْ أَجَازَ لَهَا مِنْ بَغْدَادَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ المَهْدِيِّ، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ المُهْتَدِي بِاللهِ، وَأَبُو سَعْدٍ ابْنُ الطُّيُوْرِيِّ، وَأَبُو طَالِبٍ اليُوْسُفِيُّ، وطائفة.
حَدَّثَ عَنْهَا: أَبُو مُوْسَى بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ، وَالشَّيْخُ الضِّيَاءُ، وَالرَّفِيعُ إِسْحَاقُ الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ نُقْطَةَ، وَقَالَ: سَمِعْتُ مِنْهَا "المُعْجَمَ الكَبِيْرَ"، وَ"الفِتَنَ" لِنُعَيْمٍ، وَغَيْرَ ذَلِكَ.
قُلْتُ: وَرَوَى عَنْهَا بِالإِجَازَةِ أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَالبُرْهَان ابْنُ الدَّرَجِيِّ، وَابْنُ شَيْبَانَ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَخَدِيْجَةُ بِنْتُ الشِّهَابِ بنِ رَاجِحٍ.
قَالَ الضِّيَاءُ: وُلِدت فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ عَشْرٍ، وَمَاتَتْ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: تُوُفِّيَتْ فِي رَبِيْعٍ الآخَرِ، أَوْ جُمَادَى الأُوْلَى.
أَنْبَأَنَا ابْنُ سَلاَمَةَ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، عَنْ عفِيفَةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ سَنَةَ 517، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ سَنَةَ 429، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ العَبْسِيُّ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ أَبِي لَيْلَى، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "لَبَّيْكَ" بِحجَّة وَعُمْرَةٍ مَعاً.
__________
1 ترجمتها في النجوم الزاهرة "6/ 200"، وشذرات الذهب "5/ 19، 20".(16/42)
أبو هريرة، ابن الإخوة:
5423- أَبُو هُرَيْرَةَ:
وَاثِلَةُ بنُ الأَسْقَعِ الهَمَذَانِيُّ المُؤَذِّنُ.
رَجُلٌ صَالِحٌ، مِنْ أَصْحَابِ أَبِي العَلاَءِ العَطَّارِ.
سَمِعَ مِنْ: هِبَةِ اللهِ ابْنِ أُخْتِ الطَّوِيْلِ، والأرموي، وابن ناصر.
مَاتَ بِالكَرَجِ، فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائة.
5424- ابن الإخوة 1:
الشَّيْخُ العَالِمُ المُسْنِدُ المُؤَيَّدُ أَبُو مُسْلِمٍ هِشَامُ ابن المحدث عبد الرحيم بن أحمد بن محمد ابْنِ الإِخْوَةِ البَغْدَادِيُّ، ثُمَّ الأَصْبَهَانِيُّ المُعَدَّلُ.
وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَبَكَّرَ بِهِ وَالِدُهُ أَبُو الفَضْلِ، فَسَمَّعَهُ حُضُوْراً مِنْ: مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي ذَرٍّ الصَّالحَانِيُّ، وَزَاهِرٍ الشَّحَّامِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي الرَّجَاءِ، وَالحُسَيْنِ الخَلاَّلِ، وَمُحَمَّدِ بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدُوْيَه. وَسَمِعَ مِنْ: غَانِمِ بنِ خَالِدٍ، وَطَائِفَةٍ وَبِهَمَذَانَ مِنْ: أَبِي بَكْرٍ هِبَةِ اللهِ بنِ الفَرَجِ، وَنَصْرِ بنِ المُظَفَّرِ. وَبِبَغْدَادَ مِنَ: القَاضِي الأُرْمَوِيِّ، وَهِبَةِ اللهِ الحَاسِبِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نُقْطَةَ، وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالتَّقِيُّ ابْنُ العِزِّ، وَجَمَاعَةٌ، وَبِالإِجَازَةِ: ابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَابْنُ الدَّرَجِيِّ، وَالكَمَالُ عَبْدُ الرَّحِيْمِ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَعِدَّةٌ. وَعَاشَ تِسْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
وَمِنْ مَسْمُوْعَاتِهِ "مُسْنَد أَبِي يَعْلَى"، وَ"مُسْنَد العَدَنِيِّ"، وَ"مُسْنَد الرُّوْيانِيِّ"، وَلَكِنْ غَالِبُ ذَلِكَ حضور، وكان ثقةً في نفسه.
مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: المُعَمَّرُ إِدْرِيْسُ بنُ مُحَمَّدٍ آل وَالوَيه العَطَّارُ الأَصْبَهَانِيُّ -يَرْوِي عَنِ: ابْنِ أَبِي ذَرٍّ- وَشَيْخُ الحَنَابِلَةِ القَاضِي وَجِيْهُ الدِّيْنِ أَسَعْدُ بنُ المُنَجَّى التَّنُوْخِيُّ بِدِمَشْقَ، وَشَيْخُ الأُصُوْليَّةِ العَلاَّمَةُ فَخْرُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ حُسَيْنٍ الرَّازِيُّ المُتَكَلِّم ابْن خَطِيْبِ الرَّيِّ، وَالعَلاَّمَةُ مَجْدُ الدِّيْنِ المُبَارَكُ بنُ الأَثِيْرِ الجَزَرِيُّ، وَإِمَامُ جَامِعِ أَصْبَهَانَ مَحْمُوْدُ بنُ أَحْمَدَ المُضَرِيُّ، عَنْ تِسْعِيْنَ سَنَةً -يَرْوِي عَنِ ابْنِ أَبِي ذَرٍّ والخلال- والمعمرة عفيفة الفارفانية.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 199"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 23".(16/43)
ابن مماتي، ابن الربيع:
5425- ابن مماتي 1:
القَاضِي أَبُو المُكَارِمِ أَسَعْدُ ابْنُ الخَطيرِ مُهَذَّبِ بنِ مِينَا ابْنِ مَمَّاتِي، المِصْريُّ، الكَاتِبُ، نَاظرُ النُّظَّارِ بِمِصْرَ.
لَهُ مُصَنَّفَاتٌ عِدَّةٌ، وَنظمٌ رَائِقٌ، فَنظمَ "كَلِيْلَةَ وَدِمْنَةَ"، وَنظمَ سِيرَةَ صَلاَحِ الدِّيْنِ، خَاف مِنِ ابْنِ شُكُرٍ، فَسَارَ إِلَى حَلَبَ، وَلاَذَ بِمَلِكِهَا، فَتُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّ مائَةٍ، في جمادى الأولى.
وَمَاتَ أَبُوْهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ، وَكَانَ ناظر الجيش.
5426- ابن الربيع 2:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ ذُو الفُنُوْنِ مَجْدُ الدِّيْنِ، أَبُو عَلِيٍّ يَحْيَى ابْنُ الإِمَامِ الفَقِيْهِ أَبِي الفَضْلِ الرَّبِيْعِ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ حَرَّازٍ العُمَرِيُّ، الوَاسِطِيُّ، الشَّافِعِيُّ، الأُصُوْلِيُّ، مُدَرِّسُ النِّظَامِيَّةِ.
وُلِدَ بِوَاسِطَ، سَنَة ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ.
وَقرَأَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى جدِّهِ لأُمِّهِ أَبِي يَعْلَى مُحَمَّدِ بنِ سَعْدِ بنِ تُركَانَ، وَعلَّقَ الخلاَفَ بِبلدِهِ عَنِ القَاضِي أَبِي يَعْلَى ابْنِ الفَرَّاءِ الصَّغِيْرِ، إِذْ وَلِيَ قَضَاءَ وَاسِطَ. وَسَمِعَ فِي صِغَرِهِ كَثِيْراً مِنْ: أَبِي الكَرَمِ بنِ الجَلَخْتِ، وَالقَاضِي مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الجُلاَّبِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الآمِدِيِّ. وَارْتَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ، فَتفَقَّهَ بِهَا عَلَى: مُدَرِّسِ النِّظَامِيَّةِ أَبِي النَّجِيْبِ، وَتَفَقَّهَ أَيْضاً عَلَى: أَبِيْهِ، وَأَبِي جَعْفَرٍ هِبَةِ اللهِ بنِ البُوْقِيِّ. وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ: مِنِ ابْنِ نَاصِرٍ، وَأَبِي الوَقْتِ، وَعَبْدِ الخَالِقِ بنِ يُوْسُفَ. وَسَارَ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، فَتفقَّهَ عِنْدَ محمد بن يحيى، وبرع فِي العِلْمِ. وَسَمِعَ مِنْ أَبِي البَرَكَات ابْن الفُرَاوِيِّ، وَعَبْدِ الخَالِقِ ابْن الشَّحَّامِيِّ. وَمَضَى رَسُوْلاً مِنَ الدِّيْوَانِ إِلَى صَاحِبِ غَزْنَةَ، فَحَدَّثَ هُنَاكَ، فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ، وَبلغَ مِنَ الحِشْمَةِ والجاه رتبة عالية.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "1/ ترجمة 91"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 178"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 20" ووقع عنده [ابن ميناس] بدل [ابن مينا] .
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 199"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 23، 24".(16/44)
قَالَ الدُّبَيْثِيُّ: كَانَ ثِقَةً، صَحِيْحَ السَّمَاعِ، عَالِماً بِالمَذْهَبِ، وَبِالخلاَفِ، وَالتَّفْسِيْرِ، وَالحَدِيْثِ، كَثِيْرَ الفُنُوْنِ.
وَقَالَ أَبُو شَامَةَ: كَانَ عَالِماً بِالتَّفْسِيْرِ، وَالمَذْهَبِ، وَالأَصْلَيْنِ، وَالخلاَفِ، دَيِّناً، صَدُوْقاً.
وَقَالَ المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ: كَانَ مُعِيْدَ ابْنِ فَضلاَنَ، وَكَانَ أَبرعَ وَأَقومَ بِالمَذْهَبِ، وَعِلْمَ القُرْآنَ مِنِ ابْنِ فَضلاَنَ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا صُحْبَةٌ جَمِيْلَةٌ، لَمْ أَرَ مِثْلَهَا بَيْنَ اثْنَيْنِ قَطُّ؛ فَكُنَّا نَسْمَعُ الدَّرْسَ مِنَ الشَّيْخِ فَلاَ نَفهمُهُ لَكَثْرَةِ فَرَاقِعِهِ، ثُمَّ نَقومُ إِلَى ابْنِ الرَّبِيْعِ فَكمَا نَسْمَعَهُ نَفهمُهُ، وَكَانَتِ الفُتْيَا تَأْتِي ابْنَ فَضلاَنَ، فَلاَ يَكتُبُ حَتَّى يُشَاور ابْنَ الرَّبِيْعِ، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ الرَّبِيْعِ تدرِيسَ النِّظَامِيَّةِ، وَنُفِّذَ رَسُوْلاً إِلَى خُرَاسَانَ، فَمَاتَ فِي الطَّرِيْق.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: ابْن الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَأَجَازَ لِلشَّيْخِ، وَلِلْفَخْرِ عليٍّ.
وَتُوُفِّيَ فِي أَوَاخِرِ شَهْرِ ذِي القَعْدَةِ، سَنَة سِتٍّ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ إِجَازَةٌ مِنْ زاهر ابن طاهر.(16/45)
الجبائي، ابن الأثير:
5427- الجبائي 1:
الإِمَامُ القُدْوَةُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي الحَسَنِ بنِ أَبِي الفَرَجِ الشَّامِيُّ، الجُبَّائِيُّ، [مِنْ قَرْيَة الجُبَّةِ] ، مِنْ أَعْمَالِ طَرَابُلسَ.
كَانَ أَبُوْهُ نَصْرَانِيّاً، فَأَسْلَمَ هُوَ فِي صِغَرِهِ، وَحفظَ القُرْآنَ، وَقَدِمَ بَغْدَادَ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ إِحْدَى وَعِشْرُوْنَ سَنَةً، فَصحِبَ الشَّيْخَ عَبْدَ القَادِرِ. وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ الطّلاَيَةِ، وَابْنِ نَاصِرٍ، وَبِأَصْبَهَانَ مِنْ أَبِي الخَيْرِ البَاغْبَانِ، وَمَسْعُوْدٍ الثَّقَفِيِّ، وَخَلْقٍ. وَحصَّلَ الأُصُوْلَ، ثُمَّ اسْتَوْطَنَ أَصْبَهَانَ. وَكَانَ ذَا قبولٍ وَمَنْزِلَةٍ، وَصِدْقٍ، وَتَأَلُّهٍ، وَهُوَ مِنْ جُبَّةِ بشَرّى.
مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ، رَوَى الكَثِيْرَ.
5428- ابْنُ الأَثِيْرِ 2:
القَاضِي الرَّئِيْسُ العَلاَّمَةُ البَارِعُ الأَوحدُ البَلِيْغُ مَجْدُ الدين أبو السعادات المُبَارَكُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الشَّيْبَانِيُّ، الجَزَرِيُّ، ثُمَّ المَوْصِلِيُّ، الكَاتِبُ، ابْنُ الأَثِيْرِ، صَاحِبُ "جَامِعِ الأُصُوْلِ"، و"غريب الحديث"، وغير ذلك.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب "5/ 15، 16".
2 ترجمته في وفيات الأعيان "4/ ترجمة 552"، وشذرات الذهب "5/ 22، 23".(16/45)
مَوْلِدُهُ بجَزِيْرَةِ ابْنِ عُمَرَ، فِي أَحَدِ الرَّبِيْعَيْنِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَنَشَأَ بِهَا، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى المَوْصِلِ، وَسَمِعَ مِنْ: يَحْيَى بن سعدُوْنَ القُرْطُبِيِّ، وَخَطِيْبِ المَوْصِلِ، وَطَائِفَةٍ.
وَرَوَى الكُتُبَ نَازلاً، فَأَسنَدَ "صَحِيْحَ البُخَارِيِّ"، عَنِ ابْنِ سرَايَا، عَنْ أَبِي الوَقْتِ، وَ"صَحِيْحَ مُسْلِمٍ"، عَنْ أَبِي يَاسِرٍ بنِ أَبِي حَبَّةَ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، عَنِ التُّنْكُتِيِّ، عَنْ أَبِي الحُسَيْنِ عَبْدِ الغَافِرِ. ثُمَّ عَنِ ابْنِ سُكَيْنَةَ إِجَازَةً عَنِ الفُرَاوِيِّ، وَ"المُوَطَّأَ"، عَنِ ابْنِ سَعدُوْنَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَتَّابٍ، عَنِ ابْنِ مُغِيْثٍ، فَوَهِمَ، وَ"سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ وَالتّرْمِذِيَّ" بِسَمَاعِهِ مِنِ ابْنِ سُكَيْنَةَ، وَ"سُنَنَ النَّسَائِيِّ"، أَخْبَرَنَا يَعِيْشُ بنُ صَدَقَةَ، عَنِ ابْنِ مَحْمُوَيْه.
ثُمَّ اتَّصَلَ بِالأَمِيْرِ مُجَاهِدِ الدِّيْنِ قَيْمَاز الخَادِم، إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ مَخْدُومَهُ، فَكَتَبَ الإِنشَاءَ لِصَاحِبِ المَوْصِلِ عِزِّ الدين مسعود الأتابكي، وولي ديوان الإِنشَاءِ، وَعَظُمَ قدرُهُ، وَلَهُ اليَدُ البيضَاءُ فِي التَّرَسُّلِ، وَصَنَّفَ فِيْهِ. ثُمَّ عَرَضَ لَهُ فَالِجٌ فِي أَطرَافِهِ، وَعجِزَ عَنِ الكِتَابَةِ، وَلَزِمَ دَارَهُ، وَأَنشَأَ رِبَاطاً فِي قَرْيَة وَقَفَ عَلَيْهِ أَملاَكَهُ، وَلَهُ نَظْمٌ يَسيرٌ.
قَالَ الإِمَامُ أَبُو شَامَةَ: قرَأَ الحَدِيْثَ وَالعِلْمَ وَالأَدبَ، وَكَانَ رَئِيْساً مُشَاوَراً، صَنَّفَ "جَامِعَ الأُصُوْلِ"، وَ"النِّهَايَةَ"، وَ"شرحاً لمُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ" وَكَانَ بِهِ نَقرسٌ، فَكَانَ يُحْمَلُ فِي مَحَفَّةٍ، قرَأَ النَّحْوَ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ سَعِيْدِ ابْنِ الدَّهَّانِ، وَأَبِي الحرَمِ مَكِّيٍّ الضَّرِيرِ. إِلَى أَنْ قَالَ: وَلَمَّا حَجَّ سَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنِ ابْنِ كُلَيْبٍ، وَحَدَّثَ، وَانتفعَ بِهِ النَّاسُ، وَكَانَ وَرِعاً، عَاقِلاً، بَهِيّاً، ذَا بِرٍّ وَإِحسَانٍ. وَأَخُوْهُ عِزُّ الدِّيْنِ عليٌّ صَاحِبُ "التَّارِيْخِ"، وَأَخُوْهُمَا الصَّاحبُ ضِيَاءُ الدِّيْنِ، مُصَنِّفُ كِتَاب المَثَلِ السَّائِرِ.
وَقَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: لمَجْدِ الدِّيْنِ كِتَابُ "الإِنصَافِ فِي الْجمع بَيْنَ الكَشْفِ وَالكَشَّافِ" تَفسيرَي الثَّعْلَبِيِّ وَالزَّمَخْشَرِيِّ، وَلَهُ كِتَابُ "المُصْطَفَى المُخْتَارِ فِي الأَدعيَةِ وَالأَذكَارِ"، وَكِتَابٌ لطيفٌ فِي صِنَاعَةِ الكِتَابَةِ، وَكِتَابُ "البَدِيْعِ فِي شرحِ مقدِّمَةِ ابْنِ الدَّهَّانِ"، وَلَهُ "دِيْوَانُ رَسَائِلَ".
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ وَالشِّهَابُ القُوْصِيُّ، وَالإِمَامُ تَاجُ الدِّيْنِ عَبْدُ المُحْسِنِ بنُ محمد بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَامضِ شَيْخُ البَاجربقِيّ وَطَائِفَةٌ. وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: الشَّيْخُ فَخْرُ الدين ابن البخاري.
قَالَ ابْنُ الشَّعَّارِ: كَانَ كَاتِبُ الإِنشَاءِ لدولَةِ صَاحِبِ المَوْصِلِ نُوْرِ الدِّيْنِ أَرْسَلاَن شَاه بنِ مَسْعُوْدِ بنِ مَوْدُوْدٍ، وَكَانَ حَاسِباً، كَاتِباً، ذكيّاً، إِلَى أَنْ قَالَ: وَمِنْ تَصَانِيْفِهِ كِتَابُ "الفرُوْقِ فِي الأَبنِيَةِ"، وَكِتَابُ "الأَذوَاءِ وَالذَّوَاتِ"، وَكِتَابُ "المُخْتَارِ فِي مَنَاقِبِ الأَخيَارِ"، وَ"شرحُ غَرِيْبِ الطِّوَالِ" قَالَ: وَكَانَ مِنْ أَشدِّ النَّاسِ بُخلاً.(16/46)
قُلْتُ: مَنْ وَقَفَ عقَارَهُ للهِ فَلَيْسَ بِبخيلٍ، فَمَا هُوَ بِبخيلٍ، وَلاَ بجَوَادٍ، بَلْ صَاحِبُ حزمٍ وَاقتصَادٍ رَحِمَهُ الله.
عَاشَ ثَلاَثاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً. تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّ مائَةٍ بِالمَوْصِلِ.
حكَى أَخُوْهُ العِزُّ، قَالَ: جَاءَ مَغْرِبِيٌّ عَالَجَ أَخِي بِدُهْنٍ صَنَعَهُ، فَبَانَتْ ثَمَرَتهُ، وَتَمَكَّنَ مِنْ مَدِّ رِجْلَيْهِ، فَقَالَ لِي: أَعْطِهِ مَا يُرْضِيهِ وَاصرِفْهُ قُلْتُ: لِمَاذَا وَقَدْ ظَهَرَ النُّجْحُ؟ قَالَ: هُوَ كَمَا تَقُوْلُ، وَلَكِنِّي فِي رَاحَةٍ مِنْ تَرْكِ هَؤُلاَءِ الدَّوْلَةِ، وَقَدْ سَكَنَتْ نَفْسِي إِلَى الانقطَاعِ وَالدَّعَةِ، وَبِالأَمسِ كُنْتُ أُذَلُّ بِالسَّعِي إِلَيْهِم، وَهنَا فَمَا يَجيئونِي إلَّا فِي مشُوْرَةٍ مُهِمَّةٍ، وَلَمْ يَبْقَ مِنَ العمرِ إلَّا القَلِيْلُ.(16/47)
5429- ابن روح 1:
الشَّيْخُ الصَّالِحُ الجَلِيْلُ المُعَمَّرُ مُسْنِدُ أَصْبَهَانَ أَبُو الفخر أسعد بن سعيد ابن مَحْمُوْدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ رَوْحٍ الأَصْبَهَانِيُّ التَّاجِرِ، ابْن أَبِي الفُتُوْحِ.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ مِنْ: فَاطِمَةَ الجُوْزْدَانِيَّةِ "مُعْجَمَ الطَّبَرَانِيِّ الكَبِيْرَ" بفَوَتٍ، وَ"المُعْجَمَ الصَّغِيْرَ"، فَكَانَ آخر أَصْحَابِهَا مَوْتاً، وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ: سَعِيْدِ بنِ أَبِي الرَّجَاءِ، وَزَاهِرٍ الشَّحَّامِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نُقْطَةَ، وَالضِّيَاءُ، وَالتَّقِيُّ ابْنُ العِزِّ، وَالجمال أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ بنِ أَبِي بَكْرٍ، وَجَمَاعَةٌ.
وَأَجَازَ لِلبُرْهَان ابْنِ الدَّرَجِيِّ، وَابْنِ أَبِي عُمَرَ، وَالكَمَالِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، وَابْنِ شَيْبَانَ، وَعَبْدِ الرحمن ابْنِ الزَّينِ، وَالفَخْرِ عَلِيٍّ، وَالتَّقِيِّ ابْنِ الوَاسِطِيِّ.
قَرَأْتُ بِخَطِّ ابْنِ نُقْطَةَ: أَبُو الفَخْرِ أَسَعْدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ مَحْمُوْدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ جَعْفَرِ بنِ رَوْحِ بنِ الفَرَجِ التَّاجِرُ، أَرَانَا مَوْلِدَهُ وَهُوَ فِي ثَانِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة، قَالَ: وَكَانَ شَيْخاً صَالِحاً، صَحِيْحَ السَّمَاعِ.
قُلْتُ: مَاتَ فِي رَابعِ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، بِأَصْبَهَانَ، وَانغلَقَ بِوَفَاتِهِ بَابُ عُلُوِّ حَدِيْثِ الطَّبَرَانِيِّ، وَكَانَ آخِر مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّيْنِ إِبْرَاهِيْمُ ابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَقَدْ أَكْثَرَ عَنْهُ الحَافِظُ الضياء في تواليفه.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 203"، وشذرات الذهب "5/ 24، 25".(16/47)
أبو المجد، منصور بن عبد المنعم:
5430- أبو المجد 1:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ الصَّالِحُ المُسْنِدُ المُعَمَّرُ أَبُو المَجْدِ زاهر بن أبي طاهر أحمد بن حامد بنِ أَحْمَدَ بنِ مَحْمُوْدٍ الثَّقَفِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ.
وُلِدَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ حُضُوْراً مِنْ جَعْفَرِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الثَّقَفِيِّ، وَسَمِعَ مِنِ ابْنِ أَبِي ذَرٍّ صَاحِبِ أَبِي طَاهِرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي الرَّجَاءِ الصَّيْرَفِيِّ، وَزَاهِرٍ الشَّحَّامِيِّ، وَالحُسَيْنِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ الخَلاَّلِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيِّ الحَافِظِ، وَرَوَى الكَثِيْرَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نُقْطَةَ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاءُ، وَالتَّقِيُّ ابْنُ العِزِّ، وَالجمال أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ، وَعِدَّةٌ.
وَأَجَازَ لِلْكمَالِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، وَلِلشَّيْخِ، وَلابْنِ شَيْبَانَ، وَابْنِ الدَّرَجِيِّ، وَالفَخْرِ عَلِيٍّ، وَالتَّقِيِّ ابْنِ الوَاسِطِيِّ، وَغَيْرِهِم.
وَلَهُ إِجَازَةٌ مِنْ فَاطِمَةَ الجُوْزْدَانِيَّةِ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: كَانَ شَيْخاً، صَالِحاً، أَضرَّ عَلَى كِبَرٍ، وَكَانَ صَبُوْراً لِلطَّلبَةِ، مُكْرِماً لَهُم.
قُلْتُ: سَمِعَ "مُسْنَدَ" أَبِي يَعْلَى المَوْصِلِيِّ مِنْ طرِيقِ ابْنِ المُقْرِئِ عَلَى الخَلاَّلِ، وَ"مُسْنَدَ الرُّوْيَانِيِّ".
تُوُفِّيَ فِي الثَّانِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، سَنَة سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَمَاتَ فِيْهَا: أَبُو الفَخْرِ أَسَعْدُ بنُ سَعِيْدٍ بِأَصْبَهَانَ، وَأَبُو أَحْمَدَ بن سُكَيْنَةَ بِبَغْدَادَ، وَالشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ المَقْدِسِيُّ الزَّاهِدُ، وَعُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، وَصَاحِبُ المَوْصِلِ نُوْرُ الدِّيْنِ أَرْسَلاَن الأَتَابكِيُّ، وَعَائِشَةُ بِنْتُ مَعْمَرٍ.
5431- مَنْصُوْرُ بنُ عَبْدِ المنعم 2:
ابن عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ بنِ أَحْمَدَ، الشَّيْخُ الجَلِيْلُ العَدْلُ المُسْنِدُ أَبُو الفَتْحِ وَأَبُو القَاسِمِ، ابْنُ مُسْنِدِ وَقتِهِ أَبِي المَعَالِي ابْنِ المُحَدِّثِ أَبِي البَرَكَاتِ ابْنِ فَقِيْهِ الحرَمِ أَبِي عَبْدِ اللهِ الصَّاعدِيُّ الفُرَاوِيُّ ثم النيسابوري.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 202"، وشذرات الذهب "5/ 25".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 204"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 34".(16/48)
مَوْلِدُهُ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ أَبَاهُ وَجدَّهُ، وَأَكْثَرَ عَنْ جدِّ أَبِيْهِ، وَعَبْدَ الجَبَّارِ بنَ مُحَمَّدٍ الخُوَارِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ الفَارِسِيَّ، وَوَجِيْهَ الشَّحَّامِيَّ، وَطَائِفَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نُقْطَةَ، وَالزَّكِيُّ البِرْزَالِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو بنُ الصَّلاَحِ، وَالشَّرَفُ المُرْسِيُّ، وَالرَّضِيُّ إِبْرَاهِيْمُ بنُ البرهان، وعبد العزيز بن هلالة، وجماعة.
وَأَجَازَ لِلْجمَالِ يَحْيَى ابْنِ الصَّيْرَفِيِّ، وَللزَّكِيِّ عَبْدِ العَظِيْمِ، وَللشَّمْسِ بنِ عَلاَّنَ، وَلِلْفَخْرِ عليٍّ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: كَانَ شَيْخاً، ثِقَةً، مُكْثِراً، صَدُوْقاً، سَمِعْتُ مِنْهُ "صَحِيْحَ البُخَارِيِّ" بِسَمَاعِهِ مِنْ وَجيهٍ الشَّحَّامِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الفَارِسِيِّ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ بنِ شَاه، وَ"صَحِيْحَ مُسْلِمٍ"، وَسَمِعَهُ مرَاراً، وَرَأَيْتُ سَمَاعَهُ بِالمُجَلَّدِ الأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ بـ "صَحِيْحِ مُسْلِمٍ"، فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِيْنَ وَخَمْسَةِ أَشْهُرٍ.
وَحَدَّثَنِي رَفِيقُنَا ابْنُ هِلاَلَةَ، قَالَ: كَانَ شَيْخُنَا مَنْصُوْرٌ يَرْوِي "غَرِيْبَ الحَدِيْثِ" لِلْخطَّابِيِّ عَنْ جَدِّهِ بفَوَتٍ، فَقرَأْنَاهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا دَخَلتُ إِلَى سَمَرْقَنْدَ -أَوْ قَالَ: بُخَارَى- وَجَدْتُ بَعْضَ نُسْخَةٍ بـ "غَرِيْبِ الخَطَّابِيِّ"، وَفِيْهَا القدرُ الَّذِي يَفوتُ مَنْصُوْر، وَفِيْهِ سَمَاعُهُ بِغَيْرِ تِلْكَ القِرَاءةِ، وَغَيْرِ التَّارِيْخِ، وَهَذَا مِمَّا يَدلُّ عَلَى صِدْقِ الشَّيْخِ، وَأَنَّهُ أَكْثَرَ مِنَ الكُتُبِ المُطَوَّلَةِ عَنْ جَدِّهِ.
قَالَ: وَسَمِعَ "تَفْسِيْرَ الثَّعْلَبِيِّ" مِنْ عَبَّاسَةَ العَصَّارِيِّ.
وَقَالَ لِي ابْنُ هِلاَلَةَ: رَأَيْتُ أَصلَ البَيْهَقِيِّ بـ "السُّنَنِ الكَبِيْرِ"، وَقَدْ ذَهَبَتْ مِنْهُ أَجزَاءٌ متفرِّقَةٌ، فَجَمِيْعُ مَا وَجَدْتُ قرَأتهُ عَلَيْهِ، وَبَاقِي الكِتَابِ بِالإِجَازَةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَاعاً.
ثُمَّ قَالَ: وَمَوْلِدُهُ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ.
قُلْتُ: وَقَدْ حَجَّ، وحدث ببغداد مع والده.
قَرَأْتُ وَفَاتَهُ فِي ثَامنِ شَعْبَان، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّ مائَةٍ، بِخَطِّ الحَافِظِ الضِّيَاءِ، لَيْلَةَ وُصُوْلِهِ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، فَفَاتَهُ الأَخْذُ عَنْهُ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أحمد بن الحسن بن أبي البقاء العاقولي، وَالخَضِرُ بنُ كَامِلٍ السَّرُوْجِيُّ المُعَبِّرُ، وَالقُدْوَةُ الشَّيْخُ عُمَرُ البَزَّازُ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ نُوْحٍ الغَافِقِيُّ المُقْرِئُ، وَالعِمَادُ مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَنَعَةَ المَوْصِلِيُّ، وَالقَاضِي هِبَةُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ سنَاءِ المُلْكِ الأَدِيْبُ، وَيُوْنُسُ بنُ يَحْيَى الهَاشِمِيُّ بِمَكَّةَ، وَالقُدْوَةُ عَبْدُ الجَلِيْلِ بن موسى القصري.(16/49)
صاحب الموصل، الجزولي، ابن يونس:
5432- صاحب الموصل 1:
المَلِكُ العَادِلُ نُوْرُ الدِّيْنِ أَرْسَلاَنُ شَاه ابْنُ عز الدين مسعود بن مودود ابن الأَتَابكِ زَنْكِي.
كَانَتْ دَوْلَتُهُ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ شَهْماً، مَهِيْباً، فِيْهِ عَسْفٌ وَشُحٌّ. تَحَوَّلَ شَافِعِيّاً، وَبَنَى مَدْرَسَةً كَبِيْرَةً مزخرفَةً، مرِضَ مُدَّةً، وَمَاتَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَكَانَ سَفَّاكاً لِلدِّمَاءِ، فِيْهِ دهَاءٌ، وَلَهُ سَطوَةٌ عَلَى الأُمَرَاءِ، وَكَانَ مَجْدُ الدِّيْنِ ابْنُ الأَثِيْرِ مُلاَزِماً لَهُ، فَيَأْمرُهُ بِالخَيْرِ، فَيُطيعُهُ، وَصَيَّرَ مَمْلُوْكَهُ لؤلؤًا أستاذ داره.
5433- الجزولي 2:
إِمَامُ النَّحْوِ أَبُو مُوْسَى عِيْسَى بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ يَلَلْبَختِ بنِ عِيْسَى اليَزْدَكَنْتِيُّ، الجُزُولِيُّ، البَرْبَرِيُّ، المَرَّاكُشِيُّ.
حَجَّ وَلاَزَمَ ابْنَ بَرِّيٍّ، وَأَتقنَ عَنْهُ العَرَبِيَّةَ وَاللُّغَةَ، وَسَمِعَ "صَحِيْحَ البُخَارِيِّ" مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَتَصَدَّرَ بِالمَرِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَتَخَرَّجَ بِهِ أَئِمَّةٌ. وَكَانَ إِمَاماً لاَ يُجَارَى، اعْتَنَى بـ "مُقَدِّمَتِهِ" الأَذكيَاءُ، وَشرحوهَا.
تُوُفِّيَ بِأَزمُورٍ مِنْ عمَلِ مَرَّاكش سَنَة سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقِيْلَ سَنَةَ سِتٍّ. وَوَلِيَ خطَابَةَ مَرَّاكش، وَكَانَ فِي طلبِهِ بِمِصْرَ فَقيراً، يَخْرُجُ إِلَى القُرَى، فَيُصَلِّي بِهِم، وَأَخَذَ مَذْهَبَ مَالِك بِمِصْرَ، عَنِ الفَقِيْهِ ظَافرٍ، وَقَدْ طوَّلْتُ تَرْجَمَتَهُ فِي "التاريخ". وقيل: بقي إلى سنة عشر.
5434- ابن يونس 3:
شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ عِمَادُ الدِّيْنِ أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَنَعَةَ الإِرْبِلِيُّ، ثُمَّ المَوْصِلِيُّ.
تَفقَّهَ بِأَبِيْهِ، وَبِبَغْدَادَ عَلَى أَبِي المحاسن بن بندا، وَطَائِفَةٍ. وَسَمِعَ، وَعلاَ صِيتُهُ، وَصَنَّفَ، وَتَخَرَّجَ بِهِ خَلْقٌ، وَصَنَّفَ "المحيطَ"، وَأَشيَاءَ، وَكَانَ وَرِعاً، نَزِهاً، قَشِفاً، شَدِيدَ الوُسوَاسِ.
مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّ مائَةٍ وَلَهُ ثَلاَثٌ وَسَبْعُوْنَ سنة.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان "1/ ترجمة 82"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 200"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 24".
2 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 513"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 26".
3 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 601"، وشذرات الذهب "5/ 34".(16/50)
الأصبهاني، بنت معمر:
5435- الأصبهاني:
الإِمَامُ المُتَفَنِّنُ الوَاعِظُ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ عبد الرحمن مَجْدُ الدِّيْنِ، المَغْرِبِيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ المَوْلِدِ، المَعْرُوفُ بِالأَصْبَهَانِيِّ لإِقَامتِهِ بِهَا خَمْسَةَ أَعْوَامٍ، فَقَرَأَ الفِقْهَ لِلشَّافِعِيِّ، وَالخِلاَفَ، وَالجَدَلَ، وَالتَّصَوُّفَ، وَالأُصُوْلَ.
سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ بنَ مَاشَاذَة، وَأَبَا رُشْدٍ بنَ خَالِدٍ، والسلفي، وتحول في الأندلس، وسكن غرناطة.
قَالَ ابْنُ مُسْدِيّ: قرَأَ عَلَيَّ جزءَ "عروسِ الأَجزَاءِ" مِمَّا سَمِعَهُ بِأَصْبَهَانَ، وَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ تَكُوْنُ لَكَ رِحلَةٌ وَجَولاَن. قَالَ: وَسَمَاعُهُ مِنْ مَسْعُوْدٍ الثَّقَفِيِّ سَنَةَ سِتِّيْنَ، وَلَمَّا نَزلَ غَرْنَاطَةَ تركَ الوعظَ، وَلَهُ تَعليقَةٌ فِي الخلاَفِ بَيْنَ أَبِي حَنِيْفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَقُحِطْنَا، فَنَزَلَ الأَمِيْرُ إِلَى شيْخِنَا هَذَا وَقَالَ: تُذَكِّرُ النَّاسَ، فَلَعَلَّ اللهَ يُفرِّجُ، فَوَعَظَ فَورَدَ عَلَيْهِ وَارِدٌ، فَسَقَطَ، وَحُمِلَ، فَمَاتَ بَعْدَ سَاعَةٍ، فَلَمَّا أُدْخِلَ حفرتَهُ، انفتحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَسَالَتِ الأَوديَةُ أَيَّاماً.
قُلْتُ: مَاتَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّ مائَةٍ بغرناطة.
5436- بنت معمر 1:
الشَّيْخَةُ المُعَمَّرَةُ المُسْنِدَةُ أُمُّ حَبِيْبَةَ عَائِشَةُ بِنْتُ الحَافِظِ مَعْمَرِ بنِ الفَاخِرِ القُرَشِيَّةُ، العَبْشَمِيَّةُ، الأَصْبَهَانِيَّةُ.
سَمِعَتْ حُضُوْراً مِنْ فَاطِمَةَ الجُوْزْدَانِيَّةَ، وَسَمَاعاً كَثِيْراً من زاهر بن طَاهِرٍ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي الرَّجَاءِ، وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهَا: ابْنُ نُقْطَةَ، وَالشَّيْخُ الضِّيَاءُ، وَالتَّقِيُّ ابْنُ العِزِّ، وَآخَرُوْنَ.
وَأَجَازَتْ لِلشَّيْخِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، وَابْنِ شَيْبَانَ، وَالكَمَالِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، وَالفَخْرِ عَلِيٍّ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ نُقْطَةَ: سَمِعْنَا مِنْهَا "مسند أبي يعلى الموصلي" بسماعها من سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي، وكان سماعها صحيحا بِإِفَادَةِ أَبيهَا.
تُوُفِّيَتْ عَائِشَةُ فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخَرِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ بِضْعٍ وثمانين سنةً.
__________
1 ترجمتها في النجوم الزاهرة "6/ 202"، وشذرات الذهب "5/ 25".(16/51)
فخر الدين، ابن سكينة:
5437- فخر الدين 1:
العَلاَّمَةُ الكَبِيْرُ ذُو الفُنُوْنِ فَخْرُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بن عمر بن الحسين القرشي البَكْرِيُّ الطَّبَرَستَانِيُّ، الأُصُوْلِيُّ، المُفَسِّرُ، كَبِيْرُ الأَذكيَاءِ وَالحُكَمَاءِ وَالمُصَنِّفِيْنَ.
وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَاشْتَغَلَ عَلَى أَبِيْهِ الإِمَامِ ضِيَاءِ الدِّيْنِ خَطِيْبِ الرَّيِّ، وَانتشرَتْ تَوَالِيفُهُ فِي البِلاَدِ شرقاً وَغرباً، وَكَانَ يَتوَقَّدُ ذكَاءً، وَقَدْ سُقْتُ تَرْجَمَتَهُ عَلَى الوَجْهِ فِي "تَارِيخِ الإِسْلاَمِ". وَقَدْ بدَتْ مِنْهُ فِي تَوَالِيفِهِ بلاَيَا وَعظَائِمُ وَسِحْرٌ وَانحرَافَاتٌ عَنِ السُّنَّةِ، وَاللهُ يَعْفُو عَنْهُ، فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ عَلَى طرِيقَةٍ حَمِيدَةٍ، وَاللهُ يَتولَّى السّرَائِرَ.
مَاتَ بِهَرَاةَ، يَوْمَ عِيْدِ الفِطْرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ بِضْعٌ وَسِتُّوْنَ سَنَةً، وَقَدِ اعترَفَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ حَيْثُ يَقُوْلُ:
لقد تَأَمَّلْتُ الطُّرُقَ الكَلاَمِيَّةَ، وَالمنَاهجَ الفلسفِيَّةَ، فَمَا رَأَيَّتُهَا تشفِي عليلاً، وَلاَ تروِي غليلاً، وَرَأَيْتُ أَقْرَبَ الطُّرُقِ طرِيقَةَ القُرْآنِ، أَقرَأُ فِي الإِثْبَاتِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] ، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ} [فاطر: 10] ، وأقرأ في النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] ، وَمَنْ جَرَّبَ مِثْلَ تَجرِبَتِي عرفَ مِثْلَ مَعْرِفَتِي.
5438- ابن سكينة:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِمُ الفَقِيْهُ المُحَدِّثُ الثِّقَةُ المُعَمَّرُ القُدْوَةُ الكَبِيْرُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ مَفْخَرُ العِرَاقِ ضِيَاءُ الدِّيْنِ أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ الوَهَّابِ ابْن الشَّيْخِ الأَمِيْنِ أَبِي مَنْصُوْرٍ عَلِيُّ بنُ عَلِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ ابْنِ سُكَيْنَةَ البَغْدَادِيُّ، الصُّوْفِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وَسُكَيْنَةُ هِيَ وَالِدَةُ أَبِيْهِ.
مَوْلِدُهُ فِي شَعْبَان، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ الكَثِيْرَ مِنْ أَبِيْهِ، فَرَوَى عَنْهُ "الجَعْدِيَّاتِ"، وَهِبَةِ اللهِ بنِ الحُصَيْنِ، يَرْوِي عَنْهُ "الغَيْلاَنِيَّاتِ"، -وَأَبِي غَالِبٍ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ المَاوَرْدِيِّ، وَزَاهِرٍ الشَّحَّامِيِّ، وَقَاضِي المَارستَانِ، وَمُحَمَّدِ بنِ حَمُّوَيْه الجُوَيْنِيِّ الزَّاهِدِ، وَعِدَّةٍ، بإِفَادَةِ ابْنِ نَاصِرٍ. ثُمَّ لاَزمَ أَبَا سَعْدٍ البغدادي
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان "4/ ترجمة 600"، والنجوم الزاهرة "6/ 197، 198".(16/52)
المُحَدِّثَ، وَأَكْثَرَ عَنْهُ. وَسَمِعَ مَعَهُ مِنْ: أَبِي منصور القزاز، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ تَوْبَةَ، وَشَيْخِ الشُّيُوْخِ أَبِي البَرَكَاتِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَحْمَدَ، -وَهُوَ جدُّهُ لأُمِّهِ، وَعِدَّةٍ.
وَعُنِيَ بِالحَدِيْثِ عنَايَةً قويَّةً، وَبِالقِرَاءاتِ، فَبَرَعَ فِيْهَا، وَتَلاَ بِهَا عَلَى: أَبِي مُحَمَّدٍ سِبْطِ الخَيَّاطِ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ مَحْمُوَيْه، وَأَبِي العَلاَءِ الهَمَذَانِيِّ. وَأَخَذَ الْمَذْهَب وَالخلاَفَ عَنْ: أَبِي مَنْصُوْرٍ ابْن الرَّزَّاز، وَالعَرَبِيَّة عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ ابْنِ الخَشَّابِ. وَصَحِبَ جدَّهُ أَبَا البَرَكَاتِ، وَلَبِسَ مِنْهُ، وَلاَزَمَ ابْنَ نَاصِرٍ، وَأَخَذَ عَنْهُ عِلْمَ الأَثرِ، وَحفظَ عَنْهُ فَوَائِدَ غزِيْرَةً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: شَيْخُنَا ابْنُ سُكَيْنَةَ شَيْخُ العِرَاقِ فِي الحَدِيْثِ، وَالزُّهْدِ، وَحُسْنِ السَّمْتِ، وَمُوَافِقَةِ السُّنَّةِ وَالسَّلَفِ، عُمِّرَ حَتَّى حَدَّثَ بِجَمِيْعِ مَرْوِيَّاتِهِ، وَقصدَهُ الطُّلاَّبُ مِنَ البِلاَدِ، وَكَانَتْ أَوقَاتُهُ مَحْفُوْظَةٌ، لاَ تَمضِي لَهُ سَاعَةٌ إلَّا فِي تِلاَوَةٍ، أَوْ ذِكْرٍ، أَوْ تَهجُّدٍ، أَوْ تَسْمِيْعٍ، وَكَانَ إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِ مَنَعَ مِنَ القِيَامِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَكَانَ كَثِيْرَ الحَجِّ وَالمُجَاوِرَةِ وَالطَّهَارَةِ، لاَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إلَّا لِحُضُوْرِ جُمُعَةٍ أَوْ عيدٍ أَوْ جَنَازَةٍ، وَلاَ يَحضُرُ دورَ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا فِي هَنَاءٍ وَلاَ عَزَاءٍ، يُدِيمُ الصَّوْمَ غَالِباً، وَيستعملُ السُّنَّةَ فِي أَمورِهِ، وَيُحِبُّ الصَّالِحِيْنَ، وَيُعَظِّمُ العُلَمَاءَ، وَيَتوَاضَعُ لِلنَّاسِ، وَكَانَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُوْلُ: أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُمِيتَنَا مُسْلِمِيْنَ، وَكَانَ ظَاهِرَ الخشوعِ، غزِيْرَ الدَّمعَةِ، وَيَعتذرُ مِنَ البُكَاءِ، وَيَقُوْلُ: قَدْ كَبِرْتُ وَلاَ أَملِكُهُ. وَكَانَ اللهُ قَدْ أَلْبَسَهُ رِدَاءً جَمِيْلاً مِنَ البَهَاءِ وَحُسْنِ الخِلْقَةِ وَقَبُولِ الصُّوْرَةِ، وَنورِ الطَّاعَةِ، وَجَلاَلَةِ العِبَادَةِ، وَكَانَتْ له في القلوب مَنْزِلَةٌ عَظِيْمَةٌ، وَمَنْ رَآهُ انتفَعَ برُؤْيتِهِ، فَإِذَا تَكَلَّمَ كَانَ عَلَيْهِ البَهَاء وَالنُّوْر، لاَ يُشْبَعُ مِنْ مُجَالَسَتِهِ. لَقَدْ طُفْتُ شرقاً وَغرباً وَرَأَيْتُ الأَئِمَّةَ وَالزُّهَّادَ فَمَا رَأَيْتُ أَكملَ مِنْهُ وَلاَ أَكْثَرَ عبَادَةً وَلاَ أَحْسَنَ سَمْتاً، صَحِبتُهُ قَرِيْباً مِنْ عِشْرِيْنَ سَنَةً ليلاً وَنَهَاراً، وَتَأَدَّبْتُ بِهِ، وَخَدَمْتُهُ، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ بِجَمِيْعِ رِوَايَاتِهِ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ أَكْثَرَ مَرْوِيَّاتِهِ وَكَانَ ثِقَةً حُجَّةً نبيلاً عَلَماً مِنْ أَعْلاَمِ الدِّينِ! سَمِعَ مِنْهُ الحُفَّاظُ: عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الزَّيْدِيُّ، وَالقَاضِي عُمَرُ بنُ عَلِيٍّ القُرَشِيُّ، وَالحَازِمِيُّ، وَطَائِفَةٌ مَاتُوا قَبْلَهُ.
وَسَمِعْتُ ابْنَ الأَخْضَرِ غَيْرَ مَرَّةٍ يَقُوْلُ: لَمْ يَبْقَ مِمَّنْ طَلَبَ الحَدِيْثَ وَعُنِيَ بِهِ غَيْرُ عَبْدِ الوَهَّابِ ابْن سُكَيْنَة.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كَانَ شَيْخُنَا ابْنُ نَاصِرٍ يَجْلِسُ فِي دَارِهِ عَلَى سرِيرٍ لطيفٍ، فُكُلُّ مَنْ حضَرَ عِنْدَهُ يَجْلِسُ تَحْت، إلَّا ابْن سُكَيْنَةَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: وَأَنْبَأَنَا يَحْيَى بنُ القَاسِمِ مُدَرِّسُ النِّظَامِيَّةِ فِي ذِكْرِ مَشَايِخِهِ: ابْنُ سُكَيْنَةَ كَانَ عَالِماً عَامِلاً، دَائِمَ التَّكرَارِ لِكِتَابِ "التَّنْبِيْهِ" فِي الفِقْهِ، كَثِيْرَ الاشتغَالِ بـ "المهذب"،(16/53)
وَ"الوسيطِ"، لاَ يُضيِّعُ شَيْئاً مِنْ وَقتِهِ، وَكُنَّا إِذَا دَخَلْنَا عَلَيْهِ يَقُوْلُ: لاَ تَزِيدُوا عَلَى "سَلام عَلَيْكم" مَسْأَلَةً؛ لَكَثْرَةِ حِرْصِهِ عَلَى المُبَاحثَةِ، وَتَقرِيرِ الأَحكَامِ.
وَقَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: سَمِعَ بِنَفْسِهِ، وَحصَّلَ المَسْمُوْعَاتِ، ثُمَّ سَمَّى فِي شُيُوْخِهِ: أَبَا البَرَكَاتِ عُمَرَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الزَّيْدِيَّ، وَأَبَا شجاع البسطامي.
قَالَ: وَحَدَّثَ بِمِصْرَ وَالشَّام وَالحِجَاز، وَكَانَ ثِقَةً، فَهْماً، صَحِيْحَ الأُصُوْلِ، ذَا سَكِيْنَةٍ وَوقَارٍ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ، وَابْنُ الصَّلاَحِ، وَأَبُو مُوْسَى ابْنُ الحَافِظِ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ غَنِيْمَةَ الإسكاف، ومحمد بن عسكر الطبيب، وَالعِمَادُ مُحَمَّدُ ابْنُ السُّهْرَوَرْدِيِّ، وَأَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ السَّاوجِيُّ، وَبَكْرُ بنُ مُحَمَّدٍ القَزْوِيْنِيُّ، وَعَامِرُ بن مكي، وعبد الله، وعبد الرحمن ابْنَا عَلِيِّ بنِ أَبِي الدَّينَةِ، وَالمُوَفَّقُ عَبْدُ الغَافِر بنُ مُحَمَّدٍ القَاشَانِيُّ، وَعَبْدُ الغَنِيِّ بنُ مَكِّيٍّ، وَمَكِّيُّ بنُ عُثْمَانَ بنِ الهُبْرِيِّ، وَيُوْنُسُ بنُ جَعْفَرٍ الأَزَجِيُّ، وَالنَّجِيْبُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ، وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ.
وَبِالإِجَازَةِ ابْنُ شَيْبَانَ، والفخر علي، والكمال عبد الرحمن بنُ عَبْدِ اللَّطِيْفِ ابْنِ المُكَبِّرِ.
وَقَدْ قَدِمَ ابْنُ سُكَيْنَةَ دِمَشْقَ رَسُوْلاً فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ، وَسَمِعَ مِنْهُ: التَّاجُ ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ الإِمَامُ أَبُو شَامَةَ: وَفِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ تُوُفِّيَ ابْنُ سُكَيْنَةَ، وَحضرَهُ أَربَابُ الدَّوْلَةِ، وَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً، ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ مِنَ الأَبْدَالِ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: مَاتَ فِي تَاسِعَ عَشَرَ رَبِيْعٍ الآخَرِ، رَحِمَهُ الله.(16/54)
5439- ابن الزنف:
الشَّيْخُ تَاجُ الدِّيْنِ أَبُو المَعَالِي مُحَمَّدُ ابْنُ الفَقِيْهِ أَبِي القَاسِمِ وَهْبِ بنِ سَلْمَانَ بنِ أَحْمَدَ ابْنِ الزَّنْفِ السُّلَمِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ.
سَمِعَ مِنْ: نصر الله المصيصي، وأبي الدر ياقوت الرومي.
وَعَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، -لَقِيَهُ بِبَغْدَادَ، وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالزَّكِيُّ المُنْذِرِيُّ، وَالشِّهَابُ القُوْصِيُّ، وَالفَخْرُ ابْنُ البُخَارِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ فِي شَعْبَان، سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ بِضْعٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.(16/54)
صاحب غزنة، صاحب الجزيرة، ابن طبرزذ:
5440- صاحب غزنة:
السُّلْطَانُ غِيَاثُ الدِّيْنِ مَحْمُوْدُ ابْنُ السُّلْطَانِ الكَبِيْرِ غياث الدين محمد ابن سَامٍ الغُوْرِيُّ.
مِنْ كِبَارِ مُلُوْكِ الإِسْلاَمِ، اتَّفَقَ أَنَّ خُوَارِزْمشَاه عَلاَء الدِّيْنِ هزمَ الخَطَا مَرَّاتٍ، ثُمَّ وَقَعَ فِي أَسرِهم مَعَ بَعْضِ أُمَرَائِهِ، فَبَقِيَ يَخدُمُ ذَلِكَ الأَمِيْرَ كَأَنَّهُ مَمْلُوْكهُ، ثُمَّ قَالَ الأَمِيْرُ لِلَّذِي أَسرَهُمَا: نَفِّذْ غِلْمَانَكَ إِلَى أَهْلِي لِيَفْتَكُّونِي بِمَالٍ. فَقَالَ: فَابْعَثْ مَعَهُم غُلاَمَكَ هَذَا لِيَدُلَّهُم، فَبعثَهُ وَنجَا عَلاَء الدِّيْنِ بِهَذِهِ الحيلَةِ، وَقَدِمَ، فَإِذَا أَخُوْهُ عَلِيٌّ شَاه نَائِبُهُ على خراسان قد هم بالسلطنة، فَفَزع، فَهَرَبَ إِلَى غِيَاثِ الدِّيْنِ، فَبَالَغَ فِي إِكرَامِهِ، فَجَهَّزَ عَلاَء الدِّيْنِ مُقَدَّماً، اسْمُهُ أَمِيْر ملك، فَحَارَبَ غِيَاث الدِّيْنِ إِلَى أَنْ نَزَلَ إِلَيْهِ بِالأَمَانِ، فَجَاءَ الأَمْرُ بِقَتْلِهِ وَبِقَتْلِ عَلِيّ شَاه، فَقُتِلاَ مَعاً بَغْياً وَعُدْوَاناً، سَنَةَ خَمْسٍ وست مائة.
5441- صاحب الجزيرة:
المَلِكُ مُعِزُّ الدِّيْنِ سَنْجَر ابْنُ المَلِكِ غَازِي بن مودود بن الأتابك زنكي ابن آقْسُنْقُر، صَاحِبُ جَزِيْرَةِ ابْنِ عُمَرَ.
كَانَ ظَالِماً غَاشماً لِلرَّعِيَّةِ وَللجُنْدِ، وَالحرِيْمِ، سجنَ أَوْلاَدَهُ بِقَلْعَةٍ، فَهَرَبَ وَلَدُهُ غَازِي إِلَى المَوْصِلِ، فَأَكْرَمَهُ صَاحِبُهَا، وَقَالَ: اكْفِنَا شَرَّ أَبيكَ، فَرَجَعَ وَاخْتَفَى، ثُمَّ تَسَلَّقَ وَاخْتَفَى عِنْدَ سُرَيَّةٍ، فَسترَتْ عَلَيْهِ، وَسَكِرَ أَبُوْهُ، فَوَثَبَ عَلَيْهِ ابْنُهُ فِي الخلاَءِ، فَقَتَلَهُ، فَلَمْ يُمَلِّكُوهُ، بَلْ مَلَّكُوا أَخَاهُ مَحْمُوْداً، وَدخلُوا عَلَى غَازِي فَمَانَعَ عَنْ نَفْسِهِ، فَقتلُوْهُ وَرُمِيَ، وَتَمَكَّنَ مَحْمُوْدٌ فَقتَلَ أَخَاهُ الآخرَ مَوْدُوْداً. وَقِيْلَ: بَلْ تَملَّكَ غَازِي يَوْماً وَاحِداً، ثُمَّ أُخِذَ.
وَيُحْكَى مِنْ عُسْفِ سَنْجَر وَقِلَّةِ دِيْنِهِ عَجَائِبَ، طَالَتْ أَيَّامُهُ، وَقُتِلَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
5442- ابن طبرزذ 1:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ الكَبِيْرُ الرِّحْلَةُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بن محمد بن معمر بن أَحْمَدَ بنِ يَحْيَى بنِ حَسَّانٍ البَغْدَادِيُّ، الدَّارَقَزِّيُّ، المُؤَدِّبُ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ طَبَرْزَذَ.
وَالطَّبَرْزَذ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ هُوَ السُّكَّر.
مَوْلِدُهُ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 499"، والنجوم الزاهرة "6/ 201"، وشذرات الذهب "5/ 26".(16/55)
وَسَمَّعَهُ أَخُوْهُ المُحَدِّثُ المُفِيْدُ أَبُو البَقَاءِ مُحَمَّدٌ كَثِيْراً. وَسَمِعَ هُوَ بِنَفْسِهِ، وَحصَّلَ أُصُوْلاً، وَحفظهَا. سَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ بنَ الحُصَيْنِ، وَأَبَا غَالِب ابْن البَنَّاءِ، وَأَبَا المَوَاهِبِ بنَ مُلُوْكٍ، وَأَبَا القَاسِمِ هِبَةَ اللهِ الشُّرُوْطِيَّ، وَأَبَا الحَسَنِ ابْنَ الزَّاغُوْنِيِّ، وَهِبَةَ اللهِ بنَ الطَّبَرِ، وَالقَاضِي أَبَا بَكْرٍ، وَأَبَا مَنْصُوْرٍ القَزَّازَ، وَابْنَ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَابْنَ خَيْرُوْنَ، وَأَبَا البدْرِ الكَرْخِيَّ، وَأَبَا سَعْدٍ الزَّوْزَنِيَّ، وَعَبْدَ الخَالِقِ بنَ البَدِن، وَأَبَا الفَتْحِ مُفْلِحاً الدُّومِيَّ، وَعَلِيَّ بنَ طِرَادٍ، وَخَلْقاً سِوَاهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ النَّجَّارِ، وَالضِّيَاءُ مُحَمَّدٌ، وَالزَّكِيُّ عَبْدُ العظيم، وَالصَّدْرُ البَكْرِيُّ، وَالكَمَالُ ابْنُ العَدِيْمِ، وَأَخُوْهُ مُحَمَّدٌ، وَالجمال مُحَمَّدُ بنُ عَمرُوْنَ، وَالشِّهَابُ القُوْصِيُّ، وَأَخُوْهُ عُمَرُ، وَالمَجْدُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَالتَّقِيُّ بنُ أَبِي اليُسْرِ، وَالجمال البَغْدَادِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ الكَهَفِيُّ، وَالقُطْبُ بنُ أَبِي عَصْرُوْنَ، وَالفَقِيْهُ أَحْمَدُ بنُ نِعمَةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ يلكويه الكَاتِبُ، وَالمُؤَيَّدُ أَسَعْدُ بنُ القَلاَنسِيُّ، وَالبَهَاءُ حَسَنُ بنُ صَصْرَى، وَطَاهِرٌ الكَحَّالُ، وَالجمال يَحْيَى ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ، وَالشَّيْخُ شَمْسُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي عُمَرَ، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ، وَالكَمَالُ عَبْدُ الرَّحِيْمِ، وَأَحْمَدُ بنُ شَيْبَانَ، وَغَازِي الحَلاَوِيُّ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَعَبْدُ الرَّحِيْمِ ابْنُ خَطيبِ المِزَّةِ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ المُحَسَّنِ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ عَسَاكِرَ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ مَكِّيٍّ، وَشَامِيَّةُ بِنْتُ البَكْرِيِّ، وَصَفِيَّةُ بِنْتُ شُكر، وَخَدِيْجَةُ بِنْتُ رَاجِحٍ، وَسِتُّ العربِ الكِنْديَّةُ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم. وَبِالإِجَازَةِ: ابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَالكَمَالُ الفُويره.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: سَمِعَ "السُّنَنَ" مِنْ أَبِي البَدرِ الكَرْخِيِّ بَعْضَهَا، وَمِنْ مُفلِحٍ الدُّومِيِّ بَعْضَهَا، قَالاَ: أَخْبَرَنَا الخَطِيْبُ، وَسَمِعَ "الجَامِعَ": مِنْ أَبِي الفَتْحِ الكَرُوْخِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ مُكْثِرٌ، صَحِيْحُ السَّمَاعِ، ثِقَةٌ فِي الحَدِيْثِ، تُوُفِّيَ فِي تَاسعِ رَجَبٍ سَنَةَ سَبْعٍ، وَدُفِنَ بِبَابِ حربٍ.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: وَردَ دِمَشْقَ، وَازدحَمَتِ الطَّلَبَةُ عَلَيْهِ، وَتَفَرَّدَ بِعِدَّةِ مَشَايِخَ، وَكَتَبَ كُتُباً وأجزاء، وكان مسند أهل زمانه.
وَقَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: كَانَ سَمَاعُهُ صَحِيْحاً عَلَى تخلِيطٍ فِيْهِ، سَافرَ إِلَى الشَّامِ، وَحَدَّثَ فِي طرِيقِهِ بِإِرْبِلَ، وَبِالمَوْصِلِ، وَحَرَّانَ، وَحلبَ، وَدِمَشْقَ، وَعَاد إِلَى بَغْدَادَ، وَحَدَّثَ بِهَا، وَجَمَعْتُ لَهُ "مَشْيَخَةً" عَنْ ثَلاَثَةٍ وَثَمَانِيْنَ شَيْخاً، وَحَدَّثَ بِهَا مرَاراً، وَأَملَى مَجَالِسَ بِجَامِعِ المَنْصُوْرِ، وَعَاشَ تِسْعِيْنَ سَنَةً وَسَبْعَةَ أَشهرٍ.
قُلْتُ: يُشيرُ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ بِالتَّخليطِ إِلَى أَنَّ أَخَا ابْنِ طَبَرْزَذ ضَعِيْفٌ، وَأَكْثَرُ سَمَاعَاتِ عُمَرَ بقِرَاءةِ أَخِيْهِ، وَفِي النَّفْسِ مِنْ هَذَا.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: تُوُفِّيَ ابْنُ طَبَرْزَذ، وَكَانَ خليعاً، مَاجناً، سَافرَ بَعْدَ حَنْبَلٍ إِلَى الشام،(16/56)
وَحصَلَ لَهُ مَالٌ بِسَبَبِ الحَدِيْثِ، وَعَادَ حَنْبَلٌ فَأَقَامَ يَعمل تَجَارَةً بِمَا حصَّلَ، فَسلَكَ ابْنُ طَبَرْزَذ سَبِيلَهُ فِي استعمَالِ كَاغَدٍ وَعتَّابِيٍّ، فَمَرِضَ مُدَّةً، وَمَاتَ وَرجعَ مَا حصَلَ لَهُ إِلَى بَيْتِ المَالِ كحَنْبَلٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: هُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ الحُصَيْنِ، وَابْنِ البَنَّاءِ، وَابْنِ مُلُوْكٍ، وَهِبَةِ اللهِ الوَاسِطِيِّ، وَابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؛ ابْنَي أَحْمَدَ بنِ دُحْرُوجٍ، وَعَلِيِّ بنِ طِرَادٍ، وَطُلِبَ مِنَ الشَّامِ فَتوجَّهَ إِلَيْهَا، وَأَقَامَ بِدِمَشْقَ مُدَّةً طَوِيْلَةً، وَحصَّلَ مَالاً حسناً، وَعَادَ إِلَى بَغْدَادَ، فَأَقَامَ يُحَدِّثُ، سَمِعْتُ مِنْهُ الكَثِيْرَ، وَكَانَ يَعرِفُ شُيُوْخَهُ وَيذكُرُ مَسْمُوْعَاتِهِ، وَكَانَتْ أُصُوْلُهُ بِيَدِهِ، وَأَكْثَرُهَا بِخَطِّ أَخِيْهِ، وَكَانَ يُؤدِّبُ الصِّبْيَانَ، وَيَكْتُبُ خَطّاً حسناً، وَلَمْ يَكُنْ يَفهَمُ شَيْئاً مِنَ العِلْمِ، وَكَانَ مُتَهَاوِناً بِأُمُوْرِ الدِّينِ، رَأَيْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ يَبولُ مِنْ قيام، فَإِذَا فَرغَ مِنَ الإِرَاقَةِ، أَرْسَلَ ثَوْبَهُ وَقَعَدَ مِنْ غَيْرِ اسْتنجَاءٍ بِمَاءٍ وَلاَ حجرٍ.
قُلْتُ: لَعَلَّهُ يُرَخِّصُ بِمَذْهَبِ مَنْ لاَ يُوجِبُ الاستنجَاءَ.
قَالَ: وَكُنَّا نَسْمَعُ مِنْهُ يَوْماً أَجْمَع، فَنصلِّي وَلاَ يُصَلِّي مَعَنَا، وَلاَ يَقومُ لِصَلاَةٍ، وَكَانَ يَطلبُ الأَجرَ عَلَى رِوَايَةِ الحَدِيْثِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سوءِ طرِيقتِهِ، وَخَلَّفَ مَا جمعَهُ مِنَ الحُطَامِ، لَمْ يُخْرِجْ مِنْهُ حَقّاً للهِ -عَزَّ وَجَلَّ.
وَسَمِعْتُ القَاضِي أَبَا القَاسِمِ ابْنَ العَدِيْمِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ العَزِيْز بنَ هِلاَلَةَ يَقُوْلُ، -وَغَالِبُ ظَنِّي أَنَّنِي سَمِعتُهُ مِنِ ابْنِ هِلاَلَةَ بِخُرَاسَانَ، قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بنَ طَبَرْزَذ فِي النَّوْمِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَزرقُ، فَقُلْتُ لَهُ: سَأَلتُكَ بِاللهِ مَا لَقِيْتَ بَعْدَ مَوْتِكَ؟ فَقَالَ: أَنَا فِي بَيْتٍ مِنْ نَارٍ، دَاخِلَ بَيْتٍ مِنْ نَارٍ. فَقُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَ: لأخذ الذهب عَلَى حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَخَذَ الذَّهَبَ وَكنَزَهُ وَلَمْ يُزَكِّهِ، فَهَذَا أَشَدُّ مِنْ مُجَرَّدِ الأَخْذِ، فَمَنْ أَخَذَ مِنَ الأُمَرَاءِ وَالكِبَارِ بِلاَ سُؤَالٍ وَهُوَ مُحْتَاجٌ، فَهَذَا مغتَفَرٌ لَهُ، فَإِنْ أَخَذَ بِسُؤَالٍ رُخِّصَ لَهُ بِقَدْرِ القُوْتِ، وَمَا زَادَ فَلاَ، وَمَنْ سَأَلَ وَأَخَذَ فَوْقَ الكِفَايَةِ ذُمَّ، وَمَنْ سَأَلَ مَعَ الغِنى وَالكفَايَةِ حَرُمَ عَلَيْهِ الأَخْذُ، فَإِنْ أَخَذَ المَالَ وَالحَالَة هَذِهِ وَكَنَزَهُ وَلَمْ يُؤَدِّ حقَّ اللهِ فَهُوَ مِنَ الظَّالِمِينَ الفَاسِقينَ، فَاسْتَفْتِ قَلْبَكَ، وَكُنْ خَصْماً لِرَبِّكَ عَلَى نَفْسِكَ.
وَأَمَّا تركُهُ الصَّلاَةَ فَقَدْ سَمِعت مَا قِيْلَ عَنْهُ، وَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسِ ابْنَ الظَّاهِرِيِّ يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ طَبَرْزَذ لا يصلي.
وَأَمَّا التَّخليطُ مِنْ قَبيلِ الرِّوَايَةِ، فَغَالِبُ سَمَاعَاتِهِ مَنُوطٌ بِأَخِيْهِ المُفِيْدِ أَبِي البقَاءِ، وَبقِرَاءتِهِ وَتسمِيْعِهِ لَهُ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَالَ عُمَرُ بنُ المُبَارَكِ بنِ سهلاَنَ: لَمْ يَكُنْ أَبُو البَقَاءِ بنُ طَبَرْزَذ ثِقَةً، كَانَ كَذَّاباً يَضعُ لِلنَّاسِ أَسْمَاءهُم فِي الأَجزَاءِ، ثُمَّ يَذْهَبُ فَيَقْرَأُ عَلَيْهِم، عَرَفَ بِذَلِكَ شَيْخُنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، وَمُحَمَّدُ بنُ نَاصِرٍ وَغَيْرُهُمَا.
قُلْتُ: عَاشَ أَبُو البَقَاءِ نَحْواً مِنْ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَمَاتَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَتُوُفِّيَ أَبُو حَفْصٍ بنُ طَبَرْزَذ فِي تَاسعِ رَجَبٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَدُفِنَ بِبَابِ حربٍ، -وَاللهُ يُسَامحُهُ- فَمعَ مَا أَبدَيْنَا مِنْ ضَعْفِهِ قَدْ تَكَاثرَ عَلَيْهِ الطَّلَبَةُ، وَانتشرَ حَدِيْثُهُ فِي الآفَاقِ، وَفرِحَ الحُفَّاظُ بعَوَالِيْهِ، ثُمَّ فِي الزَّمَنِ الثَّانِي تَزَاحمُوا عَلَى أَصْحَابِهِ، وَحَمَلُوا عَنْهُم الكَثِيْرَ، وَأَحْسَنُوا بِهِ الظن، والله الموعد، ووثقه ابن نقطة.(16/57)
5443- الشيخ أبو عمر 1:
الإِمَامُ العَالِمُ الفَقِيْهُ المُقْرِئُ المُحَدِّثُ البَرَكَةُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ محمد بنِ مِقْدَامِ بنِ نَصْرٍ المَقْدِسِيُّ الجَمَّاعِيْلِيُّ الحَنْبَلِيُّ الزَّاهِدُ، وَاقِفُ المَدْرَسَةِ.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ بِقَرْيَةِ جَمَّاعِيْلَ مِنْ عَمَلِ نَابُلُسَ، وَتَحَوَّلَ إِلَى دِمَشْقَ هُوَ وَأَبُوْهُ وَأَخُوْهُ وَقَرَابَتُهُ مُهَاجِرِيْنَ إِلَى اللهِ، وَتَرَكُوا المَالَ وَالوَطَنَ لاسْتِيْلاَءِ الفِرَنْجِ، وَسَكَنُوا مُدَّةً بِمَسْجِدِ أَبِي صَالِحٍ بِظَاهِرِ بَابِ شَرْقِي ثَلاَثَ سِنِيْنَ، ثُمَّ صَعَدُوا إلى سفح قاسيون، وبنوا الدير المبارك وَالمَسْجِدَ العَتِيْقَ، وَسَكَنُوا ثَمَّ، وَعُرِفُوا بِالصَّالِحِيَّةِ نِسْبَةً إِلَى ذَاكَ المَسْجِد.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَبَا المَكَارِمِ بنَ هِلاَلٍ، وَسَلْمَانَ بنَ عَلِيٍّ الرَّحَبِيَّ، وَأَبَا الفَهْمِ بنَ أَبِي العَجَائِزِ، وَعِدَّةً، وَبِمِصْرَ: ابْنَ بَرِّيّ، وَإِسْمَاعِيْلَ الزَّيَّاتَ، وَكَتَبَ وَقَرَأَ، وَحَصَّلَ وَتَقَدَّمَ، وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ، وَمِنَ الأَوْلِيَاءِ المُتَّقِيْنَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَخُوْهُ؛ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ، وَابْنَاهُ؛ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالزَّكِيُّ المُنْذِرِيُّ، وَالقُوْصِيُّ، وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَطَائِفَةٌ.
وَقَدْ جَمَعَ لَهُ الحَافِظُ الضِّيَاءُ "سِيْرَةً" فِي جُزْءيْنِ، فَشَفَى وَكَفَى، وَقَالَ: كَانَ لاَ يَسْمَعُ دُعَاءً إلَّا وَيَحْفَظُهُ فِي الغَالِبِ، وَيَدْعُو بِهِ، وَلاَ حَدِيْثاً إلَّا وَعَمِلَ بِهِ، وَلاَ صَلاَةً إلَّا صَلاَّهَا، كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي النِّصْفِ مائَةَ رَكْعَةٍ وَهُوَ مُسِنٌّ، وَلاَ يَتْرُكُ قِيَامَ اللَّيْلِ مِنْ وَقْتِ شُبُوبِيَتِهِ. وَإِذَا رَافَقَ نَاساً فِي السَّفَرِ نَامُوا وَحَرَسَهُم يُصَلِّي.
قُلْتُ: كَانَ قُدْوَةً، صَالِحاً، عَابِداً، قَانِتاً للهِ، ربانيًا، خاشعًا، مخلصًا، عديم النظر، كَبِيْرَ القَدْرِ، كَثِيْرَ الأَوْرَادِ وَالذِّكْرِ، وَالمُرُوْءَةِ وَالفُتوّةِ والصفات الحميدة، قل أن ترى العيون
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 201، 202"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 27-30".(16/58)
مِثْلَهُ. قِيْلَ: كَانَ رُبَّمَا تَهَجَّدَ، فَإِنْ نَعَسَ ضَرَبَ عَلَى رِجْلَيْهِ بِقَضِيْبٍ حَتَّى يَطِيْرَ النُّعَاسُ. وَكَانَ يُكْثِرُ الصِّيَامَ، وَلاَ يَكَادُ يَسْمَعُ بِجَنَازَةٍ إلَّا شَهِدَهَا، وَلاَ مَرِيْضٍ إلَّا عَادَهُ، وَلاَ جِهَادٍ إلَّا خَرَجَ فِيْهِ، وَيَتْلُو كُلَّ لَيْلَةٍ سُبعاً مُرَتَّلاً فِي الصَّلاَةِ، وَفِي النَّهَارِ سُبعاً بين الصلاتين، وإذا صلى الفَجْرَ تَلاَ آيَاتِ الحَرْسِ وَيس وَالوَاقِعَةَ وَتَبَارَكَ، ثُمَّ يُقْرِئُ وَيُلَقِّنُ إِلَى ارْتفَاعِ النَّهَارِ، ثُمَّ يُصَلِّي الضُّحَى، فَيُطِيْل وَيُصَلِّي طَوِيْلاً بَيْنَ العِشَائَينِ، وَيُصَلِّي صَلاَةَ التَّسْبِيْحِ كُلَّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ، وَيُصَلِّي يَوْمَ الجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ بِمائَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، فَقِيْلَ: كَانَتْ نَوَافِلُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيلَةٍ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ رَكْعَةً. وَلَهُ أَذْكَارٌ طَوِيْلَةٌ، وَيَقْرَأُ بَعْدَ العِشَاءِ آيَاتِ الحَرْسِ، وَلَهُ أَوْرَادٌ عِنْدَ النَّوْمِ وَاليَقَظَةِ، وَتَسَابِيْحُ، وَلاَ يَتْرُكُ غُسْلَ الجُمُعَةِ، وَيَنْسَخُ الخِرَقِيَّ مِنْ حِفْظِهِ، وَلَهُ مَعْرِفَةٌ بالفقه وَالفَرَائِضِ. وَكَانَ قَاضِياً لِحَوَائِجِ النَّاسِ، وَمَنْ سَافَرَ مِنَ الجَمَاعَةِ يَتَفَقَّدُ أَهَالِيْهِم، وَكَانَ النَّاسُ يَأْتُوْنَهُ فِي القَضَايَا فَيُصْلِحُ بَيْنَهُم، وَكَانَ ذَا هَيْبَةٍ وَوَقْعٍ فِي النُّفُوْسِ.
قَالَ الشَّيْخُ المُوَفَّقُ: رَبَّانَا أَخِي، وَعَلَّمَنَا، وَحَرَصَ عَلَيْنَا، كَانَ لِلْجَمَاعَةِ كَالوَالِدِ يَحْرِصُ عَلَيْهِم وَيَقومُ بِمَصَالِحِهِم، وَهُوَ الَّذِي هَاجَرَ بِنَا، وَهُوَ سَفَّرَنَا إِلَى بَغْدَادَ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَقُوْمُ فِي بِنَاءِ الدَّيْرِ، وَحِيْنَ رَجَعْنَا زَوَّجَنَا، وَبَنَى لَنَا دُوْراً خَارِجَ الدَّيْرِ، وَكَانَ قَلَّمَا يَتَخَلَّفُ عَنْ غَزَاةٍ.
قَالَ الشَّيْخُ الضِّيَاءُ: لَمَّا جَرَى عَلَى الحَافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ مِحْنَتَهُ، جَاءَ أَبَا عُمَرَ الخَبَرُ، فَخَرَّ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ، فَلَمْ يُفقْ إلَّا بَعْدَ سَاعَةٍ، وَكَانَ كَثِيْراً مَا يَتَصَدَّقُ بِبَعْضِ ثِيَابِهِ، وَتَكُوْنُ جُبَّتُهُ فِي الشِّتَاءِ بِلاَ قَمِيْصٍ، وَرُبَّمَا تَصَدَّقَ بِسَرَاوِيْلِهِ، وَكَانَتْ عامته قُطْعَةً بِطَانَةً، فَإِذَا احْتَاجَ أَحَدٌ إِلَى خِرقَةٍ، قَطَعَ لَهُ مِنْهَا، يَلْبَسُ الخَشِنَ، وَيَنَامُ عَلَى الحَصِيْرِ، وَرُبَّمَا تَصَدَّقَ بِالشَّيْءِ وَأَهْلُهُ مُحْتَاجُوْنَ إِلَيْهِ، وَكَانَ ثَوْبُهُ إِلَى نِصْفِ سَاقِهِ، وَكُمُّهُ إِلَى رُسْغِهِ، سَمِعْتُ أُمِّي تَقُوْلُ: مَكَثْنَا زَمَاناً لاَ يَأْكُلُ أَهْلُ الدَّيْرِ إلَّا مِنْ بَيْتِ أَخِي أبي عمر، وكان يقول: إذا لم تَتَصَدَّقُوا مَنْ يَتَصَدَّقُ عَنْكُم، وَالسَّائِلُ إِنْ لَمْ تُعْطُوْهُ أَنْتُم أَعْطَاهُ غَيْرُكُم، وَكَانَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي خَيْمَةٍ عَلَى حِصَارِ القُدْسِ فَزَارَهُ المَلِكُ العَادِلُ، فَلَمْ يَجِدْهُ، فَجَلَسَ سَاعَةً، وَكَانَ الشَّيْخُ يُصَلِّي فَذَهَبُوا خَلْفَهُ مَرَّتَيْنِ فَلَمْ يَجِئْ، فَأَحْضَرُوا لِلْعَادِلِ أقراصاُ فَأَكَلَ وَقَامَ وَمَا جَاءَ الشَّيْخُ.
قَالَ الصَّرِيْفِيْنِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً قَطُّ لَيْسَ عِنْدَهُ تَكَلُّفٌ غَيْرَ الشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ.
قَالَ الشَّيْخُ العِمَادُ: سَمِعْتُ أَخِي الحَافِظَ يَقُوْلُ: نَحْنُ إِذَا جَاءَ أَحَدٌ اشْتَغَلنَا بِهِ عَنْ عَمَلِنَا، وَإِنّ خَالِي أَبُو عُمَرَ فِيْهِ لِلدُّنْيَا وَالآخِرَة يُخَالِطُ النَّاسَ وَلاَ يُخلي أَوْرَادَهُ.
قُلْتُ: كَانَ يَخْطُبُ بِالجَامِعِ المُظَفَّرِيِّ، وَيُبْكِي النَّاسَ، وَرُبَّمَا أَلَّفَ الخُطْبَةَ، وَكَانَ يَقْرَأُ الحَدِيْثَ سَرِيعاً بِلاَ لَحْنٍ، وَلاَ يَكَادُ أَحَدٌ يَرْجِع مِنْ رِحلَتِه إلَّا وَيَقرَأُ عَلَيْهِ شَيْئاً مِنْ سَمَاعِه، وَكَتَبَ(16/59)
الكَثِيْرَ بِخَطِّه المَلِيْحِ كَـ "الحِلْيَةِ"، وَ"إِبَانَةِ ابْنِ بَطَّةَ"، وَ"مَعَالِم التَّنْزِيلِ"، وَ"المُغْنِي"، وَعِدَّة مَصَاحِف. وَرُبَّمَا كَتَبَ كرَّاسَينِ كِبَاراً فِي اليَوْمِ، وَكَانَ يَشفعُ بِرقَاع يَكتُبُهَا إِلَى الوَالِي المُعْتَمِد وَغَيْرِهِ. وَقَدِ اسْتَسقَى مَرَّة بِالمَغَارَةِ فَحِيْنَئِذٍ نَزَلَ غَيث أَجرَى الأَوديَة. وَقَالَ: مُذْ أَمَمْتُ مَا تركتُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ.
وَقَدْ سَاق لَهُ الضِّيَاءُ كَرَامَاتٍ وَدَعَوَاتٍ مُجَابَاتٍ، وَذَكَرَ حِكَايَتَيْنِ فِي أَنَّهُ قُطِّبَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ. وَكَانَ إِذَا سَمِعَ بِمُنكَرٍ اجْتهدَ فِي إِزَالَتِه، ويكتب فيه إِلَى المَلِكِ، حَتَّى سَمِعنَا عَنْ بَعْضِ المُلُوْكِ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا الشَّيْخُ شَرِيكِي فِي مُلكِي.
وَكَانَ لَيْسَ بِالطَّوِيْلِ، صَبِيْحَ الوَجْهِ، كَثَّ اللِّحْيَةِ، نَحِيْفاً، أَبيضَ، أَزرقَ العَينِ، عَالِي الجَبهَةِ، حَسَنَ الثَّغْرِ، تَزَوَّجَ فِي عُمُرِه بِأَرْبَع، وَجَاءهُ عِدَّةُ أَوْلاَدٍ أَكْبَرهُم عُمَرُ، وَبِهِ يُكْنَى، وَأَصْغَرهُم عَبْد الرَّحْمَنِ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّيْنِ. وَمِنْ شِعْرِهِ:
أَلَمْ تَكُ مَنْهَاةً عَنِ الزّهو أَنَّنِي ... بَدَا لِي شَيْبُ الرَّأْسِ وَالضَّعْفُ وَالأَلَمْ
أَلَمَّ بِيَ الخَطْبُ الَّذِي لَوْ بَكَيْتُهُ ... حَيَاتِيَ حَتَّى يَنْفَدَ الدَّمْعُ لَمْ أُلَمْ
وَقَدْ مَاتَ ابْنُه عُمَرُ، فَرَثَاهُ بِأُرْجُوزَةٍ حَسَنَةٍ.
تُوُفِّيَ أَبُو عُمَرَ، فَقَالَ الصَّرِيْفِيْنِيُّ: حَزَرْتُ الجَمْعَ بِعِشْرِيْنَ أَلْفاً.
قُلْتُ: وَرَثَاهُ ابْنُ سَعْدٍ، وَأَحْمَدُ ابْنُ المَزْدَقَانِيِّ. وَتُوُفِّيَ إِلَى رِضْوَانِ اللهِ: عَشِيَّةَ الاثْنَيْنِ، فِي الثَّامنِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقَدِ اسْتَوْفَيْتُ سِيْرَتَهُ فِي "تَارِيْخِ الإِسْلاَمِ".(16/60)
5444- ابن القبيطي 1:
الإِمَامُ الصَّدُوْقُ أَبُو الفَرَجِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بن حمزة بن فارس، ابن القُبَّيْطِيِّ البَغْدَادِيُّ، الكَاتِبُ، أَخُو حَمْزَةَ.
وُلِدَ سَنَةَ 528، وَسَمِعَ الحُسَيْن سِبْط الخَيَّاط، وَأَخَاهُ الإِمَام أَبَا مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ ابْنِ السَّلاَّلِ، وَعَلِيّ ابْن الصَّبَّاغِ، وَأَبَا سَعْد ابْن البَغْدَادِيّ، وَالأُرْمَوِيّ، وَخَلْقاً كَثِيْراً، وَتَفَرَّد، وَحَدَّثَ بِالكَثِيْرِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَرَأْت عَلَيْهِ كَثِيْراً، وَكَانَ صَدُوْقاً، مَرضيّاً، حُفَظَةً لِلْحِكَايَات وَالأَشعَار.
مَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سنة تسع وست مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 207"، وشذرات الذهب "5/ 38" ووقع عنده [ابن القسطي] بالسين المهملة بدل [ابن القبيطي] .(16/60)
ابن كامل، المعبر:
5445- ابن كامل 1:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ الفَقِيْهُ المُعَمَّرُ أَبُو الفَرَجِ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ كَامِلٍ البَغْدَادِيُّ، الوَكِيْلُ.
وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي غَالِبٍ ابْنِ البَنَّاءِ، وَأَبِي القَاسِمِ هِبَة اللهِ بن عَبْدِ اللهِ الشُّرُوْطِيّ، وَبدر الشِّيْحِيّ، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ بن خَيْرُوْنَ. وَلَهُ إِجَازَة ابْن الحُصَيْن.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْن الدُّبَيْثِيِّ، والضياء، واليلداني، والنجيب الحراني، وَأَخُوْهُ العِزّ عَبْد العَزِيْزِ، وَجَمَاعَةٌ. وَأَجَاز: لابْنِ شَيْبَان، وَالفَخْر عَلِيّ، وَالكَمَال ابْن المُكَبِّر. وَكَانَ بَصِيْراً بِالحكوَمَاتَ، صَاحِب قبُول وَشُهرَة بِذَلِكَ.
مَاتَ فِي خَامِس رَجَب، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
5446- المعبر 2:
الشَّيْخُ العَالِمُ المُسْنِدُ أَبُو العَبَّاسِ الخَضِرُ بنُ كَامِلِ بنِ سَالِمِ بنِ سُبَيْعٍ الدِّمَشْقِيُّ، السَّرُوْجِيُّ، الدَّلاَلُ، المُعَبِّرُ.
سَمِعَ مِنَ: الفَقِيْهِ نَصْرِ اللهِ المَصِّيْصِيِّ، وَأَبِي الدُّرّ يَاقُوْت الرُّوْمِيّ، وَبِبَغْدَادَ، مِنَ: الحسين بن علي بن سِبْط الخَيَّاط. وَرَوَى الكَثِيْر.
حَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاء، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالزّكيَّان: البِرْزَالِيّ وَالمُنْذِرِيّ، وَالقُوْصِيّ، وَاليَلْدَانِيّ، وَالفَخْر عَلِيّ.
مَاتَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وست مائة، وهو في عشر التسعين.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 202"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 30".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 205"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 33".(16/61)
القصري، يونس بن يحيى:
5447- القصري:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ العَارِفُ القُدْوَةُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ أبو محمد عَبْدُ الجَلِيْلِ بنُ مُوْسَى بنِ عَبْدِ الجَلِيْلِ الأَنْصَارِيُّ الأَوْسِيّ، الأَنْدَلُسِيّ، القُرْطُبِيّ، المَشْهُوْرُ بِالقَصْرِيِّ؛ لِنُزولِه بقَصْر عَبْد الكَرِيْمِ، وَهُوَ قَصْر كتَامَة؛ بلد بِالمَغْرِبِ الأَقْصَى.
رَوَى المُوَطَّأ عَنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ حُنَيْنٍ صَاحِب ابْن الطّلاع، وَصَحِبَ بِالقَصْر أبا الحَسَن بن غَالِبٍ الزَّاهِد وَلاَزمه، وَسَاد فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ، وَكَانَ مُنْقَطِع القَرِيْنِ.
صَنّف "التَّفْسِيْر" وَ"شرح الأَسْمَاء الحُسْنَى"، وَكِتَاب "شُعب الإِيْمَان". وَكَلاَمه فِي الحَقَائِق رفِيع، بَدِيْع، مَنُوط بِالأَثر فِي أَكْثَر أَموره، وَرُبَّمَا قَالَ أَشيَاء باجْتِهَاده وَذوقه، وَاللهِ يغْفر لَهُ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ بنُ الزُّبَيْرِ: كَلاَمه فِي طرِيقَة التَّصَوُّف سهل مُحَرَّر مَضْبُوْط بِظَاهِرِ الكِتَاب وَالسّنَّة، وَلَهُ مشَاركَة فِي عُلُوْم وَتَصرّف فِي العَرَبِيَّة، خُتِم بِهِ التَّصَوُّف بِالمَغْرِبِ وَرُزقَ مِنْ عَلِيِّ الصِّيتِ وَالذِّكر الجَمِيْل مَا لَمْ يُرْزَق كَبِيْر أَحَد.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَزْدِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ الغَافِقِيّ، وَغَيْرهُمَا.
قَالَ: وَتُوُفِّيَ بِسبتَة، فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
5448- يُوْنُسُ بنُ يَحْيَى 1:
الهَاشِمِيُّ الأَزَجِيُّ القَصَّارُ المُجَاوِرُ.
سَمِعَ الأُرْمَوِيَّ، وَابْن الطَّلاَّيَةِ، وابن ناصر، وعدة. وروى بأماكن.
حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيّ، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاء مُحَمَّد، وَالتَّاج ابْن القَسْطَلانِيِّ، وَيَعْقُوْب بن أَبِي بَكْرٍ الطَّبَرِيّ.
تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ، سَنَة ثَمَانٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 36".(16/62)
ابن عات، ربيعة بن الحسن:
5449- ابن عات 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ الحَافِظُ البَارِعُ القُدْوَةُ الزَّاهِدُ أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بنُ هَارُوْنَ بنِ أَحْمَدَ بنِ جَعْفَرِ بنِ عَاتٍ النَّفْزِيُّ، الشَّاطِبِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ: أَبَاهُ العَلاَّمَة أَبَا مُحَمَّدٍ، وَأَبَا الحَسَنِ بنِ هُذَيْلٍ، وَالحَافِظ عُلَيْم بن عَبْدِ العَزِيْزِ، وَالحَافِظ أَبَا طَاهِرٍ السِّلَفِيّ بِالثَّغْرِ، وَأَبَا الطَّاهِر بن عَوْف، وَعَاشر بن مُحَمَّدٍ، وَعِدَّة.
وَكَانَ مِنْ بَقَايَا الحُفَّاظ المُكْثِرِيْنَ.
كَانَ الحَافِظ عَلِيّ بن المُفَضَّلِ يذكرهُ بكثرة الحفظ والميل إلى تحصيل المعارف.
قَالَ الأَبَّارُ: كَانَ أَحَدَ الحُفَّاظِ، يَسْرُدُ المتُوْنَ، وَيَحْفَظُ الأَسَانِيْدَ عَنْ ظَهْرِ قَلْب، لاَ يخلّ مِنْهَا بِشَيْءٍ مَوْصُوَفاً بِالدّرَايَة وَالرِّوَايَة، غَالِباً عَلَيْهِ الوَرَع وَالزُّهْد، يَلْبَس الْخشن، وَيَأْكُل الجَشِب2، وَرُبَّمَا أَذّن فِي المَسَاجِدِ، لَهُ تَصَانِيْف دَالَّة عَلَى سعَة حَفِظه مَعَ حظّ مِنَ النّظم وَالنَّثْر. أَجَاز لِي، وَحدّثونَا عَنْهُ. قَالَ: وَتُوُفِّيَ غَازِياً، فَشهد وَقْعَة العِقَاب الَّتِي أَفضت إِلَى خرَاب الأَنْدَلُس بِالدَّائِرَة عَلَى المُسْلِمِيْنَ فِيْهَا، فَعُدم أَبُو عُمَرَ فِي صَفَرٍ سَنَة تِسْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: رَبِيْعَة اليَمَنِيّ المُحَدِّث، وَأَبُو الفَضْلِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ المُعَزّمِ، وَشَيْخ النَّحْو أَبُو الحَسَنِ بنُ خَرُوْف الإِشْبِيْلِيّ، وَأَبُو الفَرَجِ مُحَمَّد بن عَلِيٍّ ابْن القُبَّيْطِيّ، وَالقُدْوَة مَحْمُوْد بن عُثْمَانَ النَّعَّال.
5450- رَبِيْعَةُ بنُ الحسن 3:
ابن علي بن عبد الله بن يحيى، الإِمَامُ الفَقِيْهُ الأَوْحَدُ المُحَدِّثُ الرَّحَّالُ الثِّقَةُ، أَبُو نِزَار الحَضْرَمِيُّ، اليَمَنِيُّ، الصَّنْعَانِيُّ، الذِّمارِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
مَوْلِدُهُ في سنة خمس وعشرين وخمس مائة.
تَفقّه بظفَار عَلَى الفَقِيْه مُحَمَّد بن حَمَّادٍ، وغيره.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1118"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 36، 37"، ووقع عنده [النقرى] بضم النون والقاف بدلا من [النفزى] بالنون والفاء الموحدة الفوقية.
2 الجشب: هو الغليظ الخشن من الطعام. وقيل غير المأدوم. وكل بشع الطعام جشب.
3 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1120"، والنجوم الزاهرة "6/ 207"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 37".(16/63)
وَركب البَحْر إِلَى كيش وَالبَصْرَة، وَارْتَحَلَ إِلَى أَصْبَهَانَ، فَأَقَامَ بِهَا مُدَّة، وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِي السعادات الفقه. وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي المُطَهَّر القَاسِم بن الفَضْلِ الصَّيْدَلاَنِيّ، وَرَجَاء بن حَامِد، وَإِسْمَاعِيْل بن شَهْرَيَار، وَعَبْد اللهِ بن عَلِيٍّ الطَّامِذِيّ، وَمُحَمَّد بن سَهْلٍ المُقْرِئ، وَعَبْد الجَبَّارِ بن مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي ذَرٍّ الصَّالحَانِيُّ، وَهِبَة اللهِ بن حَنَّةَ، وَمَعْمَر بن الفَاخِرِ، وَعِدَّة. وَبِبَغْدَادَ مِنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ ابْنِ الخَشَّابِ، وَشُهْدَة، وَبِالثَّغْر مِنَ: السِّلَفِيّ، وَبِمَكَّةَ مِنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ المُبَارَك بن الطَّبَّاخِ.
وَحَدَّثَ بِدِمَشْقَ وَبِمِصْرَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاء، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالبِرْزَالِيّ، وَالمُنْذِرِيّ، وَالشِّهَاب القُوْصِيّ، وَالتَّقِيّ اليَلْدَانِيّ، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ النُّشبِيّ، وَجَمَاعَة.
قَالَ المُنْذِرِيّ: كَانَتْ أُصُوْله أَكْثَرهَا بِاليَمَنِ، وَهُوَ أَحَد مَنْ يَفهَم هَذَا الشَّأْن مِمَّنْ لَقِيْتُهُ، وَكَانَ عَارِفاً بِاللُّغَةِ مَعْرِفَة حَسَنَة، كَثِيْر التِلاَوَة، كَثِيْر التّعبد وَالانْفِرَاد.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: كان أبو نزار إمامًا عالمًا ثِقَةً أَديباً شَاعِراً حَسَن الخطّ ذَا دين وَورع. مَوْلِدُهُ بِشِبَامَ مِنْ قُرَى حضَرموت. مَاتَ فِي ثَانِيَ عَشَرَ جُمَادَى الآخِرَة سَنَة تِسْعٍ وست مائة.
وَقَالَ القُوْصِيّ: أَنْشَدَنَا أَبُو نِزَار لِنَفْسِهِ:
بِبَيْتِ لِهْيَا بِسَاتِيْنٌ مُزَخْرَفَةٌ ... كَأَنَّهَا سُرِقَتْ مِنْ دَارِ رِضْوَانِ
أَجْرَتْ جَدَاوِلُهُ ذَوْبَ اللُّجينِ عَلَى ... حَصَىً مِنَ الدُّرِّ مخلُوْطٍ بِعِقْيَانِ
وَالطَّيرُ تَهتِفُ فِي الأَغصَانِ صَادحَةً ... كضَارِبَاتِ مَزَامِيْرٍ وَعِيدَانِ
وَبَعْدَ هَذَا لِسَانُ الحَالِ قَائِلَةٌ: ... مَا أَطْيَبَ العَيشَ فِي أَمْنٍ وَإِيْمَانِ
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي نِزَار بِالإِجَازَةِ: أحمد بن سلامة، والفخر علي.(16/64)
الحصار، زاهر بن رستم:
5451- الحصار 1:
الإمام المقرئ الوَقْتِ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ يَحْيَى بنِ عَوْنِ اللهِ الدَّانِيُّ، ثُمَّ المُرْسِيُّ، الحَصَّارُ.
وُلِدَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ. وَذَكَرَ أَنَّهُ تَلاَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ سَعِيْدٍ. وَرَحَلَ، فَتلاَ بِالسَّبْع عَلَى أَبِي الحَسَنِ بنِ هُذَيْلٍ، وَسَمِعَ مِنْهُ الكَثِيْر، وَمِنِ ابْنِ النِّعمَة، وَابْن سعَادَة.
تَلاَ عَلَيْهِ مُحَمَّد بن جوبر، وَالعَلَمُ أَبُو القَاسِمِ، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ مُشِليُوْن، وَعِدَّة.
مَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَة تسع وست مائة.
لَيَّنَهُ أَبُو الرَّبِيْعِ الكَلاَعِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: سَمِعَ فِي صغره مِنْ أَبِي الوَلِيْدِ ابْنِ الدَّبَّاغِ، وَجَمَعَ السَّبْع عَلَى ابْنِ سَعِيْد.
وَقَالَ الأَبَّارُ: لَمْ يَكُنْ أَحَد يُدَانِيه فِي الضَّبْط وَالتّجويد، أَخَذَ عَنْهُ الآبَاء وَالأَبْنَاء، اضْطَرَب بِأَخَرَةٍ، فَأَسند عَنْ جَمَاعَةٍ أَدْركهُم، وَكَانَ بَعْض شُيُوْخنَا يُنكر عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ مُشِليُوْن: كَانَ الحَصَّارُ يَنسخ "التَّيْسِيْر" فِي أُسْبُوْع، وَيَقتَات بِثمنِهِ، وَكَانَ وَرِعاً.
قُلْتُ: أَكْثَر عَنْهُ الأَبَّار، وَقوَّاهُ، لَكنّه مَا سَمَّى فِي شُيُوْخه ابْنَ سَعِيْدٍ الدَّانِيّ.
5452- زاهر بن رستم 2:
ابن أبي الرجاء، الإِمَامُ العَالِمُ المُفْتِي المُقْرِئُ المُجَوِّدُ القُدْوَةُ أَبُو شُجَاعٍ الأَصْبَهَانِيُّ ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الشَّافِعِيُّ، الصُّوْفِيُّ، المُجَاوِرُ، إِمَامُ المَقَامِ.
تَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ سِبْط الخَيَّاط، وَعَلَى أَبِي الكَرَمِ صَاحِب "المِصْبَاح".
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيِّ، وَأَبِي الفَتْحِ الكَرُوْخِيّ، وَأَبِي غَالِبٍ مُحَمَّد ابْن الدَّايَةِ، وَسِبْط الخَيَّاط، وَطَائِفَة.
وَتَفَقَّهَ، وَصَحِبَ الزُّهَّاد، وَجَاور مُدَّة، ثُمَّ انْقَطَع وَعجز.
قَالَ ابْنُ نُقْطَة: ثِقَة، صَحِيْح الأَخْذِ لِلْقِرَاءات وَالحَدِيْث.
قَالَ الزَّكِيّ المُنْذِرِيّ: لَمْ يَتفق لِي السَّمَاع مِنْهُ، وَأَجَاز لِي، وَتُوُفِّيَ فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَة تِسْعٍ وَسِتِّ مائة.
قلت: حدث عنه ابن الدبيثي، وابن خَلِيْلٍ، وَالبِرْزَالِيّ، وَالضِّيَاء مُحَمَّد، وَالنَّجِيْب عَبْد اللَّطِيْفِ، وابن القسطلاني التاج، وآخرون.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1390"، والنجوم الزاهرة "6/ 207"، وشذرات الذهب "5/ 36".
2 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1390"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 207"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 37".(16/65)
ابن نوح، صاحب الروم، ابن شنيف:
5453- ابن نوح 1:
الإِمَامُ شَيْخُ القُرَّاءِ القَاضِي أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْب بنِ نُوْحٍ الغَافِقِيُّ، البَلَنْسِيُّ.
تَلاَ عَلَى: ابْنِ هذِيل. وَسَمِعَ مِنْ جَمَاعَة، وَتَفَقَّهَ بِابْنِ عِقَال، وَحفظ "المُدَوَّنَة"، وَأَخَذَ النَّحْو عَنِ: ابْنِ النِّعمَة. وَأَجَاز لَهُ أَبُو مَرْوَانَ بنُ قُزْمَانَ، وَالسِّلَفِيّ. وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الأَئِمَّة، خطب ببلنسية، وكان ذا دعابة.
تَلاَ عَلَيْهِ بِالسَّبْع: أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَبَّارُ، وَعَلَم الدِّيْنِ اللورقِيّ، وَطَائِفَة.
مَاتَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ ثَمَانٌ وَسَبْعُوْنَ سنة، وكان صاحب فنون.
5454- صاحب الروم:
السُّلْطَانُ غِيَاثُ الدِّيْنِ كيخسرو بنِ قِلْج رسلاَنَ السَّلْجُوْقِيُّ، قَتله ملك الأَشكرِيِّ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، فَتَمَلَّكَ بَعْدَهُ ابْنه كيكَاوس.
وَكَانَتْ أَيَّام كيخسرو تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
وَبعد أَرْبَع سِنِيْنَ، أَسرت التُّرُكْمَان ملك الأشكرِي، وَأَتَوا بِهِ إِلَى كيخسرو، فَأَرَادَ قَتله، فَبذل فِي نَفْسِهِ أَمْوَالاً وقلاعًا لم يملكا المسلمون قط فقبل ذلك.
5455- ابن شنيف 2:
الشَّيْخُ العَالِمُ الصَّادِقُ الخَيِّرُ المُسْنِدُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ سَعِيْدِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ شنيف بن محمد الدارقزي، الأمين.
وُلِدَ سَنَةَ 525. وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَمِنْ هِبَة اللهِ ابْن الطَّبَرِ، وَالقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الأَنْصَارِيّ، وَإِسْمَاعِيْل ابْن السَّمَرْقَنْدِيّ، وَعَبْد المَلِكِ بن عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زُرَيْقٍ، وَجَمَاعَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْن دبيثي، وَابْن النَّجَّارِ، وَالضِّيَاء، وَالنَّجِيْب الحَرَّانِيّ، وَالخَطِيْب شرف بن قَارُوْنَ الهَاشِمِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَأَجَاز لِلْفخر عَلِيّ، وَللكمَال الفُوَيْرِه. وَكَانَ أَمِيناً لِلْقُضَاةِ بِمحلّته وَمَا يَلِيهَا هُوَ وَأَبُوْهُ، وَكَانَ مِنْ صلحَاء الحَنَابِلَة.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: كَانَ ثِقَةً مِنْ بَيْت حَدِيْث، أَخذتُ عَنْهُ، وَنِعْمَ الشَّيْخ كَانَ، تُوُفِّيَ فِي ثَالِثَ عَشَرَ المُحَرَّمِ، سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 204، 205"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 34".
2 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1395"، وشذرات الذهب "5/ 42".(16/66)
ابن المعزم، العاقولي، ابن مندويه:
5456- ابن المعزم 1:
الفقيه أبو الفَضْلِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ أَبِي زَيْدٍ بنِ المُعَزِّمِ الهَمَذَانِيُّ.
سَمِعَ: أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي عَلِيٍّ، وَالبَدِيْع أَحْمَد بن سَعْدٍ العِجْلِيّ، وَهِبَة اللهِ ابْن أُخْت الطَّوِيْل، وَعِدَّة. وَانْفَرَدَ عَنِ العِجْلِيّ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ نُقْطَة، وَالرَّفِيع الهَمَذَانِيّ، وَالشَّرَف المُرْسِيّ، وَالصَّدْر البكري، وعدة.
توفي سنة ثمان وست مائة.
5457- العاقولي 2:
الإِمَامُ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ أَبِي البَقَاءِ العَاقُوْلِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
تَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى أَبِي الكَرَمِ الشَّهْرُزُوْرِيّ، وَتَصَدَّرَ لِلإِقْرَاءِ، وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي مَنْصُوْرٍ القَزَّاز، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ بن خَيْرُوْنَ، وَعِدَّة.
رَوَى عَنْهُ: ابْن خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاء، وَالنَّجِيْب، وَابْن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَغَيْرهُم.
مَاتَ يَوْم التّرويَة، سَنَة ثَمَانٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، رَحِمَهُ اللهُ.
5458- ابن مندويه 3:
الشَّيْخُ الإِمَامُ شَيْخُ القُرَّاءِ، بَقِيَّة السَّلَفِ، أَبُو مسعود عبد الجليل بن أَبِي غَالِبٍ بنِ أَبِي المَعَالِي بنِ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنِ بنِ مَنْدَوَيْه الأَصْبَهَانِيُّ، السَّريجَانِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. وَسَمِعَ فِي كبره مِنْ: نَصْر بن المُظَفَّر، وَمِنْ أَبِي الوَقْت السِّجْزِيّ. وَحَدَّثَ "بِالصَّحِيْحِ" وَبأَجزَاءٍ عَالِيَةٍ بِدِمَشْقَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الزَّكِيَّانِ؛ البِرْزَالِيُّ وَالمُنْذِرِيُّ، وَابْنُ خليل، والضياء، واليلداني،
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1390"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 37".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 205"، وشذرات الذهب "5/ 32".
3 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 209"، وشذرات الذهب "5/ 42".(16/67)
وَالقُوْصِيّ، وَالمُحْيِي بن عَصْرُوْنَ، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عُمَرَ المِزِّيّ، وَعَلِيّ بن أَبِي بَكْرٍ بنِ صَصْرَى، وَالفَخْر عَلِيّ وَبِالإِجَازَةِ: أَبُو حَفْصٍ ابْن القَوَّاس.
قَالَ ابْنُ نُقْطَة: ثِقَة صَالِحٌ، صَحِيْح السَّمَاع، سَمِعْتُ مِنْهُ بِدِمَشْقَ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الجُمُعَةِ سَابِعَ عَشَرَ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: مَا علمت عَلَى مَنْ قرَأَ، وَكَانَ يَدْرِي القِرَاءات. وَبَعْضُهُم قيّد السُّرِيْجَانِيّ بِضم السّين، وَكسر الرَّاء، وَنُوْنَ سَاكنَة، فَاللهُ أَعْلَم.
وَفِيْهَا مَاتَ: تَاجُ الأُمَنَاءِ أَحْمَدُ بن مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ عَسَاكِرَ، وَخَطِيْبُ قُرْطُبَة أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الحِمْيَرِيّ فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ، والفخر إسماعيل بن علي الزجي الحَنْبَلِيّ المُتَكَلِّم المُصَنِّف غُلاَم ابْن المنِّيّ، وَزَيْنَب بِنْت إِبْرَاهِيْم القَيْسِيَّة زَوْجَة الدَّوْلَعِيّ، وَالوَزِيْر مُعِزّ الدين سَعِيْد بن حَدِيْدَةَ الأَنْصَارِيّ البَغْدَادِيّ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ هَبَل الطَّبِيْب مُهَذَّب الدين.(16/68)
5459- عَيْنُ الشَّمْسِ 1:
بِنْتُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي الفَرَجِ، أُمُّ النُّوْرِ الثَّقَفِيَّةُ. الأَصْبَهَانِيَّةُ، مُسْنِدَةُ وَقْتِهَا.
سَمِعَتْ حُضُوْراً فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ مِنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ الإِخْشِيْذِ، وَسَمِعَتْ "جُزْءَ أَبِي الشَّيْخِ" مِنْ: مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي ذَرٍّ الصَّالحَانِيُّ، وَتَفرّدت فِي الدُّنْيَا عَنْهُمَا. وَكَانَتْ صَالِحَة، عفِيفَة، مِنْ بَيْت الرِّوَايَة وَالإِسْنَاد.
حَدَّثَ عَنْهَا: الضِّيَاء مُحَمَّد، وَالزَّكِيّ البِرْزَالِيّ، وَالتَّقِيّ ابْن العِزّ، وَعِدَّة.
وَبِالإِجَازَةِ: الشَّمْس عَبْد الوَاسِع الأَبْهَرِيّ، وَالفَخْر عَلِيّ، وَالشَّمْس ابْن الزَّيْنِ، وَطَائِفَة، وَعَاشَتْ تِسْعِيْنَ عَاماً.
تُوُفِّيَت فِي نِصْفِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
أَنْبَأَنِي عَبْدُ الوَاسِعِ، عَنْ عَيْنِ الشَّمْسِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ أَبِي ذَرٍّ سَنَةَ 526، أَخْبَرْنَا ابْنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ القَبَّابُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ هَارُوْنَ الأَشْعَرِيّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ القَادِسِيّ بِعُكْبَرَا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَمَّادٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بنِ سُلَيْمَانَ، بِخَبَرٍ مَوْضُوْعٍ.
وَمِنْ سَمَاعهَا عَلَى ابْنِ أَبِي ذَرٍّ كِتَاب "الدِّيَاتِ" لابْنِ أَبِي عاصم، وَ"التَّوبَة"، وَ"عَوَالِي القَبَّابِ"، وَ"أَحَادِيْث بَكْر بن بَكَّارٍ"، وَ"جُزْء أَبِي الزُّبَيْرِ عن غير جابر"، وأشياء.
__________
1 ترجمتها في النجوم الزاهرة "6/ 209"، وشذرات الذهب "5/ 42".(16/68)
ابن نغوبا، التجيبي:
5460- ابن نغوبا:
الشَّيْخُ أَبُو المُظَفَّرِ عَلِيُّ بنُ عَلِيِّ بنِ المُبَارَكِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ نَغُوْبَا الوَاسِطِيُّ، مِنْ أَوْلاَدِ المَشَايِخِ.
سَمِعَ: نَصْر اللهِ بن الجَلَخْت، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ الجُلاَّبِيّ، وَبِبَغْدَادَ مِنَ الأُرْمَوِيّ، وَعَبْد البَاقِي بن أَحْمَدَ ابْنِ النَّرْسِيّ، وَجَمَاعَة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: حَدَّثَنَا، وَكَانَ صَدُوْقاً مِنَ المُعَدَّلِيْنَ بِوَاسِطَ، مَاتَ بِهَا فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَلَهُ ثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَفِيْهَا مَاتَ: ابْنُ المُفَضَّلِ الحَافِظ، وَابْن الأَخْضَرِ الحَافِظ، وَمُحَمَّد بن مَعَالِي بن غَنِيْمَةَ الحَنْبَلِيّ، وعبد اللطيف الخوارزمي وآخرون.
5461- التجيبي:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِمُ الحَافِظُ المُحَدِّثُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سليمان التجيبي، المرسي، محدث تلمسان.
أَخَذَ القِرَاءات وَجَوَّدَهَا عَنْ: أَبِي أَحْمَدَ بنِ مُعْطٍ المُرْسِيّ، وَأَبِي الحَجَّاجِ الثَّغْرِيّ، وَابْن الفَرَسِ، وَحَجَّ، وَطَوَّل الغَيْبَةَ، وَأَكْثَر عَنْ أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ، وَكَتَبَ عَنْ مائَةٍ وَثَلاَثِيْنَ نَفْساً، وَعَمِلَ "المُعْجَم"، وَكَانَ يَقُوْلُ: دَعَا لِي السِّلَفِيُّ بِطُولِ العُمُرِ، وَقَالَ لِي: تَكُوْنُ مُحَدِّثَ المَغْرِبِ، إِنْ شَاءَ اللهُ.
وَسَمِعَ بِمَكَّةَ مِنْ: عَلِيِّ بنِ عمار "صحيح البخاري"، وسمع بجاية مِنْ عَبْدِ الحَقِّ الحَافِظِ.
ارْتَحَلَ إِلَيْهِ الطَّلَبَةُ، وَأَكْثَرُوا عَنْهُ.
قَالَ الأَبَّارُ: كَانَ عَدْلاً، خَيِّراً، حَافِظاً لِلْحَدِيْثِ، ضَابطاً، وَغَيْرُهُ أَضْبَطُ مِنْهُ، رَوَى عَنْهُ أَكَابِر أَصْحَابنَا وَبَعْض شُيُوْخنَا لِعُلُوِّ إِسْنَادِهِ وَعَدَالَتِهِ، وَأَجَاز لِي، وَأَلَّفَ "أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً فِي الموَاعِظ"، وَ"أَرْبَعِيْنَ فِي الفَقْر وَفضله"، وَ"أَرْبَعِيْنَ فِي الْحبّ للهِ"، وَ"أَرْبَعِيْنَ فِي الصَّلاَةِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، وَتَصَانِيْفَ أُخَرَ.
تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ سبعين سنة.(16/69)
ابن خروف، تاج الأمناء، أبو جعفر ابن يحيى:
5462- ابن خروف:
إمام النحو أبو الحسن عل بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ خَرُوْفٍ الإِشْبِيْلِيُّ، مُصَنِّفُ "شَرْحِ سِيْبَوَيْه" وَغَيْر ذَلِكَ.
تَخَرَّجَ عَلَى ابْنِ طَاهِرٍ الخِدَبّ، وَتَصَدَّرَ لِلإِفَادَة.
مَاتَ سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقِيْلَ: سَنَةَ تِسْعٍ. وَهُوَ مِنْ نُظَرَاءِ الجُزُوْلِيِّ، كَبِرَ، وَأَسَنَّ.
5463- تَاجُ الأُمَنَاءِ 1:
الإِمَامُ المُحَدِّثُ أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ هِبَةِ اللهِ الدِّمَشْقِيُّ.
رَوَى عَنْ: عَمَّيْهِ؛ الصَّائِنِ وَالحَافِظِ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ البن، ونصر ابن مُقَاتِل، وَأَبِي العشَائِر الكُرْدِيّ، وَأَبِي المُظَفَّرِ الفَلَكِيّ، وَأَبِي المَكَارِمِ بن هِلاَلٍ، وَخَرَّجَ لِنَفْسِهِ مَشْيَخَةً، وَكَانَ عَالِماً، جَلِيْلاً، وَلِي مَنَاصِبَ كِبَاراً.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ العِزّ النَّسَّابَة، وَالضِّيَاء، وَابْن خَلِيْلٍ، والقوصي، وَالمُسَلَّم بن عَلاَّنَ، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ ثَمَان وَسِتِّيْنَ سَنَةً، وَهُوَ جَدُّ شَيْخِنَا أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ الله.
5464- أبو جعفر ابن يحيى:
خطيب قرطبة وعالمها أو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ يَحْيَى الحِمْيَرِيُّ، الكُتَامِيُّ، القُرْطُبِيُّ.
وُلِدَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ عِشْرِيْنَ.
وَرَوَى عَنْ: يُوْنُسَ بنِ مُغِيْثٍ، وَجَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَكِّيٍّ، وَشُرَيحِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ المَازَرِيِّ إِجَازَةً، وَسَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ مَكِّيٍّ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ نَجَاحٍ، وَحَمَلَ السَّبْعَ عَنْ عَيَّاشِ بنِ فَرَجٍ وَغَيْرِهِ، وَتَفَرَّدَ، وَتَصَدَّرَ لِلإِقْرَاءِ مُدَّةً، وَكَانَ إِمَاماً فِي العَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهَا.
رَوَى عَنْهُ ابْنُ مُسْدِيّ بِالإِجَازَةِ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ الوَزْغِيِّ.
وَمَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ تسعون سنة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 210"، وشذرات الذهب "5/ 40".(16/70)
المطرزي، غلام ابن المني:
5465- المطرزي 1:
شَيْخُ المُعْتَزِلَةِ أَبُو الفَتْحِ نَاصِرُ بنُ عَبْدِ السَّيِّدِ بنِ عَلِيٍّ الخُوَارِزْمِيُّ، الحَنَفِيُّ، النَّحْوِيُّ، صَاحِبُ "المُقَدِّمَةِ اللَّطيفَةِ".
كَانَ رَأْساً فِي فُنُوْنِ الأَدبِ، دَاعِيَةً إِلَى الاعتزَالِ.
أَخَذَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَالمُوَفَّقِ بنِ أَحْمَدَ خَطِيْبِ خُوَارِزْمَ. وَسَمِعَ مِنْ: مُحَمَّدِ ابن أَبِي سَعْدٍ التَّاجِرِ، وَجَمَاعَةٍ.
وَلَهُ عِدَّةُ تَصَانِيْف، مِنْهَا: "شرحُ المَقَامَاتِ".
حَملُوا عَنْهُ، وَبَعُدَ صِيتُهُ.
وُلِدَ عَامَ تُوُفِّيَ الزَّمَخْشَرِيّ.
وَمَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَرُثِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِ مائَةِ قصيدَةٍ.
5466- غُلاَمُ ابْنِ المَنِّيِّ 2:
العَلاَّمَةُ الأُصُوْلِيُّ الفَيْلَسُوْفُ فَخْرُ الدِّيْنِ، إِسْمَاعِيْلُ بنُ علي بن الحسين الأَزَجِيُّ، المَأْمُوْنِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، صَاحِبُ العَلاَّمَةِ نَاصِحِ الإِسْلاَمِ، ابْن المَنِّيِّ.
مَوْلِدُهُ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَتَفَقَّهَ عَلَى ابْنِ المَنِّيِّ، وَسَمِعَ مِنْهُ، وَسَمِعَ "مَشْيَخَةَ شُهْدَةَ" مِنْهَا، وَسَمِعَ مِنْ لاَحِقِ بنِ كَارِهٍ، وَأَشغلَ بِمسجدِ المَأْمُوْنِيَّةِ بَعْدَ شَيْخِهِ، وَكَانَتْ لَهُ حَلْقَةٌ بِجَامِعِ القَصْرِ، لِلنَّظَرِ، وَكَانَ يَتوَقَّدُ ذكَاءً.
لَهُ تَصَانِيْفُ فِي المَعْقُوْلِ، وَتعليقَةٌ فِي الخلاَفِ، وَتَخَرَّجَ بِهِ الأَصْحَابُ، وَرُتِّبَ ناظرًا في ديوان المطيق، فَذُمَّتْ سِيرتُهُ، فَعُزِلَ، وَبَقِيَ محبوساً مُدَّةً، وَأُخْرِجَ، وَتَمرَّضَ أَشْهُراً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: برَعَ الفَخْرُ إِسْمَاعِيْلُ فِي المَذْهَبِ وَالأَصْلينِ وَالخلاَفِ، وَكَانَ حَسَنَ العبَارَةِ، مقتدراً عَلَى ردِّ الخُصُوْمِ، كَانَتِ الطَّوَائِفُ مجمعَةً عَلَى فَضلِهِ وَعلمِهِ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ فِي دِيْنِهِ بِذَاكَ، حَكَى لِي ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ فِي معرِضِ المدحِ لَهُ: أَنَّهُ قرَأَ المنطقَ وَالفَلْسَفَةَ عَلَى ابْنِ مرقشٍ النَّصْرَانِيِّ، فَكَانَ يَتردَّدُ إِلَى البَيْعَةِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْتُ منْ أَثقُ بِهِ أَنَّ الفَخْرَ صَنَّفَ كِتَاباً سَمَّاهُ "نوَامِيسُ الأَنْبِيَاءِ"، يذكرُ فِيْهِ أَنَّهُم كَانُوا حُكمَاءَ كهُرمسَ وَأَرِسْطُو، فَسَأَلتُ بَعْضَ تلامذته الخصيصين عَنْ ذَلِكَ فَمَا أَنْكَرَهُ، وَقَالَ: كَانَ مُتَسَمِّحاً في دِيْنِهِ، متلاعباً بِهِ، وَلَمَّا ظهرَتِ الإِجَازَةُ لِلنَّاصِرِ لِدِيْنِ اللهِ، كتبَ ضَرَاعَةً يَسْأَلُ فِيْهَا أَنْ يُجَازَ، فَوَقَّعَ النَّاصِرُ فِيْهَا: لاَ يَصلُحُ لِلرِّوَايَةِ، فَطَالَ مَا كَانَتِ السّعَايَاتُ بِالنَّاسِ تَصَدُرُ مِنْهُ إِلَيْنَا. ثُمَّ شُفِعَ فِيْهِ، فَأُجِيْزَ لَهُ، وَكَانَ دَائِماً يَقعُ فِي رُوَاةِ الحَدِيْثِ، وَيَقُوْلُ: هُم جُهَّالٌ لاَ يَعرفُوْنَ العُلُوْمَ العَقليَّةَ، وَلاَ معَانِي الحَدِيْثِ الحَقِيْقيَّةِ، بَلْ هُم مَعَ اللَّفْظِ الظَّاهِرِ، سَمِعَ مِنْهُ جَمَاعَةٌ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ، وَلاَ كلمته، مَاتَ فِي ثَامنِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: أَخَذَ عَنْهُ الشَّيْخُ مَجْدُ الدين ابن تيمية.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان "5/ ترجمته 758".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 210"، وشذرات الذهب "5/ 40، 41".(16/71)
ابن جرج، ابن الأخضر:
5467- ابن جرج:
المُعَمَّرُ المُسْنِدُ أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي المطرف ابن سَعِيْدِ بنِ جرجٍ القُرْطُبِيُّ، الَّذِي سَمِعَ "مصَنَّفَ النَّسَائِيَّ" مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ البِطْرَوْجِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الطَّيْلَسَانِ، وَأَجَازَ لابْنِ مَسْدِيّ، وَعَاشَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
مَاتَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّسَائِيِّ أَرْبَعَةُ أنفس.
5468- ابن الأخضر 1:
الإِمَامُ العَالِمُ المُحَدِّثُ الحَافِظُ المُعَمَّرُ مُفِيْدُ العِرَاقِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي نَصْرٍ مَحْمُوْدِ بنِ المُبَارَكِ بنِ مَحْمُوْدٍ الجُنَابَذِيُّ الأَصْلِ، البَغْدَادِيُّ، التَّاجِرُ، البَزَّازُ، ابْنُ الأَخْضَرِ.
وُلِدَ سَنَةَ 524، وَسَمِعَ فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ.
سَمِعَ: القَاضِي أَبَا بَكْرٍ، وَأَبَا القَاسِمِ ابْنَ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَيَحْيَى ابْنَ الطّرَاحِ، وَعَبْدَ الجَبَّارِ بنَ تَوبَةَ، وَعَبْدَ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيَّ، وَأَبَا مَنْصُوْرٍ بنَ خَيْرُوْنَ، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَأَبَا سَعْدٍ ابْنَ البَغْدَادِيِّ، وَأَبَا الفَضْلِ الأُرْمَوِيَّ، وَأَبَا الفَضْلِ بنَ نَاصِرٍ، وَابْنَ البَطِّيِّ.
وَصَنَّفَ وَجَمَعَ وَكَتَبَ عَنْ أَقرَانِهِ، وَحَدَّثَ نَحْواً مِنْ سِتِّيْنَ عَاماً، وَكَانَ ثِقَةً، فهمًا، خيرًا، دينًا، عفيفًا.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1115"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 211"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 46، 47".(16/72)
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: لَمْ أَرَ فِي شُيُوْخِنَا أَوفرَ شُيُوْخاً مِنِ ابْنِ الأَخْضَرِ، وَلاَ أَغزَرَ سماعًا، حدث بجامع القصر سنين كثيرة.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: كَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً، مَأْمُوْناً، كَثِيْرَ السَّمَاعِ، صَحِيْحَ الأُصُوْلِ، مِنْهُ تَعلَّمْنَا، وَاسْتفدْنَا، وَمَا رَأَينَا مِثْلَهُ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَالبِرْزَالِيُّ وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَزَيْنُ الدِّيْنِ خَالِدٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ نَصْرِ بنِ عبد الرزاق، وعلي بن ميران، والعفيفعلي بنُ عدلاَنَ المَوْصِلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ الدَّارِيُّ الخَلِيْلِيّ، وَالجمَالُ يَحْيَى ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ، وَالنَّجِيْبُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ، وَأَخُوْهُ العِزُّ، وَالمِقْدَادُ بنُ أَبِي القَاسِمِ القَيْسِيُّ، وَعَلَمُ الدِّيْنِ أَبُو القَاسِمِ الأَنْدَلُسِيُّ، وَإِسْرَائِيْلُ بنُ أَحْمَدَ القُرَشِيُّ، وَابْنُهُ عَلِيُّ ابْنُ الأَخْضَرِ.
وَأَجَازَ لِلْكمَالِ الفُوَيره.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمَّعَهُ أبوه من جماعة، وأول طلبه من بن نَاصِرٍ وَالأُرْمَوِيِّ، وَمَا زَالَ يَسمَعُ حَتَّى قرَأَ عَلَى شُيُوْخِنَا. كتبَ كَثِيْراً لِنَفْسِهِ، وَتورِيقاً لِلنَّاسِ فِي شبَابِهِ، قَرَأْتُ عَلَيْهِ كَثِيْراً فِي حَلْقَتِهِ، وفي حانوته للبر فِي خَانِ الخَلِيْفَةِ، وَكَانَ ثِقَةً، حُجَّةً، نبيلاً، مَا رَأَيْتُ فِي شُيُوْخِنَا مِثْلَهُ فِي كَثْرَةِ مَسْمُوْعَاتِهِ، وَحُسْنِ أُصُوْلِهِ، وَحفظِهِ وَإِتقَانِهِ، وَكَانَ أَمِيناً ثخينَ السَّتْرِ، مُتَدَيِّناً ظرِيفاً، مَاتَ فِي سَادسِ شَوَّالٍ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: أَلَّفَ كِتَاباً فِيْمَنْ حَدَّثَ هُوَ وَابْنُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَكِتَاب "مَنْ حَدَّثَ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ" مُجَلَّدٌ، وَكِتَاب "مَشْيَخَة" لأَبِي القَاسِمِ البَغَوِيِّ فِي مجلد، وحدث بذلك.(16/73)
5469- ابن منينا 1:
الصَّالِح الخَيِّرُ مُسْنِدُ العِرَاقِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ العزيز بن معالي بن غنيمة ابن الحَسَنِ البَغْدَادِيُّ، الأُشْنَانِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنَ: القَاضِي أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ آخِرَ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ مَوْتاً بِبَغْدَادَ، وَمِنْ: عَبْدِ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ سِبْطِ الخَيَّاطِ، وَأَبِي البدرِ الكَرخِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
رَوَى عَنْهُ ابن الدُّبَيْثِيُّ، وَقَالَ: كَانَ خَيِّراً، صَحِيْحَ السَّمَاعِ.
قُلْتُ: وَرَوَى عَنْهُ البِرْزَالِيُّ، وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَالجمَال يَحْيَى ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ النَّنِّ، وَعِدَّةٌ.
وَبِالإِجَازَةِ الكَمَالُ الفُوَيره، وَطَائِفَةٌ.
مَاتَ فِي الثَّامنِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقَدْ قَارَبَ التِّسْعِيْنَ.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1389"، والنجوم الزاهرة "6/ 215"، وشذرات الذهب "5/ 50".(16/73)
5470- الكندي 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ المُفْتِي، شَيْخُ الحَنَفِيَّةِ، وَشَيْخُ العَرَبِيَّةِ، وَشَيْخُ القِرَاءاتِ، وَمُسْنِدُ الشَّامِ، تَاجُ الدِّيْنِ، أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن سَعِيْدِ بنِ عصْمَةَ بنِ حِمْيَرٍ الكِنْدِيُّ، البَغْدَادِيُّ، المُقْرِئُ، النَّحْوِيُّ، اللُّغَوِيُّ، الحَنَفِيُّ.
وُلِدَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَحفظَ القُرْآنَ وَهُوَ صَغِيْرٌ مُمَيِّزٌ، وَقرَأَهُ بِالرِّوَايَاتِ العَشْرِ، وَلَهُ عَشْرَةُ أَعْوَامٍ، وَهَذَا شَيْءٌ مَا تَهَيَّأَ لأَحدٍ قَبْلَهُ، ثُمَّ عَاشَ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ عُلُوُّ الإِسْنَادِ فِي القِرَاءاتِ وَالحَدِيْثِ؛ فَتلاَ عَلَى أُسْتَاذِهِ وَمُعَلِّمِهِ أَبِي مُحَمَّدٍ سِبْطِ الخَيَّاطِ، ثُمَّ قرَأَ عَلَى أَقْوَامٍ، فَصَارَ فِي دَرَجَةِ سِبْطِ الخَيَّاطِ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، فَتلاَ بـ "الكفَايَةِ فِي القِرَاءاتِ السِّتِّ" عَلَى المُعَمَّرِ هِبَةِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الطَّبَرِ مِنْ تَلاَمِذَةِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُوْسَى الخَيَّاطِ، وَتَلاَ بـ "المفتاح" على مُؤلِّفِهِ ابْنِ خَيْرُوْنَ، وَتَلاَ بِالسَّبْعِ عَلَى خَطِيْبِ المُحَوَّلِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبِي الفَضْلِ بنِ المُهْتَدِي بِاللهِ. وَسَمِعَ مِنَ القَاضِي أَبِي بَكْرٍ الأَنْصَارِيِّ، وَابْنِ الطَّبَرِ، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ القَزَّازِ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ تَوْبَةَ، وَأَخِيْهِ عَبْدِ الجَبَّارِ، وَإِسْمَاعِيْلَ ابْنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَطَلْحَةَ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَالحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ سِبْطِ الخَيَّاطِ وَعَلِيِّ بنِ عَبْدِ السَّيِّدِ ابْنِ الصَّبَّاغِ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي القَاسِمِ الكَرُوْخِيِّ، وَالمُبَارَكِ بنِ نَغُوْبَا، وَأَبِي القَاسِمِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ اليُوْسُفِيِّ، وَيَحْيَى ابْنِ الطَّرَّاحِ، وَأَبِي الفَتْحِ ابْنِ البَيْضَاوِيِّ، وَعِدَّةٍ. خَرَّجَ لَهُ عَنْهُم مَشْيَخَةً المُحَدِّثُ أَبُو القَاسِمِ عليٌّ حَفِيْدُ ابْنِ عَسَاكِرَ.
وَقرَأَ النَّحْوَ عَلَى أَبِي السَّعَادَاتِ ابْنِ الشَّجَرِيِّ، وَسِبْطِ الخَيَّاطِ، وَابْنِ الخَشَّابِ. وأخذ اللغة عن: أبي منصور بن الجَوَالِيْقِيِّ. وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي الحديدِ، وَتَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْ غَالِبِ شُيُوْخِهِ، وَأَجَازَ لَهُ عَدَدٌ كَثِيْرٌ، وتردد إلى البلاد، وإلى مصر والشام،
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1402"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 249"، والنجوم الزاهرة "6/ 216"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 54، 55".(16/74)
يَتَّجِرُ، ثُمَّ اسْتَوْطَنَ دِمَشْقَ، وَرَأَى عِزّاً وَجَاهاً، وَكثُرَتْ أَمْوَالُهُ، وَازدحَمَ عَلَيْهِ الفُضَلاَءُ، وَعُمِّرَ دَهْراً. وَكَانَ حَنْبَليّاً، فَانْتقلَ حَنَفِيّاً، وَبَرَعَ فِي الفِقْهِ، وَفِي النَّحْوِ، وَأَفتَى وَدرَّسَ وَصَنَّفَ، وَلَهُ النَّظْمُ وَالنَّثْرُ، وَكَانَ صَحِيْحَ السَّمَاعِ، ثِقَةً فِي نَقلِهِ، ظرِيفاً، كَيِّساً، ذَا دُعَابَةٍ، وَانطبَاعٍ.
قرَأَ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَاتِ عَلَمُ الدِّيْنِ السَّخَاوِيَّ، وَلَمْ يُسنِدْهَا عَنْهُ، وَعَلَمُ الدِّيْنِ القَاسِمُ بنُ أَحْمَدَ الأَنْدَلُسِيُّ، وَكَمَالُ الدِّيْنِ ابْنُ فَارِسٍ، وَعِدَّةٌ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: الحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ، وَالحَافِظُ عَبْدُ القَادِرِ، وَالشَّيْخُ المُوَفَّقُ، وَابْنُ نُقْطَةَ، وَابْنُ الأَنْمَاطِيِّ، وَالضِّيَاءُ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَالزَّيْنُ خَالِدٌ، وَالتَّقِيُّ بنُ أَبِي اليُسْرِ، وَالجمَالُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ، وَالقَاضِي شَمْسُ الدِّيْنِ ابْنُ العِمَادِ، وَالشَّيْخُ شَمْسُ الدِّيْنِ بنُ أَبِي عُمَرَ، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ وَمُؤَمِّلُ البَالِسِيُّ، وَالصَّاحِبُ كَمَالُ الدِّيْنِ العَدِيْمِيُّ، وَمُحْيِي الدِّيْنِ عُمَرُ بنُ عَصرُوْنَ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَالشَّمْسُ ابْنُ الكَمَالِ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُؤْمِنٍ، وَيُوْسُفُ ابْنُ المُجَاوِرِ، وَسِتُّ العربِ بِنْتُ يَحْيَى مَوْلاَهُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ ابْن القَوَّاسِ.
وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ أَبَوَا حَفْصٍ: ابْنُ القَوَّاسِ، وَابْنُ العَقِيمِيِّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: أَسلمَهُ أَبُوْهُ فِي صِغَرِهِ إِلَى سِبْطِ الخَيَّاطِ، فَلقَّنَهُ القُرْآنَ، وَجَوَّدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ حَفَّظَهُ القِرَاءاتِ وَلَهُ عشرُ سِنِيْنَ، قَالَ: وَسَافَرَ عَنْ بَغْدَادَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ، فَأَقَامَ بِهَمَذَانَ سِنِيْنَ يَتَفَقَّهُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيْفَةَ عَلَى سَعْدٍ الرَّازِيِّ بِمَدْرَسَةِ السُّلْطَانِ طُغْرل، ثُمَّ إِنَّ أَبَاهُ حَجَّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ، فَمَاتَ فِي الطَّرِيْقِ، فَعَادَ أَبُو اليُمْنِ إِلَى بَغْدَادَ، ثُمَّ تَوجَّهَ إِلَى الشَّامِ، وَاسْتَوْزَرَهُ فَرُّوخشَاه ثُمَّ بَعْدَهُ اتَّصَلَ بِأَخِيْهِ تَقِيِّ الدِّيْنِ عُمَرَ، وَاختصَّ بِهِ، وَكثُرَتْ أَمْوَالُهُ، وَكَانَ المَلِكُ المُعَظَّمُ يَقرَأُ عَلَيْهِ الأَدبَ، وَيَقصدُهُ فِي مَنْزِلِهِ وَيُعَظِّمُهُ. قَرَأْتُ عَلَيْهِ كَثِيْراً، وَكَانَ يَصلُنِي بِالنَّفَقَةِ، مَا رَأَيْتُ شَيْخاً أَكملَ مِنْهُ عَقْلاً وَنُبْلاً وَثِقَةً وَصِدقاً وَتَحَقِيْقاً وَرزَانَةً مَعَ دمَاثَةِ أَخلاَقِهِ، وَكَانَ بَهِيّاً وَقُوْراً، أَشْبَهَ بِالوُزَرَاءِ مِنَ العُلَمَاءِ؛ لِجَلاَلَتِهِ وَعُلُوِّ مَنْزِلتِهِ، وَكَانَ أَعْلَمَ أَهْلِ زَمَانِهِ بِالنَّحْوِ، أَظنُّهُ يَحفظُ "كِتَابَ سِيْبَوَيْه"، مَا دَخَلتُ عَلَيْهِ قَطُّ إلَّا وَهُوَ فِي يَدِهِ يُطَالِعُهُ، وَكَانَ فِي مُجَلَّدٍ وَاحِدٍ رفِيعٍ يَقْرَؤُهُ بِلاَ كُلْفَةٍ، وَقَدْ بلغَ التِّسْعِيْنَ، وَكَانَ قَدْ مُتِّعَ بِسَمْعِهِ وَبصرِهِ قوته، وَكَانَ مليحَ الصُّوْرَةِ، ظرِيفاً، إِذَا تَكَلَّمَ ازدَادَ حَلاَوَةً، وَلَهُ النَّظْمُ وَالنَّثْرُ وَالبَلاغَةُ الكَامِلَةُ. إِلَى أَنْ قَالَ: تُوُفِّيَ وَحَضَرتُ الصَّلاَةَ عَلَيْهِ.
قُلْتُ: كَانَ يَرْوِي كُتُباً كِبَاراً مِنْ كُتُبِ العِلْمِ. وَرَوَى عَنْهُ "كِتَابَ سِيْبَوَيْه": عَلَمُ الدِّيْنِ القَاسِمُ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَردَ مِصْرَ، وَكَانَ أَوحدَ الدَّهْرِ، فَرِيْدَ العصرِ، فَاشتملَ عَلَيْهِ عِزُّ الدِّيْنِ(16/75)
فَرُّوخشَاه، ثُمَّ ابْنُهُ الأَمجدُ، وَتردَّدَ إِلَيْهِ بِدِمَشْقَ الملكُ الأَفْضَلُ، وَأَخُوْهُ المُحْسِنُ وَابْنُ عَمِّهِ المُعَظَّم.
قَالَ ضِيَاءُ الدِّيْنِ ابْنُ أَبِي الحَجَّاجِ الكَاتِبُ عَنِ الكِنْدِيِّ، قَالَ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ القَاضِي الفَاضِلِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَرُّوخشَاه فَجرَى ذِكْرُ شَرْحِ بَيْتٍ مِنْ دِيْوَانِ المتنبِّي، فَذَكَرْتُ شَيْئاً فَأَعْجَبَهُ، فَسَأَلَ القَاضِي عَنِّي، فَقَالَ: هَذَا العَلاَّمَةُ تَاجُ الدِّيْنِ الكِنْدِيُّ، فَنهضَ وَأَخَذنِي مَعَهُ، وَدَامَ اتِّصَالِي بِهِ. قَالَ: وَكَانَ المُعَظَّم يَقرَأُ عَلَيْهِ دَائِماً، قرَأَ عَلَيْهِ: "كِتَابَ سِيْبَوَيْه"، فَصّاً وَشرحاً، وَكِتَابَ "الحمَاسَةِ" وَكِتَابَ "الإِيضَاحِ" وَشَيْئاً كَثِيْراً، وَكَانَ يَأْتيه مَاشياً مِنَ القَلْعَةِ إِلَى دربِ العجَمِ، وَالمُجَلَّدُ تَحْتَ إِبِطِهِ.
وَنَقَلَ ابْنُ خَلِّكَانَ أَنَّ الكِنْدِيَّ قَالَ: كُنْتُ قَاعِداً عَلَى بَابِ ابْنِ الخَشَّابِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَهُوَ يَمْشِي فِي جَاون خشب، سَقَطت رِجْلُهُ مِنَ الثَّلْجِ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: كَانَ الكِنْدِيُّ مُكْرِماً لِلْغربَاءِ، حسن الأخلاق، وكان مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا المُشْتَغِلينَ بِهَا، وَبإِيثَارِ مُجَالَسَةِ أَهْلِهَا، وَكَانَ ثِقَةً فِي الحَدِيْثِ وَالقِرَاءاتِ، سَامَحَهُ اللهُ.
وَقَالَ الشَّيْخُ المُوَفَّقُ: كَانَ الكِنْدِيُّ إِمَاماً فِي القِرَاءةِ وَالعَرَبِيَّةِ، وَانْتَهَى إِلَيْهِ عُلُوُّ الإِسْنَادِ، وَانْتَقَلَ إِلَى مَذْهَبِهِ لأَجْلِ الدُّنْيَا، إلَّا أَنَّهُ كَانَ عَلَى السُّنَّةِ وَصَّى إِلَيَّ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ، وَالوُقُوْفِ عَلَى دفنِهِ، فَفَعَلتُ.
وَقَالَ القِفْطِيُّ: آخرُ مَا كَانَ الكِنْدِيُّ بِبَغْدَادَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ، وَسَكَنَ حَلَبَ مُدَّةً، وَصَحِبَ بِهَا الأَمِيْرَ حسنَ ابْنَ الدَّايَةِ النُّوْرِيَّ وَالِيَهَا. وَكَانَ يَبتَاعُ الخلي مِنَ الملبُوسِ وَيَتَّجِرُ بِهِ إِلَى الرُّوْمِ. ثُمَّ نَزلَ دِمَشْقَ، وَسَافَرَ مَعَ فَرُّوخشَاه إِلَى مِصْرَ، وَاقتنَى مِنْ كُتُبِ خَزَائِنهَا عِنْدَمَا أُبِيعَتْ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَكَانَ ليِّناً فِي الرِّوَايَةِ، مُعْجَباً بِنَفْسِهِ فِيمَا يذكرهُ وَيَرْوِيْهِ، وَإِذَا نُوظِرَ جَبَهَ بِالقبيحِ، وَلَمْ يَكُنْ موفَّقَ القلَمِ، رَأَيْتُ لَهُ أَشيَاءَ بَارِدَةً، وَاشْتُهِرَ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صحيح العقيدة.
قلت: مت علمْنَا إلَّا خَيراً، وَكَانَ يُحبُّ اللهَ وَرَسُوْلَهُ وأهل الخير، وشاهدت له فتيا في القرآن عَلَى خَيْرٍ وَتَقرِيرٍ جَيِّدٍ، لَكنَّهَا تُخَالِفُ طرِيقَةَ أَبِي الحَسَنِ، فَلَعَلَّ القِفْطِيّ قصدَ أَنَّهُ حَنْبَلِيُّ العَقْدِ، وَهَذَا شَيْءٌ قَدْ سَمُجَ القَوْلُ فِيْهِ، فُكُلُّ مَنْ قصدَ الحَقَّ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ فَاللهُ يغفرُ لَهُ، أَعَاذنَا اللهُ مِنَ الهَوَى وَالنَّفْسِ.
وَقَالَ المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ: اجْتَمَعتُ بِالكِنْدِيِّ، وَجَرَى بَيْنَنَا مُبَاحثَات، وَكَانَ شَيْخاً بَهِيّاً ذكيّاً مُثْرِياً، لَهُ جَانبٌ مِنَ السُّلْطَانِ، لَكنَّهُ كَانَ مُعْجَباً بِنَفْسِهِ، مُؤذِياً لِجليسِهِ.(16/76)
قُلْتُ: أَذَاهُ لِهَذَا القَائِل أَنَّهُ لقَّبَهُ بِالمَطْحن.
قَالَ: وَجَرَتْ بَيْنَنَا مبَاحثَات، فَأَظهرنِي اللهُ عَلَيْهِ فِي مَسَائِل كَثِيْرَةٍ، ثُمَّ إِنِّيْ أَهملْتُ جَانبَهُ.
وَمِنْ شعرِ السَّخَاوِيِّ فِيْهِ:
لَمْ يَكُنْ فِي عَصْرِ عَمْرٍو مِثْلُهُ ... وَكَذَا الكِنْدِيُّ فِي آخِرِ عَصْرِ
فَهُمَا زَيْدٌ وَعَمْرٌو إِنَّمَا ... بُنِيَ النَّحْوُ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرِو
وَلأَبِي شُجَاعٍ ابْنِ الدَّهَّانِ فِيْهِ:
يَا زَيْدُ زَادَكَ رَبِّي مِنْ مَوَاهِبِهِ ... نُعْمَى يُقَصِّرُ عَنْ إِدرَاكِهَا الأَمَلُ
لاَ بَدَّلَ اللهُ حَالاً قَدْ حَبَاكَ بِهَا ... مَا دَارَ بَيْنَ النُّحَاةِ الحَالُ وَالبَدَلُ
النَّحْوُ أَنْتَ أَحقُّ العَالِمِينَ بِهِ ... أَلَيْسَ باسْمِكَ فِيْهِ يُضْرَبُ المَثَلُ?
وَمِنْ شِعْرِ التَّاجِ الكِنْدِيِّ:
دَعِ المُنَجِّمَ يَكبُو فِي ضَلاَلَتِهِ ... إِنِ ادَّعَى عِلْمَ مَا يَجرِي بِهِ الفَلَكُ
تَفَرَّدَ اللهُ بِالعِلْمِ القَدِيْمِ فَلاَ الـ ... إِنْسَانُ يَشْرَكُهُ فِيْهِ وَلاَ المَلَكُ
أَعدَّ لِلرِّزْقِ مِنْ أَشرَاكِهِ شَرَكاً ... وَبِئسَتِ العُدَّتَانِ: الشِّرْكُ وَالشَّرَكُ
وَلَهُ:
أَرَى المَرْءَ يَهْوَى أَنْ تَطُولَ حَيَاتُهُ ... وَفِي طُولِهَا إِرهَاقُ ذلٍّ وَإِزهَاقُ
تَمَنَّيْتُ فِي عصرِ الشَّبِيْبَةِ أَنَّنِي ... أُعَمَّرُ وَالأَعَمَّارُ لاَ شَكَّ أَرزَاقُ
فَلَمَّا أَتَى مَا قَدْ تَمَنَّيْتُ سَاءنِي ... مِنَ العُمْرِ مَا قَدْ كُنْتُ أَهوَى وَأَشتَاقُ
يُخَيَّلُ فِي فِكرِي إِذَا كُنْتُ خَالياً ... رُكُوبِي عَلَى الأَعْنَاقِ وَالسَّيْرُ إِعنَاقُ
وَيُذْكِرُنِي مرُّ النَّسِيْمِ وَرَوُحُهُ ... حفَائِرَ تَعْلُوهَا مِنَ التُّربِ أَطْبَاقُ
وَهَا أَنَا فِي إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ حِجَّةً ... لَهَا فِيَّ إِرعَادٌ مَخُوفٌ وَإِبرَاقُ
يَقُوْلُوْنَ تِرْيَاقٌ لِمِثْلِكَ نَافِعٌ ... وَمَالِيَ إلَّا رَحْمَةُ اللهِ تِرْيَاقُ
وَمِنْ شعره قوله:(16/77)
لَبِسْتُ مِنَ الأَعَمَّارِ تِسْعِيْنَ حِجَّةً ... وَعِنْدِي رَجَاءٌ بِالزِّيَادَةِ مُولَعُ
وَقَدْ أَقْبَلَتْ إِحْدَى وَتِسْعُوْنَ بَعْدَهَا ... وَنَفْسِي إِلَى خَمْسٍ وَسِتٍّ تَطَلَّعُ
وَلاَ غَرْوَ أَنْ آتِي هُنَيْدَةَ سَالِماً ... فَقَدْ يُدْرِكُ الإِنْسَانُ مَا يَتَوَقَّعُ
وَقَدْ كَانَ فِي عَصْرِي رِجَالٌ عَرَفْتُهُم ... حَبَوْهَا وَبِالآمَالِ فِيْهَا تَمَتَّعُوا
وَمَا عَافَ قَبْلِي عَاقِلٌ طُولَ عُمْرِهِ ... وَلاَ لاَمَهُ مَنْ فِيْهِ لِلْعَقْلِ مَوْضِعُ
قَالَ الأَنْمَاطِيُّ: تُوُفِّيَ الكِنْدِيُّ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، سَادِسَ شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَأَمَّهُم عَلَيْهِ قَاضِي القُضَاةِ جَمَالُ الدين ابن الحرستاني، ثم أَمَّهُم بِظَاهِرِ بَابِ الفَرَادِيْسِ: شَيْخُ الحَنَفِيَّةِ جَمَالُ الدِّيْنِ الحَصِيْرِيُّ، ثُمَّ أَمَّ بِالجَبَلِ: مُوَفَّقُ الدِّيْنِ شَيْخُ الحَنْبَليَّةِ، وَشَيَّعَهُ الخَلْقُ، وَدُفِنَ بِتُرْبَةٍ لَهُ، وَعُقِدَ لَهُ العَزَاءُ تَحْتَ النَّسْرِ يَوْمَيْنِ.(16/78)
5471- ابن حوط الله 1:
الحَافِظُ الإِمَامُ مُحَدِّثُ الأَنْدَلُسِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ دَاوُدَ بنِ حَوْطِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، الحَارِثِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، الأُنْدِيُّ، أَخُو الحَافِظِ أَبِي سُلَيْمَانَ.
وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائة.
وتلا بالسبع على أبيه، وسع مِنِ ابْنِ هُذَيْلٍ بَعْضَ "الإِيْجَازِ" فِي قِرَاءةِ وَرْشٍ. وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ حُبَيْشٍ، وَالسُّهَيْلِيِّ، وَابنِ الجَدِّ، وَابْنِ زَرْقُوْنَ وَابْنِ بَشْكُوَالَ، وَخَلْقٍ.
وَأَجَازَ لَهُ أَبُو الطَّاهِرِ بنُ عَوْفٍ مِنَ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَأَبُو طَاهِرٍ الخُشُوْعِيُّ مِنْ دِمَشْقَ.
رَوَى شَيْئاً كَثِيْراً، وَأَلَّفَ كِتَاباً فِي رِجَالِ الكُتُبِ الخَمْسَةِ: خَ م د ت س. وَكَانَ مُنشِئاً، خَطِيْباً، بَلِيْغاً، شَاعِراً، نَحْويّاً، تَصَدَّرَ لِلْقِرَاءاتِ وَالعَرَبِيَّةِ، وَأَدَّبَ أَوْلاَدَ المَنْصُوْرِ بِمَرَّاكُش، وَنَالَ عِزّاً وَدُنْيَا وَاسِعَةً، وَوَلِيَ قَضَاءَ قُرْطُبَةَ وَأَمَاكِنَ، وَحُمِدَ.
تُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عشرة وست مائة.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1123"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 50".(16/78)
5472- العز ابن الحافظ 1:
الإِمَامُ العَالِمُ الحَافِظُ المُفِيْدُ الرَّحَّالُ عِزُّ الدِّيْنِ أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ ابْنُ الحَافِظِ الكَبِيْرِ تَقِيِّ الدِّيْنِ عَبْدِ الغَنِيِّ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَلِيِّ بنِ سُرُوْرٍ الجَمَّاعِيْليُّ، المَقْدِسِيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، الصَّالِحِيُّ، الحَنْبَلِيُّ.
مَوْلِدُهُ بِالدَّيْرِ الصَّالِحِيِّ، فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فِي أَحَدِ الرَّبِيْعَيْنِ.
وَارْتَحَلَ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ، فَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ بنِ شَاتيلَ، وَنَصْرِ اللهِ القَزَّاز، وَمَنْ بَعْدَهُمَا. وَتَفَقَّهَ عَلَى: نَاصِحِ الإِسْلاَمِ ابْنِ المَنِّيِّ، وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنْ أَبِي المَعَالِي بنِ صَابِرٍ، وَمُحَمَّدِ بن أبي الصقر، والخضر بن طاووس، وَأَقدَمُ شَيْخٍ لَهُ أَبُو الفَهْمِ بنُ أَبِي العَجَائِزِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْنَا مِنْهُ وَبِقِرَاءتِهِ كَثِيْراً، وَكَتَبَ كَثِيْراً، وَحَصَّلَ الأُصُوْل وَاسْتَنسَخَ، وَكَانَ يُعِيرُنِي الأُصُوْلَ، وَيُفِيدُنِي، وَيَتَفَضَّلُ إِذَا زُرْتُهُ، وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ، حَافِظاً لِلْحَدِيْثِ مَتْناً وَإِسْنَاداً، عَارِفاً بِمَعَانِيهِ وَغَرِيْبِهِ، مُتْقِناً لِلأَسْمَاءِ مَعَ ثِقَةٍ وَعِدَالَةٍ، وَأَمَانَةٍ وَدِيَانَةٍ، وَكيس وَتَودُّدٍ، وَمُسَاعِدَةٍ لِلْغُربَاءِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ الضِّيَاءُ: كَانَ حَافِظاً، فَقِيْهاً، ذَا فُنُوْنٍ، وَكَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ قِرَاءةً وَأَسْرَعَهَا، وَكَانَ غَزِيْرَ الدَّمعَةِ عِنْدَ القِرَاءةِ، ثِقَةً، مُتْقِناً، سَمْحاً، جَوَاداً.
قُلْتُ: وَارْتَحَلَ بِأَخِيْهِ أَبِي مُوْسَى، فَسَمِعَا بِأَصْبَهَانَ مِنْ مَسْعُوْدٍ الجَمَّالِ، وَعَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ محمد الكاغد، وَأَبِي المَكَارِمِ اللَّبَّانِ، وَعِدَّةٍ.
وَقَالَ الضِّيَاءُ: سَافَرَ العِزُّ مَعَ عَمِّهِ الشَّيْخِ العِمَادِ، وَأَقَامَ بِبَغْدَادَ عَشرَ سِنِيْنَ، فَاشْتَغَلَ بِالفِقْهِ وَالنَّحْوِ وَالخِلاَفِ، وَكَانَ يَقرَأُ لِلنَّاسِ الحَدِيْثَ كُلَّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ بِمَسْجِدِ دَارِ بطِّيْخٍ، ثُمَّ انتَقَلَ إِلَى الجَامِعِ، إِلَى مَوْضِعِ أَبِيْهِ، فَكَانَ يَقرَأُ يَوْمَ الجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ. وَطُلِبَ إِلَى المَلِكِ المُعَظَّمِ، فَقَرَأَ لَهُ فِي "المُسْنَدِ" عَلَى حَنْبَلٍ وَأَحَبَّهُ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي أَذِنَ لَهُ فِي المَجْلِسِ بِالجَامِعِ، وَطَلَبَ مِنْهُ مَكَاناً لِلْحَنَابِلَةِ بِالقُدْسِ، فَأَعْطَاهُ مَهْدَ عِيْسَى، وَكَانَ يُسَارِعُ إِلَى الخَيْرِ، وَإِلَى مَصَالِحِ الجَمَاعَةِ، وَكَانَ لاَ يَكَادُ بَيْتُهُ يَخلُو مِنَ الضُّيُوفِ.
ثُمَّ سَرَدَ لَهُ الشَّيْخُ الضِّيَاءُ عِدَّةَ مَنَامَاتٍ رُؤِيَتْ لَهُ، تَدُلُّ عَلَى فَوزِهِ.
وَقَدْ رَثَاهُ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ.
وَمَاتَ فِي تَاسِعَ عَشَرَ شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاءُ، وَالقُوْصِيُّ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَالشَّيْخُ شَمْسُ الدِّيْنِ بنُ أَبِي عُمَرَ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ.
وَسَمِعنَا بِإِجَازَتِهِ عَلَى أَبِي حَفْصٍ ابْنِ القَوَّاسِ، وَخَطُّهُ كَبِيْرٌ مَلِيحٌ رَشِيقٌ، لِي جَمَاعَةُ أَجزَاءٍ بِخَطِّهِ، رَحِمَهُ اللهُ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، وَصَاحِبُ حَلَبَ المَلِكُ الظَّاهِرُ، وَالقَاضِي ثِقَةُ المُلْكِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُجَلِّي المِصْرِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلِيٍّ الزُّهْرِيُّ الإِشْبِيْلِيُّ صَاحِبُ شُرَيْحٍ، وَالصَّائِنُ عبد الواحد بن إسماعيل الدمياطي.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1126"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 218"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 56، 57".(16/79)
5473- ابن واجب 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِمُ المُحَدِّثُ المُتْقِنُ القُدْوَةُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ أَبُو الخَطَّابِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ ابْنِ الإِمَامِ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ وَاجِبِ بنِ عُمَرَ بنِ وَاجِبٍ القَيْسِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، البَلَنْسِيُّ، المَالِكِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَأَجَاز لَهُ: القَاضِي أَبُو بَكْرٍ بنُ العَرَبِيِّ، وَالحَافِظُ يُوْسُفُ ابْنُ الدَّبَّاغِ، وَلَحِقَ أَبَا مَرْوَانَ، بنَ قُزْمَانَ فَسَمِعَ مِنْهُ، وَأَكْثَرَ عَنْ جَدِّهِ، وَعَنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ هُذَيْلٍ -وَتَلاَ عَلَيْهِ- وَأَبِي الحَسَنِ بنِ النِّعْمَةِ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ سَعَادَةَ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ الفَرَسِ، وَأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، وَابْنِ بَشْكُوَالَ، وَابْنِ زَرْقُوْنَ، وَعِدَّةٍ.
قَرَأْت فِي "فَهْرَسَةٍ" عَلَيْهَا خَطُّ أَبِي الخَطَّابِ بنِ واجب: تلوت "بالتيسير" وقرأته، ولم أقرأ بما فيه مم الإِدغَامِ الكَبِيْرِ عَلَى أَبِي الحَسَنِ بنِ هُذَيْلٍ، وَقَرَأْت عَلَيْهِ "إِيْجَازَ البَيَانِ"، وَ"التَّلْخِيْصَ"، وَ"المُحْتَوَى"، وَعِدَّةَ كُتُبٍ فِي القِرَاءاتِ لِلدَّانِيِّ. وَسَمِعْتُ عَلَيْهِ: كِتَابَ "جَامِعِ البَيَانِ"، وَكِتَابَ "طَبَقَاتِ القُرَّاءِ" لَهُ، وَكَانَ وَقتُ تِلاَوَتِي عَلَيْهِ يَمْتَنِعُ مِنَ الإِقْرَاءِ بِالإِدْغَامِ الكَبِيْرِ.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ الأَبَّارِ: هُوَ حَامِلُ رَايَةِ الرِّوَايَةِ بِشَرقِ الأَنْدَلُسِ، حَصَّلَ العَرَبِيَّةَ عَلَى ابْنِ النِّعْمَةِ، وَكَانَ مُتْقِناً، ضَابِطاً، مُتَقلِّلاً مِنَ الدُّنْيَا، عَالِيَ الإِسْنَادِ، وَرِعاً، قَانِتاً، تَعلُوْهُ خَشْيَةٌ لِلمَوَاعِظِ، مَعَ عِنَايَةٍ كَامِلَةٍ بِصِنَاعَةِ الحَدِيْثِ، وَبصرٍ بِهِ، وَذِكْرٍ لِرِجَالِهِ، وَمُحَافِظَةٍ عَلَى نَشْرِهِ، وَكَانَتِ الرِّحلَةُ إِلَيْهِ، وَلِيَ قَضَاءَ بَلَنْسِيَةَ وَشَاطِبَةَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَجَمَعَ مِنْ كُتُبِ الحَدِيْثِ وَالأَجزَاءِ شَيْئاً كَثِيْراً، وَرُزِقتُ مِنْهُ قَبُولاً، وَبِهِ اخْتِصَاصاً، فَمُعْظَمُ رِوَايَتِي قَدِيماً عَنْهُ. تُوُفِّيَ بِمَرَّاكُش فِي رِحْلَتِهِ إِلَيْهَا لاسْتِدْرَارِ جَارٍ لَهُ مِنْ بَيْتِ المَالِ انْقَطَعَ فَتُوُفِّيَ فِي سَادِسِ رَجَبٍ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: أَكْثَر عَنْهُ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُشليون، وَمُحَمَّدُ بنُ جوبر، وَابْنُ عَمِّيْرَةَ المَخْزُوْمِيُّ، وَابْنُ مَسْدِيّ المُجَاوِرُ وَتُوُفِّيَ وَهُوَ فِي عَشْرِ الثَّمَانِيْنَ، رَحِمَهُ الله.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 221"، وشذرات الذهب "5/ 75".(16/80)
5474- ابن جبير 1:
العَلاَّمَةُ أَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ جبير بن محمد بن جبير الكناني، البَلَنْسِيُّ، ثُمَّ الشَّاطِبِيُّ، الكَاتِبُ البَلِيْغُ.
وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ الإِمَامِ الرَّئِيْسِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الأَصِيْلِيِّ، وَأَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي العَيْشِ المُقْرِئِ صَاحِبِ أَبِي دَاوُدَ، وَحَمَلَ عَنْهُ القِرَاءاتِ. وَلَهُ إِجَازَة أَبِي الوَلِيْدِ ابْنِ الدَّبَّاغِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ التَّمِيْمِيِّ.
نَزَلَ غَرْنَاطَةَ مُدَّةً، ثُمَّ حَجَّ، وَرَوَى بِالثَّغْرِ وَبِالقُدْسِ.
قَالَ الأَبَّارُ: عُنِيَ بِالآدَابِ، فَبَلَغَ فِيْهَا الغَايَةَ، وَبَرَعَ فِي النَّظْمِ وَالنَّثْرِ، وَدُوِّنَ شِعرُه، وَنَال دُنْيَا عَرِيضَةً، وَتَقدَّمَ، ثُمَّ زَهِدَ، لَهُ ثَلاَثُ رِحلاَتٍ إِلَى المَشْرِقِ، مَاتَ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: الزَّكِيُّ المُنْذِرِيُّ، وَالكَمَالُ الضَّرِيْرُ، وَأَبُو الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيْلُ المِلَنْجِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ الخَلِيْلِيّ، وَطَائِفَةٌ. وَقَدْ سَمِعَ بِمَكَّةَ مِنَ المَيَانَجِيِّ، وَبِبَغْدَادَ مِنْ أَبِي أَحْمَدَ بنِ سُكَيْنَةَ.
وَمِنْ نَظْمِهِ:
تَأَنَّ فِي الأَمْرِ لاَ تَكُنْ عَجِلاً ... فَمَنْ تَأَنَّى أَصَابَ أَوْ كَادَا
وَكُنْ بِحَبْلِ الإِلَهِ مُعْتَصِماً ... تَأْمَنُ مِنْ بَغْيِ كَيْدِ مَنْ كَادَا
فَكَمْ رَجَاهُ فَنَالَ بُغْيَتَهُ ... عَبْدٌ مُسِيْءٌ لِنَفْسِهِ كَادَا
وَمَنْ تَطُلْ صُحْبَةُ الزَّمَانِ لَهُ ... يَلْقَ خطوبًا به وأنكادا
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 221"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 60، 61".(16/81)
5475- العماد 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِمُ الزَّاهِدُ القُدْوَةُ الفَقِيْهُ بَرَكَةُ الوَقْتِ عِمَادُ الدِّيْنِ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَلِيِّ بنِ سُرُوْرٍ المَقْدِسِيُّ الجَمَّاعِيْليُّ، نَزِيْلُ سَفْحِ قَاسِيُوْنَ، وَأَخُو الحَافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ.
وُلِدَ بِجَمَّاعِيْلَ، سَنَةَ 543. وَهَاجَرُوا بِهِ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ، وَلَهُ ثَمَانِ سِنِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي المَكَارِمِ بنِ هِلاَلٍ، وَسَلْمَانَ بنِ عَلِيٍّ الرَّحَبِيِّ، وَأَبِي المَعَالِي بنِ صَابِرٍ، وَارْتَحَلَ فَسَمِعَ مِنْ: صَالِحِ ابْن الرّخلَةِ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ ابْنِ الخَشَّابِ، وَشُهْدَةَ، وَعَبْدِ الحَقِّ، وَعِدَّةٍ، وَبِالمَوْصِلِ مِنْ أَبِي الفَضْلِ الخَطِيْبِ. وَتَفَقَّهَ بِبَغْدَادَ عَلَى: ابْنِ المَنِّيِّ، وَتبصَّرَ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ.
حَدَّثَ عَنْهُ البرزالي، والضياء، وابن خليل، والمنذري، والقوصي، وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالتَّاجُ عَبْدُ الوَهَّابِ ابْنُ زَيْنِ الأُمَنَاءِ، وَوَلَدُهُ القَاضِي شَمْسُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ ابْنُ العِمَادِ، وَالشَّيْخُ شَمْسُ الدِّيْنِ بنُ أَبِي عُمَرَ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ وَالشَّمْسُ مُحَمَّدُ ابْنُ الكَمَالِ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ الشَّيْخُ الضِّيَاءُ: كَانَ لَيْسَ بِالآدَمِ كَثِيْراً، وَلاَ بِالطَّوِيْلِ، وَلاَ بِالقَصِيْرِ، وَاسِعَ الجَبْهَةِ، مَعرُوْقَ الجَبِيْنِ، أَشهَلَ العَيْنِ، قَائِمَ الأَنْفِ، يَقُصُّ شَعْرَهُ، وَكَانَ فِي بَصَرِهِ ضَعْفٌ. سَافَرَ إِلَى بَغْدَادَ مَرَّتَيْنِ، وَحَفِظَ القُرْآنَ، وَ"غَرِيْبَ" العُزَيْرِيِّ -فِيْمَا قِيْلَ- وَحَفِظَ الخِرَقِيَّ، وَأَلقَى الدَّرسَ مِنَ "التَّفْسِيْرِ"، وَمِنَ "الهِدَايَةِ"، وَاشْتَغَلَ فِي الخِلاَفِ، شَاهَدتُهُ يُنَاظِرُ غَيْرَ مَرَّةٍ. وَكَانَ عَالِماً بِالقِرَاءاتِ وَالنَّحْوِ وَالفَرَائِضِ، قرَأَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى أَبِي الحَسَنِ بنِ عَسَاكِرَ البَطَائِحِيِّ، وَأَقرَأ بِهَا، وَصَنَّفَ "الفُرُوْقَ فِي المَسَائِلِ الفِقْهِيَّةِ"، وَصَنَّفَ كِتَاباً فِي الأَحكَامِ لَمْ يُتِمَّهُ، وَلاَ كَانَ يَتفرَّغُ لِلتَّصْنِيفِ مِنْ كَثْرَةِ اشتِغَالِهِ وَإِشْغَالِهِ. أَقَامَ بِحَرَّانَ مُدَّةً فَانْتَفَعُوا بِهِ، وكان يشغل الجبل إِذَا كَانَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ بِالمَدِيْنَةِ، فَإِذَا صَعِدَ المُوَفَّقُ، نَزَلَ هُوَ وَأَشْغَلَ، فَسَمِعْتُ الشَّيْخَ المُوَفَّقَ يَقُوْلُ: مَا نَقدِرُ نَعمَلُ مِثْلَ العِمَادِ، كَانَ يَتَأَلَّفُ النَّاسَ، وَرُبَّمَا كَرَّرَ عَلَى الطَّالِبِ مِنْ سَحَرٍ إِلَى الفَجْرِ.
قَالَ الضِّيَاءُ: وَكَانَ يَجلِسُ فِي جَامِعِ البَلَدِ مِنَ الفَجْرِ إِلَى العشاء، ولا يخرج إلَّا لحاجة،
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 220"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 53، 54".(16/82)
يُقْرِئُ القُرْآنَ وَالعِلْمَ، فَإِذَا فَرَغُوا اشْتَغَلَ بِالصَّلاَة، فَسَأَلْتُ الشَّيْخَ مُوَفَّقَ الدِّيْنِ عَنْهُ، فَقَالَ: كَانَ من خيار أصحابنا، وأعظمهم نَفْعاً، وَأَشَدِّهِم وَرَعاً، وَأَكْثَرِهِم صَبْراً عَلَى التَّعْلِيْمِ، وَكَانَ دَاعِيَةً إِلَى السُّنَّةِ، أَقَامَ بِدِمَشْقَ مُدَّةً يُعلِّمُ الفُقَرَاءَ وَيُقْرِئُهُم، وَيُطْعِمُهُم، وَيَتَوَاضَعُ لَهُم، كَانَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ تَوَاضُعاً، وَاحْتِقَاراً لِنَفْسِهِ، وَخَوْفاً مِنَ اللهِ، مَا أَعْلَمُ أَنَّنِي رَأَيْتُ أَشدَّ خَوْفاً مِنْهُ، وَكَانَ كَثِيْرَ الدُّعَاءِ وَالسُّؤَالِ للهِ، يُطِيلُ السُّجُوْدَ وَالرُّكُوْعَ، وَلاَ يَقبَلُ مِمَّنْ يَعْذُلُهُ، وَنُقِلَتْ لَهُ كَرَامَاتٌ.
ثُمَّ قَالَ الضِّيَاءُ: لَمْ أر أحدًا أحسن صلاة من وَلاَ أَتَمَّ، بِخُشُوْعٍ وَخُضُوْعٍ، قِيْلَ: كَانَ يُسبِّحُ عَشْراً يَتَأَنَّى فِيْهَا، وَرُبَّمَا قَضَى فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ صَلَوَاتٍ عِدَّةٍ، وَكَانَ يَصُوْمُ يَوْماً، وَيُفْطِر يومًا، وكان إذا دعا كان يَشْهَدُ بِإِجَابَة دُعَائِهِ مِنْ كَثْرَةِ ابْتِهَالِهِ وَإِخْلاَصِهِ، وَكَانَ يَمضِي يَوْمَ الأَرْبعَاءِ إِلَى مَقَابِرِ بَابِ الصغير عند الشهداء، فيدعو وَيَجْتَهِدُ سَاعَةً طَوِيْلَةً.
وَمِنْ دُعَائِهِ المَشْهُوْرِ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَقْسَانَا قَلْباً، وَأَكْبَرِنَا ذَنْباً، وَأَثْقَلِنَا ظَهْراً، وَأَعْظَمِنَا جُرْماً".
وَكَانَ يَدْعُو: "يَا دَلِيلَ الحَيَارَى، دُلَّنَا عَلَى طَرِيْقِ الصَّادِقِيْنَ، وَاجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِيْنَ".
وَكَانَ إِذَا أَفْتَى فِي مَسْأَلَة، يَحتَرِزُ فِيْهَا احتِرَازاً كَثِيْراً.
قَالَ: وَأَمَّا زُهْدُهُ، فَمَا أَعْلَم أَنَّهُ أَدخَلَ نَفْسَه فِي شَيْءٍ مِنْ أَمر الدُّنْيَا، وَلاَ تَعرَّضَ لَهَا، وَلاَ نَافَسَ فِيْهَا، وَمَا عَلِمْتُ أَنَّهُ دَخَلَ إِلَى سُلْطَانٍ وَلاَ وَالٍ، وَكَانَ قَوِيّاً فِي أَمْرِ اللهِ، ضَعِيْفاً فِي بدنه، لاَ تَأْخُذُه فِي اللهِ لَوْمَة لاَئِم، أَمَّاراً بِالمَعْرُوف، لاَ يَرَى أَحَداً يسيء صلاته، إلَّا قال له وعلمه.
قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ أَتَى فُسَّاقاً، فَكَسَرَ مَا مَعَهُم، فَضَرَبُوهُ حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ، فَأَرَادَ الوَالِي ضَرْبَهُم، فَقَالَ: إِنْ تَابُوا وَلاَزمُوا الصَّلاَةَ، فَلاَ تُؤْذِهِم، وَهُم فِي حِلٍّ، فَتَابُوا.
قَالَ الضِّيَاءُ: سَمِعْتُ خَالِي مُوَفَّقَ الدِّيْنِ يَقُوْلُ: مِنْ عُمُرِي أَعْرِفُهُ -يَعْنِي: العِمَادَ- مَا عَرَفْتُ أَنَّهُ عَصَى اللهَ مَعْصِيَةً.
وَسَمِعْتُ الإِمَامَ مَحَاسِنَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ يَقُوْلُ: كَانَ الشَّيْخُ العِمَادُ جَوْهَرَةَ العَصرِ.
ثُمَّ قَالَ الضِّيَاءُ: أَعْرفُ وَأَنَا صَغِيْرٌ أَنَّ جَمِيْعَ مَنْ كَانَ فِي الجَبَلِ يَتَعَلَّمُ القُرْآنَ كَانَ يَقرَأُ عَلَى العِمَادِ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، وَكَانَ يَبعثُ بِالنَّفَقَةِ سِرّاً إِلَى النَّاسِ، وَيَأْخُذُ بِقَلْبِ الطَّالِبِ، وَلَهُ بِشْرٌ دَائِمٌ.(16/83)
وَحَدَّثَنِي الشَّيْخُ المُقْرِئُ عَبْدُ اللهِ بنُ حَسَنٍ الهَكَّارِيُّ بِحَرَّانَ، قَالَ: رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ قَائِلاً يَقُوْلُ لِي: العِمَادُ مِنَ الأَبْدَالِ، فَرَأَيْتُ خَمْسَ لَيَالٍ كَذَلِكَ.
وَسَمِعْتُ التَّقِيَّ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ ابْن الحَافِظِ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ الشَّيْخَ العِمَادَ فِي النَّوْمِ عَلَى حِصَانٍ، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي الشَّيْخَ، إِلَى أَيْنَ? قَالَ: أَزُورُ الجَبَّارَ -عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ أَبُو المُظَفَّرِ فِي "المِرْآةِ": كَانَ الشَّيْخُ العماد يحضر مجلسي دَائِماً، وَيَقُوْلُ: صَلاَحُ الدِّيْنِ يُوْسُفُ فَتَحَ السَّاحِلَ، وَأَظهَرَ الإِسْلاَمَ، وَأَنْتَ يُوْسُفُ أَحيَيتَ السُّنَّةَ بِالشَّامِ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: يُشير أَبُو المُظَفَّرِ إِلَى أَنَّهُ كَانَ يُورد فِي الوَعْظِ كَثِيْراً مِنْ كَلاَمِ جَدِّهِ وَمِنْ خُطَبِهِ مَا يَتَضمَّنُ إِمْرَارَ الصِّفَاتِ وَمَا صَحَّ مِنَ الأَحَادِيْثِ عَلَى مَا وَردَ مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ إِلَى تَأْوِيْلٍ وَلاَ تَشْبِيهٍ وَلاَ تَعْطِيلٍ، وَمَشَايِخُ الحَنَابِلَةِ العُلَمَاءُ هَذَا مُخْتَارُهُم، وَهُوَ جَيِّدٌ، وَشَاهَدتُ العِمَادَ مُصَلِّياً فِي حَلْقَةِ الحَنَابِلَةِ مِرَاراً وَكَانَ مُطِيلاً لأَرْكَانِ الصَّلاَةِ قِيَاماً وَرُكُوْعاً وَسُجُوداً، كَانَ يُصَلِّي إِلَى جُرَانتين، ثُمَّ عَمِلَ المِحْرَابَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قَالَ الضِّيَاءُ: تُوُفِّيَ العِمَادُ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ- لَيْلَةَ الخَمِيْسِ، سَابِعَ عَشَرَ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، عَشَاءَ الآخِرَةِ، فَجْأَةً وَكَانَ صَلَّى المَغْرِبَ بِالجَامِعِ وَكَانَ صَائِماً، فَذَهَبَ إِلَى البَيْتِ، وَأَفطَرَ عَلَى شَيْءٍ يَسِيرٍ، وَلَمَّا أُخْرِجَتْ جِنَازَته، اجْتَمَعَ خَلْقٌ، فَمَا رَأَيْتُ الجامع إلَّا وكأنه يَوْمُ الجُمُعَةِ مِنْ كَثْرَةِ الخَلْقِ، وَكَانَ الوَالِي يَطْرُدُ الخَلْقَ عَنْهُ، وَازْدَحَمُوا حَتَّى كَادَ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يَهْلِكَ، وَمَا رَأَيْتُ جَنَازَةً قَطُّ أَكْثَرَ خَلْقاً مِنْهَا.
وَحُكِي عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا جَاءهُ المَوْتُ جَعَلَ يَقُوْلُ: يَا حَيُّ يَا قَيُّوْمُ، لاَ إِلَهَ إلَّا أَنْتَ، بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيْثُ، واستقبل القبلة، وتشهد.
قَالَ: وَزَوْجَاتُهُ أَرْبَعٌ، مِنْهُنَّ غَزِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ البَاقِي، وَلَدَتْ لَهُ: قَاضِي مِصْرَ شَمْسَ الدِّيْنِ، والعماد أحمد.(16/84)
ابن الجلاجلي، ابن الصقيل، يحيى بن ياقوت:
5476- ابن الجلاجلي 1:
التَّاجِرُ الرَّئِيْسُ المُقْرِئُ كَمَالُ الدِّيْنِ أَبُو الفُتُوْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ المُبَارَكِ البَغْدَادِيُّ، ابْنُ الجَلاَجِلِيِّ.
وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ هِبَة اللهِ بنِ أَبِي شَرِيْكٍ، وَابْنِ البَطِّيِّ، وَتَلاَ بِرِوَايَاتٍ عَلَى أَبِي الحَسَنِ البَطَائِحِيِّ، وَأَبِي السَّعَادَاتِ الوَكِيْلِ؛ تِلْمِيْذِ أَبِي البَرَكَاتِ الوَكِيْلِ. وَسَمِعَ مِنَ: السِّلَفِيِّ، وَجَال مِنْ مِصْرَ إِلَى الهِنْدِ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ فِي التِّجَارَةِ، وَكَانَ صَادِقاً كَيِّساً، مُحْتَشِماً، حُفَظَةً لِلْحِكَايَاتٍ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ النَّجَّارِ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَالقُوْصِيُّ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَابْنُ البُخَارِيِّ، وَابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَابْنُ الزَّيْنِ، ومحمد بن مؤمن، وعدة.
وتوفي فِي بَيْتِ المَقْدِسِ، فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عشرة وست مائة، رحمه الله.
5477- ابن الصيقل 2:
الشَّرِيْفُ أَبُو القَاسِمِ مُوْسَى بنُ سَعِيْدٍ الهَاشِمِيُّ، ابْنُ الصَّيْقَلِ.
سَمِعَ مِنْ إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ ابْنِ الطَّرَائِفِيِّ، وَالأُرْمَوِيِّ.
وَعَنْهُ: الدُّبَيْثِيُّ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَالمِقْدَادُ القَيْسِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَوَلِيَ نَقَابَةَ العَبَّاسِيِّيْنَ بِالكُوْفَةِ، وَوَلِيَ حِجَابَةَ بَابِ النُّوْبِيِّ.
مَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ سَبْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
5478- يَحْيَى بنُ ياقوت 3:
الشَّيْخُ أَبُو الفَرَجِ الفَرَّاشُ.
سَمِعَ: إِسْمَاعِيْلَ ابْنَ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَعَبْدَ الجَبَّارِ بنَ تَوْبَةَ، وَيَحْيَى ابْنَ الطَّرَّاحِ، وَابْنَ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَجَاوَرَ، وَرَتَّبَ شَيْخاً بِالحَرَمِ وَمِعْمَاراً.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مَوْدُوْدٍ نَزِيْلُ مِصْرَ، وَعِدَّةٌ.
ثُمَّ عَادَ إِلَى بَغْدَادَ، وَبِهَا مَاتَ، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، عن سن عالية.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1389"، ووقع عنده [الحلاحلي] بحاءين مهملتين، بدل [الجلاجلي] بجيمين معجمتين. والنجوم الزاهرة "6/ 215"، وشذرات الذهب "5/ 53".
2 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1389"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 53".
3 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1389"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 214"، وشذرات الذهب "5/ 53".(16/85)
ابن مجلي، الزهري، عبد السلام:
5479- ابن مجلي:
الإِمَامُ القَاضِي ثِقَةُ الملكِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ ابْنُ القَاضِي الإِمَامِ أَبِي الحَسَنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُجَلِّي بنِ حُسَيْنٍ الرَّمْلِيُّ، ثُمَّ المِصْرِيُّ، الشَّافِعِيُّ، الخَطِيْبُ.
سَمِعَ: ابْنَ رِفَاعَةَ، وَأَبَا الفُتُوْحِ الخَطِيْبَ، وَنَاب فِي القَضَاءِ.
مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ بِضْعٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
رَوَى عَنْهُ: البِرْزَالِيُّ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَشَرَفُ الدِّيْنِ عُمَرُ بنُ صَالِحٍ السُّبْكِيُّ، وَمُحَمَّدُ ابْن الخِيَمِيّ الشَّاعِرُ، وَآخَرُوْنَ.
5480- الزهري:
مسند الأندلس أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ الزُّهْرِيُّ، الإِشْبِيْلِيُّ.
سَمِعَ "البُخَارِيَّ" مِنْ أَبِي الحَسَنِ شُرَيْحِ بنِ مُحَمَّدٍ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَعُمِّرَ، وَتَفَرَّدَ، وَتَنَافَسُوا فِي الأَخْذِ عَنْهُ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ سَيِّدِ النَّاسِ الحَافِظُ.
تُوُفِّيَ فِي آخِرِ سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ. وَقِيْلَ: بَقِيَ إِلَى سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَلَمْ يَصِحَّ.
وَشَيخُهُ يَرْوِي الصَّحِيْحَ عَنْ وَاحِدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الحَافِظِ.
5481- عَبْدُ السَّلاَمِ 1:
ابْنُ الفَقِيْهِ عَبْدِ الوَهَّابِ ابْنِ الشيخ عبد القادر الجيلي. الركن، أبو مَنْصُوْرٍ، الفَاسِدُ العَقيدَةِ، الَّذِي أُحرِقَتْ كُتُبُه، وَكَانَ خِلاًّ لِعَلِيِّ ابْنِ الجَوْزِيِّ يَجْمَعهُمَا عَدَمُ الوَرَعِ!
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: جَدِّهِ، وَابْنِ البَطِّيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ المُقَرّبِ، وَمَا سَمِعُوا مِنْهُ شَيْئاً. دَرَّسَ بِمَدْرَسَةِ جَدِّهِ، وَوَلِيَ أَعْمَالاً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: ظَهَرَ عَلَيْهِ بِخَطِّهِ بتَخيُّرِ الكَوَاكِبِ وَمُخَاطَبَتِهَا بِالإِلَهِيَّةِ، وَأَنَّهَا مُدبِّرَةٌ، فَأُحضِرَ، فَقَالَ: كَتَبتُهُ تَعجُّباً لاَ مُعْتَقِداً، فَأُحرِقَتْ مَعَ كُتُبِ فَلسَفِيَّةٍ بِخَطِّهِ فِي مَلأٍ عَظِيْمٍ، سَنَةَ 588، وَأُعْطِيَتْ مَدَارِسُه لابْنِ الجَوْزِيِّ، فَهَذَا كَانَ السَّبَبَ فِي اعتِقَالِ ابْنِ الجَوْزِيِّ خَمْسَةَ أَعْوَامٍ بِوَاسِطَ؛ وَلِيَ وَزِيْرٌ شِيْعِيٌّ، فَمكَّنَ الرُّكْنَ مِنِ ابْنِ الجَوْزِيِّ، وَبَعدَ سَنَةِ سِتِّ مائَةٍ أُعِيدَ إِلَى الرُّكْنِ الْمدَارِس، ثُمَّ رتّب عَمِيداً بِبَغْدَادَ وَمُسْتَوْفِياً لِلمكس، وَتَمَكَّنَ، فَظَلَمَ وَعَسَفَ، ثُمَّ حُبِسَ وَخَمَلَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ ظَرِيفاً، لَطِيفَ الأَخْلاَقِ، إلَّا أَنَّهُ كَانَ فَاسِدَ العَقِيدَةِ.
مَاتَ فِي رَجَبٍ، سنة إحدى عشرة وست مائة.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 45، 46".(16/86)
5482- السائح 1:
الزَّاهِدُ الفَاضِلُ الجَوَّالُ الشَّيْخُ عَلِيُّ بنُ أَبِي بكر الهروي الذي طوف غَالِبَ المَعْمُور، وَقَلَّ أَنْ تَجِدَ مَوْضِعاً مُعْتَبَراً إلَّا وَقَدْ كَتَبَ اسْمَهُ عَلَيْهِ.
مَوْلِدُهُ بِالمَوْصِلِ، وَاسْتَوْطَنَ فِي الآخِر حَلَبَ، وَلَهُ بِهَا رِبَاطٌ. وَجَمَعَ تَوَالِيفَ وَفَوَائِدَ وَعَجَائِبَ. وَكَانَ حَاطِبَ لَيْلٍ، دَخَلَ فِي السِّحْرِ وَالسِّيمِيَاءِ، وَنفقَ عَلَى الظَّاهِر صَاحِبِ حَلَبَ، فَبَنَى لَهُ مَدْرَسَةً، فَدرَّسَ بِهَا، وَخَطَبَ بِظَاهِرِ حَلَبَ، وَكَانَ غَرِيْباً مُشَعْوِذاً، حُلْوَ المُجَالَسَةِ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: كَادَ أَنْ يُطبِقَ الأَرْض بِالدَّوَرَانِ بَرّاً وَبَحْراً وَسَهْلاً وَوَعْراً، حَتَّى ضُرِبَ بِهِ المَثَلُ، فَقَالَ ابْنُ شَمْسِ الخِلاَفَةِ فِي رَجُلٍ:
أَوْرَاقُ كِذْبَتِهِ فِي بَيْتِ كُلِّ فَتَىً ... عَلَى اتِّفَاقِ مَعَانٍ وَاخْتِلاَفِ رَوِي
قَدْ طَبَّقَ الأَرْضَ مِنْ سَهْلٍ إِلَى جَبَلٍ ... كَأَنَّهُ خَطُّ ذَاكَ السَّائِحِ الهَرَوِيّ
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: كَانَ عَارِفاً بِأَنْوَاعِ الحِيَلِ وَالشَّعْبَذَةِ، أَلَّفَ خُطَباً وَقدَّمهَا لِلنَّاصِرِ لِدِيْنِ اللهِ، فَوَقَّعَ لَهُ بِالحُسبَةِ فِي سَائِرِ البِلاَدِ، فَبقِيَ لَهُ شَرَفٌ بِهَذَا التَّوقِيعِ مَعَهُ، وَلَمْ يُباشرْ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ.
قُلْتُ: سَمِعَ مِنْ عَبْدِ المُنْعِمِ ابْنِ الفُرَاوِيِّ سُبَاعِيَّاتِهِ. وَرَأَيْتُ لَهُ كِتَاب المَزَارَاتِ وَالمَشَاهِدِ الَّتِي عَايَنَهَا، وَدَخَلَ إِلَى جَزَائِرِ الفِرَنْجِ، وَكَادَ أَنْ يُؤْسَرَ. وَقَبرُهُ فِي قُبَّةٍ بِمَدْرَسَتِهِ بِظَاهِرِ حَلَبَ.
مَاتَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّ مائة، وقد شاخ.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان "3/ ترجمة 459"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 49".(16/87)
ابن الصباغ، ابن البناء:
5483- ابن الصباغ 1:
الشَّيْخُ القُدْوَةُ الزَّاهِدُ الكَبِيْرُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ حُمَيْد ابْن الصَّبَّاغِ الصَّعِيْدِيُّ.
انتَفَعَ بِهِ خَلقٌ، وَكَانَ حَسَنَ التَّربِيَةِ لِلمُرِيْدِين، يَتفقَّدُ مَصَالِحهم الدِّينِيَّةَ، وَلَهُ أَحْوَالٌ وَمَقَامَاتٌ وَتَأَلُّهٌ.
قَالَ الحَافِظُ زَكِيُّ الدِّيْنِ المُنْذِرِيُّ: اجْتَمَعْتُ بِهِ بِقَنَا، وَتُوُفِّيَ بِهَا، وَهِيَ مِنْ صَعِيدِ مِصْرَ، فِي نِصْفِ شعبان، سنة عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، رَحِمَهُ اللهُ.
5484- ابْنُ البَنَّاءِ 2:
الشَّيْخُ الزَّاهِدُ العَالِمُ نُوْرُ الدِّيْنِ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي المَعَالِي عَبْدِ اللهِ بنِ مَوْهُوْبِ بنِ جَامِعِ بنِ عَبْدُوْنَ البَغْدَادِيُّ، الصُّوْفِيُّ، ابْنُ البَنَّاءِ.
صَحِبَ الشَّيْخَ أَبَا النَّجِيْبِ. وَسَمِعَ مِنِ ابْنِ نَاصِرٍ، وَأَبِي الكَرَمِ الشَّهْرُوزُرِيِّ، وَأَبِي بكر ابن الواغوني، ونصر بن نصر، وعدة.
وَحَدَّثَ بِمَكَّةَ، وَمِصْرَ، وَالشَّامِ، وَبَغْدَادَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ خَلِيْلٍ، وَالقُوْصِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ بلكويه، وَالجمَالُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ، وَالقُطْبُ الزُّهْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَابْنُ البُخَارِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
وَأَجَازَ لِشَيخِنَا عُمَرُ ابْنُ القَوَّاسِ.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: شَيْخٌ حَسَنٌ كَيِّسٌ، صَحِبَ الصُّوْفِيَّةَ، وَتَأَدَّبَ بِهِم، وَسَمِعَ كَثِيْراً، وَقَالَ لِي: وُلِدْتُ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَجَاوَرَ بِمَكَّةَ زَمَاناً، ثُمَّ تَوجَّهَ إِلَى مِصْرَ، ثُمَّ إِلَى دِمَشْقَ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ مِنْ أَعيَانِ الصُّوْفِيَّةِ وَأَحْسَنِهِم شَيْبَةً وَشَكلاً لاَ يَمَلُّ جَلِيسُهُ مِنْهُ.
مَاتَ فِي مُنْتَصَفِ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، بِالسُّمَيْسَاطِيَّةِ، وكتب بخطه أجزاء عديدة.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1389"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 215"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 52، 53".
2 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1389"، والنجوم الزاهرة "6/ 215"، وشذرات الذهب "5/ 53".(16/88)
الملنجي، ابن ظاهر:
5485- الملنجي:
المُحَدِّثُ المُفِيْدُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي القَاسِمِ المِلَنْجِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ، القَطَّانُ، المؤدب.
وُلِدَ نَحْوَ سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: إِسْمَاعِيْلَ الحَمامِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي نَصْرٍ بنِ هَاجَرَ، وَحَجَّ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ المُفَضَّلِ الحَافِظُ -وَمَاتَ قَبْلَهُ- وَالحَافِظُ الضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ. وَأَجَاز لابْنِ البُخَارِيِّ.
وَكَانَ حَافِظاً، مُكْثِراً، مُكرِماً لِلطَّلبَةِ، ذَا مُرُوءةٍ، مُحِبّاً لِلرِّوَايَةِ.
تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَمِلَنْجَةَ: مَحلَّةٌ، أو قرية من أصبهان.
5486- ابن ظافر:
صَاحِبُ كِتَابِ "الدُّوَلِ المُنْقَطِعَةِ" العَلاَّمَةُ البَارِعُ، جَمَالُ الدِّيْنِ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ ابْنُ العَلاَّمَةِ أَبِي منصور ظَافِرِ بنِ الحُسَيْنِ الأَزْدِيُّ، المِصْرِيُّ، المَالِكِيُّ، الأُصُوْلِيُّ، المُتَكَلِّمُ، الأَخْبَارِيُّ.
أَخَذَ الفِقْهَ وَالكَلاَمَ عَنْ أَبِيْهِ، وَجَوَّدَ العَرَبِيَّةَ، وَشَاركَ فِي الفَضَائِلِ. وَكَانَ فَطِناً، طَلِقَ العِبَارَةِ، سَيَّالَ الذِّهنِ، جَيِّدَ التَّصَانِيْفِ، درَّسَ بِمَدْرَسَةِ المَالِكِيَّةِ بِمِصْرَ بَعْدَ وَالِدِه، وَترسَّلَ إِلَى الخليفة، ووزر للملك الأشرف مُدَّةً، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِصْرَ، وَوَلِيَ وَكَالَةَ السُّلْطَانِ، وَلَهُ كِتَابُ "الدُّوَلِ المُنْقَطِعَةِ"، فَأَتَى فِيْهِ بِنفَائِس، وَلَهُ كِتَابُ "بَدَائِعِ البَدَائِهِ"، وَكِتَابُ "أَخْبَارِ الشَّجْعَانِ"، وَ"أَخْبَارِ آلِ سَلْجُوْقٍ"، وَكِتَابُ "أَسَاسِ السِّيَاسَةِ"، وَلَهُ نَظْمٌ حَسنٌ.
أَخَذَ عَنْهُ المُنْذِرِيُّ، وَالشِّهَابُ القُوْصِيُّ، وَأَقْبَلَ فِي الآخَرِ عَلَى الحَدِيْثِ، وَأَدمَنَ النَّظَرَ فِيْهِ.
عَاشَ ثَمَانِياً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
وَتُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.(16/89)
ابن صاحب الأحكام، الجاجرمي:
5487- ابن صاحب الأحكام:
العَدْلُ العَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يُوْسُفَ الأَنْصَارِيُّ، الغَرْنَاطِيُّ.
مَاتَ فِي رجب، فجاءة من سنة أربه عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ سِتٌّ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
قَالَ الأَبَّارُ: رَوَى عَنْ أَبِي الحَسَنِ شُرَيْحِ بن محمد، وأبي الحكم عبد الرحمن بنِ غَشَلْيَانَ، وَابْن رِضَى -يَعْنِي: إِجَازَةً.
وَقَالَ ابن مسدي: هو أحد الأعلان بِبِلاَدِه، قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ خَلَفِ بنِ يَبْقَى، وَأَجَاز لَهُ: ابْنُ العَرَبِيِّ.
قُلْتُ: لابْنِ غَشَلْيَانَ إِجَازَةٌ مِنَ الخِلَعِيِّ، وَقَدْ أَجَازَ ابْنُ صَاحِبِ الأَحْكَامِ هَذَا لأَحْمَدَ بنِ يُوْسُفَ الطَّنْجَالِيِّ شَيْخِ أَثِيْرِ الدِّيْنِ أَبِي حَيَّانَ.
قَالَ ابْنُ مَسْدِي: سَمِعْتُ مِنْهُ أَجزَاءً، وَأَخَذَ عِلمَ الوَثَائِقِ عَنْ خَالِهِ؛ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى البَكْرِيِّ.
ابْنُ مَسْدِي: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ سَنَةَ 611، أَخْبَرْنَا ابْنُ يَبْقَى، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الجَلِيْلِ الغَسَّانِيُّ بِالقَيْرَوَانِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ القَابِسِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ هَاشِمٍ، أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ مِسْكِيْنٍ، حَدَّثَنَا سحْنُوْن، حَدَّثَنَا القَاسِمُ بِحَدِيْث، ثُمَّ قَالَ ابْنُ مَسْدِي: هَذَا أَعْلَى الأَسَانِيْدِ إِلَى القَابِسِيِّ.
قُلْتُ: صَدقَ إِنْ لم يكن سقط رجل?!
5488- الجاجرمي 1:
العَلاَّمَةُ مُصَنِّفُ "الكِفَايَةِ" أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي الفَضْلِ السَّهْلِيُّ، الشَّافِعِيُّ، مُعِيْنُ الدِّيْنِ، مُفْتِي نَيْسَابُوْرَ.
وَلَهُ كِتَاب "إِيْضَاحِ الوَجِيْزِ"، مجلدان.
تخرج به أئمة.
وَمَاتَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائة.
وبليدة جاجرم بين جرجان ونيسابور.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان "4/ ترجمة 602"، وشذرات الذهب "5/ 56".(16/90)
أبو تراب، البندنيجي:
5489- أبو تراب:
الفَقِيْهُ أَبُو تُرَابٍ يَحْيَى بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي تُرَابٍ الكَرْخِيُّ، اللَّوْزِيُّ، الشَّافِعِيُّ، الرَّافضِيُّ. وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَتَفَقَّهَ عَلَى أبي الحسن ابن الخل. وسمع من: الأموي، وَالكَرُوْخِيِّ، وَأَبِي الوَقْتِ، وَجَمَاعَةٍ. وَحَدَّثَ بِدِمَشْقَ، وَبَغْدَادَ.
روى عنه: ابن الدبيثي، وابن خليل، وَالقُوْصِيُّ، فَقَالَ القُوْصِيُّ: أَخْبَرَنَا المُفْتِي قَوَامُ الدِّيْنِ يَحْيَى مُعِيْدُ العِمَاد الكَاتِب، أَخْبَرْنَا ابْنُ الزَّاغُوْنِيِّ -فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: دَخَلتُ عَلَيْهِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، فَرَأَيْتُهُ مُختلاًّ؛ زَعَمَ أَنَّ المَلاَئِكَةَ تَنزِلُ عَلَيْهِ بِثِيَابٍ خُضْرٍ، فِي هَذَيَانٍ طَوِيْلٍ وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ كَانَ إِذَا ضَجِرَ لَمَّا قُرِئَ عَلَيْهِ "التِّرْمِذِيّ" يَشتمهُم بِفُحشٍ.
وَحَدَّثَنِي ابْنُ هِلاَلَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أبي تراب، فقال: من أين أَنْتَ? قُلْتُ: مِنَ المَغْرِبِ. فَبَكَى، وَقَالَ: لاَ رَضِيَ اللهُ عَنْ صَلاَحِ الدِّيْنِ، ذَاكَ فَسَادُ الدِّيْنِ، أَخرجَ الخُلَفَاءَ مِنْ مِصْرَ وَجَعَلَ يَسُبُّهُ، فَقُمْتُ.
مَاتَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وست مائة.
5490- البندنيجي 1:
الحَافِظُ مُفِيْدُ بَغْدَادَ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَحْمَدَ بنِ كَرَمٍ البَنْدَنِيْجِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الأَزَجِيُّ، المُعَدَّلُ، أَخُو المُحَدِّثِ تَمِيْمٍ.
وُلِدَ سنة إحدى وأربعين وخمس مائة.
وسمع من: ابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ، وَأَبِي الوَقْتِ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ ابْنِ المَادِحِ، وَهَلُمَّ جَرَّا.
وَكَتَبَ العَالِي وَالنَّازِلَ، وَبَالَغَ عَنْ غَيْرِ إِتْقَانٍ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وابن النجار، والزكي، البرزالي، وَاليَلْدَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَلَهُ عِنَايَةٌ بِالأَسْمَاءِ، وَنَظَرٌ فِي العَرَبِيَّةِ، وَكَانَ فَصِيْحاً، طَيِّبَ القِرَاءةِ، امْتُحِنَ بِأَنْ شَهِدَ فِي سِجلٍّ بَاطِلٍ، فَصُفِعَ عَلَى حِمَارٍ، وَحُبِسَ مُدَّةً فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ، وَخَمَلَ.
وَكَانَ أَخُوْهُ تَمِيْمٌ قَدِ اسْتَجَازَ لِلإِمَامِ النَّاصِرِ جَمَاعَةً، فَأَظهرَ الإِجَازَةَ، فَأَنْعَمَ عَلَيْهِ، فَتَكَلَّمَ فِي أَخِيْهِ، وَأَنَّهُ مَا شَهِدَ بِزُوْرٍ مَحْضٍ، بَلْ رَكنَ إِلَى قَوْلِ القَاضِي مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ العَبَّاسِيِّ، وَأَنَّ الأُسْتَاذَ دَارَ ابْنَ يُوْنُسَ تَعصَّبَ عَلَيْهِ، فَأَعَادَهُ النَّاصِرُ إِلَى العَدَالَةِ، وَقَبِلَهُ القَاضِي أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ ابْنُ الدَّامَغَانِيِّ بِلاَ تَزْكِيَةٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَرَأْتُ عَلَيْهِ كَثِيْراً، وَكُنْتُ أَرَاهُ كَثِيْرَ التَّحَرِّي لاَ يُسَامِحُ فِي حَرْفٍ. قَالَ: وَمَعَ هَذَا فَكَانَتْ أُصُوْلُه مُظْلِمَةً، وَكَذَا خَطُّهُ وَطِبَاقُهُ، وَكَانَ سَاقِطَ المُرُوءةِ، وَسِخَ الهَيْئَةِ، يَدُلُّ حَالُهُ عَلَى تَهَاوُنِهِ بِالأُمُوْرِ الدِّيْنِيَّةِ، وَتُحْكَى عَنْهُ قَبَائِحُ، فَسَأَلْتُ شَيْخَنَا ابْنَ الأَخْضَرِ عنه وعن أخيه، فصرح بكذبهما.
أخوه:
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 226"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 62".(16/91)
أبو القاسم تميم، علي بن المفضل:
5491- أبو القاسم تميم 1:
ابن أبي بكر أحمد بن أحمد الزجي مُفِيْدُ الجَمَاعَةِ، كَانَ أَصْغَرَهُمَا. وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وأربعين.
وسمع كأخيه من: ابن الواغوني، وَأَبِي الوَقْتِ، وَهِبَة اللهِ الشِّبْلِيِّ، وَمَنْ بَعْدَهُم. وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَأَفَادَ الغُربَاءَ، وَكَانَ خَبِيْراً بِالمَرْوِيَّات وَبِالشُّيُوْخِ، وَلَهُ فَهْمٌ، وَلَيْسَ بِذَاكَ المُتْقِنِ.
رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِيُّ، وَاليَلْدَانِيُّ.
مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، كَهْلاً.
وَمَاتَ الأَوَّلُ شَيْخاً، فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وست مائة.
5492- علي بن المفضل 2:
ابن عَلِيِّ بنِ مُفَرِّجِ بنِ حَاتِمِ بنِ حَسَنِ بن جعفر، الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُفْتِي، الحَافِظُ، الكَبِيْرُ، المُتْقِنُ، شَرَفُ الدِّيْنِ، أَبُو الحَسَنِ ابْنُ القَاضِي الأَنْجَبِ أَبِي المكارم المقدسي، ثم الإسكندراني، المالكي.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 180"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 329".
2 ترجمته في وفيات الأعيان "3/ ترجمة 431"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1119"، والنجوم الزاهرة "6/ 212"، وشذرات الذهب لابن العماد "6/ 47، 48".(16/92)
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَتَفَقَّهَ بِالثَّغْرِ عَلَى: الفَقِيْهِ صَالِحِ ابْنِ بِنْتِ مُعَافَى، وَأَبِي الطَّاهِرِ بنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيِّ، وَعَبْدِ السَّلاَمِ بنِ عَتِيْقٍ السَّفَاقُسِيِّ، وَأَبِي طَالِبٍ أَحْمَدَ بنِ المُسَلَّمِ اللَّخْمِيِّ. وَبَرَعَ فِي المَذْهَبِ، وَسَمِعَ منهم، ومن الحافظ أبي طاهر السِّلَفِيّ، وَلَزِمَه سَنَوَاتٍ، وَأَكْثَرَ عَنْهُ، وَانقطَعَ إِلَيْهِ، وأسمع ولده محمدًا منه، ة سمع أَيْضاً مِنَ القَاضِي أَبِي عُبَيْدٍ نِعْمَةَ بنِ زِيَادَةِ اللهِ الغِفَارِيِّ؛ حَدَّثَهُ بِأَكْثَرِ "صَحِيْحِ البُخَارِيِّ"، عَنْ عِيْسَى بنِ أَبِي ذَرٍّ الهَرَوِيِّ ثُمَّ السَّرْوِيِّ، وَسَمَاعُهُ مِنْهُ "لِلصَّحِيْحِ" سِوَى قِطعَةٍ مِنْ آخِرِهِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ. وَسَمِعَ مِنْ: بَدْرٍ الخُذَادَاذِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ خَلَفِ اللهِ المُقْرِئِ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ العُثْمَانِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ بَرِّيٍّ النَّحْوِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ هِبَةِ اللهِ الكَامِلِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الرَّحْبِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ بِالثَّغْرِ وَمِصْرَ وَالحَرَمَيْنِ.
وَجَمَعَ وَصَنَّفَ وَتَصَدَّرَ لِلإِشْغَالِ، وَنَابَ فِي الحُكمِ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ مُدَّةً، ثُمَّ درَّسَ بِمَدْرَسَتِهِ الَّتِي هُنَاكَ مُدَّةً، ثُمَّ إِنَّهُ تَحَوَّلَ إِلَى القَاهِرَةِ، وَدرَّسَ بِالمَدْرَسَةِ الَّتِي أَنْشَأَهَا الصَّاحِبُ ابْنُ شُكْرٍ، وَإِلَى أَنْ مَاتَ. وَكَانَ مُقَدَّماً فِي المَذْهَبِ، وَفِي الحَدِيْثِ؛ لَهُ تَصَانِيْفُ مُحرَّرَةٌ، رَأَيْتُ لَهُ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ كِتَابَ "الصِّيَامِ" بِالأَسَانِيْدِ، وَلَهُ "الأَرْبَعُوْنَ فِي طَبَقَاتِ الحُفَّاظِ"، وَلَمَّا رَأَيْتُهَا تَحَرَّكتْ هِمَّتِي إِلَى جَمْعِ الحُفَّاظِ وَأَحْوَالِهِم.
وَكَانَ ذَا دِيْنٍ وَوَرَعٍ وَتَصَوُّنٍ وَعَدَالَةٍ وَأَخلاَقٍ رَضِيَّةٍ وَمُشَاركَةٍ فِي الفَضْلِ قَوِيَّةٍ.
ذَكَرَهُ تِلْمِيْذُهُ الحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ المُنْذِرِيُّ، وَبَالَغَ فِي تَوقِيْرِهِ وَتَوْثِيْقِهِ، وَقَالَ: رَحَلَ إِلَى مِصْرَ فِي سَنَةِ أربع وسبعين، فسمع محمد بن علي الرَّحْبِيَّ، وَسَمَّى جَمَاعَةً، وَكَانَ مُتوَرِّعاً، حَسَنَ الأَخْلاَقِ، جَامِعاً لِفنُوْنٍ، انْتَفَعتُ بِهِ كَثِيْراً.
قُلْتُ: لَوْ كَانَ ارْتَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ وَالمَوْصِلِ، لَلَحِقَ جَمَاعَةَ مُسْنَدِيْنَ، وَمَتَى خَرَجَ عَنِ السِّلَفِيِّ نَزَلَتْ رِوَايَتُهُ وَقَلَّتْ.
أَجَاز لَهُ مِنَ المَغْرِب مُسْنِدُ وَقْتِهِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ حُنَيْنٍ، وَجَمَاعَةٌ.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ، قَالَ بَعْضُ الفُضَلاَءِ لِمَا مَرُّوا بِنَعْشِهِ: رَحِمَك الله أَبَا الحَسَنِ، قَدْ كُنْتَ أَسْقَطْتَ عَنِ النَّاس فُرُوضاً -يُرِيْدُ: لِنُهُوضِهِ بِفنُوْنٍ مِنَ العِلْمِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: المُنْذِرِيُّ، وَالرَّشِيْدُ الأُرْمَوِيُّ، وَزَكِيُّ الدِّيْنِ البِرْزَالِيُّ، وَمَجْدُ الدِّيْنِ عَلِيُّ بنُ وَهْبٍ القُشَيْرِيُّ، وَالعَلَمُ عَبْدُ الحَقِّ ابْن الرَّصاصِ، وَالشَّرَفُ عَبْدُ المَلِكِ بنُ نَصْرٍ الفِهْرِيُّ اللُّغَوِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ بلكويه الصُّوْفِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عُثْمَانَ القَابِسِيُّ المُحْتَسِبُ، وَالجَمَالُ(16/93)
مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ الهَوَارِيّ، وَالقَاضِي شَرَفُ الدِّيْنِ أَبُو حَفْصٍ السُّبْكِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُرْتَضَى بنِ أَبِي الجُوْدِ، وَالشِّهَابُ إِسْمَاعِيْلُ القُوْصِيُّ، وَالنَّجِيْبُ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ السَّفَاقُسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الخَالِقِ بنِ طَرْخَانَ الأُرْمَوِيُّ، وَالمُحْيِي عَبْدُ الرَّحِيْمِ ابْنُ الدَّمِيْرِيِّ، وَعِدَّةٌ.
وَرَوَى لِي عَنْهُ بِالإِجَازَةِ يُوْسُفُ ابْن القَابِسِيِّ: لَمْ أُدْرِكْ أَحَداً سَمِعَ مِنْهُ فِي رِحلَتِي.
قَالَ زَكِيُّ الدِّيْنِ المُنْذِرِيُّ: تُوُفِّيَ فِي مُسْتَهَلِّ شَعْبَانَ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَدُفِنَ بِسَفْحِ المُقَطَّمِ.
قُلْتُ: وَتُوُفِّيَ فِيْهَا: شَيْخُ الحَنَابِلَةِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مَعَالِي بنِ غَنِيْمَةَ البَغْدَادِيُّ ابْنُ الحَلاَوِيِّ، وَلَهُ ثَمَانُوْنَ سنة، ومسند الأندلس أبو القاسم أحمد ابن مُحَمَّدِ بنِ أَبِي المُطَرِّفِ بنِ جَرْجٍ القُرْطُبِيُّ وَلَهُ تِسْعُوْنَ سَنَةً، -سَمِعَ "سُنَنَ النَّسَائِيِّ" بِكَمَالِه مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ البِطْرَوْجِيِّ عَالِياً- وَالحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ ابْن القُرْطُبِيِّ الأَنْصَارِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ الحَسَنِ، سَمِعَ ابْنَ الجَدِّ، وَالحَافِظُ عَبْدُ العَزِيْزِ ابْنُ الأَخْضَرِ، وَأَبُو المُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ البَلِّ الوَاعِظُ، وَالشَّيْخُ عَلِيُّ بنُ أَبِي بَكْرٍ السَّائِحُ الهَرَوِيُّ.
وَمِنْ نَظْمِ ابْنِ المُفَضَّلِ:
أبا نَفْسُ بِالمَأْثُوْرِ عَنْ خَيْرِ مُرْسَلٍ ... وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِيْنَ تَمَسَّكِي
عَسَاكِ إِذَا بَالَغْتِ فِي نَشْرِ دِينِهِ ... بِمَا طَابَ مِنْ نَشْرٍ لَهُ أَنْ تَمَسَّكِي
وَخَافِي غَداً يَوْمَ الحِسَابِ جَهَنَّماً ... إِذَا نَفَحَتْ نيرانها أن تمسك(16/94)
5493- ابن القرطبي 1:
الإِمَامُ الحَافِظُ المُحَدِّثُ البَارِعُ الحُجَّةُ النَّحْوِيُّ المُحَقِّقُ أَبُو بَكْرٍ عَبْد اللهِ بنُ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ يَحْيَى الأَنْصَارِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، المَالقِيُّ، المَشْهُوْرُ: بِابْنِ القُرْطُبِيِّ.
وُلِدَ سَنَةَ بِضْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائة، واختص بأبي زيد السهيلي، ولازمه.
وَسَمِعَ أَيْضاً: أَبَاهُ الإِمَام أَبَا عَلِيٍّ، وَأَبَا بَكْرٍ، بن الجَدِّ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ زَرْقُوْنَ، وَأَبَا القَاسِمِ بن حُبَيْش، وَطَبَقَتهُم، فَأَكْثَر وَجَوَّد.
وَأَجَاز لَهُ أَبُو مَرْوَانَ بنُ قُزْمَانَ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ هُذَيْل، وَطَائِفَة، وَعنِي بِهَذَا الشَّأْن.
قَالَ الأَبَّارُ: كَانَ مِنْ أَهْلِ المَعْرِفَة التَّامَّة بصنَاعَة الحَدِيْث وَالبصر بِهَا، وَالإِتْقَان، وَالحِفْظ لأَسْمَاء الرِّجَال، وَالتَّقَدُّم فِي ذَلِكَ، مَعَ المَعْرِفَة بِالقِرَاءات، وَالمشَاركَة فِي العَرَبِيَّة، وَقَدْ نُوْظِر عَلَيْهِ فِي "كِتَاب سِيْبَوَيْه". وَرِث برَاعَة الحَدِيْث عَنْ أَبِيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَد يُدَانِيه فِي الحِفْظِ وَالجرح وَالتعديل إلَّا أَفرَاد مِنْ عصره.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَوْط اللهِ: المُحَدِّثُونَ بِالأَنْدَلُسِ ثَلاَثَة: أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ القُرْطُبِيّ: وَأَبُو الرَّبِيْعِ بن سَالِمٍ، وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِث، فَيَرَوْنَهُ عَنَى نَفْسه.
قُلْتُ: لَمْ يَكُنْ أَبُو القَاسِمِ المَلاَّحِيّ الحَافِظ بِدُونِهِمْ، وَقَدْ كَانَ ابْنُ القُرْطُبِيّ ذَا عَظَمَة فِي النُّفُوْس عِنْد الخَاصَّة وَالعَامَّة، أَخَذَ النَّاس عَنْهُ، وَانتفعُوا بِهِ.
مَاتَ بِمَالَقَة، خَطِيْباً بِهَا، فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وست مائة.
__________
1 ترجمة في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1122"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 48".(16/94)
5494- الرهاوي 1:
الإِمَامُ الحَافِظُ المُحَدِّثُ الرَّحَّالُ الجَوَّالُ مُحَدِّثُ الجَزِيْرَةِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ القَادِرِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ الرُّهَاوِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، السَّفَّارُ، مِنْ مَوَالِي بَعْضِ التُّجَّارِ.
وُلِدَ بِالرُّهَا فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. وَنَشَأَ بِالمَوْصِلِ. ثُمَّ أَعتقه مَوْلاَهُ، وَحُبّب إِلَيْهِ سَمَاع الحَدِيْث، وَلقِي بقايا المسندين، وأكثر عنهم، وتميز، صنف، وَكَانَ رَدِيء الكِتَابَة، لَمْ يُتْقِن وَضْعَ الخطّ.
سَمِعَ مِنْ: مَسْعُوْد بن الحَسَنِ الثَّقَفِيّ، وَالحَسَن بن العَبَّاسِ الرُّسْتمِيّ، وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ حَسَنٍ الصَّيْدَلاَنِيّ، وَرَجَاء بن حَامِدٍ المَعْدَانِيّ، وَمَحْمُوْد بن عَبْدِ الكَرِيْمِ فُورجَة، وَعَلِيّ بن عَبْدِ الصَّمَدِ بن مَرْدَوَيْه، وَمَعْمَر بن الفَاخِرِ، وَإِسْمَاعِيْل بن شَهْرَيَار، وَأَبِي مَسْعُوْدٍ عَبْد الرَّحِيْمِ الحَاجِّيّ وخلق بِأَصْبَهَانَ، وَعَبْد الجَلِيْل بن أَبِي سَعْدٍ المُعَدَّل بهَرَاة، وَهُوَ أَكْبَر شَيْخ لَهُ. وَقَعَ حَدِيْث البَغَوِيّ وَابْن صَاعِد عَالِياً، وَسَمِعَ بِهَمَذَانَ مِنْ: أَبِي زُرْعَةَ طَاهِر بن مُحَمَّدِ بنِ طَاهِر المَقْدِسِيّ، وَمُحَمَّد بن بُنَيْمَانَ، وَالحَافِظ أَبِي العَلاَءِ العَطَّار، وَطَائِفَة. وَبِمَرْوَ مِنْ: مَسْعُوْد بن مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيّ وَغَيْره. وَبِنَيْسَابُوْرَ مِنْ: أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيّ. وَبسِجِسْتَان مِنْ: أَبِي عَرُوْبَةَ عَبْدُ الهَادِي بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الزَّاهِد. وَبِبَغْدَادَ مِنْ: أَبِي عَلِيٍّ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ الرَّحْبِيّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ ابْنِ الخشاب، وفخر النساء شهدة، وخلق. وبواسط
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1117"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 214"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 50، 51".(16/95)
من: هبة الله ابن مَخْلَد الأَزْدِيّ، وَأَبِي طَالِبٍ الكَتَّانِيّ. وَبِالمَوْصِل مِنْ: خَطِيْبهَا أَبِي الفَضْلِ عَبْد اللهِ بن أَحْمَدَ ابْنِ الطُّوْسِيِّ، وَيَحْيَى بن سعدُوْنَ القُرْطُبِيّ المُقْرِئ. وَبِدِمَشْقَ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ بَرَكَةَ الصِّلْحِيّ وَأَبِي القَاسِمِ عَلِيّ بن الحَسَنِ الحَافِظ. وَبِالإِسْكَنْدَرِيَّة مِنَ: الحَافِظ أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ العُثْمَانِيّ. وَبِمِصْرَ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الرَّحْبِيّ، وَعَبْد اللهِ بن بَرِّيّ النَّحْوِيّ. وَعَمِلَ "أَرْبَعِي البُلْدَان" المتبَاينَة الأَسَانِيْد وَلوَاحقهَا وَمتعلقَاتهَا، فَجَاءت فِي مُجَلَّدَيْنِ دلّت عَلَى حِفْظِهِ وَنُبله، وَلَهُ فِيْهَا أَوهَام: تكرر عليه أبو إسحاق السبيعي وسعيد ابن مُحَمَّدٍ البَحَيْرِيّ، وَجَمَعَ كِتَاباً كَبِيْراً سَمَّاهُ "المَادح وَالممدوح" فِيْهِ ترَاجم جَمَاعَة مِنَ الحُفَّاظِ وَالأَئِمَّة، أَصله تَرْجَمَة شَيْخُ الإِسْلاَمِ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ الهَرَوِيّ.
ذكره ابْن نُقْطَة فَقَالَ: كَانَ عَالِماً، ثِقَة، مأمونًا، صالحًا، إلَّا أنه كان عسرًا غي الرِّوَايَة، لاَ يُكثر عَنْهُ إلَّا مَنْ أَقَامَ عِنْدَهُ.
وَقَالَ أَبُو الحَجَّاجِ بن خَلِيْل: كَانَ حَافِظاً، ثَبْتاً، كَثِيْر السَّمَاع، كَثِيْر التَّصنِيف، مُتْقِناً، خُتِمَ بِهِ علمُ الحَدِيْث.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ المُنْذِرِيّ: كَانَ ثِقَةً، حَافِظاً، رَاغِباً فِي الانْفِرَاد عَنْ أَربَاب الدُّنْيَا.
وَقَالَ شِهَاب الدِّيْنِ أَبُو شَامَةَ: كَانَ صَالِحاً، مَهِيْباً، زَاهِداً، نَاسِكاً، خشن العيش، ورعًا.
وأثنى عليه بن النَّجَّارِ، وَعظّمه، وَتَرْجَمَه.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نُقْطَة، وَزَكِيّ الدِّيْنِ البِرْزَالِيّ، وَضِيَاء الدِّيْنِ المَقْدِسِيّ، وَأَحْمَد بن سَلاَمَةَ النَّجَّار، وَشَمْس الدِّيْنِ ابْن خَلِيْلٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الصَّرِيْفِيْنِيّ، وَشِهَاب الدِّيْنِ القُوْصِيّ، وَجمَال الدِّيْنِ عَبْد الرَّحْمَنِ بن سَالِمٍ الأَنْبَارِيّ، وَزَيْن الدِّيْنِ بن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَجمَال الدِّيْنِ يَحْيَى ابن الصَّيْرَفِيّ، وَعَبْد اللهِ بن الوَلِيْدِ المُحَدِّثُ البَغْدَادِيّ، وَعَامِر القَلْعِيّ، وَعَبْد العَزِيْزِ بن الصَّيْقَلِ، وَخَلْق آخِرُهُم مَوْتاً المُعَمَّر العَلاَّمَة نَجْم الدِّيْنِ أَبُو عبد الله ابن حَمْدَان، وَمَعَ فَضله وَحفظه فَغَيْرُه أَحْفَظ مِنْهُ وأتقن.
حدث قديمًا، وولي مشيخة الحديث.
وَتُوُفِّيَ بِحَرَّانَ، فِي ثَانِي شَهْر جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَلَهُ سِتٌّ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
وَفِيْهَا مَاتَ: شَيْخ الصّعيد الإِمَامُ القُدْوَةُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ حُمَيْدٍ ابْن الصَّبَّاغ، وَمُسْنَد العِرَاق أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مَعَالِي بن مَنِيْنَا، وَالشَّيْخ كَمَال الدِّيْنِ أَبُو الفُتُوْحِ مُحَمَّد بن(16/96)
عَلِيٍّ ابْن الجَلاَجِلِيّ السَّفَّار، وَمُسْنَد مَكَّة يَحْيَى بن يَاقُوْت الفَرَّاش، وَالمُسْنَدُوْنَ، بِبَغْدَادَ: أَبُو العَبَّاسِ أحمد بن يحيى ابن الدَّبِيْقِيّ البَزَّاز، وَأَحْمَد بن إِبْرَاهِيْمَ ابْن السَّبَّاك الصُّوْفِيّ، وَأَبُو الفَضْلِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ المَنْصُوْرِيّ، وَأَبُو القَاسِمِ مُوْسَى بن سَعِيْدِ بنِ الصَّيْقَلِ الهَاشِمِيُّ، وَأَبُو الفَضْلِ سُلَيْمَان بن مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ المَوْصِلِيّ -رَحِمَهُمُ الله.
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ الفَقِيْهُ فِي كِتَابِهِ أَخْبَرَنَا الحَافِظ عَبْد القَادِرِ بن عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَسْعُوْدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّيَّان وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ السِّمْسَار، قَالاَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ التَّاجِر، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَذْعُور، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بنُ القَاسِمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِر، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَتيت أَبَا بَكْرٍ أَسأله فَمنعنِي، ثُمَّ أَتيته أَسْأَله فَمنعنِي، فَقُلْتُ: إِمَّا أَنْ تَبخل وَإِمَّا أَنْ تعطينِي. فَقَالَ: أَتُبَخِّلنِي! وَأَيُّ دَاءٍ أَدوَأ مِنَ البُخْل?! مَا أَتيتَنِي مِنْ مرَّة إلَّا وَأَنَا أُرِيْد أَنْ أَعْطيك أَلْفاً، قَالَ: فَأَعْطَانِي أَلْفاً وَأَلفاً وَأَلفاً. إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ.
قَرَأْتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ أَبِي بَكْرٍ البُحْتُرِيّ، وَإِسْمَاعِيْل بن ركَاب المُعَلِّم: أَخْبَرَكُمَا أحمد بن عب الدائم، أخبرنا بن عَبْدِ الدَّائِمِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ القَادِرِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ العَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو عَبْد الوَهَّابِ بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبِي أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَنْدَةَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ بنِ كُوْفِيّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ وَاقِدٍ الطَّائِيّ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: "صَلَّيْت أَنَا وَيَتيم كَانَ عِنْدَنَا خلف رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُمّ سليم من ورائنا".(16/97)
5495- ابن البل 1:
الإِمَامُ الوَاعِظُ الكَبِيْرُ أَبُو المُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ نَصْرِ بنِ البَلِّ الدُّوْرِيُّ.
وُلِدَ بِالدُّور، مِنْ نوَاحِي دُجَيْل، وَقَدِمَ بَغْدَادَ، وَاشْتَغَل، وَتَفنّن.
وَسَمِعَ مِنْ: عَلِيّ بن مُحَمَّدٍ الهَرَوِيّ بِالدّور فِي سَنَةِ 531، وَمِنِ: ابْن الطَّلاَّيَةِ، وَسَعِيْد ابْن البَنَّاءِ، وَابْن نَاصِر، وَعِدَّةٍ.
رَوَى عَنْهُ ابْن النَّجَّارِ، وَقَالَ: صَارَ شَيْخ الوعَّاظ، وَكثر لَهُ الْقبُول، وَوعظ عِنْد قَبْر مَعْرُوف، وَكَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْن الجَوْزِيِّ منَافرَات، وَلِكُلّ مِنْهُمَا متعصبُوْنَ وَأَتْبَاع، وَلَمْ يَزَلِ الدُّوْرِيّ عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَنْ خَاصم وَلدُهُ غُلاَماً لأُمّ النَّاصِر، وَبدَا مِنَ الشَّيْخ مَا اشتدَّ بِهِ الأَمْر،
فمنع من الوعظ، وأمر بلزوم بيته، فَبقِي كَذَلِكَ إِلَى حِيْنَ وَفَاته، وَكَانَ فَاضِلاً، مُتَدَيِّناً، صَدُوْقاً، أَنْشَدَنِي لِنَفْسِهِ:
يَتُوبُ عَلَى يَدِي قَوْمٌ عُصَاةٌ ... أَخَافَتْهُم مِنَ البَارِي ذُنُوبُ
وَقَلْبِي مُظْلِمٌ مِنْ طٌولِ مَا قَدْ ... جَنَى فَأَنَا عَلَى يَدِ مِنْ أَتُوبُ?
كَأَنِّيْ شَمْعَةٌ مَا بَيْنَ قَوْمٍ ... تُضِيءُ لَهُم وَيَحْرِقُهَا اللَّهِيبُ
كَأَنِّيْ مِخْيَطٌ يَكسُو أُنَاساً ... وَجِسْمِي مِنْ مَلاَبِسِه سَليبُ
مَاتَ فِي ثَانِي عَشَر شَعْبَان، سَنَة إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.
وَمَاتَ ابْنُ أَخِيْهِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ ابْن البَلِّ المُجَلِّدُ سَنَة تِسْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ قَبْله، سَمَّعَهُ مِنِ: ابْن الطَّلاَّيَةِ، وَابْن ناصر، وجماعة.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 48".(16/97)
5496- العميدي:
العَلاَّمَةُ رُكْنُ الدِّيْنِ صَاحِب "الجُسْتِ" وَالطَّرِيقَة، أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَقِيْلَ: اسْمُه أَحْمَدُ، العَمِيْدِيُّ، السَّمَرْقَنْدِيُّ، الحَنَفِيُّ.
كَانَ مُبرزاً فِي الخلاَف وَالنَّظَر، وَهُوَ أَحَد الأَرْبَعَة الَّذِيْنَ اشتهرُوا مِنْ تَلاَمِذَة الرَّضِيّ النَّيْسَابُوْرِيّ: هَذَا، وَالرُّكْن الطَّاوُوْسِيّ، وَالرُّكْن زَادَا، وَالرُّكْن فُلاَن -نَسِيْنَا اسْمَهُ.
وَصَنَّفَ العَمِيْدِيُّ "جُسْتَهُ" المَشْهُوْر، وَكِتَاب "الإِرْشَاد"، وَاعْتَنَى بِشَرْحِهِ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم: القَاضِي شَمْس الدِّيْنِ أَحْمَد الخوئِي، وَالبَدْرُ المَرَاغِيّ الطَّوِيْل، وَأَوْحَد الدِّيْنِ الدُّوْنِيّ، وَنَجْم الدِّيْنِ ابْن المَرَندِيّ.
وَتَخَرَّجَ بِالعَمِيْدِيِّ الأَصْحَاب، مِنْهُم: نظَام الدِّيْنِ أَحْمَد ابْن الشَّيْخ جَمَال الدين محمود الحصيري، وكان طيب لأخلاق، مُتَوَاضِعاً.
مَاتَ بِبُخَارَى، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ خمس عشرة وست مائة، وليس علمه من زاد المعاد.(16/98)
القاهر، ابن سيدهم، ست الشام:
5497- القاهر 1:
صَاحِبُ المَوْصِلِ المَلِكُ القَاهِرُ عِزُّ الدِّيْنِ أَبُو الفَتْحِ مَسْعُوْدُ ابْنُ السُّلْطَانِ أَرْسَلاَن شَاه بنُ مَسْعُوْدِ بنِ مَوْدُوْدِ بنِ زَنْكِي.
تَسَلَّطن بَعْد أَبِيْهِ سَنَة سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَهُوَ أَمرد، وَكَانَ ذَا كرمٍ وَحلمٍ.
مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَة خَمْسَ عَشْرَةَ، وَلَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُوْنَ سَنَةً.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ فِي "تَارِيْخِهِ": أَخذته حمى، ثم فارقته، ثم عاودته بقيء كَثِيْر وَكرب متتَابع، ثُمَّ برد، ثُمَّ مَاتَ، وَكَانَ حليماً، كَافّاً عَنِ الأَذَى، مُقْبِلاً عَلَى لذَّاته، تَأَلَّم النَّاس لِمَوْتِهِ، وَأَوْصَى بِالمُلْكِ إِلَى ابْنِهِ نُوْر الدِّيْنِ رسلاَن شَاه، وَلَهُ عشر سِنِيْنَ، وَمُدبّر دَوْلَته بَدْر الدِّيْنِ لُؤْلُؤ، فَتعلّل مُدَّة وَمَاتَ فِي العَامِ، فَأَقَامَ لُؤْلُؤ أَخَاهُ صغِيراً لَهُ ثَلاَث سِنِيْنَ، وَبَقِيَ هُوَ الكُلّ.
5498- ابن سيدهم 2:
الشَّيْخُ أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سيدهم بن هبة الله بن سرايا الأنصاري، الدمشقي، ابن لهراس، الوَكِيْلُ، الجَابي.
سَمَّعَهُ وَالِده مِنْ أَبِي الفَتْحِ نصر الله المصيصي، ونصر الله بن مُقَاتِل.
رَوَى عَنْهُ الضِّيَاء، وَاليَلْدَانِيّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ المُنْذِرِيّ، وَالشَّيْخ شَمْس الدِّيْنِ عَبْد الرَّحْمَنِ، وَالفَخْر عَلِيّ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ.
5499- سِتُّ الشَّامِ 3:
خَاتُوْنُ أُخْتُ السَّلاَطِيْنِ أَوْلاَدِ نَجْمِ الدِّيْنِ أَيُّوْبَ بنِ شاذي، واقفة المَدْرَسَتين، فَدُفنت بِالبَرَّانِيَة.
لهَا برّ، وَصَدَقَات، وَأَمْوَالٌ، وَخَدَمٌ. وَهِيَ شَقِيْقَةُ المُعَظَّم تُوْرَانْشَاه.
تُوُفِّيَت فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 225"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 62، 63".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 246"، وشذرات الذهب "5/ 66".
3 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 246"، وشذرات الذهب "5/ 67".(16/99)
ابن حمويه، ابن الحرستاني:
5500- ابن حمويه 1:
العَلاَّمَةُ المُفْتِي صَدْرُ الدِّيْنِ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بن أَبِي الفَتْحِ عُمَرَ بنِ عَلِيّ ابْنِ العَارِفِ مُحَمَّدِ بنِ حَمُّوَيْه الجُوَيْنِيُّ، الشَّافِعِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ بجُوَين، وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِي طَالِبٍ مَحْمُوْد بن عَلِيٍّ الأَصْبَهَانِيّ صَاحِب "التّعليقَة"، وَبِدِمَشْقَ عَلَى القُطْب النَّيْسَابُوْرِيّ، وَبَرَعَ فِي المَذْهَب، وَأَفتَى. وَتَزَوَّجَ بِابْنَة القطب فأولدها الأمراء الكبراء: عماد لدين عُمَر، وَفَخْر الدِّيْنِ يُوْسُف، وَكَمَال الدِّيْنِ أَحْمَدَ، وَمُعِيْن الدِّيْنِ حسن. درّس بِالشَّافِعِيّ، وَمشهد الحُسَيْن، وترسل عن الكمال إِلَى الخَلِيْفَة، فَمَرِضَ بِالمَوْصِلِ، وَمَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ.
رَوَى عَنْ: أَبِي الوَقْت، وَنَصْر بن نَصْرٍ العُكْبَرِيّ، وَالحَسَن بن أَحْمَدَ المُوسيَابَادِيِّ، وَعَاشَ أَرْبَعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ حَسَنَ السّمْت، كَثِيْر الصَّمْت، كَبِيْرَ القَدْرِ، غزِيْر الفَضْل، صاحب أوراد وحلم وأناة.
5501- ابن الحرستاني 2:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِمُ المُفْتِي المُعَمَّر الصَّالِح مُسْنِدُ الشَّامِ شَيْخُ الإِسْلاَمِ قَاضِي القُضَاةِ جَمَالُ الدِّيْنِ أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الصَّمَد بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الفَضْل بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الأَنْصَارِيُّ الدِّمَشْقِيُّ الشَّافِعِيُّ ابْنُ الحَرَسْتَانِيِّ، مِنْ ذُرِّيَّة سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وُلِدَ فِي أَحَد الرَّبِيْعين، سَنَة عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ، وَبعدهَا، مِنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ بن حَمْزَةَ، وَطَاهِر بن سَهْلٍ، وَجَمَال الإِسْلاَمِ عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، وَالفَقِيْه نَصْر اللهِ بن مُحَمَّدٍ، وَهِبَة اللهِ بن طَاوُوْس، وَعَلِيّ بن قُبَيْس المَالِكِيّ، وَمَعَالِي ابْن الحُبُوْبِيّ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ البُنِّ الأَسَدِيِّ، وَأَبِي الحَسَنِ المُرَادِيّ، وَجَمَاعَة. وَلَهُ "مَشْيَخَة" فِي جُزْء مروِيّ.
وَقَدْ أَجَاز لَهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ الفرَاوِي، وَهِبَةُ اللهِ بنُ سَهْلٍ السيدي، وزاهر ابن طَاهِر، وَعَبْد المُنْعِمِ ابْن الأُسْتَاذ أَبِي القَاسِمِ القُشَيْرِيّ، وَإِسْمَاعِيْل القَارِئ، وَطَائِفَة.
وَحَدَّثَ "بدَلاَئِل النُّبُوَّة" للبيهقي، و"بصحيح مسلم"، وأشياء.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 251"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 77".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 220"، وشذرات الذهب "5/ 60".(16/100)
وَبَرَعَ فِي المَذْهَب، وَأَفتَى وَدرّس، وَعُمَّر دَهْراً، وَتَفَرَّد بِالعَوَالِي.
حَدَّثَ عَنْهُ أَبُو المَوَاهِبِ بن صصرَى، وَعَبْد الغَنِيِّ المَقْدِسِيّ، وَعَبْد القَادِرِ الرُّهَاوِيّ، وَالضِّيَاء، وَابْن النَّجَّارِ، وَالبِرْزَالِيّ، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالقُوْصِيّ، وَالزَّكِيّ عَبْد العَظِيْمِ، وَكَمَال الدِّيْنِ ابْن العَدِيْم، وَالنَّجِيْب نَصْر اللهِ الصَّفَّار، وَزَيْن الدِّيْنِ خَالِد، وَالجمَال عَبْد الرَّحْمَنِ بن سَالِمٍ الأَنْبَارِيّ، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ، وَأَبُو حَامِدٍ ابْن الصَّابُوْنِيّ، وَالبُرْهَان ابْن الدَّرَجِيِّ، وَيُوْسُف بن تَمَّام، وَأَبُو بَكْرٍ ابْن الأَنْمَاطِيّ، وَمُحَمَّد وَعُمَر ابْنَا عَبْد المُنْعِمِ القَوَّاس، وَمُحَمَّد بن أَبِي بَكْرٍ العَامِرِيّ، وَالفَخْر عَلِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ مُحَمَّدِ بنِ طَرْخَان، وَالشَّمْس عَبْد الرَّحْمَنِ ابْن الزِّين، وَالشَّمْس ابْن الزِّين، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عُمَرَ المِزِّيّ، وَالقَاضِي شَمْس الدِّيْنِ مُحَمَّد بن العِمَادِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ ابْن الوَاسِطِيّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: العِمَاد عَبْد الحَافِظِ بن بَدْرَانَ، وَعَائِشَة بِنْت المجْد.
وَكَانَ إِمَاماً فَقِيْهاً، عَارِفاً بِالمَذْهَبِ، ورعًا، صالحًا، محمود الأحكام، حَسَن السِّيْرَةِ، كَبِيْرَ القَدْرِ. رَحَلَ إِلَى حَلَب، وَتَفَقَّهَ بِهَا عَلَى المُحَدِّث الفَقِيْه أَبِي الحَسَنِ المُرَادِيّ، وَوَلِيَ القَضَاءَ بِدِمَشْقَ، نِيَابَة عَنْ أَبِي سَعْدٍ بنِ أَبِي عَصْرُوْنَ، ثُمَّ إِنَّهُ وَلِيَ قَضَاءَ القُضَاةِ اسْتَقلاَلاً فِي سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَة: هُوَ أَسندُ شَيْخ لقينَا مِنْ أَهْلِ دِمَشْق، حسن الإِنصَات، صَحِيْح السَّمَاع.
وَقَالَ أَبُو شَامَةَ: دَخَلَ بِهِ أَبُوْهُ مِنْ حرستَا، فَنَزَلَ بِبَابِ تُوْمَا يؤمّ بِمسجد الزَّيْنَبِيّ، ثُمَّ أَمّ فِيْهِ ابْنه جَمَال الدِّيْنِ، ثُمَّ انْتقل جَمَالُ الدِّيْنِ فَسَكَنَ بدَاره بِالحُوَيرَة، وَكَانَ يُلاَزم الجَمَاعَة بِمَقْصُوْرَة الخضِر، وَيُحَدِّث هُنَاكَ، وَيَجْتَمِع خلق، مَعَ حسن سَمْته، وَسكونه وَهيبته. حَدَّثَنِي الشَّيْخ عِزّ الدِّيْنِ بن عَبْدِ السَّلاَمِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ أَفْقَه مِنْهُ، وَعَلَيْهِ كَانَ ابْتدَاء اشتغَاله، ثُمَّ صَحِبَ فَخْر الدِّيْنِ ابن عساكر، فسألته عنهما فرجع ابْن الحَرَسْتَانِيّ، وَكَانَ حَفِظ "الْوَسِيط" لِلْغزالِيّ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَلَمَّا وَلِي مُحْيِي الدِّيْنِ القَضَاء لَمْ يَنب ابْن الحَرَسْتَانِيّ عَنْهُ، وَبَقِيَ إِلَى أَنْ وَلاَّهُ العَادل القَضَاء، وَعزل الطَّاهِر، وَأَخَذَ مِنْهُ العَزِيْزِية، وَالتَّقويَّة، فَأَعْطَى العَزِيْزِية ابْن الحَرَسْتَانِيّ مَعَ القَضَاء، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ العَادل، وَكَانَ يحكم المجاهدية، وناب عنه ولد العِمَاد، ثُمَّ ابْن الشِّيْرَازِيّ، وَشَمْس الدِّيْنِ ابْن سَنِيّ الدَّوْلَة، وَبَقِيَ سَنَتَيْنِ وَسَبْعَة أَشهر، وَمَاتَ، وَكَانَتْ لَهُ جَنَازَة عَظِيْمَة، وَقَدِ امْتَنَع مِنَ القَضَاء، فَأَلحُّوا عَلَيْهِ، وَكَانَ صَارِماً عَادِلاً، عَلَى طريقة السلف في لباسه وعفته.
وَقَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: كَانَ زَاهِداً، عَفِيْفاً، وَرِعاً، نَزِهاً، لاَ تَأْخذه فِي اللهِ لُوْمَة لاَئِم، اتفق(16/101)
أَهْلُ دِمَشْقَ عَلَى أَنَّهُ مَا فَاتته صَلاَة بِجَامِع دِمَشْق فِي جَمَاعَةٍ إلَّا إِذَا كَانَ مَرِيْضاً، ثُمَّ سَاق حِكَايَات مِنْ مَنَاقِبه وَعدله فِي قضَايَاه، وَأُتِيَ مرَّة بِكِتَاب، فَرمَى بِهِ، وَقَالَ: كِتَابُ اللهِ قَدْ حكم عَلَى هَذَا الكِتَاب، فَبَلَغَ العَادل قَوْله، فَقَالَ: صدق، كِتَاب اللهِ أَوْلَى مِنْ كِتَابِي، وَكَانَ يَقُوْلُ لِلْعَادل: أَنَا مَا أَحكم إلَّا بِالشّرع، وَإِلاَّ فَأَنَا ما سألتك القضاء، فإن فَأَبصر غَيْرِي.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: ابْنه العِمَاد هُوَ الَّذِي أَلحّ عَلَيْهِ حَتَّى تَولَّى القَضَاء. وَحَدَّثَنِي ابْنه قَالَ: جَاءَ إِلَيْهِ ابْن عُنَيْن، فَقَالَ: السُّلْطَان يُسلّم عَلَيْك وَيُوْصِي بِفُلاَن، فَإِنَّ لَهُ محَاكمَة. فَغَضِبَ، وَقَالَ: الشّرع مَا يَكُوْن فِيْهِ وَصيَّة.
قَالَ المُنْذِرِيّ: سَمِعْتُ مِنْهُ، وَكَانَ مَهِيْباً، حَسَن السّمت، مَجْلِسه مَجْلِس وَقَار وَسَكِيْنَة، يُبَالِغ فِي الإِنصَات إِلَى مَنْ يَقرَأ عَلَيْهِ.
تُوُفِّيَ فِي رَابع ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَهُوَ فِي خَمْس وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
وَفِيْهَا مَاتَ: القُدْوَة الشَّيْخ العِمَاد المَقْدِسِيّ، وَأَبُو الخَطَّابِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ وَاجِبٍ البَلَنْسِيُّ، وَالشَّيْخ ذِيَال الزَّاهِد، وَالمُحَدِّث عَبْد اللهِ بن عَبْدِ الجَبَّارِ العُثْمَانِيّ، وَعَبْد الخَالِقِ بن صَالِحِ بنِ ريْدَان المِسكِيّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ جُبَيْرٍ الكِنَانِيّ، وَالمُعَمَّر مُحَمَّد بن عبد العزيز بن سعادة الشَّاطِبِيّ، وَأَبُو الغَنَائِمِ هِبَة اللهِ بن أَحْمَدَ الكهفِيّ، وَالفَقِيْهُ أَبُو تُرَاب يَحْيَى بن إِبْرَاهِيْمَ الكرخي.(16/102)
5502- العطار 1:
الشَّيْخُ الأَمِيْرُ المُسْنِدُ الدَّيِّنُ أَبُو القَاسِمِ شَمْسُ الدين أحمد بن عبد الله ابن عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ السُّلَمِيُّ، البَغْدَادِيُّ، الصَّيْدَلاَنِيُّ، العَطَّارُ.
وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي الوَقْت السِّجْزِيّ، وَابْن البَطِّيِّ. وَحَدَّثَ "بِالصَّحِيْحِ"، وَ"عَبْد"، وَ"الدَّارِمِيّ"، وَكَانَ يذكر أَنَّهُ مِنْ وَلد أَبِي عبد الرحمن السُّلَمِيّ، سَكَنَ دِمَشْقَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ له داكن بِظَاهِر بَاب الفَرَادِيْس لِلْعطر، وَكَانَ صَدُوْقاً، مُتَدَيِّناً، مرضِيّ الطّرِيقَة.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَة: شَيْخ صَالِحٌ، ثِقَة، صَدُوْقٌ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: هُمَا، وَالضِّيَاء، وَالمُنْذِرِيّ، وَالقُوْصِيّ، وَالزَّيْن خَالِد، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ النشبي، والرشيد العامري، والمحيي بن عصرُوْنَ، وَالفَخْر عَلِيّ ابْن البُخَارِيِّ، وَالشَّمْس ابْن الكَمَال، وَالجمَال ابْن الصَّابُوْنِيّ، وَالعَلاَء بن صَصْرَى، وَالتَّقِيّ ابْن الوَاسِطِيّ، وَعِدَّة. وظَهْر لِشيخنَا العِزِّ أَحْمَد ابْن العِمَادِ بَعْد مَوْته بَعْض كِتَاب "الدَّارِمِيّ" سَمِعَهُ مِنْهُ حُضُوْراً.
وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: عُمَر بن القَوَّاس.
مَاتَ فِي سَابِعَ عَشَرَ شَعْبَان، سَنَة خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَدُفِنَ بقَاسِيُوْن.
وَفِيْهَا مَاتَ: الرُّكْن العَمِيْدِيّ صَاحِب "الجُسْت" وَ"الطّرِيقَة" تِلْمِيْذ الرَّضِيّ النَّيْسَابُوْرِيّ، اسْمه: أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيّ الحَنَفِيّ -وَالمَلِك العَادل، وَصَاحِب المَوْصِل المَلِك القَاهِر مَسْعُوْد، وَصَاحِب الرُّوْم كيكَاوس، وَالشِّهَاب فِتيَان بن عَلِيٍّ الشَّاغُوْرِيّ الشَّاعِر صَاحِب "الدِّيْوَان"، وَزَيْنَب الشَّعْرِيَّة، وأبو الفتوح البكري، وآخرون.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 226"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 62".(16/102)
5503- الشعرية 1:
الشَّيْخَةُ الجَلِيْلَةُ مُسْنَدَةُ خُرَاسَانَ أُمّ المُؤَيَّد حُرَّة ناز زينب بنت أبي القاسم عبد الرحمن ابن الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ سَهْلِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدُوْسٍ الجُرْجَانِيَّة الأَصْلِ، النَّيْسَابُوْرِيَّةُ، الشَّعْرِيَّةُ.
سَمِعْتُ مِنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي القَاسِمِ بنِ أَبِي بَكْرٍ القَارِئِ، وَفَاطِمَةَ بِنْتِ زَعْبَل، وَعَبْد المُنْعِمِ ابْن القُشَيْرِيّ، وَزَاهِر بن طَاهِر، وَأَخِيْهِ؛ وَجيه، وَأَبِي المَعَالِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الفَارِسِيّ، وَعبدُ الجَبَّار بن مُحَمَّدٍ الخُوَارِيّ، وَعَبْد الوَهَّابِ بن شَاه، وَفَاطِمَة بِنْت خلف الشَّحَّامِيّ، وَعَبْد اللهِ ابْن الفُرَاوِيّ، وَعَبْد الرَّزَّاقِ الطَّبَسِيّ.
وَأَجَاز لَهَا عَبْد الغَافِر بن إِسْمَاعِيْلَ، وَأَبُو القَاسِمِ الزَّمَخْشَرِيّ النَّحْوِيّ.
وَسَمِعَتِ "الصَّحِيْح" مِنَ الفَارِسِيّ وَوَجِيْه.
حَدَّثَ عَنْهَا: ابْنُ هِلاَلَة، وَابْن نُقْطَة، وَالبِرْزَالِيّ، وَالضِّيَاء، وَابْن الصَّلاَح، وَالمُرْسِيّ، وَإِبْرَاهِيْم الصَّرِيْفِيْنِيّ، وَمُحَمَّد بن سَعْدٍ الهَاشِمِيّ، وَالصَّدْر البَكْرِيّ، وَابْن النَّجَّارِ.
وَسَمِعْتُ بِإِجَازتهَا مِنْ جَمَاعَة. وَكَانَتْ صَالِحَة، مُعَمَّرة، مكَثْرَة.
تُوُفِّيَت فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سنة خمس عشرة وست مائة، بنيسابور.
__________
1 ترجمتها في وفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 251"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 226"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 63".(16/103)
5504- ابن الدهان 1:
العَلاَّمَةُ وَجِيْه الدِّيْنِ أَبُو بَكْرٍ المُبَارَكُ بنُ المبارك بن أبي الأزهر سعيد بن أَبِي السَّعَادَاتِ الوَاسِطِيُّ، النَّحْوِيُّ، الضَّرِيْرُ.
حفظ القُرْآن، وَتَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى جَمَاعَة.
وَقَدِمَ بَغْدَادَ شَابّاً، فَسَمِعَ مِنْ: أَبِي زُرْعَةَ المَقْدِسِيّ، وَيَحْيَى بن ثَابِتٍ، وَأَحْمَد بن المُبَارَكِ المُرَقَّعَاتِيّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ ابْنِ الخَشَّابِ، وَلزمه فِي العَرَبِيَّة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: قرَأَ الأَدبَ عَلَى أَبِي سَعِيْدٍ نَصْر بن مُحَمَّدٍ المُؤَدِّب، وَقَدِمَ بَغْدَادَ مَعَ وَالِده، فَسكنهَا، وَقرَأَ الأَدب عَلَى ابْنِ الخَشَّاب، وَقرَأَ جُمْلَةً مِنْ كُتُب النَّحْو وَاللُّغَة وَالشّعر عَلَى أَبِي البَرَكَاتِ الأَنْبَارِيّ مِنْ حِفْظِهِ، وَذَكَرَ لِي أَنَّهُ قرَأَ نِصْف "كِتَاب سِيْبَوَيْه" مِنْ حِفْظِهِ عَلَيْهِ أَيْضاً، وَأَنَّهُ كَانَ يَحْفَظ فِي كُلِّ يَوْم كُرَّاساً فِي النَّحْوِ وَيَفهمه وَيُطَارح فِيْهِ، حَتَّى بَرَعَ، وَكَانَ يَتردَّد إِلَى مَنَازِل الصُدُوْر لإِقْرَاء الأَدب، وَكَانَ شَدِيد الذّكَاء، ثَاقب الفَهم، كَثِيْر المَحْفُوْظ، مُضطلعاً بعلُوْم كَثِيْرَة: النَّحْو، وَاللُّغَة، وَالتّصرِيف، وَالعروض، وَمعَانِي الشّعر، وَالتَّفْسِيْر، وَيَعْرِف الفِقْه وَالطِّبّ وَعلم النُّجُوْم وَعُلُوْم الأَوَائِل.
قُلْتُ: لَوْ جهل هَذَيْنِ الْعلمين لَسَعِدَ.
قَالَ: وَلَهُ النّظم والنثر، وينشيء الْخطب وَالرَّسَائِل بِلاَ كلفَة وَلاَ رويَّة، وَيَتكلَّم بِالتّركيَّة وَالفَارِسيَّة وَالرومِيَّة وَالأَرْمَنِيَّة وَالحَبَشِيَّة وَالهنديَّة وَالزّنجيَّة بكلام فَصيح عِنْد أَهْل ذَلِكَ اللِّسَان، وَكَانَ حليماً بَطِيء الغَضَب، مُتَوَاضِعاً، دَيِّناً، صَالِحاً، كَثِيْر الصَّدَقَة، متفقّداً لِلْفُقَرَاء وَالطّلبَة؛ تَفَقَّهَ أَوَّلاً لأَبِي حَنِيْفَةَ، ثُمَّ تَحَوَّلَ شَافِعِيّاً بَعْد عُلُوِّ سنّه، وَوَلِيَ تدرِيس النَّحْو بِالنّظَامِيَّة، إِلَى أَنْ مَاتَ، قَرَأْت عَلَيْهِ كَثِيْراً، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ فَتح فَمِي بِالعِلْمِ، لأَنْ أُمِّي أَسلمتَنِي إِلَيْهِ وَلِي عشر سِنِيْنَ، فَكُنْت أَقرَأُ عَلَيْهِ القُرْآن وَالفِقْه وَالنَّحْو، وَأُطَالع لَهُ ليلاً وَنَهَاراً، وَإِذَا مَشَى، كُنْت آخذاً بِيَدِهِ، وَكَانَ ثِقَةً نبيلاً، أَنْشَدَنِي لِنَفْسِهِ:
أَيُّهَا المَغْرُوْر بِالدُّنْيَا انتبِه ... إِنَّهَا حَالٌ ستفنَى وَتحوْلُ
وَاجتهِدْ فِي نِيلِ مُلْكٍ دَائِمٍ ... أَيُّ خَيْرٍ فِي نَعيمٍ سَيَزُولُ
لَوْ عَقلْنَا مَا ضَحِكْنَا لَحْظَةً ... غَيْر أَنَّا فُقِدَتْ مِنَّا العُقُوْلُ
__________
1 ترجمته في الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمته 555"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 214"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 53".(16/104)
قَالَ: مَوْلِدُهُ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ، وَمَاتَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَكُنْت بِنَيْسَابُوْرَ.
قُلْتُ: فِيْهِ نَظم المُؤَيَّد ابْن التَّكرِيتِيّ:
وَمَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي الوَجِيْهَ رِسَالَةً ... وَإِنْ كَانَ لاَ تُجْدِي لَدَيْهِ الرَّسَائِلُ
تَمَذْهَبْتَ لِلنُّعْمَانِ بَعْدَ ابْنِ حَنْبَلٍ ... وَذَلِكَ لَمَّا أَعْوَزَتْك المآكِلُ
وَمَا اخْتَرتَ رَأْي الشَّافِعِيّ دِيَانَةً ... وَلَكِنَّمَا تَهوَى الَّذِي هُوَ حَاصِلُ
وَعَمَّا قَلِيْلٍ أَنْتَ لاَ شَكَّ صَائِرٌ ... إِلَى مَالِكٍ فَافْطَنْ لما أنا قائل!
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: تخرّج بِالوَجِيْه جَمَاعَة فِي النَّحْوِ وَكَانَ هُذَرَة، كَتَبْتُ عَنْهُ أَنَاشيد.
قُلْتُ: وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ الزَّكِيّ البِرْزَالِيّ. وَأَجَاز لِشيخنَا أحمد بن سلامة.(16/105)
5505- البكري 1:
الشَّرِيْفُ العَالِمُ الصَّالِحُ الزَّاهِدُ فَخْرُ الدِّيْنِ بَقِيَّةُ المَشَايِخِ أَبُو الفُتُوْحِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمْروك القُرَشِيُّ، التَّيْمِيُّ، البَكْرِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
لَوْ سَمِعَ عَلَى قدر سنّه لَلَحِق إِسْنَاداً عَالِياً؛ فَإِنَّ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ وَهُوَ كَبِيْر مِنْ أبي الأسعد هبة الرحمن ابْن القُشَيْرِيّ. وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنَ: الحُسَيْن بن خمسي المَوْصِلِيّ. وَبِالثَّغْر مَعَ وَلده مِنْ أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ.
وَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ، وَبِمَكَّةَ، وَمِصْر، وَدِمَشْق، وَجَاور مُدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ البِرْزَالِيّ، وَابْن خَلِيْلٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ المُنْذِرِيّ، وَحَفِيْده صَدْر الدِّيْنِ أَبُو عَلِيٍّ، وَإِبْرَاهِيْم ابْن الدَّرَجِيِّ، وَابْن أَبِي عُمَرَ، وَالفَخْر عَلِيّ، وَالشَّمْس ابْن الكَمَال، وجماعة.
تُوُفِّيَ فِي حَادِي عشر جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ.
وَمَاتَ مَعَهُ يَوْمَئِذٍ رفِيقُه الشَّيْخ مُحَمَّد بن عَبْدِ الغَفَّارِ الهَمَذَانِيّ، وَلَهُ بِضْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، حَدَّثَ عَنِ السِّلَفِيّ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 226".(16/105)
ابن ملاعب، العكبري:
5506- ابن ملاعب 1:
الشَّيْخُ الفَاضِلُ المُسْنِدُ رَبِيْبُ الدِّيْنِ أَبُو البَرَكَاتِ دَاوُدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرِ بنِ ثَابِتِ بنِ مُلاعِبٍ البَغْدَادِيُّ، الأَزَجِيُّ، الوَكِيْلُ عِنْدَ القُضَاةِ.
وُلِدَ فِي أَوَّلِ سَنَة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنَ: القَاضِي أَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيّ، وَنَصْر بن نَصْرٍ العُكْبَرِيّ، وَالحَافِظ ابْن نَاصِر، وَأَبِي بَكْرٍ ابْن الزَّاغُوْنِيّ، وَأَبِي الوَقْت السِّجْزِيّ، وَأَبِي الكَرَمِ الشَّهْرُزُوْرِيّ، وَأَحْمَد بن بختيَار المَنْدَائِيّ، وَطَائِفَة، وَسَكَنَ دِمَشْق.
حَدَّثَ عَنْهُ: الشَّيْخ المُوَفَّق، وَالضِّيَاء، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالبِرْزَالِيّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ المُنْذِرِيّ، وَالسَّيْف أَحْمَد ابْن المَجْدِ، وَأَبُو بَكْرٍ ابْن الأَنْمَاطِيّ، وَالفَخْر عَلِيّ بن أَحْمَدَ، وَالشَّمْس ابْن الكَمَال، وَالشَّمْس ابْن الزِّين، وَالتَّقِيّ ابْن الوَاسِطِيّ، وَإِبْرَاهِيْم بن حَمْدٍ، وَعِدَّة.
وَبِالإِجَازَةِ: عُمَرُ ابْن القَوَّاس، وَالعِمَادُ بنُ بَدْرَانَ.
وَسَمَاعُهُ صَحِيْحٌ، لَكِنَّ غَالِبه فِي السَّنَةِ الخَامِسَة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ أَبُوْهُ دِيْوَانِياً، فَاعْتَنَى بِهِ، وكان متيقظًا، متوددًا، صحيح السماع، له مُروءة وَنَفْس حَسَنَة يُحَدِّث مِنْ أُصُوْله.
مَاتَ فِي الخَامِس وَالعِشْرِيْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَدُفِنَ بِسَفْحِ قَاسِيُوْن.
5507- العكبري 2:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ النَّحْوِيُّ البَارِعُ مُحِبُّ الدِّيْنِ أَبُو البَقَاءِ عَبْدُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ بنِ أَبِي البَقَاءِ عَبْدِ اللهِ بنِ الحُسَيْنِ العُكْبَرِيُّ ثُمَّ البَغْدَادِيُّ الأَزَجِيُّ الضَّرِيْرُ النَّحْوِيُّ الحَنْبَلِيُّ الفَرَضِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قرَأَ بِالرِّوَايَات عَلَى عَلِيِّ بنِ عَسَاكِرَ البَطَائِحِيّ، وَالعَرَبِيَّة عَلَى ابْنِ الخَشَّاب، وَأَبِي البَرَكَاتِ
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 246"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 67".
2 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 349"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 246"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 67-69".(16/106)
ابن نَجَاح. وَتَفَقَّهَ عَلَى القَاضِي أَبِي يَعْلَى الصَّغِيْر مُحَمَّد بن أَبِي خَازِم، وَأَبِي حِكِيْمٍ النَّهْروانِيّ، وَبَرَعَ فِي الفِقْه وَالأُصُوْل، وَحَاز قَصب السّبق فِي العَرَبِيَّة.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ ابْن البَطِّيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ المَقْدِسِيّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ النَّقُّوْرِ، وَجَمَاعَة. وَتخرّج بِهِ أَئِمَّة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَرَأْت عَلَيْهِ كَثِيْراً مِنْ مُصَنّفَاته، وَصَحِبته مُدَّة طَوِيْلَة، وَكَانَ ثِقَةً، مُتَدَيِّناً، حَسَن الأَخلاَق، مُتَوَاضِعاً، ذكر لِي أَنَّهُ أَضرّ فِي صِبَاهُ مِنَ الجُدَرِيّ.
ذِكْرُ تَصَانِيْفِهِ:
صَنَّفَ "تَفْسِيْرَ القُرْآن"، وكتاب "إعراب القرآن"، وكتاب "إعراب الشَّواذ"، وَكِتَابَ "مُتَشَابه القُرْآن"، وَ"عدد الْآي"، وَ"إِعرَاب الحَدِيْث" جُزْء، وَلَهُ "تَعليقَة فِي الخلاَف"، وَ"شرح لهِدَايَة أَبِي الخَطَّابِ"، وَكِتَاب "المرَام فِي المَذْهَب"، وَمصَنّف فِي الفَرَائِضِ، وَآخر، وَآخر، وَ"شرح الفَصِيْح"، وَ"شرح الحمَاسَة"، وَ"شرح المَقَامَات"، وَ"شرح الْخطب"، وَأَشيَاء سماها ابن النجار وتركتها.
حدث عنه: بن الدبيثي، وابن النجار، والضياء المقدسي، والجمال ابن الصَّيْرَفِيّ، وَجَمَاعَة.
قِيْلَ: كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يصنِّف كِتَاباً، جمع عِدَّة مُصَنّفَات فِي ذَلِكَ الفنّ، فَقُرِئت عَلَيْهِ، ثُمَّ يُمْلِي بَعْدَ ذَلِكَ، فَكَانَ يُقَالُ: أَبُو البَقَاءِ تِلْمِيْذ تَلاَمِذته؛ يَعْنِي هُوَ تَبع لَهُم فِيمَا يقرؤُونَ لَهُ وَيَكْتُبونه.
وَقَدْ أَرَادُوْهُ عَلَى أَنْ يَنْتقل عَنْ مَذْهَب أَحْمَد، فَقَالَ، وَأَقسم: لَوْ صببتُم الذَّهب الذَّهب عليَّ حَتَّى أَتوَارَى بِهِ، مَا تركتُ مَذْهَبِي.
تُوُفِّيَ العَلاَّمَة أَبُو البَقَاءِ فِي ثَامن رَبِيْع الآخِرِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَكَانَ ذَا حظّ مِنْ دين وَتعبُّد وَأَورَاد.(16/107)
5508- ابن الناقد 1:
شيخ القراء أبو محمد عبد العزيز بن أَبِي الرِّضَا، أَحْمَد بن مَسْعُوْدٍ، ابْنُ النَّاقِدِ، البغدادي، الجصاص.
تلا بالروايات عَلَى أَبِي الكَرَمِ الشَّهْرُزُوْرِيّ، وَعُمَر الحَرْبِيّ. وَسَمِعَ مِنْ أَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيِّ، وَأَبِي سَعْدٍ ابْن البَغْدَادِيّ، وَابْن نَاصِر، وَأَمَّ بِمسجد الفَاعُوس.
تَلاَ عَلَيْهِ بِالعَشْر عَبْد الصَّمَدِ بن أَبِي الجَيْش، وَغَيْرهُ.
وَرَوَى عَنْهُ الضِّيَاء المَقْدِسِيّ، وَالنَّجِيْب الحَرَّانِيّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ صَدُوْقاً، فَاضِلاً، صَالِحاً، سَدِيْد السّيرَة، حَسَن الأَخلاَق، قَالَ لِي: وُلِدْتُ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَتُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، رَحِمَهُ اللهُ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 247"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 69".(16/107)
ابن سيدهم، ريحان:
5509- ابن سيدهم 1:
الشَّيْخُ أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سيدهم بن هبة الله بن سرايا الأنصاري، الدِّمَشْقِيُّ، الوَكِيْلُ، الجَابِي، ابْن الفَرَّاش.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ نَصْرِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ المَصِّيْصِيّ، ونصر الله بن مُقَاتِل.
حَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاء، وَالزَّكِيّ المُنْذِرِيّ، وَالتَّقِيّ اليَلْدَانِيّ، وَابْن أَبِي عُمَرَ، وَابْن البُخَارِيِّ.
وَأَجَاز لِشيخنَا عُمَرُ ابْنُ القَوَّاسِ، وَكَانَ مِنْ بقايا المشيخة.
مَاتَ فِي ثَالِثَ عَشَرَ شَعْبَان، سَنَة سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
5510- ريحان 2:
شَيْخُ القُرَّاءِ أَبُو الخَيْرِ رَيْحَانُ بنُ تِيْكَانَ بنِ مُوْسَكَ الكُرْدِيُّ، البَغْدَادِيُّ، الحَرْبِيُّ، الضَّرِيْرُ.
كَانَ يمكنهُ السَّمَاع مِنِ ابْنِ الحُصَيْن.
تَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ اللهِ الحَرْبِيّ.
وَسَمِعَ مِنِ: ابْن الطَّلاَّيَةِ، وَالمُبَارَك بن أَحْمَدَ الكِنْدِيّ، وَجَمَاعَة.
وَعَنْهُ: ابْن الدُّبَيْثِيِّ، وَالضِّيَاء، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ البِرْزَالِيّ، وَابْن الصَّيْرَفِيّ، وَأَجَاز لِلْكمَال عَبْد الرحمن المُكَبِّر، فَتَفَرَّد بِإِجَازته.
مَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَقَدْ قَارب المائَة.
__________
1 سبقت ترجمته قريبا برقم ترجمة عام "5498"، وبتعليقنا رقم "85".
2 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 67".(16/108)
الشقوري، ابن الرزاز:
5511- الشقوري:
الإِمَامُ المُقْرِئُ المُسْنِدُ المُعَمَّرُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ بنِ عِيْسَى الغَافِقِيُّ، القرطبي، الشقوري.
أَجَاز لَهُ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَهُوَ صَغِيْر أَبُو بَكْرٍ بنُ العَرَبِيِّ، وَالقَاضِي عِيَاض، وَالمُفَسِّرُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ عَطِيَّةَ، وَجَمَاعَة تَفَرَّد عَنْهُم.
وَتَلاَ بِالسبع عَلَى أَبِيْهِ، وَسَمِعَ مِنِ ابْنِ عَمِّهِ مُحَمَّد بن عَبْدِ العَزِيْزِ، وَتَأَدّب بشَقُوْرَةَ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي يدَاس، وَتَلاَ عَلَيْهِ أَيْضاً بِالرِّوَايَات، وَعُمِّر وَرَحَلَ إِلَيْهِ الطلية، وَنَزَلَ قُرْطُبَة.
قَالَ الأَبَّارُ: كَانَ ثِقَةً، صَالِحاً، كَفّ بِأَخَرَةٍ، وَمَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْدِي، وَغَيْرهُ: روى الكثير بالإجازة، وعزمت إلى الرّحلَة إِلَيْهِ، فَبَلَغَنِي مَوْته، فَعدلت إِلَى إِشْبِيْلِيَة، وَمَاتَ بِمَوْته بِالأَنْدَلُسِ إِسْنَاد كَبِيْر.
قُلْتُ: عَاشَ ثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَلقِي أَبُو حَيَّانَ مَنْ يَرْوِي عَنْهُ بِالإِجَازَةِ.
وَمَاتَ فِيْهَا: أَحْمَد بن سَلْمَانَ بن الأَصْفَر الحَرِيْمِيّ، وَالخَاتُوْن سِتّ الشَّام ابْنَة العادل واقفة الشامية، وعبد الرحمن بن مُحَمَّدِ بنِ يَعِيْش الأَنْبَارِيّ الكَاتِب، وَالتَّقِيّ عبد الرحمن بن نَسِيم الدِّمَشْقِيّ المُحَدِّث، وَمُدَرِّس المَالِكِيَّة برْهَان الدِّيْنِ عَلِيّ بن علوش بِدِمَشْقَ، وَحَفِيْد ابْن عَسَاكِرَ الإِمَامُ الحَافِظُ عِمَاد الدِّيْنِ عَلِيّ بن القَاسِمِ ابْن الحَافِظ جرِيحاً بَعْد عَوْدِهِ مِنْ خراسان، وآخرون.
5512- ابن الرزاز 1:
العَدْلُ الجَلِيْلُ أَبُو مَنْصُوْرٍ سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدِ ابن شيخ الشافعية أبي منصور سَعِيْدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ ابْن الرَّزَّازِ البَغْدَادِيُّ.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَسَمِعَ "الصَّحِيْح" مِنْ أَبِي الوَقْت السِّجْزِيّ، وَسَمِعَ مِنْ: نَصْر بن نَصْرٍ العُكْبَرِيّ، وَأَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيّ.
رَوَى عَنْهُ ابْن الدُّبَيْثِيِّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ البِرْزَالِيّ، وَنَجِيْب الدِّيْنِ المِقْدَاد، وَجَمَاعَة.
وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنِ المِقْدَاد عَنْهُ.
مَاتَ فُجَاءةً، فِي ثَانِي المُحَرَّم، سَنَة سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، بِبَغْدَادَ.
وَسَمِعْتُ "الصَّحِيْح" بكمَاله مِنَ الحَافِظ الكَبِيْر أَبِي الحَجَّاجِ يُوْسُف ابْن الزَّكِيّ الكَلْبِيّ بِسَمَاعه مِنَ النجيب القيسي، عنه.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 246"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "5/ 67".(16/109)
العميدي، ابن شاش:
5513- العميدي:
العَلاَّمَةُ سَيْفُ النَّظرِ رُكْنُ الدِّيْنِ أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ أَوْ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ السمرقندي، العميدي، الحنفي، مصنف كتاب "الجست".
كَانَ بارِعاً فِي الخلاَفِ، لَهُ طرِيقَةٌ مَشْهُوْرَةٌ فِي المُبَاحَثَةِ.
اشْتَغَل عَلَى الرَّضِيّ النَّيْسَابُوْرِيّ، وَلَهُ كِتَاب "الإِرْشَاد" شَرحه جَمَاعَة.
اشْتَغَل عَلَيْهِ نَظَام الدِّيْنِ ابْن الحَصِيْرِيّ، وَغَيْرهُ.
مَاتَ بِبُخَارَى، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَلَيْسَ علمه مِنْ زَادِ المعَاد.
5514- ابْنُ شَاسٍ 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ شَيْخُ المَالِكِيَّة جَلاَلُ الدِّيْنِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ نَجْمِ بنِ شَاسِ بنِ نِزَارِ بنِ عَشَائِرَ بنِ شَاسٍ الجُذَامِيُّ السَّعْدِيُّ المِصْرِيُّ المَالِكِيُّ مُصَنِّفُ كِتَابِ "الجَوَاهِر الثَّمِينَةِ فِي فِقْهِ أَهْل المَدِيْنَةِ".
سَمِعَ مِنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ بَرِّي النَّحْوِيّ، وَدرَّس بِمِصْرَ، وَأَفتَى، وَتَخَرَّجَ بِهِ الأَصْحَاب، وَكِتَابه المَذْكُوْر وَضَعه عَلَى تَرْتِيْب "الوجِيْز" لِلْغزَالِيّ.
وَجَوَّده وَنقَّحه، وَسَارَتْ بِهِ الرُّكبَان، وَكَانَ مُقْبِلاً عَلَى الحَدِيْث، مُدمناً لِلتفقُّه فِيْهِ، ذَا وَرع، وَتحرٍّ، وَإِخْلاَص، وَتَأَلّه، وَجِهَاد. وَبعد عَوْده مِنَ الحَجّ امْتَنَع مِنَ الفَتْوَى إِلَى حِيْنَ وَفَاته، وَكَانَ مِنْ بَيْت حشمة وإمرة.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحَافِظ المُنْذِرِيّ، وَوصفه بِأَكْثَر مِنْ هَذَا، وَقَالَ: مَاتَ غَازِياً بِثغر دِمْيَاط، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، أَوْ فِي رَجَبٍ، سَنَة سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ.
أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ الوزِيْرِيّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَظِيْمِ الحَافِظ، أَخْبَرْنَا ابْنُ شَاس، أَخْبَرْنَا ابْنُ بَرِّيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو صَادِق المَدِيْنِيّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا العَبَّاسُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ الغَسُوْلِيّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُسَاوِر الوَرَّاق، عَنْ جَعْفَرِ بنِ عَمْرِو بنِ حُرَيْث، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: "رَأَيْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِمَامَةً سَوْدَاء"2. أَخْرَجَهُ: ت ق، عَنْ رِجَالِهِمَا، عَنْ سُفْيَانَ بنِ عيينة.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 337"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 69".
2 صحيح: أخرجه مسلم "1359"، وأبو داود "4077"، والترمذي في "الشمائل" "108"، والنسائي "8/ 211"، وابن ماجه "1104" و"2821" من طريق مساور الوراق، به.(16/110)
5515- الإفتخار 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ كَبِيْرُ الحَنَفِيَّة افْتِخَارُ الدِّيْنِ أبو هاشم عبد المطلب ابن الفضل عبد المطلب بن الحسين بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدُ المَلِكِ بنُ صَالِحِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ، البلخي، ثم الحلبي، الحنفي.
تَفقّه بِمَا وَرَاء النَّهْرِ، وَسَمِعَ بِسَمَرْقَنْدَ، وَبَلْخَ، وَتِلْكَ الدِّيَارِ مِنَ: القَاضِي عُمَر بن عَلِيٍّ المَحْمُوْدِيّ، وَأَبِي الفَتْحِ عَبْد الرَّشِيْد الولوَالجِي، وَالأَدِيْب أبي عُمَر بن عَلِيٍّ الكَرَابِيْسِيّ، وَأَبِي عَلِيٍّ الحَسَن بن بِشْرٍ البَلْخِيّ النَّقَّاش، وَالإِمَام أَبِي شُجَاع البِسْطَامِيّ، وَطَائِفَة.
وَأَفتَى، وَنَاظر، وَصَنَّفَ، وَقَدْ درّس بِالحلاَويَّة، وَصَنَّفَ شرحاً "لِلْجَامِع الكَبِيْر" فِي المَذْهَب. وَتَخَرَّجَ بِهِ الأَئِمَّة، وَكَانَ شَرِيْفاً، سَرِيّاً، وَرِعاً، دَيِّناً، وَقُوْراً، صَحِيْح السَّمَاع، عَلِيّ الإِسْنَاد.
حَدَّثَ عَنْهُ: خلق، مِنْهُم: تَقِيّ الدِّيْنِ أَحْمَدُ بن عَبْدِ الوَاحِدِ الحَوْرَانِيّ الزَّاهِد، وَالبِرْزَالِيّ، وَالضِّيَاء، وَالعِمَاد أحمد بن يوسف، وَالمُؤَيَّد إِبْرَاهِيْم بن يُوْسُفَ القِفْطِيّ، وَأَبُو المَكَارِمِ إسحاق بن عبد الرحمن ابْن العَجَمِيّ، وَأَخُوْهُ مُحَمَّد، وَابْن عَمِّهِ القُطْب مُحَمَّد، وَالعُوْنُ سُلَيْمَان ابْن العَجَمِيّ، وَالمُحَدِّث عُبَيْد اللهِ بن عُمَرَ ابْن العَجَمِيّ، وَالكَمَال أَحْمَد ابْن النَّصِيْبِيّ، وَعَبْد اللهِ بن الأَوْحَدِ الزُّبَيْرِيّ، وَعِدَّة.
مَاتَ بِحَلَبَ، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَرّخه: الشَّيْخ الضِّيَاء. وسمعت على زينب الكندية بإجازته.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 69".(16/111)
ابن الجراح، اليونيني:
5516- ابن الجراح 1:
الأَدِيْبُ المُنْشِئُ تَاجُ الدِّيْنِ يَحْيَى بنُ مَنْصُوْر ابْن الجَرَّاحِ المِصْرِيُّ، صَاحِبُ الخَطِّ الأَنِيقِ، وَالتَّرسُّلِ البديع.
خدم مُدَّة، وَرَوَى عَنِ السِّلَفِيّ، وَلَهُ لغزٌ: ماشي قلبه حجر، ووجه قمر، إِن نُبِذَ اعْتَزل البَشَر، وَإِن أَجعتَه رضِي بِالنّوَى، وَانطوَى عَلَى الخوَى، وَإِن أَشْبَعْتَهُ قَبَّل الْقدَم وَصَحِبَ الْخَدَم، وَإِن غلَّفتَه ضَاع، وَإِنْ أَدَخَلته السُّوق أَبَى أَنْ يُبَاع، وَإِن شدّدت ثَانِيَة وَحذفت رَابعه كدرَ الحَيَاة وَخفّف الصلاة وأحدث وقت العصر الضجر ووقت الفَجْر الْخدر، وَإِنْ فَصلتَه دَعَا لَكَ وَبقَّى، مَا إِن ركبته هَالكَ وَرُبَّمَا كثّر مَالك، وَأَحْسَن بعُوْن المسَاكين مآلك.
قَوْله: قَلْبه حجر أَي جَلْمَد، وَالمسَاكين أَهْل السَّفِيْنَة فِي البَحْر.
تُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائة، وله خمس وسبعون سنة.
5517- اليونيني 2:
الزَّاهِدُ العَابِدُ أَسَدُ الشَّامِ الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ بنِ عُثْمَانَ بنِ جَعْفَرٍ اليُوْنِيْنِيُّ.
كَانَ شَيْخاً طَوِيْلاً مَهِيْباً شُجَاعاً حَادّ الحَال، كَانَ يَقوم نِصْف اللَّيْل إِلَى الفُقَرَاء، فَمَنْ رَآهُ نَائِماً وَلَهُ عصَا اسْمهَا العَافِيَة ضربَه بِهَا، وَيَحْمِل الْقوس وَالسِّلاَح، وَيلبس قُبعاً مِنْ جِلْدِ مَاعز بصوفه، وكان أمارًا بالمعروف لا يهاب المُلُوْك، حَاضِر القَلْب، دَائِم الذّكر، بعيد الصِّيْت. كَانَ مِنْ حدَاثته يَخْرُج وَيَنطرح فِي شَعْرَاء يُونِيْن فِيردّه السّفَّارَة إِلَى أُمّه، ثُمَّ تَعبّد بِجَبل لُبْنَان، وَكَانَ يَغْزُو كَثِيْراً.
قَالَ الشَّيْخُ عليّ القَصَّار: كُنْت أَهَابه كَأَنَّهُ أَسد، فَإِذَا دَنَوْت مِنْهُ وَدِدْت أَنْ أَشقّ قَلْبِي وَأَجعله فِيْهِ.
قِيْلَ: إِنَّ العَادل أَتَى وَالشَّيْخ يَتوضَأَ، فَجَعَلَ تَحْتَ سجَادته دَنَانِيْر، فَرَدَّهَا وَقَالَ: يَا أَبُو بَكْرٍ كَيْفَ أَدْعُو لَكَ وَالخُمُوْر دَائِرَة فِي دِمَشْق، وَتبيع المَرْأَة وَقيَة يُؤْخَذ مِنْهَا قرطيس? فَأَبطل ذَلِكَ.
وَقِيْلَ: جلس بَيْنَ يَدَيْهِ المُعَظَّمُ، وَطلب الدُّعَاء مِنْهُ، فَقَالَ: يَا عِيْسَى، لا تكن نحس مثل أبيك، أظهر الزعل، وافسد على الناس المعاملة.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان "6/ ترجمة 810"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 71، 72".
2 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "5/ 73-75".(16/112)
حكَى الشَّيْخ عَبْد الصَّمَدِ، قَالَ: وَاللهِ مُذْ خدمت الشَّيْخ عَبْد اللهِ، مَا رَأَيْتهُ اسْتند وَلاَ سَعَل وَلاَ بَصَق.
قد طوّلت هَذِهِ التَّرْجَمَة فِي "التَّارِيْخ الكَبِيْر" وَفِيْهَا كَرَامَات لَهُ وَرِيَاضَات وَإِشَارَات، وَكَانَ لاَ يَقوم لأَحدٍ تَعْظِيْماً للهِ وَلاَ يَدّخر شَيْئاً؛ لَهُ ثَوْب خَام، وَيلبس فِي الشِّتَاء فَرْوَة، وَقَدْ يُؤثِر بِهَا الْبرد، وَكَانَ رُبَّمَا جَاع وَيَأْكُل مِنْ وَرق الشجر.
قَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: كَانَ الشَّيْخ شُجَاعاً، مَا يُبالِي بِالرِّجَال قلُّوا أَوْ كثرُوا، وَكَانَ قَوْسه ثَمَانِيْنَ رطلاً، وَمَا فَاتته غَزَاة. وَقِيْلَ: كَانَ يَقُوْلُ لِلشَّيْخِ الفَقِيْه تِلْمِيْذه: فِيَّ وَفِيك نَزلت: {إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} [التَّوبَة: 34] .
تُوُفِّيَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَهُوَ صَائِم، وَقَدْ جَاوَزَ ثَمَانِيْنَ سَنَةً، رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
وَلأَصْحَابِهِ فِيْهِ غُلُوّ زَائِد، وَقَدْ جَعَلَ الله لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً، وَالشَّيْخ أَبُو عُمَرَ أَجَلّ الرجلين.(16/113)
5518- الغزنوي:
الوَاعِظُ أَبُو الفَتْحِ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ الغَزْنَوِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ 532.
وَسَمَّعَهُ أَبُوْهُ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ بنِ صِرْمَا، وَالأُرْمَوِيِّ، وَأَبِي الفَتْحِ الكَرُوْخِيّ، وَأَبِي سَعْدٍ ابْن البَغْدَادِيّ.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: لَمْ يحبّ الرِّوَايَة لمِيْله إِلَى غَيْر ذَلِكَ وَشنآنه، وَلَمْ يَكُنْ مَحْمُوْد الطريقة.
وقال ابن النجار: كان فاسد القعيدة، يعظ ونال مِنَ الصَّحَابَةِ، شَاخَ وَافتقر وَهَجره النَّاسُ، وَكَانَ ضجوراً عسراً مُبِغضاً لأَهْل الحَدِيْث، انْفَرد برِوَايَة "جَامِع التِّرْمِذِيّ"، وَ"بِمَعْرِفَة الصَّحَابَة" لابْنِ مَنْدَة، وَكَانَ يُسَمِّع بِالأُجْرَة.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ لَيْث ابْن نُقْطَة، وَمُحَمَّد بن الْهَنِي، وَمُحَمَّد بن مَسْعُوْدٍ العَجَمِيّ المَوْصِلِيّ، وَالشَّيْخ عَبْد الصَّمَدِ بن أَبِي الجَيْش.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَة: هُوَ مَشْهُوْر بَيْنَ العوَام برذَائِل وَنقَائِص مِنْ شَرِبَ وَرفض، ثُمَّ سُئِلَ وَأَنَا أَسْمَعُ عَمَّنْ يَقُوْلُ: القُرْآن مَخْلُوْق، فَقَالَ: كَافِر، وَعَمَّنْ يَسُبّ الصَّحَابَة، فَقَالَ: كَافِر، وَعَمَّنْ يَسْتَحلّ شرب الخَمْر -وَقِيْلَ: إِنَّهُم يَعنونك بِذَلِكَ، فَقَالَ: أَنَا برِيْء مِنْ ذَلِكَ، وَكَتَبَ خطّه بِالبَرَاءة.
قُلْتُ: لَعَلَّهُ تَابَ وَارعوَى.
وَمِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ كَثِيْراً الشَّيْخ جَمَال الدِّيْنِ يَحْيَى ابْن الصَّيْرَفِيّ. تُوُفِّيَ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثماني عشرة وست مائة.(16/113)
5519- الطوسي 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ المُقْرِئُ المُعَمَّرُ مُسْنِدُ خُرَاسَانَ رَضِيُّ الدين أَبُو الحَسَنِ المُؤَيَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ حَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي صَالِحٍ الطُّوْسِيُّ، ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ "صَحِيْح مُسْلِم" فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ مِنَ الفُرَاوِيّ. وَسَمِعَ "صَحِيْح البُخَارِيِّ" مِنْ: وَجيه، وَأَبِي المَعَالِي الفَارِسِيّ، وَعَبْد الوَهَّابِ بن شَاه. وَ"المُوَطَّأ" مِنْ: هِبَة اللهِ السَّيِّدِيّ سِوَى الفَوَت العَتِيْق، وَسَمِعَ "تَفْسِيْر الثَّعْلَبِيّ" مِنْ: عبَّاسَة العَصَّارِيّ، وَأَكْثَر "الْوَسِيط" لِلوَاحِدِي مِنْ عَبْدِ الجَبَّارِ الخُوَارِيّ، وَ"الغَايَة" لابْنِ مهرَان مِنْ زَاهِر بن طَاهِر، وَ"الأَرْبَعِيْنَ" لِلْحَسَنِ بنِ سُفْيَانَ مِنْ فَاطِمَة بِنْت زَعْبَل، وَ"جُزْء ابْن نَجيد"، وَأَشيَاء تَفَرَّد بِهَا، وَرُحِلَ إِلَيْهِ مِنَ الأَقطَار. وَكَانَ ثِقَةً، خَيّراً، مُقْرِئاً جَلِيْلاً.
حَدَّثَ عَنْهُ: العَلاَّمَةُ جَمَالُ الدِّيْنِ مَحْمُوْدُ ابْنُ الحَصِيْرِيّ، وَابْنُ الصَّلاَح، وَالقَاضِي الخُوئِي، وَابْنُ نُقْطَة، والبرزالي، وابن النجار، والضياء، والموسي، وَالصَّرِيْفِيْنِيُّ، وَالمَجْدُ الإِسْفَرَايِيْنِيّ، وَعَلِيُّ بنُ يُوْسُفَ الصُّوْرِيّ، وشمس الدين البيلقاني، ومفضل القرشي، وأحمد ابن عُمَرَ البَاذَبِينِيُّ، وَالكَمَالُ بنُ طَلْحَة، وَخَلْقٌ.
وَبِالإِجَازَةِ تَاج الدِّيْنِ العَصْروِيّ، وَابْن عَسَاكِرَ، وَعَبْد الوَاسِع الأَبْهَرِيّ، وَزَيْنَب الكِنْدِيَّة.
تُوُفِّيَ فِي العِشْرِيْنَ مِنْ شَوَّالٍ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ.
وَقَدْ أَجَاز لَهُ مِنْ بَغْدَادَ قَاضِي المَارستَان، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّاز.
وَفِيْهَا مَاتَ: الزَّاهِد الشَّيْخ عَبْد الله اليونيني، وعبد الرحمن بن أَحْمَدَ بنِ هديَّة الوَرَّاق، وَالمُحَدِّث عَبْد العَزِيْزِ بن هِلاَلَة، وَعَبْد العَظِيْمِ بن عَبْدِ اللَّطِيْفِ الشَّرابِيّ، وَأَمِيْر مَكَّة قَتَادَة بن إِدْرِيْسَ الحَسَنِيّ، وَخُوَارِزْم شَاه عَلاَء الدِّيْنِ مُحَمَّد بن تِكِش، وَصَاحِب حَمَاة المَنْصُوْر بن مُحَمَّدِ بنِ تَقِيّ الدِّيْنِ عُمَر، وَوزِيْر العِرَاق النَّصِيْر بن مَهْدِيٍّ العَجَمِيّ، وَالأَمِيْر عِمَاد الدِّيْنِ ابْن المَشْطُوب.
حكَى الأَشرف أَحْمَد ابْن القَاضِي الفَاضِل: حَدَّثَنِي المُحِبّ عَبْد العَزِيْزِ بن هِلاَلَة، قَالَ: رَأَيْتُ كَأنَّ المُؤَيَّد الطُّوْسِيّ قَدْ مَاتَ وَدَفَنَّاهُ، فَلَمَّا انْصرف النَّاس وَشق القَبْر وَخَرَجَ مِنْهُ النَّار وَهُوَ يُنَادِي: يَا مُحِبّ مَا تبصر مَا أَنَا فِيْهِ? قُلْتُ: وَلِمَ يُفْعَلْ بِك هَذَا? قال: لأخذ الذهب عَلَى حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم حدث المحب بمنام رآه لابن طبرزذ هو في "تاريخ ابن العديم".
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 752"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 251"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 78".(16/114)
5520- السمعاني 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ المُفْتِي المُحَدِّثُ فَخْرُ الدِّيْنِ أَبُو المُظَفَّرِ عَبْدُ الرَّحِيْمِ ابْنُ الحَافِظِ الكَبِيْرِ أَبِي سَعْدٍ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرِ ابْن السَّمْعَانِيِّ المَرْوَزِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فِي ذِي القَعْدَةِ، وَاعْتَنَى بِهِ أَبُوْهُ اعتنَاء كليّاً، وَرَحَلَ بِهِ، وَأَسمَعَهُ مَا لاَ يُوْصَف كَثْرَة.
وَسَمِعَ بِعُلُوّ "صَحِيْحِ البُخَارِيِّ" وَ"سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ"، وَ"جَامِعِ أَبِي عِيْسَى"، وَ"سُنَن النَّسَائِيّ"، وَ"مُسْنَد أَبِي عَوَانَةَ"، وَ"تَارِيْخ الفَسَوِيّ". وَسَمِعَ: "الحِلْيَة"، وَ"مُسْنَد الهَيْثَم"، وَ"صَحِيْح مُسْلِم" وَكَثِيْراً مِنْ "مُسْنَد السَّرَّاج".
وَخَرَّجَ أَبُوْهُ لَهُ عَوَالِي فِي سِفْرَيْنِ، وَأَشغله بِالفِقْه وَالحَدِيْث وَالأَدب، وَحصّل مِنْ كُلِّ فَنّ، وَانتهت إِلَيْهِ رِيَاسَة الشَّافِعِيَّة بِبلده، وَكَانَ مُعَظَّماً محترماً، قَالَهُ ابْن النَّجَّارِ.
قَالَ: وَعَمِلَ لَهُ أَبُوْهُ "مُعْجَماً" فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ جُزْءاً.
قُلْتُ: أَعْلَى شَيْخ لَهُ أَبُو تَمَّام أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ المُخْتَارِ العَبَّاسِيّ التَّاجِر، حَدَّثَهُ "بصفَة المُنَافِق" بِنَيْسَابُوْرَ، عَنْ أبي جعفر ابن المسلمة.
وَسَمِعَ مِنَ: الرَّئِيْس أَسَعْد بن عَلِيٍّ المهروِي، وَوَجِيْه الشَّحَّامِيّ، وَالحُسَيْن بن عَلِيٍّ الشَّحَّامِيّ، وَأَبِي الفُتُوْح عَبْد اللهِ بن عَلِيٍّ الخَركوشِيّ، وَالجُنَيْد القَايِنِيّ، وَأَبِي الوَقْت السِّجْزِيّ، وَأَبِي الأَسْعَد ابْن القُشَيْرِيّ، وَجَامع السَّقَّاء، وَمُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ بن أبي صالح
__________
1 ترجمته في الميزان "2/ ترجمة 5032"، ولسان الميزان "4/ ترجمة 10"، وشذرات الذهب "5/ 75".(16/115)
المُؤَذِّن، وَمُحَمَّد بن مَنْصُوْرٍ الحُرْضِيّ، وَأَبِي طَاهِرٍ مُحَمَّد بن أَبِي بَكْرٍ السِّنْجِيّ، وَأَبِي الفَتْحِ مُحَمَّد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكُشمهينِيّ، وَمُحَمَّد بن الحَسَنِ بنِ تَمِيْمٍ الطَّائِيّ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي سَعْدٍ الشِّيْرَازِيّ، وَمُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ الشَّامَاتِيّ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ الوَاحِدِ المَغَازِلِيّ، وَمُحَمَّد بن جَامِعٍ خَيَّاط الصُّوف، وَالحَسَن بن مُحَمَّدٍ السَّنْجَبَسْتِيّ، وَسَعِيْد بن عَلِيٍّ الشُّجَاعِيّ، وَأَبِي البَرَكَاتِ عَبْد اللهِ بن الفُرَاوِيّ، وَعَبْد السَّلاَمِ الهَرَوِيّ بكبرَة، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ عَبْدِ الخَالِقِ بن الشَّحَّامِيّ، وَعُمَر بن أَحْمَدَ الصَّفَّار، وَعُثْمَان بن عَلِيٍّ البِيْكَنْدِيّ، وَخَلْق بِبُخَارَى، وَسَمَرْقَنْد، وَهرَاة، وَنَيْسَابُوْر، وَمرو، وَأَمَاكن عِدَّة.
وَحَجّ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ، فَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ، وَرجع.
رَوَى الكَثِيْر، وَرَحَلَ الطّلبَة إِلَيْهِ.
سَمِعَ مِنْهُ: الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى الحَازِمِيّ -وَمَاتَ قَبْلَهُ بدَهْر، وَالبِرْزَالِيّ، وَابْن الصَّلاَح، وَالضِّيَاء، وَابْن النَّجَّارِ، وَابْن هِلاَلَة، وَالشَّرَف المُرْسِيّ، وَأَحْمَد بن عَبْدِ الْمُحسن الغرافي، وجماعة.
وَبِالإِجَازَةِ تَاج الدِّيْنِ ابْن عصرُوْنَ، وَالشَّرَف ابْن عَسَاكِرَ، وَزَيْنَب الكِنْدِيَّة.
وَكَانَ صَدْراً مُعَظَّماً مُكَمَّلاً، بَصِيْراً بِالمَذْهَبِ، لَهُ أَنسَةٌ بِالحَدِيْثِ.
قَالَ ابْنُ الصَّلاَح: قَرَأْت عَلَيْهِ فِي "أَرْبَعِيْنَ" ابْن الفُرَاوِيّ فِي حَدِيْث كَأَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ البُخَارِيّ، فَقَالَ: ليس لك بعال، ولكنه للبخاري نَازل.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمَاعَاته بخُطُوط المَعْرُوْفِيْن صَحِيْحَة، فَأَمَّا مَا كَانَ بِخَطِّهِ، فَلاَ يَعتمد عَلَيْهِ، كَانَ يَلحق اسْمه فِي الطّباق.
قُلْتُ: عُدم فِي دُخُوْل التَّتَار فِي آخِرِ سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ، أَوْ فِي أَوَّلِ سَنَة ثَمَانِي عَشْرَةَ، وَكَانَ أَخُوْهُ الصَّدْر أَبُو زَيْد مُحَمَّد رَسُوْلاً مِنْ جِهَةِ خُوَارِزْم شَاه إِلَى الخَلِيْفَة.(16/116)
ابن الصفار، محمد بن مكي:
5521- ابن الصفار 1:
الإِمَامُ الفَقِيْهُ المُسْنِدُ الجَلِيْلُ أَبُو بَكْرٍ القَاسِمُ ابْنُ الشَّيْخِ أَبِي سَعْدٍ عَبْدِ اللهِ ابْنِ الفَقِيْهِ عُمَرَ بنِ أَحْمَدَ النَّيْسَابُوْرِيُّ، ابْنُ الصَّفَّارِ، الشَّافِعِيُّ، مُفْتِي خُرَاسَانَ.
مَوْلِدُهُ فِي رَبِيْعٍ الآخرِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ مِنْ: جدّه، وَمِنْ وَجيه الشَّحَّامِيّ وَعَبْد اللهِ ابْن الفراوي، ومحمد ابن منصور الحرضي، وهبة الرحمن ابن القيشري، وإسماعيل بن عبد الرحمن العصَائِدِيّ، وَعَبْد الوَهَّابِ بن إِسْمَاعِيْلَ الصَّيْرَفِيّ، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيّ، وَالضِّيَاء، وَالصَّرِيْفِيْنِيّ، وَابْن الصَّلاَح، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ الإِسْفَرَايِيْنِيّ، وَالمُرْسِيّ، وَالبَكْرِيّ، وَعُمَر الكَرْمَانِيّ، وَجَمَاعَة.
وَبِالإِجَازَةِ أَبُو الفَضْلِ ابْن عَسَاكِرَ، وَابْن أَبِي عَصْرُوْنَ، وَزَيْنَب بِنْت كندِي.
وَمِنْ مَسْمُوْعَاته: "مُسْنَد أَبِي عَوَانَةَ" مِنْ أَبِي الأَسْعَد ابْن القُشَيْرِيّ، وَكِتَاب "الزُّهرِيات" لِلذُّهلِيّ مِنْ وَجيه.
وَنقَلْتُ مَنْ خطّ الإِسْفَرَايِيْنِيّ: أَخْبَرَنَا الإِمَامُ مُفْتِي خُرَاسَان شِهَاب الدِّيْنِ القَاسِم ابْن الصَّفَّار، فَذَكَرَ حَدِيْثاً، ثُمَّ قَالَ: مَا رَأَيْتُ فِي خُرَاسَان مِنَ المَشَايِخ مِثْل شِهَاب الدِّيْنِ هَذَا حلماً وَعلماً وَمَعْرِفَة بِالمَذْهَبِ. سَمِعْتُ أَنَّهُ درّس "الْوَسِيط" لِلْغزَالِيّ أَرْبَعِيْنَ مرَّة دَرْسَ العَامَّة سِوَى درْس الخَاصَّة.
قَالَ: وَدَخَلت التّرك نَيْسَابُوْر فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَلَمْ يَتمكنُوا مِنْ دُخُوْلهَا، قُتل مقدمهُم بِسهم غرْب، فَرجعُوا عَنْهَا، ثُمَّ عَادُوا، إِلَيْهَا فِي سَنَةِ ثَمَانِي عَشْرَةَ وأخذوها وأخربوها، وقتلوا رجالها ونسائها إلَّا مَنْ شَاءَ الله، وَاسْتُشْهِدَ شَيْخنَا القَاسِم ابن الصفار فيهم.
5522- محمد بن مكي 2:
ابن أبي الرجاء، الفَقِيْهُ الإِمَامُ الحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَصْبَهَانِيُّ الحنبلي، مفيد أصبهان.
سَمِعَ أَبَا الخَيْرِ البَاغَبَان، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ الرُّسْتُمِيّ، وَمَسْعُوْد بن الحَسَنِ الثَّقَفِيّ، وَمَحْمُوْداً فورجَة، وَأَبَا المُطَهَّر الصَّيْدَلاَنِيّ، وَطَبَقَتهُم.
وَكَتَبَ الكَثِيْر، وَجَمَعَ، وَخَرَّجَ، وَحَدَّثَ.
رَوَى عَنْهُ: ضِيَاء الدِّيْنِ المَقْدِسِيّ، وَزَكِيّ الدِّيْنِ البِرْزَالِيّ، وَطَائِفَة مِنَ الرّحَّالَة.
وَأَجَاز لابْنِ شَيْبَان، وَالفَخْر ابْن البُخَارِيِّ، وَالبُرْهَان ابْن الدّرَجِيِّ.
مَاتَ فِي المُحَرَّم، سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائة، وقد شاخ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 253"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 81، 82".
2 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1395"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 42، 43".(16/117)
5523- نجم الدين الكبرى 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ القُدْوَةُ المُحَدِّثُ الشَّهِيْدُ شَيْخُ خُرَاسَانَ نَجْمُ الكُبَرَاءِ، وَيُقَالُ: نَجْمُ الدِّيْنِ الكُبْرَى، الشيخ أبو الجناب أحمد بن عمر ابن مُحَمَّدٍ الخُوَارِزْمِيُّ الخِيْوَقِيُّ الصُّوْفِيُّ، وَخِيْوَق: مِنْ قُرَى خُوَارِزْم.
طَاف فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ، وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ، وَأَبِي العَلاَءِ الهَمَذَانِيّ العَطَّار، وَمُحَمَّد بن بُنَيْمَانَ، وَعَبْد المُنْعِمِ ابْن الفُرَاوِيّ، وَطَبَقَتهم، وَعُنِي بِالحَدِيْثِ، وَحصّل الأُصُوْل.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ هِلاَلَة، وَخَطِيْب دَارَيَّا شَمخ، وناصر بن منصور العرضي، وشيف الدِّيْنِ البَاخَرْزِيّ تِلْمِيْذه، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَة: هُوَ شَافعِيّ، إِمَام فِي السُّنَّةِ.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: طَاف البِلاَد، وَسَمِعَ، وَاسْتَوْطَنَ خُوَارِزْم، وَصَارَ شَيْخ تِلْكَ النَّاحيَة، وَكَانَ صَاحِبَ حَدِيْثٍ وَسُنَّة، ملجَأ لِلْغربَاء، عَظِيْم الجَاه، لاَ يَخَاف فِي اللهِ لُوْمَة لاَئِم.
وَقَالَ ابْنُ هِلاَلَة: جلَسْتُ عِنْدَهُ فِي الخلوَة مرَاراً، وَشَاهِدت أُمُوْراً عَجِيْبَة، وَسَمِعْتُ مَنْ يُخَاطبنِي بِأَشيَاء حَسَنَة.
قُلْتُ: لاَ وُجُوْد لِمَنْ خَاطبك فِي خَلْوَتِك مَعَ جُوعِك الْمُفرط، بَلْ هُوَ سَمَاع كَلاَم فِي الدِّمَاغ الَّذِي قَدْ طَاش وَفَاش وَبَقِيَ قَرعَة كَمَا يتمّ لِلمُبَرْسَم وَالمغمور بِالحُمَّى وَالمَجْنُوْن، فَاجزِم بِهَذَا، وَاعَبد اللهِ بِالسُّنَن الثَّابتَة، تُفْلِح!
وَقِيْلَ: إِنَّهُ فَسّر القُرْآن فِي اثْنَيْ عَشَرَ مُجَلَّداً، وَقَدْ ذهب إِلَيْهِ فَخْر الدِّيْنِ الرَّازِيّ صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، وَنَاظر بَيْنَ يَدَيْهِ فَقِيْهاً فِي مَعْرِفَةِ الله وَتوحيده، فَأَطَالاَ الجِدَال، ثُمَّ سَأَلاَ الشَّيْخ عَنْ علم المَعْرِفَة، فَقَالَ: هِيَ وَاردَات ترد عَلَى النُّفُوْس، تَعجز النُّفُوْس عَنْ ردّهَا، فَسَأَلَهُ فَخْر الدِّيْنِ: كَيْفَ الوُصُوْل إِلَى إِدرَاك ذَلِكَ? قَالَ: بِتَرْكِ مَا أَنْتَ فِيْهِ مِنَ الرِّئَاسَة، وَالحظوظ. قَالَ: هَذَا مَا أَقْدِر عَلَيْهِ. وَأَمَّا رفيقه فزهد، وتجرد، وصحب الشيخ.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 79، 80".(16/118)
نَزَلَتِ التَّتَارُ عَلَى خُوَارِزْم فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، فَخَرَجَ نَجْم الدِّيْنِ الكُبْرَى فِيْمَنْ خَرَجَ لِلْجِهَاد، فَقَاتلُوا عَلَى بَابِ البَلَد حَتَّى قتلُوا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، وَقُتِلَ الشَّيْخ وَهُوَ فِي عَشْرِ الثَّمَانِيْنَ.
وَفِي كَلاَمه شَيْء مِنْ تَصُوف الحكمَاء.
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ نَافِع الهندِيّ، أَخْبَرَنَا مَوْلاَيَ سَعِيْد بن المُطَهَّر، أَخْبَرَنَا أَبُو الجَنَّابِ أَحْمَد بن عُمَرَ سَنَة 615، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي العَلاَءِ الحَافِظ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا سَلْمُ بنُ سَالِمٍ، عَنْ نُوْح بن أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: سُئِلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ هَذِهِ الآيَة: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} ، قَالَ: "لِلَّذِيْن أَحْسَنُوا العَمَلَ فِي الدُّنْيَا الحُسْنَى، وَهِيَ الجَنَّة، وَالزِّيَادَة: النَّظَر إِلَى وَجه الله الكريم".
نوح تالف، وسلم ضعفوه.
وَفِيْهَا مَاتَ: الوَاعِظ أَبُو الفَتْحِ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الغَزْنَوِيّ صَاحِب الكَرُوْخِيّ، وَطَاغوت الإِسْمَاعِيْلِيَّة ضلاَل الدِّيْنِ حَسَن بن عَلِيٍّ الصَّبَّاحِيّ بِالألموت، وَالشِّهَاب مُحَمَّد بن رَاجِحٍ الحَنْبَلِيّ، وَأَبُو الفَرَجِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الوَاسِطِيُّ التَّاجِر، وَمُوْسَى بن عَبْدِ القَادِرِ الجِيْلِيّ، وَهِبَة اللهِ بن الخَضِر بن طَاوُوْس، وَالقَاسِم بن عَبْدِ اللهِ ابْن الصَّفَّار، وَمُسْنِد هَرَاة أَبُو رَوْحٍ عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ.(16/119)
5524- أبو روح 1:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ الصَّدُوْقُ المُعَمَّرُ مُسْنِدُ خُرَاسَانَ حَافِظُ الدِّيْنِ أَبُو رَوْحٍ عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الفَضْلِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَسَعْدَ بنِ صَاعِدٍ السَّاعِدِيُّ الخُرَاسَانِيُّ الهَرَوِيُّ البَزَّازُ الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، بهَرَاة.
وَسَمِعَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَبعدهَا مِنْ: جدّه لأُمِّهِ عُبَيْد اللهِ بن أَبِي عَاصِمٍ، وَتَمِيْم بن أَبِي سَعِيْدٍ الجُرْجَانِيّ، وَزَاهِر بن طَاهِر، وَمُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ الفُضَيْلِيّ، وَيُوْسُف بن أَيُّوْبَ الهَمَذَانِيّ الزَّاهِد، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ المُضَرِيّ، وَعَبْد الرَّشِيْد حَفِيْد أَبِي عُمَرَ المَلِيْحِيّ، وَعِدَّة. وَلَهُ "مَشْيَخَة" فِي جُزْء. وَقَدْ حضَر فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الفَامِيّ. وَسَمِعَ "صَحِيْح البُخَارِيِّ" مِنْ: خَلَف بن عَطَاءٍ، بِسَمَاعه مِنْ أَبِي عُمَرَ المليحي.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَة: سَمِعَ "مُسْنَد أَبِي يَعْلَى" من تميم، قال لي يحيى ابن عَلِيٍّ المَالقِيّ: كَانَ لَهُ فَوت فِيْهِ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا ابْنُ خَوْلَة مِنَ الهِنْد إِلَى هَرَاة، فَأَخْرَجَ لَنَا المُجَلَّدَة الَّتِي فِيْهَا سَمَاعه، فَتَمَّ لَهُ الكِتَاب.
قَالَ: وَيَرْوِي كِتَاب "الأَنْوَاع وَالتّقَاسيم".
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ البِرْزَالِيّ، وَالضِّيَاء، وَابْن النَّجَّارِ، وَالمُرْسِيّ، وَالبَكْرِيّ، وَعَبْد الحَقِّ المَنْبِجِي، وَالصَّرِيْفِيْنِيّ، وَمَشْهُوْر النِّيرَبَانِي. وَسَمِعْتُ بِإِجَازته مِنْ جَمَاعَة، وَانْتَهَى إِلَيْهِ عُلُوّ الإِسْنَادِ.
قَالَ الضِّيَاء: قتلته التّركُ، فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَسِتّ مائة.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 81".(16/119)
5525- العادل وبنوه 1:
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ المَلِكُ العَادِل سَيْفُ الدِّيْنِ أَبُو الملوك وأخو الملوك أبو بَكْرٍ مُحَمَّد ابْنُ الأَمِيْرِ نَجْمِ الدِّيْنِ أَيُّوْبَ بنُ شَاذِي بنِ مَرْوَانَ بنِ يَعْقُوْبَ الدُّوِيْنِيُّ الأَصْل، التَّكرِيتِيُّ، ثُمَّ البَعْلَبَكِّيّ المَوْلِد. وُلِدَ بِهَا إِذْ وَالِده يَنوب بِهَا لِلأَتَابَك زَنْكِي بن آقْسُنْقُر فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
كَانَ أَصْغَر مِنْ أَخِيْهِ صَلاَح الدِّيْنِ بعَامَيْنِ، -وَقِيْلَ: بَلْ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ- فَاللهُ أَعْلَم.
نشَأَ فِي خدمَة المَلِك نُوْر الدِّيْنِ، ثُمَّ شَهِدَ المَغَازِي مَعَ أَخِيْهِ. وَكَانَ ذَا عقل وَدَهَاء وَشجَاعَة وَتؤدة وَخبرَة بِالأُمُوْر، وَكَانَ أَخُوْهُ يَعتمدُ عَلَيْهِ وَيَحترمه، اسْتنَابه بِمِصْرَ مُدَّة ثُمَّ ملّكه حَلَب، ثُمَّ عوّضه عَنْهَا بِالكَرَك وَحرَّان، وَأَعْطَى حَلَب لوَلَده الظَّاهِر.
قِيْلَ: إِنَّ العَادل لَمَّا سَارَ مَعَ أَخِيْهِ، قَالَ: أَخذت مِنْ أَبِي حُرْمدَان، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، إِذَا أَخذتم مِصْر امْلَأْهُ لِي ذهباً. فلما جاء إلى مصر، قال: وأبن الحرمدَان? فَملأته درَاهِم، وَجَعَلت أَعلاَهُ دَنَانِيْر، فَلَمَّا قَلَّبَهُ، قَالَ: فَعَلت زَغَل المِصْرِيّين.
وَلَمَّا نَاب بِمِصْرَ اسْتحبّه صَلاَح الدِّيْنِ فِي الحَمْل، حَتَّى قَالَ: يُسَيِّر الحَمْل مِنْ مَالنَا أَوْ مِنْ مَاله، فَشقّ عَلَيْهِ، وَحكَاهَا لِلْقَاضِي الفَاضِل، فَكَتَبَ جَوَابه: وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ السُّلْطَان، فَتلك لفظَة ما المقصود بها من الممالك النجعة بل قصد به الكَاتِب السَّجعَة، وَكم مِنْ كلمَةٍ فَظَّة وَلفظَة
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 693".(16/120)
فيها غلظة جبرت عي الأقلام، وسدت [خلل] الكلام، وعلى الملوك الضَّمَان فِي هَذِهِ النُّكْتَة، وَقَدْ فَات لِسَان القَلَم أَيّ سَكْتَة.
قُلْتُ: وَكَانَ سَائِساً، صَائِب الرَّأْي، سعيداً، اسْتولَى عَلَى البِلاَد، وَامتدت أَيَّامه، وَحكم عَلَى الحِجَاز، وَمِصْر، وَالشَّام، وَاليَمَن، وَكَثِيْر مِنَ الجَزِيْرَة، وَدِيَار بَكْرٍ، وَأَرْمِيْنيَةَ. وَكَانَ خَلِيقاً لِلمُلك، حَسَن الشّكل، مَهِيْباً، حليماً، دَيِّناً، فِيْهِ عِفَّة وَصَفح وَإِيثَار فِي الجُمْلَةِ. أَزَال الخُمُوْر والفاحشة ف بَعْضِ أَيَّام دَوْلَته، وَتَصدَّق بِذَهَب كَثِيْر فِي قَحط مِصْر حَتَّى قِيْلَ: إِنَّهُ كَفَّن مِنَ الموتَى ثَلاَث مائَة أَلْف، وَالعُهدَة عَلَى سِبْط الجَوْزِيّ فِي هَذِهِ.
وَسيرته مَعَ أَوْلاَد أَخِيْهِ مَشْهُوْرَة، ثُمَّ لَمْ يزَلْ يرَاوَغهم وَيلقِي بَيْنهُم حَتَّى دحَاهُم، وَتَمَكَّنَ وَاسْتَوْلَى عَلَى مَمَالِك أَخِيْهِ، وَأَبعد الأَفْضَل إِلَى سُمَيسَاط، وَودَع الظَّاهِر وَكَاسر عَنْهُ لَكُوْن بِنْته زَوجته، وَبَعَثَ عَلَى اليَمَنِ حَفِيْده المَسْعُوْد أَطسز ابْن الكَامِل، وَنَاب عَنْهُ بِمَيَّافَارِقِيْن ابْنه الأَوْحَدُ، فَاسْتولَى عَلَى أَرْمِيْنِيَةَ. ثُمَّ إِنَّهُ قسّم المَمَالِك بَيْنَ أَوْلاَده، وَكَانَ يصيّف بالشام غالبً وَيَشتو بِمِصْرَ.
جَاءته خِلَع السّلطنَة مِنَ النَّاصِر لِدِيْنِ اللهِ وَهِيَ: جُبَّة سَوْدَاء بِطرز ذهب وجواهر في الطوق، وعمامة سوداء مذهبة، وطرق، وسيف، وحصان بِمركب ذهب، وَعَلَم أَسود، وَعِدَّة خلع لبنِيه مَعَ السُّهْرَوَرْدِيّ، فَقُرِئ تَقليده عَلَى كُرْسِيّ، قرَأَه وَزِيْره، وَخوطب فِيْهِ: بِالعَادل شَاه أَرمن ملك المُلُوْك خَلِيْل أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ.
وَخَافَ مِنَ الفِرَنْج فَصَالَحَهُم، وَهَادَنَهُم، وَأَعْطَاهُم مَغَلّ الرَّملَة وَلدّ، وَسَلَّمَ إِلَيْهِم يَافَا، فَقَوِيَتْ نُفُوْسهُم، فَالأَمْر للهِ.
ثُمَّ أَمَرَ بِتَجْدِيْدِ قَلْعَة دِمَشْق، وَأَلْزَمَ كُلّ مَلك مِنْ آلِهِ بِعِمَارَةِ بُرْج فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَعَمَّرَ عِدَّةَ قِلاعٍ.
قَالَ المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ: كَانَ أَعْمَق إِخْوَته فِكْراً، وَأَطولهُم عُمْراً، وَأَنظرهُم فِي الْعَوَاقِب، وَأَحبهُم لِلدِّرْهَمِ، وَكَانَ فِيْهِ حِلْمٌ وَأَنَاةٌ وَصَبْرٌ عَلَى الشَّدَائِدِ، سَعِيْد الجَدّ، عَالِي الكَعْب، مُظَفَّراً، أَكُوْلاً، نَهِماً، يَأْكُلُ مِنَ الحَلْوَاء السُّكَّرِيَّة رَطْلاً بِالدِّمَشْقِيّ، وَكَانَ كَثِيْرَ الصَّلاَةِ، وَيَصُوْمُ الخَمِيْس، يُكْثِرُ الصَّدَقَة عِنْد نَزول الآفَات، وَكَانَ قَلِيْلَ الْمَرَض، لَقَدْ أُحضر إِلَيْهِ أَرْبَعُوْنَ حملاً مِنَ الْبِطِّيخ فَكسر الجَمِيْع وَبَالَغَ فِي الأَكل فَحمّ يَوْماً. وَكَانَ كَثِيْرَ التّمتع بِالجَوَارِي، وَلاَ يَدخل عَلَيْهِنَّ خَادِماً إلَّا دُوْنَ البلوَغ.
نجب لَهُ عِدَّةُ أَوْلاَد سلطنهُم، وَزوّج بنَاته بِمُلُوْك الأَطرَاف.(16/121)
وَقَدِ اُحْتِيلَ عَلَى الْفَتْك بِهِ مَرَّات، وَيُسَلِّمُهُ الله.
وَكَانَ شَدِيدَ المُلاَزَمَة لخدمَة أَخِيْهِ صَلاَح الدِّيْنِ، وَمَا زَالَ يَتحيّل حَتَّى أَعْطَاهُ العَزِيْز دِمَشْق، فَكَانَتِ السَّبَب فِي أَنْ تَملّك البِلاَد، وَلَمَّا جَاءهُ بِمَنْشُوْرهَا ابْن أَبِي الحَجَّاجِ أَعْطَاهُ أَلف دِيْنَار، ثُمَّ جرت أُمُوْر يَطول شرحهَا وَقِتَال عَلَى المُلك، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ التّعب وَالحَرْب جهادًا للْفرنج لأَفلح.
وَتملّك ابْنه الأَوْحَدُ خِلاَط، فَقتل خلقاً مِنْ عَسْكَرهَا.
قَالَ المُوَفَّقُ: فَقَالَ لِي بَعْض خواصة: إِنَّهُ قَتَل فِي مُدَّةٍ ثَمَانِيَةَ عشرَ أَلْفاً مِنَ الخَواص كَانَ يَقتلهُم ليلاً وَيلقيهم فِي الْآبَار، فَمَا أُمهِلَ وَاختل عقلُه وَمَاتَ. وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْهِ أَبُوْهُ مُعَزِّماً ظنَّه جُنَّ. فَتَمَلَّكَ بَعْدَهُ الأَشرف إِلَى أَنْ قَالَ: وَرَدَ العَادل وَرمَاح الفِرَنْج فِي أَثره حَتَّى وَصل دِمَشْق وَلَمْ يَدخلهَا، وَشجعه المُعْتَمِد. وَأَمَّا الفِرَنْج فَظنُّوا هزِيمته مكيدَة فَرجعُوا بَعْدمَا عَاثُوا وَقصدُوا دِمْيَاط. وَقِيْلَ: عرض لَهُ ضَعْف وَرعشَة، وَاعْتَرَاهُ وَرم الأُنثيين، فَمَاتَ بِظَاهِر دِمَشْق.
كَانَتْ خزانته بجعبر ورها وَلدُه الحَافِظ ثُمَّ نَقلهَا إِلَى دِمَشْقَ، فَحصلت فِي قبضَة وَلده المُعَظَّم، وَكَانَ قَدْ مكر وَحسّن لأَخِيه العصيَان فَفَعَل، فَبَادر أَبُوْهُ وَحَوَّل الأَمْوَال.
وَقَدْ حَدَّثَ العَادل بِجُزْء السَّابِع مِنْ "المَحَامِلِيَّات" عَنِ السِّلَفِيّ، رَوَاهُ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ الصَّالِح إِسْمَاعِيْل، وَالشِّهَاب القُوْصِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ ابْن النُّشبِيّ، وَمَاتَ وَفِي خزَانته سَبْع مائَة أَلْف دِيْنَار عيناً.
تُوُفِّيَ بعَالقين فِي جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ خمس عشرة وست مائة، ودفن بِالقَلْعَة أَرْبَع سِنِيْنَ فِي تَابوت ثُمَّ نَقل إِلَى تُرْبَته.
وَخَلَّفَ عِدَّةَ أَوْلاَد: الكَامِل صَاحِب مِصْر، وَالمُعَظَّم صَاحِب دِمَشْق، وَالأَشرف صَاحِب أَرْمِيْنِيَةَ ثُمَّ دِمَشْق، وَالصَّالِح عِمَاد الدِّيْنِ، وَشِهَاب الدِّيْنِ غَازِياً صَاحِب مَيَّافَارِقِيْن، وَآخرُ مَنْ مَاتَ مِنْهُم: تَقِيّ الدِّيْنِ عَبَّاس، وَعَاشَتْ بِنْته مُؤنسَة بِنْت العَادل بِمِصْرَ إِلَى سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَحدثت بِإِجَازَة عفِيفَة.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: كَانَ مَائِلاً إِلَى العُلَمَاء، حَتَّى لصَنف لَهُ الرَّازِيّ كِتَاب "تَأسيس التَّقْدِيس"، فَذَكَر اسْمه فِي خطبته.(16/122)
5526- المعظم 1:
السُّلْطَانُ المَلِكُ المُعَظَّم ابْنُ العَادِلِ المَذْكُوْر، هُوَ شَرَفُ الدِّيْنِ عِيْسَى بنُ مُحَمَّدٍ الحَنَفِيُّ، الفَقِيْهُ، صاحب دمشق.
مَوْلِدُهُ بِالقَصْر مِنَ القَاهِرَة، فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَنَشَأَ بِدِمَشْقَ، وَحفظ القُرْآن، وَبَرَعَ فِي المَذْهَب، وَعُنِي "بِالجَامِع الكَبِيْر"، وَصَنَّفَ لَهُ شرحاً كَبِيْراً بِمعَاونَة غَيْره، وَلاَزَمَ التَّاج الكِنْدِيّ، وَتردّد إِلَيْهِ إِلَى درب الْعَجم مِنَ القَلْعَة، وَتحت إِبطه الكِتَاب، فَأَخَذَ عَنْهُ "كِتَاب سِيْبَوَيْه"، وَكِتَاب "الحُجَّة فِي القِرَاءات"، وَ"الحمَاسَة"، وَحفظ عَلَيْهِ "الإِيضَاح"، وَسَمِعَ "مُسند الإِمَامِ أَحْمَد بنِ حَنْبَلٍ"، وَلَهُ "دِيْوَان شعر" سَمِعَهُ مِنْهُ القُوْصِيّ فِيمَا زَعَمَ. وَلَهُ مصَنّف فِي الْعرُوض، وَكَانَ رُبَّمَا لاَ يُقيم الْوَزْن، وَكَانَ يَتعصّب لمَذْهَبه، قَدْ جَعَلَ لِمَنْ عرض المُفَصّل، مائَة دِيْنَارٍ صُوْرِيّة وَلِمَنْ عرض "الجَامِع الكَبِيْر" مائَتَيْ دِيْنَار.
وَحَجّ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ، وَأَنشَأَ البِرَك، وَعَمِلَ بِمُعَان دَار مَضيف وَحمَّاماً. وَكَانَ يَبحث وَيُنَاظر، وَفِيْهِ دَهَاء وَحزم، وَكَانَ يُوْصَف بِالشَّجَاعَة وَالكرم وَالتَّوَاضع؛ سَاق مرَّة إِلَى الإِسْكَنْدَرِيَّة فِي ثَمَانِيَة أَيَّام عَلَى فَرَس وَاحِد، وَاعد القُصَّاد وَأَصْحَاب الأَخْبَار، وَكَانَ عَلَى كَتِفِهِ الفِرَنْج، فَكَانَ يظلم، وَيدير ضمَان الخَمْر لِيَسْتَخْدِمَ بِذَلِكَ، وَكَانَ يَرْكَب وَحْدَه مرَاراً ثُمَّ يَلحقه ممَاليكه يَتطَاردُوْنَ، وَكَانَ يُصَلِّي الجُمُعَة فِي تربَة عَمّه صَلاَح الدِّيْنِ، ثُمَّ يَمْشِي مِنْهَا يَزور قَبْر أَبِيْهِ.
قَرَأْت بِخَطّ الضِّيَاء الحَافِظ: كَانَ المُعَظَّم شُجَاعاً فَقِيْهاً يَشرب الْمُسكر، وَأَسّس ظلماً كَثِيْراً، وَخرب بَيْت المَقْدِسِ.
وَقَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: وَكَانَ عَالِماً بِعِدَّة عُلُوْم، نَفق سُوْق العِلْم فِي أيامه، وَقصدهُ الفُقَهَاء، فَأَكْرَمَهُم، وَأَعْطَاهُم، وَلَمْ يسمع مِنْهُ كلمَة نَزقَة، وَيَقُوْلُ: اعْتِقَادِي فِي الأُصُوْلِ مَا سطّره الطَّحَاوِيّ، وَأَوْصَى أَنْ لاَ يُبْنَى عَلى قَبْرِهِ، وَلَمَّا مرض، قَالَ: لِي فِي قَضِيَّة دِمْيَاط مَا أَرْجُو بِهِ الرَّحْمَة.
وَقَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: كَانَ جُنْده ثَلاَثَة آلاَف فَارِس فِي نِهَايَة التَّجَمُّل، وَكَانَ يُقَاوم بِهِم إِخْوَته، وَكَانَ الكَامِل يَخَافه، مَعَ أَنَّهُ كَانَ يَخطب لِلْكَامِل فِي بلاَده وَيَضرب السّكة باسمه. وَكَانَ لاَ يَرْكَب فِي غَالِب أَوقَاته بِالعصَائِب، وَيلبس كلوتَة صَفْرَاء بِلاَ عِمَامَة، وَرُبَّمَا مَشَى بَيْنَ العوَام حتى كاد يُضرب المَثَل بِفعله، فَمَنْ فَعل شَيْئاً بِلاَ تَكلّف، قِيْلَ: هَذَا بِالمُعَظَّمِيِّ. وَتردد مُدَّة فِي الفِقْه إِلَى الحَصِيْرِيّ حَتَّى تَأَهّل لِلْفُتْيَا.
تُوُفِّيَ فِي سَلْخِ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكَانَ لَهُ دِمَشْق وَالكَرَك وَغَيْر ذلك، وحلفوا بعده لابنه الناصر داود.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 515"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 267، 268"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 115، 116".(16/123)
5527- الأشرف 1:
صَاحِبُ دِمَشْقَ السُّلْطَانُ المَلِكُ الأَشْرَفُ مُظَفَّرُ الدِّيْنِ أَبُو الفَتْحِ مُوْسَى شَاه أَرْمَنَ ابْنُ العَادِلِ.
وُلِدَ بِالقَاهِرَةِ، فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ، فَهُوَ مِنْ أَقرَانِ أَخِيْهِ المُعَظَّمِ.
وَرَوَى عَنِ ابْنِ طَبَرْزَد.
حَدَّثَنَا عَنْهُ: أَبُو الحُسَيْنِ اليُوْنِيْنَيُّ.
وحَدَّثَ عَنْهُ أَيْضاً: القُوْصِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ".
وَسَمِعَ "الصَّحِيْحَ" فِي ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ مِنِ ابْنِ الزُّبَيْدِيِّ.
تَملَّكَ القُدْسَ أَوَّلاً، ثُمَّ أَعْطَاهُ أَبُوْهُ حَرَّانَ وَالرُّهَا وَغَيْرَ ذَلِكَ، ثُمَّ تَملَّكَ خِلاَطَ، وَتَنَقَّلَتْ بِهِ الأَحْوَالُ، ثُمَّ تَملَّكَ دِمَشْقَ بَعْدَ حِصَارِ النَّاصِرِ بِهَا، فَعَدَلَ، وَخَفَّف الجَوْرَ، وَأَحَبَّتْهُ الرَّعِيَّةُ. وَكَانَ فِيْهِ دِينٌ وَخَوفٌ مِنَ اللهِ عَلَى لَعِبِهِ. وَكَانَ جَوَاداً، سَمحاً، فَارِساً شُجَاعاً، لَديهِ فَضِيْلَةٌ. وَلَمَّا مرَّ بِحَلَبَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ تَلقَّاهُ الملكُ الظَّاهِرُ ابْنُ عَمِّهِ وَأَنْزَلَه فِي القَلْعَةِ، وَبَالَغَ فِي الإِنفَاقِ عَلَيْهِ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ خَمْسَةً وَعِشْرِيْنَ يَوْماً، فَلَعَلَّهُ نَابَهُ فِيْهَا لأَجله خَمْسُوْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ، ثُمَّ قَدَّمَ لَهُ تَقدِمَةً وَهِيَ: مائَة بُقْجَةٍ مَعَ مائَةِ مَمْلُوْكٍ فِيْهَا فَاخِرُ الثِّيَابِ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُوْنَ رَأْساً مِنَ الخيلِ، وَعِشْرُوْنَ بَغلاً وَقطَارَان جِمَال، وَعِدَّة خِلَعٍ لِخوَاصِّه وَمائَةُ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَأَشيَاءُ سِوَى ذَلِكَ.
وَمِنْ سَعَادتِه أَنَّ أَخَاهُ الملكَ الأَوْحَدَ صَاحِبَ خِلاَطٍ مرض، فعاده الأشرف، فَأَسَرَّ الطَّبِيْبُ إِلَيْهِ: إِنَّ أَخَاكَ سَيَمُوتُ. فَمَاتَ بعد يوم، واستولى الأشرف على أرمينية.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان "5/ ترجمة 749"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 300، 301"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 175-177".(16/124)
وَكَانَ مَلِيْحَ الهَيْئَةِ، حُلوَ الشَّمَائِلِ. قِيْلَ: مَا هُزِمتْ لَهُ رَايَةٌ. وَكَانَ لَهُ عُكُوفٌ عَلَى المَلاَهِي وَالمُسْكِرِ -عفَا الله عَنْهُ- وَيُبَالغ فِي الخُضوعِ لِلْفُقَرَاءِ وَيَزورُهُم وَيُعْطِيهِم، وَيُجِيْزُ عَلَى الشِّعرِ، وَيَبعثُ فِي رَمَضَانَ بِالحلاَوَات إِلَى أَمَاكنِ الفُقَرَاءِ، وَيُشَاركُ فِي صَنَائِعَ، وَلَهُ فَهْمٌ وَذَكَاءٌ وَسِيَاسَةٌ. أَخرَبَ خَانَ العُقَيْبَة، وَعَمِلَهُ جَامِعاً.
قَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: فَجلَسْتُ فِيْهِ، وَحَضرَ الأَشْرَفُ وَبَكَى وَأَعتقَ جَمَاعَةً. وَعَمِلَ مَسْجِدَ بَابِ النَّصْرِ، وَدَارَ السَّعَادَةِ، وَمَسجدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَجَامِعَ جَرَّاحٍ، وَدَاري الحَدِيْثِ بِالبَلَدِ وَبِالسَّفحِ وَالدَّهشَةِ، وَجَامِعَ بَيْت الأَبَّارِ.
قَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: كَانَ الأَشْرَف يَحضُرُ مَجَالِسِي بِحَرَّانَ، وَبِخِلاَطٍ، وَدِمَشْقَ، وَكَانَ مَلِكاً عَفِيْفاً، قَالَ لِي: مَا مَددتُ عَيْنِي إِلَى حَرِيْمِ أَحَدٍ وَلاَ ذكر ولا أنثى، جائتني عَجُوْزٌ مِنْ عِنْدِ بِنْتِ صَاحِبِ خِلاَطٍ شَاه أَرْمَن بِأَنَّ الحَاجِبَ عَلِيّاً أَخَذَ لَهَا ضَيعَةً فَكَتَبتُ بِإِطلاَقهَا. فَقَالَتِ العَجُوْزُ: تُرِيْدُ أَنْ تَحضُرَ بَيْنَ يَدَيْكَ. فَقُلْتُ: بِاسْمِ اللهِ، فَجَاءتْ بِهَا، فَلَمْ أَرَ أَحْسَنَ مِنْ قَوَامهَا، وَلاَ أَحْسَنَ مِنْ شَكلِهَا، فَخَدَمَت، فَقُمْتُ لَهَا، وَقُلْتُ: أَنْتَ في هذا البلد وأنا لا أَدْرِي? فَسَفرتْ عَنْ وَجْهٍ أَضَاءتْ مِنْهُ الغُرفَةُ، فَقُلْتُ: لاَ، اسْتَترِي. فَقَالَتْ: مَاتَ أَبِي وَاسْتَوْلَى عَلَى المَدِيْنَةِ بُكْتَمر، ثُمَّ أَخَذَ الحَاجِب قرِيتِي، وَبقيت أَعيش مِنْ عَمل النّقش وَفِي دَار بِالكرَاء. فَبكيت لَهَا، وَأَمرت لَهَا بِدَار وَقمَاش، فَقَالَتِ العَجُوْز: يَا خوند إلَّا تَحْظَى اللَّيْلَة بِك? فَوَقَعَ فِي قَلْبِي تغَيُّر الزَّمَان وَأَنَّ خِلاَط يَملكهَا غَيْرِي، وَتَحْتَاج بِنْتِي أَنْ تَقعد هَذِهِ القعدَة، فَقُلْتُ: مَعَاذَ اللهِ مَا هَذَا مِنْ شيمتِي. فَقَامَتِ الشَّابة بَاكيَة تَقُوْلُ: صَان الله عواقبك. وَحَدَّثَنِي أَن غُلاَماً لَهُ مَاتَ فَخلّف ابْناً كَانَ مليح زَمَانه، وَكُنْت أُتَّهم بِهِ، وَهُوَ أَعزّ مِنْ وَلد، وَبلغ عِشْرِيْنَ سَنَةً، فَاتَّفَقَ أَنَّهُ ضَرَبَ غُلاَماً لَهُ فَمَاتَ، فاستغاث أولياؤه، فاجتمع عليه ممَاليكِي، حَتَّى بذلُوا لَهُم مائَة أَلْف فَأَبوا إلَّا قَتله، فَقُلْتُ: سلّمُوْهُ إِلَيْهِم، فَسلمُوْهُ فَقتلُوْهُ.
وَقضيته مَشْهُوْرَة بِحَرَّانَ؛ أَتَاهُ أَصْحَاب الشَّيْخ حَيَاة وَبدّدُوا الْمُسكر مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، فَسَكَتَ، وَكَانَ يَقُوْلُ: بِهَا نصرت. وَقَدْ خلع عليّ مرَّة، وَأَعْطَانِي بَغْلَة وَعَشْرَة آلاَف دِرْهَم.
وَحَدَّثَنِي الفَقِيْه مُحَمَّد اليُوْنِيْنِيّ، قَالَ: حَكَى لِي فَقير صَالِح، قَالَ: لَمَّا مَاتَ الأَشْرَف، رَأَيْتهُ فِي ثِيَاب خُضر، وَهُوَ يَطير مَعَ الأَوْلِيَاء.
وَلَهُ شعر فِيْمَا قِيْلَ.
قَالَ: وَكُنْت أَغشَاه فِي مَرَضِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: اسْتَعدَّ لِلقَاء الله فَمَا يَضر، فَقَالَ: لاَ وَاللهِ بَلْ يَنفع، فَفَرَّق البِلاَد، وَأَعتق ممَاليكه نَحْو مائَتَيْنِ، وَوَقَفَ دَار السعَادَة والدهشة على بنته.(16/125)
وَقَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: خَلَّف بِنْتاً فَتَزَوَّجَهَا المَلِكُ الجَوَاد، فَلَمَّا تَسَلْطن عمّهَا الصَّالِح فَسخ نِكَاحهَا، ولأنه حلف بطلاقها إلى شَيْءٍ فَعله، ثُمَّ زوّجهَا بِوَلَدِهِ المَنْصُوْر مُحَمَّد، فَدَامت فِي صُحبته إِلَى اليَوْمِ.
وَكَانَ لِلأَشرف مَيْل إِلَى المُحَدِّثِيْنَ وَالحَنَابِلَة؛ قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: وَقعت فِتْنَة بَيْنَ الشَّافِعِيَّة وَالحَنَابِلَة بِسَبَب العقَائِد. قال: وتعصب الشيخ عز الدين ابن عَبْدِ السَّلاَمِ عَلَى الحَنَابِلَة، وَجَرَتْ خَبطَة، حَتَّى كتب عِزّ الدِّيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ- إِلَى الأَشْرَف يَقع فِيهِم، وَأَنَّ النَّاصح سَاعِد عَلَى فَتح بَاب السَّلاَمَة لعَسْكَر الظَّاهِر وَالأَفْضَل عِنْدَمَا حَاصرُوا العَادل، فَكَتَبَ الأَشْرَف: يَا عِزّ الدِّيْنِ، الفِتْنَة سَاكنَة لَعَنَ اللهُ مثيرهَا، وَأَمَّا بَاب السَّلاَمَة فَكمَا قِيْلَ:
وَجُرْم جَرَّهُ سُفَهَاء ُقَوْمٍ ... فَحَلَّ بغير جانبه العَذَابُ
وَقَدْ تَابَ الأَشْرَف فِي مَرَضِهِ وَابتهل، وَأَكْثَر الذّكر وَالاسْتِغْفَار.
قُلْتُ: مرض مَرَضَيْنِ مُخْتَلِفيْن فِي أَعلاَهُ وَأَسفله، فَقِيْلَ: كَانَ الجرَائِحِي يُخْرِج مِنْ رَأْسِهِ عِظَاماً، وَهُوَ يَحمد الله.
وَلَمَّا احتُضِر، قَالَ لابْنِ موسك: هَاتِ وَديعتِي، فَجَاءَ بِمئزر صُوْف فِيْهِ خِرقٌ مِنْ آثَار المَشَايِخ، وَإِزَار عَتِيْق، فَقَالَ: يَكُوْن هَذَا عَلَى بَدَنِي أَتقِي بِهِ النَّار، وَهَبَنِيه إِنْسَان حَبَشِيّ مِنَ الأَبْدَال كَانَ بِالرُّهَا.
وَقَالَ ابْنُ حَمُّوَيْه: كَانَ بِهِ دمَامل فِي رَأْسه وَمَخْرَجِه، وَتَأَسّف الْخلق عَلَيْهِ.
قُلْتُ: كَانَ يُبَالِغ فِي تَعْظِيْم الشَّيْخ الفقيه، توضأ الفقيه يومًا، فوثب الأَشْرَف، وَحلّ مِنْ تَخْفِيْفَته وَرمَاهَا عَلَى يَدِي الشَّيْخ ليُنَشِّف بِهَا، رَأَى ذَلِكَ شَيْخنَا أَبُو الحُسَيْنِ، وَحكَاهُ لِي.
مَاتَ فِي رَابع المُحَرَّم، سَنَة خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكَانَ آخر كَلاَمه لاَ إِلَهَ إلَّا الله فِيْمَا قِيْلَ.(16/126)
5528- الكامل 1:
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ المَلِكُ الكَامِلُ نَاصِرُ الدُّنْيَا وَالدِّيْنِ، أَبُو المَعَالِي، وَأَبُو المُظَفَّرِ مُحَمَّدُ ابْنُ المَلِكِ العَادِلِ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَيُّوْبَ صَاحِب مِصْرَ وَالشَّامِ وَمَيَّافَارِقِيْنَ وَآمد وَخِلاَط وَالحِجَازَ وَاليَمَن وَغَيْر ذَلِكَ.
وُلِدَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَهُوَ مِنْ أَقرَان أَخويه المُعَظَّم وَالأَشْرَف، وَكَانَ أَجلّ الثَّلاَثَة وَأَرْفَعهم رُتْبَة.
أَجَاز لَهُ عَبْد اللهِ بن بَرِّيّ النَّحْوِيّ.
وَتملّك الدِّيَار المِصْرِيَّة أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، شطرهَا فِي أَيَّامِ وَالِده، وَكَانَ عَاقِلاً، مَهِيْباً، كَبِيْرَ القَدْرِ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: مَال عِمَاد الدِّيْنِ ابْن الْمَشْطُوبَ وَأُمَرَاء إلى خلع الكَامِل وَقت نَوْبَة دِمْيَاط وَسلطنَة أَخِيْهِ إِبْرَاهِيْم الفَائِز، وَلاَح ذَلِكَ لِلْكَامِل فَدَارَى حَتَّى قَدِمَ إِلَيْهِ المُعَظَّم فَأَفضَى إِلَيْهِ بسرّه، فَجَاءَ المُعَظَّم يَوْماً إِلَى خيمَة ابْن الْمَشْطُوبَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ، وَخضعَ، فَقَالَ: ارْكَبْ نَتحدّث. فَرَكِبَ وَتحدثَا حَتَّى أَبعد بِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا فُلاَن هَذِهِ البِلاَد لَكَ، فَنرِيْد أَنْ تَهبهَا لَنَا، وَأَعْطَاهُ نَفَقَة وَوكّل بِهِ أَجنَاداً إِلَى الشَّامِ، ثُمَّ جهَّز الفَائِز ليطْلب عَسْكَر الجَزِيْرَة نَجدَة، فَتُوُفِّيَ الفَائِز بِسِنْجَار.
قَالَ ابْنُ مَسْدِي: كَانَ مُحِبّاً فِي الحَدِيْثِ وَأَهْله، حرِيصاً عَلَى حِفْظِهِ وَنقله، وَلِلْعلم عِنْدَهُ سُوْق قَائِمَة عَلَى سُوْق، خَرَّج لَهُ الشَّيْخ أَبُو القَاسِمِ ابْن الصَّفْرَاوِيّ أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً سَمِعَهَا مِنْهُ جَمَاعَة.
وَحَكَى عَنْهُ مكرم الكاتب: أن أباه استجاز له السلفي.
قال ابْنُ مَسْدِي: وَقفت أَنَا عَلَى ذَلِكَ، وَأَجَاز لِي وَلابْنِي.
وَقَالَ المُنْذِرِيّ: أَنشَأَ الكَامِل دَار الحَدِيْث بِالقَاهِرَةِ، وَعَمَّر قُبَّة عَلَى ضَرِيْح الشَّافِعِيّ، ووقف على أنواع البر، وله الموافق المَشْهُوْرَة فِي الجِهَادِ بدِمْيَاط المُدَّة الطَّوِيْلَة، وَأَنفق الأَمْوَال، وَكَافح الفِرَنْج برّاً وَبَحْراً، يعرف ذَلِكَ منْ شَاهده، وَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَعزّ الله الإِسْلاَم، وَخذل الكُفْر. وَكَانَ مُعَظِّماً لِلسُنَّة وَأَهْلهَا، رَاغِباً فِي نشرهَا وَالتّمسك بِهَا، مُؤثراً لِلاجتمَاع بِالعُلَمَاء وَالكَلاَم مَعَهُم حضَراً وَسفراً.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ شَهْماً، مَهِيْباً، عَادِلاً، يَفهَم وَيبحث. قِيْلَ: شكَا إِلَيْهِ ركبدَار أَنْ أُسْتَاذه اسْتخدمه سِتَّة أَشْهُرٍ بِلاَ جَامكيَة، فَأَمر الجُنْدِي بخدمَة الرّكبدَار وَحَمَلَ مَدَاسه سِتَّة أَشْهُرٍ. وَكَانَتِ الطّرق آمِنَة فِي زَمَانِهِ لِهَيْبَتِهِ. وَقَدْ بَعَثَ ابْنه المَسْعُوْد فَافْتَتَحَ اليَمَن، وَجَمَعَ الأَمْوَال ثُمَّ حج، فمات، وحملت خزائنه إلى الكامل.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 694"، والنجوم الزاهرة "6/ 227"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "5/ 171-173".(16/127)
قَالَ البَهَاء زُهَيْر:
وَأُقْسِمُ إِنْ ذَاقَتْ بَنُو الأَصْفَرِ الكَرَى ... لَمَا حَلُمَتْ إلَّا بِأَعْلاَمِكَ الصُّفْرِ
ثَلاَثَة أَعْوَامٍ أَقَمْتَ وَأَشْهُراً ... تُجَاهِدُ فِيْهِ لاَ بِزَيْدٍ وَلاَ عَمْرو
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: اسْتَوْزَر صَفِيّ الدِّيْنِ أَوَّلاً، فَلَمَّا مَاتَ، لَمْ يَسْتَوْزِر أَحَداً، كَانَ يَتولَّى الأُمُوْر بِنَفْسِهِ. وَكَانَ مَهِيْباً، حَازِماً، مدبّراً، عَمَرت مِصْر فِي أَيَّامِهِ، وَكَانَ عِنْدَهُ مَسَائِل مِنَ الفِقْه وَالنَّحْو يُوردهَا، فَمَنْ أَجَابَ فِيْهَا حظِي عِنْدَهُ. وَجَاءته خلع السّلطنَة على بد السُّهْرَوَرْدِيّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَالتقليد بِمِصْرَ، وَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً، وَهِيَ: جُبَّة وَاسِعَة الكُم بِطرز ذهب، وَعِمَامَة، وَطوق وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ. وَمِنْ همّته أَنَّ الفِرَنْج لَمَّا أَخذُوا دِمْيَاط أَنشَأَ عَلَى برِيْد مِنْهَا مدينَة المَنْصُوْرَة وَاسْتوطنهَا مُرَابِطاً حَتَّى نَصره الله، فَإِنَّ الفِرَنْج طمعُوا فِي أَخْذِ مِصْر، وَعَسْكَرُوا بِقُرْبِ المَنْصُوْرَة، وَالْتَحَمَ القِتَال أَيَّاماً، وَأَلحّ الكَامِل عَلَى إِخْوَته بِالمجِيْء، فَجَاءهُ أَخوَاهُ الأَشْرَف وَالمُعَظَّم فِي جَيْش لجب، وَهَيْئَة تَامَّة، فَقوِي الإِسْلاَم، وَضَعفت نُفُوْس الفِرَنْج وَرسلهُم تَتردد، وَبَذَلَ لَهُم الكَامِل قَبْل مجِيْء النّجدَة القدس وطبرية وعسقلان وجبلة واللاذقية وأشياء على أيَردّوا لَهُ دِمْيَاط فَأَبَوا، وَطَلَبُوا مَعَ ذَلِكَ ثَلاَث مائَة أَلْف دِيْنَار ليعمرُوا بِهَا أَسوَار القُدْس، وَطَلَبُوا الكَرَك، فَاتّفقَ أَن جَمَاعَة مِنَ المسلمين، فجروا من النيل ثلمة على نزلة العَدُوّ، فَأحَاط بِهِم النِّيل فِي هيجَانه، وَلاَ خِبرَة لَهُم بِالنِّيل، فَحَال بَيْنهُم وَبَيْنَ دِمْيَاط، وَانقطعت المِيْرَة عَنْهُم، وَجَاعُوا وَذلوا، فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِ الأَمَان عَلَى تَسْلِيم دِمْيَاط، وَعَقدَ هدنَة، فَأُجيبُوا، فَسلمُوا دِمْيَاط بَعْد اسْتَقرَارهم بِهَا ثَلاَث سِنِيْنَ، فَلله الْحَمد.
وَلَمَّا بلغَ الكَامِل مَوْتُ أَخِيْهِ المُعَظَّم جَاءَ وَنَازل دِمَشْق، وَأَخَذَهَا مِنَ النَّاصِر، وَجَعَلَ فِيْهَا الأَشْرَف، وَلَمَّا مَاتَ الأَشْرَف، بَادر الكَامِل إِلَى دِمَشْقَ وَقَدْ غلب عَلَيْهَا أَخُوْهُ إِسْمَاعِيْل، فَانْتزعهَا مِنْهُ، وَاسْتقر بِالقَلْعَة، فَمَا بلع رِيقَه حَتَّى مَاتَ بَعْدَ شَهْرَيْنِ، تَعلّل بسعَال وَإِسهَال، وَكَانَ بِهِ نِقْرِسٌ، فَبُهِتَ الخَلْقُ لَمَّا سَمِعُوا بِمَوْته، وَكَانَ عَدْلُه مشوباً بِعُسف؛ شنقَ جَمَاعَة مِنَ الجُنْد فِي بطيحَة شعير.
وَنَازل دِمَشْق فَبَعَثَ صَاحِبُ حِمْص لَهَا نَجدَة خَمْسِيْنَ نَفْساً، فَظَفِرَ بِهِم، وَشنقهُم بِأَسرهِم.
قَالَ الشَّرِيْف العِمَاد البصروِيّ: حُكيَ لِي الخَادِم قَالَ:
طلب مِنِّي الكَامِل طَستاً ليتقيّأ فِيْهِ، فَأَحضَرته وَجَاءَ لناصر دَاوُد، فَوَقَفَ عَلَى البَابِ(16/128)
ليعُوْده، فَقُلْتُ: دَاوُد عَلَى البَابِ، فَقَالَ: يَنْتظر مَوْتِي?! وَانزعج، وَخَرَجتُ، فَنَزَلَ دَاوُد إِلَى دَار سَامَة، ثُمَّ دَخَلتُ إِلَى السُّلْطَانِ، فَوَجَدته قَدْ مات وهو مكبوب على المخدة.
وَقَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: حَكَى لِي طبِيْبهُ، قَالَ: أَخَذَه زكَام، فَدَخَلَ الحَمَّام، وَصبّ عَلَى رَأْسه مَاء شَدِيد الحرَارَة اتِّبَاعاً لما قَالَ ابْنُ زَكَرِيَّا الرَّازَيّ: إِن ذَلِكَ يَحلّ الزُّكمَة فِي الحَال، وَهَذَا لَيْسَ عَلَى إِطلاَقه، قَالَ: فَانصَب مِنْ دِمَاغه إِلَى فَمِ المَعِدَةِ مَادَةٌ فَتورمت وَعرضت الحُمَّى، وَأَرَادَ القيءَ، فَنَهَاهُ الأَطبَّاء، وَقَالُوا: إِنْ تَقيَّأ هَلَكَ، فَخَالف وَتَقيَّأ.
وَقَالَ الرَّضِيّ الحَكِيْم: عرضت لَهُ خوَانِيق انفقأَت، وَتَقيَّأ دماً وَمِدَّة، ثُمَّ أَرَادَ الْقَيْء ثَانِياً، فَنَهَاهُ وَالِدِي، وَأَشَارَ بِهِ آخر، فَتقيَّأ، فَانصب ذَلِكَ إِلَى قصبَة الرِّئَة سدّتهَا، فَمَاتَ.
قَالَ المُنْذِرِيّ: مَاتَ بِدِمَشْقَ، فِي الحَادِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَجَب، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَدُفِنَ فِي تَابوت.
قُلْتُ: ثُمَّ بَعْد سَنَتَيْنِ عُمِلت لَهُ التُّرْبَة، وَفتح شُبَّاكهَا إِلَى الجَامِع. وَخلّف ابْنَيْنِ: العَادل أَبَا بَكْرٍ، وَالصَّالِح نَجْم الدِّيْنِ، فَملّكُوا العَادل بِمِصْرَ، وَتَملّك الجَوَاد دِمَشْق، فَلَمْ تَطل مُدّتهُمَا.(16/129)
5529- الأوحد:
الملك الأوحد نجم الدنيا والدين أيوب بن المَلِكِ العَادِلِ.
تَمَلَّكَ خِلاَط وَنَوَاحيهَا خَمْس سِنِيْنَ فظلم وعسف وسفك الدماء، فابتلي بِأَمْرَاضٍ مُزَمَنَةٍ، فَتمنَّى المَوْت فَمَاتَ قَبْلَ الكُهُوْلَة فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَاسْتَوْلَى عَلَى مَمْلَكته أَخُوْهُ الأَشْرَف.
وَقَدْ مرّ مِنْ أَخْبَاره فِي تَرْجَمَة أَبِيْهِ، وَأَنَّهُ قتل ثَمَانِيَةَ عشرَ أَلف نسمَة بِخِلاَط، مَاتَ ملكُهَا بَلْبَان، فَسَارَ الأَوْحَدُ مِنْ مَيَّافَارقين، وَافتَتَح مُوش، وَكَسَر بَلْبَان، فَاسْتنجد بصَاحِب أَرْزَن الرُّوْم طُغْرِل شَاه، وَهزمَا الأَوْحَد، لَكِن غدر طُغْرِل بِبلبَان فَقَتَلَهُ، وَقصد خِلاَط، فَقَاتلُوْهُ فَردّ خَائِباً، فَكَاتَبوا الأَوْحَد، فَسَارَ، وَتَسَلَّمَ البِلاَد، وَتَمَكَّنَ، فَلَمَّا مَاتَ تَملّك أَرْمِيْنِيَةَ أَخُوْهُ الأَشْرَف، فَعَدَلَ، وَأَحْسَن السِّيْرَةِ.
مَاتَ الأَوْحَدُ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ، وَكَانَ طَاغِيَة الكُرْج قَدْ حَاصر خِلاَط سَنَة سِتٍّ، وَركب سكرَاناً فِي عِشْرِيْنَ نَفْساً، وَتَقرّب إِلَى البَلَد فَأُسر فِي الحَال، فَذلّ، وَبَذَلَ فِي نفسه عدة قلاع ومئة أَلْف دِيْنَار وَإِطلاَق خَمْسَة آلاَف أَسير وَشرط أَنْ يَزوّج بِنْته بِالأَوْحَد، وَعقدت الهدنَة بَيْنهُمَا ثلاثين سنة.(16/129)
الحافظ، المظفر:
5530- الحافظ:
المَلِكُ الحَافِظُ نُوْرُ الدِّيْنِ أَرْسَلاَن شَاه ابْنُ المَلِكِ العَادِلِ سَيْفِ الدِّيْنِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْبَ صَاحِب قَلْعَة جَعْبَر.
أَقَامَ بجَعْبَر مُدَّة، وَكَانَ كَثِيْرَ الأَمْوَال، خَاف فِي أَوَاخِرِ أيامه من الخُوَارِزْمِيَّة؛ لأَنَّهُم أَغَارُوا مَرَّات عَلَى أَعْمَاله فَسَلَّمَ جَعْبَر لِصَاحِب حَلَب المَلِك العَزِيْز، وَعوَّضه عَنْهَا بعِزَاز مِنْ أَعْمَالِ حَلَب، فَقَدِمَ حَلَب عَلَى أُخْته الصَّاحبَة، ثُمَّ إِنَّهُ مَاتَ بعِزَاز فِي سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ كَهْلاً، وَنُقِلَ فَدُفِنَ بِالفِرْدَوْس بِظَاهِر حَلَب، فَمَاتَتْ أُخْته الصَّاحبَة الخَاتُوْن ضَيْفَة بِنْت المَلِك العَادل وَزَوْجَة المَلِك الظَّاهِر غَازِي ابْن عَمِّهَا، وَوَالِدَة صَاحِب حَلَب المَلِك العَزِيْز، وَكَانَتْ نبيلَة مُعَظَّمَة نَافذَة الأَوَامر، تُوُفِّيَت سَنَة أَرْبَعِيْنَ بِحَلَبَ عَنْ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً، وَبِحَلَبَ وُلدت حِيْنَ تَملّكهَا وَالِدهَا، وَقَدْ تَزَوَّجَ الظَّاهِر قَبْلهَا بِأُخْتهَا السّت غَازِيَة، فَأَولدهَا أَيْضاً، وَمَاتَتْ، وَكَانَتِ الصَّاحبَة ديّنَة عَادلَة سَائِسَة تبَاشر الْملك بِنَفْسِهَا لصِغَر وَلدهَا وَكَانَتْ كَثِيْرَة البِرّ وَالصَّدَقَات.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَت الجهَة الأَتَابَكيَّة تُركَان بِنْت صَاحِب المَوْصِل عِزّ الدِّيْنِ مَسْعُوْد بن مَوْدُوْد بنِ زَنْكِي زَوْجَة السُّلْطَان المَلِك الأَشْرَف بِدِمَشْقَ، وَدفنت بِتربتهَا عِنْد الجسْر الأَبيض.
وَفِيْهَا مَاتَتِ السّت الفِيروزجيَّة عَائِشَة أُخْت الإِمَام المُسْتَضِيء، وَعَمّة الإِمَام النَّاصِر، عَاشت ثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَمَاتَتْ فِي ذِي الحِجَّةِ، فِي أَوَّلِ دَوْلَة ابْن ابْن ابْن ابْن أَخِيْهَا المُسْتَعْصِم ابْن المُسْتَنْصِر ابْن الظاهر ابن الناصر.
5531- المظفر 1:
السُّلْطَانُ المَلِكُ المُظَفَّر شِهَابُ الدِّيْنِ غَازِي ابْنُ الملك العادل أبي بكر ابن أَيُّوْبَ صَاحِب خِلاَط وَمَيَّافَارقين وَحصن مَنْصُوْر وَغَيْر ذَلِكَ.
وَكَانَ ملكاً جَوَاداً، حَازِماً، شَهْماً، شُجَاعاً، مَهِيْباً، حُلْو المحَاضَرَة، حَسَن الجُمْلَة، كَبِيْرَ الشَّأْنِ، وَقَدْ حَجَّ فِي تَجمّل زَائِد عَلَى درب العِرَاق.
مَاتَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقَدْ شَاخَ، فَتَمَلَّكَ بَعْدَهُ ابْنه المَلِك الكَامِل نَاصِر الدِّيْنِ مُحَمَّد بن غَازِي الشَّهِيْد.
وَإِنَّمَا جمعت هُنَا بَيْنَ هَؤُلاَءِ المُلُوْك اسْتطِرَاداً، وَإِلاَّ فَطَبَقَاتهُم متبَاينَة، وَاللهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَتَلَ هولاَكو نَاصِر الدِّيْنِ هَذَا فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ عتُوّاً وَغَدراً، -فرَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- فَلَقَدْ كَانَ دَيِّناً وَمُجَاهِداً، ثَبْتٌ فِي الحصَار إِلَى أَنْ تَفَانت رِجَاله، وَأَهْلكهُم الْجُوع، وَقَاتلت مَعَهُ النِّسَاء، وَستَأْتِي تَرْجَمَته، إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 233".(16/130)
5532- الصالح:
السُّلْطَانُ المَلِكُ الصَّالِحُ عِمَادُ الدِّيْنِ أَبُو الخِيَشِ إسماعيل ابن الملك العادل محمد بن أيوب بنِ شَاذِي صَاحِب دِمَشْقَ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ بِالسَّابِعِ مِنْ "المَحَامِلِيَّاتِ"، قَرَأَهُ عَلَيْهِ: السَّيْفُ ابْنُ المَجْدِ، وَكَانَ لَهُ مَيْلٌ إِلَى المقَادسَةِ وَإِحسَانٌ.
تَمَلَّكَ بُصْرَى وَبَعْلَبَكَّ، وَتَنَقَّلَتْ بِهِ الأَحْوَالُ، وَاسْتَوْلَى عَلَى دِمَشْقَ أَعْوَاماً، فَحَارَبَهُ صَاحِبُ مِصْرَ ابْنُ أَخِيْهِ، وَجَرَتْ لَهُ أُمُوْرٌ طَوِيْلَةٌ، مَا بَيْنَ ارْتفَاعٍ وَانخفَاضٍ.
وَكَانَ قَلِيْلَ البَخْتِ بَطَلاً شُجَاعاً مَهِيْباً شَدِيدَ البَطشِ، مَلِيْحَ الشَّكلِ، كَانَ فِي خدمَة أَخِيْهِ الأَشْرَف، فَلَمَّا مَاتَ الأَشْرَف، تَوثَّبَ عَلَى دِمَشْقَ، وَتَملَّكَ، فَجَاءَ أَخُوْهُ السُّلْطَان الملكُ الكَامِلُ، وَحَاصَرَهُ، وَأَخَذَ مِنْهُ دِمَشْقَ، وَرَدَّهُ إِلَى بَعْلَبَكَّ. فَلَمَّا مَاتَ الكَامِلُ، وَتَمَلَّكَ الجَوَادُ ثُمَّ الصَّالِحُ نَجْمُ الدِّيْنِ، وَسَارَ نَجْمُ الدِّيْنِ يَقصِدُ مِصْرَ، هجمَ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيْلُ بِإِعَانَةِ صَاحِبِ حِمْصَ المُجَاهِد، فَتَمَلَّكَ دِمَشْقَ ثَانِياً فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ، فَبقِيَ بِهَا إِلَى سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ، وَحَارَبَهُ الصَّالِحُ بِالخُوَارِزْمِيَّةِ، وَاسْتعَانَ هُوَ بِالفِرَنْجِ، وَبَذَلَ لَهُم الشَّقِيْفَ وَغَيْرَهَا فَمُقِتَ لِذَلِكَ. وَكَانَ فِيْهِ جور. وَاسْتقضَى عَلَى النَّاسِ الرَّفِيْعَ الجِيْلِيَّ، وَتَضَرَّرَ الرعية دمشق فِي حِصَارِ الخُوَارِزْمِيَّةِ حَتَّى أُبيع الخُبز رِطل بِسِتَّةِ دَرَاهِم، وَالجبن وَاللَّحْم بِنسبَة ذَلِكَ، وَأَكلُوا المَيْتَةَ، وَوَقَعَ فِيهِم وَبَاء شَدِيد.
قَالَ المُؤَيَّدُ فِي "تَارِيْخِهِ": سَارَ الصَّالِحُ نَجْمُ الدِّيْنِ مِنْ دِمَشْقَ ليَأْخُذَ مِصْرَ، فَفَرّ إِلَيْهِ عَسْكَر مِنَ المصريين، وكان استتاب بِدِمَشْقَ وَلدَهُ المُغِيْث عُمَر، وَكَاتَبَ عَمَّهُ إِسْمَاعِيْل يَسْتَدعيه مِنْ بَعْلَبَكَّ، فَاعْتذَرَ وَأَظهَرَ أَنَّهُ مَعَهُ، وَهُوَ عَمَّال فِي السرِّ عَلَى دِمَشْقَ، وَفَهِم ذَلِكَ نَجْمُ الدِّيْنِ أَيُّوْب، فَبَعَثَ طَبِيْبَهُ سَعْد الدِّيْنِ إِلَى بَعْلَبَكَّ متفرِّجاً، وَبَعَثَ مَعَهُ قَفَص حمام نابلسي، ليبطق إِلَيْهِ بِأَخْبَار إِسْمَاعِيْل فَعَلِمَ إِسْمَاعِيْل بِمجيئِهِ، فَاسْتحضَرَهُ وَاحْتَرَمه، وَاختلس الحَمَامَ مِنَ القَفَصِ، وَوَضَعَ مَكَانهَا مِنْ حمَام بَعْلَبَكَّ، ثُمَّ صَارَ الطَّبِيْب يُبْطق: إِنَّ عَمّك قَدْ جمع وَعَزَمَ(16/131)
عَلَى قصد دِمَشْق، فَيُرسل الطَّير، فَيقع فِي الحَال بِالقَلْعَة، وَيقرأُ ذَلِكَ إِسْمَاعِيْل، ثُمَّ يَكتب عَلَى لِسَانِ الطَّبِيْب: إِن عَمّك قَدْ جمع ليُعَاضِدَك وَهُوَ قَادِمٌ إِلَيْكَ، وَيُرسل ذَلِكَ مَعَ طيرٍ نَابُلُسِيٍّ فَيفرح نَجْم الدِّيْنِ وَيَعرِضُ عَنْ مَا يَسْمَع، إِلَى أَنْ رَاحت مِنْهُ دِمَشْق. وَأَمَّا الصَّالِح إِسْمَاعِيْل فَترك دِمَشْق بَعْد ذَاكَ الحصَار الطَّوِيْل، وَقنع بِبَعْلَبَكَّ.
وَفِي "مُعْجَمِ" القُوْصِيِّ فِي تَرْجَمَة الأَشْرَاف: فَأَخُوْهُ إِسْمَاعِيْل نَصَرَ الكَافِرِيْنَ وَسلَّم إِلَيْهِم القِلاع، وَاسْتَوْلَى عَلَى دِمَشْقَ سرقَةً، وَحَنَثَ فِي يَمِيْنه، وَقَتَلَ مِنَ المُلُوْك وَالأُمَرَاء مَنْ كَانَ يَنفع فِي الجِهَادِ، وَصَادَرَ عَلَى يَدِ قُضَاتِهِ العِبَاد، وَخَرَّبَ الأَملاَك، وَطَوَّلَ ذَيلَ الظُّلم، وَقَصَّر ذَيلَ العَدْلِ، وَظَنَّ أَنَّ الفَلَك لَهُ مُسْتمِر، فَسَقَطَ الدَّهْر لِغَفْلَتِه، وَأَرَاهُ بَلاَيَا ... ، وَطَوَّل القُوْصِيُّ.
ثُمَّ ذَهَبت مِنْهُ بَعْلَبَكَّ وَبُصْرَى، وَتلاشَى أَمرُه، فَمَضَى إِلَى حَلَب، وَافداً عَلَى ابْنِ ابْنِ أُخْتِه، وَصَارَ مِنْ أُمَرَائِهِ، وَأَتَى بِهِ فَتملّكُوا دِمَشْق، فَلَمَّا سَارُوا ليَأْخذُوا مِصْرَ غُلِبَ الشَّامِيُّوْنَ، وَأُسِرَ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم المَلِك الصَّالِح، في سنة ثمان وأربعين، فسجن القاهرة، وَمَرُّوا بِهِ عَلَى تُربَة السُّلْطَان نَجْم الدِّيْنِ أَيُّوْب فَصَاحت البَحْرِيَّةُ يَا خَوَنْد أَيْنَ عينُك تَنظر إِلَى عَدوك?!
قَالَ الخَضِرُ بنُ حَمُّوَيْه: وَفِي سَلْخِ ذِي القَعْدَةِ مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ أَخرجُوا الصَّالِح ليلاً، وَمَضَوْا بِهِ إِلَى الْجَبَل، فَقتلُوْهُ، وَعُفِيَ أَثرُهُ.
قُلْتُ: كُفِّر عَنْهُ بِالقتل.
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: لَمَّا أَتَوا بِالصَّالِح بُكْرَة الوَاقعَة، أُوْقِف إِلَى جَانبِ المُعِزِّ، فَقَالَ لِحُسَامِ الدِّيْنِ ابْن أَبِي عَلِيٍّ: يَا خَوَنْد، أَمَا تُسَلِّم عَلَى المَوْلَى الْملك الصَّالِح?! قَالَ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ، وَسَلَّمتُ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: رَأَيْتُ الصَّالِح يَوْم دُخُوْل الجَيْش مَنْصُوْرِيْنَ وَهُوَ بَيْنَ يدي المعز، فحكى لي أن ابْنُ أَبِي عَلِيٍّ قَالَ: قُلْتُ لِلصَّالِحِ: هَلْ رَأَيْت القَاهِرَة قَبْل اليَوْم? قَالَ: نَعَمْ، وَأَنَا صَبِيٌّ، ثُمَّ اعتقلُوْهُ أَيَّاماً، فَقِيْلَ: خنقوهُ كَمَا خَنَقَ الجَوَاد.
وَكَانَ مَلِكاً شَهْماً، مُحْسِناً إِلَى جُنْدِه، كَثِيْرَ التَّجَمُّل، وَكَانَ أَبُوْهُ العَادل يُحبّ أن هَذَا، وَلَهَا تربَة وَمَدْرَسَة بِدِمَشْقَ.
وَمِنْ أَوْلاَده: الملكُ المَنْصُوْر مَحْمُوْد الَّذِي سَلْطَنَهُ أَبُوْهُ بِدِمَشْقَ، وَالملك السَّعِيْد عَبْد المَلِكِ وَالِد الْملك الكَامِل، وَالملك المَسْعُوْد وَالِد صَاحِبنَا نَاصِر الدِّيْنِ.
وَوزر لَهُ أَمِيْنُ الدَّوْلَة أَبُو الحَسَنِ بنُ غَزَال السَّامرِيّ ثُمَّ المُسلمَانِيِّ الطَّبِيْب وَاقف أَمِينِية بَعْلَبَكَّ، وَكَانَ رقيقَ الدِّيْنِ، ظَلُوْماً، يَتَفَلْسَفُ، شُنِقَ بِمِصْرَ فِي هَذِهِ الفِتْنَة، وَتركَ أَمْوَالاً عَظِيْمَةً، وَمِنَ الكُتُبِ نَحْو عَشْرَة آلاَف مُجَلَّدٍ.(16/132)
5533- صاحب الروم:
السُّلْطَانُ المَلِكُ الغَالِب عِزُّ الدِّيْنِ كيكَاوس ابْنُ السلطان كيخسرو بن قِلْج رِسْلاَنَ السَّلْجُوْقِيُّ، التُّرُكْمَانِيُّ، القِتِلْمِشِيُّ، صَاحِب قُوْنِيَةَ وَأَقْصَرَا وَمَلَطْيَةَ.
وَهُوَ أَخُو السُّلْطَان كَيْقُبَاذ.
قَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: كَانَ جَبَّاراً، سَفَّاكاً لِلدِّمَاءِ، كَسَرَهُ الملكُ الأَشْرَف لَمَّا قَدِمَ ليَأْخذ حَلَب وَقتَ مَوْت الْملك الظَّاهِر غَازِي، فَاتَّهَم أُمَرَاءهُ أَنَّهُم مَا نصحُوا فِي القِتَال، وَكَذَا جَرَى فَسَلَق جَمَاعَة فِي الْقُدُور، وَحرَّق آخرِيْنَ، فَأَخَذَهُ الله فُجَاءةً وَهُوَ مَخْمُوْر، وَقِيْلَ: ابْتُلِي وَتَقطّع بدنُه. وَكَانَ أَخُوْهُ كَيْقُبَاذ فِي سجنه، فَأَخرجُوهُ وَملَّكوهُ. فِي شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقِيْلَ: هُوَ الَّذِي طَمَّعَ الفِرَنْجَ فِي دِمْيَاطَ.
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: لَمَّا قصد كيكَاوس حَلَب، أَشَارُوا عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعين بِالأَفْضَل صَاحِب سُمَيْسَاطَ، فَإِنَّهُ يَخطب لَكَ، فَطَلَبَهُ فَحَضَرَ فَاحْتَرَمه، وَاتَّفَقَ مَعَهُ عَلَى أَنَّ مَا تَملَّكَاهُ مِنْ حَلَب لِلأَفْضَل، ثُمَّ يَقصدَان حَرَّان، وَالرُّهَا وَغَيْرَهُمَا، فَتكُوْن لِكيكَاوس، وَتحَالفَا عَلَى ذَلِكَ فَملكَا أَوَّلاً قَلْعَة رعبان وتسلمها الأفضل، ونازلا تل باشر، فأخوها، فَلَمْ يُسلمهَا كيكَاوس لِلأَفْضَل، فَنفر مِنْهُ وَلَمْ يَثِق بِهِ، وَأنجدَ الأَشْرَف أَهْل حَلَب فِي عرب طَيء، وَكَاتَبَ كيكَاوس أُمَرَاء حَلَب وَاسْتمَالَهُم، وَانضمَّ إِلَى الأَشْرَف مَانِعٌ فِي عَرَبِ الشَّامِ.
قُلْتُ: مَانع هُوَ وَالِدُ جَدِّ مُهَنَّا بنِ عِيْسَى بنِ مُهَنَّا بنِ مَانِعٍ.
ثُمَّ أَخَذَ كيكَاوس مَنْبِج، فَوَقَعت الْعَرَب عَلَى مُقَدِّمَة كيكَاوس، فانهزم الرُّوْمِيُّوْنَ، فَطَار لُبُّ كيكَاوس، وَانْهَزَم، فَتبعه الأَشْرَف يَتخطَّف جُنْده وَاسْترد رعبَان وَتل بَاشر.
وَقِيْلَ: مَاتَ كيكَاوس بِالخوَانِيق، فِي سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وست مائة.(16/133)
5534- خوارزمشاه 1:
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ عَلاَءُ الدِّيْنِ خُوَارِزْمشَاه مُحَمَّدُ ابْنُ السُّلْطَانِ خُوَارِزْمشَاه إِيْل رِسْلاَن ابْنِ خُوَارِزْمشَاه أَتْسِزَ ابْنِ الأَمِيْرِ مُحَمَّدِ بنِ نُوشْتِكِيْن الخُوَارِزْمِيُّ.
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: نَسَبُ عَلاَء الدِّيْنِ يَنْتهِي إِلَى إِيلتَكين مَمْلُوْك السُّلْطَان أَلب أَرْسَلاَن بن جغرِيبك السَّلْجُوْقِيّ.
قُلْتُ: قَدْ سُقت مِنْ أَخْبَاره فِي "التَّارِيْخ الكَبِيْر" فِي الحوَادث، وَأَنَّهُ أَبَاد ملوكاً، وَاسْتَوْلَى عَلَى عِدَّة أَقَالِيم، وَخَضَعَت لَهُ الرِّقَاب، وَقَدْ حَارب الخَطَا غَيْرَ مَرَّةٍ، فَانْهَزَم جَيْشُهُ فِي نَوْبَة وَثبتَ هُوَ، فَأُسر هُوَ وَأَمِيْر؛ أَسَرَهُمَا خَطائِيّ، فَصَيَّرَ نَفْسَهُ مَمْلُوْكاً لِذَلِكَ الأَمِيْر، وَبَقِيَ يَقف فِي خِدْمَته، فَقَالَ الأَمِيْر لِلْخَطَائِيِّ: ابْعَثْ رَسُوْلَكَ مَعَ غُلاَمِي هَذَا إِلَى أَهْلِي لِيُرسلُوا مَالاً فِي فكَاكِي، فَفَعَل وَتَمَّت الحِيلَة، وعاد خوارزمشاه إلى ملكه، ثم عرف الخطَائِي فَسَارَ مَعَ ذَلِكَ الأَمِيْر إِلَى خدمَة السُّلْطَان فَأَكْرَمَه وَأَعْطَاهُ أَشيَاء.
قَالَ عِزّ الدِّيْنِ عَلِيّ ابْن الأَثِيْرِ: كَانَ صَبُوْراً عَلَى التَّعب وَإِدمَان السَّير، غَيْر مُتَنَعِّم وَلاَ مُتَلَذِّذٍ، إِنَّمَا نَهمَته الْملك، وَكَانَ فَاضِلاً، عَالِماً بِالفِقْه وَالأُصُوْل، مُكرِماً لِلْعُلَمَاء يُحبّ منَاظرتهُم، وَيَتبرّك بِأَهْلِ الدِّيْنِ، قَالَ لِي خَادم الحُجْرَة النَّبويَّةِ: أَتيتُه فَاعْتنقنِي، وَمَشَى لِي وَقَالَ: أَنْتَ تخْدم حُجْرَة النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ? قُلْتُ: نَعم، فَأَخَذَ يَدِي وَأَمَرَّهَا عَلَى وَجهه، وَأَعْطَانِي جُمْلَةً.
قَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: أَفنَى مُلُوْكَ خُرَاسَان وَمَا وَرَاء النَّهْر، وَأَخلَى البِلاَد وَاسْتقلَّ بِهَا فَكَانَ سَبَباً لِهَلاَكه، وَلَمَّا نَزل هَمَذَانَ كَاتَبَ ابْنُ القُمِّيّ نَائِبُ الوزَارَة أُمَرَاءهُ وَوعدَهُم بِالبِلاَد، فَرَامُوا قَتله، فَعرفَ وَسَارَ إِلَى مَرْو وَكَانَ مَعَهُ مِنَ الخَطَا سَبْعُوْنَ أَلْفاً، وَكَانَ خَاله مِنْهُم، فَنمَّ عَلَيْهِ فَاخْتَفَى فَنهبُوا خَزَائِنه، فَيُقَالُ: كَانَ فِيْهَا عشرة آلاف ألف دِيْنَار، وَلَهُ عَشْرَة آلاَف مَمْلُوْك، فَرَكِبَ إِلَى جَزِيْرَةٍ هَارباً.
قُلْتُ: تَسَلَّطن فِي سَنَةِ 596.
وَقَالَ المُوَفَّقُ: كَانَ أَبُوْهُ تِكش أَعْوَر قمِيئاً، كَثِيْر اللّعب بِالملاَهِي، بَعَثَ بِرَأْس طُغْرِل إِلَى بَغْدَادَ، وَطلب السّلطنَة، فَتحركت الخَطَا، فَاحتَاج أَنْ يَرِدَ خُوَارِزْمَ، فَتولَّى بَعْدَهُ ابْنه مُحَمَّد، وَكَانَ مُحَمَّدٌ شُجَاعاً، شَهْماً، مغوَاراً، غَزاءً، سعيداً، يَقطع المسَافَات الشاسعة بسرعة، وكان
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 248".(16/134)
هجامًا، فَاتكاً، أُتِيَ بِرَأْس أَخِيْهِ فَلَمْ يَكترث، وَكَانَ قَلِيْلَ النّوم، طَوِيْل النّصب، يَخدم أَصْحَابه، وَيَحرس، وَثيَابه وَعِدَّة فَرسه لاَ تَبلغ دِيْنَاراً، وَكَانَ كَثِيْرَ الإِنفَاق، لَهُ مُشَاركَة لِلْعُلَمَاء، صَحِبَ الفَخْر الرَّازِيّ قَبْل المُلْكِ، وَلَكِنَّهُ أَفسده العُجْب، وَالثِّقَة بِالسَّلاَمَة، وَاسْتهَانَ بِالأَعْدَاء، وَكَانَ يَقُوْلُ: "مُحَمَّدٌ يَنْصر دِينَ مُحَمَّدٍ"، قطع خُطبَة الخَلِيْفَة وَجَاهر، وَأَرَادَ أن يشتبه بِالإِسْكَنْدَر، وَأَيْنَ الوَلِيّ مِنْ رَجُلٍ تُركِيّ، فُكُلُّ ملك لاَ يَكُوْن قصدهُ إِقَامَة الحَقّ فَهُوَ وَشيك الزّوَال، جَاهر هَذَا أُمَّة الخَطَا، فَنَازلهُم بِأُمَّة التّتر وَاسْتَأْصلهُم إلَّا مَنْ خدم مَعَهُ، ثُمَّ انْتقل إِلَى التّتر.
ثُمَّ ذَكَرَ المُوَفَّق أَشيَاء، وَقَالَ: فَكَانَتْ بلاَد مَا وَرَاء النَّهْر فِي طَاعَة الخَطَا، وَمُلُوْك بُخَارَى وَسَمَرْقَنْد يُؤدُّوْنَ الأَتَاوَة إِلَى الخَطَا، وَكَانَتْ هَذِهِ الأُمَمُ سَدّاً بَيْنَ تُرك الصّين وَبيننَا، فَفَتَحَ هَذَا السَّد الْوَثِيق وَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَنْ يُقَاوِمُه، فَانْتقلَ إِلَى كِرْمَان، ثُمَّ العِرَاق، ثُمَّ أَذْرَبِيْجَان، وَطمع فِي الشَّام وَمِصْر، وَكَانَ عَلَيْهِ سهلاً لَوْ قدّر. بَات صَاحِب حَلَب ليله مَهْمُوْماً لما اتَّصل بِهِ مِنْ أَخْبَار هَذَا وَطمعه فِي الشَّام، وَقِيْلَ عَنْهُ: إِنَّهُ يَبْقَى أَرْبَعَة أَيَّام عَلَى ظَهْرِ فَرسه لاَ يَنْزِل إِنَّمَا يَنْتقل مِنْ فَرَس إِلَى فَرَس وَيطوِي البِلاَد ويهجم المدينة في نفر يسير، ثم يصحبه من عسكره عشر آلاَف وَيُمسِّيه عِشْرُوْنَ أَلْفاً، وَرُبَّمَا هَجَمَ البَلَد فِي مائَة، فَيقضِي الشُّغل قَبْلُ. قتل عِدَّة مُلُوْك، وَإِنَّمَا أَخْذُه البِلاَد بِالرُّعْبِ وَالهَيْبَةِ. وَبعد موت الظاهر غازي جاء رَسُوْله إِلَى حَلَب، فَقَالَ: سُلْطَانُ السَّلاَطِيْن يُسلِّم عَلَيْكُم وَيَعتب إِذْ لَمْ تُهنِّئوهُ بِفَتح العِرَاق وَأَذْرَبِيْجَان، وَإِنَّ عدد جَيْشه سَبْعُ مائَةِ أَلْفٍ، ثُمَّ تَوجّه رَسُوْله إِلَى العَادل بِدِمَشْقَ يَقُوْلُ: تعَالَ إِلَى الخدمَة فَقَدِ ارْتضينَاك أَنْ تَكُوْن مقدم الركاب! فبقي الناس يهرؤون مِنْهُ. وَسَمِعنَا أَنَّهُ جَعَلَ صَاحِب الرُّوْم أَمِيْر عَلَم لَهُ وَالخَلِيْفَة خَطِيْباً لَهُ! وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَة أَوْلاَد: جَلاَل الدِّيْنِ الَّذِي قَامَ بَعْدَهُ، وَغِيَاث الدِّيْنِ تترشَاه، وَقُطْب الدِّيْنِ أَزلاغ، وَرُكْن الدِّيْنِ غُورشَاه يَحْيَى، وَكَانَ أَحْسَنهُم، وَضُربت النَّوبَة بِأَمره لَهُم فِي أَوقَات الصَّلَوَات الخَمْس، عَلَى عَادَة المُلُوْك السَّلْجُوْقيَّة، وَانْفَرَدَ هُوَ بنَوْبَة الإِسْكَنْدَر، فَيَضرب وَقت المَطْلع وَالمَغِيب، وَكَانَتْ سَبْعاً وَعِشْرِيْنَ دبدبَة مِنَ الذّهب الْمُرَصَّع بِالجَوْهَر. وَأَمَّا المُلُوْك الَّذِيْنَ كَانُوا فِي خِدْمَته فَكَانَ يُذلهم وَيُهينهُم، وجعلهم يضربون به طبُول الذَّهَب. ثُمَّ إِنَّهُ نَزل بِهَمَذَانَ وَانتشرت جُمُوْعه، فَاختلت عَلَيْهِ بلاَد مَا وَرَاء النَّهْر، فَرَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَهْلكهُم الثَّلج، وَلَمَّا أَبَاد أُمَّتَيّ الخَطَا وَالتَّتَر وَهُم أَصْحَاب تُركستَان وَجَنْد وَتَنْكُت ظَهرت أُمَّة يُسَمَّوْنَ التّتر أَيْضاً، وَهُم صنفَان، وَطمعُوا فِي البِلاَد، فَجمعَ، وَعَزَمَ عَلَى لقائهم، فوقع جنكزخان رَأْس الطمغَاجيَّة عَلَى كَمِينه، فَطَحنوهُ، وَانْهَزَم جَلاَل الدِّيْنِ ابْنه إِلَيْهِ، وَخيل إِلَيْهِ تَعس الجدّ أَنَّ فِي أُمَرَائِهِ مُخَامِرِيْنَ، فَمسَّكهُم، وَضربَ مَعَ التَّتَار مَصَافّاً بَعْد آخر،(16/135)
فَتطحطح، وَردّ إِلَى بُخَارَى مُنْهَزِماً. ثُمَّ جَاءَ مِنْ بُخَارَى ليجْمَع العَسَاكِر بِنَيْسَابُوْرَ، فَأَخَذت التَّتَار بُخَارَى، وَهجمُوا خُرَاسَان، فَفَرَّ، فَمَا وَصلَ إِلَى الرَّيِّ إلَّا وَطلاَئِعُهُم عَلَى رَأْسه، فَانْهَزَم إِلَى قَلْعَة بَرَجِيْنَ، وَمَعَهُ ثَلاَث مائَة فَارِس عُرَاة مضهم الجوع فاستطعموا من أكراد فلم يَحتفلُوا بِهِم، ثُمَّ أَعْطوهُم شَاتين وَقصعتِي لَبَن، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى نهَاوَنْد، ثُمَّ إِلَى مَازِندرَان وَقعقعَة سلاَحهُم قَدْ ملأَت سَمْعَهُ وَبصره، فَنَزَلَ بِبحيرَة هُنَاكَ فَانسَهَلَ، وَطَلَبَ دوَاءً، فَأَعوزه الخُبز، وَمَاتَ.
وَقِيْلَ: كَانَ عِدَّة جَيْشه فِي الدِّيْوَان ثَلاَث مائَة أَلْف فَارِس، وَقِيْلَ: إِنَّهُ اسْتولَى عَلَى نَحْو أَرْبَع مائَة مدينَة، وَكَانَتْ أُمُّه تُرْكَانُ فِي عظمَةٍ مَا سُمِعَ قَطُّ بِمِثْلِهَا، وفي جبروت، فأسرها جنكزخان، وَذَاقت ذُلاًّ وَجُوعاً، وَفِي الآخَرِ دَاخَلَهُ رُعب زَائِد مِنَ التَّتَارِ، كَبَسَهُ التَّتَار، فَبَادر إِلَى مركب فَوَقَعت عِنْدَهُ سهَامهُم وَخَاضُوا فَمَا قدرُوا، وَكَانَ هُوَ فِي علَّة ذَات الْجنب:
أَتَتْهُ المَنِيَّةُ مُغْتَاظَةً ... وَسَلَّتْ عَلَيْهِ حُسَاماً ثَقِيلا
فَلَمْ تُغْنِ عَنْهُ حُمَاةُ الرِّجَالِ ... وَلَمْ يُجْدِ فِيل عَلَيْهِ فَتِيلا
كَذَلِكَ يُفْعَلُ بِالشَّامِتِينَ ... وَيُفْنِيهِمُ الدَّهْرُ جيلاً فَجِيلا
مَاتَ فِي الجَزِيْرَةِ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكُفِّن فِي عِمَامَةٍ لفِرَّاشِهِ.
وَكَانَتْ أُمُّه تُجيد الخَطَّ، وَتُعَلِّم، اعْتَصَمْت بِاللهِ وَحْدَه، وَحُكمهَا يُسَاوِي حكم ابْنهَا، فَمنْ أَلْقَابِهَا: عِصْمَةُ الدُّنْيَا وَالدِّيْنِ أَلْغِ تُرْكَان سَيِّدَةُ نِسَاء العَالِمِينَ. وَكَانَتْ سَفَّاكَةً لِلدّمَاء وَهِيَ مِنْ بنَات مُلُوْك التُّرك، وَلَهَا مِنَ الأَمْوَال وَالجَوَاهِر مَا يَقصر الوَصْف عَنْهُ، فَأخذت التَّتَار الجَمِيْع، وَمِمَّا أخذُوا لابنهَا صُنْدُوْقين كَانَ هُوَ يَقُوْلُ: فِيْهِمَا ما يساوي خراج الأرض.(16/136)
5535- فتيان 1:
الأَدِيْبُ الأَوْحَدُ شَاعِرُ دِمَشْقَ شِهَابُ الدِّيْنِ فِتْيَانُ بن علي بن فتيان الدمشقي الشاغوري.
حَدَّثَ عَنِ: الحَافِظِ أَبِي القَاسِمِ ابْنِ عَسَاكِرَ.
رَوَى عَنْهُ: القُوْصِيُّ، وَاليَلْدَانِيُّ، وَبِالإِجَازَةِ عُمَرُ ابْنُ القَوَّاسِ.
وَكَانَ حَنَفِيّاً، أَدَّبَ بَعْضَ أَوْلاَد المُلُوْك، وَمَدَحَ الكِبَارَ.
وَمَاتَ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَهُوَ القَائِلُ:
قَدْ أَجْمَدَ الخَمْرَ كَانُوْنٌ بِكُلِّ قَدَحْ ... وَأَخْمَدَ الجَمْرَ فِي الكَانُوْنِ حِيْنَ قَدَحْ
يَا جَنَّةَ الزَّبَدَانِي أَنْتِ مُسْفِرَةٌ ... بِحُسْنِ وَجْهٍ إِذَا وَجْهُ الزَّمَانِ كَلَحْ
فَالثَّلجُ قُطْنٌ عَلَيْكِ السُّحب تَنْدِفُهُ ... وَالجَوُّ يَحْلُجُهُ وَالقَوْسُ قَوْسُ قُزَحْ
وَلَهُ مِنْ قصيدَةٍ طَوِيْلَةٍ بَدِيْعَةٍ:
يَا رُبَّ بِيضٍ سَلَلْنَ البِيضَ مِنْ حَدَقٍ ... سُودٍ وَمِسْنَ كَأَعْطَافِ القَنَا الذُّبُلِ
هِيفِ الخُصُوْرِ نَقِيَّاتِ الثُّغُوْرِ أَثِيـ ... ـثَاتِ الشُّعُورِ هَجَرْنَ الكُحْلَ لِلْكَحَلِ
مِثْلَ الشُّمُوسِ انْجَلَى عَنْهَا الغَمَامُ إذا ... غازلننا من وراء السجف والكلل
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 526"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 226"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 63، 64".(16/136)
السامري، العماد ابن عساكر:
5536- السامري 1:
شَيْخُ الحَنَابِلَةِ قَاضِي سَامرَّاءَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِدْرِيْسَ بنِ سُنَيْنَةَ السَّامَرِّيُّ، صَاحِبُ "المُسْتوعِبِ".
مِنْ كِبَارِ الفُقَهَاءِ، صَنَّفَ، وَأَشغلَ. وَسَمِعَ مِنْ أَبِي الفَتْحِ ابْنِ البَطِّيِّ، لَكِنْ لَمْ يَرْوِ شَيْئاً، وَلِيَ قَضَاءَ سَامرَّاءَ مُدَّةً، وَتَركَهُ.
مَاتَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ إِحْدَى وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
5537- العِمَادُ ابْنُ عَسَاكِرَ 2:
الحَافِظُ المُفِيْدُ المُحَدِّثُ عِمَادُ الدِّيْنِ أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ ابْنُ الحَافِظِ بَهَاءِ الدِّيْنِ القَاسِمِ ابْنِ الحَافِظِ الكَبِيْرِ أَبِي القَاسِمِ ابْنِ عَسَاكِرَ الدِّمَشْقِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
ولد سنة إحدى وثمانين.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 70، 71".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 246"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 69، 70".(16/137)
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ الخِرَقِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ الجَنْزَوِيِّ، وَالأَثِيْرِ بنِ بُنَان، وَالمُؤَيَّدِ الطُّوْسِيِّ، وَعَبْدِ المُعِزِّ الهَرَوِيِّ. وَارْتَحَلَ إِلَى العِرَاقِ وَإِلَى خُرَاسَانَ، وَعُنِيَ بِالحَدِيْثِ، وَخَرَّجَ "المَشْيَخَة" لأَبِي اليُمْنِ الكِنْدِيِّ، وَكَانَ مُجدّاً فِي الطَّلَبِ، أَدْرَكَهُ الأَجَلُ بعد عوده من خراسان؛ خَرَجتْ عَلَيْهِ حَرَامِيَّةٌ وَجُرِحَ وَمَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ بِبَغْدَادَ.
وَأَقَامَ بِخُرَاسَانَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، وَقَدْ خَرَّجَ "الأَرْبَعِيْنَ" لِنَفْسِهِ، وَحَدَّثَ بِهَا سَنَة سِتِّ مائَةٍ.
سَمِعَ مِنْهُ: تَاجُ الأُمَنَاءِ، وَأَخُوْهُ؛ الفَقِيْهُ فَخْرُ الدين عبد الرحمن، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالتَّاجُ ابْنُ القُرْطُبِيِّ، وَقَدْ رَثَاهُ العِزُّ النَّسَّابَةُ بِأَبيَاتٍ مِنْهَا:
صَاحِبِي هَذِهِ دِيَارُ سُعَادٍ ... فَتَرَفَّقْ وَمُنَّ بِالإِسْعَادِ
عُجْ عَلَيْهَا نَقْضِي لبَانَاتِ قَلْـ ... ـبٍ مُسْتَهَامٍ أَصْمَاهُ حُبُّ سُعَادِ
قَرَأْتُ بِخَطِّ عُمَرَ بنِ الحَاجِبِ: سَأَلتُ العِزَّ ابْن عَسَاكِرَ عَنِ العِمَادِ، فَقَالَ: كَانَ يَتشيَّعُ، وَكُنْت أَنقمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلاَ جَرَمَ أَنَّهُ قُصِفَ.
قُلْتُ: عَاشَ خَمْساً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، رَحِمَهُ اللهُ، وَسَامَحَهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَسَاكِرَ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا أَخِي عَبْدُ المَلِكِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِيْهِ الحَسَنِ بِحَدِيْثٍ مِنْ "صَحِيْحِ البُخَارِيِّ".(16/138)
5538- صاحب حماة 1:
المَلِكُ المَنْصُوْرُ نَاصِرُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ ابْنُ المَلِكِ المظفر تقي الدين عمر ابن شاهنشاه بن أيوب بن شاذي صاحب حماة، وَأَبُو مُلُوكِهَا.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي الطَّاهِر بنِ عوف بالثغر مع عمر أَبِيْهِ صَلاَحِ الدِّيْنِ، وَأَلَّفَ "تَارِيخاً" كَبِيْراً فِي مُجَلَّدَات. وَكَانَ شُجَاعاً، مُحِبّاً لِلْعُلَمَاءِ يُقَرِّبُهُم وَيعْطِيهِم.
رَوَى عَنْهُ القُوْصِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَكَانَتْ دَوْلَته ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَقَدْ هَزَمَ الفِرَنْجَ مَرَّتَيْنِ، وَكَانَ زوج بِنْت السُّلْطَان الْملك العَادل، وَجَاءته مِنْهَا أَوْلاَده، وَمَاتَتْ، فَبَالغَ فِي حُزنه عَلَيْهَا، حَتَّى إِنَّهُ لَبِسَ عِمَامَةً زَرقَاءَ.
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: وَلَمَّا وَرد السَّيْف الآمِدِيّ حَمَاةَ، بَالغَ فِي إكرامه، واشتغل عليه، وألف "طبقات الشعراء"، وكاتب "مِضْمَارِ الحَقَائِقِ" نَحْوَ عِشْرِيْنَ مُجَلَّدَةً، وَجَمَعَ فِي خزائنه مِنَ الكُتُبِ مَا لاَ مَزِيدَ عَلَيْهِ، وَكَانَ فِي خِدْمَتِه مَا يُنَاهزُ مائَتَي مُعَمَّمٍ مِنَ الفُقَهَاءِ وَالأُدَبَاءِ وَالنُّحَاةِ وَالمُنَجِّمِينَ وَالفَلاَسِفَةِ وَالكَتَبَةِ، وَكَانَ كَثِيْرَ المُطَالَعَةِ وَالبحث. بَنَى سوراً لِحَمَاةَ وَلِقَلعَتِهَا، وَكَانَ مَوْكِبُه جَلِيْلاً تُجْذَبُ بَيْنَ يَدَيْهِ السُّيوفُ الكَثِيْرَةُ، يُضَاهِي مَوْكِبَ عَمِّه العَادِلِ. وَجُمِعَ نَظْمُهُ فِي "دِيْوَانٍ"، ثُمَّ أَوْرَد مِنْهُ ابْن وَاصِلٍ قَصَائِدَ جَيِّدَةً.
مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَتَمَلَّكَ بَعْدَهُ ابْنُه قِلْج رِسْلاَنَ تِسْعَةَ أَعْوَامٍ، وَتَلقَّبَ بِالملكِ النَّاصِرِ. وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ المَلِكِ المُعَظَّمِ، فَعَزَلَهُ الكَامِلُ وَوَلَّى أَخَاهُ المَلِكَ المُظَفَّر، وَسَجَنَ قِلْجَ رِسْلاَنَ حتى مات بمصر.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 250"، وشذرات الذهب "5/ 77، 78".(16/138)
الصلاح، ابن وهبان:
5539- الصلاح:
العلامة المفتي صلاح الدين عبد الرحمن بنُ عُثْمَانَ بنِ مُوْسَى الكُرْدِيُّ، الشَّهْرُزُوْرِيُّ، الشَّافِعِيُّ، وَالِدُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّيْنِ أَبِي عَمْرٍو بنِ الصَّلاَحِ.
تَفقَّهَ عَلَى أَبِي سَعْدٍ بنِ أَبِي عَصْرُوْنَ، وَغَيْرِهِ، وَبَرَعَ، وَدرَّسَ بِالأَسَدِيَّةِ بِحَلَبَ.
تَفقَّه بِهِ وَلدُهُ، وَغَيْرُهُ.
مَاتَ بِحَلَبَ، فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ بضع وستين سنة.
5540- ابن وهبان 1:
الإِمَامُ الحَافِظُ المُفِيْدُ الفَقِيْهُ الشَّاعِرُ أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ النَّفِيْسِ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ وَهْبَانَ السُّلَمِيُّ، الحَدِيْثِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ.
سَمِعَ: أَبَا الفَتْحِ بنَ شَاتيلَ، وَنَصْرَ اللهِ القَزَّازَ، وَفَارِساً الحَفَّارَ، وَأَبَا الفَتْحِ المَنْدَائِيَّ، وَالمُؤَيَّدَ الطُّوْسِيَّ، وَأَبَا رَوْحٍ، وَأَبَا اليُمْنِ الكِنْدِيَّ، وَبِمِصْرَ وَأَصْبَهَانَ، وَخُرَاسَانَ.
رَوَى عَنْهُ أَبُو مُحَمَّدٍ المُنْذِرِيُّ، وَقَالَ: كَانَ حَادَّ القَرِيْحَةِ، فَقِيْهاً، أَدِيْباً، شَاعِراً، وُلِدَ بحدثة النورة، بقرب هيت.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ حَافِظاً، ثِقَةً، مُتْقِناً، ظَرِيْفاً، كَيِّساً، مُتَوَاضِعاً، لَهُ النَّظمُ وَالنَّثرُ، اصطَحَبْنَا مُدَّةً، وَأَفَادَنِي الكَثِيْرَ، سَكَنَ خُوَارِزْمَ إِلَى أَنْ أَحرَقَهَا التَّتَارُ، وَعُدِمَ خَبَرُهُ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، كَتَبْتُ عَنْهُ بِمَرْو، وَمَوْلِدُهُ سَنَةَ سَبْعِيْنَ.
قُلْتُ: وَفِي سَنَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ أَسرتِ التَّتَارُ الحَافِظَ المُفِيْدَ عَبْدَ العَزِيْزِ بنَ عَبْدِ المَلِكِ بنِ تَمِيْمٍ الشَّيْبَانِيَّ الدِّمَشْقِيَّ أَحَدَ الطَّلَبَةِ المشهورين، وعدم خبره.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 80، 81".(16/139)
ياقوت، موسى:
5541- ياقوت 1:
الكبير صَاحِبُ الخطِّ الفَائِقِ أَمِيْنُ الدِّيْنِ المَوْصِلِيُّ المَلِكِيُّ مِنْ مَوَالِي السُّلْطَانِ مَلِكْشَاه بنِ سَلْجُوْقِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَلِكْشَاه السَّلْجُوْقِيُّ.
بَرَعَ فِي العَرَبِيَّة، وَتَقدَّمَ فِيْهَا، وَانْتَهَى إِلَيْهِ حُسن الكِتَابَةِ، نَسَخَ بِـ "الصِّحَاح" عِدَّة نُسَخٍ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ أَوْلاَد الرؤساء، ثم شاخ، وتغير خطه.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: لَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ مَنْ يُؤَدِّي طَرِيقَةَ ابْنِ البَوَّابِ مِثْلَهُ.
مَاتَ بِالمَوْصِلِ، فِي سَنَةِ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، ومدحه النجيب الواسطي بقصيدة.
5542- موسى 2:
ابْنُ الشَّيْخِ الإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ القَادِرِ بن أَبِي صَالِحٍ الجِيْلِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، ضِيَاء الدِّيْنِ، أَبُو نَصْرٍ، نَزِيْلُ دمشق.
ولد في ربيع الأول، تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي القَاسِمِ ابْنِ البَنَّاءِ، وَأَبِي الوَقْتِ السِّجْزِيِّ، وَأَبِي الفَتْحِ ابْنِ البَطِّيِّ، وَكَانَ يَسكُنُ بِالعُقَيْبَةِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَعُمَرُ بنُ الحَاجِبِ، وَالسَّيْفُ أَحْمَدُ بنُ المَجْدِ، وَالقُوْصِيُّ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَالتَّقِيُّ ابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَالشَّمْسُ ابْنُ الكَمَالِ، وَأَبُو بَكْرٍ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ، وَأَحْمَدُ بن علي بن سبط الحَقِّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ نُوْرٍ، وَالصَّفِيُّ إِسْحَاقُ الشَّقْرَاوِيُّ، وَيُوْسُفُ الغَسُوْلِيُّ، وَالعِزُّ أَحْمَدُ بنُ العِمَادِ، وَالعِمَادُ عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَخَلْقٌ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَتَبْتُ عَنْهُ بِدِمَشْقَ، وَكَانَ مَطْبُوْعاً لاَ بَأْسَ بِهِ، إلَّا أَنَّهُ كَانَ خَالياً مِنَ العلم.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: كَانَ ظرِيفاً، رَقَّ حاله، استولى عَلَيْهِ المَرضُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، أَوَّلَ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكَانَ آخِرَ أَوْلاَدِ أبيه وفاة، وكان يرمى برذائل لا تلقي بِمِثْلِهِ، قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ البِرْزَالِيُّ: عِنْدَهُ دُعَابَةٌ.
قُلْتُ: سَمِعْتُ مِنْ طَرِيقِه المُنْتَقَى مِنْ أَجزَاءِ "المُخَلِّصِ"، وَالثَّانِي مِنْ "حَدِيْثِ زغبَةَ"، وَمُنتقَى مِنْ "مُسْنَدِ عَبْدِ بنِ حُمَيْدٍ"، وَ"جزء أبي الجهم".
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "6/ ترجمته 788"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 283".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 252"، وشذرات الذهب "5/ 82، 83".(16/140)
5543- ابن طاووس 1:
الشَّيْخُ المُعَمَّرُ المُسْنِدُ الأَمِيْنُ سَدِيْدُ الدِّيْنِ أَبُو مُحَمَّدٍ هِبَةُ اللهِ بنُ أَبِي طَالِبٍ الخَضِرِ بنِ هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاوُوْسٍ البَغْدَادِيُّ الأَصْلِ، الدِّمَشْقِيُّ.
مِنْ بيت العلم والرواية.
ولد سن سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ. وَسَمِعَ فِي الخَامِسَة مِنَ: الفَقِيْهِ نَصْرِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ المَصِّيْصِيِّ.
وَسَمِعَ مِنْ: نَاصِرِ بنِ مُحَمَّدٍ القُرَشِيِّ، وَالخَضِرِ بنِ عَبْدَانَ، وَعَلِيِّ بنِ سُلَيْمَانَ المُرَادِيِّ، وَنَصْرِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُقَاتِلٍ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ البُنِّ، وَأَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ ارْتَحَلَ إِلَيْهِ.
وَكَانَ عَسِراً فِي الرِّوَايَة، لاَ يُحَدِّثُ إلَّا مِنِ أصلٍ، وَكَانَ كَثِيْرَ التِّلاَوَةِ، ولم يكن يدري فن الحديث.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْن النَّجَّارِ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ النُّشبِيُّ، وَالعِمَادُ مُحَمَّدُ بنُ صَصْرَى، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَطَائِفَةٌ.
وَسَمِعْنَا بِإِجَازَتِهِ مِنْ أَبِي حَفْصٍ ابْنِ القَوَّاسِ.
مَاتَ فِي سَابِعِ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَمَانِ عشرة وست مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 252"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 83".(16/141)
أخوه، ثابت بن مشرف:
5544- أَخُوْهُ 1:
الشَّيْخُ أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ الخَضِرِ الصُّوْفِيُّ.
سَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَحَمْزَةَ بنِ كَرَوَّس، وَابْنِ عَسَاكِرَ، وَكَانَ قَلِيْلَ العِلْمِ.
رَوَى عَنْهُ: الضِّيَاءُ، وَالجَمَالُ ابْنُ الصَّابُوْنِيِّ، وَالتَّقِيُّ ابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَابْنُ المُجَاوِرِ، وَعَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانُ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائة.
5545- ثابت بن مشرف 2:
ابن أَبِي سَعْدٍ ثَابِتِ، أَوْ مُحَمَّدِ، بنِ إِبْرَاهِيْمَ، الشيخ، المسند، أبو سعد البَغْدَادِيُّ، الأَزَجِيُّ، المِعمارُ، البَنَّاءُ، وَيُعْرَفُ: بِابْنِ شِسْتَانَ.
وُلِدَ سَنَةَ بِضْعٍ وَثَلاَثِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي بَكْرٍ ابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ، وَأَبِي الوَقْتِ، وَسَعِيْدِ ابْنِ البَنَّاءِ، وَأَبِي الفَتْحِ الكَرُوْخِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ نَاصِرٍ، وَأَبِي جَعْفَرٍ العَبَّاسِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ التُّرَيْكِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ الوَاثِقِ، وَنَصْرِ بنِ نَصْرٍ العُكْبَرِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ نَاقَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الرُّطَبِيِّ.
وَسَمِعَ بِإِفَادَة أَبِيْهِ، وَبِنَفْسِه.
وَأَجَاز لَهُ وَجِيْهٌ الشَّحَّامِيُّ، وَأَبُو البَرَكَاتِ ابْنُ الفُرَاوِيِّ، وَكَانَ عَمُّهُ عَلِيُّ بنُ أَبِي سَعْدٍ الخَبَّازُ مِنْ أَعْيَانِ الطَّلبَةِ بِبَغْدَادَ.
وَشِسْتَان: بِكَسرِ أَوَّلِه، وَرَأَيْتُ بَعضَهُم ضَمَّهُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيُّ، وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالصَّاحِبُ عُمَرُ بن العديم، وولده؛ عبد الرحمن، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي الفَرَجِ بنِ الدَّبَّابِ، وَالكَمَالُ أحمد بن النَّصِيْبِيِّ، وَطَائِفَةٌ؛ حَدَّثَ بِحَلَبَ وَبِدِمَشْقَ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: كَانَ صَعبَ الأَخْلاَقِ، ظَاهِرَ العَامِيَّةِ، سَمِعْتُ عَامَّةَ الطَّلبَةِ يذمُّونه.
قَالَ المُنْذِرِيُّ: مَاتَ فِي خَامِسِ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ تِسْعٍ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 270"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 116".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 254"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 84، 85".(16/142)
5546- مسمار بن عمر 1:
ابن محمد بن عيسى الشَّيْخُ العَالِمُ المُقْرِئ الصَّالِحُ الخَيِّرُ المُسْنِدُ أَبُو بَكْرٍ ابْنُ العُوَيْسِ النَّيَّار، بَغْدَادِيٌّ مَشْهُوْرٌ.
نَزلَ المَوْصِلَ، وَأَقرَأ القُرْآنَ، وَحَدَّثَ، وَسَمِعَ الكَثِيْر مِنْ: أَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيِّ، وَابْنِ نَاصِرٍ، وَسَعِيْدِ ابْنِ البَنَّاءِ، وَأَبِي بَكْرٍ ابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ، وَأَبِي الوَقْتِ، وَابْنِ نَاقَةَ، قِيْلَ: اسْمُهُ مُحَمَّدٌ، وَإِنَّ الوَزِيْرَ ابْنَ هُبَيْرَةَ لَقَّبَهُ بِمِسْمَارٍ؛ كَانَ يَجلسُ لِلسَّمَاعِ وَهُوَ صَبِيٌّ لاَ يَكَادُ يَتحرَّكُ، فَقَالَ: كَأَنَّهُ مِسمَارٌ، وَكَانَ مَشْهُوْراً بِالخَيْرِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَالضِّيَاءُ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَرُكْنُ الدِّيْنِ أَحْمَدُ بنُ قرطَاي الإِرْبِلِيُّ، وَعَبَّاسُ بنُ بَزْوَانَ، وَالشَّيْخُ عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ مَنْصُوْرٍ الأَثَرِيُّ، وَسَيِّدَةُ بِنْتُ دِرْبَاسٍ، وَجَمَاعَةٌ.
وَأَجَازَ لِلْعِمَادِ بنِ سَعْدٍ، وَلِعَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الدَّائِمِ.
مَاتَ بِالمَوْصِلِ، فِي ثَانِي عَشَرَ شَعْبَانَ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ.
وفيها مات: شيخ اليونسية الزاهد بونس بنُ يُوْسُفَ بنِ مُسَاعِدٍ القُنَبِّيُّ المَارْدِيْنِيُّ، وَالقَاضِي أَبُو طَالِبٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَدِيْدٍ الكِنَانِيُّ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، وَابْنُ الأَنْمَاطِيِّ المُحَدِّثُ، وَثَابِتُ بنُ مُشَرِّفٍ، وَالمُقْرِئُ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ أَبِي رَجَاءٍ البَلَوِيُّ الوَاديَاشِيُّ، وَالشَّيْخُ عَلِيُّ بنُ إِدْرِيْسَ البَعْقُوْبِيُّ الزَّاهِدُ، وَالكَمَالُ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ ابْن النَّبِيْهِ المِصْرِيُّ الشَّاعِرُ صَاحِب "الدِّيْوَانِ"، وَالحَافِظُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الغَافِقِيُّ المَلاحِيُّ، وَالإِمَامُ أَبُو الفتوح ابن الحصري.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1403"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 253".(16/143)
الطبقة الثالثة والثلاثون:
5547- ابن راجح 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِمُ الفَقِيْهُ المُنَاظِرُ شِهَابُ الدِّيْنِ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ خَلَفِ بنِ رَاجِحِ بنِ بِلاَلِ بنِ هِلاَلِ بنِ عِيْسَى المَقْدِسِيُّ، الجَمَّاعِيْليُّ، الحَنْبَلِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ ظَنّاً بِجَمَّاعِيْلَ.
وَتربَّى بِالدَّيْرِ بقَاسيُوْنَ، وَأَخَذَهُ الحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ مَعَهُ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ إِلَى السِّلَفِيِّ، فَسَمِعَ مِنْهُ كَثِيْراً، وَرجعَ فَسَارَ إِلَى بَغْدَادَ، فَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ الخَشَّابِ، وشهدة والطبقة.
وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنْ أَبِي المَكَارِمِ بنِ هِلاَلٍ، وَجَمَاعَةٍ، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَاشْتَغَلَ عَلَى ابْنِ المَنِّيِّ.
قَالَ الحَافِظُ الضِّيَاءُ: صَارَ أَوحد زَمَانِهِ فِي عِلْمِ النَّظَرِ، وَكَانَ يَقطعُ الخُصُوْمَ، وَيَذْهَبُ فَيُنَاظرُ الحَنَفِيَّةَ، وَيَتَأَذَّوْنَ مِنْهُ، وَقَدْ أَلْبَسَهُ شَيْخُهُ ابْنُ المَنِّيِّ طَرْحَةً، ثُمَّ إِنَّهُ مَرِضَ وَاصفرَّ حَتَّى قِيْلَ: هُوَ مَسْحُوْرٌ. وَكَانَ كَثِيْرَ الخَيْرِ وَالصَّلاَةِ، سليم الصدر، رأيتهم بحماعيل يُعَظِّمُونَهُ، وَلاَ يَشكُّوْنَ فِي وِلاَيتِهِ وَكَرَامَاتِهِ.
وَسَمِعْتُ الإِمَامَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ، يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ جَمَّاعِيْلَ، مِنْهُم: خَالِي عُمَرُ بنُ عَوَضٍ، قَالَ: وَقعَتْ فِي جَمَّاعِيْلَ فِتْنَةٌ، فَخَرَجَ بَعْضُهُم إِلَى بَعْضٍ بِالسُّيوفِ، وَكَانَ ابْنُ رَاجِحٍ عِنْدنَا. قَالُوا: فَسَجَدَ وَدَعَا، قَالُوا: فَضَرَبَ بَعْضُهُم بَعْضاً بِالسُّيوفِ فَمَا قطعَتْ شَيْئاً. قَالَ عُمَرُ: فَلَقَدْ رَأَيتَنِي ضربْتُ بسيفِي رَجُلاً، وَكَانَ سَيْفاً مَشْهُوْراً فَمَا قطعَ شَيْئاً، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ هَذَا بِبركَةِ دعَائِهِ.
قَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ فِي "مُعْجَمِهِ": هُوَ إِمَامٌ، مُحَدِّثٌ، فَقِيْهٌ، عَابِدٌ، دَائِمُ الذِّكْرِ، لاَ تَأْخذُهُ فِي اللهِ لُوْمَةُ لاَئِمٍ، صَاحِبُ نَوَادِرٍ وَحِكَايَاتٍ، عِنْدَهُ وَسْوَسَةٌ زَائِدَةٌ فِي الطَّهَارَةِ، وَكَانَ يُحَدِّثُ بَعْدَ الجُمُعَةِ مِنْ حِفْظِهِ، وَكَانَتْ أَعدَاؤُهُ تَشهَدُ بفضلِهِ.
وَقَالَ المُنْذِرِيُّ: كَانَ كَثِيْرَ المَحْفُوْظِ، متحرِّياً فِي العِبَادَاتِ، حَسَنَ الأَخْلاَقِ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ الضياء، والبرزالي، والمنذري، والقوصي، وابن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَابْنُ الكَمَالِ، وَالتَّقِيُّ ابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَالعِمَادُ عَبْدُ الحَافِظِ، وَالعزُّ ابْنُ العِمَادِ، وَإِسْمَاعِيْلُ ابْنُ الفَرَّاءِ، وَخَلْقٌ.
قَرَأْتُ وَفَاتَهُ بِخَطِّ الضِّيَاءِ فِي التَّاسعِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ صفرٍ، سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَسِتِّ مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 251"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 82".(16/144)
صاحب الألموت، الواسطي، قتادة:
5548- صاحب الألموت 1:
إلكيا جلال الدين حسن ابْنُ الأَمِيْرِ " ... "2 ابْنِ إِلكيَا حَسَنُ بنُ الصَّبَّاحِ، الإِسْمَاعِيْلِيُّ، رَأْسُ الإِسْمَاعِيْلِيَّةِ. مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقَدْ شَاخَ.
وَكَانَ قَدْ أَظهرَ شِعَارَ الإِسْلاَمِ مِنَ الصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ، فَقَامَ بَعْدَهُ ابْنُهُ شَمْسُ الشُّموسِ، عَلاَءُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ حَسَنٍ، فَطَالَتْ أَيَّامُهُ إِلَى أَنْ أَخَذَهُ هولاَكُو، وهدم الألموت.
5549- الواسطي:
الشَّيْخُ المُقْرِئُ أَبُو الفَرَجِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرحمن بنِ أَبِي العِزِّ الوَاسِطِيُّ، السَّفَّارُ.
شيخٌ مُعَمَّرٌ، يَحْتَمِلُ سنُّهُ السَّمَاعَ مِنِ: ابْنِ الحُصَيْنِ، وَفَاطِمَةَ الحوزدانية، وَإِنَّمَا سَمِعَ -وَقَدْ كَبِرَ- مِنْ: أَبِي الوَقْتِ، وَأَبِي جَعْفَرٍ العَبَّاسِيِّ، وَأَبِي المُظَفَّرِ ابْنِ التُّرَيْكِيِّ، وَحَدَّثَ فِي أَسفَارِهِ بِدِمَشْقَ وَحَلَبَ وَالمَوْصِلِ وَإِرْبِلَ وَبَغْدَادَ. وَلَهُ اعتنَاءٌ مَا، وَتُعرَفُ سَمَاعَاتُهُ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَالقُوْصِيُّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ ابْنُ زَينِ الأُمَنَاءِ. وَحَدَّثَ بـ "صَحِيْحِ البُخَارِيِّ" بِالمَوْصِلِ.
مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ، وَلَهُ مائَةُ سَنَةٍ وَسَنَةٌ.
5550- قتادة 3:
ابن إدريس الحسني، صاحب مكة.
امتدَّتْ أَيَّامُهُ، رُبَّمَا جَارَ وَظلَمَ وَعسفَ، وَأَخَذَ المَدِيْنَةَ عَلَى يدِ ابْنِهِ حسن، فَقتلَ حسنٌ صَاحِبَهَا عَمَّهُ، ثُمَّ خَنَقَ أَبَاهُ قَتَادَةَ هَذَا، ثُمَّ قتلَ عَمَّهُ الآخرَ.
وَلِقَتَادَةَ شعرٌ جَيِّدٌ، وعمر تسعين سنة.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 84".
2 بياض بالأصل.
3 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 249، 250"، وشذرات الذهب "5/ 76".(16/145)
العثماني، ابن الحمامي:
5551- العثماني:
المحدث الجزال الصَّالِحُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ عَبْدِ الغَالِب بنِ نَصْرٍ الأُمَوِيُّ، العُثْمَانِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ.
مَوْلِدُهُ بِبَيْتِ لِهْيَا، فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الحُسَيْنِ ابنِ المَوَازِيْنِيّ، وَعَبْد الرَّحْمَنِ ابْنِ الخِرَقِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَبِبَغْدَادَ مِنِ: ابْنِ كُلَيْبٍ، وطائفة. بأصبهان مِنْ خَلِيْلٍ الرَّارَانِيِّ، وَمَسْعُوْدٍ الجَمَّالِ، وَعِدَّةٍ. وَبِنَيْسَابُوْرَ مِنْ أَبِي سَعْدٍ الصَّفَّارِ، وَبِمِصْرَ، وَالثَّغْرِ.
وَكَانَ دَيِّناً، وَرِعاً، أَمِيناً، كتبَ الكَثِيْرَ، وَرَوَى أَكْثَرَ مروياته، وله منامات عجيبة.
رَوَى عَنْهُ الحَافِظُ عَبْدُ العَظِيْمِ، وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَالكَمَالُ ابْنُ النَّصِيْبِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ بطيبَةَ، فِي نِصْفِ المُحَرَّمٍ، سَنَةَ ثَمَانِي عشرة وست مائة.
5552- ابن الحمامي 1:
الإِمَامُ المُحَدِّثُ المُتْقِنُ الوَاعِظُ الصَّالِحُ تَقِيُّ الدِّيْنِ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الفَرَجِ الهَمَذَانِيُّ ابْنُ الحَمَّامِيِّ.
وُلِدَ: فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ أَبِي الوَقْتِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ حُضُوْراً. وَسَمِعَ مِنْ أَبِي العَلاَءِ العَطَّارِ، وَمُحَمَّدِ بنِ بُنَيْمَانَ، وَلحقَ بِأَصْبَهَانَ أَبَا رشيدٍ عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ. وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ أَسَعْدَ بنِ يَلْدركَ، وَابْنَ شَاتيلَ، ثُمَّ قدِمَهَا بُعَيدَ السِّتِّ مائَةٍ، فَسَمِعَ مِنِ ابْنِ سُكَيْنَةَ، وَعِدَّةٍ. وَكَانَ مُحَدِّثَ وَقتِهِ بِهَمَذَانَ، وَكَبِيْرَهَا.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: حضَرتُ مَجْلِسَ إِملاَئِهِ، وَكَانَ لَهُ القبولُ التَّامُّ، وَالصِّيْتُ الشَّائِعُ، وَيَتبرَّكُوْنَ بِهِ. قَالَ: وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ وَحُفَّاظِهِ، وَلَهُ المَعْرِفَةُ بفقْهِ الحَدِيْثِ، وَلغتِهِ، وَرِجَالِهِ. وَكَانَ فَصِيْحاً حلوَ العبَارَةِ، منقِّحَ الأَلْفَاظِ، مَعَ تَعبُّدٍ وَزُهْدٍ، وَكَانَ أَمَّاراً بِالمَعْرُوفِ، نَاصِراً لِلسُّنَّةِ، مُتَوَاضِعاً، متودِّداً، سَمْحاً، جَوَاداً، اسْتولَتِ التَّتَارُ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ عَلَى هَمَذَانَ، فَبَرَزَ لقِتَالِهِم بِابْنِهِ عُبَيْدِ الله، فاستشهدا.
قُلْتُ: أَجَازَ لِشُيُوْخِنَا الشَّرَفِ ابْنِ عَسَاكِرَ، وَالتَّاجِ بنِ عَصرُوْنَ. وَرَوَى عَنْهُ: البِرْزَالِيُّ وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَالعِمَادُ عَلِيُّ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَآخَرُوْنَ.
عَاشَ سبعين سنة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 252، 253".(16/146)
الملاحي، ابن الحصري:
5553- الملاحي 1:
الإِمَامُ الحَافِظُ البَارِعُ المُتْقِنُ الأَوْحَدُ أَبُو القَاسِمِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُفَرِّجٍ الغَافِقِيُّ الأَنْدَلُسِيُّ المَلاَّحِيُّ.
وَالمَلاَّحَةُ: قَرْيَةٌ مِنْ عَمَلِ غَرْنَاطَةَ.
وُلِدَ سَنَةَ بِضْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ كوثرٍ، وَأَبِي خَالِدٍ بنِ رِفَاعَةَ، وَعَبْدِ الحَقِّ بنِ بُونُه، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ سمجُوْنَ، وَطَبَقَتِهِم.
وَأَجَازَ لَهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ زَرْقُوْنَ، وَأَبُو زَيْدٍ السُّهَيْلِيُّ، وَأَبُو الطَّاهِرِ بنُ عَوْفٍ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، وَالخُشُوْعِيُّ.
قَالَ الأَبَّارُ: كتبَ عَنِ الكِبَارِ وَالصِّغَارِ، وَبَالَغَ عُمُرَهُ فِي الاسْتكثَارِ، وَكَانَ حَافِظاً لِلرُّوَاةِ، عَارِفاً بِأَخْبَارِهِم، وَجَمَعَ تَارِيخاً فِي عُلَمَاءِ إلبيرة، وكتاب "الأنساب"، و"الأربعين حَدِيْثاً"، بلغَ فِيْهَا غَايَة الاحْتِفَالِ، وَشُهِدَ لَهُ بحفظِ أَسْمَاءِ الرِّجَالِ، وَزَادَ عَلَى مَنْ تَقدَّمَهُ، وله استدراك على ابن عبد البر فِي الصَّحَابَةِ، وَكَانَ مُكْثِراً عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ الفَرَسِ، أَخَذَ النَّاسُ عَنْهُ، وَكَانَ أَهْلاً لِذَلِكَ.
تُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وست مائة.
5554- ابن الحصري 2:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِمُ الحَافِظُ المُتْقِنُ المُقْرِئُ المُجَوِّدُ شَيْخُ الحَرَمِ وَإِمَامُ الحطيمِ بُرْهَانُ الدِّيْنِ أَبُو الفُتُوْحِ نَصْرُ بنُ أَبِي الفَرَجِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي الفَرَجِ البَغْدَادِيُّ الحَنْبَلِيُّ، ابْنُ الحُصْرِيِّ.
وُلِدَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وخمس مائة.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1127"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 86".
2 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1114"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 253"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 83".(16/147)
وَقرَأَ بِالرِّوَايَاتِ، وَهُوَ حَدَثٌ، عَلَى أَبِي الكَرَمِ ابْنِ الشَّهْرُزُوْرِيِّ وَغَيْرِهِ، وَسَمِعَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ ابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ، وَأَبِي الوَقْتِ السِّجْزِيِّ، وَأَبِي طَالِبٍ العلوي، ومحمد بن أحمد ابن التُّرَيْكِيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ المَادِحِ، وَهِبَةِ اللهِ الشِّبْلِيِّ، وَهِبَةِ اللهِ الدَّقَّاقِ، وَابْنِ البَطِّيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ، وَمَنْ بَعْدَهُم، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَعُنِيَ بِالحَدِيْثِ. وَكَانَ ثِقَةً، فَهماً، يَقظاً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قرَأَ بِالرِّوَايَاتِ الكَثِيْرَةِ عَلَى جَمَاعَةٍ كَأَبِي بَكْرٍ ابن الزَّاغُوْنِيِّ، وَالشَّهْرُزُوْرِيِّ، وَمَسْعُوْدِ بنِ الحُصَيْنِ، وَسَعْدِ اللهِ ابْنِ الدَّجَاجِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ مَحْمُوَيْه اليَزْدِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ عَلِيِّ بنِ نَصْرٍ.
وَقَالَ المُنْذِرِيُّ: قرَأَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى ابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ، وَأَبِي الكَرَمِ، وَأَبِي المَعَالِي أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ السَّمِينِ وَجَمَاعَةٍ، واشتغل بالأدب، وسمع من خلق، لم يَزَلْ يسمع وَيَقرَأُ وَيُفِيدُ إِلَى أَنْ شَاخَ، وَجَاورَ أَزيدَ مِنْ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ كَثِيْرَ العِبَادَةِ، ثُمَّ قصدَ اليَمَنَ فَأَدْرَكَهُ الأَجْلُ بِالمَهْجَمِ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ. وَقِيْلَ: مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ.
وَقَالَ الدُّبَيْثِيُّ: كَانَ ذَا مَعْرِفَةٍ بِهَذَا الشَّأْنِ، خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ فَجَاورَ وَأَمَّ الحَنَابِلَةَ، وَنِعْمَ الشَّيْخُ كَانَ ثِقَةً وَعِبَادَةً.
وَقَالَ الضِّيَاءُ: مَاتَ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ شَيْخُنَا الحَافِظُ أَبُو الفُتُوْحِ بِالمَهْجَمِ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ الدُّبَيْثِيُّ، وَالضِّيَاءُ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ النَّاصِر، اليَمَنِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ خَلِيْلٍ العَسْقَلاَنِيُّ الفَقِيْهُ، وَتَاجُ الدِّيْنِ عَلِيُّ ابن القَسْطَلاَنِيِّ، وَالشِّهَابُ القُوْصِيُّ، وَقَالَ: كَانَ إِمَاماً فِي القِرَاءاتِ وَالعَرَبِيَّةِ، وَالشَّيْخُ رَضِيُّ الدِّيْنِ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّغَانِيُّ، وَنَجِيْبُ الدِّينِ المِقْدَادُ بنُ أَبِي القَاسِمِ القَيْسِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ حَافِظاً، حُجَّةً، نبيلاً، جمَّ العِلْمِ، كَثِيْرَ المَحْفُوْظِ، مِنْ أَعْلاَمِ الدِّينِ وَأَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ، كَثِيْرَ العِبَادَةِ والتهجد والصوم.
قال ابن مسدي: كان أحد الأئمة الأثبات، مشارًا إِلَيْهِ بِالحِفْظِ وَالإِتْقَانِ، قصدَ اليَمَنَ فَمَاتَ بِالمهجمِ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَلَهُ شعرٌ جَيِّدٌ فِي الزُّهْديَّاتِ.
وَعَاشَ وَلدُهُ أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ العَزِيْزِ إِلَى رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَسَمِعَ مِنْهُ المِصْرِيُّونَ وَالبِرْزَالِيُّ بِإِجَازَةِ أَبِي رَوْحٍ، وَالمُؤَيَّدُ، وَكَانَ يذكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ الكَثِيْرَ مِنْ أَبِيْهِ، يُقَالُ: قَارَبَ المائَةَ.(16/148)
5555- ابن قدامة 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ القُدْوَةُ العَلاَّمَةُ المُجْتَهِدُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ موفق الدِّيْنِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ قُدَامَةَ بنِ مِقْدَامِ بنِ نَصْرٍ المَقْدِسِيّ، الجَمَّاعِيْلِيّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيّ، الصَّالِحيّ، الحَنْبَلِيّ، صاحب "المُغْنِي".
مَوْلِدُهُ بِجَمَّاعِيْلَ، مِنْ عَملِ نَابُلُسَ، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فِي شَعْبَانَ.
وَهَاجَرَ مَعَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَأَقَارِبِهِ، وَلَهُ عشرُ سِنِيْنَ، وَحفظَ القُرْآنَ، وَلَزِمَ الاشتغَالَ مِنْ صِغَرِهِ، وَكَتَبَ الخطَّ المَلِيْحَ، وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ، وَأَذكيَاءِ العَالَمِ.
وَرَحَلَ هُوَ وَابْنُ خَالِهِ الحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ فِي أَوَّلِ سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ فِي طَلَبِ العِلْمِ إِلَى بَغْدَادَ، فَأَدْرَكَا نَحْوَ أَرْبَعِيْنَ يَوْماً مِنْ جَنَازَةِ الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ، فَنَزَلاَ عِنْدَهُ بِالمَدْرَسَةِ، وَاشْتَغَلاَ عَلَيْهِ تِلْكَ الأَيَّامَ، وَسَمِعَا مِنْهُ، وَمِنْ: هِبَةِ اللهِ بنِ الحَسَنِ الدَّقَّاقِ، وَأَبِي الفَتْحِ بنِ البَطِّيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ بنِ طَاهِرٍ، وَأَحْمَدَ بنِ المُقَرّبِ، وَعَلِيِّ ابْنِ تَاجِ القُرَّاءِ، وَمَعْمَرِ بنِ الفَاخِرِ، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الرَّحبِيِّ، وَحَيْدَرَةَ بنِ عُمَرَ العَلَوِيِّ، وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ الحُسَيْنِ البَارِزِيِّ، وَخَدِيْجَةَ النَّهْرَوَانِيَّةِ، وَنفِيسَةَ البَزَّازَةِ، وَشُهْدَةَ الكَاتِبَةِ، وَالمُبَارَكِ بنِ مُحَمَّدٍ البَادرَائِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ السَّكَنِ، وَأَبِي شُجَاعٍ مُحَمَّدِ بن الحسين المادرائي، وأبي حنيفة مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الخَطِيْبيِّ، وَيَحْيَى بنِ ثَابِتٍ.
وَتَلاَ بِحرفِ نَافِعٍ عَلَى أَبِي الحَسَنِ البَطَائِحِيِّ، وَبحرفِ أَبِي عَمْرٍو عَلَى أُسْتَاذِهِ أَبِي الفتح ابن المنِّيِّ.
وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنْ: أَبِي المَكَارِمِ بنِ هِلاَلٍ، وَعِدَّةٍ. وَبِالمَوْصِلِ مِنْ: خَطِيْبِهَا أَبِي الفَضْلِ الطُّوْسِيِّ. وَبِمَكَّةَ مِنَ: المُبَارَكِ بنِ الطَّبَّاخِ، وَلَهُ مشيخة سمعناها.
حدث عنه: البهاء عبد الرحمن، وَالجمَالُ أَبُو مُوْسَى ابْنُ الحَافِظِ، وَابْنُ نُقْطَةَ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاءُ، وَأَبُو شَامَةَ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالجمَالُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ، وَالعِزُّ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَالتَّقِيُّ ابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَالشَّمْسُ ابْنُ الكَمَالِ، وَالتَّاجُ عَبْدُ الخالق، والعماد، ابن بَدْرَانَ، وَالعِزُّ إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ الفَرَّاءِ، وَالعزُّ أَحْمَدُ ابن العماد، وأبو الفهم ابن النّميسِ، وَيُوْسُفُ الغسوْلِيُّ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ الوَاسِطِيِّ، وَخَلْقٌ آخِرُهُم مَوْتاً التَّقِيُّ أَحْمَدُ بنُ مُؤْمِنٍ، يَرْوِي عنه بالحضور أحاديث.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "5/ 88-92".(16/149)
وَكَانَ عَالِمَ أَهْلِ الشَّامِ فِي زَمَانِهِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ إِمَامَ الحَنَابِلَةِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ، وَكَانَ ثِقَةً، حُجَّةً، نبيلاً، غزِيْرَ الفَضْلِ، نَزِهاً، وَرِعاً، عَابِداً، عَلَى قَانُوْنِ السَّلَفِ، عَلَيْهِ النُّوْرُ وَالوَقَارُ، يَنْتفعُ الرَّجُلُ برُؤِيتِهِ قَبْلَ أَنْ يسمع كَلاَمَهُ.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: هُوَ إِمَامُ الأَئِمَّةِ، وَمُفْتِي الأُمَّةِ، خصَّهُ اللهُ بِالفَضْلِ الوَافرِ، وَالخَاطرِ المَاطرِ، وَالعِلْمِ الكَامِلِ، طَنَّتْ بذِكرِهِ الأَمصَارُ وَضنَّتْ بِمِثْلِهِ الأَعصَارُ، أَخَذَ بِمجَامِعِ الحَقَائِقِ النَّقْليَّةِ وَالعقليَّةِ. إِلَى أَنْ قَالَ: وَلَهُ المُؤلفَاتُ الغزِيْرَةُ، وَمَا أَظَنُّ الزَّمَانَ يَسمحُ بِمِثْلِهِ، مُتَوَاضِعٌ، حسنُ الاعْتِقَادِ، ذُو أَنَاةٍ وَحلمٍ وَوقَارٍ، مَجْلِسُهُ معمورٌ بالفقهاء والمحدثين، وكان مثير العِبَادَةِ، دَائِمَ التَّهجُّدِ، لَمْ نَرَ مِثْلَهُ، وَلَمْ يُرَ مِثْلُ نَفْسِهِ.
وَعَمِلَ الشَّيْخُ الضِّيَاءُ "سيرتَهُ" فِي جُزأَيْنِ، فَقَالَ: كَانَ تَامَّ القَامَةِ، أَبيضَ، مُشْرِقَ الوَجْهِ، أَدعجَ، كَأنَّ النُّوْرُ يَخْرُجُ مِنْ وجهه لحسنه، واسع الجبين، طَوِيْلَ اللِّحْيَةِ قَائِمَ الأَنفِ، مَقْرُوْنَ الحَاجِبَيْنِ، صَغِيْرَ الرَّأْسِ، لطيفَ اليَدينِ وَالقدمَينِ، نحيفَ الجِسْمِ، مُمَتَّعاً بحوَاسِّهِ.
أَقَامَ هُوَ وَالحَافِظُ بِبَغْدَادَ أَرْبَعَ سِنِيْنَ، فَأَتقنَا الفِقْهَ وَالحَدِيْثَ وَالخلاَفَ، أَقَامَا عِنْدَ الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ خَمْسِيْنَ لَيْلَةً، وَمَاتَ، ثُمَّ أَقَامَا عِنْدَ ابْنِ الجَوْزِيِّ، ثُمَّ انتقلاَ إِلَى رِبَاطِ النَّعَّالِ، وَاشْتَغَلاَ عَلَى ابْنِ المَنِّيِّ. ثُمَّ سَافرَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمَعَهُ الشَّيْخُ العِمَادُ، وَأَقَامَا سَنَةً.
صَنَّفَ "المغنِي" عشرَ مُجَلَّدَاتٍ، وَ"الكَافِي" أَرْبَعَةً، وَ"الْمقنع" مُجَلَّداً، وَ"العُمدَة" مُجيليداً، وَ"القنعَة فِي الغَرِيْبِ" مجيليدٌ، وَ"الرَّوْضَة" مُجَلَّدٌ، وَ"الرَّقَّة" مُجَلَّدٌ، وَ"التَّوَّابينَ" مُجَلَّدٌ، وَ"نسب قُرَيْشٍ" مجيليدٌ، وَ"نسب الأَنْصَارِ" مُجَلَّدٌ، وَ"مُخْتَصَر الهِدَايَة" مجيليدٌ، وَ"القدر" جزء، و"مسألة العلو" جزء، و"المتحابين" جزءٌ، وَ"الاعْتِقَاد" جزءٌ، وَ"البُرْهَان" جزءٌ، وَ"ذمّ التَّأَْوِيْلِ" جزءٌ، وَ"فَضَائِل الصَّحَابَةِ" مجيليدٌ، وَ"فضل العشرِ" جزءٌ، وَ"عَاشُورَاء" أجزاء، و"مشيخة" جُزآنِ، وَ"وصيَّته" جزءٌ، وَ"مُخْتَصَر العللِ لِلْخلالِ" مُجَلَّدٌ، وَأَشيَاءُ.
قَالَ الحَافِظُ الضِّيَاءُ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي النَّوْمِ، فَأَلقَى عليَّ مَسْأَلَةً، فَقُلْتُ: هَذِهِ فِي الخِرَقِيِّ، فَقَالَ: مَا قصر صاحبكم الموفق في شرح الخرقي.
قَالَ الضِّيَاءُ: كَانَ -رَحِمَهُ اللهُ- إِمَاماً فِي التَّفْسِيْرِ، وَفِي الحَدِيْثِ وَمشكلاَتِهِ، إِمَاماً فِي الفِقْهِ، بَلْ أَوحد زَمَانِهِ فِيْهِ، إِمَاماً فِي علمِ الخلاَفِ، أَوحدَ فِي الفَرَائِضِ، إِمَاماً فِي أُصُوْلِ الفقه، إمام فِي النَّحْوِ وَالحسَابِ وَالأَنجمِ السَّيَّارَةِ، وَالمَنَازِلِ.(16/150)
وَسَمِعْتُ دَاوُدَ بنَ صَالِحٍ المُقْرِئَ، سَمِعْتُ ابْنَ المنِّيِّ يَقُوْلُ -وَعِنْدَهُ الإِمَامُ المُوَفَّقُ: إِذَا خَرَجَ هَذَا الفَتَى مِنْ بَغْدَادَ احتَاجَتْ إِلَيْهِ.
وَسَمِعْتُ البهاء عبد الرحمن يَقُوْلُ: كَانَ شَيْخُنَا ابْنُ المَنِّيِّ يَقُوْلُ للموفَّقِ: إِنْ خَرَجتَ مِنْ بَغْدَادَ لاَ يَخلُفُ فِيْهَا مِثْلُكَ.
وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مَحْمُوْدٍ الأَصْبَهَانِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَى أَحَدٌ مِثْلَ الشَّيْخِ المُوَفَّقِ.
وَسَمِعْتُ المُفْتِي أَبَا عُبَيْدِ اللهِ عُثْمَانَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ عَنِ المُوَفَّقِ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ، كَانَ مُؤيّداً فِي فَتَاويهِ.
وَسَمِعْتُ المُفْتِي أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ مَعَالِي بنِ غَنِيْمَةَ يَقُوْلُ: مَا أَعْرفُ أَحَداً فِي زَمَانِنَا أَدْرَكَ دَرَجَةَ الاجْتِهَادِ إلَّا المُوَفَّقَ.
وَسَمِعْتُ الحَافِظَ أَبَا عَبْدِ اللهِ اليُوْنِيْنِيَّ يَقُوْلُ: أَمَّا مَا علمتُهُ مِنْ أَحْوَالِ شَيْخِنَا وَسيِّدِنَا مُوَفَّقِ الدِّيْنِ، فَإِنَّنِي إِلَى الآنَ مَا أَعْتَقِدُ أَنَّ شخصاُ مِمَّنْ رَأَيْتُهُ حصَلَ لَهُ مِنَ الكَمَالِ فِي العُلُوْمِ وَالصِّفَاتِ الحَمِيْدَةِ الَّتِي يَحصُلُ بِهَا الكَمَالُ سِوَاهُ، فَإِنَّهُ كَانَ كَامِلاً فِي صُوْرتِهِ وَمَعْنَاه مِنْ حَيْثُ الحُسْنِ وَالإِحسَانِ وَالحلمِ وَالسُّؤْدُدِ وَالعُلُوْمِ المُخْتَلِفَةِ وَالأَخْلاَقِ الجَمِيْلَةِ، رَأَيْتُ مِنْهُ مَا يَعجزُ عَنْهُ كبار الأَوْلِيَاءِ، فَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَى عَبْدٍ نَعمَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ يُلْهِمَهُ ذِكْرَهُ". فَقُلْتُ بِهَذَا: إِنَّ إِلهَامَ الذِّكْرِ أَفْضَلُ مِنَ الكَرَامَاتِ، وَأَفْضَلُ الذِّكْرِ مَا يَتَعَدَّى إِلَى العبَادِ، وَهُوَ تَعَلِيْمُ العِلْمِ وَالسُّنَّةِ، وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَحْسَنُ مَا كَانَ جِبِلَّةً وَطبعاً؛ كَالحلمِ وَالكرمِ وَالعقلِ وَالحيَاءِ، وَكَانَ اللهُ قَدْ جَبَلَهُ عَلَى خُلُقٍ شَرِيْفٍ، وَأَفرغَ عَلَيْهِ المَكَارِمَ إِفرَاغاً، وَأَسبغَ عَلَيْهِ النِّعَمَ، وَلطفَ بِهِ فِي كُلِّ حَالٍ.
قَالَ الضِّيَاءُ: كَانَ المُوَفَّقُ لاَ يُنَاظِرُ أَحَداً إلَّا وهو يبتسم.
قُلْتُ: بَلْ أَكْثَرُ مَنْ عَايَنَّا لاَ يُنَاظرُ أَحَداً إلَّا وَيَنْسَمُّ.
وَقِيْلَ: إِنَّ المُوَفَّقَ نَاظرَ ابْنَ فَضلاَن الشَّافِعِيَّ الَّذِي كَانَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي المُنَاظَرَةِ، فَقطعَهُ.
وَبَقِيَ المُوَفَّقُ يَجْلِسُ زَمَاناً بَعْد الجُمُعَةِ لِلمُنَاظَرَةِ، وَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ الفُقَهَاءُ، وَكَانَ يُشغلُ1 إِلَى ارْتفَاعِ النَّهَارِ، وَمِنْ بَعْدِ الظُّهْرِ إِلَى المَغْرِبِ، وَلاَ يَضجَرُ، وَيَسَمَعُوْنَ عَلَيْهِ، وكان يقرئ في
__________
1 يشغل: يدرس.(16/151)
النَّحْوِ، وَكَانَ لاَ يَكَادُ يَرَاهُ أَحَدٌ إلَّا أَحَبَّهُ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ الضِّيَاءُ: وَمَا علمتُ أَنَّهُ أَوجعَ قَلْبَ طَالبٍ، وَكَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ تُؤْذِيْهِ بِخُلُقِهَا فَمَا يَقُوْلُ لَهَا شَيْئاً، وَأَوْلاَدُهُ يَتضَاربُوْنَ وَهُوَ لاَ يَتَكَلَّمُ. وَسَمِعْتُ البَهَاءَ يَقُوْلُ: ما رأيت أكثر احتمالًا منه.
قَالَ الضِّيَاءُ: كَانَ حَسَنَ الأَخْلاَقِ، لاَ يَكَادُ يراه أحد إلَّا مبتسمًا، يَحكِي الحِكَايَاتِ وَيَمزحُ. وَسَمِعْتُ البَهَاء يَقُوْلُ: كَانَ الشَّيْخُ فِي القِرَاءةِ يُمَازِحُنَا، وَيَنبَسِطُ، وَكَلَّمُوْهُ مرَّةً فِي صبيَانَ يَشتغلُوْنَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: هُم صبيَانٌ وَلاَ بُدَّ لَهُم مِنَ اللَّعِبِ، وَأَنْتُم كُنْتُم مِثْلَهُم. وَكَانَ لاَ يُنَافِسُ أَهْلَ الدُّنْيَا، وَلاَ يَكَادُ يَشْكُو، وَرُبَّمَا كَانَ أَكْثَرَ حَاجَةً مِنْ غَيْرِهِ، وَكَانَ يُؤثِرُ.
وَسَمِعْتُ البَهَاءَ يَصِفُهُ بِالشَّجَاعَةِ، وَقَالَ: كَانَ يَتقدَّمُ إِلَى العَدُوِّ وَجُرِحَ فِي كفِّهِ، وَكَانَ يُرَامِي العَدُوَّ.
قَالَ الضِّيَاءُ: وَكَانَ يُصَلِّي بخشوعٍ، وَلاَ يَكَادُ يُصَلِّي سُنَّةَ الفَجْرِ وَالعِشَاءيْنِ إلَّا فِي بَيْتِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي بَيْنَ العِشَاءيْنِ أَرْبَعاً "بِالسَّجْدَةِ"، وَ"يس"، وَ"الدُّخَانِ"، وَ"تبَاركَ"، لاَ يَكَادُ يُخِلُّ بهنَّ، وَيَقومُ السَّحَرَ بِسُبْعٍ، وَرُبَّمَا رفعَ صَوْتَهُ، وَكَانَ حَسَنَ الصَّوتِ.
وَسَمِعْتُ الحَافِظَ اليُوْنِيْنِيَّ يَقُوْلُ: لَمَّا كُنْتُ أَسْمَعُ شنَاعَةَ الخَلْقِ عَلَى الحَنَابِلَةِ بِالتَّشْبِيْهِ، عزمتُ عَلَى سُؤَالِ الشَّيْخِ المُوَفَّقِ، وَبقيتُ أَشهراً أُرِيْدُ أن أسأله، فصعدت معه الجبل، فلما كما عِنْدَ دَارِ ابْنِ مُحَارِبٍ قُلْتُ: يَا سيِّدِي، وَمَا نطقتُ بِأَكْثَرَ مِنْ سيِّدِي، فَقَالَ لِي: التشبيه مستحيل، فقلت: لم? قال: لأن من شرطَ التَّشبيهِ أَنْ نَرَى الشَّيْءَ، ثُمَّ نُشَبِّهُهُ، من الَّذِي رَأَى اللهَ ثُمَّ شبَّهَهُ لَنَا?!
وَذَكَرَ الضِّيَاءُ حِكَايَاتٍ فِي كَرَامَاتِهِ.
وَقَالَ أَبُو شَامَةَ: كَانَ إِمَاماً عَلَماً فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ، صنف كتبًا كَثِيْرَةً، لَكِنَّ كَلاَمَهُ فِي العقَائِدِ عَلَى الطَّرِيقَةِ المَشْهُوْرَةِ عَنْ أَهْلِ مَذْهَبِهِ، فَسُبْحَانَ مَنْ لَمْ يُوَضِّحْ لَهُ الأَمْرَ فِيْهَا عَلَى جَلاَلَتِهِ فِي العِلْمِ، وَمَعْرِفَتِهِ بِمعَانِي الأَخْبَارِ.
قُلْتُ: وَهُوَ وَأَمثَالُهُ متعجِّبٌ مِنْكُم مَعَ عِلْمِكُم وَذكَائِكُم، كَيْفَ قُلْتُم! وَكَذَا كُلُّ فِرقَةٍ تَتعجَّبُ مِنَ الأُخْرَى، وَلاَ عجبَ فِي ذَلِكَ، وَنرجُو لِكُلِّ مَنْ بَذَلَ جُهْدَهُ فِي تَطلُّبِ الحَقِّ أَنْ يُغفرَ لَهُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ المَرْحُوْمَةِ.
قَالَ الضِّيَاءُ: وَجَاءهُ مِنْ بِنْتِ عَمَّتِهِ مَرْيَمَ: المجدُ عِيْسَى، وَمُحَمَّدٌ، وَيَحْيَى، وَصَفِيَّةُ، وَفَاطِمَةُ، وَلَهُ عقِبٌ مِنَ المجدِ. ثُمَّ تَسَرَّى بِجَارِيَةٍ، ثُمَّ بِأُخْرَى، ثُمَّ تَزَوَّجَ عِزِّيَّةَ فَمَاتَتْ قَبْلَهُ،(16/152)
وَانْتَقَلَ إِلَى رَحْمَةِ اللهِ يَوْمَ السَّبْتِ، يَوْمَ الفِطْرِ، وَدُفِنَ مِنَ الغَدِ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكَانَ الخلقُ لاَ يُحصَوْنَ، تُوُفِّيَ بِمَنْزِلِهِ بِالبَلَدِ، قَالَ: وَكُنْتُ فِيْمَنْ غَسَّلَهُ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ قُدَامَةَ: قَرَأْتُ على عبد الله ابن أَحْمَدَ ابْنِ النَّرْسِيِّ، أَخبركُم الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ التككي، أخبرنا أبو علي أن شَاذَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الأَدَمِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُوْسَى الشَّطَوِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ العَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ المِنْهَالِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ قُسَيْمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَمَّا أَهبطَ اللهُ آدَمَ إِلَى الأَرْضِ طَافَ بِالبَيْتِ سبعًا، ثم صلى خلف المقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعلَمُ سِرِّي وَعلاَنِيتِي، فَاقبل معذِرَتِي، وَتَعْلَمُ حَاجَتِي، فَأَعْطنِي سؤلي ... " الحديث.(16/153)
5556- ابن الأنماطي 1:
الشَّيْخُ العَالِمُ الحَافِظُ المُجَوِّدُ البَارِعُ مُفِيْدُ الشَّامِ تَقِيُّ الدِّيْنِ أَبُو الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ المُحْسِنِ بنِ أَبِي بَكْرٍ بنِ هِبَةِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ المِصْرِيُّ الشَّافِعِيُّ، ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ.
قَالَ: وُلِدْتُ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ: القَاضِي مُحَمَّدَ بنَ عبد الرحمن الحَضْرَمِيَّ، وَهِبَةَ اللهِ بنَ عَلِيٍّ البُوْصِيْرِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ اللَّبَنِيَّ، وَشُجَاعَ بنَ مُحَمَّدٍ المُدْلِجِيّ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ الأَرْتَاحِيَّ، وَعِدَّةً. وَارْتَحَلَ إِلَى دِمَشْقَ، فَسكنَهَا، وَأَكْثَرَ عَنْ: أَبِي الطَّاهِرِ الخُشُوْعِيِّ، وَالقَاسِمِ بنِ عَسَاكِرَ، وَالطَّبَقَةِ. وَسَمِعَ بِالعِرَاقِ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ المَنْدَائِيِّ، وَأَبِي أَحْمَدَ بنِ سُكَيْنَةَ، وَحَنْبَلِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَرجعَ بحَنْبَلٍ، فَأَسمَعَ "المُسْنَدَ" بِدِمَشْقَ، وَكَتَبَ العَالِي وَالنَّازلَ، بِخَطِّهِ الأَنِيقِ الرَّشيقِ، وَحصَّلَ الأُصُوْلَ، وَبَالَغَ فِي الطَّلَبِ.
قَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: كَانَ ثِقَةً، حَافِظاً، مبرِّزاً، فَصِيْحاً، وَاسِعَ الرِّوَايَةِ، حصَّلَ مَا لَمْ يُحَصِّلْهُ غيره من الأجزاء والكتب، وكان سهل العَارِيَةِ، وَعِنْدَهُ فِقْهٌ وَأَدبٌ وَمَعْرِفَةٌ بِالشِّعرِ وَأَخْبَارِ النَّاسِ، وَكَانَ يُنْبَزُ بِالشَّرِّ، سَأَلتُ الحَافِظَ الضِّيَاءَ عَنْهُ، فَقَالَ: حَافِظٌ ثِقَةٌ، مُفِيْدٌ، إلَّا أَنَّهُ كَثِيْرُ الدُّعَابَةِ مَعَ المُرْدِ.
قُلْتُ: لَهُ مجَامِيْع مُفِيْدَةٌ، وَآثَارٌ كَثِيْرَةٌ، وَضبطٌ لأَشيَاءَ، وَكَانَ أشعَرِيّاً.
حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيُّ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَالقُوْصِيُّ، وَالكَمَالُ الضَّرِيْرُ، وَالصَّدْرُ البَكْرِيُّ، وَابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ فِي الكُهُوْلَةِ قَبْلَ أَوَانِ الرِّوَايَةِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: اشْتَغَلَ مِنْ صِبَاهُ، وَتَفَقَّهَ، وَقرَأَ الأَدبَ، وَسَمِعَ الكَثِيْرَ، وَقَدِمَ دِمَشْقَ، ثُمَّ حَجَّ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّ مائَةٍ، فَذَهَبَ إِلَى العِرَاقِ، وَكَانَتْ لَهُ هِمَّةٌ وَافرَةٌ وَجدٌّ وَاجْتِهَادٌ وَسرعَةُ قلمٍ وَاقتدَارٌ عَلَى النَّظْمِ وَالنَّثرِ، وَلَقَدْ كَانَ عَدِيْمَ النَّظِيْرِ فِي وَقْتِهِ، كتبَ عَنِّي، وَكَتَبتُ عَنْهُ.
وَقَالَ الضِّيَاءُ: بَاتَ فِي عَافِيَةٍ، فَأَصْبَحَ لاَ يَقدِرُ عَلَى الكَلاَمِ أَيَّاماً، ثُمَّ مَاتَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَكِّيٍّ القُرَشِيُّ، أَخْبَرَنَا القَاضِي أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ الشِّيْرَازِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ علي البوصيري ... ، فذكر حديثًا.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1128"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 254"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 84".(16/153)
ابن أبي الرداد، الزناتي:
5557- ابن أبي الرداد 1:
الشيخ أبو عبد الله الحسين بن أَبِي الفَخْرِ يَحْيَى بنِ حُسَيْنِ بنِ عَبْدِ الرحمن بنِ أَبِي الرَّدَّادِ المِصْرِيُّ، وَيُدعَى مُحَمَّداً.
مَوْلِدُهُ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ تَبَقَّى بِمِصْرَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ رِفَاعَةَ.
رَوَى عَنْهُ الحَافِظُ عَبْدُ العَظِيْمِ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَطَائِفَةٌ، آخِرُهُم مَوْتاً عَبْدُ الرَّحِيْمِ ابْنُ الدَّمِيْرِيِّ.
وَكَانَ فَقِيْهاً، كَاتِباً، صَالِحاً، زَمِنَ وَلَزِمَ بَيْتَهُ.
مَاتَ فِي ذِي القعدة، سنة عشرين وست مائة.
5558- الزناتي:
شَيْخُ المَالِكِيَّةِ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ عَيَّاشٍ الزَّنَاتِيُّ، الغَرْنَاطِيُّ، وَيُعْرَفُ أَيْضاً بِالكَمَّادِ.
كَانَ إِمَاماً، مُفْتِياً، قَائِماً عَلَى "المدوّنَةِ"، تخرَّجَ بِهِ فُقَهَاءُ غَرْنَاطَةَ.
قَالَ ابْنُ مَسْدِيّ: نَاظرتُ عَلَيْهِ فِي "المدوّنَةِ"، وَبحثتُ عَلَيْهِ "المُوَطَّأَ"، سَمِعَ مِنْ: أَبِي خَالِدٍ بنِ رِفَاعَةَ، وَابْنِ كوثَرٍ.
مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وقد نيف على السبعين.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 88".(16/154)
البيع، ابن إدريس:
5559- البيع:
الشيخ أبو بكر زيد بن أَبِي المُعَمَّرِ يَحْيَى بنِ أَحْمَدَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الأَزَجِيُّ، البَيِّعُ.
وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ تَقَرِيْباً.
وَسَمِعَ مِنْ أَبِي الوَقْتِ عَبْدِ الأَوَّلِ، وَأَبِي بَكْرٍ ابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ، وَهِبَةِ اللهِ بنِ الشبلي، وأحمد ابن قَفَرْجَلَ، وَأَبِي الفَتْحِ بنِ البَطِّيِّ.
وَعَنْهُ: البِرْزَالِيُّ، وَابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَالضِّيَاءُ، وَأَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَقَدْ قَرَأْتُ بِخَطِّ الضِّيَاءِ الحَافِظِ: مَوْلِدَهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: سَمِعَ "الصَّحِيْحَ"، وَ"الدَّارِمِيَّ"، وَ"منتخبَ عَبْدٍ" مِنْ أَبِي الوَقْتِ، وَسَمَاعُهُ صَحِيْحٌ كَثِيْرٌ.
ثُمَّ قَالَ: وَأَلحقَ اسْمُهُ فِي نُسْخَةِ مُحَمَّدِ بنِ السَّرِيِّ التمار، في طبقة علي ابن الزَّاغُوْنِيِّ، وَفِي جزءِ لُوَيْن عَلَى فورجَة، وَمَا أعلم أنه حدث بشيء من ذَلِكَ الملحَقِ، وَتُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَأَبُوْهُ مِمَّنْ يَرْوِي عَنِ: ابْنِ الحُصَيْنِ، وَابْنُ عَمِّهِ هُوَ الوَزِيْرُ جلال الدين بن يونس.
5560- ابن إدريس 1:
الشَّيْخُ القُدْوَةُ الزَّاهِدُ الكَبِيْرُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ الرَّوْحَائِيُّ، البَعْقُوْبِيُّ، صَاحِبُ الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ.
سَمِعَ مِنْهُ، وَمِنَ الشَّيْخِ عَلِيِّ ابْنِ الهِيْتِيِّ.
رَوَى عَنْهُ الشَّيْخُ يَحْيَى بنُ الصَّرْصَرِيِّ، وَصَحِبَهُ، وَبَالَغَ فِي تَوقِيرِهِ، وَتبجِيلِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَرَ مِثْلَهُ، وَالكَمَالُ عَلِيُّ بنُ وَضَّاحٍ، وَالبدرُ سُنْقُرُ شَاهٍ النَّاصِرِيُّ، وَالشَّيْخُ عليٌّ الخَبَّازُ، وَأَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الفَرَجِ ابْن الدَّبَّابِ.
وذكره ابن نقطة، لكنه كَنَّاهُ أَبَا مُحَمَّدٍ، وَقَالَ: كَانَ شَيْخَ وَقتِهِ، صَاحِبَ قُرْآنٍ وَأَدبٍ وَفضلٍ وَإِيثَارٍ، سَمِعْتُ مِنْهُ، وَسَمَاعُهُ صَحِيْحٌ.
مَاتَ فِي سَلْخِ ذِي القَعْدَةِ بِالرَّوْحَاءِ، وَدُفِنَ برِبَاطِهِ، وَقبرُهُ يُزَارُ.
وَالرَّوْحَاءُ قَرِيْبَةٌ مِنْ بَعْقُوبَا، عَلَى مَرْحَلَةٍ مِنْ بَغْدَادَ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، فِي عَشْرِ التسعين.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 254"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 85".(16/155)
ابن النبيه، يونس بن يوسف:
5561- ابن النبيه 1:
الشَّاعِرُ البَلِيْغُ صَاحِبُ "الدِّيْوَانِ" كَمَالُ الدِّيْنِ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَسَنِ بنِ يُوْسُفَ بنِ يَحْيَى المِصْرِيُّ.
مدحَ آلَ أَيُّوْبَ، وَسَارَ شعرُهُ، وَانقطعَ إِلَى الملكِ الأَشْرَفِ، وَسَكَنَ نَصِيْبِيْنَ، وَبِهَا مَاتَ، فِي الحَادِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ شهر جمادى الأولى، سن تِسْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ بَقِيَ إلى سنة إحدى وعشرين وست مائة.
5562- يونس بن يوسف 2:
ابن مساعد الشيباني المخارقي الجزري القنبي الزاهد، أحد الأعلام، شيخ البونسية، أُولِي الزَّعَارَةِ، وَالشَّطْحِ، وَالخَوَاثَةِ، وَخفَّةِ العَقْلِ.
كَانَ ذَا كَشْفٍ وَحَالٍ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ كَبِيْرُ عِلْمٍ، وَلَهُ شطحٌ، وَشعرٌ ملحُوْنٌ، يَنظمُهُ عَلَى لِسَانِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَبَعْضُهُ كَأَنَّهُ كَذِبٌ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِسِرِّهِ، فَلاَ يغترُّ المُسْلِمُ بكشفٍ وَلاَ بحَالٍ وَلاَ بِإِخبَارٍ عَنْ مُغَيَّبٍ، فَابْنُ صَائِدٍ وَإِخْوَانُهُ الكهنَةُ لَهُم خَوَارِقُ، وَالرُّهبَانُ فِيهِم مَنْ قَدْ تموق جوعاً وَخلوَةً وَمرَاقبَةً عَلَى غَيْرِ أَسَاسٍ وَلاَ تَوحيدٍ، فَصفَتْ كُدُورَاتُ أَنْفُسِهِم وَكَاشفُوا وَفَشَرُوا، وَلاَ قُدْوَةَ إلَّا فِي أَهْلِ الصَّفْوَةِ، وَأَربَابِ الوِلاَيَةِ المنوطَةِ بِالعِلْمِ وَالسُّنَنِ، فَنسأَلُ اللهَ إِيْمَانَ المُتَّقِيْنَ، وَتَأَلُّهَ المخلصينَ، فَكَثِيْرٌ مِنَ المَشَايِخِ نَتوقَّفُ فِي أَمرِهِم حَتَّى يَتبرهَنُ لَنَا أَمرُهُم، وَبِاللهِ الاسْتعَانَةُ.
تُوُفِّيَ الشَّيْخُ يُوْنُسُ بِالقُنَيَّةِ، سَنَة تِسْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَالقُنَيَّةُ: قَرْيَةٌ مِنْ أَعْمَالِ دَارَا، من نواحي ماردين.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 243".
2 ترجمته في وفيات الأعيان "7/ ترجمة 855"، وشذرات الذهب "5/ 87".(16/156)
5563- الفارسي 1:
الزَّاهِدُ الكَبِيْرُ فَخْرُ الدِّيْنِ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أحمد بن طَاهِرٍ الشِّيْرَازِيُّ، الخَبْرِيُّ، الفَيروزآبَادِيُّ، الشَّافِعِيُّ، الصُّوْفِيُّ، نَزِيْلُ مِصْرَ.
لَهُ تَصَانِيْفُ فِي إِشَارَاتِ القَوْمِ، فِيْهَا انحرَافٌ بَيِّنٌ عَنِ السُّنَّةِ، وَكَانَ حلوَ الإِيرَادِ، كَثِيْرَ المَحْفُوْظِ، وَافرَ الجَلاَلَةِ.
وُلِدَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ الكَثِيْرَ مِنَ السِّلَفِيِّ، وَكَتَبَ وَحصَّلَ، وَبِدِمَشْقَ مِنِ ابْنِ عَسَاكِرَ.
رَوَى عَنْهُ: البِرْزَالِيُّ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَطَائِفَةٌ، وَحَدَّثَنَا عَنْهُ أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ ابْنُ القيِّمِ.
قَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: صَاحِبُ رِيَاضَاتٍ وَمَقَامَاتٍ وَمعَامِلاَتٍ، إلَّا أَنَّهُ كَانَ بذِيءَ اللِّسَانِ، كَثِيْرَ الوَقِيْعَةِ فِي النَّاسِ وَالجرأَةِ، وَكَانَ عِنْدَهُ دُعَابَةٌ فِي غَالِبِ الوَقْتِ.
قُلْتُ: وَلَهُ مَيْلٌ شَدِيدٌ إِلَى الصُّوَرِ.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: قَرَأْتُ عَلَيْهِ حِكَايَةً لابْنِ مَعِيْنٍ، فَسبَّهُ، وَنَال مِنْهُ، وَصَنَّفَ فِي الكَلاَمِ، وَلَهُ النَّظْمُ وَالنَّثْرُ، جَاورَ مُدَّةً، ثُمَّ انْقَطَعَ بِمَعْبَدِ ذِي النُّوْنِ المِصْرِيِّ، وَعُمِّرَ دَهْراً، إِلَى أَنْ مَاتَ فِي سَادسَ عشرَ ذِي الحجة، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ مَسْدِيّ: لَهُ تَوَالِيفُ كَثِيْرَةٌ، وَأَسنَدَ فِيْهَا، وَلَمْ يَسلَمْ مِنْ مزَالِقِ الأَقدَامِ فِي ذَلِكَ الإِقدَامِ وَحسَّنَ الظَّنَّ بِأَقْوَامٍ، فَتَبِعَهُم، وَتورَّطَ مَعَهُم.
قُلْتُ: خطبَةُ كِتَابِهِ "برق النّقَاء": الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَودعَ الخُدودَ وَالقُدودَ الحُسْنَ وَاللَّمَحَاتِ الحُورِيَّةِ السَّالبَةِ إليها أرواح الأحرار.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 263"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 101".(16/157)
خزعل، قاضي حران، القزويني:
5564- خزعل 1:
العَلاَّمَةُ الأَوْحَدُ تَقِيُّ الدِّيْنِ أَبُو المَجْدِ خَزْعلُ بن عسكر بن خليل النشائي، المِصْرِيُّ، الشَّافِعِيُّ المُقْرِئُ، النَّحْوِيُّ، اللُّغَوِيُّ، نَزِيْلُ دِمَشْقَ.
سَمِعَ مِنَ السِّلَفِيِّ، وَقرَأَ بِبَغْدَادَ عَلَى: الكَمَالِ الأَنْبَارِيِّ أَكْثَرَ تَصَانِيْفِهِ.
وَأَقرَأ بِالقُدْسِ، ثُمَّ قَدِمَ دِمَشْقَ، وَأَمَّ بِمشهَدِ عَلِيٍّ، وَعَقَدَ الأَنكحَةَ، وَاتَّسْعَتْ حَلْقَتُهُ بِالعَزِيْزِيَّةِ.
أَخَذَ عَنْهُ أَبُو شَامَةَ، وَالكِبَارُ، وَكَانَ رَأْساً فِي العَرَبِيَّةِ، وَكَانَ يُعَظِّمُ الحَدِيْثَ، وَيَحضُّ عَلَى حِفْظِهِ، وَعِنْدَ الطَّلاَقِ لاَ يَأْخذ مِنْ أَحَدٍ شَيْئاً، وَيُؤثِرُ بِمَا أَمكنَهُ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ، وَلَهُ سِتٌّ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
5565- قاضي حران 2:
العَلاَّمَةُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ نَصْرِ بنِ أَبِي بَكْرٍ بنِ مُحَمَّدٍ الحَرَّانِيُّ، الحَنْبَلِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَارْتَحَلَ، وَتَفَقَّهَ بِبَغْدَادَ، وَبَرَعَ، وَسَمِعَ مِنْ: شُهْدَةَ الكَاتِبَةِ، وَعَبْدِ الحَقِّ، وَعِيْسَى الدُّوْشَابِيِّ، وَتَجَنِّي الوَهْبَانِيَّةِ، وَتَلاَ بِالرِّوَايَاتِ بِوَاسِطَ عَلَى أَبِي طَالِبٍ الكَتَّانِيِّ، وَابْنِ البَاقِلاَنِيِّ.
وَأَقرَأ بِبلدِهِ، وَحكمَ، وَحَدَّثَ، وَصَنَّفَ.
حَدَّثَنَا عَنْهُ: سِبْطُهُ أَبُو الغَنَائِمِ، وَالشِّهَابُ الأَبَرْقُوْهِيُّ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وعشرين وست مائة.
5566- القزويني:
الشَّيْخُ الزَّاهِدُ السَّائِحُ أَبُو المَنَاقِبِ مُحَمَّدُ ابْنُ العَلاَّمَةِ الكَبِيْرِ أَبِي الخَيْرِ أَحْمَدَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الطَّالْقَانِيُّ، القَزْوِيْنِيُّ.
أَقَامَ بِبَغْدَادَ مَعَ أَبِيْهِ مُدَّةً، ثُمَّ بَعدَهُ، وَتزَهَّدَ، وَلَبِسَ الصُّوفَ، وَجَالَ فِي الجزيرة، والشام،
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 266".
2 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 113".(16/158)
وَالرُّوْمِ، وَمِصْرَ، وَارتبطَ عَلَيْهِ مُلُوْكٌ وَكُبَرَاء، وَكَانَ يقول: أَنَا لاَ أَقْبَلُ مِنْهُم شَيْئاً إلَّا مَا أُنفِقُهُ فِي أَبْوَابِ الخَيْرِ، وَكَانَ فَقيراً مجرَّداً.
أَخرجَ إِلَى ابْنِ النَّجَّارِ "أَرْبَعينَات" جمعهَا، رَوَى فِيْهَا عَنْ أَبِي الوَقْتِ سَمَاعاً، وَعَنِ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الموسيَابَاذِي صَاحِبِ أَبِي صَالِحٍ المُؤَذِّنِ، ثم ظهر كذبه وادعاؤه ما لم يسمه، وَمَزّقُوا مَا كَتَبُوا عَنْهُ، وَافتُضِحَ.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: خَرَّجَ عَنْ أَبِي الوَقْتِ حَدِيْثَ السَّقِيْفَةِ بِطُوْلِهِ، رَكَّبَهُ عَلَى سَنَدِ بَعْضِ الثّلاَثِيَّاتِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ يَحكِي أَنَّ أَبَا المَنَاقِبِ كَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ المُلُوْكُ زائرين، وعرضوا عليه مالًا يَقبلْهُ، وَيَقُوْلُ: قَدْ عزَمَنَا عَلَى اسْتَعمَالِ بُسْطٍ لبَيْتِ المَقْدِسِ، فَإِنْ أَردْتُم أَنْ تَبذلُوا لِذَلِكَ، فَنَعَمْ، فَيُعْطُونَهُ، فَحصَّلَ جُمْلَةً، وَتَمزَّقَتْ، وَمَا بُورِكَ لَهُ، ثُمَّ كَسَدَتْ سُوقُهُ، وَاشْتُهِرَ نِفَاقُهُ، سَأَلتُهُ عَنْ مَوْلِدِهِ. فَقَالَ: يَوْمَ عَاشُورَاءَ سَنَة ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَقَالَ المُنْذِرِيُّ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ، أَوْ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.(16/159)
أخوه، ابن حوط الله:
5567- أَخُوْهُ:
الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الشَّافِعِيُّ، جَعَلَهُ أَبُوْهُ مُعِيدَ النِّظَامِيَّةِ. وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الأَزْهَرِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الوَاسِطِيِّ شَيْئاً من "مسند مسدد"، ثم زلي قَضَاءَ الرُّوْمِ، ثُمَّ عُزِلَ، وَسَكَنَ إِرْبِلَ، وَقَدِمَ بَغْدَادَ رَسُوْلاً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْتُ جَمَاعَةً يرمونه بالكذب، ويذمونه.
مَاتَ بِالرُّوْمِ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وله ستون سنة.
5568- ابن حوط الله 1:
الإِمَامُ العَالِمُ الصَّالِحُ المُحَدِّثُ الحَافِظُ القَاضِي أَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ دَاوُدَ بنِ عبد الرحمن بنِ سُلَيْمَانَ بنِ عُمَرَ بنِ حَوْطِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، الحَارِثِيُّ، البَلَنْسِيُّ، الأُنْدِيُّ.
وَأُنْدَةُ: مِنْ عَملِ بَلَنْسِيَّةَ.
وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ. وَنَزَلَ مَالقَةَ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَأَخِيْهِ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ حُبَيْشٍ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ بَشْكُوَالَ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ حُمَيْدٍ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ زَرْقُوْنَ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ ابْنِ الفَخَّارِ، وَعَبْدِ الحَقِّ بنِ بُونُه، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَخَلْقٍ. وَرَحَلَ وَجَمَعَ وَحصَّلَ، وأجاز له: أبو الطاهر بن عوف من الإِسْكَنْدَرِيَّةِ.
قَالَ الأَبَّارُ: شُيُوْخُهُ يَزِيدُوْنَ عَلَى المائَتَيْنِ، وَكَانَتِ الرِّوَايَةُ أَغَلَب عَلَيْهِ مِنَ الدِّرَايَةِ، وَكَانَ هُوَ وَأَخُوْهُ أَوسعُ أَهْلِ الأَنْدَلُسِ رِوَايَةً فِي وَقتهِمَا، مَعَ الجَلاَلَةِ وَالعدَالَةِ.
قَالَ: وَكَانَ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَرِعاً، مُنْقَبِضاً، وَلِيَ قَضَاءَ الجَزِيْرَةِ الخَضْرَاءَ، ثم قضاء بلنسية، وبه لَقِيْتُهُ، وَتُوُفِّيَ عَلَى قَضَاءِ مَالقَةَ فِي سَادسِ رَبِيْعٍ الآخَرِ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْدِي وَرَوَى عَنْهُ: لَمْ أَرَ أَكْثَرَ بَاكياً مِنْ جِنَازَتِهِ، وَحُمِلَ نَعشُهُ عَلَى الأكف، رحمه الله.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "3/ 1398، 1399"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 94".(16/159)
5569- ابن عبد السميع 1:
الإِمَامُ العَدْلُ المَأْمُوْنُ المُقْرِئُ المُجَوِّدُ المُحَدِّثُ، شَيْخُ واسط، أَبُو طَالِبٍ عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدِ بنِ عبد السميع بن أَبِي تَمَّامٍ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ السَّمِيْعِ القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ، الوَاسِطِيُّ، المُعَدَّلُ. وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ.
وَتَلاَ عَلَى: أَبِي السَّعَادَاتِ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ، وَأَبِي حُمَيدٍ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَلِيٍّ السُّمَاتِيِّ. وَسَمِعَ مِنْ جدِّهِ، وَمِنْ: مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي زَنْبَقَةَ، وَخَلْقٍ بِوَاسِطَ، وَهِبَةِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ الشِّبْلِيِّ، وَابْنِ البَطِّيِّ، وَابْنِ تَاجِ القُرَّاءِ، وَالشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ، وَعِدَّةٍ.
وَكَتَبَ، وَجَمَعَ وَصَنَّفَ، وَرَوَى الكَثِيْرَ، وَكَانَ صَدْراً نبيلاً، عَالِماً، ثِقَةً، حسنَ النَّقْلِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الطَّاهِرِ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بنُ أَبِي الجيش، وَعزُّ الدِّينِ الفَارُوْثِيُّ، وَابْنُ الدُّبَيْثِيِّ وَجَمَاعَةٌ، وَبِالإِجَازَةِ: أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ.
مَاتَ فِي سَادسِ المُحَرَّمِ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَلَهُ أَرْجُوزَةٌ فِي الاعْتِقَادِ، يَتطرَّقُ إِلَيْهَا الانتقَادُ، وَيُلَقَّبُ بِالشِّينَاتِيِّ -كَمَا نُظِمَ فِيْهِ:
شَرَفُ الدِّيْنِ شَيْخُنَا شَافعِيٌّ ... شَاعِرٌ شَاهِدٌ شَرِيْفٌ شُرُوْطِيّ
وَلَهُ كِتَابُ "لُبَاب المَنْقُوْلِ فِي فَضَائِلِ الرَّسُولِ"، وَكِتَابُ "فَضَائِل الأَيَّامِ وَالشُّهورِ"، وَكِتَابُ "تَعبِير الرُّؤيَا"، وَ"النُّخَب فِي الخُطَبِ"، وَأَشيَاءُ.
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ بنُ عَبْدِ السَّمِيْعِ إِذْناً -إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَاعاً- بِوَاسِطَ، وَأَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ بقِرَاءةِ أَبِي عَلَيْهِ -وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ، عَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: سيَكُوْنُ أَقْوَامٌ يَخضِبُوْنَ بِالسَّوَادِ كحوَاصِلِ الحَمَامِ، لاَ يَرِيحُوْنَ رَائِحَةَ الجَنَّةِ.
وَبِهِ: إِلَى البَغَوِيِّ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بنُ الحَارِثِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ الرَّقِّيُّ، فَذَكَرَهُ مَرْفُوْعاً إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَبِي تَوبَةَ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الحلبي، كلاهما عن عبيد الله مرفوعًا.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 260"، وشذرات الذهب "5/ 94، 95".(16/160)
5570- ابن عساكر 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِمُ القُدْوَةُ المُفْتِي شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ فخر الدين أَبُو مَنْصُوْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ الدِّمَشْقِيُّ الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ عمَّيهِ: الصَّائِنِ، والحافظ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الحَسَنِ الدَّارَانِيِّ، وَحَسَّانِ بنِ تَمِيْمٍ، وَأَبِي المَكَارِمِ بنِ هِلاَلٍ، وَدَاوُدَ بنِ مُحَمَّدٍ الخَالِدِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَسْعَدَ العِرَاقِيِّ، وَابْنِ صَابِرٍ، وَعِدَّةٍ.
وَتَفَقَّهَ بِالقُطْبِ النَّيْسَابُوْرِيِّ، وَتَزَوَّجَ بِابْنتِهِ، وَجَاءهُ وَلدٌ مِنْهَا سَمَّاهُ مَسْعُوْداً مَاتَ شَابّاً.
دَرَّسَ بِالجَارُوْخِيَّةِ، ثُمَّ بِالصَّلاَحيَّةِ بِالقُدْسِ، وَبِالتَّقَوِيَّةِ بِدِمَشْقَ، فَكَانَ يُقِيْمُ بِالقُدْسِ أَشْهُراً، وَبِدِمَشْقَ أَشهراً، وكان عنده بالتقوية فضلاء البلد، حَتَّى كَانَتْ تُسمَّى نِظَامِيَّة الشَّامِ، ثُمَّ درَّسَ بِالعَذْرَاويَّةِ سَنَةَ 593، وَمَاتَتِ السِّتُّ عذرَاءُ، وَبِهَا دُفِنَت، وهي أخت الأمير عز الدين فروخشاه.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 366"، والنجوم الزاهرة "6/ 256"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 92، 93".(16/161)
وَكَانَ فَخْرُ الدِّيْنِ لاَ يَمَلُّ الشَّخْصُ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ، لحُسْنِ سَمْتِهِ، وَنُورِ وَجهِهِ، وَلطفِهِ وَاقتصَادِهِ فِي ملبَسِهِ، وَكَانَ لاَ يَفتُرُ مِنَ الذِّكْرِ، وَكَانَ يُسَمِّعُ الحَدِيْثَ تَحْتَ النّسْرِ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: أَخذتُ عَنْهُ مَسَائِلَ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ المُعَظَّم لِيُوَلِّيَهُ القَضَاءَ، فَأَبَى، وَطَلَبَهُ ليلاً فَجَاءهُ، فَتلقاهُ وَأَجْلَسَهُ إِلَى جَنْبِهِ، فَأُحضرَ الطَّعَامُ فَامْتَنَعَ، وَأَلحَّ عَلَيْهِ فِي القَضَاءِ، فَقَالَ: أَسْتخيرُ اللهَ، فَأَخْبرنِي مَنْ كَانَ مَعَهُ، قَالَ: وَرجعَ وَدَخَلَ بَيْتَهُ الصَّغِيْرَ الَّذِي عِنْدَ مِحْرَابِ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ أَكْثَرَ النَّهَارِ فِيْهِ، فَلَمَّا أصبحَ أَتَوْهُ فَأَصرَّ عَلَى الامتنَاعِ، وَأَشَارَ بِابْنِ الحَرَسْتَانِيِّ فَوُلِّيَ، وَكَانَ قَدْ خَافَ أَنْ يُكْرَهَ فَجَهَّزَ أَهْلَهُ لِلسَّفَرِ، وَخَرَجَتِ المحَابرُ إِلَى نَاحِيَةِ حَلَبَ، فَرَدَّهَا العَادلُ، وَعَزَّ عَلَيْهِ مَا جَرَى.
قَالَ: وَكَانَ يَتورَّعُ مِنَ المرُوْرِ فِي زُقَاقِ الحَنَابِلَةِ لِئَلاَّ يَأْثَمُوا بِالوقيعَةِ فِيْهِ، وَذَلِكَ لأَنَّ عوَامَّهُم يُبغِضُونَ بنِي عَسَاكِرَ لِلتَّمَشْعُرِ، وَلَمْ يولِّهِ المُعَظَّم تدرِيسَ العَادليَّةِ لأَنَّه أَنْكَرَ عَلَيْهِ تَضْمِينَ الخَمْرِ وَالمكسِ، ثُمَّ لَمَّا حَجَّ أخذَ مِنْهُ التَّقَوِيَّةَ وَصلاَحيَّةَ القُدْسِ، ولم يبق له سوى الجاروخية.
قال أَبُو المُظَفَّرِ الجَوْزِيُّ: كَانَ زَاهِداً، عَابِداً، وَرِعاً، منقطعًا إلى العِلْمِ وَالعِبَادَةِ، حسنَ الأَخْلاَقِ، قَلِيْلَ الرَّغبَةِ فِي الدُّنْيَا، تُوُفِّيَ فِي عَاشرِ رَجَبٍ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقلَّ مَنْ تخلَّفَ عَنْ جِنَازَتِهِ.
وَقَالَ أَبُو شَامَةَ: أَخْبَرَنِي مَنْ حضَرَهُ قَالَ: صَلَّى الظُّهْرَ، وَجَعَلَ يَسْأَلُ عَنِ العصرِ، وَتوضَأَ ثُمَّ تَشهَّدَ وَهُوَ جَالِسٌ، وَقَالَ: رضيتُ بِاللهِ ربّاً، وَبِالإِسْلاَمِ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيّاً، لقَّنَنِي اللهُ حُجَّتِي وَأَقَالَنِي عَثْرَتِي وَرَحِمَ غُرْبَتِي. ثُمَّ قَالَ: وعليك السَّلاَمُ، فَعلِمْنَا أَنَّهُ حضَرَتِ المَلاَئِكَةُ، ثُمَّ انْقَلْبَ مَيتاً. غسَّلَهُ الفَخْرُ ابْنُ المَالِكِيِّ، وَابْنُ أَخِيْهِ تَاجُ الدِّيْنِ، وَكَانَ مَرَضُهُ بِالإِسهَالِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ أَخُوْهُ زَينُ الأُمَنَاءِ، وَمَنِ الَّذِي قَدِرَ عَلَى الوُصُوْلِ إِلَى سَرِيْرِهِ?
وَقَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: هُوَ أَحَدُ الأَئِمَّةِ المُبرزِينَ، بَلْ وَاحدُهُم فَضْلاً وَقدراً، شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ، كَانَ زَاهِداً، ثِقَةً، متجهِّداً، غزِيْرَ الدَّمْعَةِ، حسنَ الأَخْلاَقِ، كَثِيْرَ التَّوَاضعِ، قَلِيْلَ التَّعَصُّبِ، سلكَ طَرِيْقَ أَهْل اليَقينِ، وَكَانَ أَكْثَرَ أَوقَاتِهِ فِي بَيْتِهِ فِي الجَامِعِ يَنشرُ العِلْمَ، وَكَانَ مطَّرِحَ الكَلَفِ، عُرِضَتْ عَلَيْهِ منَاصبُ فَتركهَا، وُلِدَ فِي رَجَبٍ وَعَاشَ سَبْعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ الجمعُ لاَ يَنحصرُ كَثْرَةً فِي جِنَازَتِهِ. حَدَّثَ بِمَكَّةَ، وَدِمَشْقَ، وَالقُدْسَ، وَصَنَّفَ عِدَّةَ مُصَنَّفَاتٍ، وَسَمِعنَا منه.
وَقَالَ القُوْصِيُّ: كَانَ كَثِيْرَ البُكَاءِ، سرِيعَ الدُّمُوعِ، كَثِيْرَ الوَرَعِ وَالخشوعِ، وَافرَ التَّوَاضعِ وَالخضوعِ، كَثِيْرَ التَّهجُّدِ، قَلِيْلَ الهجوعِ، مبرزاً فِي عِلْمَي الأُصُوْلِ وَالفُرُوْعِ، وَعَلَيْهِ تَفقَّهْتُ، وَعرضتُ عَلَيْهِ "الخُلاَصَة" لِلْغزَالِيِّ، وَدفنَ عِنْدَ شَيْخِهِ القُطْبِ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ البِرْزَالِيُّ، وَالضِّيَاءُ، وَالزَّيْنُ خَالِدٌ، وَالقُوْصِيُّ، وَابْنُ العَدِيْمِ، وَالتَّاجُ عَبْدُ الوَهَّابِ ابْنُ زَينِ الأُمَنَاءِ، وَالقَاضِي كَمَالُ الدِّيْنِ إِسْحَاقُ بنُ خَلِيْلٍ الشَّيْبَانِيُّ، وَجَمَاعَةٌ. وَسَمِعنَا بِإِجَازتِهِ مِنْ عُمَرَ ابْنِ القَوَّاسِ، وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّيْنِ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَغَيْرُهُ.
وَفِيْهَا مَاتَ: الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ المَقْدِسِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ ظَفَرِ بنِ هُبَيْرَةَ، وَصَالِحُ بنُ القَاسِمِ بنِ كَوّر، وَالحُسَيْنُ بنُ يَحْيَى بنِ أَبِي الرَّدَّادِ المِصْرِيُّ، وَأَكْمَلُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ العَلَوِيُّ الكَرْخِيُّ، وَعَبْدُ السَّلاَمِ بنُ المُبَارَكِ البَرْدَغولِيُّ، وَصَاحِبُ الغَرْبِ يُوْسُفُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَعْقُوْبَ.(16/162)
صاحب توريز، البردغولي:
5571- صاحب توريز:
السُّلْطَانُ مُظَفَّرُ الدِّيْنِ أُزبكُ بنُ مُحَمَّد البَهْلَوَانِ بنِ إِلْدُكُز.
عَظُمَ أَمرُهُ لَمَّا قُتِلَ طُغْرِل آخرَ سلاَطينِ السَّلْجُوْقيَّةِ، وَامتدَّتْ أَيَّامُهُ، وَكَانَ مُنْهَمِكاً فِي الشُّرْبِ وَاللَّذَاتِ، فَنَازَلَتْهُ المُغلُ، فَصَانَعهُم، وَبَذَلَ لَهُم الأَمْوَالَ، فَسكتُوا عَنْهُ، ثُمَّ ضَايقُوا الخُوَارِزْمِيَّةَ، وَقَالُوا لَهُ: اقتُل مَنْ عِنْدَكَ مِنَ الخُوَارِزْمِيَّةِ، ففعل، وكان قد تزوج ببنت السلطان طغرل وجرت له أُمُوْرٌ، ثُمَّ دَهَمَهُ خُوَارِزْم شَاه جَلاَلُ الدِّيْنِ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ، وَاسْتَوْلَى عَلَى أَذْرَبِيْجَانَ، وَعظُمَ سُلْطَانُهُ، فَهَرَبَ أُزبكُ إِلَى كَنْجَةَ فَتزوَّجَ خُوَارِزْم شَاه بابْنَةِ السُّلْطَانِ، حَكَمَ لَهُ القَاضِي بوُقُوْعِ طلاَقِ أُزبكَ لَهَا، ثُمَّ هَرَبَ أُزبكُ مِنْهُ إِلَى بَعْضِ القِلاعِ، وَهَلَكَ، وَتلاشَى أَمرُهُ، وكان أبوه ملكًا أيضًا.
5572- البردغولي 1:
الشَّيْخُ الصَّالِحُ المُعَمَّرُ أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ المُبَارَكِ بنِ أَبِي الغَنَائِمِ عَبْدِ الجَبَّارِ بنِ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ العَتَّابِيُّ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ البَرْدَغُولِيِّ.
شيخٌ صَدُوْقٌ، مُتَيَقِّظٌ، مُسِنٌّ.
وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَحْمَدَ بنِ الطَّلاَّيَةِ الزَّاهِدِ، وَوَاثقِ بنِ تَمَّامٍ، وَعَبْدِ الخَالِقِ اليُوْسُفِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَجمَالُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الفَرَجِ ابْن الدَّبَّابِ، عِنْدَهُ عَنْهُ "جزءُ ابْنِ الطَّلاَّيَةِ".
تُوُفِّيَ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 257".(16/163)
ابن صرما، الناصر لدين الله
5573- ابن صرما 1:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ المُعَمَّرُ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ يوسف ابن الشيخ محمد بن أَحْمَدَ بنِ صِرْمَا الأَزَجِيُّ، المُشْتَرِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ ظَنّاً.
وَسَمِعَ مِنْ أَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيِّ كِتَابَ "المَصَاحِفِ" وَ"صفَة المُنَافِقِ" وَ"المهروَانِيَّات" وَالتَّاسعَ مِنْ "فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ" لِلدَّارَقُطنِيِّ وَالأَوَّلَ مِنْ "صَحِيْحِهِ" وَ"جُزْء ابْن شَاهِيْنَ" وَالثَّالِثَ مِنَ "الحَرْبيَّاتِ". وَسَمِعَ مِنِ ابْنِ الطَّلاَّيَةِ، وَعَبْدِ الخَالِقِ اليُوْسُفِيِّ، وَابْنِ نَاصِرٍ، وَسَعِيْدِ ابْنِ البَنَّاءِ، وَأَبِي الوَقْتِ، وَعِدَّةٍ.
رَوَى عَنْهُ: الضِّيَاءُ، وَالدُّبَيْثِيُّ، وَمَكِّيُّ بنُ بَشَرٍ، وَالكَمَالُ الفُوَيْرِه، وَالجمَالُ مُحَمَّد ابْن الدَّبَّابِ، وَالشِّهَابُ الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
سمِعنَا مِنْ طرِيقِهِ "نُسْخَة" يَحْيَى بن مَعِيْنٍ، وَخَرَّجَ لَهُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ بُوْرندَاز "أَرْبَعِيْنَ" سَمِعَهَا مِنْهُ الكَمَالُ الفُوَيْرِه.
5574- النَّاصِرُ لِدِيْنِ الله 2:
الخَلِيْفَةُ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ ابْنُ المُسْتَضِيْءِ بِأَمْرِ الله أبي مُحَمَّدٍ الحَسَنُ ابْنُ المُسْتَنْجِدِ بِاللهِ يُوْسُفَ ابْنِ المُقْتَفِي مُحَمَّدُ ابنُ المُسْتَظْهِر بِاللهِ أَحْمَدَ ابْن المقتدِي الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
مَوْلِدُهُ فِي عَاشرِ رَجَبٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَبُوْيِعَ فِي أَوَّلِ ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ، وَكَانَ أَبْيَضَ، مُعْتَدِلَ القَامَةِ، تُرْكِيَّ الوَجْهِ، مليحَ العَينَيْنِ، أَنورَ الجبهَةِ، أَقنَى الأَنفِ، خفِيفَ العَارضَينِ، أَشقرَ، رقيقَ المَحَاسِنِ، نَقْشَ خَاتَمِهِ: رجَائِي مِنَ اللهِ عَفْوُهُ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 260"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 94".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 261، 262"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 97-99".(16/164)
وأَجَاز لَهُ أَبُو الحُسَيْنِ اليُوْسُفِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَسَاكِرَ البَطَائِحِيُّ، وَشُهْدَةُ الكَاتِبَةُ، وَطَائِفَةٌ.
وَقَدْ أَجَازَ لجَمَاعَةٍ مِنَ الأَئِمَّةِ وَالكُبَرَاءِ، فَكَانُوا يُحَدِّثُونَ عَنْهُ فِي أَيَّامِهِ، وَيَتنَافسُوْنَ فِي ذَلِكَ، وَيَتفَاخرُوْنَ بِالوَهْمِ.
وَلَمْ يَلِ الخِلاَفَةَ أَحَدٌ أَطولَ دَوْلَةٍ مِنْهُ، لكم صَاحِبَ مِصْرَ المُسْتَنْصِرَ العُبَيْدِيِّ وَلِيَ سِتِّيْنَ سَنَةً، وَكَذَا وَلِيَ الأَنْدَلُسَ النَّاصِرُ المَرْوَانِيُّ خَمْسِيْنَ سَنَةً.
كَانَ أَبُوْهُ المُسْتَضِيْءُ قَدْ تَخوَّفَ مِنْهُ، فَحَبَسَهُ، ومال إلى أخيه أبي مَنْصُوْرٍ، وَكَانَ ابْنُ العَطَّارِ وَكُبَرَاءُ الدَّوْلَةِ مَيْلُهُم إِلَى أَبِي مَنْصُوْرٍ، وَكَانَتْ حَظِيَّةُ المُسْتَضِيْءِ بَنَفْشَا وَالمَجْدُ ابْنُ الصَّاحِبِ وَطَائِفَةٌ مَعَ أَبِي العَبَّاسِ، فَلَمَّا بُوْيِعَ قُبِضَ عَلَى ابْنِ العَطَّارِ، وَأُهْلِكَ فسحب في الشوارع مَيْتاً، وَطَغَى ابْنُ الصَّاحِبِ إِلَى أَنْ قُتِلَ.
قَالَ المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ: كَانَ النَّاصِرُ شَابّاً مَرِحاً عِنْدَهُ مَيْعَةُ الشَّبَابِ، يَشقُّ الدُّروبَ وَالأَسواقَ أَكْثَرَ اللَّيْلِ، وَالنَّاسُ يَتهيَّبُوْنَ لُقيَاهُ، وَظَهرَ الرَّفضُ بِسَبَبِ ابْنِ الصَّاحبِ ثُمَّ انْطفَأَ بِهَلاَكِه وَظهرَ التَّسَنُّنُ، ثُمَّ زَالَ، وَظَهرتِ الفُتوّةُ وَالبُندق وَالحَمام الهادي، وتفنن الناس في ذلك، ودخل في الأَجلاَّء ثُمَّ المُلُوْكُ، فَأُلْبِسَ العَادلُ وَأَوْلاَده سرَاويل الفُتوّة، وَشِهَاب الدِّيْنِ الغُوْرِيّ صَاحِب غَزْنَةَ وَالهِنْد وَالأَتَابَك سَعْد صَاحِب شيرَاز، وَتَخوّف الدِّيْوَان مِنَ السُّلْطَانِ طُغْرِيْلَ، وَجَرَتْ مَعَهُ حُرُوْبٌ وَخُطُوبٌ، ثُمَّ اسْتدعُوا خُوَارِزْمشَاه تُكُش لِحَرْبِهِ، فَالتقَاهُ عَلَى الرَّيِّ، وَاحتزَّ رَأْسَه، وَنفذه إِلَى بَغْدَادَ، ثُمَّ تَقدّمَ تُكُشُ نَحْوَ بَغْدَادَ يَطلبُ رُسُومَ السَّلطنَةِ، فَتحرّكتْ عَلَيْهِ أُمَّةُ الخَطَا، فَردّ إِلَى خُوَارِزْم وَمَاتَ. وَقَدْ خطبَ النَّاصِر بِوِلاَيَةِ العَهْد لوَلَده الأَكْبَر أَبِي نَصْرٍ، ثُمَّ ضيّق عَلَيْهِ لِما اسْتشعر مِنْهُ وَعيّن أَخَاهُ، وَأُخِذَ خطّ بِاعترَاف أَبِي نَصْرٍ بِالعجز، أفسد مَا بَيْنهُمَا النّصيْر بن مَهْدِيٍّ الوَزِيْر، وَأَفسد قُلُوْب الرَّعِيَّة وَالجُنْد عَلَى النَّاصِر وَبغّضه إِلَى المُلُوْك، وَزَادَ الفسَاد، ثُمَّ قُبِض عَلَى الوَزِيْر، وَتَمَكَّنَ بِخُرَاسَانَ خُوَارِزْمشَاه مُحَمَّدُ بنُ تَكِشّ وَتَجبّر وَاسْتَعْبَد المُلُوْك وَأَبَاد الأُمَم مِنَ التّرك وَالخَطَا، وَظلم وَعسف، وَقطع خطبَة الناصر من بلاده، ونال منه، وَقصد بَغْدَاد، وَوصل بوَادره إِلَى حُلْوَان فَأَهْلكهُم بِبَلْخَ، دَام عِشْرِيْنَ يَوْماً وَاتعظُوا بِذَلِكَ، وَجَمَعَ النَّاصِر الجَيْش، وَأَنفق الأَمْوَال، وَاسْتعدّ، فَجَاءتِ الأَخْبَار أَنَّ التّرك قَدْ حشدُوا، وَطمعُوا فِي البِلاَد، فَكرّ إِلَيْهِم وَقصدهُم فَقصدُوْهُ وَكثروهُ إِلَى أَنْ مزّقوهُ، وَبلبلُوا لُبّه وَشتّتُوا شَمله، وَملكُوا الأَقطَار، وَصَارَ أَيْنَ تَوجّه وَجد سيوفهُم متحكمَةً فِيْهِ، وَتَقَاذفتْ بِهِ البِلاَد، فَشرّق وَغرّب، وَأَنجد وَأَسهل، وَأَصحر وَأَجبل، وَالرّعب قَدْ زَلْزَلَ لُبَّهُ، فَعند ذَلِكَ قَضَى نَحْبَه.(16/165)
قُلْتُ: جَرَى لَهُ وَلابْنِهِ منكوبرتي عَجَائِب وَسيرٌ، وَذَلِكَ عِنْدِي فِي مُجَلَّد أَلّفه النَّسَوِيّ كَاتِب الإِنشَاء.
قَالَ المُوَفَّقُ: وَكَانَ الشَّيْخ شِهَاب الدِّيْنِ السُّهْرَوَرْدِيّ لَمّا ذهب فِي الرِّسَالَة خَاطب خُوَارِزْم شَاه مُحَمَّداً بِكُلِّ قَوْل، وَلاَطفه، وَلاَ يَزدَاد إلَّا عتُوّاً، وَلَمْ يَزَلِ النَّاصِر فِي عزّ وَقمع الأَعْدَاء، وَلاَ خَرَجَ عَلَيْهِ خَارِجِيّ إلَّا قمعه، وَلاَ مخَالف إلَّا دَمَغَهُ، وَلاَ عَدو إلَّا خذل، كَانَ شَدِيد الاهتمَام بِالملك، لاَ يَخفَى عَلَيْهِ كَبِيْر شَيْء مِنْ أُمُوْر رَعيته، أَصْحَاب أَخْبَاره فِي البِلاَد، حَتَّى كَأَنَّهُ شَاهِد جَمِيْع البِلاَد دفعَة وَاحِدَة، كَانَتْ لَهُ حيل لطيفَة، وَخدع لاَ يَفطُنُ إِلَيْهَا أَحَد، يُوقع صدَاقَة بَيْنَ مُلُوْك متعَادِيْنَ، وَيوقع عدَاوَة بَيْنَ ملوك متوادين ولا يفطنون.
إلى أن قال: ولما دخل رسول الله صَاحِب مَازندرَان بَغْدَادَ كَانَتْ تَأتيه كُلّ صبَاح وَرقَة بِمَا فَعل فِي اللَّيْلِ فَصَارَ يُبَالِغ فِي التَّكتم، وَاختلَى لَيْلَة بِامْرَأَة فَصبحته وَرقَة بِذَلِكَ، فَتحيّر، وَخَرَجَ لاَ يَرتَاب أَنَّ الخَلِيْفَة يَعلم الغِيب.
قُلْتُ: أَظنّه كَانَ مخدوماً مِنَ الجن.
قال: وأتى رسول خوارزم شاه الرسالة مخفِيَّة وَكِتَاب مختُوْم، فَقِيْل: ارْجِع فَقَدْ عرفنَا مَا جِئْت بِهِ! فَرَجَعَ وَهُوَ يظنّ أَنَّ النَّاصِر وَلِي للهِ. وَجَاءَ مرَّة رَسُوْل لخُوَارِزْم شَاه فَحُبِسَ أَشهراً ثُمَّ أُعْطِي عَشْرَة آلاَف دِيْنَار فَذَهَبَ وَصَارَ منَاصحاً لِلْخَلِيْفَة. وَبَعَثَ قَاصداً يَكشف لَهُ عَسْكَر خُوَارِزْم شَاه، فَشوّه وَجهه وَتَجَانَنَ، وَأَنَّهُ ضَاع حِمَاره، فَسخرُوا مِنْهُ، وَضحكُوا، وَتردد بَيْنهُم أَرْبَعِيْنَ يَوْماً، ثُمَّ رَدّ إِلَى بَغْدَادَ، وَقَالَ: القَوْمُ مائَة وَتِسْعُوْنَ أَلْفاً، يَزِيدُوْنَ أَلْفاً أَوْ يَنقصُوْنَ.
وَكَانَ النَّاصِر إِذَا أَطعم أَشبع، وَإِذَا ضَرَبَ أَوجع؛ وَصل رَجُل بِبّغَاء تَقرَأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} هديَّة لِلنَّاصِر، فَأَصْبَحت مِيتَة وَحزن فَأَتَاهُ فرَاش يَطلب الببّغَاء فَبَكَى، وَقَالَ: مَاتَتْ. قَالَ: عرفنَا، فَهَاتهَا ميتَة، وَقَالَ: كَمْ كَانَ أَمَلكَ? قَالَ: خَمْس مائَة دِيْنَارٍ، قَالَ: خُذهَا فَقَدْ بعثَهَا إِلَيْك أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ، فَإِنَّهُ عَالِم بِأَمرك مُنْذُ خَرَجت مِنَ الهِنْد! وَكَانَ صدرجهَان قَدْ قَدِمَ بَغْدَادَ فِي جَمع مِنَ الفُقَهَاء، فَقَالَ وَاحِد مِنْهُم عَنْ فَرسه: لاَ يَقدر الخَلِيْفَة أَنْ يَأْخذهَا مِنِّي؛ قَالَ ذَلِكَ فِي سَمَرْقَنْد، وَعرف النَّاصِر فَأَمر بَعْض الزّبّالين أَنْ يَتعرض لَهُ وَيَضربه وَيَأْخذ الْفرس مِنْهُ بِبَغْدَادَ، وَيهرب بِهَا فِي الزّحمَة، ففعل، فجاءه الفَقِيْه إِلَى الأَبْوَاب يَسْتَغِيث وَلاَ يُغَاث، فَلَمَّا رجعوا من الحج خلع على صدرجهان وَأَصْحَابه سِوَى ذَلِكَ الفَقِيْه، ثُمَّ بَعْد خُلِعَ عَلَيْهِ، وَقدّمت لَهُ فَرسه وَعَلَيْهَا سرج مُذَهَّب، وَقِيْلَ لَهُ: لَمْ يَأْخُذْ فَرسك الخَلِيْفَة، إِنَّمَا أَخَذَهَا زبّال، فَغُشِيَ عَلَيْهِ.(16/166)
قُلْتُ: مَا تَحْتَ هَذَا الفِعْل طَائِل، فُكُلُّ مَخْدُومِ وَكَاهن يَتَأَتى لَهُ أَضعَاف ذَلِكَ.
قَالَ المُوَفَّقُ عَبْد اللَّطِيْفِ: وَفِي وَسط وِلاَيته اشْتَغَل برِوَايَة الحَدِيْث، وَاسْتنَاب نُوَاباً يَروون عَنْهُ، وَأَجرَى عَلَيْهِم جرَايَات، وَكَتَبَ لِلمُلُوْك وَالعُلَمَاء إِجَازَات، وَجَمَعَ كِتَاباً سَبْعِيْنَ حَدِيْثاً وَصل عَلَى يَد السُّهْرَوَرْدِيّ إِلَى حَلَب فَسَمِعَهُ الظَّاهِر، وَجمَاهير الدَّوْلَة وَشرخته. وَسَبَب مَيْله إِلَى الرِّوَايَة أَن قَاضِي القُضَاةِ العَبَّاسِيّ نُسِبَ إِلَيْهِ تَزوير فَأَحضروهُ وَثَلاَثَة مِنَ الشُّهُود، فَعزّر القَاضِي بتخرِيق عِمَامَته، وَطيف بِالثَّلاَثَة عَلَى جَمَال بِالذّرة، فَمَاتَ أَحَدهُم لَيْلَتَئِذٍ وَالآخر لبس لبس الفُسَّاق، وَالثَّالِث اخْتفَى وَهُوَ المُحَدِّثُ البَنْدَنِيْجِيّ رفِيقُنَا، وَاحتَاج وَبَاع فِي كُتُبِه فَوَجَد فِي الجزَاز إِجَازَة لِلنَاصِر مِنْ مَشَايِخ بَغْدَاد، فَرفعهَا إِلَيْهِ، فَخُلِع عَلَيْهِ وَأعْطي مائَة دِيْنَارٍ، ثُمَّ جُعِلَ وَكِيْلاً عَنِ النَّاصِر فِي الإِجَازَة وَالتّسمِيْع.
قُلْتُ: مِمَّنْ يَرْوِي عَنِ النَّاصِر بِالإِجَازَةِ عَبْد الوَهَّابِ بن سُكَيْنَة، وَابْن الأَخْضَرِ، وَقَاضِي القُضَاةِ ابْن الدَّامَغَانِيّ، وَوَلِي العَهْد، وَالملك العَادل، وبنوه، وشيخانا: محمود الزنجاني، والمقداد القيسي.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: شرّفنِي النَّاصِر بِالإِجَازَةِ، وَرويت عَنْهُ بِالحَرَمَيْنِ وَدِمَشْق وَالقُدْس وَحَلَب وَبَغْدَاد وَأَصْبَهَان ونيسابور ومرو وهمذان.
قال الموفق: وأقم مُدَّة يُرَاسل جَلاَل الدِّيْنِ الصَّبَّاحِيّ صَاحِب الأَلموت يرَاوده أَنْ يَعيد شعَار الإِسْلاَم مِنَ الصَّلاَةِ والصيام مما تركوه فيزمان سنَان، وَيَقُوْلُ لَهُم: إِنَّكُم إِذَا فَعَلتُم ذَلِكَ كُنَّا يَداً وَاحِدَة. وَاتّفقَ أَنَّ رَسُوْلَ خُوَارِزْم شَاه قَدِمَ فَزوّر عَلَى لِسَانه كتب فِي حق الملاَحدَة تَشتمل عَلَى الْوَعيد، وَعَزْم الإِيقَاع بِهِم، وَأَنَّهُ يَخرّب قلاعهُم وَيطلب مِنَ النَّاصِر المعونَة، وَأُحضر رَجُل مِنْهُم كَانَ قَاطناً بِبَغْدَادَ وَوقِّفَ عَلَى الكُتُب، وَأُخْرِج بِهَا وَبكُتُب مِنَ النَّاصِر عَلَى وَجه النّصح نِصْف اللَّيْل عَلَى البَرِيْدِ، فَقَدِم الأَلموت فَأَرهبهُم فَتظَاهِرُوا بِالإِسْلاَمِ وَإِقَامَة الشّعَار، وَبعثَوا رَسُوْلاً مَعَهُ مائَتَا شَابّ وَدَنَانِيْر كِبَاراً عَلَيْهَا: "لاَ إِلَهَ إلَّا الله مُحَمَّدٌ رَسُوْلُ اللهِ"، وَطَافَ المائَتَانِ بِهَا يَعلنُوْنَ بِالشهَادتين.
وَكَانَ النَّاصِر قَدْ ملأَ القُلُوْب هَيْبَة وَخيفَة، حَتَّى كَانَ يَرهبه أَهْل الهِنْد، وَأَهْل مِصْرَ، فَأَحيَى هَيْبَة الخِلاَفَة. لَقَدْ كُنْت بِمِصْرَ وَبِالشَّام فِي خلوَات المُلُوْك وَالأَكَابِر إِذَا جَرَى ذَكَرَهُ خفضُوا أَصوَاتهُم إِجلاَلاَ لَهُ. وَردَ بَغْدَاد تَاجر مَعَهُ مَتَاع دِمْيَاط المُذَهَّب، فَسَأَلُوْهُ عَنْهُ فَأَخفَاهُ فَأُعْطِي علاَمَات فِيْهِ مِنْ عدده وَأَلوَانه وَأَصْنَافه، فَازدَاد إِنْكَاره، فَقِيْلَ لَهُ: مِنَ العلاَمَات أَنَّك نَقمْت عَلَى مَمْلُوْكك فُلاَن التُّرْكِيّ فَأَخَذتهُ إِلَى سَيْف بَحر دِمْيَاط وَقتلته، وَدفنته هُنَاكَ خلوَة.(16/167)
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: دَانت لِلنَاصِر السَّلاَطِيْن، وَدَخَلَ تَحْتَ طَاعته المخَالفُوْنَ، وَذلَّت لَهُ العُتَاة، وَانقهرت بِسَيْفِهِ البُغَاة، وَاندحض أَضدَاده، وَفتح البِلاَد العَدِيْدَة، وَملك مَا لَمْ يَملكه غَيْرُه، وَخُطِبَ لَهُ بِالأَنْدَلُسِ وَبِالصّين، وَكَانَ أَسد بَنِي العَبَّاسِ تَتصدَّع لِهَيْبَتِهِ الجِبَال، وَتذل لسطوته الأَقيَال، وَكَانَ حَسَنَ الْخلق أَطيف الخُلق، كَامِل الظّرف، فَصِيْحاً بَلِيْغاً، لَهُ التَّوقيعَات المُسَدّدَة وَالكَلِمَاتَ المُؤيدَة، كَانَتْ أَيَّامه غرَّة فِي وَجه الدَّهْر، وَدرَة فِي تَاج الفَخْر.
حَدَّثَنِي الحَاجِب عَلِيّ بن مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ قَالَ: برزَ مِنْهُ تَوقيع إِلَى صدْر الْمخزن جَلاَل الدِّيْنِ ابْن يُوْنُسَ: لاَ يَنْبَغِي لأَربَاب هَذَا المقَام أَنْ يُقْدِمُوا عَلَى أَمْر لَمْ يَنظرُوا فِي عَاقبته، فَإِنَّ النَّظَر قَبْل الإِقدَام خَيْر مِنَ النّدم بَعْد الفوَات، وَلاَ يُؤْخَذ البرَآء بِقَوْل الأَعْدَاء، فَلكل نَاصِح كَاشح، وَلاَ يُطَالب بِالأَمْوَال مَنْ لَمْ يَخن فِي الأَعْمَال، فَإِنَّ المصَادرَة مكَافَأَة لِلظَالِمِين، وَليكن العفَاف وَالتُّقَى رَقِيبَيْنِ عَلَيْك. وَبَرَزَ مِنْهُ تَوقيع: "قَدْ تَكرّر تَقدّمنَا إِلَيْك مِمَّا افْترضه الله عَلَيْنَا وَيلزمنَا القِيَام بِهِ كَيْفَ يُهْمَل حَالُ النَّاس حَتَّى تَم عَلَيْهِم مَا قَدْ بُيِّنَ فِي باطنهَا، فَتنصْف الرَّجُل وَتقَابل العَامِل إِنْ لَمْ يَفْلُج بِحجَّة شرعيَة".
قَالَ القَاضِي ابْنُ وَاصِلٍ: كَانَ النَّاصِر شَهْماً شُجَاعاً ذَا فَكرَة صَائِبَة وَعقل رَصِين وَمكر وَدَهَاء، وَكَانَتْ هَيْبَته عَظِيْمَة جِدّاً، وَلَهُ أَصْحَاب أَخْبَار بِالعِرَاقِ وَسَائِر الأَطرَاف يطالعونه بجزئيات الأمور حتى ذكر أن رجلًا ببغداد عَمل دَعْوَة وَغسل يَده قَبْل أَضيَافه فَطَالعه صَاحِب الخَبَر، فَكَتَبَ فِي جَوَاب ذَلِكَ: سوء أَدب مِنْ صَاحِب الدَّار وَفضول مِنْ كَاتِب المُطَالَعَة.
قَالَ: وَكَانَ رَدِيْءَ السّيرَة فِي الرَّعِيَّةِ، مَائِلاً إِلَى الظّلم وَالعسف، فَخربت فِي أَيَّامِهِ العِرَاق وَتَفرَّق أَهْلهَا وَأَخَذَ أَملاَكهُم، وَكَانَ يَفعل أَفعَالاً متضَادَّة، وَيَتشيع بِخلاَف آبَائِهِ.
قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً كَانَ يَرَى صِحَّة خِلاَفَة يَزِيْد، فَأَحضره ليعَاقبه، فَسَأَلَهُ: مَا تَقُوْلُ فِي خِلاَفَةِ يَزِيْد? قَالَ: أَنَا أَقُوْل لاَ يَنعزل بارتكَاب الفِسْق، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، وَأَمر بِإِطلاَقه، وَخَافَ مِنَ المحَاققَة.
قَالَ: وَسُئِلَ ابْنُ الجَوْزِيِّ وَالخَلِيْفَة يسمع: مَنْ أَفْضَلِ النَّاسِ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ? قَالَ: أَفْضَلهُم بَعْدَهُ مَنْ كَانَتْ بِنْته تَحْته. وَهَذَا جَوَاب جَيِّد يَصدق عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعَلَى عليّ. قِيْلَ: كَتَبَ إِلَى النَّاصِر خَادم اسْمه يُمن يَتعتب، فَوَقَعَ فِيْهَا: بِمَنْ يَمُنّ يُمْن، ثَمَنُ يُمْنٍ ثُمْن".
قَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: قل بصر النَّاصِر فِي الآخَرِ، وَقِيْلَ: ذهب جُمْلَةً، وَكَانَ خَادمه رَشِيق قَدِ اسْتولَى عَلَى الخِلاَفَة، وَبَقِيَ يُوقع عَنْهُ، وَكَانَ بِالخَلِيْفَة أَمرَاض مِنْهَا عسر الْبَوْل وَالحصَى، فَشَقَّ ذكرهُ مرَاراً وَمآل أَمره مِنْهُ كَانَ المَوْت. قَالَ: وَغسّله خَالِي مُحْيِي الدِّيْنِ.(16/168)
قَالَ المُوَفَّقُ عَبْد اللَّطِيْفِ: أَمَا مرض مَوْته فَسهوٌ وَنسيَان؛ بَقِيَ بِهِ سِتَّة أَشْهُرٍ وَلَمْ يَشعر أَحَد مِنَ الرَّعِيَّةِ بكُنه حَاله حَتَّى خفِي عَلَى الوَزِيْر وَأَهْل الدَّار، وَكَانَ لَهُ جَارِيَة قَدْ علّمهَا الخطّ بِنَفْسِهِ، فَكَانَتْ تَكتب مثل خطه، فكانت تكتب على التواقيع بمشهورة القهرمَانَة، وَفِي أَثْنَاء ذَلِكَ نَزل جَلاَل الدِّيْنِ مُحَمَّد بن تَكِشّ خُوَارِزْمشَاه عَلَى ضوَاحِي بَغْدَاد هَارباً منفضّاً مِنَ الرِّجَالِ وَالمَال وَالدّوَاب، فَأَفسد بِمَا وَصلت يَده إِلَيْهِ، فَكَانُوا يَدَارُوْنَهُ وَلاَ يمضون فيه أمرًا لغيبَة رَأْي النَّاصِر، ثُمَّ نهبَ دقوقا، وَرَاح إِلَى أَذْرَبِيْجَان.
نَقَلَ العَدْل شَمْس الدِّيْنِ الجَزَرِيّ فِي "تَارِيْخِهِ"، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: سَمِعْتُ المُؤَيَّد ابْن العَلْقَمِيّ الوَزِيْر لَمَّا كَانَ عَلَى الأُسْتَاذ دراية يَقُوْلُ: إِنَّ المَاء الَّذِي يَشرَبُه الإِمَام النَّاصِر كَانَ تَجِيْء بِهِ الدَّوَابّ مِنْ فَوْقَ بَغْدَاد بِسَبْعَة فَرَاسخ وَيغلَى سَبْع غلوَات ثُمَّ يحبس فِي الأَوعيَة أُسْبُوْعاً ثُمَّ يَشرب مِنْهُ، وَمَا مَاتَ حَتَّى سقِي المُرقد ثَلاَث مرَار وَشق ذَكَرَهُ، وَأُخْرِج مِنْهُ الحصَى.
وَقَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: بقي الناصر ثلاث سنين عاطلا عن الحركة بِالكليَّة، وَقَدْ ذَهَبت إِحْدَى عينِيه، وَفِي الآخَرِ أَصَابه دوسنطَارِيَا عِشْرِيْنَ يَوْماً وَمَاتَ، وَمَا أَطلق فِي مَرَضِهِ شَيْئاً مِمَّا كَانَ أَحَدثه مِنَ الرّسوم.
قَالَ: وَكَانَ سَيِّئ السّيرَة، خرّب العِرَاق فِي أَيَّامِهِ، وَتَفرَّق أَهْله فِي البِلاَد، وَأَخَذَ أَمْوَالهُم وَأَملاَكهُم. إِلَى أَنْ قَالَ: وَجَعَلَ همّه فِي رمِي الْبُنْدُق وَالطيور المنَاسيب وَسرَاويلاَت الفتوَّة.
وَنَقَلَ الظّهير الكَازَرُوْنِيّ فِيمَا أَجَاز لَنَا: إِنَّ النَّاصِر فِي وَسط خِلاَفَته همّ بِترك الخِلاَفَة وَبِالاَنقطَاع إِلَى التّعبد، وَكَتَبَ عَنْهُ ابْن الضَّحَّاك تَوقيعَا قُرئ عَلَى الأَعيَان، وَبَنَى رِبَاطاً لِلْفُقَرَاء، وَاتَّخَذَ إِلَى جَانب الرِّبَاط دَاراً لِنَفْسِهِ كَانَ يَتردَّد إِلَيْهَا وَيَحَادث الصُّوْفِيَّة، وَعمِلَ لَهُ ثيَاباً كَبِيْرَة بزِيّ القَوْم.
قُلْتُ: ثُمَّ نبذ هَذَا وَملّ.
وَمِنَ الحوَادث فِي دَوْلَته قدوم أَسرَى الفِرَنْج إِلَى بَغْدَادَ وَقَدْ هزمهُم صَلاَح الدِّيْنِ نَوْبَة مَرج العُيُون، وَمِنَ التّحف ضلع حوت طوله عَشْرَة أَذرع فِي عرض ذِرَاع، وَجَوَاهر مثمنَة. وَقِيْلَ: بَلْ كَانَ ذَلِكَ فِي آخِرِ دولة المستضيء.
وَأُهْلِك وَزِيْر العِرَاق ظَهِيْر الدِّيْنِ ابْن العَطَّار فَعرفت الغوَغَاءُ بجِنَازَته فَرجمُوْهُ، فَهَرَبَ الحمَّالُوْنَ فَأُخْرِجَ مِنْ تَابوته، وَسُحب، فَتعرَّى مِنَ الأَكْفَان، وَطَافُوا بِهِ، نَسْأَل اللهَ السّتر، وَكَانَ جَبَّاراً عنِيْداً.(16/169)
أَنْبَأَنِي عِزّ الدِّيْنِ ابْن البُزُوْرِيّ فِي "تَارِيْخِهِ"، قَالَ: حَكَى التَّيْمِيّ، قَالَ: كُنْتُ بحضرَة ابْن العَطَّار، وَقَدْ وَرد عَلَيْهِ شَيْخ فَوَعَظَهُ بكَلاَم لطيف وَنَهَاهُ، فَقَالَ: أَخرجُوهُ الكَلْب سحباً، وَكرر ذَلِكَ، وَقِيْلَ: هُوَ الَّذِي دسّ البَاطِنِيَّة عَلَى الوَزِيْر عَضُد الدِّيْنِ ابْن رَئِيْس الرُّؤَسَاء حَتَّى قتلُوْهُ، وَبَقِيَ النَّاصِر يَرْكَب وَيَتصيّد.
وَفِي سَنَةِ 78: نَازل السُّلْطَان المَوْصِل مُحَاصراً، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الخَلِيْفَة يَلُوْمه.
وَفِيْهَا افْتَتَحَ صَاحِب الرُّوْم مدينَة لِلنَّصَارَى، وَافتَتَح صَلاَح الدِّيْنِ حَرَّان وَسَرُوج وَنَصِيْبِيْن وَالرَّقَّة والبيرة.
وَفِيْهَا تَفَتَّى النَّاصِرُ إِلَى عَبْدِ الجَبَّارِ شَرفَ الفُتوَّةِ، وَكَانَ شُجَاعاً مَشْهُوْراً تَخَافُه الرِّجَالُ، ثُمَّ تَعبَّدَ وَاشْتهرَ، فَطَلَبَهُ النَّاصِرُ، وَتَفَتَّى إِلَيْهِ، وَجَعَلَ المُعَوَّل فِي شَرْعِ الفُتُوَّةِ عَلَيْهِ، وَبَقِيَ النَّاصِرُ يُلبِّسُ سَرَاويلَ الفُتُوَّةِ لِسلاَطينِ البِلاَدِ.
وَفِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ: وَردَ كِتَابُ السُّلْطَانِ مِنْ إِنشَاءِ الفَاضِلِ فِيْهِ: "وَكَانَ الفِرَنْجُ قَدْ رَكِبُوا مِنَ الأَمْرِ نُكراً، وَافتَضُّوا مِنَ البَحْرِ بكْراً، وَشَحنُوا مَرَاكِبَ، وَضَرَبُوا بِهَا سوَاحلَ الحِجَازِ، وَظُنَّ أَنَّهَا السَّاعَةُ، وَانتظرَ المُسْلِمُوْنَ غَضبَ اللهِ لِبَيْتِه وَمَقَامِ خَلِيْلِه وَضَرِيْحِ نَبِيِّهِ، فَعَمَّرَ الأَخُ سَيْفُ الدِّيْنِ مَرَاكِبَ"، إِلَى أَنْ قَالَ: فَوَقَعَ عَلَيْهَا أَصْحَابُنَا فَأُخِذتِ المَرَاكِبُ بِأَسرِهَا، وَفَرَّ فِرَنْجُهَا، فَسَلَكُوا فِي الجِبَالِ مَهَاوِيَ المَهَالِكِ، وَمَعَاطِن المَعَاطِبِ، وَرَكِبَ أَصْحَابُنَا وَرَاءهُم خَيل العَرَبِ يَقتُلُوْنَ وَيَأْسِرُوْنَ حَتَّى لَمْ يَترُكُوا مُخبِّراً، {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا} [الزمر: 11] .
وَفِيْهَا تسلّم صَلاَحُ الدِّيْنِ حَلَبَ.
وَفِيْهَا: تَمَكَّنَ شِهَابُ الدِّيْنِ الغُوْرِيُّ، وَامتدَّ سُلْطَانُه إِلَى لهاور، وَحَاصَرَ بِهَا خسروشاه مِنْ وَلَدِ مَحْمُوْدِ بنِ سُبُكْتِكِيْنَ، فَنَزَلَ إِلَيْهِ، فَأَكْرَمَهُ، ثُمَّ غَدرَ بِهِ.
وَبَعَثَ صَلاَحُ الدِّيْنِ تَقدمَةً إِلَى الدِّيْوَانِ مِنْهَا شمسة يعني الجتر من رِيش الطَّوَاويس عَلَيْهَا أَلقَابُ المُسْتَنْصِرِ العُبَيْدِيِّ. ثُمَّ نَازَلَ صَلاَحُ الدِّيْنِ الكَركَ حَتَّى كَادَ أَنْ يَفتَحَهَا، ثُمَّ بَلَغَهُ تَحزّبُ الفِرَنْجِ عَلَيْهِ فَتَرَكَهَا، وَقَصَدَهُم، فَعَرَجُوا عَنْهُ فَأَتَى دِمَشْقَ، وَوَهَبَ أَخَاهُ العَادِلَ حَلَبَ، ثُمَّ بَعَثَ بَعْدَهُ عَلَى نِيَابَةِ مِصْرَ ابْنَ أَخِيْهِ المَلِك المُظَفَّر عَمّ صَاحِبِ حَمَاةَ.
وَفِي سَنَةِ ثَمَانِيْنَ: جَعَلَ الخَلِيْفَةُ مشْهد وَالجَوَاد أَمناً لِمَنْ لاَذَ بِهِ، فَحصَلَ بِذَلِكَ بلاء ومفاسد.(16/170)
وَاستبَاحَ صَلاَحُ الدِّيْنِ نَابُلُسَ -وَللهِ الحَمْدُ، وَنَازلَ الكَركَ، فَجَاءتْهَا نَجدَاتُ العَدُوِّ، فَتَرَحَّلَ.
وَفِيْهَا كَانَ خُرُوْجُ عَلِيِّ بنِ غَانِيَةَ المُلَثَّمِ صَاحِبِ مَيُوْرْقَةَ، فَسَارَ وَتَمَلَّكَ بَجَايَةَ عِنْدَ مَوْتِ يُوْسُفَ بنِ عَبْدِ المُؤْمِنِ، وَكثرتْ عَسَاكِرُه، ثُمَّ هَزمَ عَسْكَراً لِلموحدينَ، ثُمَّ حَاصرَ قُسْطَنْطِيْنِيَّةَ الهوَاءُ أَشْهُراً ثُمَّ كُشِفَ عَنْهَا المُوحِّدُوْنَ، فَأَقْبَلَ ابْنُ غَانِيَةَ إِلَى القَيْرَوَانِ، فَحشدَ وَاسْتخدمَ وَالتفَّتْ عَلَيْهِ بَنُوْ سُلَيْمٍ وَرِيَاحٌ وَالتُّركُ المِصْرِيّونَ الَّذِيْنَ كَانُوا مَعَ بُوْزَبَا وَقرَاقوشَ فَتَمَلَّكَ بِهِم أَفرِيقيَةَ سِوَى تُوْنُسَ وَالمَهْدِيَّةِ حَمَتْهُمَا الموحدُوْنَ، وَانضمَّ إِلَى ابْنِ غَانِيَةَ كُلُّ فَاسِدٍ وَمجرمٍ، وَعَاثُوا وَنَهَبُوا القُرَى وَسبَوا، وَأَقَامَ الخطبَةَ لِبَنِي العَبَّاسِ، وَأَخَذَ قَفْصَةَ، فَتَحَزَّبَ عَلَيْهِ الموحدُوْنَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ، وَأَقْبَلَ سُلْطَانُهُم يَعْقُوْبُ بنُ يُوْسُفَ فَخَيَّمَ بِتُوْنُسَ، وَجَهَّزَ لِلمَصَافِّ سِتَّةَ آلاف فارس مع ابن أَخِيْهِ، فَهَزمَهُم ابْنُ غَانِيَةَ، ثُمَّ سَارَ يَعْقُوْبُ بِنَفْسِهِ فَالتَقَوا، فَانْهَزَمَ عَلِيٌّ وَاسْتَحَرَّ بِهِ وَاسْتردَّ يَعْقُوْبُ البِلاَدَ، وَامتدتْ دَوْلَةُ ابْنِ غَانِيَةَ خَمْسِيْنَ.
وَجَدَّ صَلاَحُ الدِّيْنِ فِي محَاصرَةِ الكَرَكِ.
وَفِي سَنَةِ 581: نَازلَ صَلاَحُ الدِّيْنِ المَوْصِلَ، وَجدَّ فِي حصَارِهَا، ثُمَّ سَارَ وَتسلّمَ مَيَّافَارِقِيْنَ بِالأَمَانِ، ثُمَّ مرضَ بِحَرَّانَ مرضاً شدِيداً، وَتنَاثرَ شعرُ لِحْيتِه، وَمَاتَ صَاحِبُ حِمْصَ مُحَمَّدُ بنُ شِيرْكُوْه، فَملَّكَهَا السُّلْطَانُ وَلدَه أَسَدَ الدِّيْنِ، وَلُقِّبَ بِالملكِ المُجَاهِدِ.
وَفِي سَنَةِ 82: ابْتدَاءُ فِتْنَةٍ عَظِيْمَةٍ بَيْنَ الأَكرَادِ وَالتُّرُكْمَانِ بِالمَوْصِلِ وَالجَزِيْرَةِ وَأَذْرَبِيْجَانَ وَالشَّامِ وَشهرزور، وَدَامتْ أَعْوَاماً، وَقُتِلَ فِيْهَا مَا لاَ يُحصَى، وَانقطعتِ السُّبُلُ حَتَّى أَصلحَ بَيْنهُم قَايْمَازُ نَائِبُ المَوْصِلِ، وَأَصلُهَا عُرسٌ تركمَانِيٌّ.
وَفِيْهَا قَالَ العِمَادُ: أَجْمَعَ المنجّمُوْنَ فِي جَمِيْعِ البِلاَدِ بِخرَابِ العَالِمِ عِنْدَ اجْتمَاعِ الكَوَاكِبِ السّتَةِ فِي المِيزَانِ بطوفَانِ الرِّيْحِ فِي سَائِرِ البُلْدَانِ، فَشرعَ خلقٌ فِي حفرِ مغَائِرَ وَتوثيقِهَا، وَسُلْطَانُنَا مُتَنَمِّرٌ موقنٌ أَنَّ قَوْلَهُم مبنِيٌّ عَلَى الكَذِبِ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي عيَّنُوْهَا لَمْ تَتحرَّكْ نسمَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ البُزُوْرِيِّ: لَقَدْ تَوقفَ الهوَاءُ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ عَلَى السواد وما ذروا الغلة.
وَفِيْهَا جرتِ فِتْنَةٌ بِبَغْدَادَ بَيْنَ الرَّافِضَّةِ وَالسُّنَّةِ قُتِلَ فِيْهَا خلقٌ كَثِيْرٌ، وَغلبُوا أَهْل الكَرْخِ.
وَكَانَ الخُلْفُ وَالحَرْبُ بَيْنَ الأَرمنِ وَالرُّوْمِ وَالفِرَنْجِ.
وَقَتَلَ الخَلِيْفَةُ أُسْتَاذَ دَارِه ابْنَ الصَّاحِبِ، وَوَلِيَهَا قَوَامُ الدِّيْنِ يَحْيَى بنُ زَبَادَةَ، وَخلَّفَ ابْنُ(16/171)
الصَّاحبِ مِنَ الذّهبِ الْعين أَزْيدَ مِنْ أَلفِ أَلفِ دِيْنَارٍ، وَكَانَ عَسُوَفاً فَاجراً رَافِضِيّاً، وَوزرَ جَلاَل الدِّيْنِ عُبَيْد اللهِ بن يُوْنُسَ، وَكَانَ شَاهِداً، فَارتقَى إِلَى الوزَارَةِ.
وَفِيْهَا بَعَثَ السُّلْطَانُ طُغْرِلُ بنُ أَرْسَلاَنَ بنِ طُغْرِلَ السَّلْجُوْقِيُّ أَنْ تُعَمَّرَ لَهُ دَارُ المَمْلَكَةِ ليَنْزِلَ بِهَا، وَأَنْ يُخْطَبَ لَهُ، فَهَدَّمَ النَّاصِرُ دَارَه وَردَّ رَسُوْلَه بِلاَ جَوَابٍ، وَكَانَ ملكاً مُسْتضعفاً مَعَ المُلُوْكِ، فَمَاتَ البَهْلَوَانُ، فَتمكّنَ، وَطَاشَ.
وَفِيْهَا فُتِحتِ القُدْسُ وَغَيْرُهَا، وَاندكَّتْ مُلُوْكُ الفِرَنْجِ، وَكُسرُوا وَأُسرُوا، قَالَ العِمَادُ: فُتحتْ سِتُّ مَدَائِنَ وَقلاعٍ فِي سِتِّ جُمعٍ: جَبلَةُ وَاللاَّذِقِيَّةُ وَصهيونُ وَالشُّغْرُ وَبكَاسُ وَسُرْمَانِيَّةُ، ثم أخذ حصن بَرْزَيَةَ بِالأَمَانِ ثُمَّ رحلَ صَلاَحُ الدِّيْنِ -أَيَّدَهُ اللهُ- إِلَى دربسَاكَ، فَتسلّمَهَا، ثُمَّ إِلَى بَغْرَاسَ فَتسلّمَهَا، وَهَادنَ صَاحِبَ أَنطَاكيَةَ، وَدَامَ الحصَارُ عَلَى الكَرَكِ وَالمطَاولَةُ، فَسلّمُوهَا لجوعِهم، ثُمَّ أَعْطَوا الشّوبكَ بِالأَمَانِ، ثُمَّ نَازل السُّلْطَان صَفَدَ.
وَفِي سَنَةِ 84: كَانَ صَلاَحُ الدِّيْنِ لاَ يَفترُ وَلاَ يقرُّ عَنْ قِتَالِ الفِرَنْجِ.
وَسَارَ عَسْكَرُ النَّاصِرِ عَلَيْهِم الوَزِيْرُ ابْنُ يُوْنُسَ فَعملَ المَصَافَّ مَعَ السُّلْطَانِ طُغْرِلَ، فَانْهَزَمَ عَسْكَرُ النَّاصِرِ، وَتَقَاعسُوا، وَثبتَ ابْنُ يُوْنُسَ فِي نَفَرٍ، بِيَدِهِ مُصحفٌ مَنْشُوْرٌ وَسيفٌ مَشْهُوْرٌ، فَأَخَذَ رَجُلٌ بعِنَانِ فَرسِهِ وَقَادَهُ إِلَى مخيَّمٍ فَأَنْزَلَهُ، فَجَاءَ إِلَيْهِ السُّلْطَانُ وَوزِيْرُه فَلزمَ مَعَهُم قَانُوْنَ الوزَارَةِ، وَلَمْ يَقمْ، فَعجبُوا، وَلَمْ يَزَلْ محترماً حَتَّى ردَّ، وَأَمَّا صَاحِبُ المرَآةِ فَقَالَ: أُحضرَ ابْنُ يُوْنُسَ بَيْنَ يَدَي طُغْرِلَ، فَأَلْبَسَه طرطوراً بِجَلَاجِلَ، وَتَمَزَّقَ العَسْكَرُ، وَسَارَ قُزلُ أَخُو البَهْلَوَانِ فَهَزمَ طُغْرِلَ، وَمَعَهُ ابْنُ يُوْنُسَ فَسَارَ إِلَى خِلاَطٍ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ بُكْتَمُرُ مَا فعله، قال: هم يؤوني، قَالَ: فَأُطلقَ الوَزِيْرُ، فَمَا قدرَ يُخَالِفُه، فَجَهَّزَهُ بُكْتَمُرُ بخيلٍ وَمَمَالِيْكٍ، فَردَّ ذَلِكَ، وَأَخَذَ بغلينِ برجلين، وَسَارَ مَعَهُ غُلاَمُه فِي زِيِّ صُوْفِيٍّ إِلَى المَوْصِلِ متنكِّراً، ثُمَّ ركبَ إِلَى بَغْدَادَ فِي سفينة.
وَفِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ: نَفذَ طُغْرِلُ تُحَفاً وَهدَايَا، وَاعْتَذَرَ وَاسْتَغْفرَ.
وظهرَ ابْنُ يُوْنُسَ، فَولِيَ نَظَرَ المخزنِ، ثُمَّ عزلَ بَعْدَ أَشهرٍ.
وَفِيْهَا وَفِي المُقْبِلَةِ: كَانَ الحصَارُ الَّذِي لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ أَبَداً عَلَى عَكَّا، كَانَ السُّلْطَانُ قَدِ افْتتحَهَا وَأَسكنَهَا المُسْلِمِيْنَ، فَأَقْبَلتِ الفِرَنْجُ برّاً وَبَحْراً مِنْ كُلِّ فَجٍّ عمِيْقٍ، فَأَحَاطُوا بِهَا، وَسَارَ صَلاَحُ الدِّيْنِ فَيدفعُهُم فَمَا تَزعزعُوا وَلاَ فَكَّرُوا بل أنشأوا سوراً وَخَنْدَقاً عَلَى معَسْكَرِهِم، وَجَرَتْ غَيْرُ وَقْعَةٍ، وَقُتِلَ خَلْقٌ كَثِيْرٌ يَحتَاجُ بسطُ ذَلِكَ إِلَى جزءٍ، وَامتدتِ المنَازلَةُ وَالمطَاولَةُ وَالمُقَاتَلةُ نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ شَهْراً، وَكَانَتِ الأَمْدَادُ تَأْتِي العَدُوَّ مِنْ أَقْصَى البِحَارِ، وَاسْتنجدَ صَلاَحُ(16/172)
الدِّيْنِ بِالخَلِيْفَةِ وَغَيْرِهِ حَتَّى أَنَّهُ نَفذَ رَسُوْلاً إِلَى صَاحِبِ المَغْرِبِ يَعْقُوْبَ المُؤْمِنِيِّ يَسْتَجِيْشُه، فَمَا نَفعَ، وَكُلُّ بلاَءِ النَّصَارَى ذهَابُ بَيْتِ المَقْدِسِ مِنْهُم.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: لبسَ القسوس السَّوَادَ حزناً عَلَى القُدْسِ، وَأَخَذَهُم بِتركِ القُدْسِ، وَركبَ بِهِمُ البَحْرَ يَسْتَنفرُوْنَ الفِرَنْجَ، وَصَوَّرُوا المَسِيْحَ وَقَدْ ضربَه النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجرحَه، فَعظمَ هَذَا المَنْظَرُ عَلَى النَّصَارَى، وَحشدُوا وَجَمَعُوا مِنَ الرِّجَالِ وَالأَمْوَالِ مَا لاَ يُحصَى، فَحَدَّثَنِي كردِيٌّ كَانَ يُغِيرُ مَعَ الفِرَنْجِ بِحصنِ الأَكرَادِ أَنَّهُم أَخَذُوهُ مَعَهُم فِي البَحْرِ، قَالَ: فَانْتَهَى بِنَا الطَّوَافُ إِلَى رُوْميةَ، فَخَرَجْنَا مِنْهَا وَقَدْ ملأْنَا الشّوَانِي الأَرْبَعَةَ فِضَّةً.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: فَخَرَجُوا عَلَى الصّعبِ وَالذّلولِ برّاً وَبَحْراً، وَلَوْلاَ لطفُ اللهِ بِإِهَلاَكِ ملكِ الأَلمَانِ، وَإِلاَّ لَكَانَ يُقَالُ: إِنَّ الشَّامَ وَمِصْرَ كَانَتَا لِلمُسْلِمِيْنَ.
قُلْتُ: كَانَتْ عَسَاكِرُ العَدُوِّ فَوْقَ المائَتَيْ أَلفٍ، وَلَكِنْ هلكُوا جوعاً وَوبَاءً، وَهلكتْ دوَابُّهُم وَجَافتِ الأَرْضُ بِهِم، وَكَانُوا قَدْ سَارُوا فَمرُّوا عَلَى جهَةِ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ ثُمَّ عَلَى مَمَالِكِ الرُّوْمِ تقتلُ وَتَسبِي، وَالتقَاهُ سُلْطَانُ الرُّوْمِ فَكسرَه ملكُ الأَلمَانِ، وَهجمَ قُوْنِيَةَ فَاسْتبَاحَهَا، ثُمَّ هَادنَه ابْنُ قِلْجَ رسلاَنَ وَمَرُّوا عَلَى بلاَدِ سيسَ، وَوَقَعَ فِيهِمُ الفَنَاءُ فَمَاتَ الملكُ وَقَامَ ابْنُه.
قُلْتُ: قُتلَ مِنَ العَدُوِّ فِي بَعْضِ المَصَافّاتِ الكَبِيْرَةِ الَّتِي جرتْ فِي حِصَارِ عَكَّا فِي يَوْمٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً وَخَمْسُ مائَةٍ، وَالتَقَوا مَرَّةً أُخْرَى، فَقُتِلَ مِنْهُم سِتَّةُ آلاَفٍ، وَعَمَّرُوا عَلَى عكَّا بُرْجَيْنِ مِنْ أَخشَابٍ عَاتيَةٍ، البرجُ سَبْعُ طَبَقَاتٍ فِيْهَا مسَامِيْرُ كِبَارٌ يَكُوْنُ المِسْمَارُ نِصْفَ قنطَارٍ، وَصَفَّحُوا البُرجَ بِالحديدِ، فَبقِيَ مَنْظَراً مهولاً، وَدَفَعُوا البُرجَ بِبكرٍ تَحْتَه حَتَّى أَلصقوهُ بِسورِ عَكَّا، وَبَقِيَ أَعْلَى مِنْهَا بِكَثِيْرٍ، فَسلّطَ عَلَيْهِ أَهْلُ عكَّا المَجَانِيْقَ حَتَّى خلخلُوْهُ، ثُمَّ رَمُوْهُ بقدرَةِ نَفطٍ، فَاشتعلَ مَعَ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ لبودٌ منقوعَةٌ بِالخَلِّ تَمنعُ عَملَ النفطِ، فَأُوْقِدَ، وَجَعَلَ الملاعِينُ يَرمُوْنَ نُفُوْسَهُم مِنْهُ، وَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً، ثُمَّ عَملُوا كَبْشاً عَظِيْماً، رَأْسُه قنَاطيرُ مقَنْطَرَةٌ مِنْ حديدٍ؛ ليدفعُوْهُ عَلَى السُّوْرِ فَيخرقَه، فَلَمَّا دحرجُوهُ وَقَاربَ السُّوْرَ، سَاخَ فِي الرملِ لعظمِه، وَهدَّ الكِلاَبُ بدنَةً وَبُرجاً فَسدَّ المُسْلِمُوْنَ ذَلِكَ وَأَحكمُوْهُ فِي لَيْلَةٍ، وَكَانَ السُّلْطَانُ يَكُوْنُ أَوّلَ رَاكِبٍ وآخر نازل في هذين العَامَيْنِ، وَمَرِضَ، وَأَشرفَ عَلَى التَّلَفِ، ثُمَّ عُوفِيَ.
قَالَ العِمَادُ: حُزِرَ مَا قُتِلَ مِنَ العَدُوِّ، فَكَانَ أَكْثَرَ مِنْ مائَةِ أَلْفٍ.
وَمِنْ إِنشَاءِ الفَاضِلِ إِلَى الدِّيْوَانِ وَهُم عَلَى عَكَّا: يَمُدُّهُمُ البَحْرُ بِمَرَاكِبَ أَكْثَرَ مِنْ أَمْوَاجِه، وَيَخْرُجُ لَنَا أَمَرَّ مِنْ أُجَاجِه، وَقَدْ زَرَّ هَذَا العَدُوُّ عَلَيْهِ مِنَ الخنَادقِ دُرُوْعاً، وَاسْتجنَّ مِنَ الجنونَاتِ(16/173)
بِحصُوْنٍ، فَصَارَ مُصحرّاً ممتنِعاً حَاسِراً مدرَّعاً، وَأَصْحَابُنَا قَدْ أَثَّرَتْ فِيهِمُ المُدَّةُ الطَّوِيْلَةُ فِي اسْتطَاعتِهِم لاَ فِي طَاعتِهِم، وَفِي أَجْوَالِهِم لاَ فِي شَجَاعَتِهِم فَنَقُوْلُ: اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ العِصَابَةُ، وَنرجُو عَلَى يَدِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ الإِجَابَةَ، وَقَدْ حرَّمَ بَابَاهُم -لَعَنَهُ اللهُ- كُلَّ مُبَاحٍ، وَاسْتَخْرَجَ مِنْهُم كُلَّ مَذْخُورٍ، وَأَغلَقَ دُونَهُمُ الكَنَائِسَ، وَلبسُوا الحِدَادَ، وَحَكَمَ أَنْ لاَ يَزَالُوا كَذَلِكَ أَوْ يَسْتَخلصُوا المَقْبَرَةَ، فَيَا عَصَبَةَ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اخْلُفْهُ فِي أُمَّتِه بِمَا تَطمئنُّ بِهِ مضَاجِعُه، وَوَفِّهِ الحَقَّ فِيْنَا، فَهَا نَحْنُ عِنْدَك وَدَائِعُه، وَلَوْلاَ أَنَّ فِي التَّصرِيحِ مَا يَعُوْدُ عَلَى العدَالَةِ بِالتّجرِيحِ لقَالَ الخَادِمُ مَا يُبْكِي العُيُونَ وَيُنكِي القُلوبَ، وَلَكِنَّهُ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ وَللنّصرِ مُرتقِبٌ، رَبِّ لاَ أَملكُ إلَّا نَفْسِي وهاهي في سبيلك مبذوله، وأخي وقد هاجر هِجْرَةً نَرجوهَا مَقْبُوْلَةً، وَوُلْدِي وَقَدْ بذلتُ لِلْعدوِّ صفحَاتِ وُجُوْهِهِم، وَنقفُ عِنْد هَذَا الحدِّ وَللهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ".
وَمِنْ كتاب إِلَى الدِّيْوَانِ: قَدْ بُلِيَ الإِسْلاَمُ مِنْهُم بِقَوْمٍ اسْتطَابُوا المَوْتَ، وَفَارقُوا الأَهْلَ طَاعَةً لقسيسِهِم، وَغِيرَةً لِمَعْبَدِهِم، وَتهَالُكاً عَلَى قُمَامتِهِم، حَتَّى لسَارَتْ ملكَةٌ منهم بخمس مائة مقائل التّزمتْ بنفقَاتِهِم، فَأَخَذَهَا المُسْلِمُوْنَ برِجَالهَا بِقُرْبِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَذوَاتُ المقَانِعِ مقنَّعَاتٌ دَارعَاتٌ تحمل الطّوَارقَ وَالقبطَارِيَاتِ، وَوجدْنَا مِنْهُم عِدَّةً بَيْنَ القَتْلَى، وَبَابَا روميةَ حَكَمَ بِأَنَّ مَنْ لاَ يَتوجَّهُ إِلَى القُدْسِ فَهُوَ مُحرَّمٌ لاَ مَنْكِحَ لَهُ وَلاَ مَطْعَمَ، فَلِهَذَا يَتهَافتُوْنَ عَلَى الوُرودِ وَيَتهَالكُوْنَ عَلَى يَوْمِهِمُ الموعُوْدِ، وَقَالَ لَهُم: إِنَّنِي وَاصِلٌ فِي الرَّبِيْعِ جَامِعٌ عَلَى اسْتنفَارِ الجَمِيْعِ، وَإِذَا نَهَضَ فَلاَ يَقعدُ عَنْهُ أَحَدٌ، وَيَقْبَلُ مَعَهُ كُلُّ مَنْ قَالَ: للهِ وَلَدٌ.
وَمِنْ كِتَابٍ: وَمَعَاذَ اللهِ أَنْ يَفتحَ اللهُ عَلَيْنَا البِلاَدَ ثُمَّ يغلقُهَا، وَأَنْ يُسلمَ عَلَى يَدَيْنَا القُدْسَ ثُمَّ ننصرَه، ثُمَّ مَعَاذَ اللهِ أَن نغلبَ عَنِ النَّصْرِ أَوْ أَنْ نُغْلَبَ عَنِ الصَّبْرِ: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ} [محمد: 35] .
وَلَسْتُ بِقَرْمٍ هَازِمٍ لِنَظِيرِهِ ... وَلَكِنَّهُ الإِسْلاَمُ لِلشِّرْكِ هَازمُ
إِلَى أَنْ قَالَ: وَالمَشْهُوْرُ الآنَ أَنَّ ملكَ الأَلمَانِ خَرَجَ فِي مائَتَيْ أَلفٍ، وَأَنَّهُ الآن في دون خمسة آلاف.
وَخَرَجَ جَيْشُ الخَلِيْفَةِ عَلَيْهِم نَجَاحٌ إِلَى دقوقَا؛ لِحَرْبِ طُغْرِلَ، فَقَدِمَ بَعْدَ أَيَّامٍ وَلدُ طُغْرِلَ صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ يَطلبُ العفوَ عَنْ أَبِيْهِ.
سَنَة سَبْعٍ وَثَمَانِيْن اشتدَّتْ مُضَايقَةُ العَدُوِّ عَكَّا وَأَمْدَادُهُم مُتَوَاتِرَةٌ، فَوَصَلَ مَلِكُ الإِنْكِيْتَرِ، وَقَدْ مرَّ بقُبْرُصَ، وَغدرَ بِصَاحِبهَا، وَتَملَّكَهَا كُلَّهَا، ثُمَّ سَارَ إِلَى عَكَّا فِي خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ قطعَةً، وَكَانَ مَاكراً، دَاهِيَةً، شُجَاعاً، فَخَارت قُوَى مَنْ بِهَا مِنَ المُسْلِمِيْنَ، وَضَعُفُوا بِخُرُوْجِ أَمِيْرَيْنِ(16/174)
مِنْهَا فِي شينِي، وَقَلقُوا، فَبَعَثَ إِلَيْهِم السُّلْطَانُ: أَنِ اخْرُجُوا كُلُّكُم مِنَ البَلَدِ عَلَى حَمِيَّةٍ، وَسيرُوا مَعَ البَحْرِ وَاحْمِلُوا عَلَيْهِم وَأَنَا أَجيئُهُم مِنْ وَرَائِهِم، وَأَكشِفُ عَنْكُم. فَشرعُوا فِي هَذَا فَمَا تَهَيَّأَ ثُمَّ خَرَجَ أَمِيْرُ عَكَّا ابْنُ المَشْطُوْب إِلَى مَلِكِ الفِرَنْجِ وَطلبَ الأَمَانَ فَأَبَى، قَالَ: فَنَحْنُ لاَ نُسلِّمُ عَكَّا حَتَّى نُقتَلَ جَمِيْعاً وَرَجِعَ، فَزحفَ العَدُوُّ عَلَيْهَا، وَأَشرفُوا عَلَى أَخْذِهَا فَطَلبَ المُسْلِمُوْنَ الأَمَانَ عَلَى أَنْ يُسلّمُوا عَكَّا وَمائَتَيْ أَلْفِ دِيْنَارٍ وَخَمْسَ مائَةِ أَسيرٍ وَصَليبَ الصَّلبوتِ فَأُجِيبُوا، وَتَمَلَّكَ العَدُوُّ عَكَّا فِي رَجَبٍ وَوَقَعَ البُكَاءُ وَالأَسفُ عَلَى المُسْلِمِيْنَ، ثُمَّ سَارَتِ الفِرَنْجُ تَقصدُ عَسْقَلاَنَ، فَسَارَ السُّلْطَانُ فِي عرَاضهِم، وَبَقِيَ اليَزَكُ يَقْتَتِلُوْنَ كُلَّ وَقتٍ، ثُمَّ كَانَتْ وَقْعَةُ نَهْرِ القَصَبِ، ثُمَّ وَقْعَةُ أَرْسُوْفَ، فَانْتصرَ المُسْلِمُوْنَ، وَأَتَى صَلاَحُ الدِّيْنِ عَسْقَلاَنَ فَأَخلاَهَا، وَشرعَ فِي هَدمِهَا، وَهَدمَ الرَّمْلَةَ وَلُدَّ، وَشرعتِ الفرنج فِي عِمَارَة يَافَا، وَطَلَبُوا الهدنَةَ، ثُمَّ جرتْ وَقعَاتٌ صِغَارٌ، وَقصدتِ المَلاعِينُ بَيْتَ المَقْدِسِ وَبِهَا السُّلْطَانُ، فَبَالغَ فِي تَحْصِيْنِهَا.
وَفِيْهَا وُلِّيَ الأُسْتَاذُ دَارِيَة ابْنُ يُوْنُسَ الَّذِي كَانَ وَزِيْراً.
وَفِيْهَا ظَهَرَ السُّهْرَوَرْدِيُّ السَّاحرَ بِحَلَبَ، وَأَفتَى الفُقَهَاءُ بِقَتْلِهِ، فَقتِلَ بِالجوعِ، وَأُحرقَتْ جثَّتُهُ، وَكَانَ سيمَاوياً فَيلسوَفاً مُنحلاًّ.
وَفِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ شَرَعَتِ الفِرَنْجُ فِي بِنَاءِ عَسْقَلاَن.
وَالتَقَى شِهَابُ الدِّيْنِ الغُوْرِيُّ عَسَاكِرَ الهِنْدِ، فَهَزمَهُم، وَقَتَلَ ملكَهُم فِي الوقعَةِ.
وَكبَسَ الإِنكيتر فِي الرَّملِ عَسْكَراً مِنَ المِصْرِيّينَ، وَقفلا فَاسْتبَاحَهُم، فَللَّهِ الأَمْرِ، ثُمَّ انعقدَتِ الهدنَةُ ثَلاَثَ سِنِيْنَ وَثَمَانِيَةَ أَشهرٍ، وَدَخَلَ فِيْهَا السُّلْطَانُ وَهُوَ يَعضُّ يَدَهُ حَنَقاً، وَلَكِنْ كَثُرَتْ عَلَيْهِ الفِرَنْجُ وَملَّ جندَهُ وَحَلَفَ عَلَى الصُّلحِ عِدَّةٌ مِنْ مُلُوْكِ المُسْلِمِيْنَ مَعَ السُّلْطَانِ، وَعِدَّةٌ مِنْ مُلُوْكِ الفِرَنْجِ.
وَفِيْهَا قتلَ صَاحِب الرُّوْمِ قِلْج أَرْسَلاَن السَّلْجُوْقِيّ، وَقُتِلَ بُكْتَمُر صَاحِب خِلاَطٍ عَلَى يَدِ الإِسْمَاعِيْلِيَّةِ.
وَسَارَ السُّلْطَانُ طُغْرِلَ، فَبَدَّعَ فِي الرَّيِّ، وَقَتَلَ بِهَا خلقاً مِنَ المُسْلِمِيْنَ، وَعَادَ إِلَى هَمَذَان، فَبطل نِصْفه.
وَفِيْهَا افْتَتَحَ سُلْطَانُ غَزْنَةَ شِهَابُ الدِّيْنِ فِي بلاَدِ الهند.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: انْقضَّ كَوْكَبَانِ عَظِيْمَانِ اضطرمَا، وسمع صوت هزة عَظِيْمَةٍ، وَغلبَ ضوؤهُمَا ضوءَ القَمَرِ وَالنَّهَارِ، وَذَلِكَ بَعْدَ طُلُوْعِ الفَجْرِ.(16/175)
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ السُّلْطَانُ صَلاَحُ الدِّيْنِ، وَكَانَتْ دَوْلَتُهُ أَزْيَدَ مِنْ عِشْرِيْنَ.
وَفِي سَنَةِ تِسْعِيْنَ: كَانَتِ الحَرْبُ تَسْتَعِرُ بَيْنَ شِهَابِ الدِّيْنِ الغُوْرِيِّ وَبَيْنَ سُلْطَانِ الهِنْدِ بنَارس، قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: فَالتَقَوا عَلَى نَهْرِ مَاخُونَ، وَكَانَ مَعَ الهندِيِّ سَبْعُ مائَةِ فِيلٍ، وَمِنَ العَسْكَرِ عَلَى مَا قِيْلَ: أَلفُ أَلفِ نَفْسٍ، وَفِيهِم عِدَّةُ أُمَرَاء مُسْلِمِيْن، فَنُصِرَ شِهَابُ الدِّيْنِ، وَكثُرَ القتلُ فِي المُشْرِكِيْنَ حَتَّى جَافَتْ مِنْهُمُ الأَرْضُ، وَقُتِلَ بنَارس، وَعُرِفَ بِشدِّ أَسْنَانِهِ بِالذَّهَبِ، وَغَنِمَ شِهَابُ الدِّيْنِ تِسْعِيْنَ ألفًا فِيْهَا فِيلٌ أَبيضُ، وَمِنْ خَزَائِنِ بنَارس أَلْفاً وَأَرْبَعَ مائَةِ حملٍ.
وَبَعَثَ النَّاصِرُ إِلَى خُوَارِزْم شَاه، ليحَاربَ طُغْرِلَ، فَبَادرَ وَالتقَاهُ فَهَزمَهُ، وَقتلَهُ وَنهبَ خزَانتَهُ، وَهَزَمَ جَيْشَهُ، وَنفذَ الرَّأْسَ إِلَى بَغْدَادَ.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: وَسَيَّرَ النَّاصِرُ لخُوَارِزْم شَاه نَجدَةً وَسيَّرَ لَهُ مَعَ وَزِيْرِهِ المُؤَيَّدِ ابْنِ القَصَّابِ خِلَعَ السَّلطنَةِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ المُؤَيَّدُ بَعْدَ الوقعَةِ: احضُرْ إِلَيَّ لِتَلْبِسَ الخِلْعَةَ، وَتردَّدَتِ الرسل، وقيل لخوارزشاه: إِنَّهَا حِيْلَةٌ لِتُمْسَكَ، فَأَقْبل ليَأْخذ ابْن القَصَّابِ، ففر إلى جبل حماه.
وَعُزِلَ مِنَ الأُسْتَاذِ دَارِيَة ابْن يُوْنُسَ، وَحُبِسَ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَوُلِّيَ مَكَانُهُ التَّاجُ بنُ رَزِيْنَ.
وَقُتِلَ أَلب غَازِي مُتَوَلِّي الحِلَّةِ.
وَفِيْهَا افْتَتَحَ ابْنُ القَصَّابِ بلاَدَ خُوْزِسْتَانَ.
وَوَقَعَ الرِّضَى عَنْ بنِي الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ، وَسُلِّمَ ابْنُ الجَوْزِيِّ إِلَى أَحَدِهِم، فَذَهَبَ بِهِ إِلَى وَاسِطَ فَسَجَنَهُ بِهَا خَمْسَ سِنِيْنَ.
وَتَمَلَّكَ مِصْرَ بَعْدَ السلطان ابنه عبد العَزِيْزُ، وَدِمَشْقَ ابْنُهُ الأَفْضَلُ، وَحَلَبَ ابْنُهُ الظَّاهِرُ، وَالكَرَكَ وَحَرَّانَ وَموَاضِعَ أَخُوْهُ العَادلُ.
وَفِيْهَا جَاءَ يُحَاصِرُ الأَفْضَلَ بِدِمَشْقَ، ثُمَّ جَاءَ عمُّهُمَا ليُصْلِحَ بينهما، وكان داهية، فلعب بها إِلَى أَنْ مَاتَ العَزِيْزُ، فَتَمَلَّكَ هُوَ مِصْرَ، وَطرَدَ عَنْ دِمَشْقَ الأَفْضَلَ إِلَى سُمَيْسَاطَ فَقنعَ بِهَا، وَلَوْلاَ أَنَّ الظَّاهِرَ كَانَ زوجَ بِنْتِهِ لأَخَذَ مِنْهُ حَلَبَ، وَكَانَ الأَفْضَلُ صَاحِبَ شُرْبٍ وَأَغَانٍ، ثُمَّ إِنَّهُ أَصْبَحَ يَوْماً تَائِباً أَرَاقَ الخُمُوْرَ وَلَبِسَ الخَشِنَ وَتعبَّدَ وَصَامَ وَجَالَسَ الصُّلَحَاءَ، ونسخ مصحفٍ، وَلَكِنَّهُ كَانَ قَلِيْلَ السَّعَادَةِ.
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ: اسْتولَى ابْنُ القَصَّابِ عَلَى هَمَذَانَ فَضُرِبَتِ الطُّبُولُ بِبَغْدَادَ، وَعظُمَ ابْنُ القَصَّابِ وَنَفَّذَ إليه خوارزم شاه يتوعد لَمَّا عَاثَ بِأَطرَافِ بلاَدِهِ، ثُمَّ مَاتَ ابْنُ القَصَّابِ، وَأَقْبَلَ خُوَارِزْم شَاه فَهَزمَ جَيْشَ الخَلِيْفَةِ وَنبَشَ الوَزِيْر مُوهِماً أَنَّهُ قُتِلَ فِي المَصَافِّ.(16/176)
وفيها حدد العَزِيْزُ هُدْنَةً مَعَ كُنْدَهْرِي طَاغِيَةِ الفِرَنْجِ فَمَا لَبِثَ الكَلْبُ أَنْ سقطَ مِنْ مَوْضِعٍ بعكَّا، فَمَاتَ، وَاختلَّتْ أَحْوَالُ الفِرَنْجِ قَلِيْلاً، وَأَقْبَلَ الأَفْضَلُ عَلَى التَّعبُّدِ وَدبَّرَ ملكَهُ ابْنُ الأَثِيْرِ ضِيَاءُ الدِّيْنِ، فَاختلَّتْ بِهِ الأَحْوَالُ.
وَكَانَتْ بِالأَنْدَلُسِ المَلْحَمَةُ العُظْمَى، وَقْعَةُ الزَّلاَّقَةِ بَيْنَ يَعْقُوْبَ وَبَيْنَ الفُنْشِ الَّذِي اسْتولَى عَلَى بلاَدِ الأَنْدَلُسِ، فَأَقْبَلَ اللَّعِينُ فِي مائَتَيْ أَلفٍ، وَعرضَ يَعْقُوْبُ جندَهُ فَكَانُوا مائة ألف مرتزقة، ومئة أَلْفٍ مطَّوّعَةٍ، عدوا البَحْرَ إِلَى الأَنْدَلُسِ فَنَزَلَ النَّصْرُ وَنجَا قَلِيْلٌ مِنَ العَدُوِّ؛ قَالَ أَبُو شَامَةَ: عِدَّةُ القَتْلَى مائَةُ أَلْفٍ وَسِتَّةٌ وَأَرْبَعُوْنَ أَلْفاً، وَأُسِرَ ثَلاَثُوْنَ أَلْفاً، وَأُخِذَ مِنْ خِيَامِهِم مائَةُ أَلْفِ خيمَةٍ وَخَمْسُوْنَ أَلْفاً، وَمِنَ الخيلِ ثَمَانُوْنَ أَلفِ رَأْسٍ، وَمِنَ البغَالِ مائَةُ أَلْفٍ، وَمِنَ الحمِيْرِ الَّتِي لأَثقَالِهِم أَرْبَعُ مائَةِ أَلْفٍ، وَبِيْعَ الأَسيرُ بِدِرْهَمٍ، وَالحصَانُ بخَمْسَةٍ، وَقَسَمَ السُّلْطَانُ الغَنِيْمَةَ عَلَى الشَّرِيعَةِ، وَاسْتَغْنَوا. وَكَانَتِ المَلْحَمَةُ يَوْمَ تاسع شَعْبَانَ.
وَفِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ: فِيْهَا أُطلقَ طَاشتكين أَمِيْر الحَاجّ وَأَعْطَي خُوْزِسْتَان.
وَفِيْهَا حَاصرَ العَزِيْزُ دِمَشْقَ ثَالِثاً، وَمَعَهُ عَمُّهُ فَتملَّكَهَا وَذلَّ الأَفْضَلَ. وَأَقْبَلَ خُوَارِزْم شَاه ليتَمَلَّكَ بغداد.
وَفِيْهَا التَقَى الفُونشُ، وَيَعْقُوْبُ ثَانِياً فَانْكَسَرَ الفُنش، وساق يعقوب خلفه إلى طليطلة ونازلها وضربه بِالمِنْجَنِيْق، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَخْذَهَا، فَخَرَجَ إِلَيْهِ أُمُّ الفُنش وَبنَاتُهُ يَبكينَ فَرَقَّ لهُنَّ وَمَنَّ عليهِنَّ وَهَادَنَ الفُنش، لأَنَّ ابْنَ غَانِيَةَ غلبَ عَلَى أَطرَافِ المَغْرِبِ فَتفرَّغَ يَعْقُوْبُ لَهُ.
وَفِيْهَا كَتَبَ الفَاضِلُ إِلَى القَاضِي مُحْيِي الدِّيْنِ ابْنِ الزَّكِيِّ:
وَمِمَّا جَرَى بَأْسٌ مِنَ اللهِ طَرَقَ وَنَحْنُ نِيَامٌ، وَظُنَّ أَنَّهُ السَّاعَة، وَلاَ يَحسبُ المَجْلِسَ أَنِّي أَرْسَلتُ القلمَ مُحَرَّفاً وَالقَوْلَ مُجَزَّفاً، فَالأَمْرُ أَعْظَمُ؛ أَتَى عَارضٌ فِيْهِ ظلمَات متكَاثفَة، وَبرُوْقٌ خَاطفَةٌ، وَرِيَاحٌ عَاصفَةٌ، قوِي أُلْهُوبُهَا، وَاشتدَّ هُبُوبُهَا، وَارتفعتْ لَهَا صعقَاتٌ، وَرَجَفَتِ الجُدُرُ، وَاصطَفَقَتْ وَتلاَقَتْ وَاعتنقَتْ، وَثَارَ عجَاجٌ فَقِيْلَ: لَعَلَّ هَذِهِ عَلَى هَذِهِ قَدِ انْطَبَقَتْ، فَفَرَّ الخلقُ مِنْ دُوْرِهِم يَسْتَغِيثُونَ، قَدِ انْقَطَعَتْ عُلُقُهُم، وَعمِيَتْ عَنِ النَّجَاةِ طُرُقُهُم، فَدَامَتْ إِلَى الثُّلُثِ الأَخِيْرِ، وَتَكسَّرَتْ عِدَّةُ مَرَاكِبَ. إِلَى أَنْ قَالَ: وَالخطبُ أَشقُّ، وَمَا قضيتُ بِغَيْرِ الحَقِّ.
وَفِيْهَا أَخذتِ الفِرَنْجُ بَيْرُوْتَ، وَهَرَبَ مُتَوَلِّيهَا سَامَةُ.(16/177)
وَفِي سَنَةِ 94: تَملَّكَ خُوَارِزْم شَاه بُخَارَى، أَخَذَهَا مِنْ صَاحِبِ الخَطَا بَعْدَ حُرُوْبٍ عَظِيْمَةٍ.
وَفِي سَنَةِ 95: حَاصرَ خُوَارِزْم شَاه الرَّيَّ، وَكَانَ عَصَى عليه نائبه بها، فظفر بِهِ، وَنفذَ إِلَيْهِ النَّاصِرَ تَقليداً بِالسَّلطنَةِ، فَلَبِسَ الخِلْعَةَ، وَحَاصَرَ أَلموتَ، فَوَثَبَ باطنِيٌّ عَلَى وَزِيْرِهِ فَقَتَلَهُ، وَقَتلُوا رَئِيْسَ الشَّافِعِيَّةِ صَدْرَ الدِّيْنِ ابْنَ الوَزَّانِ.
وَمَاتَ سُلْطَانُ المَغْرِبِ يَعْقُوْبُ، فَتَمَلَّكَ وَلدُهُ مُحَمَّدٌ.
وَمَاتَ صَاحِبُ مِصْرَ الملكُ العَزِيْزُ صَلاَحُ الدِّيْنِ، وَأَقْبَلَ الأَفْضَلُ مِنْ صَرْخَدٍ إِلَى مِصْرَ، فَدبَّرَ دَوْلَةَ عَلِيِّ ابْنِ العَزِيْزِ، ثُمَّ سَارَ بِالجَيْشِ، وَنَازلَ عَمَّهُ العَادلَ بِدِمَشْقَ، وَأَحرَقَ الحوَاضِرَ، وَكَادَ أَنْ يَملِكَ، وَضَايَقَ البلدَ أَشْهُراً، وَجَاءت النجدة العادل فكسبوا المِصْرِيّينَ، وَضَعفَ أَمرُ الأَفْضَلِ.
سَنَة 96: مَاتَ السُّلْطَانُ عَلاَءُ الدِّيْنِ تُكُشُ بنُ آتْسِز خُوَارِزْمشَاه، وَتسلْطَنَ بَعْدَهُ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ.
وَاشتدَّ الحصَارُ عَلَى دِمَشْقَ، وَتَمحَّقَتْ خَزَائِنُ العَادلِ عَلَى العَسْكَرِ، وَاسْتدَانَ، وَاشتدَّ الغلاَءُ وَالبَلاَءُ بِدِمَشْقَ، وَأَقْبَلَ الشِّتَاءُ، فَترحَّلَ الأَفْضَلُ وَالظَّاهِرُ، فَبَادَرَ العَادلُ وَقصدَ الأَفْضَلَ فَأَدْرَكَهُ بِالغُرَابِيِّ، وَدَخَلَ القَاهِرَةَ وَتَمَكَّنَ وَردَّ الأَفْضَلَ منَحْوساً إِلَى صَرْخَدٍ بَعْدَ مَصَافٍّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَمِّهِ، ثُمَّ اسْتنَابَ العَادلُ بِمِصْرَ وَلدَهُ الكَامِلَ، وَعزلَ المَنْصُوْر عَلِيّ ابْن العَزِيْزِ، وَقَالَ: هَذَا صَبِيٌّ يُرِيْدُ المَكْتَبَ.
وَنقصَ النِّيلُ وَوَقَعَ القَحطُ، وَهَلَكَ أَهْلُ مِصْرَ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنَ الآيَاتِ الكِبَارِ فَإِنَّ النِّيلَ كسر مِنْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ ذرَاعاً سِوَى ثَلاَثَة أَصَابع.
وَدَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ، وَالبَلاَءُ شَدِيدٌ، وأكلوا الجيف، ولجوم الآدميين، وجرى ما لا يعبر عنه.
قَالَ المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ: وَعُدِمَ البَيْضُ، وَلَمَّا وُجِدَ بِيْعَتِ البيضَةُ بِدِرْهَمٍ، وَبيعَ فَرُّوجٌ بِمائَةٍ، وَبيعَ مُدَيدَة بدِيْنَارٍ، وَالَّذِي دَخَلَ تَحْتَ قَلَمِ الحُشْرِيَّةِ مِنَ الموتَى فِي اثْنَيْنِ وَعِشْرِيْنَ شَهْراً مائَةُ أَلْفٍ وَأَحَدَ عشرَ أَلْفاً إلَّا شَيْئاً يَسيراً وَهُوَ نَزْرٌ فِي جَنْبِ مَا هَلَكَ بِمِصْرَ وَالحوَاضرِ، وَكلُّهُ نَزرٌ فِي جَنْبِ مَا هَلَكَ بِالإِقْلِيْمِ، وَسَمِعنَا مِنْ ثِقَاتٍ عَنِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ أن الإمام صلى يوم الجمعة عَلَى سَبْعِ مائَةِ جَنَازَةٍ. ثُمَّ سَاقَ عِدَّةَ حِكَايَاتٍ فِي أَكْلِ لُحُوْمِ بنِي آدَمَ، وَتَمَّتْ زَلْزَلَةٌ فَكَانَتْ حَرَكَتُهَا كَالغَرْبَلَةِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، قَالَ: فَصحَّ عِنْدِي أَنَّهَا حَرَّكَتْ مِنْ قُوصٍ إلى الشام،(16/178)
وَتعفَّتْ بلاَدٌ كَثِيْرَةٌ، وَهَلَكَ أُمَمٌ لاَ تُحصَى، وَأَنْكَتْ فِي بلاَدِ الفِرَنْجِ أَكْثَرَ، وَسَمِعنَا أَنَّهَا وَصلَتْ إِلَى خِلاَطٍ، وَجَاءنِي كِتَابٌ مِنَ الشَّامِ فِيْهِ: كَادَتْ لَهَا الأَرْضُ تسيرُ سَيْراً وَالجِبَالُ تَمورُ مَوْراً، وَمَا ظَنَنَّا إلَّا أَنَّهَا زَلْزَلَةُ السَّاعَةِ، وَأَتَتْ دُفْعَتَينِ: الأُوْلَى مِقْدَارَ سَاعَةٍ أَوْ أَزْيَدَ، وَالثَّانِيَةُ دُوْنَ ذَلِكَ لَكِنْ أَشدُّ. وَفِي كِتَابٍ آخرَ: دَامَتْ بقدَرِ مَا قرَأَ سُوْرَةَ الكهفِ، وَأَنَّ صَفَدَ لَمْ يَسلَمْ بِهَا سِوَى وَلدِ صَاحِبِهَا..".
قُلْتُ: فِي هَذَا الكِتَابِ خسفٌ وَإِفكٌ، وَفِيْهِ أَنَّ عِرقَةَ وَصَافِيثَا خُسِفَ بِهِمَا.
وقال أبو شامة: في شَعْبَانَ جَاءتْ زَلْزَلَةٌ عَمَّتِ الدُّنْيَا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، فَهدمَتْ نَابُلُسَ، فَمَاتَ تَحْتَ الهَدْمِ ثَلاَثُوْنَ أَلْفاً، وَهدمَتْ عكَّا وَصُوْرَ وَجَمِيْعَ قلاعِ السَّاحِلِ.
قُلْتُ: وَهَذِهِ مُجَازفَةٌ ظَاهِرَةٌ.
قَالَ: وَرُمَّتْ بَعْضُ المنارة الشرقية، وأكثر الكلاسة والمارستان وعامة دورِ دِمَشْقَ، وَهَرَبَ النَّاسُ إِلَى المِيَادِيْنِ، وَسقطَ مِنَ الجَامِعِ سِتَّةَ عشرَ شُرْفَةً، وَتشقَّقَتْ قُبَّةُ النَّسْرِ. إِلَى أَنْ قَالَ -وَالعُهْدَةُ عَلَيْهِ: وَأُحْصِيَ مَنْ هَلَكَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَكَانَ أَلفَ أَلفٍ وَمائَةَ أَلْفِ إِنْسَانٍ. ثُمَّ قَالَ: نقَلْتُ ذَلِكَ مِنْ تَارِيخِ أَبِي المُظَفَّرِ سِبْطِ ابْنِ الجَوْزِيِّ.
وَكَانَتْ خُرَاسَانُ فِي هَيْجٍ وَحُرُوْبٍ عَلَى المُلكِ، وَالتَقَى جَيْشُ السُّلْطَانِ غِيَاثِ الدِّيْنِ الغُوْرِيِّ كفار، فَانْهَزَمَ الكُفَّارُ.
وَأَنْبَأَنِي ابْنُ البُزُوْرِيِّ فِي تَارِيْخِهِ، قَالَ: زُلْزِلَتِ الجَزِيْرَةُ وَالشَّامُ وَمِصْرُ، فَتخرَّبَتْ أَمَاكنُ كَثِيْرَةٌ جِدّاً بِدِمَشْقَ وَحِمْصَ وَحَمَاةَ، وَاسْتَوْلَى الخرَابُ عَلَى صُوْرٍ وَعكَا وَنَابُلُسَ وَطَرَابُلُسَ، وَانخسفَتْ قَرْيَةٌ، وَخَرِبَتْ عِدَّةُ قلاعٍ.
وَحَارَبَ المُعِزُّ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ سَيْفِ الإِسْلاَمِ صَاحِبُ اليَمَنِ عَلَويّاً خَرَجَ عَلَيْهِ فَهَزمَ العَلَوِيّ وَقتلَ مِنْ جندِهِ سِتَّةَ آلاَفٍ، وَقهرَ الرَّعِيَّةَ، وَادَّعَى أَنَّهُ أُمَوِيٌّ، وَتَسَمَّى بِأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ.
وَقَدِمَ مُدَرِّسُ النِّظَامِيَّةِ، وَكَانَ قَدْ بُعِثَ رَسُوْلاً مِنَ النَّاصِرِ إِلَى الغُوْرِيِّ.
وَنُدِبَ طَاشتكين لِلْحَجِّ، وَلمُحَارَبَة المُعِزِّ بِاليَمَنِ، فَبَعَثَ إِلَى أُمَرَاءَ يُنْذِرُهُم وَيَحضُّهُم عَلَى طَاعَةِ الإِمَامِ، فَشدُّوا عَلَى المُعِزِّ فَقتلُوْهُ.
سَنَةُ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ: تَنَاقَصَ الفنَاءُ بِمِصْرَ لقلَّةِ مَنْ بَقِيَ، فَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ كَبِيْرَةٍ لَمْ يَبْقَ بِهَا بَشَرٌ، حَتَّى لِنَقَلَ بَعْضُهُم أَنَّ بَلَداً كَانَ بِهَا أَرْبَعُ مائة نزل للنساجة لم يبق بها أحد.(16/179)
وَأَرَّخَ العِزُّ النَّسَّابَةُ خَبَرَ الزَّلْزَلَةِ فِيْهَا، فَوَهِمَ، وَقَالَ: هِيَ الزَّلْزَلَةُ العُظْمَى الَّتِي هَدَمَتْ بلاَدَ السَّاحِلِ صُوْرَ وَطَرَابُلُسَ وَعِرقَةَ، وَرَمتْ بِدِمَشْقَ رُؤُوْسَ المآذنِ، وَأَهْلكَتِ اثْنَيْنِ بِالكلاَّسَةِ.
سَنَة 599: قَالَ لَنَا ابْنُ البُزُوْرِيِّ: مَاجَتِ النُّجُوْمُ، وَتطَايرَتْ كَالجَرَادِ، وَدَامَ ذَلِكَ إِلَى الفَجْرِ، وَضجَّ الخلقُ إِلَى اللهِ.
وَمَاتَ سُلْطَانُ غَزْنَةَ غِيَاثُ الدِّيْنِ، وَقَامَ بَعْدَهُ أَخُوْهُ شِهَابُ الدِّيْنِ.
وَأَبعدَ العَادلُ ابْنَ ابْنِ أَخِيْهِ المَنْصُوْرَ العَزِيْزَ إِلَى الرُّهَا، وَحَاصَرَ مَارْدِيْنَ، ثُمَّ صَالَحَهُ صَاحِبُهَا عَلَى حملِ مائَةٍ وَخَمْسِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ فِي العَامِ، وَأَنْ يَخطبَ لَهُ، وَالتَقَى صَاحِبُ حَمَاةَ المَنْصُوْرُ الفِرَنْجَ مرَّتينِ وَيهزمُهُم.
وَفِي سَنَةِ سِتِّ مائَةٍ: التَقَى الأَشْرَفُ ابْنُ العَادلِ وَصَاحِبُ المَوْصِلِ نُوْرُ الدِّيْنِ فَكسرَهُ الأَشْرَفُ، وَأَسَرَ أُمَرَاءهُ ثُمَّ اصطلحَا، وَتَزَوَّجَ الأَشْرَفُ بِالأَتَابَكيَّةِ أُخْتِ نُوْرِ الدِّيْنِ.
وَدَخَلَتِ الفِرَنْجُ فِي النِّيلِ فَاسْتبَاحُوا فوّة يَوْمِ العِيْدِ.
وَنَازلَ صَاحِبُ سيسَ أَنطَاكيَةَ وَجدَّ فِي حصَارِهَا، ثُمَّ ترحَّلَ خَوْفاً مِنْ عَسْكَرِ حَلَبَ، ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ أَقْبَلَ وَهجمَ أَنطَاكيَةَ بِموَاطَأَةٍ مِنْ أَهْلِهَا، فَقَابلَهُ البُرْنُسُ سَاعَةً ثُمَّ التَجَأَ إِلَى القَلْعَةِ، وَنَادَى بشعَارِ صَاحِبِ حَلَبَ وَسرَّحَ بطَاقَةً، فَسَارعَ لنجدتِهِ صَاحِبُ حَلَبَ، فَفَرَّ الأَرْمَنِيُّ.
وَأَقْبَلتْ جيوشُ الفِرَنْجِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ إِلَى عَكَّا عَازمِينَ عَلَى قصدِ القُدْسِ، وَنَزَلَ العَادلُ تَحْتَ الطُّورِ، وَجَاءتْهُ أَمْدَادُ العَسَاكِرِ، وَأَغَارتِ الفِرَنْجُ وَعَاثَتْ، وَاسْتمرَّ الخوفُ شُهوراً.
وَمَا زَالتِ قُسْطَنْطِيْنِيَّةَ لِلرُّومِ، فَتحزَّبَتِ الفِرَنْجُ وَملوكُهَا فِي هَذَا الوَقْتِ.
وَسَنَةُ إِحْدَى وَسِتِّ مائَةٍ: احترقَتْ دَارُ الخِلاَفَةِ، وَكَانَ أَمراً مهولاً، حَتَّى قِيْلَ: إِنَّ قيمَةَ مَا ذهبَ ثَلاَثَةُ آلاَفِ أَلفِ دِيْنَارٍ وَسَبْعِ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ، قَالَهُ أَبُو شَامَةَ.
وَفِيْهَا وَقعَتِ الهدنَةُ بَيْنَ العَادلِ وَبَيْنَ الفِرَنْجِ بَعْدَ أَنْ عَاثُوا وَأَغَارُوا عَلَى حِمْصَ وَعَلَى حَمَاةَ، وَلَوْلاَ ثَبَاتُ المَنْصُوْرِ لرَاحَتْ حَمَاةُ، ثُمَّ أَغَارُوا عَلَى جبلَةَ وَاللاَّذِقِيَّةَ، وَاسْتضرُّوا، وَكَانَ العَادلُ قَدْ مَضَى إِلَى مِصْرَ، فَخَافَ وَأَهَمَّهُ أَمرُ العَدُوِّ، ثُمَّ عَملَ هِمَّةً، وَأَقْبَلَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسِتِّ مائَةٍ، فَحَاصَرَ عَكَّا مُدَّةً، فَصَالَحُوْهُ، فَلَمْ يَغْتَرَّ، وَطلبَ العَسْكَرَ مِنَ النَّوَاحِي، وَأَنفقَ الأَمْوَالَ، وَعلمَ أَنَّ الفِرَنْجَ لاَ يَنَامُوْنَ، فَنَازَلَ حصنَ الأَكرَادِ، وَأَخَذَ مِنْهَا بُرْجاً، ثُمَّ نَازلَ طَرَابُلُسَ مُدَّةً، فَملَّ جندُهُ، وَخضعَ لَهُ ملكُ طَرَابُلُسَ، وَسَيّرَ لَهُ تُحَفاً وَثَلاَثَ مائَةِ أَسيرٍ، وَصَالح.(16/180)
وَاستضرَّتِ الكُرْجُ، وَعَاثُوا بِأَذْرَبِيْجَانَ، وَقتلُوا خَلْقاً، وَعظُمَ البَلاَءُ، فَالتقَاهُم صَاحِبُ خِلاَطٍ وَنجدَةُ مِنَ الرُّومِيِّينَ، فَنَصْرَ اللهُ وَقُتِلَ طَاغِيَةُ الكُرْجِ.
وَفِي سَنَةِ 602: وَزَرَ النَّصِيْر بن مَهْدِيٍّ العَلَوِيّ، وَركِبَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ دَوَاةٌ مُحلاَّةٌ بِأَلفِ مثقَالٍ، وَورَاءهُ المهدُ وألوية الحمد والكوسات والعهد منشورًا وَالأُمَرَاءُ مشَاةٌ فَعذَّبَ الوَزِيْر ابْن حديدَة، وَصَادرَهُ، فَهَرَبَ مِنْهُ ثُمَّ ظَهَرَ بَعْدَ مُدَّةٍ خَبَرُهُ بِمَرَاغَةَ.
وَأَغَارتِ الأَرمنُ عَلَى نوَاحِي حَلَبَ، وَكبسُوا العَسْكَرَ، وَقَتَلُوا فِيهِم فَسَارعَ الظَّاهِرُ وَقصدَ ابْنَ لاون، ففر إلى قلاعه.
وسلك خُوَارِزْم شَاه بلدَ تِرْمِذَ إِلَى الخَطَا مَكِيدَةً ليتمكَّنَ مِنْ تَملُّكِ خُرَاسَانَ.
وَفِيْهَا وُجِدَ بِإِرْبِلَ خروفٌ وَجهُهُ وَجهُ آدَمِيٍّ.
وَسَارَ صَاحِبُ الرَّيِّ إِيدغمش، فَافْتَتَحَ خَمْسَ قلاعٍ لِلإسْمَاعِيليَّةِ وَصمَّمَ عَلَى أَخْذِ ألموتَ، وَاسْتِئصَالهُم. وَكَانَتْ خُرَاسَانُ تَموجُ بِالحُرُوْبِ.
وفي سنة أربع: قصد خوارزم شَاه الخَطَا فِي جَيْشٍ عَظِيْمٍ، فَالتَقَوا وَتَمَّتْ بَيْنهُم مصَافَّاتٌ، ثُمَّ وَقعَتِ الهَزِيْمَةُ عَلَى المُسْلِمِيْنَ، وَقُتِلَ خَلْقٌ، وَأُسِرَ السُّلْطَانُ وَأَمِيْرٌ مِنْ أُمَرَائِهِ فَأَظهرَ أَنَّهُ مَمْلُوْكٌ لِلأَمِيْرِ، فَبقِي الَّذِي أَسَرَهُمَا يَحترمُ الأَمِيْرَ، فَقَالَ: أُحِبُّ أَنْ تُقَرِّرَ عليَّ مَالاً وَأَبعثُ مَمْلُوْكِي هَذَا حَتَّى يَحضرُ المَالُ، فانخدع الخطائي وسيب الملوك وَمَعَهُ مَنْ يَخْفُرُهُ وَيَحفظُهُ إِلَى خُوَارِزْم فَنجَا السُّلْطَانُ، وَتَمَّتِ الحيلَةُ وَزُيِّنَتِ البِلاَدُ، ثُمَّ قَالَ الخطائِيُّ لذَاكَ الأَمِيْرِ، قَدْ عُدِمَ سُلْطَانُكُم قَالَ: أو ما تَعرفُهُ? قَالَ: لاَ، قَالَ: هُوَ مَمْلُوْكِي الَّذِي رَاحَ. قَالَ الخطائِيُّ: فَسِرْ بِنَا إِلَى خِدْمَتِهِ وَهلاَّ عَرَّفْتَنِي حَتَّى كُنْتُ أَخدمُهُ! ? وَكَانَ خُوَارِزْم شَاه مُحَمَّد قَدْ عَظُمَ جِدّاً، وَدَانَتْ لَهُ الأمم، وتحت يده ملوك وأقاليم.
وَفِي سَنَةِ 605: كَانَتِ الزَّلْزَلَةُ العُظْمَى بِنَيْسَابُوْرَ دَامت عَشْرَةُ أَيَّامٍ، وَمَاتَ الخلقُ تَحْتَ الرَّدْمِ.
وَفِي سَنَةِ 606: حَاصرَ ملكُ الكُرْجِ خِلاَط، وَكَادَ أَنْ يَأْخذَهَا وَبِهَا الأَوحدُ ابْنُ الملكِ العَادلِ، فَقَالَ لإِيوَاي الملكِ منجِّمُهُ: مَا تَبِيْتُ اللَّيْلَةَ إلَّا فِي قَلْعَةِ خِلاَط، فَاتَّفَقَ أَنَّهُ سَكِرَ وَحَمَلَ فِي جَيْشِهِ، وَخَرَجَ المُسْلِمُوْنَ، وَالْتَحَمَ الحَرْبُ، وَقُتِلَ خَلْقٌ وَأُسِرَ إِيوَاي، فَمَا بَاتَ إلَّا فِي القَلْعَةِ، وَنَازلَتِ الكُرْجُ أَرْجَيْش، وَافْتَتَحوهَا بِالسَّيْفِ.
وَكَانَ العَادلُ رُبَّمَا تركَ الجِهَادَ، وَقَاتَلَ عَلَى الدُّنْيَا، فَحَاصَرَ سِنْجَارَ مُدَّةً.(16/181)
وَقَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: سَارَ خُوَارِزْم شَاه فَعبَرَ جَيْحُونَ بجيوشِهِ فَالتقَاهُ طَاينكو طَاغِيَةُ الخَطَا فَانْهَزَمَتِ الخطا وأسر ملكهم وأتى به خوترزمشاه فَبَعَثَ بِهِ إِلَى خُوَارِزْم. وَعصَى صَاحِبُ سَمَرْقَنْدَ عَلَى حَمُوْهُ خُوَارِزْمشَاه، وَظلمَ وَتَمرَّدَ وَقَتَلَ مَنْ عِنْدَهِ مِنَ العَسْكَرِ الخُوَارِزْمِيَّةِ، فَنَازلَهُ خُوَارِزْم شَاه وَأَخَذَ مِنْهُ سَمَرْقَنْدَ، وَبَذَلَ فِيْهَا السَّيْفَ، فَيُقَالُ: قتل بها مئتا أَلف مُسْلِمٍ، ثُمَّ زَحَفَ عَلَى القَلْعَةِ وَأَسَرَ ملكَهَا فَذبَحَهُ.
وَفِي هَذَا الوَقْتِ أَوَّلُ مَا سُمِعَ بذِكْرِ التَّتَارِ، فَخَرَجُوا مِنْ أَرَاضيهِم بَادِيَةِ الصِّينِ، وَرَاءَ بلاَدِ تُرْكُستَانَ، فَحَاربُوا الخَطَا مَرَّاتٍ وقووا بكسرة خوارزم شاه للخطا، وعاثوا. وكان رأسهم يدعى كشلوخان، فَكَتَبَ ملكُ الخَطَا إِلَى خُوَارِزْمشَاه. مَا جَرَى بَيْنَنَا مغفورٌ، فَقَدْ أَتَانَا عدوٌّ صعبٌ، فَإِنْ نُصِرُوا عَلَيْنَا فَلاَ دَافع لَهُم عَنْكَ، وَالمصلحَةُ أَنْ تُنْجِدَنَا، فَكَتَبَ: هَا أَنَا قَادِمٌ لنصرتِكُم، وكاتب كشلوخان: إنني قادم وأما مَعَكَ عَلَى الخَطَا، فَكَانَ بِئسَ الرَّأْي، فَأَقْبَلَ، وَالتَقَى الجمعَانِ، وَنَزَلَ خُوَارِزْم شَاه بِإِزَائِهِمَا يُوهِمُ كُلاًّ مِنَ الفرقَيْنِ أَنَّهُ مَعَهُ، وَأَنَّهُ كَمِينٌ لَهُ، فَوَقَعتِ الكَسْرَةُ عَلَى الخَطَا فَمَالَ خُوَارِزْم شَاه حِيْنَئِذٍ مُعِيناً لَكشلوخَان، وَاسْتَحَرَّ القتلُ بِالخَطَا، وَلجؤُوا إِلَى رُؤُوْسِ الجِبَالِ، وَانضمَّ مِنْهُم خلقٌ إِلَى خُوَارِزْم شَاه، وَخضعَ لَهُ كشلوخَان، وَقَالَ: نَتقَاسمُ مَمْلَكَةَ الخَطَا، فَقَالَ خُوَارِزْم شَاه: بَلِ البلاد لي، وسار لحربه، ثم سار لِحَرْبِهِ، ثُمَّ تَبيَّن لَهُ قوَّةَ التَّتَارِ، فَأَخَذَ يراوغهم، ويكسبهم، فَبَعَثَ إِلَيْهِ كشلو: مَاذَا فِعلُ ملكٍ، ذَا فِعْلُ اللُّصُوصِ، فَإِنْ كُنْتَ ملِكاً فَاعملْ مصافاُ، فَلَمْ يُجِبْهُ، وَأَمرَ أَهْلَ فَرغَانَةَ وَالشَّاشَ وَمَدَائِنَ التُّرْكِ بِالجفلِ إِلَى بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ، وَخرَّبَ المَدَائِنَ وَدحَاهَا عجزاً عَنْ حَفِظِهَا مِنْهُم.
ثُمَّ خرج على كشلوخان الطاغية جنكزخان، فتحاربوا مدة، وظفر جنكزخان، وَطغَى، وَتَمرَّدَ، وَأَبَاد البِلاَدَ وَالعِبَادَ، وَأَخَذَ أَقَالِيمَ الخَطَا، وَجَعَلَ خَان بِالق دَارَ مُلْكِهِ، وَأَفنَى الأُمَمَ بِإِقْلِيْمِ التُّرْكِ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَخُرَاسَانَ، وَهَزَمَ الجُيُوْشَ، وَمَا جَرَى لَهُ فَسِيرَةٌ مُفْرَدَةٌ، وقد جود وصفهم الموفق البغدادي، فقال: حَدِيْثُهُم حَدِيْثٌ يَأْكُلُ الأَحَادِيْثَ، وَخبرٌ يُنسِي التَّوَارِيخَ، وَنَازلَةٌ تُطْبِقُ الأَرْضَ؛ هَذِهِ أُمَّةٌ لغتُهَا مَشوبَةٌ بلغة الهند لمجاورتهم، عراض الوجوه، واسعوا الصدور، خفاف الأعجاز، صغار الأطراف، سمر، سريعوا الحركَةِ، تَصلُ إِلَيْهِم أَخْبَارُ الأُمَمِ، وَلاَ تَصلُ أَخْبَارُهَا إِلَيْهِم، وَقَلَّمَا يَقدِرُ جَاسوسٌ أَنْ يَتمكَّنَ مِنْهُم؛ لأَنَّ الغَرِيْبَ لاَ يُشْبِهُهُم، وَإِذَا أَرَادُوا وجهة كتموا أمرهم، ونهضوا دفعة، فتسند لِهَذَا عَلَى النَّاسِ وُجُوهُ الحِيَلِ، وَتضيقُ طُرُقُ الهربِ، وَيسبقُوْنَ التَأَهُّبَ، نِسَاؤهُم يقَاتِلْنَ، يَقتلُوْنَ النِّسَاءَ وَالوِلدَانَ بِغَيْرِ اسْتثنَاءٍ، وَرُبَّمَا أَبقَوا ذَا صنعَةٍ أَوْ ذَا قُوَّةٍ، وَغَالِبُ سلاَحِهِم النُّشَّابُ، وَيطعنُوْنَ بِالسُّيوفِ أَكْثَرَ مِمَّا يَضربُوْنَ بِهَا، جَوَاشنُهُم مِنْ(16/182)
جُلُودٍ، وَخيلُهُم تَأْكلُ الكلأَ وَمَا تَجدُ مِنْ وَرقٍ وَخشَبٍ، وَسُرُوجُهُم صِغَارٌ، لَيْسَ لَهَا قيمَةٌ، وَأَكلُهُم أَيُّ حيوَانٍ وُجِدَ، وَتَمَسُّهُ النَّارُ تَحِلَّةَ القسمِ، لَيْسَ فِي قتلِهِم اسْتثنَاءٌ، كَانَ قصدُهُم إِفنَاءُ النَّوعِ، مَا سَلِمَ مِنْهُم إلَّا غَزْنَةَ وَأَصْبَهَانَ.
قُلْتُ: ثُمَّ اسْتبَاحُوا أَصْبَهَانَ سَنَة 632.
قَالَ: وَهَذِهِ القبيلَةُ الخبيثَةُ تُعْرَفُ بِالتّمرجِيِّ، سُكانَ برَارِي قَاطع الصَّينِ، وَمَشتَاهُم بِأَرغونَ، وَهُم مَشْهُوْرُوْنَ بِالشَّرِّ وَالغَدْرِ، وَالصِّينُ مُتَّسِعٌ وَهُوَ سِتُّ مَمَالِكَ، قَانُهُمُ الأَكْبَرُ مُقِيْمٌ بطمغَاج، وَكَانَ سُلْطَانُ أَحَدِ المَمَالِكِ الست دوش خان زوج عمة جنكزخان، فزار جنكزخان عَمَّتَهُ إِذْ مَاتَ زوجُهَا وَمَعَهُ كشلوخَان، فَقَالَتْ: زوجِي مَا خلَّفَ ابْناً فَأَرَى أَنْ تَقُوْمَ مقامه، فقام جنكزخان، وَنفذَ تُحَفاً إِلَى القَانِ الكَبِيْرِ، فَتنمَّرَ، وَأَنِفَ من تملك تتري، فتعاقد جنكزخان وكشلوخان على التناصر، وأبدوا الخلاف، وكثر جمعُهُم، فَالتَقَوا، فَطحنُوا عَسَاكِرَ البِلاَدِ، وَعلمَ القَانُ قوَّتَهُم، فَأَرْسَلَ يُخَوِّفُهُم، ثُمَّ التقَوْهُ، فَكسرُوهُ أَقبحَ كسرة، ونجا القان بنفسه واستولى جنكزخان عَلَى بلاَدِهِ، فَرَاسلَهُ القَانُ بِالمسَالَمَةِ وَقنعَ بِمَا بَقِيَ فِي يَدِهِ، وَسَارَا إِلَى سَاقُوْنَ مِنَ الصِّيْنِ، فَملكَاهَا، ثُمَّ مَاتَ كشلوخَان، فَقَامَ بَعْدَهُ ولده، فلم يكن له مع جنكزخان كبير أمر، فتألم، وافترقا، وتحاربا، فظفر جنكزخان بِهِ، وَانْفَرَدَ وَدَانَتْ لَهُ قبَائِلُ المغولِ، وَوَضَعَ لَهُم يَاسَةً يَتمسَّكُوْنَ بِهَا، لاَ يُخَالِفونَهَا أَلبتَةَ، وَتعبَّدُوا بطَاعتِهِ وَتعَظِيْمِهِ، ثُمَّ أَوَّلُ مَصَافٍّ وَقَعَ بَيْنَ خُوَارِزْم شَاه وَبَيْنَ التَّتَارِ كَانَ قَائِدُهُم ولد جنكزخان دوشِي خَان، فَانْهَزَمَ دوشِي خَان، وَرجعَ خُوَارِزْم شَاه مِنْ بلاَدِ التُّرْكِ فِي هَمٍّ وَفِكْرٍ مِنْ هَذَا العَدُوِّ لما رَأَى مِنْ كثرَتِهِم وَإِقدَامِهِم وَشَجَاعَتِهِم.
وَفِي سَنَةِ 607: اتَّفَقتِ المُلُوْكُ عَلَى العَادلِ: سُلْطَانُ الرُّوْمِ، وَصَاحِبُ المَوْصِلِ، وَالظَّاهِرُ، وَمَلِكُ الجَزِيْرَةِ، وَصَاحِبُ إِرْبِلَ، وَعزمُوا عَلَى إِقَامَةِ الخطبَةِ بِالسَّلطنَةِ لِصَاحِبِ الرُّوْمِ خسروشاه بنِ قِلْج أَرْسَلاَن، وَحَسَّنُوا لِلْكُرجِ قصد خِلاَط فَلَمَّا أُسِرَ مُقَدِّمُهُم تَفرَّقَتِ الآرَاءُ، وَصَالحُوا العَادلَ، وَافتكَّ إِيوَائِي نَفْسَهُ بألفي أسير وثمانين ألف دينتر وعشرين قلعة كان قد تغلَّبَ عَلَيْهَا، وَأَنَّ يُزَوِّجَ الملكَ الأَوحدَ بِابْنتِهِ، فَعَاد إِلَى مُلْكِهِ وَسومِحَ بِبَعْضِ مَا التزَمَهُ، وَلَمَّا تَملَّكَ الأَشْرَفُ خِلاَط، تَزَوَّجَ بِابْنَةِ إِيوَائِي، وَتَزَوَّجَ صَاحِبُ المَوْصِلِ بِبنتِ العَادلِ فَمَاتَ قَبْلَ وصولها إليها.
وَنقصَتْ دِجْلَةَ إِلَى الغَايَةِ حَتَّى خَاضَهَا النَّاسُ فَوْقَ بَغْدَادَ.
سَنَة 608: فِيْهَا اسْتبَاحَ ركبَ العراقِ قتادةُ صاحب مكة، وقُتِلَ عدة، وَخَرَجَ خلقٌ، فَيُقَالُ: ذهبَ لِلوفْدِ مَا قيمتُهُ أَلْفَا أَلفِ دِيْنَارٍ.(16/183)
وَزُفَّتْ بِنْتُ العَادلِ ضَيْفَةً إِلَى صَاحِبِ حَلَبَ الظَّاهِرِ، تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْسِيْنَ أَلْفِ دِيْنَارٍ، وَنفّذَ جهَازَهَا عَلَى ثَلاَثِ مائَةِ جَمَلٍ وَخَمْسِيْنَ بَغْلاً، وَخَمْسُوْنَ جَارِيَةً، وَخلَعَ عَلَيْهَا الزَّوْجُ جَوَاهرَ بِثَلاَثِ مائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
وَتَمَلَّكَ أَلبَانُ صَاحِبُ عَكَّا أَنطَاكيَةَ، فَشنَّ الغَارَاتِ عَلَى التُّرُكْمَانِ، وَهجمَ عَلَى بُورَةَ مِنْ إِقْلِيْمِ مِصْرَ، فَاسْتبَاحهَا، فَبَيَّتَهُ التُّرُكْمَانُ وَقتلُوْهُ، وَقتلُوا فُرْسَانَهُ.
وَفِي سَنَةِ 609: المَلْحَمَةُ الكُبْرَى بِالأَنْدَلُسِ، وَتُعْرَفُ بوقعَةِ العُقَابِ بَيْنَ النَّاصِرِ مُحَمَّدِ بنِ يَعْقُوْبَ المُؤْمِنِيِّ، وَبَيْنَ الفِرَنْجِ، فَنَزَلَ النَّصْرُ، لَكِنِ اسْتُشْهِدَ خَلْقٌ كَثِيْرٌ.
سَنَة عشر: قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَفِيْهَا خلصَ خُوَارِزْم شَاه مِنَ الأَسرِ، خطرَ لَهُ أَنْ يَكشِفَ التَّتَارَ بِنَفْسِهِ، فَدَخَلَ فِيهِم هُوَ وَثَلاَثَةٌ بِزِيِّهِم، فَقبضُوا عَلَيْهِم فَضربُوا اثْنَيْنِ فَمَاتَا تَحْتَ العَذَابِ، وَرَسَمُوا عَلَى خُوَارِزْم شَاه وَآخرَ فَهَرَبا فِي اللَّيْلِ.
وَقتلَتِ التُّرُكْمَانُ إِيدغمش صَاحِبَ الرَّيِّ وَهَمَذَانَ فَتَأَلَّمَ الخَلِيْفَةُ. وَتَمَكَّنَ منْكلِي، وَعظم.
فِي سَنَةِ 611: تَملَّكَ خُوَارِزْم شَاه كِرْمَانَ وَمُكْرَانَ وَالسِّنْدَ، وَخَطَبَ لَهُ بِهُرْمُزَ وَهلوَات وَكَانَ يصيفُ بِسَمَرْقَنْدَ، وَإِذَا قصدَ بَلَداً سبق خبره.
وَفِي سَنَةِ 612: أَغَارتِ الكُرْجُ عَلَى أَذْرَبِيْجَانَ وَغَنِمُوا الأَمْوَالَ وَأَزْيَدَ مِنْ مائَةِ أَلْفِ أَسِيْرٍ، قَالَهُ أَبُو شَامَةَ.
وَبَعَثَ الملكُ الكَامِلُ وَلَدَهُ المَسْعُوْدَ فَأَخَذَ اليَمَنَ بِلاَ كُلْفَةٍ وَظَلَمَ وَعَتَا وَتَمرَّدَ.
وَتَوثَّبَ خُوَارِزْم شَاه عَلَى غَزْنَةَ، فَتَمَلَّكهَا، وَجَعَلَ بِهَا وَلدَهُ جَلاَلَ الدِّيْنِ منْكُوبرِي.
وَهَزَمَ صَاحِبُ الرُّوْمِ كيكَاوس الفِرَنْجَ وَأَخَذَ مِنْهُم أَنطَاكيَةَ، ثُمَّ صَارَت لِبِرِنْسَ طَرَابُلُسَ.
وَفِيْهَا كُسِرَ مُنْكلِي صَاحِبُ أَصْبَهَانَ وَالرَّيِّ وَهَمَذَانَ وَقُتِلَ.
وَفِي سَنَةِ 613: أُحْضِرَتْ أَرْبَعَةُ أَوتَارٍ لِنَسْرِ القُبَّةِ طُولُ اثْنَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ ذَرَاعاً أُدْخِلَتْ مِنْ بَابِ الفَرَجِ إِلَى بَابِ النَّاطِفِيِّينَ، وَأُقِيمَتْ لأَجْلِ القرنَة، ثُمَّ مُدِّدَتْ. وَحُرِّرَ خَنْدَقُ القَلْعَةِ وَعَمِلَ فِيْهِ كُلُّ أَحَدٍ، وَالفُقَهَاءُ وَالصُّوْفِيَّةُ وَالمُعَظَّمُ بِنَفْسِهِ، وَأُنشِئَ المُصلَّى، وَعُمِلَ بِهِ الخَطْبَةُ.
وَوَقَعَ بِالبَصْرَةِ بَرَدٌ صِغَارُهُ كَالنَّارِنْجِ.
وَفِي سَنَةِ 614: كَانَ الغَرقُ. قَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ -بِقِلَّةِ ورع: فَانهدمَتْ بَغْدَادُ بِأَسْرِهَا، وَلَمْ يَبْقَ أَنْ يَطفحَ المَاءُ عَلَى رَأْسِ السُّوْرِ إلَّا قَدرَ إِصبعينِ. إِلَى أَنْ قَالَ: وَبَقِيَتْ بَغْدَادُ مِنَ الجَانِبَينِ تُلُوْلاً لاَ أَثرَ لَهَا.(16/184)
قُلْتُ: العجبُ مِنْ أَبِي شَامَةَ يَنقلُ أَيْضاً هَذَا وَلاَ يُبَالِي بِمَا يَقُوْلُ.
وَقَالَ أَبُو المُظَفَّرِ: نَزلَ خُوَارِزْم شَاه فِي أَرْبَعِ مائَةِ أَلْفٍ قَاصداً بَغْدَادَ فَاسْتعدَّ النَّاصِرُ، وَفرَّقَ الأَمْوَالَ وَالعُدَدَ، وَنفَّذَ إِلَيْهِ رَسُوْلاً السُّهْرَوَرْدِيَّ، فَأَهَانَهُ فَاسْتوقفَهُ وَلَمْ يُجْلِسْهُ، وَفِي الخِدْمَةِ مُلُوْكُ العجمِ. قَالَ: وَهُوَ شَابٌّ عَلَى تَخْتٍ، وَعَلَيْهِ قبَاءٌ يُسَاوِي خَمْسَةَ درَاهِم، وَعَلى رَأْسِهِ قُبعُ جلدٍ يُسَاوِي دِرْهَماً، فَسَلَّمْتُ فَمَا ردَّ، فَخطبْتُ وَذكَّرْتُ فَضلَ بَنِي العَبَّاسِ، وَعَظَّمْتُ الخَلِيْفَةَ وَالتَّرْجَمَانُ يُعيدُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِلتَّرْجَمَانِ: قُلْ هَذَا الَّذِي يَصفُهُ: مَا هو في بغداد، بلى أما أُقيمُ خَلِيْفَةً كَمَا تَصِفُ، وَرَدّنَا بِلاَ جَوَابٍ. وَنَزَلَ ثَلجٌ عَظِيْمٌ فَهلكَتْ خَيْلُهُم وَجَاعُوا، وَكَانَ مَعَهُ سَبْعُوْنَ أَلْفاً مِنَ الخَطَا، فَصرَفَهُ اللهُ عَنْ بَغْدَادَ، وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ: أَنَا مَنْ آذِيتُ أَحَداً مِنْ بَنِي العَبَّاسِ? بَلْ فِي جَيْشِ الخَلِيْفَةِ خَلْقٌ مِنْهُم، فَأَعِدْ هَذَا عَلَى مَسَامِعِ الخَلِيْفَةِ، وَمَنَعَهُ اللهُ بثلوجٍ لاَ تُوصَفُ.
وَفِيْهَا أَقْبَلتْ جُيوشُ الفِرَنْجِ لِقَصدِ بَيْتِ المَقْدِسِ وَالأَخْذِ بِالثَّأْرِ، وَوصلُوا إِلَى بَيْسَانَ، وَتَأَخَّرَ العَادلُ فَتَبِعُوْهُ، وَنَزَلَ بِمرْجِ الصُّفَّرِ وَاسْتحثَّ العَسَاكِرَ وَالمُلُوْكَ وَضَجَّ الخَلْقُ بِالدُّعَاءِ وَكَانَتْ هُدنَةٌ فَانْفسخَتْ وَنَهَبَتِ الفرنج بلاد الشَّامِ وَوصلُوا إِلَى الخربَةِ، وَحَاصرُوا قَلْعَةَ الطُّورِ الَّتِي بنَاهَا المُعَظَّمُ مُدَّةً، وَعَجَزُوا عَنْهَا، وَرَجَعُوا فَجَاءَ المُعَظَّم، وَخَلَعَ عَلَى مَنْ بِهَا، ثُمَّ اتَّفَقَ هُوَ وَأَبُوْهُ عَلَى هَدْمِهَا، وَأَخَذَتْ خَمْسُ مائَةٍ مِنَ الفِرَنْجِ جِزِّينَ وَفَرَّ رِجَالُهَا فِي الجبلِ، ثُمَّ بَيَّتُوا الفِرَنْجَ، فَاسْتَحَرَّ بِهِمُ القتلُ حَتَّى مَا نَجَا مِنَ الفِرَنْجِ سِوَى ثَلاَثَةٌ. وَبَادَرَتِ الفِرَنْجُ إِلَى قَصْدِ مِصْرَ لِخُلُوِّهَا مِنَ العَسَاكِرِ، وَأَشرفَ النَّاسُ عَلَى التَّلَفِ، وَمَا جَسَرَ العَادلُ عَلَى المُلْتَقَى لِقِلَّةِ مَنْ عِنْدَهِ مِنَ العَسَاكِرِ، فَتَقَهْقَرَ.
وَدَخَلتْ سَنَةُ 615: فَنَازَلَتِ الفِرَنْجُ دِمْيَاطَ، وَأَقْبَلَ الكَامِلُ ليكشِفَ عَنْهَا، فَدَامَ الحصَارُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَمَاتَ العَادلُ، وَخلصَ وَاسْترَاحَ.
وَفِيْهَا كَسَرَ الأَشْرَفُ صَاحِبَ الرُّوْمِ، ثُمَّ أَقْبَلَ وَأَخَذَ مَعَهُ عَسْكَرَ حَلَبَ مُغِيراً عَلَى سوَاحلِ الفِرَنْجِ.
وَأَخَذتِ الفِرَنْجُ بُرْجَ السِّلْسِلَةِ مِنْ دِمْيَاطَ، وَهُوَ قُفْلٌ عَلَى مِصْرَ؛ بُرجٌ عَظِيْمٌ فِي وَسطِ النِّيلِ، فَدِمْيَاطُ بحذَائِهِ، وَالجِيْزَةُ مِنَ الحَافَّةِ الغربيَّةِ، وَفِيْهِ سِلْسِلَتَانِ تَمتَدُّ كُلُّ وَاحِدَةٍ عَلَى وَجْهِ النِّيلِ إِلَى سُورِ دِمْيَاطَ، وَإِلَى الجِيْزَةِ، يَمنعَانِ مَرْكَباً بدخل مِنَ البَحْرِ فِي النِّيلِ، وَعَدَتِ الفِرَنْجُ إِلَى بَرِّ دِمْيَاطَ، فَفَرَّ العَسَاكِرُ مِنَ الخِيَامِ، فَطَمِعَ العَدُوُّ، ثُمَّ كَرَّ عَلَيْهِمُ الكَامِلُ فَطَحَنَهُم، فَعَادُوا إلى دمياط.(16/185)
وَمَاتَ كِيكَاوسُ صَاحِبُ الرُّوْمِ، وَكَانَ جَبَّاراً ظَلُوْماً.
وَمَاتَ القَاهِرُ مَسْعُوْدٌ صَاحِبُ المَوْصِلِ.
وَرجعَ مِنْ بلاَدِ بُخَارَى خُوَارِزْم شَاه إِلَى نَيْسَابُوْرَ، وَقَدْ بلغه أن التتار قاصدوه، وجاءه رسول جنكزخان يَطلبُ الهدنَةَ يَقُوْلُ: إِنَّ القَانَ الأَعْظَمَ يُسَلِّمُ عَلَيْكَ وَيَقُوْلُ: مَا يَخفَى عليَّ عِظَمُ سُلْطَانِكَ وَأَنْت كَأَعزِّ أَوْلاَدِي وَأَنَا بيدِي مَمَالِكُ الصِّيْنِ، فَاعقِدْ بَيْنَنَا المَوَدَّةَ، وَتَأَذَّنْ لِلتُّجَّارِ وَتنْعَمِرُ البِلاَدُ، فَقَالَ السُّلْطَانُ لِمَحْمُوْدٍ الخُوَارِزْمِيِّ الرَّسُولِ: أَنْتَ مِنَّا وَإِلَينَا، وَأَعْطَاهُ جَوَاهرَ وَطلبَ أَنْ يَكُوْنَ مُنَاصحاً له فأجابه، فقال: اصدقني، تملك جنكزخان طمغاخ? قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا المصلحَةُ? قَالَ: الصُّلحُ. فأجاب. فأعجب ذلك جنكزخان وَمَشَى الحَالُ. ثُمَّ جَاءَ مِنْ جِهَةِ التَّتَارِ تُجَّارٌ فَشَرِهَتْ نَفْسُ خَالِ السُّلْطَانِ مُتَوَلِّي مَا وَرَاءَ النَّهْرِ إِلَى أَخْذِ أَمْوَالِهِم، وَقبضَ عَلَيْهِم وَظنَّهُم جَوَاسيسَ لِلتَّتَارِ، فَجَاءَ رَسُوْلُ جِنْكِزْخَانَ يَقُوْلُ: إِنَّك أَمَّنْتَ تُجَّارَنَا وَالغَدْرُ قَبِيحٌ، فَإِنْ قُلْتَ: فَعلَهُ خَالِي فَسلِّمْهُ إِلَيْنَا وَإِلاَّ سَترَى مِنِّي مَا تَعرِفُنِي بِهِ، فَحَارَتْ نَفْسُ خُوَارِزْم شَاه، وَتَجَلَّدَ، وَأَمرَ بِقَتْلِ الرُّسُلِ، -فَيَا بِئسَ مَا صَنَعَ، وَحصَّنَ سَمَرْقَنْدَ، وَشحنهَا بِالمُقَاتِلَةِ فَمَا نَفعَ، وَقُضِيَ الأَمْرُ.
وَدَخَلتْ سَنَةُ 616: فَتقهقَرَ خُوَارِزْم شَاه، وَأَقْبَلتِ المُغْلُ كَاللَّيْلِ المُظْلِمِ، وَمَا زَالَ أَمرُ خُوَارِزْم شَاه فِي إِدبارٍ، وَسعدُهُ فِي سَفَالٍ، وَمُلْكُهُ فِي زوَالٍ، وَهُوَ فِي تَقهقُرٍ وَاندفَاعٍ إِلَى أَنْ قَارَبَ هَمَذَانَ، وَتَفرَّقَ عَنْهُ جَمْعُهُ، حَتَّى بَقِيَ فِي عِشْرِيْنَ أَلْفاً، فَمَا بَلَعَ رِيقَهُ إلَّا وَطلاَئِعُ المُغْلِ قَدْ أَظلَّتْهُ، وَأَحَدقُوا بِهِ، فَنجَا بِنَفْسِهِ، وَاسْتَحَرَّ القتلُ بِجُندِهِ، وَفَرَّ إِلَى الجبلِ، ثُمَّ إِلَى مَازَندرَان، وَنَزَلَ بِمسجدٍ عَلَى حَافَّةِ البَحْرِ يُصَلِّي بِجَمَاعَةٍ وَيَتلُو وَيَبْكِي، ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ كَبَسَهُ العَدُوُّ، فَهَرَبَ فِي مَرْكبٍ صَغِيْرٍ، فَوَصَلَ إِلَيْهِ نَشَّابُهُم وَخَاضَ وَرَاءهُ طَائِفَةٌ، فَبقِيَ فِي لُجَّةٍ، وَمَرِضَ بِذَاتِ الجَنْبِ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! مَا بَقِيَ لَنَا مِنْ مَمْلَكَتِنَا قدرَ ذِرَاعَينِ نُدْفَنُ فِيْهَا، فَوَصَلَ إِلَى جَزِيْرَةٍ فَأَقَامَ بِهَا طرِيْداً وَحيداً مجهوداً، وَمَاتَ، فَكَفَّنَهُ فَرَّاشُهُ فِي عِمَامَتِهِ سَنَة سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَفِي أَوَّلِ سَنَةِ 616: خرَّبَ أَسوَارَ القُدْسِ المُعَظَّم خَوْفاً مِنْ تَملُّكِ الفِرَنْجِ، وَهجَّ النَّاسُ مِنْهُ عَلَى وُجُوْهِهِم، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ أَحصنَ مَا يَكُوْنُ، وَأَعمرَهُ، وَذَاكَ لأَنَّه كَانَ فِي نَجدَةِ أَخِيْهِ عَلَى دِمْيَاطَ، وَسَمِعَ أَنَّ الفِرَنْجَ عَلَى قصْدِهِ، وَكَانَ بِهِ أَخُوْهُ الملكُ العَزِيْزُ وَعزُّ الدِّينِ أَيْبَكُ صَاحِبُ صَرْخَدَ، فَشرعُوا فِي هَدْمِهِ، وَتَمَزَّقَ أَهْلُهُ وَتعثَّرُوا وَنَهَبُوا وَبِيْعَ رَطْلُ النُّحَاسِ بنِصْفٍ وَالزَّيْتُ عَشْرَةُ أَرطَالٍ بِدِرْهَمٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: لَمَّا أَخذَتِ الفِرَنْجُ برجُ السِّلْسِلَةِ عَمِلَ الكَامِلُ عَلَى النِّيلِ جِسْراً عظيمًا،(16/186)
فَالتحَمَ القِتَالُ حَتَّى قطعَتْهُ الفِرَنْجُ، فَعمدَ الكَامِلُ إِلَى عِدَّةِ مَرَاكِبَ، وَملأَهَا حجَارَةً وَغَرَّقَهَا فِي المَاءِ ليمنَعَ مَرْكَباً مِنْ سُلُوْكٍ، فَحَفَرَتِ الفِرَنْجُ خَلِيْجاً وَأَخَّرُوهُ وَأَدخلُوا مَرَاكِبَهُم مِنْهُ حَتَّى دَخَلُوا بُورَةً وَحَاذَوُا الكَامِلَ، وَقَاتَلُوْهُ مَرَّاتٍ فِي المَاءِ وَلَمْ يَتغَيَّرْ عَنْ أَهْلِ دِمْيَاطَ شَيْءٌ، لأَنَّ المِيْرَةَ وَاصِلَةٌ إِلَيْهِم. وَمَاتَ العَادلُ فَهَمَّ جَمَاعَةٌ بِتَملِيكِ الفَائِزِ بِمِصْرَ، فَبَادرَ الكَامِلُ وَأَصْبَحَ الجَيْشُ في خطبة وَقَدْ فَقَدُوا الكَامِلَ، فَشدَّتِ الفِرَنْجُ عَلَى دِمْيَاطَ وأصبح الجيش في خطبة وَقَدْ فَقَدُوا الكَامِلَ، فَشدَّتِ الفِرَنْجُ عَلَى دِمْيَاطَ وَأَخَذُوا بَرَّهَا بِلاَ كُلْفَةٍ وَلَوْلاَ لُطْفُ اللهِ وَقُدومُ المُعَظَّم بَعْدَ يَوْمَيْنِ لَرَاحتْ مِصْرُ، فَفَرحَ بِهِ الكَامِلُ، وَبعثَوا عِمَادَ الدِّيْنِ أَحْمَدَ بنَ المَشْطُوْبِ الَّذِي سَعَى لِلْفَائِزِ إِلَى الشَّامِ، وَتَمَادَى حِصَارُ الفِرَنْجِ لدِمْيَاطَ وَصَبَرَ أَهْلُهَا صَبْراً عَظِيْماً، وَقُتِلَ مِنْهُم خلقٌ، وَقَلُّوا وَجَاعُوا فَسلَّمُوهَا بِالأَمَانِ، فَحَصَّنَهَا العَدُوُّ وَأَشرفَ النَّاسُ عَلَى خِطَّةٍ صَعْبَةٍ وَهَمَّ أَهْلُ مِصْرَ بِالجلاَءِ، وَأُخِذَتْ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ، وَدَامَ الكَامِلُ مُرَابِطاً إِلَى سنة ثماني عشرة، وأقبل الأشرف منجدًا لأَخِيهِ وَقَوِيَ المُسْلِمُوْنَ وَحَاربُوا الفِرَنْجَ مَرَّاتٍ، وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ فِي هُدنَةٍ وَبَذَلُوا لِلْفرنجِ القُدْسَ وَعَسْقَلاَنَ وَقِلاَعاً سِوَى الكَرَكِ، فَأَبَوْا، وَطَلَبُوا ثَلاَثَ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ عِوَضاً عَنْ تَخرِيبِ سُورِ القُدْسِ، فَاضطرَّ المُسْلِمُوْنَ إِلَى حَرْبِهِم، فَقَلَّتِ المِيْرَةُ عَلَى الفِرَنْجِ فَفَجَّرَ المُسْلِمُوْنَ النِّيلَ عَلَى مَنْزِلَةِ الفِرَنْجِ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُم مَسْلَكٌ غَيْرُ جهَةٍ ضَيِّقَةٍ، فَنَصَبَ الكَامِلُ الجسورَ عَلَى النِّيلِ وَدَخَلتِ العَسَاكِرُ فَملَكُوا المضِيْقَ وَسُقِطَ فِي أَيدِي الفِرَنْجِ وَجَاعُوا، فَأَحرقُوا خِيَامَهُم وَأَثقَالَهُم وَمَجَانِيْقَهُم، وَعزمُوا عَلَى الزَّحْفِ إِلَى المُسْلِمِيْنَ فَعَجَزُوا وَذلّوا وَعَزَّ المُسْلِمُوْنَ عَلَيْهِم، فَطَلبُوا مِنَ الكَامِلِ الأَمَانَ، وَيَتْرُكُوا لَهُ دِمْيَاطَ، فَبَيْنَمَا هُم فِي ذَلِكَ إِذَا رَهَجٌ عَظِيْمٌ وَضجَّةٌ مِنْ جِهَةِ دِمْيَاطَ فَظنُّوهَا نَجدَةً لِلْفرنجِ جَاءت، وَإِذَا بِهِ المَلِكُ المُعَظَّمُ فِي جُندِهِ، فَخُذِلَتِ الملاعِينُ وَسَلّمُوا دِمْيَاطَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَدخلَهَا المُسْلِمُوْنَ، وَقَدْ بَالَغَتِ الكِلاَبُ فِي تَحْصِينِهَا وَللهِ الحَمْدُ.
أَنْبَأَنِي مَسْعُوْدُ بنُ حمويَه، قَالَ: لَمَّا تَقرَّرَ الصُّلحُ، جلسَ السُّلْطَانُ فِي مُخَيَّمِهِ، عَنْ يَمِيْنِهِ المُجَاهِدُ شِيرْكُوْهُ، ثُمَّ الأَشْرَفُ، ثُمَّ المُعَظَّم، ثُمَّ صَاحِبُ حَمَاةَ، ثُمَّ الحَافِظُ صَاحِبُ جَعْبَرَ، وَمقدَّمُ عَسْكَرِ حَلَبَ، وَمقدَّمُ المَوَاصِلَةِ وَالمَاردَانِيْنَ، وَمقدَّمُ جُنْدِ إِرْبِلَ وَمَيَّافَارِقِيْنَ، وَعَنْ شِمَالِهِ نَائِبُ البَابَا ثُمَّ صَاحِبُ عَكَّا ثُمَّ صَاحِبُ قُبْرصَ وَصَاحِبُ طَرَابُلُسَ وَصَاحِبُ صَيْدَا ثُمَّ أَربَابُ القلاعِ وَمقدَّمُ الدّيويَةَ، وَمقدَّمُ الإِسبتَارِ، وَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً، فَأَذِنَ السُّلْطَانُ بِأَنْ يُبَاعَ عَلَيْهِم المَأْكولُ فَكَانَ يَدخلُ إِلَيْهِم كُلَّ يَوْمٍ خَمْسُوْنَ ألف رغيف، ومائتا أَردب شعير، وَكَانُوا يَبيعُوْنَ سِلاَحَهُم بِالخبزِ، وَكَانَ السُّلْطَانُ قَدْ أَنشَأَ هُنَاكَ مدينَةً سَمَّاهَا المَنْصُوْرَةَ، نَزلَهَا بِجَيْشِهِ وَسَوَّرَهَا.(16/187)
وَفِي سَنَةِ 617: التقَى مُظَفَّرُ الدِّيْنِ صَاحِبُ إِرْبِلَ وَبدرُ الدِّينِ لُؤْلُؤ نَائِبُ المَوْصِلِ، فَانْهَزَمَ لُؤْلُؤٌ، وَنَازَلَ مُظَفَّرُ الدِّيْنِ المَوْصِلَ، فَنجَدَهَا الأَشْرَفُ وَاصطلحُوا.
وَفِي رَجَبٍ وَقْعَةُ البَرَلُّسِ بَيْنَ الكَامِلِ وَالفِرَنْجِ، فَنَصَرَ اللهُ، وَقُتِلَ مِنَ الفِرَنْجِ عَشْرَةُ آلاَفٍ، وَانْهَزَمُوا، فَاجْتَمَعُوا بِدِمْيَاطَ.
وَفِيْهَا أَخذَتِ التَّتَارُ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ بِالسَّيْفِ، وَعَدَوا جَيْحُونَ. قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: لَوْ قِيْلَ: إِنَّ العَالِمَ مُنْذُ خُلِقَ إِلَى الآنَ لَمْ يُبْتَلَوا بِمِثْلِ كَائِنَةِ التَّتَارِ لَكَانَ صَادِقاً، فَإِنَّ التَّوَارِيخَ لَمْ تَتضمَّنْ مَا يُقَارِبُهَا؛ قَوْمٌ خَرَجُوا مِنْ أَطرَافِ الصِّينِ فَقصدُوا بِلاَدَ تركستَانَ، ثُمَّ إِلَى بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ فَتملَّكُوهَا، ثُمَّ تَعبُرُ طَائِفَةٌ مِنْهُم إِلَى خُرَاسَانَ فَيَفْرَغُونَ مِنْهَا تَخرِيباً وَقَتلاً إِلَى الرَّيِّ وَهَمَذَانَ، ثُمَّ يَقصدُوْنَ أَذْرَبِيْجَانَ وَنوَاحيهَا وَيستبيحونَهَا فِي أَقلَّ مِنْ سَنَةٍ، أَمرٌ لَمْ نَسْمَعْ بِمِثْلِهِ، ثُمَّ سَارُوا إِلَى دَرْبَند شِرْوِينَ، فَملَكُوا مُدنَهُ، وَعبرُوا إِلَى بلاَدِ اللاَنِ وَاللّكز قتلاً وَأَسراً، ثُمَّ قصدُوا بلاَدَ قَفْجَاقَ فَقتلُوا مَنْ وَقَفَ وَهَرَبَ مَنْ بَقِيَ إِلَى الشُّعَرَاءِ وَالجِبَالِ، وَاسْتولَتِ التَّتَارُ عَلَى بِلاَدِهِم، وَمَضتْ فِرقَةٌ أُخْرَى إِلَى غَزْنَةَ وَسِجِسْتَان وَكِرمَانَ، فَفَعلُوا كَذَلِكَ، وَأَشَدَّ. هَذَا مَا لَمْ يَطرقِ الأَسْمَاعَ مِثْلُهُ، فَإِنَّ الإِسْكَنْدَرَ مَا ملَكَ الدُّنْيَا بِهَذِهِ السُّرْعَةِ، بَلْ فِي نَحْوِ عَشرِ سِنِيْنَ وَلَمْ يَقتُلْ أَحَداً.
وَقَالَ: وَخيلُهُم لاَ تَعرِفُ الشَّعيرَ، إِنَّمَا تَحفُرُ بِحوَافرِهَا وَتَأْكلُ عُرُوْقَ النَّبَاتِ، وَهُم يَسْجُدُوْنَ لِلشَّمْسِ، وَلاَ يُحَرِّمُوْنَ شَيْئاً، وَيَأْكلُوْنَ الحيوَانَاتِ وَبنِي آدَمَ، وَلاَ يَعرفُوْنَ زَوَاجاً. وَهُم صنف من الترك مساكنهم جبال طغماج. وَبَعَثَ خُوَارِزْم شَاه جَوَاسيسَ فَأَتَوْهُ فَأَخبرُوهُ أَنَّ التتر يقوفون الإِحصَاءَ، وَأَنَّهُم أَصبرُ شَيْء عَلَى القِتَالِ، لاَ يَعرفُوْنَ هَزِيْمَةً، فَندِمَ خُوَارِزْم شَاه عَلَى قَتْلِ تُجَّارِهِم، وَتَقَسَّمَ فَكَرِهَ، ثُمَّ عَمِلَ مَعَهُم مَصَافّاً ما سمع مثله، دَامَ ثَلاَثاً، وَقُتِلَ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ خَلاَئِقُ لاَ يُحصَوْنَ، حَتَّى لَقُتِلَ مِنَ المُسْلِمِيْنَ عِشْرُوْنَ أَلْفاً، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الوَاقعَةَ، وَأَنَّهَا مَا حَضَرهَا جنكزخان، وَتَحَاجَزَ الجمعَانِ، وَمَرَّ خُوَارِزْم شَاه فَتركَ بِبُخَارَى عِشْرِيْنَ أَلْفَ فَارِسٍ، وَبِسَمَرْقَنْدَ خَمْسِيْنَ أَلْفاً، وَقَالَ: احْفظُوا البِلاَدَ حَتَّى أَجْمَعَ الجُيُوْشَ وَأَعُوْدَ، فَعَسْكَرَ عَلَى بَلْخَ، فَلَمَّا أَحَاطَتِ التَّتَارُ بِبُخَارَى خَرَجَ عَسْكَرُهَا فِي اللَّيْلِ عَلَى حَمِيَّةٍ وَتركُوهَا، فَخَرَجَ إِلَى القَانِ بدرُ الدِّينِ ابْنُ قَاضِي خَان يَطلبُ الأَمَانَ فَأَعْطَاهُم وَدخلوهَا فِي رَابعِ ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَمْ يَتعرَّضُوا أَوَّلاً إِلَى غَيْرِ الحوَاصِلِ السُّلطَانِيَّةِ، وَطَلَبُوا مِنْهُم العَوْنَ عَلَى حربِ مَنْ بِقَلعَتِهَا فَطَمُّوا خَنْدَقهَا بِالتُّرَابِ وَالأَخشَابِ حَتَّى بِالرَّبعَات، وَأُخِذَتْ بِالسَّيْفِ، وَصدَقَ أَهْلُهَا اللِّقَاءَ حَتَّى أُبِيدُوا، ثُمَّ غدَرَ جنكزخان بِالنَّاسِ وَهلكُوا وَتَمزَّقُوا، وَسَبُوا الذُّرِّيَّةَ، وَبقيَتْ بُخَارَى كَأَمسِ الذَّاهبِ. ثُمَّ أَحَاطُوا بِسَمَرْقَنْدَ فِي أَوَّلِ(16/188)
سَنَةِ 617 فَقِيْلَ: بَرزَ مِنْ أَهْلِهَا نَحْوُ سَبْعِيْنَ ألفًا، فقاتلوا، فانهزم لهم التتر، ثم حالوا بنهم وبين البلد وحصدوهم، ثم جهز جنكزخان خَلْفَ خُوَارِزْم شَاه فَعبَرُوا جَيْحُونَ خوضاً وَسباحَةً، فَانْهَزَمَ مِنْهُم وَهُم وَرَاءهُ، ثُمَّ عطفُوا فَأَخذُوا الرَّيَّ، وَمَازَندرَانَ، وَظفرُوا بِأُمِّ خُوَارِزْم شَاه وَمَعَهَا خَزَائِنُهُ، فَأَسَرُوهَا، ثُمَّ أَخذُوا قَزْوِيْنَ بِالسَّيْفِ، وَبلغَتِ القَتْلَى أَرْبَعِيْنَ أَلفاً، ثُمَّ أَخذُوا أَذْرَبِيْجَانَ، وَصَالَحَهُم ملكُ تَبرِيزَ ابْنُ البَهْلَوَانِ عَلَى أَمْوَالٍ، فَمضَوْا لِيَشْتُوا بِمُوقَانَ وَهَزمُوا الكُرْجَ، وَأَخَذُوا مَرَاغَةَ بِالسَّيْفِ، ثُمَّ قَصدُوا إِرْبِلَ، فَتَحَزَّبَ لَهُم عَسْكَرٌ، فَعَادُوا إِلَى هَمَذَانَ، وَكَانُوا قَدْ بدعُوا فِيْهَا، وَقرَّرُوا بِهَا شحنَةً، فَطَالبَهُم بِأَمْوَالٍ فَقَتَلُوْهُ وَتَمنَّعُوا فَحَاصَرَهُم التتار، فبرزوا لمحاربتهم، وقتلوا خلقًا مِنَ التَّتَارِ وَجُرِحَ فَقِيهُهُم جِرَاحَاتٍ، ثُمَّ بَرَزُوا مِنَ الغَدِ فَالتحمَ القِتَالُ، ثُمَّ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ عَجِزَ الفَقِيْهُ عَنِ الرُّكوبِ، وَعزمَتِ التَّتَارُ عَلَى الرَّحيلِ، لِكَثْرَةِ مَنْ قُتِلَ مِنْهُم، فَمَا رَأَوا مَنْ خَرَجَ لقِتَالِهِم، فَطمِعُوا وَزَحَفُوا عَلَى البلَدِ فِي رَجَبٍ سَنَة ثَمَانِي عَشْرَةَ، فَدَخَلُوْهُ بِالسَّيْفِ، فَاقْتَتَلُوا فِي الأَزِقَّةِ قِتَالَ المَوْتِ، وَقُتِلَ مَا لاَ يُحصَى، وَأُحرِقَتْ هَمَذَانُ، وَسَارَتِ التَّتَارُ إِلَى تَبْرِيزَ فَبذلَ أَهْلُهَا أَمْوَالاً فَسَارُوا إِلَى بَيْلَقَانَ، فَأَخَذُوهَا عَنْوَةً فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ، وَحَصَدُوا أَهْلَهَا، حَتَّى كَانُوا يَزنُوْنَ بِالمَرْأَةِ ثُمَّ يَقتلُونَهَا، وَسَارُوا إِلَى كنجَةَ، وَهِيَ أُمُّ أرَانَ فَصَانَعُوهُم بِالأَمْوَالِ، ثُمَّ التَقَوُا الكُرْجَ فَطحَنُوهُم، وَقُتِلَ مِنَ الكُرْجِ ثَلاَثُوْنَ أَلْفاً، ثُمَّ قصدُوا الدَّرْبَنْدَ فَافْتتحُوا مدينَةَ سَمَاخِي عَنْوَةً، وَلَمْ يَقدرُوا عَلَى وُلُوجِ الدَّرْبَنْدِ، فَبعثَوا يَطلبُوْنَ مِنْ شَرْوَانَ شَاه رَسُوْلاً فَبَعَثَ عَشْرَةً فَقتَلُوا وَاحِداً وَقَالُوا لِمَنْ بَقِيَ: إِنْ لَمْ تَدُلُّونَا عَلَى طَرِيْقٍ قَتَلْنَاكُم، قَالُوا: لاَ طَرِيْقَ لَكِنْ هُنَا مَسلَكٌ ضَيِّقٌ، فَمَرُّوا فِيْهِ قتلاً وَسبياً وَأَسرفُوا فِي قَتْلِ اللاَنِ، ثُمَّ بَيَّتُوا القَفْجَاقَ، وَأَبَادُوا فِيهِم، وأتوا سوداق فملوكها، وأقاموا هناك إلى سنة عشرين ست مائة. وأما جنكزخان فَجَهَّزَ فِرقَةً إِلَى تِرْمِذَ وَطَائِفَةً إِلَى كلاَثَةَ عَلَى جَانبِ جَيْحُونَ، فَاسْتبَاحُوهَا، ثُمَّ عَادُوا إِلَيْهِ، وَهُوَ بِسَمَرْقَنْدَ فَجَهَّزَ جَيْشاً كَثِيفاً مَعَ وَلدِهِ لِحَرْبِ جَلاَلِ الدِّيْنِ ابْنِ خُوَارِزْم شَاه، وَحَاصرُوا خُوَارِزْم ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ وَأَخَذوهَا، وَعَلَيْهِم أوكتَاي الَّذِي تملك بعد جنكزخان، وَقُتِلَ بِهَا أُمَمٌ لَكِنْ بَعْدَ أَنْ قَتَلُوا خَلاَئِقَ مِنَ التَّتَارِ، وَأَخَذُوا بِالسَّيْفِ مَرْوَ، وَبلْخَ، وَنَيْسَابُوْرَ، وَطُوسَ، وَسَرْخَسَ، وَهرَاةَ، فَلاَ يُحصَى مَنْ رَاحَ تَحْتَ السَّيْفِ.
وَقَالَ المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ: قصدَتْ فِرقَةٌ أَذْرَبِيْجَانَ وَأَرَّانَ وَالكُرْجَ، وَفِرقَةٌ هَمَذَانَ وَأَصْبَهَانَ وَخَالطَتْ حُلْوَانَ قَاصدَةً بَغْدَادَ، وَمَاجُوا فِي الدُّنْيَا بِالإِفسَادِ يَعضُّونَ عَلَى مَنْ سَلَّمَ الأَنَاملَ من الغيط. إِلَى أَنْ قَالَ: وَعَبرُوا إِلَى أُمَمِ القَفْجَاقِ وَاللاَنِ فَغسلُوهُم بِالسَّيْفِ، وَخَرَجَ مِنْ رَقِيْقِ التُّرْكِ خلقٌ حَتَّى فَاضُوا عَلَى البِلاَدِ.(16/189)
وَأَمَّا الخَلِيْفَةُ فَإِنَّهُ جَمعَ الجُمُوْعَ وَجَيَّشَ الجُيُوْشَ، وَحشرَ فَنَادَى، وَأَتتْهُ البُعُوثُ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُوْنَ، وَلَمَّا جَاءَ رَسُوْلُ التَّتَارِ احْتَفَلَ الجَيْشُ وَبَالغُوا، حَتَّى امتلأَ قَلْبُهُ رُعْباً، وَدِمَاغُهُ خيَالاً، فَرَجَعَ مُخَبِّراً.
وَأَمَّا أَهْلُ أَصْبَهَانَ فَفَتَحُوا، وَدَخَلَتِ التَّتَارُ، فَمَالَ عَلَيْهِمُ النَّاسُ قتلاً، فَقَلَّ مَنْ نَجَا مِنَ التَّتَارِ، سُئِلَ عَنْهُمُ الملكُ الأَشْرَفُ، فَقَالَ: مَا أَقُوْلُ فِي قَوْمٍ لَمْ يُؤسَرْ أَحَدٌ مِنْهُم قَطُّ. وَعَنْ نَيْسَابُوْرِيٍّ قَالَ: أُحْصِيَ مَنْ قُتِلَ بِنَيْسَابُوْرَ، فَبلَغُوا أَزْيَدَ مِنْ خَمْسِ مائَةِ أَلْفٍ. وَمِمَّا أَبَادُوْهُ بلاَدَ فَرغَانَةَ وَهِيَ سَبْعُ مَمَالِكَ، وَمتَى التَمَسَ الشَّخْصُ رَحمتَهُم، ازدَادُوا عتوًا، وإذا اجتمعوا على خمر، أحضروا أُسَارَى وَيُمَثِّلُوْنَ بِهِم بِأَنْ يُقَطِّعُوا أَعضَاءهُم، فَكلَّمَا صَاحَ، ضَحِكُوا، نَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ. وَقَدْ جُمِعَ فِيهِم مِنْ كُلِّ وَحْشٍ رَدِيءُ خُلُقِهِ.
وَقَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: أَحصَيْتُ القَتْلَى بِمَرْوَ فَكَانُوا سَبْعَ مائَةِ أَلْفٍ.
وَفِي سَنَةِ ثَمَانِي عَشْرَةَ التقَى خوارزم شاه، وتولي بن جنكزخان فَانْهَزَمُوا، وَقُتِلَ تُولِّي، وَبلغَ الخَبَرَ أَبُوْهُ فَجُنَّ وَتنمَّرَ، وَأَسرعَ مُجِدّاً، فَالتقَاهُ خُوَارِزْم شَاه فِي شوالها، فحمل على قلب جنكزخان فَمَزَّقَهُ، وَانْهَزَمُوا لَوْلاَ كَمِينٍ لَهُم خَرَجُوا عَلَى المسلمين، فانكسروا وأسر وَلدَ جَلاَلِ الدِّيْنِ وَتَقهقَرَ إِلَى نَهْرِ السِّنْدِ فَغَرِقَ حرمُهُ، وَنجَا فِي نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعَةِ آلاَفٍ حُفَاةً عُرَاةً لِيختفِي فِي الجِبَالِ وَالآجَامِ يَعِيْشُوْنَ مِنَ النَّهْبِ، فَحَارَبَهُ ملكٌ مِنْ مُلُوْكِ الهِنْدِ فَرمَاهُ جَلاَلُ الدِّيْنِ بِسَهْمٍ فِي فؤَادِهِ فَسَقَطَ وَتَمَزَّقَ جَيْشُهُ، وَحَازَ جَلاَلُ الدِّيْنِ الغَنَائِمَ، وَعَاشَ، فَسَارَ إِلَى سِجِسْتَان، وَبِهَا خَزَائِنُ لَهُ فَأَنفقَ فِي جندِهِ.
وَقَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: التقَاهُم جَلاَلُ الدِّيْنِ بكَابُلَ فَهَزمَهُم، ثُمَّ فَارقَهُ شطْرُ جيشه لفتنة جرت، وفاجأه جنكزخان، فَتحَيَّرَ جَلاَلُ الدِّيْنِ، وَسَارَ إِلَى نَهْرِ السِّنْدِ، فلم يجد سفنًا تكفيهم، وضايقه جنكزخان فَالتقَاهُ حَتَّى دَامَ الحَرْبُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، وَقُتِلَ خَلْقٌ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ، وَجَاءت سُفُنٌ فَعَدَوا فِيْهَا، وَنَازلَتِ التَّتَارُ غَزْنَةَ فَاسْتبَاحوهَا.
قُلْتُ: هَذَا كُلُّهُ وَجَيْشُ مِصْرَ وَالشَّامِ فِي مُصَابِرَةِ الفِرَنْجِ بدِمْيَاطَ والأمر شديد.
ودخلت سنة تسع عشرة، فتخربت ملوك الهند على جلال الدين لأذيته لَهُم، فَاسْتنَابَ أَخَاهُ جَهَان عَلَى مَا فَتحَهُ مِنْ طَرِيْقِ الهِنْدِ، وَقصدَ العِرَاقَ، وَقَاسَى المشَاقَّ، فَتَوَصَّلَ فِي أَرْبَعَةِ آلاَفٍ مِنْهُم مَنْ هُوَ رَاكِبُ البقرِ وَالحُمُرِ فِي سَنَةِ 621 فَقَدِمَ شيرَازَ فأتاه علاء الدين أَتَابَك مُذْعِناً بِطَاعتِهِ، فَتَزَوَّجَ جَلاَلُ الدِّيْنِ بِابْنتِهِ. وَقَدِمَ أَصْبَهَانَ فَسَرَّهُم قُدومُهُ، وَكَانَ أَخُوْهُ غِيَاثُ(16/190)
الدِّيْنِ فِي ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً، وَبَينَهُم إِحَنٌ، وَهَرَبَ غِيَاثُ الدِّيْنِ، ثُمَّ اصطَلَحَا، وَاجتَمَعَا، وَالتفَّتِ العَسَاكِرُ عَلَى جَلاَلِ الدِّيْنِ، وَعظُمَ شَأْنُهُ.
وَفِي العَامِ: كَانَتِ الوقعَةُ بَيْنَ التَّتَارِ الدَّاخلينَ مِنَ الدَّرْبَنْد، وَبَيْنَ القفجَاقِ وَالرُّوْسِ، وَصَبَرُوا أَيَّاماً، ثُمَّ اسْتَحَرَّ القتلُ بِالرُّوْسِ وَالقفجَاقِ.
وَفِي سَنَةِ 621: أَخَذَ الأَشْرَفُ مِنْ أَخِيْهِ غَازِي خِلاَطَ، وَأَبقَى عَلَيْهِ مَيَّافَارِقِيْنَ.
وَفِيْهَا سَارَ جَلاَلُ الدِّيْنِ خُوَارِزْم شَاه إِلَى أَذْرَبِيْجَانَ، فَاسْتولَى عَلَيْهَا، وَرَاسلَهُ المُعَظَّم لِينصُرَهُ عَلَى أَخِيْهِ الأَشْرَفِ.
وَفِيْهَا خَنَقَ بدرُ الدِّينِ لُؤْلُؤٌ الملكَ القَاهِرَ سِرّاً، وَتَمَلَّكَ المَوْصِلَ.
وَبُنِيَتْ دَارُ الحَدِيْثِ الكَامِليَّةُ، وَشيخُهَا ابْنُ دِحْيَةَ.
وَقَدِمَ صَاحِبُ اليَمَنِ أَقسيس ابْنُ الملكِ الكَامِلِ طَامعاً فِي أَخْذِ الشَّامِ، فَمَاتَ، وَورِثَ مِنْهُ أَبُوْهُ أَمْوَالاً عَظِيْمَةً.
وَفِيْهَا رَجَعَتِ التَّتَارُ مِنْ بلاَدِ القَفْجَاقِ، فَاسْتبَاحُوا الرَّيَّ وَسَاوه وَقُمّ، ثُمَّ التَقَوا الخُوَارِزْمِيَّةَ.
وَفِيْهَا قصدَ غِيَاثُ الدِّيْنِ أَخُو خُوَارِزْم شَاه بلاَدَ شِيرَازَ، فَأَخَذَهَا مِنْ أَتَابَك سَعْدٍ، وَعَصَى أتابك في قلعة، تصالحا.
وَفِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ 622: وَصلَ جَلاَلُ الدِّيْنِ فَأَخَذَ دقوقا بِالسَّيْفِ وَفعلَ كُلَّ قبيحٍ لِكَوْنِهِم سَبُّوهُ عَلَى الأَسْوَارِ، وَعَزَمَ عَلَى مُنَازِلَةِ بَغْدَادَ، فَانزعجَ الخَلِيْفَةُ، وَكَانَ قَدْ فُلِجَ، فَأَنفقَ أَلفَ أَلفِ دِيْنَارٍ، وَفرَّقَ العُدَدَ وَالأَهرَاءَ.
قَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: قَالَ لِي المُعَظَّم: كَتَبَ إِلَيَّ جَلاَلُ الدِّيْنِ يَقُوْلُ: تَجِيْءُ أَنْتَ وَاتَّفِقْ مَعِي حَتَّى نقصد الخليفة، فإنه كان السبب في هلال أَبِي، وَفِي مَجِيْءِ التَّتَارِ وَجَدْنَا كُتُبَهُ إِلَى الخَطَا وَتَواقيعَهُ لَهُم بِالبِلاَدِ وَالخِلَعِ وَالخيلِ. فَكَتَبتُ إِلَيْهِ: أَنَا مَعَكَ إلَّا عَلَى الخَلِيْفَةِ، فَإِنَّهُ إِمَامُ الإِسْلاَمِ.
قَالَ: وَخَرَجَتْ عَلَيْهِ الكُرْجُ، فَكَرَّ نَحْوَهُم، وَعَمِلَ مَصَافّاً، فَقتلَ مِنْهُم سَبْعِيْنَ أَلْفاً، قَالَهُ أَبُو شَامَةَ- وَأَخَذَ تَفلَيْسَ بِالسَّيْفِ، وَافتَتَحَ مَرَاغَةَ، ثُمَّ حَاصرَ تَبرِيزَ وَتسلَّمَهَا، وَبدَّعَ وَظلَمَ كعوَائِدِهِ.
وَفِي سَلْخِ رَمَضَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ تُوُفِّيَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، فَبُوْيِعَ ابْنُهُ الظَّاهِرُ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدٌ كَهْلاً، فَكَانَتْ دَوْلَةُ النَّاصِرِ سَبْعاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: بقي الناصر ثلاث سنين عاطلا عن الحركة بالكلية، وَقَدْ ذَهَبَتْ عينُهُ رَحِمَهُ اللهُ، ثُمَّ مَاتَ وبويع الظاهر ابنه.(16/191)
جنكز خان، ابن الجباب:
5575- جِنْكِزْ خَان 1:
ملكُ التَّتَارِ وَسُلْطَانُهُم الأَوّلُ الَّذِي خَرَّبَ البِلاَدَ وَأَفنَى العِبَادَ، وَاسْتَوْلَى عَلَى المَمَالِكِ، وَلَيْسَ لِلتَّتَارِ ذِكرٌ قَبْلَهُ، إِنَّمَا كَانَتْ طَوَائِفُ المغولِ بَادِيَةً بِأَرَاضِي الصِّينِ فَقَدَّمُوْهُ عَلَيْهِم، فَهَزمَ جيوش الخطا، واستولى على ممالكهم، ثم على ترسكتان وَإِقْلِيْمِ مَا وَرَاءِ النَّهْرِ ثُمَّ إِقْلِيْمِ خُرَاسَانَ وَبلاَدِ الجبلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَذعَنَتْ بطَاعتِهِ جَمِيْعُ التَّتَارِ، وَأَطَاعُوْهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَلَمْ يَكُنْ يَتقيَّدُ بدينِ الإِسْلاَمِ وَلاَ بِغَيْرِهِ، وَقَتْلُ المُسْلِمِ أَهوَنُ عِنْدَهُ مِنْ قَتْلِ البُرْغُوثِ، وَلَهُ شَجَاعَةٌ مُفْرِطَةٌ وَعَقلٌ وَافرٌ وَدَهَاءٌ وَمَكرٌ. وَأَوَّلُ مَظْهْرِهِ كَانَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَمَاتَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقَدْ شَاخَ، وَاسْمُهُ: تُمرجين، وَالملكُ فِي عَقِبِهِ إِلَى اليَوْمِ. وَكُرْسِيُّ مَمْلَكتِهِ خَان بِالق قَاعِدَةُ الخَطَا. وَخلَّفَ سِتَّةَ بَنِيْنَ، تَملَّكَ بَعْدَهُ ابْنُهُ أوكتَاي، ثُمَّ بَعْدَهُ مونكوقَا أَخُو هُولاَكو الطَّاغِيَة، ثُمَّ وَلِي قُبلاَي أَخُوْهُم، فَبقِي قُبلاَي إِلَى سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَثَلاَثتُهُم بنو تولي بن جنكزخان، وقتل تولي في ملحمة بَيْنَهُ وَبَيْنَ خُوَارِزْم شَاه جَلاَلِ الدِّيْنِ فِي حياة جنكزخان سَنَة ثَمَانِي عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
5576- ابْنُ الجَبَّابِ 2:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَدْلُ الكَبِيْرُ فَخرُ الأَكَابِرِ القَاضِي الأَسْعَدُ صفِيُّ المُلْكِ أَبُو البَرَكَاتِ عَبْدُ القوِيِّ ابْنُ القَاضِي الجَلِيْسِ أَبِي المَعَالِي عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ الحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ الجَبَّابِ التَّمِيْمِيُّ السَّعْدِيُّ الأَغْلَبِيُّ المِصْرِيُّ المَالِكِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ رِفَاعَةَ الفَرَضِيِّ، وَأَبِي الفُتُوْحِ الخَطِيْبِ المُقْرِئِ، وَابْنِ العِرْقِيِّ، وَأَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ، وَأَبِي البقَاءِ عُمَرَ ابنِ المَقْدِسِيِّ وَطَائِفَةٍ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 268"، وشذرات الذهب "5/ 113".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 259"، وشذرات الذهب "5/ 95".(16/192)
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ، وَعُمَرُ بنُ الحَاجِبِ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَشَرفُ القُضَاةِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الجَبَّابِ، وَالنَّجِيْبُ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الهَمَذَانِيُّ، وَأَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ المُحْتَسِبُ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: مِنْ بَيْتِ السُّؤْدُدِ، وَالفَضْلِ، وَالكَرمِ، وَالتَّقَدُّمِ، له من الوَقَارِ وَالهَيْبَةِ مَا لَمْ يُعْرَفُ لغَيْرِهِ، وَكَانَ ذَا حِلْمٍ وَصمتٍ، وَلِيَ وِلاَيَاتٍ أَبَانَ فِيْهَا عَنْ أَمَانَةٍ وَنزَاهَةٍ، وَكَانَ كَثِيْرَ اللُّطْفِ. وَأَصلُهُ مِنَ القَيْرَوَانِ، تَفَرَّدَ بِالسِّيرَةِ عَنِ ابْنِ رِفَاعَةَ، سَمِعَهَا فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ، بقِرَاءةِ يَحْيَى بنِ عَلِيٍّ القَيْسِيِّ وَتَحتَ الطَّبَقَةِ تَصْحِيْح ابْنِ رِفَاعَةَ.
قَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: وَكَانَ شَيْخاً، ثِقَةً، ثَبْتاً، عَارِفاً بِمَا سَمِعَ لاَ يُنْسَبُ فِي ذَلِكَ إِلَى غرضٍ، قَالَ: وَرَأَيْتُ خطَّ تَقِيِّ الدِّيْنِ ابْنِ الأَنْمَاطِيِّ وَهُوَ يُثْنِي عَلَى شَيْخِنَا هَذَا ثنَاءً جَمِيْلاً، وَيذكرُ مِنْ جُمْلَةِ مَسْمُوْعَاتِهِ السِّيرَةَ، وَكَانَ قَدْ صَارَتِ السِّيرَةُ عَلَى ذِكْرِ الشَّيْخِ بِمَنْزِلَةِ الفَاتِحَةِ، يُسَابِقُ القَارِئَ إِلَى قِرَاءتِهَا، وَكَانَ قَيِّماً بِهَا وَبِمُشْكِلِهَا، وَهُوَ أَنبلُ شَيْخٍ وَجَدْتُهُ بِمِصْرَ رِوَايَةً وَدرَايَةً، وَكَانَ لاَ يُحَدِّثُ إلَّا وَأَصلُهُ بِيَدِهِ، وَلاَ يَدعُ القَارِئَ يُدْغِمُ. وَكَانَ أَبُوْهُ جَلِيْساً لخَلِيْفَةِ مِصْرَ. قَالَ: وَحَضَرتُهُ يَوْماً وَقَدْ أَهدَى لَهُ بَعْضُ السَّامعينَ هديَةً فَرَدَّهَا وَأَثَابَهُ عَلَيْهَا، وَقَالَ: مَاذَا وَقتُ هَدِيَّةٍ. وَكَانَ طَوِيْلَ الرُّوحِ عَلَى السَّمَاعِ، كُنَّا نَسْمَعُ عَلَيْهِ مِنَ الصُّبْحِ إِلَى العصرِ. إِلَى أَنْ قَالَ: وَمَا رَأَيْتُ فِي رِحلتِي شَيْخاً لَهُ خَمْسٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً أَحْسَنَ هَدْياً وَسَمْتاً وَاسْتقَامَةَ قَامَةٍ مِنْهُ، وَلاَ أَحْسَنَ كَلاَماً، وَلاَ أظرف إيرادًا منه، فلقد كان لِلدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: سَمِعْتُ الحَافِظَ عَبْدَ العَظِيْمِ يَتَكَلَّمُ فِي سَمَاعِهِ لِلسِّيرَةِ، وَيَقُوْلُ: هُوَ بقِرَاءةِ يَحْيَى بنِ عَلِيٍّ، وَكَانَ كَذَّاباً، وَكَانَ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ يُثَبِّتُ سَمَاعَهُ وَيُصَحِّحُهُ.
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى "العُنوَانَ" فِي القِرَاءاتِ عَنِ الشَّرِيْفِ أبي الفتوح الخَطِيْبِ، رَوَاهُ عَنْهُ شَيْخٌ سَنَةَ نَيِّفٍ وَثَمَانِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ. وَقَرَأْتُ السِّيرَةَ عَلَى الأَبَرْقُوْهِيِّ بِسَمَاعِهِ مِنْهُ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَمَاتَ فِي السَّنَةِ فِي سَلْخِ شَوَّالِهَا.(16/193)
5577- ابن مكرم 1:
الشَّيْخُ الصَّالِحُ المُسْنِدُ الزَّاهِدُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ المُكَرَّمِ بنِ عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ نَاصِرٍ، وَالمُعَمَّرِ بنِ أَحْمَدَ الأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي الوَقْتِ السِّجْزِيِّ، وَطَائِفَةٍ. وَكَانَ وَالِدُهُ يَرْوِي عَنْ: نَصْرِ بنِ البَطِرِ، وَكَانَ أَخُوْهُ المكرَّمُ مِنْ رُوَاةِ "جُزءِ الأَنْصَارِيِّ". يَرْوِي عَنْهُ: الضِّيَاءُ، وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ.
حَدَّثَ أَبُو جَعْفَرٍ بِـ "صَحِيْحِ البُخَارِيِّ" بِإِرْبِلَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الدبيثي، وابن النجار، والبرزالي، والجمال محمد بن الدباب، والإمام مجد الدين ابن ظهير، وَالقَاضِي شَمْسُ الدِّيْنِ ابْنُ خَلِّكَانَ، وَأَخُوْهُ بَهَاءُ الدين محمد قاضي بعلبك، وآخرون.
مَاتَ بِبَغْدَادَ، فِي خَامِسِ المُحَرَّمِ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
أَنبَانَا الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّيْنِ بنُ أَحْمَدَ الإِرْبِلِيُّ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ بنُ مُكَرَّمٍ بِإِرْبِلَ -فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
وَمَاتَ مَعَهُ: أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الفَتْحِ بنِ صِرْمَا الأَزَجِيُّ، وَالحَافِظُ أَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ دَاوُدَ بنِ حَوْطِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ بِمَالَقَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ زَيْدُ بنُ يَحْيَى الأزجي البيع، والمقرئ أَبُو طَالِبٍ عَبْد الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ السَّمِيْعِ الهَاشِمِيُّ الوَاسِطِيُّ، وَأَبُو البَرَكَاتِ عَبْدُ القوِيِّ بنُ الجَبَّابِ السَّعْدِيُّ وَأَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ عَلِيٍّ اللَّخْمِيُّ ابْنُ البَيْسَانِيِّ أَخُو القَاضِي الفَاضِلِ، -قَالَ المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ: كَانَ عِنْدَهُ زُهَاءُ مائَتَيْ أَلفِ كِتَابٍ، وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ مُعَمَّرِ بنِ عَسْكَرَ، وَالقَاضِي عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّشِيْدِ ابْنُ بُنَيْمَانَ الهَمَذَانِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ النَّبِيْهِ الشَّاعِرُ صَاحِبُ "الدِّيْوَانِ"، وَعَلِيُّ بنُ يُوْسُفَ بنِ صَبُوخَا، وَشَيْخُ الطِّبِّ شَمْسُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدَانَ الدِّمَشْقِيُّ ابْنُ اللّبودِيِّ، وَشَيْخُ المَالِكِيَّةِ أَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ زَرْقُوْنَ الإِشْبِيْلِيُّ، وَالمُقْرِئُ الفَخْرُ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الفَرَجِ المَوْصِلِيُّ، وَالقُدْوَةُ الكَبِيْرُ الشَّيْخُ عليٍّ الفرنثيِّ بِالجبلِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ اليتيم الأندرشي المحدث الرحال.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 260"، وشذرات الذهب "5/ 96".(16/194)
5578- ابن البناء 1:
الشيخ الجليل المسند أبو الحسن علي بن أبي الكرم نصر بن المبارك ابن أَبِي السَّيِّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الوَاسِطِيُّ الأَصْلِ البَغْدَادِيُّ ثُمَّ المَكِّيُّ الخَلاَّلُ ابْنُ البَنَّاءِ.
رَاوِي "الجَامِعِ" عَنْ عَبْدِ المَلِكِ الكَرُوْخِيِّ، وَمَا علمتُهُ رَوَى شَيْئاً غَيْرَهُ، حَدَّثَ بِهِ بِمَكَّةَ وَالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَمِصْرَ وَدِمْيَاطَ، وَقُوصَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نُقْطَةَ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الحَضْرَمِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عُثْمَانَ القَابِسِيُّ، وَذَاكرُ بنُ عَبْدِ المُؤْمِنِ مُؤَذِّنُ الحرمِ، وَالبَهَاءُ زُهَيْرٌ المُهَلَّبِيُّ الشَّاعِرُ، وَإِسْحَاقُ بنُ قُرَيْشٍ المخزومي، وقطب الدين محمد ابن القَسْطَلاَنِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الخَالِقِ بنِ طَرْخَانَ الأُمَوِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ صَالِحٍ الحُسَيْنِيُّ، وَيُوْسُفُ بنُ إِسْحَاقَ الطَّبَرِيُّ المَكِّيَّانِ، وَمُحَمَّدُ بنُ تَرْجَمَ المِصْرِيُّ.
مَاتَ بِمَكَّةَ فِي صَفَرٍ، وَقِيْلَ فِي رَبِيْعٍ الأول سنة اثنتين وعشرين وست مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 263"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 101".(16/194)
ابن يونس، القزويني:
5579- ابن يونس 1:
العَلاَّمَةُ شَرَفُ الدِّيْنِ أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ ابْنُ الشيخ الكبير كمال الدين مُوْسَى ابنِ الشَّيْخِ رَضِيِّ الدِّيْنِ يُوْنُسَ بنِ مُحَمَّدٍ الإِرْبِلِيُّ، ثُمَّ المَوْصِلِيُّ، الشَّافِعِيُّ، صَاحِبُ "شَرْحِ النبيه".
مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الآخَرِ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، كَهْلاً فِي حَيَاةِ أَبِيْهِ، وَقَدِ اخْتصرَ "الإِحيَاءَ" مَرَّتَينِ، وَلَهُ مَحْفُوْظَاتٌ كَثِيْرَةٌ وَذِهْنٌ وقاد.
5580- القزويني 2:
القَاضِي الإِمَامُ الفَاضِلُ المُحَدِّثُ الصَّالِحُ الجَوَّالُ مَجْدُ الدين أبو المجد محمد بن الحسين بن أَبِي المَكَارِمِ أَحْمَدَ بنِ حُسَيْنِ بنِ بَهْرَامَ القَزْوِيْنِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ بقَزْوِيْنَ. وَسَمِعَ أَبَاهُ، وَمُحَمَّدَ بنَ أَسْعَدَ العَطَّارِيَّ حَفَدَةَ، وَأَحْمَدَ بنَ يَنَالَ الأَصْبَهَانِيَّ التُّركَ، وَأَبَا الخَيْرِ القَزْوِيْنِيَّ الوَاعِظَ، وَأَبَا الفَرَجِ ثَابِتَ بنَ مُحَمَّدٍ المَدِيْنِيَّ، وَأَبَا حَفْصٍ المَيَانَشِيَّ، وَجَمَاعَةً.
وَحَدَّثَ: بِأَذْرَبِيْجَانَ وَبَغْدَادَ وَالمَوْصِلَ وَأَصْبَهَانَ وَرَأْسَ عينٍ وَدِمَشْقَ وَبَعْلَبَكَّ وَحَرَّانَ وَأَقْصَرَا وَنَصِيْبِيْنَ وَأَبهرَ وَقَزْوِيْنَ وَخَوِي وَإِرْبِلَ وَدُوَيْنَ وَالرَّيَّ وَمِصْرَ، وَنَزَلَ بِخَانقَاه سعيد السعداء، واشتهر اسمه وتفرد برواية هَذَيْنِ الكِتَابَينِ "معَالِم التَّنْزِيلِ" وَ"شرح السُّنَّةِ" للبغوي.
حَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاءُ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَعزُّ الدِّينِ عَبْدُ الرازق الرسعني، والسيف عبد الرحمن بن محفوظ، والفخر عبد الرحمن بنُ يُوْسُفَ، وَالقَاضِي تَاجُ الدِّيْنِ عَبْدُ الخَالِقِ، وَالبَهَاءُ عَبْدُ اللهِ بنُ مَحْبُوبٍ، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ مَحَاسِنَ المِعْمَارُ، وَعَبْدُ القَاهِرِ بنُ تَيْمِيَةَ، والفقيه عباس بن عبدان، وأبو اليمن بن عَسَاكِرَ، وَابْنُ عَمِّهِ شَرَفُ الدِّيْنِ أَحْمَدُ، وَالمحيِي يَحْيَى بنُ عَلِيٍّ ابْنُ القَلاَنسِيِّ، وَالكَمَالُ عَبْدُ اللهِ بنُ قوَامٍ، وَالجمَالُ عُمَرُ ابنُ العَقِيْمِيِّ، وَالعِزُّ إِسْمَاعِيْلُ ابنُ الفَرَّاءِ، وَالتَّقِيُّ إِبْرَاهِيْمُ ابنُ الوَاسِطِيِّ، وَأَخُوْهُ مُحَمَّدٌ، وَالتَّقِيُّ أَحْمَدُ بنُ مُؤْمِنٍ، وَالعِزُّ أَحْمَدُ ابنُ العِمَادِ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي الحَسَنِ الفَرَّاءُ، وَالعِمَادُ بنُ سَعْدٍ، وَالشَّمْسُ خَضِرُ بن عبدان، والشهاب الأبرقوهي، والضياء عبد الرحمن السُّلَمِيُّ خَطِيْبُ بَعْلَبَكَّ، وَبِهِ خُتِمَ حَدِيْثَهُ.
مَاتَ بِالمَوْصِلِ، فِي ثَالِثَ عَشَرَ شَعْبَانَ، -وَقِيْلَ: فِي الحَادِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْهُ- سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: حَدَّثَ بِأَمَاكنَ، وَحصَلَ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا صَالِحٌ، وَهُوَ شَيْخٌ مُتَيَقِّظٌ، حسنُ الوَجْهِ، طلَبَ وَكَتَبَ وَحصَّلَ، وَهُوَ مِنْ بَيْتٍ مَشْهُوْرٍ بِالعِلْمِ وَالرِّوَايَةِ، وَسَمِعَ مِنْ جدِّهِ أَبِي المَكَارِمِ، حَدَّثَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ بِبَغْدَادَ بـ "أربعين" من جمعه.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 99".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 263"، وشذرات الذهب "5/ 101".(16/195)
5581- الأندرشي 1:
الإِمَامُ المُحَدِّثُ الجَوَّالُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، ابْنُ اليَتيمِ الأَنْدَلُسِيُّ، الأَنْصَارِيُّ، الأَنْدَرَشِيُّ، وَيُعْرَفُ أَيْضاً: بِابْنِ البَلَنْسِيِّ.
وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ بنِ هُذَيْلٍ، وَابْنِ النِّعْمَةِ بِبَلَنْسِيَّةَ، وَمِنْ أَبِي مَرْوَانَ بنِ قُزْمَانَ بِأَشبونَةَ، وَمِنْ أَبِي إِسْحَاقَ بنِ قُرْقُوْلَ بِمَالقَةَ، وَمِنِ ابْنِ حُبَيْشٍ بِمُرْسِيَةَ، وَمِنْ أَبِي القَاسِمِ بنِ بَشْكُوَالَ بقُرْطُبَةَ، وَمِنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ حُنَيْنٍ بِفَاسَ، وَمِنْ عَبْدِ الخَالِقِ الحَافِظِ بِبَجَايَةَ، وَمِنَ السِّلَفِيِّ بِالثَّغْرِ، وَمِنْ عثمان ابن فَرَجٍ بِمِصْرَ، وَمِنْ شُهْدَةَ الكَاتِبَةِ بِبَغْدَادَ، وَمِنْ أَبِي الفَضْلِ الخَطِيْبِ بِالمَوْصِلِ، وَمِنِ ابْنِ عَسَاكِرَ بِدِمَشْقَ، وَمِنَ المَيَانَشِيِّ بِمَكَّةَ، وَجَمَعَ وَخَرَّجَ، عَلَى لِيْنٍ فِيْهِ.
قَالَ ابْنُ مَسْدِيٍّ: لَمْ يَكُنْ سليماً مِنَ التَّرْكِيبِ حَتَّى كثُرَتْ سَقَطَاتُهُ، تَتبَّعَ عثرَاتِهِ أَبُو الرَّبِيْعِ الكَلاَعِيُّ، وَكَانَ أَبُوْهُ يُعْرَفُ بِالأُسْتَاذِ، فَجَالَ بِهِ فِي الطَّلَبِ، وَأَسْمَعَهُ فِي سنة اثنتي وَخَمْسِيْنَ مِنْ جَمَاعَةٍ تَفَرَّدَ عَنْهُم، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَافِظاً، وَكَانَ شَرِهاً يَرْوِي المَوْضُوْعَاتِ.
قَالَ ابْنُ مَسْدِي: سَمِعْتُ مِنْهُ كَثِيْراً، وَرَأَيْتُ بِخَطِّهِ إِسْنَادَ "صَحِيْحِ البُخَارِيِّ"، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ السِّلَفِيِّ عَنِ ابْنِ البَطِر، عَنِ ابْنِ البَيِّعِ، عَنِ المَحَامِلِيِّ، عَنْهُ.
قُلْتُ: لَيْسَ عِنْدَ أَحَدٍ مَنْ هَؤُلاَءِ بِهَذَا العُلُوِّ -أَعنِي السِّلَفِيَّ وَشيخَهُ- سِوَى حَدِيْثٍ وَاحِدٍ وَقَعَ فِي "الدُّعَاءِ" لِلمَحَامِلِيِّ، عَنِ البُخَارِيِّ.
وَقَدْ وَثَّقَ الأَنْدَرَشِيَّ جَمَاعَةٌ، وَحَمَلُوا عَنْهُ، وَمَا هُوَ بِمُتْقِنٍ، وَوَلِيَ خِطَابَةَ المَرِيَّةِ.
قَالَ الأَبَّارُ: كَانَ مُكْثِراً رَحَّالَةً، نَسَبَهُ بَعْضُ شُيُوْخِنَا إِلَى الاضْطِرَابِ، وَمَعَ ذَلِكَ انتَابَهُ النَّاسُ، وَأَخَذَ عَنْهُ أَبُو سُلَيْمَانَ بنُ حَوْطِ اللهِ وَأَكَابِرُ أَصْحَابِنَا، وَأَجَاز لِي، وَأَوَّلُ رِحلَتِهِ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
تُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، عَلَى ظهر البحر، قاصدًا مالقة.
وقال ابن الأثير: سَمِعَ "المُوَطَّأَ" مِنِ ابْنِ حُنَيْنٍ بِفَاسَ، عَنِ ابْنِ الطَّلاَّعِ.
قُلْتُ: عِنْدَهُ مِنْ عَوَالِي مَالِكٍ ما سمعه من شهدة.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 95، 96".(16/196)
5582- الرافعي 1:
شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ عَالِمُ العَجمِ وَالعَربِ إِمَامُ الدِّينِ أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الكَرِيْمِ ابنُ العَلاَّمَةِ أَبِي الفضل محمد بن عبد الكريم بن الفضل بنِ الحُسَيْنِ الرَّافِعِيُّ، القَزْوِيْنِيُّ.
مَوْلِدُهُ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَقرَأَ عَلَى أَبِيْهِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ.
وَرَوَى عَنْهُ: وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي الفُتُوْحِ بنِ عِمْرَانَ الفَقِيْهِ، وَحَامِدِ بنِ مَحْمُوْدٍ الخَطِيْبِ الرَّازِيِّ، وَأَبِي الخَيْرِ الطَّالْقَانِيّ، وَأَبِي الكَرَمِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ الهَمَذَانِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الرَّازِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ أَحْمَدَ بنِ حَسْنَوَيْه، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ الخَلِيْلِ الخَلِيْلِيّ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي طَالِبٍ الضَّرِيْرِ، وَالحَافِظِ أَبِي العَلاَءِ العَطَّارِ -وَأُرَاهُ بِالإِجَازَةِ- وَبِهَا عَنْ: أَبِي زُرْعَةَ المَقْدِسِيِّ، وَأَبِي الفَتْحِ بنِ البَطِّيِّ.
سَمِعَ مِنْهُ الحَافِظُ عَبْدُ العَظِيْمِ بِالمَوْسِمِ، وَأَجَازَ لأَبِي الثَّنَاءِ مَحْمُوْدِ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ الطَّاوُوْسِيِّ، وَعَبْدِ الهَادِي بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ خَطِيْبِ المِقيَاسِ، وَالفَخْرِ عبد العزيز بن عبد الرحمن ابْنِ السُّكَّرِيِّ.
وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ العَامِلِينَ، يُذْكَرُ عَنْهُ تَعَبُّدٌ، وَنُسْكٌ، وَأَحْوَالٌ، وَتوَاضعٌ انْتَهَت إِلَيْهِ
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 266"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 108".(16/197)
مَعْرِفَةُ المَذْهَبِ. لَهُ: "الفَتْحُ العَزِيْزِ فِي شرحِ الوجِيْزِ"، وَشرحٌ آخرُ صَغِيْرٌ، وَلَهُ "شرحُ مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ" فِي مُجَلَّدَيْنِ، تَعِبَ عَلَيْهِ، وَأَرْبَعُوْنَ حَدِيْثاً مَرْوِيَّةً، وَلَهُ "أَمَالِي عَلَى ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً"، وَ"كِتَابُ التَّذْنِيبِ" فَوَائِدُ عَلَى الوجِيْزِ.
قَالَ ابْنُ الصلاح: أظن أني لَمْ أَرَ فِي بلاَدِ العجمِ مِثْلَهُ، كَانَ ذَا فُنُوْنٍ، حَسَنَ السِّيْرَةِ، جَمِيْلَ الأَمْرِ.
وَقَالَ أبو عبد الله محمد بن مُحَمَّدُ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ الصَّفَّارُ: هُوَ شَيْخُنَا، إِمَامُ الدِّينِ، نَاصِرُ السُّنَّةِ صِدْقاً، أَبُو القَاسِمِ، كَانَ أَوحدَ عصرِهِ فِي الأُصُوْلِ وَالفُرُوْعِ، وَمُجْتَهِدَ زَمَانِهِ، وَفرِيْدَ وَقتِهِ فِي تَفْسِيْرِ القُرْآنِ وَالمَذْهَبِ، كَانَ لَهُ مجلس التفسير، وَتَسمِيْعِ الحَدِيْثِ بِجَامِعِ قَزْوِيْنَ، صَنَّفَ كَثِيْراً، وَكَانَ زَاهِداً، وَرِعاً، سَمِعَ الكَثِيْرَ.
قَالَ الإِمَامُ النَّوَاوِيُّ: هُوَ مِنَ الصَّالِحِيْنَ المُتَمَكِّنِيْنَ، كَانَتْ لَهُ كَرَامَاتٌ كَثِيْرَةٌ ظَاهِرَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: تُوُفِّيَ فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: سَمِعْتُ مِنْ أَبِي حُضُوْراً فِي الثَّالِثَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّيْنِ الفَزَارِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ خَلِّكَانَ، أَنَّ خُوَارِزْم شَاه غَزَا الكُرْجَ، وَقَتَلَ بسيفِهِ حَتَّى جَمَدَ الدَّمُ عَلَى يَدِهِ، فَزَارَهُ الرَّافِعِيُّ وَقَالَ: هَاتِ يَدَكَ الَّتِي جَمَدَ عَلَيْهَا دَمُ الكُرْجِ حَتَّى أُقَبِّلَهَا، قَالَ: لاَ بَلْ أَنَا أُقَبِّلُ يَدَكَ، وَقَبَّلَ يَدَ الشَّيْخِ.
قُلْتُ: وَلوَالِدِ الرَّافِعِيِّ رِحلَةٌ لَقِيَ فِيْهَا عَبْدَ الخَالِقِ ابْنَ الحشامي، وَطَبَقَتَهُ، وَبَقِيَ إِلَى سَنَةِ نَيِّفٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقَالَ مُظَفَّرُ الدِّيْنِ قَاضِي قَزْوِيْنَ: عِنْدِي بِخَطِّ الرَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ التَّدْوِيْنِ فِي تَوَارِيخِ قَزْوِيْنَ لَهُ أَنَّهُ مَنْسُوْبٌ إِلَى رَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ الأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
قَالَ لِي أَبُو المَعَالِي بنُ رَافِعٍ: سَمِعْتُ الإِمَامَ رُكْنَ الدِّيْنِ عَبْدَ الصَّمَدِ بنَ مُحَمَّدٍ القَزْوِيْنِيَّ الشَّافِعِيَّ يَحكِي ذَلِكَ سَمَاعاً مِنْ مُظَفَّرِ الدِّيْنِ، ثُمَّ قَالَ الرُّكْنُ: لَمْ أَسْمَعْ بِبلاَدِ قَزْوِيْنَ بِبلدَةٍ يقال لها: رافعان.
أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَظِيْمِ الحَافِظُ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ، حَدَّثَنَا الشَّيْخُ أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الكَرِيْم بنُ مُحَمَّدٍ القَزْوِيْنِيّ لَفْظاً بِمَسْجِدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ إِذْناً "ح". وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الخَالِقِ القَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ بنُ المُقَوِّمِيِّ إِجَازَةً -إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَاعاً، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ القَطَّانُ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَاجَه، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ رَاشِدٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيْمَا سِوَاهُ، إلَّا المَسْجَدَ الحَرَامَ، وَصَلاَةُ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مائَةِ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ" 1.
قَالَ عَبْدُ العَظِيْمِ: صوَابُهُ ابن أسد.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "3/ 343 و397" من حديث جابر بن عبد الله، به.
وقد خرجت الحديث بإسهاب واستيعاب لطرقه في كتاب [الجواب الباهر في زوار المقابر] لابن تيمية ط. دار الجيل بيروت "ص23" فراجعه ثمت إذا رمت زيادة علم.(16/198)
5583- البخاري 1:
العَلاَّمَةُ الأُصُوْلِيُّ الشَّمْسُ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَحْمَدَ المَقْدِسِيُّ الحَنْبَلِيُّ المُلَقَّبُ بِالبُخَارِيِّ، أَخُو الحَافِظِ الضِّيَاءِ، وَوَالِدُ الشَّيْخِ الفَخْرِ.
وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ.
وَارْتَحَلَ فَسَمِعَ مِنِ ابْنِ شَاتيلَ، وَالقَزَّازِ، وَبِنَيْسَابُوْرَ مِنْ: عَبْدِ المُنْعِمِ ابنِ الفُرَاوِيِّ، وَبِهَمَذَانَ مِنْ: عَلِيِّ بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ العَطَّارِ، وَبِدِمَشْقَ مِنْ: أَبِي المَعَالِي بنِ صَابِرٍ، وَأَبِي الفَهْمِ ابنِ أَبِي العَجَائِزِ، وَعِدَّةٍ. وَأَقَامَ بِبُخَارَى مُدَّةً يَشتغلُ عَلَى أَبِي الخَطَّابِ شرفٍ، وَأَخَذَ الخلاَفَ عَنِ الرَّضِيِّ النَّيْسَابُوْرِيِّ. وَكَانَ ذَكيّاً، مُفَنَّناً، مُنَاظراً، وَقُوْراً، فَصِيْحاً، نَبيلاً، حُجَّةً، كُلُّ أَحَدٍ يُثنِي عَلَيْهِ.
رَوَى عَنْهُ أَخُوْهُ، وَوَلَدُهُ، وَابْنُ أَخِيْهِ شَمْسُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ ابنُ الكَمَالِ، وَابْنُ خَالِهِ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرحمن، وَالقُوْصِيُّ، وَالعِزُّ ابنُ العِمَادِ، وَابْنُ الفَرَّاءِ، وَمُحَمَّدُ ابنُ الوَاسِطِيِّ، وَخَدِيْجَةُ بِنْتُ الرَّضِيِّ.
وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، نَزلَ حِمْصَ مُدَّةً.
وَمَاتَ فِي نِصْفِ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 266"، وشذرات الذهب "5/ 107".(16/199)
ابن دمدم، المصري:
5584- ابن دمدم:
فَقِيْهُ المَغْرِبِ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ ابنُ العَلاَّمَةِ عبد الرحمن بنِ أَحْمَدَ الرَّبَعِيُّ، التُّوْنُسِيُّ، المَالِكِيُّ، مُفْتِي غَرْنَاطَةَ.
قَالَ ابْنُ مَسْدِيٍّ: هُوَ أَحْفَظُ مَنْ لَقِيْتُ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ، تَفَقَّهَ بِأَبِيْهِ دُمْدُمٍ، وَسَمِعَ مِنَ الحافظ عبد الحق.
مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ نيف وثمانون سنة.
5585- المصري 1:
العَلاَّمَةُ قَاضِي الشَّامِ جَمَالُ الدِّيْنِ يُوْنُسُ بنُ بَدْرَانَ بنِ فَيْرُوْزِ بنِ صَاعِدِ بنِ عَالِي القُرَشِيُّ، الشَّيْبِيُّ، الحِجَازِيُّ، ثُمَّ المليجِيُّ، المِصْرِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ تَقَرِيْباً.
وَسَمِعَ مِنَ السِّلَفِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ هِبَةِ اللهِ الكَامِلِيِّ. وَذَهَبَ رَسُوْلاً إِلَى الخَلِيْفَةِ، وَوَلِيَ وَكَالَةَ بَيْتِ المَالِ، وَتَدرِيسَ الأَمِينِيَّةِ، ثُمَّ قَضَاءَ القُضَاةِ، وَأَلقى بِالعَادليَّةِ جَمِيْعَ تَفْسِيْرِ القُرْآنِ دُروساً، وَاختصرَ الأُمَّ، وَلَهُ مصَنَّفٌ فِي الفَرَائِضِ، وَكَانَ شَدِيدَ الأُدْمَةِ، يَلثغُ بِالقَافِ هَمزَةً.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: كَانَ فِي وِلاَيتِهِ عَفِيْفاً، نَزِهاً، مَهِيْباً، يَحكمُ بِالجَامِعِ، وَنُقِمَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وِرَاثَةُ شَخْصٍ يَأْمرُهُ بِمُصَالَحَةِ بَيْتِ المَالِ، وَلكونِهِ اسْتنَابَ ابْنَ أَخِيْهِ مُحَمَّدٍ. إِلَى أَنْ قَالَ: وَتُكُلِّمَ فِي نسبِهِ.
قَرَأْتُ بِخَطِّ الحَافِظِ الضِّيَاءِ: تُوُفِّيَ بدمشق، وقليل من ترحم عليه.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ البِرْزَالِيُّ، وَعُمَرُ بنُ الحَاجِبِ، وَالقُوْصِيُّ.
قَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: كَانَ يُشَارِكُ فِي عُلُوْمٍ كَثِيْرَةٍ.
قُلْتُ: مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَدُفِنَ بدَارِهِ بقرب القليجية.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 226"، وشذرات الذهب "5/ 112".(16/200)
ابن باز، الخفيفي:
5586- ابن باز 1:
الحَافِظُ الإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ عُمَرَ بنِ نَصْرِ بنِ حَسَنِ بنِ سَعْدٍ، ابْنُ بَازٍ المَوْصِلِيُّ، التَّاجِرُ، السَّفَّارُ.
مُحَدِّثٌ، مُتْقِنٌ، مُفِيْدٌ.
سَمِعَ مِنْ: عَبْدِ الحَقِّ اليُوْسُفِيِّ، وَشُهْدَةَ الكَاتِبَةِ، وَلاَحِقِ بنِ كَارِهٍ، وَأَبِي شَاكِرٍ السَّقْلاَطُوْنِيِّ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَنَا عَنْهُ: الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَكَتَبَ عَنْهُ ابْنُ مَسْدِيٍّ، وَالرَّحَّالَةُ، وَعُنِيَ بِالحَدِيْثِ مُدَّةً، وَسَافَرَ فِي التَّكَسُّبِ إِلَى مِصْرَ وَالشَّامِ، ثُمَّ صَارَ شَيْخَ دار الحديث المظفرية بالموصل.
مولده سن اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ بِالمَوْصِلِ مِنْ خطيبها.
وَبهَا تُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الآخَرِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وعشرين وست مائة.
5587- الخفيفي 2:
الإِمَامُ القُدْوَةُ حُجَّةُ الدِّيْنِ أَبُو طَالِبٍ عَبْدُ المُحْسِنِ بنُ أَبِي العَمِيدِ بنِ خَالِدٍ الخَفِيْفِيّ، الأَبْهَرِيُّ، الشَّافِعِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
تَفقَّهَ بِهَمَذَانَ عَلَى أَبِي القَاسِمِ بنِ حَيْدَرٍ، وَعلَّقَ "التَّعْلِيقَةَ" عَنِ الفَخْرِ النَّوْقَانيِّ. وَسَمِعَ بِأَصْبَهَانَ مِنْ: أَحْمَدَ بنِ يَنَالَ التُّركِ، وَأَبِي مُوْسَى المَدِيْنِيِّ، وَبِبَغْدَادَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ بنِ شَاتيلَ، وَنَصْرِ اللهِ القَزَّازِ، وَبأَبَهْرَ مِنْ عَبْدِ الكَافِي الخَطِيْبِ، وَبِهَمَذَانَ مِنْ: عَبْدِ الرَّزَّاقِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ القُوْمَسَانِيِّ، وَعَبْدِ المُنْعِمِ بنِ الفُرَاوِيِّ، وَبِدِمَشْقَ مِنْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَلِيٍّ ابْنِ الخِرَقِيِّ، وَبِمِصْرَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ البُوْصِيْرِيِّ، وَبِالثَّغْرِ مِنَ: القَاضِي الحَضْرَمِيِّ، وَبِمَكَّةَ مِنْ: مَحْمُوْدِ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ القَلاَنسِيِّ، وَبِوَاسِطَ مِنِ: ابْنِ الباقلاني، وكان كثير الحَجِّ، وَالعِبَادَةِ، وَالتَّبَتُّلِ، وَالصَّوْمِ، وَالجِهَادِ، وَكَانَ يَحُجُّ كُلَّ سَنَةٍ عَلَى سَبِيْلِ السَّيِّدَةِ.
رَوَى عَنْهُ الضِّيَاءُ، وَابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَالشَّيْخُ شَمْسُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَقُطْبُ الدِّيْنِ ابْنُ القَسْطَلاَنِيِّ، وَالشِّهَابُ الأَبَرْقُوْهِيُّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ كَثِيْرَ المُجَاهِدَةِ وَالعِبَادَةِ، دَائِمَ الصِّيَامِ سفراً وَحضراً، عَارِفاً بكَلاَمِ المَشَايِخِ وَأَحْوَالِ القَوْمِ، وَكَانَتْ لَهُ مَعْرِفَةٌ وَحِفْظٌ وَإِتْقَانٌ، وَكَانَ ثِقَةً، ثُمَّ صَارَ إِمَامَ المقَامِ، إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ، أربع وعشرين وست مائة، بمكة.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 100".
2 ترجمته في شذرات الذهب "5/ 114".(16/201)
ابن شيرويه، ابن عبد الحق، ابن عطاء:
5588- ابن شيرويه 1:
الشَّيْخُ أَبُو مُسْلِمٍ أَحْمَدُ بنُ شِيْرَوَيْه بنِ شَهْرَدَارَ بنِ شِيْرَوَيْه الدَّيْلَمِيُّ، الهَمَذَانِيُّ.
سَمِعَ مِنْ: جَدِّهِ، وَنَصْرِ بنِ المُظَفَّرِ البَرْمَكِيِّ، وَأَبِي الوَقْتِ السجري، وَأَبِي الخَيْرِ البَاغبَانِ، وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: الزَّكِيُّ البِرْزَالِيُّ، وَالضِّيَاءُ المَقْدِسِيُّ، وَأَجَازَ لِلْفخرِ عليٍّ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: مُكْثِرٌ ثِقَةٌ، صَحِيْحُ السَّمَاعِ، سَمِعْتُ مِنْهُ بهمذان.
مات في شعبان، سنة خمس وعشرون وست مائة، وله ست وسبعون سنة.
5589- ابن عبد الحق:
العَلاَّمَةُ قَاضِي تِلِمْسَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الحَقِّ بنِ سُلَيْمَانَ الكُوْفِيُّ، البَرْبَرِيُّ، المَالِكِيُّ.
تفقَّهَ بِأَبِيْهِ، وَأَخَذَ القِرَاءاتِ وَالنَّحْوِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ بنِ الخَرَّازِ النَّحْوِيِّ. وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ بنِ حُنَيْنٍ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ خَلِيْلٍ. وَأَجَازَ لَهُ ابْنُ هُذَيْلٍ، وَالسِّلَفِيُّ.
وَكَانَ إِمَاماً مُعَظَّماً، كَثِيْرَ التَّصَانِيْفِ، مِنْ ذَلِكَ: غَرِيْبُ "المُوَطَّأِ"، وَكِتَابُ "المُخْتَارِ فِي الجمعِ بَيْنَ المُنْتَقَى وَالاستذكَارِ" فِي عَشْرِ مُجَلَّدَاتٍ.
مَاتَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَهُوَ فِي عَشْرِ التسعين.
5590- ابن عطاء 2:
الشَّيْخُ أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ النَّفِيْسِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَطَاءٍ البَغْدَادِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
لبِسَ مِنْ أَبِي الوَقْتِ، وَسَمِعَ مِنْهُ جَمِيْعَ "الصحيح".
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ النَّجَّارِ، وَالسَّيْفُ، وَابْنُ نُقْطَةَ، وَشيخُنَا الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَكَانَ صَالِحاً.
مَاتَ فِي ذِي القعدة، سنة خمس وعشرين.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب "5/ 116".
2 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 117".(16/202)
البيع، ابن أبي الجود:
5591- البيع 1:
الشيخ الجليل المسند أبو المحاسن محمد بن أَبِي الفَرَجِ هِبَةِ اللهِ ابنِ أَبِي حَامِدٍ عبد العزيز ابن عَلِيِّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عُمَرَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعِيْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ نَجَا بنِ مُوْسَى ابْنِ صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ القُرَشِيُّ، الزُّهْرِيُّ، السَّعْدِيُّ، الدِّيْنَوَرِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، المَرَاتِبِيُّ، البَيِّعُ.
مَوْلِدُهُ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَمِّهِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي حَامِدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ طِرَادٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَعَبْدِ الخَالِقِ اليُوْسُفِيِّ، وَأَبِي الوَقْتِ السِّجْزِيِّ، وَتَفَرَّدَ فِي وَقْتِهِ، وَكَانَ أَبُوْهُ مِنْ حُجَّابِ الخِلاَفَةِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابن الدبيثي، وابن النجار، وأبو إسحاق ابن الواسطي، وأبو الفرج ابن الزَّيْنِ، وَأَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَطَائِفَةٌ. قَدِمَ الشَّامَ مَرَّاتٍ فِي التِّجَارَةِ، وَكَانَ ذَا ثَروَةٍ وَصلاَحٍ وحسن طريقة، وأضر في أواخر العمر.
مَاتَ فِي سَادسَ عشرَ شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ بِضْعٍ وَتِسْعِيْنَ.
وَقَعَ لَنَا مِنْ طرِيقِهِ الخَامِسِ مِنْ "المَحَامِلِيَّاتِ".
5592- ابْنُ أبي الجود 2:
الشَّيْخُ الصَّالِحُ المُعَمَّرُ أَبُو القَاسِمِ المُبَارَكُ بنُ علي بن أَبِي القَاسِمِ المُبَارَكِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي الجود البغدادي، العتابي، نسبة إلى العَتَّابِيِّينَ، الوَرَّاقُ، خَاتمُ الرُّوَاةِ عَنْ أَبِي العَبَّاسِ بنِ الطَّلاَّيَةِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الدُّبَيْثِيُّ، وَابْنُ النَّجَّارِ، والجمال محمد بن الدَّبَّابِ، وَأَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَطَائِفَةٌ. وَقَدْ حَدَّثَ بِالمَوْصِلِ أَيْضاً.
مَاتَ فِي سَلْخِ المُحَرَّمِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
رَوَى لَنَا عَنْهُ الأَبَرْقُوْهِيُّ التَّاسِعَ مِنْ حَدِيْثِ المُخَلِّصِ، عَنْ خَالِ أُمِّهِ أَحْمَدَ بنِ الطَّلاَّيَةِ، وَرَوَى أَيْضاً عُمَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَرْبِيُّ، وَكَانَ جَدُّهُ مِنْ شيوخ الحافظ ابن عساكر.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب "5/ 110".
2 ترجمته في شذرات الذهب "5/ 110".(16/203)
عبد البر، الظاهر بأمر الله:
5593- عبد البر:
ابْنُ الحَافِظِ الكَبِيْرِ أَبِي العَلاَءِ الحَسَنِ بنِ أحمد بن الحسن، الشيخ، المُسْنِدُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الهَمَذَانِيُّ، العَطَّارُ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَعَلِيَّ بنَ مُحَمَّدٍ المُشْكَانِيَّ؛ الَّذِي رَوَى "التَّارِيْخَ الصَّغِيْرَ" لِلْبُخَارِيِّ، وَنَصْرَ بنَ المُظَفَّرِ البَرْمَكِيَّ، وَأَبَا الوَقْتِ السِّجْزِيَّ، وَأَبَا الخَيْرِ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ البَاغبَانِ.
حَدَّثَ عَنْهُ البِرْزَالِيُّ، وَالضِّيَاءُ، وَالصَّدْرُ البَكْرِيُّ، وَجَمَاعَةٌ، وَسَمِعنَا بِإِجَازَتِهِ مِنَ الشَّرَفِ ابْنِ عَسَاكِرَ.
قَرَأْتُ بِخَطِّ ابْنِ نُقْطَةَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنَ المُشْكَانِيِّ "تَارِيخَ البُخَارِيِّ". قَالَ: وَذَكَرَ لِي إِسْحَاقُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُؤَيَّدِ المِصْرِيُّ أَنَّ عَبْدَ البَرِّ تَغَيَّرَ بَعْدَ سَنَةِ عَشْرٍ وَسِتِّ مائَةٍ وَبَلَغَنَا أَنَّهُ ثَابَ إِلَيْهِ عَقْلُهُ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِقَلِيْلٍ، وَحَدَّثَ، وَأَنَّهُ تُوُفِّيَ بِرُوذَرَاورَ، فِي شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
5594- الظَّاهِرُ بِأَمْرِ اللهِ 1:
الخَلِيْفَةُ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ ابنُ النَّاصِر لِدِيْنِ اللهِ أَبِي العَبَّاسِ أَحْمَدَ ابنِ المُسْتَضِيْءِ حَسَنٍ ابْنِ المُسْتَنْجِدِ يُوْسُفَ ابْنِ المُقْتَفِي، الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائة.
وَبُوْيِعَ بِوِلاَيَةِ العَهْدِ، وَخُطِبَ لَهُ وَهُوَ مُرَاهِقٌ، وَاسْتمرَّ ذَلِكَ سِنِيْنَ، ثُمَّ خَلَعَهُ أَبُوْهُ، وَوَلَّى عَلِيّاً أَخَاهُ العَهْدَ، فَدَامَ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ عَلِيٌّ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ، فَاحتَاجَ أَبُوْهُ أَنْ يعيده إلى العهد، وقام الأمير بَعْدَ النَّاصِرِ، وَلَمْ يُطوِّلْ، وَقُرِئَ عَلَيْهِ فِي "مُسْنَدِ أَحْمَدَ" بِإِجَازتِهِ مِنْ وَالِدِهِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ الجِيْلِيُّ، أَخْبَرَنَا الظَّاهِرُ بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَنَا أَبِي كِتَابَةً، عَنْ عَبْدِ المُغِيْثِ بنِ زُهَيْرٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الحُصَيْنِ -فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 265"، وشذرات الذهب "5/ 109، 110".(16/204)
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: وَلِيَ، فَأَظهرَ العَدْلَ وَالإِحسَانَ، وَأَعَادَ سُنَّةَ العُمَرَيْنِ، فَإِنَّهُ لَوْ قِيْلَ: مَا وَلِيَ بَعْدَ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ مِثْلَهُ لَكَانَ القَائِلُ صَادِقاً؛ فَإِنَّهُ أَعَادَ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَملاَكِ المغصوبَةِ شَيْئاً كَثِيْراً، وَأَطلقَ المُكُوسَ فِي البِلاَدِ جَمِيْعِهَا، وَأَمرَ بِإِعَادَةِ الخَرَاجِ القَدِيْمِ فِي جَمِيْعِ العِرَاقِ، وَبإِسقَاطِ مَا جدَّدَهُ أَبُوْهُ وَكَانَ لاَ يُحصَى؛ فَمِنْ ذَلِكَ بَعْقُوبَا خرَاجهَا القَدِيْم عَشْرَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ، فَأُخِذَ مِنْهَا زَمَنَ أَبِيْهِ ثَمَانُوْنَ أَلفَ دِيْنَارٍ، فَرَدَّهَا، وَكَانَ سَنْجَةَ الخزَانَةِ تَرْجح نِصْفَ قِيْرَاطٍ فِي المثقَالِ يَأْخذُوْنَ بِهَا ويعطون العادة، فأبطله، ووقع: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1] ، وَقَدِمَ صَاحِبُ الدِّيْوَانِ مِنْ وَاسِطَ بِأَكْثَرَ مِنْ مائَةِ أَلْفٍ ظُلْماً فَرَدَّهَا عَلَى أَربَابِهَا، وَنفَّذَ إِلَى الحَاكِمِ عَشْرَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ لِيُوَفِّيَهَا عَنِ المحبوسينَ، وَكَانَ يَقُوْلُ: أَنَا قَدْ فَتحْتُ الدُّكَّانَ بَعْدَ العصرِ فَذرُوْنِي أَفْعَلِ الخَيْرَ، فَكم بَقِيْتُ أَعيشُ. وَقَدْ أَنفقَ وَتَصدَّقَ فِي لَيْلَةِ النَّحْرِ مائة ألف دينار، وَكَانَ نِعْمَ الخَلِيْفَةِ خُشوعاً وَخُضوعاً، لرَبِّهِ، وَعدلاً فِي رعيَّتِهِ، وَازديَاداً فِي وَقتٍ مِنَ الخَيْرِ، وَرغبَةً فِي الإِحسَانِ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: كَانَ أبيض جميل الصورة، مشربًا حمرة، حلو المسائل، شَدِيدَ القوَى، اسْتُخْلِفَ وَلَهُ اثْنَتَانِ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً، فَقِيْلَ لَهُ: ألَّا تَتَنَزَّهُ؟ قَالَ: قَدْ لَقَسَ الزَّرْعُ، ثُمَّ إِنَّهُ أَحْسَنَ وَفرَّقَ الأَمْوَالَ، وَأَبطلَ المُكُوسَ، وَأَزَالَ المظَالِمَ.
وَقَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ دَخَلَ إِلَى الخَزَائِنِ، فَقَالَ لَهُ خَادمٌ: فِي أَيَّامِكَ تَمتلَئُ، قَالَ: مَا عُمِلَتِ الخَزَائِنُ لِتُمْلأَ، بَلْ لِتُفْرَغَ وَتُنفَقَ فِي سَبِيْلِ اللهِ، إِنَّ الجمعَ شُغْلُ التُّجَّارِ!
وَقَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: أَظهرَ الظَّاهِرُ العَدْلَ، وَأَزَالَ المَكْسَ، وَظهرَ لِلنَّاسِ، وَكَانَ أَبُوْهُ لاَ يظهرُ إلَّا نَادراً.
قَالَ ابْنُ السَّاعِي: بَايَعَهُ أَوَّلاً أَهْلُهُ، وَأَوْلاَدُ الخُلَفَاءِ، ثُمَّ نَائِبُ الوزَارَةِ مُؤَيَّدُ الدِّيْنِ القُمِّيُّ، وَعضدُ الدَّوْلَةِ ابْنُ الضَّحَّاكِ أُسْتَاذُ الدَّارِ، وَقَاضِي القُضَاةِ مُحْيِي الدِّيْنِ ابْنُ فَضلاَنَ، وَنقيبُ الأَشْرَافِ القَوَّامُ المُوْسَوِيُّ، وَجَلَسَ يَوْمَ الفطرِ لِلبَيْعَةِ بثِيَابٍ بِيْضٍ بِطَرْحَةٍ وَعَلَى كَتِفِهِ البُرْدُ النَّبَوِيُّ، وَلفظُ البَيْعَةِ: أُبَايِعُ مَوْلاَنَا الإِمَامُ المُفْتَرَضُ الطَّاعَة أَبَا نَصْرٍ مُحَمَّداً الظَّاهِرَ بِأَمْرِ اللهِ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ وَاجْتِهَادِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَأَنْ لا خليفة سواه. وبعد أيام عُزِلَ مِنَ القَضَاءِ ابْنَ فَضلاَنَ بِأَبِي صَالِحٍ نَصْرِ بنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الجِيْلِيِّ، وَكَانَ القَحطُ الشَّدِيدُ بِالجَزِيْرَةِ وَالفنَاء.
وَفِيْهَا نُفِّذَتْ خِلَعُ المُلْكِ إِلَى الكَامِلِ وَالمُعَظَّم وَالأَشْرَفِ، وَكَانَ المُعَظَّم قَدْ صَافَى خُوَارِزْم شَاه، وَجَاءتْهُ خِلْعَتُهُ فَلَبِسَهَا.(16/205)
وَفِي سَنَةِ 623: بلغَ خُوَارِزْم شَاه أَنَّ نَائِبَهُ عَلَى كِرْمَانَ خلعَهُ، فَسَارَ يَطوِي الأَرْضَ إِلَى كِرْمَان، فَتحصَّنَ نَائِبُهُ بِقَلْعَةٍ وَذَلَّ، فَنفَّذَ إِلَيْهِ بِالأَمَانِ، فَبَلَغَهُ أَنّ عَسْكَرَ الأَشْرَف هَزَمَ بَعْضَ عَسْكَرِهِ، فَكرَّ رَاجِعاً، حَتَّى قَدِمَ منَازكرد، ثُمَّ نَازلَ خِلاَط، وَقُتِلَ خَلْقٌ كَثِيْرٌ بَيْنَ الفَرِيْقَيْنِ، ثُمَّ بلغَهُ عبَثُ التُّرُكْمَانِ، فَسَارعَ وَكَبَسَهُم وَبدَّعَ فِيهِم.
وَفِي شَعْبَانَ سَارَ كَيْقُبَاذَ، فَأَخَذَ عِدَّةَ حصُوْنٍ لِصَاحِبِ آمد.
وَفِيْهَا حَاربَ البِرْنسُ بلاَدَ الأَرمنِ.
وَفِيْهَا قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: اصطَادَ صَدِيْقٌ لَنَا أَرنباً لَهَا ذَكَرٌ وَأُنْثيَانِ، وَلَهَا فَرْجُ أُنثَى، فَلَمَّا شَقُّوْهَا وَجَدُوا فِيْهَا جَرْوَيْنِ، سَمِعْتُ هذا من جماعة كانوا معه، وقالوا: مازلنا نَسْمَعُ أَنَّ الأَرنبَ تَكُوْنُ سَنَةً ذَكَراً وَسَنَةً أُنْثَى.
وَزُلِزْلَت المَوْصِل وَشهرزور، وَترددت الزَّلْزَلَة عَلَيْهِم نَيِّفاً وَثَلاَثِيْنَ يَوْماً، وَخرب أَكْثَر قرَى تِلْكَ النَّاحيَة، وَانخسف القَمَر فِي السَّنَةِ مرَّتين، وَبرد مَاء القَيَّارَةِ كَثِيْراً، وَمَا زَالت حَارة، وَجَاءَ الموصل بَرَد عَظِيْم، زنَة الوَاحِدَة مائَتَا دِرْهَم وَأَقلّ فأهلك الدواب.
وَفِي رَجَبٍ مِنْهَا تُوُفِّيَ أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ الظَّاهِر، فَكَانَتْ خِلاَفَته تِسْعَة أَشهر وَنِصْفاً -رَحِمَهُ اللهُ- وَعَاشَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً، وَبَايعُوا وَلده المُسْتَنْصِر بالله أبا جعفر.(16/206)
عامر، داود بن معمر:
5595- عامر:
بن أبي الوليد هشام، شَيْخُ الأَدب أَبُو القَاسِمِ الأَزْدِيُّ القُرْطُبِيُّ.
سَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَابْنِ بَشْكُوَالَ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ مُغِيْث. وَكَانَ كَاتِباً، أَديباً، كَثِيْرَ النَّظم، تَنَسَّكَ وَلَزِمَ الخَيْرَ، فَحملُوا عَنْهُ.
قرَأَ عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ هَارُوْنَ الطَّائِيّ "مَقَامَاتَ" الحَرِيْرِيّ، وَبَعْض "مَقَامَاته"، وَلاَزمه، وَتَخَرَّجَ بِهِ، وَأَخَذَ عَنْهُ "مقصُوْرته"، وَقَدْ أَبدع وَأَجَادَ فِي مَقَامَاته.
تُوُفِّيَ فِيمَا قَالَهُ الأَبَّار سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
5596- دَاوُدُ بنُ مَعْمَرِ 1:
بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ الفاخر الشَّيْخُ الإِمَامُ المُسْنِدُ المُعَمَّرُ أَبُو الفُتُوْحِ القُرَشِيُّ العَبْشَمِيّ الأَصْبَهَانِيُّ. وُلِدَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وثلاثين.
وَسَمِعَ حُضُوْراً فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَبعد ذَلِكَ، فَمِنْ ذَلِكَ "جُزْء البَيْتوتَة" مِنْ فَاطِمَة بِنْت مُحَمَّد البَغْدَادِيّ. وَسَمِعَ مِنْ غَانِم بن خَالِدٍ التَّاجِر، وَغَانِم بن أَحْمَدَ الجُلُوْدِيِّ، وَإِسْمَاعِيْل بن عَلِيٍّ الحَمَّامِيّ، وَأَبِي الخَيْرِ البَاغبَانِ، وَسَمِعَ بِهَمَذَانَ مِنْ: نَصْر بن المُظَفَّر البَرْمَكِيّ، وَبِالكُوْفَةِ مِنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ غَبْرَة، وَبِبَغْدَادَ مِنْ أَبِي الفَتْحِ بنِ البَطِّيِّ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَة -وَقرَأْته بِخَطِّهِ: ذكر لِي غَيْر وَاحِد أَنَّهُ سَمِعَ "صَحِيْح البُخَارِيِّ" مِنْ: غَانِم بن أَحْمَدَ، وَفَاطِمَة بِسَمَاعِهِمَا مِنْ سَعِيْدٍ العَيَّارِ، وَسَمِعَهُ مِنْ أَبِي الوَقْت، وَسَمِعَ الدُّعَاء لابْنِ فُضَيْل مِنِ ابْنِ غَبْرَة. سَمِعْتُ مِنْهُ بِأَصْبَهَانَ، وَحَكَى لِي عَنْ شَيْخه أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْد القَادِرِ الجِيْلِيِّ: وَهُوَ شَيْخ النَّاس بِأَصْبَهَانَ، وَاسِع الجَاه، رفِيع المَنْزِلَة، مُكرم لأَهْل العِلْمِ، بَلَغَنَا مَوْته بِأَصْبَهَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ.
قُلْتُ: وَرَوَى عَنْهُ الزَّكِيّ البِرْزَالِيّ، وَالصَّدْر البَكْرِيّ وَابْن النَّجَّارِ، وَالحَافِظ الضِّيَاء.
قَالَ المُنْذِرِيّ: مَاتَ فِي رَجَبٍ أَوْ شَعْبَان.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 269".(16/206)
5597- البهاء 1:
لشيخ الإِمَامُ العَالِمُ المُفْتِي المُحَدِّث بَهَاءُ الدِّيْنِ أَبُو محمد عبد الرحمن ابن إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مَنْصُوْرٍ المَقْدِسِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، شَارِحُ "المُقْنِعِ"، وَابْن عَمِّ الحَافِظ الضِّيَاء، وَالشَّمْس أَحْمَد وَالِد الفَخْر بن البُخَارِيِّ.
وُلِدَ بقَرْيَة السَّاويَا -وَكَانَ أَبُوْهُ يُؤم بِهَا- فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَوْ فِي سَنَةِ سِتّ.
هَاجَرَ أَبُوْهُ مِنْ حُكم الفِرَنْج، فَسَافَر تَاجراً إِلَى مصر -أعني الأب- ثم ماتت الأم فكلفته عَمَّتُهُ فَاطِمَة زَوْجَة الشَّيْخ أَبِي عُمَرَ، وَخَتَمَ القرآن سنة سبعين، وتنبه بالحفظ عَبْد الغَنِيِّ، ثُمَّ ارْتَحَلَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ فِي صُحْبَة الشَّيْخ العِمَاد فَسَمِعَ بِحَرَّانَ مِنْ أَحْمَد بن أَبِي الوَفَاء، وَجَرَّدَ بِهَا الخَتْمَة، وَصَلَّى التّرَاويح، فَجمعُوا لَهُ فطرَة وَاشتَرَوا لَهُ بهيمَة وَسَارَ إِلَى بَغْدَادَ، وَقَدْ سَبَقَهُ العِمَاد وَمَعَهُ ابْنُ رَاجِح وَعَبْد اللهِ بن عُمَرَ بنِ أَبِي بَكْرٍ. وَسَمِعَ بِالمَوْصِلِ مِنْ خَطِيْبهَا، فَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ شُهْدَة الكَاتِبَة كَثِيْراً، وَمِنْ عَبْدِ الحَقِّ وَأَبِي هَاشِمٍ الدُّوْشَابِيّ، وَمُحَمَّد بن نَسِيم، وَأَحْمَد بن النَّاعم، وَأَبِي الفَتْحِ بن شاتيل، وعبد المحسن بن تريك
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 269"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 114".(16/207)
وَطَبَقَتهُم، وَنسخ الأَجزَاء، وَحَصَّلَ، وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنْ محمد بن بركة الصلحي، وعبد الرحمن بن أَبِي العَجَائِزِ، وَالقَاضِي كَمَال الدِّيْنِ الشَّهْرُزُوْرِيّ وَجَمَاعَة، وَرَوَى الكَثِيْر بِدِمَشْقَ وَبنَابُلُس وَبَعْلَبَكَّ، وَكَانَ بصيرًا بالمذهب.
قَالَ الضِّيَاء: كَانَ فَقِيْهاً، إِمَاماً، مُنَاظِراً، اشْتَغَل عَلَى ابْنِ المَنِّيِّ، وَسَمِعَ الكَثِيْر، وَكتبه، وَأَقَامَ سِنِيْنَ بِنَابُلُسَ بَعْد الفُتُوْح بِجَامِعِهَا الغربِي، وَانتفع بِهِ خَلْق، وَكَانَ سمحاً، كَرِيْماً، جَوَاداً، حَسَنَ الأخلاق، متوضعًا، رَجَعَ إِلَى دِمَشْقَ قَبْل وَفَاته بِيَسِيْرٍ، وَاجتهَدَ فِي كِتَابَة الحَدِيْث وَتسمِيْعه، وَشرحَ كِتَاب "المُقْنِعِ"، وَكِتَاب "العُمْدَة" لِشيخنَا مُوَفَّق الدِّيْنِ وَوَقَفَ مَسْمُوْعَاته.
وَقَالَ الحَاجِب: كَانَ مليحَ المَنْظَر، مطرحاً لِلتَّكَلُّفِ، كثير الفائدة، قوالًا للحق، ذَا دين وَخَيْرٍ لاَ يَخَاف فِي اللهِ لَوْمَة لاَئِم، رَاغِباً فِي الحَدِيْثِ، كَانَ يَنْزِل مِنَ الْجَبَل قَاصداً لِمَنْ يسمع عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا أَطعم غدَاءهُ لِمَنْ يَقرَأُ عَلَيْهِ، وَانقطع بِمَوْته حَدِيْث كَثِيْر -يَعْنِي مِنْ دِمَشْقَ.
وَمَاتَ فِي سَابع ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: البِرْزَالِيّ، وَالضِّيَاء، وَابْن المَجْدِ، وَالشَّرَف ابْن النَّابُلُسِيِّ، وَالجمَال ابْن الصَّابُوْنِيّ، وَالشَّمْس ابْن الكَمَالِ، وَالتَّاج عَبْد الخَالِقِ، وَمُحَمَّد بن بلغزَا، وَدَاوُد بن مَحْفُوْظ، وَعَبْد الكَرِيْمِ بن زَيْدٍ، وَالعِزُّ ابْن الفَرَّاءِ، وَالعِزُّ ابْن العِمَاد، وَالعِمَاد عَبْد الحَافِظِ، وَالتَّقِيّ بن مُؤْمِنٍ، وست الأهل بنت الصالح، وَإِسْحَاق بن سُلْطَان، وَأَبُو جَعْفَرٍ ابْن الموَازِينِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَقَدْ سُقْتُ مِنْ تَفَاصيل أَحْوَاله فِي "تَارِيْخ الإِسْلاَم". وَأَقدم شَيْء سَمِعَهُ بِدِمَشْقَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الكِنَانِيّ، سَمِعْتُ الكَثِيْرَ عَلَى أَصْحَابه.
وَفِيْهَا مَاتَ: القُدْوَة أَبُو أَحْمَدَ جَعْفَر بن عَبْدِ اللهِ بنِ سَيِّد بُونه الخُزَاعِيُّ صَاحِب ابْن هُذَيْلٍ، وَدَاوُد بن الفَاخِرِ، وطاغية التتار حنكزخان، وقاضي حَرَّان، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ نَصْرٍ الحَنْبَلِيّ، وَعَبْد البَرِّ بن أَبِي العَلاَءِ الهَمَذَانِيُّ، وَعَبْد الجَبَّارِ ابْن الحَرَسْتَانِيِّ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَلِيٍّ السُّمَاتِيّ، وَالحُجَّة عَبْد المُحْسِنِ بن أَبِي العَمِيد الخَفِيْفِيّ، وَالمُعَظَّم عِيْسَى ابْن العَادِلِ، وَالمُسْنِدُ الفَتْح بن عَبْدِ السَّلاَمِ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ مُحَمَّدُ بنُ اللَّيْثِ الوسْطَانِيّ.(16/208)
5598- ابن عبد السلام 1:
لشيخ الجَلِيْلُ المُعَمَّرُ مُسْنِدُ العِرَاقِ عَمِيْدُ الدِّيْنِ أَبُو الفَرَجِ الفَتْحُ بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ عَبْدِ اللهِ بن مُحَمَّدِ ابْنِ الشَّيْخِ أَبِي الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ بنِ يَحْيَى البَغْدَادِيُّ، الكَاتِبُ.
مِنْ بَيْت كِتَابَة وَرِوَايَة.
وَلد يَوْم عَاشُورَاء، سَنَة سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: جدّه أَبِي الفَتْحِ، وَالقَاضِي مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الأُرْمَوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الطَّرَائِفِيّ، وَأَبِي غَالِبٍ مُحَمَّد بن الدَّايَةِ، وَأَحْمَد بن طَاهِرٍ المِيْهَنِيّ، وَهِبَة اللهِ بن أَبِي شَرِيْكٍ، وَأَبِي بَكْرٍ ابْن الزَّاغُوْنِيّ، وَقَاضِي القُضَاةِ عَلِيّ بن الحُسَيْنِ الزَّيْنَبِيّ، وَنُوشْتِكِيْن الرَّضْوَانِيّ، وَأَبِي الكَرَمِ الشَّهْرُزُوْرِيّ، وَسَعِيْد ابْن البَنَّاءِ، وَأَحْمَد بن مُحَمَّدِ ابْنِ الإِخْوَةِ، وَجَمَاعَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيّ، وَعُمَر بن الحَاجِب، وَابْن المَجْدِ، وَالقَاضِي شَمْس الدِّيْنِ مُحَمَّد بن العِمَادِ، وَتَقِيّ الدِّيْنِ ابْن الوَاسِطِيّ، وَالجمَال ابْن الدَّبَّابِ، وَالكَمَال الفُوَيْرِه، وَالشَّمْس ابْن الزَّيْنِ، وَالشِّهَاب الأَبَرْقُوْهِيّ، وَجَمَاعَةٌ، وَانْتَهَى إِلَيْهِ على الإِسْنَادِ.
قَالَ المُنْذِرِيّ: كَانَ شَيْخاً حَسَناً، كَاتِباً أَديباً، لَهُ شعر وَتَصرف فِي الأَعْمَال الدِّيْوَانِيَة، أَضرَّ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَانْفَرَدَ بِأَكْثَر شُيُوْخه وَمَرْوِيَّاته، وَهُوَ مِنْ بَيْت الحَدِيْث، حَدَّثَ هُوَ وَأَبُوْهُ وَجدّه وَجدّ أَبِيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: هُوَ مِنْ محلَّة الدِّينَارِيَّة بِبَابِ الأَزَج، وَكَانَ قَدِيْماً يَسكن بِدَارِ الخِلاَفَة. صَارَت إِلَيْهِ الرّحلَة. وَتَكَاثر عَلَيْهِ الطّلبَة، وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ، وَكَانَ مِنْ ذَوِي المنَاصب وَالولاَيَات، فَهماً بِصَنْعَتِهِ، ترك الخِدمَة، وَبَقِيَ قَانِعاً بِالكفَاف، وَأضَرَّ بِأَخَرَةٍ، وَتَعَلَّل حَتَّى أُقعد. وَكَانَ مَجْلِسُه مَجْلِسَ هَيْبَةٍ وَوَقَارٍ، لاَ يَكَاد يَشَذُّ عَنْهُ حرف مُحَقّق لِسَمَاعه، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُحبّ الرِّوَايَة لِمَرَضِهِ وَاشتِغَالِه بِنَفْسِهِ، وَكَانَ كَثِيْرَ الذِّكْرِ، وَكَانَ يَتَوَالَى، وَلَمْ يظهرْ لَنَا مِنْهُ مَا نُنكِرُه، بَلْ كَانَ يَترحَّمُ عَلَى الصَّحَابَة وَيلعنُ مَنْ يَسُبُّهُم، وَكَانَ يَقُوْلُ الشّعر فِي الزُّهْد وَالنَّدَم، وَكَانَ ثِقَةً صَحِيْح السَّمَاع، وَمَا كَانَ مُكْثِراً. إِلَى أَنْ قَالَ: وَتُوُفِّيَ فِي الرَّابِع وَالعِشْرِيْنَ مِنَ المُحَرَّم، سَنَة أربع وعشرين وست مائة.
وَحَدَّثَ عَنْهُ الدُّبَيْثِيّ، وَقَالَ: هُوَ مِنْ أَهْلِ بيت حديث كلهم ثقات.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 296"، وشذرات الذهب "5/ 116".(16/209)
قُلْتُ: وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ فَاطِمَة بنْت سُلَيْمَان الدِّمَشْقِيِّ.
وَقَالَ المُبَارَك ابْنُ الشَّعَّارِ: كَانَ الفَتْح يَرْجِع إِلَى أَدبٍ وَسَلاَمَة قَرِيحَة، وَكَانَ مُشتهراً بِالتَّشَيُّعِ وَالغُلوِّ فِيْهِ عَلَى مَذْهَب الإِمَامِيَّة.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ صَدُوْقاً جَلِيْلاً أَديباً فَاضِلاً حَسَنَ الأَخْلاَقِ نَبِيلاً.
أَنْشَدَنِي أَبُو الحَسَنِ ابْنُ القَطِيْعِيِّ، أَنْشَدَنَا الفَتْحُ لِنَفْسِهِ، وَكَتَبَ بِهَا إِلَى المُسْتَضِيْءِ بِأَمْرِ اللهِ يَسْتَقيلُ مِنْ خِدْمَتِهِ بِالبَرَكَاتِ:
يَا ابْنَ الخَلاَئِفِ مِنْ آلِ النَّبِيِّ وَمَنْ ... يَفُوقُ عِلْماً وَنُسْكاً سَائِرَ النَّاسِ
يَا مُسْتَضِيئاً بِأَمْرِ اللهِ مُقْتَدياً ... يَا خَيْرَ مُسْتَخْلَفٍ مِنْ آلِ عَبَّاسِ
أَشْكُو إِلَيْكَ مَعَاشِي إِنَّهُ كَدَرٌ ... مَا بَيْنَ باغٍ وَحَفَّارٍ لأَرْمَاسِ
تَأْتِي إِلَيَّ صَبَاحاً كُلّ عَانِيَةٍ ... يَضِيقُ مِنْ كَرْبِهَا صَدْرِي وَأَنْفَاسِي
فآهِ مِنْ حَالَتَيْ ضُرٍّ بُلِيتُ بِهَا ... سَوَادِ بَخْتِي وَشَيْبٍ حَلَّ فِي راسي(16/210)
5599- ابن بقي 1:
لإمام العَلاَّمَةُ المُحَدِّثُ المُسْنِدُ قَاضِي الجَمَاعَة أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ ابنُ أَبِي الوَلِيْدِ يَزِيْد بنُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مخلد بن عبد الرحمن بن أحمد ابن شيخ الأندلس الحاف بَقِيِّ بنِ مَخْلَدٍ الأُمَوِيّ، مَوْلاَهُمُ، البَقَوِيُّ، القُرْطُبِيُّ، المَالِكِيُّ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَجده؛ أَبَا الحَسَنِ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ الحَقِّ الخَزْرَجِيَّ صَاحِبَ مُحَمَّد بن الفَرَجِ الطَّلاَّعِيِّ، وَخَلَفَ بنَ بَشْكُوَالَ، وَأَبَا زَيْدٍ السُّهَيْلِيَّ، وَطَائِفَةً. وَأَجَاز لَهُ: المُقْرِئُ أَبُو الحَسَنِ شُرَيْح بن مُحَمَّدٍ، وَعَبْد المَلِكِ بن مَسَرَّةَ. وَتَفَرَّد بِأَشيَاءَ، مِنْهَا "مُوَطَّأُ يَحْيَى بن يَحْيَى"، عن الخزرجي. وقد روى الحديث هو وجيمع آبَائِهِ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَبَّارُ: هُوَ مِنْ رِجَالاَتِ الأَنْدَلُس جَلاَلاً وَكمَالاً، لاَ نَعلمُ بَيْتاً أَعرق مِنْ بَيْته فِي العِلْمِ والنَّباهَةِ إلَّا بَيْتَ بَنِي مُغِيْثٍ بِقُرْطُبَةَ، وَبَنِي البَاجِي بِإِشْبِيْلِيَة، وَلَهُ التَّقَدُّم عَلَى هَؤُلاَءِ، وَلِيَ قَضَاءَ الجَمَاعَةِ بِمَرَّاكُش مُضَافاً إِلَى خُطَّتَي المَظَالِمِ وَالكِتَابَةِ العُليَا، فَحُمِدَت سِيرتُهُ، وَلَمْ تَزِده الرّفعَة إلَّا تَوَاضُعاً، ثُمَّ عُزل، وَأَقَامَ بَطَّالاً إِلَى أَن قُلِّد قَضَاء بَلَده، وَذَهَبَ إِلَيْهِ، ثُمَّ عُزِلَ قبل موته، فازدحم الطلبة عليه، وكان ذلك أهلًا.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 270، 271"، وشذرات الذهب "5/ 116، 117".(16/210)
وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ -أَوْ غَيْره: كَانَ لَهُ بَاع مَدِيد فِي النَّحْوِ وَالأَدب، تَنَافس النَّاسُ فِي الأَخْذِ عَنْهُ، وَقرَأَ جَمِيْع "كِتَاب سِيْبَوَيْه" عَلَى أَبِي العَبَّاسِ ابْن مَضَاء، وَقَرَأَ عَلَيْهِ "المَقَامَات".
وَقَالَ ابْنُ مَسْدِيّ: رَأَسَ شَيْخُنَا هَذَا بِالمَغْرِبَيْنِ، وَوَلِيَ القَضَاءَ بِالعُدْوَتَيْنِ، وَلَمَّا أَسنّ اسْتَعفَى، وَرجع إِلَى بَلَده، فَأَقَامَ قَاضِياً بِهَا إِلَى أن غَلَبَ عَلَيْهِ الكِبَر، فَلزمَ مَنْزِلَهُ، وَكَانَ عَارِفاً بِالإِجْمَاعِ وَالخِلاَف، مَائِلاً إِلَى التَّرجيح وَالإِنصَاف.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ المُعَمَّرُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ هَارُوْنَ الَّذِي كَتَبَ إِلَيْنَا بِالإِجَازَةِ مِنَ المَغْرِب، وَجَمَاعَة.
وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ مُحَمَّد بن عَيَّاشٍ الخَزْرَجِيّ، وَالخَطِيْب أَبُو القَاسِمِ بن الأَيسر الجُذَامِيُّ، وَأَبُو الحَكَمِ مَالِك بن المُرَحّلِ الأَدِيْب، وَآخَرُوْنَ. وَقَدْ كَانَ -رَحِمَهُ اللهُ- يَغْلِبُ عَلَيْهِ المَيْلُ إِلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الأَثَرِ وَالظَّاهِرِ فِي أُموره وَأَحكَامِهِ.
وَمِنَ الرُّوَاة عَنْهُ العَلاَّمَةُ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ أَبِي الرَّبِيْعِ، وَبِالإِجَازَةِ: مُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ المومنَائِيّ الفَاسِيُّ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ الطَّائِيُّ الفَقِيْه إِذْناً، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ ابن يَزِيْدَ القَاضِي، عَنْ شُرَيْحِ بنِ مُحَمَّدٍ المُقْرِئِ، عَنِ الفَقِيْهِ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ حَزْم، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا قَاسم بن أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ العَبْسِي، حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، عَنِ الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الصَّوْمُ جُنَّةٌ".
وُلد ابْن بَقِيٍّ سَنَة سَبْعٍ وَثَلاَثيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَمَاتَ يَوْمَ الجُمُعَةِ بَعْد الصَّلاَةِ مُنْتَصَف رَمَضَان سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ بِقُرْطُبَة، وَقَدْ تَجَاوز ثَمَانِياً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ، وَهُوَ آخر من حَدَّثَ "بِالمُوَطَّأ" فِي الدُّنْيَا عَالِياً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الإِمَام مَالِكٍ، فِيْهِ سِتَّةُ رِجَال بِالسَّمَاع المُتَّصِل، وَهَكَذَا الْعدَد فِي "المُوَطَّأِ" لِيَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ لِمُكْرَم بن أَبِي الصَّقْرِ البَزَّاز، وَفِي "مُوَطَّأِ القَعْنَبِيّ" لِلمُوَفَّقَيْنِ: ابْنِ قُدَامَةَ وَعَبْدِ اللَّطِيْفِ، وَابْن الخَيِّرِ، وَفِي "مُوَطَّأِ أَبِي مُصْعَبٍ" لأَبِي نَصْرٍ ابْن الشِّيْرَازِيِّ وَابْن البُرْهَان، وَفِي "مُوطَّأِ سُوَيْد بن سَعِيْدٍ" لِلبهَاء عَبْد الرَّحْمَنِ.(16/211)
ابن البراج، ابن الجواليقي:
5600- ابن البراج 1:
الشَّيْخُ الصَّالِحُ الخَيِّرُ الثِّقَةُ أَبُو مَنْصُوْرٍ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ ابْن البَرَّاجِ البَغْدَادِيُّ، الصُّوْفِيُّ، الوَكِيْل.
سَمِعَ "سُنَنَ النَّسَائِيِّ" كُلَّه -أَعنِي "المُجْتَنَى"- مِنْ أَبِي زُرْعَةَ المَقْدِسِيّ، وَسَمِعَ "جُزءَ البَانْيَاسِيِّ" مِنْ أَبِي الفَتْحِ ابْنِ البَطِّيِّ، وَكِتَابَ "أَخْبَارِ مَكَّةَ" لِلأَزْرَقِيِّ مِنْ أَحْمَد بن المُقَرّبِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّيْف ابْن المَجْدِ، وَعُمَرُ بنُ الحَاجِبِ، وَتَقِيُّ الدِّيْنِ ابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَشَمْسُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ الزَّيْنِ، وَالجمَال مُحَمَّد ابْن الدَّبَّابِ، وَطَائِفَةٌ.
وَأَخْبَرَتْنَا عَنْهُ فَاطِمَة بِنْت سُلَيْمَان إِجَازَة.
قَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: رَجُلٌ صَالِحٌ كَثِيْرُ التِّلاَوَةِ وَالصَّمْتِ، لاَ يَكَادُ يَتَكَلَّمُ إلَّا جوابًا، سمعت منه معظم "السنن".
مَاتَ فِي رَابع المُحَرَّمِ، سَنَة خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وست مائة.
5601- ابن الجواليقي 2:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ العَالِم العَدْل أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ إِسْحَاقَ ابْن العَلاَّمَة أَبِي مَنْصُوْرٍ مَوْهُوْبِ بن أحمد الجَوَالِيْقِيِّ البَغْدَادِيُّ.
سَمِعَ: ابْنَ نَاصِرٍ، وَنَصْر بن نَصْرٍ، وَابْن الزَّاغُوْنِيّ، وَأَبَا الوَقْت، وَجَمَاعَةً.
تَفَرَّد بِالعَاشرِ مِنَ "المُخَلِّصِيَّاتِ" وَبِثَالِثهَا الصَّغِيْر وَبِالأَوّل مِنَ السَّادِسِ، وَببَعْض الثَّانِي، وَ"بِدِيْوَان المُتَنَبِّي"، وَسَمِعَ "الصَّحِيْح" كُلّه، وَ"مُنْتَخَبَ عَبْدٍ" كُلّه مِنْ أَبِي الوَقْت.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْن الدُّبَيْثِيِّ، وَابْن النجار، وابن الواسطين وَابْن الزَّيْنِ، وَالأَبَرْقُوْهِيُّ، وَالمَجْدُ ابْنُ الخَلِيْلِيِّ، وَعِدَّةٌ.
مَاتَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 270"، وشذرات الذهب "5/ 116".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 271"، وشذرات الذهب "5/ 117".(16/212)
5602- ابن البن 1:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ الثِّقَة المُسْنِدُ الصَّالِح بَقِيَّة المَشَايِخ نفيس الدين أبو مُحَمَّدٍ الحَسَن بن عَلِيٍّ ابْن الشَّيْخ أَبِي القَاسِمِ الحُسَيْن بن الحَسَنِ بنِ البُنِّ الأَسَدِيّ الدِّمَشْقِيّ الخَشَّاب.
وُلِدَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ.
وَسَمِعَ الكَثِيْر مِنْ جدّه، وَتَفَرَّد، وَعُمِّر، وتأدب على الأمير المحمود بن نعمة الشيرازي وَصحبَهُ، وَلَهُ أُصُوْل وَأَجزَاء.
قَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: كَانَ دَائِم السُّكُوت، وَإِذَا نَفر مِنْ شَيْءٍ لاَ يَعُوْد إِلَيْهِ، وَكَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً، سَأَلتُ العَدْلَ عَلِيَّ ابْن الشَّيْرَجِيِّ عَنْهُ، فَقَالَ: كَانَ عَلَى خَيْرٍ، كَثِيْرَ الصَّدَقَة وَالإِحسَان.
وَقَالَ الضِّيَاء: شَيْخٌ حَسَنٌ، مَوْصُوْفٌ بِالخَيْرِ، قَلِيْلُ الكَلاَمِ وَالفُضُولِ.
وَقَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: أَجَازَ لَهُ نَصْر بن نَصْرٍ العُكْبَرِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ ابْن الزَّاغُوْنِيّ.
تُوُفِّيَ فِي ثَامِنَ عَشَرَ شَعْبَان، سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ بَابِ الفَرَادِيْسِ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ الضِّيَاءُ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالشَّرَفُ ابْن النَّابُلُسِيُّ، وَالجمَالُ ابْنُ الصَّابُوْنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِلَيَاس، وَمُحَمَّدُ بنُ سَالِمٍ النَّابُلُسِيُّ، وَالعِزُّ ابْنُ الفَرَّاء، وَالشَّمْسُ ابْنُ الكَمَال، وَالشِّهَابُ الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَسَعْدُ الخَيْر، وَأَخُوْهُ؛ نَصْرُ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَابْنَا الوَاسِطِيّ، والخضر بن عبدان، وعدة.
ومات معه: المحب أحمد بن تميم اللبي الأَنْدَلُسِيّ المُحَدِّث، وَأَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ الخَضِرِ بنِ طَاوُوْسٍ الدِّمَشْقِيُّ. يَرْوِي عَنْ: حَمْزَةَ بنِ كَرَوَّسٍ، وَأَبُو مُسْلِمٍ أَحْمَد بن شِيْرَوَيْه بن شَهْرَدَار الدَّيْلَمِيّ، وَأَحْمَد بن السَّرَّاجِ، وَأَبُو القَاسِمِ أحمد بن بقي، وأبو علي ابن الجَوَالِيْقِيِّ، وَصَاعِد بن عَلِيٍّ الوَاسِطِيّ الوَاعِظُ، وَكَاتِب المُعَظَّم جَمَال الدِّيْنِ عَبْد الرَّحْمَنِ بن شِيث القُوْصِيّ، وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ مَسْعُوْدٍ الشَّاطِبِيّ ابن صاحب الصلاة، وأبو منصور محمد ابن عَبْدِ اللهِ البَنْدَنِيْجِيّ، وَأَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ النَّفِيْس بن عَطَاءٍ الصُّوْفِيّ، وَأَبُو الوَقْتِ مَحَاسِن بن عمر الخزائني.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 271"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 117".(16/213)
ابن عفيجة، والد الأبرقوهي:
5603- ابن عفيجة 1:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ المُسْنِدُ أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ بنِ كَرَمٍ البَنْدَنِيْجِيّ ثُمَّ البَغْدَادِيّ، البَيِّع، المَعْرُوف: بِابْنِ عُفَيْجَةَ الحَمَّامِيّ.
أَجَاز لَهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ خَيْرُوْنَ المُقْرِئ، وَسِبْط الخَيَّاط أَبُو مُحَمَّدٍ، وَأَحْمَد بن عَبْدِ اللهِ ابْن الآبُنُوْسِيِّ، وَطَائِفَة. وَسَمِعَ مِنَ الحَافِظ ابْن نَاصِر، وَأَبِي طَالِبٍ بن خُضَيْرٍ. وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ. خَرَّجَ لَهُ ابْنُ النَّجَّارِ "جُزءاً"، وَابْنُ الخَيِّرِ "جُزءاً"، وَحَصَلَ لَهُ فِي سَمْعِهِ ثقل.
وَعُفَيْجَةُ: هُوَ لَقَبٌ لوالده عبد الله.
قَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: كَانَ يَأْوِي إِلَى بَعْضِ أَقَارِبه، وَكُنَّا نُقَاسِي مِنَ الوُصُوْل إِلَيْهِ مَشَقَّة وَيَمْنَعونَا.
قُلْتُ: تَعَلَّل وَافتقرَ، وَكَانَ عِنْدَهُ شَيْء مِنْ حَدِيْثِ أَبِي نُعَيْمٍ الحَافِظ، سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ نَاصِر.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْن الدُّبَيْثِيِّ، وَابْن النَّجَّارِ، وَابْن المَجْدِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ ابْن الوَاسِطِيّ، وَطَائِفَة آخرهُم بِالحُضُوْر فِي الرَّابِعَةِ العِمَاد إِسْمَاعِيْل ابْن الطَّبَّالِ. وَقَرَأْتُ بِإِجَازتِهِ عَلَى أَبِي الحُسَيْنِ ابْنِ اليُوْنِيْنِيِّ، وَفَاطِمَةَ بِنْتِ سُلَيْمَان.
تُوُفِّيَ فِي ثَانِيَ عَشَرَ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَمِنْ مَسْمُوْعِهِ خَمْسَةُ أَجزَاءَ مِنَ "الحِلْيَةِ"، مِنْهَا السَّابِعُ وَالسَّبْعُوْنَ، وَتِلْوُهُ مِنِ ابْنِ ناصر.
5604- والد الأبرقوهي:
القَاضِي المُحَدِّثُ المُفِيْدُ رَفِيْع الدِّيْنِ إِسْحَاقُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُؤَيَّدِ الهَمَذَانِيّ، ثُمَّ المِصْرِيّ، الشَّافِعِيّ.
وُلِدَ بَعْدَ الثَّمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنَ الغزنوي، والأرتاحي. وبدمشق من ابن طَبَرْزَد، وَبِوَاسِط مِنَ: المَنْدَائِيّ، وَبِأَصْبَهَانَ مِنْ عَفِيفَةَ، وَبَشِيْرَاز، وَهَمَذَان، وَبَغْدَاد. وَوَلِيَ قَضَاءَ أَبَرْقُوْه، وَجَاءته الأَوْلاَد، فَرحل بِابْنَيْهِ، ثُمَّ اسْتَقر بِمِصْرَ وَكَانَ عَالِماً وَقُوْراً، مُقْرِئاً فَقِيْهاً.
مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ. حَدَّثَنَا عَنْهُ ابْنُهُ أَبُو المعالي.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 271"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 117".(16/214)
5605- ابن صصرى 1:
الشيخ الجليل مُسْنِدُ الشَّام شَمْسُ الدِّيْنِ أَبُو القَاسِمِ الحُسَيْنُ ابنُ أَبِي الغَنَائِمِ هِبَة اللهِ بن مَحْفُوْظ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ بنِ صَصْرَى الرَّبَعِيّ، التَّغْلِبِيّ، الجَزَرِيّ، البَلَدِيّ، الدِّمَشْقِيّ، أَخُو الحَافِظ أَبِي المَوَاهِب.
وُلِدَ سَنَةَ بِضْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَجَدِّهِ، وَجَدِّهِ لأُمِّهِ أَبِي المَكَارِمِ بن هلال، وعبدان ابن رزين،، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ البُنِّ، وَنَصْر بن مُقَاتِل، وأبي طالب بن حيدرة وحمزة بن الحُبُوْبِيِّ، وَحَمْزَة بن كَرُّوْس، وَعَلِيّ بن أَحْمَدَ الحَرَسْتَانِيّ، وَالفَلَكِيّ، وَالصَّائِن وَأَخِيْهِ الحَافِظ، وَحَسَّان بن تَمِيْمٍ، وَعَبْد الوَاحِدِ بن قَزَّةَ، وَعَلِيّ بن عَسَاكِرَ بن سُرُوْر المَقْدِسِيّ، وَعَدَد كَثِيْر. وَسَمِعَ بمكة من: أبي حنيفة بن عُبَيْدِ اللهِ الخَطِيْبيّ، وَبِحَلَبَ مِنْ أَبِي طَالِبٍ ابْن العَجَمِيّ.
وَأَجَاز لَهُ عَلِيُّ ابْنُ الصَّبَّاغِ، وَمُحَمَّد بن السَّلاَّل، وَأَبُو مُحَمَّدٍ سِبْط الخياط، وأحمد ابن الآبُنُوْسِيِّ، وَمُحَمَّد بن طِرَاد، وَأَبُو الفَضْلِ الأُرْمَوِيُّ، وَالفَقِيْه نَصْر اللهِ بن مُحَمَّدٍ المَصِّيْصِيّ، وَخَلْق. وَخَرَّج لَهُ البِرْزَالِيّ "مَشْيَخَة" فِي مُجَلَّد.
حَدَّثَ عَنْهُ الضِّيَاء، وَالقُوْصِيّ، وَالمُنْذِرِيّ، وَالجمَال ابْن الصَّابُوْنِيّ، وَالزَّيْن خَالِد، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ طَرْخَان، وَإِبْرَاهِيْم بن عثمان اللتموني، وَالشَّرَف أَحْمَد بن أَحْمَدَ الفَرَضِيّ، وَالجمَال أَحْمَد بن أَبِي مُحَمَّدٍ المَغَارِيّ، وَالتَّقِيّ ابْن الوَاسِطِيّ وَأَخُوْهُ، وَالتَّقِيّ بن مُؤْمِنٍ، وَالعِزّ بن الفَرَّاءِ، وعبد الحميد بن حوران، وَنَصْر اللهِ بن عَيَّاشٍ، وَأَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، وأبو جعفر ابن الموازيني، وَخَلْق.
تَفقه قَلِيْلاً عَلَى أَبِي سَعْدٍ بنِ عصرُوْنَ.
قَالَ البِرْزَالِيّ: كَانَ يَسْأَل مِنْ غَيْرِ حَاجَة، وَهُوَ مُسْنِد الشَّام فِي زَمَانِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: رُبَّمَا كَانَ يَأْخذ مِنْ آحَاد الأَغنِيَاء عَلَى التّسمِيْع.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ سَلاَّمٍ: كَانَ فِيْهِ شُحٌّ بِالتسمِيْع إلَّا بعرض من الدُّنْيَا، وَهُوَ مِنْ بَيْت حَدِيْثٍ وَأَمَانَةٍ وَصِيَانَة. كَانَ أَخُوْهُ مِنْ عُلَمَاء الحَدِيْث، وَقَرَأْت عَلَيْهِ "عُلُوْم الحَدِيْث" لِلْحَاكِمِ فِي مِيْعَادَيْنِ، وَكَانَ مُتَمَوِّلاً، لَهُ مَال وَأَملاَك، رُزِئَ فِي مَالِهِ مَرَّات.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 272"، وشذرات الذهب "5/ 118، 119".(16/215)
وَقَالَ ابْنُ الحَاجِبِ أَيْضاً: كَانَ صَاحِبَ أُصُوْل، لَيِّن الجَانب، بَهيّاً، سَهْل الانْقِيَادِ، مُوَاظباً عَلَى أَوقَات الصَّلَوَات، مُتَجَنِّباً لِمُخَالَطَة النَّاسِ، وَهُوَ مِنْ رَبِيْعَة الفَرَس.
مَاتَ فِي الثَّالِث وَالعِشْرِيْنَ مِنَ المُحَرَّم سَنَة سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ وَصَلَّى عَلَيْهِ الخَطِيْب الدَّوْلَعِيّ بِالجَامِع، وَالقَاضِي شَمْس الدِّيْنِ الخُوئِيّ بِظَاهِرِ البَلَدِ، وَالتَّاجُ القُرْطُبِيُّ بِمَقبَرَتِهِ بِسَفحِ قَاسِيُوْنَ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ مُحَدِّثُ مِصْرَ عَبْد الوَهَّابِ بن عَتِيقِ بنِ وَرْدَانَ العَامِرِيُّ، وَشَرَف النِّسَاءِ بنت أحمد ابن الآبنوسي، والرشيف البَهَاء الفَضْل بن عَقِيْلٍ العَبَّاسِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي حربٍ النَّرْسِيُّ، وَأَبُو نَصْرٍ المُهَذَّبُ بنُ عَلِيِّ بنِ قُنَيْدَةَ الأَزَجِيُّ، وَالشِّهَابُ يَاقُوْت الحَمَوِيّ الرُّوْمِيّ صَاحِب التَّوَالِيفِ، وَأَبُو البَقَاءِ يَعِيْشُ بنُ عَلِيِّ بنِ يَعِيْشَ ابْنِ القَدِيْم الشِّلْبِيُّ، وَصَاحِب اليَمَن الْملك المَسْعُوْد أقسيس ابن الكامل.(16/216)
5606- زين الأمناء 1:
الشيخ العالم الجلي المسند العابد الخبر زين الأمناء أبو البركات الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَسَاكِرَ الدِّمَشْقِيّ، الشَّافِعِيّ.
وُلِدَ فِي سَلْخِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي العشَائِر مُحَمَّد بن الخَلِيْلِ القَيْسِيّ فِي الخَامِسَة، وأبي المظفر الفلكي، وعبد الرحمن بن أَبِي الحَسَنِ الدَّارَانِيّ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ الأَسَدِيّ، وَعَبْد الوَاحِدِ بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ القُزَّةِ، وَالخَضِر بن عَبْدِ الحَارِثِيّ، وَإِبْرَاهِيْم بن الحَسَنِ الحصنِيّ، وَعَلِيّ بن أَحْمَدَ بنِ مُقَاتِل السُّوْسِيّ، وَمُحَمَّد بن أَسْعَد العِرَاقِيّ، وَحَسَّان بن تَمِيْم الزَّيَّات، وَأَبِي النَّجِيْبِ السُّهْرَوَرْدِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ حَمْزَةَ ابْن المَوَازِيْنِيِّ، وَعَلِيّ بن مَهْدِيٍّ الهِلاَلِي، وَمُحَمَّد بن بَرَكَةَ الصِّلْحِيّ، وَالحَسَن بن عَلِيٍّ البَطَلْيَوْسِيّ، وَعَبْد الرَّشِيْد بن عَبْدِ الجَبَّارِ الخُوَارِيّ، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ الكُشْمِيْهَنِيّ، وَأَخِيْهِ؛ مَحْمُوْد، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: الإِمَام عِزّ الدِّيْنِ ابْن الأَثِيْرِ، وَكَمَال الدِّيْنِ ابْن العَدِيْم، وَابْنه؛ أَبُو المَجْدِ، وَزَكِيّ الدِّيْنِ المُنْذِرِيّ، وَالزَّيْن خَالِد، وَالشَّرَفُ ابْنُ النَّابُلُسِيِّ، وَالجمَال ابْن الصَّابُوْنِيّ، وَالشَّمْس ابْن الكَمَال، وَسَعْد الخَيْر بن أَبِي القَاسِمِ وَأَخُوْهُ؛ نَصْر اللهِ، والعماد عبد الحافظ
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 273"، وشذرات الذهب "5/ 123".(16/216)
النَّابُلُسِيُّون، وَالشِّهَاب الأَبَرْقُوْهِيّ، وَالشَّرَف ابْن عَسَاكِرَ، وَأَمِيْن الدين أبو اليمن حفيده، وآخرون.
وَكَانَ شَيْخاً جَلِيْلاً، نبيلاً، عَابِداً سَاجِداً، مُتَأَلِّهاً، حَسنَ السّمت، كيِّس المحَاضَرَة، مِنْ سروَات البَلَد. تفق عَلَى جَمَال الأَئِمَّة عَلِيّ بن المَاسحِ، وَتَلاَ بِحرفِ ابْن عَامِرٍ عَلَى أَبِي القَاسِمِ العُمَرِيّ وَتَأَدَّب عَلَى عَلِيِّ بنِ عُثْمَانَ السُّلَمِيّ، وَوَلِيَ نَظَرَ الخزَانَة، وَنظرَ الأَوقَافِ، وَأَقْبَلَ عَلَى شَأْنِه، وَكَانَ كَثِيْرَ الصَّلاَةِ، حَتَّى إِنَّهُ لُقِّب بِالسَّجَّاد، وَلَقَدْ بَالغ ابْن الحَاجِب فِي تَقرِيظه بِأَشيَاء تَركتُهَا، وَلأَنَّ ابْن المَجْدِ ضَرَبَ عَلَى بَعْضهَا.
وقال السيف بن المَجْدِ: سَمِعْنَا مِنْهُ، إلَّا أَنَّهُ كَانَ كَثِيْرَ الالتفَات فِي الصَّلاَةِ، وَيُقَالُ: كَانَ يُشَارِي فِي الصَّلاَةِ وَيُشِيْر بِيَدِهِ لِمَنْ يَبتَاع مِنْهُ.
وَقَالَ البِرْزَالِيّ: ثِقَةٌ، نبيلٌ، كَرِيْمٌ، صَيِّنٌ.
مَاتَ زَين الأُمَنَاءِ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي سحر يَوْمَ الجُمُعَةِ، سَادِسَ عَشَرَ صَفَرٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَشيَّعه الخلقُ، وَدُفن إِلَى جَانب أَخِيْهِ المفتي فخر الدين عبد الرحمن، وَطَاب الثّنَاء عَلَيْهِ، وَقِيْلَ: أَصَابته زَمَانَةٌ فِي الآخِرِ، فَكَانَ يُحْمَلُ فِي مِحَفَّةٍ إِلَى الجَامِع وَإِلَى دَارِ الحَدِيْثِ النُّورِيَّة، فَيُسَمِّع، وَعَاشَ ثَلاَثاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
قَالَ القُوْصِيّ: سَمِعْتُ مِنْهُ "سُنَن الدَّارَقُطْنِيّ".
قُلْتُ: قَدْ حَدَّثَ بِهِ عَنِ الضِّيَاء بن هِبَةِ اللهِ بنِ عَسَاكِرَ عَمِّه.
وَفِيْهَا مات عبد الرحمن بن عَتِيق بن صِيْلاَ، وَعَبْد السَّلاَم بن عبد الرحمن بن عَلِيِّ بنِ سُكَيْنَة، وَأَبُو زَيْد عَبْد الرحمن بن يَخلَقِيْنَ بن أَحْمَدَ الفَازَازِيُّ القُرْطُبِيّ، وَأَبُو المَعَالِي مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ بنِ شافع الجيلي البَغْدَادِيّ، وَفَخْر الدِّيْنِ مُحَمَّد بن عَبْدِ الوَهَّابِ ابْن الشِّيْرَجِيّ الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو غَانِم مُحَمَّد بن هِبَةِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ العَدِيْم العُقَيْلِيُّ، وَأَبُو الفَتْحِ نَصْر بن جرْو السَّعْدِيّ الحَنَفِيّ.(16/217)
5607- عمر بن بدر 1:
ابن سعيد، الإِمَامُ المُحَدِّثُ المُفِيْدُ الفَقِيْهُ أَبُو حَفْصٍ الكُرْدِيّ المَوْصِلِيّ الحَنَفِيّ ضِيَاء الدِّيْنِ.
سَمِعَ مِنْ: عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ كُلَيْبٍ، وَمُحَمَّد بن المُبَارَكِ ابْن الحَلاَوِيّ، وَأَبِي الفَرَجِ ابْن الجَوْزِيِّ وَطَبَقَتِهِم. وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ، وَحَدَّثَ بِحَلَبَ وَدِمَشْق.
رَوَى عَنْهُ: الشِّهَاب القُوْصِيّ، وَالفَخْر ابْن البُخَارِيِّ، وَمَجْد الدِّيْنِ ابْن العَدِيْمِ وَأُخْته شُهْدَةُ، فَكَانَتْ آخِرَ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ. وَقَدْ حَدَّثَ أَيْضاً بِبَيْتِ المَقْدِس. وَلَهُ تَوَالِيفُ مُفِيْدَةٌ، وَعَمَلٌ فِي هَذَا الفنِّ، عَاشَ نَيِّفاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، بِالبيمَارستَان النُّوْرِيّ بِدِمَشْقَ.
لَمْ يَرْوِ لَنَا عَنْهُ سِوَى شُهْدَةُ بِنْت العَدِيْم.
أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ بِنْتُ عُمَر الكَاتِبَة، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ بَدْرٍ قِرَاءةً عَلَيْهِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ وَأَنَا حَاضِرَة قَالَ: قرأت على عبد المنعم بن كُلَيْب، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ إِمْلاَءً، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ سَالِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى سكَّةَ الحَرْثِ فَقَالَ: "لاَ تَدْخُلُ هَذِهِ عَلَى قَوْمٍ إلَّا أَذَلَّهُمُ اللهُ". أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، عَنِ ابْنِ يُوْسُفَ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: النَّاصِر لِدِيْنِ الله، والشرف أحمد بن الكَمَالِ مُوْسَى بن يُوْنُسَ المَوْصِلِيّ شَارح "التَّنْبِيْهِ"، وإبراهيم بن عبد الرحمن القَطِيْعِيّ، وَالمُحَدِّث إِبْرَاهِيْم بن عُثْمَانَ بنِ دِرْبَاسٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُظَفَّر البَرْنِيُّ، وَالأَمِيْر مَجْد الدِّيْنِ جَعْفَر ابْن شَمْسِ الخِلاَفَةِ، وَالحُسَيْن بن عمر بن بار المَوْصِلِيّ، وَظَفَرُ بنُ سَالِمٍ ابْن البَيْطَار، وَالوَزِيْر صفي الدين عبد الله بن علي بن شكر الدَّمِيْرِيّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ عَبْد اللهِ بن نَصْرِ بن شَرِيْف الرّحبَة، وَعَبْد السَّلاَمِ العَبَرْتِيّ الخَطِيْب، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَرِيْقٍ البَلَنْسِيُّ أَحَد الشُّعَرَاءِ، وَعَلِيُّ بنُ البَنَّاءِ المكي، وقاضي مصر زين الدين علي ابن يُوْسُفَ الدِّمَشْقِيُّ، وَالأَفْضَلُ عَلِيُّ بنُ صَلاَحِ الدِّيْنِ، وَالفَخْرُ الفَارِسِيُّ، وَالمَجْدُ القَزْوِيْنِيُّ، وَالفَخْرُ بنُ تَيْمِيَةَ، والنفس بن جبارة، والزكي بن رواحة واقف الراحية، وَيَعِيْشُ بنُ الحَارِثِ الأَنْبَارِيُّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ زرقون شيخ المالكية.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب "5/ 101".(16/218)
5608- ابن تيمية 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ المُفْتِي المُفَسِّرُ الخَطِيْبُ البَارِعُ عالم حران وخطيبا وَوَاعِظُهَا، فَخْرُ الدِّيْنِ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ الخَضِرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الخَضِرِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ ابْن تَيْمِيَةَ الحَرَّانِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، صَاحِبُ "الدِّيْوَانِ"، الخُطَبِ، وَ"التَّفْسِيْر الكَبِيْر".
وُلِدَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ، بِحَرَّانَ، وَتَفَقَّهَ عَلَى أَحْمَدَ بنِ أَبِي الوَفَاء، وَحَامِد بن أَبِي الْحجر، وَتَفَقَّهَ بِبَغْدَادَ عَلَى: نَاصِح الإِسْلاَم ابْن المَنِّيِّ، وَأَحْمَد بن بَكْروس، وَبَرَعَ فِي المَذْهَب، وَسَاد. وَأَخَذَ العَرَبِيَّة عَنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ ابْنِ الخَشَّابِ، وَسَمِعَ الحَدِيْث مِنْ: أبي بن البطي، ويحيى ابن ثَابِتٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ النَّقُّوْرِ، وَسَعْدِ اللهِ ابْنِ الدَّجَاجِيِّ، وَجَعْفَرِ ابْنِ الدَّامَغَانِيِّ، وَشُهْدَةَ، وَجَمَاعَةٍ. وَصَنَّفَ "مُخْتَصَراً" فِي المَذْهَب، وَلَهُ النّظم وَالنَّثْر.
قِيْلَ: إِنَّ جدَّه حَجَّ عَلَى دربِ تَيْمَاءَ، فَرَأَى هُنَاكَ طِفْلَةً، فَلَمَّا رَجَعَ، وَجدَ امْرَأَتَه قَدْ وَلَدَتْ لَهُ بِنْتاً، فَقَالَ: يَا تَيْمِيَةُ! يَا تَيْمِيَةُ! فَلقِّبَ بِذَلِكَ.
وَأَمَّا ابْن النَّجَّارِ، فَقَالَ: ذكرَ لَنَا أَنَّ جَدَّه مُحَمَّداً كَانَتْ أُمُّهُ تُسَمَّى تَيْمِيَةَ، وَكَانَتْ وَاعِظَةً.
نَعَمْ، وَسَمِعَ الشَّيْخ فَخْرُ الدِّيْنِ بِحَرَّانَ مِنْ أَبِي النَّجِيْب السهروردي، قدم عليهم.
حَدَّثَ عَنْهُ: الشِّهَاب القُوْصِيّ، وَقَالَ: قَرَأْت عَلَيْهِ خطبه بِحَرَّانَ. وَرَوَى عَنْهُ: ابْنُ أَخِيْهِ؛ الإِمَام مجد الدين، والجمال يحيى ابن الصَّيْرَفِيّ، وَعَبْد اللهِ بن أَبِي العِزّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ إِلَيَاس الرَّسْعَنِيّ، وَالسَّيْف بن مَحْفُوْظ، وَأَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَالرَّشِيْد الفَارِقِيّ، وَجَمَاعَة.
تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، له ثَمَانُوْنَ سَنَةً. وَكَانَ صَاحِبَ فُنُوْنٍ وَجَلاَلَةٍ بِبَلَدِهِ، سمعت من طريقه "جزء البانياسي".
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 657"، والنجوم الزاهرة "6/ 262، 263"، وشذرات الذهب "5/ 102، 103".(16/218)
5609- ابن درباس:
الإِمَامُ المُحَدِّثُ جَلاَل الدِّيْنِ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُثْمَانَ بنِ عِيْسَى بنِ دِرْبَاسٍ المَارَانِيُّ، الكُرْدِيُّ، المِصْرِيُّ.
أَجَاز لَهُ السِّلَفِيُّ. وَسَمِعَ: فَاطِمَة بِنْت سَعْدِ الخَيْرِ، وَالأَرْتَاحِيّ، وَابْن طَبَرْزَدَ، وَالمُؤَيَّد الطُّوْسِيّ، وَأَبَا روح، وَزَيْنَب الشَّعْرِيَّة، وَخَلْقاً، وَكَتَبَ الكَثِيْر.
رَوَى عَنْهُ: الحَافِظ عَبْد العَظِيْمِ، وَغَيْرهُ، وَكَانَ عَارِفاً بِمَذْهَب الشَّافِعِيّ، تَفَقَّهَ بِأَبِيْهِ، وَكَانَ خَيِّراً، صَالِحاً، زَاهِداً، قَانِعاً، مُقلاًّ، مُقْبِلاً عَلَى شَأْنه.
تُوُفِّيَ بَيْنَ الهِنْد وَاليَمَن، سَنَة اثْنَتَيْنِ وعشرين وست مائة، وله خمسون سنة.
وكان:(16/219)
أبوه، عمه، ابن النرسي:
5610- أَبُوْهُ 1:
الشَّيْخُ ضِيَاءُ الدِّيْنِ مِنْ كِبَارِ الشَّافِعِيَّةِ، تَفَقَّهَ بِإِرْبِلَ عَلَى الخَضِرِ بنِ عَقِيْلٍ، وَبِدِمَشْقَ عَلَى ابْنِ أَبِي عَصْرُوْنَ، وَشَرَحَ "المُهَذَّبَ" فِي عِشْرِيْنَ مُجَلَّداً، وَشَرحَ "اللُّمَعَ" فِي الأُصُوْلِ فِي مُجَلَّدَيْنِ. وَنَاب عَنْ أَخِيْهِ فِي القَضَاءِ، مَاتَ في سنة اثنتين وست مائة.
5611- عمه 2:
قَاضِي الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ صَدْرُ الدِّيْنِ أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ المَلِكِ، وُلِدَ بِأَرَاضِي المَوْصِلِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ، تَفَقَّهَ بِحَلَبَ عَلَى أَبِي الحسن المرادي، وسمع بدمشق من لأبي القَاسِمِ بنِ البُنِّ، وَبِمِصْرَ مِنْ عَلِيِّ ابْنِ بِنْت أَبِي سَعْدٍ الزَّاهِدِ، وَكَانَ صَالِحاً، مِنْ خيَار القُضَاة، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
5612- ابن النرسي 3:
الشَّيْخُ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أبي حرب بن عبد الصمد ابن النَّرْسِيّ الأَدِيْب، أَحَد الشُّعَرَاء، بِبَغْدَادَ.
وُلِدَ سَنَةَ 544، وَسَمِعَ الأَوّل مِنْ حَدِيْثِ ابْن زُنْبُوْر الوَرَّاق، من أبي محمد بن المَادِحِ: أَخْبَرَنَا الزَّيْنَبِيّ عَنْهُ. وَالثَّانِي مِنْ حَدِيْثِ ابْن صَاعِد بِالإِسْنَادِ. وَسَمِعَ مِنْ هِبَة اللهِ ابْن الشِّبْلِيّ، وَأَبِي الفَتْحِ ابْن البَطِّيِّ، فَسَمِعَ مِنِ ابْنِ البَطِّيِّ "مُسْنَدَ حُمَيْد" عَنْ أَنَسٍ، لأَبِي بَكْرٍ الشَّافِعِيّ، وَكِتَابَ "الاسْتيعَاب" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ عَنِ الحُمَيْدِيّ، إِجَازَةً عَنِ المُؤلف؛ أَجَازَهُ بِفَوْت. وَسَمِعَ مِنْ صَالِحِ بنِ الرّخلَة، وَتركنَاز بِنْت الدَّامَغَانِيّ رَابع "المَحَامِلِيَّات"، بِسَمَاعِهِمَا مِنَ النِّعَالِيّ.
رَوَى عَنْهُ ابْن الدُّبَيْثِيِّ، وَالجمَال ابْن الصَّيْرَفِيّ، وَالتَّقِيّ ابْن الوَاسِطِيّ. وَبِالإِجَازَةِ: فَاطِمَة بِنْت سُلَيْمَان، وَطَائِفَة. وَكَانَ كَاتِباً سَيِّئَ التَّصرُّفِ، ظَرِيفاً، نَدِيْماً.
مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وست مائة.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 410"، وشذرات الذهب "5/ 7".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 196".
3 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 273"، وشذرات الذهب "5/ 119".(16/220)
ابن النرسي، الهمذاني:
5613- ابن النرسي:
الشَّيْخُ العَالِمُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّطِيْف بنُ المُبَارَكِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ هِبَة اللهِ النَّرْسِيُّ، البَغْدَادِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
رَوَى عَنْ أَبِي الوَقْتِ السِّجْزِيِّ وَغَيْرِهِ بِالأَنْدَلُسِ، وَلَهُ تَوَالِيف فِي التصريف، وَرَوَى كتباً كَثِيْرَة عَنْ مُصَنّفهَا ابْن الجَوْزِيِّ، ضَعَّفه مُحَمَّد بن سَعِيْدٍ الطّرَاز الأَنْدَلُسِيّ، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ بنُ مَسْدِيّ فَرَوَى عَنْهُ وَقَالَ: رَأَيْتُ "ثَبته" وَعَلَيْهِ خطّ أَبِي الوَقْت. وَسَمِعَ أَيْضاً مِنِ: ابْنِ البَطِّيِّ، وَلَبِسَ مِنَ الشَّيْخ عَبْد القَادِرِ. قَدِمَ غَرْنَاطَة، وَأَدخل البِلاَد تَوَالِيف لابْنِ الجَوْزِيّ، تَحَامِل عَلَيْهِ ابْن الرومِيَّة، وَلَيْسَ لأَبِي مُحَمَّدٍ فِي بَاب الرِّوَايَة كَبِيْر عنَايَة.
وَمَاتَ بِمَرَّاكُش، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ، وَلَهُ نَيِّفٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: وَادَّعَى أَنَّهُ هَاشِمِيّ.
5614- الهَمَذَانِيُّ:
العَلاَّمَةُ المُفْتِي الخَطِيْب أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدٍ الهَمَذَانِيّ.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ، وَسَمِعَ مِنْ: أَحْمَد بن سَعْدٍ البيع، وَأَبِي الوَقْت عَبْد الأَوَّل. وَقَدِمَ بَغْدَادَ، وَبَرَعَ فِي المَذْهَب -مَذْهَب الشَّافِعِيّ- عَلَى أَبِي الخَيْرِ القَزْوِيْنِيّ، وَأَبِي طَالِبٍ صَاحِب ابْنِ الخَلِّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: بَرَعَ فِي المَذْهَب، وَأَفتَى. وكان متقشفًا على منهاج السلف.
قُلْتُ: كَانَ بَصِيْراً بِالمَذْهَبِ وَالخلاَف وَأُصُوْل الفِقْه، مُتَأَلِّهاً.
رَوَى عَنْهُ: ابْن النَّجَّارِ، وَعَلِيّ بن الأَخْضَر، وَالجمَال يَحْيَى بن الصَّيْرَفِيّ؛ سَمِعُوا مِنْهُ "جُزءَ عَلِيِّ بنِ حَرْبٍ" رِوَايَةَ العَبَّادَانِيِّ بِسَمَاعِهِ مِنْ أَحْمَدَ بنِ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيْرَازِيّ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ ابْن شَاذَانَ. وَقَدْ خطبَ بِبَعْض أَعْمَال هَمَذَان.
تُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.(16/221)
ابن شكر، ابن حريق:
5615- ابن شكر 1:
الوَزِيْر الكَبِيْر صَفِيُّ الدِّيْنِ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ حُسَيْنٍ الشَّيْبِيّ، الدَّمِيْرِيُّ، المَالِكِيُّ، ابْنُ شُكْرٍ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ. وَتَفَقَّهَ، وَسَمِعَ بِالثَّغْرِ يَسيراً: مِنَ السِّلَفِيِّ، وَابْن عَوْف، وَجَمَاعَة. وَتَفَقَّهَ: بِمَخْلُوْف بن جَارَة.
رَوَى عَنْهُ: المُنْذِرِيّ، وَالقُوْصِيّ، وَأَثنَيَا عَلَيْهِ بِالبر وَالإِيثَار وَالتفقد لِلْعُلَمَاء وَالصُّلَحَاء. أَنشَأَ بِالقَاهِرَةِ مَدْرَسَة، وَوزر، وَعظم، ثُمَّ غضب عَلَيْهِ العَادل، وَنَفَاهُ، فَبقِي بِآمِدَ، فَلَمَّا توفي العادل، أقدمه الكامل.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: كَانَ خليقاً لِلوزَارَة، لَمْ يَلهَا بَعْدَهُ مِثْله، وَكَانَ مُتَوَاضِعاً يُسلِّم عَلَى النَّاسِ وَهُوَ رَاكِب، وَيُكرم العُلَمَاء.
قَالَ القُوْصِيّ: هُوَ كَانَ السَّبَب فِيمَا وَليته وَأَوليته، أَنْشَأَنِي وَأَنسَانِي الوَطَن، وَعَمَّرَ جَامِعَ المِزَّةَ، وَجَامِعَ حَرَسْتَا، وَبَلَّطَ جَامِعَ دِمَشْقَ، وَأَنْشَأَ الفَوَّارَة، وَبَنَى المصلَى.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّطِيْف: هُوَ دري اللَّوْنِ، طلق المحيَا، طُوَال، حُلْو اللِّسَان، ذُو دَهَاء فِي هوج، وَخبث فِي طَيْش مَعَ رعونَة مفرطَة وَحقد، يَنْتقم وَلاَ يَقبل مَعْذِرَة اسْتولَى عَلَى العَادل جِدّاً، قرب أَرَاذل كَالجمَال المِصْرِيّ وَالمَجْد البَهْنَسِيّ، فَكَانُوا يُوهِمُونه أَنَّهُ أَكْتَبُ مِنَ القَاضِي الفَاضِل وَابْن العَمِيد، وَفِي الفِقْه كَمَالِكٍ، وَفِي الشّعرِ أَكمل مِنَ المُتَنَبِّي، وَيَحلِفُوْنَ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ يظْهر أَمَانَة مُفرطَةً، فَإِذَا لاَح لَهُ مَال عَظِيْم احتجَنَهُ، إِلَى أَن ذَكَرَ أَنَّ لهمن القُرَى مَا يغل أَزْيَد مِنْ مائَة أَلْف دِيْنَار، وَقَدْ نُفِي ثُمَّ اسْتوزره الكَامِل، وَقَدْ عَمِيَ فَصَادر النَّاس، وَكَانَ يَقُوْلُ: أَتَحَسَّرُ أَنَّ ابْنَ البَيْسَانِيِّ مَا تَمرَّغَ عَلَى عتبتِي -يَعْنِي: القَاضِي الفَاضِل، وَرُبَّمَا مَرَّ بِحَضْرَةِ ابْنِهِ وَكَانَ مُعجَباً تَيَّاهاً.
مَاتَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، عفَا الله عَنْهُ.
5616- ابْنُ حريق:
فَحلُ الشُّعَرَاءِ العَلاَّمَةُ اللُّغَوِيّ النَّحْوِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بن حَرِيْق المَخْزُوْمِيّ، البَلَنْسِيّ.
قَالَ الأَبَّارُ: هُوَ شَاعِرُ بَلَنْسِيَةَ، مُسْتبحر فِي الْآدَاب وَاللغَات، حَافِظ لأَشعَار الْعَرَب وَأَيَّامهَا، شَاعِر مُفلق، "دِيْوَانه" مُجلَّدَانِ.
مَاتَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ، عَنْ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
قَالَ ابْنُ مَسْدِيّ: كَانَ إِن نَظم أَعجز وَأَبدع، وَإِن نثر أوجز وأبلغ، سمعت من تواليفه.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 263"، وشذرات الذهب "5/ 100".(16/222)
القاضي، ابن نورنداز:
5617- القاضي 1:
قَاضِي الدِّيَار المِصْرِيَّةِ زَيْنُ الدِّيْنِ أَبُو الحَسَنِ علي بن يوسف بن عبد الله ابن بُنْدَار الدِّمَشْقِيّ، ثُمَّ البَغْدَادِيّ، رَاوِي "مُسْنَد الشَّافِعِيّ" عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بن طَاهِر.
تَفقه عَلَى أَبِيْهِ، وَتَمَيَّزَ فِي المَذْهَب.
رَوَى عَنْهُ: الزَّكِيَّانِ: البِرْزَالِيّ وَالمُنْذِرِيّ، وَابْنه أَحْمَد، وَأَخْبَرَنَا عَنْهُ: الأَبَرْقُوْهِيّ.
مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وست مائة، بِالقَاهِرَةِ، وَلَهُ اثْنَتَانِ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
5618- ابْنُ بُوْرندَازَ 2:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ المُسْنِدُ الحَاجِب أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ النَّفِيْس بن بُوْرندَازَ بن حُسَامٍ البَغْدَادِيّ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ من: أبي محمد بن المَادِحِ، وَأَبِي المُظَفَّرِ بن التُّرَيْكِيّ، وَمَحْمُوْد فُورجه، وَأَبِي الوَقْت السِّجْزِيّ، وَعُمَر بن عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيّ، وَأَبِي المَعَالِي ابْن اللَّحَّاس، وَابْن البَطِّيِّ وَجَمَاعَة، وَخَرَّج لَهُ مَشْيَخَة وَلده المُحَدِّثُ المُفِيْد عَبْد اللَّطِيْفِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيّ، وَالسَّيْف ابْن المَجْدِ، وَالتَّقِيّ ابْن الوَاسِطِيّ، وَالشَّمْس ابْن الزَّيْنِ، وَعَبْد الرَّحِيْمِ ابْن الزجَاج، وَمُحَمَّد بن المُريح النَّجَّار. وَبِالإِجَازَةِ: أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ ابْن الوَاسِطِيّ.
تُوُفِّيَ فِي السَّابِع وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قال ابن النجار: هو من أولاد، حفظ القرآن، وتفقه لأَحْمَدَ، وَصَحِبَ مَكِّيّ بن الغَرَّاد، وَبإِفَادته سَمِعَ، قَالَ: وَكَانَ مُتَدَيِّناً، صَالِحاً، مُنْقَطِعاً عَنِ النَّاس، كَثِيْر العِبَادَة، حَسَن السّمت، دُفِنَ بِمَقْبَرَة بَاب حَرْب، رَحِمَهُ اللهُ.
وَفِيْهَا مَاتَ: العَلاَّمَة شَمْس الدِّيْنِ أَحْمَد بن عَبْدِ الوَاحِدِ المَقْدِسِيّ المُلَقَّب بِالبُخَارِيّ، وَالمُحَدِّث رَفِيْع الدِّيْنِ إِسْحَاق وَالِد الأَبَرْقُوْهِيّ، وَالتَّقِيّ خزعل بن عَسْكَر النَّحْوِيّ بِدِمَشْقَ، وَأَبُو محمد ابن الأُسْتَاذ، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن أَبِي العِزّ ابْن الخَبَّازَة البَغْدَادِيّ، وَشَيْخ الشَّافِعِيَّة إِمَام الدِّيْنِ عَبْد الكَرِيْمِ الرَّافِعِيّ، وَشبل الدَّوْلَة كَافُوْر وَاقف الشِّبليَّةِ، وَالظَّاهِر بِأَمْرِ اللهِ، وَابْن أَبِي لُقْمَةَ، وَمُحَمَّد بن عُمَرَ بنِ خَلِيْفَةَ الحَرْبِيُّ، وَأَبُو المَحَاسِنِ المراتبي، والمبارك بن أبي الجود، وقاضي دِمَشْق الجمَال يُوْنُس بن بَدْرَانَ الشَّيْبِيّ المِصْرِيّ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 263"، وشذرات الذهب "5/ 101".
2 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 109".(16/223)
5619- ابن لقمة 1:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ المُعَمَّر الصَّالِح بَقِيَّة السَّلَف أَبُو المَحَاسِنِ مُحَمَّدُ بنُ السَّيِّدِ بن فَارِس بن سَعْدِ بنِ حَمْزَةَ ابْن أَبِي لُقْمَةَ الأَنْصَارِيّ الدِّمَشْقِيّ الصَّفَّار النَّحَاس.
مَوْلِدُهُ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَبعدهَا مِنَ: الفَقِيْه أَبِي الفَتْحِ نَصْرُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ المَصِّيْصِيُّ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ طاووس المقرئ، والقاضي المنتخب أبي المعالي محمد بن علي القرشي، وعبدان ابن رزين الملقن، والبهجة علي ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصُّوْرِيُّ، وَأَبِي القَاسِمِ الخَضِرِ بنِ عبدان الأزدي، ونصر ابن أَحْمَدَ بنِ مُقَاتِلٍ، وَتَفَرَّدَ فِي وَقْتِهِ.
وَأَجَاز لَهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ ابْنُ السَّلاَّلِ، وَعَلِيُّ بن الصَّبَّاغِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ سِبْط الخَيَّاط، وَأَبُو الفَضْلِ الأُرْمَوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الطَّرَائِفِيُّ، وَأَبُو الفَتْحِ الكَرُوْخِيّ، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: البَهَاءُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَالضِّيَاء مُحَمَّد، وَالسَّيْف ابْن المَجْدِ، وَالزَّكِيّ البِرْزَالِيّ، وَأَحْمَد بن يُوْسُفَ الفَاضِلِي، وَالشَّمْس ابْن الكَمَال، وَالتَّقِيّ ابْن الوَاسِطِيّ، وَأَخُوْهُ مُحَمَّد، وَالعِزّ ابْن الفَرَّاء، وَالعِزّ ابْن العِمَاد، وَالتَّقِيّ بن مُؤْمِنٍ، وَالخَضِر بن عَبْدَان، -وَجَدْنَا سَمَاعه مِنْهُ- وَأَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ.
قَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: كَانَ رَجُلاً صَالِحاً، كَثِيْر الخَيْرِ وَالتِّلاَوَة، رطب اللِّسَان بِالذّكر، مُحِبّاً لِلطَّلبَة، كَرِيْم النَّفْس، وَمُتِّعَ بِحَوَاسِّه، ثُمَّ انْحَطَمَ لِمَوْتِ ابْنِهِ، وَأُقعد وَثَقُلَ سَمْعُهُ قَلِيْلاً، وَكَانَ بِالمِزَّةِ.
مَاتَ فِي ثَالِثِ رَبِيْع الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَمَاتَ أَخُوْهُ أَبُو يَعْلَى حَمْزَةَ بنِ أَبِي لُقْمَةَ الفَقِيْه فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ، مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ، كَانَ الأَصْغَرَ، رَوَى عَنْهُ: الزَّكِيّ البِرْزَالِيّ، وَمُحَمَّد وَعُمَر ابْنَا القَوَّاس، حَدَّثَ عَنِ: الخضر بن عبدان، وغيره.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 266"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 110".(16/224)
ابن شمس الخلافة، اللبلي:
5620- ابن شمس الخلافة 1:
الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ مَجْدُ المُلْكِ أَبُو الفَضْلِ جَعْفَرُ ابْن شَمْس الخِلاَفَة أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ مُخْتَارٍ الأَفْضَلِيُّ، المِصْرِيّ، القُوْصِيّ، سَيِّد الشُّعَرَاء.
وُلِدَ فِي المُحَرَّم، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَكَانَ ذَكِيّاً، أَدِيباً، بَارِعاً، بَدِيْع الكِتَابَة، وَلَهُ "دِيْوَان"، وَتَصَانِيف، وَامْتَدَح الكِبَار.
رَوَى عَنْهُ: القُوْصِيّ وَالمُنْذِرِيّ فِي مُعْجَمَيْهِمَا.
وَقِيْلَ: بَلْ هُوَ جَعْفَر بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَلِيٍّ، وَخدم مَعَ السُّلْطَان صَلاَحِ الدِّيْنِ أَمِيْراً، ثُمَّ مَعَ ابْنِهِ العَزِيْزِ، ثُمَّ خدم بِحَلَبَ مَعَ الظَّاهِرِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِصْرَ، وَلَهُ هَجْو فِي العَادل وَفِي القَاضِي الفَاضِل. ثُمَّ قَالَ ابْن الشَّعَّارِ: مَاتَ سَنَةَ عشر، فَغَلِطَ، بَلْ قَالَ المُنْذِرِيّ: مَاتَ فِي المحرم، سنة اثنتين وعشرين وست مائة.
5621- اللبلي 2:
الإِمَامُ المُحَدِّثُ مُحِبّ الدِّيْنِ أَحْمَدَ بن تَمِيْم بن هِشَامِ بنِ حَيُّوْنَ البَهْرَانِيّ اللَّبْلِيّ.
وُلِدَ بِلَبْلَةَ مِنْ قرَى إِشْبِيْلِيَة سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ.
وَرَوَى عَنْ: أَبِيْهِ وَابْن الجَدِّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ زَرْقُوْنَ، وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنِ: ابْنِ طَبَرْزَذَ، وَبِهَرَاةَ مِنْ: أَبِي رَوْح، وَبِنَيْسَابُوْرَ مِنَ: المُؤَيَّد، وَزَيْنَب الشَّعْرِيَّة.
وَعُنِي بِالرِّوَايَة، وَكَتَبَ الكَثِيْر، وَتَفَقَّهَ لِلشَّافِعِيِّ. وَقِيْلَ: كَانَ ظَاهِرِياً.
رَوَى عَنْهُ: مَجْد الدِّيْنِ ابْن العَدِيْم، وَتَاج الدِّيْنِ عَبْد الخَالِقِ.
مَاتَ بِدِمَشْقَ، سَنَة خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائة.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب "5/ 100".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 270"، وشذرات الذهب "5/ 116".(16/225)
ابن شيث، السنجاري:
5622- ابن شيث 1:
العَلاَّمَةُ المنشِئُ البَلِيْغُ جَمَال الدِّيْنِ عَبْد الرَّحِيْمِ بن عَلِيِّ بنِ حُسَيْنِ بنِ شِيث القُرَشِيُّ، الأموي، الأشنائي، القوصي، كاتب السر للمعظم.
وُلِدَ سَنَةَ 557. وَتَفنن فِي الآدَاب بِقُوْص مَعَ الدِّيْنِ وَالوَرَع وَالبَاع الأَطول فِي النّظم وَالنَّثْر، وَحسن التَّأْلِيْف وَالرصف. وَلِي الدِّيْوَان بِقُوْص، ثُمَّ الثَّغْر، ثُمَّ القُدْس، ثُمَّ كتب لِصَاحِب مِصْر. وَكَانَ قَاضِياً لِحوَائِج النَّاس، كيِّساً كَبِيْرَ القَدْرِ.
أَنْشَدَنِي رَشِيدٌ الأَدِيْب، أَنْشَدَنَا الشِّهَاب القُوْصِيّ، قَالَ: أَنْشَدَنَا الوَزِيْر جَمَال الدِّيْنِ ابْن شِيْث لِنَفْسِهِ:
كُنْ مَعَ الدَّهْرِ كَيْفَ قَلَّبَكَ الدَّهْـ ... ـرُ بِقَلْبٍ رَاضٍ وَصَدْرٍ رَحِيبِ
وَتَيَقَّنْ أَنَّ اللَّيَالِي سَتَأْتِي ... كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِعَجِيبِ
مَاتَ فِي المُحَرَّم، سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
5623- السِّنْجَارِيُّ 2:
أَبُو السَّعَادَاتِ أَسَعْد بن يَحْيَى بنِ مُوْسَى السُّلَمِيّ السِّنْجَارِي الشَّافِعِيّ المنَاظر.
شَاعِر مُحسِنٌ، لَهُ "دِيْوَان". مدح المُلُوْكَ وَالكِبَارَ، وَطَافَ البِلاَدَ، وَهُوَ القَائِلُ:
للهِ أَيَّامِي عَلَى رَامَةٍ ... وَطِيبُ أَوْقَاتِي على حاجر
تكاد للسرعة فيمرها ... أولها يعثلا بالآخر
وَقَالَ فِي أُمِّ الخبَائِثِ:
كَادَتْ تَطِيْرُ وَقَدْ طِرْنَا بِهَا طَرَباً ... لَوْلاَ الشِّبَاكُ الَّتِي صِيْغَتْ مِنَ الحَبَبِ
مَاتَ بِسِنْجَارَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ نَيِّف وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، سَامَحَهُ الله.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 270"، وشذرات الذهب "5/ 117".
2 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "1/ ترجمة 92"، وشذرات الذهب "5/ 104".(16/226)
ابن الأستاذ، الداهري:
5624- ابن الأستاذ 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ المُحَدِّثُ الزَّاهِدُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُلْوَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ ابْن الأُسْتَاذِ الأَسَدِيّ، الحَلَبِيّ.
وُلِدَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ بِبلده مِنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدِ الأَشِيْرِيّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ يَاسِرٍ الجَيَّانِيّ، وعبد الله بن محمد النوقاتي، وَأَبِي حَامِد مُحَمَّد بن عَبْدِ الرَّحِيْمِ الغَرْنَاطِي، وَأَبِي طَالِبٍ ابْن العَجَمِيّ، وَمُحَمَّد بن بَرَكَةَ الصِّلْحِيِّ، وَارْتَحَلَ فَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ: أَبِي جَعْفَرٍ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ العَبَّاسِيّ، -وَهَذَا أَكْبَر شَيْخ لقِيه- وَبِدِمَشْقَ مِنْ: أَبِي المَكَارِمِ بن هِلاَلٍ، وأبي القاسم بن عساكر، وأبي المواهب بن صَصْرَى. وَأَجَاز لَهُ خلق مِنْ مِصْرَ، وَأَصْبَهَان، وَخُرَاسَان. وَكَانَ لَهُ فَهْم وَمَعْرِفَة وَعِنَايَة تَامَّة بِالحَدِيْثِ، وَفِيْهِ دِينٌ وَصلاَحٌ وَمَعْرِفَةٌ بِفِقْهِ الشَّافِعِيّ، سمع أولاده: قاضي زين الدين، وقاضي القُضَاةِ جَمَالَ الدِّيْنِ مُحَمَّداً. وَكَتَبَ الكَثِيْر.
حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيّ، وَالضِّيَاء، وَالسَّيْف أَحْمَد بن المَجْدِ، وَابْن العَدِيْم، وَابْنه؛ مَجْد الدِّيْنِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ ابْن الوَاسِطِيّ، وَالشَّمْس ابْن الزَّيْنِ، وَالأَمِيْن أَحْمَدَ بن الأَشْتَرِي، وَالكَمَال أَحْمَد ابْن النَّصِيْبِيِّ، وَالشَّمْس أَحْمَد الخَابُورِي، وَجَمَاعَة.
تُوُفِّيَ فِي عَاشر جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ تِسْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً. لَمْ أَلقَ أَحَداً سَمِعَ مِنْهُ، وَإِنَّمَا أَجَازَ لِي طَائِفَة مِنْ أَصْحَابِهِ.
5625- الداهري 2:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ الأُمِّي أَبُو الفَضْلِ عَبْدُ السَّلاَمِ ابْن الإِمَام عَبْد اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ بَكْرَان الدَّاهِرِيُّ، البَغْدَادِيّ، الخَفَّاف، الخَرَّاز، كَانَ يَخرز بِالحَرِيْر عَلَى الخَفَّاف.
وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ تَقَرِيْباً.
وَسَمِعَ مِنْ: نَصْر بن نَصْرٍ العُكْبَرِيّ، وَأَبِي بَكْرٍ ابْن الزَّاغُوْنِيّ، وَأَبِي الوَقْت السِّجْزِيّ، وَأَبِي القَاسِمِ أَحْمَد بن قَفَرْجَلَ، وَالوَزِيْر عَوْن الدِّيْنِ يَحْيَى بن هُبَيْرَةَ، وَهِبَة اللهِ الشِّبْلِيّ، وَأَبِي العَبَّاسِ بن نَاقَة، وَهِبَة اللهِ الدَّقَّاق، وجماعة.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "5/ 108".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 277"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1408"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 128".(16/227)
حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيّ، وَابْن الدُّبَيْثِيِّ، وَابْن نُقْطَة، وَابْن المَجْدِ، وَأَبُو المُظَفَّرِ ابْن النَّابُلُسِيّ، وَأَبُو إسحاق ابن الواسطي، وأبو الفرج ابن الزين، وَالمَجْد ابْن الخَلِيْلِيّ، وَأَحْمَد ابْن العِمَادِ، وَالفَخْر عَلِيّ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ المُؤْمِنِ، وَمَحْفُوْظ بن الحَامض. وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: فَاطِمَة بِنْت سُلَيْمَان.
وَكَانَ أُمِّيّاً لاَ يَكتب، فِيْهِ تَوَاضع وَحسن انْقِيَاد. سَمِعَ "صَحِيْحَ البُخَارِيِّ"، وَ"عَبْدٍ" وَ"الدَّارِمِيَّ"، وَ"اللُّمَعَ" لِلسرَّاج، وَ"شَمَائِل الزُّهَّاد" مِنْ أَبِي الوَقْت، وَالأَوّل مِنَ "المُخَلِّصِيَّات" وَبَعْض الخَامِس وَالشطر الثَّانِي مِنَ السَّادِس مِنْهَا، وَالثَّامن مِنْ "حَدِيْثِ المِصْرِيّ"، وَ"جُزء بِيْبِي"، وَمَجْلِساً لِشيخ الإِسْلاَم، وَكِتَابَ "فَعَلت وَأَفْعَلت" لِلزجَّاج، وَكِتَاب "الوِلاَيَة" لابْنِ عقدَة نَازل.
قَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: تُوُفِّيَ فِي تَاسِعِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، رَحِمَهُ اللهُ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَسنُوْنَ، والنرسي البيع، وَالأَمْجَدُ صَاحِبُ بَعْلَبَكَّ، وَخُوَارِزْم شَاه جَلاَل الدِّيْنِ، وَالمُهَذَّب، عَبْد الرَّحِيْمِ بن عَلِيٍّ الطَّبِيْب الدّخوَار، وَالحَافِظُ أَبُو الحَسَنِ ابْن القَطَّان، وَالنَّظَام علي بن محمد بن رحال المصري، أبو الرضا محمد بن المُبَارَك بن عصيَة، قَالَ ابْنُ نُقْطَة: أَخْطَأَ مِنْ ضَمِّهِ، وَشَيْخ النَّحْو زَيْن الدِّيْنِ يَحْيَى بن معطِي الزُّوَاوِي، وَالبَدْر يُوْنُس بن مُحَمَّدٍ الفارقي.(16/228)
5626- ابن القطان 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ الحَافِظُ النَّاقِد المُجَوِّدُ القَاضِي أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِك بنِ يَحْيَى بنِ إِبْرَاهِيْمَ الحِمْيَرِيّ الكُتَامِيّ المَغْرِبِيّ الفَاسِي المَالِكِيّ المَعْرُوف بِابْنِ القَطَّان.
قَالَ الحَافِظُ جَمَال الدِّيْنِ ابْنُ مَسْدِيّ: كَانَ مِنْ أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن، قَصْرِي الأَصْل، مَرَّاكُشي الدَّار، كان شيخ من شُيُوْخ أَهْل العِلْمِ فِي الدَّوْلَة المُؤْمِنِيَة، فَتمكن مِنَ الكُتُبِ وَبلغ غَايَة الأُمنِيَة، وَوَلِيَ قَضَاء الجَمَاعَة فِي أَثْنَاء تَقَلُّبِ تِلْكَ الدُّوَلِ فَنسخت أَوَاخِره الأُول، وَنُقِمَت عَلَيْهِ أَغرَاض اُنْتُهِكَتْ فِيْهَا أَعْرَاض ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: سَمِعَ: أَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ زَرْقُوْنَ، وَأَبَا بَكْرٍ بن الجَدِّ، وَخَلْقاً، عَاقت الفِتَن المُدْلَهِمَّة عَنْ لِقَائِهِ، وَأَجَاز لي.
قلت: وسمع أبا عبد الله بن الفَخَّارِ، وَأَكْثَر عَنْهُ، وَأَبَا الحَسَنِ بنِ النقرَات، وَالخَطِيْب أَبَا جَعْفَرٍ بنَ يَحْيَى، وَأَبَا ذَرٍّ الخُشَنِيّ.
وَقَالَ الأَبَّارُ: كَانَ مِنْ أَبصرِ النَّاسِ بصناعة الحديث، وأحفظهم لأَسْمَاءِ رِجَالِهِ، وَأَشدِّهِم عِنَايَةً بِالرِّوَايَةِ، رَأَسَ طَلَبَةَ العِلْمِ بِمَرَّاكُش، وَنَال بِخدمَة السُّلْطَان دُنْيَا عرِيضَةً، وله تصانيف، درس وحدث. وقال: وَتُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَهُوَ عَلَى قَضَاء سِجِلْمَاسَةَ.
قُلْتُ: عَلَّقت مِنْ تَأْلِيْفِه كِتَابَ "الوَهْمِ وَالإِيهَامِ" فَوَائِد تَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ ذَكَائِهِ، وَسَيَلاَنِ ذِهْنِهِ، وَبصره بِالعلل، لَكنَّه تَعَنَّتَ فِي أَمَاكنَ، وَلَيَّنَ هِشَام بن عُرْوَةَ، وَسُهَيْل بن أَبِي صَالِحٍ، وَنَحْوهُمَا.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1130"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 128".(16/228)
5627- ابن النرسي 1:
الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ ابْنِ الشَّيْخ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْد اللهِ ابْن أَبِي نَصْرٍ أَحْمَد بن هِبَةِ اللهِ ابنِ أَبِي الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حسنُوْنَ النَّرْسِيّ، البَغْدَادِيّ، البيع.
وُلِدَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ جدّه؛ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَأَبِي الوَقْت السِّجْزِيّ.
وَعَنْهُ: ابْنُ نُقْطَة، وَابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ ابْن الوَاسِطِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ بن مُعَلَّى الدباهي، وآخرون.
وَبِالإِجَازَةِ فَاطِمَة بِنْت سُلَيْمَان.
وَكَانَ دَيِّناً، صَالِحاً، مِنْ بَيْت الرِّوَايَة وَالعدَالَة، أَضَرَّ بِأَخَرَةٍ.
وَهُوَ مَنْسُوْب إِلَى النرس؛ وَهُوَ نَهْر بَيْنَ الحِلَّةِ وَالكُوْفَةِ، وَمِنْهُ أُبَيٌّ النَّرْسِيّ.
مَاتَ فِي ثَالِث رَجَبٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
فَأَمَّا العَبَّاس بن الوَلِيْدِ النَّرْسِيُّ وَقَرَابَتُهُ، فَنَسَبَهُ إِلَى الجد نصر، فعجم، وقيل فيه: نَرْس.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 277"، وشذرات الذهب "5/ 126".(16/229)
ياقوت، المنجنيقي:
5628- ياقوت 1:
الأَدِيْب البَارِع مُهَذَّب الدِّيْنِ الرُّوْمِيّ الشَّاعِرُ مَوْلَى التَّاجِرِ أَبِي مَنْصُوْرٍ الجِيْلِيِّ.
كَانَ مِنْ أَهْلِ النظامية، وسمى نفسه عبد الرحمن، وَحفظ القُرْآن، وَتَأَدَّب، وَتَقدَّم فِي النّظم، وَهُوَ القائل:
خَلِيْلَيَّ لاَ وَاللهِ مَا جَنَّ غَاسِقٌ ... وَأَظْلَمَ إلَّا حَنَّ أَوْ جُنَّ عَاشِقُ
وَمِنْ شِعْرِهِ:
جَسَدِي لِبُعدِكَ يَا مُثِيرُ بَلاَبِلِي ... دَنِفٌ بِحُبِّك مَا أَبلَّ بَلَى بَلِي
يَا مَنْ إِذَا مَا لاَم فِيْهِ لَوَائِمِي ... أَوْضَحْتُ عُذرِي بِالعذَارِ السَّائِل
أَأُجِيْز قتلِي فِي "الوجِيْزِ" لِقَاتلِي ... أَمْ حَلَّ فِي "التَّهْذِيبِ" أَوْ فِي "الشَّامِلِ"
أَمْ طَرْفُك القَتَّالُ قَدْ أَفْتَاكَ فِي ... تَلَفِ النُّفُوْسِ بِسِحْرِ طَرْفٍ بَابِلِي
وَلأَبِي الدُّرِّ هَذَا "دِيْوَانٌ" صَغِيْر، وَنظمُهُ سَائِر بِالعِرَاقِ وَالشَّام فِي ذَلِكَ الوَقْتِ.
وَجَدُوْهُ مَيتاً فِي بَيْتِهِ، فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ. أَمَا يَاقُوْت الملكِي: فَقَدْ مرّ فِي المُجَلَّد، وَسَيَأْتِي ياقوت الحموي المؤرخ.
5629- المنجنيقي 2:
الأَجَلُّ الأَدِيْبُ نَجْمُ الدِّيْنِ أَبُو يُوْسُفَ يَعْقُوْبُ بن صابر بن بكات الحَرَّانِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الشَّاعِرُ.
وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَرَوَى عَنْ: أَبِي مَنْصُوْرٍ ابن الشطرنجي، وأبي المظفر ابن السمرقندي.
ذَكَرَهُ ابْنُ خَلِّكَانَ، فَطوَّلَ تَرْجَمَتَهُ، وَقَالَ: كَانَ جُندِيّاً مُقَدَّماً عَلَى المِنْجَنِيْقيِّينَ، مُغرَى بِآدَابِ السَّيْفِ وَالسِّلاَحِ، بَرعَ فِي ذَلِكَ، وَصَنَّفَ فِي سَيَاسَةِ المَمَالِكِ كِتَابَهُ فِي الحُرُوْبِ وَتَعْبِئَتِهَا، وَفَتحِ الثُّغُوْرِ، وَبِنَاءِ المعَاقلِ، وَالفُروسيَّةِ، وَالحيلِ، وَكَانَ كَيِّساً، طَيِّبَ المحاورة،
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "6/ ترجمة 789"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 283"، وشذرات الذهب "5/ 105، 106".
2 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "7/ ترجمة 832"، وشذرات الذهب "5/ 120".(16/230)
مُتودِّداً، سَائِرَ النّظمِ، مَدحَ الخُلَفَاءَ، وَكَانَ ذَا رُتْبَةٍ عِنْدَ النَّاصِرِ لِدِيْنِ اللهِ. إِلَى أنْ قَالَ القَاضِي: مَا زِلْتُ مَشغُوَفاً بِشِعرِهِ، مُسْتَعذِباً أُسلوبَهُ، وَلَمْ أَرَهُ، وَهُوَ القَائِلُ:
كَلِفْتُ بِعِلْمِ المِنْجَنِيْقِ وَرَمْيِهِ ... لِهَدْمِ الصَّيَاصِي وَافْتِتَاحِ المَرَابِطِ
وَعُدْتُ إِلَى فَنِّ القَرِيضِ لِشَقْوَتِي ... فَلَمْ أَخْلُ فِي الحَالَيْنِ مِنْ قَصْدِ حَائِطِ
وَلَهُ:
وَجَارِيَةٍ مِنْ بَنَاتِ الحبوش ... بِذَاتِ جُفُوْنٍ صِحَاحٍ مِرَاضِ
تَعَشَّقْتُهَا لِلتَّصَابِي فَشِبْتُ ... غَرَاماً وَمَا كُنْتُ بِالشَّيْبِ رَاضِي
وكنت أعيرها لاسواد ... فَصَارَتْ تُعَيِّرُنِي بِالبَيَاضِ
وَلَهُ:
قَدْ لَبِسَ الصُّوْفَ لِتَرْكِ الصَّفَا ... مَشَايِخُ الوَقْتِ لِشُرْبِ العَصِيرْ
الرَّقْصُ وَالأَمْرَدُ مِنْ شَأْنِهِم ... شَرٌّ طَوِيْلٌ تَحْتَ ذَيْلٍ قَصِيرْ
تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وست مائة.(16/231)
5630- ابن زرقون 1:
شَيْخُ المَالِكِيَّةِ أَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ ابْنُ الإِمَامِ الكبير أبي عبد الله محمد ابن سعيد بن أحمد لأنصاري، الإِشْبِيْلِيُّ، ابْنُ زَرْقُوْنَ.
حَمَلَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَابْنِ الجَدِّ، وَأَبِي العَبَّاسِ بن مَضَاءَ، وَطَائِفَةٍ. وَبَرَعَ في الفقه، وصنف كتاب "المعلى في الرج على المحلى". وقيل: لَهُ إِجَازَةٌ مِنْ أَبِي مَرْوَانَ بنِ قُزْمَانَ، وَقَدِ امتُحِنَ وَقُيِّدَ وَسُجِنَ بَعْدَ أَنْ عَزَمُوا عَلَى قَتْلِهِ لِكَوْنِهِ مُنِعَ مِنْ إِقْرَاءِ الفِقْهِ؛ فَإِنَّ صَاحِبَ الغَرْبِ يُوْسُفَ بنَ يَعْقُوْبَ مَنَعَ مِنْ قِرَاءةِ الفُرُوْعِ جُمْلَةً، وَبَالَغَ فِي ذَلِكَ، وَأَلْزَمَ النَّاسَ بِأَخْذِ الفِقْهِ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَنِ عَلَى طرِيقَةِ أَهْلِ الظَّاهِرِ، فَنَشَأَ الطَّلَبَةُ عَلَى هَذَا بِالمَغْرِبِ مِنْ بَعْدِ سَنَةِ ثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَكَانَ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ أَدِيْباً، لَهُ النَّظْمُ وَالنَّثْرُ، وَكَانَ كَامِلَ العَقْلِ، رَيِّضَ المِزَاجِ، قَلَّ أَنْ تَرَى العُيُونُ مِثْلَهُ، ظَفِرَ السُّلْطَانُ بِهِ وَبِعَالِمٍ آخَرَ يُقْرِئَانِ الفُرُوْعَ، فَأُخِذَا وَأُجْلِسَا لِلْقَتْلِ صَبْراً، ثُمَّ قُيِّدا وَسُجِنَا بَعْدَ سَنَةِ تِسْعِيْنَ، ثُمَّ مَاتَ رَفِيْقُهُ، وَطَالَ هُوَ حَبْسُهُ، وَشَدَّدَ ابْنُ عَبْدِ المُؤْمِنِ فِي ذَلِكَ، عَلَى أَنَّ مَنْ وَجَدَ عِنْدَهُ وَرقَةً مِنَ الفُرُوْعِ قُتِلَ دُوْنَ مُرَاجَعَتِهِ، وَخُطِبَ بِذَلِكَ خُطَباً، فَانْظُرْ إِلَى هَذِهِ البَليَّةِ، وَأُحْرِقَتْ كُتُبُ المَذْكُوْرَيْنِ.
وَلأَبِي الحسين كتاب "فقه حديث بربرة"، وَكِتَابُ "قطب الشَّرِيعَةِ".
رَوَى عَنْهُ عَدَدٌ كَثِيْرٌ.
وَتُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ نَحْوُ التِّسْعِيْنَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ شُرَيْحَ بن محمد.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 96".(16/231)
5631- ياقوت 1:
الأَدِيْبُ الأَوحدُ شِهَابُ الدِّيْنِ الرُّوْمِيُّ مَوْلَى عَسْكَرٍ الحَمَوِيِّ، السَّفَّارُ، النَّحْوِيُّ، الأَخْبَارِيُّ، المُؤَرِّخُّ.
أَعتقَهُ مَوْلاَهُ، فَنسخَ بِالأُجرَةِ، وَكَانَ ذَكِيّاً، ثُمَّ سَافرَ مضَاربَةً إِلَى كيش، وَكَانَ مِنَ المُطَالَعَةِ قَدْ عَرفَ أَشيَاءَ، وَتَكلَّمَ فِي بَعْضِ الصَّحَابَةِ فَأُهِينَ، وَهَرَبَ إِلَى حَلَبَ، ثُمَّ إِلَى إِرْبِلَ وَخُرَاسَانَ، وَتَجرَ بِمَرْوَ وَبِخُوَارِزْمَ، فَابْتُلِيَ بِخُرُوْجِ التَّتَارِ فَنَجَا بِرَقَبَتِهِ، وَتوصَّلَ فَقيراً إِلَى حَلَبَ، وَقَاسَى شَدَائِدَ، وَلَهُ كِتَابُ "الأُدَبَاءِ" فِي أَرْبَعَةِ أَسفَارٍ، وَكِتَابُ "الشُّعَرَاء المُتَأَخِّرِيْنَ وَالقُدَمَاءِ"، وَكِتَابُ "مُعْجَم البُلْدَانِ"، وَكِتَابُ "الْمُشْتَرك وضعا، والمختلف صعقًا" كَبِيْرٌ مُفِيْدٌ، وَكِتَابُ "المَبدَأِ وَالمآلِ فِي التَّارِيْخِ"، وَكِتَابُ "الدُّوَلِ"، وَكِتَابُ "الأَنسَابِ"، وَكَانَ شَاعِراً مُتَفَنِّناً جيد الإنشاء، يقول في خراسان:
وَكَانَتْ -لَعَمْرُ اللهِ- ذَاتَ رِيَاضٍ أَرِيضَةٍ، وَأَهويَةٍ صَحِيْحَةٍ مَرِيْضةٍ، غَنَّتْ أَطْيَارُهَا، وَتَمَايلَتْ أَشجَارُهَا، وَبكَتْ أَنْهَارُهَا، وَضحِكَتْ أَزهَارُهَا، وَطَابَ نَسِيمُهَا، فَصحَّ مِزَاجُ إِقليمِهَا، أَطفَالُهُم رِجَالٌ، وَشبَابُهُم أَبْطَالٌ، وَشُيُوْخُهُم أَبْدَالٌ، فَهَانَ عَلَى مَلِكِهِم ترك تِلْكَ المَمَالِكِ.
وَقَالَ: يَا نَفْسُ الهَوَا لَكِ، وَإِلاَّ فَأَنْتِ فِي الهَوَالِكِ.
إِلَى أَنْ قَالَ: فَمررتُ بَيْنَ سُيوفٍ مَسْلُوْلَةٍ، وَعَسَاكِرَ مغلولَةٍ، وَنظَامِ عقودٍ مَحْلُوْلَةٍ، وَدِمَاءٍ مَسكُوبَةٍ مطلولَةٍ، وَلَوْلاَ الأَجَلُ لأُلْحِقْتُ بِالأَلفِ أَلفٌ أَوْ يَزِيدُوْنَ.
تُوُفِّيَ فِي العِشْرِيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ نَيِّفٍ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً، وَوَقَفَ كتبَهُ بِبَغْدَادَ عَلَى مَشهدِ الزَّيْدِيِّ. وَتوَالِيفُهُ حَاكمَةٌ لَهُ بِالبَلاغَةِ. وَالتَّبحُّرِ فِي العلم، استوفى ابن خلكان ترجمته وفضائله.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "6/ ترجمة 790"، وشذرات الذهب "5/ 121، 122".(16/232)
ابن قنيدة، ابن وردان:
5632- ابن قنيدة 1:
الشَّيْخُ الصَّالِحُ الثِّقَةُ أَبُو نَصْرٍ المُهَذَّبُ بنُ علي بن أَبِي نَصْرٍ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ، ابْنُ قُنَيْدَةَ الأَزَجِيُّ، الخَيَّاطُ، المُقْرِئُ.
سَمِعَ "صَحِيْحَ البُخَارِيِّ" وَكِتَابَي "عَبْدٍ" وَ"الدَّارِمِيِّ" وَ"جُزءَ أَبِي الجَهْمِ" مِنْ أَبِي الوَقْتِ. وَسَمِعَ: "مُسْنَدَ الشافعي" من أبي زرعة، وسمع: الجُزْءَ الثَّالِثَ مِنْ "مُسْنَدِ مَالِكٍ" لِلنَّسَائِيِّ مِنَ القاضي عبد القاهر.
أخبرنا أبي البَرَكَاتِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الوَكِيْلُ، أَخْبَرْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا الأَسيوطِيُّ، عَنْهُ.
وَسَمِعَ كِتَابَ "القنَاعَة" لابْنِ أَبِي الدُّنْيَا مِنْ أَبِي الفَتْحِ بنِ البَطِّيِّ، بِفوتٍ مِنْ آخِرِهِ، وَسَمِعَ مِنَ العَوْنِ الوَزِيْرِ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ النجار، والسيف بن المَجْدِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ ابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَأَبُو الفَرَجِ ابْنُ الزَّيْنِ، وَالعِمَادُ ابْنُ الطَّبَّالِ، وَآخَرُوْنَ، وَأَسْمِعَتُهُ صَحِيْحَةٌ.
مَاتَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقَدْ نَيَّفَ عَلَى الثَّمَانِيْنَ.
5633- ابْنُ وردان:
مُفِيْدُ المِصْرِيِّينَ الإِمَامُ أَبُو المَيْمُوْنِ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَتِيقِ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ وَرْدَانَ العَامِرِيُّ، المِصْرِيُّ، المَالِكِيُّ.
تَلاَ بِالسَّبْعِ عَلَى جَمَاعَةٍ. وَسَمِعَ مِنِ ابْنِ بَرِّيٍّ النَّحْوِيِّ، وَخَلْقٍ.
مَاتَ سنة ست وعشرين وست مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 273"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 121".(16/233)
ابن عيسى، الحسن ابن الزبيدي:
5634- ابن عيسى 1:
شيخ القرء بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، هُوَ مُطولٌ فِي "طَبَقَاتِ القُرَّاءِ"، الإِمَامُ، أَبُو القَاسِمِ عِيْسَى ابنُ المُحَدِّثِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عِيْسَى بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الشَّرِيْشِيُّ.
مَوْلِدُهُ بِالثَّغْرِ، سَنَةَ بِضْعٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَسَمِعَ الكَثِيْرَ مِنَ السِّلَفِيِّ وَغَيْرِهِ، وَتَلاَ عَلَى جَمَاعَةٍ بِالمُتَوَاتِرِ وَالشَّاذِّ، وَصَنَّفَ فِي القِرَاءاتِ، وَهُوَ مُتَّهَمٌ لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَسَمَاعُهُ مِنَ السِّلَفِيِّ صَحِيْحٌ، وَأَمَّا فِي القِرَاءاتِ فَكَثِيْرُ الدَّعَاوِي.
حَدَّثَنَا عَنْهُ: حسنٌ سِبْطُ زِيَادَةَ.
مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
5635- الحَسَنُ ابن الزبيدي 2:
الشَّيْخُ الإِمَامُ الفَقِيْهُ العَابِدُ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ المُبَارَكِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ الزبيدي البغدادي الحنفي، أخو سراج الدين.
وُلِدَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ أَوْ قَبْلَهَا.
وَسَمِعَ "الصَّحِيْحَ" مِنْ أَبِي الوَقْتِ، وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي زُرْعَةَ المَقْدِسِيِّ، وَأَبِي عَلِيٍّ أَحْمَدَ بنِ الخَرَّازِ، وَمَعْمَرِ بنِ الفَاخِرِ، وَأَبِي الفُتُوْحِ الطَّائِيِّ، وَعِدَّةٍ.
وَحَدَّثَ بِمَكَّةَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَكَانَ أَوَّلاً حَنْبَليّاً، ثُمَّ تَحَوَّلَ شَافِعِيّاً، ثُمَّ حَنَفِيّاً، وَكَانَ مِنْ جِلَّةِ الفُقَهَاءِ، ذَا دِينٍ وَورَعٍ وَبَصَرٍ بِالعَرَبِيَّةِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَالسَّيْفُ ابْنُ المَجْدِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ خَطِيْبُ المُصَلَّى، وَالمَجْدُ عَبْدُ العَزِيْزِ ابْنُ الخَلِيْلِيّ، وَالضِّيَاءُ عَلِيُّ ابن البَالِسِيِّ، وَالخَطِيْبُ عِزُّ الدِّيْنِ أَحْمَدُ الفَارُوْثِيُّ، وَأَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ عَالِماً مُتَدَيِّناً، حسنَ الطَّرِيقَةِ، لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالنَّحْوِ، كَتَبَ الكَثِيْرَ مِنَ التَّفَاسِيْرِ وَالحَدِيْثِ وَالتَّارِيْخِ، وَكَانَتْ أوقاته محفوظة.
وقال ابْنُ الحَاجِبِ: رَأَيتُهُم يَرمونَهُ بِالاعتزَالِ. فَكَتَبَ تَحْتَهُ ابن المجد: قصر ابن الحاجب فيوصف شَيْخِنَا هَذَا فَإِنَّهُ كَانَ إِمَاماً عَالِماً، لَمْ نَرَ فِي المَشَايِخِ مِثْلَهُ إلَّا يَسيراً.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي سَلْخِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ تِسْعٍ وست مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 279"، وشذرات الذهب "5/ 132".
2 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1413"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "5/ 130".(16/234)
الدخوار، أبو موسى ابن الحافظ:
5636- الدخوار 1:
شَيْخُ الطِّبِّ الأُسْتَاذُ مُهَذَّبُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بن علي بن حامد الدِّمَشْقِيُّ وَاقفُ مَدْرَسَةِ الأَطبَّاء بِدَرْبِ العَمِيدِ.
وُلِدَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَلَهُ تَصَانِيْفُ وَمَقَالَةٌ فِي الاسْتفرَاغِ. انتهَتْ إِلَيْهِ رِئَاسَةُ الصِّنَاعَةِ، وَحَظِيَ عِنْدَ المُلُوْكِ، وَنَالَ دُنْيَا عَرِيضَةً، وَنَسخَ بِخَطِّهِ "المَنْسُوْبَ" أَزْيَدَ مِنْ مائَةِ مُجَلَّدٍ، وَأَخَذَ العَرَبِيَّةَ عَنِ الكِنْدِيِّ، وَالعلاجَ عَنِ الرَّضِيِّ الرَّحْبِيِّ، وَالمُوَفَّقِ ابْنِ المَطَرَانِ وَالفَخْرِ المَارْدِيْنِيِّ، وَخدمَ العَادلَ، وَالوَزِيْرَ ابْنَ شُكْرٍ، وَحصَّلَ مِنَ العَادلِ فِي مرضَةٍ حَادَّةٍ سَبْعَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ مِصْرِيَّةٍ، وَحَصَلَ لَهُ مِنْ وَلدِهِ الكَامِلِ أزْيَدَ مِنْ عَشْرَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ سِوَى الخِلَعِ وَالبغلاَتِ، وَوَلِيَ رِئَاسَةَ الإِقْلِيْمَيْنِ. وَكَانَ خَبِيْراً بِكُلِّ مَا يُشرَحُ عَلَيْهِ. وَلاَزَمَ السَّيْفَ الآمِدِيَّ فِي العَقْلِيَّاتِ، وَنظرَ فِي الرِّيَاضِي، ثُمَّ عرضَ لَهُ اسْترخَاءٌ وَثِقَلُ لِسَانٍ، فَسَاس نَفْسَهُ، وَاسْتَعْمَلَ المَعَاجِينَ، فَعَرضَتْ لَهُ حُمَّى قوية، زلزت قوَاهُ، وَأُسْكِتَ أَشهُراً، وَذَهَبَتْ عَينُهُ، ثُمَّ مَاتَ فيصفر سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَدُفِنَ بِقَاسِيُوْنَ.
5637- أبو موسى ابن الحافظ 2:
الشيخ الإمام العالم المحدث الحافظ المفيد الذكر جَمَالُ الدِّيْنِ أَبُو مُوْسَى عَبْدُ اللهِ ابْنُ الحَافِظِ الكَبِيْرِ عَبْدِ الغَنِيِّ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَلِيِّ بنِ سُرُوْرٍ الجَمَّاعِيْليُّ المَقْدِسِيُّ ثُمَّ الدمشقي الصالحي الحنبلي.
وُلِدَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ الخِرَقِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلِ الجَنْزَوِيِّ، وَبَرَكَاتٍ الخُشُوْعِيِّ. وَرَحَلَ بِهِ أَخُوْهُ عِزُّ الدِّيْنِ مُحَمَّدٌ، فَسَمِعَ بِبَغْدَادَ من: عبد المنعم بن كليب، والمبارك بن
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 277"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 127".
2 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1131"، والنجوم الزاهرة "6/ 279"، وشذرات الذهب "5/ 131".(16/235)
المعطوش، وعدة. وسع "المُسْنَدَ" مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي المَجْدِ، وَسَارَ إِلَى أَصْبَهَانَ، فَسمِعَا مِنْ خَلِيْلِ بنِ بَدْرٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الطَّرَسُوْسِيِّ، وَمَسْعُوْدٍ الجَمَّالِ، وَأَبِي المَكَارِمِ اللَّبَّانِ وَطَبَقَتِهِم، وَسَمِعَ بِمِصْرَ مِنَ: الأَرْتَاحِيِّ، وَفَاطِمَةَ بِنْتِ سَعْدِ الخَيْرِ، وَوَالِدِهِ. ثُمَّ ارْتَحَلاَ ثَانِياً إِلَى العِرَاقِ، فَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ المَنْدَائِيِّ بِوَاسِطَ، وَسَمِعَ بِنَيْسَابُوْرَ مِنْ: مَنْصُوْرٍ الفُرَاوِيِّ، وَالمُؤَيَّدِ الطُّوْسِيِّ. وَعُنِيَ بِالفَنِّ، وَكَتَبَ بِخَطِّهِ الكُتُبَ، وَجَمَعَ وَخَرَّجَ وَأَفَادَ، وَتَفَقَّهَ بِالشَّيْخِ المُوَفَّقِ، وَأَخَذَ النَّحْوَ بِبَغْدَادَ عَنْ أَبِي البَقَاءِ، وَقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى عَمِّهِ العِمَادِ.
قَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: سَأَلتُ الضِّيَاءَ عَنْهُ، فَقَالَ: حَافِظٌ مُتْقِنٌ، دَيِّنٌ ثِقَةٌ.
وَقَالَ البِرْزَالِيُّ: حَافِظٌ، دَيِّنٌ، مُتَمَيِّزٌ.
وَقَالَ الضِّيَاءُ: كَانَتْ قِرَاءتُهُ صَحِيْحَةً، سرِيعَةً، مليحَةً.
وَقَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِثْلَهُ فِي عصرِهِ فِي الحِفْظِ وَالمَعْرِفَةِ وَالأَمَانَةِ، وَافرَ العَقْلِ، كَثِيْرَ الفَضْلِ، مُتَوَاضِعاً، مَهِيْباً، وَقُوْراً، جَوَاداً، سَخِيّاً، لَهُ القبولُ التَّامُّ، مَعَ العِبَادَةِ وَالوَرَعِ وَالمُجَاهِدَةِ.
وَقَالَ الضِّيَاءُ: اشْتَغَلَ بِالفِقْهِ وَالحَدِيْثِ وَصَارَ عَلَماً فِي وَقْتِهِ، وَرَحَلَ إِلَى أَصْبَهَانَ ثَانِياً، وَمَشَى عَلَى رِجْلَيْهِ كَثِيْراً وَصَارَ قُدْوَةً وَانتَفَعَ النَّاسُ بِمَجَالِسِهِ الَّتِي لَمْ يُسْبَقْ إِلَى مِثْلِهَا، وَكَانَ كَرِيْماً، وَاسِعَ النَّفْسِ، سَاعِياً فِي مَصَالِحِ أَصْحَابِنَا حَتَّى كَانَ يَضِيقُ صَدْرِي عَلَيْهِ مِمَّا يَتَحَمَّلُ مِنَ الدُّيُونِ، وَكَثِيْرٌ مِنْهُم لاَ يُوَفِّيهِ، ثُمَّ شاق لَهُ الضِّيَاءُ مرَاثيَ حَسَنَةً، وَأَنَّهُ فِي نَعيمٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاءُ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ ابْنِ الوَاسِطِيِّ، وَنَصْرُ اللهِ بنُ عَيَّاشٍ وَالشَّمْسُ مُحَمَّدُ بنُ حَازِمٍ، وَنَصْرُ اللهِ بنُ أَبِي الفَرَجِ النَّابُلُسِيُّ، وَجَمَاعَةٌ. وَتَفَرَّدَ بِإِجَازتِهِ القَاضِي تَقِيُّ الدِّيْنِ سُلَيْمَانُ، وَقَدْ رثَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ بقصَائِدَ.
وَقَرَأْتُ بِخَطِّ المُحَدِّثِ ابْنِ سَلاَمٍ، قَالَ: عقدَ أَبُو مُوْسَى مَجْلِسَ التَّذْكِيرِ، وَقِرَاءةِ الجمعِ، وَرغبَ النَّاسُ فِي حُضُوْرِ مَجْلِسِهِ، وَكَانَ جمَّ الفَوَائِدِ، وَيَبْكِي وَيَخشعُ.
وَقَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: لَوِ اشْتَغَلَ أَبُو مُوْسَى حقَّ الاشتغَالِ، مَا سبقَهُ أَحَدٌ.
وَسَمِعْتُ أَبَا الفَرَجِ بنَ أَبِي العَلاَءِ يَقُوْلُ: كَانَ كَثِيْرَ المَيْلِ إِلَى الدَّوْلَةِ.
وَقَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: كَانَتْ أَحْوَالُ أَبِي مُوْسَى مُسْتقيمَةً، حَتَّى خَالطَ الصَّالِحَ إِسْمَاعِيْلَ، وَأَبْنَاءَ الدُّنْيَا، فَتغَيَّرَ. قَالَ: وَمَرِضَ فِي بُستَانِ الصَّالِحِ عَلَى ثَوْرَا، وَمَاتَ فِيْهِ، فَكَفَّنَهُ الصَّالِحُ.(16/236)
وَذَكَرَ غَيْرُهُ: أَنَّ الملكَ الأَشْرَفَ وَقَفَ دَارَ الحَدِيْثِ بِالبَلَدِ، وَجَعَلَ لِلْجمَالِ أَبِي مُوْسَى وَذُرِّيَّتِهِ رِزْقاً مَعْلُوْماً بِهَا، وَسَكَناً.
قَالَ الشَّيْخُ الضِّيَاءُ: تُوُفِّيَ يَوْمَ الجُمُعَةِ -رَحِمَهُ اللهُ- خَامِسَ رَمَضَانَ، سنة تسع وعشرين وست مائة.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي غَالِبٍ ابْنِ السِّمِّذِيِّ، وَأَبُو المَعَالِي أحمد ابن عُمَرَ بنِ بكرُوْنَ إِمَامُ النِّظَامِيَّةِ، وَالقَاضِي شَرَفُ الدِّيْنِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ المَوْصِلِيِّ الشَّيْبَانِيُّ الحَنَفِيُّ بِدِمَشْقَ، وَالفَقِيْهُ زِيَادَةُ بنُ عِمْرَانَ المِصْرِيُّ الضَّرِيْرُ، وَعَبْدُ الغَفَّارِ بنُ شُجَاعٍ المَحَلِّيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الطَّبَرِيِّ، وَمُقْرِئُ الثَّغْرِ أَبُو القَاسِمِ عِيْسَى بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عِيْسَى، وَآخَرُوْنَ.(16/237)
5638- الموفق 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ الفَقِيْهُ النَّحْوِيُّ اللُّغَوِيُّ الطَّبِيْبُ ذُو الفُنُوْنِ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّطِيْفِ ابْنُ الفَقِيْهِ يُوْسُفَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي سَعْدٍ المَوْصِلِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الشَّافِعِيُّ، نَزِيْلُ حَلَبَ، وَيُعْرَفُ قَدِيْماً بِابْنِ اللَّبَّادِ.
وُلِدَ بِبَغْدَادَ، فِي أَحَدِ الرَّبِيْعَينِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمَّعَهُ أَبُوْهُ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ بنِ البَطِّيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ المَقْدِسِيِّ، وَالحَسَنِ ابْنِ عَلِيٍّ البَطَلْيَوْسِيِّ، وَيَحْيَى بنِ ثَابِتٍ، وَشُهْدَةَ الكَاتِبَةِ، وَأَبِي الحُسَيْنِ عَبْدِ الحَقِّ، وَأَبِي بَكْرٍ بن النقور، وجماعة.
حَدَّثَ عَنْهُ الزَّكِيَّانِ: البِرْزَالِيُّ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَالشِّهَابُ القُوْصِيُّ، وَالتَّاجُ عَبْدُ الوَهَّابِ ابنُ عَسَاكِرَ، وَالكَمَالُ العَدِيْمِيُّ وَابْنُهُ القَاضِي أَبُو المَجْدِ، وَالأَمِيْنُ أَحْمَدُ بنُ الأَشْتَرِيِّ، وَالكَمَالُ أَحْمَدُ ابْنُ النَّصِيْبِيِّ، وَالجمَالُ ابْنُ الصَّابُوْنِيِّ، وَالعِزُّ عُمَرُ بنُ الأُسْتَاذِ، وَخُطلبَا وَسُنْقُرُ مَوْلَيَا ابْنِ الأُسْتَاذِ، وَعَلِيُّ بنُ السَّيْفِ التَّيْمِيُّ، وَيَعْقُوْبُ بنُ فَضَائِلَ، وَسِتُّ الدَّارِ بِنْتُ مَجْدِ الدِّيْنِ ابْنِ تَيْمِيَةَ، وَآخَرُوْنَ.
وَحَدَّثَ: بِدِمَشْقَ، وَمِصْرَ، وَالقُدْسِ، وَحَلَبَ، وَحَرَّانَ، وَبَغْدَادَ. وَصَنَّفَ: فِي اللُّغَةِ، وَفِي الطِّبِّ، وَالتَّوَارِيخِ، وَكَانَ يُوْصَفُ بِالذّكَاءِ وَسَعَةِ العلم.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 279"، وشذرات الذهب "5/ 132".(16/237)
ذكره الجمَالُ القِفْطِيُّ فِي "تَارِيخِ النُّحَاةِ" فَمَا أَنْصَفَهُ، فَقَالَ:
المُوَفَّقُ النَّحْوِيُّ الطَّبِيْبُ المُلَقَّبُ بِالمَطْحن، كَانَ يَدَّعِي النَّحْوَ، وَاللُّغَةَ، وَعِلْمَ الكَلاَمِ، وَالعُلُوْمَ القَدِيْمَةَ، وَالطِّبَّ، وَدَخَلَ مِصْرَ وَادَّعَى مَا ادَّعَاهُ، فَمَشَى إِلَيْهِ الطَّلَبَةُ، فَقَصَّرَ، فَجفَوهُ، ثُمَّ نَفَقَ عَلَى وَلدَي إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي الحَجَّاجِ الكَاتِبِ، فَنقلاَهُ إليهما، وكان ذميم الخِلْقَةِ نَحِيلَها.
وَيظهرُ الهَوَى مِنْ كَلاَمِ القِفْطِيِّ، حَتَّى نَسبَهُ إِلَى قِلَّةِ الغَيرَةِ.
وَقَالَ الدُّبَيْثِيُّ: غَلَبَ عَلَيْهِ عِلْمُ الطِّبِّ وَالأَدبِ، وَبَرَعَ فِيْهِمَا.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: كَانَ حَسَنَ الخلقِ، جَمِيْلَ الأمر، عالمًا بالنحو وَالغَرِيبينِ، لَهُ يَدٌ فِي الطِّبِّ، سَمِعَ "سُنَنَ ابْنِ مَاجَه"، وَ"مُسْنَدَ الشَّافِعِيِّ" مِنْ أَبِي زُرْعَةَ، وَسَمِعَ "صَحِيْحَ الإِسْمَاعِيْلِيِّ" جَمِيْعَهُ مِنْ يَحْيَى بنِ ثَابِتٍ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَكَانَ يَنْتقلُ مِنْ دِمَشْقَ إِلَى حَلَبَ، وَمرَّةً سَكَنَ بِأَرزنكَانَ وَغَيْرِهَا.
قَالَ المُوَفَّقُ عَنْ نَفْسِهِ: سَمِعْتُ الكَثِيْرَ، وَكُنْتُ أَتلَقَّنُ وَأَتعلَّمُ الخطَّ، وَأَحْفَظُ المَقَامَاتِ، وَالفَصِيْحَ، وَ"دِيْوَانَ المُتَنَبِّي"، وَمُخْتَصَراً فِي الفِقْهِ، وَمُخْتَصَراً فِي النَّحْوِ، فَلَمَّا ترعرَعْتُ حَمَلَنِي أَبِي إِلَى كَمَالِ الدِّيْنِ الأَنْبَارِيِّ، وَذَكَرَ فَصلاً، إِلَى أَنْ قَالَ: وَصِرْتُ أَتكلَّمُ عَلَى كُلِّ بَيْتٍ كَرَارِيْسَ، ثُمَّ حَفِظتُ "أَدبَ الكَاتِبِ" لابْنِ قُتَيْبَةَ، وَ"مُشْكِلَ القُرْآنِ" لَهُ، وَ"اللُّمَعَ"، ثُمَّ انْتَقَلْتُ إِلَى كِتَابِ "الإِيضَاحِ" فَحَفِظتُهُ، وَطَالعتُ شُروحَهُ. قَالَ: وَحفظتُ "التَّكملَةَ" فِي أَيَّامٍ يَسِيْرَةٍ، كُلُّ يَوْمٍ كُرَّاساً، وَفِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ لَا أُغْفِلُ سَمَاعَ الحَدِيْثِ، وَالتَّفَقُّهَ عَلَى ابْنِ فَضلاَنَ.
وَمِنْ وَصَايَاهُ، قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تَكُوْنَ سِيرتُكَ سِيرَةَ الصَّدْرِ الأَوَّلِ، فَاقرَأِ السِّيرَةَ النَّبَوِيَّةَ، وَتَتَبَّعْ أَفعَالَهُ، وَاقتَفِ آثَارَهُ، وَتَشَبَّهْ بِهِ مَا أَمكنَكَ. مَنْ لَمْ يَحْتَمِلْ أَلَمَ التَّعَلُّمِ لَمْ يَذُقْ لَذَّةَ العِلْمِ، وَمَنْ لَمْ يَكدَحْ لَمْ يُفْلِحْ. إِذَا خلوتَ مِنَ التَّعَلُّمِ وَالتَّفَكُّرِ فَحرِّكْ لِسَانَكَ بِالذِّكْرِ، وَخَاصَّةً عِنْد النَّوْمِ، وَإِذَا حَدَثَ لَكَ فَرحٌ بِالدُّنْيَا فَاذْكُرِ المَوْتَ، وَسُرْعَةَ الزَّوَالِ، وَكَثْرَةَ المُنَغِّصَاتِ. إِذَا حزَبَكَ أَمرٌ فَاسْترْجِعْ، وَإِذَا اعترَتْكَ غَفلَةٌ فَاسْتَغْفِرْ. واعلم أن للدين عبقة وعرفًا يُنَادِي عَلَى صَاحِبِهِ، وَنوراً وَضيئاً يُشرِفُ عَلَيْهِ وَيدلُّ عَلَيْهِ، يَا مُحيِي القُلُوْبِ المَيْتَةِ بِالإِيْمَانِ خُذْ بِأَيدينَا مِنْ مَهوَاةِ الهَلَكَةِ، وَطَهِّرْنَا مِنْ درن الدنيا بالإخلاص لك.
وَلَهُ مُصَنّفَاتٌ كَثِيْرَةٌ مِنْهَا: "غَرِيْبُ الحَدِيْثِ"، وَ"الوَاضحَةُ فِي إِعرَابِ الفَاتِحَةِ"، "شَرحُ خطبِ ابْنِ نُبَاتَةَ"، "الرَّدُّ عَلَى الفَخْرِ الرَّازِيِّ فِي تَفْسِيْرِ سُوْرَةِ الإِخْلاَصِ"، "مَسْأَلَةُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرٍ قَبْلَ مَا بَعْدَ قَبْلِهِ رَمَضَان"، "شرحُ فُصُولِ بُقرَاطَ"، كِتَابُ "أَخْبَارِ مِصْرَ الكَبِيْرُ"، كِتَابُ(16/238)
"الإِفَادَةِ فِي أَخْبَارِ مِصْرَ"، "مَقَالَةٌ فِي النَّفْسِ"، "مَقَالَةٌ فِي العطشِ"، "مَقَالَةٌ فِي الرَّدِّ عَلَى اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى"، وَأَشيَاءُ كَثِيْرَةٌ ذَكَرْتُهَا فِي "تَارِيخِ الإِسْلاَمِ".
وَقَدْ سَافرَ مِنْ حَلَبَ لِيَحُجَّ مِنَ العِرَاقِ، فَدَخَلَ حَرَّانَ، وَحَدَّثَ بِهَا، وَسَارَ فَدَخَلَ بَغْدَادَ مَرِيْضاً، ثُمَّ حَضَرَتِ المَنِيَّةُ بِبَغْدَادَ، فِي ثَانِي عَشَرَ المُحَرَّمِ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَصَلَّى عَلَيْهِ السُّهْرَوَرْدِيُّ.
قَالَ المُوَفَّقُ أَحْمَدُ بنُ أَبِي أُصَيْبِعَةَ: كَانَ أَبِي وَعَمِّي يَشتغلاَنِ عَلَيْهِ، وَقَلَمُهُ أَجْوَدُ مِنْ لَفظِهِ، وَكَانَ يَنْتقِصُ بِالفُضَلاَءِ الَّذِيْنَ فِي زَمَانِهِ، وَيَحطُّ عَلَى ابْنِ سِينَا.
قَالَ المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ: أَقَمْتُ بِالمَوْصِلِ سَنَةً أَشتغِلُ، وَسَمِعْتُ النَّاسَ يَهرجُوْنَ فِي حَدِيْثِ السُّهْرَوَرْدِيِّ الفَيْلَسُوْفِ، وَيَعْتَقِدُوْنَ أَنَّهُ قَدْ فَاقَ الكُلَّ، فَطَلبتُ مِنَ الكَمَالِ ابْنِ يُوْنُسَ شَيْئاً مِنْ تَصَانِيْفِهِ، فَوَقَفْتُ عَلَى "التَّلْوِيْحَاتِ"، وَ"المعَارجِ"، وَفِي أَثْنَاءِ كَلاَمِهِ يُثْبِتُ حُرُوَفاً مُقَطَّعَةً يُوهِمُ بِهَا أَنَّهَا أَسرَارٌ إِلَهِيَّةٌ، وَقَالَ: أَعربتُ الفَاتِحَةَ فِي نحو عشرين كراسًا.(16/239)
5639- ابن معطي 1:
العَلاَّمَةُ شَيْخُ النَّحْوِ زَيْنُ الدِّيْنِ أَبُو الحُسَيْنِ يَحْيَى بنُ عَبْدِ المُعْطِي بنِ عَبْدِ النُّوْرِ الزَّوَاوِيُّ، المَغْرِبِيُّ، النَّحْوِيُّ، الفَقِيْهُ، الحَنَفِيُّ.
مَوْلِدُهُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنَ: القَاسِمِ بنِ عَسَاكِرَ، وَصَنَّفَ "الأَلْفَيَّةَ"، وَ"الفصولَ". وَلَهُ النَّظْمُ وَالنَّثْرُ، وَتَخَرَّجَ بِهِ أَئِمَّةٌ بِمِصْرَ وَبِدِمَشْقَ، وَكَانَ يَشْهَدُ، فَحضرَ عِنْدَ الكَامِلِ مَعَ العُلَمَاءِ فَسَأَلَهُم: زَيدٌ ذهبَ بِهِ، هَلْ يَجوزُ فِي زَيدٍ النَّصْبُ? فَقَالُوا: لاَ. فَقَالَ ابْنُ معطٍ: يَجوزُ عَلَى أَنْ يَكُوْنَ المُرْتَفِعُ يُذْهَبُ بِهِ المصدرُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ ذَهبَ بِهِ وَهُوَ الذَّهَابُ، وَيَكُوْنُ مَوْضِعٌ بِهِ النَّصْبُ، فَيَكُوْنُ مِنْ بَابِ زَيدٌ مَرَرْتُ بِهِ، فَأَعْجَبَ الكَامِلَ، وَقَرَّرَ لَهُ مَعْلُوْماً، وَقَدْ أَخَذَ عَنْ: أَبِي مُوْسَى الجُزُوْلِيِّ.
مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وست مائة، بمصر.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان "6/ ترجمة 801"، والنجوم الزاهرة "6/ 278"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "5/ 129".(16/239)
5640- عمر بن كرم 1:
ابن علي بن عمر، الشَّيْخُ المُسْنِدُ الأَمِيْنُ أَبُو حَفْصٍ بنُ أَبِي المَجْدِ الدِّيْنَوَرِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الحَمَّامِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ مِنْ: جَدِّهِ لأُمِّهِ الإِمَامِ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ مُحَمَّدٍ الصَّابُوْنِيِّ، وَنَصْرِ بنِ نَصْرٍ العُكْبَرِيِّ، وَأَبِي الوَقْتِ السِّجْزِيِّ، وَالمُبَارَكِ ابْنِ التَّعَاوِيْذِيِّ، وَفَاطِمَةَ بِنْتِ سَعْدِ اللهِ المِيْهَنِيِّ.
وَأَجَازَ لَهُ أَبُو الفَتْحِ الكَرُوْخِيُّ، فَرَوَى عَنْهُ "جَامِعَ التِّرْمِذِيِّ". وَأَجَاز لَهُ: عُمَرُ بنُ أحمد ابن الصَّفَّارِ، وَأَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المَذَارِيِّ، وَعَبْدُ الخَالِقِ اليُوْسُفِيُّ وَجَمَاعَةٌ.
وَرَوَى الكَثِيْرَ، وَتَفَرَّدَ، وَكَانَ شَيْخاً مُبَارَكاً، صَحِيْحَ السَّمَاعِ وَالإِجَازَاتِ، وَتَفَرَّدَ بِأَجزَاءَ عَنْ أَبِي الوَقْتِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نُقْطَةَ، وَالدُّبَيْثِيُّ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَابْنُ المَجْدِ، وَأَبُو المُظَفَّرِ ابْنُ النَّابُلُسِيِّ، وَالفَخْرُ عَلِيُّ ابْنُ البُخَارِيِّ، والتقي ابن الواسطي، وَالشَّمْسُ ابْنُ الزَّيْنِ، وَالعِزُّ الفَارُوْثِيُّ، وَالعِمَادُ إِسْمَاعِيْلُ ابن البطال، وَالرَّشِيْدُ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ، وَالمَجْدُ ابْنُ الخَلِيْلِيِّ، وَالشِّهَابُ الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَعِدَّةٌ. وَآخِرُ مَنْ رَوَى عنه بالإجازة القاضي تقي الدين سليمان بن حَمْزَةَ الحَنْبَلِيُّ.
وَفِي "مُعْجَمِ الأَبَرْقُوْهِيِّ" قَالَ مُخَرِّجُهُ: كَانَ عُمَرُ بنُ كَرَمٍ مِنْ أَهْلِ العِبَادَةِ وَالعِفَافِ، مُنْقَطِعاً عَنِ النَّاسِ، خَاشِعاً عِنْدَ قِرَاءةِ الحَدِيْثِ. تُوُفِّيَ: فِي سَادسِ رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ صَالِحاً، وَرِعاً، مُتَدَيِّناً، مُتَعَفِّفاً، مُتَعَبِّداً، وَمِنْ مَرْوِيَّاتِهِ: الخَامِسُ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ مَخْلَدٍ، عَنْ طَاهِرِ بنِ خَالِدِ بنِ نِزَارٍ، وَابْنِ كَرَامَةَ، سَمِعَهُ مِنْ نَصْرِ بنِ نَصْرٍ العُكْبَرِيِّ، وَالأَوَّلُ الكَبِيْرُ مِنَ "المُخَلِّصِيَّاتِ"، وَكِتَابُ "الاعتبَارِ" لابْنِ أَبِي الدُّنْيَا، سَمِعَهُ مِنْ نَصْرِ بنِ نَصْرٍ، وَالتَّاسعُ مِنَ "الجَعْدِيَّاتِ"، سَمِعَهُ مِنْ أَبِي الوَقْتِ، وَ"جُزءُ النَّحَّاسِ وَالأَطعِمَةِ" لِلدَّارِمِيِّ، وَ"مُسْنَدُ عَبْدٍ"، وَ"دَرَجَاتُ التَّائِبينَ"، وَ"صَحِيْحُ البُخَارِيِّ"، وَالخَامِسُ وَالسَّادِسُ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ صَاعِدٍ.
وَقَرَأْتُ بِخَطِّ السَّيْفِ أَحْمَدَ أَنَّ عُمَرَ بنَ كَرَمٍ لَمْ يُعْقِبْ، وَأَنَّهُ كَانَ لَهُم حَمَّامٌ فَصُودِرُوا، وَكَانَ يُزَيِّنُ، ثُمَّ عَجِزَ وَانقطعَ فِي دُوَيْرَةٍ، وَكَانَ لاَ يَرُدُّ شَيْئاً، وَرُبَّمَا عَرَّضَ، وَكَانَ يَتَزَهَّدُ وَيَتقَشَّفُ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 279"، وشذرات الذهب "5/ 132".(16/240)
5641- خوارزمشاه 1:
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ جَلاَلُ الدِّيْنِ مَنْكوبرِي ابْنُ السُّلْطَانِ الكبير علاء الدين مُحَمَّدِ ابْن السُّلْطَانِ خُوَارِزْمشَاه تَكِشّ ابْنِ خُوَارِزْمشَاه أَرْسَلاَن ابْنِ الملكِ آتْسِز بنِ مُحَمَّدِ بنِ نُوشْتِكِيْنَ الخُوَارِزْمِيُّ.
تَمَلَّكَ البِلاَدَ، وَدَانَتْ لَهُ الأُمَمُ، وَجَرَتْ لَهُ عَجَائِبُ وَعِنْدِي سِيْرَتُهُ فِي مُجَلَّدٍ. وَلَمَّا دَهَمَتِ التَّتَارُ البِلاَدَ المَاورَاءَ النَّهْرِيَّةِ بَادرَ والده علاء الدين وجعل جالشيه وَلدَهُ جَلاَلَ الدِّيْنِ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفاً، فَتوَغَّلَ فِي البِلاَدِ، وَأَحَاطَتْ بِهِ المغولُ، فَالتقَاهُم، فَانْكَسَرَ، وَتَخلَّصَ بَعْدَ الجهدِ، وَتوصَّلَ. وَأَمَّا أَبُوْهُ فَمَا زَالَ مُتقهقِراً بَيْنَ يَدَي العَدُوِّ حَتَّى مَاتَ غرِيباً سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ فِي جَزِيْرَةٍ مِنَ البَحْرِ.
قَالَ الشِّهَابُ النَّسَوِيُّ المُوَقِّعُ:
كَانَ جَلاَلُ الدِّيْنِ أَسْمَرَ تُركيّاً قصِيْراً مُنعجمَ العبَارَةِ، يَتَكَلَّمُ بِالتُرْكيَّةِ وَبِالفَارِسيَّةِ. وَأَمَّا شَجَاعَتُهُ فَحسبُكَ مَا أَوْرَدتُهُ مِنْ وَقعَاتِهِ، فَكَانَ أَسداً ضِرغَاماً، وَأَشجعَ فُرْسَانِهِ إِقدَاماً، لاَ غَضوباً وَلاَ شَتَّاماً، وَقُوراً، لاَ يَضحكُ إلَّا تَبسُّماً، وَلاَ يُكثِرُ كَلاَماً، وَكَانَ يَختَارُ العَدْلَ غَيْرَ أَنَّهُ صَادفَ أَيَّامَ الفِتْنَةِ فَغُلِبَ.
وَقَالَ المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ: كَانَ أَسْمَرَ أَصْفَرَ نَحِيْفاً سَمْجاً لأَنَّ أمه هِنديَّةٌ، وَكَانَ يَلبسُ طَرْطُوراً فِيْهِ مِنْ شِعرِ الخيلِ مُصَبَّغاً بِأَلوَانٍ، وَكَانَ أَخُوْهُ غِيَاثُ الدِّيْنِ أَجْمَلَ النَّاسِ صُوْرَةً وَأَرقَّهُم بَشَرَةً، لَكنَّهُ ظَلُوْمٌ وَأُمُّهُ تُركِيَّةٌ.
قُلْتُ: وَكَانَ عَسْكَرُهُ أَوبَاشاً فِيهِم شَرٌّ وَفِسْقٌ وَعُتُوٌّ.
قَالَ المُوَفَّقُ: الزِّنَى فِيهِم فَاشٍ وَاللِّوَاطُ غَيْرُ مَعْذُوقٍ بِكِبَرٍ وَلاَ صِغَرٍ وَالغَدْرُ خُلُقٌ لَهُم، أَخذُوا تَفلَيْسَ بِالأَمَانِ، ثُمَّ غدرُوا وَقتلُوا وَسَبَوا.
قُلْتُ: كَانَ يُضْرَبُ بِهِمُ المصل فِي النَّهْبِ وَالقَتلِ، وَعَمِلُوا كُلَّ قَبِيحٍ، وَهُم جياع مجمعة،
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب "5/ 130".(16/241)
ضِعَافُ العُدَدِ وَالخيلِ. التقَى جَلاَلُ الدِّيْنِ التَّتَارَ، فهزمهم، وهلك مقدمهم ابن جنكزخان، فَعظُمَ عَلَى أَبِيْهِ وَقصدَهُ فَالتَقَى الجمعَانِ عَلَى نهر السند، فانهزم جنكزخان ثُمَّ خَرَجَ لَهُ كَمِينٌ فَتفلَّلَ جَمعُ جَلاَلِ الدِّيْنِ وَفَرَّ إِلَى نَاحِيَةِ غَزْنَةَ فِي حَالٍ وَاهيَةٍ، وَمَعَهُ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ، فَتوجَّهَ نَحْو كِرْمَانَ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِ مَلِكُهَا، فَلَمَّا تَقَوَّى غدَرَ بِهِ وَقتلَهُ، وَسَارَ إِلَى شِيْرَازَ وَعَسْكَرُهُ عَلَى بَقَرٍ وَحَمِيْرٍ وَمشَاةٌ فَفَرَّ مِنْهُ صَاحِبُهَا، وَجَرَتْ لَهُ أُمُوْرٌ يَطولُ شَرحُهَا مَا بَيْنَ ارْتقَاءٍ وَانخفَاضٍ، وَهَابَتْهُ التَّتَارُ، وَلَولاَهُ لَدَاسُوا الدُّنْيَا. وَقَدْ ذَهَبَ إِلَيْهِ مُحْيِي الدِّيْنِ ابْنُ الجَوْزِيِّ رَسُوْلاً فَوَجَدَهُ يَقرَأُ فِي مُصحَفٍ وَيَبْكِي، ثُمَّ اعتذَرَ عَمَّا يَفعلُهُ جُندُهُ بِكَثرَتِهِم، وَعَدَمِ طاعتهم، وقد تَقَاذَفَتْ بِهِ البِلاَدُ إِلَى الهِنْدِ ثُمَّ إِلَى كِرْمَانَ ثُمَّ إِلَى أَعْمَالِ العِرَاقِ، وَسَاقَ إِلَى أَذْرَبِيْجَانَ، فَاسْتولَى عَلَى كَثِيْرٍ مِنْهَا، وَغدَرَ بِأَتَابَك أُزبكَ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ بلاَدِهِ، وَأَخَذَ زَوجَهُ ابْنَةَ السُّلْطَانِ طُغْرِلَ، فَتَزَوَّجَهَا، ثُمَّ عمِلَ مَصَافّاً مَعَ الكُرْجِ فَطَحَنَهُم، وَقَتَلَ مُلوكَهُم، وَقوِيَ مُلكُهُ، وَكثُرَتْ جُمُوْعُهُ، ثُمَّ فِي الآخِرِ تَلاَشَى أَمرُهُ لَمَّا كَسرَهُ الملكُ الأَشْرَفُ مُوْسَى وَصَاحِبُ الرُّوْمِ بِنَاحيَةِ أَرْمِيْنِيَةَ، ثُمَّ كَبَسَتْهُ التَّتَارُ لَيْلَةً، فَنَجَا فِي نَحْوٍ مِنْ مائَةِ فَارِسٍ، ثُمَّ تَفرَّقُوا عَنْهُ إِلَى أَنْ بَقِيَ وَحْدَهُ، فَأَلَحَّ فِي طَلَبِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنَ التَّتَارِ فَثَبَتَ لَهُم وَقَتَلَ اثْنَيْنِ فَأَحجَمُوا عَنْهُ، وَصعِدَ فِي جَبلٍ بِنَاحيَةِ آمدَ يَنْزِلُهُ أَكرَادٌ فَأَجَارَهُ كَبِيْرٌ مِنْهُم، وَعرَفَ أَنَّهُ السُّلْطَانُ، فَوَعَدَهُ بِكُلِّ خَيْرٍ، فَفَرحَ الكُرْدِيُّ، وَذَهَبَ لِيُحضِرَ خَيلاً لَهُ وَيُعلِمَ بنِي عَمِّهِ، وَتركَهُ عِنْدَ أُمِّهِ، فَجَاءَ كردِيٌّ فِيْهِ جُرَأَةٌ فَقَالَ: ليش تخلُّوا هَذَا الخُوَارِزْمِيَّ عِنْدَكُم? قِيْلَ: اسكُتْ هَذَا هُوَ السُّلْطَانُ، فَقَالَ: لأَقتُلَنَّهُ فَقَدْ قتل أخي بخلاط، ثم شد عليه بحرية، قَتَلَهُ فِي الحَالِ فِي نِصْفِ شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.(16/242)
5642- أَبُو مُحَمَّدٍ الرَّوَابطِيُّ:
مِنْ كِبَارِ الزُّهَّادِ بِالأَنْدَلُسِ.
أَخَذَ عَنْهُ ابْنُ مَسْدِيٍّ. وَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، كَانَ يَسيحُ بِثُغُورِ الأَنْدَلُسِ، يَأْوِي فِي مَسَاجِدِ البِرِّ، لَهُ كَرَامَاتٌ، أُسِرَ إِلَى طرطوشَةَ وَقَيَّدُوْهُ، فَقَامَ النَّصْرَانِيُّ لَيْلَةً فَرَآهُ يُصَلِّي، وَقَيْدُهُ إِلَى جَنْبِهِ، فَتَعَجَّبَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ رَآهُ فِي رِجْلِهِ، فَرقَبَهُ ثَانِي لَيْلَةٍ فكذلك، فذهب فأخبر القسيس، فَقَالُوا: أَحضِرْهُ، فَجَاءَ بِهِ، وَجَرَتْ بَيْنَهُ وَبَينهُم مُحَاوَرَةٌ، ثُمَّ قَالُوا: لاَ يَحِلُّ أَنْ نَأْسُرَكَ، فَاذهبْ، وَلطرطوشَةَ نَهْرٌ تُعْمَلُ فِيْهِ السُّفُنَ، فَلَقِيَهُ أَسيرٌ، فَقَالَ: بِاللهِ خُذنِي. فَأَخَذَ بِيَدِهِ، وَخَاضَ إلى نصف الساق، فتعجب النصارى وشاعت القصة.(16/242)
الأمجد، المسعود:
5643- الأمجد 1:
الملكُ الأَمجدُ مَجْدُ الدِّيْنِ أَبُو المُظَفَّرِ بَهْرَام شَاه ابْنُ نَائِبِ دِمَشْقَ فَرُّوخشَاه ابْنِ الملكِ شَاهنشَاه بنِ أَيُّوْبَ صَاحِبِ بَعْلَبَكَّ بَعْدَ وَالِدِهِ، ملَّكَهُ إِيَّاهَا عَمُّ أَبِيْهِ السُّلْطَانُ صَلاَحُ الدِّيْنِ فَدَامَتْ دَوْلَتُهُ خَمْسِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ جَوَاداً كَرِيْماً، شَاعِراً مُحْسِناً، لَهُ نَظْمٌ رَائِقٌ، وَلَهُ "دِيْوَانٌ".
قَهرَهُ السُّلْطَانُ الملكُ الأَشْرَفُ مُوْسَى، وَأَخَذَ مِنْهُ بَعْلَبَكَّ قَبْلَ مَوْتِهِ بعَامٍ، وَملَّكَهَا لأَخِيهِ الصَّالِحِ، فَتحوَّلَ الأَمجدُ المَذْكُوْرُ إِلَى دِمَشْقَ، وَنَزَلَ بدَارِهِ داخل باب النصر.
قتله مملوك مَليحٌ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، فَدُفِنَ عِنْدَ وَالِدِهِ بِالمَدْرَسَةِ الفَرُّوخشَاهيَّةِ، وَهُوَ جدُّ الملكِ الحَافِظِ مُحَمَّدِ بنِ شَاهنشَاه صَاحِبِ أَرَاضِي جِسْرِيْنَ، وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ بِهَا، وَفَرَّ قَاتِلُهُ إلى السطح، وخاف فألقى نفسه فهلك.
5644- المسعود 2:
صَاحِبُ اليَمَنِ الملكُ المَسْعُوْدُ أَقسيسُ ابْنُ السُّلْطَانِ الملكِ الكَامِلِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَيُّوْبَ.
جَهَّزَهُ أَبُوْهُ فَافْتَتَحَ اليَمَنَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَقبضَ عَلَى سُلَيْمَانَ الَّذِي كَانَ مِنْ بَنِي عَمِّهِم، وَتَزَوَّجَ بِابْنَةِ جوزَا من بنات الإِسْلاَمِ وَأَحَبَّهَا، وَحَارَبَ إِمَامَ الزَّيْدِيَّةِ مَرَّاتٍ، وَتَمَكَّنَ وَعَمِلَ نِيَابَةَ الأَمِيْرِ عُمَرَ بنِ رَسُوْلٍ الَّذِي تَمَلَّكَ اليَمَنَ مِنْ بَعْدِهِ، وَتَمَلَّكَ مَكَّةَ. وَكَانَ شَهْماً، شُجَاعاً، زَعِراً، ظَلُوْماً، وَقمعَ الزَّيْدِيَّةَ وَالخَوَارِجَ. وَلَمَّا سَمِعَ بِمَوْتِ عَمِّهِ المُعَظَّمِ عَزَمَ عَلَى أَخْذِ دِمَشْقَ. وَكَانَتْ أَثقَالُهُ -عَلَى مَا نَقَلَ أَبُو المُظَفَّرِ- فِي خَمْسِ مائَةِ مركبٍ وَمَعَهُ أَلفُ خَادمٍ وَمائَةُ قنطَارِ عنبرٍ وَعُوْدٍ، وَمائَةُ أَلْفِ ثَوْبٍ، وَمائَةُ صُنْدُوْقٍ مَالاً، فَقَدِمَ مَكَّةَ، وَقَدْ أَصَابَهُ فَالِجٌ، وَلَمَّا احتُضِرَ، قَالَ: وَاللهِ مَا أَرْضَى مِنْ مَالِي كَفَناً، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى فَقِيْرٍ فَقَالَ: تَصدَّقْ عليَّ بِكَفَنٍ، وَدُفِنَ بِالمُعَلَّى.
قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ أَبَاهُ سُرَّ بِمَوْتِهِ، وَكَانَ يَعسفُ التُّجَّارَ، وَيَشربُ الخَمْرَ بِمَكَّةَ، وَيَرمِي بِالبُنْدُقِ عِنْدَ البَيْتِ.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: سَارَ آتسِزُ إِلَى مَكَّةَ وَهِيَ لِحَسَنِ بنِ قَتَادَةَ العلوي من بَعْدِ أَبِيْهِ، فَأَسَاءَ إِلَى أَهْلِهَا، فَحَارَبَهُ بِبطنِ مَكَّةَ، فَانْهَزَمَ حسنٌ، وَنَهبَ آتسِز مَكَّةَ وَتعثَّرُوا.
مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَخلَّفَ وَلداً، وَهُوَ الملكُ الصَّالِحُ يُوْسُفُ، عَاشَ إِلَى بَعْدِ الأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: أَطْسِيس، وَالعَامَّةُ تَقُوْلُهُ: أَقسيس، وَهِيَ كلمَةٌ مُركَّبَةٌ تَفسيرُهَا مَا لَهُ اسْم، وَيَقُوْلُوْنَ: مَنْ لاَ يَعِيْشُ لَهُ وَلدٌ، فَسَمَّى ولده أطسيس عاش.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "2/ 453"، والنجوم الزاهرة "6/ 275"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 126".
2 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ 82"، والنجوم الزاهرة "6/ 272"، وشذرات الذهب "5/ 120".(16/243)
ابن صيلا، ابن سكينة:
5645- ابن صيلا 1:
الشيخ أبو محمد عبد الرحمن بنُ عَتِيْقُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَلِيِّ بنِ صِيْلاَ الحَرْبِيُّ، المُؤَدِّبُ.
رَوَى عَنْ: أَبِي الوَقْتِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زَيْدٍ الوَرَّاقِ.
وَعَنْهُ: السَّيْفُ ابْنُ المَجْدِ، وَالتَّقِيُّ ابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَالشِّهَابُ الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَمِنْ سَمَاعِ ابْنِ الوَاسِطِيِّ مِنْهُ كِتَابُ "ذَمِّ الكَلاَمِ".
تُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سنة ست وعشرين وست مائة.
5646- ابن سكينة 2:
الشَّيْخُ العَالِمُ المُسْنِدُ عَلاَءُ الدِّيْنِ أَبُو الحَسَنِ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ الأَمِيْنِ أَبِي مَنْصُوْرٍ عَلِيِّ بنِ عَلِيِّ ابْنِ سُكَيْنَةَ البَغْدَادِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا الوَقْتِ السِّجْزِيَّ، وَمَحْمُوْداً فورجَة، وَأَبَا المُظَفَّرِ مُحَمَّدَ بنَ التُّرَيْكِيِّ، ويحيى ابن تَاجِ القُرَّاءِ، وَالوَزِيْرَ الفَلَكِيَّ. وَسَمِعَ حُضُوْراً مِنْ: نَصْرِ بنِ نَصْرٍ العُكْبَرِيِّ، وَسَعِيْدِ ابْنِ البَنَّاءِ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَابْنُ الحَاجِبِ، وَأَبُو المُظَفَّرِ ابْنُ النَّابُلُسِيِّ، وَالمَجْدُ عَبْدُ العَزِيْزِ ابْنُ الخَلِيْلِيِّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ ابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَابْنُ الزَّيْنِ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ ابْنُ النَّجَّارِ، نَسخَ الكَثِيْرَ، وَكَانَ إِنْسَاناً مُتَوَاضِعاً، رَوَى لَنَا عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: فَاطِمَةُ بِنْتُ سُلَيْمَانَ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وعشرين وست مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 275"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 124".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 275"، وشذرات الذهب "5/ 124، 125".(16/244)
اين برجان، صاحب إربل:
5647- ابن برجان 1:
العَلاَّمَةُ لُغوِي الْعَصْر أَبُو الحَكَمِ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ شَيْخِ الصُّوْفِيَّة أَبِي الحَكَمِ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابنِ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ اللَّخْمِيُّ الإِفْرِيْقِيّ ثُمَّ الإِشْبِيْلِيّ المُقْرِئ. وَيُقَالُ لَهُ: ابْنُ بَرَّجَان، وَذَلِكَ مُخَفَّف مِنْ أَبِي الرَّجَّالِ.
أَخَذَ القراءات عن جماعة، والعربية عن: إِسْحَاقَ بنِ مُلْكُوْنَ.
قَالَ الأَبَّارُ: كَانَ مِنْ أَحْفَظِ أَهْلِ زَمَانِهِ لِلُّغَةِ، مُسَلَّماً ذَلِكَ لَهُ، ثِقَةً، صَدُوْقاً، لَهُ ردّ عَلَى ابْنِ سَيّده، وَكَانَ صَالِحاً، مُقْبِلاً عَلَى شَأْنه.
مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، رَحِمَهُ اللهُ.
5648- صَاحِبُ إربل 2:
السُّلْطَانُ الدَّيِّنُ المَلِك المُعَظَّمُ مُظَفَّر الدِّيْنِ أَبُو سَعِيْدٍ كُوْكْبُرِي بن عَلِيِّ بن بكتكين بن مُحَمَّدٍ التُّرُكْمَانِيّ صَاحِب إِرْبِل وَابْن صَاحِبهَا وَمُمَصِّرِهَا الملك زين الدين علي كوجك، وكرجك هُوَ اللَّطِيْف القدّ، كَانَ كُوجك شَهْماً شُجَاعاً مَهِيْباً، تَملَّك بلاَداً كَثِيْرَة، ثُمَّ وَهبهَا لأَوْلاَد صاحب المَوْصِل، وَكَانَ يُوْصَف بِقُوَّةٍ مُفْرِطَةٍ، وَطَالَ عُمُرُهُ، وَحَجَّ هُوَ وَالأَمِيْرُ أَسَدُ الدِّيْنِ شِيرْكُوْهُ بنُ شَاذِي، وَتُوُفِّيَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ أَوقَافٌ وَبِرٌّ وَمَدْرَسَة بِالمَوْصِلِ. فَلَمَّا مَاتَ تَملك إِرْبِل ابْنه هَذَا وَهُوَ مُرَاهِق، وَصَارَ أَتَابَكه مُجَاهِد الدِّيْنِ قَيْمَاز، فَعمل عَلَيْهِ قَيْمَاز وَكَتَبَ مَحضراً بِأَنَّهُ لاَ يَصلُح لِلمُلْك وَقبضَ عَلَيْهِ وَمَلَّكَ أَخَاهُ زَيْن الدِّيْنِ يُوْسُف، فتوجه مظفر الدين إلى بغداد فما التقوا عَلَيْهِ، فَقَدِمَ المَوْصِلَ عَلَى صَاحِبِهَا سَيْفِ الدِّيْنِ غَازِي بنِ مَوْدُوْدٍ، فَأَقطعه حَرَّان، فَبقِي بِهَا مُدَيْدَة، ثُمَّ اتَّصل بِخدمَة السُّلْطَان صَلاَح الدِّيْنِ، وغزا معه، وتكمن مِنْهُ، وَأَحَبّه، وَزَاده الرُّهَا، وَزَوَّجَهُ بِأُخْته رَبِيْعَةَ وَاقِفَةِ الصَّاحبيَّةِ. وَأَبَان مُظَفَّر الدِّيْنِ عَنْ شجَاعَة يَوْم حِطِّين، وَبَيَّنَ، فَوَفَدَ أَخُوْهُ صَاحِب إِرْبِل على صلاح الدين
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 124".
2 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 547"، والنجوم الزاهرة "6/ 282"، وشذرات الذهب "5/ 138-140".(16/245)
نَجدَة، فَتمرض، وَمَاتَ عَلَى عَكَّا، فَأَعْطَى السُّلْطَان مُظَفَّر الدِّيْنِ إِرْبِل وَشهرزور، وَاسْترد مِنْهُ حَرَّان وَالرُّهَا.
وَكَانَ مُحِبّاً لِلصَّدقَة، لَهُ كُلّ يَوْم قنَاطير خُبْز يُفرِّقهَا، وَيَكسو فِي العَامِ خلقاً وَيُعْطِيهُم دِيْنَاراً وَدِيْنَارَيْنِ، وَبَنَى أَرْبَع خَوَانك لِلزَّمْنَى وَالأَضرَّاء، وَكَانَ يَأْتيهِم كُلّ اثْنَيْنِ وَخَمِيْس وَيَسْأَل كل واحد عن حاله ويتفقده ويبساطه وَيَمزح مَعَهُ. وَبَنَى دَاراً لِلنِّسَاءِ، وَدَاراً لِلأَيتَامِ، ودارًا للقطاء، ورتب بها وَارد، وَيُعْطَى كُلّ مَا يَنْبَغِي لَهُ. وَبَنَى مَدْرَسَةً لِلشَّافِعِيَّة وَالحَنَفِيَّة وَكَانَ يَمدّ بِهَا السِّمَاط، وَيَحضر السَّمَاع كَثِيْراً، لَمْ يَكُنْ لَهُ لَذَّة فِي شَيْءٍ غَيْره. وَكَانَ يَمْنَع مِنْ دُخُوْلِ مُنْكَرٍ بَلَدَهُ، وَبَنَى لِلصُّوْفِيَة رِبَاطَينِ، وَكَانَ يَنْزِل إِلَيْهِم لأَجْل السَّمَاعَات. وَكَانَ فِي السَّنَةِ يَفْتَكُّ أَسرَى بِجُملَةٍ وَيُخْرِجُ سَبِيلاً لِلْحَجِّ، وَيَبعثَ لِلمُجَاوِرِيْنَ بِخَمْسَةِ آلاَف دِيْنَارٍ، وَأَجرَى المَاء إِلَى عرفَات.
وَأَمَّا احتفَاله بِالمَوْلِدِ فَيَقْصُر التَّعْبِيْر عَنْهُ؛ كَانَ الْخلق يَقصدُوْنَهُ مِنَ العِرَاقِ وَالجَزِيْرَة وَتُنْصَب قِبَاب خَشَب لَهُ وَلأَمرَائِهِ وَتُزَيَّن، وَفِيْهَا جوق المغَانِي وَاللّعب، وَيَنْزِل كُلّ يَوْمٍ العَصرَ فَيَقِف عَلَى كُلّ قُبَّة وَيَتفرج، وَيَعْمَل ذَلِكَ أَيَّاماً، وَيُخْرِجُ من البقر والإبل الغنم شَيْئاً كَثِيْراً فَتُنْحَر وَتُطْبَخ الأَلوَان، وَيَعْمَل عِدَّة خِلَع لِلصُّوْفِيَة، وَيَتكلَّم الوُعَّاظ فِي المَيْدَان، فَيُنفق أَمْوَالاً جَزِيْلَة. وَقَدْ جَمَعَ لَهُ ابْن دِحْيَة "كِتَاب المَوْلِد"، فَأَعْطَاهُ أَلف دِيْنَار.
وَكَانَ مُتَوَاضِعاً، خَيِّراً، سُنِّيّاً، يُحبّ الفُقَهَاء وَالمُحَدِّثِيْنَ، وَرُبَّمَا أَعْطَى الشُّعَرَاء، وَمَا نُقِلَ أَنَّهُ انْهَزَم فِي حَرْب، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا وَأَمثَاله ابْنُ خَلِّكَانَ وَاعْتَذَرَ مِنَ التَّقْصِير.
مَوْلِدُهُ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْس مائَة بِإِرْبِل.
قَالَ ابْنُ السَّاعِي: طَالت عَلَيْهِ مُدَارَاة أَوْلاَد العَادل، فَأَخَذَ مَفَاتيح إِرْبِل وَقِلاعهَا، وَسَلَّم ذَلِكَ إِلَى المُسْتَنْصِر، فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ. قَالَ: فَاحتفلُوا لَهُ، وَاجْتَمَعَ بِالخَلِيْفَةِ، وَأَكْرَمَهُ، وَقلَّدهُ سَيْفَيْنِ وَرَايَاتٍ وَخِلَعاً وَسِتِّيْنَ أَلْفَ دِيْنَار.
وَقَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: كَانَ مُظَفَّر الدِّيْنِ يُنفق فِي السَّنَةِ عَلَى المَوْلِد ثَلاَث مائَة أَلْف دِيْنَار، وَعَلَى الخَانْقَاه مائَتَيْ أَلفِ دِيْنَار، وَعَلَى دَار الْمضيف مائَة أَلْف. وعد من هذا الخسف أشياء.
وَقَالَ: قَالَ مَنْ حضَر المَوْلِد مرَّة: عددت عَلَى سِمَاطه مائَة فَرَس قشلمِيش، وَخَمْسَة آلاَف رأس مشوي، وَعَشْرَة آلاَف دَجَاجَة، وَمائَة أَلْف زُبديَة، وَثَلاَثِيْنَ أَلْفَ صحْن حلوَاء.
قُلْتُ: مَا أَعْتَقِد وُقُوع هَذَا، فَعُشر ذَلِكَ كَثِيْر جِدّاً.
وَقَدْ حَدَّثَ عن حنيل المُكَبِّر.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: مَاتَ لَيْلَةَ الجُمُعَة، رَابِعَ عَشَرَ رَمَضَان، سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَعُمِلَ فِي تَابوت، وَحُمِلَ مَعَ الحُجَّاج إِلَى مَكَّةَ، فَاتَّفَقَ أَنَّ الوَفْد رَجَعُوا تِلْكَ السّنَة لِعدم المَاء، فَدُفِنَ بِالكُوْفَةِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، وَعَاشَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
وَعَاشَ أَبُوْهُ فَوْقَ المائَةِ، وَعَمِي وَأَصَمّ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الدَّوْلَة الأَتَابَكيَة، مَا انْهَزَم قَطُّ. وَمَدَحَهُ الحَيْصَ بَيْصَ، فَقَالَ: مَا أَعْرفُ مَا تَقُوْلُ، وَلَكِنِّي أَدْرِي أَنَّك تُرِيْدُ شَيْئاً! وَأَمَرَ لَهُ بِخِلْعَةٍ وَفَرَسٍ وخمس مائة دينار.(16/246)
5649- صاحب الغرب:
السُّلْطَانُ أَبُو عَبْدِ اللهِ المَلِكُ النَّاصِرُ مُحَمَّدُ ابن السلطان يعقوب ابن السُّلْطَانِ يُوْسُفَ بنِ عَبْدِ المُؤْمِنِ بنِ عَلِيٍّ القَيْسِيُّ. وَأُمُّه، رُومِيَّة اسْمهَا زهر.
تَمَلَّكَ البِلاَد بِعَهْدٍ مِنْ أَبِيْهِ مُتَقَدِّم. وَكَانَ أَشقر، أَشهل، أَسِيْل الخدّ، مليح الشّكل، كَثِيْر الصَّمْت وَالإِطْرَاق، شُجَاعاً، مَهِيْباً، بعيد الغَوْر، حليماً، عَفِيْفاً عَنِ الدِّمَاء، وَفِي لِسَانه لثغَة، وَكَانَ يُبَخَّل، وَلَهُ عِدَّةُ أَوْلاَد. اسْتَوْزَر أَبَا زَيْد بن يُوجَّان، ثُمَّ عَزَلَهُ وَاسْتَوْزَرَ الأَمِيْر إِبْرَاهِيْم أَخَاهُ، وَكَتَبَ سرَّه ابْنُ عَيَّاشٍ، وَابْن يَخْلَفتنَ الفَازَازِي، وَوَلِيَ قَضَاءهُ غَيْر وَاحِد. حَارَبَه ابْن غَانِيَة، وَاسْتَوْلَى عَلَى فَاس. وَخَرَجَ عَلَيْهِ بِالسُّوس الأَقْصَى يَحْيَى بن الجَزَّارَة، وَاسْتفحل أَمره، وَهَزَمَ الموحِّدين، مَرَّات، وَكَادَ أَنْ يَملك المَغْرِب، ثُمَّ قتل. وَيُلَقَّبُ بِأَبِي قصبَة.
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتّ مائَةٍ: سَارَ السُّلْطَان وَحَاصَرَ المَهْدِيَّة أَشْهُراً، وَأَخَذَهَا بِالأَمَان مِنْ نُوَّاب ابْن غَانِيَة، وَانْحَازَ إِلَى السُّلْطَانِ أَخُو ابْن غَانِيَة سِيْر، فَاحْتَرَمه.
قَالَ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ عَلِيٍّ فِي تَارِيْخِهِ: بَلَغَنِي أَن جُمْلَةَ مَا أَنفقه أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي هَذِهِ السَّفرَة مائَة وَعِشْرُوْنَ حِمْلاً مِنَ الذَّهب، وَردّ إِلَى مَرَّاكُش سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَفرغت هُدنَة الفِرَنْج، فَعبر السُّلْطَان بِجُيوشه إِلَى إِشْبِيْلِيَة.
ثُمَّ تَحَرَّك فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّ مائة لجهاد العدو، فنازل حصنًا لهم، فَأَخَذَهُ، فَسَارَ الفُنْشُ، فِي أَقَاصي المَمَالِك يَسْتَنفر عُبَّاد الصَّلِيب، فَاجتمعت لَهُ جُيُوش مَا سُمِعَ بِمِثْلِهَا، وَنجدته فِرَنْج الشَّام، وَعَسَاكِر قُسْطَنْطِيْنِيَّة، وَملك أَرغُن البَرْشَلُوْنِيّ، وَاسْتنفر السُّلْطَان أَيْضاً النَّاس، وَالتَقَى الجَمْعَان، وَتعرف بوقعَة العِقَاب، فَتحمَّل الفُنْشُ حَملَةً شَدِيْدَة، فَهَزم المُسْلِمِيْنَ، وَاسْتُشْهِدَ خلق كَثِيْر. وَكَانَ أَكْبَر أَسبَاب الكسرَة غَضَب الجُنْد مِنْ تَأَخُّرِ عَطَائِهِم، وَثبت السُّلْطَان ثبَاتاً كُلِّياً، لولاَهُ لاَستُؤصل جَيْشُه، وَكَانَتِ المَلْحَمَة فِي صَفَرٍ سَنَة تِسْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَرجع العَدُوّ بغَنَائِم لاَ تُوصَفُ، وَأَخَذُوا بيَّاسَة عَنْوَةً، فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ.
مرض السُّلْطَان أَيَّاماً بِالسكتَة، وَمَاتَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكَانَتْ أَيَّامه خَمْسَةَ عَشَرَ عَاماً، وَقَامَ بَعْدَهُ ابْنه المُسْتَنْصِر يُوْسُف عَشْرَة أَعْوَام. وَيُقَالُ: تَنَكَّر مُحَمَّد ليلاً، فوقع بع العَسَسُ، فَانْتظمُوْهُ، بِرمَاحهِم، وَهُوَ يَصيح: أَنَا الخَلِيْفَة، أنا الخليفة.(16/247)
ابنه، عبد الواحد:
5650- ابنه:
السُّلْطَانُ المُسْتَنْصِرُ بِاللهِ أَبُو يَعْقُوْبَ يُوْسُفُ بنُ محمد بن يعقوب المؤمني.
تَمَلَّكَ المَغْرِبَ سَنَةَ عَشْرٍ، وَكَانَ بَدِيْعَ الحُسْنِ، بليغ المنطق، عارفًا فِي وَادِي اللَّهْو وَالبطَالَة.
وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ، فَملَّكوهُ وَلَهُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً فَضيَّعُوا أَمر الأُمَّة، وَأُمّه أُمّ وَلَدٍ، اسْمهَا قَمَر الرُّوْمِيَّة، وَكَانَ يُشَبَّه بِجدِّه. قَامَ بِبَيعته عِيْسَى بن عَبْدِ المُؤْمِنِ، فَهُوَ عَمّ جدّه، وَآخِرُ مَنْ تَبقَّى مِنْ أَوْلاَدِ السُّلْطَانِ عَبْدِ المُؤْمِنِ، وَقَدْ حَيّ إِلَى حُدُوْدِ العِشْرِيْنَ، فَقَامَ يَوْم البَيْعَة كَاتِبُ سِرِّهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ عَيَّاشٍ، وَبَقِيَ يَقُوْلُ لِلأَعيَانِ: تُبَايعُوْنَ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ ابن أمير المؤمنين على ما بايع الصَّحَابَةُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ السَّمْعِ وَالطَّاعَة فِي اليُسْرِ وَالعُسْرِ.
وَخَرَجَ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَلد العَاضد بِاللهِ العُبَيْدِيّ المِصْرِيّ الَّذِي هَرَبَ مِنْ بَنِي أَيُّوْبَ إِلَى المَغْرِب، فَقَامَتْ مَعَهُ صِنْهَاجَةُ، وَعَظُم البَلاَء بِهِ، وَكثرت جُمُوْعه، وَكَانَ ذَا سَمْت وَصَمْت وَتَعَبُّد، فَقصَد سِجِلْمَاسَةَ، فَالتقَاهُ مُتَوَلِّيهَا حَفِيْد عَبْد المُؤْمِنِ، فانتصر ابن العاضد، ولم يزل ينتقل وَتَكثر جُمُوْعه، وَلاَ يَتُمّ لَهُ أَمر لِغُربَة بَلَدِهِ، وَعدم عَشِيرَته، وَلأَنَّ لِسَانَهُ غَيْر لِسَان البَرْبَرِ، ثُمَّ أَمسكَهُ مُتَوَلِّي فَاسَ وَصَلَبَه.
مَاتَ المُسْتَنْصِر فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، ولم يخلف ولدًا، فملكت الموحدون بعده عن أبيه عبد الواحد.
5651- عَبْدُ الوَاحِدِ 1:
ابْنُ السُّلْطَانِ يُوْسُفَ ابْنِ السُّلْطَانِ عَبْدِ المُؤْمِنِ صَاحِب المَغْرِب.
كَانَ شَيْخاً عَاقِلاً، لَكنَّه لَمْ يُدَار القُوَّاد، فَقَامُوا عَلَيْهِ، وَخَلَعُوْهُ، وَخَنقُوهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ، فَكَانَتْ دَوْلَته تسعة أشهر.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 95".(16/248)
عبد الله، صاحب المغرب:
5652- عَبْدُ اللهِ:
ابْنُ السُّلْطَانِ يَعْقُوْبَ بنِ يُوْسُفَ بنِ عَبْدِ المُؤْمِنِ القَيْسِيُّ المُلَقَّب بِالملك العَادل.
كَانَ نَائِباً عَلَى الأَنْدَلُس، فَلَمَّا خُنِقَ عَمُّه عَبْد الوَاحِدِ، ثَارت الفِرَنْج بِالأَنْدَلُسِ، فَالتقَاهُم العَادلُ، فَانْهَزَمَ جَيْشُهُ، وَفَرَّ هُوَ إِلَى مَرَّاكُش فِي حَال نَحْسِهِ، فَقَبَضَ الموحدُوْنَ عَلَيْهِ ثُمَّ بَايَعُوا بالسلطنة يحيى ابن السلطان محمد ابن يُوْسُفَ لَمَّا بَقَلَ وَجهُهُ، فَجَاءت الأَخْبَار بِأَنَّ إِدْرِيْس ابْن السُّلْطَان يَعْقُوْب قَدِ ادَّعَى الخِلاَفَة بإشبيلية، فآل الأمير بيَحْيَى إِلَى أَنْ طَمِعت فِيْهِ الأَعرَاب وَحَاصرته بِمَرَّاكُش، وَضجر مِنْهُ أَهْلُهَا، وَأَخْرَجُوهُ فَهَرَبَ المِسْكِيْن إلى جبل درن، ثُمَّ نَهَضَ مَعَهُ طَائِفَة، وَأَقْبَلَ وَتَمَكَّنَ، وَطَرَدَ نُوَّاب إِدْرِيْس، وَقَتَلَ مِنْهُم، وَتَوَثَّب بِالأَنْدَلُسِ ابْن هُوْدٍ الجُذَامِيُّ، وَدَعَا إِلَى بَنِي العَبَّاسِ، فَمَالَ إِلَيْهِ النَّاس، فَهَرَبَ إِدْرِيْس، وَعبر إِلَى مَرَّاكُش، فَالتَقَى هُوَ وَيَحْيَى فَهَزم يَحْيَى، فَفَر يَحْيَى إِلَى الجَبَلِ، وَكَانَتْ وِلاَيَة العَادل فِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ. وَفِي دَوْلَته كَانَتِ المَلْحَمَة عِنْد طليطلَة، فَاندكَّ فِيْهَا المُسْلِمُوْنَ، ثُمَّ فِي الآخَرِ خُنِقَ العَادل، وَنُهِبَ قَصْرُهُ بِمَرَّاكُش، وَتَمَلَّكَ يَحْيَى بن مُحَمَّد بنِ يَعْقُوْبَ، فَحَارَبَهُ عَمّه -كَمَا ذكرنا، ثم قتل.
5653- صاحب المغرب 1:
السُّلْطَانُ الْملك المَأْمُوْنُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ -كَمَا زَعَمَ- أَبُو العُلَى إِدْرِيْسُ ابْنُ السُّلْطَانِ المَنْصُوْرِ يَعْقُوْبَ بنِ يُوْسُفَ بنِ عَبْدِ المُؤْمِنِ بنِ عَلِيٍّ القَيْسِيُّ.
كَانَ بَطَلاً، شُجَاعاً، مَهِيْباً، دَاهِيَةً، فَقِيْهاً، عَلاَّمَةً، أُصُوْليّاً، نَاظماً، نَاثراً، وَافر الجَلاَلَة، كَانَ بِالأَنْدَلُسِ مَعَ أَخِيْهِ العَادل عَبْد اللهِ، فَلَمَّا ثَارت الفِرَنْج عَلَيْهِ تركَ الأَنْدَلُسَ العَادلُ، وَاسْتخلفَ عَلَى إِشْبِيْلِيَة إِدْرِيْس هَذَا، وَجَرَتْ لَهُ أُمُوْر طَوِيْلَة، ثُمَّ خُطِبَ لَهُ بِالخِلاَفَةِ بِالأَنْدَلُسِ، ثُمَّ عَدَّى وَغلبَ عَلَى مَرَّاكُش وَانتزع المُلك مِنْ يَحْيَى بنِ مُحَمَّد ابْنِ عَمِّهِ، وَالتَقَوا غَيْرَ مَرَّةٍ، ثُمَّ ضَعُف أَمر يَحْيَى، وَاسْتجَار بِقَوْمٍ فِي حصن مِنْ عَمل تِلِمْسَانَ فَقُتِلَ غِيْلَةً، وَتَمَكَّنَ إِدْرِيْس، وَكَانَ جَبَّاراً جَرِيئاً عَلَى الدِّمَاءِ، وأزال ذكر ابن تومرت من الخطبة.
مَاتَ فِي الغَزْو، فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، فَملَّكُوا بَعْدَهُ ابْنه الرَّشِيْد، فَبقِي عشر سِنِيْنَ.
وَلإِدْرِيْس رِسَالَةٌ طَوِيْلَةٌ، أَفصحَ فِيْهَا بِتَكذِيبِ مَهْدِيِّهم وَضَلاَلِه، نَقلَ ذَلِكَ المُؤَيَّد فِي تَارِيْخِهِ.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب "5/ 135".(16/249)
ابنه، الحاجري:
5654- ابنه 1:
السلطان المقلب بالرشيد عبد الواحد بن المَأْمُوْنِ إِدْرِيْسَ المُؤْمِنِيُّ.
تَمَلَّكَ، وَتَمَكَّنَ، ثُمَّ أَعَاد الخطبَة بذَكَرَ المَهْدِيّ المَعْصُوْم ابْن تُوْمَرْت، يَسْتَمِيْل بِذَلِكَ قُلُوْب الموحِّدين. وَكَانَتْ أَيَّامه عَشْرَة أَعْوَام. تُوُفِّيَ: غرِيقاً، فِي صهرِيج بُستَان لَهُ بِمَرَّاكُش، وَكتمُوا مَوْته شَهْراً، ثُمَّ ملَّكوا أَخَاهُ السَّعِيْد عَلِيّ بن إِدْرِيْسَ؛ الَّذِي قُتل.
غَرِقَ الرَّشِيْد في سنة أربعين وست مائة.
5655- الحاجري 2:
سام الدِّيْنِ عِيْسَى بن سَنْجَر بن بَهْرَامَ بن جِبْرِيْل الإِرْبِلِيُّ، الشَّاعِر، المُلَقَّب: بِالحَاجِرِيِّ؛ لإِكثَاره مِنْ ذِكْرِ الحَاجِرِ فِي شِعْرِهِ، وَ"دِيْوَانُه" مَشْهُوْر.
كَانَ مِنْ أَوْلاَد الجُنْد، وَنَظْمُهُ فَائِقٌ، أَخَذَ عنه كثيرًا ابن خلكان، وهو القائل:
حَيَّا وَسَقَى الحِمَى سَحَابٌ هَامِي ... مَا كَانَ أَلذَّ عَامَهُ مِنْ عَامِ
يَا عَلْوَةُ مَا ذَكَرْتُ أَيَّامَكُم ... إِلاَّ وَتَظَلَّمتُ عَلَى الأَيَّامِ
وَثَبَ عَلَيْهِ شَخْصٌ بَدَّدَ مَصَارِينهُ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، بِإِرْبِلَ، وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ خَمْسِيْنَ سَنَةً.
وَلَهُ:
أَيُّ طَرْفٍ أُحَيْورٍ ... لِلْغَزَالِ الأُسَيْمِرِ
أَيُّهَذَا الأُرَيْبِلِي ... هَامَ فِيكَ الحُوَيْجِرَي
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب "5/ 208".
2 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 518"، والنجوم الزاهرة "6/ 290، 291"، وشذرات الذهب "5/ 156".(16/250)
الأمير السيد، العبادي:
5656- الأمير السيد 1:
المُسْنِدُ السَّيِّد الأَمِيْر أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَن ابْن الأَمِيْر السَّيِّد عَلِيِّ ابْنِ المُرْتَضَى أَبِي الحُسَيْنِ ابن عَلِيِّ العَلَوِيُّ، الحَسَنِيُّ، البَغْدَادَيُّ.
حَدَّثَ عَنِ: الحَافِظِ مُحَمَّدِ بنِ نَاصِرٍ بِكِتَابِ "الذُّرِّيَّة الطَّاهرَةِ" وَمَا مَعَهُ لِلدُّوْلاَبِيِّ. وَكَانَ صَدْراً مُكَرَّماً، وَسَرِيّاً، مُحْتَشِماً.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّد بنُ المُبَارَكِ المخرمَي شَيْخ لِلْفرضِي، وَالشَّيْخ عِزّ الدِّيْنِ الفَاروثَيُّ، وَظَهِيْر الدِّيْنِ عَلَي ابْنِ الكَازرونِيِّ المُؤَرِّخ، وَالعِمَاد إِسْمَاعِيْل ابْن الطَّبَّالِ، وَالرَّشِيْد بن أَبِي القَاسِمِ. وَآخر أَصْحَابه بِالإِجَازَةِ: تَقِيّ الدِّيْنِ سُلَيْمَان الحَاكِم.
وسماعه من ابن ناصر في الخامسة.
تُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ سِتٌّ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ هِبَة اللهِ بن هِلاَلٍ الدَّقَّاق.
وَهُوَ مِنْ ذُرِّيَّة جَعْفَر بن حَسَنِ ابْنِ السَّيِّد الحَسَنِ ابنِ الإِمَامِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ الله عنه.
5657- العبادي 2:
شَيْخُ الحَنَفِيَّةِ العَلاَّمَةُ جَمَالُ الدِّيْنِ أَبُو الفَضْلِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَحْمَدَ بنِ عبد الملك ابن عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرِ بنِ هَارُوْنَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مَحْبُوْبِ بنُ الوَلِيْدِ بنِ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ الأَنْصَارِيُّ، العَبَّادِيّ، المَحْبُوبِيّ، البُخَارِيّ، الحَنَفِيّ.
انْتَهَت إِلَيْهِ مَعْرِفَة المَذْهَبِ، وَكَانَ ذَا هَيْبَةٍ وَتعبُّدٍ.
تَفقَّه بِالعَلاَّمَة عِمَاد الدِّيْنِ عُمَر بن بَكْرٍ الزَّرَنْجَرِيّ، عَنْ أَبِيْهِ وَابْنِ مَازَة، كِلاَهُمَا عَنْ شَمْس الأَئِمَّة السَّرْخَسِيّ، عَنْ شَمْس الأَئِمَّة الحَلْوَائِيِّ، عَنِ الحُسَيْنِ بنِ الخَضِرِ النَّسَفِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الكُمَارِيّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَعْقُوْبَ الأُسْتَاذ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَفْصٍ البُخَارِيّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ مُحَمَّد بنِ الحَسَنِ، عَنِ الإِمَامِ أَبِي حَنِيْفَةَ.
نَعَمْ، وَتَفَقَّهَ أَيْضاً بِفَخْرِ الدِّيْنِ حَسَنِ بنِ مَنْصُوْرٍ قَاضِي خَان، وَسَمِعَ مِنْهُ ومن أبي المظفر ابن السمعاني.
تَفقه بِهِ خلق، وَسَمِعَ مِنْهُ: سَيْف الدِّيْنِ سَعِيْد بن مُطَهَّرٍ البَاخَرْزِيّ، وَشَرَف الدِّيْنِ مُحَمَّد بن مُحَمَّد العَدَوِيّ، وَجَمَال الدِّيْنِ مُحَمَّد بن مُحَمَّد الحُسَيْنِيّ، وَالعَلاَّمَة حَافِظ الدِّيْنِ مُحَمَّد بن محمد بن صر البُخَارِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
تَرْجَمَه لَنَا الفَرَضِيُّ، وَقَالَ: مَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ وله أربع وثمانون سنة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 281"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 135".
2 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 137".(16/251)
القمي، ابن نقطة:
5658- القمي:
الوَزِيْر الكَبِيْر مُؤَيَّدُ الدِّيْنِ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ الكَاتِب.
قَدِمَ بَغْدَادَ وَصَحِبَ ابْنَ القَصَّابِ، ثُمَّ ابْن مَهْدِيٍّ، فَلَمَّا مَاتَ كَاتِبُ السِّرِّ ابْنُ زبَادَة رُتِّبَ القُمِّيّ مَكَانه، فَلَمْ يُغَيِّر زِيَّه؛ القَمِيْصَ وَالشَّربوشَ، عَلَى قَاعِدَة العجم، ثم ناب في الوزَارَة، وَلَمْ يَزَلْ فِي ارْتقَاء حَتَّى إِنَّ النَّاصِر كتب بِخَطِّهِ: القُمِّيّ نَائِبُنَا فِي البِلاَد وَالعبَادِ، فَقُرِئَ ذَلِكَ عَاماً، فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ الظَّاهِرُ، رَفَعَهُ، وَحكمه فِي العبَاد.
وَكَانَ كَاتِباً، بَلِيْغاً، مُرتَجلاً، سَائِساً، وَقُوْراً، جَبَّاراً، شَدِيد الوَطْأَةِ.
نُكِبَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَسُجِنَ هو وابنه فهلكا سنة ثلاثين.
5659- ابن نقطة 1:
الإِمَامُ العَالِمُ الحَافِظُ المُتْقِنُ الرَّحَّالُ مُعِيْنُ الدِّيْنِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّد بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ بن أَبِي بَكْرٍ بنِ شُجَاعِ بنِ أَبِي نَصْرٍ البَغْدَادِيُّ، الحَنْبَلِيُّ.
وُلِدَ بَعْدَ السَّبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَكَانَ أَبُوْهُ مِنَ الزُّهَّادِ، فَعُنِيَ أَبُو بَكْرٍ بِالحَدِيْثِ، وَجَمَعَ، وَأَلَّفَ.
سَمِعَ مِنْ يَحْيَى بنِ بَوْشٍ، وَفَاتَهُ ابْنُ كُلَيْبٍ، ثُمَّ طَلَبَ فِي سَنَةِ سِتِّ مائَةٍ وَبعدهَا. وَسَمِعَ مِنْ أَبِي أَحْمَدَ بنِ سُكَيْنَةَ، وَأَبِي الفَتْحِ المَنْدَائِيِّ، وَابْن طبرزد، وعبد الرزاق الجيلي، وابن
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 660"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1133"، والنجوم الزاهرة لابن تغرى بردى "6/ 279"، وشذرات الذهب "5/ 133، 134".(16/252)
الأَخْضَرِ، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ القُبَّيْطِيّ، وَعِدَّة. وَبِأَصْبَهَانَ مِنْ عفِيفَة الفَارفَانِيَة، وَزَاهِر الثَّقَفِيّ، وَالمُؤَيَّد بن الإِخْوَة، وَأَسَعْد بن رَوْحٍ، وَمَحْمُوْد بن أَحْمَدَ المُضَرِيّ، وَعَائِشَة بِنْت مُعَمَّر، وَعِدَّة. وَبِنَيْسَابُوْرَ مِنْ مَنْصُوْر الفُرَاوِيّ، وَالمُؤَيَّد الطُّوْسِيّ، وَزَيْنَب، وَبِحَرَّانَ مِنْ عَبْدِ القَادِرِ الحَافِظ، وَبِدِمَشْقَ مِنَ الكِنْدِيّ وَابْن الحَرَسْتَانِيّ، وَبِحَلَبَ مِنَ الافْتِخَار الهَاشِمِيّ، وَبِمِصْرَ مِنَ الحُسَيْن بنِ أَبِي الفَخْرِ، وَعَبْدِ القوِيّ بن الجَبَّابِ، وَبِالثَّغْرِ مِنْ مُحَمَّد بنِ عِمَاد، وَبدَمَنْهُورَ، وَدُنَيْسَرَ، وَمَكَّة.
وَكَانَ ثِقَةً، حَسَنَ القِرَاءةِ، جَيِّدَ الكتابة، متثبتًا فيما يقوله، له سمت ووقار، وفيه روع وَصلاَح وَعِفَّةٌ وَقَنَاعَةٌ.
سُئِلَ عَنْهُ الضِّيَاءُ، فَقَالَ: حَافِظ، ديِّن، ثِقَةٌ، ذُو مُروءة وَكَرَم.
وَقَالَ البِرْزَالِيُّ: ثِقَةٌ، دَيِّنٌ، مُفِيْدٌ.
قُلْتُ: أَخَذَ عَنْهُ السَّيْف أَحْمَد ابْن المَجْدِ، وَالمُنْذِرِيّ، وَعَبْد الكَرِيْمِ ابن مَنْصُوْرٍ الأَثَرِيّ، وَالشَّرَف حُسَيْن الإِرْبِلِيّ، وَأَبُو الفَتْحِ بنُ عُمَرَ الحَاجِب، وَأَخُوْهُ؛ عُثْمَان، وَعِزُّ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَافِظِ، وَابْنه أَبُو مُوْسَى لَيْث، وَالشَّيْخ عِزّ الدِّيْنِ الفَارُوْثِيّ.
وَأَجَاز لِجَمَاعَة مِنْ مَشَايِخِنَا، مِنْهُم: فَاطِمَة بِنْت سُلَيْمَان.
وَصَنَّفَ كِتَاب "التَّقييد فِي مَعْرِفَة رُوَاة الكُتُب وَالمسَانِيْد". وَأَلَّفَ "مُسْتدركاً" عَلَى "الإِكمَال" لابْنِ مَاكُوْلاَ يَدلّ عَلَى سَعَة مَعْرِفَتِه، قَالَ فِيْهِ فِي المُبَارَكِي: هُوَ سُلَيْمَان بن مُحَمَّد، سَمِعَ أَبَا شِهَابٍ الحَنَّاط، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ الأَمِيْر: هُوَ سُلَيْمَان بن دَاوُدَ فَأَخْطَأَ، وَأَظُنُّ أَنَّهُ نَقَله مِنْ "تَارِيْخِ الخَطِيْبِ"، فَإِنَّ الخَطِيْب ذَكَرَهُ فِي "تَارِيْخِهِ" عَلَى الوَهْمِ أَيْضاً، لَكِن ذَكَرَهُ عَلَى الصَّوَاب فِي تَرْجَمَةِ أَبِي شِهَابٍ عَبْدِ رَبِّهِ. وَقَالَ الحَاكِمُ فِي "الكُنَى": أَبُو دَاوُدَ المُبَارَكُ سُلَيْمَانُ بنُ مُحَمَّدٍ كَنَّاهُ وَسَمَّاهُ لَنَا عَبْد اللهِ بن مُحَمَّد الإِسْفَرَايِيْنِيّ، سَمِعَ أَبَا شِهَابٍ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ نُقْطَة: حَدَّثَ عَنِ المُبَارَك جَمَاعَةٌ فَسَمّوا أَبَاهُ مُحَمَّداً مِنْهُم خَلَفُ البَزَّار -وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِهِ، وَمُوْسَى بن هَارُوْنَ، وَعَبْد اللهِ بن أَحْمَدَ، وَالمَعْمَرِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ موسى، وأبو يعلى، وأحمد الصوفي. ثم قال: وقد أوردنا لكلك رَجُل مِنْهُم حَدِيْثاً فِي كِتَابِنا الْمَوْسُوم بِـ "الْمُلْتَقط مِمَّا فِي كتب الخَطِيْبِ وَغَيْرِهِ مِنَ الوَهْمِ وَالغلط".
قُلْتُ: سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ نُقْطَة، فَقَالَ: هِيَ جَارِيَة عُرفنَا بِهَا، رَبَّت شُجَاعاً جَدَّنَا.
تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ فِي الثَّانِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ صَفَرٍ، سَنَة تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائة، كهلًا.(16/253)
5660- الإوقي 1:
الشَّيْخُ العَالِمُ الزَّاهِدُ العَابِدُ القُدْوَةُ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يُوْسُفَ بنِ بَدَلٍ العَجَمِيُّ، الإِوَقِيُّ.
أَكْثَر عَنِ: الحَافِظ السِّلَفِيّ، وَعَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَسْكَرٍ، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ الرَّحْبِيّ، وَمُشَرَّف بن المُؤَيَّدِ الهَمَذَانِيّ، وَالمُفَضَّل بن عَلِيٍّ المَقْدِسِيّ، وَأَقَامَ بِبَيْتِ المَقْدِس أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ صَاحِبَ مُجَاهِدَة وَأَحْوَال وَتَأَلُّه وَانقطَاع.
رَوَى عَنْهُ: الضِّيَاء، وَالبِرْزَالِيّ، وَالكَمَال ابْن الدُّخميسِيّ، وَالكَمَال العَدِيْمِيّ، وَابْنُه أَبُو المَجْدِ، وَقَاضِي نَابُلُس مُحَمَّد بن محمد بن صاعد، وَرَضِيّ الدِّيْنِ أَبُو بَكْرٍ القُسَنْطِيْنِيّ، وَأَبُو المَعَالِي الأبرقوهي.
والإوقي -بِكَسرِ الهمزَةِ: مِنْ أَهْلِ إِوَه بُليدَة مِنْ أَعْمَالِ العَجَم بِقُرْبِ مَرَاغَةَ، وَأُدْخِلَتِ القَاف فِي النَّسَبِ بَدلاً مِنَ الهَاء.
قَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: سَأَلتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ البِرْزَالِيّ عَنْهُ، فَقَالَ: هُوَ زَاهِد أَهْل زَمَانِهِ، كَثِيْر التِّلاَوَة وَالعِبَادَة وَالاجْتِهَاد، مُعرِض عَنِ الدُّنْيَا، صَلِيب فِي دِيْنِهِ.
قُلْتُ: كَانَ لَهُ أُصُوْل يُحَدِّث مِنْهَا، وَلَهُ فَهْم وَمَعْرِفَة يَسِيْرَة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَاكِمُ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بنُ مُحَمَّدٍ المَدِيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَاضِي إِمْلاَءً سَنَة تِسْعٍ وَأَرْبَع مائَة، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ العَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بنُ عُبَيْدٍ الكُوْفِيّ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً" 2. تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وست مائة، وله ست وثمانون سنة.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 135".
2 صحيح: أخرجه البزار "2101" و"2102" كشف الأستار، والطبراني في "الأوسط" "1475" و"2481"، وأبو نعيم في "الحلية" "7/ 269"، من حديث عائشة، به.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" "8/ 123"، وقال في إثره: "رواه البزار، والطبراني في "الأوسط" بأسانيد، وأحد أسانيد البزار رجاله رجال الصحيح غير علي بن حرب الموصلي، وهو ثقة".
وورد عن ابن عباس: أخرجه ابن أبي شيبة "8/ 691، 692"، وأحمد "1/ 269 و272 و303 و309 و313 و327 و332"، وَأَبُو داود "5011"، والترمذي "2845"، وابن ماجه "3756".=(16/254)
5661- ابن باقا 1:
الشَّيْخُ الأَمِيْن المُرْتَضَى المُسْنِدُ صَفِيّ الدِّيْنِ أَبُو بكر عبد العزيز بن أَبِي الفَتْحِ أَحْمَد بن عُمَرَ بنِ سَالِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ بَاقَا البَغْدَادِيّ السِّيْبِيُّ الأَصْل الحنبلي التاجر نَزِيْلُ مِصْر.
وُلِدَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي زُرْعَةَ المَقْدِسِيّ عِدَّة كُتبٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ النَّقُّوْرِ، وعلي ابن عَسَاكِرَ البَطَائِحِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ أَبِي سَعْدٍ، وَيَحْيَى بنِ ثَابِتٍ، وَعَبْدِ الحَقِّ اليُوْسُفِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
وَشَهِدَ عِنْد القُضَاة، وَكَانَ تَالياً لِكِتَابِ اللهِ، صَدُوْقاً، جَلِيْلاً.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نُقْطَة، وَالمُنْذِرِيّ وَالرَّشِيْد عمر الفارقي، وَدَاوُد بن عَبْدِ القوِيّ، وَمُحَمَّد بن إِبْرَاهِيْمَ المَيْدُوْمِيّ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ المُنْعِمِ الخِيَمِيّ، وَأَخُوْهُ؛ إِسْمَاعِيْل، وَالخَطِيْب عَلِيّ بن نَصْرٍ اللهِ الصَّوَّاف، ومحمد ابن عبد المنعم بن شهاب المؤدي وَأَخُوْهُ عِيْسَى، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ القوِيّ بنِ عَزُّوْنَ، وَمُحَمَّد بن صَالِحٍ الجُهَنِيّ، وَغَازِي المَشْطُوْبِيّ، وَأَحْمَد ابْنُ الأَغْلاَقِيِّ، وَإِسْحَاق بن دِرْبَاسٍ، وَوَهْبَان بن عَلِيٍّ المُؤَذِّن، وَجِبْرِيْل بن الخَطَّابِ، وَجَعْفَر بن مُحَمَّد الإِدْرِيْسِيّ، وَالبَهَاء عَلِيّ بنِ القَيِّمِ، وَأَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ. وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بالإجازة: القاضي تقي الدين سليمان.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَتَبتُ بِخَطِّي عَنْهُ "سُنَنَ ابْنِ مَاجَه"، وَكَانَ صَدُوْقاً جَلِيْلاً، قرَأَ فِي الفقه على أبي الفتح بن المَنِّيِّ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فُجَاءةً فِي تَاسِعَ عَشَرَ رمضان، سنة ثلاثين وست مائة.
__________
=وأبو يعلى "2332" و"2581"، والطبراني "11758-11763"، والطحاوي "4/ 299"، وأبو الشيخ في "الأمثال" "6" و"7"، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" "1/ 355"، والبيهقي "10/ 237"، من طرق عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، به.
قلت: سماك في روايته عن عكرمة اضطراب، وورد عن أبي بن كعب: عند ابن أبي شيبة "8/ 691"، وأحمد "5/ 125"، وابنه في "زوائد المسند" "5/ 126"، والشافعي "2/ 188"، وعبد الرزاق "20499"، والطيالسي "556" و"557" والبخاري "6145"، وفي "الأدب المفرد" "858" و"864"، وأبو داود "5010"، وابن ماجه "3755"، والدارمي "2/ 296، 297"، والبيهقي "10/ 237".
وورد عن أبي هريرة: عند أبي نعيم في "الحلية" "8/ 309".
وورد عن أبي بكرة: عند الطبراني في "الكبير"، وفي "الأوسط" وفيه النضر بن طاهر، وهو كذاب.
وورد عن عمرو بن عوف: عند الطبراني في "الكبير"، وفي "الأوسط"، وفيه كثير بن عبد الله بن عوف، وقد ضعفه الجمهور، وحسن الترمذي حديثه، وبقية رجاله ثقات.
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1456"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 135، 136".(16/255)
5662- ابن الجوزي 1:
الشَّيْخُ الفَاضِلُ المُسْنِدُ بَدْرُ الدِّيْنِ أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ ابْنُ الشَّيْخِ الإِمَامِ أَبِي الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ ابْنِ الجَوْزِيِّ البَكْرِيُّ، البَغْدَادِيُّ، النَّاسخُ.
وُلِدَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ من: أبي الفتح ابن البطي، ويحيى بن ثَابِتٍ، وَأَبِي زُرْعَةَ، وَأَحْمَدَ بنِ المُقَرَّبِ، وَالوَزِيْرِ ابْنِ هُبَيْرَةَ، وَشُهْدَةَ. وَعَمِلَ الوعظَ وَقتاً، ثُمَّ تَركَ. وَكَانَ كَثِيْرَ النَّوَادرِ، حُلوَ الدُّعَابَةِ، لَزِمَ البَطَالَةَ وَالنَّذَالَةَ مُدَّةً، ثُمَّ لَزِمَ النَّسْخَ وَلَيْسَ خَطُّهُ جَيِّداً، وَكَانَ مُتَعَفِّفاً يَخدُمُ نَفْسَهُ، وَيَنَالُ مِنْ أَبِيْهِ، وَرُبَّمَا غلَّ مِنْ كُتُبِهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّيْفُ، وَالعِزُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الحَافِظُ، وَالتَّقِيُّ ابن الوَاسِطِيِّ، وَالكَمَالُ عَلِيُّ بنُ وَضَّاحٍ، وَأَبُو الفَرَجِ ابْنُ الزَّيْنِ، وَأَبُو العَبَّاسِ الفَارُوْثِيُّ، وَشَمْسُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ هُبَيْرَةَ نَزِيْلُ بِلْبِيْسَ، وَبِالإِجَازَةِ أَبُو نَصْرٍ ابْنُ الشِّيْرَازِيِّ، وَالقَاضِي الحَنْبَلِيُّ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: هُوَ صَحِيْحُ السَّمَاعِ، ثِقَةٌ، كَثِيْرُ المَحْفُوْظِ، حَسَنُ الإِيرَادِ، سَمِعَ "صَحِيْحَ الإِسْمَاعِيْلِيِّ" مِنْ يَحْيَى بنِ ثَابِتٍ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: وَعظَ فِي صِبَاهُ، وَكَانَ كَثِيْرَ المَيْلِ إِلَى اللَّهْوِ وَالخَلاَعَةِ، فَتركَ الوعظَ وَاشْتَغَلَ بِمَا لاَ يَجوزُ، وَصَاحَبَ المُفسدِينَ.
سَمِعْتُ أَبَاهُ يَقُوْلُ: إِنِّيْ لأَدْعُو عَلَيْهِ كُلَّ لَيْلَةٍ وَقتَ السَّحَرِ. وَلَمْ يَزَلْ عَلَى طَرِيقتِهِ إِلَى آخرِ عُمُرِهِ، وَكَانَ لاَ يقبلُ صِلَةً، وَيَكْتُبُ فِي اليَوْمِ عَشْرَةَ كَرَارِيْسَ، وَهُوَ قَلِيْلُ المَعْرِفَةِ.
قُلْتُ: مَاتَ فِي سَلْخِ رَمَضَانَ، سنة ثلاثين وست مائة.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1456"، وشذرات الذهب "5/ 137".(16/256)
5663- ابن الأثير 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ المُحَدِّثُ الأَدِيْبُ النَّسَّابَةُ عِزُّ الدِّيْنِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الجَزَرِيُّ الشَّيْبَانِيُّ، ابْنُ الشَّيْخِ الأَثِيْرِ أَبِي الكَرَمِ، مُصَنِّفِ التَّارِيْخِ الكَبِيْرِ المُلَقَّبِ بِـ "الكَامِلِ"، وَمُصَنِّفِ كِتَابِ "مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ".
مَوْلِدُهُ بِجَزِيْرَةِ ابْنِ عُمَرَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ، وَنَشَأَ هُوَ بِهَا وَأَخَوَاهُ العَلاَّمَةُ مَجْدُ الدِّيْنِ وَالوَزِيْرُ ضِيَاءُ الدِّيْنِ، ثُمَّ تَحَوَّلَ بِهِم أَبُوْهُم إِلَى المَوْصِلِ، فَسَمِعُوا بِهَا، وَاشْتَغَلُوا، وَبَرَعُوا، وَسَادُوا.
سَمِعَ مِنَ: الخَطِيْبِ أَبِي الفَضْلِ الطُّوْسِيِّ، وَيَحْيَى بنِ مَحْمُوْدٍ الثَّقَفِيِّ، وَمُسْلِمِ بنِ عَلِيٍّ السِّيْحِيِّ، وَبِبَغْدَادَ، لَمَّا قدِمَهَا رَسُوْلاً، مِنْ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ كُلَيْبٍ، وَيَعِيْشَ بنِ صَدَقَةَ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ بنِ سُكَيْنَةَ، وَبِدِمَشْقَ مِنْ أَبِي القَاسِمِ بنِ صَصْرَى، وَزَينِ الأُمَنَاءِ.
وَكَانَ إِمَاماً، عَلاَّمَةً، أَخْبَارِيّاً، أَديباً، مُتَفَنِّناً، رَئِيْساً، مُحْتَشِماً، كَانَ مَنْزِلُهُ مَأْوَى طَلَبَةِ العِلْمِ، وَلَقَدْ أَقْبَلَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ عَلَى الحَدِيْثِ إِقبالاً تَامّاً، وَسَمِعَ العَالِي وَالنَّازلَ.
وَمِنْ تَصَانِيْفِهِ: "تَارِيخُ المَوْصِلِ" وَلَمْ يُتِمَّهُ، وَاختَصَرَ "الأَنسَابَ" لِلسمِعَانِيِّ، وَهَذَّبَهُ.
وقدم الشام رسولاً، فحدث بدمشق وبحلب.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: كَانَ بَيْتُهُ بِالمَوْصِلِ مَجْمَعَ الفُضَلاَءِ، اجْتَمَعْتُ بِهِ بِحَلَبَ، فَوَجَدتُهُ مُكَمَّلاً فِي الفَضَائِلِ وَالتَّوَاضُعِ وَكرَمِ الأَخْلاَقِ، فَتردَّدْتُ إِلَيْهِ، وَكَانَ الخَادِمُ أَتَابَك طُغْرِل قَدْ أَكرمَهُ وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ بِحَلَبَ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَالقُوْصِيُّ، وَمَجْدُ الدِّيْنِ ابْنُ العَدِيْمِ، وَأَبُوْهُ فِي "تَارِيخِ حَلَبَ"، وَحَدَّثَنَا عَنْهُ: أَبُو الفَضْلِ بنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو سَعِيْدٍ القضَائِيُّ.
وَكَانَ يَكتبُ اسْمَهُ كَثِيْراً: "عَلِيَّ بنَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ"، وَكَذَا ذَكَرَهُ المُنْذِرِيُّ، وَالقُوْصِيُّ، وَابْنُ الحَاجِبِ، وَشيخُنَا ابْنُ الظَّاهِرِيِّ فِي تَخرِيجِهِ لابْنِ العَدِيْمِ، وَإِنَّمَا هُوَ بِلاَ رَيْبٍ: "عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ" كَمَا هُوَ فِي نسبِ أَخَوَيْهِ وَابْنِ أَخِيْهِ شَرَفِ الدِّيْنِ، وَكَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ خَلِّكَانَ، وَابْنُ السَّاعِي، وَشَمْسُ الدِّيْنِ يُوْسُفُ بن الجوزي.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 460"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1124"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 281، 282"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 137".(16/257)
فَأَمَّا الجَزِيْرَةُ المَذْكُوْرَةُ فَهِيَ مدينَةٌ بَنَاهَا ابْنُ عُمَرَ، وَهُوَ الأَمِيْرُ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عُمَرَ البَرْقَعِيدِيُّ، قَالَهُ ابْنُ خَلِّكَانَ، وَقَالَ أَيْضاً: رَأَيْتُ فِي "تَارِيخِ ابْنِ المُسْتوفِي" فِي تَرْجَمَةِ أَبِي السعادات المبارك بن الأَثِيْرِ -يَعْنِي: مَجْدَ الدِّيْنِ- أَنَّهُ مِنْ جَزِيْرَةِ أَوسٍ وَكَامِلٍ ابْنَيْ عُمَرَ بنِ أَوْسٍ التَّغْلِبِيِّ.
وَقِيْلَ: بَلْ هِيَ مَنْسُوْبَةٌ إِلَى أَمِيْرِ العِرَاقِ يُوْسُفَ بنِ عُمَرَ الثَّقَفِيِّ، فَاللهُ أَعْلَمُ.
قَالَ القَاضِي سَعْدُ الدِّيْنِ الحَارِثِيُّ: تُوُفِّيَ عِزُّ الدِّيْنِ في الخامس وَالعِشْرِيْنَ مِنْ شَعْبَانَ، سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ ابنُ الجَوْهَرِيِّ: مَاتَ فِي رَمَضَانَ مِنَ السَّنَةِ.
وَقَالَ المُنْذِرِيُّ وَابْنُ خَلِّكَانَ، وَأَبُو المُظَفَّرِ سِبْطُ الجَوْزِيِّ، وَابْنُ السَّاعِي، وَابْنُ الظَّاهِرِيِّ: مَاتَ فِي شَعْبَانَ، لَمْ يُعَيِّنُوا اليَوْمَ، وَقَدْ عَيَّنَهُ الحَارِثِيُّ.
وَقَدْ رَأَيْتُ أَنَا خطَّهُ تَصْحِيْحاً عَلَى طَبَقَةِ سَمَاعٍ تَارِيخُهَا فِي نِصْفِ شَعْبَانَ مِنَ السَّنَةِ.
وَفِيْهَا مَاتَ: بَهَاءُ الدِّيْنِ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي اليُسْرِ شَاكِرٍِ التَّنُوْخِيُّ الفَقِيْهُ الكَاتِبُ، وَالحَسَنُ ابْنُ الأَمِيْرِ السَّيِّدِ عَلِيِّ بنِ المُرْتَضَى العَلَوِيُّ، وَالمُحَدِّثُ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَاجِبِ الأَمِينِيُّ، وَصَاحِبُ إِرْبِلَ مُظَفَّرُ الدِّيْنِ، وَالكَاتِبُ الشَّاعِرُ شَرَفُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ نَصْرِ اللهِ بنِ عُنَيْنٍ، وَالفَقِيْهُ المُعَافَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي السِّنَانِ المَوْصِلِيُّ، وَالظَّهِيْرُ يَحْيَى بنُ جَعْفَرٍ ابْن الدَّامَغَانِيِّ، وَيُوْنُسُ بنُ سَعِيْدِ بنِ مسافر القطان.(16/258)
5664- ابن باتكين 1:
الشَّيْخُ الصَّالِحُ المُسْنِدُ أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَلِيِّ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ بَاتكينَ الجَوْهَرِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: هِبَة اللهِ بنِ هِلاَلٍ، وَأَبِي المَعَالِي عُمَرَ بنِ علي الصيرفي، وَأَبِي الفَتْحِ ابنِ البَطِّيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ، وَأَحْمَدَ بنِ المُقَرَّبِ، وَعِدَّةٍ.
رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ الجَوْهَرِيِّ، وَعُمَرُ بنُ الحَاجِبِ، وَعِزُّ الدِّيْنِ الفَارُوْثِيُّ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَجَمَاعَةٌ.
وَأَجَازَ لِلْفَخْرِ ابْنِ عَسَاكِرَ، وَالقَاضِي الحَنْبَلِيِّ، وَأَبِي نَصْرٍ ابْنِ الشِّيْرَازِيِّ، وَغَيْرِهِم.
وَمِنْ مَسْمُوْعه "المَغَازِي" لِمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، وَ"المَغَازِي" لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: سَمِعْتُ مِنْهُ، وَسَمَاعُه صَحِيْحٌ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ ثِقَةٌ، صَالِحٌ.
مَاتَ فِي الرَّابِعِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي القعدة، سنة إحدى وثلاثين وست مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 286"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 144".(16/258)
5665- ابن الزبيدي 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ الفَقِيْهُ الكَبِيْرُ مُسْنِدُ الشَّام سِرَاجُ الدِّيْنِ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ ابنُ أَبِي بَكْرٍ المُبَارَكِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ مسلم الربعي، الزَّبِيْدِيُّ الأَصْلِ البَغْدَادِيّ، البَابْصرِيّ الحَنْبَلِيّ مُدَرِّس مَدْرَسَة الوَزِيْر عَوْن الدِّيْنِ ابْن هُبَيْرَةَ.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ -أَوْ سَنَةَ سِتٍّ- وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: جَدِّهِ، وَأَبِي الوَقْتِ السِّجْزِيِّ، وَأَبِي الفُتُوْحِ الطَّائِيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ المَقْدِسِيِّ، وَجَعْفَرِ بنِ زَيْدٍ الحَمَوِيِّ، وَأَبِي حَامِدٍ الغَرْنَاطِيِّ.
وَأَجَاز لَهُ أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ الخَرَّازُ.
وَرَوَى بِبَغْدَادَ، وَدِمَشْق، وَحَلَبَ. وَكَانَ إِمَاماً، دَيِّناً، خَيِّراً، مُتَوَاضِعاً، صَادِقاً.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْن الدُّبَيْثِيِّ، وَالضِّيَاء، وَالبِرْزَالِيّ، وَسَالِم بن ركَاب، وَنَصْر بن عُبَيْدٍ، وَابْن أَبِي عُمَرَ، وَالشِّهَاب ابْن الخرزِيّ، وَالشَّيْخ إِبْرَاهِيْم الأُرْمَوِيّ، وَالمَلِكُ الحَافِظُ مُحَمَّدٌ الأَيُّوْبِيُّ، وَالشَّيْخ تاج الدين عبد الرحمن، وَالخَطِيْبانِ: مُحْيِي الدِّيْنِ ابْنُ الحَرَسْتَانِيِّ وَابْنُ عَبْدِ الكَافِي، وَالمَجْدُ بنُ المهتَار، وَالفَخْر الكَرَجِيُّ، وَبَدْرٌ الأَتَابَكيُّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ اليُوْنِيْنِيُّ، وَالكَمَال بن قوَام، وَالعزُّ ابْن الفَرَّاءِ، وَالعِمَاد ابْن السّقَارِيّ، وَالشَّرَف ابْن عَسَاكِرَ، وَالعِمَاد بن سَعْدٍ، وَعَلِيّ وَعُمَر وَأَبُو بَكْرٍ؛ بَنُو ابْنِ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالشَّمْسُ بنُ حَازِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي الذِّكْرِ، وَمُحَمَّد بنُ قَايْمَازَ، وَمُحَمَّدُ بنُ الطُّبَيْلِ، وَعِيْسَى بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَعَلِيّ بن مُحَمَّد الثَّعْلَبِيّ، وَالشِّهَاب بنُ مُشَرِّفٍ، وَرَشِيْدُ الدِّيْنِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ المُعَلِّمِ، وَالشِّهَابُ أَحْمَدُ بنُ الشِّحْنَةِ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ الإِسْعَرْدِيِّ، وفاطمة بنت جوهر، وهدية بنت عَسْكَرٍ، وَسِتُّ الوُزَرَاءِ بِنْتُ المُنَجَّى، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 286"، وشذرات الذهب "5/ 144".(16/259)
قَرَأْتُ بِخَطِّ ابْنِ المَجْدِ، قَالَ: بَقِيَ فِي نَفْسِي عِنْد سَفَرِي مِنْ بَغْدَادَ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ أنني قادم بِلاَ شَيْخٍ يَرْوِي "صَحِيْح البُخَارِيِّ" ... ، ثُمَّ إِنَّهُ ذَكَرَ قِصَّةَ ابْنِ رُوْزْبَةَ، وَأَنَّهُ سَفَّرَهُ سَنَة 626، وَأَعْطَوْهُ خَمْسِيْنَ دِيْنَاراً مِنْ عِنْد الْملك الصَّالِح، فَلَمَّا وَصلَ إِلَى رَأْسِ عَيْنٍ أَرغبُوهُ فَقعدَ وَحدَّثَهُم بِـ "الصَّحِيْحِ"، ثُمَّ أَرغبوهُ فِي حَرَّانَ، فَرَوَاهُ لَهُم، ثُمَّ بِحَلَبَ كَذَلِكَ، وَخوَّفُوهُ مِنْ حِصَار دِمَشْق، فَرَجَعَ إِلَى بَغْدَادَ، قَالَ: فَأَتَيْتُه وَقَدْ ذَاق الكَسْبَ فَاشتَطَّ وَاشترطَ أُمُوْراً، فَكَلَّمْنَا ابْنَ القَطِيْعِيِّ فَاشترطَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَمضيتُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ ابْنِ الزَّبِيْدِيِّ، وَأَنَا لاَ أَطمعُ بِهِ، فَقَالَ: نَستخيرُ اللهَ، ثُمَّ قَالَ: لاَ تُعْلِمْ أَحَداً، وَحَرَّضَهُ عَلَى التَّوَجُّهِ ابْنُهُ عُمَرُ، وَكَانَ عَلَى الشَّيْخ دَينٌ نَحْوُ سَبْعِيْنَ دِيْنَاراً، فَرَافقنَاهُ فَكَانَ خَفِيفَ المَؤُوْنَةِ كَثِيْرَ الاحْتِمَال، حَسَن الصُّحْبَةِ، كَثِيْرَ الذِّكْرِ، فَنِعْمَ الصَّاحِبُ كَانَ.
قُلْتُ: فَرِحَ الأَشْرَفُ صَاحِبُ دِمَشْقَ بِقُدُوْمِهِ، وَأَخَذَه إِلَى عِنْدِهِ فِي أَثْنَاء رَمَضَانَ مِنَ العَامِ، وَسَمِعَ مِنْهُ "الصَّحِيْح" فِي أَيَّامِ مَعْدُوْدَةٍ، وَأَنْزَله إِلَى دَار الحَدِيْث، وَقَدْ فُتحت مِنْ نَحْو شَهْر، فَحشدَ النَّاس وَازْدَحَمُوا، وَسَمِعُوا الكِتَاب، ثُمَّ أَخَذَه أَهْل الْجَبَل، وَسَمِعُوا مِنْهُ الكِتَاب وَ"مُسْنَد الشَّافِعِيِّ"، وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ، وَرَدَّ إِلَى بَلَده، فَقَدِمَ مُتَعَلِّلاً، وَتُوُفِّيَ إِلَى رَحْمَةِ اللهِ فِي الثَّالِثِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ صَفَرٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وست مائة.(16/260)
5666- العلبي 1:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ الكَبِيْرُ أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بن علي بن حسان بن علي بن حُسَيْنٍ البَغْدَادِيُّ السَّقْلاَطُوْنِيُّ، الحَرِيْمِيُّ، ابْن العُلْبِيِّ الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي الوَقْتِ السِّجْزِيِّ، وَأَبِي المَعَالِي ابْنِ اللَّحَّاسِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْن النَّجَّارِ، وَابْنُ المَجْدِ، وَأَبُو المُظَفَّرِ ابْنُ النَّابُلُسِيِّ، وَالمَجْدُ عَبْدُ العَزِيْزِ الخَلِيْلِيّ، وَالتَّقِيّ ابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَالشَّمْسُ ابْنُ الزَّيْنِ، وَالعِمَادُ إِسْمَاعِيْل ابْن الطَّبَّالِ، وَالشِّهَابُ الأَبَرْقُوْهِيّ، وَطَائِفَةٌ. وَبِالإِجَازَةِ: الفَخْر ابْن عَسَاكِرَ، وَالقَاضِي تَقِيّ الدِّيْنِ الحَنْبَلِيُّ، وَأَبُو نَصْرٍ ابْن الشِّيْرَازِيِّ.
وَكَانَ مِنْ صُوْفِيَّةِ رِبَاطِ الشَّيْخِ أَبِي النَّجِيْبِ، وَكَانَ سَاكِتاً، لاَ يَكَاد يَتَكَلَّم إلَّا جَوَاباً.
قَرَأْتُ بِخَطِّ ابْنِ المَجْدِ، قَالَ: رَأَيْتُ اسْمَهُ قَدْ أُلْحِقَ فِي طَبَقَةِ "مُسْنَدِ عَبْدٍ"، وَقَدْ كَانَ في الآخر يطب عَلَى السَّمَاع أَجراً، وَيُصرِّح بِهِ، فَسَمِعَ عَلَيْهِ جَمَاعَة كِتَابَ "الدَّارِمِيّ"، وَكِتَاب "ذَمِّ الكَلاَمِ"، وَعِنْد إِنْهَائِهِ، قَالُوا: قَدْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَى غَدٍ وَنُعْطِيَكَ، ثُمَّ لَمْ يَعُوْدُوا إِلَيْهِ! فَكَانَ يَشتمهُم، وَيَنَال مِنْهُم.
قُلْتُ: مَاتَ فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائة.
ومن مسموعاته "المائَةُ الشُّرَيْحِيَّةُ" وَالثَّانِي مِنْ حَدِيْثِ مَجَّاعَة، سَمِعَهُ من ابن اللحاس.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 286"، وشذرات الذهب "5/ 144".(16/260)
همام، وابنه، وحفيده:
5667- همام:
ابن راجي الله بن سرايا بن فتوح، المُحَدِّثُ الفَقِيْهُ جَلاَل الدِّيْنِ أَبُو العزَائِم العَسْقَلاَنِيّ ثُمَّ المِصْرِيّ الشَّافِعِيّ النَّحْوِيّ.
وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ، بِصَعِيدِ مِصْرَ. وَتَأَدب بِابْنِ بَرِّيٍّ، وَقرَأَ عِلمَ الأَصْلَيْنِ عَلَى: ظَافِرِ بنِ الحُسَيْنِ، وَتَفَقَّهَ ببغداد على: ابن فضلان، ومحمود ابن المُبَارَكِ. وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي سَعْدٍ بنِ حمويَه، وَابْن كُلَيْبٍ. وَدرس، وَأَفتَى، وَاشْتُهِرَ.
رَوَى عَنْهُ الزَّكِيّ المُنْذِرِيّ، وَابْن النَّجَّارِ، وَالأَبَرْقُوْهِيّ، وَغَيْرهُم.
تُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
5668- وابنه:
هُوَ الشَّيْخُ نُوْر الدِّيْنِ عَلِيُّ بنُ هُمَامٍ إِمَام جَامِع الصَّالِحِ بنِ رُزِّيْكٍ بِالشَّارعِ، مِنْ أعيان العلماء.
5669- وحفيده:
هُوَ العَلاَّمَةُ تَاج الدِّيْنِ مُحَمَّد بن عَلِيٍّ، حَدَّثَ عَنِ النَّجِيْب الحَرَّانِيّ: أَخَذَ عَنْهُ القُطْب، وَغَيْرهُ. وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَتُوُفِّيَ فِي سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وسبع مائة.(16/261)
ونافلته، المازني، ابن عنين:
5670- ونافلته 1:
هُوَ الإِمَامُ البَارِعُ تَقِيّ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ مُصَنِّفُ كِتَابِ سِلاَحِ المُؤْمِنِ فِي الدُّعَاءِ كَهْلٌ يَؤُمُّ -كَأَبِيْهِ- بِالجَامِعِ المَذْكُوْرِ. حَدَّثَ عَنِ الأَبَرْقُوْهِيِّ، وَغَيْرِهِ وَهُوَ بَاقٍ.
5671- المَازِنِيُّ 2:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ المُعَمَّرُ أَبُو الغَنَائِمِ المُسَلَّمُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ المَازِنِيُّ النَّصِيْبِيُّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، وَيَعْرِف فِي وَقْتِهِ بِخَطِيْب الكتَانِ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الحَسَنِ الدَّارَانِيِّ، وَالصَّائِنِ هِبَةِ اللهِ وَأَخِيْهِ الحَافِظِ أَبِي القَاسِمِ. وَسَمِعَ بِالثَّغْرِ مِنْ أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ فِيْمَا ذُكِرَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيّ، وَالضِّيَاء، وَالقُوْصِيّ، وَأَبُو المُظَفَّرِ ابْن النَّابُلُسِيّ، وَأَبُو حَامِدٍ ابْن الصَّابُوْنِيّ، وَأَبُو الفَضْلِ ابْن عَسَاكِرَ، وَالخَضِرُ بن عَبْدَان، وَمُحَمَّد بن يُوْسُفَ الذَّهَبِيّ، وَفَاطِمَة بِنْت سُلَيْمَان، والشيخ علي بن هَارُوْنَ، وَعِدَّة. وَبِالإِجَازَةِ القَاضِي الحَنْبَلِيّ، وَالفَخْر ابْن عَسَاكِرَ، وَأَبُو نَصْرٍ ابْن الشِّيْرَازِيّ المِزِّيّ.
وَبَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ يَخدمُ فِي المَكْسِ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ، وَحَسُنَتْ حَالُهُ، وَلَزِمَ البَيْت وَالجَامِعَ، وَبَاع ملكه، وَافتقر. حَدَّثَ بِالكَثِيْرِ. وَقَدْ سَمِعَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ، وَتَفَرَّد.
تُوُفِّيَ فِي الثَّامن وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وست مائة.
5672- ابن عنين 3:
الصَّاحب الرَّئِيْس الأَدِيْب شَاعِر وَقته شَرَف الدِّيْنِ مُحَمَّد بن نَصْرِ اللهِ بن مَكَارِمَ بن حَسَنِ بنِ عُنَيْنٍ الأَنْصَارِيّ، الدِّمَشْقِيّ، الزُّرَعِيُّ.
مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ عَنْ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
وَسَمِعَ مِنَ: الحَافِظ ابْن عَسَاكِرَ، وَكَانَ مِنْ فُحُوْل الشُّعَرَاء وَلا سِيمَا فِي الهَجْوِ، وَكَانَ علاَمَةً يَسْتَحضِرُ "الجَمْهَرَة". وَقَدْ دَخَلَ إِلَى العَجَمِ وَاليَمَن، وَمدح المُلُوْك، وَكَانَ قَلِيْلَ الدِّينِ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "10/ 146"، وشذرات الذهب "6/ 144".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 287"، وشذرات الذهب "5/ 147".
3 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 282 و292، 293"، وشذرات الذهب "5/ 140-143".(16/262)
5673- السيف 1:
العَلاَّمَةُ المُصَنِّفُ فَارِسُ الكَلاَمِ سَيْفُ الدِّيْنِ عَلِيُّ بن أبي علي بن محمد بن سالم التَّغْلِبِيُّ، الآمِدِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، ثُمَّ الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَقرَأَ بِآمِدَ القِرَاءاتِ عَلَى عَمَّارٍ الآمِدِيِّ، وَمُحَمَّدٍ الصَّفَّارِ. وَتَلاَ بِبَغْدَادَ عَلَى ابْنِ عَبِيْدَةَ. وَحَفِظَ "الهِدَايَةَ"، وَتَفَقَّهَ عَلَى ابْنِ المَنِّيِّ. وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ شَاتيل، وَغَيْرِهِ، ثُمَّ صَحِبَ ابْن فَضْلاَنَ، وَاشْتَغَل عَلَيْهِ فِي الخلاَف. وَبَرَعَ، وَحَفِظَ طَرِيقَةَ الشَّرِيْفِ، وَنظرَ فِي طَرِيقَةِ أَسْعَدَ المِيْهَنِيِّ، وَتَفنَّنَ فِي حِكْمَةِ الأَوَائِلِ، فَرقَّ دِينُه وَاظلَمَّ، وَكَانَ يَتَوَقَّدُ ذَكَاءً.
قَالَ عَلِيُّ بنُ أَنْجَبَ فِي "أَسْمَاءِ المُصَنِّفِيْنَ": اشْتَغَل بِالشَّامِ عَلَى المُجِيْرِ البَغْدَادِيِّ، ثُمَّ وَردَ إِلَى بَغْدَادَ وَاشْتَغَل بِـ "الشِّفَاءِ" وَبِـ "الشَّامِلِ" لأَبِي المَعَالِي، وَحَفِظَ عِدَّةَ كُتُبٍ وَكرَّر عَلَى "المُسْتَصْفَى"، وَتَبَحَّرَ فِي العُلُوْمِ، وَتَفَرَّدَ بِعِلْمِ المَعْقُوْلاَتِ وَالمَنْطِقِ وَالكَلاَمِ، وَقَصَدَهُ الطُّلاَّبُ مِنَ البِلاَد، وَكَانَ يُوَاسيهِم بِمَا يَقدرُ، ويفهم الطلاب، ويطول روحه.
قُلْتُ: ثُمَّ أَقرَأ الفَلْسَفَة وَالمَنْطِقَ بِمِصْرَ بِالجَامِعِ الظَّافرِيِّ، وَأَعَادَ بِقُبَّةِ الشَّافِعِيِّ، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ، ثُمَّ قَامُوا عَلَيْهِ، وَرَمَوْهُ بِالانْحِلاَلِ، وَكتبُوا مَحضراً بِذَلِكَ.
قَالَ القَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ: وَضَعُوا خُطُوطَهُم بِمَا يُسْتَباح بِهِ الدَّمُ، فَخَرَجَ مُستخفِياً، وَنَزَلَ حَمَاةَ. وَأَلَّف فِي الأَصْلَيْنِ، وَالحِكْمَةِ المشؤومَةِ، وَالمَنْطِقِ، وَالخلاَفِ، وَلَهُ كِتَابُ "أَبكَارِ الأَفكَارِ" فِي الكَلاَمِ، وَ"مُنتهَى السُّولِ فِي الأُصُوْلِ" وَ"طرِيقَةٌ" فِي الخلاَفِ، وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ عِشْرِيْنَ تَصنِيفاً. ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى دِمَشْقَ، وَدرَّس بِالعَزِيْزِيَّةِ مُدَّة، ثُمَّ عُزِلَ عَنْهَا لِسَبَبٍ اتَّهُم فِيْهِ، وَأَقَامَ بَطَالاً فِي بَيْته.
قَالَ: وَمَاتَ فِي رَابِعِ صَفَرٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ ثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَقَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: لَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ مَنْ يُجَارِيه فِي الأَصْلَيْنِ وَعِلمِ الكَلاَمِ، وَكَانَ يَظهرُ مِنْهُ رِقَّةُ قَلْبٍ وَسُرعَةُ دَمعَةٍ، أَقَامَ بِحَمَاةَ، ثُمَّ بِدِمَشْقَ. وَمِنْ عَجِيبِ مَا يُحَكَى عَنْهُ أَنَّهُ مَاتَتْ لَهُ قِطَّةٌ بِحَمَاةَ، فَدَفَنَهَا، فَلَمَّا سَكَنَ دِمَشْقَ بَعَثَ، وَنَقَلَ عِظَامَهَا في كيس، ودفنها بقاسيون.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 432"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 285" وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 144، 145".(16/263)
قَالَ: وَكَانَ أَوْلاَدُ العَادِلِ كَلُّهُم يَكْرَهُوْنَه؛ لِمَا اشْتُهِرَ عَنْهُ مِنْ عِلْمِ الأَوَائِلِ وَالمَنطِقِ، وَكَانَ يَدخُلُ عَلَى المُعَظَّمِ فَلاَ يَتَحَرَّكُ لَهُ، فَقُلْتُ: قُمْ لَهُ عِوضاً عَنِّي، فَقَالَ: مَا يَقبَلُه قَلْبِي. وَمَعَ ذَا وَلاَّهُ تَدرِيس العَزِيْزِيَّةِ، فَلَمَّا مات أَخْرَجَهُ مِنْهَا الأَشْرَفُ، وَنَادَى فِي المَدَارِسِ: مَنْ ذَكَرَ غَيْرَ التَّفْسِيْرِ وَالفِقْهِ، أَوْ تَعرَّض لِكَلاَمِ الفَلاَسِفَةِ نَفَيْتُهُ، فَأَقَامَ السَّيْف خَامِلاً فِي بَيْتِه إِلَى أَنْ مَاتَ، وَدُفِنَ بِتُربته بِقَاسِيُوْن.
قُلْتُ: أَخَذَ عَنْهُ القَاضِيَان ابْن سَنِيِّ الدَّوْلَة صَدْر الدِّيْنِ، وَمُحْيِي الدِّيْنِ ابْن الزَّكِيِّ.
وَكَانَ القَاضِي تَقِيّ الدِّيْنِ سُلَيْمَانُ بنُ حَمْزَةَ يَحكِي عَنْ شَيْخه ابْنِ أَبِي عُمَرَ، قَالَ: كُنَّا نَتردَّدُ إِلَى السَّيْفِ، فَشَكَكنَا هَلْ يُصَلِّي أَمْ لاَ? فَنَام، فَعَلَّمْنَا عَلَى رِجْلِهِ بِالحِبْرِ فَبَقِيَتِ العَلاَمَةُ يَوْمَيْنِ مَكَانَهَا، فَعَلِمْنَا أَنَّهُ مَا تَوَضَّأَ، نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ فِي الدِّيْنِ!
وَقَدْ حَدَّثَ السَّيْفُ بِـ "الغَرِيْبِ" لأَبِي عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي الفَتْحِ بنِ شَاتيل.
قَالَ لِي شَيْخنَا ابْنُ تَيمِيَةَ: يَغلِبُ عَلَى الآمِدِيِّ الحِيرَةُ وَالوَقف، حَتَّى إِنَّهُ أَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ سُؤَالاً فِي تَسَلسُلِ العِلَلِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ لاَ يَعْرِفُ عَنْهُ جَوَاباً، وَبَنَى إِثْبَاتَ الصَّانعِ عَلَى ذَلِكَ، فَلاَ يُقَرِّرُ فِي كُتُبِه إِثْبَاتَ الصَّانعِ، وَلاَ حُدوثَ العَالَمِ، وَلاَ وجدانية الله، وَلاَ النّبوَات، وَلاَ شَيْئاً مِنَ الأُصُوْل الكِبَارِ.
قُلْتُ: هَذَا يَدلّ عَلَى كَمَال ذِهنِه، إِذْ تَقرِير ذَلِكَ بِالنَّظَرِ لاَ يَنهض، وَإِنَّمَا يَنهض بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَبِكُلٍّ قَدْ كَانَ السَّيْفُ غَايَةً، وَمَعْرِفَتُه بِالمَعْقُوْل نِهَايَةً، وَكَانَ الفُضَلاَءُ يَزْدَحِمُوْنَ فِي حَلْقَتِهِ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبْدِ السَّلاَمِ يَقُوْلُ: مَا سَمِعْتُ مَنْ يُلقِي الدرس أحن من السيف، كأنه يخطب، وكان يعظمه.
وَمَاتَ فِي السَّنَةِ أَكَابِر مِنْهُم: الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ صَلاَحُ الدِّيْنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ السَّيِّدِ الإِرْبِلِيُّ الحَاجِبُ، وَلَهُ نَظْمٌ رَائِقٌ. وَالشَّرَفُ أَحْمَدُ بنُ محمد ابن الصَّابُوْنِيِّ، وَنَجْمُ الدِّيْنُ ثَابِتُ بنُ تَاوَانَ التّفْلِيْسِيُّ، وَزَكَرِيَّا بنُ عَلِيٍّ العُلْبِيُّ، وَالمُصَنِّفُ رَضِيُّ الدِّيْنِ سُلَيْمَانُ بنُ مُظَفَّرٍ الجِيْلِيُّ الشَّافِعِيُّ بِبَغْدَادَ، وَالقُدْوَةُ الشيخ عبد الله بن يونس الارموي الزاهد بِسَفْحِ قَاسِيُوْنَ، وَأَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَسَاكِرَ، وَشَيْخُ القُرَّاءِ الزَّاهِدُ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ يُوْسُفَ القُرْطُبِيُّ صَاحِبُ الشَّاطِبِيِّ، وَمُحَدِّثُ بُخَارَى أَبُو رَشِيْدٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ الغَزَّالُ الأَصْبَهَانِيُّ، وَمُدَرِّسُ المُسْتَنْصِرِيَّةِ مُحْيِي الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ فَضْلاَنَ الشَّافِعِيُّ -وَقَدْ وَلِيَ قَضَاءَ القُضَاةِ قَلِيْلاً، وَأَبُو الفُتُوْحِ نَاصِرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الأَغْمَاتِيُّ، وَشَيْخُ الطِّبِّ رَضِيُّ الدِّيْنِ يُوْسُفُ بنُ حَيْدَرَةَ الرَّحْبِيُّ أَحَدُ المُصَنِّفِيْنَ، -وَلَهُ سَبْعٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً، وَمُسْنِدُ الوَقْتِ أَبُو عَبْدِ اللهِ ابْنُ الزَّبِيْدِيِّ، وَالمُسَلَّمُ بنُ أَحْمَدَ المازني.(16/264)
رتن، ابن الفارض:
5674- رتن 1 م:
الهِنْدِيُّ، شَيْخٌ كَبِيْرٌ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ.
تَجَرَّأَ عَلَى اللهِ، وَزَعَمَ بِقِلَّةِ حَيَاءِ أَنَّهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَأَنَّهُ ابْن سِتِّ مائَةِ سَنَةٍ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً، فَرَاجَ أَمرُهُ عَلَى مَنْ لاَ يَدْرِي.
وقد أفردته في "جزء"، وهتكت باطله.
بَلَغَنِي أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَأَنَّ ابْنَه مَحْمُوْداً بَقِيَ إِلَى سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِ مائَةٍ، فَمَا أَكْثَر الكذب وأروجه!
5675- ابن الفارض 2:
شَاعِرُ الوَقْتِ شَرَفُ الدِّيْنِ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُرْشِدٍ الحَمَوِيُّ ثُمَّ المِصْرِيُّ، صَاحِب الاتِّحَادِ الَّذِي قَدْ مَلأَ بِهِ التَّائِيَّةَ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ، وَلَهُ سِتٌّ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً.
رَوَى عن القاسم بن عَسَاكِرَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: المُنْذِرِيّ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ القصيدَة صرِيح الاتِّحَاد الَّذِي لاَ حِيْلَة فِي وُجُوْدِه، فَمَا فِي العَالِمِ زَنْدَقَةٌ وَلاَ ضَلاَلٌ، اللَّهُمَّ أَلْهِمْنَا التَّقْوَى، وَأَعِذْنَا مِنَ الهوى فيا أئمة الدين إلَّا تغضبون الله?! فلا حول ولا قوة إلَّا بالله.
تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، وَقَدْ حَجَّ وَجَاورَ، وَكَانَ بِزَنق الفَقْر. وَشعره فِي الذِّرْوَةِ، لاَ يلحق شأوه.
__________
1 ترجمته في ميزان الاعتدال "2/ ترجمة 2759"، ولسان الميزان "2/ ترجمة 1838".
2 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 500"، والنجوم الزاهرة "6/ 288-290"، وشذرات الذهب "5/ 149-153".(16/265)
ابن زينة، ابن غانية، الرضي الجيلي:
5676- ابن زينة:
الحَافِظُ مُفِيْد أَصْبَهَان أَبُو غَانِمٍ مُهَذَّبُ بنُ حُسَيْنِ ابنِ أَبِي غَانِمٍ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ بن الحسن ابن زِينَة.
كَهل، عَالِم، مُحَدِّث. سَمِعَ: أَبَاهُ؛ أَبَا ثَابِتٍ، وَأَبَا مُوْسَى الحَافِظ، وَأَبَا الفَتْح الخِرَقِيّ، وَأَحْمَد بن يَنَالَ، وَأَكْثَر عَنْ أَصْحَابِ الحَدَّادِ.
رَوَى عَنْهُ البِرْزَالِيّ، وَغَيْرهُ.
وَأَجَاز لِلْقَاضِي الحَنْبَلِيّ، فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
5677- ابْنُ غَانِيَةَ:
صَاحِبُ المَغْرِبِ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ إِسْحَاقَ بن حمو الصنهاجي الميورقي أخو علي ابن غَانِيَة المُتَوَثِّبِ عَلَى آلِ عَبْد المُؤْمِنِ بِمَيُوْرْقَةَ فِي سَنَةِ ثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. ثُمَّ خَلفه أَبُو زَكَرِيَّا، فَامتدت أَيَّامه. وَكَانَ فَارِساً شُجَاعاً سائسًا، استولى على عدة مَدَائِن، وَخَطَبَ لِبَنِي العَبَّاسِ، وَبَعَثَ لَهُ النَّاصِر الخِلَعَ وَالتَّقليد، وَعَاشَ إِلَى سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وست مائة عن سن عالية.
5678- الرضي الجيلي:
الإِمَامُ العَلاَّمَةُ رَضِيّ الدِّيْنِ أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بنُ مُظَفَّرِ بنِ غَنَائِمَ الجِيْلِيُّ، الشَّافِعِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
تَفقَّه بِالنِّظَامِيَّةِ، وَدرَّسَ، وَأَفتَى، وَصَنَّفَ، وَبَرَعَ فِي المَذْهَب وَغوَامضِه، وَتَخَرَّجَ بِهِ الأَصْحَاب، نُدِبَ إِلَى مَشْيَخَةِ الرِّبَاطِ الكَبِيْر، فَامْتَنَعَ، وَكَانَ مُلاَزِماً لِبَيْتِه، مُقْبِلاً عَلَى شَأْنه، وَقِيْلَ: إِنَّهُ طُلِبَ لِلْقَضَاء، فَامْتَنَعَ.
قَالَ القَاضِي شَمْس الدِّيْنِ ابْنُ خلكان: كان من أكابر فضلاء عصره، صف فِي الفِقْهِ كِتَاباً يَكُوْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ مُجَلَّدَةً، وَعُرِضَتْ عَلَيْهِ المَنَاصِبُ فَلَمْ يَفْعَلْ، وَكَانَ دَيِّناً، نَيَّفَ عَلَى السِّتِّيْنَ.
تُوُفِّيَ فِي ثَانِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، رحمه الله.(16/266)
ابن الحاجب، الرحبي:
5679- ابن الحاجب 1:
المُحَدِّثُ البَارِعُ مُفِيْدُ الطَّلَبَةِ عِزُّ الدِّيْنِ عُمَرُ بن محمد بن منصور الأميني، الدِّمَشْقِيّ، ابْنُ الحَاجِبِ الجُنْدِيُّ، صَاحِبُ "المُعْجَمِ الكَبِيْرِ"، مِنْ أَذْكِيَاءِ الطَّلَبَةِ، وَأَشَدِّهِم عِنَايَةً.
سَمِعَ: هِبَةَ اللهِ بنَ طَاوُوْسٍ، وَمُوْسَى بنَ عَبْدِ القَادِرِ، وَالمُوَفَّقَ، وَالفَتْحَ، وَطَبَقَتَهُم، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَصَنَّفَ وَلَمْ يَبلُغِ الأَرْبَعِيْنَ.
سَمِعَ مِنْهُ أَبُو حَامِدٍ ابْنُ الصَّابُوْنِيِّ وَجَمَاعَة.
قَرَأْتُ بِخَطِّ الحَافِظِ الضِّيَاءِ: وَفِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ تُوُفِّيَ صَاحِبُنَا الشَّابُّ الحَافِظُ ابْنُ الحَاجِبِ. قَالَ: وَكَانَ دَيِّناً، خيرًا، ثبتًا، متيقظًا.
5680- الرحبي:
البَارِعُ العَلاَّمَةُ إِمَامُ الطِّبِّ رَضِيُّ الدِّيْنِ يُوْسُفُ بنُ حَيْدَرَةَ بنِ حَسَنٍ الرَّحْبِيُّ، الحَكِيْمُ.
كَانَ أَبُوْهُ كَحَّالاً مِنْ أَهْلِ الرَّحبَةِ، فَوُلِدَ لَهُ يُوْسُفُ بِالجَزِيْرَةِ العُمَرِيَّةِ، وَأَقَامَ بِنَصِيْبِيْنَ مُدَّة وَبِالرَّحْبَة، ثُمَّ قَدِمَا دِمَشْقَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ يُوْسُفُ عَلَى الدَّرسِ وَالنَّسخِ وَمُعَالَجَةِ المَرْضَى، وَلاَزَمَ المُهَذَّبَ ابْنَ النَّقَّاشِ، وَبَرَعَ، فَنَوَّهَ المُهَذَّبُ بِاسْمِهِ، وَحَسُنَ مَوقِعُهُ عِنْدَ السُّلْطَان صَلاَحِ الدِّيْنِ، وَقَرَّرَ لَهُ ثَلاَثِيْنَ دِيْنَاراً عَلَى القَلْعَةِ وَالبيمَارستَانِ، وَاسْتمرَّتْ عَلَيْهِ حَتَّى نَقَّصَهَا المُعَظَّمُ، وَلَمْ يَزَلْ مُبَجَّلاً فِي الدَّوْلَةِ. وَكَانَ رَئِيْساً عَالِيَ الهِمَّةِ، كَثِيْرَ التَّحْقِيْقِ، فِيْهِ خَيْرٌ وَعدمُ شَرٍّ تَصَدَّرَ لِلإِفَادَةِ، وَخَرَّجَ لَهُ عِدَّةُ أطباء كبار.
وَمِمَّنْ أَخَذَ عَنْهُ المُهَذَّبُ الدّخوَار.
قَالَ ابْنُ أَبِي أُصَيْبِعَةَ فِي "تَارِيْخِهِ": حَدَّثَنِي رَضِيُّ الدِّيْنِ الرَّحْبِيُّ، قَالَ: جَمِيْع مَنْ قرَأَ عَلَيَّ سُعِدُوا، وَانتفعَ النَّاسُ بِهِم، وَكَانَ لاَ يُقرِئُ أَحَداً مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ. بَلَى، قرَأَ عَلَيْهِ مِنْهُم عِمْرَانُ اليَهُوْدِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ السَّامِرِيُّ تَشَفَّعَا إِلَيْهِ، وَكُلّ مِنْهُمَا بَرَعَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي أُصَيْبِعَةَ: قَرَأْت عَلَيْهِ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ كُتُباً، وَانتَفَعتُ بِهِ، وَكَانَ مُحِبّاً لِلتِّجَارَةِ مُغْرَىً بِهَا، وَيُرَاعِي مِزَاجَهُ، وَلاَ يَصعَدُ فِي سُلَّمٍ، وَلَهُ بُستَانٌ، وَكَانَ الوَزِيْرُ ابْنُ شُكْرٍ يَلزمُ أَكلَ الدَّجَاجِ حَتَّى شَحَبَ لَونُه، فَقَالَ لَهُ الرَّضِيُّ: الزمْ لَحمَ الضَأْنِ. فَفَعَل، فَظَهَرَ دَمُهُ.
مَاتَ يَوْم عَاشُورَاءَ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ سَبْعٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً، وَخَلَّف ابْنَيْنِ طَبِيْبَيْنِ شرف الدين عليًا، وجمال الدين عثمان.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 137، 138".(16/267)
5681- ابن صباح 1:
الشَّيْخُ العَالِمُ الجَلِيْلُ المُسْنِدُ الأَمِيْنُ نُشوءُ الْملك أَبُو صَادِقٍ الحَسَنُ بنُ يَحْيَى بنِ صَبَّاحِ بنِ حُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ المَخْزُوْمِيُّ، المِصْرِيُّ، الكَاتِبُ، أَحَدُ شُهُوْدِ الخزَانَةِ بِدِمَشْقَ.
مَوْلِدُهُ بِمِصْرَ فِي زُقَاقِ بَنِي جُمَحَ فِي عَاشرِ جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وسمع من: عَبْدِ اللهِ بنِ رِفَاعَة الفَرَضِيّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جُزْءاً مِنَ "الخِلَعِيَّاتِ"، وَأَجَاز لَهُ، وَهُوَ خَاتِمَة أَصْحَابِهِ، وَمَا سَمِعَ مِنْ غَيْرِه.
حَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاء، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالبِرْزَالِيّ، وَابْن النَّابُلُسِيّ، وَوَلَده عَلِيّ بن صَبَّاحٍ، وَالخَطِيْبُ مُحْيِي الدِّيْنِ ابْنُ الحَرَسْتَانِيِّ، وَأَبُو اليُمْنِ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَابْنُ عَمِّهِ أَبُو الفَضْلِ، وَشَيْخُ العَرَبِيَّة جَمَالُ الدِّيْنِ ابْنُ مَالِكٍ، وَأَبُو الحُسَيْنِ ابْنُ اليُوْنِيْنِيِّ، وَالعِزُّ ابْنُ الفَرَّاءِ، وَالعِزُّ ابْنُ العِمَادِ، وَمُحَمَّدُ بنُ قَايْمَازَ الدَّقِيْقِيُّ، وَالعِمَادُ بنُ سَعْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي الذِّكْرِ، وَعَلِيُّ بنُ بَقَاءٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلْطَانَ الحنفي، وخلق، آخرهم موتًا الشهاب بن شرف البَزَّازُ.
قَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: هُوَ شَيْخٌ ثِقَةٌ، وَقُورٌ، مُكْرِمٌ لأَهْلِ الحَدِيْثِ، كَثِيْرُ التَّوَاضُعِ. قَالَ لِي: إِنَّهُ يَبْقَى سِتَّةَ أَشْهُرٍ لاَ يشرب ماء. قلت: فتركته لمعنى? لاَ أَشتَهِيهِ.
قَرَأْتُ بِخَطِّ الضِّيَاءِ الحَافِظِ: تُوُفِّيَ شيخنا أبو صادق، وحمل إلى الجبل الجُمُعَةِ، سَادِسَ عَشَرَ رَجَبٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ. قَالَ: وَكَانَ خَيِّراً، قَلَّ مَنْ رَأَيْتُ إلَّا وَيَشكُرُه، وَيُثنِي عَلَيْهِ، رَحِمَهُ اللهُ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 292"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 148".(16/268)
5682- السهروردي 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِم القُدْوَة الزَّاهِد العَارِف المُحَدِّث شيخ الإسلام أوحد الصُّوْفِيَّة شِهَابُ الدِّيْنِ أَبُو حَفْصٍ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ -وَهُوَ عمويه- بن سَعْدِ بنِ حُسَيْنِ بنِ القَاسِمِ بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله ابن فقي المَدِيْنَةِ وَابْنِ فَقِيْهِهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ القُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ البَكْرِيُّ السُّهْرَوَرْدِيّ الصُّوْفِيُّ ثُمَّ البَغْدَادِيُّ.
وُلِدَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَدِمَ مِنْ سُهْرَوَرْدَ وَهُوَ شَابٌّ أَمردُ، فَصحِبَ عَمَّه الشَّيْخَ أَبَا النَّجِيْبِ وَلاَزَمَه وَأَخَذَ عَنْهُ الفِقْهَ وَالوَعظَ وَالتَصَوُّفَ، وَصَحِبَ قَلِيْلاً الشَّيْخَ عَبْدَ القَادِرِ، وَبِالبَصْرَةِ الشَّيْخَ أَبَا مُحَمَّدٍ بنَ عَبْدٍ. وَسَمِعَ مِنْ هِبَة اللهِ بنِ أَحْمَدَ الشِّبْلِيِّ، -وَهُوَ أَعْلَى شَيْخٍ لَهُ، وَأَبِي الفَتْحِ ابْنِ البَطِّيِّ، وَخُزَيْفَةَ بنِ الهَاطرَا، وَأَبِي الفُتُوْحِ الطَّائِيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ المَقْدِسِيِّ، وَمَعْمَرِ بنِ الفَاخِرِ، وَأَحْمَدَ بنِ المُقَرَّبِ، وَيَحْيَى بنِ ثَابِتٍ، وَطَائِفَةٍ لَهُ عَنْهُم جُزءٌ سَمِعْنَاهُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نُقْطَةَ، وَابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَالضِّيَاءُ، وَالقُوْصِيُّ، وَابْن النَّابُلُسِيِّ، وَظَهِيْرُ الدِّيْنِ مَحْمُوْدٌ الزَّنْجَانِيُّ، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ، وَأَبُو الفَرَجِ ابْنُ الزَّيْنِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ ابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَأَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَالرَّشِيْدُ بن أبي القاسم، وآخرون.
وبالإجازة الفخر بن عَسَاكِرَ، وَالشَّمْسُ ابْنُ الشِّيْرَازِيِّ، وَالقَاضِي الحَنْبَلِيُّ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: قَدِمَ بَغْدَادَ، وَكَانَ لَهُ فِي الطَّرِيقَةِ قَدَمٌ ثَابِتٌ وَلِسَانٌ نَاطِقٌ، وَوَلِيَ عِدَّةَ رُبُطٍ لِلصُّوْفِيَّةِ، وَنُفِّذَ رَسُوْلاً إِلَى عِدَّةِ جِهَاتٍ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ أَبُوْهُ أَبُو جَعْفَرٍ تَفَقَّهَ بِبَغْدَادَ عَلَى أَسْعَدَ المِيْهَنِيِّ وَوَعَظَ، قَالَ لِي ابْنُهُ: قُتلَ أَبِي بِسُهْرَوَرْدَ، وَلِي سِتَّةُ أَشْهُرٍ، كَانَ بِبَلَدِنَا شحنَة ظَالِم، فَاغتَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَادَّعَوْا أَنَّ أَبِي أَمَرَهُم، فَجَاءَ غِلمَانُ المَقْتُولِ فَفَتَكُوا بِأَبِي، فَوَثَبَ العوَامُّ عَلَى الغِلمَانِ فَقَتلُوهُم، وَهَاجتِ الفِتْنَةُ فَصلَبَ السُّلْطَانُ أَرْبَعَةً مِنَ العَوَامِّ، فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَى عَمِّي أَبِي النَّجِيْبِ، وَلَبِسَ القبَاء وَقَالَ: لَا أُرِيْد التَّصَوُّفَ، حَتَّى اسْتُرْضِيَ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: وَكَانَ شِهَاب الدِّيْنِ شَيْخَ وَقتِه فِي عِلمِ الحَقِيْقَةِ، وَانتهتْ إِلَيْهِ الرِّيَاسَةُ فِي تَربِيَةِ المُرِيْدِينَ، وَدُعَاء الْخلق إِلَى اللهِ، وَالتَّسْلِيْك. صَحِبَ عَمَّه، وَسلكَ طَرِيْق الرياضات
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان "3/ ترجمة 496"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص1458"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 283-285"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "5/ 153، 154".(16/269)
وَالمُجَاهِدَات، وَقرَأَ الفِقْه وَالخلاَف وَالعَرَبِيَّة، وَسَمِعَ، ثُمَّ لازم الخلوة والذكر والصوم إلى أن خط لَهُ عِنْدَ عُلُوِّ سِنِّهِ أَنْ يَظهَرَ لِلنَّاسِ وَيَتَكَلَّمَ، فَعَقَدَ مَجْلِسَ الوَعظِ بِمَدْرَسَة عَمِّهِ، فَكَانَ يَتَكَلَّمُ بِكَلاَمٍ مُفِيْدٍ مِنْ غَيْرِ تَزْويقٍ، وَيَحضر عِنْدَهُ خَلقٌ عَظِيْمٌ، وَظَهرَ لَهُ القَبُولُ مِنَ الخَاصِّ وَالعَامِّ وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ، وَقُصِدَ مِنَ الأَقطَارِ، وَظهرت بَرَكَات أَنفَاسِه عَلَى خَلقٍ مِنَ العُصَاةِ فَتَابُوا، وَوصلَ بِهِ خلقٌ إِلَى اللهِ، وَصَارَ أَصْحَابُه كَالنُّجُوْم، وَنُفِّذَ رَسُوْلاً إِلَى الشَّامِ مَرَّاتٍ، وَإِلَى السُّلْطَانِ خُوَارِزْم شَاه، وَرَأَى مِنَ الجَاهِ وَالحُرمَةِ مَا لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ، ثُمَّ رُتِّب بِالرِّبَاط النَّاصِرِيِّ، وَبِرِبَاطِ المَأْمُوْنِيَّةِ، وَرِبَاطِ البِسْطَامِيِّ، ثُمَّ إِنَّهُ أَضرَّ وَأُقْعِدَ، وَمَعَ هَذَا فَمَا أَخلَّ بالأوراد وَدَوَامِ الذِّكرِ وَحُضُوْرِ الجُمَعِ فِي مِحَفَّةٍ، وَالمُضِيِّ إِلَى الحَجِّ، إِلَى أَنْ دَخَلَ فِي عَشْرِ المئة وَضَعُفَ فَانقطَعَ.
قَالَ: وَكَانَ تَامَّ المُرُوْءَةِ، كَبِيْرَ النَّفْسِ، لَيْسَ لِلمَالِ عِنْدَهُ قَدرٌ، لَقَدْ حصل لَهُ أُلُوفٌ كَثِيْرَةٌ، فَلَمْ يَدَّخِرْ شَيْئاً، وَمَاتَ وَلَمْ يُخلِّفْ كَفَناً. وَكَانَ مَلِيْحَ الخَلقِ وَالخُلُقِ، مُتَوَاضِعاً كَامِلَ الأَوْصَافِ الجَمِيْلَةِ. قَرَأْت عَلَيْهِ كَثِيْراً، وَصَحِبتُه مُدَّة، وَكَانَ صَدُوْقاً نَبِيلاً، صَنَّفَ فِي التَّصَوُّفِ كِتَاباً شَرحَ فِيْهِ أَحْوَال القَوْمِ، وَحَدَّثَ بِهِ مِرَاراً -يَعْنِي: "عوَارف المعَارِف".
قَالَ: وَأَملَى فِي آخِرِ عُمُرِهِ كِتَاباً فِي الرَّدِّ عَلَى الفَلاَسِفَةِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ قَدِمَ بَغْدَادَ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِي الوَقْتِ المُحَدِّثِ.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: كَانَ شَيْخَ العِرَاقِ فِي وَقْتِهِ، صَاحِبَ مُجَاهِدَةٍ وَإِيثَارٍ وَطَرِيقٍ حَمِيدَةٍ وَمُرُوءةٍ تَامَّة، وَأَورَادٍ عَلَى كِبَرِ سِنِّه.
قَالَ يُوْسُفُ الدِّمَشْقِيُّ: سَمِعْتُ وَعْظَ أَبِي جَعْفَرٍ وَالِدِ السُّهْرَوَرْدِيِّ بِبَغْدَادَ فِي جَامِعِ القَصْرِ زفي النِّظَامِيَّةِ، تَولَى قَضَاءَ سُهْرَوَرْدَ، وَقُتِلَ.
قَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: يَلتَقِي السُّهْرَوَرْدِيُّ وَابْنُ الجَوْزِيِّ فِي النَّسَبِ فِي القَاسِمِ بنِ النَّضْرِ.
أَخْبَرَنَا مَسْعُوْدُ بنُ حَمُّوْيَه إِجَازَةً، أَنَّ قَاضِي القُضَاةِ بَدْرَ الدِّيْنِ يُوْسُفَ السِّنْجَارِيَّ حَكَى عَنِ الملكِ الأَشْرَفِ مُوْسَى: أَنَّ السُّهْرَوَرْدِيَّ جَاءهُ رَسُوْلاً، فَقَالَ فِي بَعْضِ حَدِيْثِهِ: يَا مَوْلاَنَا تَطلبتُ كِتَابَ "الشِّفَاءِ" لابْنِ سِيْنَا مِنْ خَزَائِنِ الكُتُبِ بِبَغْدَادَ وَغَسَلْتُ جَمِيْعَ النُّسَخِ، ثُمَّ فِي أَثْنَاءِ الحَدِيْثِ قَالَ: كَانَ السنة بِبَغْدَادَ مَرَضٌ عَظِيْمٌ وَمَوتٌ. قُلْتُ: كَيْفَ لاَ يَكُوْنُ وَأَنْتَ قَدْ أَذهبتَ "الشِّفَاءَ" مِنْهَا?!
أَلْبَسَنِي خِرَقَ التَّصَوُّفِ شَيْخُنَا المُحَدِّثُ الزَّاهِدُ ضِيَاءُ الدِّيْنِ عِيْسَى بنُ يَحْيَى الأَنْصَارِيُّ بِالقَاهِرَةِ، وَقَالَ: أَلْبَسَنِيهَا الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّيْنِ السُّهْرَوَرْدِيُّ بِمَكَّةَ عَنْ عَمِّهِ أبي النجيب.(16/270)
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيِّ: أَخْبَرَكُم أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الشِّبْلِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الوَرْقَاءِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "من قَالَ إِحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً: لاَ إِلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ أَحَداً صَمَداً لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُوْلَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوُاً أَحَدٌ، كَتَبَ اللهُ لَهُ أَلْفَي أَلْفِ حَسَنَةٍ"1.
تُوُفِّيَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ- بِبَغْدَادَ، فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ. وَفِي ذُرِّيَته فُضلاَءُ وَكُبَرَاءُ، وَمَاتَ وَلدُهُ العِمَادُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، رَوَى عن ابن الجوزي، والقاسم بن عَسَاكِرَ، حَدَّثَنَا عَنْهُ إِسْحَاقُ ابْنُ النَّحَّاسِ، وَسَافَرَ رَسُوْلاً.
وَفِيْهَا مَاتَ: صَاحِب إِلبيرَة المَلِكُ الزَّاهِرُ دَاوُدُ ابْنُ السُّلْطَانِ صَلاَحِ الدِّيْنِ يُوْسُفَ بنِ أَيُّوْبَ، -وله نظم وفضيلة، والطواشي صواب العاجلي مقدم الجُيُوْشِ، وَالشِّهَابُ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ المُطَهِّرِ بن أبي عصرون، والشرف علي ابن إِسْمَاعِيْلَ بنِ جُبَارَةَ الكِنْدِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ رُشَيْدٍ البَغْدَادِيُّ، وَالمُقْرِئُ تَقِيُّ الدِّيْنِ عَلِيُّ بنُ بَاسُوَيْه الوَاسِطِيُّ، وَشَاعِرُ زَمَانِهِ شَرَفُ الدِّيْنِ عُمَرُ بنُ عَلِيّ ابْن الفَارِضِ الحَمَوِيّ بِمِصْرَ، وَشَيْخُ بَيْتِ المَقْدِسِ غَانِمُ بنُ عَلِيٍّ الزَّاهِدُ، وَالشَّاعِرُ حُسَامُ الدِّيْنِ عِيْسَى بنُ سَنْجَرَ الحَاجِرِيُّ الإِرْبِلِيُّ الجُنْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي غَالِبٍ شعرَانَة صَاحِبُ أَبِي الوَقْتِ، وَخَلْقٌ بِسَيْفِ التَّتَارِ بِأَصْبَهَانَ، وَوَاثِلَةُ بنُ بَقَاءِ بنِ كَرَّازٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ المَدِيْنِيُّ، وَأَبُو الوَفَاءِ مَحْمُوْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَنْدَةَ، وَأَبُو صَادِقٍ بن صباح، ومحمد بن عماد.
__________
1 ضعيف جدا: آفته أبو الورقاء، فائد بن عبد الرحمن الكوفي العطار، تركه أحمد والناس. وقال يحيى: ضعيف.
وقال البخاري: فائد منكر الحديث.(16/271)
المديني، شعرانة، ابن عماد:
5683- المديني 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ المُحَدِّثُ المُفْتِي الوَاعِظُ بَقِيَّةُ المَشَايِخِ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَبِي سَعْدٍ المَدِيْنِيُّ الأَصْبَهَانِيُّ الشَّافِعِيُّ المُذَكِّرُ.
مَوْلِدُهُ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، بِمَدِيْنَةِ جَيٍّ.
وَسَمِعَ "جُزْءَ مَأْمُوْنٍ" وَمَا مَعَهُ مِنَ المُعَمَّرِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَلِيٍّ الحَمَّامِيِّ. وَسَمِعَ مِنْ أَبِي الوَقْتِ السِّجْزِيِّ "جُزْءَ بِيْبَى"، وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الخَيْرِ محمد بن أحمد الباغان، وَغَيْرِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاءُ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَطَائِفَةٌ.
وَسَمِعْنَا بِإِجَازتِه عَلَى: أَبِي الفَضْلِ بنِ عَسَاكِرَ، وَفَاطِمَةَ بِنْتِ سُلَيْمَانَ، وَالأَمِيْنِ ابْنِ رِسْلاَنَ البَعْلِيِّ، وَالقَاضِي تَقِيِّ الدِّيْنِ سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِم. وَكَانَ أَسندَ أَهْلِ زَمَانِهِ بِأَصْبَهَانَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: هُوَ وَاعِظٌ، مُفْتِي، شَافعِيُّ المَذْهَبِ، لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالحَدِيْثِ، وَلَهُ قَبولٌ عِنْدَ أَهْلِ بَلدِه، حَدَّثَنِي "بِجُزءِ بِيْبَى" عَنْ أَبِي الوَقْت، وَفِيْهِ ضَعْفٌ، وَبَلَغَنَا أَنَّهُ قُتِلَ بِأَصْبَهَانَ شهيداً عَلَى يَد التَّتَارِ فِي أَواخِرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: سَلِمَتْ أَصْبَهَانُ مِنَ الكَفَرَةِ إِلَى هَذَا التَّارِيْخِ، فَاسْتبَاحُوهَا، وَرَاحَ تَحْتَ السَّيْفِ خَلقٌ لا يحصون، منهم عدة من الوراة.
5684- شعرانة 2:
الزاهد وجيه الدين محمد بن أَبِي غَالِبٍ زُهَيْرِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيُّ.
سَمِعَ "الصَّحِيْحَ" بِأَصْبَهَانَ مِنْ أَبِي الوَقْت، وَأَجَاز فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ سُلَيْمَانَ، وَإِبْرَاهِيْمَ المخرمي، والقاضي الحنبلي.
5685- ابن عماد 3:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ المُسْنِدُ الثِّقَةُ أَبُو عَبْدِ اللهِ محمد بن عماد بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَعْلَى الجَزَرِيّ، الحَرَّانِيّ، التَّاجِر.
وُلِدَ بِحَرَّانَ، يَوْم النَّحْر، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ بِمِصْرَ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ رِفَاعَةَ "الخِلَعِيَّاتِ" العِشْرِيْنَ.
وَسَمِعَ بِالثَّغْرِ مِنَ السِّلَفِيّ، وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنِ: ابن البطي، وأبي حنيفة الخطيبي، وأحمد
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1458"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 292"، وشذرات الذهب "5/ 155".
2 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 155".
3 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1258"، وفي النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 292"، وشذرات الذهب "5/ 155".(16/272)
ابن المقرب، ويحيى بن ثابت، وأبي بكر بن النَّقُّوْرِ، وَابْنِ الخَشَّاب، وَشُهْدَةَ، وَجَمَاعَة. وَسَمِعَ بِالقَاهِرَةِ مِنْ: عَلِيِّ بنِ نَصْرٍ الأَرْتَاحِيّ الرَّاوِي عَنْ أَبِي عَلِيٍّ بنِ نَبْهَانَ. وَأَجَاز لَهُ: هِبَة اللهِ بن أَبِي شَرِيْكٍ الحَاسِب، وَأَبُو القَاسِمِ سَعِيْد ابْن البَنَّاءِ، وَأَبُو الوَقْتِ السِّجْزِيُّ بِإِفَادَة خَالِهِ المُحَدِّثِ حَمَّادٍ الحَرَّانِيِّ. سَافَرَ مُدَّةً، وَسكنَ الإِسْكَنْدَرِيَّةَ، وَصَارَ مُسْنِدَهَا.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْن النَّجَّارِ، وَالمُنْذِرِيّ، وَعَبْد المُنْعِمِ ابْن النَّجِيْب، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الشَّمْعَةِ، وَأَبُو العِزِّ بنُ مَحَاسِنَ، وَعَلِيّ بن عَبْدِ اللهِ المَنْبِجِيُّ، وَعطيَّة بن مَاجِد، وَكَافُوْر الصَّوَّاف، وَجَمَال الدِّيْنِ مُحَمَّد بن أَحْمَدَ الشَّرِيْشِيّ. وَحَدَّثَنَا عَنْهُ مُحَمَّد بنُ الحُسَيْنِ الفُوِّيُّ، وعلي بن أحمد الحسني، وَيَحْيَى بن أَحْمَدَ الجُذَامِيّ. وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ القَاضِي تَقِيّ الدِّيْنِ بن قُدَامَةَ.
قَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: شَيْخ، عَالِم، فَقِيْه صَالِحٌ، كَثِيْر المَحْفُوْظ، ثِقَة، حَسَن الإِنصَات، كَثِيْر السَّمَاع، وَأُصُوْله بِأَيدِي المُحَدِّثِيْنَ.
قُلْتُ: طَالَ عُمُرُهُ، ورحل إليه. تُوُفِّيَ فِي عَاشرِ صَفَرٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وست مائة.(16/273)
5686- ابن غسان 1:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ المُسْنِدُ الأَمِيْرُ سَيْفُ الدَّوْلَةِ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ غَسَّانَ بنِ غَافِلِ بن نجاد ابن غَسَّانَ بنِ ثَامِرٍ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيّ، الحِمْصِيّ. وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ.
قَدِمَ دِمَشْق، وَهُوَ صَبِيّ، فَسَمِعَ كَثِيْراً مِنْ أَبِي المُظَفَّرِ الفَلَكِيِّ، وَعَلِيِّ ابن أَحْمَدَ الحَرَسْتَانِيِّ، وَأَبِي المَكَارِمِ بنِ هِلاَلٍ، وَعَبْدِ الخالق بن أسد، والصائن بن عَسَاكِرَ، وَأَخِيْهِ؛ أَبِي القَاسِمِ الحَافِظِ، وَغَيْرِهِم.
وَتَفَرَّد بِأَجزَاءَ، وَكَانَ يَعِيْش مِنْ عِقَاره، وَيُوَاظبُ غَالِباً عَلَى الجَمَاعَات.
حَدَّثَ عَنْهُ الضِّيَاء، وَابْن خَلِيْلٍ، وَابْن النَّابُلُسِيِّ، وَابْن الصَّابُوْنِيِّ، وَسَعْدُ الخَيْرِ النَّابُلُسِيُّ وَأَخُوْهُ، وَعَلِيُّ بنُ عُثْمَانَ اللَّمْتُوْنِيّ، وَأَبُو الفَضْلِ ابنُ عَسَاكِر، وَأَحْمَد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُنْقِذِيّ، وَمُحَمَّد بن حَازِمٍ، وَأَحْمَد ابْن العِمَادِ، وَسُلَيْمَان بن كسا، والمؤيد علي بن إبراهيم القعرباني، وَآخَرُوْنَ. وَآخِرُ أَصْحَابِه بِالحُضُوْرِ: بَهَاءُ الدِّيْنِ القَاسِمُ الطَّبِيْبُ.
تُوُفِّيَ فِي ثَالِثَ عَشَرَ شَعْبَانَ، سَنَةَ اثنتين وثلاثين وست مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 292".(16/273)
الرشيدي، ابن مندة:
5687- الرشيدي 1:
الشيخ أبو الحسن علي بن أَبِي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَبِي مَنْصُوْرٍ البَغْدَادِيُّ، الظَّفَرِيُّ، البَزَّازُ. وَيُعْرَفُ: بِالرَّشِيْدِيِّ. ذَكَرَ أَنَّ جَدَّهُم كَانَ مُحْتَسِبَ بَغْدَادَ زَمَنَ الرَّشِيْدِ.
سَمِعَ: عَبْدَ الوَاحِدِ بنَ الحُسَيْنِ البَارِزِيَّ، وَيَحْيَى بنَ ثَابِتٍ.
رَوَى عَنْهُ ابْنُ النَّجَّارِ. وَقَالَ: كَانَ صَالِحاً، دَيِّناً، أَدِيباً، لَهُ نَظْمٌ وَنَثْرٌ.
مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقَدْ نَاهزَ التِّسْعِيْنَ.
5688- ابْنُ مَنْدَةَ 2:
الشَّيْخُ الأَصِيلُ المُعَمَّرُ مُسْنِدُ أَصْبَهَانَ أَبُو الوَفَاءِ مَحْمُوْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سُفْيَانَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ ابْنِ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرٍو عَبْدِ الوَهَّابِ ابْنِ حَافِظِ المَشْرِقِ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مَنْدَةَ العَبْدِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ، وَقِيْلَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَبَكَّرَ بِهِ أَبُوْهُ فَسَمَّعَهُ مِنْ أَبِي الخَيْرِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ البَاغبَانِ، وَمِنْ أَبِي رَشِيْدٍ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الفِيْجِ، وَمَسْعُوْدٍ الثَّقَفِيِّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الرُّسْتَمِيِّ، وَعَبْدِ المُنْعِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سَعْدوَيْه، وَأَبِي المطهر الصيدلاني، وعدة.
حَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاء، وَابْن النَّجَّارِ، وَالشَّيْخ عَبْد الصَّمَدِ بن أَحْمَدَ بنِ أَبِي الجَيْش، وَالكَمَال عَبْد الرَّحْمَنِ الفُوَيْرِه، وَجَمَاعَةٌ.
وَبِالإِجَازَةِ القَاضِيَان شِهَابُ الدِّيْنِ الخُوَيِّيُّ، وَتَقِيُّ الدِّيْنِ الحَنْبَلِيُّ، وَأَبُو الفَضْلِ ابنُ عَسَاكِر، وَأَبُو الحُسَيْنِ اليُوْنِيْنِيّ، وَالعِمَادُ ابْن البطال، وَإِبْرَاهِيْمُ ابْنُ الحُبُوْبِيِّ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ سُلَيْمَانَ، وَالشَّيْخُ عَلِيُّ بنُ هَارُوْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُشَرِّفٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي الحَسَنِ المُخَرِّمِيُّ، وَعِزِّيَّةُ بِنْتُ غَنَائِمَ الكَفْرَبَطْنَانِيَّةُ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعَ كِتَابَ "المختصرين"، وَكِتَاب "الرِّقَّةِ"، وَكِتَاب "المَوْت"، وَكِتَاب "التَّهجُّد"، وَكِتَاب "حِلْمِ مُعَاوِيَة" لابْنِ أَبِي الدُّنْيَا، وَسَمِعَ كِتَاب "الإِيْمَان" لابْنِ مَنْدَة. وَقَرَأْتُ أَنَا بِخَطّ أَبِي الوَفَاء: وَمِنْ مَسْمُوْعَاتِي كِتَاب "مَعْرِفَة الصَّحَابَة" لِلإِمَامِ جَدِّي، سَمِعته مِنْ أَبِي الخَيْرِ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ.
قُلْتُ: أَكْثَر سَمَاعَاته فِي الخَامِسَة، فَإِنَّهُ كَتَبَ: وَمَوْلِدِي فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ.
مَاتَ شَهِيداً، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ. وَلَقَبُهُ: جَمَالُ الدِّيْنِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: أَسْمَعَهُ وَالِدُهُ الكَثِيْرَ مِنْ: أَبِي الخَيْرِ البَاغبَانِ، وَالرُّسْتمِيِّ، وَمَسْعُوْدٍ، وَجَمَاعَةٍ.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1458".
2 ترجمته في تذكرة الحافظ "4/ 1458، 1459"، والنجوم الزاهرة "6/ 292"، وشذرات الذهب "5/ 155، 156".(16/274)
5689- ابن شداد 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ قَاضِي القُضَاةِ بَقِيَّةُ الأَعْلاَمِ، بهاء الدين، أبو العز، وأبو المَحَاسِنِ يُوْسُفُ بنُ رَافِعِ بنِ تَمِيْمِ بنِ عُتْبَةَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَتَّابِ الأَسَدِيُّ، الحَلَبِيُّ الأَصْلِ وَالدَّارِ، المَوْصِلِيُّ المَوْلِدِ وَالمَنْشَأِ، الفَقِيْهُ، الشَّافِعِيُّ المُقْرِئُ، المَشْهُوْرُ: بِابْنِ شَدَّادٍ؛ وَهُوَ جَدُّهُ لأُمِّهِ.
وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَلاَزَمَ يَحْيَى بنَ سَعْدُوْنَ القُرْطُبِيَّ، فَأَخَذَ عَنْهُ القِرَاءاتِ وَالنَّحْوَ وَالحَدِيْثَ. وَسَمِعَ مِنْ: حَفَدَةَ العَطَّارِيِّ، وَابْنِ يَاسِرٍ الجَيَّانِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَحْمَدَ الطُّوْسِيِّ، وَأَخِيْهِ خَطِيْبِ المَوْصِلِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَالقَاضِي سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الشَّهْرُزُوْرِيِّ، وَيَحْيَى الثَّقَفِيِّ، وَطَائِفَةٍ. وَارْتَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ فَسَمِعَ مِنْ شُهْدَةَ الكَاتِبَةِ، وَجَمَاعَةٍ، وَتَفَقَّهَ، وَبَرَعَ، وَتَفَنَّنَ، وَصَنَّفَ، وَرَأَسَ، وَسَادَ.
حَدَّثَ بِمِصْرَ، وَدِمَشْقَ، وَحَلَبَ، حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ الفَاسِيُّ، وَالمُنْذِرِيّ، وَالعَدِيْمِي، وَابْنه؛ مَجْد الدِّيْنِ، وَأَبُو حَامِدٍ ابْن الصَّابُوْنِيّ، وَسَعْدُ الخَيْرِ ابْنُ النَّابُلُسِيِّ، وَأَخُوْهُ، وَأَبُو صَادِقٍ محمد بن الرشيد، وأبو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيّ، وَسُنْقُرُ القَضَائِيُّ، وَالصَّاحب مُحْيِي الدِّيْنِ ابْن النَّحَّاسِ سِبْطه، وَجَمَاعَة.
وَبِالإِجَازَةِ قَاضِي القُضَاةِ تَقِيّ الدِّيْنِ سُلَيْمَان، وَأَبُو نَصْرٍ ابْن الشِّيْرَازِيّ.
قَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: كَانَ ثِقَةً، حُجَّةً، عَارِفاً بِأُمُوْر الدِّيْنِ، اشْتُهِرَ اسْمُهُ، وَسَارَ ذِكْرُهُ، وكان صَلاَحٍ وَعِبَادَةٍ، كَانَ فِي زَمَانِهِ كَالقَاضِي أَبِي يُوْسُفَ فِي زَمَانِهِ، دَبَّرَ أُمُوْرَ المُلْكِ بِحَلَبَ، وَاجتمعتِ الأَلْسُنُ عَلَى مَدْحِهِ، أَنشَأَ دَارَ حَدِيْثٍ بِحَلَبَ، وَصَنَّفَ كِتَابَ "دَلاَئِل الأَحكَامِ" فِي أَرْبَع مجلدات.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "7/ ترجمة 842"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1459"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 292"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 158، 159".(16/275)
وَقَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: انْحدرَ ابْنُ شَدَّاد، إِلَى بَغْدَادَ، وَأَعَاد بِهَا، ثُمَّ مَضَى إِلَى المَوْصِل، فَدرَّس بِالكَمَاليَّة، وَانتفع بِهِ جَمَاعَة، ثُمَّ حَجَّ سَنَةَ 583، وَزَار الشَّامَ، فَاسْتحضرَهُ السُّلْطَان صَلاَح الدِّيْنِ وَأَكْرَمَهُ، وَسَأَلَهُ عَنْ جُزء حَدِيْث ليسمع مِنْهُ، فَأَخَرَجَ لَهُ "جُزْءاً" فِيْهِ أَذكَارٌ مِنَ البُخَارِيِّ، فَقَرَأَهُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ جَمَعَ كِتَاباً مُجَلَّداً فِي فَضَائِل الجِهَاد وَقَدَّمه لَهُ وَلاَزَمه فَوَلاَّهُ قَضَاءَ العَسْكَرِ، ثُمَّ خَدَمَ بَعْدَهُ وَلدَهُ المَلِكَ الظَّاهِرَ غَازِياً، فَوَلاَّهُ قَضَاءَ مَمْلَكَتِهِ وَنَظَرَ الأَوقَافَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَتِسْعِيْنَ. وَلَمْ يُرْزَق ابْناً، وَلاَ كَانَ لَهُ أَقَاربُ، وَاتَّفَقَ أَنَّ الْملك الظَّاهِر أَقطعه إِقطَاعاً يَحصُل لَهُ مِنْهُ جُمْلَةٌ كَثِيْرَةٌ، فتصمد له مال كثير فَعَمَّرَ مِنْهُ مَدْرَسَةً سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّ مائَةٍ وَدَارَ حَدِيْثٍ وَتُربَة. قَصَدهُ الطَّلبَةُ وَاشْتَغَلُوا عَلَيْهِ لِلْعِلْمِ وَللدُّنْيَا، وَصَارَ المُشَارَ إِلَيْهِ فِي تَدبِيرِ الدَّوْلَةِ بِحَلَبَ، إِلَى أَنِ اسْتولتْ عَلَيْهِ البرودَات والضعف، فكان يتمثل:
من يتمن العمر فلبدرع ... صَبْراً عَلَى فَقْدِ أَحْبَابِهِ
وَمَنْ يُعَمَّرْ يَلْقَ فِي نَفْسِهِ ... مَا قَدْ تَمَنَّاهُ لأَعْدَائِهِ
قَالَ الأَبَرْقُوْهِيُّ: قَدِمَ مِصْرَ رَسُوْلاً غَيْرَ مَرَّةٍ، آخِرُهَا القدْمَة الَّتِي سَمِعْتُ مِنْهُ فِيْهَا.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: كَانَ يُكْنَى أَوَّلاً بِأَبِي العِزِّ، ثُمَّ غَيَّرَهَا بِأَبِي المَحَاسِنِ. قَالَ: وَقَالَ فِي بَعْضِ تَوَالِيفِه: أَوَّلُ مَنْ أَخذتُ عَنْهُ شَيْخِي صَائِنُ الدِّيْنِ القُرْطُبِيّ، لاَزمتُ القِرَاءةَ عَلَيْهِ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، وَقَرَأْت عَلَيْهِ مُعْظَمَ مَا رَوَاهُ مِنْ كُتُبِ القِرَاءاتِ وَالحَدِيْثِ وَشُروحِه وَالتَّفْسِيْرِ. وَمِنْ شُيُوْخِي: سِرَاجُ الدِّيْنِ الجَيَّانِيُّ؛ قَرَأْتُ عَلَيْهِ "صَحِيْحَ مُسْلِمٍ" كُلَّهُ، وَ"الوَسِيطَ" لِلوَاحِدِيِّ سَنَة تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ بِالمَوْصِلِ. وَمِنْهُم فَخْر الدِّيْنِ أَبُو الرِّضَا ابْن الشَّهْرُزُوْرِيّ سَمِعْتُ عَلَيْهِ "مُسْنَدَ أَبِي عَوَانَةَ" وَ"مُسْنَدَ أَبِي دَاوُدَ"، وَ"مُسْنَدَ الشَّافِعِيِّ"، وَ"جَامِعَ التِّرْمِذِيِّ" ... إِلَى أَنْ قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: أَخذتُ عَنْهُ كَثِيْراً، وَكَتَبَ إِلَيْهِ صَاحِبُ إِرْبِلَ فِي حَقِّي وَحقِّ أَخِي، فَتفضَّلَ وَتَلقَّانَا بِالقَبُولِ وَالإِكرَامِ وَلَمْ يَكُنْ لأَحدٍ مَعَهُ كَلاَم، وَلاَ يَعمل الطّوَاشِي طُغْرِيْل شَيْئاً إلَّا بِمشُوْرَتِهِ. وَكَانَ لِلْفُقَهَاءِ بِهِ حُرمَةٌ تَامَّةٌ ... إِلَى أَنْ قَالَ: أَثَّرَ الهَرَمُ فِيْهِ، إِلَى أَنْ صَارَ كَالفَرْخِ. وَكَانَ يَسلكُ طَرِيْق البَغَاددَة فِي أَوضَاعهِم، وَيلبس زِيَّهُم، وَالرُّؤَسَاءُ يَنْزِلُوْنَ عَنْ دَوَابِّهِم إِلَيْهِ. وَقَدْ سَارَ إِلَى مِصْرَ لإِحضَار بِنْتِ السُّلْطَانِ الكَامِلِ إِلَى زَوْجِهَا المَلِكِ العَزِيْزِ، ثُمَّ اسْتَقلَّ العَزِيْزُ بِنَفْسِهِ، فَلاَزمَ القَاضِي بَيْتَه، وَأَسْمَعَ الحَدِيْثَ إِلَى أَنْ مَاتَ وَهُوَ عَلَى القَضَاءِ. قَالَ: وَظهرَ عليه الخوف، وَعَادَ لاَ يَعرِفُ مَنْ كَانَ يَعرِفُهُ، وَيَسْأَلُهُ عَنِ اسْمِهِ وَمَنْ هُوَ، ثُمَّ تَمرَّضَ وَمَاتَ يَوْمَ الأَرْبعَاءِ، رَابِعَ عَشَرَ صَفَرٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.(16/276)
5690- ابن روزبة 1:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ المُعَمَّرُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ رُوْزْبَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ، القَلاَنسِيُّ، العَطَّارُ، الصُّوْفِيُّ. وُلِدَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَسَمِعَ "صَحِيْح البُخَارِيِّ" وَ"جُزْء ابْن العَالِي" مِنَ الشَّيْخِ أَبِي الوَقْتِ.
وَرَوَى "الصَّحِيْح" بحلب، وبغداد، وحران، ورأس عين، وازدحموا عَلَيْهِ، وَكَانَ عَزْمه عَلَى دِمَشْقَ، فَخوَّفُوهُ بِحَلَبَ مِنْ حِصَار دِمَشْق، فَرَدَّ، فَطَالَبَه بَعْضُ الدَّمَاشِقَةِ بِمَا كَانَ أَعْطَاهُ، فَأَعْطَاهُ البَعْضَ وَمَاطلَ.
وَقَدْ أَضَرَّ بِأَخَرَةٍ، وَنَاطحَ التِّسْعِيْنَ. وَكَانَ حَسَنَ الهَيْئَةِ، مليح الشيبة، حلو الكلام، قوي الهمة برِبَاطِ الخِلاَطِيَّةِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عِزُّ الدِّيْنِ عَبْدُ الرزاق الرَّسْعَنِيُّ، وَشَرَفُ الدِّيْنِ ابْنُ النَّابُلُسِيّ، وَكَمَالُ الدِّيْنِ يَحْيَى بنُ الصَّيْرَفِيِّ، وَالقَاضِي شَمْسُ الدِّيْنِ ابْنُ العِمَادِ، وَنَصْر اللهِ بنُ حوَارِيّ، وَعِزّ الدِّيْنِ الفَارُوْثِيّ، وَجَمَال الدِّيْنِ الشَّرِيْشِيّ، وَأَمِيْن الدِّيْنِ ابْن الأَشْتَرِيِّ، وَتَاج الدِّيْنِ الغَرَّافِيّ، وَأَبُو الغَنَائِمِ الكَفَرَابِيّ، وَالجمَال عُمَر بن العقيمِيِّ، وَيَعْقُوْبُ بنُ فَضَائِلَ الحَلَبِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ تَيْمِيَةَ، وَالتَّاج ابْن أَبِي عَصْرُوْنَ، وَأَبُو سَعِيْدٍ سُنْقُرُ القَضَائِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَبِالإِجَازَةِ أَبُو نَصْرٍ ابْنُ الشِّيْرَازِيِّ، وَسَعْد الدِّيْنِ بن سَعْدٍ، وَالبَهَاء بن عَسَاكِرَ، وَالشِّهَاب ابْن الشِّحْنَةِ.
قَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيّ: جَاوَزَ التِّسْعِيْنَ، وَتُوُفِّيَ فُجَاءةً لَيْلَة خَامِسِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: الجمَال أَبُو حَمْزَةَ أَحْمَد بن عُمَرَ ابْن الشَّيْخ أَبِي عُمَرَ، وَزُهْرَةُ بِنْتُ مُحَمَّدِ بن حَاضِرٍ، وَالمُقْرِئُ سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ بنِ المُغَرْبِلِ الشَّارِعِيُّ، وَالوَجِيْه عَبْد الخَالِقِ بن إِسْمَاعِيْلَ التِّنِّيْسِيّ، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن عمر النساج الدِّمَشْقِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ ابْن الرَّمَّاحِ، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّد بنِ أَبِي المَفَاخِرِ المَأْمُوْنِيُّ، وَصَاحِبُ المَغْرِبِ يَحْيَى بن إِسْحَاقَ بنِ غَانِيَة الصِّنْهَاجِيّ المَيُوْرقِيّ، وَيُوْسُف بن جِبْرِيْل اللَّوَاتِيّ بِمِصْرَ، وَأَبُو الفَتْحِ نَصْرُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ فِتْيَانَ، وَعُمَر بن يَحْيَى بنِ شَافع المُؤَذِّن، وَخَطِيْب زَمْلَكَا عَبْد الكَرِيْمِ.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1423"، والنجوم الزاهرة "6/ 296"، وشذرات الذهب "5/ 160".(16/277)
5691- ابن دحية 1:
الشَّيْخُ العَلاَّمَةُ المُحَدِّثُ الرَّحَّالُ المُتَفَنِّنُ مَجْدُ الدِّيْنِ أبو الخطاب عمر ابن حَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ الجُمَيِّلِ -وَاسْمُ الجُمَيِّلِ مُحَمَّدٌ- بنِ فَرَحِ بنِ خَلَفِ بنِ قُوْمِسَ بن مَزْلاَلِ بنِ مَلاَّلِ بنِ أَحْمَدَ بنِ بَدْرِ بنِ دِحْيَةَ بنِ خَلِيْفَةَ الكَلْبِيُّ، الدَّانِيُّ ثُمَّ السَّبْتِيُّ.
هَكَذَا سَاق نَسبَه، وَمَا أَبعدَه مِنَ الصّحَّةِ وَالاتِّصَالِ! وَكَانَ يَكتب لِنَفْسِهِ: ذُو النِّسْبَتَيْنِ بَيْنَ دِحيَةَ وَالحُسَيْنِ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَبَّارُ: كَانَ يَذكرُ أَنَّهُ مِنْ وَلَدِ دحية -رضي الله عنه، وَأَنَّهُ سِبْطُ أَبِي البَسَّامِ الحُسَيْنِيِّ. سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ بن الجَدِّ، وَأَبَا القَاسِمِ بن بَشْكُوَالَ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ المُجَاهِد، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ زَرْقُوْنَ، وَأَبَا القَاسِمِ بن حُبَيْش، وَأَبَا مُحَمَّد بنَ عُبَيْدِ اللهِ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ بنَ بُونُه. وَحَدَّثَ بِتُوْنُسَ بِـ "صَحِيْح مُسْلِم" عَنْ طَائِفَة، وَرَوَى عَنْ آخرِيْنَ مِنْهُم أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ بَشْكُوَالَ، -وَقَالَ: سَمِعْتُ مِنْهُ كِتَاب "الصِّلَةِ"، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ المُنَاصِفِ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ دَحْمَانَ، وَصَالِح بن عَبْدِ المَلِكِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ بنُ قُرْقُوْل، وَأَبُو العَبَّاسِ بنُ سِيْده، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنِ عَمِيْرَةَ، وَأَبُو خَالِدٍ بن رِفَاعَةَ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ رُشْدٍ الوَرَّاقُ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ القُبَاعِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ مُغَاوِرٍ.
قَالَ: وَكَانَ بَصِيْراً بِالحَدِيْثِ، معتنيًا بتقييده، مكبًا على سماعه، حسن الحظ، مَعْرُوْفاً بِالضَّبْط، لَهُ حَظّ وَافر مِنَ اللُّغَة وَمشَاركَة فِي العَرَبِيَّة وَغَيْرهَا. وَلِيَ قَضَاءَ دَانِيَة مَرَّتَيْنِ، وَصُرفَ لِسِيرَةٍ نُعِتَتْ عَلَيْهِ، فَرَحَلَ، وَلقِيَ بِتِلِمْسَانَ أَبَا الحَسَنِ بنَ أَبِي حَيُّوْنَ، فَحَمَلَ عَنْهُ، وَحَدَّثَ بِتُوْنُسَ فِي سَنَةِ 595، ثُمَّ حَجَّ، وَكَتَبَ بِالمَشْرِق: بِأَصْبَهَانَ، وَنَيْسَابُوْر عَنْ أَصْحَابِ الحَدَّاد والفراوي، وعاد إلى مصر فاستأدبه الملك العاجل لابْنِهِ الكَامِل وَلِيِّ عَهْدِهِ، وَأَسكنه القَاهِرَة فَنَالَ بِذَلِكَ دُنْيَا عرِيضَة، وَكَانَ يُسَمِّعُ وَيُدرِّس. وَلَهُ تَوَالِيف، مِنْهَا: كِتَابُ "إِعلاَمِ النَّصِّ المُبِين، فِي المُفَاصَلَةِ بَيْنَ أَهْلِ صِفِّيْن".
قُلْتُ: سَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ البُوْصِيْرِيّ بِمِصْرَ، وَمِنْ أَبِي جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيِّ بِأَصْبَهَانَ، وَمِنْ: مَنْصُوْر الفُرَاوِيّ بِنَيْسَابُوْرَ؛ سَمِعَ بِهَا "صَحِيْح مُسْلِم" عَالِياً، بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ نَازلاً، وَحَدَّثَ بِدِمَشْقَ وَسَمِعَ بِهَا، وَسَمِعَ بِوَاسِط مِنْ أَبِي الفَتْحِ المَنْدَائِيِّ، سَمِعَ مِنْهُ "مُسْنَدَ أحمد".
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 497"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1136"، والنجوم الزاهرة "6/ 295، 296"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 160، 161".(16/278)
رَوَى عَنْهُ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، فَقَالَ: كَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ حَسَنَةٌ بِالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ، وَأَنَسَةٌ بِالحَدِيْثِ، فَقِيْهاً عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَكَانَ يَقُوْلُ: إِنَّهُ حَفِظَ "صحيح مسلم" جميعه، وإنه قرأه شَيْخٍ بِالمَغْرِبِ مِنْ حِفْظِهِ، وَيَدَّعِي أَشيَاءَ كَثِيْرَةً.
ولابن عتين فِيْهِ:
دِحْيَةُ لَمْ يُعْقِبْ فَلِمْ تَعْتَزِي ... إِلَيْهِ بِالبُهْتَانِ وَالإِفْكِ
مَا صَحَّ عِنْدَ النَّاسِ شَيْءٌ سِوَى ... أَنَّكَ مِنْ كَلْبٍ بِلاَ شَكِّ
قُلْتُ: كَانَ هَذَا الرَّجُلُ صَاحِبَ فُنُوْنٍ وَتَوسُّع وَيد فِي اللُّغَة، وَفِي الحَدِيْثِ عَلَى ضَعْفٍ فِيْهِ.
قَالَ ابْنُ مَسْدِيٍّ: رَأَيْت بِخَطِّهِ أَنَّهُ سَمِعَ قَبْل سَنَة سَبْعِيْنَ مِنْ جَمَاعَة؛ كَأَبِي بَكْرٍ بنِ خَلِيْل، وَاللَّوَاتِيّ، وَابْن حُنَيْن. قَالَ: وَلَيْسَ يُنكر عَلَيْهِ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يسمع حَتَّى سَمِعَ مِنْ أَقْرَانِهِ، وَحَصَّلَ مَا لَمْ يُحَصِّلْهُ غَيْرُهُ.
قَالَ الضِّيَاء: لَقِيْتُهُ بِأَصْبَهَانَ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ، وَلَمْ يُعْجِبنِي حَاله؛ كَانَ كَثِيْرَ الوقيعَة فِي الأَئِمَّة. وَأَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيْم السَّنْهُوْرِيُّ بِأَصْبَهَانَ: أَنَّهُ دَخَلَ المَغْرِبَ، وَأَنَّ مَشَايِخ المَغْرِبِ كَتَبُوا لَهُ جَرْحه وَتَضْعِيْفَه.
قَالَ الضِّيَاءُ: وَقَدْ رَأَيْتُ مِنْهُ غَيْرَ شَيْءٍ، مِمَّا يَدلُّ عَلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: كَانَ مَوْصُوَفاً بِالمَعْرِفَة وَالفَضْلِ وَلَمْ أَرَهُ، إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَدَّعِي أَشيَاءَ لاَ حَقِيْقَةَ لَهَا، ذكر لِي أَبُو القَاسِمِ بنُ عبد السلام ثقة، قال: نزل عِنْدنَا ابْنُ دِحْيَةَ فَكَانَ يَقُوْلُ: أَحْفَظُ "صَحِيْحَ مُسْلِمٍ" وَ"التِّرْمِذِيَّ" قَالَ: فَأَخَذتُ خَمْسَةَ أَحَادِيْثَ مِنَ التِّرْمِذِيِّ، وَخَمْسَةً مِنَ "المُسْنَدِ" وَخَمْسَةً مِنَ المَوْضُوْعَاتِ، فَجَعَلْتُهَا فِي جُزْءٍ، ثُمَّ عَرَضتُ عَلَيْهِ حَدِيْثاً مِنَ التِّرْمِذِيِّ، فَقَالَ: لَيْسَ بِصَحِيْحٍ، وَآخَرَ، فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُهُ، وَلَمْ يَعرِفْ مِنْهَا شَيْئاً!
وَقَالَ ابْنُ وَاصِلٍ الحَمَوِيّ: كَانَ ابْنُ دِحْيَةَ -مَعَ فَرطِ مَعْرِفَته بِالحَدِيْثِ وَحِفْظِهِ الكَثِيْرِ لَهُ- مُتَّهَماً بِالمُجَازفَةِ فِي النَّقلِ، وَبَلَغَ ذَلِكَ الْملك الكَامِل فَأَمره أَنْ يُعلِّقَ شَيْئاً عَلَى كِتَابِ الشِّهَابِ، فَعلَّقَ كِتَاباً تَكَلَّمَ فِيْهِ عَلَى أَحَادِيْثِه وَأَسَانِيْدِهِ، فَلَمَّا وَقَفَ الكَامِلُ عَلَى ذَلِكَ خَلاَّهُ أَيَّاماً وَقَالَ: ضَاعَ ذَاكَ الكِتَابُ فَعَلِّقْ لِي مثله. ففعل، فجاء الثاني فيه منتقضة لِلأَوَّلِ، فَعَلِمَ السُّلْطَانُ صِحَّةَ مَا قِيْلَ عَنْهُ، وَنَزَلت مَرْتَبَتُهُ عِنْدَهُ، وَعَزلَهُ مِنْ دَارِ الحَدِيْثِ التي أنشأها آخرًا، وولاها أخا أبا عمرو.(16/279)
قَرَأْت بِخَطِّ ابْنِ مَسْدِيٍّ فِي "مُعْجَمِهِ"، قَالَ: كَانَ وَالِدُ ابْنِ دِحْيَةَ تَاجراً يُعرَفُ بِالكَلْبِيِّ -بَيْنَ الفَاء وَالبَاء- وَهُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ بِدَانِيَةَ، وَكَانَ أَبُو الخَطَّابِ أَوَّلاً يَكتبُ: الكَلْبِيّ مَعاً، إِشَارَةً إِلَى المَكَانِ وَالنَّسَبِ، وَإِنَّمَا كَانَ يُعرف بِابْنِ الجُمَيِّلِ؛ تَصَغِيْرُ جَمَلٍ. قَالَ: وَكَانَ أَبُو الخَطَّابِ عَلاَّمَةَ زَمَانِه، وَقَدْ وَلِيَ أَوَّلاً قَضَاءَ دَانِيَةَ.
قُلْتُ: وَذَكَرَ أَنَّ سَبَبَ عَزْلِ ابْنِ دِحْيَةَ أَنَّهُ خَصَى مَمْلُوْكاً لَهُ، فَغَضِبَ الْملك، وَهَرَبَ ابْنُ دِحْيَةَ. وَلفظ ابْن مَسْدِيٍّ، قَالَ: كان له مملوك يسمى ريحان، فجبه واستأصل أنثييه وزيه وَأَتَى بِزَامِرٍ فَأَمَرَ بِثَقْبِ شَدْقِهِ، فَغَضِبَ عَلَيْهِ المَنْصُوْرُ، وَجَاءهُ النَّذِيْرُ، فَاخْتَفَى، ثُمَّ سَارَ مُتَنَكِّراً.
قُلْتُ: وَكَانَ مِمَّنْ يَترخص فِي الإِجَازَة، وَيطلق عَلَيْهَا "حَدَّثَنَا". وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ أَبُو عَمْرٍو بنُ الصَّلاَحِ "المُوَطَّأَ" بُعيدَ سَنَةِ سِتِّ مائَةٍ. وَأَخْبَرَهُ بِهِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُم: أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ زَرْقُوْنَ بِإِجَازتِه مِنْ أَحْمَد بن مُحَمَّد الخَوْلاَنِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو القيشطَالِيّ سَمَاعاً، أَخْبَرَنَا أَبُو عِيْسَى يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ. وَقَالَ ابْنُ دِحْيَةَ مَرَّةً أُخْرَى: حَدَّثَنِي القَاضِي عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ اللَّوَاتِيّ، وَابْن زَرْقُوْنَ قَالاَ: حَدَّثَنَا الخَوْلاَنِيُّ.
وَقَدْ قَرَأْتُ بِخَطِّ الحَافِظِ عَلَمِ الدِّيْنِ القَاسِمِ أَنَّهُ قرَأَ بِخَطِّ ابْنِ الصَّلاَحِ: سَمِعْتُ "المُوَطَّأَ" عَلَى الحَافِظِ ابْنِ دِحْيَةَ، وَحَدَّثَنَا بِهِ بِأَسَانِيْدَ كَثِيْرَةٍ جِدّاً، وَأَقْرَبُهَا مَا حَدَّثَهُ بِهِ الفَقِيْهَانِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ حُنَيْنٍ الكِنَانِيُّ، وَالمُحَدِّثُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ خَلِيْلٍ القَيْسِيُّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بنُ فَرَجِ بنِ الطَّلاَّعِ، وَأَبُو بَكْرٍ خَازِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُغِيْثٍ.
قَالَ ابْنُ الذَّهَبِيِّ: لَمْ يَلق ابْنُ دِحْيَةَ هَذَيْنِ، وَبِالجُهْدِ أَنْ تكون روايته عنهما إجازة، وكان بِبلاَد العَدْوَة، لَمْ يَكُوْنَا بِالأَنْدَلُسِ، فَكَانَ القَيْسِيُّ بِمَرَّاكُش، وَكَانَ ابْنُ حُنَيْنٍ بِفَاسَ، وَلِمُتَأَخِّرِي المغَاربَةِ مَذْهَبٌ فِي إِطلاَقِ: حَدَّثَنَا عَلَى الإِجَازَةِ، وَهَذَا تدليس.
قَالَ التَّقِيُّ عُبَيْدٌ: أَبُو الخَطَّابِ ذُو النَّسَبَيْنِ صَاحِب الفُنُوْنِ وَالرحلَة الوَاسِعَة، لَهُ المُصَنَّفَات الفَائِقَة وَالمَعَانِي الرَّائِقَة، كَانَ مُعَظَّماً عِنْد الخَاص وَالعَام، سُئِلَ عَنْ مَوْلِده فَقَالَ: سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. وَحُكِيَ عَنْهُ فِي مَوْلِدِهِ غَيْرُ ذَلِكَ.
قُلْتُ: فَقِيْلَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ شَيْخَانَا؛ شَرَفَا الدِّيْنِ أَبُو الحُسَيْنِ اليُوْنِيْنِيُّ، وَابْنُ خَوَاجَا إِمَامٌ، وَغَيْرُهُمَا.(16/280)
قَرَأْت بِخَطِّ الحَافِظِ الضِّيَاءِ: أَنَّ ابْنَ دِحْيَةَ تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الثُّلاَثَاءِ، رَابِعَ عَشَرَ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَدِمَ عَلَيْنَا وَأَملَى مِنْ حِفْظِهِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنِ ابْنِ الجَوْزِيّ وَسَمِعَ بِأَصْبَهَانَ "مُعْجَم الطَّبَرَانِيِّ" مِنَ الصَّيْدَلاَنِيّ، وَسَمِعَ بِنَيْسَابُوْرَ وَبِمَرْوَ وَوَاسِطَ، وَأَنَّهُ سَمِعَ مِنْ جَمَاعَةٍ بِالأَنْدَلُسِ، غَيْرَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ مُجمِعِينَ عَلَى كَذِبِه وَضَعْفِه وَادِّعَائِهِ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ، وَكَانَتْ أَمَارَاتُ ذَلِكَ لاَئِحَةً عَلَى كَلاَمِه وَفِي حَركَاتِه، وَكَانَ القَلْب يَأْبَى سَمَاعَ كَلاَمِه. سَكَنَ مِصْرَ، وَصَادفَ قَبُولاً مِنَ السُّلْطَانِ الكَامِلِ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ إِقبالاً عَظِيْماً، وسمعت أنه كان يسوي له المداس حِيْنَ يَقومُ. إِلَى أَنْ قَالَ: وَنَسَبُهُ لَيْسَ بِصَحِيْحٍ، وَكَانَ حَافِظاً مَاهِراً، تَامَّ المَعْرِفَةِ بِالنَّحْوِ واللغة، ظاهري المذهب، كثير الوقيعة في السَّلَفِ، أَحْمَقَ، شَدِيدَ الكِبْر، خَبِيثَ اللِّسَانِ، مُتَهَاوِناً فِي دِيْنِهِ، وَكَانَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ.
حكَى ابْنُ النَّجَّارِ فِي "تَارِيْخِهِ"، وَابْنُ العَدِيْمِ فِي "تَارِيخِ حَلَبَ"، وَأَبُو صَادِقٍ مُحَمَّدُ بنُ العَطَّارِ، وَابْنُ المُسْتَوْفِي فِي "تَارِيْخِهِ" عَنْهُ أَشْيَاءَ تُسقِطه.(16/281)
5692- الإربلي 1:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ فَخْر الدِّيْنِ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُسَلَّمِ بنِ سَلْمَانَ الإِرْبِلِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ. وَقَالَ مَرَّةً: فِي أَوَّلِ سَنَةِ سِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
حَدَّثَ عَنْ: يَحْيَى بنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ النَّقُّوْرِ، وَشُهْدَةَ الكَاتِبَةِ، وَعَلِيِّ بنِ عَسَاكِرَ المُقْرِئِ، وَالحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ البَطَلْيَوْسِيِّ، وَهِبَةِ اللهِ بنِ يَحْيَى الوَكِيْلِ، وَخمرتَاش فَتَى ابْنِ رَئِيْس الرُّؤَسَاءِ، وَتَجَنِّي عَتِيْقَةِ ابْنِ وَهْبَانَ وَغَيْرِهِم، وَلَهُ عَنْهُم جُزءٌ سَمِعْنَاهُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو حَامِدٍ ابْنُ الصَّابُوْنِيّ، وَالجمَالُ الدِّيْنَوَرِيّ الخَطِيْب، وَالعِمَاد يُوْسُفُ ابْن الشَّقَارِيِّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ ابْن اليُوْنِيْنِيّ، وَأَبُو العباس ابن الظَّاهِرِيِّ، وَأَبُو الفَضْلِ ابنُ عَسَاكِرَ، وَعَلِيّ بن بَقَاءٍ الملقِّنُ، وَالعِمَاد بن سَعْدٍ، وَعَلِيّ وَعُمَر وَأَبُو بَكْرٍ بَنُو ابْنِ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَعُمَرُ بن طَرْخَانَ، وَأَبُو العَبَّاسِ بنُ مُؤْمِنٍ، وَمُحَمَّد بن يُوْسُفَ الإِرْبِلِيّ الذَّهَبِيّ، وَعِيْسَى بن أَبِي مُحَمَّدٍ المَغَارِيّ، وَمُحَمَّد بن أَبِي الذِّكْرِ القُرَشِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ اللهِ ابْن خَطِيْب الأبار، وعبد المنعم ابن عَسَاكِرَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَمِنْ بَقَايَاهُم: عِيْسَى بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُطَعِّمُ، وَالقَاسِمُ بنُ عَسَاكِرَ، وَالقَاضِي تَقِيُّ الدِّيْنِ سُلَيْمَانُ.
قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ سَامَة: لَقَبُهُ قَنْوَرُ.
وَقَرَأْت بِخَطِّ ابْنِ مَسْدِيٍّ: إِنَّهُ يُعرفُ بِالقَنْوَرِ. قَالَ: وَكَانَ لاَ يَتحقّقُ مَوْلِدَهُ، وَلِهَذَا امْتَنَعُوا مِنَ الأَخْذِ عَنْهُ بِإِجَازَات أَقْوَامٍ مَوْتُهُم قَدِيْمٌ.
قَالَ ابْنُ الصَّلاَحِ: لاَ نَسْمَع بِهَذِهِ الإِجَازَات؛ لأَنَّه يذكر مَا يَدلّ عَلَى أَنَّ مَوْلِدَهُ بَعْد تَارِيخهَا.
وَقَالَ شَيْخنَا ابْنُ الظَّاهِرِيِّ، وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ: تُوُفِّيَ بِإِرْبِل فِي رَمَضَانَ أَوْ شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَوجدت بِخَطِّ السَّيْفِ ابْنِ المَجْدِ، قَالَ: رَأَيْتُ أَصْحَابنَا وَمَشَايِخنَا يَتَكَلَّمُوْنَ فيه بسبب قلة الدين والمروءة، وكن سماعه صحيحًا.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1423"، وشذرات الذهب "5/ 161".(16/281)
5693- نصر بن عَبْدُ الرَّزَّاقِ 1:
ابْنُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ عَبْدُ القَادِرِ بنُ أَبِي صَالِحٍ، الإمام العالم الأوحد قَاضِي القُضَاةِ عِمَاد الدِّيْنِ أَبُو صَالِحٍ وَلَدُ الحَافِظِ الزَّاهِدِ أَبِي بَكْرٍ، الجِيْلِيُّ ثُمَّ البَغْدَادِيُّ الأَزَجِيُّ الحَنْبَلِيُّ.
وُلِدَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، فَأَجَاز لَهُ وَهُوَ ابْنُ شَهْرٍ أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ البَطِّيِّ، وَالمُبَارَكُ بنُ مُحَمَّدٍ البَادرَائِي، وَطَائِفَةٌ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبَوَيْهِ، وَعَلِيّ بن عَسَاكِرَ البَطَائِحِيّ، وَخَدِيْجَة بِنْت النُّهْرُوَانِيِّ، وَشُهْدَة الكَاتِبَة، وَمُسْلِم بن ثَابِتٍ، وَعَبْد الحَقِّ بن يُوْسُفَ، وَأَحْمَد بن المُبَارَكِ المُرَقَّعَاتِيّ، وَعِيْسَى بن أَحْمَدَ الدُّوْشَابِيّ، وَمُحَمَّد بن بَدْرٍ الشِّيْحِيّ، وَفَاطِمَة بِنْت أَبِي غَالِبٍ المَاوَرْدِيِّ، وَأَبِي شَاكِر السَّقْلاَطُوْنِيِّ، وَتَفَقَّهَ عَلَى وَالِدِه، وَأَبِي الفَتْحِ ابْنِ المَنِّيِّ. وَدرَّس، وَأَفتَى، وَنَاظرَ وَسَادَ.
حدث عنه: ابن الدبيثي، وابن النجار، وأبو المُظَفَّرِ ابْن النَّابُلُسِيّ، وَالشَّمْس بن هَامِلٍ، وَأَبُو العَبَّاسِ الفَارُوْثِيّ، وَالتَّاج الغَرَّافِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّد بنُ أَحْمَدَ الشَّرِيْشِيُّ، وَمُحَمَّد بن أَبِي الفَرَجِ ابْن الدَّبَّابِ، وَأَبُو الحَسَنِ ابْنُ بَلْبَانَ، وَأَبُو المعالي الأبرقوهي، وعدة.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1423"، وشذرات الذهب "5/ 161، 162".(16/282)
وَجَمَعَ "الأَرْبَعِيْنَ" لِنَفْسِهِ، وَدرَّسَ بِمَدْرَسَةِ جَدِّه، وَبِالمَدْرَسَةِ الشَّاطِئَةِ وَتَكلّم فِي الْوَعْظ، وَأَلَّف فِي التَّصَوُّف، وَوَلِيَ القَضَاءَ لِلظَّاهِر بِأَمْرِ اللهِ، وَأَوَائِل، دَوْلَة المُسْتَنْصِر، ثُمَّ عُزِلَ.
قَالَ الضِّيَاءُ: هُوَ فَقِيْهٌ، كَرِيْمُ النَّفْسِ، خَيِّرٌ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَرَأَ الخلافات عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ أَبِي عَلِيٍّ النُّوْقَانِيِّ الشَّافِعِيِّ، وَبُنِيت لَهُ دَكَّة بِجَامِعِ القَصْرِ لِلْمُنَاظَرَة، وَوَعَظَ، فَكَانَ لَهُ قبولٌ تَامٌّ، وَأُذِنَ لَهُ فِي الدُّخُول عَلَى الأَمِيْرِ أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ ابْنِ النَّاصِرِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ لِسَمَاعِ المُسْنَدِ بِإِجَازته مِنَ النَّاصِر وَالِدِه فَأَنِسَ بِهِ، فَلَمَّا اسْتُخلِفَ لُقِّبَ بِالظَّاهِرِ فَقلَّدَ القَضَاءَ أَبَا صَالِحٍ سنة اثنتين وعشرين، فستر السِّيرَةَ الحَسَنَةَ، وَسَلكَ الطَّرِيقَةَ المُسْتَقِيمَةَ، وَأَقَامَ نَامُوسَ الشرع، ولم يحاب أحدًا، لا مَكَّنَ مِنَ الصِّيَاحِ بَيْنَ يَدَيْهِ. وَكَانَ يَمضِي إِلَى الجُمُعَةِ مَاشِياً، وَيَكْتُب الشُّهُودُ مِنْ دَوَاتِه في الجلس، فَلَمَّا اسْتُخلفَ المُسْتَنْصِرُ أَقرَّهُ أَشْهُراً وَعَزَلَهُ. وَرَوَى الكَثِيْرَ، وَكَانَ ثِقَةً، مُتحرِّياً، لَهُ فِي المَذْهَبِ اليَدُ الطُّوْلَى، وَكَانَ لَطِيفاً مُتَوَاضِعاً، مَزَّاحاً كَيِّساً، وَكَانَ مِقْدَاماً رَجُلاً مِنَ الرِّجَالِ، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ فِي دَارِ الوَزِيْرِ القُمِّيِّ، وَهُنَاكَ جَمَاعَةٌ، إذ دخل رجل ذو هيبة، فَقَامُوا لَهُ وَخَدَمُوْهُ، فَقُمْتُ وَظننتُه بَعْض الفُقَهَاء، فَقِيْلَ: هَذَا ابْنُ كَرَمٍ اليَهُوْدِيُّ عَامِلُ دَارِ الضَّرْبِ، فَقُلْتُ لَهُ: تَعَالَ إِلَى هُنَا، فَجَاءَ، وَوَقَفَ، فَقُلْتُ: وَيْلَكَ! تَوَهَّمْتُكَ فَقِيْهاً فَقُمْتُ إِكرَاماً لَكَ، وَلَسْتَ -وَيْلَكَ- عِنْدِي بِهَذِهِ الصِّفَةِ، ثُمَّ كَرَّرتُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَائِمٌ يَقُوْلُ: اللهُ يَحفظُكَ! اللهُ يُبقِيكَ! ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: اخْسَأْ هُنَاكَ بَعِيداً عَنَّا، فَذَهَبَ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ: أَنَّهُ رُسِمَ لَهُ بِرِزْقٍ مِنَ الخَلِيْفَةِ، وَأَنَّهُ زَارَ يَوْمَئِذٍ قَبْرَ الإِمَامِ أَحْمَدَ، فَقِيْلَ لِي: دُفِعَ رَسْمُكَ إِلَى ابْنِ تُوْمَا النَّصْرَانِيِّ، فَامضِ إِلَيْهِ فَخُذْهُ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لاَ أَمضِي وَلاَ أَطلبه. فَبقِي ذَلِكَ الذَّهَبُ عِنْدَهُ إِلَى أَنْ قُتِلَ -إِلَى لَعنَةِ اللهِ- فِي السَّنَةِ الأُخْرَى، وَأُخِذَ الذَّهَبُ مِنْ دَارِهِ، فَنفذ إِلَيَّ.
تُوُفِّيَ أَبُو صَالِحٍ فِي سَادِسَ عَشَرَ شَوَّالٍ سنة ثلاث وثلاثين وست مائة، وَدُفِنَ عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَقِيْلَ: إِنَّهُ دُفِنَ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ، فَعَلَ ذَلِكَ الرَّعَاعُ، فَقُبِضَ عَلَى مَنْ فَعَل ذَلِكَ وَعُوقِبَ وَحُبِسَ، ثُمَّ نُبِشَ أَبُو صَالِحٍ لَيلاً بَعْدَ أَيَّامٍ وَدُفِنَ -رَحِمَهُ اللهُ- وَحْدَهُ.
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ بالإجازة: الفخر بن عَسَاكِرَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ حَاتِمٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ سُلَيْمَانَ، وَالقَاضِي الحَنْبَلِيُّ، وَسَعْدُ الدِّيْنِ، وَعِيْسَى المُطَعِّمُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَأَبُو العَبَّاسِ ابْنُ الشِّحْنَةِ، وَأَبُو نَصْرٍ ابْنُ الشيرَازِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بِقِرَاءتِي: أَخْبَرَكُم نَصْرُ بنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عَلِيٍّ الوقَايَاتِيِّ سَنَة تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، قَالَتْ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُظَفَّرِ التَّمَّارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ الحُرْفِيُّ، أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بنُ مُحَمَّدٍ الدِّهْقَانُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحِلٌّ الضَّبِّيُّ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بنَ حَاتِمٍ يُحَدِّثُنَا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "اتقوا النار بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ" 1.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "1413"، ومسلم "1016" "68"، والنسائي "5/ 74، 75".(16/283)
ابن ياسين، الناصح:
5694- ابن ياسين 1:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ الأَمِيْنُ الحَجَّاجُ أَبُو مَنْصُوْرٍ سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَاسِيْنَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مُفَرِّجٍ البَغْدَادِيُّ البَزَّازُ السَّفَّارُ.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ ابْنِ البَطِّيِّ، وَجَعْفَرِ بنِ عَبْدِ الله ابن الدَّامَغَانِيِّ، وَأُخْتِهِ تُركُنَازَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الشَّيْخُ عِزُّ الدِّيْنِ الفَارُوْثِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ بَلْبَانَ.
وَبِالإِجَازَةِ القاضيان؛ ابن الخوبي وَالحَنْبَلِيِّ، وَالفَخْرُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَالقَاسِمُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ ابْنُ الشِّيْرَازِيِّ.
قَالَ ابْنُ أَنْجَبَ فِي تَارِيْخِهِ: حَجَّ تِسْعاً وَأَرْبَعِيْنَ حَجَّةً.
قُلْتُ: أُسْقِطَتْ شَهَادَتُهُ لِسُوْءِ طَرِيْقَتِهِ وَظُلْمِهِ.
تُوُفِّيَ فِي خَامِسِ صَفَرٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وثلاثين وست مائة.
5695- الناصح 2:
الشَّيْخُ الإِمَامُ المُفْتِي الأَوْحَدُ الوَاعِظُ الكَبِيْرُ نَاصِحُ الدين أبو الفرج عبد الرحمن بنُ نَجْمِ ابنِ الإِمَامِ شَرَفِ الإِسْلاَمِ أَبِي البِرَكَاتِ عَبْدِ الوَهَّابِ ابنِ الشَّيْخِ الكَبِيْرِ أَبِي الفَرَجِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الأَنْصَارِيُّ، السَّعْدِيُّ، العُبادِيُّ، الشِّيْرَازِيُّ الأَصْلِ، الشَّامِيُّ، المَقْدِسِيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، الحَنْبَلِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وخمس مائة.
وَتَفَقَّهَ، وَبَرَعَ فِي الوَعْظِ، وَارْتَحَلَ، وَسَمِعَ مِنْ شهدة الكاتبةـ وتجني الوهبانية، وأبي
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 298"، وشذرات الذهب "5/ 164".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 298"، وشذرات الذهب "5/ 164-166".(16/284)
شَاكِرٍ يَحْيَى السَّقْلاَطُوْنِيِّ، وَعَبْدِ الحَقِّ اليُوْسُفِيِّ، وَمُسْلِمِ بنِ ثَابِتٍ وَنِعْمَةَ بِنْتِ القَاضِي أَبِي خَازِمٍ بنِ الفَرَّاءِ، وَطَائِفَةٍ بِبَغْدَادَ، وَمِنْ أَبِي مُوْسَى المَدِيْنِيِّ، وَأَبِي العَبَّاسِ التُّركِ بِأَصْبَهَانَ، وَمِنْ عَبْدِ الغَنِيِّ بنِ أَبِي العَلاَءِ بِهَمَذَانَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَالضِّيَاءُ وَالبِرْزَالِيُّ وَالمُنْذِرِيُّ وَأَبُو حَامِدٍ الصابوني، والشمس بن حازم، والعز ابن العِمَادِ، وَالتَّقِيُّ بنُ مُؤْمِنٍ، وَنَصْرُ اللهِ بنُ عَيَّاشٍ، وَعَلِيُّ بنُ بَقَاءٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ بطّيخٍ، وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّبَّاغُ، وَالشِّهَابُ بنُ مُشَرَّف، ومحمد بن علي ابن الواسطي، وأبو بكر بن عبد الدائم.
وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ القَاضِيَانِ ابْنُ الخُوَيِّيِّ وَابْنُ حمزة، والبهاء بن عَسَاكِرَ.
وَدَرَّسَ، وَأَفْتَى، وَصَنَّفَ، وَكَانَ رَئِيْسَ الحَنَابِلَةِ فِي وَقْتِهِ بِدِمَشْقَ، وَكَانَ لَهُ قَبولٌ زَائِدٌ. حَدَّثَ وَوَعظَ بِمِصْرَ وَبِدِمَشْقَ. لَهُ خُطَبٌ وَمَقَامَاتٌ، وَكِتَابُ "تَارِيخِ الوُعَّاظِ". وَكَانَ حُلوَ الإِيرَادِ، صَارِماً، مَهِيْباً، شَهْماً، كَبِيْرَ القَدْرِ.
تُوُفِّيَ فِي ثَالِث المُحرَّم، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ ثَمَانُوْنَ سَنَةً.
قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَجْمٍ، أَخْبَرَنَا الحَافِظُ أَبُو مُوْسَى، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَخْبَرْنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحافظ، حدث أَبُو إِسْحَاقَ بنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ "ح". قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: وَحَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ محمد بن رزين الخياط، حدثا البَاغَنْدِيُّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا صدقة بن خالد، حدثنا عبد الرحمن بن صَابِرٍ، حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بنُ قَيْسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ غَنْمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبو عَامِرٍ وأَبُو مَالِكٍ الأَشْعَرِيُّ -وَاللهِ مَا كَذَبَنِي: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم- يَقُوْلُ: "لَيَكُوْنَنَّ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّوْنَ الحَرِيْرَ والخمر والمعازف، ولنزلن أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَروحُ عَلَيْهِم بسارحةٍ فيأتيهم رجل لحاجة فيقولون له: ارجع إلينا غدا فيبيتهم الله -تعالى، ويضع العلم عليهم، وَيُمسَخُ آخَرُوْنَ قِرَدَةً وَخَنَازِيْرَ" 1.
أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ تَعلِيقاً لِهِشَامٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ فِي "تَارِيْخِهِ" عَنِ الناصح.
__________
1 صحيح: علقه البخاري "5590"، ووصله أبو داود "4039"، والطبراني "3417"، والبيهقي "10/ 221"، وقد سبق لنا تخريج هذا الحديث في هذا المجلد السادس عشر.(16/285)
أخوه، القطيعي:
5696- أخوه 1:
الشَّيْخُ الفَقِيْهُ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ نَجْمٍ، تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَلَهُ سَبْعٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي تَمِيْمٍ سَلْمَانَ الرَّحَبِيِّ، وَالكَمَالِ ابنِ الشَّهْرُزُوْرِيِّ وَالحَيْصَ بَيْصَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الصَّفِيُّ خَلِيْلٌ المراغي في "مشيخته".
5697- القطيعي 2:
الشَّيْخُ العَالِمُ المُحَدِّثُ المُفِيْدُ المُؤَرِّخُ المُعَمَّرُ مُسْنِدُ العِرَاقِ -شَيْخُ المُسْتَنْصِرِيَّةِ أَوَّلَ مَا فُتِحَتْ- أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ بنِ حُسَيْنٍ البَغْدَادِيُّ، ابْنُ القَطِيْعِيِّ.
وُلِدَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمَّعَهُ وَالِدُهُ الفَقِيْهُ أَبُو العَبَّاسِ القَطِيْعِيُّ مِنْ أَبِي بَكْرٍ ابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ، وَنَصْرِ بنِ نَصْرٍ العُكْبَرِيِّ، وَأَبِي جعفر أحمد بن محمد العباس، وَأَبِي الوَقْتِ السِّجْزِيِّ، فَرَوَى عَنْهُ "الصَّحِيْحَ"، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ الخَلِّ الفَقِيْهِ، وَسَلْمَانَ الشَّحَّامِ، وَطَائِفَةٍ.
ثُمَّ طَلبَ هُوَ بِنَفْسِهِ، وَارْتَحَلَ، فَسَمِعَ بِالمَوْصِلِ مِنْ يَحْيَى بنِ سَعدُوْنَ القُرْطُبِيِّ، وَخَطِيْبِهَا أَبِي الفَضْلِ الطُّوْسِيِّ، وَبِدِمَشْقَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الكِنَانِيِّ، وَأَبِي المَعَالِي بنِ صَابِرٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ حَمْزَةَ القُرَشِيِّ. وَقَدْ لَزِمَ الشَّيْخَ أَبَا الفَرَجِ ابْنَ الجَوْزِيِّ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ كَثِيْراً، وَأَخَذَ عَنْهُ الوَعْظَ، وَجَمَعَ "ذَيْلَ التَّارِيْخِ" لِبَغْدَادَ، وَمَا تَمَّمَهُ، وَخَدَمَ فِي بَعْضِ الجِهَاتِ، وَنَابَ عَنِ الصَّاحبِ مُحْيِي الدِّيْنِ ابْنِ الجَوْزِيِّ فِي الحِسْبَةِ، وَفترَ عَنِ الحَدِيْثِ، بَلْ تَرَكَهُ، ثُمَّ طَالَ عُمُرُهُ، وَعَلاَ سَنَدُهُ، وَاشْتُهِرَ ذِكْرُهُ، فَأُعْطِيَ مَشْيَخَةَ المُسْتَنْصِرِيَّةِ. وَكَانَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ، ثُمَّ تَرَكَهُ وَكَانَ آخِرَ مَنْ حَدَّثَ بِبَلدِهِ "بِالصَّحِيْحِ" كَامِلاً عَنْ أَبِي الوَقْتِ، وَتَفَرَّدَ بِعِدَّةِ أَجزَاءَ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: هُوَ شَيْخٌ صَالِحُ السَّمَاعِ، صَنَّفَ لبَغْدَادَ "تَارِيخاً" إلَّا أَنَّهُ مَا أَظَهْرَهُ.
قُلْتُ: وَكَانَ لَهُ أُصُوْلٌ يَرْوِي مِنْهَا، وَكَانَ يَتَعَاسَرُ فِي الرِّوَايَةِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَالسَّيْفُ ابْنُ المَجْدِ، وَالجَمَالُ الشَّرِيْشِيُّ، وَالعِزُّ الفَارُوْثِيُّ، وَالعَلاَءُ بنُ بَلْبَانَ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ ابنِ الكَسَّارِ، وَالفَقِيْهُ سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ الطِّيْبِيُّ،
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب "5/ 119".
2 ترجمته في لسان الميزان "5/ ترجمة 160"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 162، 163 و168".(16/286)
والمجد عبد العزيز ابن الخَلِيْلِيِّ، وَالشِّهَابُ الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَالتَّاجُ الغَرَّافِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَبِالإِجَازَةِ القاضيان الخوبي والحنبلي، والفخر بن عَسَاكِرَ وَابْنُ عَمِّهِ البَهَاءُ، وَسَعْدُ الدِّيْنِ ابْنُ سَعْدٍ، وَعِيْسَى المُطَعِّمُ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو نَصْرٍ ابْنُ الشِّيْرَازِيِّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: جَمعَ "تَارِيْخاً"، وَلَمْ يَكُنْ مُحَقِّقاً فِيمَا يَنقُلهُ وَيَقُوْلُهُ، عَفَا اللهُ عَنْهُ. وَتَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْ جَمَاعَةٍ، أَذْهَبَ عُمُرَهُ فِي "التَّارِيْخِ" الَّذِي عَمِلَه، طَالعتُهُ فَرَأَيْتٌ فِيْهِ كَثِيْراً مِنَ الغَلَط وَالتَّصحيفِ، فَأَوْقَفتُه عَلَى وَجهِ الصَّوَابِ فِيْهِ فَلَمْ يَفْهَم، وَقَدْ نَقَلْتُ عَنْهُ، مِنْهُ أَشيَاءُ لاَ يَطمئنُّ قَلْبِي إِلَيْهَا، وَالعُهدَة عَلَيْهِ. وَسَمِعْتُ عَبْدَ العَزِيْز بنَ دُلَفٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الوَزِيْر أَبَا المُظَفَّرِ بنَ يُوْنُسَ يَقُوْلُ لأَبِي الحَسَنِ ابْنِ القَطِيْعِيِّ: وَيْلَك! عُمُرَكَ تَقرَأُ الحَدِيْث، وَلاَ تُحسنُ تَقرَأُ حَدِيْثاً وَاحِداً صَحِيْحاً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: وَكَانَ لحنةً، قيل المَعْرِفَةِ بِأَسْمَاءِ الرِّجَالِ، أَسَنَّ وَعُزِلَ عَنِ الشَّهَادَةِ، وَأُلْزِمَ مَنْزِلَه.
تُوُفِّيَ فِي رَابعِ أَوْ خَامِسِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: الْملك المُحْسِنُ أَحْمَدُ ابنُ السُّلْطَانِ صَلاَحِ الدِّيْنِ يُوْسُفَ، وَالشَّيْخ إِسْحَاق بن أَحْمَدَ العَلْثِيُّ الزَّاهِدُ، وَالمُحَدِّث وَجِيْهُ الدِّيْنِ بَرَكَاتُ بنُ ظافر بن عساكر المصري، والموفق حمد ابن أَحْمَدَ بنِ صُدَيْقٍ الحَرَّانِيُّ الحَنْبَلِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ خَلِيْل بن أَحْمَدَ الجَوْسَقِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدِ ابن يَاسِيْنَ، وَالحَافِظُ أَبُو الرَّبِيْعِ الكَلاَعِيُّ، وَالضَّحَّاكُ بنُ أَبِي بَكْرٍ القَطِيْعِيُّ، وَالنَّاصِحُ ابْنُ الحَنْبَلِيِّ، وَأَبُو البَرَكَاتِ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ القُبَّيْطِيِّ، وَالنَّاصحُ عَبْدُ القَادِرِ بنُ عَبْدِ القَاهِرِ الحَرَّانِيُّ الحَنْبَلِيُّ، وَالشَّرَفُ عَبْدُ القَادِرِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ ثُمَّ المِصْرِيُّ، وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ ابْنُ شَاعِرِ العِرَاقِ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ ابْن التَّعَاوِيْذِيِّ، وَعَبْد الوَاحِدِ بن نِزَارٍ ابْنُ الجَمَالِ، وَأَبُو عَمْرٍو عُثْمَان بن حَسَنِ بنِ دِحْيَةَ اللُّغَوِيُّ السَّبْتِيُّ، وعلي بن محمد بن كبة، وَالكَمَالُ عَلِيّ بن أَبِي الفَتْحِ الكُنَارِيّ الطَّبِيْب بِحَلَبَ، وَصَاحِب الرُّوْم كيقبَاد بن كيخسرو، وَالصَّاحب مُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ مُهَاجِرٍ بِدِمَشْقَ، وَصَاحِب حَلَب الْملك العَزِيْز مُحَمَّد ابْن الظَّاهِر، وَخَطِيْب شُقْر أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ وَضَّاحٍ المُقْرِئ، وَالمُحْتَسِبُ فَخْر الدِّيْنِ مَحْمُوْدُ بن سيمَا، وَمُرْتَضَى بنُ العَفِيْف، وَأَبُو بَكْرٍ هِبَةُ اللهِ بنُ كَمَالٍ، وَيَاسَمِينُ بِنْتُ البَيْطَارِ.(16/287)
مرتضى، ابن كمال:
5698- مرتضى 1:
ابن العَفِيْفِ أَبِي الجُوْدِ حَاتِمِ بنِ المُسَلَّمِ بنِ أَبِي العَرَبِ، الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُقْرِئُ، المُحَدِّثُ، أَبُو الحَسَنِ الحَارِثِيُّ، المِصْرِيُّ، الحَوْفِيُّ.
مَوْلِدُهُ بِالحَوْفِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ تَقْرِيْباً.
وَقَرَأَ بِالسَّبْعِ عَلَى " ... "2. وَسَمِعَ مِنْ أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ، وَالقَاضِي مُحَمَّد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَضْرَمِيّ، وَإِسْمَاعِيْل بن قَاسمٍ الزَّيَّاتِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ بَرِّيٍّ، وَسَلامَةَ ابن عَبْدِ البَاقِي، وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ النَّجَّارِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ المُنْذِرِيُّ، وَحَفِيْدُهُ حَاتِمُ بنُ حُسَيْنِ بن مرتضى، وأحمد بن عبد الكريم المنذرين وَالتَّاج الغَرَّافِيُّ، وَأَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَعِدَّةٌ. وَبِالإِجَازَةِ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ حُضُوْراً الجَمَالُ مُحَمَّدُ بنُ مُكَرَّمٍ الكَاتِبُ.
قَالَ المُنْذِرِيُّ: كَانَ عَلَى طَرِيقَةٍ حَسَنَةٍ، كَثِيْرَ التِّلاَوَةِ لَيْلاً وَنَهَاراً، وَأَبُوْهُ أَحَدُ المُنْقَطِعِيْن المَشْهُوْرِيْنَ بِالصَّلاَحِ.
قُلْتُ: حَدَّثَ مُرْتَضَى بِدِمَشْقَ، وَكَانَ عِنْدَهُ فِقْهٌ وَمَعْرِفَةٌ وَنَبَاهَةٌ. كَتَبَ بِخَطِّهِ الكَثِيْرِ.
وَقَالَ التَّقِيُّ عبيد: كَانَ فَقِيراً صَبُوْراً لَهُ قبولٌ، يَخْتِم فِي الشَّهْر ثَلاَثِيْنَ ختمَةً. وَلَهُ فِي رَمَضَانَ سِتُّوْنَ ختمَةً، رَحِمَهُ اللهُ. تُوُفِّيَ بِالشَّارِعِ، فِي التَّاسعِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ شَوَّالٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكَانَ شَافِعِيّاً.
قُلْتُ: مَا ذَكَرَ المُنْذِرِيُّ على من تلا بالسبع.
5699- ابن كمال 3:
الشَّيْخُ الصَّالِحُ الخَاشِعُ أَبُو بَكْرٍ هِبَةُ اللهِ بن عُمَرَ بنِ حَسَنٍ الحَرْبِيُّ، البَغْدَادِيُّ، القَطَّانُ، الحلاج، المعروف بابن كمال.
حَدَّثَ عَنْ: هِبَة اللهِ بنِ أَحْمَدَ الشِّبْلِيِّ، وَكَمَالِ بِنْت الحَافِظِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَأَبِي المَعَالِي بنِ اللَّحَّاسِ. وَتَفَرَّد فِي وَقْتِهِ، وَكَانَ مِنَ الأَخيَارِ.
أَخَذَ عَنْهُ: ابْنُ المَجْدِ، وَالكَمَالُ ابْن الدّخميسِيّ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ بَلْبَانَ، وَطَائِفَة.
وَبِالإِجَازَةِ: الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَالفَخْرُ ابْنُ عَسَاكِرَ وَابْنُ عَمِّهِ البَهَاءُ، وَالمُطَعِّمُ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَابْنُ الشِّيْرَازِيّ، وَابْنُ الشِّحنَةِ، وَعِدَّةٌ.
مَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَهُوَ فِي عشر التسعين.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1419، 1420"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 299"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 168".
2 فراغ في الأصل.
3 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1420"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 299"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 169".(16/288)
ياسمين، الأنجب:
5700- ياسمين 1:
الشَّيخَةُ المُعَمَّرَةُ المُبَارَكَةُ أُمُّ عَبْدِ اللهِ يَاسَمِينُ بِنْتُ سَالِمِ بنِ عَلِيِّ بنِ سَلاَمَةَ ابْنِ البَيْطَارِ الحَرِيْمِيَّةُ، أُخْتُ المُسْنِدِ ظَفَرِ الدِّيْنِ الَّذِي رَوَى لَنَا عَنْهُ الأَبَرْقُوْهِيُّ.
رَوَتْ جُزْءاً عَنْ أَبِي المُظَفَّرِ هِبَة اللهِ ابْنِ الشِّبْلِيِّ، تَفَرَّدَتْ بِهِ.
حَدَّثَ عَنْهَا: تَقِيُّ الدِّيْنِ ابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَابْنُ الزَّينِ، وَجَمَالُ الدِّيْنِ أَبُو بَكْرٍ الشَّرِيْشِيُّ، وَابْنُ بَلْبَانَ، وَجَمَاعَةٌ.
وَبِالإِجَازَةِ: القَاضِي، وَابْنُ سَعْدٍ، وَالمُطَعِّمُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالبَهَاءُ ابن عساكر، وابن الشحنة وآخرون.
تُوُفِّيَت يَوْمَ عَاشُورَاءَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائة، في عشر التسعين.
5701- الأنجب 2:
ابن أَبِي السَّعَادَاتِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، المُسْنِدُ، الصَّدُوْق، المُكْثِرُ، أَبُو مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ، الحَمَّامِيُّ، وَيُسَمَّى أَيْضاً مُحَمَّداً.
وُلِدَ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ بنِ البَطِّيِّ شَيْئاً كَثِيْراً، وَمِنْ: أَبِي المَعَالِي بنِ اللَّحَّاسِ، وَأَبِي زُرْعَةَ المَقْدِسِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ المُقَرِّبِ، وَيَحْيَى بنِ ثَابِتٍ، وَسَعْدِ اللهِ ابْنِ الدَّجَاجِيِّ. وَأَجَاز لَهُ مِنْ أَصْبَهَان: مَسْعُوْدٌ الثَّقَفِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الرُّسْتَمِيُّ.
__________
1 ترجمتها في تذكرة الحفاظ "4/ 1420"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 169".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 301"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 170".(16/289)
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ النَّجَّارِ، وَعِزُّ الدِّيْنِ الفَارُوْثِيُّ، وَكَمَالُ الدِّيْنِ الشَّرِيْشِيُّ، وَجَمَالُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ ابنُ الدَّبَّابِ، وَتَقِيُّ الدِّيْنِ ابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَعَلاَءُ الدِّيْنِ ابْنُ بَلْبَانَ، وَعَبْد الرَّحْمَنِ ابنُ الزَّينِ، وَمُحَمَّد بن مَكِّيٍّ، وَأَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَأَبُو سَعِيْدٍ سُنْقُر القَضَائِيُّ، وَعَبْد اللهِ بن أَبِي السَّعَادَاتِ، وَالمُجَاوِر أَحْمَد بن أَبِي طَالِبٍ بن أَبِي بَكْرٍ بنِ مُحَمَّدٍ الحَمَّامِيّ، وَعِدَّةٌ.
وَبِالإِجَازَةِ: القَاضِي الحَنْبَلِيّ، وَالفَخْر بن عَسَاكِرَ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَالمُطَعِّمُ، وأبو العباس ابن الشحنة، وأبو نصر ابن الشيرازي وجماعة.
وَمِنْ مَسْمُوْعَاتِه "حِلْيَةُ الأَوْلِيَاءِ" كُلّه عَلَى ابْنِ البطي، و"المنتقى" من سبعة أجزاء، و"المُخَلِّص" سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ اللَّحَّاسِ، وَ"سُنَن ابْنِ مَاجَه" عَلَى أَبِي زُرْعَةَ، وَ"مُسْنَدُ الحُمَيْدِيِّ": أَخْبَرْنَا ابْنُ الدَّجَاجِيّ. وَكَانَ شَيْخاً حَسَناً مُحِباً لِلرِّوَايَةِ طَيِّبَ الأَخْلاَقِ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: كَانَ سَمَاعُهُ صَحِيْحاً.
قَالَ المُنْذِرِيّ: تُوُفِّيَ بِالمَارستَان العَضُدِيّ، فِي تَاسِعَ عَشَرَ رَبِيْع الآخِرِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ فِي جِوَار شَيْخنَا ابْنِ مَشِّقْ فَأَسْمَعَهُ الكَثِيْرَ، وَكَانَ شَيْخاً لَا بَأْسَ بِهِ، حَسَنَ الأخلاق، صورًا، عزيز النفس مع فقره.(16/290)
5702- ابن اللتي 1:
الشَّيْخُ الصَّالِحُ المُسْنِدُ المُعَمَّر رحلَة الوَقْت أَبُو المنجى عبد الله بن عمر بن علي بنِ زَيْدٍ ابنُ اللَّتِّيِّ البَغْدَادِيُّ الحَرِيْمِيُّ الطَّاهِرِيُّ القَزَّاز.
وُلِدَ بِشَارع دَار الرَّقيق فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَسَمَّعَهُ عَمُّهُ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ سَعِيْد بن أَحْمَدَ ابْنِ البَنَّاءِ حُضُوْراً فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ. وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الوَقْت السِّجْزِيِّ كَثِيْراً "كَالدَّارِمِيّ" وَ"مُنْتَخَب مُسْنَدِ عَبْدٍ" وَأَشيَاءَ. وَمِنْ: أَبِي الفتوح الطائي، وأبي المعالي ابن اللحاس، وَأَبِي الفَتْحِ ابْن البَطِّيِّ، وَعُمَر بن عَبْدِ اللهِ الحَرْبِيّ، وَالحَسَن بن جَعْفَرٍ المُتَوَكّلِيّ، وَأَحْمَد بن المُقَرَّبِ، وَمُقْبل ابْنِ الصَّدْرِ، وَعُمَر بنِ بنيمان، ومسعود بن شنيف، وجماعة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 301"، وشذرات الذهب "5/ 171".(16/290)
وَأَجَازَ لَهُ: المُفْتِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الرُّسْتَمِيُّ، ومسعود الثقفي، ومحمود فورجه، وإسماعيل ابن شَهْرَيَارَ، وَعَلِيّ بن أَحْمَدَ اللّبَّادُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الصَّيْدَلاَنِيّ، وَعِدَّة.
وَرَوَى الكَثِيْر: بِبَغْدَادَ، وَبِحَلَبَ، وَدِمَشْقَ، وَالكَرَك. وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ، وَبَعُدُ صِيْتُهُ.
وَرَوَى عَنْهُ خَلاَئِقُ، مِنْهُم: ابْنُ النَّجَّارِ، وَابْنُ الدُّبَيْثِيّ، وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ النَّابلسِيِّ، وَابْنُ هَامِلٍ، وَابْنُ الصَّابُوْنِيِّ، وَالشِّهَابُ ابْنُ الخرزِيِّ، وَابْنُ الظَّاهِرِيِّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ اليُوْنِيْنِيُّ، وَالمَجْدُ بنُ المِهتَارِ، وَبَهَاءُ الدين ابن النحاس، وأبو حامد الكبر، وَعِيْسَى المُطَعِّمُ، وَعَلِيُّ بنُ هَارُوْنَ، وَالفَخْرُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَمُحَمَّدُ بنُ قَايْمَازَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الإِرْبِلِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ ابْنُ الحُبُوبِيِّ، وَعُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ العَقْربَائِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مَكتُوْمٍ، وَعَبْدُ الأَحَدِ بنُ تَيْمِيَةَ، وَالقَاضِي تَقِيُّ الدِّيْنِ، وَهَدِيَّةُ بِنْتُ عَسْكَرٍ، وَالقَاسِمُ بنُ عَسَاكِرَ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ شكرٍ، وَأَحْمَدُ ابن أَبِي طَالِبٍ الدَّيرمُقَرنِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَازر، وَخَلْقٌ سواهم.
سَمِعْتُ مِنْ نَحْو ثَمَانِيْنَ نَفْساً مِنْ أَصْحَابِهِ، وَكَانَ شَيْخاً صَالِحاً، مُبَارَكاً، عَامِّياً عَرِيّاً مِنَ العِلْمِ!
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: بِهِ خُتِمَ حَدِيْث القاسم البغوي بعلو، وكان سماعه صحيحًا.
قتل: أَقدمه مَعَهُ المُحَدِّثُ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ ابنُ الجَوْهَرِيِّ، وَأَكْثَر عَنْهُ شَيْخنَا أَبُو عَلِيٍّ ابْن الحَلاَّلِ بِقَرْيَةِ جديَا، وَحَدَّثَ بِالبَلَدِ، وَبِالجَامِع المُظَفَّرِيِّ، وَبِالكَرَكِ، وَأَمَاكنَ، وَسكنَ الكَرَك أَشْهُراً، وَحَدَّثَ بِحَلَبَ فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَسَارَ إِلَى بَغْدَادَ بَعْدَ إقَامَتِهِ بِالشَّامِ سَنَةً وَشَهْراً، وَحَصَّلَ جُمْلَةً مِنَ الهِبَاتِ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَة: سَمَاعُه صَحِيْحٌ، وَلَهُ أَخ زوَّر لأَخِيه عَبْد اللهِ إجازات من ابن ناصر وغيه، وَإِلَى الآنَ مَا عَلمته رَوَى بِهَا شَيْئاً وَهِيَ إِجَازَة بَاطِلَة، وَأَمَّا الشَّيْخ فَشيخ صَالِح لاَ يَدْرِي هَذَا الشَّأْن أَلبتَّةَ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ، فِي رَابِعَ عَشَرَ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَمَا رَوَى مِنَ المزور له شيئًا.(16/291)
الملك المحسن، ابن طراد، ابن سكينة:
5703- الملك المحسن 1:
المُحَدِّثُ العَالِمُ الزَّاهِدُ ظَهِيْر الدِّيْنِ أَحْمَدُ ابْن السُّلْطَانِ صَلاَحِ الدِّيْنِ يُوْسُفَ بنِ أَيُّوْبَ.
رَوَى عَنْ: يَحْيَى الثَّقَفِيِّ، وَابْنِ صَدَقَةَ، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَقَرَأَ، وَأَحْسَن إِلَى طَلبَة الحَدِيْث كَثِيْراً.
حَدَّثَنَا عَنْهُ: سُنْقُر القَضَائِيُّ، وَقِيْلَ: لَقَبُهُ يَمِيْنُ الدِّيْنِ.
مَاتَ فِي المُحرَّم، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ سَبْعٌ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً.
وَمَاتَ أَخُوْهُ الزَّاهر دَاوُد: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ.
وَمَاتَ أَخُوْهُمَا المُفَضَّلُ قُطْبُ الدِّيْنِ مُوْسَى سَنَةَ إِحْدَى وثلاثين وست مائة.
5704- ابن طراد 2:
الشَّرِيْفُ الجَلِيْلُ المُعَمَّرُ أَبُو طَالِبٍ عَبْدُ اللهِ بنُ المُظَفَّرِ ابْنِ الوَزِيْرِ الكَبِيْرِ أَبِي القَاسِمِ عَلِيِّ ابنِ النَّقِيْب أَبِي الفَوَارِسِ طِرَادِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ، الزَّيْنَبِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
وُلِدَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ بنِ البَطِّيِّ فِي الخَامِسَةِ، وَمِنْ يَحْيَى بنِ ثَابِتٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ السَّكَن، وَشُهْدَةَ الكَاتِبَةِ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ النَّقُّوْرِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ بنُ بَلْبَانَ، وَجَمَال الدِّيْنِ الشَّرِيْشِيُّ، وَعِزُّ الدِّيْنِ الفَارُوْثِيُّ، وَطَائِفَةٌ.
وَبِالإِجَازَةِ: القَاضِي الحَنْبَلِيّ، وَالفَخْر بن عَسَاكِرَ، وَسَعْد الدِّيْنِ، وَعِيْسَى المُطَعِّمُ، وَابْن الشِّيْرَازِيّ، وَأَبُو العَبَّاسِ ابْنُ الشِّحنَة، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ فِي سَادِسَ عَشَرَ رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائة.
5705- ابن سكينة 3:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ المَهِيْب شَيْخُ الشُّيُوْخِ صَدْرُ الدِّيْنِ أبو الفضل عَبْدُ الرَّزَّاقِ ابنُ أَبِي أَحْمَدَ عَبْدِ الوَهَّابِ ابْنِ الأَمِيْنِ عَلِيِّ بنِ عَلِيِّ بنِ سُكَيْنَةَ البَغْدَادِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ ابْنِ البَطِّيِّ حُضُوْراً، وَمِنْ شُهْدَةَ الكَاتِبَةِ، وَمِنْ جَدِّهِ لأمه عبد الرحيم ابن أبي سعد.
حدث بدمشق وبعداد؛ رَوَى عَنْهُ: البِرْزَالِيُّ، وَسَعْدُ الخَيْرِ ابْنُ النَّابلسِيِّ، وَابْنُ بَلْبَانَ، وَأَبُو الفَضْلِ بنُ عَسَاكِر. وَبِالإِجَازَةِ: أبو نصر ابن الشيرازي.
وَنُفِّذَ رَسُوْلاً. مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 298"، وشذرات الذهب "5/ 162".
2 ترجمته في شذرات الذهب "5/ 171".
3 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 301"، وشذرات الذهب "5/ 171".(16/292)
ابن رئيس الرؤساء، محمد بن يوسف هود:
5706- ابن رئيس الرؤساء 1:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ الصَّدْر أَبُو مُحَمَّدٍ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ هِبَةِ اللهِ ابْنِ رَئِيْسِ الرُّؤَسَاءِ ابْنِ المُسْلِمَةِ الصُّوْفِيُّ، النَّاسخُ.
سَمِعَ: أَبَا الفَتْحِ ابْنَ البَطِّيِّ، وَأَحْمَدَ بنَ المُقَرَّبِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَتَبْتُ عَنْهُ، وَكَانَ حَسَنَ الطّرِيْقَةِ، مُتَدَيِّناً، يُوَرِّق لِلنَّاسِ. مَاتَ: فِي رَجَبٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: مَوْلِدُهُ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الشَّيْخُ عِزُّ الدِّيْنِ الفَارُوْثِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ بَلْبَانَ. وَبِالإِجَازَةِ: فَاطِمَةُ بِنْتُ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو نَصْرٍ ابْنُ الشِّيْرَازِيِّ، وَطَائِفَةٌ.
مَاتَ فِي ثَالِثِ رَجَبٍ.
5707- مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ هُودٍ:
الأَنْدَلُسِيُّ السُّلْطَانُ أَبُو عَبْدِ اللهِ.
قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي الوَلِيْدِ بنِ الحَاجِّ، قَالَ: لَمَّا قضى الله -تعالى- بهلاك المُوَحِّدِيْنَ بِالأَنْدَلُسِ، وَذَلِكَ أَنَّهُم ابْتُلُوا بِالصَّلاَحِ فِي الظَّاهِرِ، وَالأَعْمَالِ الفَاسِدَةِ فِي البَاطِنِ، فَأَبْغَضَهُمُ النَّاسُ بُغْضاً شَدِيْداً، وَتَرَبَّصُوا بِهِمُ الدَّوَائِرَ، إِلَى أَنْ نَجَمَ ابْنُ هُودٍ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ بِشَرقِ الأَنْدَلُسِ فَقَامَ النَّاسُ كُلُّهُم بِدَعْوَتِهِ، وَتَعَصَّبُوا مَعَهُ، وَقَاتَلُوا المُوَحِّدِيْنَ فِي البُلْدَانِ، وَحَصَرُوهُم فِي القِلاعِ، وَقَهَرُوهُم، وَقَتلُوا فِيهِم، وَنُصِرَ عَلَى المُوَحِّدِيْن، وَخَلُصَت الأَنْدَلُسُ كُلُّهَا لَهُ، وَفَرِحَ النَّاسُ بِهِ فَرَحاً عَظِيْماً، فَلَمَّا تَمَهَّدَ أَمْرُهُ أنشأ غزوة للفرنج على مدينة
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 301"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 170".(16/293)
مَارِدَةَ بِغَربِ الأَنْدَلُسِ، وَاسْتَدعَى النَّاسَ مِنَ الأَقْطَارِ، فَانْتدبَ الخَلْقُ لَهُ بِجِدٍّ وَاجْتِهَادٍ وَخُلُوصِ نِيَّةِ المُرْتَزِقَة وَالمُطّوعَة، وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الأَنْدَلُسِ كُلُّهُم، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَنْ حَبَسَهُ العُذْرُ، فَدَخَلَ بهم إلى الإفرنج، فلما تراءى الجمعان وقت الهَزِيْمَةُ عَلَى المُسْلِمِيْنَ أَقبحَ هَزِيْمَةٍ فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ، وَكَانَتْ تِلْكَ الأَرْضُ مَدْيَسَةً بِمَاءٍ وَعَزْقٍ تَسَمَّرَت فِيْهَا الخَيْل إِلَى آباطهَا، وَهَلَكَ الخَلْقُ، وَأَتبعهُم الفِرَنْجُ بِالقَتْلِ وَالأَسْرِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا القَلِيْلُ، وَرَجَعَ ابْنُ هُودٍ فِي أَسْوَأِ حَالٍ إِلَى إِشْبِيْلِيَةَ، فَنَعُوذُ بِهِ مِنْ سُوْءِ المُنْقَلَبِ، فَلَمْ تَبق بُقعَة مِنَ الأَنْدَلُس إلَّا وَفِيْهَا البُكَاءُ وَالصِّيَاح العَظِيْم وَالحُزْن الطَّوِيْل، فَكَانَتْ إِحْدَى هَلَكَات الأَنْدَلُس، فَمَقَتَ النَّاسُ ابْنَ هود، وَصَارُوا يُسَمّونه المَحْرُومَ، وَلَمْ يَقدر أَنْ يَفعلَ مَعَ الفِرَنْج كَبِيْر فَعل قَطُّ إلَّا مرَّة أَخَذَ لَهُم غَنَماً كَثِيْرَةً جِدّاً، ثُمَّ قَامَ عَلَيْهِ شُعَيْب بن هِلاَلَة بِلَبْلَة، فَصَالَحَ ابْنُ هود الأَدفوش عَلَى مُحَاصرَة لَبْلَةَ وَمُعَاونته عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ قُرْطُبَةَ، وَاتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ لَهُ: لاَ يَسُوغ أَنْ يَدخلهَا الفِرَنْج عَلَى البَدِيْهَةِ، وَإِنَّمَا تُهمِلُ أَمرَهَا، وَتُخلِيهَا مِنْ حرس، وَوَجِّهْ أَنْتَ الفِرَنْج يَتَعَلَّقُوْنَ بِأَسوَارِهَا بِاللَّيْلِ وَيَغدرُوْنَ بِهَا، فَفَعلُوا كَذَلِكَ. وَوَجَّه ابْنُ هُوْدٍ إِلَى وَالِيهِ بِقُرْطُبَةَ فَأَعْلَمَهُ بِذَلِكَ، وَأَمره بِضِيَاعهَا مِنْ حَيِّزِ الشَّرْقِيَّة فَجَاءَ الفِرَنْجُ فَوَجَدُوْهُ خَالِياً، فجعلوا السلام وَاسْتوَوا عَلَى السُّوْر فَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّة إلَّا بِاللهِ.
وَكَانَتْ قُرْطُبَة مَدينَتَيْنِ: إِحدَاهُمَا الشَّرْقِيَّةُ وَالأُخْرَى المَدِيْنَة العُظْمَى، فَقَامَتِ الصَّيْحَة وَالنَّاس فِي صَلاَةِ الفَجْر، فَرَكِبَ الجُنْد وَقَالُوا لِلوَالِي: اخْرُج بِنَا لِلمُلْتَقَى، فَقَالَ: اصْبِرُوا حَتَّى يضحِي النَّهَار، فَلَمَّا أَضْحَى رَكِبَ وَخَرَجَ مَعَهُم، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الفِرَنْج قَالَ: ارجعُوا حَتَّى أَلبس سلاَحِي! فَرَجَعَ بِهِم وَهُم يُصَدِّقُونه، وَذَا أَمرٌ قَدْ دُبر بِليلٍ، فَدَخَلَ الفِرَنْج عَلَى أَثرِهِم، وَانْتَشَرُوا، وَهَرَبَ النَّاسُ إِلَى البَلَدِ، وَقُتِلَ خَلْقٌ مِنَ الشُّيُوْخ وَالولدَان وَالنسوَان، وَنُهِبَ لِلنَّاسِ مَا لَا َيُحْصَى، وَانحصرت المَدِيْنَة العُظْمَى بِالخَلْقِ فَحَاصَرَهُم الفِرَنْج شُهُوْراً، وَقَاتلوهُم أَشَدّ القِتَال، وَعدم أَهْلُهَا الأَقوَات، وَمَاتَ خَلْقٌ كَثِيْرٌ جُوْعاً، ثُمَّ اتَّفَقَ رَأْيُهُم مَعَ أَدفونش -لَعَنَهُ اللهُ- عَلَى أَنْ يُسلموهَا وَيَخْرُجُوا بِأَمتعتِهِم كُلّهَا، فَفَعَل، وَوَفَّى لَهُم، وَوصّلهُم إِلَى مَأْمَنِهِم فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَلَمْ يُمتّع بَعْدهَا ابْن هُود، بَلْ أَخَذَهُ اللهُ فِي سَنَةِ خَمْسٍ، فَكَانَتْ دَوْلَتُه تِسْعَةَ أَعْوَامٍ وَتِسْعَةَ أَشهر وَتِسْعَةَ أَيَّام، وَهَلَكَ بِالمَرِيَّةِ جُهّز عَلَيْهِ مَن غَمَّهُ وَهو نَائِم، وَحُمِلَ إِلَى مُرْسِيَة فَدُفِنَ هُنَاكَ، وَلَمْ يَمت حَتَّى قَوِيَ أَمرُ المُوَحِّدِيْن وَقَامَ بَعْدَهُ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ نَصْر ابْن الأَحْمَر، وَدَامَ الْملك فِي ذُرِّيَته. وَقَدِمَ عَلَيْنَا دِمَشْق ابْن أَخِيْهِ الزَّاهِدُ الكَبِيْرُ بَدْر الدِّيْنِ بن هُود، وَرَأَيْتُهُ، وَكَانَ فَلسفِيَّ التَّصَوُّف يَشْرَب الخَمْر، أخذه الأعوان مخمورًا!(16/294)
الرعيني، صاحب الروم:
5708- الرعيني 1:
الإِمَامُ المُحَدِّثُ المُتْقِن الرَّحَّالُ أَبُو مُوْسَى عِيْسَى بن سليمان الرعيني، الأندلسي، الرندي.
سَمِعَ بِمَالَقَةَ مِنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ القُرْطُبِيِّ، وَأَبِي العَبَّاسِ بنِ الجَيَّارِ، وَبأَصْطبَّةَ مِنْ إِبْرَاهِيْمَ بن عَلِيٍّ الخَوْلاَنِيّ. وَحَجّ وَأَكْثَر بِدِمَشْقَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ البُنِّ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ صَصْرَى، وَالطَّبَقَة.
ذكره الأَبَّارُ، فَقَالَ: كَانَ ضَابِطاً مُتْقِناً، كتبَ الكَثِيْرَ، ثُمَّ امتُحِنَ فِي صَدَرِهِ بأَسر العَدُوِّ، فَذَهَبَ أَكْثَر مَا جَلب، وَوَلِيَ خطَابَة مَالَقَة، وَأَجَاز لِي مَرْوِيَّاتِه. تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، وَلَهُ إِحْدَى وَخَمْسُوْنَ سَنَةً.
وَذكره رفِيقُه عُمَر بن الحَاجِب، فَقَالَ: كَانَ حَافِظاً مُتْقِناً، أَدِيْباً نَبِيْلاً، سَاكِناً وَقُوْراً، نَزِهاً. قَالَ لِي الحَافِظ الضِّيَاءُ: مَا فِي الطّلبَة مِثْله. وَقَالَ لِي الزَّكِيّ البِرْزَالِيُّ: ثِقَةٌ ثَبْتٌ، حَدَّثَنَا مِنْ حِفْظِهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ قُزْمَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ الطَّلاَّعِيُّ بِحَدِيْثٍ مِنَ "المُوَطَّأِ".
وَذَكَرَهُ ابْنُ مَسْدِي، فَقَالَ: أَخَذَ بِمَكَّةَ عَنْ يُوْنُسَ القَصَّارِ الهَاشِمِيّ، وَأَقَامَ بِتِلْكَ البِلاَدِ نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ ضَابطاً، نقادًا، عارفًا بالرجال، أَلَّفَ "مُعْجَمَه" وَكِتَاباً فِي الصَّحَابَة، أَخَذَ عَنْهُ: ابْنُ فُرتُوْنَ بِسَبْتَةَ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الطّنّجَالِيُّ.
5709- صاحب الروم 2:
السُّلْطَان عَلاَء الدِّيْنِ كيقُباذ ابْن السُّلْطَان كيخسرو ابْن السُّلْطَان قِلِج أَرْسَلاَن ابْن السُّلْطَان مَسْعُوْد ابْن السُّلْطَان قِلِج أَرْسَلاَن ابْن السُّلْطَان سُلَيْمَانَ بن قُتُلمشَ السَّلْجُوْقِيُّ، أَصْحَاب مَمْلَكَة الرُّوْمِ.
كَانَ شُجَاعاً، مَهِيْباً، وَقُوْراً، سَعِيْداً، هَزَمَ خُوَارِزْم شَاه، وَاسْتَوْلَى عَلَى عِدَّةِ مَدَائِنَ، وَتَزَوَّجَ بِابْنَةِ العَادلِ، فَوُلِدَ لَهُ مِنْهَا. وَكَانَ قَبْلَهُ قَدْ تَملَّكَ أَخُوْهُ كِيكَاوس، فَاعْتقل أَخَاهُ هَذَا مُدَّة، فَلَمَّا نَزل بِهِ المَوْت أَحْضَرَ كيقُباذ وَفَكَّ قَيْدَهُ وَعَهِدَ إِلَيْهِ بِالسَّلْطَنَةِ، وَوصَّاهُ بِأَطفَالِهِ، فَطَالَتْ أَيَّامُهُ، وَكَانَ فِيْهِ عَدْل وَإِنْصَاف فِي الجُمْلَةِ.
مَاتَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ. وَتَمَلَّكَ بَعْدَهُ وَلدُهُ غِيَاثُ الدِّيْنِ كيخسرو، وَكَانَتْ دولة كيقباذ تسع عشرة سنة.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1154"، وشذرات الذهب "5/ 156".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 297، 298"، وشذرات الذهب "5/ 168".(16/295)
الدولعي، ابن البغدادي:
5710- الدولعي 1:
خَطِيْبُ دِمَشْق المُفْتِي جَمَالُ الدِّيْنِ مُحَمَّد بن أَبِي الفَضْلِ بنِ زَيْدِ بنِ يَاسِيْنَ التَّغْلِبِيُّ، الأرقمي، الدولعي.
وُلِدَ بِالدَّولعيَة مِنْ قُرَى المَوْصِل، وَقَدِمَ دِمَشْق، فَتَفَقَّهَ بِعَمِّه خَطِيْبِ دِمَشْق ضِيَاء الدِّيْنِ. وَرَوَى عَنِ ابْنِ صَدَقَة الحَرَّانِيّ، وَجَمَاعَة. وَوَلِيَ بَعْد عَمِّه مُدَّة.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الحُلوَانِيَّة، وَالجَمَال ابْن الصَّابُوْنِيّ، وَخَادمُهُ سُلَيْمَان بن أَبِي الحَسَنِ. وَدَرَّسَ مُدَّة بِالغَزَّاليَة. وَكَانَ فَصِيْحاً، مَهِيْباً، شَدِيداً عَلَى الرَّافِضَّةِ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: مَنَعَهُ المُعَظَّمُ مِنَ الفَتْوَى مُدَّةً، وَلَمْ يَحُجّ لِحِرْصِهِ عَلَى المَنْصِب، مَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَوَلِيَ الخَطَابَة أَخٌ لَهُ جَاهِل.
قُلْتُ: لَمْ يُطَوِّل أَخُوْهُ، وَدُفِنَ الدَّوْلَعِيُّ بِجيروْنَ بِمَدْرَسَتِه، وَكَانَ من أعيان الشافعية.
5711- ابن البغدادي:
الإِمَامُ المُفْتِي شَرَفُ الدِّيْنِ عَبْدُ القَادِرِ بن مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ ابْن البَغْدَادِيِّ المِصْرِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَتَفَقَّهَ بِدِمَشْقَ عَلَى القُطْب النَّيْسَابُوْرِيّ، وَبِمِصْرَ عَلَى الشِّهَاب الطُّوْسِيّ. وَدَرَّسَ بِجَامِع السَّرَّاجين وَبِالقُطْبِيَّة، وَكَانَ يُشَار إِلَيْهِ بِالتَّقْوَى وَبِالفَتْوَى.
رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ الأَغْلاَقِيّ، وَابْن مَسْدِي.
وَرَوَى عَنْهُ: بِالإِجَازَةِ القَاضِي شِهَاب الدِّيْنِ ابْن الخُوَيِّيّ، وَأَحْمَد بن المُسَلَّم بن عَلاَّنَ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ عَسَاكِرَ.
وَقَالَ المُنْذِرِيّ فِي "مُعْجَمِهِ": كَانَ فَقِيْهاً حَسَناً، مِنْ أَهْلِ الدِّيْنِ وَالعَفَاف، طَارِحاً لِلتَّكَلُّفِ، مُقْبِلاً عَلَى مَا يَعْنِيْهِ.
تُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ، سنة أربع وثلاثين وست مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 302"، وشذرات الذهب "5/ 174".(16/296)
أخو ابن دحية، ابن سني الدولة:
5712- أخو ابن دحية 1:
اللُّغَوِيُّ العَلاَّمَة المُحَدِّثُ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَان بن حَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ فَرْح الجُمَيّلُ، السَّبْتِيُّ.
سَمِعَ مَعَ أَخِيْهِ أَبِي الخَطَّابِ المَذْكُوْر، وَمُنْفَرِداً الكَثِيْرَ مِنِ: ابْنِ بَشْكُوَالَ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ الجَدِّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ زَرْقُوْنَ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ خَيْر، وَأَبِي القَاسِمِ السُّهَيْلِيّ، -لَكِنَّهُ أَبَى أَنْ يَرْوِي عَنْهُ وَذمَّهُ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ بُوْنُهْ، وَعَبْد المُنْعِمِ بن الخَلُوْف. وَحَجّ، وَنَزَلَ عَلَى أَخِيْهِ بِمِصْرَ، ثُمَّ ولي مَشْيَخَة الكَامِليَة، وَكَانَ يَتَقَعَّرُ فِي رَسَائِله، وَيُلْهِج بوحشِي اللُّغَة كَأَخِيْهِ.
سَمِعَ مِنْهُ: الجَمَال أَبُو مُحَمَّدٍ الجَزَائِرِيّ كِتَاب "المُلَخَّص" لِلْقَابسِيِّ. قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: رَأَيْتُهُ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ لَمَّا قَدِمَ وَهُمْ يَسْمَعُوْنَ مِنْهُ "التِّرْمِذِيّ" فَقُلْتُ لِرَجُلٍ: أَمن أَصل? فَقَالَ: قَدْ قَالَ الشَّيْخُ: لاَ أَحتَاج إِلَى أَصلٍ، اقرأوا فَإِنِّي أَحْفَظُه. ثُمَّ ظَهَرَ مِنْهُ كَلاَم قَبِيْحٌ فِي ذَمِّ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا، فَتَرَكْتُ الاجتمَاعَ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْدِيٍّ: أَرْبَى عَلَى أَخِيْهِ بِكَثْرَة السَّمَاع، كَمَا أَرْبَى أَخُوْهُ عَلَيْهِ بِالفِطْنَة وَكَرَمَ الطِّبَاع، وَكَانَ مُتَزَهِّداً، لَمْ يَكُنْ لَهُ أُصُوْل، وَكَانَ شَيْخُه ابْن الجَدِّ يَصِلُهُ وَيُعْطِيه، ثُمَّ نَهَدَ إِلَى أَخِيْهِ فَنَزَلَ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ خَرِفَ أَخُوْهُ فِيمَا أُنْهِيَ إِلَى الكَامِلِ فَجَعَله عوضه. أَلَّفَ "مُنْتَخَباً" فِي الأَحكَام.
وَمَاتَ في جمادى الأولى، سنة أربع وثلاثين وست مائَةٍ، عَنْ ثَمَان وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
5713- ابْنُ سَنِيِّ الدولة 2:
قَاضِي القُضَاةِ شَمْسُ الدِّيْنِ أَبُو البَرَكَاتِ يَحْيَى ابْن سَنِيّ الدَّوْلَةِ هِبَة اللهِ بن يَحْيَى الدِّمَشْقِيُّ، الشَّافِعِيُّ، مِنْ أَوْلاَد الخَيَّاطِ الشَّاعِرِ صَاحِبِ "الديوان".
وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَتَفَقَّهَ بِالقَاضِي شَرَف الدِّيْنِ بن أَبِي عَصْرُوْنَ، وَأَخَذَ الخلاَف عَنِ القُطْب النَّيْسَابُوْرِيّ. وَسَمِعَ مِنْ: أَحْمَد بن حَمْزَةَ بن المَوَازِيْنِيّ، وَيَحْيَى الثَّقَفِيّ، وَجَمَاعَةٍ. وَأَسْمَعَ وَلَدَهُ قَاضِي القُضَاةِ صَدْر الدِّيْنِ أَحْمَدَ مِنَ الخُشُوْعِيّ. وَكَانَ وَقُوْراً، مَهِيْباً، إِمَاماً، حَمِيدَ الأَحكَامِ.
حَدَّثَ بِالشَّامِ وَبِمَكَّةَ. رَوَى عَنْهُ أَبُو الفَضْلِ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَابْنُ عَمِّهِ الفَخْر إِسْمَاعِيْل، وَالبَهَاء الطَّبِيْب.
مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ خمس وثلاثين وست مائة.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1422".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 301"، وشذرات الذهب "5/ 177، 178".(16/297)
ابن الشواء، ابن الباجي:
5714- ابن الشواء 1:
الأَدِيْبُ الشَّهير شَاعِرُ وَقته شِهَاب الدِّيْنِ أَبُو المَحَاسِنِ يُوْسُف بنُ إِسْمَاعِيْلَ الكُوْفِيُّ، ثُمَّ الحَلَبِيُّ، الشِّيْعِيُّ.
لَهُ "دِيْوَان" كَبِيْر فِي أَرْبَع مُجَلَّدَاتٍ.
تُوُفِّيَ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائة، وله ثلاث وسبعون سنة.
5715- ابن الباجي:
العَلاَّمَةُ القُدْوَةُ قَاضِي الجَمَاعَةِ أَبُو مَرْوَانَ مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَحْمَدَ ابنِ مُحَدِّثِ الأَنْدَلُسِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ شَرِيعَةَ اللَّخْمِيُّ، البَاجِيُّ، ثُمَّ الإِشْبِيْلِيُّ، المَالِكِيُّ.
مِنْ بَيْت كَبِيْر شَهِيْر، وَلِيَ خطَابَة إِشْبِيْلِيَة زَمَاناً، ثُمَّ اسْتَقضَاهُ العَادل عَلَيْهَا، ثُمَّ أُضِيْفَ إِلَيْهِ قَضَاءُ الجَمَاعَة فِي أَوَّلِ مُدَّة المَأْمُوْنِ، فَلَمْ يُطَوِّلْ. وَكَانَ عَدْلاً فِي الأَحكَامِ، حَسَنَ التِّلاَوَةِ، سَرِيعَ السَّرْدِ لِلْحَدِيْثِ، لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالرِّجَالِ.
رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ عَنْ جَدِّهِ، وَتَلاَ بِالسَّبْعِ وَيَعْقُوْبَ عَلَى أَبِي عَمْرٍو بنِ عَظِيْمَة، وَسَمِعَ "صَحِيْح البُخَارِيِّ" مِنْ أَبِي بَكْرٍ بن الجَدِّ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ عِدَّة كتب، وَسَمِعَ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ المُجَاهِد. وَقَدِمَ دِمَشْق مِنْ مِيْنَاء عَكَّا، وَحَدَّثَ بِهَا بـ "المُوَطَّأ"، ثُمَّ حَجَّ وَمَاتَ عَقِيْب حَجِّهِ بِمِصْرَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَشَيَّعَهُ أُمَمٌ، وَتَبَرَّكُوا بِهِ، وَبَنَوْا عَلَيْهِ قُبَّةً فِي يوم واحد.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "7/ ترجمة 580"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 178".(16/298)
ابن بهروز، ابن الشيرازي:
5716- ابن بهروز 1:
الشَّيْخُ الفَاضِلُ المُسْنِدُ المُعَمَّر الطَّبِيْب أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ بَهْرُوْزَ البَغْدَادِيُّ.
سَمِعَ بِإِفَادَة خَالِه يَحْيَى ابْنِ الصَّدْر مِنْ أَبِي الوَقْت السِّجْزِيِّ ثَلاَثَة كتب: "مُسْنَد عَبْد" وَكِتَاب "الدَّارِمِيّ"، وَ"ذَمّ الكَلاَم". وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ ابْن البَطِّيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ بن طَاهِر، وَأَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ المُعَمَّرِ العَلَوِيِّ، وَتَفَرَّدَ بِبَغْدَادَ بِالسَّمَاعِ مِنْ أَبِي الوَقْتِ وَقْتاً.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو المُظَفَّرِ ابْنُ النَّابلسِي، وَابْن بَلْبَانَ، وَالشَّرِيْشِيُّ، وَالفَارُوْثِيُّ، وَالغَرَّافِيُّ، وَأَخُوْهُ مُحَمَّد، وَأَحْمَد بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْن الأَشْقَر الخَطِيْب بِالحَرِيْمِ، وَمُحَمَّد بن علي بن علي ابن أَبِي البَدْر، وَأُخْته سِتّ المُلُوْك، وَعَبْد اللهِ بن أَبِي السَّعَادَاتِ، وَيُوْسُف بن صَعْنِيْنَ وَآخَرُوْنَ.
وَبِالإِجَازَةِ: القَاضِي الحَنْبَلِيّ، وَابْن سَعْدٍ، وَالمُطَعِّم، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَابْن الشِّحنَة، وَعِدَّة. وَكَانَ جَدُّهُ بَهْرُوْز مِنْ أَهْلِ العَجَم. قَدِمَ بغداد للاشتغال في علم الطب.
مَاتَ أَبُو بَكْرٍ فِي مُسْتهلِّ رَمَضَان، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقَدْ نَيَّفَ عَلَى التِّسْعِيْنَ.
وَفِيْهَا مَاتَ: قَاضِي القُضَاةِ شَمْس الدِّيْنِ يَحْيَى بن هِبَةِ اللهِ بنِ سَنِيّ الدَّوْلَة الشَّافِعِيّ بِدِمَشْقَ، وَالشَّاعِر المُجِيْد صَاحِب "الدِّيْوَان" شِهَابُ الدِّيْنِ يُوْسُف بن إِسْمَاعِيْلَ ابْن الشّوَّاء الحَلَبِيُّ، وَخَطِيْب دِمَشْق جَمَال الدِّيْنِ مُحَمَّد بن أَبِي الفَضْلِ التَّغْلِبِيُّ الدَّوْلَعِيُّ وَاقفُ الدَّولعيَّةِ، وَالمُبَارَك بن عَلِيٍّ المُطَرِّز، وَالشَّرَف مُحَمَّد بن نَصْرٍ القُرَشِيُّ ابن أخي أبي البيان، وعبد الرزاق ابن عَبْدِ الوَهَّابِ ابْن سُكَيْنَةَ الصُّوْفِيُّ، وَالرَّضِيّ عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ المُقْرِئ، وَعَبْد اللهِ بن المُظَفَّر ابْن الوَزِيْر عَلِيِّ بن طِرَادٍ، وَقَاضِي حَلَب زَيْنُ الدِّيْنِ عَبْدُ اللهِ ابْنُ الأُسْتَاذِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ ابْنِ رَئِيْسِ الرُّؤَسَاءِ، وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ ابن الزبال الواعظ ببغداد.
5717- ابن الشيرازي 2:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِمُ المُفْتِي المُسْنِدُ الكَبِيْرُ جَمَالُ الإِسْلاَمِ القَاضِي شَمْس الدِّيْنِ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ ابْنُ العَدْل الإِمَامِ هِبَة اللهِ بن مُحَمَّدِ بن هبة الله بن يَحْيَى بنِ بُنْدَار بن مَمِيْل الشيرازي، ثم الدمشقي، الشافعي.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 302"، وشذرات الذهب "5/ 173، 174".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 302"، وشذرات الذهب "5/ 173، 174".(16/299)
وُلِدَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَأَجَاز لَهُ: أَبُو الوَقْتِ السِّجْزِيُّ، وَنَصْرُ بنُ سَيَّار الهَرَوِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي يَعْلَى حَمْزَةَ ابْن الحُبُوبِيِّ، وَالخَطِيْب أَبِي البَرَكَاتِ الخَضِر بن عَبْدٍ الحَارِثِيِّ، وَأَبِي طَاهِرٍ بن الحصْنِيِّ، وَالصَّائِن ابْن عَسَاكِرَ وَأَخِيْهِ الحَافِظ، وَعَلِيّ بن مَهْدِيٍّ الهِلاَلِيِّ، وَأَبِي المَكَارِمِ بن هِلاَلٍ، وَمُحَمَّد بن حَمْزَةَ ابْن المَوَازِيْنِيِّ، وَمُحَمَّد بن بَرَكَةَ الصِّلْحِيّ، وَالحَسَنِ بنِ البَطَلْيَوْسِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَلَهُ "مَشْيَخَةٌ" بِانتقَاء النَّجِيْب الصَّفَّارِ سَمِعْنَاهَا.
حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيُّ، وَابْنُ خَلِيْل، وَالمُنْذِرِيُّ، وَابْنُ النَّابُلُسِيُّ، وَابْنُ الصَّابُوْنِيِّ، وَشُيُوْخنَا: أَبُو الحُسَيْنِ اليُوْنِيْنِيّ، وَمُحَمَّد بن أَبِي الذِّكْرِ، وَخَدِيْجَة بِنْت غَنمَة، وَعَبْد المُنْعِمِ بن عَسَاكِرَ، وَمُحَمَّد بن يُوْسُفَ الإِرْبِلِيّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ ظَافر النَّابلسِيّ، وَالشِّهَاب ابْنُ مُشَرِّفٍ، وَالعزُّ ابْن العِمَاد، وَأَبُو حَفْصٍ ابْن القَوَّاس، وَبَهَاء الدِّيْنِ ابْن عَسَاكِرَ، وَحَفِيْدُهُ أَبُو نَصْرٍ محمد ابن مُحَمَّدٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ المُنْذِرِيُّ: وَلِيَ القَضَاءَ بِبَيْتِ المَقْدِسِ وَغَيْرهُ، وَدَرَّسَ وَأَفتَى، وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْ أَبِي البَرَكَاتِ وَالصَّائِنِ وَالحصْنِيِّ، وَانْفَرَدَ بِرِوَايَةٍ أَكْثَر مِنْ مائَتَيْ جُزْء مِنْ "تَارِيْخِ دِمَشْقَ". وَمَمِيْل: بِالفَارِسيَة هُوَ مُحَمَّد.
وَقَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: هُوَ أَحَدُ قُضَاة الشَّامِ اسْتَقلاَلاً بَعْد نيابة.
قُلْتُ: اسْتَقلَّ بِالقَضَاء مَعَ مُشَاركَة غَيْره لَهُ مُدَيْدَة، ثُمَّ لَمَّا اسْتَقلَّ بِالقَضَاء الشَّمْسَان ابْن سني الدولة والخوبي، عُرِضَتْ عَلَيْهِ النِّيَابَةُ فَامْتَنَعَ، ثُمَّ عُزِلاَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ بِالعِمَادِ ابْنِ الحَرَستَانِيِّ، ثُمَّ عُزِلَ العِمَادُ وَأُعيدُ ابْنُ سَنِيِّ الدَّوْلَة.
دَرَّسَ أَبُو نَصْرٍ بِمَدْرَسَة العِمَاد الكَاتِب ثُمَّ تَرَكَهَا، ثُمَّ دَرَّسَ بِالشَّامِيَّة الكُبْرَى. وَكَانَ -رَحِمَهُ اللهُ- رَئِيْساً جَلِيْلاً، مَاضِي الأَحكَام، عَدِيْم المُحَابَاة، سَاكناً وَقُوْراً، مَلِيْحَ الشَّكل، مُنَوَّر الوَجْه، أَكْثَر وَقته فِي نشر العِلْمِ وَالرِّوَايَة وَالتَّدْرِيس. تَفَقَّهَ بِالقُطْب النَّيْسَابُوْرِيّ، وَأَبِي سَعْدٍ بنِ أَبِي عَصْرُوْنَ وَغَيْرهُمَا، وَفِي ذُرِّيَته كُبَرَاء وَعُدُول.
تُوُفِّيَ فِي ثَانِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَمَاتَ وَلده تَاج الدِّيْنِ أَبُو المَعَالِي أَحْمَد سَنَة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ. وَسَمِعَ: مِنَ الفَضْل ابْن البَانْيَاسِيّ، وَعَبْد الرَّزَّاقِ.
أَخْبَرَنَا الحَافِظُ أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُؤْمِن، وَعُمَر بن(16/300)
عَبْدِ المُنْعِمِ، وَعَبْد المُنْعِمِ ابْن زَين الأُمَنَاءِ، وَأَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ المِزِّيّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا القَاضِي أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ الفَقِيْهُ، وَأَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَحْمَدَ المُعَدَّل، وَمُحَمَّد بن الحُسَيْنِ الشَّافِعِيّ، وَالحَسَن بن عَلِيٍّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَحْمَدُ بنُ مُؤْمِن، وَسِتُّ الفَخْر بِنْتُ الشِّيْرَازِيّ، قَالُوا: أَخْبَرَتْنَا كَرِيْمَة بِنْت عَبْدِ الوَهَّاب، وَأَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ ابْن الحَلاَّل، وَخَدِيْجَةُ بِنْتُ يُوْسُفَ، قَالاَ: أخبرنا مكرم بن أبي الصَّقر، وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا أبو القاسم بن صَصْرَى، قَالُوا: أَخْبَرَنَا حَمْزَة بن عَلِيٍّ الثَّعْلَبِيُّ، وَأَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو البَرَكَاتِ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الخَلِيْلِ "ح". وَأَخْبَرَنَا السُّلَمِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ صَصْرَى، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ الأَسَدِيُّ، قَالُوا جَمِيْعاً: أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ سُوَيْدٍ عَنْ مُعَاذَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: "نَهَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ نَبِيذِ الجَرِّ"1.
أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ طريق إسحاق بن سويد، هذا.
__________
1 صحيح: ورد عن عائشة بلفظ: "نَهَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الدباء والحنتم والنقير والمزفت" أخرجه البخاري "5595"، ومسلم "1995" "38"، والنسائي "8/ 305".
وورد عن عبد الله بن عمر بلفظ: "نَهَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ نبيذ الجر" أخرجه أحمد "2/ 29 و35" وابن أبي شيبة "8/ 127"، ومسلم "1997"، والترمذي "1867"، والنسائي "8/ 302 و304، 305" عن طاووس، عن ابن عمر، به.
وورد عن أبي أوفى: عند البخاري "5596"، والنسائي "8/ 304"، وأحمد "4/ 353".(16/301)
5718- مكرم بن محمد 1:
ابن حَمْزَةَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ سَلاَمَةَ بنِ أَبِي جَمِيْل بنِ أَبِي الصَّقْرِ، الشَّيْخُ الأَمِيْن، المُسْنِدُ، المُعَمَّرُ، أَبُو المُفَضَّل، نَجْمُ الدِّيْنِ، وَلَدُ الإِمَامُ المُحَدِّثِ العَدْلِ أَبِي عَبْدِ اللهِ ابْنِ الشَّيْخ أَبِي يَعْلَى القُرَشِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، التَّاجِرُ، السَّفَّارُ.
وُلِدَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: حَسَّان بن تَمِيْم الزَّيَّات، وَحَمْزَة ابْنِ الحُبُوبِيِّ، وَحَمْزَةَ بنِ كَرَوَّسٍ، وَأَبِي المُظَفَّرِ الفَلَكِيِّ، وَعَلِيّ بن أَحْمَدَ بنِ مُقَاتِلٍ، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن أَبِي الحَسَنِ الدَّارَانِيِّ، وَالصَّائِنِ ابْنِ عَسَاكِرَ، وَعَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ الحَرَسْتَانِيِّ، وَأَبِي المَعَالِي بن صابر، وغيرهم.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 302"، وشذرات الذهب "5/ 174، 175".(16/301)
حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيُّ، وَابْنُ خَلِيْل، وَالضِّيَاءُ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَالجَمَال ابْن الصَّابُوْنِيِّ، وَالشَّرَف ابْن النَّابلسِيّ، وَابْن هَامِل، وَمَجْدُ الدِّيْنِ ابْنُ العَدِيْمِ، وَأَبُو عَلِيٍّ بن الحلال، والفخر ابن عَسَاكِرَ، وَابْنُ عَمِّهِ الشَّرَفُ، وَابْنُ عَمِّهِ عَبْدُ المُنْعِمِ، وَالمُؤَيَّدُ عَلِيّ ابْن خَطِيْبِ عَقْربا، وَعَلِيّ ابن عُثْمَانَ اللَّمْتُوْنِيّ، وَمُحَمَّد بن أَبِي الذِّكْرِ، وَأَبُو الحُسَيْنِ اليُوْنِيْنِيّ، وَمُحَمَّد بن يُوْسُفَ الإِرْبِلِيُّ، وَالشِّهَابُ بنُ مُشَرِّفٍ، وَسُنْقُرُ الحَلَبِيُّ، وَالبَهَاءُ أَيُّوْبُ ابْنُ النَّحَّاسِ، وَالصَّدْرُ بنُ مَكْتُوْمٍ، وَمُوْسَى بنُ عَلِيٍّ الحُسَيْنِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَحَدَّثَ بِمِصْرَ، وَحَلَبَ، وَبَغْدَادَ، وَدِمَشْقَ.
قال المنذري: كان يقدم مصر كثيرًا المتجارة.
وقال ابن الحاحب: كَانَ يُوَاظبُ عَلَى الخَمْس فِي جَمَاعَةٍ، وَكَانَ كَثِيْرَ المُجُوْنِ مَعَ أَصْحَابِهِ، وَلَمْ يَكُنْ مُكْرِماً لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ بَلْ يَتعَاسرُ عَلَيْهِم.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي ثَانِي رَجَبٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَدُفِنَ عَلَى وَالِدِه بِمَقْبَرَةِ بَابِ الصَّغِيْرِ.(16/302)
الطبقة الرابعة والثلاثون:
5719- الهمداني 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ المُقْرِئُ المُجَوِّدُ المُحَدِّثُ المُسْنِدُ الفَقِيْهُ بَقِيَّةُ السَّلَفِ أَبُو الفَضْلِ جَعْفَرُ بنُ عَلِيِّ بنِ هِبَةِ اللهِ أَبِي البَرَكَاتِ بنِ جَعْفَرِ بنِ يَحْيَى بنِ أَبِي الحَسَنِ بنِ مُنِيْرِ بن أبي الفتح الهمذاني، الإِسْكَنْدَرَانِيُّ المَالِكِيُّ.
مَوْلِدُهُ فِي عَاشرِ صَفَرٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
تَلاَ بِالسَّبْعِ وَيَعْقُوْبَ على: أبي القاسم عبد الرحمن بن خلف الله بنِ عَطِيَّةَ صَاحِبِ ابْنِ الفَحَّامِ، وَابْنِ بليمَةَ. وَسَمِعَ الحَدِيْثَ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ فَأَكْثَرَ، -وَكَتَبَ بِخَطِّهِ كَثِيْراً. وَمِنْ: أبي محمد العثماني، وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَسْكَرٍ، وَأَبِي الطَّاهِرِ بنِ عَوْفٍ، وَالقَاضِي مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَضْرَمِيِّ وَأَحْمَدَ بنِ جَعْفَرٍ الغَافقِيِّ، وَأَبِي يَحْيَى اليَسَعِ بنِ حَزْمٍ، وَطَائِفَةٍ.
وَأَجَازَ لَهُ طَوَائِفُ مِنَ الأَنْدَلُسِ وَأَصْبَهَانَ وَهَمَذَانَ، وَأَمَّ بِمسجدِ النَّخْلَةِ، وَأَقْرَأَ بِهِ مُدَّةً، وَحَدَّثَ بِالثَّغْرِ وَمِصْرَ وَالسَّاحِلِ وَدِمَشْقَ، وَكَانَ لَهُ أُصُوْلٌ بِكَثِيْرٍ مِنْ رِوَايَاتهِ يَرْجِعُ إِلَيْهَا.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ النَّجَّارِ وَابْن نُقْطَة، وَابْن المَجْدِ، وَالكَمَالُ ابْنُ الدُّخميسِيّ، وَابْنُ الحُلوَانِيَّةِ، وَأَبُو الحُسَيْنِ اليُوْنِيْنِيّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَنْبِجِيّ، وَالعزُّ ابْنُ العِمَادِ، وَأَبُو عَلِيٍّ ابْن الخَلاَّل، وَأَبُو المَحَاسِنِ ابْن الخِرَقِيّ، وَنصرُ الله بن عياش، وأحمد بن مؤمن، ومحمد ابن يُوْسُفَ الذَّهَبِيّ، وَالقَاضِي الحَنْبَلِيُّ، وَهَدِيَّةُ بِنْتُ عَسْكَرٍ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ شكرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بن جَمَاعَة الربعين وَسَعْدُ الدِّيْنِ ابْنُ سَعْدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الدَّائِمِ. وَأَخَذَ عَنْهُ القِرَاءاتِ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الدّهَّانُ، وَعَبْدُ النَّصِيْر المريُوطِيّ، وَطَائِفَةٌ.
قَالَ المُنْذِرِيّ: أَقْرَأَ وَانتفعَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَكَانَ بُعِثَ إِلَيْهِ ليحضرَ، فَقَدِمهَا وَمَعَهُ جُمْلَةٌ مِنْ مَسْمُوْعَاتهِ، وَأَقَامَ بِالقَاهِرَةِ مُدَّةً، ثُمَّ تَوجَّه إِلَى دِمَشْقَ، وَرَوَى الكَثِيْر.
قُلْتُ: أَقَامَ بِدِمَشْقَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، أَقْدَمَهُ ابْنُ الجَوْهَرِيّ المُحَدِّثُ، وَقَامَ بِوَاجِبِ حَقِّهِ.
وَقَالَ ابن نقطة: سَمِعْتُ مِنْهُ، وَكَانَ ثِقَةً صَالِحاً، مِنْ أَهْلِ القرآن.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1424"، والنجوم الزاهرة "6/ 314"، وشذرات الذهب "5/ 180".(16/303)
وَقَالَ المُنْذِرِيُّ: تُوُفِّيَ لَيْلَةَ السَّادِسِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ صفر، سنة ست وثلاثين وَسِتِّ مائَةٍ، بِدِمَشْقَ.
وَللبِرْزَالِيِّ فِيْهِ:
اسْتفدنَا مِنْ جعفر الهمذاني ... مَا حُرِمْنَا فِي سَائِرِ الأَزْمَانِ
مِنْ أَسَانِيْدَ عَالِيَاتٍ صِحَاحٍ ... وحكاياتٍ مطرباتٍ حِسَانِ
وَتَوَارِيخَ محكماتٍ صحاحٍ ... عَنْ شُيُوْخٍ أَجِلَّةٍ أَعْيَانِ
كَأَبِي طَاهِرٍ هُوَ السِّلَفِيُّ الـ ... أَصْبَهَانِيُّ الحَبْرُ وَالعُثْمَانِي
وَلكُم عِنْدَهُ مِنَ الأَدبيَا ... تِ قرَاهَا وَمِنْ عُلُوْمِ القُرَانِ
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ التَّنُوْخِيُّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حَمْدٍ بِالدُّوْن وَبَدْر بن دُلَفٍ بِالفَرَك، قَالاَ: أَخْبَرَنَا القَاضِي أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ الدِّيْنَوَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا أحمد ابن شُعَيْبٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ حَكِيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الحَسَنُ هُوَ ابْنُ صالح، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: "كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يَتَوَضَّأُ بَعْدَ الغُسْلِ"1.
وَفِي سَنَةِ ستٍ: مَاتَ صَاحِبُ مَارْدِيْنَ الملكُ المَنْصُوْرُ أَرْتقُ بنُ أَرْسَلاَنَ الأَرتقِيُّ التُّرُكْمَانِيُّ، وَكَانَ لاَ بَأْسَ بِهِ، امتدَّتْ أَيَّامُهُ، وَالفَقِيْهُ القُدْوَةُ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ القَسْطلاَنِيُّ المَالِكِيُّ، صَاحِبُ الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللهِ القُرَشِيِّ، ُوَأَسَعْدُ بنُ المُسَلَّمِ بنِ عَلاَّنَ، وَالمُحَدِّث بَدَلُ بنُ أَبِي المُعَمَّرِ التِّبْرِيْزِيُّ، وَحَسَّانُ بنُ أَبِي القَاسِمِ المَهْدَوِيّ، وَشَيْخُ نَصِيْبِيْنَ عَسْكَرُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ عَسْكَرٍ، وَالوَزِيْرُ جَمَالُ الدِّيْنِ عَلِيّ بنُ جَرِيْرٍ الرَّقِّيّ وَزِيْرُ الأَشْرَفِ، وَالصَّاحب عِمَادُ الدِّيْنِ عُمَرُ ابْنُ شَيْخِ الشُّيُوْخِ الجُوَيْنِيُّ، وَالحَافِظُ زَكِيُّ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ البِرْزَالِيُّ، وَأَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ ابْنِ السَّبَّاكِ، وَشَيْخُ الحَنَفِيَّةِ جمال الدين محمود بن أحمد الحصيري.
__________
1 حسن: أخرجه أبو داود "250"، والنسائي "1/ 137".(16/304)
5720- صاحب حمص 1:
الملكُ المُجَاهِدُ أَسَدُ الدِّيْنِ أَبُو الحَارِثِ شِيرْكُوْه ابْنُ صَاحِبِ حِمْص نَاصِرِ الدِّيْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الملكِ أَسَدِ الدِّيْنِ شِيرْكُوْه بنِ شَاذِي.
وُلِدَ سنة تسع وستين، بمصر.
وَملّكه السُّلْطَانُ صَلاَحُ الدِّيْنِ حِمْصَ بَعْدَ أَبِيْهِ، فَتملَّكهَا سِتّاً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً. سَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنَ الفَضْلِ ابْنِ البَانْيَاسِيّ، وَأَجَازَ لَهُ ابْنُ بَرِّيّ، وَحَدَّثَ.
وَكَانَ بَطَلاً شُجَاعاً مَهِيْباً، وَكَانَتْ بِلاَدُهُ نَظيفَةً مِنَ الخُمُوْرِ، وَمَنَعَ النِّسَاءَ مِنَ الخُرُوجِ مِنْ أَبْوَابِ حِمْصَ جُمْلَةً، وَدَامَ ذَلِكَ خَوْفاً مِنْ أَنْ يَنزحَ بِهِنَّ رِجَالُهنَّ لِعَسفهِ، وَكَانَ يُدِيْمُ الصَّلَوَاتِ، وَلاَ يُحِبّ لَهواً، وَكَانَ ذَا رَأْيٍ وَدهَاءٍ وَشكلٍ مليحٍ وَجَلاَلَة، كَانَتِ المُلُوْكُ تُدَارِيهِ وَيَخَافُوْنَهُ، اسْتوحشَ مِنْهُ الكَامِلُ، وَظَنَّ أَنَّهُ أَوقَعَ بَيْنَ الأَشْرَفِ وَبَيْنَهُ، فَصَادَرَهُ وَطَلَبَ مِنْهُ أموالًا، فنفذ نساءه ويشفعن فِيْهِ، فَمَا أَفَادَ، فَهيَّأَ الأَمْوَالَ فَبَغَتَهُ مَوْتُ الكَامِلِ. فَجَاءَ وَجَلَسَ عِنْد قَبْرِ الكَامِلِ وَتَصرَّفَ. وَهُوَ الَّذِي جَاءَ مَعَ الصَّالِح إِسْمَاعِيْلَ وَأَعَانَهُ عَلَى أَخْذِ دِمَشْقَ، وَكَانَ المُظَفَّرُ صَاحِبُ حَمَاةَ قَدْ شَعرَ بِسَعْيِهِمَا، فَجَهَّزَ عَسْكَرَهُ نَجْدَةً لِحِمَايَةِ دِمَشْقَ مَعَ نَائِبهِ سَيْفِ الدِّيْنِ بن أَبِي عَلِيٍّ فِي أهبَةٍ وَسلاَحٍ مُظهرِيْنَ أَنَّ ابْنَ أَبِي عَلِيٍّ قَدْ غَضِبَ مِنَ المُظَفَّر، وَفَارقَ حَمَاة لِكَوْنِ صَاحِبِهَا يُرِيْدُ أَنْ يُسلّمهَا إِلَى الفِرَنْجِ، فَمَا نَفَقَ هَذَا عَلَى شِيرْكُوْه، فَنَزَلُوا بِظَاهِرِ حِمْصَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ شِيرْكُوْه وَشَكَرَه عَلَى مُنَابذَةِ المُظَفَّر، وَقَالَ: بِاسْمِ اللهِ يَا خُوند علمنَا مَاكُوْلاَ فَرَكِبَ مَعَهُ، ثُمَّ اسْتدعَى بَقِيَّةَ الكِبَارِ مِنْ جُنْدِهِ فَدَخَلُوا البَلَدَ فَقَبَضَ عَلَى الجماعة وعذبهم، وخذ أَمْوَالَهُم، وَهَرَبَ بَاقِي العَسْكَرِ إِلَى حَمَاةَ، وَتَضَعْضَعَ لِذَلِكَ المُظَفَّرُ، وَمَاتَ نَائِبُهُ ابْنُ أَبِي عَلِيٍّ فِي الحَبْسِ.
تُوُفِّيَ بِحِمْصَ، فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سبع وثلاثين وست مائة.
وَشِيرْكُوْه بِالعَرَبِيِّ: أَسَدُ الجَبَلِ.
وَتَمَلَّكَ حِمْصَ بَعْدَهُ المنصور إبراهيم ولده سبع سنين.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 316"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 184".(16/305)
5721- الصفراوي 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِمُ المُفْتِي المُقْرِئُ المُجَوِّدُ عَالِمُ الإسكندرية جمال الدين أبو القاسم عبد الرحمن بنُ عَبْدِ المَجِيْدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عُثْمَانَ بنِ يُوْسُفَ بنِ الحُسَيْنِ بنِ حَفْصٍ ابْنُ الصَّفْرَاوِيِّ -نِسبَةً إِلَى الصَّفْرَاء الَّتِي عِنْدَ بَدْرٍ- الإِسْكَنْدَرِيُّ، الفَقِيْهُ، المَالِكِيُّ، شَيْخُ المُقْرِئِينَ.
وُلِدَ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ فِي أَوَّلِ عَامِ أَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَتَلاَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى: أَبِي القَاسِمِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن خَلَفِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَطِيَّةَ القُرَشِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ جَعْفَرٍ الغَافِقِيِّ، وَأَبِي يَحْيَى اليَسعِ بنِ حَزْمٍِ، وَأَبِي الطَّيِّبِ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ الخَلُوْفِ، وَبَرَعَ فِي القِرَاءاتِ، وَأَلَّفَ فِيْهَا كِتَابَ "الإِعْلاَنِ". وَتَفَقَّهَ عَلَى: العَلاَّمَةِ أَبِي طَالِبٍ صَالِحِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ بِنْتِ مُعَافَى. وَسَمِعَ كَثِيْراً مِنْ: أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ، وَأَبِي الطَّاهِرِ بنِ عَوْفٍ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ العُثْمَانِيِّ وَجَمَاعَةٍ.
وَتَفَقَّهَ بِهِ أَهْلُ الثَّغْرِ.
حَدَّثَ بِالثَّغْرِ، وبالمنصورة، وبمصر. تلا عله بالروايات الرشيد ابن أبي الدرن، وَالمكينُ عَبْدُ اللهِ الأَسْمَرُ، وَالشَّرَفُ يَحْيَى بنُ أَحْمَدَ ابْنِ الصَّوَّافِ، وَعَبْدُ النَّصِيْرِ المريُوطِي، وَأَبُو القَاسِمِ الدُّكَالِي سُحْنُوْن.
وَتَلاَ عَلَيْهِ بِبَعْضِ الرِّوَايَات: النّظَامُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ التِّبْرِيْزِيّ، وَيُوْسُفُ بنُ حَسَنٍ القَابِسِيُّ، وَأَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ عَطِيَّةَ.
وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ: أَبُو الهُدَى عِيْسَى بن يَحْيَى السَّبْتِيّ، وَالقَاضِي عَبْدُ القَادِرِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الحَجْرِيّ، وَعَبْدُ المُعْطِي بنُ عَبْدِ النَّصِيْرِ الأَنْصَارِيُّ، وَعُمَرُ بنُ عَلِيِّ بنِ الكَدُّوفِ، وَعِدَّةٌ.
وَبِالإِجَازَةِ عَلِيُّ بن سيمَا، وَمُحَمَّدُ بنُ مشرقٍ، وَعِدَّةٌ.
وَكَانَ مِنْ جِلَّةِ العُلَمَاءِ، خَرَّجَ لِنَفْسِهِ "مَشْيَخَةً".
تُوُفِّيَ فِي الخَامِس وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ربيع الآخر، سنة ست وثلاثين وست مائة.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1424"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 314"، وشذرات الذهب "5/ 180".(16/306)
ابن السباك، ابن الطفيل:
5722- ابن السباك 1:
الشَّيْخُ الفَقِيْه المُسْنِدُ وَكِيْلُ القُضَاةِ أَبُوَ الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، ابْنُ السَّبَّاكِ البَغْدَادِيُّ، رَبِيْبُ أَزْهَرَ ابْنِ السَّبَّاكِ، وَهُوَ الَّذِي سَمّعَهُ.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ ابْنِ البَطِّيِّ، وأبي المعالي ابن اللحاس، سَمِعَ مِنْهُ المُنْتَقَى مِنْ سَبْعَةِ أَجزَاء المُخَلِّصِ، وَسَمِعَ مِنْ عُمَرَ بنِ بُنَيْمَانَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عِزّ الدِّيْنِ الفَارُوْثِيُّ، وَجَمَالُ الدِّيْنِ الشَّرِيْشِيّ، وَعَلاَءُ الدين ابن بلبن، وَأَبُو سَعِيْدٍ القَضَائِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَبِالإِجَازَةِ القَاضِي الحَنْبَلِيّ، وَالمُطَعِّمُ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَأَبُو نَصْرٍ ابْنُ الشِّيْرَازِيّ، وَأَبُو العَبَّاسِ ابْنُ الشِّحنَةِ وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: كَانَ مَنْسُوْباً إِلَى الدَّهَاءِ وَكَثْرَةِ الشَّرِّ فِي الحُكُومَاتِ.
قُلْتُ: مَاتَ فِي سَابِعَ عَشَرَ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
5723- ابْنُ الطفيل 2:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ الثِّقَةُ أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحِيْمِ ابن المحدث يوسف ابن هبة الله بن محمد بن الطُّفَيْلِ الدِّمَشْقِيُّ، ثُمَّ المِصْرِيُّ، عُرِفَ بِابْنِ المُكَبِّسِ الصُّوْفِيُّ.
سَمِعَ بِدِمَشْقَ فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخر سنة ستين وخمس مائة من: الوَزِيْر أَبِي المُظَفَّرِ الفَلَكِيّ، وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي المَكَارِمِ بنِ هِلاَلٍ، وَأَبِي البَرَكَاتِ الخَضِرِ بنِ شِبْلٍ الخَطِيْبِ، وَأَبِي المَعَالِي مُحَمَّدِ بن حَمْزَةَ بن الموازيني، وأبي بكر بنِ بَرَكَةَ الصِّلْحِيّ، وَبِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ مِنْ: أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ، وَابْنِ عَوْفٍ، وَجَمَاعَةٍ. وَبِمِصْرَ مِنْ: عَلِيِّ بن هبة الله الكاملي، ومحمد بن علي الرَّحَبِيّ، وَعُثْمَان بن فَرَجٍ، وَعَبْد اللهِ بن بَرِّيّ، وَجَمَاعَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: المُنْذِرِيُّ، وَابْنُ الحُلوَانِيَّةِ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ بَلْبَانَ، وَأَبُو حَامِدٍ ابْنُ الصَّابُوْنِيِّ وَأَبُو الحَسَنِ الغَرَّافِيُّ، وَأَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَأَبُو الهُدَى عِيْسَى السَّبْتِيُّ، وَيُوْسُفُ بنُ كوركيك.
وَأَجَازَ لابْنِ سَعْدٍ، وَابْنِ الشِّيْرَازِيّ، وَعِيْسَى المُطَعِّمِ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْدِيٍّ فِي "مُعْجَمِهِ": لَمْ تَكُنْ حَالُهُ مَرَضِيَّةً، لَكِنَّ سَمَاعَهُ صَحِيْحٌ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ سَمِعَ مِنَ الفَلَكِيِّ. طَلَّقَ زَوْجَتَهُ، وَلَزِمَ بَيْتَهُ، فَأَكْثَرْتُ عَنْهُ لابْنِي.
تُوُفِّيَ فِي رَابعِ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: وُلِدَ فِي عَاشِرِ صَفَرٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وخمسين وخمس مائة.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1424، 1425"، والنجوم الزاهرة "6/ 315"، وشذرات الذهب "5/ 181".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 317"، وشذرات الذهب "5/ 184".(16/307)
5724- ابن دلف 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ المُقْرِئُ المُجَوِّدُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ دُلَفَ بنِ أَبِي طَالِبٍ البَغْدَادِيُّ، المُقْرِئُ، النَّاسخُ الخَازِنُ. مَوْلِدُهُ بَعْدَ الخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقَرَأَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى: ابْنِ عَسَاكِر البَطَائِحِيِّ، وَأَبِي الحَارِثِ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ العَسْكَرِيِّ، وَيَعْقُوْبَ الحربي، وأحمد بن محمد بن القاض، وَغَيْرِهِم.
تَلاَ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَاتِ الشَّيْخُ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ أَبِي الجَيْشِ. وَقَدْ سَمِعَ مِنْ: أَبِي عَلِيٍّ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الرَّحَبِيّ، وَخَدِيْجَةَ النَّهْرَوَانِيَّةِ، وَشُهْدَةَ الإِبرِيَّةِ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الرَّشِيْدُ مُحَمَّدُ ابْنُ أَبِي القَاسِمِ، وَغَيْرُهُ.
وَبِالإِجَازَةِ: فَاطِمَةُ بِنْتُ سُلَيْمَانَ، وَالقَاضِي، وَابْنُ سَعْدٍ، وَطَائِفَةٌ.
وَسَمِعَ "مُوَطَّأ مَالِكٍ" مِنْ رِوَايَةِ القَعْنَبِيّ عَلَى شُهْدَةَ، وَ"مُحَاسَبَةَ النَّفْس"، وَ"الغُربَاءَ" لِلآجُرِّيّ، وَ"سِتَّةَ مَجَالِسِ ابْنِ البَخْتَرِيِّ".
وَوَلاَّهُ المُسْتَنْصِرُ خِزَانَةَ كُتُبِهِ، وَكَانَ عَدْلاً ثِقَةً إِمَاماً صَالِحاً خَيِّراً مُتَعَبِّداً، لَهُ صُوْرَةٌ كَبِيْرَةٌ، وَجَلاَلَةٌ عَجِيْبَةٌ، وَفِيْهِ نَفعٌ للناس.
رَوَى عَنْهُ ابْنُ النَّجَّارِ، وَقَالَ: كَانَ دَائِمَ الصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ، كَثِيْرَ العِبَادَةِ، سَعَّاءً فِي مَصَالِحِ النَّاسِ، لَمْ تَرَ العُيُونُ مِثْلَهُ.
تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، رَحِمَهُ الله.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 317".(16/308)
صاحب ماردين، الحراني:
5725- صاحب ماردين 1:
الملكُ المَنْصُوْرُ نَاصِرُ الدِّيْنِ أَرْتَقُ ابْنُ المَلِكِ أَرْسَلاَنَ بنِ أَلبِي بنِ تمرتَاشَ التُّرُكْمَانِيُّ، الأَرْتَقِيُّ.
تَمَلَّكَ بَعْدَ أَخِيْهِ حُسَامِ الدِّيْنِ إِيلغَازِي، وَهُوَ حَدَثٌ، فَعَمِلَ نِيَابَةً مَمْلُوْكُهُم زَوجُ وَالِدتِه مُدَّةً، فَلَمَّا تَمَكَّنَ أَرتَقُ، قَتَلَهُ فِي سَنَةِ سِتّ مائَةٍ، وَامْتَدَّتْ أَيَّامُهُ، وَكَانَ فِيْهِ عَدْلٌ وَحُسْنُ سِيْرَةٍ، وَيَصُوْمُ كَثِيْراً، وَيَدَعُ الخَمْرَ فِي الثَّلاَثَةِ أَشْهُرٍ، قَتَلَهُ غِلمَانُه بِمُوَاطَأَةِ ابْنِ ابْنهِ أَلبِي بنِ غَازِي بنِ أَرتقَ، وَكَانَ شَدِيدَ المَحَبَّةِ لَهُ، ثُمَّ خَافَ، وَأَبْعَدَ أَبَاهُ غَازِياً فَحلقَ رَأْسَه وَتَمَفْقَرَ فَحَبَسَهُ وَالِده أَرتق، فَلَمَّا قَتَلُوْهُ أَخرجُوا غَازِياً وَملَّكوهُ، وَلُقِّبَ بِالمَلِكِ السَّعِيْدِ، ثُمَّ خَافَ مِنْ وَلَدِهِ أَلبِي، فَسَجَنَهُ.
قُتِلَ أَرتقُ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ، وَكَانَتْ دَوْلَتُهُ سِتّاً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً، وَكَذَلِكَ طوّل وَلدُه.
5726- الحرالي 2:
هُوَ العَلاَّمَةُ المُتَفَنِّن أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَسَنٍ التُّجِيْبِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ. وَحرَالَّة: قَرْيَةٌ مِنْ عَمل مُرْسِيةَ.
وُلِدَ بِمَرَّاكُشَ، وَأَخَذَ النَّحْوَ عَنِ ابْنِ خروفٍ، وَلقِي العُلَمَاءَ، وَجَالَ فِي البِلاَدِ، وَلهجَ بِالعَقْلِيَّاتِ، وَسَكَنَ حَمَاةَ، وَعَمِلَ "تَفْسِيْراً" عَجِيْباً ملأَه باحتمَالاَتٍ لاَ يَحْتَمِله الخَِطَابُ العربِيّ أَصْلاً، وَتَكلَّمَ فِي علمِ الحُرُوْفِ وَالأَعدَادِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ اسْتَخْرَجَ مِنْهُ وَقتَ خُرُوْجِ الدَّجَّالِ وَوقتَ طُلُوْعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَوعظَ بِحَمَاةَ، وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ، وَصَنَّفَ فِي المَنْطِق، وَفِي شرحِ الأَسْمَاءِ الحُسْنَى، وَكَانَ شَيْخُنَا مَجْدُ الدِّيْنِ التُّوْنُسِيُّ يَتَغَالَى فِي تَعْظِيْمِ "تَفْسِيْرهِ"، وَرَأَيْتُ عُلَمَاءَ يَحطُّونَ عَلَيْهِ -وَاللهُ أَعْلَمُ بِسِرِّهِ- وَكَانَ يُضْرَبُ بِحِلمِهِ المَثَلُ.
مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَمِمَّنْ يُعَظِّمُهُ شَيْخُنَا شَرَفُ الدِّيْنِ ابْنُ البَارِزِيّ قَاضِي حَمَاةَ، فَمَنْ شَاءَ فَليَنظُرْ فِي تَوَالِيفِهِ، فَإِنَّ فيها العظائم.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 314"، وشذرات الذهب "5/ 180".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 317"، وشذرات الذهب "5/ 189".(16/309)
ابن العربي، ابن المستوفي:
5727- ابن العربي 1:
العَلاَّمَةُ صَاحِبُ التَّوَالِيفِ الكَثِيْرَةِ، مُحْيِي الدِّيْنِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الطَّائِيُّ، الحَاتِمِيُّ، المُرْسِيُّ، ابْنُ العَرَبِيِّ، نَزِيْلُ دِمَشْقَ.
ذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنِ: ابْنِ بَشْكُوَالَ، وَابْنِ صَافٍ، وَسَمِعَ بِمَكَّةَ مِنْ: زَاهِرِ ابْنِ رُسْتُمٍ، وَبِدِمَشْقَ مِنِ: ابْنِ الحَرَسْتَانِيّ، وَبِبَغْدَادَ. وَسكنَ الروم مدة، وكن ذَكِيّاً كَثِيْرَ العِلْمِ، كَتَبَ الإِنشَاءَ لبَعْضِ الأُمَرَاءِ بِالمَغْرِبِ، ثُمَّ تَزَهَّدَ وَتَفَرَّدَ، وَتَعَبَّدَ وَتَوَحَّدَ، وَسَافَرَ وَتَجَرَّدَ، وَأَتْهَمَ وَأَنْجَدَ، وَعَمِلَ الخَلَوَاتِ وَعلَّقَ شَيْئاً كَثِيْراً فِي تَصَوُّفِ أَهْلِ الوحدَةِ. وَمِنْ أَرْدَإِ تَوَالِيفِهِ كِتَابُ "الفُصُوْصِ"، فَإِنْ كَانَ لاَ كُفْرَ فِيْهِ، فَمَا فِي الدُّنْيَا كُفْرٌ، نَسْأَلُ اللهَ العَفْوَ وَالنَّجَاةَ، فَوَاغَوْثَاهُ بِاللهِ!
وَقَدْ عَظَّمَهُ جَمَاعَةٌ، وَتَكَلَّفُوا لِمَا صَدَرَ مِنْهُ بِبَعيدِ الاحْتِمَالاَتِ، وَقَدْ حَكَى العَلاَّمَةُ ابْنُ دَقِيقِ العِيْدِ شَيْخُنَا، أَنَّهُ سمع الشيخ عز الدين ابن عبد السَّلاَمِ يَقُوْلُ عَنِ ابْنِ العَرَبِيِّ: شَيْخُ سُوءٍ، كذاب، يقول يقدم العَالِمِ، وَلاَ يُحَرِّمُ فَرْجاً.
قُلْتُ: إِنْ كَانَ مُحْيِي الدِّيْنِ رَجَعَ عَنْ مَقَالاَتِهِ تِلْكَ قَبْلَ المَوْتِ، فَقَدْ فَازَ، وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيْزٍ. تُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَقَدْ أَوْرَدْتُ عَنْهُ فِي "التاريخ الكبير". وله شعر رائق، وعلم وساع، وَذهنٌ وَقَّادٌ، وَلاَ رَيْبَ أَنَّ كَثِيْراً مِنْ عِبَارَاتِهِ لَهُ تَأْوِيْلٌ إلَّا كِتَابَ "الفُصُوْصِ"!
وَقَرَأْتُ بِخَطِّ ابْنَ رَافِعٍ أَنَّهُ رَأَى بِخَطِّ فَتحِ الدِّيْنِ اليَعْمُرِي: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ دَقِيقِ العِيْدِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الشَّيْخ عِزَّ الدِّيْنِ، وَجَرَى ذِكْرُ ابْنِ العَرَبِيِّ الطَّائِيِّ فَقَالَ: هُوَ شَيْخُ سُوءٍ مقبوح كذاب.
5728- ابن المستوفي 2:
المَوْلَى الصَّاحِبُ العَلاَّمَةُ المُحَدِّثُ شَرَفُ الدِّيْنِ أَبُو البركات المبارك بنُ أَحْمَدَ بنِ المُبَارَكِ بنِ مَوْهُوْبِ بنِ غَنِيْمَةَ بنِ غَالِبٍ اللَّخْمِيُّ الإِرْبِلِيُّ الكَاتِبُ، عُرِفَ بابن المستوفي.
ولد بإربل، في سنة أرع وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقَرَأَ القُرْآنَ وَالأَدَبَ عَلَى أبي عبد الله البحراني، ومكي بن زيان الماكسيني. وسمع من:
__________
1 ترجمته في ميزان الاعتدال "3/ ترجمة 7984"، ولسان الميزان "5/ ترجمة 1038".
2 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 554"، والنجوم الزاهرة "6/ 318"، وشذرات الذهب "5/ 186، 187".(16/310)
عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ أَبِي حَبَّةَ، وَمُبَارَكِ بنِ طَاهِرٍ، وَحَنْبَلٍ، وَابْنِ طَبَرْزَذَ، وَنَصْرِ اللهِ بنِ سَلاَمَةَ الهِيْتِيّ، وَخَلْقٍ مِنَ الوَافدينَ إِلَى إِرْبِلَ.
وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَجَمَعَ فَأَوعَى، وَعَمِلَ لِبَلَدِهِ "تَارِيْخاً" فِي خَمْسَةِ أَسفَارٍ، وَكَانَتْ دَارُهُ مَجْمَعاً لِلْفُضَلاَءِ، وَكَانَ كَثِيْرَ المَحْفُوْظِ، قَوِيَّ الخَطِّ، حُلْوَ الإِيرَادِ، لَهُ النَّظْمُ وَالنَّثْرُ، وَالتَّفُنُّنُ فِي الفَضَائِلِ، وَلَهُ إِجَازَةٌ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيِّ، وَغَيْرِهِ.
أَجَازَ لِشَيْخِنَا شَمْسِ الدِّيْنِ ابْنِ الشِّيْرَازِيِّ.
وَلِي نَظَرَ إربل مدة، ونزح منها وقت استلاء التَّتَارِ عَلَيْهَا، فَأَقَامَ بِالمَوْصِلِ، وَكَانَ وَالِدُهُ وَجدُّهُ مِنْ قَبْلِهِ عَلَى الاسْتيفَاءِ بِإِرْبِلَ.
قُلْتُ: فَمِنْ شِعرِهِ مِمَّا أَوْرَدَ لَهُ ابْنُ الفُوَطِيِّ:
وَفَى لي دمعي يوم بانوا بوعده ... فأجرتيه حتى غرقت بمده
وَلَوْ لَمْ يُخَالِطْهُ دَمٌ غَالَ لَوْنَهُ ... لَمَا مَالَ حَادِي الرَّكْبِ عَنْ قَصْدِ وِرْدِهِ
أَأَحْبَابَنَا هَلْ ذَلِكَ العَيْشُ رَاجِعٌ ... بِمقتبلٍ غَضِّ الصِّبَى مُسْتَجَدِّهِ
زَمَاناً قَضَيْنَاهُ انْتِهَاباً وَكُلُّنَا ... يَجُرُّ إِلَى اللَّذَّاتِ فَاضِلَ بُرْدِهِ
وَإِنَّ عَلَى المَاءِ الَّذِي يَرِدُوْنَهُ ... غَزَالٌ كَجِلْدِ المَاءِ رِقَّةَ جِلْدِهِ
يَغَارُ ضِيَاءُ البَدْرِ مِنْ نُوْرِ وَجْهِهِ ... وَيَخْجَلُ غُصْنُ البَانِ مِنْ لِيْنِ قَدِّهِ
وَلَهُ:
حَيَّا الحَيَا وَطَناً بِإِرْبِلَ دَارساً ... أَخْنَتْ عَلَيْهِ حَوَادِثُ الأَيَّامِ
أَقْوَتْ مَرَابِعُهُ وَأَوْحَشَ أُنْسُهُ ... وَخَلَتْ مَرَاتِعُهُ مِنَ الآرَامِ
عُنِيَ الشَّتَاتُ بِأَهْلِهِ فَتَفَرَّقُوا ... أَيدِي سَبَا فِي غَيْر دَارِ مقَامِ
إِنْ يُمْسِ قَدْ لَعِبَتْ بِهِ أَيدِي البِلَى ... عَافِي المعَاهِدِ دَارِسَ الأَعْلاَمِ
فَلَكَمْ قَضَيْتُ بِهِ لُبَانَاتِ الصِّبَى ... مَعَ فِتيَةٍ شُمِّ الأُنوفِ كِرَامِ
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: كَانَ شَرَفُ الدِّيْنِ جَلِيْلَ القَدْرِ، وَاسِعَ الكَرَمِ، مُبَادِراً إِلَى زِيَارَةِ مَنْ يَقدِمُ، مُتَقَرِّباً إِلَى قَلْبِهِ، وَكَانَ جَمَّ الفَضَائِلِ، عَارِفاً بِعِدَّةِ فُنُوْنٍ، مِنْهَا الحَدِيْثُ وَفُنُونُهُ وَأَسْمَاؤُهُ، وَكَانَ مَاهِراً فِي الآدَابِ وَالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَالشِّعرِ وَأَيَّامِ العَرَبِ، بَارِعاً فِي حِسَابِ الدِّيْوَانِ. صَنَّف شرحاً لِـ "دِيْوَان المُتَنَبِّي" وَ"أَبِي تَمَّامٍ" فِي عَشْرِ مُجَلَّدَاتٍ، وَلَهُ فِي أَبيَاتِ "المُفَصَّل" مُجَلَّدَان.(16/311)
سَمِعْتُ مِنْهُ كَثِيْراً، وَبِقِرَاءتِهِ، وَلَهُ "دِيْوَانُ شعرٍ" أَجَادَ فِيْهِ.
قَالَ ابْنُ الشَّعَّارِ فِي "قَلاَئِد الجمان": كان الصاحب مع فضائله مُحَافِظاً عَلَى عَملِ الخَيْرِ وَالصَّلاَحِ، مُوَاظباً عَلَى العِبَادَةِ، كَثِيْرَ الصَّوْمِ، دَائِمَ الذِّكرِ، مُتَتَابعَ الصَّدَقَاتِ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: وَلِيَ الوزَارَةَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ، فَلَمَّا صَارَتْ إِرْبِل لِلمُسْتَنْصِر بِاللهِ، لَزِمَ بَيْتَهُ، وَاقْتَنَى مِنْ نَفِيْسِ الكُتُبِ شَيْئاً كَثِيْراً، خَرَجَ مِنْ دَارِهِ مرَّةً لَيْلاً، فَضَرَبَهُ رَجُلٌ بِسكينٍ فِي عَضُدِهِ، فَقَمّطهَا الجرَائِحِيُّ بِلفَائِفَ وَسَلِمَ، فَكَتَبَ إِلَى الملكِ مُظَفَّرِ الدِّيْنِ:
يَا أَيُّهَا المَلِكُ الَّذِي سَطَوَاتُهُ ... مِنْ فِعْلِهَا يَتَعَجَّبُ المرِيخُ
آيَاتُ جُوْدِكَ مُحْكَمٌ تَنْزِيْلُهَا ... لاَ نَاسِخٌ فِيْهَا وَلاَ مَنْسُوْخُ
أَشكُو إِلَيْكَ وَمَا بُلِيْتُ بِمِثْلِهَا ... شَنْعَاءَ ذِكْرُ حَدِيْثِهَا تَارِيخُ
هِيَ لَيْلَةٌ فِيْهَا وُلِدْتُ وَشَاهِدِي ... فِيمَا ادَّعَيْتُ القَمْطُ وَالتَّمْرِيْخُ
تُوُفِّيَ الصَّاحِبُ: فِي خَامِسِ المُحَرَّمِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: قَاضِي دِمَشْقَ شَمْسُ الدِّيْنِ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ الخليل الخوبي الشَّافِعِيُّ، وَالصَّفِيُّ أَحْمَدُ بنُ أَبِي اليُسْرِ شَاكِرٍ التَّنُوْخِيُّ، وَأَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ ابْنُ الرُّوْمِيَّةِ الإِشْبِيْلِيُّ النَّبَاتِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى البَغْدَادِيُّ المُؤَدِّبُ، وَعَلاَءُ الدِّيْنِ أَبُو سَعْدٍ ثَابِتُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الخُجَنْدِيِّ الأَصْبَهَانِيُّ الَّذِي حَضَرَ "البُخَارِيَّ" عَلَى أَبِي الوَقْتِ، وَحُسَيْنُ بنُ يُوْسُفَ الصِّنْهَاجِيُّ الشَّاطِبِيُّ نَظَامُ الدِّيْنِ النَّاسخُ، وَأَمِيْنُ الدين سالم بن الحَسَنِ بنِ صَصْرَى، وَصَاحِبُ حِمْص شِيرْكُوْه، وَالقَاضِي عَبْدُ الحَمِيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّشِيْدِ الهَمَذَانِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ يُوْسُفَ بنِ الطُّفَيْلِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ دُلَف المُقْرِئُ النَّاسخُ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الحَرَّانِيُّ بِحَمَاةَ، وَشَمْسُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ ابْنِ الكَرِيْم الكَاتِب، والحافظ ابن الذبيثي، ومحمد ابن طَرْخَانَ السُّلَمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي المَعَالِي بنِ صَابرٍ، وَالرَّشِيْدُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ ابْنُ الهَادِي، مُحْتَسِبُ دِمَشْقَ، وَالصَّاحِبُ ضِيَاءُ الدِّيْنِ نَصْرُ الله ابن الأثير.(16/312)
الحصيري، البرزالي:
5729- الحصيري 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ شَيْخُ الحَنَفِيَّةِ جَمَالُ الدِّيْنِ أَبُو المَحَامِدِ مَحْمُوْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ السَّيِّدِ البُخَارِيُّ، الحَصِيْرِيُّ، التَّاجِرِيُّ، الحَنَفِيُّ. وُلِدَ سَنَةَ ست وأربعين وخمس مائة.
وَتَفَقَّهَ بِبُخَارَى وَبَرَعَ، وَلَوْ أَنَّهُ سَمِعَ فِي صِبَاهُ لَصَارَ مُسْنِدَ زَمَانِهِ، وَلَكِنَّهُ سَمِعَ فِي الكُهُوْلَةِ مِنْ أَبِي سَعْدٍ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ ابْنِ الصَّفَّارِ، وَمَنْصُوْرِ ابْنِ الفُرَاوِيِّ، وَالقَاضِي إِبْرَاهِيْم بنُ عَلِيِّ بنِ حَمَكَ المُغِيْثيُّ، وَالمُؤَيَّدُ الطُّوْسِيُّ. وَحَدَّثَ بِـ "صَحِيْحِ مُسْلِمٍ".
رَوَى عَنْهُ: زَكِيُّ الدِّيْنِ البِرْزَالِيُّ، وَمَجْدُ الدِّيْنِ ابْنُ العَدِيْمِ، وَابْنُ الحُلوَانِيَّةِ، وَابْنُ الصَّابُوْنِيِّ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ جَوْهَرٍ البطائحية.
وبالإجازة القاضيان: الخوبي، وَالحَنْبَلِيُّ.
دَرَّسَ، وَنَاظَرَ، وَأَفتَى، وَتَخَرَّجَ بِهِ الأَصْحَابُ، وَسَكَنَ دِمَشْقَ، وَوَلِيَ تَدرِيسَ النُّورِيَةِ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكَانَ يَنطَوِي عَلَى دِيْنٍ وَعِبَادَةٍ وَتَقْوَى، وَلَهُ جَلاَلَةٌ عَجِيْبَةٌ، وَمَنْزِلَةٌ مَكِيْنَةٌ، وَحُرْمَةٌ وَافِرَةٌ.
وَهُوَ مَنْسُوْبٌ إِلَى مَحلَّةٍ بِبُخَارَى يَنسجُوْنَ الْحصْر فِيْهَا.
تُوُفِّيَ فِي ثَامنِ صَفَرٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ تِسْعُوْنَ سَنَةً، وَازْدَحَمَ الخَلْقُ عَلَى نَعْشِهِ، وَحَمَلَهُ الفُقَهَاءُ عَلَى الرُّؤُوسِ، وَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً، وَدُفِنَ بمقابر الصوفية.
رأيت سماعه لجميع "سنن الدراقطني" مِنَ الصَّفَّارِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ. وَفِيْهَا سَمِعَ مِنْ قَاضِي القُضَاةِ المُغِيْثيّ "مُوَطَّأَ أَبِي مُصْعَبٍ"، وَرَأَيْتُ خَطَّ مَنْصُوْرٍ الفُرَاوِيِّ وَخَطَّ المُؤَيَّدِ الطُّوْسِيِّ لَهُ بِسَمَاعِهِ مِنْهُمَا لِـ "صَحِيْحِ مُسْلِمٍ" سنة 603، وعظماه وفخماه.
5730- البرزالي 2:
الشَّيْخُ الإِمَامُ المُحَدِّثُ الحَافِظُ الرَّحَّالُ مُفِيْدُ الجَمَاعَةِ زَكِيُّ الدِّيْنِ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي يَدَّاسَ البِرْزَالِيُّ، الإِشْبِيْلِيُّ.
وُلِدَ -تَقْرِيْباً- سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقَدِمَ الإِسْكَنْدَرِيَّةَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّ مائَةٍ، فَحُبِّبِ إِلَيْهِ طَلَبُ الحَدِيْثِ، وَكِتَابَةُ الآثَارِ، فَسَمِعَ مِنَ الحَافِظِ عَلِيِّ بنِ المُفَضَّلِ، وَعَبْدِ اللهِ العُثْمَانِيِّ، وَبِمِصْرَ مِنَ: القَاضِي عَبْدِ اللهِ بنِ مُجَلِّي، وَبِمَكَّةَ مِنْ: زَاهِرِ بنِ رُسْتُمَ، وَيُوْنُس بن يَحْيَى الهَاشِمِيِّ، وَجَاوَرَ سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَقَدِمَ دِمَشْقَ فَسَمِعَ مِنَ: الكِنْدِيِّ، وَالخَضِرِ بن كَامِلٍ، وَطَائِفَةٍ، وَرَدَّ إِلَى مِصْرَ، ثُمَّ سَارَ إلى
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 313"، وشذرات الذهب "5/ 182".
2 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1137"، والنجوم الزاهرة "6/ 314"، وشذرات الذهب "5/ 182".(16/313)
خُرَاسَانَ وَغَيْرِهَا. فَسَمِعَ بِأَصْبَهَانَ مِنْ: عَيْنِ الشَّمْسِ الثَّقفِيَّةِ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الجُنَيْدِ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي طَاهِرٍ بنِ غَانِمٍ، وبيسابور مِنْ: مَنْصُوْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ الفُرَاوِيِّ وَالمُؤَيَّد بنِ مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيِّ، وَزَيْنَبَ الشَّعْرِيَّةِ، وَبِمَرْوَ مِنْ: أَبِي المُظَفَّرِ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ، وَبِهَرَاةَ مِنْ: أَبِي روحٍ، وَبِهَمَذَانَ مِنْ عَبْدِ البَرِّ بنِ أَبِي العَلاَءِ، وَبِبَغْدَادَ مِنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ الأَخْضَرِ، وَأَحْمَدَ بنِ الدَّبِيْقِيِّ، وَبِالمَوْصِلِ، وَإِرْبِلَ، وَتَكرِيتَ، وَحَرَّانَ، ثُمَّ إِنَّهُ اسْتَوْطَنَ دِمَشْقَ، وَأَكْثَرَ، وَكَتَبَ عَمَّنْ دَبَّ وَدَرَجَ، وَنَسخَ الكَثِيْرَ لِنَفْسِهِ وَلِلنَّاسِ، بِخَطٍّ حلوٍ مَغْرِبِيٍّ، وَخَرَّجَ لِعدَّةٍ مِنَ الشُّيُوْخِ، وَأَمَّ بِمَسجِدِ فُلوس، وَسَكَنَ هُنَاكَ، وَكَانَ مَطْبُوْعاً، رَيِّضَ الأَخْلاَقِ بَشُوشاً، سَهلَ الإِعَارَةِ كَثِيْرَ الاحْتِمَالِ. وَلِيَ مَشْيَخَةَ مَشهدِ عُرْوَةَ، وَاتَّفَقَ مَوْتُهُ بِحَمَاةَ، فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، فِي رَابعِ عَشَرِهِ.
قَالَ المُنْذِرِيُّ: كَانَ يَحفظُ وَيُذَاكِرُ مُذَاكرَةً حَسَنَةً، صَحِبَنَا مُدَّةً عِنْدَ شَيْخِنَا ابْنِ المُفَضَّلِ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ، وَسَمِعَ مِنِّي.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ الجَمَالُ ابْنُ الصَّابُوْنِيّ، وَعُمَرُ بنُ يَعْقُوْبَ الإِرْبِلِيّ، وَمَجْدُ الدِّيْنِ ابْنُ العَدِيْمِ، وَجَمَالُ الدِّيْنِ ابْنُ وَاصِلٍ، وَأَبُو الفَضْلِ بنُ عَسَاكِرَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الذَّهَبِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ الخَلاَّلِ، وَآخَرُوْنَ.
وَبَرزَالَةُ: قَبِيلَةٌ بِالأَنْدَلُسِ.
عمل الحَافِظُ عَلَمُ الدِّيْنِ لَهُ تَرْجَمَةً طَوِيْلَةً، فِيْهَا: أَنَّ ابْنَ الأَنْمَاطِيّ اسْتَعَارَ ثَبْتَ رِحلَتِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ ضَاعَ، فَبَكَى الزَّكِيُّ وَتَحَسَّر عَلَيْهِ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الحَافِظُ، أخبرتنا زَيْنَبُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ عَنْ زَيْنَبَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي القَاسِمِ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ أَحْمَدَ الزَّاهِدُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ الصُّعْلوكِيُّ الفَقِيهُ، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ يُوْسُفَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ الأَوْدِيّ، عَنْ سُوَيْدِ بنِ غَفَلَةَ، عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يَقْرَؤُوْنَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُوْنَ مِنَ الدِّيْنِ مُرُوْقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، قتالهم حق على كل مسلم" 1.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "1066" من حديث علي، به.
وورد من حديث أبي سعيد الخدري: عند البخاري "3610"، ومسلم "1064".
وعن سهل بن حنيف: عند البخاري "6934"، ومسلم "1068" من طريق يسير بن عمر، عنه، به.(16/314)
وتوفى ولده، بهاء الدين، ابن الرومية:
5731- وَتُوُفِّيَ وَلَدُهُ:
المُحَدِّثُ يُوْسُفُ إِمَامُ مَسْجِدِ فُلُوسٍ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ شَابّاً، لَهُ ثَلاَثٌ وَعِشْرُوْنَ سَنَةً، وَلَمْ يُحَدِّثْ، وَخَلَّفَ وَلَدَهُ الشَّيْخَ.
5732- بهاء الدين:
محمد كَاتِبَ الحكمِ صَغِيراً فَربَّاهُ جَدُّهُ لأُمِّهِ الشَّيْخُ عَلَمُ الدِّيْنِ الأَنْدَلُسِيُّ المُقْرِئُ، وَأَقرَأَهُ بِالسَّبْعِ، وَكَتَبَ الخطَّ المَنْسُوْبَ.
سَمِعْتُ مِنْهُ، وَمَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ. وَقَرَأَ عَلَيْهِ كَثِيْراً مِنَ الحَدِيْثِ وَلَدُهُ الحَافِظُ الأَوحدُ عَلَمُ الدِّيْنِ القَاسِمُ، رحم الله الجميع.
5733- ابن الرومية 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ الفَقِيْهُ الحَافِظُ النَّاقِدُ الطَّبِيْبُ أَبُو العباس أحمد بن محمد ابن مُفَرِّجٍ الإِشْبِيْلِيُّ الأُمَوِيُّ، مَوْلاَهُمُ، الحَزْمِيُّ الظَّاهِرِيُّ النَّبَاتِيُّ الزَّهْرِيُّ العَشَّابُ.
وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ زرْقُوْنَ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ الجَدِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ أَحْمَدَ بنِ جُمْهُوْرٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ التُّجِيْبِيِّ، وَأَبِي ذَرٍّ الخُشَنِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَفِي الرِّحلَةِ مِنْ أَصْحَابِ الفُرَاوِيِّ، وَأَبِي الوَقْتِ السِّجْزِيِّ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَبَّارُ: كَانَ ظَاهِرِيّاً، مُتَعَصِّباً لابْنِ حزم، بعد ن كَانَ مَالِكيّاً. قَالَ: وَكَانَ بَصِيْراً بِالحَدِيْثِ وَرِجَالِهِ، وله مجلد مفيد في اسْتِلحَاقٌ عَلَى "الكَامِلِ" لابْنِ عَدِيّ، وَكَانَتْ لَهُ بِالنّبَاتِ وَالحشَائِش مَعْرِفَةٌ فَاقَ فِيْهَا أَهْلَ العصرِ، وَجَلَسَ فِي دُكَّانٍ لبيعهَا، سَمِعَ مِنْهُ جُلُّ أصحابنا.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: كَتَبْتُ عَنْهُ، وَكَانَ ثِقَةً، حَافِظاً، صَالِحاً.
وَالزَّهْرِيُّ: بِفَتحِ أَوَّلِه.
وَقَالَ المُنْذِرِيُّ: سَمِعَ ابْنَ الرُّومِيَّةِ بِبَغْدَادَ، وَلَقِيْتُهُ بِمِصْرَ بَعْدَ عَوْدِهِ، وَحَدَّثَ بِأَحَادِيْثَ مِنْ حِفْظِهِ بِمِصْرَ، وَلَمْ يَتَّفِقْ لِيَ السَّمَاعُ مِنْهُ، وَجَمَعَ مَجَامِيْعَ.
قُلْتُ: لَهُ كِتَابُ "التَّذكِرَةِ" فِي مَعْرِفَةِ شُيُوْخِهِ، وَلَهُ كِتَابُ "المُعَلِّمِ بِمَا زَادَ البُخَارِيُّ عَلَى مُسْلِم".
مَاتَ فُجَاءةً، فِي سَلْخِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سبع وثلاثين وست مائة، ورثي بقصائد.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1138"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 184".(16/315)
الخجندي، سالم:
5734- الخجندي 1:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ الصَّدْرُ الإِمَامُ الفَقِيْهُ عَلاَءُ الدِّيْنِ أَبُو سَعْدٍ ثَابِتُ بنُ مُحَمَّدِ ابنِ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الخُجَنْدِيّ الأَصْبَهَانِيُّ، نَزِيْلُ شِيرَازَ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائة.
وسمع من: أبي الوقت السحزي "صَحِيْحَ البُخَارِيِّ" حُضُوْراً فِي الرَّابِعَةِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ. وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَضْلِ مَحْمُوْدِ بن مُحَمَّدٍ الشّحَّام، وَكَانَ فِي أَصْبَهَانَ إِذِ استباحتها كفرة المغول في سنة اثنتي وثلاثين وَسِتِّ مائَةٍ، فَنَجَا، وَلَمْ يَكَدْ. وَذَهَبَ إِلَى شِيرَازَ، فَعَاشَ إِلَى سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، كَذَا ذَكَرَهُ الحَافِظُ المُنْذِرِيّ.
رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: القَاضِي تَقِيُّ الدِّيْنِ سُلَيْمَانُ، وَجَمَاعَةٌ، وَهَذَا آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْ أَبِي الوَقْتِ حُضُوْراً، وَمَعَ هَذَا فَلاَ أَسْتحضر أَحَداً سَمِعَ مِنْهُ. وَلَعَلَّ أَهْلَ شِيْرَازَ إِنْ كَانُوا اعتَنُوا بِرِوَايَاتِهِ تأخر بعضهم، فن شِيرَازَ أُمُّ ذَلِكَ الإِقْلِيْمِ، وَهِيَ عَامِرَةٌ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهَا كَفَرَةُ المَغُولِ وَأَمِنَتْ إِلَى اليَوْمِ، وَهِيَ مَدِينَةٌ مُحْدَثَةٌ أَنْشَأَهَا الأَمِيْرُ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ الثَّقَفِيُّ ابْنُ عَمِّ الحجَّاجِ، وَسُمِّيَتْ بِشِيْرَازَ تَشبِيهاً بِجَوفِ الأَسَدِ، وَذَلِكَ لأَنَّ التُّجَّارَ تَجْلِبُ وَتَحمِلُ إِلَيْهَا وَلاَ عوضَ بِهَا، وَفِي البَلَدِ عُيونٌ فِي دُورِهِم، وَمِنْهَا إِلَى أَصْبَهَانَ سَبْعَةُ أَيَّامٍ، وَبِهِا خَلقٌ لاَ يُحْصَوْنَ، وَملكهَا مِنْ تَحْتَ يَدِ صَاحِبِ العِرَاقِ أَبِي سَعِيْدٍ، عَرضُهَا تِسْعٌ وَعِشْرُوْنَ دَرَجَةً، وَطُولُهَا تِسْعٌ وَسَبْعُوْنَ دَرَجَةً، هِيَ شَرقِيّ مِصْرَ وَوَادِي مُوْسَى وَتَبُوْكَ فَهنّ عَلَى خطّ وَاحِدٍ.
5735- سَالِمُ 2:
ابْنُ الحَافِظِ أبي المواهب الحسن بن هبة الله بن مَحْفُوْظِ بنِ صَصْرَى، الشَّيْخُ العَدْلُ، الرَّئِيْسُ، أَمِيْنُ الدِّيْنِ، أَبُو الغَنَائِمِ، التَّغْلِبِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
رَحَلَ بِهِ أَبُوْهُ وَلَهُ خَمْسُ سِنِيْنَ، فَسَمَّعَهُ مِنْ: أبي الفتح بن شاتيل، وأبي السعادات
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 316"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 183".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 316"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 184".(16/316)
القَزَّازِ، وَأَبِي العَلاَءِ بنِ عَقِيْلٍ، وَأَبِي الفَرَجِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ نَبْهَانَ، وَأَحْمَدَ بن دُرّك، وَشَيْخِ الشُّيُوْخِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَعِدَّةٍ. وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنَ: الفَضْلِ ابْنِ البَانْيَاسِيِّ، وَالأَمِيْرِ أُسَامَةَ بنِ مُنْقِذٍ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ النَّجَّارِ، وَالخَضِرِ بنِ طَاوُوْسٍ، وَطَائِفَةٍ. وَحَفِظَ القُرْآنَ وَتَفَقَّهَ، وَتَأَدَّبَ قَلِيْلاً، وَتَفَرَّدَ بِجُملَةٍ مِنْ مَرْوِيَّاتِهِ، مَعَ عَدَمِ تَعْمِيْرِهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيُّ، وَالقُوْصِيُّ، وَالمَجْدُ ابْنُ الحُلوَانِيَّةِ، وَسَعْدُ الخَيْرِ، وَأَبُو الفَضْلِ ابنُ عَسَاكِرَ، وَابْنُ عَمِّهِ الفَخْرُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الإِرْبِلِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ الخَلاَّلِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ القُوْصِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ": أَخْبَرَنَا القَاضِي الرَّئِيْسُ العَدْلُ أَبُو الغَنَائِمِ بِمَنْزِلهِ، وَكَانَ جَمِيْلَ الصُّحْبَةِ وَالمُعَاشَرَةِ، فَكِهَ المُحَاضَرَةِ، حَسنَ المُحَاوَرَةِ، حُمِدَتْ سِيْرَتُهُ فِيمَا تَولاَّهُ مِنَ المَارِستَانَاتِ وَالموَارِيثِ.
قُلْتُ: عَاشَ سِتِّيْنَ سَنَةً، وَتُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَدُفِنَ بِتُربتِهِ بِسفحِ جَبلِ قَاسِيُوْنَ، وَخَلَّفَ أَوْلاَداً نُبَلاَءَ، وَهُوَ جَدُّ قَاضِي دمشق نجم الدين أحمد ابن محمد.(16/317)
5736- ابن علان 1:
الشَّيْخُ الأَمِيْنُ تَاجُ الدِّيْنِ أَبُو المَعَالِي أَسْعَدُ بنُ المُسَلَّمِ بنِ مَكِّيِّ بنِ عَلاَّنَ القَيْسِيُّ، الدمشقي.
سَمِعَ: أَبَاهُ أَبَا الغَنَائِمِ، وَعَلِيَّ بنَ خَلْدُوْنَ، وَأَبَا القَاسِمِ بنَ عَسَاكِرَ، وَأَبَا الفَهْمِ ابْنَ أَبِي العَجَائِزِ، وَجَمَاعَةً.
رَوَى عَنْهُ: الحَافِظُ عَبْدُ العَظِيْمِ، وَالقُوْصِيُّ، وَابْنُ الحُلوَانِيَّةِ، وَأَبُو عَلِيٍّ ابْنُ الخَلاَّلِ، وَتَاجُ العربِ بِنْتُ عَلاَّنَ.
وَبِالإِجَازَةِ مُحَمَّدُ بنُ مُشْرقٍ.
حَدَّثَ بِدِمَشْقَ وَبِمِصْرَ، وَعَاشَ سِتّاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الشُّهُودِ.
تُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وهو أخو المعمر مكي.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 314"، وشذرات الذهب "5/ 180".(16/317)
التبريزي، حامد:
5737- التبريزي 1:
الإِمَامُ المُحَدِّثُ الرَّحَّالُ أَبُو الخَيْرِ بَدَلُ بنُ أبي المعمر بن إسماعيل التبريزي.
وُلِدَ بَعْدَ الخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقَدِمَ فَسَمِعَ مِنْ: أَبِي سَعْدٍ بنِ أَبِي عَصْرُوْنَ، وَأَحْمَدَ ابن الموازين، وَيَحْيَى الثَّقَفِيّ، وَلاَزَمَ بَهَاءَ الدِّيْنِ ابْنَ عَسَاكِرَ، وَسَمِعَ بِأَصْبَهَانَ مِنْ: أَبِي المَكَارِمِ اللَّبَّانِ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي زَيْدٍ الكَرَّانِيّ، وَبِنَيْسَابُوْرَ مِنْ: أَبِي سَعْدٍ الصَّفَّارِ، وَبِمِصْرَ مِنَ البُوْصِيْرِيّ. وَكَتَبَ وَتَعِبَ وَخَرَّجَ، وَخطُّه رَدِيءٌ. وَكَانَ دَيِّناً، فَاضِلاً، لَهُ فَهْمٌ. وَلِيَ مَشْيَخَةَ دَارِ الحَدِيْثِ بِإِرْبِلَ، فَلَمَّا اسْتبَاحَتْهَا التَّتَارُ، نَزَحَ إِلَى حَلَب.
رَوَى عَنْهُ: القُوْصِيُّ، وَمُحْيِي الدِّيْنِ ابْنُ سُرَاقَةَ، وَمَجْدُ الدِّيْنِ ابْنُ العَدِيْمِ، وَجَمَالُ الدِّيْنِ الشَّرِيْشِيُّ.
وَبِالإِجَازَةِ: القَاضِي الحَنْبَلِيُّ، وَأَبُو نَصْرٍ المِزِّيّ.
مَاتَ فِي جُمَادَى الأولى، سنة ستة وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ. لَمْ يُحَدِّثْنِي عَنْهُ أَحَدٌ. رَأَيْتُ لَهُ مُصَنَّفاً فِي فَنِّ الحَدِيْثِ بِأَسَانِيْدِهِ، وَأَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً نَسخهَا البِرْزَالِيُّ عَنِ الشَّرِيْشِيِّ.
5738- حَامِدُ:
ابن أَبِي العَمِيدِ بنِ أَمِيْرِي بنِ وَرشِي بنِ عمر، شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ، شَمْسُ الدِّيْنِ أَبُو الرِّضَا القَزْوِيْنِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ بِقَزْوِيْنَ.
وَصَحِبَ القُطْبَ النَّيْسَابُوْرِيَّ، وَلاَزَمَهُ، وَقَدِمَ مَعَهُ دِمَشْقَ، وَسَمِعَ مِنْ شُهْدَة الكَاتِبَةَ، وَخَطِيْبَ المَوْصِلِ، وَيَحْيَى الثَّقَفِيّ.
وَعَنْهُ: شِهَابُ الدِّيْنِ ابْنُ تَيْمِيَةَ، وَمَجْدُ الدِّيْنِ ابْنُ العَدِيْمِ.
وَبِالإِجَازَةِ: القَاضِي، وَأَبُو نَصْرٍ ابْنُ الشِّيْرَازِيّ. وَوَلِيَ قَضَاءَ حِمْصَ، ثُمَّ دَرَّسَ بِحَلَبَ، وَأَفتَى.
مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائة.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1424"، والنجوم الزاهرة "6/ 314"، وشذرات الذهب "5/ 180".(16/318)
عماد الدين، الخويي، ابن عسكر:
وَكَانَ ابْنُهُ:
5739- عِمَادُ الدِّيْنِ:
مِنَ المُدَرِّسِيْنَ أَيْضاً.
5740- الخويي 1:
قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن الخليل بن سعادة بن جعفر الخوبي، الشافعي.
وُلِدَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ.
وَقَرَأَ العَقْلِيَّاتِ عَلَى فَخْرِ الدِّيْنِ الرَّازِيِّ، وَالجَدَلَ عَلَى الطَّاوُوْسِيِّ. وَسَمِعَ: مِنَ المُؤَيَّدِ الطُّوْسِيِّ.
وَكَانَ مِنِ أَذْكِيَاءِ المُتَكَلِّمِينَ، وَأَعيَانِ الحُكَمَاءِ وَالأَطِبَّاءِ، ذَا دِيْنٍ وَتَعَبُّدٍ، وَلَهُ مُصَنَّفٌ فِي النَّحْوِ، وَآخَرُ فِي الأُصُوْلِ، وَآخَرُ فِيْهِ رُمُوْزٌ فَلْسَفِيَّةٌ.
قَالَ ابْنُ أَبِي أُصَيْبعَةَ: قَرَأْتُ عَلَيْهِ "التَّبْصِرَةَ" لابْنِ سَهْلاَنَ.
وَسَمِعَ مِنْهُ: المُعْيِنُ القُرَشِيُّ، وَالجَمَالُ ابْنُ الصَّابُوْنِيِّ، وَابْنُهُ قَاضِي القُضَاةِ شِهَابُ الدِّيْنِ مُحَمَّدٌ.
وَخُوِي: مِنْ إِقْلِيْمِ أَذْرَبِيْجَانَ.
مَاتَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، كَهْلاً بِحُمَّى دقيَّة، وَوَلِيَ قَضَاءَ دمشق فحمد.
5741- ابن عسكر:
القَاضِي العَلاَّمَةُ ذُو الفُنُوْنِ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ خضر الغساني، المالقي، المالكي، ابن عسكر.
وذكره ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: رَوَى عَنْ أَبِي الحَجَّاجِ ابْنِ الشَّيْخِ، وَأَبِي زَكَرِيَّا الأَصْبَهَانِيّ، وَأَبِي الخَطَّابِ بنِ وَاجِبٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ بنِ حَوْطِ اللهِ، وَعِدَّةٍ. وَاعْتَنَى بِالرِّوَايَةِ عَلَى كِبَرٍ، وَكَانَ جَلِيْلَ القَدْرِ، دَيِّناً، صَاحِبَ فُنُوْن؛ فَقهٍ وَنَحْوٍ وَأَدَبٍ وَكِتَابَةٍ، وَكَانَ شَاعِراً مُتَقَدِّماً فِي الشُّرُوْطِ، حَسَنَ العِشْرَةِ، سَمْحاً، جَوَاداً. وَلِيَ قَضَاءَ بَلَدِهِ بَعْدَ أَنْ حَكَمَ نِيَابَةً، وَصَنَّفَ وَمَالَ إِلَى الاجْتِهَادِ، تَأَسَّفَ عَلَى تَفْرِيْطِهِ فِي تَرْكِ الأَخْذِ عَنِ الكِبَارِ.
وَلَهُ كِتَابُ "المَشْرعُ الرّوِيُّ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى غَرِيبي الهَرَوِيِّ"، وَكِتَابُ "الإِتمَامِ عَلَى كِتَابِ التَّعرِيفِ وَالإِعلاَمِ" لِلسُّهَيْلِيِّ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وست مائة.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1415"، والنجوم الزاهرة "6/ 316"، وشذرات الذهب "5/ 183".(16/319)
عبد الحميد، الدبيثي:
5742- عبد الحميد:
ابن عبد الرشيد بن علي بن بنيمان، قَاضِي الجَانبِ الشَّرْقِيّ بِبَغْدَادَ، أَبُو بَكْرٍ الهَمَذَانِيّ، الشافعي.
حضر وَهُوَ ابْنُ أَرْبَع سِنِيْنَ عَلَى جَدِّهِ الحَافِظِ أَبِي العَلاَءِ العَطَّارِ "جَامِعَ مَعْمَرٍ" وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ: شُهْدَةَ وَابْنِ شَاتيلَ. وَأُمُّهُ هِيَ عَاتِكَةُ بِنْتُ الحَافِظِ.
أَعَادَ بِالنِّظَامِيَّةِ، وَنَابَ بِالجَانبِ الغَرْبِي عَنْ أَخِيْهِ القَاضِي عَلِيٍّ، وَكَانَ صَالِحاً، قَانِتاً. حَدَّثَ بِدِمَشْقَ بَعْدَ العِشْرِيْنَ، وَنَزَلَ فِي الغزَاليَّةِ ثُمَّ رَجَعَ فَولِيَ القَضَاءَ وَحُمِدَ فِيْهِ.
رَوَى عَنْهُ: الشَّرِيْشِيُّ، وَابْنُ بَلْبَانَ، وَالخَطِيْبُ عَبْدُ الحَقِّ بنُ شَمَائِلَ، وَالشَّيْخُ عِزّ الدِّيْنِ الفَارُوْثِيُّ. وَأَجَاز: لِفَاطِمَةَ بِنْتِ سُلَيْمَانَ، وَلأَبِي نَصْرٍ ابْن الشِّيْرَازِيِّ وَجَمَاعَةٍ، وَلابْنِ سَعْدٍ، وَمُحَمَّدٍ البِجَّدِيّ، وَسِتِّ الفُقَهَاءِ الوَاسِطِيَّةِ، وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالسَّمَاعِ: العِمَادُ إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ الطَّبَّالِ.
مَاتَ فِي سَابع شَوَّالٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ أربع وسبعين سنة.
5743- الدبيثي:
الإِمَامُ العَالِمُ الثِّقَةُ الحَافِظُ شَيْخُ القُرَّاءِ حُجَّةُ المُحَدِّثِيْنَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ ابنُ أَبِي المَعَالِي سَعِيْدِ بنِ يَحْيَى بنِ عَلِيِّ بنِ حَجَّاجٍ الدُّبَيْثِيُّ ثُمَّ الوَاسِطِيُّ الشَّافِعِيُّ المُعَدَّلُ صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وسمع من: أبي طالب الكناني، وَهِبَةِ اللهِ بنِ قَسَّامٍ، وَعِدَّةٍ بِوَاسِطَ بَعْدَ سَنَةِ سَبْعِيْنَ. وَتَلاَ بِالعَشْرِ عَلَى: خَطِيْبِ شَافِيَا، وَابْنِ البَاقِلاَنِيِّ صَاحِبَيِ أَبِي العِزّ القَلاَنسِيّ. وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ بنِ شَاتيل، وَعَبْدِ المنعم ابن الفراوي، إذا حَجَّ، وَنَصْرِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَزَّازِ، وَأَبِي العَلاَءِ بنِ عَقِيْلٍ وَطَبَقَتِهِم. وَيَنْزِلُ إِلَى أَنْ يَرْوِيَ عَنْ أَصْحَابِ أَبِي الوَقْتِ، وَأَبِي الفَتْحِ ابْنِ البَطِّيِّ. وَتَلاَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى جَمَاعَةٍ، وتفقه(16/320)
عَلَى أَبِي الحَسَنِ البُوقِيِّ. وَقَرَأَ العَرَبِيَّةَ وَالأُصُوْلَ وَالخلاَفَ وَعُنِيَ بِالحَدِيْثِ وَبَالَغَ، وَكَتَبَ العَالِيَ وَالنَّازلَ، وَصَنَّفَ "تَارِيخاً" كَبِيْراً لِوَاسطَ، وَذَيَّل عَلَى "تَارِيخِ بَغْدَادَ" المُذَيَّل لابْنِ السَّمْعَانِيِّ عَلَى "تَارِيْخ الخَطِيْبِ"، وَعَمِلَ "المُعْجَمَ" لِنَفْسِهِ، وَخَرَّجَ لِغِيْرِ وَاحِدٍ، وَكَانَ مُشْرِفَ الأَوقَافِ، وَمِنْ كُبَرَاء العُدُوْلِ، ثُمَّ اسْتَعْفَى مِنَ العَدَالَةِ ضَجَراً مِنْ كُلْفَتِهَا، فَإِنَّ العَدَالَةَ ببغداد كنت منصبًا وَرُتْبَةً كَبِيْرَةً وَإِذَا عُزِلَ الرَّجُل مِنْهَا لاَ يُفَسَّقُ، ثُمَّ لاَزَمَ العِلْمَ وَالإِقْرَاءَ وَالتَّسمِيْعَ.
قَالَ الحَافِظُ مُحِبّ الدِّيْنِ ابْنُ النَّجَّارِ: سَكَنَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بَغْدَادَ، وَحَدَّثَ بتَصَانِيْفِهِ، وَقَلَّ أَنْ جَمَعَ شَيْئاً إلَّا وَأَكْثَرُهُ عَلَى ذهنِه، وَلَهُ مَعْرِفَةٌ بِالحَدِيْثِ وَالأَدَبِ وَالشِّعْرِ، وَهُوَ سَخِيٌّ بِكُتُبِهِ وَأُصُوْلِهِ، صَحِبْتُهُ عِدَّةَ سِنِيْنَ، فَمَا رَأَيْتُ مِنْهُ إلَّا الجَمِيْلَ وَالدِّيَانَةَ وَحُسنَ الطَّرِيقَةِ، وَمَا رَأَتْ عَيْنَايَ مِثْلَهُ فِي حِفْظِ السِّيَرِ وَالتَّوَارِيخِ وَأَيَّامِ الناس، رحمه الله.
قلت: حدث عنه بن النَّجَّارِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ نُقْطَةَ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ البِرْزَالِيُّ، وَالمُؤَرِّخُ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الكَازَرُوْنِيُّ، وَعِزُّ الدِّيْنِ أَحْمَدُ الفَارُوْثِيّ الوَاعِظُ، وَجَمَالُ الدِّيْنِ الشَّرِيْشِيُّ المُفَسِّرُ، وَتَاجُ الدِّيْنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الغَرَّافِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ مِنْ شُيُوْخِهِ المُحَدِّثُ أَحْمَدُ بنُ طَارِقٍ، وَأَبُو طَالِبٍ بنُ عَبْدِ السَّمِيْعِ.
وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: القَاضِي تَقِيّ الدِّيْنِ سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي عُمَرَ الحَنْبَلِيُّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: لَقَدْ مَاتَ عَدِيْم النَّظِيْر فِي فَنِّهِ وَأَضَرَّ بِأَخَرَةٍ، تُوُفِّيَ: فِي ثَامنِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَفِيْهَا مَاتَ: قَاضِي دِمَشْقَ شَمْسُ الدِّيْنِ أَبُو العباس أحمد بن الخليل بن سعادة الخوبي الأُصُوْلِيُّ، وَمُسْنَدُ الوَقْتِ بِشِيْرَازَ الإِمَامُ عَلاَءُ الدِّيْنِ أبو سعد ثابت بن أحمد ابن الخُجَنْدِيِّ الأَصْبَهَانِيّ، -وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ بِـ "الصَّحِيْحِ" عَنْ أَبِي الوَقْتِ حُضُوْراً، وَمُقْرِئ بَغْدَادَ عَبْدُ العَزِيْزِ ابْنُ دُلَفَ النَّاسخُ الخَازنُ، وَالعَدْلُ الأَمِيْن أَبُو الغَنَائِمِ سَالِمُ ابْنُ الحَافِظِ أَبِي المَوَاهِبِ بنِ صَصْرِى، وَالرَّئِيْسُ صَفِيُّ الدِّيْنِ أَبُو العَلاَءِ أَحْمَدُ بنُ أَبِي اليُسْرِ شَاكِرٍ التَّنُوْخِيُّ الدِّمَشْقِيُّ، وَرَاوِي "مُسْنَدِ ابْنِ رَاهَوَيْهِ" أَبُو البَقَاءِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى المُؤَدِّبُ بِبَغْدَادَ، وَأَبُو عَلِيٍّ حُسَيْنُ بنُ يُوْسُفَ الشَّاطِبِيُّ ثُمَّ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ. وَالقَاضِي عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ عَبْدِ الرَّشِيْدِ سِبْطُ أَبِي العَلاَءِ الهَمَذَانِيِّ، وَأَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ يُوْسُفَ ابْن الطُّفَيْلِ بِمِصْرَ، وَإِمَامُ الرَّبوَةِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ بَرَكَاتِ ابْن الخُشُوْعِيّ، وَالمُحْتَسِبُ رَشِيْدُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ ابْنِ الهَادِي القَيْسِيّ، وَالزَّاهِدُ أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي المَعَالِي عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ صَابِرٍ السُّلَمِيّ، وَفَخْرُ الدِّيْنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي نَصْرٍ النُّوْقَانِيُّ الفَقِيْهُ، وَتَقِيّ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ طرخَاتَ بنِ أَبِي الحَسَنِ السُّلَمِيّ، وَالمُحَدِّثُ الأديب شمس الدين محمد بن الحسن ابن مُحَمَّدِ ابْنِ الكَرِيْم الكَاتِبُ البَغْدَادِيُّ؛ سِتَّتُهُم بِدِمَشْقَ، وَمُحَدِّثُ إِرْبِلَ وَعَالِمُهَا الإِمَامُ شَرَفُ الدِّيْنِ أَبُو البركات المبارك بن أحمد ابن المُسْتوفِيّ، وَالصَّاحِبُ الأَوحَدُ ضِيَاءُ الدِّيْنِ نَصْرُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الأَثِيْرِ الجَزَرِيُّ صَاحِبُ "المَثَلِ السَّائِر" وَآخَرُوْنَ.
قَرَأْتُ عَلَى عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ العَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ الحَافِظُ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، فَذَكَرَ جزءًا فيه نوادر وحكايات.(16/321)
5744- ابن خلفون 1:
الحَافِظُ المُتْقِنُ العَلاَّمَةُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ خَلْفُوْنَ الأَزْدِيُّ الأَنْدَلُسِيُّ الأَوْنَبِيُّ، نَزِيْلُ إِشْبِيْلِيَةَ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَبَّارُ: وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ الجَدِّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ زَرْقُوْنَ، وَأَبِي بَكْرٍ النَّيَّارِ، وَعِدَّةٍ.
قُلْتُ: مَا عَلِمتُ أَحَداً رَوَى عَنْهُ وَالشُّقَّةُ بَعْيِدَةٌ؛ بَلَى رَوَى عَنْهُ أَبُو جَعْفَرٍ ابْن الطّبَّاعِ، وَابْنُ مَسْدِي، وَأَكْثَرَ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ بنُ سِتِّ النَّاس.
قَالَ: وَكَانَ بَصِيْراً بِصِنَاعَةِ الحَدِيْثِ، حَافِظاً لِلرِّجَالِ، مُتْقِناً، أَلَّفَ كِتَابَ "المُنْتَقَى فِي الرِّجَالِ" خَمْسَةَ أَسفَارٍ، وَكِتَابَ "المُفْهِم فِي شُيُوْخ البُخَارِيّ وَمُسْلِم" وَكِتَابَ "عُلُوْمِ الحَدِيْثِ". وَوَلِيَ القَضَاءَ بِبَعْضِ النَّوَاحِي، فَشُكِرَ فِي قَضَائِهِ. أَخَذَ عَنْهُ جَمَاعَة، وَكَانَ أَهْلاً لِذَلِكَ. تُوُفِّيَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: اعْتَنَى بِالرِّوَايَةِ وَالنَّقْلِ اعتناء تامًا، وعكف على ذَلِكَ عُمُرَهُ، وَكَانَ حَافِظاً لِلأَسَانِيْدِ عَارِفاً بِالرِّجَالِ.
قُلْتُ: لاَ أَعْلَمُ أَنَّنِي وَقَعَ لِي شَيْءٌ مِنْ رِوَايَةِ هَذَا الحَافِظِ؛ حَدَّثَ أَثِيْرُ الدِّيْنِ عن رجل عنه.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1125".(16/322)
ابن الأثير، ابن المعز:
5745- ابن الأثير 1:
الصَّاحِبُ العَلاَّمَةُ الوَزِيْرُ ضِيَاءُ الدِّيْنِ أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الشَّيْبَانِيُّ الجَزَرِيُّ المُنشِئُ صَاحِبُ كِتَابِ "المَثَلِ السَّائِرِ فِي أَدَبِ الكَاتِبِ وَالشَّاعِرِ".
مَوْلِدُهُ بِجَزِيْرَةِ ابْنِ عُمَرَ، فِي سنة ثمان وخمسين وخمس مائة، وتخول مِنْهَا مَعَ أَبِيْهِ وَإِخْوَتِهِ، فَنَشَأَ بِالمَوْصِلِ، وَحَفِظَ القُرْآنَ، وَأَقْبَلَ عَلَى النَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَالشِّعْرِ وَالأَخْبَارِ.
وَقَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ "الوَشْيِ" لَهُ: حَفِظْتُ من الأشعار ما لا أُحْصِيْهِ، ثُمَّ اقْتَصَرْتُ عَلَى الدَّوَاوِيْنِ لأَبِي تَمَّامٍ وَالبُحْتُرِيِّ وَالمُتَنَبِّي فَحَفِظْتُهَا.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: قَصَدَ السُّلْطَانَ صَلاَحَ الدِّيْنِ فَقَدَّمهُ، وَوصَلَه القَاضِي الفَاضِل، فَأَقَامَ عِنْدَهُ أَشْهُراً، ثُمَّ بَعَثَ بِهِ إِلَى وَلدِهِ الملكِ الأَفْضَلِ فَاسْتَوْزَرَهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ صَلاَحُ الدِّيْنِ تَمَلَّكَ الأَفْضَلُ دِمَشْقَ وَفَوَّضَ الأُمُوْرَ إِلَى الضِّيَاءِ، فأساءَ العِشْرَةَ، وَهَمُّوا بِقَتْلِهِ، فَأُخْرِجَ فِي صُنْدُوْقٍ، وَسَارَ مَعَ الأَفْضَلِ إِلَى مِصْرَ، فَرَاحَ المُلْكُ مِنَ الأَفْضَلِ، وَاخْتَفَى الضِّيَاءُ، وَلَمَّا اسْتَقرَّ الأَفْضَلُ بِسُمَيْسَاطَ ذَهَبَ إِلَيْهِ الضِّيَاء، ثُمَّ فَارَقَهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، فَاتَّصَل بِصَاحِبِ حَلَبَ، فَلَمْ ينفُقْ، فَتَأَلَّمَ، وَذَهَبَ إِلَى المَوْصِلِ فَكَتَبَ لِصَاحِبِهَا. وَلَهُ يَدٌ طُولَى فِي التَّرَسُّلِ، كَانَ يُجَارِي القَاضِيَ الفَاضِلَ وَيُعَارِضُهُ، وَبَيْنَهُمَا مُكَاتَبَاتٌ وَمُحَارَبَاتٌ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَدِمَ بَغْدَادَ رَسُوْلاً غَيْرَ مَرَّةٍ، وَحَدَّثَ بِهَا بِكِتَابِهِ وَمَرِضَ فَتُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقِيْلَ: كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيْهِ عِزِّ الدين مقاطعة ومجانبة شديدة.
5746- ابن المعز 2:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ المُعَمَّرُ الصَّالِحُ أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ ابْنُ القَاضِي أَبِي الفَتْحِ مُحَمَّدِ بنِ مَحْمُوْدِ بنِ المُعِزِّ بن إِسْحَاقَ الحَرَّانِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الصوفي، من أهل رباط شهدة.
سَمَّعَهُ أَبُوْهُ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ ابْنِ البَطِّيِّ، وَأَحْمَدَ ابْنِ المُقَرِّبِ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ السَّكَنِ، وَيَحْيَى بنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي المَكَارِمِ البَاذَرَائِيِّ.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 763"، والنجوم الزاهرة "6/ 318"، وشذرات الذهب "5/ 187، 188".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 340"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 189".(16/323)
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ النَّجَّارِ، -وَقَالَ: شَيْخٌ حَسَنُ الهَيْئَةِ مُتَوَدِّدٌ لَطِيْفُ الأَخْلاَقِ، وَجَمَالُ الدِّيْنِ الشَّرِيْشِيُّ، وَمَجْدُ الدِّيْنِ ابْنُ الحُلوَانِيَّةِ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ بَلْبَانَ، وَعِزُّ الدِّيْنِ الفَارُوْثِيُّ، وَعِدَّةٌ.
وَبِالإِجَازَةِ القَاضِي الحَنْبَلِيُّ، وَالفَخْرُ بنُ عَسَاكِرَ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ فِي سَلْخِ المُحَرَّمِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: الصَّاحِبُ نَجِيْبُ الدِّيْنِ أَحْمَدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ فَارِسٍ التَّمِيْمِيُّ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ وَالِدُ الكَمَالِ شَيْخِ القُرَّاءِ، وَالقَاضِي نَجْمُ الدِّيْنِ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ خَلَفِ بنِ رَاجِحٍ المَقْدِسِيُّ الحَنْبَلِيُّ ثُمَّ الشَّافِعِيُّ، وَجَمَالُ المُلكِ عَلِيُّ بنُ مُخْتَارِ ابْنِ الجَمَل العَامِرِيُّ، وَمُحْيِي الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الحَاتِمِيُّ الطَّائِيُّ ابْنُ العَرَبِيِّ، وَقَاضِي حَلَبَ جَمَالُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرحمن ابْنُ الأُسْتَاذِ الأَسَدِيّ الشَّافِعِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ خُلَيْفٍ الجُذَامِيُّ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، وَأَبُو البَرَكَاتِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مَحْفُوْظٍ ابْنُ تَاجرِ عِينَة، وَالشَّيْخُ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ أَبِي العَجَائِزِ الدِّمَشْقِيُّ، وَالتَّقِيُّ يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ نعمة بن سلطان النابلسي الحنبلي.(16/324)
5747- ابن راجح 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ البَارِعُ الحَافِظُ نَجْمُ الدِّيْنِ أَقْضَى القُضَاةِ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ ابْنُ الإِمَامِ شهاب الدين محمد بن خلف بن راجح بن بلال المقدسي، ثم الصالح، الحَنْبَلِيُّ، ثُمَّ الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: يَحْيَى الثَّقَفِيِّ، وَابْنِ صَدَقَةَ الجَنْزَوِيِّ، وعبد الرحمن ابْنِ الخِرَقِيِّ، وَبِبَغْدَادَ مِنِ ابْنِ الجَوْزِيِّ، وَلاَزَمَ بِهَمَذَانَ الرُّكْنَ الطَّاوُوْسِيَّ، حَتَّى صَارَ مُعيدَهُ، ثُمَّ سَارَ إِلَى بُخَارَى، وَاشْتَغَلَ وَبَرَعَ وَبَعُدَ صِيْتُهُ، وَأَحَكْمَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ. وَمِنْ مَحْفُوْظَاتِهِ كِتَابُ "الجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ".
اشْتَغَلَ وَتَخَرَّجَ بِهِ العُلَمَاءُ، وَكَانَ ذَا تَهَجُّدٍ وَتَأَلُّهٍ وَتَعَبُّدٍ وَذَكَاءٍ مُفْرِطٍ.
قَالَ الشَّيْخُ الضِّيَاءُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ صَوْمَعٍ يَذكرُ أنه رأى الحق تَعَالَى فِي النَّوْمِ، فَسَأَلَهُ عَنِ النَّجْمِ بنِ خَلَفٍ، فَقَالَ: هُوَ مِنَ المُقَرَّبِيْنَ.
قُلْتُ: وَذَكَرَ النَّجْمُ أَنَّهُ رَأَى البَارِئَ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي النَّوْمِ إِحْدَى عَشْرَةَ مرَّةً، قَالَ لَهُ فِي بَعْضِهَا: أَنَا عَنْكَ راضٍ.
وَقَدْ وَلِي تَدْرِيْسَ العَذْرَاويَّةِ، وَقَدْ كَانَ أَوَّلاً قَرَأَ "المقنعَ"، عليّ المُؤلّفِ، وَدَرَّسَ أَيْضاً بِالصَّارِمِيَة بِحَارَةِ الغُرَبَاءِ، وَبِمَدْرَسَةِ أُمِّ الصَّالِحِ، وَبِالشَّامِيَّةِ البَرَّانِيَّةِ، وَنَابَ فِي القَضَاءِ عَنْ جَمَاعَةٍ، مِنْهُم الرّفِيعُ الجِيلَيُّ، وَصَنَّفَ "طَرِيقَةً فِي الخِلاَفِ" فِي مُجَلَّدَيْنِ، وَأَشيَاءَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أبو الفضل بن عَسَاكِرَ، وَابْنُ عَمِّهِ الفَخْرُ، وَالعِمَادُ بنُ بَدْرَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الإِرْبِلِيُّ.
تُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ، سنة ثمان وثلاثين وست مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 340"، وشذرات الذهب "2/ 189".(16/324)
صلاح الدين موسى، ابن مختار:
5748- صَلاَحُ الدِّيْنِ مُوْسَى:
وَكَانَ أَخُوْهُ الشَّيْخُ. مِنَ العُلَمَاءِ الصُّلَحَاءِ، لَهُ شِعْرٌ رَائِقٌ.
5749- ابْنُ مُخْتَارٍ 1:
الشَّيْخُ الأَمِيْرُ المُعَمَّرُ جَمَالُ المَلِكِ أَبُو الحَسَنِ علي بن مختار بن نَصْرِ بنِ طُغَانَ العَامِرِيُّ المَحَلِّيُّ ثُمَّ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ الجَمَلِ.
مَوْلِدُهُ فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ، بِالمحلَّةِ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ العُثْمَانِيِّ، وَتَفَرَّدَ بِأَجزَاءَ. وَكَانَ مِنْ أَوْلاَدِ الأُمَرَاءِ المِصْرِيِّيْنَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: المُنْذِرِيُّ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَابْنُ الحُلوَانِيَّةِ، وَأَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بن أحمد بن محمد ابن الجَبَّابِ، وَأَبُو صَادِقٍ مُحَمَّدُ ابنُ الرَّشِيْدِ العَطَّارُ، وأبو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الدُّكَّالِيُّ سُحْنُوْنُ، وَعَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ خَلَفٍ الحَافِظُ، وَالزَّيْنُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ ابْن الجَبَّابِ، وَخَدِيْجَةُ بِنْتُ غَنِيْمَةَ، وَجَمَاعَةٌ، وَبِالإِجَازَةِ شَمْسُ الدِّيْنِ ابْنُ الحَظِيْرَيِّ، وَالقَاضِي الحَنْبَلِيُّ، وَابْنُ سَعْدٍ.
مَاتَ فِي ثَامِنَ عَشَرَ شَعْبَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقَدْ نَيَّفَ عَلَى التِّسْعِيْنَ. لَمْ يَسْمَعْ عَلَى مِقْدَارِ سنِّهِ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 340"، وشذرات الذهب "5/ 189، 190".(16/325)
5750- المارستاني 1:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ يَعْقُوْبَ بن عبد الله بن عبد الوَاحِد البَغْدَادِيُّ، المَارستَانِي، الصُّوْفِيُّ، قَيِّمُ جَامِعِ المَنْصُوْرِ.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَة.
وَكَانَ يُمكِنُه السَّمَاع مِنْ: أَبِي بَكْرٍ ابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ، وَأَبِي الوَقْتِ السِّجْزِيِّ، وَلَكِنَّ السَّمَاعَ رِزْقٌ!
سَمِعَ مِنْ: أَبِي المَعَالِي بنِ اللَّحَّاسِ، وَأَبِي عَلِيٍّ الرحبي، ومحمد ابن أَسْعَدَ حَفَدَةَ العَطَّارِ العَطَّارِيِّ، وَعُمَرَ بنِ بُنَيْمَانَ البَقَّالِ، وَخَدِيْجَةَ بِنْتِ النُّهْرُوَانِيِّ، وَجَمَاعَةٍ. وَكَانَ صَالِحاً خَيِّراً مُعَمَّراً.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الحُلوَانِيَّةِ، وَعِزُّ الدِّيْنِ الفَارُوْثِيُّ، وَابْنُ بَلْبَانَ، وَمُحَمَّدُ ابْنُ الدَّبَّابِ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الشَّرِيْشِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي السَّعَادَاتِ، وَأَبُو الحَسَنِ الغَرَّافِيُّ، وَطَائِفَةٌ، وَالقَاضِي الحَنْبَلِيُّ بِالإِجَازَةِ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَعِيْسَى المُطَعِّمُ، وَأَبُو العَبَّاسِ ابْنُ الشِّحنَةِ، وَجَمَاعَةٌ. وَسَمَاعُهُ صَحِيْحٌ، وَكَانَ رَجُلاً صَالِحاً.
مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ يَعْقُوْبَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ البُنْدَارُ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الصُّوْلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَمْرٍو البَزَّارُ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بنُ يَعْقُوْبَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ هَاشِمِ بنِ البَرِيْدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ لِعَلِيٍّ: "أَنْتَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِي، وَأَنْتَ أَوَّلُ مَنْ يُصَافِحُنِي يَوْمَ القِيَامَةِ، وَأَنْتَ الصِّدِّيْقُ الأَكْبَرُ، وَأَنْتَ الفَارُوْقُ يَفْرُقُ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ، وَأَنْتَ يَعسُوبُ المُؤْمِنِيْنَ، وَالمَالُ يَعْسُوبُ الكَافِرِيْنَ" ... إِسْنَادُهُ واهٍ.
وَفِيْهَا -أَعنِي سَنَة تِسْعٍ- مَاتَ: الفَقِيْهُ إِسْحَاقُ بنُ طَرْخَانَ بنِ مَاضِي الشَّاغُوْرِيُّ الرَّاوِي عَنْ حَمْزَةَ بنِ كَرَوَّسٍ فِي كِتَابِ "البسملَةِ"، وَالقَاضِي النَّفِيْسُ أَبُو الكَرَمِ أَسَعْدُ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ بنِ قَادوسٍ عَنْ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً وَهُوَ آخِرُ أَصْحَابِ ابْنِ الحُطيئَة، وَالشَّرِيْفُ الخَطِيْبُ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ دِيْنَارٍ المِصْرِيُّ الصَّائِغُ، وَالمُحَدِّثُ سُلَيْمَانُ ابن إبراهيم بن هبة الله
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 344"، وشذرات الذهب "5/ 203".(16/326)
الإِسْعَردِيُّ خَطِيْبُ بَيْتِ لِهْيَا، وَالفَقِيْهُ عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَاضِي الحَنْبَلِيُّ، وَقَاضِي بَغْدَادَ عماد الدين عبد الرحيم بنُ مقبلٍ الوَاسِطِيُّ الشَّافِعِيُّ الزَّاهِدُ شَيْخُ زِيَادٍ المَرْزُبَانِيِّ، وَعَبْدُ السَّيِّدِ بنُ أَحْمَدَ خَطِيْبُ بعقوبَا، وَسَيْفُ الدِّيْنِ عَبْدُ الغَنِيِّ ابْن الشَّيْخِ الفَخْرِ ابْنِ تَيْمِيَةَ خَطِيْبُ حَرَّانَ، وَالفَقِيْهُ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ عَبْدِ الجَلِيْلِ الرَّازِيُّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، وَأَبُو فُصَيْدٍ قَيْمَازُ المُعَظَّمِيّ، وَقَاضِي القُضَاةِ شَرَفُ الدِّيْنِ أَبُو المَكَارِمِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله ابن ابن عين الدولة الإِسْكَنْدَرَانِيُّ ثُمَّ المِصْرِيُّ عَنْ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَالقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ مُظَفَّرِ بنِ نُعَيْمٍ البَغْدَادِيُّ الشَّافِعِيُّ ابْنُ الحُبَيْرِ، مِنْ كِبَارِ الأَئِمَّةِ، وَأَبُو القَاسمِ نَصْرُ بنُ عَلِيِّ بنِ نَغُوْبَا الوَاسِطِيُّ لَهُ إِجَازَة ابْنِ البَطِّيِّ، وَالأُصُوْلِيُ المُتَكَلِّم الإِمَامُ أَبُو عَامِرٍ يَحْيَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ رَبِيْعٍ الأَشْعَرِيُّ القُرْطُبِيُّ صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ الكَلاَمِيَّةِ وَوَالِدُ المُتَكَلِّمِ أَبِي الحُسَيْنِ مُحَمَّدٍ تُوُفِّيَ بمالقة.(16/327)
عمر بن أسعد، العماد الزاهد:
5751- عمر بن أسعد 1:
ابن المنجي بن أبي البركات، القَاضِي الإِمَامُ شَمْسُ الدِّيْنِ أَبُو الفَتْحِ ابْنُ القَاضِي الكَبِيْر وَجِيْهِ الدِّيْنِ التَّنُوْخِيُّ، ثُمَّ المَعَرِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، مُدَرِّس المِسْمَارِيَّة، وَقَاضِي حَرَّانَ مُدَّةً، وَبِهَا وُلدَ حَالَ وِلاَيَةِ أَبِيْهِ قَضَاءهَا.
سَمِعَ: أَبَا المَعَالِي بنَ صَابرٍ، وَكَمَالَ الدِّيْنِ ابْنَ الشَّهْرُزُوْرِيِّ، وَابْنَ عَصْرُوْنَ، وَيَحْيَى بنَ بَوْشٍ، وَعِدَّةً.
وحدث عَنْهُ: بِنْتُهُ سِتُّ الوُزَرَاءِ، وَالحَافِظُ الزَّكِيُّ البِرْزَالِيُّ، وَمَجْدُ الدِّيْنِ ابْنُ العَدِيْمِ، وَالبَدْرُ ابْنُ الخَلاَّلِ، وبالحضور العماد ابن البالسي.
تُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَابْنُهُ:
5752- العِمَادُ الزَّاهِدُ:
هُوَ وَاقِفُ حَلْقَةِ العِمَادِ الَّتِي لِلْحَنَابِلَةِ.
وَكَانَ القَاضِي شَمْسُ الدِّيْنِ وَافرَ الجَلاَلَةِ، بصيرًا بالأحكام، رحمه الله.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1435"، والنجوم الزاهرة "6/ 349"، وشذرات الذهب "5/ 210، 211".(16/327)
ابن ظفر، ابن الصابوني:
5753- ابن ظفر 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ المُحَدِّثُ الجَوَّالُ الصَّالِحُ العَابِدُ أَبُو الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ ظَفَرِ بنِ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُفَرَّجِ بنِ مَنْصُوْرِ بنِ ثَعْلَبِ بن عُنَيْبَةَ -مِنَ العِنَبِ- المُنْذِرِيُّ، المَقْدِسِيُّ، النَّابُلُسِيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، الحَنْبَلِيُّ.
وُلِدَ بِدِمَشْقَ، فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائة.
سَمِعَ: أَبَا المَكَارِم اللَّبَّانَ، وَمُحَمَّدَ بنَ أَبِي زَيْدٍ الكَرَّانِيَّ، وَأَبَا جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيَّ بِأَصْبَهَانَ، وَأَبَا القَاسِمِ البُوصِيْرِيَّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ يَاسِيْنَ بِمِصْرَ، وَالمُبَارَكَ ابْنَ المَعْطُوشِ، وَأَبَا الفَرَجِ ابْنَ الجَوْزِيِّ، وَابْنَ أَبِي المَجْدِ الحَرْبِيَّ بِبَغْدَادَ، وَأَبَا سَعْدٍ الصَّفَّارَ، وَمَنْصُوْراً الفُرَاوِيَّ وَعِدَّةً بِنَيْسَابُوْرَ، وَالحَافِظَ عَبْدَ القَادِرِ بِحَرَّانَ، وَلَزِمَهُ مُدَّةً، وَابْنَ الحُصْرِيِّ بِمَكَّةَ، وَجَاورَ لأجله سنة، وكان عالمًا عاملًا فَقيراً مُتَعَفِّفاً كَثِيْرَ السَّفَر.
حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيُّ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَابْنُ الحُلوَانِيَّةِ، وَالعِمَادُ إِبْرَاهِيْمُ المَاسحُ، وَالعِمَادُ إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ الطَّبَّالِ، وَالحُسَامُ عَبْدُ الحَمِيْدِ اليُوْنِيْنِيُّ، وَالبَدْرُ حَسَنُ ابْنُ الخَلاَّلِ، وَالشَّمْسُ مُحَمَّدُ ابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَالنَّجْمُ مُوْسَى الشَّقرَاوِيُّ، وَالفَخْرُ إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَالقَاضِي الحَنْبَلِيُّ، وَعِدَّةٌ.
تُوُفِّيَ بِقَاسِيُوْنَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: كَانَ عَبداً صَالِحاً، ذَا مُرُوءةٍ، مَعَ فَقْرٍ مُدقِعٍ، صَاحِبَ كَرَامَاتٍ.
قُلْتُ: نَسَخَ الكثير، وخطه معروف رديء.
5754- ابن الصابوني 2:
الشَّيْخُ العَالِمُ الزَّاهِدُ المُسْنِدُ عَلَمُ الدِّيْنِ أَبُو الحسن علي ابن الشيخ العَارِفِ أَبِي الفَتْحِ مَحْمُوْدِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ المَحْمُوْدِيُّ، الجَوِّيْثيُّ، العِرَاقِيُّ، الصُّوْفِيُّ، عُرِفَ بِابْنِ الصَّابُوْنِيّ.
وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، بِالجَوِّيْثِ، وَهِيَ حَاضِرٌ كبير بظاهر البصرة وتفصل بينهما دجلة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 344"، وشذرات الذهب "5/ 203، 204".
2 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 208".(16/328)
لَهُ إِجَازَةٌ فِي صِبَاهُ مِنْ: أَبِي المُطَهَّرِ القَاسِمِ بنِ الفَضْلِ الصَّيْدَلاَنِيِّ، وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ حَسَنٍ الصَّيْدَلاَنِيِّ، وَالخَضِرِ بنِ الفَضْلِ عُرِفَ بِرَجُلٍ، وَأَبِي مَسْعُوْدٍ عَبْدِ الرَّحِيْمِ الحَاجِّيِّ، وَأَبِي الفتح بن البَطِّيِّ، وَارْتَحَلَ بِهِ أَبُوْهُ، فَسَمِعَ مِنْ أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ، وَمِنْ وَالِدِهِ.
وَرَوَى الكَثِيْرَ؛ حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ المُحَدِّثُ أَبُو حَامِدٍ، وَحَفِيْدُهُ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَالضِّيَاءُ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَالدِّمْيَاطِيُّ، وَعِيْسَى بنُ يحيى السبتي، والتاج بن أَبِي عَصْرُوْنَ، وَعَلِيُّ بنُ بَقَاءٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سليمان المشهدي، وأخوه عبد الرحمن، وَجَمَالُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ ابْنُ السَّقَطِيِّ، وَأَبُو نَصْرٍ ابْنُ الشِّيْرَازِيِّ، وَأَبُو سَعِيْدٍ سُنْقَرُ القَضَائِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَصَارَ شَيْخاً لِلصُّوْفِيَّةِ بِرِبَاطِ الخَاتُونِيِّ، وَبِجَامِعِ الفِيَلَةِ، وَأَمَّ بِالسُّلْطَانِ المَلِكِ الأَفْضَلِ عَلِيٍّ بِدِمَشْقَ مُدَّةً، وَكَانَ كَيِّساً، مُتَوَاضِعاً، ثِقَةً، لَدَيهِ فَضِيْلَةٌ.
تُوُفِّيَ بالرباط المجاور للسيدة نفيسة في ثالث عشرة شوال سنة أربعين وست مائة.(16/329)
5755- ابن شفنين 1:
الشَّرِيْفُ الأَجْلُّ المُسْنِدُ أَبُو الكَرَمِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي عِيْسَى بنِ المُتَوَكِّلِ عَلَى اللهِ جَعْفَرٍ ابْنِ المُعْتَصِمِ، القُرَشِيُّ، العَبَّاسِيُّ، المُتَوكِّلِيُّ، البَغْدَادِيُّ، عُرِفَ بِابْنِ شُفنِيْنَ، وَهُوَ لَقَبٌ لِعُبَيْدِ اللهِ.
مَوْلِدُهُ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
أَجَازَ لَهُ: أَبُو بَكْرٍ ابْنُ الزَّاغُوْنِيِّ، وَنَصْرُ بنُ نَصْرٍ الوَاعِظُ، وَأَبُو الوقت السجزي، ومحمد ابن عُبَيْدِ اللهِ الرُّطَبِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ العَبَّاسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بن أحمد ابن التُّريكيِّ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَمِّهِ؛ أَبِي تَمَّامٍ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ أَحْمَدَ، وَيَحْيَى بنِ السَّدَنْكِ، وَكَانَ صَدْراً، مُعَظَّماً، فَاضِلاً، حَسَنَ الطّرِيقَة. أَثْنَى عَلَيْهِ ابن النجار وغيره.
روى عَنْهُ: مَجْدُ الدِّيْنِ ابْنُ العَدِيْمِ، وَجَمَالُ الدِّيْنِ الشَّرِيْشِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: العِمَادُ ابْنُ البَالِسِيِّ، وَالمُطَعِّمُ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ النَّجدِيُّ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ ابْنِ الرَّضِيِّ، وابن الشحنة، وجماعة.
تُوُفِّيَ فِي رَابعِ رَجَبٍ، سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: الزَّينُ أَحْمَدَ بنُ عَبْدِ المَلِكِ المَقْدِسِيُّ النَّاسخُ، وَالصَّاحِبُ مُقَدَّمُ الجُيُوْشِ كَمَالُ الدِّيْنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ بنِ حَمُّوَيْه الجُوَيْنِيُّ ابْنُ الشَّيْخِ بِغَزَّةَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ إبراهيم بن بكرات الخُشُوْعِيُّ، وَالمُحَدِّثُ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُمَرَ ابْنِ الدُّردَانَةِ الحَرْبِيُّ، وَالملكُ الحَافِظُ صَاحِبُ جَعْبَرَ، وعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مَكِّيّ بنِ كَرْسَا البَغْدَادِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بن عبد المنعم ابن النقار العمادي الكَاتِبُ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ أَبِيْهِ الصَّالِحيُّ، وَمَعَالِي بنُ سَلاَمَةَ الحَرَّانِيُّ العَطَّارُ، وَصَاحِبُ الغَرْبِ الرَّشِيْدُ المُؤْمِنِيُّ، وَالمُسْتَنْصِرُ بِاللهِ العباس، وَشَيْخُ القُرَّاءِ أَبُو عَلِيٍّ مَنْصُوْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ جَامِعٍ الضّرِيرُ، وَالزَّيْنُ يَحْيَى بنُ علي الحضرمي المالقي النحوي بدمشق.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 346"، وشذرات الذهب "5/ 209".(16/329)
5756- ابن يونس 1:
الشَّيْخُ العَلاَّمَةُ ذُو الفُنُوْنِ كَمَالُ الدِّيْنِ أَبُو الفَتْحِ مُوْسَى بنُ يُوْنُسَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ منعة ابن مَالِكٍ المَوْصِلِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ فِي سَنَةِ 551، وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِيْهِ، وَأَخَذَ العَرَبِيَّةَ عَنْ: يَحْيَى بنِ سَعدُوْنَ القُرْطُبِيِّ، وَبِبَغْدَادَ عَنِ: الكَمَالِ الأَنْبَارِيِّ، وَتَفَقَّهَ بِالنِّظَامِيَةِ عَلَى: السَدِيْدِ السَّلَمَاسِيِّ فِي الخِلاَفِ. وَكَانَ يُضْرَبُ المَثَلُ بِذَكَائِهِ وَسَعَةِ عُلُوْمِهِ.
اشْتُهِرَ اسْمُهُ، وَصَنَّفَ، وَدَرَّسَ، وَتَكَاثَرَ عَلَيْهِ الطَّلَبَةُ، وَبَرَعَ فِي الرِّيَاضِيِّ، وَقِيْلَ: كَانَ يُشغلُ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَنّاً بِحَيْثُ أَنَّهُ يَحُلُّ مَسَائِلَ "الجَامِعِ الكَبِيْرِ" لِلْحنفِيَّةِ، وَيَقْرَأُ عَلَيْهِ أَهْل الذِّمَّةِ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ، حَتَّى إِنَّ العَلاَّمَةَ الأَثِيْرَ الأَبْهَرِيَّ كَانَ يَجلسُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَحَتَّى أَنَّهُ فَضَّلَهُ عَلَى الغَزَّالِيِّ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ، وَهُوَ مِنْ تلاَمِيذتهِ: كَانَ شَيْخُنَا يَعْرِفُ الفِقْهَ وَالأَصْلَينِ، وَالخِلاَفَ، وَالمنطقَ، وَالطبيعِيَّ، وَالإِلَهِيَّ، وَالمَجْسِطِيَّ، وَأَقليدسَ، وَالهَيْئَةَ، وَالحسَابَ، وَالجبرَ، وَالمسَاحَةَ، وَالمُوْسِيْقَى، مَعْرِفَةً لاَ يُشَاركُهُ فِيْهَا غَيْرُه، وَكَانَ يُقْرِئُ "كِتَابَ سِيْبَوَيْهِ"، وَ"مُفَصّلَ الزَّمَخْشَرِيِّ"، وَكَانَ لَهُ فِي التَّفْسِيْرِ وَالحَدِيْثِ وَأَسْمَاءِ الرِّجَالِ يَدٌ جَيّدَةٌ، وَكَانَ شَيْخُنَا ابْنُ الصَّلاَحِ يُبَالِغُ فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَيُعظِّمهُ ... ، وَبَالَغَ ابْنُ خَلِّكَانَ، إِلَى أَنْ قَالَ: إلَّا أَنَّهُ كَانَ -سَامَحَهُ اللهُ- يُتَّهَمُ فِي دِيْنِهِ، لِكَوْنِ العُلُوْمِ العَقليَّةِ غَالِبَةً عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي أُصَيْبِعَةَ: لَهُ مصنفات في غاية الجودة. وقيل: كان يَعرِفُ السِّيمِيَاءَ، وَلَهُ "تَفْسِيْرٌ" لِلْقُرْآنِ، وَكِتَابٌ فِي النُّجُوْمِ.
مَاتَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وست مائة.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 747"، والنجوم الزاهرة "6/ 342-344"، وشذرات الذهب "5/ 206، 207".(16/330)
5757- القبيطي 1:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ الثِّقَةُ مُسْنِدُ العِرَاقِ أَبُو طَالِبٍ عبد اللطيف بنُ أَبِي الفَرَجِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ حَمْزَةَ بنِ فَارِسٍ، ابْنُ القُبَّيْطِيِّ، الحَرَّانِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، التَّاجِرُ الجَوْهَرِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فِي شَعْبَانَ.
وَسَمِعَ مِنْ: جَدِّه عَلِيِّ بنِ حَمْزَةَ، وَالشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ الجِيْلِيِّ، وهبة الله ابن هِلاَلٍ الدَّقَّاقِ، وَأَبِي الفَتْحِ ابْنِ البَطِّيِّ، وَأَحْمَدَ بن المقرب، ويحيى بن ثابت، وأبي بكر بنِ النَّقُّوْرِ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: جَمَالُ الدِّيْنِ الشَّرِيْشِيُّ، وَتَقِيُّ الدِّيْنِ ابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَشَمْسُ الدِّيْنِ ابْنُ الزَّينِ، وَعِزُّ الدِّيْنِ الفَارُوْثِيُّ، وَعَلاَءُ الدِّيْنِ ابْنُ بَلْبَانَ، وَرَشِيدُ الدِّيْنِ ابْنُ أَبِي القَاسِمِ، وَعِمَادُ الدِّيْنِ ابْنُ الطَّبَّالِ، وَعِزُّ الدِّيْنِ ابْنُ البُزُوْرِيِّ، وَعَلِيُّ بنُ حُصَيْنٍ، وَسُنْقَرُ القَضَائِيُّ، وَتَاجُ الدين الغرافي، وعدة.
وَبِالإِجَازَةِ: أَبُو العَبَّاسِ ابْنُ الشِّحنَةِ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ البُخَارِيُّ، وَابْنُ العِمَادِ الكَاتِبُ، وَسِتُّ الفُقَهَاءِ بِنتُ الوَاسِطِيِّ.
وَقَدْ سَافرَ فِي التِّجَارَةِ مُدَّةً، وَكَانَ دَيِّناً، خَيِّراً، حَافِظاً لِكِتَابِ اللهِ، صَادِقاً، مَأْمُوْناً، لاَ يُحَدِّث إلَّا مِنْ أَصْلِهِ، وَكَانَ يَتَّجِرُ. تَكَاثَرَ عَلَيْهِ الطَّلَبَةُ. وَرَوَى الكَثِيْرَ، وَسَمِعَ "سُنَنَ ابْنِ مَاجَه" بِفَوتٍ، فَاتَهُ النِّصْفُ الأَوّلُ مِنَ الجُزْءِ الثَّانِي عَشَرَ: نِصْفَ جُزءِ مِنْ أَبِي زُرْعَةَ المَقْدِسِيِّ.
وَحَدَّثَ بِـ "المَقَامَاتِ" عَنِ ابْنِ النَّقُّوْرِ، وَحَدَّثَ بِكِتَابِ "المُسْتَنِيْرِ فِي القِرَاءاتِ" عَنِ ابْن المُقَرَّبِ، وَرَوَى "دِيْوَانَ المتنبِي"، عَنْ شَيْخٍ لَهُ؛ أَبِي البَرَكَاتِ الوَكِيْلِ، وَ"غَرِيْبَ أَبِي عُبَيْدٍ" عَنْ عَبْدِ الحَقِّ اليُوْسُفِيِّ، وَ"المُصَافحَةَ" لِلبَرْقَانِيِّ عَنْ شُهْدَةَ، وَ"مَغَازِي الأُمَوِيِّ" عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَنْصُوْرٍ المَوْصِلِيِّ، وَ"سُنَنَ الدَّارَقُطْنِيِّ" عَنْ عَبْدِ الحَقِّ، وَ"فَضَائِلَ القُرْآنِ لأَبِي عُبَيْدٍ" عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، وَأَشيَاءَ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 349".(16/331)
وَوَلِيَ مَشْيَخَةَ المُسْتَنْصِرِيَّةِ بَعْد أَبِي الحَسَنِ ابْنِ القَطِيْعِيِّ، ثُمَّ كَبِرَ فَأُعْفِيَ مِنَ الحُضُوْرِ، فَكَانَ يُحَدِّثُ بِمَنْزِلِهِ، وَقد بَعَثَ ابْنَ زَوجتِهِ بِمَالِهِ إِلَى المَغْرِبِ فَذَهَبَ المَالُ، وَبَقِيَتْ لَهُ دُوَيْرَاتٌ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، فِي شَهْرِ جُمَادَى الأُوْلَى.
وَقُبَّيْطٌ: حَلاَوَةٌ عَسَليَّةٌ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الأَزَجِيُّ ابْنُ البَنَّاءِ، وأبو العباس أحمد بن محمد بن محمد ابن المَنْدَائِيِّ، وَأَعَزُّ بنُ كَرَمٍ الحَرْبِيُّ الإِسكَافُ، وَحَمْزَةُ بنُ عُمَرَ بنِ عَتِيقِ بنِ أَوْسٍ الغَزَّالُ، وَعَبْدُ الحَقِّ بنُ خَلَفٍ الضِّيَاءُ الصَّالِحيُّ الحَنْبَلِيُّ، وَالمُخْلِصُ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي المَكَارِمِ بنِ هِلاَلٍ، وَأَبُو الوَفَاءِ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَبْدِ الحَقِّ ابْن الحَنْبَلِيِّ، وَعزّ الدين عثمان ابن أَسَعْدَ بنِ المُنَجَّى، وَعَمُّه القَاضِي شَمْسُ الدِّيْنِ عُمَرُ بنُ أَسْعَدَ وَكَرِيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الحَقِّ بِمِصْرَ، وَقَيْصَرُ بنُ فَيْرُوْزَ البوَّابُ، وَالمُحَدِّثُ مُحَمَّدُ بن محمد ابن محارب القيسي بالإسكندرية.(16/332)
5758- الصريفيني 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ المُحَدِّثُ الحَافِظُ الرَّحَّالُ تَقِيُّ الدِّيْنِ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد ابن الأزهر ابن أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ العِرَاقِيُّ، الصَّرِيْفِيْنِيُّ، الحَنْبَلِيُّ.
مَوْلِدُهُ بِصَرِيْفِيْنَ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: حَنْبَلٍ، وَابْنِ طَبَرْزَذَ بِإِرْبِلَ، وَمِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ الأَخْضَرِ وَطَبَقَتهِ بِبَغْدَادَ، وَمِنْ أَبِي اليُمْنِ الكِنْدِيِّ وَطَبَقَتِهِ بِدِمَشْقَ، وَمِنَ المُؤَيَّدِ الطُّوْسِيِّ وَزَيْنَبَ الشَّعْرِيَّةِ بِنَيْسَابُوْرَ، وَمِنْ أَبِي رَوْحٍ الهَرَوِيِّ بِهَرَاةَ، وَمِنْ عَلِيِّ بنِ مَنْصُوْرٍ الثَّقَفِيِّ بِأَصْبَهَانَ، وَمِنْ عَبْدِ القَادِرِ الرُّهَاوِيِّ بِحَرَّانَ، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَجَمَعَ وَأَفَادَ، وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ الحَدِيْثِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاءُ، وَابْنُ الحُلوَانِيَّةِ، وَمَجْدُ الدِّيْنِ ابْنُ العديم، والشيخ تاج الدين عبد الرحمن، وَأَخُوْهُ، وَالشَّيْخُ زَيْنُ الدِّيْنِ الفَارِقِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ ابن الخلال، والفخر بن عَسَاكِرَ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ المُنْذِرِيّ: كَانَ ثِقَةً، حَافِظاً، صَالِحاً، لَهُ جُمُوْعٌ حَسَنَةٌ لَمْ يُتِمَّهَا.
وَقَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: إِمَامٌ ثَبْتٌ وَاسِعُ الرِّوَايَةِ، سخِيُّ النَّفْسِ مَعَ القلّةِ، سَافرَ الكَثِيْرَ، وَكَتَبَ وَأَفَادَ، وَكَانَ يَرْجِع إِلَى ثِقَةٍ وورعٍ. وَلِيَ مَشْيَخَةَ دَارِ الحَدِيْثِ بِمَنْبِجَ، ثُمَّ سَكَنَ حَلَبَ فَولِيَ مَشْيَخَةَ الحَدِيْثِ الَّتِي لابْنِ شَدَّادٍ. سَأَلتُ الضِّيَاءَ عَنْهُ فَقَالَ: إِمَامٌ، حَافِظٌ، ثِقَةٌ، فَقِيْهٌ، حَسَنُ الصُّحْبَةِ.
قُلْتُ: ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى دِمَشْقَ، وَرَوَى بِهَا.
مَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ إِحْدَى وأربعين وست مائة، ودفن بسفح قاسيون.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1142"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 349، 350"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 209".(16/332)
5759- ابن أبي الفخار 1:
الشَّرِيْفُ المُعَمَّرُ أَبُو التَّمَّامِ عَلِيُّ ابنُ أَبِي الفخار هبة اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هِبَة اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ، البَغْدَادِيُّ، خَطِيْبُ جَامِعِ فَخْرِ الدِّيْنِ ابْنِ المُطَّلِبِ.
وُلِدَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ بنِ البَطِّيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ المُقَرَّبِ، وَأَبِي زُرْعَةَ المَقْدِسِيِّ، وَسَعْدِ اللهِ ابْنِ الدَّجَاجِيِّ، وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الحُلوَانِيَّةِ، وَابْنُ بَلْبَانَ، وَابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَأَبُو سَعِيْدٍ سُنْقُرُ القَضَائِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
وَبِالإِجَازَةِ: أَبُو المَعَالِي ابْنُ البَالِسِيِّ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ النَّاصِحِ بن عياش، وهدبة بِنْتُ مُؤْمِنٍ، وَجَمَاعَةٌ.
وَقَدْ حَدَّثَ بِجُزءينِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ المَادحِ أَحْمَدَ نُسْخَةَ مُحَمَّدِ بن السَّرِيِّ فِيمَا بَلَغَنِي، وَبِهِ خُتم السَّمَاعُ مِنِ ابْنِ المَادحِ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: كَانَ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ غَيْرَ طَيِّبٍ.
قُلْتُ: عَاشَ بَعْد هَذَا القَوْلِ مُدَّةً، وَلَعَلَّهُ صَلُحَ حَالُهُ.
مَاتَ فِي ثَانِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وست مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 349"، وشذرات الذهب "5/ 212".(16/333)
التسارسي، كريمة:
5760- التسارسي 1:
الشَّيْخُ أَبُو الرِّضَا عَلِيُّ بنُ زَيْدِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُفَرِّجٍ الجُذَامِيُّ التَّسَارَسِيُّ البَرْقِيُّ، ثُمَّ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، المَالِكِيُّ، الخَيَّاطُ، مِنْ أَصْحَابِ السِّلَفِيِّ.
رَوَى عَنْهُ: الدِّمْيَاطِيُّ، وَعِيْسَى السَّبْتِيُّ، وَنَصْرُ اللهِ بنُ عياش، والغرافي، وعبد الرحمن ابن جَمَاعَةٍ. تُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وست مائة.
5761- كريمة 2:
بِنْتُ المُحَدِّثِ العَدْلِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ عَلِيِّ بنِ الخَضِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بن علي، الشيخة، الصالحة، المعمرة، مسند الشَّامِ، أُمُّ الفَضْلِ القُرَشِيَّةُ، الأَسَدِيَّةُ، الزُّبَيْرِيَّةُ، الدِّمَشْقيَّةُ، وتعرف ببنت الحبقبق.
وُلِدْت سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعت أَجزَاءَ قَلِيْلَةً مِنْ: أَبِي يَعْلَى ابْنِ الحُبُوبِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الحَسَنِ الدَّارَانِيِّ، وَحَسَّانِ بنِ تَمِيْمٍ الزَّيَّاتِ، وَعَلِيِّ بنِ مَهْدِيٍّ الهِلاَلِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ الحَرَسْتَانِيِّ، وَتَفرّدتْ فِي الدُّنْيَا عَنْهُم، وَتَفرّدتْ بِإِجَازَةِ أَبِي الوَقْتِ السِّجْزِيِّ، فَرَوَتِ "الصَّحِيْحَ" غَيْرَ مَرَّةٍ، وَرَوَتْ بِالإِجَازَةِ عَنْ: مَسْعُوْدٍ الثَّقَفِيِّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الرُّسْتَمِيِّ، وَأَبِي الخَيْرِ البَاغْبَانِ، وَرَجَاءِ بنِ حَامِد، وَخَلْقٍ.
خَرَّجَ لَهَا زَكِيُّ الدِّيْنِ البِرْزَالِيُّ "مَشْيَخَةً" فِي ثَمَانِيَةِ أَجزَاء سَمِعْنَاهَا.
حَدَّثَ عَنْهَا خَلْقٌ كَثِيْرٌ، مِنْهُم: الضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَابْنُ هَاملٍ، وَأَبُو العَبَّاسِ ابْنُ الظَّاهِرِيِّ، وَخَدِيْجَةُ بِنْتُ غَنِيْمَةَ، وَخَطِيْبُ كفر بَطْنَا جَمَالُ الدِّيْنِ الدِّيْنَوَرِيُّ، وَالشَّرَفُ النَّاسخُ، وَالصَّدْرُ الأُرْمَوِيُّ، وَالقَاضِي الحَنْبَلِيُّ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الإِرْبِلِيُّ، وَعِيْسَى المُطَعِّمُ، وَسِتُّ القُضَاةِ بِنْتُ الشِّيْرَازِيِّ، وَبنتُ عمّهَا سِتُّ الفَخْرِ، وَأَخُوْهَا زَيْنُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَكَانَتِ امْرَأَةً صَالِحَةً جَلِيْلَةً، طَوِيْلَةَ الرّوحِ عَلَى الطلبَةِ، لاَ تَملُّ مِنَ الرِّوَايَةِ.
مَاتَتْ بِبستَانِهَا بِالميطورِ، فِي رَابِعَ عَشَرَ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1435"، والنجوم الزاهرة "6/ 349"، وشذرات الذهب "5/ 212".
2 ترجمتها في تذكرة الحفاظ "4/ 1434"، والنجوم الزاهرة "6/ 349"، وشذرات الذهب "5/ 212".(16/334)
علي بن محمد، عبد الملك، ابن محارب:
5762- علي بن محمد:
ابن علي بن مهران المفتي الكبير محيي الدين القرميسيني، ثم الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، الشَّافِعِيُّ، مِنْ كِبَارِ الأَئِمَّةِ.
رَوَى عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَوْفٍ، وَجَمَاعَةٍ.
وَتَفَقَّهَ بِهِ جَمَاعَةٌ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: الدِّمْيَاطِيُّ، وَالمُنْذِرِيُّ.
مَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
5763- عَبْدُ الملك 1:
ابن عَبْدِ الحَقِّ ابْنُ شَرَفِ الإِسْلاَمِ عَبْدُ الوَهَّابِ ابْنُ الشَّيْخِ أَبِي الفَرَجِ ابْن الحَنْبَلِيِّ، الفَقِيْهُ أَبُو الوَفَاءِ.
حَدَّثَ عَنِ: السِّلَفِيِّ "بِالأَرْبَعِيْنَ"، وَعَنْ أَحْمَدَ ابْنِ المَوَازِيْنِيِّ، وَأَمَّ زَمَاناً بِمَسْجِدِ الرَّمَّاحِيْنَ.
حَدَّثَنَا عَنْهُ: ابْنُ الخَلاَّلِ، وَابْنُ مُشَرِّفٍ، وَعَبْدُ الرحمن بنُ الإِسْفَرَايِيْنِيِّ.
مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ إحدى وأربعين وست مائة.
5764- ابن محارب:
الشَّيْخُ الإِمَامُ المُحَدِّثُ الرَّحَّالُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مُحَارِبٍ، القَيْسِيُّ، الغَرْنَاطِيُّ الأَصْلِ، الإِسْكَنْدَرَانِيُّ المَوْلِدِ.
وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، قَيَّدَهُ الأَبَّارُ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ، وَأَبِي الطَّاهِرِ بنِ عَوْفٍ وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَضْرَمِيِّ، وَعِدَّةٍ، وَبِمِصْرَ مِنْ هِبَةِ اللهِ البُوْصِيْرِيِّ، وَبِمُرْسِيةَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي حَمْزَةَ، وَبغَرْنَاطَةَ مِنَ القَاضِي عَبْدِ المُنْعِمِ ابْنِ الفَرَسِ، وَأَبِي جَعْفَرٍ أَحْمَدَ بنِ حَكَمٍ، وَأَجَازَ لَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ التَّادَلِيُّ مَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ عَتَّابٍ. وَكَانَ يذكرُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنَ السِّلَفِيِّ "الأَرْبَعِيْنَ" لَهُ، وَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ، فَحَدَّثَنِي ابْنُ رَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ الكَرِيْمِ الحَافِظَ أَرَاهُ أَصلَ سَمَاعِ ابْنِ مُحَارِبٍ بِالأَرْبَعِيْنَ مِنَ السِّلَفِيِّ، وَقَدْ كَانَ ابْنُ مُحَارِبٍ لَهُ عنَايَةٌ قَوِيَّةٌ بِالحَدِيْثِ وَإِتْقَانٌ، كتب وَحَصَّلَ الأُصُوْلَ وَطَالَ عُمُرُهُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ بنُ بَلْبَانَ، وَعَبْدُ المُؤْمِنِ الحَافِظُ، وَنَصْرُ اللهِ بنُ عَيَّاشٍ، وَالضِّيَاءُ عِيْسَى السَّبْتِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
اتَّفَقَ مَوْتُهُ وَموتُ كَرِيْمَةَ الزُّبَيْرِيَّةِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ إحدى وأربعين وست مائة.
وَمِنْ سِمَاعِهِ كِتَابُ "الشِّفَاءِ" لِلْقَاضِي عِيَاضٍ، سَمِعَهُ على ابن بلبان ورواه.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1435"، والنجوم الزاهرة "6/ 349"، وشذرات الذهب "5/ 212".(16/335)
5765- ابن حمويه 1:
الإِمَامُ الفَاضِلُ الكَبِيْرُ شَيْخُ الشُّيُوْخِ تَاجُ الدِّيْنِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ -وَيُدْعَى عَبْدَ السَّلاَمِ- ابْنُ الشَّيْخِ القُدْوَةِ أَبِي الفَتْحِ عُمَرَ بنِ عَلِيِّ ابْنِ القُدْوَةِ العَارِفِ مُحَمَّدِ بنِ حَمُّوَيْهِ الجُوَيْنِيُّ، الخُرَاسَانِيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، الصُّوْفِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ بِدِمَشْقَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنَ: الحَافِظِ أَبِي القَاسِمِ ابْنِ عَسَاكِرَ، وَجَمَاعَةٍ، وَبِبَغْدَادَ مِنْ فَخْرِ النِّسَاءِ شُهْدَةَ، وَدَخَلَ إِلَى المَغْرِبِ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ، فَأَقَامَ هُنَاكَ سَبْعَةَ أَعْوَامٍ، وَأَخَذَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ حَوْطِ اللهِ، وَطَائِفَةٍ. وَسَكَنَ مَرَّاكُشَ.
وَكَانَ فَاضِلاً مُؤرخاً أَديباً، لَهُ مَجَامِيْعُ، وَكَانَ ذَا تَوَاضُعٍ وَعِفَّةٍ، لاَ يَلتفتُ إِلَى أَوْلاَد أَخِيْهِ الأُمَرَاءِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: المُنْذِرِيُّ، وَالشَّيْخُ زَيْنُ الدِّيْنِ الفَارِقِيُّ، وأبو عبد الله ابْنُ غَانِمٍ، وَأَبُو عَلِيٍّ ابْنُ الخَلاَّلِ، وَالرُّكْنُ الطَّاوُوْسِيُّ وَالفَخْرُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَبِالحُضُوْرِ أَبُو المَعَالِي ابْن البَالِسِيِّ. وَكَانَ قَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ الملكِ يُوْسُفَ بنِ يَعْقُوْبَ بنِ عَبْدِ المُؤْمِنِ.
مَاتَ في خامس صفر، سنة اثنين وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: ظَافرُ ابْنُ شَحْمٍ المُطَرِّزُ، وَالقَاضِي الرَّفِيعُ، وَقَمَرُ بنُ بطَاحٍ البَقَّالُ، وَالنَّفِيْسُ مُحَمَّدُ بنُ رَوَاحَةَ، وَخَاطبٌ المِزِّيُّ، وَالنَّجْمُ حَسَنُ بنُ سَلاَّمٍ الكَاتِبُ.
أَوْلاَدُ أَخِيْهِ:
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1427"، والنجوم الزاهرة "6/ 350"، وشذرات الذهب "5/ 214".(16/336)
5766- العماد 1:
المَوْلَى الصَّاحِبُ شَيْخُ الشُّيُوْخِ أَبُو الفَتْحِ عُمَرُ ابْنُ شَيْخِ الشُّيُوْخِ صَدْرِ الدِّيْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ عِمَادِ الدِّيْنِ عُمَرَ بنِ حَمُّوَيْه.
وُلِدَ بِدِمَشْقَ سَنَةَ 581.
وَنَشَأَ بِمِصْرَ، وَسَمِعَ مِنَ: الأَثِيْرِ ابْنِ بنان، والشهاب الغزنوي، وَوَلِيَ بَعْد أَبِيْهِ تَدرِيسَ قُبَّةِ الشَّافِعِيّ، وَمشهدِ الحُسَيْنِ، وَمَشْيَخَةِ السَّعيديَة، وَكَانَ ذَا وَقَارٍ وَجَلاَلَةٍ وَفضلٍ وَحِشْمَةٍ، حضَرَ مَوْتَ الكَامِلِ، وَنَهضَ بِتَمليكِ دِمَشْقَ لِلْجَوَادِ، فَأَعْطَاهُ جَوْهَراً كَثِيْراً وَذَهَباً، وَسَارَ إِلَى مِصْرَ، فَلاَمَهُ العَادلُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: أَنَا أَرجعُ إِلَى دِمَشْقَ وَأَبعثُ بِالجَوَادِ إِلَيْك، وَإِنِ امْتَنَعَ أَقَمْتُ نَائِباً لَكَ بِدِمَشْقَ، فَقَدِمَ فَتلقَاهُ الجَوَادُ وَخضَعَ، فَنَزَلَ بِالقَلْعَةِ وَحكَمَ، وَقَالَ: أَنَا نَائِبُ صَاحِبِ مِصْرَ. وَقَالَ لِلْجَوَادِ: سِرْ إِلَى مِصْرَ، فَتَأَلَّمَ، وَأَضمرَ لَهُ الشَّرَّ، وَكَانَ العِمَادُ قَدِمَ مَرِيْضاً فِي مِحَفَّةٍ، فَقَالَ الجَوَادُ: اجعلونِي نَائِباً لَكُم، وَإِلاَّ سلّمتُ دِمَشْقَ إِلَى نَجْمِ الدِّيْنِ أَيُّوْبَ وَآخذُ مِنْهُ سِنْجَارَ. قَالَ: فَعَلتَهَا تُصلحُ بَيْنَ الأَخوينِ وَتبقَى أَنْتَ بِلاَ شَيْء.
قَالَ سَعْدُ الدِّيْنِ ابْن حَمُّوَيْه: خَرَجْنَا مِنْ مِصْرَ، فَودَّعَ العِمَادُ إِخْوَتَهُ، فَقَالَ لَهُ فَخْر الدِّيْنِ: مَا روَاحُكَ جَيِّداً رُبَّمَا آذَاكَ الجَوَادُ، قَالَ: أَنَا مَلّكتُهُ، قَالَ: فَارقتَه أَمِيْراً وَتعُوْدُ إِلَيْهِ ملكاً، فَكَيْفَ يَسمحُ لَكَ? فَانزلْ عَلَى طَبَرَيَّةَ وَكَاتِبْهُ، فَلَمْ يَقبلْ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ الجَوَادَ جَاءهُ صَاحِبُ حِمْص أَسَدُ الدِّيْنِ وَقَالَ لَهُ: إِنِ اتَّفَقَ العَادلُ وَأَخُوْهُ شَحَذْنَا فِي المخَالِي، ثُمَّ جَاءَ أَسَدُ الدِّيْنِ إِلَى العِمَادِ وَقَالَ: المصلحَةُ أَنْ تثنِيَ عزمَ العَادلِ عَنْ هَذَا، قَالَ: حَتَّى أَمضِيَ إِلَى بَرْزَةَ وَأُصَلِّيَ لِلاستِخَارَةِ، قَالَ: بَلْ تَهربُ مِنْهَا إِلَى بَعْلَبَكَّ. فَغَضِبَ، فَردّ أَسَدُ الدِّيْنِ إِلَى بَلَده، فَبَعَثَ الجَوَادُ يَقُوْلُ: إِنْ شِئْتَ فَاركَبْ وَتَنَزَّهْ، فَظَنَّ أَنَّ هَذَا عَنْ رِضَىً، فَلَبِسَ الخِلْعَةَ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِحصَانٍ، فَلَمَّا خَرَجَ إِذَا شَخْصٌ بِيَدِهِ قِصَّة، فَاسْتغَاثَ، فَأَرَادَ حَاجِبُهُ أَنْ يَأْخذَهَا، فَقَالَ: لِي مَعَ الصَّاحِبِ شُغْلٌ، فَقَالَ العِمَاد: دعُوْهُ، فَتَقَدَّم فَنَاوَلَهُ القِصَّةَ، وَيَضربه بِسِكِّيْنٍ بَدَّدَ أَمعَاءهُ، وَشَدَّ آخرُ فَضَرَبَه بِسِكِّيْنٍ فِي ظَهْرِهِ فَحُمِلَ إِلَى الدَّارِ مَيِّتاً، وَعَمِلَ الجَوَادُ مَحضراً أَنَّهُ مَا مَالَى عَلَى ذَلِكَ، فَجهّزنَاهُ وَخيَّطنَا جِرَاحَهُ، وَكَانَتْ لَهُ جَنَازَةٌ عَظِيْمَةٌ، فَدَفَنَّاهُ فِي زَاويَةِ سَعْدِ الدِّيْنِ بِقَاسِيُوْنَ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: قَفَزَ عَلَيْهِ ثَلاَثَةٌ دَاخِلَ القَلْعَةِ، وَكَانَ مِنْ بَيْتِ التَّصُوّفِ وَالإِمْرَةِ مِنْ أَعْيَانِ المُتَعصِّبِيْنَ لِلأَشعرِيِّ، قتل سنة ست وثلاثين.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "1/ 313، 314"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 181".(16/337)
الكمال، المعين، الفخر:
5767- الكمال 1:
هُوَ الصَّاحِبُ الجَلِيْلُ مُقَدَّمُ جُيُوشِ مِصْرَ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ ابْنُ صَدْرِ الدِّيْنِ أَبِي الحَسَنِ الشَّافِعِيُّ الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ بِدِمَشْقَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ طَائِفَةٍ، وَدَرَّسَ بِقُبَّةِ الشَّافِعِيّ، وَبِالنَّاصِرِيَّةِ، وَمَشْيَخَةِ الشُّيُوْخِ، وَدَخَلَ فِي المَمْلَكَةِ، وَكَانَ صَدْراً مُطَاعاً كَإِخْوَتِهِ، بَرَزَ بِالجُيُوْشِ لِمُضَايَقَةِ الصَّالِحِ أَبِي الخِيْشِ، فَأَدْرَكَهُ المَوْتُ بِغَزَّةَ، فَدُفِنَ بِهَا فِي صفر سنة أربعين وست مائة.
5768- المعين 2:
المَوْلَى الصَّالِحُ مُقَدَّمُ الجُيُوْشِ الأَمِيْرُ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ ابْنُ شَيْخِ الشُّيُوْخِ صَدْرِ الدِّيْنِ.
مَوْلِدُهُ بِدِمَشْقَ، سَنَةَ بِضْعٍ وَثَمَانِيْنَ.
وَتَقَدَّمَ فِي دَوْلَةِ الكَامِلِ، ثُمَّ عظمَ جِدّاً فِي أَيَّامِ الصَّالِحِ، وَوزَرَ لَهُ، ثُمَّ تَقَدَّمَ عَلَى جَيْش مِصْرَ، وَعَلَى الخُوَارِزْمِيَّةِ، وَنَازَلَ دِمَشْقَ إِلَى أَنْ أَخَذَهَا مِنَ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيْلَ، وَدَخَلَ إِلَى القَلْعَةِ، وَأَمرَ ونهى، ثم لم يمنع وَمَرِضَ بِالإِسهَالِ وَالدَّمِ، وَمَاتَ فِي الثَّانِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ كَهْلاً، وَدُفِنَ بِجَنبِ أَخِيْهِ العِمَادِ، فَكَانَ بَيْنَ حُصولِ الأُمْنِيّةِ وَحُضُوْرِ المَنِيَّةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَنِصْفٌ. وَكَانَ ذَا كَرَمٍ وَجُوْدٍ، وَكَانَ أَخُوْهُ فَخْر الدين مسجونًا.
5769- الفخر 3:
الصَّاحِبُ الكَبِيْرُ مَلِكُ الأُمَرَاءِ فَخْرُ الدِّيْنِ يُوْسُفُ ابْنُ شَيْخ الشُّيُوْخِ.
مولده بدمشق بعد الثمانين وخمس مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 345".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 352"، وشذرات الذهب "5/ 218".
3 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 363"، وشذرات الذهب "5/ 238"، 239".(16/338)
وَسَمِعَ مِنْ مَنْصُوْرٍ الطَّبَرِيِّ، وَالشِّهَابِ الغَزْنَوِيِّ.
وَحَدَّثَ، وَكَانَ صَدْراً مُعَظَّماً عَاقِلاً شُجَاعاً مَهِيْباً جَوَاداً خَلِيقاً لِلإِمَارَة، غضب عَلَيْهِ السُّلْطَانُ نَجْمُ الدِّيْنِ سنة أربعين وسجنه ثلاث سنين، وقاس شَدَائِدَ، ثُمَّ أَنْعَمَ عَلَيْهِ، وَوَلاَّهُ نِيَابَةَ المَمْلَكَةِ، وَكَانَ يَتَنَاوَلُ المسكرَ، وَلَمَّا تُوُفِّيَ السُّلْطَانُ، نَدَبُوا فَخْرَ الدِّيْنِ إِلَى السَّلْطنَةِ، فَامْتَنَعَ، وَلَوْ أَجَابَ لَتَمَّ لَهُ.
قِيْلَ: إِنَّهُ لَمَّا قَدِمَ مَعَ السُّلْطَانِ دِمَشْقَ، نَزَلَ فِي دَارِ سَامَة، فَدَخَلَ عليه الشيخ العمادي ابْنُ النَّحَّاسِ، فَقَالَ لَهُ: يَا فَخْرَ الدِّيْنِ، إِلَى كَمْ مَا بَعْد هَذَا شَيْء؟ فَقَالَ: يَا عِمَادَ الدِّيْنِ، وَاللهِ لأَسبقنَّكَ إِلَى الجَنَّةِ، فَصدَّقَ اللهُ قَوْلَهُ -إِنْ شَاءَ اللهُ، وَاسْتُشْهِدَ يَوْم وَقْعَة المَنْصُوْرَةِ.
وَلَمَّا مَاتَ الصَّالِحُ، نَهَضَ بِأَعبَاءِ الأَمْرِ، وَأَحْسَنَ، وَأَنفقَ فِي الجُنْدِ مائَتَيْ أَلفِ دِيْنَارٍ، وَبَطَّلَ بَعْضَ المكوسِ، وَرَكِبَ بِالشَّاوِيْشِيَّةِ، وَبَعَثَ الفَارِسَ أَقطَايَا إِلَى حصنِ كِيْفَا لإِحضَارِ وَلَدِ الصَّالِحِ المُعَظَّمِ تُوْرَانْشَاه، فَأَقدمَهُ، وَلَقَدْ هَمَّ تُوْرَانْشَاه بِإِمسَاكهِ لَمَّا رَأَى مِنْ تَمكُّنِهِ، فَاتَّفَقَ قصدُ الفِرَنْجِ وَزحفُهُم عَلَى الجَيْشِ فَتقهقرَ الجَيْشُ وانهزموا، فركب فخر الدِّيْنِ وَقتَ السّحرِ، وَبَعَثَ النُّقَبَاء وَرَاء المقدّمِين، وساق في طلبه، فحمل عله طَلب الدّيويَّة، فَتفلّل عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَجَاءتْهُ طعنةٌ، فَسَقَطَ وَقُتِلَ، وَنَهَبتْ مَمَالِيْكُهُ أَمْوَالَهُ، وَقُتِلَ مَعَهُ جمداره، وقتل عدة. ثم تناخى المسلمون، وحيل فَدُفِنَ بِالقَاهِرَةِ. قُتِلَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سبع وأربعين وست مائة.(16/339)
5770- ابن الخشوعي 1:
الشَّيْخُ زَكِيُّ الدِّيْنِ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ ابنُ أبي طاهر بركات بن إبراهيم بن طاهر الخُشُوْعِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ، وَكَانَ خَاتِمَةَ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي المَكَارِمِ بن هِلاَلِ. وَسَمِعَ مِنِ ابْنِ عَسَاكِرَ، وَأَبِي الفَهْمِ بنِ أَبِي العَجَائِزِ، وَأَبِي المَعَالِي بنِ صَابرٍ، وَعِدَّةٍ، فَأَكْثَر. وَلَهُ مَشْيَخَةٌ انتقَاهَا زَكِيُّ الدِّيْنِ البِرْزَالِيُّ.
رَوَى عَنْهُ الحَافِظُ الضِّيَاءُ وَقَالَ: مَا علمتُ فِيْهِ إلَّا الخَيْرَ، -وَابْنُ الحُلوَانِيَّةِ، وَالشَّيْخُ تَاجُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَمُحَمَّدُ بنُ محمد الكَنْجِيُّ، وَأَبُو عَلِيِّ ابْنُ الخَلاَّلِ، وَأَبُو الفَضْلِ الذَّهَبِيُّ وَالفَخْرُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَيُوْسُفُ بنُ عُبَادَةَ البَقلِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ البَقَّالِ، وَآخَرُوْنَ، وَلَهُ عِدَّةُ إِخْوَةٍ. مَاتَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ أربعين وست مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 346"، وشذرات الذهب "5/ 207".(16/339)
ابن سهل، ابن مقبل:
5771- ابن سهل:
العَلاَّمَةُ أَبُو الحَسَنِ سَهْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَهْلِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَالِكٍ الأَزْدِيُّ، الغَرْنَاطِيُّ.
سَمِعَ مِنْ: خَالِهِ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ عَرُوسٍ، وَخَالِ أُمِّهِ يَحْيَى بن عَروسٍ، وَابْنِ كَوْثَرٍ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ حُبَيْشٍ، وَابْنِ الجِدِّ، وَعِدَّةٍ.
قَالَ الأَبَّارُ: كَانَ مِنْ جِلَّةِ العُلَمَاءِ والأئمة البلغاء الخطباء، مع التفنن فِي العُلُوْمِ، وَكَانَ رَئِيْساً مُعَظَّماً جَوَاداً، امتُحِنَ وَغُرِّبَ إِلَى مُرْسِيةَ، فَسكنهَا مُدَّةً إِلَى أَنْ هَلَكَ المَلكُ ابْن هَوْدٍ، فَسُرِّحَ إِلَى بلدهِ. مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
وَمِمَّا قِيْلَ فِيْهِ:
عجباً لِلنَّاسِ تاهوا ... في بنيات المسالك
وضفوا بِالفَضْلِ قَوْماً ... وَهُمُ لَيْسُوا هُنَالِكْ
كَثُرَ الوَصْفُ وَلَكِنْ ... صَحَّ عَنْ سَهْلِ بنِ مَالِكْ
وَهُوَ القَائِلُ:
مُنَغَّصُ العَيشِ لاَ يَأْوِي إِلَى دعةٍ ... مَنْ كَانَ فِي بَلَدٍ أَوْ كَانَ ذَا وَلَدِ
وَالسَّاكنُ النَّفْسِ مَنْ لَمْ تَرْضَ هِمَّتُهُ ... سُكْنَى مَكَانٍ وَلَمْ يَسْكُنْ إِلَى أَحَدِ
5772- ابْنُ مقبل 1:
العَلاَّمَةُ قَاضِي القُضَاةِ عِمَادُ الدِّيْنِ أَبُو المَعَالِي عبد الرحمن بن مقبل بن حسين الواسطي، الشافعي.
وُلِدَ سَنَةَ سَبْعِيْنَ.
وَتَفَقَّهَ: بِابْنِ البوقِيِّ، وَعَلَى المُجِيْرِ البَغْدَادِيِّ، وَابْنِ فَضْلاَنَ، وَابْنِ الرَّبِيْعِ، وَبَرَعَ وَدَرَّسَ وَأَفتَى، وَوَلِيَ القَضَاءَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ، وَوَلِيَ تدرِيسَ المُسْتَنْصِرِيَّة سَنَة إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ، ثُمَّ عُزل مِنَ الكُلّ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَزِمَ بَيْتَهُ وَتعبَّدَ، وَتنسّك، ثُمَّ وَلِيَ مَشْيَخَةَ رِبَاطِ المرزبَانِيَّةِ، إِلَى أَنْ مَاتَ. حَدَّثَ عَنِ ابْنِ كُلَيْبٍ. وَكَانَ مِنْ عُقَلاَءِ الأَئِمَّةِ.
مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وثلاثين وست مائة.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 204".(16/340)
ابن عين الدولة، عبد الحق:
5773- ابن عين الدولة 1:
قَاضِي القُضَاةِ شَرَفُ الدِّيْنِ أَبُو المَكَارِمِ مُحَمَّدُ ابن القاضي الرشيد عَبْدِ اللهِ بنِ الحَسَنِ بن عَلِيِّ بنِ أبي القاسم بن صدقة الصَّفْرَاوِيِّ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، ثُمَّ المِصْرِيُّ، الشَّافِعِيُّ، عُرِفَ بِابْنِ عَيْنِ الدَّوْلَةِ.
مَوْلِدُهُ بِالثَّغْرِ، سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ.
وَقَدِمَ القَاهِرَةَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ، فَنَابَ عَنِ ابْنِ درْبَاسٍ، وَقَدْ وَلِيَ قَضَاءَ الثَّغْرِ مِنْ أَقَاربهِ ثَمَانِيَةٌ، ثُمَّ اسْتَقلَّ بِقَضَاءِ القَاهِرَةِ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ، ثُمَّ وَلِي قَضَاءَ الإِقْلِيْمِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَلَهُ فَقهٌ وَفَضَائِلُ وَنَظمٌ وَنَثرٌ مَعَ العِفَّةِ وَالنَّزَاهَةِ.
مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
5774- عَبْدُ الحَقِّ 2:
ابن خلف بن عبد الحق، الفَقِيْهُ، ضِيَاءُ الدِّيْنِ أَبُو مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيُّ، الصَّالِحيُّ، الحَنْبَلِيُّ، المُغَسِّلُ، إِمَامَ مَسْجِدِ الأَرْزَةِ، الَّذِي بِطرِيقِ الصَّالِحيَّةِ.
وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ تَقْرِيْباً.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَهْمِ بنِ أَبِي العَجَائِزِ، وَأَبِي الغَنَائِمِ بنِ صَصْرَى، وَأَحْمَدَ بن أَبِي الوَفَاءِ، وَأَبِي المَعَالِي بنِ صَابرٍ، وَعِدَّةٍ. وَلَهُ "مَشْيَخَةٌ".
رَوَى عَنْهُ: حَفِيْدُهُ العَدْلُ عِزُّ الدِّيْنِ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَسِبْطُهُ القَاضِي كَمَالُ الدِّيْنِ علي ابن أَحْمَدَ الحَنَفِيُّ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَالضِّيَاءُ، وَأَبُو عَلِيٍّ ابْنُ الخَلاَّلِ، وَالنَّجمُ ابْنُ الخَبَّازِ، وَالعزُّ أَحْمَدُ ابْنُ العِمَادِ، وَبِالحُضُوْرِ القَاضِي تَقِيُّ الدِّيْنِ.
قَالَ الضِّيَاءُ: دَيِّنٌ خَيِّرٌ.
وَقَالَ المُنْذِرِيّ: مَشْهُوْرٌ بِالصَّلاَحِ وَالخَيْرِ، عَجَزَ وَانقطَعَ.
تُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وأربعين وست مائة.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب "5/ 181، 182".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 349"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 211".(16/341)
ابن الحبير، ابن الناقد، الرفيع:
5775- ابن الحبير 1:
العَلاَّمَةُ المُفْتِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ مُظَفَّرِ بن عَلِيِّ بنِ نُعَيمٍ البَغْدَادِيُّ، الشَّافِعِيُّ، القَاضِي، عُرف بِابْنِ الحُبَيْرِ.
وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ عبد الصمد السلمي، وشهدة الكاتبة، ومحمد بنِ نَسيمٍ، وَأَبِي الفَتْحِ بنِ المَنِّيِّ، وَتَفَقَّهَ بِهِ، ثُمَّ تَحَوَّلَ شَافِعِيّاً، وَلَزِمَ المُجِيْرَ البَغْدَادِيَّ، وَتَأَدَّبَ عَلَى أَبِي الحَسَنِ ابْنِ العَصَّارِ.
حَدَّثَنَا عَنْهُ: تَاجُ الدِّيْنِ الغَرَّافِيُّ، وَكَانَ بَصِيْراً بِالمَذْهَبِ وَدَقَائِقِه، دَيِّناً عَابِداً، كَثِيْرَ التِّلاَوَةِ وَالحَجِّ وَالتَّهجُّدِ، وَلَهُ بَاعٌ مَديدٌ فِي المُنَاظَرَةِ، وَنَابَ فِي القَضَاءِ عَنِ ابْنِ فَضْلاَنَ، ثُمَّ دَرَّسَ بِالنِّظَامِيَّةِ، فِي سَنَةِ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ. مَاتَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
5776- ابن الناقد 2:
الوَزِيْرُ المُعَظَّمُ نَصِيْرُ الدِّيْنِ أَبُو الأَزْهَرِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ البَغْدَادِيُّ.
قرَأَ النَّحْوَ وَتَعَانَى الكِتَابَةَ، وَتَنقَّلَ، وَكَانَ أَخَا الخَلِيْفَةِ الظَّاهِرِ مِنَ الرَّضَاعِ.
تولَّى أُسْتَاذَ دَارِيَةِ الخِلاَفَةِ، ثُمَّ وزر سنة يسع وعشرين وست مائة، وَكَانَ فِي مَبْدَئِهِ كَثِيْرَ التَّعَبُّدِ وَالتِّلاَوَةِ، وَتَعَلَّلَ بِأَلَمِ المفَاصلِ، فَعَجِزَ عَنِ الحَرَكَةِ، فَاسْتَنَابَ مَنْ يُعَلِّمُ عَنْهُ، وَحضرَ يَوْم بَيْعَةِ المُسْتَعْصِمِ فِي مِحَفَّةٍ وَجَلَسَ لأَخْذِ البَيْعَةِ، وَبَقِيَ عَالِي الرُّتبَةِ إِلَى أَنْ مَاتَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وست مائة.
5777- الرفيع 3:
العَلاَّمَةُ الأُصُوْلِيُّ الفَيْلَسُوْفُ رَفِيْعُ الدِّيْنِ قَاضِي القُضَاةِ أَبُو حَامِدٍ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الجِيْلِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
كَانَ قَدْ أَمْعَنَ فِي عِلْمِ الأَوَائِلِ، وَاظلَمَّ قَلْبُهُ وَقَالبُهُ، وَقَدِمَ دمشق وتصدر، ثم ولي قضاء
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب "5/ 205".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 350".
3 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 350، 351"، وشذرات الذهب "5/ 214، 215".(16/342)